Professional Documents
Culture Documents
آعتاد المسلمون منذ قرون عديدة على الفكرة القائلة ان القرآن بقي محفوظا في
نصه االصلي منذ زمن الرسول محمد إلى يومنا هذا بدون أن َيمًّس ه أي تغيير أو
نقصان أو إضافة من أي نوع كانت و بدون أي تغيير في طريقة قراءته .في
الوقت ذاته يعتقد المسلمون أن هذا الكمال المزعوم للنص القرآني هو دليل على
أصله اإللهي بدليل أن هللا وحده استطاع الحفاظ على هذا النص .لقد أصبح هذا
الشعور جد قويا عندهم لدرجة أنه نادرا ما نجد باحثا إسالميا يقوم بتحليل نقدي
لموضوع جمع القرآن حيث أنه كلما ظهرت بوادر محاولة مثل هذه فهي ُتقَم ُع
في حينها.
لكن ما الذي سَنْسَتْنِتُجه إن نحن استعرضنا الوقائع و المعطيات المتوفرة لدينا
حول جمع القرآن في بداية العهد االسالمي؟
حين نضع االنفعاالت العاطفية جانبا و نقوم بتقييم موضوعي للمعطيات
التاريخية المتوفرة لدينا فإننا نصل إلى استنتاج مناقض تماما لما يزعمون.
سيظهر لنا من خالل هذا الكتاب أن ما ُد ِّو ن في إطار اإلرث اإلسالمي كاف
للبرهنة على أن القرآن كان في وقت من األوقات يحتوي على عدد مختلف من
اآليات بل أحياًنا على مقاطع كاملة ال توجد في اَّلنص القرآني الحالي .زيادة على
هذا فقد كان هناك عدد ُّج د مهم من القراءات المختلفة قبل أن ُيَقِّر ر الخليفة عثمان
بن عفان آستأصالها جميًعا و االحتفاظ بالمصحف الذي وصلنا.
في سنة 1981نشرت كتيبا عنوانه "The Textual History of the
"Quranكرد على منشور ٍاسالمي حاول الطعن في موثوقية اإلنجيل .فبالرغم
من أن هذا البحث اتجه أساسا نحو تكذيب ما قيل في موضوع اإلنجيل إال أنه ال
يخلو من أدلة تثبت أن نقل القرآن لم يكن أبدا أوثق من نقل اإلنجيل.
في سنة ُ 1986نشر مقاالن في مجلة "البالغ" حاول صاحباهما الرد على كتيبي
السالف الذكر .أحد هذين المقالين كتبه الدكتور كوكب الصديق الباحث اإلسالمي
المتمركز في أمريكا و اآلخر كتبه الباحث الجنوب إفريقي عبد الصمد عبد
القادر .يكفي هنا أن نشير إلى أننا سنعود لهذين المقالين بالتفصيل الحقا.
بعد أبحاث دقيقة في الموضوع أصدرت كتيبا أخر في سنة 1984عنونته "
."Evidences for the Collection of the Quranهذا المَؤ َّلف أثار بدوره
رد فعل بعض العلماء المسلمين ُتِّو ج بنشر كتيب سنة 1987من طرف "مجلس
العلماء" لجنوب إفريقيا لكن مع األسف لم يذكر المؤلف إسمه إال أنني علمت أن
األمر يتعلق بالمدعو "موالنا ديزاي" ()Maulana Desaiالقاطن بمدينة بورت
إليزابث و سأشير ٍاليه على هذا األساس.
هذا الكتاب ألف أساسا ليكون تأكيدا للحجج التي قدمت في منشوراتي السابقة و
كذلك االستنتاجات المستخلصة منها و ليكون في نفس الوقت تقييما لألجوبة
الثالث الصادرة عن العلماء المسلمين السالفي الذكر و تفنيدا لمقوالتهم.
إحدى المصاعب التي يواجهها كاتب في مثل هذه الحالة تتجلى في الحساسية
المحيطة بهذا الموضوع في األوساط االسالمية .إن الشعور السائد عند جل
المسلمين ُيعتقد على أساسه أن األصل االلهي للقرآن برهانه يكمن في الطريقة
المثالية التي تم بها إيصاله إلينا عبر العصور .هذا الشعور يؤدي إلى اإلحساس
بالخوف من كون أي دليل على عكس ذلك قد يكون برهانا على عدم ألوهيته.
هذا ما يمنع العلماء المسلمين من التطرق لهذه المسألة بروح موضوعية و من
خالل البحث في المعطيات الخالصة بل نالحظ أن هناك رغبة مسبقة في البرهنة
بأي وسيلة كانت على الشعور السائد الذي يتمثل في الفرضية القائلة إن نص
القرآن بقي محفوظا بطريقة مثالية .لذلك فإن العاطفة تلعب الدور األهم كلما
تعلق األمر بموضوع القرآن و ليس من المستغرب أن نجد العلماء المسلمين
الثالثة المذكورين سالفا ال يستطيعون التعامل معي و مع كتاباتي على مستوى
البحث العلمي المحض و ال على مستوى الوقائع .لهذا نجد الدكتور كوكب
الصديق في مقدمة مقاله المعنون "يقول داعية الكذب المسيحي إن القرآن ليس
قول هللا" (مجلة البالغ ‚ مجلد 11عدد 1فبراير/مارس )1986يحاول
مهاجمتي بكل ما أوتي من حسن اللسان حيث يقول "السيد جلكرايست يحاول
تحطيم البنيان القوي للقرآن من خالل جدال حقير ال يليق بالمسألة .الطريقة التي
يستعملها توضح لنا هزالة الوسائل التي بحوزته و الوقاحة التي تميز تهجمه
تظهر لنا أنه يستند الى استغالل فرصة عدم وجود أية دراية بالموضوع لدى
المسلمين" في حين يصفني ناشر المجلة بأنني "عدو صريح لإلسالم يهذف إلى
تحطيم بنيانه".
مقال السيد عبد القادر عبد الصمد نشر تحديدا في العدد الموالي لنفس المجلة
تحت عنوان "كيف تم جمع القرآن؟" (مجلة البالغ ‚ مجلد 11عدد 2ماي/يونيه
.)1986في نهاية هذا المقال يصف الكاتب الباحثين من أمثالي بأنهم "أعداء
القرآن المجنونون" تحركهم "الغيرة و البغض و العداء و النوايا الَّسامة" ال غير.
أما موالنا ديزاي فقد اعتبر هو كذلك في منشور له تحت عنوان "القرآن فوق كل
اتهام" أنه من الضروري فضح محاولتي و استغنى عن تقديم الدالئل على
مزاعمه و اكتفى بالشتم .يزعم هذا الكاتب أنني "قررت نفي أصالة القرآن
المجيد" عوض أن يتخد منهجا أكثر توازنا قد يؤدي به ال محالة الى اعتبار أنني
حاولت فقط أن أركز على المعطيات المتعلقة بموضوع جمع القرآن بدون أية
فكرة مسبقة .فقد ذهب الى حد القول إن "مزاعمه ال أساس لها" و في مكان ما
يقول "إن جلكرايست سيلعن نفسه" و في مكان آخر يتهمني بأني أعاني من
"جهل كبير" وبأنني "ذو عقلية ال تقبل النقاش".
ردود فعل انفعالية مثل هذه تكشف عن خوف العلماء المسلمين من أية دراسة
تاريخية محضة لموضوع جمع القرآن نظرا ألنها قد تؤدي إلى نفي ما يزعم من
أن القرآن ُجمع و احُتفظ به في ظروف مثالية.
في هذا الكتاب سأبدل كل جهدي لمعرفة الى أي حد تم نقل و توصيل النص
القرآني بطريقة كاملة و دقيقة .هذه الدراسة لن تكون إال إبرازا للمعطيات
المدَّو نة .إن مسألة األصل اإللهي للقرآن ال يمكن حلها باعتبار طريقة نقله و
توصيله و إنما تكون بدراسة مضمونه و تعاليمه .ما يهمنا هنا هو فقط
استخالص الدقة التي تم بها تأليفه و جمعه .أما إذا كان هناك علماء مسلمون
كالذين تم ذكرهم سالفا يشعرون أن دراسة مثل هذه تحطم اقتناعاتهم بأن القرآن
من عند هللا (ديزاي يتهمني مرارا بأنني أهدف الى "نفي سالمة القرآن الشريف
من التحريف") فهذه مشكلتهم ألنهم ينطلقون من الفرضية القائلة بأن جمعا و نقال
مثاليين يضمنان األصل االلهي لكتاب ما.
ال أجد مبررا للرد على هؤالء العلماء المسلمين بعبارات شاتمة كالتي استعملوها
ضدي ألنني أمتلك الحرية الكاملة للخوض في هذا الموضوع بدون أية عراقيل
نفسية و بدون أية فرضية أو فكرة مسبقة .زيادة على هذا فأنا أعتقد أنه إذا لم يكن
كتاب ما من عند هللا فال يمكن ألي دليل كيفما كان نوعه أن يغير هذا االمر .إن
هؤالء العلماء يحاولون البرهنة على فرضية محضة و هذا ما يتضح من خالل
طريقة تعاملهم مع الموضوع .كل واحد منهم حاول التطرق للمسألة بشكل جد
مختلف عن اآلخرين .الصديق و ديزاي يتناقضان بشكل مكشوف في نقاط عديدة
بالرغم من أن كالهما يحاول التوصل لنفس النتيجة أال و هي كمال النص
القرآني و خلوه من النقصان .هذه المعضلة ال يمكن تفسيرها إال بشيء واحد و
هو أنهما يبذالن جهذهما لالنتهاء إلى حيث بدءا أو بعبارة أخرى للرجوع في
النهاية إلى ما افترضاه في البداية و هو ما ذكر سالفا.
من المفيد أن نقوم بجرد سريع لمواقف هؤالء العلماء كل واحد على حدة :
-1الدكتور كوكب الصديق
الصديق يتخد الموقف االسالمي الرسمي .العبارة "نص واحد ال اختالف فيه"
هي ما َع ْنَو َن به جزأ من مقاله و هو ما يلخص مراده بوضوح .الفرضية تتجلى
في القول بوجود نص قرآني واحد لم يضف إليه شيء و لم يقتطع منه شيء و لم
يكن أبدا أي اختالف في طريقة قرآءته .لقد كان على هذا الكاتب أن يقدم بعض
االستفسارات حول ما جاء في الحديث النبوي ( وهو من أقدم ما ُد ِّو ن في
موضوع جمع القرآن) بخصوص حرق الخليفة عثمان لجميع المصاحف القرآنية
باستثناء مصحف حفصة ( )1بسبب وجود اختالفات عديدة في كيفية قرآءة القرآن
في المناطق المختلفة التي كانت تحت النفوذ االسالمي .الصديق يزعم أن
االختالفات همت فقط طريقة تالوة النص و هذا برهان َيْسَتِد ل به زمرة من
العلماء المسلمون .سنرى فيما بعد أن هذا التدليل غير مقنع بل ال أساس له من
الصحة .الصديق يفضل السكوت عن األحاديث النبوية التي تظهر بوضوح أن
القرآن الذي هو اليوم بين أيدينا هو بشكل أو بآخر غير مكتمل.
