You are on page 1of 8

‫مجلة املنارة للدراسات القانونية واالدارية‪ -‬عدد ‪ / 31‬يونيو – شتنبر ‪2020‬‬ ‫____________________‬

‫الحق في الولوج إلى القانون باملغرب‪ :‬الداللة واألبعاد‬


‫محمد زواق‬
‫باحث في القانون العام‬

‫ﺍﻟﺤﻖ ﻓﻲ ﺍﻟﻮﻟﻮﺝ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻥ ﺑﺎﻟﻤﻐﺮﺏ‪ :‬ﺍﻟﺪﻻﻟﺔ ﻭﺍﻷﺑﻌﺎﺩ‬ ‫ﺍﻟﻌﻨﻮﺍﻥ‪:‬‬


‫ﻭﺍﻹﺩﺍﺭﻳﺔظل نموذج الدولة الليبرالية‬
‫للمواطنين في‬ ‫ﺍﻟﻤﺼﺪﺭ‪:‬الولوج إلى القانون حقا من الحقوق األساسية املكفولة‬
‫ﻣﺠﻠﺔ ﺍﻟﻤﻨﺎﺭﺓ ﻟﻠﺪﺭﺍﺳﺎﺕ ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻧﻴﺔ‬
‫يشكل‬
‫الحديثة أو ما يصطلح عليه بدولة الحق والقانون‪ ،‬وهو الحق الذي يتطلب تدخل مختلف اإلدارات‬
‫ﺭﺿﻮﺍﻥ ﺍﻟﻌﻨﺒﻲ‬ ‫ﺍﻟﻨﺎﺷﺮ‪:‬‬
‫واملؤسسات العمومية عن طريق تسخير مواردها املادية والبشرية الالزمة لتيسير سبل االستفادة منه‪،‬‬
‫ﺯﻭﺍﻕ‪ ،‬ﺃﻣﺤﻤﺪ‬ ‫ﺍﻟﻤؤﻟﻒ ﺍﻟﺮﺋﻴﺴﻲ‪:‬‬
‫وتمكين جميع أفراد املجتمع على قدم املساواة من معرفة وفهم مختلف القوانين املشرعة‪.1‬‬
‫ﻉ‪31‬‬ ‫ﺍﻟﻤﺠﻠﺪ‪/‬ﺍﻟﻌﺪﺩ‪:‬‬
‫بالنسبة ملسار استكمال دولة الحق والقانون ببالدنا‪ ،‬فقد بادر املشرع‬
‫ﻣﺤﻜﻤﺔ‪ :‬ألهمية هذا الحقﻧﻌﻢ‬
‫واعتبارا‬
‫الدستوري إلى ترسيخه ضمن مجموعة الحقوق التي يحق للمواطنين طلبها والحصول عليها من اإلدارة‬
‫‪2020‬‬ ‫ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ﺍﻟﻤﻴﻼﺩﻱ‪:‬‬
‫العمومية‪ ،‬وذلك من خالل الفصل ‪ 27‬من دستور اململكة‪ ،2‬وهو األمر الذي من شأنه املساهمة بشكل‬
‫ﻳﻮﻟﻴﻮ‬ ‫ﺍﻟﺸﻬﺮ‪:‬‬
‫فعال في نشر املعرفة القانونية وترسيخ ثقافة احترام القانون داخل املرافق العمومية وبين عموم‬
‫‪266 - 272‬‬ ‫ﺍﻟﺼﻔﺤﺎﺕ‪:‬‬
‫املواطنين‪.‬‬
‫‪1058084‬‬ ‫ﺭﻗﻢ ‪:MD‬‬
‫الدستورية املضمنة في دستور ‪ ، 2011‬قام املشرع املغربي بضم‬
‫ﻭﻣﻘﺎﻻﺕ‬‫املستجدات‬
‫حرصه على تنزيل ﺑﺤﻮﺙ‬ ‫وفي إطار‬
‫ﺍﻟﻤﺤﺘﻮﻯ‪:‬‬ ‫ﻧﻮﻉ‬
‫املعلومات التي يحق الولوج إليها بموجب القانون رقم ‪ 31.13‬املتعلق بالحق‬
‫‪Arabic‬‬
‫املعلومة القانونية إلى كتلة‬
‫ﺍﻟﻠﻐﺔ‪:‬‬
‫في الحصول على املعلومات ‪ ،‬حيث حددت مادته العاشرة بشكل دقيق أنواع املعلومات القانونية التي‬
‫‪3‬‬
‫‪EcoLink, IslamicInfo‬‬ ‫ﻗﻮﺍﻋﺪ ﺍﻟﻤﻌﻠﻮﻣﺎﺕ‪:‬‬
‫يتوجب نشرها لفائدة عموم املواطنين‪.‬‬
‫ﺍﻟﻘﻮﺍﻧﻴﻦ ﻭﺍﻟﺘﺸﺮﻳﻌﺎﺕ‪ ،‬ﺍﻻﺣﻜﺎﻡ ﺍﻟﻘﻀﺎﺋﻴﺔ‪ ،‬ﺍﻟﺤﻘﻮﻕ ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻧﻴﺔ‪،‬‬ ‫ﻣﻮﺍﺿﻴﻊ‪:‬‬
‫األساسية ووسيلة من وسائل‬ ‫ق‬‫الحقو‬ ‫من‬ ‫حقا‬ ‫أصبح‬ ‫قد‬ ‫ن‬ ‫القانو‬ ‫إلى‬
‫ﺍﻟﺤﻤﺎﻳﺔ ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻧﻴﺔ‪ ،‬ﺍﻟﻤﻐﺮﺏ‪ ،‬ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺍﻟﻤﻐﺮﺑﻲ‬
‫الولوج‬ ‫ن‬‫لكو‬ ‫ا‬
‫ر‬ ‫واعتبا‬ ‫سبق‪،‬‬ ‫تبعا ملا‬
‫‪http://search.mandumah.com/Record/1058084‬‬ ‫ﺭﺍﺑﻂ‪:‬‬

