You are on page 1of 14

‫درا�سـات‬

‫المقاولة المواطنة في الت�شريع المغربي‬


‫ذ‪ .‬يو�سف الزوجال‬
‫�أ�ستاذ زائر بكلية الحقوق بطنجة‪،‬‬
‫م�ست�شار بالمركز الأكاديمي للدرا�سات الأ�سرية بطنجة‬

‫ونح��ن في الألفية الثالثة �أ�صبحت اليوم بع���ض المفاهيم الجديدة �أكثر تداوال في الآونة القليلة الأخيرة‬
‫لي�س فقط على �صعيد الخطاب ال�سيا�سي �أو الثقافي‪ ،‬و�إنما على م�ستوى الحقل الحقوقي والو�سط القانوني‬
‫الوطني من بينها م�صطلح المواطنة الذي نجد له عدة تطبيقات نظرية وعملية في الت�شريع المغربي‪.‬‬
‫فمن جهة �أولى‪ ،‬يالحظ �أن معظم �أو �إن �صح التعبير كل مقت�ضيات الن�ص الد�ستوري الجديد ال�صادر في‬
‫�شه��ر يوليوز ‪ ((( 2011‬تركز على فك��رة المواطنة عند تطرقه �إلى جملة الحقوق والحريات التي يتمتع بها‬
‫كافة مكونات المجتمع �أفرادا وجماعات �سواء تعلق الأمر ب�أ�شخا�ص طبيعيين �أو معنويين‪.‬‬
‫وم��ن جهة ثانية‪ ،‬تجد قي��م وحقوق المواطنة �سندها الت�شريعي �أي�ضا في ن�صو�ص قانونية تهم على وجه‬
‫الخ�صو�ص ميدان المال والأعمال الذي يطلق عليه في قامو�س الفقه قانون الأعمال ‪((( droit des affaires‬‬
‫�أو قانون المقاولة ‪.droit de l’entreprise‬‬
‫و�أم��ام انعدام تعريف ت�شريعي لهذا المفهوم‪ ،‬ب��ادر مجموعة من المهتمين بالمجال الثقافي وال�سيا�سي‬
‫والقانون��ي انطالق��ا من المعن��ى اللغوي ((( الإحاط��ة ب�شتى جزئيات��ه عبر و�ضع ت�صور ع��ام و�شامل رغم‬
‫االعتراف ب�صعوبة تحقيق ذلك بدقة وب�شكل مف�صل‪.‬‬

‫((( ظهير �شريف رقم ‪� 1.11.91‬صادر في ‪ 27‬من �شعبان ‪ 29( 1432‬يوليوز ‪ )2011‬بتنفيذ ن�ص الد�ستور من�شور بالجريدة الر�سمية‬
‫عدد ‪ 5964‬مكرر ال�صادرة بتاريخ ‪� 28‬شعبان ‪ 29) 1432‬يوليوز ‪.)2011‬‬
‫‪(2) « Le droit des affaires est une branche de droit privé qui par dérogation au droit civil réglemente de manière spécifique la plupart des‬‬
‫‪activités de production de distribution et de service  », Yves Guyon, Droit des affaires, tome 1, édition Economica, Paris, 1994, p. 2.‬‬
‫((( المواطنة في المعنى اللغوي‪ ،‬م�شتقة من كلمة وطن‪ ،‬وهو بح�سب كتاب ل�سان العرب ال�شهير البن منظور «الوطن هو‬
‫المنزل الذي تقيم فيه‪ ،‬وهو موطن الإن�سان ومحله‪ ...‬ووطن بالمكان واوطن �أقام‪ ،‬و�أوطنه اتخذه وطنا… وي�سمى به الم�شهد‬
‫من م�شاهد الحرب وجمعه مواطن‪ ،‬وفي التنزيل العزيز‪ ،‬لقد ن�صركم اهلل في مواطن كثيرة… واوطنت الأر�ض ووطنتها‬
‫وا�ستوطنتها �أي اتخذتها وطنا‪ ،‬وتوطين النف�س على ال�شيء كالتمهيد»‪ .‬للتو�سع في المعنى اللغوي �أنظر ابن منظور ل�سان‬
‫العرب‪ ،‬دار �صادر‪ ،‬بيروت‪ ،‬المجلد ‪� ،1968 ،13‬ص‪.451 .‬‬
‫يو�سف الزوجال‬ ‫‪122‬‬

‫وبم��ا �أن الأن�شط��ة االقت�صادية والتجاري��ة تحتل مكانة بارزة ف��ي الم�سل�سل التنم��وي الم�ستديم وفي‬
‫النهو�ض بم�ستوى العي�ش الكريم والإن�ساني للعن�صر الب�شري‪ ،‬ف�إن الو�ضع القائم حاليا الذي فر�ضته تحديات‬
‫�سيا�س��ة ال�سوق وتنويع العر�ض ح�سب الطلب وتحرير المبادالت ورهان االنفتاح على المحيط الخارجي‬
‫المطبوع بانت�شار ظاهرة العولمة ((( التي �ساهمت في تي�سير عملية تنقل الأ�شخا�ص والممتلكات وال�سلع‬
‫اال�ستهالكي��ة وتدف��ق ر�ؤو�س الأموال اال�ستثماري��ة الأجنبية بف�ضل اال�ستعمال الم�ضط��رد لو�سائل االت�صال‬
‫والتقنيات التكنولوجية الحديثة مثل الأنترنت (((‪ ،‬ي�ستدعي طرح بع�ض الت�سا�ؤالت الملحة‪:‬‬
‫‪-‬ماهي طبيعة الرابطة الموجودة �أو المحتملة بين الن�سيج المقاوالتي وبين المواطنة كمفهوم طغى على‬
‫ال�ساحة االقت�صادية في الوقت الراهن؟‬
‫‪�-‬إل��ى �أي مدى يمكن القول ب���أن القطاع المقاوالتي ب�شقيه العام والخا�ص ا�ستطاع فعال التحلي بقيم‬
‫المواطنة من خالل الم�ساهمة الإيجابية �أو ال�سلبية على �أر�ض الواقع؟‬
‫للإجاب��ة عل��ى هذه الإ�شكالية المتفرع��ة‪ ،‬ارت�أينا تناول مو�ضوع المقاول��ة المواطنة من زاوية عالقاتها‬
‫التعاقدية المبرمة من طرفها والتي ينتج عنها م�س�ؤولية قانونية هائلة من حيث �ش�ساعتها والتزامات كمية من‬
‫حيث ج�سامتها تجاه الأطراف الأخرى لذلك �سيتم تحديد مالمح قيم المواطنة وفق المنهج الآتي‪:‬‬
‫المبحث الأول‪ :‬ر�صد تجليات المواطنة على م�ستوى العالقات المن�سوجة داخل ف�ضاء المقاولة‪.‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬ر�صد تجليات المواطنة على م�ستوى العالقات المن�سوجة خارج ف�ضاء المقاولة‪.‬‬

‫المبحث الأول‬
‫ر�صد تجليات المواطنة على م�ستوى‬
‫العالقات المن�سوجة داخل ف�ضاء المقاولة‬
‫بحك��م طبيع��ة �أن�شطتها الربحي��ة المح�ضة التي تهدف �إل��ى تحقيقها ب�أ�سهل الط��رق الممكنة ح�سب‬
‫حاجياته��ا الإنتاجي��ة تلتجئ المقاولة في �أغل��ب الأحيان �إلى تقنية �إبرام العق��ود التجارية مع مجموعة من‬
‫الأطراف‪ .‬ومعنى �أن تكون المقاولة مواطنة هو قيامها باحترام التزاماتها في عالقاتها المن�سوجة مع ه�ؤالء‬
‫خ�صو�صا �إذا كانت هذه الأخيرة تقع على م�ستوى ف�ضائها الداخلي‪.‬‬
‫وعلي��ه‪ ،‬فالمقاول��ة المواطن��ة ه��ي الت��ي تتقي��د باحت��رام الحق��وق الم�شروع��ة للطبقة العامل��ة لديها‬
‫(المطلب الأول) قبل تلك المرتبطة بال�شركاء �أو الم�ساهمين (المطلب الثاني)‪.‬‬

‫((( حول هذا المو�ضوع انظر‪:‬‬


‫‪ -‬محمد �سعيد بناني‪« ،‬عولمة االقت�صاد ودور االجتهاد الق�ضائي في التنمية الق�ضائية»‪ ،‬مقال من�شور في �أ�شغال ندوة تحت‬
‫عنوان‪« :‬عمل المجل�س الأعلى والتحوالت االقت�صادية واالجتماعية»‪ ،‬المنظمة يومي ‪ 19-18‬دجنبر ‪ 1997‬بالرباط‪ ،‬مطبعة‬
‫الأمنية‪ ،‬الرباط‪1999 ،‬؛ ‪ -‬عبا�س برادة‪« ،‬العولمة االقت�صادية»‪� ،‬سل�سلة المعرفة للجميع‪ ،‬عدد ‪ ،12‬يناير ‪.2000‬‬
‫‪(5) Abdelhaq El Hattab, « Blogs/internet une nouvelle culture en pleine expansion dans les pays arabes », article publié le‬‬
‫‪10 janvier 2012 sur le site des Sciences Juridiques et Economiques www.marocdroit.com‬‬

‫المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية‪ ،‬عدد ‪ ،116‬ماي‪ -‬يونيو ‪2014‬‬


