Professional Documents
Culture Documents
نحو إقحام نظرية إسلامية في العلاقات الدولية
نحو إقحام نظرية إسلامية في العلاقات الدولية
إعداد
نحو إقحام نظرية إسالمية يف التنظير الدولي :هل هي حاجة ملحة عنوان الدراسة بالعربية
أم ضرورة من ضروريات التكيف؟
2
إخالء مسؤولية
تعكس هذه الورقة تحليالت المؤلف وآراءه ،وال ينبغي أن تُنسب وجهات النظر واآلراء الواردة فيها إلى مركز
المجدد للبحوث والدراسات ،ويعد المؤلف وحده مسؤوالً عن أي أخطاء ترد فيها.
ُ
3
حنو إقحام نظرية إسالمية يف التنظري الدولي
برغــم أن العالقــات الدوليــة كممارســة عمليــة ظهــرت منــذ القــدم ،ومنــذ إنشــاء العالقــات بيــن المجتمعات
البشــرية المختلفــة ،أو كمــا يســميها الرومــان بالعالقــات مــع األجانــب ،Relations with Foreignersغيــر
أن بــوادر بــروزه كعلــم كان مــع بدايــة القــرن ،19ومــع مــرور الوقــت تطــور هــذا العلــم وأصبــح مــن أبــرز الفــروع
التــي يتــم تدريســها يف الجامعــات والمراكــز البحثيــة مــن أجــل دراســة وتحليــل القضايــا والظواهــر السياســية
الدوليــة ،وبــكل أبعادهــا النظريــة والواقعيــة.
ولكــن المتتبــع والــدارس لهــذا العلــم ونظرياتــه ،ســيالحظ وجــود هيمنــة غربيــة عليــه مــن ســياقات
وتحاليــل فكريــة ُبنيــت علــى فلســفة اجتماعيــة غربيــة ،وتأثــرت بتطــور مجتمعاهتــا وســياقاهتا الحضاريــة ،وال تتفق
مــع الســياق التاريخــي والفكــري للحضــارة اإلســامية ،لذلــك يمكــن القــول بــأن نظريــات العالقــات الدوليــة
وفروعهــا هــي «إنتــاج غربــي» ينتمــي إلــى الظواهــر االجتماعيــة الغربيــة مــن حيــث االبســتمولوجيا والنظــرة
الوجوديــة وطــرق وأســاليب البحــث ،وهــذا األمــر يجعلنــا نحــن كمســلمين نستفســر عــن ســبب عــدم إقحــام
الرؤيــة اإلســامية لتحليــل وتفســير القضايــا الدوليــة بالرغــم مــن أهنــا تحمــل الكثيــر مــن المعطيــات اإليجابيــة
المفيــدة لنــا وللعالــم الغربــي أيضــا ســواء كان مــن حيــث التحليــل أو مــن حيــث الواقــع.
ورغــم أن العديــد مــن الباحثيــن يدركــون ذلــك ،غيــر أن إقحــام نظريــة إســامية يف التنظيــر بقيــت حركــة
فرديــة أو محــدودة التأثيــر دون وجــود حافــز أو منطلقــات وأســس تعمــل علــى تجميعهــا وتقنينهــا وتدريســها يف
الجامعــات والمراكــز البحثيــة ال ســيما يف الوقــت الحالــي الــذي كثــر يف ولــوع المغلــوب بالغالــب علــى حــد تعبيــر
ابــن خلــدون ،وعلــى هــذا األســاس فــإن هــذه الورقــة البحثيــة تســعى إلــى النظــر يف هــذا الموضــوع انطالقــا مــن
البحــث يف مــدى الحاجــة إلــى المقاربــة اإلســامية لتفســير وتحليــل العالقــات الدوليــة خاصــة يف الزمــن الحالــي
عــر طــرح التســاؤل اآليت:
-هل يعترب إقحام نظرية إسالمية يف التنظير للعالقات الدولية حاجة ملحة أم ضرورة للتكيف؟
ولإلجابة عن هذا التساؤل سوف يتم التطرق إلى العناصر اآلتية:
-العالقات الدولية وأزمة التنظير
-األسس واالفتراضات األساسية للتصور اإلسالمي حول العالقات الدولية
-أسباب عدم إقحام المقاربة اإلسالمية يف تنظير العالقات الدولية
4
أو ً
ال :العالقات الدولية وأزمة التنظري
منــذ نشــأة العالقــات الدوليــة كحقــل معــريف بــرزت عــدة نظريــات لدراســة السياســات والتفاعــات الدوليــة
بــدء ًا بالمدرســة المثاليــة التــي ظهــرت مــع هنايــة الحــرب العالميــة األولــى ( ،)ww1تلتهــا الواقعيــة أثنــاء هنايــة
الحــرب العالميــة الثانيــة ( ،)ww2ثــم عــدة نظريــات أخــرى تزامــن ظهورهــا مــع أحــداث وتطــورات دوليــة
مختلفــة كالليرباليــة الجديــدة والنظريــات مــا بعــد الوضعيــة ،ورغــم هــذه الجهــود البحثيــة واســتحداث العديــد من
المفاهيــم واالفرتاضــات ووحــدات التحليــل التــي ترجمــت يف شــكل نظريــات عديــدة لتفســير الواقــع الدولــي ،إال
أن التنظيــر يف العالقــات الدوليــة ال يــزال إلــى غايــة اليــوم يعــاين مــن عــدة إشــكاليات وصعوبــات يمكــن تحديدهــا
علــى النحــو اآليت:
-أزمــة التنبــؤ ( :)Prediction Crisisيجمــع باحثــو وعلمــاء العالقــات الدوليــة بــأن التنبــؤ بالوقائــع
واألحــداث الدوليــة يعنــي اســتباق ومعرفــة مــا ســيحصل مســتقبالً مــن ســلوكيات وتفاعــات وأحــداث يف
