You are on page 1of 321

‫ﻣﺠﻠـﺔ اﻟﻌﻠـﻮم اﻹﻧﺴﺎﻧﻴـﺔ واﻟﺘﺮﺑﻮﻳـﺔ‬

‫دورﻳﺔ ﻋﻠﻤﻴﺔ ﻣﺤﻜﻤﺔ‬

‫ﺗﺼﺪر ﻋﻦ ﺟﺎﻣﻌﺔ ﻃﺒﺮق‬


‫‪Tobruk Universty - Libya‬‬

‫اﻟﻌﺪد اﻟﺜﺎﻣﻦ ‪ -‬ﻳﻮﻟﻴﻮ ‪2023‬م‬


‫اﻟﺴﻨﺔ اﻟﺜﺎﻟﺜﺔ‬
‫ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﻌﺪد‬
‫اﻟﺤﺠﺎج ﻓﻲ رواﻳﺔ )اﻟ ِّﺘﺒﺮ( ﻟﻠﺮواﺋﻲ إﺑﺮاﻫﻴﻢ اﻟﻜﻮﻧﻲ‬
‫‪ -‬آﻟﻴﺎت ِ‬
‫‪ -‬اﻟﺘﺸﺨﻴﺺ ﻓﻲ اﻟﺸﻌﺮ اﻟﻌﺮﺑﻲ اﻟﻘﺪﻳﻢ )ﺷﻌﺮ اﺑﻦ اﻟﺮوﻣﻲ ﻧﻤﻮذﺟ ًﺎ(‬
‫‪ -‬اﻟﻨﺼﻴﺤﺔ ﺑﻴﻦ اﻟﺸـــﻌﺮ اﻟﻌﺮﺑﻲ واﻟﺸـــﻌﺮ اﻟﻬﻨﺪي »دراﺳـــﺔ ﻣﻘﺎرﻧﺔ ﻟﻠﻘﺼﻴﺪة اﻟﺰﻳﻨﺒﻴﺔ وﻗﺼﻴﺪة‬
‫رﺳﺎﻟﺔ إﻟﻰ ﺷﺎب«‬
‫‪ -‬اﻟﺼﻮاﺋـــﺖ واﻟﺼﻮاﻣـــﺖ اﻟﺸـــﺎﺋﻌﺔ ﻓﻲ دﻳﻮان »ﻳﺴـــﻜﻨﻨﻲ« ﻟﻠﺸـــﺎﻋﺮ ﻋﻤﺮ ﻋﺒـــﺪ اﻟﺪاﺋﻢ وﻛﻴﻔﻴﺔ‬
‫»ﺗﺪرﻳﺴﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﻤﻨﺎﻫﺞ اﻟﺘﻌﻠﻴﻤﻴﺔ«‬
‫‪ -‬اﻟﺒﻌﺪ اﻟﺒﻨﻴﻮي اﻟﺘﻜﻮﻳﻨﻲ ﻓﻲ ﻣﺼﻄﻠﺤﺎت ﻧﺠﻴﺐ اﻟﻌﻮﻓﻲ‬
‫‪ -‬ﺑﻌـــﺾ اﻟﺸـــﻮاﻫﺪ اﻟﺠﻴﻮﻣﻮرﻓﻮﻟﻮﺟﻴﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺘﻐﻴﺮات اﻟﻤﻨﺎﺧﻴﺔ ﻓـــﻲ ﻫﻀﺒﺘﻲ اﻟﺒﻄﻨﺎن واﻟﺪﻓﻨﺔ‬
‫ﺷﻤﺎل ﺷﺮق ﻟﻴﺒﻴﺎ ﺧﻼل اﻟﺒﻼﻳﺴﺘﻮﺳﻴﻦ واﻟﻬﻮﻟﻮﺳﻴﻦ‬
‫‪ -‬اﻟﻤﻘﻮﻣﺎت اﻟﺒﺸﺮﻳﺔ ﻟﻠﺠﺬب اﻟﺴﻴﺎﺣﻲ ﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﺗﻮﻛﺮة »دراﺳﺔ ﻓﻲ ﺟﻐﺮاﻓﻴﺔ اﻟﺴﻴﺎﺣﺔ«‬
‫ﻧﻤﻮذﺟﺎ«‬
‫ً‬ ‫‪ -‬ﺣﻤﺎﻳﺔ اﻟﻤﺪﻧﻴﻴﻦ واﻟﺘﺤﻮل اﻟﺪﻳﻤﻘﺮاﻃﻲ ﻓﻲ ﻟﻴﺒﻴﺎ »ﺗﺎورﻏﺎء‬
‫‪ -‬اﻟﻤﺴﺆوﻟﻴﺔ اﻟﺠﻨﺎﺋﻴﺔ ﻟﻠﻄﺒﻴﺐ‬
‫‪ -‬اﻟﺴﺐ واﻟﻘﺬف ﻋﺒﺮ اﻟﻮﺳﺎﺋﻂ اﻹﻟﻜﺘﺮوﻧﻴﺔ »دراﺳﺔ ﻣﻘﺎرﻧﺔ«‬
‫‪ -‬ﻛﻔﺎﻟﺔ اﻟﻀﻤﺎﻧﺎت اﻟﻘﺎﻧﻮﻧﻴﺔ ﻟﻠﻤﻮﻇﻒ اﻟﺪوﻟﻲ‬
‫‪ -‬دور اﻟﺴﻠﻄﺔ اﻟﺘﺸﺮﻳﻌﻴﺔ واﻟﺘﻨﻔﻴﺬﻳﺔ ﻓﻲ ﺻﻨﻊ اﻟﺴﻴﺎﺳﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ »ﺳﻴﺎق دﺳﺘﻮري ﻣﻘﺎرن ﻟﻤﻌﺮﻓﺔ‬
‫دور اﻟﺴﻠﻄﺘﻴﻦ اﻟﺘﺸﺮﻳﻌﻴﺔ واﻟﺘﻨﻔﻴﺬﻳﺔ ﻓﻲ ﺻﻨﻊ اﻟﺴﻴﺎﺳﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ ﻟﻠﺪوﻟﺔ«‬
‫‪ -‬ﻣﻌﻮﻗﺎت اﻻﻧﺪﻣﺎج اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﻓﻲ اﻟﺠﻨﻮب اﻟﻠﻴﺒﻲ»دراﺳﺔ ﻣﻴﺪاﻧﻴﺔ«‬
‫‪ -‬اﻟﻬﻮاﺗﻒ اﻟﺬﻛﻴﺔ ودورﻫﺎ ﻓﻲ اﻟﺘﺤﺼﻴﻞ اﻟﻌﻠﻤﻲ ﻟﺪى اﻟﻄﻼب »دراﺳـــﺔ ﻣﻴﺪاﻧﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﻋﻴﻨﺔ ﻣﻦ‬
‫ﻃﻼب اﻟﺘﻌﻠﻴﻢ اﻟﺜﺎﻧﻮي«‬
‫ﻧﻤﻮذﺟﺎ«‬
‫ً‬ ‫‪ -‬واﻗﻊ اﻟﺘﺮﺑﻴﺔ واﻟﺘﻌﻠﻴﻢ ﻣﻦ ﺧﻼل ﻛﺘﺐ اﻟﻨﻮازل »ﻗﻀﺎﻳﺎ اﻟﻤﻌﻠﻢ واﻟﻤﺘﻌﻠﻢ‬
‫‪ -‬اﻟﻤﺸـــﻜﻼت اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻮاﺟﻪ اﻟﻤﺮأة اﻟﻌﺎﻣﻠﺔ اﻟﻤﺘﺰوﺟﺔ »دراﺳـــﺔ ﻣﻴﺪاﻧﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﻋﻴﻨﺔ‬
‫ﻣﻦ اﻟﻌﺎﻣﻼت ﺑﻤﺴﺘﺸﻔﻰ ﺟﺎﻟﻮ اﻟﻤﺮﻛﺰي«‬
‫‪ -‬إﺷﺮاك اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ اﻟﻤﺤﻠﻲ ﻓﻲ ﺣﻤﺎﻳﺔ اﻟﻤﻮروث واﻵﺛﺎر ﻓﻲ ﻗﻮرﻳﻨﺎ »ﻛﻴﺮﻳﻨﻲ«‬
‫تصدر عن‬
‫جامعـــة طبــرق ‪ -‬ليبيا‬
‫‪Tobruk Universty - Libya‬‬

‫رئيس التحرير‬
‫د‪ .‬فـوزي عمـر الحـداد‬
‫‪Fawzi.hadad@tu.edu.ly‬‬

‫السنـة الثالثـة‬
‫العدد الثامن ‪ -‬مارس ‪2023‬م‬
‫دالالت‬
‫مجلة دورية علمية محكمة متخصصة‬
‫تصدر عن جامعة طبرق ‪ -‬ليبيا‬
‫موقع الجامعة‪www.tu.edu.ly :‬‬
‫موقع المجلة‪d.journal.tu.edu.ly :‬‬
‫صفحة المجلة على الفيس بوك‪www.facebook.com/dalalatt :‬‬
‫رقم اإليداع بدار الكتب الوطنية بنغازي‪2021 / 52 :‬‬
‫رقم اإليداع الدولي‪ISSN: 2788 - 6956 :‬‬

‫تســـتند المجلـــة إلى ميثـــاق أخالقي يحكم عملية النشـــر فـــي أعدادها‪،‬‬
‫وإلـــى الئحـــة داخليـــة تنظـــم عمليـــة النشـــر من خـــال لجنـــة علمية‬
‫استشـــارية متميزة من ليبيـــا وخارجها‪ .‬المجلة غير مســـؤولة عن األفكار‬
‫واآلراء الـــواردة فـــي البحوث المنشـــورة فـــي أعدادها‪.‬‬

‫الكترونيا على المنصات اآلتية‪:‬‬


‫ً‬ ‫تنشر المجلة‬
‫هيئة التحرير‬
‫المشرف العـــام‬ ‫حســـــن علــــى حســـن‬ ‫د‪.‬‬
‫رئيـس التحريـر‬ ‫فـــــوزي عمـــر الحــداد‬ ‫د‪.‬‬
‫مديــر التحرير‬ ‫عـــالء جابــر الضــراط‬ ‫د‪.‬‬
‫منســق التحرير‬ ‫أحمد محمد الميداني‬ ‫د‪.‬‬

‫جلنة املراجعة والتدقيق اللغوي‬


‫كليــة التربيــة جامعــة طبـرق‬ ‫د‪ .‬علـــى ماضـي العبـودي‬
‫كلية التربية المرج ‪ /‬جامعة بنغازي‬ ‫د‪ .‬فيصل عبداهلل حيدر‬
‫كليـــة اآلداب جـامعــة سبهــا‬ ‫د‪ .‬فتحـــي حسـن خطـاب‬

‫االخراج الفنـي‬
‫محمـد أحمـد الحبونـي‬
‫اللجنة االستشارية العلمية‬
‫كلية اللغات ‪ -‬جامعة طرابلس‬ ‫‪1 .‬أ د‪ .‬أحمــــــــــد الهـــــــادي رشـــــــراش‬
‫كلية اآلداب ‪ -‬جامعة بنغازي‬ ‫‪2 .‬أ د‪ .‬أحمــــــــد عمــــــران بــن سليــــم‬
‫كلية السياحة واآلثار ‪ -‬جامعة عمر المختار‬ ‫‪3 .‬أ د‪ .‬أحمــــــــــــــد عيســـــــــى فـــــــرج‬
‫كلية اآلداب ‪ -‬جامعة الموصل‬ ‫‪4 .‬أ د‪ .‬إسماعيل فتحي حسين الباجور‬
‫كلية اآلداب جامعة درنة‬ ‫‪5 .‬أ د‪ .‬أنـــــــور فتــــح اهلل عبدالقــــادر‬
‫عميد كلية القانون ‪ -‬جامعة سرت‬ ‫‪6 .‬أ د‪ .‬خلـيفــــــــــة صـالــــــح حــــــواس‬
‫كلية التربية ‪ -‬جامعة بنغازي‬ ‫‪7 .‬أ د‪ .‬سعديـــــــة حسيـــــن البرغثـــــي‬
‫كلية اآلداب ‪ -‬جامعة طرابلس‬ ‫‪8 .‬أ‪.‬د‪ .‬سميـــــــرة محمـــــــد العياطـــــــى‬
‫كلية اآلداب المرج جامعة بنغازي‬ ‫‪9 .‬أ د‪ .‬عـــــــــادل عبـدالعزيـــــز غيـــــث‬
‫كلية اآلداب ‪ -‬جامعة بنغازي‬ ‫‪10.‬أ د‪ .‬عبـدالرحيــم محمـــد البــدري‬
‫جامعة سيدي محمد بن عبدهللا المغرب‬ ‫‪11.‬أ د‪ .‬عبــدالــقـــــــــــــــادر لـشـقــــــــر‬
‫عميد كلية اآلداب ‪ -‬جامعة بنغازي‬ ‫‪12.‬أ د‪ .‬عبـــــــداهلل سالــــــم مليـــطـان‬
‫عميد كلية الفنون الجميلة واإلعالم سابقا ً ‪ -‬طرابلس‬ ‫‪13.‬أ د‪ .‬عـيــــــــــاد أبوبـكــــــر هاشــــــم‬
‫األكاديمية الليبية للدراسات العليا ‪ -‬طرابلس‬ ‫‪14.‬أ د‪ .‬فتحـــــــي رمضـــــان الماقـــوري‬
‫كلية اللغات ‪ -‬جامعة طرابلس‬ ‫‪15.‬أ د‪ .‬فريــــــــدة األميـــــن المصـــري‬
‫كلية اآلداب ‪ -‬جامعة بنغازي‬ ‫‪16.‬أ د‪ .‬محمــــــــــد أحمـــــــد الوليـــــد‬
‫كلية اآلداب ‪ -‬جامعة الزاوية‬ ‫‪17.‬أ د‪ .‬مسعـــــــــــود حسيــــن التائــــب‬
‫كلية التربية ‪ -‬جامعة الزاوية‬ ‫‪18.‬أ د‪ .‬مهنـــــــــد سامـــــــي العلوانـــــي‬
‫كلية اآلداب ‪ -‬جامعة عين شمس ‪ -‬القاهرة ‪ /‬مصر‬ ‫‪19.‬أ د‪ .‬هـــــــدى عطيـــة عبدالغفـــار‬
‫كلية اآلداب ‪ -‬جامعة طبرق‬ ‫‪20.‬أ د‪ .‬ولـيــــــــــــــــــد شـعـيـــــــــب آدم‬
‫خبير دولي للتمكين والنوع االجتماعي ببرنامج الغذاء العالمي‬ ‫‪21.‬أ‪.‬د مرفـــــــت صدقــي عبدالوهــاب‬
‫المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين ‪ -‬فاس مكناس ‪ -‬المغرب‬ ‫‪22.‬د‪ .‬أحمــــــــــــــــــــــــد مزهـــــــــــــــــار‬
‫كلية اآلداب – جامعة عمر المختار‬ ‫‪23.‬د‪ .‬الشريــــــــــــف امراجــــع حامــــد‬
‫كلية اآلداب – جامعة طبرق‬ ‫‪24.‬د‪ .‬جمعــــــــــــة ارحومــــة الجالــــي‬
‫كلية اآلداب ‪ -‬جامعة سيدي محمد بن عبدهللا ‪ -‬المغرب‬ ‫‪25.‬د‪ .‬خـديـجـــــــــــــــــــة زيــــــــــــــــدي‬
‫كلية اآلداب ‪ -‬جامعة طبرق‬ ‫‪26.‬د‪ .‬رضــــاء عبدالحليـــم جــاب اهلل‬
‫كلية اآلداب والعلوم اإلنسانية القيروان ‪ -‬تونس‬ ‫‪27.‬د‪ .‬زهـــــــرة عبدالعزيــــــز الثابــــت‬
‫كلية اآلداب – جامعة طبرق‬ ‫‪28.‬د‪ .‬سالــــــم عبدالرســـول المهـــدي‬
‫كلية اآلداب ‪ -‬جامعة مصراتة‬ ‫‪29.‬د‪ .‬سليمـــــــــــــة عمــــــــر التائــــــب‬
‫كلية القانون – جامعة خليج السدرة‬ ‫‪30.‬د‪ .‬شعبــــــــــــان محمــــود الهـــــواري‬
‫أكاديمية الفنون ‪ -‬القاهرة ‪ /‬مصر‬ ‫‪31.‬د‪ .‬شوكـــــــــــت نبيـــــــل المصـــــري‬
‫كلية اللغة العربية والدراسات اإلسالمية ‪ -‬الجامعة األسمرية‬ ‫‪32.‬د‪ .‬صفــــــــــــاء امحمــــــد فنيخــــرة‬
‫كلية اآلداب ‪ -‬جامعة غريان‬ ‫‪33.‬د‪ .‬عـــــــــادل إبراهيـــــم المحــــروق‬
‫الجامعة اإلسالمية ‪ -‬مينسوتا ‪ -‬أمريكا‬ ‫‪34.‬د‪ .‬عاصـــــــــــــم زاهـــــي العطـــــروز‬
‫رئيس تحرير مجلة أنساق للفنون واآلداب والعلوم اإلنسانية ‪ -‬األردن‬ ‫‪35.‬د‪ .‬علـــــــــــي عبداألميـــــر عبـــاس‬
‫عميد كلية اآلداب ‪ -‬جامعة سرت‬ ‫‪36.‬د‪ .‬فرحـــــــــة مفتــــــاح عبـــــداهلل‬
‫كلية اآلداب والعلوم ‪ -‬جامعة درنة‬ ‫‪37.‬د‪ .‬كريمــــــــــة المبـــروك الرقيعـي‬
‫كلية االقتصاد ‪ -‬جامعة طبرق‬ ‫‪38.‬د‪ .‬محمـــــــد إدريــــس عبدالعزيــز‬
‫كلية التربية – جامعة طبرق‬ ‫‪39.‬د‪ .‬محمــــــــــــــد شحاتـــــة واصـــــل‬
‫كلية اآلداب ‪ -‬جامعة عمر المختار‬ ‫‪40.‬د‪ .‬محمــــــــــــــد مفتـــــــاح فضيــــل‬
‫كلية اآلداب ‪ -‬جامعة درنة‬ ‫‪41.‬د‪ .‬هاشــــــــــــم منصــــــــور مفتـــــاح‬
‫كلية اآلداب ‪ -‬جامعة ماالنج الحكومية ‪ /‬إندونيسيا‬ ‫‪42.‬د‪ .‬هنـــــــــيء مـحـليــــــة الصحــــــة‬
‫كلية التربية ‪ -‬جامعة مصراتة‬ ‫‪43.‬د‪ .‬وريـــــــــــــدة علــــــي المنقــــوش‬
‫كلية التربية ‪ -‬جامعة مصراتة‬ ‫‪44.‬د‪ .‬يحيـــــــــى عمـــــــر القويضـــــــي‬
‫جملة دالالت للعلوم اإلنسانية والرتبوية‬

‫فـي سـياق الحـرص علـى مواكبـة التطـور فـي مجـال النشـر العلمـي ورغبـة فـي توفيـر نافـذة‬
‫رصينـة للنشـر األكاديمـي‪ ،‬تسـعى نحـو العالميـة‪ ،‬نعلـن إطلاق المجلـة العلميـة المحكمـة‪:‬‬
‫دالالت (‪ )DELALAT‬المخصصـة لنشـر األبحـاث األكاديميـة فـي مجـال العلـوم اإلنسـانية‬
‫والتربويـة‪ً ،‬‬
‫وفقـا للضوابـط والمعاييـر المعتمـدة عربيـًا ودوليـ ًا‪.‬‬
‫تهدف اجمللة إىل‪:‬‬
‫ ‪-‬السعــــي نحــو إدراج المجلــة ضمــن قواعــد البيانــات العالميــة للمجـلات ذات معامـــــل‬
‫التأثيــــر‪ ،Impact Factor/‬وذلـك عبـر ضوابـط التحكيـم والنشـر الدقيقـة التــ تتبعهـا‬
‫المجلـة‪.‬‬
‫ ‪-‬توفيـر نافـذة نشـر رصينـة للباحثيـن األكاديمييـن‪ ،‬وإتاحـة الفرصـة أمامهـم لنشـر بحوثهم‬
‫ً‬
‫ولغـة‬ ‫حسـب جـودة محتواهـا العلمـي‪ ،‬مـع مراعـاة االلتـزام بقواعـد التفكيـر العلمـي منهجـ ًا‬
‫فـي عـرض األفـكار وتقديمهـا أو تحليلهـا‪.‬‬
‫ ‪-‬تغطيـة التظاهـرات الثقافيـة ذات العالقـة باختصـاص المجلـة‪ ،‬مثـل النـدوات والمؤتمـرات‬
‫ومعـارض الكتـاب وعـرض ألهـم المؤلفـات الصـادرة حديثـ ًا فـي كل فـروع العلـوم االنسـانية‪.‬‬
‫رؤيتنا‪:‬‬
‫مجلـة علميـة عربيـة ليبيـة المنطلـق‪ ،‬تسـعى للتميـز لتكـون خيـار الباحثيـن األول لنشـر‬
‫بحوثهـم ودراسـاتهم فـي مجـاالت اهتمـام المجلـة‪.‬‬
‫رسالتنا‪:‬‬
‫نسـعى لنقـدم محتـوى يجعـل المجلــة مرجعًا علمي ًا أصي ً‬
‫ال للباحثيـن وفق المعايير العالمية‬
‫مـن حيـث األصالة والمنهجيـة والتميز العلمي‪.‬‬
‫أهدافنا‪:‬‬
‫ ‪-‬المشـاركة فـي بنـاء مجتمـع المعرفـة مـن خلال نشـر األبحـاث العلميـة المحكمـــة مــن‬
‫متخصصيـن ذوي مسـتوى رفيـع‪.‬‬
‫ ‪-‬تقديـم بحـوث مميـزة وإنتـاج المعرفـة التـي تخـدم المجتمـع‪ ،‬ودعـم اإلبـداع الفكـري‬
‫والتوظيـف األمثـل للتقنيـة والشـراكة المحليـة والعالميـة الفاعلـة‪.‬‬
‫ ‪-‬اسـتقطاب الباحثيـن المتميزيـن فـي عضويـة هيئـة التحكيـم االستشـارية ســ ــعيًا لتجويـد‬
‫البحـوث المقدمـة للنشـر فـي المجلـة‪ ،‬وإلنشـاء بيوت خبرة علميـة ذات كفاءة عالية وتميز‬
‫رفيع‪.‬‬
‫ ‪-‬تلبيـة حاجـات الباحثيـن علـى المسـتويات المحليـة والعربيـة فـي مجـال بحـوث العلـوم‬
‫اإلنسـانية والتربويـة‪.‬‬
‫ ‪-‬إنشـاء محتـوى الكترونـي فـارق للنشـر العلمـي المتخصـص لخدمـة الباحثيـن والدارسـين‬
‫ومؤسسـات المجتمـع كافـة‪.‬‬
‫شروط النشر يف جملة دالالت‬

‫ ‪-‬تنشر المجلة البحوث باللغتين العربية‪ ،‬واإلنجليزية‪.‬‬


‫ ‪-‬يقبـل للنشـر فـي المجلـة البحـوث‪ ،‬والنصـوص المحققـة والمترجمـة وعـروض الكتـب‬
‫الحديثـة الصـادرة فـي مجـال اختصـاص المجلـة‪.‬‬
‫ّ‬
‫مقــدم للنشـر لـدى‬ ‫ً‬
‫أصيلا وغيـر منشـور أو‬ ‫ ‪-‬يشـترط فـي البحـث المقـدم للمجلـة أن يكـون‬
‫جهـة أخـرى‪ .‬ويوقـع الباحـث بذلـك تعهدًا خطيًا مرفق ًا بالبحث‪ ،‬حســـب النموذج الموجود‬
‫المرفـق بهـذه الشـروط‪ ،‬ويمكـن سـحب النمـوذج مـن موقـع المجلـة االلكترونـي‪.‬‬
‫ ‪-‬أن يكـون البحـث المقـدم خاضعـًا ألسـس البحث العلمي‪ ،‬مدقق ًا لغوي ًا وخاليــ ًا مـــن األخطاء‬
‫اللغويـة واإلمالئيـة والطباعيـة‪ ،‬مسـتوفي ًا شـروط البحث العلمـي المتعارف عليها‪.‬‬
‫مطبوعـا بوسـاطة برنامـج (‪ )Word‬وهوامـش (‪2.5‬سـم)‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫المقـدم للمجلـة‬ ‫ ‪-‬أن يكـون البحـث‬
‫وحجـم الورقـة (‪ )A4‬وال يتجـاوز البحـث (‪ )25‬صفحـة‪ ،‬بمـا فـي ذلـك الملخصيـن العربـي‬
‫واإلنجليـزي وقائمـة المراجـع والمصـادر‪ ،‬وال يقـل عـن (‪ )15‬صفحـة‪ ،‬ونـوع الخـط لبحـوث‬
‫العربيـة هـو (‪ )Simplified Arabic‬بنـط (‪ )14‬فـي المتـن وبنـط (‪ )16‬فـي‬ ‫ّ‬ ‫اللغـة‬
‫العناويـن‪ ،‬وبنـط (‪ )12‬فـي الهوامـش‪ ،‬ويكـون نـوع الخـط فـي بحـوث اللغـة اإلنجليزيـة‬
‫‪ Times New Roman‬بنـط (‪ ،)14‬والهوامـش بنـط (‪.)12‬‬
‫ ‪-‬يكتـب عنـوان البحـث واسـم الباحـث ودرجتـه العلميـة والمؤسسـة التـي إليهـا وعنـوان بريده‬
‫االلكترونـي وهاتفـه الشـخصي علـى صفحـة مسـتقلة قبـل صفحـات البحـث‪ ،‬ثـم تتبـع‬
‫بصفحـات البحـث‪.‬‬
‫ ‪-‬يراعـى فـي كتابـة البحـث عـدم إيـراد اسـم الباحـث في متن البحث أو فـي مراجعه صراحة‪،‬‬
‫أو بأية طريقة تكشف هويتــه‪.‬‬
‫ ‪-‬يرفـق البحـث بملخصيـن (عربـي وإنجليـزي) ال تزيـد كلمـات كل منهمـا عـن ‪ 150‬كلمـة‪،‬‬
‫يليهمـا كلمـات مفتاحيـة (‪ )key words‬ال تزيـد عـن خمـس كلمـات غيـر موجـودة فـي‬
‫عنـوان البحـث تعبـر عـن مجـاالت البحـث لتسـتخدم فـي التكشـيف‪.‬‬
‫ ‪-‬تـدرج الهوامـش أسـفل الصفحـات‪ ،‬وتكـون أرقامهـا متسلسـلة حتـى نهايـة البحـث‪ .‬مـع مراعاة‬
‫ذكـر المعلومـات كاملـة عنـد ذكـر المرجـع ألول مـرة‪ ،‬وإذا ذكـر مـرة أخـرى فيكتفـى باسـم‬
‫الكتـاب والصفحـة‪ ،‬ويتـم وضـع قائمـة بالمصـادر والمراجـع نهايـة البحـث وترتيبهـا أبجديًا‪،‬‬
‫ويراعـى فـي كتابـة أسـماء المؤلفيـن ذكـر االسـم أوال ثم الكنيـة‪ ،‬أو بالطريقـة المكتوب بها‬
‫علـى غلاف الكتاب‪.‬‬
‫ ‪-‬فـي حالـة قبـول البحـث للنشـر تـؤول كل حقـوق النشـر للمجلـة‪ ،‬وال يجـوز للباحـث نشـر‬
‫بحثـه أو تقديمـه بأيـة طريقـة ألي جهـة نشـر أخـرى دون إذن كتابـي مـن رئيـس التحريـر‪.‬‬
‫ ‪-‬ال يمكن للمجلة قبول أي بحث بدون مراعاة ضوابط النشر السابقة‪.‬‬
‫ ‪-‬البحـوث المنشـورة فـي المجلـة تعبـر عـن آراء مؤلفيهـا‪ ،‬وال تعكـس بالضـرورة آراء هيئـة‬
‫التحريـر أو جهـة اإلصـدار‪.‬‬
‫ ‪-‬ترسل األبحاث كاملة مستوفية للشروط المعلنة على البريد االلكتروني للمجلة‪:‬‬
‫‪Delalat@tu.edu.ly‬‬
‫الصفحة‬ ‫المحتويات‬ ‫ت‬
‫الحجاج في رواية ِّ‬
‫(التبر) للروائي إبراهيم الكوني‬ ‫آليات ِ‬
‫‪13‬‬ ‫‪1‬‬
‫د‪ .‬أمينة الشريف سالم عقيلة‬
‫التشخيص في الشعر العربي القديم (شعر ابن الرومي نموذج ًا)‬
‫‪33‬‬ ‫‪2‬‬
‫آمنة عبد السالم ربوه رجب‬
‫النصيحـــة بين الشـــعر العربي والشـــعر الهندي «دراســـة مقارنة للقصيدة‬
‫‪48‬‬ ‫الزينبية وقصيدة رســـالة إلى شـــاب»‬ ‫‪3‬‬
‫عزمي عبدالحميد محمد جاراهلل‬
‫الصوائـــت والصوامت الشـــائعة في ديوان «يســـكنني» للشـــاعر عمر عبد‬
‫‪60‬‬ ‫الدائـــم وكيفية «تدريســـها في المناهـــج التعليمية»‬ ‫‪4‬‬
‫أ‪ .‬فاطمة دين حمد الجهيمي‬
‫البعد البنيوي التكويني في مصطلحات نجيب العوفي‬
‫‪75‬‬ ‫‪5‬‬
‫محسين بنغالب‬
‫بعـــض الشـــواهد الجيومورفولوجية على التغيـــرات المناخية في هضبتي‬
‫‪89‬‬ ‫البطنان والدفنة شـــمال شـــرق ليبيا خالل الباليستوســـين والهولوسين‬ ‫‪6‬‬
‫د‪ .‬عالء جابر فتح اهلل الضراط‬
‫المقومـــات البشـــرية للجـــذب الســـياحي لمدينـــة توكـــرة «دراســـة فـــي‬
‫‪121‬‬ ‫جغرافيـــة الســـياحة»‬ ‫‪7‬‬
‫أ‪ .‬سعيد عبدالحميد عبداهلل دعبس‬
‫نموذجا»‬
‫ً‬ ‫حماية المدنيين والتحول الديمقراطي في ليبيا «تاورغاء‬
‫‪138‬‬ ‫‪8‬‬
‫د‪ .‬خالد علي عبد القادر التومي‬
‫المسؤولية الجنائية للطبيب‬
‫‪152‬‬ ‫‪9‬‬
‫د‪ .‬شعبان محمود محمد الهواري‬
‫السب والقذف عبر الوسائط اإللكترونية «دراسة مقارنة»‬
‫‪187‬‬ ‫‪10‬‬
‫د‪ .‬حمزة حامد عبد الواحد‬
‫كفالة الضمانات القانونية للموظف الدولي‬
‫‪203‬‬ ‫‪11‬‬
‫أ‪ .‬مسعود محمد مسعود أحمد‬
‫دور الســـلطة التشـــريعية والتنفيذية في صنع السياســـة العامة «ســـياق‬
‫دســـتوري مقارن لمعرفة دور الســـلطتين التشـــريعية والتنفيذية في صنع‬
‫‪223‬‬ ‫‪12‬‬
‫السياســـة العامة للدولة»‬
‫د‪ .‬مرعية عبداهلل موسى العبار‬
‫معوقات االندماج االجتماعي في الجنوب الليبي«دراسة ميدانية»‬
‫‪236‬‬ ‫‪13‬‬
‫د‪ .‬يوسف محمد أبو القاسم الصيد‬
‫الصفحة‬ ‫المحتويات‬ ‫ت‬

‫الهواتـــف الذكيـــة ودورهـــا فـــي التحصيل العلمـــي لدى الطالب «دراســـة‬


‫‪266‬‬ ‫ميدانيـــة علـــى عينة من طـــاب التعليـــم الثانوي»‬ ‫‪14‬‬
‫د‪ .‬عبد الفتاح بالعيد هودج حفالش‬
‫واقـــع التربيـــة والتعليم من خـــال كتب النوازل «قضايـــا المعلم والمتعلم‬
‫‪283‬‬ ‫نموذجا»‬
‫ً‬ ‫‪15‬‬
‫د‪ .‬محمد َّ‬
‫الدرداري‬
‫المشـــكالت االجتماعيـــة التي تواجه المـــرأة العاملة المتزوجة «دراســـة‬
‫‪294‬‬ ‫ميدانيـــة علـــى عينة من العامالت بمستشـــفى جالـــو المركزي»‬ ‫‪16‬‬
‫حميدة حمد خيرواجد البطران‬
‫إشـــراك المجتمـــع المحلـــي فـــي حمايـــة المـــوروث واآلثـــار فـــي قورينـــا‬
‫‪312‬‬ ‫«كيرينـــي»‬ ‫‪17‬‬
‫ترجمة‪ :‬د‪ .‬محمد عمر محمد عبدربه‬ ‫د‪ .‬أحمد عيسى فرج عبدالكريم‬
‫االفتتاحية‬

‫بسم اهلل الرمحن الرحيم‬

‫وبـه نسـتعين‪ ،‬والصلاة والسلام علـى خيـر األنـام سـيدنا محمـد وعلـى آلـه وصحبـه‬
‫أجمعيـن‪.‬‬
‫وبعد‪:‬‬
‫بتوفيـق اهلل يصـدر العـدد الثامـن مـن مجلـة دالالت للعلـوم اإلنسـانية والتربويـة‪،‬‬
‫إصـدار علمـي محكـم لنشـر األبحـاث العلميـة الرصينـة والدراسـات األصيلـة‪ ،‬المنضويـة‬
‫تحـت العلـوم التربويـة ومـا يتداخـل معهـا مـن العلـوم اإلنسـانية كافـة‪.‬‬
‫فـي هـذا العـدد يسـتمر االحتفـاء بالقيـم األصيلـة للبحـث العلمـي‪ ،‬إذ حـوى هـذا‬
‫العـدد أبحاثـ ًا ودراسـات قيمـة لباحثيـن مـن المؤسسـات العلميـة فـي ليبيـا وخارجهـا‪ ،‬كما‬
‫تـم تحديـث الهيئـة االستشـارية لتحكيـم البحـوث‪ ،‬فشـملت خبـراء جـدد مـن مؤسسـات‬
‫مرموقـة عربيـة ودوليـة‪.‬‬
‫ونحـن نضـع بيـن ايديكـم هـذا العـدد‪ ،‬فـي نسـخة الكترونيـة تتبعهـا نسـخة ورقيـة‪،‬‬
‫نواصـل التأكيـد علـى أهدافنـا المتمثلـة فـي تقديـم خدمـة مميـزة إلنتـاج المعرفـة التي‬
‫تخـدم المجتمـع‪ ،‬وتدعـم اإلبـداع الفكـري وتسـعى فـي تطويـره واالرتقـاء بـه‪.‬‬
‫كمـا نؤكـد علـى إيماننـا المطلـق بدعـم مسـيرة البحـث العلمـي‪ ،‬وتحسـين جودتـه‬
‫وإتاحـة كل السـبل الممكنـة لالرتقـاء بـه محليــًـا وعربيــًـا ودوليـًـا‪.‬‬
‫وفقنا اهلل وإياكم ملا فيه اخلري‬

‫هيئة التحرير‬
‫م‬2023 ‫العدد ( الثامن ) يوليو‬ ‫مجلة دالالت‬

)‫حلجاج يف رواية (التِّرب‬


ِ ‫آليات ا‬
‫للروائي إبراهيم الكوني‬
:‫إعداد‬
‫ أمينة الشريف سالم عقيلة‬.‫د‬
‫أستاذ مشارك‬
‫ كلية اآلداب جامعة سرت‬- ‫قسم اللغة العربية‬
2023/6/10 :‫القبول‬ 2023/5/15 :‫االستالم‬

:‫املستخلص‬
ّ ‫الحجـاج فـي روايـة‬
‫(التِبـر) للروائـي الليبـي‬ ِ ‫يهـدف البحـث الحالـي الموسـوم بـ(آليـات‬
‫الحجاجيـة التي اتبعهـا ( الكوني) في‬ ِ ‫(إبراهيـم الكونـي) إلـى الكشـف عـن الوسـائل والتكنيـكات‬
‫ وبخاصـة عالـم‬،‫إقنـاع القـارئ بمـا يـروم إليـه مـن أفـكار ورؤى فلسـفية ترتبـط بعالـم الصحـراء‬
‫ وفق‬،‫ القارئ‬/‫ الروائي وبين المعنـون له‬/‫ممـا أحـدث تواصليـة وتفاعليـة بيـن المعنون‬ ّ ،‫الطـوارق‬
‫ وذلك من خالل انتقـاء بعض اآلليات‬،‫مثـل حالـة دمـج بيـن اللغة وذلـك العالم‬ ّ ،‫أسـلوب حكائـى‬
،‫النصيـة‬
ّ ‫ العتبـات‬:‫ المتجسـدة فـي مسـتويين همـا‬،‫ علـى سـبيل المثـال ال الحصـر‬،‫الحجاجيـة‬
.‫ المحمليـن بشـحنات خطابيـة ذات تأثيـر علـى القـارئ‬،‫والحجـاج السـردي‬
.‫ الطوارق‬- ‫ الحجاج السردي‬- ‫النصية‬ ّ ‫ العتبات‬- ‫ المعنون له‬- ‫ المعنون‬:‫الكلمات املفتاحية‬
Abstract:
The present study entitled “The mechanisms of persuasion employed in the
novel (Tabr) by Ibrahim al-Koni (1948000-) aims to reveal the persuasive means
and techniques employed by Al-Koni in persuading the reader of his intended
ideas and philosophical visions related to the world of the desert, especially the
world of the Tuareg. These means of communication have created an interaction
between the novel/novelist and the his intended readers by adopting a narrative
style exemplifying a special case a case of merging between language used
and that world that he was describing through exploiting some persuasive
mechanisms. An example of this exploitation was represented, for example, on
the surface and a deeper levels of the text and the meaning which were full of
rhetorical power which had a great influence on the readers.
Keywords: the author - the reader- the textual thresholds - the persuasive
narrative - the Tuareg.

13
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫مقدمة‪:‬‬
‫يسـتطيع قارئ(إبراهيـم الكونـي)((( أن يتعـرف علـى عالمـه الروائـي بسـهولة ويسـر‪ ،‬وذلـك‬
‫مـن خلال التيمـة الصحراويـة‪ ،‬وهـى تيمـة تـكاد تكـون مغيبـة فيالسـرد العربي المعاصـر‪ ،‬التي‬
‫يحتفـى بهـا دائمـ ًا فـي صلـب أعمالـه‪ ،‬ومـا تتركـه هـذه التيمـة في عقـل المتلقي وفكـره من رؤى‬
‫وبكل ما يكتنف جوانبهـا من خياالت وغرائبية‬ ‫ّ‬ ‫تعدديـة تمثـل سوسـيولوجيا الحيـاة ودالالتهـا‪،‬‬
‫تكشـف عـن روح الصحـراء بطبيعتهـا وسـماتها الخاصة‪ ،‬والكاشـفة عن سـلطة المـكان وهيمنته‪،‬‬
‫بشـكل يجعـل مـن عالـم (الكونـي) ملحمـة الحـدود القصـوى لهـذا العالـم؛ بوصفـه موطـن الـرؤى‬
‫مثـل لـه هاجسـًا ذا حضـور قـوي عنـده‪ ،‬فاقتـرن اسـمه بـه فـي‬ ‫الفلسـفية والعالـم البكـر‪ ،‬الـذي ّ‬
‫عبـر عنه‬‫تالزميـة محببـة إلـى الـذات؛ رغبـة فـي االنعتـاق والحريـة مـن قيـود الواقـع‪ ،‬وهـو مـا ّ‬
‫صراحـة بقولـه‪(( :‬الصحـراء وحدهـا تغسـل الـروح‪ .‬تتطهـر تخلـو‪ .‬تتفـرغ تنقضـى‪ .‬فيسـهل‬
‫أن تنطلـق لتتحـد بالخلاء األبـدي‪ .‬باألفـق‪ ،‬بالفضـاء المـؤدي إلـى مـكان خـارج األفـق وخـارج‬
‫الفضـاء‪ .‬بالدنيـا األخـرى‪ .‬باآلخـرة ‪ .‬نعـم باآلخـرة‪ ،‬هنـا‪ ،‬فقـط‪ ،‬هنا‪ ،‬في السـهول الممتدة‪ .‬في‬
‫المتاهـة العاريـة‪ .‬حيـث تلتقـى األطـراف الثالثـة‪ :‬العـراء‪ ،‬األفـق‪ ،‬الفضـاء لتنسـج الفلـك الـذي‬
‫ّ‬
‫ولعـل هـذه الخاصيـة هـي مـا جعلـت مـن نتـاج (الكوني)‬ ‫(((‬
‫يسـبح ليتصـل باألبديـة‪ .‬باآلخـرة))‬
‫الروائـي االسـتثناء الخـارج عـن قاعـدة المـكان المدينـي والريفـي‪ ،‬حيـث األسـاطير العجائبيـة‬
‫والغرائبيـة المنبعثـة مـن هـذا العالم الذي يلفـه الغموض كلما توغلنا فيـه(((‪ ،‬وتكتنفه ثنائية‬
‫المـوت والحيـاة(((‪ ،‬بصـورة تجعـل مـن هـذا العالـم األكثـر فضـو ً‬
‫ال عنـد المتلقـي؛ لمـا لهـا مـن‬
‫خيـال واسـع ملـيء بحـواس غيـر مألوفـة‪ ،‬ومتاهـات هائلـة‪ ،‬ودروب زمنيـة ومكانيـة تعبـق بريـح‬
‫البـداوة والخصوصيـة والتفـرد والمجهـول المسـيطر على عالمها الخـاص‪ ،‬والذي يصل‪ ،‬في بعض‬
‫حـد القداسـة والرهبـة‪ ،‬بحيـث صـار الخيـال الصحـراوي فـي أعمـال (الكونـي)‬ ‫األحيـان‪ ،‬إلـى ّ‬
‫((يحـدد مـن الناحيـة السـردية‪ ،‬وجهـة نظـر الشـخصيات التـي تعيـش فيـه‪ .‬إ ّنهـا شـخصيات‬
‫موجـودة علـى حافـة الحيـاة دائمـ ًا‪ ،‬وكأ ّنهـا فـي صـراع أبـدي مـع المـوت‪ .‬ال وقـت لديهـا للتفكيـر‬
‫ّإاّل بمـا يحفـظ لهـا اسـتمرارية وجودهـا‪ ،‬ويحصنهـا مـن مواجهـة الفناء‪ ،‬فكل شـيء فـي المجتمع‬

‫((( روائـي ليبـي مـن مواليـد مدينـة (غدامـس) سـنة ‪ ،1948‬وينتسـب إلـى قبيلـة الطـوارق التـي تسـكن الصحراء‬
‫الليبيـة‪ ،‬تلقـى تعليمـه األولـى بمدارس الجنـوب‪ ،‬حصل على الليسـانس ثم الماجسـتير فـي العلوم األدبيـة والنقدية‬
‫مـن معهـد (غوركي) لألدب بموسـكو سـنة ‪.1977‬‬
‫ويعـد (الكونـي) أحـد أبـرز األقلام الليبيـة والعربيـة المعاصـرة؛ لثـراء فكـره ونتاجه فـي شـتى المجـاالت‪ :‬الروائية‬
‫ّ‬
‫ومنهـا‪ :‬رباعيـة الغسـوق ‪( 1989‬البئـر ‪ -‬الواحـة ‪ -‬أخبـار الطوفـان الثانـي ‪ -‬نـداء الوقـواق)‪ ،‬ال ّتِبـر ‪ ،1990‬نزيـف‬
‫الحجـر ‪ ،1990‬وآخرهـا روايـة ناقـة اهلل ‪ ،2015‬والقصصيـة منهـا‪ :‬الصلاة خارج نطـاق األوقات الخمسـة ‪،1974‬‬
‫جرعـة مـن دم ‪ ،1993‬القفـص ‪ 1990‬وغيرهـا‪ ،‬باإلضافـة إلـى عـدد مـن المؤلفات األخـرى منها‪ :‬ثـورات الصحراء‬
‫(عدوس‬ ‫الكبـرى ‪ ،1970‬نقـد نـدوة الفكـر الثـوري ‪ 1970‬وغيرهـا‪ ،‬إلـى جانـب مذكـرات فـي أربعة أجـزاء بعنـوان ُ‬
‫تعـد بمثابة سـيرة ذاتية‪.‬‬
‫السـرى) ّ‬‫ُّ‬
‫حصـل (الكونـي) علـى العديد مـن الجوائز منها‪ :‬جائـزة الدولة االسـتثنائية الكبرى بسويسـرا ‪ ،2005‬جائزة الشـيخ‬
‫(زايـد) للكتـاب فـرع اآلداب ‪ ،2008-2007‬وجائـزة الدولـة فـي ليبيـا عـن مجمـل أعماله سـنة ‪ ،1996‬كما رشـح‬
‫للقائمـة القصيـرة لجائـزة مـان بوكر الدوليـة عن روايـة (ناقة اهلل ) سـنة ‪.2015‬‬
‫ينظر في ترجمته ‪.‬‬
‫‪−‬عونـي الفاعـوري‪ ،‬تجليـات الواقـع واألسـطورة فـي النتـاج الروائـي اإلبراهيـم الكونـي‪ ،‬وزارة الثقافـة‪ّ ،‬‬
‫عمـان‪،‬‬
‫‪ ،2002‬ص ‪.20-19‬‬
‫‪−‬سكاي نيوز عربية‪ ،‬الكوني وبركات بالالئحة القصيرة لجائزة مان بوكر‪.2015/3/25 ،‬‬
‫‪−‬الجزيرة نت‪ ،‬إبراهيم الكوني‪ ،‬تكريم الغرب وتجاهل العرب‪2018/9/30 ،‬‬
‫((( إبراهيم الكوني‪ ،‬ال ّتِبر‪ ،‬دار التنوير الطباعة والنشر‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪ ،1992 ،3‬ص‪.126‬‬
‫((( ينظر ال ّتِبر‪ ،‬ص ‪.148 ،29‬‬
‫((( ينظر ال ّتِبر‪ ،‬ص ‪.99 ،50-49 ،44‬‬

‫‪14‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬
‫(((‬
‫الصحـراوي قابـل للحيـاة والمـوت فـي آن واحـد))‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫وليـس ثمـة شـك فـي أن هيمنـة المـكان‪ /‬الصحـراء فـي روايـة (التِبر) يمثل امتدادا لمشـروع‬
‫(الكونـي) الروائـي الكاشـف عـن االنتمـاء والهويـة للمجتمـع الطوارقـي الصحـراوي‪ ،‬بمـا يؤكـد‬
‫أنـه ابـن هـذا المـكان‪ ،‬الـذي تشـرب عاداتـه‪ ،‬وثقـف تقاليـده‪ ،‬وذاق واقعـه بمعايشـة اجتماعيـة‬
‫بـكل أبعـاده الواقعيـة واألسـطورية‬ ‫ِّ‬ ‫ونفسـية‪ ،‬عكسـتها حالـة الرصـد لمالمـح هـذا المجتمـع‪،‬‬
‫المفعمـة بالحريـة‪ ،‬كأ ّنهـا سـفر مـن أسـفار التكويـن القائمـة علـى خلفيات ثقافيـة تمثل مجتمع‬
‫الطوارق‪.‬‬
‫(التبـر) تقنيـات عـدة تؤكـد علـى هـذه الحقيقـة مـن‬ ‫وقـد حمـل النـص الروائـي فـي روايـة ِّ‬
‫النصيـة الروائيـة السـائدة‪ ،‬وإحداث نوع مـن التفاعلية‬ ‫ناحيـة‪ ،‬وضمـان االنفلات مـن السـلطات ّ‬
‫بيـن البـاث‪ /‬الروائـي وبيـن المتقبـل‪ /‬المتلقـي مـن ناحيـة أخرى‪.‬‬
‫الحجاجيــة‪ ،‬الــذي يتضمــن موجــات ممغنطــة‬ ‫بالحجــاج أو ِ‬‫ِ‬ ‫ومــن هــذه التقنيــات مــا يعــرف‬
‫لديهــا القــدرة علــى إحــداث التأثيــر فــي متلقــي الخطــاب((( الروائــي الــذي يمثــل أطروحــة‬
‫الحجاجــي أكثــر مــن غيــره؛ لوجــود قواســم مشــتركة‬ ‫خطابيــة مالئمــة الســتخدام األســلوب ِ‬
‫ال فســيحًا للحجــاج وآلياتــه‪ ،‬الــذي ينقــل المتلقــي مــن‬ ‫بينهــا‪ ،‬تجعــل مــن الخطــاب الروائــي مجــا ً‬
‫ســلبية التلقــي إلــى التفاعــل النشــط الــذي يتــم تأسيســه عبــر تفاعــل الحكــي‪ ،‬والتحاوريــة‪،‬‬
‫واألفعــال القوليــة اللغويــة‪ ،‬وســيرورة األحــداث وغيرهــا مــن العناصــر التــي يلجــأ إليهــا الروائــي‬
‫الحجــاج القائمــة علــى التفاعــل والتواصــل بيــن‬ ‫للتأثيــر فــي المتلقــي‪ ،‬مــن خــال اســتراتيجية ِ‬
‫القنــاة االتصاليــة التــي يمثلهــا‪ :‬الروائــي ←الرســالة ← المتلقــي‪ ،‬والتــي تلخــص حقيقــة أنــه‬
‫الحجــاج‪ ،‬والعكــس صحيــح)) (((‪.‬‬ ‫((حيــث يكــون التواصــل يكــون ِ‬
‫الحجـاج مـن أهـم مخرجـات النظريـة التداوليـة التـي تهتـم بالفعـل الكالمـي الـذي‬ ‫ُّ‬
‫ويعـد ِ‬
‫تحـول وضـع المتلقـي‪ ،‬وتغييـر نظـام تفكيـره‪ ،‬وتبديـل مواقفـه السـلوكية‪ ،‬والتركيـز‬ ‫ّ‬ ‫يـؤدى إلـى‬
‫علـى مرتكـزات العمليـة التخاطبيـة مـن‪ :‬متكلـم‪ ،‬مخاطب‪،‬خطـاب‪ ،‬أبعـاد حجاجيـة وغيرهـا مـن‬
‫الخطابـات المرهـون تأثيرهـا بحجيـة قائلهـا أو المتلفـظ بهـا(((‪.‬‬
‫الحجاجـي أضحـى ثيمة رئيسـة في الخطاب الروائي والسـردي بصفة‬ ‫ثـم ّ‬
‫فـإن الخطـاب ِ‬ ‫ومـن ّ‬
‫عامـة‪ ،‬والـذي يسـتدعى إقنـاع المرسـل إليـه‪ /‬المتلقـي بواسـطة المتكلـم‪ /‬الحاكي ((الـذي غالبًا‬
‫مـا يقـوم بتجـاوز عالقتـه بالمخاطـب؛ ليضمـن السـيطرة علـى مقاليـد السـرد))((( مـن خلال‬
‫معطيـات حجاجيـة لغويـة‪ ،‬وجماليـة‪ ،‬وأسـلوبية وبالغيـة تحملـه علـى التسـليم بمـا ُيعـرض‬
‫عليـه مـن أفـكار ورؤى تقـدم فـي شـكل حكائـي يحتـوي علـى عوامـل حجاجيـة توجـه القـول‬
‫والمتلقـي معـ ًا إلـى نتيجـة محـددة‪.‬‬

‫((( سـعيد الغانمـي‪ ،‬الخيـال الصحـراوي فـي أدب إبراهيم الكونـي‪ ،‬المركز الثقافـي العربي‪ ،‬بيروت ‪ -‬الـدار البيضاء‪،‬‬
‫‪ ،2000‬ص‪.14‬‬
‫((( يـدور مفهـوم الخطـاب فـي اللغـة حـول توجيـه الـكالم للغيـر ومراجعته (ينظـر‪ ،‬محمد بـن مکرم بـن منظور‪،‬‬
‫لسـان العـرب‪ ،‬تحقيـق‪ :‬عبـد اهلل الكبيـر وآخـرون؛ دار المعـارف‪ ،‬القاهـرة‪ ،1194/2 ،1979 ،‬مـادة (خطـب)‪ ،‬أما‬
‫فـي االصطلاح‪ ،‬فقـد خضـع مفهومـه للتعـدد؛ تبعـًا لتعـدد المـدارس اللسـانية واتجاهاتهـا التـي تناولـت الخطاب‬
‫بالتحليـل‪ ،‬کاالتجـاه اللسـاني‪ ،‬والبنيـوي‪ ،‬والتداولـي‪ ،‬واالجتماعـي‪ ،‬والنفسـي وغيرهـا (ينظـر‪ ،‬جابـر عصفـور‪،‬‬
‫خطـاب الخطـاب‪ ،‬دار مؤسسـة سـلطان علي العويـس الثقافيـة‪ ،‬دبـي‪ ،1999 ،‬ص‪ )35‬غير أن معنـاه‪ ،‬بصفة عامة‪،‬‬
‫يقصـد بـه التأثيـر والتفاعـل والتواصـل القائم علـى مبدأ الحـوار (ينظر‪ ،‬أحمـد المتـوكل‪ ،‬قضايا اللغـة العربية في‬
‫اللسـانيات الوظيفيـة‪ ،‬دار األمـان‪ ،‬الربـاط‪ ،2001 ،‬ص‪)79‬‬
‫((( أبو بكر العزاوي‪ ،‬الخطاب والحجاج‪ ،‬مؤسسة الرحاب الحديثة‪ ،‬بيروت‪ ،2010 ،‬ص‪.12‬‬
‫((( ينظـر‪ ،‬دومينيـك مـا نغونـو‪ ،‬المصطلحـات المفاتيح لتحليل الخطـاب‪ ،‬ترجمة‪ :‬محمـد يحياتن‪ ،‬الـدار العربية‬
‫للعلوم ناشـرون‪ ،‬ومنشـورات االختلاف‪ ،‬بيروت – الجزائـر‪ ،2008 ،‬ص‪.12‬‬
‫((( هيثـم سـرحان‪ ،‬الحجـاج السـردي عنـد الجاحظ‪ ،‬بحـث فـي المرجعيـات والنصيات واآلليـات‪ ،‬المجلـة العربية‬
‫للعلـوم اإلنسـانية‪ ،‬الكويـت‪ ،‬ع ‪ ،115‬مـج ‪ ،2011 ،29‬ص‪.17‬‬

‫‪15‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬
‫الحجاجيـة فـي روايـة ّ‬
‫(التِبـر)؛‬ ‫فـإن البحـث الحالـي يتتبـع اآلليـات ِ‬‫ومـن هـذا المنطلـق‪َّ ،‬‬
‫لتأسـيس رؤيـة تنطلـق منهـا‪ ،‬وتقـوم علـى أن النص في الرواية يحتوي علـى معمارية حجاجية؛‬
‫لتوجـه محـدد يريـد بـه (الكونـي) التأثيـر فـي المتلقي وإقناعه‪ ،‬مسـتغ ً‬
‫ال قـدرة الرواية‬ ‫ّ‬ ‫نتيجـة‬
‫أن المكان‪ /‬الصحراء‬‫بكل مسـتوياته‪ ،‬بما يكشـف على ّ‬ ‫على مالمسـة الواقع الصحراوي الطوارقي ِّ‬
‫هـو البطـل والمهيمـن‪ ،‬وهـو مـا يصبـو إليـه (الكونـي) الـذي نصـب للمتلقـي شـراكًا حجاجيـة‬
‫متنوعـة فـي الروايـة تتمثـل فـي ((إنجـاز متواليات مـن األقوال‪ ،‬بعضها بمثابـة الحجج اللغوية‪،‬‬
‫وبعضهـا اآلخـر هـو بمثابـة النتائـج التـي نسـتنتج منهـا))(‪.((1‬‬
‫األسباب‪:‬‬
‫الحجاجي في روايـات (الكوني) بصفة عامة‪،‬‬ ‫‪1.‬عـدم وجـود دراسـات معنيـة بدراسـة الخطـاب ِ‬
‫(التِبـر) موضـع البحث‪ ،‬على قدر االطالع واالسـتقصاء‪.‬‬ ‫ومنهـا روايـة ّ‬
‫ّ‬
‫‪2.‬ارتـكاز الخطـاب فـي روايـة (التِبـر) علـى الكثيـر مـن مظاهـر التأثيـر واإلقنـاع‪ ،‬التـي تحتـوى‬
‫علـى ثيمـات حجاجيـة متخمـة وكاشـفة عـن سـلطة المـكان‪ /‬الصحـراء وانعكاسـاته علـي‬
‫(الكونـي)‪.‬‬
‫(التبـر) علـى جائـزة اللجنـة اليابانيـة للترجمـة سـنة (‪ ،)1997‬وهـو مـا‬ ‫ّ‬
‫‪3.‬حصـول روايـة ِ‬
‫الحجاجـي‪.‬‬‫يجعلهـا جديـرة بالدراسـة والتحليـل والتقييـم فـي مختلـف جوانبهـا‪ ،‬ومنهـا الجانـب ِ‬
‫األهداف‪:‬‬
‫الحجاج وأبعاده ومستوياته الثاوية في مفاصل بناء رواية ّ‬
‫(التِبر)؛تأسيس ًا‬ ‫‪1.‬الكشف عن آليات ِ‬
‫أن الروايـة تتضمـن خطابـًا وأطروحـات ومقاصـد يـراد لهـا أن تقنـع المخاطب بما يريد‬ ‫علـى ّ‬
‫(الكوني) توصيله من رؤى وفلسـفيات‪.‬‬
‫‪2.‬الكشـف عـن الروابـط واألدوات ِ‬
‫الحجاجيـة التـي تضمنتهـا الروايـة‪ ،‬وكشـف دورهـا في إقناع‬
‫المتلقـي بمـا يـروم إليـه (الكوني)‪.‬‬
‫‪3.‬رصـد مـا ينطـوي عليـه الخطـاب ِ‬
‫الحجاجـي فـي الروايـة مـن قيـم تداوليـة تواصليـة بيـن‬
‫المسـتقبل‪ /‬المتلقـي‪.‬‬
‫ِ‬ ‫رسـل‪ /‬المبـدع وبيـن‬ ‫الم ِ‬
‫ُ‬
‫التساؤالت‪:‬‬
‫الحجاج؟‬‫‪1.‬ما مفهوم ِ‬
‫الفعـال الـذي تقـوم بـه اآلليـات ِ‬
‫الحجاجيـة فـي إكسـاب خطـاب (الكونـي) الطابـع‬ ‫‪2.‬مـا الـدور ّ‬
‫ِ‬
‫الحجاجـي فـي الروايـة؟‬
‫‪3.‬كيـف أسـهمت اآلليـات ِ‬
‫الحجاجيـة فـي بنـاء الخطـاب الروائـي؟ وهـل ثمة روابـط تجمع بينها‬
‫أن ّ‬
‫كل آليـة تسـاق بمعـزل عـن األخرى؟‬ ‫فـي الروايـة أم ّ‬
‫الدراسات السابقة ‪:‬‬
‫خطـى نتـاج (الكونـي) بصفـة عامـة‪ ،‬بالعديـد مـن الدراسـات واألبحـاث والكتابـات النقديـة‬
‫والتحليليـة‪ ،‬حيـث اعتمـدت مؤلفاتـه كمـادة مرجعيـة للدراسـات البحثيـة(‪.((1‬‬
‫أمـا روايـة ّ‬
‫(التِبـر)‪ ،‬فقـد حظيـت بالعديـد مـن الدراسـات واألبحاث‪ ،‬غير أنها لـم تتطرق إلى‬
‫دراسـة الخطاب ِ‬
‫الحجاجي فيها‪ ،‬نذكر منها دراسـة‪:‬‬
‫‪1.‬عـكازي شـريف‪ ،‬حركيـة السـرد فـي روايـة ِّ‬
‫(التبـر) إلبراهيـم الكونـي‪ ،‬دراسـة فـي المشـهد‬