123 ‫المقاولة المواطنة في الت�شريع المغربي‬

‫ واجب احترام الحقوق الم�شروعة للطبقة العاملة‬:‫المطلب الأول‬


‫�إن الحاجة الما�سة بالن�سبة للمقاولة �إلى اليد العاملة �سواء كانت م�ؤهلة من الطراز الرفيع �أو ذات م�ستوى‬
‫�أكاديمي عادي بغية الو�صول ال�سريع �إلى الرفع من �إنتاجيتها وتح�سين مردوديتها التناف�سية في ال�سوق تتطلب‬
‫منه��ا االهتم��ام بهذه الطبقة من خ�لال الحر�ص على احترام كل الحقوق والحري��ات الم�شروعة المكفولة‬
‫ والم�ستفاد من ذلك �أن الم�شرع المغربي‬.((( ‫قانون��ا له��ا �أي تلك المن�صو�ص عليها في القانون االجتماعي‬
‫�ألق��ى على عاتق ال�شركات الوطنية �أو الم�ستثم��رة ذات الر�أ�سمال الأجنبي التزاما قانونيا يندرج تحت غطاء‬
.‫المفهوم العام الم�سمى الم�س�ؤولية االجتماعية للمقاولة ((( الذي يجد �سنده في عدة اتفاقيات دولية‬
‫ الذي انخرطت‬1999 ‫ المعد �سن��ة‬Pacte mondial au Maroc ‫فعل��ى �صعي��د العه��د الدول��ي بالمغ��رب‬
‫في��ه ال�شركات المن�ضوية تحت ل��واء االتحاد العام لمقاوالت المغرب ((( تتجل��ى الم�س�ؤولية االجتماعية‬
‫للمقاولة في ع�شرة مبادئ م�ستوحاة �أ�سا�سا من م�ضمون االتفاقيات الدولية ال�صادرة عن هيئة الأمم المتحدة‬
‫في مجال حقوق الإن�سان وحماية البيئة والتنمية الم�ستدامة �إ�ضافة �إلى غيرها ال�صادرة عن المنظمة العالمية‬
.((( Organisation internationale du travail ‫لل�شغل‬

‫((( لم ي�ستعمل الم�شرع المغربي على غرار القوانين المقارنة م�صطلح القانون االجتماعي في �أي ن�ص ت�شريعي تاركا الباب‬
:‫ وفي هذا الإطار عرف البع�ض مفهوم القانون االجتماعي كالآتي‬.‫مفتوحا على م�صراعيه لالجتهادات الفقهية‬
« Droit social est une branche du droit constitué par l’ensemble des règles régissant les relations du travail et englobant dans
l’opinion commune la protection contre les risqué sécurité sociale. »
– Gérard Cornu, Vocabulaire juridique, édition Presses universitaires francophones, Delta, 1987, p. 766.
‫ومع ذلك نجد تطبيقاته في عدة قوانين مثل الظهير المتعلق بحوادث ال�شغل والأمرا�ض المهنية والظهير المتعلق بال�ضمان‬
.‫ الخ‬،‫االجتماعي ومدونة الت�أمينات ومدونة التغطية ال�صحية‬
‫ بف�ضل كتابات الفقيه بوين‬1953 ‫((( ظهر مفهوم الم�س�ؤولية االجتماعية للمقاولة في النظام االنجلو�ساك�سوني لأول مرة �سنة‬
.‫ وقد حاولت الدرا�سات العلمية والبحوث الأكاديمية الع�صرية تحديد تعريف لها �إال �أنها ف�شلت في �إيجاد �صيغة موحدة‬Bowen
:‫فالمنظمة العالمية لل�شغل عرفته على النحو الآتي‬
« La RSE traduit la façon dont les entreprises prennent en considération les effets de leurs activités sur la société et affirment leurs
principes et leurs valeurs tant dans l’application de leurs méthodes et procédés internes que dans leurs relations avec d’autres
acteurs. La RSE est une initiative volontaire dont les entreprises sont le moteur et se rapporte à des activités dont on considère
qu’elles vont plus loin que le simple respect de la loi. » http://ec.europa.eu/employment social/soc-dial/csr/greenpaper.fr.pdf
:‫ التعريف التالي‬2001 ‫كما قدم الكتاب الأخ�ضر لالتحاد الأوروبي ال�صادر �سنة‬
« C’est l’intégration volontaire des préoccupations sociales et environnementales des entreprises à leurs activités commerciales
et à leurs relations avec les parties prenantes. Etre socialement responsable signifie, non seulement satisfaire pleinement aux
obligations juridiques applicables, mais aussi aller au-delà et investir “davantage” dans le capital humain, l’environnement et
les relations avec les parties prenantes. »
http//www.ilo.org/public/french/standards/relm/gb295/pdf/mne-2-1.pdf
:‫�أما على م�ستوى الفقه نجد االقتراح التالي‬
« Actions d’un organisme pour assumer la responsabilité de l’impact de ses actions sur la société et l’environnement pour autant
que ses actions soient cohérentes avec les intérêts de la société et du développement durable, fondées sur un comportement
éthique, le respect de la loi en vigueur et les instruments gouvernementaux, et intégrées aux activités habituelles de
l’organisme. »
– Michel Capron, Françoise Quarel-Lanoizelée, la Responsabilité sociale d’entreprise, la Découverte, collection Repères, 2007, p. 23.
(8) www.cgem.ma
(9) www.oit.org

2014 ‫ يونيو‬-‫ ماي‬،116 ‫ عدد‬،‫المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية‬


‫يو�سف الزوجال‬ ‫‪124‬‬

‫عموم��ا لتو�ضي��ح نطاق المقاولة المواطنة في عالقتها مع الطبقة العاملة‪ ،‬البد من المرور بتلك الفردية‬
‫(الفقرة الأولى) ثم الأخرى الجماعية (الفقرة الثانية)‪.‬‬

‫الفقرة الأولى‪ :‬في عالقات ال�شغل الفردية‬


‫لك��ي تكون المقاولة مواطن��ة يتعين عليها �إحراز قطيعة مع �شتى الممار�سات المنافية لروح القانون في‬
‫مج��ال العالق��ات التعاقدية في مراحل �إبرام �أو تنفيذ �أو �إنهاء ال�شغل مع الأجراء �سواء كان العمل المطلوب‬
‫�إنجازه يتم داخل ف�ضاء المقاولة �أو خارجها‪.‬‬
‫فالي��وم ل��م يعد بالإمكان التم�سك بالمقارب��ة ال�سائدة في النظام الر�أ�سمالي الت��ي تعتبر العن�صر الب�شري‬
‫مج��رد و�سيل��ة �إنتاج مملوكة لرب العمل وبالتالي فالطبقة العاملة �أ�ضحت بمثابة �شريك ال ي�سوغ اال�ستغناء‬
‫عنه (‪.((1‬‬
‫ولهذا ال�سبب �أكد الم�شرع المغربي على �ضرورة الأخد بعين االعتبار العامل الإن�ساني في �صيرورة التنمية‬
‫االقت�صادي��ة م��ن خالل �صيانة كرامة الأجي��ر كيفما كان ال�صنف (عامل م�ستخدم �إط��ار) �أو القطاع (فالحي‬
‫�صناعي خدماتي) الذي ينتمي �إليه مع الحفاظ على كافة الحقوق الفردية والحريات ال�شخ�صية الم�ضمونة له‬
‫قانون��ا مث��ل الحرية النقابية حق الإ�ضراب وتر�سيخ مبد أ� تكاف���ؤ الفر�ص بين الجن�سين (‪ ((1‬دون �إغفال تفعيل‬
‫مقاربة النوع االجتماعي ‪ approche genre‬فيما يخ�ص بع�ض الفئات من الأجراء (المر�أة والحدث)‪.‬‬

