Professional Documents
Culture Documents
حكمة بالغة
اإلعالن عن علم الحكمة في القرآن الكريم
تأويل إصطالحي
تأليف
5341ه – 9153م
حكمة بالغة
حكمة بالغة
اإلعالن عن علم الحكمة في القرآن الكريم
تأويل إصطالحي
تأليف
5
حكمة بالغة
حكمة بالغة
9
حكمة بالغة
[ القمر] 5 :
4
حكمة بالغة
اإلهداء
فأشغلوا به نهاراتهم
3
حكمة بالغة
المقدمة
إن الحمد هلل ،نحمده ونستعينه ،ونستغفره .ونعوذ باهلل من شرور أنفسنا ،ومن
سيئات أعمالنا ،من يهده اهلل فال مضل له ،ومن يضلل فال هادي له.
وأشهد أن ال إله إال اهلل وحده ال شريك له ،وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
ق ِم ْنها َزو َجها وَب َّ ٍ ِ ٍ ِ َِّ الن ُ َّ } َيا أَُّيهَا َّ
ث اس اتقُوا َرَّب ُك ُم الذي َخلَقَ ُك ْم م ْن َن ْفس َواح َدة َو َخلَ َ َ ْ َ َ
َّ ِ َّ َِّ ِم ْنهُ َما ِر َجاال َكثِ ا
ون بِه َو ْاْل َْر َح َام إِ َّن اللهَ َك َ
ان َعلَ ْي ُك ْم ير َونِ َساء َواتَّقُوا اللهَ الذي تَ َس َ
اءلُ َ
َرِقيبا {[ ،النساء.]2 :
صلِ ْح لَ ُك ْم أ ْ
َع َمالَ ُك ْم ِ
َسديدا (ُ )00ي ْ اللَّهَ َوقُولُوا قَ ْوال ين َآ َم ُنوا اتَّقُوا َِّ
أَُّيهَا الذ َ } َيا
فَ ْو از َع ِظيما {[ ،االحزاب– 00 : َوَر ُسولَهُ فَقَ ْد فَ َاز ِ َّ
وب ُك ْم َو َم ْن ُيط ِع اللهَ
ُذ ُن َ َوَي ْغ ِف ْر لَ ُك ْم
.]02
أما بعد:1
1
ما تقدم هو خطبة الحاجة سنة نبوية ،كان النبي صلى اهلل عليه وآله وسلم يعلمها ْلصحابه .أنظر :أبو داود سليمان بن االشعث
السجستاني" :سنن أبي داود" ،تحقيق عزت عبيد الدعاس ،ط ،2دار الكتب العلمية ،بيروت 2831 ،ه ،)1223( ،سكت عنه [وقد قال
في رسالته ْلهل مكة كل ما سكت عنه فهو صالح[ ،النسائي" :المجتبى من السنن" ،المسمى ب (سنن النسائي) ،بيت االفكار الدولية،
االردن ،بدون تاريخ ،باب :كيفية الخطبة ،حديث (] ،)2101فيه] أبو عبيدة لم يسمع من أبيه شيئا ،ص ،265البيهقي (المتوفى:
153هـ)" :السنن الكبرى" ،دار المعرفة ،بيروت 2128 ،ه ،261 /0 ،غير مرفوع ،اْل صبهاني" :حلية اْلولياء" ،تحقيق مصطفى عبد
القادر عطا ،ط ،1دار الكتب العلمية ،بيروت 2118 ،ه( ،103/0 ،تفرد به عفان عن شعبة) ،النووي" :اْلذكار المنتخبة من كالم
سيد اْلبرار" ،ط ،2مكتبة المؤيد 2103 ،ه ،ص ،855إسناده صحيح ،اْللباني" :ظالل الجنة في تخريج السنة البن أبي عاصم"،
1
حكمة بالغة
يعد القرآن الكريم كتاب الحكمة االسالمية اْلول ،واالساس الذي تستمد منه
القيم االسالمية ،وهو الصراط المستقيم ،والقسطاس القويم الذي يعتمد عليه العقل
المسلم في فهم ما كان وما يكون وما سيكون ،وبه قام المؤمنون أم ار ونهيا طاعة
قدم القرآن الكريم شبكه هائلة مترابطة من المفاهيم المتعلقة باالبعاد
وقربة هلل سبحانهّ .
الكبرى :التوحيد والنبوة والمعاد ،وعلوم الفقه واالحكام والتاريخ والقصص والمستقبليات
وغيرها ،ولذلك فهو المصدر اْلول لعلم الحكمة االسالمية وللعقل المسلم في مناقشة
كل القضايا التي تعترضه.
في هذا الكتيب الموسوم" :حكمة بالغة :اإلعالن عن علم الحكمة في القرآن
الكريم :مقاربة إصطالحية" نعلن ،وربما ْلول مرة ،عن علم جديد من علوم القرآن
الكريم ،والذي اصطلحنا على تسميته ب(علم الحكمة القرآنية) لينضم إلى بقية العلوم
القرآنية ،ولكي يندفع المتخصصون في الدراسات القرآنية باتجاه المزيد من الكشوفات
العلمية في مجال الحكمة القرآنية.
وهذا العلم ،أي (علم الحكمة القرآنية) متفرع باْلصل عن العلم الذي ٍأسميناه
ب(علم الحكمة اإلسالمية) ،إذ يعد كتاب" :العروة الوثقى :مدخل إلى علم الحكمة
2
أول كشف ع لمي لهذا العلم ،ومن ثم أعقبته المحاولة الثانية في كتابنا اإلسالمية"
الموسوم" :شرعة ومنهاج :أصول المنهج العلمي في علم الحكمة ٍ
اإلسالمية".3
الهدف الرئيس لعلم الحكمة القرآنية أن يقدم التصور اآلتي :القرآن الكريم كله
علم وكله حكمة ،ومن ثم يتعين على المتخصصين إعادة اكتشاف علوم جديدة في
ط ،2المكتب االسالمي ،بيروت 2100 ،ه ،ص ( ، 155الحديث صحيح) ،اْللباني" :خطبة الحاجة :التي كان رسول اهلل صلى اهلل
عليه وسلم يعلمها أصحابه" ،ط ، ،2مكتبة المعارف للنشر والتوزيع ،الرياض 1000 – 2112 ،م ،ص .8
2
ط ،2دار ناشري للنشر اْلليكتروني ،الكويت 2181 ،ه ـ 1028 -م.
3
ط ،2دار ناشري للنشر االليكتروني ،الكويت 2185 ،ه ـ 1021 -م.
6
حكمة بالغة
القرآن الكريم بما يساهم في عملية تجديد الدراسات القرآنية ،ودفعها إلى مزيد من
اإلنتاج العلمي.
نسأل اهلل سبحانه أن يجعل كل ذلك خالصا لوجهه الكريم ،وأن ينفع به الناس
كافة.
/11شوال 2185/ه
1021/3/15م
7
حكمة بالغة
() 5
مدخل
توحيد اهلل سبحانه واخالص العبادة له القضية اْلساسية التي جاء بها القرآن
عدد َولَ ِكن من طَ ِريق انه َال شريك لَهُ لم يلد الكريم .فاهلل تَعالَى و ِ
احد َال من طَ ِريق ا ْل َ َ َ
َولم ُيولد َولم يكن لَهُ كفوا أحد .وهو َال يشبه َشيء من ْاْلَ ْشَياء من خلقه َوَال ُيشبههُ
4 َشيء من خلقه لم يزل وَال َيزال بأسمائه و ِ
صفَاته. َ َ ْ
ويبدأ الحديث عن التوحيد في القرآن الكريم منذ أول سورة فيه ،أي سورة
ين ِ الر ِح ِيم ()2ا ْل َح ْم ُد لِلَّ ِه َر ِّ الر ْح َم ِن َّ الفاتحة .فقد قال اهلل تعالى { :بِ ْسِم اللَّ ِه َّ
ب ا ْل َعالَم َ
ين ( )5ٱ ْه ِدَنا ِ
ك َن ْستَع ُ ك َن ْع ُب ُد َوِاَّيا َين (ِ )1إَّيا َ الر ِح ِيم (َ )8مالِ ِك َي ْوِم ِّ
الد ِ الر ْح َم ِن َّ(َّ )1
وب َعلَ ْي ِهم وَال َّ ِّ ض ِ ص ار َ َِّ
ِ ِ
ين
الضال َ ْ َ ت َعلَ ْي ِه ْم َغ ْي ِر ا ْل َم ْغ ُ ين أ َْن َع ْم َ
ط الذ َ يم (َ )6 ط ا ْل ُم ْستَق َ
ِّر َ
الص َا
([ })0الفاتحة.] 0-2 :
أنه لن يملك أحد ذلك اليوم إال هو جل شأنه .ولذلك فله وحده العبادة { ،إَِّيا َ
ك َن ْع ُب ُد
4
ينسب ْلبي حنيفة النعمان بن ثابت بن زوطي بن ماه (المتوفى250 :هـ) :الفقه اْلكبر (مطبوع مع الشرح الميسر على الفقهين
اْلبسط واْلكبر المنسوبين ْلبي حنيفة تأليف محمد بن عبد الرحمن الخميس) ،ط ،2مكتبة الفرقان -اإلمارات العربية2121 ،هـ -
2111م ،ص .21
8
حكمة بالغة
} ،والتوحيد ،وبه وح ده االستعانة سبحانه .ولذلك نسأله سبحانه الهداية إلى الصراط
المستقيم ،أي دين االسالم .وأن يجنبنا طريق الذين غضب عليهم والذين ضلوا
5
الصراط المستقيم أيضا.
2
حكمة بالغة
السبِيل والمملوك من اإل ْح َسان ل ْل َجار واليتيم والمسكين َو ْابن َّ ين و ِْ ِِ
َعن ا ْل ُمنكر َ ..وا ْل ُمَنافق َ َ
ك حب اهلل ادةَ ،و َك َذِل َ
اءة وأمثال َذلِك من ا ْل ِعَب َ ِ ْاآل َد ِمّيين والبهائم و ُّ
الد َعاء َوالذكر َوا ْلق َر َ َ
َّبر لحكمه و ُّ
الش ْكر لنعمه وَر ُسوله وخشية اهلل واإلنابة إِلَ ْي ِه واخالص َّ
الدين لَهُ َوالص ْ
َ َ
ضائِ ِه والتوكل َعلَ ْي ِه والرجاء لِ َر ْح َمتِ ِه َوا ْل َخ ْوف من َع َذابه وأمثال َذلِك ِه َي من ضا بِقَ َ
الر َ
َو ِّ
ا ْل ِعَب َ
7
ادة هلل".
اسالن ُلعبوديته ،فقد قال تعالىَ { :يا أَُّيهَا َّ ولذلك أمر اهلل سبحانه باالستجابة
َِّ َّ ين ِم ْن قَْبلِ ُك ْم َِّ َِّ
ض ون ( )12الذي َج َع َل لَ ُك ُم ْاْل َْر َ لَ َعل ُك ْم تَتَّقُ َ اع ُب ُدوا َرَّب ُك ُم الذي َخلَقَ ُك ْم َوالذ َ
ْ
َخرج بِ ِه ِمن الثَّمر ِ
ات ِرْزقا لَ ُك ْم فَ َال تَ ْج َعلُوا ِفراشا والسَّماء بَِناء وأ َْن َز َل ِمن السَّم ِ
َ ََ فَأ ْ َ َ اء َماء َ َ َ َ َ َ َ
ون ([ } )11البقرة.] 11 -12 : َِّ ِ
لله أ َْن َدادا َوأ َْنتُ ْم تَ ْعلَ ُم َ
ولذلك يبنغي أن نقول أن أجل علم أخذ عن اْلنبياء عليهم الصالة والسالم
معرفة اهلل تعالى وعلم ذاته وصفاته وأفعاله ،وذلك علم يختص باْلنبياء عليهم
الصالة والسالمْ ،لنه علم ليست له وسائل أو اآلت ،أو تجارب عند البشر ،وال
7
تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السالم بن عبد اهلل بن أبي القاسم بن محمد ابن تيمية الحراني الحنبلي الدمشقي
(ت 013هـ)" :العبودية" ،تحقيق :محمد زهير الشاويش ،الطبعة السابعة المجددة ،المكتب اإلسالمي – بيروت2116 ،هـ 1005 -م،
(هذه الرسالة مطبوعة أيضا ضمن "مجموع الفتاوى" ،211/20وفي "الفتاوى الكبرى" ،)255/5ص .11
8
محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب اآلملي ،أبو جعفر الطبري (ت 820هـ) :جامع البيان في تأويل القرآن" ،تحقيق أحمد
محمد شاكر ،ط ،2مؤسسة الرسالة 2110 ،هـ 1000 -م.861 /2 ،
51
حكمة بالغة
يتناوله القياس أو يستفاد بالفطنة والذكاء ،فاهلل تعالى منزه عن مشابهة اْلشباه
والنظائر ،وهو بعيد عما عرفه البشر من عالم الحس والتجربة .علم التوحيد هو
أجمل علم وقف عنده االنسانْ ،لنه االساس للعقائد واالخالق والمدنية وهو الذي به
يعرف االنسان نفسه ،ويفك لغز الكون ويكشف عن سر الحياة ،وبه يعرف االنسان
مركزه في هذا الكون ،ويضع منهاج حياته ،ويحدد غاياته في ثقة وبصيرة ،ووضوح
9
ويقين.