-2عبد الصمد عبد القادر
يفضل هذا الباحث المرور َم َّر الكرام على األدلة الثاقبة التي يمكن استخالصها
من الحديث النبوي كما لو كانت غير موجودة بتاتًا و لهذا فإننا ال نجد أي ذكر لها
في مقاله .بالمقابل نجده يحاول البرهنة على أن القرآن يحتوي على شهادة كافية
بخصوص طريقة جمعه .سأتطرق إلى هذه المسألة في نهاية الجزء الرئيسي من
هذا الكتاب مع العلم أنه عموما ال يؤثر على الموضوع الذي نحن بصدد دراسته.
-3موالنا ديزاي
بالرغم من الشتائم التي وجهها إلي فهو يعترف بموثوقية و صحة أغلب الحقائق
التي قدمتها و يعترف بأنه كانت هناك بالفعل اختالفات نصية في المصاحف
االولى و بأن عددا من المقاطع التي كانت ضمن القرآن فقدت منه الحقا.
بخصوص االختالفات في القراءة يعتمد ديزاي على حديث نبوي واحد يروي أن
محمدا قال إن القرآن نزل من عند هللا على سبعة أشكال لغوية و لهذا فهو يزعم
أن كل هذه القراءات قد شرعها هللا و هي التي تشكل ما يعرف ب"األحرف
السبع" و يتقبل ببالغ السهولة فكرة أن عثمان قام بالفعل بتنحية مصاحف موثوقة
و نجده يبرر هذا اإلجراء بكونه هدف إلى ضمان اتساق في القراءة .سنرى فيما
بعد أن تفكيرا كهذا يعرض صاحبه إلى تناقضات خطيرة .بخصوص المقاطع
المفقودة من القرآن يعترف ديزاي بوجودها كما ذكرنا سالفا لكن يزعم أن هللا
نسخها ولذلك فهي ال توجد ضمن النص القرآني الحالي .لي اليقين أن هذه
المزاعم لن يستسغيها ال كوكب الصديق و ال عبد الصمد عبد القادر و نفس
الشيء بالنسبة لما تعلق بالقراءات المختلفة .و مع هذا أجد نفسي مضطرا للقول
بأن الموالنا هو الوحيد من بين الثالثة الذي استطاع اإلعتراف بإخالص
بموثوقية األحاديث التي تحكي عن كيفية جمع القرآن .بالرغم من أنني أعتبرأن
حججه غير مقنعة كما سنرى الحقا إال أنني أجد أن تقبله للحقائق التاريخية أمرا
مسعدا.
في نهاية هذا الكتاب سأقدم عرضا موجزا عن المصاحف القرآنية االولى التي
استطاعت أن تصلنا .هذفي من هذا هو تحديد إمكانية وجود أحد المصاحف
العثمانية التي تنوقلت بعد تنحية المصاحف األخرى .يتضمن هذا الكتاب صورا
ألقدم المصاحف التي وصلتنا وبالخصوص تلك التي بقيت من القرن الثاني
للهجرة قبل أن يشيع استعمال الخط الكوفي في شكله المتطور في أوساط
الخطاطين و يصبح معيارا إلى أن عوض بالخط النسخي.
لي الثقة بأن هذا الكتاب سيكون بمثابة إسهام في التقييم الحقيقي لمسألة جمع
القرآن في بداية التاريخ اإلسالمي من خالل دراسة موضوعية للمعطيات
المتوفرة لدينا .لن أعتدر عن كون دراستي هذه ال تأخذ بعين اإلعتبار الشعور
السائد في األوساط اإلسالمية كما ذكر سابقا و أتمنى أن ال تؤدي إلى ردود فعل
انفعالية كتلك التي صدرت كجواب على منشوراتي السابقة .أؤكد مرة أخرى أن
هذفي هو الوصول إلى خالصة مضبوطة و مبنية على الحقائق بخصوص
موضوع جمع القرآن ال غير .أنا لست "عدوا صريحا لإلسالم" تسيطر عليه
رغبة جنونية لإلستهزاء بالقرآن أو نفي سالمته من التحريف بأي وسيلة كما
يفترض بعض الكتاب اإلسالميين.
جون جلكرايست
29يناير 1989
جمع القرآن
جون جلكرايست
John Gilchrist
المحتويات
مقدمة
المصادر المستعملة
-1المرحلة األولى لجمع القرآن
* تطور القرآن في عهد محمد
* أول جمع للقرآن في عهد أبي بكر
* نظرة عامة حول جمع القرآن في المرحلة األولى
* اآليات المفقودة التي وجدت عند خزيمة األنصاري
-2جمع القرآن في عهد عثمان بن عفان
* هل كان لمصحف ابي بكر طابع رسمي؟
* إحراق عثمان للمصاحف األخرى
* مراجعة مصحف زيد بن ثابت
* مميزات المصحف العثماني
-3مصحفا عبد هللا بن مسعود و أبي بن كعب
* عبد هللا بن مسعود كبير علماء القرآن
* رد فعل بن مسعود على قرار عثمان
* قراءة عبد هللا بن مسعود
* أبي بن كعب سيد قراء القرآن
-4الفقرات التي فقدت من القرآن
* التدوين الغير الكامل للمصحف
* الناسخ و المنسوخ و مذهب النسخ
* اآلية المفقودة المتعلقة بطمع بني آدم
* أية الرجم حسب عمر بن الخطاب
-5السبعة أحرف
* السبعة أحرف حسب كتب الحديث
* فترة اإلختيار
* ابن مجاهد و تعريفه النهائي
* تأمالت حول توحيد نص القرآن
-6تأمالت حول جمع القرآن
* شهادة القرآن بخصوص جمعه
* هل هناك نسخة أصلية في مسجد النبي؟
* إعادة النظر في تاريخ النص القرآني
-7المصاحف القرآنية األكثر قدما التي وصلتنا
* تطور النص المكتوب في مرحلته األولى
* الخط الكوفي و المشق و الخطوط القرآنية األخرى
* دراسة مصحفي طبكبي و سمرقند
الفصل األول
المرحلة األولى لجمع القرآن
-1تطور القرآن في عهد محمد
أي بحث في موضوع جمع القرآن يجب أن يبدأ بالنظر في مميزات الكتاب نفسه
كما بَّلغه محمد إلى أصحابه .لم ُيَبَّلغ القرآن أو يوحى كما يعتقد المسلمون مرة
واحدة بل جاء على أجزاء خالل فترة من الزمن دامت 23سنة امتدت منذ بدأ
محمد يدعو لإلسالم في مكة سنة 610ميالدية إلى وفاته في المدينة المنورة سنة
632ميالدية .ففي القرآن نفسه نجد " :قال الذين كفروا لوال نزل عليه القرآن
جملة واحدة كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيال"(سورة الفرقان 25اآلية )32
زيادة على هذا لم تصلنا ال من محمد وال من أصحابه أية معلومات عن الترتيب
الزمني للفقرات حيث أنه حين ُبِد َء في جمعها على شكل سور لم يؤخد بعين
اإلعتبار ال الموضوع و ال التسلسل من حيث النزول .كل العلماء المسلمون
ُيِقُّر ون بأن جل السور و على الخصوص الطويلة منها هي خليط من المقاطع
التي ليست بالضرورة متصلة ببعضها البعض حسب التسلسل الزمني .مع مرور
الوقت أصبح محمد يقول لُكَّتابه " :ضعوا أية كذا في موضع كذا" (السيوطي‚
اإلتقان في علوم القرآن م 1ص )135و هكذا أصبحت تضاف إلى األجزاء
التي كانت مجموعة أنذاك مقاطع أخرى إلى أن تصبح سورة مكتملة .بعض هذه
السور كانت لها أسماء في عهد محمد كما يتبين لنا من خالل الحديثين النبويين
التاليين :
"من قرأ هاتين األيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه" (كتاب صالة
المسافرين‚ صحيح البخاري حديث رقم )1341
"من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف ُع ِص َم من الدجال" (نفس المرجع‚
حديث رقم )1342
في الوقت ذاته هناك دالئل على وجود ُس َو ٍر لم يعطها محمد أية أسماء .فسورة
اإلخالص (رقم )112على سبيل المثال لم ُيَس ِّم ها محمٌد على الرغم من أنه تكلم
عنها ُم َطَّو ال و ذكر أنها تساوي ثلث القرآن (الحديثين 1344و 1346من كتاب
صالة المسافرين‚ صحيح مسلم)
حين صارت اآليات القرآنية تتكاثر أصبح أصحاب محمد يكتبون بعضا منها و
يحفظون البعض اآلخر عن ظهر قلب .فمن الظاهر أن الحفظ كان يشكل الطريقة
الرئيسية للحفاظ على نص القرآن ألن كلمة "قرآن" تعني "القرآءة" و ألن أول
كلمة قال محمد أنها نزلت عليه حين حصلت له رؤيا جبريل في غار حراء كانت
هي كلمة "إقرأ" (سورة 96اآلية 1فكانت القراءة الشفهية ذات قيمة عالية و
كانت جد متداولة بين الناس .مع كل هذا ففي القرآن نفسه ما يدل على أنه ُم َدَّو ٌن
ِكتابيا كما تشهد اآلية التالية :
"في صحف مكرمة مرفوعة مطهرة بأيدي كرام بررة" (سورة عبس )16-13
هناك أيضا حجج على أن أجزاء من ما كان موجودا من القرآن في المرحلة
المكية كتب آنذاك .هناك رواية تحكي أن عمر بن الخطاب حين كان ال يزال
كافرا ضرب أخته في بيتها بمكة حين سمعها تقرأ بعض القرآن فلما رأى ما
أصابها من الدم قال لها " :اعطيني هذه الصحيفة التي سمعتكم تقرؤون آنفا أنظر
ما هذا الذي جاء به محمد" (سيرة بن هشام مجلد 2صفحة )( )190و حين قرأ
قسطا من سورة طه (السورة )20التي كانت أخته و زوجها يقرآنها قرر الدخول
في اإلسالم .مع هذا يتضح لنا أن الحفظ كان هو المنهج السائد إلى حين وفاة
محمد و كانت تعطى له أهمية أكبر .ففي الحديث النبوي ما يدل على أن جبريل
كان يحقق و يراجع القرآن مع محمد كل سنة خالل شهر رمضان و في السنة
األخيرة راجعه معه مرتين .عن فاطمة ابنة محمد :
"أسر النبي صلعم أن جبريل كان يعارضني بالقرآن كل سنة و أنه عارضني
العام مرتين و ال أراه إال حضر أجلي " (صحيح البخاري كتاب فضائل القرآن
)4612
لقد كان بعض الصحابة المقربون من محمد يكرسون كل جهدهم لتعلم القرآن
حفظا عن ظهر قلب .من بين هؤالء نجد من األنصار أبي بن كعب و معاذ بن
جبل و زيد بن ثابت و أبو زيد و أبو الدرداء (صحيح البخاري كتاب فضائل
القرآن )4620باإلضافة إلى مجمع بن جارية الذي قيل أنه لم يحفظ إال بضعة
سور في حين كان عبد هللا بن مسعود و هو من المهاجرين و من أوائل الصحابة
يحفظ أزيد من تسعين سورة من بين السور المائة و أربعة عشر التي يحتويها
()1
القرآن و تعلم البقية من مجمع (بن سعد كتاب الطبقات الكبير مجلد )2
ال تتوفر لدينا أية معلومات كافية عن مقدار ما تمت كتابته من نص القرآن في
عهد محمد .فبالتأكيد ليس هنالك أي دليل على أن مجموع القرآن كتب آنذاك في
مصحف واحد سواء تحت اإلشراف المباشر لمحمد أو غيره .من خالل
المعلومات التي نتوفر عليها حول جمع القرآن بعد وفاة محمد (سنستعرضها
قريبا) نستنتج أن القرآن لم يتم أبدا وضعه في مصحف واحد في عهد محمد.
