You are on page 1of 27

‫تنظيم عقود اللّزمة في القانون التونسي في بحث قانوني متعمق‬

‫إن التحوالت العميقة و المتسارعة التي شهدها العالم لها عميق األثر على دور الدولة و طرق تدخلها إذ هناك حرص كبير على تشريك‬

‫الخواص في االضطالع بعدد ال يستهان به من األنشطة جنبا إلى جنب مع الهياكل العمومية‪.‬‬

‫يلعب القانون عدد‪ 23‬المؤرخ في ‪ 01‬أفريل ‪ 2008‬المتعلق بنظام اللزمات دورا أساسيا على المستويين التطبيقي و النظري في هذا‬

‫المجال‪ .‬و تعتبر اإلضافات التي جاء بها هذا القانون أمرا بالغ األهمية باعتبار أن هذا القانون يؤسس لبعدين أساسيين‪ :‬البعد األول هو‬

‫التأسيس لنظام قانوني عام يطبق في مادة اللزمة عوضا عن نصوص قانونية مشتتة‪ ،‬قطاعية ) ) ‪sectorielle‬و جزئية فسحت المجال‬

‫إلى انعدام الضمانات القانونية لصاحب اللزمة‪ .‬أما البعد الثاني فيتمثل في كون أن هذا التقنين لعقود اللزمة يعد األول من نوعه في مفهوم‬

‫الشراكة بين القطاعين العمومي‪ -‬الخاص بالتشريع التونسي‪.‬‬

‫لقد أدخل هذا القانون تطورا في مفهوم اللزمة و ذلك بربط اللزمة بمتطلبات القطاع العمومي و الخاص في نفس الوقت‪.‬‬

‫ففي الفترة السابقة لقانون ‪ 2008‬كانت طريقة التعامل مع هذه العقود تجريبية‪ ،‬إذ أن الدولة كانت تقنن مادة اللزمة بصفة ظرفية و على‬

‫حسب القطاع المعني باللزمة‪.‬‬

‫تقوم طريقة التنظيم القطاعي أساسا على تنظيم تقنية اللزمة في كل قطاع على حده‪ .‬و بالرغم من وحدة المبادئ العامة التي أقرها المشرع‬

‫التونسي بشأن منح اللزمات و تنفيذها و متابعتها فإن هذا األخير ارتأى ‪،‬على األقل إلى حد صدور قانون ‪ 2008‬المتعلق بنظام اللزمات‪،‬‬

‫أن يدرج تلك المبادئ صلب نصوص قانونية متفرقة يختص كل منها بتنظيم مجال أو قطاع محدد‪.‬‬

‫و أمام هذا التعدد الذي قد يكون ايجابيا في ظاهره ظهرت جملة من النقائص و السلبيات سعى قانون ‪ 2008‬إلى تصحيحها‪ .‬علما و أن‬

‫قانون ‪ 2008‬قد جاء أكثر شمولية يتجلى ذلك من خالل تنظيمه ألغلب الجوانب و المحاور التي بينت تجربة تطبيق النصوص القطاعية‬

‫أنها عادة ما تكون محل جدل‪ .‬لعل من أبرز هذه النقاط هو تحديد لمفهوم و مجال اللزمة باعتبارها ‪ ،‬حسب قانون ‪ ،2008‬عملية تفويض‬

‫لمهمة تصرف شؤون مرفق من المرافق العمومية أو استغالل و استعمال أمالك أو معدات عمومية‪.‬‬

‫و اعتبر العقد هو إطارها األساسي باعتباره يمثل الوسيلة التي يتم بمقتضاها و في إطارها ضبط واجبات و حقوق األطراف المتعاقدة‪ .‬من‬

‫ناحية أخرى قام قانون ‪ 2008‬بتكريس فكرة التوازن المالي في إطار عقد اللزمة و ذلك بتحديد كل من حقوق و واجبات مانح اللزمة من‬

‫ناحية من دون تجاهل حقوق و واجبات صاحب اللزمة و هو يعد من قبيل باب التأقلم مع المتطلبات الجديدة لالستثمار الخاص في مجال‬

‫إنجاز و استغالل المشاريع العمومية‪ .‬أمر أساسي سعى المشرع لتحقيقه من خالل قانون ‪ 2008‬بصفة سلسة و في إطار احترام أساس و‬

‫مرجعية اللزمة‪.‬‬

‫‪1 sur 27‬‬


‫تنظيم عقود اللّزمة في القانون التونسي في بحث قانوني متعمق‬
‫في هذا اإلطار يبقى التساؤل قائما و أساسيا لمعرفة ما هو النظام القانوني لعقود اللزمة في القانون التونسيّ ؟‬

‫للتعرف على النظام القانوني لعقود اللزمة في القانون التونسي استوجب التعرض في جزء أول إلى القواعد لعامة المقننة لعقود اللزمة‬

‫(جزء ‪ )1‬ثم في مرحلة ثانية التطرق إلى القواعد الخاصة بقانون اللزمة في القانون التونسي (الجزء ‪).2‬‬

‫األول‪ :‬القواعد العا ّمة المقننة لعقود اللزمة‬


‫الجزء ّ‬

‫يعتبر عقد اللزمة عقدا إداريا تحتل فيه اإلدارة مكانة هامّة‪ ،‬إال ّ أنّ ذلك لم يمسس بالمكانة و الرعاية المميّزة التي ما فتئ المشرع التونسي‬

‫يحيطها بأصحاب اللزمات‪ .‬يمكن التطرق إلى هذه الرعاية الخاصّة من خالل التعرض إلى ك ّل من قواعد تكوين عقد اللزمة و قواعد تنفيذه‪.‬‬

‫األول‪ :‬قواعد تكوين عقد اللزمة‬


‫الفصل ّ‬

‫لطالما كانت اإلدارة هي الطرف الوحيد الذي يلعب الدور األساسي في تكوين عقد اللزمة إال أ ّنه و بحلول قانون غرّة أفريل‪ 2008‬أصبح‬

‫صاحب اللزمة‪ ،‬إلى جانب اإلدارة‪ ،‬يحضا بدور فعّال في مرحلة تكوين العقد ‪ :‬يتجسّم ذلك من خالل ثالث نقاط أساسيّة‪ :‬مبادرة عرض‬

‫اللزمة (‪ )2‬دور المنافسة في تحديد صاحب اللزمة(‪ )3‬شكليات عقد اللزمة (‪).1‬‬

‫شكليات عقد اللزمة‬

‫الجانب الشكلي هو الضامن األساسي لتحقيق التوازن التعاقدي و هو األمر الذي ذهب في اتجاهه قانون ‪ ،2008‬فعقد اللزمة استوجب أن‬

‫يكون مكتوبا أو قائما على ك ّراس شروط‪ .‬يستشف ذلك من خالل الفصل ‪ 14‬من نفس القانون الذي ينص” تتكون وثائق اللزمة من العقد و‬

‫كراس الشروط و المالحق التي يمكن أن تتضمن بدورها وثائق أو اتفاقات بأخذ بعين االعتبار خصوصية اإللتزامات الواردة بالعقد”‪.‬‬

‫فقاعدة الشكليّة ) ‪ (le formalisme‬هي تقليديّة من نوعها إال أ ّنه ما جاء به الفصل ‪ 14‬من القانون االنف الذكر هو بالغ األهمية باعتبار‬

‫و أنه يؤكد تنصيصات وجوبيّة يؤكد من خاللها المشرع في كل مرّة على كل من حقوق و واجبات صاحب اللزمة و مانحها‪ .‬و هو أمر من‬

‫شأنه توضيح سالمة الرضاء‪.‬‬

‫لقد ت ّم تحديد قائمة في التنصيصات الوجوبيّة و ذلك في ك ّل من الفصول ‪ 18‬إلى ‪ 23‬من قانون ‪ ، 2008‬فالفصل ‪ 18‬من فقرته األولى‬

‫ينص” يضبط العقد المدّة اللزمة مع األخذ بعين االعتبار طبيعة األعمال المطلوبة من صاحب اللزمة و اإلستثمار الذي يجب أن ينجزه‪”.‬‬

‫بحيث تحضا مدّة عقد اللزمة باهتمام خاص من قبل النواميس الدوليّة المتعلقة بالشراكة بين القطاع العمومي و القطاع الخاص و‬

‫بالخصوص فيما يتعلق بالتمديد في مدّة عقد اللزمة‪ ،‬علما و أن نفس تلك النواميس تؤسس الحترام المنافسة الشفافة من خالل الحفاظ على‬

‫القواعد األساسية لتكافئ الفرص و الحظوظ و تج ّنبا لمظاهر التمديد في عقد اللزمة بصفة ال متناهية ممّا من شأنه المساس بمبدأ المنافسة‬

‫العادلة و اللجوء إلى طرق احتيالية لتقديم شخص عن آخر من دون أي موجب قانوني شرعي‪.‬‬
‫‪2 sur 27‬‬
‫تنظيم عقود اللّزمة في القانون التونسي في بحث قانوني متعمق‬
‫بالتالي لتج ّنب الوقوع في وضعيات تنافسية غير شرعية و مشبوه فيها حدّد المشرع في الفصل ‪ 18‬من قانون ‪ 2008‬بصفة واضحة على‬

‫أ ّنه ال يمكن التمديد في مدّة عقد اللزمة إال بصفة استثنائية و في حاالت محدّدة وردت بصريح العبارة”‪:‬‬

‫ألسباب تتعلق بالمصلحة العامّة و لمدّة ال تتجاوز السنتين‪.‬‬

‫في حالة التأخر في اإلنجاز أو التوقف عن التصرف بسبب حدوث ظروف غير متوقعة و خارجة عن إرادة طرفي العقد‪.‬‬

‫عندما يكون صاحب اللزمة ملزما من أجل حسن تنفيذ الخدمة موضوع العقد و بطلب من مانح اللزمة أو بعد موافقته بإنجاز أشغال جديدة‬

‫غير واردة في العقد األوّ لي من شأنها تغيير االقتصاد العا ّم للزمة و تنحصر مدّة التمديد في هذه الحالة في اآلجال الضرورية إلعادة‬

‫التوازن المالي للعقد لضمان التوازن المالي للعقد و لضمان إستمرارية المرفق العمومي”‪.‬‬

‫و يواصل المشرع في نفس السياق مجزما أ ّنه ” ال يمكن التمديد في مدة اللزمة إال مرّة واحدة بطلب من صاحب اللزمة و بناءا على تقرير‬

‫معلل يعدّه مانح اللزمة لتبرير التمديد و يجب أن يكون التمديد موضوع عقد ملحق بالعقد األوّ لي”‪.‬‬

‫من هنا نالحظ أن المشرع التونسي قد كان حاسما في تحديد مدّة عقد اللزمة و هو من شأنه أن يشكل ضربا من ضروب المساس بمبدأ‬

‫الحرية التعاقدية و في نفس الوقت توضيح للنيّة الصارمة للمشرع في تكريس حرية المنافسة و احترام الشفافيّة‪.‬‬

‫و في نفس السياق‪ ،‬ينصّ الفصل ‪ 20‬من نفس القانون ” يبين العقد دورية و أشكال المراقبة و المتابعة التي يمارسها مانح اللزمة على تنفيذ‬

‫اللزمة و يحدد الوثائق الفنية و المحاسبية و المالية التي يتعين على صاحب اللزمة توجيهها إلى مانح اللزمة بصفة منتظمة‪.‬‬

‫كما يحدد العقد اإلجراءات التي يمكن اتخاذها ض ّد صاحب اللزمة في حالة عرقلته لعمليات المراقبة التي يمارسها مانح اللزمة و كذلك في‬

‫حالة إخالله بواجب توجيه الوثائق المنصوص عليها بالعقد في اآلجال المتفق عليها‪.‬‬

‫ينصّ العقد على المتابعة الدورية التي يقوم بها الطرفان المتعاقدان للنظر في مدى تقدم تنفيذ العقد” و هو ما من شأنه أن يؤكد على مبدأ‬

‫الشفافية و توازن القوى داخل نفس العقد‪.‬‬

‫و في نفس المنحى و في إطار توجيه و تحديد مدى مصدقيّة الرضاء و محافظة على حقوق اإلدارة و مبدأ إستمرارية المرفق العمومي‬

‫ينص الفصل ‪ 22‬من القانون االنف الذكر ” يتضمن العقد عالوة على األحكام المتعلقة بنهايته العادية أحكاما تتعلق بإنهائه قبل حلول أجله‬

‫خاصّة في الحاالت التالية‪ :‬أ) استرجاع اللزمة من قبل مانح اللزمة بعد انقضاء مدة محددة في العقد و ذلك وفقا ألحكام ‪ 27‬من هذا‬

‫القانون‪.‬ب) إسقاط حق صاحب اللزمة من قبل مانح اللزمة إذا صدر عنه إخالل خطير بأحد التزاماته التعاقدية الجوهرية و ذلك وفقا‬

‫ألحكام الفصل ‪ 26‬من هذا القانون”‪(…).‬‬

‫إلى جانب التنصيصات الوجوبيّة‪ ،‬فإن القانون قد ترك لألطراف حرية مراجعة بعض التنصيصات الغير الوجوبيّة‪ ( .‬الفصل ‪ 21‬من نفس‬

‫القانون‪).‬‬

‫يحظى الفصل ‪ 21‬بأهميّة بالغة باعتبار و أن ما جاء به يع ّد من قبيل التجديد و التطور في مادة عقود اللزمة‪.‬‬
‫‪3 sur 27‬‬
‫تنظيم عقود اللّزمة في القانون التونسي في بحث قانوني متعمق‬
‫مبادرة عرض اللزمة‬

‫بحلول قانون غرّة أفريل‪ 2008‬أصبح من الممكن للراغب في إبرام عقد لزمة أن يبادر من تلقاء نفسه‪ ،‬عارض على “مانح اللزمة”‬

‫(اإلدارة) إبرام عقد لزمة‪ ،‬فالفصل ‪ 8‬من القانون انف الذكر يذ ّكر بأ ّنه ” تعود المبادرة بعرض اللزمة إلى مانح اللزمة” و يقع التأكيد في‬

‫فحوى الفصل ‪ 11‬من نفس القانون على اإلمكانية ” لكل شخص أن يقترح بصفة تلقائية القيام باالستثمار في إطار لزمة و يتعيّن عليه في‬

‫هذه الحالة أن يقدّم للشخص العمومي المختصّ و الذي يمكن أن يكون مانحا للزمة على معنى هذا القانون‪ ،‬عرضا يتضمّن دراسة جدوى‬