‫‪ 1‬يصنف الحق في الولوج إلى القانون ضمن فئة الحقوق التي يصطلح عليها العميد ليون دوجي ‪ Léon DUGUIT‬الحقوق اإليجابية‪،‬‬
‫والتي تتطلب تدخل الدولة بتبني اآلليات الالزمة لتسهيل وتأمين استفادة املواطنين منها على سبيل املثال الحق في الصحة والحق في‬
‫التعليم‪...‬‬
‫‪ 2‬ينص الفصل ‪ 27‬من دستور اململكة على أنه «للمواطنات واملوطنين حق الحصول على املعلومات‪ ،‬املوجودة في حوزة اإلدارة‬
‫العمومية‪ ،‬واملؤسسات املنتخبة‪ ،‬والهيئات املكلفة بمهام املرفق العام‪.‬‬
‫ال يمكن تقييد الحق في املعلومة إال بمقتض ى القانون‪ ،‬بهدف حماية كل ما يتعلق بالدفاع الوطني‪ ،‬وحماية أمن الدولة الداخلي‬
‫ﻣﺤﻔﻮﻇﺔ‪.‬املس بالحريات والحقوق األساسية املنصوص عليها في هذا الدستور‪ ،‬وحماية‬
‫ﺍﻟﺤﻘﻮﻕالوقاية من‬
‫لألفراد‪ ،‬وكذا‬
‫خاصةﺟﻤﻴﻊ‬ ‫والحياة ال‬
‫ﺍﻟﻤﻨﻈﻮﻣﺔ‪.‬‬ ‫والخارجي‪ ،‬ﺩﺍﺭ‬
‫© ‪2021‬‬
‫ﻣﻊ»‪.‬ﺃﺻﺤﺎﺏ ﺣﻘﻮﻕ ﺍﻟﻨﺸﺮ‪ ،‬ﻋﻠﻤﺎ ﺃﻥ ﺟﻤﻴﻊ ﺣﻘﻮﻕ ﺍﻟﻨﺸﺮ ﻣﺤﻔﻮﻇﺔ‪ .‬ﻳﻤﻜﻨﻚ‬ ‫ﺍﻟﻤﻮﻗﻊبدقة‬
‫ﺍﻹﺗﻔﺎﻕالقانون‬
‫ﻋﻠﻰيحددها‬ ‫ﻣﺘﺎﺣﺔ ﺑﻨﺎﺀ‬
‫واملجاالت التي‬ ‫مصادرﺍﻟﻤﺎﺩﺓ‬
‫املعلومات‬ ‫ﻫﺬﻩ‬
‫القانون ﺃﻭ ﺍﻟﻨﺸﺮ ﻋﺒﺮ ﺃﻱ ﻭﺳﻴﻠﺔ )ﻣﺜﻞ ﻣﻮﺍﻗﻊ‬
‫بتنفيذﺍﻟﺘﺤﻮﻳﻞ رقم ‪ 31.13‬املتعلق بالحق في‬
‫‪3‬ﺗﺤﻤﻴﻞ ﺃﻭ ﻃﺒﺎﻋﺔ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺎﺩﺓ ﻟﻼﺳﺘﺨﺪﺍﻡ ﺍﻟﺸﺨﺼﻲ ﻓﻘﻂ‪ ،‬ﻭﻳﻤﻨﻊ ﺍﻟﻨﺴﺦ ﺃﻭ‬
‫ظهيرشريف رقم ‪ 1.18.15‬الصادرفي ‪ 5‬جمادى اآلخرة ‪ 22( 1439‬فبراير‪)2018‬‬
‫ﺍﻻﻧﺘﺮﻧﺖ ﺃﻭ ﺍﻟﺒﺮﻳﺪ ﺍﻻﻟﻜﺘﺮﻭﻧﻲ( ﺩﻭﻥ ﺗﺼﺮﻳﺢ ﺧﻄﻲ ﻣﻦ ﺃﺻﺤﺎﺏ ﺣﻘﻮﻕ ﺍﻟﻨﺸﺮ ﺃﻭ ﺩﺍﺭ ﺍﻟﻤﻨﻈﻮﻣﺔ‪.‬‬
‫الحصول على املعلومات‪.‬‬
‫‪266‬‬
‫مجلة املنارة للدراسات القانونية واالدارية‪ -‬عدد ‪ / 31‬يونيو – شتنبر ‪2020‬‬ ‫____________________‬

