Professional Documents
Culture Documents
تنظيم عقود اللّزمة في القانون التونسي في بحث قانوني متعمق
تنظيم عقود اللّزمة في القانون التونسي في بحث قانوني متعمق
إن التحوالت العميقة و المتسارعة التي شهدها العالم لها عميق األثر على دور الدولة و طرق تدخلها إذ هناك حرص كبير على تشريك
الخواص في االضطالع بعدد ال يستهان به من األنشطة جنبا إلى جنب مع الهياكل العمومية.
يلعب القانون عدد 23المؤرخ في 01أفريل 2008المتعلق بنظام اللزمات دورا أساسيا على المستويين التطبيقي و النظري في هذا
المجال .و تعتبر اإلضافات التي جاء بها هذا القانون أمرا بالغ األهمية باعتبار أن هذا القانون يؤسس لبعدين أساسيين :البعد األول هو
التأسيس لنظام قانوني عام يطبق في مادة اللزمة عوضا عن نصوص قانونية مشتتة ،قطاعية ) ) sectorielleو جزئية فسحت المجال
إلى انعدام الضمانات القانونية لصاحب اللزمة .أما البعد الثاني فيتمثل في كون أن هذا التقنين لعقود اللزمة يعد األول من نوعه في مفهوم
لقد أدخل هذا القانون تطورا في مفهوم اللزمة و ذلك بربط اللزمة بمتطلبات القطاع العمومي و الخاص في نفس الوقت.
ففي الفترة السابقة لقانون 2008كانت طريقة التعامل مع هذه العقود تجريبية ،إذ أن الدولة كانت تقنن مادة اللزمة بصفة ظرفية و على
تقوم طريقة التنظيم القطاعي أساسا على تنظيم تقنية اللزمة في كل قطاع على حده .و بالرغم من وحدة المبادئ العامة التي أقرها المشرع
التونسي بشأن منح اللزمات و تنفيذها و متابعتها فإن هذا األخير ارتأى ،على األقل إلى حد صدور قانون 2008المتعلق بنظام اللزمات،
أن يدرج تلك المبادئ صلب نصوص قانونية متفرقة يختص كل منها بتنظيم مجال أو قطاع محدد.
و أمام هذا التعدد الذي قد يكون ايجابيا في ظاهره ظهرت جملة من النقائص و السلبيات سعى قانون 2008إلى تصحيحها .علما و أن
قانون 2008قد جاء أكثر شمولية يتجلى ذلك من خالل تنظيمه ألغلب الجوانب و المحاور التي بينت تجربة تطبيق النصوص القطاعية
أنها عادة ما تكون محل جدل .لعل من أبرز هذه النقاط هو تحديد لمفهوم و مجال اللزمة باعتبارها ،حسب قانون ،2008عملية تفويض
لمهمة تصرف شؤون مرفق من المرافق العمومية أو استغالل و استعمال أمالك أو معدات عمومية.
و اعتبر العقد هو إطارها األساسي باعتباره يمثل الوسيلة التي يتم بمقتضاها و في إطارها ضبط واجبات و حقوق األطراف المتعاقدة .من
ناحية أخرى قام قانون 2008بتكريس فكرة التوازن المالي في إطار عقد اللزمة و ذلك بتحديد كل من حقوق و واجبات مانح اللزمة من
ناحية من دون تجاهل حقوق و واجبات صاحب اللزمة و هو يعد من قبيل باب التأقلم مع المتطلبات الجديدة لالستثمار الخاص في مجال
إنجاز و استغالل المشاريع العمومية .أمر أساسي سعى المشرع لتحقيقه من خالل قانون 2008بصفة سلسة و في إطار احترام أساس و
مرجعية اللزمة.
للتعرف على النظام القانوني لعقود اللزمة في القانون التونسي استوجب التعرض في جزء أول إلى القواعد لعامة المقننة لعقود اللزمة
(جزء )1ثم في مرحلة ثانية التطرق إلى القواعد الخاصة بقانون اللزمة في القانون التونسي (الجزء ).2
يعتبر عقد اللزمة عقدا إداريا تحتل فيه اإلدارة مكانة هامّة ،إال ّ أنّ ذلك لم يمسس بالمكانة و الرعاية المميّزة التي ما فتئ المشرع التونسي
يحيطها بأصحاب اللزمات .يمكن التطرق إلى هذه الرعاية الخاصّة من خالل التعرض إلى ك ّل من قواعد تكوين عقد اللزمة و قواعد تنفيذه.
لطالما كانت اإلدارة هي الطرف الوحيد الذي يلعب الدور األساسي في تكوين عقد اللزمة إال أ ّنه و بحلول قانون غرّة أفريل 2008أصبح
صاحب اللزمة ،إلى جانب اإلدارة ،يحضا بدور فعّال في مرحلة تكوين العقد :يتجسّم ذلك من خالل ثالث نقاط أساسيّة :مبادرة عرض
اللزمة ( )2دور المنافسة في تحديد صاحب اللزمة( )3شكليات عقد اللزمة ().1
الجانب الشكلي هو الضامن األساسي لتحقيق التوازن التعاقدي و هو األمر الذي ذهب في اتجاهه قانون ،2008فعقد اللزمة استوجب أن
يكون مكتوبا أو قائما على ك ّراس شروط .يستشف ذلك من خالل الفصل 14من نفس القانون الذي ينص” تتكون وثائق اللزمة من العقد و
كراس الشروط و المالحق التي يمكن أن تتضمن بدورها وثائق أو اتفاقات بأخذ بعين االعتبار خصوصية اإللتزامات الواردة بالعقد”.
فقاعدة الشكليّة ) (le formalismeهي تقليديّة من نوعها إال أ ّنه ما جاء به الفصل 14من القانون االنف الذكر هو بالغ األهمية باعتبار
و أنه يؤكد تنصيصات وجوبيّة يؤكد من خاللها المشرع في كل مرّة على كل من حقوق و واجبات صاحب اللزمة و مانحها .و هو أمر من
لقد ت ّم تحديد قائمة في التنصيصات الوجوبيّة و ذلك في ك ّل من الفصول 18إلى 23من قانون ، 2008فالفصل 18من فقرته األولى
ينص” يضبط العقد المدّة اللزمة مع األخذ بعين االعتبار طبيعة األعمال المطلوبة من صاحب اللزمة و اإلستثمار الذي يجب أن ينجزه”.
بحيث تحضا مدّة عقد اللزمة باهتمام خاص من قبل النواميس الدوليّة المتعلقة بالشراكة بين القطاع العمومي و القطاع الخاص و
بالخصوص فيما يتعلق بالتمديد في مدّة عقد اللزمة ،علما و أن نفس تلك النواميس تؤسس الحترام المنافسة الشفافة من خالل الحفاظ على
القواعد األساسية لتكافئ الفرص و الحظوظ و تج ّنبا لمظاهر التمديد في عقد اللزمة بصفة ال متناهية ممّا من شأنه المساس بمبدأ المنافسة
العادلة و اللجوء إلى طرق احتيالية لتقديم شخص عن آخر من دون أي موجب قانوني شرعي.
2 sur 27
تنظيم عقود اللّزمة في القانون التونسي في بحث قانوني متعمق
بالتالي لتج ّنب الوقوع في وضعيات تنافسية غير شرعية و مشبوه فيها حدّد المشرع في الفصل 18من قانون 2008بصفة واضحة على
أ ّنه ال يمكن التمديد في مدّة عقد اللزمة إال بصفة استثنائية و في حاالت محدّدة وردت بصريح العبارة”:
في حالة التأخر في اإلنجاز أو التوقف عن التصرف بسبب حدوث ظروف غير متوقعة و خارجة عن إرادة طرفي العقد.
عندما يكون صاحب اللزمة ملزما من أجل حسن تنفيذ الخدمة موضوع العقد و بطلب من مانح اللزمة أو بعد موافقته بإنجاز أشغال جديدة
غير واردة في العقد األوّ لي من شأنها تغيير االقتصاد العا ّم للزمة و تنحصر مدّة التمديد في هذه الحالة في اآلجال الضرورية إلعادة
التوازن المالي للعقد لضمان التوازن المالي للعقد و لضمان إستمرارية المرفق العمومي”.
و يواصل المشرع في نفس السياق مجزما أ ّنه ” ال يمكن التمديد في مدة اللزمة إال مرّة واحدة بطلب من صاحب اللزمة و بناءا على تقرير
معلل يعدّه مانح اللزمة لتبرير التمديد و يجب أن يكون التمديد موضوع عقد ملحق بالعقد األوّ لي”.
من هنا نالحظ أن المشرع التونسي قد كان حاسما في تحديد مدّة عقد اللزمة و هو من شأنه أن يشكل ضربا من ضروب المساس بمبدأ
الحرية التعاقدية و في نفس الوقت توضيح للنيّة الصارمة للمشرع في تكريس حرية المنافسة و احترام الشفافيّة.
و في نفس السياق ،ينصّ الفصل 20من نفس القانون ” يبين العقد دورية و أشكال المراقبة و المتابعة التي يمارسها مانح اللزمة على تنفيذ
اللزمة و يحدد الوثائق الفنية و المحاسبية و المالية التي يتعين على صاحب اللزمة توجيهها إلى مانح اللزمة بصفة منتظمة.
كما يحدد العقد اإلجراءات التي يمكن اتخاذها ض ّد صاحب اللزمة في حالة عرقلته لعمليات المراقبة التي يمارسها مانح اللزمة و كذلك في
حالة إخالله بواجب توجيه الوثائق المنصوص عليها بالعقد في اآلجال المتفق عليها.
ينصّ العقد على المتابعة الدورية التي يقوم بها الطرفان المتعاقدان للنظر في مدى تقدم تنفيذ العقد” و هو ما من شأنه أن يؤكد على مبدأ
و في نفس المنحى و في إطار توجيه و تحديد مدى مصدقيّة الرضاء و محافظة على حقوق اإلدارة و مبدأ إستمرارية المرفق العمومي
ينص الفصل 22من القانون االنف الذكر ” يتضمن العقد عالوة على األحكام المتعلقة بنهايته العادية أحكاما تتعلق بإنهائه قبل حلول أجله
خاصّة في الحاالت التالية :أ) استرجاع اللزمة من قبل مانح اللزمة بعد انقضاء مدة محددة في العقد و ذلك وفقا ألحكام 27من هذا
القانون.ب) إسقاط حق صاحب اللزمة من قبل مانح اللزمة إذا صدر عنه إخالل خطير بأحد التزاماته التعاقدية الجوهرية و ذلك وفقا
إلى جانب التنصيصات الوجوبيّة ،فإن القانون قد ترك لألطراف حرية مراجعة بعض التنصيصات الغير الوجوبيّة ( .الفصل 21من نفس
القانون).
يحظى الفصل 21بأهميّة بالغة باعتبار و أن ما جاء به يع ّد من قبيل التجديد و التطور في مادة عقود اللزمة.