وقد تضمنت سورة الفاتحة اإلشارة إلى (الصراط المستقيم) ،وقد ذكر الطبري في
تأويله عن عبد اهلل بن عباس أنه قال :قال جبريل لمحمد صلى اهلل عليه وآله وسلم:
يم } .يقول :ألهمنا الطريق الهادي .والهامه ِ " قل ،يا محمد { ٱ ْه ِدَنا الص َا
ِّرطَ ا ْل ُم ْستَق َ
ينْ } ،في أنه َمسألةُ ِ نظير معنى قوله { :إَِّيا َ
ك َن ْستَع ُ إياه ذلك ،هو توفيقه له .ومعناه ُ
أمره به
التوفيق للثبات على العمل بطاعته ،واصابة الحق والصواب فيما َ َ العبد رَّبه
ونهاه عنه ،فيما َيستَقبِ ُل من ُع ُمره ،دون ما قد مضى من أعماله .كما في قوله{ :
ين } ،مسألةٌ منه رَّبه المعونةَ على أداء ما قد كلَّفه من طاعته ،فيما بقي ِ
ك َن ْستَع ُِإَّيا َ
وحدك ال شريك لك ،مخلصين لك نعبد َاللهم إياك ُ
ّ فكان معنى الكالم:
َ من ُع ُمره.
العبادةَ دون ما ِسواك من اآللهة واْلوثانِ ،
فأعَّنا على عبادتك ،ووفِّقنا لما تحب َ
10
وترضى.
الناس ي ُخوضون ِفي اْلَح ِاد ِ ِ ال :مرر ُ ِ ِ
يث َ الم ْس ِجد َفِإ َذا َّ ُ َ ُ َ ت في َ الح ِارث ،قَ َ َ َ ْ َع ْن َ
اضوا ِفي اس قَ ْد َخ ُ َن َّ
الن َ ين ،أ ََال تََرى أ َّ ِ
الم ْؤ ِمن َ
ِ
تَ :يا أَم َير ُ ت َعلَى َعلِ ٍّي ،فَ ُق ْل ُ فَ َد َخ ْل ُ
صلَّى ت رس َ َّ ِ
ول الله َ
ِ
َما إِِّني قَ ْد َسم ْع ُ َ ُ تَ :ن َع ْم .قَا َل :أ َ وها؟ ُق ْل ُ اْل ِ ِ
َحاديث ،قَا َلَ :وقَ ْد فَ َعلُ َ َ
الم ْخ َرُج ِم ْنهَا َيا َر ُسو َل اللَّ ِه؟
تَ :ما َ ون ِفتَْنةٌ» .فَقُ ْل ُ ِ َّ
اللهُ َعلَ ْيه َو َسل َم َيقُو ُل« :أَ َال إَِّنهَا َستَ ُك ُ
َّ
9
أبو الحسن الحسني الندوي " :العقيدة والعبادة والسلوك في ضوء الكتاب والسنة والسيرة النبوية" ،ط ،1دار القلم ،الكويت 2108 ،ه –
2138م ،ص .50
10
تفسير الطبري.266/2 ،
55
حكمة بالغة
11محمد بن عيسى بن َس ْورة بن موسى بن الضحاك ،الترمذي ،أبو عيسى (ت 101هـ)" :سنن الترمذي" ،تحقيق وتعليق :أحمد محمد
شاكر (جـ )1 ،2ومحمد فؤاد عبد الباقي (جـ )8وابراهيم عطوة عوض المدرس في اْلزهر الشريف (جـ ،)5 ،1ط ،1شركة مكتبة
ومطبعة مصطفى البابي الحلبي -مصر 2815 ،هـ 2105 -م ،201 /5 ،حديث ( ،)1601وقارن مع تفسير القرطبي.5/2 ،
12
سنن الترمذي ،102 /5 ،حديث ( ،)1158وقارن :مع القرطبي ( ت 602ه)" :الجامع ْلحكام القرآن = تفسير القرطبي" ،تحقيق
:أحمد البردوني وابراهيم أطفيش ،ط ،1دار الكتب المصرية -القاهرة 2831 ،هـ 2161 -م .11 /2 ،
59
حكمة بالغة
ُصلِّي ،قَا َل " :أَلَ ْم َي ُق ِل اللَّهُ: تأ َ ول اللَّ ِه إِِّني ُك ْن ُ تَ :يا َر ُس َ اهللُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم َفلَ ْم أُ ِج ْبهُُ ،ق ْل ُ
ورٍة ِفي القُ ْر ِ
آن قَْب َل ظ َم ُس َ
َع َ ك أْ ُعلِّ ُم َ
ال أ َ
ال« :أَ َ ول إِ َذا َد َعا ُك ْم؟ " ،ثَُّم قَ َ استَ ِج ُيبوا لِلَّ ِه ولِ َّلرس ِ
َ ُ ْ
ول اللَّ ِهِ ،إَّن َكتَ :يا َر ُس َ َن َن ْخ ُرَجُ ،ق ْل ُ أَن تَ ْخرج ِمن المس ِج ِد» ،فَأ َ ِ
َخ َذ بَِيديَ ،فلَ َّما أ ََرْدَنا أ ْ ْ َُ َ َ ْ
ِ ِ الح ْم ُد لِلَّ ِه َر ِّ ورٍة ِم َن القُ ْر ِ ُعلِّ َمَّن َ
ين ،ه َي الس َّْبعُ العالَم َ
ب َ آن» قَا َلَ « : َعظَ َم ُس َ ك أْ تَْ « :ل َ قُ ْل َ
14
يم الَِّذي أُوتِيتُهُ». المثَانِي ،والقُرآن ِ
العظ ُ َ ْ ُ َ َ
13
مسلم بن الحجاج أبو الحسن القشيري النيسابوري (المتوفى162 :هـ) " :المسند الصحيح المختصر بنقل العدل عن العدل إلى رسول
اهلل صلى اهلل عليه وسلم" المعروف ب (صحيح مسلم) ،تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي ،دار إحياء التراث العربي – بيروت ،بدون تاريخ،
،581 /2حديث (.)110
14
محمد بن إسماعيل أبو عبداهلل البخاري الجعفي" :الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم وسننه
وأيامه = صحيح البخاري" ،تحقيق محمد زهير بن ناصر الناصر،ط ،2دار طوق النجاة (مصورة عن السلطانية بإضافة ترقيم ترقيم
محمد فؤاد عبد الباقي)2111 ،ه[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع ،وهو ضمن خدمة التخريج ،ومتن مرتبط بشرحيه فتح الباري البن رجب
والبن حجر] ،مع الكتاب :شرح وتعليق د .مصطفى ديب البغا أستاذ الحديث وعلومه في كلية الشريعة -جامعة دمشق ،كالتالي :رقم
الحديث (والجزء والصفحة) في ط البغا ،يليه تعليقه ،ثم أطرافه ،230 /6 ،حديث (.)5006
54
حكمة بالغة
الحكمة في القرآن الكريم ،وبحسب ما ذهب إليه المفسرون ،تأتي في سياق إما
أن تكون هي الوحي نفسه ،أي القرآن الكريم أو السنة النبوية ،أو أن تكون الفهم
العقلي واالنساني الناتج عن التأمل في الوحي وتطبيقه .وبهذا يمكن أن نقول فهي
إصابة القرآن الكريم ،أي التحقق من المفهوم الدقيق لآلية القرآنية وصوال إلى أقرب
داللة للوحي من أجل أن يكون تطبيق هذه الداللة في الواقع المنظور تطبيقا
صحيحا.
وقد أجاب الشافعي في كتابه" :الرسالة" عن السؤال اآلتي :فَ َّإنا َن ِج ُد ِمن
أحاديث في القَُرآن ِم ْثلُها َنصًّا،
َ رسول اهلل صلى اهلل عليه وآله وسلمِ ِ
اْلحاديث َعن
أكثر ِم َّما في القَُرآن ،وأخرى ليس أخ َرى في القَُرآن مثلُها ُج ْملة ،وفي اْلحاديث منها َ
وْ
سوخة ،وأخرى وم ْن َ ِ ِ
منها شيء في القَُرآن ،وأخرى ُمتَفقَةٌ ،وأخرى ُم ْختلفةٌ :ناسخة َ
ناسخ وال منسوخ ،وأخرى فيها َن ْه ٌي ِلرسول اهلل، ٍ مختلفة :ليس فيها ِداللةٌ على
نه ٌي ،فتقولونَ :ن ْه ُيه وأمره علىعنه َح َرٌام ،وأخرى لرسول اهلل فيها ْ
فتقولون :ما َن َهى ْ
الم ْختَلِفة ِمن اْلحاديث دون بعض ُ
ِ
االختيار ال على التَّ ْحريم ،ثم َن ِج ُدكم تذهبون إلى ْ
بعضا ِ ِ بع ِ ِ بع ٍ
ياسكم عليها ،وتَ ْت ُركون ْ ض َحديثه ،ثم َي ْختَلف ق ُ يسون على ْ ض ،ونجدكم تَق ُ ْ
فال تَِقيسون عليه ،فَما ح َّجتُ ُكم في القياس وتَرِكه؟ ثم ت ْفتَ ِرقون بعد ذلكِ :
فمن ُك ْم َم ْن ْ َ ُ ْ
إسنادا ِمنه .فأجاب الشافعي: ف َْض َع َ
ك وأ ْ ْخذ بمثل الذي تََر َ ويأ ُ
الشيء َ
َ َيتْ ُرك ِمن حديثه
كتاب اهلل في َ
كل ما س َّن رسو ُل اهلل مع ِكتاب اهلل ِمن ٍ
سنة فهي ُم َو ِافقة ََ َ
فقلت لهُّ : ُ
ِ ِ الج ْملة بالتَّْب ِي ِ ِّ ِ ِ ِ
الج ْملة.