توفي هذا األخير فجأة سنة 632ميالدية بعد مرض لم يدم طويال و بوفاته اكتمل
القرآن و انقضى نزوله و لم يعد من الممكن إضافة آيات أخرى إليه نظرا النتهاء
نبوة محمد .حين كان ال يزال على قيد الحياة كانت هناك دائما إمكانية نزول
أجزاء جديدة من القرآن و لهذا لم يكن من االئق جمع النص في كتاب واحد و هو
أيضا ما يفسر كون القرآن بقي مفرقا بين ما في ذاكرة بعض الناس و ما في
مختلف المواد التي كان مكتوبا عليها وقت وفاة محمد.
سنرى فيما بعد أنه بشهادة القرآن نفسه كان من الوارد نسخ بعض اآليات خالل
فترة النزول (باإلضافة إلى ما تم نسخه من قبل) و هذا ما يحول دون جمع النص
في كتاب واحد ما دامت إمكانية نسخه قائمة.
إضافة إلى كل هذا يظهر لنا أنه لم تكن هناك سوى نزاعات قليلة حول نص
القرآن فيما بين الصحابة حين كان محمد ال يزال على قيد الحياة خالفا لما سيقع
بعد موته .كل هذه العوامل تفسر غياب نص قرآني رسمي و موحد وقت وفاته.
إمكانية نسخ أجزاء من القرآن و احتمال نزول آيات جديدة -ال يوجد في القرآن
ما يدل على تمامه أو على آستحالة نزول آيات جديدة -حاال دون محاولة جمعه
خالفا لما قام به أصحاب محمد بعد موته .يتبين كذلك أن اآليات القرآنية صارت
تنزل على محمد بشكل مكثف قبيل وفاته و لذلك آستمنع جمعها.
"َح َّد َثَنا َع ْم ُرو ْبُن ُمَح َّمٍد َح َّد َثَنا َيْع ُقوُب ْبُن ِإْبَر اِهيَم َح َّد َثَنا َأِبي َع ْن َص اِلِح ْبِن َك ْيَس اَن
َع ِن اْبِن ِشَهاٍب َقاَل َأْخ َبَر ِني َأَنُس ْبُن َم اِلٍك َرِض ي الَّلهم َع ْنهم َأَّن َهَّللا َتَع اَلى َتاَبَع
َع َلى َر ُسوِلِه َص َّلى الَّلهم َع َلْيِه َو َس َّلَم اْلَو ْح َي َقْبَل َو َفاِتِه َح َّتى َتَو َّفاُه َأْك َثَر َم ا َك اَن
اْلَو ْح ُي ُثَّم ُتُو ِّفَي َر ُسوُل ِهَّللا َص َّلى الَّلهم َع َلْيِه َو َس َّلَم َبْعُد "(صحيح البخاري كتاب
فضائل القرآن )4599
عند نهاية المرحلة األولى التي مر منها القرآن نجد أن محتواه كان موزعا بشكل
واسع في ذاكرات الناس بينما كانت بعض أجزاءه مكتوبة على مختلف المواد
التي كانت تستعمل آنذاك في الكتابة لكن لم يكن هنالك أي نص موحد أمر به
لألمة اإلسالمية .لقد ذكر السيوطي أن القرآن قد كتب كله في عهد محمد و بقي
محتفظا عليه بعناية بالغة لكن لم يجمع في موضع واحد قبل موته (السيوطي
اإلتقان في علوم القرآن م 1ص )126و قيل أنه كان متوفرا بأكمله مبدئيا (في
ذاكرة الصحابة و أيضا على شكل مكتوب) .أما التسلسل النهائي للسور فقد قيل
أن محمد قد أمر به شخصيا.
( )1تكلم البخاري في صحيحه -كتاب فضائل القرآن -عن بضع و سبعين سورة
"حدثنا عمر بن حفص حدثنا أبي حدثنا األعمش حدثنا شقيق بن سلمة قال خطبنا
عبدهللا بن مسعود فقال وهللا لقد أخذت من في رسول هللا صلى اللهم عليه وسلم
بضعا وسبعين سورة وهللا لقد علم أصحاب النبي صلى اللهم عليه وسلم أني من
أعلمهم بكتاب هللا وما أنا بخيرهم قال شقيق فجلست في الحلق أسمع ما يقولون
فما سمعت رادا يقول غير ذلك"
-2أول جمع للقرآن في عهد أبي بكر
إذا كان محمد قد ترك بالفعل نصا كامال و مجموعا كما يزعم العلماء المسلمون
(عبد القادر عبد الصمد مثال‚ انظر الفصل )6فلماذا كانت هناك حاجة إلى
جمعه بعد وفاته؟ لقد كان فعال من المنطقي أن ال تبدأ عملية الجمع إال بعد أن
تنتهي الرسالة بموت الرسول .الرواية الشائعة حول جمع القرآن في أول األمر
تنسب هذا العمل إلى زيد بن ثابت الذي كان من بين الصحابة الذين كانت لهم
دراية عميقة بالقرآن.
سنرى فيما بعد أن هناك أدلة كثيرة على أن صحابة آخرون قاموا هم كذلك بجمع
القرآن في المصاحف بشكل مستقل عن زيد و ذلك بعد وفاة محمد بفترة وجيزة
لكن المشروع األكثر أهمية هو ذلك الذي قام به زيد ألنه تم بأمر رسمي من أبي
بكر أول خليفة في اإلسالم .كتب الحديث النبوي أعطت أهمية بالغة لهذا الجمع
الذي قام به زيد بن ثابت و النص الذي نتج عنه هو الذي أصبح ذا طابع رسمي
في خالفة عثمان.
بعد وفاة محمد مباشرة ارتدت بعض القبائل العربية عن اإلسالم بعدما كانت قد
اعتنقته منذ مدة قصيرة .على إثر هذا اضطر أبو بكر إلى إرسال جيش مكون
من أوائل المسلمين إلخضاعها .فقامت معركة اليمامة التي سقط فيها عدد من
صحابة محمد األقربون الذين أخذوا القرآن مباشرة من عنده .الحديث التالي
يصف لنا ما حدث ُبعيد هذه األحداث:
"حدثنا موسى بن إسماعيل عن إبراهيم بن سعد حدثنا ابن شهاب عن عبيد بن
السباق أن زيد بن ثابت رضي اللهم عنهم قال أرسل إلي أبو بكر مقتل أهل
اليمامة فإذا عمر بن الخطاب عنده قال أبو بكر رضي اللهم عنهم إن عمر أتاني
فقال إن القتل قد استحر يوم اليمامة بقراء القرآن وإني أخشى أن يستحر القتل
بالقراء بالمواطن فيذهب كثير من القرآن وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن قلت
لعمر كيف تفعل شيئا لم يفعله رسول هللا صلى اللهم عليه وسلم قال عمر هذا
وهللا خير فلم يزل عمر يراجعني حتى شرح هللا صدري لذلك ورأيت في ذلك
الذي رأى عمر قال زيد قال أبو بكر إنك رجل شاب عاقل ال نتهمك وقد كنت
تكتب الوحي لرسول هللا صلى اللهم عليه وسلم فتتبع القرآن فاجمعه فوهللا لو
كلفوني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل علي مما أمرني به من جمع القرآن قلت
كيف تفعلون شيئا لم يفعله رسول هللا صلى اللهم عليه وسلم قال هو وهللا خير فلم
يزل أبو بكر يراجعني حتى شرح هللا صدري للذي شرح له صدر أبي بكر
وعمر رضي اللهم عنهمما فتتبعت القرآن أجمعه من العسب واللخاف وصدور
الرجال حتى وجدت آخر سورة التوبة مع أبي خزيمة األنصاري لم أجدها مع
أحد غيره ( لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم ) حتى خاتمة براءة
فكانت الصحف عند أبي بكر حتى توفاه هللا ثم عند عمر حياته ثم عند حفصة
بنت عمر رضي اللهم عنهم"
(صحيح البخاري-كتاب فضائل القرآن 4603-باب جمع القرآن{ )-نفس الحديث
نجده مكررا في كتاب األحكام رقم 6654و في كتاب تفسير القرآن رقم }4311
انتهى األمر بزيد بن ثابت إلى قبول الفكرة مبدئيا بعد إقناع أبي بكر و عمر إياه
بضرورة األمر و قبل أن يجمع القرآن في كتاب واحد .يتضح جليا من خالل هذه
الرواية أن جمع القرآن كان أمرا لم يقم به "رسول هللا".