3 sur 27
تنظيم عقود اللّزمة في القانون التونسي في بحث قانوني متعمق
مبادرة عرض اللزمة
بحلول قانون غرّة أفريل 2008أصبح من الممكن للراغب في إبرام عقد لزمة أن يبادر من تلقاء نفسه ،عارض على “مانح اللزمة”
(اإلدارة) إبرام عقد لزمة ،فالفصل 8من القانون انف الذكر يذ ّكر بأ ّنه ” تعود المبادرة بعرض اللزمة إلى مانح اللزمة” و يقع التأكيد في
فحوى الفصل 11من نفس القانون على اإلمكانية ” لكل شخص أن يقترح بصفة تلقائية القيام باالستثمار في إطار لزمة و يتعيّن عليه في
هذه الحالة أن يقدّم للشخص العمومي المختصّ و الذي يمكن أن يكون مانحا للزمة على معنى هذا القانون ،عرضا يتضمّن دراسة جدوى
فنية و بيئية و اقتصادية و مالية…” بالتالي يبرز من خالل هذين الفصلين الدور اإليجابي الذي أصبح يلعبه الخواص قصد إبرام عقود مع
و تعتبر مبادرة عرض اللزمة من قبيل التكريس الواضح لمبادئ لحنة األمم المتحدة للقانون التجاري الدولي المتعلقة بمشاريع البعث ذا
التمويل الخاص .و تعتمد هذه المبادرة بصفة فعليّة و جادّة من قبل السّلط المانحة للزمة و هو ما يكرّسه صراحة الفصل 12من نفس
القانون الذي ينصّ ” يتعيّن على الشخص العمومي المعني دراسة العرض المقدّم إليه و إعالم صاحبه بماله” و هو ما من شأنه إضفاء
الجديّة على رغبات الخواص و متطلباتهم و في نفس الوقت تحميل اإلدارة مسؤولية حسن درس عروض الخواص بشكل جدي.
و يقع درس المقترحات المقدّمة لإلدارة بصفة جديّة و في كنف احترام قواعد المنافسة بين األطراف.
قبل إبرام عقد اللزمة مع مانح اللزمة استوجب على هذا األخير اللجوء إلى قواعد المنافسة العادلة قصد التوصل إلى الشخص األحق
بالحصول على اللزمة .و تتأسس المنافسة العادلة باألساس على ضرب من اللبراليّة الحقيقيّة و الشفافة ما من شأنه أن يفسح العنان لمختلف
يلعب احترام مبدأ المنافسة النزيهة و الشفافة دورا هاما في تحقيق ضمانات الحصول على أحسن العروض من حيث النوعيّة و أيضا من
حيث الثمن.
و تكريسا لمبدأ احترام قواعد المنافسة تفتح العروض في جلسة مغلقة و ليست عامّة ،بهدف أن تتعاقد اإلدارة مع الشخص المتقدّم بالعرض
و تتخذ هذه األخيرة قرارها وفق معايير موضوعيّة و شفافة و تقوم اإلدارة على هذا األساس بضبط قائمة في المتنافسين وفق ترتيب
تفاضلي استنادا إلى قدرة كل عارض من بين المتقدمين و دون الخضوع إلجراءات معيّنة فهي تحاول بكل موضوعيّة اختيار األجدر
حريّ بنا أن نؤ ّكد على أن مبدأ المنافسة في عقود اللزمة قد جاء سابقا لقانون عدد 23لسنة 2008المؤرخ في 01أفريل 2008و
المتعلق بنظام اللزمات إذ أنه ت ّم التنصيص على ذلك في بعض النصوص القطاعيّة مثال :الفصل ) 3§( 3من القانون عدد 27لسنة
و الغاز على” أ ّنه يمكن للدولة أن تقوم بإسناد لزمات إلنتاج الكهرباء إلى الخواص ،و تضبط شروط و إجراءات منح اللزمة بأمر.
”و بصدور قانون 2008االنف الذكر أصبحت المنافسة مبدأ عامّا في تقنين عقود اللزمة ممّا أضفى أكثر شفافيّة في احترام قانون
المنافسة و هو ما جاء به الفصل 9من القانون االنف الذكر” باستثناء قواعد الفصل 10من هذا القانون يجب الختيار صاحب اللزمة أن
يقوم مانح اللزمة بالدعوة إلى المنافسة ضمانا للمساواة بين المترشحين و لشفافيّة اإلجراءات و تكافئ الفرص…”أأأ من ناحية أخرى ينص
الفصل 10من ذات القانون ”يمكن اختيار صاحب اللزمة إمّا بعد تنظيم استشارة أو عن طريق التفاوض المباشر في إحدى الحاالت
اإلستثنائية التالية:
إذا تعلق إنجاز موضوع العقد بأعمال ال يمكن أن يعهد إنجازها إال لشخص معيّن أو بنشاط يختص باستغالله حامل براءة اختراع”…
حيث نالحظ من خالل الفصلين المذكورين نوع من التكامل و الد ّقة في التشخيص ممّا يبين الدور األساسي الذي يحضا به صاحب اللزمة
عند إبرامه لعقد اللزمة .بحيث يعتبر تدخل المشرع في تأطير المنافسة الحرّة من قبيل التأكيد على مبدأ المصلحة العليا للبالد أو ما يعبّر
لكن و بالرجوع للفصول المذكورة سابقا و للفصل 12من نفس القانون يستشف من ذلك و أن اإلدارة تبقى صاحبة القرار األخير باعتبار و
أ ّنها تتمتع بحق الدعوة للمنافسة و ليس بواجب الدعوة للمنافسة .بطريقة أخرى لإلدارة الحق في اإلختيار بين االستشارة و الدعوة للمنافسة
و هو أمر منتقد باعتبار و أنّ ذلك يخل بالمنافسة و قواعدها و يمسّ بدوره بمبدأ المساواة بين األطراف في منح الفرص.
يجدر بنا أن نالحظ و أنّ مبدأ شفافية المنافسة فيما يتعلق بعقود اللزمة حساس و يشكو من جملة من النقائص التي من الممكن مكافحتها و
ذلك بتدعيم استقالليّة القضاء عموما و على وجه الخصوص تفعيل دور مجلس المنافسة على مستوى القانون و الواقع و هو ما من شأنه
تأمين ظروف مالئمة للتعاقد و في نفس الوقت ضمان قواعد حسن تنفيذ العقد.
تتجسم قواعد تنفيذ عقود اللزمة أساسيا بمج ّرد اإلطالع على كل من التزامات مانح اللزمة( )1و التزامات صاحب اللزمة ().2
لقد عرف المشرع مانح اللزمة من خالل الفصل 3من قانون : 2008الدولة ـ المؤسسة ـ المنشآت العمومية التي يمكنها نص إحداثها من
منح اللزمة .و عموما تمنح اللزمة من قبل الشخص العمومي .فاإلدارة يمكن أن تكون في نفس الوقت الشخص المسؤول عن حماية
المنافسة عند إبرام عقود اللزمة و الحامي لصاحب اللزمة في نفس الوقت.
و يعتبر دور اإلدارة في حماية المنافسة دورا هاما و كالسيكي باعتبار و أن اإلدارة ملزمة باحترام هذا المبدأ و هي تجعل منه في اآلن
نفسه معيارا لتقييم مشروعية قراراتها عند تنفيذ العقد .فاحترام المنافسة أمر أساسي لحسن تنفذ العقد في إطار الشفافية و احترام قواعد
السوق و لعل من بين ما يؤكد هذا االتجاه التشريعي هو ما تضمنه قانون المنافسة عدد 60لسنة 2005المؤرخ في 2005/07/12
المنقح لقانون المنافسة و األسعار و المرسي لمبدأ االستشارة الوجوبية لمجلس لمنافسة بخصوص سائر النصوص الترتيبية الصادرة في
المادة االقتصادية .فقانون المنافسة يعد الضامن الوحيد لحسن سير عقد اللزمة و هو الحافز أو الرادع األشمل إللزام اإلدارة على حسن
احترام المساواة بين جميع األطراف المتنافسة و الطالبة حصولها على اللزمة.
يلتزم مانح اللزمة بجميع التزاماته التعاقدية الواردة بالعقد و يتعهد بضمان حسن تنفيذ اللزمة ،و هو أمر قد نصّ عليه لمشرع بصفة
صريحة صلب الفصل 24من قانون 2008الذي جاء به ”يجب على مانح اللزمة أن يتخذ جميع اإلجراءات الضرورية المترتبة عن
يحتفظ مانح اللزمة بحقه في مراقبة المنتفع باللّزمة و ذلك بصورة دائمة أي طيلة مدة العقد على أن تتم ممارسة هذه الرقابة حسب الشروط
و تمتد المراقبة التي يمكن أن يمارسها مانح اللزمة للتثبت في الجوانب االقتصادية و الفنية و المالية المضبوطة بعقد اللزمة .و يمكن في
إطار ممارسة هذه الرقابة أن يختار مانح اللزمة اللجوء إلى خدمات خبراء أو أعوان مؤهلين يعلم بهم صاحب اللزمة و هو ما جاء به
الفصل 25من قانون 2008الذي اسند بصريح العبارة إلى الشخص العمومي حق “ممارسة سلطة عامة للمراقبة االقتصادية و الفنية و
و في صورة اختيار االستعانة بخبراء يتعين على مانح اللزمة أن يعلم بهم صاحب اللزمة حتى يمتثل هذا األخير لألحكام الواردة بالعقد و
المتعلقة بأشكال و كيفية المراقبة و خاصة منها تسهيل هذه العملية كما يمكن أن يقوم مانح اللزمة بتأمين مهمة المتابعة و المراقبة من خالل
لجنة خاصة تحدث للغرض و تبقى قائمة إلى حين انتهاء مدة اللزمة.غير أنه عالوة عن الرقابة التي يحتفظ بها مانح اللزمة في هذا
الخصوص يخضع صاحب اللزمة أيضا ألوجه الرقابة التي تكرسها النصوص القانونية المعمول بها في هذا المجال.
6 sur 27
تنظيم عقود اللّزمة في القانون التونسي في بحث قانوني متعمق
يمكن لمانح اللزمة في صورة قيام صاحب اللزمة بأحد اإلخالالت المضبوطة بعقد اللزمة و الموجبة إلسقاط الحق أن يقوم بإسقاط حق
صاحب اللزمة في مواصلة استغالل اللزمة على يكون ذلك بعد التنبيه عليه و منحه أجال يحدده العقد في مثل هذه الحاالت و دعوته
و في صورة امتثال صاحب اللزمة للتنبيه المذكور و عدم قيامه بالتدارك في األجل الممنوح له يمكن لمانح اللزمة أن يقرر إسقاط الحق ،و
هو ما جاء به صلب الفصل 26من قانون ” 2008يضبط العقد حاالت اإلخالل الخطير التي يترتب عنها إسقاط حق صاحب اللزمة من
قبل مانح اللزمة و ذلك بعد أن يقوم هذا األخير بإنذاره بواسطة مكتوب مضمون الوصول مع اإلعالم بالبلوغ و منحه األجل المحدد بالعقد
و في صورة اتخاذ مانح اللزمة لقرار إسقاط الحق فإنه يعلم به الدائنين المرسمة حقوقهم وفقا ألحكام قانون 2008الذي جاء بفصله 26
من فقرته الثانية ” … في هذه الحالة يتم إعالم الدائنين المرسمة حقوقهم بمكتوب مضمون الوصول مع اإلعالم بالبلوغ قبل األجل المذكور
بالفقرة األولى من هذا الفصل و السابق لتاريخ إصدار قرار إسقاط الحق و ذلك لتمكينهم من أن يقترحوا على مانح اللزمة شخصا آخر يحل
محل صاحب اللزمة الذي أسقط حقه ،و تبقى إحالة اللزمة إلى الشخص المقترح خاضعة لموافقة مانح اللزمة”.