‫(‪ ((1‬تن�ص المادة ‪ 10‬من مدونة ال�شغل على ما يلي‪« :‬يمنع ت�سخير الأجراء لأداء ال�شغل قهرا �أو جبرا»‪.‬‬
‫كما �أكد ت�صدير مدونة ال�شغل على �أن‪« :‬العمل و�سيلة �أ�سا�سية من و�سائل تنمية البالد و�صيانة كرامة الإن�سان والنهو�ض بم�ستواه‬
‫المعي�شي وتحقيق ال�شروط المنا�سبة ال�ستقراره العائلي وتقدمه االجتماعي‪.‬‬
‫العمل لي�س ب�ضاعة‪ .‬والعامل لي�س �أداة من �أدوات الإنتاج‪ .‬وال يجوز‪ ،‬في �أي حال من الأحوال‪� ،‬أن يمار�س العمل في ظروف‬
‫تنق�ص من كرامة العامل»‪.‬‬
‫(‪ ((1‬جاء في ديباجة مدونة ال�شغل �أن‪« :‬الحرية النقابية حق من الحقوق الأ�سا�سية في العمل‪ ،‬تندرج ممار�ستها في �إطار الو�سائل‬
‫المعترف بها للعمال والم�شغلين للدفاع عن حقوقهم المادية والمعنوية وم�صالحهم االقت�صادية واالجتماعية والمهنية‪.‬‬
‫ويترتب عن ذلك ب�صفة خا�صة‪ ،‬توفير الحماية للممثلين النقابيين وتوفير ال�شروط المالئمة لتمكينهم من اال�ضطالع بدورهم‬
‫التمثيلي داخل المقاولة والم�ساهمة في عملية التنمية االقت�صادية واالجتماعية وفي بناء عالقات مهنية �سليمة تخدم م�صلحة‬
‫العمال والم�شغلين على حد �سواء»‪.‬‬
‫�إ�ضافة �إلى ذلك ورد في ت�صدير مدونة ال�شغل المغربية العبارات التالية‪« :‬واحتراما للحقوق والحريات التي ي�ضمنها الد�ستور‬
‫لعالم ال�شغل عالوة على مبادئ حقوق الإن�سان كما هي متعارف عليها عالميا‪ ،‬واالتفاقيات ال�صادرة عن منظمة العمل الدولية‬
‫الم�صادق عليها من طرف المغرب‪ ،‬وخا�صة المتعلقة بحرية العمل والممار�سة النقابية‪ ،‬وحق التنظيم والتفاو�ض‪ ،‬وحق‬
‫المبادرة والملكية‪ ،‬وحماية المر�أة والطفل؛‬
‫ودعما للثقافة العمالية باطالع الأجراء بمختلف الو�سائل‪ ،‬وعن طريق ممثليهم‪ ،‬على كافة المعلومات والبيانات والمعطيات‪،‬‬
‫التي من �ش�أنها �أن ت�ساهم في االرتقاء بو�ضعيتهم وت�أهيلهم‪ ،‬و�أن تنه�ض بالمقاولة»‪.‬‬
‫كما جاء في مادتها التا�سعة �أنه‪« :‬يمنع كل م�س بالحريات والحقوق المتعلقة بالممار�سة النقابية داخل المقاولة وفق القوانين‬
‫والأنظمة الجاري بها العمل كما يمنع كل م�س بحرية العمل بالن�سبة للم�شغل وللأجراء المنتمين للمقاولة‪.‬‬
‫كما يمنع كل تمييز بين الأجراء من حيث ال�ساللة‪� ،‬أو اللون‪� ،‬أو الجن�س‪� ،‬أو الإعاقة‪� ،‬أو الحالة الزوجية‪� ،‬أو العقيدة‪� ،‬أو الر�أي‬
‫ال�سيا�سي‪� ،‬أو االنتماء النقابي‪� ،‬أو الأ�صل الوطني‪� ،‬أو الأ�صل االجتماعي‪ ،‬يكون من �ش�أنه خرق �أو تحريف مبد�إ تكاف�ؤ الفر�ص‪،‬‬

‫المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية‪ ،‬عدد ‪ ،116‬ماي‪ -‬يونيو ‪2014‬‬


‫‪125‬‬ ‫المقاولة المواطنة في الت�شريع المغربي‬

‫�إذن فهاج���س المواطن��ة الواجب عل��ى المقاولة ينطلق فعليا من العالق��ات الفردية مع كل �أجير ي�شتغل‬
‫لديها وتابع لإ�شرافها المبا�شر على حدة وذلك لن يت�أتى �إال في ظل االحترام المتبادل لاللتزامات من �أجل‬
‫تح�سين جو وظروف العمل‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬في عالقات ال�شغل الجماعية‬


‫تعتب��ر العالق��ات ال�شغلي��ة الجماعية كما هو ال�ش�أن بالن�سب��ة لنظيرتها الفردية مجاال خ�صب��ا لإر�ساء دعائم‬
‫المواطنة داخل المقاولة لأن الم�س�ألة هنا تتجاوز تلك النظرة ال�ضيقة الموجودة في الرابطة العقدية بين الم�شغل‬
‫والأجير لكي ت�صل �إلى حد تدخل �أطراف �أخرى في �إطار م�ؤ�س�ساتي محدث ومنظم ب�أحكام القانون‪ .‬وبهذا‬
‫ال�صدد تكون المقاولة مطالبة بالتعامل والتفاعل الإيجابيين مع كافة الهيئات منها ما هو �إداري كجهاز مفت�شية‬
‫ال�شغ��ل وطب ال�شغل وعامل الإقليم �أو وال��ي الجهة (‪ ((1‬ومنها ما هو �سيا�سي مثل المنظمات النقابية المهنية‬
‫المدافع��ة ع��ن الم�صالح الخا�صة للفئة التي تمثلها ال�شيء الذي ي�ستوج��ب خلق مناخ الحوار والت�شاور ثالثي‬
‫الأط��راف (نقابات مقاوالت وحكومة) من خ�لال الجلو�س على الطاولة لمناق�شة الق�ضايا الم�صيرية المتعلقة‬
‫بالقطاعات المعنية المتوج في نهاية المطاف ب�إبرام اتفاقيات �أو مفاو�ضات جماعية (‪.((1‬‬

‫�أو عدم المعاملة بالمثل في مجال الت�شغيل �أو تعاطي مهنة‪ ،‬ال �سيما فيما يتعلق باال�ستخدام‪ ،‬و�إدارة ال�شغل وتوزيعه‪ ،‬والتكوين‬
‫المهني‪ ،‬والأجر‪ ،‬والترقية‪ ،‬واال�ستفادة من االمتيازات االجتماعية‪ ،‬والتدابير الت�أديبية‪ ،‬والف�صل من ال�شغل‪.‬‬
‫يترتب عن ذلك ب�صفة خا�صة ما يلي‪:‬‬
‫‪ .1‬حق المر�أة في �إبرام عقد ال�شغل؛‬
‫‪ .2‬منع كل �إجراء تمييزي يقوم على االنتماء‪� ،‬أو الن�شاط النقابي للأجراء؛‬
‫‪ .3‬حق المر�أة‪ ،‬متزوجة كانت �أو غير متزوجة‪ ،‬في االن�ضمام �إلى نقابة مهنية‪ ،‬والم�شاركة في �إدارتها وت�سييرها»‪.‬‬
‫(‪� ((1‬صرحت المادة ‪ 67‬من مدونة ال�شغل بما يلي‪« :‬يتوقف ف�صل الأجراء العاملين في المقاوالت الم�شار �إليها في المادة ‪66‬‬
‫�أعاله‪ ،‬كال �أو بع�ضا‪ ،‬لأ�سباب تكنولوجية �أو هيكلية �أو ما يماثلها‪� ،‬أو لأ�سباب اقت�صادية‪ ،‬على �إذن يجب �أن ي�سلمه عامل العمالة‬
‫�أو الإقليم في �أجل �أق�صاه �شهران من تاريخ تقديم الطلب من طرف الم�شغل �إلى المندوب الإقليمي المكلف بال�شغل‪.‬‬
‫يكون طلب الإذن مرفقا بجميع الإثباتات ال�ضرورية وبمح�ضر الم�شاورات والتفاو�ض مع ممثلي الأجراء المن�صو�ص عليه‬
‫في المادة ‪� 66‬أعاله‪.‬‬
‫«في حالة الف�صل لأ�سباب اقت�صادية‪ ،‬يكون الطلب مرفقا‪ ،‬عالوة على الوثائق المذكورة �أعاله‪ ،‬بالإثباتات التالية‪:‬‬
‫‪ -‬تقرير يت�ضمن الأ�سباب االقت�صادية التي ت�ستدعي تطبيق م�سطرة الف�صل؛‬
‫‪ -‬بيان حول الو�ضعية االقت�صادية والمالية للمقاولة؛‬
‫‪ -‬تقرير ي�ضعه خبير في المحا�سبة �أو مراقب في الح�سابات‪.‬‬
‫يجب على المندوب الإقليمي المكلف بال�شغل �أن يجري كل الأبحاث التي يعتبرها �ضرورية و�أن يوجه الملف‪ ،‬داخل �أجل‬
‫ال يتعدى �شهرا واحدا من تاريخ تو�صله بالطلب‪� ،‬إلى �أع�ضاء لجنة �إقليمية ير�أ�سها عامل العمالة �أو الإقليم لدرا�ستها والبت فيها‬
‫في الأجل المحدد �أعاله‪.‬‬
‫يجب �أن يكون قرار عامل العمالة �أو الإقليم معلال ومبنيا على الخال�صات واالقتراحات التي تو�صلت �إليها اللجنة المذكورة»‪.‬‬
‫(‪� ((1‬أ�شارت ديباجة مدونة ال�شغل �إلى �أن المفاو�ضة الجماعية حق من الحقوق الأ�سا�سية في العمل‪ ،‬وال تحول ممار�سته دون‬
‫ا�ضطالع الدولة بدورها في حماية العمل وتح�سين ظروفه و�صيانة حقوق العامل بوا�سطة ن�صو�ص ت�شريعية وتنظيمية‪.‬‬

‫المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية‪ ،‬عدد ‪ ،116‬ماي‪ -‬يونيو ‪2014‬‬


‫يو�سف الزوجال‬ ‫‪126‬‬

‫وعل��ى ه��ذا الأ�سا�س‪ ،‬نرى ب���أن الم�شرع المغربي �أن��اط بالم�ؤ�س�سات المذكورة �أع�لاه وغيرها مهمة‬
‫المراقب��ة والت�أك��د من مدى التقيد ال�صارم للمقاولة ومن ينوب عنه��ا بن�صو�ص وروح القانون تحت طائلة‬
‫تعر�ضها للعقوبات الجنائية ال�سالبة للحرية �أو الغرامات المالية‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬واجب احترام الحقوق الم�شروعة لل�شركاء �أو الم�ساهمين‬