‫الحق في الولوج إلى القانون باملغرب‪ :‬الداللة واألبعاد‬


‫محمد زواق‬
‫باحث في القانون العام‬

‫يشكل الولوج إلى القانون حقا من الحقوق األساسية املكفولة للمواطنين في ظل نموذج الدولة الليبرالية‬
‫الحديثة أو ما يصطلح عليه بدولة الحق والقانون‪ ،‬وهو الحق الذي يتطلب تدخل مختلف اإلدارات‬
‫واملؤسسات العمومية عن طريق تسخير مواردها املادية والبشرية الالزمة لتيسير سبل االستفادة منه‪،‬‬
‫وتمكين جميع أفراد املجتمع على قدم املساواة من معرفة وفهم مختلف القوانين املشرعة‪.1‬‬

‫واعتبارا ألهمية هذا الحق بالنسبة ملسار استكمال دولة الحق والقانون ببالدنا‪ ،‬فقد بادر املشرع‬
‫الدستوري إلى ترسيخه ضمن مجموعة الحقوق التي يحق للمواطنين طلبها والحصول عليها من اإلدارة‬
‫العمومية‪ ،‬وذلك من خالل الفصل ‪ 27‬من دستور اململكة‪ ،2‬وهو األمر الذي من شأنه املساهمة بشكل‬
‫فعال في نشر املعرفة القانونية وترسيخ ثقافة احترام القانون داخل املرافق العمومية وبين عموم‬
‫املواطنين‪.‬‬

‫وفي إطار حرصه على تنزيل املستجدات الدستورية املضمنة في دستور ‪ ، 2011‬قام املشرع املغربي بضم‬
‫املعلومة القانونية إلى كتلة املعلومات التي يحق الولوج إليها بموجب القانون رقم ‪ 31.13‬املتعلق بالحق‬
‫في الحصول على املعلومات‪ ،3‬حيث حددت مادته العاشرة بشكل دقيق أنواع املعلومات القانونية التي‬
‫يتوجب نشرها لفائدة عموم املواطنين‪.‬‬
‫تبعا ملا سبق‪ ،‬واعتبارا لكون الولوج إلى القانون قد أصبح حقا من الحقوق األساسية ووسيلة من وسائل‬

‫‪ 1‬يصنف الحق في الولوج إلى القانون ضمن فئة الحقوق التي يصطلح عليها العميد ليون دوجي ‪ Léon DUGUIT‬الحقوق اإليجابية‪،‬‬
‫والتي تتطلب تدخل الدولة بتبني اآلليات الالزمة لتسهيل وتأمين استفادة املواطنين منها على سبيل املثال الحق في الصحة والحق في‬
‫التعليم‪...‬‬
‫‪ 2‬ينص الفصل ‪ 27‬من دستور اململكة على أنه «للمواطنات واملوطنين حق الحصول على املعلومات‪ ،‬املوجودة في حوزة اإلدارة‬
‫العمومية‪ ،‬واملؤسسات املنتخبة‪ ،‬والهيئات املكلفة بمهام املرفق العام‪.‬‬
‫ال يمكن تقييد الحق في املعلومة إال بمقتض ى القانون‪ ،‬بهدف حماية كل ما يتعلق بالدفاع الوطني‪ ،‬وحماية أمن الدولة الداخلي‬
‫والخارجي‪ ،‬والحياة الخاصة لألفراد‪ ،‬وكذا الوقاية من املس بالحريات والحقوق األساسية املنصوص عليها في هذا الدستور‪ ،‬وحماية‬
‫مصادر املعلومات واملجاالت التي يحددها القانون بدقة»‪.‬‬
‫ظهيرشريف رقم ‪ 1.18.15‬الصادرفي ‪ 5‬جمادى اآلخرة ‪ 22( 1439‬فبراير‪ )2018‬بتنفيذ القانون رقم ‪ 31.13‬املتعلق بالحق في‬
‫‪3‬‬

