Professional Documents
Culture Documents
المرافق العمومية زهير النوري
المرافق العمومية زهير النوري
زهيـر النـوري
أستاذ مساعد بكلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس
جامعة تونس المنار
« Le droit administratif est essentiellement le droit des services publics »1
تقوم الجماعات المحليّة بدور هام على مستوى الدولة من خالل خدمة المتطلبات
الحياتيّة لمتساكنيها .وقد عرف هذا الدور تطورا في السنوات األخيرة سواء على مستوى
االختصاصات الموكلة للجماعة المحليّة وكذلك على مستوى الدور الذي أصبحت تضطلع به
هذه األخيرة في تحقيق التنمية المستدامة على المستوى المحلي .ونظرا ألهميّة هذا الدور فإنه
أصبح من الضروري أن يطعم التسيير المحلي بمفاهيم جديدة على غرار الحوكمة الرشيدة
والديمقراطية التشاركية والتنمية المستدامة والشفافية بغية تحقيق تنمية تتناسب مع رغبات
وحاجيات السكان المحليين .وتلعب المرافق العمومية المحلية دورا محوريّا في تحقيق هذه
األهداف.
إذا كان المرفق العام بمثابة "حجر الزاوية في القانون اإلداري" 2حسب تعبير الفقيه
قاستون دجيز فإنّه ال يوجد تعريف دستوري وال تشريعي وال فقهي وال فقه قضائي محدّد له
1
Rolland (L.), Précis de droit administratif, Dalloz, 5ème édition, Paris 1934, p. 14.
2
Jèze (G.), Les principes généraux du droit administratif, T1, réédition Dalloz, Paris 2005, p.XV.
1
وإنّما وقع االعتماد على مجموعة من المعايير التي يمكن من خاللها وصف نشاط ما بأنّه
.3مرفق عام أم ال
يمكن االنطالق من التعريف الذي اقترحه الفقيه ريني،وفي ظل غياب تعريف محدد
يعرف بمقتضاه المرفق العام بأنّه "النشاط الذي يتعهد به شخص من أشخاص
ّ شابي والذي
.4"القانون العام من خالل تسييره مباشرة أو اإلشراف عليه قصد تحقيق مصلحة عا ّمة
وذلك6كما يمكن أن يكون ارتباط النشاط بالشخص العمومي بصورة غير مباشرة
ّ كلّما
.notion organique 7فوض تسيير المرفق إلى شخص من أشخاص القانون الخاص
2
(CE, 13 mai 1938, Caisse primaire aide et protection, Rec. p. 417 ; TC, 22 janvier 1921, Société
commerciale de l’Ouest africain, Rec. p. 91).
وقد أخذ هذا االرتباط غير المباشر بالمرفق العام شكالن أساسيان وهما الشكل التعاقدي أو ما يعبّر عنه بعقود تفويض المرافق
العا ّمة (أنظر الهامش عدد )190وشكل أحادي وهو الذي يمارس فيه النشاط شخص من أشخاص القانون الخاص بتكليف من
الدولة أو جماعة عموميّة محليّة مع تمكين هؤالء من الوسائل الالّزمة لممارسة نشاطهم مع احتفاظ الدولة أو الجماعة المحلية
بسلطة المراقبة واإلشراف ومثال ذلك الجامعات الرياضية (الفصل 9من القانون عدد 11المؤرخ في 6فيفري 1995
المتعلق بالهياكل الرياضيّة ،الرائد الرسمي عدد 12المؤرخ في 10فيفري ،1995ص )335 .وكذلك الجمعيات الغابيّة ذات
المصلحة المشتركة (الفصلين 43و 44من مجلة الغابات واألمر عدد 2373المؤرخ في 9ديسمبر 1996المتعلق بكيفية
إحداث وتنظيم وتسيير هذه الجمعيات ،الرائد الرسمي عدد 101المؤرخ في 17ديسمبر ،1996ص.2795 .
غير إن اإلشكال المطروح هنا هو الناتج عن صعوبة تحديد الرابطة القائمة بين الشخص العمومي والمؤسسة الموكول لها
ينص فيها القانون على أن النشاط الذي تقوم به هذه المؤسسة مرفقا عاما أم ال .إذا كان ّ القيام بالنشاط في الحاالت التي ال
ينص على إ ّن
ّ اإلشكال ال يطرح بالنسبة للجامعات الرياضية باعتبار أن الفصل التاسع من القانون المتعلق بالهياكل الرياضية
فإن التساؤل يطرح بالنسبة للهيئات الخاصة مثل الجمعيات الغابيّة المذكورة الجامعات الرياضية مكلفة بتسيير مرفق عامّ ،
وكذلك بالنسبة لبعض المراكز الفنية في القطاع الصناعي (القانون عدد 123لسنة 1994المؤرخ في 28نوفمبر 1994
المتعلق بالمراكز الفنية في القطاع الصناعي ،الرائد الرسمي عدد 96بتاريخ 6ديسمبر ،1994ص )2059أو الفالحي
(القانون عدد 4المؤرخ في 19جانفي 1996المتعلق بإحداث مراكز فنية في القطاع الفالحي ،الرائد الرسمي عدد 7بتاريخ
23جانفي ،1996ص .)219 .هذه الهيئات المذكورة إعتبرها المشرع ذوات معنويّة ذات مصلحة إقتصاديّة عموميّة تتمتع
بالشخصيّة المدنية وباالستقالل المالي .ولمعرفة إن كان النشاط الذي تقوم به هذه الذوات الخاصة يعتبر مرفقا عا ّما أم ال سعى
القاضي اإلداري في فرنسا إلى وضع جملة من المؤشرات منذ قرار Narcyالصادر عن مجلس الدولة الفرنسي بتاريخ 28
جوان (CE, 28 juin 1963, RDP, 1963, p. 1186, note M. Waline) 1963والتي يمكن تلخيصها في الثالثة
مؤشرات التالية :
-خدمة ذات مصلحة عا ّمة.
-تدخل الدولة في بعث هذه المؤسسات ذات المصلحة العا ّمة مثل المراكز الفنية والصناعيّة.
-حق اإلدارة في مراقبة هذه المؤسسات وخاصة فيما يتعلق بتسمية رئيس المؤسسة وبعض أعضاء مجلس اإلدارة.
-وجود امتيازات السلطة العا ّمة مثل استخالص معاليم إجباريّة من منخرطيها.
وقد أخذت المحكمة اإلداريّة ببعض هذه العناصر في تكييفها لبعض الهيئات المهنية غير المسماة مثل الهيئة الوطنية للمحامين
صرحت في قرار أنور بشر بما يلي " :وحيث أن تنظيم المهن الحرة والتي اعتبرتها شخصا من أشخاص القانون العام حيث ّ
كالطب والمحاماة والمحاسبين مما يدخل في صميم اختصاص الدولة بوصفها قوامة على المصالح والمرافق العا ّمة .فإذا
أرادت الدولة أن تتخلّى عن هذا األمر ألعضاء المهنة أنفسهم ألنهم أقدر عليه مع تخويلهم نصيبا من السلطة العامة يستعينون
بها على تأدية مهمتهم مع االحتفاظ بحقها في اإلشراف والرقابة ،تحقيقا للصالح العام فإ ّن ذلك ال يغيّر من التكييف القانوني
لهذه المهن بوصفها مرافق عامة"( ،المحكمة اإلدارية قضية عدد 212بتاريخ 14جويلية ،1983الهيئة القومية للمحامين/
أنور بشر ،المجموعة ص .)277.غير إن شرط امتيازات السلطة العامة كإحدى ركائز تعريف المرفق العام وقع التخلّي عنه
في فرنسا منذ قرار
Association du personnel relevant des établissements pour inadaptés (CE, 22 fevrier 2007, AJDA, 2007,
p. 793, Chron. F. Lenica et J. Bouchet).
أقر مجلس الدولة الفرنسي بأ ّنه يمكن اعتبار نشاطا ما مرفقا عا ّما دون أن يكون الشخص الخاص الموكول له تسيير حيث ّ
المرفق العام متمتعا بامتيازات السلطة العا ّمة وذلك بتوفر المؤشرات التالية :المصلحة العا ّمة ،شروط احداث المرفق ،كيفيّة
تنظيمه أو طرق عمله ،الواجبات المحمولة على الشخص المكلف بتسيير المرفق والوسائل المعتمدة للتأكد من تحقيق األهداف
المرجوة من المرفق :
« Eu égard à l’intérêt général de son activité, aux conditions de sa création, de son organisation ou de
son fonctionnement, aux obligations qui lui sont imposés ainsi qu’aux mesures prises pour vérifier que
les objectifs qui lui sont assignés sont atteints, il apparait que l’administration a entendu lui confier une
telle mission ».
فباستثناء المصلحة العا ّمة والحالة التي يق ع التنصيص فيها على إن النشاط الذي سيقوم به الشخص الخاص هو من قبيل
المرفق العام فإن وجود مؤشر من المؤشرات المذكورة ال يعني بالضرورة أن النشاط الذي يقوم به الشخص الخاص هو من
قبيل المرفق العام .لمزيد من التعمق أنظر :
3
باإلضافة إلى هذا الشرط فإنّه يجب أن يهدف النشاط إلى تحقيق مصلحة عا ّمة 8إذ ال يمكن
الحديث عن مرفق عا ّم دون أن يكون النشاط متصال بتحقيق مصلحة عامة تتمثل أساسا في
إشباع حاجيات المستخدمين وإسداء الخدمات الضروريّة لهم .notion fonctionnelleويبقى
مفهوم المصلحة العا ّمة مفهوما متطورا ومتغيّرا مع تغيّر الظروف االقتصادية والسياسيّة
واالجتماعية.
في تونس تميزت سياسة الدولة منذ االستقالل بنوع من التوجسس إزاء إرساء مرافق
عمومية محلية فسياستها في تلك الفترة كانت تهدف إلى الحفاظ على وحدتها الترابية وهو ما
Boiteau (C.), Le service public, quelle définition ? in Le service public aujourd’hui, sous la direction de
Mohamed Salah Ben Aissa, ATSA 2010, p. 17 et s.
صة في التمييز بين المرافق العا ّمة اإلداريّة والمرافق العا ّمة ذات الصبغة 7تجدر اإلشارة إلى أن الصعوبة تكمن هنا خا ّ
الصناعيّة والتجاريّة باعتبار دور التفرقة بينهما في تحديد القانون المنطبق على النزاع وكذلك في تحديد الجهاز القضائي
الموكول له البت في النزاعات المتعلقة بتلك المرافق .لذلك سعى فقه القضاء اإلداري منذ قرار مجلس الدولة الفرنسي المؤرخ
في 16نوفمبر .(Union Syndicale des industries aéronautiques, Rec. p. 434) 1956
إلى وضع بعض المعايير المعتمدة في التمييز بينهما والتي يمكن تلخيصها في المعايير الثالثة التالية :
األول :هو المعيار المتعلق بموضوع المرفق Objet du serviceوالمتمثل في طبيعة األعمال التي تؤدّي إلى تنفيذ المعيار ّ
المرفق وهي مسألة ال تخلو من الصعوبة في بعض الحاالت إذ أعتبر مجلس الدولة الفرنسي في قراره الصادر في 26جانفي
(Dame Maron, Rec., p. 69) 1968أن استغالل مسرح من طرف جماعة محلية لتقديم أحد العروض مرفقا إدار ّيا على
صة .أما إذا اقترن تنفيذ المرفق باألشغال العموميّة أو الرغم من أن ذلك النشاط ال يختلف في شيء عن استغالل المسارح الخا ّ
بالضبط اإلداري فإن الصبغة اإلدارية للمرفق هي التي ترجح :
(TC, 20 janvier 1986, Société anonyme Roblot, AJDA, 1986, p. 267, note Richer).
أ ّما المعيار الثاني المعتمد فيتمثل في مصادر التمويل L’origine des ressourcesفكلما كانت الموارد المالية للمرفق متأتية
من معاليم موظفة على مستعملي المرفق وتأخذ صبغة السعر فإنّه يقع تغليب الصبغة الصناعية والتجاريّة للمرفق أما إذا كانت
موارد المرفق متأتية من مساهمات عمومية أو كانت خدمة المرفق مجانية أو أن موارده متأتية من موارد جبائية فإنه في هذه
الحالة يقع تغليب الصبغة اإلداريّة على المرفق.
أما المعيار الثالث فهو المتعلق بطرق عمل المرفق Les modalités de fonctionnementفإذا ما تبيّن أن المرفق ال يهدف
إلى تحقيق الربح باعتبار المعلوم الرمزي الموظف على الخدمة أو أن هذا األخير يعتمد قواعد المحاسبة العمومية أو محتكرا
من طرف الشخص العمومي أو مسيرا مباشرة من طرفه فإنّه يقع تغليب الصبغة اإلداريّة للمرفق .وقد استندت المحكمة
اإلداريّة إلى هذا المعيار لتحديد الطبيعة القانونية لبعض المرافق ،ومثال ذلك تحديد الطبيعة القانونية للمؤسسات العمومية
للصحة حيث أقرت في قرارها المؤرخ في 28ماي 2004أن "المؤسسات العموميّة للصحة باعتبار مجانية العالج داخلها
فإن نية المشرع قد انصرفت نحو تنزيل وخضوع أعوانها إلى النظام األساسي للوظيفة العمومية وعدم قابلية أمالكها للعقلة ّ
المؤسسات المذكورة منزلة اإلدارة عند تصريفها للمرفق العام للصحّة" (المحكمة اإلداريّة ،قضية عدد 18443بتاريخ 28
ماي ،2004بلقاسم ومن معه/م.ع.ن.د في حق وزارة الصحّة العموميّة ،غير منشورة) .وفي كل الحاالت يبقى التصنيف
التشريعي لمرفق عمومي ما الطريقة األنجع لوضع حد لكل الجدل الذي يثيره تصنيف المرافق العموميّة باعتبار أن التصنيف
أو التكييف الترتيبي يبقى خاضعا ومقيّدا بالمعايير سالفة الذكر.
8أنظر لمزيد من التع ّمق :
Francou (J.P.), Les services publics et le critère matériel en droit administratif français et en droit
européen, RA, 1997, n°300, p. 688 : « Au sens fonctionnel, le service public est l’activité qui tend à
assurer la satisfaction d’un intérêt général en offrant des prestations données ». En témoigne aussi, le
rapport annuel du conseil d’Etat français consacré à l’intérêt général dont il ressort que « la condition de
la satisfaction d’un intérêt général est primordial : sans mission d’intérêt général, pas de service
public », EDCE 1999, L’intérêt général, p. 272.
4
الحر والديمقراطية
ّ حال دون إرساء تنظيم إداري ال مركزي يقوم على مبدأ التدبير
التشاركية ،إذ ّ
أن أغلب المرافق العمومية في تلك الفترة كانت مرافق عمومية وطنية تسير
تمول من طرف اإلدارة المركزيّة .هذه الوضعيّة أثرت بصفة سلبيّة على المرافق العمومية
و ّ
المحليّة إذ لم يقع تمتيع الجماعات المحلية بالوسائل المادية الالزمة إلنشاء مرافق عموميّة
محلية حقيقية تستجيب لمتطلبات سكان الجماعات المحليّة.
إالّ أنّه مع صدور القانون األساسي المنظم للبلديات بتاريخ 14ماي 91975وقع
التصرف فيها
ّ تخصيص الباب السابع (الفصول )151-145للمرافق العموميّة البلديّة وطرق
وقد أحال هذا القانون للسلطة الترتيبيّة صالحيّة تحديد طريقة تنظيم تلك المرافق ونظامها
المالي وطرق عملها .غير أن التفاوت بين الجهات فيما يتعلق بالتنمية وعجز السياسات
االقتصادية المتبعة من طرف السلطة المركزية آنذاك دفع بهذه األخيرة إلى إصدار القانون
والذي منح بمقتضاه 10
األساسي المؤرخ في 4فيفري 1989والمتعلق بالمجالس الجهويّة
الوالية كجماعة محلية الشخصية المعنوية واالستقالل المالي ،غير ّ
إن الطابع االستشاري
للمجلس الجهوي أثر سلبا على المرافق العمومية المحلية م ّما جعلها محدودة العدد .هذا
باإلضافة إلى تبعيّة المرافق العمومية المحليّة لإلدارة المركزية.11
أما فيما يتعلق بإحداث المرافق العمومية المحلية فإنّه ،ولئن اعترف الفصل 150من
قانون البلديات بحق هذه األخيرة في إحداث مؤسسات عمومية محلية تتمتع بالشخصية
المعنوية واالستقالل المالي ،فإن قرار المجلس البلدي المتعلق ببعث هذه المؤسسات يخضع
وجوبا لمصادقة وزير الداخلية بعد أخذ استشارة وزير المالية .هذه الرقابة أثرت سلبا على
استقاللية المجلس البلدي فيما يتعلق ببعث المؤسسات العمومية البلدية باعتبار أن سلطة وزير
5
الداخلية ال تقتصر على المصادقة بل تتعداها لتحديد إسم المؤسسة وصالحياتها .هذا األمر
ظ ّل تقريبا على حاله حتى بعد تنقيح قانون البلديات في 17جويلية .122006
أ ّما بالنسبة للمجالس الجهويّة فإن قانون 4فيفري 1989لم يمنحها كذلك صالحية
بعث مؤسسات عمومية ،إذ أسند الفصل 56من القانون المذكور هذه الصالحية للمشرع الذي
بإمكانه بعث مؤسسات عمومية ذات صبغة صناعية وتجاريّة مهمتها تسيير المرافق العموميّة
للواليات باعتبارها جماعات محلية .هذه الوضعيّة تعكس قصور قانون 1989في منح
استقاللية فعلية للوالية باعتبارها جماعة محلية.
أ ّما على مستوى التنظيم وطرق العمل ،فإ ّن األمر عدد 242لسنة 1989المؤرخ في
31جانفي 1989والمتعلق بالنظام اإلداري والمالي للمؤسسات العمومية البلدية ذات الصبغة
االقتصادية 13ولئن منح هذه المؤسسات ميزانية مستقلة مهمتها ممارسة أنشطة اقتصاديّة ،فإنّه
حافظ على الطابع التقليدي للمؤسسات العمومية وذلك من خالل تركيبة مجلس اإلدارة
واستقاللية أعضاءه ،إذ أن أعضاء المؤسسة المذكورة يقع تعيينهم من طرف رئيس البلدية
بعد مصادقة ثنائيّة ،األولى قبل قرار رئيس البلدية (مصادقة المجلس البلدي) والثانية مصادقة
الوالي (بعد قرار رئيس البلدية) وقبل دخول قرار التعيين حيّز التنفيذ .14هذه الرقابة الثنائية
انعكست سلبا على استقاللية أعضاء المؤسسة العمومية المحليّة ،هذا باإلضافة إلى أن أغلبية
األعضاء إن لم نقل كلهم يقع تعيينهم من بين المنتمين للحزب الحاكم آنذاك.
12قانون أساسي عدد 48لسنة ،2006مؤرخ في 17جويلية ، 2006يتعلق بتنقيح القانون األساسي المؤرخ في 14ماي
،1975الرائد الرسمي عدد 59بتاريخ 25جويلية ،2006ص.2452 .
13الرائد الرسمي عدد ،10بتاريخ 10فيفري ،1989ص.226 .
14الفصل 4من األمر المذكور.
15الفصل 12من األمر المذكور.
6
مالية كافية بإعتبار أن معظم الميزانية تتأتى من الدولة ،جعلت من المؤسسات العمومية
المحليّة في تبعية لإلدارة المركزية وهو ما أثر سلبا على استقالليتها.
أ ّما فيما يتعلق بالمرافق العموميّة التي تعتزم الوالية استغاللها في شكل وكالة فإنّها،
طبقا للفصل 51من قانون المجالس الجهويّة ،تخضع للترخيص المسبّق لوزير الداخليّة
والذي بإمكانه سحب الترخيص عند االقتضاء .أما فيما يتعلق بالمؤسسات العمومية ذات
الصبغة الصناعيّة والتجاريّة فإن الفصل 56من قانون المجالس الجهويّة قد أخضع تلك
المرافق إلى الرقابة المنصوص عليها بقانون 1فيفري 1989المتعلق بالمساهمات والمنشآت
العموميّة.16
هذه التبعيّة التي كرسها المشرع صلب قانوني 14ماي 1975و 4فيفري1989
ساهمت بشكل كبير في الح ّد من استقاللية المرافق العمومية المحلية سواء على مستوى طرق
تسييرها أو على مستوى العقود التي تبرمها في إطار ممارستها لنشاطها م ّما جعلها تفتقد إلى
أدنى مقومات المرافق العمومية المحلية (موارد مالية مفقودة ،استقاللية صوريّة ،رقابة
شرع التأسيسي في
مشددة تحولت لرقابة رئاسيّة مقنعة) .ولتجاوز هذه النقائص سعى الم ّ
دستور 27جانفي 2014إلى تدعيم استقاللية الجماعات المحلية على المستوى التنظيمي
الحر والديمقراطية التشاركية مع مراجعة
ّ والمالي من خالل إرساء مبادئ الحوكمة والتدبير
طبيعة الرقابة التي تمارسها اإلدارة المركزية على الجماعات المحليّة من أجل إرساء
صلة ضمن
استقاللية فعلية للجماعات المحلية .17جملة هذه المبادئ وقع تكريسها بصورة مف ّ
مجلة الجماعات المحليّة الصادرة في 9ماي .182018
بالنسبة للمرافق العموميّة المحليّة فقد وقع إعادة تنظيمها بصورة جذرية ضمن األقسام
2و 3و 4من المجلة المذكورة .وقد تجلى ذلك من خالل تكريس إستقاللية فعلية للجماعات
الحر .كما سعى
ّ المحلية فيما يتعلق بإنشاء وحذف مرافقها وذلك تماشيا مع مبدأ التدبير
16قانون عدد 9لسنة 1989المؤرخ في 1فيفري ،1989الرائد الرسمي عدد 9بتاريخ 7فيفري ،1989ص.203 .
17أنظر الباب السابع من الدستور.
18قانون أساسي عدد 29لسنة 2018بتاريخ 9ماي ،2018الرائد الرسمي عدد 39بتاريخ 15ماي ،2018
ص.1710 .
7
المشرع من خالل المجلة المذكورة إلى إعادة النظر في جملة المبادئ التي تحكم تسيير
ّ
فما هي.المرافق العموميّة المحلية وذلك قصد إضفاء مزيدا من النجاعة على طرق عملها
أهم المبادئ العامة لتسيير المرفق العام المحلي التي وقع تكريسها ضمن مجلة الجماعات
المحليّة ؟ إن اإلجابة عن هذا السؤال تقودنا إلى القول بأن المشرع قد حافظ على المبادئ
) مع تدعيم هذه األخيرة بجملة منI(التقليدية التي تحكم تسيير المرافق العمومية المحلية
.)II( المبادئ المستحدثة
كرس المشرع التونسي صلب مجلة الجماعات المحلية أهم المبادئ التقليدية التي
ّ لقد
19
تحكم تسيير المرافق العموميّة وهي مبادئ أساسية مشتركة بين مختلف المرافق العموميّة
21
" وتعرف هذه المبادئ "بقوانين روالن.20سواء أكانت مرافق عموميّة وطنية أم محليّة
نسبة إلى الفقيه الفرنسي لوي روالن الذي كان ّأول من قام بوضع هذه المبادئ وتوضيحها
)منذ ثالثينات القرن الماضي وتتمثل هذه المبادئ في مبدأ اإلستمرارية(أ) ومبدأ المساواة(ب
.)ومبدأ التأقلم(ج
أ)مبدأ االستمرارية
Guglielmi (G.) et Koubi (G.), Droit du service public, op. cit., p. 379 et s. ; Chapus (R.), Droit
administratif général, T 1, op. cit., p. 592 et s : « Toutes les activités de service public, exercées par des
personnes publiques ou par des organismes de droit privé, et quelque soit leur caractère, administratif
ou commercial, sont dominées par certains grands principes (…). Ces principes sont intimement liés à
l’essence même du service public, ou, en d’autres termes, à son caractère d’activité de plus grand
service ».
