You are on page 1of 19

‫جامعة األزهر‬

‫كلية الدراسات اإلسالمية والعربية‬


‫بنات القاهرة‬

‫الدخيل في التفسير‬:‫المادة‬

‫مريم محمد بدر‬:‫إعداد الطالبه‬


[Type the abstract of the document here. The abstract is typically a short summary of the
contents of the document. Type the abstract of the document here. The abstract is typically
a short summary of the contents of the document.]
‫‪-‬تمهيد‬
‫‪-‬الدخيل لغة‪:‬هو ما داخلك من فساد في عقل أو جسم‪،‬وهو العيب والمكر والخديعة‪.‬‬
‫حا‪:‬هو ما ُنقل من التفسير ولم يثبت نقله‪ ،‬أو ثبت ولكن على خالف شرط القبول‪ ،‬أو ما كان من قبيل‬
‫‪-‬الدخيل اصطال ً‬
‫الرأي الفاسد‪.‬‬
‫‪-‬األصيل لغة‪:‬ما له أصل ثابت وأساس متين يقوم عليه‪.‬‬
‫حا‪ )1:‬مأثور صالح للحجيّة من كتاب أو سنة أو قول صحابي أو قول تابعي بشرطه (أصيل النقل)‪.‬‬
‫‪-‬األصيل اصطال ً‬
‫‪)2‬رأي صحيح ناشئ عن االجتهاد بعد استيفاء شروطه (أصيل الرأي)‪.‬‬

‫‪-‬نشأة الدخيل‪)1 :‬نشأ الدخيل عن عصبية جاهلية تقصد بذلك‪:‬إسقاط ُحجية القرآن واالنتصار لمعبوداتهم الوثنية من‬
‫خالل شبهات صنعوها‪ ،‬واستمر ذلك ُمدة رسالته صلى هللا عليه وسلم‪.‬‬
‫‪ )2‬ظهر لون آخر بعد ذلك من الدخيل وهو الفهم الخاطئ لبعض نصوص القرآن عن حسن قصد وجهل باللغة‪.‬‬
‫‪ )3‬ثم ظهر الدخيل في التفسير من خالل حدة الغضب إلى المغالطة بعض اآليات‪.‬‬
‫‪ )4‬ثم بعضهم يدفعه كفره وإلحاده في آيات هللا ومكايدته لإلسالم‪.‬‬
‫‪ )5‬ثم بعضهم يدفعه زهده الجاهل وورعه إلى هذا اللون بعينه‪ ،‬فيرى الناس الذين انشغلوا عن القرآن فيضع لهم األحاديث‬
‫التي تُرغبهم في فضائل القرآن‪.‬‬
‫‪)6‬وبعضهم يدفعه تساهله الناشئ عن خفّة عدالته أو قلّة ضبطه إلى حمل بعض اآليات على مقتضى أحاديث ضعيفة‪.‬‬
‫‪)7‬وبعضهم يتساهل بإدخال اإلسرائيليات بل اإلكثار منها أحيانًا في توجيه النصوص‪.‬‬
‫‪)8‬وبعضهم تحملهم قلّة علمهم واختالل شروط االجتهاد على أن يقولوا في كتاب هللا آراء من أنفسهم بعيدة عن الحق‪.‬‬

‫‪-‬العوامل المؤثرة في ظهور الدخيل‪:‬‬


‫مؤثر داخلي‪ :‬وهم المنتسبين لإلسالم واإلسالم منهم برئ‪ ،‬كـالمتصوفة تصوف فلسفي والمعتزلة‪.‬‬
‫مؤثر خارجي‪ :‬وهم أعداء اإلسالم الحاقدين على الدين اإلسالمي‪.‬‬

‫‪-‬الحديث الموضوع‪ :‬هو أشد خطورة على اإلسالم‪ ،‬فالعامة يأخذون بما ورد في الحديث وينقلونه لغيرهم ويعملون به‬
‫ويعتقدون اعتقادًا جاز ًما أنه صحيح‪.‬‬
‫‪-‬العالمات التي تدل على أن الحديث الموضوع‪ :‬مخالفته ألصل القرآن والسنة واإلجماع‪ ،‬وذلك في المتن ال في السند‪،‬‬
‫وذلك مثل(إذا قُرئ عني حديث فأعرضوه على كتاب هللا فإن وافقه فخذوه‪ ،‬وإن خالفه فردّوه) وهو حديث موضوع‬
‫لمخالفته قوله تعالى{و َما آتَاكُم الرسُو ُل فَ ُخذوهُ و َما نَ َهاكُم َ‬
‫عنه فَانتَهوا}‪.‬‬

‫‪-‬متى يكون لرواية الصحابي حكم الرفع؟ إذا كانت الرواية في أمور ثالثة(في أسباب النزول‪-‬الناسخ والمنسوخ‪-‬تعيين‬
‫بعض ُمبهمات القرآن الكريم)‪.‬‬
‫‪-‬متى يكون لرواية التابعي حكم الرفع؟ إذا تم تعضيده بمرسل آخر معروف بعدالته‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫الطالبه‪/‬مريم محمد بدر‬
‫[ ِبدع التفاسير اللغوية]‬
‫‪-‬البدعة لغة‪:‬مصدر يدل على هيئة الفعل‪،‬وهو إحداث ٍ‬
‫أمر في الدين على غير مثا ٍل سابق‪.‬‬
‫حا ‪:‬ما أحدث فعله بعد زمن النبي صلى هللا عليه وسلم ودخل تحت عام اقتضى التحريم أو الكراهة‪.‬‬
‫‪-‬البدعة اصطال ً‬
‫‪-‬أنواع البدعة‪:‬بدعة محمودة أوحسنة – بدعة مذمومة‪.‬‬
‫البدعة المحمودة‪ :‬ما أحدث فعله بعد زمن النبي صلى هللا عليه وسلم ولم يدخل تحت نطاق النهي ودخل تحت نطاق‬
‫سا على فعل فعله النبي صلى هللا عليه وسلم‪،‬‬ ‫اإلباحة قيا ً‬
‫سن بالل بن رباح رضي هللا عنه‬ ‫وذلك مثل ‪:‬إجماع الصحابة على صالة التراويح في رمضان – تدوين العلوم الشرعية – ّ‬
‫صالة ركعيتن بعد الوضوء – قول رفاعة بن رافع رضي هللا عنه وهو يصلي وراء النبي صلى هللا عليه وسلم بعد القيام‬
‫كثيرا طيبًا مبار ًكا فيه"‪ ،‬فلما انتهت الصالة سأل النبي صلى هللا عليه وسلم عن قائل تلك‬
‫ً‬ ‫من الركوع‪":‬ربنا ولك الحمد حمدًا‬
‫علِم النبي صلى هللا عليه وسلم قائلها قال‪":‬رأيت بضعة وثالثين مل ًكا يبتدرونها أيّهم يكتب ّأول"‪.‬‬
‫الكلمات‪ ،‬فلما َ‬
‫= من هنا نعلم أن ما تركه النبي صلى هللا عليه وسلم ولم يفعله تعتريه األحكام الشرعية الخمسة‪[:‬فرضًا ‪،‬سنةً ‪،‬محر ًما‪،‬‬
‫مكروهًا‪ ،‬مبا ًحا]‪ ،‬وطريق معرفة حكم ما تركه النبي صلى هللا عليه وسلم ولم يفعله‪:‬أن يُعرض على قواعد الشرع وأدلته‬
‫العامة‪ ،‬ففي أي حكم اندرج تحته فهو حكمه‪.‬‬

‫البدعة المذمومة‪ :‬ما أحدث فعله بعد زمنه صلى هللا عليه وسلم وشهد الدليل بتحريمه‪،‬كالقول بفرضية المسح على‬
‫الرجلين دون غسلهما‪ ،‬فهو مخالف لقوله تعالى{فاغسلوا وجوهكم وأيد َيكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى‬
‫الكعبين}‪،‬فهو دا ّل على فرضية غسل الرجلين إلى الكعبين‪،‬‬
‫)بالجر فهي لبيان جواز المسح على الخفّين فقط‪.‬‬
‫ّ‬ ‫أما قراءة(األرجل‬

‫ِعذر قام لهم‬


‫‪-‬يقول الشافعي‪:‬كل ما له ُمستند من الشرع فليس ببدعة ولو لم يفعل به السلف؛ألن تركهم لعمل به‪:‬إما أن يكون ل ٍ‬
‫في الوقت – أو لِما هو أفضل منه – أو لِع ّل لم يبلغ جميعهم علم به‪.‬‬

‫‪-‬ال تكون بدعة ُمحرمة منه ًيا عنها إال إذا لم يكن لها دليل خاص ولم تدخل تحت دليل عام‪ ،‬فكل ما يدخل تحت دليل عام‬
‫فليس ببدعة وإن لم يكن فعله النبي صلى هللا عليه وسلم أو أصحابه رضي هللا عنهم‪ ،‬وهذا معنى قوله صلى هللا عليه‬
‫وسلم"كل ُمحدثة بدعة وكل بدعة ضاللة وكل ضاللة في النار"‪ ،‬وقوله صلى هللا عليه وسلم"من أحدث في أمرنا ما ليس‬
‫منه فهو رد"‪.‬‬

‫‪-‬عدم فعل رسول هللا صلى هللا عليه وسلم لش ٍئ فال يعني النهي عنه على اإلطالق‪،‬‬
‫وهذا ما قررته القاعدة(الترك ال يدل على التحريم)‪ ،‬وعلى هذا فقراءة القرآن عند الميت وقراءة القرآن قبل صالة الجمعة‬
‫وصالة التراويح أكثر من ثمان ركعات واالحتفال بليلة اإلسراء والمعراج واالحتفال بالمولد النبوي الشريف وغيرها‪ :‬فليس‬
‫هناك دليل ينهى عنها ال سيما أنها داخلة في مشرويعة عامة‪.‬‬

‫الطالبه‪/‬مريم محمد بدر‬ ‫‪2‬‬


‫[ ِبدَع التَفا ِ‬
‫سير]‬
‫ِبدع التفاسير‪:‬هو اصطالح ظهر على لسان الزمخشري في كتاب الكشاف(مذهب الزمخشري كان يميل إلى االعتزال‬
‫معتزال) وبدع التفاسير هي‪:‬نوع من األنواع الخاطئة في التفسير التي ال سند لها ال من الدين وال من اللغة‪،‬‬ ‫ً‬ ‫لكنه لم يكن‬
‫كأن يكون التفسير ُمخالفًا لما تقتضيه القواعد المأخوذة من الكتاب أو السنة – أو يكون ُمنافيًا لسياق الكالم بعيدًا عن معنى‬
‫اآلية – أو يكون قائ ًما على أساس من التكلف والتعسف في التأويل‪.‬‬

‫‪-‬األسباب التي أدت إلى الوقوع في ِبدع التفاسير اللغوية كثيرة‪ ،‬منها‪:‬‬
‫‪)1‬الجهل بقواعد اللغة وأوضاعها‪:‬فقد تصدّى لتفسير كتاب هللا تعالى جماعة من الذين ليست عندهم أهلية تا ّمة‬
‫وحرفوا الكلِم عن مواضعه‪،‬‬‫ّ‬ ‫للتفسير‪ ،‬فأخطأوا في التأويل‬
‫مثال ذلك‪:‬ما ُحكي عن سفيان بن عُيينة في تفسير قوله تعالى{واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرج ٌل‬
‫ضون من الشهداء أن تض ّل إحداهما فتُذ ّكر إحداهما األخرى}‪ ،‬فقد فسّر"فتُذ ّكر إحداهما األخرى"‬ ‫وامرأتان ممن تر َ‬
‫ذكرا‪ ،‬يعني أنهما إذا اجتمعتا كانتا بمنزلة الذكر‪ ،‬يقول الزمخشري(إن هذا الكالم من ِبدع‬ ‫بمعنى‪:‬تجعل إحداهما األخرى ً‬
‫ذكرا شئ غير مألوف في لغة العرب‪،‬‬ ‫التفاسير) فهذا التفسير غريب من جهة المعنى؛ ألن التذكير بمعنى جعل األنثى ً‬
‫فالتذكير هنا مقابل النسيان‪.‬‬