‫(‪ ((1‬أبو بكر العزاوي‪ ،‬اللغة والحجاج‪ ،‬العمدة في الطبع‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،2006 ،‬ص‪.16‬‬
‫السـرى‪ ،‬المؤسسـة العربية للدراسـات والنشـر‪ ،‬ودار الفـارس للنشـر والتوزيع‪،‬‬
‫(‪ ((1‬ينظـر إبراهيـم الكونـي‪ ،‬عـدوس ُّ‬
‫عمـان‪.571/3 ،2014 ،‬‬ ‫بيـروت ‪ّ -‬‬

‫‪16‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫السـردي وتوزيعـه‪ ،‬جامعـة ابـن خلـدون‪ ،‬الجزائـر‪ ،‬ع‪ ،11‬مـج‪ ،3‬سـبتمبر ‪.2015‬‬
‫‪2.‬شـول فاطمـة الزهـراء‪ ،‬بالغـة الصحـراء وفاعليـة التجسـيم االسـتعاري قـراءة فـي روايـة‬
‫ّ‬
‫(التِبـر) إلبراهيـم الكونـي‪ ،‬مجلـة فصـل الخطـاب‪ ،‬جامعـة ابـن خلـدون‪ ،‬الجزائـر‪ ،‬مـج‪،3‬‬
‫ع‪،11‬سـبتمبر‪2015 ،‬‬
‫‪3.‬األخضـر بـن سـايح‪ ،‬نبـض الحيـاة ونبـض المـوت‪ :‬مشـاهد ووقفـات‪ ،‬قراءة فـي روايـة ّ‬
‫(التِبر)‬
‫إلبراهيـم الكونـي‪ ،‬مجلـة الباحـث‪ ،‬جامعـة عمارثليجـي‪ ،‬الجزائر‪ ،‬ع‪،1‬مـارس‪.2009 ،‬‬
‫‪4.‬دليلـة زغـودي‪ ،‬نرجسـية احتضـان الحلـم األول فـي روايـة الصحراء‪ :‬مقاربة نفسـية لرواية‬
‫ّ‬
‫(التِبـر) إلبراهيـم الكونـي‪ ،‬مجلـة الخطـاب‪ ،‬جامعـة مولـود معمـري‪ ،‬الجزائـر‪ ،‬مـج‪ ،16‬ع‪،1‬‬
‫ينايـر‪.2021 ،‬‬
‫منهج البحث‪:‬‬
‫اعتمـد البحـث الحالـي علـى المنهـج الوصفـي التحليلـي الـذي يـروم إلـى دراسـة اآلليـات‬
‫الحجاجيـة التـي اتـكأ عليهـا (الكونـي) في رواية ِّ‬
‫(التبر)؛ لتحقيق اإلقناع والتأثير في المتلقي؛‬ ‫ِ‬
‫تبعـ ًا للتداوليـة التـى تهتـم بالسـياق المقامـي وتأثيـره فـي إنتـاج الخطـاب‪ ،‬ودراسـة مـا يتضمنه‬
‫مـن ملفوظـات وأفعـال كالميـة ُتنجـز مـن خلال عمليـة الخطـاب‪ ،‬كمـا تـدرس مجمـل العالقـات‬
‫ّ‬
‫محـدد؛ قصـد إنجـاز فعـل اجتماعـي(‪.((1‬‬ ‫الموجـودة بيـن المتكلـم والمخاطـب‪ ،‬ضمـن سـياق‬
‫اخلطة‪:‬‬
‫تم تقسيم البحث الحالي إلى اآلتي‪:‬‬
‫ّ‬
‫املقدمة‪:‬‬
‫تضمنـت التعريـف بموضـوع البحـث‪ ،‬وأسـباب اختيـاره‪ ،‬وأهدافـه‪ ،‬وتسـاؤالته‪ ،‬والدراسـات‬
‫السـابقة‪ ،‬والمنهـج المتبـع فيـه‪ ،‬والخطـة التـي سـار عليهـا‪.‬‬
‫التمهيد‪ :‬وتضمن أمرين‪:‬‬
‫ال ‪ :‬تحرير مصطلح ِ‬
‫(الحجاج)‬ ‫أو ً‬
‫ثاني ًا ‪ :‬التعريف برواية ِّ‬
‫(التبر)‪.‬‬
‫النصية‪.‬‬
‫ّ‬ ‫المحور األوّل‪ :‬حجاجية العتبات‬
‫الحجاج السردي‬‫المحور الثاني‪ِ :‬‬
‫الخاتمة‪ :‬وتضمنت أهم النتائج التي أمكن التوصل إليها‪.‬‬
‫تم االعتماد عليها‪.‬‬
‫قائمة المصادر والمراجع التي َّ‬
‫التمهيد‪ :‬ينطوي البحث الحالي على مفردتين محوريتين هما‪:‬‬

‫أو ًال‪ :‬مصطلح (ا ِ‬


‫حلجاج)‪:‬‬
‫(الحجـاج) جديـدًا علـى االسـتخدام النقـدي؛ فقـد أكثـرت الدراسـات‬ ‫ِ‬ ‫ال ُّ‬
‫يعـد مصطلـح‬
‫ثـم‪ ،‬سیُکتفـي‪ -‬هنـا‬ ‫الحديثـة مـن اسـتخدامه‪ ،‬وتنـاول الجوانـب النظريـة المتعلقـة بـه‪ .‬ومـن ّ‬
‫‪ -‬ببيـان معنـاه المعجمـي واالصطالحـي‪ ،‬مـع تالفـي الخـوض فـي التعريفـات الكثيـرة لـه‪ ،‬واآلراء‬
‫التـي دارت حولـه‪.‬‬

‫(‪ ((1‬ينظر في هذه الجزئية‪:‬‬


‫‪-‬مسـعود الصحـراوي‪ ،‬التداوليـة عنـد علماء العرب‪ ،‬دراسـة تداوليـة لظاهرة األفعـال الكالمية في التراث اللسـاني‬
‫العربي‪ ،‬دار الطليعة‪ ،‬بيـروت‪ ،2005 ،‬ص ص‪.16-10‬‬
‫‪-‬خليفة بوجادي‪ ،‬في اللسانيات التداولية‪ ،‬بيت الحكمة للنشر والتوزيع‪ ،‬الجزائر‪ ،2019 ،‬ص ص ‪.105-67‬‬

‫‪17‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫حلجاج يف اللغة‪:‬‬
‫أ‪ .‬ا ِ‬
‫يـدور مفهـوم ِ‬
‫الحجـاج فـي المعاجـم العربيـة حـول معانـي عـدة منهـا‪ :‬المخاصمـة‪ ،‬الجـدل‪،‬‬
‫الغلبـة‪ ،‬البرهـان‪ ،‬والدليـل(‪ ((1‬وذلـك فـي إطـار االسـتعماالت المتداولـة فـي التخاطـب عنـد‬
‫اسـتخدمت اللفظة في سـياق تواصلي يحمل في ثناياه التأثير في الغير والغلبة‪.‬‬ ‫العرب‪ ،‬حيث ُ‬
‫حلجاج يف االصطالح ‪:‬‬
‫ب‪ .‬ا ِ‬
‫تعددهـا‪ ،‬قريبـة مـن معانيـه المعجميـة؛ فقـد‬ ‫للحجـاج‪ ،‬علـى ّ‬ ‫تبـدو المعانـي االصطالحيـة ِ‬
‫(‪((1‬‬
‫دارت مفاهيمـه‪ ،‬منـذ أرسـطو‪ ،‬حـول المعانـي اللغويـة السـابقة‪.‬‬
‫(الحجاج) في الدرس البالغي الجديد(‪.((1‬‬ ‫ويعد(ديكرو) المؤسس الفعلي لنظرية ِ‬ ‫ُّ‬
‫ّ‬
‫الحجـاج فـي االصطلاح فـن اإلقنـاع‪ ،‬وطرائـق االسـتدالل الحاضـر فـي الخطـاب‪،‬‬ ‫ويعنـي ِ‬
‫تمكـن مسـتخدميها مـن إثـارة االعتقـاد أو ترسـيخه‬ ‫عبـر جملـة مـن التقنيـات الخطابيـة التـي ّ‬
‫فـي العقـول‪ ،‬مـن خلال أطروحـات معروضـة توجـه إلـى المخاطـب؛ للتأثيـر فيـه‪ ،‬وحملـه علـى‬
‫الحجـاج مبني على قصديـة التأثير في المتلقي‬ ‫التسـليم بهـذه األطروحـات(‪ .((1‬وهـذا معنـاه أن ِ‬
‫واسـتمالته‪ ،‬مـن خلال تقنيـات وأسـاليب تخاطبيـة معروضـة فـي ثنايا األفـكار والمواقف‪ ،‬قادرة‬
‫علـى إحـداث آثـار واضحـة فـي سـلوكيات المتلقـي وتصوراتـه نحـو ((قضيـة أو فرضيـة خالفية‪،‬‬
‫يعـرض فيهـا المتكلـم دعـواه مدعومـة ِّ‬
‫بالتبريـرات‪ ،‬عبـر سلسـلة مـن األقوال المترابطـة ترابط ًا‬
‫منطقيًا‪ ،‬قاصدًا إقناع اآلخر بصدق دعواه‪ ،‬والتأثير في موقفه أو سلوكه تجاه تلك القضية))‬
‫(التبـر) موجـه للتأثيـر فـي المتلقـي بوسـائل وآليـات‬‫الحجـاج فـي روايـة ِّ‬ ‫ثـم‪ّ ،‬‬
‫فـإن ِ‬ ‫(‪ .((1‬ومـن ّ‬
‫ّ‬
‫حجاجيـة مختلفـة؛ بهـدف إقناعـه بـرؤى (الكونـي) وفلسـفته تجـاه عالـم الصحـراء‪ ،‬ومـا يتعلـق‬
‫بـه مـن معتقـدات وتقاليـد‪ ،‬وخرافـات‪ ،‬وأسـاطير‪ ،‬عبـر توشـيات لغويـة‪ ،‬وبالغيـة‪ ،‬وأسـلوبية‪،‬‬
‫تتجلـى فـي بنيـة النـص الروائـي فـي الروايـة‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬التعريف برواية (التِّرب)‪:‬‬
‫(التِبـر) ثانـي إنتـاج روائـي (للكونـي) بعـد رباعيـة الخسـوف‪ ،‬وصـدرت سـنة‬ ‫تعـد روايـة ّ‬
‫ُّ‬
‫‪ ،1990‬لكـن تاريـخ كتابتهـا يعـود إلـى سـنة (‪ )1989‬كمـا تشـير الصفحـة األخيـرة مـن‬
‫الروايـة(‪.((1‬‬
‫ويعتمـد البحـث الحالـي علـى الطبعـة الثالثـة الصـادرة عـن دار التنويـر للطباعـة والنشـر ‪-‬‬
‫بيـروت‪ ،‬سـنة ‪ ،1992‬وتقـع فـي نحـو (‪ )160‬ورقـة‪.‬‬
‫وقـد كتـب (الكونـي) هـذه الروايـة راصـدًا عوالـم الصحـراء فـي صـورة قصـص الحيـوان‬
‫وعالقتـه باإلنسـان‪ ،‬مـن خلال العالقـة بيـن بطل الروايـة (أوخيد) وجمله(األبلـق) التي وصلت‬
‫حـد الصداقـة‪ ،‬متخـذًا العجائبيـة والغرائبيـة ملمحـ ًا رئيسـ ًا فـي بنائهـا‪ ،‬حيـث يتحـول‬
‫ّ‬ ‫إلـى‬
‫ّ‬
‫يعـد امتـدادًا لقصـص الحيـوان فـي‬
‫(األبلـق) إلـى بطـل رئيـس يسـهم فـي تشـكيل األحـداث‪ ،‬بمـا ُ‬

‫(‪ ((1‬ينظـر‪ ،‬لسـان العـرب‪ ،‬سـابق ‪ ،779/2‬مـادة (حجج)‪ ،‬وأحمد بـن فارس‪ ،‬معجـم مقاييس اللغـة‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبد‬
‫السلام هارون‪ ،‬دار الفكـر‪ ،‬القاهـرة‪ 30/2 ،1979 ،‬مادة (حجج)‪.‬‬
‫الحجـاج عنـد أرسـطو‪ ،‬ضمـن كتـاب‪ :‬أهم نظريـات ِ‬
‫الحجـاج فـي التقاليـد الغربية‪،‬‬ ‫(‪ ((1‬ينظـر‪ ،‬هشـام الربضـي‪ِ ،‬‬
‫مجموعـة باحثيـن‪ ،‬كليـة اآلداب‪ ،‬تونـس‪ ،‬د‪.‬ت‪ ،‬ص‪.145‬‬
‫(‪ُ ((1‬ينظر‪ ،‬عبد اهلل صولة‪ِ ،‬‬
‫الحجاج في القرآن الكريم‪ ،‬دار الفارابي‪ ،‬بيروت‪ ،2007 ،‬ص‪.18‬‬
‫والحجـاج‪ ،‬سـابق‪ ،‬ص‪ ،16‬ومحمـد العبد‪ ،‬النـص ِ‬
‫الحجاجي العربي‪ ،‬دراسـة في وسـائل اإلقناع‪،‬‬ ‫(‪ ((1‬ينظـر اللغـة ِ‬
‫الحجاج مفهومه ومجاالته‪ ،‬دراسـات‬‫مجلـة فصـول‪ ،‬ع ‪ ،60‬صيف – خريـف‪ ،2002 ،‬ص‪ ،44‬ومجموعـة باحثين‪ِ ،‬‬
‫نظريـة وتطبيقية‪ ،‬إشـراف حافظ إسـماعيل‪ ،‬عالـم الكتب الحديـث‪ ،‬األردن‪.495/1 ،2010 ،‬‬
‫الحجاجي العربي‪ ،‬سابق‪ ،‬ص‪.44‬‬ ‫(‪ ((1‬النص ِ‬
‫(‪ ((1‬ينظر ال ّتِبر‪ ،‬ص‪.160‬‬

‫‪18‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫األدب العربـي واآلداب الغربيـة(‪ ،((1‬بمـا تحملـه مـن طابـع رمزي وفلسـفي وتعليمي وأخالقي‪ ،‬من‬
‫خلال ربـط مسـيرة (أوخيـد) بمصيـر (األبلـق)‪.‬‬
‫ّ‬
‫وتبـدو صـورة هـذه العالقـة‪ ،‬والمسـرح الـذي دارت أحداثهـا عليـه‪ ،‬وكأنها أسـطورة عجائبية‬
‫ّ‬
‫يتحلـق فـي هـذا المنـاخ الحامـل للسـمات‬ ‫متماهيـة فـي سـطوة الواقـع الصحـراوي وجبروتـه‪ ،‬ومـا‬
‫اإلنسـانية فـي شـتى صورهـا‪ ،‬وواقـع العالقـة اإلنسـانية الحيوانيـة المتفاعلـة والمتماهيـة‪،‬‬
‫والمنبثـق تشـكيلها مـن عالمـات ومدلـوالت اسـتمدت مالمحهـا مـن أبعاد متعددة تراثية مسـتمدة‬
‫ً‬
‫ثقلا‬ ‫مـن الواقـع الطوارقـي‪ ،‬أعـاد (الكونـي) صياغتهـا‪ ،‬ومزجهـا برؤيـة فلسـفية خاصـة‪ ،‬تحمـل‬
‫تحـدد لقـارئ الروايـة ومتلقيهـا مـا يجـب أن تطرحـه قـراءة الروايـة وتحليلهـا مـن‬ ‫ّ‬ ‫معرفيـًا ثريـًا‪،‬‬
‫قضايـا وجوديـة تتعلـق بالحريـة واالنعتـاق من أسـر القيود‪ ،‬على نحو ما جاء على لسـان السـارد‬
‫السـر‪ :‬الطمأنينـة‪،‬‬‫((تخلـى عـن اآليـة‪ .‬عـن السـورةعن التعويـذة السـحرية ‪ .‬تخلـي عـن كلمـة ّ‬ ‫ّ‬
‫ّ‬
‫َ‬
‫تلقائيـا بمجـرد أن هجـر الصحـراء‪ ،‬وسـلم رقبتـه لسالسـل‬ ‫ًّ‬ ‫ّ‬
‫الحريـة السـكينة ‪ .‬تخلـى عنهـا‬
‫االسـتقرار فـي الواحـات)) (‪.((2‬‬
‫هـذه الصرخـة المدويـة جـاءت كبحـث دائـم عن الحرية‪ ،‬وهو نداء غرائزي يسـعى وراءه ّ‬
‫كل‬
‫كل زمـان ومـكان الكامـن فـي دهاليـز العالقة اإلنسـانية الحيوانية‪ ،‬التي تسـتمد‬ ‫المخلوقـات فـي ّ‬
‫خطوطهـا‪ ،‬فـي الروايـة‪ ،‬مـن اللغـة المتدفقـة‪ ،‬واإليقـاع السـردي الخـاص بهـا والمحمل بدالالت‬
‫الواقـع الصحـراوي الطوارقـي اإلنسـاني وأنثربولوجيـا الحيـاة فيـه‪ ،‬والتـي تتجـه ناحيـة روافـد‬
‫إنسـانية متعـددة‪ ،‬وهـى البحـث عـن الهويـة‪ ،‬والحقيقـة المطلقـة‪ ،‬والحريـة والخلاص وغيرهـا‬
‫مـن اإلشـارات والعالمـات المعنـي بهـا النـص الروائـي القائـم علـى معماريـة خاصة‪ ،‬اسـتبدل فيها‬
‫العنونـة الداخليـة بأرقـام (‪ ،)32-1‬يرصـد مـن خاللهـا إنسـانية الطـوارق مـن خلال شـخصية‬
‫(أوخيـد)‪ ،‬الـذي يمثـل حالـة مـن حـاالت عالجا لـذات بدالالتهـا المختلفة‪ ،‬ليخـوض (الكوني)‬
‫مـن خلال فعـل الكتابـة تجربـة العالقـة اإلنسـانية الحيوانيـة‪ ،‬منـذ الوهلـة األولـى أو منـذ‬
‫االسـتهالل األوّل للروايـة‪ ،‬حيـث تأتـي صـورة الشـخصية الطوارقيـة (أوخيـد)‪ ،‬ومـا ُجبلـت عليه‬
‫مـن إنسـانية‪ ،‬تتماهـى بقـوة داخـل نسـيج النـص‪ ،‬منـذ أن وضعـه السـارد علـى الـورق؛ ليسـرد‬
‫حكايتـه أو عالقتـه مـع (األبلـق) الـذي تلقـاه هديـة ((وهـو ال يـزال مهـرًا صغيـرًا‪ ،‬يطيـب لـه أن‬
‫يفاخـر بيـن أقرانـه فـي األمسـيات المقمـرة‪ ،‬ويتلـذذ بمحـاورة نفسـه فـي صورة السـائل والمجيب‬
‫‪ ...‬وبلـغ بـه عشـقه لألبلـق أن قصـد شـاعرة معروفـة‪ ،‬وطلـب منهـا أن تقـرض قصيـدة مديـح‬
‫للمهـري‪ ،‬تمجـد خصائلـه‪ ،‬وتطـري مواهبـه أسـوة بالفرسـان واألبطـال المحاربيـن)) (‪.((2‬‬
‫النصيـة األولـى الحاملـة لداللـة المعنـى‪ ،‬والمعـادل‬ ‫ّ‬ ‫وقـد مثلـت مفـردة ّ‬
‫(التِبـر) العتبـة‬
‫الموضوعـي الرامـز لجسـم النـص‪ ،‬والمختـزل لطبيعة ما يجرى من أحداث متشـابكة ومتقاطعة‪،‬‬
‫ومجريـات للواقـع الصحـراوي‪.‬‬
‫فـي هـذا السـياق‪ ،‬يفـرض عنـوان الروايـة نفسـه علـى واقـع إشـكالية النـص‪ ،‬وإشـكالية مـا‬
‫(التِبـر)‪ ،‬والـذي يثيـر جملـة مـن التسـاؤالت‪ :‬هـل ّ‬
‫(التِبـر) هـو‬ ‫يـدور فيـه مـن وقائـع وأحـوال ّ‬
‫معـادل موضوعـي للذهـب بمعنـاه المعـروف ؟ أم هـو معـادل لزيـف العالقـات المفقـودة؟ أم أنـه‬
‫معـادل لغوايـة المـال الـذي يهلـث اإلنسـان خلفـه؟ أم أ ّنه هـو االنتماء واألصل والقداسـة والطهر‬
‫الصحـراوي فـي مقابـل ماديـة المجتمـع؟ أحـوال كثيـرة بنتهـا الفتنـة والغوايـة داخـل النـص‬
‫الروائـي‪ ،‬ومـن خلال أفعـال الشـخصيات المحوريـة (أوخيـد) الـذي جعـل مـن أصالـة الصحـراء‬
‫(التِبـر) الـذي يدنـس طهرهـا‪ ،‬علـى نحـو مـا سـيتضح فـي‬ ‫وطهرهـا مـكان القداسـة فـي مقابـل ّ‬
‫ثـم إلـى‬
‫المحـور األوّل‪ ،‬ومـن خالل (األبلـق) الـذي قادتـة الغوايـة والفتنـة إلـى الخطيئـة ومـن ّ‬

‫(‪ ((1‬ينظـر‪ ،‬علـى عشـري زايد‪ ،‬قصـص الحيـوان بین األدب العربـي واآلداب العالميـة‪ ،‬دار النصر للتوزيع والنشـر‪،‬‬
‫القاهرة‪.2000 ،‬‬
‫(‪ ((2‬ال ّتِبر‪ ،‬ص‪.127‬‬
‫(‪ ((2‬ال ّتِبر‪ ،‬ص ‪.8 ،7‬‬

‫‪19‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫الهلاك ((واصـل مغامراتـه مـع النـوق السـارحة فـي مراعـى الصحـراء‪ ،‬فكلفتـه الفحولـة العميـاء‬
‫داء الجـرب)) (‪.((2‬‬
‫هـذه المعانـي وضعهـا السـارد الروائـي مجـردة أمـام المتلقـي‪ ،‬وتـرك لـه حريـة التأويـل‬
‫كل فصـل‬ ‫نصيـة يحملهـا ّ‬‫واالختيـار‪ ،‬مـن خلال تقسـيمات فصـول الروايـة الدالـة علـى وضعيـة ّ‬
‫سـردي داخلـه‪ ،‬وإن كانـت جميعهـا تنبـع مـن نبـع واحـد‪ ،‬أال وهـو نبـع السـيرة الصحراويـة التـي‬
‫تنبع من تاريخ اإلنسـان الطوارقي‪ ،‬وتعطي نتائجها إلى المتلقي من خالل مشـاهدات لها سـردها‬
‫الحكائـي الخـاص المحـدد لوقائعهـا وممارسـاتها الذاتيـة‪ ،‬ومـا جلبته على شـخصيات الرواية من‬
‫غوايـات‪ :‬المـرأة‪ ،‬الولـد‪ ،‬الذهـب‪ ،‬والصداقـة بالمهـري‪ ،‬تتعالـق باأللـم ((فهـذه العناصـر األربعة‬
‫فتـن دنيويـة ّ‬
‫تعلـق بهـا قلـب (أوخيـد) فتكبـد بسـببها المحـن والشـقاء والتعاسـة‪ ،‬لقدرهن قلبه‬
‫بـكل مـا هـو مـادي وجسـدي‪ ،‬فتكبـد األلـم الـذي أفضـى بـه إلـى المـوت؛ ليصبـح المـوت رمـزاً‬ ‫ّ‬
‫ّ‬
‫للتحـرر وللتخلـص مـن كل مـا هـو مـادي ومزيـف‪ ،‬للتخلـص مـن متـاع الدنيـا الزائـل؛ للتطهـر مـن‬
‫(‪((2‬‬ ‫الغوايـة‪ ،‬فتتحـرر الـروح مـن الجسـد الـذي يربطهـا ّ‬
‫بـكل مـا هـو مـادي زائـف))‪.‬‬
‫احملور األول ‪ :‬حجاجية العتبات ّ‬
‫النصية‪:‬‬
‫النصيـة ومسـمياتها‪ :‬المصاحبـات‪ ،‬المكملات‪ ،‬والملحقـات أحـد األبعـاد‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫تشـكل العتبـات‬
‫الحجاجـي فـي راويـة ّ‬
‫(التِبـر)‪ ،‬والتـي‬ ‫واآلليـات التـي اتـكأ عليهـا (الكونـي) فـي بنـاء الخطـاب ِ‬
‫تشـكل‪ ،‬بمختلـف تزويقاتهـا وأنواعهـا‪ :‬العنـوان‪ ،‬اإلهـداء‪ ،‬والغلاف وغيرهـا‪ ،‬إحـدى الثيمـات‬
‫المهمـة المسـاعدة علـى اقتحـام عالـم الروايـة؛ بوصفهـا مفاتيـح أوليـة تسـهم فـي بنـاء جسـور‬
‫التواصـل بيـن المتلقـي وبيـن النـص الروائـي‪ ،‬وتمنحـه مفاتيـح استكشـافية؛ السـتكناه محتـواه‪،‬‬
‫قرائيـا للتجـاوز واالجتيـاز إلـى عوالـم النـص المنغلقـة(‪ ،((2‬ما يتيـح للمتلقي‬
‫ًّ‬ ‫بمـا يجعلهـا مطلبـًا‬
‫التنقيـب فـي حفريـات النـص‪.‬‬
‫النصيـة‪ ،‬أبعادًا حجاجية؛ بوصفهـا نصوص ًا تكميلية للمتن‬ ‫وقـد أسـس (الكونـي)‪ ،‬بالعتبـات ّ‬
‫الروائـي‪ ،‬تمـارس فعـل الجاذبيـة للمتلقـي‪ ،‬مـن خلال تسـاؤالت تحفيزيـة عـن عالقـة هـذه‬
‫المحفـزات بالمضمـون‪.‬‬
‫أو ًال‪ :‬حجاجية العنوان ‪:‬‬
‫يشـكل العنـوان أوّل رسـالة حجاجيـة يتلقاهـا المخاطب؛ بوصفـه أداة التواصل الفاعلة بينه‬ ‫ّ‬
‫وبيـن الرسـالة ‪ /‬النـص‪ ،‬مـا ينشـط فعـل القـراءة والتأويل؛ للدخـول إلـى بهـو النـص ومتنـه علـى‬
‫حـد تعبيـر (كريفـل) (‪((2‬؛ ّ‬
‫لفـك شـفراته ومغاليقـه ومـا غمـض منه‪.‬‬ ‫ِّ‬
‫ّ‬
‫و(التِبـر) هـو العنـوان الـذي اختـاره (الكونـي)‪ ،‬والـذي جـاء بصيغـة اسـمية مفـردة لمبتـدأ‬
‫محـذوف سـكت عنـه (الكونـي)‪ ،‬وهـو مـا يسـمح بانطلاق القـراءات التأويليـة عـن الهـدف مـن‬
‫الحـذف‪ ،‬وهـو مـا يتوجـب معـه تدخـل المتلقـي إلـى دهاليـز النـص الروائـي وتأطيـر معنـاه‪،‬‬
‫بواسـطة المشـاركة في بناء الموضوع القصدي وملء الفراغ المحذوف‪ ،‬عبر تسـربل التسـاؤالت‬
‫القرائيـة عـن تأويـل المبتـدأ المحـذوف‪ ،‬وفقـ ًا لتعدديـة االحتمـاالت المطروحـة المتمثلـة‬
‫التِبـر‪ ،‬أو غوايـة ّ‬
‫التِبـر وغيرهـا من التأويلات القرائية‪،‬‬ ‫التِبـر‪ ،‬أو زيـف ّ‬
‫التبـر‪ ،‬أو فتنـة ّ‬
‫في‪:‬هـذا ِّ‬
‫ممـا يكشـف عـن قصديـة (الكونـي) مـن السـكوت عـن ذكـر المبتـدأ والتصريـح بـه؛ ليدعـو‬ ‫ّ‬
‫المتلقـي إلـى التفكيـر فـي الجـزء المحـذوف‪ ،‬وبالتالـي يدخـل فـي ممارسـة حجاجية مسـتخدم ًا‬

‫(‪ ((2‬ال ّتِبر‪ ،‬ص ‪19‬‬


‫(‪ ((2‬رشـا أحمـد محمـود‪ ،‬قراءة سـيميولوجية في روايـة (ال ّتِبـر) إلبراهيم الكوني‪ ،‬مجلـة فيلولوجي‪ ،‬كلية األلسـن‪،‬‬
‫جامعـة عين شـمس‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مـج‪ ،32‬ع‪ ،2015 ،63‬ص‪.125‬‬
‫(‪ ((2‬ينظـر‪ ،‬عبـد الحـق بلعابـد‪ ،‬عتبات جيـرار جينيت من النص إلـى المناص‪ ،‬منشـورات االختالف ‪ -‬الـدار العربية‬
‫للعلوم ناشـرون‪ ،‬الجزائر ‪ -‬بيـروت‪ ،2008 ،‬ص‪.142‬‬
‫(‪ ((2‬ينظر‪ ،‬شعيب حليفي‪ ،‬هوية العالمات في العتبات وبناء التأويل‪ ،‬دار الثقافة‪ ،‬المغرب‪ ،2005 ،‬ص‪.35‬‬

‫‪20‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫عقلـه وتفكيره؛السـتكناه الرسـالة الموجهـة إليـه‪.‬‬


‫وقـد عمـد (الكونـي) إلـى فـرض عنـوان الروايـة علـى المتلقـي فـي ثنايـا الخطـاب الروائـي‪،‬‬
‫الذهـب‬ ‫التِبـر‪ّ /‬‬ ‫مـن خلال مـا يثيـره العنـوان مـن تسـاؤالت تثيـر ذائقـة المتلقـي حـول غوايـة ّ‬
‫ومـدى سـطوته علـى الشـخصيات‪ ،‬وموقـف السـارد‪ /‬الروائـي مـن هـذه الفتنـة المنتفيـة في عالم‬
‫الصحراء‪.‬‬
‫بم ْ‬
‫ـن‬ ‫َ‬ ‫ً‬
‫ا‬ ‫وتنديـد‬ ‫الماديـة‪،‬‬ ‫الحيـاة‬ ‫بريـق‬ ‫زيـف‬ ‫علـى‬ ‫حجـة‬ ‫العنـوان‬ ‫مـن‬ ‫(الكونـي)‬ ‫ـذ‬ ‫ّ‬
‫اتخ‬ ‫وقـد‬
‫((الذهب يعمي‬ ‫ّ‬ ‫يفتنـون بـه‪ ،‬مصحوبـًا ذلـك بالبرهـان والدليـل‪ ،‬وهـو مـا جـاء علـى لسـان السـارد‬
‫الذهب سـبب‬ ‫الذهب وراءه‪ّ .‬‬‫الذهب الملعون قادم إليه‪ّ .‬‬ ‫الذهـب يفسـد أفضـل األخلاق‪ّ .‬‬ ‫الجميـع‪ّ .‬‬
‫(‪((2‬‬ ‫ّ‬
‫كل اللعنـات))‬
‫ّ‬
‫جـاء التعقيـب السـابق كآليـة حجاجيـة منطقيـة علـى زيف االفتنـان ببريق الذهـب‪ّ /‬‬
‫التِبر‪،‬‬
‫وهـو مـا تحقـق فـي توجيـه مسـار الحـدث إلـى مـا يريـده (الكونـي)‪ ،‬مصحوبـًا بالدليـل (يعمـى‬
‫الذهـب الملعـورن ‪ -‬سـبب ّ‬
‫كل اللعنـات)‪.‬‬ ‫الجميـع ‪ -‬يفسـد األخلاق ‪ّ -‬‬
‫ولكـي يثبـت السـارد صحـة رأيـه‪ ،‬أتـى بحجية الحكايةاعتمادًا على اسـتدعاء الماضي‪ ،‬الذي‬
‫حلت‬‫(التِبـر)‪ ،‬مـن خلال شـخصية (دودو) الذي ّ‬ ‫يبـرر المواقـف الحياتيـة علـى حجاجيـة زيـف ّ‬
‫(الذهـب) وقضـت عليـه ((هكـذا هـي الدنيـا‪ .‬الجبنـاء هـم الذيـن يجنـون الثمـار‬ ‫عليـه لعنـة ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫دائمـ ًا‪ .‬ولسـوء حظـه أنـه حجـر عثـرة فـي طريقهـم‪ .‬لـن يهنـأ لهـم بـال‪ ،‬لـن ينامـوا الليـل حتـى‬
‫التِبر‪ .‬لعنـة اهلل على ّ‬
‫التِبر‪.‬‬ ‫يمزقونـه‪ ،‬حتـى يمحونـه؛ ليواصلـوا سـعيهم إلـى الذهـب‪ .‬إلى ذرات ّ‬
‫ّ‬
‫التِبـر‪ .‬ليـس هـو المسـؤول عـن رقبـه دودو‪ ،‬التِبر هو‬ ‫كلـه بسـبب ال ِّتبـر‪ .‬دودو أيضـ ًا قضـى عليـه ّ‬
‫(‪((2‬‬
‫المسـؤول))‪.‬‬
‫لقـد اصطنـع السـارد هـذه الحجيـة ألهـداف حجاجيـة تتلخص في زيف الحيـاة المادية في‬
‫اتخـاذ (الكونـي)‬ ‫مقابـل طهـر الحيـاة الصحراويـة وقدسـيتها‪،‬والتي كان لهـا دورهـا المركـزي فـي ّ‬
‫للتِبـر عنوانـًا لروايتـه؛ ليضـع المتلقـي أمـام أحـد خيارييـن ال ثالـث لهمـا‪ :‬إمـا أن يسـتجيب لمـا‬ ‫ّ‬
‫يطرحـه (الكونـي) مـن قضايـا فيقبلهـا ويدافـع عنهـا‪ ،‬أو يرفضهـا ويعارضهـا‪ ،‬وهـو مـا يهدف إليه‬
‫(‪((2‬‬
‫الحجاجـي الناجح‪.‬‬ ‫الخطـاب ِ‬
‫اتخـاذ أحـد‬ ‫أن حـذف المبتـدأ مـن عنـوان الروايـة سـيدفع المتلقـي إلـى ّ‬ ‫وممـا ال شـك فيـه ّ‬ ‫ّ‬
‫بنـاء علـى الفرضيـات والمقدمـات المضمـرة فـي العنـوان‪ ،‬الـذي احتـوى‬ ‫ً‬ ‫السـابقين؛‬ ‫الموقفيـن‬
‫التِبـر الـذي يمثـل نتيجـة‪ُ ،‬حـذف منهـا الحجـة‪ /‬المبتـدأ التي تعـزز اآلخر‪/‬‬ ‫علـى ملفـوظ واحـد‪ّ /‬‬
‫(‪((2‬‬ ‫ّ‬
‫التِبـر وتسـنده‪.‬‬
‫ثـم‪ ،‬فقـد أحكـم (الكونـي) قبضتـه علـى ذهـن المتلقـي بدايـة مـن عنـوان الروايـة‪،‬‬ ‫ومـن ّ‬
‫وهيئـة لتقبـل أو رفـض مـا سـيطرحه عليـه مـن رؤى وتصـورات؛ عبـر الغوصفـي المتـن الروائـي‪،‬‬
‫التبـر‪ ،‬ومعرفـة سـبب تسـميته للروايـة بهـذا االسـم‪ ،‬وهـو مـا سيكتشـفه المتلقي‬ ‫السـتكناه هـذا ِّ‬
‫مـن خلال الغـوص فـي دهاليـز المتـن الروائـي؛ الكتشـاف داللـة العنـوان الـذي يحيل إلـى غواية‬
‫ضاربـة بجذورهـا‪ّ ،‬‬
‫فالتِبـر هـو الرمـز لماديـة المجتمع‪ ،‬وما يمارسـه من غوايـة وفتنة لها داللتها‬
‫نصية هو معادل‬ ‫حجاجيا((جعلـه الكوني عتبـة ّ‬
‫َّ‬ ‫المكانيـة والزمانيـة‪ ،‬بحيـث صـار العنوانخطابـًا‬
‫للبريـق‪ ،‬البريـق المصنـوع والمزيـف والمفقـود‪ ،‬بريـق الغوايـة الـذي يلهـث اإلنسـان خلفـه؛ ظنـًّا‬
‫أنه سـيمنح السـعادة‪ ،‬ولكنه ال يجني من سـعيه سـوى الشـقاء‪ .‬إ ّنهذا البريق أشـبه بالسـراب الذي‬
‫(‪ ((2‬ال ّتِبر‪ ،‬ص‪.144‬‬
‫(‪ ((2‬ال ّتِبر‪ ،‬ص‪.148‬‬
‫(‪ ((2‬ينظـر‪ ،‬عبـد اهلل صولـة‪ ،‬فـي نظريـة الحجاج‪ ،‬دراسـات وتطبيقـات‪ ،‬دار مسـكيلياني للنشـر والتوزيـع‪ ،‬تونس‪،‬‬
‫‪ ،2011‬ص‪.13‬‬
‫(‪ ((2‬ينظـر‪ ،‬رشـيد الراضـي‪ ،‬المظاهر اللغوية للحجـاج‪ ،‬مدخل إلى الحجاجيات اللسـانية‪ ،‬المركـز الثقافي العربي‪،‬‬
‫بيروت‪ -‬الـدار البيضاء‪ ،2014 ،‬ص‪.77‬‬

‫‪21‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫يهمبأخـذه‬
‫يظنـه الصحـراوي علـى الرمـال الذهبيـة الالمعـة فيسـعى للحصـول عليـه‪ ،‬وعندمـا ّ‬
‫(‪((3‬‬ ‫يكتشـف أنـه سـراب‪ ..‬وهكـذا يتضـح المعنـى الثقافـي من ِّ‬
‫التبـر))‬
‫وهـذا مـا اشـتغل عليـه (الكونـي) فـي عنـوان الروايـة‪ ،‬فهـو رغـم صغـر حجمـه ّ‬
‫إال ّ‬
‫أنـه جـاء‬
‫مناسـب ًا للنصـوص الروايـة‪ ،‬ومنحـه أفقـ ًا للتأمـل قبـل الولوج إلـى عالمها‪ ،‬ليكون العنـوان ملفوظاً‬
‫ُيفضـي إلـى التسـليم بداللتـه أو العكـس‪ ،‬وبذلـك تكـون حجاجيـة العنوان ((قائمـة على الحوار‬
‫والمعارضـة بيـن المعنـون والمعنـون لـه ‪ ..‬وهذيـن المبدأيـن سيسـاهمان فـي تحديـد ِ‬
‫الحجـاج‬
‫العنوانـي وكيفيـة اشـتغاله ‪ ...‬فالمنطـوق بـه هـو العنـوان من طرف المعنون وهـو الكاتب‪ .‬يوجه‬
‫إلـى الغيـر وهـو المعنـون لـه أو الجمهـور المسـتهدف؛ إلفهامـه دعوى كيفية وضعـه لهذا العنوان‪،‬‬
‫(‪((3‬‬
‫كمـا يحـق لهـذا المعنـون لـه إمـا االقتنـاع بـه أو االعتراض عليـه))‪.‬‬
‫ثانيًا ‪ :‬حجاجية الغالف‪:‬‬
‫الحجـاج التـي تمـارس تأثيرهـا العقلـي علـى المتلقـي؛ الحتوائـه‬ ‫ُّ‬
‫يعـد الغلاف أحـد أسـاليب ِ‬
‫النصـي‪ ،‬ومفتاحـًا للخـوض فـي‬
‫ّ‬ ‫علـى مؤثـرات بصريـة تحمـل شـفرات ثقافيـة تحيـل إلـى المتـن‬
‫غمـاره وأبعـاده الدالليـة والرمزيـة الموحيـة(‪ ،((3‬مـا يدفعـه إلـى التسـليم بوجهـة نظـر المؤلف‬
‫أو عـدم االنصيـاع لهـا‪.‬‬
‫ّ‬
‫والمتأمـل فـي غلاف روايـة ( التِبـر) يجـد أنـه قـد ُصمم ليمتـزج بالعنوان‪ ،‬الذي جاء أسـفل‬
‫إن الصحـراء‬ ‫الغلاف ((بلـون بنـي ترابـي‪ ،‬والـذي يـؤول علـى أنـه تسـاوي ّ‬
‫التِبـر بالتـراب‪ ،‬حتـى ّ‬
‫(‪((3‬‬
‫عمومـًا‪ ،‬والطـوارق خصوصـًا ال يعطـون قيمـة للذهـب‪ ،‬ويـرون أنـه يجلـب اللعنـة والشـؤم))‪.‬‬
‫ّ‬
‫احتـل‬ ‫وقـد تجلـى هـذا االمتـزاج أيضـًا فـي تعالـق اللونيـن األبيـض والبنـي الطينـي‪ ،‬حيـث‬
‫اللـون األبيـض أكبـر مسـاحة‪ ،‬بمـا يـؤول إلـى طبيعـة المتـن الروائـي المحمـل بـدالالت عـدة‪.‬‬
‫منهـا ‪ :‬الصفـاء والنقـاء‪ ،‬والطهـر‪ ،‬والسلام(‪،((3‬وكلها دالالت ينشـدها الكونـي‪ .‬أمـا اللـون البنـى‬
‫الطينـي‪ ،‬فهـو ((يرمـز للأرض الصحراويـة ‪ -‬الحمـادة الحمراء ‪ -‬وأتى على شـكل تضاريس جبلية‬
‫صحراويـة‪ ،‬وهنـاك رسـومات تاريخيـة لصياديـن يطـاردون حيوان ًا ‪ ...‬ونجد هنـا تقاطعـًا بيـن ما‬
‫ترمـز إليـه الرسـومات فـي الواقـع الروائـي‪ ،‬وهـو مطـاردة الصياديـن ألوخيـد‪ ،‬وجملـه األبلق عبر‬
‫الجبـال الصخريـة‪ ،‬وانتهـت المطـاردة بالمـوت التراجيـدى ألوخيـد)) (‪.((3‬‬
‫أمـا الواجهـة الخلفيـة للغلاف‪ ،‬فجـاءت كلهـا بيضـاء‪ ،‬داللـة علـى قصديـة (الكونـي) فـي‬
‫إحـداث التأثيـر المطلـوب فـي المتلقـي‪ ،‬وإقناعـه بنقـاء الرسـالة‪ ،‬ومحاولـة إعـادة قاطنـي‬
‫الصحـراء‪.‬‬
‫بعث األمل في نفوس الطوارق وغيرهم من قاطني الصحراء‪.‬‬
‫ولعـل قصديـة تصميـم الغلاف علـى هـذه الهيئـة يضفـي شـحنات بالحمـوالت الفكريـة‬ ‫ّ‬
‫والثقافيـة‪ ،‬بحيـث يعبـر تصميـم الغلاف عـن موروثـات حقيقيـة تؤطـر َّكل محتويـات الغلاف‪،‬‬
‫وتنعكـس داللتـه علـى المتـن‪ ،‬بمـا يجعلـه حجاجـًا بصر ًّيـا له داللتـه المؤطـرة؛ التصاله بعوالم‬
‫الصحـراء ذات التأثيـر المتجـذر فـي المخيلـة الثقافيـة‪ ،‬دفعـت المتلقـي إلـى التحـاور مـع مدلول‬
‫تصميمـه‪ ،‬مـا يشـكل تواصليـة بيـن المعنـون‪ /‬الروائـي‪ ،‬وبيـن المعنـون له‪/‬المتلقـي؛ السـتنفار‬

‫(‪ ((3‬قراءة سيميولوجية في رواية (ال ّنِبر)‪ ،‬سابق‪ ،‬ص ص‪.126 ،125‬‬
‫(‪ ((3‬عبدالحـق بلعابـد‪ ،‬تداوليـات العنوان في الخطـاب الروائي المغاربـي‪ ،‬مجلة الكلمة‪ ،‬نيوصوفيـا‪ ،‬قبرص‪ ،‬ع‪،27‬‬
‫مارس‪.2009 ،‬‬
‫(‪ ((3‬ينظر‪ ،‬هوية العالمات في العتبات‪ ،‬سابق ص ‪.13-11‬‬
‫(‪ ((3‬عـكازي شـريف‪ ،‬الصحـراء وطاقتهـا الترميزيـة فـي أعمـال إبراهيـم الكونـي الروائيـة‪ ،‬أطروحة دكتـوراه‪ ،‬كلية‬
‫اآلداب واللغـات‪ ،‬جامعـة قاصـدي مريـاح ورقلـة‪ ،‬الجزائـر‪ ،2018-2017 ،‬ص‪.44‬‬
‫(‪ ((3‬ينظر أحمد مختار عمر‪ ،‬اللغة واللون‪ ،‬عالم الكتب للنشر والتوزيع‪ ،‬القاهرة‪ ،1997 ،‬ص‪.146‬‬
‫(‪ ((3‬الصحراء وطاقتها الترميزية‪ ،‬سابق‪ ،‬ص‪.44‬‬

‫‪22‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫طاقاتـه‪ ،‬وتحريـك مخيلتـه الذهنيـة إلـى تحليـل عناصـر الغلاف‪ ،‬واسـتنتاج دالالتهـا‪ ،‬ومـدى‬
‫انعـكاس ذلـك علـى المتـن الروائـي‪ ،‬بمـا يغريـه للدخـول إلـى فضاءاتـه‪ ،‬بمـا علـق فـي ذهنـه‬
‫ّ‬
‫امتـد تأثيرهـا‬ ‫مـن إشـارات حجاجيـة تكتنـف لوحـة الغلاف‪ ،‬بمـا يتضمنـه مـن رسـومات وألـوان‪،‬‬
‫إلـى المتـن ((تجـاوزًا للمرجعيـة التاريخيـة واألنثروبولوجيـة؛ ليلتقـي وعـي المؤلـف بوعـي‬
‫نصية تتقاطع مع ميثولوجيا الطوارق‪ ،‬وطقوسـهم‬ ‫القـارئ‪ ،‬وتتحـول هـذه األيقونـات إلـى إشـارات ّ‬
‫األسـطورية‪ ،‬وتعاليـم كتابهـم المقـدس المفقـود ( آنهـي)‪ ،‬ووصايـا أسلافهم المنقوشـة علـى‬
‫الصخـور‪ ،‬وحـواف آبـار الصحـراء‪ ،‬وإيديولوجيـة المؤلـف)) (‪.((3‬‬
‫ثالثًا ‪ :‬حجاجية اإلهداء‪:‬‬
‫يحمـل اإلهـداء دالالت مشـحونة ومكثفـة تسـهم فـي إقامـة تواصليـة بيـن الكاتـب وبيـن‬
‫المتلقي‪،‬و ُتثيـر لديـه تسـاؤالت عـن هـؤالء الذيـن اختصهـم المبـدع بإهـداء رسـالته اإلبداعيـة‬
‫منعدمـه عـن قصديـة(‪.((3‬‬
‫(التبـر) يجـد أن طبعتهـا األولـى حملـت عتبـة اإلهداء الـذي جاء فيه‪:‬‬ ‫والمتأمـل فـي روايـة ِّ‬
‫ّ‬
‫((إلـى فـارس الفايكينـغ الـذي تعلق بالصحراء‪ :‬إيغـور يارمكوف)) ‪.‬‬
‫(‪((3‬‬

‫وبالغـوص فـي داللـة اإلهـداء‪ ،‬نجـد أ ّنـه يمثـل ممارسـة اجتماعيـة‪ ،‬وجههـا (الكونـي) إلـى‬
‫إن اإلهـداء جـاء عـن قصديـة‬ ‫أي ّ‬
‫مخاطـب معيـن (إيغـور يارمكـوف) المستشـرق السـوفيتي‪ّ ،‬‬
‫ذاتيـة تنشـط الفاعليـة التواصليـة بيـن (الكونـي) والمتلقـي‪ ،‬الذي يتسـاءل عن سـبب تخصيص‬
‫المهـدى إليـه باإلهـداء دون غيـره‪ ،‬فـي بحـث عنـه فـي ثنايـا النـص الروائـي؛ ليكتشـف ّ‬
‫أن ذلـك‬ ‫ُ‬
‫إن ثمة مشـاركة‬ ‫أي ّ‬
‫يرجـع إلـى عامـل نفسـي كشـف عنـه (الكونـي) بتعلقه هو اآلخر بالصحراء‪ّ ،‬‬
‫بينهمـا‪ ،‬تثيـر المتلقـي للبحـث والتنقيـب عنهـا‪ ،‬وتحملـه علـى االقتنـاع بأحقيـة (يـار مكـوف)‬
‫باإلهـداء أو عـدم االسـتجابة لرؤيـة الكاتـب؛ بالبحـث عنـه فـي الروايـة؛ السـتكناه حضـوره من‬
‫عدمـه‪ ،‬وهـل كان اإلهـداء إلـى (يارمكـوف) الموصـوف بالفـارس علـى سـبيل الرمـز أم أنـه ُيهـدي‬
‫العمـل إلـى فـارس الصحـراء الحقيقـي فـي روايتـه (أوخيـد)؟‬
‫أمـا الطبعـة التـي اعتمـد عليهـا البحـث الحالـي‪ ،‬فقـد غـاب عنهـا اإلهـداء‪ ،‬وهـو مـا يثيـر‬
‫ممـا يدفعـه إلـى النبـش فـي تضاريـس الروايـة‬ ‫لـدى المتلقـي تسـاؤالت حـول هـذا الغيـاب‪ّ ،‬‬
‫ّ‬
‫ولعـل غيـاب اإلهـداء يرجـع‬ ‫لمعرفـة السـبب‪،‬وهو ماينفتـح معـه مجـال القـراءة لتأويلات عـدة‪.‬‬
‫إلـى مـا تتضمنـه الروايـة مـن رمـوز‪ ،‬وموروثـات ثقافيـة واجتماعيـة ُتوضـع فـي خانـة الخرافـات‬
‫واألسـاطير والنذور وغيرها(‪ ،((3‬فخشـى أن يهديها إلى أناس معلومين أو مجهولين قد اليتقبلوا‬
‫أي شـخص‪ ،‬فآثـر السلامة‬ ‫مـا احتوتـه الروايـة وتضمنتـه مـن هـذه األمـور التـي قـد ال يتقبلهـا ّ‬
‫علـى أن يتعـرض للنقـد‪.‬‬
‫وقـد يرجـع السـبب فـي هـذا الصمـت عـن اإلهـداء إلى مناسـبته لقداسـة الصحـراء وتفردها‬
‫السـر هـو الـذي يهبـه هـذا الجلال‪ .‬فكـم هـي عاريـة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫بالصمـت والرهبـة والغمـوض ((هـذا هـو‬
‫السـر ‪ .‬هـذا الخاطر الخفـي الهائم في الفضاء‪ .‬اإلحسـاس‬ ‫ّ‬ ‫وكـم هـي خفيـة هـذه الصحـراء! هـذا‬
‫تتلمسـه هـو الـذي سـجد لـه‬ ‫ّ‬ ‫تحسـه وال‬
‫ّ‬ ‫المبهـم المعمـم بثنايـا الظلمـات والسـكون‪ ،‬هـذا الـذي‬
‫أوخيـد وتوسـل إليـه))(‪.((4‬‬
‫النصيـة في روايـة الصحراء لـدى إبراهيم الكونـي‪ ،‬حفريات الكتابة المنسـية‬
‫(‪ ((3‬خليفـة بولفعـة‪ ،‬شـعرية العتبـات ّ‬
‫والنقـوش المقدسـة‪ ،‬مجلـة الخطـاب‪ ،‬جامعـة مولود معمـري ‪ -‬تيـزي وزو‪ ،‬الجزائر‪ ،‬مـج ‪ ،17‬ع‪ ،2‬جـوان ‪،2022‬‬
‫ص‪.240‬‬
‫(‪ ((3‬ينظـر‪ ،‬عبـد الفتـاح الجحمـري‪ ،‬عتبات النـص‪ ،‬البنية والداللـة‪ ،‬منشـورات الرابطة‪ ،‬الدار البيضـاء‪،1996 ،‬‬
‫ص‪.26‬‬
‫(‪ ((3‬ال ّتِبر‪ ،‬دار رياض الريس‪ ،‬لندن‪ ،‬ط‪ ،1990 ،1‬ص‪.3‬‬
‫(‪ ((3‬ينظر‪ ،‬ال ّتِبر‪ ،‬ص ص ‪ 64 ،34 ،30 ،21 ،20‬وغيرها‪.‬‬
‫(‪ ((4‬ال ّتِبر‪ ،‬ص ‪.14‬‬

‫‪23‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫هـذه التأويلات قـد تدفـع المتلقـي إلـى التسـليم بمـا يريـده المؤلـف أو ً‬
‫ال‪ ،‬أوقـد يأتـي‬
‫بتأويلات أخـرى‪ ،‬بفعـل القـراءة‪ ،‬تخالـف أو تدحـض مـا أراده (الكوني) من الصمـت عن اإلهداء‪.‬‬
‫حلجاج السردي‪:‬‬
‫احملور الثاني‪ :‬ا ِ‬
‫الحجـاج والسـرد‪ ،‬بمـا يمنـح الخطـاب ألقـًا جديـدًا علـى مسـتوى‬‫ثمـة روابـط ممتـدة بيـن ِ‬
‫البنيـة اللغويـة والبالغيـة وغيرهـا؛ إلقنـاع المسـرود لـه ‪ /‬المتلقـي عبـر معطيـات حجاجيـة‬
‫سـردية قائمـة علـى التواصليـة بيـن المعنـون والمعنـون لـه‪ .‬وبالتالي‪ ،‬فالسـردية ِ‬
‫والحجاج لهما‬
‫الهـدف نفسـه المتجـذر فـي كونهمـا ((صيغتيـن تسـعيان إلـى إحـراز تواصـل مفعـم باالنسـجام‬
‫واالتسـاق‪ ،‬ومسـلح بقدر كبير من األسـاليب التأثيرية‪ ،‬وإذا كانت السـردية تعتمد على الحدث‬
‫القصصـي‪ ،‬والتسلسـل والحبكـة‪ ،‬والوصـف‪ ،‬والحـوار‪ ،‬فإ ّن ِ‬
‫الحجـاج يعتمد علـى الداللة و العالمة‪،‬‬
‫واالسـتدالل والقيـاس‪ ،‬والبرهـان فـي إطـار تداولـي يتيـح للمخاطبيـن أن يعبـروا عنمواقفهـم‪،‬‬
‫وميولهـم وآرائهـم‪ ،‬وأفكارهمومقاصدهـم))(‪ ،((4‬وهـو مـا يسـتدعي من السـارد توظيف ِ‬
‫الحجاج في‬
‫الحكـي‪ ،‬إذا مـا رام إقنـاع المتلقـي‪.‬‬
‫الحجاجـي؛ إليصـال أفـكاره إلـى المتلقـي‪،‬‬ ‫وقـد حـرص (الكونـي) علـى حضـور السـرد ِ‬
‫والمنبثقـة عـن فلسـفة وجوديـة‪ ،‬ومواقـف حياتيـة تجـاه عالـم الصحـراء تقـوم علـى البرهـان‪،‬‬
‫(التبـر) وظائـف متنوعـة‪ :‬تواصليـة وحجاجيـة‪ ،‬وأدبيـة هدفهـا‬ ‫مـا يمنـح الخطـاب الروائـي فـي ِّ‬
‫إقنـاع القـارئ بمـا يعرضـه عليـه مـن مواقف ورؤى وأفكار‪ ،‬قد تحـدث انقالب ًا في مواقفه ينعكس‬
‫علـى سـلوكه الملمـوس(‪.((4‬‬
‫الحجاج السردي في رواية ّ‬
‫(التِبر) منها ‪:‬‬ ‫تعددت صور ِ‬ ‫وقد ّ‬
‫أو ًال ‪ :‬تعدد األصوات‪/‬البوليفونية‪:‬‬
‫تعدد األصوات أو البوليفولية (‪ )Polyphony‬هومصطلح مجلوب من الحقول الموسيقية‬ ‫ّ‬
‫إلـى الحقـول األدبيـة‪ ،‬مقترنـة بميخائيـل (باختيـن‪( )Bathtine‬وبالـي‪ ،((4()Bally‬وتحيـل‬
‫إلـى الحواريـة القائمـة علـى أصـوات عدة‪ ،‬جرى وضعها فـي مواجهة بعضها البعض‪ ((4(،‬ما يخلق‬
‫تعـدد الـرؤى التـي تحيـل إلـى قراءات حوارية يتلبسـها المؤلف بواسـطة القناع‬‫عالمـًا رحبـًا مـن ّ‬
‫السـردي الـذي يـروي الخطـاب المحكي(‪،((4‬وهـو مـا يتيـح إمكانيـات أكبـر لخلـق حالـة رؤيويـة‬
‫ووجهـات نظـر متعـددة‪ ،‬أساسـها التحاوريـة‪ ،‬بحيـث يخـرج النـص إلـى دائـرة الحكـي‪ /‬القـول‪ ،‬ومن‬
‫األحاديـة الصوتيـة إلـى التعددية‪.‬‬
‫وقـد ظهـر فـي روايـة ّ‬
‫(التِبـر) هـذا النمـط مـن التعدديـة الصوتيـة مجسـدًا فـي الهوامـش‪،‬‬
‫والتـي تسـتحيل إلـى مركـز ينطلـق منـه المتلقـي إلـى مضمـون النـص الروائـي‪ ،‬إذ يسـهل عليـه‬
‫وجغرافيـا‪ ،‬فهـو مسـكون بخصوصيتـه الصحراويـة الطوارقيـة تاريخـ ًا‬
‫ً‬ ‫قـراءة (الكونـي) ثقافيـًا‬
‫ولفظـًا‪ ،‬ولـم يـأت التهميـش فـي الروايـة بطريقـة اعتباطيـة أو مجـرد إضافـة تكشـف عـن‬
‫وإنمـا جـاء ليحقـق تواشـج التلقـي بيـن الروائـي والمتلقي‪ ،‬وإضاءة بعـض الغموض الذي‬‫ثقافتـه‪ّ ،‬‬

‫(‪ ((4‬منـى بيكـر‪ ،‬ترجمـة السـرديات ‪ /‬سـرديات الترجمة‪ :‬هـل حقًا الترجمة جسـر بين الشـعوب والثقافـات‪ ،‬ترجمة‪:‬‬
‫حـازم عزمي‪ ،‬مجلة فصـول‪ ،‬ع‪ ،66‬ربيـع ‪ ،2005‬ص‪.22‬‬
‫(‪ ((4‬ينظـر‪ ،‬سـامية الدريـدي‪ِ ،‬‬
‫الحجـاج فـي الشـعر العربـي القديم مـن الجاهلية إلى القـرن الثاني الهجـري‪ ،‬عالم‬
‫الكتب الحديـث‪ ،‬األردن‪ ،2011 ،‬ص ‪.35‬‬
‫(‪ ((4‬ينظـر ديفيـد بثبنـدر‪ ،‬نظرية األدب وقراءة الشـعر‪ ،‬ترجمـة‪ :‬عبد المقصـود عبدالكريم‪ ،‬الهيئـة المصرية العامة‬
‫للكتـاب‪ ،‬القاهرة‪ ،2005 ،‬ص‪.138‬‬
‫(‪ ((4‬ينظـر‪ ،‬ميخائيـل باختيـن‪ ،‬شـعرية دوستويفسـكي‪ ،‬ترجمـة‪ :‬جميـل نصيـف‪ ،‬دارتوبقـال‪ ،‬المغـرب‪،1968 ،‬‬
‫ص‪.59‬‬
‫(‪ ((4‬ينظـر‪ ،‬بـول ریـکو‪ ،‬الوجـود والزمان والسـرد‪ ،‬ترجمة ‪ :‬سـعيد الغانمي‪ ،‬المركـز الثقافي العربي‪ ،‬الـدار البيضاء‬
‫‪ -‬بيروت‪ ،1999 ،‬ص ص ‪.55-47‬‬