20
Fialaire (J.), Le droit des services publics locaux, L.G.D.J, 1998, p. 7 et s. ; Auby (J.F), Les
services publics locaux, Berger-Levrault, 1997, p. 65 et s.
21
Sur ces règles appelées « les lois de Rolland » Voir : Rolland (L.), Précis de droit administratif,
Dalloz, 11ème édition, 1957, n°23 ; Voir également Truchet (D.), Unité et diversité des grands principes
du service public, A.J.D.A., juin 1997, p.38 et s.
22
Leon Duguit écrit en ce sens : « Cette activité [le service public] est d’une importance telle pour la
collectivité qu’elle ne peut pas être interrompue un seul instant. Le devoir des gouvernants est
d’employer leur puissance à en assurer l’accomplissement d’une manière absolument continue. La
8
بمثابة القانون .ويفترض هذا المبدأ تأمين سير المرافق العموميّة بدون توقف أو انقطاع طبق
القوانين والتراتيب الجاري بها العمل .23ويعتبر مبدأ االستمرارية من المبادئ الدستوريّة التي
نص على إن "اإلدارة العموميّة في خدمة
ّ كرسها الدستور في فصله الخامس عشر والذي
ّ
المواطن والصالح العام ،تنظم وتعمل وفق مبادئ الحياد والمساواة واستمرارية المرفق
العام ،"...وهو مبدأ استقر عليه فقه قضاء المحكمة اإلداريّة منذ بداية عملها وذلك من خالل
التأكيد على ّ
أن اإلدارة هي المسؤولة عن ضمان استمرارية المرفق العام وهي كذلك مطالبة
باتخاذ الوسائل الضرورية لضمان استمراريّة عمل المرفق.24
أ ّما فيما يتعلق بالمرافق العموميّة المحلية فقد وقع التنصيص على مبدأ االستمراريّة
نص على ما يلي " :يقوم
صلب الفصل 75مطة ثانية من مجلة الجماعات المحليّة والذي ّ
تسيير كل المرافق العموميّة المحلية على المبادئ والقواعد التالية -2 :استمراريّة
ي هو واجبالخدمات" .فضمان استمراريّة الخدمات التي يقدّمها المرفق العمومي المحل ّ
25
محمول على كل الجماعات المحلية بمختلف أصنافها 26وك ّل تقاعس من طرف الجماعة
المحليّة أو تأخير منها في إسداء الخدمات بدون وجه حق يعتبر بمثابة الخطأ الجسيم الذي
continuité est un des caractères essentiels du service public », Traité de droit constitutionnel, vol. 2,
édition de Boccard, Paris, 3ème édition, 1928, p. 61.
23تجدر اإلشارة هنا إلى أن مبدأ االستمرارية ال يعني الديمومة إذ أن استمرارية عمل المرفق تخضع للقوانين المنظمة لتلك
المرافق والتي تحدد ساعات عمل المرفق واألوقات التي يمكن لمستعملي ذلك المرفق الحصول من خاللها على الخدمات التي
يطلبونها .كما إن مبدأ االستمرارية ال يطبق بنفس الكيفيّة على جميع المرافق ،فبالنسبة للمرافق األساسية مثل الصحة واألمن
والدفاع وغيرها من المرافق الحيويّة فالمبدأ هو إن هذه المرافق يجب أن تعمل باستمرار وال يمكن لهذه المرافق أن تتوقف
عن العمل بدون موجب شرعي.
24المحكمة اإلداريّة ،قضية عدد 10بتاريخ 23جويلية ،1975بوقرة/وزير النقل والمواصالت ،غير منشورة " :وحيث أن
موافقة الموظف على القيام بمأموريّة أذنت بها اإلدارة لم يشترطها القانون إذ المفروض أن اإلدارة ملزمة بالسهر على
تختص وحدها باتخاذ الوسائل المالئمة بمالها من سلطة تقديريّة" ؛
ّ استمرار المرافق العموميّة وفي نطاق هذه المسؤولية فإنها
المحكمة اإلداريّة ،قضية عدد 13300بتاريخ 25فيفري ،2009عباس/وزير التعليم العالي والبحث العلمي والتكنولوجيا،
فإن قرار الجهة المدّعي عليها القاضي برفض إدراج إسم العارض صلب قائمة غير منشورة " :وحيث ول ّما كان األمر كذلكّ ،
المخولة لرئيس اإلدارة هو اختيار من يكفل حسن سير المرفق ّ المتناظرين يكون في محلّه سيّما وأن الهدف من عمليّة االنتقاء
العمومي وإستمراريته وهو ما ال يتوفّر عليه القائم بالدعوى لألسباب المذكورة ،لذا فالمتعيّن رفض هذا الطعن كرفض
الدعوى برمتها".
يفرق بين المبادئ والقواعد التي تحكم تسيير 25تجدر اإلشارة هنا إلى أن الفصل 75من مجلة الجماعات المحلية لم ّ
خص المبادئ المستحدثة المحلي .عدم التفرقة هذه ال تطرح إشكاال بالنسبة للمبادئ التقليدية وإنما اإلشكال ي ّ ّ المرفق العام
لذلك سنتولى في دراستنا لهذه األخيرة إستعمال مصطلحات "مبدأ " "واجب" و"قاعدة" للداللة على نفس المعنى.
26أنظر على سبيل المثال الفصل 270من مجلة الجماعات المحلية " :تحرص اإلدارة البلديّة على خدمة كل المتساكنين في
إطار تطبيق القانون وفق مبادئ الحياد والمساواة والنزاهة والشفافية والمسائلة واستمراريّة المرفق العام."...
9
والذي يجيز لمستعمل المرفق العمومي 27
يمكن على أساسه مساءلة الجماعة المحلية المعنيّة
جراء
المحلي القيام بدعوى في المسؤولية من أجل المطالبة بجبر الضرر الذي لحقه من ّ
إخالل الجماعة المحلية بمبدأ استمراريّة المرفق العا ّم.28
إن ضمان استمرارية المرفق العمومي المحلّي الب ّد أن يشمل كذلك الحاالت التي يقع
ّ
فيها ح ّل مجلس الجماعة أو إيقافه عن النشاط وكذلك حالة االستقالة الجماعيّة ،وفي هذا
اإلطار وفي صورة حل المجلس البلدي او انحالله فانه يقع تعيين لجنة مؤقتة للتسيير
والتنصيص على رئيسها بأمر حكومي باقتراح من الوزير المكلف بالجماعات المحلية بعد
استشارة رئيس المجلس االعلى للجماعات المحلية وذلك تطبيقا لمقتضات الفصل 207من
مجلة الجماعات المحلية .وكذلك االمر بالنسبة للجهة اذ يتم تعيين لجنة مؤقتة لتصريف
شؤون الجهة وذلك تطبيقا لمقتضيات الفصل 305من مجلة الجماعات المحلية .اما في حالة
إيقاف المجلس البلدي عن النشاط فإن الكاتب العام للبلديّة هو الذي يتولى تسيير إدارة
البلدية .29وكذلك الشأن بالنسبة للمجلس الجهوي ففي صورة ايقاف المجلس الجهوي عن
النشاط فإن المدير التنفيذي للجهة هو الذي يتولى تسيير الجهة طيلة مدّة اإليقاف أو إلى حين
انتخاب مجلس جهوي جديد.30
غير إن اإلشكال الذي يطرحه مبدأ استمرارية المرفق العمومي المحلّي هو الناتج عن
تطبيق مقتضيات الفصل 3فقرة ثانية من مجلة الجماعات المحليّة وهي حالة إدماج
الجماعات المحلية والسؤال المطروح هو اآلتي :هل إن دمج الجماعات المحلية يؤول آليا
إلى ح ّل مجالس الجماعات المحلية المعنيّة ؟ وفي صورة ما إذا كان دمج الجماعات المحليّة
يؤدّي إلى حلّها ما هي الضمانات القانونية التي يجب أن تتوفّر لضمان ح ّد أدنى من استقرار
؟ أال يعتبر عدم تقييد الفصل 3 31
واستمرارية المجالس المحليّة في تسيير الشؤون المحلية
28
CE, 27 janvier 1988, Giraud, Rec. p. 39.
29الفصل 204فقرة خامسة من مجلة الجماعات المحليّة.
30الفصل 302فقرة خامسة من مجلة الجماعات المحليّة.
31
في هذه الحالة وحسب الفصل 207مطة رابعة من مجلة الجماعات المحلية فانه يقع تعيين لجنة مؤقتة للتصرف في شؤون
البلدية في حالة اندماج البلديات وذلك لمدة ستة اشهر قابلة للتجديد مرة واحدة ( فصل 208فقرة 4من مجلة الجماعات
المحلية )
10
فقرة 2للح ّد الزمني الذي يقع فيه دمج الجماعات المحلية مخالفا لمقتضيات الفصل 132من
ينص على إن الجماعة المحلية هي التي تدير المصالح المحلية وهو ما يقتضي
ّ الدستور الذي
ضمان ح ّد أدنى من استمرار المجالس المحلية واستقرارها حتى تتولّى أداء مهامها.
مبدأ استمرارية المرفق العمومي يتجلى كذلك من خالل العقود التي تبرمها الجماعات
المحلية والتي أصبح فيها مبدأ االستمرارية مبدأ أساسيّا يحكم العالقة التعاقديّة بين الشخص
العمومي سواء تعلق األمر بالدولة أو بالجماعة المحليّة والمتعاقد معها وكذلك مستعملي تلك
المرافق .ويمكن اإلشارة في هذا اإلطار إلى ما نصت عليه مقتضيات الفصل 95من مجلة
الجماعات المحلية ،حيث ولئن منح هذا الفصل الحق لمانح التفويض ممارسة رقابة على
جميع الجوانب المتعلقة بتنفيذ العقد وكذلك بحقه في تعديل بنود العقد ،فإن ضمان إستمراريّة
وبالتالي ضمان إستمرارية 32
العقد تفرض على مانح التفويض ضمان التوازن المالي للعقد
عمل المرفق موضوع التفويض.33
32
Laurent Richer écrit en ce sens : « La collectivité publique contractante ne peut renoncer à ses
pouvoirs. Ce n’est donc pas parce qu’elle a conclu des contrats qu’elle est privée de la possibilité soit de
prendre des mesures individuelles modifiant le contrat, soit de modifier les réglementations en vigueur
au moment de la conclusion du contrat. Mais si une telle modification cause un préjudice au
cocontractant celui-ci a droit à être indemnisé dans le cadre de la théorie du fait du prince », Droit des
contrats administratifs, L.G.D.J., 2006, p. 287.
33ضمان استمرارية تنفيذ المرفق العام موضوع عقد التفويض تفرض على اإلدارة المتعاقدة التعويض لمعاقدها عند تحمله
أعباء مالية غير عادية .ويجد هذا التعويض أسسه في إطار نظرية فعل األمير ونظرية الظروف الطارئة ونظرية القوة
القاهرة ونظرية الصعوبات غير المتوقعة .أنظر على سبيل المثال :المحكمة اإلدارية ،قضية عدد 15618بتاريخ 25
ديسمبر ،2007شركة المقاوالت العربية لألشغال العا ّمة ولألشغال المائية والكهربائيّة /رئيس المجلس الجهوي بجندوبة،
غير منشورة ؛ المحكمة اإلدارية ،قضية عدد 22264بتاريخ 30جوان ،2000مجموعة دراغادوس/المكلف العام بنزاعات
أقرت القاعدة األصولية إن العقد شريعة الطرفين إال إن مبادئ القانون الدولة في حق وزارة الفالحة ،غير منشورة " :لئن ّ
جراء تنفيذه للعقد في ظروف ّ من لحقته التي اديةع ال غير الخسائر اإلداري تبيح لمعاقد اإلدارة الحق في التعويض عن
استثنائية وبصورة مخلة بالتوازن المالي للعقد ،خاصة إذا كانت جهة اإلدارة متسببة في تلك الظروف أو كانت خارجة تماما
عن طرفي العقد"؛ المحكمة اإلدارية ،قضية عدد 312921بتاريخ 10جوان ،2013م.ع.ن.د في حق وزارة التجهيز
والبيئة/شركة مقاوالت مفتاح لألشغال العامة ،غير منشورة " :وحيث استقر فقه القضاء اإلداري على أنّه إذا جدّت أثناء تنفيذ
العقد اإلداري ظروف اقتصاديّة خارجة عن إرادة الطرفين ولم يكن باإلمكان توقعها عند التعاقد بشكل يؤدي إلى اإلخالل
بالتوازن المالي للعقد إخالال جسيما وإلى قلب اقتصادياته رأسا على عقب جاز للقاضي اإلداري إلزام اإلدارة بمساعدة
المتعاقد على مجابهة هذه الظروف الطارئة وذلك بتعويضه جزئيا عن الخسائر االستثنائية الناجمة عن تجاوز الحدّ األقصى
الرتفاع األسعار الذي كان باإلمكان توقعه عند إبرام العقد.
وحيث عمال بذلك فإن المبالغ المالية المحكوم بها في هذه الحالة ال تكتسي صبغة التعويض الشامل وإنما توزيع أعباء الخسارة
االستثنائية على الطرفين بغاية تجاوز الصعوبات التي تعترض تنفيذ العقد اإلداري وضمانا لحسن سير المرفق العام" .لمزيد
من التع ّمق أنظر :
Terneyre (Ph.), La responsabilité contractuelle des personnes publiques en droit administratif, thèse,
Economica, Paris 1989.
11
واجب ضمان استمرارية المرفق العام موضوع عقد التفويض محمول كذلك على
صاحب التفويض ،34ففي صورة إخالل هذا األخير بهذا الواجب فإنّه يحق لمانح التفويض
جراء عدم قدرة صاحب التفويض
فسخ العقد والمطالبة بالتعويض عن الضرر الذي لحقه من ّ
تأمين استمرارية عمل المرفق موضوع التفويض .35كما إن مبدأ استمرارية المرفق العام
يمنح الحق للجماعة المحلية المتعاقدة في عدم اللجوء إلى المنافسة في اختيار المتعاقد معها
وذلك في حالة التأ ّكد الشديد لضمان استمرارية المرفق العام 36ويكون ذلك عن طريق تنظيم
استشارة أو عن طريق التفاوض المباشر.
غير إن اإلشكال الذي يطرحه مبدأ استمرارية المرفق العام هو الناتج عن ممارسة
صة في ظ ّل
حق اإلضراب وما قد يترتب عن ذلك من إخالل بالسير المستمر للمرفق العام خا ّ
تضارب النصوص القانونية المنظمة لحق اإلضراب .فمن ناحية نجد أن الدستور التونسي
يجرم هذا
ومن ناحية أخرى نجد أن الفصل 107من المجلة الجنائية ّ 37
يقر حق اإلضراب
ّ
الحق ويعاقب بسنتين سجنا كل تعطيل لسير المرافق العموميّة .هذا باإلضافة إلى غموض
أقرت هذا الحق ألعوان المرافق
على عكس مجلة الشغل التي ّ 38
قانون الوظيفة العمومية
العا ّمة الصناعيّة والتجاريّة ونظمته ضمن الفصول 376إلى 390المتعلقة بالنزاعات
12
الجماعيّة .هذه النصوص القانونيّة المختلفة والمتضارب بعضها مع مقتضيات الفصل 36من
المشرع تنقيحها حتى تكون منسجمة مع متطلبات الفصل المذكور الذي
ّ الدستور تقتضي من
يكرس عدم قابلية
يقر حق اإلضراب خاصة وأن الفقرة الثانية من الفصل 49من الدستور ّ
وحرياته المضمونة بالدستور والتي من
ّ تعديل األحكام المتعلقة بمكتسبات حقوق اإلنسان
بينها حق اإلضراب وذلك إعماال للتكريس الدستوري لمبدأ عدم التراجع.
39المحكمة اإلداريّة ،قضيّة عدد 3681/ 3523بتاريخ 21جوان ،1995الزواغي /وزير الصحّة العموميّة ،المجموعة،
المخول للعارض بصفته مسؤوال ّ أن حق اإلضراب والدعوة إليه يندرجان في إطار ممارسة الحق النقابي ص " .267وحيث ّ
نجر
نقابيّا طبق ما نصت عليه أحكام الفصل 4من قانون الوظيفة العموميّة على أن تكون تلك الممارسة مطابقة للقانون وال ي ّ
عنها إخالل بالنظام العام".
40المحكمة اإلداريّة ،قضية عدد 1 / 14510بتاريخ 28مارس ،2008التريكي/وزير التعليم العالي والبحث العلمي،
المجموعة ،ص" : 27 .وحيث يتبيّن من أوراق الملف أنّه تم اتخاذ المنشور في إطار ما يتمتع به وزير التعليم العالي
والبحث العلمي والتكنولوجيا بوصفه رئيس اإلدارة من صالحيات لتسيير هذا المرفق لمواجهة ظرف استثنائي متمثل في
إضراب بعض األساتذة الجامعيين في نهاية السنة الجامعية 2005/2004وحرصا منه على حسن سير امتحانات نهاية السنة
الجامعية المذكورة".
عرف المشرع التونسي المصلحة األساسيّة بأنها المصلحة التي يضع توقف العمل بها حياة أو أمن أو صحة 41لئن ّ
األشخاص من مجموع المتساكنين أو بعضهم في خطر (الفصل 381ثالثا من مجلة الشغل) فإن قائمة المصالح األساسيّة لم
نص على ذلك الفصل المذكور وهو ما يجعل من تدخل السلطة الترتيبيّة العامة لضبط هذه القائمة أمرا يقع ضبطها بأمر مثلما ّ
ضروريّا حماية لمصالح وحقوق المواطنين.
42تجدر اإلشارة هنا إلى أن المرافق التي يجب أن تحافظ على الحدّ األدنى من الخدمات في حالة اإلضراب ال يشمل فقط
المرافق األساسيّة ولكن يشمل كذلك المرافق التي ال تبدوا أساسية بالمعنى الضيّق للكلمة والتي من شان استمرار اإلضراب
فيها أن يحدث أزمة حادّة تهدد حياة المتساكنين وكذلك الشأن بالنسبة للمرافق التي تكتسي أهميّة بالغة .لمزيد من التعمق،
أنظر :
13
هذه الوضعية تقتضي من المشرع التدخل بمقتضى قانون 44تطبيقا لمقتضيات الفصل
49من الدستور وذلك من أجل تقنين شروط ممارسة حق اإلضراب المنصوص عليه
بالفصل 36مع إقرار عقوبات زجريّة في حالة التعسف في استعمال ذلك الحق وذلك قصد
Gernigon (B.), Odero (A.) et Guido (H.) (rééd), Les principes de l’OIT sur le droit de grève, Genève,
Bureau international du travail, Organisation internationale du travail, 2000, p. 30.
43يبقى الح ّل هنا بالنسبة لإلدارة في حالة اإلضراب هو اللجوء إلى وسيلة التسخير والتي بمقتضاها يمكن تسخير المؤسسة
أو عملتها في حالة اإلضراب أو الصدّ عن العمل وكان من شأنه أن يخل بالسير العادي لمصلحة أساسية( .أنظر على سبيل
المثال الفصل 389من مجلة الشغل) .وقد وقع اللجوء إلى وسيلة التسخير في العديد من المرات في تونس ويمكن أن نذكر
على سبيل المثال األمر الحكومي عدد 38لسنة 2019المؤرخ في 16جانفي 2019والمتعلق بتسخير بعض األعوان
التابعين لبعض الوزارات والمؤسسات والمنشآت العمومية (الرائد الرسمي عدد 5بتاريخ 16-15جانفي ،2019ص)139 .
وذلك إثر اإلضراب العام الذي قرره اإلتحاد العام التونسي للشغل يوم الخميس 17جانفي .2019ومن ناحية أخرى فإن
أقر الحق لإلدارة في اللجوء إلى التسخير عندما يتعلق األمر بمرافق عمومية حيويّة وأساسيّة بالنسبة القاضي اإلداري ّ
للمواطنين مثل المرفق العام الصحي :المحكمة اإلدارية ت.ت .قضيّة عدد 416699بتاريخ 27فيفري ،2014سيرين
الشعري ومن معها /والي تونس ،غير منشورة " :وبعد اإلطالع على التقرير المقدم من والي تونس بتاريخ 10فيفري 2014
الذي جاء به بالخصوص أنّه على إثر اإلضراب الذي قام به األطباء وما نتج عنه من تعطيل للمرفق العام للص ّحة تدخلت
الوالية بموجب القانون عدد 52لسنة 1975المؤرخ في 13جوان 1975المتعلق بضبط مشموالت اإلطارات العليا لإلدارة
الجهوية وكذلك الفقرة 5من الفصل 4من األمر عدد 50لسنة 1978المؤرخ في 26جانفي 1978المتعلق بتنظيم حالة
تخول للوالي اللجوء إلى تسخير األشخاص والمكاسب الضرورية لحسن سير المصالح العموميّة والنشاطات الطوارئ التي ّ
ذات المصلحة الحيويّة بالنسبة لأل ّمة نظرا إلى إن ضمان استمرارية المرفق الصحي هو من أه ّم المصالح الحيوية للشعب
وبالتالي فإن اإلدعاء الوارد بالمطلب بالتعدّي على الحق النقابي ال أساس له من الصحة باعتبار أن ممارسة الحقوق النقابية ال
كرسه قرار التسخير المراد توقيف تنفيذه."...وتجدر اإلشارة هنا إلى أن العديد
تعني حرمان المرضى من حق العالج وهو ما ّ
من البلدان مثل كندا وفرنسا وإسبانيا وقع التخلي تدريجيّا عن تقنية التسخير واللجوء إلى وضع قائمة تنص على المرافق
العموميّة األساسيّة والتي يجب أن تتوفر على الحدّ األدنى من إستمرارية الخدمات في صورة اإلضراب .هذه القائمة يقع
تحديدها بمقتضى قانون أو أمر( في إسبانيا مثال تشمل هذه القائمة مرافق الصحة ،والسكك الحديدية والمالحة الجوية) بعد
التشاور مع الهياكل النقابيّة واألطراف المعنيّة والتي بمقتضاها تلتزم هذه األطراف بتوفير الحدّ األدنى من استمرارية المرافق
العموميّة الحيويّة في صورة اإلضراب مع تعريض كل مخالف إلى التتبعات القانونية .وتشمل هذه القائمة حاليا في فرنسا
اإلذاعة والتلفزة والمالحة الجوية .أ ّما فيما يتعلق بإجراءات التسخير فإن القاضي اإلداري في فرنسا قد أ ّكد على ضرورة أن
تكون تلك اإلجراءات قد فرضتها ظروف طارئة وإستعجاليّة وأن تكون التدابير المتخذة متناسبة مع مقتضيات األمن العام.
أنظر في هذا اإلتجاه :
Le Bot (O.), Le juge des référés, le droit de grève et le pouvoir de réquisition du préfet, AJDA, 2004, p.
1138.
44
Le conseil constitutionnel français a décidé, dans son arrêt numéro 2007-556 du 16 août 2007 (Rec.
D.C.C. p. 319), loi sur le dialogue social et la continuité du service public dans les transports terrestres
réguliers de voyageurs, que « le droit de grève est un principe de valeur constitutionnelle mais qu’il a
des limites et ont habilités [Les constituants] le législateur à tracer celles-ci en opérant la conciliation
nécessaire entre la défense des intérêts professionnels, dont la grève est un moyen, et la sauvegarde de
l’intérêt général auquel la grève peut être de nature à porter atteinte ; que, notamment en ce qui
concerne les services publics… ».
