Professional Documents
Culture Documents
من هو السفسطائي
من هو السفسطائي
عموما لم تمر مرحلة من مرحلة التطور التاريخي للفكر الفلسفي القديم والوسيط والحديث من ذكر للفكر السفسطائي
باعتباره يمثل تراثا فلسفيا ال يمكن استثناوه من المناخ الفلسفي العام
وليس من السهل دراسة السفسطائيين ومعرفة حقيقتهم بصورة دقيقة حيث ان تاريخ الفلسفة شهد خالفا كبيرا حولهم وقد
وقد اعتبرت السفسطائية نزعة هدامة مع افالطون واريسطو وطاليس واستمرت هذه النظرة اليهم حتى القرن . 19حيث
مع الفيلسوف هيغل الذي ارتفع بهم ارتفاعا كبيرا في كتابة تاريخ الفلسف .اذ اعتبر ان السفسطائية لحظة اساسية من
لحظات تطور الفلسفة عند اليونان ثم عاد المورخون بعد هيغل الى الى النظرة القديمة التي اعتبرت السفسطائية نزعة
هدامة .ثم تغيرالموقف منهم بعد نهاية القرن 20حيث عاد المعنيون الى نفس النظرة فعظمو من شانهم ونسبو اليهم صفة
التنوير
ولقد اعتاد الفالسفة على تقسيم تاريخ الفلسفة اليونانّية إلى أدوار .و الرأي السائد في
القرن 19م هو أن الفلسفة اليونانّية تبدأ بطاليس ,و يبدأ بعد ذلك االختالف في تحديد
.األدوار التالّية
و حسب الّت قسيم الهيجلي لتاريخ الفلسفة ,فإن العصر اأّلول يبدأ من طاليس ,كما هو
متفق عليه بين الجميع ,و ينتهي هذا العصر اأّلول بأرسطو .و يجعل هيجل من
السوفسطائّية مدرسة يبتدئ بها القسم الثاني من العصر اأّلول .فهيجل يقسم كل عصر إلى
أقسام .و هو حين يضع السوفسطائية في هذا القسم ,يكون قد خالف المؤرخين السابقين
لتاريخ الفلسفة .إذ إنهم ينظرون إلى السوفسطائّية على أّن ها حركة انتهاء ال حركة ابتداء
.لقسم جديد
فإذن ,هيـجل يرى أن القسم الثاني من العصر اأّلول يبدأ بالسوفسطائّية ,و يدخل هيجل
.في هذا القسـم سقراط و أنصــاف السقراطيين و المدارس السقراطّية الصغيرة المختلفة
,للفلسفة اليونانّية
غير أن اتسلر ُيالحظ أنه ال يجُ ب أن نبدأ بالسوفسطائّية عصرًا جديدًا
لفلسفة جديدة ,و إّن ما هي محاولة للقضاء على
ألن السوفسطائّية ,في نظره ,ليست بدءًا
الفلسفة القديمة .صحيح أن السوفسطائيون وجهوا عنايتهم إلى الذات أو الطبيعة الداخلّية
على عكس ما كان عليه األمر مع الفالسفة الطبيعيون ,و لكنهم ,وفقًا التسلر ,نظروا إلى
ي ,و إّن ما نظروا إلى اإلنسان على أنه هذا اإلنسان أوّ
ات ال على أّن ها اإلنسان بمعناه الك
الذ
.ذاك .بمعّن ى :لم ينظروا إلى اإلنسان كفكرة كلّية ,بل كفرد محدد معين
يقول بروشار " :لقد كان السوفسطائيون القدماء يدعون أنهم يستطيعون أن يبرهنوا على
النظريات المتناقضة بأدلة منطقية متساوية " .و لهذا نظر الفالسفة إلى السفسطة
حكمة مموهة ,و اعتبرها المنطقيون قياسًا مركبًا باعتبارها من الوهميات .و لفظ
السوفسطائي المنسوب إلى الّ سفسطة أطلق أول األمر على الحاذق في احدى الصناعات
الميكانيكية ,ثم أطلق بعد ذلك على الحاذق في الخطابة أو الفلسفة ,ثم على كّ ل دجال
مخادع .فلفظ السفسطة ,كما يتضح ,أطلق على ممارس الفلسفة و على ممارس المنطق و
.على الصانع الميكانيكي و على الخطيب
غير أن السوفسطائية أصبحت تطلق بعد سقراط ,بشكل خاص ,على كل فلسفة ضعيفة
األساس ,متهافتة المبادئ .أي كما ذكرت كحكمة مموهة .و لهذا اعتبرت السوفسطائّية
حركة سلبية ال تصلح أن ُتعد عصرًا جديدًا في تاريخ الفلسفة .بيد أن األمر على عكس ذلك
عند الكثير من الباحثين و الفالسفة .فالسوفسطائّية ُت سمى أيضًا " بنزعة الّت نوير عند اليونان
فهي ثورة ناتجة عن شعور قوي برغبة ملحة و نزعة قوّية نحو ايجاد نظرة جديدة " .