إن تردد زيد إزاء المهمة التي أسندت إليه كان سببه من جهة كون محمد نفسه لم
يهتم بجمع القرآن و من جهة أخرى ضخامة المشروع .هذا ما يظهر أن المهمة
لم تكن بالسهلة بتاتا .فإذا كان زيد يحفظ القرآن جيدا و يعرفه بأكمله عن ظهر
قلب و ال يجهل أي جزء منه و إذا كان عدد من الصحابة يتوفرون كذلك على
مقدرة هائلة في مجال الحفظ واإلستظهار فإن عملية جمع القرآن لن تكون إال
سهلة {خالفا لما جاء في حديث البخاري المذكور أعاله} .فلم يكن على زيد إال
أن يكتب ما كان يحفظ من القرآن في ذاكرته و يطلب من الصحابة أن يضبطوا
ما كتب .يزعم ديزاي و بعض الكتاب األخرون أن كل الحفاظ من أصحاب
محمد كانوا يعرفون القرآن بأكمله عن ظهلر قلب‚ كلمة كلمة و حرفا حرفا و
ذهب ديزاي بعيدا في مزاعمه حيث قال أن هذه القدرة الهائلة على حفظ القرآن
هي موهبة إالهية " :إن قوة الذاكرة ملكة وهبها هللا للعرب لدرجة أنهم كانوا
يحفظون األالف من أبيات الشعر ببالغ السهولة .اإلستعمال الكامل لهذه الموهبة
هو ما مكن من حفظ القرآن و صيانته من الضياع"(Desai, The Quraan()1
)Unimpeachable, p.25
يذهب بعد هذا إلى وصف استظهار القرآن بأنه "قوة حفظ ذات طبيعة إلهية".
النتيجة المنطقية لهذا الزعم هي أن جمع القرآن كان من أسهل األمور .فإذا كان
زيد و القراء األخرون يعرفون القرآن بكامله حتى أخر كلمة منه بدون أي غلط
أو نقصان و برعاية ربانية <هذا مزعم العلماء المسلمين> فمن غير المعقول أن
نجده <أي زيد> يقوم بجمع القرآن بالشكل الذي فعله .فعوض أن يعتمد فقط على
ذاكرته مباشرة نجده يبحث عن النصوص في مختلف المصادر " :فتتبعت
القرآن أجمعه من العسب و اللخاف و صدور الرجال حتى وجدت أخر سورة
التوبة مع أبي خزيمة األنصاري لم أجدها مع أحد غيره ( لقد جاءكم رسول من
أنفسكم عزيز عليه ما عنتم ) حتى خاتمة براءة فكانت الصحف عند أبي بكر
حتى توفاه هللا ثم عند عمر حياته ثم عند حفصة بنت عمر رضي اللهم عنهم"
( صحيح البخاري-كتاب فضائل القرآن) 4603-
لقد رأينا سابقا أن القرآن كان وقت وفاة محمد مفرقا بين ما كان في ذاكرة
الصحابة و ما كان مكتوبا على مختلف المواد التي كانت تستعمل أنذاك في
الكتابة .إلى هذه المصادر لجأ الصحابي الشاب حين كان ُيِع د لجمع القرآن في
مصحف واحد .المصدران الرئيسيان من بين المصادر التي ذكرت هما
"الرقاع" و "صدور الرجال" (السيوطي -اإلتقان في علوم القرآن) .لم يعتمد
زيد على ذاكرة الناس فقط بل اعتمد كذلك على ما كان مكتوبا أًي كانت طريقة
كتابته (اللخاف أي الحجارة الرقاق الخ ) ..و التجأ إلى كثير من الصحابة و إلى
جميع المواد التي كانت أجزاء من القرآن مكتوبة عليها .لم يكن هذا تصرف
شخص يعتقد أن هللا وهبه ذاكرة خارقة للعادة يمكنه اإلعتماد عليها كليا في
مهمته بل تصرف كاتب نبيه كان يريد جمع القرآن من جميع المصادر الممكنة.
كان هذا تصرف رجل يعي كل الوعي أن النص القرآني كان متناثرا في أماكن
عدة لدرجة أنه وجب جمع كل ما أمكن جمعه من أجل الحصول قدر المستطاع
على نص كامل نسبيا.
أقدم الروايات في اإلسالم تبين لنا بوضوح أن زيدا قام ببحث على نطاق واسع
بينما نجد أن علماء متأخرين زعموا أنه اعتمد على ما ُد ون كتابيا على مختلف
المواد -عظام الحيوانات‚الرقاع‚جلود الحيوانات الخ -..التي كانت محفوظة في
بيت محمد .زعموا أن زيدا لم يفعل شيئا أكثر من جمعه لهذه النصوص من أجل
اإلحتفاظ بها في موضع واحد.
يقول الحارث المحاسبي في كتاب "فهم السنن" إن محمدا كان يأمر بكتابة القرآن
و لذلك حين أمر أبو بكر بجمع القرآن في مصحف واحد ُو ِج دت المواد التي كان
مكتوبا عليها "في دار رسول هللا التي نزل فيها" (السيوطي‚ اإلتقان) فُج ِم عت و
ُحِّددت لكي ال يضيع منها شيء .لكن يتضح من خالل ما ُد ِّو ن في إطار الحديث
النبوي أن زيدا قام ببحث واسع النطاق عن هذه المواد التي كتبت عليها أجزاء
من القرآن .ديزاي يجاحد قائال إن البحث الذي قام به زيد كان مقتصرا على
المواد التي ُك تب عليها القرآن "بين يدي رسول هللا" ألن زيدا كان هو الصحابي
الوحيد الذي أتيحت له الفرصة لكي يكون جنب محمد حين جاءه جبريل و رتل
معه القرآن آخر مرة ()Desai, The Quraan Unimpeachable, p.18
يضيف ديزاي أنه رغم وجود نصوص قرآنية أخرى في تلك الفترة فهي كانت لم
تكن تتوفر على مصداقية كاملة ألنها لم تكتب تحت اإلشراف المباشر لمحمد لكن
كتبت من طرف أصحابه الذين اعتمدوا في ذلك على ما استطاعوا حفظه في
ذاكراتهم .يمتنع ديزاي عن إعطاء أية دالئل أو نصوص من أي نوع كانت و ال
ُيرينا المصادر التي اعتمد عليها في البرهنة على مزاعمه و التي من المفروض
أن تكون من أقدم ما ُد ِّو ن من التراث اإلسالمي .في الواقع كون القرآن ُع رض
مرتين في آخر المطاف كان سرا لم يبح به محمد سوى البنته فاطمة الزهراء
( صحيح البخاري-كتاب فضائل القرآن) {قال مسروق عن عائشة عن فاطمة
عليها السالم أسر إلي النبي صلى اللهم عليه وسلم أن جبريل كان يعارضني
بالقرآن كل سنة وإنه عارضني العام مرتين وال أراه إال حضر أجلي}
فكيف أمكن أن يكون هذا سرا إذا كان زيد بن ثابت حاضرا في هذه المناسبة؟
في نفس السياق نعرف من خالل أقدم ما ُد ِّو ن حول جمع القرآن في خالفة أبي
بكر أنه لم يكن هناك أي تمييز بين ما كتب من القرآن تحت إمرة محمد أو غيره
من المصادر و ال شيء يوحي بأن زيدا اعتمد على األول دون الثاني .كما
سنرى الحقا هذه تفاسير حديثة العهد نسبيا الغرض منها التأكيد على أن القرآن
جمع في ظروف مثالية لكنها ال ترتكز على أية نصوص قديمة و أصيلة للبرهنة
على مزاعمها.
هناك حكايات مفادها أنه كلما نزل شيء من القرآن كان محمد يطلب من كتابه و
من بينهم زيد أن يكتبوه ( صحيح البخاري-كتاب فضائل القرآن 4606على
سبيل المثال)
{حدثنا عبيدهللا بن موسى عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن البراء قال لما نزلت
( ال يستوي القاعدون من المؤمنين ) ( والمجاهدون في سبيل هللا ) قال النبي
صلى اللهم عليه وسلم ادع لي زيدا وليجئ باللوح والدواة والكتف أو الكتف
والدواة ثم قال اكتب ( ال يستوي القاعدون ) وخلف ظهر النبي صلى اللهم عليه
وسلم عمرو بن أم مكتوم األعمى قال يا رسول هللا فما تأمرني فإني رجل ضرير
البصر فنزلت مكانها (ال يستوي القاعدون من المؤمنين) ( والمجاهدون في
سبيل هللا ) ( غير أولي الضرر )}
لكن ال شيء يؤكد أن القرآن كان مجموعا بأكمله في بيته .هناك أيضا روايات
عديدة في كتاب المصاحف البن أبي داود تشير إلى أن أبا بكر كان أول من قام
بتدوين القرآن نذكر من بينها " :حدثنا عبد هللا قال حدثنا أحمد بن محمد بن
الحسين بن حفص قال حدثنا خالد قال حدثنا سفيان عن السدى عن عبد خير عن
علي قال :رحمة هللا على ابي بكر كان أعظم الناس أجرا في جمع المصاحف‚ و
هو أول من جمع بين اللوحين( " .كتاب المصاحف‚ ص .)5هنا أيضا نجد أدلة
قوية على أن أشخاصا آخرين سبقوا أبا بكر لجمع القرآن في مصحف واحد :
"عن بن بريدة قال :أول من جمع القرآن في مصحف سالم مولى أبي حديفة"
(السيوطي -اإلتقان في علوم القرآن) .سالم هذا كان من بين أربعة رجال أمر
محمد أصحابه أن يأخذوا القرآن عنهم (صحيح البخاري-كتاب فضائل القرآن
4615و كتاب المناقب )3524و{ حدثنا حفص بن عمر حدثنا شعبة عن عمرو
عن إبراهيم عن مسروق ذكر عبدهللا بن عمرو عبدهللا بن مسعود فقال ال أزال
أحبه سمعت النبي صلى اللهم عليه وسلم يقول خذوا القرآن من أربعة من عبدهللا
بن مسعود وسالم ومعاذ بن جبل وأبي بن كعب} كان من القرأء الذين قتلوا في
معركة اليمامة .بما أن أبا بكر لم يأمر بجمع القرآن إال بعد هذه المعركة فمن
البديهي إذا أن سالما سبق زيد بن ثابت لجمع القرآن.
-3نظرة عامة حول المرحلة األولى لجمع القرآن.
