You are on page 1of 58

‫المبـادئ العا ّمـة الكبرى لتسييــر‬

‫المرافـق العموميّـة المحليّـة فـي تونـس‬

‫زهيـر النـوري‬
‫أستاذ مساعد بكلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس‬
‫جامعة تونس المنار‬

‫‪« Le droit administratif est essentiellement le droit des services publics »1‬‬

‫تقوم الجماعات المحليّة بدور هام على مستوى الدولة من خالل خدمة المتطلبات‬
‫الحياتيّة لمتساكنيها‪ .‬وقد عرف هذا الدور تطورا في السنوات األخيرة سواء على مستوى‬
‫االختصاصات الموكلة للجماعة المحليّة وكذلك على مستوى الدور الذي أصبحت تضطلع به‬
‫هذه األخيرة في تحقيق التنمية المستدامة على المستوى المحلي‪ .‬ونظرا ألهميّة هذا الدور فإنه‬
‫أصبح من الضروري أن يطعم التسيير المحلي بمفاهيم جديدة على غرار الحوكمة الرشيدة‬
‫والديمقراطية التشاركية والتنمية المستدامة والشفافية بغية تحقيق تنمية تتناسب مع رغبات‬
‫وحاجيات السكان المحليين‪ .‬وتلعب المرافق العمومية المحلية دورا محوريّا في تحقيق هذه‬
‫األهداف‪.‬‬

‫إذا كان المرفق العام بمثابة "حجر الزاوية في القانون اإلداري"‪ 2‬حسب تعبير الفقيه‬
‫قاستون دجيز فإنّه ال يوجد تعريف دستوري وال تشريعي وال فقهي وال فقه قضائي محدّد له‬

‫‪1‬‬
‫‪Rolland (L.), Précis de droit administratif, Dalloz, 5ème édition, Paris 1934, p. 14.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Jèze (G.), Les principes généraux du droit administratif, T1, réédition Dalloz, Paris 2005, p.XV.‬‬

‫‪1‬‬
‫وإنّما وقع االعتماد على مجموعة من المعايير التي يمكن من خاللها وصف نشاط ما بأنّه‬
.3‫مرفق عام أم ال‬

‫ يمكن االنطالق من التعريف الذي اقترحه الفقيه ريني‬،‫وفي ظل غياب تعريف محدد‬
‫يعرف بمقتضاه المرفق العام بأنّه "النشاط الذي يتعهد به شخص من أشخاص‬
ّ ‫شابي والذي‬
.4"‫القانون العام من خالل تسييره مباشرة أو اإلشراف عليه قصد تحقيق مصلحة عا ّمة‬

ّ ‫انطالقا من هذا التعريف يمكن القول‬


‫بأن المرفق العام هو كل نشاط مرتبط بشخص‬
‫صة ومثال ذلك‬
ّ ‫عمومي من خالل تعهد هذا األخير بتسيير النشاط مباشرة وبوسائله الخا‬
‫المرافق العموميّة التي تتعهد بها الدولة والجماعات المحليّة والمؤسسات العموميّة ذات‬
.5‫الصبغة اإلداريّة‬

‫ وذلك‬6‫كما يمكن أن يكون ارتباط النشاط بالشخص العمومي بصورة غير مباشرة‬
ّ ‫كلّما‬
.notion organique 7‫فوض تسيير المرفق إلى شخص من أشخاص القانون الخاص‬

: ‫ أنظر في هذا اإلتجاه‬3


Guglielmi (G.) et Koubi (G.), Droit du service public, Montchrestien, 2000, p. 62 : « Comme il
n’existe pas de définition constitutionnelle ou législative et comme il n’émerge pas de définition précise
de la jurisprudence(…), la notion de service public semble devoir être caractérisée par certaines
données extraites de textes juridiques et de jugements ou arrêts qui caractérisent telle ou telle activité » ;
Le doyen Y. Ben Achour ajoute en ce sens : « Concept à plusieurs connotations, vaillamment défendu,
largement contesté, dans son contexte d’origine, le service public fait partie de ces concepts migrants,
qui ont réussi à traverser toutes les frontières, pour devenir une sorte de patrimoine commun du droit
administratif international…», Droit administratif, 3ème édition, CPU, 2010, p. 310.
4
Chapus (R.), Droit administratif général, T 1, Montchrestien, 14ème édition, 2000, p. 569 : « La
définition s’énonce simplement : une activité constitue un service public quand elle est assurée ou
assumée par une personne publique en vue d’un intérêt public », voir également, Ben Achour (Y.),
Droit administratif, op. cit., p. 320 et s.
‫تتصرف الدولة في‬
ّ ‫ تجدر اإلشارة هنا إلى أن بعض األنشطة التي تتعهد بها هذه األشخاص ال تعتبر مرافقا عا ّمة فعندما‬5
،2002 ‫ أكتوبر‬25 ‫ بتاريخ‬18806 ‫ قضية عدد‬،‫فإن هذا النشاط ال يعتبر مرفقا عا ّما (المحكمة اإلدارية‬ ّ ‫ملكها الخاص‬
.)‫ غير منشورة‬،‫ بلدية سوسة‬/‫التركي‬
: ‫لمزيد من التع ّمق أنظر‬
Nouri (Z.), Le contrat et le recours pour excès de pouvoir, thèse pour le doctorat en droit public,
Faculté de Droit et des Sciences Politiques de Tunis, 2011-2012, p. 185 et s. ; Sayari (M.), Le juge
compétent dans le contentieux de la gestion du domaine privé à travers la jurisprudence du tribunal
administratif et du conseil des conflits de compétence, in La diversité dans le droit, Mélanges offerts à
la Doyenne Kalthoum Meziou, CPU, 2013, p. 755 et s.
‫ غير أنّه مع تطور أنشطة‬،‫ في بداية القرن الماضي كان ارتباط النشاط بشخص عمومي هو المعيار المحدد للمرفق العا ّم‬6
‫وتنوعها دفع هذه األخيرة إلى تكليف أشخاص القانون الخاص بتسيير المرافق العا ّمة‬
ّ ‫اإلدارة‬

2
‫‪(CE, 13 mai 1938, Caisse primaire aide et protection, Rec. p. 417 ; TC, 22 janvier 1921, Société‬‬
‫‪commerciale de l’Ouest africain, Rec. p. 91).‬‬
‫وقد أخذ هذا االرتباط غير المباشر بالمرفق العام شكالن أساسيان وهما الشكل التعاقدي أو ما يعبّر عنه بعقود تفويض المرافق‬
‫العا ّمة (أنظر الهامش عدد ‪ )190‬وشكل أحادي وهو الذي يمارس فيه النشاط شخص من أشخاص القانون الخاص بتكليف من‬
‫الدولة أو جماعة عموميّة محليّة مع تمكين هؤالء من الوسائل الالّزمة لممارسة نشاطهم مع احتفاظ الدولة أو الجماعة المحلية‬
‫بسلطة المراقبة واإلشراف ومثال ذلك الجامعات الرياضية (الفصل ‪ 9‬من القانون عدد ‪ 11‬المؤرخ في ‪ 6‬فيفري ‪1995‬‬
‫المتعلق بالهياكل الرياضيّة‪ ،‬الرائد الرسمي عدد ‪ 12‬المؤرخ في ‪ 10‬فيفري ‪ ،1995‬ص‪ )335 .‬وكذلك الجمعيات الغابيّة ذات‬
‫المصلحة المشتركة (الفصلين ‪ 43‬و ‪ 44‬من مجلة الغابات واألمر عدد ‪ 2373‬المؤرخ في ‪ 9‬ديسمبر ‪ 1996‬المتعلق بكيفية‬
‫إحداث وتنظيم وتسيير هذه الجمعيات‪ ،‬الرائد الرسمي عدد ‪ 101‬المؤرخ في ‪ 17‬ديسمبر ‪ ،1996‬ص‪.2795 .‬‬
‫غير إن اإلشكال المطروح هنا هو الناتج عن صعوبة تحديد الرابطة القائمة بين الشخص العمومي والمؤسسة الموكول لها‬
‫ينص فيها القانون على أن النشاط الذي تقوم به هذه المؤسسة مرفقا عاما أم ال‪ .‬إذا كان‬ ‫ّ‬ ‫القيام بالنشاط في الحاالت التي ال‬
‫ينص على إ ّن‬
‫ّ‬ ‫اإلشكال ال يطرح بالنسبة للجامعات الرياضية باعتبار أن الفصل التاسع من القانون المتعلق بالهياكل الرياضية‬
‫فإن التساؤل يطرح بالنسبة للهيئات الخاصة مثل الجمعيات الغابيّة المذكورة‬ ‫الجامعات الرياضية مكلفة بتسيير مرفق عام‪ّ ،‬‬
‫وكذلك بالنسبة لبعض المراكز الفنية في القطاع الصناعي (القانون عدد ‪ 123‬لسنة ‪ 1994‬المؤرخ في ‪ 28‬نوفمبر ‪1994‬‬
‫المتعلق بالمراكز الفنية في القطاع الصناعي‪ ،‬الرائد الرسمي عدد ‪ 96‬بتاريخ ‪ 6‬ديسمبر ‪ ،1994‬ص ‪ )2059‬أو الفالحي‬
‫(القانون عدد ‪ 4‬المؤرخ في ‪ 19‬جانفي ‪ 1996‬المتعلق بإحداث مراكز فنية في القطاع الفالحي‪ ،‬الرائد الرسمي عدد ‪ 7‬بتاريخ‬
‫‪ 23‬جانفي ‪ ،1996‬ص‪ .)219 .‬هذه الهيئات المذكورة إعتبرها المشرع ذوات معنويّة ذات مصلحة إقتصاديّة عموميّة تتمتع‬
‫بالشخصيّة المدنية وباالستقالل المالي‪ .‬ولمعرفة إن كان النشاط الذي تقوم به هذه الذوات الخاصة يعتبر مرفقا عا ّما أم ال سعى‬
‫القاضي اإلداري في فرنسا إلى وضع جملة من المؤشرات منذ قرار ‪ Narcy‬الصادر عن مجلس الدولة الفرنسي بتاريخ ‪28‬‬
‫جوان ‪ (CE, 28 juin 1963, RDP, 1963, p. 1186, note M. Waline) 1963‬والتي يمكن تلخيصها في الثالثة‬
‫مؤشرات التالية ‪:‬‬
‫‪ -‬خدمة ذات مصلحة عا ّمة‪.‬‬
‫‪ -‬تدخل الدولة في بعث هذه المؤسسات ذات المصلحة العا ّمة مثل المراكز الفنية والصناعيّة‪.‬‬
‫‪ -‬حق اإلدارة في مراقبة هذه المؤسسات وخاصة فيما يتعلق بتسمية رئيس المؤسسة وبعض أعضاء مجلس اإلدارة‪.‬‬
‫‪ -‬وجود امتيازات السلطة العا ّمة مثل استخالص معاليم إجباريّة من منخرطيها‪.‬‬
‫وقد أخذت المحكمة اإلداريّة ببعض هذه العناصر في تكييفها لبعض الهيئات المهنية غير المسماة مثل الهيئة الوطنية للمحامين‬
‫صرحت في قرار أنور بشر بما يلي ‪" :‬وحيث أن تنظيم المهن الحرة‬ ‫والتي اعتبرتها شخصا من أشخاص القانون العام حيث ّ‬
‫كالطب والمحاماة والمحاسبين مما يدخل في صميم اختصاص الدولة بوصفها قوامة على المصالح والمرافق العا ّمة‪ .‬فإذا‬
‫أرادت الدولة أن تتخلّى عن هذا األمر ألعضاء المهنة أنفسهم ألنهم أقدر عليه مع تخويلهم نصيبا من السلطة العامة يستعينون‬
‫بها على تأدية مهمتهم مع االحتفاظ بحقها في اإلشراف والرقابة‪ ،‬تحقيقا للصالح العام فإ ّن ذلك ال يغيّر من التكييف القانوني‬
‫لهذه المهن بوصفها مرافق عامة"‪( ،‬المحكمة اإلدارية قضية عدد ‪ 212‬بتاريخ ‪ 14‬جويلية ‪ ،1983‬الهيئة القومية للمحامين‪/‬‬
‫أنور بشر‪ ،‬المجموعة ص ‪ .)277.‬غير إن شرط امتيازات السلطة العامة كإحدى ركائز تعريف المرفق العام وقع التخلّي عنه‬
‫في فرنسا منذ قرار‬
‫‪Association du personnel relevant des établissements pour inadaptés (CE, 22 fevrier 2007, AJDA, 2007,‬‬
‫‪p. 793, Chron. F. Lenica et J. Bouchet).‬‬
‫أقر مجلس الدولة الفرنسي بأ ّنه يمكن اعتبار نشاطا ما مرفقا عا ّما دون أن يكون الشخص الخاص الموكول له تسيير‬ ‫حيث ّ‬
‫المرفق العام متمتعا بامتيازات السلطة العا ّمة وذلك بتوفر المؤشرات التالية ‪ :‬المصلحة العا ّمة‪ ،‬شروط احداث المرفق‪ ،‬كيفيّة‬
‫تنظيمه أو طرق عمله‪ ،‬الواجبات المحمولة على الشخص المكلف بتسيير المرفق والوسائل المعتمدة للتأكد من تحقيق األهداف‬
‫المرجوة من المرفق ‪:‬‬
‫‪« Eu égard à l’intérêt général de son activité, aux conditions de sa création, de son organisation ou de‬‬
‫‪son fonctionnement, aux obligations qui lui sont imposés ainsi qu’aux mesures prises pour vérifier que‬‬
‫‪les objectifs qui lui sont assignés sont atteints, il apparait que l’administration a entendu lui confier une‬‬
‫‪telle mission ».‬‬
‫فباستثناء المصلحة العا ّمة والحالة التي يق ع التنصيص فيها على إن النشاط الذي سيقوم به الشخص الخاص هو من قبيل‬
‫المرفق العام فإن وجود مؤشر من المؤشرات المذكورة ال يعني بالضرورة أن النشاط الذي يقوم به الشخص الخاص هو من‬
‫قبيل المرفق العام‪ .‬لمزيد من التعمق أنظر ‪:‬‬

‫‪3‬‬
‫باإلضافة إلى هذا الشرط فإنّه يجب أن يهدف النشاط إلى تحقيق مصلحة عا ّمة‪ 8‬إذ ال يمكن‬
‫الحديث عن مرفق عا ّم دون أن يكون النشاط متصال بتحقيق مصلحة عامة تتمثل أساسا في‬
‫إشباع حاجيات المستخدمين وإسداء الخدمات الضروريّة لهم ‪ .notion fonctionnelle‬ويبقى‬
‫مفهوم المصلحة العا ّمة مفهوما متطورا ومتغيّرا مع تغيّر الظروف االقتصادية والسياسيّة‬
‫واالجتماعية‪.‬‬

‫في تونس تميزت سياسة الدولة منذ االستقالل بنوع من التوجسس إزاء إرساء مرافق‬
‫عمومية محلية فسياستها في تلك الفترة كانت تهدف إلى الحفاظ على وحدتها الترابية وهو ما‬

‫‪Boiteau (C.), Le service public, quelle définition ? in Le service public aujourd’hui, sous la direction de‬‬
‫‪Mohamed Salah Ben Aissa, ATSA 2010, p. 17 et s.‬‬
‫صة في التمييز بين المرافق العا ّمة اإلداريّة والمرافق العا ّمة ذات الصبغة‬‫‪ 7‬تجدر اإلشارة إلى أن الصعوبة تكمن هنا خا ّ‬
‫الصناعيّة والتجاريّة باعتبار دور التفرقة بينهما في تحديد القانون المنطبق على النزاع وكذلك في تحديد الجهاز القضائي‬
‫الموكول له البت في النزاعات المتعلقة بتلك المرافق‪ .‬لذلك سعى فقه القضاء اإلداري منذ قرار مجلس الدولة الفرنسي المؤرخ‬
‫في ‪ 16‬نوفمبر ‪.(Union Syndicale des industries aéronautiques, Rec. p. 434) 1956‬‬
‫إلى وضع بعض المعايير المعتمدة في التمييز بينهما والتي يمكن تلخيصها في المعايير الثالثة التالية ‪:‬‬
‫األول ‪ :‬هو المعيار المتعلق بموضوع المرفق ‪ Objet du service‬والمتمثل في طبيعة األعمال التي تؤدّي إلى تنفيذ‬ ‫المعيار ّ‬
‫المرفق وهي مسألة ال تخلو من الصعوبة في بعض الحاالت إذ أعتبر مجلس الدولة الفرنسي في قراره الصادر في ‪ 26‬جانفي‬
‫‪ (Dame Maron, Rec., p. 69) 1968‬أن استغالل مسرح من طرف جماعة محلية لتقديم أحد العروض مرفقا إدار ّيا على‬
‫صة‪ .‬أما إذا اقترن تنفيذ المرفق باألشغال العموميّة أو‬ ‫الرغم من أن ذلك النشاط ال يختلف في شيء عن استغالل المسارح الخا ّ‬
‫بالضبط اإلداري فإن الصبغة اإلدارية للمرفق هي التي ترجح ‪:‬‬
‫‪(TC, 20 janvier 1986, Société anonyme Roblot, AJDA, 1986, p. 267, note Richer).‬‬
‫أ ّما المعيار الثاني المعتمد فيتمثل في مصادر التمويل ‪ L’origine des ressources‬فكلما كانت الموارد المالية للمرفق متأتية‬
‫من معاليم موظفة على مستعملي المرفق وتأخذ صبغة السعر فإنّه يقع تغليب الصبغة الصناعية والتجاريّة للمرفق أما إذا كانت‬
‫موارد المرفق متأتية من مساهمات عمومية أو كانت خدمة المرفق مجانية أو أن موارده متأتية من موارد جبائية فإنه في هذه‬
‫الحالة يقع تغليب الصبغة اإلداريّة على المرفق‪.‬‬
‫أما المعيار الثالث فهو المتعلق بطرق عمل المرفق ‪ Les modalités de fonctionnement‬فإذا ما تبيّن أن المرفق ال يهدف‬
‫إلى تحقيق الربح باعتبار المعلوم الرمزي الموظف على الخدمة أو أن هذا األخير يعتمد قواعد المحاسبة العمومية أو محتكرا‬
‫من طرف الشخص العمومي أو مسيرا مباشرة من طرفه فإنّه يقع تغليب الصبغة اإلداريّة للمرفق‪ .‬وقد استندت المحكمة‬
‫اإلداريّة إلى هذا المعيار لتحديد الطبيعة القانونية لبعض المرافق‪ ،‬ومثال ذلك تحديد الطبيعة القانونية للمؤسسات العمومية‬
‫للصحة حيث أقرت في قرارها المؤرخ في ‪ 28‬ماي ‪ 2004‬أن "المؤسسات العموميّة للصحة باعتبار مجانية العالج داخلها‬
‫فإن نية المشرع قد انصرفت نحو تنزيل‬ ‫وخضوع أعوانها إلى النظام األساسي للوظيفة العمومية وعدم قابلية أمالكها للعقلة ّ‬
‫المؤسسات المذكورة منزلة اإلدارة عند تصريفها للمرفق العام للصحّة" (المحكمة اإلداريّة‪ ،‬قضية عدد ‪ 18443‬بتاريخ ‪28‬‬
‫ماي ‪ ،2004‬بلقاسم ومن معه‪/‬م‪.‬ع‪.‬ن‪.‬د في حق وزارة الصحّة العموميّة‪ ،‬غير منشورة)‪ .‬وفي كل الحاالت يبقى التصنيف‬
‫التشريعي لمرفق عمومي ما الطريقة األنجع لوضع حد لكل الجدل الذي يثيره تصنيف المرافق العموميّة باعتبار أن التصنيف‬
‫أو التكييف الترتيبي يبقى خاضعا ومقيّدا بالمعايير سالفة الذكر‪.‬‬
‫‪ 8‬أنظر لمزيد من التع ّمق ‪:‬‬
‫‪Francou (J.P.), Les services publics et le critère matériel en droit administratif français et en droit‬‬
‫‪européen, RA, 1997, n°300, p. 688 : « Au sens fonctionnel, le service public est l’activité qui tend à‬‬
‫‪assurer la satisfaction d’un intérêt général en offrant des prestations données ». En témoigne aussi, le‬‬
‫‪rapport annuel du conseil d’Etat français consacré à l’intérêt général dont il ressort que « la condition de‬‬
‫‪la satisfaction d’un intérêt général est primordial : sans mission d’intérêt général, pas de service‬‬
‫‪public », EDCE 1999, L’intérêt général, p. 272.‬‬

‫‪4‬‬
‫الحر والديمقراطية‬
‫ّ‬ ‫حال دون إرساء تنظيم إداري ال مركزي يقوم على مبدأ التدبير‬
‫التشاركية‪ ،‬إذ ّ‬
‫أن أغلب المرافق العمومية في تلك الفترة كانت مرافق عمومية وطنية تسير‬
‫تمول من طرف اإلدارة المركزيّة‪ .‬هذه الوضعيّة أثرت بصفة سلبيّة على المرافق العمومية‬
‫و ّ‬
‫المحليّة إذ لم يقع تمتيع الجماعات المحلية بالوسائل المادية الالزمة إلنشاء مرافق عموميّة‬
‫محلية حقيقية تستجيب لمتطلبات سكان الجماعات المحليّة‪.‬‬

‫إالّ أنّه مع صدور القانون األساسي المنظم للبلديات بتاريخ ‪ 14‬ماي ‪ 91975‬وقع‬
‫التصرف فيها‬
‫ّ‬ ‫تخصيص الباب السابع (الفصول ‪ )151-145‬للمرافق العموميّة البلديّة وطرق‬
‫وقد أحال هذا القانون للسلطة الترتيبيّة صالحيّة تحديد طريقة تنظيم تلك المرافق ونظامها‬
‫المالي وطرق عملها‪ .‬غير أن التفاوت بين الجهات فيما يتعلق بالتنمية وعجز السياسات‬
‫االقتصادية المتبعة من طرف السلطة المركزية آنذاك دفع بهذه األخيرة إلى إصدار القانون‬
‫والذي منح بمقتضاه‬ ‫‪10‬‬
‫األساسي المؤرخ في ‪ 4‬فيفري ‪ 1989‬والمتعلق بالمجالس الجهويّة‬
‫الوالية كجماعة محلية الشخصية المعنوية واالستقالل المالي‪ ،‬غير ّ‬
‫إن الطابع االستشاري‬
‫للمجلس الجهوي أثر سلبا على المرافق العمومية المحلية م ّما جعلها محدودة العدد‪ .‬هذا‬
‫باإلضافة إلى تبعيّة المرافق العمومية المحليّة لإلدارة المركزية‪.11‬‬

‫أما فيما يتعلق بإحداث المرافق العمومية المحلية فإنّه‪ ،‬ولئن اعترف الفصل ‪ 150‬من‬
‫قانون البلديات بحق هذه األخيرة في إحداث مؤسسات عمومية محلية تتمتع بالشخصية‬
‫المعنوية واالستقالل المالي‪ ،‬فإن قرار المجلس البلدي المتعلق ببعث هذه المؤسسات يخضع‬
‫وجوبا لمصادقة وزير الداخلية بعد أخذ استشارة وزير المالية‪ .‬هذه الرقابة أثرت سلبا على‬
‫استقاللية المجلس البلدي فيما يتعلق ببعث المؤسسات العمومية البلدية باعتبار أن سلطة وزير‬

‫‪ 9‬الرائد الرسمي عدد ‪ 34‬بتاريخ ‪ 20‬ماي ‪ ،1975‬ص‪.1056 .‬‬


‫‪ 10‬الرائد الرسمي عدد ‪ 10‬بتاريخ ‪ 10‬فيفري ‪ ،1989‬ص‪.218 .‬‬
‫‪ 11‬لمزيد من التعمق أنظر ‪:‬‬
‫‪Ben Letaief (M.), Les services publics locaux, in Décentralisation et démocratie en Tunisie, (Ben‬‬
‫‪Salah H. et Marcou G., dir), Imprimerie officielle de la République tunisienne, 1998, p.154 et s..‬‬

‫‪5‬‬
‫الداخلية ال تقتصر على المصادقة بل تتعداها لتحديد إسم المؤسسة وصالحياتها‪ .‬هذا األمر‬
‫ظ ّل تقريبا على حاله حتى بعد تنقيح قانون البلديات في ‪ 17‬جويلية ‪.122006‬‬

‫أ ّما بالنسبة للمجالس الجهويّة فإن قانون ‪ 4‬فيفري ‪ 1989‬لم يمنحها كذلك صالحية‬
‫بعث مؤسسات عمومية‪ ،‬إذ أسند الفصل ‪ 56‬من القانون المذكور هذه الصالحية للمشرع الذي‬
‫بإمكانه بعث مؤسسات عمومية ذات صبغة صناعية وتجاريّة مهمتها تسيير المرافق العموميّة‬
‫للواليات باعتبارها جماعات محلية‪ .‬هذه الوضعيّة تعكس قصور قانون ‪ 1989‬في منح‬
‫استقاللية فعلية للوالية باعتبارها جماعة محلية‪.‬‬

‫أ ّما على مستوى التنظيم وطرق العمل‪ ،‬فإ ّن األمر عدد ‪ 242‬لسنة ‪ 1989‬المؤرخ في‬
‫‪ 31‬جانفي ‪ 1989‬والمتعلق بالنظام اإلداري والمالي للمؤسسات العمومية البلدية ذات الصبغة‬
‫االقتصادية‪ 13‬ولئن منح هذه المؤسسات ميزانية مستقلة مهمتها ممارسة أنشطة اقتصاديّة‪ ،‬فإنّه‬
‫حافظ على الطابع التقليدي للمؤسسات العمومية وذلك من خالل تركيبة مجلس اإلدارة‬
‫واستقاللية أعضاءه‪ ،‬إذ أن أعضاء المؤسسة المذكورة يقع تعيينهم من طرف رئيس البلدية‬
‫بعد مصادقة ثنائيّة‪ ،‬األولى قبل قرار رئيس البلدية (مصادقة المجلس البلدي) والثانية مصادقة‬
‫الوالي (بعد قرار رئيس البلدية) وقبل دخول قرار التعيين حيّز التنفيذ‪ .14‬هذه الرقابة الثنائية‬
‫انعكست سلبا على استقاللية أعضاء المؤسسة العمومية المحليّة‪ ،‬هذا باإلضافة إلى أن أغلبية‬
‫األعضاء إن لم نقل كلهم يقع تعيينهم من بين المنتمين للحزب الحاكم آنذاك‪.‬‬

‫أما على مستوى النظام المالي للمؤسسات المذكورة ّ‬


‫فإن أمر ‪ 31‬جانفي ‪ 1989‬حدّد‬
‫أهم مداخيل المؤسسة العمومية المحلية والمتمثلة في المنح المتأتية من البلدية التي تعود لها‬
‫المؤسسة وكذلك مداخيل متأتية من أنشطة المؤسسة المذكورة مثل األموال المتأتيّة من‬
‫التصرف في أمالكها‪ .15‬هذه التبعيّة المالية للمؤسسة تجاه البلدية‪ ،‬والتي تفتقر جلها لموارد‬
‫ّ‬

‫‪ 12‬قانون أساسي عدد ‪ 48‬لسنة ‪ ،2006‬مؤرخ في ‪ 17‬جويلية ‪ ، 2006‬يتعلق بتنقيح القانون األساسي المؤرخ في ‪ 14‬ماي‬
‫‪ ،1975‬الرائد الرسمي عدد ‪ 59‬بتاريخ ‪ 25‬جويلية ‪ ،2006‬ص‪.2452 .‬‬
‫‪ 13‬الرائد الرسمي عدد ‪ ،10‬بتاريخ ‪ 10‬فيفري ‪ ،1989‬ص‪.226 .‬‬
‫‪ 14‬الفصل ‪ 4‬من األمر المذكور‪.‬‬
‫‪ 15‬الفصل ‪ 12‬من األمر المذكور‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫مالية كافية بإعتبار أن معظم الميزانية تتأتى من الدولة‪ ،‬جعلت من المؤسسات العمومية‬
‫المحليّة في تبعية لإلدارة المركزية وهو ما أثر سلبا على استقالليتها‪.‬‬

‫أ ّما فيما يتعلق بالمرافق العموميّة التي تعتزم الوالية استغاللها في شكل وكالة فإنّها‪،‬‬
‫طبقا للفصل ‪ 51‬من قانون المجالس الجهويّة‪ ،‬تخضع للترخيص المسبّق لوزير الداخليّة‬
‫والذي بإمكانه سحب الترخيص عند االقتضاء‪ .‬أما فيما يتعلق بالمؤسسات العمومية ذات‬
‫الصبغة الصناعيّة والتجاريّة فإن الفصل ‪ 56‬من قانون المجالس الجهويّة قد أخضع تلك‬
‫المرافق إلى الرقابة المنصوص عليها بقانون ‪ 1‬فيفري ‪ 1989‬المتعلق بالمساهمات والمنشآت‬
‫العموميّة‪.16‬‬

‫هذه التبعيّة التي كرسها المشرع صلب قانوني ‪ 14‬ماي ‪ 1975‬و‪ 4‬فيفري‪1989‬‬
‫ساهمت بشكل كبير في الح ّد من استقاللية المرافق العمومية المحلية سواء على مستوى طرق‬
‫تسييرها أو على مستوى العقود التي تبرمها في إطار ممارستها لنشاطها م ّما جعلها تفتقد إلى‬
‫أدنى مقومات المرافق العمومية المحلية (موارد مالية مفقودة‪ ،‬استقاللية صوريّة‪ ،‬رقابة‬
‫شرع التأسيسي في‬
‫مشددة تحولت لرقابة رئاسيّة مقنعة)‪ .‬ولتجاوز هذه النقائص سعى الم ّ‬
‫دستور ‪ 27‬جانفي ‪ 2014‬إلى تدعيم استقاللية الجماعات المحلية على المستوى التنظيمي‬
‫الحر والديمقراطية التشاركية مع مراجعة‬
‫ّ‬ ‫والمالي من خالل إرساء مبادئ الحوكمة والتدبير‬
‫طبيعة الرقابة التي تمارسها اإلدارة المركزية على الجماعات المحليّة من أجل إرساء‬
‫صلة ضمن‬
‫استقاللية فعلية للجماعات المحلية‪ .17‬جملة هذه المبادئ وقع تكريسها بصورة مف ّ‬
‫مجلة الجماعات المحليّة الصادرة في ‪ 9‬ماي ‪.182018‬‬

‫بالنسبة للمرافق العموميّة المحليّة فقد وقع إعادة تنظيمها بصورة جذرية ضمن األقسام‬
‫‪ 2‬و‪ 3‬و‪ 4‬من المجلة المذكورة‪ .‬وقد تجلى ذلك من خالل تكريس إستقاللية فعلية للجماعات‬
‫الحر‪ .‬كما سعى‬
‫ّ‬ ‫المحلية فيما يتعلق بإنشاء وحذف مرافقها وذلك تماشيا مع مبدأ التدبير‬

‫‪ 16‬قانون عدد ‪ 9‬لسنة ‪ 1989‬المؤرخ في ‪ 1‬فيفري ‪ ،1989‬الرائد الرسمي عدد ‪ 9‬بتاريخ ‪ 7‬فيفري ‪ ،1989‬ص‪.203 .‬‬
‫‪ 17‬أنظر الباب السابع من الدستور‪.‬‬
‫‪ 18‬قانون أساسي عدد ‪ 29‬لسنة ‪ 2018‬بتاريخ ‪ 9‬ماي ‪ ،2018‬الرائد الرسمي عدد ‪ 39‬بتاريخ ‪ 15‬ماي ‪،2018‬‬
‫ص‪.1710 .‬‬

‫‪7‬‬
‫المشرع من خالل المجلة المذكورة إلى إعادة النظر في جملة المبادئ التي تحكم تسيير‬
ّ
‫ فما هي‬.‫المرافق العموميّة المحلية وذلك قصد إضفاء مزيدا من النجاعة على طرق عملها‬
‫أهم المبادئ العامة لتسيير المرفق العام المحلي التي وقع تكريسها ضمن مجلة الجماعات‬
‫المحليّة ؟ إن اإلجابة عن هذا السؤال تقودنا إلى القول بأن المشرع قد حافظ على المبادئ‬
‫) مع تدعيم هذه األخيرة بجملة من‬I(‫التقليدية التي تحكم تسيير المرافق العمومية المحلية‬
.)II( ‫المبادئ المستحدثة‬

‫ المبادئ التقليدية لتسيير المرافق العموميّة المحليّة‬-I

‫كرس المشرع التونسي صلب مجلة الجماعات المحلية أهم المبادئ التقليدية التي‬
ّ ‫لقد‬
19
‫تحكم تسيير المرافق العموميّة وهي مبادئ أساسية مشتركة بين مختلف المرافق العموميّة‬
21
"‫ وتعرف هذه المبادئ "بقوانين روالن‬.20‫سواء أكانت مرافق عموميّة وطنية أم محليّة‬
‫نسبة إلى الفقيه الفرنسي لوي روالن الذي كان ّأول من قام بوضع هذه المبادئ وتوضيحها‬
)‫منذ ثالثينات القرن الماضي وتتمثل هذه المبادئ في مبدأ اإلستمرارية(أ) ومبدأ المساواة(ب‬
.)‫ومبدأ التأقلم(ج‬