‫فنية و بيئية و اقتصادية و مالية…” بالتالي يبرز من خالل هذين الفصلين الدور اإليجابي الذي أصبح يلعبه الخواص قصد إبرام عقود مع‬

‫أشخاص القانون العام‪.‬‬

‫و تعتبر مبادرة عرض اللزمة من قبيل التكريس الواضح لمبادئ لحنة األمم المتحدة للقانون التجاري الدولي المتعلقة بمشاريع البعث ذا‬

‫التمويل الخاص‪ .‬و تعتمد هذه المبادرة بصفة فعليّة و جادّة من قبل السّلط المانحة للزمة و هو ما يكرّسه صراحة الفصل ‪ 12‬من نفس‬

‫القانون الذي ينصّ ” يتعيّن على الشخص العمومي المعني دراسة العرض المقدّم إليه و إعالم صاحبه بماله” و هو ما من شأنه إضفاء‬

‫الجديّة على رغبات الخواص و متطلباتهم و في نفس الوقت تحميل اإلدارة مسؤولية حسن درس عروض الخواص بشكل جدي‪.‬‬

‫و يقع درس المقترحات المقدّمة لإلدارة بصفة جديّة و في كنف احترام قواعد المنافسة بين األطراف‪.‬‬

‫دور المنافسة في تحديد صاحب اللزمة‬

‫قبل إبرام عقد اللزمة مع مانح اللزمة استوجب على هذا األخير اللجوء إلى قواعد المنافسة العادلة قصد التوصل إلى الشخص األحق‬

‫بالحصول على اللزمة‪ .‬و تتأسس المنافسة العادلة باألساس على ضرب من اللبراليّة الحقيقيّة و الشفافة ما من شأنه أن يفسح العنان لمختلف‬

‫األطراف بالتساوي كي يعبّروا عن رغبتهم في اإلسهام في الحياة اإلقتصاديّة‪.‬‬

‫يلعب احترام مبدأ المنافسة النزيهة و الشفافة دورا هاما في تحقيق ضمانات الحصول على أحسن العروض من حيث النوعيّة و أيضا من‬

‫حيث الثمن‪.‬‬

‫و تكريسا لمبدأ احترام قواعد المنافسة تفتح العروض في جلسة مغلقة و ليست عامّة‪ ،‬بهدف أن تتعاقد اإلدارة مع الشخص المتقدّم بالعرض‬

‫و تتخذ هذه األخيرة قرارها وفق معايير موضوعيّة و شفافة و تقوم اإلدارة على هذا األساس بضبط قائمة في المتنافسين وفق ترتيب‬

‫تفاضلي استنادا إلى قدرة كل عارض من بين المتقدمين و دون الخضوع إلجراءات معيّنة فهي تحاول بكل موضوعيّة اختيار األجدر‬

‫بالحصول على اللزمة‪.‬‬

‫حريّ بنا أن نؤ ّكد على أن مبدأ المنافسة في عقود اللزمة قد جاء سابقا لقانون عدد ‪ 23‬لسنة ‪ 2008‬المؤرخ في ‪ 01‬أفريل ‪ 2008‬و‬

‫المتعلق بنظام اللزمات إذ أنه ت ّم التنصيص على ذلك في بعض النصوص القطاعيّة مثال‪ :‬الفصل ‪ ) 3§( 3‬من القانون عدد ‪ 27‬لسنة‬

‫‪4 sur 27‬‬


‫تنظيم عقود اللّزمة في القانون التونسي في بحث قانوني متعمق‬
‫‪ 1996‬المؤرخ في ‪ 01‬أفريل ‪ 1996‬و المتعلق بإتمام المرسوم عدد ‪ 08‬لسنة ‪ 1962‬و المتعلق ببعث و تنظيم الشركة التونسية للكهرباء‬

‫و الغاز على” أ ّنه يمكن للدولة أن تقوم بإسناد لزمات إلنتاج الكهرباء إلى الخواص‪ ،‬و تضبط شروط و إجراءات منح اللزمة بأمر‪.‬‬

‫”و بصدور قانون ‪ 2008‬االنف الذكر أصبحت المنافسة مبدأ عامّا في تقنين عقود اللزمة ممّا أضفى أكثر شفافيّة في احترام قانون‬

‫المنافسة و هو ما جاء به الفصل ‪ 9‬من القانون االنف الذكر” باستثناء قواعد الفصل ‪ 10‬من هذا القانون يجب الختيار صاحب اللزمة أن‬

‫يقوم مانح اللزمة بالدعوة إلى المنافسة ضمانا للمساواة بين المترشحين و لشفافيّة اإلجراءات و تكافئ الفرص…”أأأ من ناحية أخرى ينص‬

‫الفصل ‪ 10‬من ذات القانون ”يمكن اختيار صاحب اللزمة إمّا بعد تنظيم استشارة أو عن طريق التفاوض المباشر في إحدى الحاالت‬

‫اإلستثنائية التالية‪:‬‬

‫إذا ت ّم اإلعالن على أن الدعوة للمنافسة غير مثمرة‬

‫ألسباب يقتضيها الدفاع الوطني أو األمن العا ّم‬

‫في حالة التأكد لضمان استمرارية المرفق العمومي‬

‫إذا تعلق إنجاز موضوع العقد بأعمال ال يمكن أن يعهد إنجازها إال لشخص معيّن أو بنشاط يختص باستغالله حامل براءة اختراع”…‬

‫حيث نالحظ من خالل الفصلين المذكورين نوع من التكامل و الد ّقة في التشخيص ممّا يبين الدور األساسي الذي يحضا به صاحب اللزمة‬

‫عند إبرامه لعقد اللزمة‪ .‬بحيث يعتبر تدخل المشرع في تأطير المنافسة الحرّة من قبيل التأكيد على مبدأ المصلحة العليا للبالد أو ما يعبّر‬

‫عنه قانونا بالنظام العا ّم الذي يخضع لتقدير السلط المختصّة‪.‬‬

‫لكن و بالرجوع للفصول المذكورة سابقا و للفصل ‪ 12‬من نفس القانون يستشف من ذلك و أن اإلدارة تبقى صاحبة القرار األخير باعتبار و‬

‫أ ّنها تتمتع بحق الدعوة للمنافسة و ليس بواجب الدعوة للمنافسة‪ .‬بطريقة أخرى لإلدارة الحق في اإلختيار بين االستشارة و الدعوة للمنافسة‬

‫و هو أمر منتقد باعتبار و أنّ ذلك يخل بالمنافسة و قواعدها و يمسّ بدوره بمبدأ المساواة بين األطراف في منح الفرص‪.‬‬

‫يجدر بنا أن نالحظ و أنّ مبدأ شفافية المنافسة فيما يتعلق بعقود اللزمة حساس و يشكو من جملة من النقائص التي من الممكن مكافحتها و‬

‫ذلك بتدعيم استقالليّة القضاء عموما و على وجه الخصوص تفعيل دور مجلس المنافسة على مستوى القانون و الواقع و هو ما من شأنه‬

‫تأمين ظروف مالئمة للتعاقد و في نفس الوقت ضمان قواعد حسن تنفيذ العقد‪.‬‬

‫‪5 sur 27‬‬


‫تنظيم عقود اللّزمة في القانون التونسي في بحث قانوني متعمق‬
‫الفصل الثاني ‪ :‬قواعد تنفيذ عقد اللزمة‬

‫تتجسم قواعد تنفيذ عقود اللزمة أساسيا بمج ّرد اإلطالع على كل من التزامات مانح اللزمة(‪ )1‬و التزامات صاحب اللزمة (‪).2‬‬

‫التزامات مانح اللزمة‬

‫لقد عرف المشرع مانح اللزمة من خالل الفصل ‪ 3‬من قانون ‪ : 2008‬الدولة ـ المؤسسة ـ المنشآت العمومية التي يمكنها نص إحداثها من‬

‫منح اللزمة‪ .‬و عموما تمنح اللزمة من قبل الشخص العمومي‪ .‬فاإلدارة يمكن أن تكون في نفس الوقت الشخص المسؤول عن حماية‬

‫المنافسة عند إبرام عقود اللزمة و الحامي لصاحب اللزمة في نفس الوقت‪.‬‬

‫و يعتبر دور اإلدارة في حماية المنافسة دورا هاما و كالسيكي باعتبار و أن اإلدارة ملزمة باحترام هذا المبدأ و هي تجعل منه في اآلن‬

‫نفسه معيارا لتقييم مشروعية قراراتها عند تنفيذ العقد‪ .‬فاحترام المنافسة أمر أساسي لحسن تنفذ العقد في إطار الشفافية و احترام قواعد‬

‫السوق و لعل من بين ما يؤكد هذا االتجاه التشريعي هو ما تضمنه قانون المنافسة عدد ‪ 60‬لسنة ‪ 2005‬المؤرخ في ‪2005/07/12‬‬

‫المنقح لقانون المنافسة و األسعار و المرسي لمبدأ االستشارة الوجوبية لمجلس لمنافسة بخصوص سائر النصوص الترتيبية الصادرة في‬

‫المادة االقتصادية‪ .‬فقانون المنافسة يعد الضامن الوحيد لحسن سير عقد اللزمة و هو الحافز أو الرادع األشمل إللزام اإلدارة على حسن‬

‫احترام المساواة بين جميع األطراف المتنافسة و الطالبة حصولها على اللزمة‪.‬‬

‫يلتزم مانح اللزمة بجميع التزاماته التعاقدية الواردة بالعقد و يتعهد بضمان حسن تنفيذ اللزمة‪ ،‬و هو أمر قد نصّ عليه لمشرع بصفة‬

‫صريحة صلب الفصل ‪ 24‬من قانون ‪ 2008‬الذي جاء به ”يجب على مانح اللزمة أن يتخذ جميع اإلجراءات الضرورية المترتبة عن‬

‫التزاماته التعاقدية لضمان حسن تنفيذ العقد”‪.‬‬

‫يحتفظ مانح اللزمة بحقه في مراقبة المنتفع باللّزمة و ذلك بصورة دائمة أي طيلة مدة العقد على أن تتم ممارسة هذه الرقابة حسب الشروط‬

‫و األشكال التي تم اإلتفاق عليها بالعقد‪.‬‬

‫و تمتد المراقبة التي يمكن أن يمارسها مانح اللزمة للتثبت في الجوانب االقتصادية و الفنية و المالية المضبوطة بعقد اللزمة‪ .‬و يمكن في‬

‫إطار ممارسة هذه الرقابة أن يختار مانح اللزمة اللجوء إلى خدمات خبراء أو أعوان مؤهلين يعلم بهم صاحب اللزمة و هو ما جاء به‬

‫الفصل ‪ 25‬من قانون ‪ 2008‬الذي اسند بصريح العبارة إلى الشخص العمومي حق “ممارسة سلطة عامة للمراقبة االقتصادية و الفنية و‬

‫المالية المرتبطة بااللتزامات المترتبة عن العقد‪”.‬‬

‫و في صورة اختيار االستعانة بخبراء يتعين على مانح اللزمة أن يعلم بهم صاحب اللزمة حتى يمتثل هذا األخير لألحكام الواردة بالعقد و‬

‫المتعلقة بأشكال و كيفية المراقبة و خاصة منها تسهيل هذه العملية كما يمكن أن يقوم مانح اللزمة بتأمين مهمة المتابعة و المراقبة من خالل‬

‫لجنة خاصة تحدث للغرض و تبقى قائمة إلى حين انتهاء مدة اللزمة‪.‬غير أنه عالوة عن الرقابة التي يحتفظ بها مانح اللزمة في هذا‬

‫الخصوص يخضع صاحب اللزمة أيضا ألوجه الرقابة التي تكرسها النصوص القانونية المعمول بها في هذا المجال‪.‬‬
‫‪6 sur 27‬‬
‫تنظيم عقود اللّزمة في القانون التونسي في بحث قانوني متعمق‬
‫يمكن لمانح اللزمة في صورة قيام صاحب اللزمة بأحد اإلخالالت المضبوطة بعقد اللزمة و الموجبة إلسقاط الحق أن يقوم بإسقاط حق‬

‫صاحب اللزمة في مواصلة استغالل اللزمة على يكون ذلك بعد التنبيه عليه و منحه أجال يحدده العقد في مثل هذه الحاالت و دعوته‬

‫لالمتثال و الوفاء بالتزاماته‪.‬‬

‫و في صورة امتثال صاحب اللزمة للتنبيه المذكور و عدم قيامه بالتدارك في األجل الممنوح له يمكن لمانح اللزمة أن يقرر إسقاط الحق‪ ،‬و‬

‫هو ما جاء به صلب الفصل ‪ 26‬من قانون ‪ ” 2008‬يضبط العقد حاالت اإلخالل الخطير التي يترتب عنها إسقاط حق صاحب اللزمة من‬

‫قبل مانح اللزمة و ذلك بعد أن يقوم هذا األخير بإنذاره بواسطة مكتوب مضمون الوصول مع اإلعالم بالبلوغ و منحه األجل المحدد بالعقد‬

‫للتدارك و الوفاء بتعهداته‪”.‬‬

‫و في صورة اتخاذ مانح اللزمة لقرار إسقاط الحق فإنه يعلم به الدائنين المرسمة حقوقهم وفقا ألحكام قانون ‪ 2008‬الذي جاء بفصله ‪26‬‬

‫من فقرته الثانية ” … في هذه الحالة يتم إعالم الدائنين المرسمة حقوقهم بمكتوب مضمون الوصول مع اإلعالم بالبلوغ قبل األجل المذكور‬

‫بالفقرة األولى من هذا الفصل و السابق لتاريخ إصدار قرار إسقاط الحق و ذلك لتمكينهم من أن يقترحوا على مانح اللزمة شخصا آخر يحل‬

‫محل صاحب اللزمة الذي أسقط حقه‪ ،‬و تبقى إحالة اللزمة إلى الشخص المقترح خاضعة لموافقة مانح اللزمة‪”.‬‬

‫و تجدر اإلشارة إلى أن الدائنين يمنحون أجال يحدده العقد لممارسة حق اإلقتراح و في صورة فوات األجل المذكور دون أي إقتراح من‬

‫قبل المؤسسات المالية الدائنة أي شخص يحل محل صاحب اللزمة المخ ّل أو في صورة عدم موافقة مانح اللزمة على إحالة اللزمة إلى‬