‫وانتصارا للمذهب‪ :‬فقد لجأ كثير من أصحاب الفرق إلى القرآن الكريم لتأييد‬ ‫ً‬ ‫‪)2‬التعسف في التأويل اتباعًا للهوى‬
‫صا يخالف مذهبهم قاموا بتأويله وارتكبوا في سبيل ذلك مخالفات‬ ‫ما يعتقدون من عقائد وآراء‪ ،‬فإذا وجدوا في القرآن ن ً‬
‫صا يثبت صفة من هذه الصفات لجأوا إلى‬ ‫شنيعة‪ ،‬مثال ذلك‪:‬أن المعتزلة ينفون صفات هللا تعالى‪ ،‬فلو وجدوا في القرأن ن ً‬
‫انتصارا للمذهب‪ ،‬فقوله تعالى{وكلّم هللا موسى تكلي ًما} قالوا أن هذه اآلية ال داللة فيها على إثبات صفة الكالم هلل‬
‫ً‬ ‫التعسّف‬
‫تعالى‪ ،‬ألن (كلم) هنا بمعنى جرح‪،‬أي وجرح هللا موسى بأظفار المِ حن ومخالب الفتن‪ ،‬لكن الزمخشري قال(أن ذلك من‬ ‫ّ‬
‫بِدع التفاسير) فإن المعتزلة أنكروا الكالم القديم الذي هو صفة الذات؛ إذ ال يثبتون إال الحروف واألصوات قائمة بذات هللا‬
‫تعالى‪ ،‬لكن الزمخشري أبطل جحدهم بخصوصية موسى عليه السالم في التكليم إذ ال يثبتونه إال بمعنى سماعه حروفًا‬
‫وأصواتًا قائمة ببعض األجرام‪.‬‬

‫‪)3‬عدم مراعاة سياق الكالم‪ :‬فقد تعسّف قوم في تأويل القرآن الكريم؛ألنهم لم يُراعوا سياق الكالم‪ ،‬فجاءوا لنا في‬
‫التفسير كالم متنافر األجزاء‪،‬‬
‫مثال ذلك‪:‬ما نُقل عن النضر بن شميل وهو إمام من أئمة اللغة‪ ،‬فقد فسّر قوله تعالى{ َ‬
‫سنَ ِس ُمه على الخرطوم} بأن الخرطوم‬
‫هوالخمر‪،‬وأن معنى اآلية سنحدّه على شربها‪،‬قال الزمخشري(في هذا التفسير تعسف) وقال األلوسي (إن هذا التفسير‬
‫تنفيه الرواية والدراية معًا‪ ،‬أما الرواية فألن هؤالء الكفار ماتوا قبل تحريم الخمر وأن الوليد بن المغيرة الذي نزلت‬
‫اآلية في شأنه لم يحد على شرب الخمر‪ ،‬أما الدراية‪:‬فألنه تفسير يؤدي إلى تعقيد اللفظ وفوات فخامة المعنى)‪،‬‬
‫وأن المعنى الصحيح لآلية الذي يتناسب مع السياق ‪ :‬سنجعل له سمة وعالمة على الخرطوم أي األنف وهو كناية عن‬
‫ً‬
‫وإذالال له في‬ ‫غاية اإلذالل‪ ،‬والضمير يعود على الوليد بن المغيرة‪ ،‬وقد خطم بالسيف يوم بدر فبقيت سمة على خرطومه‬
‫الدنيا‪ ،‬وقيل‪:‬هذا وعيد له بأمر يكون في اآلخرة‪ ،‬وهو أنه يوسم يوم القيامة على أنفه يُعرف بها كفره‪.‬‬

‫الطالبه‪/‬مريم محمد بدر‬ ‫‪3‬‬


‫"أمثلة من ِبدع التفاسير اللغوية"‬
‫ً‬
‫أوال‪ :‬ما يتعلق بالمعاني اللغوية‪:‬‬
‫‪)1‬تحريف ال َكلِم عن مواضعه‪ :‬وذلك بالتغيير في بعض ألفاظ القرآن الكريم بتقطيع حروف الكلمات وتفسيرها على أساس‬
‫من هذا التغيير‪،‬‬

‫‪-‬مثل قوله تعالى{ َمن ذَا الذي يَشفَ ُع عِن َده إال بإذنِه} فقالوا( َمن)شرطية وتعني‪:‬من ذل أي من ال ُذ ّل – (يشف)من الشفا وهو‬
‫جواب من – (ع)أمر من الوعي [وقد فسّرها بتلك الطريقة رجل من المعتزلة فأفتي بأنه ملحد]‪.‬‬
‫والتفسير الصحيح ‪:‬أن (من)استفهامية بمعنى النفي‪ ،‬والمراد‪:‬أنه ال يشفع أحد إال بإذن هللا تعالى‪.‬‬
‫س ً‬
‫بيال} فقالوا(سل سبيال) إنه أمر للنبي صلى هللا عليه وسلم وألمته بسؤال السبيل‬ ‫عينًا فيها تُس ّمى َ‬
‫سل َ‬ ‫‪-‬ومثل قوله تعالى{ َ‬
‫ي رضي هللا عنه‪.‬‬ ‫إليها‪ ،‬ونسبوه إلى عل ّ‬
‫والقول الصحيح ‪:‬أن السبيل هو الشئ المأخوذ من السالسة ‪ ،‬فكذلك العين في الجنة ينزل الماء منها بسهولة ويسر في الحلق‬
‫وهو نوع من التنعيم‪.‬‬

‫‪)2‬تفسير اللفظ بغير ما يدل عليه في لغة العرب‪ :‬فذلك يؤدي إلى الخطأ في التأويل وتحميل القرآن مال تحتمل من المعاني‪،‬‬

‫وم نَدعوا كُ ّل أ ُ ٍ‬
‫ناس بإمامِ هم}‪ :‬فقالوا أن (إمام)جمع أ ّم‬ ‫‪-‬مثل ما روي عن محمد بن كعب القرظي في تفسير قوله تعالى{يَ َ‬
‫وأن الناس يدعون يوم القيامة بأمهاتهم ال بآباءهم‪[ ،‬وأن الحكمة من الدعاء باألمهات دون األباء‪ :‬رعاية حق سيدنا عيسى‬
‫عليه السالم لوالدته من غير أب – وإظهار شرف الحسن والحسين – وأال يفتضح ولد الزنا الذي ينادي باسم أمه]‪،‬‬
‫سترا منه على عباده‪.‬‬ ‫واستدلوا على قولهم بحديث‪:‬إن هللا يدعو الناس يوم القيامة بأمهاتهم ً‬
‫والرد على ذلك كله ‪ :‬إن إمام جمع أم غير شائع وإنما المعروف أمهات – وفي خلق عيسى بدون أب كرامة له – إظهار‬
‫خير من أ ّمهما –أما افتضاح أوالد الزنا فال فضيحة إال لألمهات وال ذنب لهم في‬ ‫شرف الحسنين بدون ذلك أت ّم ألن أباهما ٌ‬
‫ذلك – يقول النبي صلى هللا عليه وسلم"إذا جمع هللا األولين واآلخرين يوم القيامة يرفع لكل غادر لواء‪ ،‬فيقال هذه غدرة‬
‫فالن ابن فالن" ‪ ،‬فهذا الحديث يدل على أن الناس يُدعون بآباءهم ال بأمهاتهم‪.‬‬

‫ت واألرض} قالوا في(كُرسيّه)أي علمه‪ ،‬واستدل المعتزلة على ذلك ببيت من‬ ‫{و ِس َع كُرسيّهُ السموا ِ‬
‫‪-‬ومثل قوله تعالى َ‬
‫الشعر[وال يُكرسئ علم هللا مخلوق] أي ال يعلم علم هللا مخلوق‪ ،‬والغرض من تفسير اآلية بتلك الطريقة هو إنكار أن يكون‬
‫هلل تعالى كرسي‪.‬‬
‫والتفسير الصحيح ‪:‬أن الكرسي جسم عظيم بين يدي العرش محيط بالسموات واألرض كما يعتقد أهل السنة والجماعة وال‬
‫يعلم حقيقته إال هللا تعالى‪.‬‬

‫الطالبه‪/‬مريم محمد بدر‬ ‫‪4‬‬


‫‪)3‬تخريج معنى اآلية على لغة غريبة‪ :‬من الواجب على المفسر أن يجتنب غريب اللغة في تفسير القرآن وأن يعتمد‬
‫اعتمادًا كليًا على أفصح اللغات‪،‬‬

‫شرا إن هذا إال َملَك ِ‬


‫كريم} فقالوا(أكبرن) بمعنى‬ ‫طعنَ أيديَ ُه ّن وقُلنَ حاشا هلل ما هذا بَ ً‬‫‪-‬مثل قوله تعالى{فلَ ّما رأينَهُ أكبرنَهُ وقَ ّ‬
‫سن الكِبر‪ ،‬وإن حرف الهاء في(أكبرنه)‪:‬‬ ‫إكبارا لكون البلوغ يُعرف به‪ ،‬فكأنه يُدخل الصغار ّ‬ ‫ً‬ ‫سمي الحيض‬ ‫حِ ضنَ ‪ ،‬و ُ‬
‫إكبارا – وإما ضمير يوسف عليه السالم أي حِ ضن ألجله من شدة شبقهن(أي‬ ‫ً‬ ‫إما ضمير المصدر فكأنه قيل أكبرن‬
‫شهوتهن) – وإما الهاء للسكت‪.‬‬
‫والمعنى الصحيح هو ‪ :‬فلما رأت النسوة يوسف عليه السالم أكبرنه أي أعظمنه ودُهشن برؤية جماله الفائق‪.‬‬

‫عصى آد ُم ربَّهُ فَغَوى} فقالو(غَوى) َبشم من كثرة األكل [وقد حكم الزمخشري على هذا بأنه خبيث‬
‫{و َ‬
‫ومثل قوله تعالى َ‬
‫ألنه نُسب إلى سيدنا آدم عليه السالم الشره وهو دال على الدناءة]‪.‬‬
‫والتفسير الصحيح‪ :‬غوى بمعنى ضل عن طريق الصواب‪.‬‬

‫‪)4‬تفسير لفظ بمعنى ُمستهجن ال يصح حمل القرآن عليه‪ :‬فمثل هذه المعاني القبيحة يجب تجنّبها في التفسير‪،‬ال‬