نالحظ اآلن أن آتجاها معينا أصبح يبرز بوضوح .الروايات الرسمية تحاول أن
تظهر لنا أن المشروع الذي قام به أبو بكر بخصوص جمع القرآن كان هو األهم
و الوحيد الذي تم بعد وفاة محمد .حاول العلماء بعد ذلك أن يدعموا هذه الفكرة
مدعين أن زيدا كان الشخص الوحيد المؤهل للقيام بالمهمة و أن القرآن كان
بشكل أو بآخر موجودا ببيت محمد و أن األشخاص الذين قاموا بعملية الجمع
اعتمدوا على ما تمت كتابته تحت اإلشراف الفعلي لمحمد نفسه و ال شيء غير
هذا .يذهب العلماء المسلمون أبعد من هذا حيث يزعمون أن المصحف كما تم
جمعه كان صورة طبق األصل لما جاء به محمد لم يضف إليه ال حرف و ال
كلمة و ال نقطة و لم يفتقد منه أي شيء من هذا القبيل.
من جهة أخرى وجب القول بأن التحليل الموضوعي لمسألة جمع القرآن في
المرحلة البدائية و الذي يجب أن يعتمد على المعطيات المدونة سيمكننا من إبراز
أن النص الذي جمعه زيد و الذي أصبح فيما بعد النمودج الذي اعتمد عليه
المصحف العثماني ما هو إال المنتوج النهائي لمحاولة صادقة لجمع القرآن
انطالقا من مصادر متنوعة كان الرجوع إليها أمرا ضروريا.
يجب علينا اآلن أن نقوم بتقييم للمصادر التي اعُتِم د عليها بإعادة النظر فيها.
اعتمد زيد بن ثابت على صدور الرجال و على ما ُك ِتب من القرآن كيفما كانت
المواد التي استعملت في ذلك .مهما كانت المجهودات التي قام بها الصحابة
األوائل لحفظ القرآن بشكل كامل فإن ذاكرة اإلنسان تبقى دائما عرضة للنقصان
و الخطأ .إذا أخذنا بعين اإلعتبار طول القرآن (أي ما وجب حفظه) فليس من
الغريب أن نجد اختالفات في طرق قراءة القرآن و لذلك سيظهر لنا جليا أن هذا
اإلرتسام مبني على أسس صحيحة.
فكرة أن زيد اعتمد على ما كان متناثرا في ذاكرات الصحابة وجب أن تؤدي إلى
بعض النتائج المنطقية التي ال مفر منها .هناك احتمال ضياع أجزاء من النص
ألن هذا األخير لم يكن مجموعا في كتاب واحد بل كان متناثرا بشكل واسع .هذا
ما سيتضح حين سنقدم الدالئل المؤخوذة من الثرات اإلسالمي القديم.
المثال النمودجي الذي وجب تقديمه بخصوص هذه المسألة يتجلى في الحديث
التالي الذي يؤكد بوضوح أن أجزاء من القرآن ُفِقدت نهائيا إثر مقتل بعض
الحفاظ من الصحابة في معركة اليمامة :
"حدثنا أبو الربيع قال أخبرنا بن وهب قال أخبرني يونس عن بن شهاب قال :
بلغنا إنه انزل قرآن كثير فُقِتل علماؤه يوم اليمامة الذين كانوا قد وعوه فلم ُيْع َلم
بعدهم و لم ُيْك َتب ‚ فلما جمع أبو بكر و عمر و عثمان القرآن و لم يوجد مع أحد
بعدهم( ".كتاب المصاحف )23
ال يمكن تجاهل كون هذا الحديث يستعمل أسلوب النفي بوضوح " :لم
يعلم"‚ "لم يكتب"‚ "لم يوجد" تاكيد ثالثي على أن هذه األجزاء من القرآن
التي كان يحفظها قراء اليمامة فقدت بدون رجعة .في المقابل يظهر أنه من
الصعب تصور أية زيادة أو تغيير في القرآن بعد وفاة محمد ألن أجزاء النص
كانت موجودة بطريقة متناثرة عند الصحابة لكن إمكانية ضياع بعض األجزاء
من النص تبقى واردة كما ذكرنا سالفا .إذا كان جزء مهما من القرآن احُتِفظ به
عن طريق الحفظ فهذه ضمانة أكيدة أن ال أحد من الصحابة كان بإمكانه إضافة
()1
شيء إلى القرآن دون أن يلقى معارضة األخرين.
في األخير حين نستعرض المصادر األصلية يجب أن ال نستغرب من كون
مصاحف أخرى كانت حيز الجمع زيادة على المصحف الذي تكلف زيد بجمعه.
كان هنالك عدد من الصحابة الذين كانت لهم دراية واسعة بالقرآن و كان من
الحتمي أن يحاولوا تأليف ما كان ال يزال متبثا في ذاكراتهم على شكل مصحف
مستعينين كذلك بما كان مكتوبا .كنتيجة حتمبة سنرى أن ما توقعناه من نتائج
بخصوص جمع كتاب كالقرآن أمر تدعمه النصوص التاريخية خالفا للفرضية
القائلة بأن الحفاظ على الكتاب تم بفضل العناية الربانية دون أدنى نقصان أو
تغيير.
امكانية فقدان بعض أجزاء النص واردة في عدة أحاديث نبوية تبين بعضها أن
محمدا كان هو نفسه عرضة لنسيان بعض أجزاء القرآن :
"حدثنا موسى يعني ابن إسمعيل حدثنا حماد عن هشام بن عروة عن عروة عن
عائشة رضي اللهم عنها أن رجال قام من الليل فقرأ فرفع صوته بالقرآن فلما
أصبح قال رسول هللا صلى اللهم عليه وسلم يرحم هللا فالنا كائن من آية أذكرنيها
الليلة كنت قد أسقطتها" (كتاب الحروف و القراءات سنن بن أبي داود رقم
)3456
وضع مترجم المرجع السابق إلى األنجليزية مالحظة هامشية بين فيها أن محمدا
لم ينس بعضاآليات تلقائيا بل هللا هو الذي أنساه إياها مقيما بذلك عبرة للمسلمين.
مهما كانت الغاية و األسباب فالمهم هو أن محمدا تعرض لنسيان بعض القرآن
الذي أقر أنه أوحي إليه .القول بأن النسيان كان من هللا يعتمد على اآلية التالية :
" َم ا َننَس ْخ ِم ْن آَيٍة َأْو ُننِس َها َنْأِت ِبَخ ْيٍر ِّم ْنَها َأْو ِم ْثِلَها َأَلْم َتْع َلْم َأَّن َهّللا َع َلَى ُك ِّل َش ْي ٍء
َقِد يٌر" (سورة البقرة 2اآلية )106
كلمة آية تعني النص القرآني ذاته و كلمة ننسها أصلها من فعل نسي الذي يعني
أينما وجد في القرآن (وردت 45مرة على مختلف األشكال) فقدان الشيء من
ذاكرة اإلنسان.
لنعطي اآلن خالصة لما قيل في هذا الجزء.
حاول زيد بن تابث الذي كان من الصحابة ذوي المعرفة العميقة بالقرآن أن
يدون قدر مستطاعه مصحفا أقرب ما يكون إلى الموثوقية .روح األمانة التي
اتصف بها خالل قيامه بمشروعه ليست موضع شك .لذلك يمكننا أن نقول بأن
المصحف الذي قدمه في األخير إلى أبي بكر لم يكن إال تعبيرا صادقا عن ما
جمعه من صدور القرأء و من ما كتب على مختلف المواد ألن هذا هو ما تعكسه
النصوص المؤخوذة من التراث اإلسالمي األصيل .نفس النصوص تنفي
الفرضية الحديثة القائلة بأن المصحف الحالي هو نسخة طبق األصل للقرآن
األول لم يحذف منها شيء و لم يمسسها أي تغيير .ليس هناك ما يدل على أن
النص تعرض للتحريف و كل محاولة لتأكيد ذلك (كما فعل بعض الباحثين
الغربيين) يمكن ضحضها بسهولة .بالمقابل هناك أدلة عديدة على أن القرآن كان
غير مكتمل وقت تدوينه في مصحف واحد (كما رأينا سابقا) و أن كثيرا من
فقراته و آياته انتقلت على أشكال مختلفة .سنتمكن من خالل هذا الكتاب أن
نستعرض الوقائع التي تبرهن على مقوالتنا و كذا نتائجها الحتمية.
ال يمكن ألية دراسة لموضوع تناقل النص القرآني في بدايته أن تكتمل إال بإلقاء
الضوء على مساهمة عبد اهلل بن مسعود .لقد كان من بين كبار صحابة محمد و
من إتباعه األوائل و قيل أنه "كان أول من جهر بالقرآن بعد رسول اهلل بمكة" كما
ُذ كر في سيرة بن هشام (المجلد الثاني ص .)157طيلة السنوات اإلثني عشرة
التي قضاها محمد في مكة يدعو لإلسالم إلى غاية وفاته بالمدينة عشر سنوات
بعد هجرته إليها كَّلف بن مسعود نفسه عناء حفظ القرآن و اكتساب علومه .هناك
روايات عدة ُتظِه ر أن محمد كان يعتبر بن مسعود من أكبر العارفين بالقرآن إن
لم يكن يعتبره األكبر على اإلطالق كما ُيستفاد من الحديث التالي :
"حدثنا حفص بن عمر حدثنا شعبة عن عمرو عن إبراهيم عن مسروق ذكر
عبداهلل بن عمرو عبداهلل بن مسعود فقال ال أزال أحبه سمعت النبي صلى اللهم
عليه وسلم يقول خذوا القرآن من أربعة من عبداهلل بن مسعود وسالم ومعاذ بن
جبل وأبي بن كعب " (صحيح البخاري كتاب فضائل القرآن )4615
()1
نفس الرواية موجودة في كتب الحديث األخرى و تشير إلى أن محمد "بدأ به"
و هذه إشارة إلى أنه كان يعتبره المرجع األول في مجال القرآن .من بين
الصحابة اآلخرين الذين تم ذكرهم نجد أبي بن كعب الذي جمع هو كذلك مصحفا
خاصا به كان مصيره النهائي هو اإلحراق بأمر من عثمان كما ٌذ ِكر سابقا .عدم
ذكر زيد بن ثابت ضمن االئحة أمر له داللة خاصة حيث يتبين من خالله أن
محمد كان يعتبر بن مسعود و أبي بن كعب أكثر منه خبرة و معرفة بالقرآن :
"حدثنا عمر بن حفص حدثنا أبي حدثنا األعمش حدثنا مسلم عن مسروق قال قال
عبداهلل رضي اللهم عنهم واهلل الذي ال إله غيره ما أنزلت سورة من كتاب اهلل إال
أنا أعلم أين أنزلت وال أنزلت آية من كتاب اهلل إال أنا أعلم فيم أنزلت ولو أعلم
أحدا أعلم مني بكتاب اهلل تبلغه اإلبل لركبت إليه" (صحيح البخاري كتاب فضائل
القرآن )4618
قيل في رواية من نفس القبيل إن بن مسعود قرأ ما يزيد عن سبعين سورة في
حضرة محمد .يدل هذا على أن الصحابة كانوا يدرون أن ال أحد أكثر علما
بالقرآن من بن مسعود .يضيف شقيق في حديث مسلم " :فجلست في حلق
أصحاب محمد صلى اللهم عليه وسلم فما سمعت أحدا يرد ذلك عليه وال يعيبه"
(صحيح مسلم كتاب فضائل الصحابة )4502
من البديهي إذن أن عبد اهلل بن مسعود كانت له معرفة خاصة و عميقة بالقرآن.