‫الشخص المقترح من طرف المؤسسات المعنية‪.‬‬

‫يدخل قرار إسقاط الحق حيز التنفيذ و يمكن في هذه الحالة لمانح اللزمة اتخاذ جميع اإلجراءات التي يعتبرها ضرورية لتأمين إستمرارية‬

‫استغالل اللزمة على نفقة و مسؤولية صاحب اللزمة الذي أسقط حقه و يمكنه مثال لهذا الغرض استعمال الضمانات المالية التي يؤمنها‬

‫صاحب اللزمة قبل االنطالق في إنجاز العقد كضمان لحسن تنفيذ التزاماته التعاقدية‪.‬‬

‫يورد الفصل ‪ 27‬من قانون ‪ 2008‬إمكانية استرجاع اللزمة و هو يع ّد من قبيل الضمانات الهامة التي منحها المشرع لمانح اللزمة‪.‬‬

‫يمكن لمانح اللزمة استرجاع اللزمة قبل حلول األجل و من دون أن يكون صاحب اللزمة قد ارتكب اإلخالالت المنصوص عليها بفحوى‬

‫العقد و التي يترتب عليها إسقاط الحق و ال فيما لهذه الضمانة من أهمية بالنظر لكونها تخول في كل الصور استرجاع اللزمة متى اقتضت‬

‫ذلك باعتبارات تتعلق بالمصلحة العّامة‪.‬‬

‫غير أن ممارسة الحق في االسترجاع ال يمكن أن تتم إال بعد مرور أجل يتفق عليه األطراف بالعقد و يت ّم تضمينه بهذا األخير و هو أجل ال‬

‫يمكن قبل انقضائه أن يطالب مانح اللزمة باسترجاعه و يعود ذلك إلى ضرورة ضمان ح ّد أدنى من االستقرار في استغالل اللزمة من قبل‬

‫صاحبها‪ .‬في المقابل يضمن القانون لصاحبه اللزمة حقه في التعويض عن الضرر الذي لحقه من جراء سحب اللزمة دون أن يكون قد‬

‫صدر منه أي إخالل بااللتزامات الموكولة له‪.‬‬


‫‪7 sur 27‬‬
‫تنظيم عقود اللّزمة في القانون التونسي في بحث قانوني متعمق‬
‫و هو ما وضّحه صراحة الفصل ‪ 27‬من قانون ‪ 2008‬المتعلق بتنظيم اللزمة ” لمانح اللزمة الحق في استرجاع اللزمة بعد انقضاء مدة‬

‫محددة في العقد و قبل حلول أجله و في هذه الحالة يتم إعالم صاحب اللزمة بواسطة مكتوب مضمون الوصول مع اإلعالم بالبلوغ ستة‬

‫أشهر على األقل قبل التاريخ المحدد لالسترجاع و لصاحب للزمة في هذه الحالة التعويض عمّا لحقه…” غير أن الحق في استرجاع اللزمة‬

‫ال يمكن أن يكون إال بعد أجل معين يتفق عليه األطراف بالعقد و هو أجل ينبغي اإللتزام به‪ ،‬و ذلك قصد تحقيق نوع من االستقرار في‬

‫استغالل اللزمة من قبل صاحبها‪.‬‬

‫و يضمن المشرع لصاحب اللزمة في القابل الحق في المطالبة بالتعويض عن الضرر الذي لحقه نتيجة سحب اللزمة من دون أن يكون قد‬

‫صدر عنه أي خلل في االلتزامات المحمولة عليه‪.‬‬

‫التزامات صاحب اللزمة‬

‫كل من يتمتع بعقد لزمة استوجب عليه أثناء مدّة العقد إلى بلوغ نهايته المحافظة على جميع ممتلكات اللزمة من تجهيزات و بناءات و‬

‫منشآت حتى يتم إرجاعها لمانح اللزمة مع نهاية العقد في الحالة حسنة و يلزم صاحب اللزمة بالمساواة في معاملة المنتفعين بخدمات اللزمة‬

‫التي يقدمها و أن يضمن استمرارية في إسداء تلك الخدمات باعتبار و أن المساواة و االستمرارية يعتبران من المبادئ األساسية التي‬

‫يخضع لها نشاط المرافق العمومية‪ .‬يؤكد الفصل ‪ 29‬من قانون ‪ 2008‬على الطابع الشخصي لعقد اللزمة إذ ينص الفصل اآلنف الذكر ” ‪:‬‬

‫يبرم عقد اللزمة على أساس الصفات الشخصية لصاحب اللزمة ”…بالتالي فالمشرع يؤسس إلى وجوبية تنفيذ العقد من قبل صاحب اللزمة‬

‫شخصيا من قبل مانح اللزمة و ذلك استنادا إلى تقييم موضوعي لمزاياه و صفاته‪ .‬لكن تجدر المالحظة من ناحية أخرى و أنه واجب التنفيذ‬

‫الشخصي ال يمنع صاحب اللزمة من إمكانية إحالة تنفيذ جزء من التزاماته في إطار عقد مناولة شريطة الحول على موافقة مانح اللزمة‬

‫بصورة مسبقة‪.‬‬

‫و إمكانية المناولة التي رخص لها المشرع حصريا ال يمكن أن تشمل جميع اإللتزامات التعاقدية بل جزءا منها فحسب‪ .‬و ال يمكن القيام‬

‫بالمناولة طالما لم يوافق عليها مانح اللزمة و في كل الحاالت عمال بمبدأ التنفيذ الشخصي اإللتزام يبقى صاحب اللزمة مسؤوال شخصيا عن‬

‫جميع اإللتزامات المترتبة عليه بموج العقد سواء منها التي يباشرها شخصيا أو األخرى التي قام بمناولتها ‪ .‬كما تجدر اإلشارة و أنه يحجر‬

‫على صاحب اللزمة أن يقوم بإحالة اللزمة دون الموافقة المسبقة لمانح اللزمة‪.‬‬

‫و ال يعفي عقد اللزمة صاحب اللزمة من أن يعمل بجميع ما يستوجبه التشريع الجاري به العمل من تراخيص مذكورة أو أن يطلب من‬

‫مانح اللزمة توفيرها له بمناسبة منح اللزمة‪ .‬في المقابل يرخص الفصل ‪ 32‬من قانون اللزمة لمانح اللزمة الحق في “تقديم المساعدة‬

‫لصاحب اللزمة لتيسير حصوله على التراخيص أو اإلمتثال لكراسات الشروط‪…”.‬‬

‫ويبقى صاحب اللزمة هو المسؤول األول عن األضرار التي قد تلحق أعوانه و كذلك البناءات و المنشآت و التجهيزات الثابتة و الغير‬

‫جراء تنفيذ موضوع العقد و يتحمل لذلك جميع التعويضات المنجرة عن ذلك وفقا ألحكام التشريع الجاري به العمل و في هذا اإلطار يكون‬
‫‪8 sur 27‬‬
‫تنظيم عقود اللّزمة في القانون التونسي في بحث قانوني متعمق‬
‫صاحب اللزمة مطالبا بتأمين مسؤوليته المدنية طيلة المدة المقررة للعقد و ذلك بموجب عقد تأمين شرطا يقضي بعدم فسخه أو إدخال‬

‫تعديالت جوهرية عليه من دون الموافقة المسبقة لمانح اللزمة و ذلك حتى يتسنى لهذا األخير التثبت من أن صاحب اللزمة قادر على تحمل‬

‫المسؤولية ما قد ينجر من وراء تنفيذه لعقد اللزمة من أضرار قد تلحق أعوانه أو الغير‪.‬‬

‫و يكون صاحب اللزمة في هذا اإلطار مسؤوال عن احترام التشريع الجاري به العمل المتعلق بإنجاز األشغال موضوع اللزمة و اقتناء‬

‫التجهيزات أو الترف في الخدمات المكلف بها‪( .‬راجع الفصل ‪ 34‬من نفس القانون‪).‬‬

‫يؤسس الفصل ‪ 31‬من قانون ‪ 2008‬ضمان للتوازن في حق صاحب اللزمة فالقانون يخول لهذا األخير إمكانية طلب فسخ العقد في صورة‬

‫عدم وفاء مانح اللزمة بالتزاماته الجوهرية و بصورة عامة تقصيره في اتخاذ اإلجراءات الضرورية المترتبة عن التزامات تعاقدية لضمان‬

‫حسن تنفيذ اللزمة‪ .‬و يمكن لصاحب اللزمة أن يقوم بطلب فسخ بعد التنبيه على مانح اللزمة و منحه أجل يحدده العقد لهذا الغرض‪ .‬و يمكن‬

‫صاحب اللزمة في هذا الصدد المطالبة بالتعويض عن الضرر الذي قد يلحقه جراء طلب فسخ العقد‪.‬‬

‫و باسترجاع اللزمة من قبل مانحها يحل دائنو صاحب اللزمة محل هذا األخير في حدود ما يستحقه من تعويض‪.‬‬

‫صة المم ّيزة لعقد اللزمة‬


‫الجزء الثاني ‪ :‬القواعد الخا ّ‬
‫تبرز خصوصية عقود اللزمة من خالل خضوعها لحقوق عينية خاصة بها و من ناحية أخرى تتجسم الخصوصية أيضا من خالل الطرق‬

‫المعتمدة في حل النزاعات‪.‬‬

‫صة‬
‫الفصل األول ‪ :‬خضوع عقد اللزمة لحقوق عينية خا ّ‬
‫ّ‬
‫يوظف عقد اللزمة على الملك العمومي[‪ ،]1‬و من خصوصيات الملك العمومي أنه غير قابل للتفويت و ما يمنع بدوره تكوين أي حق عيني‬

‫على الملك العمومي [‪].2‬‬

‫و قاعدة منع تكوين أي حق عيني على الملك العمومي ليست قاعدة مكتوبة ال يوجد بها نص يمنعها بصفة صريحة فهي مجرد قراءة لقاعدة‬

‫عدم التفويت في الملك العمومي[‪ ]3‬و المجسمة في االتجاه الذي أخد مجلس الدولة الفرنسي في قرار ]‪ EUROLAT [4‬أما في تونس ال‬

‫يوجد أي نص قانوني يعرف الحق العيني إذ يكتفي الفصل ‪ 12‬من مجلة الحقوق العينية بتعداد هذه الحقوق ” و يعرفه الفقه بأنه الحق الذي‬

‫يمتلكه شخص في سحب جزء أو كل القيمة االقتصادية من شيء‪.‬‬

‫ومسألة إمكانية وجود حقوق عينية على ملك عمومي ليست مسألة حديثة‪ ،‬و الملفت لالنتباه هو أنّ أوّ ل من طرح هذه المسألة هم أخصّائيو‬

‫القانون المدني و ليس أخصّائيي القانون اإلداري‪ .‬فنجد في القرن ‪ 19‬مثال أنّ الفقيه هوك طرح فكرة مفادها أنه يمكن أن تسلط حقوق‬

‫عينية على الملك العمومي بدون أن يكون متعارضا مع ما خصص الملك العمومي له‪ .‬غير أ ّنه‪ ،‬و إن وقع اإلقرار بمبدأ قابلية تسليط حقوق‬

‫عينية على الملك العمومي‪ ،‬إال ّ أنّ عقد اللّزمة هو اإلطار الوحيد لهذه اإلمكانية‪.‬‬
‫‪9 sur 27‬‬
‫تنظيم عقود اللّزمة في القانون التونسي في بحث قانوني متعمق‬
‫و هذه الفكرة بحاجة إلى شرح فمن الناحية النظرية‪ ،‬الحقوق العينية المسلطة على الملك العمومي تعطي إلى الشاغلين للملك العمومي و هم‬

‫متعددّون‪ ،‬و تقليديا الشاغلون الخواص للملك العمومي يخضعون إلى تفرقة تعتمد على طبيعة العقد الذين يتمتعون به‪ .‬و هي تفرقة تعطينا‬

‫نوعين من الشاغلين‪.‬‬

‫أولهما الشاغلين الذين يستمدون حقوقهم ملتزما من جانب واحد من اإلدارة (الترخيص في األشغال الوقتي‪).‬‬

‫ثانيهما‪ ،‬الشاغلون الذين يستمدون حقوقهم من عقد لزمة مبرم بين اإلدارة و الشاغل‪.‬‬

‫و بالرغم من كثرة عقود إشغال الملك العمومي‪ ،‬فان العقد الوحيد في تونس‪ ،‬الذي يمكن أن ينشئ حقوق عينية هو عقد اللزمة‪ ،‬و هو ما‬

‫يجعل جل النصوص التي تتحدث عن حق عيني على ملك عمومي تحددها في “صاحب اللزمة الذي له حق عيني” هذه الفكرة نجدها في‬

‫عديد النصوص مثل الفصل ‪ 61‬مجلة القوانين البحرية التجارية‪ ،‬الفصل ‪ 93‬مكرر مجلّة الطيران المدني‪ ،‬الفصل ‪ 49‬القانون المتعلق‬

‫بموانئ الصيد البحري‪ ،‬و أهمها الفصل ‪ 39‬مكرر مجلّة الطيران المدني‪ ،‬الفصل ‪ 49‬القانون المتعلّق بموانئ الصيد البحري‪ ،‬و أهمها‬

‫الفصل ‪ 39‬من قانون ‪ 2008‬مؤرخ في ‪ 1‬أفريل ‪ 2008‬و المتعلق بنظام اللزمات‪.‬‬

‫و الملفت لالنتباه أن جل هذه النصوص (باالستثناء القانون المتعلق باللزمات) تعالج في أول األمر المسألة المتعلقة باإلشغال الوقتي بدون‬

‫أن تذكر الحق العيني‪ ،‬و هو ليس محض الصدفة‪ ،‬بل إقرار ضمني بأن الحق العيني ال يمكن أن يسلط إلى في إطار عقد لزمة‪.‬‬

‫و تحديد نطاق الحقوق العينية في إطار عقد اللزمة فقط‪ ،‬هو حل تجاوزه االتجاه الفرنسي‪ ،‬الذي أقر أن“ كل عقد إشغال للملك العمومي هو‬

‫عقد ينشأ عنه حق عيني في صورة سكون اإلدارة]‪.”[5‬‬

‫و قد كرس المشرع الفرنسي هذا االتجاه بقانون ‪ 25‬جويلية ‪ 1994‬و أق ّر نشأة حقوق عينية على ملك الدولة العام و نصّ في فصله ‪34‬‬

‫فقرة أولى أنّ “صاحب حق إشغال وقتي في ملك الدولة … له حقوق عينية ” و يضيف الفصل ‪ 34‬في فقرته الخامسة أن هذا الحق العيني‬