‫تفاديا لأي نوع من العبث �أو الفو�ضى �أطر الم�شرع المغربي ن�شاط المقاوالت الوطنية والأجنبية طيلة‬
‫مراحل حياتها المهنية من فترة �إن�شائها مرورا بم�سارها العادي و�إلى غاية �إقفالها وديا �أو ق�ضائيا من خالل‬
‫�إحاطته��ا بمجموع��ة م��ن القواعد ال�صارمة المندرجة تح��ت غطاء الحكام��ة (‪ ((1‬والمن�صو�ص عليها في‬
‫الأ�س���س القانوني��ة المنظمة لكل نوع منها (�أي تلك الم�شار �إليها في القانون رقم ‪ 95-17‬المتعلق ب�شركات‬
‫الم�ساهم��ة (‪ ((1‬ث��م في القان��ون رقم ‪ ((1( 96-5‬المتعل��ق ب�أنواع ال�شركات الأخ��رى ناهيك عن القانون‬
‫المتعلق بالمجموعات ذات النفع االقت�صادي‪ ،‬الخ‪ ).‬وذلك في �سبيل ت�سهيل عملية التوا�صل المواطن فيما‬
‫بي��ن مكوناتها الداخلية �أي الأجهزة ال�ساهرة با�ستمرار على مهمة الإ�شراف الفوقي والهرمي الدقيق فيم له‬
‫�صلة وثيقة ب�ش�ؤون المقاولة طبقا للمبد�أ الد�ستوري القائل بالربط بين الم�س�ؤولية والمحا�سبة‪.‬‬
‫وم��ن هنا يختلف مق��دار الم�س�ؤولية القانونية ب�شقيها المدني والجنائي بن��اء على �صنف المقاولة كما‬
‫�أ�سلفن��ا فمثال �إذا كان��ت ال�شركة تنتمي �إلى �ش��ركات الأ�شخا�ص ف�إن مالكيها في �أغل��ب الأحيان يعتبرون‬
‫مت�ضامنين‪.‬‬

‫ويجري التفاو�ض ب�شكل منتظم و�إلزامي وعلى كل الم�ستويات في كل المقاوالت والقطاعات الخا�ضعة لهذا القانون‪.‬‬
‫وقد عرفتها مدونة ال�شغل في المادة ‪ 92‬بقولها «المفاو�ضة الجماعية» هي الحوار الذي يجري بين ممثلي المنظمات النقابية‬
‫للأجراء الأكثر تمثيال �أو االتحادات النقابية للأجراء الأكثر تمثيال من جهة‪ ،‬وبين م�شغل �أو عدة م�شغلين �أو ممثلي المنظمات‬
‫المهنية للم�شغلين من جهة �أخرى‪ ،‬بهدف‪:‬‬
‫‪ -‬تحديد وتح�سين ظروف ال�شغل والت�شغيل؛‬
‫‪ -‬تنظيم العالقات بين الم�شغلين والأجراء؛‬
‫‪-‬تنظيم العالقات بين الم�شغلين �أو منظماتهم من جهة وبين منظمة �أو عدة منظمات نقابية للأجراء الأكثر تمثيال من جهة‬
‫�أخرى‪.‬‬
‫�أما بخ�صو�ص اتفاقية ال�شغل الجماعية فقد حددت معناها المادة ‪ 104‬من مدونة ال�شغل على النحو الآتي‪« :‬اتفاقية ال�شغل‬
‫الجماعية»‪ ،‬هي عقد جماعي ينظم عالقات ال�شغل‪ ،‬ويبرم بين ممثلي منظمة نقابية للأجراء الأكثر تمثيال‪� ،‬أو عدة منظمات‬
‫نقابية للأجراء الأكثر تمثيال‪� ،‬أو اتحاداتها‪ ،‬من جهة‪ ،‬وبين م�شغل واحد‪� ،‬أو عدة م�شغلين يتعاقدون ب�صفة �شخ�صية‪� ،‬أو ممثلي‬
‫منظمة مهنية للم�شغلين �أو عدة منظمات مهنية للم�شغلين من جهة �أخرى‪.‬‬
‫يجب‪ ،‬تحت طائلة البطالن‪� ،‬أن تكون اتفاقية ال�شغل الجماعية مكتوبة‪.‬‬
‫(‪ ((1‬يو�سف الزوجال‪« ،‬حكامة المقاوالت في القانون المغربي والمقارن»‪ ،‬مجلة الحقوق‪ ،‬العدد يناير‪-‬ماي ‪� ،2013‬ص‪.209 .‬‬
‫(‪ ((1‬ظهير �شريف رقم ‪� 1.96.124‬صادر بتاريخ ‪ 30‬غ�شت ‪ 1996‬كما وقع تتميمه وتعديله بموجب ظهير �شريف رقم ‪1.08.18‬‬
‫�صادر بتنفيذه القانون رقم ‪ ،20.05‬من�شور بالجريدة الر�سمية عدد ‪ 5640‬بتاريخ ‪ 19‬يونيو ‪� ،2008‬ص‪.384 .‬‬
‫(‪ ((1‬القانون رقم ‪ 5.96‬المتعلق ب�شركة الت�ضامن و�شركة التو�صية الب�سيطة و�شركة التو�صية بالأ�سهم وال�شركة ذات الم�س�ؤولية‬
‫المحدودة و�شركة المحا�صة‪.‬‬

‫المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية‪ ،‬عدد ‪ ،116‬ماي‪ -‬يونيو ‪2014‬‬


‫‪127‬‬ ‫المقاولة المواطنة في الت�شريع المغربي‬

‫�أما في الحالة المعاك�سة �أي بالن�سبة ل�شركات الأموال ف�إن عن�صر الم�ساءلة يتوزع ح�سب معادلة رقمية‬
‫مح�ضة ا�ستنادا �إلى كمية وعدد الح�ص�ص المملوكة لكل �شخ�ص م�ساهم �أو �شريك فيها‪ .‬وتبعا لذلك يكمن‬
‫مفه��وم المواطنة لدى المقاولة داخ��ل ف�ضائها في مدى تر�سيخ الأجهزة مثل مجل�س الإدارة لقيم ال�شفافية‬
‫والنزاه��ة والو�ضوح في عالقاتها مع �أ�صحاب ر�ؤو�س الأم��وال المعتبرين قانونا بمثابة المالكين الر�سميين‬
‫وفق��ا للأنظم��ة الأ�سا�سية المحددة لطرق تدبير �أو ت�سيير ال�ش�ؤون الإدارية والمالية للم�ؤ�س�سة التجارية �إذ �أن‬
‫الجمعي��ة العامة العادي��ة �أو اال�ستثنائية هي الجهاز الموجود على ر�أ���س المقاولة المكلف بتعيين ال�شخ�ص‬
‫المنا�س��ب بن��اء م�ؤهالته العلمي��ة �أو الأكاديمية �أو بناء عل��ى م�ساهمته في ر�أ�سمال ال�شرك��ة لتمثيلها قانونيا‬
‫والنيابة عنها من جهة �أولى‪.‬‬
‫وم��ن جهة ثانية‪ ،‬وبم��ا �أن الم�سير هو المخاطب الأول والرئي�سي بالن�سب��ة للم�ساهمين �أو ال�شركاء بل‬
‫وحت��ى الأغي��ار فقد �أوجب عليه القان��ون المغربي احترام �إعالمهم دوريا �أو �سنوي��ا ب�شكل تف�صيلي حول‬
‫الو�ضعي��ة الحقيقية للم�ؤ�س�سة �إداريا وماليا �سواء كانوا حاملي��ن لأغلبية الح�ص�ص �أو �أقلية وال�سند الت�شريعي‬
‫المعتم��د ف��ي ذلك هو الف�صل ‪ 27‬من الد�ست��ور (‪ ((1‬المكر�س للحق في الو�ص��ول للمعلومة الذي يقت�ضي‬
‫اط�لاع �أي ع�ضو مالك من ال�شرك��ة بانتظام على الوثائق الإدارية والم�ستن��دات الح�سابية التقنية المتوفرة‬
‫والتي ينبغي عليها االحتفاظ بها لمدة ع�شر �سنوات تبعا لمنطوق المادة ‪ 22‬من مدونة التجارة (‪.((1‬‬
‫لهذه الأ�سباب حر�ص الم�شرع المغربي على تقوية قواعد الحكامة الجيدة داخل المقاولة نظرا لما لها‬
‫م��ن انعكا�س وت�أثير �إما �سلب��ي �أو �إيجابي على �صورتها وحتى ال تكون عر�ضة للممار�سات غير الم�شروعة‬
‫الت��ي قد يقدم عليها الم�سير وا�ستغاللها لح�ساب الم�صلح��ة ال�شخ�صية ال�ضيقة عبر التن�صي�ص على �ضرورة‬
‫تعيي��ن مراقب ح�سابات ك�إجراء وقائي ي��روم تجنب تكرار بع�ض النماذج التاريخية المريرة وغير الم�شرفة‬
‫الت��ي عرفته��ا بالدنا مثل حالة القر�ض العق��اري وال�سياح��ي ‪ Crédit immobiler et hôtelier‬والبنك الوطني‬
‫للتنمي��ة االقت�صادي��ة ‪ ،Banque nationale de développement économique‬ال��خ‪ ،.‬الت��ي ت��دل عل��ى تف�شي‬
‫�أوج��ه الف�س��اد واالفتقار �إلى نظام حكامة قائم على تر�شيد النفقات وتعزيز مقومات الرقابة ال�ضاربة بيد من‬