الواقــع الدولــي ،وربمــا يعتــر التنبــؤ الهاجــس والتحــدي األكــر الــذي تراهــن عليــه نظريــات العالقــات الدوليــة
ال ســيما بعــد فشــل منظوراهتــا الكــرى يف التنبــؤ بأحــداث مهمــة يف العالقــات الدوليــة مثــل تفــكك االتحــاد
الســوفيايت( )USSRوهنايــة الحــرب البــاردة ( ، )CWوهــو فشــل اعــرف بــه الكثيــر مــن منظــري العالقــات
الدوليــة أمثــال «جيمــس روزنــو» James Rosenauالــذي يقــول« :إنــه ليــس فقــط يف حقــل العالقــات الدوليــة
فشــلنا يف التنبــؤ بنهايــة الحــرب البــاردة ،ولكننــا أيضــا فشــلنا يف االســتفادة والتعلــم مــن أخطائنــا»((( ،ويرجــع
ذلــك إلــى عــدة أســباب مــن بينهــا عمــر التنبــؤ وأســاليب المنهــج العلمــي الــذي ال يــزال يف مراحــل مبكــرة يف
هــذا التخصــص مقارنــة بالعلــوم الطبيعيــة والرياضيــة ،وتركيــز باحثــي العالقــات الدوليــة علــى التاريــخ والوصــف
وتحليــل مــا هــو كائــن إلعطــاء مــررات وشــرح مــا يحــدث ويحصــل مــن تفاعــات وأحــداث يف العالقــات
الدوليــة ،وهــذا جانــب ُينتقــد عليــه كثيــر ًا باحثــو ومنظــرو العالقــات الدوليــة ،ألن هــدف أي علــم كمــا يعتــر
«هانــز رايخنبــاخ» Hans Reichenbachهــو محاولــة الوصــول إلــى المعرفــة القبليــة ،حيــث يقــول « :إن
هــدف المعرفــة العلميــة هــو المعرفــة التنبئيــة بمــا ســيحدث إذا تحققــت شــروط معينــة»(((.
وقــد يــرر البعــض عــدم الرتكيــز علــى التنبــؤ يف العالقــات الدوليــة بأنــه علــم نســبي ليــس أســتاتيكي بــل
متحــرك كثيــر ًا ،ويتضمــن الكثيــر مــن المســتجدات والتحــوالت الســريعة ،لذلــك فهــو يتطــب تكتيــكات جديــدة
((( هانز رايخنباخ ،نشأة الفلسفة العلمية ،تر :فؤاد زكرياء ،القاهرة :مؤسسة هنداوي ،2017 ،ص .215
(2) Rosenau James, Interpreting Change and Anomalies in World Politics , Europen Journal of Inter-
national Relations, v 1, p3-11.
5
حنو إقحام نظرية إسالمية يف التنظري الدولي
يجــب أن يتــم دراســتها بشــكل دقيــق ،دون الرجــوع كثيــر ًا إلــى التكتيــكات التــي اعتــادت نظريــات العالقــات
الدوليــة اســتخدامها ،وهــذا األمــر ليــس ســهالً ،فهــو ليــس محــل إجمــاع ألن كل مدرســة فيهــا عــدة منظريــن ،وكل
منظــر فيهــا يناصــر قيمــا وأســاليب وتكتيــكات بحثيــة معينــة ،ومــن هنــا فــإن عمليــة التنبــؤ يف العالقــات الدوليــة
يعارضهــا العديــد مــن المفكريــن «كــــديفيد ســينغر» David Singerالــذي يــرى أن «الهــدف األساســي مــن
وراء كل البحــوث العلميــة هــو التحليــل والشــرح»(((.
-أزمــة التعدديــة ( :)Plurality Crisisيشــهد حقــل العالقــات الدوليــة مــن حيــث التنظيــر أكثــر مــن أي
وقــت مضــى منــذ نشــأته مــن كثــرة وتعــدد النظريــات ،ويــرى يف هــذا الجانــب العديــد مــن المفكريــن أمثــال «كال
هولســتي» Kal Holstiو «روبــرت كيوهيــن» Robert Keohaneبــأن ذلــك مضــر بحقل العالقــات الدولية،
وهــو دليــل علــى غيــاب برنامــج بحثــي خــاص بــه ،وأطــر علميــة منظمــة ترســم الخطــوط األساســية للمجــال بــدل
تجــاوزه واســتعارة نظريــات مــن العلــوم االجتماعية والفلســفة واالقتصــاد ،ألن علــم العالقــات الدوليــة ليــس
ســوق مفتــوح لــكل األفــكار ،An open market for all ideasفكثــرة األفــكار والنظريــات المســتعارة
مــن العلــوم األخــرى تزيــد مــن نســبة التشــكيك فيمــا إذا كان التخصــص يعــاين مــن أزمــة هويــة ،والتســاؤل حــول
مــدى اســتقالليته كحقــل معــريف((( ،ويقــول هولســتي يف هــذا الصــدد« :مــن الصعــب القــول بــأن هنــاك جوهــر
خــاص بالمجــال ،...يجــب أن يكــون مجالنــا يف األســاس مهتمــا بالعالقــات الدوليــة بيــن الــدول ،وبالعالقــات
بيــن المجتمعــات والجهــات الفاعلــة مــن غيــر الــدول ،وبالمــدى الــذي تــؤدي فيــه هــذه العالقــات إلــى المســاس
بالعالقــات بيــن الــدول والتأثيــر فيهــا ،وعندمــا نذهــب بعيــد ًا متجاوزيــن هــذه البطاقــات ،فإننــا ندخــل يف مجــاالت
علــم االجتمــاع ،والعلــوم اإلنســانية ،وعلــم النفــس ،وأفضــل مــن يتناولهــا هــم األشــخاص المختصــون هبــذه
التخصصــات»(((.