‫يطبق ”على االتفاقات بجميع أنواعها التي تهدف إلى الترخيص بإشغال الملك العمومي ”هذه العبارات الواسعة تمكن من إعطاء حق عيني‬

‫إلى كل شاغل لملك عمومي حامل لرخصة‪.‬‬

‫و إن هذا التوسيع في فرنسا هو حقيقة األمر يهدف إلى تلبية حاجيات االستثمار و بالتالي فإن حصر نطاق الحقوق العينية في عقود اللزمة‬

‫فقط من شأنه أن يضيق من مجال تدخل المستثمرين في الملك العام التونسي‪.‬‬

‫و باإلضافة إلى ذلك فإن االتجاه التونسي فيه بعض من التضييق‪ ،‬فهل أن كل عقد لزمة يمكن أن ينشأ عنه حق عيني؟‬

‫و بالرجوع إلى الفصل ‪ 39‬من قانون ‪ 2005‬ينص على أنه “إذ اقتضى تنفيذ العقد انجاز أو تغيير أو توسيع بنايات و منشآت و تجهيزات‬

‫ثانية فوق الملك الراجع لمانح اللزمة‪ ،‬فإنه ينشأ لصاحب اللزمة حق عيني خاص على البنايات و المنشآت و التجهيزات يخول له – طيلة‬

‫مدة العقد – حقوق وواجبات المالك في حدود األحكام الواردة بهذا االسم”‪.‬‬

‫‪10 sur 27‬‬


‫تنظيم عقود اللّزمة في القانون التونسي في بحث قانوني متعمق‬
‫و بالتالي فإن هذا الفصل يفرق ضمنيا بين نوعين من عقود اللزمة األولى هي عقود اللزمة التي فيها انجاز أو تغيير أو توسيع بنايات و‬

‫تجهيزات ثابتة فوق الملك الراجع لمانح اللزمة و الثانية هي عقود اللزمة التي ال تتطلب انجاز أو تغيير أو توسيع بنايات و تجهيزات ثابتة‬

‫فوق الملك الراجع لمانح اللزمة‪ ،‬و هذه األخيرة ال تنشئ حقا عينيا‪ ،‬و بالتالي يمكن أن تستنتج أن المشرع التونسي ضيق من مجال‬

‫االعتراف بالحق العيني لصاحب اللزمة خالفا للمشرع الفرنسي‪.‬‬

‫فإذا قار ّنا المشرع التونسي بالمشرع الفرنسي سنالحظ أن المشرع التونسي لم يكتف بحصر مجال االعتراف بالحق العيني في عقود اللزمة‬

‫فقط‪ ،‬بل و كذلك حصر هذا المجال في عقود اللزمة التي فيها انجاز أو تغيير أو توسيع بنايات و تجهيزات ثابتة‪.‬‬

‫إن تخوف المشرع التونسي من اإلقرار بوجود حقوق عينية و حصره الشديد له يمكن أن يفهم برغبتيه في الحفاظ على سلطات اإلدارة التي‬

‫تمكنها من حماية تخصيص ملك الدولة العام للصالح العام‪ ،‬و باإلضافة إلى ذلك فإن هذا االتجاه يكرس االتجاه البراقماتيكي للمشرع الذي‬

‫يتمثل في توخي ا لمراحل و هذا المنطق يحملنا إلى القول أن هذه الحدود إلقرار الحق العيني على الملك العمومي سوف تضمحل في‬

‫المستقبل‪.‬‬

‫و بالتالي‪ ،‬فبالرغم من حصر المشرع مجال الحق العيني في نوع محدد من عقود لزمة و هي عقود اللزمة التي فيها انجاز أو تغيير أو‬

‫توسيع بنايات و منشآت ثابتة‪ ،‬إالّ أنه بتو ّفر هذا الشرط‪ ،‬فإن مجموعة من الحقوق العينية تصبح آليا حقا لصاحب اللزمة‪.‬‬

‫و هذه المجموعة هي متنوعة ‪ ،‬لذلك سنكتفي في هذا اإلطار بدراسة حق الرهن‪ ،‬إذ أنه أهم حق باعتبار أنه يم ّكن من تمويل المشاريع على‬

‫األمالك العمومية و بالتالي يمكن من ثمين الملك العام (‪ )1‬سنتعرض إلى آثار هذا الرهن على الدائنين (‪).2‬‬

‫إمكانية الرهن على الملك العمومي‬

‫إنّ المشرّع التونسي ال يزال متخوّ فا من مساءلة ال ّرهن على الملك العمومي‪ ،‬و نستنتج ذلك خاصّة من تردّده بين إقرار إمكانية الرّهن (أ)‬

‫ووضع حدود لهذه اإلمكانية (ب‪).‬‬

‫أ‪ -‬اإلقرار بإمكانية الرهن على الملك العمومي‪.‬‬

‫تجدر اإلشارة أوال أن المشرع التونسي في أول األمر كان يرفض إقرار إمكانية الرهن في الملك العمومي و ذلك حتى لو أقر له بحق ملكية‬

‫على المنشآت التي أنجزها‪.‬‬

‫و المالحظ أنّ اإلقرار بحق الرهن في الملك العام هو حديث عند المشرع التونسي‪ .‬أما بالنسبة للموقف الفرنسي فإن فقه القضاء في أول‬

‫األمر أقرّ بهذه اإلمكانية في قرار ‪ 10‬أفريل ‪ ]6[ 1867‬ث ّم تراجع في مرحلة ثانية على هذا الموقف‪ ،‬و انتهى إلى أخذ المشرع الفرنسي‬

‫بإمكانية تسليط رهون على األمالك العمومية‪.‬‬

‫و لكن تجدر المالحظة أن الفقيه موريس هوريو الذي أقر بوجود حقوق عينية على المنشآت لم يقر في المقابل بحق الرهن ”ال يمكن‬

‫اإلقرار لصالح صاحب اللزمة حق عيني مشابه للحقوق العينية المدنية كاإلقرار بحق رهن”[‪] .7‬‬
‫‪11 sur 27‬‬
‫تنظيم عقود اللّزمة في القانون التونسي في بحث قانوني متعمق‬
‫و المشرع التونسي كالمشرع الفرنسي انتهى باالعتراف لصاحب اللزمة بحق الرهن على المنشآت التي أنجزها‪ ،‬و قد تجسد هذا اإلقرار‬

‫الوارد بقانون ‪ ،2008‬كمبدأ عام في نظام عام يخص اللزمات إذ نص الفصل ‪ 39‬في فقرته الثانية أن ”ترسم الحقوق العينية الموظفة على‬

‫البيانات و المنشآت و التجهيزات الثابتة بدفتر خاص”‪….‬‬

‫و حق الرهن هو حق عيني لجأ له المشرع حتى يقدر أصحاب اللزمات على التحصل على قروض مقابل ضمانات عينية يقدمونها إلى‬

‫البنوك‪.‬‬

‫و التشريع التونسي ال يعطي تعريفا للرهن‪ ،‬بينما يعرفه الفقه بأنه ”حق عيني على عقار الذي يمكن‪ ،‬بدون التفويت الحيني لمكوناته‪،‬‬

‫الدائن ين الذين لم يقع خالصهم في اآلجال بأن يؤمنوا خالصهم قبل باقي الدائنين العاديين و ذلك بتمكينهم ببيع العقار المسلط عليه الرهن في‬

‫أي يد يوجد تحتها”[‪]8‬‬

‫و اإلقرار بحق الرهن له عدة ايجابيات بالنسبة لصاحب اللزمة و كذلك بالنسبة لصاحب الحق العيني‪.‬‬

‫بالنسبة لصاحب اللزمة‪:‬‬

‫بالنسبة لصاحب اللزمة‪ ،‬الرهن يمكنه من المحافظة على سيطرته على منشآته و الحصول قرض في نفس الوقت‪ ،‬باإلضافة أنه يمكنه من‬

‫إعطاء رهن إلى عدة مقرضين‪.‬‬

‫بالنسبة للدائن المتمتع بحق الرهن يعتبر “أهم ضمان عيني عقاري بالنسبة للمقرض”[‪ ]9‬و هذا الضمان الذي يسلط على عقار المدين يعتبر‬

‫من الناحية االقتصادية “ قيمة عرفت منذ القديم خصوصية االستقرار و ذلك بسبب عدم تدني القيمة المالية للعقارات التي تسلط عليها‬

‫الرهون” و ذلك باإلضافة أنه يعطي لصاحب حق الرهن األفضلية و حق التتبع‪.‬‬

‫*حق األفضلية‪:‬‬

‫حق الرهن يعطي حق أفضلية على قيمة العقار المرهون‪ ،‬فبعد بيعه‪ ،‬هذا الدائن المتمتع بحق رهن سوف يتم خالصه قبل الدائنين العاديين‬

‫*حق التتبع‪:‬‬

‫الفصل ‪ 280‬م ح ع ينصّ على أن الدائن الذي له حق عيني على عقار يمكن له تتبعه في أي يد وضع تحتها‪ ،‬و بالتالي فإن حق التتبع يمكن‬

‫الدائنين في تاريخ حلول أجل األداء ‪ ،‬ببيع العقار حتى و لو تم بيعه إلى الغير‪ .‬و أهمية حق الرهن بالنسبة لصاحب اللزمة ال يقتصر فقط‬

‫على إيجابياته بل كذلك على خاصياته‪.‬‬

‫*خاصيات الرهن‪:‬‬

‫صاحب اللزمة و صاحب حق الرهن يمكن لهم االنتفاع بخاصيات الرهن إذ لها خاصية الحق العيني الحق الفرعي‪ ،‬الحق المتميز و الغير‬

‫قابل للتجزئة‪.‬‬

‫‪12 sur 27‬‬


‫تنظيم عقود اللّزمة في القانون التونسي في بحث قانوني متعمق‬
‫الخاصية “العينية” لحق الرهن‪.‬‬

‫هذا الحق ناتج عن الفصل ‪ 12‬من م ح ع التي نذكر الرهن من بين الحقوق العينية و ينتج عن هذه الخاصية أن صاحب الرهن له حق‬

‫األفضلية و حق تتبع‪ ،‬و لكن هذا االستنتاج يجب اكتساؤه بالصبغة النسبية ألن الرهن “يشمل ال جملة الحق بل فقط الحق على قيمة العقار‪”.‬‬

‫و هذه الخاصية تمكن صاحب اللزمة من المحافظة على السيطرة على العقار و بالتالي تمكنه من مواصلة استغالل العقار المرهون و في‬

‫نفس الوقت المدين يحتفظ على ضمان لخالص دينه‪.‬‬

‫خاصية عدم القابلية للتجزئة “لحق الرهن‪”.‬‬

‫حق الرهن يسلط على كامل العقار الفصل ‪ 228‬م ح ع تنص على أنه “ال يلزم الدائن برد الرهن المدين أو لمعين الرهن إالّ بعد تنفيذ‬

‫االلتزام تنفيذا تاما و لو كان الرهن قابال للقسمة …” و بالتالي فإن تجزئه الحق المرهون ال ينتج عنه تجزئة الرهن‪.‬‬

‫هذه الوضعية يمكن أن تكون سلبية لصاحب اللزمة إذ أن حق الرهن يبقى مسلط على كامل العقار حتى في صورة الخالص الجزئي‪.‬‬

‫الصبغة الخاصة للعقار المرهون‪:‬‬

‫هذه الصبغة الخاصة تتمثل في أن الرهن “يؤمن قرض معين و يسلط على عقار معين ”و بالتالي فإن الخاصية تتمثل في العقد المؤمن و في‬

‫العقار موضوع الرهن‪.‬‬

‫و لكن بالرغم من إيجابيات حق الرهن فإن المشرع حد من إمكانية اللجوء إلى هذه اآللية‪.‬‬

‫ب‪ -‬حدود هذه اإلمكانية‬

‫إنّ دراسة النظام القانوني للرهن على الملك العمومي و خاصة قانون ‪ 2008‬نالحظ أن المشرّع وضع عديد الحدود لهذه اإلمكانية‪ ،‬و هذه‬

‫الحدود تجسد االختالف بين الحق الرّهني على الملك العمومي و الحق الرّهني في المادة المدنية‪.‬‬

‫و يرجع هذا االختالف إلى أن المشرع في مادة الملك العمومي هو دائما ضد كل آلية تأتي في القانون المدني‪ ،‬و يحاول دائما إقحام صبغة‬

‫إدارية في مفاهيم تنتمي بطبيعتها إلى القانون المدني‪ ،‬و بالتالي فإن المشرع ال يعترف إال بحق رهن محدد النطاق‪.‬‬

‫و هذه الحدود تسلط على الهدف في الرهن‪ ،‬األموال التي تسلط عليها حق الرهن‪ ،‬وواجب الحصول على مصادقة من اإلدارة‪.‬‬

‫الهدف من الرهن‪:‬‬

‫قبل صدور قانون ‪ 2008‬وبالرجوع إلى مختلف النصوص القانونية التي تنظم هذه المسألة في تونس‪ ،‬الرهن يجب أن ينشأ لضمان‬

‫القروض التي يتحصل عليها صاحب اللزمة بقصد تمويل إنشاء أو تعمير أو توسيع بنايات موجودة على الملك العمومي موضوع عقد‬

‫اللزمة‪.‬‬

‫‪13 sur 27‬‬


‫تنظيم عقود اللّزمة في القانون التونسي في بحث قانوني متعمق‬
‫المشرّع لم يقتصر على تحديد القروض التي تؤمن برهن على إنجاز المنشآت بل توسع إلى إمكانية الرهن بهدف تمويل إنجاز أو تغيير أو‬

‫توسيع أو صيانة أو تجديد البنايات و المنشآت و التجهيزات المنجزة في إطار اللزمة‪.‬‬

‫و لكن تجدر المالحظة أن المشرع لم يعترف لصاحب اللزمة بإمكانية اللجوء إلى الرهن للحصول على دين يمكنه من تمويل إنشاء بنايات‬

‫على مكان غير الملك العمومي‪.‬‬

‫و هذا الحد مرهق جدا خاصة بالنسبة للشركات الكبيرة التي لها نشاطات في مجاالت متعددة و التي هي على استعداد لتقديم جميع ممتلكاتها‬

‫لضمان قروضها‪ ،‬و لكن هذا الحد يمكن تفسيره بأن المشرع يريد أن يعطي امتياز فقط على االستثمارات التي تتم على الملك العمومي‬