‫(‪ ((1‬ين�ص الف�صل ‪ 27‬من الد�ستور على �أن‪:‬‬


‫«للمواطنين والمواطنات حق الح�صول على المعلومات‪ ،‬الموجودة في حوزة الإدارة العمومية‪ ،‬والم�ؤ�س�سات المنتخبة‪،‬‬
‫والهيئات المكلفة بمهام المرفق العام‪ .‬ال يمكن تقييد الحق في المعلومة �إال بمقت�ضى القانون‪ ،‬بهدف حماية كل ما يتعلق‬
‫بالدفاع الوطني‪ ،‬وحماية و�أمن الدولة الداخلي والخارجي‪ ،‬والحياة الخا�صة للأفراد‪ ،‬وكذا الوقاية من الم�س بالحريات‬
‫والحقوق الأ�سا�سية المن�صو�ص عليها في هذا الد�ستور‪ ،‬وحماية م�صادر المعلومات والمجاالت التي يحددها القانون بدقة»‪.‬‬
‫(‪ ((1‬تن�ص المادة ‪ 22‬من مدونة التجارة على مايلي‪:‬‬
‫«يجوز للمحكمة �أثناء الدعوى �أن ت�أمر‪ ،‬تلقائيا �أو بناء على طلب �أحد الأطراف‪ ،‬بتقديم الوثائق المحا�سبية �أو باالطالع‬
‫عليها»‪.‬‬

‫المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية‪ ،‬عدد ‪ ،116‬ماي‪ -‬يونيو ‪2014‬‬


‫يو�سف الزوجال‬ ‫‪128‬‬

‫حدي��د على الت�صرفات المخل��ة بالقانون (‪ ((1‬الرامية �إلى توظيف كل الو�سائ��ل االحتيالية واالحترافية في‬
‫�إط��ار الجرائ��م االقت�صادية والمالي��ة التي د�أب الفقه على تناولها في �إطار نظري��ة القانون الجنائي للأعمال‬
‫‪.Théorie du droit pénale des affaires‬‬

‫المبحث الثاني‬
‫ر�صد تجليات المواطنة على م�ستوى‬
‫العالقات المن�سوجة خارج ف�ضاء المقاولة‬
‫لر�ص��د تجلي��ات المواطنة عل��ى م�ستوى خارج ف�ض��اء المقاولة البد م��ن �إلقاء نظرة �شمولي��ة ومت�أنية‬
‫ح��ول عالقاتها مع طائفة الدائنين والم�ستهلكين �أو الزبائ��ن قبل معالجة روابطها �إزاء المقاوالت الأخرى‬
‫والدولة‪.‬‬

‫المطلب الأول‪ :‬في �إطار عالقات المقاولة مع الدائنين والم�ستهلكين‬


‫يتوق��ف نج��اح ا�ستراتيجية �أية مقاول��ة ع�صرية في الوقت الحالي على كيفي��ة التحكم في تعامالتها مع‬
‫الأغيار مثل الدائنين (الفقرة الأولى) �أو الم�ستهلكين (الفقرة الثانية)‪.‬‬

‫(‪� ((1‬أو�صى تقرير الخم�سينية ب�إعطاء دفعة جديدة للحكامة في الم�ؤ�س�سات والمقاوالت والمرافق العمومية بقوله‪« :‬يعد‬
‫تجديد الحكامة العمومية المدخل العملي للتجديد ال�سيا�سي كما �أنها ال�شرط ال�ضروري لإدماج المغرب في م�سار تنمية‬
‫ب�شرية رفيعة وم�ستديمة فالنظرة اال�سترجاعية للتجربة المغربية والدرو�س الم�ستخل�صة من تجارب البلدان الأخرى تك�شف‬
‫عن �أهمية ت�أ�سي�س هذا التجديد بالأ�سا�س على �أربعة م�ستويات مترابطة فيما بينها‪.‬‬
‫يتعلق الم�ستوى الأول بجعل نظام اتخاذ القرار العمومي �أكثر عقالنية وتفاعلية حيث يتعين عليه �إدماج التدبير الأمثل للزمن‬
‫على جميع الأ�صعدة فتدخل الدولة يكون �أكثر فعالية عندما ت�ضطلع الدولة بجميع مهامها كدولة لال�ستراتيجية وال�ضبط‬
‫وعندما ت�ضمن �أق�صى قدر ممكن من ال�شفافية للفاعلين ال�سيا�سيين واالجتماعيين واالقت�صاديين‪ .‬وفي هذا ال�صدد هناك ثالثة‬
‫توجيهات و�إن كانت تقنية في م�ضمونها لكنها ا�ستراتيجية في انعكا�ساتها ت�ستحق موا�صلة تنفيذها في الم�ستقبل‪.‬‬
‫العمل على ن�شر التفكير الم�ستقبلي والتب�صر اال�ستراتيجي ومعرفة المجتمع ب�شكل �أو�سع‪ ،‬فالمغرب في حاجة �إلى جهاز‬
‫ي�شرف على التوقعات الم�ستقبلية االقت�صادية واالجتماعية والترابية بتعاون وتكامل مع �شبكة من المعاهد والم�ؤ�س�سات‬
‫والمرا�صد المختلفة وذلك من منطلق �أن �أي نظام التخاذ القرار الناجع هو نظام يرتكز �أوال وقبل كل �شيء على المعرفة بحيث‬
‫ال يمكن �أن نت�صور م�شروعا مجتمعيا بدون م�شروع معرفي اجتماعي‪.‬‬
‫البحث عن نوع من اال�ستقرار للبنية الحكومية والإدارية فمن �أجل تحقيق نجاعة �أف�ضل للقرار العمومي والتخفيف من حدة‬
‫التقلبات التي تالزم الإ�صالحات واال�ستراتيجيات والبنيات الوزارية بح�سب ما تفر�ضه التحالفات فقد �آن الأوان لتوطيد‬
‫مقومات ا�ستقرار الجهاز الحكومي والتفكير في �إ�صالح عميق للبنيات الإدارية والمهام الموكلة لها‪.‬‬
‫�إعادة النظر في تدبير الميزانية الذي يتعين �أن يندرج �ضمن مخطط متعدد ال�سنوات يرتكز على تقييم مو�ضوعي للنتائج‬
‫المح�صلة في ارتباط مع الأهداف المر�سومة‪.»...‬‬

‫المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية‪ ،‬عدد ‪ ،116‬ماي‪ -‬يونيو ‪2014‬‬


‫‪129‬‬ ‫المقاولة المواطنة في الت�شريع المغربي‬

‫الفقرة الأولى‪ :‬في �إطار عالقات المقاولة مع الدائنين‬


‫تقت�ض��ي تعام�لات المقاولة التي ترى نف�سها المواطنة االلتزام ب�س��داد كافة الديون الم�سجلة في ذمتها‬
‫المالية لفائدة الغير مثل البنوك �أو الموردين‪.‬‬

‫�أوال‪� :‬سداد القرو�ض الممنوحة من طرف الم�ؤ�س�سات االئتمانية‬


‫نظرا الفتقارها لل�سيولة الكافية لتنفيذ م�شاريعها التجارية �أو االقت�صادية وفي غياب م�صادر تمويلية بديلة‬
‫ت�ضطر المقاولة �إلى االقترا�ض من الم�ؤ�س�سات االئتمانية بعد تقديم �ضمانات عينية‪.‬‬
‫لك��ن بفع��ل عدة ظ��روف داخلية �أو �صعوب��ات خارجية تج��د المقاولة نف�سها ف��ي موقف حرج عند‬
‫حلول موعد �أداء ال�سلف بمجموع فوائده القانونية االتفاقية والت�أخيرية خ�صو�صا �إذا كانت تعاني من �أزمة‬
‫اقت�صادي��ة �أو مالية �أو هيكلية خانق��ة ال�شيء الذي يجعلها غير قادرة على منح المبالغ الم�ستحقة للبنك مما‬
‫ي�ؤدي �إلى تطبيق م�سطرة الحجز على ممتلكاتها �أمام الق�ضاء‪.‬‬
‫لذل��ك فالمقاول��ة المواطنة هي التي ت���ؤدي ما بذمتها المالية من ديون م�ستحق��ة ب�شكل منتظم يجنبها‬
‫الوقوع في فقد ثقة الم�ؤ�س�سات التي تمولها‪.‬‬

‫ثانيا‪� :‬سداد الديون المترتبة عن التعامالت التجارية مع الموردين‬


‫نف���س الأمر ينطبق تماما على التعامالت القائمة بين المقاولة وبين الموردين والمواطنة في هذا المقام‬
‫يعن��ي ع��دم ا�ستغ�لال الأوراق التجارية ب�صفة غي��ر قانونية بل على العك�س من ذلك ينبغ��ي اال�ستفادة منها‬
‫بح�سن نية حتى ال ي�ضطر الموردون �إلى المطالبة بديونهم �أمام تماطل �أو تعنت المقاولة‪.‬‬
‫وهك��ذا فالم�ش��رع المغربي بغية حماي��ة حقوق الموردين من الممار�سات غي��ر المتوقعة من المقاولة‬
‫وحتى ال تتعطل م�صالح كل طرف منهما �سن قانونا خا�صا تحت رقم يحدد ال�سقف الزمني الأق�صى الذي‬
‫ال يجب تجاوزه من طرف التجار فيما بينهم‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬في �إطار عالقات المقاولة مع الم�ستهلكين‬