‫بوهن‪ }..‬فقالوا(واهجروهن)أي‬‫ّ‬ ‫واضر‬


‫ِ‬ ‫المضاجع‬
‫ِ‬ ‫ّ‬
‫واهجروهن في‬ ‫ّ‬
‫ِظوهن‬ ‫هن فَع‬
‫مثل قوله تعالى{والالتي تَخَفونَ نُشوزَ ّ‬
‫واربطوهن‪ ،‬من هجر البعير إذا ربطه بالهجار(وهو حبل يشد به البعير) [قال الزمخشري هذا من‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫أكرهوهن على الجماع‬
‫تفسير الثقالء]‪،‬‬
‫ّوهن وثاقًا في بيوتهن واحبسوهن‪ ،‬واستدل‬ ‫وفي هذا المعنى الغير مقبول ذهب الطبري إلى تفسير كلمة(واهجروهن)أي شد ّ‬
‫وضرتها‪،‬‬
‫ّ‬ ‫على قوله بحديث غريب(أن أسماء بنت أبي بكر امرأة الزبير كانت تخرج فعُوتبت وضربها زوجها هي‬
‫ضرتها‪ ،‬فشكت إلى أبيها فقال لها‪:‬اصبري‪،‬إن الزبير رجل صالح ولقد بلغني أن الرجل إذا‬ ‫واشت ّد عليها الضرب أكثر من ّ‬
‫ابتكر بامرأة تزوجها في الجنة) فقد رأى الربط والعقد مع احتمال اللفظ مع فعل البير‪ ،‬فأقدم على هذا التفسير‪.‬‬
‫والمعنى الصحيح هو‪:‬اهجروهن في مواضع االضطجاع‪ ،‬والمراد‪ :‬اتركوهن ُمنفردات في مضاجعهن وال تُباشروهن‪،‬‬
‫ّ‬
‫جماعهن‪ ،‬فالهجر بمعنى الترك‪.‬‬ ‫فيكون الكالم كنايةعن ترك‬

‫ضهم ودِيارهم وأموالهم وأرضًا لم تَطئوها} قالوا أن المراد باألرض الثانية‪:‬نساء بني‬‫{وأورثَكُم أر َ‬
‫َ‬ ‫‪-‬ومثل قوله تعالى‬
‫قريظة‪[ ،‬وقد ع ّد الزمخشري هذا من بِدع التفاسير]‪.‬‬
‫والمعنى الصحيح ‪:‬هي األرض الحقيقية ال المجاز‪ ،‬فقيل‪ :‬أرض خيبر أو مكة أو أرض الروم وفارس‪ ،‬وقيل‪ :‬هي ما ظهر‬
‫عليه المسلمون إلى يوم القيامة‪.‬‬

‫معان ليس لها دليل وال برهان‪،‬‬


‫ٍ‬ ‫‪)5‬تفسير اآلية بمعنى باطل ً‬
‫عقال وشرعًا‪ :‬فقد حمل أهل البدع واألهواء ألفاظ القرآن على‬

‫عم ٌل ُ‬
‫غير صالِح} فقالوا(ليس من أهلك أنه ابن الزنا)‪ ،‬وهذا القول‬ ‫‪-‬مثل قوله تعالى{قا َل يا ُنوح إنّه لَ َ‬
‫يس مِن أهلِكَ إنّه َ‬
‫إن ابني مِن أهلِي} فاشتمل كالمه على نسبة االبن‬‫ح ابنَه} فنسب االبن إليه‪ ،‬وقوله أيضًا{ربّ ّ‬ ‫مردود بقوله تعالى{ونادى نو ٌ‬
‫بنبوته ونفى أنه من أهله الناجين‪،‬‬
‫فأقر ّ‬
‫إليه وأنه من أهله‪ ،‬فردّه هللا تعالى عليه(إنه ليس من أهلك) ّ‬
‫ّ‬
‫زوجاتهن يزنين ويَحملن من سفاح‪.‬‬ ‫ي قط) فال يجوز في حق األنبياء أن يكون‬ ‫وصدق من قال(ما بغت امرأة نب ّ‬
‫والمعنى الصحيح‪:‬أنه كا ابنه ولكن كان مخالفًا في النية والدين والعمل‪.‬‬

‫الطالبه‪/‬مريم محمد بدر‬ ‫‪5‬‬


‫صالحين فخَانتَاهُما‪}..‬‬ ‫ثال للذين كَفروا امرأةَ نوحٍ وامرأةَ لوط كانتا تَحتَ َ‬
‫عب َدين من عِبادِنا َ‬ ‫{ضرب هللا َم ً‬
‫َ‬ ‫‪-‬ومثل قوله تعالى‬
‫ي قط)‪.‬‬‫فقالوا‪:‬الخيانة هنا تعنى الزنا‪ ،‬ولكن ال يجوز هذا التفسير لما قيل(ما زَ نت امرأة نب ّ‬
‫واألدلة على أن الخيانة هي المخالفة في العقيدة ومساعدة الكفار على زوجيهما وليس معناها الزنا ما يلي‪:‬‬
‫‪ )1‬أن امرأة نوح كانت ترميه بالجنون وتساعد قومه في شتمه وإيذائه‪ ،‬وامرأة لوط كانت تدل قومه على ضيوفه‪ ،‬فلم ينقل‬
‫عنهما غير ذلك‪.‬‬
‫‪ )2‬لو ثبت عليهما شئ من الزنا ألسرع قومهما إلى تعييرهما‪ ،‬ولم يحدث ذلك‪.‬‬
‫أهال ألن يدعو أمة كاملة‪.‬‬‫‪)3‬أن من يقع الزنا في بيته بأهله وهو ال يشعر فال يكون ً‬
‫عار يلحق الرجل وقوع الزنا في أهله‪ ،‬فكيف يُنسبب هذا إليهما وكان لوط عليه السالم يحارب جريمة اللواط‬ ‫‪)4‬أن أكبر ٍ‬
‫فكان من السهل أن يقول له قومه‪:‬اذهب ط ّهر بيتك ثم تعا َل ط ّهرنا‪.‬‬

‫ي يوحى إأليه وال يُنب ّهه هللا عليه‪ ،‬وهذا محال ألن هللا تعالى غيور‪ ،‬قال صلى هللا عليه‬
‫‪)5‬ال يجوز أن يقع الزنا في بيت نب ّ‬
‫وسلم"إن هللا عزوجل يغار‪،‬وغيرة ُ هللا أن يأتي المؤمن ما ّ‬
‫حرم هللا عليه"‪.‬‬
‫‪)6‬أن من الشروط التي يجب وجودها في الرسول‪ :‬الفطنة والذكاء‪ ،‬والذي يقع الزنا في أهله يكون بالغًا في الغفلة‬
‫والبالهة‪ ،‬وال يجوز للرسول أن يكون كذلك‪.‬‬
‫عار بسببه‪ ،‬لكن زناها يعيبها ويعيب أهلها ألن سببه الشهوة والدناءة وسوء‬ ‫‪)7‬إن كفر المرأة ال يعيبها وال يلحق زوجها ٌ‬
‫النية‪ ،‬فيجوز أن تكون زوجة النبي كافرة وال يجوز أن تكون زانية‪.‬‬

‫‪)6‬حمل معنى اآلية ال يتناسب مع القياس‪:‬‬


‫ِتاب والفُرقانَ لعلّكم تَهتَدون} قالوا أن(الفرقان)هو القرآن‪ ،‬والمعنى‪:‬ولقد آتينا موسى‬
‫مثل قوله تعالى{وإذ آتَينا ُموسى الك َ‬
‫الكتاب أي التوراة واإليمان بالفرقان أي القرآن‪ ،‬أو المعنى‪ :‬ولقد آتنينا موسى التوراة وآتينا محمدًا القرآن‪.‬‬
‫ً‬
‫منزال وفرقانًا يفرق بين الحق والباطل وبين‬ ‫أوتي الكتاب والفرقان يعني يجمع بين كونه‬
‫َ‬ ‫والرد على ذلك‪ :‬أن سيدنا موسى‬
‫عدوه‪[،‬وهذه المعاني كلها تتناسب مع ذكر سيدنا‬ ‫الكفر واإليمان من العصا واليد وغيرها أو النصر الذي فرق بينه وبين ّ‬
‫موسى عليه السالم]‪.‬‬
‫فرق بين الحق والباطل‪ ،‬وإذا كان الفرقان‬ ‫والمعنى الصحيح‪:‬أن المقصود بالكتاب هو التوراة‪ ،‬ووصفت بالفرقان ألنها ت ُ ّ‬
‫ِكرا لِل ُمتقين}تعود على القرآن؟!‬
‫قوله{وذ ً‬
‫َ‬ ‫ذكرا في‬
‫اسم للقرآن كما يقولون‪،‬فلماذا لم يقل هؤالء أن ً‬
‫يرا أبَابِيل – تَرمِ يهم بِحِ جارةٍ مِن ِسجّيل} حيث قال في‬
‫ط ً‬‫علي ِهم َ‬
‫س َل َ‬
‫ومثل تفسير الشيخ محمد عبده في قوله تعالى{وأر َ‬
‫تفسير (الطير) أنها ذباب و(الحجارة التي هي من الطين) جراثيم مسمومة‪ ،‬فإذا دخلت تلك الطين أي جسد أفسدته‬
‫والرد على ذلك‪:‬أن الجراثيم والميكروبات ألفاظ لم تكن موجودة في لغة العرب‪ ،‬بل هي ألفاظ ُمستحدثة – إن قدرة هللا‬
‫تعالى في تعذيب أصحاب الفيل على ظاهرها ال تحتاج إلى تأويل‪.‬‬

‫الطالبه‪/‬مريم محمد بدر‬


‫‪6‬‬
‫ثانيًا ما يتعلق بالقراءات‪ :‬وهو قسمين‪ :‬استحداث قراءات لم يُقرأ بها – أو ر ّد بعض القراءات الصحيحة‪.‬‬

‫صب}‪،‬‬‫‪)1‬استحداث قراءات لم يقرأ بها‪ :‬مثل ما ُنسب إلى بعض الشيعة في تفسير قوله تعالى{فإذا َف َرغتَ فان َ‬
‫ي بن أبي طالب لإلمامة‬‫فانصب عل ّ‬‫ِ‬ ‫فقرأوا(فانصب) بكسر الصاد‪،‬والمراد بذلك عندهم‪:‬إذا فرغت يا محمد من أداء الرسالة‬
‫ِ‬
‫وهم بذلك ينتصرورن لمذهبهم‪،‬‬
‫وهذه القراءة باطلة وقد علّق عليها اإلمام الزمخشري بأنها من ِبدع التفاسير‪ ،‬والقراءة الصحيحة المتواترة هي(فانصَب)‬
‫صبًا إذا تعب‪،‬‬
‫صب ينصب ن َ‬ ‫بفتح الصاد‪ ،‬من ن َ‬
‫والمعنى الصحيح ‪:‬إذا فرغت من عبادة فاتعب في عبادة أخرى أو إذا فرغت من الصالة فانصب في الدعاء‪.‬‬

‫‪)2‬رد بعض القراءات الصحيحة‪ :‬مثل ما ذكره ابن عطية في تفسير قوله تعالى{وات ُقوا هللا الذي تَسائلُونَ ب ِه واألر َحام}‪،‬‬
‫فقد قرأ حمزة كلمة (األرحام) بالجر‪ ،‬وقال هذه القراءة عند رؤساء النحويين من البصرة ال تجوز؛ألنه ال يجوز عندهم أن‬
‫يعطف ظاهر على مضمر مخفوض(به) ‪ -‬وقال أيضًا‪:‬أن هللا تعالى عندما ذكر التساؤل في اآلية هي من باب الحض على‬
‫تقواه‪ ،‬فذكر األرحام ليس له فائدة ‪ -‬وقال أيضًا‪ :‬ذكر األرحام في اآلية على قراءة حمزة مقررة للقسم‪ ،‬وهذا مخالف‬
‫للحديث(من كان حالفًا فليحلف باهلل أو ليصمت)‪.‬‬
‫الرد على كالم ابن عطية‪:‬‬
‫القراء السبعة لم يقرأ هذه القراءة على حسب رأيه بل قرأها بنا ًء على سماعها من الثقات الذين‬ ‫‪-‬أن حمزة وهو أحد ّ‬
‫سمعوها من النبي صلى هللا عليه وسلم‪.‬‬
‫‪-‬ما ذكره ابن عطية من امتناع العطف على الضمير المخفوض إنما هو مذهب البصريين فقط ونحن لسنا ُمتعبدّين‬
‫باتباعهم‪.‬‬
‫‪-‬أن قراءة حمزة ال يلزم توجيهها على أساس العطف‪ ،‬فال يجوز أن تُوجّه على القسم من هللا تعالى‪ ،‬فتكون الواو للقسم‬
‫علَيكُم َرقيبًا)‪.‬‬
‫والمقسم عليه(إن هللا كان َ‬
‫‪-‬أن ما ذكره ابن عطية من ذكر األرحام ال فائدة فيه في الحض على التقوى فهو كالم خاطئ‪ ،‬فإن في األرحام يُراد بها‬
‫القرابات التي كانت بين الرسول صلى هللا عليه وسلم والعرب‪ ،‬ولهذه القرابات أثر في الحض على تقوى هللا تعالى‪.‬‬
‫‪-‬هناك من أخذ تلك القراءة على مذهب الكوفيين وهو القائل بعطف الظاهر على الضمير المخفوض خالفًا لرؤساء أهل‬
‫البصرة‪ ،‬كذلك استدلوا بإجازة هذا األمر على مذهب سيبويه القائل بجوازه في الشعر العربي‪.‬‬