‫أ)مبدأ االستمرارية‬

‫ بل المبدأ المركزي الذي يحكم المرافق‬،22‫يعتبر هذا المبدأ من المبادئ األساسيّة‬


‫ وهو المبدأ الذي اعتبره الفقيه روالن‬،‫العمومية سواء أكانت مرافق عموميّة وطنية أم محليّة‬

: ‫أنظر في هذا االتجاه‬ 19

Guglielmi (G.) et Koubi (G.), Droit du service public, op. cit., p. 379 et s. ; Chapus (R.), Droit
administratif général, T 1, op. cit., p. 592 et s : « Toutes les activités de service public, exercées par des
personnes publiques ou par des organismes de droit privé, et quelque soit leur caractère, administratif
ou commercial, sont dominées par certains grands principes (…). Ces principes sont intimement liés à
l’essence même du service public, ou, en d’autres termes, à son caractère d’activité de plus grand
service ».
20
Fialaire (J.), Le droit des services publics locaux, L.G.D.J, 1998, p. 7 et s. ; Auby (J.F), Les
services publics locaux, Berger-Levrault, 1997, p. 65 et s.
21
Sur ces règles appelées « les lois de Rolland » Voir : Rolland (L.), Précis de droit administratif,
Dalloz, 11ème édition, 1957, n°23 ; Voir également Truchet (D.), Unité et diversité des grands principes
du service public, A.J.D.A., juin 1997, p.38 et s.
22
Leon Duguit écrit en ce sens : « Cette activité [le service public] est d’une importance telle pour la
collectivité qu’elle ne peut pas être interrompue un seul instant. Le devoir des gouvernants est
d’employer leur puissance à en assurer l’accomplissement d’une manière absolument continue. La

8
‫بمثابة القانون‪ .‬ويفترض هذا المبدأ تأمين سير المرافق العموميّة بدون توقف أو انقطاع طبق‬
‫القوانين والتراتيب الجاري بها العمل‪ .23‬ويعتبر مبدأ االستمرارية من المبادئ الدستوريّة التي‬
‫نص على إن "اإلدارة العموميّة في خدمة‬
‫ّ‬ ‫كرسها الدستور في فصله الخامس عشر والذي‬
‫ّ‬
‫المواطن والصالح العام‪ ،‬تنظم وتعمل وفق مبادئ الحياد والمساواة واستمرارية المرفق‬
‫العام‪ ،"...‬وهو مبدأ استقر عليه فقه قضاء المحكمة اإلداريّة منذ بداية عملها وذلك من خالل‬
‫التأكيد على ّ‬
‫أن اإلدارة هي المسؤولة عن ضمان استمرارية المرفق العام وهي كذلك مطالبة‬
‫باتخاذ الوسائل الضرورية لضمان استمراريّة عمل المرفق‪.24‬‬

‫أ ّما فيما يتعلق بالمرافق العموميّة المحلية فقد وقع التنصيص على مبدأ االستمراريّة‬
‫نص على ما يلي ‪" :‬يقوم‬
‫صلب الفصل ‪ 75‬مطة ثانية من مجلة الجماعات المحليّة والذي ّ‬
‫تسيير كل المرافق العموميّة المحلية على المبادئ والقواعد التالية ‪-2 :‬استمراريّة‬
‫ي هو واجب‬‫الخدمات" ‪ .‬فضمان استمراريّة الخدمات التي يقدّمها المرفق العمومي المحل ّ‬
‫‪25‬‬

‫محمول على كل الجماعات المحلية بمختلف أصنافها‪ 26‬وك ّل تقاعس من طرف الجماعة‬
‫المحليّة أو تأخير منها في إسداء الخدمات بدون وجه حق يعتبر بمثابة الخطأ الجسيم الذي‬

‫‪continuité est un des caractères essentiels du service public », Traité de droit constitutionnel, vol. 2,‬‬
‫‪édition de Boccard, Paris, 3ème édition, 1928, p. 61.‬‬
‫‪ 23‬تجدر اإلشارة هنا إلى أن مبدأ االستمرارية ال يعني الديمومة إذ أن استمرارية عمل المرفق تخضع للقوانين المنظمة لتلك‬
‫المرافق والتي تحدد ساعات عمل المرفق واألوقات التي يمكن لمستعملي ذلك المرفق الحصول من خاللها على الخدمات التي‬
‫يطلبونها‪ .‬كما إن مبدأ االستمرارية ال يطبق بنفس الكيفيّة على جميع المرافق‪ ،‬فبالنسبة للمرافق األساسية مثل الصحة واألمن‬
‫والدفاع وغيرها من المرافق الحيويّة فالمبدأ هو إن هذه المرافق يجب أن تعمل باستمرار وال يمكن لهذه المرافق أن تتوقف‬
‫عن العمل بدون موجب شرعي‪.‬‬
‫‪ 24‬المحكمة اإلداريّة‪ ،‬قضية عدد ‪ 10‬بتاريخ ‪ 23‬جويلية ‪ ،1975‬بوقرة‪/‬وزير النقل والمواصالت‪ ،‬غير منشورة ‪" :‬وحيث أن‬
‫موافقة الموظف على القيام بمأموريّة أذنت بها اإلدارة لم يشترطها القانون إذ المفروض أن اإلدارة ملزمة بالسهر على‬
‫تختص وحدها باتخاذ الوسائل المالئمة بمالها من سلطة تقديريّة" ؛‬
‫ّ‬ ‫استمرار المرافق العموميّة وفي نطاق هذه المسؤولية فإنها‬
‫المحكمة اإلداريّة‪ ،‬قضية عدد ‪ 13300‬بتاريخ ‪ 25‬فيفري ‪ ،2009‬عباس‪/‬وزير التعليم العالي والبحث العلمي والتكنولوجيا‪،‬‬
‫فإن قرار الجهة المدّعي عليها القاضي برفض إدراج إسم العارض صلب قائمة‬ ‫غير منشورة ‪" :‬وحيث ول ّما كان األمر كذلك‪ّ ،‬‬
‫المخولة لرئيس اإلدارة هو اختيار من يكفل حسن سير المرفق‬ ‫ّ‬ ‫المتناظرين يكون في محلّه سيّما وأن الهدف من عمليّة االنتقاء‬
‫العمومي وإستمراريته وهو ما ال يتوفّر عليه القائم بالدعوى لألسباب المذكورة‪ ،‬لذا فالمتعيّن رفض هذا الطعن كرفض‬
‫الدعوى برمتها"‪.‬‬
‫يفرق بين المبادئ والقواعد التي تحكم تسيير‬ ‫‪ 25‬تجدر اإلشارة هنا إلى أن الفصل ‪ 75‬من مجلة الجماعات المحلية لم ّ‬
‫خص المبادئ المستحدثة‬ ‫المحلي‪ .‬عدم التفرقة هذه ال تطرح إشكاال بالنسبة للمبادئ التقليدية وإنما اإلشكال ي ّ‬ ‫ّ‬ ‫المرفق العام‬
‫لذلك سنتولى في دراستنا لهذه األخيرة إستعمال مصطلحات "مبدأ " "واجب" و"قاعدة" للداللة على نفس المعنى‪.‬‬
‫‪ 26‬أنظر على سبيل المثال الفصل ‪ 270‬من مجلة الجماعات المحلية ‪" :‬تحرص اإلدارة البلديّة على خدمة كل المتساكنين في‬
‫إطار تطبيق القانون وفق مبادئ الحياد والمساواة والنزاهة والشفافية والمسائلة واستمراريّة المرفق العام‪."...‬‬

‫‪9‬‬
‫والذي يجيز لمستعمل المرفق العمومي‬ ‫‪27‬‬
‫يمكن على أساسه مساءلة الجماعة المحلية المعنيّة‬
‫جراء‬
‫المحلي القيام بدعوى في المسؤولية من أجل المطالبة بجبر الضرر الذي لحقه من ّ‬
‫إخالل الجماعة المحلية بمبدأ استمراريّة المرفق العا ّم‪.28‬‬

‫إن ضمان استمرارية المرفق العمومي المحلّي الب ّد أن يشمل كذلك الحاالت التي يقع‬
‫ّ‬
‫فيها ح ّل مجلس الجماعة أو إيقافه عن النشاط وكذلك حالة االستقالة الجماعيّة‪ ،‬وفي هذا‬
‫اإلطار وفي صورة حل المجلس البلدي او انحالله فانه يقع تعيين لجنة مؤقتة للتسيير‬
‫والتنصيص على رئيسها بأمر حكومي باقتراح من الوزير المكلف بالجماعات المحلية بعد‬
‫استشارة رئيس المجلس االعلى للجماعات المحلية وذلك تطبيقا لمقتضات الفصل ‪ 207‬من‬
‫مجلة الجماعات المحلية‪ .‬وكذلك االمر بالنسبة للجهة اذ يتم تعيين لجنة مؤقتة لتصريف‬
‫شؤون الجهة وذلك تطبيقا لمقتضيات الفصل ‪ 305‬من مجلة الجماعات المحلية‪ .‬اما في حالة‬
‫إيقاف المجلس البلدي عن النشاط فإن الكاتب العام للبلديّة هو الذي يتولى تسيير إدارة‬
‫البلدية‪ .29‬وكذلك الشأن بالنسبة للمجلس الجهوي ففي صورة ايقاف المجلس الجهوي عن‬
‫النشاط فإن المدير التنفيذي للجهة هو الذي يتولى تسيير الجهة طيلة مدّة اإليقاف أو إلى حين‬
‫انتخاب مجلس جهوي جديد‪.30‬‬

‫غير إن اإلشكال الذي يطرحه مبدأ استمرارية المرفق العمومي المحلّي هو الناتج عن‬
‫تطبيق مقتضيات الفصل ‪ 3‬فقرة ثانية من مجلة الجماعات المحليّة وهي حالة إدماج‬
‫الجماعات المحلية والسؤال المطروح هو اآلتي ‪ :‬هل إن دمج الجماعات المحلية يؤول آليا‬
‫إلى ح ّل مجالس الجماعات المحلية المعنيّة ؟ وفي صورة ما إذا كان دمج الجماعات المحليّة‬
‫يؤدّي إلى حلّها ما هي الضمانات القانونية التي يجب أن تتوفّر لضمان ح ّد أدنى من استقرار‬
‫؟ أال يعتبر عدم تقييد الفصل ‪3‬‬ ‫‪31‬‬
‫واستمرارية المجالس المحليّة في تسيير الشؤون المحلية‬

‫الفقرة الثالثة من الفصل ‪ 270‬من مجلة الجماعات المحليّة‪.‬‬ ‫‪27‬‬

‫‪28‬‬
‫‪CE, 27 janvier 1988, Giraud, Rec. p. 39.‬‬
‫‪ 29‬الفصل ‪ 204‬فقرة خامسة من مجلة الجماعات المحليّة‪.‬‬
‫‪ 30‬الفصل ‪ 302‬فقرة خامسة من مجلة الجماعات المحليّة‪.‬‬
‫‪31‬‬
‫في هذه الحالة وحسب الفصل ‪ 207‬مطة رابعة من مجلة الجماعات المحلية فانه يقع تعيين لجنة مؤقتة للتصرف في شؤون‬
‫البلدية في حالة اندماج البلديات وذلك لمدة ستة اشهر قابلة للتجديد مرة واحدة ( فصل ‪ 208‬فقرة ‪ 4‬من مجلة الجماعات‬
‫المحلية )‬

‫‪10‬‬
‫فقرة ‪ 2‬للح ّد الزمني الذي يقع فيه دمج الجماعات المحلية مخالفا لمقتضيات الفصل ‪ 132‬من‬
‫ينص على إن الجماعة المحلية هي التي تدير المصالح المحلية وهو ما يقتضي‬
‫ّ‬ ‫الدستور الذي‬
‫ضمان ح ّد أدنى من استمرار المجالس المحلية واستقرارها حتى تتولّى أداء مهامها‪.‬‬

‫مبدأ استمرارية المرفق العمومي يتجلى كذلك من خالل العقود التي تبرمها الجماعات‬
‫المحلية والتي أصبح فيها مبدأ االستمرارية مبدأ أساسيّا يحكم العالقة التعاقديّة بين الشخص‬
‫العمومي سواء تعلق األمر بالدولة أو بالجماعة المحليّة والمتعاقد معها وكذلك مستعملي تلك‬
‫المرافق‪ .‬ويمكن اإلشارة في هذا اإلطار إلى ما نصت عليه مقتضيات الفصل ‪ 95‬من مجلة‬
‫الجماعات المحلية‪ ،‬حيث ولئن منح هذا الفصل الحق لمانح التفويض ممارسة رقابة على‬
‫جميع الجوانب المتعلقة بتنفيذ العقد وكذلك بحقه في تعديل بنود العقد‪ ،‬فإن ضمان إستمراريّة‬
‫وبالتالي ضمان إستمرارية‬ ‫‪32‬‬
‫العقد تفرض على مانح التفويض ضمان التوازن المالي للعقد‬
‫عمل المرفق موضوع التفويض‪.33‬‬

‫‪32‬‬
‫‪Laurent Richer écrit en ce sens : « La collectivité publique contractante ne peut renoncer à ses‬‬
‫‪pouvoirs. Ce n’est donc pas parce qu’elle a conclu des contrats qu’elle est privée de la possibilité soit de‬‬
‫‪prendre des mesures individuelles modifiant le contrat, soit de modifier les réglementations en vigueur‬‬
‫‪au moment de la conclusion du contrat. Mais si une telle modification cause un préjudice au‬‬
‫‪cocontractant celui-ci a droit à être indemnisé dans le cadre de la théorie du fait du prince », Droit des‬‬
‫‪contrats administratifs, L.G.D.J., 2006, p. 287.‬‬
‫‪ 33‬ضمان استمرارية تنفيذ المرفق العام موضوع عقد التفويض تفرض على اإلدارة المتعاقدة التعويض لمعاقدها عند تحمله‬
‫أعباء مالية غير عادية‪ .‬ويجد هذا التعويض أسسه في إطار نظرية فعل األمير ونظرية الظروف الطارئة ونظرية القوة‬
‫القاهرة ونظرية الصعوبات غير المتوقعة‪ .‬أنظر على سبيل المثال ‪ :‬المحكمة اإلدارية‪ ،‬قضية عدد ‪ 15618‬بتاريخ ‪25‬‬
‫ديسمبر ‪ ،2007‬شركة المقاوالت العربية لألشغال العا ّمة ولألشغال المائية والكهربائيّة ‪/‬رئيس المجلس الجهوي بجندوبة‪،‬‬
‫غير منشورة ؛ المحكمة اإلدارية‪ ،‬قضية عدد ‪ 22264‬بتاريخ ‪ 30‬جوان ‪ ،2000‬مجموعة دراغادوس‪/‬المكلف العام بنزاعات‬
‫أقرت القاعدة األصولية إن العقد شريعة الطرفين إال إن مبادئ القانون‬ ‫الدولة في حق وزارة الفالحة‪ ،‬غير منشورة ‪" :‬لئن ّ‬
‫جراء تنفيذه للعقد في ظروف‬ ‫ّ‬ ‫من‬ ‫لحقته‬ ‫التي‬ ‫ادية‬‫ع‬ ‫ال‬ ‫غير‬ ‫الخسائر‬ ‫اإلداري تبيح لمعاقد اإلدارة الحق في التعويض عن‬
‫استثنائية وبصورة مخلة بالتوازن المالي للعقد‪ ،‬خاصة إذا كانت جهة اإلدارة متسببة في تلك الظروف أو كانت خارجة تماما‬
‫عن طرفي العقد"؛ المحكمة اإلدارية‪ ،‬قضية عدد ‪ 312921‬بتاريخ ‪ 10‬جوان ‪ ،2013‬م‪.‬ع‪.‬ن‪.‬د في حق وزارة التجهيز‬
‫والبيئة‪/‬شركة مقاوالت مفتاح لألشغال العامة‪ ،‬غير منشورة ‪" :‬وحيث استقر فقه القضاء اإلداري على أنّه إذا جدّت أثناء تنفيذ‬
‫العقد اإلداري ظروف اقتصاديّة خارجة عن إرادة الطرفين ولم يكن باإلمكان توقعها عند التعاقد بشكل يؤدي إلى اإلخالل‬
‫بالتوازن المالي للعقد إخالال جسيما وإلى قلب اقتصادياته رأسا على عقب جاز للقاضي اإلداري إلزام اإلدارة بمساعدة‬
‫المتعاقد على مجابهة هذه الظروف الطارئة وذلك بتعويضه جزئيا عن الخسائر االستثنائية الناجمة عن تجاوز الحدّ األقصى‬
‫الرتفاع األسعار الذي كان باإلمكان توقعه عند إبرام العقد‪.‬‬
‫وحيث عمال بذلك فإن المبالغ المالية المحكوم بها في هذه الحالة ال تكتسي صبغة التعويض الشامل وإنما توزيع أعباء الخسارة‬
‫االستثنائية على الطرفين بغاية تجاوز الصعوبات التي تعترض تنفيذ العقد اإلداري وضمانا لحسن سير المرفق العام"‪ .‬لمزيد‬
‫من التع ّمق أنظر ‪:‬‬
‫‪Terneyre (Ph.), La responsabilité contractuelle des personnes publiques en droit administratif, thèse,‬‬
‫‪Economica, Paris 1989.‬‬

‫‪11‬‬
‫واجب ضمان استمرارية المرفق العام موضوع عقد التفويض محمول كذلك على‬
‫صاحب التفويض‪ ،34‬ففي صورة إخالل هذا األخير بهذا الواجب فإنّه يحق لمانح التفويض‬
‫جراء عدم قدرة صاحب التفويض‬
‫فسخ العقد والمطالبة بالتعويض عن الضرر الذي لحقه من ّ‬
‫تأمين استمرارية عمل المرفق موضوع التفويض‪ .35‬كما إن مبدأ استمرارية المرفق العام‬
‫يمنح الحق للجماعة المحلية المتعاقدة في عدم اللجوء إلى المنافسة في اختيار المتعاقد معها‬
‫وذلك في حالة التأ ّكد الشديد لضمان استمرارية المرفق العام‪ 36‬ويكون ذلك عن طريق تنظيم‬
‫استشارة أو عن طريق التفاوض المباشر‪.‬‬

‫غير إن اإلشكال الذي يطرحه مبدأ استمرارية المرفق العام هو الناتج عن ممارسة‬
‫صة في ظ ّل‬
‫حق اإلضراب وما قد يترتب عن ذلك من إخالل بالسير المستمر للمرفق العام خا ّ‬
‫تضارب النصوص القانونية المنظمة لحق اإلضراب‪ .‬فمن ناحية نجد أن الدستور التونسي‬
‫يجرم هذا‬
‫ومن ناحية أخرى نجد أن الفصل ‪ 107‬من المجلة الجنائية ّ‬ ‫‪37‬‬
‫يقر حق اإلضراب‬
‫ّ‬
‫الحق ويعاقب بسنتين سجنا كل تعطيل لسير المرافق العموميّة‪ .‬هذا باإلضافة إلى غموض‬
‫أقرت هذا الحق ألعوان المرافق‬
‫على عكس مجلة الشغل التي ّ‬ ‫‪38‬‬
‫قانون الوظيفة العمومية‬
‫العا ّمة الصناعيّة والتجاريّة ونظمته ضمن الفصول ‪ 376‬إلى ‪ 390‬المتعلقة بالنزاعات‬

‫‪ 34‬الفصل ‪ 97‬فقرة ثانية من مجلة الجماعات المحليّة‪.‬‬


‫‪ 35‬الفصل ‪ 99‬فقرة ثالثة من مجلة الجماعات المحليّة‪ .‬أنظر على سبيل المثال ‪ :‬المحكمة اإلداريّة قضية عدد ‪ 17750‬بتاريخ‬
‫‪ 29‬نوفمبر ‪ ،2002‬المكلف العام بنزاعات الدولة في حق المندوبية الجهوية للتنمية الفالحية بتطاوين‪/‬الدخيلي‪ ،‬غير منشورة ‪:‬‬
‫"وحيث طالما ثبت على نحو ما تقدّم أن المقاول المدّعى عليه قد تقاعس في الوفاء بالتزاماته بعد أن أسندت إليه الصفقة فإن‬
‫الرابطة التعاقدية وتوقيع‬
‫يضر بحسن سير المرفق العام ويبرر ال فحسب إنهاء ّ‬ ‫ّ‬ ‫تص ّرفه ذاك يعدّ إخالال بالعقد من شانه أن‬
‫عقوبات التأخير وإنما أيضا تحميل المتعاقد المتقاعس النفقات الزائدة التي تنتج عن إبرام عقد جديد فضال عن حجز الضمان‬
‫الوقتي كما هو الشأن في قضية الحال"‪.‬‬
‫‪ 36‬أنظر على سبيل المثال الفصل ‪ 94‬مطة ‪ 3‬من مجلة الجماعات المحلية‪ .‬لمزيد من التعمق أنظر ‪:‬‬
‫‪Nouri (Z.), Le principe de la mise en concurrence à l’épreuve de loi du 1er avril 2008 relative au régime‬‬
‫‪des concessions et ses décrets d’application, in Mélanges en l’honneur du Doyen Hafedh Ben Salah,‬‬
‫‪CPU 2018, p. 422 et s.‬‬
‫‪ 37‬الفصل ‪ 36‬فقرة أولى من الدستور‪.‬‬
‫الرابع من قانون الوظيفة العمومية قد أعترف لألعوان العموميين بالحق النقابي وفي‬
‫‪ 38‬تجدر اإلشارة هنا إلى أن الفصل ّ‬
‫صة التي تمنع ممارسة حق اإلضراب مثل األنظمة األساسية‬‫المقابل سكت عن حق اإلضراب على عكس بعض األنظمة الخا ّ‬
‫صة بالقضاة (الفصل ‪ 18‬من القانون عدد ‪ 29‬لسنة ‪ 1967‬المؤرخ في ‪ 14‬جويلية ‪ 1967‬المتعلق بالنظام األساسي‬ ‫الخا ّ‬
‫للقضاة) وأعوان الديوانة (الفصل ‪( 9‬جديد) من القانون عدد ‪ 46‬لسنة ‪ 1995‬المؤرخ في ‪ 15‬ماي ‪ 1995‬والمتعلق بضبط‬
‫النظام األساسي العام ألعوان الديوانة والمنقح بمقتضى القانون األساسي عدد ‪ 28‬لسنة ‪ 2013‬بتاريخ ‪ 30‬جويلية ‪)2013‬‬
‫وأعوان قوات األمن الداخلي (الفصل ‪( 11‬جديد) من القانون عدد ‪ 70‬لسنة ‪ 1982‬المؤرخ في ‪ 6‬أوت ‪ 1982‬المتعلق بضبط‬
‫النظام األساسي العام لقوات األمن الداخلي والمنقح بمقتضى المرسوم عدد ‪ 42‬لسنة ‪ 2011‬بتاريخ ‪ 25‬ماي ‪.)2011‬‬

‫‪12‬‬
‫الجماعيّة‪ .‬هذه النصوص القانونيّة المختلفة والمتضارب بعضها مع مقتضيات الفصل ‪ 36‬من‬
‫المشرع تنقيحها حتى تكون منسجمة مع متطلبات الفصل المذكور الذي‬
‫ّ‬ ‫الدستور تقتضي من‬
‫يكرس عدم قابلية‬
‫يقر حق اإلضراب خاصة وأن الفقرة الثانية من الفصل ‪ 49‬من الدستور ّ‬
‫وحرياته المضمونة بالدستور والتي من‬
‫ّ‬ ‫تعديل األحكام المتعلقة بمكتسبات حقوق اإلنسان‬
‫بينها حق اإلضراب وذلك إعماال للتكريس الدستوري لمبدأ عدم التراجع‪.‬‬

‫أما بالنسبة للمحكمة اإلداريّة فإنّها ّ‬


‫أقرت الحق في اإلضراب في الوظيفة العمومية‬
‫ينجر‬
‫ّ‬ ‫باعتباره يندرج ضمن ممارسة الحق النقابي بشرط أن تكون الممارسة طبق القانون وال‬
‫عنها إخالل بالنظام العام‪ .39‬كما أقرت المحكمة اإلداريّة الحق لرئيس اإلدارة في اتخاذ‬
‫اإلجراءات القانونية الالّزمة من أجل ضمان استمراريّة عمل المرفق العام في حالة إضراب‬
‫أعوان ذلك المرفق‪.40‬‬

‫إذا كان الدستور قد إعترف بحق اإلضراب ّ‬


‫فإن ممارسته بقيت في ح ّل من كل‬
‫ضوابط قانونية فيما يتعلق بالحد األدنى الذي يجب أن يتوفّر في عمل المرفق في صورة‬
‫بالنسبة للمواطنين والتي يجب أن تحافظ‬ ‫‪41‬‬
‫اإلضراب وخاصة المرافق الحيويّة واألساسية‬
‫في أداء الخدمات في حالة اإلضراب وذلك في ظ ّل‬ ‫‪42‬‬
‫على الح ّد األدنى من االستمرارية‬
‫استفحال ظاهرة اإلضرابات العشوائية في تونس في السنوات األخيرة‪.43‬‬

‫‪ 39‬المحكمة اإلداريّة‪ ،‬قضيّة عدد ‪ 3681/ 3523‬بتاريخ ‪ 21‬جوان ‪ ،1995‬الزواغي ‪ /‬وزير الصحّة العموميّة‪ ،‬المجموعة‪،‬‬
‫المخول للعارض بصفته مسؤوال‬ ‫ّ‬ ‫أن حق اإلضراب والدعوة إليه يندرجان في إطار ممارسة الحق النقابي‬ ‫ص ‪" .267‬وحيث ّ‬
‫نجر‬
‫نقابيّا طبق ما نصت عليه أحكام الفصل ‪ 4‬من قانون الوظيفة العموميّة على أن تكون تلك الممارسة مطابقة للقانون وال ي ّ‬
‫عنها إخالل بالنظام العام"‪.‬‬
‫‪ 40‬المحكمة اإلداريّة‪ ،‬قضية عدد ‪ 1 / 14510‬بتاريخ ‪ 28‬مارس ‪ ،2008‬التريكي‪/‬وزير التعليم العالي والبحث العلمي‪،‬‬
‫المجموعة ‪ ،‬ص‪" : 27 .‬وحيث يتبيّن من أوراق الملف أنّه تم اتخاذ المنشور في إطار ما يتمتع به وزير التعليم العالي‬
‫والبحث العلمي والتكنولوجيا بوصفه رئيس اإلدارة من صالحيات لتسيير هذا المرفق لمواجهة ظرف استثنائي متمثل في‬
‫إضراب بعض األساتذة الجامعيين في نهاية السنة الجامعية ‪ 2005/2004‬وحرصا منه على حسن سير امتحانات نهاية السنة‬
‫الجامعية المذكورة"‪.‬‬
‫عرف المشرع التونسي المصلحة األساسيّة بأنها المصلحة التي يضع توقف العمل بها حياة أو أمن أو صحة‬ ‫‪ 41‬لئن ّ‬
‫األشخاص من مجموع المتساكنين أو بعضهم في خطر (الفصل ‪ 381‬ثالثا من مجلة الشغل) فإن قائمة المصالح األساسيّة لم‬
‫نص على ذلك الفصل المذكور وهو ما يجعل من تدخل السلطة الترتيبيّة العامة لضبط هذه القائمة أمرا‬ ‫يقع ضبطها بأمر مثلما ّ‬
‫ضروريّا حماية لمصالح وحقوق المواطنين‪.‬‬
‫‪ 42‬تجدر اإلشارة هنا إلى أن المرافق التي يجب أن تحافظ على الحدّ األدنى من الخدمات في حالة اإلضراب ال يشمل فقط‬
‫المرافق األساسيّة ولكن يشمل كذلك المرافق التي ال تبدوا أساسية بالمعنى الضيّق للكلمة والتي من شان استمرار اإلضراب‬
‫فيها أن يحدث أزمة حادّة تهدد حياة المتساكنين وكذلك الشأن بالنسبة للمرافق التي تكتسي أهميّة بالغة‪ .‬لمزيد من التعمق‪،‬‬
‫أنظر ‪:‬‬

‫‪13‬‬
‫هذه الوضعية تقتضي من المشرع التدخل بمقتضى قانون‪ 44‬تطبيقا لمقتضيات الفصل‬
‫‪ 49‬من الدستور وذلك من أجل تقنين شروط ممارسة حق اإلضراب المنصوص عليه‬
‫بالفصل ‪ 36‬مع إقرار عقوبات زجريّة في حالة التعسف في استعمال ذلك الحق وذلك قصد‬

‫‪Gernigon (B.), Odero (A.) et Guido (H.) (rééd), Les principes de l’OIT sur le droit de grève, Genève,‬‬
‫‪Bureau international du travail, Organisation internationale du travail, 2000, p. 30.‬‬
‫‪ 43‬يبقى الح ّل هنا بالنسبة لإلدارة في حالة اإلضراب هو اللجوء إلى وسيلة التسخير والتي بمقتضاها يمكن تسخير المؤسسة‬
‫أو عملتها في حالة اإلضراب أو الصدّ عن العمل وكان من شأنه أن يخل بالسير العادي لمصلحة أساسية‪( .‬أنظر على سبيل‬
‫المثال الفصل ‪ 389‬من مجلة الشغل)‪ .‬وقد وقع اللجوء إلى وسيلة التسخير في العديد من المرات في تونس ويمكن أن نذكر‬
‫على سبيل المثال األمر الحكومي عدد ‪ 38‬لسنة ‪ 2019‬المؤرخ في ‪ 16‬جانفي ‪ 2019‬والمتعلق بتسخير بعض األعوان‬
‫التابعين لبعض الوزارات والمؤسسات والمنشآت العمومية (الرائد الرسمي عدد ‪ 5‬بتاريخ ‪ 16-15‬جانفي ‪ ،2019‬ص‪)139 .‬‬
‫وذلك إثر اإلضراب العام الذي قرره اإلتحاد العام التونسي للشغل يوم الخميس ‪ 17‬جانفي ‪ .2019‬ومن ناحية أخرى فإن‬
‫أقر الحق لإلدارة في اللجوء إلى التسخير عندما يتعلق األمر بمرافق عمومية حيويّة وأساسيّة بالنسبة‬ ‫القاضي اإلداري ّ‬
‫للمواطنين مثل المرفق العام الصحي ‪ :‬المحكمة اإلدارية ت‪.‬ت‪ .‬قضيّة عدد ‪ 416699‬بتاريخ ‪ 27‬فيفري ‪ ،2014‬سيرين‬
‫الشعري ومن معها ‪/‬والي تونس‪ ،‬غير منشورة ‪" :‬وبعد اإلطالع على التقرير المقدم من والي تونس بتاريخ ‪ 10‬فيفري ‪2014‬‬
‫الذي جاء به بالخصوص أنّه على إثر اإلضراب الذي قام به األطباء وما نتج عنه من تعطيل للمرفق العام للص ّحة تدخلت‬
‫الوالية بموجب القانون عدد ‪ 52‬لسنة ‪ 1975‬المؤرخ في ‪ 13‬جوان ‪ 1975‬المتعلق بضبط مشموالت اإلطارات العليا لإلدارة‬
‫الجهوية وكذلك الفقرة ‪ 5‬من الفصل ‪ 4‬من األمر عدد ‪ 50‬لسنة ‪ 1978‬المؤرخ في ‪ 26‬جانفي ‪ 1978‬المتعلق بتنظيم حالة‬
‫تخول للوالي اللجوء إلى تسخير األشخاص والمكاسب الضرورية لحسن سير المصالح العموميّة والنشاطات‬ ‫الطوارئ التي ّ‬
‫ذات المصلحة الحيويّة بالنسبة لأل ّمة نظرا إلى إن ضمان استمرارية المرفق الصحي هو من أه ّم المصالح الحيوية للشعب‬
‫وبالتالي فإن اإلدعاء الوارد بالمطلب بالتعدّي على الحق النقابي ال أساس له من الصحة باعتبار أن ممارسة الحقوق النقابية ال‬
‫كرسه قرار التسخير المراد توقيف تنفيذه‪."...‬وتجدر اإلشارة هنا إلى أن العديد‬
‫تعني حرمان المرضى من حق العالج وهو ما ّ‬
‫من البلدان مثل كندا وفرنسا وإسبانيا وقع التخلي تدريجيّا عن تقنية التسخير واللجوء إلى وضع قائمة تنص على المرافق‬
‫العموميّة األساسيّة والتي يجب أن تتوفر على الحدّ األدنى من إستمرارية الخدمات في صورة اإلضراب‪ .‬هذه القائمة يقع‬
‫تحديدها بمقتضى قانون أو أمر( في إسبانيا مثال تشمل هذه القائمة مرافق الصحة‪ ،‬والسكك الحديدية والمالحة الجوية) بعد‬
‫التشاور مع الهياكل النقابيّة واألطراف المعنيّة والتي بمقتضاها تلتزم هذه األطراف بتوفير الحدّ األدنى من استمرارية المرافق‬
‫العموميّة الحيويّة في صورة اإلضراب مع تعريض كل مخالف إلى التتبعات القانونية ‪.‬وتشمل هذه القائمة حاليا في فرنسا‬
‫اإلذاعة والتلفزة والمالحة الجوية‪ .‬أ ّما فيما يتعلق بإجراءات التسخير فإن القاضي اإلداري في فرنسا قد أ ّكد على ضرورة أن‬
‫تكون تلك اإلجراءات قد فرضتها ظروف طارئة وإستعجاليّة وأن تكون التدابير المتخذة متناسبة مع مقتضيات األمن العام‪.‬‬
‫أنظر في هذا اإلتجاه ‪:‬‬
‫‪Le Bot (O.), Le juge des référés, le droit de grève et le pouvoir de réquisition du préfet, AJDA, 2004, p.‬‬
‫‪1138.‬‬
‫‪44‬‬
‫‪Le conseil constitutionnel français a décidé, dans son arrêt numéro 2007-556 du 16 août 2007 (Rec.‬‬
‫‪D.C.C. p. 319), loi sur le dialogue social et la continuité du service public dans les transports terrestres‬‬
‫‪réguliers de voyageurs, que « le droit de grève est un principe de valeur constitutionnelle mais qu’il a‬‬
‫‪des limites et ont habilités [Les constituants] le législateur à tracer celles-ci en opérant la conciliation‬‬
‫‪nécessaire entre la défense des intérêts professionnels, dont la grève est un moyen, et la sauvegarde de‬‬
‫‪l’intérêt général auquel la grève peut être de nature à porter atteinte ; que, notamment en ce qui‬‬
‫‪concerne les services publics… ».‬‬