أكثر تَ ْفسي ار من ُ التبيين يكون َ
ين َعن اهلل ،و ُ النص بِم ْثله ،وفي ُ
أم ِره تَِب ْعَناه .وأما
عامة في ْ كتاب اهلل فبِفرض اهلل طاعتَه َّ نص ِ وما َس َّن ِم َّما ليس فيه ُّ
53
حكمة بالغة
ت
كتب ُ
بعض ما ْ
َ رسول اهلل تُْن َس ُخ بِسنتِه .وَذ َك ْر ُ
ت له ِ أم ِره ،وكذلك سنةُ
كتابه عامة في ْ
15
ت.ص ْف ُ ِ ِ
إيضاح ما َو َ
في كتابي َقْب َل هذا من َ
وهذه الحكمة تامة كاملة ْلنها حكمة إلهية .وكمالها يأتي من كمال الدين
ت لَ ُك ْم ِد َين ُك ْم } [المائدة ،] 8 :وبهذا فالحكمة نفسه ،فقد قال اهلل تعالى { :ا ْلَي ْوَم أَ ْك َم ْل ُ
الزْه ِريُّ ،قَا َلَ :س ِم ْع ُ
ت َق ْي َس ْب َن أَبِي االسالمية موضع اغتباط اإلنسان المسلم ،فعن ُّ
15
الشافعي ( ت 101ه)" :الرسالة" ،تحقيق أحمد شاكر ،ط ،2مكتبه الحلبي ،مصر2853 ،هـ2110/م ،ص .120
16
البخاري" :الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم وسننه وأيامه = صحيح البخاري"،15 /2 ،
حديث (.)08
51
حكمة بالغة
56
حكمة بالغة
ق
اء؟ قَا َل« :اهللُ» ،قَا َل :فَ َم ْن َخلَ َ َّم َ
ق الس َ ق» ،قَا َل :فَ َم ْن َخلَ َ ص َد َ
ك ،قَا َلَ « : أ َْر َسلَ َ
ب َه ِذ ِه ا ْل ِجَبا َلَ ،و َج َع َل ِفيهَا َما َج َع َل؟ قَا َل: صَ ال« :اهللُ» ،قَا َل :فَ َم ْن َن َ ض؟ قَ َ ْاْل َْر َ
ك؟ال ،آللَّهُ أ َْر َسلَ َ
ب َه ِذ ِه ا ْل ِجَب َ
صَضَ ،وَن َق ْاْل َْر َاءَ ،و َخلَ َ
َّم َ
ق الس َ «اهللُ» ،قَا َلَ :فبِالَِّذي َخلَ َ
ات ِفي َي ْو ِمَناَ ،ولَْيلَتَِنا ،قَا َل:
َخمس صلَو ٍ
َْ ََ َن َعلَ ْيَنا ك أ َّقَا َلَ« :ن َع ْم» ،قَا َلَ :وَزَع َم َر ُسولُ َ
بِهَ َذا؟ قَا َلَ« :ن َع ْم» ،قَا َلَ :وَزَع َم َر ُسولُ َ
ك كَم َر َ ق» ،قَا َل :فَبِالَِّذي أَرسلَ َ َّ
ك ،آللهُ أ َ َْ ص َد َ
« َ
ك بِهَ َذا؟
َم َر َ ال :فَبِالَِّذي أَرسلَ َ َّ ِ ِ أ َّ
ك ،آللهُ أ َ َْ ق» ،قَ َ ص َد ََن َعلَ ْيَنا َزَكاة في أ َْم َوالَنا ،قَا َلَ « :
ان ِفي َسَنتَِنا ،قَا َل: ص ْوَم َش ْه ِر َرَم َ
ض َ َن َعلَ ْيَنا َ ك أ َّ قَا َلَ« :ن َع ْم» ،قَا َلَ :وَزَع َم َر ُسولُ َ
ك بِهَ َذا؟ قَا َلَ« :ن َع ْم» ،قَا َلَ :وَزَع َم َر ُسولُ َ
ك َم َر َ ق» ،قَا َل :فَبِالَِّذي أَرسلَ َ َّ
ك ،آللهُ أ َ َْ ص َد َ
« َ
ق» ،قَا َل :ثَُّم َولَّى ،قَا َل: اع إِلَ ْيه َسبِيال ،قَا َلَ « :
ص َد َ َن علَ ْيَنا ح َّج ا ْلب ْي ِت م ِن استَطَ َ ِ
ْ َ َ َ أ َّ َ
صلَّى اهللُ َعَل ْي ِه
النبِ ُّي َ ص ِم ْنهُ َّن ،فَقَ َ
ال َّ يد َعلَ ْي ِه َّنَ ،وَال أ َْنقُ ُ
قَ ،ال أ َِز ُ َب َعثَ َك بِا ْل َح ِّ َوالَِّذي
19
ق لََي ْد ُخَل َّن ا ْل َجَّنةَ».ص َد َ ِ َو َسلَّ َم:
«لَئ ْن َ
ول ِ ض لِرس ِ ِ
اهلل َع َاربًِّيا َع َر َ َ ُ وب أ َّ
َن أ ْ الَ :ح َّدثَني أ َُبو أَُّي َوسى ْب ُن طَ ْل َحةَ ،قَ َ وعن ُم َ
الَ :يا ط ِام َناقَتِ ِه -أَو بِ ِزم ِ
امهَا ثَُّم قَ َ َخ َذ بِ ِخ َ
صلَّى اهللُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم َو ُه َو ِفي َسفَ ٍر ،فَأ َ
ْ َ َ
اع ُدنِي ِم َن َّ
الن ِار، َخبِرنِي بِما يقَِّربنِي ِمن ا ْلجَّن ِة ،وما يب ِ ِ
َ َ َ َ َُ َ ُ ُ َر ُسو َل اهلل -أ َْو َيا ُم َح َّم ُد -أ ْ ْ
ق ،أ َْو ال« :لَقَ ْد ُوفِّ َ َص َحابِ ِه ،ثَُّم قَ َ ِ ِ َّ
صلى اهللُ َعلَ ْيه َو َسل َم ،ثَُّم َنظَ َر في أ ْ
النبِ ُّي َّ
َ ف َّقَا َل :فَ َك َّ
19
صحيح مسلم ،12 /2 ،حديث (.)20
20
نفسه ،11 /2 ،حديث (.)21
57
حكمة بالغة
ان بِ ِ
اهلل " ،ثَُّم فَس ََّرَها لَهُ ْم ،فَقَ َ
ال: يم ِ ِ ِ
آم ُرُك ْم بأ َْرَب ٍعَ ،وأ َْنهَا ُك ْم َع ْن أ َْرَب ٍعْ :اإل َ
اءَنا ،قَا َلُ " :َوَر َ
الزَك ِاةَ ،وأ َّ
َن اء َّ َّال ِة ،وِايتَ ِ ِ ِ َن َال إِلَهَ إِ َّال اهللُ َوأ َّ « َشه َ ِ
َن ُم َح َّمدا َر ُسو ُل اهللَ ،وِاقَام الص َ َ ادة أ ْ َ
ف ِفي الن ِق ِ
يرَ ،وا ْل ُمقََّي ِر» َز َاد َخلَ ٌ الدَّب ِ
اءَ ،وا ْل َح ْنتَِمَ ،و َّ تُ َؤُّدوا ُخ ُم َس َما َغنِ ْمتُ ْم ،وأ َْنهَا ُك ْم َع ِن ُّ
َ
21 اد ِة أَن َال إِلَه إِ َّال اهلل» ،وعقَ َد و ِ ِِ
اح َدة. ُ ََ َ َ ِرَو َايتهَ « :شهَ َ ْ
كما إن وهذه الحكمة القرآنية حكمة واضحة ظاهرة جلية ال لبس فيها وال إشكال،
ت :قَ أَر رسو ُل اللَّ ِه َّ َّ ِ ِ ٍ ِِ
صلى اهللُ َ فعن ا ْلقَاسم ْب ِن ُم َح َّمدَ ،ع ْن َعائ َشةَ َرض َي اللهُ َع ْنهَا ،قَالَ ْ َ َ ُ
ات } [آل ات ُم ْح َك َم ٌ اب ِم ْنهُ َآَي ٌ ِ َِّ ِ َّ ِ ِ
َعلَ ْيه َو َسل َم َهذه ْاآلَيةَ { ُه َو الذي أ َْن َز َل َعلَ ْي َك ا ْلكتَ َ
صلَّى اهللُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم «فَِإ َذا َّ ِ
ت :فَقَا َل َر ُسو ُل الله َ اب } قَالَ ْ عمران ]0 :إِلَى { أُولُو ْاْلَْلَب ِ
21
صحيح مسلم ،16 /2 ،حديث ( ،)18وانظر :نفسه ،10 /2 ،حديث (.)11
الس ِج ْستاني (المتوفى105 :هـ)" :سنن أبي داود"،
أبو داود سليمان بن اْلشعث بن إسحاق بن بشير بن شداد بن عمرو اْلزدي ِّ 22
تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد ،المكتبة العصرية ،صيدا – بيروت ،213/1 ،حديث (.)1513
58
حكمة بالغة
23
صحيح البخاري.210/6 ،
24
نفسه.210/6 ،
الترمذي" :سنن الترمذي".201/5 ،
25
52
حكمة بالغة
مضلة المسالك دليال هاديا ،والى سبل النجاة والحق حاديا{ ، شهابا المعا ،وفي َ
ور بِِإ ْذنِ ِه َّالِم وي ْخ ِرجهم ِمن الظُّلُم ِ
ات إِلَى ُّ
الن ِ َي ْه ِدي بِ ِه اللَّهُ َم ِن اتََّب َع ِر ْ
َ ض َو َانهُ ُسُب َل الس َ َ ُ ُ ُ ْ َ
اط ُم ْستَِق ٍيم ([ })26سورة المائدة . ]26 :حرسه بعين منه الَ تنام، صر ٍ ِ ِ ِ ِ
َوَي ْهديه ْم إلَى َ
وحاطه ُبركن منه الَ يضام ،الَ تَ ِهي على اْليام دعائمه ،وال تبيد على طول اْلزمان
صاحبه .من المحجة تابعه ،وال يضل عن ُسُبل الهدى ُم ََّ معالمه ،وال يجوز عن قصد
وغ َوى ،فهو موئلهم الذي إليه عند االختالف وه ِدى ،ومن حاد عنه َّ
ضل َ اتبعه فاز ُ
َيئِلون ،ومعقلهم الذي إليه في النوازل يعقلون ،وحصنهم الذي به من وساوس
وفصل قضائه بينهم الذي
ْ الشيطان يتحصنون ،وحكمة ربهم التي إليها يحتكمون،
إليه ينتهون ،وعن الرضى به يصدرون ،وحبله الذي بالتمسك به من الهلكة
ومتَشابهه ،وحالله وحرامه،
يعتصمون .اللهم فوفقنا إلصابة صواب القول في ُم ْح َكمه ُ
ومفسره ،وناسخه ومنسوخه ،وظاهره وباطنه ،وتأويل آية
َّ ومجمله
َ وعامه وخاصِّه،
ِّ
26
صحيح البخاري.232/6 ،
91
حكمة بالغة
27
مقدمة تفسير الطبري.6-5 /2 ،
28
أبو القاسم محمود بن عمرو بن أحمد ،الزمخشري جار اهلل (ت 583هـ)" :الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل" ،ط ،8دار الكتاب
العربي – بيروت 2100 ،هـ.2/2 ،
95
حكمة بالغة
والميزن لها ،هو المستفتح باب القرب لها ،هو الماشطة هو السفير بين القلوب
29
واْلسرار وبين ربها عز وجل."...
وقد بين ابن القيم أن اهلل سبحانه أ َْن َز َل القرآن لنتأمله ونتدبرهَ ،وَن ْس َع َد بذكره،
اه ِام ِرِه وَنو ِ
ق بِ ِه وَن ْجتَ ِه َد علَى إِقَ ِ ِ ِِ ِ َوَن ْح ِملَهُ َعلَى أ ْ
يه، امة أ ََو َ َ َ َ َ َح َس ِن ُو ُجو ِهه َو َم َعانيهَ ،وُن َ
ص ِّد َ
الد ُّ ِ َّ ِ ِ ِ وَن ْجتَنِي ثِمار علُو ِم ِه َّ ِ ِ
ال اب اهلل سبحانه َّ الناف َعة ا ْل ُموصلَة إِلَى الله ُ
س ْب َح َانهُ ،فَهُ َو كتَ ُ ََ ُ َ
ت لَهُ ين الَِّذي أَ ْش َرقَ ْ ورهُ ا ْل ُمبِ ُ
علَ ْي ِه لِمن أَر َاد مع ِرفَتَه ،وطَ ِريقُه ا ْلمو ِّ ِ ِ ِ ِ ِ
صلَةُ ل َسالكهَا إلَ ْيهَ ،وُن ُ ُ َُ َْ َ َْ ُ َ َ
ِ ِ ص َال ُح َج ِم ِ َّ ِ ُّ
ب ا ْل َواص ُل َب ْيَنهُ يع ا ْل َم ْخلُوقَاتَ ،والسََّب ُ اتَ ،وَر ْح َمتُهُ ا ْل ُم ْه َداةُ التي بِهَا َ الظلُ َم ُ
ق إِ َذا الد ُخو ُلَ ،ف َال ُي ْغلَ ُ ظم الَِّذي ِم ْنهُ ُّ وب ْين ِعب ِاد ِه إِ َذا ْانقَ َ ِ
َع َ ُ
ابَ ،وَب ُابهُ ْاْل ْ
َسَب ُ
ط َعت ْاْل ْ ََ َ َ
يم الَِّذي َال ِ ِّ
اءَ ،والذ ْك ُر ا ْل َحك ُ
ِ ِ ِّرطُ ا ْلمستَِق َِّ
يم الذي َال تَمي ُل بِه ْاآل َر ُ ابَ ،و ُه َو الص َا ُ ْ ُ
ِ
ُغلِّقَت ْاْل َْب َو ُ
ِ ِ ِ الن ُز ُل ا ْل َك ِر َِّ
اءَ ،و ُّ تَ ِزيغُ بِ ِه ْاْل ْ
اءَ ،ال تَ ْفَنى َع َجائ ُبهَُ ،وَال تُْقلعُ يم الذي َال َي ْشَبعُ م ْنهُ ا ْل ُعلَ َم ُ ُ َه َو ُ
َمال ف ِد َال َالتُهُ ،كلَّما ْازَد َاد ِت ا ْلبصائِر ِف ِ
يه تَأ ُّ ضي َآياتُهَُ ،وَال تَ ْختَلِ ُ سحائِبه ،وَال تَْنقَ ِ
َ َ ُ َ ُ َ َ ُُ َ
ور ِم ْن ُّد ِ
اء الص ُ ِ
اهاَ ،وشفَ ُ
صيرا ،فَهو ُنور ا ْلب ِ ِ
صائ ِر م ْن َع َم َ َُ ُ َ َ
وتَ ْف ِكيراَ ،ز َادها ِه َداية وتَْب ِ
َ َ َ َ
اح إِلَى وبَ ،و َح ِادي ْاْل َْرَو ِ
اض ا ْل ُقلُ ِ وسَ ،وِرَي ُ النفُ ِوبَ ،ولَ َّذةُ ُّ اها ،و َحَياةُ ا ْل ُقلُ ِ ِ
أ َْد َوائهَا َو َج َو َ َ
ِ ِ بِ َال ِد ْاْلَ ْف َر ِ
ادى َه َل ا ْلفَ َال ِحَ ،ح َّي َعلَى ا ْلفَ َال ِحَ ،ن َ احَ :يا أ ْ احَ ،وا ْل ُمَنادي بِا ْل َم َساء َوالصَ
َّب ِ
اع َي اللَّ ِه َوَآ ِم ُنوا بِ ِه
َجيبوا َد ِ ِ ْس الص ِ
ِّراط ا ْل ُم ْستَق ِيم { َيا قَ ْو َمَنا أ ِ ُ
َ ان َعلَى َأر ِ يم ِ ِ ِ
ُمَنادي ْاإل َ
اع َي اللَّ ِه َفلَ ْي َس ب َد ِ اب أَلِ ٍيم (َ )82و َم ْن َال ُي ِج ْ َي ْغ ِفر لَ ُكم ِم ْن ُذ ُنوبِ ُكم وُي ِجرُكم ِم ْن َع َذ ٍ
ْ َ ْ ْ ْ ْ
ض َال ٍل ُمبِ ٍ ض ولَ ْيس لَه ِمن ُدونِ ِه أَولِياء أُولَئِ َ ِ ِ
ين } [اْلحقاف: ك في َ َ ُ بِ ُم ْع ِج ٍز في ْاْل َْر ِ َ َ ُ ْ
30
.]82
الدين القويم َوا ْلملَّة الحنيفية