للكون و للوجود .و قد نظر جوزيه سئيتا في كتابه نزعة التنوير عند السوفسطائّية اليونانية
إلى السوفسطائّية على أنها النزعة الحقيقية للفكر اليوناني و عدها تماثل كل نزعة تنوير
]وجدت في الحضارات األخرى ,و بخاّ صة في الحضارة الغربّية في القرن الثامن عشر
ـ القول السوفسطائي
لقد عبرت الحركة السوفسطائّية عن روح عصر جديد في تاريخ الفلسفة اليونانّية ,و إذا
كانت نزعة الشكاك تمثل اضمحالل قوى الّ روح اليونانّية ,فإن الّن زعة السوفسطائّية على
.خالف ذلك تمثل فيضان قوى هذه الروح
فالفلسفة أصبحت مع السوفسطائيين تبدأ من اإلنسان كي تصل إلى الطبيعة ال من الطبيعة
كي تصل في يوم ما إلى اإلنسان ,كما كانت عليه مع الفالسفة الطبيعيين .و هكذا ففلسفة
السوفسطائيين هي فلسفة ماهيات بدل أن كانت قبلهم فلسفة طبيعيات .و لهذا السبب فقد كان
لزاما ً.على السوفسطائيين أثناء تحليل الماهية استخدام منهج ديالكتيكي
فإذن ,إن القول السوفسطائي هو قول ديالكتيكي بمعّن ى أنه قول يعتمد على الحوار و
الجدل .و لذلك امتهن السوفسطائيون مهنة التعليم التي من خاللها كانوا يلقون سلسلة من
المحاضرات و بخاصة في الخطابة و فّ ن النجاح في الحياة .بيد أن الديالكتيك هو
نوع من المنطق
ً أيضا .إنه منطق سوفسطائي يهدف إلى إضفاء مظهر الحقيقة على جهلنا
.و على أوهامنا المتعمدة
إن القول السوفسطائي يعتمد على القياس ,مت
ّ
ف من قضايا ,إذا سلّ
و القياس هو قول مؤل
لزم عنه لذاته قوٌ ل آخر ال يضمن صحة النتائج ,بل
و القياس بوصفه استنتاجًا .