‫‪14‬‬
‫و بصورة عا ّمة‬ ‫‪45‬‬
‫تحقيق موازنة بين ممارسة حق االضراب وحماية النظام العام‬
‫الضرورات المنصوص عليها بالفقرة األولى من الفصل ‪ 49‬من الدستور‪.46‬‬

‫هذه الضوابط القانونية الواردة على الحقوق والحريات المنصوص عليها بالدستور‬
‫تخضع لرقابة التناسب التي تقوم بها الهيئات القضائية الدستورية بمناسبة نظرها في دستورية‬
‫مشاريع القوانين المنظمة لتلك الحقوق والحريات‪ 47‬ثم لرقابة القاضي اإلداري بمناسبة نظره‬
‫والحريات‪ 48‬وذلك‬
‫ّ‬ ‫في التدابير المتخذة من طرف اإلدارة والتي تح ّد من ممارسة تلك الحقوق‬
‫‪45‬‬
‫‪Selon le conseil d’Etat français « La reconnaissance du droit de grève ne saurait avoir pour‬‬
‫‪conséquence d’exclure les limitations qui doivent être apportées à ce droit comme à tout autre en vue‬‬
‫‪d’en éviter un usage abusif ou contraire aux nécessités de l’ordre public », CE, 7 juillet 1950, Dehaene,‬‬
‫‪Rec. p. 426.‬‬
‫والحريات الواردة بالفقرة األولى من الفصل ‪ 49‬من الدستور ال تخلو‬ ‫ّ‬ ‫‪ 46‬تجدر اإلشارة هنا إلى أن موجبات الحدّ من الحقوق‬
‫من بعض الغموض م ّما يجعلها قابلة لتأويالت عديدة في ظل غياب تعريف دقيق لبعض المفاهيم مثل الدولة المدنية واآلداب‬
‫العامة وهو ما من شانه أن يوسّع من السلطة التقديريّة لإلدارة في إعمال الضوابط المتعلقة بتلك الحقوق والحريات المحددة‬
‫بمقتضى القانون‪ .‬حول مسألة الضوابط الدستورية للحقوق والحريات أنظر ‪ :‬معتز القرقوري‪ ،‬الضوابط الدستورية للحقوق‬
‫والحريات من خالل الفصل ‪ 49‬من دستور ‪ 27‬جانفي ‪ ،2014‬منشورات مدرسة الدكتوراه بكلية الحقوق بصفاقس‪ ،‬عدد ‪،4‬‬
‫ص‪ 83 .‬وما بعدها‪.‬‬
‫كرسها المجلس الدستوري التونسي ثم فيما بعد الهيئة الوقتيّة لمراقبة دستورية القوانين‪ .‬بالنسبة للمجلس‬ ‫‪ 47‬هذه الرقابة ّ‬
‫الدستوري (أنظر على سبيل المثال الرأي اإلستشاري عدد ‪ 65‬لسنة ‪ 2006‬وذلك بمناسبة نظره في دستورية بعض أحكام‬
‫صرح بأنّه "عند‬
‫مشروع قانون المالية لسنة ‪. 2007‬الرائد الرسمي عدد ‪ 103‬بتاريخ ‪ 26‬ديسمبر ‪ ،2006‬ص‪ )5267 .‬حيث ّ‬
‫للمشرع أن يحدّ من البعض منها حسب‬ ‫ّ‬ ‫تزاحم الحقوق المحميّة بالدستور والقيم والمبادئ الدستوريّة في صور معيّنة‪ ،‬يسوغ‬
‫موازنة بينها يقدرها بشرط أن تكون متناسبة مع الهدف المنشود"‪ .‬أ ّما بالنسبة للهيئة الوقتية لمراقبة دستورية القوانين المنشأة‬
‫بمقتضى القانون عدد ‪ 14‬لسنة ‪ 2014‬المؤرخ في ‪ 18‬أفريل ‪ ،2014‬فإنّها‪ ،‬وفي إطار تكريسها لرقابة التناسب تطبيقا‬
‫لمقتضيات الفصل ‪ 49‬من الدستور‪ ،‬قد اعتبرت في قرارها عدد ‪ 2‬المؤرخ في ‪ 8‬جوان ‪( 2015‬الرائد الرسمي عدد ‪47‬‬
‫بتاريخ ‪ 12‬جوان ‪ ،2015‬ص‪ )1476 .‬وذلك بمناسبة نظرها في دستورية مشروع القانون األساسي المتعلق بالمجلس األعلى‬
‫للقضاء‪ ،‬أن الفقرة الثالثة من الفصل ‪ 17‬من مشروع القانون المذكور مخالفة لمقتضيات الفصلين ‪ 34‬و‪ 27‬من الدستور‬
‫"بمقولة أن اشتراط تصريح المترشح على الشرف بعدم تعلق شبهة الفساد اإلداري أو المالي أو السياسي به ضمن هذا الفصل‬
‫في فقرته الثالثة من مشروع القانون عدد ‪ 2015/16‬وإن كان يتنزل في سياق تعزيز مبادئ الشفافية والنزاهة والمساءلة‬
‫الواردة بالفقرة األولى من الفصل ‪ 130‬من الدستور فإنّه يؤول إلى حرمان غير مبرر أو متناسب من حقوق وحريات‬
‫دستورية باعتبار عمومية الشرط وعدم قابلية تحديده قانونا وهو ما يصيّره شرطا تضييقيّا مخالفا لضوابط الفصل ‪ 49‬من‬
‫الدستور‪ ،‬كما إن اشتراط عدم تعلق مجرد شبهة الفساد المالي أو اإلداري أو السياسي بالمترشح يؤول إلى المس بقرينة‬
‫المكرسة بالفصل ‪ 27‬من الدستور‪ "...‬لمزيد من التعمق أنظر ‪:‬‬‫ّ‬ ‫البراءة‬
‫‪Costa (J.P), Le principe de la proportionnalité dans la jurisprudence du conseil d’Etat, AJDA, 1988,‬‬
‫‪p.437 et s. ; Fromont (M.), République fédérale d’Allemagne, l’Etat de droit : Ce principe de‬‬
‫‪proportionnalité « prohibe toute atteinte excessive aux droits ou à la situation d’un individu et qui‬‬
‫‪impose donc à l’Etat une obligation de modération (…), s’est développé à ‘l’origine, dans le cadre du‬‬
‫‪droit administratif et plus précisément dans la jurisprudence administrative relative à la légalité des‬‬
‫‪mesures de police », RDP, 1984, p. 1214 ; Ben Tanfous (Z.), Le juge constitutionnel et l’article 49 de‬‬
‫‪la constitution portant sur la protection des droits et des libertés, Infos-juridiques, n°26/261, mai 2018,‬‬
‫‪p. 10 et s.‬‬
‫‪ 48‬المحكمة اإلدارية‪ ،‬قضية عدد ‪ 150168‬بتاريخ ‪ 2‬جويلية ‪ ،2018‬حمودة‪/‬وزير الداخلية‪ ،‬غير منشورة ‪" :‬وحيث‬
‫وبصرف النظر عن انعدام السند القانوني لقرار اإلخضاع لإلقامة الجبرية‪ ،‬فإن ممارسة اإلدارة لنشاط الضبط اإلداري‬
‫يخضع إ لى مجموعة الضوابط التي استقر عليها القضاء اإلداري والتي تقتضي تقيد اإلدارة بالقواعد التشريعية المنظمة‬
‫للحقوق والحريات وأالّ تحدّ منها إال في حدود ضيّقة تبررها مقتضيات الحفاظ على النظام العام ومستوجبات الضرورة‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫من خالل التثبت من مدى تناسب التدابير التي تح ّد من ممارسة تلك الحرية مع الظروف التي‬
‫حفت بإتخاذها واألهداف التي ترمي إلى تحقيقها‪ .49‬وتكتسي هذه الرقابة أهميّة بالغة في ظل‬
‫غياب النصوص القانونية المنظمة لتلك الحقوق والحريات والتي من بينها الحق النقابي وهو‬
‫صرحت فيه‬
‫ما أكدته المحكمة اإلدارية في قرارها الصادر بتاريخ ‪ 26‬جوان ‪ 502015‬والذي ّ‬
‫بما يلي ‪" :‬وحيث ولئن ال جدال في أن ممارسة الحقوق المضمونة دستوريا تخضع بطبيعتها‬
‫لضوابط وحدود‪ّ ،‬‬
‫فإن تلك الحدود ال يجب أن تترك للسلطة التقديرية لإلدارة بل تظل‬
‫محكومة بالقواعد الموضوعة بالدستور ذاته(‪.)...‬‬

‫وحيث إن إحالة الفصل ‪ 49‬من الدستور إلى المشرع اختصاص تنظيم ممارسة الحق‬
‫النقابي وتحديد ضوابطه واالستثناءات المدخلة عليها عند االقتضاء ال يجب أن يؤول إلى‬
‫المساس بجوهر ذلك الحق وأن ال يتجاوز الحاالت المنصوص عليها بالفصل المذكور‪.‬‬

‫وحيث لئن لم تصدر بعد النصوص التشريعية ذات العالقة بممارسة الحق النقابي على‬
‫معنى أحكام الفصول ‪ 35‬و‪ 36‬و‪ 49‬من الدستور سالفة البيان فإنّه ال خالف بان مبدأ ضمان‬
‫الحق النقابي ومبدأ تيسير ممارسة ذلك الحق تنتمي لزمرة المبادئ ذات القيمة الدستورية التي‬
‫توجب على الدولة احترامها وتوفير مقومات ضمانها"‪.‬‬

‫ّ‬
‫إن رقابة التناسب التي يمارسها القاضي اإلداري تبدو ضرورية لحماية الحقوق‬
‫والحريات وهي مك ّملة لمبدأ الضرورة‪ .‬فعندما يتعلق األمر بالحقوق والحريات ّ‬
‫فإن القاضي‬

‫المخولة لإل دارة مهما كان موضوع إعمالها ومهما اتسع مداها ال تعني السلطة المعفاة من كل‬
‫ّ‬ ‫وحيث أن السلطة التقديرية‬
‫رقابة طالما أن القول بخالفه يجعل منها سلطة مطلقة ويؤول إلى إعفاء القرارات اإلدارية الصادرة في إطارها من الخضوع‬
‫إلى مبدأ الشرعية من جهة ومن جهة أخرى إلى منع قاضي اإللغاء من ممارسة وظيفته في مراقبة هذه القرارات وأخيرا إلى‬
‫خرق أسس دولة القانون التي تفترض حماية حقوق األفراد"‪.‬‬
‫‪ 49‬وقع تكريس رقابة التناسب بمناسبة قرار ‪ Benjamin‬الصادر عن مجلس الدولة الفرنسي بتاريــــخ ‪ 19‬ماي ‪1933‬‬
‫)‪ ،(Rec. p. 541‬أما في تونس فقد وقع تكريس رقابة التناسب بمناسبة القرار الصادر عن المحكمة اإلداريّة عدد ‪3879‬‬
‫بتاريخ ‪ 15‬مارس ‪( 1995‬كريشان‪/‬بلدية القصرين‪ ،‬المجموعة‪ ،‬ص‪ .)128 .‬أنظر كذلك على سبيل المثال ‪ :‬المحكمة‬
‫الملوح‪/‬الهيئة الفرعية لإلنتخابات بتونس ‪ ،2‬غير منشورة ‪:‬‬
‫ّ‬ ‫اإلدارية‪ ،‬قضية عدد ‪ 20181015‬بتاريخ ‪ 16‬مارس ‪،2018‬‬
‫"وحيث لئن كان األصل في ممارسة الحق في الترشح هو الحرية وأن التضييق منها هو االستثناء وأن المش ّرع‪ ،‬ومن بعده‬
‫الهيئة العليا المستقلة لإلنتخابات بما لها من سلطة ترتيبية‪ ،‬يخضعان إلى رقابة قضائية تمتد إلى حدّ التثبت من مدى تناسب‬
‫التدابير التي تحدّ من حرية ممارسة حق الترشح مع الظروف التي خفت باتخاذها واألهداف التي ترمي إلى تحقيقها"‪.‬‬
‫‪ 50‬المحكمة اإلدارية‪ ،‬قضية عدد ‪ 139135‬بتاريخ ‪ 26‬جوان ‪ ، 2015‬الجامعة العامة التونسية للشغل‪/‬رئيس الحكومة ووزير‬
‫الشؤون االجتماعية‪ ،‬غير منشورة‪.‬‬

‫‪16‬‬
‫اإلداري يقوم بمراقبة تناسب التدابير المتخذة من قبل اإلدارة مع الهدف المراد تحقيقه‪.51‬‬
‫فسلطة اإلدارة وخاصة في مجال الضبط اإلداري ال يمكنها أن تح ّد من الحرية إالّ إذا‬
‫استنفذت كل الحلول والوسائل لحماية النظام العام‪ .52‬فالقرارات التي تتخذها اإلدارة والتي‬
‫بمقتضاها تح ّد من الحقوق والحريات ال تكون شرعيّة إالّ إذا كانت متناسبة مع األسباب التي‬
‫في اتخاذ‬ ‫‪53‬‬
‫أدّت إلى اتخاذها واألهداف التي ترمي إلى تحقيقها مع احترام مبدأ التدرج‬
‫التدابير التي تستلزمها ضرورة التوفيق بين المحافظة على النظام العام وممارسة تلك‬
‫الحرية‪.54‬‬

‫إن اإلقرار بحق اإلضراب في الدستور يقتضي التوفيق بينه وبين مبدأ استمرارية‬
‫المرفق العام كإحدى المبادئ الدستورية‪ ،‬وبينه وبين قيمة العمل المنصوص عليها بتوطئة‬
‫الدستور بإعتبار أن مبدأ االستمرارية هو األساس الذي تقوم عليه بقيّة المبادئ التي تحكم‬
‫تسيير المرفق العام والتي من بينها مبدأ المساواة‪.‬‬

‫ب) مبدأ المساواة‬

‫‪ 51‬أنظر على سبيل المثال ‪ :‬المحكمة اإلدارية‪ ،‬ت‪.‬ت‪ ،.‬قضية عدد ‪ 413108‬بتاريخ ‪ 22‬فيفري ‪ ،2010‬غير منشورة ‪:‬‬
‫"وحيث انّه بالنظر إلى طبيعة األفعال المنسوبة للعارض من جهة وإلى كونه لم تبق له أي رابطة عائلية بالقطر المغربي من‬
‫فإن قرار الترحيل الذي أستهدفه سوف ينال‪ ،‬في صورة تنفيذه بصفة مشطة وغير متناسبة مع األهداف التي‬ ‫جهة أخرى‪ّ ،‬‬
‫يرمي إليها‪ ،‬من حقه التمتع بحياة عائلية‪ ،‬مما يجعل األسباب التي استند إليها تبدو جديّة في ظاهرها"‪.‬‬
‫‪ 52‬لمزيد من التعمق أنظر ‪ :‬وحيد الفرشيشي‪ ،‬اتجاهات القضاء اإلداري في رقابة التدابير الضبطيّة‪ ،‬أعمال ملتقى نظمته‬
‫الجمعية التونسية للعلوم اإلدارية بعنوان "القضاء اإلداري بعد إصالحات ‪ 3‬جوان ‪ ،" 1996‬مركز النشر الجامعي‪ ،‬تونس‬
‫‪ ،2002‬صفحة ‪ 392‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪ 53‬بمزيد من التعمق أنظر على سبيل المثال‪ ،‬المحكمة اإلدارية‪ ،‬قضية عدد ‪ 11049‬بتاريخ ‪ 19‬نوفمبر ‪ ،2005‬كمال‬
‫باألخضر‪/‬رئيس بلدية توزر‪ ،‬غير منشورة ‪" :‬وحيث أن ثبوت التهديد للنظام العام ال يمنح البلديّة سلطات مطلقة لرد الخطر‬
‫وإنما يفرض عليها توخي التدرج في اتخاذ إجراءات الضبط اإلداري وانتهاج إجراءات وقائية أقل صرامة من الغلق من‬
‫شأنها أن تحقق نفس األهداف‪"...‬؛ المحكمة اإلدارية‪ ،‬قضية عدد ‪ 17332‬بتاريخ ‪ 29‬ديسمبر ‪ ،2000‬دريرة‪/‬رئيس بلدية‬
‫تونس‪ ،‬غير منشورة‪" ،‬وحيث يتضح بالرجوع إلى القرار المطعون فيه وإلى جملة أوراق القضية إن قرار الغلق المطعون‬
‫فيه لم يكن ذا صبغة مؤقتة وان رئيس البلدية لم يحترم مبدأ التدرج‪ ،‬األمر الذي يتجه معه قبول المطعن الراهن وكذلك‬
‫الدعوى برمتها على هذا األساس"‪.‬‬
‫‪ 54‬لمزيد من التعمق أنظر ‪:‬‬
‫‪Loukil (F.), Le juge de l’excès de pouvoir et libertés individuelles, Mémoire en vue de l’obtention du‬‬
‫‪mastère de recherche en droit public, Faculté de droit de Sfax, 2015-2016, édition Faculté de droit de‬‬
‫‪Sfax, 2018, p. 82 et s.‬‬

‫‪17‬‬
‫يعتبر مبدأ المساواة من المبادئ األساسيّة التي تحكم سير المرافق العموميّة الوطنية‬
‫منها والمحليّة‪ .‬وهو تكريس لما ورد بالدستور في فصله الخامس عشر‪ 55‬وهو كذلك تكريس‬
‫وهو كذلك مبدأ من‬ ‫‪56‬‬
‫لمبدأ المساواة أمام القانون المنصوص عليه بالفصل ‪ 21‬من الدستور‬
‫كرسها فقه القضاء اإلداري‪ .57‬بالنسبة للمرفق العام المحلي وقع‬
‫المبادئ العا ّمة للقانون التي ّ‬
‫التنصيص على مبدأ المساواة صلب الفصل ‪ 75‬مطة أولى من مجلة الجماعات المحلية‪.58‬‬
‫وهذا المبدأ يحكم سير جميع المرافق العمومية إدارية كانت أو ذات صبغة صناعية وتجاريّة‪.‬‬
‫ويعني مبدأ المساواة أمام المرافق العموميّة حق الجميع في التمتع بخدمات المرفق العمومي‬
‫وذلك دون تمييز بينهم على أساس انتماءاتهم الدينيّة‬ ‫‪59‬‬
‫إذا توفرت شروط االستفادة القانونية‬
‫والسياسية سواء تعلق األمر بأعوان المرفق أو مستعمليه‪.60‬‬

‫غير إن مبدأ المساواة أمام المرفق العام ال يكتسي صبغة مطلقة باعتبار أن المساواة‬
‫يقصد بها حسب القاضي اإلداري عدم التفرقة بين أفراد الفئة الواحدة إذا تماثلت مراكزهم‬
‫القانونية‪ ،61‬وبالتالي هنا المساواة ال تكون إالّ بين األفراد الذين ينتمون لنفس الصنف وفي‬
‫نفس الوضعية القانونية‪ 62‬وعلى هذا األساس فإنّه ال يقع إعمال مبدأ المساواة في حالة وجود‬
‫فوارق في الوضعيّة الواقعية والقانونية للمعنيين بالقرار‪.63‬‬

‫ظم وتعمل وفق مبادئ الحياد والمساواة واستمرارية المرفق‬ ‫‪" 55‬اإلدارة العمومية في خدمة المواطن والصالح العام‪ ،‬تن ّ‬
‫العام‪."...‬‬
‫‪" 56‬المواطنون والمواطنات متساوون في الحقوق والواجبات وهم سواء أمام القانون من غير تمييز‪."...‬‬
‫‪ 57‬المحكمة اإلدارية‪ ،‬قضية عدد ‪ 677‬بتاريخ ‪ 7‬جويلية ‪ 1982‬الكوني ومن معه‪/‬وزير الشباب و الرياضة‪ ،‬المجموعة‪ ،‬ص‪.‬‬
‫‪ 98‬؛ المحكمة اإلدارية‪ ،‬قضية عدد ‪ 14919‬بتاريخ ‪ 28‬جانفي ‪ ،2009‬علي بن الهادي بوسعيد‪/‬وزير الفالحة والموارد‬
‫المائيّة‪ ،‬غير منشورة ‪" :‬وحيث أ ّن مبدأ المساواة يقتضي إلتزام اإلدارة بالقانون دون ميز بين األفراد كلّما تماثلت وضعيّاتهم"‪.‬‬
‫‪" 58‬يقوم تسيير كل المرافق العمومية المحلية على المبادئ والقواعد التالية ‪:‬‬
‫‪ -1‬المساواة بين مستعمليها والمتعاقدين معها‪."...‬‬
‫‪59‬‬
‫‪Guglielmi(G.) et Koubi (G.), Droit du service public, op. cit., p. 384 : « L’égalité dans le service‬‬
‫‪public signifie que les usagers du service considéré sont tous soumis à un même régime juridique… ».‬‬
‫‪60‬‬
‫‪«Ce principe [le principe d’égalité] interdit ainsi que le service soit assuré de manière différente, en‬‬
‫‪fonction de considérations politiques ou religieuses, à l’encontre de son personnel et de ses usagers »,‬‬
‫‪Auby (J.F.), Les services publics locaux, op. cit., p. 66.‬‬
‫‪ 61‬المحكمة اإلدارية‪ ،‬قضية عدد ‪ 1405/1404‬بتاريخ ‪ 17‬جويلية ‪ ،1989‬نقابة أعوان البنك المركزي‪/‬محافظ البنك‬
‫المركزي‪ ،‬المجموعة‪ ،‬ص‪ 209 .‬؛ المحكمة اإلدارية‪ ،‬قضية عدد ‪ ،14919‬مذكورة سابقا‪.‬‬
‫‪ 62‬أنظر على سبيل المثال ‪ :‬المحكمة اإلدارية‪ ،‬قضية عدد ‪ ،17972‬بتاريخ ‪ 16‬مارس ‪ ،2002‬بوعبدلي‪/‬وزير التعليم العالي‪،‬‬
‫غير منشور ة ‪ " :‬وحيث على نحو ما تمسك به نائب المدعي‪ ،‬فإن القرار الوزيري سند القرار المخدوش فيه جاء خارقا لمبدأ‬
‫المساواة لما ميّز بين طالب المعادلة المقيم بالخارج مع والديه وبين نظيره المقيم بالخارج بمفرده‪ ،‬ذلك أنّه ال يجوز طبق ما‬
‫أستقر عليه الفقه والقضاء إحداث األصناف ضمن المجموعة الواحدة وبالتالي التمييز بينها إالّ باالعتماد على معايير‬

‫‪18‬‬
‫إن مبدأ المساواة ال يمنع من إدخال بعض االستثناءات عليه وذلك العتبارات متعلقة‬
‫تكريسا لمقتضيات الفصل ‪ 136‬من الدستور‪ .65‬وتطبيقا‬ ‫‪64‬‬
‫بالتضامن والتمييز اإليجابي‬
‫المشرع ضمن مجلة الجماعات المحلية إلى إدخال بعض‬
‫ّ‬ ‫لمقتضيات الفصل المذكور سعى‬
‫االستثناءات على مبدأ المساواة وذلك قصد الح ّد من التفاوت بين مختلف الجماعات المحلية‬
‫بناء على مبدأ التمييز اإليجابي وذلك عن طريق قيام الدولة بتقديم مساعدة مالية لبعض‬
‫الجماعات المحلية قصد مساعدتها على بلوغ التوازن المالي عن طريق تخصيص استثمارات‬
‫وتحويل إعتمادات تعديل خصوصيّة‪ 66‬وذلك باعتماد آلية التسوية والتعديل‪.67‬‬

‫يخص المرافق العموميّة البلديّة المشتركة‪ ،‬وفي هذا‬


‫ّ‬ ‫االستثناء اآلخر لمبدأ المساواة‬
‫نص الفصل ‪ 285‬من مجلة الجماعات المحلية على ما يلي ‪" :‬تعمل الدولة على‬
‫ّ‬ ‫اإلطار‬
‫تحفيز التعاون بين البلديات بتمتيع مؤسسات التعاون بين البلديّات بامتيازات جبائيّة وماليّة‬
‫خصوصيّة تضبط بقانون"‪ .‬إن قراءة هذا الفصل تجعلنا نطرح التساؤالت التالية ‪ :‬أال يعتبر‬
‫تمتيع الدولة المرافق العموميّة البلدية المشتركة ذات الصبغة الصناعية والتجاريّة بهذه‬
‫االمتيازات المالية فيه إخالل بمبدأ حريّة المنافسة والذي يقتضي من الفاعلين االقتصاديين‬

‫موضوعية تكون مستمدة ومرتبطة بالحق المطالب به وهي غير صورة الحال‪ ،‬ضرورة أن المعيار المستحدث ال يتعلق بقيمة‬
‫الشهادة المراد م عادلتها وال بمحتوى التكوين الذي تلقاه المعني باألمر"‪.‬‬
‫‪ 63‬أنظر على سبيل المثال ‪ :‬المحكمة اإلدارية‪ ،‬قضية عدد ‪ 2089‬بتاريخ ‪ 17‬فيفري ‪ ،1993‬غربي‪/‬وزير التربية والعلوم‪،‬‬
‫المجموعة‪ ،‬ص‪" : 477.‬وحيث أن وجود فوارق في الوضعية يمكن أن يبرر فوارق في المعاملة بالنسبة لالمتيازات المالية"؛‬
‫المحكمة قضية عدد ‪ 14919‬بتاريخ ‪ 28‬جانفي ‪ ،2009‬مذكورة سابقا ‪" :‬وحيث لم يفلح نائب المدّعي في تقديم ولو بداية ح ّجة‬
‫على وجود وجه من أوجه الالمساواة في تعامل المدّعي عليها مع مطلبه كالتدليل على الوضعيات الواقعيّة والقانونية المماثلة‬
‫لوضعيته والتي انتفعت بمياه الري فيما حرم هو منها"‪.‬‬
‫‪64‬‬
‫‪Dans son rapport public, le conseil d’Etat définit la discrimination positive comme étant une‬‬
‫‪« catégorie particulière de discrimination justifiée, mise en œuvre par une politique volontariste et dont‬‬
‫‪l’objectif et la réduction d’une illégalité », Rapport public de 1996 sur le principe d’égalité, E.D.C.E.,‬‬
‫‪n°48, p. 87.‬‬
‫‪ 65‬تنص الفقرة األولى من الفصل ‪ 136‬من الدستور على ما يلي ‪" :‬تتكفل السلطة المركزيّة بتوفير موارد إضافيّة للجماعات‬
‫المحلية تكريسا لمبدأ التضامن وباعتماد آلية التسوية والتعديل"‪.‬‬
‫‪ 66‬الفصالن ‪ 38‬و ‪ 39‬من مجلة الجماعات المحليّة‪.‬‬
‫‪ 67‬التسوية المالية ‪ péréquation financière‬هي عبارة عن آلية تمكن من إعادة توزيع الموارد المالية وذلك قصد الحدّ من‬
‫التفاوت في المداخيل بين مختلف الجماعات المحلية‪ .‬وتنقسم هذه األخيرة إلى تسوية مالية عمودية وتسوية مال ّية أفق ّية‪ .‬بالنسبة‬
‫للتسوية المالية العمودية فهي التي تتم بين الجماعات المحلية وذلك من خالل تخصيص نسبة من مداخيل الجماعة المحلية‬
‫األكثر ثراءا لفائدة الجماعة المحلية األقل ثراءا‪ .‬أما بالنسبة للتسوية األفقيّة فهي التي تتم عن طريق تحويل إعتما دات مالية من‬
‫طرف الدولة لفائدة الجماعة المحلية من أجل مساعدتها على ضمان التوازن المالي‪ .‬هذه اإلعتمادات المتأتية من الدولة يمنحها‬
‫الممول من ميزانية الدولة‪( .‬الفصل ‪ 38‬فقرة‬ ‫ّ‬ ‫في تونس صندوق دعم الالمركزيّة والتعديل والتضامن بين الجماعات المحلية‬
‫أولى من مجلة الجماعات المحليّة)‪.‬‬

‫‪19‬‬
‫الحرة بعيدا عن تد ّخل السلطة‬
‫ّ‬ ‫ممارسة أنشطتهم الصناعية والتجاريّة في نظام تحكمه المنافسة‬
‫العا ّمة سواء عن طريق إعانات مالية لبعض المؤسسات أو عن طريق أوامر من شأنها أن‬
‫؟ ما هي الضمانات القانونية الممنوحة للمؤسسات األخرى‬ ‫‪68‬‬
‫تحد من مبدأ المنافسة‬
‫المتضررة من تلك االمتيازات المالية والجبائية؟ هل يمكن لهن اللجوء للقضاء من أجل إبطال‬
‫تلك االمتيازات ؟ في انتظار صدور القانون المنظم لشروط منح تلك االمتيازات يمكن‬
‫االستئناس بالقانون األوروبي والذي يسمح بإعطاء امتيازات مالية للمؤسسات البلدية في حالة‬
‫ما إذا كانت هذه االمتيازات تهدف مثال إلى تحقيق التنمية الجهويّة أو كانت ذات بعد‬
‫اجتماعي‪.69‬‬
‫مبدأ المساواة يحكم كذلك عالقة المرفق بأعوانه ومستعمليه والمتعاقدين معه‪ .‬بالنسبة‬
‫ألعوان المرافق العا ّمة فإن مبدأ المساواة يكون أوال عند االنتداب‪ ،‬إذ يجب إخضاع جميع‬
‫المترشحين إلى نفس القواعد والشروط‪ .‬وكذلك فيما يتعلق بالمسار الوظيفي إذ يمنع على‬
‫المشرفين على المرفق العام إقامة تفرقة بين األعوان على أساس جنسي أو ديني‪ ،‬وهو مبدأ‬
‫أ ّكد عليه فقه القضاء اإلداري في العديد من قراراته‪ .70‬وتطبيقا لمبدأ المساواة فإن عملية‬
‫وذلك لضمان ح ّد أدنى من‬ ‫‪71‬‬
‫االنتداب في المرفق العام تكون أساسا عن طريق المناظرة‬
‫الموضوعية والحياد في عملية االنتداب‪ .72‬وعلى هذا األساس فإن قانون الوظيفة يمنع على‬

‫‪« La libre concurrence implique une intervention modérée de l’Etat, une intervention dont tout le‬‬
‫‪68‬‬