و تجدر اإلشارة إلى أن الدائنين يمنحون أجال يحدده العقد لممارسة حق اإلقتراح و في صورة فوات األجل المذكور دون أي إقتراح من
قبل المؤسسات المالية الدائنة أي شخص يحل محل صاحب اللزمة المخ ّل أو في صورة عدم موافقة مانح اللزمة على إحالة اللزمة إلى
يدخل قرار إسقاط الحق حيز التنفيذ و يمكن في هذه الحالة لمانح اللزمة اتخاذ جميع اإلجراءات التي يعتبرها ضرورية لتأمين إستمرارية
استغالل اللزمة على نفقة و مسؤولية صاحب اللزمة الذي أسقط حقه و يمكنه مثال لهذا الغرض استعمال الضمانات المالية التي يؤمنها
صاحب اللزمة قبل االنطالق في إنجاز العقد كضمان لحسن تنفيذ التزاماته التعاقدية.
يورد الفصل 27من قانون 2008إمكانية استرجاع اللزمة و هو يع ّد من قبيل الضمانات الهامة التي منحها المشرع لمانح اللزمة.
يمكن لمانح اللزمة استرجاع اللزمة قبل حلول األجل و من دون أن يكون صاحب اللزمة قد ارتكب اإلخالالت المنصوص عليها بفحوى
العقد و التي يترتب عليها إسقاط الحق و ال فيما لهذه الضمانة من أهمية بالنظر لكونها تخول في كل الصور استرجاع اللزمة متى اقتضت
غير أن ممارسة الحق في االسترجاع ال يمكن أن تتم إال بعد مرور أجل يتفق عليه األطراف بالعقد و يت ّم تضمينه بهذا األخير و هو أجل ال
يمكن قبل انقضائه أن يطالب مانح اللزمة باسترجاعه و يعود ذلك إلى ضرورة ضمان ح ّد أدنى من االستقرار في استغالل اللزمة من قبل
صاحبها .في المقابل يضمن القانون لصاحبه اللزمة حقه في التعويض عن الضرر الذي لحقه من جراء سحب اللزمة دون أن يكون قد
محددة في العقد و قبل حلول أجله و في هذه الحالة يتم إعالم صاحب اللزمة بواسطة مكتوب مضمون الوصول مع اإلعالم بالبلوغ ستة
أشهر على األقل قبل التاريخ المحدد لالسترجاع و لصاحب للزمة في هذه الحالة التعويض عمّا لحقه…” غير أن الحق في استرجاع اللزمة
ال يمكن أن يكون إال بعد أجل معين يتفق عليه األطراف بالعقد و هو أجل ينبغي اإللتزام به ،و ذلك قصد تحقيق نوع من االستقرار في
و يضمن المشرع لصاحب اللزمة في القابل الحق في المطالبة بالتعويض عن الضرر الذي لحقه نتيجة سحب اللزمة من دون أن يكون قد
كل من يتمتع بعقد لزمة استوجب عليه أثناء مدّة العقد إلى بلوغ نهايته المحافظة على جميع ممتلكات اللزمة من تجهيزات و بناءات و
منشآت حتى يتم إرجاعها لمانح اللزمة مع نهاية العقد في الحالة حسنة و يلزم صاحب اللزمة بالمساواة في معاملة المنتفعين بخدمات اللزمة
التي يقدمها و أن يضمن استمرارية في إسداء تلك الخدمات باعتبار و أن المساواة و االستمرارية يعتبران من المبادئ األساسية التي
يخضع لها نشاط المرافق العمومية .يؤكد الفصل 29من قانون 2008على الطابع الشخصي لعقد اللزمة إذ ينص الفصل اآلنف الذكر ” :
يبرم عقد اللزمة على أساس الصفات الشخصية لصاحب اللزمة ”…بالتالي فالمشرع يؤسس إلى وجوبية تنفيذ العقد من قبل صاحب اللزمة
شخصيا من قبل مانح اللزمة و ذلك استنادا إلى تقييم موضوعي لمزاياه و صفاته .لكن تجدر المالحظة من ناحية أخرى و أنه واجب التنفيذ
الشخصي ال يمنع صاحب اللزمة من إمكانية إحالة تنفيذ جزء من التزاماته في إطار عقد مناولة شريطة الحول على موافقة مانح اللزمة
بصورة مسبقة.
و إمكانية المناولة التي رخص لها المشرع حصريا ال يمكن أن تشمل جميع اإللتزامات التعاقدية بل جزءا منها فحسب .و ال يمكن القيام
بالمناولة طالما لم يوافق عليها مانح اللزمة و في كل الحاالت عمال بمبدأ التنفيذ الشخصي اإللتزام يبقى صاحب اللزمة مسؤوال شخصيا عن
جميع اإللتزامات المترتبة عليه بموج العقد سواء منها التي يباشرها شخصيا أو األخرى التي قام بمناولتها .كما تجدر اإلشارة و أنه يحجر
على صاحب اللزمة أن يقوم بإحالة اللزمة دون الموافقة المسبقة لمانح اللزمة.
و ال يعفي عقد اللزمة صاحب اللزمة من أن يعمل بجميع ما يستوجبه التشريع الجاري به العمل من تراخيص مذكورة أو أن يطلب من
مانح اللزمة توفيرها له بمناسبة منح اللزمة .في المقابل يرخص الفصل 32من قانون اللزمة لمانح اللزمة الحق في “تقديم المساعدة
ويبقى صاحب اللزمة هو المسؤول األول عن األضرار التي قد تلحق أعوانه و كذلك البناءات و المنشآت و التجهيزات الثابتة و الغير
جراء تنفيذ موضوع العقد و يتحمل لذلك جميع التعويضات المنجرة عن ذلك وفقا ألحكام التشريع الجاري به العمل و في هذا اإلطار يكون
8 sur 27
تنظيم عقود اللّزمة في القانون التونسي في بحث قانوني متعمق
صاحب اللزمة مطالبا بتأمين مسؤوليته المدنية طيلة المدة المقررة للعقد و ذلك بموجب عقد تأمين شرطا يقضي بعدم فسخه أو إدخال
تعديالت جوهرية عليه من دون الموافقة المسبقة لمانح اللزمة و ذلك حتى يتسنى لهذا األخير التثبت من أن صاحب اللزمة قادر على تحمل
المسؤولية ما قد ينجر من وراء تنفيذه لعقد اللزمة من أضرار قد تلحق أعوانه أو الغير.
و يكون صاحب اللزمة في هذا اإلطار مسؤوال عن احترام التشريع الجاري به العمل المتعلق بإنجاز األشغال موضوع اللزمة و اقتناء
التجهيزات أو الترف في الخدمات المكلف بها( .راجع الفصل 34من نفس القانون).
يؤسس الفصل 31من قانون 2008ضمان للتوازن في حق صاحب اللزمة فالقانون يخول لهذا األخير إمكانية طلب فسخ العقد في صورة
عدم وفاء مانح اللزمة بالتزاماته الجوهرية و بصورة عامة تقصيره في اتخاذ اإلجراءات الضرورية المترتبة عن التزامات تعاقدية لضمان
حسن تنفيذ اللزمة .و يمكن لصاحب اللزمة أن يقوم بطلب فسخ بعد التنبيه على مانح اللزمة و منحه أجل يحدده العقد لهذا الغرض .و يمكن
صاحب اللزمة في هذا الصدد المطالبة بالتعويض عن الضرر الذي قد يلحقه جراء طلب فسخ العقد.
و باسترجاع اللزمة من قبل مانحها يحل دائنو صاحب اللزمة محل هذا األخير في حدود ما يستحقه من تعويض.
المعتمدة في حل النزاعات.
صة
الفصل األول :خضوع عقد اللزمة لحقوق عينية خا ّ
ّ
يوظف عقد اللزمة على الملك العمومي[ ،]1و من خصوصيات الملك العمومي أنه غير قابل للتفويت و ما يمنع بدوره تكوين أي حق عيني
و قاعدة منع تكوين أي حق عيني على الملك العمومي ليست قاعدة مكتوبة ال يوجد بها نص يمنعها بصفة صريحة فهي مجرد قراءة لقاعدة
عدم التفويت في الملك العمومي[ ]3و المجسمة في االتجاه الذي أخد مجلس الدولة الفرنسي في قرار ] EUROLAT [4أما في تونس ال
يوجد أي نص قانوني يعرف الحق العيني إذ يكتفي الفصل 12من مجلة الحقوق العينية بتعداد هذه الحقوق ” و يعرفه الفقه بأنه الحق الذي
ومسألة إمكانية وجود حقوق عينية على ملك عمومي ليست مسألة حديثة ،و الملفت لالنتباه هو أنّ أوّ ل من طرح هذه المسألة هم أخصّائيو
القانون المدني و ليس أخصّائيي القانون اإلداري .فنجد في القرن 19مثال أنّ الفقيه هوك طرح فكرة مفادها أنه يمكن أن تسلط حقوق
عينية على الملك العمومي بدون أن يكون متعارضا مع ما خصص الملك العمومي له .غير أ ّنه ،و إن وقع اإلقرار بمبدأ قابلية تسليط حقوق
عينية على الملك العمومي ،إال ّ أنّ عقد اللّزمة هو اإلطار الوحيد لهذه اإلمكانية.
9 sur 27
تنظيم عقود اللّزمة في القانون التونسي في بحث قانوني متعمق
و هذه الفكرة بحاجة إلى شرح فمن الناحية النظرية ،الحقوق العينية المسلطة على الملك العمومي تعطي إلى الشاغلين للملك العمومي و هم
متعددّون ،و تقليديا الشاغلون الخواص للملك العمومي يخضعون إلى تفرقة تعتمد على طبيعة العقد الذين يتمتعون به .و هي تفرقة تعطينا
نوعين من الشاغلين.
أولهما الشاغلين الذين يستمدون حقوقهم ملتزما من جانب واحد من اإلدارة (الترخيص في األشغال الوقتي).
ثانيهما ،الشاغلون الذين يستمدون حقوقهم من عقد لزمة مبرم بين اإلدارة و الشاغل.