‫ثالثًا ما يتعلق بالقواعد النحوية‪ :‬وهي التي تتعلق باإلعراب التي وقع فيها بعض ال ُمعربين لبعض ألفاظ القرآن‪،‬‬
‫وذلك من تخريجات نحوية مضطربة شاذة أو ضعيفة أدت غلى خلل في معاني التنزيل‪،‬‬
‫صرا َ‬
‫طكَ ال ُمستقيم} فقالوا أن(ما)استفهامية‪ ،‬أي فبأي شئ أغويتني‪،‬‬ ‫دن َلهم ِ‬
‫أغويتَني ألقعُ ّ‬
‫مثل قوله تعالى{قال فبِما َ‬
‫وهذا اإلعراب ال يصح ألمرين‪ :‬كون (ما)االستفهامية بعد حرف الفاء ال يجوز؛ ألنه بتقدير ذلك يكون إبليس سأل ربه‪:‬بأي‬
‫شئ أغواه وأضلّه – أن(ما)االستفهامية إذا وقعت بعد حرف الجر فإن "ألفها" تحذف مثل(ع ّم يتسائلون) فإثباتها في تلك‬
‫الحالة قليل شاذ‪ .‬والصواب أن(ما)هنا مصدرية‪،‬والباء للسببية‪ ،‬والمعنى ‪:‬فبسبب إغوائك إياي ألقعدن لهم على طريق‬
‫المارة به‪.‬‬
‫ّ‬ ‫اإلسالم كما يعترض العدو على الطريق ليقطعه على‬

‫الطالبه‪/‬مريم محمد بدر‬


‫‪7‬‬
‫عرش عظيم‪-‬وجدُها وقو َمها يَسجدونَ للشمس‪}..‬‬ ‫ٌ‬ ‫‪-‬ومثل قوله تعالى{إني وج ُد امرأة تملُكهم ُ‬
‫وأوتيَت من ك ّل شئ ولَها‬
‫نجد البعض يقف على(عرش) ثم يبتدئ بـ(عظيم‪-‬وجدتها‪ ،)..‬يريد أن يجعل"عظيم" خبر مقدم‪ ،‬والمبتدأ"وجدتها"‬
‫والمعنى‪:‬أمر عظيم أن وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون هللا‪ ،‬وذلك لما أجازه البعض من الوقف على‬
‫قوله(عرش)‪.‬‬
‫الرد على ذلك‪)1 :‬ليس في الكالم ما ادّعاه المدّعون في هذا اإلعراب من التقديم والتأخير‪.‬‬
‫‪)2‬وصف العرش بالعِظم أولى من وصف سجود بلقيس وقومها للشمس من دون هللا‪.‬‬
‫‪)3‬وصف العرش بالعِظم من الهدهد كان من باب ترغيب سليمان عليه السالم لإلصغاء لحديثه‪.‬‬
‫‪)4‬توجيه سليمان عليه السالم نحو غزو بلقيس‪ ،‬وهذا ما د ّل عليه قوله تعالى بعد ذلك{وجدتها وقومها يسجدون للشمس}‬
‫من األمر الذي يوجب ذلك الغزو‪ ،‬حيث تجاوزا من سجودهم للشمس عبادة هللا تعالى‪.‬‬

‫[قضية التوسل إلى هللا تعالى]‬


‫‪-‬العبادة لغة‪:‬هي التوسل ‪ /‬شرعًا‪:‬هي تحقيق أقصى درجات الذل إلى هللا تعالى ويقين صاحبها أن كل شئ يحدث في‬
‫حياته هو هلل تعالى‪.‬‬

‫سلتُ إلى هللا بالعمل‪ :‬أي تقربت إليه‪.‬‬‫‪-‬التوسل لغة‪:‬التقرب‪ ،‬يقال‪:‬تو ّ‬


‫شرعًا‪ :‬هو الطلب مباشرة من هللا تعالى باالستشفاع إليه تعالى بما يحب أو بمن يحب‪.‬‬
‫والوسيلة هي التي يُتوصل بها إلى تحصيل المقصود‪.‬‬

‫‪-‬حكم التوسل عند اإلمام الترمذي‪:‬فقد حكم بكونه صحي ًحا بحديث الضرير الذي أتى النبي صلى هللا عليه وسلم ليدعو هللا‬
‫ِبر ّد البصر إليه‪ ،‬فأمر أن يُحسن الوضوء ويدعو بهذا الدعاء‪:‬اللهم إن أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد صلى هللا عليه وسلم‬
‫ي الرحمة‪ ،‬إني توجهتُ بك إلى ربي في حاجتي هذه لتُقضى‪ ،‬اللهم فشفّعه في‪.‬‬‫نب ّ‬
‫حقيقة التوسل التي ت ُخرجه من دخيل الرأي إلى كونه عبادة مشروعة‪ :‬أال يكون توس ًّال بالذات البشرية التي‬
‫هي الطول والعرض وغيره‪ ،‬بل يكون بالمعاني الروحيى كـإيمان العبد وصدقه وإخالصه وغيره‪،‬فبها يكون التوسل إلى‬
‫هللا تعالى‪.‬‬

‫‪-‬حكم التوسل‪:‬هو في عمومه مشروع؛ألنه نوع من أنواع الدعاء والدعاء مشروع‪ ،‬قال تعالى{وقا َل ربّكم ادعُوني‬
‫الوسِيلَةَ}‬
‫أستجب لَكُم} وهو ليس بواجب على كل مسلم‪ ،‬والدليل على مشروعيته{يا أيّها الذين آمنُوا اتَقوا هللا وابتَغُوا إلَيه َ‬
‫ِ‬
‫والخالف في مشروعية التوسل إنما هو في الطريقة التي يكون بها اإلنسان أو في األسلوب الذي يتبعه‪،‬‬
‫‪)1‬ما تم االتفاق على جوازه من القدماء والمحدثين‪[:‬التوسل بذات هللا تعالى"ق ِل ادعوا هللا أو ادعوا الرحمن" – التوسل‬
‫ي الصالح"مثل حديث الضرير" – التوسل بالعمل الصالح"مثل الثالثة الذين دخلوا الغار فوقعت الصخرة فسدّت‬ ‫بالح ّ‬
‫المخرج فدعو هللا بصالح أعمالهم"]‪.‬‬
‫‪)2‬ما تم االتفاق على منعه‪:‬وهوأن يتوسل العبد بالولي أو النبي معتقدًا أنه يعطي وينفع سواء كان حيًا أو ميتًا‪،‬‬
‫وهذا يخرج التوسل المشروع إلى الوساطة المنهي عنها‪.‬‬

‫الطالبه‪/‬مريم محمد بدر‬


‫‪8‬‬
‫‪-‬ما الفرق بين التوسل والوساطة؟ التوسل هو الطلب من هللا تعالى مباشرة‪ ،‬وهذا الطلب مصاحبًا االستشفاع إليه‬
‫تعالى بما يحبّ وبمن يحبّ ‪ ،‬وعليه فالمقصود بالتوجه إليه سبحانه فقط ال أحد سواه‪" ،‬ودليله حديث الضرير"‪،‬‬
‫حتى وإن قال المتوسل(اللهم إني أتوسل إليك بفالن) فمخرجها على القاعدة النحوية على حذف مضاف‪،‬‬

‫أما الوساطة‪:‬تعني الطلب من الوسيط نفسه يقينًا من فاعلها بأن هذا الوسيط قادر على الفعل والترك دون التفات إلى‬
‫المولى سبحانه وتعالى من فاعل الوساطة‪ ،‬وحكمها ‪:‬أنها قد تؤدي إلى الشرك باهلل‪ ،‬ومع ذلك ال يجوز أن نرمي أحد من‬
‫المسلمين بالشرك لفعله ذلك األمر‪ ،‬فربما يكون خطأ ً منه أو جهل أو نسيان أو اجتهاد‪ ،‬وليس في المسلمين من يعتقد أن‬
‫ألحد مع هللا فعل أو ترك أو خلق أو رزق‪.‬‬

‫فالن)جهال منه أو تقليدًا؟ هو حكم من توسّل إلى بعبادة فالن في إخالصه وصدقه‬ ‫ً‬ ‫‪-‬ما حكم من يقول( يا سيدي‬
‫وغيره‪ ،‬فتنطبق عليه قاعدة النحويين بأن الكالم فيه على حذف مضاف(أي رب سيدي فالن) ما دام قائل ذلك القول يعتقد‬
‫بتفرد هللا تعالى بالعطاء والمنع‪ ،‬ويكون الخطأ فيه خطأ تعميم وليس خطأ اعتقاد‪،‬‬ ‫يقينًا ّ‬
‫ش ما َ‬
‫ظ َهر مِ نها و َما‬ ‫ربي الفَواحِ َ‬
‫َ‬ ‫كفرا من باب الجهل بالدين والعلم‪ ،‬قال تعالى{قُل إنّما َح ّرم‬ ‫وتسمية هذا التعبير شر ًكا أو ً‬
‫على هللا َما ال تَعلمون}‪.‬‬ ‫الحق وأن تُشركُوا باهلل مالم ي ّ‬
‫ُنزل به سُلطانًا وأن تَقولوا َ‬ ‫ّ‬ ‫غير‬
‫غي بِ ِ‬
‫وغإلثم والبَ َ‬
‫َ‬ ‫بَ َ‬
‫طن‬

‫‪-‬أقسام التوسل‪)1 :‬جائز وهو التوسل إلى هللا تعالى بالعمل الصالح أو العبد الصالح أو بذات هللا تعالى ‪-‬‬
‫‪)2‬ممنوع وهو التوسل هلل تعالى بالنبي أو بغيره معتقدًا أنه هو الذي يعطي ويمنع‪.‬‬

‫‪-‬أدلة مشروعية التوسل‪ :‬فالتوسل باألنبياء والصالحين مع االعتقاد أنهم مقبولو الشفاعة عند هللا هو ما أجمعت عليه األمة‬
‫ونطقت به ِصحاح السنة‪ ،‬قال تعالى{يا أيّها الذين آمنُوا اتقُوا هللا وابتَغوا إليه َ‬
‫الوسية} فالوسيلة لفظ عام يشمل التوسل‬
‫ي رضي هللا عنهما دخل النبي صلى هللا عليه‬ ‫بالصالحين وبإتيان األعمال الصالحة – ولما ماتت فاطمة بنت أسد أ ّم عل ّ‬
‫وسلم قبرها وقال‪..":‬اغفر ألمي فاطمة بنت أسد ولقّنها حجتها ووسع عليها مدخلها بحق نبيك واألنبياء الصالحين الذين من‬
‫قبلي"‪.‬‬