‫‪monde puisse faire son profit. Elle écarte les soutiens et les protections dont le seul but est de maintenir‬‬
‫‪en état de survie artificielle des modes de productions désuets, aux dépens des consommateurs et des‬‬
‫‪contribuables, dans un premier temps, de la croissance et de l’emploi dans un deuxième temps »,‬‬
‫‪Bienayme (A.), Principes de concurrence, Economica, 1998, p.442.‬‬
‫‪ 69‬لمزيد من التعمق أنظر الفصلين ‪ 92‬و ‪ 93‬من اتفاقية ماستريخت‪.‬‬
‫‪ 70‬أنظر على سبيل المثال ‪ :‬المحكمة اإلداريّة قضية عدد ‪ 677‬بتاريخ ‪ 7‬جويلية ‪ ،1982‬الكوني ومن معه‪/‬وزير الشباب‬
‫والرياضة‪ ،‬مذكورة سابقا‪.‬‬
‫‪ 71‬أنظر الفصل ‪ 18‬من قانون الوظيفة العمومية المؤرخ في ‪ 12‬ديسمبر ‪.1983‬‬
‫‪ 72‬المحكمة اإلدارية‪ ،‬قضية عدد ‪ 13300‬بتاريخ ‪ 25‬فيفري ‪ ،2009‬مذكورة سابقا ‪" :‬وحيث تمثل المناظرة طريقة االنتداب‬
‫تكرس احترام مبدأ المساواة في االلتحاق بالوظيفة العموميّة بتمكين المترشحين من نفس حظوظ النجاح وإخضاعهم‬ ‫التي ّ‬
‫لنفس االختبارات النتقاء أفضل الكفاءات وأجدرها لشغل الوظائف المعروضة على أن الحق في التناظر يبقى معلّقا على‬
‫استجابتهم لمجموعة من الشروط"‪.‬‬

‫‪20‬‬
‫باستثناء‬ ‫‪73‬‬
‫اإلدارة التنصيص في ملف العون العمومي على االنتماءات الدينية والسياسيّة‬
‫صة التي تحتمها طبيعة الوظائف‪.74‬‬
‫األحكام الخا ّ‬
‫أ ّما فيما يتعلق بتطبيق مبدأ المساواة على مستعملي المرافق العا ّمة فإنّه يفيد تساوي‬
‫الجميع في اإلنتفاع بخدمات المرفق وفي تحمل أعباءه‪ .‬وكل خطأ ناتج عن سير المرفق العام‬
‫تترتب عليه قيام مسؤولية المرفق وبالتالي حق المتضرر في التعويض على أساس خرق‬
‫اإلدارة لمبدأ المساواة أمام األعباء العمومية‪.75‬‬
‫أما فيما يتعلق بالمساواة في االنتفاع بخدمات المرفق العام فيعني أن المرفق يجب أن‬
‫يؤدّي خدماته بنفس الشروط‪ .‬غير إن السؤال المطروح هنا هو اآلتي ‪ :‬هل أن المصلحة‬
‫العا ّمة والفارق في المداخيل بين مستعملي المرافق العامة سواء كانت ذات صبغة إدارية أو‬
‫صناعية وتجاريّة يبرر إقرار تفرقة في التعريفة بين مستعملي نفس المرفق ؟ بالنسبة للمرافق‬
‫العمومية المحليّة ذات الصبغة اإلدارية ّ‬
‫فإن فقه القضاء الفرنسي أقر إمكانية إقرار تفرقة في‬
‫التعريفة بين مستعملي تلك المرافق على أساس مثال معيار اإلقامة داخل الدائرة البلدية أو‬
‫خارجها‪ .76‬أ ّما فيما يتعلق بالمرافق العا ّمة المحليّة ذات الصبغة الصناعية والتجاريّة فإن‬
‫القاضي اإلداري يسمح بإقرار تعريفات مختلفة ومثال ذلك إقراره بشرعيّة قرار البلديّة إقرار‬
‫تعريفات مختلفة فيما يتعلق بكمية المياه المستهلكة على أساس أن من يملك مسبحا منزليا‬
‫تجعل من حاجته للماء أكثر من اآلخرين وبالتالي إقرار تعريفة خاصة به تختلف عن تعريفة‬
‫بقية مستعملي المرفق‪.77‬‬

‫‪ 73‬الفصل ‪ 10‬من قانون الوظيفة العمومية‪ .‬أنظر على سبيل المثال ‪ :‬المحكمة اإلدارية‪ ،‬قضية عدد ‪ 18600‬بتاريخ ‪14‬‬
‫أفريل ‪ ،2001‬الربعي‪/‬وزير التعليم العالي‪ ،‬غير منشورة ‪" :‬وحيث على فرض ثبوت هذه الشبهة‪ّ ،‬‬
‫فإن اآلراء السياسية‬
‫لألعوان العموميين تنصهر ضمن حرية الفكر التي ضمنها الفصل الثامن من الدستور‪ ،‬وأكدها الفصل العاشر من قانون‬
‫نص بفقرته الثانية على أنّه ال يمكن بأي حال أن يتضمن الملف الشخصي للعون العمومي ما يشير إلى‬‫الوظيفة العمومية الذي ّ‬
‫أفكاره السياسية أو الفلسفيّة أو الدينيّة"‪.‬‬
‫‪ 74‬الفصل ‪ 11‬من قانون الوظيفة العموميّة‪.‬‬
‫‪ 74‬الفصل ‪ 11‬من قانون الوظيفة العموميّة‪.‬‬
‫‪ 75‬المحكمة اإلدارية‪ ،‬قضية عدد ‪ 702‬بتاريخ ‪ 13‬جانفي ‪ ،1992‬م‪.‬ع‪.‬ن‪.‬د‪ .‬في حق وزارة الفالحة‪/‬قربوج‪ ،‬المجموعة‪،‬‬
‫ص‪.208 .‬‬
‫‪76‬‬
‫‪CE, 2 décembre 1987, Commune de Romainville, RFDA 1988, p. 414, concl. Massot‬‬
‫‪77‬‬
‫‪CE, 14 janvier 1991, Bachelet, Rec., p. 758.‬‬

‫‪21‬‬
‫أ ّما فيما يتعلق بمتعاقدي المرفق العام المحلّي فإن مبدأ المساواة هو مبدأ يحكم جميع‬
‫أو عقود‬ ‫‪78‬‬
‫العقود التي تبرمها الجماعة المحليّة المعنية سواء تعلق األمر بعقود اللزمة‬
‫أو عقود الشراكة‪ .81‬ويعني هذا المبدأ في المادّة‬ ‫‪80‬‬
‫أو الصفقات‬ ‫‪79‬‬
‫تفويض المرافق العا ّمة‬
‫التعاقديّة هو أن تعامل اإلدارة جميع المترشحين للتعاقد معها دون تمييز سواء فيما يتعلق‬
‫بشروط الترشح أو إجراءاته أو فيما يتعلق بمعايير اختيار المتعاقدين معها‪ .82‬ويمثل اللجوء‬
‫إلى المنافسة عن طريق طلب العروض في اختيار المتعاقد مع الجماعة المحلية إحدى أهم‬
‫اإلجراءات التي تم ّكن من تحقيق المساواة بين المترشحين للتعاقد مع الجماعة المحليّة‪.‬‬

‫ويلحق بمبدأ المساواة واجب الحياد والذي يعني عدم التفرقة بين أعوان المرفق العام‬
‫ومستخدميه على أساس انتماءاتهم السياسية أو معتقداتهم الدينيّة أو الفلسفية‪ .83‬فالحياد يفرض‬
‫حرية المعتقد وحرية الرأي‪ .‬وقد اختلفت آراء الفقهاء حول‬
‫على القائمين على المرفق احترام ّ‬
‫مسألة الحياد فهناك جانب من الفقهاء يرى الحياد امتدادا وجزءا من مبدأ المساواة‪ ،84‬في حين‬
‫يعتبر جانب آخر من الفقهاء الحياد مبدأ مستقال بذاته عن مبدأ المساواة‪ .85‬أ ّما بالنسبة لفقه‬
‫القضاء اإلداري التونسي‪ ،‬على عكس فقه القضاء الفرنسي‪ ،86‬فإنّه لم يجعل من الحياد مبدأ‬

‫‪ 78‬الفصل ‪ 9‬من القانون عدد ‪ 23‬لسنة ‪ 2008‬والمؤرخ في ‪ 1‬أفريل ‪ 2008‬والمتعلق بنظام اللزمات‪.‬‬
‫‪ 79‬الفصل ‪ 85‬فقرة رابعة من مجلة الجماعات المحليّة‪.‬‬
‫‪ 80‬الفصل ‪ 102‬فقرة أولى من مجلة الجماعات المحليّة‪.‬‬
‫‪ 81‬الفصل ‪ 5‬من القانون عدد ‪ 49‬لسنة ‪ 2015‬المؤرخ في ‪ 27‬نوفمبر ‪ 2015‬والمتعلق بعقود الشراكة بين القطاع العام‬
‫والقطاع الخاص‪.‬‬
‫‪ 82‬أنظر على سبيل المثال المحكمة اإلداريّة قضية عدد ‪ 19480‬بتاريخ ‪ 10‬نوفمبر ‪ ،2004‬الشركة التونسية للمكرو‬
‫أن ما أتته الشركة المدعية من إقامة‬ ‫إعالميّة‪/‬وزير التعليم العالي والبحث العلمي والتكنولوجيا‪ ،‬غير منشورة ‪" :‬وحيث ّ‬
‫عالقة ثابتة مع أحد واضعي كراس شروط صفقة عموميّة سبق إسنادها لها يشكل خطأ فادحا ضرورة أنّه يعبّر من جهة عن‬
‫خرق واضح إلحدى القواعد الجوهريّة التي ترتكز عليها عقود الصفقات العموميّة أال وهي قاعدة تكافئ الفرص‪ ،‬وعن‬
‫انتهاك غير مقبول من جهة أخرى للمبادئ التي تسوس العالقة التعاقديّة التي تربط المدّعية باإلدارة المسندة لتلك الصفقة‪،‬‬
‫وهي العالقة التي تستوجب تجنّب كل ما من شانه أن يمس من نزاهة وشفافية الصفقات المنظمة من طرف اإلدارة بما يكفل‬
‫الحفاظ على مبدأ المنافسة وعدم اإلضرار بالمصالح التي ترعاها اإلدارة‪."...‬‬
‫‪83‬‬
‫‪La neutralité du service public « consiste à n’opérer aucune discrimination entre les usagers du‬‬
‫‪service public en fonction de leurs opinions politiques, philosophiques, religieuses, ou de leur race »,‬‬
‫‪Esplugas (P.), Conseil constitutionnel et service public, L.G.D.J., 1994, p. 176. La neutralité du service‬‬
‫‪public correspond encore, selon la définition donnée par J. Rivero, à une « neutralité par la non‬‬
‫‪discrimination des opinions », in Libertés publiques, T.2, PUF, 1977, p.130.‬‬
‫‪84‬‬
‫‪Auby (J.F.), Les services publics locaux, op. cit., p. 66.‬‬
‫‪85‬‬
‫‪Koubi (G.), Le principe de neutralité des services publics, R.A., décembre 1992, p. 494 et s.‬‬
‫في فرنسا يعتبر الحياد في فقه قضاء مجلس الدولة مبدأ مستقال بذاته عن مبدأ المساواة‪،‬‬ ‫‪86‬‬

‫‪(CE, Rapport public 2004, Un siècle de laïcité, E.D.C.E., n°55, p. 333 et s).‬‬
‫وذلك على عكس المجلس الدستوري الذي يعتبر الحياد إمتدادا لمبدأ المساواة وليس مبدأ مستقال بذاته‪.‬‬

‫‪22‬‬
‫مستقال بذاته عن مبدأ المساواة‪ .87‬ويعتبر واجب التحفظ المفروض على األعوان العموميين‬
‫عرض بمقتضاه العون العمومي إلى المساءلة‬
‫والذي ي ّ‬ ‫‪88‬‬
‫إحدى مظاهر حياد المرفق العام‬
‫التأديبيّة في صورة خرقه لهذا الواجب‪ .89‬وفي كل الحاالت تبقى تطبيقات واجب الحياد‬
‫تختلف من مرفق عمومي آلخر بإعتبار أن مفهوم الحياد مفهوم متطور‪ ،‬هذا باإلضافة إلى‬
‫صعوبة اإلقرار بحياد مطلق للمرافق العمومية‪.90‬‬

‫بالنسبة للمرافق العموميّة المحلية وقع التنصيص على مبدأ الحياد ضمن الفصل ‪75‬‬
‫مطة سبعة من مجلة الجماعات المحلية‪ .‬وهو تكريسا لما ورد في توطئة الدستور في فصله‬
‫تصرفات الموظف العمومي‬
‫ّ‬ ‫الخامس عشر‪ .‬وعلى هذا األساس فإن واجب الحياد الذي يحكم‬
‫يجب أن يحكم كذلك سير المرافق العمومية المحلية‪ .‬وتكريسا لمبدأ الحياد فقد اعتبر القاضي‬
‫اإلداري الفرنسي شرعيا قرار المجلس البلدي القاضي برفض الترخيص في كراء قاعة على‬
‫ملك البلديّة لعقد اجتماع ذا طابع ديني وسياسي باعتبار أن استعمال تلك القاعة لعقد هكذا‬
‫اجتماع فيه خرق لمبدأ حياد المرفق العام‪ .91‬ومن جانبه اعتبر المجلس الدستوري الفرنسي‬
‫كراس الشروط يجب أن تكون متطابقة مع المبادئ األساسية التي تحكم المرفق العام مثل‬
‫أن ّ‬
‫مبدأ الحياد باعتباره امتداد لمبدأ المساواة أمام المرفق العام‪.92‬‬

‫‪(Conseil constitutionnel n°86-217 DC, 18 septembre 1986, Rec., p. 141).‬‬


‫‪ 87‬المحكمة اإلدارية قضية عدد ‪ 18600‬بتاريخ ‪ 14‬أفريل ‪ ،2001‬مذكورة سابقا ‪" :‬وحيث لم تدل جهة اإلدارة بما يفيد‬
‫صة فيما‬‫بمجرد أفكاره السياسيّة مخالفا للقانون خا ّ‬
‫ّ‬ ‫اقتراف المدّعي لخطأ تأديبي أو جزائي‪ ،‬األمر الذي يجعل تبريرها لقرارها‬
‫حرية الفكر ومبدأ المساواة‪. ."...‬‬
‫تضمنه من ّ‬
‫‪88‬‬
‫‪Nouri (Z.) et Mejri (K.), L’obligation de réserve dans la jurisprudence du tribunal administratif, in‬‬
‫‪La fonction publique aujourd’hui : le statut général de la fonction publique vingt cinq ans après, CPU,‬‬
‫; ‪2009, p. 297 et s‬‬
‫حافظ بن صالح‪ ،‬خواطر حول حياد الموظف العمومي في تونس‪ ،‬مجلة اندماج‪،‬عدد ‪ ،15‬جويلية ‪ ،1981‬ص‪-‬ص‪.19-9 .‬‬
‫استقر فقها وقضاء أن حرية الفكر للعون العمومي ليست‬
‫ّ‬ ‫‪ 89‬المحكمة اإلداريّة‪ ،‬قضية عدد ‪ ،18600‬مذكورة سابقا ‪" :‬وحيث‬
‫مطلقة إذ يجوز لإلدارة مؤاخذته على أساس أفكاره إن كانت أد ّت إلى اقترافه خطأ تأديبيّا كإتيانه تصرفات مخالفة لواجبي‬
‫التحفظ والحياد"‪.‬‬
‫‪90‬‬
‫‪Aouij (A.), Droit des services publics, C.E.R.A., 1998, p. 83 et s.‬‬
‫‪91‬‬
‫‪CE, 21 mars 1990, Commune de La Roque-d’Anthéron, Rec. p. 74.‬‬
‫‪92‬‬
‫‪C. C, décision du 18 septembre 1986, précitée : « Les cahiers de charges doivent nécessairement se‬‬
‫‪conformer aux principes fondamentaux du service public et notamment au principe d’égalité et à son‬‬
‫‪corollaire le principe de la neutralité du service ».‬‬

‫‪23‬‬
‫إذا كانت الجماعة المحلية مطالبة بتحقيق المساواة بين أعوان ومستعملي المرفق العام‬
‫ي فإن هذه األخيرة مطالبة كذلك بالعمل على تطوير وتحديث إدارة وطرق عمل المرفق‬
‫المحل ّ‬
‫العام المحلّي تكريسا لمبدأ قابليّة المرفق العام للتغيير‪.‬‬

‫ج) مبدأ التأقلم أو مبدأ قابلية المرفق العام للتغيير‬

‫نظرا لعالقته بالمصلحة العا ّمة فإن المرفق العام مطالب بالتطور باعتبار أن المصلحة‬
‫العا ّمة ليست ثابتة وحاجيات مستعملي المرفق العام متطورة بتطور حاجيات المجتمع وكذلك‬
‫بحسب التطور التقني والتكنولوجي في الزمان وفي المكان‪" .‬فقانون التطور"‪ 93‬هذا ال يعطي‬
‫حقوقا فعليّة لمستعملي المرفق العام مثل مبدأ االستمرارية ومبدأ المساواة‪ ،‬بإعتبار أن السلطة‬
‫اإلداريّة صاحبة المرفق تتمتع بجملة من الصالحيات التي تسمح لها بتطوير أنشطة المرفق‬
‫العام وطرق تسييره وتنظيمه في أي وقت من األوقات تماشيا مع تطور المصلحة العا ّمة‪ .‬هذا‬
‫المبدأ ال يسمح فقط لإلدارة بتطوير طرق عمل المرفق العام‪ ،‬بل يسمح لها كذلك بحذفه إذا لم‬
‫تعد هناك مصلحة عا ّمة في وجوده باستثناء المرافق العا ّمة األساسية مثل مرافق الكهرباء‬
‫والغاز والتطهير والماء الصالح للشراب‪ .94‬وكذلك المرافق العا ّمة المنصوص عليها‬
‫بالدستور والتي ال يمكن حذفها إال بتعديل الدستور مثل مرفقي الصحة والتعليم عمال بقاعدة‬
‫توازي الصيغ واألشكال‪.95‬‬

‫تجدر اإلشارة في البداية إلى أن مبدأ التأقلم‪ ،‬على عكس مبدأ المساواة ومبدأ‬
‫اإلستمراريّة‪ ،‬ال يوجد له أساس دستوري في تونس‪ ،‬حيث لم يقع التنصيص على هذا المبدأ‬

‫‪93‬‬
‫‪Expression empruntée à Fialaire (J.), Le droit des services publics locaux, op. cit., p. 17.‬‬
‫‪ 94‬وقع التنصيص على بعض المرافق العمومية األساسية صلب القانون عدد ‪ 67-2007‬بتاريخ ‪ 27‬ديسمبر ‪ 2007‬والمتعلق‬
‫بحفز المبادرة االقتصادية (الرائد الرسمي عدد ‪ 104‬لسنة ‪ 2007‬المؤرخ في ‪ 31-28‬ديسمبر ‪ ،2007‬ص‪ )4541 .‬وقد نص‬
‫الفصل السابع من القانون المذكور على إن تلك المرافق يقع ضبطها بأمر‪ .‬وتطبيقا لهذا الفصل صدر األمر عدد ‪ 345‬لسنة‬
‫نص في فصله‬‫‪ 2008‬المؤرخ في ‪ 11‬فيفري ‪( 2008‬الرائد الرسمي عدد ‪ 14‬بتاريخ ‪ 15‬فيفري ‪ ،2008‬ص‪ )756 .‬والذي ّ‬
‫األول على المرافق العموميّة األساسية التالية ‪:‬‬
‫‪ -‬الربط بشبكة الكهرباء والغاز‬
‫‪ -‬الربط بشبكة التزود بالماء الصالح للشراب‬
‫‪ -‬الربط بشبكة التطهير‬
‫‪ -‬الربط بشبكة المعلومات واإلتصال‪.‬‬
‫‪95‬‬
‫‪Sur les conditions de création et de suppression des services publics voir, Esplugas (P.), Conseil‬‬
‫‪constitutionnel et service public, op. cit., p. 145 et s.‬‬

‫‪24‬‬
‫صلب دستور ‪ 27‬جانفي ‪ ،2014‬كما إنّه ال يوجد ّ‬
‫نص تشريعي يعتبر هذا المبدأ من المبادئ‬
‫العا ّمة للقانون‪ .‬وكذلك األمر بالنسبة للقاضي اإلداري‪ ،‬حيث لم يقع اعتبار هذا المبدأ من‬
‫المبادئ العا ّمة للقانون بل إن تطبيقات المبدأ تستخلص من حيثيات بعض قرارات المحكمة‬
‫يستشف منها ضمنيا بأن اإلدارة مطالبة بتطوير عمل المرفق ومتابعة األبحاث‬
‫ّ‬ ‫اإلداريّة والتي‬
‫العلمية الحاصلة على المستوى الدولي دون أن يقع اعتبار ذلك المبدأ من المبادئ العا ّمة‬
‫للقانون‪ .‬وقد اعتبرت المحكمة اإلدارية في قرارها الصادر في ‪ 28‬ماي ‪" 2004‬أن تزامن‬
‫الحقن بالدم الملوث مع بداية اكتشاف داء فقدان المناعة المكتسبة "السيدا" وإمكانية انتقاله عن‬
‫طريق نقل الدم ليس من قبيل القوة القاهرة التي من شانها أن تنفي مسؤولية اإلطار الطبي‪،‬‬
‫تطور ظهور األمراض في مختلف أنحاء‬
‫بإعتبار إمكان التحسب له من خالل تأمين مواكبة ّ‬
‫صال إلى انتهاج الوسائل الكفيلة‬
‫العالم ومسبباتها ومتابعة األبحاث العلمية الجارية في شانها تو ّ‬
‫باالحتياط لها ودفع وقوعها"‪ .96‬وتعود األسباب السابق ذكرها إلى غموض محتوى هذا‬
‫وعالقته الوطيدة بمبدأ استمرارية المرفق العام وبمقتضيات المصلحة العا ّمة‪.98‬‬ ‫‪97‬‬
‫المبدأ‬
‫ّ‬
‫بالحق في إدخال التنقيحات الضرورية للنصوص‬ ‫وتطبيقا لمبدأ التأقلم وقع االعتراف لإلدارة‬
‫الترتيبية التي تحكم تنظيم المرافق العمومية الراجعة لها بالنظر دون أن يكون للمعنيين بتلك‬
‫النصوص القانونية الحق في التمسك باإلبقاء على التراتيب القديمة‪.99‬‬

‫‪ 96‬المحكمة اإلدارية‪ ،‬قضية عدد ‪ 18443‬بتاريخ ‪ 28‬ماي ‪ ،2004‬شعبان ومن معه‪/‬م‪.‬ع‪.‬ن‪ .‬د‪ .‬في حق وزارة الصحة‬
‫العمومية‪ ،‬غير منشورة‪.‬‬
‫‪97‬‬
‫‪A.S. Mescheriakoff écrit en ce sens : « Il semble difficile d’y avoir un principe général du droit‬‬
‫‪applicable tant son contenu normatif est imprécis. Il reste donc un principe « infra-juridique » sans‬‬
‫‪prolongement juridique direct », Droit des services publics, P.U.F.1997, p.175. Selon cet auteur‬‬
‫‪l’adaptation du service public peut également constituer l’un de ces « principes infra-juridiques qui‬‬
‫‪informe l’ensemble de l’ordre constitutionnel », in Les principes généraux du droit dans la‬‬
‫‪jurisprudence récente, AJDA, 1976, p. 599.‬‬
‫‪98‬‬
‫‪Guglielmi (G.) et Koubi (G.), Droit du service public, op. cit., p. 423 ; Vedel (G.) et Delvolvé (P.),‬‬
‫‪Droit administratif, T.2, Paris, PUF, 1992, p. 742. Pour P. Esplugas, « La liaison entre continuité et‬‬
‫‪adaptation n’est pas toujours assez nette. D’une part, lorsqu’au nom de l’adaptation un service public‬‬
‫‪est supprimé, ce n’est pas par hypothèse pour mieux en assurer la continuité. D’autre part, la mise en‬‬
‫‪harmonie permanente des règles juridiques d’organisation et de fonctionnement des services avec les‬‬
‫‪nouveaux textes ou avec les nouvelles techniques est justifiée, non pas exactement par la continuité,‬‬
‫‪mais plus largement par la volonté de satisfaire aux exigences de l’intérêt général », Conseil‬‬
‫‪constitutionnel et service public, op. cit., pp. 173-174.‬‬
‫‪ 99‬أنظر على سبيل المثال القضية عدد ‪ 17795‬بتاريخ ‪ 14‬مارس ‪ ،2000‬الزرمديني‪/‬وزير الفالحة‪ ،‬غير منشورة ‪" :‬وحيث‬
‫إستقر فقه قضاء هذه المحكمة على إعتبار إنّه ال يمكن التمسك بالحقوق المكتسبة لإلبقاء على التشاريع القديمة وأن السلطة‬
‫ّ‬
‫الترتيبيّة تتمتع بسلطة مطلقة لتغيير مضمونها أو حذفها"‪.‬‬

‫‪25‬‬
‫بالنسبة للمرافق العمومية المحلية وقع التنصيص على مبدأ التأقلم ضمن الفصل ‪75‬‬
‫مطة ثالثة من مجلة الجماعات المحليّة‪ .‬ويترتب على إعمال هذا المبدأ العديد من النتائج تجاه‬
‫أعوان المرفق ومستعمليه وكذلك تجاه الجماعة المحليّة التي يعود لها المرفق بالنظر وتجاه‬
‫المتعاقدين معه‪.‬‬

‫بالنسبة ألعوان المرافق العا ّمة ذات الصبغة اإلدارية وباعتبارهم في حالة نظامية‬
‫قابلة للتغيير والتنقيح في أي وقت عن طريق قرارات إدارية فرديّة في إطار‬ ‫‪100‬‬
‫وترتيبيّة‬
‫االختصاصات التي يسمح فيها القانون لإلدارة بذلك والتي تتخذها تجاه أعوانها كلما دعت‬
‫حاجة المرفق ذلك‪ ،‬فإنّه ال يمكن لهؤالء االعتراض على تلك القرارات باستثناء األحكام التي‬
‫لها عالقة بالحقوق األساسية للموظف والتي ال يمكن تنقيحها إال بمقتضى قانون‪.101‬‬

‫أ ّما فيما يتعلق بالمرافق العا ّمة ذات الصبغة الصناعية والتجاريّة والتي يخضع أعوانها‬
‫للقانون الخاص فإنّه يمكن لألعوان المتعاقدين المطالبة بغرامة لجبر الضرر الناتج عن تغيير‬
‫جذري ألحكام العقد‪ .‬أما بالنسبة لألعوان المرسمين فإنّهم مطالبين بالخضوع للنصوص‬
‫صة المناشير التفسيرية واإلجراءات الداخلية الصادرة‬
‫الداخلية التي تنظم عمل المرفق وخا ّ‬
‫عن السلطة الرئاسيّة‪.‬‬

‫يخص مستعملي المرافق العا ّمة ذات الصبغة اإلداريّة فإنّه ليس لهم الحق في‬
‫ّ‬ ‫أما فيما‬
‫المطالبة باإلبقاء على المرفق العام أو االعتراض على التغيير الذي تدخله اإلدارة على‬
‫طريقة تسييره كاإلنتقال من التسيير المباشر إلى التسيير المفوض باعتبار أن انتفاع هؤالء‬
‫بخدمات المرفق ال تتولد عنه حقوقا مكتسبة‪ ،‬فهؤالء هم في عالقة تحكمها القوانين والتراتيب‬
‫قابلة للتنقيح في أي وقت حتى ولو كان مستعمل ذلك المرفق يدفع مقابل مالي للخدمة التي‬
‫يقدمها له المرفق‪ .‬وحتى الذين يوجدون في وضعية تعاقدية فإنّه يمكن لإلدارة تنقيح بعض‬
‫فصول العقد باعتبار أن تلك اإلمكانية عادة ما يقع التنصيص عليها في العقد‪.102‬‬

‫الفصل ‪ 16‬من قانون الوظيفة العمومية‪.‬‬ ‫‪100‬‬

‫رضا جنيح‪ ،‬قانون إداري‪ ،‬مركز النشر الجامعي ‪ ،‬تونس ‪ ، 2008‬ص‪.354 .‬‬ ‫‪101‬‬
‫‪102‬‬
‫‪CE, 6 mai 1985, Association Eurolat, Rec. p. 141.‬‬

‫‪26‬‬
‫فيما يتعلق بمستعملي المرافق العا ّمة ذات الصبغة الصناعيّة والتجاريّة ف ّ‬
‫إن األمر ال‬
‫يختلف كثيرا عن المرافق العا ّمة ذات الصبغة اإلداريّة‪ ،‬فحتى مستعملي المرفق العام‬
‫الصناعي والتجاري‪ ،‬والذين هم في عالقة تعاقديّة معه‪ ،‬فإنه ال يمكنهم االعتراض على سلطة‬
‫الجماعة المحليّة المتعاقدة معهم في تنقيح بعض بنود العقد مع إمكانية لجوء هؤالء للقضاء‬
‫في صورة خرق هذه األخيرة لقواعد االختصاص أو لإلجراءات أو لمبدأ عدم رجعية األحكام‬
‫الجديدة أو في صورة عدم وجود أسباب حقيقية لتنقيح بعض بنود العقد والتي تجد أساسها في‬
‫متطلبات المصلحة العا ّمة‪.‬‬

‫لئن كانت الجماعة المحليّة تتمتع بالعديد من الصالحيات في إطار إعمالها لمبدأ التأقلم‬
‫ّ‬
‫فإن سلطتها غير مطلقة بل تحكمها مجموعة من األحكام والشروط المتمثلة أساسا في احترام‬
‫قاعدة توازي الشكليات إذ يجب أن تكون الجماعة المحليّة التي قامت بإدخال تنقيحات على‬
‫طرق عمل المرفق العام أو قامت بحذفه هي نفسها التي قامت بإحداث المرفق ويتعلق األمر‬
‫هنا بالمرافق المحلية االختيارية دون المرافق األساسيّة كتلك المنصوص عليها بالدستور‬
‫والتي ال يمكن حذفها إالّ بتنقيح الدستور وكذلك المرافق ذات الصبغة الوطنيّة‪.‬‬

‫باإلضافة إ لى قاعدة توازي الشكليات فإن التنقيحات الجديدة التي تريد اإلدارة إدخالها‬
‫على سير وتنظيم المرفق العام يجب أن ال يكون لها اثر رجعي مثلما هو الحال بالنسبة‬
‫وكل‬ ‫‪103‬‬
‫للتغييرات التي تدخلها على التعريفة‪ ،‬ويعتبر هذا المبدأ من المبادئ العا ّمة للقانون‬
‫استثناء لذلك يجب أن يكون بمقتضى قانون‪.‬‬

‫ويسري هذا المبدأ كذلك على الحاالت التي يكون فيها المستخدمين في عالقة تعاقديّة‬
‫مع المرفق‪ ،‬إذ ال يجب أن تسري األحكام الجديدة التي تتخذها اإلدارة المتعاقدة‪ ،‬تنفيذا لقواعد‬
‫قانونية وترتيبيّة جديدة‪ ،‬على البنود التعاقديّة الجارية تطبيقا لألحكام القديمة‪ .104‬وتهدف عدم‬
‫وضمان ح ّد أدنى من استقرار‬ ‫‪105‬‬
‫رجعيّة األحكام الجديدة إلى حماية الحقوق المكتسبة‬

‫‪103‬‬
‫‪CE, 25 juin 1948, Société du journal L’Aurore, Lebon, p. 289.‬‬
‫‪104‬‬
‫‪CE, 29 janvier 1971, Sieurs Emery, Barbier et Union des propriétaires de la Sarthe, Rec., p. 80.‬‬
‫‪ 105‬المحكمة اإلدارية‪ ،‬قضية عدد ‪ 693‬بتاريخ ‪ 15‬فيفري ‪ ،1983‬جغام‪/‬وزير االقتصاد الوطني‪ ،‬المجموعة ص‪: 187 .‬‬
‫"حيث إنّه ليس من العدل في شيء أن تهدد الحقوق كما ال يتفق والمصلحة العامة أن يفقد الناس الثقة واالطمئنان على‬
‫استقرار حقوقهم ألن األصل طبقا للقانون الطبيعي هو احترام الحقوق المكتسبة وهذا ما تقتضي به العدالة الطبيعية ويستلزمه‬
‫الصالح العام"‪.‬‬

‫‪27‬‬
‫األوضاع القانونية للمتعاقدين مع اإلدارة والتي تقتضي عدم تغيير األحكام القانونية بصورة‬
‫فجئيّة كلما تبيّن أن هذا التغيير ليس ضروريّا وهو ما أكدته المحكمة اإلدارية في العديد من‬
‫قراراتها‪ .106‬وعلى هذا األساس فإن حماية األمن القانوني تقتضي من اإلدارة عند تطبيقها‬
‫من أجل تسوية الوضعيات التعاقدية الجارية‬ ‫‪107‬‬ ‫ّ‬
‫بسن أحكام انتقالية‬ ‫لألحكام الجديدة أن تقوم‬
‫و ذلك من أجل حماية المتعاقدين الذين قد يتضرروا‬ ‫‪108‬‬
‫والتي نشأت في ظل األحكام القديمة‬
‫جراء تطبيق األحكام الجديدة بصورة فوريّة وذلك توفيرا لألمن القانوني للمتعاقدين مع‬
‫من ّ‬
‫اإلدارة‪ .109‬هذه األحكام اإلنتقاليّة تهدف إلى تيسير تأقلم العقود مع متطلبات القانون الجديدة‬
‫وكذلك إلى تمكين المتعاقدين من الوقت الكافي من أجل جعل العقد مالئما لتلك المتطلبات‪.‬‬

