You are on page 1of 51

‫ير َوما َي َّذ َّك ُر إََِّّل أُولُو ْاْلَ ْل َب ِ‬

‫اب } (البقرة‪)962 :‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫شاء وم ْن ي ْؤ َ ِ‬ ‫ِ‬


‫{ ُي ْؤِتي ا ْلح ْك َم َة َم ْن َي َ ُ َ َ ُ‬
‫ت ا ْلح ْك َم َة فَقَ ْد أُوت َي َخ ْي ًرا َكث ًا َ‬

‫حكمة بالغة‬
‫اإلعالن عن علم الحكمة في القرآن الكريم‬
‫تأويل إصطالحي‬

‫تأليف‬

‫د‪ .‬رواء محمود حسين‬

‫‪ 5341‬ه – ‪ 9153‬م‬
‫حكمة بالغة‬

‫ير َوما َي َّذ َّك ُر إََِّّل أُولُو ْاْلَ ْل َب ِ‬


‫اب } (البقرة‪)962 :‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫شاء وم ْن ي ْؤ َ ِ‬ ‫ِ‬
‫{ ُي ْؤِتي ا ْلح ْك َم َة َم ْن َي َ ُ َ َ ُ‬
‫ت ا ْلح ْك َم َة فَقَ ْد أُوت َي َخ ْي ًرا َكث ًا َ‬

‫حكمة بالغة‬
‫اإلعالن عن علم الحكمة في القرآن الكريم‬

‫تأويل إصطالحي‬

‫تأليف‬

‫د‪ .‬رواء محمود حسين‬

‫‪5‬‬
‫حكمة بالغة‬

‫حكمة بالغة‬

‫اإلعالن عن علم الحكمة في القرآن‬


‫الكريم‪ :‬تأويل إصطالحي‬

‫رواء محمود حسين‬

‫‪9‬‬
‫حكمة بالغة‬

‫الر ِح ِيم‬ ‫سِم اللَّ ِه َّ‬


‫الر ْح َم ِن َّ‬ ‫ِب ْ‬

‫{ ِح ْك َمةٌ َبالِ َغةٌ فَ َما تُ ْغ ِن ُّ‬


‫الن ُذ ُر }‬

‫[ القمر‪] 5 :‬‬

‫‪4‬‬
‫حكمة بالغة‬

‫اإلهداء‬

‫إلى (أهل القرآن ‪ ...‬أهل اهلل وخاصته)‬

‫الذين هاموا بالقرآن الكريم حبا‬

‫فأشغلوا به نهاراتهم‬

‫وأناروا به ظلمة لياليهم‬

‫واتخذوه منهجا لإليمان وللعمل‬

‫أهدي هذه (الحكمة البالغة)‬

‫‪3‬‬
‫حكمة بالغة‬

‫المقدمة‬

‫إن الحمد هلل‪ ،‬نحمده ونستعينه‪ ،‬ونستغفره‪ .‬ونعوذ باهلل من شرور أنفسنا‪ ،‬ومن‬
‫سيئات أعمالنا‪ ،‬من يهده اهلل فال مضل له‪ ،‬ومن يضلل فال هادي له‪.‬‬

‫وأشهد أن ال إله إال اهلل وحده ال شريك له‪ ،‬وأشهد أن محمدا عبده ورسوله‪.‬‬

‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫{ يا أَُّيها الَِّذين َآم ُنوا اتَّقُوا اللَّه ح َّ ِ ِ‬


‫ق تُقَاته َوَال تَ ُموتُ َّن إِال َوأ َْنتُ ْم ُم ْسل ُم َ‬
‫ون }‪ [ ،‬آل‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ‬
‫عمران‪.] 201 :‬‬

‫ق ِم ْنها َزو َجها وَب َّ‬ ‫ٍ ِ ٍ‬ ‫ِ‬ ‫َِّ‬ ‫الن ُ َّ‬ ‫} َيا أَُّيهَا َّ‬
‫ث‬ ‫اس اتقُوا َرَّب ُك ُم الذي َخلَقَ ُك ْم م ْن َن ْفس َواح َدة َو َخلَ َ َ ْ َ َ‬
‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫َّ َِّ‬ ‫ِم ْنهُ َما ِر َجاال َكثِ ا‬
‫ون بِه َو ْاْل َْر َح َام إِ َّن اللهَ َك َ‬
‫ان َعلَ ْي ُك ْم‬ ‫ير َونِ َساء َواتَّقُوا اللهَ الذي تَ َس َ‬
‫اءلُ َ‬
‫َرِقيبا {‪[ ،‬النساء‪.]2 :‬‬

‫صلِ ْح لَ ُك ْم أ ْ‬
‫َع َمالَ ُك ْم‬ ‫ِ‬
‫َسديدا (‪ُ )00‬ي ْ‬ ‫اللَّهَ َوقُولُوا قَ ْوال‬ ‫ين َآ َم ُنوا اتَّقُوا‬ ‫َِّ‬
‫أَُّيهَا الذ َ‬ ‫} َيا‬
‫فَ ْو از َع ِظيما {‪[ ،‬االحزاب‪– 00 :‬‬ ‫َوَر ُسولَهُ فَقَ ْد فَ َاز‬ ‫ِ َّ‬
‫وب ُك ْم َو َم ْن ُيط ِع اللهَ‬
‫ُذ ُن َ‬ ‫َوَي ْغ ِف ْر لَ ُك ْم‬
‫‪.]02‬‬

‫أما بعد‪:1‬‬

‫‪1‬‬
‫ما تقدم هو خطبة الحاجة سنة نبوية‪ ،‬كان النبي صلى اهلل عليه وآله وسلم يعلمها ْلصحابه‪ .‬أنظر‪ :‬أبو داود سليمان بن االشعث‬
‫السجستاني‪" :‬سنن أبي داود"‪ ،‬تحقيق عزت عبيد الدعاس‪ ،‬ط‪ ،2‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ 2831 ،‬ه‪ ،)1223( ،‬سكت عنه [وقد قال‬
‫في رسالته ْلهل مكة كل ما سكت عنه فهو صالح[‪ ،‬النسائي‪" :‬المجتبى من السنن"‪ ،‬المسمى ب (سنن النسائي)‪ ،‬بيت االفكار الدولية‪،‬‬
‫االردن‪ ،‬بدون تاريخ‪ ،‬باب‪ :‬كيفية الخطبة‪ ،‬حديث (‪] ،)2101‬فيه] أبو عبيدة لم يسمع من أبيه شيئا‪ ،‬ص ‪ ،265‬البيهقي (المتوفى‪:‬‬
‫‪153‬هـ)‪" :‬السنن الكبرى"‪ ،‬دار المعرفة‪ ،‬بيروت‪ 2128 ،‬ه‪ ،261 /0 ،‬غير مرفوع‪ ،‬اْل صبهاني‪" :‬حلية اْلولياء"‪ ،‬تحقيق مصطفى عبد‬
‫القادر عطا‪ ،‬ط‪ ،1‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ 2118 ،‬ه‪( ،103/0 ،‬تفرد به عفان عن شعبة)‪ ،‬النووي‪" :‬اْلذكار المنتخبة من كالم‬
‫سيد اْلبرار"‪ ،‬ط‪ ،2‬مكتبة المؤيد‪ 2103 ،‬ه‪ ،‬ص‪ ،855‬إسناده صحيح‪ ،‬اْللباني‪" :‬ظالل الجنة في تخريج السنة البن أبي عاصم"‪،‬‬

‫‪1‬‬
‫حكمة بالغة‬

‫يعد القرآن الكريم كتاب الحكمة االسالمية اْلول‪ ،‬واالساس الذي تستمد منه‬
‫القيم االسالمية‪ ،‬وهو الصراط المستقيم‪ ،‬والقسطاس القويم الذي يعتمد عليه العقل‬
‫المسلم في فهم ما كان وما يكون وما سيكون‪ ،‬وبه قام المؤمنون أم ار ونهيا طاعة‬
‫قدم القرآن الكريم شبكه هائلة مترابطة من المفاهيم المتعلقة باالبعاد‬
‫وقربة هلل سبحانه‪ّ .‬‬
‫الكبرى‪ :‬التوحيد والنبوة والمعاد‪ ،‬وعلوم الفقه واالحكام والتاريخ والقصص والمستقبليات‬
‫وغيرها‪ ،‬ولذلك فهو المصدر اْلول لعلم الحكمة االسالمية وللعقل المسلم في مناقشة‬
‫كل القضايا التي تعترضه‪.‬‬

‫في هذا الكتيب الموسوم‪" :‬حكمة بالغة‪ :‬اإلعالن عن علم الحكمة في القرآن‬
‫الكريم‪ :‬مقاربة إصطالحية" نعلن‪ ،‬وربما ْلول مرة‪ ،‬عن علم جديد من علوم القرآن‬
‫الكريم‪ ،‬والذي اصطلحنا على تسميته ب(علم الحكمة القرآنية) لينضم إلى بقية العلوم‬
‫القرآنية‪ ،‬ولكي يندفع المتخصصون في الدراسات القرآنية باتجاه المزيد من الكشوفات‬
‫العلمية في مجال الحكمة القرآنية‪.‬‬

‫وهذا العلم‪ ،‬أي (علم الحكمة القرآنية) متفرع باْلصل عن العلم الذي ٍأسميناه‬
‫ب(علم الحكمة اإلسالمية)‪ ،‬إذ يعد كتاب‪" :‬العروة الوثقى‪ :‬مدخل إلى علم الحكمة‬
‫‪2‬‬
‫أول كشف ع لمي لهذا العلم‪ ،‬ومن ثم أعقبته المحاولة الثانية في كتابنا‬ ‫اإلسالمية"‬
‫الموسوم‪" :‬شرعة ومنهاج‪ :‬أصول المنهج العلمي في علم الحكمة ٍ‬
‫اإلسالمية"‪.3‬‬

‫الهدف الرئيس لعلم الحكمة القرآنية أن يقدم التصور اآلتي‪ :‬القرآن الكريم كله‬
‫علم وكله حكمة‪ ،‬ومن ثم يتعين على المتخصصين إعادة اكتشاف علوم جديدة في‬

‫ط‪ ،2‬المكتب االسالمي‪ ،‬بيروت‪ 2100 ،‬ه‪ ،‬ص ‪( ، 155‬الحديث صحيح)‪ ،‬اْللباني‪" :‬خطبة الحاجة‪ :‬التي كان رسول اهلل صلى اهلل‬
‫عليه وسلم يعلمها أصحابه"‪ ،‬ط‪ ، ،2‬مكتبة المعارف للنشر والتوزيع‪ ،‬الرياض‪ 1000 – 2112 ،‬م‪ ،‬ص ‪.8‬‬
‫‪2‬‬
‫ط‪ ،2‬دار ناشري للنشر اْلليكتروني‪ ،‬الكويت‪ 2181 ،‬ه ـ ‪ 1028 -‬م‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫ط‪ ،2‬دار ناشري للنشر االليكتروني‪ ،‬الكويت‪ 2185 ،‬ه ـ ‪ 1021 -‬م‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫حكمة بالغة‬

‫القرآن الكريم بما يساهم في عملية تجديد الدراسات القرآنية‪ ،‬ودفعها إلى مزيد من‬
‫اإلنتاج العلمي‪.‬‬

‫نسأل اهلل سبحانه أن يجعل كل ذلك خالصا لوجهه الكريم‪ ،‬وأن ينفع به الناس‬
‫كافة‪.‬‬

‫رواء محمود حسين‬

‫‪/11‬شوال‪ 2185/‬ه‬

‫‪ 1021/3/15‬م‬

‫‪7‬‬
‫حكمة بالغة‬

‫(‪) 5‬‬

‫مدخل‬

‫ما علم الحكمة القرآنية؟‬

‫توحيد اهلل سبحانه واخالص العبادة له القضية اْلساسية التي جاء بها القرآن‬
‫عدد َولَ ِكن من طَ ِريق انه َال شريك لَهُ لم يلد‬ ‫الكريم‪ .‬فاهلل تَعالَى و ِ‬
‫احد َال من طَ ِريق ا ْل َ‬ ‫َ َ‬
‫َولم ُيولد َولم يكن لَهُ كفوا أحد‪ .‬وهو َال يشبه َشيء من ْاْلَ ْشَياء من خلقه َوَال ُيشبههُ‬
‫‪4‬‬ ‫َشيء من خلقه لم يزل وَال َيزال بأسمائه و ِ‬
‫صفَاته‪.‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬

‫ويبدأ الحديث عن التوحيد في القرآن الكريم منذ أول سورة فيه‪ ،‬أي سورة‬
‫ين‬ ‫ِ‬ ‫الر ِح ِيم (‪)2‬ا ْل َح ْم ُد لِلَّ ِه َر ِّ‬ ‫الر ْح َم ِن َّ‬ ‫الفاتحة‪ .‬فقد قال اهلل تعالى‪ { :‬بِ ْسِم اللَّ ِه َّ‬
‫ب ا ْل َعالَم َ‬
‫ين (‪ )5‬ٱ ْه ِدَنا‬ ‫ِ‬
‫ك َن ْستَع ُ‬ ‫ك َن ْع ُب ُد َوِاَّيا َ‬‫ين (‪ِ )1‬إَّيا َ‬ ‫الر ِح ِيم (‪َ )8‬مالِ ِك َي ْوِم ِّ‬
‫الد ِ‬ ‫الر ْح َم ِن َّ‬‫(‪َّ )1‬‬
‫وب َعلَ ْي ِهم وَال َّ ِّ‬ ‫ض ِ‬ ‫ص ار َ َِّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين‬
‫الضال َ‬ ‫ْ َ‬ ‫ت َعلَ ْي ِه ْم َغ ْي ِر ا ْل َم ْغ ُ‬ ‫ين أ َْن َع ْم َ‬
‫ط الذ َ‬ ‫يم (‪َ )6‬‬ ‫ط ا ْل ُم ْستَق َ‬
‫ِّر َ‬
‫الص َا‬
‫(‪[ })0‬الفاتحة‪.] 0-2 :‬‬

‫فالشكر هلل سبحانه‪ ،‬وهو رب العالمين أي من اْلنس والجن‪ ،‬الرحمن أي‬


‫المترحم‪ ،‬والرحيم أي المتعطف بالرحمة‪ .‬وهو مالك يوم الدين‪ :‬أي يوم الحساب‪ ،‬وقد‬
‫اختص اهلل سبحانه بملك ذلك اليوم ْلن ملوك الدنيا يملكون فيها فأخبر اهلل سبحانه‬

‫أنه لن يملك أحد ذلك اليوم إال هو جل شأنه‪ .‬ولذلك فله وحده العبادة‪ { ،‬إَِّيا َ‬
‫ك َن ْع ُب ُد‬

‫‪4‬‬
‫ينسب ْلبي حنيفة النعمان بن ثابت بن زوطي بن ماه (المتوفى‪250 :‬هـ)‪ :‬الفقه اْلكبر (مطبوع مع الشرح الميسر على الفقهين‬
‫اْلبسط واْلكبر المنسوبين ْلبي حنيفة تأليف محمد بن عبد الرحمن الخميس)‪ ،‬ط‪ ،2‬مكتبة الفرقان ‪ -‬اإلمارات العربية‪2121 ،‬هـ ‪-‬‬
‫‪2111‬م‪ ،‬ص ‪.21‬‬

‫‪8‬‬
‫حكمة بالغة‬

‫}‪ ،‬والتوحيد‪ ،‬وبه وح ده االستعانة سبحانه‪ .‬ولذلك نسأله سبحانه الهداية إلى الصراط‬
‫المستقيم‪ ،‬أي دين االسالم‪ .‬وأن يجنبنا طريق الذين غضب عليهم والذين ضلوا‬
‫‪5‬‬
‫الصراط المستقيم أيضا‪.‬‬

‫ات ا ْل َمطَالِ ِب ا ْل َعالَِي ِة بأبلغ‬ ‫ُمه ِ‬


‫ت َعلَى أ َّ َ‬ ‫ُّورةَ ا ْشتَ َملَ ْ‬ ‫وقد ذكر ابن القيم أ َّ ِ ِ‬
‫َن َهذه الس َ‬
‫اء‪ ،‬مر ِجع ْاْلَسم ِ‬ ‫ك وتَعالَى بِثَ َالثَ ِة أ ٍ‬ ‫ِ‬
‫اء‬ ‫َس َم َ ْ ُ ْ َ‬ ‫ْ‬ ‫ت َعلَى التَّ ْع ِريف بِا ْل َم ْع ُبوِد تََب َار َ َ َ‬ ‫طريقة‪ .‬فَا ْشتَ َملَ ْ‬
‫الر ْح َم ُن‪َ ،‬وُبنَِي ِت‬
‫ب‪َ ،‬و َّ‬ ‫الر ُّ‬‫ات ا ْل ُع ْلَيا إِلَ ْيهَا‪َ ،‬و َم َد ُارَها َعلَ ْيهَا‪َ ،‬و ِه َي‪ :‬اللَّهُ‪َ ،‬و َّ‬
‫ا ْلحسَنى والصِّفَ ِ‬
‫ُْ َ‬
‫ك َن ْع ُب ُد } [الفاتحة‪َ ]5 :‬م ْبنِ ٌّي َعلَى‬ ‫ف { إَِّيا َ‬ ‫الر ْح َم ِة‪َ ،‬‬
‫الرُبوبَِّي ِة‪َ ،‬و َّ‬
‫اإللَ ِهَّي ِة‪َ ،‬و ُّ‬
‫السورةُ َعلَى ِْ‬
‫ُّ َ‬
‫طلَب ا ْل ِه َداي ِة إِلَى الصِّر ِ‬ ‫ك َنستَ ِعين } [الفاتحة‪ ]5 :‬علَى ُّ ِ‬ ‫ِْ ِ‬
‫اط‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫الرُبوبَِّية‪َ ،‬و َ ُ‬ ‫َ‬ ‫اإللَ ِهَّية‪َ { ،‬وِاَّيا َ ْ ُ‬
‫ود ِفي إِلَ ِهَّيتِ ِه‪،‬‬ ‫ور الثَّ َالثَةَ‪ ،‬فَهُ َو ا ْل َم ْح ُم ُ‬ ‫ُم َ‬
‫ض َّم ُن ْاْل ُ‬
‫صفَ ِة َّ ِ‬
‫الر ْح َمة‪َ ،‬وا ْل َح ْم ُد َيتَ َ‬
‫ا ْلمستَِق ِيم بِ ِ‬
‫ُْ‬
‫اء ا ْل ِعَب ِاد‬ ‫ِ‬
‫ات ا ْل َم َعاد‪َ ،‬و َج َز َ‬ ‫‪.‬واشتملت ِإثَْب َ‬ ‫ِ ِّ ِ‬
‫اء َوا ْل َم ْج ُد َك َم َاال ِن ل َجده َ‬
‫َّ‬ ‫ِِ‬ ‫ِِ‬
‫َوُرُبوبَِّيته‪َ ،‬وَر ْح َمته‪َ ،‬والثَن ُ‬
‫ق‪َ ،‬و َك ْو َن‬ ‫ك َب ْي َن ا ْل َخ َالئِ ِ‬ ‫ب تَ َعالَى بِا ْل ُح ْكِم إِ ْذ َذا َ‬ ‫َع َمالِ ِه ْم‪َ ،‬ح َسنِهَا َو َسيِّئِ َها‪َ ،‬وتَفَُّرَد َّ‬
‫الر ِّ‬ ‫بِأ ْ‬
‫ت‬‫ض َّمَن ْ‬‫ين } [الفاتحة‪َ . ]1 :‬وتَ َ‬ ‫الد ِ‬‫ت قَ ْولِ ِه { َمالِ ِك َي ْوِم ِّ‬ ‫ُح ْك ِم ِه بِا ْل َع ْد ِل‪َ ،‬و ُك ُّل َه َذا تَ ْح َ‬
‫ب ا ْلعالَ ِمين‪ ،‬فَ َال يلِ ُ ِ‬ ‫ات ع ِد َ ٍ‬ ‫ات ِمن ِجه ٍ‬ ‫النب َّو ِ‬
‫يق بِه أ ْ‬
‫َن َيتْ ُر َك‬ ‫َ‬ ‫َح ُد َها‪َ :‬ك ْوُنهُ َر َّ َ َ‬ ‫يدة‪ :‬أ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ‬ ‫ات ُّ ُ‬ ‫إِثَْب َ‬
‫ض ُّرُه ْم ِفي ِه َما‪َ ،‬فهَ َذا‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ادهُ ُسدى َه َمال َال ُي َعِّرفُهُ ْم َما َي ْنفَ ُعهُ ْم في َم َعاش ِه ْم َو َم َعاده ْم َو َما َي ُ‬ ‫ِعَب َ‬
‫ق قَ ْد ِرِه َم ْن َن َسَبهُ‬ ‫يق بِ ِه‪ ،‬و َما قَ َد َرهُ َح َّ‬
‫ب تَ َعالَى إِلَى َما َال َيلِ ُ‬ ‫مناف لِ ُّلرُبوبَِّي ِة‪َ ،‬ونِ ْسَبةُ َّ‬
‫الر ِّ‬
‫َ‬
‫ِ ‪6‬‬
‫ِإلَ ْيه‪.‬‬
‫"اسم َجامع لكل َما ُي ِحبهُ اهلل ويرضاه من‬ ‫ادة‪ ،‬أنها‪ْ :‬‬ ‫ولذلك يمكن تعريف ا ْل ِعَب َ‬
‫الح ِديث‬ ‫َّالة و َّ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫ِّيام َوا ْلحج َوصدق َ‬ ‫الزَكاة َوالصَ‬ ‫ْاْلَ ْق َوال واْلعمال ا ْلَباطَنة َوالظاه َرة‪ .‬فَالص َ َ‬
‫وأ ََداء ْاْلَم َانة وبر ا ْلوالِدين وصلَة ْاْلَرحام وا ْلوفَاء بالعهود و ْاْلَمر بِا ْلمعر ِ‬
‫وف َو َّ‬
‫الن ْهي‬ ‫َ ُْ‬ ‫َ‬ ‫َْ َ َ‬ ‫ّ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫‪5‬‬
‫ينظر‪ :‬أبو الحسن مقاتل بن سليمان بن بشير اْلزدي البلخى (ت ‪250‬هـ)‪" :‬تفسير مقاتل بن سليمان"‪ ،‬تحقيق عبد اهلل محمود شحاته‪،‬‬
‫ط‪ ،2‬دار إحياء التراث – بيروت‪ 2118 ،‬هـ‪ ،‬ص ‪.86‬‬
‫‪6‬‬
‫محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد شمس الدين ابن قيم الجوزية (ت ‪052‬هـ)‪" :‬مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد واياك‬
‫نستعين"‪ ،‬محمد المعتصم باهلل البغدادي‪ ،‬ط‪ ،8‬دار الكتاب العربي ‪ -‬بيروت‪ 2126 ،‬هـ ‪2116 -‬م‪.82/2 ،‬‬

‫‪2‬‬
‫حكمة بالغة‬

‫السبِيل والمملوك من‬ ‫اإل ْح َسان ل ْل َجار واليتيم والمسكين َو ْابن َّ‬ ‫ين و ِْ‬ ‫ِِ‬
‫َعن ا ْل ُمنكر ‪َ ..‬وا ْل ُمَنافق َ َ‬
‫ك حب اهلل‬ ‫ادة‪َ ،‬و َك َذِل َ‬
‫اءة وأمثال َذلِك من ا ْل ِعَب َ‬ ‫ِ‬ ‫ْاآل َد ِمّيين والبهائم و ُّ‬
‫الد َعاء َوالذكر َوا ْلق َر َ‬ ‫َ‬
‫َّبر لحكمه و ُّ‬
‫الش ْكر لنعمه‬ ‫وَر ُسوله وخشية اهلل واإلنابة إِلَ ْي ِه واخالص َّ‬
‫الدين لَهُ َوالص ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ضائِ ِه والتوكل َعلَ ْي ِه والرجاء لِ َر ْح َمتِ ِه َوا ْل َخ ْوف من َع َذابه وأمثال َذلِك ِه َي من‬ ‫ضا بِقَ َ‬
‫الر َ‬
‫َو ِّ‬

‫ا ْل ِعَب َ‬
‫‪7‬‬
‫ادة هلل"‪.‬‬

‫اس‬‫الن ُ‬‫لعبوديته‪ ،‬فقد قال تعالى‪َ { :‬يا أَُّيهَا َّ‬ ‫ولذلك أمر اهلل سبحانه باالستجابة‬
‫َِّ‬ ‫َّ‬ ‫ين ِم ْن قَْبلِ ُك ْم‬ ‫َِّ‬ ‫َِّ‬
‫ض‬ ‫ون (‪ )12‬الذي َج َع َل لَ ُك ُم ْاْل َْر َ‬ ‫لَ َعل ُك ْم تَتَّقُ َ‬ ‫اع ُب ُدوا َرَّب ُك ُم الذي َخلَقَ ُك ْم َوالذ َ‬
‫ْ‬
‫َخرج بِ ِه ِمن الثَّمر ِ‬
‫ات ِرْزقا لَ ُك ْم فَ َال تَ ْج َعلُوا‬ ‫ِفراشا والسَّماء بَِناء وأ َْن َز َل ِمن السَّم ِ‬
‫َ ََ‬ ‫فَأ ْ َ َ‬ ‫اء َماء‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ َ‬
‫ون (‪[ } )11‬البقرة‪.] 11 -12 :‬‬ ‫َِّ ِ‬
‫لله أ َْن َدادا َوأ َْنتُ ْم تَ ْعلَ ُم َ‬

‫أي أن اْلمر اإللهي هو باالستكانة‪ ،‬وافراد الربوبية له والعبادة دون اْلوثان‬


‫وخالق َم ْن قبلهم من‬
‫ُ‬ ‫واْلصنام واآللهة‪ ،‬والخضوع له بالطاعة‪ْ .‬لنه تعالى هو خالقهم‬
‫وخالق أصنامهم وأوثانهم وآلهتهم‪ .‬فقال لهم سبحانه‪ :‬فالذي خلقكم‬
‫ُ‬ ‫آبائهم وأجدادهم‪،‬‬
‫ونفعكم ‪ -‬أولى‬
‫ضركم َ‬
‫يقدر على ّ‬
‫غيركم‪ ،‬وهو ُ‬
‫وسائر الخلق َ‬
‫َ‬ ‫أجدادكم‬
‫وخلق آباءكم و َ‬
‫‪8‬‬
‫ضر‪.‬‬
‫بالطاعة ممن ال يقدر لكم على َنفع وال ّ‬

‫ولذلك يبنغي أن نقول أن أجل علم أخذ عن اْلنبياء عليهم الصالة والسالم‬
‫معرفة اهلل تعالى وعلم ذاته وصفاته وأفعاله‪ ،‬وذلك علم يختص باْلنبياء عليهم‬
‫الصالة والسالم‪ْ ،‬لنه علم ليست له وسائل أو اآلت‪ ،‬أو تجارب عند البشر‪ ،‬وال‬

‫‪7‬‬
‫تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السالم بن عبد اهلل بن أبي القاسم بن محمد ابن تيمية الحراني الحنبلي الدمشقي‬
‫(ت ‪ 013‬هـ)‪" :‬العبودية"‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد زهير الشاويش‪ ،‬الطبعة السابعة المجددة‪ ،‬المكتب اإلسالمي – بيروت‪2116 ،‬هـ ‪1005 -‬م‪،‬‬
‫(هذه الرسالة مطبوعة أيضا ضمن "مجموع الفتاوى" ‪ ،211/20‬وفي "الفتاوى الكبرى" ‪ ،)255/5‬ص ‪.11‬‬
‫‪8‬‬
‫محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب اآلملي‪ ،‬أبو جعفر الطبري (ت ‪820‬هـ)‪ :‬جامع البيان في تأويل القرآن"‪ ،‬تحقيق أحمد‬
‫محمد شاكر‪ ،‬ط‪ ،2‬مؤسسة الرسالة‪ 2110 ،‬هـ ‪ 1000 -‬م‪.861 /2 ،‬‬