و بالرغم من كثرة عقود إشغال الملك العمومي ،فان العقد الوحيد في تونس ،الذي يمكن أن ينشئ حقوق عينية هو عقد اللزمة ،و هو ما
يجعل جل النصوص التي تتحدث عن حق عيني على ملك عمومي تحددها في “صاحب اللزمة الذي له حق عيني” هذه الفكرة نجدها في
عديد النصوص مثل الفصل 61مجلة القوانين البحرية التجارية ،الفصل 93مكرر مجلّة الطيران المدني ،الفصل 49القانون المتعلق
بموانئ الصيد البحري ،و أهمها الفصل 39مكرر مجلّة الطيران المدني ،الفصل 49القانون المتعلّق بموانئ الصيد البحري ،و أهمها
و الملفت لالنتباه أن جل هذه النصوص (باالستثناء القانون المتعلق باللزمات) تعالج في أول األمر المسألة المتعلقة باإلشغال الوقتي بدون
أن تذكر الحق العيني ،و هو ليس محض الصدفة ،بل إقرار ضمني بأن الحق العيني ال يمكن أن يسلط إلى في إطار عقد لزمة.
و تحديد نطاق الحقوق العينية في إطار عقد اللزمة فقط ،هو حل تجاوزه االتجاه الفرنسي ،الذي أقر أن“ كل عقد إشغال للملك العمومي هو
و قد كرس المشرع الفرنسي هذا االتجاه بقانون 25جويلية 1994و أق ّر نشأة حقوق عينية على ملك الدولة العام و نصّ في فصله 34
فقرة أولى أنّ “صاحب حق إشغال وقتي في ملك الدولة … له حقوق عينية ” و يضيف الفصل 34في فقرته الخامسة أن هذا الحق العيني
يطبق ”على االتفاقات بجميع أنواعها التي تهدف إلى الترخيص بإشغال الملك العمومي ”هذه العبارات الواسعة تمكن من إعطاء حق عيني
و إن هذا التوسيع في فرنسا هو حقيقة األمر يهدف إلى تلبية حاجيات االستثمار و بالتالي فإن حصر نطاق الحقوق العينية في عقود اللزمة
و باإلضافة إلى ذلك فإن االتجاه التونسي فيه بعض من التضييق ،فهل أن كل عقد لزمة يمكن أن ينشأ عنه حق عيني؟
و بالرجوع إلى الفصل 39من قانون 2005ينص على أنه “إذ اقتضى تنفيذ العقد انجاز أو تغيير أو توسيع بنايات و منشآت و تجهيزات
ثانية فوق الملك الراجع لمانح اللزمة ،فإنه ينشأ لصاحب اللزمة حق عيني خاص على البنايات و المنشآت و التجهيزات يخول له – طيلة
مدة العقد – حقوق وواجبات المالك في حدود األحكام الواردة بهذا االسم”.
تجهيزات ثابتة فوق الملك الراجع لمانح اللزمة و الثانية هي عقود اللزمة التي ال تتطلب انجاز أو تغيير أو توسيع بنايات و تجهيزات ثابتة
فوق الملك الراجع لمانح اللزمة ،و هذه األخيرة ال تنشئ حقا عينيا ،و بالتالي يمكن أن تستنتج أن المشرع التونسي ضيق من مجال
فإذا قار ّنا المشرع التونسي بالمشرع الفرنسي سنالحظ أن المشرع التونسي لم يكتف بحصر مجال االعتراف بالحق العيني في عقود اللزمة
فقط ،بل و كذلك حصر هذا المجال في عقود اللزمة التي فيها انجاز أو تغيير أو توسيع بنايات و تجهيزات ثابتة.
إن تخوف المشرع التونسي من اإلقرار بوجود حقوق عينية و حصره الشديد له يمكن أن يفهم برغبتيه في الحفاظ على سلطات اإلدارة التي
تمكنها من حماية تخصيص ملك الدولة العام للصالح العام ،و باإلضافة إلى ذلك فإن هذا االتجاه يكرس االتجاه البراقماتيكي للمشرع الذي
يتمثل في توخي ا لمراحل و هذا المنطق يحملنا إلى القول أن هذه الحدود إلقرار الحق العيني على الملك العمومي سوف تضمحل في
المستقبل.
و بالتالي ،فبالرغم من حصر المشرع مجال الحق العيني في نوع محدد من عقود لزمة و هي عقود اللزمة التي فيها انجاز أو تغيير أو
توسيع بنايات و منشآت ثابتة ،إالّ أنه بتو ّفر هذا الشرط ،فإن مجموعة من الحقوق العينية تصبح آليا حقا لصاحب اللزمة.
و هذه المجموعة هي متنوعة ،لذلك سنكتفي في هذا اإلطار بدراسة حق الرهن ،إذ أنه أهم حق باعتبار أنه يم ّكن من تمويل المشاريع على
األمالك العمومية و بالتالي يمكن من ثمين الملك العام ( )1سنتعرض إلى آثار هذا الرهن على الدائنين ().2
إنّ المشرّع التونسي ال يزال متخوّ فا من مساءلة ال ّرهن على الملك العمومي ،و نستنتج ذلك خاصّة من تردّده بين إقرار إمكانية الرّهن (أ)
تجدر اإلشارة أوال أن المشرع التونسي في أول األمر كان يرفض إقرار إمكانية الرهن في الملك العمومي و ذلك حتى لو أقر له بحق ملكية
و المالحظ أنّ اإلقرار بحق الرهن في الملك العام هو حديث عند المشرع التونسي .أما بالنسبة للموقف الفرنسي فإن فقه القضاء في أول
األمر أقرّ بهذه اإلمكانية في قرار 10أفريل ]6[ 1867ث ّم تراجع في مرحلة ثانية على هذا الموقف ،و انتهى إلى أخذ المشرع الفرنسي
و لكن تجدر المالحظة أن الفقيه موريس هوريو الذي أقر بوجود حقوق عينية على المنشآت لم يقر في المقابل بحق الرهن ”ال يمكن
اإلقرار لصالح صاحب اللزمة حق عيني مشابه للحقوق العينية المدنية كاإلقرار بحق رهن”[] .7
11 sur 27
تنظيم عقود اللّزمة في القانون التونسي في بحث قانوني متعمق
و المشرع التونسي كالمشرع الفرنسي انتهى باالعتراف لصاحب اللزمة بحق الرهن على المنشآت التي أنجزها ،و قد تجسد هذا اإلقرار
الوارد بقانون ،2008كمبدأ عام في نظام عام يخص اللزمات إذ نص الفصل 39في فقرته الثانية أن ”ترسم الحقوق العينية الموظفة على
و حق الرهن هو حق عيني لجأ له المشرع حتى يقدر أصحاب اللزمات على التحصل على قروض مقابل ضمانات عينية يقدمونها إلى
البنوك.
و التشريع التونسي ال يعطي تعريفا للرهن ،بينما يعرفه الفقه بأنه ”حق عيني على عقار الذي يمكن ،بدون التفويت الحيني لمكوناته،
الدائن ين الذين لم يقع خالصهم في اآلجال بأن يؤمنوا خالصهم قبل باقي الدائنين العاديين و ذلك بتمكينهم ببيع العقار المسلط عليه الرهن في
و اإلقرار بحق الرهن له عدة ايجابيات بالنسبة لصاحب اللزمة و كذلك بالنسبة لصاحب الحق العيني.
بالنسبة لصاحب اللزمة ،الرهن يمكنه من المحافظة على سيطرته على منشآته و الحصول قرض في نفس الوقت ،باإلضافة أنه يمكنه من
بالنسبة للدائن المتمتع بحق الرهن يعتبر “أهم ضمان عيني عقاري بالنسبة للمقرض”[ ]9و هذا الضمان الذي يسلط على عقار المدين يعتبر
من الناحية االقتصادية “ قيمة عرفت منذ القديم خصوصية االستقرار و ذلك بسبب عدم تدني القيمة المالية للعقارات التي تسلط عليها
*حق األفضلية:
حق الرهن يعطي حق أفضلية على قيمة العقار المرهون ،فبعد بيعه ،هذا الدائن المتمتع بحق رهن سوف يتم خالصه قبل الدائنين العاديين
*حق التتبع:
الفصل 280م ح ع ينصّ على أن الدائن الذي له حق عيني على عقار يمكن له تتبعه في أي يد وضع تحتها ،و بالتالي فإن حق التتبع يمكن
الدائنين في تاريخ حلول أجل األداء ،ببيع العقار حتى و لو تم بيعه إلى الغير .و أهمية حق الرهن بالنسبة لصاحب اللزمة ال يقتصر فقط
*خاصيات الرهن:
صاحب اللزمة و صاحب حق الرهن يمكن لهم االنتفاع بخاصيات الرهن إذ لها خاصية الحق العيني الحق الفرعي ،الحق المتميز و الغير
قابل للتجزئة.
هذا الحق ناتج عن الفصل 12من م ح ع التي نذكر الرهن من بين الحقوق العينية و ينتج عن هذه الخاصية أن صاحب الرهن له حق
األفضلية و حق تتبع ،و لكن هذا االستنتاج يجب اكتساؤه بالصبغة النسبية ألن الرهن “يشمل ال جملة الحق بل فقط الحق على قيمة العقار”.
و هذه الخاصية تمكن صاحب اللزمة من المحافظة على السيطرة على العقار و بالتالي تمكنه من مواصلة استغالل العقار المرهون و في
حق الرهن يسلط على كامل العقار الفصل 228م ح ع تنص على أنه “ال يلزم الدائن برد الرهن المدين أو لمعين الرهن إالّ بعد تنفيذ
االلتزام تنفيذا تاما و لو كان الرهن قابال للقسمة …” و بالتالي فإن تجزئه الحق المرهون ال ينتج عنه تجزئة الرهن.
هذه الوضعية يمكن أن تكون سلبية لصاحب اللزمة إذ أن حق الرهن يبقى مسلط على كامل العقار حتى في صورة الخالص الجزئي.
هذه الصبغة الخاصة تتمثل في أن الرهن “يؤمن قرض معين و يسلط على عقار معين ”و بالتالي فإن الخاصية تتمثل في العقد المؤمن و في
و لكن بالرغم من إيجابيات حق الرهن فإن المشرع حد من إمكانية اللجوء إلى هذه اآللية.
إنّ دراسة النظام القانوني للرهن على الملك العمومي و خاصة قانون 2008نالحظ أن المشرّع وضع عديد الحدود لهذه اإلمكانية ،و هذه
الحدود تجسد االختالف بين الحق الرّهني على الملك العمومي و الحق الرّهني في المادة المدنية.
و يرجع هذا االختالف إلى أن المشرع في مادة الملك العمومي هو دائما ضد كل آلية تأتي في القانون المدني ،و يحاول دائما إقحام صبغة
إدارية في مفاهيم تنتمي بطبيعتها إلى القانون المدني ،و بالتالي فإن المشرع ال يعترف إال بحق رهن محدد النطاق.
و هذه الحدود تسلط على الهدف في الرهن ،األموال التي تسلط عليها حق الرهن ،وواجب الحصول على مصادقة من اإلدارة.
الهدف من الرهن:
قبل صدور قانون 2008وبالرجوع إلى مختلف النصوص القانونية التي تنظم هذه المسألة في تونس ،الرهن يجب أن ينشأ لضمان
القروض التي يتحصل عليها صاحب اللزمة بقصد تمويل إنشاء أو تعمير أو توسيع بنايات موجودة على الملك العمومي موضوع عقد
اللزمة.