14
و بصورة عا ّمة 45
تحقيق موازنة بين ممارسة حق االضراب وحماية النظام العام
الضرورات المنصوص عليها بالفقرة األولى من الفصل 49من الدستور.46
هذه الضوابط القانونية الواردة على الحقوق والحريات المنصوص عليها بالدستور
تخضع لرقابة التناسب التي تقوم بها الهيئات القضائية الدستورية بمناسبة نظرها في دستورية
مشاريع القوانين المنظمة لتلك الحقوق والحريات 47ثم لرقابة القاضي اإلداري بمناسبة نظره
والحريات 48وذلك
ّ في التدابير المتخذة من طرف اإلدارة والتي تح ّد من ممارسة تلك الحقوق
45
Selon le conseil d’Etat français « La reconnaissance du droit de grève ne saurait avoir pour
conséquence d’exclure les limitations qui doivent être apportées à ce droit comme à tout autre en vue
d’en éviter un usage abusif ou contraire aux nécessités de l’ordre public », CE, 7 juillet 1950, Dehaene,
Rec. p. 426.
والحريات الواردة بالفقرة األولى من الفصل 49من الدستور ال تخلو ّ 46تجدر اإلشارة هنا إلى أن موجبات الحدّ من الحقوق
من بعض الغموض م ّما يجعلها قابلة لتأويالت عديدة في ظل غياب تعريف دقيق لبعض المفاهيم مثل الدولة المدنية واآلداب
العامة وهو ما من شانه أن يوسّع من السلطة التقديريّة لإلدارة في إعمال الضوابط المتعلقة بتلك الحقوق والحريات المحددة
بمقتضى القانون .حول مسألة الضوابط الدستورية للحقوق والحريات أنظر :معتز القرقوري ،الضوابط الدستورية للحقوق
والحريات من خالل الفصل 49من دستور 27جانفي ،2014منشورات مدرسة الدكتوراه بكلية الحقوق بصفاقس ،عدد ،4
ص 83 .وما بعدها.
كرسها المجلس الدستوري التونسي ثم فيما بعد الهيئة الوقتيّة لمراقبة دستورية القوانين .بالنسبة للمجلس 47هذه الرقابة ّ
الدستوري (أنظر على سبيل المثال الرأي اإلستشاري عدد 65لسنة 2006وذلك بمناسبة نظره في دستورية بعض أحكام
صرح بأنّه "عند
مشروع قانون المالية لسنة . 2007الرائد الرسمي عدد 103بتاريخ 26ديسمبر ،2006ص )5267 .حيث ّ
للمشرع أن يحدّ من البعض منها حسب ّ تزاحم الحقوق المحميّة بالدستور والقيم والمبادئ الدستوريّة في صور معيّنة ،يسوغ
موازنة بينها يقدرها بشرط أن تكون متناسبة مع الهدف المنشود" .أ ّما بالنسبة للهيئة الوقتية لمراقبة دستورية القوانين المنشأة
بمقتضى القانون عدد 14لسنة 2014المؤرخ في 18أفريل ،2014فإنّها ،وفي إطار تكريسها لرقابة التناسب تطبيقا
لمقتضيات الفصل 49من الدستور ،قد اعتبرت في قرارها عدد 2المؤرخ في 8جوان ( 2015الرائد الرسمي عدد 47
بتاريخ 12جوان ،2015ص )1476 .وذلك بمناسبة نظرها في دستورية مشروع القانون األساسي المتعلق بالمجلس األعلى
للقضاء ،أن الفقرة الثالثة من الفصل 17من مشروع القانون المذكور مخالفة لمقتضيات الفصلين 34و 27من الدستور
"بمقولة أن اشتراط تصريح المترشح على الشرف بعدم تعلق شبهة الفساد اإلداري أو المالي أو السياسي به ضمن هذا الفصل
في فقرته الثالثة من مشروع القانون عدد 2015/16وإن كان يتنزل في سياق تعزيز مبادئ الشفافية والنزاهة والمساءلة
الواردة بالفقرة األولى من الفصل 130من الدستور فإنّه يؤول إلى حرمان غير مبرر أو متناسب من حقوق وحريات
دستورية باعتبار عمومية الشرط وعدم قابلية تحديده قانونا وهو ما يصيّره شرطا تضييقيّا مخالفا لضوابط الفصل 49من
الدستور ،كما إن اشتراط عدم تعلق مجرد شبهة الفساد المالي أو اإلداري أو السياسي بالمترشح يؤول إلى المس بقرينة
المكرسة بالفصل 27من الدستور "...لمزيد من التعمق أنظر :ّ البراءة
Costa (J.P), Le principe de la proportionnalité dans la jurisprudence du conseil d’Etat, AJDA, 1988,
p.437 et s. ; Fromont (M.), République fédérale d’Allemagne, l’Etat de droit : Ce principe de
proportionnalité « prohibe toute atteinte excessive aux droits ou à la situation d’un individu et qui
impose donc à l’Etat une obligation de modération (…), s’est développé à ‘l’origine, dans le cadre du
droit administratif et plus précisément dans la jurisprudence administrative relative à la légalité des
mesures de police », RDP, 1984, p. 1214 ; Ben Tanfous (Z.), Le juge constitutionnel et l’article 49 de
la constitution portant sur la protection des droits et des libertés, Infos-juridiques, n°26/261, mai 2018,
p. 10 et s.
48المحكمة اإلدارية ،قضية عدد 150168بتاريخ 2جويلية ،2018حمودة/وزير الداخلية ،غير منشورة " :وحيث
وبصرف النظر عن انعدام السند القانوني لقرار اإلخضاع لإلقامة الجبرية ،فإن ممارسة اإلدارة لنشاط الضبط اإلداري
يخضع إ لى مجموعة الضوابط التي استقر عليها القضاء اإلداري والتي تقتضي تقيد اإلدارة بالقواعد التشريعية المنظمة
للحقوق والحريات وأالّ تحدّ منها إال في حدود ضيّقة تبررها مقتضيات الحفاظ على النظام العام ومستوجبات الضرورة.
15
من خالل التثبت من مدى تناسب التدابير التي تح ّد من ممارسة تلك الحرية مع الظروف التي
حفت بإتخاذها واألهداف التي ترمي إلى تحقيقها .49وتكتسي هذه الرقابة أهميّة بالغة في ظل
غياب النصوص القانونية المنظمة لتلك الحقوق والحريات والتي من بينها الحق النقابي وهو
صرحت فيه
ما أكدته المحكمة اإلدارية في قرارها الصادر بتاريخ 26جوان 502015والذي ّ
بما يلي " :وحيث ولئن ال جدال في أن ممارسة الحقوق المضمونة دستوريا تخضع بطبيعتها
لضوابط وحدودّ ،
فإن تلك الحدود ال يجب أن تترك للسلطة التقديرية لإلدارة بل تظل
محكومة بالقواعد الموضوعة بالدستور ذاته(.)...
وحيث إن إحالة الفصل 49من الدستور إلى المشرع اختصاص تنظيم ممارسة الحق
النقابي وتحديد ضوابطه واالستثناءات المدخلة عليها عند االقتضاء ال يجب أن يؤول إلى
المساس بجوهر ذلك الحق وأن ال يتجاوز الحاالت المنصوص عليها بالفصل المذكور.
وحيث لئن لم تصدر بعد النصوص التشريعية ذات العالقة بممارسة الحق النقابي على
معنى أحكام الفصول 35و 36و 49من الدستور سالفة البيان فإنّه ال خالف بان مبدأ ضمان
الحق النقابي ومبدأ تيسير ممارسة ذلك الحق تنتمي لزمرة المبادئ ذات القيمة الدستورية التي
توجب على الدولة احترامها وتوفير مقومات ضمانها".
ّ
إن رقابة التناسب التي يمارسها القاضي اإلداري تبدو ضرورية لحماية الحقوق
والحريات وهي مك ّملة لمبدأ الضرورة .فعندما يتعلق األمر بالحقوق والحريات ّ
فإن القاضي
المخولة لإل دارة مهما كان موضوع إعمالها ومهما اتسع مداها ال تعني السلطة المعفاة من كل
ّ وحيث أن السلطة التقديرية
رقابة طالما أن القول بخالفه يجعل منها سلطة مطلقة ويؤول إلى إعفاء القرارات اإلدارية الصادرة في إطارها من الخضوع
إلى مبدأ الشرعية من جهة ومن جهة أخرى إلى منع قاضي اإللغاء من ممارسة وظيفته في مراقبة هذه القرارات وأخيرا إلى
خرق أسس دولة القانون التي تفترض حماية حقوق األفراد".
49وقع تكريس رقابة التناسب بمناسبة قرار Benjaminالصادر عن مجلس الدولة الفرنسي بتاريــــخ 19ماي 1933
) ،(Rec. p. 541أما في تونس فقد وقع تكريس رقابة التناسب بمناسبة القرار الصادر عن المحكمة اإلداريّة عدد 3879
بتاريخ 15مارس ( 1995كريشان/بلدية القصرين ،المجموعة ،ص .)128 .أنظر كذلك على سبيل المثال :المحكمة
الملوح/الهيئة الفرعية لإلنتخابات بتونس ،2غير منشورة :
ّ اإلدارية ،قضية عدد 20181015بتاريخ 16مارس ،2018
"وحيث لئن كان األصل في ممارسة الحق في الترشح هو الحرية وأن التضييق منها هو االستثناء وأن المش ّرع ،ومن بعده
الهيئة العليا المستقلة لإلنتخابات بما لها من سلطة ترتيبية ،يخضعان إلى رقابة قضائية تمتد إلى حدّ التثبت من مدى تناسب
التدابير التي تحدّ من حرية ممارسة حق الترشح مع الظروف التي خفت باتخاذها واألهداف التي ترمي إلى تحقيقها".
50المحكمة اإلدارية ،قضية عدد 139135بتاريخ 26جوان ، 2015الجامعة العامة التونسية للشغل/رئيس الحكومة ووزير
الشؤون االجتماعية ،غير منشورة.
16
اإلداري يقوم بمراقبة تناسب التدابير المتخذة من قبل اإلدارة مع الهدف المراد تحقيقه.51
فسلطة اإلدارة وخاصة في مجال الضبط اإلداري ال يمكنها أن تح ّد من الحرية إالّ إذا
استنفذت كل الحلول والوسائل لحماية النظام العام .52فالقرارات التي تتخذها اإلدارة والتي
بمقتضاها تح ّد من الحقوق والحريات ال تكون شرعيّة إالّ إذا كانت متناسبة مع األسباب التي
في اتخاذ 53
أدّت إلى اتخاذها واألهداف التي ترمي إلى تحقيقها مع احترام مبدأ التدرج
التدابير التي تستلزمها ضرورة التوفيق بين المحافظة على النظام العام وممارسة تلك
الحرية.54
إن اإلقرار بحق اإلضراب في الدستور يقتضي التوفيق بينه وبين مبدأ استمرارية
المرفق العام كإحدى المبادئ الدستورية ،وبينه وبين قيمة العمل المنصوص عليها بتوطئة
الدستور بإعتبار أن مبدأ االستمرارية هو األساس الذي تقوم عليه بقيّة المبادئ التي تحكم
تسيير المرفق العام والتي من بينها مبدأ المساواة.
51أنظر على سبيل المثال :المحكمة اإلدارية ،ت.ت ،.قضية عدد 413108بتاريخ 22فيفري ،2010غير منشورة :
"وحيث انّه بالنظر إلى طبيعة األفعال المنسوبة للعارض من جهة وإلى كونه لم تبق له أي رابطة عائلية بالقطر المغربي من
فإن قرار الترحيل الذي أستهدفه سوف ينال ،في صورة تنفيذه بصفة مشطة وغير متناسبة مع األهداف التي جهة أخرىّ ،
يرمي إليها ،من حقه التمتع بحياة عائلية ،مما يجعل األسباب التي استند إليها تبدو جديّة في ظاهرها".
52لمزيد من التعمق أنظر :وحيد الفرشيشي ،اتجاهات القضاء اإلداري في رقابة التدابير الضبطيّة ،أعمال ملتقى نظمته
الجمعية التونسية للعلوم اإلدارية بعنوان "القضاء اإلداري بعد إصالحات 3جوان ،" 1996مركز النشر الجامعي ،تونس
،2002صفحة 392وما بعدها.
53بمزيد من التعمق أنظر على سبيل المثال ،المحكمة اإلدارية ،قضية عدد 11049بتاريخ 19نوفمبر ،2005كمال
باألخضر/رئيس بلدية توزر ،غير منشورة " :وحيث أن ثبوت التهديد للنظام العام ال يمنح البلديّة سلطات مطلقة لرد الخطر
وإنما يفرض عليها توخي التدرج في اتخاذ إجراءات الضبط اإلداري وانتهاج إجراءات وقائية أقل صرامة من الغلق من
شأنها أن تحقق نفس األهداف"...؛ المحكمة اإلدارية ،قضية عدد 17332بتاريخ 29ديسمبر ،2000دريرة/رئيس بلدية
تونس ،غير منشورة" ،وحيث يتضح بالرجوع إلى القرار المطعون فيه وإلى جملة أوراق القضية إن قرار الغلق المطعون
فيه لم يكن ذا صبغة مؤقتة وان رئيس البلدية لم يحترم مبدأ التدرج ،األمر الذي يتجه معه قبول المطعن الراهن وكذلك
الدعوى برمتها على هذا األساس".
54لمزيد من التعمق أنظر :
Loukil (F.), Le juge de l’excès de pouvoir et libertés individuelles, Mémoire en vue de l’obtention du
mastère de recherche en droit public, Faculté de droit de Sfax, 2015-2016, édition Faculté de droit de
Sfax, 2018, p. 82 et s.
17
يعتبر مبدأ المساواة من المبادئ األساسيّة التي تحكم سير المرافق العموميّة الوطنية
منها والمحليّة .وهو تكريس لما ورد بالدستور في فصله الخامس عشر 55وهو كذلك تكريس
وهو كذلك مبدأ من 56
لمبدأ المساواة أمام القانون المنصوص عليه بالفصل 21من الدستور
كرسها فقه القضاء اإلداري .57بالنسبة للمرفق العام المحلي وقع
المبادئ العا ّمة للقانون التي ّ
التنصيص على مبدأ المساواة صلب الفصل 75مطة أولى من مجلة الجماعات المحلية.58
وهذا المبدأ يحكم سير جميع المرافق العمومية إدارية كانت أو ذات صبغة صناعية وتجاريّة.
ويعني مبدأ المساواة أمام المرافق العموميّة حق الجميع في التمتع بخدمات المرفق العمومي
وذلك دون تمييز بينهم على أساس انتماءاتهم الدينيّة 59
إذا توفرت شروط االستفادة القانونية
والسياسية سواء تعلق األمر بأعوان المرفق أو مستعمليه.60
غير إن مبدأ المساواة أمام المرفق العام ال يكتسي صبغة مطلقة باعتبار أن المساواة
يقصد بها حسب القاضي اإلداري عدم التفرقة بين أفراد الفئة الواحدة إذا تماثلت مراكزهم
القانونية ،61وبالتالي هنا المساواة ال تكون إالّ بين األفراد الذين ينتمون لنفس الصنف وفي
نفس الوضعية القانونية 62وعلى هذا األساس فإنّه ال يقع إعمال مبدأ المساواة في حالة وجود
فوارق في الوضعيّة الواقعية والقانونية للمعنيين بالقرار.63
ظم وتعمل وفق مبادئ الحياد والمساواة واستمرارية المرفق " 55اإلدارة العمومية في خدمة المواطن والصالح العام ،تن ّ
العام."...
" 56المواطنون والمواطنات متساوون في الحقوق والواجبات وهم سواء أمام القانون من غير تمييز."...
57المحكمة اإلدارية ،قضية عدد 677بتاريخ 7جويلية 1982الكوني ومن معه/وزير الشباب و الرياضة ،المجموعة ،ص.
98؛ المحكمة اإلدارية ،قضية عدد 14919بتاريخ 28جانفي ،2009علي بن الهادي بوسعيد/وزير الفالحة والموارد
المائيّة ،غير منشورة " :وحيث أ ّن مبدأ المساواة يقتضي إلتزام اإلدارة بالقانون دون ميز بين األفراد كلّما تماثلت وضعيّاتهم".
" 58يقوم تسيير كل المرافق العمومية المحلية على المبادئ والقواعد التالية :
-1المساواة بين مستعمليها والمتعاقدين معها."...
59
Guglielmi(G.) et Koubi (G.), Droit du service public, op. cit., p. 384 : « L’égalité dans le service
public signifie que les usagers du service considéré sont tous soumis à un même régime juridique… ».
60
«Ce principe [le principe d’égalité] interdit ainsi que le service soit assuré de manière différente, en
fonction de considérations politiques ou religieuses, à l’encontre de son personnel et de ses usagers »,
Auby (J.F.), Les services publics locaux, op. cit., p. 66.
61المحكمة اإلدارية ،قضية عدد 1405/1404بتاريخ 17جويلية ،1989نقابة أعوان البنك المركزي/محافظ البنك
المركزي ،المجموعة ،ص 209 .؛ المحكمة اإلدارية ،قضية عدد ،14919مذكورة سابقا.
62أنظر على سبيل المثال :المحكمة اإلدارية ،قضية عدد ،17972بتاريخ 16مارس ،2002بوعبدلي/وزير التعليم العالي،
غير منشور ة " :وحيث على نحو ما تمسك به نائب المدعي ،فإن القرار الوزيري سند القرار المخدوش فيه جاء خارقا لمبدأ
المساواة لما ميّز بين طالب المعادلة المقيم بالخارج مع والديه وبين نظيره المقيم بالخارج بمفرده ،ذلك أنّه ال يجوز طبق ما
أستقر عليه الفقه والقضاء إحداث األصناف ضمن المجموعة الواحدة وبالتالي التمييز بينها إالّ باالعتماد على معايير
18
إن مبدأ المساواة ال يمنع من إدخال بعض االستثناءات عليه وذلك العتبارات متعلقة
تكريسا لمقتضيات الفصل 136من الدستور .65وتطبيقا 64
بالتضامن والتمييز اإليجابي
المشرع ضمن مجلة الجماعات المحلية إلى إدخال بعض
ّ لمقتضيات الفصل المذكور سعى
االستثناءات على مبدأ المساواة وذلك قصد الح ّد من التفاوت بين مختلف الجماعات المحلية
بناء على مبدأ التمييز اإليجابي وذلك عن طريق قيام الدولة بتقديم مساعدة مالية لبعض
الجماعات المحلية قصد مساعدتها على بلوغ التوازن المالي عن طريق تخصيص استثمارات
وتحويل إعتمادات تعديل خصوصيّة 66وذلك باعتماد آلية التسوية والتعديل.67
موضوعية تكون مستمدة ومرتبطة بالحق المطالب به وهي غير صورة الحال ،ضرورة أن المعيار المستحدث ال يتعلق بقيمة
الشهادة المراد م عادلتها وال بمحتوى التكوين الذي تلقاه المعني باألمر".
63أنظر على سبيل المثال :المحكمة اإلدارية ،قضية عدد 2089بتاريخ 17فيفري ،1993غربي/وزير التربية والعلوم،
المجموعة ،ص" : 477.وحيث أن وجود فوارق في الوضعية يمكن أن يبرر فوارق في المعاملة بالنسبة لالمتيازات المالية"؛
المحكمة قضية عدد 14919بتاريخ 28جانفي ،2009مذكورة سابقا " :وحيث لم يفلح نائب المدّعي في تقديم ولو بداية ح ّجة
على وجود وجه من أوجه الالمساواة في تعامل المدّعي عليها مع مطلبه كالتدليل على الوضعيات الواقعيّة والقانونية المماثلة
لوضعيته والتي انتفعت بمياه الري فيما حرم هو منها".
64
Dans son rapport public, le conseil d’Etat définit la discrimination positive comme étant une
« catégorie particulière de discrimination justifiée, mise en œuvre par une politique volontariste et dont
l’objectif et la réduction d’une illégalité », Rapport public de 1996 sur le principe d’égalité, E.D.C.E.,
n°48, p. 87.
65تنص الفقرة األولى من الفصل 136من الدستور على ما يلي " :تتكفل السلطة المركزيّة بتوفير موارد إضافيّة للجماعات
المحلية تكريسا لمبدأ التضامن وباعتماد آلية التسوية والتعديل".
66الفصالن 38و 39من مجلة الجماعات المحليّة.
67التسوية المالية péréquation financièreهي عبارة عن آلية تمكن من إعادة توزيع الموارد المالية وذلك قصد الحدّ من
التفاوت في المداخيل بين مختلف الجماعات المحلية .وتنقسم هذه األخيرة إلى تسوية مالية عمودية وتسوية مال ّية أفق ّية .بالنسبة
للتسوية المالية العمودية فهي التي تتم بين الجماعات المحلية وذلك من خالل تخصيص نسبة من مداخيل الجماعة المحلية
األكثر ثراءا لفائدة الجماعة المحلية األقل ثراءا .أما بالنسبة للتسوية األفقيّة فهي التي تتم عن طريق تحويل إعتما دات مالية من
طرف الدولة لفائدة الجماعة المحلية من أجل مساعدتها على ضمان التوازن المالي .هذه اإلعتمادات المتأتية من الدولة يمنحها
الممول من ميزانية الدولة( .الفصل 38فقرة ّ في تونس صندوق دعم الالمركزيّة والتعديل والتضامن بين الجماعات المحلية
أولى من مجلة الجماعات المحليّة).
19
الحرة بعيدا عن تد ّخل السلطة
ّ ممارسة أنشطتهم الصناعية والتجاريّة في نظام تحكمه المنافسة
العا ّمة سواء عن طريق إعانات مالية لبعض المؤسسات أو عن طريق أوامر من شأنها أن
؟ ما هي الضمانات القانونية الممنوحة للمؤسسات األخرى 68
تحد من مبدأ المنافسة
المتضررة من تلك االمتيازات المالية والجبائية؟ هل يمكن لهن اللجوء للقضاء من أجل إبطال
تلك االمتيازات ؟ في انتظار صدور القانون المنظم لشروط منح تلك االمتيازات يمكن
االستئناس بالقانون األوروبي والذي يسمح بإعطاء امتيازات مالية للمؤسسات البلدية في حالة
ما إذا كانت هذه االمتيازات تهدف مثال إلى تحقيق التنمية الجهويّة أو كانت ذات بعد
اجتماعي.69
مبدأ المساواة يحكم كذلك عالقة المرفق بأعوانه ومستعمليه والمتعاقدين معه .بالنسبة
ألعوان المرافق العا ّمة فإن مبدأ المساواة يكون أوال عند االنتداب ،إذ يجب إخضاع جميع
المترشحين إلى نفس القواعد والشروط .وكذلك فيما يتعلق بالمسار الوظيفي إذ يمنع على
المشرفين على المرفق العام إقامة تفرقة بين األعوان على أساس جنسي أو ديني ،وهو مبدأ
أ ّكد عليه فقه القضاء اإلداري في العديد من قراراته .70وتطبيقا لمبدأ المساواة فإن عملية
وذلك لضمان ح ّد أدنى من 71
االنتداب في المرفق العام تكون أساسا عن طريق المناظرة
الموضوعية والحياد في عملية االنتداب .72وعلى هذا األساس فإن قانون الوظيفة يمنع على
« La libre concurrence implique une intervention modérée de l’Etat, une intervention dont tout le
68
monde puisse faire son profit. Elle écarte les soutiens et les protections dont le seul but est de maintenir
en état de survie artificielle des modes de productions désuets, aux dépens des consommateurs et des
contribuables, dans un premier temps, de la croissance et de l’emploi dans un deuxième temps »,
Bienayme (A.), Principes de concurrence, Economica, 1998, p.442.
69لمزيد من التعمق أنظر الفصلين 92و 93من اتفاقية ماستريخت.