‫فقط‪.‬‬

‫غير أن المشرع التونسي في قانون ‪ 2008‬خفف من هذا الحد و أصبح الشرط الوحيد أن تكون هذه القروض تهدف إلى تمويل إنجاز أو‬

‫تغيير أو صيانة أو تجديد البنايات و المنشآت و التجهيزات المنجزة في إطار اللزمة “مستغنيا بذلك على معيار الوجود على الملك العمومي‬

‫وواضعا معيار جديد هو خدمة عقد اللزمة و الفرق بين المعيارين واضح‪ ،‬إذ أن عقد اللزمة يمكن أن يكون موضوعه أمالك عامة للدولة و‬

‫أمالك خاصة للدولة في نفس الوقت‪ ،‬كعقد لزمة سما دبي مثال‪ ،‬و بالتالي فإن حق الرهن يمكن أن يخدم انجازات منشأة على الملك العام أو‬

‫الملك الخاص للدولة‪ ،‬المهم أن تكون تخدم اللزمة كما نص عليها العقد‪.‬‬

‫غير أن النصوص الموجودة قبل ‪ 2008‬تبقى نافذة باعتبار أنها في معظمها تمثل نصا خاص بالنسبة لقانون ‪ 2008‬الذي هو نص عام‪ ،‬و‬

‫يبقى حد اإلنجاز على ملك العمومي في حاالت كبيرة مستوعبة بالنصوص القطاعية الموجودة‪.‬‬

‫األموال التي يسلط عليها الرهن‪:‬‬

‫في قراءة أولى لقانون ‪ 2008‬يمكن أن نستنتج أن األموال التي يسلط عليها الرهن هي فقط على البنايات و المنشآت و التجهيزات التي‬

‫ينجزها أو يغيرها أو يوسعها صاحب اللزمة‪ ،‬غير أنه يمكن التساؤل هل أن األموال التي يمكن أن يسلط عليها الرهن يمكن أن تمتد إلى‬

‫“الحق العيني العقاري في األشغال؟‬

‫مصادقة اإلدارية‬

‫نظام الرهن المعترف به لصاحب اللزمة يتميز بالتواجد الكبير لإلدارة‪ .‬و المصادقة تعتبر اآللية التي تتمكن بها اإلدارة من مراقبة العمليات‬

‫المالية المتعلقة باللزمة‪ .‬و تدخل اإلدارة يتم على عدة مستويات‪:‬‬

‫المستوى األول ‪ :‬يجب على صاحب اللزمة الحصول على مصادقة اإلدارة إلنشاء الرهن‪ ،‬هذا الشرط ال يوجد بصفة صريحة في القانون‬

‫و لكن بالرجوع إلى القواعد التي تحكم المحاسبة في القروض المتعلّّّ قة بهذه االستثمارات فإننا نالحظ أن مصادقة اإلدارة واجبة‪.‬‬

‫المستوى الثاني ‪ :‬مصادقة اإلدارة واجبة في حالة التفويت في حق الرهن وهو ما يثبت حق الرهن على الملك العمومي ال يشبه حق الرهن‬

‫بمفهوم القانون المدني‪.‬‬


‫‪14 sur 27‬‬
‫تنظيم عقود اللّزمة في القانون التونسي في بحث قانوني متعمق‬
‫و بالرجوع إلى الفصل ‪ 40‬من قانون ‪ 2008‬ينص على أنه ”‪ :‬ال يمكن أثناء مدة عقد اللزمة التفويت في الحقوق العينية … أو إحالتها بأي‬

‫وجه من الوجوه بما في ذلك ممارسة التأمينات الموظفة عليها إال بترخيص من مانح اللزمة‪”.‬‬

‫و بالتالي يمكن أن نالحظ في هذا الجزء أن المشرع التونسي كان له الشجاعة الكافية لإلقرار بحق الرهن على الملك العمومي و كذلك‬

‫كانت له الشجاعة الكافية في قانون ‪ 2008‬في توسيع نطاق هذه اإلمكانية‪ ،‬و هذا اإلقرار يصب في سياسة للبالد التونسية في تلك الفترة‬

‫التي تهدف إلى تشجيع االستثمار و استغالل الملك العمومي و ذلك بخلف آليات تمكن من تسهيل تمويل االستثمارات على هذا الملك‬

‫العمومي‪.‬‬

‫غير أن الرهن ليس الطريقة الوحيدة لتمويل االستثمارات‪ ،‬هناك ما يسمى بقرض الكراء تتمثل في أن يقوم مالك التجهيز أو العقار بالتفويت‬

‫في استعمال ذلك العقار أو التجهيز لفائدة المستنفع مقابل أن يعطيه هذا األخير أجرة طيلة مدة معينة‪ ،‬و المشرع الفرنسي اعترف لمشغل‬

‫الملك العمومي بهذه اإلمكانية و ذلك غير قانون ‪ 25‬جويلية ‪ 1994‬و الفصل ‪ 34‬منه‪ .‬و لكن المشرع التونسي إلى اليوم لم يعترف لمشغل‬

‫الملك العمومي بهذه اإلمكانية و هو أمر نأمل أو يتجاوزه المشرع التونسي و يعترف به نظرا لإليجابيات الكبيرة التي تمكن منها هذه‬

‫اآللية‪ ،‬إذ أنها تمكن صاحب اللزمة من التمويل الكلي للعقار كما أنه يمكن من أن يوجد أي دين‪.‬‬

‫هذا باإلضافة إلى أن قرض الكراء يعطي ضمانة كبيرة لمقدم العقار أو التجهيز إذ أنه يبقى مالك ذلك المال طوال مدة الكراء‪ .‬و إن كان‬

‫اإلقرار بحق الرّهن يعطي ضمان للدائنين إال ّ أنّ هذا الضمان هو محدود‪ .‬إذ أنّ اإلمكانية الممنوحة لإلدارة لوضع حد لعقد اللزمة في كل‬

‫وقت يمثل خطر على االستثمار و على الدائنين‪ ،‬التأمينات التي لها أصل في القانون الخاص عندما يقع إقرارها على أشغال الملك العمومي‬

‫تصبح آلية منقوصة و بالتالي ربّما كانت نقائص الرهن في الملك العمومي يجد أسبابه في الصبغة اإلدارية لهذا الرهن‪.‬‬

‫و في هذا اإلطار يمكن القول أن حقوق الدائنين يمكن أن تتغير في حالة إسقاط حق صاحب اللزمة في حالة اإلخالل بااللتزامات و إسقاط‬

‫صاحب اللزمة لألسباب التي نصّ عليها الفصل ‪.27‬‬

‫في حالة فسخ عقد اللزمة قبل المدّة المتفق عليها لسبب يتعلق بعدم وفاء صاحب اللزمة بالتزاماته فإن القانون ال ير ّتب على ذلك أي‬

‫تعويض و ينتهي مفعول الرهون الموظفة على حقوق العينية و البنايات و المنشآت بانتهاء مدة اللزمة‪]10[ .‬‬

‫‪15 sur 27‬‬


‫تنظيم عقود اللّزمة في القانون التونسي في بحث قانوني متعمق‬
‫غير أن المشرع كان واعيا بخطورة هذا اإلجراء و لهذا السبب حاول إعطاء فرصة للدائنين أصحاب حقوق عينية السترجاع قيمة دينهم و‬

‫ذلك عبر تقنيات أخرى و هي‪:‬‬

‫–إعالم الدائنين‬

‫أقر المشرع بأنه يضبط العقد حاالت اإلخالل الخطير التي يترتب عنها إسقاط حق تصاحب اللزمة من قبل مانح اللزمة ”…و في هذه‬

‫الحالة يتم إعالم الدائنين المرسّمة حقوقهم بمكتوب مضمون الوصل مع اإلعالم بالبلوغ قبل األجل المذكور الفقرة األولى من هذا الفصل و‬

‫السابق لتاريخ إصدار قرار إسقاط الحق و ذلك لتمكينهم من أن يقترحوا على مانح اللزمة شخصا آخر يحل مح ّل صاحب اللزمة الذي أسقط‬

‫حقه ‪ ،‬و تبقى إحالة اللزمة إلى الشخص المقترح خاضعة لمقترح مانح اللزمة”‪.‬‬

‫و بالتالي فإن إعالم الدائنين يخضع إلى شرطين‪:‬‬

‫–الشرط األول هو شكل اإلعالم الذي يجب أن يكون بواسطة مكتوب مضمون الوصول‪.‬‬

‫–الشرط الثاني أن الدائنين الذي يجب إعالمهم هم فقط الدائنين المرسّمة حقوقهم و بالتالي الدائنين الذي يملكون رهن‪.‬‬

‫–الشرط الثالث ‪:‬يجب أن يتم اإلعالم في المدة الم ّتفق عليها بالعقد و بعض النصوص القطاعية تحدّد تشريعيا هذه المدة بـ ‪ 3‬أشهر[‪].11‬‬

‫أما المشرّع الفرنسي فإنه يعطي مدة أقل من المشرّع التونسي و هو مدّة شهرين على األقل و هي مدّة قصيرة نوعا ما‪.‬‬

‫–إمكانية اختيار شخص آخر يحل محل ّ صاحب اللزمة‪.‬‬

‫المشرّع لم يق ّر بالخالص الفوري للدائنين العينيين في حالة إسقاط حق صاحب اللزمة لإلخالل بالتزاماته و لكنه أق ّر بإمكانية أن “يقترحوا‬

‫على مانح اللزمة شخصا آخر يح ّل محل صاحب اللزمة الذي أسقط حقه” إال ّ أ ّنه رغم ما لهذا الحل من ايجابية‪ ،‬إال أنها ال تشكل إال مجرّ د‬

‫اقتراح يبقى خاضعا لموافقة مانح اللزمة‪.‬‬

‫و هنا ليس هناك معيار لقبول اإلدارة بهذا الشخص المقترح أوال‪ ،‬و بالتالي يمكن القول بأن الرهن في هذا اإلطار هو رهن خاص و ال‬

‫يمثل ضمان للدائن الذي يحتاج إلى تعاون اإلدارة في حالة تخلف الدائن‪.‬‬

‫و بالتالي فإن الدائنين‪ ،‬و لو كانوا يتمتعون برهن يمكن أن يحرموا من حقوقهم و بالتالي في حالة رفض ألشخاص الذي تقترحوهم‪ ،‬و‬

‫يصبحون في نفس الوضعية مع الدائنين العاديين و في حالة تنافس معهم على أساس قاعدة “أمالك الدائن (صاحب اللزمة ) ضمان لجميع‬

‫دائنيه” المنصوص عليها بالفصل ‪192‬م ج ع و يصبحون مع ّرضين في هذه الحالة إلى خطر أن تكون جميع أمالك صاحب اللزمة غير‬

‫قادرة على تسديد جميع الديون‪ ،‬و هذا الوضع يمكن أن يدفع المستثمرين إلى العدول عن االستثمار في الملك العمومي باإلضافة إلى عدول‬

‫المؤسسات البنكية كذلك إلى تمويل مثل هذه المشاريع‪.‬‬

‫غير أنّ مجموع هذه السلبيات ال تتواجد إال على المستوى النظري‪ ،‬فعلى المستوى التطبيقي ال يمكن أن نتصوّ ر أن اإلدارة ترفض شخص‬

‫اقترحه مجموع الدائنين إذ أنها واعية أن مثل هذا الرّفض سوف يمس من مصداقيتها و يمس من الحماية القانونية الستثمارات الخاصة‪.‬‬
‫‪16 sur 27‬‬
‫تنظيم عقود اللّزمة في القانون التونسي في بحث قانوني متعمق‬
‫–حق الدائنين في اللجوء إلى اإلجراءات التح ّفظيّة أو التنفيذية‬

‫نصّ الفصل ‪ 41‬من قانون ‪ 2008‬المتعلّق بنظام اللزمات على أنه ”ال يمكن للدائنين العاديين غير الذين نشأ دينهم بمناسبة إنجاز األشغال‬

‫المذكورة اتخاذ إجراءات تح ّفظيّة أو إجراءات تنفيذية على الحقوق و الممتلكات المنصوص عليها بهذا الفصل”…‬

‫و نستنتج من هذا الفصل أن المشرع يق ّر بامتياز لفائدة دائني صاحب اللزمة و ذلك بأن أق ّر ح ّقا فقط للدائنين الذين شاركوا في تنفيذ عقد‬

‫اللزمة و بالتالي فإنّ هذا الفصل حدّد في مجال إمكانية اللجوء إلى اإلجراءات التح ّفظيّة و اإلجراءات التنفيذيّة في ما يخصّ الدائنين بما‬

‫يصبح معه هذه اإلمكانية مسموحة بالنسبة إلى‪:‬‬

‫–الدائنين العاديين الذين نشأ بينهم بمناسبة إنجاز األشغال التي تهم تنفيذ عقد اللزمة‪.‬‬

‫–الدائنين المتم ّتعين بحقوق عينية ‪ :‬أي المتم ّتعين بحق رهن باعتباره الحق العيني الوحيد المعترف به‪.‬‬

‫و بالتالي فإ ّنه يمكن للدائن المرتهن أن يقوم بــــ‪:‬‬

‫–اإلجراءات التحفظية‪:‬‬

‫المشرع مكن الدّائن المرتهن من أخذ كل اإلجراءات الالزمة لحماية ضمانات دينه كمنع كل عقد يضعّف بصفة دائمة قيمة الضمان للدائن‬

‫ممنوعة بما أنها نفس بقيمة األمالك[‪ ]12‬و بالتالي فإن الدائنين يمكن لهم إبطال هذه العقود التي ينج ّر عنها المسّ بضمان استرجاع‬

‫القروض التي قدّموها‪.‬‬

‫*العقلة التحفظية‪:‬‬

‫بالرجوع إلى الفصل ‪232‬م م م ت في فقرتها الثانية تنص على أنه “يجوز اإلذن بالعقلة التحفظية لضمان كل دين يبدو أن له أساسا من‬

‫حيث األصل و أن استخالصه مهدد بالخطر و لو كان مؤجال أو معلقا على شرط و بالتالي فإن العقلة التحفظية تؤمن حماية وقائية الدائنين‪،‬‬

‫غير أن المشرع استثنى في الفصل ‪ 323‬من نفس المجلة العقارات المسجلة من الممتلكات التي يمكن عقلتها‪.‬‬

‫و اإلشكال المطروح هو أن المنشآت و البنايات و التجهيزات الثابتة هي عقارات مسجلة بدفتر خاص و هذا التسجيل سوف يمنع إمكانية‬