‫أما فيما يتعلق بالمتعاقدين مع المرفق العام المحلّي ّ‬


‫فإن مبدأ التأقلم يمنح الجماعة‬
‫المحلية جملة من االمتيازات والصالحيات التي ال يتمتع بها المتعاقد معها ومن بين هذه‬
‫‪111‬‬
‫وفسخه‬ ‫‪110‬‬
‫الصالحيات سلطة المراقبة الفنية وسلطة تعديل بنود العقد من جانب واحد‬

‫‪ 106‬المحكمة اإلدارية قضية عدد ‪ 128367‬بتاريخ ‪ 10‬جوان ‪ ،2015‬الزواري‪/‬وزير التربية ‪ ،‬غير منشورة ‪" :‬وحيث أنّه‬
‫من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن مبدأ األمن القانوني والثقة في التشريع يقتضي أن تكون القواعد القانونية والترتيبية التي‬
‫تستند إليها اإلدارة في عملها واضحة‪ ،‬وأن تلتزم األخيرة بعدم تغيير محتوى هذه األحكام بطريقة فجئية كلما تبين أن هذا‬
‫التغيير ليس ضروريا بالنظر إلى محتو ى اإلجراء الذي اتخذته أو األهداف التي ترمي من خالله إلى تحقيقها" ؛ المحكمة‬
‫اإلدارية‪ ،‬قضية عدد ‪ 38955‬بتاريخ ‪ 8‬فيفري ‪ ،2008‬م‪.‬ع‪.‬ن‪.‬د‪ .‬في حق وزارة أمالك الدولة والشؤون العقارية ‪ /‬المزوغي‪،‬‬
‫غير منشورة‪.‬‬
‫‪ 107‬لمزيد من التعمق أنظر ‪:‬‬
‫; ‪Seiller (B.), Pour un dispositif transitoire dans les arrêts, A.J.D.A., décembre 2005, p. 2425 et s‬‬
‫‪Woehrling (J.M.), L’obligation d’édicter des mesures transitoires comme instrument de la protection‬‬
‫‪des situations juridiques constituées, RDP, n°1-2007, p. 285 et s.‬‬
‫‪108‬‬
‫‪CE, 24 mars 2006, Société KPMG et autres, R.F.D.A., 2006, p. 463, Conclusions Y. Aguila,‬‬
‫‪« L’obligation d’aménager dans certains cas un dispositif transitoire parait une exigence raisonnable,‬‬
‫‪qui relève à la fois du bon sens et de la bonne administration », , Conclusions précitées, p. 473.‬‬
‫لمزيد من التعمق أنظر ‪:‬‬ ‫‪109‬‬

‫‪Nouri (Z.), Le contrat et le recours pour excès de pouvoir, Thèse pour le doctorat en droit public,‬‬
‫‪Faculté de Droit et des Sciences Politiques de Tunis, 2011-2012, p. 423 et s. ; Canedo-Paris (M.),‬‬
‫‪Contrats administratifs et sécurité juridique : nouvelles avancées jurisprudentielles, R.F.D.A.,‬‬
‫‪septembre-octobre 2007, p. 935 et s.‬‬
‫‪ 110‬أنظر فيما يتعلق بعقود تفويض المرفق العام المحلي الفصل ‪ 95‬من مجلة الجماعات المحليّة‪.‬‬
‫‪ 111‬تجدر اإلشارة هنا إلى أن فسخ العقد في هذه الحالة ليس عقوبة ناتجة عن خطأ المتعاقد مع اإلدارة وإنما الفسخ ناتج عن‬
‫للتطورات العلمية والتقنيّة أو مواكبة لتطور عدد سكان‬‫ّ‬ ‫التصرف في المرفق مواكبة‬
‫ّ‬ ‫رفض المتعاقد التغيير في طريقة‬
‫الزمة على سير المرفق‬ ‫الجماعة المحليّة‪ .‬في هذه الحالة وفي صورة رفض المتعاقد مع الجماعة المحلية إدخال التغييرات ال ّ‬
‫يمكن لهذه األخيرة فسخ العقد والتعاقد من جديد‪.‬‬
‫‪(CE, 10 janvier 1902, Compagnie nouvelle du gaz de Déville-Lès-Rouen, G.A.J.A., p. 53).‬‬

‫‪28‬‬
‫وإنهاءه قبل حلول أجله كلّما دعت المصلحة العا ّمة وحسن سير المرفق العام ذلك‪ .112‬وعلى‬
‫هذا األساس فإن من أهم نتائج مبدأ التأقلم هو وضع ح ّد ألحد المبادئ التعاقدية المنصوص‬
‫عليها بالقانون والمتمثل في مبدأ "العقد شريعة المتعاقدين"‪.‬‬

‫إذا كان مبدأ التأقلم يمنح اإلدارة جملة من االمتيازات والصالحيات فإنها في المقابل‬
‫مطالبة بإحترام حقوق المتعاقدين معها عند إعمالها لذلك المبدأ‪ .‬ومن بين هذه الواجبات‬
‫ضمان التوازن المالي للعقد في حالة تعديل بنود العقد وذلك عن طريق التعويض للمتعاقد‬
‫جراء تعديل بنود العقد وذلك على أساس المسؤولية‬
‫معها عن الخسارة المالية التي لحقته من ّ‬
‫دون خطأ‪.113‬‬

‫كذلك مبدأ التأقلم يضع على عاتق اإلدارة المتعاقدة جملة من االلتزامات فهذه األخيرة‬
‫مطالبة بالتعويض عن الضرر المالي الذي يلحق ملتزم المرفق أو صاحب التفويض كلّما‬
‫قامت هذه األخيرة بإدخال تعديل على عمل المرفق في إطار ممارستها لصالحياتها كسلطة‬
‫عا ّمة مثل سلطة الضبط اإلداري وليس في إطار نظريّة فعل األمير‪ .‬ومثال ذلك قيام رئيس‬
‫البلديّة مانحة لزمة مرفق النقل الحضري للحافالت باتخاذ قرارا يصبح بمقتضاه المرور‬
‫ممنوعا على الحافالت م ّما نتج عنه زيادة في األعباء المالية لصاحب لزمة مرفق النقل‬
‫الحضري باعتبار أن ذلك القرار تسبب له في الزيادة في كمية البنزين المستهلكة نتيجة‬
‫التغيير الحاصل في مسلك سير الحافالت بسبب ذلك القرار‪ .‬هذه التغييرات التي تطرأ على‬
‫تنظيم المرفق يجب أن ال تغير من موضوع العقد وجوهره وكذلك من طريقة التصرف في‬
‫المرفق المتفق عليها‪.114‬‬

‫لئن كانت المبادئ التقليديّة التي تحكم سير المرافق العموميّة المحلية من المبادئ‬
‫األساسيّة التي ال توجد مرافق بدونها‪ ،‬فإن هذه المبادئ وقع إثراءها بجملة من المبادئ‬

‫غير أنّه يمكن لملتزم المرفق اللجوء للقضاء في صورة ما إذا تراءى له أن األسباب التي أسست عليها اإلدارة المتعاقدة قرار‬
‫الفسخ غير مقنعة‪ .‬في هذه الحالة يقوم القاضي بالتثبت والتأكد من مدى حاجة المرفق للتغييرات المقترحة من طرف اإلدارة‬
‫المتعاقدة وهل إن تلك التبريرات التي قدمتها اإلدارة موجبة للفسخ أم ال‪.‬‬
‫‪ 112‬الفصل ‪ 99‬من مجلة الجماعات المحلية‪.‬‬
‫‪113‬‬
‫‪Richer (L.), Droit des contrats administratifs, op. cit., p. 289.‬‬
‫‪114‬‬
‫‪CE, 2 février 1983, Union des transports publics, urbains et régionaux, RDP 1984, p. 212 note J.M.‬‬
‫‪Auby.‬‬

‫‪29‬‬
‫الجديدة وذلك قصد إضفاء مزيد من الفاعلية على طريقة عملها استجابة للحاجيات المتزايدة‬
‫لمستخدمي تلك المرافق‪.‬‬

‫‪ -II‬المبادئ المستحدثة لتسيير المرافق العمومية المحلية‬

‫ّ‬
‫إن التطور الذي عرفه مفهوم الدولة الحديثة وكذلك طبيعة العالقة التي تربط اإلدارة‬
‫بمستخدميها وأعوانها تكريسا لمبادئ الديمقراطية ودولة القانون وحياد اإلدارة أدّى إلى‬
‫ظهور العديد من المبادئ الجديدة المستحدثة والتي تؤشر كلها على دخول المرفق العام‬
‫مرحلة ما بعد الحداثة وما تقتضيه هذه المرحلة من ضرورة تحديث وإصالح المرفق‬
‫صت عليها مجلة الجماعات المحلية في فصلها‬
‫العام‪ .115‬ومن بين هذه المبادئ الجديدة التي ن ّ‬
‫الخامس والسبعين نجد مبادئ التنمية المستدامة‪ ،‬الشفافية‪ ،‬المساءلة‪ ،‬الحوكمة‪ ،‬النجاعة‬
‫باإلضافة إلى مبدأ التشاركيّة الذي وقع التنصيص عليه صلب الفصل ‪ 78‬من المجلة‬
‫المذكورة‪.‬‬

‫غير أن هذه المبادئ الجديدة ال تزال مح ّل جدل فقهي يتعلق أساسا بضبط قائمة في‬
‫هذه المبادئ باإلضافة إلى إن العديد من الفقهاء ينكرون صفة "المبدأ" على هذه القواعد‬
‫الجديدة المستحدثة ويعتبرونها مجرد تكريس لمبدأ التأقلم وإنها عبارة عن قيم وأهداف وليست‬
‫‪ .‬يضاف إلى هذا الجدل الفقهي جدل فقهي آخر متأتي‬ ‫‪116‬‬
‫بمبادئ جديدة لسير المرفق العام‬
‫من صعوبة تعريف هذه المفاهيم الجديدة المستحدثة نتيجة لتداخلها مع بعضها البعض‪.117‬‬
‫لذلك سنتولى في دراستنا للمبادئ المستحدثة لتسيير المرافق العموميّة المحليّة دراسة مبادئ‬
‫‪115‬‬
‫‪Guglielmi (G.) et Koubi (G.), Droit du service public, op. cit., p. 441 ; Voir également Donier‬‬
‫‪(V.), Les lois du service public : entre tradition et modernité, RFDA, 2006, p. 1219 et s.‬‬
‫‪116‬‬
‫‪Voir dans un sens favorable à cette idée Guglielmi (G.) et Koubi (G.). Ces auteurs nient l’existence‬‬
‫‪de principes nouveaux de fonctionnement du service public. Ces prétendus nouveaux principes ne sont‬‬
‫‪qu’un prolongement du principe de mutabilité et « relèvent plus des objectifs à atteindre que des règles‬‬
‫‪à observer par les services publics concernés », op. cit., pp. 453-454.‬‬
‫‪117‬‬
‫‪« Les indéterminations théoriques grèvent sans doute l’analyse, mais elles permettent de situer ces‬‬
‫‪notions sous la forme de conditions de fonctionnement du service. Ces conditions sont intrinsèquement‬‬
‫‪liés aux objectifs que les pouvoirs publics assignent désormais aux organismes investis de missions de‬‬
‫‪service public et aux prestataires de service public. Ces objectifs semblent plus largement intéresser les‬‬
‫‪formes de production et de diffusion du droit ainsi que les modes de fonctionnement des administrations‬‬
‫‪publiques », Guglielmi (G.) et Koubi(G.), op. cit., p. 454.‬‬

‫‪30‬‬
‫التنمية المستدامة (أ) والحوكمة المفتوحة (ب) والشفافية (ج) بإعتبار أن هذه المبادئ‬
‫تستوعب تقريبا جملة المبادئ المستحدثة األخرى التي تحكم تسيير المرافق العموميّة المحلية‪.‬‬

‫أ) مبدأ التنمية المستدامة‬

‫يعود مصطلح التنمية المستدامة إلى مؤتمر األمم المتحدة بستوكهولم لسنة ‪1972‬‬
‫حول البيئة البشرية‪ .118‬وقد ع ّرفت التنمية المستدامة في تقرير اللجنة الدولية حول البيئة‬
‫والتنمية والمعروف بتقرير براند تالند ‪ rapport Brundtland‬الصادر في ‪ 20‬مارس ‪1987‬‬
‫على إنها "تلبية حاجيات الحاضر دون التخلي عن األجيال المستقبليّة في تلبية‬
‫احتياجاتها"‪.119‬‬

‫يمكن تلخيص األبعاد التي تقوم عليها التنمية المستدامة في األبعاد الثالثة التالية ‪ :‬البعد‬
‫االقتصادي والذي يقضي بزيادة رفاهية المجتمع إلى أقصى ح ّد والقضاء على الفقر من خالل‬
‫نمو اقتصادي يهدف إلى تحقيق عدالة اقتصادية من أجل إشباع الحاجات األساسية أ ّما‬
‫تحقيق ّ‬
‫البعد االجتماعي فيتمثل في تحقيق اإلنصاف بين األجيال من خالل الحصول على الخدمات‬
‫الصحية والتعليمية في إطار احترام حقوق اإلنسان‪ .‬أ ّما البعد البيئي فيتمثل في الحفاظ على‬
‫الموارد الطبيعيّة واالستخدام العقالني لها بما يتوافق مع معايير الحفاظ على متطلبات بيئة‬
‫سليمة‪.120‬‬

‫‪ 118‬انعقد هذا المؤتمر بستوكولم تحت إشراف األمم المتحدة من ‪ 5‬إلى ‪ 16‬جوان ‪ 1972‬وذلك بمناسبة قمة األرض ويعتبر‬
‫األول من اإلعالن الصادر عن المؤتمر‬
‫نص المبدأ ّ‬
‫هذا المؤتمر أول من أسس للمبادئ التي تقوم عليها التنمية المستدامة وقد ّ‬
‫على ما يلي ‪:‬‬
‫‪« L’homme a un droit fondamental à la liberté, à l’égalité et à des conditions de vie satisfaisantes, dans‬‬
‫‪un environnement dont la qualité lui permette de vivre dans la dignité et le bien-être. Il a le devoir‬‬
‫‪solennel de protéger et d’améliorer l’environnement pour les générations présentes et futures… ».‬‬
‫الفصل ‪ I‬فقرة ‪ 3‬من تقرير براند تالند ‪:‬‬ ‫‪119‬‬

‫‪« Le genre humain a parfaitement les moyens d’assumer un développement durable, de répondre aux‬‬
‫‪besoins du présent sans compromettre la possibilité pour les générations à venir de satisfaire les leurs ».‬‬
‫‪120‬‬
‫‪Pour de plus amples détails voir : Sylvie (B.), Le développement durable, Paris, PUF, 2012.‬‬

‫‪31‬‬
‫ضمن المبادئ التي يقوم عليها تسيير المرافق العامة‬ ‫‪121‬‬ ‫ّ‬
‫إن إدراج التنمية المستدامة‬
‫المحلية‪ 122‬يعكس مدى أهميّة الدور الذي ستضطلع به هذه المرافق في تحقيق التنمية المحلية‬
‫على المستوى االقتصادي واالجتماعي والبيئي‪.‬‬

‫على المستوى المحلّي‪ ،‬وانطالقا من األبعاد التي تقوم عليها التنمية المستدامة‪ ،‬يمكن‬
‫القول بأن التنمية المستدامة المحلية هي التنمية التي تسمح لسكان الجماعة المحلية بالحصول‬
‫على الخدمات األساسية في المجال االقتصادي واالجتماعي والبيئي وذلك مع المحافظة على‬
‫استدامة النظام البيئي والعقاري واالجتماعي الذي يقوم عليه إسداء تلك الخدمات‪.‬‬

‫انطالقا من التعاريف السابق ذكرها يتجلّى بأن التنمية المستدامة تقوم على رؤية بعيدة‬
‫المدى فيما يتعلق بالجوانب االجتماعية واالقتصادية والبيئية‪ ،‬وذلك من خالل الحرص على‬
‫تلبية حاجيات األجيال الحاضرة مع الحفاظ على حق األجيال القادمة في تنمية مستدامة قادرة‬
‫على تلبية احتياجاتها األساسيّة‪ .‬وفي هذا اإلطار ّ‬
‫فإن التنمية المستدامة تقوم على جملة من‬
‫يلوث يدفع" ‪ pollueur-payeur‬ومبدأ الوقاية ‪principe de précaution‬‬
‫المبادئ مثل مبدأ "من ّ‬
‫ومبدأ الحيطة ‪ .principe de prévention‬جميع هذه المبادئ في عالقة وثيقة بالتنمية‬
‫المستدامة باعتبار أنها تهدف إلى إحداث موازنة بين التقدم اإلقتصادي وحماية البيئة‪ 123‬سواء‬
‫أكانت هذه المبادئ تهدف إلى استباق المخاطر المحتملة الوقوع أو المؤجلة أو المجهولة‬

‫‪ 121‬وقع التنصيص على التنمية المستدامة بالفصل ‪ 12‬من الدستور‪ .‬ولتحقيق هذه الغاية وقع إنشاء هيئة دستوريّة تس ّمى هيئة‬
‫التنمية المستدامة وحقوق األجيال القادمة وذلك ضمن الفصل ‪ 129‬من الدستور الذي أسند للهيئة المذكورة صالحية إبداء‬
‫االستشارة الوجوبيّة فيما يتعلق بمشاريع القوانين المتعلقة بالمسائل االقتصادية واالجتماعية والبيئية ومخططات التنمية‪ .‬وقد‬
‫وقع تنظيم الهيئة المذكورة بمقتضى القانون األساسي عدد ‪ 60‬لسنة ‪ 2019‬المؤرخ في ‪ 9‬جويلية ‪ 2019‬والمتعلق بهيئة‬
‫نص الفصل‬ ‫التنمية المستدامة وحقوق األجيال القادمة (الرائد الرسمي عدد ‪ 59‬بتاريخ ‪ 23‬جويلية ‪ ،2019‬ص‪ .)2323 .‬وقد ّ‬
‫األول من القانون المذكور على إن الهيئة المذكورة تتمتع بالشخصية القانونية واالستقاللية اإلدارية والمالية‪ .‬كما منح القانون‬
‫المذكور الهيئة صالحياتا واسعة فيما يتعلق بإبداء الرأي في مشاريع القوانين المتعلقة بالمسائل االقتصادية والبيئية والمناخية‬
‫وكذلك م ّكن القانون الهيئة من القيام بدراسات وبحوث في مجال اختصاصها بالشراكة مع المنظمات الحكومية والغير حكومية‬
‫الوطنية والدولية‪ .‬أنظر الفصول ‪ 8 ،7 ،6‬و‪ 9‬من القانون المذكور‪.‬‬
‫‪ 122‬الفصل ‪ 75‬مطة رابعة من مجلة الجماعات المحليّة‪.‬‬
‫‪123‬‬
‫‪Deguergue (M.), Les avancées du principe de précaution en droit administratif français, in Le‬‬
‫‪principe de précaution en droit administratif, XVIIe Congrès, Utrecht, les 16-22 juillet 2006, Rapport‬‬
‫‪international et rapports nationaux, Publiés sous la direction de Michel Pâques, Bruylant, Bruxelles‬‬
‫‪2007, p. 151.‬‬

‫‪32‬‬
‫(مبدأ الوقاية) أو كانت تهدف إلى منع األضرار الناتجة عن مخاطر معروفة مسبقا والتي‬
‫يمكن التحسب لنتائجها قصد تجنبها (مبدأ الحطية)‪.124‬‬

‫إن التأكيد على أهميّة دور الجماعات المحلية في تحقيق التنمية المستدامة قد تجلى‬
‫على المستوى الدولي‪ ،‬ويمكن أن نذكر في هذا المجال التقرير الصادر عن مؤتمر األمم‬
‫المتحدة المعني بالبيئة والتنمية والمنعقد بروديوجانيرو من ‪ 3‬إلى ‪ 14‬جوان ‪ 1992‬والذي أكد‬
‫على الدور المحوري للجماعات المحلية في تحقيق التنمية المستدامة على المستوى‬
‫المحلي‪.125‬‬

‫وفي هذا اإلطار فإن المرفق العام المحلي يلعب دورا محوريّا في تحقيق التنمية‬
‫المستدامة باعتباره األجدر على تجسيم سياسات الجماعة المحلية الطويلة األمد في الميدان‬
‫البيئي والعمراني باعتبار أن هذا األخير عكس المؤسسات الخاصة ال يبحث عن الربح في‬
‫المدى القريب‪ .‬كما إن المرفق العام يشترك في األهداف مع التنمية المستدامة باعتبار أن‬
‫كالهما يه دفان إلى تحقيق التناسق على المستوى االقتصادي واالجتماعي والترابي‪ .‬ونظرا‬
‫ألهميّة الدور الذي ستضطلع به المرافق العمومية المحلية في تحقيق التنمية المستدامة فقد‬
‫سعى المشرع ضمن مجلة الجماعات المحلية إلى منح الجماعات المحلية صالحية إعداد أمثلة‬
‫التخطيط العمراني باعتماد آلية الديمقراطية التشاركية وكذلك إعداد التراتيب المحلية‬
‫للبناء‪ . 126‬كما منحت مجلة الجماعات المحلية المجلس البلدي صالحية إحداث المرافق‬
‫لتصرف فيها مثل المرافق الصحية وكذلك المرافق التي لها عالقة بالنظافة‬
‫ّ‬ ‫العمومية البلدية وا‬

‫‪124‬‬
‫‪Ibid, p. 151 : « Le principe de précaution se distingue de la prévention en ce qu’il tend à anticiper‬‬
‫‪des risques simplement soupçonnés, comme les risques résiduels ou reportés, ou totalement inconnus,‬‬
‫‪comme les risques de développement, alors que le principe de prévention vise à empêcher les‬‬
‫‪conséquences dommageables de risques connus, dont la survenance peut faire l’objet d’un calcul de‬‬
‫‪probabilités et qui tombent pour cette raison dans le champ de l’assurance ».‬‬
‫‪ 125‬األمم المتحدة ‪ ،1993‬الفصل ‪..." : 1-28‬ألن كثيرا من المشاكل والحلول التي يعالجها جدول أعمال القرن ‪ 21‬لها‬
‫جذور في األنشطة المحلية‪ ،‬فإن مشاركة وتعاون السلطات المحلية ستكون عامال محددا في تحقيق أهدافه‪ ،‬وتقوم السلطات‬
‫المحلية بإنشاء الهيكل األساسي االقتصادي واالجتماعي والبيئي وتشغيله والمحافظة عليه‪ ،‬واإلشراف على عمليات التخطيط‪،‬‬
‫ووضع سياسات وأنظمة بيئيّة محلية‪ ،‬والمساعدة في تنفيذ سياسات بيئيّة وطنية وشبه وطنية‪ .‬وألن هذه السلطات هي المستوى‬
‫الحكومي األقرب إلى الشعب‪ ،‬فإنّها تلعب دورا حيويّا في تثقيف وتعبئة عا ّمة الشعب واالستجابة لمطالبته بتعزيز التنمية‬
‫المستدامة"‪.‬‬
‫‪ 126‬الفصل ‪ 239‬من مجلة الجماعات المحلية‪.‬‬

‫‪33‬‬
‫وحماية المحيط‪ . 127‬كما سعى المشرع إلى تعزيز التعاون بين البلديات من خالل السماح‬
‫للبلديات بإنشاء وكالة للتهيئة والتعمير على مستوى الجهة أو على مستوى عدد من الجهات‬
‫ّ‬
‫المخططات والعمليات والفضاءات العمرانيّة التي تمت ّد على ترابها‪.128‬وكذلك‬ ‫لضمان تناسق‬
‫األمر بالنسبة للجهة حيث منحت مجلة الجماعات المحلية الجهة صالحية وضع مخططات‬
‫التنمية باعتماد آلية الديمقراطية التشاركية مع مراعاة متطلبات التنمية المستدامة واالقتصاد‬
‫األخضر‪ .129‬أ ّما بالنسبة لإلقليم فقد منحه المشرع ضمن مجلة الجماعات المحليّة صالحية‬
‫وضع أمثلة التهيئة الترابية المستدامة لإلقليم وذلك بالتشاور والتعاون مع البلديات والجهات‬
‫وبالتنسيق مع السلط المركزية‪.130‬‬

‫هذه الصالحيات الممنوحة للجماعات المحلية فيما يتعلق بالتخطيط العمراني الغاية‬
‫منها الح ّد من ظاهرة البناءات الفوضوية الغير مرخص فيها وكذلك الح ّد من تآكل األراضي‬
‫الفالحية الغير معدّة للبناء وبالتالي التحكم في التوسع العمراني للمدن‪ .‬ولتحقيق هذه األهداف‬
‫سعى المشرع إلى مزيد توسيع صالحيات الجماعات المحلية من خالل منحها صالحية إعداد‬
‫في إطار احترام متطلبات التنمية المستدامة‪ .132‬هذه األهداف‬ ‫‪131‬‬
‫أمثلة التهيئة والتعمير‬
‫تقتضي من الجماعات المحلية وضع مخطط عمل وأجندات تحدّد األهداف ووسائل تحقيقها‬
‫من أجل تحقيق التنمية المستدامة على المستوى المحلي وذلك بالشراكة مع سكان الجماعة‬
‫المحلية المعنية وبالتنسيق مع مختلف المرافق العمومية المحلية من أجل وضع إستراتيجية‬
‫عمل قريبة ومتوسطة وبعيدة المدى قادرة على تحقيق تنمية مندمجة ومتناسقة في إطار‬
‫التوازن بين المتطلبات االقتصادية واالجتماعية والبيئية‪ .‬كما تقتضي كذلك تدعيم المرافق‬
‫العمومية المحلية ماديّا وبشريّا حتى تكون قادرة على مجابهة المخاطر التي قد تخل بالتنمية‬
‫المستدامة المحلية‪.‬‬

‫الفصل ‪ 240‬من مجلة الجماعات المحلية‪.‬‬ ‫‪127‬‬

‫الفصل ‪ 283‬فقرة ‪ 4‬من مجلة الجماعات المحلية‪.‬‬ ‫‪128‬‬

‫الفصل ‪ 296‬مطة أولى من مجلة الجماعات المحليّة‪.‬‬ ‫‪129‬‬

‫الفصل ‪ 358‬مطة ثانية من مجلة الجماعات المحلية‪.‬‬ ‫‪130‬‬

‫الفصول ‪ 114‬و‪ 115‬من مجلة الجماعات المحلية‪.‬‬ ‫‪131‬‬

‫الفصل ‪ 119‬فقرة ثانية من مجلة الجماعات المحلية‪.‬‬ ‫‪132‬‬

‫‪34‬‬
‫إن تحقيق أهداف التنمية المستدامة على المستوى المحلّي يقتضي توفّر موارد مالية‬
‫كافية للجماعات المحلية‪ .‬وفي هذا اإلطار تلعب الجباية المحلية دورا محوريّا في تحقيق‬
‫التنمية المستدامة المحلية‪ .‬ولتحقيق هذه الغاية الب ّد من إدخال بعض المرونة على المبادئ‬
‫وتنويع الموارد الجبائية للجماعات المحلية مع‬ ‫‪133‬‬
‫العا ّمة التي تحكم ميزانية الجماعة المحلية‬
‫الحرص على شفافية هذه الجباية وعدالتها حتى تكون ناجعة وقادرة على تحقيق متطلبات‬
‫التنمية المستدامة المحلية‪ ،‬إذ في غياب موارد جبائية كافية ال يمكن للمرافق العمومية المحلية‬
‫تحقيق األهداف المنوطة بعهدتها على المستوى االقتصادي واالجتماعي والبيئي‪ .‬فندرة‬
‫الموارد الجبائية للجماعات المحلية والتفاوت في المداخيل الجبائية بينها وإنعدامها بالنسبة‬
‫حال دون إمكانية إحداث مرافق عمومية محلية كافية‬ ‫‪135‬‬
‫وتبعيّتها للدولة‬ ‫‪134‬‬
‫للبعض اآلخر‬
‫وقادرة على تلبية الحاجيات المتزايدة لسكان الجماعات المحلية‪.‬‬

‫إن وجود مرافق عمومية محلية قادرة على خدمة متطلبات التنمية المستدامة يقتضي‬
‫من الجماعات المحلية تطوير ثقافة التقييم وإنشاء مرصد خاص بالمرافق العمومية المحلية‬
‫مهمته مراقبة عمل المرفق ترسيخا لثقافة المساءلة والمحاسبة‪ .‬كما يقتضي كذلك تخصيص‬

‫التصرف في مواردها المالية فإنّها في المقابل تخضع لرقابة محكمة‬ ‫ّ‬ ‫‪ 133‬إذا كانت الجماعات المحلية تتمتع بحرية‬
‫المحاسبات وذلك تطبيقا لمقتضيات الفصل ‪( 7‬أوال) من القانون عدد ‪ 41‬لسنة ‪ 2019‬المؤرخ في ‪ 30‬أفريل ‪ 2019‬المتعلق‬
‫التصرف المتركبة من قبل أعوان الجماعات المحلية وذلك تطبيقا‬ ‫ّ‬ ‫بمحكمة المحاسبات‪ .‬كما تتولى هذه األخيرة زجر أخطاء‬
‫لمقتضيات الفصل ‪ 111‬من القانون المذكور‪ .‬كما ّ‬
‫أن الجماعة المحليّة مطالبة بالتقيّد بالمبادئ العامة التي تحكم الميزانية‬
‫العامة للدولة مثل مبدأ التوازن بين الموارد والنفقات (الفصل ‪ 133‬فقرة أولى من مجلة الجماعات المحلية) ومبدأ وحدة‬
‫الميزانية‪ .‬هذا التقيد المطلق بالمبادئ المذكورة مع منح الوالي صالحية االعتراض على ميزانية الجماعة ال محلية (الفصل‬
‫‪ 174‬فقرة ‪ 3‬من مجلة الجماعات المحلية) من شانه أن يح ّد من الصالحيات المالية للجماعات المحلية‪ .‬حول هذه العوائق‬
‫أنظر ‪:‬‬
‫‪Lafargue (F.), La constitution et les finances locales, in Les nouveaux cahiers du conseil‬‬
‫‪constitutionnel, n°42-2014, p. 18 : « (…) les principes budgétaires applicables en matière de finances‬‬
‫‪publiques, principes d’unité, d’universalité de spécialité, d’annualité, d’équilibre et de sincérité‬‬
‫‪budgétaire, constituent un cadre bien plus contraignant pour ces collectivités. Cette rigueur s’est‬‬
‫‪accompagnée d’un contrôle spécifique aux finances locales(…) ; contrôle qui est beaucoup plus‬‬
‫‪important que le contrôle de la légalité de droit commun applicable aux autres actes des collectivités‬‬
‫» ‪territoriales‬‬
‫‪ 134‬يعزى هذا التفاوت إلى أسباب طبيعيّة اقتصادية وسياسية نتيجة استئثار البلديات الساحلية بالثروة الجبائية م ّما جعل‬
‫بعض البلديات في تبعية تامة وغير قادرة على توفير التمويل الذاتي واالقتراض‪ .‬لمزيد من التعمق أنظر ‪ :‬الصغير‬
‫الزكراوي ‪ ،‬الجباية المحلية والالمركزية في تونس‪ ،‬أطروحة دكتوراه في القانون العام‪ ،‬كلية الحقوق والعلوم السياسية‬
‫بتونس‪ 2006-2005 ،‬ص‪ 86 .‬؛ ألفة بوخاتم‪ ،‬دور الجماعات العمومية في تحقيق التنمية االقتصادية‪ ،‬دراسات قانونية‪،‬‬
‫‪ ،2011‬عدد ‪ 18‬ص‪ 173 .‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪ 135‬ويتعلق األمر هنا بضبط قاعدة األداء المحلي ومقاديره‪ ،‬إذ يخضع األداء المحلي هنا إلى نفس القواعد التي تخضع لها‬
‫أداءات الدولة وذلك تطبيقا لمقتضيات الفصل ‪ 65‬فقرة ‪ 8‬من الدستور‪.‬‬