‫‪51‬‬
‫حكمة بالغة‬

‫يتناوله القياس أو يستفاد بالفطنة والذكاء‪ ،‬فاهلل تعالى منزه عن مشابهة اْلشباه‬
‫والنظائر‪ ،‬وهو بعيد عما عرفه البشر من عالم الحس والتجربة‪ .‬علم التوحيد هو‬
‫أجمل علم وقف عنده االنسان‪ْ ،‬لنه االساس للعقائد واالخالق والمدنية وهو الذي به‬
‫يعرف االنسان نفسه‪ ،‬ويفك لغز الكون ويكشف عن سر الحياة‪ ،‬وبه يعرف االنسان‬
‫مركزه في هذا الكون‪ ،‬ويضع منهاج حياته‪ ،‬ويحدد غاياته في ثقة وبصيرة‪ ،‬ووضوح‬
‫‪9‬‬
‫ويقين‪.‬‬
‫وقد تضمنت سورة الفاتحة اإلشارة إلى (الصراط المستقيم)‪ ،‬وقد ذكر الطبري في‬
‫تأويله عن عبد اهلل بن عباس أنه قال‪ :‬قال جبريل لمحمد صلى اهلل عليه وآله وسلم‪:‬‬
‫يم } ‪ .‬يقول‪ :‬ألهمنا الطريق الهادي‪ .‬والهامه‬ ‫ِ‬ ‫" قل‪ ،‬يا محمد { ٱ ْه ِدَنا الص َا‬
‫ِّرطَ ا ْل ُم ْستَق َ‬
‫ينْ }‪ ،‬في أنه َمسألةُ‬ ‫ِ‬ ‫نظير معنى قوله‪ { :‬إَِّيا َ‬
‫ك َن ْستَع ُ‬ ‫إياه ذلك‪ ،‬هو توفيقه له‪ .‬ومعناه ُ‬
‫أمره به‬
‫التوفيق للثبات على العمل بطاعته‪ ،‬واصابة الحق والصواب فيما َ‬ ‫َ‬ ‫العبد رَّبه‬
‫ونهاه عنه‪ ،‬فيما َيستَقبِ ُل من ُع ُمره‪ ،‬دون ما قد مضى من أعماله‪ .‬كما في قوله‪{ :‬‬
‫ين }‪ ،‬مسألةٌ منه رَّبه المعونةَ على أداء ما قد كلَّفه من طاعته‪ ،‬فيما بقي‬ ‫ِ‬
‫ك َن ْستَع ُ‬‫ِإَّيا َ‬
‫وحدك ال شريك لك‪ ،‬مخلصين لك‬ ‫نعبد َ‬‫اللهم إياك ُ‬
‫ّ‬ ‫فكان معنى الكالم‪:‬‬
‫َ‬ ‫من ُع ُمره‪.‬‬
‫العبادةَ دون ما ِسواك من اآللهة واْلوثان‪ِ ،‬‬
‫فأعَّنا على عبادتك‪ ،‬ووفِّقنا لما تحب‬ ‫َ‬
‫‪10‬‬
‫وترضى‪.‬‬
‫الناس ي ُخوضون ِفي اْلَح ِاد ِ‬ ‫ِ‬ ‫ال‪ :‬مرر ُ ِ‬ ‫ِ‬
‫يث‬ ‫َ‬ ‫الم ْس ِجد َفِإ َذا َّ ُ َ ُ َ‬ ‫ت في َ‬ ‫الح ِارث‪ ،‬قَ َ َ َ ْ‬ ‫َع ْن َ‬
‫اضوا ِفي‬ ‫اس قَ ْد َخ ُ‬ ‫َن َّ‬
‫الن َ‬ ‫ين‪ ،‬أ ََال تََرى أ َّ‬ ‫ِ‬
‫الم ْؤ ِمن َ‬
‫ِ‬
‫ت‪َ :‬يا أَم َير ُ‬ ‫ت َعلَى َعلِ ٍّي‪ ،‬فَ ُق ْل ُ‬ ‫فَ َد َخ ْل ُ‬
‫صلَّى‬ ‫ت رس َ َّ ِ‬
‫ول الله َ‬
‫ِ‬
‫َما إِِّني قَ ْد َسم ْع ُ َ ُ‬ ‫ت‪َ :‬ن َع ْم‪ .‬قَا َل‪ :‬أ َ‬ ‫وها؟ ُق ْل ُ‬ ‫اْل ِ ِ‬
‫َحاديث‪ ،‬قَا َل‪َ :‬وقَ ْد فَ َعلُ َ‬ ‫َ‬
‫الم ْخ َرُج ِم ْنهَا َيا َر ُسو َل اللَّ ِه؟‬
‫ت‪َ :‬ما َ‬ ‫ون ِفتَْنةٌ» ‪ .‬فَقُ ْل ُ‬ ‫ِ َّ‬
‫اللهُ َعلَ ْيه َو َسل َم َيقُو ُل‪« :‬أَ َال إَِّنهَا َستَ ُك ُ‬
‫َّ‬

‫‪9‬‬
‫أبو الحسن الحسني الندوي‪ " :‬العقيدة والعبادة والسلوك في ضوء الكتاب والسنة والسيرة النبوية"‪ ،‬ط‪ ،1‬دار القلم‪ ،‬الكويت‪ 2108 ،‬ه –‬
‫‪ 2138‬م‪ ،‬ص ‪.50‬‬
‫‪10‬‬
‫تفسير الطبري‪.266/2 ،‬‬

‫‪55‬‬
‫حكمة بالغة‬

‫ص ُل لَ ْي َس‬ ‫َّ ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬


‫اب الله فيه َنَبأُ َما قَْبلَ ُك ْم َو َخَب ُر َما َب ْع َد ُك ْم‪َ ،‬و ُح ْك ُم َما َب ْيَن ُك ْم‪َ ،‬و ُه َو الفَ ْ‬ ‫قَا َل‪ " :‬كتَ ُ‬
‫َضلَّهُ اللَّهُ‪َ ،‬و ُه َو‬ ‫ِ‬
‫ص َمهُ اللهُ‪َ ،‬و َم ْن ْابتَ َغى الهُ َدى في َغ ْي ِرِه أ َ‬
‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بِالهَ ْزل‪َ ،‬م ْن تََرَكهُ م ْن َجَّب ٍار قَ َ‬
‫يم‪ُ ،‬ه َو الَِّذي َال تَ ِزيغُ بِ ِه‬ ‫ِ‬
‫الم ْستَق ُ‬
‫ِّرطُ ُ‬ ‫يم‪َ ،‬و ُه َو الص َا‬ ‫ِ‬
‫الحك ُ‬
‫الذ ْك ُر َ‬ ‫َحْب ُل اللَّ ِه المتِين‪ ،‬و ُهو ِّ‬
‫َ ُ َ َ‬
‫ق َعلَى َكثَْرِة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اء‪[ ،‬ص‪َ ]208:‬وَال َي ْخلَ ُ‬ ‫اء‪َ ،‬وَال تَْلتَبِ ُس بِه اْلَْلسَنةُ‪َ ،‬وَال َي ْشَبعُ م ْنهُ ُ‬
‫العلَ َم ُ‬ ‫َه َو ُ‬
‫اْل ْ‬
‫ضي َع َجائِ ُبهُ‪ُ ،‬ه َو الَِّذي لَ ْم تَْنتَ ِه ال ِج ُّن ِإ ْذ َس ِم َعتْهُ َحتَّى قَالُوا‪ِ { :‬إَّنا َس ِم ْعَنا‬ ‫الرِّد‪ ،‬وَال تَْنقَ ِ‬
‫َّ َ‬
‫ق‪َ ،‬و َم ْن َع ِم َل بِ ِه‬ ‫ِ‬
‫الر ْشد } [الجن‪َ ]1 -2:‬م ْن قَا َل بِه َ‬
‫ص َد َ‬ ‫قُ َرآنا عجبا (‪ )2‬يه ِدي إِلَى ُّ ِ‬
‫َْ‬ ‫ْ ََ‬
‫ك َيا‬ ‫اط ُم ْستَِق ٍيم " ُخ ْذ َها إِلَ ْي َ‬
‫صر ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِِ‬
‫أُج َر‪َ ،‬و َم ْن َح َك َم به َع َد َل‪َ ،‬و َم ْن َد َعا إلَ ْيه َه َدى إلَى َ‬
‫ِ‬

‫الح ِار ِث‬


‫ادهُ َم ْجهُو ٌل‪َ ،‬وِفي َ‬ ‫الو ْج ِه َوِا ْسَن ُ‬ ‫ِ َّ ِ‬
‫يب َال َن ْع ِرفُهُ إال م ْن َه َذا َ‬ ‫َع َوُر‪َ « :‬ه َذا َح ِد ٌ‬
‫يث َغ ِر ٌ‬ ‫أْ‬
‫‪11‬‬
‫َمقَا ٌل»‪.‬‬

‫ت رسو َل اللَّ ِه َّ َّ‬ ‫ِ‬


‫صلى اللهُ‬ ‫َ‬ ‫وعن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم أنه قال‪َ :‬سم ْع ُ َ ُ‬
‫صفَ ْي ِن‪،‬‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم َيقُو ُل‪ " :‬قَا َل اللَّهُ تَ َعالَى‪ :‬قَ َس ْم ُ‬
‫َّالةَ َب ْيني َوَب ْي َن َع ْبدي ن ْ‬ ‫ت الص َ‬
‫ب‬‫وم ا ْل َع ْب ُد فََيقُو ُل‪ { :‬ا ْل َح ْم ُد لِلَّ ِه َر ِّ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫صفُهَا ل َع ْبدي‪َ ،‬ول َع ْبدي َما َسأَ َل‪َ .‬يقُ ُ‬
‫ِ‬
‫صفُهَا لي َونِ ْ‬
‫ِ‬
‫فَن ْ‬
‫الر ِح ِيم } َفَيقُو ُل اللَّهُ‪ :‬أَثَْنى‬ ‫ين } فََيقُو ُل اللَّهُ‪َ :‬ح ِم َدنِي َع ْب ِدي‪َ .‬فَيقُو ُل { َّ‬
‫الر ْح َم ِن َّ‬ ‫ِ‬
‫ا ْل َعالَم َ‬
‫ين } فََيقُو ُل‪َ :‬م َّج َدنِي َع ْب ِدي َو َه َذا لِي‪َ ،‬وَب ْينِي َوَب ْي َن‬ ‫الد ِ‬ ‫َعلَ َّي َع ْب ِدي‪ .‬فََيقُو ُل { َم ِال ِك َي ْوِم ِّ‬
‫ُّورِة لِ َع ْب ِدي‪َ ،‬ولِ َع ْب ِدي َما‬ ‫ِ‬
‫ين } [الفاتحة‪َ ]5 :‬وآخ ُر الس َ‬
‫ِ‬
‫ك َن ْستَع ُ‬ ‫َع ْب ِدي { إَِّيا َ‬
‫ك َن ْع ُب ُد َوِاَّيا َ‬
‫ت َعلَ ْي ِه ْم َغ ْي ِر‬ ‫ين أ َْن َع ْم َ‬ ‫ص ار َ َِّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َسأَ َل‪َ ،‬يقُو ُل‪ { :‬ٱ ْه ِدَنا الص َا‬
‫ط الذ َ‬ ‫يم (‪َ )6‬‬ ‫ط ا ْل ُم ْستَق َ‬ ‫ِّر َ‬
‫ين (‪[ })0‬الفاتحة‪َ « :" ]0 :‬ه َذا َح ِد ٌ‬ ‫وب َعلَ ْي ِهم وَال َّ ِّ‬ ‫ض ِ‬
‫‪12‬‬
‫يث َح َس ٌن»‪.‬‬ ‫الضال َ‬ ‫ْ َ‬ ‫ا ْل َم ْغ ُ‬

‫‪ 11‬محمد بن عيسى بن َس ْورة بن موسى بن الضحاك‪ ،‬الترمذي‪ ،‬أبو عيسى (ت ‪101‬هـ)‪" :‬سنن الترمذي"‪ ،‬تحقيق وتعليق‪ :‬أحمد محمد‬
‫شاكر (جـ ‪)1 ،2‬ومحمد فؤاد عبد الباقي (جـ ‪ )8‬وابراهيم عطوة عوض المدرس في اْلزهر الشريف (جـ ‪ ،)5 ،1‬ط‪ ،1‬شركة مكتبة‬
‫ومطبعة مصطفى البابي الحلبي ‪ -‬مصر‪ 2815 ،‬هـ ‪ 2105 -‬م‪ ،201 /5 ،‬حديث (‪ ،)1601‬وقارن مع تفسير القرطبي‪.5/2 ،‬‬
‫‪12‬‬
‫سنن الترمذي‪ ،102 /5 ،‬حديث (‪ ،)1158‬وقارن‪ :‬مع القرطبي ( ت ‪ 602‬ه)‪" :‬الجامع ْلحكام القرآن = تفسير القرطبي"‪ ،‬تحقيق‬
‫‪ :‬أحمد البردوني وابراهيم أطفيش‪ ،‬ط‪ ،1‬دار الكتب المصرية ‪ -‬القاهرة ‪2831 ،‬هـ ‪ 2161 -‬م ‪.11 /2 ،‬‬

‫‪59‬‬
‫حكمة بالغة‬

‫ِ‬ ‫ال‪ :‬سأَْل ُ ِ‬ ‫ٍ‬ ‫وعن أبي َسلَ َمةَ ْب ُن َع ْب ِد َّ‬


‫ين‪،‬‬‫ت َعائ َشةَ أ َُّم ا ْل ُم ْؤ ِمن َ‬ ‫الر ْح َم ِن ْب ِن َع ْوف‪ ،‬قَ َ َ‬
‫ت‪:‬‬ ‫ص َالتَهُ ِإ َذا قَ َام ِم َن اللَّْي ِل؟ قَالَ ْ‬ ‫ِ َّ ِ‬ ‫هلل َّ‬‫َي َشي ٍء َكان نبِ ُّي ا ِ‬ ‫ِ‬
‫صلى اهللُ َعلَ ْيه َو َسل َم َي ْفتَت ُح َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫بأ ِّ ْ‬
‫يل‪ ،‬و ِمي َكائِي َل‪ ،‬وِاسرِافي َل‪ ،‬فَ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ َّ ِ‬
‫اط َر‬ ‫َ َْ‬ ‫ب َج ْب َرائ َ َ‬ ‫ص َالتَهُ‪« :‬اللهُ َّم َر َّ‬ ‫ان إِ َذا قَ َام م َن اللْيل ا ْفتَتَ َح َ‬
‫َك َ‬
‫ك ِفيما َك ُانوا ِف ِ‬
‫يه‬ ‫ِ ِ‬ ‫اد ِة‪ ،‬أ َْن َ‬ ‫َعالِم ا ْل َغ ْي ِب و َّ‬ ‫الس ِ‬
‫ات و ْاْل َْر ِ‬
‫َب ْي َن عَباد َ َ‬ ‫ت تَ ْح ُك ُم‬ ‫الشهَ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ض‪،‬‬ ‫َّم َاو َ‬‫َ‬
‫صر ٍ‬
‫اط‬ ‫ِ‬ ‫تَ ْه ِدي م ْن تَ َش ُ ِ‬ ‫ق بِِإ ْذنِ َك‪ ،‬إَِّن َ‬
‫يه ِم َن ا ْل َح ِّ‬
‫ف ِف ِ‬ ‫اختُلِ َ‬ ‫اه ِدنِي ِل َما‬ ‫ِ‬
‫اء إلَى َ‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫ْ‬ ‫ون‪ْ ،‬‬
‫َي ْختَلفُ َ‬
‫‪13‬‬
‫ُم ْستَِق ٍيم»‪.‬‬
‫فع ْن‬
‫ولذلك جاء في فضل سورة الفاتحة من كتاب اهلل سبحانه الشيء العجيب‪َ ،‬‬
‫صلَّى‬ ‫النبِ ُّي َ‬ ‫ُصلِّي‪ ،‬فَ َد َعانِي َّ‬ ‫تأ َ‬ ‫الم َعلَّى‪ ،‬قَا َل‪ُ :‬ك ْن ُ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫ص ْب ِن َعاصم‪َ ،‬ع ْن أَبي َسعيد ْب ِن ُ‬
‫ٍِ‬ ‫َح ْف ِ‬

‫ُصلِّي‪ ،‬قَا َل‪ " :‬أَلَ ْم َي ُق ِل اللَّهُ‪:‬‬ ‫تأ َ‬ ‫ول اللَّ ِه إِِّني ُك ْن ُ‬ ‫ت‪َ :‬يا َر ُس َ‬ ‫اهللُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم َفلَ ْم أُ ِج ْبهُ‪ُ ،‬ق ْل ُ‬
‫ورٍة ِفي القُ ْر ِ‬
‫آن قَْب َل‬ ‫ظ َم ُس َ‬
‫َع َ‬ ‫ك أْ‬ ‫ُعلِّ ُم َ‬
‫ال أ َ‬
‫ال‪« :‬أَ َ‬ ‫ول إِ َذا َد َعا ُك ْم؟ "‪ ،‬ثَُّم قَ َ‬ ‫استَ ِج ُيبوا لِلَّ ِه ولِ َّلرس ِ‬
‫َ ُ‬ ‫ْ‬
‫ول اللَّ ِه‪ِ ،‬إَّن َك‬‫ت‪َ :‬يا َر ُس َ‬ ‫َن َن ْخ ُرَج‪ُ ،‬ق ْل ُ‬ ‫أَن تَ ْخرج ِمن المس ِج ِد» ‪ ،‬فَأ َ ِ‬
‫َخ َذ بَِيدي‪َ ،‬فلَ َّما أ ََرْدَنا أ ْ‬ ‫ْ َُ َ َ ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الح ْم ُد لِلَّ ِه َر ِّ‬ ‫ورٍة ِم َن القُ ْر ِ‬ ‫ُعلِّ َمَّن َ‬
‫ين‪ ،‬ه َي الس َّْبعُ‬ ‫العالَم َ‬
‫ب َ‬ ‫آن» قَا َل‪َ « :‬‬ ‫َعظَ َم ُس َ‬ ‫ك أْ‬ ‫ت‪َْ « :‬ل َ‬ ‫قُ ْل َ‬
‫‪14‬‬
‫يم الَِّذي أُوتِيتُهُ»‪.‬‬ ‫المثَانِي‪ ،‬والقُرآن ِ‬
‫العظ ُ‬ ‫َ ْ ُ َ‬ ‫َ‬

‫في المفهوم الدقيق للحكمة القرآنية‪:‬‬

‫‪13‬‬
‫مسلم بن الحجاج أبو الحسن القشيري النيسابوري (المتوفى‪162 :‬هـ)‪ " :‬المسند الصحيح المختصر بنقل العدل عن العدل إلى رسول‬
‫اهلل صلى اهلل عليه وسلم" المعروف ب (صحيح مسلم)‪ ،‬تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي‪ ،‬دار إحياء التراث العربي – بيروت‪ ،‬بدون تاريخ‪،‬‬
‫‪ ،581 /2‬حديث (‪.)110‬‬
‫‪14‬‬
‫محمد بن إسماعيل أبو عبداهلل البخاري الجعفي‪" :‬الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم وسننه‬
‫وأيامه = صحيح البخاري"‪ ،‬تحقيق محمد زهير بن ناصر الناصر‪،‬ط‪ ،2‬دار طوق النجاة (مصورة عن السلطانية بإضافة ترقيم ترقيم‬
‫محمد فؤاد عبد الباقي)‪2111 ،‬ه[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع‪ ،‬وهو ضمن خدمة التخريج‪ ،‬ومتن مرتبط بشرحيه فتح الباري البن رجب‬
‫والبن حجر]‪ ،‬مع الكتاب‪ :‬شرح وتعليق د‪ .‬مصطفى ديب البغا أستاذ الحديث وعلومه في كلية الشريعة ‪ -‬جامعة دمشق‪ ،‬كالتالي‪ :‬رقم‬
‫الحديث (والجزء والصفحة) في ط البغا‪ ،‬يليه تعليقه‪ ،‬ثم أطرافه‪ ،230 /6 ،‬حديث (‪.)5006‬‬

‫‪54‬‬
‫حكمة بالغة‬

‫الحكمة في القرآن الكريم‪ ،‬وبحسب ما ذهب إليه المفسرون‪ ،‬تأتي في سياق إما‬
‫أن تكون هي الوحي نفسه‪ ،‬أي القرآن الكريم أو السنة النبوية‪ ،‬أو أن تكون الفهم‬
‫العقلي واالنساني الناتج عن التأمل في الوحي وتطبيقه‪ .‬وبهذا يمكن أن نقول فهي‬
‫إصابة القرآن الكريم‪ ،‬أي التحقق من المفهوم الدقيق لآلية القرآنية وصوال إلى أقرب‬
‫داللة للوحي من أجل أن يكون تطبيق هذه الداللة في الواقع المنظور تطبيقا‬
‫صحيحا‪.‬‬
‫وقد أجاب الشافعي في كتابه‪" :‬الرسالة" عن السؤال اآلتي‪ :‬فَ َّإنا َن ِج ُد ِمن‬
‫أحاديث في القَُرآن ِم ْثلُها َنصًّا‪،‬‬
‫َ‬ ‫رسول اهلل صلى اهلل عليه وآله وسلم‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اْلحاديث َعن‬
‫أكثر ِم َّما في القَُرآن‪ ،‬وأخرى ليس‬ ‫أخ َرى في القَُرآن مثلُها ُج ْملة‪ ،‬وفي اْلحاديث منها َ‬
‫وْ‬
‫سوخة‪ ،‬وأخرى‬ ‫وم ْن َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫منها شيء في القَُرآن‪ ،‬وأخرى ُمتَفقَةٌ‪ ،‬وأخرى ُم ْختلفةٌ‪ :‬ناسخة َ‬
‫ناسخ وال منسوخ‪ ،‬وأخرى فيها َن ْه ٌي ِلرسول اهلل‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫مختلفة‪ :‬ليس فيها ِداللةٌ على‬
‫نه ٌي‪ ،‬فتقولون‪َ :‬ن ْه ُيه وأمره على‬‫عنه َح َرٌام‪ ،‬وأخرى لرسول اهلل فيها ْ‬
‫فتقولون‪ :‬ما َن َهى ْ‬
‫الم ْختَلِفة ِمن اْلحاديث دون‬ ‫بعض ُ‬
‫ِ‬
‫االختيار ال على التَّ ْحريم‪ ،‬ثم َن ِج ُدكم تذهبون إلى ْ‬
‫بعضا‬ ‫ِ ِ‬ ‫بع ِ‬ ‫ِ‬ ‫بع ٍ‬
‫ياسكم عليها‪ ،‬وتَ ْت ُركون ْ‬ ‫ض َحديثه‪ ،‬ثم َي ْختَلف ق ُ‬ ‫يسون على ْ‬ ‫ض‪ ،‬ونجدكم تَق ُ‬ ‫ْ‬
‫فال تَِقيسون عليه‪ ،‬فَما ح َّجتُ ُكم في القياس وتَرِكه؟ ثم ت ْفتَ ِرقون بعد ذلك‪ِ :‬‬
‫فمن ُك ْم َم ْن‬ ‫ْ‬ ‫َ ُ ْ‬
‫إسنادا ِمنه‪ .‬فأجاب الشافعي‪:‬‬ ‫ف ْ‬‫َض َع َ‬
‫ك وأ ْ‬ ‫ْخذ بمثل الذي تََر َ‬ ‫ويأ ُ‬
‫الشيء َ‬
‫َ‬ ‫َيتْ ُرك ِمن حديثه‬
‫كتاب اهلل في‬ ‫َ‬
‫كل ما س َّن رسو ُل اهلل مع ِكتاب اهلل ِمن ٍ‬
‫سنة فهي ُم َو ِافقة‬ ‫ََ‬ ‫َ‬
‫فقلت له‪ُّ :‬‬ ‫ُ‬
‫ِ ِ‬ ‫الج ْملة بالتَّْب ِي ِ‬ ‫ِّ ِ ِ ِ‬
‫الج ْملة‪.‬‬
‫أكثر تَ ْفسي ار من ُ‬ ‫التبيين يكون َ‬
‫ين َعن اهلل‪ ،‬و ُ‬ ‫النص بِم ْثله‪ ،‬وفي ُ‬
‫أم ِره تَِب ْعَناه‪ .‬وأما‬
‫عامة في ْ‬ ‫كتاب اهلل فبِفرض اهلل طاعتَه َّ‬ ‫نص ِ‬ ‫وما َس َّن ِم َّما ليس فيه ُّ‬

‫الح ْك َم في ِكتابه بالحكم ْ‬


‫غي ِره من‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الناسخةُ والمنسوخة م ْن حديثه فهي كما َن َس َخ اهللُ ُ‬

‫‪53‬‬
‫حكمة بالغة‬

‫ت‬
‫كتب ُ‬
‫بعض ما ْ‬
‫َ‬ ‫رسول اهلل تُْن َس ُخ بِسنتِه‪ .‬وَذ َك ْر ُ‬
‫ت له‬ ‫ِ‬ ‫أم ِره‪ ،‬وكذلك سنةُ‬
‫كتابه عامة في ْ‬
‫‪15‬‬
‫ت‪.‬‬‫ص ْف ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫إيضاح ما َو َ‬
‫في كتابي َقْب َل هذا من َ‬
‫وهذه الحكمة تامة كاملة ْلنها حكمة إلهية‪ .‬وكمالها يأتي من كمال الدين‬
‫ت لَ ُك ْم ِد َين ُك ْم } [المائدة‪ ،] 8 :‬وبهذا فالحكمة‬ ‫نفسه‪ ،‬فقد قال اهلل تعالى‪ { :‬ا ْلَي ْوَم أَ ْك َم ْل ُ‬
‫الزْه ِريُّ‪ ،‬قَا َل‪َ :‬س ِم ْع ُ‬
‫ت َق ْي َس ْب َن أَبِي‬ ‫االسالمية موضع اغتباط اإلنسان المسلم‪ ،‬فعن ُّ‬

‫صلَّى اهللُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم‪" :‬الَ‬


‫النبِ ُّي َ‬ ‫َع ْب َد اللَّ ِه ْب َن َم ْس ُعوٍد قَ َ‬
‫ال‪َ :‬قا َل َّ‬ ‫ت‬‫َح ِازٍم‪ ،‬قَا َل‪َ :‬س ِم ْع ُ‬
‫ِِ ِ‬ ‫َّ‬
‫َح َس َد إِ َّال ِفي اثَْنتَْي ِن‪:‬‬
‫ق‪َ ،‬وَر ُج ٌل‬ ‫َر ُج ٌل آتَاهُ اللهُ َماال فَ ُسلِّطَ َعلَى [ص‪َ ]16:‬هلَ َكته في َ‬
‫الح ِّ‬
‫الح ْكم َة فَهو ي ْق ِ‬
‫ضي بِهَا َوُي َعلِّ ُمهَا"‪ .‬سواء حين تطلق على القرآن الكريم‪ ،‬أو‬ ‫آتَاه اللَّه ِ‬
‫َ َُ َ‬ ‫ُ ُ‬
‫على السنة النبوية‪ ،‬أو الدين‪ ،‬أو الفقه‪ ،‬أو إصابة الوحي في القول والعمل‪ ،‬أو العلم‬
‫‪16‬‬
‫بأحكام الشريعة وتطبيقها‪.‬‬