‫ال يجادل اثنان حول الرابطة القوية الموجودة بين المقاوالت والم�ستهلكين لأنهما في حاجة ما�سة دائمة‬
‫�إل��ى بع�ضهما البع�ض فالم�ستهلك هو الهدف النهائي بالن�سبة للمقاولة بحيث تحاول �إر�ضاء رغباته واال�ستجابة‬
‫�إلى طلباته المتزايدة من خالل عر�ض المنتوجات �أو تقديم الخدمات �إليه في �أح�سن جودة و�أف�ضل الظروف‪.‬‬
‫وعلي��ه‪ ،‬فوج��ه المقاولة المواطنة هنا ي�ستدعي مراعاة ذوق الزبون وت�سهيل ولوجه لل�سلعة التي يحتاج‬
‫�إليه��ا و�ضم��ان حقوقه في االختيار ومهلة التفكير دون اللجوء �إلى الو�سائل االحتيالية الإعالنية والت�سويقية‬
‫الخادعة بغر�ض الإيقاع به وا�ستغالل �ضعفه (‪.((2‬‬

‫‪(20) Abdelhaq El Hattab, « La protection de la partie faible dans la relation contractuelle en droit marocain », article publié le‬‬
‫‪21 juin 2010 dans la revue de Doctrine et de Droit www.majalah.new.ma‬‬

‫المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية‪ ،‬عدد ‪ ،116‬ماي‪ -‬يونيو ‪2014‬‬


‫يو�سف الزوجال‬ ‫‪130‬‬

‫وحتى تكون المقاولة في تفاعل �إيجابي مع الم�ستهلكين تعمد في الع�صر الحالي �إلى �إحداث خلية �أو‬
‫م�صلح��ة خا�صة بتلقي ال�شكاي��ات المتعلقة بالزبائن بعد البيع ‪ service après vente‬لتفادي �أكبر قدر ممكن‬
‫م��ن المنازع��ات بوا�سطة �إعمال الحل��ول الودية الم�سماة الطرق �أو الو�سائ��ل البديلة لف�ض المنازعات مثل‬
‫التحكيم والو�ساطة وال�صلح‪.((2( ...‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬في �إطار عالقات المقاولة مع المقاوالت الأخرى والدولة‬


‫هن��اك ن��وع �آخر من العالقات تقيمه المقاول��ة في محيطها الخارجي في �إط��ار ارتباطها بنظيراتها في‬
‫ال�سوق (الفقرة الأولى) �أو بم�ؤ�س�سات الدولة (الفقرة الثانية)‪.‬‬

‫الفقرة الأولى‪ :‬في �إطار عالقات المقاولة في ال�سوق‬


‫�إن االحتكاك المتوا�صل مع المحيط الخارجي يعتبر �شرا �أو خيرا ال مفر منه بالن�سبة للمقاولة والمق�صود‬
‫من عبارة المحيط الخارجي ذلك المجال الف�ضفا�ض الذي تطلق عليه النظريات االقت�صادية الكال�سيكية �أو‬
‫الحديثة ا�سم ال�سوق الذي تتموقع فيه مكانيا وزمانيا لرفع التحديات والإكراهات المطروحة (‪ ((2‬بحيث‬
‫�أن �أول عالقة محتملة تن�سجها خارج ف�ضائها تكون على الأرجح مع نظيرتها �أي المقاوالت الأخرى التي‬
‫تن�شط في نف�س القطاع التجاري �أو في ذات النطاق الجغرافي وطنيا �أو دوليا‪.‬‬

‫�أوال‪ :‬في مجال المناف�سة‬


‫في هذا المقام يفتر�ض القانون المغربي على غرار الت�شريعات الأجنبية المقارنة �أن تكون العالقات القائمة‬
‫بين المقاوالت �سواء العمالقة منها �أو المتو�سطة وال�صغرى مبنية على جو من المناف�سة ال�شريفة وتكاف�ؤ الفر�ص‬

‫للتو�سع انظر مقالتنا‪« :‬حماية الطرف ال�ضعيف في عقد الت�أمين في الت�شريع المغربي»‪ ،‬مقال من�شور بمجلة رحاب المحاكم‪،‬‬
‫عدد ‪� ،10‬سنة ‪.2011‬‬
‫«حماية الم�ستهلك في عقد الت�أمين في الت�شريع المغربي»‪ ،‬مقال من�شور بمجلة الملف‪ ،‬عدد ‪� ،19‬سنة ‪.2012‬‬
‫(‪ ((2‬عبد الحق الحطاب‪« ،‬خ�صائ�ص الطرق البديلة في ف�ض نزاعات اال�ستهالك»‪ ،‬مقال من�شور بجريدة �صحافة اليوم بتاريخ‬
‫‪ 14‬نونبر ‪www.sahafat-alyawm.net 2010‬‬
‫‪ -‬انظر �أي�ضا‪:‬‬
‫يو�سف الزوجال‪« ،‬التحكيم في القانون المغربي بين الما�ضي والحا�ضر والم�ستقبل»‪ ،‬مقال من�شور بمجلة الملف‪ ،‬العدد ‪،18‬‬
‫�أكتوبر ‪� ،2011‬ص‪.89-79 .‬‬
‫لنف�س الم�ؤلف انظر‪:‬‬
‫«خ�صو�صيات الطرق البديلة في حل نزاعات اال�ستثمار»‪ ،‬مقال من�شور بمجلة الملف‪ ،‬العدد ‪� ،20‬سنة ‪.2013‬‬
‫(‪ ((2‬عبد الحق الحطاب‪�« ،‬سيا�سة النهو�ض بالمقاولة في المغرب التحديات الراهنة والم�ستقبلية»‪ ،‬مقال من�شور بمجلة الفقه‬
‫والقانون بتاريخ ‪ 28‬يوليوز ‪www.majalah.new.ma 2012‬‬

‫المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية‪ ،‬عدد ‪ ،116‬ماي‪ -‬يونيو ‪2014‬‬


‫‪131‬‬ ‫المقاولة المواطنة في الت�شريع المغربي‬

‫للولوج �إلى ال�سوق المعترف فقط بحرية الأ�سعار التي تتحكم فيها معادلة العر�ض والطلب (‪ ((2‬حتى ال ي�ست�أثر‬
‫البع�ض منها بو�ضع مهيمن (‪ ((2‬ومحتكر بوا�سطة تقنيتي االتفاقات (‪ ((2‬والتمركزات (‪.((2‬‬
‫ووعي��ا من��ه بالخطورة التي تتحلى بها ه��ذه ال�سلوكات غير المواطنة والم�ضرة بعجل��ة االقت�صاد والتنمية‬
‫بالبالد والمخلفة ل�شعور بالتذمر لدى الفاعلين في ميدان المال والأعمال �سارع الم�شرع المغربي �إلى �إحداث‬
‫مجل�س المناف�سة (‪ ((2‬بمقت�ضى المادة من قانون حرية الأ�سعار والمناف�سة الم�ؤرخ في ‪ 5‬يونيو ‪ 2000‬والمرتقى‬
‫ب��ه �إل��ى م�صاف م�ؤ�س�س��ات الحكامة االقت�صادية الجي��دة بالد�ستور في الف�صل ‪ 166‬ال��ذي ين�ص �صراحة على‬
‫�أن��ه‪« :‬هيئة م�ستقلة‪ ،‬مكلفة في �إطار تنظيم مناف�سة ح��رة وم�شروعة ب�ضمان ال�شفافية والإن�صاف في العالقات‬
‫االقت�صادي��ة‪ ،‬خا�صة من خالل تحلي��ل و�ضبط و�ضعية المناف�سة في الأ�سواق‪ ،‬ومراقبة الممار�سات المنافية لها‬
‫والممار�سات التجارية غير الم�شروعة وعمليات التركيز االقت�صادي واالحتكار»‪.‬‬