70أنظر على سبيل المثال :المحكمة اإلداريّة قضية عدد 677بتاريخ 7جويلية ،1982الكوني ومن معه/وزير الشباب
والرياضة ،مذكورة سابقا.
71أنظر الفصل 18من قانون الوظيفة العمومية المؤرخ في 12ديسمبر .1983
72المحكمة اإلدارية ،قضية عدد 13300بتاريخ 25فيفري ،2009مذكورة سابقا " :وحيث تمثل المناظرة طريقة االنتداب
تكرس احترام مبدأ المساواة في االلتحاق بالوظيفة العموميّة بتمكين المترشحين من نفس حظوظ النجاح وإخضاعهم التي ّ
لنفس االختبارات النتقاء أفضل الكفاءات وأجدرها لشغل الوظائف المعروضة على أن الحق في التناظر يبقى معلّقا على
استجابتهم لمجموعة من الشروط".
20
باستثناء 73
اإلدارة التنصيص في ملف العون العمومي على االنتماءات الدينية والسياسيّة
صة التي تحتمها طبيعة الوظائف.74
األحكام الخا ّ
أ ّما فيما يتعلق بتطبيق مبدأ المساواة على مستعملي المرافق العا ّمة فإنّه يفيد تساوي
الجميع في اإلنتفاع بخدمات المرفق وفي تحمل أعباءه .وكل خطأ ناتج عن سير المرفق العام
تترتب عليه قيام مسؤولية المرفق وبالتالي حق المتضرر في التعويض على أساس خرق
اإلدارة لمبدأ المساواة أمام األعباء العمومية.75
أما فيما يتعلق بالمساواة في االنتفاع بخدمات المرفق العام فيعني أن المرفق يجب أن
يؤدّي خدماته بنفس الشروط .غير إن السؤال المطروح هنا هو اآلتي :هل أن المصلحة
العا ّمة والفارق في المداخيل بين مستعملي المرافق العامة سواء كانت ذات صبغة إدارية أو
صناعية وتجاريّة يبرر إقرار تفرقة في التعريفة بين مستعملي نفس المرفق ؟ بالنسبة للمرافق
العمومية المحليّة ذات الصبغة اإلدارية ّ
فإن فقه القضاء الفرنسي أقر إمكانية إقرار تفرقة في
التعريفة بين مستعملي تلك المرافق على أساس مثال معيار اإلقامة داخل الدائرة البلدية أو
خارجها .76أ ّما فيما يتعلق بالمرافق العا ّمة المحليّة ذات الصبغة الصناعية والتجاريّة فإن
القاضي اإلداري يسمح بإقرار تعريفات مختلفة ومثال ذلك إقراره بشرعيّة قرار البلديّة إقرار
تعريفات مختلفة فيما يتعلق بكمية المياه المستهلكة على أساس أن من يملك مسبحا منزليا
تجعل من حاجته للماء أكثر من اآلخرين وبالتالي إقرار تعريفة خاصة به تختلف عن تعريفة
بقية مستعملي المرفق.77
73الفصل 10من قانون الوظيفة العمومية .أنظر على سبيل المثال :المحكمة اإلدارية ،قضية عدد 18600بتاريخ 14
أفريل ،2001الربعي/وزير التعليم العالي ،غير منشورة " :وحيث على فرض ثبوت هذه الشبهةّ ،
فإن اآلراء السياسية
لألعوان العموميين تنصهر ضمن حرية الفكر التي ضمنها الفصل الثامن من الدستور ،وأكدها الفصل العاشر من قانون
نص بفقرته الثانية على أنّه ال يمكن بأي حال أن يتضمن الملف الشخصي للعون العمومي ما يشير إلىالوظيفة العمومية الذي ّ
أفكاره السياسية أو الفلسفيّة أو الدينيّة".
74الفصل 11من قانون الوظيفة العموميّة.
74الفصل 11من قانون الوظيفة العموميّة.
75المحكمة اإلدارية ،قضية عدد 702بتاريخ 13جانفي ،1992م.ع.ن.د .في حق وزارة الفالحة/قربوج ،المجموعة،
ص.208 .
76
CE, 2 décembre 1987, Commune de Romainville, RFDA 1988, p. 414, concl. Massot
77
CE, 14 janvier 1991, Bachelet, Rec., p. 758.
21
أ ّما فيما يتعلق بمتعاقدي المرفق العام المحلّي فإن مبدأ المساواة هو مبدأ يحكم جميع
أو عقود 78
العقود التي تبرمها الجماعة المحليّة المعنية سواء تعلق األمر بعقود اللزمة
أو عقود الشراكة .81ويعني هذا المبدأ في المادّة 80
أو الصفقات 79
تفويض المرافق العا ّمة
التعاقديّة هو أن تعامل اإلدارة جميع المترشحين للتعاقد معها دون تمييز سواء فيما يتعلق
بشروط الترشح أو إجراءاته أو فيما يتعلق بمعايير اختيار المتعاقدين معها .82ويمثل اللجوء
إلى المنافسة عن طريق طلب العروض في اختيار المتعاقد مع الجماعة المحلية إحدى أهم
اإلجراءات التي تم ّكن من تحقيق المساواة بين المترشحين للتعاقد مع الجماعة المحليّة.
ويلحق بمبدأ المساواة واجب الحياد والذي يعني عدم التفرقة بين أعوان المرفق العام
ومستخدميه على أساس انتماءاتهم السياسية أو معتقداتهم الدينيّة أو الفلسفية .83فالحياد يفرض
حرية المعتقد وحرية الرأي .وقد اختلفت آراء الفقهاء حول
على القائمين على المرفق احترام ّ
مسألة الحياد فهناك جانب من الفقهاء يرى الحياد امتدادا وجزءا من مبدأ المساواة ،84في حين
يعتبر جانب آخر من الفقهاء الحياد مبدأ مستقال بذاته عن مبدأ المساواة .85أ ّما بالنسبة لفقه
القضاء اإلداري التونسي ،على عكس فقه القضاء الفرنسي ،86فإنّه لم يجعل من الحياد مبدأ
78الفصل 9من القانون عدد 23لسنة 2008والمؤرخ في 1أفريل 2008والمتعلق بنظام اللزمات.
79الفصل 85فقرة رابعة من مجلة الجماعات المحليّة.
80الفصل 102فقرة أولى من مجلة الجماعات المحليّة.
81الفصل 5من القانون عدد 49لسنة 2015المؤرخ في 27نوفمبر 2015والمتعلق بعقود الشراكة بين القطاع العام
والقطاع الخاص.
82أنظر على سبيل المثال المحكمة اإلداريّة قضية عدد 19480بتاريخ 10نوفمبر ،2004الشركة التونسية للمكرو
أن ما أتته الشركة المدعية من إقامة إعالميّة/وزير التعليم العالي والبحث العلمي والتكنولوجيا ،غير منشورة " :وحيث ّ
عالقة ثابتة مع أحد واضعي كراس شروط صفقة عموميّة سبق إسنادها لها يشكل خطأ فادحا ضرورة أنّه يعبّر من جهة عن
خرق واضح إلحدى القواعد الجوهريّة التي ترتكز عليها عقود الصفقات العموميّة أال وهي قاعدة تكافئ الفرص ،وعن
انتهاك غير مقبول من جهة أخرى للمبادئ التي تسوس العالقة التعاقديّة التي تربط المدّعية باإلدارة المسندة لتلك الصفقة،
وهي العالقة التي تستوجب تجنّب كل ما من شانه أن يمس من نزاهة وشفافية الصفقات المنظمة من طرف اإلدارة بما يكفل
الحفاظ على مبدأ المنافسة وعدم اإلضرار بالمصالح التي ترعاها اإلدارة."...
83
La neutralité du service public « consiste à n’opérer aucune discrimination entre les usagers du
service public en fonction de leurs opinions politiques, philosophiques, religieuses, ou de leur race »,
Esplugas (P.), Conseil constitutionnel et service public, L.G.D.J., 1994, p. 176. La neutralité du service
public correspond encore, selon la définition donnée par J. Rivero, à une « neutralité par la non
discrimination des opinions », in Libertés publiques, T.2, PUF, 1977, p.130.
84
Auby (J.F.), Les services publics locaux, op. cit., p. 66.
85
Koubi (G.), Le principe de neutralité des services publics, R.A., décembre 1992, p. 494 et s.
في فرنسا يعتبر الحياد في فقه قضاء مجلس الدولة مبدأ مستقال بذاته عن مبدأ المساواة، 86
(CE, Rapport public 2004, Un siècle de laïcité, E.D.C.E., n°55, p. 333 et s).
وذلك على عكس المجلس الدستوري الذي يعتبر الحياد إمتدادا لمبدأ المساواة وليس مبدأ مستقال بذاته.
22
مستقال بذاته عن مبدأ المساواة .87ويعتبر واجب التحفظ المفروض على األعوان العموميين
عرض بمقتضاه العون العمومي إلى المساءلة
والذي ي ّ 88
إحدى مظاهر حياد المرفق العام
التأديبيّة في صورة خرقه لهذا الواجب .89وفي كل الحاالت تبقى تطبيقات واجب الحياد
تختلف من مرفق عمومي آلخر بإعتبار أن مفهوم الحياد مفهوم متطور ،هذا باإلضافة إلى
صعوبة اإلقرار بحياد مطلق للمرافق العمومية.90
بالنسبة للمرافق العموميّة المحلية وقع التنصيص على مبدأ الحياد ضمن الفصل 75
مطة سبعة من مجلة الجماعات المحلية .وهو تكريسا لما ورد في توطئة الدستور في فصله
تصرفات الموظف العمومي
ّ الخامس عشر .وعلى هذا األساس فإن واجب الحياد الذي يحكم
يجب أن يحكم كذلك سير المرافق العمومية المحلية .وتكريسا لمبدأ الحياد فقد اعتبر القاضي
اإلداري الفرنسي شرعيا قرار المجلس البلدي القاضي برفض الترخيص في كراء قاعة على
ملك البلديّة لعقد اجتماع ذا طابع ديني وسياسي باعتبار أن استعمال تلك القاعة لعقد هكذا
اجتماع فيه خرق لمبدأ حياد المرفق العام .91ومن جانبه اعتبر المجلس الدستوري الفرنسي
كراس الشروط يجب أن تكون متطابقة مع المبادئ األساسية التي تحكم المرفق العام مثل
أن ّ
مبدأ الحياد باعتباره امتداد لمبدأ المساواة أمام المرفق العام.92
23
إذا كانت الجماعة المحلية مطالبة بتحقيق المساواة بين أعوان ومستعملي المرفق العام
ي فإن هذه األخيرة مطالبة كذلك بالعمل على تطوير وتحديث إدارة وطرق عمل المرفق
المحل ّ
العام المحلّي تكريسا لمبدأ قابليّة المرفق العام للتغيير.
نظرا لعالقته بالمصلحة العا ّمة فإن المرفق العام مطالب بالتطور باعتبار أن المصلحة
العا ّمة ليست ثابتة وحاجيات مستعملي المرفق العام متطورة بتطور حاجيات المجتمع وكذلك
بحسب التطور التقني والتكنولوجي في الزمان وفي المكان" .فقانون التطور" 93هذا ال يعطي
حقوقا فعليّة لمستعملي المرفق العام مثل مبدأ االستمرارية ومبدأ المساواة ،بإعتبار أن السلطة
اإلداريّة صاحبة المرفق تتمتع بجملة من الصالحيات التي تسمح لها بتطوير أنشطة المرفق
العام وطرق تسييره وتنظيمه في أي وقت من األوقات تماشيا مع تطور المصلحة العا ّمة .هذا
المبدأ ال يسمح فقط لإلدارة بتطوير طرق عمل المرفق العام ،بل يسمح لها كذلك بحذفه إذا لم
تعد هناك مصلحة عا ّمة في وجوده باستثناء المرافق العا ّمة األساسية مثل مرافق الكهرباء
والغاز والتطهير والماء الصالح للشراب .94وكذلك المرافق العا ّمة المنصوص عليها
بالدستور والتي ال يمكن حذفها إال بتعديل الدستور مثل مرفقي الصحة والتعليم عمال بقاعدة
توازي الصيغ واألشكال.95
تجدر اإلشارة في البداية إلى أن مبدأ التأقلم ،على عكس مبدأ المساواة ومبدأ
اإلستمراريّة ،ال يوجد له أساس دستوري في تونس ،حيث لم يقع التنصيص على هذا المبدأ
93
Expression empruntée à Fialaire (J.), Le droit des services publics locaux, op. cit., p. 17.
94وقع التنصيص على بعض المرافق العمومية األساسية صلب القانون عدد 67-2007بتاريخ 27ديسمبر 2007والمتعلق
بحفز المبادرة االقتصادية (الرائد الرسمي عدد 104لسنة 2007المؤرخ في 31-28ديسمبر ،2007ص )4541 .وقد نص
الفصل السابع من القانون المذكور على إن تلك المرافق يقع ضبطها بأمر .وتطبيقا لهذا الفصل صدر األمر عدد 345لسنة
نص في فصله 2008المؤرخ في 11فيفري ( 2008الرائد الرسمي عدد 14بتاريخ 15فيفري ،2008ص )756 .والذي ّ
األول على المرافق العموميّة األساسية التالية :
-الربط بشبكة الكهرباء والغاز
-الربط بشبكة التزود بالماء الصالح للشراب
-الربط بشبكة التطهير
-الربط بشبكة المعلومات واإلتصال.
95
Sur les conditions de création et de suppression des services publics voir, Esplugas (P.), Conseil
constitutionnel et service public, op. cit., p. 145 et s.
24
صلب دستور 27جانفي ،2014كما إنّه ال يوجد ّ
نص تشريعي يعتبر هذا المبدأ من المبادئ
العا ّمة للقانون .وكذلك األمر بالنسبة للقاضي اإلداري ،حيث لم يقع اعتبار هذا المبدأ من
المبادئ العا ّمة للقانون بل إن تطبيقات المبدأ تستخلص من حيثيات بعض قرارات المحكمة
يستشف منها ضمنيا بأن اإلدارة مطالبة بتطوير عمل المرفق ومتابعة األبحاث
ّ اإلداريّة والتي
العلمية الحاصلة على المستوى الدولي دون أن يقع اعتبار ذلك المبدأ من المبادئ العا ّمة
للقانون .وقد اعتبرت المحكمة اإلدارية في قرارها الصادر في 28ماي " 2004أن تزامن
الحقن بالدم الملوث مع بداية اكتشاف داء فقدان المناعة المكتسبة "السيدا" وإمكانية انتقاله عن
طريق نقل الدم ليس من قبيل القوة القاهرة التي من شانها أن تنفي مسؤولية اإلطار الطبي،
تطور ظهور األمراض في مختلف أنحاء
بإعتبار إمكان التحسب له من خالل تأمين مواكبة ّ
صال إلى انتهاج الوسائل الكفيلة
العالم ومسبباتها ومتابعة األبحاث العلمية الجارية في شانها تو ّ
باالحتياط لها ودفع وقوعها" .96وتعود األسباب السابق ذكرها إلى غموض محتوى هذا
وعالقته الوطيدة بمبدأ استمرارية المرفق العام وبمقتضيات المصلحة العا ّمة.98 97
المبدأ
ّ
بالحق في إدخال التنقيحات الضرورية للنصوص وتطبيقا لمبدأ التأقلم وقع االعتراف لإلدارة
الترتيبية التي تحكم تنظيم المرافق العمومية الراجعة لها بالنظر دون أن يكون للمعنيين بتلك
النصوص القانونية الحق في التمسك باإلبقاء على التراتيب القديمة.99
96المحكمة اإلدارية ،قضية عدد 18443بتاريخ 28ماي ،2004شعبان ومن معه/م.ع.ن .د .في حق وزارة الصحة
العمومية ،غير منشورة.
97
A.S. Mescheriakoff écrit en ce sens : « Il semble difficile d’y avoir un principe général du droit
applicable tant son contenu normatif est imprécis. Il reste donc un principe « infra-juridique » sans
prolongement juridique direct », Droit des services publics, P.U.F.1997, p.175. Selon cet auteur
l’adaptation du service public peut également constituer l’un de ces « principes infra-juridiques qui
informe l’ensemble de l’ordre constitutionnel », in Les principes généraux du droit dans la
jurisprudence récente, AJDA, 1976, p. 599.
98
Guglielmi (G.) et Koubi (G.), Droit du service public, op. cit., p. 423 ; Vedel (G.) et Delvolvé (P.),
Droit administratif, T.2, Paris, PUF, 1992, p. 742. Pour P. Esplugas, « La liaison entre continuité et
adaptation n’est pas toujours assez nette. D’une part, lorsqu’au nom de l’adaptation un service public
est supprimé, ce n’est pas par hypothèse pour mieux en assurer la continuité. D’autre part, la mise en
harmonie permanente des règles juridiques d’organisation et de fonctionnement des services avec les
nouveaux textes ou avec les nouvelles techniques est justifiée, non pas exactement par la continuité,
mais plus largement par la volonté de satisfaire aux exigences de l’intérêt général », Conseil
constitutionnel et service public, op. cit., pp. 173-174.
99أنظر على سبيل المثال القضية عدد 17795بتاريخ 14مارس ،2000الزرمديني/وزير الفالحة ،غير منشورة " :وحيث
إستقر فقه قضاء هذه المحكمة على إعتبار إنّه ال يمكن التمسك بالحقوق المكتسبة لإلبقاء على التشاريع القديمة وأن السلطة
ّ
الترتيبيّة تتمتع بسلطة مطلقة لتغيير مضمونها أو حذفها".
25
بالنسبة للمرافق العمومية المحلية وقع التنصيص على مبدأ التأقلم ضمن الفصل 75
مطة ثالثة من مجلة الجماعات المحليّة .ويترتب على إعمال هذا المبدأ العديد من النتائج تجاه
أعوان المرفق ومستعمليه وكذلك تجاه الجماعة المحليّة التي يعود لها المرفق بالنظر وتجاه
المتعاقدين معه.
بالنسبة ألعوان المرافق العا ّمة ذات الصبغة اإلدارية وباعتبارهم في حالة نظامية
قابلة للتغيير والتنقيح في أي وقت عن طريق قرارات إدارية فرديّة في إطار 100
وترتيبيّة
االختصاصات التي يسمح فيها القانون لإلدارة بذلك والتي تتخذها تجاه أعوانها كلما دعت
حاجة المرفق ذلك ،فإنّه ال يمكن لهؤالء االعتراض على تلك القرارات باستثناء األحكام التي
لها عالقة بالحقوق األساسية للموظف والتي ال يمكن تنقيحها إال بمقتضى قانون.101
أ ّما فيما يتعلق بالمرافق العا ّمة ذات الصبغة الصناعية والتجاريّة والتي يخضع أعوانها
للقانون الخاص فإنّه يمكن لألعوان المتعاقدين المطالبة بغرامة لجبر الضرر الناتج عن تغيير
جذري ألحكام العقد .أما بالنسبة لألعوان المرسمين فإنّهم مطالبين بالخضوع للنصوص
صة المناشير التفسيرية واإلجراءات الداخلية الصادرة
الداخلية التي تنظم عمل المرفق وخا ّ
عن السلطة الرئاسيّة.
يخص مستعملي المرافق العا ّمة ذات الصبغة اإلداريّة فإنّه ليس لهم الحق في
ّ أما فيما
المطالبة باإلبقاء على المرفق العام أو االعتراض على التغيير الذي تدخله اإلدارة على
طريقة تسييره كاإلنتقال من التسيير المباشر إلى التسيير المفوض باعتبار أن انتفاع هؤالء
بخدمات المرفق ال تتولد عنه حقوقا مكتسبة ،فهؤالء هم في عالقة تحكمها القوانين والتراتيب
قابلة للتنقيح في أي وقت حتى ولو كان مستعمل ذلك المرفق يدفع مقابل مالي للخدمة التي
يقدمها له المرفق .وحتى الذين يوجدون في وضعية تعاقدية فإنّه يمكن لإلدارة تنقيح بعض
فصول العقد باعتبار أن تلك اإلمكانية عادة ما يقع التنصيص عليها في العقد.102
رضا جنيح ،قانون إداري ،مركز النشر الجامعي ،تونس ، 2008ص.354 . 101
102
CE, 6 mai 1985, Association Eurolat, Rec. p. 141.
26
فيما يتعلق بمستعملي المرافق العا ّمة ذات الصبغة الصناعيّة والتجاريّة ف ّ
إن األمر ال
يختلف كثيرا عن المرافق العا ّمة ذات الصبغة اإلداريّة ،فحتى مستعملي المرفق العام
الصناعي والتجاري ،والذين هم في عالقة تعاقديّة معه ،فإنه ال يمكنهم االعتراض على سلطة
الجماعة المحليّة المتعاقدة معهم في تنقيح بعض بنود العقد مع إمكانية لجوء هؤالء للقضاء
في صورة خرق هذه األخيرة لقواعد االختصاص أو لإلجراءات أو لمبدأ عدم رجعية األحكام
الجديدة أو في صورة عدم وجود أسباب حقيقية لتنقيح بعض بنود العقد والتي تجد أساسها في
متطلبات المصلحة العا ّمة.
لئن كانت الجماعة المحليّة تتمتع بالعديد من الصالحيات في إطار إعمالها لمبدأ التأقلم
ّ
فإن سلطتها غير مطلقة بل تحكمها مجموعة من األحكام والشروط المتمثلة أساسا في احترام
قاعدة توازي الشكليات إذ يجب أن تكون الجماعة المحليّة التي قامت بإدخال تنقيحات على
طرق عمل المرفق العام أو قامت بحذفه هي نفسها التي قامت بإحداث المرفق ويتعلق األمر
هنا بالمرافق المحلية االختيارية دون المرافق األساسيّة كتلك المنصوص عليها بالدستور
والتي ال يمكن حذفها إالّ بتنقيح الدستور وكذلك المرافق ذات الصبغة الوطنيّة.
باإلضافة إ لى قاعدة توازي الشكليات فإن التنقيحات الجديدة التي تريد اإلدارة إدخالها
على سير وتنظيم المرفق العام يجب أن ال يكون لها اثر رجعي مثلما هو الحال بالنسبة
وكل 103
للتغييرات التي تدخلها على التعريفة ،ويعتبر هذا المبدأ من المبادئ العا ّمة للقانون
استثناء لذلك يجب أن يكون بمقتضى قانون.
ويسري هذا المبدأ كذلك على الحاالت التي يكون فيها المستخدمين في عالقة تعاقديّة
مع المرفق ،إذ ال يجب أن تسري األحكام الجديدة التي تتخذها اإلدارة المتعاقدة ،تنفيذا لقواعد
قانونية وترتيبيّة جديدة ،على البنود التعاقديّة الجارية تطبيقا لألحكام القديمة .104وتهدف عدم
وضمان ح ّد أدنى من استقرار 105
رجعيّة األحكام الجديدة إلى حماية الحقوق المكتسبة
103
CE, 25 juin 1948, Société du journal L’Aurore, Lebon, p. 289.
104
CE, 29 janvier 1971, Sieurs Emery, Barbier et Union des propriétaires de la Sarthe, Rec., p. 80.
105المحكمة اإلدارية ،قضية عدد 693بتاريخ 15فيفري ،1983جغام/وزير االقتصاد الوطني ،المجموعة ص: 187 .
"حيث إنّه ليس من العدل في شيء أن تهدد الحقوق كما ال يتفق والمصلحة العامة أن يفقد الناس الثقة واالطمئنان على
استقرار حقوقهم ألن األصل طبقا للقانون الطبيعي هو احترام الحقوق المكتسبة وهذا ما تقتضي به العدالة الطبيعية ويستلزمه
الصالح العام".