‫تكتسب هذه الحكمة االسالمية صفة اإللزام في اْلتباع من اْلمر اإللهي‬


‫المتكرر بوجوب طاعة اهلل سبحانه وطاعة رسوله الكريم صلى اهلل عليه وآله وسلم‪،‬‬
‫ِ‬ ‫الر ُسو َل فَِإ ْن تََولَّ ْوا فَِإ َّن اللَّهَ َال ُي ِح ُّ‬
‫يعوا اللَّهَ َو َّ‬ ‫ِ‬
‫ب ا ْل َكاف ِر َ‬
‫ين‬ ‫فقد قال اهلل تعالى‪ُ { :‬ق ْل أَط ُ‬
‫الر ُسو َل } [ آل عمران‪:‬‬ ‫يعوا اللَّهَ َو َّ‬ ‫ِ‬
‫(‪[ } )81‬آل عمران‪ ،] 81 :‬وقال سبحانه‪َ { :‬وأَط ُ‬
‫الر ُسو َل َوأُولِي ْاْل َْم ِر‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َِّ‬
‫يعوا َّ‬ ‫يعوا اللهَ َوأَط ُ‬ ‫‪ ،]281‬وقال سبحانه‪َ { :‬يا أَُّيهَا الذ َ‬
‫ين َآ َم ُنوا أَط ُ‬
‫ون بِاللَّ ِه َوا ْلَي ْوِم‬ ‫الرس ِ‬
‫ول إِ ْن ُك ْنتُ ْم تُ ْؤ ِم ُن َ‬
‫َّ ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫م ْن ُك ْم فَِإ ْن تََن َاز ْعتُ ْم في َش ْيء فَ ُرُّدوهُ إِلَى الله َو َّ ُ‬
‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ْاآلَ ِخ ِر َذلِ َ‬
‫يعوا اللهَ‬ ‫َح َس ُن تَأ ِْويال (‪ [ } )51‬النساء‪ ،]51 :‬وقال تعالى‪َ { :‬وأَط ُ‬ ‫ك َخ ْيٌر َوأ ْ‬
‫ِ‬ ‫َِّ‬ ‫ِ‬
‫يعوا‬
‫ين َآ َم ُنوا أَط ُ‬ ‫اح َذ ُروا } [المائدة‪ ،] 11 :‬وقال تعالى‪َ { :‬يا أَُّيهَا الذ َ‬ ‫الر ُسو َل َو ْ‬ ‫يعوا َّ‬ ‫َوأَط ُ‬
‫ون (‪[ } )10‬اْلنفال‪.] 10 :‬‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬
‫اللهَ َوَر ُسولَهُ َوَال تََول ْوا َع ْنهُ َوأ َْنتُ ْم تَ ْس َم ُع َ‬

‫‪15‬‬
‫الشافعي ( ت ‪ 101‬ه)‪" :‬الرسالة"‪ ،‬تحقيق أحمد شاكر‪ ،‬ط‪ ،2‬مكتبه الحلبي‪ ،‬مصر‪2853 ،‬هـ‪2110/‬م‪ ،‬ص ‪.120‬‬
‫‪16‬‬
‫البخاري‪" :‬الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم وسننه وأيامه = صحيح البخاري"‪،15 /2 ،‬‬
‫حديث (‪.)08‬‬

‫‪51‬‬
‫حكمة بالغة‬

‫صلَّى اهللُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم قَا َل‪:‬‬ ‫َّ ِ‬


‫َن َر ُسو َل الله َ‬ ‫ضي اللَّهُ َع ْنهُ‪ ،‬أ َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫و َع ْن أَبي ُه َرْي َرةَ َر َ‬
‫‪17‬‬
‫ب إِلَ ْي ِه ِم ْن َوالِ ِد ِه َوَولَ ِد ِه»‪.‬‬
‫َح َّ‬ ‫َح ُد ُك ْم َحتَّى أَ ُك َ‬
‫ون أ َ‬ ‫«فَ َوالَِّذي َن ْف ِسي بَِي ِد ِه‪َ ،‬‬
‫ال ُي ْؤ ِم ُن أ َ‬
‫وبهذا المعنى بالذات فالحكمة القرآنية مرادفة لمعنى اإليمان‪ ،‬فعن أَبِي ُه َرْي َرةَ‪،‬‬
‫اس‪ ،‬فَأَتَاهُ َر ُج ٌل‪ ،‬فَقَا َل‪َ :‬يا‬ ‫صلَّى اهللُ َعلَ ْي ِه و َسلَّم َي ْوما َب ِار از لِ َّلن ِ‬ ‫ِ‬
‫َ َ‬ ‫ان َر ُسو ُل اهلل َ‬ ‫قَا َل‪َ :‬ك َ‬
‫اإليمان؟ قَا َل‪« :‬أَن تُؤ ِمن بِ ِ‬
‫اهلل‪َ ،‬و َم َالئِ َكتِ ِه‪َ ،‬و ِكتَابِ ِه‪َ ،‬وِلقَائِ ِه‪َ ،‬وُر ُسلِ ِه‪،‬‬ ‫ِ‬
‫ْ ْ َ‬ ‫َر ُسو ُل اهلل‪َ ،‬ما ِْ َ ُ‬
‫َن تَ ْع ُب َد اهللَ‪،‬‬ ‫اإل ْس َالم؟ قَا َل‪ِْ « :‬‬ ‫وتُؤ ِمن بِا ْلبع ِث ْاآل ِخ ِر» ‪ ،‬قَا َل‪ :‬يا رسو َل ِ‬
‫اهلل‪ ،‬ما ِْ‬
‫اإل ْس َال ُم أ ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ َُ‬ ‫َ ْ َ َْ‬
‫ي َّ‬ ‫ِ‬ ‫وَال تُ ْش ِر َ ِ ِ‬
‫وم‬
‫ص َ‬ ‫وضةَ‪َ ،‬وتَ ُ‬ ‫الزَكاةَ ا ْل َم ْف ُر َ‬ ‫وبةَ‪َ ،‬وتُ َؤِّد َ‬
‫َّالةَ ا ْل َم ْكتُ َ‬
‫يم الص َ‬‫ك به َش ْيئا‪َ ،‬وتُق َ‬ ‫َ‬
‫ك إِ ْن َال‬ ‫َن تَ ْع ُب َد اهللَ َكأََّن َك تََراهُ‪ ،‬فَِإَّن َ‬ ‫رمضان» قَا َل‪ :‬يا رسو َل ِ‬
‫اهلل‪ ،‬ما ِْ‬
‫ان؟ قَا َل‪« :‬أ ْ‬ ‫اإل ْح َس ُ‬ ‫َ‬ ‫َ َُ‬ ‫ََ َ َ‬
‫َّاعةُ؟ قَا َل‪َ " :‬ما ا ْل َم ْس ُئو ُل َع ْنهَا بِأ ْ‬
‫َعلَ َم‬ ‫اهلل‪َ ،‬متَى الس َ‬ ‫ال‪َ :‬يا َر ُسو َل َ‬ ‫ك» ‪ ،‬قَ َ‬ ‫تََراهُ فَِإَّنهُ َي َار َ‬
‫ك ِمن أَ ْشر ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اطهَا‪،‬‬ ‫ك َع ْن أَ ْش َراطهَا‪ :‬إ َذا َولَ َدت ْاْل ََمةُ َرَّبهَا‪ ،‬فَ َذا َ ْ َ‬ ‫م َن السَّائ ِل‪َ ،‬ولَك ْن َسأ َ‬
‫ُح ِّدثُ َ‬
‫اء ا ْلَب ْهِم ِفي‬ ‫ِ‬
‫ك م ْن أَ ْش َراطهَا‪َ ،‬وِا َذا تَطَ َاو َل ِرَع ُ‬
‫اس‪ ،‬فَ َذا َ ِ‬ ‫الن ِ‬‫وس َّ‬ ‫ِ‬
‫َوِا َذا َك َانت ا ْل ُع َراةُ ا ْل ُحفَاةُ ُرُء َ‬
‫صلَّى اهللُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم‪:‬‬ ‫َّ‬
‫إِال اهللُ‪ ،‬ثَُّم تَ َال َ‬ ‫س َال َي ْعلَ ُمهُ َّن‬ ‫اطهَا ِفي َخ ْم ٍ‬ ‫ك ِمن أَ ْشر ِ‬
‫ان‪ ،‬فَ َذا َ ْ َ‬ ‫ا ْل ُب ْنَي ِ‬
‫َما ِفي ْاْل َْر َح ِام َو َما تَ ْد ِري َن ْف ٌس َما َذا‬ ‫َّاع ِة َوُيَنِّز ُل ا ْل َغ ْي َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ث َوَي ْعلَ ُم‬ ‫{إِ َّن اهلل ع ْن َدهُ ع ْل ُم الس َ‬
‫يم َخبِ ٌير} [لقمان‪ " ]81 :‬قَا َل‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وت إِ َّن اهللَ َعل ٌ‬ ‫ض تَ ُم ُ‬ ‫ب َغدا َو َما تَ ْد ِري َن ْف ٌس بِأ ِّ‬
‫َي أ َْر ٍ‬ ‫تَ ْكس ُ‬
‫َخ ُذوا‬ ‫الر ُج َل» ‪ ،‬فَأ َ‬ ‫صلَّى اهللُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم‪ُ « :‬رُّدوا َعلَ َّي َّ‬ ‫ِ‬
‫ال َر ُسو ُل اهلل َ‬ ‫الر ُج ُل‪ ،‬فَقَ َ‬‫ثَُّم أ َْدَب َر َّ‬
‫اء لِ ُي َعلِّ َم‬ ‫ِ َّ‬ ‫اهلل َّ‬‫لِيرُّدوه‪َ ،‬فلَم يروا َشيئا‪ ،‬فَ َقا َل رسو ُل ِ‬
‫صلى اهللُ َعلَ ْيه َو َسل َم‪َ « :‬ه َذا ِج ْب ِري ُل َج َ‬ ‫َ‬ ‫َُ‬ ‫َُ ُ ْ ََ ْ ْ‬
‫‪18‬‬
‫اس ِد َينهُ ْم»‪.‬‬ ‫َّ‬
‫الن َ‬
‫صلَّى اهللُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم َع ْن‬ ‫ِ‬ ‫ٍِ‬
‫َل َر ُسو َل اهلل َ‬ ‫َمالك‪ ،‬قَا َل‪ُ :‬ن ِه َينا أ ْ‬
‫َن ْسأ َ‬
‫َن‬ ‫س ْب ِن‬ ‫وع ْن أََن ِ‬
‫َ‬
‫َه ِل ا ْلَب ِادَي ِة ا ْل َع ِاق ُل‪ ،‬فََي ْسأَلَهُ‪َ ،‬وَن ْح ُن َن ْس َمعُ‪،‬‬
‫أْ‬‫الر ُج ُل ِم ْن‬ ‫َن َي ِج َ‬
‫يء َّ‬ ‫أْ‬ ‫ان ُي ْع ِج ُبَنا‬ ‫ٍ‬
‫َش ْيء‪ ،‬فَ َك َ‬
‫ا ْلَب ِادَي ِة‪ ،‬فَقَا َل‪َ :‬يا ُم َح َّم ُد‪ ،‬أَتَ َانا َر ُسولُ َ‬
‫ك فَ َزَع َم لََنا أََّن َك تَْزُع ُم أ َّ‬
‫َن اهللَ‬ ‫اء َر ُج ٌل ِم ْن أ ْ‬
‫َه ِل‬ ‫فَ َج َ‬
‫‪17‬‬
‫نفسه‪ ،21 /2 ،‬حديث (‪.)21‬‬
‫‪18‬‬
‫مسلم بن الحجاج ‪" :‬المسند الصحيح المختصر بنقل العدل عن العدل إلى رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم"‪ ،‬تحقيق محمد فؤاد عبد‬
‫الباقي"‪ ،‬دار إحياء التراث العربي – بيروت‪ ،‬حديث (‪.)5‬‬

‫‪56‬‬
‫حكمة بالغة‬

‫ق‬
‫اء؟ قَا َل‪« :‬اهللُ» ‪ ،‬قَا َل‪ :‬فَ َم ْن َخلَ َ‬ ‫َّم َ‬
‫ق الس َ‬ ‫ق» ‪ ،‬قَا َل‪ :‬فَ َم ْن َخلَ َ‬ ‫ص َد َ‬
‫ك‪ ،‬قَا َل‪َ « :‬‬ ‫أ َْر َسلَ َ‬
‫ب َه ِذ ِه ا ْل ِجَبا َل‪َ ،‬و َج َع َل ِفيهَا َما َج َع َل؟ قَا َل‪:‬‬ ‫صَ‬ ‫ال‪« :‬اهللُ» ‪ ،‬قَا َل‪ :‬فَ َم ْن َن َ‬ ‫ض؟ قَ َ‬ ‫ْاْل َْر َ‬
‫ك؟‬‫ال‪ ،‬آللَّهُ أ َْر َسلَ َ‬
‫ب َه ِذ ِه ا ْل ِجَب َ‬
‫صَ‬‫ض‪َ ،‬وَن َ‬‫ق ْاْل َْر َ‬‫اء‪َ ،‬و َخلَ َ‬
‫َّم َ‬
‫ق الس َ‬ ‫«اهللُ» ‪ ،‬قَا َل‪َ :‬فبِالَِّذي َخلَ َ‬
‫ات ِفي َي ْو ِمَنا‪َ ،‬ولَْيلَتَِنا‪ ،‬قَا َل‪:‬‬
‫َخمس صلَو ٍ‬
‫َْ ََ‬ ‫َن َعلَ ْيَنا‬ ‫ك أ َّ‬‫قَا َل‪َ« :‬ن َع ْم» ‪ ،‬قَا َل‪َ :‬وَزَع َم َر ُسولُ َ‬
‫بِهَ َذا؟ قَا َل‪َ« :‬ن َع ْم» ‪ ،‬قَا َل‪َ :‬وَزَع َم َر ُسولُ َ‬
‫ك‬ ‫ك‬‫َم َر َ‬ ‫ق» ‪ ،‬قَا َل‪ :‬فَبِالَِّذي أَرسلَ َ َّ‬
‫ك‪ ،‬آللهُ أ َ‬ ‫َْ‬ ‫ص َد َ‬
‫« َ‬
‫ك بِهَ َذا؟‬
‫َم َر َ‬ ‫ال‪ :‬فَبِالَِّذي أَرسلَ َ َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫أ َّ‬
‫ك‪ ،‬آللهُ أ َ‬ ‫َْ‬ ‫ق» ‪ ،‬قَ َ‬ ‫ص َد َ‬‫َن َعلَ ْيَنا َزَكاة في أ َْم َوالَنا‪ ،‬قَا َل‪َ « :‬‬
‫ان ِفي َسَنتَِنا‪ ،‬قَا َل‪:‬‬ ‫ص ْوَم َش ْه ِر َرَم َ‬
‫ض َ‬ ‫َن َعلَ ْيَنا َ‬ ‫ك أ َّ‬ ‫قَا َل‪َ« :‬ن َع ْم» ‪ ،‬قَا َل‪َ :‬وَزَع َم َر ُسولُ َ‬
‫ك بِهَ َذا؟ قَا َل‪َ« :‬ن َع ْم» ‪ ،‬قَا َل‪َ :‬وَزَع َم َر ُسولُ َ‬
‫ك‬ ‫َم َر َ‬ ‫ق» ‪ ،‬قَا َل‪ :‬فَبِالَِّذي أَرسلَ َ َّ‬
‫ك‪ ،‬آللهُ أ َ‬ ‫َْ‬ ‫ص َد َ‬
‫« َ‬
‫ق» ‪ ،‬قَا َل‪ :‬ثَُّم َولَّى‪ ،‬قَا َل‪:‬‬ ‫اع إِلَ ْيه َسبِيال‪ ،‬قَا َل‪َ « :‬‬
‫ص َد َ‬ ‫َن علَ ْيَنا ح َّج ا ْلب ْي ِت م ِن استَطَ َ ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫أ َّ َ‬
‫صلَّى اهللُ َعَل ْي ِه‬
‫النبِ ُّي َ‬ ‫ص ِم ْنهُ َّن‪ ،‬فَقَ َ‬
‫ال َّ‬ ‫يد َعلَ ْي ِه َّن‪َ ،‬وَال أ َْنقُ ُ‬
‫ق‪َ ،‬ال أ َِز ُ‬ ‫َب َعثَ َك بِا ْل َح ِّ‬ ‫َوالَِّذي‬
‫‪19‬‬
‫ق لََي ْد ُخَل َّن ا ْل َجَّنةَ»‪.‬‬‫ص َد َ‬ ‫ِ‬ ‫َو َسلَّ َم‪:‬‬
‫«لَئ ْن َ‬
‫ول ِ‬ ‫ض لِرس ِ‬ ‫ِ‬
‫اهلل‬ ‫َع َاربًِّيا َع َر َ َ ُ‬ ‫وب أ َّ‬
‫َن أ ْ‬ ‫ال‪َ :‬ح َّدثَني أ َُبو أَُّي َ‬‫وسى ْب ُن طَ ْل َحةَ‪ ،‬قَ َ‬ ‫وعن ُم َ‬
‫ال‪َ :‬يا‬ ‫ط ِام َناقَتِ ِه ‪ -‬أَو بِ ِزم ِ‬
‫امهَا ثَُّم قَ َ‬ ‫َخ َذ بِ ِخ َ‬
‫صلَّى اهللُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم َو ُه َو ِفي َسفَ ٍر‪ ،‬فَأ َ‬
‫ْ َ‬ ‫َ‬
‫اع ُدنِي ِم َن َّ‬
‫الن ِار‪،‬‬ ‫َخبِرنِي بِما يقَِّربنِي ِمن ا ْلجَّن ِة‪ ،‬وما يب ِ‬ ‫ِ‬
‫َ َ َ َ َُ‬ ‫َ ُ ُ‬ ‫َر ُسو َل اهلل ‪ -‬أ َْو َيا ُم َح َّم ُد ‪ -‬أ ْ ْ‬
‫ق‪ ،‬أ َْو‬ ‫ال‪« :‬لَقَ ْد ُوفِّ َ‬ ‫َص َحابِ ِه‪ ،‬ثَُّم قَ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ َّ‬
‫صلى اهللُ َعلَ ْيه َو َسل َم‪ ،‬ثَُّم َنظَ َر في أ ْ‬
‫النبِ ُّي َّ‬
‫َ‬ ‫ف َّ‬‫قَا َل‪ :‬فَ َك َّ‬

‫صلَّى اهللُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم‪« :‬تَ ْع ُب ُد‬ ‫النبِ ُّي َ‬


‫ال َّ‬‫اد‪ ،‬فَقَ َ‬
‫َع َ‬
‫ت؟ قَا َل‪ :‬فَأ َ‬ ‫ف ُق ْل َ‬‫ي» ‪ ،‬قَا َل‪َ :‬ك ْي َ‬ ‫ِ‬
‫لَقَ ْد ُهد َ‬
‫‪20‬‬
‫الر ِح َم‪َ ،‬د ِع َّ‬
‫الناقَةَ»‪.‬‬ ‫ص ُل َّ‬ ‫الزَكاةَ‪ ،‬وتَ ِ‬
‫َ‬
‫َّالةَ‪ ،‬وتُ ْؤتِي َّ‬
‫يم الص َ َ‬
‫ِ‬ ‫اهلل َال تُ ْش ِر ُ ِ ِ‬
‫ك به َش ْيئا‪َ ،‬وتُق ُ‬ ‫َ‬
‫صلَّى اهللُ َعلَ ْي ِه‬ ‫ِ ِ‬ ‫اس‪ ،‬قَا َل‪ :‬قَ ِدم وْف ُد َع ْب ِد ا ْلقَ ْي ِ‬ ‫وعن ْاب ِن َعَّب ٍ‬
‫س َعلَى َر ُسول اهلل َ‬ ‫َ َ‬
‫ك ُكفَّ ُار‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬
‫ت َب ْيَنَنا‪َ ،‬وَب ْيَن َ‬
‫يعةَ‪َ ،‬وقَ ْد َحالَ ْ‬ ‫َو َسل َم‪ ،‬فَقَالُوا‪َ :‬يا َر ُسو َل اهلل‪ ،‬إَِّنا َه َذا ا ْل َح َّي م ْن َربِ َ‬
‫ص إِلَ ْي َك إِ َّال ِفي َش ْه ِر ا ْل َح َرِام‪ ،‬فَ ُم ْرَنا بِأ َْم ٍر َن ْع َم ُل بِ ِه‪َ ،‬وَن ْد ُعو إِلَ ْي ِه َم ْن‬
‫ض َر‪ ،‬فَ َال َن ْخلُ ُ‬
‫ُم َ‬

‫‪19‬‬
‫صحيح مسلم‪ ،12 /2 ،‬حديث (‪.)20‬‬
‫‪20‬‬
‫نفسه‪ ،11 /2 ،‬حديث (‪.)21‬‬

‫‪57‬‬
‫حكمة بالغة‬

‫ان بِ ِ‬
‫اهلل "‪ ،‬ثَُّم فَس ََّرَها لَهُ ْم‪ ،‬فَقَ َ‬
‫ال‪:‬‬ ‫يم ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫آم ُرُك ْم بأ َْرَب ٍع‪َ ،‬وأ َْنهَا ُك ْم َع ْن أ َْرَب ٍع‪ْ :‬اإل َ‬
‫اءَنا‪ ،‬قَا َل‪ُ " :‬‬‫َوَر َ‬
‫الزَك ِاة‪َ ،‬وأ َّ‬
‫َن‬ ‫اء َّ‬ ‫َّال ِة‪ ،‬وِايتَ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َن َال إِلَهَ إِ َّال اهللُ َوأ َّ‬ ‫« َشه َ ِ‬
‫َن ُم َح َّمدا َر ُسو ُل اهلل‪َ ،‬وِاقَام الص َ َ‬ ‫ادة أ ْ‬ ‫َ‬
‫ف ِفي‬ ‫الن ِق ِ‬
‫ير‪َ ،‬وا ْل ُمقََّي ِر» َز َاد َخلَ ٌ‬ ‫الدَّب ِ‬
‫اء‪َ ،‬وا ْل َح ْنتَِم‪َ ،‬و َّ‬ ‫تُ َؤُّدوا ُخ ُم َس َما َغنِ ْمتُ ْم‪ ،‬وأ َْنهَا ُك ْم َع ِن ُّ‬
‫َ‬
‫‪21‬‬ ‫اد ِة أَن َال إِلَه إِ َّال اهلل» ‪ ،‬وعقَ َد و ِ‬ ‫ِِ‬
‫اح َدة‪.‬‬ ‫ُ ََ َ‬ ‫َ‬ ‫ِرَو َايته‪َ « :‬شهَ َ ْ‬
‫كما إن وهذه الحكمة القرآنية حكمة واضحة ظاهرة جلية ال لبس فيها وال إشكال‪،‬‬
‫ت‪ :‬قَ أَر رسو ُل اللَّ ِه َّ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِِ‬
‫صلى اهللُ‬ ‫َ‬ ‫فعن ا ْلقَاسم ْب ِن ُم َح َّمد‪َ ،‬ع ْن َعائ َشةَ َرض َي اللهُ َع ْنهَا‪ ،‬قَالَ ْ َ َ ُ‬
‫ات } [آل‬ ‫ات ُم ْح َك َم ٌ‬ ‫اب ِم ْنهُ َآَي ٌ‬ ‫ِ‬ ‫َِّ‬ ‫ِ َّ ِ ِ‬
‫َعلَ ْيه َو َسل َم َهذه ْاآلَيةَ { ُه َو الذي أ َْن َز َل َعلَ ْي َك ا ْلكتَ َ‬
‫صلَّى اهللُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم «فَِإ َذا‬ ‫َّ ِ‬
‫ت‪ :‬فَقَا َل َر ُسو ُل الله َ‬ ‫اب } قَالَ ْ‬ ‫عمران‪ ]0 :‬إِلَى { أُولُو ْاْلَْلَب ِ‬

‫ين َس َّمى اللَّهُ فَ ْ‬ ‫ِ َِّ‬ ‫ِ‬


‫ين َيتَّبِ ُع َ‬
‫َِّ‬
‫‪22‬‬
‫وه ْم»‪.‬‬
‫اح َذ ُر ُ‬ ‫ون َما تَ َش َابهَ م ْنهُ‪ ،‬فَأُولَئ َك الذ َ‬ ‫َأرَْيتُ ُم الذ َ‬
‫ومن ثم فال حصر وال عد لفضائل القرآن الحكيم التي منها‪:‬‬

‫البقَ َرِة‪َ ،‬وفَ َر ُسهُ َم ْرُبوطَةٌ‬ ‫ِ َّ ِ‬ ‫عن أ ِ‬


‫ورةَ َ‬ ‫ض ْي ٍر‪ ،‬قَا َل‪َ :‬ب ْيَن َما ُه َو َي ْق َأُر م َن اللْيل ُس َ‬
‫ُس ْيد ْب ِن ُح َ‬ ‫َْ َ‬
‫ت َو َس َكتَ ِت الفَ َر ُس‪ ،‬ثَُّم‬ ‫ت‪ ،‬فَقَ َأَر فَ َجالَ ِت الفَ َر ُس‪ ،‬فَ َس َك َ‬ ‫ِع ْن َدهُ‪ ،‬إِ ْذ َجالَ ِت الفَ َر ُس فَ َس َك َ‬
‫ت فَ َس َكتَ ْ‬
‫ق أَن تُ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اجتََّرهُ‬
‫ص َيبهُ َفلَ َّما ْ‬ ‫ان ْاب ُنهُ َي ْحَيى قَ ِريبا م ْنهَا‪ ،‬فَأَ ْشفَ َ ْ‬ ‫ف‪َ ،‬و َك َ‬ ‫ص َر َ‬‫قَ َأَر فَ َجالَت الفَ َر ُس فَ ْان َ‬
‫صلَّى اهللُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم‬
‫النبِ َّي َ‬
‫ث َّ‬ ‫َصَب َح َح َّد َ‬
‫َفلَ َّما أ ْ‬ ‫َّماء‪َ ،‬حتَّى َما َي َر َ‬
‫اها‪،‬‬ ‫رفَع أرْسه إِلَى الس ِ‬
‫َ‬ ‫َ َ َ َُ‬
‫َّ ِ‬ ‫ض ْي ٍر‪ ،‬قَا َل‪ :‬فَأَ ْشفَ ْق ُ‬ ‫ض ْي ٍر‪ ،‬ا ْق َ ْأر َيا ْاب َن‬
‫َن تَطَأَ‬ ‫ت َيا َر ُسو َل الله أ ْ‬ ‫ُح َ‬ ‫فَقَا َل‪ :‬ا ْق َ ْأر َيا ْاب َن ُح َ‬
‫ْسي إِلَى السَّم ِ‬
‫اء‪ ،‬فَِإ َذا‬ ‫ت أر ِ‬ ‫ْسي فَ ْانصرْف ُ ِ ِ‬ ‫ت أر ِ‬ ‫ي ْحيى‪ ،‬و َك ِ‬
‫َ‬ ‫ت إلَ ْيه‪ ،‬فَ َرفَ ْع ُ َ‬ ‫ََ‬ ‫ان م ْنهَا قَ ِريبا‪ ،‬فَ َرفَ ْع ُ َ‬
‫َ َ َ َ‬
‫َُّّ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ك؟» ‪،‬‬ ‫اها‪ ،‬قَا َل‪َ « :‬وتَ ْد ِري َما َذا َ‬ ‫ت َحتَّى الَ أ ََر َ‬‫يح‪ ،‬فَ َخ َر َج ْ‬ ‫صابِ ِ‬‫الم َ‬ ‫م ْث ُل الظلة فيهَا أ َْمثَا ُل َ‬
‫اس إِلَ ْيهَا‪،‬‬ ‫ت َي ْنظُ ُر َّ‬ ‫ص ْوتِ َك‪َ ،‬وَل ْو قَ َأر َ‬ ‫ال‪« :‬تِْل َك المالَئِ َكةُ َدَن ْ ِ‬
‫الن ُ‬ ‫َصَب َح ْ‬
‫ْت َْل ْ‬ ‫تل َ‬ ‫َ‬ ‫ال‪ ،‬قَ َ‬
‫قَا َل‪َ :‬‬

‫‪21‬‬
‫صحيح مسلم‪ ،16 /2 ،‬حديث (‪ ،)18‬وانظر‪ :‬نفسه‪ ،10 /2 ،‬حديث (‪.)11‬‬
‫الس ِج ْستاني (المتوفى‪105 :‬هـ)‪" :‬سنن أبي داود"‪،‬‬
‫أبو داود سليمان بن اْلشعث بن إسحاق بن بشير بن شداد بن عمرو اْلزدي ِّ‬ ‫‪22‬‬

‫تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد‪ ،‬المكتبة العصرية‪ ،‬صيدا – بيروت‪ ،213/1 ،‬حديث (‪.)1513‬‬