‫‪24‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫قـد يصيـب القـارئ البعيـد عـن بيئـة الطـوارق مـن ((لغـة (التيفينـاغ) الخاصـة بتـراث الطوارق‬
‫وثقافتهـم الشـفهية‪ ،‬أو الفلكلـور الغنائـي والشـعري لبعـض قصائـد الطـوارق المجهولـة المصـدر‪،‬‬
‫وهـي نصـوص تدخـل ضمـن اسـتراتيجية المؤلـف السـردية؛ لضمـان سلامة الفهـم والولـوج إلـى‬
‫(‪((4‬‬
‫عالمـه الروائـي))‪.‬‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫وقـد صـار الهامـش فـي روايـة (التِبـر) مركزا ينطلـق منه المتلقي لفهم النـص الروائي‪ ،‬حيث‬
‫اسـتعمل (الكونـي) الهامـش فـي العديـد مـن فصـوال لروايـة كفضـاء للتاريـخ والتفسـير‪ ،‬وسـنورد‬
‫ليفسـر بعض إشـاراتها‪ ،‬والتي بلغت أكثرمن عشـرين‬ ‫هنا بعض النماذج التي وقف في هوامشـها؛ ُ‬
‫موضع ًا ‪.‬‬
‫ففـي اسـتهالل الروايـة‪ ،‬جـاء علـى لسـان السـارد واصفـًا حالـة (أوخيـد) فـي عالقتـه مـع‬
‫(األبلـق) ‪(( :‬عندمـا تلقـاه هديـة مـن زعيـم قبائـل آهجـار‪ ،‬وهـو ال يـزال مهـرًا صغيـرًا‪ ،‬يطيـب‬
‫لـه أن يفاخـر بيـن أقرانـه فـي األمسـيات المقمـرة‪ ،‬ويتلـذذ بمحـاورة نفسـه فـي صـورة السـائل‬
‫والمجيـب‪ :‬هـل سـبق ألحدكـم أن شـاهد مهر ًّيـا أبلـق؟‪ .‬ويجيـب نفسـه ‪ :‬ال ‪ ....‬يقفـز إلى الخالء‪،‬‬
‫ويحجـل مقلـدًا رقـص المجذوبيـن‪ ،‬حتـى إذا تعـب انهـار علـى الرملة‪ ،‬واسـتلقى علـى ظهره‪ ،‬ورفع‬
‫صوته بأحد تلك األلحان السـحرية التى يتحصن بها الفرسـان المسـافرون في الفالة‪ ،‬كتعويذة‬
‫ضـد الوحشـة‪ ،‬حتـى يختـم موالـه الحزيـن باألبيـات المعروفـة‪:‬‬
‫آسد ينكرد أمودنكفى تيزداج‪.‬‬
‫(‪((4‬‬
‫إذ شاغتتاجنينيتجيرنيمزاد))‬
‫فكيـف للقـارئ أن يعـرف المقصـود ب(آهجـار ‪ -‬المهـري ‪ -‬آسـد ينكـرد أمـود نكفـى يتـزداج‪-‬إذ‬
‫شـاغتتاجنينيتجيرنيمزاد)؟ وكيـف لقـارئ مـن خـارج ليبيا‪ ،‬وباألخص قبائل الطوارق‪ ،‬أن يعرف‬
‫يتولـد فـي رحـم هـذه اللحظـة الرجراجـة‬ ‫ّ‬ ‫المـراد منهـا ومعانيهـا؟‪ .‬وطبيعـي‪ ،‬واألمـر كذلـك‪ ،‬أن‬
‫انشـطار الـذات السـاردة‪ ،‬وتتميـع الحواجـز بينهـا وبيـن الروائـي‪ ،‬وتتحول من الحكـي عن الماضي‬
‫يشـكل الواقـع اآلنـي‪ ،‬ليفسـر هـذه الغوامـض فـي‬ ‫ّ‬ ‫إلـى السـرد الحركـي‪ ،‬بصـوت الروائـي الـذي‬
‫الهامـش ((آهجـار‪ :‬قبائـل عريقـة تسـتوطن جنـوب شـرق الجزائـر‪ .‬اإلبل المهرية‪ :‬نجائب تسـبق‬
‫الخيـل‪ ،‬منسـوبة إلـى قبيلـة مهـرة بـن حيـدان مـن اليمـن‪ .‬آسـد ينكـرد أمـود نكفـى يتـزداج‪ ،‬إذ‬
‫شـاغتتاجنينيتجيرنيمزاد‪( :‬عندمـا أقبـل أمـود اسـتقبلناه بمهـارى الحـرب‪ ،‬وأعطينـاه فرسـانًا‬
‫ّ‬
‫لصـد الغـزاة‬ ‫ال يخطئـون الهـدف) مطلـع قصيـدة طويلـة لتمجيـد الزعيـم أمـود فـي حمالتـه‬
‫(‪((4‬‬
‫الفرنسـيين))‪.‬‬
‫هـذا التفسـير مـن شـأنه أن يخلـق قـوة حجاجيـة عبـر عـدد مـن األسـئلة التـي يطرحهـا‬
‫واتخـاذ (الكونـي) لهـا حجـة علـى معرفتـه الوثيقـة ببيئة‬ ‫القـارئ حـول مفهـوم هـذه الغوامـض‪ّ ،‬‬
‫الطـوارق‪ ،‬مـا يحمـل القـارئ طائعـ ًا علـى التسـليم بأفـكاره ورؤيتـه‪.‬‬
‫وكيـف للقـارئ أن يعـرف أن (آسـيار) هـو نـوع مـن النباتـات التـي كانـت تنبـت فـي ليبيـا فـي‬
‫الماضـي؟ لـوال الهامـش الموضوعفـي الفصـل الرابـع مـن الروايـة‪(( :‬آسـيار‪ :‬يعتقـد أنـه بقايـا‬
‫السـلفيوم‪ ،‬وهـو بنـات أسـطوري يعطـي قـوة طاقـة هائلـة‪ ،‬انقـرض مـن ليبيـا فـي القـرن الثالـث‬
‫لكل األمراض المعروفة في العالم‬ ‫دواء سحر ًيّا ِّ‬
‫قبل الميالد‪ ،‬ويجمع المؤرخون القدماء أنه كان ً‬
‫القديـم‪ .‬وكان ملـوك ليبيـا القدمـاء يصدرونـه إلـى مصـر ومـا وراء البحـار‪ .‬ويعتقـد الكثيـرون أن‬
‫(‪((4‬‬
‫سـر التحنيـط‪ ،‬إذ اسـتخدمه الفراعنـة لهـذا الغـرض))‪.‬‬ ‫فيـه يكمـن ُّ‬
‫وكيـف للقـارئ مـن خـارج البيئة الليبية‪ ،‬أن يعرف معنى (الترفاس)؟ لوال الهامش الموضوع‬

‫النصية في رواية الصحراء لدى إبراهيم الكوني‪ ،‬سابق‪ ،‬ص‪244‬‬


‫(‪ ((4‬شعرية العتبات ّ‬
‫(‪ ((4‬ال ّتِبر‪ ،‬ص ‪.7‬‬
‫(‪ ((4‬التّبر‪ ،‬ص‪ 7‬الهامش‪.‬‬
‫(‪ ((4‬ال ّتِبر‪ ،‬ص‪ 20‬الهامش‬

‫‪25‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫بأنـه‪(( :‬هـو الكمـأ ينمـو أساسـًا فـي الحمـادة الحمـراء‪ .‬وهـو ثالثـة أنـواع‪ :‬األبيض‪،‬واألسـود‪،‬‬
‫(‪((5‬‬
‫واألحمـر‪ ،‬حسـب التربـة))‪.‬‬
‫وكيف له أن يعرف أن (أيموهاج) تعني(الطوارق)‪ ،‬وأن بالد السحرة تعني(كانووتمبكتو) ‪،‬‬
‫(‪((5‬‬

‫(‪((5‬‬
‫(الودان أو الموفلون) هو التيس الجبلي أقدم حيوان في الصحراء الكبرى؟‬ ‫أن ّ‬ ‫أو ّ‬
‫إن مثل هذه الهوامش تسـتحيل إلى مركز حجاجي عند (الكوني)‪ ،‬الذي يتوخى من خاللها‬ ‫ّ‬
‫اإلقنـاع والتأثيـر فـي المتلقـي بفكـره ورؤيتـه‪ ،‬وهـذا مـا يمنـح الخطـاب فـي الروايـة فاعليـة‬
‫ال وإقناعـًا للمتلقـي‪ ،‬بحيـث ((يشـعر‬ ‫وقـوة‪ ،‬األمـر الـذي يجعـل مـا يعرضـه الكاتـب أكثـر قبـو ً‬
‫أن الرجـل ملتـزم بقضيـة معينـة‪ ،‬يريـد إيصالهـا‪،‬‬ ‫قـارئ الكونـي‪ ،‬مـن خلال هـذه الهوامـش‪ّ ،‬‬
‫فيفسـر بعـض المفاهيـم المتعلقـة بعالـم الصحـراء وأسـاطيرها‪ ،‬وقضايـا التصـوف والحلـول‪،‬‬
‫وبعـض الفلسـفيات الشـرقية‪ ،‬ولـذا فهـو مضطـر السـتعمال هـذا الصـوت التفسـيرى؛ للتبريـر‬
‫بوليفونيـا‬
‫ًّ‬ ‫واإلقنـاع والتأثيـر‪ ،‬وبذلـك يـؤدي توظيفهـا‪ ،‬بصـورة واعيـة‪ ،‬إعطـاء المتـن بعـدًا‬
‫إضافيـًا يزيـد فـي حواريـة وانفتاحـه‪ ،‬بحيـث يكـون لتأثيرهـا ردود أفعـال متباينـة تتـراوح بيـن‬
‫نـص متخلـل‬‫أي ِّ‬ ‫الرفـض والقبـول‪ ...‬وبالتالـي‪ ،‬فهوصـوت المؤلـف المباشـر خـارج العالـم السـردي ّ‬
‫(‪((5‬‬
‫يقـوم بوظيفـة التفسـير والشـرح لبعـض الكلمـات الغامضـة))‪.‬‬
‫تعـد آليـة حجاجيـة مـن حيـث‬ ‫ّ‬ ‫تعـدد األصـوات فـي هيئـة حوريـة تحاوريـة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫وقـد يأتـي‬
‫بنيتهـا التـي‪ -‬غالبـًا ‪ -‬مـا تنتظـم ضمـن تراكيـب لغويـة تهـدف إلـى إبـراز قضيـة بيـن الرفـض‬
‫والقبـول‪ ،‬الناجمـة عـن صـراع بيـن موقفيـن أو رأييـن‪ ،‬مـن خلال التعدديـة التـي تتداخـل‬
‫وتتعـدد باحتـدام الصراعـات بيـن الطرفيـن(‪ ،((5‬علـى نحـو مـا جـاء فـي موقـف‬ ‫ّ‬ ‫فيهـا األصـوات‪،‬‬
‫(أوخيد)والشـيخ (موسـى)حول شـفاء (األبلـق) مـن الجـرب‪ ،‬فقـد نصحـه الشـيخ (موسـى) بـأن‬
‫عالجـه فـي آسـيار(‪ ،((5‬وهـو مـا اسـتجاب لـه (أوخيـد)‪ ،‬غيـر أنـه دخـل فـي حواريـة معـه حـول‬
‫العلاج باإلخصـاء‪(( :‬زاره فـي الخيمـة التـي نصبهـا أبوه خصيص ًاالسـتقبال الـزوّار والمهنئين له‬
‫ّ‬
‫وعـزاه بسـؤال‪:‬‬ ‫علـى السلامة مـن التيـه ‪ ...‬ثـم اختلـى بـه فـي العـراء مـع حلـول المسـاء‪،‬‬
‫ ‪-‬هل تألمت كثيرًا ؟‬
‫ ‪-‬لم يجبه أوخيد‪.‬أوخيد يقلقه شيء آخر‪ .‬لم يستطع أن ينتظر‪ .‬فسأل شيخه‪:‬‬
‫ ‪-‬هل أطمع أن أرى األبلق في أصله؟ استفهم الشيخ بإيماءة‪ ،‬فأوضح الشاب‪:‬‬
‫ ‪-‬هل يسترد األبلق لونه؟‬
‫ابتسم موسى في العتمة‪ ،‬وقال ‪:‬‬
‫ ‪-‬اهلل جميـل يحـب الجمـال‪ .‬وإذا اشـتريت لـه الشـفاء بهـذا العـذاب فالبـد أن تدفـع مقابـل‬
‫الكمـال أيضـًا‪.‬‬
‫لم يفهم أوخيد‪ ،‬فأوضح الشيخ ‪:‬‬
‫ ‪-‬التكفير الطهارة‪ .‬أال تفهم؟‬
‫ ‪-‬الطهارة ؟‬
‫ ‪-‬نعم‪ ،‬البد من اإلخصاء‬
‫ ‪-‬اإلخصاء ؟‬

‫(‪ ((5‬ال ّتِبر‪ ،‬ص‪ 33‬الهامش‬


‫(‪ ((5‬ينظر‪ ،‬ال ّتِبر‪ ،‬ص‪ 73‬الهامش‬
‫(‪ ((5‬ينظر ال ّتِبر‪ ،‬ص‪ 79‬الهامش‬
‫النصية في رواية الصحراء لدى إبراهيم الكوني‪ ،‬سابق‪ ،‬ص ص ‪.243 ،242‬‬
‫(‪ ((5‬شعرية العتبات ّ‬
‫والحجاج‪ ،‬سابق‪ ،‬ص‪35‬‬ ‫(‪ ((5‬ينظر الخطاب ِ‬
‫(‪ ((5‬ينظر‪ ،‬ال ّتِبر‪ ،‬ص ص‪.21 ،20‬‬

‫‪26‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫لكل شيء ثمنًا؟‬‫أن ِّ‬ ‫ ‪-‬وماذا تظن ؟ ألم نتفق على ّ‬


‫‪...............................‬‬
‫ال قبل أن يقول‪:‬‬ ‫صمت الشاب طوي ً‬
‫ ‪-‬ال أستطيع أن أنفرد بالرأي البد أن أستشير‪ ،‬ال بد أن أفكر‪.‬‬
‫في خلوتهما بالمرعى [أيأوخيد واألبلق]‪ ،‬قال له‪:‬‬
‫الهم أم أنك ترى رأ ًيا آخر؟‬
‫ّ‬ ‫إال‬ ‫وق‬ ‫ّ‬
‫َ‬
‫الن‬ ‫ ‪-‬أعتقد أن ما فعلته بنا فعلتك يكفي‪ .‬ال يجيء من‬
‫ ‪-‬الشيخ موسى يقول البد من نزع السبب‪.‬‬
‫ً‬
‫طويلا‪ .‬سـنفعل ذلـك فـي‬ ‫كل شـيء يطالـب بقربانـه‪ ،‬لـن تتألـم‬ ‫ال أيضـ ًا‪ّ .‬‬
‫البهـاء ليـس سـه ً‬
‫الصيـف‪ .‬الصيـف أنسـب موسـم ‪.‬‬
‫‪...............................‬‬
‫جلس في العراء أمامه‪ ،‬وقال وهو يعقد يديه حول ركبتيه ‪:‬‬
‫ ‪-‬ولكـن البـد مـن الطهـارة‪ .‬لـن تفـوز بالجمـال ولـن تلقـى اهلل بـدون طهـارة‪ .‬الطهـارة هـي‬
‫الشـرط‪ .‬أعتـرف لـك أنـه عمـل قـاس‪ ،‬ولكـن ليـس لدينـا خيـار‪.‬‬
‫حـل الصيـف‪ ،‬وجـاء موعد العمل‪ .‬تذ ّرع أوخيذ بالسـفر إلى (القريات) الجلب إبلههناك‪.‬‬ ‫ثـم ّ‬
‫تـرك األبلق أليدي الجالدين‪.‬‬
‫(‪((5‬‬
‫وإنما هرب ًا من اليوم الموعود))‪.‬‬
‫ّ‬ ‫باإلبل‪،‬‬ ‫للحاق‬ ‫ليس‬ ‫سفره‬ ‫أن‬ ‫الشيخ موسى وحده عرف‬
‫يأتـي هـذا التحـاور بيـن أوخيـد والشـيخ (موسـى) مـن ناحيـة‪ ،‬وبينـه وبيـن (األبلـق) مـن‬
‫ناحيـة أخرى‪،‬عبـر متواليـة تصويريـة سـردية مـن خلال تسـاؤالت الـذوات الخطابيـة دون(قال‬
‫– قلـت) المتعـارف عليهمـا فـي التحـاور‪ ،‬األمـر الـذي جعـل المتلقي ينجذب إلى حـرارة التحاور‬
‫وينخـرط فيه‪.‬‬
‫وقـد اعتمـد (الكونـي) علـى موقفـه مـن قضية العلاج‪ ،‬وما يتخللها من صـراع مكتوم ورفض‬
‫مخبـوء لـدى أوخيـد واألبلـق‪ ،‬معتمدًاعلـى آليـة السـردكبنية حجاجيـة‪ ،‬مـن خلال خلـق بقيـة‬
‫حواريـة أسـهمت فـي الكشـف عـن األنسـاق المضمـرة المخبـوءة التـي يختزلهاالمقطـع التحـاوري‬
‫السـابق القائـم علىتسـربل األسـئلة المتصارعـة حـول ضرورةاإلخصاء‪.‬‬
‫ويالحـظ أن الطـرف األول‪ /‬الشـيخ موسىيسـتخدم حجـة مقنعـة (لـكل شـيء ثمـن)‪ .‬فـي‬
‫المقابـل‪ ،‬جـاء الطـرف الثانـي‪ /‬أوخيـد مسـتخدم ًا عـددًا مـن األسـئلة التعجبيـة التـي تثيـر‬
‫الدهشـة واالسـتغراب‪ ،‬سـواء معالشـيخ (موسـى) (الطهارة؟ ‪ -‬اإلخصاء؟))‪ ،‬أم مع األبلق (اليجئ‬
‫الهـم أم أ ّنـك تـرى رأ ًّيـا آخـر؟)‪.‬‬
‫ّ‬ ‫مـن ّ‬
‫النـوق إال‬
‫وقـد طالعنـا السـارد بنتيجـة التحـاور معتمـدًا علـى (السـين) فـي (سـنفعل) الدالـة‬
‫علىاالسـتقبال‪ ،‬متالئمـة بخطيـة الزمـن السـردي مـا بيـن الحاضـر والمسـتقبل والعـودة إلـى‬
‫الماضـي؛ ليكسـر رتابـة السـرد المشـهدي التحـاوري‪.‬‬
‫ّ‬
‫وإنمـا علـق علـى التحـاور السـابق‬ ‫الحجاجيـة‪ّ ،‬‬ ‫ولـم يقـف السـارد خـارج هـذه التحاوريـة ِ‬
‫باإلثبات؛ ليبرهن على صحة الفكرة التي دافع عنها الشيخ (موسى)‪ ،‬وأقنع بها (أوخيد)‪،‬والذي‬
‫حـل الصيـف ‪ ...‬اليـوم الموعـود)‬ ‫بـدوره أقنـع بهـا (األبلـق)‪ ،‬مـن خلال التعليـق النهائـي (ثـم ّ‬
‫وكأن الروايـة وظفـت تجربـة إخصـاء (األبلـق) تطبيقـًا لهـذه النتيجـة التـي تحققـت عندما أقر‬ ‫ّ‬
‫(أوخيـد) بصحـة رأي الشـيخ (موسـى) فـي أن يتخـذ مـن اإلخصـاء الحـل الوحيـد لعلاج األبلـق؛‬
‫سـعيا إلـى ترسـيخ العلاج بالتطهيـر مـن اآلثـام‪ ،‬ويأمـل أن يجـد صـداه علـى مسـتوى التلقـي‪،‬‬ ‫ًّ‬
‫مـا يـدل علـى وعـي السـارد بخطابـه السـردي ورسـم شـخصياته المتحـاورة؛ ليبرهـن علـى صحـة‬
‫(‪ ((5‬ال ّتِبر‪ ،‬ص ص ‪.58-55‬‬

‫‪27‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫الفكـرة التـي يدافـع عنهـا؛ أل ّنهغيـر منشـغل بالمعنـى الطلبـي واإلخبـاري مع ًا للمشـهد التحاوري‪،‬‬
‫بقـدر مـا هـو منشـغلبتوجيه الخطـاب لإلقنـاع بصـورة مباشـرة‪ ،‬وتوجيـه المتلقـي إلـى قبـول مـا‬
‫يـروم إليـه‪ /‬التطهيـر‪ ،‬بحيـث يكـون التحـاور التعـددي مندرجـًا فـي ((حـوار أوسـع طرفـاه الـراوي‬
‫الحجـاج المضمـر فـي خطـاب الـراوي ال يسـتهدف المروي لـه ّإاّل بقدر ما هو‬ ‫أن ِ‬‫والمـروي لـه‪ّ ،‬إاّل ّ‬
‫ويقصـد بالكاتـب هنـا المؤلـف الواقعـي للرواية‬ ‫(‪((5‬‬
‫معبـر أو حلقـة وصـل بيـن الكاتـب والقـارئ))‬
‫(الكونـي) الـذي عـاش جـزءًا مـن هـذه الحيـاة‪ ،‬وجعلهـا موضوعـ ًا لروايتـه‪.‬‬
‫ثانيًا ‪ :‬هيمنة السارد ‪:‬‬
‫(التِبر) عن هيمنة السارد ‪ /‬الراوي على ُمجريات األحداث‪.‬‬ ‫تكشف الرؤية المتأنية لرواية ّ‬
‫بناءالحجـاج وتوجيـه مسـاره بمـا يخـدم السـياق؛ ارتـكازًا علـى‬ ‫ِ‬ ‫وبالتالـي‪ ،‬فهـو المتحكـم فـي‬
‫الخطاطـة البالغيـة الموزعـة علـى االسـتهالل والسـرد‪ ،‬أو عـرض الوقائـع‪ ،‬واإلثبـات أو ملفـوظ‬
‫الحجـة‪ ،‬والخاتمـة(‪((5‬؛ للتأثيـر فـي المتلقـي وإقناعـه بوجهـة نظـره ‪.‬‬
‫ولعـل حضـور السـارد‪ /‬الـراوي فـي التعدديـة الصوتية السـابقة‪ ،‬سـواء بالتفسـير الهامشـي أم‬ ‫ّ‬
‫بالتعليـق‪ ،‬تؤكدهـذه الهيمنة‪.‬‬
‫ّ‬
‫يتقلـب‬ ‫ومـن نمـاذج هيمنـة السـارد‪ /‬الـراوي‪ ،‬مـا جـاء فـي اسـتهالل الفصـل الثامـن‪َّ :‬‬
‫((ظـل‬
‫ـن هـو‪ .‬ويبـدو أن شـمس األصيـل هـي التـي‬ ‫طويلا علـى الرمـل مـن دون أن يعـي أيـن هـو وال َم ْ‬‫ً‬
‫أيقظتـه بأشـعتها‪ ،‬فعـادت إليـه الحيـاة‪ ،‬ولـم يفـق أو هـو أفـاق ولـم يـع‪.....‬‬
‫فتـح عينيـه‪ .‬يـده اليسـرى معلقـة فـي الذيل‪ .‬األبلق يبرك في الوادي هادئًا سـاكن ًا‪ ،‬محطم ًا‬
‫أيضـ ًا‪ ...‬جسـمه كلـه موسـوم بجـروح عميقـة ‪ ...‬حـاول أن يتحـرك فعجـز‪ .‬فتـح عينيـه فبهرته‬
‫شـعاعات األصيـل‪ .‬تفقـد األبلـق فلـم يصـدق‪ .‬الحيوان المسـكين قطعة حمـراء‪ .....‬برغم األلم‬
‫ولي حق ًا؟هل‬‫تفتقت نفسـه بالفرح‪ .‬هل سيشـفى األبلق؟ هل تحققت معجزة آسـيار؟ هل موسـى ّ‬
‫(‪((5‬‬
‫اسـتجاب الضريح الوثني لتوسلاته ونذره؟))‪.‬‬
‫يالحـظ فـي هـذا المقطـع االسـتهالليأنه مقطـع ذاتـي تموضـع فـي محوريـة السـرد وعبـر‬
‫ضميـر الغائـب الـذي ((يتـرك مسـاحة للتأويـل الداللـي‪ ،‬ويفتح مجال النص وحركتـه ‪ ..‬كما أ ّنه‬
‫ال لالحتـكاك والصـراع واالحتـدام بيـن السـارد وشـخصيته التـي يشـير إليهـا ضميـر‬ ‫يفتـح مجـا ً‬
‫(‪((6‬‬
‫موهمـا القارئبالثنائيـة واألحاديـة فـي آن))‪.‬‬
‫ً‬ ‫الغائـب‪ ،‬لتبدأمنـه وتعـود إليـه‪،‬‬
‫وقـد هـدف السـارد‪ /‬الـراوي مـن ذلـك تأديـة غاياتحجاجيـة‪ ،‬يعـزز مـن خاللهـا النتيجة التي‬
‫خـرج بهـا فـي نهايـة األمـر‪ /‬شـفاء األبلـق‪ ،‬وقـد أحسـن (الكونـي) فـي تأكيـد هيمنـة السـارد‪ ،‬من‬
‫خالل معرفته بتفاصيل المشـهد االسـتهاللي القائم على اقتحام الحكاية‪ /‬رحلة عالج األبلق‪،‬‬
‫ووضـع الفكـرة األساسـية للقصـة‪ /‬عالقـة أوخيـد باألبلـق‪ ،‬مسـتعين ًا بتحديـد المـكان‪ /‬الصحـراء‬
‫والزمـان ‪ /‬شـمس األصيـل‪ ،‬وهـي مكونـات اسـتهاللية بمثابـة البـورة المركزيـة المؤكـدة على رؤى‬
‫الكاتب وفلسـفته‪.‬‬
‫وقـد جـاء االسـتهالل فـي هيئـة مشـهد وصفـي ذي طابـع مجـازي‪ ،‬بوصـف المـكان‪،‬‬
‫وتحديـد أبعاده‪.‬بوصفـه المسـرح الـذي سـتجرى فيـه األحـداث‪ ،‬وتتحـرك فيـه الشـخصيتان‬
‫المحوريتان‪:‬أوخيـد واألبلـق‪ ،‬بمـا يخلـق أفـق التوقـع والتأثيـر فـي المتلقـي‪ ،‬مـن خلال اللغـة‬

‫الحجاجـي فـي أقصوصـة القلعـة لجمـال الغيطانـي‪ ،‬ضمـن كتـاب‪ِ :‬‬


‫الحجاج‬ ‫(‪ ((5‬محمـد نجيـب العمامـي‪ ،‬البعـد ِ‬
‫مفهومـه ومجاالته سـابق ‪.234/1‬‬
‫(‪ ((5‬ينظـر‪ ،‬فيليـب بروطـون‪ِ ،‬‬
‫الحجاج في التواصـل‪ ،‬ترجمة‪ :‬محمد مشـبال‪ ،‬وعبدالواحد التهامـي‪ ،‬المركز القومي‬
‫للترجمة‪ ،‬القاهرة‪ ،2006 ،‬ص ص‪.142 ،141‬‬
‫(‪ ((5‬ال ّتِبر‪ ،‬ص ص‪.44 ،43‬‬
‫(‪ ((6‬عبـد الملـك مرتـاض‪ ،‬في نظريـة الرواية‪ ،‬بحث في تقنيات السـرد‪ ،‬عالـم المعرفة‪ ،‬الكويت‪ ،‬ع‪ ،240‬ديسـمبر‪،‬‬
‫‪ ،1998‬ص‪.182‬‬

‫‪28‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫تحولـت الطبيعـة إلـى عنصـر مشـارك‬ ‫بـث الحيـاة والحركـة فـي الطبيعـة‪ ،‬بحيـث ّ‬ ‫القائمـة علـى ِّ‬
‫أن جملـة االسـتهالل‪ ،‬القائمـة علـى تحديـد‬ ‫يسـهم فـي تعميـق هـذا التأثيـر‪ ،‬الـذي كشـف عـن ّ‬
‫الزمانوالمـكان‪ ،‬تتعالـق مـع لغـة السـرد وتتداخل معها في مسـتوى المنظـور الحكائي‪ ،‬الذي يركز‬
‫علـى الجانـب الحكائـي بصـورة واضحـة‪ ،‬وتقـدیم شـخصية بطلـي الروايـة‪ ،‬واقتحـام حكايتهـا؛‬
‫ّ‬
‫ويشـكل حافزًاقرائ ًّيـا‪ ،‬يكشـف عـن متانـة‬ ‫ليزيـد مـن جانـب اإلثـارة والتشـويق عنـد المتلقـي‪،‬‬
‫البنيـة السـردية الحكائيـة‪ ،‬وهيمنـة السـارد‪ /‬الـراوي‪ ،‬ووضـوح الـرؤى الفكريـة والفلسـفية التـي‬
‫أن العالـم الحكائـي‬ ‫يشـتغل عليهـا (الكونـي)‪ ،‬ويعمـل علـى إيصالهـا إلـى المتلقـي‪ ،‬وبخاصـة ّ‬
‫(للكونـي) يحيـل علـى مرجعيةمحـددة‪ /‬عالـم الصحـراء مـن خلال ((إدخـال القـارئ فـي عالـم‬
‫مجهـول‪ ،‬عالـم الروايـة التخيلـي ِّ‬
‫بـكل أبعـاده‪ ،‬بإعطائـه الخلفيـة العامـة لهـذا العالـم‪ ،‬والخلفية‬
‫(‪((6‬‬
‫لـكل شـخصية؛ ليسـتطيع ربـط الخيـوط واألحـداث التـي سـتنتج فيمـا بعـد))‪.‬‬ ‫الخاصـة ِّ‬
‫ومن الوسـائل الفنية األخرى التي اتكأ عليها(الكوني)؛إلبراز هيمنة السـارد على األحداث‪،‬‬
‫الحجاجـي‪ ،‬اإلسـناد إلى الجمع‪ ،‬وذلك في السـردالحكائي لشـخصية‬ ‫وكان لهـا دورهـا فـي اإلقنـاع ِ‬
‫رأت الصحـراء قاطـع طريـق يسـرق الزوجات‬ ‫(دودو) قاطـع الطريـق الـذي يسـرق الزوجـات ((هـل ْ‬
‫وإنمـا يذهب ويقـول للناس أنه‬‫منأزواجهـن ؟ هـذه أوّل مـرة‪ ،‬هـو أوّل ضحيـة‪ .‬ليـس هـذا فحسـب‪ّ .‬‬
‫بالتبر‪ ،‬وهؤالء هم الشـهود‪ ،‬عبيده هم الشـهود‪ ،‬سيشـهدون‪ .‬شـهدوا))‬ ‫اشـتراها بماله‪ ،‬بحالله‪ِّ ،‬‬
‫(‪.((6‬‬
‫يختلـط الذاتـي بالجماعـي (هـم ‪ -‬واو الجماعـة) فـي آن واحـد‪ ،‬فـي محاولة إلقنـاع المتلقي‬
‫التِبـر‪ ،‬حيـث ارتبـط السـارد بمناقشـة قضية سـطوة بريـق الذهب‬ ‫بصـدق حجـاج الغايـة‪ /‬بريـق ّ‬
‫ً‬
‫تعالقـا مـع عنـوان الرواية‪.‬‬ ‫؟‬
‫اخلامتة‪:‬‬
‫الحجاجيـة التـي اعتمـد عليها الروائي الليبـي (إبراهيم الكوني)‬ ‫عالـج هـذا البحـث اآلليـات ِ‬
‫(التبـر)؛ للتأثيـر علـى المتلقـي‪ ،‬والبرهنـة علـى صـدق فلسـفته ورؤيتـه‪ ،‬وذلـك مـن‬ ‫فـي روايـة ِّ‬
‫والحجـاج السـردي‪ ،‬علـى سـبيل‬ ‫النصيـة‪ِ ،‬‬
‫ّ‬ ‫خلال انتقـاء مسـتويين لهـذه اآلليـات هما‪:‬العتبـات‬
‫المثـال ال الحصـر‪.‬‬
‫ومن خالل قراءة هذه اآلليات‪ ،‬أمكن التوصل إلى عدد من النتائج منأهمها \‪:‬‬
‫(التِبـر) بيـن اإلقناع والتأثير في المتلقـي من جهة‪ ،‬وبين‬ ‫‪1.‬تأرجـح النـص الروائـي فـي روايـة ّ‬
‫اإلفـادة واإلمتـاع مـن جهـة أخرى‪ ،‬مـا يؤكد ثراء بنيتها‪ ،‬وقابليتهـا للتأويل والتحليل‪.‬‬
‫والحجاج السـردي‪ ،‬وغيرها من‬ ‫النصيـة‪ِ ،‬‬
‫‪2.‬أسـهمت اآلليـات فـي مسـتوييها‪ :‬حجاجيـة العتبـات ّ‬
‫تصـور روائي يهدف‬‫ّ‬ ‫المسـتويات األخـرى کالحجـاج اللغـوي والسـلطة التناصية‪ ،‬في تقدیم‬
‫إلـى إقنـاع المتلقـي برؤى (الكوني) وفلسـفته‪.‬‬
‫وإنمـا تعالقـت فيمـا بينهـا؛‬
‫الحجاجيـة فـي الروايـة تعمـل بصـورة منفـردة‪ّ ،‬‬ ‫‪3.‬لـم تكـن اآلليـات ِ‬
‫إنسـجام ًا مـع الدعـوى المركزيـة التـي أسـس عليهـا (الكونـي) خطابـه الروائـي‪ ،‬وهـو ما يعنى‬
‫أن توظيفهـا كان مقصـودًا ‪.‬‬
‫‪4.‬أكـدت الروايـة علـى تغلغـل المخيـال الصحـراوي وعالمـه فـي الـذات المبدعة‪ ،‬وهو ما كشـف‬
‫عنـه هيمنةالسـارد‪ /‬الروائـي علـى الخطـاب‪ ،‬الـذي اسـتحال إلـى بـؤرة مركزيـة تعكـس حيـاة‬
‫الطـوارق‪ ،‬عمـل (الكونـي) علـى إقنـاع المتلقـي بموروثـه االجتماعـي والثقافي‪.‬‬
‫الحجاجـي فـي الروايـة فتحـ ًا مسـتقبلي ًا جديـدًا؛ السـتكمال مـا نقـص‬
‫‪5.‬تمثـل دراسـة الخطـاب ِ‬

‫(‪ ((6‬سـيزا قاسـم‪ ،‬بنـاء الروايـة‪ ،‬دراسـة مقارنـة فـي ثالثيـة نجيـب محفـوظ‪ ،‬الهيئـة المصريـة العامـة للكتاب‪،‬‬
‫القاهـرة‪ ،1984 ،‬ص‪.45‬‬
‫(‪ ((6‬ال ّتِبر‪ ،‬ص ص‪.141 ،140‬‬

‫‪29‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫مـن مسـتوياته‪ ،‬وتعميـم دراسـة ِ‬


‫الحجـاج فـي باقـي المنتـوج الروائـي (للكونـى)‪.‬‬
‫والحجاجي اإلقناعـي؛ فهما مقصودان في‬ ‫‪6.‬الروايـة نمـوذج للجانبيـن معـًا‪ :‬السـردي الحكائـي‪ِ ،‬‬
‫ّ‬
‫الروايـة؛ فكالهمـا وسـيلة لآلخـر‪ ،‬فلا إمكانيـة إلقنـاع المتلقـي بعالـم الصحـراء إاّل بالمـرور‬
‫بما هو حكائي سـردي‪.‬‬

‫‪30‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫املصادر واملراجع‬
‫َ‬
‫أوال‪ :‬املصادر‪:‬‬
‫‪1‬إبراهيم الكوني‪ ،‬التِّبر‪ ،‬دار التنوير الطباعة والنشر‪،‬وتاسيلي للنشر واإلعالم‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪.1992 ،3‬‬ ‫‪.‬‬
‫‪ ،________2‬التِّبر‪ ،‬دار رياض الريس‪ ،‬لندن‪ ،‬ط‪1990 ،1‬‬ ‫‪.‬‬
‫‪3‬ثانياً‪ :‬المراجع‪:‬‬ ‫‪.‬‬
‫‪ ،__________4‬اللغة والحجاج‪ ،‬العمدة في الطبع‪ ،‬الدار البيضاء‪.2006 ،‬‬ ‫‪.‬‬
‫‪ ،________5‬فـي نظريـة الحجـاج‪ ،‬دراسـات وتطبيقـات‪ ،‬دار مسـكيلياني للنشـر والتوزيـع‪ ،‬تونـس‪،‬‬ ‫‪.‬‬
‫‪.2011‬‬
‫ُّ‬
‫السـرى‪ ،‬المؤسسـة العربيـة للدراسـات والنشـر‪ ،‬ودار الفـارس للنشـر والتوزيـع‪،‬‬ ‫‪6‬إبراهيـم الكونـي‪ ،‬عـدوس‬ ‫‪.‬‬
‫بيـروت – عمّـان‪2014 ،‬‬
‫‪7‬أبو بكر العزاوي‪ ،‬الخطاب والحجاج‪ ،‬مؤسسة الرحاب الحديثة‪ ،‬بيروت‪.2010 ،‬‬ ‫‪.‬‬
‫‪8‬أحمد المتوكل‪ ،‬قضايا اللغة العربية في اللسانيات الوظيفية‪ ،‬دار األمان‪ ،‬الرباط‪.2001 ،‬‬ ‫‪.‬‬
‫‪9‬أحمد بن فارس‪ ،‬معجم مقاييس اللغة‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبد السالم هارون‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬القاهرة‪.1979 ،‬‬ ‫‪.‬‬
‫ ‪10.‬أحمد مختار عمر‪ ،‬اللغة واللون‪ ،‬عالم الكتب للنشر والتوزيع‪ ،‬القاهرة ‪.1997‬‬
‫‪11.‬بـول ريكـو‪ ،‬الوجـود والزمـان والسـرد‪ ،‬ترجمـة ‪ :‬سـعيد الغانمـي‪ ،‬المركـز الثقافـي العربـي‪ ،‬الـدار البيضـاء –‬
‫بيـروت‪.1999 ،‬‬
‫ ‪12.‬جابر عصفور‪ ،‬خطاب الخطاب‪ ،‬دار مؤسسة سلطان علي العويس الثقافية‪ ،‬دبي‪.1999 ،‬‬
‫ ‪13.‬خليفة بوجادي‪ ،‬في اللسانيات التداولية‪ ،‬بيت الحكمة للنشر والتوزيع‪ ،‬الجزائر‪2019 ،‬‬
‫النصيـة فـي روايـة الصحـراء لـدى إبراهيـم الكونـي‪ ،‬حفريـات الكتابـة‬
‫ّ‬ ‫‪14.‬خليفـة بولفعـة‪ ،‬شـعرية العتبـات‬
‫المنسـية والنقـوش المقدسـة‪ ،‬مجلـة الخطـاب‪ ،‬جامعـة مولـود معمـري ‪ -‬تيـزي وزو‪ ،‬الجزائـر‪ ،‬مـج ‪ ،17‬ع‪،2‬‬
‫جـوان ‪.2022‬‬
‫‪15.‬دومينيـك مـا نغونـو‪ ،‬المصطلحـات المفاتيـح لتحليـل الخطـاب‪ ،‬ترجمـة‪ :‬محمـد يحياتـن‪ ،‬الـدار العربيـة‬
‫للعلـوم ناشـرون‪ ،‬ومنشـورات االختلاف‪ ،‬بيـروت – الجزائـر‪.2008 ،‬‬
‫ ‪16.‬ديفيـد بثبنـدر‪ ،‬نظريـة األدب وقـراءة الشـعر‪ ،‬ترجمـة‪ :‬عبـد المقصـود عبدالكريـم‪ ،‬الهيئـة المصريـة العامـة‬
‫للكتـاب‪ ،‬القاهـرة‪.2005 ،‬‬
‫‪17.‬رشـا أحمـد محمـود‪ ،‬قـراءة سـيميولوجية فـي رواية (التِّبـر) إلبراهيم الكوني‪ ،‬مجلة فيلولوجي‪ ،‬كلية األلسـن‪،‬‬
‫جامعـة عين شـمس‪ ،‬القاهـرة‪ ،‬مج‪ ،32‬ع‪.2015 ،63‬‬
‫‪18.‬رشـيد الراضـي‪ ،‬المظاهـر اللغويـة للحجـاج‪ ،‬مدخـل إلـى الحجاجيـات اللسـانية‪ ،‬المركـز الثقافـي العربـي‪،‬‬
‫بيـروت‪ -‬الـدار البيضـاء‪.2014 ،‬‬
‫ ‪19.‬سـامية الدريـدي‪ ،‬الحِجـاج فـي الشـعر العربـي القديـم مـن الجاهلية إلى القرن الثانـي الهجري‪ ،‬عالم الكتب‬
‫الحديث‪ ،‬األردن‪.2011 ،‬‬
‫ ‪20.‬سـعيد الغانمـي‪ ،‬الخيـال الصحـراوي فـي أدب إبراهيـم الكونـي‪ ،‬المركـز الثقافـي العربـي‪ ،‬بيـروت ‪ -‬الـدار‬
‫البيضـاء‪.2000 ،‬‬
‫‪21.‬سـيزا قاسـم‪ ،‬بنـاء الروايـة‪ ،‬دراسـة مقارنـة فـي ثالثيـة نجيـب محفـوظ‪ ،‬الهيئـة المصريـة العامـة للكتـاب‪،‬‬
‫القاهـرة‪.1984 ،‬‬
‫ ‪22.‬شعيب حليفي‪ ،‬هوية العالمات في العتبات وبناء التأويل‪ ،‬دار الثقافة‪ ،‬المغرب‪.2005 ،‬‬
‫ ‪23.‬عبـد الحـق بلعابـد‪ ،‬عتبـان جيـرار جينيـت‪ .‬مـن النـص إلـى المنـاص‪ ،‬منشـورات االختلاف ‪ -‬الـدار العربيـة‬
‫للعلـوم ناشـرون‪ ،‬الجزائـر – بيـروت‪.2008 ،‬‬
‫‪24.‬عبد الرزاق حميدة‪ ،‬قصص الحيوان في األدب العربي‪ ،‬األنجلو المصرية‪ ،‬القاهرة‪.1951 ،‬‬
‫‪25.‬عبد الفتاح الجحمري‪ ،‬عتبات النص‪ ،‬البنية والداللة‪ ،‬منشورات الرابطة‪ ،‬الدار البيضاء‪.1996 ،‬‬

‫‪31‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫ ‪26.‬عبد هللا صولة‪ ،‬الحِجاج في القرآن الكريم‪ ،‬دار الفارابي‪ ،‬بيروت‪2007 ،‬‬
‫‪27.‬عبد الملك مرتاض‪ ،‬في نظرية الرواية‪ ،‬بحث في تقنيات السـرد‪ ،‬عالم المعرفة الكويت‪ ،‬ع‪ ،240‬ديسـمبر‪،‬‬
‫‪.1998‬‬
‫‪28.‬عبدالحـق بلعابـد‪ ،‬تداوليـات العنـوان فـي الخطـاب الروائـي المغاربـي‪ ،‬مجلـة الكلمـة‪ ،‬نيوصوفيـا‪ ،‬قبـرص‪،‬‬
‫ع‪ ،27‬مـارس‪.2009 ،‬‬
‫ ‪29.‬عـكازي شـريف‪ ،‬الصحـراء وطاقتهـا الترميزيـة فـي أعمـال إبراهيـم الكونـي الروائيـة‪ ،‬أطروحـة دكتـوراه‪ ،‬كليـة‬
‫اآلداب واللغـات‪ ،‬جامعـة قاصـدي مريـاح ورقلـة‪ ،‬الجزائـر‪.2018-2017 ،‬‬
‫ ‪30.‬علـى عشـري زايـد‪ ،‬قصـص الحيـوان بيـن األدب العربـي واآلداب العالميـة‪ ،‬دار النصـر للتوزيـع والنشـر‪،‬‬
‫القاهـرة‪.2000 ،‬‬
‫‪31.‬عونـي الفاعـوري‪ ،‬تجليـات الواقـع واألسـطورة فـي النتـاج الروائـي إلبراهيـم الكونـي‪ ،‬وزارة الثقافـة‪ ،‬عمّـان‪،‬‬
‫‪.2002‬‬
‫ ‪32.‬فيليـب بروطـون‪ ،‬الحِجـاج فـي التواصـل‪ ،‬ترجمـة‪ :‬محمـد مشـبال‪ ،‬وعبدالواحـد التهامـي‪ ،‬المركـز القومـي‬
‫للترجمـة‪ ،‬القاهـرة‪.2006 ،‬‬
‫ ‪33.‬مجموعـة باحثيـن‪ ،‬الحِجـاج مفهومـه ومجاالتـه‪ ،‬دراسـات نظريـة وتصيقيـة‪ ،‬إشـراف حافـظ إسـماعيل‪ ،‬عالـم‬
‫الكتـب الحديـث‪ ،‬األردن‪.2010 ،‬‬
‫‪34.‬مجموعة باحثين‪،‬أهم نظريات الحِجاج في التقاليد الغربية‪ ،‬كلية اآلداب‪ ،‬تونس‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪35.‬محمـد العبـد‪ ،‬النـص الحِجاجـي العربـي‪ ،‬دراسـة في وسـائل اإلقناع‪ ،‬مجلة فصـول‪ ،‬ع ‪ ،60‬صيف – خريف‪،‬‬
‫‪.2002‬‬
‫ ‪36.‬محمد بن مكرم بن منظور‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبد هللا الكبير وآخرون؛ دار المعارف‪ ،‬القاهرة‪.1979 ،‬‬
‫‪37.‬مسـعود الصحـراوي‪ ،‬التداوليـة عنـد علمـاء العـرب‪ ،‬دراسـة تداوليـة لظاهـرة األفعـال الكالميـة فـي التـراث‬
‫اللسـاني العربـي‪ ،‬دار الطليعـة‪ ،‬بيـروت‪.2005 ،‬‬
‫ً‬
‫‪38.‬منـى بيكـر‪ ،‬ترجمـة السـرديات ‪ /‬سـرديات الترجمـة‪ :‬هـل حقـا الترجمـة جسـر بيـن الشـعوب والثقافـات‪،‬‬
‫ترجمـة‪ :‬حـازم عزمـي‪ ،‬مجلـة فصـول‪ ،‬ع‪ ،66‬ربيـع ‪.2005‬‬
‫ ‪39.‬ميخائيل باختين‪ ،‬شعرية دوستويفسكي‪ ،‬ترجمة جميل نصيف‪ ،‬دارتوبقال‪ ،‬المغرب‪.1986 ،‬‬
‫ ‪40.‬هيثـم سـرحان‪ ،‬الحجـاج السـردي عنـد الجاحـظ‪ ،‬بحـث فـي المرجعيـات والنصيـات واآلليـات‪ ،‬المجلـة‬
‫العربيـة للعلـوم اإلنسـانية‪ ،‬الكويـت‪ ،‬ع ‪ ،115‬مـج ‪.2011 ،29‬‬

‫‪32‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫التشخيص يف الشعر العربي القديم‬


‫( شعر ابن الرومي منوذجًا)‬
‫إعداد‪:‬‬
‫آمنة عبد السالم ربوه رجب‬
‫عضو هيئة التدريس بكلية التربية ‪ /‬الغريفة‬
‫القبول‪2023/6/14 :‬‬ ‫االستالم‪2023/5/15 :‬‬

‫املستخلص‪:‬‬
‫يهـدف هـذا البحـث إلـى إبـراز مفهـوم التشـخيص ودوره فـي الشـعر العربـي‪ ،‬حيـث نجـده‬
‫يعطـي الموضوعـات حيـاة وحركـة‪ ،‬وبـه يسـتطيع الشـاعر أن يمزج األلوان بالظلال‪ ،‬لتصير في‬
‫قمـة الخيـال‪ ،‬وسـتحاول الدراسـة أن تبيـن التشـخيص ودوره فـي شـعر ابـن الرومـي‪ .‬لتصـل فـي‬
‫النهايـة إلـى أن التشـخيص يعتمـد علـى الشـعور المرهف بالمعالم الطبيعية فـي تكوين المعاني‬
‫الشـعرية‪ .‬وتوصلـت أيضـ ًا‪ :‬إلـى أن القـرآن الكريـم يمثـل الـذروة األعلـى فـي شـعر ابـن الرومـي‪،‬‬
‫لذلـك نجـده يقتبـس منـه كثيـرًا‪.‬‬
‫الكلم�ات املفتاحي�ة‪ :‬التشـخيص‪ ،‬ابـن الرومـي‪ ،‬صـور ابـن الرومي البالغيـة في القـرآن الكريم‬
‫وأثـره علـى التشـخيص في شـعره‪.‬‬

‫‪Abstract:‬‬
‫‪This research aims to highlight the concept of diagnosis and its role in‬‬
‫‪Arabic poetry. We find that it gives subjects life and movement and with it‬‬
‫‪the poet can mix colors with shades to become the pinnacle of imagination.‬‬
‫‪The study will attempt to show the diagnosis and its role in the poetry of Ibn‬‬
‫‪Al_Rumi inorder to reach in the end that the diagnosis depends on the sensitive‬‬
‫‪feelings of the natural features in the formation of poetic meaning. It also‬‬
‫‪concluded that the Holy Quran represents the highest level in Ibn al Rumi is‬‬
‫‪poetry ,so we find it frequently quoted from it.‬‬
‫‪Keywords: Diagnosis, Ibn al Rumi,s rhetorical images in the Holy Quran and‬‬
‫‪its impact on the diagnosis in this poetry.‬‬

‫‪33‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫املقدمة‪:‬‬
‫الحمـدهلل رب العالميـن الـذي هدانـا بكتابـه المبيـن‪ ،‬وأكرمنـا برسـوله الصـادق األميـن‪،‬‬
‫وصلـى اهلل علـى صفـوة اهلل مـن خلقـه أجمعيـن‪ ،‬وعلـى آلـه الطيبيـن الطاهريـن‪ ،‬وصحابته الغر‬
‫المياميـن‪ ،‬ومـن واالهـم باإلحسـان إلـى يـوم الديـن‪.‬‬
‫وبعد‪،،،‬‬
‫أعطـى ابـن الرومـي التشـخيص حيـاة وحركـة وأغـدق العواطـف عليهـا وخلـق أنـواع مـن‬
‫التعاطـف بينهـا وبيـن اإلنسـان‪ ،‬فالربيـع يحظـى بعنايـة عـدد كبيـر مـن الشـعراء‪ ،‬كأبـي نـواس‬
‫والبحتـري والصنوبـري‪ ،‬فيصـف ابـن الرومـي السـحاب والمطـر وصفـًا رائعـ ًا يلجـأ فيـه إلـى‬
‫التشـخيص حيـث يجـد فـي المنظـر انعكاسـ ًا آلالمـه ولحالته النفسـية القلقة الحزينـة‪ ،‬وينجح‬
‫فـي تصويـر المشـاركة الوجدانيـة بينـه وبيـن الطبيعـة‪ ،‬ويرضـى الحـواس الفنية كلهـا مما يعد‬
‫ً‬
‫عملا فنيـ ًا يمثـل االتجـاه اإلبداعـي الرومانسـي بـكل مقوماتـه الفنيـة‪.‬‬
‫ومـن هنـا جـاءت أهميـة البحـث فـي الكشـف عـن هـذه الظاهـرة‪ ،‬فالمصـدر الرئيـس الـذي‬
‫اسـتقيت منـه مـادة البحـث هـو ديـوان الشـاعر إلـى جانـب المصـادر والمراجـع التـي سـوف أجعـل‬
‫لهـا ثبتـًا فـي نهايـة البحـث وقـد وقـع اختيـاري علـى المنهـج التكاملـي لدراسـة التشـخيص فـي‬
‫شـعر ابـن الرومـي‪ ،‬فهـذا المنهـج تنـدرج تحتـه كل المناهـج األخـرى‪.‬‬
‫وسرت في تقسيم هذا البحث على النحو التالي‪:‬‬
‫التمهيد‪ :‬ويشتمل على‪ :‬ترجمة الشاعر ابن الرومي‪ ،‬ومفهوم التشخيص‪.‬‬
‫المبحث األول‪ :‬التشخيص في العصر الجاهلي والعصر األموي‪.‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬أثر التشخيص على الصورة الفنية عند ابن الرومي‪.‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬أثر الصورة القرآنية التشخيصية على شعر ابن الرومي‪.‬‬
‫وأخيرًا الخاتمة لخصت فيها أهم ما توصلت إليه من نتائج‪.‬‬
‫التمهيد‪:‬‬
‫ترمجة الشاعر‪:‬‬
‫الشـاعر هـو أبـو الحسـن علـي بـن العبـاس بـن جرجيـس الرومي ولـد يوم األربعـاء من رجب‬
‫سـنة ‪ 221‬هـ ‪ 836‬م في بغداد بالموضع المعروف بالعقيقة (((ظهرت موهبته الشـعرية منذ‬
‫وقـت مبكـر‪ ،‬وهـو ال يـزال صبيـا فـي الكتـاب‪ ،‬عـرف بتشـاؤمه وتطيـره الشـديد‪ ،‬أخـذ بحظ وافر‬
‫مـن ثقافـة عصـره األدبيـة واللغويـة والدينيـة والعلميـة والفلسـفية واتخـذ مـن شـعره حرفـة‬
‫وصناعـة يتكسـب بهـا‪ ،‬وقـد بلـغ فـي هـذا الفـن مـا بلغ وأصبح له شـأن كبير(((له ديـوان بتحقيق‬
‫حسـين نصـار‪ ،‬وعبـد األميـر مهنـا‪ ،‬يضـم بيـن دفتيـه شـعرا غزيـرًا في سـتة أجزاء مقسـوما على‬
‫عـدد مـن الموضوعـات الشـعرية أبرزهـا الهجـاء والرثـاء والمـدح والوصـف؛ أمـا وفاتـه اختلفـت‬
‫الروايـات فـي سـبب وفاتـه قيـل مات مسـموم ًا سـنة ‪283‬هـ(((‪.‬‬
‫التشخيص يف اللغة‪:‬‬
‫ـخاص؛ أثبـت الشـخص أراد بـه‬
‫وش ُ‬ ‫وص ِ‬ ‫وش ُ‬
‫ـخ ٌ‬ ‫أشـخاص ُ‬
‫ٌ‬ ‫ص اإلنسـان وغيـره مذكـر‪ ،‬والجمـع‬ ‫َش ْ‬
‫ـخ َ‬

‫((( ينظــر‪ ،‬ابــن الرومــي حياتــه مــن شــعره‪ ،‬عبــاس محمــود العقــاد‪ ،‬ص ‪ ،84 -83‬وينظــر وفيــات األعيــان‪ ،‬ألبــن‬
‫خلــكان‪ ،‬تحقيــق د إحســان عبــاس‪ ،‬دار صــادر‪ ،‬بيــروت‪ ،‬ج‪،3‬ص ‪.458‬‬
‫((( ينظــر‪ ،‬تاريــخ األدب العربــي العصــر العباســي الثانــي‪ ،‬شــوقي ضيــف‪ ،‬دار المعــارف‪ ،‬الطبعــة السادســة‪(،‬ب‪-‬ت)‬
‫ص ‪.300 -299‬‬
‫((( ينظر‪ ،‬ابن الرومي حياته من شعره‪ ،‬عباس محمود العقاد‪ ،‬ص ‪.81‬‬

‫‪34‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫المـرأة‪ ،‬والشـخص سـواد اإلنسـان وغيـره تقـول ثالثـة أشـخص(((وكل شـيء رأيـت ُجثمانـه‪ ،‬فقـد‬
‫(((‬ ‫يـه ْ َ‬
‫اأْل ْب َصـا ُر)‪.‬‬ ‫ص ِف ِ‬ ‫ِي ْـو ٍم َت ْش َ‬
‫ـخ ُ‬ ‫َمـا ُي َؤ ِّخ ُر ُه ْ‬
‫ـم ل َ‬ ‫رأيـت شـخصه قـال تعالـى‪ِ (:‬إ ّن َ‬
‫التشخيص يف االصطالح‪:‬‬
‫نسـبة صفـات البشـر إلـى أفـكار ُمجـردة أو أشـياء ال تتصـف بالحيـاة مثـل الفضائـل والرذائـل المجسـدة‬
‫(((‬
‫فـي المسـرح األخالقـي ومخاطبـة الطبيعـة‪.‬‬
‫ـن َأ ْن َي ْح ِم ْل َن َها‬ ‫َ‬ ‫ض َوا ْل ِج َب ِ‬
‫ـال َفأ َب ْي َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ـما َو ِ‬
‫ات َواأْل ْر ِ‬ ‫َـة َع َلى َّ‬
‫الس َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ويبـرز ذلـك فـي قولـه تعالـي‪ِ (:‬إ ّنَـا َع َر ْض َنـا اأْل َمان َ‬
‫ـواًل) ((( فقـد جعـل سـبحانه وتعالـى‪ :‬السـموات واألرض‬ ‫ومـا َج ُه ً‬ ‫ان َظُل ً‬ ‫َـه َك َ‬ ‫ـان ِإ ّن ُ‬ ‫َوَأ ْش َ‬
‫ـف ْق َن ِم ْن َهـا َو َح َم َل َهـا ْ ِ‬
‫اإْل ْن َس ُ‬
‫والجبـال ناطقـة تتجلـى بالصفـات اإلنسـانية مـن اإلبـاء والرفـض واإلشـفاق‪ ،‬فهـي من الوسـائل الفنية التي‬
‫يلجـأ إليهـا الشـعراء فـي اسـتخدامهم للتصوير االسـتعاري‪.‬‬
‫وعرفهـا النقـد العربـي القديـم والحديـث فرفضهـا فريـق مـن النقـاد القدامـى؛ الذيـن يمتلهـم اآلمـدي‬
‫المتوفـي سـنة (‪370‬هــ ‪980 -‬م) فـي موقفـه مـن اسـتعارات أبي تمام خير تمثيـل‪ ،‬وارتضاها عبد القاهر‬
‫الجرجانـي المتوفـي (‪ 471‬هــ ‪1078‬م) حيـث حـدد االسـتعارات المبنية على التشـخيص قائ ً‬
‫ال‪(( :‬فإنك‬
‫تـرى الجمـاد حيـًا ناطقـ ًا‪ ،‬واألعجـم فصيح ًا‪ ،‬واألجسـام الخرس مبنية‪ ،‬المعاني الخفيـة بادية جلية)) ‪.‬‬
‫(((‬