27
األوضاع القانونية للمتعاقدين مع اإلدارة والتي تقتضي عدم تغيير األحكام القانونية بصورة
فجئيّة كلما تبيّن أن هذا التغيير ليس ضروريّا وهو ما أكدته المحكمة اإلدارية في العديد من
قراراتها .106وعلى هذا األساس فإن حماية األمن القانوني تقتضي من اإلدارة عند تطبيقها
من أجل تسوية الوضعيات التعاقدية الجارية 107 ّ
بسن أحكام انتقالية لألحكام الجديدة أن تقوم
و ذلك من أجل حماية المتعاقدين الذين قد يتضرروا 108
والتي نشأت في ظل األحكام القديمة
جراء تطبيق األحكام الجديدة بصورة فوريّة وذلك توفيرا لألمن القانوني للمتعاقدين مع
من ّ
اإلدارة .109هذه األحكام اإلنتقاليّة تهدف إلى تيسير تأقلم العقود مع متطلبات القانون الجديدة
وكذلك إلى تمكين المتعاقدين من الوقت الكافي من أجل جعل العقد مالئما لتلك المتطلبات.
106المحكمة اإلدارية قضية عدد 128367بتاريخ 10جوان ،2015الزواري/وزير التربية ،غير منشورة " :وحيث أنّه
من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن مبدأ األمن القانوني والثقة في التشريع يقتضي أن تكون القواعد القانونية والترتيبية التي
تستند إليها اإلدارة في عملها واضحة ،وأن تلتزم األخيرة بعدم تغيير محتوى هذه األحكام بطريقة فجئية كلما تبين أن هذا
التغيير ليس ضروريا بالنظر إلى محتو ى اإلجراء الذي اتخذته أو األهداف التي ترمي من خالله إلى تحقيقها" ؛ المحكمة
اإلدارية ،قضية عدد 38955بتاريخ 8فيفري ،2008م.ع.ن.د .في حق وزارة أمالك الدولة والشؤون العقارية /المزوغي،
غير منشورة.
107لمزيد من التعمق أنظر :
; Seiller (B.), Pour un dispositif transitoire dans les arrêts, A.J.D.A., décembre 2005, p. 2425 et s
Woehrling (J.M.), L’obligation d’édicter des mesures transitoires comme instrument de la protection
des situations juridiques constituées, RDP, n°1-2007, p. 285 et s.
108
CE, 24 mars 2006, Société KPMG et autres, R.F.D.A., 2006, p. 463, Conclusions Y. Aguila,
« L’obligation d’aménager dans certains cas un dispositif transitoire parait une exigence raisonnable,
qui relève à la fois du bon sens et de la bonne administration », , Conclusions précitées, p. 473.
لمزيد من التعمق أنظر : 109
Nouri (Z.), Le contrat et le recours pour excès de pouvoir, Thèse pour le doctorat en droit public,
Faculté de Droit et des Sciences Politiques de Tunis, 2011-2012, p. 423 et s. ; Canedo-Paris (M.),
Contrats administratifs et sécurité juridique : nouvelles avancées jurisprudentielles, R.F.D.A.,
septembre-octobre 2007, p. 935 et s.
110أنظر فيما يتعلق بعقود تفويض المرفق العام المحلي الفصل 95من مجلة الجماعات المحليّة.
111تجدر اإلشارة هنا إلى أن فسخ العقد في هذه الحالة ليس عقوبة ناتجة عن خطأ المتعاقد مع اإلدارة وإنما الفسخ ناتج عن
للتطورات العلمية والتقنيّة أو مواكبة لتطور عدد سكانّ التصرف في المرفق مواكبة
ّ رفض المتعاقد التغيير في طريقة
الزمة على سير المرفق الجماعة المحليّة .في هذه الحالة وفي صورة رفض المتعاقد مع الجماعة المحلية إدخال التغييرات ال ّ
يمكن لهذه األخيرة فسخ العقد والتعاقد من جديد.
(CE, 10 janvier 1902, Compagnie nouvelle du gaz de Déville-Lès-Rouen, G.A.J.A., p. 53).
28
وإنهاءه قبل حلول أجله كلّما دعت المصلحة العا ّمة وحسن سير المرفق العام ذلك .112وعلى
هذا األساس فإن من أهم نتائج مبدأ التأقلم هو وضع ح ّد ألحد المبادئ التعاقدية المنصوص
عليها بالقانون والمتمثل في مبدأ "العقد شريعة المتعاقدين".
إذا كان مبدأ التأقلم يمنح اإلدارة جملة من االمتيازات والصالحيات فإنها في المقابل
مطالبة بإحترام حقوق المتعاقدين معها عند إعمالها لذلك المبدأ .ومن بين هذه الواجبات
ضمان التوازن المالي للعقد في حالة تعديل بنود العقد وذلك عن طريق التعويض للمتعاقد
جراء تعديل بنود العقد وذلك على أساس المسؤولية
معها عن الخسارة المالية التي لحقته من ّ
دون خطأ.113
كذلك مبدأ التأقلم يضع على عاتق اإلدارة المتعاقدة جملة من االلتزامات فهذه األخيرة
مطالبة بالتعويض عن الضرر المالي الذي يلحق ملتزم المرفق أو صاحب التفويض كلّما
قامت هذه األخيرة بإدخال تعديل على عمل المرفق في إطار ممارستها لصالحياتها كسلطة
عا ّمة مثل سلطة الضبط اإلداري وليس في إطار نظريّة فعل األمير .ومثال ذلك قيام رئيس
البلديّة مانحة لزمة مرفق النقل الحضري للحافالت باتخاذ قرارا يصبح بمقتضاه المرور
ممنوعا على الحافالت م ّما نتج عنه زيادة في األعباء المالية لصاحب لزمة مرفق النقل
الحضري باعتبار أن ذلك القرار تسبب له في الزيادة في كمية البنزين المستهلكة نتيجة
التغيير الحاصل في مسلك سير الحافالت بسبب ذلك القرار .هذه التغييرات التي تطرأ على
تنظيم المرفق يجب أن ال تغير من موضوع العقد وجوهره وكذلك من طريقة التصرف في
المرفق المتفق عليها.114
لئن كانت المبادئ التقليديّة التي تحكم سير المرافق العموميّة المحلية من المبادئ
األساسيّة التي ال توجد مرافق بدونها ،فإن هذه المبادئ وقع إثراءها بجملة من المبادئ
غير أنّه يمكن لملتزم المرفق اللجوء للقضاء في صورة ما إذا تراءى له أن األسباب التي أسست عليها اإلدارة المتعاقدة قرار
الفسخ غير مقنعة .في هذه الحالة يقوم القاضي بالتثبت والتأكد من مدى حاجة المرفق للتغييرات المقترحة من طرف اإلدارة
المتعاقدة وهل إن تلك التبريرات التي قدمتها اإلدارة موجبة للفسخ أم ال.
112الفصل 99من مجلة الجماعات المحلية.
113
Richer (L.), Droit des contrats administratifs, op. cit., p. 289.
114
CE, 2 février 1983, Union des transports publics, urbains et régionaux, RDP 1984, p. 212 note J.M.
Auby.
29
الجديدة وذلك قصد إضفاء مزيد من الفاعلية على طريقة عملها استجابة للحاجيات المتزايدة
لمستخدمي تلك المرافق.
ّ
إن التطور الذي عرفه مفهوم الدولة الحديثة وكذلك طبيعة العالقة التي تربط اإلدارة
بمستخدميها وأعوانها تكريسا لمبادئ الديمقراطية ودولة القانون وحياد اإلدارة أدّى إلى
ظهور العديد من المبادئ الجديدة المستحدثة والتي تؤشر كلها على دخول المرفق العام
مرحلة ما بعد الحداثة وما تقتضيه هذه المرحلة من ضرورة تحديث وإصالح المرفق
صت عليها مجلة الجماعات المحلية في فصلها
العام .115ومن بين هذه المبادئ الجديدة التي ن ّ
الخامس والسبعين نجد مبادئ التنمية المستدامة ،الشفافية ،المساءلة ،الحوكمة ،النجاعة
باإلضافة إلى مبدأ التشاركيّة الذي وقع التنصيص عليه صلب الفصل 78من المجلة
المذكورة.
غير أن هذه المبادئ الجديدة ال تزال مح ّل جدل فقهي يتعلق أساسا بضبط قائمة في
هذه المبادئ باإلضافة إلى إن العديد من الفقهاء ينكرون صفة "المبدأ" على هذه القواعد
الجديدة المستحدثة ويعتبرونها مجرد تكريس لمبدأ التأقلم وإنها عبارة عن قيم وأهداف وليست
.يضاف إلى هذا الجدل الفقهي جدل فقهي آخر متأتي 116
بمبادئ جديدة لسير المرفق العام
من صعوبة تعريف هذه المفاهيم الجديدة المستحدثة نتيجة لتداخلها مع بعضها البعض.117
لذلك سنتولى في دراستنا للمبادئ المستحدثة لتسيير المرافق العموميّة المحليّة دراسة مبادئ
115
Guglielmi (G.) et Koubi (G.), Droit du service public, op. cit., p. 441 ; Voir également Donier
(V.), Les lois du service public : entre tradition et modernité, RFDA, 2006, p. 1219 et s.
116
Voir dans un sens favorable à cette idée Guglielmi (G.) et Koubi (G.). Ces auteurs nient l’existence
de principes nouveaux de fonctionnement du service public. Ces prétendus nouveaux principes ne sont
qu’un prolongement du principe de mutabilité et « relèvent plus des objectifs à atteindre que des règles
à observer par les services publics concernés », op. cit., pp. 453-454.
117
« Les indéterminations théoriques grèvent sans doute l’analyse, mais elles permettent de situer ces
notions sous la forme de conditions de fonctionnement du service. Ces conditions sont intrinsèquement
liés aux objectifs que les pouvoirs publics assignent désormais aux organismes investis de missions de
service public et aux prestataires de service public. Ces objectifs semblent plus largement intéresser les
formes de production et de diffusion du droit ainsi que les modes de fonctionnement des administrations
publiques », Guglielmi (G.) et Koubi(G.), op. cit., p. 454.
30
التنمية المستدامة (أ) والحوكمة المفتوحة (ب) والشفافية (ج) بإعتبار أن هذه المبادئ
تستوعب تقريبا جملة المبادئ المستحدثة األخرى التي تحكم تسيير المرافق العموميّة المحلية.
يعود مصطلح التنمية المستدامة إلى مؤتمر األمم المتحدة بستوكهولم لسنة 1972
حول البيئة البشرية .118وقد ع ّرفت التنمية المستدامة في تقرير اللجنة الدولية حول البيئة
والتنمية والمعروف بتقرير براند تالند rapport Brundtlandالصادر في 20مارس 1987
على إنها "تلبية حاجيات الحاضر دون التخلي عن األجيال المستقبليّة في تلبية
احتياجاتها".119
يمكن تلخيص األبعاد التي تقوم عليها التنمية المستدامة في األبعاد الثالثة التالية :البعد
االقتصادي والذي يقضي بزيادة رفاهية المجتمع إلى أقصى ح ّد والقضاء على الفقر من خالل
نمو اقتصادي يهدف إلى تحقيق عدالة اقتصادية من أجل إشباع الحاجات األساسية أ ّما
تحقيق ّ
البعد االجتماعي فيتمثل في تحقيق اإلنصاف بين األجيال من خالل الحصول على الخدمات
الصحية والتعليمية في إطار احترام حقوق اإلنسان .أ ّما البعد البيئي فيتمثل في الحفاظ على
الموارد الطبيعيّة واالستخدام العقالني لها بما يتوافق مع معايير الحفاظ على متطلبات بيئة
سليمة.120
118انعقد هذا المؤتمر بستوكولم تحت إشراف األمم المتحدة من 5إلى 16جوان 1972وذلك بمناسبة قمة األرض ويعتبر
األول من اإلعالن الصادر عن المؤتمر
نص المبدأ ّ
هذا المؤتمر أول من أسس للمبادئ التي تقوم عليها التنمية المستدامة وقد ّ
على ما يلي :
« L’homme a un droit fondamental à la liberté, à l’égalité et à des conditions de vie satisfaisantes, dans
un environnement dont la qualité lui permette de vivre dans la dignité et le bien-être. Il a le devoir
solennel de protéger et d’améliorer l’environnement pour les générations présentes et futures… ».
الفصل Iفقرة 3من تقرير براند تالند : 119
« Le genre humain a parfaitement les moyens d’assumer un développement durable, de répondre aux
besoins du présent sans compromettre la possibilité pour les générations à venir de satisfaire les leurs ».
120
Pour de plus amples détails voir : Sylvie (B.), Le développement durable, Paris, PUF, 2012.
31
ضمن المبادئ التي يقوم عليها تسيير المرافق العامة 121 ّ
إن إدراج التنمية المستدامة
المحلية 122يعكس مدى أهميّة الدور الذي ستضطلع به هذه المرافق في تحقيق التنمية المحلية
على المستوى االقتصادي واالجتماعي والبيئي.
على المستوى المحلّي ،وانطالقا من األبعاد التي تقوم عليها التنمية المستدامة ،يمكن
القول بأن التنمية المستدامة المحلية هي التنمية التي تسمح لسكان الجماعة المحلية بالحصول
على الخدمات األساسية في المجال االقتصادي واالجتماعي والبيئي وذلك مع المحافظة على
استدامة النظام البيئي والعقاري واالجتماعي الذي يقوم عليه إسداء تلك الخدمات.
انطالقا من التعاريف السابق ذكرها يتجلّى بأن التنمية المستدامة تقوم على رؤية بعيدة
المدى فيما يتعلق بالجوانب االجتماعية واالقتصادية والبيئية ،وذلك من خالل الحرص على
تلبية حاجيات األجيال الحاضرة مع الحفاظ على حق األجيال القادمة في تنمية مستدامة قادرة
على تلبية احتياجاتها األساسيّة .وفي هذا اإلطار ّ
فإن التنمية المستدامة تقوم على جملة من
يلوث يدفع" pollueur-payeurومبدأ الوقاية principe de précaution
المبادئ مثل مبدأ "من ّ
ومبدأ الحيطة .principe de préventionجميع هذه المبادئ في عالقة وثيقة بالتنمية
المستدامة باعتبار أنها تهدف إلى إحداث موازنة بين التقدم اإلقتصادي وحماية البيئة 123سواء
أكانت هذه المبادئ تهدف إلى استباق المخاطر المحتملة الوقوع أو المؤجلة أو المجهولة
121وقع التنصيص على التنمية المستدامة بالفصل 12من الدستور .ولتحقيق هذه الغاية وقع إنشاء هيئة دستوريّة تس ّمى هيئة
التنمية المستدامة وحقوق األجيال القادمة وذلك ضمن الفصل 129من الدستور الذي أسند للهيئة المذكورة صالحية إبداء
االستشارة الوجوبيّة فيما يتعلق بمشاريع القوانين المتعلقة بالمسائل االقتصادية واالجتماعية والبيئية ومخططات التنمية .وقد
وقع تنظيم الهيئة المذكورة بمقتضى القانون األساسي عدد 60لسنة 2019المؤرخ في 9جويلية 2019والمتعلق بهيئة
نص الفصل التنمية المستدامة وحقوق األجيال القادمة (الرائد الرسمي عدد 59بتاريخ 23جويلية ،2019ص .)2323 .وقد ّ
األول من القانون المذكور على إن الهيئة المذكورة تتمتع بالشخصية القانونية واالستقاللية اإلدارية والمالية .كما منح القانون
المذكور الهيئة صالحياتا واسعة فيما يتعلق بإبداء الرأي في مشاريع القوانين المتعلقة بالمسائل االقتصادية والبيئية والمناخية
وكذلك م ّكن القانون الهيئة من القيام بدراسات وبحوث في مجال اختصاصها بالشراكة مع المنظمات الحكومية والغير حكومية
الوطنية والدولية .أنظر الفصول 8 ،7 ،6و 9من القانون المذكور.
122الفصل 75مطة رابعة من مجلة الجماعات المحليّة.
123
Deguergue (M.), Les avancées du principe de précaution en droit administratif français, in Le
principe de précaution en droit administratif, XVIIe Congrès, Utrecht, les 16-22 juillet 2006, Rapport
international et rapports nationaux, Publiés sous la direction de Michel Pâques, Bruylant, Bruxelles
2007, p. 151.
32
(مبدأ الوقاية) أو كانت تهدف إلى منع األضرار الناتجة عن مخاطر معروفة مسبقا والتي
يمكن التحسب لنتائجها قصد تجنبها (مبدأ الحطية).124
إن التأكيد على أهميّة دور الجماعات المحلية في تحقيق التنمية المستدامة قد تجلى
على المستوى الدولي ،ويمكن أن نذكر في هذا المجال التقرير الصادر عن مؤتمر األمم
المتحدة المعني بالبيئة والتنمية والمنعقد بروديوجانيرو من 3إلى 14جوان 1992والذي أكد
على الدور المحوري للجماعات المحلية في تحقيق التنمية المستدامة على المستوى
المحلي.125
وفي هذا اإلطار فإن المرفق العام المحلي يلعب دورا محوريّا في تحقيق التنمية
المستدامة باعتباره األجدر على تجسيم سياسات الجماعة المحلية الطويلة األمد في الميدان
البيئي والعمراني باعتبار أن هذا األخير عكس المؤسسات الخاصة ال يبحث عن الربح في
المدى القريب .كما إن المرفق العام يشترك في األهداف مع التنمية المستدامة باعتبار أن
كالهما يه دفان إلى تحقيق التناسق على المستوى االقتصادي واالجتماعي والترابي .ونظرا
ألهميّة الدور الذي ستضطلع به المرافق العمومية المحلية في تحقيق التنمية المستدامة فقد
سعى المشرع ضمن مجلة الجماعات المحلية إلى منح الجماعات المحلية صالحية إعداد أمثلة
التخطيط العمراني باعتماد آلية الديمقراطية التشاركية وكذلك إعداد التراتيب المحلية
للبناء . 126كما منحت مجلة الجماعات المحلية المجلس البلدي صالحية إحداث المرافق
لتصرف فيها مثل المرافق الصحية وكذلك المرافق التي لها عالقة بالنظافة
ّ العمومية البلدية وا
124
Ibid, p. 151 : « Le principe de précaution se distingue de la prévention en ce qu’il tend à anticiper
des risques simplement soupçonnés, comme les risques résiduels ou reportés, ou totalement inconnus,
comme les risques de développement, alors que le principe de prévention vise à empêcher les
conséquences dommageables de risques connus, dont la survenance peut faire l’objet d’un calcul de
probabilités et qui tombent pour cette raison dans le champ de l’assurance ».
125األمم المتحدة ،1993الفصل ..." : 1-28ألن كثيرا من المشاكل والحلول التي يعالجها جدول أعمال القرن 21لها
جذور في األنشطة المحلية ،فإن مشاركة وتعاون السلطات المحلية ستكون عامال محددا في تحقيق أهدافه ،وتقوم السلطات
المحلية بإنشاء الهيكل األساسي االقتصادي واالجتماعي والبيئي وتشغيله والمحافظة عليه ،واإلشراف على عمليات التخطيط،
ووضع سياسات وأنظمة بيئيّة محلية ،والمساعدة في تنفيذ سياسات بيئيّة وطنية وشبه وطنية .وألن هذه السلطات هي المستوى
الحكومي األقرب إلى الشعب ،فإنّها تلعب دورا حيويّا في تثقيف وتعبئة عا ّمة الشعب واالستجابة لمطالبته بتعزيز التنمية
المستدامة".
126الفصل 239من مجلة الجماعات المحلية.
33
وحماية المحيط . 127كما سعى المشرع إلى تعزيز التعاون بين البلديات من خالل السماح
للبلديات بإنشاء وكالة للتهيئة والتعمير على مستوى الجهة أو على مستوى عدد من الجهات
ّ
المخططات والعمليات والفضاءات العمرانيّة التي تمت ّد على ترابها.128وكذلك لضمان تناسق
األمر بالنسبة للجهة حيث منحت مجلة الجماعات المحلية الجهة صالحية وضع مخططات
التنمية باعتماد آلية الديمقراطية التشاركية مع مراعاة متطلبات التنمية المستدامة واالقتصاد
األخضر .129أ ّما بالنسبة لإلقليم فقد منحه المشرع ضمن مجلة الجماعات المحليّة صالحية
وضع أمثلة التهيئة الترابية المستدامة لإلقليم وذلك بالتشاور والتعاون مع البلديات والجهات
وبالتنسيق مع السلط المركزية.130
هذه الصالحيات الممنوحة للجماعات المحلية فيما يتعلق بالتخطيط العمراني الغاية
منها الح ّد من ظاهرة البناءات الفوضوية الغير مرخص فيها وكذلك الح ّد من تآكل األراضي
الفالحية الغير معدّة للبناء وبالتالي التحكم في التوسع العمراني للمدن .ولتحقيق هذه األهداف
سعى المشرع إلى مزيد توسيع صالحيات الجماعات المحلية من خالل منحها صالحية إعداد
في إطار احترام متطلبات التنمية المستدامة .132هذه األهداف 131
أمثلة التهيئة والتعمير
تقتضي من الجماعات المحلية وضع مخطط عمل وأجندات تحدّد األهداف ووسائل تحقيقها
من أجل تحقيق التنمية المستدامة على المستوى المحلي وذلك بالشراكة مع سكان الجماعة
المحلية المعنية وبالتنسيق مع مختلف المرافق العمومية المحلية من أجل وضع إستراتيجية
عمل قريبة ومتوسطة وبعيدة المدى قادرة على تحقيق تنمية مندمجة ومتناسقة في إطار
التوازن بين المتطلبات االقتصادية واالجتماعية والبيئية .كما تقتضي كذلك تدعيم المرافق
العمومية المحلية ماديّا وبشريّا حتى تكون قادرة على مجابهة المخاطر التي قد تخل بالتنمية
المستدامة المحلية.
34
إن تحقيق أهداف التنمية المستدامة على المستوى المحلّي يقتضي توفّر موارد مالية
كافية للجماعات المحلية .وفي هذا اإلطار تلعب الجباية المحلية دورا محوريّا في تحقيق
التنمية المستدامة المحلية .ولتحقيق هذه الغاية الب ّد من إدخال بعض المرونة على المبادئ
وتنويع الموارد الجبائية للجماعات المحلية مع 133
العا ّمة التي تحكم ميزانية الجماعة المحلية
الحرص على شفافية هذه الجباية وعدالتها حتى تكون ناجعة وقادرة على تحقيق متطلبات
التنمية المستدامة المحلية ،إذ في غياب موارد جبائية كافية ال يمكن للمرافق العمومية المحلية
تحقيق األهداف المنوطة بعهدتها على المستوى االقتصادي واالجتماعي والبيئي .فندرة
الموارد الجبائية للجماعات المحلية والتفاوت في المداخيل الجبائية بينها وإنعدامها بالنسبة
حال دون إمكانية إحداث مرافق عمومية محلية كافية 135
وتبعيّتها للدولة 134
للبعض اآلخر
وقادرة على تلبية الحاجيات المتزايدة لسكان الجماعات المحلية.