‫‪58‬‬
‫حكمة بالغة‬

‫يث َع ْب ُد اللَّ ِه ْب ُن َخَّب ٍ‬


‫اب‪َ ،‬ع ْن أَبِي‬ ‫الح ِد َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الَ تَتََو َارى م ْنهُ ْم» ‪ ،‬قَا َل ْاب ُن الهَاد‪َ :‬و َح َّدثَني َه َذا َ‬
‫‪23‬‬
‫ض ْي ٍر‪.‬‬ ‫ي‪ ،‬عن أ ِ‬ ‫َس ِع ٍيد ُ‬
‫ُس ْيد ْب ِن ُح َ‬
‫الخ ْد ِر ِّ َ ْ َ‬
‫صلَّى اهللُ َعلَ ْي ِه‬ ‫النبِ ِّي َ‬ ‫ي‪َ ،‬ع ِن َّ‬ ‫وسى اْلَ ْش َع ِر ِّ‬ ‫ٍِ‬
‫وعن أََن ُس ْب ُن َمالك‪َ ،‬ع ْن أَبِي ُم َ‬
‫ب‪َ ،‬والَِّذي الَ‬ ‫طِّي ٌ‬
‫يحهَا َ‬ ‫ِّب‪َ ،‬وِر ُ‬
‫طي ٌ‬‫ط ْع ُمهَا َ‬ ‫آن‪َ :‬كاْلُتْ ُرَّج ِة َ‬ ‫َِّ‬ ‫َّ‬
‫َو َسل َم قَا َل‪َ " :‬مثَ ُل الذي َي ْق َأُر القُ ْر َ‬
‫آن‪َ :‬ك َمثَ ِل‬ ‫َِّ‬
‫يح لَهَا‪َ ،‬و َمثَ ُل الفَا ِج ِر الذي َي ْق َأُر القُ ْر َ‬ ‫ِّب َوالَ ِر َ‬
‫طي ٌ‬ ‫ط ْع ُمهَا َ‬ ‫آن‪َ :‬كالتَّ ْم َرِة َ‬
‫َي ْق َأُر القُ ْر َ‬
‫الح ْنظَلَ ِة‬
‫آن‪َ :‬ك َمثَ ِل َ‬
‫ِّب‪ ،‬وطَعمها مٌّر‪ ،‬ومثَ ُل الفَ ِ َِّ‬
‫اج ِر الذي الَ َي ْق َأُر القُ ْر َ‬ ‫طي ٌ َ ْ ُ َ ُ َ َ‬ ‫يحهَا َ‬ ‫َّ ِ‬
‫الرْي َح َانة ِر ُ‬
‫‪24‬‬
‫طَ ْع ُمهَا ُمٌّر‪َ ،‬والَ ِر َ‬
‫يح لَهَا "‪.‬‬
‫الناس ي ُخوضون ِفي اْلَح ِاد ِ‬ ‫ِ‬ ‫وعن الح ِار ِث‪ ،‬قَا َل‪ :‬مرر ُ ِ‬
‫يث‬ ‫َ‬ ‫الم ْس ِجد فَِإ َذا َّ ُ َ ُ َ‬ ‫ت في َ‬ ‫ََ ْ‬ ‫َْ َ‬
‫اضوا ِفي‬ ‫اس قَ ْد َخ ُ‬ ‫الن َ‬ ‫َن َّ‬ ‫ين‪ ،‬أ ََال تََرى أ َّ‬ ‫ِ‬
‫الم ْؤ ِمن َ‬
‫ِ‬
‫ت‪َ :‬يا أَم َير ُ‬ ‫ت َعلَى َعلِ ٍّي‪ ،‬فَ ُق ْل ُ‬ ‫فَ َد َخ ْل ُ‬
‫صلَّى‬ ‫ت رس َ َّ ِ‬
‫ول الله َ‬
‫ِ‬
‫َما إِِّني قَ ْد َسم ْع ُ َ ُ‬ ‫ت‪َ :‬ن َع ْم‪ .‬قَا َل‪ :‬أ َ‬ ‫وها؟ ُق ْل ُ‬ ‫اْل ِ ِ‬
‫َحاديث‪ ،‬قَا َل‪َ :‬وقَ ْد فَ َعلُ َ‬ ‫َ‬
‫الم ْخ َرُج ِم ْنهَا َيا َر ُسو َل اللَّ ِه؟‬ ‫ت‪َ :‬ما َ‬ ‫ون ِف ْتَنةٌ» ‪ .‬فَ ُق ْل ُ‬ ‫ِ َّ‬
‫اللهُ َعلَ ْيه َو َسل َم َيقُو ُل‪« :‬أ ََال إَِّنهَا َستَ ُك ُ‬
‫َّ‬

‫ص ُل لَ ْي َس‬ ‫َّ ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬


‫اب الله فيه َنَبأُ َما قَْبلَ ُك ْم َو َخَب ُر َما َب ْع َد ُك ْم‪َ ،‬و ُح ْك ُم َما َب ْيَن ُك ْم‪َ ،‬و ُه َو الفَ ْ‬ ‫قَا َل‪ " :‬كتَ ُ‬
‫َضلَّهُ اللَّهُ‪َ ،‬و ُه َو‬ ‫ِ‬
‫ص َمهُ اللهُ‪َ ،‬و َم ْن ْابتَ َغى الهُ َدى في َغ ْي ِرِه أ َ‬
‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بِالهَ ْزل‪َ ،‬م ْن تََرَكهُ م ْن َجَّب ٍار قَ َ‬
‫يم‪ُ ،‬ه َو الَِّذي َال تَ ِزيغُ بِ ِه‬ ‫ِ‬
‫الم ْستَق ُ‬
‫ِّرطُ ُ‬ ‫يم‪َ ،‬و ُه َو الص َا‬ ‫ِ‬
‫الحك ُ‬
‫الذ ْك ُر َ‬ ‫َحْب ُل اللَّ ِه المتِين‪ ،‬و ُهو ِّ‬
‫َ ُ َ َ‬
‫ق َعلَى َكثَْرِة َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الرِّد‪َ ،‬وَال‬ ‫اء‪َ ،‬وَال َي ْخلَ ُ‬ ‫اء‪َ ،‬وَال تَْلتَبِ ُس بِه اْلَْلسَنةُ‪َ ،‬وَال َي ْشَبعُ م ْنهُ ُ‬
‫العلَ َم ُ‬ ‫َه َو ُ‬
‫اْل ْ‬
‫ضي َع َجائُِبهُ‪ُ ،‬ه َو الَِّذي لَ ْم تَْنتَ ِه ال ِج ُّن إِ ْذ َس ِم َع ْتهُ َحتَّى قَالُوا‪ { :‬إَِّنا َس ِم ْعَنا قُ ْ َرآنا َع َجبا‬ ‫تَْنقَ ِ‬

‫ق‪َ ،‬و َم ْن َع ِم َل بِ ِه أُ ِج َر‪َ ،‬و َم ْن َح َك َم‬ ‫ِ‬


‫الر ْشدِ } [الجن‪َ ]1 :‬م ْن قَا َل بِه َ‬
‫ص َد َ‬ ‫(‪ )2‬يه ِدي إِلَى ُّ ِ‬
‫َْ‬
‫َع َوُر‪َ « :‬ه َذا َح ِد ٌ‬
‫يث‬ ‫اط ُم ْستَِق ٍيم " ُخ ْذ َها ِإلَ ْي َك َيا أ ْ‬
‫صر ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫به َع َد َل‪َ ،‬و َم ْن َد َعا إلَ ْيه َه َدى إلَى َ‬
‫ِِ‬
‫‪25‬‬
‫الح ِار ِث َمقَا ٌل»‪.‬‬ ‫ادهُ َم ْجهُو ٌل‪َ ،‬وِفي َ‬ ‫الو ْج ِه َوِا ْسَن ُ‬ ‫ِ َّ ِ‬
‫يب َال َن ْع ِرفُهُ إال م ْن َه َذا َ‬‫َغ ِر ٌ‬

‫‪23‬‬
‫صحيح البخاري‪.210/6 ،‬‬
‫‪24‬‬
‫نفسه‪.210/6 ،‬‬
‫الترمذي‪" :‬سنن الترمذي"‪.201/5 ،‬‬
‫‪25‬‬

‫‪52‬‬
‫حكمة بالغة‬

‫ين َعلَى ُك ِّل ِكتَ ٍ‬


‫اب‬ ‫اس عن القرآن‪ " :‬المه ْي ِمن‪ :‬اْل َِمين‪ ،‬القُرآن أ ِ‬
‫َم ٌ‬ ‫ْ ُ‬ ‫ُ‬ ‫َُ ُ‬ ‫قَا َل ْاب ُن َعَّب ٍ‬
‫‪26‬‬
‫قَْبلَهُ "‪.‬‬
‫خص اهلل به أمة النبي محمد صلى اهلل‬
‫وبين الطبري في مقدمة تفسيره أ ّن مما ّ‬
‫وشرفهم به على سائر اْلمم من المنازل الرفيعة‪ ،‬حفظَه‬
‫عليه وآله وسلم من الفضيلة‪َّ ،‬‬
‫ما حفظ عليهم سبحانه من وحيه وتنزيله‪ ،‬الذي جعله على حقيقة نبوة نبيهم صلى اهلل‬
‫عليه وآله وسلم داللة‪ ،‬وعلى ما خصه به من الكرامة عالمة واضحة‪ ،‬وحجة بالغة‪،‬‬
‫وفرق به‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫وملحد‪َ ،‬‬
‫وفصل به بينهم وبين كل جاحد ُ‬
‫َ‬ ‫ومفتر‪،‬‬ ‫أبانه به من كل كاذب‬
‫بينهم وبين كل كافر ومشرك؛ الذي لو اجتمع جميعُ من بين أقطارها‪ ،‬من ِجِّنها‬
‫وانسها وصغيرها وكبيرها‪ ،‬على أن يأتوا بسورة من مثله لم يأتوا بمثله ولو كان‬
‫الشَبه‬ ‫ُ‬ ‫بعضهم لبعض ظهيرا‪ .‬فجعله لهم في ُد َجى الظُّلَم ا‬
‫نور ساطعا‪ ،‬وفي س َدف ُّ‬

‫مضلة المسالك دليال هاديا‪ ،‬والى سبل النجاة والحق حاديا‪{ ،‬‬ ‫شهابا المعا‪ ،‬وفي َ‬
‫ور بِِإ ْذنِ ِه‬ ‫َّالِم وي ْخ ِرجهم ِمن الظُّلُم ِ‬
‫ات إِلَى ُّ‬
‫الن ِ‬ ‫َي ْه ِدي بِ ِه اللَّهُ َم ِن اتََّب َع ِر ْ‬
‫َ‬ ‫ض َو َانهُ ُسُب َل الس َ َ ُ ُ ُ ْ َ‬
‫اط ُم ْستَِق ٍيم (‪[ })26‬سورة المائدة‪ . ]26 :‬حرسه بعين منه الَ تنام‪،‬‬ ‫صر ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫َوَي ْهديه ْم إلَى َ‬
‫وحاطه ُبركن منه الَ يضام‪ ،‬الَ تَ ِهي على اْليام دعائمه‪ ،‬وال تبيد على طول اْلزمان‬
‫صاحبه‪ .‬من‬ ‫المحجة تابعه‪ ،‬وال يضل عن ُسُبل الهدى ُم َ‬‫َّ‬ ‫معالمه‪ ،‬وال يجوز عن قصد‬
‫وغ َوى‪ ،‬فهو موئلهم الذي إليه عند االختالف‬ ‫وه ِدى‪ ،‬ومن حاد عنه َّ‬
‫ضل َ‬ ‫اتبعه فاز ُ‬
‫َيئِلون‪ ،‬ومعقلهم الذي إليه في النوازل يعقلون‪ ،‬وحصنهم الذي به من وساوس‬
‫وفصل قضائه بينهم الذي‬
‫ْ‬ ‫الشيطان يتحصنون‪ ،‬وحكمة ربهم التي إليها يحتكمون‪،‬‬
‫إليه ينتهون‪ ،‬وعن الرضى به يصدرون‪ ،‬وحبله الذي بالتمسك به من الهلكة‬
‫ومتَشابهه‪ ،‬وحالله وحرامه‪،‬‬
‫يعتصمون‪ .‬اللهم فوفقنا إلصابة صواب القول في ُم ْح َكمه ُ‬
‫ومفسره‪ ،‬وناسخه ومنسوخه‪ ،‬وظاهره وباطنه‪ ،‬وتأويل آية‬
‫َّ‬ ‫ومجمله‬
‫َ‬ ‫وعامه وخاصِّه‪،‬‬
‫ِّ‬

‫‪26‬‬
‫صحيح البخاري‪.232/6 ،‬‬

‫‪91‬‬
‫حكمة بالغة‬

‫وتفسير ُم ْش ِكله‪ ،‬وألهمنا التمسك به واالعتصام بمحكمه‪ ،‬والثبات على التسليم‬


‫أنعمت به علينا من حفظه والعلم بحدوده‪ .‬إنك‬
‫َ‬ ‫لمتشابهه‪ .‬وأوزعنا الشكر على ما‬
‫‪27‬‬
‫سميع الدعاء قريب اإلجابة‪ .‬وصلى اهلل على محمد النبي وآله وسلم تسليما‪.‬‬
‫وأ ّكد الزمخشري أن اهلل سبحانه أنشأ القرآن الحكيم كتابا ساطعا تبيانه‪ ،‬قاطعا‬
‫برهانه‪ ،‬قرآنا عربيا غير ذى عوج مفتاحا للمنافع الدينية والدنيوية‪ ،‬مصداقا لما بين‬
‫يديه من الكتب السماوية‪ ،‬وحيا ناطقا ببينات وحجج‪ ،‬معج از باقيا دون كل معجز‬
‫على وجه كل زمان‪ ،‬دائ ار من بين سائر الكتب على كل لسان في كل‪ ،‬مكان أفحم‬
‫تحدى به من مصاقع‬
‫به من طولب بمعارضته من العرب العرباء‪ ،‬وأبكم به من ّ‬
‫يتصد لإلتيان بما يوازيه أو يدانيه واحد من فصحائهم‪ ،‬ولم ينهض‬
‫ّ‬ ‫الخطباء‪ ،‬فلم‬
‫لمقدار أقصر سورة منه ناهض من بلغائهم‪ ،‬على أنهم كانوا أكثر من حصى‬
‫البطحاء‪ ،‬وأوفر عددا من رمال الدهناء ولم ينبض منهم عرق العصبية مع اشتهارهم‬
‫المعارة‪ ،‬ولقائهم دون‬
‫المضارة‪ ،‬والقائهم الشراشر على المعازة و ّ‬
‫ّ‬ ‫المضادة و‬
‫ّ‬ ‫باإلفراط في‬
‫المناضلة عن أحسابهم الخطط‪ ،‬وركوبهم في كل ما يرومونه الشطط إن أتاهم أحد‬
‫جرد لهم الحجة ّأوال‪ ،‬والسيف‬
‫بمفخرة أتوه بمفاخر‪ ،‬وان رماهم بمأثرة رموه بمآثر وقد ّ‬
‫أن السيف القاضب مخراق العب إن لم‬
‫آخ ار‪ ،‬فلم يعارضوا إال السيف وحده‪ ،‬على ّ‬
‫أن البحر قد زخر‬
‫حده فما أعرضوا عن معارضة الحجة إال لعلمهم ّ‬
‫تمض الحجة ّ‬
‫‪28‬‬
‫أن الشمس قد أشرقت فطمست نور الكواكب‪.‬‬
‫فطم على الكواكب‪ ،‬و ّ‬
‫ّ‬
‫ومن كالم الشيخ عبد القادر الجيالني‪" :‬يا (غالم) العمل بالقرآن يوقفك على‬
‫منزله‪ ،‬والعمل بالسنة يوقفك على الرسول نبيا محمد صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬ال يبرج‬
‫بقلبه وهمته من حول قلوب القوم‪ ،‬هو المطيب والمبخر لها المصفى ْلسرارهم‬

‫‪27‬‬
‫مقدمة تفسير الطبري‪.6-5 /2 ،‬‬
‫‪28‬‬
‫أبو القاسم محمود بن عمرو بن أحمد‪ ،‬الزمخشري جار اهلل (ت ‪583‬هـ)‪" :‬الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل"‪ ،‬ط‪ ،8‬دار الكتاب‬
‫العربي – بيروت‪ 2100 ،‬هـ‪.2/2 ،‬‬

‫‪95‬‬
‫حكمة بالغة‬

‫والميزن لها‪ ،‬هو المستفتح باب القرب لها‪ ،‬هو الماشطة هو السفير بين القلوب‬
‫‪29‬‬
‫واْلسرار وبين ربها عز وجل‪."...‬‬
‫وقد بين ابن القيم أن اهلل سبحانه أ َْن َز َل القرآن لنتأمله ونتدبره‪َ ،‬وَن ْس َع َد بذكره‪،‬‬
‫اه ِ‬‫ام ِرِه وَنو ِ‬
‫ق بِ ِه وَن ْجتَ ِه َد علَى إِقَ ِ ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫َوَن ْح ِملَهُ َعلَى أ ْ‬
‫يه‪،‬‬ ‫امة أ ََو َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َح َس ِن ُو ُجو ِهه َو َم َعانيه‪َ ،‬وُن َ‬
‫ص ِّد َ‬
‫الد ُّ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫وَن ْجتَنِي ثِمار علُو ِم ِه َّ ِ ِ‬
‫ال‬ ‫اب اهلل سبحانه َّ‬ ‫الناف َعة ا ْل ُموصلَة إِلَى الله ُ‬
‫س ْب َح َانهُ‪ ،‬فَهُ َو كتَ ُ‬ ‫ََ ُ‬ ‫َ‬
‫ت لَهُ‬ ‫ين الَِّذي أَ ْش َرقَ ْ‬ ‫ورهُ ا ْل ُمبِ ُ‬
‫علَ ْي ِه لِمن أَر َاد مع ِرفَتَه‪ ،‬وطَ ِريقُه ا ْلمو ِّ ِ ِ ِ ِ ِ‬
‫صلَةُ ل َسالكهَا إلَ ْيه‪َ ،‬وُن ُ‬ ‫ُ َُ‬ ‫َْ َ َْ ُ َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ص َال ُح َج ِم ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ُّ‬
‫ب ا ْل َواص ُل َب ْيَنهُ‬ ‫يع ا ْل َم ْخلُوقَات‪َ ،‬والسََّب ُ‬ ‫ات‪َ ،‬وَر ْح َمتُهُ ا ْل ُم ْه َداةُ التي بِهَا َ‬ ‫الظلُ َم ُ‬
‫ق إِ َذا‬ ‫الد ُخو ُل‪َ ،‬ف َال ُي ْغلَ ُ‬ ‫ظم الَِّذي ِم ْنهُ ُّ‬ ‫وب ْين ِعب ِاد ِه إِ َذا ْانقَ َ ِ‬
‫َع َ ُ‬
‫اب‪َ ،‬وَب ُابهُ ْاْل ْ‬
‫َسَب ُ‬
‫ط َعت ْاْل ْ‬ ‫ََ َ َ‬
‫يم الَِّذي َال‬ ‫ِ‬ ‫ِّ‬
‫اء‪َ ،‬والذ ْك ُر ا ْل َحك ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِّرطُ ا ْلمستَِق َِّ‬
‫يم الذي َال تَمي ُل بِه ْاآل َر ُ‬ ‫اب‪َ ،‬و ُه َو الص َا ُ ْ ُ‬
‫ِ‬
‫ُغلِّقَت ْاْل َْب َو ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الن ُز ُل ا ْل َك ِر َِّ‬
‫اء‪َ ،‬و ُّ‬ ‫تَ ِزيغُ بِ ِه ْاْل ْ‬
‫اء‪َ ،‬ال تَ ْفَنى َع َجائ ُبهُ‪َ ،‬وَال تُْقلعُ‬ ‫يم الذي َال َي ْشَبعُ م ْنهُ ا ْل ُعلَ َم ُ‬ ‫ُ‬ ‫َه َو ُ‬
‫َمال‬ ‫ف ِد َال َالتُه‪ُ ،‬كلَّما ْازَد َاد ِت ا ْلبصائِر ِف ِ‬
‫يه تَأ ُّ‬ ‫ضي َآياتُهُ‪َ ،‬وَال تَ ْختَلِ ُ‬ ‫سحائِبه‪ ،‬وَال تَْنقَ ِ‬
‫َ َ ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ ُُ َ‬
‫ور ِم ْن‬ ‫ُّد ِ‬
‫اء الص ُ‬ ‫ِ‬
‫اها‪َ ،‬وشفَ ُ‬
‫صيرا‪ ،‬فَهو ُنور ا ْلب ِ ِ‬
‫صائ ِر م ْن َع َم َ‬ ‫َُ ُ َ َ‬
‫وتَ ْف ِكيرا‪َ ،‬ز َادها ِه َداية وتَْب ِ‬
‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫اح إِلَى‬ ‫وب‪َ ،‬و َح ِادي ْاْل َْرَو ِ‬
‫اض ا ْل ُقلُ ِ‬ ‫وس‪َ ،‬وِرَي ُ‬ ‫النفُ ِ‬‫وب‪َ ،‬ولَ َّذةُ ُّ‬ ‫اها‪ ،‬و َحَياةُ ا ْل ُقلُ ِ‬ ‫ِ‬
‫أ َْد َوائهَا َو َج َو َ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫بِ َال ِد ْاْلَ ْف َر ِ‬
‫ادى‬ ‫َه َل ا ْلفَ َال ِح‪َ ،‬ح َّي َعلَى ا ْلفَ َال ِح‪َ ،‬ن َ‬ ‫اح‪َ :‬يا أ ْ‬ ‫اح‪َ ،‬وا ْل ُمَنادي بِا ْل َم َساء َوالصَ‬
‫َّب ِ‬
‫اع َي اللَّ ِه َوَآ ِم ُنوا بِ ِه‬
‫َجيبوا َد ِ‬ ‫ِ‬ ‫ْس الص ِ‬
‫ِّراط ا ْل ُم ْستَق ِيم { َيا قَ ْو َمَنا أ ِ ُ‬
‫َ‬ ‫ان َعلَى َأر ِ‬ ‫يم ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُمَنادي ْاإل َ‬
‫اع َي اللَّ ِه َفلَ ْي َس‬ ‫ب َد ِ‬ ‫اب أَلِ ٍيم (‪َ )82‬و َم ْن َال ُي ِج ْ‬ ‫َي ْغ ِفر لَ ُكم ِم ْن ُذ ُنوبِ ُكم وُي ِجرُكم ِم ْن َع َذ ٍ‬
‫ْ َ ْ ْ‬ ‫ْ ْ‬
‫ض َال ٍل ُمبِ ٍ‬ ‫ض ولَ ْيس لَه ِمن ُدونِ ِه أَولِياء أُولَئِ َ ِ‬ ‫ِ‬
‫ين } [اْلحقاف‪:‬‬ ‫ك في َ‬ ‫َ ُ‬ ‫بِ ُم ْع ِج ٍز في ْاْل َْر ِ َ َ ُ ْ‬
‫‪30‬‬
‫‪.]82‬‬
‫الدين القويم َوا ْلملَّة الحنيفية‬
‫وبحث ابن القيم أيضا في ا ْل ِح ْك َمة الباهرة ِفي َه َذا ّ‬
‫صف حسنها‪َ ،‬وَال تقترح‬ ‫َّ ِ‬
‫يدرك ا ْل َو ْ‬
‫عبارة كمالها‪َ ،‬وَال ْ‬
‫والشريعة المحمدية التي َال َتنال ا ْل َ‬

‫‪29‬‬
‫الشيخ عبد القادر الجيالني (ت ‪ 560‬ه)‪" :‬الفتح الرباني"‪ ،‬دار الريان للتراث‪ ،‬القاهرة‪ ،‬بدون تاريخ‪ ،‬ص ‪.06‬‬
‫‪30‬‬
‫ابن قيم الجوزية‪" :‬مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد واياك نستعين"‪.10/2 ،‬‬

‫‪99‬‬
‫حكمة بالغة‬

‫اجتمعت‪َ ،‬و َك َانت على اكمل عقل رجل ِم ْنهُم فَ ْوقهَا َوحسب ا ْل ُعقُول‬
‫عقول ا ْل ُعقَ َالء َولَو ْ‬
‫ِ‬
‫يعة اكمل‬ ‫ا ْل َكاملَة الفاضلة ان ادركت حسنها َوش ِهدت بفضلها‪ .‬وانه َما طرق ا ْل َعالم َش ِر َ‬
‫الش ِ‬
‫اهد والمشهود لَهُ وا ْلح ّجة والمحتج لَهُ و َّ‬
‫الد ْع َوى‬ ‫وَال اجل وَال اعظم ِم ْنها‪ ،‬فَ ِهي َنفسها َّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫الر ُسول ببرهان َعلَ ْيهَا لكفى بهَا برهانا َو َآية َو َشاهدا على انها‬‫ْت َّ‬‫والبرهان‪ ،‬ولَو لم يأ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫الر ْح َمة َوا ْلبر واالحسان‪ ،‬واالحاطة‬ ‫من ِع ْند اهلل‪َ ،‬وكلهَا شاهدة لَهُ بِ َك َمال ا ْلعلم‪ ،‬وسعة َّ‬
‫ادة‪َ ،‬وا ْلعلم بالمباديء والعواقب‪َ ،‬و َك َمال ا ْل ِح ْك َمة‪َ ،‬وأََّنهَا من اعظم نعم اهلل‬ ‫بِا ْل َغ ْي ِب و َّ‬
‫الشهَ َ‬ ‫َ‬
‫اهم لَهَا‪ ،‬وجعلهم من‬ ‫عم َعلَ ْي ِهم بِنِ ْع َمة أجل من أن َ‬
‫هد ُ‬ ‫عم بهَا على عباده‪ ،‬فَ َما ْأن ْ‬
‫َّ ِ‬
‫التي ْان ْ‬
‫اهم لَهَا قَا َل تَ َعالَى { لَقَ ْد‬ ‫هد ُ‬ ‫اهلها‪َ ،‬و ِم َّم ْن ارتضاهم لَهَا‪َ ،‬فلهَ َذا امتن على عباده َبأن َ‬
‫ث ِفي ِه ْم َر ُسوال ِم ْن أ َْنفُ ِس ِه ْم َي ْتلُو َعلَ ْي ِه ْم َآَياتِ ِه َوُي َزِّكي ِه ْم‬‫ين إِ ْذ َب َع َ‬‫ِ‬ ‫َّ‬
‫َم َّن اللهُ َعلَى ا ْل ُم ْؤ ِمن َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين (‪ [ } )261‬آل عمران‪:‬‬ ‫ض َال ٍل ُمبِ ٍ‬ ‫َوُي َعلِّ ُمهُ ُم ا ْلكتَ َ‬
‫اب َوا ْلح ْك َم َة َوِا ْن َك ُانوا م ْن َقْب ُل لَفي َ‬
‫نع َمته َعَل ْي ِهم‪ ،‬مستدعيا ِم ْنهُم شكره على‬ ‫ِ‬ ‫ِِ ِ‬
‫ال ُم َعرفا لعَباد ِه‪ ،‬ومذك ار لَهُم َعظيم ْ‬ ‫‪َ .]261‬وقَ َ‬
‫الدين‬
‫يف وصف ّ‬ ‫ت لَ ُك ْم ِد َين ُك ْم }‪ ،‬اْلية‪ .‬وانظر َك َ‬ ‫أن جعلهم من اهلها { ا ْلَي ْوَم أَ ْك َم ْل ُ‬
‫الدين بِأََّنهُ َال‬ ‫النع َمة الَّتِي اسبغها َعلَ ْي ِهم بالتمام إِي َذانا ِفي ّ‬ ‫اختَ َارهُ لَهُم بالكمال َو ْ‬ ‫الَِّذي ْ‬
‫امل ِفي‬ ‫ارجا عن ا ْل ِح ْكمة ِبو ْجه بل هو ا ْل َك ِ‬
‫َُ‬ ‫َ َ‬ ‫ش ْيء َخ ِ َ‬ ‫يه َوَال خلل َوَال عيب‪َ ،‬وََّل َ‬ ‫نقص ِف ِ‬