ومــن ناحيــة أخــرى فــإن هــذا التعــدد قــد يشــتت الباحــث ،ويجعلــه يواجــه مشــكالت جوهريــة حــول كيفيــة
اختيــار النظريــة األنســب مــن بيــن النظريــات المتنافســة لتفســير واقــع أو حــدث معيــن ،وربمــا هــذا األمــر علــى
عكــس رؤيتــي هولســتي وكيوهيــن يعتقــد فيــه ســتيفن ســميث بأنــه ظاهــرة صحيــة ،ألن كثــرة النظريــات وتعددهــا
يف العالقــات الدوليــة تفتــح المجــال األكثــر لمناقشــة األفــكار المطروحــة ،وتصــوب العديــد مــن االعتبــارات
واالفرتاضــات التقليديــة الخاطئــة ،وتســاهم يف فهــم العالــم المتعــدد الطبقــات والمعقــد ثقافيــا(((.
((( خالد حامد شنيكات ،وغالب عبد عربيات ،التنبؤ يف العالقات الدولية دراسة يف األدبيات النظرية ،مجلة دراسات العلوم اإلنسانية
واالجتماعية ،المجلد ،39العدد ،2012 ،3ص .603-602
((( زينب فريح ،إشكالية النظير يف حقل العالقات الدولية ،مجلة المفكر ،المجلد ،15العدد ،2ماي ،2020ص .263-262
((( تيم دار ،ميليا كوركين وستيف سميث ،نظريات العالقات الدولية التخصص والتنوع ،تر :ديما الخضرا ،الدوحة :المركز العربي
لألبحاث ودراسة السياسات ،2016 ،ص .57-55
((( زينب فريح ،مرجع سابق ،ص .263
6
-أزمــة التحيــز المعــريف ( :)Cognitive Biasالتحيــز يف النظريــة كمــا هــو واضــح مــن الكلمــة هــو الميــل
لطــرف مــا ،والتأثيــر علــى ســير النظريــة وافرتاضاهتــا ونتائجهــا مــن أجــل الوصــول إلــى تحاليــل وتعابيــر بعيــدة عــن
الموضوعية والمصداقيــة ،إذ يهــدف إلــى خدمــة إحــدى أنــواع المصالــح ،وقــد يظهــر التحيــز أحيانــا ربمــا نتيجــة
لخطــأ غيــر مقصــود ،وقــد يكــون مقصــود ًا لخدمــة أديولوجيــا أو سياســة دولــة عــر طــرح افرتاضــات ومفاهيــم
تــرى فيهــا أن المقاربــة الصحيحــة التــي يمكــن مــن خاللهــا شــرح وتفســير الوقائــع هــي مقاربتهــا ،و ُيشــبه األمــر بمــا
يســميه العديــد مــن الباحثيــن يف األوســاط العلميــة بفــخ «تكســاس الماهــر».(1)(2)The Texas Sharpshooter
ويعــاين حقــل العالقــات الدوليــة مــن مشــكلة التحيــز بشــكل كبيــر ،فكثيــر ًا مــا يختــار الباحثــون الغربيــون
واآلبــاء المؤسســون للحقــل العقيــدة واأليدلوجيــا الليرباليــة أو حتــى االشــراكية – الباحثــون الــروس والمتأثــرون
بالفكــر الماركســي ،-ويحاولــون الرتويــج لــكل مقاربــة علــى أســاس أهنــا النمــوذج المعــريف المناســب لتربيــر
وتحليــل التفاعــات والسياســات الدوليــة.
-أزمــة التعميــم ( :)generalization crisisبمعنــى عجــز الباحثيــن عــن إيجــاد نظريــات علمية شــاملة
يف حقــل العالقــات الدوليــة يمكــن مــن خاللهــا تفســير مختلــف للظواهــر والوقائــع الموجــودة يف بيئــات محتلفــة
مــن حيــث الزمــان والمــكان ،وبــدل التعميــم فــإن الــدارس والراصــد جيــد ًا لمجــال التنظيــر يف العالقــات الدوليــة
ســيالحظ محاولــة فــرض للنمــوذج الغربــي كنظريــات لتفســير الظواهــر الدوليــة علــى حســاب تصــورات مفكريــن
مســلمين وصينييــن وغيرهــم ،ألن المعرفــة أصبــح يســطرها القــوي ويهنــدس النتشــارها((( ،وقــد يدعــي الغــرب
هنــا يف العديــد مــن األحيــان بأنــه عالمــي يف تفســير ســلوك وتفاعــات الــدول ذات الســمات المختلفــة يف النظــام
الدولــي ،ومــع ذلــك فــإن هــذا التفســير الغربــي المركــزي يعكــس ثقافتهــا ويتجاهــل الــراث الثقــايف والحضــاري
وتاريــخ الشــعوب غيــر الغربيــة ،فعلــى ســبيل المثــال مرتكــزات وافرتاضــات بعــض النظريــات كالنظريــة الواقعيــة
قــد تصلــح لتفســير ســلوك القــوى الدوليــة المهيمنــة ،وال تصلــح لتفســير ســلوكات الــدول الضغيفــة(((.
((( أسطور قناص تكساس الماهر تحكي عن رام أحمق يقوم بإطالق عشوائي على الجدار الجانبي إلسطبل ،ويرسم دائرة الهدف حول
المكان الذي أصابه ،ثم يشير بكل فخر إلى نجاحه بإصابة الهدف ،و ُيضرب به المثل يف األوساط العلمية للباحثين الذي يحاولون توجيه
البحث وفق إيدلوجيتهم .للمزيد انظر:
J.L.H. Hans Evers, The Texas Sharpshooter Fallacy, Human Reproduction, Vol, 32, N 7, 2017, P1363.
(2) Ibidem.