‫‪-‬شبهة‪ :‬إن التوسل باألنبياء والصالحين إشراك باهلل؛ألنه يشبه أولئك الذين اتخذوا األصنام أولياء من دون هللا‪.‬‬
‫الرد على الشبهة‪ :‬إن القرآن قد حكى أن المشركين كانوا يتخذون أندادًا من دون هللا{فال تَجعلوا هلل أندادًا وأنتم تعلمون}‬
‫أولياء{أم اتخذوا من دُونه أولياء}‪،‬‬
‫ِ‬ ‫ضرهم} وأنهم اتخذوها‬‫وأنهم كانوا يعبدونها{ويَعبدون من دُون هللا ما ال يَنفعُهم وال يَ ّ‬
‫فذلك كله ال ينطبق على المتوسلين باألنبياء والصالحين‪.‬‬

‫ِيقربونا إلى هللا ُزلفى} دليل على منع التوسل وإنكار‬


‫‪-‬قال المعترضون أن آية{والذينَ اتخَذوا مِن دُونه أولياء َما نعبُدُهم إال ل ّ‬
‫الوسيلة باألنبياء والصالحين‪.‬‬
‫والرد عليهم‪:‬أن هناك ثالث قواعد في تلك اآلية للمشركين ال تنطبق على المتوسلين‪:‬‬
‫‪ )1‬أنهم اتخذوا األصنام أولياء فأثبتوا لها الوالية الخاصة باهلل تعالى‪ ،‬وهي المطلقة التي ال يوصف بها أحد سواه‪،‬‬
‫فتلك الوالية أثبتوها لألصنام وسجدوا لها وركعوا‪ ،‬والمتوسلون بالنبي لم يفعلوا ذلك‪ ،‬بل أثبتوا هلل تعالى الوسيلة الخاصة‬
‫به‪ ،‬حتى وإن كان يُطلق على رسولنا أنه ولي وعلى المؤمن أنه عبد فيجب أن نعلم أن والية األلوهية غير والية العبد‪.‬‬
‫‪ )2‬بعد أن أثبتوا ألصنامهم الوالية قاموا بالركوع والسجود لها‪ ،‬والمتوسلون لم يركعوا ولم يسجدوا لولي وال نبي‪.‬‬
‫قربهم إلى هللا تعالى فهم يطلبون القربى بطريق غير مشروع وهو‬ ‫‪)3‬إن المشركين اعتقدوا أن عبادة األصنام هي التي ت ُ ّ‬
‫عبادة األصنام‪ ،‬والمتوسلون يطلبونها بطريق مشروع وهو االستعانة بالمقربين‪.‬‬

‫الطالبه‪/‬مريم محمد بدر‬ ‫‪9‬‬


‫[تأويالت الباطنية]‬
‫‪-‬الباطنية‪:‬اسم يُطلق على جماعات متعددة من غُالة الشيعة‪ ،‬وأطلق عليهم هذا االسم؛ ألنهم يتفقون على أمر واحد وهو‬
‫التأويل الباطني للنصوص‪ ،‬ويقولون‪:‬إن لكل ظاهر باطنًا ولكل تنزيل تأويل وأن الظاهر بمثابة القشر‪ ،‬أما الباطن فهو‬
‫يُمثل اللباب ومعروف أن اللباب أهم من القشر ‪.‬‬

‫‪-‬حركة الباطنية وأهدافها‪ :‬نشأت حركة الباطنية في أحضان الفكر الشيعي المتطرف في زمن الخليفة المأمون‬
‫سا في سبي األهواز وكان مولى‬ ‫العباسي على يد رجل يُدعى ميمون بن ديصان المعروف بـ القداح‪ ،‬يُقال‪:‬أنه كان محبو ً‬
‫لجعفر بن محمد الصادق ‪ /‬يقول البغدادي‪:‬أن هذا الرجل اشترك مع جماعة ممن على شاكلته في تأسيس المذهب الباطني‬
‫الذي يدعو إلى دين المجوس بالتأويالت الرمزية التي يتأولون عليها القرآن والسنة‪ ،‬وقد نُشرت حركته بعد خروجه من‬
‫السجن‪.‬‬

‫‪ -‬هذا المذهب الباطني الذي يدعو الناس إليه بعضه مستمد من عقائد المجوس ومن كالم الفالسفة‪ ،‬ويبدو أن الذين ادعوه‬
‫في انتشار دعوته جماعة من فصيلته أبناء الذين تظاهروا اإلسالم‪.‬‬

‫‪-‬بين الغزالي أن الباطنية أخذوا عقائدهم وتعاليمهم من المجوس تارة ومن الفالسفة تارة أخرى‪ ،‬يقول(فصار أكثر‬
‫مذهبهم موافقًا للثنوية والفالسفة في الباطن‪ ،‬وللروافض والشيعة في الظاهر‪ ،‬وغرضهم من هذه التأويالت انتزاع‬
‫المعتقدات الظاهرة الظاهرة من نفوس الخلق)‪.‬‬
‫‪-‬يقول ابن الجوزي (اعلم أن القوم أرادوا االنسالل من الدين‪ ،‬فشاروا جماعة من المجوس والمزدكية)‪.‬‬

‫‪-‬رأى الباطنية أن أمر محمد صلى هللا عليه وسلم قد استطار في األقطار وأنهم قد عجزوا عن مقاومته‪ ،‬فقالوا‪:‬سننح ُل‬
‫صن باالنتساب إليهم ونتودد إأليهم‬ ‫عقيدة طائفة من فرقهم أسخنهم رأيًا وأقبلهم للتصديق باألكاذيب وهم(الروافض) فنت َح ّ‬
‫بالحزن على ما جرى على آل محمد من الظلم والذل لنتمكن من شتم الذين نقلوا إليهم الشريعة‪ ،‬حينها سينخلع الناس عن‬
‫الدين‪ ،‬ومن بقي منهم معتص ًما بظواهر القرآن أوهمناه أنتلك الظواهر لها أسرار وبواطن‪ ،‬فإذا تكثّرنا بهؤالء َ‬
‫س ُهل علينا‬
‫استدراج باقي الفرق‪.‬‬

‫‪-‬يقول اإلمام الغزالي ‪( :‬أما الجملة فهو مذهب ظاهره الرفض وباطنه الكفر المحض ومفتتحه حصر مدارك العلوم في‬
‫قول اإلمام المعصوم‪ ،‬وهو اإلمام المستنصر المطلع من جهة هللا على جميع أسرار الشرائع‪ ،‬وأن كل زمان البد فيه من‬
‫إمام معصوم‪ ،‬هذا مبدأ دعوتهم ثم إنهم باآلخرة يظهرون ما يناقض الشرع‪ ،‬وهم ليسوا متعينين في فن واحد بل يخاطبون‬
‫كل فريق بما يوافق رأيه بعد أن يظفروا منهم باالنقياد لهم والمواالة إلمامهم)‪.‬‬

‫الطالبه‪/‬مريم محمد بدر‬ ‫‪10‬‬


‫‪-‬الطوائف التي ظهرت من الباطنية‪:‬‬
‫‪)1‬البابكية أو الخرمية‪ :‬ظهرت في زمن الخليفة المعتصم العباسي على يد بابك الخرمي‪ ،‬ظهر في بعض الجبال بناحية‬
‫أزربيجان وتبعه خلق كثيرون‪ ،‬كان هدف تلك الطائفة هو تسليط الناس على اتباع اللذات والحط من أعباء الشرع عن‬
‫المتعبدين ‪ ،‬حارب الخليفة العباسي بابك الخرمي واستمرت الحرب بينهم عشرين سنة‪.‬‬

‫‪)2‬القرامطة‪ :‬ينتسبون إلى حمدان قرمط‪ ،‬وقد تغلّب القرامطة على ناحية البحرين بزعامة أبو سعيد الجنابي كان من أتباع‬
‫وخرب المساجد وأحرق المصاحف‪ ،‬ولما مات فعل ابنه أبو طاهر مثل فهجم على الكعبة‬ ‫ّ‬ ‫كثيرا من المسلمين‬
‫ً‬ ‫حمدان‪ ،‬قتل‬
‫وقلع الحجر األسود فحمله إلى بلده وأوهم الناس أنه هللا عزوجل‪.‬‬

‫‪)3‬ظهر رجل من الباطنية اسمه عبيد هللا بن الحسين الملقب بالمهدي‪ :‬ظهر في أواخر القرن الثالث الهجري بناحية‬
‫القيروان‪ ،‬أظهر للناس بعض الحيل فظنوا أنها معجزة فتبعوه ألجلها ووافقوا على بدعته‪ ،‬فاستولى بهم على بالد المغرب‬
‫ّ‬
‫المعز لدين هللا الفاطمي الذي أنشأ مدينة‬ ‫وأسس الدولة الفاطمية في المغرب ثم انتقلت تلك الدولة إلى مصر على يد حفيده‬
‫القاهرة وبنى الجامع األزهر‪ ،‬وظلت هذه الدولة قائمة في مصر حتى قضى عليها صالح الدين األيوبي في أواخر القرن‬
‫السادس الهجري‪.‬‬

‫‪)4‬ظهرت جماعة اشتهرت باالغتياالت الفردية‪ :‬حيث كان لها دور خطير في تاريخ اإلسالم والمسلمين‪ ،‬وظهرت على يد‬
‫الحسن بن الصباح الذي تلقى تعاليم الباطنية في مدينة الري بفارس ثم رحل إلى مصر في عهد الخليفة الفاطمي للتفقه في‬
‫ّ‬
‫ليبث الدعوة فيها‪.‬‬ ‫هذا المذهب‪ ،‬ثم عاد إلى فارس‬

‫‪-‬اعتماد الباطنية على التأويل الباطني أو التفسير الرمزي‪ :‬ينقسمون في هذا إلى قسمين‪:‬‬
‫القسم األول‪:‬يذهبون إلى إبطال ظواهر النصوص ويقولون ‪:‬أنه ال عبرة بهذه الظواهر فهم يعتمدون اعتمادًا كليًا على‬
‫المعاني الباكنية والرموز الخفية في ظواهر الشريعة‪.‬‬
‫القسم الثاني‪ :‬ال يرون إبطال ظواهر اشريعة بالكلية ويقولون‪:‬إن ظواهر الشريعة معمول بها في ظاهرها ولها أيضًا‬
‫سرها‪ ،‬فيعملون بزعمهم على الظواهر والبواطن جميعًا‪.‬‬‫باطن هي ّ‬

‫‪-‬كيف حاول الباطنية أن يستنصروا للتأويل الباطني؟ استدلوا على صحة ذلك من القرآن مع إن تلك اآليات ال‬
‫عالقة لها بما يقولون‪ ،‬وذلك مثل‪:‬‬
‫‪-1‬قوله تعالى{ويُعلّمهم الكتاب والحكمة} – {وأنزل هللا عليك الكتاب والحكمة} – {ومن يُؤتَ الحكمة فقد أوتي ً‬
‫خيرا‬
‫كثيرا}‪ ،‬فهم يقولون أن المراد بالحكمة في هذه اآليات هي باطن الكتاب وتأويله‪ ،‬فباطن الكتاب التاويل وظاهره التنزيل‬
‫ً‬
‫[ لكن هذا االستدالل غير صحيح‪:‬ألن الكتاب معناه القرآن‪ ،‬والحكمة تختلف باختالف مواقعها‪ ،‬ففي األولى والثانية تعني‬
‫السنة وفي الثالثة تعني العلم والعمل]‪.‬‬