‫املبحث األول‪ :‬التشخيص يف العصر اجلاهلي والعصر األموي‪:‬‬


‫التشـخيص مـن الظواهـر التـي اتسـمت بهـا المعانـي فـي الشـعر الجاهلـي؛ ألن أكثـر صـور‬
‫الشـعراء مسـتمدة مـن البيئـة المرتبطـة بالباديـة والحيـاة البدويـة أشـد ارتباطـ ًا‪.‬‬
‫فاألطلال مـن أهـم الموضوعـات التـي تتـردد فـي القصيـدة الجاهليـة؛ لعالقتهـا الوثيقـة‬
‫بإنسـانية الشـاعروتنازعها مـع ميولـه وعواطفـه وماضيـه وحاضـره‪ ،‬فشـخصت وأضفـوا عليهـا‬
‫صفـات الكائنالحـي وخصائصـه‪ ،‬فأصبحـت ُتسـأل وتلقـى عليهـا التحيـة ومـن ذلك يقـول النابغة‬
‫الذبيانـي‪:‬‬
‫األم ِد‬ ‫ُ‬
‫ِيهـا َسالِف َ‬ ‫طال َعل ْ‬ ‫أقو ْت َو َ‬ ‫َ‬ ‫نــد ***‬ ‫فالس ِ‬ ‫ِّ‬ ‫لي ِ‬
‫ــاء‬ ‫بالع ْ‬ ‫َ‬
‫َيا دار َميّـة َ‬
‫ِ (((‬
‫أحــد‬‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ن‬ ‫م‬‫ِ‬ ‫بع‬ ‫الر‬
‫َ َ َّ ِ‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫ا‬‫ً‬ ‫واب‬ ‫ج‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫ّث‬ ‫ي‬ ‫ع‬
‫َ‬ ‫***‬ ‫ها‬ ‫ُ‬
‫ل‬ ‫ائ‬‫س‬‫َ‬ ‫ُ‬
‫أ‬ ‫كي‬ ‫ً‬
‫ا‬ ‫الن‬ ‫ي‬ ‫قفت ِف ْيها َ‬
‫أص ْ‬ ‫َو ُ‬
‫شـخص الشـاعر األطلال‪ ،‬فوقـف يسـائلها علـى ظهـر ناقـة قويـة فاسـتعجمت‪ ،‬وأصبحـت‬
‫خرسـاءصماء ال تحسـن الجواب‪ ،‬فاسـتعمل لفظي ( أسـائلها وجوابًا ) وهما من خصائص اإلنسـان‬
‫وهـي جمـاد وال ينطـق الجمـاد‪.‬‬
‫وطرفـة بـن العبـد شـخصها وهـي تلـوح مـن بعيـد بيـد فتـاة جميلـة تراجـع فـي ظاهـر كفهـا‬
‫كحلا ونـورًا تحت أشـعة الشـمس الصباحية شـبيهة‬ ‫ً‬ ‫الوشـم وفـي معصمهـا النقـوش؛ وقـد ُحشـيت‬
‫بتزيـن بعـض جسـم اإلنسـان وهـي اليـد قائ ً‬
‫ال‪:‬‬
‫الي ِد‬
‫اه ِر َ‬ ‫الو ْش ِم في َظ ِ‬
‫وح َكباقي َ‬ ‫مــــد *** َتَل ُ‬ ‫أط ُ‬
‫ــــالل ببــُ ْر َق ِة َت ْه ِ‬ ‫ِخـــو َل َة ّ‬
‫ل ْ‬
‫ِ (‪((1‬‬ ‫أســـى و َت ّ‬
‫جلــــــد‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ِــك‬ ‫ل‬ ‫ه‬‫ت‬‫َ‬ ‫ال‬ ‫قـولـون‬
‫َ‬ ‫ي‬
‫َ‬ ‫***‬ ‫هـم‬‫طي‬
‫ّ‬ ‫م‬
‫َ َ َّ َ َ ْ‬ ‫ي‬ ‫لـ‬‫ع‬ ‫حبـي‬ ‫ص‬‫َ‬ ‫َ‬
‫ا‬ ‫ِهـ‬
‫ب‬ ‫ً‬
‫ا‬ ‫وفــ‬‫ُو ُق‬

‫((( ينظـر‪ ،‬لسـان العـرب‪ ،‬للعالمـة أبـي الفضـل جمـال الديـن محمد بـن كرم بـن منظـور اإلفريقي المصـري‪ ،‬دار‬
‫النشـر والتوزيـع نوبليـس‪ ،‬الطبعـة األولـى‪ 2006 .‬م‪ ،‬ج ‪ ،15‬ص ‪.57 -56‬‬
‫((( سورة‪ ،‬إبراهيم‪ ،‬اآلية‪.42 ،‬‬
‫((( ينظـر‪ ،‬معجـم المصطلحـات العربيـة فـي اللغة واألدب‪ ،‬د مجـدي وهبة وكامـل المهندس‪ ،‬مكتبة لبنـان‪ ،‬بيروت‪،‬‬
‫الطبعـة الثانية‪ 1984 ،‬م‪ ،‬ص ‪.102‬‬
‫((( سورة األحزاب‪ ،‬اآلية ‪.72‬‬
‫((( أسـرار البالغـة‪ ،‬عبـد القاهـر عبـد الرحمـن الجرجانـي‪ ،‬تحقيـق محمـود محمـد شـاكر‪ ،‬الناشـر دار المدينة‪،‬‬
‫الطبعـة األولـى‪ 1991 ،‬م‪ ،‬ص ‪.43‬‬
‫((( ديوان‪ ،‬النابغة الذبياني‪ ،‬تحقيق‪ ،‬كرم البستاني‪ ،‬دار صادر للطباعة والنشر‪ ،‬بيروت‪ 1963 ،‬م‪ ،‬ص ‪.30‬‬
‫(‪ ((1‬ديوان‪ ،‬طرفة بن العبد‪ ،‬بدون تحقيق‪ ،‬دار صادر بيروت‪ ( ،‬ب ‪ -‬ط ) ص ‪.19‬‬

‫‪35‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫أما لبيد شـخص الشـمال بأن جعل له يدًا وللغداة زماما ومن هذا يريد أن يثبت ما للشـمال‬
‫من القوة والفاعلية ما يجعلها تتصرف في األمور كيف تشـاء كما يفعل اإلنسـانقائ ً‬
‫ال‪:‬‬
‫(‪((1‬‬
‫امها‬ ‫ِم ُ‬‫الشمال ز َ‬ ‫ِي ِد ّ‬ ‫أصبحت ب َ‬‫ْ‬ ‫قرة *** قد‬ ‫َو َغدا َة رِيح َق ْد َوزعت َو َّ‬
‫وتأبط شرًا يتحدث عن سيفه قائ ً‬
‫ال‪:‬‬
‫ِ (‪((1‬‬
‫الضواحك‬ ‫أفواه المنايا َّ‬ ‫نواجد ْ‬‫ُ‬ ‫تهللت ***‬ ‫ْ‬ ‫هز ُة في عظم ٍ‬
‫قرن‬ ‫إذا ّ‬
‫شـخص الشـاعر النواجـذ تتهلـل وتلمـع لمعـان البـرق في فم المنايا التي تضحك كأنها إنسـان‬
‫فرح مسرور‪.‬‬
‫أمـا الشـنفري وهـو مـن الصعاليـك؛ فـكان ممـن يصـف أسـلحته يكشـف عـن صلةوجدانيـه‬
‫يتغزلـون بأجزائهـا ومفاتنهـا التـي يصفونهـا بدقـة وإعجـاب ؛ كمـا يصـف الجاهلـي المـرأة فهـذا‬
‫قوسـه يشـخصه قائلا‪:‬‬
‫يطتإ َل ْيهَا َو ِم ْح َم ُل‬
‫ـد ِن ْ‬ ‫ائع َق ْ‬ ‫تون َتزي ٌنهَا *** َر َص ُ‬ ‫الم ِ‬ ‫س ُ‬ ‫وف ِم َن ا ْل ُم ْل ِ‬ ‫َه ُت ُ‬
‫ُ (‪((1‬‬
‫ــول‬‫تع ِ‬ ‫ــــرزاة َع ْج َلـــى ٌت ٌ‬
‫ـــرن َو ْ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ـت كأنَهـَا *** ُم َ‬ ‫ّ‬
‫هـ ُم َح َن ْ‬ ‫َل َع ْنهــَا َّ‬ ‫ِذ ز َّ‬
‫إَ‬
‫الس ْ‬
‫وسـويد بـن أبـي كاهـل اليشـكري يشـبه الصحـراء فـي طرقهـا الباليـة الوعرة وجلاء أطرافها‬
‫ببقايـا مـن الشـعر ُتغشـي رأس األصلـع‪ ،‬وجوانبهـا الواسـعة بالخواصـر عنـد النـاس ليشـخصها‬
‫قائ ً‬
‫ال ‪:‬‬
‫ـت َ‬
‫الق َز ْع‬ ‫ـل ُم ْر َف َّ‬‫ِيـات ِم َث ُ‬‫ٌهـــا *** َبال ِ‬ ‫ـــح َأ ْق َ‬
‫ـــرب َ‬ ‫اض ٍ‬‫َو َفـــال ٍة َو ِ‬
‫َ (‪((1‬‬
‫وم َمت ْع‬ ‫الي ُ‬‫ِذا ُ‬ ‫البيِد إ َ‬ ‫ال َمها *** َو َعلى ِ‬ ‫اآلل َع َلى َأ ْع َ‬
‫بح ُ‬ ‫َي ْس َ‬
‫ومن المعاني التشخيصية ايضا تشخيص الشباب للشاعر سالمة بن جندل السعدي قائال‪:‬‬
‫ـــر َمط َل ِ‬
‫ـــوب‬ ‫ذلـك شـــأ ٌو َغ ْي ُ‬ ‫يب *** ْأو َد ِى َو َ‬ ‫الت ِ‬
‫عاج ِ‬ ‫باب َح ِميدًا َذو َّ‬ ‫الش ُ‬ ‫ُأ ْو َدى َّ‬
‫ـاقيـب‬
‫ِ‬ ‫الي َع‬
‫كـض َ‬ ‫ركـه َر ٌ‬ ‫ـان ُي ْد ُ‬ ‫لبـه *** لــَ ْو َك َ‬ ‫يـب َي َط ُ‬ ‫الش ُ‬ ‫َو َلــي َحثِيثــًا َوهـذا َّ‬
‫َ‬
‫(‪((1‬‬
‫ابيب‬
‫الر َع ِ‬ ‫يض َّ‬ ‫الب ِ‬ ‫لوب ِم ْن ِ‬ ‫الق ِ‬ ‫فيه ُ‬ ‫ِ‬ ‫بـه ***‬ ‫ُ‬
‫ـد َع َواق ُ‬ ‫بـاب الـذي َم ْج ُ‬ ‫الش ُ‬ ‫أودى َّ‬ ‫ْ‬
‫تبـدو هـذه المعانـي آهـات حزيـن وأنـات مضنـى‪ ،‬وزفـرات ُمفجـع لمـا احتمـل فـي نفسـه مـن‬
‫الحـزن علـى فقـد شـبابه‪،‬الذي بفقـده فقـد متعـة الحيـاة وأناتـه استشـعارا لعواقـب المشـيب‬
‫وأسـقامه؛ فألفاظـه توحـي بالحـزن وفقـد الشـباب أودى فنـاء الشـباب؛ ولـى بآهـات الحـزن لفقـد‬
‫عزيـز كمـا توحـي بالفـوت والذهـاب فهـذه ال تكـون إال لإلنسـان وهويضفيهـا علـى الشـباب‪.‬‬
‫وإذا نظرنـا إلـي التشـخيص فـي العصـر األمـوي نرى أن الصورة التشـخيصية ظلتكماهي عليه‬
‫بمعنـى أن العقـل العربـي التـزم حـدود األشـياء؛ فـي الوقـت الـذي كان فيـه الخيـال عاجـزًا عـن‬
‫تصويـر المشـاعر الداخليـة‪ ،‬فالعيـن تنقـل المشـاهد إلـى الذاكرة‪ ،‬والذهن البارد ُيماثل ويشـابه‬
‫بينهمـا؛ فالبدائـي لـم يكـن قـد نفـذ إلـي مرحلـة التميـز والتجـرد والخلـوص وإن كان لم يزل في‬
‫مرحلـة المقابلـة‪ ،‬والتـي تقتصـر علـى اكتشـاف الشـبه بين شـيء وآخر‪.‬‬
‫لقـد اسـتخدم الشـعراء الجاهليـون ويتبعهـم األمويـون لغـة التصويـر مـن مجـاز وتشـبيه‬
‫واسـتعارة فـي إبـراز خاصيـة التشـخيص فالمهمـة األساسـية للتصويـر الكشـف عـن المجهـول‬

‫(‪ ((1‬ديوان‪ ،‬لبيد بن ربيعة العامري‪ ،‬بدون تحقيق‪ ،‬دار صادر‪ ،‬بيروت‪ ( ،‬ب ‪ -‬ط ) ص ‪.176‬‬
‫(‪ ((1‬ديوان‪ ،‬تأبط شرا‪ ،‬إعداد طالل حرب‪ ،‬الدار العالمية‪ ،‬بيروت لبنان‪ ،‬الطبعة األولى‪ 1993 ،‬م‪ ،‬ص‪.53‬‬
‫(‪ ((1‬ديوان‪ ،‬الشنفري‪ ،‬إعداد طالل حرب‪ ،‬الدار العالمية‪ ،‬بيروت لبنان‪ ،‬الطبعة األولى‪ 1993 ،‬م‪ ،‬ص ‪.56‬‬
‫(‪ ((1‬المفضليـات ديـوان العـرب مجموعات من عيون الشـعر‪ ،‬تحقيق‪ ،‬أحمد شـاكر و عبدالسلام هـارون‪ ،‬دار المعارف‬
‫بمصر‪،‬الطبعـة الرابعة‪ ،‬ص ‪.193‬‬
‫(‪ ((1‬ديـوان‪ ،‬سلامة بـن جنـدل‪ ،‬د محمـد بن الحسـن األحـول‪ ،‬تحقيـق‪ ،‬فخر الذيـن قبـاوة‪ ،‬دار الكتـب العلمية‪،‬‬
‫بيـروت لبنـان‪ ،‬الطبعـة األولـى‪ ،1968 ،‬الطبعـة الثانيـة‪ ،1987 ،‬ص ‪.91 - 88‬‬

‫‪36‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫وإيضاحـه (‪((1‬ففـي الحديـث عـن وصـف األطلال وذكـر الديـار تقليد راسـخ في افتتـاح القصيدة‬
‫حيـث تألـق فيهـا الشـعراء تألقـ ًا بينـ ًا‪ ،‬حتـي وصلـت عنـد الكثيريـن حـد االعتسـاف والتزيـن‬
‫المصطنـع؛ ولعـل ابـن بـي ربيعـة مـن أعذبهـم فـي صـدر اإلسلام وبنـي أميـة‪ ،‬وأرقهـم شـعورًا‬
‫وأطولهـم نفسـ ًا وأجملهـم ِحليـة بيانيـة فـي تصويـره لمشـاهدة األطلال التـي وقـف عليهـا‬
‫ليشـخصها ؛ فعندمـا علـم أن الثريـا هـي إحـدى الحسـان الالتـي تغنـي بحبهن قـد تزوجت ونقلت‬
‫إلـى الشـام فإنـه ذهـب إلـى حيـث كانـت دارهـا ووقفعلـى أطاللهـا وقـال‪:‬‬
‫ِاألمـس َما َف َعـالَ‬
‫ِ‬ ‫ـه ب‬ ‫ـن ّ‬
‫حل ُ‬ ‫ــض َم ْ‬‫ــن َب ْع ِ‬ ‫ال *** َع ْ‬ ‫بـر ّ‬
‫الطلـ َ‬ ‫َس َـت ْخ َ‬ ‫احبـى ِق َفــا ن ْ‬
‫ّ‬ ‫َيـا َص‬
‫ـــــاحتمـــ َ‬
‫ال‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ف‬ ‫ن‬‫َ‬ ‫يـــ‬ ‫الب‬ ‫ّ‬
‫أجــد‬ ‫َ‬
‫يــط‬ ‫ْ‬
‫ل‬ ‫َ‬
‫الخ‬ ‫ّ‬
‫إن‬
‫َ‬ ‫***‬ ‫ِ‬
‫ِه‬‫ب‬ ‫ُ‬
‫ـت‬ ‫ْ‬
‫ف‬ ‫ق‬‫َ‬ ‫و‬
‫َ‬ ‫أن‬
‫ْ‬ ‫ـا‬ ‫لم‬ ‫ـع‬
‫َّ ْ ُ َّ‬‫ب‬ ‫ر‬ ‫ّ‬
‫َ‬
‫ال‬ ‫ِـي‬‫ل‬ ‫ـق َ‬
‫ـال‬ ‫َف َ‬
‫َ ْ‬
‫أصـ َ‬
‫ال‬ ‫ِـم ُ‬ ‫ـت بِه ْ‬ ‫واستـــَو َل ْ‬
‫ـــــن ْ‬
‫بي ِ‬ ‫خت *** َه َو ُ‬
‫اتـف ا َل ْ‬ ‫ـد َص َر ْ‬ ‫هـم َو َق ْ‬
‫يي ْ‬ ‫َل َّمـــا َو َق ْف َنـا ُن َح َّ‬
‫ض الـــــذي َف َعــــ َ‬
‫ال‬ ‫وميـــه ِف ِي َب ْع ِ‬
‫ِ‬ ‫ُ‬
‫ِلتــي َم َعــهــا *** باهلل ل‬‫الـت ل ْ‬‫ــد ْت بُعــادًا َو َق ْ‬ ‫َص ّ‬
‫(‪((1‬‬
‫ـه جـــــَ َدال‬ ‫ول وال َتعنــي َب َ‬ ‫ـــــاذا َيقـــــُ ٌ‬
‫تمــعي *** َم َ‬‫واس ِ‬‫ْ‬ ‫ت‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬
‫دث‬ ‫ح‬
‫ُ‬ ‫ً‬
‫ا‬ ‫ِمــــ‬ ‫ب‬ ‫ِ‬
‫يه‬ ‫ّ‬
‫ث‬ ‫ّ‬
‫حد‬ ‫َو‬
‫فاألبيات في مجملها حيوية ونابضة بالحركة تتدافع مظاهرها؛ فالشاعر يستوقفصاحبيه‬
‫كـي يسـأل األطلال التـي غادرتهـا الحبيبـة فقـال‪ :‬يـا صاحبـي قفـا نسـتخبرالطلل يطلـب مـن‬
‫صاحبيه أن يسـتخبرا الطلل سـؤال وجواب‪ ،‬وحكاية ورواية وطلب لحال ما كان عليه المحبوب‬
‫مـن فـرح وبهجـة ومـا كان عليـه مـن أسـى وحـزن ؛ فقـد بعث فـي الطلل الخصائص اإلنسـانية من‬
‫تعقـل وتفهـم وإخبـار وأنبـاء وفـي تشـخيص التـراب قـول‪ :‬مجنون ليلى‬
‫ــــــراما با ّ‬
‫ِلشـكــــا َي ِة للِتــّ َر ِ‬
‫اب‬ ‫ـــد *** َغ َ‬ ‫يـت َو ُك َّل َو ْج ِ‬‫اش ُكــو َمــا َل ِق ُ‬
‫َو ْ‬
‫سياب‬
‫ِ‬ ‫ْ‬
‫ـال َوان‬
‫هم ِ‬ ‫ْ‬
‫معــي ِفــي ان َ‬ ‫َ‬
‫ِلد َيا ِر َعظ ْي َم َو ْجدي *** َو َد ِ‬ ‫ّ‬
‫َواشكو ل َ‬‫ْ‬
‫ـراب ُم ْس َت ِم ُع ِخ َطابـي‬‫الت ِ‬‫كــأن َّ‬
‫َّ‬ ‫راب ِم ْن َها ***‬
‫الت ِ‬ ‫لـم ُصـو َر ًة ِفي َّ‬ ‫ُأ َك ُ‬
‫ّ‬ ‫ِليهــَا *** ُم َصابِي َوا ْل َح ُ‬ ‫ً‬
‫نـــ ًد ًها أ ًشكـــَو إ ْ‬ ‫ّ‬
‫الت ِ‬
‫راب‬ ‫ديث إلى َ‬ ‫َكأنِـي ِع ْ‬
‫(‪((1‬‬
‫يرجع في جوابي‬ ‫ُ‬ ‫العتاب‬
‫ُ‬ ‫شخص يرد جواب قولي *** وال‬ ‫ُ‬ ‫فال‬
‫فالشـاعر مـن شـدة حبـه ووجـده وغرامـه ؛ لـم يلـق مـن يشـكي فشـكا إلـى الترابليـرق لحالـة‬
‫كمـا بـاح للديـار بأشـواقه والدمـع منهمـر مـن جفنيـه ‪ ,‬وكلـم التـراب وكأن له أوذين تسـمع يوجه‬
‫ألهمـا الحـزن وااللـم ‪ ,‬وكأنمـا يوجهـه الـي الحبيبـة ذاتهـا ‪ ,‬وينتهـي قائلا ال يوجـد أحـد يـرد‬
‫علـى جـواب قولـي‪ .‬وجميـل بتينـة مـن شـدة حبـه وهيامـه اسـتعار لفظة(المـرض) لريـح الصبـا‬
‫علـي سـبيل التشـخيص قائلا‪:‬‬
‫ئـيـد‬
‫ــالع َوالْـقـاَويِــات َو ُ‬ ‫ريضــــة *** لَهــا َ بِالـ ّت ِ‬
‫ٍ‬ ‫ــذ ِك ُر ِنيـهــَا َكـــــل ِريـــح َم‬ ‫ُي َ‬
‫(‪((1‬‬
‫قد تلتقي األهوال من بعد يأسة *** وقد تطلب الحاجات وهي بعيد‬
‫وفي السراب قول ذو الرمة‪:‬‬
‫(‪((2‬‬
‫اقـلهـــُا األ ُر ُ‬
‫وم‬ ‫ـــص ِفــي َع َس ِ‬‫ُ‬ ‫ق‬‫ُ‬ ‫ـر‬
‫ْ‬ ‫ت‬‫َ‬ ‫***‬ ‫ِي‬
‫ـ‬ ‫وامــ‬ ‫م‬ ‫ْ‬
‫ــن ا َ‬
‫ل‬ ‫ــراب ِم ْ‬
‫الس ِ‬ ‫ــاج َـر ُة ِّ‬
‫َو َس ِ‬
‫شـخص السـراب الـذي يملأ الفلاة ويسـحر العيـون كالمـاء فـي انسـكابه‪ ،‬حيـث اسـتعار لهـا‬
‫لفظ(ترقـص) وهـي مـن خصائـص اإلنسـان أضفاهـا علـى الجمـاد‪.‬‬
‫وبنـاء علـى مـا تقـدم نـدرك أن التشـخيص ؛ لـم يقتصـر علـى األطلال والظواهرالطبيعيـة‬

‫(‪ ((1‬ينظـر‪ ،‬الصـورة الشـعرية ونماذجهـا فـي إبـداع أبـي نـواس‪ ،‬د ساسـين سـيمون عسـاف‪ ،‬المؤسسـة الجامعيـة‬
‫للدراسـات والنشـر‪ ،‬الطبعـة األولـى‪ 1982 ،‬م ص ‪.74 - 73‬‬
‫(‪ ((1‬ديوان‪ ،‬عمر ابن أبي ربيعة‪ ،‬بدون تحقيق‪ ،‬دار صادر‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،1988 ،‬ص ‪.317 - 315‬‬
‫(‪ ((1‬ديوان ‪ ,‬محنون ليلي شرح مجيد طراد ‪ ,‬عالم الكتب ‪ ,‬الطبعة األولى ‪ 1996 ,‬م ص ‪. 1995 ,‬‬
‫(‪ ((1‬ديوان ‪ ,‬جميل بثينة ‪ ,‬شرح أحمد عداره ‪ ,‬عالم الكتب ‪ ,‬الطبعة األولي ‪ 1996 ,‬م ص‪.61-60 .‬‬
‫(‪ ((2‬ديوان ‪ ,‬ذو الرمة ‪ ,‬بتصحيح كارليل هنري هيس مكارتني ‪ ( ,‬ب ط ) ‪ 1919 ,‬م ‪ ,‬ص ‪. 591‬‬

‫‪37‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫فقـط وإنماتعداهـا إلـى بعـض الحيوانـات عنـد بعـض الشـعراء فتسـمع الفـرزدق يخاطـب الذئـب‬
‫قائال‪:‬‬
‫ـــان‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫اد ُن ُد ُونَك ِإنَني *** َوإيــــَّـاك فـــِي َزادي ل ُمش َت ِركــً ِ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫لمــا َدنَـا قلت ْ‬ ‫ف َ‬ ‫َ‬
‫ــوء نـــــَا ِر َم َّـرة َو ُد ُخ ِ‬
‫ـــــان‬ ‫نه *** َعَلــى َض ِ‬ ‫َفبـ َّت ُأ َسـوي َّ‬
‫الـزاد َب ْيني َو َب ْي ُ‬ ‫َ‬
‫كــان‬
‫ِـم ِ‬ ‫َ‬ ‫ب‬ ‫ـدي‬ ‫ي‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫ـن‬ ‫م‬‫ِ‬ ‫يفـي‬ ‫س‬ ‫قائــم‬
‫ُ‬ ‫و‬
‫َ‬ ‫***‬ ‫ً‬
‫ا‬ ‫كـ‬‫اح‬‫ِ‬ ‫ض‬‫َ‬ ‫ـر‬‫ش‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫تـ‬ ‫ا‬ ‫لم‬
‫ّ‬ ‫ُ‬
‫ــه‬‫ل‬‫َ‬ ‫ُ‬
‫ـلـت‬‫َف ُق‬
‫َ‬ ‫َ َ‬
‫(‪((2‬‬
‫تعش فإن واثقتني ال تخونني *** نكن مثل مـن يا ذئب يصطحبـان‬
‫شـخص الذئـب وجعلـه كاإلنسـان يتحـدث معـه ويحادثـه دعـاه فقبـل دعوته‪،‬وأشـركه فـي‬
‫زاده وطعامـه وتقاسـمه معـه كمـا يفعـل مـع أخيـه وصديقـه‪ ،‬وقـال لـه لمـا كشـر عـن أنيابـه أنـه‬
‫لـم يخنـه فإنهمـا سـيصبحان صديقيـن‪ ،‬وإن كان الغـدر مـن صفـة الذئـاب كمـا اسـتخدم كلمـة‬
‫(ضاحـكًا) وهـي صفـة يختـص بهـا مـن لـه روح ومشـاعر وأحاسـيس وانفعـاالت أضفاهـا علـى هذا‬
‫الحيـوان الـذي يلازم اإلنسـان وهـو يجـوب الصحـراء‪.‬‬
‫وقول‪ :‬مجنون ليلى أيضا‬
‫أولهـن ُج ُ‬
‫نـون‬ ‫ـن ُم َدامـًا ُ‬ ‫رقـا ِر ا ْل َهـدير َكأنمَا *** ًش ِر ْب َ‬ ‫ـدن ب ُ‬
‫ِق ِ‬ ‫َو ُع ُ‬
‫(‪((2‬‬
‫ون‬ ‫ّ‬
‫له َن ُع ُي ُ‬
‫تدمع َ‬
‫ْ‬ ‫بكي َن فلم‬‫ْ‬ ‫حمائما ***‬ ‫ً‬ ‫ّ‬
‫مثله َن َ‬
‫تر عيني ُ‬ ‫لم َ‬ ‫َف ْ‬
‫فشـخص الشـاعر هنـا هديـل الحمـام‪ ،‬وهـو عائـد يقرقـر علـى سـبيل التشـبيه بصـوت‬
‫المخمورين والمجانين‪ ،‬وتبكي دون أن تذرف الدمع وهي صفة يتصف بها اإلنسـان ال الحيوان‪.‬‬
‫ويشـيع يديه كأنه مجرم أو مذنب تائب طالب‬ ‫َّ‬ ‫وفي تشـخيص الحرباء تارة يسـتقبل الشـمس‬
‫المغفـرة مـن اهلل وفـي ذلك يقول ذو الرمة‪:‬‬
‫الع َص ِ‬
‫ائب‬ ‫ون َ‬‫ْقوم ُد َ‬‫وديقة *** تَالقي ُوجوه ال ْ‬ ‫ٍ‬ ‫راض الْخصى ِم ْن‬ ‫ْت َّج ِر ْض ِ‬
‫ِإذا ان َ‬
‫(‪((2‬‬
‫نب يستغفــر اهلل َت ِ‬
‫ـآئــب‬ ‫يــــدا ُم ْ‬
‫ـذ ِ‬ ‫َ‬ ‫***‬ ‫ً‬
‫ا‬ ‫ســـ‬ ‫ِ‬
‫مـتشم‬
‫ّ‬ ‫ِهـا‬‫ئ‬ ‫ـــا‬‫ب‬ ‫ــر‬
‫َْ‬ ‫ح‬‫ِ‬ ‫دي‬
‫كـــأن ً ْ‬
‫يــــ‬ ‫َّ‬
‫ومـن هـذا نالحـظ أن الشـاعر األمـوي صـور مظاهـر الطبيعـة حقيقيـ ًا‪ ،‬يسـتقي أخيلتـه مـن‬
‫العالـم الحسـي فيقـارن بيـن المرئيـات‪ ،‬ويربـط بعضـا ببعـض‪ ،‬ويشـيع الحركـة فـي المعانـي التي‬
‫ينتقيهـا مـن العالـم‪ ،‬ويبـت فـي عناصرهـا المشـاعر والحيـاة‪ ،‬وقـد دفعتـه هـذه الحسـية إلـى أن‬
‫يدقـق النظـر فـي وصـف المرئيـات حتـي اسـتطاع أن يتـرك لنـا صـور قريبـة مـن صـور حياتـه‬
‫التـي كان يعيشـها‪ ،‬ومـا كان يقـف عنـده مـن طلل‪،‬وكأنـه كان يحـرص علـى نقـل هـذه الصـور إلـي‬
‫قصائـده ليبقـي علـى صورهـا ويحافـظ علـى جوهرهـا؛ ولهـذا كانـت قصائدهم ومقاطعهـم تأنق ًا‬
‫دقيقـ ًا لحياتهم‪.‬‬

‫(‪ ((2‬ديوان‪ ،‬الفرزدق‪ ،‬شرح مجيد ط ّراد‪ ،‬دار الكتاب العربي‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،1994 ،‬ج‪ ،2‬ص‪.400‬‬
‫(‪ ((2‬ديوان‪ ،‬مجنون ليلى‪ ،‬ص ‪.206 - 205‬‬
‫(‪ ((2‬ديوان‪ ،‬ذو الرمة‪ ،‬ص ‪.59‬‬

‫‪38‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫املبحث الثاني‪ :‬أثر التشخيص على الصورة الفنية عند ابن الرومي‪:‬‬
‫اسـتطاع ابـن الرومـي أن يؤلـف صـوره الفنيـة مـن الطبيعـة علـي غـرار مظاهـر النفـس‬
‫البشـرية‪ ,‬فالغيـث ال يعبـث باألطلال كمـا قـال القدمـاء ‪ ,‬وإنمـا يبكـي أهلهـا النازحيـن بـكاء مـر‬
‫المـذاق قطـرة ملـح وبرقـة كالـح ورعـد عويـل ‪ ,‬ومـا ينشـر علـي االرض مـن لبـاس قاتـم ورعـدة‬
‫يـردد أصـوت الطـرب البليـغ والريـح تنشـر أنفـاس النـور الزكيـة والسـحب تهبـط األرض ؛ فتقدم‬
‫للحسـناء مـا لـذا وطـاب كأنـه بعـض رضابهـا؛ فابـن الرومـي وإن اسـتفاد مـن القدمـاء مـواد الصـورة‬
‫فقـد عـرض هـذه المـواد أجمـل عـرض ‪ ,‬فصـور بهـا الطبيعـة تصويـر بديـع فغـدا يتمـرس‬
‫بالوصـف المقتصـر علـي ذاتـه الشـاخصة فالطبيعـة فـي شـعره هـي أدنـي الـي وجـدان الشـاعر‬
‫وأكثـر تألقـا مـع نفسـه ال تقـع فيهـا علـي قسـوت الطبيعـة الجاهليـة وال علـى هولهـا ووعورتهـا‬
‫وشـقت ارتيادهـا و التنـازع معهـا (‪ ((2‬واعتبرهـا ابـن رشـيق فـي هـذا الشـأن (( أحسـن الوصـف‬
‫مـا نعـث بـه الشـيء حتـي يـكاد يمثلـه عيانـًا للسـمع ))(‪ ((2‬ومـن هنـا البـد لنـا أن نقـف علـى‬
‫التشـخيص وأثـره علـى الصـورة الفنيـة فـي شـعر ابـن الرومـي وفـق نمـاذج مـن ديوانـه إذا نالحظ‬
‫إن أهـم مـا يؤخـذ بمجامـع ابـن الرومـي اهتمامـه بالطبيعـة ومظاهرهـا مـن رياض وبـرك وجداول‬
‫وأزهـار ورياحيـن‪ ،‬ومنظـرًا مشـرق ًا لشـمس سـاطعة وربيـع أخضـر مزهـر فـواح ؛ نظـرًا لمـا تثيـره‬
‫رياحهـا ونسـائمها وأغانـي طيورهـا فـي نفسـه إذ يقـول‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬
‫ـق الغربي َو ْر َسا ُمذ َعذعا‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫َعَلـى األف ِ‬ ‫َف َضت ***‬ ‫يـل َون ْ‬
‫األص ِ‬
‫َ‬ ‫س‬‫ـت َش ْم ُ‬ ‫ِذا َر ْن َق َ‬‫إَ‬
‫ـمـ َـرها فتشعشعـــــا‬ ‫ْ‬ ‫ع‬
‫ُ‬ ‫اقــي‬ ‫ب‬‫َ‬ ‫َ‬
‫ـــول‬‫ش‬‫َ‬ ‫و‬
‫َ‬ ‫***‬ ‫ـــا‬ ‫به‬
‫َ‬ ‫ح‬‫ْ‬ ‫نـ‬
‫َ‬ ‫قضـي‬ ‫َ‬
‫ِـت‬
‫ل‬ ‫يـا‬‫ن‬‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ــد‬‫ل‬‫ْ‬ ‫ا‬ ‫عــت‬ ‫د‬‫ِ‬
‫ّ‬ ‫و‬
‫َ‬ ‫َو‬
‫ـوجعـــا‬ ‫َ‬ ‫وص ِ‬
‫ـــابـه َمـــا ت ْ‬ ‫َ‬
‫ـــن أ َ‬ ‫ــع ِم ْ‬
‫وج َ‬ ‫َ‬
‫ـدنف *** ت ْ‬ ‫ألحطـت َعـواد ُه َع ْـي َن ُم ِ‬ ‫ُ‬ ‫َك َمـا َ‬
‫(‪((2‬‬
‫وظلت عيون النور تخضل بالندى *** كما اغرورقت عين الشجي لتدمعا‬
‫فالصـورة تكمـن فـي ترنـق شـمس األصيـل حيـث بـدأت تنفـض ورس شـعاعها مودعـة الدنيـا‬
‫بعـد أن أوشـك عمرهـا أن ينقضـي؛ فهـي تنظـر إلـى الكـون كمـا تنظـر عينالمريـض إلـى الشـمس‬
‫بألحـاظ خاشـعة موشـحة‪ ،‬فألقـت شـعاعها المريـض علـى الـروض فشعشـع اصفرارهـا وترطيـب‬
‫النسـيم‪ ،‬كمـا وقفـت الطيـر علـى الغصـون لتتغنـى(‪ ((2‬فالطبيعـة لـم تكـن عاديـة عند الشـاعر‪،‬‬
‫بـل أصابهـا شـعور وأصبحـت مظاهرهـا ومالمحهـا الخارجيـة كمالمـح اإلنسـان‪.‬‬
‫وم�ن ص�وره أيض�ًا‪ :‬تشـخيصه لديـك جعلـه كاإلنسـان يـؤذن وقـت السـحر وكذلـك وقـت الفجر‪،‬‬
‫ولـه وصـال مـع زوجاتـه كمـا يتمتـع بالحيطـة والحـذر‪ ،‬فهـو شـهم إذا نـزل ساحةالشـجار؛ كأنـه‬
‫هـو الفـارس المنتصـر الشـجاع‪ ،‬وحـارس يأتـي علـى الشـرفات فـي تنقلـه وحركاتـه المتتابعـة‬
‫بيـن الحـارة واألخـرى‪ ،‬علـى مشـارف بيوتهـا حينمـا يـؤذن‪ ،‬وفـي الوصـل والقنـص والهيجـاء أثناء‬
‫المبارزة‪.‬‬
‫وفي وصف روضة قول ابن الرومي‪:‬‬
‫وحــــــا َورِيحانـــاً‬ ‫ْ‬
‫ــــة ف ْجـــرت َر َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ـاف َطائفهـــا *** ب َ‬
‫ِج ْن ِ‬ ‫مــال َط َ‬‫ــتـك َع ّـنـَا َش ُ‬ ‫َح ْي َ‬
‫الطيــر إعالنـــ ًا‬
‫ُ‬ ‫ـوساســــ ًا َوتنــادى‬ ‫صن َصاحبه *** ُم ِ‬ ‫بت ُس َحيرا َفناجي ا ْل ُغ َ‬ ‫َه ْ‬
‫ض أحيانــاً‬ ‫ــم األ ْر َ‬ ‫َ‬
‫هـدلـــــة *** تسمــو بِهــا وتش َّ‬ ‫ّ‬
‫خصـــر ُم َ‬ ‫ْ‬ ‫ورق تغنــى عـلــى‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬
‫ً (‪((2‬‬
‫عطفية نِشوانا‬ ‫ْ‬ ‫ـن هـَ ّز ِه‬ ‫والغصــن ِم ْ‬
‫َ‬ ‫ـــــرب ***‬
‫ِ‬ ‫ـن َط‬ ‫َشـوان ِم ْ‬
‫َ‬ ‫خـال َطـائـرهـا ن‬ ‫ُت ُ‬
‫(‪ ((2‬ينظـر‪ ،‬ابـن الرومي فنه ونفسـيته من خالل شـعره‪ ،‬د إيليا سـليم الحـاوي‪ ،‬دار الكتب‪ ،‬اللبناني بيـروت‪ ،‬الطبعة‬
‫الثانية‪ 1980 ،‬م‪ ،‬ص ‪.40 - 39‬‬
‫(‪ ((2‬العمـدة فـي محاسـن الشـعر وآدابـه ونقده‪،‬أبي علي الحسـن بن رشـيق القيروانـي األزدي‪ ،‬تحقيـق محمد محي‬
‫الديـن عبدالحميـد‪ ،‬الطبعة الثالثـة‪ 1964 ،‬م ج‪ ،2‬ص ‪.294‬‬ ‫ّ‬
‫(‪ ((2‬ديوان‪ ،‬ابن الرومي‪ ،‬ج‪ ،4‬ص ‪.116‬‬
‫(‪ ((2‬ينظر‪ ،‬ابن الرومي فنه ونفسيته من خالل شعره‪ ،‬إيليا سليم الحاوي‪ ،‬ص‪.52‬‬
‫(‪ ((2‬ديوان‪ ،‬ابن الرومي‪ ،‬ج‪ ،6‬ص ‪.209‬‬

‫‪39‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫فيصـور الشـاعر الطبيعـة وقـت الصبـح‪ ،‬مـن خلال شـعوره بسـحرها‪ ،‬واهتـزاز وجدانـه لريـح‬
‫الشـمال التـي ترسـل تحيـات الصبـاح إلـي الحيـاة بالـروح والريحـان تسـري فـي مظاهـر الطبيعـة‬
‫؛ فتبـث الحيـاة لتسـمع وسوسـة األغصـان والطيـور واألوراق فـي حفـل راقـص‪ ،‬يغمـره نغـم الحـب‬
‫والحيـاة فنـرى هنـا تشـخيصَا لـكل جامـد ال يعقـل فيتحول إلي تعاطف وحب ومناجاة في شـمال‬
‫طـاف طائفهـا هبـت سـحيرًا ناجـى الغصـن صاحبه‪.‬‬
‫وفي النفاق قول ابن الرومي‪:‬‬
‫(‪((2‬‬
‫ـــن ويأبى اإلثما َر ُك َّل اإلباء‬
‫ِ‬ ‫الف ُي ُ‬
‫ورق لِلعيــ ***‬ ‫َف َغدا َك ِ‬
‫الخ ِ‬
‫فالتشـخيص ظاهرهنـا يبعـث الحيـاة والحركـة فـي لفظتـي (يـورق ويأبـى) وهـي مـن‬
‫خصائصاإلنسـان ليؤكـد صفـة النفـاق التـي تأصلـت فـي المشـبه والزمتـه‪ ،‬فال يسـتطيع المنافق‬
‫أن يتخلـى عنهـا كشـجرة الخلاف الـذي يعجـب منظـره‪.‬‬
‫وادعـى ابـن الرومـي أن األمـس هـو ذلـك اإلنسـان وليس مشـبها به فحسـب‪ ،‬حيـث أجرى على‬
‫األمـس مـا جـرى علـى اإلنسـان ألنـه لم يعد أمسـَا وإنما صار إنسـا َنًا‪.‬‬
‫قوله‪:‬‬
‫(‪((3‬‬ ‫ُ‬
‫يشتاقــه ا ْل ُ‬
‫غـد‬ ‫لفت َم ُ‬
‫لهوف َو‬ ‫يعمل نحوه *** َت َّ‬ ‫ُ‬ ‫س‬‫األم ٌ‬
‫إمام يظل ْ‬ ‫َ‬
‫فالصورة تكمن في تشـبيه األمس بإنسـان يشـعر بشـعور الحب واللهفة‪ ،‬فالشـاعرأضفى على‬
‫ً‬
‫عملا‬ ‫وادعاهـا لـه‪ ،‬وأضـاف إليـه عملـه فـي التلفـت والتعلـق؛ فأتبـت لـه‬ ‫األمـس صفـات إنسـانية َّ‬
‫مـن غيـر أن ينسـبه إلـى نـوع هـذا العمـل الـذي يعملـه وفـي تصويـر الربيـع يقـول ابـن الرومي‪:‬‬
‫ِ‬
‫األبـــــراد‬ ‫ض ِف ْيهـــَا *** ُخيــالء الفتــــا ِة فــي‬ ‫خايـــل َ‬
‫األ ْر َ‬ ‫ُ‬ ‫ِيـــاض ُت‬
‫ُ‬ ‫َور‬
‫اد‬‫وغـــو ِ‬
‫َ‬ ‫بحــــــوكـه‬ ‫ُ‬
‫لـبـقـــــــات‬ ‫***‬ ‫ر‬
‫ِ‬ ‫ـــوا‬‫س‬‫َ‬ ‫ُ‬
‫تنـاسجـتـــه‬ ‫وشـــي‬ ‫ذات‬
‫ِ‬
‫العهـــاد‬ ‫ـد‬ ‫الع ِ‬
‫هـاد َب ْع َ‬ ‫ـــم ِ‬‫ــي َث َّ‬
‫ــم َّ‬ ‫الو ْسـ *** ِ‬
‫شكـرت نعمـة الولي على َ‬ ‫ْ‬
‫ً‬
‫طيــب النشـر شائعـا فـي البـالد‬ ‫َّ‬ ‫فهـي تثنـي علـى السمـاء ثنـاء ***‬ ‫ُ‬
‫ِ (‪((3‬‬
‫ـــــواد‬
‫ُ َ‬ ‫الـع‬ ‫ُ‬
‫ــــن‬ ‫ــس‬
‫ُ‬ ‫ل‬‫ْ‬ ‫أ‬ ‫ـؤديــــه‬ ‫ُ‬
‫ت‬ ‫مــــا‬ ‫فــــأد ْت ***‬
‫َّ‬ ‫الرياح‬
‫ٌ‬ ‫حملت شكرهـــا‬
‫رسـم الشـاعر هنا صورة فنية نحس فيها بأن الطبيعة ذات ناطقة وأشـخاص متحركة‪ ،‬فهو‬
‫يعيش مع كل نسـمة فيها وحركة وهمسـة‪ ،‬وكأنها فتاة تجذبه إليها أو تغرية مشـخص ًا بطريقة‬
‫بارعة‪ ،‬حيث جاءت معانيه منسـقة كما أن صوره كانت واضحة وسـهلة‪.‬‬
‫وفي صورة أخرى اتصف فيها ابن الرومي بالسوداوية في شعره فنراه يقول‪:‬‬
‫الغوارب‬
‫ِ‬ ‫مس أمواج ًا ِط َ‬
‫وال‬ ‫لـه َّ‬
‫الش ُ‬ ‫ُ‬ ‫ريـح وألألت ***‬ ‫أظــل إذا هزتـه ُ‬
‫(‪((3‬‬
‫بالسيوف القواضب‬ ‫ْ‬ ‫َحوي‬ ‫ن‬ ‫ليحون‬
‫َ‬ ‫ي‬‫ُ‬ ‫***‬ ‫ِ‬
‫ُهمة‬ ‫ب‬ ‫رسان‬
‫َ‬ ‫هن ُف‬ ‫كأ ّني أ َرى ْ‬
‫في َّ‬
‫الصـورة فـي هـذه األبيـات تكمـن فـي أن الشـاعر صـور البحـر وكأنـه جيش من المـوت يناديه‬
‫ويقتـرب منـه‪ ،‬ليقضـي علـى مـا تبقـى من أيامه متخذا عنصر التشـخيص فـي إظهار هذه الصورة‬
‫الرائعـة فـي ( يليحـون نحوى بالسـيوف القواضب)‪.‬‬
‫وفي غربة األهل قوله أيضا ً ‪:‬‬
‫(‪((3‬‬
‫ـركيب‬
‫ِ‬ ‫باع َو َ‬
‫الت‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬
‫َ‬
‫ط‬ ‫ْ‬
‫ل‬ ‫ا‬ ‫ي‬ ‫ِ‬
‫ف‬ ‫ُ‬
‫بلـه‬‫ق‬‫َ‬ ‫***‬ ‫ـخلهـــا‬ ‫ُر َّب أكـ ٌرومة ُ‬
‫لـه َل ْ‬
‫ـم َت‬

‫(‪ ((2‬المصدر‪ ،‬نفسه‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪.42‬‬


‫(‪ ((3‬ديوان‪ ،‬ابن الرومي‪ ،‬ج‪ ،2‬ص ‪.175‬‬
‫(‪ ((3‬المصدر‪ ،‬نفسه‪ ،‬ج‪ ،3‬ص ‪.260‬‬
‫(‪ ((3‬ديوان‪ ،‬ابن الرومي‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪.335‬‬
‫(‪ ((3‬المصدر‪ ،‬السابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪.128‬‬

‫‪40‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫يـرى ابـن الرومـي المـكارم ربمـا توجـد فـي غيـر الممـدوح‪ ،‬وأنهـا لـم ُتخلق ألجلـه وإنوجدت‬
‫فـي غيـره فهـي تبـع لـه أو مجـرد ُقشـور ومظاهـر غيـر متصلـة بالطبـع والمـزاج كما هـي طبيعته‬
‫وحسـن‬‫فـي نفسـه لذلـك اسـتحق القـول بـأن يكـون غريبـًا بيـن النـاس وهـو الغايـة فـي الكـرم ُ‬
‫الخلق((‪)((3‬لقـد أثـر التشـخيص تأثيـرًا كبيـرَا علـى الصـورة الفنيـة مـن خلال الطبيعـة التـي‬ ‫ٌ‬
‫توحـي للشـاعر فـي كل عنصـر بالكثيـر مـن المعانـي واآلثـار األدبيـة الرائعـة إذ هـو وليد بيئته‬
‫حيـث افتتـن بهـا الشـاعر وصورهـا فـي مختلـف مظاهرهـا ورسـم لهـا صـورَا تجمع فـي الغالب بين‬
‫صـدق األداء‪ ،‬وبراعـة الوصـف إلظهـار الدقائـق وحرارة اإلحسـاس(‪ ((3‬فالشـعراء فـي هذا العصر‬
‫أخـذوا يهتمـون بأوصـاف الطبيعـة مـن ربيـع وريـاض وأزهـار وبـرك كأبـي تمام في وصـف الربيع‪،‬‬
‫والبحتـري فـي وصـف البركـة وابـن الرومي دامجًا المرأة في الطبيعة (‪ ((3‬ومن هنا نالحظ مقدرة‬
‫الصـورة الفنيـة علـى إبـراز المبـدع ومـدى قدرته على المزاوجة بين أسـاليب اإلبداع المختلفة‬
‫مـن خلال تجربتـه الشـعرية‪ ،‬فلغـة الشـعر تعتمـد علـى الصـورة الفنيـة بمـا لهـا مـن إيحائيـة‬
‫تعـوض نقـص وعجـز اللغـة العاديـة فـي التعبيـر عنخلـق عالقـة بيـن المتجانـس والمتضـاد مـن‬
‫المعانـي كمـا تعمـل علـى تعميـق المحسوسـات وتبعث الحياة فـي الجمادات وتبث الروح في كل ما‬
‫(‪((3‬‬
‫يتناولـه الشـاعر فيهـا مـن مظاهـر الحيـاة والواقـع وجوامـد مـا يقع تحت الحس فـي الطبيعة‬
‫وتدافـع اآلثـار والشـعور باللـذة فكـم مـن صـو ٍر رائعة همسـت بهـا الطبيعة إلى الشـاعرفوجدفيها‬
‫سـعادته لمـا حققتـه مـن تجـاوب وتآلـف بينهوبيـن أسـرار الحياة‪،‬وبذلـك تناثرتالصـورة الفنيـة‬
‫(‪((3‬‬
‫الأضفـى سـرالنجاح في الشـعرالعربي‪.‬‬ ‫فـي شـعر ابـن الرومي‪،‬فكانـت إبداع ًاوجما ً‬

‫املبحث الثالث‪ :‬أثر الصورة القرآنية التشخيصية على شعر ابن الرومي‪:‬‬
‫للقـرآن الكريـم أسـلوبه فـي بالغـة العـرب وفصاحتهـم حيـث كان لـه دور مهـم فـي نـواح‬
‫متعـددة وتأثيـر رائـع فـي دقـة األداء وبراعـة التصويـر‪ ،‬وحفـل أدب العـرب بهـذا التأثيـر وشـاع‬
‫والكتـاب واألدبـاء‪ ،‬ولـم تخـل نواديهـم كـم تأثيـر فكانـت النـوادي األدبيـة‬ ‫َّ‬ ‫علـى ألسـنة الشـعراء‬
‫مـن النثـر وفصاحـة الخطابـة ودقـة المحـاورة ووجاهـة الوصايـا والنصائـح وال نسـتغرب حيـن‬
‫نسـمع عـن أعـراب فصحـاء يهزهـم البيـان والوضـوح فيبالغة القـول وعبقرية تـروى‪،‬وكالم بليغ‬
‫يؤثـر‪ ،‬مرجـع ذلـك ثقافـة المسـلمين الدينيـة والعقليـة واالجتماعيـة واألدبيـة‪ ،‬وهـو القـرآن‬
‫الكريـم الـذي أحـال خشـونة الطبـع عذوبـة وسالسـة وقـوة ووضوحـ ًا فـي التفكيـر ودقـة فـي‬
‫التعبير والتصوير‪ ،‬وروعة في الحجة ورقة في األسـلوب (‪ ((3‬فالقرآن الكريم معجزة ‪ -‬الرسـول‬
‫ـس َوا ْل ِج ُّن‬ ‫اج َت َم َع ِت ْ ِ‬
‫اإْل ْن ُ‬ ‫ـل َلئ ِ‬
‫ِـن ْ‬ ‫صلـى اهلل عليـه وسـلم – تحـدى بهـا النـاس فـي قولـه تعالى‪ُ (:‬ق ْ‬
‫وقولـه‬ ‫(‪((4‬‬
‫ِيـرا)‬
‫ـض ظه ً‬‫َ‬ ‫ِب ْع ٍ‬
‫ـم ل َ‬ ‫ان َب ْع ُض ُه ْ‬ ‫ِم ْثل ِ‬
‫ِـه َو َل ْـو َك َ‬ ‫آن َاَل َي ْأ ُت َ‬
‫ـون ب ِ‬ ‫ـذا ا ْل ُق ْـر ِ‬‫ـل َه َ‬ ‫َع َلـى َأ ْن َي ْأ ُتـوا ب ِ‬
‫ِم ْث ِ‬
‫يـن) ‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ـم َصادق َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫ِن كنت ْ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬
‫َ‬
‫ون اهَّلل إ ْ‬
‫ـن ُد ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫اءك ْم م ْ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫تعالى‪(:‬ف ْأ ُتـوا ب ُ‬
‫ِسـو َر ٍة م ْ‬ ‫َ‬
‫اد ُعـوا ش َـه َد َ‬ ‫ـن مثلِـه َو ْ‬
‫(‪((4‬‬

‫فالتأثيـر البالغـي مبنـي علـى التصويـر لمشـاهد الطبيعـة فـي القـرآن الكريـم‪ ،‬وفـي ذلـك‬
‫يتحـدث صاحـب كتـاب التصويـر الفنـي فـي القـرآن الكريـم مبنيـ ًا مفهومـه يقـول‪ ((:‬التصويـر‬
‫هـو األداة المفضلـة فـي أسـلوب القـرآن الكريـم فهـو يعبـر بالصـورة المحسـة المتخيلـة عـن‬
‫(‪ ((3‬ينظـر‪ ،‬البنـاء الفنـي للصـورة األدبيـة في الشـعر‪ ،‬دعلي صبح‪ ،‬الناشـر‪ ،‬المكتبـة االزهرية‪ ،‬للتـراث‪( ،‬ب‪ -‬ط )‬
‫‪ 1996‬م‪ ،‬ص‪.339‬‬
‫(‪ ((3‬ينظر‪ ،‬األدب وتاريخه في العصر األموي والعصر العباسي األول‪ ،‬د إبراهيم رفيدة‪ (،‬ب‪ -‬ط ) (ب‪-‬ت ) ص ‪.185‬‬
‫(‪ ((3‬ينظر‪ ،‬تاريخ األدب العربي عصر الدول واألمارات واألندلس‪ ،‬د شوقي ضيف ( ب ‪ -‬ط )‪ (،‬ب ‪ -‬ت ) ص ‪.293‬‬
‫(‪ ((3‬ينظر‪ ،‬البناء الفني للصورة األدبية في الشعر‪ ،‬ص ‪.34‬‬
‫(‪ ((3‬ينظـر‪ ،‬الصـورة الفنيـة في شـعر ابـن الرومي‪ ،‬أحمـد المبروك الغنـوي‪ ،‬رسـالة ماجسـتير‪2007 – 2006،‬‬
‫م‪،‬ص ‪.26‬‬
‫(‪ ((3‬ينظـر‪ ،‬تاريـخ الشـعر العربـي حتـى أواخـر القـرن الثالـث الهجـري‪ ،‬د نجيـب محمـد البهبيتـي‪ ،‬دار الثقافة‪،‬‬
‫(ب‪-‬ط) ‪ 1982‬م ص ‪.1‬‬
‫(‪ ((4‬سورة‪ ،‬اإلسراء‪ ،‬اآلية‪.88 ،‬‬
‫(‪ ((4‬سورة‪ ،‬البقرة‪ ،‬اآلية‪.22 ،‬‬

‫‪41‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫المعنـى الذهنـي‪ ،‬والحالـة النفسـية وعـن الحادث المحسـوس والمشـهد المنظـور‪ ،‬وعن النموذج‬
‫اإلنسـاني والطبيعـة البشـرية‪ ،‬ثـم يرتقـي بالصـورة التـي رسـمها فيمنحهـا الحيـاة الشـاخصة أو‬
‫الحركـة المتجـددة فـإذا المعنـى الذهنـي هيئـة أوحركـة والحالـة النفسـية لوحة أو مشـهد وإذا‬
‫النمـوذج اإلنسـاني شـاخص حـي وإذاالطبيعـة البشـرية مجسـمة مرئيـة ))(‪ ((4‬فهـا هـو الصبـح‬
‫ـس) (‪ ((4‬فيخيـل إليـك هـذه الحيـاة الوديعـة الهادئـة التـي تنفـرج عنها‬ ‫ِذا َت َن َّف َ‬
‫ـح إ َ‬
‫الص ْب ِ‬
‫يتنفس( َو ُّ‬
‫ثناياه وهو يتنفس معه ويذوب النشـاط في األحياء على وجه األرض والسـماء‪ ،‬وهذا هو الليل‬
‫ِذا َي ْس ِـر) (‪ ((4‬فتحـس سـريانه فـي هـذا الكـون العريـض‪.‬‬ ‫ـل إ َ‬ ‫يسـرى ( َو َّ‬
‫الل ْي ِ‬
‫وفـي حديثنـا عـن هـذا الجانـب واطالعنـا علـى ديوان الشـاعر والكتب التي كتبـت عنه وعن‬
‫شـعره الذي هو موضوع بحثنا‪ ،‬وجدناه المجال الذي يشـكل عامال حيوي ًا في تكوين شـخصيته‬
‫العقليـة والخيالية معا‪.‬‬
‫وقـد الحظـت ذلـك فـي شـعره وثقافتـه فهـو بجـر واسـع لـه عوامـل عديـدة أهمهـا تأثـره‬
‫بالصـورة البالغيـة بالقـرآن الكريـم واقتباسـه منهـا لمـا لهـا مـن تأثيـر قـوي فـي عقليتهوالمنبـع‬
‫الرئيسـي هـو القـرآن الكريـم‪ ،‬والمتأمـل فـي ديوانـه يلمـس كثيـرًا مـن االسـتخدامات وإنـه وظـف‬
‫الكثيـر مـن األلفـاظ فـي صـوره فاأللفـاظ المقتبسـة من القرآن الكريم تزيـد الكالم قوة وبالغة‬
‫ال إذ تبدو وسـطه كالضياء الالمع والنور المشـرق والمتكلم عندما‬ ‫كما تضفي عليه حسـنًا وجما ً‬
‫يبنـي كالمـه علـى االلتئـام وبهـذا يبـدو كالمـه قويـ ًا بليغـ ًا (‪ ((4‬ومـن شـواهده علـى ذلـك قـول‬
‫ابـن الرومي‪:‬‬
‫ان َأنا ِفي َيدي ِ‬
‫ِه‬ ‫لِي ِط ْي َ‬
‫لس ُ‬
‫ُ‬
‫ير خانِع لـَديه‬ ‫األس ُ‬
‫ـل ُ‬ ‫ِم ْث ُ‬
‫ِ‬
‫انبيه‬ ‫األيــام َج‬
‫ُ‬ ‫َز ْعـزعت‬
‫ـدمت أيامه ُر ِ‬
‫كنيه‬ ‫ــد َه ْ‬ ‫َق ْ‬
‫(‪((4‬‬
‫كــأن كــل صيحـــة عليـه‬ ‫َّ‬
‫شـخص الطيلسـان بـأن جعلـه كاإلنسـان ُيخضـع غيـره من بني البشـر تزعزعـه وتهدمه ركني‬
‫ـم َقا َت َل ُه ُم‬
‫اح َذ ْر ُه ْ‬
‫ـم ا ْل َع ُد ُّو َف ْ‬ ‫ون ُك َّل َص ْي َح ٍ‬
‫ـة َعَل ْيه ْ‬
‫ِـم ُه ُ‬ ‫األيـام مقتبسـ ًاذلك مـن قولـه تعالـى‪َ (:‬ي ْح َس ُـب َ‬
‫َّ ُ‬
‫اهَّلل َأ ّنَـى ُي ْؤ َف ُك َ‬
‫ـون) (‪ ((4‬وقولـه أيضًا‪:‬‬
‫الكبـر‬ ‫ِقــة َز ْفت لنـا ِم ْن ُق ُرى َكوني *** ُتـلقـــب ُأ َم الـدهـر أو بـنته ُ‬ ‫وعات ٍ‬ ‫َ‬
‫الحسنـى‬ ‫رأت نــار إبراهيـــم أيـام أوقــــدت *** وحـــازت مـــن األوصــاف ٌ‬
‫(‪((4‬‬
‫حكـت نورهـا فـي بردهـا وسالمها *** وباتت بطيب ال يوازي وال يحكى‬
‫شـخص الخمـر وهـي عاتقـة فـي شـكل امـرأة تـزف وتلعـب أو الزمـان‪ ،‬حيـث لهـا مـن الحسـن‬
‫ُ‬
‫تعالى‪(:‬ق ْل َنـا َيـا نَـا ُر ُكونِـي َب ْـر ًدا َو َس َلا ًما‬ ‫والطيـب والـكالم ال يـوازي وال يحكـى مقتبـس مـن قولـه‬
‫يـم) (‪.((4‬‬
‫اه َ‬ ‫َع َلـى إ ِْب َر ِ‬