إن وجود مرافق عمومية محلية قادرة على خدمة متطلبات التنمية المستدامة يقتضي
من الجماعات المحلية تطوير ثقافة التقييم وإنشاء مرصد خاص بالمرافق العمومية المحلية
مهمته مراقبة عمل المرفق ترسيخا لثقافة المساءلة والمحاسبة .كما يقتضي كذلك تخصيص
التصرف في مواردها المالية فإنّها في المقابل تخضع لرقابة محكمة ّ 133إذا كانت الجماعات المحلية تتمتع بحرية
المحاسبات وذلك تطبيقا لمقتضيات الفصل ( 7أوال) من القانون عدد 41لسنة 2019المؤرخ في 30أفريل 2019المتعلق
التصرف المتركبة من قبل أعوان الجماعات المحلية وذلك تطبيقا ّ بمحكمة المحاسبات .كما تتولى هذه األخيرة زجر أخطاء
لمقتضيات الفصل 111من القانون المذكور .كما ّ
أن الجماعة المحليّة مطالبة بالتقيّد بالمبادئ العامة التي تحكم الميزانية
العامة للدولة مثل مبدأ التوازن بين الموارد والنفقات (الفصل 133فقرة أولى من مجلة الجماعات المحلية) ومبدأ وحدة
الميزانية .هذا التقيد المطلق بالمبادئ المذكورة مع منح الوالي صالحية االعتراض على ميزانية الجماعة ال محلية (الفصل
174فقرة 3من مجلة الجماعات المحلية) من شانه أن يح ّد من الصالحيات المالية للجماعات المحلية .حول هذه العوائق
أنظر :
Lafargue (F.), La constitution et les finances locales, in Les nouveaux cahiers du conseil
constitutionnel, n°42-2014, p. 18 : « (…) les principes budgétaires applicables en matière de finances
publiques, principes d’unité, d’universalité de spécialité, d’annualité, d’équilibre et de sincérité
budgétaire, constituent un cadre bien plus contraignant pour ces collectivités. Cette rigueur s’est
accompagnée d’un contrôle spécifique aux finances locales(…) ; contrôle qui est beaucoup plus
important que le contrôle de la légalité de droit commun applicable aux autres actes des collectivités
» territoriales
134يعزى هذا التفاوت إلى أسباب طبيعيّة اقتصادية وسياسية نتيجة استئثار البلديات الساحلية بالثروة الجبائية م ّما جعل
بعض البلديات في تبعية تامة وغير قادرة على توفير التمويل الذاتي واالقتراض .لمزيد من التعمق أنظر :الصغير
الزكراوي ،الجباية المحلية والالمركزية في تونس ،أطروحة دكتوراه في القانون العام ،كلية الحقوق والعلوم السياسية
بتونس 2006-2005 ،ص 86 .؛ ألفة بوخاتم ،دور الجماعات العمومية في تحقيق التنمية االقتصادية ،دراسات قانونية،
،2011عدد 18ص 173 .وما بعدها.
135ويتعلق األمر هنا بضبط قاعدة األداء المحلي ومقاديره ،إذ يخضع األداء المحلي هنا إلى نفس القواعد التي تخضع لها
أداءات الدولة وذلك تطبيقا لمقتضيات الفصل 65فقرة 8من الدستور.
35
جزءا من العائدات الماليّة للمرفق المحلي للمجال البيئي وهو ما يطلق عليه "بالميزانية
اإليكولوجيّة" وتعميم شهادة المطابقة للمواصفات في المجال البيئي على المرفق العمومي
المحلّي مثلما هو معموال به في العديد من البلدان األوروبية .136كما يتطلب إعادة النظر في
التشاريع والعقوبات المتعلقة بحماية البيئة من خالل تشديد العقوبات الجنائية والمالية في
وجعلها متناسبة مع درجة اإلخالل بالبيئة وتدعيم هياكل الضبط اإلداري 137
المجال البيئي
ووضع آليات قانونية تم ّكن من ّ
حث المؤسسات التي تلحق أنشطتها أضرارا بالبيئة 138
البيئي
على تمويل مشاريع لحماية البيئة كتعويض عن األضرار التي ألحقتها بالبيئة مثلما هو
معموال به في العديد من دول العالم.139
إذا كانت التنمية المستدامة تع ّد إحدى أهم المبادئ المستحدثة التي تقوم عليها المرافق
العموميّة المحلية فإن تحقيقها يقتضي حوكمة هذه المرافق قصد إضفاء مزيد من النجاعة
على طرق عملها.
ب) مبدأ الحوكمة المفتوحة
تجدر اإلشارة في البداية إلى أن مصطلح الحوكمة gouvernanceال يزال منذ ظهوره
Un nouveau 140
محل جدل فقهي .ففي حين اعتبرها البعض "أنموذجا دوليّا جديدا"
،paradigme étatiqueذهب البعض اآلخر إلى اعتبار الحوكمة مرادفا للنجاعة وحسن
36
في حين 141
التصرف وشكل جديد من أشكال الرقابة االجتماعية في عهد ما بعد الحداثة
ّ
أعتبرها البعض اآلخر "وهم دستوري". utopie constitutionnelle142
هذا الجدل الفقهي جعل من الحوكمة مصطلح "متعدّد المعاني" notion polysémique
واألبعاد يختلط فيه البعد السياسي بالتقني واالقتصادي ،هذا باإلضافة إلى ظهور أشكال جديدة
من أشكال الحوكمة مثل الحوكمة الرشيدة والحوكمة المفتوحة .وبالرجوع إلى اإلطار الذي
ظهر فيه مصطلح الحوكمة فإنّه يمكن القول بأن لهذا المصطلح بعدان :بعد سياسي وبعد
ديمقراطي .والحوكمة من هذا المنظار هي عبارة عن تكريس لشكل جديد من أشكال ممارسة
السلطة داخل الدولة تقوم على تشريك المواطنين في تسيير الشأن العام على المستويين
الوطني والمحلي ،وبالتالي تقاسم األدوار والمسؤوليات بين جميع الفاعلين داخل الدولة
(أشخاص القانون العام ،أشخاص القانون الخاص ،مجتمع مدني).143
; Essoussi (A.), Présentation des actes du colloque portant constitution et gouvernance, op. cit., p. 9
Ogien (A.), La gouvernance, ou le mépris du politique, Cités 2007-4, n°32, p. 137 et s.
145هذه األهمية التي تكتسيها الحوكمة دفعت بالمشرع التأسيسي إلى بعث هيئة دستوريّة ضمن الفصل 130من الدستور
تس ّمى "هيئة الحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد" والتي تتمثل مهمتها في ترسيخ الشفافية ونشر ثقافة النزاهة والمساءلة ورصد
حاالت الفساد في القطاعين العام والخاص .وقد وقع تنظيم الهيئة المذكورة بمقتضى القانون األساسي عدد 59لسنة 2017
المؤرخ في 24أوت ( 2017الرائد الرسمي عدد 71-70بتاريخ 5-1سبتمبر ، 2017ص )2878 .وقد منح القانون
المذكور الهيئة صالحيّاتا واسعة فيما يتعلق بمكافحة الفساد من خالل رصد حاالت الفساد المتعلقة باألشخاص المعنوية
والمادية الع مومية وإحالتها على الجهات اإلدارية والقضائية .كما تستشار الهيئة وجوبا في مشاريع القوانين المتصلة بمجال
اختصاصها سيما تلك المتعلقة بالوقاية من الفساد ومكافحته .أنظر الفصول من 5إلى 31من القانون المذكور.
37
في االموال العمومية والشفافية من خالل تمكين المواطن من النفاذ الى المعلومة والحصول
عليها وحرية المبادرة الخاصة في إطار دولة يحكمها اقتصاد السّوق وقائمة على مبادئ
الديمقراطية واحترام القانون وشفافية االنتخابات واحترام حقوق اإلنسان والمساءلة
والمحاسبة والسلم اإلجتماعي .146وبذلك تلتقي الحوكمة الرشيدة مع الحوكمة من حيث أن
كليهما يقوم على مقاربة تشاركيّة في إدارة الشأن العام الوطني والمحلي.
أ ّما فيما يتعلق بالحوكمة المفتوحة gouvernance ouverteفإن هذا المصطلح عادة ما
يستعمل على المستوى العملي للداللة على كل مبادرة تهدف إلى نشر وثائق ومعلومات تهم
عمل الدولة .ومن هذا الجانب فإن الحوكمة المفتوحة تعني االعتماد على التقنيات الحديثة من
أجل الحصول على المعلومة .ولكن الحوكمة المفتوحة ال تعني فقط وضع معلومات على ذ ّمة
مجرد متلقي للخبر ،وإنما تتجاوز ذلك إلى خلق إطار من
ّ العموم ،حيث يكون المواطن هنا
الشفافيّة يسمح لكل مواطن ،ليس فقط من الحصول على المعلومة وإنّما أيضا من النفاذ إلى
هياكل إتخاذ القرار قصد ممارسة سلطة الرقابة والتأثير .147وعلى هذا األساس فإن الحوكمة
تتكون من عنصرين أساسيين :الوضوح ووسائل التعبير .148فالمواطنون في حاجة
المفتوحة ّ
لمعلومات من أجل معرفة ما يحدث داخل الدولة كما يحتاجون إلى المشاركة من أجل إبداء
رأيهم في خصوص هذه المسائل من خالل معرفتهم بمراحل إتخاذ القرارات الحكوميّة.
انطالقا م ّما تقدّم يمكن القول بأن اإلنفتاح يتمثل في تمكين الدولة المواطنين من سلطة
المراقبة والتأثير في مراحل العمل الحكومي من خالل إتاحة اإلمكانية لهم من النفاذ إلى
المعلومة وإلى سلطة اتخاذ القرار.
146
Banque Mondiale, Governance : The World Bank Experience ,Washington 1993, p. 12 :selon la
Banque Mondiale , la bonne gouvernance exige « l’instauration d’un Etat de droit qui garantisse la
sécurité des citoyens et le respect des lois ,la bonne administration qui exige une gestion correcte et
équitable des dépenses publiques , la responsabilité et l’imputabilité qui imposent que les dirigeants
rendent compte de leurs actions devant la population et , enfin , la transparence qui permet à chaque
citoyen de disposer et d’accéder à l’information ». Pour une étude d’ensemble voir : Mockle (D.), La
gouvernance, le droit et l’Etat, Bruylant, Bruxelles, 2007, p. 3 et s.
147
Meijer (A.), Curtin (D.) et Hillebrandt (M.), La gouvernance ouverte : relier visibilité et moyens
d’expression, RISA, 2012-1, vol. 78, pp. 13-14.
148
Curtin (D.) et Mendes (J.), Transparence et participation : des principes démocratiques pour
l’administration de l’union européenne, RFAP, 2011, 1-2, n°137-138, p. 101 et s.
38
فيما يتعلق بالمستوى المحلّي يمكن القول بأن الحوكمة المفتوحة تتمثل في قيام
مكونات المجتمع المدني الناشطة
الجماعات المحلية بإشراك سكان الجماعة المحلية وكذلك ّ
داخل الحدود الترابية للجماعة المحليّة في تحديد الحاجات واألولويات التنموية والخدماتية
والمرفقيّة سواء عبر اللقاءات الدوريّة مع ممثليهم أو عن طريق تشكيل لجان للمتابعة
واإلشراف أو عن طريق استبيان سكان الجماعة حول مسألة تهم الشأن المحلّي مع ضمان
ي.
الشفافية في نشر المعلومة والحق في النفاذ إلى هياكل إتخاذ القرار على المستوى المحل ّ
في هذا اإلطار صدر األمر الحكومي عدد 401لسنة 2019بتاريخ 6ماي 2019والمتعلق
بضبط شروط وإجراءات إعمال آليات الديمقراطية التشاركية المنصوص عليها بالفصل 30
والذي يهدف إلى إعمال آليات الديمقراطية التشاركية وذلك 149
من مجلة الجماعات المحليّة
ي
ومكونات المجتمع المدني المعنية بالشأن المحل ّ
ّ من خالل تسجيل آراء المتساكنين
واإلجابات عنها بمنظومة إلكترونية قصد إطالع المكونات المذكورة عليها .150كما منح
األمر المذكور اللجنة المكلفة بالديمقراطية التشاركيّة والحوكمة المفتوحة التابعة لمجلس
الجماعات المحلية صالحياتا واسعة فيما يتعلق بمتابعة أعمال المكتب المكلف بمسك سجل
آراء وتساؤالت المتساكنين والمجتمع المدني واإلجابات عنها وإعداد تقارير حول سير
كونات المجتمع المدني
عمله .151كما منحها األمر المذكور صالحية دعوة المتساكنين وم ّ
المسجلة للحضور بمقر الجماعة المحلية المعنية وذلك قصد المتابعة .152أ ّما فيما يتعلق
بالمرفق العام المحلي ّ
فإن الحوكمة المفتوحة تتمثل في تشريك سكان الجماعة المحلية في
ي عن طريق إحداث لجان تشمل إلى جانب أعضاء
متابعة سير عمل المرفق العام المحل ّ
أو عن طريق استبيان مستعملي 153
المجالس المحلية ممثلين عن المجتمع المدني المحلي
149أمر حكومي عدد 401لسنة 2019مؤرخ في 6ماي ،2019الرائد الرسمي عدد 39بتاريخ 14ماي ،2019
ص.1517 .
األول ،فقرة أولى من أمر 6ماي .2019 150أنظر الفصل ّ
151الفصل 14فقرة أولى من أمر 6ماي 2019
152أنظر الفصل 13فقرة ثانية من أمر 6ماي .2019
153أنظر الفصل 78فقرة أولى من مجلة الجماعات المحليّة.
39
مع ضمان حق سكان الجماعة 154
التصرف فيه
ّ ي حول طرق سيره وطرق
المرفق المحل ّ
تخص المرفق العمومي المحلّي.
ّ المحلية في النفاذ إلى المعلومة التي
هذه اآلليات التي كرستها مجلة الجماعات المحلية ال تخلوا من بعض العوائق
والسلبيات .ففيما يتعلق بمشاركة سكان الجماعة المحلية ومنظمات المجتمع المدني في مراقبة
سير المرفق العام المحلي ّ
فإن هذا الشكل من أشكال الديمقراطية التشاركية ال يخلو من بعض
السلبيات إذ يمكن أن يؤدّي إختالف التوجهات السياسية بين المتداخلين في مراقبة تسيير
المرفق العام المحلي إلى صراع بين هؤالء بما أنّه يمكن أن تتأسس آراء المشاركين على
وهو ما قد يؤدّي 155
اعتبارات فئوية شخصية ال موضوعية وذلك خدمة لطرف سياسي معيّن
إلى خلق نوع من الشعبويّة السياسية .فتكريس الديمقراطية التشاركيّة فيما يتعلق بتسيير
ي ال يمكن أن تكون ناجعة إال في ظل وجود مجتمع مدني مستقل ،فاعل
المرفق العام المحل ّ
ومؤثر وقادر على ممارسة دوره بكل حيادية عن األحزاب السياسية .غير إن ما يمكن
مالحظته في تونس اليوم هو أن العديد من منظمات المجتمع المدني في تبعيّة مالية لبعض
األحزاب السياسية ،بل إن البعض منها ليس إالّ امتدادا لبعض األحزاب التي تعمد إلى تكوين
جمعيات لدعم برامجها اإلجتماعية من أجل تحقيق اإلستقطاب السياسي .هذا باإلضافة إلى
عزوف المواطنين عن المشاركة في الشأن المحلي نتيجة غياب مناخ الثقة بين المواطن
والمسؤول .156هذه السلبيات ال يمكن أن تحجب مزايا تكريس مبدأ المشاركة في تسيير
المرفق العمومي المحلي ،إذ أن هذه المشاركة من شأنها أن تؤدّي إلى إعادة صياغة أولويات
ومكونات المجتمع
ّ ي كما يراها سكان الجماعات المحليّة المعنية
المرفق العمومي المحل ّ
40
ي م ّما يساهم في تحديد األولويات الحقيقية للمرفق المحلّي حسب حاجيات سكان
ّ المدني المحل
.الجماعة المحلية القصيرة والطويلة األمد
إن تكريس مبدأ الحوكمة المفتوحة كإحدى أهم المبادئ المستحدثة التي تحكم تسيير
ي وعلى الرغم من تعدد مزاياه فإنّه يبدو غير كاف لتحقيق األهداف
ّ المرفق العمومي المحل
.المرجوة منه لذلك وقع تدعيمه بمبدأ آخر والمتمثل في مبدأ الشفافية
ّ
ج) مبدأ الشفافية
المتعلق بعقود2015 نوفمبر27 المؤرخ في2015 لسنة49 من القانون عدد5 أنظر على سبيل المثال الفصل157
مارس13 الصادر في2014 لسنة1039 من األمر عدد6 الشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص وكذلك الفصل
. المتعلق بالصفقات العموميّة2014
158
Cette difficulté à définir la transparence a été soulevée par plusieurs auteurs dont notamment
F.Delpérée en écrivant : « La transparence s’inscrit aujourd’hui dans le vocabulaire usuel des
gouvernements et des administrations, à quelques échelles et sous quelques latitudes que ce soit. Elle
est, dit-on, l’un des piliers de la bonne gouvernance et de la bonne administration. A-t-elle pour autant
un contenu précis ? Est-elle transparente ? Ou n’est-elle, selon le mot de Corneille, que l’ « obscure
clarté qui tombe des étoiles» ? », Le droit constitutionnel et la transparence, in L’accès aux documents
administratifs (David Renders dir.), Bruylant, Bruxelles, 2008, p. 14 ; Voir également Clamour (G.),
La transparence et le service public : vade-mecum, Recueil Dalloz, 2007, p. 2617 et s.
159
Pour le conseil d’Etat français, la transparence de l’action publique et administrative recouvre des
préoccupations diversifiées : en premier lieu, la volonté d’informer les usagers et les partenaires de
l’administration sur les mesures leur faisant directement grief, leur portée et leur justification, ainsi que,
d’une manière plus générale, sur le cours de son activité : mais aussi, en second lieu, le souci d’éviter
que l’opacité des circuits de décision ne nourrisse différentes catégories de soupçons : soupçon de
favorisme, de corruption, d’arbitraire. (La transparence et le secret, Rapport 1995 du conseil d’Etat,
EDCE 1996, n°47, p. 33).
41
مكوناتها وتمظهراتها دون
تعرف هذه األخيرة تعريفا عضويّا يقتصر على تعداد ّ
اإلدارية ّ
يعرف بعض الفقهاء
إعطاء تعريف مادي ودقيق للمصطلح المذكور .وفي هذا اإلطار ّ
الشفافية اإلداريّة بأنّها "خاصية اإلدارة التي تسمح للعموم بمعرفة طريقة عملها والحصول
على المعلومات والوثائق والتوضيحات وبكل بساطة إسم العون المكلّف بمتابعة ملفّه".160
ّ
إن تكريس الشفافية صلب النصوص القانونية والترتيبيّة وكذلك من طرف فقه القضاء
جاء كنتيجة لإلصالحات الكبرى التي أدخلتها الدولة على عمل اإلدارة منذ بداية 161
اإلداري
ووضع إطار جديد 163
والتي تهدف إلى إعادة تأهيل اإلدارة 162
تسعينات القرن الماضي
للعالقة بينها والمتعاملين معها . 164وقد عرف مبدأ الشفافية تطورا في السنوات األخيرة في
صة مع صدور القانون المؤرخ في 24مارس 2016والمتعلق بالحق في النفاذ
خا ّ 165
تونس
160
C’est le cas, par exemple, de la définition proposée par R. Rouquette dans son dictionnaire du droit
administratif. Pour cet auteur, la transparence administrative est « la qualité d’une administration dont
le public peut savoir comment elle fonctionne, se procurer facilement des informations, des documents,
des explications voire tout simplement connaitre le nom du fonctionnaire suivant son dossier »,
Dictionnaire du droit administratif, éditions Le Moniteur, Paris 2002, p. 804.
161أنظر على سبيل المثال :المحكمة اإلداريّة ،إذن إستعجالي عدد 71697بتاريخ 3ماي ،2006علي/وزير العدل
وحقوق اإلنسان ،المجموعة ،ص" : 468 .وحيث على ضوء ما سبق يغدو اإلذن بتسليم الوثيقة المشار إليها أعاله متأكدا
ومجديا ،فضال عن أنّه ينسجم مع مبدأ شفافية العمل اإلداري وكذلك قاعدة تقريب اإلدارة من منظوريها وأعوانها ،ولعل
صه".ّأول مدخل لهذا التقارب هو تمكين المواطن في أسرع األوقات وبأيسر الوسائل من جميع الوثائق التي تخ ّ
162
Aouij M’rad(A.), Transparence et marchés publics, in Les nouveautés du droit des marchés
publics, Actes de la journée d’étude organisée le 3 avril 2003, Faculté de droit et des sciences politiques
de Tunis, p. 36 ; Voir également Tahar (N.), Les principes du service public : permanence et évolution,
in Le service public aujourd’hui, op. cit., p. 65.
163أمر عدد 49لسنة 1996المؤرخ في 16جانفي 1996والمتعلق بضبط محتوى مخططات تأهيل اإلدارة وطريقة
إعدادها وإنجازها ومتابعتها ،الرائد الرسمي عدد 7بتاريخ 23جانفي ،1996ص.221 .
164أمر عدد 982لسنة 1993المؤرخ في 3ماي 1993والمتعلق بضبط اإلطار العام للعالقة بين اإلدارة والمتعاملين
معها (الرائد الرسمي عدد 36بتاريخ 14ماي ،1993ص .) 651 .وقد أصبحت الجماعات المحلية بمقتضى التنقيح
المدخل على األمر المذكور بتاريخ 21ماي ( 2007أمر عدد 1259لسنة 2007مؤرخ في 21ماي ،2007الرائد
الرسمي عدد 43بتاريخ 29ماي ،2007ص ) 1819 .مطالبة بتكريس الشفافية مع المتعاملين معها .أنظر الفصلين 7
(جديد) و( 8جديد) من األمر المذكور.
165تجدر اإلشارة هنا إلى أن الفصل 15من الدستور يعتبر الشفافية قاعدة ذات قيمة دستورية وليست مبدأ من المبادئ
الدستورية التي تحكم عمل اإلدارة .وهو ما يجعل من الشفافية عبارة عن غاية تهدف إلى تحقيقها المرافق العموميّة دون أن
كرسه المجلس الدستوري الفرنسي حيث إعتبر في ترتقي إلى مرتبة اإلستمراريّة والمساواة والتأقلم ،وهو نفس التمشي الذي ّ
قراره المؤرخ في 21جانفي ( Urbanisme et construction, Décision n°93-335, Rec. p. 40.)1994أن الشفافية
ليست مبدأ من المبادئ العا ّمة ذات القيمة الدستوريّة.
42
حيث أصبح هذا األخير مبدأ من المبادئ القانونية التي تحكم سير المرافق 166
إلى المعلومة
العمومية الوطنية والمحليّة.167
بالنسبة للمرافق العموميّة المحليّة سعى المشرع ضمن مجلة الجماعات المحليّة إلى
تكريس مبدأ الشفافية وذلك عن طريق وضع مجموعة من اآلليات التي تمكن من إضفاء
الشفافية على تسيير المرفق وطرق عمله.
166قانون أساسي عدد 22لسنة 2016المؤرخ في 24مارس 2016والمتعلق بالحق في النفاذ إلى المعلومة ،الرائد
الرسمي عدد 26بتاريخ 29مارس ،2016ص.1029 .
167الفصل األ ّول مطة 2والفصل 2مطة 7و 8من قانون 24مارس 2016والمتعلق بالحق في النفاذ إلى المعلومة.
األول من أمر 6ماي .2019
168أنظر الفصل ،11القسم ّ
169
C’est ainsi que le conseil d’Etat français a considéré que « la mise à disposition et la diffusion de
textes, décisions et documents juridiques dans les conditions adaptées à l’état des techniques,
s’appliquant sans exclusive ni distinction, à l’ensemble des textes, décisions et documents et répondant
aux exigences d’égalité d’accès, de neutralité et d’objectivité constitue par nature une mission de
service public au bon accomplissement de laquelle il appartient à l’Etat de veiller », CE, 17 décembre
1997, Ordre des avocats à la Cour d’appel de Paris, AJDA 1998, p. 363.