‫(‪ ((2‬تن�ص المادة الأولى من قانون ‪ 06-99‬على �أن هذا القانون يطبق على‪:‬‬
‫جميع الأ�شخا�ص الطبيعيين �أو المعنويين �سواء كانوا متوفرين �أم غير متوفرين على مقر �أو م�ؤ�س�سات بالمغرب بمجرد ما يكون‬
‫لعملياتهم �أو ت�صرفاتهم �أثر على المناف�سة في ال�سوق المغربية �أو في جزء مهم من هذه ال�سوق‪.‬‬
‫جميع �أعمال الإنتاج والتوزيع والخدمات‪.‬‬
‫الأ�شخا�ص العموميين فيما يخ�ص تدخلهم في الأعمال الم�شار �إليها في البند الثاني �أعاله باعتبارهم فاعلين اقت�صاديين ولي�س‬
‫فيما يخ�ص ممار�ستهم �صالحيات ال�سلطة العامة �أو مزاولة مهام الخدمة العامة‪.‬‬
‫االتفاقات المتعلقة بالت�صدير فيما �إذا كان لتطبيقها �أثر على المناف�سة في ال�سوق الداخلية المغربية‪.‬‬
‫(‪ ((2‬لم يعرف الم�شرع المغربي الو�ضع المهيمن بل اكتفى بذكر بع�ض النماذج من الممار�سات التي يمكن �أن تقوم بها‬
‫المقاوالت في المادة ‪ 7‬من قانون حرية الأ�سعار والمناف�سة‪.‬‬
‫(‪ ((2‬ورد في المادة ‪ 6‬من قانون حرية الأ�سعار والمناف�سة ما يلي‪« :‬تحظر الأعمال المدبرة �أو االتفاقات �أو التحالفات‬
‫ال�صريحة �أو ال�ضمنية‪ ،‬كيفما كان �شكلها و�أيا كان �سببها‪ ،‬عندما يكون الغر�ض منها �أو يمكن �أن تترتب عليها عرقلة المناف�سة‬
‫�أو الحد منها �أو تحريف �سيرها في �سوق ما»‪.‬‬
‫غير �أن الم�شرع و�ضع بع�ض اال�ستثناءات على مبد�أ الحظر الم�شار �إليه �أعاله في المادة ‪ 8‬من قانون حرية الأ�سعار والمناف�سة‬
‫بقوله‪:‬‬
‫«ال تخ�ضع لأحكام المادتين ‪ 6‬و‪ 7‬الممار�سات التي تنتج عن تطبيق ن�ص ت�شريعي �أو تنظيمي…‬
‫ال تخ�ضع لأحكام المادتين ‪ 6‬و‪ 7‬الممار�سات …‪ .‬التي يمكن للقائمين بها �أن يثبتوا �أنها ت�ساهم في التقدم االقت�صادي‪ ,‬و�أن‬
‫م�ساهماتها كافية لتعوي�ض قيود المناف�سة‪ ,‬و�أنها تخ�ص�ص للم�ستعملين جزءا عادال من الربح الناتج عنها دون تمكين المن�ش�آت‬
‫المعنية بالأمر من �إلغاء المناف�سة فيما يخ�ص جزءا مهما من المنتوجات والخدمات المعنية‪ ،‬ويجب �أال تفر�ض الممار�سات‬
‫المذكورة قيودا على المناف�سة �إال بقدر ما تكون �ضرورية لبلوغ هدف التقدم الم�شار �إليه �أعاله»‪.‬‬
‫(‪ ((2‬ح�سب المادة ‪ 11‬من قانون حرية الأ�سعار والمناف�سة التركيز االقت�صادي هو عبارة عن «كل عقد كيفما كان �شكله �إذا‬
‫كان يق�ضي بتحويل الملكية �أو االنتفاع فيما يتعلق بمجموع �أو بع�ض ممتلكات من�ش�آت وحقوقها والتزاماتها‪� ،‬أو عندما‬
‫يكون الغر�ض منه �أو يترتب عليه تمكين من�ش�أة �أو مجموع من�ش�أة من ممار�سة نفوذ حا�سم على واحدة �أو �أكثر من المن�ش�آت‬
‫الأخرى ب�صفة مبا�شرة �أو غير مبا�شرة»‪.‬‬
‫وقد �أخ�ضع القانون ‪ 99-06‬عمليات التركيز االقت�صادي �إلى المراقبة الم�سبقة من خالل واجب التبليغ عنها الى ال�سلطة العامة‬
‫الممثلة في رئا�سة الحكومة بحيث �أعطيت لها �صالحية الرد داخل �أجل �شهرين و�إال اعتبر ذلك قبوال �ضمنيا للم�شروع‪� ,‬أما‬
‫�إذا �أحال الأمر على مجل�س المناف�سة فيمتد الأجل �إلى �ستة �أ�شهر �إلى حين قيامه بمهمة تقدير‪ ،‬عملية التركيز االقت�صادي ومدى‬
‫م�ساهمتها في التقدم االقت�صادي م�ساهمة من �ش�أنها �أن تقوم بتعوي�ض الأ�ضرار الالحقة بالمناف�سة‪.‬‬
‫‪(27) www.conseil-concurrence.ma‬‬

‫المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية‪ ،‬عدد ‪ ،116‬ماي‪ -‬يونيو ‪2014‬‬


‫يو�سف الزوجال‬ ‫‪132‬‬

‫ثانيا‪ :‬في مجال ال�صفقات العمومية‬


‫ارت���أى الم�ش��رع المغرب��ي م�ؤخرا عن �صواب �إعادة النظ��ر بجدية وحزم في الإط��ار القانوني المنظم‬
‫لعملي��ة الح�صول على ال�صفقات العمومية (‪ ((2‬تبعا لطلب العرو�ض المفتوحة للعموم من �أ�شخا�ص ذاتيين‬
‫�أو معنويي��ن الراغبي��ن ف��ي اال�ستثمار داخل الوطن الحبي��ب (‪ ((2‬بحيث كانت �سابق��ا لمعايير غير منطقية‬
‫وتمييزية وتف�ضيلية م�شبوهة مهي�أة على المقا�س لفائدة فئة معينة ال�شيء الذي تكون فيه ال�ضحية ال�سهلة فيها‬
‫هي المقاوالت �صغيرة البنية والهيكلة التي تجد نف�سها م�ضطرة لال�ست�سالم واالن�سحاب �أمام و�سائل الغ�ش‬
‫والمح�سوبية والزبونية والر�شوة (‪ ((3‬في �سبيل الظفر بفر�صة �إقامة م�شاريع قد ت�أتي �أو ال ت�أتي �أبدا‪.‬‬
‫واليوم �أ�ضحى ب�إمكان هذه الأخيرة اال�ستثمار بالوطن عبر تخ�صي�ص الم�شرع المغربي لإن�صافها ن�سبة‬
‫م��ع �أنه��ا ال تتجاوز ‪ 20‬بالمائة من مجموع ال�صفقات العمومي��ة وطلبات العرو�ض ف�إنها تدخل على الأقل‬
‫�ضمن المكت�سبات المقتن�صة والحقوق المنتزعة بعد ن�ضال دام لمدة �سنوات‪.‬‬

‫‪(28) www.marchespublics.gov.ma‬‬
‫‪(29) Noureddine Bensouda, « La stratégie de l’investissement public et l’efficience des marchés publics », Trésorerie générale‬‬
‫‪du Royaume, ministère de l’Economie et des Finances, Chambre française de commerce et d’industrie du Maroc, Casablanca,‬‬
‫‪24 mars 2011, p. 7.‬‬
‫‪(30) Abdelhaq El Hattab, « Les engagements du Maroc dans le cadre de la lutte contre la corruption », article publié le‬‬
‫‪24 septembre 2012 dans le site des Sciences juridiques et économiques www.marocdroit.com‬‬
‫جاء في تقرير الخم�سينية ما يلي‪« :‬كانت ال�شفافية والزمتها محاربة الر�شوة باعتبارهما �شرطين �ضروريين للمحا�سبة مو�ضوع‬
‫توعية تدريجية في الدوائر القانونية المغربية‪ .‬فالر�شوة ت�شكل مظهرا لحكامة �سيئة من ناحيتين حيث �إنها تهدد المحا�سبة‬
‫(�إذ ت�ضر بقواعد اللعبة) واالندماجية (�إذ تنكر على المواطنين حقهم في معاملة متكافئة)‪...‬‬
‫�إن انت�شار الر�شوة المعممة والمتف�شية في المجتمع والثقافة وكذا امتهانها وال�شكل المخادع لر�ضى البع�ض وا�ست�سالم البع�ض‬
‫الآخر بفر�ض �ضرورة الإحاطة ب�أ�سبابها‪ .‬ويمكن تلخي�ص هذه الأ�سباب في العوامل المرتبطة بالما�ضي �أو الحا�ضر التي ت�ؤدي‬
‫�إلى الر�شوة‪ .‬وتوجد في مقدمتها الزبونية والمح�سوبية لدى �شرائح المجتمع‪.‬‬
‫ويت�ضح �أن هذه الآفة منت�شرة ويمكن محاربتها مبدئيا باالحتكام �إلى اال�ستحقاق والكفاية بانبثاق كفاءات تقنية حداثية‬
‫في الوظيفة العمومية وكذا تر�سيخ الديمقراطية القائمة على االنتخاب العام‪ .‬ولكن الرغبة في تحويل الناخبين �إلى «زبناء»‬
‫عن طريق �شراء �أ�صواتهم تبقى قوية كما هو ال�ش�أن بالن�سبة لر�شوة �أعوان �إداريين من �أجل ت�سريع الم�ساطر �أو االحتيال على‬
‫القانون‪....‬‬
‫وفي الوقت الراهن يمكن �أن ت�أتي ردة فعل مجدية من طرف المقاولين الع�صريين الجدد الذين من م�صلحتهم النجاح في‬
‫ال�سوق عن طريق مواجهة المناف�سة‪ .‬وله�ؤالء دوافع قوية بعدم ال�سماح بممار�سات �أولئك الذين ي�شوهون اللعبة االقت�صادية‬
‫عن طريق منح االمتيازات بجميع �أنواعها‪.‬‬
‫وهناك عوامل �أخرى تحول �أ�سا�سا دون بروز دولة الحق والقانون حيث �إن غياب التطبيق الممنهج للقانون يعد تربة خ�صبة‬
‫لتف�شي الر�شوة‪ .‬فهل من المجدي �أن تكون لنا قوانين جيدة ال تطبق؟‪ ...‬ومادام القانون والقانون وحده وكل القانون ال يطبق‬
‫على الجميع ف�إن الر�شوة تو�شك �أن تبقى مع�ضلة متجذرة في بالدنا تعطل تنميتها لأنها ت�ضر بقواعد اللعبة وت�شجع �أولئك الذين‬
‫يتعاملون بالر�شوة على ح�ساب الآخرين»‪.‬‬
‫المغرب الممكن‪�« :‬إ�سهام في النقا�ش العام من �أجل طموح م�شترك»‪ ،‬تقرير تحت عنوان‪� 50 :‬سنة من التنمية الب�شرية بالمغرب‬
‫و�آفاق �سنة ‪ ،2025‬مطبعة دار الن�شر المغربية‪ ،‬الدار البي�ضاء‪ ،2006 ،‬يمكن االطالع عليه بالموقع الإلكتروني ‪.www.rdh50.ma‬‬