‫إجراء عقلة تحفظية عليها و بالتالي فإن هذا االستثناء يحد من حقوق دائني صاحب اللزمة قبل حلول أجل ديونهم‪.‬‬

‫غير أن المشرّع التونسي أقر بنظام خاص بالعقارات المسجلة‪ ،‬فالفصل ‪327‬م م م ت مكن “كل دائن بيده سند تنفيذي أو مرسم حل أجل‬

‫أداء دينه أن يبلغ إلى بواسطة أحد العدول المنفذين إعالما ينذره فيه بأنه في صورة عدم الوفاء بالدين يتولى ترسيم اعتراض تحفظي على‬

‫عقاراته المسجلة و هذا الفصل يمكن أن يكون ايجابيا للدائنين الذين يملكون حق رهن‪ ،‬إذ أن الفصل ‪328‬م م م ت تضيف أنه“ ‪ :‬ال يجوز‬

‫ابتداء من تاريخ ترسيم االعتراض التحفظي ترسيم أي تفويت غير البيع الواقع إثر عقلة أو أي توصيل أو إحالة يتعلقان بمعين كراء ربع أو‬

‫أرض فالحيّة غير الحال‪”.‬‬

‫‪17 sur 27‬‬


‫تنظيم عقود اللّزمة في القانون التونسي في بحث قانوني متعمق‬
‫*العقلة التوقيف ّية‪:‬‬

‫مدين صاحب اللزمة المتمتع بحق رهن يمكن له أن يقوم بعقلة توقيفيّة التي تمكن بالرجوع إلى الفصل ‪ 330‬م م م ت و ذلك حين يضع‬

‫تحت يد الغير في حدود دينه المبالغ المالية أو المنقوالت التي يملكها هذا المدين أو يستحقها و لو كان استحقاقه لها مقترنا بأجل أو معلقا‬

‫على شرط‪.‬‬

‫و لو كانت العقلة التوقيفيّة قادرة نسبيا على ضمان حقوق الدائن‪ ،‬إال أن العقلة التنفيذية تبقي األه ّم بالنسبة له‪.‬‬

‫‪2-‬حقوق الدائنين في حالة الفصل ‪ 27‬من قانون ‪2008‬‬

‫حتى يتمكن المستثمرون الخواص من الحصول بأكثر سهولة على قروض وقع إدراج آليات جديدة لتشجيع البنوك على تمكينهم من هذه‬

‫القروض و هذه اآلليّة ّ‬


‫تتمثل في خالص البنوك قبل األجل إذا ت ّم استرجاع اللزمة طبقا لقانون للزمة فصل ‪ 27‬من قانون ‪ 2008‬و‬

‫االعتراف بحق تتبع على مبالغ التعويض عن الضرر و هذه اإلمكانية تع ّد حماية كبيرة للدائنين المرتهنين‪ .‬باإلضافة إلى حقوقهم العينية‬

‫األخرى‪.‬‬

‫و يعطي الفصل ‪ 27‬من قانون ‪ 2008‬إمكانية للدائنين إذا قررت اإلدارة سحب اللزمة من أن يستخلصوا قروضهم مباشرة من التعويض‬

‫الذي سيمنح لصاحب اللزمة و بالتالي فإنه يمكنهم من الحلول محل صاحب اللزمة في التعويض في حدود القروض التي منحوها لهم‪.‬‬

‫و تجدر اإلشارة في هذا الصدد أن فقه القضاء الفرنسي قد اعترف في قراره الصادر في ‪ 30‬جويلية ‪ 1970‬بحق التعويض لصالح‬

‫صاحب اللزمة و لكن بقي هذا االتجاه منقوصا باعتباره لم يعطي حق الحلول لدائني صاحب اللزمة‪ ،‬حتى جاء قانون ‪ 7‬جوان ‪ 1977‬الذي‬

‫يقرّ في فصل ‪ 53‬بحق المدين في الحلول مح ّل الدائن في التعويض‪.‬‬

‫و بالتالي يمكن القول بأن المشرّع التونسي قد استوحى هذا الحل التشريعي من المشرّع الفرنسي و خاصة من قانون ‪ 7‬جوان ‪.1977‬‬

‫‪18 sur 27‬‬


‫تنظيم عقود اللّزمة في القانون التونسي في بحث قانوني متعمق‬
‫الفصل الثاني‪ :‬فض النزاعات في مادة عقود اللزمة‬

‫شرط التحكيم في مادة عقود اللزمة‬

‫من الناحية المبدئية ‪،‬يقتضي اعتبار العقد إداريا‪ :‬اإلقرار باختصاص المحكمة اإلدارية بالنظر في النزاعات الناشئة عن تنفيذه‪ ،‬و ذلك حسب‬

‫الفصل ‪( 17‬جديد) من القانون عدد ‪ 40‬لسنة ‪ 1972‬المؤرّخ في غرّة جوان ‪ 1972‬الذي ينصّ على أن ‪ ”:‬تختصّ الدوائر االبتدائية‬

‫بالنظر ابتدائيا في (…‪ – ).‬الدعاوى المتعلّقة بالعقود اإلدار ّية‪.‬‬

‫و لكن و خالفا لباقي العقود اإلدارية‪ ،‬فإن عقد اللزمة عادة ما ال يخضع الختصاص المحكمة اإلدارية بل إلى التحكيم‪ ،‬ذلك أن أغلب عقود‬

‫اللزمة خاصة منها التي لها حجم اقتصادي كبير عادة ما تنص على بند تحكيمي‪ .‬و نذكر منها مثال البند ‪ 28‬من عقد للزمة سما دبي الذي‬

‫ينص على أ ّنه ” لتسوية جميع النزاعات بداية خالل ثالثين يوما من تاريخ توجيه أي من الطرفين إشعارا كتايا بالنزاع إلى الطرف اآلخر‪ ،‬و‬

‫ذلك بإجراء محادثات بين األطراف المعنية‪ .‬و إذا ّ‬


‫تعذرت تسوية أي نزاع خالل الثالثين (‪ )30‬يوما المذكورة‪ ،‬عندئذ تتم إحالة المسألة إلى‬

‫التحكيم وفقا المادة ‪ 3 – 28‬ما لم يتفق الطرفان على خالف ذلك كتابيا‪”.‬‬

‫كما نجد نفس التو ّجه في اتفاقية مجموعة بوخاطر مع الدولة التونسية التي تنص في بندها ‪ 26‬الفقرة ‪3‬أنه ‪” :‬مع مراعاة المادة ‪2 – 26‬‬

‫– ‪ ، 1‬و ما لم يتفق الطرفان على خالف ذلك خطيا يحال و يحسم بشكل نهائي أي نزاع ينشأ عن أو فيما يتعلق بهذه االتفاقية ووفقا لبنودها‬

‫إلى و بموجب التحكيم الذي يتم أجراؤه في باريس‪ ،‬فرنسا‪ ،‬طبقا لقواعد التحكيم لغرفة التجارة الدولية‪”.‬‬

‫و يعتبر هذا الح ّل منطقيا إلى ح ّد كبير باعتبار أ ّنه يراعي مصالح كل من الطرفين‪ .‬فبالنسبة للمتعاقد صاحب اللزمة‪ ،‬فإن هذا البند يعتبر‬

‫ضمانا هامّا للحياد باعتبار ما تبديه األطراف األجنبية عموما من احتراز من قضاء الدولة التي ترتبط معها بعقود استثمار و خاصة متى‬

‫تعلّق األمر بالقضاء اإلداري الذي لم يتخلّص تماما من شبهة انحيازه لإلدارة‪ .‬أما بالنسبة لإلدارة مانحة اللزمة‪ ،‬فإن قبولها بالبند التحكيمي‬

‫يشجع األطراف األجنبية على االستثمار في الدولة التونسية و هو ما يفتح آفاقا جديدة لالستثمار في الدولة التونسية و يساهم في جعل مناخ‬

‫األعمال فيها جاذبا لالستثمار و مح ّفزا لبعث المؤسسات‪.‬‬

‫و لكن يبقى السؤال مطروحا حول القيمة القانونية لمثل هذه البنود و ذلك في ضوء المبدأ المعروف و القائل بعدم قابلية النزاعات اإلدارية‬

‫للتحكيم ويقوم هذا المبدأ الذي لقي رواجا لدى بعض الفقهاء [‪ ]13‬الفرنسيين على فكرة علوية الدولة و التي ال ينبغي أن تتخلى عن قضائها‬

‫و تقحم في العقود اإلدارية بندا يعطي االختصاص في بعض النزاعات للتحكيم‪ .‬و هو قول عبّر عنه الفقيه إدوارد الفريار بقوله ‪ ” :‬ال‬

‫ينبغي للتحكيم أن يجد سبيال إلى عقود الدولة ألنّ المبدأ يح ّتم على الدولة أن ترفض عرض نزاعات على المح ّكمين و ذلك لكون ما يصدر‬

‫عنهم ال يخضع إلى مقياس ثابت فضال عن دواعي النظام العام التي تأبى أن تت ّم مقاضاة الدولة لدى جهة أخرى غير المحاكم المحدثة‬

‫بقانون”[‪]14‬‬
‫‪19 sur 27‬‬
‫تنظيم عقود اللّزمة في القانون التونسي في بحث قانوني متعمق‬
‫كما وجد ذلك الموقف صدى في فقه قضاء مجلس الدولة الذي أق ّر بطالن البنود التحكيم ّية المدرجة في عقود الصفقات العمومية و ذلك في‬

‫قراره الشهير الصادر بتاريخ ‪ 13‬ديسمبر ‪.1957‬‬

‫)‪(Société nationale de vente de surplus‬‬

‫و يتأيّد هذا القول بما ورد بالفصل ‪ 7‬من مجلّة التحكيم الذي ينصّ على أنه ‪” :‬ال يجوز التحكيم (……) خامسا ‪ :‬في النزاعات المتعلقة‬

‫بالدولة و المؤسسات العمومية ذات الصبغة اإلدارية و الجماعات المحلية إال ّ إذا كانت هذه النزاعات ناتجة عن عالقات دولية اقتصادية‬

‫كانت أو تجارية أو مالية و يتضمّنها الباب الثالث من هذه المجلّة‪”.‬‬

‫غير أنّ المبدأ المشار إليه شهد إدخال عديد االستثناءات عليه‪ ،‬بدءا من القانون الفرنسيّ نفسه حيث أقرّت محكمة التعقيب الفرنسية في قرار‬

‫صادر عنها بتاريخ ‪ 2‬ماي ‪ 1966‬أنّ التحجير المذكور ال يطبّق على حالة عقود الدولة المبرمة لحاجة و في الظروف المطابقة أعراف‬

‫التجارة الدوليّة)‪. (Arrêt Galakis‬‬

‫كما وجدت أصوات في القانون التونسي تنادي بضرورة تطويع مبدأ التحجير مع حالة بعض العقود الدولية و بما يتماشى و مصلحة الدولة‬

‫في إنشاء بيئة مح ّفزة لالستثمار األجنبيّ ‪]15[.‬‬

‫و على أيّة حال‪ ،‬و نظرا لما تكتسيه عقود اللزمة في بعض الصور من أهمية قصوى‪ ،‬فإن المصادقة عليها تتم بقانون‪ .‬و بالتالي فالقانون‬

‫هو الذي يعطي الحق في إقحام بند تحكيمي‪ ،‬بحيث يمكن القول الفصل ‪ 7‬من مجلّة التحكيم هو قانون عام‪ ،‬يق ّر مبدأ عدم إمكانية التحكيم في‬

‫العقود التي تهم الدولة أو العقود اإلدارية‪.‬‬

‫و تقابله في ذلك نصوص خاصة تمنح هذه اإلمكانية في بعض عقود اللزمة و بالتالي فإن هذه العقود تكون صحيحة و يتم العمل بها‪.‬‬

‫خصوصية إجراءات التحكيم في منازعات عقود اللزمة (بوصفها عقد من عقود االستثمار)‬

‫رغم وجود رأي يعتقد أصحابه أن العقود الدولية ال يمكن إال أن تخضع إال إلى القانون الدولي وأنه ال يمكن إخضاعها إلى قانون داخلي‬

‫ألي دولة ما لعدم مالءمته لخصوصية العمليات التجارية واالقتصادية والدولية‪ ،‬فإن السائد في ميدان التحكيم هو أنه من الحتمي التمييز بين‬

‫صورتي اختيار قانون منطبق من قبل األطراف وعدم وجود اختيار من هذا النوع‪.‬‬

‫لم يعد هناك من يجادل في حرية األطراف في العقد اإلقتصادي الدولي في اختيار القانون المنطبق على معامال تهم‪ .‬و قد اختلفت تبريرات‬

‫هذا الحل‪.‬فمن جهة أولى‪،‬يؤسس شق من الفقهاء هذه الحرية على مبدأ سلطان اإلرادة في ميدان العقود عموما‪.‬‬

‫فيما يرى شق ثان أن هذا التطبيق الضروري للقانون الذي يختاره األطراف أساسه الطابع اإللزامي للعقد‪ ،‬و هي إلزامية تفرض نفسها على‬

‫األطراف أنفسهم و على القاضي المدعو من قبل أحدهم إلى فرض احترام ذلك العقد ومنح صيغة الجبر و اإللزام لما فيه من التزامات‪.‬‬

‫‪20 sur 27‬‬


‫تنظيم عقود اللّزمة في القانون التونسي في بحث قانوني متعمق‬
‫وباعتبار تب اين أوضاع طرفي عقود اللزمة ‪،‬لما ألحدهما(الدولة) من سلطان يخول لها الحق في إنشاء القوانين‪،‬و نظرا إلى أن الدول كثيرا‬

‫ما تتمسك بضرورة التنصيص صلب العقد على انطباق قانونها الوطني حرصا على تأكيد سيادتها‪ ،‬فإن الهاجس األكبر بالنسبة للمستثمر‬

‫يتمثل في تأمين نفسه ضد احتماالت تغيير تلك الدولة لتشريعاتها بشكل يضر به ويفقده الضمانات و االمتيازات التي جعلته يختار التعاقد‬

‫مع تلك الدولة دون سواها و يوظف أمواله على إقليمها‪.‬‬

‫و لدرء هذا االحتمال‪،‬فقد درج كثير من المستثمرين على أن يشترطوا من جهتهم أن تكون األحكام المنطبقة على عقد اللزمة هي تلك‬

‫الجاري بها العمل يوم إبرام العقد‪،‬و هو ما يسمى بشرط التثبيت)‪ (clause de stabilisation‬الذي يتمثل مفعوله في تجميد قانون تلك‬