وبحث ابن القيم أيضا في ا ْل ِح ْك َمة الباهرة ِفي َه َذا ّ
صف حسنهاَ ،وَال تقترح َّ ِ
يدرك ا ْل َو ْ
عبارة كمالهاَ ،وَال ْ
والشريعة المحمدية التي َال َتنال ا ْل َ
29
الشيخ عبد القادر الجيالني (ت 560ه)" :الفتح الرباني" ،دار الريان للتراث ،القاهرة ،بدون تاريخ ،ص .06
30
ابن قيم الجوزية" :مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد واياك نستعين".10/2 ،
99
حكمة بالغة
اجتمعتَ ،و َك َانت على اكمل عقل رجل ِم ْنهُم فَ ْوقهَا َوحسب ا ْل ُعقُول
عقول ا ْل ُعقَ َالء َولَو ْ
ِ
يعة اكمل ا ْل َكاملَة الفاضلة ان ادركت حسنها َوش ِهدت بفضلها .وانه َما طرق ا ْل َعالم َش ِر َ
الش ِ
اهد والمشهود لَهُ وا ْلح ّجة والمحتج لَهُ و َّ
الد ْع َوى وَال اجل وَال اعظم ِم ْنها ،فَ ِهي َنفسها َّ
َ َ َ َ َ َ َ
الر ُسول ببرهان َعلَ ْيهَا لكفى بهَا برهانا َو َآية َو َشاهدا على انهاْت َّوالبرهان ،ولَو لم يأ ِ
َ َ
الر ْح َمة َوا ْلبر واالحسان ،واالحاطة من ِع ْند اهللَ ،وكلهَا شاهدة لَهُ بِ َك َمال ا ْلعلم ،وسعة َّ
ادةَ ،وا ْلعلم بالمباديء والعواقبَ ،و َك َمال ا ْل ِح ْك َمةَ ،وأََّنهَا من اعظم نعم اهلل بِا ْل َغ ْي ِب و َّ
الشهَ َ َ
اهم لَهَا ،وجعلهم من عم َعلَ ْي ِهم بِنِ ْع َمة أجل من أن َ
هد ُ عم بهَا على عباده ،فَ َما ْأن ْ
َّ ِ
التي ْان ْ
اهم لَهَا قَا َل تَ َعالَى { لَقَ ْد هد ُ اهلهاَ ،و ِم َّم ْن ارتضاهم لَهَاَ ،فلهَ َذا امتن على عباده َبأن َ
ث ِفي ِه ْم َر ُسوال ِم ْن أ َْنفُ ِس ِه ْم َي ْتلُو َعلَ ْي ِه ْم َآَياتِ ِه َوُي َزِّكي ِه ْمين إِ ْذ َب َع َِ َّ
َم َّن اللهُ َعلَى ا ْل ُم ْؤ ِمن َ
ِ ِ ِ ِ
ين ( [ } )261آل عمران: ض َال ٍل ُمبِ ٍ َوُي َعلِّ ُمهُ ُم ا ْلكتَ َ
اب َوا ْلح ْك َم َة َوِا ْن َك ُانوا م ْن َقْب ُل لَفي َ
نع َمته َعَل ْي ِهم ،مستدعيا ِم ْنهُم شكره على ِ ِِ ِ
ال ُم َعرفا لعَباد ِه ،ومذك ار لَهُم َعظيم ْ َ .]261وقَ َ
الدين
يف وصف ّ ت لَ ُك ْم ِد َين ُك ْم } ،اْلية .وانظر َك َ أن جعلهم من اهلها { ا ْلَي ْوَم أَ ْك َم ْل ُ
الدين بِأََّنهُ َال النع َمة الَّتِي اسبغها َعلَ ْي ِهم بالتمام إِي َذانا ِفي ّ اختَ َارهُ لَهُم بالكمال َو ْ الَِّذي ْ
امل ِفي ارجا عن ا ْل ِح ْكمة ِبو ْجه بل هو ا ْل َك ِ
َُ َ َ ش ْيء َخ ِ َ يه َوَال خلل َوَال عيبَ ،وََّل َ نقص ِف ِ
الن ْع َمة بالتمام إِي َذانا بدوامها واتصالها َوأَنه َال يسلبهم إَِّي َ
اها حسنه وجاللتهَ .ووصف ِّ
بعد إِ ْذ أعطاهموها بل يكملها لَهُم بالدوام ِفي َه ِذه َّ
الدار َوِفي َدار ا ْلقَرارَ .وتَأمل حسن
الدين اليهم ،إِ ْذ هم
ينَ ،وأنه أضاف ّ النع َم ِةَ ،وحسن اقتران ا ْل َك َمال بِ ّ
الد ِ اقتران التَّمام بِ ْ
ُه َو َوليهَا والمنعم بهَا َعلَ ْي ِهم ،فَ ِه َيالقائمون بِ ِه ،المقيمون لَهُ .وأضاف ِّ
الن ْع َمة اليه إِ ْذ
نعمته َحقا وهم قابلوها .واتى ِفي ا ْل َكمال بِ َّ
الالِم
المؤذنة باالختصاص َوأَنه َش ْيء َ َْ
خصوا بِ ِه دون االممَ ،وِفي إتْ َمام ِّ
الن ْع َمة بعلى المؤذنة باالستعالء واالشتمال
فجاء أتممت ِفي ُمقَابلَة أكملتَ ،و َعَل ْي ُكم ِفي ُمقَابلَة لكم ،ونعمتي ِفي ُمقَابلَة
واالحاطةَ ،
94
حكمة بالغة
31
ابن قيم الجوزية" :مفتاح دار السعادة ومنشور والية العلم واإلرادة" ،دار الكتب العلمية – بيروت ،بدون تاريخ.801- 802/2 ،
32
النورسي" :إشارات االعجاز في مظان االيجاز" ،ط ، 8سوزلر ،القاهرة 1001 ،م ،ص ،11وقارن مع بحثي" :مدخل إلى
حكمة االعجاز القرآني عند االمام النورسي" ،بحث مق ّدم إلى الندوة العالمية الرابعة لألكاديميين الشباب ،مؤسسة اسطمبول للثقافة
والعلوم ،اسطمبول ،تركيا ،11-18 ،حزيران 1021 ،م.
93
حكمة بالغة
() 9
33
تأويل لمصطلح الحكمة في القرآن الكريم
ِ
عن مجاهد في قوله تعالىُ { :ي ْؤتِي ا ْلح ْك َمةَ َم ْن َي َش ُ
اء } [البقرة ] 161 :قال:
35
"القرآن يؤتي إصابته من يشاء".
33
بالنظر إلى أني قد تتبعت ،بحسب التوفيق اإللهي ،مفردة (الحكمة) من الناحية اللغوية في كتابي" :العروة الوثقى" ،فال أجد نفسي
بحاجة إلى تكرار القول في الموضوع ،وأحيل إلى :د .رواء محمود حسين" :العروة الوثقى :مدخل إلى علم الحكمة االسالمية" ،الفصل
اْلول" :التعريف بعلم الحكمة االسالمية" ،المبحث اْلول" :المعنى اللغوي للحكمة" ،ص .23 – 1
34
نفسه ،ص .81 – 82
91
حكمة بالغة
ِ
تاء َو َم ْن ُي ْؤ َوعن مقاتل بن سليمان في قوله تعالىُ { :ي ْؤتِي ا ْلح ْك َمةَ َم ْن َي َش ُ
ا ْل ِح ْك َمةَ } قال :ومن يعط الحكمة ،وهي علم القرآن ،والفقه فيه { ،فَقَ ْد أُوتِ َي َخ ْي ار َك ِث ا
ير
اب } وهم } ،يعني :فقد أعطي خي ار كثي ار { .وما َي َّذ َّكر } فما يسمع { إِ َّال أُولُو ْاْلَْلَب ِ
ُ ََ
36
أهل العقل.
ا ْل ِح ْكمةُ بِم ْعَنى ا ْلفَ ْهِم وا ْل ِع ْلِم ،و ِم ْنهُ قَولُهُ تَ َعالَى { :وَآتَْيَناهُ ا ْل ُح ْكم َ ِ
[م ْرَي َم]21 : صبًّيا } َ َ َ ْ َ َ َ َ
انَ ]21 :ي ْعنِي ا ْلفَ ْه َم َوا ْل ِع ْل َم َوِفي ْاْل َْن َع ِام: ِ
ان ا ْلح ْك َم َة } [ لُ ْق َم َ َوِفي لُ ْق َم َ
ان { َولَقَ ْد َآتَْيَنا لُ ْق َم َ
[اْل َْن َع ِامَ .]31 :وثَالِثُهَا :ا ْل ِح ْك َمةُ بِ َم ْعَنى ُّ
الن ُب َّوِة اب َوا ْل ُح ْك َم } ْ ِ
اه ُم ا ْلكتَ َين َآتَْيَن ُ
{ أُولَئِ َ َِّ
ك الذ َ
اءَ ]51 :ي ْعنِي ُّ
الن ُب َّوةََ ،وِفي [النس ِ ِ
اب َوا ْلح ْك َمةَ } ِّ َ
ِ
يم ا ْلكتَ َ
ِ ِ ِفي ِّ ِ
الن َساء { :فَقَ ْد َآتَْيَنا َآ َل إ ْب َراه َ
اب } [صَ ]10 :ي ْعنِي ُّ
الن ُب َّوةََ ،وِفي ا ْلَبقَ َرِة { َوَآتَاهُ ص َل ا ْل ِخطَ ِ ِ
ص { َوَآتَْيَناهُ ا ْلح ْك َمةَ َوَف ْ
َس َر ِار ِفي ِ ِِ ِ
آن بِ َما فيه م ْن َع َجائ ِب ْاْل ْ
اللَّه ا ْلم ْل َ ِ
ك َوا ْلح ْك َمةَ } [ا ْلَبقَ َرِةَ .]152 :وَاربِ ُعهَا :ا ْلقُ ْر ُ ُ ُ
35
مجاهد بن جبر (ت 201هـ)" :تفسير مجاهد" ،تحقيق الدكتور محمد عبد السالم أبو النيل ،ط ،2دار الفكر اإلسالمي الحديثة،
مصر 2120 ،هـ 2131 -م ،ص .115
36
مقاتل بن سليمان" :تفسير مقاتل بن سليمان".118 /2 ،
96
حكمة بالغة
ِ ك بِا ْل ِح ْكم ِة وا ْلمو ِعظَ ِة ا ْل َحسَن ِة } َّ ِ يل َرِّب َالن ْح ِلْ { :ادعُ إِلَى سبِ ِ َّ
[الن ْحلَ ،]215 :و َجميعُ َ َ َ َْ َ
يل ِفي اب فَ ِق َ
َما ا ْل ِح ْكمةُ بِم ْعَنى ِف ْع ِل الصَّو ِ
َ َ َ ق تَْر ِجعُ إِلَى ا ْل ِع ْلِمَ .وأ َّ َه ِذ ِه ا ْلو ُجوِه ِع ْن َد التَّ ْح ِقي ِ
ُ
ق اللَّ ِه بِقَ ْد ِر الطَّاقَ ِة ا ْلَب َش ِرَّي ِة ،ومدار َه َذا ا ْل َم ْعَنى َعلَى قَ ْولِ ِه ق بِأ ْ
َخ َال ِ َح ِّد َها :إَِّنهَا التَّ َخلُّ ُ
َن ا ْل ِح ْك َمةَ َال ُي ْم ِك ُن ق اللَّ ِه تَ َعالَى» َو ْ
اعلَ ْم أ َّ َخ َال ِ صلَّى اللَّهُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم« :تَ َخلَّقُوا بِأ ْ َ
اإل ْنس ِ ِ ك ِْل َّ وجهَا َع ْن َه َذ ْي ِن ا ْل َم ْعَنَي ْي ِنَ ،وَذلِ َ
ف ا ْل َح َّ
ق َن َي ْع ِر َ ان في َش ْيَئ ْي ِن :أ ْ ال ِْ َ َن َك َم َ ُخ ُر ُ
ق،اك ا ْل ُمطَابِ ِ اإل ْدر ِِِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِِ لِ َذاتِ ِه ،وا ْل َخ ْير ِْل ْ ِ
َجل ا ْل َع َمل به ،فَا ْل َم ْرجعُ ب ْاْل ََّول :إلَى ا ْلع ْلم َو ْ َ َ َ
صلَّى اللَّهُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم قَ ْولُهُ {يم َ
ِ ِ ِ
َّواب ،فَ ُحك َي َع ْن إ ْب َراه َ
وبِالثَّانِي :إِلَى ِف ْع ِل ا ْل َع ْد ِل والص ِ
َ َ َ
ِِ ِ ِ اءَ ]38 :و ُه َو ا ْل ِح ْك َمةُ َّ [الشعر ِ ب لِي ُح ْكما } ُّ
ين }ظ ِرَّيةُ { َوأَْلح ْقني بِالصَّالح َ الن َ ََ ب َه ْ َر ِّ
َّ ِ ِ وسى َعلَ ْي ِه الس َ اء ]38 :ا ْل ِح ْك َمةُ ا ْل َع َملَِّيةَُ ،وَن َ
[الشعر ِ
ُّ
َّال ُم فَقَا َل :إَِّنني { إَِّنني أََنا اللهُ ادى ُم َ ََ
اع ُب ْدنِي } [ طه]28: َال إِلَهَ إِ َّال أََنا } [ طه ] 28 :وهو الحكمة النظرية ،ثم قال { :فَ ْ
ال إِِّني َع ْب ُد اللَّ ِه } يسى َعلَ ْي ِه الس َ
َّال ُم أََّنهُ قَا َل { :قَ َ ِ ِ ِ
َو ُه َو ا ْلح ْك َمةُ ا ْل َع َملَّيةَُ ،وقَا َل َع ْن ع َ
الزَك ِاة َماَّال ِة و َّ النظَ ِرَّي ِة ،ثَُّم قَا َل{ :وأَو َ ِ ِ
صاني بالص َ َ َْ ك لِ ْل ِح ْك َم ِة َّ
[م ْرَي َمْ ]80 :اآلَيةََ ،و ُك ُّل َذلِ َ
َ
صلَّى اللَّهُ َعلَ ْي ِه ٍ [م ْرَي َم ]82 :و ُهو ا ْل ِح ْك َمةُ ا ْل َع َمِلَّيةُ ،وقَا َل ِفي َح ِّ
ق ُم َح َّمد َ َ َ َ ت َحًّيا } َُد ْم ُ
النظَ ِرَّيةُ ،ثم قال{ : اعلَ ْم أََّنهُ َال إِلَهَ إِ َّال اللَّهُ } [ ُم َح َّم ٍدَ ]21 :و ُه َو ا ْل ِح ْك َمةُ َّ
َو َسلَّ َم { :فَ ْ
يعال ِفي َج ِم ِ ك } [غافرُ [ ]55 :م َح َّم ٍدَ ]21 :و ُه َو ا ْل ِح ْك َمةُ ا ْل َع َملَِّيةَُ ،وقَ َ استَ ْغ ِف ْر لِ َذ ْنبِ َ
َو ْ
َن أ َْن ِذ ُروا أََّنهُ َال ِإلَ َه ِ ِ ِِ
شاء م ْن عباده { أ ْ َم ِرِه َعلى َم ْن َي ُ
اء يَنِّز ُل ا ْلمالئِ َك َة بِ ُّ ِ
الرو ِح م ْن أ ْ َ
ِ
ْاْل َْنبَِي ُ
ون َو ُه َو ا ْل ِح ْك َمةُ ا ْل َع َملَِّيةُ،
[الن ْح ِلَ ]1 :و ُه َو ا ْل ِح ْك َمةُ النظرية :ثم قال :فَاتَّقُ ِ إِ َّال أََنا } َّ
ان لَ ْي َس إِ َّال ِفي َهاتَْي ِن ا ْلقَُّوتَْي ِن، ال ِْ
اإل ْن َس ِ ال َح ِ الدالَّ ِة َعلَى أ َّ
َن َك َم َ آن ُهو ِم َن ْاآلَي ِة َّ
َوا ْلقُ ْر ُ َ
ِ قَا َل أ َُبو م ْسلٍِم :ا ْل ِح ْكمةُ ِف ْعلَةٌ ِم َن ا ْل ُح ْكِم ،و ِهي َكالَّن ْحلَ ِة ِم َن َّ ِ
يم ِإ َذا َك َ
ان الن ْحلَ ،وَر ُج ٌل َحك ُ َ َ َ ُ
37
َذا ِحجى.