‫(‪ ((4‬ينظر‪ ،‬التصوير الفني في القرآن‪ ،‬سيد قطب‪ ( ،‬ب‪ -‬ط ) ( ب ‪ -‬ت ) ص ‪.29‬‬
‫(‪ ((4‬سورة‪ ،‬التكوير‪ ،‬اآلية‪.18 ،‬‬
‫(‪ ((4‬سورة‪ ،‬الفجر‪ ،‬اآلية‪.4 ،‬‬
‫(‪ ((4‬ينظـر‪ ،‬علـم البديـع دراسـة تاريخيـة وفنيـة ألصـول البالغة ومسـائل البديـع‪ ،‬د بسـيوني عبدالفتاح فيـود‪ ،‬دار‬
‫الثقافـة‪ ،‬للنشـر والتوزيع‪ ،‬الطبعـة الثانيـة‪1998 ،‬م‪ ،‬ص ‪.268‬‬
‫(‪ ((4‬ديوان‪ ،‬ابن الرومي‪ ،‬ج ‪ ،6‬ص ‪.384‬‬
‫(‪ ((4‬سورة‪ ،‬المنافقون‪ ،‬اآلية‪.4 ،‬‬
‫(‪ ((4‬ديوان‪ ،‬ابن الرومي‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.51‬‬
‫(‪ ((4‬سورة‪ ،‬األنبياء‪ ،‬اآلية ‪.69‬‬

‫‪42‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫وقوله‪:‬‬
‫ِه َف َصاح‬ ‫ال َل ُغـو فيه إال *** ِغ َن ِ‬
‫اء َط ْي َر ب ِ‬ ‫ِح ْي ُث َ‬ ‫َ‬ ‫ب‬
‫(‪((5‬‬
‫يـ ُر تغني إذا َت َغنت *** مهما أراد بال اقتراح‬ ‫َط ْ‬
‫شـخص ابـن الرومـي الطيـر‪ ،‬وجعلـه يغنـي‪ ،‬وهـو وصـف لـروض الجنـة بأنـه ال لغـو فيهـا‬
‫إال غنـاء طيـر بـه فصـاح هـذه صـورة حقيقيـة لملاذ الجنـة كمـا وعـد بهـا المتقـون حيـث ال‬
‫نصـب وال لغـو وال تأثيـم كـي تغـدو كأس الحيـاة صافيـة عذبـة بلا مـــرارة مقتبـس مـن قولـه‬
‫يهـا َو َاَل َت ْأ ِث ٌ‬
‫يـم)(‪.((5‬‬ ‫يهـا َك ْأ ًسـا َاَل َل ْغـ ٌو ِف َ‬ ‫تعالى‪َ (:‬ي َت َنا َز ُع َ‬
‫ـون ِف َ‬
‫وقوله أيض ًا‪:‬‬
‫ِ‬
‫ديــــد‬ ‫ِلخلق ُتغـذى *** تـوقــــُد ب ِ‬
‫ِـالح َجــــارة َوا ْل َح‬ ‫النـَا ُر ا ْلتـي با َ‬‫َأنـا ّ‬
‫َ‬
‫ِ (‪((5‬‬ ‫ُ‬
‫القوم فيها *** أعيــد َلهـم ِســوى تِلــك ا ْلجلـود‬ ‫ِ‬ ‫جت ُجلود‬ ‫َض ْ‬ ‫ِذا ن َ‬‫إَ‬
‫ـم نَـا ًرا َو ُق ُ‬
‫ود َهـا‬ ‫ِيك ْ‬‫ـك ْم َوَأ ْهل ُ‬ ‫آم ُنـوا ُقـوا َأ ْن ُف َس ُ‬ ‫مقتبـس ذلـك مـن قولـه تعالى‪َ (:‬يـا َأ ُّي َهـا َّال ِذ َ‬
‫يـن َ‬
‫ون)‬‫ـون َمـا ُي ْؤ َم ُـر َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫ـم َو َيف َعل َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫َ‬ ‫ـدا ٌد َاَل َي ْع ُص َ‬
‫ـون اهَّلل َمـا أ َم َر ُه ْ‬ ‫ظ ِش َ‬ ‫ـة ِغ َلا ٌ‬‫ِك ٌ‬
‫ـاس َوا ْل ِح َجـا َر ُة َع َل ْي َهـا َم َاَلئ َ‬ ‫َّ‬
‫الن ُ‬
‫ـودا َغ ْي َر َهـا) ‪.‬‬
‫(‪((5‬‬ ‫ُ‬
‫ـم ُجل ً‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬
‫ـم َب َدل َن ُ‬
‫اه ْ‬ ‫ود ُه ْ‬ ‫ُ‬
‫ـت ُجل ُ‬ ‫َض َج ْ‬ ‫ّ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫وقوله‪(:‬كل َمـا ن ِ‬ ‫(‪((5‬‬

‫وقوله‪ :‬في ذم الدهر أيضًا‪:‬‬


‫(‪((5‬‬
‫ص ُعرجون‬ ‫ال ِفي َش ْخ ِ‬ ‫وادث ُه *** َحتى ُيرى نَاح ً‬ ‫السارِي َح ُ‬ ‫مر ّ‬ ‫َتأتي َع َلى ا َل َق ِ‬
‫ً‬
‫شـخص الشـاعر القمـر وجعلـه ناحلا ضعيفـا مشـبها بالعرجون القديم ؛ فالتشـبيه يشـيرإلى‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫أواخـر أيامـه‪ ،‬حيـث قامتالصـورة علـى مشـاركة أكثـر مـن صفـة‬ ‫ُ‬ ‫لحظـة صلـة بيـن الهلال فـي‬
‫اللـون فجمـع بشـبيه القـرآن الكريـم‬ ‫بينهمـا‪ ،‬فالعرجـون فيـه الضعـف ودقـة االنحنـاء واصفـرار ّ‬
‫ِل َح َّتى‬ ‫ثلاث صفـات مـن حيـث الحجم واالسـتقامة مقتبس من قوله تعالى‪َ (:‬وا ْل َق َم َـر َق َّد ْرنَا ُه َم َناز َ‬
‫يـم) (‪.((5‬‬ ‫ـون ا ْل َق ِد ِ‬ ‫ـاد َكا ْل ُع ْر ُج ِ‬
‫َع َ‬
‫وقول ابن الرومي‪:‬‬
‫ـن َعطايـاه َغ ْيضـا‬ ‫ِجود ِه *** الضحــَت َو ْأمسـَت ِم ْ‬ ‫البحا َر ب ُ‬
‫اهلل ِ‬ ‫حن َ‬ ‫امت َ‬‫َل ْو َ‬
‫(‪((5‬‬
‫ــاء فيــضـا‬ ‫ـن ا ْل َم ِ‬ ‫لسال ِم ْ‬
‫ِس ِ‬ ‫َو ْلـــو َل َمسـت ُصـمـَّ ا ْل ّصخـــــو ِر *** ال ضــحت ب َ‬
‫شـخص الشـاعر البـر وجعلـه كاإلنسـان يمتحـن‪ ،‬ويدلـى بجـوده وكرمـه حتـى يفيـض مـن‬
‫يـض ا ْل َم ُ‬
‫ـاء)‬ ‫اء َأ ْقل ِ‬
‫ِعـي َو ِغ َ‬ ‫ـم ُ‬
‫ك َو َيـا َس َ‬ ‫ض ْابَل ِعـي َم َ‬
‫ـاء ِ‬ ‫يـل َيـا َأ ْر ُ‬
‫العطايـا مقتبسـًا مـن قولـه تعالـى‪َ (:‬و ِق َ‬
‫(‪.((5‬‬
‫وفي وصف رقة ليل أيلول ولهفته قول ابن الرومي‪:‬‬
‫(‪((5‬‬
‫الجو َوا ْل َم ِ‬
‫اء‬ ‫َّ‬ ‫َوع ورق‬ ‫اج َت َمعت *** ِم ْن ُك ِل ن ِ‬ ‫لول إذا ْ‬ ‫ال َف ُ‬
‫ـواكه ْأي َ‬ ‫َلـو َ‬
‫الرقـة صفـة تتصـف بهـا المـرأة نسـبة إلـي ليلـة مـن ليالـي أيلـول وهـو الشـهر التاسـع مـن‬

‫(‪ ((5‬ديوان‪ ،‬ابن الرومي‪ ،‬ج ‪.52 ،2‬‬


‫(‪ ((5‬سورة‪ ،‬الطور‪ ،‬اآلية‪.23 ،‬‬
‫(‪ ((5‬ديوان‪ ،‬ابن الرومي‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.237‬‬
‫(‪ ((5‬سورة‪ ،‬التحريم‪ ،‬اآلية ‪.6‬‬
‫(‪ ((5‬سورة‪ ،‬النساء‪ ،‬اآلية ‪.56‬‬
‫(‪ ((5‬ديوان‪ ،‬ابن الرومي‪ ،‬ج ‪ ،6‬ص ‪.213‬‬
‫(‪ ((5‬سورة‪ ،‬يس‪ ،‬اآلية ‪.39‬‬
‫(‪ ((5‬ديوان‪ ،‬ابن الرومي‪ ،‬ج‪ ،4‬ص ‪.29‬‬
‫(‪ ((5‬سورة‪ ،‬هود‪ ،‬اآلية‪.44 ،‬‬
‫(‪ ((5‬ديوان‪ ،‬ابن الرومي‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪29‬‬

‫‪43‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫األشـهر الروميـة ‪ ,‬وفـي هـذا الوصـف تشـخصت هـذه الليلـة لمـا لهـا مـن جمـال وفـرح ومـرح‬
‫َخ ٌ‬
‫ـل َو ُر َّم ٌ‬
‫ـان) (‪.((6‬‬ ‫ـة َون ْ‬‫اك َه ٌ‬
‫ِمـا َف ِ‬‫مقتبـس مـن قولـه‪ِ (:‬فيه َ‬
‫وقوله أيضا‪:‬‬
‫(‪((6‬‬
‫عبر ًة *** بِـأي َذ ْن ِب ُقت ْ‬
‫ِلت‬ ‫َت ِس ْي ُل ُم ْس َت ِ‬
‫(‪((6‬‬ ‫مقتبس من قوله تعالى‪ (:‬بَ‬
‫ِأ ِّي َذ ْن ٍب ُق ِت َل ْت)‬
‫وقول‪ :‬ابن الرومي شمس األصيل‬
‫اب‬‫َ ِ‬ ‫ج‬ ‫ح‬‫ِ‬ ‫ْ‬
‫ل‬ ‫ِ‬
‫ا‬ ‫ب‬ ‫ِ‬
‫وارى‬ ‫ُ‬
‫ت‬ ‫ت‬ ‫ب‬ ‫ر‬ ‫َ‬
‫ك‬
‫َ ْ َْ َ‬ ‫ـد‬ ‫ق‬‫َ‬ ‫و‬ ‫***‬ ‫عارضتها‬ ‫األص ُ‬
‫ائل‬ ‫ِ‬ ‫س‬‫ِذا َش ْم ُ‬
‫إَ‬
‫(‪((6‬‬
‫عـاب‬
‫الك ِ‬ ‫ـاظ َ‬ ‫ألح ِ‬‫ـل َ‬ ‫ـح َم ْغربِهـا ُشعاعـ ًا *** َمريضــ ًا ِم َث َ‬ ‫وألقــت ُج ْن َ‬
‫ْ‬
‫شـخص الشـاعر الشـمس وجعلها تسـتتر وتتوارى بالحجاب ؛ كما تسـتتر وتغطي المرأة وجهها‬
‫ـت ُح َّب ا ْل َخ ْي ِـر َع ْن ِذ ْك ِر َر ّبِـي َح َّتى َت َوا َر ْت‬ ‫ـال ِإ ّنِـي َأ ْح َب ْب ُ‬
‫وهـذا اقتبـــــاس ورد فـي قولـه تعالـى‪َ (:‬ف َق َ‬
‫بِا ْل ِح َج ِ‬
‫اب) (‪.((6‬‬
‫ويقـول‪ :‬الباقالنـي فـي حديثـه عـن القـرآن الكريـم وبالغتـه بأنـه فـاق فـي أسـلوبه ونظمـه‬
‫وتأليفـه كل األسـاليب حتـى وصـل إلـى اإلعجـاز ‪ ،‬وأن شـعر العـرب ونثرهـم لـم يصـل إلـى مكانـة‬
‫القـرآن فـي بالغتـه وفصاحتـه وبيانـه‪ ،‬وأن ألفـاظ القـرآن الكريـم وفـق معانيـه ال يفصل أحدهم‬
‫علـى اآلخـر فالمزيـة فيهمـا معـا(‪ ((6‬ومـن هـذا نسـتخلص أن الهـدف مـن بالغـة القـرآن التأثيـر‬
‫فـي النفـوس بحيـث تجعـل السـامع أو القـارئ مشـدودًا لمـا يسـمع أو يقـرأ متعلقـا بقلبـه وخلجـات‬
‫نفسـه‪ ،‬وهذا التأثير بطبيعته ينسـجم مع طبيعة اإلعجاز البالغي ؛ فليس المقصود أن يعجز‬
‫النـاس بأتبـاع أوامـر اهلل فـي الحلال والحـرام‪ ،‬وإنمـا التعجيـز واقع بما اتصف بـه القرآن الكريم‬
‫مـن البالغـة والفصاحـة والبيـان‪ ،‬حيـث أثـر فيهـم فجعلهـم صاغريـن مطيعين ألوامـره مجتنبين‬
‫لنواهيـه‪ ،‬وعلـى ذلـك فاإلعجـاز البالغـي يعنـى هـذا التأثيـر الفائـق الواقـع فـي النفس((‪)((6‬ومن‬
‫هـذا المنطلـق تأثـر ابـن الرومـي ببالغـة القـرآن الكريـم‪ ،‬حيـث كان تأثيـره كبيرًاعلـى صـوره‬
‫الفنية‪.‬‬

‫(‪ ((6‬سورة‪ ،‬الرحمن‪ ،‬اآلية ‪.68‬‬


‫(‪ ((6‬ديوان‪ ،‬ابن الرومي‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪.417‬‬
‫(‪ ((6‬سورة‪ ،‬التكوير‪ ،‬اآلية‪ ،‬ص‪.9‬‬
‫(‪ ((6‬ديوان‪ ،‬ابن الرومي‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.283 -282‬‬
‫(‪ ((6‬سورة‪ ،‬ص‪ ،‬اآلية ‪.31‬‬
‫(‪ ((6‬ينظـر‪ ،‬أثـر القـرآن والبالغـة في كتـب إعجاز القـرآن خالل النصـف الثاني من القـرن الرابع الهجـري‪ ( ،‬النكث‬
‫للرومانـي‪ ،‬بيـان إعجـاز القـرآن للخطابي‪ ،‬إعجاز القرآن للباقالني‪ ،‬علي عبدالسلام بالنور‪ ،‬رسـالة دكتـوراه‪-2007 ،‬‬
‫‪ 2008‬م ص ‪.205 - 204‬‬
‫(‪ ((6‬ينظر‪ ،‬الرسالة السابقة‪ ،‬ص ‪.192‬‬

‫‪44‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫اخلامتة‬
‫جـاء عنـوان بحثـي تحـت مسـمى التشـخيص فـي الشـعر العربـي القديـم ( شـعر ابـن الرومـي‬
‫ً‬
‫أنموذجـ ًا ) كان الهـدف الـذي أسـعى إليـه فـي هـذه الدراسـة الكشـف عـن ظاهـرة مـن الظواهـر‬
‫الفنيـة المتمثـل فـي التشـخيص مـن خلال ديـوان هـذا الشـاعر الموهـوب‪ ،‬الـذي حلـق بشـعره‬
‫فـي سـماء األدب بكلماتـه ومعانيـه العميقـة وأكـد مـن خلال هـذا البحـث على النتائـج التالية‪:‬‬
‫‪1.‬يعـد التشـخيص نوعـا مـن أنـواع الصـورة في الشـعر العربي عامة‪ ،‬وشـعر ابـن الرومي خاصة‪،‬‬
‫وهـو تحديـد لهيئة الموصوف‪.‬‬
‫‪2.‬نجـد صـور التشـخيص متتابعـة فـي بعـض قصائـد ابـن الرومـي‪ ،‬ونجـد بعضهـا متناثـرة فـي‬
‫داخـل القصيـدة الواحـدة‪ ،‬حيـث يكتفـي باسـتخدام جـزء مـن الصـورة المشـخصة‪ ،‬دليـل‬
‫علـى تفـاوت تركيـز الشـاعر واهتمامـه فـي خلـق الصـورة على شـكل مشـخص مـن قصيدة إلى‬
‫أخرى‪.‬‬
‫‪3.‬يعتمد التشخيص على الشعور المرهف بمعالم الطبيعة في تكوين المعاني الشعرية‪.‬‬
‫‪4.‬يقوم التشخيص بنقل المعنويات إلى أشخاص حية تتنفس وتتحرك‪.‬‬
‫‪5.‬القـرآن الكريـم يمثـل الـذروة األعلـى فـي شـعر ابـن الرومـي‪ ،‬مـن الناحيـة البالغيـة‪ ،‬وإن‬
‫نتاجـه الشـعري ليـس إال محاولـة لالقتبـاس منـه والتقـرب إليـه‪.‬‬
‫‪6.‬كثـرة ظاهـرة التشـخيص فـي شـعر ابـن الرومـي‪ ،‬فقـد دخلـت فـي جميـع اسـتعاراته سـواء في‬
‫الهجـاء أو الوصـف أو المـدح‪.‬‬

‫‪45‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫املصادر واملراجع‬
‫‪1 .‬القرآن الكريم‪ ،‬برواية حفص عن عاصم‪.‬‬
‫‪2 .‬أثـر القـرآن والبالغـة فـي كتـب إعجـاز القـرآن خلال النصـف الثانـي مـن القـرن الرابـع الهجـري ( النكـث‬
‫للرومانـي‪ ،‬بيـان إعجـاز القـرآن للخطابـي‪ ،‬إعجـاز القـرآن للباقالنـي‪ ،‬علـي عبدالسلام بالنـور ‪ 2008 – 2007‬م‪.‬‬
‫‪3 .‬األدب وتاريخـه فـي العصـر األمـوي والعصر العباسـي األول‪ ،‬إبراهيـم رفيدة‪ ،‬محمد عبدالمنعم خفاجي‪ ،‬دار‬
‫الطباعة المحمدية‪ ،‬الطبعة األولى‪1386 ،‬هـ ‪ 1966‬م‪.‬‬
‫‪4 .‬أسـرار البالغـة‪ ،‬عبـد القاهـر عبـد الرحمـن بـن محمد الجرجانـي‪ ،‬تحقيق‪ ،‬محمود محمد شـاكر‪ ،‬دار المدني‪،‬‬
‫الطبعـة األولى‪ 1991 ،‬م‪.‬‬
‫‪5 .‬البناء الفني للصورة األدبية في الشعر‪ ،‬علي علي صبح‪ ،‬المكتبة األزهرية للتراث ( د‪ -‬ط ) ‪ 1997‬م‪.‬‬
‫‪6 .‬تاريخ األدب العربي عصر الدول واإلمارات األندلس‪ ،‬شوقي ضيف‪(،‬د‪-‬ط)‪.‬‬
‫‪7 .‬تاريخ األدب العربي العصر العباسي الثاني‪ ،‬شوقي ضيف‪ ،‬دار المعارف الطبعة الثانية‪.‬‬
‫‪8 .‬تاريـخ الشـعر العربـي حتـى آخـر القـرن الثالـث الهجـري‪ ،‬نجيـب محمـد البهبيتـي‪ ،‬دار الثقافـة‪( ،‬ب‪ -‬ط )‬
‫‪ 1982‬م‪.‬‬
‫‪ 9 .‬التصويـر الشـعري والتجربـة الشـعورية‪ ،‬وادوات رسـم الصـورة الشـعرية عدنـان حسـين قاسـم‪ ،‬الطبعـة‬
‫األولـى‪ 1978 ،‬م‪.‬‬
‫ ‪10.‬التصوير الفني في القرآن‪ ،‬سيد قطب‪( ،‬ب – ط )‪.‬‬
‫‪11.‬ديـوان‪ ،‬ابـن الرومـي‪ ،‬تحقيـق‪ ،‬عبـد األميـر مهنـا‪،‬دار مكتبـة الهلال‪ ،‬بيـروت‪ ،‬الطبعـة األولـى‪ 1311 ،‬هــ ‪1991 -‬‬
‫م‪.‬‬
‫ً‬
‫ ‪12.‬ديوان‪ ،‬تأبط شرا‪ ،‬إعداد طالل حرب‪ ،‬دار العالمية‪ ،‬بيروت لبنان‪ ،‬الطبعة األولى‪ 1414 ،‬هـ ‪ 1996 -‬م‪.‬‬
‫ ‪13.‬ديـوان‪ ،‬ذو الرمـة‪ ،‬تصحيـح‪ ،‬كارليـل هنـري هيـس مكارتنـي‪ ،‬طبـع علـى نفقـة الكليـة‪( ،‬ب – ط ) ‪ 1337‬هــ‬
‫‪ 1919‬م‪.‬‬
‫‪14.‬ديوان‪ ،‬سالمة بن جندل‪ ،‬صنعة‪ ،‬محمد بن الحسن األحول‪ ،‬تحقيق ‪ 1968‬م الطبعة الثانية ‪ 1987‬م‪.‬‬
‫‪15.‬ديـوان‪ ،‬طرفـة بـن العبـد‪ ،‬شـرح األعلـم الشـنتمري‪ ،‬تحقيـق‪ ،‬دريّـة لطفـي الصقـال‪ ( ،‬ب – ط ) ‪ 1395‬هــ‬
‫‪1975‬م‪.‬‬
‫ ‪16.‬ديوان‪ ،‬عمر بن أبي ربيعة‪ ،‬بدون تحقيق‪ ،‬دار صادر‪ ،‬الطبعة األولى‪ 1988 ،‬م‪.‬‬
‫‪17.‬ديوان‪ ،‬الفرزدق‪ ،‬شرح‪ ،‬مجيد طراد‪،‬دار الكتاب العربي‪،‬الطبعة األولى‪ 1416 ،‬هـ ‪ 1994 -‬م‪.‬‬
‫‪18.‬ديوان‪ ،‬لبيد بن ربيعة العامري‪ ،‬بدون تحقيق‪ ،‬دار صادر‪ ،‬بيروت (ب – ط )‪.‬‬
‫ ‪19.‬ديوان‪ ،‬النابغة الذبياني‪ ،‬تحقيق‪ ،‬كرم البستاني‪ ،‬دار صادر‪ ،‬بيروت‪ ( ،‬ب – ط )‪.‬‬
‫ ‪20.‬ابن الرومي حياته من شعره‪ ،‬عباس محمود العقاد‪ ،‬المكتبة العصرية‪ ،‬بيروت‪ ،‬د ط‪1982 ،‬م‪.‬‬
‫‪21.‬الكتاب بيروت‪ ،‬الطابعة الثانية‪1968 ،‬م‪.‬‬
‫ ‪22.‬ابـن الرومـي فنـه ونفسـيته مـن خلال شـعره‪ ،‬إيليـا سـليم الحـاوي‪ ،‬دار الكتـاب بيـروت‪ ،‬الطبعـة الثانيـة‬
‫‪1968‬م‪.‬‬
‫ ‪23.‬الصـورة الشـعرية ونماذجهـا فـي إبـداع أبـي نـواس‪ ،‬ساسـين سـيمون‪ ،‬المؤسسـة الجامعيـة للدراسـات‬
‫والنشـر‪ ،‬بيـروت‪ ،‬لبنان‪،‬الطبعـة األولـى‪ 1402،‬هــ ‪1982 -‬م‪.‬‬
‫‪24.‬الصورة الفنية في شعر ابن الرومي‪ ،‬أحمد المبروك الغنوي‪ ،‬رسالة ماجستير‪ 2007 – 2006 ،‬م‪.‬‬
‫‪25.‬علم البديع دراسـة تاريخية وفنية ألصول البالغة ومسـائل البديع‪ ،‬بسـيوني عبد الفتاح فيّود‪ ،‬دار المعالم‬
‫الثقافية‪ ،‬الطبعة الثانية‪1998،‬م‪.‬‬
‫ ‪26.‬العمـدة فـي محاسـن الشـعر وآدابـه‪ ،‬أبـي الحسـن بـن رشـيق القيروانـي األزدي‪ ،‬تحقيـق‪ ،‬محـي الديـن عبـد‬
‫الحميـد‪ ،‬الطبعـة الثالثـة‪ 1383 ،‬هــ ‪1964-‬م‪.‬‬

‫‪46‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫‪27.‬لسـان العـرب‪ ،‬للعالمـة أبـي الفضـل جمـال الذيـن محمـد بـن مكـرم بـن منضـور األفريقـي المصـري‪ ،‬دار‬
‫نوبليـس‪ ،‬بيـروت‪ ،‬الطبعـة األولـى‪2006 ،‬م‪.‬‬
‫‪28.‬معجـم المصطلحـات العربيـة فـي اللغـة واألدب‪ ،‬مجـدي وهبـة وكامـل المهنـدس‪ ،‬مكتبـة لبنـان‪ ،‬بيـروت‪،‬‬
‫الطبعـة الثانيـة‪1984 ،‬م‪.‬‬
‫ ‪29.‬وفيـات األعيـان وأنبـاء أنبـاء الزمـان‪ ،‬ألبـي العبـاس شـمس الديـن أحمـد بـن محمـد بـن أبـي بكر بـن خلكان‪،‬‬
‫تحقيـق‪ ،‬إحسـان عبـاس‪ ،‬دار صـادر‪ ،‬بيـروت‪ 1397 ،‬هــ ‪1977 -‬م‪.‬‬

‫‪47‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫النصيحة بني الشعر العربي والشعر اهلندي‬


‫دراسة مقارنة للقصيدة الزينبية وقصيدة رسالة إىل شاب‬
‫إعداد‪:‬‬
‫عزمي عبدالحميد محمد جاراهلل‬
‫كلية اللغة العربية‪ -‬جامعة السيد محمد بن علي السنوسي اإلسالمية‬

‫القبول‪2023/6/13 :‬‬ ‫االستالم‪2023/5/17 :‬‬

‫املستخلص‪:‬‬
‫يتنـاول البحـث دراسـة مقارنـة‪ ،‬بيـن قصيدتيـن لشـاعرين‪ ،‬ينتمـي كل واحـد منهمـا لقومية‬
‫مختلفـة‪ ،‬والرابـط المشـترك بينهمـا قيمـة النصيحـة‪ ،‬وذلـك ضمـن األدب المقـارن‪ ،‬المنـدرج‬
‫تـم فيهـا بيـان نشـأة األدب المقـارن‪ ،‬تـم‬
‫تحـت الدراسـات األدبيـة والنقديـة‪ ،‬وبعـد مقدمـة ّ‬
‫اختيـار قصيدتيـن‪ ،‬للمقارنـة بينهمـا‪ ،‬إحداهمـا لشـاعر هندي‪ ،‬كتب قصيدتـه باللغة األوردية‪،‬‬
‫وتمـت المقارنـة بتحليـل القصيدتيـن مـن ناحية فنيـة‪ ،‬وبيان‬
‫واألخـرى لشـاعر عربـي عباسـي‪ّ ،‬‬
‫أوجـه االختلاف والشـبه بيـن القصيدتيـن‪ ،‬وصـو ً‬
‫ال إلـى الخاتمة‪ ،‬وما فيها مـن نتائج وتوصيات‪.‬‬
‫واهلل الموفـق‬

‫‪Abstract:‬‬
‫‪This study compares two different national literatures as part of the‬‬
‫‪comparative literature field of literary and criticism studies. The comparison of‬‬
‫‪two poems, one written in Urdu by an Indian poet and the other by an Arab‬‬
‫‪Abbasid poet, was followed by a brief introduction outlining the history of‬‬
‫‪comparative literature. Technically analysing the two poems and highlighting‬‬
‫‪their differences and similarities enabled the creation of a comparison, which‬‬
‫‪resulted in the comparison's conclusion, results, and suggestions.‬‬

‫مقدمة‪:‬‬
‫ـح مـن األغـراض الشـعرية التـي نظـم فيهـا الشـعراء‪ ،‬علـى اختلاف مذاهبهـم ولغاتهـم‪،‬‬ ‫ُّ‬
‫الن ْص ُ‬
‫وهـو مـن األغـراض التـي اهتـم بهـا الشـعراء المسـلمون‪ ،‬لتقديم النصـح والتوجيه ألبنـاء األمة‪،‬‬
‫لالبتعـاد عـن النواهـي‪ ،‬واتبـاع سـبيل الرشـاد‪ ،‬والنصيحـة هـي إرادة الخيـر للمنصـوح لـه‪ ،‬وهـي‬
‫الدعـاء إلـى مـا فيـه صلاح األمـور‪ ،‬والنهـي واالبتعـاد عمـا فيـه الفسـاد‪ ،(((.‬وقـد اختـار الباحث‬
‫قصيدتيـن إحداهمـا باللغـة العربيـة واألخـرى باللغـة األوردية‪ ،‬تتناوالن غـرض ُّ‬
‫الن ْصح‪ ،‬وذلك‬
‫للمقارنـة بينهمـا ضمـن األدب المقـارن‪.‬‬
‫عـد مـن العلـوم الحديثـة التـي نشـأت‪ ،‬وازدهـرت فـي اآلداب الغربيـة‪ ،‬وهـو‬‫واألدب المقـارن ُي ُّ‬
‫مفهـوم ينـدرج تحـت الدراسـات األدبيـة والنقديـة‪ ،‬ويعتبـر فرعـ ًا منهـا‪ ،‬واختلـف الباحثـون في‬
‫وضـع تعريـف جامـع محـدد لمفهـوم األدب المقـارن‪ ،‬لكنهـم اتفقـوا علـى جوهـره ومغـزاه‪ ،‬وهـو‬
‫المقارنـة بيـن عمليـن أدبييـن‪ ،‬يوجـد بينهمـا رابـط مشـترك‪ ،‬وينتمـي كل منهمـا إلـى قومية‪ ،‬أو‬
‫لغـة تختلـف عـن األخـرى‪ ،‬والمقارنـة قـد تكون فـي جانب واحد أو أكثـر‪ ،‬قصد االضطالع على‬
‫((( ينظـر‪ :‬علـي بـن محمـد الجرجانـي‪ ،‬التعريفـات‪ ،‬الناشـر‪ :‬دار الكتـب العلميـة‪ ،‬بيـروت‪ ،‬الطبعـة األولى‪ ،‬سـنة‬
‫‪1983‬م‪ ،‬ص‪241‬‬

‫‪48‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫مواطـن االختلاف‪ ،‬والتشـابه بيـن األدبيـن المـراد مقارنتهمـا‪ ،‬ولهـذا النـوع مـن األدب مياديـن‬
‫كثيـرة ذكـرت فـي كتـب األدب المقـارن المختلفـة‪ ،‬وسنسـتعرض نشـأة ومفهـوم األدب المقـارن‬
‫ومدارسـه فـي المطلـب األول مـن مطالـب هـذا البحـث‪.‬‬
‫وسـنتناول فـي هـذا البحـث مقارنـة بيـن نصين شـعريين ممثليـن ألدبين مختلفيـن‪ ،‬أحدهما‬
‫لشـاعر عربـي عباسـي وهـو صالـح بـن عبـد القـدوس‪ ،‬كتـب قصيدتـه باللغـة العربيـة‪ ،‬والثانـي‬
‫لشـاعر هنـدي وهـو محمـد إقبـال‪ ،‬كتـب قصيدتـه باللغـة ُ‬
‫األ ْرديـة‪ ،‬والرابـط بيـن النصيـن هـو‬
‫ُ‬
‫أن ن ْصـح الشـاعر الهنـدي‪ ،‬موجـه‬ ‫ّ‬
‫ـح‪ ،‬وهومـن ضمـن خصائـص المذهـب الكالسـيكي‪ ،‬إال َ‬ ‫ُّ‬
‫الن ْص ُ‬
‫ُ‬
‫للشـباب المسـلم‪ ،‬ون ْصـح الشـاعر العربـي‪ ،‬موجـه للشـيب‪ ،‬وسـنتعرف علـى مواضـع التشـابه‪،‬‬
‫واالختلاف فـي كال النصيـن‪.‬‬
‫سبب اختيار املوضوع‪:‬‬
‫سـبب اختيـاري لهـذا الموضـوع هـو تسـليط الضـوء علـى هـذا النـوع مـن األدب‪ ،‬الـذي يربـط‬
‫بيـن آداب وأفـكار الشـعوب واألمـم‪ ،‬والـذي لـم ينـل حظـ ًا وافـرًا مـن الدراسـة فـي أبحـاث كتابنـا‬
‫ونقادنـا العـرب‪ ،‬وقسـمت البحـث إلـى أربعـة مطالـب‪:‬‬
‫المطلب األول‪ :‬نشأة األدب المقارن ومفهومه ومدارسه‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬ترجمة الشاعرين‪.‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬تحليل أبيات من قصيدة (الزينبية) للشاعر العباسي صالح بن عبد القدوس‪.‬‬
‫المطلب الرابع‪ :‬تحليل قصيدة (رسالة إلى شاب) للشاعر الهندي محمد إقبال‪.‬‬
‫ثم الخاتمة وما تحويه من نتائج وتوصيات‪.‬‬
‫ووسمت هذا البحث بعنوان‪:‬‬
‫"النصيحة بين الشـعر العربي والشـعر الهندي دراسـة مقارنة للقصيدة الزينبية وقصيدة‬
‫رسـالة إلى شاب"‬
‫منهج البحث‪:‬‬
‫اعتمدت في هذا البحث‪ :‬المنهج التحليلي المقارن‪.‬‬
‫املطلب األول‪ :‬نشأة األدب املقارن ومفهومه ومدارسه‪:‬‬
‫أوال‪ :‬نشأة األدب املقارن‪:‬‬
‫ظهـرت بدايـات األدب المقـارن بتأثـر األدب الرومانـي قديمـا باألدب اإلغريقي‪ ،‬وما نتج عن‬
‫ذلـك مـن محـاكاة للقديـم‪ ،‬وبعـد الفتوحـات اإلسلامية‪ ،‬واحتـكاك العـرب بـآداب األمـم األخرى‪،‬‬
‫ثـم حركـة الترجمـة فـي العصريـن األمـوي والعباسـي‪ ،‬والتـي فسـحت المجـال لترجمـة‬ ‫ومـن ّ‬
‫الكثيـر مـن األعمـال األدبيـة‪ ،‬الفارسـية والهنديـة واليونانيـة‪ ،‬والتـي بدورهـا سـاهمت في نشـأة‬
‫ـم تأثـر األدب العربـي‪ ،‬بُعيد اتصاله بأروبا‪ ،‬سـواء بعد‬ ‫وازدهـار بعـض األجنـاس األدبيـة‪ ،‬ومـن َث ّ‬
‫سـيطرت المسـلمين علـى األندلـس‪ ،‬أو الحـروب الصليبيـة‪ ،‬أو االسـتعمار األوربـي الحديث للبالد‬
‫العربيـة‪ ،‬أوعـن طريـق حركـة الترجمـة في عصرنا الحديث‪ ،‬توسـعت حركة األدب المقارن بين‬
‫(((‬
‫األدب العربـي‪ ،‬واآلداب األخـرى‪ ،‬بواسـطة التأثيـر والتأثـر بيـن تلـك اآلداب‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬مفهوم األدب املقارن‪:‬‬
‫عـرف فرنسـوا جويـار األدب المقـارن فـي كتابه بأنه‪" :‬تاريـخ العالقات األدبية الدولية‪ .‬من‬
‫َّ‬

‫((( ينظـر‪ :‬أحمـد درويـش‪ ،‬نظريـة األدب المقـارن وتجلياتها فـي األدب العربي‪ ،‬الناشـر‪ :‬دار غريب للطباعة والنشـر‪،‬‬
‫القاهـرة‪ ،‬بـدون طبعة‪ ،‬سـنة ‪2002‬م‪ ،‬ص‪18-17‬‬

‫‪49‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫هنـا أن الباحـث المقـارن يتوقـف عنـد الحـدود اللغويـة أو الوطنيـة‪ ،‬ويراقـب تبـادل المواضيـع‬
‫(((‬
‫واألفـكار والكتـب والمشـاعر بين أدبيـن وأكثر"‬
‫وعرفـه الناقـد األمريكـي هنـري ريمـاك‪ :‬بأنـه " دراسـة األدب بحيـث تتعـدى حـدود القطـر‬ ‫َّ‬
‫الواحـد‪ ،‬ودراسـة العالقـات القائمـة بيـن األدب مـن ناحيـة وبيـن مجـال المعرفـة والمعتقـدات‬
‫األخـرى كالفنـون‪ ،‬والفلسـفة‪ ،‬والتاريـخ‪ ،‬والعلـوم االجتماعيـة‪ ،‬والعلوم البحتـة‪ ،‬واألديان‪ ،‬إلخ‪،‬‬
‫(((‬
‫مـن الناحية األخـرى"‪.‬‬
‫وعـرف محمـد غنيمـي هلال األدب المقـارن بأنـه" يـدرس مواطـن التالقـي بيـن اآلداب‬ ‫َّ‬
‫فـي لغاتهـا المختلفـة‪ ،‬وصالتهـا الكثيـرة المعقـدة‪ ،‬فـي حاضرهـا أو فـي ماضيهـا‪ ،‬ومـا لهـذه‬
‫الصلات التاريخيـة مـن تأثيـر أو تأثـر‪ ،‬أيـًا كانـت مظاهـر ذلـك التأثيـر أو التأثـر‪ :‬سـواء تعلقـت‬
‫باألصـول الفنيـة العامـة لألجنـاس والمذاهـب األدبيـة أو التيـارات الفكريـة‪ ،‬أو اتصلت بطبيعة‬
‫(((‬
‫الموضوعـات والمواقـف واألشـخاص التـي تعالـج أو تحاكـى فـي األدب"‬
‫أن كلمـة "المقـارن" ال يقصـد بهـا هنا المقارنة بمعناهـا اللغوي‪ ،‬بل المقارنة‬ ‫وذكـر غنيمـي ّ‬
‫أن تسـمية هذا النوع من األدب بـ"األدب المقارن" هي تسـمية ناقصة‬ ‫بمعناها التاريخي‪ ،‬ورأى ّ‬
‫وفيها إضمار‪ ،‬وكان األولى أن يسـمى "التاريخ المقارن لألدب" أو " تاريخ األدب المقارن"‪ ،‬ورأى‬
‫أ ّنـه ال ُيعـد مـن األدب المقـارن مـا ُيعقـد مـن موازنـات بيـن كتاب من آداب مختلفـة‪ ،‬لم تقم بينها‬
‫صلات تاريخيـة‪ ،‬حتـى يؤثـر أحدهمـا فـي اآلخـر نوعـ ًا من التأثيـر أو التأثر‪ ،‬وبذلـك يبان تأثر‬
‫(((‬
‫محمد غنيمي هالل بالمدرسـة الفرنسـية وبرأي "جون جاك أمبير"‬
‫ثالثًا‪ :‬مدارس األدب املقارن‪:‬‬
‫‪ -1‬المدرسة الفرنسية‪:‬‬
‫وهـي تمثـل المنهـج التاريخـي‪ ،‬فقـد بـدأت دراسـة األدب المقارن في فرنسـا‪ ،‬في أوائل القرن‬
‫التاسـع عشـر‪ ،‬و ُتعد المدرسـة األولى في مجال األدب المقارن‪ ،‬ويعد كتاب فرنسـوا جويار الذي‬
‫صـدر عـام ‪1951‬م بعنـوان "األدب المقـارن"‪ ،‬مـن أهـم الكتـب التـي تناولـت مجـاالت‪ ،‬ومناهج‬
‫البحـث فـي األدب المقـارن‪ ،‬واالتجـاه التاريخـي الفرنسـي‪ ،‬الـذي اتخذ من األدب الفرنسـي محورًا‬
‫تتأثـر بـه اآلداب األخـرى‪ ،‬اسـتمر قرابـة القـرن مـن الزمـان‪ ،‬منـذ بدايـة الخمسـينيات‪ ،‬إلـى أن‬
‫جـاءت معارضتـه ونقـده مـن أمريـكا‪ ،‬عبـر محاضـرات ألقيـت بعنـوان "أزمـة األدب المقـارن"‪،‬‬
‫(((‬
‫وتشـكلت بعـد ذلـك المدرسـة األمريكية‪.‬‬
‫‪ -2‬المدرسة األمريكية‪:‬‬
‫وهـي تمثـل المنهـج النقـدي‪ ،‬وظهـر هـذا المنهـج‪ ،‬إثـر تعقيـب الدراسـات األدبيـة األمريكية‬
‫علـى كتـاب الفرنسـي جويـار‪ ،‬ومـن ضمـن االنتقادات التـي وجهها بعض رواد المدرسـة األمريكية‬
‫إلـى جويـار‪ ،‬أ ّنـه يتخـذ مـن األدب الفرنسـي محـورًا تـدور حولـه اآلداب األخرى‪ ،‬تأثيـرًا أو تأثرًا‪،‬‬
‫وهـذه نزعـة محوريـة محليـة ضيقـة‪ ،‬ال تتماشـى مـع الطابـع العالمـي‪ ،‬الـذي ينبغـي أن يتسـم‬
‫(((‬
‫بـه األدب المقارن‪.‬‬

‫((( ماريـوس فرنسـوا جويـار‪ ،‬األدب المقـارن‪ ،‬ترجمـة د‪ .‬هنـري زغيـب‪ ،‬بيـروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬منشـورات عويـدات‪ ،‬الطبعة‬
‫الثانيـة‪ ،‬سـنة ‪ ،1988‬ص‪.15‬‬
‫((( رينيـه ويليـك‪ ،‬مفاهيـم نقديـة‪ ،‬ترجمـة د‪ .‬محمـد عصفـور‪ ،‬الكويـت‪ ،‬الناشـر‪ :‬مطابع الرسـالة‪ ،‬بـدون طبعة‪،‬‬
‫سـنة ‪1987‬م‪ ،‬ص‪317‬‬
‫((( محمـد غنيمـي هلال‪ ،‬األدب المقـارن‪ ،‬الناشـر‪ :‬نهضة مصـر للطباعة والنشـر والتوزيع‪ ،‬الطبعة التاسـعة‪ ،‬سـنة‬
‫‪2008‬م‪ ،‬ص‪.13‬‬
‫((( ينظر‪ :‬محمد غنيمي هالل‪ ،‬األدب المقارن‪ ،‬ص‪15-14‬‬
‫((( ينظر‪ :‬أحمد درويش‪ ،‬نظرية األدب المقارن وتجلياتها في األدب العربي‪ ،‬ص‪28-25‬‬
‫((( ينظر‪ :‬المرجع السابق ص‪28‬‬

‫‪50‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫وفـي هـذه المدرسـة‪ ،‬تتـم المقارنـة علـى أسـاس االهتمـام بدراسـة األدب‪ ،‬فـي صالتـه‪،‬‬
‫التـي تتعـدى حـدوده القوميـة‪ ،‬وإيجـاد عالقـات التشـابه‪ ،‬بيـن اآلداب فيمـا بينهـا‪ ،‬فالهـدف مـن‬
‫المقارنـة‪ ،‬ليـس إثبـات التأثيـر والتأثـر فقـط‪ ،‬وإنمـا بلـوغ البنيـة الجماليـة والتشـكيلية للنـص‬
‫(((‬
‫المقـارن‪.‬‬
‫السالفية‪:‬‬
‫‪ -3‬المدرسة ُ‬
‫ظهرت هذه المدرسـة في روسـيا وبلدان أوروبا الشـرقية‪ ،‬وسـاهمت في تطور الدرس األدبي‬
‫المقـارن‪ ،‬علـى جميـع المسـتويات‪ ،‬وهـي مدرسـة مبنيـة علـى أسـاس إيديولوجـي‪ ،‬مرتكـز علـى‬
‫الفلسـفة الماديـة الماركسـية‪ ،‬التـي ترفـض الفلسـفة الوضعيـة‪ ،‬وتعتبرهـا فلسـفة بورجوازيـة‪،‬‬
‫بـأن هنـاك عالقـة جدليـة بيـن القاعـدة الماديـة التـي تمثـل البنـاء‬ ‫وتؤمـن هـذه المدرسـة‪ّ ،‬‬
‫التحتـي للمجتمـع‪ ،‬وبيـن الثقافـة واألدب الـذي يمثلهما البناء الفوقي‪ ،‬والمدرسـة السلافية لها‬
‫نسـق ثقافـي‪ ،‬يختلـف عـن المدرسـتين الفرنسـية واألمريكيـة‪ ،‬فـي مفهومهمـا للأدب المقـارن‪،‬‬
‫فهـي مدرسـة ال تنكـر الخصوصيـة القوميـة للآداب‪ ،‬ألنها تعبر عن أوضاع واحدة مشـتركة بين‬
‫(‪((1‬‬
‫جميع المجتمعات‪ ،‬ومن أشهر مؤسسي هذه المدرسة المقارن الروسي فيكتور جيرمونسكي‪.‬‬
‫‪ -4‬المدرسة العربية‪:‬‬
‫ّ‬
‫لم يكن للمدرسـة العربية منهجها المسـتقل الذي يميزها عن سـابقاتها‪ ،‬وإنما كانت متأثرة‬
‫بالمـدارس األخـرى التـي سـبقتها‪ ،‬واقتصـر دورهـا علـى الدرس المقارن الذي يهـدف إلى تعريف‬
‫الطالـب العربي باألدب المقارن‪.‬‬
‫وظهـر أول ُم َؤ َّلفيـن يحملان نفـس العنـوان‪" :‬األدب المقـارن" سـنة ‪1948‬م‪ ،‬أحدهمـا‬
‫لنجيـب العقيقـي‪ ،‬واآلخـر لعبدالـرزاق حميـدة‪ ،‬إال أن كتاب العقيقي كان أكثر رواجًا من معاصره‬
‫حميـدة‪ ،‬والكتابـان متشـابهان فـي كونهمـا لـم يقدمـا جديـدًا في مجـال األدب المقـارن‪ ،‬واعتمدا‬
‫علـى تقديـم الـدرس المقـارن للطلاب‪ ،‬فالعقيقـي َّعـرف مفهـوم األدب المقـارن منـذ أرسـطو إلى‬
‫عصـره‪ ،‬وقـدم للآداب الفرنسـية واإليطاليـة واإلنجليزيـة وغيرهـا‪ ،‬كمـا قـارن بيـن األنـواع‬
‫األدبيـة الفرنسـية والعربيـة‪ ،‬بينمـا عبدالـرزاق حميـدة كان كتابـه ثمـرة نشـاطه التعليمـي‪،‬‬
‫فهـو يحلـل التشـابهات العامـة بيـن األشـعار العربية واألشـعار فـي األدبين الفرنسـي واإلنجليزي‪،‬‬
‫دون مراعـاة العالقـات التاريخيـة‪ ،‬واعتمـد طريقـة الموازانـات األدبيـة‪ ،‬ومـن بعدهمـا ظهـر‬
‫كتـاب "دراسـات فـي األدب المقـارن" إلبراهيـم سلامة عـام ‪1951‬م‪ ،‬وتميـز كتابـه بالدقـة‬
‫والرؤيـة الشـاملة فـي معالجـة الظواهـر األدبيـة‪ ،‬ممـا يجعلـه أحـد المؤسسـين للـدرس المقـارن‪،‬‬
‫رغـم عـدم تخصصـه فـي األدب المقـارن‪ ،‬وفـي عـام ‪1953‬م‪ُ ،‬نشـر كتـاب "األدب المقـارن"‬
‫لصاحبـه محمـد غنيمـي هلال‪ ،‬والـذي القـى كتابـه الذيـوع واالنتشـار أكثـر مـن سـابقيه‪ ،‬فقـد‬
‫ُطبـع سـبع مـرات‪ ،‬وتميـزت كل طبعـة بإضافـات جديدة‪ ،‬وكان تأثير المدرسـة الفرنسـية واضحًا‬
‫علـى غنيمـي وخصوصـًا تأثـره بفرنسـوا جويـار‪ ،‬وتنـاول كتابـه تاريـخ األدب في أوروبـا‪ ،‬واألنواع‬
‫األدبيـة‪ ،‬وتأثيـر اآلداب األجنبيـة والمذاهـب األدبيـة‪ ،‬وغيرهـا مـن موضوعـات‪ ،‬وبعـد ذلـك‬
‫ظهـرت ثالثـة مؤلفـات لهـا قيمتهـا فـي مجـال الـدرس المقـارن‪ ،‬للكاتـب العراقي صفـاء خلوصي‪،‬‬
‫األول بعنـوان "األدب المقـارن"‪ ،‬والثانـي بعنـوان" فـن الترجمـة فـي ضـوء الدراسـات المقارنة"‪،‬‬
‫واآلخـر بعنـوان" الترجمـة التحليليـة"‪ ،‬وتميـز خلوصـي بجمعـه بيـن التنظيـر والتطبيـق فـي‬
‫مجـال الـدرس المقـارن‪ ،‬وتنـاول فـي كتابـه "األدب المقـارن" التعريـف بـاألدب المقـارن‪ ،‬وبيـان‬
‫نشـأته وأثـره فـي دراسـة األدب العربـي‪ ،‬كمـا تحـدث عـن المذاهـب األدبيـة فـي الغـرب‪.‬‬

‫((( ينظـر‪ :‬سـعيد علوش‪ ،‬مـدارس األدب المقارن‪ ،‬الناشـر‪ :‬المركـز الثقافي العربـي‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬سـنة ‪1987‬م‪،‬‬
‫ص‪.95-94‬‬
‫(‪ ((1‬ينظـر‪ :‬عبـده عبـود‪ ،‬األدب المقـارن مشـكالت وآفاق‪ ،‬الناشـر‪ :‬اتحـاد الكتاب العرب‪ ،‬دمشـق‪ ،‬بدون طبعة‪ ،‬سـنة‬
‫‪1999‬م‪،‬ص‪.41-40‬‬

‫‪51‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫ومن خالل ما سـبق يتبين أن المدرسـة العربية لم تكن مدرسـة مسـتقلة ذات منهج وتوجه‬
‫(‪((1‬‬
‫خـاص‪ ،‬وإ ّنمـا اعتمـدت على الدرس المقـارن والتأثر بالمدارس األخرى‪.‬‬
‫املطلب الثاني‪ :‬ترمجة الشاعرين‪:‬‬
‫‪ -1‬ترمجة الشاعر‪ :‬صاحل بن عبدالقدوس ‪:‬‬
‫هـو أبـو الفضـل صالـح بـن عبـد القـدوس البصري‪ ،‬مولى األزد‪ ،‬أحد شـعراء العباسـيين‪ ،‬وله‬
‫قصائـد رائقـة جمعهـا عبـداهلل الخطيـب فـي البصـرة عـام ‪1967‬م فـي ديـوان شـعري نشـرته‬
‫دار منشـورات البصـري ببغـداد‪ ،‬ومـن أشـهر قصائـده القصيـدة البائيـة المعروفـة بالزينبيـة‪،‬‬
‫اتهمـه الخليفـة المهـدي بالزندقـة‪ ،‬فأحضـره إليـه‪ ،‬فلمـا خاطبـه‪ ،‬أعجـب بغزارة أدبـه‪ ،‬وعلمه‪،‬‬
‫وبراعتـه‪ ،‬وحسـن بيانـه‪ ،‬وكثـرة حكمتـه‪ ،‬فأمـر بإخلاء سـبيله‪ ،‬فلمـا َّ‬
‫ولـى‪ ،‬رده وقـال لـه‪ :‬ألسـت‬
‫القائل‪:‬‬
‫ّ‬ ‫َ‬
‫أخالق ُه *** حتى ُي َوا َرى ِفي َث َرى ِ‬
‫رمس ِه‪.‬‬ ‫ُ‬
‫يترك‬ ‫ُ‬
‫والشيخ ال‬
‫فقـال‪ :‬بلـى يـا أميـر المؤمنيـن‪ ،‬قـال‪ :‬فأنـت ال تتـرك أخالقـك‪ ،‬ونحـن حكمنـا فيـك بحكمـك‬
‫(‪((1‬‬
‫فـي نفسـك‪ ،‬ثـم أمـر بـه فقتـل‪ ،‬وصلـب على الجسـر سـنة (‪167‬هــ)‪.‬‬
‫‪ -2‬ترمجة الشاعر ‪ :‬حممد إقبال‪:‬‬
‫ولـد محمـد إقبـال فـي مدينـة سـيالكوت‪ ،‬الواقعـة فـي إقليـم البنجـاب عـام ‪1877‬م‪،‬‬
‫وهوسـليل بيـت البراهمـة فـي كشـمير‪ ،‬وكان أبـوه مـن المتصوفـة‪ ،‬تعلـم إقبـال فـي مدرسـة‬
‫إنجليزيـة فـي بلـده‪ُ ،‬ث ّ‬
‫ـم سـافر إلـى الهـور‪ ،‬وانضـم إلـى كليـة الحكومـة‪ ،‬حيـث بـرز فـي اللغـة‬
‫العربيـة‪ ،‬واإلنجليزيـة‪ ،‬ونجـح بتقديـر امتيـاز‪ ،‬ثـم تخصـص فـي الفلسـفة‪ ،‬ونـال وسـام ًا‪ ،‬وعيـن‬
‫أسـتاذا للتاريـخ‪ ،‬والفلسـفة‪ ،‬والسياسـة فـي كليـة الهـور‪ ،‬ثـم أسـتاذا لإلنجليزيـة‪ ،‬والفلسـفة فـي‬
‫كليـة الحكومـة‪ ،‬وشـهد بكفاءتـه وعلمـه األسـاتذة‪ ،‬والطلبـة جميعـًا‪ ،‬ثـم سـافر إلـى لنـدن عـام‬
‫‪1905‬م‪ ،‬حيـث التحـق بجامعـة كامبـردج‪ ،‬وأخـذ شـهادة عاليـة فـي الفلسـفة‪ ،‬وفـي االقتصـاد‪،‬‬
‫ودرس آداب اللغـة العربيـة‪ ،‬فـي جامعـة لنـدن‪ ،‬ثـم سـافر أللمانيـا‪ ،‬وأخـذ الدكتـوراة مـن جامعة‬
‫ميونـخ فـي الفلسـفة‪ ،‬ثـم رجـع إلـى لنـدن‪ ،‬ومـن بعدهـا الهنـد‪ ،‬واشـتغل بالمحامـاة‪ ،‬وكان يقضـي‬
‫أكثـر وقتـه فـي تأليـف الكتـب‪ ،‬وقـرض الشـعر‪ ،‬ولـه عـدة دواويـن شـعرية‪ ،‬فـي اللغـة الفارسـية‪،‬‬
‫واألورديـة‪ ،‬منهـا ديـوان رسـالة الخلـود‪ ،‬وديـوان هديـة الحجـاز‪ ،‬وديـوان جنـاح جبريـل‪ ،‬وديـوان‬
‫(‪((1‬‬
‫عصـا موسـى‪ ،‬وقـد طبـع أول مجموعـه الشـعري عـام ‪1924‬م‪ ،‬وتوفـي عـام ‪1938‬م‪.‬‬

‫للشـاعر العباسـي صالـح بـن عبدالقـدوس‬ ‫(‪((1‬‬


‫أبيـات مـن قصيـدة (( الزينبيـة ))‬

‫(‪ ((1‬ينظر‪ :‬سعيد علوش‪ ،‬مدارس األدب المقارن‪ ،‬ص‪216 -201‬‬


‫(‪ ((1‬ينظـر‪ :‬أبـو العبـاس شـمس الديـن بـن خلـكان‪ ،‬وفيـات األعيان وأنبـاء أبنـاء الزمـان‪ ،‬تحقيق‪ :‬إحسـان عباس‪،‬‬
‫بيـروت‪ ،‬الناشـر‪ :‬دار صـادر‪ ،‬مج‪ ،2‬بـدون طبعـة‪ ،‬سـنة ‪1978‬م‪ ،‬ص‪.493-492‬‬
‫(‪ ((1‬ينظـر‪ :‬سـيد عبـد الماجـد الغوري‪ ،‬ديوان محمد إقبال‪ ،‬دمشـق‪ ،‬الناشـر‪ :‬دار ابـن كثير للطباعة والنشـر‪ ،‬ج‪،1‬‬
‫الطبعة الثالثة‪ ،‬سـنة ‪2007‬م‪ ،‬ص‪.26-19‬‬
‫(‪ ((1‬عبـداهلل الخطيـب‪ ،‬ديـوان صالـح بـن عبدالقـدوس البصـري‪ ،‬بغـداد‪ ،‬الناشـر‪ :‬دار منشـورات البصـري‪ ،‬سـنة‬
‫‪1967‬م‪،‬ص‪123‬‬