‫‪35‬‬
‫جزءا من العائدات الماليّة للمرفق المحلي للمجال البيئي وهو ما يطلق عليه "بالميزانية‬
‫اإليكولوجيّة" وتعميم شهادة المطابقة للمواصفات في المجال البيئي على المرفق العمومي‬
‫المحلّي مثلما هو معموال به في العديد من البلدان األوروبية‪ .136‬كما يتطلب إعادة النظر في‬
‫التشاريع والعقوبات المتعلقة بحماية البيئة من خالل تشديد العقوبات الجنائية والمالية في‬
‫وجعلها متناسبة مع درجة اإلخالل بالبيئة وتدعيم هياكل الضبط اإلداري‬ ‫‪137‬‬
‫المجال البيئي‬
‫ووضع آليات قانونية تم ّكن من ّ‬
‫حث المؤسسات التي تلحق أنشطتها أضرارا بالبيئة‬ ‫‪138‬‬
‫البيئي‬
‫على تمويل مشاريع لحماية البيئة كتعويض عن األضرار التي ألحقتها بالبيئة مثلما هو‬
‫معموال به في العديد من دول العالم‪.139‬‬
‫إذا كانت التنمية المستدامة تع ّد إحدى أهم المبادئ المستحدثة التي تقوم عليها المرافق‬
‫العموميّة المحلية فإن تحقيقها يقتضي حوكمة هذه المرافق قصد إضفاء مزيد من النجاعة‬
‫على طرق عملها‪.‬‬
‫ب) مبدأ الحوكمة المفتوحة‬
‫تجدر اإلشارة في البداية إلى أن مصطلح الحوكمة ‪ gouvernance‬ال يزال منذ ظهوره‬
‫‪Un nouveau‬‬ ‫‪140‬‬
‫محل جدل فقهي‪ .‬ففي حين اعتبرها البعض "أنموذجا دوليّا جديدا"‬
‫‪ ،paradigme étatique‬ذهب البعض اآلخر إلى اعتبار الحوكمة مرادفا للنجاعة وحسن‬

‫‪ 136‬لمزيد من التعمق أنظر ‪:‬‬


‫‪Bauby (P.), L’Europe des services publics : entre libéralisation, modernisation, régulation, évaluation,‬‬
‫‪Politiques et management public, n°1-2002, p. 15 et s.; Voir également son ouvrage : L’européanisation‬‬
‫‪des services publics, Presses de sciences politiques, Paris, 2011.‬‬
‫‪ 137‬وقد سعى المشرع التونسي في هذا اإلطار إلى مزيد تشديد العقوبات المالية والجنائية الناتجة عن مخالفة تراتيب حفظ‬
‫الصحة وذلك صلب الفصل ‪ 10‬مكرر و‪ 10‬ثالثا و‪ 10‬رابعا من القانون عدد ‪ 30‬لسنة ‪ 2016‬المؤرخ في ‪ 5‬أفريل ‪2016‬‬
‫(الرائد الرسمي عدد ‪ 30‬بتاريخ ‪ 12‬أفريل ‪ ،2016‬ص‪ ) 1277 .‬والمنقح والمتمم للقانون عدد ‪ 59‬لسنة ‪ 2006‬المؤرخ في‬
‫‪ 14‬أوت ‪ 2006‬والمتعلق بمخالفة تراتيب حفظ الصحّة بالمناطق الراجعة للجماعات المحلية (الرائد الرسمي عدد ‪66‬‬
‫المؤرخ في ‪ 18‬أوت ‪ ،2006‬ص‪.)2919 .‬‬
‫‪ 138‬وقع تدعيم الهياكل المنصوص عليها بقانون ‪ 14‬أوت ‪ 2006‬بهيكل جديد يس ّمى الشرطة البيئيّة وذلك بمقتضى التنقيح‬
‫المدخل على القانون المذكور في سنة ‪ ،2016‬الفصل ‪( 3‬جديد) ثانيا‪.‬‬
‫‪ 139‬تجدر اإلشارة هنا إلى أن العديد من دول العالم مثل الواليات المتحدة وبعض البلدان األوربية مثل فرنسا وقع التخلي‬
‫وحث هذه األخيرة على دفع تعويضات مالية لإلدارة‬‫ّ‬ ‫تدريجيا عن تتبع المؤسسات التي تلحق أنشطتها أضرارا بالبيئة قضائيا‬
‫تتماشى وحجم األضرار بالبيئة أو تمويل مشاريع في المجال البيئي كتعويض عن ذلك الضرر‪ .‬لمزيد من التعمق أنظر ‪:‬‬
‫‪Belrhali-Bernard (H.), Le droit de l’environnement : entre incitation et contrainte, RDP, n°6- 2009,‬‬
‫‪p.1683 et s.‬‬
‫‪140‬‬
‫‪Chevallier (J.), La gouvernance, un nouveau paradigme étatique ? RFAP, 2003, n°105-106, p. 203.‬‬

‫‪36‬‬
‫في حين‬ ‫‪141‬‬
‫التصرف وشكل جديد من أشكال الرقابة االجتماعية في عهد ما بعد الحداثة‬
‫ّ‬
‫أعتبرها البعض اآلخر "وهم دستوري"‪. utopie constitutionnelle142‬‬

‫هذا الجدل الفقهي جعل من الحوكمة مصطلح "متعدّد المعاني" ‪notion polysémique‬‬
‫واألبعاد يختلط فيه البعد السياسي بالتقني واالقتصادي‪ ،‬هذا باإلضافة إلى ظهور أشكال جديدة‬
‫من أشكال الحوكمة مثل الحوكمة الرشيدة والحوكمة المفتوحة‪ .‬وبالرجوع إلى اإلطار الذي‬
‫ظهر فيه مصطلح الحوكمة فإنّه يمكن القول بأن لهذا المصطلح بعدان ‪ :‬بعد سياسي وبعد‬
‫ديمقراطي‪ .‬والحوكمة من هذا المنظار هي عبارة عن تكريس لشكل جديد من أشكال ممارسة‬
‫السلطة داخل الدولة تقوم على تشريك المواطنين في تسيير الشأن العام على المستويين‬
‫الوطني والمحلي‪ ،‬وبالتالي تقاسم األدوار والمسؤوليات بين جميع الفاعلين داخل الدولة‬
‫(أشخاص القانون العام‪ ،‬أشخاص القانون الخاص‪ ،‬مجتمع مدني)‪.143‬‬

‫تطورا في السنوات األخيرة تحت تأثير المؤسسات‬


‫ّ‬ ‫غير ّ‬
‫أن مفهوم الحوكمة عرف‬
‫(صندوق النقد الدولي‪ ،‬البنك الدولي) التي أصبحت تتحدث عن الحوكمة‬ ‫‪144‬‬
‫الماليّة الدوليّة‬
‫الرشيدة‪ Bonne gouvernance‬كبديل لسوء الحوكمة التي ميّزت الدول التي هي في طور‬
‫التصرف‬
‫ّ‬ ‫النمو‪ .145‬والحوكمة الرشيدة من هذا المنظار أصبحت دليال على النجاعة وحسن‬
‫‪141‬‬
‫‪Dufour (D.R.), La gouvernance comme nouvelle forme de contrôle social, Connexions, 2009-1,‬‬
‫‪n°91, p. 41 et s.‬‬
‫‪142‬‬
‫‪Vergely (D.), L’équilibre des pouvoirs : une utopie constitutionnelle, R.D.P., 2009, n°5, p.1451 et s.‬‬
‫‪ 143‬ويستشف ذلك من خالل الرجوع إلى بعض التجارب المقارنة في دول أوروبا وأمريكا الالّتينية من خالل تكريس مبدأي‬
‫ي‪ ،‬لمزيد من التع ّمق أنظر ‪:‬‬
‫المشاركة والتسيير الذاتي على المستوى المحل ّ‬
‫‪Cabanis (A.) et Louis Martin (M.), La gouvernance : conception nouvelle de l’Etat et des institutions‬‬
‫‪publiques, in Gouvernance et institutions publiques, Colloque du 5, 6 et 7 avril 2007, FSJPST, sous la‬‬
‫; ‪direction de M’rad(H.), Presses de l’université des sciences sociales de Toulouse, 2008, p. 13 et s‬‬
‫‪Kourda (Z.), Gouvernance et bonne gouvernance, in Constitution et gouvernance, (sous la direction de‬‬
‫‪Ahmed Essousi), éditions Latrach, Tunis 2012, p. 23.‬‬
‫لمزيد من التعمق أنظر ‪:‬‬ ‫‪144‬‬

‫; ‪Essoussi (A.), Présentation des actes du colloque portant constitution et gouvernance, op. cit., p. 9‬‬
‫‪Ogien (A.), La gouvernance, ou le mépris du politique, Cités 2007-4, n°32, p. 137 et s.‬‬
‫‪ 145‬هذه األهمية التي تكتسيها الحوكمة دفعت بالمشرع التأسيسي إلى بعث هيئة دستوريّة ضمن الفصل ‪ 130‬من الدستور‬
‫تس ّمى "هيئة الحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد" والتي تتمثل مهمتها في ترسيخ الشفافية ونشر ثقافة النزاهة والمساءلة ورصد‬
‫حاالت الفساد في القطاعين العام والخاص‪ .‬وقد وقع تنظيم الهيئة المذكورة بمقتضى القانون األساسي عدد ‪ 59‬لسنة ‪2017‬‬
‫المؤرخ في ‪ 24‬أوت ‪( 2017‬الرائد الرسمي عدد ‪ 71-70‬بتاريخ ‪ 5-1‬سبتمبر ‪ ، 2017‬ص‪ )2878 .‬وقد منح القانون‬
‫المذكور الهيئة صالحيّاتا واسعة فيما يتعلق بمكافحة الفساد من خالل رصد حاالت الفساد المتعلقة باألشخاص المعنوية‬
‫والمادية الع مومية وإحالتها على الجهات اإلدارية والقضائية‪ .‬كما تستشار الهيئة وجوبا في مشاريع القوانين المتصلة بمجال‬
‫اختصاصها سيما تلك المتعلقة بالوقاية من الفساد ومكافحته‪ .‬أنظر الفصول من ‪ 5‬إلى ‪ 31‬من القانون المذكور‪.‬‬

‫‪37‬‬
‫في االموال العمومية والشفافية من خالل تمكين المواطن من النفاذ الى المعلومة والحصول‬
‫عليها وحرية المبادرة الخاصة في إطار دولة يحكمها اقتصاد السّوق وقائمة على مبادئ‬
‫الديمقراطية واحترام القانون وشفافية االنتخابات واحترام حقوق اإلنسان والمساءلة‬
‫والمحاسبة والسلم اإلجتماعي‪ .146‬وبذلك تلتقي الحوكمة الرشيدة مع الحوكمة من حيث أن‬
‫كليهما يقوم على مقاربة تشاركيّة في إدارة الشأن العام الوطني والمحلي‪.‬‬

‫أ ّما فيما يتعلق بالحوكمة المفتوحة ‪ gouvernance ouverte‬فإن هذا المصطلح عادة ما‬
‫يستعمل على المستوى العملي للداللة على كل مبادرة تهدف إلى نشر وثائق ومعلومات تهم‬
‫عمل الدولة‪ .‬ومن هذا الجانب فإن الحوكمة المفتوحة تعني االعتماد على التقنيات الحديثة من‬
‫أجل الحصول على المعلومة‪ .‬ولكن الحوكمة المفتوحة ال تعني فقط وضع معلومات على ذ ّمة‬
‫مجرد متلقي للخبر‪ ،‬وإنما تتجاوز ذلك إلى خلق إطار من‬
‫ّ‬ ‫العموم‪ ،‬حيث يكون المواطن هنا‬
‫الشفافيّة يسمح لكل مواطن‪ ،‬ليس فقط من الحصول على المعلومة وإنّما أيضا من النفاذ إلى‬
‫هياكل إتخاذ القرار قصد ممارسة سلطة الرقابة والتأثير‪ .147‬وعلى هذا األساس فإن الحوكمة‬
‫تتكون من عنصرين أساسيين ‪ :‬الوضوح ووسائل التعبير‪ .148‬فالمواطنون في حاجة‬
‫المفتوحة ّ‬
‫لمعلومات من أجل معرفة ما يحدث داخل الدولة كما يحتاجون إلى المشاركة من أجل إبداء‬
‫رأيهم في خصوص هذه المسائل من خالل معرفتهم بمراحل إتخاذ القرارات الحكوميّة‪.‬‬

‫انطالقا م ّما تقدّم يمكن القول بأن اإلنفتاح يتمثل في تمكين الدولة المواطنين من سلطة‬
‫المراقبة والتأثير في مراحل العمل الحكومي من خالل إتاحة اإلمكانية لهم من النفاذ إلى‬
‫المعلومة وإلى سلطة اتخاذ القرار‪.‬‬

‫‪146‬‬
‫‪Banque Mondiale, Governance : The World Bank Experience ,Washington 1993, p. 12 :selon la‬‬
‫‪Banque Mondiale , la bonne gouvernance exige « l’instauration d’un Etat de droit qui garantisse la‬‬
‫‪sécurité des citoyens et le respect des lois ,la bonne administration qui exige une gestion correcte et‬‬
‫‪équitable des dépenses publiques , la responsabilité et l’imputabilité qui imposent que les dirigeants‬‬
‫‪rendent compte de leurs actions devant la population et , enfin , la transparence qui permet à chaque‬‬
‫‪citoyen de disposer et d’accéder à l’information ». Pour une étude d’ensemble voir : Mockle (D.), La‬‬
‫‪gouvernance, le droit et l’Etat, Bruylant, Bruxelles, 2007, p. 3 et s.‬‬
‫‪147‬‬
‫‪Meijer (A.), Curtin (D.) et Hillebrandt (M.), La gouvernance ouverte : relier visibilité et moyens‬‬
‫‪d’expression, RISA, 2012-1, vol. 78, pp. 13-14.‬‬
‫‪148‬‬
‫‪Curtin (D.) et Mendes (J.), Transparence et participation : des principes démocratiques pour‬‬
‫‪l’administration de l’union européenne, RFAP, 2011, 1-2, n°137-138, p. 101 et s.‬‬

‫‪38‬‬
‫فيما يتعلق بالمستوى المحلّي يمكن القول بأن الحوكمة المفتوحة تتمثل في قيام‬
‫مكونات المجتمع المدني الناشطة‬
‫الجماعات المحلية بإشراك سكان الجماعة المحلية وكذلك ّ‬
‫داخل الحدود الترابية للجماعة المحليّة في تحديد الحاجات واألولويات التنموية والخدماتية‬
‫والمرفقيّة سواء عبر اللقاءات الدوريّة مع ممثليهم أو عن طريق تشكيل لجان للمتابعة‬
‫واإلشراف أو عن طريق استبيان سكان الجماعة حول مسألة تهم الشأن المحلّي مع ضمان‬
‫ي‪.‬‬
‫الشفافية في نشر المعلومة والحق في النفاذ إلى هياكل إتخاذ القرار على المستوى المحل ّ‬
‫في هذا اإلطار صدر األمر الحكومي عدد ‪ 401‬لسنة ‪ 2019‬بتاريخ ‪ 6‬ماي ‪ 2019‬والمتعلق‬
‫بضبط شروط وإجراءات إعمال آليات الديمقراطية التشاركية المنصوص عليها بالفصل ‪30‬‬
‫والذي يهدف إلى إعمال آليات الديمقراطية التشاركية وذلك‬ ‫‪149‬‬
‫من مجلة الجماعات المحليّة‬
‫ي‬
‫ومكونات المجتمع المدني المعنية بالشأن المحل ّ‬
‫ّ‬ ‫من خالل تسجيل آراء المتساكنين‬
‫واإلجابات عنها بمنظومة إلكترونية قصد إطالع المكونات المذكورة عليها‪ .150‬كما منح‬
‫األمر المذكور اللجنة المكلفة بالديمقراطية التشاركيّة والحوكمة المفتوحة التابعة لمجلس‬
‫الجماعات المحلية صالحياتا واسعة فيما يتعلق بمتابعة أعمال المكتب المكلف بمسك سجل‬
‫آراء وتساؤالت المتساكنين والمجتمع المدني واإلجابات عنها وإعداد تقارير حول سير‬
‫كونات المجتمع المدني‬
‫عمله‪ .151‬كما منحها األمر المذكور صالحية دعوة المتساكنين وم ّ‬
‫المسجلة للحضور بمقر الجماعة المحلية المعنية وذلك قصد المتابعة‪ .152‬أ ّما فيما يتعلق‬
‫بالمرفق العام المحلي ّ‬
‫فإن الحوكمة المفتوحة تتمثل في تشريك سكان الجماعة المحلية في‬
‫ي عن طريق إحداث لجان تشمل إلى جانب أعضاء‬
‫متابعة سير عمل المرفق العام المحل ّ‬
‫أو عن طريق استبيان مستعملي‬ ‫‪153‬‬
‫المجالس المحلية ممثلين عن المجتمع المدني المحلي‬

‫‪ 149‬أمر حكومي عدد ‪ 401‬لسنة ‪ 2019‬مؤرخ في ‪ 6‬ماي ‪ ،2019‬الرائد الرسمي عدد ‪ 39‬بتاريخ ‪ 14‬ماي ‪،2019‬‬
‫ص‪.1517 .‬‬
‫األول‪ ،‬فقرة أولى من أمر ‪ 6‬ماي ‪.2019‬‬‫‪ 150‬أنظر الفصل ّ‬
‫‪ 151‬الفصل ‪ 14‬فقرة أولى من أمر ‪ 6‬ماي ‪2019‬‬
‫‪ 152‬أنظر الفصل ‪ 13‬فقرة ثانية من أمر ‪ 6‬ماي ‪.2019‬‬
‫‪ 153‬أنظر الفصل ‪ 78‬فقرة أولى من مجلة الجماعات المحليّة‪.‬‬

‫‪39‬‬
‫مع ضمان حق سكان الجماعة‬ ‫‪154‬‬
‫التصرف فيه‬
‫ّ‬ ‫ي حول طرق سيره وطرق‬
‫المرفق المحل ّ‬
‫تخص المرفق العمومي المحلّي‪.‬‬
‫ّ‬ ‫المحلية في النفاذ إلى المعلومة التي‬

‫هذه اآلليات التي كرستها مجلة الجماعات المحلية ال تخلوا من بعض العوائق‬
‫والسلبيات‪ .‬ففيما يتعلق بمشاركة سكان الجماعة المحلية ومنظمات المجتمع المدني في مراقبة‬
‫سير المرفق العام المحلي ّ‬
‫فإن هذا الشكل من أشكال الديمقراطية التشاركية ال يخلو من بعض‬
‫السلبيات إذ يمكن أن يؤدّي إختالف التوجهات السياسية بين المتداخلين في مراقبة تسيير‬
‫المرفق العام المحلي إلى صراع بين هؤالء بما أنّه يمكن أن تتأسس آراء المشاركين على‬
‫وهو ما قد يؤدّي‬ ‫‪155‬‬
‫اعتبارات فئوية شخصية ال موضوعية وذلك خدمة لطرف سياسي معيّن‬
‫إلى خلق نوع من الشعبويّة السياسية‪ .‬فتكريس الديمقراطية التشاركيّة فيما يتعلق بتسيير‬
‫ي ال يمكن أن تكون ناجعة إال في ظل وجود مجتمع مدني مستقل‪ ،‬فاعل‬
‫المرفق العام المحل ّ‬
‫ومؤثر وقادر على ممارسة دوره بكل حيادية عن األحزاب السياسية‪ .‬غير إن ما يمكن‬
‫مالحظته في تونس اليوم هو أن العديد من منظمات المجتمع المدني في تبعيّة مالية لبعض‬
‫األحزاب السياسية‪ ،‬بل إن البعض منها ليس إالّ امتدادا لبعض األحزاب التي تعمد إلى تكوين‬
‫جمعيات لدعم برامجها اإلجتماعية من أجل تحقيق اإلستقطاب السياسي‪ .‬هذا باإلضافة إلى‬
‫عزوف المواطنين عن المشاركة في الشأن المحلي نتيجة غياب مناخ الثقة بين المواطن‬
‫والمسؤول‪ .156‬هذه السلبيات ال يمكن أن تحجب مزايا تكريس مبدأ المشاركة في تسيير‬
‫المرفق العمومي المحلي ‪ ،‬إذ أن هذه المشاركة من شأنها أن تؤدّي إلى إعادة صياغة أولويات‬
‫ومكونات المجتمع‬
‫ّ‬ ‫ي كما يراها سكان الجماعات المحليّة المعنية‬
‫المرفق العمومي المحل ّ‬

‫‪ 154‬أنظر الفصل ‪ 78‬فقرة ثالثة من مجلة الجماعات المحلية‪.‬‬


‫‪ 155‬سعاد بلحاج علي ‪ ،‬منظمات المجتمع المدني والديمقراطية المحلية التشاركية‪ ،‬القانون والسياسية‪ ،‬المجلة التونسية‬
‫للدراسات القانونية والسياسية(بدون تاريخ)‪ ،‬كلية الحقوق والعلوم السياسية بسوسة‪ ،‬ص‪ .74 .‬أنظر كذلك ‪:‬‬
‫‪Blame (R.), L’association dans la promotion du pouvoir municipal, in A. Mabileau et C. Sorbets (sous‬‬
‫‪la direction de.), Gouverner les villes moyennes, Pedone, collection « vie locale », 1989, pp. 81-107.‬‬
‫‪156‬‬
‫‪Pour une étude d’ensemble voir, Tarchouna (L.), « La place de la décentralisation dans un‬‬
‫‪processus démocratique, in Démocratie et administration, Actes du colloque organisé à Tunis les 10 et‬‬
‫‪11 octobre 2011, Editions Latrach, Tunis 2014, p. 15 et S. ; Aouij M’rad (A.), Etat de droit, démocratie‬‬
‫‪et administration, in Démocratie et administration, op. cit., p. 3 et s.‬‬

‫‪40‬‬
‫ي م ّما يساهم في تحديد األولويات الحقيقية للمرفق المحلّي حسب حاجيات سكان‬
ّ ‫المدني المحل‬
.‫الجماعة المحلية القصيرة والطويلة األمد‬

‫إن تكريس مبدأ الحوكمة المفتوحة كإحدى أهم المبادئ المستحدثة التي تحكم تسيير‬
‫ي وعلى الرغم من تعدد مزاياه فإنّه يبدو غير كاف لتحقيق األهداف‬
ّ ‫المرفق العمومي المحل‬
.‫المرجوة منه لذلك وقع تدعيمه بمبدأ آخر والمتمثل في مبدأ الشفافية‬
ّ
‫ج) مبدأ الشفافية‬

ّ ‫تجدر اإلشارة في البداية إلى‬


‫ إن‬،‫أن أغلب المبادئ المستحدثة لسير المرافق العمومية‬
‫هذا‬، ‫ تفتقر إلى تعاريف فقهيّة وقانونيّة وذلك نتيجة التداخل بين هذه المبادئ‬،‫لم نقل كلها‬
ّ ‫باإلضافة إلى‬
‫أن البعض له عالقة بثقافة المؤسسة وبإقتصاد السّوق المبني على المنافسة‬
.‫وشفافية المعامالت االقتصادية بين الفاعلين االقتصاديين‬

ّ ‫في تونس وعلى الرغم من‬


‫أن العديد من النصوص القانونية السابقة لمجلة الجماعات‬
ّ ،157‫تنص على مبدأ الشفافية‬
‫فإن هذه النصوص شأنها شأن المجلة المذكورة لم تقم‬ ّ ‫المحليّة‬
‫ ويعود سكوت النصوص القانونية على تعريف الشفافية إلى صعوبة تعريف هذا‬.‫بتعريفها‬
‫وتعدد مجاالت استعماله وتداخلها مع بعض المصطلحات األخرى مثل الجودة‬ 158
‫المصطلح‬
‫والفقهيّة المقترحة لمصطلح الشفافية‬ 159
‫ لذلك فإن أغلب التعريفات الفقه قضائية‬.‫والنجاعة‬

‫ المتعلق بعقود‬2015 ‫ نوفمبر‬27 ‫ المؤرخ في‬2015 ‫ لسنة‬49 ‫ من القانون عدد‬5 ‫ أنظر على سبيل المثال الفصل‬157
‫ مارس‬13 ‫ الصادر في‬2014 ‫ لسنة‬1039 ‫ من األمر عدد‬6 ‫الشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص وكذلك الفصل‬
.‫ المتعلق بالصفقات العموميّة‬2014
158
Cette difficulté à définir la transparence a été soulevée par plusieurs auteurs dont notamment
F.Delpérée en écrivant : « La transparence s’inscrit aujourd’hui dans le vocabulaire usuel des
gouvernements et des administrations, à quelques échelles et sous quelques latitudes que ce soit. Elle
est, dit-on, l’un des piliers de la bonne gouvernance et de la bonne administration. A-t-elle pour autant
un contenu précis ? Est-elle transparente ? Ou n’est-elle, selon le mot de Corneille, que l’ « obscure
clarté qui tombe des étoiles» ? », Le droit constitutionnel et la transparence, in L’accès aux documents
administratifs (David Renders dir.), Bruylant, Bruxelles, 2008, p. 14 ; Voir également Clamour (G.),
La transparence et le service public : vade-mecum, Recueil Dalloz, 2007, p. 2617 et s.
159
Pour le conseil d’Etat français, la transparence de l’action publique et administrative recouvre des
préoccupations diversifiées : en premier lieu, la volonté d’informer les usagers et les partenaires de
l’administration sur les mesures leur faisant directement grief, leur portée et leur justification, ainsi que,
d’une manière plus générale, sur le cours de son activité : mais aussi, en second lieu, le souci d’éviter
que l’opacité des circuits de décision ne nourrisse différentes catégories de soupçons : soupçon de
favorisme, de corruption, d’arbitraire. (La transparence et le secret, Rapport 1995 du conseil d’Etat,
EDCE 1996, n°47, p. 33).

41
‫مكوناتها وتمظهراتها دون‬
‫تعرف هذه األخيرة تعريفا عضويّا يقتصر على تعداد ّ‬
‫اإلدارية ّ‬
‫يعرف بعض الفقهاء‬
‫إعطاء تعريف مادي ودقيق للمصطلح المذكور‪ .‬وفي هذا اإلطار ّ‬
‫الشفافية اإلداريّة بأنّها "خاصية اإلدارة التي تسمح للعموم بمعرفة طريقة عملها والحصول‬
‫على المعلومات والوثائق والتوضيحات وبكل بساطة إسم العون المكلّف بمتابعة ملفّه"‪.160‬‬

‫ّ‬
‫إن تكريس الشفافية صلب النصوص القانونية والترتيبيّة وكذلك من طرف فقه القضاء‬
‫جاء كنتيجة لإلصالحات الكبرى التي أدخلتها الدولة على عمل اإلدارة منذ بداية‬ ‫‪161‬‬
‫اإلداري‬
‫ووضع إطار جديد‬ ‫‪163‬‬
‫والتي تهدف إلى إعادة تأهيل اإلدارة‬ ‫‪162‬‬
‫تسعينات القرن الماضي‬
‫للعالقة بينها والمتعاملين معها‪ . 164‬وقد عرف مبدأ الشفافية تطورا في السنوات األخيرة في‬
‫صة مع صدور القانون المؤرخ في ‪ 24‬مارس ‪ 2016‬والمتعلق بالحق في النفاذ‬
‫خا ّ‬ ‫‪165‬‬
‫تونس‬

‫‪160‬‬
‫‪C’est le cas, par exemple, de la définition proposée par R. Rouquette dans son dictionnaire du droit‬‬
‫‪administratif. Pour cet auteur, la transparence administrative est « la qualité d’une administration dont‬‬
‫‪le public peut savoir comment elle fonctionne, se procurer facilement des informations, des documents,‬‬
‫‪des explications voire tout simplement connaitre le nom du fonctionnaire suivant son dossier »,‬‬
‫‪Dictionnaire du droit administratif, éditions Le Moniteur, Paris 2002, p. 804.‬‬
‫‪ 161‬أنظر على سبيل المثال ‪ :‬المحكمة اإلداريّة‪ ،‬إذن إستعجالي عدد ‪ 71697‬بتاريخ ‪ 3‬ماي ‪ ،2006‬علي‪/‬وزير العدل‬
‫وحقوق اإلنسان‪ ،‬المجموعة‪ ،‬ص‪" : 468 .‬وحيث على ضوء ما سبق يغدو اإلذن بتسليم الوثيقة المشار إليها أعاله متأكدا‬
‫ومجديا‪ ،‬فضال عن أنّه ينسجم مع مبدأ شفافية العمل اإلداري وكذلك قاعدة تقريب اإلدارة من منظوريها وأعوانها‪ ،‬ولعل‬
‫صه"‪.‬‬‫ّأول مدخل لهذا التقارب هو تمكين المواطن في أسرع األوقات وبأيسر الوسائل من جميع الوثائق التي تخ ّ‬
‫‪162‬‬
‫‪Aouij M’rad(A.), Transparence et marchés publics, in Les nouveautés du droit des marchés‬‬
‫‪publics, Actes de la journée d’étude organisée le 3 avril 2003, Faculté de droit et des sciences politiques‬‬
‫‪de Tunis, p. 36 ; Voir également Tahar (N.), Les principes du service public : permanence et évolution,‬‬
‫‪in Le service public aujourd’hui, op. cit., p. 65.‬‬
‫‪ 163‬أمر عدد ‪ 49‬لسنة ‪ 1996‬المؤرخ في ‪ 16‬جانفي ‪ 1996‬والمتعلق بضبط محتوى مخططات تأهيل اإلدارة وطريقة‬
‫إعدادها وإنجازها ومتابعتها‪ ،‬الرائد الرسمي عدد ‪ 7‬بتاريخ ‪ 23‬جانفي ‪ ،1996‬ص‪.221 .‬‬
‫‪ 164‬أمر عدد ‪ 982‬لسنة ‪ 1993‬المؤرخ في ‪ 3‬ماي ‪ 1993‬والمتعلق بضبط اإلطار العام للعالقة بين اإلدارة والمتعاملين‬
‫معها (الرائد الرسمي عدد ‪ 36‬بتاريخ ‪ 14‬ماي ‪ ،1993‬ص‪ .) 651 .‬وقد أصبحت الجماعات المحلية بمقتضى التنقيح‬
‫المدخل على األمر المذكور بتاريخ ‪ 21‬ماي ‪( 2007‬أمر عدد ‪ 1259‬لسنة ‪ 2007‬مؤرخ في ‪ 21‬ماي ‪ ،2007‬الرائد‬
‫الرسمي عدد ‪ 43‬بتاريخ ‪ 29‬ماي ‪ ،2007‬ص‪ ) 1819 .‬مطالبة بتكريس الشفافية مع المتعاملين معها‪ .‬أنظر الفصلين ‪7‬‬
‫(جديد) و‪( 8‬جديد) من األمر المذكور‪.‬‬
‫‪ 165‬تجدر اإلشارة هنا إلى أن الفصل ‪ 15‬من الدستور يعتبر الشفافية قاعدة ذات قيمة دستورية وليست مبدأ من المبادئ‬
‫الدستورية التي تحكم عمل اإلدارة‪ .‬وهو ما يجعل من الشفافية عبارة عن غاية تهدف إلى تحقيقها المرافق العموميّة دون أن‬
‫كرسه المجلس الدستوري الفرنسي حيث إعتبر في‬ ‫ترتقي إلى مرتبة اإلستمراريّة والمساواة والتأقلم‪ ،‬وهو نفس التمشي الذي ّ‬
‫قراره المؤرخ في ‪ 21‬جانفي ‪ ( Urbanisme et construction, Décision n°93-335, Rec. p. 40.)1994‬أن الشفافية‬
‫ليست مبدأ من المبادئ العا ّمة ذات القيمة الدستوريّة‪.‬‬

‫‪42‬‬
‫حيث أصبح هذا األخير مبدأ من المبادئ القانونية التي تحكم سير المرافق‬ ‫‪166‬‬
‫إلى المعلومة‬
‫العمومية الوطنية والمحليّة‪.167‬‬

‫بالنسبة للمرافق العموميّة المحليّة سعى المشرع ضمن مجلة الجماعات المحليّة إلى‬
‫تكريس مبدأ الشفافية وذلك عن طريق وضع مجموعة من اآلليات التي تمكن من إضفاء‬
‫الشفافية على تسيير المرفق وطرق عمله‪.‬‬

‫كرسها المشرع ضمن مجلة الجماعات المحلية تلك المنصوص‬


‫ومن أه ّم اآلليات التي ّ‬
‫عليها بالفصل ‪ 76‬من المجلة المذكورة وذلك من خالل تكريس حق النفاذ إلى المعلومة‬
‫بالنسبة لسكان الجماعة المحليّة في كل ما يه ّم طرق تسيير المرفق وإلزام الجماعات المحلية‬
‫ي‪ ،‬هذا باإلضافة إلى إعداد تقاريرا عن‬
‫بنشر كل الوثائق التي تهم عمل المرفق العام المحل ّ‬
‫سير المرفق تنشر بالموقع اإللكتروني للجماعة المعنية‪ .‬هذه اآلليات وقع تكريسها كذلك‬
‫ضمن أمر ‪ 6‬ماي ‪ 2019‬المتعلق بضبط شروط وإجراءات إعمال آليات الديمقراطية‬
‫التشاركية المنصوص عليها بالفصل ‪ 30‬من مجلة الجماعات المحليّة وذلك من خالل إلزام‬
‫ومكونات المجتمع المدني المسجلة لديها سجال‬
‫ّ‬ ‫الجماعة المحليّة بأن تضع على ذمة متساكنيها‬
‫يخص تسيير المرافق‬
‫ّ‬ ‫تدون به آراءهم وتساؤالتهم واإلجابات عنها وذلك فيما‬
‫إلكترونيا ّ‬
‫العمومية الراجعة للجماعة المحليّة بالنظر وكل ما يتعلق بطبيعة وجودة الخدمات المسداة من‬
‫باعتبارها وسيلة إعالم وإشهار‬ ‫‪169‬‬
‫طرف هذه المرافق‪ .168‬وتعتبر تقنية النشر ضمانة أساسيّة‬
‫تم ّكن سكان الجماعة المحلية من االحتجاج بتلك الوثائق لدى هياكل الجماعة المحليّة المعنيّة‪.‬‬
‫وفي هذا اإلطار صدر األمر عدد ‪ 1060‬لسنة ‪ 2018‬المؤرخ في ‪ 17‬ديسمبر ‪2018‬‬