‫الدولة بالنسبة إلى المستثمر )‪ (cristallisation‬وجعل كل التغييرات التي يقع إدخالها عليه لحقا غير ماسة بالوضع القانوني للعقد الذي‬

‫يربطه بالدولة وقد أثارت هذه الشروط جدال فقهيا كبيرا حول مدى شرعيتها ومساسها بسيادة الدولة‪.‬‬

‫ويبدو أن هذا الجدل بدأ يفقد بريقه و توهجه بحكم ما يشهد العالم من تطور المناخ المالئم لالستثمار‪،‬وتخلى عديد الشعوب عن نظرتها‬

‫العدائية إلى المستثمر األجنبي‪،‬و توجه التشاريع الداخلية نحو مزيد دعم ضمانات المستثمرين و امتيازاتهم إال أن ذلك ال ينفي أهمية‬

‫التعرض إلى معطيات هذا الجدال الفقهي‪.‬‬

‫فمن جهة أولى‪ ،‬نجد المدافعين عن هذا النوع من الشروط‪ .‬فعالوة علي التبرير المنطقي المتمثل في ضرورة حماية المستثمر من تغيير‬

‫الدولة لتشريعاتها بصفة عشوائية فإن هؤالء الفقهاء ينقسمون إلى شقين‪:‬‬

‫–شق أول يؤسس مبدأ احترام هذه الشروط على مبدأ القوة الملزمة‪.‬‬

‫– شق ثان يعتقد أن العقد الدولي هو عقد بال قانون بطبيعته وأنه إذا اتفق األطراف على اختيار قانون معين‪ ،‬بطبيعته‪(contrat sans ،‬‬

‫)‪loi‬فإن ذلك القانون يصبح جزءا من العقد‪ ،‬و تصبح أحكامه بعضا من بنود العقد‬

‫وأنه إذا اتفق األطراف على اختيار قانون معين‪ ،‬فإن ذلك القانون يصبح جزءا من العقد‪ ،‬وتصبح أحكامه بعضا من بنود العقد‪.‬‬

‫ومن ثمة فإن إرادة األطراف ال يمكن أن تتجه إلى إدراج شروط عقدية مجهولة المحتوى‪ ،‬و من الحتمي أن تكون قد اتجهت إلى تبني أو‬

‫قبول )‪ (réception‬األحكام المعلومة الوجود عند التعاقد‪ .‬وتنتهي هذه النظرية إلى القول إن القانون المنطبق على العقد‪-‬إن صح الحديث‬

‫عن قانون منطبق على العقد‪-‬هو دائما القانون المنطبق زمن التعاقد ولو لم يدرج شرط من شروط التثبيت في ذلك العقد ‪ ،‬عمال بمبدأ عدم‬

‫تغير بنود العقد إال بإرادة المتعاقدين بحيث يعتبر كل عقد متضمنا لشرط تثبيت ضمني‬

‫‪21 sur 27‬‬


‫تنظيم عقود اللّزمة في القانون التونسي في بحث قانوني متعمق‬
‫و من جهة ثانية‪ ،‬نجد المناوئين لهذه الشروط‪ ،‬و هم شقان‪:‬‬

‫‪-‬الشق األول يؤسس رأيه على فكرة احترام سيادة الدولة باعتبارها المنفردة قانونا بصالحية إنتاج القواعد أو المعاني ‪(le monopole‬‬

‫)‪de la production‬وباعتبار أن تثبيت القانون المنطبق على عقد اللزمة يهم قطاعا اقتصاديا حيويا في دولة ما‪،‬يعطل التوجهات‬

‫التشريعية الجديدة و يفقدها جدواها‬

‫‪-‬الشق الثاني يؤسس رأيه على معطيات ال عالقة لها بالتبريرات السياسية‪ .‬فالفقيه )‪ (Philippe KAHN‬يستغرب هذه الرغبة في عزل‬

‫العقد عن التطورات التي يعرفها محيطه‪ ،‬وهذه الرغبة في عزل العقد عن التطورات التي يعرفها محيطها‪ ،‬وهذه الرغبة في التجميد‪،‬‬

‫المجافية للطبيعة الحركية للحياة ولمنطق الكون‪.‬‬

‫و بعيدا عن اإلشكالية المترتبة عن تجميد القانون المختار بموجب شرط عقدي أو في مغيبه‪ ،‬فقد تعرض أهل الميدان إلى إشكاليات أخرى‪،‬‬

‫بسبب التطبيقات التي بدت أحيانا غريبة أو مفاجئة‪..‬‬

‫ففي قضية شيخ أبو ظبي ثم في قضية أرامكو ثم في قضية تكسكو‪ ،‬كان هناك اختيار صريح لقانون الدولة المضيفة للمستثمر صلب عقد‬

‫االستثمار‪ ،‬و رغم أن المحكمين الثالثة عاينوا ذلك‪ ،‬فقد رفضوا تطبيق القانون المختار باعتماد تعليلين مختلفين‪.‬‬

‫فبالنسبة لقراري شيخ أبو ظبي و أرامكو ‪،‬الحظ المحكمان أن القانون المختار هو الشريعة اإلسالمية باعتبارها قانون الدولة المضيفة‪ ،‬ثم‬

‫استنتجا بطريقة فيها الكثير من التسرع أن هذا القانون ال يحتوي على قواعد تنظم المعامالت العصرية و خاصة منها عقود االمتياز و‬

‫المعامالت في الميدان النفطي بشكل عام‪ ،‬و بالتالي فهي قانون منقوص و كثير الثغرات و من ثمة فهو غير جدير بالتطبيق‪ ،‬و فضال عليه‬

‫المبادئ العامة للنظم القانونية للبلدان المصنعة أو المتحضرة‪.‬‬

‫و عالوة على ما في هذا التحليل من مسحة استعمارية‪ ،‬فإن جل الش ّراح أجمعوا على انتقاده انطالقا من الفقه الغربي ذاته‪ ،‬حيث أن هانس‬

‫كلسن قد أكد منذ بداية القرن العشرين أنه ال يمكن أن توجد ثغرات في النظام القانوني‬

‫مهما كان بدائيا أو بسيطا باعتبار أن لكل نظام قانوني آليات ه التي تمكنه من التوصل إلى حلول بالنسبة إلى المسائل التي ليس لها حل جاهز‪،‬‬

‫وإن للشريعة اإلسالمية عدة آليات من هذا النوع بحكم تعدد مصادرها‪ ،‬من النص (القرآن و السنة) إلى االجتهاد(القياس و اإلجماع و‬

‫االستحسان و االستصحاب)‬

‫أما بالنسبة لقرار تكسكو‪،‬فقد وقع التخلي عن هذا التعليل المبني على فكرة ضمنية مفادها أن النظم القانونية يمكن تصنيفها إلى أنظمة كاملة‬

‫وأخرى أقل كماال‪ ،‬واعتبر المحكم عوضا عن ذلك أن الصبغة الدولية للعقد أو العملية موضوع التحكيم تجعل القانون الدولي العام هو‬

‫المنطبق‪ ،‬بغض النظر عن اختيار األطراف لقانون دولة ما من عدم ذلك‪.‬‬

‫‪22 sur 27‬‬


‫تنظيم عقود اللّزمة في القانون التونسي في بحث قانوني متعمق‬
‫وكما هو الشأن بالنسبة لسابقيه ‪ ،‬فقد تعرض هذا القرار إلى نقد شديد‪ .‬فمن جهة أولى‪ ،‬فإن اعتبار أن عقد االستثمار يخضع إلى القانون‬

‫الدولي العام يقوم على فكرة ضمنية مفادها أن المستثمر هو أحد أشخاص القانون الدولي العام‪ ،‬و هو قول غير سليم‪ .‬كما أن القول بوجود‬

‫قانون دولي فيه الكثير من المبالغة‪ ،‬إذ أن هذا القانون الدولي ليس سوى مشروعا أو مطمحا لم يتحقق بعد‪ ،‬و ما زال األمر مقتصرا على‬

‫عدد قليل من القواعد التي أحصاها الفقيه األنجليزي “لورد موستيل” فوجد أنها ال تفوق العشرين‪ ،‬وجلها قواعد عامة و فضفاضة‪ ،‬و‬

‫بعضها قواعد دقيقة و خصوصية‪،‬منها عدد ضعيف من القواعد اإلجرائية‪ ،‬و لم يتردد حتى المناصرون لفكرة وجود قانون دولي أو ‪“lex‬‬

‫”‪mercatoria‬في إشارة إلى “فقر” هذا القانون من حيث القواعد‪ ،‬هذا عالوة على النقد المؤسس على دراسة سوسيو‪ -‬تاريخية انتهى‬

‫أصحابها إلى أنه حتى إذا كان هذا القانون عرفا باألساس‪ ،‬فإن العرف ينشئه األقوياء ليتبعه الضعفاء‪ ،‬بينما يهتم األقوياء بالبحث عن‬

‫األساليب لتطويره على نحو يخدم مصالحهم ‪ ،‬و من ثمة فإن هذا القانون الدولي ليس “محايدا” كما يدعي أنصاره‪ ،‬و لم يجعل لتكريس‬

‫التوازن بين األطراف‪ ،‬بل إلقامة حالة تفوق للمستثمر على الدولة أما بالنسبة التفاقية واشنطن ‪ ،‬فقد تبنت حال مختلفا لهذه المسألة‪،‬إذ جاء‬

‫بفصلها ‪ 42‬أن” هيئة التحكيم تقضي في النظام لقواعد القانون التي يعينها األطراف ‪،‬فإن لم يوجد اتفاق‪،‬فإن الهيئة تطبق قانونا الدولة‬

‫المتعاقدة التي تكون طرفا في النزاع‪ ،‬بما فيها قواعد تنازع القوانين‪،‬و قواعد القانون الدولي المنظمة للمسألة”‪ .‬و قد تساءل الفقهاء عن‬

‫الدور الذي يمكن أن يلعبه القانون الدولي في صورة اختيار األطراف تطبيق قانون ما و انتهوا إلى أنه‪ ،‬بما أن المحكم الدولي ال يمثل دولة‬

‫معينة و ال يصدر األحكام باسم أي دولة أو جهة كانت فإن عليه أن يحرص على حماية “النظام العام الدولي” وذلك باستبعاد أحكام القانون‬

‫المختار برمته متى كان في مجمله مخالفا لهذا النظام العام فهل يكون األمر كذلك إذا لم يختر األطراف قانونا لتطبيقه على العقد؟‬

‫لقد استقر الرأي‪ ،‬منذ صدور قرار محكمة العدل الدولية الدائمة في قضية القروض البرازيلية و الصربية‪ ،‬على أن”كل عقد عدا العقود‬

‫المبرمة بين الدول باعتبارها من أشخاص القانون العام‪،‬يجد أساسه في قانون داخلي”‪ ،‬و هو نفس المبدأ الذي أقرته محكمة التعقيب الفرنسية‬

‫منذ ‪ 1929‬حيث يكاد يوجد إجماع على رفض فكرة وجود عقد بال قانون‪.‬‬

‫إال أن اإلشكال ظل دائما قائما حول تحديد هذا القانون و محتواه‪ .‬فلئن كانت المدرسة الكالسيكية الفرنسية تنادي باعتبار نظرية تنازع‬

‫القوانين التي تؤول إلى تطبيق قانون دولة ما باعتماد معيار إسناد مع تفضيل معيار إرادة األطراف‪،‬فان هذا الرأي لقي نقدا متزايدا بحكم‬

‫أنه يؤدي إلى عدم االنسجام بين الصبغة الدولية للمعاملة موضوع النزاع‪.‬‬

‫فأما بالنسبة للفقه فقد تزعم األستاذ ‪ BERTHOLD GOLDMAN‬المدرسة القائلة بوجود قانون دولي للنشاط التجاري ‪lex‬‬

‫‪mercatoria‬هو الجدير باالنطباق على هذه العمليات‪.‬‬

‫و أما بالنسبة لالتفاقيات الدولية فأن أهمها هي اتفاقية واشنطن لسنة ‪ 1965‬و االتفاقيات اإلقليمية العربية المشار إليها‪.‬‬

‫فبالنسبة التفاقية واشنطن‪ ،‬جاء بالفصل ‪ 42‬منها كما سلف بيانه‪ ،‬أن على هيئة التحكيم تطبيق قانون الدولة المتعاقدة المعنية باألمر‪ ،‬إلى‬

‫جانب مبادئ القانون الدولي المتعلقة بالمسألة‪.‬‬


‫‪23 sur 27‬‬
‫تنظيم عقود اللّزمة في القانون التونسي في بحث قانوني متعمق‬
‫و قد علل الفقه اختيار تطبيق قانون الدولة المعنية باألمر بكونها الدولة التي للعملية االستثمارية أوثق صلة بها بحكم تنفيذ عقد االستثمار‬

‫يقع على أرضها‪ ،‬و بأن سكوت األطراف يعد قبوال منهم بتطبيق هذا القانون عند الخالف‪ .‬إال أن الفصل ذاته قد أوضح أن تطبيق قانون‬

‫تلك الدولة يشمل قواعد القانون الدولي الخاص فيها ‪،‬وهو ما يعني تبني االتفاقية لتقنية الرد أو اإلحالة ”‪ “renvoi‬التي يمكن أن تؤدي إلى‬

‫تعيين قانون غير قانون الدولة المعنية باألمر لينطبق فعليا على الموضوع وهو حل تعرض للنقد إذ أنه عالوة على ما فيه من تعقيد لمسار‬

‫البحث عن القانون المنطبق وهو ما حدا بعديد االتفاقيات الدولية كاتفاقية الهاي المؤرخة في ‪ 7‬جوان ‪ 1955‬إلى إقصاء اإلحالة اقصاءا‬

‫صريحا‪ ،‬و هو ذات ما فعل المشرع التونسي صلب الفصل ‪ 35‬من مجلة القانون الدولي الخاص الذي جاء به ‪ ”:‬ال يقبل الرد سواء أدى‬

‫إلى العمل بالقانون التونسي أو إلى العمل بقانون دولة أخرى إال إذا نص القانون على قبوله‪”.‬‬

‫كما نص الفصل ‪ 42‬من اتفاقية واشنطن على تطبيق القانون الدولي إلى جانب قانون الدولة المتعاقدة وهو ما جعل الفقهاء يساءلون عما إذا‬