بما أن محمد أمر كل من يريد تعلم القرآن أن يأخده عنه بالدرجة األولى فمن
المنطقي أن تكون للمصحف الذي جمعه موثوقية ما إذ ليس هنالك أدنى شك في
أنه جمع مصحفا خاصا به مستقال عن مصحف زيد بن ثابت .لذلك خصص بن
أبي داود ما ال يقل عن 19صفحة من كتاب المصاحف لعرض اإلختالفات التي
كانت موجودة بين قراءتي بن مسعود و زيد (كتاب المصاحف )73-54
لكونه اعتنق اإلسالم مبكرا حيث سبق في ذلك الخليفة عمر و كونه كان من بين
المهاجرين للحبشة و يثرب فقد صارت له مكانة كبيرة عند محمد .شارك في
غزوتي بدر و أحد و مكنت عالقته الخاصة بالرسول و كذا معرفته العميقة
للقرآن أن تصبح لمصحفه مكانة عالية عند أهل الكوفة قبل أن يأمر عثمان بجمع
المصحف الذي ُفِر ض قوة على األمة اإلسالمية .رد فعل بن مسعود على إثر
قرار عثمان إحراق مصحفه له داللة عميقة.
(" )1حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ومحمد بن عبد اهلل بن نمير قاال حدثنا وكيع حدثنا
األعمش عن شقيق عن مسروق قال كنا نأتي عبد اهلل بن عمرو فنتحدث إليه
وقال ابن نمير عنده فذكرنا يوما عبد اهلل بن مسعود فقال لقد ذكرتم رجال ال أزال
أحبه بعد شيء سمعته من رسول اهلل صلى اللهم عليه وسلم سمعت رسول اهلل
صلى اللهم عليه وسلم يقول خذوا القرآن من أربعة من ابن أم عبد فبدأ به ومعاذ
بن جبل وأبي بن كعب وسالم مولى أبي حذيفة" (صحيح مسلم كتاب فضائل
الصحابة )4504-
-2رد فعل بن مسعود على قرار عثمان.
لما أصدر عثمان أمره بإحراق المصاحف لإلحتفاظ بمصحف زيد بن ثابت
رفض عبد اهلل بن مسعود تسليم النسخة التي كانت بحوزته .يتحدث ديزاي
بصراحة عن "رفض حضرة بن مسعود في البداية تسليم نسخته" (Quran
)unimpeachable, p.44لكن الصديق يريدنا أن نعتقد أن ال رفض صدر
عن هذا الصحابي المتميز .يقول في موضع ما من مقاله "ليست هنالك إشارة إلى
أنه عارض مصحف حفصة خالل حكم عمر" (البالغ المرجع السابق ص .)1
لكن لماذا كان سيعارض مصحف زيد في ذلك الوقت؟ كان مصحفه آنذاك
منتشرا بين أهل الكوفة في الوقت ذاته الذي كان فيه مصحف زيد قابعا في
الخفاء دون أن يكون ألحد أية نية لجعله مصحف األمة اإلسالمية.
لم يشعر بن مسعود أن مصحفه يتهدده الخطر إال حين خرج مصحف زيد إلى
الواجهة و ُأعِلَن مصحفا موحدا .لذلك رفض بن مسعود في الحين تسليم مصحفه
ألجل إحراقه .ذكر بن األثير في الكامل ( )87-3.86أن أهل الكوفة استمروا
في تداول مصحف بن مسعود حتى بعد أن بلغهم مصحف عثمان .إنه لمن
الواضح بالنسبة لكل من يبحث بشيء من الموضوعية في هذه المسألة أن الدراية
الواسعة لبن مسعود بمجال القرآن و التي َش ِه َد عليها محمد نفسه تعطي لمصحفه
مكانة موازية على األقل لتلك التي كان يتمتع بها مصحف زيد.
بما أن هناك أدلة ثابتة على وجود عدد من اإلختالفات بين هذه المصحفين و بما
أن مصحف زيد أصبح النص الرسمي فقط بأمر أحادي الجانب من الخليفة
عثمان و ليس لسبب آخر قد يعطيه مشروعية ما فإنه حقا لمن الغريب أن نجد
العلماء المسلمين يحاولون التقليل من أهمية مصحف بن مسعود.
يزعم ديزاي أن "نسخة بن مسعود كانت تحوي مالحظاته الخاصة .نسخته هذه
كانت إلستعمال الخاص و ليست موجهة لكافة األمة" (ص .)45صاحبنا هذا ال
يعطي أي دليل على مزاعمه .من بين النواقص التي تميز كتيب ديزاي الغياب
شبه التام ألدلة مستوحات من مراجع أصيلة بخصوص التفسيرات التي يحاول
أن يقدمها لألحداث .لهذا السبب ال يتيح لدارس كتيبه أن يتحقق من صحة
ادعاءاته.
في الواقع كان معروفا أن مصحف بن مسعود انتشر في المنطقة التي كان يقطن
بها أي الكوفة و ما جاورها في الوقت الذي كان فيه مصحف أبي بن كعب سائدا
في الشام (كتلب المصاحف بن أبي داود ص )13
يحاول أحمد فون دنفر ( )Ahmad Von Denfferبطريقة مماثلة أن يقلل من
أهمية مصحف أبي بن كعب قائال إنه "مصحف لإلستعمال الشخصي أو بعبارة
أخرى مذكرته الخاصة" مضيفا بخصوص هذه المصاحف أن "هذه المذكرات
الخاصة أصبحت متجاوزة فتمت تنحيتها أخيرا" (علوم القرآن ص .)49من
الصعب فهم كيف يمكن اعتبار مصاحف كاملة ُج ِم َع ت بعناية فائقة و استعملت
في مناطق عديدة ك "مذكرات خاصة" و كيف أمكن أن تصبح متجاَو زة في وقت
من األوقات.
يتشبت العلماء المسلمون بهذه اإلستدالالت الغريبة فقط ألنهم مصممون على
الدفاع بأي ثمن عن عصمة القرآن الذي هو بين أيدينا اليوم من أوله إلى آخره.
لكونهم يعرفون جيدا أن هذا النص ما هو إال نتاج عملية قام بها رجل معين (زيد
بن ثابت) نراهم يحاولون استعمال أسلوب المراوغة كلما تعلق األمر بمسألة
وجود مصاحف غير المصحف العثماني كانت تختلف معه في نقاط غير قليلة.
لقد ُأريد لمصحف زيد أن يصبح "المصحف الرسمي" مباشرة بعد اإلنتهاء من
جمعه و ُنِقَض ت المصاحف األخرى تحت ذريعة كونها "مذكرات خاصة"
ألصحابها وجب إحراقها لكونها تختلف فيما بينها ناسين في ذات الوقت أن هذه
المصاحف كانت أيضا تختلف مع مصحف زيد.
هناك أدلة قوية ُتظهر لنا السبب الذي جعل عبد اهلل بن مسعود يرفض في البداية
تسليم مصحفه لكي يتم إحراقه .يزعم ديزاي أن السبب هو تعلقه الوجداني بهذا
المصحف (ص )1( )45أما الصديق فيقول ببساطة إنه لم يكن اختالف بين
مصحفه و الذي جمع زيد ( .)2في واقع األمر كان رد فعل بن مسعود إزاء قرار
عثمان راجع باألساس لكونه اعتبر مصحفه أحسن من مصحف زيد و أكثر
موثوقية منه .قبل أن يقوم حذيفة بن اليمان بإثارة انتباه عثمان لضرورة توحيد
المسلمين بالقوة حول مصحف زيد‚ دارت مناقشة حادة بينه و بين عبد اهلل بن
مسعود حين طلب منه أن ُتَنَّح ى القراءات التي كانت شائعة آنذاك في سائر
األقطار اإلسالمية :
"قال حذيفة أهل البصرة يقرءون قراءة أبي موسى و أهل الكوفة يقرءون قراءة
عبد اهلل أما و اهلل أن لو قد أتيت أمير المؤمنين ألمرته بغرق هذه المصاحف فقال
عبد اهلل إذًا تغرق في غير ماء (( ")3كتاب المصاحف ص )14
الكتاب المعاصرون من أمثال الصديق يؤكدون على أن اإلختالفات بين قراءات
الصحابة كانت على مستوى اللفظ فقط بالرغم من أن عكس هذا يتبين من خالل
الرواية السابقة من كتاب المصاحف حيث أن حذيفة كان يتحدث عن ال شيء
غير تنحية المصاحف التي كتبها بن مسعود و الصحابة اآلخرون (ال ُيعقل أن
يتم إغراق عبارات لفظية) و هذا اإلقتراح هو بالذات ما جعل بن مسعود يثور
غيضا و يدل على أن اإلختالفات القرائية كانت في النصوص المكتوبة ذاتها.