37
فخر الدين الرازي (ت 606هـ)" :مفاتيح الغيب = التفسير الكبير" ،ط ،8دار إحياء التراث العربي – بيروت 2110 ،هـ-50/0 ،
. 53في السياق نفسه نشير إلى أن تقسيم الرازي للحكمة إلى النظرية والعملية قد سار عليه الفالسفة من قبل ،ونجد هذا التقسيم عند
97
حكمة بالغة
ك بِا ْل ِح ْك َم ِة َوا ْل َم ْو ِعظَ ِة ا ْل َح َسَن ِة َو َج ِاد ْلهُ ْم -قوله تعالىْ { :ادعُ إِلَى سبِ ِ
يل َرِّب َ َ
ض َّل َع ْن َسبِيلِ ِه َو ُه َو أ ْ
َعلَ ُم َعلَ ُم بِ َم ْن َ ك ُه َو أ ْ بِالَّتِي ِه َي أ ْ
َح َس ُن إِ َّن َرَّب َ
ِ
ين ([ } )215النحل.] 215 : بِا ْل ُم ْهتَد َ
ذكر الماوردي في تفسير اآلية الكريمة أن المراد بقوله عز وجلْ { :ادعُ إِلَى
ك } يعني إلى دين اهلل سبحانه وهو اإلسالم .أما قوله تعالى { :بِا ْل ِح ْك َم ِة } سبِ ِ
يل َرِّب َ َ
ففيه تأويالن :أحدهما :بالقرآن ،قاله الكلبي .الثاني :بالنبوة ،وهو محتمل{ .
ظ ِة ا ْل َح َسَن ِة } فيها تأويالن :أحدهما :بالقرآن في لين من القول ،قاله الكلبي. َوا ْل َم ْو ِع َ
الثاني :بما فيه من اْلمر والنهي ،قاله مقاتل .وقوله تعالىَ { :و َج ِاد ْلهُ ْم بِالَّتِي ِه َي
َح َس ُن } فيه أربعة أوجه :أحدها :يعني بالعفو .الثاني :بأن توقظ القلوب وال تسفه أْ
38
العقول .الثالث :بأن ترشد الخلف وال تذم السلف .الرابع :على قدر ما يحتملون.
ْخ ُذهُ ِسَنةٌ َوَال َن ْوٌم لَهُ َما وم َال تَأ ُ ِ ِ َّ َّ
وقال اهلل تعالى { :اللهُ َال إلَهَ إال ُه َو ا ْل َح ُّي ا ْلقَُّي ُ
ض َم ْن َذا الَِّذي َي ْشفَعُ ِع ْن َدهُ إِ َّال بِِإ ْذنِ ِه َي ْعلَ ُم َما َب ْي َن أ َْي ِدي ِه ْم ات و َما ِفي ْاْل َْر ِ ِفي الس ِ
َّم َاو ََ
ض وما َخ ْلفَهم وَال ي ِحيطُون بِ َشي ٍء ِمن ِع ْل ِم ِه إِ َّال بِما َشاء و ِسع ُكرِسُّيه الس ِ
َّم َاوات َو ْاْل َْر َ َ َ َ ْ ُ َ َ ْ ْ َ ُْ َ ُ ََ
الر ْش ُد ِم َن ين قَ ْد تََبَّي َن ُّ الد ِيم (َ )155ال إِ ْك َراهَ ِفي ِّ ِ ِ وَال ي ُئ ُ ِ
ودهُ ح ْفظُهُ َما َو ُه َو ا ْل َعل ُّي ا ْل َعظ ُ َ َ
ِ َّ ِ ِ بِالطَّ ُ ِ
بِا ْل ُع ْرَوِة ا ْل ُوثْقَى َال ْانف َ
ص َام لَهَا كاستَ ْم َس َاغوت َوُي ْؤ ِم ْن بِالله فَقَد ْ ا ْل َغ ِّي فَ َم ْن َي ْكفُ ْر
الن ِ َِّ ِمن الظُّلُم ِ
ات إِلَى ُّ َِّ َّ ِ َّ ِ
ين
ور َوالذ َ َ َ ( )156اللهُ َولِ ُّي الذ َ
ين َآ َم ُنوا ُي ْخ ِر ُجهُ ْم يم
َواللهُ َسميعٌ َعل ٌ
الكندي ،والفارابي ،وا بن سينا على سبيل المثال ،ينظر :رواء محمود حسين" :مشكلة النص والعقل في الفلسفة االسالمية :دراسات
منتخبة" ،ط ،2دار الكتب العلمية ،بيروت 2110 ،ه – 1006م ،ص .18-11 ،02 ،51
38
الماوردي ( ت 150ه) :تفسير الماوردي = النكت والعيون" ،تحقيق السيد ابن عبد المقصود بن عبد الرحيم ،دار الكتب العلمية -
بيروت /لبنان ،بدون تاريخ.110/8 ،
98
حكمة بالغة
وأما تأويل قولهَ { :ال إِلَهَ إِ َّال ُه َو } ،فإن معناه :النهي عن أن يعبد شيء غير
اهلل الحي القيوم الذي صفته ما وصف به نفسه تعالى ذكره في هذه اآلية .ال إله
سواه ،ال معبود سواه ،يعني :وال تعبدوا شيئا سوى الحي القيوم الذي ال يأخذه ِسنة وال
نوم والذي صفته ما وصف في هذه اآلية .وهذه اآلية إبانة من اهلل تعالى ذكره
للمؤمنين به وبرسوله عما جاءت به أقوال المختلفين في البينات من بعد الرسل الذين
أخبرنا تعالى ذكره أنه فضل بعضهم على بعض واختلفوا فيه ،فاقتتلوا فيه كف ار به من
بعض ،وايمانا به من بعض .فالحمد هلل الذي هدانا للتصديق به ،ووفقنا لإلقرار .وأما
قوله { :ا ْل َح ُّي } فإنه يعني :الذي له الحياة الدائمة ،والبقاء الذي ال أول له بحد ،وال
آخر له بأمد ،إذ كان كل ما سواه فإنه وان كان حيا فلحياته أول محدود ،وآخر
39
ممدود ،ينقطع بانقطاع أمدها ،وينقضي بانقضاء غايتها.
39
تفسير الطبري.830 – 836 /5 ،
92
حكمة بالغة
وقال 40
يقول الواحديِ { :ح ْك َمةٌ َبالِ َغةٌ } أي :حكمة تامة ،قد بلغت الغاية.
41
القرطبي :يعني القرآن الكريم.
ب َعلَى َج ِم ِ
يع ود م َن ْاآلَية .فبذلك يتبين أََّنهُ تَ َعالَى أ َْو َج َ
ِ اس ِقين ،فَه َذا هو ا ْلم ْقص ُ ِ
ا ْلفَ َ َ ُ َ َ ُ
ِ
َن ه ِذ ِه ا ْلمقَ ِّدمةَ ا ْلو ِ ِ ِ ِ ِ
اح َدةَ َال ُ َ َ ص ِّدقا ل َما َم َعهُ ْم .إِ َّال أ َّ َ اء ُم َ
ٍ اإليم َ ِّ
ان بِ ُكل َر ُسول َج َ ْاْل َْنبَياء ْ َ
ُخ َرىَ ،و ِه َي ض َّم ِإلَ ْيهَا ُمقَ ِّد َمة أ ْ ِ َّ ات ُنب َّوِة مح َّم ٍد َّ َّ تَ ْك ِفي ِفي إِثْب ِ
صلى اللهُ َعلَ ْيه َو َسل َم َما لَ ْم َي ُ َ ُ َُ َ
40
الواحدي ( ت 163ه)" :الوسيط في تفسير القرآن المجيد" ،تحقيق وتعليق :الشيخ عادل أحمد عبد الموجود ،الشيخ علي محمد
معوض ،الدكتور أحمد محمد صيرة ،الدكتور أحمد عبد الغني الجمل ،الدكتور عبد الرحمن عويس ،قدمه وقرظه :اْلستاذ الدكتور عبد
الحي الفرماوي ،ط ،2دار الكتب العلمية ،بيروت -لبنان 2125 ،هـ 2111 -م.103/1 ،
41
القرطبي" :الجامع ْلحكام القرآن = تفسير القرطبي ،213/20 ،وانظر للتوسع :تفسير الطبري ،501 /11 ،وتفسير الرازي،
.112/11
41
حكمة بالغة
ِ ِ ِ َّ ِ
َن َيقُو َلَ :ه َذا إِثَْب ٌ
ات ص ِّدقا ل َما َم َعهُ ْمَ ،و ِع ْن َد َه َذا لقَائ ٍل أ ْ
اء ُم َ
َن ُم َح َّمدا َر ُسو ُل الله َج َ أ َّ
َن ا ْل ُم َر َاد ِم ْن َك ْونِ ِه
اب :أ َّ ِ لشي ِء بَِن ْف ِس ِهِْ ،لََّنه إِثْب ٌ ِ ِ
ات ل َك ْونِه َر ُسوال بِ َك ْونِه َر ُسوالَ ،وا ْل َج َو ُ ُ َ ِ َّ
ل ْ
َعلَ ُم .ويذكر الرازي أن ُّؤا ُل َواللَّهُ أ ْ ِ ِ ٍِ
ور ا ْل ُم ْع ِج ِز َعلَ ْيهَ ،وح َينئذ َي ْسقُطُ َه َذا الس َ
َر ُسوال ظُهُ ُ
صلَ ِة الَّتِي لَ ْميف ا ْل ُمفَ َّ ا ْل ِكتَاب هو ا ْلمَن َّز ُل ا ْلم ْقروء وا ْل ِح ْكمةُ ِهي ا ْلو ْحي ا ْلو ِارُد بِالتَّ َكالِ ِ
َ َ ُ َ َُ ُ َ َ َُ ُ
ِ ِ
َي ْشتَم ِل َعَل ْيهَا ا ْلكتَ ُ
42
اب.