‫المقصود هو تطبيق القانون الدولي “بعد” ت طبيق القانون الداخلي للدولة أي سد الثغرات الموجودة بذلك القانون أم تطبيقهما معا على أساس‬

‫المساواة والتكامل‪.‬‬

‫وقد أجاب المحكم ” سوزر هول” عن هذا التساؤل اعتباريا بما أن قراره سابق التفاقية واشنطن في قرار ” أرامكو” بقوله إن القانون‬

‫السعودي هو الذي يفترض أن ينطبق على المسائل موضوع النزاع ‪،‬إال أنه يجب إتمامه عند االقتضاء أو تأويله على ضوء المبادئ العامة‬

‫للقانون واألعراف المتبعة في صناعة النفط و معطيات العلوم القانونية المحضة ‪،‬كما اعتمدت هيئة تحكيم التابعة للمركز الدولي لتسوية‬

‫نزاعات االستثمار هذا التم ّ‬


‫شي في قرار صادر بتاريخ ‪ 1979/11/30‬في قضية شركة “أجيب” ضد حكومة الكنغو‪.‬‬

‫وخالفا لهذا التمشي الذي ينطلق من التسليم بتساوي القانون الداخلي مع قانون الدولة من حيث المرتبة و الدرجة فقد اعتبر شق ثان من‬

‫الفقهاء أن القانون الدولي أعلى مرتبة من القوانين الداخلية وأنه يلعب الرقابة عليها بحيث تعتبر قواعده هي قواعد النظام العام فتكون‬

‫لقوا عد القانون الدولي وظيفة مزدوجة ‪:‬إتمام قانون الدولة وسد ثغراته من جهة و تغيير أحكامه و إزاحتها الستبداله بغيرها إن كانت مخالفة‬

‫للنظام العام الدولي‬

‫وقد أكدت هيئة التحكيم المتركبة من رئيسها السيد إدوارد جيمنيز دي أريشاغا و المحكمين روبرت بيتروفسكي و محمد أمين المهدي في‬

‫قرارها الصادر في ‪ 20‬ماي‪ 1992‬في قضية ‪ SPP‬للشرق األوسط ضد الجمهورية مصر العربية أن للقانون الدولي هذه الوظيفة‬

‫المزوجة و من ثمة فإن اختيار األطراف لقانون دولة ما خصوصا إذا كانت الدولة المضيفة لالستثمار من عدمه ال أهمية له‪.‬و من ثمة فال‬

‫أهمية للبحث مثال في شرعية بعض األعمال التي قامت بها الدولة المصرية في تشريعها الوطني ‪ ،‬طالما أن مسؤوليتها تجد أساسها في‬

‫القانون الدولي و قد قامت الهيئة بتقسيم االختصاص التشريعي بين القانون المصري والقانون الدولي وأعطت األولوية في التطبيق للقانون‬

‫الدولي مع الرجوع إلى القانون المصري في خصوص المسائل التي ال توجد بالنسبة لها قواعد دولية مثل المسائل المتعلقة بالفوائض‬

‫‪24 sur 27‬‬


‫تنظيم عقود اللّزمة في القانون التونسي في بحث قانوني متعمق‬
‫أما االتفاقيات العربية المتعلقة باالستثمار (‪ )1980-1974-1971‬فان الحل المبدئي المعتمد فيها يتمثل في تطبيق أحكام ذاتها مع البحث‬

‫عن أسسها و الغايات من وضعها وأحكام العقد‪.‬‬

‫فإذا لم يقدم االتفاقية و العقد حال فإن االتفاقيات تبتعد عن تطبيق القوانين الداخلية للدول العربية المتعاقدة و تفضل عليها تطبيق القواعد و‬

‫المبادئ المشتركة بين الدول العربية و بدرجة الحقة قواعد القانون الدولي‬

‫و ال يجب أن نعتقد أن المقصود بتطبيق القواعد المتفق عليها بين جميع تلك القوانين حتى وإن كانت احتماالت االختالفات ضعيفة في‬

‫المنطقة العربية نظرا لوحدة المخزون الحضاري و الثقافي و لوحدة مصادر التأثير ( الشريعة اإلسالمية ثم القانون الفرنسي ثم سائر‬

‫القوانين الغربية ذلك أنه توجد حتما عدة مسائل تختلف حولها كل التشريعات أو بعضها و في هذه الحالة فان المحكم سيكون محموال على‬

‫أن يلعب دورا منشئا خالقا على حد تعبير األستاذ العميد الصادق بلعيد يؤدي به إلى الخروج من مجرد ” التطبيق” إلى إنشاء قواعد قانونية‬

‫جديدة تمثل توفيقا بين نظم متباينة لم تكن موجودة أو على األقل لم تكن معروفة قبل ذلك وهكذا يساهم المحكم في إبراز مواطن التقارب‬

‫بين القوانين المختلفة و في إيجاد نقاط تقاطع أو التقاء بينها ‪ .‬و قد أدى تكريس فكرة تدويل القانون المنطبق على عقود االستثمار إلى تأكيد‬

‫وجود جملة من المبادئ المشتركة بين قوانين كل األمم منها بالخصوص‬

‫–مبدأ إلزامية العقد المرتبط بمبدأ حسن النية‬

‫–مبدأ عدم التناقض لإلضرار بالغير‬

‫–اإلعفاء من المسؤولية في صورة القوة القاهرة‬

‫إال أنه يالحظ أن فقه القضاء التحكيمي يميل إلى القول بأن القوة القاهرة ال تؤدي حتما إلى فسخ العقد و اإلعفاء الكامل من المسؤولية بل‬

‫إنه يجب البحث عن صيغة لإلبقاء على العقد مع تعديل االلتزامات العقدية و اعتبار المدين مسؤوال جزئيا إذا ثبت أنه كان بإمكانه أن يفعل‬

‫شيئا لتقليص المضرة الالحقة بمعاقده و أنه لم يجتهد للبحث عن طريقة أخرى للوفاء بالتزاماته‬

‫–مبدأ التقليص من الخسائر و األضرار الذي يرتبط بالمبدأ السالف ذكره‬

‫–مبدأ منح عبارات العقد المعني الذي يجعل لها فائدة و جدوى‬

‫– المبدأ التعويضي أي مبدأ وجوب التعويض للطرف المتضرر بفعل معاقده وخطئه والذي يقتضي أن يكون التعويض مساويا للضرر كل‬

‫الضرر و ال شيء غير الضرر مع مراعاة ظروف الحال كالقوة القاهرة و األمر الطارئ و مدى مساهمة الطرف المضرور في وقوع‬

‫الفعل الضار أو في فداحة األضرار‪ .‬و يترتب عن ذلك االعتراف بحق الطرف المتعاقد في الدفع بعدم تنفيذ معاقده اللتزاماته‬

‫–مراعاة الظروف الطارئة و التغيرات غير المنتظرة التي تهز توازن التزامات األطراف العقدية‪.‬‬

‫‪25 sur 27‬‬


‫تنظيم عقود اللّزمة في القانون التونسي في بحث قانوني متعمق‬
‫و قد تطور تعامل فقه القضاء التحكيمي مع هذه المسألة حيث أنه قبل أزمة النفط التي طرأت سنة ‪ 1973‬كان هناك تشبث واضح بمبد‬

‫إلزامية العقد بحيث ال يقبل تعديل االلتزامات العقدية إال بتراضي األطراف‪ .‬إال أنه بعد هذه األزمة و أمام مخلفاتها المدمرة بالنسبة لعديد‬

‫المؤسسات االقتصادية األوروبية واألمريكية‬

‫تخلى المحكمون عن نزعة التشدد ومالوا إلى مقولة إمكانية تعديل العقد إذا أصبح مجحفا في حق أحد األطراف خصوصا إذا تعلق األمر‬

‫بعقد طويل األمد ولو لم يكن في العقد شرط يقتضي تعديله بسبب الصعوبات الطارئة حتى تحدث الفقه عن تكريس مبدأ جديد وهو مبدأ عدم‬

‫إلزامية العقد إال أنه وبداية من أواخر سنوات السبعين ‪،‬أصبحت األزمات و االهتزازات اإلقتصادية حدثا شبه يومي بحيث أصبح “الحدث‬

‫الطارئ أمرا متوقعا ” حتى كتب الفقيه سارج الزاريف قائال “لم يعد من الممكن أن ال نتوقع األمر الطارئ” بحيث أصبح عدم إدراج شرط‬

‫قوة قاهرة أو شرط تعديل العقد عند ظهور صعوبات إهماال من الجانب الطرف المتعاقد ال يمكن إعذاره به و هو ما شكل منعطفا للرجوع‬

‫تدريجيا إلى مبدأ إلزامية العقد و التخلي عن فكرة تعديل العقد دون شرط عقدي يبيح ذلك‬

‫–مبدأ حسن النية في التعاقد ومنع سوء النية عند التفاوض على التعاقد‬

‫وتدور مجمل هذه المبادئ حول مبدأ جوهري هو مبدأ حسن النية الذي يجب أن يقود تصرفات األطراف و أن يكرسه المحكومون ضمانا‬

‫لثقة األطراف في ما بينهم و برهانا على أن التحكيم و الطريقة لفض النزاعات لكنه قبل كل شيء “عدالة” مع ما يقتضيه ذلك من لزوم‬

‫تحري اإلنصاف‬

‫و في الحقيقة فإن هذه المبادئ هي مبادئ أزلية وكونية معتمدة من قبل التشاريع السماوية و جل القوانين الوضعية إال أن االختالف يكمن‬

‫في كيفية تكريسها و تحويلها إلى قواعد دقيقة و ملموسة‬

‫و في الكثير من األحيان يؤدي اختالف أساليب تطبيق المبدأ الواحد إلى ضياع وحدة المبدأ‪.‬‬

‫و يتمثل دور التحكيم والمحكمين في السعي إلى توحيد هذه التطبيقات وضمان تجانسها حتى تحافظ المبادئ على وحدتها‪.‬‬

‫وما من شك في أن عملية االستثمار ذاتها هي عملية من نوع خاص باعتبارها عقدا ليس بالتجاري المحض و ال السياسي المحض و‬

‫بالنظر في خصوصية أطرافها و قد أدى ذلك إلى انفراد التحكيم فيها بجملة من الخصوصيات و الميزات التي قد نكون قد وفقنا في إبراز‬

‫البعض منها‪.‬‬

‫و يتضح من جميع ما تقدم بسطه أن تطور قانون التحكيم في العالم عموما و في تونس على وجه الخصوص قد أفرز تصنيفا ثنائيا للتحكيم‬

‫المتعلق بالحقوق الخاصة و هو الذي يميز بين التحكيم التجاري من جهة أولى والتحكيم في مجال نزاعات االستثمار من جهة أخرى‪.‬‬

‫وإن الوضع الحالي لقانون التحكيم يؤكد تميزهما وتغايرهما بشكل واضح‪ .‬إال أن ما يشهده عالم اليوم من تغير في وضع الدولة و مركزها‬

‫نحو االقتراب من أوضاع الخواص يجيز لنا التساؤل عما إذا كانت هذه الخصوصية ستظل قائمة إلى أمد بعيد‪.‬‬

‫‪26 sur 27‬‬


‫تنظيم عقود اللّزمة في القانون التونسي في بحث قانوني متعمق‬
‫و تبدو بواكير العصر الذي يتوحد فيه قانون التحكيم من حيث مبادئه و حلوله واضحة و جلية في ظل اضمحالل خصوصيات الوضع‬

‫القانوني للدولة‪.‬‬

‫فهل أن هذه الفرضية إن تحققت مفيدة للتحكيم و قانونه أم أنها قد تكون مقدمة لموجة جديدة من العداء إزاء التحكيم قد يدفع إليها تفطن‬

‫الدول إلى األضرار التي تلحقها من جراء “خوصصة” وضعها القانوني و تنظيرها بالخواص مع ما في ذلك من مساس بامتيازاتها التي‬

‫تستمدها من سيادتها التي مردها تمثيلها لشعبها بحيث يعتبر المساس بمكانة الدولة مساسا بسيادة شعبها؟‬

‫قد يكون من قبيل التهويل الجزم بأن مسيرة خوصصة وضع الدولة حتى في إطار التحكيم قد انتهت و أن المحكم أصبح يعامل الدولة‬

‫معاملة الخواص‪.‬‬

‫ذلك أن أغلب الحاالت التي تم فيها توخي هذ ا التمشي تعلقت بدول ما يسمى بالعالم الثالث و قد كان ذلك نوعا من رد الفعل غير المعلن‬

‫على مغاالة الدولة المضيفة لالستثمار في االستناد إلى تعلة السيادة للمساس بالحقوق و الضمانات المشروعة الممنوحة إلى المستثمر‬

‫األجنبي بما في ذلك الضمانات التي منحت إليه تعاديا و فرديا‪.‬‬

‫و ربما كان هذا التعامل هو الذي ساهم في تخلي جل الدول عن هذه الطريقة و اعتدالها في معاملة المستثمرين األجانب مما خلق نوعا من‬

‫التوازن الذي ال يغفل عن سيادة الدولة و ال يقلص من ضمانات المستثمر بشكل غير مقبول‪ .‬والمرجع أن يسهم فقه القضاء التحكيمي في‬

‫ترسيخ هذا الوضع و استقراره‪.‬‬

‫الخـــــــاتمة‬

‫إن ما حققه المشرع التونسي على المستوى التشريعي في مادة اللزمة أمر محمود إال أنه ال يزال يشوبه ضرب من النقائص على المستوى‬

‫التطبيقي خاصة و أن تقنيات تعاقدية جديدة مثل عقود الشراكة و اتفاقيات اإلستثمار بدأت تخطف األضواء عن تقنية اللزمة بالنظر إلى‬

‫نظامها القانوني المتميز و ما ينطوي عليه من مشاريع تعجز تقنية اللزمة عن احتوائها و عن أن تكون إطارا قانونيا مالئما لها و متالئما‬

‫معها‪.‬‬

‫من ناحية أخرى يجدر التوقف و اإلشارة للدور الفعال الذي تلعبه العدالة الخاصة ) ‪ (la justice privée‬في مدى نجاعة عقد اللزمة و‬

‫مدى تحقيق المساواة بين الطرفين الغير المتكافئين بعقد اللزمة و على ضرورة تفعيل التحكيم كمؤسسة و خصوصا مزيد التعمق في قراءة‬

‫القرارات التحكمية‬

‫‪27 sur 27‬‬


‫تنظيم عقود اللّزمة في القانون التونسي في بحث قانوني متعمق‬

You might also like