‫‪ 166‬قانون أساسي عدد ‪ 22‬لسنة ‪ 2016‬المؤرخ في ‪ 24‬مارس ‪ 2016‬والمتعلق بالحق في النفاذ إلى المعلومة‪ ،‬الرائد‬
‫الرسمي عدد ‪ 26‬بتاريخ ‪ 29‬مارس ‪ ،2016‬ص‪.1029 .‬‬
‫‪ 167‬الفصل األ ّول مطة ‪ 2‬والفصل ‪ 2‬مطة ‪ 7‬و ‪ 8‬من قانون ‪ 24‬مارس ‪ 2016‬والمتعلق بالحق في النفاذ إلى المعلومة‪.‬‬
‫األول من أمر ‪ 6‬ماي ‪.2019‬‬
‫‪ 168‬أنظر الفصل ‪ ،11‬القسم ّ‬
‫‪169‬‬
‫‪C’est ainsi que le conseil d’Etat français a considéré que « la mise à disposition et la diffusion de‬‬
‫‪textes, décisions et documents juridiques dans les conditions adaptées à l’état des techniques,‬‬
‫‪s’appliquant sans exclusive ni distinction, à l’ensemble des textes, décisions et documents et répondant‬‬
‫‪aux exigences d’égalité d’accès, de neutralité et d’objectivité constitue par nature une mission de‬‬
‫‪service public au bon accomplissement de laquelle il appartient à l’Etat de veiller », CE, 17 décembre‬‬
‫‪1997, Ordre des avocats à la Cour d’appel de Paris, AJDA 1998, p. 363.‬‬

‫‪43‬‬
‫والذي يلزم‬ ‫‪170‬‬
‫والمتعلق بضبط صيغ وإجراءات النشر بالجريدة الرسميّة للجماعات المحليّة‬
‫الجماعات المحلية بنشر جميع التقارير والوثائق والمداوالت والقرارات الترتيبيّة بالجريدة‬
‫مع تعليق نسخ من تلك القرارات والمداوالت بمقرات الدوائر‬ ‫‪171‬‬
‫الرسميّة لتلك الجماعة‬
‫قصد تمكين س ّكان الجماعة المحلية من اإلطالع عليها‪ .‬كما إن الجماعة المحليّة‪،‬‬ ‫‪172‬‬
‫البلدية‬
‫وفي إطار تكريس الشفافية‪ ،‬أصبحت مطالبة بأن تض ّمن بالسجل اإللكتروني الموضوع على‬
‫ذمة المتساكنين والمجتمع المدني اآلراء المتعلقة بمشاريع القرارات الصادرة عنها والمنشورة‬
‫بموقعها االلكتروني والمعلقة بمقراتها وذلك قبل عرضها على مداوالت المجلس البلدي‪.173‬‬
‫كل هذه اإلجراءات تهدف إلى إضفاء مزيدا من الشفافية على عمل المرفق العمومي المحلي‬
‫حيث ظلت المرافق العموميّة لسنين طويلة بمثابة الصندوق المغلق الخارج عن إطار‬
‫المساءلة والمحاسبة والذي تغلب على قراراته البطئ وعلى خدماته التعقيد‪ ».174‬هذه‬
‫االلتزامات لئن كان من شأنها تكريس مبدأ الشفافية فإنّها تبقى عديمة األثر في الوقت‬
‫الحاضر بسبب عدم قدرة البلديات على جمع ونشر المعطيات األساسيّة المتعلقة بموازينها‬
‫التقديريّة‪ ،‬وبمشاريع ومخططات استثماراتها‪ ،‬وببرامج التهيئة الترابية والتعمير‪ ،‬وبحسابات‬
‫التصرف المالي واإلداري‪.175 «...‬‬

‫مبدأ الشفافية يتجاوز إطار عالقة المرفق العمومي المحلّي بس ّكان الجماعة المحليّة بل‬
‫والذي يفرض على المرفق العمومي إعالم مستعمليه‬ ‫‪176‬‬
‫يحكم كذلك عالقة المرفق بمستعمليه‬
‫بطرق إسداء الخدمات التي يطلبونها وبشروط توفرها وبتعريفاتها وبآجال الحصول‬

‫‪ 170‬أمر حكومي عدد ‪ 1060‬لسنة ‪ 2018‬المؤرخ في ‪ 17‬ديسمبر ‪ 2018‬والمتعلق بضبط صيغ وإجراءات النشر بالجريدة‬
‫الرسمية للجماعات المحلية وبالمواقع اإللكترونية للجماعات المحلية للقرارات والوثائق ذات الصلة وتعليقها‪ ،‬الرائد الرسمي‬
‫عدد ‪ 103‬بتاريخ ‪ 25‬ديسمبر ‪ ،2018‬ص‪.5323 .‬‬
‫األول من أمر ‪ 17‬ديسمبر ‪.2018‬‬ ‫‪ 171‬الفصل ّ‬
‫‪ 172‬الفصل ‪ 6‬من أمر ‪ 17‬ديسمبر ‪.2018‬‬
‫‪ 173‬أنظر الفصل ‪ 11‬القسم الرابع من أمر ‪ 6‬ماي ‪.2019‬‬
‫‪Pour de plus amples détails voir , Jenayah (M.R.), Transparence et secret administratif dans l’action‬‬
‫‪174‬‬

‫‪publique, in Journées d’études organisées par la Faculté de droit de Sfax du 31 octobre au 3 novembre‬‬
‫‪2018 en hommage au Doyen Néji Baccouche sur « Transparence et droit », non publié.‬‬
‫رضا جنيح‪ ،‬قانون الجماعات المحليّة‪ ،‬المغاربية لطباعة وإشهار الكتاب‪ ،‬طبعة أولى ‪ ،2019‬ص‪.53 .‬‬ ‫‪175‬‬

‫الفصل ‪ 77‬فقرة ثانية من مجلة الجماعات المحلية‪.‬‬ ‫‪176‬‬

‫‪44‬‬
‫عليها‪ .177‬كما تقتضي الشفافية الحق لمستخدم المرفق في معرفة مآل مطلبه وحقه في‬
‫الحصول على اإلجابة حول مآل ذلك المطلب‪ .178‬غير أنّه في غياب آليات قانونية تجبر‬
‫اإلدارة على احترام هذه الواجبات المحمولة عليها والتقيّد بها يح ّد بصورة كبيرة من هذه‬
‫الضمانات م ّما يجعل من الر ّد على المطلب هو االستثناء والسكوت هو المبدأ‪ .‬باإلضافة إلى‬
‫تخص‬
‫ّ‬ ‫الواجبات المذكورة ّ‬
‫فإن المرفق العام مطالب في بعض الحاالت بتعليل القرارات التي‬
‫وذلك من خالل بيان األسباب القانونية والواقعية التي دفعته التخاذ ذلك القرار‪.180‬‬ ‫‪179‬‬
‫مرتفقيه‬
‫غير إن عدم وجود مبدأ عام لتعليل القرارات اإلدارية‪ ،‬باستثناء القرارات التي توجب‬
‫النصوص القانونية والترتيبيّة تعليلها وكذلك تلك الصادرة في المادة التأديبيّة‪ ،181‬من شأنه أن‬
‫يح ّد من الضمانات الممنوحة لمستخدمي المرفق في ظ ّل عدم وجود مبدأ عام لتعليل القرارات‬
‫والحريات األساسية للمتعاملين مع اإلدارة‪ .182‬هذه النقائص تقتضي‬
‫ّ‬ ‫تمس من الحقوق‬
‫ّ‬ ‫التي‬
‫والحريات المكفولة‬
‫ّ‬ ‫من المشرع ّ‬
‫سن قانون يلزم اإلدارة بتعليل قراراتها التي تمس بالحقوق‬
‫باعتبار ّ‬
‫أن التعليل فيه تدعيم لدولة القانون والتي من ضمن ما تقتضيه الشفافية‬ ‫‪183‬‬
‫بالدستور‬

‫‪ 177‬هذه الواجبات محمولة على جميع المرافق العمومية‪ ،‬أنظر الفصل ‪ 6‬فقرة ثالثة من قانون ‪ 24‬مارس ‪ 2016‬والمتعلق‬
‫بالحق في النفاذ إلى المعلومة‪.‬‬
‫‪ 178‬ينص الفصل ‪( 8‬جديد) من األمر عدد ‪ 1259‬لسنة ‪ 2007‬والمؤرخ في ‪ 21‬ماي ‪ 2007‬والمنقح لألمر عدد ‪ 982‬لسنة‬
‫‪ 1993‬المؤرخ في ‪ 3‬ماي ‪ 1993‬والمنظم للعالقة بين اإلدارة والمتعاملين معها‪ ،‬على ما يلي ‪" :‬يتعيّن على مصالح الدولة‬
‫والجماعات المحلية والمؤسسات والمنشآت العمومية الرد كتابيّا بالموافقة أو بالرفض على كل مطلب يتعلق بالحصول على‬
‫خدمة إداريّة من اختصاصها"‪ .‬كما أوجب التنقيح المدخل على األمر المذكور بمقتضى األمر عدد ‪ 1067‬لسنة ‪2018‬‬
‫المؤرخ في ‪ 25‬ديسمبر ‪( 2018‬الرائد الرسمي عدد ‪ 2‬بتاريخ ‪ 4‬جانفي ‪ ،2019‬ص‪ )5 .‬على جميع مصالح الدولة‬
‫والجماعات العموميّة التي لها عالقة مباشرة بالعموم تحسين خدماتها اإلداريّة من خالل ضبط جملة من التزامات الجودة‬
‫تتعهد بتنفيذها ويتم تضمينها بوثيقة يطلق عليها اسم "ميثاق المواطن" تنشر لفائدة العموم‪ ،‬الفصل ‪( 11‬مكرر)‪.‬‬
‫‪ 179‬أنظر الفصل ‪ 10‬من أمر ‪ 3‬ماي ‪.1993‬‬
‫‪180‬‬
‫‪« Par motivation, il faut entendre tout à la fois l’énoncé des bases textuelles de l’acte et l’indication‬‬
‫‪des circonstances de fait qui ont conduit l’autorité administrative à agir, donc les motifs de droit et les‬‬
‫‪motifs de fait », Sur (S.), Sur l’obligation de motiver formellement les actes administratifs, AJDA,‬‬
‫‪1974, p. 349.‬‬
‫‪ 181‬أنظر على سبيل المثال ‪ :‬المحكمة اإلدارية‪ ،‬قضية عدد ‪ 128713‬بتاريخ ‪ 13‬جوان ‪ ،2014‬رازقي‪/‬رئيس الحكومة‬
‫ووزير العدل‪ ،‬غير منشورة ‪" :‬وحيث درج فقه قضاء هذه المحكمة على إن اإلدارة ال تكون ملزمة بتعليل قراراتها إال إذا‬
‫اقتضت النصوص التشريعيّة والترتيبيّة ذلك صراحة أو إذا كان التعليل من مستلزمات حق الدفاع وال يمكن بدونه أن‬
‫يمارس هذا الحق الذي يشكل مبدأ عاما للقانون"‪.‬‬
‫‪182‬‬
‫‪Belhaj Rhouma (A.), La motivation des décisions administratives, Thèse pour le doctorat en droit‬‬
‫‪public, Faculté de droit et des sciences politiques de Tunis, 2014-2015, p. 299.‬‬
‫‪183‬‬
‫‪« En Allemagne, la Cour constitutionnelle fédérale exige que les décisions administratives soient‬‬
‫‪motivées dès lors que les droits des citoyens ont été lésés… », Eisenberg (E.), L’audition du citoyen et‬‬
‫‪motivation des décisions administratives individuelles, L’Harmattan, 2000, p. 91 et s.‬‬

‫‪45‬‬
‫وذلك تماشيا مع ما دأب عليه القاضي اإلداري الذي يلزم اإلدارة‬ ‫‪184‬‬
‫في العمل اإلداري‬
‫بتعليل قراراتها التي تمس من الحقوق األساسيّة للمستهدفين بها‪ .185‬يضاف إلى هذه العوائق‪،‬‬
‫عوائق أخرى ناتجة عن تضخم النصوص القانونية وخاصة تلك المتعلقة بتطبيق قانون‬
‫الجماعات المحلية‪ ،‬إذ أن تعدد األوامر الصادرة تنفيذا لمجلة الجماعات المحلية ومناشيرها‬
‫التفسيريّة وتشتت هذه النصوص وعدم تقنينها تشكل عائقا أمام معرفة تلك النصوص وهو ما‬
‫يتعارض مع مبدأ األمن القانوني والثقة في التشريع الذي يقتضي وضوح النصوص القانونية‬
‫والترتيبية التي تستند إليها اإلدارة في عملها‪ .186‬يضاف إلى هذه العوائق عائقا آخر متأتي من‬
‫التكريس القانوني لحق النفاذ إلى المعلومة في كل ما يخص تسيير المرفق العمومي المحلّي‪.‬‬
‫إذ أن ما يمكن مالحظته في هذا اإلطار هو عدم اإلستجابة التلقائية من طرف الجماعة‬
‫وبالتالي تمكين صاحب المطلب من المعلومات‬ ‫‪187‬‬
‫المحلية المعنية لمطلب النفاذ إلى المعلومة‬
‫ومكونات المجتمع‬
‫ّ‬ ‫التي يريد الحصول عليها قد يؤدي إلى تخلي سكان الجماعة المحلية‬
‫المدني المحلّي عن ممارسة حقهم في النفاذ إلى المعلومة باعتبار أن رفض الجماعة تمكينهم‬
‫من الحصول على المعلومات المطلوبة يفتح مرحلة جديدة من الطعون في ذلك القرار‪ 188‬م ّما‬
‫قد يؤدي إلى عزوف صاحب المطلب عن القيام بتلك الطعون نتيجة طول اإلجراءات‬

‫‪ 184‬المحكمة اإلدارية‪ ،‬قضية عدد ‪ 19987‬بتاريخ ‪ 22‬نوفمبر ‪ 2003‬الماجري‪/‬وزير الدفاع الوطني‪ ،‬غير منشورة‪.‬‬
‫"وحيث في األخير فإن مطالبة اإلدارة بتعليل القرارات التأديبيّة تدعيم لدولة القانون المنصوص عليها بالفصل الخامس من‬
‫الدستور والتي من ضمن ما تقتضيه الشفافية في العمل اإلداري والسعي إلى تقريب اإلدارة من منظوريها وأعوانها‪ ،‬إلى‬
‫جانب تكريس مبدأ ثقة المواطن بما فيه العون العمومي في الدولة ومؤسساتها"‪.‬‬
‫‪ 185‬أنظر على سبيل المثال ‪ :‬المحكمة اإلداريّة‪ ،‬قضيّة عدد ‪ 11043‬بتاريخ ‪ 29‬مارس ‪ ،2003‬بوقدوحة‪/‬وزير المالية‪،‬‬
‫غير منشورة ‪" :‬وحيث انّه من الثابت فقها وقضاء أنّ ه متى كان التشريع الجاري به العمل ال يوجب التعليل فإن اإلدارة ال‬
‫تعد ملزمة بذلك ولم تستثن من هذه القاعدة إال القرارات التي تمس من الحقوق األساسيّة أو من حق الدفاع"‪.‬‬
‫‪ 186‬في هذا اإلطار اعتبرت المحكمة اإلدارية في قرارها عدد ‪ 128367‬بتاريخ ‪ 10‬جوان ‪( 2015‬مذكور سابقا) أن‬
‫مكونات مبدأ األمن القانوني والثقة في التشريع‪.‬‬
‫وضوح النصوص القانونية والترتيبية يعتبر إحدى ّ‬
‫‪ 187‬ويتجلّى ذلك من خالل القيام بجرد للطعون الواردة على هيئة النفاذ إلى المعلومة والمتعلقة برفض الجماعات المحلية‬
‫تمكين طالبي النفاذ من المعلومات التي يطلبونها‪ ،‬إذ منذ ‪ 1‬فيفري ‪ 2018‬تاريخ إصدار هيئة النفاذ إلى المعلومة أولى‬
‫قراراتها وإلى غاية جوان ‪ 2019‬تلقت الهيئة حوالي مائة طعن في قرارات رفض الجماعات المحلية لمطالب النفاذ إلى‬
‫المعلومة وذلك من جملة حوالي ألف ملف طعن ورد على الهيئة‪.‬‬
‫‪ 188‬في حالة رفض الهيكل المعني مطلب النفاذ إلى المعلومة فإ ّن صاحب المطلب يمكنه التظلم لدى رئيس الهيكل المعني أو‬
‫الطعن مباشرة في ذلك القرار لدى هيئة النفاذ إلى المعلومة (الفصل ‪ 29‬من قانون ‪ 24‬مارس ‪ 2016‬والمتعلق بالحق في‬
‫النفاذ إلى المعلومة) مع فتح إمكانية الطعن في قرار هيئة النفاذ إلى المعلومة إستئنافيا أمام المحكمة اإلداريّة (الفصل ‪ 31‬من‬
‫قانون ‪ 24‬مارس ‪.)2016‬‬

‫‪46‬‬
‫‪189‬‬
‫وتعقيدها‪ .‬هذا باإلضافة إلى تعدد اإلستثناءات المدخلة على مجاالت النفاذ إلى المعلومة‬
‫وغموض العديد منها ويتعلق األمر هنا خاصة بالوثائق التي تحتوي على معلومات ذات‬
‫‪190‬‬
‫سري أو أمني والتي تستوجب من المعني باألمر إثبات مصلحته في اإلطالع عليها‬
‫طابع ّ‬
‫وهو أمر في غاية الصعوبة نتيجة للسلطة التي يتمتع بها الهيكل المعني بالنفاذ إلى المعلومة‬
‫في تقدير الطابع السري لتلك الوثائق ومدى إلحاقها الضرر باألمن العام وبالدفاع الوطني‬
‫وبالعالقات الدوليّة‪ .‬هذه االستثناءات تعطي الهيكل المعني بالنفاذ الى المعلومة االمكانية‬
‫للتمسك بها‪ ،‬هذا باإلضافة إلى اإلمكانية التي منحها قانون النفاذ الى المعلومة للهيكل المذكور‬
‫للطعن في قرار هيئة النفاذ إلى المعلومة إستئنافيا لدى المحكمة اإلدارية م ّما يعطي الهيكل‬
‫المعني بالنفاذ إلى المعلومة إمكانية اللجوء آليا إلى الطعن في ذلك القرار ربحا للوقت وذلك‬
‫على حساب صاحب مطلب النفاذ‪ .‬ومما يزيد المسالة تعقيدا هو عدم وجود آليات قانونية‬
‫تجبر الهيكل المعني بالنفاذ على اإلستجابة لقرارات هيئة النفاذ إلى المعلومة ولألحكام‬
‫الصادرة عن المحكمة اإلداريّة والقاضية بتمكين صاحب مطلب النفاذ من المعلومات التي‬
‫يريد الحصول عليها‪.‬‬

‫بمختلف‬ ‫‪191‬‬
‫مبدأ الشفافية يحكم كذلك عقود تفويض المرافق العمومية المحليّة‬
‫صت الفقرة الرابعة من الفصل ‪ 85‬من مجلة الجماعات‬
‫أصنافها‪ .192‬وفي هذا اإلطار ن ّ‬

‫‪ 189‬أنظر الفصل ‪ 24‬من قانون ‪ 24‬مارس ‪ 2016‬والمتعلق بالحق في النفاذ إلى المعلومة‪.‬‬
‫‪ 190‬أنظر على سبيل المثال‪ ،‬المحكمة اإلداريّة‪ ،‬الدائرة اإلبتدائية بسوسة‪ ،‬إذن إستعجالي عدد ‪ 05300045‬بتاريخ ‪31‬‬
‫جويلية ‪ ، 2019‬غير منشور‪ .‬وقد اعتبرت الدائرة االبتدائية في هذا اإلذن "(‪ )...‬أن النفاذ إلى سائر الوثائق اإلداريّة حق‬
‫مخول لكافّة المتعاملين مع اإلدارة عند الحاجة إالّ إذا تعلق األمر بوثائق تحتوي على معلومات سريّة أو أمنيّة أو على‬ ‫ّ‬
‫تخص أشخاصا آخرين‪ ،‬وفي هذه الحالة يتعيّن على المعني باألمر إثبات مصلحته في اإلطالع عليها ومدى صلته‬ ‫ّ‬ ‫معطيات‬
‫بها"‪.‬‬
‫أن الشخص العمومي المسؤول عن المرفق العام ذو الصبغة الصناعية والتجارية يمكنه أن يقوم‬ ‫‪ 191‬تجدر اإلشارة هنا إلى ّ‬
‫بتسيير المرفق بطريقة مباشرة عن طريق وكالة مباشرة أو بطريقة شبه مباشرة عن طريق منشآت عموميّة محليّة وكذلك‬
‫بطريقة غير مباشرة عندما يقوم بتفويض استغالل المرفق للغير‪ .‬في هذا اإلطار يمكن أن يأخذ التفويض شكالن ‪ :‬التأهيل‬
‫األحادي ‪( Habilitation unilatérale‬أنظر الهامش عدد ‪ )6‬والتأهيل التعاقدي أو ما يسمى بعقود تفويض المرافق العا ّمة‬
‫‪ .Contrats de délégation de service public‬وتندرج طريقتي التأهيل األحادي والتأهيل التعاقدي في إطار ما يس ّمى‬
‫بتفويض المرفق العام ‪ . délégation de service public‬لمزيد من التع ّمق أنظر ‪:‬‬
‫‪Ubaud-Bergeron (M.), Droit des contrats administratifs, Lexis Nexis, 2015, p. 174 et s. Pour‬‬
‫; ‪l’habilitation unilatérale voir, Aouij M’rad (A.), Droit des services publics, op. cit., p. 129 et s.‬‬
‫‪Ferchichi (W.), La gestion des services publics par des personnes privées. Cas des personnes privées à‬‬
‫‪but non lucratif, in Le service public aujourd’hui, op. cit., p. 167 et s ; Brenet (F.), La délégation‬‬
‫‪unilatérale de service public, AJDA, 2013, p. 1435 et s.‬‬

‫‪47‬‬
‫المحلية على إن عقود تفويض المرافق العا ّمة المحلية تبرم وفق مبادئ المنافسة والمساواة‬

‫ولكي نكون في إطار عقد تفويض مرفق عام فال بد ّ أن يكون موضوع العقد يتعلق بتفويض كلي أو جزئي لنشاط المرفق‬
‫العام‪ ،‬وهذا يعني أنه ال يمكن الحديث عن عقد تفويض مرفق عام إال إذا كان النشاط الذي ستمنحه اإلدارة للغير يمثل مرفقا‬
‫تفوض للغير نشاطا ما دون أن يكون هذا النشاط مرفقا عاما ومثال ذلك تفويض اإلدارة‬ ‫عا ّما باعتبار أن اإلدارة يمكنها أن ّ‬
‫الغير القيام بأشغال وليس التصرف في مرفق عام‪ .‬كما إن تفويض اإلدارة لبعض أنشطتها يمكن أن يتجاوز إطار إنجاز‬
‫األشغال ومع ذلك ّ‬
‫فإن النشاط ال يدخل في إطار تفويض المرفق العام ومثال ذلك التصرف في الملك العمومي الخاص‪ .‬فعندما‬
‫تقوم اإلدارة بإبرام عقد تفوض بمقتضاه الغير التصرف في ملكها العمومي الخاص ّ‬
‫فإن ذلك العقد ال يعتبر عقد تفويض مرفق‬
‫عام (المحكمة اإلدارية قضية عدد ‪ 18806‬بتاريخ ‪ 25‬اكتوبر ‪ ،2002‬مذكورة سابقا‪TC, 10 juillet 1956, Sté des ،‬‬
‫‪Steeple-Chases de France, Rec. p. 587).‬‬
‫أ ّما العنصر اآلخر فهو المتعلق بالتفويض‪ ،‬إذ ال يعتبر عقد تفويض مرفق عام إال إذا كان هناك تفويض فعلي للغير للقيام‬
‫بنشاط مرفق عام مع تمتع صاحب التفويض ببعض الصالحيات الذاتية ولمدّة معيّنة‪ .‬وبذلك فإن عقد تفويض المرفق العام‬
‫يختلف عن الصفقات العموميّة من حيث أن عقد الصفقة العمومية يتمثل في تقديم خدمات يحتاجها الشخص العمومي مقابل‬
‫ثمن معيّن يدفع مقابل تلك الخدمة‪ ،‬في حين أنّه عندما يتعلق األمر بتفويض مرفق عام فإن المتعاقد‪ ،‬إلى جانب تحمله المخاطر‬
‫المالية للنشاط المرفقي فإنّه يقع خالصة عن طريق معاليم يدفعها مستعمل المرفق أو عن طريق مبالغ يدفعها الشخص‬
‫الحرة وعقود التسيير‪.‬‬
‫ّ‬ ‫العم ومي ومرتبطة بنتائج التصرف في المرفق موضوع عقد التفويض مثلما هو األمر بالنسبة للوكالة‬
‫لمزيد من التعمق أنظر‪:‬‬
‫‪Auby (J.B.) et Maugüe (C.), Les contrats de délégation de service public, J.C.P. n°9-1994, p. 115 et‬‬
‫‪s. ; Gaudemet (Y.), Droit administratif, 20ème édition, L.G.D.J., 2012, p. 411 et s.‬‬
‫حرة ‪ régie intéressée‬وعقود‬
‫‪ 192‬وتتمثل هذه العقود أساسا في اللزمة ‪ concession‬والتأجير ‪ affermage‬والوكالة ال ّ‬
‫التسيير ‪ .contrats de gérance‬بالنسبة للزمة فانها تعرف بانها العقد الذي يفوض بمقتضاه شخصا عموميا يسمى مانح‬
‫اللزمة ‪ ،‬لمدة محدده ‪ ،‬الى شخص عمومي او خاص يسمى صاحب اللزمة ‪ ،‬التصرف في مرفق عمومي او استعمال او‬
‫استغالل امالك او معدات او تجهيزات او استخالص معاليم راجعة للشخص العمومي بمقابل يستخلص لفائدته من‬
‫المستعملين حسب الشروط التي يضبطها عقد اللزمة ‪ .‬وتختلف اللزمة عن عقد التأجير رغم أن هذا األخير ليس إالّ شكال‬
‫ويعرف عقد التأجير بأنه العقد الذي يكلّف بمقتضاه شخص عمومي وعلى مسؤوليته شخص آخر عاما أو‬ ‫ّ‬ ‫من أشكال اللزمة‪.‬‬
‫صا باستغالل مرفق عام عن طريق المنشآت التي يوفرها الشخص العمومي المؤجّر مع دفع المستأجر لمقابل مالي للمؤجّر‬ ‫خا ّ‬
‫متأتية من المعاليم التي يدفعها المرتفقون والمتأتية من إستغالل المرفق ‪ .‬ويشترك عقد التأجير مع عقد اللزمة من حيث أن‬
‫أن عقد‬‫كليهما يقومان على تفويض ا ستغالل المرفق لشخص آخر مختلف عن الجماعة المحلية المسؤولة عن المرفق‪ .‬غير ّ‬
‫التأجير يختلف عن عقد اللزمة من حيث انه في عقد التأجير يقع توفير المنشآت والتجهيزات من طرف المؤجر وتقتصر‬
‫مهمة المستأجر على أعمال الصيانة في حين أنه في عقد اللزمة تقع مه ّمة توفير التجهيزات والمنشآت على صاحب اللزمة‪.‬‬
‫كما يختلف عقد التأجير عن عقد اللزمة من حيث أنّه في عقد التأجير يقوم المستأجر بدفع معاليم للمؤجّر وذلك قصد تمكين‬
‫المؤجر من استرجاع مبالغ التجهيزات واالستثمارات وبالتالي تقاسم األعباء في حين أنّه في عقد اللزمة ال يدفع صاحب‬
‫اللزمة معاليما لمانح اللزمة‪.‬‬
‫حرة فإنّها العقد الذي يوكل بمقتضاه شخص عمومي شخص خاص تسيير وصيانة مرفق عام لحساب الشخص‬ ‫أ ّما الوكالة ال ّ‬
‫العمومي مع دفع هذا األخير للشخص الخاص أجرا يقع تحديده انطالقا من رقم المعامالت باإلضافة إلى عالوة اإلنتاجيّة‬
‫إن الوكالة الحرة تقوم على جملة من الخصائص‬ ‫وجزءا من األرباح أو في شكل مبلغ جزافي‪ .‬وإنطالقا من هذا التعريف ف ّ‬
‫والتي يمكن تلخيصها فيما يلي ‪:‬‬
‫‪ -‬إستغالل المرفق يكون لحساب الشخص العمومي المفوض‪.‬‬
‫‪ -‬الشخص العمومي هو الذي يقوم بأشغال البناء والصيانة وتوفير التجهيزات الضرورية للمرفق‪.‬‬
‫‪ -‬مخاطر اإلستغالل يتحملها الشخص العمومي‪ ،‬لكنه وبطريقة غير مباشرة يتحمل جزءا منها ألن أجره مرتبط بنتيجة‬
‫اإلستغالل‪.‬‬
‫أما فيما يتعلق بعقد التسيير فإنه العقد الذي يفوض بمقتضاه شخص من أشخاص القانون العام شخصا من أشخاص القانون‬
‫الخاص تسيير مرفق عام لحساب الشخص العمومي مقابل عالوة سنوية يدفعها هذا األخير للمسير مع عدم تحمل الشخص‬
‫بالتصرف‬
‫ّ‬ ‫الخاص أعباء البناء والتجهيز وخسائر تسيير المرفق‪ .‬فالمسير يسير المرفق لحساب الشخص العمومي الذي يحتفظ‬
‫في المرفق في كل ما يتعلق بجوانبه التقنية واإلقتصادية والمالية مع تحمله كل المخاطر المالية الناتجة عن إستغالل المرفق‪.‬‬
‫لمزيد من التعمق حول مختلف هذه العقود أنظر ‪:‬‬
‫‪Richer (L.), Droit des contrats administratifs, op. cit., p. 520 et s. ; Douence (J.C.), Les contrats de‬‬
‫‪délégation de service public, RFDA 1993, p. 936 et s.‬‬

‫‪48‬‬
‫والشفافية والنزاهة‪ .‬وتتجلّى الشفافية أوال من خالل طرق إبرام عقود تفويض المرافق‬
‫العمومية المحلية وذلك عن طريق إتباع مجموعة من اإلجراءات التي من شأنها أن تضمن‬
‫المساواة بين جميع المترشحين للتعاقد مع الجماعة المحلية‪ .‬هذه اإلجراءات وقع التنصيص‬
‫صلة ضمن الفصلين ‪ 88‬و‪ 89‬من مجلة الجماعات المحلية‪ .‬وتعتبر تقنية‬
‫عليها بصورة مف ّ‬
‫اإلشهار من أهم ضمانات الشفافية باعتبار أنها توفّر إطارا قانونيا فعاال وناجعا لمنافسة‬
‫حقيقيّة بين جميع المترشحين للتعاقد مع الجماعة المحلية المعنيّة‪ .‬واإلشهار هو وسيلة إعالم‬
‫تم ّكن المترشحين من تقديم عروضهم وفق إجراءات مفصلة ودقيقة منصوص عليها باإلعالن‬
‫عن طلب العروض‪ .‬ويع ّد خضوع عقود تفويض المرافق العمومية المحلية إلى اإلشهار عن‬
‫وسيلة ناجعة‬ ‫‪193‬‬
‫طريق الموقع االلكتروني للجماعة المحلية وبصحيفتين يوميتين على األقل‬
‫للح ّد من الفساد في إبرام عقود الجماعات المحلية وأداة لتحقيق المنافسة الشريفة والمساواة‬
‫وتكافئ الفرص بين جميع المترشحين‪ .194‬ونشر اإلعالن عن عقود تفويض المرافق‬
‫العمومية المحلية ليس مجرد قاعدة شكلية إجرائية بحتة إذ له إرتباطا وثيقا بالقواعد الجوهريّة‬
‫واألصليّة التي تحكم طريقة إبرام عقود تفويض المرافق العمومية المحلية‪ .‬ونظرا ألهمية‬
‫اإلشهار في تحقيق المنافسة الشريفة فإن المشرع قد أحاطه ضمن مجلة الجماعات المحلية‬
‫بجملة من التنصيصات الوجوبيّة التي يجب تضمينها في اإلعالن عن طلب العروض‬
‫المفتوحة قبل نشرها مثل موضوع العقد وتاريخ قبول العروض وفتحها‪.195‬‬