فإذا كانت المقدمات صادقة كانت النتيجة دائمًا يتوقف األمر على صحة المقدمات .و لهذا
صادقة .أما المقدمات الكاذبة فقد ُت نتج نتائج كاذبة كما تنتج نتائج صادقة .لقد تقدم أن
السفسطة هي قياس مركب من الوهميات .بمعنى أن مقدمات هذا القياس تكون غير صادقة
.أو غير واضحة المعّن ى
.و مع أرسطو نتحول إلى الحديث عن السفسطة كظاهرة خطابّية ,أي كقول خطابي
فقد عرف أرسطو الّ سفسطة بتعريف دقيق فقال أّن ها " :استدالل صحيح في الظاهر معتل
:في الحقيقة " .و أهداف السفسطة ,حسب أرسطو ,هي
ـ الزام المخاطب أمرًا شنيعًا معلوم كذبه
ـ ايقاع المخاطب في الشك
ـ جعل المخاطب يدلي بكالم مستحيل المفهوم
دفع المخاطب إلى اإلتيان بالهذر من القول
ـ تبكيت المخاطب
ختامًا ,لقد سلطنا الضوء في هذا الموضوع على عصر ظهور السوفسطائّية ,و كذلك
على طبيعة القول السوفسطائي الذي يختلط بالخطابة و بالجدل و بالمنطق في جانبه
:المتعلق بالقياس .و بقي أن نوضح ما يلي
هنالك فرق بين الجدل و الّت حليل المنطقي ,فالجدل في رأي أرسطو يقوم على مقدمات
.راجحة أو محتملة و ليست صحيحة .إنه وسط بين األقاويل البرهانية و األقاويل الخطابّية
و أّ ما السفسطة فهي متعلقة بالجدال ـ و ينبغي التميز بين مفهوم الجدل و مفهوم الجدال ـ
الذي ُيعرف بأنه هو المراء المتعلق بإظهار المذاهب و تقريرها ,و قوامه استعمال
االستدااللت المموهة ,و الحجج السوفسطائّية .فال شك إذن أن الجدال هو المرتبط
بالّ سفسطة التي تفند كّ ل شيء دون إثبات أي شيء .في حين أن الجدل مع زينون يهدف إلى
إثبات حقيقة إيجابّية ,بينما نجده مع السوفسطائيون استعمل ألغراض سلبّية تمثلت في
.القضاء على الفلسفة كما كان ينظر إليها في عصرهم
و أّ ما بخصوص عالقة السوفسطائّية بالخطابة فالخطابة عند المنطقيين هي قياس مركب
من مقدمات مقبولة أو مظنونة من شخص معتقد فيه ,و يسّ مى هذا القياس خطابيًا و صاحبه
ً يسمى خطيبا .و تختلف الخطابة عن السفسطة في القصد الخطابي .فالخطيب على
لحياتهم ,فهو بالتالي مقتنع بما
عكس السوفسطائي يرغب في اقناع الّن اس بما يراه جيدًا
:هوامش ومراجع
ليس الجميع متفق على أن السوفسطائية مدرسة فلسفية ,فهناك من يرى أّنها *
مجرد تيار
أو نزعة فلسفية ال ترقى إلى أن تصل لدرجة المدرسة ,مثل النزعة الفيتاغورية
التي
.تحولت إلى مدرسة فلسفية
ـ جميل صليبا ,المعجم الفلسفي ,ج , 1 :دار الكتاب اللبناني ,ط , 1 :ص 1 :
258
ـ وج .أو .أرمسون ,الموسـوعة الفلسفية المختصـرة ,ترجمة :مجموعة 2
مترجمين .مكتبة اإلنجلو
المصرية ,ط , 1963 :ص 232 :
ـ الراضي رشيد ,السفسطات في المنطقيات المعاصرة ,عالم الفكر ,عدد 3 4 :
,مجلد , 36 :أبريل ـ
.يونيو , 2008ص 131 :
ـ جميل صليبا ,مرجع سابق ,ص 4 658 :
ـ عبد الرحمن بدوي ,موسوعة الفلسفة ,ج , 2 :المؤسسة العربية للدراسات 5
و النشر ,ط , 1 :ص
. 173 :
عبد الرحمن بدوي ,نفسه ,ص 6 , 174 :
ـ نفسه 7
ـ جميل صليبا ,مرجع سابق ,ص 8 660 , 659 :
ـ عبد الرحمن بدوي ,مرجع سابق ,ص 9 175 :
ـ بدوي ,نفسه ,ص 10 188 :
ـ بدوي ,نفسه ,ص 11 189 :
ـ وج .أو .أرمسون ,مرجع سابق ,ص 12 191 :
ـ بدوي ,ص 13 243 :
ـ نفسه ,ص 14 244 :
ـ الراضي رشيد ,مرجع سابق 15
ـ جميل صليبا ,مرجع سابق ,ص 16 390 :
ـ بدوي ,موسوعة الفلسفلة ,ج , 1ص 17 272 :
ـ جميل صليبا ,مرجع سابق ,ص 18 53 :