هناك روايات أخرى مفادها أن بن مسعود كان يعتبر زيد كشخص غير ذي
معرفة كافية بالقرآن و لذلك فمصحف األول ال يمكن أن يكون أقل شأنا من
مصحف الثاني .دخل بن مسعود في اإلسالم قبل أن يولد زيد بن ثابت و لذلك
استمد خبرته من كونه كان مقربا من محمد طيلة سنوات طوال قبل أن يستطيع
زيد دخول اإلسالم بعد هجرة محمد للمدينة:
"قال محمد بن معمر البحراني عن يحيى بن حماد قال حدثنا أبو عوانة عن
إسماعيل بن سالم عن أبي سعيد األزدي قال سمعت عبد اهلل بن مسعود يقول
أقرأني رسول اهلل صلى اهلل عليه و سلم سبعين سورة أحكمتها قبل أن يسلم زيد
بن ثابت" (كتاب المصاحف ص )17
جاء في الطبقات الكبرى لبن سعد ما يلي :
"أخبرنا عفان بن مسلم أخبرنا عبد الواحد بن زياد أخبرنا سليمان األعمش عن
()4
شقيق بن سلمة قال خطبنا عبد اهلل بن مسعود حين ُأِمر بالمصاحف ما ُأِمر
قال فذكر الغلول فقال إنه من يغل يأتي بما غل يوم القيامة فغلوا المصاحف فألن
أقرأ على قراءة من ُأِح ُّب َأحُّب إلي من أن أقرأ على قراءة زيد بن ثابت فو الذي
ال إله غيره لقد أخذت من في رسول اهلل بضعا و سبعين سورة و زيد بن ثابت
غالم له ذؤابتان يلعب مع الغلمان" (كتاب الطبقات الكبرى بن سعد المجلد الثاني
ص )5( ) 556موقع الوراق
على ضوء كل هاته الروايات التي يجب أخذها بعين اإلعتبار نرى أن التفسيرات
الَّتَم ُلِص َّية التي يقدمها لنا الكتاب اإلسالميون المعاصرون ال يمكن قبولها .من
الَبِّين أن عبد اهلل بن مسعود قاوم قرار عثمان ليس ألسباب ذاتية كما يريدنا
ديزاي أن نعتقد بل ألنه كان يشعر في قرارة نفسه أن مصحفه أحسن من
مصحف زيد و أكثر موثوقية منه ألنه أخذه مباشرة عن محمد .هذا اإلستنتاج
الطبيعي ال يمكن أن يتهرب منه أي دارس موضوعي لتاريخ جمع القرآن.
من الواضح كذلك أن الفروق التي كانت بين النصوص لم تكن بالتأكيد تهم اللفظ
فقط بل كذلك الكتابة و المحتوى .سيظهر لنا بعد تحليل بعض من هذه القراءات
إلى أي مدى بلغت هذه الفروق.
( )1ال يمكن فهم السبب الذي سيجعل هذا الصحابي الجليل يتعلق بمصحف
خاطىء ال يحوي كالم اهلل؟
()2
ما ضرورة إحراقه إذن؟
()3
ربما يعني نار جهنم
()4
يعني أمر عثمان بإحراق جميع المصاحف ما عدا مصحف زيد
ُذ ِكر كذلك في كتلب المصاحف لبن أبي داود ص 16 ()5
( 4595{ )1حدثنا علي بن عبد اهلل حدثنا سفيان حدثنا عبدة بن أبي لبابة عن زر
بن حبيش ح وحدثنا عاصم عن زر قال سألت أبي بن كعب قلت يا أبا المنذر إن
أخاك ابن مسعود يقول كذا وكذا فقال أبي سألت رسول اهلل صلى اللهم عليه وسلم
فقال لي قيل لي فقلت قال فنحن نقول كما قال رسول اهلل صلى اللهم عليه وسلم}.
({ )2فعل " "omitقد يعني أن األصل هو زيد و أن بن مسعود قد يكون حذف هذه
الكلمة لكن ربما العكس هو الصواب}.
-1عوض القراءة الرسمية لآلية 204من سورة البقرة "و يشهد اهلل" نجده يقرأ
"و يستشهد اهلل" (.)Noeldecke, 3.83 ; Jeffrey, 120
( )1سورة الخلغ " :اللهم إنا نستعينك و نستغفرك و نثني عليك و ال نكفرك و
نخلع و نترك من يفجرك"
سورة الحفد " :اللهم إنا نعبد و لك نصلي و نسجد و إليك نسعى و نحفد,
نرجو رحمتك و نخشى عذابك إن عذابك بال كفار ملحق"
الفصل الرابع
الفقرات التي فقدت من القرآن
-1التدوين الغير الكامل للمصحف.
لقد رأينا من قبل أنه بعد مقتل عدد كبير من القراء في معركة اليمامة ذهب جÉÉزء
من القرآن كÉÉان ال يعلمÉÉه إال هÉÉؤالء .هنÉÉاك أيضÉÉا عÉÉدد من الروايÉÉات الصÉÉحيحة
توضÉÉح أن آيÉÉات منفÉÉردة و أحيانÉÉا مقÉÉاطع كاملÉÉة فقÉÉدت من القÉÉرآن .لقÉÉد أجمÉÉع
المؤرخون المسلمون القÉÉدامى على أن القÉÉرآن في حالتÉÉه الراهنÉÉة غÉÉير مكتمÉÉل :
"قال أبوعبيد :حدثنا إسماعيل بن إبراهيم عن أيوب عن نافع عن ابن عمÉÉر قÉÉال:
ليقولن أحدكم قد أخذت القرآن كله وما يدريه مÉÉا كلÉÉه قÉÉد ذهب قÉÉرآن كثÉÉير ولكن
ليقل قد أخذت منه ما ظهر( " .السيوطي-اإلتقان في علوم القرآن)
كثÉÉيرة هي األمثلÉÉة الÉÉتي يمكن سÉÉردها لكن سÉÉنكتفي في اسÉÉتداللنا على األمثلÉÉة
المشهورة فقط .سنبدأ بمثÉÉال متمÉÉيز يتعلÉÉق بآيÉÉة كÉÉانت تقÉÉرأ كالتÉÉالي " :وإن ذات
الدين عند هللا الحنيفية غير اليهودية وال النصرانية ومن يعمÉل خÉÉيًرا فلن يكفÉÉره"
(السيوطي-اإلتقان في علوم القرآن)
ورد في كتاب التفسÉÉير للترمÉÉذي (هÉÉذا الكتÉÉاب جÉÉزء من الجÉÉامع الصÉÉحيح الÉÉذي
ُيعتبر واحدا من كتب الحديث الستة الصحيحة كصحيح البخاري و صحيح مسÉÉلم
و سنن أبي داود و النسائي و بن ماجÉÉة) أن هÉÉذه اآليÉÉة كÉÉانت في وقت مÉÉا تشÉÉكل
جزء من سورة البينة (السÉÉورة .)Noeldecke, 1.242( )98هÉÉذا األمÉÉر جÉÉد
محتمل ألن اآلية تنصهر جيدا في سياق هذه السورة القصيرة الÉÉتي تحÉÉوي بعض
الكلمات الموجودة من النص المفقود ك "دين" (اآليÉÉة )5و "عمÉÉل" (اآليÉÉة )7و
"حنفاء" (اآلية )4و تبرز معارضة دين هللا لمعتقدات اليهود و النصارى.
من المهم أن نشير هنا إلى أن اآليÉة في شÉكلها الحÉالي ُتقÉرأ كالتÉالي " :إن الÉدين
عند هللا اإلسالم" في حين كان بن مسعود يسÉÉتعمل كلمÉÉة "الحنيفيÉÉة" مكÉÉان كلمÉÉة
"اإلسالم" ( )Jeffrey,Materials,p.32( )1و هذا ما يوافق ما ذكره الترمÉذي
بخصوص السورة .98وقت بدأ محمد دعوته كان أناس ينكرون عبÉÉادة األصÉÉنام
و يسÉÉمون أنفسÉÉهم "حنفÉÉاء" أي الÉÉذين يتبعÉÉون الطريÉÉق المسÉÉتقيم و يحتقÉÉرون
المعتقدات السائدة آنذاك.
من المحتمÉÉل أن يكÉÉون محمÉÉد قÉÉد سÉÉمى دينÉÉه "الحنيفيÉÉة" في بدايÉÉة األمÉÉر و لمÉÉا
صارت لهذا الدين هوية خاصة غير إسمه ليصبح اإلسالم و صار يسÉÉمي أتباعÉÉه
"المسلمين" اي أولئك الذين لم يكونوا فقط يتبعون الطريق المستقيم بÉÉل كÉÉانوا في
نفس الوقت يسلمون أنفسهم هلل الذي أوحى هذا الطريق المسÉÉتقيم و أمÉÉر باتباعÉÉه.
هذا هو ما يفسر سقوط هذه الكلمة (الحنيفية) من القرآن و فقدان اآلية التي تحدثنا
عنها سابقا.
يذكر البيهقي في "السنن الكبرى" ( )2مقطعا كامال قيل إنه ُفقÉÉد من القÉÉرآن حيث
روى أن أبي بن كعب تذكر أنه في وقت من األوقات كانت سورة األحزاب بنفس
طول سورة البقرة يعني أنها كانت تحوي على األقل 200آية ال توجÉÉد في النص
الحÉÉالي (الÉÉبيهقي-السÉÉنن الكÉÉبرى-الجÉÉزء -8ص .)3( )211من المهم أيضÉÉا أن
نذكر أن هذا المقطع المفقود كان يحوي آية الرجم كما سÉÉنرى قريبÉÉا .هنÉÉاك أدلÉÉة
إضÉافية على فقÉدان سÉور بأكملهÉا من المصÉحف الحÉالي .يÉروى أن أبÉا موسÉى
األشعري ( )4كان يقول لقراء البصرة " :حدثني سÉÉويد بن سÉÉعيد حÉÉدثنا علي بن
مسهر عن داود عن أبي حرب بن أبي األسÉود عن أبيÉه قÉال ثم بعث أبÉو موسÉى
األشعري إلى قراء أهل البصرة فدخل عليه ثالثمائة رجل قد قرؤوا القÉÉرآن فقÉÉال
أنتم خيار أهل البصرة وقراؤهم فأتلوه وال يطولن عليكم األمد فتقسو قلÉÉوبكم كمÉÉا
قست قلوب من كÉÉان قبلكم وإنÉÉا كنÉÉا نقÉÉرأ سÉÉورة كنÉÉا نشÉÉبهها في الطÉÉول والشÉÉدة
ببراءة أني قد حفظت منها لو كان البن آدم واديان من مال البتغى واديا ثالثÉÉا وال
يمأل جوف بن آدم إال التراب" (صحيح مسلم-جزء -2ص -726رقم .)1050
اآليÉة الÉتي ذكرهÉا مسÉلم هي بالفعÉل إحÉدى النصÉوص المعرفÉة الÉتي ُفقÉدت من
القرآن التي سنتطرق لها الحقا .يضÉÉيف أبÉÉو موسÉÉى " :كنÉÉا نقÉÉرأ سÉÉورة نشÉÉبهها
بإحدى المسبحات ما نسناها غير أني حفظت منها :يا أيها الذين آمنوا ال تقولوا ما
ال تفعلÉÉون :فتكتب شÉÉهادة في أعنÉÉاقكم فتسÉÉألون عنهÉÉا يÉÉوم القيامÉÉة" (السÉÉيوطي-
اإلتقان في علوم القرآن).
الروايÉة المÉذكورة هنÉا مسÉتقاة من حÉÉديث صÉÉحيح مسÉلم الÉÉذي عرضÉÉناه سÉابقا.