‫الن ْع َمة بالتمام إِي َذانا بدوامها واتصالها َوأَنه َال يسلبهم إَِّي َ‬
‫اها‬ ‫حسنه وجاللته‪َ .‬ووصف ِّ‬
‫بعد إِ ْذ أعطاهموها بل يكملها لَهُم بالدوام ِفي َه ِذه َّ‬
‫الدار َوِفي َدار ا ْلقَرار‪َ .‬وتَأمل حسن‬
‫الدين اليهم‪ ،‬إِ ْذ هم‬
‫ين‪َ ،‬وأنه أضاف ّ‬ ‫النع َم ِة‪َ ،‬وحسن اقتران ا ْل َك َمال بِ ّ‬
‫الد ِ‬ ‫اقتران التَّمام بِ ْ‬
‫ُه َو َوليهَا والمنعم بهَا َعلَ ْي ِهم‪ ،‬فَ ِه َي‬‫القائمون بِ ِه‪ ،‬المقيمون لَهُ‪ .‬وأضاف ِّ‬
‫الن ْع َمة اليه إِ ْذ‬
‫نعمته َحقا وهم قابلوها‪ .‬واتى ِفي ا ْل َكمال بِ َّ‬
‫الالِم‬
‫المؤذنة باالختصاص َوأَنه َش ْيء‬ ‫َ‬ ‫َْ‬
‫خصوا بِ ِه دون االمم‪َ ،‬وِفي إتْ َمام ِّ‬
‫الن ْع َمة بعلى المؤذنة باالستعالء واالشتمال‬
‫فجاء أتممت ِفي ُمقَابلَة أكملت‪َ ،‬و َعَل ْي ُكم ِفي ُمقَابلَة لكم‪ ،‬ونعمتي ِفي ُمقَابلَة‬
‫واالحاطة‪َ ،‬‬

‫‪94‬‬
‫حكمة بالغة‬

‫اإل ْس َال َم ِدينا‬


‫يت لَ ُكم ِْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫‪.‬م واكد َذلك وزاده تقري ار وكماال واتماما للنعمة بقوله { َوَرض ُ ُ‬
‫كْ‬ ‫دين ُ‬
‫‪31‬‬
‫} [ آل عمران‪.]8 :‬‬
‫قال االستاذ النورسي عن القرآن الحكيم‪:‬‬
‫"هو الترجمة اْلزلية لهذه الكائنات‪ ،‬والترجمان اْلبدي ْلسنتها التاليات لآليات‬
‫التكوينية‪ ،‬ومفسر كتاب العالم‪ ..‬وكذا هو كشاف لمخفيات كنوز اْلسماء المستترة في‬
‫صحائف السماوات واْلرض‪ ..‬وكذا هو مفتاح لحقائق الشؤون المضمرة في سطور‬
‫الحادثات‪ ..‬وكذا هو لسان الغيب في عالم الشهادة‪ ..‬وكذا هو خزينة للمخاطبات‬
‫اْلزلية السبحانية وااللتفات اْلبدية الرحمانية‪ ..‬وكذا هو أساس وهندسة وشمس لهذا‬
‫العالم المعنوي االسالمي‪ ...‬وكذا هو خريطة للعالم اْلخروي‪ ..‬وكذا هو القول الشارح‬
‫والتفسير الواضح والبرهان القاطع والترجمان الساطع لذات اهلل وصفاته واسمائه‬
‫وشؤونه‪ ..‬وكذا هو مرب للعالم االنساني‪ ،‬وكالماء والضياء لالنسانية الكبرى التي‬
‫هي االسالمية‪ ...‬وكذا هو الحكمة الحقيقية لنوع البشر‪ ..‬وهو المرشد المهدي لما‬
‫خلق له البشر‪ ..‬وكذا هو لالنسان‪ :‬كما انه كتاب شريعة كذلك هو كتاب حكمة‪،‬‬
‫وكما أنه كتاب دعاء وعبودية كذلك هو كتاب أمر ودعوة‪ ،‬وكما أنه كتاب ذكر كذلك‬
‫هو كتاب فكر‪ ،‬وكما أنه كتاب واحد لكن فيه كتب كثيرة في مقابة جميع الحاجات‬
‫‪32‬‬
‫االنسانية المعنوية‪ ،‬وكذلك هو كمنزل مقدس مشحون بالكتب والرسائل"‪.‬‬

‫‪31‬‬
‫ابن قيم الجوزية‪" :‬مفتاح دار السعادة ومنشور والية العلم واإلرادة"‪ ،‬دار الكتب العلمية – بيروت‪ ،‬بدون تاريخ‪.801- 802/2 ،‬‬
‫‪32‬‬
‫النورسي‪" :‬إشارات االعجاز في مظان االيجاز"‪ ،‬ط‪ ، 8‬سوزلر‪ ،‬القاهرة‪ 1001 ،‬م‪ ،‬ص ‪ ،11‬وقارن مع بحثي‪" :‬مدخل إلى‬
‫حكمة االعجاز القرآني عند االمام النورسي"‪ ،‬بحث مق ّدم إلى الندوة العالمية الرابعة لألكاديميين الشباب‪ ،‬مؤسسة اسطمبول للثقافة‬
‫والعلوم‪ ،‬اسطمبول‪ ،‬تركيا‪ ،11-18 ،‬حزيران‪ 1021 ،‬م‪.‬‬

‫‪93‬‬
‫حكمة بالغة‬

‫(‪) 9‬‬

‫‪33‬‬
‫تأويل لمصطلح الحكمة في القرآن الكريم‬

‫يقتضي البحث في علم الحكمة في القرآن الكريم أن نذهب مباشرة إلى‬


‫مصطلح الحكمة القرآني نفسه‪ ،‬من أجل استخالص المفهوم القرآني الدقيق له‪ ،‬وهو‬
‫ما يشترط بالطبع العودة إلى مصادر التفسير العمدة من أجل هذه الغاية‪ ،‬فإلى ذلك‬
‫إن شاء اهلل‪:‬‬

‫وردت كلمة الحكمة في القرآن الكريم في مواطن عدة‪ ،‬نذكرها كاآلتي‪:34‬‬

‫أوَّلً‪ :‬إصابة الوحي‪ :‬الهدف النهائي لعلم الحكمة القرآنية‬

‫ت ا ْل ِح ْك َمةَ فَقَ ْد أُوتِ َي َخ ْي ار‬ ‫ِ‬


‫{ ُي ْؤتِي ا ْلح ْك َمةَ َم ْن َي َش ُ‬
‫اء َو َم ْن ُي ْؤ َ‬ ‫‪ -‬قوله سبحانه‪:‬‬
‫اب (‪ [ } )161‬البقرة‪.] 161 :‬‬ ‫ِإ َّال أُولُو ْاْلَْلَب ِ‬ ‫ير َو َما َي َّذ َّك ُر‬
‫َكثِ ا‬

‫ِ‬
‫عن مجاهد في قوله تعالى‪ُ { :‬ي ْؤتِي ا ْلح ْك َمةَ َم ْن َي َش ُ‬
‫اء } [البقرة‪ ] 161 :‬قال‪:‬‬
‫‪35‬‬
‫"القرآن يؤتي إصابته من يشاء"‪.‬‬

‫‪33‬‬
‫بالنظر إلى أني قد تتبعت‪ ،‬بحسب التوفيق اإللهي‪ ،‬مفردة (الحكمة) من الناحية اللغوية في كتابي‪" :‬العروة الوثقى"‪ ،‬فال أجد نفسي‬
‫بحاجة إلى تكرار القول في الموضوع‪ ،‬وأحيل إلى‪ :‬د‪ .‬رواء محمود حسين‪" :‬العروة الوثقى‪ :‬مدخل إلى علم الحكمة االسالمية"‪ ،‬الفصل‬
‫اْلول‪" :‬التعريف بعلم الحكمة االسالمية"‪ ،‬المبحث اْلول‪" :‬المعنى اللغوي للحكمة"‪ ،‬ص ‪.23 – 1‬‬
‫‪34‬‬
‫نفسه‪ ،‬ص ‪.81 – 82‬‬

‫‪91‬‬
‫حكمة بالغة‬

‫ِ‬
‫ت‬‫اء َو َم ْن ُي ْؤ َ‬‫وعن مقاتل بن سليمان في قوله تعالى‪ُ { :‬ي ْؤتِي ا ْلح ْك َمةَ َم ْن َي َش ُ‬
‫ا ْل ِح ْك َمةَ } قال‪ :‬ومن يعط الحكمة‪ ،‬وهي علم القرآن‪ ،‬والفقه فيه‪ { ،‬فَقَ ْد أُوتِ َي َخ ْي ار َك ِث ا‬
‫ير‬
‫اب } وهم‬ ‫}‪ ،‬يعني‪ :‬فقد أعطي خي ار كثي ار‪ { .‬وما َي َّذ َّكر } فما يسمع { إِ َّال أُولُو ْاْلَْلَب ِ‬
‫ُ‬ ‫ََ‬
‫‪36‬‬
‫أهل العقل‪.‬‬

‫ِّحهُ ا ْل ِح ْك َمةُ َوا ْل َع ْق ُل‪ ،‬أماَ َو ْع َد‬


‫الر ْح َم ِن تَُرج ُ‬
‫وذكر الرازي في تفسير اآلية أن وعد َّ‬
‫َح َك ِام‬ ‫اض َرِة َواتَِّب ِ‬
‫اع أ ْ‬ ‫يل اللَّ َّذ ِة ا ْلح ِ‬‫صِ‬ ‫ان بِتَ ْح ِ‬‫ْم َر ِ‬ ‫ِّحهُ َّ‬
‫الش ْه َوةُ َو َّ‬ ‫طِ‬ ‫َّ‬
‫َ‬ ‫الن ْف ُس ْلنهما َيأ ُ‬ ‫ان فتَُرج ُ‬ ‫الش ْي َ‬
‫ق ا ْل ُمَب َّأُر َع ِن َّ‬ ‫َن ح ْكم ا ْل ِح ْكم ِة وا ْلع ْق ِل هو ا ْلح َكم الص ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الزْي ِغ‬ ‫َّاد ُ‬ ‫َ َ َ َُ َ ُ‬ ‫ا ْل َخَيال َوا ْل َو ْهم‪َ .‬وَال َشك أ َّ ُ َ‬
‫ِ ِ ِ‬ ‫اإل ْنس ِ‬ ‫وا ْل َخلَ ِل‪ ،‬و ُح ْكم ا ْل ِح ِّس و َّ‬
‫ان ُح ْك ُم‬ ‫س تُوِقعُ ِْ َ َ‬
‫ان في ا ْلَب َالء َوا ْلم ْحَنة‪ ،‬فَ َك َ‬ ‫الن ْف ِ‬
‫َو َّ‬ ‫الش ْه َوِة‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬
‫ظِم‪ .‬ويشير إلى مسائل‬ ‫اإل َش َارةُ إِلَى َو ْج ِه َّ‬
‫الن ْ‬ ‫فَه َذا ُهو ِْ‬
‫َ َ‬ ‫ول‪،‬‬ ‫ا ْل ِح ْكم ِة وا ْلع ْق ِل أَولَى بِا ْلقَُب ِ‬
‫ْ‬ ‫َ َ َ‬
‫عدة في اآلية‪ ،‬منها‪:‬‬
‫اب‪َ .‬ع ْن ُمقَاتِ ٍل أََّنهُ قَا َل‪ :‬تَ ْف ِس ُير‬ ‫اد ِم َن ا ْل ِح ْكم ِة إِ َّما ا ْل ِع ْلم‪ ،‬وِا َّما ِف ْع ُل الصَّو ِ‬
‫َ‬ ‫ُ َ‬ ‫َ‬ ‫ا ْل ُم َر ُ‬
‫آن‪ ،‬قَا َل ِفي ا ْلَبقَ َرِة { َو َما أ َْن َز َل‬ ‫آن علَى أَربع ِة أَوج ٍه أَح ُدها‪ :‬مو ِ‬
‫اعظُ ا ْلقُ ْر ِ‬ ‫َْ َ ْ ُ َ َ ََ‬
‫ِ ِ ِ‬
‫ا ْلح ْك َمة في ا ْلقُ ْر ِ َ‬
‫آن‪َ .‬وثَانِيهَا‪:‬‬ ‫ظ ا ْلقُ ْر ِ‬ ‫اب وا ْل ِح ْكم ِة ي ِعظُ ُكم بِ ِه } [ا ْلبقَرِة‪ ]182 :‬يعنِي مو ِ‬
‫اع َ‬ ‫َ ْ ََ‬ ‫ََ‬ ‫َعلَ ْي ُك ْم م َن ا ْلكتَ َ َ َ ْ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬

‫ا ْل ِح ْكمةُ بِم ْعَنى ا ْلفَ ْهِم وا ْل ِع ْلِم‪ ،‬و ِم ْنهُ قَولُهُ تَ َعالَى‪ { :‬وَآتَْيَناهُ ا ْل ُح ْكم َ ِ‬
‫[م ْرَي َم‪]21 :‬‬ ‫صبًّيا } َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬
‫ان‪َ ]21 :‬ي ْعنِي ا ْلفَ ْه َم َوا ْل ِع ْل َم َوِفي ْاْل َْن َع ِام‪:‬‬ ‫ِ‬
‫ان ا ْلح ْك َم َة } [ لُ ْق َم َ‬ ‫َوِفي لُ ْق َم َ‬
‫ان { َولَقَ ْد َآتَْيَنا لُ ْق َم َ‬
‫[اْل َْن َع ِام‪َ .]31 :‬وثَالِثُهَا‪ :‬ا ْل ِح ْك َمةُ بِ َم ْعَنى ُّ‬
‫الن ُب َّوِة‬ ‫اب َوا ْل ُح ْك َم } ْ‬ ‫ِ‬
‫اه ُم ا ْلكتَ َ‬‫ين َآتَْيَن ُ‬
‫{ أُولَئِ َ َِّ‬
‫ك الذ َ‬
‫اء‪َ ]51 :‬ي ْعنِي ُّ‬
‫الن ُب َّوةَ‪َ ،‬وِفي‬ ‫[النس ِ‬ ‫ِ‬
‫اب َوا ْلح ْك َمةَ } ِّ َ‬
‫ِ‬
‫يم ا ْلكتَ َ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِفي ِّ ِ‬
‫الن َساء‪ { :‬فَقَ ْد َآتَْيَنا َآ َل إ ْب َراه َ‬
‫اب } [ص‪َ ]10 :‬ي ْعنِي ُّ‬
‫الن ُب َّوةَ‪َ ،‬وِفي ا ْلَبقَ َرِة { َوَآتَاهُ‬ ‫ص َل ا ْل ِخطَ ِ‬ ‫ِ‬
‫ص { َوَآتَْيَناهُ ا ْلح ْك َمةَ َوَف ْ‬
‫َس َر ِار ِفي‬ ‫ِ‬ ‫ِِ ِ‬
‫آن بِ َما فيه م ْن َع َجائ ِب ْاْل ْ‬
‫اللَّه ا ْلم ْل َ ِ‬
‫ك َوا ْلح ْك َمةَ } [ا ْلَبقَ َرِة‪َ .]152 :‬وَاربِ ُعهَا‪ :‬ا ْلقُ ْر ُ‬ ‫ُ ُ‬

‫‪35‬‬
‫مجاهد بن جبر (ت ‪201‬هـ)‪" :‬تفسير مجاهد"‪ ،‬تحقيق الدكتور محمد عبد السالم أبو النيل‪ ،‬ط‪ ،2‬دار الفكر اإلسالمي الحديثة‪،‬‬
‫مصر‪ 2120 ،‬هـ ‪ 2131 -‬م‪ ،‬ص ‪.115‬‬
‫‪36‬‬
‫مقاتل بن سليمان‪" :‬تفسير مقاتل بن سليمان"‪.118 /2 ،‬‬

‫‪96‬‬
‫حكمة بالغة‬

‫ِ‬ ‫ك بِا ْل ِح ْكم ِة وا ْلمو ِعظَ ِة ا ْل َحسَن ِة } َّ ِ‬ ‫يل َرِّب َ‬‫الن ْح ِل‪ْ { :‬ادعُ إِلَى سبِ ِ‬ ‫َّ‬
‫[الن ْحل‪َ ،]215 :‬و َجميعُ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َْ‬ ‫َ‬
‫يل ِفي‬ ‫اب فَ ِق َ‬
‫َما ا ْل ِح ْكمةُ بِم ْعَنى ِف ْع ِل الصَّو ِ‬
‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫ق تَْر ِجعُ إِلَى ا ْل ِع ْلِم‪َ .‬وأ َّ‬ ‫َه ِذ ِه ا ْلو ُجوِه ِع ْن َد التَّ ْح ِقي ِ‬
‫ُ‬
‫ق اللَّ ِه بِقَ ْد ِر الطَّاقَ ِة ا ْلَب َش ِرَّي ِة‪ ،‬ومدار َه َذا ا ْل َم ْعَنى َعلَى قَ ْولِ ِه‬ ‫ق بِأ ْ‬
‫َخ َال ِ‬ ‫َح ِّد َها‪ :‬إَِّنهَا التَّ َخلُّ ُ‬
‫َن ا ْل ِح ْك َمةَ َال ُي ْم ِك ُن‬ ‫ق اللَّ ِه تَ َعالَى» َو ْ‬
‫اعلَ ْم أ َّ‬ ‫َخ َال ِ‬ ‫صلَّى اللَّهُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم‪« :‬تَ َخلَّقُوا بِأ ْ‬ ‫َ‬
‫اإل ْنس ِ ِ‬ ‫ك ِْل َّ‬ ‫وجهَا َع ْن َه َذ ْي ِن ا ْل َم ْعَنَي ْي ِن‪َ ،‬وَذلِ َ‬
‫ف ا ْل َح َّ‬
‫ق‬ ‫َن َي ْع ِر َ‬ ‫ان في َش ْيَئ ْي ِن‪ :‬أ ْ‬ ‫ال ِْ َ‬ ‫َن َك َم َ‬ ‫ُخ ُر ُ‬
‫ق‪،‬‬‫اك ا ْل ُمطَابِ ِ‬ ‫اإل ْدر ِ‬‫ِِ ِ‬ ‫ِ ِ ِ ِ‬ ‫ِ ِِ‬ ‫لِ َذاتِ ِه‪ ،‬وا ْل َخ ْير ِْل ْ ِ‬
‫َجل ا ْل َع َمل به‪ ،‬فَا ْل َم ْرجعُ ب ْاْل ََّول‪ :‬إلَى ا ْلع ْلم َو ْ َ‬ ‫َ َ‬
‫صلَّى اللَّهُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم قَ ْولُهُ {‬‫يم َ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫َّواب‪ ،‬فَ ُحك َي َع ْن إ ْب َراه َ‬
‫وبِالثَّانِي‪ :‬إِلَى ِف ْع ِل ا ْل َع ْد ِل والص ِ‬
‫َ َ‬ ‫َ‬
‫ِِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫اء‪َ ]38 :‬و ُه َو ا ْل ِح ْك َمةُ َّ‬ ‫[الشعر ِ‬ ‫ب لِي ُح ْكما } ُّ‬
‫ين }‬‫ظ ِرَّيةُ { َوأَْلح ْقني بِالصَّالح َ‬ ‫الن َ‬ ‫ََ‬ ‫ب َه ْ‬ ‫َر ِّ‬
‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وسى َعلَ ْي ِه الس َ‬ ‫اء‪ ]38 :‬ا ْل ِح ْك َمةُ ا ْل َع َملَِّيةُ‪َ ،‬وَن َ‬
‫[الشعر ِ‬
‫ُّ‬
‫َّال ُم فَقَا َل‪ :‬إَِّنني { إَِّنني أََنا اللهُ‬ ‫ادى ُم َ‬ ‫ََ‬
‫اع ُب ْدنِي } [ طه‪]28:‬‬ ‫َال إِلَهَ إِ َّال أََنا } [ طه‪ ] 28 :‬وهو الحكمة النظرية‪ ،‬ثم قال‪ { :‬فَ ْ‬
‫ال إِِّني َع ْب ُد اللَّ ِه }‬ ‫يسى َعلَ ْي ِه الس َ‬
‫َّال ُم أََّنهُ قَا َل‪ { :‬قَ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َو ُه َو ا ْلح ْك َمةُ ا ْل َع َملَّيةُ‪َ ،‬وقَا َل َع ْن ع َ‬
‫الزَك ِاة َما‬‫َّال ِة و َّ‬ ‫النظَ ِرَّي ِة‪ ،‬ثَُّم قَا َل‪‎{ :‬وأَو َ ِ ِ‬
‫صاني بالص َ َ‬ ‫َْ‬ ‫ك لِ ْل ِح ْك َم ِة َّ‬
‫[م ْرَي َم‪ْ ]80 :‬اآلَيةَ‪َ ،‬و ُك ُّل َذلِ َ‬
‫َ‬
‫صلَّى اللَّهُ َعلَ ْي ِه‬ ‫ٍ‬ ‫[م ْرَي َم‪ ]82 :‬و ُهو ا ْل ِح ْك َمةُ ا ْل َع َمِلَّيةُ‪ ،‬وقَا َل ِفي َح ِّ‬
‫ق ُم َح َّمد َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫ت َحًّيا } َ‬‫ُد ْم ُ‬
‫النظَ ِرَّيةُ‪ ،‬ثم قال‪{ :‬‬ ‫اعلَ ْم أََّنهُ َال إِلَهَ إِ َّال اللَّهُ } [ ُم َح َّم ٍد‪َ ]21 :‬و ُه َو ا ْل ِح ْك َمةُ َّ‬
‫َو َسلَّ َم‪ { :‬فَ ْ‬
‫يع‬‫ال ِفي َج ِم ِ‬ ‫ك } [غافر‪ُ [ ]55 :‬م َح َّم ٍد‪َ ]21 :‬و ُه َو ا ْل ِح ْك َمةُ ا ْل َع َملَِّيةُ‪َ ،‬وقَ َ‬ ‫استَ ْغ ِف ْر لِ َذ ْنبِ َ‬
‫َو ْ‬
‫َن أ َْن ِذ ُروا أََّنهُ َال ِإلَ َه‬ ‫ِ ِ ِِ‬
‫شاء م ْن عباده { أ ْ‬ ‫َم ِرِه َعلى َم ْن َي ُ‬
‫اء يَنِّز ُل ا ْلمالئِ َك َة بِ ُّ ِ‬
‫الرو ِح م ْن أ ْ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫ْاْل َْنبَِي ُ‬
‫ون َو ُه َو ا ْل ِح ْك َمةُ ا ْل َع َملَِّيةُ‪،‬‬
‫[الن ْح ِل‪َ ]1 :‬و ُه َو ا ْل ِح ْك َمةُ النظرية‪ :‬ثم قال‪ :‬فَاتَّقُ ِ‬ ‫إِ َّال أََنا } َّ‬
‫ان لَ ْي َس إِ َّال ِفي َهاتَْي ِن ا ْلقَُّوتَْي ِن‪،‬‬ ‫ال ِْ‬
‫اإل ْن َس ِ‬ ‫ال َح ِ‬ ‫الدالَّ ِة َعلَى أ َّ‬
‫َن َك َم َ‬ ‫آن ُهو ِم َن ْاآلَي ِة َّ‬
‫َوا ْلقُ ْر ُ َ‬
‫ِ‬ ‫قَا َل أ َُبو م ْسلٍِم‪ :‬ا ْل ِح ْكمةُ ِف ْعلَةٌ ِم َن ا ْل ُح ْكِم‪ ،‬و ِهي َكالَّن ْحلَ ِة ِم َن َّ ِ‬
‫يم ِإ َذا َك َ‬
‫ان‬ ‫الن ْحل‪َ ،‬وَر ُج ٌل َحك ُ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫‪37‬‬
‫َذا ِحجى‪.‬‬

‫‪37‬‬
‫فخر الدين الرازي (ت ‪606‬هـ)‪" :‬مفاتيح الغيب = التفسير الكبير"‪ ،‬ط‪ ،8‬دار إحياء التراث العربي – بيروت‪ 2110 ،‬هـ‪-50/0 ،‬‬
‫‪ . 53‬في السياق نفسه نشير إلى أن تقسيم الرازي للحكمة إلى النظرية والعملية قد سار عليه الفالسفة من قبل‪ ،‬ونجد هذا التقسيم عند‬

‫‪97‬‬
‫حكمة بالغة‬

‫ثانياً‪ :‬الحكمة منهاجاً للدعوة إلى اهلل‪:‬‬

‫ك بِا ْل ِح ْك َم ِة َوا ْل َم ْو ِعظَ ِة ا ْل َح َسَن ِة َو َج ِاد ْلهُ ْم‬ ‫‪ -‬قوله تعالى‪ْ { :‬ادعُ إِلَى سبِ ِ‬
‫يل َرِّب َ‬ ‫َ‬
‫ض َّل َع ْن َسبِيلِ ِه َو ُه َو أ ْ‬
‫َعلَ ُم‬ ‫َعلَ ُم بِ َم ْن َ‬ ‫ك ُه َو أ ْ‬ ‫بِالَّتِي ِه َي أ ْ‬
‫َح َس ُن إِ َّن َرَّب َ‬
‫ِ‬
‫ين (‪[ } )215‬النحل‪.] 215 :‬‬ ‫بِا ْل ُم ْهتَد َ‬

‫ذكر الماوردي في تفسير اآلية الكريمة أن المراد بقوله عز وجل‪ْ { :‬ادعُ إِلَى‬
‫ك } يعني إلى دين اهلل سبحانه وهو اإلسالم‪ .‬أما قوله تعالى‪ { :‬بِا ْل ِح ْك َم ِة }‬ ‫سبِ ِ‬
‫يل َرِّب َ‬ ‫َ‬
‫ففيه تأويالن‪ :‬أحدهما‪ :‬بالقرآن‪ ،‬قاله الكلبي‪ .‬الثاني‪ :‬بالنبوة‪ ،‬وهو محتمل‪{ .‬‬
‫ظ ِة ا ْل َح َسَن ِة } فيها تأويالن‪ :‬أحدهما‪ :‬بالقرآن في لين من القول‪ ،‬قاله الكلبي‪.‬‬ ‫َوا ْل َم ْو ِع َ‬
‫الثاني‪ :‬بما فيه من اْلمر والنهي‪ ،‬قاله مقاتل‪ .‬وقوله تعالى‪َ { :‬و َج ِاد ْلهُ ْم بِالَّتِي ِه َي‬
‫َح َس ُن } فيه أربعة أوجه‪ :‬أحدها‪ :‬يعني بالعفو‪ .‬الثاني‪ :‬بأن توقظ القلوب وال تسفه‬ ‫أْ‬
‫‪38‬‬
‫العقول‪ .‬الثالث‪ :‬بأن ترشد الخلف وال تذم السلف‪ .‬الرابع‪ :‬على قدر ما يحتملون‪.‬‬

‫ْخ ُذهُ ِسَنةٌ َوَال َن ْوٌم لَهُ َما‬ ‫وم َال تَأ ُ‬ ‫ِ ِ َّ‬ ‫َّ‬
‫وقال اهلل تعالى‪ { :‬اللهُ َال إلَهَ إال ُه َو ا ْل َح ُّي ا ْلقَُّي ُ‬
‫ض َم ْن َذا الَِّذي َي ْشفَعُ ِع ْن َدهُ إِ َّال بِِإ ْذنِ ِه َي ْعلَ ُم َما َب ْي َن أ َْي ِدي ِه ْم‬ ‫ات و َما ِفي ْاْل َْر ِ‬ ‫ِفي الس ِ‬
‫َّم َاو َ‬‫َ‬
‫ض‬ ‫وما َخ ْلفَهم وَال ي ِحيطُون بِ َشي ٍء ِمن ِع ْل ِم ِه إِ َّال بِما َشاء و ِسع ُكرِسُّيه الس ِ‬
‫َّم َاوات َو ْاْل َْر َ‬ ‫َ َ َ ْ ُ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ ْ‬ ‫َ‬ ‫ُْ َ ُ‬ ‫ََ‬
‫الر ْش ُد ِم َن‬ ‫ين قَ ْد تََبَّي َن ُّ‬ ‫الد ِ‬‫يم (‪َ )155‬ال إِ ْك َراهَ ِفي ِّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وَال ي ُئ ُ ِ‬
‫ودهُ ح ْفظُهُ َما َو ُه َو ا ْل َعل ُّي ا ْل َعظ ُ‬ ‫َ َ‬
‫ِ‬ ‫َّ ِ ِ‬ ‫بِالطَّ ُ ِ‬
‫بِا ْل ُع ْرَوِة ا ْل ُوثْقَى َال ْانف َ‬
‫ص َام لَهَا‬ ‫ك‬‫استَ ْم َس َ‬‫اغوت َوُي ْؤ ِم ْن بِالله فَقَد ْ‬ ‫ا ْل َغ ِّي فَ َم ْن َي ْكفُ ْر‬
‫الن ِ َِّ‬ ‫ِمن الظُّلُم ِ‬
‫ات إِلَى ُّ‬ ‫َِّ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫ين‬
‫ور َوالذ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫(‪ )156‬اللهُ َولِ ُّي الذ َ‬
‫ين َآ َم ُنوا ُي ْخ ِر ُجهُ ْم‬ ‫يم‬
‫َواللهُ َسميعٌ َعل ٌ‬