‫‪52‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫البصـري‬
‫َقّل ُب‬
‫َغي ٌر وت َ‬
‫والدهــــــــــــــــــــر فيه ت ُ‬
‫ُ‬ ‫زينب‬
‫ُ‬ ‫وص ِل َك‬‫الك بعد ْ‬ ‫َص َر َم ْت ِح َب َ‬ ‫‪-01‬‬
‫أشيــب‬
‫ُ‬ ‫امـــة‬ ‫ـــك َّ‬
‫كالث َغ ِ‬ ‫ورأس َ‬ ‫ســـودًا ُ‬ ‫َش َر ْت ذوا ِئ َبها التي تزهــــــــو بها‬ ‫نَ‬ ‫‪-02‬‬
‫***************‬
‫األطيب‬
‫ُ‬ ‫فعمـرك مر منه‬ ‫ُ‬ ‫وازهـــد‬ ‫عداك زمان ُ‬
‫ُه‬ ‫فــــدع الصبـــا فلقـــد َ‬ ‫‪-03‬‬
‫المهرب‬
‫ُ‬ ‫وأتـى المشيـب فأين منـه‬ ‫ذهـــب الشبـــاب فمالَــه مــن عــودة‬ ‫‪-04‬‬
‫مذنب‬
‫ُ‬ ‫يـا‬ ‫وابكهــا‬ ‫ذنوبــك‬ ‫واذكــر‬ ‫الصبا‬ ‫دع عنك ما قد كان في زمن‬ ‫‪-05‬‬
‫نيت و ُيكتـَ ُب‬‫ال بـد ُيحصـى مـا َج َ‬ ‫مناقشــــة الحســـاب فإنـــه‬ ‫َ‬ ‫واذكــــر‬
‫‪-06‬‬
‫تلعــــب‬
‫ُ‬ ‫بــــل أثبـتــــاه وأنــــت اله‬ ‫َـه‬ ‫ِ‬
‫الملكــان حيـن نَسيت ُ‬ ‫ِ‬ ‫ين َس ُ‬
‫ــه‬ ‫لــــم ْ‬
‫‪-07‬‬
‫سـلب‬
‫ُ‬ ‫ت‬‫ُ‬ ‫و‬ ‫منــك‬ ‫غـــم‬
‫ِ‬ ‫بالر‬
‫َّ‬ ‫ـــا‬‫ه‬ ‫د‬‫ّ‬
‫َُُ‬ ‫ستر‬ ‫ــــا‬ ‫َه‬
‫ت‬ ‫ع‬
‫ْ ْ َ‬ ‫ِ‬
‫د‬ ‫و‬ ‫ُ‬
‫أ‬ ‫ٌ‬
‫وديعـــة‬ ‫فيـــك‬ ‫والــــروح‬
‫‪-08‬‬
‫يـذهــــــب‬
‫ُ‬ ‫مـتــــاع‬
‫ٌ‬ ‫دار َح ِق َ‬
‫يقـتـهـــا‬ ‫وغــــرو ُر دنيـــاك التــي تسعـى لهـا‬ ‫‪-09‬‬
‫حســـب‬
‫ُ‬ ‫ـعـــد و ُت‬
‫أنفاسـنــــا فيـهـــا ُت ُّ‬ ‫كالهمــا‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫والليـــــل فاعلــــم والنهــا ُر‬ ‫‪-10‬‬
‫نهــب‬
‫حقــــا يقينــا بعــد موتــك ُي ُ‬‫ً‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬
‫وجميـــــع مــا خلَفتَـــــه وجمعتَـــه‬‫ُ‬ ‫‪-11‬‬
‫ــــر ُب‬
‫ُ‬ ‫خ‬ ‫ْ‬ ‫ي‬
‫َ‬ ‫قليــــل‬ ‫عمــــا‬ ‫هـــا‬ ‫شيـد‬
‫ُ‬ ‫وم‬
‫َ‬ ‫هـــا‬ ‫نعيم‬
‫ُ‬ ‫يـــــدوم‬ ‫ال‬ ‫ٍ‬
‫ر‬ ‫لــــــدا‬ ‫ً‬
‫ا‬ ‫تبـــــ‬ ‫‪-12‬‬
‫ـــــوح لألنــــــام ُم َج ِّ‬
‫ــــــر ُب‬ ‫َص ٌ‬ ‫بــــــر ن ُ‬
‫ٌّ‬ ‫َكهــا‬ ‫ً‬
‫نصيحــة ْأوال َ‬ ‫‪ -13‬فاسمـــع ُه ِد َ‬
‫يـت‬
‫***************‬
‫المطلب‬
‫ُ‬ ‫واليـــأس ممــــا فـات فهـو‬ ‫ٌ‬
‫راحـة‬ ‫ِ‬
‫القناعة‬ ‫بعض‬
‫ِ‬ ‫‪ -14‬واقنـع ففي‬
‫ـوب المذلـة ْ‬
‫أش َع ُب‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ث‬ ‫ــي‬ ‫ِ‬
‫س‬ ‫ك‬‫ُ‬ ‫فلقــد‬ ‫مذلـة‬
‫ٍ‬ ‫ثـوب‬
‫َ‬ ‫يـت‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫س‬ ‫ُ‬
‫ك‬ ‫ـت‬
‫َ‬ ‫‪ -15‬فــإذا َط ِم ْع‬
‫املطلب الثالث‪ :‬حتليل قصيدة (الزينبية) للشاعر العباسي صاحل بن عبد القدوس‪:‬‬
‫فـي مطلـع هـذه القصيـدة فـي البيتيـن األوليـن‪ :‬يفتتـح الشـاعر قصيدتـه بذكـر محبوبتـه‬
‫زينب‪ ،‬وهي عاد ٌة درج شـعراء العرب عليها منذ العصر الجاهلي‪ ،‬ويبين الشـاعر قطع المحبوبة‬
‫حبـل الوصـال الـذي جمعهمـا‪ ،‬بعـد أن تغيـر الدهـر وتبـدل‪ ،‬وبعـد أن اشـتعل الرأس شـيب ًا‪ ،‬حتى‬
‫أصبـح كشـجرة الثغامـة‪ ،‬فـي بيـاض ثمرهـا وزهرهـا‪ ،‬بينمـا المحبوبـة ال تـزال تزهـو بشـعرها‪،‬‬
‫أسـود كسـواد الليـل الحالـك‪.‬‬
‫َ‬ ‫الـذي ال يـزال‬
‫ويف البي�ت الثال�ث‪ :‬دعـا الشـاعر إلـى االنتباه إلى العمر‪ ،‬الذي يجـري من غير أن نلحظه ونظن‬
‫أننـا ال زلنـا شـبابًا‪ ،‬ثـم دعـا الشـاعر إلـى الزهـد في الدنيـا ونعيمها‪ ،‬وبين أن مـا ذهب من العمر‪،‬‬
‫هـو أفضلـه وأطيبه‪ ،‬ولـم يبق الكثير منه‪.‬‬
‫بيـن الشـاعر أن الشـباب إذا ذهـب فلـن يعـود‪ ،‬فوجـب أن نتنبـه لذلـك‪،‬‬ ‫ويف البي�ت الراب�ع‪َّ :‬‬
‫ونسـتثمر عمرنـا فـي الخيـر‪ ،‬وال يجـب أن نغتـر بقـوة ونشـوة الشـباب ونتناسـى ِ‬
‫الك َبـر‪ ،‬وأوضـح أن‬
‫المشـيب ِ‬
‫والك َبـر قادمـان ال محالـة‪ ،‬وال يمكـن الهـرب منهمـا‪.‬‬
‫ويف البي�ت اخلام�س‪ :‬ينصـح الشـاعر المخاطبيـن‪ ،‬بـأن يتركـوا عاداتهـم السـيئة التـي كانـوا‬
‫يفعلونهـا وألفوهـا فـي شـبابهم‪ ،‬وأن يتذكـروا ذنوبهـم ويتوبـوا منهـا‪ ،‬قبـل فـوات األوان‪.‬‬
‫ذكـر الشـاعر بيـوم الحسـاب والجـزاء‪ ،‬وأن هـذ اليـوم ال بـد فيـه مـن نيـل‬‫ويف البي�ت الس�ادس‪َّ :‬‬
‫الجـزاء العـادل‪ ،‬وأعمـال اإلنسـان مكتوبـة ال ُيغفـل منهـا شـيء‪.‬‬
‫بيـن الشـاعر أننـا إذا نسـينا أعمالنـا فـي الدنيـا‪ ،‬فـإن الملكيـن المـوكالن‬
‫ويف البي�ت الس�ابع‪َّ :‬‬
‫بكتابـة أعمالنـا لـن يغفلا ذلـك‪ ،‬وأنهمـا يسـجالن كل أعمالنـا‪ ،‬بالرغـم من أننا الهـون في الدنيا‬

‫‪53‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫وال نتفطـن لذلـك‪.‬‬


‫بيـن الشـاعر أن الـروح التـي بيـن جنبينـا‪ ،‬هـي وديعـة وأمانـة أودعهـا فينا‬ ‫ويف البي�ت الثام�ن‪َّ :‬‬
‫خالقنـا‪ ،‬وأنـه ال بـد أن يسـترد أمانتـه يومـ ًا مـا رغمـًا عنـا‪ ،‬فوجـب التفطـن لذلك‪.‬‬
‫ويف البي�ت التاس�ع‪ :‬أوضـح الشـاعر أن الدنيـا التـي نسـعى إليهـا ونريـد أن ننـال منهـا الحـظ‬
‫األوفـر‪ ،‬هـي دنيـا تغرنـا‪ ،‬وحقيقتهـا متـاع زائـل‪ ،‬لـن يسـتمر إلـى مـاال نهايـة‪ ،‬واآلخـرة هـي دار‬
‫القـرار‪.‬‬
‫عد وتحسـب في الليـل والنهار‪،‬‬ ‫ويف البي�ت العاش�ر‪ :‬أوضـح الشـاعر أن جميـع أعمالنـا وأنفاسـنا ُت ُّ‬
‫وهـو بذلـك يدعـو إلـى اسـتثمار الوقـت واسـتغالله فيما ينفـع و ُيفيد‪.‬‬
‫وشـقينا لتحصيله‪،‬‬ ‫ويف البي�ت احل�ادي عش�ر‪ :‬أوضـح الشـاعر أن كل مـا جمعنا في دنيانـا وتعبنا َ‬
‫كل ذلـك مآلـه إلـى غيرنـا بعـد موتنا وتركنـا للدنيا‪.‬‬
‫وح ْسـنها‪،‬‬
‫ُ‬ ‫نعيمها‬ ‫يسـتمر‬ ‫ال‬ ‫الدنيا‪،‬‬ ‫ويعني‬ ‫الدار‪،‬‬ ‫أن هذه‬‫بين الشـاعر ّ‬‫ويف البيت الثاني عش�ر‪َّ :‬‬
‫وأن كل مـا عليهـا مـن عمـران‪ ،‬سـائر إلـى زوال ودمـار‪ ،‬فلمـاذا نتعلق بها وكأنهـا دار خالدة‪.‬‬ ‫ّ‬
‫ً‬
‫طويلا‪ ،‬و ُيهدي ثمـرة تجاربه‬ ‫بين أ ّنـه عاش‬‫ويف البي�ت الثال�ث عش�ر‪ :‬الشـاعر فـي هـذا البيـت‪َّ ،‬‬
‫التـي اكتسـبها مـن الدنيـا للمخاطـب ولجميـع النـاس‪ ،‬فهـو جـرب الدنيا‪ ،‬وعـرف حقيقتها‪.‬‬
‫ويف البيت الرابع عش�ر‪ :‬أوصى الشـاعر بالقناعة والرضى‪ ،‬ففي ذلك اسـتقرارنا وراحتنا‪ ،‬وأن ال‬
‫ننظـر إلـى مـا فاتنـا مـن رغباتنا‪ ،‬التي نتحسـر على عـدم الحصول عليها‪.‬‬
‫بيـن الشـاعر أن الطمـع وعـدم الرضـا بما قسـمه اهلل لنا مـن الرزق‪،‬‬ ‫ويف البي�ت اخلام�س عش�ر‪َّ :‬‬
‫فـكل ذلـك سـيورثنا و ُيكسـينا المذلـة‪ ،‬ولتقويـة المعنـى‪ ،‬اسـتعان الشـاعر باألمثـال المضروبـة‬
‫مثلا بأشـعب الـذي ُعـرف بطمعـه وجشـعه‪.‬‬ ‫عنـد العـرب‪ ،‬وضـرب ً‬
‫قصيدة ((رسالة إلى شاب)) باللغة األردية للشاعر الهندي محمد إقبال‪:‬‬
‫ایک نوجوان کے نام‬
‫ترے صوفے ہیں افرنگی ترے قالیں ہیں ایرانی‬
‫لہو مجھ کو رالتی ہے جوانوں کی تن آسانی‬
‫امارت کیا شکوِہ خسروی بھی ہو تو کیا حاصل‬
‫زور حیدری تجھ میں نہ استغنائے سلمانی‬ ‫نہ ِ‬
‫نہ ڈھونڈ اس چیز کو تہذیب حاضر کی تجلی میں‬
‫اج مسلمانی‬‫کہ پایا میں نے استغنا میں معر ِ‬
‫عقابی روح جب بیدار ہوتی ہے جوانوں میں‬
‫نظر آتی ہے اُن کو اپنی منزل آسمانوں میں‬
‫ال علم و عرفاں ہے‬ ‫نہ ہو نومید نومیدی زو ِ‬
‫امید مرد مومن ہے خدا کے راز دانوں میں‬
‫نہیں تی ار نشیمن قصر سلطانی کے گنبد پر‬
‫تو شاہیں ہے بسی ار کر پہاڑوں کی چٹانوں میں‬

‫‪54‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬
‫(‪((1‬‬
‫القصيدة المترجمة للشاعر الهندي محمد إقبال((رسالة إلى شاب))‬
‫ُ‬
‫واألثــاث اإلنكلـزي‬ ‫ك ا ْل َع َجـمـ ُّ‬
‫ِي هـــذا‬ ‫ـجاد َ‬
‫َس ُ‬
‫ماذا يفيدك يا عزيزي!‬
‫حصلتــها *** في مثـل أ َّبهة الملـوك بذلتها‬ ‫مـاذا تفيــدك ثرو ٌة َّ‬
‫أبكي ألجلك يا عزيزي!‬
‫سلمان‬
‫ِ‬ ‫بط َة اإليمان *** أو بأس حيد َر أو رضا‬ ‫هل ُذ َ‬
‫قت يوم ًا ِغ َ‬
‫ارحم شبابك يا عزيزي!‬
‫أتظنهـا ثمنًا ِّ‬
‫لكل حياتكا‬ ‫ُّ‬ ‫تقـاس بذاتكا ***‬ ‫ُ‬ ‫سلع الحضارة ال‬‫ُ‬
‫أخطأت جدًا يا عزيزي!‬
‫رقي قناعته‬‫ورقـي عالمه ُّ‬ ‫ُّ‬ ‫ِد سـاعته ***‬ ‫سي ُ‬ ‫ُ‬
‫المؤمن الصديق ّ‬
‫فاعرف مكانك يا عزيزي!‬
‫ّ‬
‫سرهم بين ُ‬
‫التراب‬ ‫النسر في قلب الشباب *** لم يبحثوا عن ِّ‬ ‫روح ِّ‬
‫دب ُ‬‫لو َّ‬
‫إياك تيأس يا عزيزي!‬
‫برهان اإلله سرير ُته‬
‫ُ‬ ‫ّ‬
‫الصديق‬ ‫ُ‬
‫والمؤمن‬ ‫معرفة الفتى تغتا ُله وبصيرته ***‬ ‫ُ‬ ‫باليأس‬
‫ِ‬
‫فاربأ بنفسك يا عزيزي!‬
‫الشاهين ُع ُّش َك ليس في قصر الملوك لوكنت شاهين الجبال حقيقة ما أمسكوك‬
‫ً‬ ‫يا أيها َّ‬
‫لع ِّشك يا عزيزي!‬ ‫فارج ْع ُ‬
‫ِ‬
‫املطلب الرابع‪ :‬حتليل قصيدة (رسالة إىل شاب) للشاعر اهلندي حممد إقبال‪:‬‬
‫الشـاعر محمـد إقبـال‪ ،‬كمـا هـو معلـوم شـاعر إسلامي‪ ،‬ويظهـر ذلـك مـن شـعره‪ ،‬ومـن بيـن‬
‫ذلـك قصيدتـه التـي بيـن أيدينـا بعنـوان (رسـالة إلـى شـاب)‪ ،‬وهو ينصح الشـباب المسـلم بعدم‬
‫االغتـرار بالحضـارة الغربيـة‪.‬‬
‫فف�ي البي�ت األول‪ :‬أوضـح الشـاعر للشـاب المسـلم‪ ،‬أنـه حتـى لـو فـرش أرضيـة بيتـه بالسـجاد‬
‫الفاخـر‪ ،‬وملأ أرجـاء زوايـا بيتـه باألثـاث اإلنجليـزي األنيـق‪ ،‬غالـي الثمـن‪ ،‬والـذي ال يملكـه‬
‫إال األغنيـاء عـادة‪ ،‬فـكل ذلـك ال يفيـده‪ ،‬والشـاعر بنصحـه يدعـو إلـى عـدم تقليـد الغـرب‪،‬‬
‫واألعاجـم فـي كل عاداتهـم‪ ،‬والتـي تختلـف عـن عـادات المسـلمين‪ ،‬كمـا ال ننسـى ّ‬
‫أن الشـاعر‬
‫ـه لألثـاث فـي البيـت األول‬ ‫محمـد إقبـال‪ ،‬عاصـر االسـتعمار اإلنجليـزي لبلاده‪ ،‬وربمـا َو ْص ُف ُ‬
‫زجـر للشـباب عـن محـاكاة معيشـة المسـتعمر‪ ،‬وعـدم االنبهـار بهـا‪.‬‬ ‫باإلنجليـزي‪ ،‬هـو ْ‬
‫ويف البي�ت الثان�ي‪ :‬نصـح الشـاعر الشـاب المسـلم بأنـه مهمـا جمـع مـن أمـوال وثـروة طائلـة‪،‬‬
‫وأنفقهـا كمـا ينفقهـا الملـوك بتبذيـر وإسـراف‪ ،‬فـإن ذلـك مآله إلى زوال‪ ،‬ثم َع َّقب الشـاعر بقوله‬
‫إنـه يبكـي ألمـًا مـن أجـل الشـباب‪ ،‬الذيـن ال يدركـون حقيقـة الدنيـا الزائلـة‪.‬‬
‫ال للشـاب المسـلم بقوله‪ :‬هـل ذقت يوم ًا حلاوة اإليمان‪،‬‬ ‫ويف البي�ت الثال�ث‪ :‬طـرح الشـاعر سـؤا ً‬
‫والتـي ُت ْغنِـي عـن زخـارف الدنيـا وزينتهـا؟‪ ،‬ثـم يقـول‪ :‬هـل ذقـت شـجاعة حيدر‪َ ،‬‬
‫وق ْص ُد الشـاعر‬
‫هـل ذقـت شـجاعة الصحابـي الجليـل علـي بـن أبي طالب ـ رضـي اهلل عنه ـ إذ كان يكنى بحيدر‪،‬‬
‫وهـو اسـم مـن أسـماء األسـد‪ ،‬وهـل جربـت رضـا وقناعـة الصحابـي الجليـل سـلمان الفارسـي‪،‬‬
‫ولعـل الشـاعر يسـتدعي إرث الصحابـة الكـرام فـي الشـجاعة والقناعـة‪ ،‬ويدعـو الشـاب المسـلم‬
‫عقـب الشـاعر بقولـه‪( :‬ارحـم شـبابك يـا عزيـزي)‪ ،‬أي ال تتعـب نفسـك‪،‬‬ ‫لالقتـداء بهـم‪ ،‬ثـم ُي ِّ‬

‫(‪ ((1‬سيد عبد الماجد الغوري‪ ،‬ديوان محمد إقبال‪ ،‬ص‪.507‬‬

‫‪55‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫وجسـدك فـي غيـر طائـل‪ ،‬واعمـل مـن أجـل الحيـاة الحقيقيـة وهـي الحيـاة اآلخـرة‪.‬‬
‫ويف البي�ت الراب�ع‪ :‬أوصـى الشـاعر الشـاب المسـلم‪ ،‬بأنـه ال يمكـن أن يقيس ذاته‪ ،‬ونفسـه بسـلع‬
‫الحضـارة الغربيـة‪ ،‬فهـو أكبـر شـأنًا منهـا‪ ،‬وأنـه بسـعيه ورائهـا‪ ،‬ودفـع عمـره ووقتـه لنيلهـا‪ ،‬فهـو‬
‫مخطـئ فـي سـعيه ذاك‪ ،‬والبـد أن يتفطـن قبـل فـوات األوان‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫بذلـك‬
‫ويف البي�ت اخلام�س‪ :‬أوضـح الشـاعر للشـاب المسـلم‪ ،‬أن المؤمـن الصـادق المحافـظ على وعده‪،‬‬
‫ص مـن الشـاعر‪ ،‬علـى أهميـة الوقـت‪ ،‬والوعد فـي آن مع ًا‪ ،‬ثم‬ ‫هـو سـيد وقتـه ونفسـه‪ ،‬وذلـك ِح ْـر ٌ‬
‫إن رقـي القناعـة‪ ،‬هـو رقيـك فـي عالمـك‪ ،‬ثـم بعـد ذلك أوصى الشـباب‪،‬‬ ‫عطـف الشـاعر بقولـه‪َّ :‬‬
‫بـأن يعرفـوا مكانهـم‪ ،‬وموضعهـم الطبيعـي في هـذه الحياة‪.‬‬
‫ويف البي�ت الس�ادس‪ :‬ثـم نصـح الشـاعر الشـباب‪ ،‬بـأن ال ييأسـوا وعليهـم البحـث عـن روح‬
‫المعالـي‪ ،‬ففـي قولـه روح النسـر‪ ،‬كنايـة عـن طلـب العلـو واألمـور السـامية‪ ،‬وفـي قولـه‪( :‬بيـن‬
‫التـراب) مقابلـة بيـن العلـو‪ ،‬واالنخفـاض‪.‬‬
‫حذر الشـاعر الشـاب المسـلم‪ ،‬من أن اليأس مهلك لمعرفة الشـباب‪ ،‬ومثبط‬ ‫ويف البيت الس�ابع‪َّ :‬‬
‫ألحالمهـم‪ ،‬ووصفـه‪ ،‬بأنـه مغتـال لبصيرتهـم‪ ،‬ثـم يؤكد على أن المؤمن الصادق سـريرته واضحة‬
‫كالبرهـان الـذي أودعـه اهلل فـي نفـوس المؤمنيـن‪ ،‬ونصـح بالنـأي عـن اليأس والقنـوط‪ ،‬ونالحظ‬
‫أن الشـاعر كـرر فـي هـذا البيـت مـا ذكـره فـي البيـت الخامـس‪ ،‬وهـو قولـه‪( :‬المؤمـن الصديـق)‪،‬‬
‫اطب‪.‬‬ ‫الم َخ َ‬
‫وفـي ذلـك توكيـد إلبـراز هـذه الصفـة‪ ،‬وتقريرهـا في نفـس ُ‬
‫ويف البيت الثامن‪ :‬أوضح الشـاعر أن مكان الشـاب المؤمن الحر‪ ،‬ليس في قصور الملوك أو في‬
‫األماكـن التـي تقيـد حريتـه‪ ،‬وإنمـا محلـه فـي المكان أن يجد فيه حريته التـي ال يقيدها أحد‪،‬‬
‫واسـتعار لهـذا المعنـى بطائـر الشـاهين‪ ،‬وهـو نـوع مـن الصقـور الجارحـة التـي ال تبني ُع َّشـها إال‬
‫فـي أعالـي الجبـال الشـاهقة‪ ،‬ثـم قـال الشـاعر‪( :‬ارجـع لعشـك)‪ ،‬أي عليـك أيهـا الشـاب أن تعـرف‬
‫ـد َرك وتعـود ألصلـك‪ ،‬وال ترضـى إال بمعانقة المعالي‪.‬‬ ‫َق ْ‬
‫ومـن المالحـظ‪ ،‬تكـرار الشـاعر عنـد ختـام كل بيـت لجملـة‪( :‬يـا عزيـزي)‪ ،‬وهـذا تلطـف من‬
‫ـح بصيغـة األمـر‬ ‫ـل ُّ‬
‫الن ْص ِ‬ ‫وث َق َ‬
‫الشـاعر فـي نصحـه للشـباب‪ ،‬ليخفـف بذلـك أثـر نقـده لسـلوكهم ِ‬
‫التـي التزمهـا الشـاعر‪.‬‬
‫مـن خلال تحليـل القصيدتيـن‪ ،‬نجـد أن المعنـى العـام والرابـط المشـترك بيـن القصيدتيـن‬
‫هـو" قيمـة النصيحـة"‪ ،‬إال أنهـا فـي قصيـدة الشـاعر بـن عبـد القـدوس موجهـة إلـى الشـيب‪،‬‬
‫محـذرًا إياهـم مـن االغتـرار وطـول األمـل‪ ،‬وناصحـًا لهم بالتوبـة قبل فـوات األوان‪ ،‬ومذكرًا إياهم‬
‫بيـوم الحسـاب والجـزاء‪ ،‬بينمـا فـي قصيـدة إقبـال كانـت النصيحـة موجـة إلى الشـباب المسـلم‪،‬‬
‫محـذرًا إياهـم مـن االنبهـار بالحضـارة الغربيـة‪ ،‬وناصحـ ًا لهـم بالتمسـك بدينهـم واالقتـداء‬
‫بالصحابـة الكـرام‪ ،‬وحاثـ ًا لهـم بالبحـث عـن روح المعالـي وعـدم اليـأس‪.‬‬

‫اخلامتة والنتائج والتوصيات‪:‬‬


‫تم بحمد اهلل تحليل القصيدتين ونصل إلى نتائج المقارنة اآلتية‪:‬‬
‫أو ًال‪ :‬وجه املقارنة من الناحية الفنية‪:‬‬
‫مـن الواضـح تأثـر الشـاعر الهنـدي محمـد إقبـال بمدرسـة اإلحيـاء والبعـث‪ ،‬والتـي ُعـرف‬
‫نهجهـا بالسـير علـى ُخطـى الشـعر العربـي القديـم فـي بنـاء القصيـدة‪ ،‬كمـا اسـتحدثت هـذه‬
‫المدرسـة الكثيـر مـن األغـراض الشـعرية‪ ،‬كالشـعر الوطنـي واالجتماعـي‪ ،‬ومـا يـدل علـى تأثـر‬
‫الشـاعر إقبـال بالتوجـه الكالسـيكي فـي الشـعر القديـم‪ ،‬التزامـه بخصائـص هذا التوجـه‪ ،‬ومنها‬
‫السـير على خطى القدماء‪ ،‬ونلمس ذلك من نظم الشـاعر قصيدته على النهج العربي القديم‪،‬‬
‫ومـن ذلـك التقيـد بالبحـور الشـعرية المعروفـة‪ ،‬والتـزام القافيـة فـي كامـل القصيـدة فقـد نظم‬
‫قصيدتـه ُ‬
‫األ ْرد َّيـة علـى بحـر الهـزج‪ ،‬واسـتخدام الصـور البالغيـة والفنيـة واللغويـة فـي كثيـر‬

‫‪56‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫مـن أبيـات قصيدتـه‪ ،‬ومـن ذلـك اسـتخدامه للكنايـة فـي قولـه‪ (:‬لـو دب روح النسـر)‪ ،‬كنايـة عن‬
‫طلـب العلـو واألمـور السـامية‪ ،‬ثـم فـي نفـس البيـت ذكـر التـراب فـي قولـه‪( :‬يبحثـوا عـن سـرهم‬
‫بيـن التـراب)‪ ،‬وهـو بذلـك قابـل بيـن العلو واالنخفاض‪ ،‬وكذلك اسـتعان الشـاعر باالسـتعارة في‬
‫قوله‪ (:‬يأيها الشـاهين عشـك ليس في قصر الملوك )‪ ،‬اسـتعارة بالزم سـكنى الصقور في أعالي‬
‫الجبـال الشـاهقة‪ ،‬كمـا كـرر الشـاعر فـي البيـت السـابع مـا ذكـره فـي البيـت الخامس‪ ،‬وهـو قوله‪:‬‬
‫اطـب‪ ،‬كما‬‫الم َخ َ‬
‫(المؤمـن الصديـق )‪ ،‬وفـي ذلـك توكيـد إلبـراز هـذه الصفـة وتقريرهـا فـي نفـس ُ‬
‫اسـتخدم الشـاعر العباسـي ابـن عبدالقـدوس التشـبيه واالسـتعارة فـي البيتيـن األول والثانـي‪،‬‬
‫فقـد اسـتخدم الحبـل كاسـتعارة معنويـة وذلـك فـي قولـه‪ ( :‬صرمت حبالك بعـد وصلك زينب)‪،‬‬
‫وأيضـ ًا كنـى بالذوائـب عـن َ‬
‫الش ْـع ِر‪( :‬نشـرت ذوائبهـا )‪ ،‬واسـتعار َ‬
‫للش ْـيب بشـجر الثغـام األبيـض‪،‬‬
‫الـذي لـه ثمـر وزهـر أبيـض‪ ،‬وذلـك فـي قولـه‪( :‬ورأسـك كالثغامة أشـيب)‪.‬‬
‫ومـن خصائـص االتجـاه الكالسـيكي أيضـًا العقالنيـة‪ ،‬فقـد ابتعـد إقبـال عـن االنسـياق وراء‬
‫الخيـال‪ ،‬وابتعـد عـن التعابيـر المبالـغ فيهـا‪ ،‬وكذلـك الشـاعر ابـن عبدالقدوس‪ ،‬ومـن الخصائص‬
‫أيضـ ًا التعبيـر باللغـة المحليـة وهـو مـا التزمـه الشـاعر إقبال بكتابتـه لقصائده باللغـة األردية‬
‫المحليـة‪ ،‬وأيضـ ًا الشـاعر ابـن عبدالقـدوس الـذي كتـب قصيدتـه باللغة المحليـة العربية‪ ،‬ومن‬
‫الخصائـص الكالسـيكية أيضـًا القيـم األخالقيـة‪ ،‬ومـا يجسـد ذلـك موضـوع قصيـدة إقبـال التـي‬
‫بيـن أيدينـا‪ ،‬وهـو النصـح للشـباب المسـلم‪ ،‬وأيضـًا موضـوع قصيـدة الشـاعر ابن عبـد القدوس‪،‬‬
‫وهـو النصح للشـيب‪.‬‬
‫ّ‬
‫ولكـن ِذ ْك ُـر ُه عنـد الشـاعر ابـن عبـد القـدوس كان دعـوة‬ ‫وذكـر ٌّ‬
‫كل مـن الشـاعرين اليـأس‪،‬‬
‫لقطـع الرجـاء والطمـع‪ ،‬بينمـا وظـف الشـاعر إقبـال ِذ ْك ُـره لليـأس‪ ،‬فـي النهـي عـن الوقـوع فـي‬
‫مغبـة القنـوط الـذي هـو معـارض لقـوة اإليمـان‪ ،‬ومعرقـل للسـائر فـي طريـق طلـب المعالـي‪.‬‬
‫ومـن خلال المقارنـة بيـن القصيدتيـن‪ ،‬نـرى قضيـة التأثيـر والتأثـر قـد تجلـت مـن خلال‬
‫قضيـة النصـح واإلرشـاد‪.‬‬

‫ثانيًا‪ :‬أوجه االختالف‪:‬‬


‫‪1.‬اختلاف عصـر الشـاعرين‪ ،‬فالشـاعر العربـي ابـن عبـد القـدوس مـن شـعراء العصـر العباسـي‬
‫(ت ‪167‬هجـري)‪ ،‬أمـا الشـاعر الهنـدي إقبـال من شـعراء العصر الحديـث (ت‪1938‬م)‪ ،‬وهو‬
‫ذو توجـه كالسـيكي تأثـر بالشـعر العربـي القديـم مـن جميـع نواحيه‪.‬‬
‫‪2.‬اختلاف لغـة التعبيـر‪ ،‬فالشـاعر محمـد إقبـال نظم قصيدته باللغة المحلية للمسـلمين في‬
‫األرديـة‪ ،‬بينمـا الشـاعر العباسـي صالح بن عبد القـدوس نظم قصيدته‬ ‫الهنـد‪ ،‬وهـي اللغـة ُ‬
‫باللغـة المحلية العربية‪.‬‬
‫‪3.‬اختالف سـبب الشـاعرين‪ ،‬رغم وحدة الموضوع‪ ،‬فالسـبب الذي دفع الشـاعر الهندي محمد‬
‫إقبـال لنظـم قصيدتـه‪ ،‬هـو مشـاهدته لشـباب عصـره يتأثرون بالحضارة الغربية‪ ،‬والشـاعر‬
‫إقبـال كان معاصـرًا لالحتلال البريطانـي للهنـد‪ ،‬والحـظ انبهار الشـباب‪ ،‬وخاصة المسـلمين‬
‫منهـم‪ ،‬بتلـك الحضـارة‪ ،‬محاوليـن محـاكاة اإلنجليـز فـي طريقـة عيشـهم وأسـلوب حياتهـم‪،‬‬
‫ِيـن عـن حضارتهـم وثقافتهـم وعاداتهـم‪ ،‬أمـا الشـاعر العباسـي صالح ابـن عبد القدوس‬ ‫ُم َت َخّل َ‬
‫فـإن سـبب نظمـه لقصيدتـه‪ ،‬ومـا فيهـا مـن نصـح‪ ،‬هـو مشـاهدته للمسـلمين فـي عصـره‬
‫ينسـاقون وراء الدنيـا وزخرفهـا وينسـون اآلخـرة وحسـابها‪ ،‬وذلـك بعـد اختالطهـم بالعجـم‪،‬‬
‫واالنفتـاح علـى األمـم األخـرى‪ ،‬وانتشـار اللهـو والمجـون والتـرف فـي العصـر العباسـي‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬أوجه الشبه‪:‬‬
‫‪1.‬ممـا هـو واضـح‪ ،‬تأثيـر ديانـة الشـاعرين على شـعرهما‪ ،‬ويتجلى ذلك فـي التركيز على القيم‬
‫ِم ْي ِن‪.‬‬
‫األخالقية‪ ،‬فكال الشـاعرين ُم ْسل َ‬

‫‪57‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫‪2.‬وحـدة موضـوع القصيـدة‪ ،‬وهـو نصـح المسـلمين والدعوة إلى الزهد‪ ،‬وعـدم االغترار بزينة‬
‫ين أصحاب تجربة وخبـرة في الحياة‪.‬‬ ‫ين ُم ْش ِ‬
‫ـف َق ِ‬ ‫ِ‬
‫شـاع َر ِ‬ ‫الحيـاة الدنيـا ومتاعهـا الفانـي‪ ،‬من‬
‫‪3.‬العقالنية وعدم االنسياق وراء نزوات الخيال والتعابير المبالغ فيها‪.‬‬
‫التوصيات‪:‬‬
‫نوصـي بحاثنـا العـرب علـى التركيـز واالهتمـام بالـدرس المقـارن‪ ،‬لمـا لـه من أهميـة وقيمة‬
‫أدبيـة عاليـة‪ ،‬ومحاولـة إنشـاء مدرسـة عربيـة للأدب المقـارن‪ ،‬لهـا سـمتها‪ ،‬وخصوصيتها‪ ،‬التي‬
‫تميزهـا عـن بقيـة مـدارس هـذا الفن‪.‬‬

‫‪58‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫املصادر واملراجع‬
‫‪1‬أبـو العبـاس شـمس الديـن بـن خلـكان‪ ،‬وفيـات األعيـان وأنبـاء أبنـاء الزمـان‪ ،‬تحقيـق‪ :‬إحسـان عبـاس‪ ،‬بيـروت‪،‬‬ ‫‪.‬‬
‫الناشـر‪ :‬دار صـادر‪ ،‬مـج‪ ،2‬بـدون طبعـة‪ ،‬سـنة ‪1978‬م‪.‬‬
‫‪2‬أحمـد درويـش‪ ،‬نظريـة األدب المقـارن وتجلياتهـا فـي األدب العربـي‪ ،‬الناشـر‪ :‬دار غريـب للطباعـة والنشـر‪،‬‬ ‫‪.‬‬
‫القاهـرة‪ ،‬بـدون طبعـة‪ ،‬سـنة ‪2002‬م‪.‬‬
‫‪3 .‬رينيه ويليك‪ ،‬مفاهيم نقدية‪ ،‬ترجمة د‪ .‬محمد عصفور‪ ،‬الكويت‪ ،‬الناشر‪ :‬مطابع الرسالة‪ ،‬سنة ‪1987‬م‪.‬‬
‫‪4‬سعيد علوش‪ ،‬مدارس األدب المقارن‪ ،‬الناشر‪ :‬المركز الثقافي العربي‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬سنة ‪1987‬م‪.‬‬ ‫‪.‬‬
‫‪5‬سـيد عبـد الماجـد الغـوري‪ ،‬ديـوان محمـد إقبـال‪ ،‬دمشـق‪ ،‬الناشـر‪ :‬دار ابـن كثيـر للطباعـة والنشـر‪ ،‬ج‪ ،1‬الطبعـة‬ ‫‪.‬‬
‫الثالثـة‪ ،‬سـنة ‪2007‬م‪.‬‬
‫‪6 .‬عبـد هللا الخطيـب‪ ،‬ديـوان صالـح بـن عبـد القـدوس البصـري‪ ،‬بغـداد‪ ،‬الناشـر‪ :‬دار منشـورات البصـري‪ ،‬سـنة‬
‫‪1967‬م‪.‬‬
‫‪7‬عبـده عبـود‪ ،‬األدب المقـارن مشـكالت وآفـاق‪ ،‬الناشـر‪ :‬اتحـاد الكتـاب العـرب‪ ،‬دمشـق‪ ،‬بـدون طبعـة‪ ،‬سـنة‬ ‫‪.‬‬
‫‪1999‬م‪.‬‬
‫‪8 .‬علي بن محمد الجرجاني‪ ،‬التعريفات‪ ،‬الناشر‪ :‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬سنة ‪1983‬م‪.‬‬
‫‪9 .‬ماريـوس فرنسـوا جويـار‪ ،‬األدب المقـارن‪ ،‬ترجمـة د‪ .‬هنـري زغيـب‪ ،‬بيـروت‪ ،‬لبنـان‪ ،‬منشـورات عويـدات‪ ،‬الطبعة‬
‫الثانية‪ ،‬سـنة ‪.1988‬‬
‫ ‪10.‬محمـد غنيمـي هلال‪ ،‬األدب المقـارن‪ ،‬الناشـر‪ :‬نهضـة مصـر للطباعة والنشـر والتوزيع‪ ،‬الطبعة التاسـعة‪ ،‬سـنة‬
‫‪2008‬م‪.‬‬

‫‪59‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫الصوائت والصوامت الشائعة يف ديوان «يسكنين»‬


‫للشاعر عمر عبد الدائم‬
‫وكيفية تدريسها يف املناهج التعليمية‬
‫إعداد‪:‬‬
‫أ‪ .‬فاطمة دين حمد الجهيمي‬
‫قسم اللغة العربية ‪ -‬كلية اآلداب ‪ -‬جامعة سبها‬
‫القبول‪2023/6/28 :‬‬ ‫ ‬
‫االستالم‪2023/5/19 :‬‬

‫املستخلص‪:‬‬
‫عالـج لغويـو العـرب القدمـاء ظاهـرة الشـيوع فـي األصـوات‪ ،‬الحـروف والمفـردات والتراكيـب‬
‫منـذ القـرن الثالـث الهجـري‪ ،‬وكان الجاحـظ رائـد هـذه الفكـرة فـي التـراث العربـي األصيل‪ ،‬وقد‬
‫اللثغـة ُّ‬
‫واللكنـة عنـد أربـاب الـكالم والنحـل‪ .‬وتـم اعتمـاد مبدأ‬ ‫ناقشـها فـي حديثـه عـن مشـكلة ُّ‬
‫الشـيوع التالـي وهـو‪ :‬تكـرار الصـوت أكثـر مـن مـرة فـي الديـوان‪ .‬وهدفـت الدراسـة إلـى‪ :‬معرفـة‬
‫أكثـر الصوائـت والصوامـت شـيوعًا‪ ،‬لتيسـير سـبل تدريسـها للطلاب‪ ،‬وليسـتفيد منهـا مصممـو‬
‫المناهـج التعليميـة ليسـتثمروها فـي المقـررات الدراسـية؛ ألنهـا تـؤدي إلـى سـرعة تعلـم اللغـة‬
‫وإتقانهـا لـدى الطلاب‪ .‬وأهـم النتائـج التـي توصـل إليهـا البحـث‪ ،‬مـا يلـي‪ :‬إن األصـوات الصائتـة‬
‫األشـيع هـي‪ :‬األلـف‪ ،‬واليـاء‪ .‬واألصـوات الصائتـة الشـائعة هـي‪ :‬الـواو‪ ،‬وكانـت نسـبة شـيوعها‬
‫فـي الديـوان ‪ 32%‬تقريبـ ًا‪ .‬وأن األصـوات الصامتـة األشـيع هـي‪ :‬اللام‪ ،‬والتـاء‪ ،‬والنـون‪ ،‬والراء‪،‬‬
‫والميـم‪ ،‬والبـاء‪ .‬وإن األصـوات الصامتـة الشـائعة هـي‪ :‬العيـن‪ ،‬والفـاء‪ ،‬والـدال‪ ،‬والكاف‪ ،‬والسـين‪،‬‬
‫والشـين‪ ،‬والهـاء‪ ،‬والقـاف‪ ،‬والحـاء‪ .‬وأخيـرًا األصوات الصامتة قليلة الشـيوع هـي‪ :‬الطاء‪ ،‬والصاد‪،‬‬
‫والجيـم‪ ،‬الخـاء‪ ،‬والضـاد‪ ،‬والثـاء‪ ،‬والـزاي‪ ،‬والـذال‪ ،‬والظـاء‪ ،‬والغين‪ ،‬وكانت نسـبة شـيوعها جميع ًا‬
‫‪ 68%‬تقريبـ ًا‪ .‬ويجـب أن نقـدم األصـوات األكثـر شـيوع ًا فالشـائعة قبـل نـادرة الشـيوع وقليلهـا‬
‫فـي التدريـس‪ .‬وعلـى المعلميـن أال يتبنـوا طريقـة واحـدة فـي تعليـم الصوائـت والصوامت بل أن‬
‫ينوعـوا طرائـق التدريـس لكـي يصلـوا إلـى النتيجـة المرجـوة‪.‬‬
‫‪Summary:‬‬
‫‪The ancient Arab linguists dealt with the phenomenon of prevalence in‬‬
‫‪sounds, letters, vocabulary and structures since the third century AH. Al-Jahiz‬‬
‫‪was the pioneer of this idea in the authentic Arab heritage, and he discussed it in‬‬
‫‪his talk about the problem of lisp and accent among the masters of speech and‬‬
‫‪bee. The following common principle was adopted: the repetition of the sound‬‬
‫‪more than once in the Diwan. The study aimed to: Know the most common‬‬
‫‪vowels and consonants, in order to facilitate ways of teaching them to students,‬‬
‫‪and for educational curricula designers to benefit from them in order to invest‬‬
‫‪them in academic curricula; Because it leads to the speed of language learning‬‬
‫‪and mastery of students. The most important findings of the research are the‬‬
‫‪following: The most common consonants are: alif and yaa. The most common‬‬
‫‪vowel sounds are: waw, and its prevalence in the Diwan was approximately 32%.‬‬

‫‪60‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫‪The most common silent sounds are Lam, Taa, Noon, R, Meem, and Baa. The‬‬
‫‪common silent sounds are: ain, fa, dal, kaf, seen, shin, ha, qaf, and ha. Finally,‬‬
‫‪the silent sounds that are not very common are: Taa, Sad, Jaim, Khaa, Dhad,‬‬
‫‪Thaa, Zai, Dhaal, Dhaa, and Ghain, and their prevalence was approximately 68%.‬‬
‫‪We must present the most common and common sounds before the rare and‬‬
‫‪few in teaching. Teachers should not adopt a single method in teaching vowels‬‬
‫‪and silences, but rather diversify teaching methods in order to reach the desired‬‬
‫‪result.‬‬

‫املقدمة‪:‬‬
‫بـرزت فـي أوائـل القـرن العشـرين ظاهـرة شـيوع األصـوات‪ ،‬والكلمـات الشـائعة‪ ،‬والتراكيـب‬
‫اللغويـة الشـائعة‪ ،‬واسـتخدامها فـي مجـال تعليـم اللغـة ودراسـتها‪ .‬وقـام علمـاء اللغـة بالبحـث‬
‫فـي هـذه المسـألة‪ ،‬ويجـرون بحوثـ ًا ودراسـات كثيـرة‪ ،‬لتوظيفهـا فـي تيسـير تعليم اللغـة وتعلمها‬
‫ألهلهـا وغيرهـم مـن المتعلميـن‪ ،‬وأصبحـوا يعملـون قوائـم خاصـة مـن أجـل هـذا الميـدان لكـي‬
‫ييسـروا ويبسـطوا تعليـم اللغـة وتعلمهـا‪ ،‬خاصـة أن تكـرار المفـردات يفيـد فـي ثباتهـا وحفظهـا‬
‫وتمكينهـا فـي عقـول التالميـذ والطلاب‪ ،‬وهـذا يعبـد الطريـق علـى المتعلميـن وييسـره لتعلمهـا‬
‫واسـتخدامها فـي محادثاتهـم ومناقشـاتهم وحواراتهـم المسـتعملة(((‪ .‬ونجـد عالـم اللغة «عبده»‬
‫مـن الذيـن أبـرزوا هـذه المسـألة فـي القـرن العشـرين وعالجوهـا فـي منشـوراتهم حيـث يقـول(((‪:‬‬
‫«إن الكلمـات الشـائعة هـي مـن موضوعـات هـذا العصـر الحديث‪ .‬وقد ظهـر االهتمام بقوائم‬
‫المفـردات الشـائعة فـي اللغـة اإلنجليزيـة وغيرهـا مـن اللغـات العالميـة منـذ أوائـل هـذا القـرن‬
‫(فريـز ‪ .)Fries 1950‬وكان مـن أشـهر هـذه القوائـم‪ :‬قائمـة (ثورندايـك ‪Thorndike‬‬
‫‪ )1921‬التـي نشـرت فـي الواليـات المتحـدة عـام ‪ .1921‬ولقـد ظهـرت فـي اللغـة العربيـة‬
‫قوائـم كثيـرة كانـت أوالهـا‪ :‬قائمـة (بريـل عـام ‪ ،)1940‬ثـم ظهـرت قائمـة (بيلـي ‪)Bailey‬‬
‫بعـد ذلـك بحوالـي عشـر سـنوات‪ .‬وظهـرت بعـد ذلـك قائمـة عاقـل عـام ‪1953‬م‪ .‬وفـي عـام‬
‫‪ 1959‬ظهـرت قائمـة (النـداو ‪ .)Landau 1959‬ولقـد أحصـوا الكلمـات مـن الصحـف‬
‫اليوميـة والنثـر والكتـب التعليميـة فـي كل مـن الـدول العربية التالية‪ :‬مصر وفلسـطين وسـورية‬
‫والسـعودية واألردن ولبنـان والعـراق‪ .‬وكانـت الموضوعـات متنوعـة وكثيرة فـي هذا المجال‪ .‬وإلى‬
‫جانـب قوائـم المفـردات الشـائعة التـي أحصيـت من المواد المكتوبة‪ ،‬ظهـرت قوائم مفردات لغة‬
‫األطفـال التـي اسـتقيت مـن لغـة األطفـال المحكيـة‪ .‬وقـد كان الهـدف األساسـي مـن دراسـة لغـة‬
‫األطفـال معرفـة المفـردات الشـائعة فيهـا؛ لالسـتفادة مـن ذلـك فـي تحسـين الكتـب المدرسـية‪،‬‬
‫ومـواد القـراءة اإلضافيـة‪ ،‬والحكـم علـى كتـب األطفـال المسـتعملة‪ ،‬ومـن هـذه القوائـم قائمـة‬
‫رضـوان‪ ،‬وقائمـة الحسـون وهرمـز ‪1973‬م»‪.‬‬
‫ويـرى جاسـم‪ ،‬أن ظاهـرة الشـيوع لـم تكـن حديثـة فـي علـم اللغـة الحديـث‪ ،‬وال مـن بنـات‬
‫أفـكار العلمـاء األوربييـن فـي العصـر الحديث بل شـرحها لغويو العرب منـذ القرن الثالث الهجري‬
‫ومـا قبلـه تقريبـًا‪ ،‬واهتمـوا بهـا اهتمامـا واضحـ ًا فـي كتبهـم القيمـة(((‪ ،‬وسـنرى الحقـ ًا مـا يؤيـد‬
‫هـذا الزعم‪.‬‬
‫املبح�ث األول‪ :‬يتطـرق هـذا المبحـث إلـى الحديـث عـن الفقـرات التاليـة‪ ،‬وهـي‪ :‬مشـكلة‬
‫((( جاسـم‪ ،‬جاسـم علـي‪2015 .‬م‪ .‬المهـارات اللغويـة ومعايير جودتهـا‪ .‬الطبعة األولـى‪ ،‬القاهرة‪ :‬مركز إبصار للنشـر‬
‫والتوزيـع‪ ،‬وجـدة‪ :‬دار أمجـاد حنين للنشـر والتوزيـع‪ .‬ص‪ 41‬وما بعدها‪.‬‬
‫((( عبـده‪ ،‬داود عطيـة‪1979 .‬م‪ .‬المفـردات الشـائعة في اللغـة العربية‪ .‬الريـاض‪ :‬مطبوعات جامعـة الرياض‪ .‬ص‪ :‬ب‬
‫ومـا بعدها‪.‬‬
‫((( الجاحـظ‪1998 .‬م‪ .‬الجاحـظ‪ ،‬أبـو عثمـان عمـرو بـن بحـر‪1998 .‬م‪ .‬البيـان والتبييـن‪ .‬تحقيـق‪ :‬عبد السلام‬
‫محمـد هـارون‪ .‬الطبعـة السـابعة‪ ،‬مكتبـة الخانجـي بالقاهـرة‪ .‬ج‪ ،1‬ص‪ 22‬ومـا بعدها‪.‬‬

‫‪61‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫البحـث‪ ،‬وأسـئلته‪ ،‬وأهدافـه‪ ،‬وأهميتـه‪ ،‬ومنهجـه‪.‬‬


‫مشكلة البحث‪:‬‬
‫يحـاول هـذا البحـث معرفـة أي األصـوات‪ :‬الصوائـت أو الصوامت هي األكثر شـيوع ًا في ديوان‬
‫«يسـكنني(((» للشـاعر عمـر عبـد الدائـم‪ ،‬انطالقـًا مـن الفرضيـة التالية‪ ،‬وهي أن هناك عشـرة‬
‫أحـرف مـن حـروف العربيـة‪ ،‬ال يـكاد يخلـو منهـا اسـم شـخص‪ ،‬وهـي‪( :‬ا‪ ،‬ب‪ ،‬ح‪ ،‬ر‪ ،‬س‪ ،‬ل‪ ،‬م‪،‬‬
‫ن‪ ،‬هــ‪ ،‬ي)‪ ،‬لكـي نعـرف مقـدار شـيوعها وتكرارهـا‪ ،‬وذلـك لتسـهيل تعليـم األصـوات للطلاب إذا‬
‫واجهـوا مشـاكل فـي أثنـاء تعلمهـا‪ .‬وقـد تنـاول سـيبويه هـذه الصعوبـات والمشـكالت فـي كتابـه‬
‫حيـث يقـول(((‪« :‬يبدلـون مـن الحـرف الـذي بيـن الـكاف والجيـم‪ :‬الجيـم‪ ،‬لقربهـا منهـا‪ .‬ولـم‬
‫يكـن مـن إبدالهـا بـد؛ ألنهـا ليسـت مـن حروفهـم‪ .‬وذلـك نحـو الجريـز‪ ،‬واآلجـر‪ ،‬والجـورب‪ .‬وربمـا‬
‫أبدلـوا القـاف ألنهـا قريبـة أيضـ ًا‪ ،‬قـال بعضهـم‪ :‬قربـز‪ ،‬وقالـوا‪ :‬كربـق‪ ،‬وقربـق» ويبدلـون مـكان‬
‫آخـر الحـرف الـذي ال يثبـت فـي كالمهـم‪ ،‬إذا وصلـوا الجيـم وذلـك نحـو‪ :‬كوسـه‪ ،‬ومـوزه؛ ألن هـذه‬
‫الحـروف تبـدل وتحـذف فـي كالم الفـرس‪ ،‬همـزة مـرة ويـاء مـرة أخـرى‪ .‬فلمـا كان هـذا اآلخـر ال‬
‫يشـبه أواخـر كالمهـم صـار بمنزلـة حـرف ليـس مـن حروفهـم‪ .‬وأبدلـوا الجيـم؛ ألن الجيم قريبة‬
‫مـن اليـاء‪ ،‬وهـي مـن حـروف البـدل‪ .‬والهـاء قـد تشـبه اليـاء؛ وألن اليـاء أيضـًا قـد تقـع آخـرة‪.‬‬
‫فلمـا كان كذلـك أبدلوهـا منهـا كمـا أبدلوهـا مـن الـكاف‪ .‬وجعلـوا الجيـم أولـى؛ ألنهـا قـد أبدلـت‬
‫مـن الحـرف األعجمـي إلـى بيـن الـكاف والجيـم‪ ،‬فكانـوا عليهـا أمضـى‪ .‬وربما أدخلت القـاف عليها‬
‫كمـا أدخلـت عليهـا فـي األول‪ ،‬فأشـرك بينهمـا‪ ،‬وقـال بعضهـم‪ :‬كوسـق‪ ،‬وقالـوا‪ :‬كربـق‪ ،‬وقالـوا‬
‫قربـق‪ ...‬فالبـدل مطـرد فـي كل حـرف ليـس مـن حروفهـم‪ ،‬يبـدل منـه مـا قـرب منـه مـن حـروف‬
‫األعجمية»‪.‬‬
‫ً‬
‫قائلا‪ :‬بـأن متعلـم اللغـة الثانيـة يبـدل الحـرف‬ ‫إذًا‪ ،‬لقـد أشـار سـيبويه إلـى هـذا الموضـوع‬
‫الـذي ال يوجـد فـي لغتـه األم إلـى أقـرب حـرف لـه فـي المخـرج‪ .‬وهـذا دليـل علـى أن هنـاك‬
‫أصواتـًا شـائعة فـي لغـة مـا أكثـر مـن غيرهـا‪ ،‬وذلـك يجعـل تعلم بعـض األصوات أسـهل من بعض‪،‬‬
‫ويجـب التركيـز علـى األصـوات األكثـر شـيوعًا فـي بدايـة التعلـم لتسـهيل تعلـم اللغـة لـدى‬
‫المتعلميـن‪.‬‬
‫وقـد أسـهب الجاحـظ وأطنـب فـي هـذا المجـال‪ ،‬وبحـث مسـألة شـيوع الحـروف بطريقـة‬
‫دقيقـة وعلميـة أكثـر وضوحـ ًا مـن سـيبويه‪ ،‬وهـذا مـا سـنراه فيمـا بعـد فـي هـذا البحـث‪.‬‬
‫أ) أسئلة البحث‪:‬‬
‫يجيب البحث عن األسئلة التالية‪:‬‬
‫ً‬
‫‪1.‬ما األصوات األشيع والشائعة واألقل شيوعا في الديوان؟‬
‫‪2.‬ما األصوات التي ينبغي تقديمها وتأخيرها في المقررات الدراسية؟‬
‫‪3.‬ما الطريقة الناجعة لتعليم األصوات؟‬
‫ب) أهداف البحث‪:‬‬
‫يحاول البحث تحقيق األهداف التالية‪:‬‬
‫‪ 1.‬معرفـة أكثـر األصـوات شـيوعًا فـي الديـوان‪ ،‬ومحاولـة تعميمهـا والتركيـز عليهـا فـي أثنـاء‬

‫((( عبد الدائم‪ ،‬عمر‪2014 .‬م‪ .‬ديوان «يسكنني»‪ .‬ليبيا‪ :‬منشورات وزارة الثقافة‪.‬‬
‫((( سـيبويه‪1983 .‬م‪ .‬الكتـاب‪ .‬تحقيـق وشـرح‪ :‬عبـد السلام محمد هـارون‪ ،‬الطبعة الثالثـة‪ ،‬بيروت‪ :‬عالـم الكتب‪.‬‬
‫ج‪ ،4‬ص‪ .306-305‬وللمزيـد انظر‪،‬‬
‫‪ -‬ابـن جنـي‪ ،‬أبـو الفتـح عثمـان بن جنـي‪1992 .‬م‪ .‬سـر صناعة اإلعـراب‪ .‬دراسـة وتحقيق‪ :‬حسـن هنـداوي‪ .‬الطبعة‬
‫الثانيـة‪ ،‬دمشـق‪ :‬دار القلـم‪ .‬ج‪ ،1‬ص ‪.40-35‬‬

‫‪62‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫تعليمهـا قبـل األصـوات غيـر الشـائعة‪.‬‬


‫‪ 2.‬معرفة األصوات التي يجب تقديمها وتأخيرها في المقررات التعليمية‪.‬‬
‫‪3.‬إثراء مجال علم اللغة التطبيقي عامة‪ ،‬وموضوع شيوع األصوات خاصة‪.‬‬
‫‪ 4.‬إجـراء بحـوث إضافيـة علـى فنـون األدب األخـرى لمعرفـة أكثـر األصـوات شـيوع ًا‪ ،‬وبنـاء‬
‫بنـك صوتـي يفيـد منـه مصممـو المناهـج الدراسـية‪.‬‬
‫‪5.‬بيان الطرق الناجعة لتعليم األصوات‪.‬‬
‫ج) أهمية البحث‪:‬‬
‫تنبثق أهمية البحث مما يأتي‪:‬‬
‫‪1.‬تبسيط تعليم األصوات للطالب‪.‬‬
‫‪2.‬تسليط الضوء على األصوات الشائعة في تأليف المقررات التربوية‪.‬‬
‫‪3.‬تذليـل تدريـس العربيـة ونشـرها واسـتعمالها فـي الحيـاة العامة من خالل األصوات الشـائعة‬
‫عمومًا ‪.‬‬
‫د) منهج البحث‪:‬‬
‫اعتمـدت الباحثـة المنهـج الوصفـي التحليلـي لظاهـرة شـيوع الصوائـت والصوامـت فـي‬
‫الدراسـة‪ .‬وتـم اعتمـاد عينـة مختـارة – ديـوان يسـكنني ‪ -‬إلجـراء البحـث‪ .‬ووظفـت الباحثـة‬
‫النسـبة المئويـة فـي تحليـل المعلومـات إلحصـاء األصـوات‪ .‬وبعبـارة أخـرى‪ ،‬أن تكـرار الصـوت‬
‫فـي الديـوان يقسـم علـى حـاالت التكـرار العامـة لـكل األصـوات‪ ،‬وبعـد ذلـك نضربـه فـي مئـة‪،‬‬
‫لنسـتخرج نسـبته المئويـة‪ .‬وبمعنـى آخـر‪ ،‬إن شـيوع الصوائـت والصوامـت يكـون مـن خلال‬
‫تكرارهـا أكثـر مـن مـرة لـدى الشـاعر‪.‬‬
‫والمعادلة التالي تبين الطريقة اإلحصائية المتبعة في التحليل‪:‬‬

‫حاالت تكرار كل صوت‬


‫× ‪ =100‬النسبة المئوية ‪.%‬‬
‫حاالت التكرار العامة لألصوات‬
‫‪142‬‬
‫× ‪.10% =100‬‬
‫‪1468‬‬
‫والديـوان يتألـف مـن ‪ 30‬قصيـدة‪ ،‬ويقـع فـي ‪ 107‬صفحـات‪ ،‬وهـو مـن الشـعر الحـر «شـعر‬
‫التفعيلـة»‪ .‬وتـم تحليـل واعتمـاد أول بيتيـن مـع عنـوان القصيـدة فـي التحليـل واسـتخراج عدد‬
‫األصوات‪.‬‬
‫وهناك عدة مالحظات ينبغي التنويه إليها في أثناء تحليل األصوات‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫ـدت األلـف والهمـزة صوتـ ًا واحـدًا‪ ،‬نحـو‪ :‬هيـا‪ ...‬أطـل‪ ،‬فاأللـف األولـى غيـر مهمـوزة ُع َّدت‬
‫ ‪ُ -‬ع َّ‬
‫مـع صـوت األلف‪.‬‬
‫ ‪ُ -‬ع َّدت همزتا الوصل والقطع‪ ،‬واأللف الطويلة والمقصورة مع صوت األلف‪.‬‬
‫ ‪ُ -‬ع َّدت «أل التعريف» صوتين مستقلين‪ ،‬األلف صوت‪ ،‬والالم صوت آخر‪.‬‬
‫ ‪ُ -‬ع َّدت التاء المربوطة والمفتوحة صوتًا واحدًا‪.‬‬
‫ ‪ُ -‬ع َّدت الهمزة المكتوبة على الواو أو الياء ألف ًا‪.‬‬
‫ ‪ُ -‬ع َّد تنوين النصب مع حرف األلف‪.‬‬

‫‪63‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫ ‪ُ -‬ع َّدت النون المشددة حرفًا واحدًا حسب رسمها اإلمالئي‪.‬‬