43
والذي يلزم 170
والمتعلق بضبط صيغ وإجراءات النشر بالجريدة الرسميّة للجماعات المحليّة
الجماعات المحلية بنشر جميع التقارير والوثائق والمداوالت والقرارات الترتيبيّة بالجريدة
مع تعليق نسخ من تلك القرارات والمداوالت بمقرات الدوائر 171
الرسميّة لتلك الجماعة
قصد تمكين س ّكان الجماعة المحلية من اإلطالع عليها .كما إن الجماعة المحليّة، 172
البلدية
وفي إطار تكريس الشفافية ،أصبحت مطالبة بأن تض ّمن بالسجل اإللكتروني الموضوع على
ذمة المتساكنين والمجتمع المدني اآلراء المتعلقة بمشاريع القرارات الصادرة عنها والمنشورة
بموقعها االلكتروني والمعلقة بمقراتها وذلك قبل عرضها على مداوالت المجلس البلدي.173
كل هذه اإلجراءات تهدف إلى إضفاء مزيدا من الشفافية على عمل المرفق العمومي المحلي
حيث ظلت المرافق العموميّة لسنين طويلة بمثابة الصندوق المغلق الخارج عن إطار
المساءلة والمحاسبة والذي تغلب على قراراته البطئ وعلى خدماته التعقيد ».174هذه
االلتزامات لئن كان من شأنها تكريس مبدأ الشفافية فإنّها تبقى عديمة األثر في الوقت
الحاضر بسبب عدم قدرة البلديات على جمع ونشر المعطيات األساسيّة المتعلقة بموازينها
التقديريّة ،وبمشاريع ومخططات استثماراتها ،وببرامج التهيئة الترابية والتعمير ،وبحسابات
التصرف المالي واإلداري.175 «...
مبدأ الشفافية يتجاوز إطار عالقة المرفق العمومي المحلّي بس ّكان الجماعة المحليّة بل
والذي يفرض على المرفق العمومي إعالم مستعمليه 176
يحكم كذلك عالقة المرفق بمستعمليه
بطرق إسداء الخدمات التي يطلبونها وبشروط توفرها وبتعريفاتها وبآجال الحصول
170أمر حكومي عدد 1060لسنة 2018المؤرخ في 17ديسمبر 2018والمتعلق بضبط صيغ وإجراءات النشر بالجريدة
الرسمية للجماعات المحلية وبالمواقع اإللكترونية للجماعات المحلية للقرارات والوثائق ذات الصلة وتعليقها ،الرائد الرسمي
عدد 103بتاريخ 25ديسمبر ،2018ص.5323 .
األول من أمر 17ديسمبر .2018 171الفصل ّ
172الفصل 6من أمر 17ديسمبر .2018
173أنظر الفصل 11القسم الرابع من أمر 6ماي .2019
Pour de plus amples détails voir , Jenayah (M.R.), Transparence et secret administratif dans l’action
174
publique, in Journées d’études organisées par la Faculté de droit de Sfax du 31 octobre au 3 novembre
2018 en hommage au Doyen Néji Baccouche sur « Transparence et droit », non publié.
رضا جنيح ،قانون الجماعات المحليّة ،المغاربية لطباعة وإشهار الكتاب ،طبعة أولى ،2019ص.53 . 175
44
عليها .177كما تقتضي الشفافية الحق لمستخدم المرفق في معرفة مآل مطلبه وحقه في
الحصول على اإلجابة حول مآل ذلك المطلب .178غير أنّه في غياب آليات قانونية تجبر
اإلدارة على احترام هذه الواجبات المحمولة عليها والتقيّد بها يح ّد بصورة كبيرة من هذه
الضمانات م ّما يجعل من الر ّد على المطلب هو االستثناء والسكوت هو المبدأ .باإلضافة إلى
تخص
ّ الواجبات المذكورة ّ
فإن المرفق العام مطالب في بعض الحاالت بتعليل القرارات التي
وذلك من خالل بيان األسباب القانونية والواقعية التي دفعته التخاذ ذلك القرار.180 179
مرتفقيه
غير إن عدم وجود مبدأ عام لتعليل القرارات اإلدارية ،باستثناء القرارات التي توجب
النصوص القانونية والترتيبيّة تعليلها وكذلك تلك الصادرة في المادة التأديبيّة ،181من شأنه أن
يح ّد من الضمانات الممنوحة لمستخدمي المرفق في ظ ّل عدم وجود مبدأ عام لتعليل القرارات
والحريات األساسية للمتعاملين مع اإلدارة .182هذه النقائص تقتضي
ّ تمس من الحقوق
ّ التي
والحريات المكفولة
ّ من المشرع ّ
سن قانون يلزم اإلدارة بتعليل قراراتها التي تمس بالحقوق
باعتبار ّ
أن التعليل فيه تدعيم لدولة القانون والتي من ضمن ما تقتضيه الشفافية 183
بالدستور
177هذه الواجبات محمولة على جميع المرافق العمومية ،أنظر الفصل 6فقرة ثالثة من قانون 24مارس 2016والمتعلق
بالحق في النفاذ إلى المعلومة.
178ينص الفصل ( 8جديد) من األمر عدد 1259لسنة 2007والمؤرخ في 21ماي 2007والمنقح لألمر عدد 982لسنة
1993المؤرخ في 3ماي 1993والمنظم للعالقة بين اإلدارة والمتعاملين معها ،على ما يلي " :يتعيّن على مصالح الدولة
والجماعات المحلية والمؤسسات والمنشآت العمومية الرد كتابيّا بالموافقة أو بالرفض على كل مطلب يتعلق بالحصول على
خدمة إداريّة من اختصاصها" .كما أوجب التنقيح المدخل على األمر المذكور بمقتضى األمر عدد 1067لسنة 2018
المؤرخ في 25ديسمبر ( 2018الرائد الرسمي عدد 2بتاريخ 4جانفي ،2019ص )5 .على جميع مصالح الدولة
والجماعات العموميّة التي لها عالقة مباشرة بالعموم تحسين خدماتها اإلداريّة من خالل ضبط جملة من التزامات الجودة
تتعهد بتنفيذها ويتم تضمينها بوثيقة يطلق عليها اسم "ميثاق المواطن" تنشر لفائدة العموم ،الفصل ( 11مكرر).
179أنظر الفصل 10من أمر 3ماي .1993
180
« Par motivation, il faut entendre tout à la fois l’énoncé des bases textuelles de l’acte et l’indication
des circonstances de fait qui ont conduit l’autorité administrative à agir, donc les motifs de droit et les
motifs de fait », Sur (S.), Sur l’obligation de motiver formellement les actes administratifs, AJDA,
1974, p. 349.
181أنظر على سبيل المثال :المحكمة اإلدارية ،قضية عدد 128713بتاريخ 13جوان ،2014رازقي/رئيس الحكومة
ووزير العدل ،غير منشورة " :وحيث درج فقه قضاء هذه المحكمة على إن اإلدارة ال تكون ملزمة بتعليل قراراتها إال إذا
اقتضت النصوص التشريعيّة والترتيبيّة ذلك صراحة أو إذا كان التعليل من مستلزمات حق الدفاع وال يمكن بدونه أن
يمارس هذا الحق الذي يشكل مبدأ عاما للقانون".
182
Belhaj Rhouma (A.), La motivation des décisions administratives, Thèse pour le doctorat en droit
public, Faculté de droit et des sciences politiques de Tunis, 2014-2015, p. 299.
183
« En Allemagne, la Cour constitutionnelle fédérale exige que les décisions administratives soient
motivées dès lors que les droits des citoyens ont été lésés… », Eisenberg (E.), L’audition du citoyen et
motivation des décisions administratives individuelles, L’Harmattan, 2000, p. 91 et s.
45
وذلك تماشيا مع ما دأب عليه القاضي اإلداري الذي يلزم اإلدارة 184
في العمل اإلداري
بتعليل قراراتها التي تمس من الحقوق األساسيّة للمستهدفين بها .185يضاف إلى هذه العوائق،
عوائق أخرى ناتجة عن تضخم النصوص القانونية وخاصة تلك المتعلقة بتطبيق قانون
الجماعات المحلية ،إذ أن تعدد األوامر الصادرة تنفيذا لمجلة الجماعات المحلية ومناشيرها
التفسيريّة وتشتت هذه النصوص وعدم تقنينها تشكل عائقا أمام معرفة تلك النصوص وهو ما
يتعارض مع مبدأ األمن القانوني والثقة في التشريع الذي يقتضي وضوح النصوص القانونية
والترتيبية التي تستند إليها اإلدارة في عملها .186يضاف إلى هذه العوائق عائقا آخر متأتي من
التكريس القانوني لحق النفاذ إلى المعلومة في كل ما يخص تسيير المرفق العمومي المحلّي.
إذ أن ما يمكن مالحظته في هذا اإلطار هو عدم اإلستجابة التلقائية من طرف الجماعة
وبالتالي تمكين صاحب المطلب من المعلومات 187
المحلية المعنية لمطلب النفاذ إلى المعلومة
ومكونات المجتمع
ّ التي يريد الحصول عليها قد يؤدي إلى تخلي سكان الجماعة المحلية
المدني المحلّي عن ممارسة حقهم في النفاذ إلى المعلومة باعتبار أن رفض الجماعة تمكينهم
من الحصول على المعلومات المطلوبة يفتح مرحلة جديدة من الطعون في ذلك القرار 188م ّما
قد يؤدي إلى عزوف صاحب المطلب عن القيام بتلك الطعون نتيجة طول اإلجراءات
184المحكمة اإلدارية ،قضية عدد 19987بتاريخ 22نوفمبر 2003الماجري/وزير الدفاع الوطني ،غير منشورة.
"وحيث في األخير فإن مطالبة اإلدارة بتعليل القرارات التأديبيّة تدعيم لدولة القانون المنصوص عليها بالفصل الخامس من
الدستور والتي من ضمن ما تقتضيه الشفافية في العمل اإلداري والسعي إلى تقريب اإلدارة من منظوريها وأعوانها ،إلى
جانب تكريس مبدأ ثقة المواطن بما فيه العون العمومي في الدولة ومؤسساتها".
185أنظر على سبيل المثال :المحكمة اإلداريّة ،قضيّة عدد 11043بتاريخ 29مارس ،2003بوقدوحة/وزير المالية،
غير منشورة " :وحيث انّه من الثابت فقها وقضاء أنّ ه متى كان التشريع الجاري به العمل ال يوجب التعليل فإن اإلدارة ال
تعد ملزمة بذلك ولم تستثن من هذه القاعدة إال القرارات التي تمس من الحقوق األساسيّة أو من حق الدفاع".
186في هذا اإلطار اعتبرت المحكمة اإلدارية في قرارها عدد 128367بتاريخ 10جوان ( 2015مذكور سابقا) أن
مكونات مبدأ األمن القانوني والثقة في التشريع.
وضوح النصوص القانونية والترتيبية يعتبر إحدى ّ
187ويتجلّى ذلك من خالل القيام بجرد للطعون الواردة على هيئة النفاذ إلى المعلومة والمتعلقة برفض الجماعات المحلية
تمكين طالبي النفاذ من المعلومات التي يطلبونها ،إذ منذ 1فيفري 2018تاريخ إصدار هيئة النفاذ إلى المعلومة أولى
قراراتها وإلى غاية جوان 2019تلقت الهيئة حوالي مائة طعن في قرارات رفض الجماعات المحلية لمطالب النفاذ إلى
المعلومة وذلك من جملة حوالي ألف ملف طعن ورد على الهيئة.
188في حالة رفض الهيكل المعني مطلب النفاذ إلى المعلومة فإ ّن صاحب المطلب يمكنه التظلم لدى رئيس الهيكل المعني أو
الطعن مباشرة في ذلك القرار لدى هيئة النفاذ إلى المعلومة (الفصل 29من قانون 24مارس 2016والمتعلق بالحق في
النفاذ إلى المعلومة) مع فتح إمكانية الطعن في قرار هيئة النفاذ إلى المعلومة إستئنافيا أمام المحكمة اإلداريّة (الفصل 31من
قانون 24مارس .)2016
46
189
وتعقيدها .هذا باإلضافة إلى تعدد اإلستثناءات المدخلة على مجاالت النفاذ إلى المعلومة
وغموض العديد منها ويتعلق األمر هنا خاصة بالوثائق التي تحتوي على معلومات ذات
190
سري أو أمني والتي تستوجب من المعني باألمر إثبات مصلحته في اإلطالع عليها
طابع ّ
وهو أمر في غاية الصعوبة نتيجة للسلطة التي يتمتع بها الهيكل المعني بالنفاذ إلى المعلومة
في تقدير الطابع السري لتلك الوثائق ومدى إلحاقها الضرر باألمن العام وبالدفاع الوطني
وبالعالقات الدوليّة .هذه االستثناءات تعطي الهيكل المعني بالنفاذ الى المعلومة االمكانية
للتمسك بها ،هذا باإلضافة إلى اإلمكانية التي منحها قانون النفاذ الى المعلومة للهيكل المذكور
للطعن في قرار هيئة النفاذ إلى المعلومة إستئنافيا لدى المحكمة اإلدارية م ّما يعطي الهيكل
المعني بالنفاذ إلى المعلومة إمكانية اللجوء آليا إلى الطعن في ذلك القرار ربحا للوقت وذلك
على حساب صاحب مطلب النفاذ .ومما يزيد المسالة تعقيدا هو عدم وجود آليات قانونية
تجبر الهيكل المعني بالنفاذ على اإلستجابة لقرارات هيئة النفاذ إلى المعلومة ولألحكام
الصادرة عن المحكمة اإلداريّة والقاضية بتمكين صاحب مطلب النفاذ من المعلومات التي
يريد الحصول عليها.
بمختلف 191
مبدأ الشفافية يحكم كذلك عقود تفويض المرافق العمومية المحليّة
صت الفقرة الرابعة من الفصل 85من مجلة الجماعات
أصنافها .192وفي هذا اإلطار ن ّ
189أنظر الفصل 24من قانون 24مارس 2016والمتعلق بالحق في النفاذ إلى المعلومة.
190أنظر على سبيل المثال ،المحكمة اإلداريّة ،الدائرة اإلبتدائية بسوسة ،إذن إستعجالي عدد 05300045بتاريخ 31
جويلية ، 2019غير منشور .وقد اعتبرت الدائرة االبتدائية في هذا اإلذن "( )...أن النفاذ إلى سائر الوثائق اإلداريّة حق
مخول لكافّة المتعاملين مع اإلدارة عند الحاجة إالّ إذا تعلق األمر بوثائق تحتوي على معلومات سريّة أو أمنيّة أو على ّ
تخص أشخاصا آخرين ،وفي هذه الحالة يتعيّن على المعني باألمر إثبات مصلحته في اإلطالع عليها ومدى صلته ّ معطيات
بها".
أن الشخص العمومي المسؤول عن المرفق العام ذو الصبغة الصناعية والتجارية يمكنه أن يقوم 191تجدر اإلشارة هنا إلى ّ
بتسيير المرفق بطريقة مباشرة عن طريق وكالة مباشرة أو بطريقة شبه مباشرة عن طريق منشآت عموميّة محليّة وكذلك
بطريقة غير مباشرة عندما يقوم بتفويض استغالل المرفق للغير .في هذا اإلطار يمكن أن يأخذ التفويض شكالن :التأهيل
األحادي ( Habilitation unilatéraleأنظر الهامش عدد )6والتأهيل التعاقدي أو ما يسمى بعقود تفويض المرافق العا ّمة
.Contrats de délégation de service publicوتندرج طريقتي التأهيل األحادي والتأهيل التعاقدي في إطار ما يس ّمى
بتفويض المرفق العام . délégation de service publicلمزيد من التع ّمق أنظر :
Ubaud-Bergeron (M.), Droit des contrats administratifs, Lexis Nexis, 2015, p. 174 et s. Pour
; l’habilitation unilatérale voir, Aouij M’rad (A.), Droit des services publics, op. cit., p. 129 et s.
Ferchichi (W.), La gestion des services publics par des personnes privées. Cas des personnes privées à
but non lucratif, in Le service public aujourd’hui, op. cit., p. 167 et s ; Brenet (F.), La délégation
unilatérale de service public, AJDA, 2013, p. 1435 et s.
47
المحلية على إن عقود تفويض المرافق العا ّمة المحلية تبرم وفق مبادئ المنافسة والمساواة
ولكي نكون في إطار عقد تفويض مرفق عام فال بد ّ أن يكون موضوع العقد يتعلق بتفويض كلي أو جزئي لنشاط المرفق
العام ،وهذا يعني أنه ال يمكن الحديث عن عقد تفويض مرفق عام إال إذا كان النشاط الذي ستمنحه اإلدارة للغير يمثل مرفقا
تفوض للغير نشاطا ما دون أن يكون هذا النشاط مرفقا عاما ومثال ذلك تفويض اإلدارة عا ّما باعتبار أن اإلدارة يمكنها أن ّ
الغير القيام بأشغال وليس التصرف في مرفق عام .كما إن تفويض اإلدارة لبعض أنشطتها يمكن أن يتجاوز إطار إنجاز
األشغال ومع ذلك ّ
فإن النشاط ال يدخل في إطار تفويض المرفق العام ومثال ذلك التصرف في الملك العمومي الخاص .فعندما
تقوم اإلدارة بإبرام عقد تفوض بمقتضاه الغير التصرف في ملكها العمومي الخاص ّ
فإن ذلك العقد ال يعتبر عقد تفويض مرفق
عام (المحكمة اإلدارية قضية عدد 18806بتاريخ 25اكتوبر ،2002مذكورة سابقاTC, 10 juillet 1956, Sté des ،
Steeple-Chases de France, Rec. p. 587).
أ ّما العنصر اآلخر فهو المتعلق بالتفويض ،إذ ال يعتبر عقد تفويض مرفق عام إال إذا كان هناك تفويض فعلي للغير للقيام
بنشاط مرفق عام مع تمتع صاحب التفويض ببعض الصالحيات الذاتية ولمدّة معيّنة .وبذلك فإن عقد تفويض المرفق العام
يختلف عن الصفقات العموميّة من حيث أن عقد الصفقة العمومية يتمثل في تقديم خدمات يحتاجها الشخص العمومي مقابل
ثمن معيّن يدفع مقابل تلك الخدمة ،في حين أنّه عندما يتعلق األمر بتفويض مرفق عام فإن المتعاقد ،إلى جانب تحمله المخاطر
المالية للنشاط المرفقي فإنّه يقع خالصة عن طريق معاليم يدفعها مستعمل المرفق أو عن طريق مبالغ يدفعها الشخص
الحرة وعقود التسيير.
ّ العم ومي ومرتبطة بنتائج التصرف في المرفق موضوع عقد التفويض مثلما هو األمر بالنسبة للوكالة
لمزيد من التعمق أنظر:
Auby (J.B.) et Maugüe (C.), Les contrats de délégation de service public, J.C.P. n°9-1994, p. 115 et
s. ; Gaudemet (Y.), Droit administratif, 20ème édition, L.G.D.J., 2012, p. 411 et s.
حرة régie intéresséeوعقود
192وتتمثل هذه العقود أساسا في اللزمة concessionوالتأجير affermageوالوكالة ال ّ
التسيير .contrats de géranceبالنسبة للزمة فانها تعرف بانها العقد الذي يفوض بمقتضاه شخصا عموميا يسمى مانح
اللزمة ،لمدة محدده ،الى شخص عمومي او خاص يسمى صاحب اللزمة ،التصرف في مرفق عمومي او استعمال او
استغالل امالك او معدات او تجهيزات او استخالص معاليم راجعة للشخص العمومي بمقابل يستخلص لفائدته من
المستعملين حسب الشروط التي يضبطها عقد اللزمة .وتختلف اللزمة عن عقد التأجير رغم أن هذا األخير ليس إالّ شكال
ويعرف عقد التأجير بأنه العقد الذي يكلّف بمقتضاه شخص عمومي وعلى مسؤوليته شخص آخر عاما أو ّ من أشكال اللزمة.
صا باستغالل مرفق عام عن طريق المنشآت التي يوفرها الشخص العمومي المؤجّر مع دفع المستأجر لمقابل مالي للمؤجّر خا ّ
متأتية من المعاليم التي يدفعها المرتفقون والمتأتية من إستغالل المرفق .ويشترك عقد التأجير مع عقد اللزمة من حيث أن
أن عقدكليهما يقومان على تفويض ا ستغالل المرفق لشخص آخر مختلف عن الجماعة المحلية المسؤولة عن المرفق .غير ّ
التأجير يختلف عن عقد اللزمة من حيث انه في عقد التأجير يقع توفير المنشآت والتجهيزات من طرف المؤجر وتقتصر
مهمة المستأجر على أعمال الصيانة في حين أنه في عقد اللزمة تقع مه ّمة توفير التجهيزات والمنشآت على صاحب اللزمة.
كما يختلف عقد التأجير عن عقد اللزمة من حيث أنّه في عقد التأجير يقوم المستأجر بدفع معاليم للمؤجّر وذلك قصد تمكين
المؤجر من استرجاع مبالغ التجهيزات واالستثمارات وبالتالي تقاسم األعباء في حين أنّه في عقد اللزمة ال يدفع صاحب
اللزمة معاليما لمانح اللزمة.
حرة فإنّها العقد الذي يوكل بمقتضاه شخص عمومي شخص خاص تسيير وصيانة مرفق عام لحساب الشخص أ ّما الوكالة ال ّ
العمومي مع دفع هذا األخير للشخص الخاص أجرا يقع تحديده انطالقا من رقم المعامالت باإلضافة إلى عالوة اإلنتاجيّة
إن الوكالة الحرة تقوم على جملة من الخصائص وجزءا من األرباح أو في شكل مبلغ جزافي .وإنطالقا من هذا التعريف ف ّ
والتي يمكن تلخيصها فيما يلي :
-إستغالل المرفق يكون لحساب الشخص العمومي المفوض.
-الشخص العمومي هو الذي يقوم بأشغال البناء والصيانة وتوفير التجهيزات الضرورية للمرفق.
-مخاطر اإلستغالل يتحملها الشخص العمومي ،لكنه وبطريقة غير مباشرة يتحمل جزءا منها ألن أجره مرتبط بنتيجة
اإلستغالل.
أما فيما يتعلق بعقد التسيير فإنه العقد الذي يفوض بمقتضاه شخص من أشخاص القانون العام شخصا من أشخاص القانون
الخاص تسيير مرفق عام لحساب الشخص العمومي مقابل عالوة سنوية يدفعها هذا األخير للمسير مع عدم تحمل الشخص
بالتصرف
ّ الخاص أعباء البناء والتجهيز وخسائر تسيير المرفق .فالمسير يسير المرفق لحساب الشخص العمومي الذي يحتفظ
في المرفق في كل ما يتعلق بجوانبه التقنية واإلقتصادية والمالية مع تحمله كل المخاطر المالية الناتجة عن إستغالل المرفق.
لمزيد من التعمق حول مختلف هذه العقود أنظر :
Richer (L.), Droit des contrats administratifs, op. cit., p. 520 et s. ; Douence (J.C.), Les contrats de
délégation de service public, RFDA 1993, p. 936 et s.