‫الحصول على املعلومات‪.‬‬


‫‪266‬‬
‫مجلة املنارة للدراسات القانونية واالدارية‪ -‬عدد ‪ / 31‬يونيو – شتنبر ‪2020‬‬ ‫____________________‬

‫تكريس مساواة املواطنين أمام القاعدة القانونية‪ ،1‬فإن دراسته وتسليط الضوء على أبعاده املختلفة ما‬
‫فتئت تكتس ي أهمية بالغة سواء بالنسبة للمواطنين أو الباحثين أو املهنيين القانونيين‪ .‬وهو الش يء الذي‬
‫يستدعي مقاربة اإلشكالية التي يطرحها ترسيخ وتفعيل هذا الحق ببالدنا‪ ،‬وذلك انطالقا من تحديد داللته‬
‫املفاهيمية (أوال) وتحليل أبعاده املختلفة (ثانيا)‪.‬‬

‫أوال‪ :‬الداللة املفاهيمية للحق في الولوج إلى القانون‪.‬‬

‫يمكن تعريف الولوج إلى القانون بالحق الذي يتيح للمواطن‪ ،‬بشكل سهل وسلس ودون سلوك مساطر‬
‫إدارية محددة‪ ،‬الحصول والعلم باملعلومة القانونية التي تهم حياته اليومية في عالقته بمختلف اإلدارات‬
‫واملرافق العمومية‪ ،‬بشكل مبسط وبالطريقة املناسبة التي تضمن إدراكه ملعناها واملغزى من تطبيقها‪.‬‬
‫ويتطلب احترام هذا الحق وتفعيله مبادرة اإلدارات العمومية املعنية إلى اتخاذ اإلجراءات املناسبة‬
‫والكفيلة بضمان نشر جميع النصوص واملعلومات القانونية التي تؤطر عالقتها باملواطنين (‪ )1‬وتقديمها‬
‫لهم بشكل مبسط وميسر للفهم (‪.)2‬‬

‫‪ /1‬نشر النصوص واملعلومات القانونية‪.‬‬

‫في ظل دولة الحق والقانون‪ ،‬تعتبر القوانين ملكا عموميا‪ Un bien public2‬يحق للجميع الولوج إليه‬
‫واإلطالع عليه‪ ،‬وهو ما يستدعي من السلطات العمومية العمل على نشره والتعريف به‪ ،‬ومن خالل ذلك‬
‫الحيلولة دون تحوله إلى ملكية خاصة ‪ un bien de club3‬تستفيد منها فئة معينة من املواطنين على‬
‫حساب باقي الفئات األخرى املعرضة لألمية القانونية والحرمان من االستفادة من الحقوق املواطناتية‬
‫املخولة لها قانونا‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪«L’égalité devant la loi énoncée par l’article 6 de la déclaration des droits de l’homme et du citoyen et la‬‬
‫‪garantie des droits requise par son article 16 ne seraient pas effectives si les citoyens ne disposaient pas d’un‬‬
‫‪connaissance suffisante des règles qui leur sont applicables».‬‬
‫‪Guillaume Du Puy-MONTBRUN et Raphael LEONETTI, Droit accessible et droit acceptable : les enjeux‬‬
‫‪constitutionnels de la simplification du droit, Revue Jurisdoctoria, N° 1, 2008, p. 77.‬‬
‫يعتبربعض الباحثين القانونيين أن القانون ملك عمومي لجميع املواطنين على حد سواء‪:‬‬
‫‪2‬‬

‫‪«La règle de droit présente les caractères (…) d’un bien public. Il s’oppose au bien privé dont l’accès est réservé à‬‬
‫‪un titulaire et dont seul ce titulaire peut bénéficier».‬‬
‫‪Guillaume Du Puy-MONTBRUN et Raphael LEONETTI, Droit accessible et droit acceptable : les enjeux‬‬
‫‪constitutionnels de la simplification du droit, op.cit, p. 80‬‬
‫‪3‬‬
‫‪«Le droit n’est plus bien public si, de facto, des restrictions d’accès sont posées à son utilisation (…), c’est un‬‬
‫‪ʺbien de clubʺ (…) il ne bénéficierait qu’à une catégorie particulière d’accédants».‬‬
‫‪Idem, p. 81‬‬
‫‪267‬‬
‫مجلة املنارة للدراسات القانونية واالدارية‪ -‬عدد ‪ / 31‬يونيو – شتنبر ‪2020‬‬ ‫____________________‬