‫ ‪ُ -‬ع َّدت حركة المد حرف ًا واحدًا‪.‬‬
‫املبح�ث الثان�ي‪ :‬يتطـرق هـذا المبحـث إلـى الحديـث عـن أدبيـات البحـث‪ ،‬وتـم توزيعـه إلـى‬
‫مطلبيـن‪ ،‬همـا‪ :‬المطلـب األول‪ :‬ظاهـرة شـيوع األصـوات فـي التـراث العربـي القديـم‪ .‬المطلـب‬
‫الثانـي‪ :‬األبحـاث السـابقة‬
‫املطلب األول‪ :‬ظاهرة شيوع األصوات يف الرتاث العربي القديم‪:‬‬
‫إن ظاهـرة الشـيوع فـي األصـوات والمفـردات والتراكيـب هـي ظاهـرة موجـودة فـي تراثنـا‬
‫ً‬
‫وأصيلا فـي كتبهم‪.‬‬ ‫األدبـي القديـم‪ ،‬حيـث بحثهـا حيـث بحثهـا اللغويـون القدامـى بحثـًا عميقـًا‬
‫وبيـن‬ ‫ّ‬
‫ورائـد هـذه الظاهـرة هـو اللغـوي واألديـب الكبيـر‪ :‬الجاحـظ‪ ،‬وهـو أول مـن بنـه إليهـا‪َّ ،‬‬
‫أهميتهـا‪ ،‬واهتـم بهـا اهتمامـًا ملموسـ ًا فـي بيانـه وتبيينـه‪ .‬وأن هـذا الموضـوع لـم يكـن جديـدًا‬
‫ألبتـة فـي علـم اللغـة‪ ،‬حيـث شـرح هـذه الظاهـرة ووضـح أسسـها بقولـه(((‪:‬‬
‫أشـد ‪[ -‬الحـروف هـي‪:‬‬‫الحـروف أكثـر َتـردادًا مـن غيرهـا‪ ،‬والحاجـة إليهـا ّ‬‫َ‬ ‫«‪ُ ...‬ي ْز َعـم أن هـذه‬
‫رسـائل‪ ،‬وعـدة خطـب مـن جملـة خطـب النـاس‬ ‫َ‬ ‫واعت ِب ْـر ذلـك بـأن تأخـذ ِع َّ‬
‫ـدة‬ ‫َ‬ ‫ر‪ ،‬ي‪ ،‬ل‪ ،‬أ] ‪-‬‬
‫وعددت كل شـكل على ِح َدة‪ ،‬علمت أن هذه‬ ‫ْ‬ ‫حروفها‪،‬‬ ‫جميـع‬ ‫علـى‬ ‫لـت‬
‫َ‬ ‫ص‬ ‫ح‬
‫َ َّ‬ ‫متـى‬ ‫َـك‬‫ورسـائلهم‪ ،‬فإ ّن‬
‫الحـروف الحاجـة إليها ّ‬
‫أشـد»‪.‬‬ ‫َ‬
‫حـروف تـدور فـي أكثـر كالمهـا كنحـو‬ ‫ٌ‬ ‫لغـة‬
‫ٍ‬ ‫قائلا ‪« :‬ولـكل‬
‫(((‬ ‫ً‬ ‫ويضيـف الجاحـظ إلـى ذلـك‬
‫اسـتعمال الـروم للسـين‪ .‬واسـتعمال الجرامقـة للعيـن»‪.‬‬
‫وبعبارة أدق‪ ،‬عندما تشـيع المفردات‪ ،‬وتترابط‪ ،‬وتتالحم‪ ،‬وتكون سـهلة المخارج‪ ،‬وتنسـجم‬
‫مـع بعـض‪ ،‬وتكـون غيـر متنافـرة فيمـا بينهـا؛ فإنها تسـير على كل لسـان‪ ،‬وكأنهـا حرف واحد‪.‬‬
‫ويشـرح ذلـك الجاحـظ بقولـه(((‪« :‬وأجـود الشـعر مـا رأيتـه متالحـم األجـزاء‪ ،‬سـهل‬
‫وس ِـبك سـبكًا واحـدًا‪ ،‬فهـو يجـري علـى‬ ‫فتعلـم بذلـك أنـه قـد ُأفـرغ إفراغـ ًا واحـدًا‪ُ ،‬‬ ‫ُ‬ ‫المخـارج‪،‬‬
‫وأجزاء البيت من الشـعر‪،‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫الدهان»‪ .‬ويقول أيض ًا‪ ...« :‬وكذلك حروف الكالم‬ ‫اللسـان كما يجري ِّ‬
‫ُّ‬
‫تشـق‬ ‫تراها متفقة ُملسـًا‪ ،‬ولينة المعاطف سـهلة؛ وتراها مختلفة متباينة‪ ،‬ومتنافرة مسـتكرهة‪،‬‬
‫ـده‪ .‬واألخـرى تراهـا سـهلة لينـة‪ ،‬ورطبـة متواتيـة‪ ،‬سلسـة النظـام‪ ،‬خفيفـة‬ ‫علـى اللسـان ُ‬
‫وتك ُّ‬
‫علـى اللسـان؛ حتـى كأن البيـت بأسـره كلمـة واحـدة‪ ،‬وحتـى كأن الكلمـة بأسـرها حـرف واحـد»‪.‬‬
‫وهنـاك جملـة مـن الشـروط التـي يجـب أن تتوفـر فـي ظاهـرة شـيوع الكلمـات والحـروف‪،‬‬
‫هـي‪ :‬االتفـاق والتآلـف والتالحـم والسـهولة والخفـة علـى اللسـان وغيـر متنافـرة البيـان‪ .‬ويوجـز‬
‫الجاحـظ ذلـك فـي اآلتـي(((‪:‬‬
‫« فأمـا فـي اقتـران الحـروف‪ :‬فـإن الجيـم ال تقـارن الظـاء‪ ،‬وال القـاف‪ ،‬وال الطـاء‪ ،‬وال الغيـن‪،‬‬
‫بتقديـم وال بتأخيـر‪ .‬والـزاي ال تقـارن الظـاء‪ ،‬وال السـين‪ ،‬وال الضـاد‪ ،‬وال الـذال‪ ،‬بتقديـم وال‬
‫دل بـه علـى الغايـة التـي إليها‬ ‫سـت ُّ‬
‫بتأخيـر‪ .‬وهـذا بـاب كبيـر‪ .‬وقـد يكتفـي بذكـر القليـل حتـى ُي َ‬
‫جر ى»‪.‬‬
‫ُي َ‬
‫ً‬
‫ويضـرب لنـا الجاحـظ عـددا مـن الشـواهد علـى شـيوع بعـض الكلمـات والحـروف عنـد بعـض‬
‫باللثغـة وغيرهـا مـن أمـراض اللسـان‪ ،‬ويصـف لنـا لسـان واصـل بـن عطاء‬ ‫النـاس الذيـن يتميـزون ُّ‬
‫بقوله(‪:((1‬‬

‫((( الجاحظ‪ .‬المصدر السابق‪ .‬ج‪ ،1‬ص‪22‬‬


‫((( الجاحظ‪ .‬المصدر السابق‪ .‬ج‪ ،1‬ص‪.64‬‬
‫((( الجاحظ‪ .‬المصدر السابق‪ .‬ج‪ ،1‬ص‪.67‬‬
‫((( الجاحظ‪ .‬المصدر السابق‪ .‬ج‪ ،1‬ص‪.69‬‬
‫(‪ ((1‬الجاحظ‪ .‬المصدر السابق‪ .‬ج‪ ،1‬ص‪.19-16‬‬

‫‪64‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫شـنف مـن يقتلـه‪.‬‬ ‫الم َّ‬ ‫ِ‬


‫الملحـد ُ‬ ‫«قـال واصـل بـن عطـاء عندمـا هجـاه بشـار‪َ :‬أ َمـا لهـذا األعمـى‬
‫بع ُج بطنـه على مضجعه‪،‬‬ ‫ُ‬
‫لبعثـت إليـه من َي َ‬ ‫سـج َّي ٌة مـن سـجايا الغاليـة‪،‬‬‫الغ َيلـة ِ‬ ‫أمـا واهلل لـوال أن ِ‬
‫يلـي أو َس ُد ّ‬
‫وسـي‪.‬‬ ‫ويقتلـه فـي جـوف منزلـه وفـي يـوم َح ْفلـه‪ ،‬ثـم كان ال يتولـى ذلـك منـه إال ُع َق ٌّ‬ ‫ُ‬
‫الق َفـاري‪ :‬قـال أبـو حفـص عمـر‬ ‫وعبـد الكريـم بـن روح ِ‬ ‫ُ‬ ‫ُّ‬
‫األنصـاري‪،‬‬ ‫وقـال إسـماعيل بـن محمـد‬
‫بـن أبـي عثمـان الشـمري‪ :‬أال تريـان كيـف تجنـب الـراء فـي كالمـه هـذا وأنتمـا للـذي تريـان مـن‬
‫تظنـان به التكلف‪ .‬مع امتناعـه من حرف كثير الدوران في‬ ‫سلامته وقلـة ظهـور التكلـف فيـه ال ُ‬
‫ف‬ ‫َّ‬
‫المشـن َ‬ ‫رعـث‪ ،‬جعـل‬ ‫والم َّ‬
‫الـكالم‪ .‬أال تريـان أنـه حيـن لـم يسـتطع أن يقـول‪ :‬بشـار‪ ،‬وابـن بُـرد‪ُ ،‬‬
‫الغيلة سـجية من سـجايا الغالية‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ال مـن الكافـر؛ وقـال‪ :‬لـوال أن‬ ‫والملحـد بـد ً‬
‫ِ‬ ‫المرعـث‪،‬‬‫َّ‬ ‫بـد ً‬
‫ال مـن‬
‫المغير َّيـة؛ لمـكان الـراء؛ وقـال‪ :‬لبعثـت مـن يبعـج بطنـه‪ ،‬ولـم يقـل‪:‬‬ ‫ولـم يذكـر المنصوريـة وال ُ‬
‫الب َّـر قـال‪:‬‬
‫ألرسـلت إليـه؛ وقـال‪ :‬علـى مضجعـه‪ ،‬ولـم يقـل‪ :‬علـى فراشـه‪ .‬وكان إذا أراد أن يذكـر ُ‬
‫القمـح أو الحنطـة‪ .‬والحنطـة لغـة كوفيـة‪ ،‬والقمـح لغـة شـامية‪ .‬هـذا وهـو يعلـم أن لغة من قال‬
‫ُـر‪ ،‬أفصـح مـن لغـة مـن قـال قمـح أو حنظة‪.‬‬ ‫بّ‬
‫وقال أبو ذؤيب الهذلي‪:‬‬
‫الب ّر مكنو ُز‬
‫ُ‬ ‫وعندي‬ ‫الحتي‬
‫ِّ‬ ‫رف‬ ‫ِ‬
‫ق‬ ‫نازلهم‬ ‫ُ‬
‫أطعمت‬ ‫ِي إن‬‫ال َد َّر ّد ّر َ‬
‫(القرف‪ :‬القشر‪ .‬الحتي‪ :‬سويق المقل)»‪.‬‬
‫وينبـه الجاحـظ إلـى موضـوع «البيئـة»‪ ،‬والتـي لها أثر كبير في شـيوع المفـردات والحروف‪،‬‬ ‫ّ‬
‫فـي بلـد دون غيـره‪ .‬كمـا أننـا نجـد االختلاف فـي اسـتعمال األلفـاظ عنـد أهل الكوفـة والبصرة‬
‫والشـام ومصـر وغيرها مـن األمصار‪.‬‬
‫وهناك جملة من األسباب لشيوع الكلمات والحروف نذكر منها اآلتي‪:‬‬
‫ ‪-‬يستخف الناس بعض األلفاظ ويستعملونها كثيرًا‪.‬‬
‫ ‪-‬يستعمل عامة الناس أقل اللغتين في أصل اللغة‪.‬‬
‫اللثغة من أسباب شيوع المفردات األقل فصاحة في اللغة‪.‬‬ ‫ ‪-‬وتعد ُّ‬
‫ويوضح هذه األسباب بقوله ‪:‬‬
‫(‪((1‬‬

‫وغيرها أحق بذلك منها‪ .‬أال ترى أن اهلل تبارك‬ ‫ُ‬ ‫«وقد يسـتخف الناس ألفاظ ًا ويسـتعملونها‬
‫المد ِقـع والعجز‬
‫ْ‬ ‫وتعالـى لـم يذكـر فـي القـرآن الجـوع إال فـي مواطـن العقـاب أو فـي موضـع الفقـر‬
‫ـغب ويذكـرون الجـوع فـي حـال القـدرة والسلامة‪ .‬والعامة وأكثر‬ ‫الس َ‬‫الظاهـر‪ .‬والنـاس ال يذكـرون َّ‬
‫ولفـظ القـرآن الـذي عليـه نـزل أنـه إذا ذكـر‬ ‫ُ‬ ‫الخاصـة ال يفصلـون بيـن ذكـر المطـر وذكـر الغيـث‪.‬‬
‫األبصـار لـم يقـل األسـماع‪ ،‬وإذا ذكـر سـبع سـماوات لـم يقـل األرضيـن‪ .‬أال تـراه ال يجمـع األرض‬
‫غيـر ذلـك‪ ،‬ال يتفقـدون مـن األلفاظ ما‬ ‫ُ‬ ‫أرضيـن‪ ،‬وال السـمع أسـماعًا‪ .‬والجـاري علـى أفـواه العامـة‬
‫بعـض القـراء أنـه لم يجـد ذكر لفـظ النكاح في‬ ‫ُ‬ ‫هـو أحـق بالذكـر وأولـى باالسـتعمال‪ .‬وقـد زعـم‬
‫القـرآن إال فـي موضـع التزويـج‪ .‬والعامـة ربمـا اسـتخفت أقـل اللغتين وأضعفهما‪ ،‬وتسـتعمل ما هو‬
‫وتـد ُع مـا هـو أظهـر وأكثـر‪ ،‬ولذلـك صرنـا نجـد البيـت مـن الشـعر‬ ‫ال َ‬ ‫أقـل فـي أصـل اللغـة اسـتعما ً‬ ‫ُّ‬
‫أجـود منه‪ ،‬وكذلـك المثل السـائر‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫قـد سـار ولـم يسـر مـا هـو‬
‫قال قطرب‪ :‬أنشدني ضرار بن عمرو قول الشاعر في واصل بن عطاء‪:‬‬
‫ويجعل البر قمحًا في تصرفه وجانب الراء حتى احتال للشعر‬
‫ولم يطق مطرًا والقول يعجله فعاذ بالغيث إشفاق ًا من المطر‬
‫الب ّـري‪ :‬كيـف كان واصـل يصنـع فـي العـدد‪ ،‬وكيـف كان يصنـع بعشـرة‬ ‫قـال‪ :‬وسـألت عثمـان ُ‬
‫وعشـرين وأربعيـن‪ ،‬وكيـف كان يصنـع بالقمـر والبـدر ويـوم األربعـاء وشـهر رمضـان‪ ،‬وكيـف كان‬

‫(‪ ((1‬الجاحظ‪ .‬المصدر السابق‪ .‬ج‪ ،1‬ص‪.22-20‬‬

‫‪65‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫يصنـع بالمحـرم وصفـر وربيـع األول وربيـع اآلخـر وجمـادى اآلخـرة ورجـب؟‬
‫قول إال ما قال صفوان‪:‬‬ ‫فقال‪ :‬مالي فيه ٌ‬
‫اب آفاق‬ ‫ُ‬
‫خواطره َج ّو ُ‬ ‫َج ٌّم‬ ‫ملقن َ‬
‫مله ٌم فيما يحاوله‬ ‫َّ‬
‫ديسم قال‪ :‬أنشدني أبو محمد اليزيدي‪:‬‬ ‫ٌ‬ ‫وأنشدني‬
‫ِ‬
‫اللـفــظ فـي الالمـات واأللـف‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫كـخ َلـة‬ ‫ُ‬
‫وخ َلة اللفظ في الياءات إن ذ ِك َرت‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ف‬‫والص ُح ِ‬
‫ُّ‬ ‫ول‬ ‫َ‬
‫الق‬ ‫في‬ ‫ها‬ ‫مواقع‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫فاعرف‬ ‫خافيـة‬
‫ٍ‬ ‫غيـر‬
‫ُ‬ ‫فيـها‬ ‫اء‬ ‫الـر‬
‫َّ‬ ‫ــة‬‫ل‬‫َ‬ ‫وخص‬
‫ْ‬
‫فهـذه الكلمـات والحـروف أكثـر تـردادًا مـن غيرهـا عنـد المصابيـن بأمـراض كالميـة غالبـ ًا‪،‬‬
‫والحاجـة إليهـا ّ‬
‫أشـد»‪.‬‬
‫ونجـد ابـن منظـور أيضـ ًا قـد بحـث فـي مسـألة الحـروف الشـائعة‪ ،‬وقسـمها إلـى ثالثـة‬
‫(‪((1‬‬

‫أقسـام‪ :‬كثيـرة التـردد‪ ،‬وهـي‪ :‬أ‪ ،‬ل‪ ،‬م‪ ،‬هــ‪ ،‬و‪ ،‬ي‪ ،‬ن‪ .‬ومتوسـطة التـردد‪ ،‬وهـي‪ :‬ر‪ ،‬ع‪ ،‬ف‪ ،‬ت‪ ،‬ب‪،‬‬
‫ك‪ ،‬د‪ ،‬س‪ ،‬ق‪ ،‬ح‪ ،‬ج‪ .‬وقليلـة التـردد‪ ،‬وهـي‪ :‬ظ‪ ،‬غ‪ ،‬ط‪ ،‬ز‪ ،‬ث‪ ،‬خ‪ ،‬ض‪ ،‬ش‪ ،‬ص‪ ،‬ذ‪.‬‬
‫كمـا أن اللغـوي الشـهير السـيوطي(‪ ((1‬أشـار إلـى هـذه المسـألة عـن الحـروف الشـائعة التـي‬
‫يكثـر اسـتعمالها عنـد العـرب «وهـي األلـف والـواو والهمـزة»‪ .‬وتطـرق كذلـك أيضـًا الحديـث عـن‬
‫ُّ‬
‫تخـف و َت ْث ُقـل بحسـب‬ ‫التراكيـب الشـائعة فـي اللغـة العربيـة؛ حيـث يقـول(‪« :((1‬فـإن الكلمـة‬
‫االنتقـال مـن حـرف إلـى حـرف ال يالئمـه ُقربـًا أو بُعـدًا‪ ،‬فـإن كانـت الكلمـة ثالثيـة فتراكيبهـا‬
‫ال مـا انحـدر فيـه مـن األعلـى إلى‬ ‫اثنـا عشـر‪ ...‬فاعلـم أن أحسـن هـذه التراكيـب وأكثرهـا اسـتعما ً‬
‫الوسـط إلـى األدنـى‪ ،‬ثـم مـا انتقـل فيـه مـن األوسـط إلـى األدنى إلـى األعلى‪ ،‬ثم مـن األعلى إلى‬
‫انتقـل فيه‬ ‫األدنـى إلـى األوسـط‪ .‬وأمـا مـن انتقـل فيـه مـن األدنـى إلـى األوسـط إلـى األعلـى‪ ،‬ومـا ُ‬
‫مـن األوسـط إلـى األعلـى إلـى األدنـى فهمـا ِس َّـيان فـي االسـتعمال‪ ،‬وإن كان القيـاس يقتضـي أن‬
‫ال ما‬ ‫أرج َحهمـا مـا انتقـل فيـه مـن األوسـط إلـى األعلـى إلـى األدنـى‪ .‬وأقـل الجميـع اسـتعما ً‬ ‫يكـون َ‬
‫انتقـل فيـه مـن األدنـى إلـى األعلـى إلـى األوسـط»‪.‬‬
‫ونـرى العصيلـي مـن علمـاء اللغـة المحدثيـن الذيـن تناولـوا هـذه الظاهـرة وأشـار إلـى أن‬
‫األصـوات الشـائعة فـي معظـم لغـات العالـم تكتسـب قبـل غيـر الشـائعة أو قليلـة الشـيوع‪ ،‬مهمـا‬
‫كانـت لغـة الطفـل أو بيئتـه‪ ،‬أي أن هنـاك عالقـة إيجابيـة بيـن درجـة شـيوع الصـوت فـي لغـات‬
‫العالـم‪ ،‬واكتسـابه فـي مرحلـة مبكـرة فـي لغـة معينـة‪ ...‬وتبيـن لبعـض الباحثيـن أن الصوامـت‬
‫األماميـة المهموسـة‪ ،‬واألصـوات األنفيـة‪ ...‬أكثـر األصـوات شـيوع ًا فـي اللغـات‪ ،‬وأنهـا تكتسـب‬
‫فـي مرحلـة مبكـرة‪ ،‬وأن الصوامـت االنفجاريـة الخلفيـة (الطبقيـة) أقـل شـيوعًا مـن االنفجارية‬
‫األماميـة‪.((1( ...‬‬
‫وذكـر جاسـم فـي بحثـه‪ ،‬أنـه جاءتـه رسـالة علـى البريـد اإللكترونـي؛ حـول الحـروف التـي‬
‫يكثـر دورانهـا علـى ألسـنة النـاس‪ ،‬وهنـا نوردهـا كمـا رواهـا(‪« :((1‬هنـاك عشـرة أحـرف مـن أصـل‬
‫ثمانيـة وعشـرين حرفـ ًا باللغـة العربيـة‪ ،‬يسـتحيل أن يوجـد اسـم إلنسـان عربـي ال يحتـوي‬

‫(‪ ((1‬ابن منظور‪ .‬ب‪ .‬ت‪ .‬معجم لسان العرب‪ .‬القاهرة‪ :‬المطبعة األميرية ببوالق‪ .‬ص‪:‬س‪ .‬وانظر أيضاً‪:‬‬
‫‪ -‬خياط‪ ،‬يوسف ومرعشلي‪ ،‬نديم‪ .‬ب‪.‬ت‪ .‬لسان العرب المحيط‪ .‬بيروت‪ :‬دار لسان العرب‪.‬‬
‫(‪ ((1‬السـيوطي‪ ،‬عبـد الرحمـن جلال الديـن‪1986 .‬م‪ .‬المزهـر فـي علوم اللغـة وأنواعها‪ .‬شـرحه وضبطـه وصححه‬
‫وعنـون موضوعاتـه وعلـق حواشـيه محمـد أحمـد جـاد المولى بـك وغيـره‪ .‬صيدا‪-‬بيـروت‪ :‬المكتبـة العصريـة‪ .‬ج‪،1‬‬
‫ص‪.195‬‬
‫(‪ ((1‬السيوطي‪ .‬المصدر السابق‪ .‬ج‪.329-328 ،1‬‬
‫(‪ ((1‬العصيلـي‪2006 .‬م‪ .‬العصيلـي‪ ،‬عبدالعزيـز بن إبراهيـم‪1427 .‬هـ ‪2006‬م‪ .‬علم اللغة النفسـي‪ .‬الطبعة األولى‪،‬‬
‫الريـاض‪ :‬جامعة اإلمام محمد بن سـعود اإلسلامية‪ ،‬عمـادة البحث العلمـي‪ .‬ص‪.228-226‬‬
‫(‪ ((1‬جاسـم‪ ،‬جاسـم علـي‪2015 .‬م‪ .‬المهـارات اللغويـة ومعايير جودتها‪ .‬الطبعـة األولى‪ ،‬القاهرة‪ :‬مركز إبصار للنشـر‬
‫والتوزيـع‪ ،‬وجـدة‪ :‬دار أمجاد حنين للنشـر والتوزيـع‪ .‬ص‪ 41‬وما بعدها‪.‬‬

‫‪66‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫علـى أحـد هـذه الحـروف‪ ،‬وهـي‪« :‬ب‪ ،‬س‪ ،‬م‪ ،‬ا‪ ،‬ل‪ ،‬هــ‪ ،‬ر‪ ،‬ح‪ ،‬ن‪ ،‬ي»‪َ .‬ج ِّربُـوا‪ ،‬ومهمـا حاولتـم‬
‫ً‬
‫قليلا تجـدون‬ ‫لـن تجـدوا أبـدًا أي اسـم عربـي ال يحتـوي علـى أحـد هذه الحـروف‪ .‬دققـوا فيهـا‬
‫الحـروف هـي آيـة‪﴿ :‬بسـم اهلل الرحمـن الرحيـم﴾‪ .‬فسـبحان اهلل العظيم الذي أعجز البشـر حتى‬
‫بالحروف»‪.‬‬
‫وبإيجـاز‪ ،‬يبـدو لنـا مـن األهميـة بمـكان أن نهتـم بدراسـة مسـألة شـيوع األصـوات والكلمـات‬
‫والتراكيـب‪ ،‬ليفيـد منهـا مصممـو المناهـج التعليمية من أجل اسـتثمارها وتوظيفها في المقررات‬
‫الدراسـية؛ وذل لجعـل التعلـم أيسـر وأبسـط وأسـرع‪ ،‬وكمـا أنهـا تسـاعد الطلاب علـى الحفـظ‬
‫والتذكـر‪ ،‬وأنهـا تثبـت فـي عقولهـم أكثـر‪.‬‬
‫املطلب الثاني‪ :‬األحباث السابقة‪:‬‬
‫هنـاك عـدة أبحـاث تناولـت ظاهـرة شـيوع الحـروف‪ /‬األصـوات فـي اللغـة العربيـة‪ ،‬ومنهـا مـا‬
‫يلي ‪:‬‬
‫دراسة‪ :‬اخلولي‪ ،‬حممد علي‪1990 .‬م ‪.‬‬
‫(‪((1‬‬

‫قـام الدكتـور الخولـي بإجـراء دراسـة علـى مسـألة شـيوع األصـوات‪ ،‬مـن خلال اختيـار‬
‫خمسـمئة سـطر مـن مئـة كتـاب حديـث النشـر‪ ،‬بواقـع خمسـة أسـطر مـن كل كتـاب‪ .‬وأخـذت‬
‫األسـطر الخمسـة مـن خمسـة مواضـع مختلفـة مـن الكتـاب الواحـد‪ ،‬بواقـع سـطر واحـد مـن‬
‫كل صفحـة مـن الصفحـات (‪ .)50 ،40 ،30 ،20 ،10‬وتـم اختيـار السـطر األول مـن تلـك‬
‫الصفحـات‪ ،‬ولقـد روعـي أن تكـون الكتـب متنوعـة فـي موضوعاتهـا حتـى تكـون العينـات اللغوية‬
‫غيـر متحيـزة لموضـوع معيـن‪ ،‬ولكـي ترتفـع درجـة تمثيـل العينـات للغـة عمومـًا‪ ،‬كمـا روعـي أن‬
‫تكـون الكتـب بالعربيـة الفصيحـة‪ .‬وانتهـى إلـى النتائـج التاليـة‪:‬‬
‫‪ .‬أتترتب األصوات العربية تنازليًا حسب شيوعها في النصوص اللغوية كما يلي‪:‬‬
‫فتحة قصيرة‪ ،‬كسرة قصيرة‪ ،‬ل‪ ،‬فتحة طويلة‪ ،‬ت‪ ،‬ضمة قصيرة‪ ،‬ن‪ ،‬م‪ ،‬ء‪ ،‬ي‪ ،‬ر‪ ،‬و‪ ،‬ع‪ ،‬ه‪،‬‬
‫ب‪ ،‬كسرة طويلة‪ ،‬د‪ ،‬ف‪ ،‬س‪ ،‬ك‪ ،‬ق‪ ،‬ح‪ ،‬ج‪ ،‬ضمة طويلة‪ ،‬ط‪ ،‬ص‪ ،‬ذ‪ ،‬ث‪ ،‬خ‪ ،‬غ‪ ،‬ش‪ ،‬ض‪ ،‬ظ‪ ،‬ز‪.‬‬
‫‪.‬بتترتـب األصـوات العربيـة مـن حيـث كيفيـات النطـق حسـب شـيوعها تنازليـ ًا‪ ،‬كمـا يلـي‪:‬‬
‫صائـت‪ ،‬وقفـي‪ ،‬احتكاكـي‪ ،‬أنفـي‪ ،‬جانبـي‪ ،‬انزالقـي‪ ،‬تكـراري‪ ،‬مزجـي‪.‬‬
‫‪ .‬جتترتب األصوات العربية من حيث مكان النطق تنازلي ًا حسب شيوعها كما يلي‪:‬‬
‫لثوي‪ ،‬شـفتاني‪ ،‬أسـناني‪ ،‬حنجري‪ ،‬حلقي‪ ،‬غاري‪ ،‬طبقي‪ ،‬شـفوي‪ ،‬أسـناني‪ ،‬بيأسـناني‪ ،‬لثوي‬
‫غاري‪.‬‬
‫األصـوات المجهـورة أشـيع مـن األصـوات المهموسـة والصوائـت المجهـورة أشـيع مـن الصوامـت‬
‫المجهورة‪.‬‬
‫‪ .‬دتترتـب األصـوات المهموسـة تنازليـ ًا حسـب شـيوعها‪ ،‬هكـذا‪ :‬ت‪ ،‬ء‪ ،‬ه‪ ،‬ف‪ ،‬س‪ ،‬ك‪ ،‬ق‪ ،‬ح‪،‬‬
‫ط‪ ،‬ص‪ ،‬ث‪ ،‬خ‪ ،‬ش‪.‬‬
‫‪ .‬هتترتب األصوات المجهورة تنازلي ًا حسـب شـيوعها‪ ،‬هكذا‪ :‬فتحة قصيرة‪ ،‬كسـرة قصيرة‪ ،‬ل‪،‬‬
‫فتحـة طويلـة‪ ،‬ضمـة قصيـرة‪ ،‬ن‪ ،‬م‪ ،‬ي‪ ،‬ر‪ ،‬و‪ ،‬ع‪ ،‬ب‪ ،‬كسـرة طويلـة‪ ،‬د‪ ،‬ج‪ ،‬ضمـة طويلـة‪،‬‬
‫ذ‪ ،‬غ‪ ،‬ض‪ ،‬ظ‪ ،‬ز‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ .‬و تترتب الوقفيات تنازليا حسب شيوعها‪ ،‬هكذا‪ :‬ت‪ ،‬ء‪ ،‬ب‪ ،‬د‪ ،‬ك‪ ،‬ق‪ ،‬ط‪ ،‬ض‪.‬‬
‫‪ .‬ز تترتـب االحتكاكيـات تنازليـ ًا حسـب شـيوعها‪ ،‬هكـذا‪ :‬ع‪ ،‬ه‪ ،‬ف‪ ،‬س‪ ،‬ح‪ ،‬ص‪ ،‬ذ‪ ،‬ث‪ ،‬خ‪ ،‬غ‪،‬‬
‫ش‪ ،‬ظ‪ ،‬ز‪.‬‬

‫(‪ ((1‬الخولـي‪ ،‬محمـد علـي‪1990 .‬م‪ .‬األصـوات اللغويـة النظـام الصوتـي للغـة العربيـة‪ .‬عمـان‪ :‬دار الفالح للنشـر‬
‫والتوزيـع‪ .‬ص ‪.156-114‬‬

‫‪67‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫‪ .‬ح تترتـب الصوائـت تنازليـًا حسـب شـيوعها‪ ،‬هكـذا‪ :‬فتحـة قصيـرة‪ ،‬كسـرة قصيـرة‪ ،‬فتحـة‬
‫طويلـة‪ ،‬ضمـة قصيـرة‪ ،‬كسـرة طويلـة‪ ،‬ضمـة طويلـة‪.‬‬
‫‪.‬ط الصوائـت القصيـرة أشـيع مـن الطويلـة‪ ،‬وغيـر المدورة أشـيع من المدورة‪ ،‬والعالية أشـيع من‬
‫كل من الوسـطية والمنخفضة‪ ،‬والمركزية أشـيع من كل من األمامية والخلفية‪.‬‬
‫‪ .‬يلقـد تطابـق تصنيـف هـذه الدراسـة لشـيوع األصـوات مـع تصنيـف ابـن منظـور فـي خمسـة‬
‫وعشـرين صوتـ ًا‪ ،‬واختلـف عنهـا فـي ثالثـة رغـم الفـروق فـي المـواد اللغويـة موضـع التحليـل‪.‬‬
‫‪.‬كيوجـد ترتيـب ذو داللـة إحصائيـة بيـن مراتب الشـيوع لألصوات في هذه الدراسـة‪ ،‬ومراتب‬
‫الشـيوع في كل من دراسـة موسـى األولى والثانية‪.‬‬
‫‪ .‬لتوجـد عالقـة موجبـة قويـة بيـن شـيوع الصـوت وسـهولة نطقـه‪ ،‬فكلمـا كان نطـق الصـوت‬
‫أسـهل‪ ،‬ازداد شـيوعه فـي معظـم الحـاالت‪ ،‬وكلمـا كان نطقـه أصعـب‪ ،‬قـل شـيوعه فـي معظـم‬
‫الحاالت‪.‬‬
‫دراسات‪ :‬موسى‪ ،‬علي حلمي‪1971 .‬م‪1972 ،‬م‪1972 ،‬م‪.‬‬
‫أجـرى عالـم اللغـة موسـى ثلاث دراسـات مـن أجـل إحصـاء الجـذور الثالثيـة وغيـر الثالثية‬
‫فـي مفـردات اللغـة العربيـة كمـا وردت فـي معجمـي الصحـاح للجوهـري‪ ،‬ولسـان العـرب البـن‬
‫منظـور‪ .‬حيـث أحصـى الحـروف الصامتـة (السـاكنة) فـي شـكلها الكتابي غير المشـكول‪ ،‬اعتمادًا‬
‫علـى جـذور الكلمـات‪ .‬ومـن النتائـج مـا يلـي‪ :‬إن حـرف الـراء حصـل علـى المرتبـة األولـى فـي‬
‫دراسـاته‪ ،‬ثـم اللام والميـم‪ ،‬وكان آخرهـا شـيوعًا هـو حـرف الـذال‪.‬‬
‫دراسة‪ :‬جاسم‪ ،‬جاسم علي‪2015 .‬م(‪.((1‬‬
‫كان هدف الدراسـة هو‪ :‬معرفة أكثر الحروف شـيوع ًا في سـورة العلق‪ ،‬وذلك لتسـهيل تعليم‬
‫األصـوات لغيـر الناطقيـن بالعربيـة‪ ،‬وإلفـادة مصممـي المناهـج التعليميـة في توظيـف الحروف‬
‫ال فـي سـرعة تعلـم اللغة واكتسـابها من‬‫األكثـر دورانـ ًا فـي المقـررات الدراسـية؛ ألن لهـا أثـرًا فعـا ً‬
‫قبـل المتعلميـن‪ .‬ومـن النتائـج التـي توصـل إليهـا مـا يلـي‪ :‬األحـرف األشـيع‪ ،‬هـي‪ :‬أ‪ ،‬ل‪ ،‬ن‪ ،‬ي‪.‬‬
‫واألحـرف الشـائعة‪ ،‬هـي‪ :‬ت‪ ،‬ر‪ ،‬ب‪ ،‬م‪ ،‬ع‪ .‬والحـروف قليلـة الشـيوع‪ ،‬هـي‪ :‬ك‪ ،‬س‪ ،‬ق‪ ،‬هــ‪ ،‬د‪،‬‬
‫و‪ ،‬خ‪ ،‬ذ‪ ،‬ص‪ ،‬ط‪ ،‬ج‪ ،‬غ‪ ،‬ف‪ ،‬ز‪ .‬وأخيـرًا‪ ،‬األحـرف التـي لـم يـرد ذكرهـا فـي السـورة هـي‪ :‬ث‪ ،‬ح‪،‬‬
‫ش‪ ،‬ظ‪ ،‬ض‪.‬‬
‫أوجه االختالف مع الدراسات السابقة‪:‬‬
‫تختلـف الدراسـة الحاليـة عـن الدراسـات السـابقة‪ ،‬فـي كونهـا تبحـث في ديوان شـعري‪ ،‬وهو‬
‫ديـوان‪« :‬يسـكنني»‪ .‬أمـا الدراسـات السـابقة فاعتمـدت علـى القـرآن الكريـم‪ ،‬وجـذور المعاجـم‬
‫والكتـب الحديثـة‪ .‬كمـا أنهـا تختلـف عـن دراسـة الخولـي أيضـ ًا فـي أنهـا لـم تبحـث فـي الحـركات‬
‫اإلعرابيـة نظـرًا ألن الديـوان غيـر مشـكول أيضـ ًا‪.‬‬
‫أوجه االتفاق مع الدراسات السابقة‪:‬‬
‫تتفق هذه الدراسة مع الدراسات القديمة في دراسة األصوات والحروف الشائعة‪.‬‬

‫(‪ ((1‬جاسـم‪ ،‬جاسـم علـي‪2015 .‬م‪ .‬المهـارات اللغويـة ومعايير جودتها‪ .‬الطبعـة األولى‪ ،‬القاهرة‪ :‬مركز إبصار للنشـر‬
‫والتوزيـع‪ ،‬وجـدة‪ :‬دار أمجاد حنين للنشـر والتوزيـع‪ .‬ص‪ 41‬وما بعدها‪.‬‬

‫‪68‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫املبحث الثالث‪ :‬املناقشة والتحليل‪:‬‬


‫يعـرض الجـدول اآلتـي حـاالت تكـرار األصـوات التـي وردت فـي الديـوان مـع بيـان نسـبة‬
‫الشـيوع والتكـرار‪.‬‬
‫جدول رقم (‪ )1‬األصوات الصائتة والصامتة وتكراراتها والنسبة المئوية‬

‫النسبة المئوية‬ ‫التكرار‬ ‫النوع‬ ‫م‬

‫‪32‬‬ ‫‪469‬‬ ‫الصوائت‬ ‫‪1‬‬

‫‪68‬‬ ‫‪999‬‬ ‫الصوامت‬ ‫‪2‬‬

‫‪100%‬‬ ‫‪1468‬‬ ‫‪3‬‬ ‫المجموع‬

‫تبيـن لنـا مـن خلال الجـدول أعلاه‪ ،‬أن الصوائـت حـازت علـى نسـبة ‪ % 32‬وهـي نسـبة‬ ‫ّ‬
‫كبيـرة مقارنـة مـع الصوامـت‪ ،‬وهـي ثلـث النسـب تقريبـ ًا‪ ،‬وهـذا يدلـل علـى أهميـة الصوائـت فـي‬
‫تعليـم اللغـة‪ ،‬وأنـه البـد مـن تعليمهـا فـي جميـع الصوامـت لكـي تسـهل عليهـم القـراءة فـي أثناء‬
‫تعلـم األصـوات العربيـة‪ .‬وبلغـت نسـبة الصوامـت جميعهـا ‪ 68%‬تقريبـًا مـن المجمـوع الكلـي‬
‫لألصـوات‪ ،‬وهـي تعـادل الثلثيـن تقريبـًا‪.‬‬
‫جدول رقم (‪ )2‬الصوائت وتكراراتها والنسبة المئوية‬

‫النسبة المئوية‬ ‫التكرار‬ ‫الصوائت‬ ‫م‬

‫‪19‬‬ ‫‪279‬‬ ‫أ‬ ‫‪1‬‬

‫‪8‬‬ ‫‪116‬‬ ‫ي‬ ‫‪2‬‬

‫‪5‬‬ ‫‪74‬‬ ‫و‬ ‫‪3‬‬

‫‪32%‬‬ ‫‪469‬‬ ‫‪3‬‬ ‫المجموع‬

‫تبيـن لنـا مـن خلال الجـدول أعلاه‪ ،‬أن األصـوات األشـيع هـي‪ :‬األلـف‪ ،‬واليـاء‪ .‬واألصـوات‬
‫ّ‬
‫الشـائعة هي‪ :‬الواو‪ .‬واحتل صوت األلف المرتبة األولى في كال النوعين‪ :‬الصوائت والصوامت‪.‬‬
‫وحـاز علـى نسـبة ‪ 19%‬تقريبـ ًا مـن المجمـوع العـام لألصـوات‪ .‬وتلاه صـوت اليـاء بنسـبة ‪8%‬‬
‫تقريبـًا‪ ،‬ثـم الـواو فـي آخـر القائمـة‪ ،‬وحصـل علـى نسـبة ‪ 5%‬تقريب ًا‪.‬‬

‫‪69‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫جدول رقم (‪ )3‬الصوامت وتكراراتها والنسبة المئوية‬

‫النسبة المئوية‬ ‫التكرار‬ ‫الصوامت‬ ‫م‬


‫‪10‬‬ ‫‪142‬‬ ‫ل‬ ‫‪1‬‬
‫‪7‬‬ ‫‪102‬‬ ‫ت‬ ‫‪2‬‬
‫‪6‬‬ ‫‪91‬‬ ‫ن‬ ‫‪3‬‬
‫‪6‬‬ ‫‪82‬‬ ‫ر‬ ‫‪4‬‬
‫‪4‬‬ ‫‪66‬‬ ‫م‬ ‫‪5‬‬
‫‪4‬‬ ‫‪59‬‬ ‫ب‬ ‫‪6‬‬
‫‪3‬‬ ‫‪51‬‬ ‫ع‬ ‫‪7‬‬
‫‪3‬‬ ‫‪50‬‬ ‫ف‬ ‫‪8‬‬
‫‪3‬‬ ‫‪44‬‬ ‫د‬ ‫‪9‬‬
‫‪3‬‬ ‫‪42‬‬ ‫ك‬ ‫‪10‬‬
‫‪3‬‬ ‫‪37‬‬ ‫س‬ ‫‪11‬‬
‫‪3‬‬ ‫‪36‬‬ ‫ش‬ ‫‪12‬‬
‫‪3‬‬ ‫‪36‬‬ ‫هــ‬ ‫‪13‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪34‬‬ ‫ق‬ ‫‪14‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪33‬‬ ‫ح‬ ‫‪15‬‬
‫‪1‬‬ ‫‪20‬‬ ‫ط‬ ‫‪16‬‬
‫‪1‬‬ ‫‪17‬‬ ‫ص‬ ‫‪17‬‬
‫‪1‬‬ ‫‪15‬‬ ‫ج‬ ‫‪18‬‬
‫‪0.75‬‬ ‫‪10‬‬ ‫خ‬ ‫‪19‬‬
‫‪0.50‬‬ ‫‪8‬‬ ‫ض‬ ‫‪20‬‬
‫‪0.50‬‬ ‫‪7‬‬ ‫ث‬ ‫‪21‬‬
‫‪0.50‬‬ ‫‪7‬‬ ‫ز‬ ‫‪22‬‬
‫‪0.25‬‬ ‫‪4‬‬ ‫ذ‬ ‫‪23‬‬
‫‪0.25‬‬ ‫‪3‬‬ ‫ظ‬ ‫‪24‬‬
‫‪0.25‬‬ ‫‪3‬‬ ‫غ‬ ‫‪25‬‬
‫المجموع‬
‫‪68%‬‬ ‫‪999‬‬ ‫‪25‬‬
‫العام‬

‫اتضـح مـن خلال الجـدول أعلاه‪ ،‬أن الصوامـت األشـيع هـي‪ :‬اللام‪ ،‬والتـاء‪ ،‬والنـون‪ ،‬والـراء‪،‬‬
‫والميـم‪ ،‬والبـاء‪ ،‬وحصلـت علـى نسـبة مـا بيـن‪ 4% -10 :‬تقريبـ ًا‪.‬‬
‫والصوامـت الشـائعة هـي‪ :‬العيـن‪ ،‬والفـاء‪ ،‬والدال‪ ،‬والكاف‪ ،‬والسـين‪ ،‬والشـين‪ ،‬والهـاء‪ ،‬والقاف‪،‬‬
‫والحـاء‪ ،‬وحصلـت علـى نسـبة ما بيـن‪ 2% -3 :‬تقريب ًا‪.‬‬
‫والصوامـت قليلـة الشـيوع هـي‪ :‬الطـاء‪ ،‬والصـاد‪ ،‬والجيـم‪ ،‬الخـاء‪ ،‬والضـاد‪ ،‬والثـاء‪ ،‬والـزاي‪،‬‬
‫والـذال‪ ،‬والظـاء‪ ،‬والغيـن‪ ،‬وحصلـت علـى نسـبة مـا بيـن‪ 0.25% -1 :‬تقريبـ ًا‪.‬‬

‫‪70‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫مقارنة نتائج البحث احلالي مع البحوث السابقة‪:‬‬


‫يبيّـن لنـا الجـدول التالـي األصـوات األكثـر شـيوع ًا‪ ،‬والشـائعة‪ ،‬وقليلـة الشـيوع‪ ،‬فـي كل مـن‬
‫الدراسـة الحاليـة والدراسـات التـي سـبقتها‪.‬‬
‫جدول رقم (‪ )4‬مقارنة نتائج شيوع األصوات في البحث الحالي والبحوث السابقة‬

‫األصوات قليلة الشيوع‬ ‫األصوات الشائعة‬ ‫األصوات األشيع‬ ‫الحالة‬

‫ط‪ ،‬ص‪ ،‬ج‪ ،‬خ‪ ،‬ض‪ ،‬ث‪ ،‬ز‪،‬‬ ‫و‪ ،‬ع‪ ،‬ف‪ ،‬د‪ ،‬ك‪ ،‬س‪ ،‬ش‪،‬‬ ‫الدراسة‬
‫أ‪ ،‬ل‪ ،‬ي‪ ،‬ت‪ ،‬ن‪ ،‬ر‪ ،‬م‪ ،‬ب‬
‫ذ‪ ،‬ظ‪ ،‬غ‬ ‫هــ‪ ،‬ق‪ ،‬ح‬ ‫الحالية‬

‫ك‪ ،‬س‪ ،‬ق‪ ،‬ه‪ ،‬د‪ ،‬و‪ ،‬خ‪ ،‬ذ‪،‬‬ ‫دراسة‬


‫ت‪ ،‬ر‪ ،‬ب‪ ،‬م‪ ،‬ع‬ ‫أ‪ ،‬ل‪ ،‬ن‪ ،‬ي‬
‫ص‪ ،‬ط‪ ،‬ج‪ ،‬غ‪ ،‬ف‪ ،‬ز‬ ‫جاسم‬

‫ظ‪ ،‬غ‪ ،‬ط‪ ،‬ز‪ ،‬ث‪ ،‬خ‪ ،‬ض‪،‬‬ ‫ت‪ ،‬ر‪ ،‬ب‪ ،‬ع‪ ،‬ف‪ ،‬ك‪ ،‬د‪،‬‬ ‫دراسة ابن‬
‫أ‪ ،‬ل‪ ،‬ن‪ ،‬ي م‪ ،‬هـ‪ ،‬و‪،‬‬
‫ش‪ ،‬ص‪ ،‬ذ‬ ‫س‪ ،‬ق‪ ،‬ح‪ ،‬ج‬ ‫منظور‬

‫ط‪ ،‬ص‪ ،‬ذ‪ ،‬ث‪ ،‬خ‪ ،‬غ‪ ،‬ش‪،‬‬ ‫ب‪ ،‬ع‪ ،‬هـ‪ ،‬د‪ ،‬ف‪ ،‬س‪ ،‬ك‪،‬‬ ‫دراسة‬
‫ء‪ ،‬ل‪ ،‬ن‪ ،‬ي ت‪ ،‬م‪ ،‬ر‪ ،‬و‬
‫ض‪ ،‬ظ‪ ،‬ز‬ ‫ق‪ ،‬ح‪ ،‬ج‬ ‫الخولي‬

‫تـم اعتمـاد مبـدأ الشـيوع التالـي‪ :‬وهـو أن يتكـرر الصـوت أكثـر مـن مـرة فـي الديـوان‪ .‬ومـن‬
‫خلال المقارنـة أعلاه‪ ،‬بيـن نتائـج الدراسـة الحاليـة ودراسـات جاسـم وابـن منظـور والخولـي‪،‬‬
‫نسـتنتج أن نتائـج هـذه الدراسـة تتفـق مـع الدراسـات السـابقة وتختلـف معهـا فيمـا يلـي‪:‬‬
‫مواطن االتفاق‪:‬‬
‫األصـوات األشـيع‪ ،‬تتفـق الدراسـة الحاليـة مـع الدراسـات السـابقة فـي أصـوات «أ‪ ،‬ل‪ ،‬ن‪ ،‬ي‪،‬‬
‫م‪ ،‬ت‪ ،‬ر»‪ ،‬باإلضافـة إلـى أن الدراسـات السـابقة تحتـوي علـى أصـوات أخـرى غيـر التـي توصلت‬
‫إليهـا الدراسـة الحالية‪.‬‬
‫األصـوات الشـائعة‪ ،‬تتفـق الدراسـة الحاليـة مـع نتائـج غالبيـة الدراسـات السـابقة‪ ،‬فـي‬
‫األصوات التالية‪ ،‬وهي‪« :‬ع‪ ،‬ف‪ ،‬د‪ ،‬ك‪ ،‬س‪ ،‬هـ‪ ،‬ق‪ ،‬ح»‪ .‬ويوجد في الدراسـات السـابقة أصوات‬
‫أخـرى غيـر هـذه التـي وجـدت فـي الدراسـة الحاليـة‪.‬‬
‫األصـوات قليلـة الشـيوع‪ ،‬تتفـق الدراسـة الحاليـة مـع نتائـج بعـض الدراسـات السـابقة فـي‬
‫األصـوات التاليـة‪ ،‬وهـي‪« :‬ط‪ ،‬ص‪ ،‬ج‪ ،‬خ‪ ،‬ض‪ ،‬ث‪ ،‬ز‪ ،‬ذ‪ ،‬ظ‪ ،‬غ»‪.‬‬
‫مواطن االختالف‪:‬‬
‫األصـوات األشـيع‪ ،‬تختلـف نتائـج الدراسـة الحاليـة مـع الدراسـات السـابقة فـي أصـوات «ء‪،‬‬
‫ب»‪.‬‬
‫األصـوات الشـائعة‪ ،‬تختلـف الدراسـة الحاليـة مـع نتائـج غالبيـة الدراسـات السـابقة فـي‬
‫األصـوات التاليـة‪ ،‬وهـي‪« :‬و‪ ،‬ش»‪.‬‬
‫األصوات قليلة الشيوع‪ ،‬لم يلحظ أي اختالف هنا في هذه الحالة‪.‬‬
‫ويمكـن أن نعـزو السـبب فـي االختلاف فـي األصـوات الشـائعة إلـى طبيعـة الديـوان والعينـة‬
‫المنتقـاة منه‪.‬‬

‫‪71‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫اخلامتة‪:‬‬
‫مـن خلال مـا تـم عرضـه وبيانـه وشـرحه فـي الدراسـات السـابقة‪ ،‬وجدنا أن مسـألة الشـيوع‬
‫لـم تكـن جديـدة فـي علـم اللغـة التطبيقـي‪ ،‬لقـد بحثهـا علماءنـا القدمـاء منـذ القـرن الثانـي‬
‫وضـح أسسـها‪ ،‬وبسـط‬ ‫للهجـرة ومـا بعـده‪ ،‬وإن الجاحـظ هـو رائـد هـذا الميـدان حقيقـة‪ ،‬وقـد ّ‬
‫القـول فيهـا بسـط ًا وافيـًا‪ ،‬وتلاه ابـن منظـور والسـوطي وغيرهم من العلماء الكبـار‪ .‬ويؤيد البحث‬
‫الفرضيـة التـي تـم عرضهـا فـي مشـكلة البحـث‪ ،‬وهي أن األصوات التاليـة‪« :‬ا‪ ،‬ب‪ ،‬ح‪ ،‬ر‪ ،‬س‪ ،‬ل‪،‬‬
‫م‪ ،‬ن‪ ،‬هــ‪ ،‬ي» كانـت كثيـرة الشـيوع وشـائعة فـي البحـث‪.‬‬
‫وقمنا بتقسـيم درجات الشـيوع في هذا البحث إلى ثالث مراتب‪ ،‬اسـتنادًا إلى تكرار الصوت‬
‫أكثـر مـن مـرة فـي الديـوان؛ لنعرف درجة شـيوعه من عدمهـا‪ .‬ونوجز ذلك فيما يلي‪:‬‬
‫ ‪-‬مرتبـة األصـوات الصائتـة األشـيع‪ ،‬هـي‪ :‬أ‪ ،‬ي‪ ،‬وبلغـت نسـبة شـيوعها هـي‪ 19% :‬و ‪8%‬‬
‫علـى التوالـي‪ ،‬واألصـوات الصائتـة الشـائعة هـي صـوت‪ :‬الـواو ونسـبته ‪ % 5‬تقريبـ ًا‪.‬‬
‫ ‪-‬مرتبة األصوات الصامتة‪ ،‬ونوجزها في اآلتي‪:‬‬
‫●إن الصوامـت األشـيع هـي‪ :‬اللام‪ ،‬والتـاء‪ ،‬والنـون‪ ،‬والراء‪ ،‬والميم‪ ،‬والباء‪ ،‬وكانت نسـبتها‬
‫مـا بيـن‪ 4% -10 :‬تقريبًا‪.‬‬
‫●والصوامـت الشـائعة هـي‪ :‬العيـن‪ ،‬والفـاء‪ ،‬والـدال‪ ،‬والـكاف‪ ،‬والسـين‪ ،‬والشـين‪ ،‬والهـاء‪،‬‬
‫والقـاف‪ ،‬والحـاء‪ ،‬وبلغـت علـى نسـبة مـا بيـن‪ 2% -3 :‬تقريبـ ًا‪.‬‬
‫●والصوامـت قليلـة الشـيوع هـي‪ :‬الطـاء‪ ،‬والصاد‪ ،‬والجيم‪ ،‬الخاء‪ ،‬والضـاد‪ ،‬والثاء‪ ،‬والزاي‪،‬‬
‫والـذال‪ ،‬والظـاء‪ ،‬والغيـن‪ ،‬وجاءت نسـبتها ما بين‪ 0.25% -1 :‬تقريب ًا‪.‬‬
‫ال هي‬‫وبإيجـاز‪ ،‬يمكننـا القـول‪ :‬إن األصـوات التـي يجـب أن تقـدم فـي المناهـج التعليميـة أو ً‬
‫ال وخاصـة فـي الوحـدات التعليميـة األولـى‪ ،‬ثـم قليلـة الشـيوع‬ ‫األصـوات األشـيع والشـائعة أو ً‬
‫ونادرتهـا فـي آخـر المقـرر التعليمـي للطلاب‪ ،‬ويمكـن أن يعلم الصوت الصامت مـع نظيره الصائت‬
‫لسـهولة النطـق بـه فـي أول األمـر ثـم الصوامـت مـع بعضهـا فيمـا بعد‪.‬‬
‫وهنـاك مسـألة ذكرهـا جاسـم وآخـران‪ ،‬وهـي أنـه علـى مصممـي المناهـج الدراسـية‪ ،‬عندمـا‬
‫ـذ أن يطلبـوا مـن الطلاب كتابـة عناويـن الموضوعـات‬ ‫ينـوون تأليـف الكتـب التعليميـة؛ ُي َح َّب ُ‬
‫ال‪ :‬عن‬‫ال‪ ،‬ثـم يكتبـون المحـاورات أو المقـاالت عنها‪ ،‬مث ً‬ ‫والمحـاورات التـي يرغبـون فـي تعلمهـا أو ً‬
‫بلدانهـم ومشـاعرهم وعاداتهـم وأفراحهـم وغيرهـا‪ ،‬مـن أجـل التعـرف علـى األصـوات والكلمـات‬
‫والتراكيـب الشـائعة فـي تعابيرهـم اإلنشـائية‪ ،‬ثـم يتـم توظيفهـا واسـتثمارها فـي المناهـج التي‬
‫ـد لهـم‪ ،‬وذلـك بإعـادة صياغتهـا بلغـة فصحـى سـليمة(‪.((1‬‬ ‫ُت َع ُّ‬

‫(‪ ((1‬جاسـم‪ ،‬جاسـم علـي‪ ،‬والعيـد‪ ،‬أميـرة عبيـد‪ ،‬وجاسـم‪ ،‬زيـدان علـي‪2002 .‬م‪ .‬سلسـلة تعليـم اللغـة العربيـة‬
‫لألجانـب فـي المرحلـة االبتدائية‪ 4 .‬أجزاء (كتـاب الحروف الهجائيـة العربية‪ 93 :‬ص‪ /‬مهارة القـراءة‪ 67 :‬ص‪ /‬مهارة‬
‫الكتابـة‪ 67 :‬ص‪ /‬كتـاب الحسـاب‪ 60 :‬ص)‪.‬كـواال لمبـور‪ :‬إيرلي ليرنر ببليكيشـنز‪.‬‬
‫‪ -‬جاسـم‪ ،‬جاسـم علـي‪ ،‬والعيد‪ ،‬أميرة عبيد‪ ،‬وجاسـم‪ ،‬زيـدان علـي‪1999 .‬م‪ .‬المحادثة العربية المعاصـرة للناطقين‬
‫باإلنجليزيـة‪ .‬الطبعـة الثانية‪ .‬كواال لمبـور‪ :‬إيه‪ .‬إيس‪ .‬نورديـن‪ .‬الصفحات ‪.127‬‬
‫‪ -‬جاسـم‪ ،‬جاسـم علـي‪ ،‬والعيد‪ ،‬أميرة عبيد‪ ،‬وجاسـم‪ ،‬زيدان علـي‪1998 .‬م‪ .‬تعليم المحادثة العربيـة المعاصرة لغير‬
‫الناطقيـن بها‪ ،‬المسـتوى المتوسـط‪ .‬الطبعة األولى‪ 2 .‬جزءان‪ .‬كـواال لمبور‪ :‬إيه‪ .‬إيس‪ .‬نورديـن‪ .‬الصفحات‪.58/64‬‬

‫‪72‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫الطرق الناجعة لتعليم األصوات‪:‬‬