و لكن تجدر المالحظة أن المشرع لم يعترف لصاحب اللزمة بإمكانية اللجوء إلى الرهن للحصول على دين يمكنه من تمويل إنشاء بنايات
و هذا الحد مرهق جدا خاصة بالنسبة للشركات الكبيرة التي لها نشاطات في مجاالت متعددة و التي هي على استعداد لتقديم جميع ممتلكاتها
لضمان قروضها ،و لكن هذا الحد يمكن تفسيره بأن المشرع يريد أن يعطي امتياز فقط على االستثمارات التي تتم على الملك العمومي
فقط.
غير أن المشرع التونسي في قانون 2008خفف من هذا الحد و أصبح الشرط الوحيد أن تكون هذه القروض تهدف إلى تمويل إنجاز أو
تغيير أو صيانة أو تجديد البنايات و المنشآت و التجهيزات المنجزة في إطار اللزمة “مستغنيا بذلك على معيار الوجود على الملك العمومي
وواضعا معيار جديد هو خدمة عقد اللزمة و الفرق بين المعيارين واضح ،إذ أن عقد اللزمة يمكن أن يكون موضوعه أمالك عامة للدولة و
أمالك خاصة للدولة في نفس الوقت ،كعقد لزمة سما دبي مثال ،و بالتالي فإن حق الرهن يمكن أن يخدم انجازات منشأة على الملك العام أو
الملك الخاص للدولة ،المهم أن تكون تخدم اللزمة كما نص عليها العقد.
غير أن النصوص الموجودة قبل 2008تبقى نافذة باعتبار أنها في معظمها تمثل نصا خاص بالنسبة لقانون 2008الذي هو نص عام ،و
يبقى حد اإلنجاز على ملك العمومي في حاالت كبيرة مستوعبة بالنصوص القطاعية الموجودة.
في قراءة أولى لقانون 2008يمكن أن نستنتج أن األموال التي يسلط عليها الرهن هي فقط على البنايات و المنشآت و التجهيزات التي
ينجزها أو يغيرها أو يوسعها صاحب اللزمة ،غير أنه يمكن التساؤل هل أن األموال التي يمكن أن يسلط عليها الرهن يمكن أن تمتد إلى
مصادقة اإلدارية
نظام الرهن المعترف به لصاحب اللزمة يتميز بالتواجد الكبير لإلدارة .و المصادقة تعتبر اآللية التي تتمكن بها اإلدارة من مراقبة العمليات
المالية المتعلقة باللزمة .و تدخل اإلدارة يتم على عدة مستويات:
المستوى األول :يجب على صاحب اللزمة الحصول على مصادقة اإلدارة إلنشاء الرهن ،هذا الشرط ال يوجد بصفة صريحة في القانون
و لكن بالرجوع إلى القواعد التي تحكم المحاسبة في القروض المتعلّّّ قة بهذه االستثمارات فإننا نالحظ أن مصادقة اإلدارة واجبة.
المستوى الثاني :مصادقة اإلدارة واجبة في حالة التفويت في حق الرهن وهو ما يثبت حق الرهن على الملك العمومي ال يشبه حق الرهن
وجه من الوجوه بما في ذلك ممارسة التأمينات الموظفة عليها إال بترخيص من مانح اللزمة”.
و بالتالي يمكن أن نالحظ في هذا الجزء أن المشرع التونسي كان له الشجاعة الكافية لإلقرار بحق الرهن على الملك العمومي و كذلك
كانت له الشجاعة الكافية في قانون 2008في توسيع نطاق هذه اإلمكانية ،و هذا اإلقرار يصب في سياسة للبالد التونسية في تلك الفترة
التي تهدف إلى تشجيع االستثمار و استغالل الملك العمومي و ذلك بخلف آليات تمكن من تسهيل تمويل االستثمارات على هذا الملك
العمومي.
غير أن الرهن ليس الطريقة الوحيدة لتمويل االستثمارات ،هناك ما يسمى بقرض الكراء تتمثل في أن يقوم مالك التجهيز أو العقار بالتفويت
في استعمال ذلك العقار أو التجهيز لفائدة المستنفع مقابل أن يعطيه هذا األخير أجرة طيلة مدة معينة ،و المشرع الفرنسي اعترف لمشغل
الملك العمومي بهذه اإلمكانية و ذلك غير قانون 25جويلية 1994و الفصل 34منه .و لكن المشرع التونسي إلى اليوم لم يعترف لمشغل
الملك العمومي بهذه اإلمكانية و هو أمر نأمل أو يتجاوزه المشرع التونسي و يعترف به نظرا لإليجابيات الكبيرة التي تمكن منها هذه
اآللية ،إذ أنها تمكن صاحب اللزمة من التمويل الكلي للعقار كما أنه يمكن من أن يوجد أي دين.
هذا باإلضافة إلى أن قرض الكراء يعطي ضمانة كبيرة لمقدم العقار أو التجهيز إذ أنه يبقى مالك ذلك المال طوال مدة الكراء .و إن كان
اإلقرار بحق الرّهن يعطي ضمان للدائنين إال ّ أنّ هذا الضمان هو محدود .إذ أنّ اإلمكانية الممنوحة لإلدارة لوضع حد لعقد اللزمة في كل
وقت يمثل خطر على االستثمار و على الدائنين ،التأمينات التي لها أصل في القانون الخاص عندما يقع إقرارها على أشغال الملك العمومي
تصبح آلية منقوصة و بالتالي ربّما كانت نقائص الرهن في الملك العمومي يجد أسبابه في الصبغة اإلدارية لهذا الرهن.
و في هذا اإلطار يمكن القول أن حقوق الدائنين يمكن أن تتغير في حالة إسقاط حق صاحب اللزمة في حالة اإلخالل بااللتزامات و إسقاط
في حالة فسخ عقد اللزمة قبل المدّة المتفق عليها لسبب يتعلق بعدم وفاء صاحب اللزمة بالتزاماته فإن القانون ال ير ّتب على ذلك أي
تعويض و ينتهي مفعول الرهون الموظفة على حقوق العينية و البنايات و المنشآت بانتهاء مدة اللزمة]10[ .
–إعالم الدائنين
أقر المشرع بأنه يضبط العقد حاالت اإلخالل الخطير التي يترتب عنها إسقاط حق تصاحب اللزمة من قبل مانح اللزمة ”…و في هذه
الحالة يتم إعالم الدائنين المرسّمة حقوقهم بمكتوب مضمون الوصل مع اإلعالم بالبلوغ قبل األجل المذكور الفقرة األولى من هذا الفصل و
السابق لتاريخ إصدار قرار إسقاط الحق و ذلك لتمكينهم من أن يقترحوا على مانح اللزمة شخصا آخر يحل مح ّل صاحب اللزمة الذي أسقط
حقه ،و تبقى إحالة اللزمة إلى الشخص المقترح خاضعة لمقترح مانح اللزمة”.
–الشرط األول هو شكل اإلعالم الذي يجب أن يكون بواسطة مكتوب مضمون الوصول.
–الشرط الثاني أن الدائنين الذي يجب إعالمهم هم فقط الدائنين المرسّمة حقوقهم و بالتالي الدائنين الذي يملكون رهن.
–الشرط الثالث :يجب أن يتم اإلعالم في المدة الم ّتفق عليها بالعقد و بعض النصوص القطاعية تحدّد تشريعيا هذه المدة بـ 3أشهر[].11
أما المشرّع الفرنسي فإنه يعطي مدة أقل من المشرّع التونسي و هو مدّة شهرين على األقل و هي مدّة قصيرة نوعا ما.
المشرّع لم يق ّر بالخالص الفوري للدائنين العينيين في حالة إسقاط حق صاحب اللزمة لإلخالل بالتزاماته و لكنه أق ّر بإمكانية أن “يقترحوا
على مانح اللزمة شخصا آخر يح ّل محل صاحب اللزمة الذي أسقط حقه” إال ّ أ ّنه رغم ما لهذا الحل من ايجابية ،إال أنها ال تشكل إال مجرّ د
و هنا ليس هناك معيار لقبول اإلدارة بهذا الشخص المقترح أوال ،و بالتالي يمكن القول بأن الرهن في هذا اإلطار هو رهن خاص و ال
يمثل ضمان للدائن الذي يحتاج إلى تعاون اإلدارة في حالة تخلف الدائن.
و بالتالي فإن الدائنين ،و لو كانوا يتمتعون برهن يمكن أن يحرموا من حقوقهم و بالتالي في حالة رفض ألشخاص الذي تقترحوهم ،و
يصبحون في نفس الوضعية مع الدائنين العاديين و في حالة تنافس معهم على أساس قاعدة “أمالك الدائن (صاحب اللزمة ) ضمان لجميع
دائنيه” المنصوص عليها بالفصل 192م ج ع و يصبحون مع ّرضين في هذه الحالة إلى خطر أن تكون جميع أمالك صاحب اللزمة غير
قادرة على تسديد جميع الديون ،و هذا الوضع يمكن أن يدفع المستثمرين إلى العدول عن االستثمار في الملك العمومي باإلضافة إلى عدول
غير أنّ مجموع هذه السلبيات ال تتواجد إال على المستوى النظري ،فعلى المستوى التطبيقي ال يمكن أن نتصوّ ر أن اإلدارة ترفض شخص
اقترحه مجموع الدائنين إذ أنها واعية أن مثل هذا الرّفض سوف يمس من مصداقيتها و يمس من الحماية القانونية الستثمارات الخاصة.
16 sur 27
تنظيم عقود اللّزمة في القانون التونسي في بحث قانوني متعمق
–حق الدائنين في اللجوء إلى اإلجراءات التح ّفظيّة أو التنفيذية
نصّ الفصل 41من قانون 2008المتعلّق بنظام اللزمات على أنه ”ال يمكن للدائنين العاديين غير الذين نشأ دينهم بمناسبة إنجاز األشغال
المذكورة اتخاذ إجراءات تح ّفظيّة أو إجراءات تنفيذية على الحقوق و الممتلكات المنصوص عليها بهذا الفصل”…
و نستنتج من هذا الفصل أن المشرع يق ّر بامتياز لفائدة دائني صاحب اللزمة و ذلك بأن أق ّر ح ّقا فقط للدائنين الذين شاركوا في تنفيذ عقد
اللزمة و بالتالي فإنّ هذا الفصل حدّد في مجال إمكانية اللجوء إلى اإلجراءات التح ّفظيّة و اإلجراءات التنفيذيّة في ما يخصّ الدائنين بما
–الدائنين العاديين الذين نشأ بينهم بمناسبة إنجاز األشغال التي تهم تنفيذ عقد اللزمة.
–الدائنين المتم ّتعين بحقوق عينية :أي المتم ّتعين بحق رهن باعتباره الحق العيني الوحيد المعترف به.
–اإلجراءات التحفظية:
المشرع مكن الدّائن المرتهن من أخذ كل اإلجراءات الالزمة لحماية ضمانات دينه كمنع كل عقد يضعّف بصفة دائمة قيمة الضمان للدائن
ممنوعة بما أنها نفس بقيمة األمالك[ ]12و بالتالي فإن الدائنين يمكن لهم إبطال هذه العقود التي ينج ّر عنها المسّ بضمان استرجاع
*العقلة التحفظية:
بالرجوع إلى الفصل 232م م م ت في فقرتها الثانية تنص على أنه “يجوز اإلذن بالعقلة التحفظية لضمان كل دين يبدو أن له أساسا من
حيث األصل و أن استخالصه مهدد بالخطر و لو كان مؤجال أو معلقا على شرط و بالتالي فإن العقلة التحفظية تؤمن حماية وقائية الدائنين،
غير أن المشرع استثنى في الفصل 323من نفس المجلة العقارات المسجلة من الممتلكات التي يمكن عقلتها.