‫‪-2‬قوله تعالى{ال َيمسّه إال ال ُمط ّهرون} فهم يقولون إن القرآن قال هذا وهذا الخبر إذا حمل على ظاهره تطرق إألى الكذب‬
‫يمس الكتاب وخبر هللا يجب أن يكون صادقًا فالبد من القول الباطن‪،‬‬
‫ّ‬ ‫طاهرا أن‬
‫ً‬ ‫ألنه ليس من المتعذر على من ليس‬
‫[لكن هذا غير صحيح‪ :‬ألنه ال يخلو حال الجملة الفعلية من أن تكون صفة للكتاب أو صفة للقرآن‪ ،‬فإن كانت صفة‬
‫للكتاب فالمراد به اللوح المحفوظ فال يمسه إال المالئكة‪ ،‬وإن كانت صفة للقرآن فالغرض منه أنه نفي في معنى النهي‪،‬‬
‫كأنه قال‪ :‬إنه لقرآن كريم فانتهوا عن مسه حال كونكم غير طاهرين]‪.‬‬

‫‪-3‬قوله تعالى{فيه آياتٌ بيّنات مقا ُم إبراهيم ومن دخله كان آمنًا}‪ ،‬فهم يقولون إن البيت الحرام يدخله اآلمن وككذلك‬
‫الخائف وخبر هللا البد أن يكون صادقًا لهذا تعيّن في هذه اآلية التأويل وأن يراد بها الباطن[ لكن هذا غير صحيح‪:‬ألن‬
‫الخبر هنا بمعنى األمر‪،‬ومعناه‪:‬ليأمن كل من دخله‪ ،‬ومخالفة األمر ال كذب فيه ألن اإلنشاء يخالف الخبر]‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫‪-‬غُالة الشيعة(أيام الدولة األموية)الذين كان لهم دور في التأويل الباطني‪:‬‬
‫ي لم يمت‪ ،‬وتلك‬
‫ي رضي هللا عنه أنه ح ّ‬
‫‪)1‬طائفة السبئية‪ :‬وهم أتباع عبد هللا بن سبأ اليهودي الذي زعم بعد مقتل عل ّ‬
‫الطائفة أرادت بالتأويالت المنحرفة إفساد عقائد المسلمين‪.‬‬

‫ي بن أبي طالب رضي هللا عنه‪.‬‬


‫‪)2‬طائفة الكيسانية‪ :‬وهم أصحاب كيسان مولى عل ّ‬
‫‪)3‬طائفة المنصورية‪ :‬وهم أتباع أبي منصور العجلي ‪ ،‬كان يزعم أن اإلمامة انتقلت إليه بعد وفاة اإلمام محمد الباقر‪ ،‬ومن‬
‫تأويالته الفاسدة‪:‬إن الجنة رجل أُمرنا بمواالته وهم إمام الوقت‪ ،‬وإن النار رجل أُمرنا بمعاداته وهو خصم اإلمام‪.‬‬

‫‪)4‬طائفة الجناحية‪ :‬وهم ممن وضعوا بذور التأويل الباطني‪ ،‬وهم أتباع عبد هللا بن معاوية بن عبد هللا بن جعفر بن أبي‬
‫حرم هللا وأسقطت التكاليف الشرعية وكفرت بالجنة والنار واستحلت الخمر والزنا‪،‬‬ ‫طاب‪ ،‬وهذه الطائفة استحلت كل ما ّ‬
‫وقالوا في المحرمات المذكورة في القرآن‪:‬إنها كنايات عن قوم يجب بُغضهم كـ أبي بكر وعمر وطلحة وعائشة‪.‬‬

‫كثيرا عن غُالة‬
‫ً‬ ‫‪-‬الفاطميين وعقيدتهم‪ :‬إن الفاطميين الذي يزعمون أنهم يعملون بالظاهر والباطن معًا ال يختلفون‬
‫الباطنية الذي يعملون بالظاهر ويعتمدون على الرموز والبواطن‪ ،‬وقد أعلن قاضي الفاطميين في بداية األمر أن العقيدة‬
‫عندهم هي أن يعملوا بالظاهر والباطن م ًعا‪ ،‬واستدل على تلك العقيدة بدليلين‪:‬‬
‫األول‪ :‬قوله تعالى{وأسبَ َغ عليك نِعَ َمه ظاهرهُ وباطنه}‪ :‬ووجه االستدالل‪ :‬أن من أج ّل نعمه ما تعبد العباد به وجعله لهم سببًا‬
‫ظاهرا وباطنًا‪.‬‬
‫ً‬ ‫ِلنَيل النعمة العظيمة الدائمة من الثواب في اآلخرة‪ ،‬فأخبر أن ذلك ال يكون‬
‫ظاهرا وباطنًا‪.‬‬
‫ً‬ ‫الثاني‪:‬قوله تعالى{ وذروا ظاهر اإلثم وباطنه}‪ :‬ووجه االستدالل‪ :‬لم يقبل هللا ترك المنهي عنه إال‬

‫‪ -‬بعد ذلك هاجم هذا القاضي مذاهب األئمة من أهل السنة مثل مالك والشافعي وأبي حنيفة ورماهم بالجهل والضالل‪،‬‬
‫ثم يذكر أن الذين يجب اتباعهم هم أئمة آل البيت دون غيرهم‪ ،‬ومعنى ذلك أن الظاهر الذي يؤمن به ما يكون موافقًا‬
‫لمذهب الشيعة الفاطمية ليس ما يكون موافقًا للمذاهب اإلسالمية‪ ،‬فيُنكر الظاهر الي عليه أهل السنة‪،‬‬
‫ي بن أبي طالب كان يمشي خلف الجنازة حافيًا‪ ،‬والحافي خالف الناعل‪ ،‬والنعل مثلها في الباطن مثل‬ ‫مثل قوله‪:‬إن عل ّ‬
‫ظاهر ظاهر أهل الخالف‪ ،‬يعني المخالفين لهم من أهل السنة‪ ،‬ومنه قوله تعالى{فاخلَع نَعليكَ إنك بالوا ِد ال ُمقدّس طُ َوى}‪.‬‬

‫يصرح بأن الباطن أهم من الظواهر لديه ألن الباطن يمثل الجوهر واللباب‪ ،‬وفضله على‬
‫ّ‬ ‫‪-‬في مكان آخر نجد ذاك القاضي‬
‫الظاهر كفضل الروح على الجسد‪.‬‬

‫‪-‬من هنا يتبين أن‪ :‬مذهب الفاطميين الذين تظاهروا باالعتدال في باطنيتهم إنما هو قريب من مذهب الغُالة من الباطنية‬
‫الذين أبطلوا الظواهر وقالوا بالرموز واألسرار دون غيرها‪.‬‬

‫الطالبه‪/‬مريم محمد بدر‬ ‫‪12‬‬


‫‪-‬موقفنا من التأويل الباطني أو التفسير الرمزي‪:‬‬
‫ال شك أن مسلك الباطنية في التأويل الباطني هو إلحاد في آيات هللا وتحريف للكلِم عن مواضعه‪،‬لهذا نجد اإلمام أبو حامد‬
‫الغزالي يهدم نظرية الباطنية من وجهين‪ [:‬أنه أثار الشكوك في صدق اإلمام المعصوم‪ ،‬إذ كيف يصدقونه بدون معجزات‬
‫وال يصدقون الرسول صلى هللا عليه وسلم مع المعجزات – أنه أثار الشكوك في قول اإلمام المعصوم على فرض صدقه‪،‬‬
‫حيث بيّن أن ظاهر اللفظ الذي صدر عن اإلمام في تأويله الباطني للنصوص محتمل كذلك للرمز والباطن‪ ،‬ومادام ظاهر‬
‫اللفظ محتمل الرمز والباطن فكيف يتم لهم ما يدعون]‪.‬‬

‫‪-‬أمثله من تأويالت الباطنية‪:‬‬


‫ما ورد من تأويالت الباطنية في بعض كتبهم‪ :‬من هذه الكتب(تأويل الدعائم)للقاضي الفاطمي(النعمان بن محمد التميمي)‪:‬‬
‫‪-1‬قوله تعالى{واعلَموا أنّما غنمتم من ش ٍئ ّ‬
‫فإن هلل ُخ ُمسه ولرسول ولذي القُربى واليتامى والمساكين وابن السبيل}‬
‫التأويل الباطني في تلك اآلية‪:‬إن ُخمس الغنائم هو علم من علوم هللا تعالى جعل استنباطه واستخراجه وإظهار ما فيه من‬
‫باطن الحكمة والتأويل ألوليائه ومن أقامه لذلك بأمره‪ ،‬والمراد باليتامى(هم األئمة) والمساكين(هم أولياء عهودهم)‬
‫وابن السبيل(هم طبقات الدعاة إلى أولياء هللا)‪.‬‬
‫[والرد على ذلك‪ :‬أن هذه خمسة أصناف قد ّ‬
‫جزأ هللا تعالى عليها ما قسّمه لعباده المؤمنين من العلم والحكمة‪ ،‬فلكل أهل‬
‫طبقة منهم قسطهم من ذلك على ما حدّه هللا تعالى وأوجبه و َج َرت به سنة هللا في عباده]‪.‬‬

‫‪-2‬قوله تعالى{وهللا جعل لكم من بُيوتكم سكنًا وجعل لكم من جلود األنعام بُيوتًا تستخفّونها يوم ظعنكم ويوم إقامتكم ومن‬
‫أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثًا ومتاعًا إلى حين}‪ ،‬والتأويل الباطني في تلك اآلية‪ :‬أن البيوت هم أولياء هللا أي األئمة‪،‬‬
‫والسكن(ما تسكن إليه قلوب المؤمنين من علم أولياء هللا وهو علم التأويل) والجلود واألوصاف واألشعار(هي الظاهر‬
‫الذي يُعمل به إلى حين سقوط األعمال بحضور الساعة)‪.‬‬
‫يخف عليهم حملها‬‫ّ‬ ‫واستقرارا‪ ،‬وجعل لهم خيا ًما من جلود األنعام‬
‫ً‬ ‫[والرد على ذلك‪:‬أن هللا تعالى جعل من البيوت راحة‬
‫وقت ترحالهم‪ ،‬وجعل من أصواف الغنم وأوبار اإلبل وأشعار المعز أثاثًا لهم من أكسية وأغطية وزينة]‪.‬‬

‫ب به لقادرون‪-‬فأنشأنا لكم به جنات من نخيل‬ ‫بقدر فأسكنّاه في األرض وإنا على ذها ٍ‬
‫‪-3‬قوله تعالى{وأنزلنا من السماء ما ًء ٍ‬
‫وأعناب لكم فيها فواكه كثيرة ومنها تأكلون}‪ ،‬التأويل الباطني في اآلية‪ :‬أن الماء الذي ينزل من السماء (هو العلم الذي‬
‫يصير من الناطق إلى الجنة)‪ ،‬والنبات(هم المؤمنون الذين ت ُنبتهم حكمة أولياء هللا) ويختلفون فيما بينهم كما تختلف‬
‫أصناف النبات والثمار‪.‬‬
‫مستقرا لهذا الماء وإنه تعالى على ذهبا الماء لقادر‪ ،‬ثم‬
‫ً‬ ‫[الرد على ذلك‪:‬أن هللا تعالى أنزل من السماء الماء وجعل األرض‬
‫إنه تعالى أنشأ بهذا الماء بساتين النخل واألعناب]‪.‬‬