ذكر الطبري بعض اآلراء في تأويل معنى الحكمة الواردة في قوله تعالى
أعاله .فعن قتادةَ { :وا ْل ِح ْك َمةَ } أي السنة .وقال بعضهمَ { :وا ْل ِح ْك َمةَ } هي المعرفة
بالدين والفقه فيه .وبسند الطبري إلى ابن وهب قال :قلت لمالك :ما الحكمة؟ قال" :
المعرفة بالدين ،والفقه في الدين ،واالتباع له" .ويورد أيضا عن ابن وهب قال :قال
ابن زيد في قولهَ { :وا ْل ِح ْك َمةَ } الدين الذي ال يعرفونه إال به صلى اهلل عليه وسلم،
ت ا ْل ِح ْك َمةَ فَقَ ْديعلمهم إياها .قالَ { :وا ْل ِح ْك َمةَ } العقل في الدين ،وقرأَ { :و َم ْن ُي ْؤ َ
اب َوا ْل ِح ْك َمةَ َوالتَّ ْوَراةَ ِ أُوتِ َي َخ ْي ار َكثِ ا
ير ] [البقرة ، ]161 :وقال لعيسىَ { ،وُي َعلِّ ُمهُ ا ْلكتَ َ
َِّ اإل ْن ِج َ
يل ( [ } )13آل عمران ]13 :قال ،وق أر ابن زيدَ { :و ْات ُل َعَل ْي ِه ْم َنَبأَ الذي َآتَْيَناهُ و ِْ
َ
َآَياتَِنا فَ ْان َسلَ َخ ِم ْنهَا } [ اْلعراف ]205 :قال ،لم ينتفع باآليات ،حيث لم تكن معها
42
تفسير الفخر الرازي.100 - 180/3 ،
45
حكمة بالغة
حكمة .قالَ { :وا ْل ِح ْك َمةَ } شيء يجعله اهلل في القلب ،ينور له به .ويرى الطبري :أن
{ ا ْل ِح ْك َم َة } " :العلم بأحكام اهلل التي ال يدرك علمها إال ببيان الرسول صلى اهلل عليه
وسلم ،والمعرفة بها ،وما دل عليه ذلك من نظائره .وهو عندي مأخوذ من"الحكم"
الذي بمعنى الفصل بين الحق والباطل ،بمنزلة "ال ِجلسة و ِ
القعدة" من "الجلوس
والقعود" ،يقال منه":إن فالنا لحكيم بين الحكمة" ،يعني به :إنه لبين اإلصابة في
القول والفعل .واذا كان ذلك كذلك ،فتأويل اآلية :ربنا وابعث فيهم رسوال منهم يتلو
عليهم آياتك ،ويعلمهم كتابك الذي تنزله عليهم ،وفصل قضائك وأحكامك التي تعلمه
43
إياها".
ضلِ ِه فَقَ ْد َآتَْيَنا َآ َل
اه ُم اللَّهُ ِم ْن فَ ْ
اس َعلَى َما َآتَ ُ ون َّ
الن َ -قوله تعالى { :أ َْم َي ْح ُس ُد َ
اه ْم ُم ْلكا َع ِظيما ([ } )51النساء.] 51 : ِ
اب َوا ْلح ْك َمةَ َوَآتَْيَن ُ
اه ِ
يم ا ْلكتَ َ
ِ ِ
إ ْب َر َ
يبين الطبري أن الحكمة هنا ما أوحي إلى آل إبراهيم مما لم يكن كتابا مقروءا.
يمه 44ويشير ابن كثير أن اهلل سبحانه قد جعل ِفي اْلسباط ،الَِّذين هم ِمن ُذِّرَّي ِة إِ ْب ار ِ
َ َ َ ُْ ْ
ب َو َح َك ُموا ِفي ِه ْم بِالسَُّن ِنَ ،و ِه َي ا ْل ِح ْك َمةَُ ،و َج َع َل منهم ا ْل ُملُو َ
ك الن ُب َّوةَ َوأ َْن َزل َعلَ ْي ِه ُم ا ْل ُكتُ َ
ُّ
ِ ِ
اء و َه َذا ِْ ِ ومع َه َذا فَ ِم ْنهم م ْن آم َن بِ ِه ،أ ْ ِ
ص َّد َع ْنهُ أ ْ
َي اإل ْن َعامَ ،و ِم ْنهُ ْم َم ْن َ َي بهَ َذا ْاإليتَ َ ُْ َ َ ََ َ
45
اس َع ْنهَُ ،و ُه َو ِم ْنهُ ْم َو ِم ْن ِج ْن ِس ِه ْم.
الن ِ
ص ِّد َّ ِ
ض َع ْنهُ َو َس َعى في َ َكفَ َر بِ ِه َوأ ْ
َع َر َ
43
الطبري ( ت 820ه)" :جامع البيان في تأويل القرآن" ،تحقيق أحمد محمد شاكر ،ط ،2مؤسسة الرسالة 2110 ،هـ 1000 -م،
.33/8
44
تفسيرالطبري.130 /3 ،
45
ابن كثير ( ت 001ه)" :تفسير القرآن العظيم (ابن كثير) ،تحقيق محمد حسين شمس الدين ،ط ،2دار الكتب العلمية ،منشورات
محمد علي بيضون ،بيروت 2121 ،هـ.116 /1 ،
49
حكمة بالغة
نقل ابن الجوزي عن ابن عباس رضي اهلل عنهما في تفسير الحكمة الواردة في
46
اآلية الكريمة أنها النبوة ،ونقل عن مقاتل أنها الزبور.
وفي قصة جالوت ،يروي الطبري بسنده إلى السدي أنه قال :كان أهل الكتاب
يقاتلون العمالقة ،وكان جالوت ملك العمالقة ،وأنهم تغلبوا على أهل الكتاب فأخذوا
توراتهم ،وضربوا عليهم الجزية .وكان أهل الكتاب يسألون اهلل أن يبعث لهم نبيا
يقاتلون معه .وكان سبط النبوة قد هلكوا ،فلم يبق منهم إال امرأة حبلى ،فأخذوها
فحبسوها في بيت ،رهبة أن تلد جارية فتبدلها بغالم ،لما ترى من رغبة الكتابيين في
ولدها .فجعلت المرأة تدعو اهلل أن يرزقها غالما ،فولدت غالما فسمته شمعون .فكبر
الغالم ،فأرسلته يتعلم التوراة في بيت المقدس ،وكفله شيخ من علمائهم وتبناه .فلما
بلغ الغالم أن يبعثه اهلل نبيا ،أتاه جبريل والغالم نائم إلى جنب الشيخ وكان ال يأتمن
عليه أحدا غيره فدعاه بلحن الشيخ":يا شماول! " ،فقام الغالم فزعا إلى الشيخ ،فقال:
يا أبتاه ،دعوتني؟ فكره الشيخ أن يقول":ال" ،فيفزع الغالم ،فقال :يا بني ارجع فنم!
فرجع فنام .ثم دعاه الثانية ،فأتاه الغالم أيضا فقال :دعوتني؟ فقال :ارجع فنم ،فإن
دعوت ك الثالثة فال تجبني! فلما كانت الثالثة ،ظهر له جبريل فقال :اذهب إلى قومك
47
فبلغهم رسالة ربك ،فإن اهلل قد بعثك فيهم نبيا.
46
ابن الجوزي (ت 510هـ) " :زاد المسير في علم التفسير" ،تحقيق عبد الرزاق المهدي ،ط ،2دار الكتاب العربي ،بيروت2111 ،
هـ.110/2 ،
47
الطبري" :جامع البيان".111/5 ،
44
حكمة بالغة
وبسند الطبري إلى وهب بن منبه يحدث قال :لما خرج أو لما برز طالوت
لجالوت ،قال جالوت :أبرزوا إلي من يقاتلني ،فإن قتلني فلكم ملكي ،وان قتلته فلي
ملككم .فأتي بداود إلى طالوت ،فقاضاه إن قتله أن ينكحه ابنته ،وأن يحكمه في
ماله .فألبسه طالوت سالحا ،فكره داود أن يقاتله بسالح ،وقال :إن اهلل لم ينصرني
عليه ،لم يغن السالح ،فخرج إليه بالمقالع ،وبمخالة فيها أحجار ،ثم برز له .قال له
جالوت :أنت تقاتلني ،قال داود :نعم ،قال :ويلك ،ما خرجت إال كما يخرج إلى
ْلطعمنه اليوم الطير والسباع .فقال له
ّ الكلب بالمقالع والحجارةْ ،لبددن لحمك ،و
داود :بل أنت عدو اهلل شر من الكلب ،فأخذ داود حج ار ورماه بالمقالع ،فأصابت
بين عينيه حتى نفذ في دماغه ،فصرع جالوت وانهزم من معه ،واحتز داود رأسه.
فلما رجعوا إلى طالوتّ ،ادعى الناس قتل جالوت ،فمنهم من يأتي بالسيف ،وبالشيء
من سالحه أو جسده ،وخبأ داود رأسه .فقال طالوت :من جاء برأسه فهو الذي قتله،
فجاء به داود ،ثم قال لطالوت :أعطني ما وعدتني ،فندم طالوت على ما كان شرط
له ،وقال :إن بنات الملوك ال بد لهن من صداق وأنت رجل جريء شجاع ،فاحتمل
صداقها ثالثمئة غلفة من أعدائنا .وكان يرجو بذلك أن يقتل داود .فغ از داود وأسر
منهم ثالثمئة وقطع غلفهم ،وجاء بها .فلم يجد طالوت بدا من أن يزوجه ،ثم أدركته
الندامة .فأراد قتل داود حتى هرب منه إلى الجبل ،فنهض إليه طالوت فحاصره .فلما
كان ذات ليلة سلط النوم على طالوت وحرسه ،فهبط إليهم داود فأخذ إبريق طالوت
الذي كان يشرب منه ويتوضأ ،وقطع شيئا من هدب ثيابه وشعرات من لحيته ،ثم
رجع داود إلى مكانه فناداه :أن [قد نمت ونام] حرسك ،فإني لو شئت أقتلك البارحة
فعلت ،فإنه هذا إبريقك ،وشيء من شعر لحيتك وهدب ثيابك! وبعث [به] إليه ،فعلم
طالوت أنه لو شاء قتله ،فعطفه ذلك عليه فأمنه ،وعاهده باهلل ال يرى منه بأسا .ثم
43
حكمة بالغة
انصرف .ثم كان في آخر أمر طالوت أنه كان يدس لقتله .وكان طالوت ال يقاتل
48
عدوا إال هزم ،حتى مات.
-وقوله تعالى عن نبيه داود عليه الصالة والسالمَ { :و َش َد ْدَنا ُم ْل َكهُ َوَآتَْيَناهُ
اب ([ } )10ص.] 10 : ص َل ا ْل ِخطَ ِ ِ
ا ْلح ْك َمةَ َوفَ ْ
كما إن اهلل سبحانه قد اعطى نبيه داود عليه السالم الحكمة وفصل الخطاب،
ط ِ
اب } ص َل ا ْل ِخ َ ِ
فقال تعالىَ { :وَآتَْيَناهُ ا ْلح ْك َم َة } يعني :وأعطيناه الفهم والعلم { َوفَ ْ
49
يعني :فصل القضاء ،وهو البينة على المدعي واليمين على من أنكر.
-قوله سبحانه عن نبي اهلل عيسى بن مريم عليه الصالة والسالمَ { :وُي َعلِّ ُمهُ
يل ( [ })13آل عمران.] 13 : اب وا ْل ِح ْكمةَ والتَّوراةَ و ِْ
اإل ْن ِج َ ِ
ا ْلكتَ َ َ َ َ ْ َ َ
يرى ابن عطية أن الحكمة هنا هي السنة التي يتكلم بها االنبياء في الشرعيات
والمواعظ ونحو ذلك ،مما لم يوح إليهم في كتاب وال بملك ،لكنهم يلهمون إليه وتقوى
غرائزهم عليه ،كما إنها اإلصابة في القول والعمل ،فذكر اهلل تعالى في هذه اآلية أنه
يعلم عيسى عليه السالم الحكمة ،والتعليم متمكن فيما كان من الحكمة بوحي أو
مأثو ار عمن تقدم عيسى عليه السالم من نبي وعالم ،وأما ما كان من حكمة عيسى
عليه السالم الخاصة به فإنما يقال فيها يعلمه على معنى يهيىء غريزته لها ،ويجعله
48
الطبري" :جامع البيان" ،856 – 855/5 ،وقارن القصة بتمامها عند الطبري :تاريخ الطبري = تاريخ الرسل والملوك ،وصلة تاريخ
الطبري( ،صلة تاريخ الطبري لعريب بن سعد القرطبي ،المتوفى861 :هـ) ،دار التراث – بيروت ،ط 2830 ،1هـ 160/2 ،وما بعد،
وابن كثير (ت 001هـ)" :البداية والنهاية" ،تحقيق علي شيري ،ط ،2دار إحياء التراث العربي ،2103 ،هـ 2133 -م ،6 /1 ،ومابعد.