‫بهدف ضمان تعميم ونشر النصوص واملعلومات القانونية ‪la diffusion des textes et des‬‬
‫‪ informations juridiques‬أوجب القانون رقم ‪ 31.13‬املتعلق بالحق في الحصول على‬
‫املعلومات‪ ،‬على اإلدارات العمومية القيام بعمليات تجميع وتوثيق ونشر جميع التشريعات التي تهم الحياة‬
‫اليومية للمواطنين‪ ،‬وجعلها في متناولهم في جميع األوقات وبشتى الوسائل املمكنة‪ ،‬خصوصا وأن صياغة‬
‫القوانين واملصادقة عليها بدون املبادرة إلى نشرها‪ ،‬تبقيها مادة جامدة ال أثر لها على املجال التي تستهدف‬
‫تقنينه‪.‬‬
‫إن ولوج املرتفقين إلى القوانين ال يمكن أن يتحقق بالنشر التجزيئي وغير املنهجي للنصوص التشريعية‬
‫والتنظيمية (قوانين‪ ،‬مراسيم‪ ،‬قرارات‪ ،‬مذك رات‪ ،)...‬ولكنه يستلزم عملية علمية ومنهجية مسبقة‬
‫تستهدف تجميعها وتوثيقها وفقا للقواعد التالية‪:‬‬
‫‪ ‬أن تكون القوانين موثقة ومجمعة حسب موضوعات تشريعية واضحة مع تضمينها آخر‬
‫التعديالت والتتميمات املدخلة عليها؛‬
‫‪ ‬أن يكون كل قانون من تلك القوانين مرفق بمذكرة تفسيرية تشرح مضامينه وأبعاده واآلثار‬
‫املرجوة من استعماله؛‬
‫‪ ‬أن تكون مجموعات القوانين املوثقة واملجمعة حسب املوضوعات مرفقة بمختلف قواعد‬
‫االجتهاد املرتبطة بها‪ ،‬من اجتهادات دستورية وقضائية الخ‪...‬‬

‫بعد عمليتي التجميع والتوثيق يتوجب على اإلدارات العمومية نشر النصوص املوثقة على شكل‬
‫"مدونات"‪ ،‬وذلك باستعمال جميع الوسائل املمكنة التي تحقق اطالع املواطنين بصفة عامة واملرتفقين‬
‫بصفة خاصة عليها وعلمهم وفهمهم اليقيني ملضامينها‪ .‬ويجدر التأكيد في هذا الصدد على أن جودة النشر‬
‫تقتض ي تجاوز الطرق التقليدية املستعملة في هذا املجال من دوريات ورقية أو مواقع إلكترونية‪ ،‬ومحاولة‬
‫إبداع طرق جديدة تالئم اختالف مستويات الوعي واإلدراك لدى مختلف أفراد املجتمع‪ ،‬بشكل يضمن‬
‫فهما موحدا للوثائق واملقتضيات املنشورة‪.‬‬

‫‪ /2‬تبسيط النصوص القانونية‪.‬‬

‫يعتبر تبسيط النصوص القانونية ‪ Vulgarisation des textes juridiques‬آلية من آليات‬


‫تحصيل املشروعية التشريعية ‪ Légitimité législative‬من طرف الدولة وضمان قبول املواطنين‬
‫للترسانة القانونية املطبقة عليهم‪ ،‬حيث يعتبر العميد موريس أوريو أن "الدولة محتاجة لالنخراط‬
‫االختياري للمواطنين في القواعد القانونية التي تعمل على تنزيلها"‪ 1‬وذلك بهدف الحفاظ على ما يسميه‬

‫‪1‬‬
‫‪Guillaume Du Puy-MONTBRUN et Raphael LEONETTI, Droit accessible et droit acceptable : les enjeux‬‬
‫‪constitutionnels de la simplification du droit, op.cit, p. 82‬‬
‫‪268‬‬
‫مجلة املنارة للدراسات القانونية واالدارية‪ -‬عدد ‪ / 31‬يونيو – شتنبر ‪2020‬‬ ‫____________________‬