‫تكريس الشفافية في إبرام عقود تفويض المرافق العمومية المحلية يتجلى كذلك في‬
‫مرحلة فتح ملفات المترشحين إذ أسند الفصل ‪ 89‬فقرة أولى من مجلة الجماعات المحلية هذه‬

‫الفصل ‪ 88‬فقرة أولى من مجلة الجماعات المحلية‪.‬‬ ‫‪193‬‬

‫‪194‬‬
‫‪Le professeur Mustapha Ben Letaief écrit en ce sens : « Le principe de transparence répond à un‬‬
‫‪double objectif : d’une part, la publicité de procédure doit être efficiente, en ce sens qu’elle a vocation à‬‬
‫‪susciter une large concurrence. Ceci suppose la diffusion d’une publicité suffisamment accessible avant‬‬
‫‪l’attribution du marché. Le respect des règles de publicité est indispensable à l’égalité d’accès et à la‬‬
‫‪mise en œuvre de la concurrence (…). D’autre part, les entreprises doivent connaitre à l’avance les‬‬
‫‪règles de mise en concurrence qui leur sont applicables, de manière à permettre le contrôle du respect‬‬
‫‪des règles de mise en concurrence et la sincérité du choix de l’administration », Les procédures de‬‬
‫‪passation et d’exécution des marchés publics. Rapport introductif, Etudes juridiques, n°19-2012, pp.‬‬
‫‪186-187.‬‬
‫أنظر الفصل ‪ 88‬فقرة ثالثة من مجلة الجماعات المحلية‪.‬‬ ‫‪195‬‬

‫‪49‬‬
‫وهو ما يضفي على تركيبة اللجنة نوعا من‬ ‫‪196‬‬
‫الصالحية إلى لجنة تتكون من خمسة أعضاء‬
‫يتعرض إلى معايير اختيار أعضاء اللجنة‬
‫ّ‬ ‫الموضوعية والحياد‪ .‬غير إن الفصل المذكور لم‬
‫وال إلى النصاب القانوني الالّزم النعقادها وهل إن حضور الرئيس ضروري إلكتمال‬
‫النصاب وال إلى كيفية إستدعاء أعضاءها‪ .‬هذه النقائص من شانها أن تح ّد من شفافية اختيار‬
‫أعضاءها وطريقة عملها خاصة وأن الفصلين ‪ 92‬و ‪ 93‬من مجلة الجماعات المحلية قد‬
‫أسندا للجنة المذكورة صالحياتا واسعة فيما يتعلق بضبط قائمة المترشحين وترتيبهم بعد‬
‫دراسة ملفاتهم‪.‬‬

‫ّ‬
‫إن الصالحيات التي منحها الفصالن ‪ 92‬و ‪ 93‬من مجلة الجماعات المحلية للجنة‬
‫المذكورة تثير التساؤالت التالية والالتي في عالقة بمبدأ الشفافية ‪ :‬هل إن تركيبة اللجنة قا ّرة‬
‫أم إنها متغيّرة حسب موضوع عقد التفويض ؟ ما هي المعايير التي تعتمدها اللجنة للتحقق‬
‫من قدرة المترشحين على ضمان إستمرارايّة المرفق العام ؟ ما هي المعايير التي يتم على‬
‫أساسها التأ ّكد من أن المترشح له العرض األفضل من الناحيتين الفنية والماليّة ؟ إن إعطاء‬
‫اللجنة المنصوص عليها بالفصل ‪ 89‬فقرة أولى من مجلة الجماعات المحلية صالحياتا مطلقة‬
‫فيما يتعلق بفرز العروض واختيار األنسب منها وترتيبها من شأنه أن يح ّد من شفافية فرز‬
‫العروض في ظل غياب أية رقابة من مجلس الجماعة المحلية على اللجنة المذكورة في هذه‬
‫المرحلة‪ ،‬هذا باإلضافة إلى غياب تقييد لصالحية اللجنة بجملة من المعايير التفصيلية التي‬
‫على أساسها يمكن معرفة الخاصيات الفنية والمالية األنسب للجماعة المحلية المتعاقدة في‬
‫إطار من الشفافية والموضوعيّة‪ .‬هذه النقائص من شأنها أن تح ّد من مبدأ المنافسة والمساواة‬
‫بين المترشحين للتعاقد مع الجماعة المحليّة‪.‬‬

‫اإلشكال اآلخر هو الناتج عن قراءة الفصل ‪ 93‬من مجلة الجماعات المحلية والمتعلق‬
‫بصالحية مجلس الجماعة المحليّة حيث ينص الفصل المذكور على إن اللجنة المنصوص‬

‫‪ 196‬تنص الفقرة األولى من الفصل ‪ 89‬من مجلة الجماعات المحلية على ما يلي ‪" :‬تفتح ملفات المترشحين من قبل لجنة‬
‫تتكون من ‪:‬‬
‫‪ -‬رئيس يعيّنه رئيس الجماعة المحليّة المعنية أو من ينوبه‪،‬‬
‫‪ -‬عضوين بمجلس الجماعة يعينهما مجلس الجماعة المحليّة‪،‬‬
‫‪ -‬تقنيين إثنين من ذوي االختصاص يعيّنها مكتب الجماعة المحلية"‪.‬‬

‫‪50‬‬
‫عليها بالفصل ‪ 89‬تقوم بتحرير محضر جلسة يحتوي على ترتيب للمترشحين بحسب‬
‫األفضلية مع إحالة ذلك المحضر إلى مجلس الجماعة المحليّة‪ .‬إن قراءة هذا الفصل تثير‬
‫التساؤالت التالية ‪ :‬هل إن محضر الجلسة ملزما لمجلس الجماعة ؟ هل يمكن لمجلس‬
‫الجماعة رفض محضر الجلسة؟ هل يمكن لمجلس الجماعة اإلعتراض على طريقة اختيار‬
‫المترشحين ؟ هل يمكن لمجلس الجماعة المحلية إدخال بعض التغييرات على محضر الجلسة‬
‫مثل إعادة ترتيب المترشحين ؟ هل يمكن لمجلس الجماعة إعادة محضر الجلسة للجنة قصد‬
‫إدخال بعض التغييرات عليه ؟ ما هي صالحيات مجلس الجماعة إذا تراءى له من خالل‬
‫محضر الجلسة المحال إليه أن اللجنة المنصوص عليها بالفصل ‪ 89‬قد أخلت بصورة فادحة‬
‫بالمبادئ األساسية التي تحكم إبرام عقود تفويض المرافق العمومية المحلية ؟ هل يمكن‬
‫لمجلس الجماعة المحلية اللجوء إلى القضاء في حالة ما إذا تبيّن له وجود شبهة فساد أو‬
‫في اختيار المترشحين وترتيبهم ؟ هل يمكن لسكان الجماعة المحلية وللمجتمع‬ ‫‪197‬‬
‫محاباة‬
‫المدني اإلطالع على محضر جلسة اللجنة المنصوص عليها بالفصل ‪ 89‬من مجلة الجماعات‬
‫المحلية وكذلك على مداوالت مجلس الجماعة المحلية المتعلقة باختيار المتعاقد مع الجماعة‬
‫المحلية ؟ هل يمكن للوالي اإلعتراض على عقد تفويض المرفق العام المحلي لدى هيئة‬
‫وهل يمكنه إحالة عقد التفويض على هيئة المحاسبات‬ ‫‪198‬‬
‫المحاسبات المختصة ترابيّا‬
‫صة ترابيّا قصد إبداء الرأي ؟ هذه التساؤالت العديدة تظهر بعض النقائص التي شابت‬
‫المخت ّ‬
‫الفصول المنظمة لعقود تفويض المرافق العمومية المحلية وهو ما يستدعي إيجاد آليات‬
‫ل لرقابة القضائية والغير قضائية في هذه المرحلة المهمة من مراحل إبرام عقود تفويض‬
‫المرافق العمومية المحلية وذلك نتيجة لتأثيرها المباشر فيما بعد على عمل المرفق العمومي‬
‫المحل ي وجودة الخدمات التي سيقدمها وعلى قدرة صاحب التفويض على الوفاء بالتزاماته‬
‫التعاقديّة‪.‬‬

‫‪197‬‬
‫‪En France, par exemple, le délit de favoritisme a été étendu aux conventions de délégation de‬‬
‫‪service public. Voir Maugüé (Ch.), La portée de l’obligation de transparence dans les contrats publics,‬‬
‫‪in Mouvement du droit public, Mélanges en l’honneur de Frank Moderne, Dalloz, 2004, p. 610.‬‬
‫‪ 198‬حسب الفصل ‪ 94‬فقرة ثالثة من مجلة الجماعات المحلية‪ ،‬ف ّ‬
‫إن الوالي يحق له االعتراض فقط على عقود تفويض المرفق‬
‫العام المحلي التي تبرم وفق طريقة التفاوض المباشر‪.‬‬

‫‪51‬‬
‫مبدأ الشفافية يجب أن يحكم كذلك الطرق اإلستثنائية إلبرام عقود تفويض المرافق‬
‫العمومية المحلية‪ .‬هذه الطرق اإلستثنائية وقع التنصيص عليها ضمن الفصل ‪ 94‬فقرة أولى‬
‫من مجلة الجماعات المحلية والمتمثلة أساسا في التفاوض المباشر واإلستشارة‪ .‬وقد وقع‬
‫حصر الحاالت التي يمكن فيها للجماعة المحلية اللجوء إلى هذه الطرق اإلستثنائية ضمن‬
‫وذلك للتأكيد على الصبغة‬ ‫‪199‬‬
‫المطة األولى والثانية والثالثة من الفصل ‪ 94‬المذكور‬
‫اإلستثنائية لهذه الطرق في إبرام عقود تفويض المرافق العمومية المحلية من ناحية ولتوسيع‬
‫اإلمكانيات المتاحة للجماعة المحلية لتلبية حاجياتها المرفقية من ناحية أخرى‪.‬‬

‫ما يمكن مالحظته في البداية هو إن الفصل ‪ 94‬من مجلة الجماعات المحلية لم يخضع‬
‫هذه الطرق االستثنائية إلجراءات معيّنة تضمن ح ّد أدنى من الشفافية وتكافئ الفرص بين‬
‫المترشحين‪.200‬‬

‫بالنسبة للتفاوض المباشر فإنّه ال يخضع للمنافسة حيث تلتجئ إليه الجماعة المحلية‬
‫دون أن تتقيّد بصيغ وإجراءات طلب العروض أو االستشارة وذلك في الحاالت المنصوص‬
‫عليها بالفصل ‪ 94‬من مجلة الجماعات المحلية وهي حاالت وقع ذكرها على سبيل الحصر‪.‬‬
‫والسؤال المطروح هنا هو اآلتي ‪ :‬هل ّ‬
‫أن هذه الطريقة من طرق إبرام عقود تفويض المرافق‬
‫العمومية المحلية ال تخضع ألي إجراءات شكلية تضمن ح ّد أدنى من الشفافيّة ؟ ّ‬
‫إن اإلجابة‬
‫على هذا السؤال تقتضي إبداء المالحظات التالية ‪ :‬بالرجوع إلى الفصل ‪ 94‬من مجلة‬
‫الجماعات المحلية نالحظ ّ‬
‫أن هذا األخير لم يخضع طريقة التفاوض المباشر أليّة شكلية معيّنة‬
‫تضمن حدّا أدنى من الشفافية‪ .‬كما ّ‬
‫إن الفصلين ‪ 83‬و ‪ 84‬من مجلة الجماعات المحلية‬

‫‪ 199‬ينص الفصل ‪ 94‬من مجلة الجماعات المحلية على ما يلي ‪" :‬ال يمكن للجماعة المحلية اللجوء إلى التفاوض المباشر أو‬
‫تنظيم استشارة إال في الحاالت التالية ‪:‬‬
‫‪ -‬إذا لم تفض الدعوة للمنافسة مرتين متتاليتين إلى عروض مثمرة‪،‬‬
‫‪ -‬إذا تعلق العقد بأعمال ال يمكن أن يعهد بإنجازها إالّ لشخص معين أو بنشاط يختص باستغالله حامل براءة اختراع أو‬
‫صاحب أمالك ذات طابع ثقافي أو تراثي‪،‬‬
‫‪ -‬في حالة التأكد الشديد والضرورة القصوى لإلنجاز"‬
‫‪ 200‬بالنسبة لإلتفاق المباشر نص الفصل ‪ 94‬في فقرتيه الثانية والثالثة على إحالة العقد موضوع اإلتفاق المباشر على الوالي‬
‫المختص ترابيّا وعلى أمين المال الجهوي لإلعالم مع منح الوالي حق اإلعتراض على اإلتفاق المذكور لدى هيئة محكمة‬
‫المحاسبات المختصة ترابيّا في اجل ‪ 15‬يوما من تاريخ اإلعالم دون إخضاع هذه الطريقة من طرق إبرام عقود تفويض‬
‫المرفق العام إلجراءات شكليّة معيّنة‪.‬‬

‫‪52‬‬
‫يتطرقا إلى الطرق‬
‫ّ‬ ‫المنظمة لعقود اللزمة كإحدى أهم عقود تفويض المرفق العام المحلي لم‬
‫ي بل أحاال إلى التشريع المنظم لعقود‬
‫اإلستثنائية إلبرام عقود لزمة المرفق العام المحل ّ‬
‫باعتباره من أهم المبادئ التي تحكم عقود‬ ‫‪202‬‬
‫الحر‬
‫ّ‬ ‫فيما ال يتعارض مع مبدأ التدبير‬ ‫‪201‬‬
‫اللزمة‬
‫ي وهو ما أكدته المحكمة اإلدارية في قرارها المؤرخ في ‪ 6‬أوت‬
‫تفويض المرفق العام المحل ّ‬
‫الحر أحد أه ّم المبادئ الذي‬
‫ّ‬ ‫صرحت بما يلي ‪" :‬وحيث يشكل مبدأ التدبير‬
‫ّ‬ ‫حيث‬ ‫‪203‬‬
‫‪2019‬‬
‫يخول بموجبه للجماعات الترابية ومنها البلديات في حدود اختصاصاتها سلطة التداول بكيفية‬
‫ّ‬
‫ديمقراطية وسلطة إتخاذ وتنفيذ مداوالتها ومقرراتها وعقودها"‪.‬‬

‫وبالرجوع إلى األمر المؤرخ في ‪ 19‬جويلية ‪ 2010‬والمتعلق بضبط شروط‬


‫نالحظ‬ ‫‪205‬‬
‫المنقح والمتمم باألمر المؤرخ في ‪ 18‬نوفمبر ‪2013‬‬ ‫‪204‬‬
‫وإجراءات منح اللزمات‬
‫أن الفصل ‪ 26‬من األمر المذكور قد أوجب على كل مانح لزمة بعد تنظيم استشارة أو‬
‫بالتفاوض المباشر إعداد تقرير معلل لشرح أسباب اختياره إحدى هذه الصيغ وقائمة في‬
‫المشاركين المحتملين المزمع استشارتهم أو المشارك المحتمل المزمع التفاوض معه مباشرة‪.‬‬
‫قصد إبداء الرأي‬ ‫‪206‬‬
‫ويعرض هذا التقرير على وحدة مراقبة ومتابعة عقود اللزمات‬
‫المسبّق‪.207‬‬

‫ّ‬
‫إن إلزام مانح اللزمة عن طريق التفاوض المباشر بتعليل وشرح أسباب إختياره هذه‬
‫الطريقة من شأنه أن يضفي نوعا من الشفافية على عقود تفويض المرفق العام المحلي‬

‫‪ 201‬قانون عدد ‪ 23‬لسنة ‪ 2008‬مؤرخ في ‪ 1‬أفريل ‪ 2008‬والمتعلق بنظام اللزمات‪ ،‬الرائد الرسمي عدد ‪ 28‬بتاريخ ‪4‬‬
‫أفريل ‪ ،2008‬ص‪.1260 .‬‬
‫‪ 202‬فصل ‪ 84‬فقرة أولى من مجلة الجماعات المحليّة‪.‬‬
‫‪ 203‬المحكمة اإلدارية‪ ،‬الدائرة اإلبتدائية بالقصرين‪ ،‬ت‪.‬ت‪ ،.‬قضية عدد ‪ 11200084‬بتاريخ ‪ 6‬أوت ‪ ،2019‬أنور‬
‫هيشري‪/‬والي القصرين‪ ،‬غير منشورة‪.‬‬
‫‪ 204‬أمر عدد ‪ 1753‬لسنة ‪ 2010‬والمتعلق بضبط شر وط وإجراءات منح اللزمات‪ ،‬الرائد الرسمي عدد ‪ 59‬بتاريخ ‪23‬‬
‫جويلية ‪ ،2010‬ص‪.2055 .‬‬
‫‪ 205‬أمر عدد ‪ 4631‬لسنة ‪ 2013‬المؤرخ في ‪ 18‬نوفمبر ‪ ،2013‬يتعلق بتنقيح وإتمام األمر عدد ‪ 1753‬لسنة ‪2010‬‬
‫المؤرخ في ‪ 19‬جويلية ‪ 2010‬والمتعلق بضبط شروط وإجراءات منح اللزمات‪ ،‬الرائد الرسمي عدد ‪ 95‬بتاريخ ‪ 29‬نوفمبر‬
‫‪ ،2013‬ص‪.3981 .‬‬
‫‪ 206‬وقع إنشاء هذه الوحدة بمقتضى الفصل ‪ 19‬من األمر الحكومي عدد ‪ 1185‬لسنة ‪ 2016‬والمؤرخ في ‪ 14‬أكتوبر‬
‫‪ 2016‬والمتعلق بضبط تنظيم وصالحيات الهيئة العامة للشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص‪ ،‬الرائد الرسمي عدد ‪85‬‬
‫المؤرخ في ‪ 18‬أكتوبر ‪ ،2016‬ص‪.3435 .‬‬
‫‪ 207‬الفصل ‪ 5‬سادسا من أمر ‪ 14‬أكتوبر ‪ 2016‬المذكور‪.‬‬

‫‪53‬‬
‫المبرمة عن طريق التفاوض المباشر ويح ّد من السلطة التقديريّة لمانح اللزمة في اللجوء لهذه‬
‫الطريقة اإلستثنائية‪ ،‬إذ أن عدم تقييد سلطة مانح التفويض بأي إجراءات شكلية من شأنه إن‬
‫يفتح المجال له في اللجوء إلى هذه الطريقة دون أن تكون هناك أسبابا موضوعية تبرر‬
‫اللجوء إليها‪.‬‬

‫أما فيما يتعلق باالستشارة الموسعة ّ‬


‫فإن الفصل ‪ 94‬من مجلة الجماعات المحلية لم‬
‫يخضع كذلك هذه األخيرة أليّة إجراءات شكلية من شأنها أن تضمن الشفافية بل اكتفى بذكر‬
‫الحاالت التي يمكن للجماعة المحلية اللجوء فيها إلى هذه الطريقة‪.‬‬

‫تجدر اإلشارة في البداية إلى أن االستشارة الموسعة عكس التفاوض المباشر تفترض‬
‫الدعوة إلى المنافسة والجماعة المحلية عند لجوءها لهذه الطريقة في إبرام عقود تفويض‬
‫المرفق العام المحلّي مطالبة باحترام المبادئ األساسية التي تحكم عقود تفويض المرافق‬
‫العمومية المحلية أي المساواة وتكافئ الفرص بين مختلف المترشحين وكذلك شفافية‬
‫اإلجراءات ‪ .‬ويمكن اإلستئناس في هذا المجال بقانون ‪ 1‬أفريل ‪ 2008‬المتعلق بعقود اللزمة‬
‫ي لهذا التشريع وذلك في‬
‫وأوامره التطبيقيّة باعتبار خضوع عقود لزمة المرفق العام المحل ّ‬
‫التطرق إليه سابقا‪.‬‬
‫ّ‬ ‫الحر مثلما وقع‬
‫ّ‬ ‫إطار احترام مبدأ التدبير‬

‫وبالرجوع إلى أمر ‪ 19‬جويلية ‪ 2010‬والمتعلق بضبط شروط وإجراءات منح‬


‫اللزمات نالحظ أن الفصلين ‪ 25‬و‪ 26‬من األمر المذكور قد أحاطا عقود اللزمة المبرمة عن‬
‫طريق اإلستشارة بجملة من الشكليات التي من شأنها أن تضمن حدّا أدنى من الشفافية حيث‬
‫فرض الفصل ‪ 25‬من األمر المذكور على مانح اللزمة أن يعمل على توسيع اإلستشارة وأن‬
‫يتقيد بإجراءات مكتوبة ضمانا لتكافئ الفرص والمساواة بين المترشحين ولتحقيق الشفافية في‬
‫اختيار صاحب اللزمة‪ .‬لكن ما يمكن مالحظته هنا هو أن هذه الضمانات غير كافية باعتبار‬
‫صة يجب على مانح اللزمة عن طريق‬
‫ينص على إجراءات خا ّ‬
‫ّ‬ ‫أن الفصل ‪ 25‬المذكور لم‬
‫اإلستشارة إتباعها عند إبرامه لعقد اللزمة باستثناء الشرط المتعلق باإلجراءات المكتوبة‪.‬‬
‫فترك الحرية لمانح اللزمة عن طريق اإلستشارة في تنظيم اإلجراءات قد يح ّد بصورة كبيرة‬
‫من مبدأ الشفافية‪.‬‬

‫‪54‬‬
‫نص عليه الفصل ‪ 26‬من أمر ‪ 19‬جويلية ‪2010‬‬
‫ّ‬ ‫أ ّما اإلجراء اآلخر فهو الذي‬
‫المذكور حيث فرض الفصل المذكور على مانح اللزمة عن طريق اإلستشارة الموسعة إعداد‬
‫تقرير معلل يشرح فيه أسباب اختياره هذه الطريقة مع عرض التقرير على وحدة مراقبة‬
‫ومتابعة عقود اللزمات‪.208‬‬

‫إذا كانت هذه الشكلية من شأنها أن تضفي مزيدا من الشفافية على عقود اللزمة‬
‫المبرمة عن طريق اإلستشارة الموسعة فإن سكوت الفصل ‪ 5‬من أمر ‪ 14‬أكتوبر ‪2016‬‬
‫على طبيعة الصبغة اإللزاميّة للرأي المسبّق الذي تبديه وحدة مراقبة ومتابعة عقود اللزمات‬
‫من شأنه أن يح ّد من صالحية الهيئة‪ ،‬إذ إكتفى الفصل المذكور بالتنصيص على أن الهيئة‬
‫تبدي الرأي المسبق في تقارير شرح أسباب اللجوء إلى اعتماد صيغة االستشارة الموسعة‬
‫دون ذكر هل أن هذا الرأي المسبق ملزما لمانح اللزمة أم ال‪.‬‬

‫ي موضوع التفويض‬
‫مبدأ الشفافية يحكم كذلك مرحلة تنفيذ المرفق العمومي المحل ّ‬
‫وذلك من خالل تمكين سكان الجماعة المحلية من اإلطالع على مدى التقدّم في إنجاز المرفق‬
‫وعلى مد احترام صاحب التفويض لآلجال والمواصفات الفنية المنصوص عليها بالعقد‪ .‬غير‬
‫إن ما يمكن مالحظته في هذا اإلطار هو إنّه ولئن فرض الفصل ‪ 77‬فقرة أولى من مجلة‬
‫الجماعات المحلية على الجماعة المحلية صاحبة المرفق موضوع التفويض اإللتزام بقواعد‬
‫الشفافية في جميع مراحل تنفيذ المرفق موضوع التفويض فإنّه سكت عن اآلليات التي تمكن‬
‫المشرع الفرنسي الذي نص ضمن الفصل ‪1411-3‬‬
‫ّ‬ ‫من تحقيق تلك الشفافية وذلك على عكس‬
‫ي كل سنة‬
‫‪ L‬من مجلة الجماعات المحلية على ضرورة تقديم كل ملتزم مرفق عام محل ّ‬
‫تقريرا حول مدى تقدّم إنجاز المرفق موضوع اللزمة وكل ما يتعلق بالمعطيات المحاسبتيّة‬
‫تخص المرفق موضوع اللزمة وذلك تطبيقا لمقتضيات الفصل ‪ L 3131-5‬من مجلة‬
‫ّ‬ ‫التي‬
‫الشراءات العموميّة‪ .‬هذا التقرير يعرض في أول جلسة على مجلس الجماعات المحليّة مع‬
‫تمكين سكان الجماعة المحلية التي يتجاوز عدد سكانها ‪ 3500‬نسمة من اإلطالع على ذلك‬

‫‪ 208‬أنظر الفصل ‪ 5‬سادسا من أمر ‪ 14‬أكتوبر ‪ 2016‬والمتعلق بضبط تنظيم وصالحيات الهيئة العا ّمة للشراكة بين القطاع‬
‫العام والقطاع الخاص‪.‬‬

‫‪55‬‬
‫التقرير وذلك في ظرف خمسة عشر يوما من تلقي مجلس الجماعة التقرير وذلك تطبيقا‬
‫لمقتضيات الفصل ‪ L 1411-13‬من مجلة الجماعات المحليّة‪.‬‬

‫في تونس وفي ظ ّل سكوت مجلة الجماعات المحليّة فإنّه يمكن الرجوع إلى التشريع‬
‫المتعلق بعقود اللزمة حيث نص الفصل ‪( 33‬ثالثا) من أمر ‪ 19‬جويلية ‪ 2010‬والمتعلق‬
‫بضبط شروط وإجراءات منح اللزمات على إن صاحب اللزمة مطالبا بأن يحيل سنويّا تقريرا‬
‫حول تنفيذ اللزمة إلى مانح اللزمة‪ .‬هذا التقرير يتض ّمن المعطيات اإلقتصاديّة والمحاسبتيّة‬
‫بما فيها الحسابات السنويّة لنتائج استغالل العمليات موضوع العقد ووصفا لوضعيّة‬
‫الممتلكات الالزمة لحسن تنفيذ المشروع مع تض ّمن التقرير مقارنة لتلك المعطيات مع‬
‫معطيات السنة السابقة‪ .‬هذا التقرير يعرض كذلك على الهيئة العا ّمة للشراكة بين القطاع العام‬
‫القيام بعمليات التدقيق‬ ‫‪209‬‬
‫والقطاع الخاص حيث تتولى وحدة الحوصلة والمتابعة والتدقيق‬
‫وإعداد تقارير تدقيقية في الغرض‪.‬‬

‫إذا كان صاحب لزمة المرفق العام المحلّي مطالبا بم ّد الجماعة المحليّة بهذا التقرير‬
‫السنوي باعتبار خضوع هذه األخيرة لقانون ‪ 1‬أفريل ‪ 2008‬والمتعلق بعقود اللزمة فإن عدم‬
‫تقييد مانح لزمة المرفق العام بأجل محدّد لم ّد الهيئة العا ّمة للشراكة بين القطاع العام والقطاع‬
‫الخاص بهذا التقرير السنوي من شانه أن يعطي مانح اللزمة الفرصة لمزيد التأخير في م ّدها‬
‫بذلك التقرير‪ .‬وتفاديا لهذا التأخير صدر المنشور الحكومي عدد ‪ 10‬المؤرخ في ‪ 10‬أفريل‬
‫‪ 2019‬والذي يلزم الوزراء وكتاب الدولة ورؤساء المؤسسات والمنشآت العموميّة ورؤساء‬
‫الجماعات المحلية م ّد الهيئة العا ّمة للشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص بهذا التقرير‬
‫في أجل مو ّفى مارس من ك ّل سنة‪.‬‬

‫إذا كانت الجماعة المحلية مانحة اللزمة مطالبة بم ّد الهيئة العا ّمة للشراكة بين القطاع‬
‫العام والقطاع الخاص بالتقرير السنوي المتعلق بتنفيذ اللزمة فإنّه في المقابل ال شيء يجبرها‬
‫قانونا على تمكين س ّكان الجماعة المحلية من اإلطالع عليه قصد ممارسة سلطة الرقابة‬

‫‪ 209‬أنظر الفصل ‪ 8‬من أمر ‪ 14‬أكتوبر ‪ 2016‬والمتعلق بضبط تنظيم وصالحيات الهيئة العامة للشراكة بين القطاع العام‬
‫والقطاع الخاص‪.‬‬

‫‪56‬‬
‫ويبقى الح ّل بالنسبة لهؤالء اللجوء إلى هيئة النفاذ إلى المعلومة قصد تمكينهم من اإلطالع‬
‫على ذلك التقرير‪.‬‬

‫خالصة القول‪ ،‬لئن حاول المشرع ضمن مجلة الجماعات المحلية تكريس أهم المبادئ‬
‫التي تحكم تسيير المرافق العموميّة التقليديّة منها والمستحدثة مع تدعيم صالحيات الجماعة‬
‫المحلية في إحداث وحذف هذه المرافق تكريسا لمبدأ التدبير الحر‪ّ ،‬‬
‫فإن إعمال هذه المبادئ‬
‫يطرح العديد من اإلشكاليات تتعلق أساسا بغموض العديد منها وتداخلها مع بعضها البعض‬
‫وحداثة البعض اآلخر م ّما يح ّد من جدواها وفاعليتها ويجعل من تكريسها على أرض الواقع‬
‫صعبا‪ ،‬هذا إضافة إلى محدودية آليات الرقابة على احترام هذه المبادئ القضائية منها والغير‬
‫قضائية‪.‬‬

‫صة بالرقابة التي يمارسها القاضي‬


‫بالنسبة للرقابة القضائية ويتعلق األمر هنا خا ّ‬
‫اإلداري في حالة عدم احترام الجماعة المحلية لهذه المبادئ عند لجوءها لألسلوب التعاقدي‬
‫في تسيير مرافقها إذ تقتصر سلطة القاضي اإلداري في حالة تلقيه طعونا م ّمن وقع إقصاءهم‬
‫من التعاقد على أساس عدم احترام الجماعة المحلية لمبادئ المساواة والشفافية والمنافسة على‬
‫إلغاء القرار المنفصل عن العقد مثل قرار مجلس الجماعة المحلية القاضي بالترخيص في‬
‫وهو قرار ليس له أيّة جدوى باعتبار أن إلغاء القرار المنفصل من طرف‬ ‫‪210‬‬
‫إبرام العقد‬
‫قاضي تجاوز السلطة ال يؤدّي إلى بطالن العقد‪ .‬لذا ولتجاوز هذه النقائص الب ّد من تكريس‬
‫‪référé précontractuel‬‬ ‫‪211‬‬
‫آلية االستعجال في المادة التعاقديّة بنوعيه ما قبل التعاقدي‬
‫والتعاقدي ‪ référé contractuel212‬مثلما هو معموال به في فرنسا‪.213‬‬

‫أ ّما بالنسبة للرقابة التي يمارسها سكان الجماعة المحلية ومنظمات المجتمع المدني‬
‫فإنّها رقابة تبدو محدودة في الوقت الحالي وذلك نتيجة لعدم رسوخ تقافة المشاركة في إدارة‬
‫‪ 210‬أنظر على سبيل المثال ‪ :‬المحكمة اإلداريّة‪ ،‬قضية عدد ‪ 350‬بتاريخ ‪ 24‬نوفمبر ‪ ،1980‬حرزهللا‪/‬بلديّة المنستير‪،‬‬
‫المجموعة‪ ،‬ص‪.403 .‬‬
‫‪211‬‬
‫‪Voir l’article L 551-1, 2, 3 et 4 du code de justice administrative.‬‬
‫‪212‬‬
‫‪Voir l’article L551-13, 14, 15 et 16 du code de justice administrative.‬‬
‫‪213‬‬
‫‪Pour une étude d’ensemble voir, Gourdou (J.) et Terneyre (P.), Le référé précontractuel‬‬
‫‪administratif au lendemain de la réforme législative des procédures d’urgence, C.J.E.G., n°575, avril‬‬
‫‪2001, p. 138 et s. ; Guilbaud (T.), Le juge des référés face à la jurisprudence Tropic, A.J.D.A., Juillet‬‬
‫‪2008, p. 1443 et s.‬‬

‫‪57‬‬
‫الشأن المحلّي وحداثتها في تونس‪ ،‬يضاف إلى ذلك تجذر ثقافة الالّمحاسبة والالمساءلة‬
‫واالنغالق والتفرد بالقرار وهي مساوئ ميّزت اإلدارة التونسيّة لسنوات عديدة سواء منها‬
‫صة القضائيّة منها وذلك قصد‬
‫المركزية أو المحليّة وهو ما يقتضي تدعيم آليات الرقابة وخا ّ‬
‫إجبار الجماعة المحلية على احترام جملة المبادئ التي تحكم تسيير مرافقها‪.‬‬
‫تونس‪ ،‬أوت ‪2019‬‬

‫‪58‬‬

You might also like