و اإلشكال المطروح هو أن المنشآت و البنايات و التجهيزات الثابتة هي عقارات مسجلة بدفتر خاص و هذا التسجيل سوف يمنع إمكانية
إجراء عقلة تحفظية عليها و بالتالي فإن هذا االستثناء يحد من حقوق دائني صاحب اللزمة قبل حلول أجل ديونهم.
غير أن المشرّع التونسي أقر بنظام خاص بالعقارات المسجلة ،فالفصل 327م م م ت مكن “كل دائن بيده سند تنفيذي أو مرسم حل أجل
أداء دينه أن يبلغ إلى بواسطة أحد العدول المنفذين إعالما ينذره فيه بأنه في صورة عدم الوفاء بالدين يتولى ترسيم اعتراض تحفظي على
عقاراته المسجلة و هذا الفصل يمكن أن يكون ايجابيا للدائنين الذين يملكون حق رهن ،إذ أن الفصل 328م م م ت تضيف أنه“ :ال يجوز
ابتداء من تاريخ ترسيم االعتراض التحفظي ترسيم أي تفويت غير البيع الواقع إثر عقلة أو أي توصيل أو إحالة يتعلقان بمعين كراء ربع أو
مدين صاحب اللزمة المتمتع بحق رهن يمكن له أن يقوم بعقلة توقيفيّة التي تمكن بالرجوع إلى الفصل 330م م م ت و ذلك حين يضع
تحت يد الغير في حدود دينه المبالغ المالية أو المنقوالت التي يملكها هذا المدين أو يستحقها و لو كان استحقاقه لها مقترنا بأجل أو معلقا
على شرط.
و لو كانت العقلة التوقيفيّة قادرة نسبيا على ضمان حقوق الدائن ،إال أن العقلة التنفيذية تبقي األه ّم بالنسبة له.
حتى يتمكن المستثمرون الخواص من الحصول بأكثر سهولة على قروض وقع إدراج آليات جديدة لتشجيع البنوك على تمكينهم من هذه
االعتراف بحق تتبع على مبالغ التعويض عن الضرر و هذه اإلمكانية تع ّد حماية كبيرة للدائنين المرتهنين .باإلضافة إلى حقوقهم العينية
األخرى.
و يعطي الفصل 27من قانون 2008إمكانية للدائنين إذا قررت اإلدارة سحب اللزمة من أن يستخلصوا قروضهم مباشرة من التعويض
الذي سيمنح لصاحب اللزمة و بالتالي فإنه يمكنهم من الحلول محل صاحب اللزمة في التعويض في حدود القروض التي منحوها لهم.
و تجدر اإلشارة في هذا الصدد أن فقه القضاء الفرنسي قد اعترف في قراره الصادر في 30جويلية 1970بحق التعويض لصالح
صاحب اللزمة و لكن بقي هذا االتجاه منقوصا باعتباره لم يعطي حق الحلول لدائني صاحب اللزمة ،حتى جاء قانون 7جوان 1977الذي
و بالتالي يمكن القول بأن المشرّع التونسي قد استوحى هذا الحل التشريعي من المشرّع الفرنسي و خاصة من قانون 7جوان .1977
من الناحية المبدئية ،يقتضي اعتبار العقد إداريا :اإلقرار باختصاص المحكمة اإلدارية بالنظر في النزاعات الناشئة عن تنفيذه ،و ذلك حسب
الفصل ( 17جديد) من القانون عدد 40لسنة 1972المؤرّخ في غرّة جوان 1972الذي ينصّ على أن ”:تختصّ الدوائر االبتدائية
و لكن و خالفا لباقي العقود اإلدارية ،فإن عقد اللزمة عادة ما ال يخضع الختصاص المحكمة اإلدارية بل إلى التحكيم ،ذلك أن أغلب عقود
اللزمة خاصة منها التي لها حجم اقتصادي كبير عادة ما تنص على بند تحكيمي .و نذكر منها مثال البند 28من عقد للزمة سما دبي الذي
ينص على أ ّنه ” لتسوية جميع النزاعات بداية خالل ثالثين يوما من تاريخ توجيه أي من الطرفين إشعارا كتايا بالنزاع إلى الطرف اآلخر ،و
التحكيم وفقا المادة 3 – 28ما لم يتفق الطرفان على خالف ذلك كتابيا”.
كما نجد نفس التو ّجه في اتفاقية مجموعة بوخاطر مع الدولة التونسية التي تنص في بندها 26الفقرة 3أنه ” :مع مراعاة المادة 2 – 26
– ، 1و ما لم يتفق الطرفان على خالف ذلك خطيا يحال و يحسم بشكل نهائي أي نزاع ينشأ عن أو فيما يتعلق بهذه االتفاقية ووفقا لبنودها
إلى و بموجب التحكيم الذي يتم أجراؤه في باريس ،فرنسا ،طبقا لقواعد التحكيم لغرفة التجارة الدولية”.
و يعتبر هذا الح ّل منطقيا إلى ح ّد كبير باعتبار أ ّنه يراعي مصالح كل من الطرفين .فبالنسبة للمتعاقد صاحب اللزمة ،فإن هذا البند يعتبر
ضمانا هامّا للحياد باعتبار ما تبديه األطراف األجنبية عموما من احتراز من قضاء الدولة التي ترتبط معها بعقود استثمار و خاصة متى
تعلّق األمر بالقضاء اإلداري الذي لم يتخلّص تماما من شبهة انحيازه لإلدارة .أما بالنسبة لإلدارة مانحة اللزمة ،فإن قبولها بالبند التحكيمي
يشجع األطراف األجنبية على االستثمار في الدولة التونسية و هو ما يفتح آفاقا جديدة لالستثمار في الدولة التونسية و يساهم في جعل مناخ
و لكن يبقى السؤال مطروحا حول القيمة القانونية لمثل هذه البنود و ذلك في ضوء المبدأ المعروف و القائل بعدم قابلية النزاعات اإلدارية
للتحكيم ويقوم هذا المبدأ الذي لقي رواجا لدى بعض الفقهاء [ ]13الفرنسيين على فكرة علوية الدولة و التي ال ينبغي أن تتخلى عن قضائها
و تقحم في العقود اإلدارية بندا يعطي االختصاص في بعض النزاعات للتحكيم .و هو قول عبّر عنه الفقيه إدوارد الفريار بقوله ” :ال
ينبغي للتحكيم أن يجد سبيال إلى عقود الدولة ألنّ المبدأ يح ّتم على الدولة أن ترفض عرض نزاعات على المح ّكمين و ذلك لكون ما يصدر
عنهم ال يخضع إلى مقياس ثابت فضال عن دواعي النظام العام التي تأبى أن تت ّم مقاضاة الدولة لدى جهة أخرى غير المحاكم المحدثة
بقانون”[]14
19 sur 27
تنظيم عقود اللّزمة في القانون التونسي في بحث قانوني متعمق
كما وجد ذلك الموقف صدى في فقه قضاء مجلس الدولة الذي أق ّر بطالن البنود التحكيم ّية المدرجة في عقود الصفقات العمومية و ذلك في
و يتأيّد هذا القول بما ورد بالفصل 7من مجلّة التحكيم الذي ينصّ على أنه ” :ال يجوز التحكيم (……) خامسا :في النزاعات المتعلقة
بالدولة و المؤسسات العمومية ذات الصبغة اإلدارية و الجماعات المحلية إال ّ إذا كانت هذه النزاعات ناتجة عن عالقات دولية اقتصادية
غير أنّ المبدأ المشار إليه شهد إدخال عديد االستثناءات عليه ،بدءا من القانون الفرنسيّ نفسه حيث أقرّت محكمة التعقيب الفرنسية في قرار
صادر عنها بتاريخ 2ماي 1966أنّ التحجير المذكور ال يطبّق على حالة عقود الدولة المبرمة لحاجة و في الظروف المطابقة أعراف
كما وجدت أصوات في القانون التونسي تنادي بضرورة تطويع مبدأ التحجير مع حالة بعض العقود الدولية و بما يتماشى و مصلحة الدولة
و على أيّة حال ،و نظرا لما تكتسيه عقود اللزمة في بعض الصور من أهمية قصوى ،فإن المصادقة عليها تتم بقانون .و بالتالي فالقانون
هو الذي يعطي الحق في إقحام بند تحكيمي ،بحيث يمكن القول الفصل 7من مجلّة التحكيم هو قانون عام ،يق ّر مبدأ عدم إمكانية التحكيم في
و تقابله في ذلك نصوص خاصة تمنح هذه اإلمكانية في بعض عقود اللزمة و بالتالي فإن هذه العقود تكون صحيحة و يتم العمل بها.
خصوصية إجراءات التحكيم في منازعات عقود اللزمة (بوصفها عقد من عقود االستثمار)
رغم وجود رأي يعتقد أصحابه أن العقود الدولية ال يمكن إال أن تخضع إال إلى القانون الدولي وأنه ال يمكن إخضاعها إلى قانون داخلي
ألي دولة ما لعدم مالءمته لخصوصية العمليات التجارية واالقتصادية والدولية ،فإن السائد في ميدان التحكيم هو أنه من الحتمي التمييز بين
صورتي اختيار قانون منطبق من قبل األطراف وعدم وجود اختيار من هذا النوع.
لم يعد هناك من يجادل في حرية األطراف في العقد اإلقتصادي الدولي في اختيار القانون المنطبق على معامال تهم .و قد اختلفت تبريرات
هذا الحل.فمن جهة أولى،يؤسس شق من الفقهاء هذه الحرية على مبدأ سلطان اإلرادة في ميدان العقود عموما.
فيما يرى شق ثان أن هذا التطبيق الضروري للقانون الذي يختاره األطراف أساسه الطابع اإللزامي للعقد ،و هي إلزامية تفرض نفسها على
األطراف أنفسهم و على القاضي المدعو من قبل أحدهم إلى فرض احترام ذلك العقد ومنح صيغة الجبر و اإللزام لما فيه من التزامات.
ما تتمسك بضرورة التنصيص صلب العقد على انطباق قانونها الوطني حرصا على تأكيد سيادتها ،فإن الهاجس األكبر بالنسبة للمستثمر
يتمثل في تأمين نفسه ضد احتماالت تغيير تلك الدولة لتشريعاتها بشكل يضر به ويفقده الضمانات و االمتيازات التي جعلته يختار التعاقد
و لدرء هذا االحتمال،فقد درج كثير من المستثمرين على أن يشترطوا من جهتهم أن تكون األحكام المنطبقة على عقد اللزمة هي تلك
الجاري بها العمل يوم إبرام العقد،و هو ما يسمى بشرط التثبيت) (clause de stabilisationالذي يتمثل مفعوله في تجميد قانون تلك
الدولة بالنسبة إلى المستثمر ) (cristallisationوجعل كل التغييرات التي يقع إدخالها عليه لحقا غير ماسة بالوضع القانوني للعقد الذي
يربطه بالدولة وقد أثارت هذه الشروط جدال فقهيا كبيرا حول مدى شرعيتها ومساسها بسيادة الدولة.