‫بالثقة العمومية ‪ ،La confiance publique1‬والتي تعتبر أساسا لحكمها وتنظيمها للحياة العامة‪.‬‬
‫وكنتيجة لذلك فقد ذهب بعض فقهاء القانون إلى حد نعت تقاعس الدولة ومؤسساتها عن مهمة تبسيط‬
‫القانون بفعل الالقانون ‪ Le non droit2‬الذي يعطل عمل املؤسسات‪.‬‬

‫يعد واجب تبسيط النصوص القانونية املرتكز األساس ي الثاني‪ ،‬بعد النشر القانوني‪ ،‬لعملية تفعيل الحق‬
‫في الولوج إلى النص القانوني‪ ،‬والذي يتطلب من املصالح اإلدارية املختصة شرح وتبسيط التشريعات‬
‫الصادرة عن الدولة إلى أقص ى حد ممكن‪ ،‬بحيث يمكن لجميع املواطنين واملرتفقين املعنيين بمقتضياتها‬
‫فهم القواعد واألحكام املتضمنة بها‪ ،‬وذلك اعتبارا لكون قابلية القوانين للفهم من قبل فئة أو شريحة‬
‫معينة فقط من املجتمع دون اآلخرين‪ ،‬يعتبر ضربا ملبدأ املساواة في الولوج إلى القانون‪ .‬وعليه‪ ،‬يمكن‬
‫القول أن تبسيط القوانين يشكل شرطا أساسيا وضروريا لعملية النشر‪ ،‬وأنه ال يمكن الحديث عن ولوج‬
‫القوانين في غياب أية إجراءات لتبسيطها وتفسيرها‪.‬‬

‫واعتبارا لكون إعداد وصياغة النصوص القانونية تخضع لتقنيات علمية وأكاديمية معقدة‪ ،‬ينتج عنها‬
‫صعوبة في فهمها من طرف مختلف فئات املواطنين‪ ،‬واحتراما للقاعدة القانونية "اليعذر أحد بجهله‬
‫للقانون" ‪ Nul n’est censé ignorer la loi‬فإن تنزيل تلك النصوص يستدعي تدخل كل من‬
‫املؤسسات املعنية بصياغتها واملكلفة بتنفيذها بهدف تبسيطها وشرحها بشتى الوسائل املمكنة‪ ،‬وتمكين‬
‫الجميع من فهمها قبل تطبيقها عليهم ومعاقبتهم على خرقها‪.‬‬

‫وفي هذا الصدد‪ ،‬تجدر اإلشارة إلى أن املشرع الفرنس ي قد أولى أهمية كبرى لواجب تبسيط القوانين‬
‫للجميع حين فرض على جميع اإلدارات العمومية الفرنسية بموجب قانون ‪ 12‬أبريل لسنة ‪ 2000‬ضرورة‬
‫إفهام القواعد القانونية للمرتفقين قبل تطبيقها عليهم‪ ،‬وذلك دون أن يحدد لها طرق وكيفيات تنفيذ‬
‫ذلك‪ ،‬كما نص بواسطة القانون رقم ‪ 98-1163‬الصادر في ‪ 18‬دجنبر ‪ 1998‬املتعلق بالولوج للقانون‬
‫والحل الودي للنزاعات على وجوب تأسيس مجالس إقليمية للولوج للقانون ‪Les conseils‬‬
‫‪ départementaux d’accès aux droits‬على مستوى مجموع التراب الفرنس ي وذلك بهدف‬
‫تمكين جميع املواطنين الفرنسيين من أخذ العلم بمختلف القوانين التي تهمهم بدون أي استثناء أو تمييز‪.‬‬

‫أما بالنسبة للقانون املغربي‪ ،‬فقد أصاب املشرع حين ترك الباب مفتوحا أمام اجتهادات اإلدارات العمومية‬
‫فيما يخص اختيار الطرق األنسب لتفسير وتبسيط القوانين للمواطنين‪ ،‬مما سيتيح ملصالحها اإلبداع في‬

‫‪1‬‬
‫‪Idem, p. 83‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Xavier Souvignet, «l’accès au droit, principe du droit, principe de droit », Revue Jurisdoctoria, N° 1, 2008, p. 33‬‬
‫‪269‬‬
‫مجلة املنارة للدراسات القانونية واالدارية‪ -‬عدد ‪ / 31‬يونيو – شتنبر ‪2020‬‬ ‫____________________‬

‫أشكال التواصل وطرق تقريب النصوص من متلقيها‪ .‬وفي هذا الصدد‪ ،‬يمكننا اقتراح طريقتين أساسيتين‬
‫للتبسيط‪ ،‬األولى تعتمد على الوسائط املادية والثانية ترتكز على التواصل املباشر مع األفراد‪.‬‬