((( جندلي عبد الناصر ،التنظير يف العالقات الدولية بين االتجاهات التفسيرية والنظريات التكوينية ،الجزائر :دار الخلدونية،2007 ،
ص.37-36
(4) Kasim Timur, Neden bir İslam Uluslararası ilişkiler Teorisi yoktur ? Akademik Ariştirma Dergisi,
Cilt 17 , Sayı 1, 2017, S 177,
7
حنو إقحام نظرية إسالمية يف التنظري الدولي
((( صالح عبد الرحمان حصين ،العالقات الدولية بين منهج اإلسالم والمنهج الحضاري المعاصر ،محاضرة منشورة قدمت يف مجمع الفقه
اإلسالمي ،جدة 3 ،جانفي ،2005ص .3
(2) Kasim Tımour, Op, Cıt, p 180 .
8
لــو دخلــوا جحــر ضــب لدخلتمــوه ،قالــوا اليهــود والنصــارى؟ قــال فمــن؟» ،لكــن ال بــد مــن اإلشــارة أن ذلــك
ال يعنــي مقاطعاهتــم ،فلقــد أشــار اإلســام إلــى عــدة نقــاط لتنظيــم العالقــات بيــن المســلمين وغيــر المســلمين،
انطالقــا مــن العــدل((( ،ألن العــدل هــو القاعــدة األساســيىة التــي ينطلــق منهــا اإلســام يف تعامالتــه مــع الشــعوب
األخــرى ســواء كان يف حالــة الصداقــة أو العــداوة ،حيــث يقــول اهلل تعالــىَ « :يــا َأ ُّي َهــا ا َّل ِذي ـ َن آ َمنُــوا كُو ُنــوا َق َّوامِي ـ َن
ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ
اهَّلل إِ َّن َ
اهَّلل َخبِيـ ٌـر ـى َأ َّل َت ْعد ُلــوا ا ْعد ُلــوا ُهـ َـو َأ ْقـ َـر ُب لل َّت ْقـ َـو ٰى ۖ َوا َّت ُقــوا َ
َآن َقـ ْـو ٍم َع َلـ ٰ ل َّلــه ُشـ َـهدَ ا َء بِا ْلق ْســط ۖ َو َل َي ْج ِر َمنَّ ُكـ ْ
ـم َشـن ُ
بِ َمــا َت ْع َم ُل َ
ون»ســورة المائــدة ،اآليــة .8
كمــا يولــي اإلســام أهميــة كبيــرة يف العمــل علــى نصــرة المظلــوم والحفــاظ علــى حقــوق غيــر المســلمين
الذيــن ال يقاتلوهنــم ،ويــرى أنــه ال بــد مــن اإلحســان إليهــم ،ألن األصــل يف اإلســام أنــه ديــن دعــوة ال يفــرق بيــن
النــاس ليــزرع البغضــاء والعــداوة ،أو ليشــجع علــى ســفك الدمــاء ،أو ليقطــع الروابــط اإلنســانية.
ويف حالــة الحــرب علــى المســلمين والمهاجمــة عليهــم باللســان أو الفعــل بــأي شــكل مــن األشــكال،
فيجــب علــى المســلمين االتحــاد والتكتــل والدفــاع عــن أنفســهم ضــد أي اعتــداء ،بــل وردع المعتديــن ،ومــع هــذا
فــإن اإلســام ســن يف هــذه الحالــة قواعــد الرحمــة يف الحــرب ،والتــي تتضمــن عــدم إباحــة قتــل النســاء والصبيــان
والعاجزيــن ورجــال الديــن ،وكل مــن لــم يشــارك يف القتــال ســواء كان باللســان أو الســاح ،ويف حالــة انتصــار
المســلمين علــى المعاديــن مــن غيــر المســلمين يصبحــون أهــل ذمــة ويفــرض عليهــم الجزيــة مــع ضــرورة االلتــزام
ببنــود العهــد واألحــكام الجاريــة لهــذه لخدمــات العامــة التــي ســيتحصلون عليهــا.
وبالتالــي فــإن اإلســام يدعــو إلــى مســالمة كل مــن ســالمهم ومحاربــة كل مــن حارهبــم –المعاملــة
بالمثــل ،-ولقــد أســس يف ســبيل ذلــك داريــن للتعامــل مــع شــعوب العالــم ،وهمــا :دار للســلم ودار للحــرب،
إذ تعنــي األولــى الــدار التــي يغلــب عليهــا حكــم اإلســام ،أي تســير وفــق ضوابــط وأحــكام اإلســام يف مختلــف
المجــاالت وتختــص بالعالقــات مــع الشــعوب المســلمة ،أمــا الثانيــة فتعنــي أنظمــة المشــركين التــي تكــون فيهــا
الغلبــة والســيادة لهــم ،وتختــص بعالقــة المســلمين بالكفــار والشــعوب المعاديــة لهــم((( ،وهنــاك مــن يضيــف دار
العهــد أو مــا يســمى بــدار الموادعــة ،وتنفــرد هــذه الــدار بعالقــة المســلمين بغيــر المســلمين الذيــن ارتبطــوا معهــم
بعهــد(((.