‫الكندي‪ ،‬والفارابي‪ ،‬وا بن سينا على سبيل المثال‪ ،‬ينظر‪ :‬رواء محمود حسين‪" :‬مشكلة النص والعقل في الفلسفة االسالمية‪ :‬دراسات‬
‫منتخبة"‪ ،‬ط‪ ،2‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ 2110 ،‬ه – ‪1006‬م‪ ،‬ص ‪.18-11 ،02 ،51‬‬
‫‪38‬‬
‫الماوردي ( ت ‪ 150‬ه)‪ :‬تفسير الماوردي = النكت والعيون"‪ ،‬تحقيق السيد ابن عبد المقصود بن عبد الرحيم‪ ،‬دار الكتب العلمية ‪-‬‬
‫بيروت ‪ /‬لبنان‪ ،‬بدون تاريخ‪.110/8 ،‬‬

‫‪98‬‬
‫حكمة بالغة‬

‫ور إِلَى الظُّلُم ِ‬


‫ات أُولَئِ َ‬ ‫ونهُ ْم ِم َن ُّ‬ ‫َّ‬
‫الن ِار ُه ْم‬
‫اب َّ‬
‫َص َح ُ‬
‫كأ ْ‬ ‫َ‬ ‫الن ِ‬ ‫وت ُي ْخ ِر ُج َ‬
‫اغ ُ‬ ‫َكفَ ُروا أ َْولَِي ُ‬
‫اؤ ُه ُم الط ُ‬
‫ون (‪.} )150‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫فيهَا َخال ُد َ‬

‫ذكر الطبري في تأويل كلمة التوحيد في اآلية المباركة ما يأتي‪:‬‬

‫وأما تأويل قوله‪َ { :‬ال إِلَهَ إِ َّال ُه َو }‪ ،‬فإن معناه‪ :‬النهي عن أن يعبد شيء غير‬
‫اهلل الحي القيوم الذي صفته ما وصف به نفسه تعالى ذكره في هذه اآلية‪ .‬ال إله‬
‫سواه‪ ،‬ال معبود سواه‪ ،‬يعني‪ :‬وال تعبدوا شيئا سوى الحي القيوم الذي ال يأخذه ِسنة وال‬
‫نوم والذي صفته ما وصف في هذه اآلية‪ .‬وهذه اآلية إبانة من اهلل تعالى ذكره‬
‫للمؤمنين به وبرسوله عما جاءت به أقوال المختلفين في البينات من بعد الرسل الذين‬
‫أخبرنا تعالى ذكره أنه فضل بعضهم على بعض واختلفوا فيه‪ ،‬فاقتتلوا فيه كف ار به من‬
‫بعض‪ ،‬وايمانا به من بعض‪ .‬فالحمد هلل الذي هدانا للتصديق به‪ ،‬ووفقنا لإلقرار‪ .‬وأما‬
‫قوله‪ { :‬ا ْل َح ُّي } فإنه يعني‪ :‬الذي له الحياة الدائمة‪ ،‬والبقاء الذي ال أول له بحد‪ ،‬وال‬
‫آخر له بأمد‪ ،‬إذ كان كل ما سواه فإنه وان كان حيا فلحياته أول محدود‪ ،‬وآخر‬
‫‪39‬‬
‫ممدود‪ ،‬ينقطع بانقطاع أمدها‪ ،‬وينقضي بانقضاء غايتها‪.‬‬

‫ثالثاً‪ :‬الحكمة البالغة‪:‬‬

‫‪ -‬قوله تعالى‪ِ { :‬ح ْك َمةٌ َبالِ َغةٌ فَ َما تُ ْغ ِن ُّ‬


‫الن ُذ ُر (‪[ } )5‬القمر‪.]5:‬‬

‫‪39‬‬
‫تفسير الطبري‪.830 – 836 /5 ،‬‬

‫‪92‬‬
‫حكمة بالغة‬

‫وقال‬ ‫‪40‬‬
‫يقول الواحدي‪ِ { :‬ح ْك َمةٌ َبالِ َغةٌ } أي‪ :‬حكمة تامة‪ ،‬قد بلغت الغاية‪.‬‬
‫‪41‬‬
‫القرطبي‪ :‬يعني القرآن الكريم‪.‬‬

‫رابعاً‪ :‬الحكمة في ميثاق النبيين‪:‬‬

‫اب َو ِح ْك َم ٍة ثَُّم‬‫ِّين لَما َآتَْيتُ ُكم ِم ْن ِكتَ ٍ‬


‫ْ‬
‫اق َّ ِ‬
‫النبي َ َ‬ ‫َخ َذ اللَّهُ ِميثَ َ‬
‫‪ -‬قوله تعالى‪َ { :‬وِا ْذ أ َ‬
‫ِ‬ ‫جاء ُكم رسو ٌل مص ِّد ٌ ِ‬
‫َخ ْذتُ ْم‬ ‫ق ل َما َم َع ُك ْم لَتُ ْؤ ِم ُن َّن بِه َولَتَْن ُ‬
‫ص ُرَّنهُ قَا َل أَأَ ْق َرْرتُ ْم َوأ َ‬ ‫َ َ ْ َُ ُ َ‬
‫ين (‪} )32‬‬ ‫علَى َذلِ ُكم إِص ِري قَالُوا أَ ْقررَنا قَا َل فَا ْشه ُدوا وأََنا مع ُكم ِمن َّ ِ ِ‬
‫الشاهد َ‬ ‫َ َ ََ ْ َ‬ ‫َْ‬ ‫ْ ْ‬ ‫َ‬
‫[آل عمران‪.]32 :‬‬

‫اء ا ْل َم ْع ُروفَ ِة‬


‫ير ْاْلَ ْشي ِ‬
‫َ‬ ‫يد تَ ْق ِر ِ‬‫ات تَ ْع ِد ُ‬‫ود ِمن ه ِذ ِه ْاآلي ِ‬
‫َ‬ ‫ص َ ْ َ‬ ‫َن ا ْل َم ْق ُ‬ ‫يبين الفخر الرازي أ َّ‬
‫ار‬
‫ظهَ ا‬ ‫طعا لِ ُع ْذ ِرِه ْم َوِا ْ‬
‫صلَّى اللَّهُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم قَ ْ‬ ‫ٍ‬ ‫ُّ‬ ‫َه ِل ا ْل ِكتَ ِ ِ‬
‫اب م َّما َي ُدل َعلَى ُن ُب َّوِة ُم َح َّمد َ‬ ‫ِع ْن َد أ ْ‬
‫اق ِم َن‬‫َخ َذ ا ْل ِميثَ َ‬ ‫لِ ِعَن ِاد ِه ْم‪َ .‬و ِم ْن ذلك َما َذ َك َرهُ اللَّهُ تَ َعالَى ِفي َه ِذ ِه ْاآلَي ِة َو ُه َو أََّنهُ تَ َعالَى أ َ‬
‫آم ُنوا‬ ‫اء الَِّذين آتَاهم ا ْل ِكتَاب وا ْل ِح ْكمةَ بِأََّنهم ُكلَّما جاءهم رسو ٌل مص ِّد ٌ ِ‬ ‫ْاْل َْنبِي ِ‬
‫ق ل َما َم َعهُ ْم َ‬ ‫ُْ َ َ َ ُ ْ َ ُ ُ َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َ ُُ‬ ‫َ‬
‫ان ِم َن‬ ‫ك َك َ‬ ‫َن َم ْن َر َج َع َع ْن َذلِ َ‬ ‫ك َو َح َك َم تَ َعالَى بِأ َّ‬‫َخَب َر أََّنهُ ْم قَبِلُوا َذلِ َ‬ ‫بِه َوَن َ‬
‫ص ُروهُ‪َ ،‬وأ ْ‬ ‫ِ‬

‫ب َعلَى َج ِم ِ‬
‫يع‬ ‫ود م َن ْاآلَية‪ .‬فبذلك يتبين أََّنهُ تَ َعالَى أ َْو َج َ‬
‫ِ‬ ‫اس ِقين‪ ،‬فَه َذا هو ا ْلم ْقص ُ ِ‬
‫ا ْلفَ َ َ ُ َ َ ُ‬
‫ِ‬
‫َن ه ِذ ِه ا ْلمقَ ِّدمةَ ا ْلو ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫اح َدةَ َال‬ ‫ُ َ َ‬ ‫ص ِّدقا ل َما َم َعهُ ْم‪ .‬إِ َّال أ َّ َ‬ ‫اء ُم َ‬
‫ٍ‬ ‫اإليم َ ِّ‬
‫ان بِ ُكل َر ُسول َج َ‬ ‫ْاْل َْنبَياء ْ َ‬
‫ُخ َرى‪َ ،‬و ِه َي‬ ‫ض َّم ِإلَ ْيهَا ُمقَ ِّد َمة أ ْ‬ ‫ِ َّ‬ ‫ات ُنب َّوِة مح َّم ٍد َّ َّ‬ ‫تَ ْك ِفي ِفي إِثْب ِ‬
‫صلى اللهُ َعلَ ْيه َو َسل َم َما لَ ْم َي ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ َُ‬ ‫َ‬

‫‪40‬‬
‫الواحدي ( ت ‪ 163‬ه)‪" :‬الوسيط في تفسير القرآن المجيد"‪ ،‬تحقيق وتعليق‪ :‬الشيخ عادل أحمد عبد الموجود‪ ،‬الشيخ علي محمد‬
‫معوض‪ ،‬الدكتور أحمد محمد صيرة‪ ،‬الدكتور أحمد عبد الغني الجمل‪ ،‬الدكتور عبد الرحمن عويس‪ ،‬قدمه وقرظه‪ :‬اْلستاذ الدكتور عبد‬
‫الحي الفرماوي‪ ،‬ط‪ ،2‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت ‪ -‬لبنان‪ 2125 ،‬هـ ‪ 2111 -‬م‪.103/1 ،‬‬
‫‪41‬‬
‫القرطبي‪" :‬الجامع ْلحكام القرآن = تفسير القرطبي‪ ،213/20 ،‬وانظر للتوسع‪ :‬تفسير الطبري‪ ،501 /11 ،‬وتفسير الرازي‪،‬‬
‫‪.112/11‬‬

‫‪41‬‬
‫حكمة بالغة‬

‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫َن َيقُو َل‪َ :‬ه َذا إِثَْب ٌ‬
‫ات‬ ‫ص ِّدقا ل َما َم َعهُ ْم‪َ ،‬و ِع ْن َد َه َذا لقَائ ٍل أ ْ‬
‫اء ُم َ‬
‫َن ُم َح َّمدا َر ُسو ُل الله َج َ‬ ‫أ َّ‬
‫َن ا ْل ُم َر َاد ِم ْن َك ْونِ ِه‬
‫اب‪ :‬أ َّ‬ ‫ِ‬ ‫لشي ِء بَِن ْف ِس ِه‪ِْ ،‬لََّنه إِثْب ٌ ِ ِ‬
‫ات ل َك ْونِه َر ُسوال بِ َك ْونِه َر ُسوال‪َ ،‬وا ْل َج َو ُ‬ ‫ُ َ‬ ‫ِ َّ‬
‫ل ْ‬
‫َعلَ ُم‪ .‬ويذكر الرازي أن‬ ‫ُّؤا ُل َواللَّهُ أ ْ‬ ‫ِ ِ ٍِ‬
‫ور ا ْل ُم ْع ِج ِز َعلَ ْيه‪َ ،‬وح َينئذ َي ْسقُطُ َه َذا الس َ‬
‫َر ُسوال ظُهُ ُ‬
‫صلَ ِة الَّتِي لَ ْم‬‫يف ا ْل ُمفَ َّ‬ ‫ا ْل ِكتَاب هو ا ْلمَن َّز ُل ا ْلم ْقروء وا ْل ِح ْكمةُ ِهي ا ْلو ْحي ا ْلو ِارُد بِالتَّ َكالِ ِ‬
‫َ َ ُ َ‬ ‫َُ ُ َ َ‬ ‫َُ ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َي ْشتَم ِل َعَل ْيهَا ا ْلكتَ ُ‬
‫‪42‬‬
‫اب‪.‬‬

‫خامساً‪ :‬في الحكمة اإلبراهيمية‪:‬‬

‫ث ِفي ِه ْم َر ُسوال ِم ْنهُ ْم َي ْتلُو َعلَ ْي ِه ْم َآَياتِ َ‬


‫ك َوُي َعلِّ ُمهُ ُم‬ ‫َرَّبَنا َو ْاب َع ْ‬ ‫‪ -‬قوله تعالى‪{ :‬‬
‫ِ‬ ‫َوُي َزِّكي ِه ْم إَِّن َ‬ ‫اب َوا ْل ِح ْك َم َة‬ ‫ِ‬
‫يم } [ البقرة‪.]211 :‬‬ ‫ت ا ْل َع ِز ُيز ا ْل َحك ُ‬
‫ك أ َْن َ‬ ‫ا ْلكتَ َ‬

‫ذكر الطبري بعض اآلراء في تأويل معنى الحكمة الواردة في قوله تعالى‬
‫أعاله‪ .‬فعن قتادة‪َ { :‬وا ْل ِح ْك َمةَ } أي السنة‪ .‬وقال بعضهم‪َ { :‬وا ْل ِح ْك َمةَ } هي المعرفة‬
‫بالدين والفقه فيه‪ .‬وبسند الطبري إلى ابن وهب قال‪ :‬قلت لمالك‪ :‬ما الحكمة؟ قال‪" :‬‬
‫المعرفة بالدين‪ ،‬والفقه في الدين‪ ،‬واالتباع له"‪ .‬ويورد أيضا عن ابن وهب قال‪ :‬قال‬
‫ابن زيد في قوله‪َ { :‬وا ْل ِح ْك َمةَ } الدين الذي ال يعرفونه إال به صلى اهلل عليه وسلم‪،‬‬
‫ت ا ْل ِح ْك َمةَ فَقَ ْد‬‫يعلمهم إياها‪ .‬قال‪َ { :‬وا ْل ِح ْك َمةَ } العقل في الدين‪ ،‬وقرأ‪َ { :‬و َم ْن ُي ْؤ َ‬
‫اب َوا ْل ِح ْك َمةَ َوالتَّ ْوَراةَ‬ ‫ِ‬ ‫أُوتِ َي َخ ْي ار َكثِ ا‬
‫ير ] [البقرة‪ ، ]161 :‬وقال لعيسى‪َ { ،‬وُي َعلِّ ُمهُ ا ْلكتَ َ‬
‫َِّ‬ ‫اإل ْن ِج َ‬
‫يل (‪ [ } )13‬آل عمران‪ ]13 :‬قال‪ ،‬وق أر ابن زيد‪َ { :‬و ْات ُل َعَل ْي ِه ْم َنَبأَ الذي َآتَْيَناهُ‬ ‫و ِْ‬
‫َ‬
‫َآَياتَِنا فَ ْان َسلَ َخ ِم ْنهَا } [ اْلعراف‪ ]205 :‬قال‪ ،‬لم ينتفع باآليات‪ ،‬حيث لم تكن معها‬

‫‪42‬‬
‫تفسير الفخر الرازي‪.100 - 180/3 ،‬‬

‫‪45‬‬
‫حكمة بالغة‬

‫حكمة‪ .‬قال‪َ { :‬وا ْل ِح ْك َمةَ } شيء يجعله اهلل في القلب‪ ،‬ينور له به‪ .‬ويرى الطبري‪ :‬أن‬
‫{ ا ْل ِح ْك َم َة }‪ " :‬العلم بأحكام اهلل التي ال يدرك علمها إال ببيان الرسول صلى اهلل عليه‬
‫وسلم‪ ،‬والمعرفة بها‪ ،‬وما دل عليه ذلك من نظائره‪ .‬وهو عندي مأخوذ من"الحكم"‬
‫الذي بمعنى الفصل بين الحق والباطل‪ ،‬بمنزلة "ال ِجلسة و ِ‬
‫القعدة" من "الجلوس‬
‫والقعود"‪ ،‬يقال منه‪":‬إن فالنا لحكيم بين الحكمة"‪ ،‬يعني به‪ :‬إنه لبين اإلصابة في‬
‫القول والفعل‪ .‬واذا كان ذلك كذلك‪ ،‬فتأويل اآلية‪ :‬ربنا وابعث فيهم رسوال منهم يتلو‬
‫عليهم آياتك‪ ،‬ويعلمهم كتابك الذي تنزله عليهم‪ ،‬وفصل قضائك وأحكامك التي تعلمه‬
‫‪43‬‬
‫إياها"‪.‬‬
‫ضلِ ِه فَقَ ْد َآتَْيَنا َآ َل‬
‫اه ُم اللَّهُ ِم ْن فَ ْ‬
‫اس َعلَى َما َآتَ ُ‬ ‫ون َّ‬
‫الن َ‬ ‫‪ -‬قوله تعالى‪ { :‬أ َْم َي ْح ُس ُد َ‬
‫اه ْم ُم ْلكا َع ِظيما (‪[ } )51‬النساء‪.] 51 :‬‬ ‫ِ‬
‫اب َوا ْلح ْك َمةَ َوَآتَْيَن ُ‬
‫اه ِ‬
‫يم ا ْلكتَ َ‬
‫ِ ِ‬
‫إ ْب َر َ‬

‫يبين الطبري أن الحكمة هنا ما أوحي إلى آل إبراهيم مما لم يكن كتابا مقروءا‪.‬‬
‫يم‬‫ه‬‫‪ 44‬ويشير ابن كثير أن اهلل سبحانه قد جعل ِفي اْلسباط‪ ،‬الَِّذين هم ِمن ُذِّرَّي ِة إِ ْب ار ِ‬
‫َ َ‬ ‫َ ُْ ْ‬
‫ب َو َح َك ُموا ِفي ِه ْم بِالسَُّن ِن‪َ ،‬و ِه َي ا ْل ِح ْك َمةُ‪َ ،‬و َج َع َل منهم ا ْل ُملُو َ‬
‫ك‬ ‫الن ُب َّوةَ َوأ َْن َزل َعلَ ْي ِه ُم ا ْل ُكتُ َ‬
‫ُّ‬
‫ِ ِ‬
‫اء و َه َذا ِْ ِ‬ ‫ومع َه َذا فَ ِم ْنهم م ْن آم َن بِ ِه‪ ،‬أ ْ ِ‬
‫ص َّد َع ْنهُ أ ْ‬
‫َي‬ ‫اإل ْن َعام‪َ ،‬و ِم ْنهُ ْم َم ْن َ‬ ‫َي بهَ َذا ْاإليتَ َ‬ ‫ُْ َ َ‬ ‫ََ َ‬
‫‪45‬‬
‫اس َع ْنهُ‪َ ،‬و ُه َو ِم ْنهُ ْم َو ِم ْن ِج ْن ِس ِه ْم‪.‬‬
‫الن ِ‬
‫ص ِّد َّ‬ ‫ِ‬
‫ض َع ْنهُ َو َس َعى في َ‬ ‫َكفَ َر بِ ِه َوأ ْ‬
‫َع َر َ‬

‫سادساً‪ :‬في الحكمة الداوودية‪:‬‬

‫‪43‬‬
‫الطبري ( ت ‪ 820‬ه)‪" :‬جامع البيان في تأويل القرآن"‪ ،‬تحقيق أحمد محمد شاكر‪ ،‬ط‪ ،2‬مؤسسة الرسالة‪ 2110 ،‬هـ ‪ 1000 -‬م‪،‬‬
‫‪.33/8‬‬
‫‪44‬‬
‫تفسيرالطبري‪.130 /3 ،‬‬
‫‪45‬‬
‫ابن كثير ( ت ‪ 001‬ه)‪" :‬تفسير القرآن العظيم (ابن كثير)‪ ،‬تحقيق محمد حسين شمس الدين‪ ،‬ط‪ ،2‬دار الكتب العلمية‪ ،‬منشورات‬
‫محمد علي بيضون‪ ،‬بيروت‪ 2121 ،‬هـ‪.116 /1 ،‬‬

‫‪49‬‬
‫حكمة بالغة‬

‫وت َوَآتَاهُ اللَّهُ ا ْل ُم ْل َ‬


‫ك‬ ‫َجالُ َ‬ ‫اللَّ ِه َوقَتَ َل َد ُاو ُ‬
‫ود‬ ‫وه ْم بِِإ ْذ ِن‬
‫‪ -‬قوله سبحانه‪ { :‬فَهَ َزُم ُ‬
‫ض لَفَ َس َد ِت‬ ‫ضهُ ْم بَِب ْع ٍ‬
‫َب ْع َ‬ ‫اس‬ ‫َد ْفعُ اللَّ ِه َّ‬
‫الن َ‬
‫اء َولَ ْوَال‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫َوا ْلح ْك َمةَ َو َعل َمهُ م َّما َي َش ُ‬
‫ِ‬ ‫ض َولَ ِك َّن اللَّهَ ُذو َف ْ‬
‫ض ٍل َعلَى ا ْل َعالَم َ‬
‫ين (‪ [ } )152‬البقرة‪.] 152 :‬‬ ‫ْاْل َْر ُ‬

‫نقل ابن الجوزي عن ابن عباس رضي اهلل عنهما في تفسير الحكمة الواردة في‬
‫‪46‬‬
‫اآلية الكريمة أنها النبوة‪ ،‬ونقل عن مقاتل أنها الزبور‪.‬‬

‫وفي قصة جالوت‪ ،‬يروي الطبري بسنده إلى السدي أنه قال‪ :‬كان أهل الكتاب‬
‫يقاتلون العمالقة‪ ،‬وكان جالوت ملك العمالقة‪ ،‬وأنهم تغلبوا على أهل الكتاب فأخذوا‬
‫توراتهم‪ ،‬وضربوا عليهم الجزية‪ .‬وكان أهل الكتاب يسألون اهلل أن يبعث لهم نبيا‬
‫يقاتلون معه‪ .‬وكان سبط النبوة قد هلكوا‪ ،‬فلم يبق منهم إال امرأة حبلى‪ ،‬فأخذوها‬
‫فحبسوها في بيت‪ ،‬رهبة أن تلد جارية فتبدلها بغالم‪ ،‬لما ترى من رغبة الكتابيين في‬
‫ولدها‪ .‬فجعلت المرأة تدعو اهلل أن يرزقها غالما‪ ،‬فولدت غالما فسمته شمعون‪ .‬فكبر‬
‫الغالم‪ ،‬فأرسلته يتعلم التوراة في بيت المقدس‪ ،‬وكفله شيخ من علمائهم وتبناه‪ .‬فلما‬
‫بلغ الغالم أن يبعثه اهلل نبيا‪ ،‬أتاه جبريل والغالم نائم إلى جنب الشيخ وكان ال يأتمن‬
‫عليه أحدا غيره فدعاه بلحن الشيخ‪":‬يا شماول! "‪ ،‬فقام الغالم فزعا إلى الشيخ‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫يا أبتاه‪ ،‬دعوتني؟ فكره الشيخ أن يقول‪":‬ال"‪ ،‬فيفزع الغالم‪ ،‬فقال‪ :‬يا بني ارجع فنم!‬
‫فرجع فنام‪ .‬ثم دعاه الثانية‪ ،‬فأتاه الغالم أيضا فقال‪ :‬دعوتني؟ فقال‪ :‬ارجع فنم‪ ،‬فإن‬
‫دعوت ك الثالثة فال تجبني! فلما كانت الثالثة‪ ،‬ظهر له جبريل فقال‪ :‬اذهب إلى قومك‬
‫‪47‬‬
‫فبلغهم رسالة ربك‪ ،‬فإن اهلل قد بعثك فيهم نبيا‪.‬‬

‫‪46‬‬
‫ابن الجوزي (ت ‪510‬هـ)‪ " :‬زاد المسير في علم التفسير"‪ ،‬تحقيق عبد الرزاق المهدي‪ ،‬ط‪ ،2‬دار الكتاب العربي ‪ ،‬بيروت‪2111 ،‬‬
‫هـ‪.110/2 ،‬‬
‫‪47‬‬
‫الطبري‪" :‬جامع البيان"‪.111/5 ،‬‬

‫‪44‬‬
‫حكمة بالغة‬

‫وبسند الطبري إلى وهب بن منبه يحدث قال‪ :‬لما خرج أو لما برز طالوت‬
‫لجالوت‪ ،‬قال جالوت‪ :‬أبرزوا إلي من يقاتلني‪ ،‬فإن قتلني فلكم ملكي‪ ،‬وان قتلته فلي‬
‫ملككم‪ .‬فأتي بداود إلى طالوت‪ ،‬فقاضاه إن قتله أن ينكحه ابنته‪ ،‬وأن يحكمه في‬
‫ماله‪ .‬فألبسه طالوت سالحا‪ ،‬فكره داود أن يقاتله بسالح‪ ،‬وقال‪ :‬إن اهلل لم ينصرني‬
‫عليه‪ ،‬لم يغن السالح‪ ،‬فخرج إليه بالمقالع‪ ،‬وبمخالة فيها أحجار‪ ،‬ثم برز له‪ .‬قال له‬
‫جالوت‪ :‬أنت تقاتلني‪ ،‬قال داود‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪ :‬ويلك‪ ،‬ما خرجت إال كما يخرج إلى‬
‫ْلطعمنه اليوم الطير والسباع‪ .‬فقال له‬
‫ّ‬ ‫الكلب بالمقالع والحجارة‪ْ ،‬لبددن لحمك‪ ،‬و‬
‫داود‪ :‬بل أنت عدو اهلل شر من الكلب‪ ،‬فأخذ داود حج ار ورماه بالمقالع‪ ،‬فأصابت‬
‫بين عينيه حتى نفذ في دماغه‪ ،‬فصرع جالوت وانهزم من معه‪ ،‬واحتز داود رأسه‪.‬‬
‫فلما رجعوا إلى طالوت‪ّ ،‬ادعى الناس قتل جالوت‪ ،‬فمنهم من يأتي بالسيف‪ ،‬وبالشيء‬
‫من سالحه أو جسده‪ ،‬وخبأ داود رأسه‪ .‬فقال طالوت‪ :‬من جاء برأسه فهو الذي قتله‪،‬‬
‫فجاء به داود‪ ،‬ثم قال لطالوت‪ :‬أعطني ما وعدتني‪ ،‬فندم طالوت على ما كان شرط‬
‫له‪ ،‬وقال‪ :‬إن بنات الملوك ال بد لهن من صداق وأنت رجل جريء شجاع‪ ،‬فاحتمل‬
‫صداقها ثالثمئة غلفة من أعدائنا‪ .‬وكان يرجو بذلك أن يقتل داود‪ .‬فغ از داود وأسر‬
‫منهم ثالثمئة وقطع غلفهم‪ ،‬وجاء بها‪ .‬فلم يجد طالوت بدا من أن يزوجه‪ ،‬ثم أدركته‬
‫الندامة‪ .‬فأراد قتل داود حتى هرب منه إلى الجبل‪ ،‬فنهض إليه طالوت فحاصره‪ .‬فلما‬
‫كان ذات ليلة سلط النوم على طالوت وحرسه‪ ،‬فهبط إليهم داود فأخذ إبريق طالوت‬
‫الذي كان يشرب منه ويتوضأ‪ ،‬وقطع شيئا من هدب ثيابه وشعرات من لحيته‪ ،‬ثم‬
‫رجع داود إلى مكانه فناداه‪ :‬أن [قد نمت ونام] حرسك‪ ،‬فإني لو شئت أقتلك البارحة‬
‫فعلت‪ ،‬فإنه هذا إبريقك‪ ،‬وشيء من شعر لحيتك وهدب ثيابك! وبعث [به] إليه‪ ،‬فعلم‬
‫طالوت أنه لو شاء قتله‪ ،‬فعطفه ذلك عليه فأمنه‪ ،‬وعاهده باهلل ال يرى منه بأسا‪ .‬ثم‬

‫‪43‬‬
‫حكمة بالغة‬

‫انصرف‪ .‬ثم كان في آخر أمر طالوت أنه كان يدس لقتله‪ .‬وكان طالوت ال يقاتل‬
‫‪48‬‬
‫عدوا إال هزم‪ ،‬حتى مات‪.‬‬