‫‪-4‬قوله تعالى{قد أفلَح َمن تَز ّكى}‪ ،‬والتأويل الباطني في هذه اآلية ‪:‬إن زكاة الفطر لها معنى باطني وهو أن كل من صار‬
‫ولي أمرهمن الدعاة‪ ،‬ومعنى ذلك أن دعوة الحق وهي الدعوة الشيعية الفاطمية‬ ‫إلى دعوة الحق عليه أداء الواجب إلى من َ‬
‫هي دين في عنق كل شخص وعليه أن ستجيب لدعاتها ويخضع خضوعًا تا ًما لهم كما يجب أن يؤدي عن نفسه زكاة‬
‫الفطر‪.‬‬
‫[الرد على ذلك‪:‬أن المعنى الصحيح هو أنه قد فاز من ط ّهر نفسه من األخالق السيئة وذكر هللا تعالى وحده]‪.‬‬

‫الطالبه‪/‬مريم محمد بدر‬ ‫‪13‬‬


‫‪-5‬تأويل اآليات التي بها قتل بأنه ترك المفيد بال فائدة‪ ،‬كـقوله تعالى {وال تقتلوا أوالدكم خشية إمالق نحن نرزقهم وإياكم}‬
‫التأويل الباطني في اآلية ‪:‬إن قتل األوالد هوترك الداعي أهل دعوته ال يفيدهم‪ ،‬وأن القتل هو أن يقطع اإلمام مادة العلم من‬
‫الداعي الذي يفعل ذلك‪ ،‬وأن قتل النفس هو اإلعراض عن لعلم والحكمة كـقوله تعالى{وال تقتلوا النفس}‪.‬‬
‫[الرد على ذلك‪:‬أن التأويل الصحيح هو أال تقتلوا أوالدكم خوفًا من الفقر فإن الرزق بيد هللا تعالى يرزق األبناء كما يرزق‬
‫اآلباء]‪.‬‬

‫‪-6‬تأويل لفظ الطير بالدعاة‪ ،‬كـقوله تعالى {فتأكل الطير من رأسه} ‪ ،‬والتأويل الباطني‪:‬إن الميت الذي يلقى على وجه‬
‫األرض أو يُصلب مثله مثل الداعي الذي يرفع فرق الدعاة وهو دون النقيب‪ ،‬ألن هذا إنما صار على وجه األرض ولم‬
‫ّ‬
‫الجن واإلنس‬ ‫صره ُّن إليك}‪{ ،‬و ُحشر لسليمانَ ُجنوده من‬
‫يغب فيها‪ ،‬واآليات في ذلك كثيرة{قال ف ُخذ أربعة من الطير فَ ُ‬
‫والطير}‪.‬‬
‫[الرد على ذلك‪:‬أن الطير هي الطيور التي تطير في السماء ال عالقة لها بالدعاة كما يقولون]‪.‬‬

‫الطالبه‪/‬مريم محمد بدر‬ ‫‪14‬‬


‫"االسرائيليات والتفاسير الدخيلة التي ذُكرت في بعض اآليات والقصص في القرآن والرد عليها"‬

‫‪)1‬قصة الغرانيق‪:‬‬
‫ما ذُكر في سبب نزول قوله تعالى{وما أرسلنا من قبلك من رسول وال نب ّ‬
‫ي إال إذا تمنّى ألقى الشيطا ُن في أمنيّته فينسخ هللا‬
‫ما يُلقي الشيطان ثم يُحكم هللا آياته وهللا عليم حكيم}‪ :‬أن النبي صلى هللا عليه وسلم قرأ سورة النجم وهو يصلي‪،‬‬
‫فلما بلغ{أفرأيتم الالتَ والعُزى‪-‬ومناة الثالثةَ األخرى}ألقى الشيطان على لسانه(تلك الغرانيق العلى‪ ،‬وإن شفاعتهن لتُرتجى)‪،‬‬
‫فقال المشركون‪:‬ما ذكر آلهتنا بخير قبل اليوم‪ ،‬فسجدوا فسجد‪.‬‬

‫‪-‬الرد عل ذلك‪:‬إن تلك القصة تعارض العقل والنقل‪:‬‬


‫‪-1‬من النقل ‪:‬فقد أفادت القصة تسليط الشيطان على النبي صلى هللا عليه وسلم بالزيادة في القرآن ماليس منه‪ ،‬وهو مخالف‬
‫لقوله تعالى{إن عبادي ليس لكَ عليهم سلطان}و{إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون}‪.‬‬
‫يتسور عليه‬
‫ّ‬ ‫‪-2‬من العقل‪:‬عصمته صلى هللا عليه وسلم من تمنّيه أن ينزل عليه مثل هذا من مدح آلهة العرب أو أن‬
‫الشيطان ويجعل في القرآن ماليس منه – إن هللا تعالى قد ذ ّم هذه األصنام في هذه السورة وجعلها أسماء ال ُمسمى لها‬
‫وأنكرها على عابديها – قال تعالى{وما ينطق عن الهوى} فكون الشيطان أخبر بهذا القول فاهلل أمر به – اختالف األقوال‬
‫في تلك القصة يدل على اختالف الرأي – إن القرآن الكريم ُمعجز‪،‬ولفظ الغرانيق لفظ ركيك ال يتناسب مع إعجاز القرآن‪.‬‬

‫‪-‬المعنى الصحيح‪ :‬في تفسير تلك اآلية وجهان‪:‬‬


‫األول‪:‬التمني بمعى القرءة‪ ،‬واإللقاء بمعنى إلقاء األباطيل والشُبه‪ ،‬ونسبة اإللقاء إلى الشيطان ألنه مثير الشبهات بوساوسه‪،‬‬
‫ويكون المعنى‪:‬وما أرسلنا من قبلك من رسول وال نبي إال إذا حدّث قومه عن ربه أو تال وحيًا أنزل هللا فيه هداية لهم‪ :‬قام‬
‫يتقولون عليه ما لم يقله‪ ،‬وال يزال األنبياء يجادلونهم في الحق حتى ينتصر فيسنخ هللا ما يُلقي الشيطان‬
‫في وجه مشاغبون ّ‬
‫من شُبه ويثبت الحق‪.‬‬

‫الثاني‪ :‬أن التمني المراد به‪:‬حصول األمر المرغوب فيه‪ ،‬واألمنية هنا تعني‪ :‬أن هللا ما أرسل من رسول إال وغاية أمنيته أن‬
‫يؤمن قومه‪ ،‬ويكون المعنى‪:‬وما أرسلنا من رسول وال نبي إال إذا تمنى هذه األمنية فيُلقي الشيطان أمامه العثرات ووسوس‬
‫في صدور الناس حتى ال يؤمنوا به‪ ،‬لكن سُرعان ما يمحق هللا ما ألقاه الشيطان من الشبهات وتكون كلمة هللا هي العُليا‪.‬‬

‫‪)2‬االسرائليات في قصة التابوت في سورة البقرة‪:‬‬


‫‪-‬اآلية‪{:‬وقال لَهم نبيّهم إن آية ُملكه أن يأت َيكم التابوتُ فيه سكينة من ربّكم وبقية مما ترك آ ُل موسى وآ ُل هارون تحمله‬
‫المالئكة إن في ذلك آلية لكم إن كنتم مؤمنين}‪.‬‬
‫(نبيهم)‪:‬قال البعض أن النبي هو موسى عليه السالم‪ ،‬لكن الصحيح أن النبي المذكور هنا هو شمويل وأن طالوت لم يكن‬
‫من سبط الملك والنبوة‪ ،‬فبيّن لهم نبيّهم أن هللا اصطفى طالوت وأعطاه بسطة في العلم والجسم‪ ،‬ثم بيّن لهم استحقاق طالوت‬
‫للملك هو رجوع التابوت إليهم‪.‬‬
‫(التابوت )‪:‬ذكر أنه كان من خشب الشمشات وأنه ثالثة أذرع في ذراعين‪ ،‬وأنه كان عند آدم ثم توراث أوالده إلى أن وصل‬
‫إلى موسى فكانيضع فيه التوراه‪ ،‬ثم تدواله أنبياء بني إسرائيل إلى وقت شمويل وكان عندهم حتى عصوه فغلبهم عليه‬
‫العمالقة(والصحيح أنه ال يجب البحث في هيئته ألن القرآن لم يُبين ذلك)‪.‬‬
‫هر أيقنوا بالنصر‪ ،‬أوهي قسط من‬‫هر ميّتة إذا صرخت في التابوت بصراخ ّ‬ ‫(سكينة)‪:‬روي أنها ريح أو حيوان أو كرأس ّ‬
‫ذهب تُغسل به قلوب األنبياء(والتفسير الصحيح‪:‬أنها الطمأنينة بدليل قوله تعالى{ثم أنزل هللا سكينته}أي طمأنينته)‪.‬‬

‫الطالبه‪/‬مريم محمد بدر‬


‫‪15‬‬
‫(تحمله المالئكة)‪:‬إن التابوت مع المالئكة في السماء فلما أصبح طالوت مل ًكا حملته المالئكة‪ ،‬وقيل إن التابوت كان في‬
‫فأقروا بملكه‪،‬‬
‫التيح خلفه موسى عند يوشع بن نون فبقي هناك حتى حملته المالئكة ووضعته في دار طالوت ّ‬
‫تبرز هناك أصيب بالناصور أو الباصور‪ ،‬فقالت امرأة من سبايا بني‬ ‫وقيل أنهم جعلوه في مؤخرات قوم لهم‪ ،‬فكان كلما ّ‬
‫إسرائيل‪:‬ال تزالون ترون ما تكرهون ما دام هذا التباوت فيكم فأخروه عنكم‪ ،‬فأتوا بعجلة عليها التابوت وعلقوها على‬
‫ثورين ووكل هللا لهما أربعة من المالئكة‪,‬‬
‫[والرواية األقرب إلى الصحة ‪:‬ما روي أن المالئكة جاءت تحمل التابوت بين السماء واألرض حتى وضعته بين يدي‬
‫طالوت والناس ينظرون]‪.‬‬
‫(إن في ذلك آلية لكم إن كنتم مؤمنين)‪ :‬إن في ذلك لعبرة وعالمة على صدق طالوت بأنه ملك‪.‬‬
‫‪-‬المعنى الصحيح لآلية كلها ‪:‬إن عالمة ملكه أن يأتيكم التابوت الذي فيه التوراة فيه طمأنينة من ربكم وتثبيت قلوب‬
‫المخلصين وفيه بقية مما ترك آل موسى وآل هارون مثل العص ا وفتات األلواح تحمله المالئكة‪ ،‬إن في ذلك ألعظم برهان‬
‫لكم على اختبار طالوت مل ًكا إن كنتم مصدقين باهلل ورسله‪.‬‬

‫‪)3‬االسرائيليات في قصة هاروت وماروت‪:‬‬


‫ّ‬
‫تعالى{‪..‬ولكن الشياطين كفروا يُعلمون الناس السحر وما أنزل على ال َملكين ببابِل‬ ‫ذُكرت تلك القصة في سورة البقرة‪ ،‬قال‬
‫هاروت وماروت وما يُعلمان من أحد حتى يقوال إنما نحن فتنة فال تكفر‪.}..‬‬
‫‪-‬قيل إن هاروات وماروت من البشر أو أنهما ملكان وقعا في معصية هللا فمسخهما هللا تعالى‪.‬‬
‫الرد على هذا‪ :‬أن من قال ذلك فقد دخل في أمور غيبية ال يعلمها إال هللا تعالى‪ ،‬وال نقول إال قال العلماء‪:‬أنهما من المالئكة‬
‫وليسا من البشر‪ ،‬وأنهما ُمرسالن من عند هللا تعلي ًما للناس شيئًا يقيهم من الشر ليسا ألنهما معاقبان على ذنب‪،‬‬
‫ويؤخذ من اآلية أن تعليم الشيطان للسحر يكون على وجه اإلضالل والتدليس وترويجه إلى من برأه هللا منه وههو‬
‫سليمان‪ ،‬وتعليم الملكين امتحانًا مع نصحهما لئال يكون لهم حجة‪ ،‬وإن كل ما عدا ظاهر القرآن في حال هذين الملكين فهو‬
‫من اإلسرائيليات يردها ما ثبت من عصمة المالئكة على وجه العموم‪.‬‬