((( علي عبد اهلل بن غليون ،أسس العالقات الدولية يف اإلسالم من خالل وثيقة المدينة ،مجلة البحوث األكاديمية ،ص .121-119
((( عبد اهلل بن محمد السفياين ،دار اإلسالم ودار الحرب ،وأصل العالقة بينهما ،رسالة مقدمة لنيل درجة الماجستير ،فرع الفقه ،كلية
الشريعة والدراسات اإلسالمية ،جامعة الملك عبد العزيز ،1981 ،ص .18-16
((( لحرش أسعد المحاسن ،قريقر فتيحة ،مجلة أنثربولوجيا األديان ،المجلد ،9العدد ،1جانفي ،2013ص .112
9
حنو إقحام نظرية إسالمية يف التنظري الدولي
-التعــاون اإلنســاين :إن التعــاون يف اإلســام مبــدأ عــام ومهــم جــد ًا كمــا قــرره القــرآن الكريــم ،فقــد جــاء يف
ســورة المائــدة الحــث علــى التعــاون المطلــق علــى الخيــر ،وتجنــب التعــاون علــى الظلــم واإلثــم والعــدوان يف
اهَّلل َشـ ِـديدُ ا ْل ِع َقـ ِ
ـاب « اهَّلل ۖ إِ َّن َ
ِ او ُنــوا َع َلــى ْ ِ
ال ْثـ ِ
ـم َوا ْل ُعــدْ َوان َوا َّت ُقــوا َ او ُنــوا َع َلــى ا ْلبِـ ِّـر َوال َّت ْقـ َـو ٰى ۖ َو َل َت َع َ
قولــه تعالــىَ :و َت َع َ
ســورة المائــدة اآليــة ،2ولقــد دعــا النبــي صلــى اهلل عليــه وســلم أيضــا بالعمــل والقــول إلــى التعــاون يف العالقــات
بيــن الشــعوب واألقاليــم فيمــا بينهــا علــى عــدة مســتويات ،وهــو مــا يســمى اليــوم بـــــ« :التعــاون الدولــي» ،ولقــد
اعتــره مــن أســس التعايــش الســلمي بيــن القبائــل واألمــم فيمــا بينهــا.
وفكــرة التعــاون التــي حــث عليهــا رســول اهلل ال تقتصــر علــى المســلمين فقــط كمــا يعتربهــا البعــض ،بــل
هــي شــاملة ،فلقــد بيــن النبــي صلــى اهلل عليــه وســلم بــأن اهلل يمــد القــوة لــكل مــن يقــوم بمســاندة ومعاونــة المحتاج
وأخــاه اإلنســان يف أي إقليــم أو موطــن يف قولــه « :واهلل يف عــون العبــد مــا دام العبــد يف عــون أخيــه» ،ولــم يعــن
األخ المســلم فقــط ،بــل عممــه مشــير ًا بذلــك إلــى األخــوة اإلنســانية التــي تنــادي هبــا اليــوم الكثيــر مــن المنظمــات
الحقوقيــة والمنظمــات اإلنســانية غيــر الحكوميــة علــى المســتوى الدولــي(((.
-المــودة بيــن النــاس ونبــذ التفرقــة أو التمييــز بــأي شــكل مــن األشــكال :يعتــر اإلســام النــاس جميعــا أمــة
واحــدة ال تفرقهــا ألــوان البشــر وال الجغرافيــا ،وال النســب أو الجنســية ،وإذا اختلفــت األديــان فــإن أهــل كل ديــن
لهــم أن يدعــوا إلــى دينهــم بالحكمــة والموعظــة والحجــة مــن غيــر نقــص أو إكــراه.
وإذا كان النــاس أمــة واحــدة فــإن األخــوة اإلنســانية ثابتــة يجــب وصلهــا ،وال يصــح قطعهــا ،ولقــد أمــر اهلل
ســبحانه وتعالــى القلــوب بالمــودة ،واإلســام ال ينهــي عــن بــر كل مــن ال يعتــدي علــى المســلمين ،ولقــد تــم
التصريــح بذلــك يف عــدة آيــات قرآنيــة ،فالــر ثابــت للمســلم وغيــر المســلم ،كمــا أن المــودة الموصلــة ال يقطعهــا
الحــرب ،وال النــزاع واالقتتــال ،فقــد روي أنــه يف مــدة الحديبيــة بلــغ النبــي صلــى اهلل عليــه وســلم أن قريشــا
أصابتهــم جائحــة ،فأرســل مــع حاطــب بــن أبــي بليعــة إلــى أبــي ســفيان 500دينــار ليشــري هبــا قمحــا ،ويوزعهــا
علــى فقــراء قريــش(((.
-الوفــاء بالعهــد والمعاملــة بالمثــل :لقــد دعــا اإلســام إلــى الســام ،وقــد حــث اهلل المســلمين علــى األخــذ
ـح َل َهــا َو َتـ َـوك َّْل َع َلــى اهَّللِ إِ َّنـ ُه ُهـ َـو لسـ ْل ِم َف ْ
اجنَـ ْ
ِ
«وإِن َجن َُحــوا ل َّ
بالســلم إذا مــال أعــداء المســلمين لــه(((يف قولــه تعالــىَ :
ــم ُ ِ الس ِ
يــم» ،ســورة األنفــال ،اآليــة .62 ،61والســبيل الســتقرار الســام ودوام األمــان هــو المعاهــدات يع ا ْل َعل ُ َّ
واالتفاقيــات التــي تنــص علــى وقــف االقتتــال وتنظيــم العالقــات بيــن المســلمين والشــعوب األخــرى ،وهــي ال
((( محمد أبو زهرة ،العالقات الدولية يف اإلسالم ،القاهرة :دار الفكر العربي ،1995 ،ص .26-25
((( المرجع نفسه ،ص .45-44
((( المرجع نفسه ،ص .42
10
تســتمد قوهتــا فقــط مــن نصوصهــا ،بــل مــن عزيمــة عاقديهــا علــى مــدى التزامهــم بالوفــاء ،ولذلــك حــث القــرآن
الكريــم علــى الوفــاء ،واعتــر الوفــاء بالعهــد والميثــاق بــه قــوة ،واإلخــال بــه ضعفــا.
ولقــد حــث النبــي صلــى اهلل عليــه وســلم يف الكثيــر مــن األحاديــث المرويــة علــى الوفــاء بالعهــد الــذي
يهــدف إلــى الجنــوح يف الســلم وتنظيــم العالقــات الدوليــة ،وقــد قــال عليــه الصــاة والســام« :أال أخربكــم
بخياركــم؟ خياركــم الموفــون بعهودهــم» ،وال عيــب أن يقــوم المســلمين ببنــاء معاهــدات مــع الشــعوب األخــرى
(((
والوفــاء هبــا وفــق شــروط معينــة يف عــدة مجــاالت كالتجــارة واالســتثمار ،...وغيــر ذلــك.