‫‪ -‬وقوله تعالى عن نبيه داود عليه الصالة والسالم‪َ { :‬و َش َد ْدَنا ُم ْل َكهُ َوَآتَْيَناهُ‬
‫اب (‪[ } )10‬ص‪.] 10 :‬‬ ‫ص َل ا ْل ِخطَ ِ‬ ‫ِ‬
‫ا ْلح ْك َمةَ َوفَ ْ‬

‫كما إن اهلل سبحانه قد اعطى نبيه داود عليه السالم الحكمة وفصل الخطاب‪،‬‬
‫ط ِ‬
‫اب }‬ ‫ص َل ا ْل ِخ َ‬ ‫ِ‬
‫فقال تعالى‪َ { :‬وَآتَْيَناهُ ا ْلح ْك َم َة } يعني‪ :‬وأعطيناه الفهم والعلم { َوفَ ْ‬
‫‪49‬‬
‫يعني‪ :‬فصل القضاء‪ ،‬وهو البينة على المدعي واليمين على من أنكر‪.‬‬

‫سابعاً‪ :‬في الحكمة العيسوية‪:‬‬

‫‪ -‬قوله سبحانه عن نبي اهلل عيسى بن مريم عليه الصالة والسالم‪َ { :‬وُي َعلِّ ُمهُ‬
‫يل (‪ [ })13‬آل عمران‪.] 13 :‬‬ ‫اب وا ْل ِح ْكمةَ والتَّوراةَ و ِْ‬
‫اإل ْن ِج َ‬ ‫ِ‬
‫ا ْلكتَ َ َ َ َ ْ َ َ‬

‫يرى ابن عطية أن الحكمة هنا هي السنة التي يتكلم بها االنبياء في الشرعيات‬
‫والمواعظ ونحو ذلك‪ ،‬مما لم يوح إليهم في كتاب وال بملك‪ ،‬لكنهم يلهمون إليه وتقوى‬
‫غرائزهم عليه‪ ،‬كما إنها اإلصابة في القول والعمل‪ ،‬فذكر اهلل تعالى في هذه اآلية أنه‬
‫يعلم عيسى عليه السالم الحكمة‪ ،‬والتعليم متمكن فيما كان من الحكمة بوحي أو‬
‫مأثو ار عمن تقدم عيسى عليه السالم من نبي وعالم‪ ،‬وأما ما كان من حكمة عيسى‬
‫عليه السالم الخاصة به فإنما يقال فيها يعلمه على معنى يهيىء غريزته لها‪ ،‬ويجعله‬

‫‪48‬‬
‫الطبري‪" :‬جامع البيان"‪ ،856 – 855/5 ،‬وقارن القصة بتمامها عند الطبري‪ :‬تاريخ الطبري = تاريخ الرسل والملوك‪ ،‬وصلة تاريخ‬
‫الطبري‪( ،‬صلة تاريخ الطبري لعريب بن سعد القرطبي‪ ،‬المتوفى‪861 :‬هـ)‪ ،‬دار التراث – بيروت‪ ،‬ط‪ 2830 ،1‬هـ‪ 160/2 ،‬وما بعد‪،‬‬
‫وابن كثير (ت ‪001‬هـ)‪" :‬البداية والنهاية"‪ ،‬تحقيق علي شيري‪ ،‬ط‪ ،2‬دار إحياء التراث العربي‪ ،2103 ،‬هـ ‪ 2133 -‬م‪ ،6 /1 ،‬ومابعد‪.‬‬
‫‪49‬‬
‫تفسير مقاتل‪ .681 /8 ،‬وقارن‪ :‬عبد اهلل بن وهب (ت ‪ 210‬ه)‪" :‬تفسير القرآن من الجامع البن وهب"‪ ،‬تحقيق ميكلوش موراني‪،‬‬
‫ط‪ ،2‬دار الغرب االسالمي‪ ،‬بيروت‪ 1008 ،‬م‪.3/2 ،‬‬

‫‪41‬‬
‫حكمة بالغة‬

‫يتمرن في استخراجها‪ ،‬ويقدره‪ ،‬ويجري ذهنه إلى ذلك‪ .‬والتَّ ْوراةَ هي المنزلة على‬
‫موسى عليه السالم‪ ،‬ويروى أن عيسى كان يستظهر التوراة وكان أعمل الناس بما‬
‫فيها‪ ،‬ويروى أنه لم يحفظها عن ظهر قلب إال أربعة‪ ،‬موسى ويوشع بن نون [ وعزير‬
‫اإل ْن ِجي َل لمريم وهو ينزل‪ -‬بعد‪ْ -‬لنه كان كتابا مذكو ار‬
‫] وعيسى عليهم السالم‪ ،‬وذكر ِْ‬
‫‪50‬‬
‫عند اْلنبياء والعلماء وأنه سينزل‪.‬‬

‫ك َو َعلى‬ ‫يسى ْاب َن َم ْرَي َم ا ْذ ُك ْر نِ ْع َمتِي َعلَ ْي َ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬


‫‪ -‬قوله تعالى‪ { :‬إِ ْذ قَا َل اللهُ َيا ع َ‬
‫اس ِفي ا ْل َم ْه ِد َو َك ْهال َوِا ْذ َعلَّ ْمتُ َ‬
‫ك‬ ‫الن َ‬‫س تُ َكلِّ ُم َّ‬ ‫ك بِ ُرو ِح ا ْلقُ ُد ِ‬ ‫َوالِ َدتِ َ‬
‫ك إِ ْذ أََّي ْدتُ َ‬
‫ين َكهَ ْيَئ ِة الطَّ ْي ِر بِِإ ْذنِي‬
‫ق ِم َن الطِّ ِ‬ ‫يل َوِا ْذ تَ ْخلُ ُ‬ ‫اب وا ْل ِح ْكمةَ والتَّوراةَ و ِْ‬
‫اإل ْن ِج َ‬ ‫ا ْلكتَ َ َ َ َ ْ َ َ‬
‫ِ‬

‫تُ ْخ ِرُج‬ ‫ص بِِإ ْذنِي َوِا ْذ‬ ‫ط ْي ار بِِإ ْذنِي َوتُْب ِرئُ ْاْلَ ْك َم َه‬
‫َو ْاْل َْب َر َ‬ ‫ون َ‬ ‫ِ‬
‫فَتَْنفُ ُخ فيهَا َفتَ ُك ُ‬
‫ين‬ ‫َِّ‬ ‫ِج ْئتَهم بِا ْلبيَِّن ِ‬
‫يل َع ْن َك إِ ْذ‬ ‫ت َبنِي إِ ْس َرائِ َ‬ ‫ا ْل َم ْوتَى بِِإ ْذنِي َوِا ْذ َكفَ ْف ُ‬
‫الذ َ‬ ‫ال‬
‫ات فَقَ َ‬ ‫ُْ َ‬
‫ين (‪[ } )220‬المائدة‪.]220 :‬‬ ‫َكفَ ُروا ِم ْنهُ ْم إِ ْن َه َذا ِإ َّال ِس ْحٌر ُمبِ ٌ‬

‫يبين الطبري أن الحكمة هنا هي الفهم بمعاني الكتاب الذي ّنزل على عيسى‬
‫عليه السالم‪.51 .‬‬

‫‪52‬‬
‫والحكمة هنا عند البغوي العلم والفهم والتوراة واإلنجيل‪.‬‬

‫اء‬
‫عليه الصالة والسالم‪َ { :‬ولَ َّما َج َ‬ ‫‪ -‬قوله تعالى عن نبيه عيسى بن مريم‬
‫وِْلُبيِّن لَ ُكم بعض الَِّذي تَ ْختَلِفُون ِف ِ‬
‫يه‬ ‫ات قَا َل قَ ْد ِج ْئتُ ُك ْم بِا ْل ِح ْك َم ِة‬
‫ِعيسى بِا ْلبيَِّن ِ‬
‫َ‬ ‫َ َ َ ْ َْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫َّ ِ‬
‫ون (‪[ } )68‬الزخرف‪.]68 :‬‬ ‫يع ِ‬‫فَاتَّقُوا اللهَ َوأَط ُ‬

‫‪50‬‬
‫ابن عطية اْلندلسي ( ت ‪ 511‬ه)‪" :‬المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز"‪ ،‬تحقيق عبد السالم عبد الشافي محمد‪ ،‬ط‪ ،2‬دار‬
‫الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ 2111 ،‬هـ‪ ،183/2 ،‬وقارن مع الطبري‪" :‬جامع البيان"‪.111/6 ،‬‬
‫‪51‬‬
‫تفسير الطبري‪.125 /22 ،‬‬
‫‪52‬‬
‫البغوي (ت ‪ 520‬ه)‪" :‬معالم التنزيل في تفسير القرآن" = تفسير البغوي‪ ،‬تحقيق عبد الرزاق المهدي‪ ،‬دار إحياء التراث العربي –‬
‫بيروت‪ ،‬ط‪ 2110 ، ،2‬هـ‪.202 /1 ،‬‬

‫‪46‬‬
‫حكمة بالغة‬

‫‪54‬‬ ‫‪53‬‬
‫واآللوسي أن الحكمة هنا اإلنجيل‪.‬‬ ‫ذهب الطبري أن الحكمة هنا النبوة‪.‬‬

‫سابعاً‪ :‬في الحكمة اللقمانية‪:‬‬

‫َن ا ْش ُك ْر لِلَّ ِه َو َم ْن َي ْش ُك ْر فَِإَّن َما‬ ‫ان ا ْل ِح ْك َمةَ أ ِ‬‫‪ -‬قوله تعالى‪َ { :‬ولَقَ ْد َآتَْيَنا لُ ْق َم َ‬
‫يد (‪[ } )21‬لقمان‪.]21 :‬‬ ‫َي ْش ُك ُر ِلَن ْف ِس ِه َو َم ْن َك َف َر فَِإ َّن اللَّهَ َغنِ ٌّي َح ِم ٌ‬
‫ان ا ْل ِح ْك َمةَ } [ لقمان‪21 :‬‬ ‫وعن مجاهد أيضا في قوله تعالى‪َ { :‬ولَقَ ْد َآتَْيَنا لُ ْق َم َ‬
‫‪55‬‬
‫]‪" ،‬يعني‪ :‬الفقه والعقل واإلصابة في القول في غير نبوة"‪.‬‬

‫ان ا ْل ِح ْك َم َة } [‬
‫ويقول مقاتل بن سليمان في تفسير قوله تعالى‪َ { :‬ولَقَ ْد َآتَْيَنا لُ ْق َم َ‬
‫لقمان‪ :] 21 :‬أي أعطيناه الفهم والعلم من غير نبوة فهذه نعمة‪ .‬فقلنا له‪ { :‬أ ِ‬
‫َن ا ْش ُك ْر‬
‫لِلَّ ِه } فيما أعطاك من الحكمة‪َ { ،‬و َم ْن َي ْش ُك ْر } تعالى في نعمه فيوحده { فَِإَّن َما َي ْش ُك ُر‬
‫َّ‬ ‫ِ ِِ‬
‫} أي‪ :‬يعمل الخير { لَن ْفسه } { َو َم ْن َكفَ َر } النعم فلم يوحد ربه سبحانه { فَِإ َّن اللهَ‬
‫َغنِ ٌّي َح ِم ٌ‬
‫‪56‬‬
‫يد } أي عن خلقه في سلطانه‪.‬‬

‫ثامناً‪ :‬في الحكمة المحمدية‪:‬‬

‫‪53‬‬
‫تفسير الطبري‪.681 /12 ،‬‬
‫‪54‬‬
‫اآللوسي ( ت ‪ 2210‬ه) ‪":‬روح البيان"‪ ،‬دار الفكر – بيروت‪ ،‬بدون تاريخ‪.835 / 3 ،‬‬
‫‪55‬‬
‫تفسير مجاهد‪ ،‬ص ‪ .512‬وقارن مع تفسير يحيى بن سالم (ت ‪ 100‬ه)‪ ،‬تقديم وتحقيق‪ :‬الدكتورة هند شلبي‪ ،‬ط‪ ،2‬دار الكتب‬
‫العلمية‪ ،‬بيروت – لبنان‪ 2115 ،‬هـ ‪ 1001 -‬م‪.601 /1 ،‬‬
‫‪56‬‬
‫تفسير مقاتل‪.181 /8 ،‬‬

‫‪47‬‬
‫حكمة بالغة‬

‫ِفي ِه ْم َر ُسوال ِم ْن أ َْنفُ ِس ِه ْم‬ ‫ث‬‫ين إِ ْذ َب َع َ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬


‫‪ -‬قوله تعالى‪ { :‬لَقَ ْد َم َّن اللهُ َعلَى ا ْل ُم ْؤ ِمن َ‬
‫َوِا ْن َك ُانوا ِم ْن قَْب ُل لَ ِفي‬ ‫اب َوا ْل ِح ْك َمةَ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫َي ْتلُو َعلَ ْي ِه ْم َآَياته َوُي َزِّكي ِه ْم َوُي َعلِّ ُمهُ ُم ا ْلكتَ َ‬
‫ين (‪[ } )261‬آل عمران‪.]261:‬‬ ‫ض َال ٍل ُمبِ ٍ‬ ‫َ‬

‫يقول البيضاوي في تفسير هذه اآلية أن اهلل سبحانه أنعم على من آمن مع‬
‫الرسول صلّى اهلل عليه وسلّم من قومه وتخصيصهم مع أن نعمة البعثة عامة لزيادة‬
‫ث ِفي ِه ْم َر ُسوال ِم ْن أ َْنفُ ِس ِه ْم من نسبهم‪ ،‬أو من جنسهم عربيا مثلهم‬
‫انتفاعهم بها‪ .‬إِ ْذ َب َع َ‬
‫ليفهموا كالم ه بسهولة ويكونوا واقفين على حاله في الصدق واْلمانة مفتخرين به‪.‬‬
‫والنبي صلى اهلل عليه وسلم من أشرفهم ْلنه عليه السالم كان من أشرف قبائل‬
‫آيات القرآن بعد ما كانوا جهاال لم يسمعوا الوحي‪َ .‬و‬ ‫العرب وبطونهم‪ .‬ي ْتلُوا علَ ْي ِهم ِ‬
‫َ ْ‬ ‫َ‬
‫اب َوا ْل ِح ْك َمةَ } أي‬ ‫ِ‬
‫يطهرهم من دنس الطباع وسوء االعتقاد واْلعمال‪َ { .‬وُي َعلِّ ُمهُ ُم ا ْلكتَ َ‬
‫كانوا من قبل بعثة الرسول صلّى اهلل عليه وسلّم في ضالل‬
‫القرآن والسنة‪َ .‬وِا ْن ُ‬
‫‪57‬‬
‫ظاهر‪.‬‬

‫ضلُّو َ‬
‫ك‬ ‫ت طَائِفَةٌ ِم ْنهم أَن ي ِ‬
‫ُْ ْ ُ‬ ‫ك َوَر ْح َمتُهُ لَهَ َّم ْ‬‫ض ُل اللَّ ِه َعلَ ْي َ‬ ‫‪ -‬قوله تعالى‪َ { :‬ولَ ْوَال فَ ْ‬
‫ك ِمن َشي ٍء وأ َْن َز َل اللَّه علَ ْي َ ِ‬ ‫ِ ُّ‬
‫اب‬
‫ك ا ْلكتَ َ‬ ‫ُ َ‬ ‫ون َ ْ ْ َ‬ ‫ض ُّر َ‬ ‫ون إِ َّال أ َْنفُ َسهُ ْم َو َما َي ُ‬‫َو َما ُيضل َ‬
‫ض ُل اللَّ ِه َعلَ ْي َك َع ِظيما (‪} )228‬‬ ‫ان فَ ْ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬
‫َوا ْلح ْك َم َة َو َعل َم َك َما لَ ْم تَ ُك ْن تَ ْعلَ ُم َو َك َ‬
‫[النساء‪.] 228 :‬‬

‫اب َوا ْل ِح ْك َمةَ }‪:‬‬ ‫يذكر الطبري أن المراد بقوله تعالى‪ { :‬وأ َْن َز َل اللَّه علَ ْي َ ِ‬
‫ك ا ْلكتَ َ‬ ‫ُ َ‬ ‫َ‬
‫ومن فضل اهلل عليك‪ ،‬يا محمد‪ ،‬صلى اهلل عليه وآله وسلم‪ ،‬مع سائر ما َّ‬
‫تفضل به‬
‫عليك من نعمه‪ ،‬أنه أنزل عليك الكتاب‪ ،‬وهو القرآن الذي فيه بيان كل شيء وهدى‬
‫وموعظة‪ ،‬والحكمة‪ ،‬وهي ما كان في الكتاب مجمال ذكره‪ ،‬من حالله وحرامه‪ ،‬وأمره‬
‫‪57‬‬
‫البيضاوي ( ت ‪ 635‬ه)‪ :‬أنوار التنزيل وأسرار التأويل‪ ،‬تحقيق محمد عبد الرحمن المرعشلي‪ ،‬ط‪ ،2‬دار إحياء التراث العربي –‬
‫بيروت‪ 2123 ،‬هـ‪.61/1 ،‬‬

‫‪48‬‬
‫حكمة بالغة‬

‫ونهيه‪ ،‬وأحكامه‪ ،‬ووعده ووعيده { َو َعلَّ َم َ‬


‫ك َما لَ ْم تَ ُك ْن تَ ْعلَ ُم } من خبر اْلولين‬
‫واآلخرين‪ ،‬وما كان وما هو كائن‪ ،‬فكل ذلك من فضل اهلل عليك‪ ،‬يا محمد‪ ،‬صلى‬
‫اهلل عليه وآله وسلم ُم ْذ خلقك‪ ،‬فاشكره على ما أوالك من إحسانه إليك‪ ،‬بالتمسك‬
‫‪59‬‬ ‫‪58‬‬
‫ويبين ابن كثير أن الكتاب هنا القرآن الكريم والحكمة السنة النبوية‪.‬‬ ‫بطاعته‪.‬‬
‫‪ -‬قوله سبحانه‪َ { :‬ك َما أ َْر َس ْلَنا ِفي ُك ْم َر ُسوال ِم ْن ُك ْم َي ْتلُو َعلَ ْي ُك ْم َآَياتَِنا َوُي َزِّكي ُك ْم‬
‫ون (‪ [ } )252‬البقرة‪:‬‬ ‫اب َوا ْل ِح ْك َمةَ َوُي َعلِّ ُم ُك ْم َما لَ ْم تَ ُك ُ‬
‫ونوا تَ ْعلَ ُم َ‬
‫ِ‬
‫َوُي َعلِّ ُم ُك ُم ا ْلكتَ َ‬
‫‪.] 252‬‬
‫ّبين الشافعي أن اهلل سبحانه فرض في كتابه اتباع سنة نبيه صلى اهلل عليه‬
‫وآله وسلم‪ .‬وذكر أن اهلل سبحانه قال‪َ { :‬ك َما أ َْر َس ْلَنا ِفي ُك ْم َر ُسوال ِم ْن ُك ْم َي ْتلُو َعلَ ْي ُك ْم َآَياتَِنا‬
‫ون } [ البقرة‪.] 252 :‬‬ ‫اب َوا ْل ِح ْك َم َة َوُي َعلِّ ُم ُك ْم َما لَ ْم تَ ُك ُ‬
‫ونوا تَ ْعلَ ُم َ‬
‫ِ‬
‫َوُي َزِّكي ُك ْم َوُي َعلِّ ُم ُك ُم ا ْلكتَ َ‬
‫وقال‪" :‬سمعت من أرضى من أهل العلم بالقرآن يقول‪ :‬الحكمة‪ :‬سنة رسول اهلل‪ .‬وهذا‬
‫يشبه ما قال ْلن القرآن ذكر وأتبِ َعتْهُ الحكمة‪ ،‬وذكر اللَّه سبحانه َمَّنهُ على خلقه‬
‫بتعليمهم الكتاب والحكمة‪ ،‬فلم يجز أن يقال الحكمة هاهنا إال سنة رسول اهلل صلى‬
‫اهلل عليه وآله سلم‪ .‬وذلك أنها مقرونة مع كتاب اللَّه‪ ،‬وأن اللَّه افترض طاعة رسوله‬
‫صلى اهلل عليه وآله وسلم‪ ،‬وأوجب على الناس اتباع أمره‪ ،‬فال يجوز أن يقال لقول‪:‬‬
‫فرض إال لكتاب اللَّه ثم سنة رسوله صلى اهلل عليه وآله وسلم‪ .‬لما تبين أن اللَّه جعل‬
‫ٌ‬
‫مبينة عن اللَّه معنى ما أراد‬
‫اإليمان برسوله مقرونا باإليمان به‪ .‬وسنة رسول اللَّه ّ‬
‫دليال على خاصه وعامه‪ .‬ثم قَرن الحكمة بها بكتابه فاتبعها إياه‪ ،‬ولم يجعل هذا ٍ‬
‫ْلحد‬ ‫ََ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬

‫‪58‬‬
‫تفسير الطبري‪.100 / 1 ،‬‬
‫‪59‬‬
‫تفسير ابن كثير‪.861/1 ،‬‬

‫‪42‬‬
‫حكمة بالغة‬

‫من خلقه ِ‬
‫غير رسوله صلى اهلل عليه وآله وسلم‪ .‬ثم قَ َرَن الحكمة بها بكتابه فاتبعها‬
‫‪60‬‬
‫غير رسوله صلى اهلل عليه وآله وسلم‪.‬‬ ‫إياه‪ ،‬ولم يجعل هذا ٍ‬
‫ْلحد من خلقه ِ‬

‫النساء فَبلَ ْغن أَجلَه َّن فَأَم ِس ُكوه َّن بِمعر ٍ‬ ‫‪ -‬قوله سبحانه‪ { :‬وِا َذا ََّ‬
‫وف أ َْو‬ ‫ُ َ ُْ‬ ‫ْ‬ ‫طل ْقتُ ُم ِّ َ َ َ َ َ ُ‬ ‫َ‬
‫ظلَ َم‬
‫ك فَقَ ْد َ‬ ‫ار لِتَ ْعتَ ُدوا َو َم ْن َي ْف َع ْل َذلِ َ‬ ‫ض َر ا‬ ‫وف وَال تُم ِس ُكوه َّن ِ‬
‫ُ‬ ‫َ ْ‬
‫سِّرحوه َّن بِمعر ٍ‬
‫َ ُ ُ َ ُْ‬
‫ات اللَّ ِه ُه ُزوا َوا ْذ ُك ُروا نِ ْع َمةَ اللَّ ِه َعلَ ْي ُك ْم َو َما أ َْن َز َل َعلَ ْي ُك ْم‬
‫َن ْفسه وَال تَتَّ ِخ ُذوا َآي ِ‬
‫َ‬ ‫َُ َ‬
‫ٍ ِ‬ ‫ِّ‬ ‫اعلَموا أ َّ َّ‬ ‫َّ‬ ‫ِ ِ َّ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫َن اللهَ بِ ُكل َش ْيء َعل ٌ‬
‫يم‬ ‫م َن ا ْلكتَاب َوا ْلح ْك َمة َيعظُ ُك ْم به َواتقُوا اللهَ َو ْ ُ‬
‫(‪ [ } )182‬البقرة‪.]182 :‬‬

‫سنها رسول اهلل صلى اهلل عليه‬


‫الحكمة هنا‪ ،‬ينقل الشوكاني‪ ،‬هي السنة التي ّ‬
‫‪61‬‬
‫وآله وسلم‪.‬‬

‫ك ِم َن ا ْل ِح ْك َم ِة َوَال تَ ْج َع ْل َم َع اللَّ ِه إِلَها‬ ‫ك ِم َّما أ َْو َحى إِلَ ْي َ‬


‫ك َرُّب َ‬ ‫‪ -‬قوله تعالى‪َ { :‬ذلِ َ‬
‫ور (‪[ } )81‬االسراء‪.] 81 :‬‬ ‫َآ َخ َر فَتُْلقَى ِفي َجهََّن َم َملُوما َم ْد ُح ا‬

‫يقول مقاتل بن سليمان‪ :‬أي في هؤالء اآليات التي أوحاها اهلل إليك يا محمد‬
‫‪62‬‬
‫(صلى اهلل عليه وآله وسلم)‪.‬‬

‫ال بل إن آيات آخرى من القرآن الكريم قد نزلت تأييدا للمفاهيم السابقة‪ .‬فبين‬
‫مقاتل أن اليهود قد جاد لوا النبي صلى اهلل عليه وسلم بإن في التوراة علم كل شيء‬
‫وقال اهلل تبارك وتعالى للنبي صلى اهلل عليه وسلم قل لليهود { َو َما أُوتِيتُ ْم ِم َن ا ْل ِع ْلِم‬
‫ِإ َّال َقلِيال } [ اإلسراء‪ ] 35 :‬عندي كثي ار عندكم وعلم التوراة عندكم كثير‪ ،‬فقالوا للنبي‬

‫‪60‬‬
‫تفسير االمام الشافعي ( ت ‪ 101‬ه)‪ :‬جمع وتحقيق ودراسة‪ :‬د‪ .‬أحمد بن مصطفى الفرَّان (رسالة دكتوراه)‪ ،‬ط‪ ،2‬دار التدمرية ‪-‬‬
‫المملكة العربية السعودية‪ 1006 - 2110 ،‬م‪.112 /2 ،‬‬
‫‪61‬‬
‫محمد بن علي بن محمد بن عبد اهلل الشوكاني اليمني (المتوفى‪2150 :‬هـ)‪" :‬فتح القدير"‪ ،‬ط‪ ،2‬دار ابن كثير‪ ،‬دار الكلم الطيب ‪-‬‬
‫دمشق‪ ،‬بيروت‪ 2121 ،‬هـ‪.103/2 ،‬‬
‫‪62‬‬
‫تفسير مقاتل بن سليمان‪ :‬نفسه‪.582 /1 ،‬‬

‫‪31‬‬
‫حكمة بالغة‬

‫صلى اهلل عليه وسلم‪ :‬من قال هذا؟ فو اهلل ما قاله لك إال عدو لنا يعنون جبريل‬
‫عليه السالم‪ ،‬ثم قالوا للنبي صلى اهلل عليه وسلم‪ :‬خاصة لنا أنا لم نؤت من العلم إال‬
‫قليال‪ .‬فقال النبي صلى اهلل عليه وسلم‪ :‬بل الناس كلهم عامة‪ .‬فقالوا للنبي صلى اهلل‬
‫عليه وسلم‪ :‬وال أنت وال أصحابك‪ .‬فقال‪ :‬نعم‪ .‬فقالوا‪ :‬كيف تجمع بين هاتين؟ تزعم‬
‫ير } وتزعم أنك لم تؤت من‬ ‫ت ا ْل ِح ْك َمةَ فَقَ ْد أُوتِ َي َخ ْي ار َكثِ ا‬
‫أنك أوتيت الحكمة { َو َم ْن ُي ْؤ َ‬
‫العلم إال قليال‪ .‬فنزل قوله تعالى ‪ { :‬ولَو أََّنما ِفي ْاْلَر ِ ِ‬
‫ض م ْن َش َج َرٍة أَ ْق َال ٌم َوا ْلَب ْح ُر َي ُم ُّدهُ‬ ‫ْ‬ ‫َْ َ‬
‫‪63‬‬
‫ات اللَّ ِه } [ لقمان‪.] 10 :‬‬ ‫ت َكلِ َم ُ‬ ‫ِم ْن َب ْع ِد ِه َس ْب َعةُ أ َْب ُح ٍر َما َن ِف َد ْ‬
‫َّ‬ ‫ِ َّ ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫‪ -‬قوله تعالى‪َ { :‬وا ْذ ُك ْرَن َما ُي ْتلَى في ُب ُيوتِ ُك َّن م ْن َآَيات الله َوا ْلح ْك َمة إِ َّن اللهَ‬
‫ير (‪[ } )81‬االحزاب‪.]81 :‬‬ ‫ان لَ ِطيفا َخبِ ا‬
‫َك َ‬