ويبدو أن هذا الجدل بدأ يفقد بريقه و توهجه بحكم ما يشهد العالم من تطور المناخ المالئم لالستثمار،وتخلى عديد الشعوب عن نظرتها
العدائية إلى المستثمر األجنبي،و توجه التشاريع الداخلية نحو مزيد دعم ضمانات المستثمرين و امتيازاتهم إال أن ذلك ال ينفي أهمية
فمن جهة أولى ،نجد المدافعين عن هذا النوع من الشروط .فعالوة علي التبرير المنطقي المتمثل في ضرورة حماية المستثمر من تغيير
الدولة لتشريعاتها بصفة عشوائية فإن هؤالء الفقهاء ينقسمون إلى شقين:
–شق أول يؤسس مبدأ احترام هذه الشروط على مبدأ القوة الملزمة.
– شق ثان يعتقد أن العقد الدولي هو عقد بال قانون بطبيعته وأنه إذا اتفق األطراف على اختيار قانون معين ،بطبيعته(contrat sans ،
)loiفإن ذلك القانون يصبح جزءا من العقد ،و تصبح أحكامه بعضا من بنود العقد
وأنه إذا اتفق األطراف على اختيار قانون معين ،فإن ذلك القانون يصبح جزءا من العقد ،وتصبح أحكامه بعضا من بنود العقد.
ومن ثمة فإن إرادة األطراف ال يمكن أن تتجه إلى إدراج شروط عقدية مجهولة المحتوى ،و من الحتمي أن تكون قد اتجهت إلى تبني أو
قبول ) (réceptionاألحكام المعلومة الوجود عند التعاقد .وتنتهي هذه النظرية إلى القول إن القانون المنطبق على العقد-إن صح الحديث
عن قانون منطبق على العقد-هو دائما القانون المنطبق زمن التعاقد ولو لم يدرج شرط من شروط التثبيت في ذلك العقد ،عمال بمبدأ عدم
تغير بنود العقد إال بإرادة المتعاقدين بحيث يعتبر كل عقد متضمنا لشرط تثبيت ضمني
-الشق األول يؤسس رأيه على فكرة احترام سيادة الدولة باعتبارها المنفردة قانونا بصالحية إنتاج القواعد أو المعاني (le monopole
)de la productionوباعتبار أن تثبيت القانون المنطبق على عقد اللزمة يهم قطاعا اقتصاديا حيويا في دولة ما،يعطل التوجهات
-الشق الثاني يؤسس رأيه على معطيات ال عالقة لها بالتبريرات السياسية .فالفقيه ) (Philippe KAHNيستغرب هذه الرغبة في عزل
العقد عن التطورات التي يعرفها محيطه ،وهذه الرغبة في عزل العقد عن التطورات التي يعرفها محيطها ،وهذه الرغبة في التجميد،
و بعيدا عن اإلشكالية المترتبة عن تجميد القانون المختار بموجب شرط عقدي أو في مغيبه ،فقد تعرض أهل الميدان إلى إشكاليات أخرى،
ففي قضية شيخ أبو ظبي ثم في قضية أرامكو ثم في قضية تكسكو ،كان هناك اختيار صريح لقانون الدولة المضيفة للمستثمر صلب عقد
االستثمار ،و رغم أن المحكمين الثالثة عاينوا ذلك ،فقد رفضوا تطبيق القانون المختار باعتماد تعليلين مختلفين.
فبالنسبة لقراري شيخ أبو ظبي و أرامكو ،الحظ المحكمان أن القانون المختار هو الشريعة اإلسالمية باعتبارها قانون الدولة المضيفة ،ثم
استنتجا بطريقة فيها الكثير من التسرع أن هذا القانون ال يحتوي على قواعد تنظم المعامالت العصرية و خاصة منها عقود االمتياز و
المعامالت في الميدان النفطي بشكل عام ،و بالتالي فهي قانون منقوص و كثير الثغرات و من ثمة فهو غير جدير بالتطبيق ،و فضال عليه
و عالوة على ما في هذا التحليل من مسحة استعمارية ،فإن جل الش ّراح أجمعوا على انتقاده انطالقا من الفقه الغربي ذاته ،حيث أن هانس
كلسن قد أكد منذ بداية القرن العشرين أنه ال يمكن أن توجد ثغرات في النظام القانوني
مهما كان بدائيا أو بسيطا باعتبار أن لكل نظام قانوني آليات ه التي تمكنه من التوصل إلى حلول بالنسبة إلى المسائل التي ليس لها حل جاهز،
وإن للشريعة اإلسالمية عدة آليات من هذا النوع بحكم تعدد مصادرها ،من النص (القرآن و السنة) إلى االجتهاد(القياس و اإلجماع و
االستحسان و االستصحاب)
أما بالنسبة لقرار تكسكو،فقد وقع التخلي عن هذا التعليل المبني على فكرة ضمنية مفادها أن النظم القانونية يمكن تصنيفها إلى أنظمة كاملة
وأخرى أقل كماال ،واعتبر المحكم عوضا عن ذلك أن الصبغة الدولية للعقد أو العملية موضوع التحكيم تجعل القانون الدولي العام هو
الدولي العام يقوم على فكرة ضمنية مفادها أن المستثمر هو أحد أشخاص القانون الدولي العام ،و هو قول غير سليم .كما أن القول بوجود
قانون دولي فيه الكثير من المبالغة ،إذ أن هذا القانون الدولي ليس سوى مشروعا أو مطمحا لم يتحقق بعد ،و ما زال األمر مقتصرا على
عدد قليل من القواعد التي أحصاها الفقيه األنجليزي “لورد موستيل” فوجد أنها ال تفوق العشرين ،وجلها قواعد عامة و فضفاضة ،و
بعضها قواعد دقيقة و خصوصية،منها عدد ضعيف من القواعد اإلجرائية ،و لم يتردد حتى المناصرون لفكرة وجود قانون دولي أو “lex
”mercatoriaفي إشارة إلى “فقر” هذا القانون من حيث القواعد ،هذا عالوة على النقد المؤسس على دراسة سوسيو -تاريخية انتهى
أصحابها إلى أنه حتى إذا كان هذا القانون عرفا باألساس ،فإن العرف ينشئه األقوياء ليتبعه الضعفاء ،بينما يهتم األقوياء بالبحث عن
األساليب لتطويره على نحو يخدم مصالحهم ،و من ثمة فإن هذا القانون الدولي ليس “محايدا” كما يدعي أنصاره ،و لم يجعل لتكريس
التوازن بين األطراف ،بل إلقامة حالة تفوق للمستثمر على الدولة أما بالنسبة التفاقية واشنطن ،فقد تبنت حال مختلفا لهذه المسألة،إذ جاء
بفصلها 42أن” هيئة التحكيم تقضي في النظام لقواعد القانون التي يعينها األطراف ،فإن لم يوجد اتفاق،فإن الهيئة تطبق قانونا الدولة
المتعاقدة التي تكون طرفا في النزاع ،بما فيها قواعد تنازع القوانين،و قواعد القانون الدولي المنظمة للمسألة” .و قد تساءل الفقهاء عن
الدور الذي يمكن أن يلعبه القانون الدولي في صورة اختيار األطراف تطبيق قانون ما و انتهوا إلى أنه ،بما أن المحكم الدولي ال يمثل دولة
معينة و ال يصدر األحكام باسم أي دولة أو جهة كانت فإن عليه أن يحرص على حماية “النظام العام الدولي” وذلك باستبعاد أحكام القانون
المختار برمته متى كان في مجمله مخالفا لهذا النظام العام فهل يكون األمر كذلك إذا لم يختر األطراف قانونا لتطبيقه على العقد؟
لقد استقر الرأي ،منذ صدور قرار محكمة العدل الدولية الدائمة في قضية القروض البرازيلية و الصربية ،على أن”كل عقد عدا العقود
المبرمة بين الدول باعتبارها من أشخاص القانون العام،يجد أساسه في قانون داخلي” ،و هو نفس المبدأ الذي أقرته محكمة التعقيب الفرنسية
منذ 1929حيث يكاد يوجد إجماع على رفض فكرة وجود عقد بال قانون.
إال أن اإلشكال ظل دائما قائما حول تحديد هذا القانون و محتواه .فلئن كانت المدرسة الكالسيكية الفرنسية تنادي باعتبار نظرية تنازع
القوانين التي تؤول إلى تطبيق قانون دولة ما باعتماد معيار إسناد مع تفضيل معيار إرادة األطراف،فان هذا الرأي لقي نقدا متزايدا بحكم
أنه يؤدي إلى عدم االنسجام بين الصبغة الدولية للمعاملة موضوع النزاع.
فأما بالنسبة للفقه فقد تزعم األستاذ BERTHOLD GOLDMANالمدرسة القائلة بوجود قانون دولي للنشاط التجاري lex
و أما بالنسبة لالتفاقيات الدولية فأن أهمها هي اتفاقية واشنطن لسنة 1965و االتفاقيات اإلقليمية العربية المشار إليها.
فبالنسبة التفاقية واشنطن ،جاء بالفصل 42منها كما سلف بيانه ،أن على هيئة التحكيم تطبيق قانون الدولة المتعاقدة المعنية باألمر ،إلى
يقع على أرضها ،و بأن سكوت األطراف يعد قبوال منهم بتطبيق هذا القانون عند الخالف .إال أن الفصل ذاته قد أوضح أن تطبيق قانون
تلك الدولة يشمل قواعد القانون الدولي الخاص فيها ،وهو ما يعني تبني االتفاقية لتقنية الرد أو اإلحالة ” “renvoiالتي يمكن أن تؤدي إلى
تعيين قانون غير قانون الدولة المعنية باألمر لينطبق فعليا على الموضوع وهو حل تعرض للنقد إذ أنه عالوة على ما فيه من تعقيد لمسار
البحث عن القانون المنطبق وهو ما حدا بعديد االتفاقيات الدولية كاتفاقية الهاي المؤرخة في 7جوان 1955إلى إقصاء اإلحالة اقصاءا
صريحا ،و هو ذات ما فعل المشرع التونسي صلب الفصل 35من مجلة القانون الدولي الخاص الذي جاء به ”:ال يقبل الرد سواء أدى
إلى العمل بالقانون التونسي أو إلى العمل بقانون دولة أخرى إال إذا نص القانون على قبوله”.
كما نص الفصل 42من اتفاقية واشنطن على تطبيق القانون الدولي إلى جانب قانون الدولة المتعاقدة وهو ما جعل الفقهاء يساءلون عما إذا
المقصود هو تطبيق القانون الدولي “بعد” ت طبيق القانون الداخلي للدولة أي سد الثغرات الموجودة بذلك القانون أم تطبيقهما معا على أساس
المساواة والتكامل.