49
تفسير مقاتل .681 /8 ،وقارن :عبد اهلل بن وهب (ت 210ه)" :تفسير القرآن من الجامع البن وهب" ،تحقيق ميكلوش موراني،
ط ،2دار الغرب االسالمي ،بيروت 1008 ،م.3/2 ،
41
حكمة بالغة
يتمرن في استخراجها ،ويقدره ،ويجري ذهنه إلى ذلك .والتَّ ْوراةَ هي المنزلة على
موسى عليه السالم ،ويروى أن عيسى كان يستظهر التوراة وكان أعمل الناس بما
فيها ،ويروى أنه لم يحفظها عن ظهر قلب إال أربعة ،موسى ويوشع بن نون [ وعزير
اإل ْن ِجي َل لمريم وهو ينزل -بعدْ -لنه كان كتابا مذكو ار
] وعيسى عليهم السالم ،وذكر ِْ
50
عند اْلنبياء والعلماء وأنه سينزل.
تُ ْخ ِرُج ص بِِإ ْذنِي َوِا ْذ ط ْي ار بِِإ ْذنِي َوتُْب ِرئُ ْاْلَ ْك َم َه
َو ْاْل َْب َر َ ون َ ِ
فَتَْنفُ ُخ فيهَا َفتَ ُك ُ
ين َِّ ِج ْئتَهم بِا ْلبيَِّن ِ
يل َع ْن َك إِ ْذ ت َبنِي إِ ْس َرائِ َ ا ْل َم ْوتَى بِِإ ْذنِي َوِا ْذ َكفَ ْف ُ
الذ َ ال
ات فَقَ َ ُْ َ
ين ([ } )220المائدة.]220 : َكفَ ُروا ِم ْنهُ ْم إِ ْن َه َذا ِإ َّال ِس ْحٌر ُمبِ ٌ
يبين الطبري أن الحكمة هنا هي الفهم بمعاني الكتاب الذي ّنزل على عيسى
عليه السالم.51 .
52
والحكمة هنا عند البغوي العلم والفهم والتوراة واإلنجيل.
اء
عليه الصالة والسالمَ { :ولَ َّما َج َ -قوله تعالى عن نبيه عيسى بن مريم
وِْلُبيِّن لَ ُكم بعض الَِّذي تَ ْختَلِفُون ِف ِ
يه ات قَا َل قَ ْد ِج ْئتُ ُك ْم بِا ْل ِح ْك َم ِة
ِعيسى بِا ْلبيَِّن ِ
َ َ َ َ ْ َْ َ َ َ
َّ ِ
ون ([ } )68الزخرف.]68 : يع ِفَاتَّقُوا اللهَ َوأَط ُ
50
ابن عطية اْلندلسي ( ت 511ه)" :المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز" ،تحقيق عبد السالم عبد الشافي محمد ،ط ،2دار
الكتب العلمية ،بيروت 2111 ،هـ ،183/2 ،وقارن مع الطبري" :جامع البيان".111/6 ،
51
تفسير الطبري.125 /22 ،
52
البغوي (ت 520ه)" :معالم التنزيل في تفسير القرآن" = تفسير البغوي ،تحقيق عبد الرزاق المهدي ،دار إحياء التراث العربي –
بيروت ،ط 2110 ، ،2هـ.202 /1 ،
46
حكمة بالغة
54 53
واآللوسي أن الحكمة هنا اإلنجيل. ذهب الطبري أن الحكمة هنا النبوة.
َن ا ْش ُك ْر لِلَّ ِه َو َم ْن َي ْش ُك ْر فَِإَّن َما ان ا ْل ِح ْك َمةَ أ ِ -قوله تعالىَ { :ولَقَ ْد َآتَْيَنا لُ ْق َم َ
يد ([ } )21لقمان.]21 : َي ْش ُك ُر ِلَن ْف ِس ِه َو َم ْن َك َف َر فَِإ َّن اللَّهَ َغنِ ٌّي َح ِم ٌ
ان ا ْل ِح ْك َمةَ } [ لقمان21 : وعن مجاهد أيضا في قوله تعالىَ { :ولَقَ ْد َآتَْيَنا لُ ْق َم َ
55
]" ،يعني :الفقه والعقل واإلصابة في القول في غير نبوة".
ان ا ْل ِح ْك َم َة } [
ويقول مقاتل بن سليمان في تفسير قوله تعالىَ { :ولَقَ ْد َآتَْيَنا لُ ْق َم َ
لقمان :] 21 :أي أعطيناه الفهم والعلم من غير نبوة فهذه نعمة .فقلنا له { :أ ِ
َن ا ْش ُك ْر
لِلَّ ِه } فيما أعطاك من الحكمةَ { ،و َم ْن َي ْش ُك ْر } تعالى في نعمه فيوحده { فَِإَّن َما َي ْش ُك ُر
َّ ِ ِِ
} أي :يعمل الخير { لَن ْفسه } { َو َم ْن َكفَ َر } النعم فلم يوحد ربه سبحانه { فَِإ َّن اللهَ
َغنِ ٌّي َح ِم ٌ
56
يد } أي عن خلقه في سلطانه.
53
تفسير الطبري.681 /12 ،
54
اآللوسي ( ت 2210ه) ":روح البيان" ،دار الفكر – بيروت ،بدون تاريخ.835 / 3 ،
55
تفسير مجاهد ،ص .512وقارن مع تفسير يحيى بن سالم (ت 100ه) ،تقديم وتحقيق :الدكتورة هند شلبي ،ط ،2دار الكتب
العلمية ،بيروت – لبنان 2115 ،هـ 1001 -م.601 /1 ،
56
تفسير مقاتل.181 /8 ،
47
حكمة بالغة
يقول البيضاوي في تفسير هذه اآلية أن اهلل سبحانه أنعم على من آمن مع
الرسول صلّى اهلل عليه وسلّم من قومه وتخصيصهم مع أن نعمة البعثة عامة لزيادة
ث ِفي ِه ْم َر ُسوال ِم ْن أ َْنفُ ِس ِه ْم من نسبهم ،أو من جنسهم عربيا مثلهم
انتفاعهم بها .إِ ْذ َب َع َ
ليفهموا كالم ه بسهولة ويكونوا واقفين على حاله في الصدق واْلمانة مفتخرين به.
والنبي صلى اهلل عليه وسلم من أشرفهم ْلنه عليه السالم كان من أشرف قبائل
آيات القرآن بعد ما كانوا جهاال لم يسمعوا الوحيَ .و العرب وبطونهم .ي ْتلُوا علَ ْي ِهم ِ
َ ْ َ
اب َوا ْل ِح ْك َمةَ } أي ِ
يطهرهم من دنس الطباع وسوء االعتقاد واْلعمالَ { .وُي َعلِّ ُمهُ ُم ا ْلكتَ َ
كانوا من قبل بعثة الرسول صلّى اهلل عليه وسلّم في ضالل
القرآن والسنةَ .وِا ْن ُ
57
ظاهر.
ضلُّو َ
ك ت طَائِفَةٌ ِم ْنهم أَن ي ِ
ُْ ْ ُ ك َوَر ْح َمتُهُ لَهَ َّم ْض ُل اللَّ ِه َعلَ ْي َ -قوله تعالىَ { :ولَ ْوَال فَ ْ
ك ِمن َشي ٍء وأ َْن َز َل اللَّه علَ ْي َ ِ ِ ُّ
اب
ك ا ْلكتَ َ ُ َ ون َ ْ ْ َ ض ُّر َ ون إِ َّال أ َْنفُ َسهُ ْم َو َما َي َُو َما ُيضل َ
ض ُل اللَّ ِه َعلَ ْي َك َع ِظيما (} )228 ان فَ ْ َّ ِ
َوا ْلح ْك َم َة َو َعل َم َك َما لَ ْم تَ ُك ْن تَ ْعلَ ُم َو َك َ
[النساء.] 228 :
اب َوا ْل ِح ْك َمةَ }: يذكر الطبري أن المراد بقوله تعالى { :وأ َْن َز َل اللَّه علَ ْي َ ِ
ك ا ْلكتَ َ ُ َ َ
ومن فضل اهلل عليك ،يا محمد ،صلى اهلل عليه وآله وسلم ،مع سائر ما َّ
تفضل به
عليك من نعمه ،أنه أنزل عليك الكتاب ،وهو القرآن الذي فيه بيان كل شيء وهدى
وموعظة ،والحكمة ،وهي ما كان في الكتاب مجمال ذكره ،من حالله وحرامه ،وأمره
57
البيضاوي ( ت 635ه) :أنوار التنزيل وأسرار التأويل ،تحقيق محمد عبد الرحمن المرعشلي ،ط ،2دار إحياء التراث العربي –
بيروت 2123 ،هـ.61/1 ،
48
حكمة بالغة
58
تفسير الطبري.100 / 1 ،
59
تفسير ابن كثير.861/1 ،
42
حكمة بالغة
من خلقه ِ
غير رسوله صلى اهلل عليه وآله وسلم .ثم قَ َرَن الحكمة بها بكتابه فاتبعها
60
غير رسوله صلى اهلل عليه وآله وسلم. إياه ،ولم يجعل هذا ٍ
ْلحد من خلقه ِ
النساء فَبلَ ْغن أَجلَه َّن فَأَم ِس ُكوه َّن بِمعر ٍ -قوله سبحانه { :وِا َذا ََّ
وف أ َْو ُ َ ُْ ْ طل ْقتُ ُم ِّ َ َ َ َ َ ُ َ
ظلَ َم
ك فَقَ ْد َ ار لِتَ ْعتَ ُدوا َو َم ْن َي ْف َع ْل َذلِ َ ض َر ا وف وَال تُم ِس ُكوه َّن ِ
ُ َ ْ
سِّرحوه َّن بِمعر ٍ
َ ُ ُ َ ُْ
ات اللَّ ِه ُه ُزوا َوا ْذ ُك ُروا نِ ْع َمةَ اللَّ ِه َعلَ ْي ُك ْم َو َما أ َْن َز َل َعلَ ْي ُك ْم
َن ْفسه وَال تَتَّ ِخ ُذوا َآي ِ
َ َُ َ
ٍ ِ ِّ اعلَموا أ َّ َّ َّ ِ ِ َّ ِ ِ ِ ِ ِ ِ
َن اللهَ بِ ُكل َش ْيء َعل ٌ
يم م َن ا ْلكتَاب َوا ْلح ْك َمة َيعظُ ُك ْم به َواتقُوا اللهَ َو ْ ُ
( [ } )182البقرة.]182 :
يقول مقاتل بن سليمان :أي في هؤالء اآليات التي أوحاها اهلل إليك يا محمد
62
(صلى اهلل عليه وآله وسلم).
ال بل إن آيات آخرى من القرآن الكريم قد نزلت تأييدا للمفاهيم السابقة .فبين
مقاتل أن اليهود قد جاد لوا النبي صلى اهلل عليه وسلم بإن في التوراة علم كل شيء
وقال اهلل تبارك وتعالى للنبي صلى اهلل عليه وسلم قل لليهود { َو َما أُوتِيتُ ْم ِم َن ا ْل ِع ْلِم
ِإ َّال َقلِيال } [ اإلسراء ] 35 :عندي كثي ار عندكم وعلم التوراة عندكم كثير ،فقالوا للنبي
60
تفسير االمام الشافعي ( ت 101ه) :جمع وتحقيق ودراسة :د .أحمد بن مصطفى الفرَّان (رسالة دكتوراه) ،ط ،2دار التدمرية -
المملكة العربية السعودية 1006 - 2110 ،م.112 /2 ،
61
محمد بن علي بن محمد بن عبد اهلل الشوكاني اليمني (المتوفى2150 :هـ)" :فتح القدير" ،ط ،2دار ابن كثير ،دار الكلم الطيب -
دمشق ،بيروت 2121 ،هـ.103/2 ،
62
تفسير مقاتل بن سليمان :نفسه.582 /1 ،
31
حكمة بالغة
صلى اهلل عليه وسلم :من قال هذا؟ فو اهلل ما قاله لك إال عدو لنا يعنون جبريل
عليه السالم ،ثم قالوا للنبي صلى اهلل عليه وسلم :خاصة لنا أنا لم نؤت من العلم إال
قليال .فقال النبي صلى اهلل عليه وسلم :بل الناس كلهم عامة .فقالوا للنبي صلى اهلل
عليه وسلم :وال أنت وال أصحابك .فقال :نعم .فقالوا :كيف تجمع بين هاتين؟ تزعم
ير } وتزعم أنك لم تؤت من ت ا ْل ِح ْك َمةَ فَقَ ْد أُوتِ َي َخ ْي ار َكثِ ا
أنك أوتيت الحكمة { َو َم ْن ُي ْؤ َ
العلم إال قليال .فنزل قوله تعالى { :ولَو أََّنما ِفي ْاْلَر ِ ِ
ض م ْن َش َج َرٍة أَ ْق َال ٌم َوا ْلَب ْح ُر َي ُم ُّدهُ ْ َْ َ
63
ات اللَّ ِه } [ لقمان.] 10 : ت َكلِ َم ُ ِم ْن َب ْع ِد ِه َس ْب َعةُ أ َْب ُح ٍر َما َن ِف َد ْ
َّ ِ َّ ِ ِ ِ ِ ِ
-قوله تعالىَ { :وا ْذ ُك ْرَن َما ُي ْتلَى في ُب ُيوتِ ُك َّن م ْن َآَيات الله َوا ْلح ْك َمة إِ َّن اللهَ
ير ([ } )81االحزاب.]81 : ان لَ ِطيفا َخبِ ا
َك َ
ّبين اإلمام الشافعي أن اللَّه تعالى فرض على الناس اتباع وحيه وسنن رسوله
63
تفسير مقاتل بن سليمان .605 ،513/1 ،وانظر تخريج الحديث عند :الترمذي" :الجامع الصحيح" ،تحقيق أحمد محمد شاكر ،دار
الكتب العلمية ،بيروت ،بدون تاريخ ،الصفحة أو الرقم ،8210خالصة حكم المحدث :حسن صحيح غريب من هذا الوجه ،و اْللباني:
"ظالل الجنة في تخريج "السنة" ،الصفحة أو الرقم ، 515 :خالصة حكم المحدث :صحيح ،وابن دقيق العيد" :االقتراح في بيان
االصطالح وما أضيف إلى ذلك من اْلحاديث المعدوة في الصحاح" ،دار الباز ،مكة 2105 ،ه ،الصفحة أو الرقم ،201 :خالصة
حكم المحدث :صحيح ،واْللبا ني" :صحيح سنن الترمذي" ،تحقيق زهير الشاويش ،مكتب التربية العربي لدول الخليج 2103 ،ه،
الصفحة أو الرقم ، 8210خالصة حكم المحدث :إسناده صحيح ،مقبل بن هادي الوادعي" :الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين"،
صحيح اإلسناد ورجاله ثقات ط ،2مكتبة دار القدس ،صنعاء 2122 ،ه ،الصفحة أو الرقم ،231خالصة حكم المحدث:
مشهورون.