‫‪)4‬االسرائيليات في آية{ولقَد َهمت ب ِه و َهم بها} في سورة يوسف‪:‬‬


‫فقد قيل أن يوسف عليه السالم شريك لـ زليخا في تلك المعصية‪ ،‬والدليل هوتلك اآلية‪ ،‬حيث ه ّم بها ليقع في الفاحشة‪،‬‬
‫والرد على ذلك‪:‬الدليل العقلي‪:‬أن اله ّم هو حديث المرء نفسه‪ ،‬أما ه ّم يوسف بها وه ّمها به فإن أهل العلم قالوا‪:‬أن ه ّمها كان‬
‫صرة وه ّم يوسف‬ ‫معصية‪ ،‬أما يوسف عليه السالم فه ّم بها لوال أن رأى برهان ربّه‪ ،‬فلقد ه ّمت زليخا بالمعصية وكانت ُم ّ‬
‫ولم يُواقع ما ه ّم به‪ ،‬فبين اله ّمين فرق‪،‬‬
‫و في هذه اآلية تقديم وتأخير حيث يقول أبو حاتم(كنت أقرأ غريب القرآن على أبي عبيدة‪ ،‬فلما أتيت على قوله{ولقد ه ّمت‬
‫به وه ّم بها} قال أبو عبيدة‪:‬هذا على التقديم والتأخير‪ ،‬كأنه قال‪ :‬ولقد ه ّمت به ولوال أن رأى برهان ربه له ّم بها)‪ ،‬وأيضًا‬
‫لو كان يوسف فعل تلك المعصية لما شهد الشاهد من أهلها ولما اعترفت زليخا بنفها بأنه هي التي روادته عن نفسه‪.‬‬
‫والدليل النقلي‪:‬أن النبي صلى هللا عليه وسلم سُئل عن أي الناس أكرم فقال‪":‬فأكرم الناس يوسف نبي هللا ابن نبي هللا ابن‬
‫نبي هللا ابن خليل هللا"‪ ،‬وهذا كفيل لتبرئته مما قيل عنه‪.‬‬

‫الطالبه‪/‬مريم محمد بدر‬ ‫‪16‬‬


‫‪)5‬االسرائيليات في قصة سيدنا داوود عليه السالم في سورة ص‪:‬‬
‫اآليات‪:‬من {اصبر على ما يقولون واذكر عبدنا داوود ذا األي ِد إنه ّأواب} إلى {يا داوود إنا جعلنا خليفة في األرض فاحكم‬
‫بين الناس بالحق وال تتبع الهوى فيُضلّك عن سبيل هللا إن الذين يضلّون عن سبيل هللا لهم عذاب شدي ٌد بما نسُوا يوم‬
‫الحساب}‪.‬‬
‫قيل‪ :‬أن داوود عليه السالم لما بلغه حسن (امرأة أوريا) تمنى أن يتزوجها‪ ،‬فجعل أوريا يذهب للجهاد وتع ّمد وضع أوريا‬
‫في مقدمة الجيش ليُقتل ويتزوج امرأته‪ ،‬فبينما كان في المحراب دخل عليه ملكان أرسلهما هللا تعالى‪ ،‬فخاف فقاال‪ :‬ال تخف‬
‫خصمان بعضنا على بعض فاحكم بيننا بالحق‪ ،‬إن أخي قهرني وأخذ نعجتي ليكمل نعاجه إلى المائة‪ ،‬فقال داوود‪:‬إنا ال‬
‫ندعك وذاك‪ ،‬فإن لم ترد عليه ماله ضربنا منك هذا وذاك وأشار إلى أنفه وجبهته‪،‬‬
‫قال‪ :‬يا داوود أنت أحق أن يضرب منك هذا وذاك حيث لك تسع وتسعون امرأة ولم يكن ألوريا غير امرأة احدة‪ ،‬فلم تزل‬
‫به حتى قُتل وتزوجت امرأته‪ ،‬فعرف داوود ما ابتلي به وما وقع فيه‪ّ ،‬‬
‫فخر ساجدًا أربعين يو ًما ال يرفع رأسه إال لحاجة‬
‫وأدام البكاء حتى غفر هللا له‪.‬‬

‫‪-‬الرد على تلك القصة باألدلة العقلية والنقلية‪:‬‬


‫األدلة النقلية‪ :‬تلك الرواية تعارض اآليات التي ذُكرت فيها صفات سيدنا داوود عليه السالم‪ ،‬منها قوله تعالى{ن َ‬
‫ِعم العب ُد إنّه‬
‫ي رضي هللا عنه(من حدّث عن داوود على الوجه‬ ‫لزلفى و ُحسن مئاب} – نُسبت رواية إلى عل ّ‬ ‫{وإن له عندنا ُ‬
‫ّ‬ ‫ّأواب} –‬
‫طره اإلخباريين جلدته ‪ 160‬جلدة)‪.‬‬ ‫الذي س ّ‬

‫طرها لبالغ في تنزيه نفسه‪ ،‬فكيف ينسبها إلى داوود عليه السالم وقد‬‫األدلة العقلية‪)1 :‬إن هذه القصة لو نُسبت إلى من س ّ‬
‫عصم هللا أنبياءه من الفتن‪.‬‬
‫‪ )2‬إن مرجع الرواية التي قال بها بنو إسرائيل إلى أمرين[قتل إنسان مسلم(أوريا)‪ ،‬فهل يجوز ذلك للنبي‪ ،‬ورسولنا صلى‬
‫يس من رحمة هللا" – الطمع في‬ ‫سعى في دم مسلم ولو بشطر كلمة جاء يوم القيامة مكتوبًا عليه ٌ‬‫هللا عليه وسلم يقول"من َ‬
‫زوجته وهو أ‘ظم من سابقه كما انهيتعارض مع قوله صلى هللا عليه وسلم"المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده"]‪.‬‬

‫‪ )3‬إن الصفات التي ذكرها هللا تعالى لداوود عليه السالم قبل بدء القصة تتعارض مع ما اختلقوه من روايات‪:‬‬
‫[اصبر على ما يقولون ]‪:‬أمر هللا تعالى النبي محمد صلى هللا عليه وسلم بالصبر مثل داوود‪ ،‬وال يأمر هللا تعالى نبيه بشئ‬
‫من ذلك إال عن شخص يأمن أن يُقتدى به‪ ،‬فكيف هلل تعالى أن يأمر نبيه صلى هللا عليه وسلم باالقتداء بإنسان سعى في‬
‫إراقة دم مسلم كما ورد في القصة؟ّ!‪.‬‬
‫وعلو مكانته عند هللا تعالى‪.‬‬
‫ّ‬ ‫[واذكر عبدنا]‪:‬العبودية‪ ،‬وصف هللا تعالى داوود عليه السالم بالعبودية رف ًعا لمنزلته‬
‫[ذا األي ِد]‪:‬ذا القوة والشدة‪ ،‬والقوة المقصودة هنا‪ :‬هي القوة الدينية‪ ،‬فكيف لشخص َملَك قوة دينية أال يملك نفسه عن قتل‬
‫مسلم ُمسالم ورغبته في زوجه؟!‪.‬‬
‫[إنه أواب]‪ :‬رجّاع‪ ،‬كثير الرجوع إلى هللا تعالى‪ ،‬فكيف لشخص مثل هاذا أن يحب القتل؟!‪.‬‬
‫[إنا سخرنا الجبال معه يُسبحن بالعشي واإلشراق]‪:‬فهل يُعقل أن يُسخر هللاُ الجبا َل ألحد من أنبياءه ثم يقتل مسلم ُمسالم؟!‪.‬‬
‫[والطير محشورة ك ٌّل له أواب]‪:‬تشعر الطيور معه باألمن‪ ،‬فال يُعقل أن تأمن الطير إلنسان يحب القتل‪.‬‬
‫[وآتيناه الحكمة]‪:‬النبوة‪ ،‬فال يُعقل أن يأتي هللا النبوة ألحدهم ثم يقتل الناس‪.‬‬
‫[وفصل الخطاب]‪ :‬كالمه يفصل الحق عن الباطل‪.‬‬

‫‪-‬والصفات التي ذكرها هللا تعالى بعد القصة تُعارض ما قيل في شأن داود عليه السالم‪:‬‬
‫[وإنه عندنا لزُ لفى وحسن مئاب]‪:‬أي في منزلة مقربة من هللا تعالى‪.‬‬
‫[إنا جعلنا خليفة في األرض ]‪:‬جعله خليفة في األرض يتعارض معكونه قتل أوريا ليتزوج زوجته‪،‬‬
‫وهناك قاعدة في أصول الفقه تقول‪":‬ذكر الحكم بعد الوصف يدل على كون ذلك الحكم ُمعلال بذلك الوصف"‪ ،‬فعلّة جعله‬
‫خليفة في األرض كونه موصوف عند هللا تعالى بالقربى وحسن المنزلة‪.‬‬
‫‪17‬‬
‫ما هي أقسام اإلسرائيليات؟‬
‫‪)1‬إسرائيليات موافقة لكتاب والسنة‪( :‬مأخوذ بها)مثل صفات النبي صلى هللا عليه وسلم في التوراة‪ ،‬فقد ذكرت مثل تلك‬
‫رزا لألميّي‪ ،‬أنت عبدي ورسولي س ّميتكَ‬ ‫ونذيرا وحِ ً‬
‫ً‬ ‫ومبشرا‬
‫ً‬ ‫الصفات في القرآن‪ ،‬مثل(يا أيها النبي إنا أرسلنالك شاهدًا‬
‫ظ وال غليظ وال ص ّخاب باألسواق‪ ،‬وال يدفع السيئة بالسيئة ولكن يعفو ويصفح ولن يقبضه هللا حتى يقيم به‬ ‫ال ُمتوكل ليس بف ّ‬
‫الملّة العوجاء بأن يقولوا‪ :‬ال إال إال هللا فيفتح بها أعينًا عُميًا وآذانًا ُ‬
‫ص ًما وقلوبًا غُلفًا)‪.‬‬

‫‪)2‬إسرائيليات مخالفة لما جاء الشرع به‪( :‬مرفوضة ال يجوز تصديقها) وذلك كـوصف هللا تعالى بما ال يليق‪ ،‬كوصفه‬
‫بأنه تعب من خلق السموات واألرض‪ ،‬نقول سبحانه وتعالى ع ّما يصفون‪.‬‬

‫‪)3‬االسرائليات التي ال نعرف لها موافقة وال مخالفة‪( :‬مسكوت عنها)‪ ،‬لكن بعض الناس قد منعته ألنه من باب علم ال‬
‫صنعت منه سفينة نوح وصفة المائدة التي طلبها الحواريين‬‫يضر مثل‪:‬لون كلب أهل الكهف والخشب الذي ُ‬‫ّ‬ ‫ينفع وجهل ال‬
‫من عيسى عليه السالم – وبعض الناس قد أجازته ألنه من باب تشويق النفس لمعرفته‪ ،‬لكن هذا ال فائدة من معرفته‪.‬‬

‫ال تنسوني من دعواتكم"مريم محمد بدر"‬ ‫الحمد هلل الذي بنعمت ِه تتم الصالحات‬

‫‪18‬‬

You might also like