وقد أجاب المحكم ” سوزر هول” عن هذا التساؤل اعتباريا بما أن قراره سابق التفاقية واشنطن في قرار ” أرامكو” بقوله إن القانون
السعودي هو الذي يفترض أن ينطبق على المسائل موضوع النزاع ،إال أنه يجب إتمامه عند االقتضاء أو تأويله على ضوء المبادئ العامة
للقانون واألعراف المتبعة في صناعة النفط و معطيات العلوم القانونية المحضة ،كما اعتمدت هيئة تحكيم التابعة للمركز الدولي لتسوية
وخالفا لهذا التمشي الذي ينطلق من التسليم بتساوي القانون الداخلي مع قانون الدولة من حيث المرتبة و الدرجة فقد اعتبر شق ثان من
الفقهاء أن القانون الدولي أعلى مرتبة من القوانين الداخلية وأنه يلعب الرقابة عليها بحيث تعتبر قواعده هي قواعد النظام العام فتكون
لقوا عد القانون الدولي وظيفة مزدوجة :إتمام قانون الدولة وسد ثغراته من جهة و تغيير أحكامه و إزاحتها الستبداله بغيرها إن كانت مخالفة
وقد أكدت هيئة التحكيم المتركبة من رئيسها السيد إدوارد جيمنيز دي أريشاغا و المحكمين روبرت بيتروفسكي و محمد أمين المهدي في
قرارها الصادر في 20ماي 1992في قضية SPPللشرق األوسط ضد الجمهورية مصر العربية أن للقانون الدولي هذه الوظيفة
المزوجة و من ثمة فإن اختيار األطراف لقانون دولة ما خصوصا إذا كانت الدولة المضيفة لالستثمار من عدمه ال أهمية له.و من ثمة فال
أهمية للبحث مثال في شرعية بعض األعمال التي قامت بها الدولة المصرية في تشريعها الوطني ،طالما أن مسؤوليتها تجد أساسها في
القانون الدولي و قد قامت الهيئة بتقسيم االختصاص التشريعي بين القانون المصري والقانون الدولي وأعطت األولوية في التطبيق للقانون
الدولي مع الرجوع إلى القانون المصري في خصوص المسائل التي ال توجد بالنسبة لها قواعد دولية مثل المسائل المتعلقة بالفوائض
فإذا لم يقدم االتفاقية و العقد حال فإن االتفاقيات تبتعد عن تطبيق القوانين الداخلية للدول العربية المتعاقدة و تفضل عليها تطبيق القواعد و
المبادئ المشتركة بين الدول العربية و بدرجة الحقة قواعد القانون الدولي
و ال يجب أن نعتقد أن المقصود بتطبيق القواعد المتفق عليها بين جميع تلك القوانين حتى وإن كانت احتماالت االختالفات ضعيفة في
المنطقة العربية نظرا لوحدة المخزون الحضاري و الثقافي و لوحدة مصادر التأثير ( الشريعة اإلسالمية ثم القانون الفرنسي ثم سائر
القوانين الغربية ذلك أنه توجد حتما عدة مسائل تختلف حولها كل التشريعات أو بعضها و في هذه الحالة فان المحكم سيكون محموال على
أن يلعب دورا منشئا خالقا على حد تعبير األستاذ العميد الصادق بلعيد يؤدي به إلى الخروج من مجرد ” التطبيق” إلى إنشاء قواعد قانونية
جديدة تمثل توفيقا بين نظم متباينة لم تكن موجودة أو على األقل لم تكن معروفة قبل ذلك وهكذا يساهم المحكم في إبراز مواطن التقارب
بين القوانين المختلفة و في إيجاد نقاط تقاطع أو التقاء بينها .و قد أدى تكريس فكرة تدويل القانون المنطبق على عقود االستثمار إلى تأكيد
إال أنه يالحظ أن فقه القضاء التحكيمي يميل إلى القول بأن القوة القاهرة ال تؤدي حتما إلى فسخ العقد و اإلعفاء الكامل من المسؤولية بل
إنه يجب البحث عن صيغة لإلبقاء على العقد مع تعديل االلتزامات العقدية و اعتبار المدين مسؤوال جزئيا إذا ثبت أنه كان بإمكانه أن يفعل
شيئا لتقليص المضرة الالحقة بمعاقده و أنه لم يجتهد للبحث عن طريقة أخرى للوفاء بالتزاماته
–مبدأ منح عبارات العقد المعني الذي يجعل لها فائدة و جدوى
– المبدأ التعويضي أي مبدأ وجوب التعويض للطرف المتضرر بفعل معاقده وخطئه والذي يقتضي أن يكون التعويض مساويا للضرر كل
الضرر و ال شيء غير الضرر مع مراعاة ظروف الحال كالقوة القاهرة و األمر الطارئ و مدى مساهمة الطرف المضرور في وقوع
الفعل الضار أو في فداحة األضرار .و يترتب عن ذلك االعتراف بحق الطرف المتعاقد في الدفع بعدم تنفيذ معاقده اللتزاماته
–مراعاة الظروف الطارئة و التغيرات غير المنتظرة التي تهز توازن التزامات األطراف العقدية.
إلزامية العقد بحيث ال يقبل تعديل االلتزامات العقدية إال بتراضي األطراف .إال أنه بعد هذه األزمة و أمام مخلفاتها المدمرة بالنسبة لعديد
تخلى المحكمون عن نزعة التشدد ومالوا إلى مقولة إمكانية تعديل العقد إذا أصبح مجحفا في حق أحد األطراف خصوصا إذا تعلق األمر
بعقد طويل األمد ولو لم يكن في العقد شرط يقتضي تعديله بسبب الصعوبات الطارئة حتى تحدث الفقه عن تكريس مبدأ جديد وهو مبدأ عدم
إلزامية العقد إال أنه وبداية من أواخر سنوات السبعين ،أصبحت األزمات و االهتزازات اإلقتصادية حدثا شبه يومي بحيث أصبح “الحدث
الطارئ أمرا متوقعا ” حتى كتب الفقيه سارج الزاريف قائال “لم يعد من الممكن أن ال نتوقع األمر الطارئ” بحيث أصبح عدم إدراج شرط
قوة قاهرة أو شرط تعديل العقد عند ظهور صعوبات إهماال من الجانب الطرف المتعاقد ال يمكن إعذاره به و هو ما شكل منعطفا للرجوع
تدريجيا إلى مبدأ إلزامية العقد و التخلي عن فكرة تعديل العقد دون شرط عقدي يبيح ذلك
–مبدأ حسن النية في التعاقد ومنع سوء النية عند التفاوض على التعاقد
وتدور مجمل هذه المبادئ حول مبدأ جوهري هو مبدأ حسن النية الذي يجب أن يقود تصرفات األطراف و أن يكرسه المحكومون ضمانا
لثقة األطراف في ما بينهم و برهانا على أن التحكيم و الطريقة لفض النزاعات لكنه قبل كل شيء “عدالة” مع ما يقتضيه ذلك من لزوم
تحري اإلنصاف
و في الحقيقة فإن هذه المبادئ هي مبادئ أزلية وكونية معتمدة من قبل التشاريع السماوية و جل القوانين الوضعية إال أن االختالف يكمن
و في الكثير من األحيان يؤدي اختالف أساليب تطبيق المبدأ الواحد إلى ضياع وحدة المبدأ.
و يتمثل دور التحكيم والمحكمين في السعي إلى توحيد هذه التطبيقات وضمان تجانسها حتى تحافظ المبادئ على وحدتها.
وما من شك في أن عملية االستثمار ذاتها هي عملية من نوع خاص باعتبارها عقدا ليس بالتجاري المحض و ال السياسي المحض و
بالنظر في خصوصية أطرافها و قد أدى ذلك إلى انفراد التحكيم فيها بجملة من الخصوصيات و الميزات التي قد نكون قد وفقنا في إبراز
البعض منها.
و يتضح من جميع ما تقدم بسطه أن تطور قانون التحكيم في العالم عموما و في تونس على وجه الخصوص قد أفرز تصنيفا ثنائيا للتحكيم
المتعلق بالحقوق الخاصة و هو الذي يميز بين التحكيم التجاري من جهة أولى والتحكيم في مجال نزاعات االستثمار من جهة أخرى.
وإن الوضع الحالي لقانون التحكيم يؤكد تميزهما وتغايرهما بشكل واضح .إال أن ما يشهده عالم اليوم من تغير في وضع الدولة و مركزها
نحو االقتراب من أوضاع الخواص يجيز لنا التساؤل عما إذا كانت هذه الخصوصية ستظل قائمة إلى أمد بعيد.
القانوني للدولة.
فهل أن هذه الفرضية إن تحققت مفيدة للتحكيم و قانونه أم أنها قد تكون مقدمة لموجة جديدة من العداء إزاء التحكيم قد يدفع إليها تفطن
الدول إلى األضرار التي تلحقها من جراء “خوصصة” وضعها القانوني و تنظيرها بالخواص مع ما في ذلك من مساس بامتيازاتها التي
تستمدها من سيادتها التي مردها تمثيلها لشعبها بحيث يعتبر المساس بمكانة الدولة مساسا بسيادة شعبها؟
قد يكون من قبيل التهويل الجزم بأن مسيرة خوصصة وضع الدولة حتى في إطار التحكيم قد انتهت و أن المحكم أصبح يعامل الدولة
معاملة الخواص.
ذلك أن أغلب الحاالت التي تم فيها توخي هذ ا التمشي تعلقت بدول ما يسمى بالعالم الثالث و قد كان ذلك نوعا من رد الفعل غير المعلن
على مغاالة الدولة المضيفة لالستثمار في االستناد إلى تعلة السيادة للمساس بالحقوق و الضمانات المشروعة الممنوحة إلى المستثمر
و ربما كان هذا التعامل هو الذي ساهم في تخلي جل الدول عن هذه الطريقة و اعتدالها في معاملة المستثمرين األجانب مما خلق نوعا من
التوازن الذي ال يغفل عن سيادة الدولة و ال يقلص من ضمانات المستثمر بشكل غير مقبول .والمرجع أن يسهم فقه القضاء التحكيمي في
الخـــــــاتمة
إن ما حققه المشرع التونسي على المستوى التشريعي في مادة اللزمة أمر محمود إال أنه ال يزال يشوبه ضرب من النقائص على المستوى
التطبيقي خاصة و أن تقنيات تعاقدية جديدة مثل عقود الشراكة و اتفاقيات اإلستثمار بدأت تخطف األضواء عن تقنية اللزمة بالنظر إلى
نظامها القانوني المتميز و ما ينطوي عليه من مشاريع تعجز تقنية اللزمة عن احتوائها و عن أن تكون إطارا قانونيا مالئما لها و متالئما
معها.
من ناحية أخرى يجدر التوقف و اإلشارة للدور الفعال الذي تلعبه العدالة الخاصة ) (la justice privéeفي مدى نجاعة عقد اللزمة و
مدى تحقيق المساواة بين الطرفين الغير المتكافئين بعقد اللزمة و على ضرورة تفعيل التحكيم كمؤسسة و خصوصا مزيد التعمق في قراءة
القرارات التحكمية