‫إن تبسيط النصوص القانونية باستعمال الوسائط املادية (أقراص مدمجة‪ ،‬مذكرات ورقية‪ )...‬يفرض‬
‫إرفاق كل نص قانوني بمذكرة تفصيلية وتوضيحية تشرح مضامينه وتعيد تقديمها بشكل ميسر قبل‬
‫توجيهها للمصالح املعنية بتنفيذها وتطبيقها‪ ،‬فيما يرتكز التبسيط من خالل التواصل البشري املباشر‬
‫على قيام املوظفين املكلفين باستقبال املواط نين بشرح وتفسير املقتضيات التشريعية والتنظيمية قبل‬
‫تطبيقها عليهم‪.‬‬

‫وهكذا‪ ،‬يمكن القول أن تحقيق مبدأ الولوج إلى القانون عبر نشر وتبسيط الترسانة القانونية املنظمة‬
‫للحياة العامة وعمل املؤسسات باعتباره أقل املطالب الواجب تحقيقها في ظل دولة الحق والقانون‪ 1‬من‬
‫شأنه االنعكاس ايجابا على مجموعة من الجوانب املتعلقة أساسا باإلدارة العمومية ومناخ األعمال‬
‫وحقوق املرتفق‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬أبعاد تكريس الحق في الولوج إلى القانون‪.‬‬

‫يتطلب تكريس حق املواطنين في الولوج إلى املعلومة القانونية نهج سياسة عمومية شمولية تروم تحقيق‬
‫نقلة نوعية في عالقة اإلدارة العمومية بمحيطها املجتمعي من أفراد وجمعيات مجتمع مدني وقطاع خاص‪،‬‬
‫مما سيخلف آثارا إيجابية مهمة تتمثل في ترسيخ دولة الحق والقانون (‪ )1‬وتجويد العمل اإلداري (‪ )2‬ثم‬
‫حماية حقوق املرتفقين وتحسين مناخ األعمال ببالدنا (‪.)3‬‬

‫‪ /1‬ترسيخ دولة الحق والقانون‪.‬‬

‫يعد تمتيع املواطنين بالحق في الولوج للقانون عامال مهما من عوامل فرض سمو القاعدة القانونية على‬
‫جميع مؤسسات الدولة ومختلف مكونات املجتمع دون تمييز أو تحيز‪ ،‬حيث يصبح احترام وتطبيق‬
‫القاعدة املذكورة معيارا أساسيا يتم االحتكام إليه سواء فيما يخص عالقة اإلدارة باألشخاص الذاتيين‬
‫واملعنويين الخواص أو الجمعيات املهنية وجمعيات املجتمع املدني‪ .‬كما أن نشر القوانين من شأنه‬
‫املساهمة في توسيع وتحسين الثقافة القانونية سواء داخل اإلدارات أو بين باقي فئات املجتمع‪ ،‬مما ينتج‬
‫عنه ارتفاع منسوب الوعي الحقوقي لدى األفراد‪ ،‬وبالتالي تحصين حقوقهم في مواجهة القرارات اإلدارية‬

‫‪1‬‬
‫‪«L’accès au droit (…) apparaît comme une exigence minimum de l’Etat de droit».‬‬
‫)‪O. Pfersman, «Prolégomènes pour une théorie normativiste de l’Etat de droit», Figures de l’Etat de droit, (Dir‬‬
‫‪O.Jouanjan, Strasbourg, Presses Universitaires de Strasbourg, 2001, p. 251‬‬
‫‪270‬‬
‫مجلة املنارة للدراسات القانونية واالدارية‪ -‬عدد ‪ / 31‬يونيو – شتنبر ‪2020‬‬ ‫____________________‬

‫التي تستهدف تقليصها أو هدرها‪.‬‬

‫كما أنه من ايجابيات النشر العلمي واملنهجي للقوانين التقليص من اآلثار السلبية لظاهرة التضخم‬
‫التشريعي ‪ ، L’inflation législative‬والتي ما فتأت تحد من فعالية ونفاذ النص القانوني ببالدنا‪،‬‬
‫حيث أن إسراف كل من الجهازين التشريعي والتنفيذي في إنتاج النصوص القانونية أدى إلى كثرتها وعدم‬
‫انسجامها‪ ،‬بل وتناقض مضامينها في بعض األحيان‪ .‬وعليه‪ ،‬فإن تعميم عملية النشر سيشكل الحل األمثل‬
‫الذي سيتيح لجميع املصالح اإلدارية املعنية بتنفيذ القانون االطالع على جميع املستجدات القانونية‬
‫ومقارنتها مع باقي التشريعات الجاري بها العمل‪ ،‬وذلك قبل التوصل إلى الفهم الصحيح لروح القانون‬
‫الواجب تطبيقه‪.‬‬