وعــن المعاملــة بالمثــل فهــذا المبــدأ يمكــن اعتبــاره بأنــه متشــعب مــن العدالــة ،وغيــر منفصــل عنهــا ،وهــو
مبــدأ راســخ يف تعامــات المســلمين مــع الشــعوب األخــرى ،وقــد قــال النبــي صلــى اهلل عليــه وســلم عنــه« :عامــل
النــاس بمــا تحــب أن يعاملــوك بــه» ،وبمقتضــى هــذا القانــون يجــب علــى القائــد المســلم أن يعامــل مــن يعتــدي
عليــه بالمثــل دون زيــادة إذا كان هــذا االعتــداء ظلمــا وعدوانــا ،ودون تجــاوز حــدود مــا أوصــى بــه كل مــن الفقــه
والديــن يف هــذا الجانــب ،وإذا ســالم القائــد المســلم غيــر المســلمين فــا يحــق للمســلمين شــن حــرب عليهــم أو
اإلســاءة إليهــم ،وإنمــا يجــب معاملتهــم بطريقــة جيــدة وحســنة(((.
وممــا ســبق نســتنتج أن االفرتاضــات والمفاهيــم التــي روج لهــا الفكــر والفقه اإلســامي حول عالقــة الدول
المســلمة بالشــعوب األخــرى أقــرب إلــى المثاليــة ،فاإلســام مدرســة لألخــاق يدعــو إلــى الســلم والمســامحة
والرتيــث والمــودة بيــن الشــعوب ،وتعزيــز التعــاون بينهــم يف عــدة مجــاالت ،ونبــذ الحــروب مهمــا كان نوعهــا،
فهــي أمــر مكــره قــد يحــدث يف إطــار الدفــاع عــن النفــس ورد االعتــداء ونصــرة المظلوميــن ،وبذلــك فهــو يســبق
الفكــر القانــوين والمثالــي الــذي أســس لــه الغــرب بعــدة قــرون بعــد الحــرب العالميــة األولــى يف محاولــة منهــم
ألخلقــة العالقــات الدوليــة ومأسســتها وتجــاوز الصراعــات والحــروب الداميــة التــي حدثــت أثنــاء هــذه الحــرب
العالميــة.
11
حنو إقحام نظرية إسالمية يف التنظري الدولي
لحقــل العالقــات الدوليــة يف العالــم اإلســامي والعربــي ،نظــر ًا لتبعيتــه للغــرب بشــكل كبيــر علــى المســتوى
االبســتمولوجي واألنطولوجــي والمنهجــي ،حتــى أن بعــض الباحثيــن وصــف هــذا بــــ« :جنــون التقليــد» أو
«النســخ األعمــى لمناهــج المعرفــة الغربيــة» دون أدنــى تســاؤل أو مراجعــة ذاتيــة نقديــة حــول طبيعتهــا وســياقها
الثقــايف ،خاصــة وأهنــا ال تنطبــق علــى المجتمعــات المســلمة التــي تختلــف اختالفــا جذريــا عــن مجتمعــات
العالــم الغربــي.
ولربمــا أحــد أســباب ذلــك هــو ولــوع المغلــوب بالغالــب كمــا يســميه ابــن خلــدون أو كمــا يصطلــح عليــه
مالــك بــن نبــي بالشــلل يف جهــاز الحصانــة الفكريــة لــدى العالــم العربــي واإلســامي(((.
ولقــد وصــف مالــك بــن نبــي ذلــك أحســن توصيــف يف كتابــه «وجهــة العالــم اإلســامي» بقولــه :إن الحركــة
الثقافيــة اإلســامية الحديثــة ليــس لهــا يف الواقــع نظريــة محــددة ،ال يف أهدافهــا وال يف وســائلها ،واألمــر بعــد هــذا
ال يعــدو أن يكــون غرامــا بالممســتحدثات ،فســبيلها الوحيــد هــو أن تجعــل المســلم (زبونــا) مقلــد ًا – دون
أصالــة -لحضــارة غربيــة تفتــح أبــواب متاجرهــا أكثــر مــن أن تفتــح أبــواب مدارســها ،مخافــة أن يتعلــم التالميــذ
وســائل اســتخدام مواهبهــم يف تحقيــق مآرهبــم(((.