المسبحات هي السÉÉور الÉÉتي تبÉÉدأ ب "ٌيسÉÉبح" أو "سÉÉبح" "هلل مÉÉا في السÉÉموات و
األرض" .الكلمات التي تحويها اآلية األولى الÉÉتي ذكرهÉÉا أبÉÉو موسÉÉى هي نفسÉÉها
التي توجد باآلية 2من سورة الصÉÉف ( )5في حين يشÉÉبه النص الثÉÉاني اآليÉÉة 13
من سÉورة اإلسÉراء ( )6و هÉÉذا مÉا يفسÉر لمÉذا تÉذكر أبÉو موسÉى هÉÉاتين اآليÉÉتين
بالذات.
اعتمÉÉادا على هÉÉذه األدلÉÉة وجب على العلمÉÉاء المسÉÉلمين الÉÉذين يزعمÉÉون أن نص
القرآن الحالي هو نفس النص الÉÉذي صÉÉدر عن محمÉÉد دون زيÉÉادة أو نقصÉÉان ,أن
يعترفوا أن الشيء الكثير قد ُفقد منه .بعض هؤالء العلماء يلجأ إلى طريقÉÉة سÉÉهلة
و موالمة و يعلن بكل ببساطة أن هذه الروايÉÉات ضÉÉعيفة ( )7و البعض اآلخÉÉر ال
ينكر صحتها ( )8لكن يقدم جوابا مغايرا باعتبار أن هللا نفسه قد نسخ هذه اآليÉÉات
حين كÉÉان محمÉÉد ال زال يتلقى الÉÉوحي منÉÉه و كÉÉان القÉÉرآن في طÉÉور النشÉÉوء.
سنتطرق اآلن للرد على هذا الزعم المغلوط.
( )1الحنيفية تعني الصراط المستقيم
( )2مجموعة احاديث ال تحسب على الصحاح لكن ال تخلو من أهمية و هي
شائعة اإلستعمال عند المسلمين السنة
( " )3قال لي أبي بن كعب رضي هللا عنه كأين تعد أو كأين تقرأ سورة األحزاب
قلت ثالث وسبعين آية قال أقط لقد رأيتها وإنها لتعدل سورة البقرة" .و قد ورد
هذا الحديث كذلك في المستدرك على الصحيحين للحاكم-دار الكتب العلمية
بيروت -1990-الجزء 4ص 400قال الحاكم "هذا حديث صحيح اإلسناد ولم
يخرجاه " يعني البخاري و مسلم.
( )4أحد صحابة محمد و كان ذا معرفة كبيرة بالقرآن.
(َ " )5يا َأُّيَها اَّلِذ يَن َآَم ُنوا ِلَم َتُقوُلوَن َم ا اَل َتْفَع ُلوَن "
(َ )6و ُك َّل ِإنَس اٍن َأْلَز ْم َناُه َطآِئَر ُه ِفي ُع ُنِقِه َو ُنْخ ِرُج َلُه َيْو َم اْلِقَياَم ِة ِكَتاًبا َيْلَقاُه َم نُش وًرا
( )7رغم أنها تطابق معايير الصحة كما تعرفها كتب الحديث و الجرح و التعديل
و علم الرجال.
( )8لكي ال يتحمل النتائج المنطقية التي تنتج حتما عن ذلك النكران.
المصادر المستعملة
أستفدنا في تأليف هذا الكتاب من عدة دراسات و مراجع يبدو لنا من االئق أن
نقدمها حسب أهميتها و عالقتها بالموضوع و حسب نوعيتها -مراجع رئيسية أو
مراجع ثانوية -و كذلك حسب كونها قديمة أو حديثة .باستثناء القرآن الذي
يحتوي على بعض اإلشارات إلى طريقة جمعه في عهد محمد فإن المصادر
المباشرة المتعلقة بجمع القرآن هي أساسا كتب السيرة النبوية التي ألفت في فترة
مبكرة و كتب الحديث .باإلضافة نجد أعماال أخرى ألفت في المراحل التالية من
طرف كبار المؤرخين المسلمين .هذه المؤلفات تعطينا معلومات مهمة حول جمع
نص القرآن.
المصادر التي استعملت هي :
-1كتب السيرة النبوية
أقدم الكتب التي َد ِّو نت تفاصيل جمع القرآن هي التراجيم الثالثة المعروفة بكتب
السيرة النبوية
-سيرة رسول هللا لمحمد بن إسحاق (اعتمد عليه بن هشام في تأليف كتاب السيرة
النبوية)
-كتاب الطبقات الكبير لمحمد بن سعد
-كتاب المغازي لمحمد بن عمر الواقدي
-2كتب الحديث
المصادر التالية التي َد ِّو نت حياة محمد وكذا مراحل جمع القرآن تتجلى في كتب
الحديث التي ينظر إليها في األوساط اإلسالمية على أنها تأتي في المرتبة الثانية
بعد القرآن من حيث األهمية و الموثوقية .المؤلفات اآلتية استعملت حين تأليف
هذا الكتاب :
-صحيح البخاري لمحمد بن اسماعيل البخاري
-صحيح مسلم لمسلم بن الحجاج
-سنن بن أبي داوود لسليمان بن أبي داوود
-الجامع الصحيح ألبي عيسى محمد الترمذي
-الموطأ لمالك بن أنس
-السنن الكبرى ألبي بكر أحمد البيهقي
-3كتب التفسير
بعد الفترة التي ظهرت فيها المراجع المذكورة سابقا ُك تب عدد من مؤلفات
التفسير التي كانت بمثابة شروح و تعالييق حول القرآن كتبها كبار المؤرخين
المسلمين .أشهر هذه المؤلفات "جامع البيان في تفسير القرآن" ألبي جعفر
الطبري{ .اسُتفيد من هذا الكتاب بطريقة غير مباشرة من خالل المراجع
الحديثة} رغم أن كتاب الطبري ُقصد به التفسير بالدرجة األولى إال أنه يحتوي
على معلومات بالغة األهمبة حول جمع القرآن في الحقبة األولى .ألشيء نفسه
.نجده في كتب التفسير األولى
لقد كان من الضروري الرجوع إلى الكتابين التاليين نظرا الحتواءهما على
: معلومات بالغة األهمية رغم أنه ال عالقة مباشرة لهما بالتفسير القرآني
كتاب المصاحف البن أبي داوود-
اإلتقان في علوم القرآن لجالل الدين الُسيوطي-
النسخة اللوحيدة المتبقية من كتاب المصاحف توجد حاليا بمكتبة الزاهرية في
Arthur آستنسخ هذا المَؤ لف مرتين و إحدى النسختين آستعملها.دمشق
Materials for the History of the Text of the في نشر كتابهJeffrey
. و هذا هو النص المشار إليه في هذا الكتابQuran
كتب معاصرة تطرقت لموضوع جمع القرآن-4
: بعض الكتب المعاصرة آهتمت بموضوع جمع القرآن نذكر من بينها
-Beeston, A.F.L. & others. Arabic Literature to the End of
the Umayyad Period. Cambridge University Press,
Cambridge, England. 1983.
-Burton, J. The Collection of the Qur'an. Cambridge
University Press, Cambridge, England. 1977. 13
-Jeffery, A. Materials for the History of the Text of the
Qur'an. AMS Press, New York, United States of America.
1975. (E.J. Brill, 1937).
-Jeffery, A. The Qur'an as Scripture. Books for Libraries,
New York, USA. 1980 (1952).
-Noeldeke, T. Geschichte des Qorans. Georg Olms Verlag,
Hildesheim, Germany. 1981 (1909).
-Von Denffer, A. 'Ulum al-Qur'an: An Introduction to the
Sciences of the Qur'an. The Islamic Foundation, Leicester,
England. 1983.
Watt, W.M. Bell's Introduction to the Qur'an. Edinburgh
University Press, Edinburgh, Scotland. 1970.
نشر أصال في ثالث مجلدات غير أنGeschichte des Qorans كتاب
المجلد الثاني.المجلدين الثاني و الثالث هما اللذان لهما عالقة مباشرة بالموضوع
كتب من طرف نولدكه و شفاليDie Sammlung des Qorans تحث عنوان
هذا الجزء يتطًّر ق لموضوع جمع القرآن بمعنى.Nِldecke & Schwally
الذيDie Geschichte des Korantext الكلمة بينما الجزء الثالث المعنون
يتمحور حول كتابةPretzl & Bergstrasser كتبه برتزل و برغشتراسر
الجزءان يتطرقان بشكل مطول إلى نسختي عبد هللا.القرآن و القراءات المختلفة
بن مسعود و أبي بن كعب اللتان أحرقتا بأمر من الخليفة عثمان بسبب آختالفهما
وTextus receptus عن النص القرآني الذي ُأريد له أن يكون نصا رسميا أي
.هذا هو النص الذي آستطاع أن يصل إلينا عبر التاريخ اإلسالمي
مقاالت حول موضوع جمع القرآن-5
التيThe Muslim World لقد رجعنا إلى بعض المقاالت التي نشرت في
. بالواليات المتحدة األمريكيةHartford Seminary Foundation نشرتها
المراجع المذكورة هنا هي تلك التي توجد في المجلدات التي أعيد نشرها من
المقاالت.1966 بنيويورك سنةKraus Reprint Corporation طرف
: المتعلقة بموضوع جمع القرآن و بالمصاحف األولى هي كالتالي
-Caetani, L. Uthman and the Recension of the Koran.
Volume 5, p.380. (1915).
-Jeffery, A. Abu Ubaid on Verses Missing from the Qur'an.
Volume 28, p.61. (1938).
-Jeffery, A. Progress in the Study of the Qur'an Text.
Volume 25. p.4. (1935).
-Margoliouth, D.S. Textual Variations of the Koran. Volume
15, p.334. (1925).
-Mendelsohn, I. The Columbia University Copy of the
Samarqand Kufic Qur'an. Volume 30, p.375. (1940).
-Mingana, A. The Transmission of the Koran. Volume 7,
p.223. (1917).
باإلضافة إلى هذه األعمال سنرجع باستمرار و على الخصوص في المقدمة إلى
: الدراسات التالية التي نشرت في جنوب إفريقيا
-Abdul Kader, A.S. How the Quran was Compiled. Al-
Balaagh, Vol. 11, No.2, Johannesburg, South Africa,
May/June 1986.
-Desai, Maulana. The Quraan Unimpeachable. Mujlisul
Ulama of South Africa, Port Elizabeth, South Africa. May
1987.
-Siddique, Dr. Kaukab. Quran is NOT Allah's Word says
Christian Lay Preacher. Al-Balaagh, Vol. 11, No. 1,
Johannesburg, South Africa. February/March 1986.