‫المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية‪ ،‬عدد ‪ ،116‬ماي‪ -‬يونيو ‪2014‬‬


‫‪133‬‬ ‫المقاولة المواطنة في الت�شريع المغربي‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬في �إطار عالقات المقاولة مع الدولة‬


‫توحي مختلف �أبعاد العالقة القائمة بين المقاولة والدولة على اعتماد بع�ضهما على بع�ض‪ .‬فالدولة ترى‬
‫ف��ي المقاولة �شريكا �أ�سا�سي��ا ال يمكن اال�ستغناء عنه في تحقيق التنمية المجتمعي��ة واالقت�صادية الم�ستدامة‬
‫بف�ض��ل الم�شاري��ع المقام��ة على نفوذه��ا الترابي واال�ستثم��ارات الوطني��ة والأجنبية الم�ستقطب��ة المولدة‬
‫لمنا�ص��ب �شغل جديدة‪� .‬أما المقاولة فهي تف�ضل الدول��ة المتمتعة باال�ستقرار ال�سيا�سي والأمن االقت�صادي‬
‫والمحفزة لرجال الأعمال‪.‬‬
‫وعليه‪ ،‬فالمقاولة في عالقتها مع الدولة �إما �أن تكون �إيجابية �أو �سلبية ال�شيء الذي ينعك�س عليهما معا‬
‫�إذ �أن المواطنة ت�ستدعي تحمل كال الطرفين لاللتزامات الواقعة عليه تجاه الآخر‪.‬‬
‫وهك��ذا يتعي��ن على المقاول��ة �أداء المبالغ الم�ستحقة للدول��ة المتعلقة بالأج��راء وال�ضرائب �إ�ضافة �إلى‬
‫احترام البيئة والموارد الطبيعية الم�ستغلة‪.‬‬

‫�أوال‪� :‬أداء واجب ال�صندوق الوطني لل�ضمان االجتماعي (‪((3‬‬


‫يعتب��ر الت�صريح بالأج��راء العاملين لدى المقاولة واجبا قانونيا يترتب عليه جزاءات في حالة عدم القيام‬
‫ب��ه �أو ف��ي حالة الت�أخر عن �أدائه بوا�سطة ال�صندوق الوطني لل�ضمان االجتماعي وبالتالي فعدم االلتزام بهذه‬
‫العملي��ة يجعل �سلوكها غي��ر م�شروع وغير مواطن ب�سبب تماطلها رغ��م الت�سهيالت الممنوحة من طرف‬
‫الدول��ة �س��واء من حيث الديون المتراكمة عليها لمدة زمنية مح��ددة �أو من حيث طرق الأداء عبر الو�سائل‬
‫الحديثة الرامية �إلى تقريب الإدارة من المواطن المعروفة بالحكومة الإلكترونية ‪.e-gouvernement‬‬

‫ثانيا‪� :‬أداء واجب �إدارة ال�ضرائب‬


‫ب�صف��ة �سنوي��ة �أو دورية تعمل الدولة عن طريق م�صالح وزارة االقت�صاد والمالية (‪( ((3‬مديرية ال�ضرائب‬
‫المبا�شرة وغير المبا�شرة �أو �إدارة الجمارك) (‪ ((3‬على ا�ستخال�ص الواجب ال�ضريبي بن�سبة معينة (في �شكل‬
‫�ضريب��ة ال�شركات �أو �ضريبة على القيمة الم�ضافة �ضريب��ة اال�ستهالك الداخلي‪ ،‬الخ‪ ).‬باعتباره دينا م�سجال‬
‫بالذمة المالية للمقاوالت وم�ستحقا �أي مخ�صوما من �أرباحها و�أي تمل�ص �أو تهرب ي�ؤدي بها �إلى ال�سقوط‬
‫تح��ت طائلة العقوب��ات المعمول بها ح�سب درجة المخالفة وحجم المبال��غ ال�ضائعة على الخزينة العامة‬
‫للبالد مما يجعل القانون ي�ضفي عليها طابع المقاولة غير المواطنة‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬واجب احترام البيئة والموارد الطبيعية‬


‫�صحي��ح �أن الدول��ة التي ت�سمح للمقاوالت بدخول ر�ؤو�س الأموال وتنقلها على امتداد �أرجاء مناطقها‬
‫و�إعطائه��ا فر�صة اال�ستثمار وتنمية �إنتاجيتها وتح�سين مردوديته��ا والزيادة في �سيا�ستها الربحية لكن ذلك‬

‫‪(31) www.cnss.ma‬‬
‫‪(32) www.finances.gov.ma‬‬
‫‪(33) www.adii.gov.ma ou www.taxe.gov.ma‬‬

‫المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية‪ ،‬عدد ‪ ،116‬ماي‪ -‬يونيو ‪2014‬‬


‫يو�سف الزوجال‬ ‫‪134‬‬

‫ال ي�س��وغ له��ا على الإطالق العبث بالموارد الطبيعية (مقالع‪� ،‬صيد بحري‪ ،‬مناجم‪� ،‬أرا�ضي فالحية �ساللية‬
‫�أو �أمالك الدولة ومواد �أولية محولة كيميائيا �أو �صناعيا‪ ،‬الخ‪ ).‬وا�ستغالل البيئة كيفما �شاءت بدون ح�سيب‬
‫�أو رقيب‪.‬‬
‫و�أم��ام ال�ضغوطات الممار�س��ة من مكونات المجتمع المدني المحلي��ة والمنظمات العالمية الحقوقية‬
‫المدافع��ة عن البيئة �شرع المغرب في ال�سن��وات الأخيرة في �سن قوانين ردعية تحتوي على عقوبات مالية‬
‫و�إدارية للمقاوالت المخالفة طبقا للقاعدة الم�شهورة ال�شخ�ص الملوث للبيئة ي�ؤدي ‪.pollueur payeur‬‬
‫كم��ا عم��د �أي�ضا �إل��ى �إن�شاء ميث��اق وطني للبيئة يح��ث على االمتثال ل��ه حرفيا المجل���س االقت�صادي‬
‫واالجتماعي والبيئي (‪ ((3‬الذي حدد اخت�صا�صاته الف�صل ‪ 152‬من الد�ستور بقوله‪:‬‬
‫«للحكوم��ة ولمجل�س النواب ولمجل�س الم�ست�شارين �أن ي�ست�شيروا المجل�س االقت�صادي واالجتماعي‬
‫والبيئ��ي ف��ي جميع الق�ضايا‪ ،‬التي لها طابع اقت�صادي واجتماعي وبيئي‪ .‬يدلي المجل�س بر�أيه في التوجهات‬
‫العامة لالقت�صاد الوطني والتنمية الم�ستدامة»‪.‬‬

‫خاتمة‬
‫تلكم �إذن بع�ض مظاهر المقاولة المواطنة الموجودة في الت�شريع المغربي التي �إن دلت على �شيء ف�إنما‬
‫ت��دل بو�ض��وح على �أن الدولة خطت خط��وات كبيرة منذ ال�سنوات الما�ضية نح��و م�ستقبل م�شرق بف�ضل‬
‫المقاربات ثالثية الأبعاد المعتمد عليها لتكري�س التنمية االقت�صادية واالجتماعية‪.‬‬
‫ولع��ل الوثيق��ة الد�ستورية المتبناة م�ؤخرا هي �أف�ضل م�ؤ�شر حقيق��ي على �أن المنظومة القانونية لوحدها‬
‫تظ��ل غير كافي��ة ولهذا فاالتجاه ال��ذي ي�سعى �إلى تطويره هو نه��ج ال�شراكة الفاعلة بي��ن جميع مكونات‬
‫المجتمع باعتباره الطريق الأمثل لتحقيق الغايات المن�شودة‪.‬‬
‫ف�أم��ام الب�لاد تحدي��ات �ضخمة في �سبي��ل الو�صول �إل��ى �أعلى مرات��ب المواطنة وفر�ضه��ا في مجال‬
‫المقاوالت كمحاربة الف�ساد والريع االقت�صادي وظاهرة االقت�صاد غير المهيكل الم�سيطر بن�سبة ال ب�أ�س بها‬
‫ف��ي الن�سي��ج االقت�صادي الوطني و�ستكون الفترة الآتية هي بمثابة فترة محك ي�ستطيع فيها المتتبعون لل�ش�أن‬
‫االقت�ص��ادي �إجراء تقييم مو�ضوعي للتجربة المغربية في ه��ذا الإطار لتطوير وتح�سين الم�سائل المحمودة‬
‫واال�ستفادة من الثغرات التي قد تعتري المنظومة المعمول بها‪.‬‬

‫‪(34) www.ces.ma‬‬

‫المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية‪ ،‬عدد ‪ ،116‬ماي‪ -‬يونيو ‪2014‬‬

‫)‪Powered by TCPDF (www.tcpdf.org‬‬

You might also like