‫ّبين اإلمام الشافعي أن اللَّه تعالى فرض على الناس اتباع وحيه وسنن رسوله‬

‫ث ِفي ِه ْم َر ُسوال ِم ْنهُ ْم َي ْتلُو َعلَ ْي ِه ْم َآَياتِ َ‬


‫ك َوُي َعلِّ ُمهُ ُم‬ ‫صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬فقال‪َ { :‬رَّبَنا َو ْاب َع ْ‬
‫ِ‬ ‫اب َوا ْل ِح ْك َمةَ َوُي َزِّكي ِه ْم ِإَّن َ‬ ‫ِ‬
‫يم } [ البقرة‪ .] 211 :‬وقال تعالى‪{ :‬‬ ‫ت ا ْل َع ِز ُيز ا ْل َحك ُ‬‫ك أ َْن َ‬ ‫ا ْلكتَ َ‬
‫ث ِفي ِه ْم َر ُسوال ِم ْن أ َْنفُ ِس ِه ْم َي ْتلُو َعلَ ْي ِه ْم َآَياتِ ِه َوُي َزِّكي ِه ْم‬ ‫ين إِ ْذ َب َع َ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬
‫لَقَ ْد َم َّن اللهُ َعلَى ا ْل ُم ْؤ ِمن َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين } [ آل عمران‪،] 260 :‬‬ ‫ض َال ٍل ُم ِب ٍ‬ ‫َوُي َعلِّ ُمهُ ُم ا ْلكتَ َ‬
‫اب َوا ْلح ْك َم َة َوِا ْن َك ُانوا م ْن قَْب ُل لَفي َ‬
‫ات اللَّ ِه َوا ْل ِح ْك َم ِة } [ االحزاب‪:‬‬
‫وقال سبحانه‪ { :‬وا ْذ ُكرن ما ي ْتلَى ِفي بيوتِ ُك َّن ِمن َآي ِ‬
‫ْ َ‬ ‫ُُ‬ ‫َ َْ َ ُ‬
‫الش ِاف ِعي‪" :‬فذكر اللَّه تعالى الكتاب وهو القرآن‪ ،‬وذكر الحكمة‪ ،‬فسمعت‬ ‫‪ ]81‬وقال َّ‬

‫‪63‬‬
‫تفسير مقاتل بن سليمان‪ .605 ،513/1 ،‬وانظر تخريج الحديث عند‪ :‬الترمذي‪" :‬الجامع الصحيح"‪ ،‬تحقيق أحمد محمد شاكر‪ ،‬دار‬
‫الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬بدون تاريخ‪ ،‬الصفحة أو الرقم ‪ ،8210‬خالصة حكم المحدث‪ :‬حسن صحيح غريب من هذا الوجه‪ ،‬و اْللباني‪:‬‬
‫"ظالل الجنة في تخريج "السنة"‪ ،‬الصفحة أو الرقم‪ ، 515 :‬خالصة حكم المحدث‪ :‬صحيح‪ ،‬وابن دقيق العيد‪" :‬االقتراح في بيان‬
‫االصطالح وما أضيف إلى ذلك من اْلحاديث المعدوة في الصحاح"‪ ،‬دار الباز‪ ،‬مكة‪ 2105 ،‬ه‪ ،‬الصفحة أو الرقم‪ ،201 :‬خالصة‬
‫حكم المحدث‪ :‬صحيح‪ ،‬واْللبا ني‪" :‬صحيح سنن الترمذي"‪ ،‬تحقيق زهير الشاويش‪ ،‬مكتب التربية العربي لدول الخليج‪ 2103 ،‬ه‪،‬‬
‫الصفحة أو الرقم ‪ ، 8210‬خالصة حكم المحدث‪ :‬إسناده صحيح‪ ،‬مقبل بن هادي الوادعي‪" :‬الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين"‪،‬‬
‫صحيح اإلسناد ورجاله ثقات‬ ‫ط‪ ،2‬مكتبة دار القدس‪ ،‬صنعاء‪ 2122 ،‬ه‪ ،‬الصفحة أو الرقم ‪ ،231‬خالصة حكم المحدث‪:‬‬
‫مشهورون‪.‬‬

‫‪35‬‬
‫حكمة بالغة‬

‫من أرضى من أهل العلم بالقرآن يقول‪ :‬الحكمة سنة رسول اهلل صلى اهلل عليه‬
‫وسلم"‪ .‬وهذا يشبه ما قال‪ ،‬واللَّه أعلم‪ ،‬بأن القرآن ذكر واتبعته الحكمة‪ ،‬وذكر اهلل‬
‫تعد الحكمة هنا إال سنة‬
‫منته على خلقه بتعليمهم الكتاب والحكمة‪ .‬فلم يجز أن ّ‬ ‫تعالى ّ‬
‫رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم وذلك أنها مقرونة مع كتاب اللَّه‪ ،‬وأن اهلل قد افترض‬
‫طاعة رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬وأوجب على الناس اتباع أمره‪ .‬فال يجوز أن‬
‫مبينة عن‬
‫يقال لقول‪ :‬فرض إال لكتاب اهلل‪ ،‬ثم سنة رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ّ‬
‫وعامه‪ ،‬ثم قرن الحكمة بكتابه‪ ،‬فاتبعها إياه‪ ،‬ولم يجعل‬
‫ِّ‬ ‫اهلل ما أراد دليال على خاصه‬
‫‪64‬‬
‫هذا ْلحد من خلقه غير رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪.‬‬
‫ِّين َر ُسوال ِم ْنهُ ْم َي ْتلُو َعلَ ْي ِه ْم َآَياتِ ِه‬
‫ث في ْاْل ُِّمي َ‬
‫‪ -‬قوله تعالى‪ { :‬هو الَِّذي بع َ ِ‬
‫ََ‬ ‫َُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين (‪)1‬‬ ‫ض َال ٍل ُمبِ ٍ‬ ‫اب َوا ْلح ْك َمةَ َوِا ْن َك ُانوا م ْن قَْب ُل لَفي َ‬ ‫َوُي َزِّكي ِه ْم َوُي َعلِّ ُمهُ ُم ا ْلكتَ َ‬
‫‪65‬‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫وَآ َخ ِر ِ‬
‫يم (‪[ } )8‬الجمعة‪.] 8:‬‬ ‫ين م ْنهُ ْم لَ َّما َي ْل َحقُوا به ْم َو ُه َو ا ْل َع ِز ُيز ا ْل َحك ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬

‫وعن ابن وهب‪ ،‬قال‪ :‬حدثني مالك‪ ،‬عن زيد بن أسلم في قول اهلل تعالى‪{ :‬‬
‫َو ُك ًّال َآتَْيَنا ُح ْكما َو ِع ْلما } [ اْلنبياء‪ ،] 01 :‬قال زيد‪" :‬إن الحكمة العقل"‪ .‬وقال االمام‬
‫أمر يدخله اهلل القلوب‬
‫مالك‪" :‬وانه ليقع في قلبي أن الحكمة هو الفقه في دين اهلل‪ ،‬و ٌ‬
‫‪66‬‬
‫برحمته وفضله"‪.‬‬
‫صبًِّيا } [ مريم‪:‬‬
‫وقال ابن وهب ‪ :‬وقال لي مالك في قول اهلل‪َ { :‬وَآتَْيَناهُ ا ْل ُح ْك َم َ‬
‫‪ ،]21‬أي الكتاب والحكمة؛ قال مالك‪ :‬الحكمة طاعة اهلل والفقه في الدين والعمل به‪.‬‬
‫وقال مالك أيضا‪ :‬ومما يبين ذلك أنك [تجد رجال] عاقال في أمر الدنيا ذا نظر فيها‬
‫ضعيفا في أمر اهلل وآخرته‪[ ،‬وتجد آخر ضعيفا] في أمر دنياه عالما بأمر دينه بصي ار‬

‫‪64‬‬
‫تفسير االمام الشافعي‪.111 – 188 /2 ،‬‬
‫‪65‬‬
‫عن كلمة (الحكمة) في القرآن الكريم‪ ،‬انظر‪ :‬محمد فؤاد عبد الباقي‪" :‬المعجم المفهرس اللفاظ القرآن الكريم بحاشية المصحف‬
‫الشريف"‪ ،‬دار الحديث‪ ،‬القاهرة‪ ،‬بدون تاريخ‪ ،‬ص ‪.121‬‬
‫‪66‬‬
‫عبد اهلل بن وهب‪" :‬تفسير القرآن من الجامع البن وهب"‪.280/2 ،‬‬

‫‪39‬‬
‫حكمة بالغة‬

‫به يؤتيه اهلل [إياه ويحرمه هذا (؟) ] ‪ ،‬فالحكمة‪ :‬الفقه في دين اهلل‪ .‬وعن ابن وهب‬
‫ت ا ْل ِح ْك َم َة } ‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫قال‪ :‬وحدثني أيضا ابن زيد عن أبيه في قول اهلل‪َ { :‬و َم ْن ُي ْؤ َ‬
‫‪67‬‬
‫الحكمة العقل في الدين‪.‬‬

‫‪67‬‬
‫تفسير القرآن الجامع البن وهب‪.260 ،280/2 ،‬‬

‫‪34‬‬
‫حكمة بالغة‬

‫خاتمة‬

‫توحيد اهلل سبحانه واخالص العبادة له القضية اْلساسية التي جاء بها القرآن‬
‫الكريم‪.‬‬

‫الحكمة في القرآن الكريم تأتي في سياق إما أن تكون هي الوحي نفسه‪ ،‬أي‬
‫القرآن الكريم أو السنة النبوية‪ ،‬أو أن تكون الفهم العقلي واالنساني الناتج عن التأمل‬
‫في الوحي وتطبيقه‪ .‬وبهذا يمكن أن نقول أنها تعني التحقق من المفهوم الدقيق لآلية‬
‫القرآنية وصوال إلى أقرب داللة للوحي من أجل أن يكون تطبيق هذه الداللة في‬
‫الواقع المنظور تطبيقا صحيحا‪.‬‬
‫وهذه الحكمة تامة كاملة ْلنها حكمة إلهية‪ .‬وتكتسب هذه الحكمة االسالمية‬
‫صفة اإللزام في اْلتباع من اْلمر اإللهي المتكرر بوجوب طاعة اهلل سبحانه وطاعة‬
‫رسوله الكريم صلى اهلل عليه وآله وسلم‪ ،‬وهي م اردفة مرادفة لمعنى اإليمان‪.‬‬
‫وردت كلمة الحكمة في القرآن الكريم في مواطن عدة‪ ،‬فهي تعني إصابة الوحي‬
‫في القرآن الكريم‪ ،‬وهي منهاج الدعوة إلى اهلل‪ ،‬حكمة بالغة‪ ،‬وموجودة في الميثاق‬
‫الذي أخذه اهلل سبحانه على النبيين‪ ،‬كما هو الحال في الحكمة اإلبراهيمية‪ ،‬والحكمة‬
‫الداوودية‪ ،‬و الحكمة العيسوية‪ ،‬و الحكمة المحمدية‪.‬‬

‫‪33‬‬
‫حكمة بالغة‬

‫قائمة المصادر والمراجع‬

‫‪ -2‬اآللوسي ( ت ‪ 2210‬ه) ‪":‬روح البيان"‪ ،‬دار الفكر – بيروت‪ ،‬بدون تاريخ‪.‬‬


‫‪ -1‬اْلصبهاني‪" :‬حلية اْلولياء"‪ ،‬تحقيق مصطفى عبد القادر عطا‪ ،‬ط‪ ،1‬دار‬
‫الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ 2118 ،‬ه‪.‬‬
‫‪ -8‬اْللباني‪" :‬ظالل الجنة في تخريج السنة البن أبي عاصم"‪ ،‬ط‪ ،2‬المكتب‬
‫االسالمي‪ ،‬بيروت‪ 2100 ،‬ه‪.‬‬
‫‪" :________ -1‬خطبة الحاجة‪ :‬التي كان رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‬
‫يعلمها أصحابه"‪ ،‬ط‪ ، ،2‬مكتبة المعارف للنشر والتوزيع‪ ،‬الرياض‪– 2112 ،‬‬
‫‪ 1000‬م‪.‬‬
‫‪" :_______ -5‬صحيح سنن الترمذي"‪ ،‬تحقيق زهير الشاويش‪ ،‬مكتب التربية‬
‫العربي لدول الخليج‪ 2103 ،‬ه‪.‬‬
‫‪ -6‬البخاري‪ ،‬محمد بن إسماعيل أبو عبداهلل الجعفي‪" :‬الجامع المسند الصحيح‬
‫المختصر من أمور رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم وسننه وأيامه = صحيح‬
‫دار طوق النجاة‬ ‫البخاري"‪ ،‬تحقيق محمد زهير بن ناصر الناصر‪،‬ط‪،2‬‬
‫(مصورة عن السلطانية بإضافة ترقيم ترقيم محمد فؤاد عبد الباقي)‪2111 ،‬ه‬
‫[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع‪ ،‬وهو ضمن خدمة التخريج‪ ،‬ومتن مرتبط بشرحيه‬
‫فتح الباري البن رجب والبن حجر]‪ ،‬مع الكتاب‪ :‬شرح وتعليق د‪ .‬مصطفى‬
‫ديب البغا أستاذ الحديث وعلومه في كلية الشريعة ‪ -‬جامعة دمشق‪ ،‬كالتالي‪:‬‬
‫رقم الحديث (والجزء والصفحة) في ط البغا‪ ،‬يليه تعليقه‪ ،‬ثم أطرافه‪.‬‬

‫‪31‬‬
‫حكمة بالغة‬

‫‪ -0‬البغوي (ت ‪ 520‬ه)‪" :‬معالم التنزيل في تفسير القرآن" = تفسير البغوي‪،‬‬


‫دار إحياء التراث العربي –بيروت‪ ،‬ط‪، ،2‬‬ ‫تحقيق عبد الرزاق المهدي‪،‬‬
‫‪ 2110‬هـ‪.‬‬
‫‪ -3‬البيضاوي ( ت ‪ 635‬ه)‪ :‬أنوار التنزيل وأسرار التأويل‪ ،‬تحقيق محمد عبد‬
‫الرحمن المرعشلي‪ ،‬ط‪ ،2‬دار إحياء التراث العربي – بيروت‪ 2123 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ -1‬البيهقي (المتوفى‪153 :‬هـ)‪" :‬السنن الكبرى"‪ ،‬دار المعرفة‪ ،‬بيروت‪ 2128 ،‬ه‪.‬‬
‫الترمذي‪ ،‬محمد بن عيسى بن َس ْورة بن موسى بن الضحاكأبو عيسى‬ ‫‪-20‬‬
‫(ت ‪101‬هـ)‪" :‬سنن الترمذي"‪ ،‬تحقيق وتعليق‪ :‬أحمد محمد شاكر (جـ ‪)1 ،2‬‬
‫ومحمد فؤاد عبد الباقي (جـ ‪ )8‬وابراهيم عطوة عوض المدرس في اْلزهر‬
‫الشريف (جـ ‪ ،)5 ،1‬ط‪ ،1‬شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي ‪-‬‬
‫مصر‪ 2815 ،‬هـ ‪ 2105 -‬م‪.‬‬
‫_______‪" :‬الجامع الصحيح"‪ ،‬تحقيق أحمد محمد شاكر‪ ،‬دار الكتب‬ ‫‪-22‬‬
‫العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬بدون تاريخ‪.‬‬
‫ابن تيمية‪ ،‬تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السالم‬ ‫‪-21‬‬
‫بن عبد اهلل بن أبي القاسم بن محمد الحراني الحنبلي الدمشقي (ت ‪013‬هـ)‪:‬‬
‫"العبودية"‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد زهير الشاويش‪ ،‬الطبعة السابعة المجددة‪ ،‬المكتب‬
‫اإلسالمي – بيروت‪2116 ،‬هـ ‪1005 -‬م‪( ،‬هذه الرسالة مطبوعة أيضا ضمن‬
‫"مجموع الفتاوى" ‪ ،211/20‬وفي "الفتاوى الكبرى" ‪.)255/5‬‬
‫الجيالني‪ ،‬الشيخ عبد القادر (ت ‪ 560‬ه)‪" :‬الفتح الرباني"‪ ،‬دار‬ ‫‪-28‬‬
‫الريان للتراث‪ ،‬القاهرة‪ ،‬بدون تاريخ‪.‬‬
‫أبو حنيفة النعمان بن ثابت بن زوطي بن ماه (المتوفى‪250 :‬هـ)‪:‬‬ ‫‪-21‬‬
‫الفقه اْلكبر (مطبوع مع الشرح الميسر على الفقهين اْلبسط واْلكبر المنسوبين‬

‫‪36‬‬
‫حكمة بالغة‬

‫ْلبي حنيفة تأليف محمد بن عبد الرحمن الخميس)‪ ،‬ط‪ ،2‬مكتبة الفرقان ‪-‬‬
‫اإلمارات العربية‪2121 ،‬هـ ‪2111 -‬م‪.‬‬
‫حسين‪ ،‬رواء محمود‪" :‬العروة الوثقى‪ :‬مدخل إلى علم الحكمة‬ ‫‪-25‬‬
‫اإلسالمية"‪ ،‬ط‪ ،2‬دار ناشري للنشر اْلليكتروني‪ ،‬الكويت‪ 2181 ،‬ه ـ ‪-‬‬
‫‪ 1028‬م ‪.‬‬
‫_______‪" :‬شرعة ومنهاج‪ :‬أصول المنهج العلمي في علم الحكمة‬ ‫‪-26‬‬
‫اإلسالمية"‪ ،‬ط‪ ،2‬دار ناشري للنشر االليكتروني‪ ،‬الكويت‪ 2185 ،‬ه ـ ‪-‬‬
‫‪ 1021‬م‪.‬‬
‫________‪" :‬مشكلة النص والعقل في الفلسفة االسالمية‪ :‬دراسات‬ ‫‪-20‬‬
‫منتخبة"‪ ،‬ط‪ ،2‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ 2110 ،‬ه – ‪1006‬م‪.‬‬
‫_______‪" :‬مدخل إلى حكمة االعجاز القرآني عند االمام النورسي"‪،‬‬ ‫‪-23‬‬
‫مقدم إلى الندوة العالمية الرابعة لألكاديميين الشباب‪ ،‬مؤسسة اسطمبول‬
‫بحث ّ‬
‫للثقافة والعلوم‪ ،‬اسطمبول‪ ،‬تركيا‪ ،11-18 ،‬حزيران‪ 1021 ،‬م‪.‬‬
‫الرازي‪ ،‬فخر الدين (ت ‪606‬هـ)‪" :‬مفاتيح الغيب = التفسير الكبير"‪،‬‬ ‫‪-21‬‬
‫ط‪ ،8‬دار إحياء التراث العربي – بيروت‪ 2110 ،‬هـ‪.‬‬
‫الزمخشري‪ ،‬أبو القاسم محمود بن عمرو بن أحمد‪ ،‬جار اهلل (ت‬ ‫‪-10‬‬
‫‪583‬هـ)‪" :‬الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل"‪ ،‬ط‪ ،8‬دار الكتاب العربي –‬
‫بيروت‪ 2100 ،‬هـ‪.‬‬
‫السجستاني‪ ،‬أبو داود سليمان بن االشعث‪" :‬سنن أبي داود"‪ ،‬تحقيق‬ ‫‪-12‬‬
‫عزت عبيد الدعاس‪ ،‬ط‪ ،2‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ 2831 ،‬ه‪.‬‬
‫ونسخة أخرى‪" :‬سنن أبي داود"‪ ،‬تحقيق محمد محيي الدين عبد‬
‫الحميد‪ ،‬المكتبة العصرية‪ ،‬صيدا – بيروت‪ ،‬بدون تاريخ‪.‬‬

‫‪37‬‬
‫حكمة بالغة‬

‫الشافعي ( ت ‪ 101‬ه)‪" :‬الرسالة"‪ ،‬تحقيق أحمد شاكر‪ ،‬ط‪ ،2‬مكتبه‬ ‫‪-11‬‬


‫الحلبي‪ ،‬مصر‪2853 ،‬هـ‪2110/‬م‪.‬‬
‫______‪ :‬تفسير االمام الشافعي ( ت ‪ 101‬ه)‪ :‬جمع وتحقيق‬ ‫‪-18‬‬
‫الفران (رسالة دكتوراه)‪ ،‬ط‪ ،2‬دار التدمرية ‪-‬‬
‫ودراسة‪ :‬د‪ .‬أحمد بن مصطفى َّ‬
‫المملكة العربية السعودية‪ 1006 - 2110 ،‬م‪.‬‬
‫الشوكاني‪ ،‬محمد بن علي بن محمد بن عبد اهلل اليمني (المتوفى‪:‬‬ ‫‪-11‬‬
‫‪2150‬هـ)‪" :‬فتح القدير"‪ ،‬ط‪ ،2‬دار ابن كثير‪ ،‬دار الكلم الطيب ‪ -‬دمشق‪،‬‬
‫بيروت‪ 2121 ،‬هـ‪.‬‬
‫الطبري‪ ،‬محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب اآلملي‪ ،‬أبو‬ ‫‪-15‬‬
‫جعفر (ت ‪820‬هـ)‪ :‬جامع البيان في تأويل القرآن"‪ ،‬تحقيق أحمد محمد شاكر‪،‬‬
‫ط‪ ،2‬مؤسسة الرسالة‪ 2110 ،‬هـ ‪ 1000 -‬م‪.‬‬
‫_______‪ : :‬تاريخ الطبري = تاريخ الرسل والملوك‪ ،‬وصلة تاريخ‬ ‫‪-16‬‬
‫الطبري‪( ،‬صلة تاريخ الطبري لعريب بن سعد القرطبي‪ ،‬المتوفى‪861 :‬هـ)‪،‬‬
‫دار التراث – بيروت‪ ،‬ط‪ 2830 ،1‬هـ‪.‬‬
‫عبد الباقي‪ ،‬محمد فؤاد‪" :‬المعجم المفهرس اللفاظ القرآن الكريم بحاشية‬ ‫‪-10‬‬
‫المصحف الشريف"‪ ،‬دار الحديث‪ ،‬القاهرة‪ ،‬بدون تاريخ‪.‬‬
‫ابن عطية اْلندلسي ( ت ‪ 511‬ه)‪" :‬المحرر الوجيز في تفسير‬ ‫‪-13‬‬
‫الكتاب العزيز"‪ ،‬تحقيق عبد السالم عبد الشافي محمد‪ ،‬ط‪ ،2‬دار الكتب‬
‫العلمية‪ ،‬بيروت‪ 2111 ،‬هـ‪.‬‬
‫القرطبي ( ت ‪ 602‬ه)‪" :‬الجامع ْلحكام القرآن = تفسير القرطبي"‪،‬‬ ‫‪-11‬‬
‫تحقيق ‪ :‬أحمد البردوني وابراهيم أطفيش‪ ،‬ط‪ ،1‬دار الكتب المصرية ‪ -‬القاهرة‬
‫‪2831 ،‬هـ ‪ 2161 -‬م‪.‬‬

‫‪38‬‬
‫حكمة بالغة‬

‫ابن قيم الجوزية‪ ،‬محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد شمس الدين‬ ‫‪-80‬‬
‫(ت ‪052‬هـ)‪" :‬مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد واياك نستعين"‪ ،‬محمد‬
‫المعتصم باهلل البغدادي‪ ،‬ط‪ ،8‬دار الكتاب العربي ‪ -‬بيروت‪ 2126 ،‬هـ ‪-‬‬
‫‪2116‬م‪.‬‬
‫______‪" :‬مفتاح دار السعادة ومنشور والية العلم واإلرادة"‪ ،‬دار‬ ‫‪-82‬‬
‫الكتب العلمية – بيروت‪ ،‬بدون تاريخ‪.‬‬
‫ابن كثير (ت ‪001‬هـ)‪" :‬البداية والنهاية"‪ ،‬تحقيق علي شيري‪ ،‬ط‪،2‬‬ ‫‪-81‬‬
‫دار إحياء التراث العربي‪ ،2103 ،‬هـ ‪ 2133 -‬م‪.‬‬
‫الماوردي ( ت ‪ 150‬ه)‪ :‬تفسير الماوردي = النكت والعيون"‪ ،‬تحقيق‬ ‫‪-88‬‬
‫السيد ابن عبد المقصود بن عبد الرحيم‪ ،‬دار الكتب العلمية ‪ -‬بيروت ‪ /‬لبنان‪،‬‬
‫بدون تاريخ‪.‬‬
‫مجاهد بن جبر (ت ‪201‬هـ)‪" :‬تفسير مجاهد"‪ ،‬تحقيق الدكتور محمد‬ ‫‪-81‬‬
‫عبد السالم أبو النيل‪ ،‬ط‪ ،2‬دار الفكر اإلسالمي الحديثة‪ ،‬مصر‪ 2120 ،‬هـ ‪-‬‬
‫‪ 2131‬م‪.‬‬
‫مسلم بن الحجاج أبو الحسن القشيري النيسابوري (المتوفى‪162 :‬هـ)‪:‬‬ ‫‪-85‬‬
‫" المسند الصحيح المختصر بنقل العدل عن العدل إلى رسول اهلل صلى اهلل‬
‫عليه وسلم" المعروف ب (صحيح مسلم)‪ ،‬تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي‪ ،‬دار‬
‫إحياء التراث العربي – بيروت‪ ،‬بدون تاريخ‪.‬‬
‫مقاتل بن سليمان‪ ،‬أبو الحسن‪ ،‬بن بشير اْلزدي البلخى (ت ‪250‬هـ)‪:‬‬ ‫‪-86‬‬
‫"تفسير مقاتل بن سليمان"‪ ،‬تحقيق عبد اهلل محمود شحاته‪ ،‬ط‪ ،2‬دار إحياء‬
‫التراث – بيروت‪ 2118 ،‬ه‪.‬‬

‫‪32‬‬
‫حكمة بالغة‬

‫الندوي‪ ،‬أبو الحسن الحسني‪ " :‬العقيدة والعبادة والسلوك في ضوء‬ ‫‪-80‬‬
‫الكتاب والسنة والسيرة النبوية"‪ ،‬ط‪ ،1‬دار القلم‪ ،‬الكويت‪ 2108 ،‬ه – ‪2138‬‬
‫م‪.‬‬
‫النسائي‪" :‬المجتبى من السنن"‪ ،‬المسمى ب (سنن النسائي)‪ ،‬بيت‬ ‫‪-83‬‬
‫االفكار الدولية‪ ،‬االردن‪ ،‬بدون تاريخ‪.‬‬
‫النورسي‪" :‬إشارات االعجاز في مظان االيجاز"‪ ،‬ط‪ ، 8‬سوزلر‪،‬‬ ‫‪-81‬‬
‫القاهرة‪ 1001 ،‬م‪.‬‬
‫النووي‪" :‬اْلذكار المنتخبة من كالم سيد اْلبرار"‪ ،‬ط‪ ،2‬مكتبة المؤيد‪،‬‬ ‫‪-10‬‬
‫‪ 2103‬ه‪.‬‬
‫الواحدي ( ت ‪ 163‬ه)‪" :‬الوسيط في تفسير القرآن المجيد"‪ ،‬تحقيق‬ ‫‪-12‬‬
‫وتعليق‪ :‬الشيخ عادل أحمد عبد الموجود‪ ،‬الشيخ علي محمد معوض‪ ،‬الدكتور‬
‫أحمد محمد صيرة‪ ،‬الدكتور أحمد عبد الغني الجمل‪ ،‬الدكتور عبد الرحمن‬
‫عويس‪ ،‬قدمه وقرظه‪ :‬اْلستاذ الدكتور عبد الحي الفرماوي‪ ،‬ط‪ ،2‬دار الكتب‬
‫العلمية‪ ،‬بيروت ‪ -‬لبنان‪ 2125 ،‬هـ ‪ 2111 -‬م‪.‬‬
‫الوادعي‪ ،‬مقبل بن هادي‪" :‬الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين"‪،‬‬ ‫‪-11‬‬
‫ط‪ ،2‬مكتبة دار القدس‪ ،‬صنعاء‪ 2122 ،‬ه‪.‬‬
‫ابن وهب‪ ،‬عبد اهلل (ت ‪ 210‬ه)‪" :‬تفسير القرآن من الجامع البن‬ ‫‪-18‬‬
‫وهب"‪ ،‬تحقيق ميكلوش موراني‪ ،‬ط‪ ،2‬دار الغرب االسالمي‪ ،‬بيروت‪1008 ،‬‬
‫م‪.‬‬
‫يحيى بن سالم (ت ‪ 100‬ه)‪ " :‬تفسير يحيى بن سالم"‪ ،‬تقديم‬ ‫‪-11‬‬
‫وتحقيق‪ :‬الدكتورة هند شلبي‪ ،‬ط‪ ،2‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت – لبنان‪،‬‬
‫‪ 2115‬هـ ‪ 1001 -‬م‪.‬‬

‫‪11‬‬

You might also like