الســبب الثــاين يف عــدم إقحــام النظريــة اإلســامية هــو معضلــة المــكان والزمــان ،لكــن الســؤال المطــروح
هنــا كيــف؟
مــن المفيــد جــد ًا قبــل التعامــل مــع معضلــة الزمــان والمــكان يف ســياق الفكــر والمقاربــات اإلســامية
التــي تخــص العالقــات بيــن الفواعــل الدوليــة توضيــح طبيعــة هــذه المعضلــة ،فبنيــة ولــب المؤسســات والنظــم
السياســية واالجتماعيــة والعالقــات بيــن الشــعوب األخــرى يف أي لحظــة زمانية ومكانيــة معينة تعكــس المتطلبات
والظــروف واألســباب المنطقيــة وراء تلــك الفــرة بحــد ذاهتــا ،لكــن بقــاء هــذه المؤسســات واألفــكار حبيســة
زمــن ومــكان معيــن ســيؤدي إلــى تراكمــات وفشــل ،وكذلــك متطلبــات جديــدة ،وهــذا واقــع بعــض االجتهــادات
البحثيــة يف العالــم اإلســامي الــذي مــازال باحثــوه يربطــون يف الكثيــر مــن األحيــان التعقيــد والتشــابك يف عــدة
مجــاالت علــى المســتوى الدولــي بســياق فكــري تقليــدي جــد ًا دون بعــث حيــاة جديــدة للفكــر اإلســامي يف
العالقــات الدوليــة بطريقــة أكثــر تحليـاً وتفصيـاً ،وهــذا األمــر أيضــا كان مــن أحــد األســباب التــي أدت بالعالــم
اإلســامي إلــى اســتعارة الكثيــر مــن األفــكار واأليدلوجيــات واألنظمــة األجنبيــة ،وعلــى إثرهــا تحولــت حيــاة
((( هو تعبير تحدث عن مالك بن نبي يف كتابه القضايا الكربى ،عندما وصف العالم اإلسالمي بأنه أصبح يعاين مركب نقص محسوس حيال
ثقافته وهويته وشلل شبه تام يف جهاز الحصانة الفكرية ،وذلك أثناء حديثه عن آثار المسرتقين على الفكر اإلسالمي .للمزيد انظر :مالك
بن نبي ،القضايا الكربى ،دمشق :دار الفكر ،1991 ،ص .170
((( مالك بن نبي ،وجهة العالم اإلسالمي ،تر :عبد الصبور شاهين ،دمشق :دار الفكر ،1986 ،ص .71
12
نخبهــا مــا يشــبه المســرحية((( التــي تلعــب فيهــا النخبــة المثقفــة دور الدكتــور جيــكل والســيد هايــد ،فبينمــا يحتكــم
ويلجــأ هــؤالء تــار ًة إلــى البواعــث والحوافــز اإلســامية نجــد أهنــم يف أوقــات أخــرى يذعنــون للضغــوط األجنبيــة
أو ُيحتــم عليهــم االصطفــاف لخدمــة فكــر أنظمتهــم يف الشــأن الدولــي المســتوحى مــن األطــر الفكريــة الغربيــة(((.
الســبب الثالــث يتضمــن طبيعــة البحــث يف العالقــات الدوليــة وغيــاب المنهجيــة اإلمربيقيــة ،فمــا يالحــظ
يف العالــم اإلســامي أن الكثيــر مــن الباحثيــن الذيــن يحاولــون تفســير وتحليــل األحــداث الدوليــة يعتمــدون علــى
االســتنباط – االنتقــال مــن الــكل إلــى الجــزء -كطريقــة أساســية يف تحصيــل المعرفــة ويف اإلبقــاء علــى النظــام
االجتماعــي المتوافــق مــع أحــكام الشــريعة اإلســامية يف عالقاتــه الداخليــة والخارجيــة ،وهــذا ال ينطبــق فقــط
علــى حــق العالقــات الدوليــة بــل ميــدان العلــوم االجتماعيــة واإلنســانية بصفــة عامــة عكــس العلــوم الطبيعيــة
والدقيقــة كالطــب والرياضيــات التــي اعتمــد فيهــا المســلمين علــى العقــل والتجريــة واالســتنباط واالســتقراء،
ونتيجــة لذلــك فــإن لغيــاب التجريــب والحــس االســتقصائي الرامــي إلــى فهــم طبيعــة الظاهــرة الدوليــة ،جعــل
الباحثــون اإلســاميون متأخريــن يف هــذا الجانــب مقارنــة بالعالــم الغربــي ،وهــو مــن أحــد األســباب التــي جعلــت
األوســاط األكاديميــة والرســمية تفضــل المقاربــات الغربيــة علــى حســاهبا يف الكثيــر مــن األحيــان وســاهم يف عــدم
إقحامهــا كمجــال نظــري يف العالقــات الدوليــة(((.
أمــا عــن الســبب الرابــع فهــو يتعلــق بالمركزيــة الغربيــة المنتجــة للنظريــات يف العالقــات الدوليــة ،خاصــة
وأهنــا أصبحــت أحــد البدائــل النظريــة المطروحــة بقــوة لتفســير الواقــع الدولــي بعــد هنايــة الحــرب البــاردة،
ويرجــع ذلــك المتــاك الغــرب متغيــر القــوة يف عــدة مجــاالت ،إذ تتجلــى هــذه المركزيــة بالســيطرة علــى التنظيــر
يف العالقــات الدوليــة عــر طــرح مجموعــة مــن الصفــات واالفرتاضــات والمفاهيــم تعكــس الدعائــم األساســية
للهويــة الغربيــة ،وتحــاول الرتويــج لهــا انطالقــا مــن فــرض لغــة «نحــن» دون اإلحاطــة باآلخريــن – الباحثيــن
الخارجيــن عــن دائــرة الغــرب.(((-
وألن القــوة أيضــا هــي التــي تصنــع المعرفــة فالمالحــظ بــأن الركائــز الفكريــة الغربيــة يف مجــال التنظيــر
بالعالقــات الدوليــة هــي التــي فرضــت نفســها ليــس فقــط يف العالــم اإلســامي ،بــل يف كل العالــم ،وبالتالــي فــإن
إقحــام المحــاوالت واالجتهــادات البحثيــة اإلســامية بســبب المركزيــة الغربيــة أمــر صعــب نوعــا مــا.