35
حكمة بالغة
من أرضى من أهل العلم بالقرآن يقول :الحكمة سنة رسول اهلل صلى اهلل عليه
وسلم" .وهذا يشبه ما قال ،واللَّه أعلم ،بأن القرآن ذكر واتبعته الحكمة ،وذكر اهلل
تعد الحكمة هنا إال سنة
منته على خلقه بتعليمهم الكتاب والحكمة .فلم يجز أن ّ تعالى ّ
رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم وذلك أنها مقرونة مع كتاب اللَّه ،وأن اهلل قد افترض
طاعة رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ،وأوجب على الناس اتباع أمره .فال يجوز أن
مبينة عن
يقال لقول :فرض إال لكتاب اهلل ،ثم سنة رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ّ
وعامه ،ثم قرن الحكمة بكتابه ،فاتبعها إياه ،ولم يجعل
ِّ اهلل ما أراد دليال على خاصه
64
هذا ْلحد من خلقه غير رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم.
ِّين َر ُسوال ِم ْنهُ ْم َي ْتلُو َعلَ ْي ِه ْم َآَياتِ ِه
ث في ْاْل ُِّمي َ
-قوله تعالى { :هو الَِّذي بع َ ِ
ََ َُ
ِ ِ ِ ِ
ين ()1 ض َال ٍل ُمبِ ٍ اب َوا ْلح ْك َمةَ َوِا ْن َك ُانوا م ْن قَْب ُل لَفي َ َوُي َزِّكي ِه ْم َوُي َعلِّ ُمهُ ُم ا ْلكتَ َ
65 ِ ِِ وَآ َخ ِر ِ
يم ([ } )8الجمعة.] 8: ين م ْنهُ ْم لَ َّما َي ْل َحقُوا به ْم َو ُه َو ا ْل َع ِز ُيز ا ْل َحك ُ
َ َ
وعن ابن وهب ،قال :حدثني مالك ،عن زيد بن أسلم في قول اهلل تعالى{ :
َو ُك ًّال َآتَْيَنا ُح ْكما َو ِع ْلما } [ اْلنبياء ،] 01 :قال زيد" :إن الحكمة العقل" .وقال االمام
أمر يدخله اهلل القلوب
مالك" :وانه ليقع في قلبي أن الحكمة هو الفقه في دين اهلل ،و ٌ
66
برحمته وفضله".
صبًِّيا } [ مريم:
وقال ابن وهب :وقال لي مالك في قول اهللَ { :وَآتَْيَناهُ ا ْل ُح ْك َم َ
،]21أي الكتاب والحكمة؛ قال مالك :الحكمة طاعة اهلل والفقه في الدين والعمل به.
وقال مالك أيضا :ومما يبين ذلك أنك [تجد رجال] عاقال في أمر الدنيا ذا نظر فيها
ضعيفا في أمر اهلل وآخرته[ ،وتجد آخر ضعيفا] في أمر دنياه عالما بأمر دينه بصي ار
64
تفسير االمام الشافعي.111 – 188 /2 ،
65
عن كلمة (الحكمة) في القرآن الكريم ،انظر :محمد فؤاد عبد الباقي" :المعجم المفهرس اللفاظ القرآن الكريم بحاشية المصحف
الشريف" ،دار الحديث ،القاهرة ،بدون تاريخ ،ص .121
66
عبد اهلل بن وهب" :تفسير القرآن من الجامع البن وهب".280/2 ،
39
حكمة بالغة
به يؤتيه اهلل [إياه ويحرمه هذا (؟) ] ،فالحكمة :الفقه في دين اهلل .وعن ابن وهب
ت ا ْل ِح ْك َم َة } ،فقال:
قال :وحدثني أيضا ابن زيد عن أبيه في قول اهللَ { :و َم ْن ُي ْؤ َ
67
الحكمة العقل في الدين.
67
تفسير القرآن الجامع البن وهب.260 ،280/2 ،
34
حكمة بالغة
خاتمة
توحيد اهلل سبحانه واخالص العبادة له القضية اْلساسية التي جاء بها القرآن
الكريم.
الحكمة في القرآن الكريم تأتي في سياق إما أن تكون هي الوحي نفسه ،أي
القرآن الكريم أو السنة النبوية ،أو أن تكون الفهم العقلي واالنساني الناتج عن التأمل
في الوحي وتطبيقه .وبهذا يمكن أن نقول أنها تعني التحقق من المفهوم الدقيق لآلية
القرآنية وصوال إلى أقرب داللة للوحي من أجل أن يكون تطبيق هذه الداللة في
الواقع المنظور تطبيقا صحيحا.
وهذه الحكمة تامة كاملة ْلنها حكمة إلهية .وتكتسب هذه الحكمة االسالمية
صفة اإللزام في اْلتباع من اْلمر اإللهي المتكرر بوجوب طاعة اهلل سبحانه وطاعة
رسوله الكريم صلى اهلل عليه وآله وسلم ،وهي م اردفة مرادفة لمعنى اإليمان.
وردت كلمة الحكمة في القرآن الكريم في مواطن عدة ،فهي تعني إصابة الوحي
في القرآن الكريم ،وهي منهاج الدعوة إلى اهلل ،حكمة بالغة ،وموجودة في الميثاق
الذي أخذه اهلل سبحانه على النبيين ،كما هو الحال في الحكمة اإلبراهيمية ،والحكمة
الداوودية ،و الحكمة العيسوية ،و الحكمة المحمدية.
33
حكمة بالغة
31
حكمة بالغة
36
حكمة بالغة
ْلبي حنيفة تأليف محمد بن عبد الرحمن الخميس) ،ط ،2مكتبة الفرقان -
اإلمارات العربية2121 ،هـ 2111 -م.
حسين ،رواء محمود" :العروة الوثقى :مدخل إلى علم الحكمة -25
اإلسالمية" ،ط ،2دار ناشري للنشر اْلليكتروني ،الكويت 2181 ،ه ـ -
1028م .
_______" :شرعة ومنهاج :أصول المنهج العلمي في علم الحكمة -26
اإلسالمية" ،ط ،2دار ناشري للنشر االليكتروني ،الكويت 2185 ،ه ـ -
1021م.
________" :مشكلة النص والعقل في الفلسفة االسالمية :دراسات -20
منتخبة" ،ط ،2دار الكتب العلمية ،بيروت 2110 ،ه – 1006م.
_______" :مدخل إلى حكمة االعجاز القرآني عند االمام النورسي"، -23
مقدم إلى الندوة العالمية الرابعة لألكاديميين الشباب ،مؤسسة اسطمبول
بحث ّ
للثقافة والعلوم ،اسطمبول ،تركيا ،11-18 ،حزيران 1021 ،م.
الرازي ،فخر الدين (ت 606هـ)" :مفاتيح الغيب = التفسير الكبير"، -21
ط ،8دار إحياء التراث العربي – بيروت 2110 ،هـ.
الزمخشري ،أبو القاسم محمود بن عمرو بن أحمد ،جار اهلل (ت -10
583هـ)" :الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل" ،ط ،8دار الكتاب العربي –
بيروت 2100 ،هـ.
السجستاني ،أبو داود سليمان بن االشعث" :سنن أبي داود" ،تحقيق -12
عزت عبيد الدعاس ،ط ،2دار الكتب العلمية ،بيروت 2831 ،ه.
ونسخة أخرى" :سنن أبي داود" ،تحقيق محمد محيي الدين عبد
الحميد ،المكتبة العصرية ،صيدا – بيروت ،بدون تاريخ.
37
حكمة بالغة
38
حكمة بالغة
ابن قيم الجوزية ،محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد شمس الدين -80
(ت 052هـ)" :مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد واياك نستعين" ،محمد
المعتصم باهلل البغدادي ،ط ،8دار الكتاب العربي -بيروت 2126 ،هـ -
2116م.
______" :مفتاح دار السعادة ومنشور والية العلم واإلرادة" ،دار -82
الكتب العلمية – بيروت ،بدون تاريخ.
ابن كثير (ت 001هـ)" :البداية والنهاية" ،تحقيق علي شيري ،ط،2 -81
دار إحياء التراث العربي ،2103 ،هـ 2133 -م.
الماوردي ( ت 150ه) :تفسير الماوردي = النكت والعيون" ،تحقيق -88
السيد ابن عبد المقصود بن عبد الرحيم ،دار الكتب العلمية -بيروت /لبنان،
بدون تاريخ.
مجاهد بن جبر (ت 201هـ)" :تفسير مجاهد" ،تحقيق الدكتور محمد -81
عبد السالم أبو النيل ،ط ،2دار الفكر اإلسالمي الحديثة ،مصر 2120 ،هـ -
2131م.
مسلم بن الحجاج أبو الحسن القشيري النيسابوري (المتوفى162 :هـ): -85
" المسند الصحيح المختصر بنقل العدل عن العدل إلى رسول اهلل صلى اهلل
عليه وسلم" المعروف ب (صحيح مسلم) ،تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي ،دار
إحياء التراث العربي – بيروت ،بدون تاريخ.
مقاتل بن سليمان ،أبو الحسن ،بن بشير اْلزدي البلخى (ت 250هـ): -86
"تفسير مقاتل بن سليمان" ،تحقيق عبد اهلل محمود شحاته ،ط ،2دار إحياء
التراث – بيروت 2118 ،ه.
32
حكمة بالغة
الندوي ،أبو الحسن الحسني " :العقيدة والعبادة والسلوك في ضوء -80
الكتاب والسنة والسيرة النبوية" ،ط ،1دار القلم ،الكويت 2108 ،ه – 2138
م.
النسائي" :المجتبى من السنن" ،المسمى ب (سنن النسائي) ،بيت -83
االفكار الدولية ،االردن ،بدون تاريخ.
النورسي" :إشارات االعجاز في مظان االيجاز" ،ط ، 8سوزلر، -81
القاهرة 1001 ،م.
النووي" :اْلذكار المنتخبة من كالم سيد اْلبرار" ،ط ،2مكتبة المؤيد، -10
2103ه.
الواحدي ( ت 163ه)" :الوسيط في تفسير القرآن المجيد" ،تحقيق -12
وتعليق :الشيخ عادل أحمد عبد الموجود ،الشيخ علي محمد معوض ،الدكتور
أحمد محمد صيرة ،الدكتور أحمد عبد الغني الجمل ،الدكتور عبد الرحمن
عويس ،قدمه وقرظه :اْلستاذ الدكتور عبد الحي الفرماوي ،ط ،2دار الكتب
العلمية ،بيروت -لبنان 2125 ،هـ 2111 -م.
الوادعي ،مقبل بن هادي" :الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين"، -11
ط ،2مكتبة دار القدس ،صنعاء 2122 ،ه.
ابن وهب ،عبد اهلل (ت 210ه)" :تفسير القرآن من الجامع البن -18
وهب" ،تحقيق ميكلوش موراني ،ط ،2دار الغرب االسالمي ،بيروت1008 ،
م.
يحيى بن سالم (ت 100ه) " :تفسير يحيى بن سالم" ،تقديم -11
وتحقيق :الدكتورة هند شلبي ،ط ،2دار الكتب العلمية ،بيروت – لبنان،
2115هـ 1001 -م.
11