‫باإلضافة إلى ما سبق فإن تعميم املعرفة القانونية وتعريف مختلف املتعاملين مع اإلدارة بجميع حقوقهم‬
‫وواجباتهم اتجاهها سيساهم بشكل فعا ل في حمايتهم من آفتي الرشوة والفساد‪ ،‬ويضمن كذلك استفادتهم‬
‫الكاملة والالمشروطة من الخدمات املقدمة من قبل املرافق العمومية على مستوى مجمل التراب الوطني‪.‬‬

‫‪ /2‬تجويد العمل اإلداري‪.‬‬

‫من الغايات األساسية لعملية النشر والتعريف بالنصوص القانونية نجد تجويد العمل اإلداري وتحسين‬
‫نجاعته‪ ،‬ذلك أن نشر الثقافة القانونية في األوساط اإلدارية يساهم في تحصين القرارات اإلدارية من‬
‫مختلف عيوب املشروعية وتجنب تعسف اإلدارة في تطبيقها للقوانين‪ ،‬هذا باإلضافة إلى تضييق مجال‬
‫السلطة التقديرية املمنوحة ملمثلي اإلدارة في تفسير النصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل‬
‫عن طريق توفير تفسيرات واضحة تغنيهم عن اللجوء إلى االجتهاد‪.‬‬

‫‪ /3‬حماية حقوق املرتفقين وتحسين مناخ األعمال‪.‬‬

‫إن الجهل بالنصوص القانونية يجعل مرتفقي اإلدارة العمومية في وضعية "ضعف حقوقي" وهشاشة‬
‫مواطناتية‪ ،‬وهي الوضعية التي يصعب تجاوزها من دون االستفادة من الحماية الحقوقية التي يوفرها ولوج‬
‫املواطنين للقانون‪ ،‬والتي تتيح لهم إمكانية املطالبة باالستفادة من كل ما يخوله لهم القانون من حقوق‪،‬‬
‫وذلك عن طريق سلوك نوعين من املساطر‪ ،‬األولى إدارية والثانية قضائية‪ .‬فسلوك املساطر اإلدارية‬
‫املتمثلة في الطلبات والشكايات والتظلمات تمكن املرتفق من مطالبة اإلدارة بإحقاق كافة حقوقه املخولة‬
‫له بمقتض ى القانون‪ ،‬وفي حالة عدم االستجابة يمكنه اللجوء إلى سلوك املساطر القضائية ومطالبة‬
‫القاض ي اإلداري بالتعويض‪.‬‬

‫‪271‬‬
‫مجلة املنارة للدراسات القانونية واالدارية‪ -‬عدد ‪ / 31‬يونيو – شتنبر ‪2020‬‬ ‫____________________‬

‫كما يمكن الولوج إلى النص القانوني من تحسين مناخ األعمال‪ ،‬والذي يعتبر شرطا أساسيا من شروط‬
‫االزدهار االقتصادي وجلب االستثمارات األجنبية‪ .‬ذلك أن تعريف املقاولة بحقوقها وواجباتها تجاه الدولة‬
‫وترسيخ الشفافية واحترام القانون وربط املسؤولية باملحاسبة داخل اإلدارات العمومية‪ ،‬من شأنه حماية‬
‫امللكية الفردية وتشجيع املبادرة الخاصة وتكريس الشفافية واحترام القانون في جميع تعامالت الفاعلين‬
‫الخواص‪ ،‬هذا باإلضافة إلى محاربة االقتصاد الغير املهيكل والتقليل من حاالت الغش والتهرب الضريبيين‪،‬‬
‫وهو الش يء الذي سيسهم ال محالة في تعزيز الثقة في االقتصاد الوطني وتحسين قدرته على االستقطاب‬
‫املتزايد لالستثمارات الداخلية والخارجية‪.‬‬

‫وختاما‪ ،‬يمكن القول بأن تكريس الحق في الولوج إلى القانون كركيزة أساسية من ركائز بناء دولة الحق‬
‫والقانون وتحقيق املساواة في املواطنة‪ ،‬ال يمكن أن يظل حكرا على الدولة بجميع مؤسساتها وإداراتها و‬
‫هيئاتها العمومية‪ ،‬بل يجب أن يتعدى ذلك ويصبح رهانا مجتمعيا يهم جميع األطراف املعنية األخرى من‬
‫هيئات مهنية وجمعيات مجتمع مدني ومؤسسات بحثية‪...‬‬

‫‪272‬‬

‫)‪Powered by TCPDF (www.tcpdf.org‬‬

You might also like