48
والشفافية والنزاهة .وتتجلّى الشفافية أوال من خالل طرق إبرام عقود تفويض المرافق
العمومية المحلية وذلك عن طريق إتباع مجموعة من اإلجراءات التي من شأنها أن تضمن
المساواة بين جميع المترشحين للتعاقد مع الجماعة المحلية .هذه اإلجراءات وقع التنصيص
صلة ضمن الفصلين 88و 89من مجلة الجماعات المحلية .وتعتبر تقنية
عليها بصورة مف ّ
اإلشهار من أهم ضمانات الشفافية باعتبار أنها توفّر إطارا قانونيا فعاال وناجعا لمنافسة
حقيقيّة بين جميع المترشحين للتعاقد مع الجماعة المحلية المعنيّة .واإلشهار هو وسيلة إعالم
تم ّكن المترشحين من تقديم عروضهم وفق إجراءات مفصلة ودقيقة منصوص عليها باإلعالن
عن طلب العروض .ويع ّد خضوع عقود تفويض المرافق العمومية المحلية إلى اإلشهار عن
وسيلة ناجعة 193
طريق الموقع االلكتروني للجماعة المحلية وبصحيفتين يوميتين على األقل
للح ّد من الفساد في إبرام عقود الجماعات المحلية وأداة لتحقيق المنافسة الشريفة والمساواة
وتكافئ الفرص بين جميع المترشحين .194ونشر اإلعالن عن عقود تفويض المرافق
العمومية المحلية ليس مجرد قاعدة شكلية إجرائية بحتة إذ له إرتباطا وثيقا بالقواعد الجوهريّة
واألصليّة التي تحكم طريقة إبرام عقود تفويض المرافق العمومية المحلية .ونظرا ألهمية
اإلشهار في تحقيق المنافسة الشريفة فإن المشرع قد أحاطه ضمن مجلة الجماعات المحلية
بجملة من التنصيصات الوجوبيّة التي يجب تضمينها في اإلعالن عن طلب العروض
المفتوحة قبل نشرها مثل موضوع العقد وتاريخ قبول العروض وفتحها.195
تكريس الشفافية في إبرام عقود تفويض المرافق العمومية المحلية يتجلى كذلك في
مرحلة فتح ملفات المترشحين إذ أسند الفصل 89فقرة أولى من مجلة الجماعات المحلية هذه
194
Le professeur Mustapha Ben Letaief écrit en ce sens : « Le principe de transparence répond à un
double objectif : d’une part, la publicité de procédure doit être efficiente, en ce sens qu’elle a vocation à
susciter une large concurrence. Ceci suppose la diffusion d’une publicité suffisamment accessible avant
l’attribution du marché. Le respect des règles de publicité est indispensable à l’égalité d’accès et à la
mise en œuvre de la concurrence (…). D’autre part, les entreprises doivent connaitre à l’avance les
règles de mise en concurrence qui leur sont applicables, de manière à permettre le contrôle du respect
des règles de mise en concurrence et la sincérité du choix de l’administration », Les procédures de
passation et d’exécution des marchés publics. Rapport introductif, Etudes juridiques, n°19-2012, pp.
186-187.
أنظر الفصل 88فقرة ثالثة من مجلة الجماعات المحلية. 195
49
وهو ما يضفي على تركيبة اللجنة نوعا من 196
الصالحية إلى لجنة تتكون من خمسة أعضاء
يتعرض إلى معايير اختيار أعضاء اللجنة
ّ الموضوعية والحياد .غير إن الفصل المذكور لم
وال إلى النصاب القانوني الالّزم النعقادها وهل إن حضور الرئيس ضروري إلكتمال
النصاب وال إلى كيفية إستدعاء أعضاءها .هذه النقائص من شانها أن تح ّد من شفافية اختيار
أعضاءها وطريقة عملها خاصة وأن الفصلين 92و 93من مجلة الجماعات المحلية قد
أسندا للجنة المذكورة صالحياتا واسعة فيما يتعلق بضبط قائمة المترشحين وترتيبهم بعد
دراسة ملفاتهم.
ّ
إن الصالحيات التي منحها الفصالن 92و 93من مجلة الجماعات المحلية للجنة
المذكورة تثير التساؤالت التالية والالتي في عالقة بمبدأ الشفافية :هل إن تركيبة اللجنة قا ّرة
أم إنها متغيّرة حسب موضوع عقد التفويض ؟ ما هي المعايير التي تعتمدها اللجنة للتحقق
من قدرة المترشحين على ضمان إستمرارايّة المرفق العام ؟ ما هي المعايير التي يتم على
أساسها التأ ّكد من أن المترشح له العرض األفضل من الناحيتين الفنية والماليّة ؟ إن إعطاء
اللجنة المنصوص عليها بالفصل 89فقرة أولى من مجلة الجماعات المحلية صالحياتا مطلقة
فيما يتعلق بفرز العروض واختيار األنسب منها وترتيبها من شأنه أن يح ّد من شفافية فرز
العروض في ظل غياب أية رقابة من مجلس الجماعة المحلية على اللجنة المذكورة في هذه
المرحلة ،هذا باإلضافة إلى غياب تقييد لصالحية اللجنة بجملة من المعايير التفصيلية التي
على أساسها يمكن معرفة الخاصيات الفنية والمالية األنسب للجماعة المحلية المتعاقدة في
إطار من الشفافية والموضوعيّة .هذه النقائص من شأنها أن تح ّد من مبدأ المنافسة والمساواة
بين المترشحين للتعاقد مع الجماعة المحليّة.
اإلشكال اآلخر هو الناتج عن قراءة الفصل 93من مجلة الجماعات المحلية والمتعلق
بصالحية مجلس الجماعة المحليّة حيث ينص الفصل المذكور على إن اللجنة المنصوص
196تنص الفقرة األولى من الفصل 89من مجلة الجماعات المحلية على ما يلي " :تفتح ملفات المترشحين من قبل لجنة
تتكون من :
-رئيس يعيّنه رئيس الجماعة المحليّة المعنية أو من ينوبه،
-عضوين بمجلس الجماعة يعينهما مجلس الجماعة المحليّة،
-تقنيين إثنين من ذوي االختصاص يعيّنها مكتب الجماعة المحلية".
50
عليها بالفصل 89تقوم بتحرير محضر جلسة يحتوي على ترتيب للمترشحين بحسب
األفضلية مع إحالة ذلك المحضر إلى مجلس الجماعة المحليّة .إن قراءة هذا الفصل تثير
التساؤالت التالية :هل إن محضر الجلسة ملزما لمجلس الجماعة ؟ هل يمكن لمجلس
الجماعة رفض محضر الجلسة؟ هل يمكن لمجلس الجماعة اإلعتراض على طريقة اختيار
المترشحين ؟ هل يمكن لمجلس الجماعة المحلية إدخال بعض التغييرات على محضر الجلسة
مثل إعادة ترتيب المترشحين ؟ هل يمكن لمجلس الجماعة إعادة محضر الجلسة للجنة قصد
إدخال بعض التغييرات عليه ؟ ما هي صالحيات مجلس الجماعة إذا تراءى له من خالل
محضر الجلسة المحال إليه أن اللجنة المنصوص عليها بالفصل 89قد أخلت بصورة فادحة
بالمبادئ األساسية التي تحكم إبرام عقود تفويض المرافق العمومية المحلية ؟ هل يمكن
لمجلس الجماعة المحلية اللجوء إلى القضاء في حالة ما إذا تبيّن له وجود شبهة فساد أو
في اختيار المترشحين وترتيبهم ؟ هل يمكن لسكان الجماعة المحلية وللمجتمع 197
محاباة
المدني اإلطالع على محضر جلسة اللجنة المنصوص عليها بالفصل 89من مجلة الجماعات
المحلية وكذلك على مداوالت مجلس الجماعة المحلية المتعلقة باختيار المتعاقد مع الجماعة
المحلية ؟ هل يمكن للوالي اإلعتراض على عقد تفويض المرفق العام المحلي لدى هيئة
وهل يمكنه إحالة عقد التفويض على هيئة المحاسبات 198
المحاسبات المختصة ترابيّا
صة ترابيّا قصد إبداء الرأي ؟ هذه التساؤالت العديدة تظهر بعض النقائص التي شابت
المخت ّ
الفصول المنظمة لعقود تفويض المرافق العمومية المحلية وهو ما يستدعي إيجاد آليات
ل لرقابة القضائية والغير قضائية في هذه المرحلة المهمة من مراحل إبرام عقود تفويض
المرافق العمومية المحلية وذلك نتيجة لتأثيرها المباشر فيما بعد على عمل المرفق العمومي
المحل ي وجودة الخدمات التي سيقدمها وعلى قدرة صاحب التفويض على الوفاء بالتزاماته
التعاقديّة.
197
En France, par exemple, le délit de favoritisme a été étendu aux conventions de délégation de
service public. Voir Maugüé (Ch.), La portée de l’obligation de transparence dans les contrats publics,
in Mouvement du droit public, Mélanges en l’honneur de Frank Moderne, Dalloz, 2004, p. 610.
198حسب الفصل 94فقرة ثالثة من مجلة الجماعات المحلية ،ف ّ
إن الوالي يحق له االعتراض فقط على عقود تفويض المرفق
العام المحلي التي تبرم وفق طريقة التفاوض المباشر.
51
مبدأ الشفافية يجب أن يحكم كذلك الطرق اإلستثنائية إلبرام عقود تفويض المرافق
العمومية المحلية .هذه الطرق اإلستثنائية وقع التنصيص عليها ضمن الفصل 94فقرة أولى
من مجلة الجماعات المحلية والمتمثلة أساسا في التفاوض المباشر واإلستشارة .وقد وقع
حصر الحاالت التي يمكن فيها للجماعة المحلية اللجوء إلى هذه الطرق اإلستثنائية ضمن
وذلك للتأكيد على الصبغة 199
المطة األولى والثانية والثالثة من الفصل 94المذكور
اإلستثنائية لهذه الطرق في إبرام عقود تفويض المرافق العمومية المحلية من ناحية ولتوسيع
اإلمكانيات المتاحة للجماعة المحلية لتلبية حاجياتها المرفقية من ناحية أخرى.
ما يمكن مالحظته في البداية هو إن الفصل 94من مجلة الجماعات المحلية لم يخضع
هذه الطرق االستثنائية إلجراءات معيّنة تضمن ح ّد أدنى من الشفافية وتكافئ الفرص بين
المترشحين.200
بالنسبة للتفاوض المباشر فإنّه ال يخضع للمنافسة حيث تلتجئ إليه الجماعة المحلية
دون أن تتقيّد بصيغ وإجراءات طلب العروض أو االستشارة وذلك في الحاالت المنصوص
عليها بالفصل 94من مجلة الجماعات المحلية وهي حاالت وقع ذكرها على سبيل الحصر.
والسؤال المطروح هنا هو اآلتي :هل ّ
أن هذه الطريقة من طرق إبرام عقود تفويض المرافق
العمومية المحلية ال تخضع ألي إجراءات شكلية تضمن ح ّد أدنى من الشفافيّة ؟ ّ
إن اإلجابة
على هذا السؤال تقتضي إبداء المالحظات التالية :بالرجوع إلى الفصل 94من مجلة
الجماعات المحلية نالحظ ّ
أن هذا األخير لم يخضع طريقة التفاوض المباشر أليّة شكلية معيّنة
تضمن حدّا أدنى من الشفافية .كما ّ
إن الفصلين 83و 84من مجلة الجماعات المحلية
199ينص الفصل 94من مجلة الجماعات المحلية على ما يلي " :ال يمكن للجماعة المحلية اللجوء إلى التفاوض المباشر أو
تنظيم استشارة إال في الحاالت التالية :
-إذا لم تفض الدعوة للمنافسة مرتين متتاليتين إلى عروض مثمرة،
-إذا تعلق العقد بأعمال ال يمكن أن يعهد بإنجازها إالّ لشخص معين أو بنشاط يختص باستغالله حامل براءة اختراع أو
صاحب أمالك ذات طابع ثقافي أو تراثي،
-في حالة التأكد الشديد والضرورة القصوى لإلنجاز"
200بالنسبة لإلتفاق المباشر نص الفصل 94في فقرتيه الثانية والثالثة على إحالة العقد موضوع اإلتفاق المباشر على الوالي
المختص ترابيّا وعلى أمين المال الجهوي لإلعالم مع منح الوالي حق اإلعتراض على اإلتفاق المذكور لدى هيئة محكمة
المحاسبات المختصة ترابيّا في اجل 15يوما من تاريخ اإلعالم دون إخضاع هذه الطريقة من طرق إبرام عقود تفويض
المرفق العام إلجراءات شكليّة معيّنة.
52
يتطرقا إلى الطرق
ّ المنظمة لعقود اللزمة كإحدى أهم عقود تفويض المرفق العام المحلي لم
ي بل أحاال إلى التشريع المنظم لعقود
اإلستثنائية إلبرام عقود لزمة المرفق العام المحل ّ
باعتباره من أهم المبادئ التي تحكم عقود 202
الحر
ّ فيما ال يتعارض مع مبدأ التدبير 201
اللزمة
ي وهو ما أكدته المحكمة اإلدارية في قرارها المؤرخ في 6أوت
تفويض المرفق العام المحل ّ
الحر أحد أه ّم المبادئ الذي
ّ صرحت بما يلي " :وحيث يشكل مبدأ التدبير
ّ حيث 203
2019
يخول بموجبه للجماعات الترابية ومنها البلديات في حدود اختصاصاتها سلطة التداول بكيفية
ّ
ديمقراطية وسلطة إتخاذ وتنفيذ مداوالتها ومقرراتها وعقودها".
ّ
إن إلزام مانح اللزمة عن طريق التفاوض المباشر بتعليل وشرح أسباب إختياره هذه
الطريقة من شأنه أن يضفي نوعا من الشفافية على عقود تفويض المرفق العام المحلي
201قانون عدد 23لسنة 2008مؤرخ في 1أفريل 2008والمتعلق بنظام اللزمات ،الرائد الرسمي عدد 28بتاريخ 4
أفريل ،2008ص.1260 .
202فصل 84فقرة أولى من مجلة الجماعات المحليّة.
203المحكمة اإلدارية ،الدائرة اإلبتدائية بالقصرين ،ت.ت ،.قضية عدد 11200084بتاريخ 6أوت ،2019أنور
هيشري/والي القصرين ،غير منشورة.
204أمر عدد 1753لسنة 2010والمتعلق بضبط شر وط وإجراءات منح اللزمات ،الرائد الرسمي عدد 59بتاريخ 23
جويلية ،2010ص.2055 .
205أمر عدد 4631لسنة 2013المؤرخ في 18نوفمبر ،2013يتعلق بتنقيح وإتمام األمر عدد 1753لسنة 2010
المؤرخ في 19جويلية 2010والمتعلق بضبط شروط وإجراءات منح اللزمات ،الرائد الرسمي عدد 95بتاريخ 29نوفمبر
،2013ص.3981 .
206وقع إنشاء هذه الوحدة بمقتضى الفصل 19من األمر الحكومي عدد 1185لسنة 2016والمؤرخ في 14أكتوبر
2016والمتعلق بضبط تنظيم وصالحيات الهيئة العامة للشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص ،الرائد الرسمي عدد 85
المؤرخ في 18أكتوبر ،2016ص.3435 .
207الفصل 5سادسا من أمر 14أكتوبر 2016المذكور.
53
المبرمة عن طريق التفاوض المباشر ويح ّد من السلطة التقديريّة لمانح اللزمة في اللجوء لهذه
الطريقة اإلستثنائية ،إذ أن عدم تقييد سلطة مانح التفويض بأي إجراءات شكلية من شأنه إن
يفتح المجال له في اللجوء إلى هذه الطريقة دون أن تكون هناك أسبابا موضوعية تبرر
اللجوء إليها.
تجدر اإلشارة في البداية إلى أن االستشارة الموسعة عكس التفاوض المباشر تفترض
الدعوة إلى المنافسة والجماعة المحلية عند لجوءها لهذه الطريقة في إبرام عقود تفويض
المرفق العام المحلّي مطالبة باحترام المبادئ األساسية التي تحكم عقود تفويض المرافق
العمومية المحلية أي المساواة وتكافئ الفرص بين مختلف المترشحين وكذلك شفافية
اإلجراءات .ويمكن اإلستئناس في هذا المجال بقانون 1أفريل 2008المتعلق بعقود اللزمة
ي لهذا التشريع وذلك في
وأوامره التطبيقيّة باعتبار خضوع عقود لزمة المرفق العام المحل ّ
التطرق إليه سابقا.
ّ الحر مثلما وقع
ّ إطار احترام مبدأ التدبير
54
نص عليه الفصل 26من أمر 19جويلية 2010
ّ أ ّما اإلجراء اآلخر فهو الذي
المذكور حيث فرض الفصل المذكور على مانح اللزمة عن طريق اإلستشارة الموسعة إعداد
تقرير معلل يشرح فيه أسباب اختياره هذه الطريقة مع عرض التقرير على وحدة مراقبة
ومتابعة عقود اللزمات.208
إذا كانت هذه الشكلية من شأنها أن تضفي مزيدا من الشفافية على عقود اللزمة
المبرمة عن طريق اإلستشارة الموسعة فإن سكوت الفصل 5من أمر 14أكتوبر 2016
على طبيعة الصبغة اإللزاميّة للرأي المسبّق الذي تبديه وحدة مراقبة ومتابعة عقود اللزمات
من شأنه أن يح ّد من صالحية الهيئة ،إذ إكتفى الفصل المذكور بالتنصيص على أن الهيئة
تبدي الرأي المسبق في تقارير شرح أسباب اللجوء إلى اعتماد صيغة االستشارة الموسعة
دون ذكر هل أن هذا الرأي المسبق ملزما لمانح اللزمة أم ال.
ي موضوع التفويض
مبدأ الشفافية يحكم كذلك مرحلة تنفيذ المرفق العمومي المحل ّ
وذلك من خالل تمكين سكان الجماعة المحلية من اإلطالع على مدى التقدّم في إنجاز المرفق
وعلى مد احترام صاحب التفويض لآلجال والمواصفات الفنية المنصوص عليها بالعقد .غير
إن ما يمكن مالحظته في هذا اإلطار هو إنّه ولئن فرض الفصل 77فقرة أولى من مجلة
الجماعات المحلية على الجماعة المحلية صاحبة المرفق موضوع التفويض اإللتزام بقواعد
الشفافية في جميع مراحل تنفيذ المرفق موضوع التفويض فإنّه سكت عن اآلليات التي تمكن
المشرع الفرنسي الذي نص ضمن الفصل 1411-3
ّ من تحقيق تلك الشفافية وذلك على عكس
ي كل سنة
Lمن مجلة الجماعات المحلية على ضرورة تقديم كل ملتزم مرفق عام محل ّ
تقريرا حول مدى تقدّم إنجاز المرفق موضوع اللزمة وكل ما يتعلق بالمعطيات المحاسبتيّة
تخص المرفق موضوع اللزمة وذلك تطبيقا لمقتضيات الفصل L 3131-5من مجلة
ّ التي
الشراءات العموميّة .هذا التقرير يعرض في أول جلسة على مجلس الجماعات المحليّة مع
تمكين سكان الجماعة المحلية التي يتجاوز عدد سكانها 3500نسمة من اإلطالع على ذلك
208أنظر الفصل 5سادسا من أمر 14أكتوبر 2016والمتعلق بضبط تنظيم وصالحيات الهيئة العا ّمة للشراكة بين القطاع
العام والقطاع الخاص.
55
التقرير وذلك في ظرف خمسة عشر يوما من تلقي مجلس الجماعة التقرير وذلك تطبيقا
لمقتضيات الفصل L 1411-13من مجلة الجماعات المحليّة.
في تونس وفي ظ ّل سكوت مجلة الجماعات المحليّة فإنّه يمكن الرجوع إلى التشريع
المتعلق بعقود اللزمة حيث نص الفصل ( 33ثالثا) من أمر 19جويلية 2010والمتعلق
بضبط شروط وإجراءات منح اللزمات على إن صاحب اللزمة مطالبا بأن يحيل سنويّا تقريرا
حول تنفيذ اللزمة إلى مانح اللزمة .هذا التقرير يتض ّمن المعطيات اإلقتصاديّة والمحاسبتيّة
بما فيها الحسابات السنويّة لنتائج استغالل العمليات موضوع العقد ووصفا لوضعيّة
الممتلكات الالزمة لحسن تنفيذ المشروع مع تض ّمن التقرير مقارنة لتلك المعطيات مع
معطيات السنة السابقة .هذا التقرير يعرض كذلك على الهيئة العا ّمة للشراكة بين القطاع العام
القيام بعمليات التدقيق 209
والقطاع الخاص حيث تتولى وحدة الحوصلة والمتابعة والتدقيق
وإعداد تقارير تدقيقية في الغرض.
إذا كان صاحب لزمة المرفق العام المحلّي مطالبا بم ّد الجماعة المحليّة بهذا التقرير
السنوي باعتبار خضوع هذه األخيرة لقانون 1أفريل 2008والمتعلق بعقود اللزمة فإن عدم
تقييد مانح لزمة المرفق العام بأجل محدّد لم ّد الهيئة العا ّمة للشراكة بين القطاع العام والقطاع
الخاص بهذا التقرير السنوي من شانه أن يعطي مانح اللزمة الفرصة لمزيد التأخير في م ّدها
بذلك التقرير .وتفاديا لهذا التأخير صدر المنشور الحكومي عدد 10المؤرخ في 10أفريل
2019والذي يلزم الوزراء وكتاب الدولة ورؤساء المؤسسات والمنشآت العموميّة ورؤساء
الجماعات المحلية م ّد الهيئة العا ّمة للشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص بهذا التقرير
في أجل مو ّفى مارس من ك ّل سنة.
إذا كانت الجماعة المحلية مانحة اللزمة مطالبة بم ّد الهيئة العا ّمة للشراكة بين القطاع
العام والقطاع الخاص بالتقرير السنوي المتعلق بتنفيذ اللزمة فإنّه في المقابل ال شيء يجبرها
قانونا على تمكين س ّكان الجماعة المحلية من اإلطالع عليه قصد ممارسة سلطة الرقابة
209أنظر الفصل 8من أمر 14أكتوبر 2016والمتعلق بضبط تنظيم وصالحيات الهيئة العامة للشراكة بين القطاع العام
والقطاع الخاص.
56
ويبقى الح ّل بالنسبة لهؤالء اللجوء إلى هيئة النفاذ إلى المعلومة قصد تمكينهم من اإلطالع
على ذلك التقرير.
خالصة القول ،لئن حاول المشرع ضمن مجلة الجماعات المحلية تكريس أهم المبادئ
التي تحكم تسيير المرافق العموميّة التقليديّة منها والمستحدثة مع تدعيم صالحيات الجماعة
المحلية في إحداث وحذف هذه المرافق تكريسا لمبدأ التدبير الحرّ ،
فإن إعمال هذه المبادئ
يطرح العديد من اإلشكاليات تتعلق أساسا بغموض العديد منها وتداخلها مع بعضها البعض
وحداثة البعض اآلخر م ّما يح ّد من جدواها وفاعليتها ويجعل من تكريسها على أرض الواقع
صعبا ،هذا إضافة إلى محدودية آليات الرقابة على احترام هذه المبادئ القضائية منها والغير
قضائية.
أ ّما بالنسبة للرقابة التي يمارسها سكان الجماعة المحلية ومنظمات المجتمع المدني
فإنّها رقابة تبدو محدودة في الوقت الحالي وذلك نتيجة لعدم رسوخ تقافة المشاركة في إدارة
210أنظر على سبيل المثال :المحكمة اإلداريّة ،قضية عدد 350بتاريخ 24نوفمبر ،1980حرزهللا/بلديّة المنستير،
المجموعة ،ص.403 .
211
Voir l’article L 551-1, 2, 3 et 4 du code de justice administrative.
212
Voir l’article L551-13, 14, 15 et 16 du code de justice administrative.
213
Pour une étude d’ensemble voir, Gourdou (J.) et Terneyre (P.), Le référé précontractuel
administratif au lendemain de la réforme législative des procédures d’urgence, C.J.E.G., n°575, avril
2001, p. 138 et s. ; Guilbaud (T.), Le juge des référés face à la jurisprudence Tropic, A.J.D.A., Juillet
2008, p. 1443 et s.
57
الشأن المحلّي وحداثتها في تونس ،يضاف إلى ذلك تجذر ثقافة الالّمحاسبة والالمساءلة
واالنغالق والتفرد بالقرار وهي مساوئ ميّزت اإلدارة التونسيّة لسنوات عديدة سواء منها
صة القضائيّة منها وذلك قصد
المركزية أو المحليّة وهو ما يقتضي تدعيم آليات الرقابة وخا ّ
إجبار الجماعة المحلية على احترام جملة المبادئ التي تحكم تسيير مرافقها.
تونس ،أوت 2019
58