((( الدكتور جيكل والسيد هايد رواية خيالية اشتهرت لعدة أسباب من أبرزها مأساة أن يعيش اإلنسان شخصيتين يف آن واحد إلى درجة تؤدي
سيطرة إحدى الشخصيتين على األخرى عواقب وخيمة ،بمعنى أن أي إنسان يحمل يف داخله أكثر من شخصية ،ويسمى هذا المرض النفسي
بلغة أهل العلم بالفصام يف الشخصية .للمزيد انظر :عبد الحميد أبو سليمان ،النظرية اإلسالمية للعالقات الدولية ،ددن ،ص .146
((( المرجع نفسه ،ص .147-145
((( المرجع نفس ،ص .171
((( بلخيرة محمد ،برديغمات العالقات الدولية المعاصرة :المركزية الغربية نموذجًا ،األكاديمية للدراسات االجتماعية واإلنسانية ،العدد
،10جوان ،ص 82-77
13
حنو إقحام نظرية إسالمية يف التنظري الدولي
خامتة
ويف األخيــر يمكــن القــول بــأن مســألة إقحــام النظريــة اإلســامية يف العالقــات الدوليــة مــن أجــل تفســير
وتحليــل الوقائــع والظواهــر السياســية الدوليــة هــو أمــر ضــروري أكثــر مــن أي وقــت مضــى ،ألن هــذه النظريــة
واألفــكار الموجــودة فيهــا تالمــس الواقــع االجتماعــي والسياســي اإلســامي ،وترتبــط بمنظومــة القيــم التــي
يعيشــها الفــرد واألمــم المســلمة منــذ القــدم ،ومحاولــة تفســير وتحليــل الوقائــع الحاصلــة يف العالــم اإلســامي
انطالقــا مــن االعتمــاد علــى النظريــات الغربيــة هــو شــبيه بمحاولــة طبيــب معالجــة شــخص مريــض دون التعــرف
علــى أعراضــه أو فهــم مــا أصابــه مــن داء جيــد ًا.
وإلقحــام هــذه النظريــة أعتقــد أنــه ال بــد مــن التخلــص مــن فكــرة أن يكــون العالــم اإلســامي بمثابــة زبــون
مقلــد ومســتورد فقــط ألفــكار الغــرب ،وذلــك مــن خــال إعــادة النظــر يف مســألة اجــرار وتكــرار كل مــا يأتينــا مــن
أفــكار مــن العالــم الغربــي ،ومحاولــة إنتــاج أفــكار أخــرى مصدرهــا ثقافتنــا وديننــا وتطويرهــا ،وكذلــك المســاهمة
يف ابتــكار وســائل وأدوات جديــدة وفرضهــا كمناهــج تعليميــة يف الجامعــات والمراكــز ،وجعلهــا كقاعــدة معرفيــة
يســتعين هبــا موظفــي وزارة الخارجيــة وصنــاع القــرار ألداء مهامهــم يف الواقــع الدولــي اليــوم.
14
قائمة املراجع
أو ً
ال :باللغة العربية:
1.1بلخيــرة محمــد ،برديغمــات العالقــات الدوليــة المعاصــرة :المركزيــة الغربيــة نموذجــا ،األكاديميــة
للدراســات االجتماعيــة واإلنســانية ،العــدد ،10جــوان ،ص 82-77
2.2تيــم دار ،ميليــا كوركيــن وســتيف ســميث ،نظريــات العالقــات الدوليــة التخصــص والتنــوع ،تــر :ديمــا
الخضــرا ،الدوحــة :المركــز العربــي لألبحــاث ودراســة السياســات.2016 ،
3.3جندلــي عبــد الناصــر ،التنظيــر يف العالقــات الدوليــة بيــن االتجاهــات التفســيرية والنظريــات التكوينيــة،
الجزائــر :دار الخلدونيــة.2007 ،
4.4خالــد حامــد شــنيكات ،وغالــب عبــد عربيــات ،التنبــؤ يف العالقــات الدوليــة دراســة يف األدبيــات النظريــة،
مجلــة دراســات العلــوم اإلنســانية واالجتماعيــة ،المجلــد ،39العــدد.2012 ،3
5.5زينــب فريــح ،إشــكالية النظيــر يف حقــل العالقــات الدوليــة ،مجلــة المفكــر ،المجلــد ،15العــدد ،2مــاي
.2020
6.6صالــح عبــد الرحمــان حصيــن ،العالقــات الدوليــة بيــن منهــج اإلســام والمنهــج الحضــاري المعاصــر،
محاضــرة منشــورة قدمــت يف مجمــع الفقــه اإلســامي ،جــدة 3 ،جانفــي .2005
7.7عبد الحميد أبو سليمان ،النظرية اإلسالمية للعالقات الدولية ،ددن ،د س ن.
8.8عبــد اهلل بــن محمــد الســفياين ،دار اإلســام ودار الحــرب ،وأصــل العالقــة بينهمــا ،رســالة مقدمــة لنيــل
درجــة الماجســتير ،فــرع الفقــه ،كليــة الشــريعة والدراســات اإلســامية ،جامعــة الملــك عبــد العزيــز.1981 ،
9.9علــي عبــد اهلل بــن غليــون ،أســس العالقــات الدوليــة يف اإلســام مــن خــال وثيقــة المدينــة ،مجلــة البحــوث
األكاديمية.
1010لحــرش أســعد المحاســن ،قريقــر فتيحــة ،مجلــة أنثربولوجيــا األديــان ،المجلــد ،9العــدد ،1جانفــي
.2013
1111مالك بن نبي ،القضايا الكربى ،دمشق :دار الفكر.1991 ،
1212مالك بن نبي ،وجهة العالم اإلسالمي ،تر :عبد الصبور شاهين ،دمشق :دار الفكر.1986 ،
1313محمد أبو زهرة ،العالقات الدولية يف اإلسالم ،القاهرة :دار الفكر العربي.1995 ،
1414هانز رايخنباخ ،نشأة الفلسفة العلمية ،تر :فؤاد زكرياء ،القاهرة :مؤسسة هنداوي.2017 ،
15
حنو إقحام نظرية إسالمية يف التنظري الدولي
باللغات األجنبية:ًثانيا
15. Rosenau James, Interpreting Change and Anomalies in World Politics ,
Europen Journal of International Relations, v 1,1998.
16. Kasim Timur, Neden bir İslam Uluslararası ilişkiler Teorisi yoktur ? Aka-
demik Ariştirma Dergisi, Cilt 17 , Sayı 1, 2017.
17. J.L.H. Hans Evers, The Texas Sharpshooter Fallacy, Human Reproduc-
tion, Vol, 32, N 7, 2017.
16