‫يقـول علمـاء التربيـة‪ :‬ليـس هنـاك طريقـة أفضـل مـن طريقـة فـي التعليـم‪ ،‬ولكـن يفضـل‬
‫التنويـع فـي هـذه الطـرق لكـي ال يمـل الطلاب مـن طريقـة بعينهـا (‪ ،((2‬وفيمـا يلـي نوجـز عـدة‬
‫طـرق لتعليـم األصـوات‪ :‬منهـا القديـم ومنهـا الحديـث‪ ،‬وهـي‪:‬‬
‫‪ .‬أالطـرق القديمـة‪ ،‬مثـل‪ :‬الطريقـة األبجديـة‪ ،‬والطريقـة األلفبائيـة‪ ،‬والطريقـة الصوتيـة‪.‬‬
‫إن الطريقـة األلفبائيـة‪ ،‬تبـدأ بتعليـم الحـروف بـدءًا باسـم الحـرف‪( :‬ألـف‪ ،‬باء‪ ،‬تـاء‪ ،‬إلخ)‪،‬‬
‫(ب‪َ ،‬ت‪َ ،‬ث‪ ،‬إلـخ)‪ .‬وهـذه الطـرق تعتمـد‬ ‫أمـا الصوتيـة فتعلـم صـوت الحـرف ال اسـمه‪ ،‬مثـال‪َ :‬‬
‫علـى تعليـم الحـرف مجـردًا فـي البدايـة‪ ،‬ثـم تعلمـه مـن خلال المقاطـع‪ ،‬وبعدهـا مـن خالل‬
‫الكلمـة‪ ،‬وذلـك مـن خلال مهارتـي االسـتماع أو ً‬
‫ال‪ ،‬والحديـث ثانيـ ًا‪ ،‬فـي حيـن تتأخـر مهارتـا‬
‫القـراءة والكتابـة عـن سـابقتيهما‪ .‬ممـا يسـتدعي تأخيـر الطالب في تعلم القـراءة والكتابة‪،‬‬
‫وبالتالـي يكـون بطيئـًا فيهمـا؛ وذلـك ألنـه فـي هـذه الطـرق يكـون االهتمـام موجهـ ًا لسـماع‬
‫ّ‬
‫والتمكـن منـه جيـدًا‪ ،‬أمـا قراءتـه وكتابتـه فليسـت ضروريـة فـي‬ ‫الصـوت ونطقـه وتمييـزه‪،‬‬
‫البدايـة‪ ،‬وتأتـي فـي مرحلـة الحقـة مـن التعليـم‪.‬‬
‫‪.‬بالطرق الحديثة‪ ،‬ومنها ما يلي‪ :‬الطريقة الكلية‪ ،‬والطريقة الشـفوية السـمعية‪ ،‬والطريقة‬
‫منحـى‬
‫ً‬ ‫الصوتيـة للكلمـة‪ ،‬والطريقـة السـمعية اللغويـة‪ .‬وأخـذت هـذه الطـرق فـي التعليـم‬
‫آخـر‪ ،‬وهـو‪ :‬تعليـم الحـرف مـن خلال الكلمـة‪ ،‬مـع االهتمـام بالمهـارات اللغويـة األربـع‪.‬‬
‫وبكلمـة أخـرى‪ ،‬سـارت عكـس الطـرق القديمـة‪ ،‬ورأت أن تعليـم الصـوت مـن خلال الكلمـة‬
‫وشـبه الجملـة والجملـة‪ ،‬أفضـل مـن تعليمـه مجـردًا‪ .‬هذا مع االسـتفادة من المهـارات اللغوية‬
‫ال مـع حـروف‬ ‫األربـع فـي تعليـم الصـوت فـي الوقـت نفسـه‪ .‬وأن تعلـم األصـوات السـهلة أو ً‬
‫ً‬
‫قليلا حتـى يتمكـن التالميـذ مـن النطـق‬ ‫ً‬
‫قليلا‬ ‫المـد‪ ،‬ثـم االنتقـال إلـى الصعبـة فاألصعـب‬
‫بهـا جيـدًا وسـليمًا‪.‬‬
‫املقرتحات لألحباث القادمة‪:‬‬
‫يجب أن تنصب األبحاث القادمة على معالجة المواضيع اآلتية‪:‬‬
‫ ‪-‬دراسة األصوات الشائعة في الحديث النبوي الشريف‪.‬‬
‫ ‪-‬دراسـة األصوات الشـائعة في الفنون األدبية األخرى كالنثر والمقالة والمسـرحية والقصة‬
‫وغيرهـا من الفنون‪.‬‬
‫ ‪-‬دراسـة الحـركات اإلعرابيـة الشـائعة‪( ،‬وهنـا يذكـر جاسـم مسـألة مفيـدة‪ ،‬وهـي أن اللغـة‬
‫العربيـة لغـة تنغيميـة‪ ،‬ال كمـا يظـن كثيـر مـن الباحثيـن مـن أنهـا ليسـت لغـة تنغيميـة‪،‬‬
‫مثلا‪ ،‬لهـا معـان ثالثـة حسـب نطقهـا وتنغيمهـا‪ ،‬بُـر‪ ،‬وبِـر‪ ،‬و َبر‪ ،‬ففـي األولى‪:‬‬ ‫فكلمـة‪« :‬بـر» ً‬
‫تعنـي الدقيـق‪ ،‬وفـي الثانيـة‪ :‬تعنـي العطـف علـى الوالديـن‪ ،‬وفـي الثالثـة‪ :‬تعنـي‪ :‬األرض‬
‫ـت‪ ،‬ففـي األولـى تعني‪:‬‬ ‫ـت‪َ ،‬ك َت َب ْ‬
‫ـت‪َ ،‬ك َت ْب ُ‬
‫ـت‪َ ،‬ك َت ْب ِ‬
‫ـب»‪َ ،‬ك َت ْب َ‬ ‫الفلاة‪ .‬وكذلـك التـاء فـي كلمـة َ‬
‫«ك َت َ‬
‫أنـت للمؤنـت‪ ،‬وفـي الثالثـة تعنـي‪ :‬أنـا للمتكلـم‪ ،‬وفـي‬ ‫أنـت للمذكـر‪ ،‬وفـي الثانيـة تعنـي‪ِ :‬‬ ‫َ‬
‫الرابعـة تعنـي‪ :‬هـي للغائبـة(‪.)((2‬‬
‫ ‪-‬دراسة الجمل الفعلية واالسمية الشائعة في القرآن الكريم وغيره من الفنون األدبية‪.‬‬

‫(‪ ((2‬جاسـم‪ ،‬جاسـم علـي‪2001 .‬م‪ .‬فـي طـرق تعليم اللغة العربيـة لألجانب‪ .‬الطبعـة الثانية‪ ،‬كواال لمبـور‪ :‬إيه إيس‬
‫نورديـن‪ .‬ص ‪ 80‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪ -‬جاسـم‪ ،‬جاسـم علـي‪ ،‬وعثمـان‪ ،‬عبـد المنعـم حسـن الملـك‪2013 .‬م‪ .‬طـرق تدريـس اللغـات األجنبيـة‪ .‬الطبعـة‬
‫األولـى‪ ،‬الريـاض‪ :‬مكتبـة الرشـد‪ .‬انظـر الفصـل الرابع‪.‬‬
‫(‪ ((2‬جاسـم‪ ،‬جاسـم علـي‪2015 .‬م‪ .‬المهـارات اللغويـة ومعايير جودتها‪ .‬الطبعـة األولى‪ ،‬القاهرة‪ :‬مركز إبصار للنشـر‬
‫والتوزيـع‪ ،‬وجـدة‪ :‬دار أمجاد حنين للنشـر والتوزيع‪.‬‬

‫‪73‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫املصادر واملراجع‬
‫‪1 .‬الجاحـظ‪1998 .‬م‪ .‬الجاحـظ‪ ،‬أبـو عثمـان عمـرو بـن بحـر‪1998 .‬م‪ .‬البيـان والتبييـن‪ .‬تحقيـق‪ :‬عبـد السلام محمـد‬
‫هـارون‪ .‬الطبعـة السـابعة‪ ،‬مكتبـة الخانجـي بالقاهـرة‪.‬‬
‫‪2 .‬جاسـم‪ ،‬جاسـم علـي‪2015 .‬م‪ .‬المهـارات اللغويـة ومعاييـر جودتهـا‪ .‬الطبعـة األولـى‪ ،‬القاهـرة‪ :‬مركـز إبصـار للنشـر‬
‫والتوزيـع‪ ،‬وجـدة‪ :‬دار أمجـاد حنيـن للنشـر والتوزيـع‪.‬‬
‫‪3 .‬جاسـم‪ ،‬جاسـم علي‪ ،‬والعيد‪ ،‬أميرة عبيد‪ ،‬وجاسـم‪ ،‬زيدان علي‪2002 .‬م‪ .‬سلسـلة تعليم اللغة العربية لألجانب‬
‫فـي المرحلـة االبتدائيـة‪ 4 .‬أجـزاء (كتـاب الحـروف الهجائيـة العربيـة‪ 93 :‬ص‪ /‬مهـارة القـراءة‪ 67 :‬ص‪ /‬مهـارة‬
‫الكتابـة‪ 67 :‬ص‪ /‬كتـاب الحسـاب‪ 60 :‬ص)‪ .‬كـواال لمبـور‪ :‬إيرلـي ليرنـر ببليكيشـنز‪.‬‬
‫‪4 .‬جاسـم‪ ،‬جاسـم علـي‪ ،‬والعيـد‪ ،‬أميـرة عبيد‪ ،‬وجاسـم‪ ،‬زيدان علـي‪1999 .‬م‪ .‬المحادثة العربيـة المعاصرة للناطقين‬
‫باإلنجليزيـة‪ .‬الطبعـة الثانيـة‪ .‬كـواال لمبـور‪ :‬إيه‪ .‬إيس‪ .‬نورديـن‪ .‬الصفحات ‪.127‬‬
‫‪5 .‬جاسـم‪ ،‬جاسـم علـي‪ ،‬والعيـد‪ ،‬أميـرة عبيـد‪ ،‬وجاسـم‪ ،‬زيـدان علـي‪1998 .‬م‪ .‬تعليـم المحادثـة العربيـة المعاصـرة‬
‫لغيـر الناطقيـن بهـا‪ ،‬المسـتوى المتوسـط‪ .‬الطبعـة األولـى‪ 2 .‬جـزءان‪ .‬كـواال لمبـور‪ :‬إيـه‪ .‬إيس‪ .‬نورديـن‪ .‬الصفحات‬
‫‪.58/64‬‬
‫‪6 .‬جاسـم‪ ،‬جاسـم علـي‪2001 .‬م‪ .‬فـي طـرق تعليـم اللغـة العربيـة لألجانـب‪ .‬الطبعـة الثانيـة‪ ،‬كـواال لمبـور‪ :‬إيـه إيـس‬
‫نورديـن‪ .‬ص ‪ 80‬ومـا بعدهـا‪.‬‬
‫‪7 .‬جاسـم‪ ،‬جاسـم علـي‪ ،‬وعثمـان‪ ،‬عبـد المنعـم حسـن الملـك‪2013 .‬م‪ .‬طـرق تدريـس اللغـات األجنبيـة‪ .‬الطبعـة‬
‫األولـى‪ ،‬الريـاض‪ :‬مكتبـة الرشـد‪ .‬انظـر الفصـل الرابـع‪.‬‬
‫‪8 .‬ابـن جنـي‪ ،‬أبـو الفتـح عثمـان بـن جنـي‪1992 .‬م‪ .‬سـر صناعـة اإلعـراب‪ .‬دراسـة وتحقيـق‪ :‬حسـن هنـداوي‪ .‬الطبعة‬
‫الثانيـة‪ ،‬دمشـق‪ :‬دار القلم‪.‬‬
‫‪9 .‬الخولـي‪ ،‬محمـد علـي‪1990 .‬م‪ .‬األصـوات اللغويـة النظـام الصوتـي للغـة العربيـة‪ .‬عمـان‪ :‬دار الفلاح للنشـر‬
‫والتوزيـع‪.‬‬
‫ ‪10.‬خياط‪ ،‬يوسف ومرعشلي‪ ،‬نديم‪ .‬ب‪.‬ت‪ .‬لسان العرب المحيط‪ .‬بيروت‪ :‬دار لسان العرب‪.‬‬
‫‪11.‬سـيبويه‪1983 .‬م‪ .‬الكتـاب‪ .‬تحقيـق وشـرح‪ :‬عبـد السلام محمـد هـارون‪ ،‬الطبعـة الثالثـة‪ ،‬بيـروت‪ :‬عالـم الكتـب‪.‬‬
‫ج‪ ،4‬ص‪.306-305‬‬
‫ ‪12.‬السـيوطي‪ ،‬عبـد الرحمـن جلال الديـن‪1986 .‬م‪ .‬المزهـر فـي علـوم اللغـة وأنواعهـا‪ .‬شـرحه وضبطـه وصححـه‬
‫وعنـون موضوعاتـه وعلـق حواشـيه محمـد أحمـد جـاد المولـى بـك وغيره‪ .‬صيدا‪-‬بيـروت‪ :‬المكتبـة العصرية‪ .‬ج‪،1‬‬
‫ص‪.195‬‬
‫ ‪13.‬عبده‪ ،‬داود عطية‪1979 .‬م‪ .‬المفردات الشائعة في اللغة العربية‪ .‬الرياض‪ :‬مطبوعات جامعة الرياض‪.‬‬
‫‪14.‬العصيلـي‪2006 .‬م‪ .‬العصيلـي‪ ،‬عبدالعزيـز بـن إبراهيـم‪1427 .‬هــ ‪2006‬م‪ .‬علـم اللغـة النفسـي‪ .‬الطبعـة األولـى‪،‬‬
‫الريـاض‪ :‬جامعـة اإلمـام محمـد بـن سـعود اإلسلامية‪ ،‬عمـادة البحـث العلمـي‪.‬‬
‫‪15.‬عبدالدائم‪ ،‬عمر‪2014 .‬م‪ .‬ديوان «يسكنني»‪ .‬ليبيا‪ :‬منشورات وزارة الثقافة‪.‬‬
‫ ‪16.‬ابن منظور‪ .‬ب‪ .‬ت‪ .‬معجم لسان العرب‪ .‬القاهرة‪ :‬المطبعة األميرية ببوالق‪.‬‬

‫‪74‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫البعد البنيوي التكويين يف مصطلحات نـجيب العويف‬


‫إعداد‪:‬‬
‫محسين بنغالب‬
‫باحث في دكتوراه األدب والمناهج النقدية الحديثة‬
‫كلية اآلداب والعلوم اإلنسانية مكناس‪ -‬جامعة موالي إسماعيل ‪ -‬المغرب‬
‫القبول‪2023/6/12 :‬‬ ‫ ‬
‫االستالم‪2023/5/14 :‬‬

‫املستخلص‪:‬‬
‫بعـد الثـورة النقديـة المغربيـة التـي أثـارت حولهـا الكثير من الجدل على مسـتوى األسـلوب‬
‫والخطـاب النقدييـن‪ ،‬وعلـى مسـتوى المصطلحـات الموظفـة فـي الدراسـات النقديـة‪ ،‬خمدت نار‬
‫السـجال والصخـب‪ ،‬وبـدأت بـوادر التحـول تظهـر فـي الكتابـات النقديـة‪ ،‬وبـدأ التغييـر يتسـلل‬
‫إلـى الخطـاب النقـدي‪ ،‬وذلـك أثـرى توظيـف المصطلحـات النقديـة‪ ،‬ونجيب العوفـي بعد أن كان‬
‫ناقـدا واقعيـا اشـتراكيا يتبنـى أسـلوب الجـدل‪ ،‬قلـب الطاولـة رأسـا علـى عقـب‪ ،‬واسـتوت قراءاته‬
‫علـى النـص الروائـي‪ ،‬وتخلـص نسـبيا مـن النظرة األحادية التي كانـت تجبر النص على الخضوع‬
‫لسـلطة المنهـج‪ ،‬وأحـدث أيضـا تغييـرا مهمـا على مسـتوى اسـتعارة وتوظيـف المصطلحات‪ ،‬وقلت‬
‫نسـبة االنتقائيـة فـي التعامـل مـع النصـوص‪ ،‬وفـي توظيـف المصطلحـات دون رابـط منطقـي‬
‫ومنهجـي‪ ،‬وكانـت النتيجـة تختلـف تمامـا عـن البدايـة النقديـة لنجيـب العوفـي‪ ،‬فكانـت نتـاج‬
‫الدراسـات أكثـر إيجابيـة‪ ،‬وتسـاهم فـي (وعلـى) فهـم النـص اإلبداعي‪.‬‬
‫الكلمات املفتاحية‪ :‬المصطلح ‪ -‬المنهج ‪ -‬الشخصيات ‪ -‬الزمان ‪ -‬المكان‪.‬‬
‫‪Abstract:‬‬
‫‪After the Moroccan monetary revolution, which aroused a lot of controversy at‬‬
‫‪the level of critical style and discourse, and at the level of terminology employed‬‬
‫‪in critical studies, the fire of controversy and clamor subsided, and signs of‬‬
‫‪transformation began to appear in critical writings, and change began to creep‬‬
‫‪into critical discourse, and this enriched the employment of critical terms, and‬‬
‫‪Najib Al-awfi, after he was a realistic socialist critic who adopts the method of‬‬
‫‪controversy, turned the tables upside down and his readings were based on‬‬
‫‪the narrative text, and he got rid of the monolithic view that forced the text The‬‬
‫‪result was completely different from the critical beginning of Najib Al-Awfi, and‬‬
‫‪the product of studies was more positive, and contributed to the understanding‬‬
‫‪of the creative text.‬‬
‫‪Keywords: term - method - characters - time - place.‬‬

‫‪75‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫مقدمة‪:‬‬
‫ظلـت أغلـب الدراسـات النقديـة طيلـة السـبعينيات متأثـرة بالواقعيـة االشـتراكية‪ ،‬ومغمورة‬
‫بهـا؛ ألن بقيـة المناهـج ال تحقـق رغبة الدارسـين في اسـتخالص المضاميـن ومحاكمة النصوص‬
‫اإلبداعيـة‪ ،‬ونجيـب العوفـي ظـل متمسـكا بتصـوره الجدلـي إلـى حـدود أواخـر السـبعينيات‪،‬‬
‫حينمـا أقـر أن "تفاعلا بيـن النهـج البنيـوي والشـكالني والمنهـج الواقعـي الجدلـي فـي إطـار‬
‫نظرية نقدية ناظمة‪ ،‬وهي إمكانية واردة ‪-‬حسـب رأيه‪ -‬يزكيها ويشـجع عليها مشـروع لوسـيان‬
‫غولدمـان"(((‪ ،‬فهـو يـرى أن تفاعلا مـن هـذا القبيـل كفيـل بـأن يحقـق ذلـك المبتغـى الصعـب‬
‫للممارسـة النقديـة‪ ،‬كفيـل بـأن ِّ‬
‫يعـزز موقـع المنهـج البنيـوي وموقـع المنهج الجدلي فـي آن"(((‪.‬‬
‫ومـن هـذا الجانـب حـاول العوفـي إعـادة قـراءة روايـة اليتيـم مـن هـذا المنظـور‪ ،‬وحصرهـا‬
‫فـي محوريـن أساسـيين‪ ،‬أسـماهما‪ :‬النسـق الحكائـي المباشـر‪ ،‬والنسـق الحكائـي الضمنـي‪ .‬وبـرزت‬
‫البنيويـة التكوينيـة دون أن "يعلـن عنهـا بالحرفيـة المصطلحيـة‪ ،‬لكنهـا سـرعان مـا تتكشـف‬
‫عـن مفهوميتهـا بكيفيـات مختلفـة تنـوب منابهـا"(((‪ ،‬كمـا بـرز فـي هـذه الدراسـة‪ ،‬فقـد َّ‬
‫فضـل‬
‫توظيـف مصطلـح "النسـق الحكائـي المباشـر" عـوض مصطلـح "البنيـة النصيـة"‪ ،‬أو البنيـة‬
‫الداخليـة للنـص‪ ،‬وقـام مـن خاللـه بقـراءة بنيويـة للشـخصيات‪ ،‬وحبكـة األحـداث والعالئـق‪،‬‬
‫أمـا الجانـب الـذي أسـماه البنيـة الكتيمـة الضمنيـة للنـص‪ ،‬أو "النسـق الحكائـي الضمنـي"‪ ،‬فهو‬
‫يعـوض بـه البنيـة الدالـة للنـص أو البنيـة االجتماعيـة‪ ،‬التـي مـن خاللهـا "يصيـر النـص ‪-‬فـي‬
‫ه�ذا التص�ور المنهج�ي الجدي�د‪ -‬تعبي�را ع�ن "رؤي�ة العال�م" (‪ )Vision du monde‬التـي‬
‫هـي ليسـت وقائـع فرديـة‪ ،‬إنمـا هـي أحـداث اجتماعيـة ترفـد رؤى الفئـة االجتماعيـة التـي‬
‫ينتمـي إليهـا صاحـب النـص"(((‪ ،‬وقـد ركـز فـي هـذا الجانـب علـى داللـة األشـخاص واألمكنـة‪،‬‬
‫ومسـتويات الذاكـرة‪.‬‬
‫والمالحـظ فـي هـذا التقسـيم أن العوفـي وظف مصطلحات سـردية صرفـة‪ ،‬وركز على بنيتها‬
‫الداخليـة مـن جانـب‪ ،‬ودالالتهـا االجتماعيـة مـن جانـب آخـر‪ ،‬ففـي الجانـب البنيـوي (النصـي)‬
‫مـن دراسـته‪ ،‬أي الـذي ركـز فيـه علـى الشـكل الداخلـي للرواية‪ ،‬والذي أسـماه المرتكـز المعماري‪،‬‬
‫أراد أن يقـرأ العـروي ‪ -‬علـى حـد تعبيـره‪" -‬روائيـا‪ ،‬وفـي حـدود النـص المكتـوب"(((‪ ،‬ويقـول‬
‫إن "الهـدف الـذي ستسـعى إليـه هـذه القـراءة هـو مجـرد معاينـة النـص كمـا هـو‪ ،‬وكشـف بعـض‬
‫عناصـره المعماريـة المكونـة لـه"(((‪.‬‬
‫وفـي هـذه العمليـة جسـد العوفـي مفهوميـن أساسـيين فـي البنيويـة التكوينيـة‪ ،‬سـأحاول‬
‫معاين�ة المصطلح�ات الت�ي وظفه�ا‪ ،‬م�ن خالله�ا‪ ،‬وه�ذان المفهوم�ان هم�ا‪" :‬الفه�م (�‪Compré‬‬
‫‪ ،)hension‬والشـرح (‪)Explication‬؛ يضطلـع األول بالبنيـة الصغـرى (البنيـة النصية)‪،‬‬
‫أي‪ :‬الدراسـة البنيويـة للنـص‪ ،‬بينمـا يتجـاوز الثانـي ذلـك؛ إذ يضـع هـذه البنيـة الصغـرى فـي‬
‫إطـار بنيـة أكبـر هـي البنيـة االجتماعيـة المحيطـة بالنـص"(((‪.‬‬

‫((( نجيب العوفي‪ ،‬درجة الوعي في الكتابة‪ ،‬دار النشر المغربية‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬الطبعة ‪ ،1980 ،1‬الصفحة‪.34‬‬
‫((( نفس المرجع‪ ،‬الصفحة ‪.34‬‬
‫((( يوسـف وغليسـي‪ ،‬إشـكالية المصطلـح فـي الخطـاب النقـدي العربـي الجديـد‪ ،‬الـدار العربيـة للعلوم ناشـرون‪،‬‬
‫الجزائـر‪ ،‬الطبعـة ‪ ،2008 ،1‬الصفحـة ‪.150‬‬
‫((( نفس المرجع‪ ،‬الصفحة ‪.147 – 146‬‬
‫((( نجيب العوفي‪ ،‬درجة الوعي في الكتابة‪ ،‬الصفحة ‪.377‬‬
‫((( نفس المرجع‪ ،‬الصفحة ‪.377‬‬
‫((( يوسف وغليسي‪ ،‬إشكالية المصطلح في الخطاب النقدي العربي الجديد‪ ،‬الصفحة ‪.146‬‬

‫‪76‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫املبحث األول‪ :‬النسق احلكائي املباشر‪:‬‬


‫‪ -1‬اللغــة‪:‬‬
‫يعـد مصطلـح اللغـة مـن المصطلحـات المركزيـة فـي السـرد الروائـي‪ ،‬ولـه مكانـة مهمـة فـي‬
‫النقـد الروائـي‪ ،‬علـى اعتبـار أنـه الخيـط الناظم بين عناصر السـرد وأسـلوب الكتابة الذي ينتج‬
‫خطابا روائيا متجانسـا‪ ،‬لكن الحديث عن هذا المصطلح بشـكل فضفاض ودون تحديد "يفضي‬
‫إلـى االلتبـاس والتعميـم‪ .‬وغالبـا مـا ينتـج ذلـك عـن توصيـف خارجـي‪ ،‬انطباعـي للغـة الرواية‪،‬‬
‫فتكـون تـارة لغـة شـعرية أو نثريـة مسـطحة‪ ،‬أو عاطفيـة أو موضوعيـة‪ ..‬وهـذه المقاربـة تهمـل‬
‫خاصيـة الشـكل الروائـي التـي تجعـل منه كيانا‪ ،‬تتبادل مكوناتـه التأثير وتتفاعل داخل اللغات‪،‬‬
‫وهـو مـا يجعـل داللـة الكلمـات متصلـة بالبنية العامـة للرواية ولرؤيتهـا للعالم"(((‪.‬‬
‫إذا ترتبـط باإلبـداع الروائـي مـن ألفـه إلـى يائـه‪ ،‬وتتداخـل بيـن مكونـات‬‫فاللغـة الروائيـة ً‬
‫الرواية على جميع األصعدة‪ ،‬وعلى حد تعبير محمد برادة‪ ،‬فإذا "كان صحيحا أن اللغة معطى‬
‫سـابق علـى وجودنـا داخـل مجتمـع مـا‪ ،‬فـإن المبـدع يسـعى دومـا إلـى تخصيص لغتـه اإلبداعية‬
‫ضمن اللغة السـائدة والموروثة وبصراع مسـتمر معها‪ .‬والروائي المشـدود إلى تغيرات السـلوكات‬
‫والفضـاءات واألزمنـة‪ ،‬يتخـذ مـن اللغـة الركـن األسـاس لتلمـس هـذه التغييـرات‪ ،‬التـي تترجمهـا‬
‫(((‬
‫لغـة الخطابـات المؤطـرة‪ ،‬ولثقافـة المجتمع وصراعاتـه االجتماعية"‬
‫ومـن هـذا المنطلـق سـوف نطـل علـى مصطلـح اللغـة من خالل قـراءة العوفي لروايـة اليتيم‪،‬‬
‫وسـنرصد المحـددات التـي ربطهـا بهـذا المصطلـح فـي عالقتـه بالبنيـة الروائيـة "لــليتيم"‪،‬‬
‫ونعايـن توظيفـه لهـذا المصطلـح وفـق خصوصيتـه المتعـددة‪ ،‬والمتنقلـة فـي كل االتجاهـات‪،‬‬
‫باعتبـاره حاملا ومحمـوال‪ ،‬علـى اعتبـار أن اسـتيعاب اللغة الروائيـة وما تحمله من معارف‪ ،‬مكون‬
‫أساسـي وضـروري فـي تقييـم النصـوص اإلبداعيـة‪.‬‬
‫إن العوفـي يـرى أن روايـة اليتيـم تتعامـل "مـع قارئهـا بلغـة روائيـة مرهفـة وشـاعرية‪،‬‬
‫همسـا‪ ،‬وال تغمـر بـه األذن‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫عميقـا‪ ،‬تقطـره الكلمـات فـي وجـدان القـارئ‬ ‫داخليـا‬
‫ًّ‬ ‫ً‬
‫شـجنا‬ ‫يراهـا‬
‫جهـارا‪ .‬ومنـذ السـطر األول مـن الروايـة حتـى آخـر سـطر فيهـا‪ ،‬ظلـت اللغة الروائيـة وفية لتلك‬
‫الخصلتيـن‪ :‬الرهافـة والشـاعرية‪ ،‬قريبـة إلـى البـوح الهـادئ منهـا إلـى الحديـث المرتفـع"(‪،((1‬‬
‫ويـرى أيضـا أن الروايـة جـاءت "جـدوال رقراقـا مـن الكلمـات والمقاطـع‪ ،‬تمضـي بالقـارئ الهوينى‬
‫عبـر مسـتويات التجربـة وفجواتهـا‪ ،‬متحاشـية فـرض الهيمنـة والتوجيـه عليـه‪ ،‬متحـررة مـن‬
‫ً‬
‫هامشـا‬ ‫صرامـة البروتوكـول الروائـي‪ ،‬دون أن تنسـلخ أو تضـرب عنـه صفحا بالمرة‪ ،‬تاركة للقارئ‬
‫واسـعا مـن الحريـة والتلقائيـة لمعايشـة التجربـة ومتابعتهـا‪.‬‬
‫ً‬
‫فـي هـذه القـراءة نالحـظ أن العوفـي أعـاد النظـر فـي أسـلوبه النقـدي‪ ،‬وبـدا أكثـر إيجابيـة‬
‫وموضوعية حينما حور منظاره النقدي حول النص مباشرة‪ ،‬دون العودة إلى العوامل الخارجية‬
‫التي أفرزت النص‪ ،‬وهذا معطى جديد سينعكس إيجابا على قيمة القراءة النقدية‪ ،‬فالخطاب‬
‫النقـدي المغربـي منـذ أواخـر السـبعينات‪ ،‬اسـتطاع "أن يعيـد النظـر فـي كثيـر مـن المفاهيـم‬
‫والمصطلحـات والتحليلات‪ ،‬وفـي طليعتهـا عالقـة األدب بالواقـع والمصطلحـات والتحليلات‪،‬‬
‫وعالقـة اإليديولوجيـا بالواقـع‪ ،‬وعالقـة النـص باأليديولوجيا‪ ،‬ووظيفة الكتابـة والنقد"(‪.((1‬‬
‫هـذا التحـول فـي الخطـاب النقـدي‪ ،‬الـذي بـرز في قـراءة العوفي‪ ،‬جعله يتراجع عن أسـلوبه‬
‫السـجالي‪ ،‬ويتخلـى عـن سـلطته النقديـة‪ ،‬ولـو بشـكل نسـبي‪ ،‬وبذلـك أصبحت قراءتـه للنصوص‬
‫تختلـف عـن سـابقتها مـن دراسـات‪ ،‬وأصبـح خطابـه يمـزج بيـن دراسـة الشـكل والمضمـون‪،‬‬
‫((( محمد برادة‪ ،‬الرواية ذاكرة مفتوحة‪ ،‬آفاق للنشر والتوزيع‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬الطبعة ‪ ،2008 ،1‬الصفحة‪.113‬‬
‫((( محمد برادة‪ ،‬الرواية العربية ورهان التجديد‪ ،‬الصفحة ‪.54‬‬
‫(‪ ((1‬نجيب العوفي‪ ،‬درجة الوعي في الكتابة‪ ،‬الصفحة ‪.375‬‬
‫(‪ ((1‬محمد برادة‪ ،‬فضاءات روائية‪ ،‬وزارة الثقافة‪ ،‬الرباط‪ ،‬الطبعة ‪ ،2003 ،1‬الصفحة ‪.200‬‬

‫‪77‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫وهـذا يبـدو واضحـا فـي القـراءات الالحقـة لـه‪ ،‬التـي وسـمت بهـذا الطابـع القريـب مـن البنيوية‬
‫التكوينية‪.‬‬
‫وفـي هـذا الصـدد اعتبـر "النزعـة التأمليـة‪ ..‬فـي الرواية والطابـع شـبه األوتوبيوغرافي‪،..‬‬
‫كسـرا مـن حـدة الخطـاب الروائـي ومنطقيتـه ونثـراه نثـرا شـعريا مرهفـا وانسـيابيا‪ ،‬سـواء علـى‬
‫مسـتوى نعومة سالسـة الجملة مبنى ومعنى‪ ،‬أو على مسـتوى سـيولة وتدفقية المقطع‪ ،‬أو على‬
‫مسـتوى المنظـور الفكـري والفنـي للروايـة ككل"(‪،((1‬‬
‫ويـرى أن "هـذه المرونـة اللغويـة فـي الروايـة قـد تالمـس شـفاف القـارئ وتكتسـب الفتنـة‪،‬‬
‫وقـد توحـي لـه للوهلـة األولـى بخفـة محمـل الرواية وبسـاطة محتواها‪ ،..‬وتمتـد أمامنا جدوال‬
‫مـن األفـكار والمشـاعر والذكريـات تترقـرق وال تلتطـم‪ .‬فالبوح هنا يختـزل كل إمكانيات الصراخ‬
‫والجـدول يخفـي صخـب النهـر ودفقـه‪ .‬إن السـطح اللغـوي المرهـف والشـاعري في روايـة اليتيم‪،‬‬
‫إذن‪ ،‬يكتـب نبضـا حـارا وحركـة متوتـرة‪ ،‬همـا انعـكاس ونتـاج لنبض وحركة الفكر في اشـتباكه‪،‬‬
‫وحـواره مـع نبـض وحركـة الواقـع الذي يـراد السـيطرة عليه"(‪.((1‬‬
‫إن مصطلـح اللغـة بالنسـبة للعوفـي يرتبـط بمـا تعكسـه الروايـة مـن أفـكار ومشـاعر‪ ،‬التـي‬
‫جسـدتها لغـة الروايـة عبـر مرونـة اللغـة وتنوعهـا فـي اإللقـاء‪ ،‬ولـم يربـط المصطلـح بمـا هـو‬
‫خـارج عـن الروايـة‪ ،‬الشـيء الـذي قربـه أكثـر مـن إبداعيـة الرواية‪ ،‬وأبـرز جماليتها مـن التعبير‬
‫اللغـوي‪ ،‬وبالتالـي تـم الكشـف عـن جانـب مـن الجوانـب الفنيـة للروايـة‪ ،‬يراعـي خصوصيتهـا‬
‫اإلبداعيـة‪.‬‬
‫‪ -2‬الشخصيات‪:‬‬
‫بعـد أن كان العوفـي يعـد مصطلـح الشـخصيات رديفـا للمؤلـف‪ ،‬أو صـورة مـن صـور حياتـه‬
‫عـر ُف من خالل‬‫التـي تعكسـها الشـخصيات‪ ،‬أصبـح فـي هـذه الدراسـة‪ ،‬يحمـل خصوصيتـه التـي ُت َ‬
‫األصـوات المعبـرة عـن ذاتهـا فـي الروايـة‪ ،‬وال شـيء غيـر الرواية‪ ،‬وكان المنطلق في دراسـة هذا‬
‫المصطلـح‪ ،‬منطلقـا بنيويـا‪ ،‬باعتبـاره عنصـرا أساسـيا داخـل الروايـة‪ ،‬وهـذا أمـر مهـم يسـاعد‬
‫أكثـر فـي فهـم الشـخصيات‪ ،‬مـن خلال أصواتهـا وليـس مـن خلال القـوى الفاعلـة التـي تحركهـا‪.‬‬
‫وفـي هـذا البـاب يـرى العوفـي أن األصـوات والشـخصيات تتعـدد وتتنـوع "فـي روايـة اليتيم‪،‬‬
‫إذا قيسـت بحجمهـا الـذي ال يتجـاوز المئـة صفحـة‪ .‬وعلـى الرغـم مـن أن الروايـة تمثـل‪ ،‬فـي‬
‫العمـق‪ ،‬عزفـا بصـوت منفـرد ويمتـد فـي الروايـة عبـر مقاطعهـا ظلا وارفـا ومهيمنـا‪ ،‬إال أنهـا‬
‫أفسـحت المجـال لكـورس مـن األصـوات‪ ،‬ليضيـف إيقاعـات تكميليـة أخـرى لمعزوفـات الروايـة‪.‬‬
‫الشـيء الـذي يجعـل عالـم الروايـة قريبـا مـن العوالـم الروائيـة عنـد كل مـن (غلاب ومبـارك‬
‫ربيـع والحبابـي)‪ ،‬منهـا إلـى العوالـم الروائيـة عنـد بعض روائيينا الشـبان (محمـد زفزاف‪ ،‬أحمد‬
‫المدينـي‪ ،‬عـز الديـن التـازي‪ ،‬سـعيد علـوش)"(‪.((1‬‬
‫سـواء أتفقنـا مـع رأيـه هـذا أم اختلفنـا‪ ،‬فهـو يعـد متقدمـا فـي تعاملـه مـع مصطلحـات‬
‫الشـخصيات واألصـوات‪ ،‬مقارنـة مـع باقـي الدراسـات السـابقة‪ ،‬التـي كان يربـط فيها الشـخصيات‬
‫بعناصـر خارجيـة‪ ،‬ويحاكمهـا‪ ،‬ليـس باعتبارهـا مكونـا روائيـا‪ ،‬بـل "بوصفهـا ذاتـا فرديـة أو‬
‫جوهـرا سـيكولوجيا"(‪ ،((1‬فقـد تجـاوز هـذه االنطباعـات الجدليـة‪ ،‬ولـو بشـكل نسـبي‪ ،‬وأصبـح‬
‫يفسـح المجـال أمـام النـص ليحدثنـا عن نفسـه‪ ،‬دون االسـتعانة بأدوات خارجيـة‪ ،‬والبحث عمن‬
‫يتحمـل المسـؤولية لكـي تتـم محاسـبته‪.‬‬

‫(‪ ((1‬نجيب العوفي‪ ،‬درجة الوعي في الكتابة‪ ،‬الصفحة ‪.375‬‬


‫(‪ ((1‬نفس المرجع‪ ،‬الصفحة ‪.376 - 375‬‬
‫(‪ ((1‬نفس المرجع السابق‪ ،‬الصفحة ‪.379 - 378‬‬
‫(‪ ((1‬حسـن بحـراوي‪ ،‬بنية الشـكل الروائـي‪ ،‬الفضاء ‪ -‬الزمن ‪ -‬الشـخصية‪ ،‬المركـز الثقافي العربي‪ ،‬الـدار البيضاء‪،‬‬
‫الطبعـة ‪ ،2009 ،2‬الصفحة ‪.210‬‬

‫‪78‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫قسـم الشـخصيات فـي روايـة اليتيـم إلـى قسـمين‪ ،‬أسـماها "محـاور‬ ‫وفـي ضـوء هـذه القـراءة ّ‬
‫شـخصية حاضـرة ومحـاور شـخصية مسـتحضرة‪ ،...‬الشـخصيات الحاضـرة فـي الروايـة التـي‬
‫تشـخص فيهـا وجـودا فوريـا مباشـرا‪ ،...‬والشـخصيات المسـتحضرة فـي الروايـة التـي تشـخص‬
‫فيهـا وجـودا ارتجاعيـا وغيـر مباشـر‪ ،((1("..‬وبحسـب أهميـة التأثيـر الـذي تمارسـه الشـخصيات‪-‬‬
‫قسـم الشـخصيات إلى‬ ‫حسـب رأيـه‪ -‬علـى السـياق الروائـي‪ ،‬وقيمـة األدوار التـي تضطلع بها"(‪َّ ،((1‬‬
‫شـخصيات محوريـة وثانويـة‪ ،‬وأخـرى مجهريـة‪.‬‬
‫فالعوفـي فـي هـذا التصنيـف لـم يفطـن إلـى مسـألة مهمـة‪ ،‬هـي أن العـروي‪ ،‬انفـرد بأسـلوب‬
‫خـاص فـي عـرض شـخصيات روايتـه‪ ،‬يميـزه عـن باقـي الروائييـن‪ ،‬وهـذا أمـر مسـلم بـه‪" ،‬فقـد‬
‫لجـأ جميـع الكتـاب إلـى تقنيـات مختلفـة لتقديـم الشـخصيات إلـى القـارئ‪ ،‬فهنـاك مـن جهـة‪،‬‬
‫الروائيـون الذيـن يرسـمون شـخصياتهم بـأدق تفاصيلهـا‪ ،‬وهنـاك مـن يحجـب عـن الشـخصية كل‬
‫وصـف مظهـري‪ ،‬ومـن جهـة أخـرى‪ ،‬هنـاك مـن يقـدم شـخصياته بشـكل مباشـر‪ ،‬وذلـك عندمـا‬
‫يخبرنـا عـن طبائعهـا وأوصافهـا‪ ،‬أو يـوكل ذلـك إلـى شـخصيات تخيليـة أخـرى‪ ،‬أو حتـى عـن‬
‫طريـق الوصـف الذاتـي الـذي يقدمـه البطـل عـن نفسـه ‪ ،Auto-déscription‬كمـا فـي‬
‫(‪((1‬‬
‫االعترافـات‪"...‬‬
‫فالعـروي تـرك المجـال مفتوحـا أمـام مخيلـة القـارئ‪ ،‬كـي يرسـم بطريقتـه الخاصـة مالمـح‬
‫الشـخصيات‪ ،‬ويسـاهم فـي عمليـة البنـاء الروائـي‪ ،‬ويصبـح فاعلا فـي عمليـة الخلـق والصنعـة‬
‫الروائيـة‪ ،‬الشـيء الـذي انتقـده العوفـي‪ ،‬ليعتبـر "الشـخصيات المتنوعـة والمتفاوتـة الحجـم‪،‬‬
‫الحاضـرة المسـتحضرة‪ ،‬المحوريـة والثانويـة والمجهريـة‪ ،‬ال تحفـل الروايـة بتسـليط األضـواء‬
‫الكافية عليها من الخارج‪ ،‬ال تحفل بموضعة حسـية وتشـخيصية‪ ،‬وال ترسـم مالمحها وهوياتها‬
‫الخاصـة‪ ،‬علـى النحـو الـذي يجعـل لها صـورا انطباعية محددة وواضحة فـي مخيلة القارئ‪ .‬إنها‬
‫كيانـات ورقيـة باهتـة أكثـر منهـا كيانـات ممتلئـة وحيـة‪ ،‬ذات خصائـص وسـمات متميـزة"(‪.((1‬‬
‫مـن خلال هـذا الحكـم‪ ،‬فالعوفـي يـرى مصطلـح الشـخصيات فـي الصـورة التقليديـة‪ ،‬التـي‬
‫تجسـد الشـخصية واضحـة المعالـم وبـارزة المواقـف‪ ،‬تجعـل القـارئ يحكـم عليها بسـهولة‪ ،‬وهي‬
‫شـخصية تتسـم بكثيـر مـن السـمات والصفـات‪ ،‬الشـيء الـذي تناقـض‪ ،‬نوعـا مـا‪ ،‬مـع طبيعـة‬
‫الشـخصيات فـي روايـة العـروي‪ ،‬التـي بـرزت بصـورة أقـرب إلـى الشـخصيات المركبة التـي يتطور‬
‫الصـراع داخلهـا‪ ،‬وتصـارع الظـروف بأسـلوبها الخـاص‪.‬‬
‫غيـر أن العوفـي فطـن فـي األخيـر إلـى تلك الخصوصيـة‪ ،‬التي تتكون من خاللها الشـخصية‬
‫داخـل الروايـة‪ ،‬الخصوصيـة التـي تمنـح الشـخصية سـلطة روائيـة‪ ،‬تجعلهـا ال تفصـح عـن‬
‫نفسـها إال بعـد جهـد عسـير فـي القـراءة‪ ،‬والعوفـي يـرى أن "الروايـة تلتـزم الحيـاد فـي هـذا‬
‫لتنـم عـن‬
‫َّ‬ ‫الجانـب وتقتصـد فـي التعريـة‪ ،‬وتحـاول بنـاء الشـخصية مـن الداخـل‪ ،‬تتركهـا‬
‫هوياتهـا ومعادنهـا‪ ،‬مـن خلال أحاديثهـا وتصرفاتهـا ورؤاهـا‪ ،‬وقليلا مـا تمسـك بنواصيهـا وتحـاول‬
‫اقتحامهـا وتأملهـا مـن الخـارج‪ .‬وحيـن تفعـل ذلـك‪ ،‬فبواسـطة عيـن روائيـة ذات حياديـة وصفية‬
‫وفوتوغرافيـة واضحـة‪ ..‬وألن الروايـة روايـة الشـخصية بالدرجـة األولـى‪ ،‬روايـة تأمليـة ذات‬
‫إيقـاع أوتوبوغرافـي؛ فقـد نابـت العيـن الباطنيـة عـن العيـن الخارجيـة‪ .‬وحلـت لغـة اإلحسـاس‬
‫محـل لغـة الحـواس"(‪.((2‬‬
‫وبغـض النظـر علـى المواقـف المتباينـة فـي قـراءة شـخصيات روايـة‬ ‫ِّ‬ ‫بنـاء علـى مـا سـبق‪،‬‬
‫تخلص نسـبيا من االنتقائيـة التي كانت‬‫العـروي‪ ،‬فالعوفـي‪ ،‬فـي توظيفـه لمصطلـح الشـخصيات‪َّ ،‬‬

‫(‪ ((1‬نجيب العوفي‪ ،‬درجة الوعي في الكتابة‪ ،‬الصفحة ‪.379‬‬


‫(‪ ((1‬نفس المرجع‪ ،‬الصفحة ‪.379‬‬
‫(‪ ((1‬حسن بحراوي‪ ،‬بنية الشكل الروائي‪ ،‬الفضاء ‪ -‬الزمن ‪ -‬الشخصية‪ ،‬الصفحة ‪.223‬‬
‫(‪ ((1‬نجيب العوفي‪ ،‬درجة الوعي في الكتابة‪ ،‬الصفحة ‪.379‬‬
‫(‪ ((2‬نفس المرجع‪ ،‬الصفحة ‪.380‬‬

‫‪79‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫تطبـع عالقتـه بالمصطلحـات‪ ،‬إلـى خصوصيـة المصطلـح ودوره فـي عالقتـه بالنـص ووظيفتـه‬
‫النقديـة‪ ،‬وأصبـح الموقـف النقـدي بفضـل ذلـك إيجابيـا‪ ،‬وموضوعيـا نسـبيا‪ ،‬أعـاد القيمـة‬
‫الجماليـة والفنيـة للنـص المـدروس‪ ،‬بعيـدا عـن السـلطة الخارجيـة التي تحاول فـرض الهيمنة‬
‫علـى النـص وتحاكمـه‪ ،‬وبعيـدا عن حشـو المصطلحات بالـدالالت المبتـورة‪ ،‬وتقييدها بمفاهيم‬
‫غير سـليمة‪.‬‬
‫مصطلحـا‬
‫ً‬ ‫إن هـذه الطفـرة النوعيـة فـي إعـادة االعتبـار إلـى مصطلـح الشـخصيات‪ ،‬وجعلـه‬
‫قائمـا بذاتـه‪ ،‬باعتبارهـا عنصـرا مـن عناصـر السـرد الروائـي‪ ،‬يسـتقل عن الـدالالت الخارجية‪،‬‬
‫قيمـة مضافـة لهـذا النقـد‪ ،‬ستسـاهم حتمـا فـي تطويـره‪ ،‬مـا دام يضـع المصطلحـات فـي أماكنها‬
‫السـليمة‪ ،‬ويوظفهـا بطريقـة توافـق خصوصيـة الروايـة‪ ،‬فالمصطلحـات النقديـة ليسـت قوالـب‬
‫جاهـزة‪ ،‬توظـف بشـكل ميكانيكـي‪ ،‬بعيـدا عـن الحقـل الـذي وجـدت لـه‪ ،‬فـكل مصطلـح يوافـق‬
‫الحقـل المعرفـي الـذي ينتمـي إليـه‪ ،‬ونقله يسـتوجب عملية معقدة‪ ،‬تحترم شـروط وخصوصية‬
‫كل حقـل معرفـي‪.‬‬
‫‪ -3‬حبكة األحداث‪:‬‬
‫يعـد مصطلـح الحبكـة مـن المصطلحـات المركزيـة في السـرد الروائي‪ ،‬باعتبـاره الناظم بين‬
‫شـبكة العالقـات بيـن الشـخوص واألحـداث واألزمنـة واألمكنـة‪ ،‬فـي إطـار عالقـات متداخلـة‪،‬‬
‫فالحبكـة هـي "ترتيـب سلسـلة الوقائـع والمواقـف فـي النـص السـردي‪ ،‬وفـق النظـام الـذي‬
‫يرتضيـه المؤلـف‪ ،‬وليـس عبـر النظـام الزمنـي بالضـرورة"(‪ ،((2‬وبمـا أنهـا تكتنـف هـذا الـدور‬
‫الرئيسـي فـي عمليـة الربـط والوصـل‪ ،‬خصـص لهـا العوفـي حيـزا فـي إعـادة قراءتـه لروايـة‬
‫اليتيـم‪ ،‬وسـلط الضـوء مـن خاللهـا علـى أهـم األحـداث التـي طبعـت الروايـة‪ ،‬وما يهمنـا في هذا‬
‫الجانـب‪ ،‬هـو الكيفيـة التـي تصـور بهـا العوفـي مصطلـح الحبكة في عالقته باألحـداث والوقائع‬
‫داخـل الروايـة‪ ،‬إضافـة إلـى طريقـة توظيـف هذا المصطلح من باب الكشـف عـن مظاهر التطور‬
‫والتغييـر‪ ،‬ال مـن بـاب المسـاءلة والمحاسـبة‪.‬‬
‫إن الحبكـة بالنسـبة للعوفـي‪ ،‬هـي تلـك التـي تبحـث فـي "نسـيج األحـداث والعالئـق‪ ،‬الـذي‬
‫يشـبك خيـوط المحـاور الشـخصية المشـار إليهـا وغيـر المشـار إليهـا"(‪ ،((2‬بهـدف الكشـف عـن‬
‫"الناظـم الـذي يربـط فيمـا بينهـا"(‪ ،((2‬فهـو يـرى أن الشـخصية الرئيسـة هي الرابـط بين بقية‬
‫الشـخصيات واألحـداث والزمـان والمـكان‪ ،‬وبدونهـا فـي نظـره "سـتبدو الروايـة شـبيهة بحفلـة‬
‫تعـارف تنكريـة‪ ،‬وتغـدو الشـخصيات شـتاتا متنافـرا مـن الوجـوه وكورسـا هجينـا مـن األصـوات‪،‬‬
‫كمـا سـتغدو األحـداث بالتالـي‪ ،‬مبعثـرة ومفككـة األوصـال"(‪ ،((2‬ففـي نظـره يـرى أن هنـاك‪،‬‬
‫"خيطـا سـريريا يسـري داخـل شـبكة األحـداث والعالئـق‪ ،‬ويحررهـا مـن قوانيـن المـكان والزمان‪.‬‬
‫هنـاك ناظـم ذاتـي وذهنـي يقـوم مقـام الناظـم الموضوعـي والواقعـي‪ .‬هـذا الخيـط السـريري‬
‫وهـذا الناظـم الذاتـي يمثلان فـي مركـز الروايـة‪ ،‬إدريـس‪ ،‬الـذي تلتحـم بـه األحـداث والعالئـق‬
‫وتكتسـب بواسـطته عليـة ومعنـى‪ ،‬هـذا إذا نظرنـا إلـى الروايـة نظـرة كليـة وعامـة‪ ،‬وقرأناهـا‬
‫(‪((2‬‬
‫قـراءة سـيميترية واسترسـالية‪" .‬‬
‫مـن خلال هـذه القـراءة نلمـس بعـض المعالـم التـي تمثـل تصـور العوفـي لمصطلـح الحبكة‪،‬‬
‫أو إن شـئنا القـول‪ ،‬فهـو يقصـد بـه الرابـط‪ ،‬أو أداة الوصـل التـي تصـل بيـن عناصـر الروايـة‪،‬‬
‫وفـي مقدمتهـا الشـخصيات التـي تـكاد تكـون متناقضـة‪ ،‬وال شـيء يجمـع بينهـا سـوى الشـخصية‬
‫الرئيسـة‪ ،‬من خالل شـبكة العالقات التي تربطه بها‪ ،‬وبدون تأثيرها سـتفقد الرواية بوصلتها‪،‬‬
‫(‪ ((2‬يوسف حطيني‪ ،‬مصطلحات السرد في النقد األدبي‪ ،‬الصفحة ‪.84‬‬
‫(‪ ((2‬نجيب العوفي‪ ،‬درجة الوعي في الكتابة‪ ،‬الصفحة ‪.381‬‬
‫(‪ ((2‬نفس المرجع‪ ،‬الصفحة ‪.381‬‬
‫(‪ ((2‬نفس المرجع‪ ،‬الصفحة ‪.381‬‬
‫(‪ ((2‬نفس المرجع‪ ،‬الصفحة ‪.381‬‬

‫‪80‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫والكيفيـة التـي تمـت بهـا مناقشـة حبكـة الروايـة فيهـا نـوع مـن االنحيـاز غيـر المعلن إلى شـكل‬
‫مـن أشـكال العالقـات التـي تجسـدها الحبكـة‪ ،‬غيـر الـذي بـدا فـي روايـة العروي‪.‬‬
‫ووفـق تصـوره هـذا للمصطلـح يـرى أن النظـر إلـى الروايـة "كنسـق معمـاري ذي بنيتيـن‬
‫متداخلتيـن‪ ،‬بنيـة أفقيـة وبنيـة عموديـة‪ ،‬فـإن شـبكة األحـداث والعالئق ستنقسـم تبعا لذلك‬
‫إلـى شـبكتين متداخلتيـن‪ ،‬شـبكة تنسـج خيوطهـا أفقيـا‪ ،‬ويمكـن فهمهـا فـي حـد ذاتهـا وقراءتها‬
‫كسـيناريو متتابـع‪ ،‬وشـبكة تنسـج خيوطهـا عموديـا وال يمكـن فهمهـا فـي حـد ذاتهـا‪ ،‬وتقـرأ‬
‫كسـيناريو متقاطـع"(‪.((2‬‬
‫وشـبكة العالقـات هـذه فـي الروايـة يحصرهـا العوفـي فـي فضـاءات مكانيـة وزمنيـة‪ ،‬تحركت‬
‫فيهـا شـبكة األحـداث التـي يـرى أنهـا "تبتـدئ بعالمـة اسـتفهام‪ ...‬وتنتهي بعالمة اسـتفهام‪،...‬‬
‫وتتحـرك نفسـيا فـي اتجـاه مسـدود‪ ،...‬وتتحـرك شـبكة األحـداث العالئـق العمودية الالمباشـرة‬
‫جغرافيـا عبـر مجـال أكثـر اتسـاعا (المغرب‪ ،‬فرنسـا‪ ،‬إيطاليا‪ ،‬أمريكا)‪ ،‬كمـا تتحرك تاريخيا عبر‬
‫زمنيـن‪ ،‬زمـن أرشـيفي وزمـن وهمـي‪ .‬زمـن الذاكـرة وزمـن الحلـم‪ ،‬وإن كان الزمـن األول هـو الغالـب‪.‬‬
‫ومـن ثـم تتبعثـر خيـوط األحـداث والعالئـق علـى نحـو اعتباطـي مشـتت وفقـا لتبعثـر وتشـتت‬
‫المحاور الشـخصية"(‪.((2‬‬
‫بغـض النظـر عـن طبيعـة الحبكـة التـي حـاول العوفـي كشـفها‪ ،‬التـي يـرى أنهـا شـبكة مـن‬ ‫ِّ‬
‫الخيـوط المشـتتة المكونـة مـن مجموعـة مـن الحكايـات‪ ،‬فارتكازه في كشـف العالقـات بناء على‬
‫النـص فـي ذاتـه‪ ،‬بعيـدا عـن سـلطة تحاكـم النـص‪ ،‬أبـرزت تلـك العالقـات وفـق أنمـاط لـم يكـن‬
‫بإمكانه الكشـف عنها‪ ،‬لو لم يوجه منظاره نحوها مباشـرة‪ ،‬ليسـاهم ذلك في إظهار خصوصية‬
‫الروايـة اإلبداعيـة التـي تمثـل لونـا مـن ألـوان الكتابـة الروائيـة‪ ،‬التـي تسـتحق مـن الـدارس‬
‫اإللمـام بهـا‪ ،‬وفـق مـا تتيـح لـه مـن إمكانـات‪.‬‬
‫ولـوال هـذه الرؤيـة الجريئـة فـي التعامـل مـع النـص‪ ،‬باعتبـاره ذاتا مسـتقلة‪ ،‬مـا كان للعوفي‬
‫أن يوظـف مصطلحـات السـرد الروائـي التـي ترتبـط أساسـا ببنيـة الروايـة‪ ،‬ومصطلـح الحبكـة‬
‫مـن ضمـن هـذه المصطلحـات التـي تعنـى بتحديـد وظائـف وعالقـات النـص الداخليـة‪ ،‬وبـه‬
‫اسـتطاع اسـتخالص أن األحـداث والعالقـات فـي الروايـة "أكثـر تنوعـا وديناميـة والتباسـا مـن‬
‫الشـبكة األولـى‪ .‬فتخففـت الروايـة مـن عـبء القوانيـن الروائيـة‪ ،‬وأطلقـت العنـان لذاكرتهـا على‬
‫الطريقـة الجويسـية والبروسـتية‪ ،‬واتسـع الفضـاء الوجداني والفكري باتسـاع الفضـاء الجغرافي‬
‫والتاريخـي‪ ،‬وبتبايـن وتداخـل األصـوات‪ .‬وتنوعـت ترتيبيـا على ذلك مسـتويات وطرائق الخطاب‬
‫الروائـي‪ ،‬تبعـا لموضـوع التخاطـب‪ ،‬ووفـق الهاجـس الداخلـي واللحظـة االنفعاليـة والفكريـة في‬
‫حالـة الحـوار المغلـق والسـرد المباشـر‪ .‬وأصبحت الحبكة الفنيـة مندغمة ومنصهرة في الحبكة‬
‫النفسية"(‪.((2‬‬
‫بنـاء علـى كل مـا سـبق نالحـظ أن مصطلـح الحبكـة‪ ،‬كما باقـي المصطلحات السـردية‪ ،‬أخذ‬
‫حيـزا مهمـا فـي نقـد العوفـي‪ ،‬وسـاهم فـي إبـراز أحـد أهـم الجوانـب الفنيـة فـي روايـة العـروي‪،‬‬
‫وتخلـص نسـبيا مـن االنتقائيـة المصطلحيـة التـي كانـت تمنـح السـيطرة للمصطلـح الواقعـي‪،‬‬
‫وتقحـم مصطلحـات ال تنتمـي للحقـل النقـدي واألدبـي‪ ،‬وبفعـل تجاوزهـا وتوجيـه المنظـار‬
‫النقـدي نحـو خصوصيـة النـص الروائـي‪ ،‬بعيـدا عـن كل سـلطة خارجيـة تحجـب إبداعيـة‬
‫الروايـة‪ ،‬أصبحـت هـذه األخيـرة تجـود بمـا ال حصـر لـه مـن دالالت وأبعـاد متعـددة ومتنوعـة‪،‬‬
‫ـف لـو لـم يعـد النقـد إلـى سـكته الحقيقيـة‪.‬‬ ‫مـا كان لهـا أن ُت َ‬
‫كش َ‬

‫(‪ ((2‬نفس المرجع السابق‪ ،‬الصفحة ‪.382- 381‬‬


‫(‪ ((2‬نفس المرجع‪ ،‬الصفحة ‪.383‬‬
‫(‪ ((2‬نفس المرجع‪ ،‬الصفحة ‪.384‬‬

‫‪81‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫املبحث الثاني‪ :‬النسق احلكائي الضمين‪:‬‬


‫‪ -1‬داللة األشخاص‪:‬‬
‫إن مصطلـح الشـخصيات ليـس مكونـا سـرديا ثابتـا يمكـن حصـره فـي داللـة محـددة‪ ،‬وإنمـا‬
‫هـو مصطلـح يحمـل سـمات متعـددة ودالالت ال حصـر لهـا فـي سـياقات مختلفـة‪ ،‬يمكـن أن تتيح‬
‫الكثيـر مـن إمكانـات السـرد المتعـددة والمتنوعة‪ ،‬فالشـخصية ليسـت "تابعة للحـدث أو منفعلة‬
‫بـه‪ ،‬وإنمـا ‪-‬هي‪-‬جـزء مكـون وضـروري لتالحـم السـرد"(‪ ،((2‬والموقـع الروائـي هـو الـذي يحـدد‬
‫الصفـات واالنفعـاالت التـي تطبـع تلـك الشـخصية‪" ،‬فالمؤلـف يسـند إلـى شـخصياته رتبـة‬
‫محـددة‪ ،‬حيـن يجعـل منهـا شـخصيات رئيسـة وأخـرى عابـرة‪ .‬وهـذه الضـرورة الشـكلية أصبحـت‬
‫مـن القـوة‪ ،‬بحيـث إن القـارئ يبحـث بالفطـرة عـن هـذه التراتبيـة بيـن الشـخصيات"(‪ ،((3‬لكـن‬
‫المهـم فـي الروايـة ليـس "مـا تمثلـه الشـخصية فـي العالـم‪ ،‬ولكـن مـا يمثلـه العالـم بالنسـبة‬
‫للشـخصية‪ ،‬ومـا تمثلـه الشـخصية بالنسـبة لنفسـها"(‪.((3‬‬
‫وبرغـم القفـزة النوعيـة التـي حققهـا العوفـي فإنـه ال يـزال يخلـط بيـن اإلبـداع الروائـي‬
‫وصاحبـه‪ ،‬برغـم محاولتـه إضمـار ذلـك‪ ،‬ونلمـس هـذا فـي ربطه بيـن ندرة الشـخصيات في رواية‬
‫اليتيـم وبيـن موقـف العـروي فـي كتابـه اإليديولوجيـة العربيـة‪ ،‬علـى اعتبـار أن العـروي يمثـل‬
‫البورجوازيـة‪ ،‬وأن "األوسـاط المغايـرة للبرجوازيـة هـي أوسـاط تخوميـة‪ ،‬غيـر مركـزة‪ ،‬ويدخـل‬
‫الروائيـون إليهـا دخـوالت عابـرة سـريعة‪ ،‬لكنهـا ال تكـون أبـدا دعامة للرواية‪ .‬وهـي تخدم على‬
‫األكثـر فـي تحديـد أطـراف الدائـرة فـي الروايـة‪ .‬ذلـك ألن هـذه األطـراف تتلقـى بنيـة ووتيـرة‬
‫هـذه البـؤرة المركزيـة وشـكلها األساسـي‪ ...‬إن موضـوع الروايـة المفضـل هـو الكشـف عـن بنيـة‬
‫اجتماعيـة غيـر تجربـة فرديـة‪ ،‬وعـن نجاحاتهـا وإخفاقاتهـا المباشـرة أو غيـر المباشـرة"(‪.((3‬‬
‫بنـاء علـى هـذا الصـورة التـي أفـرزت الروايـة‪ ،‬وعلـى حـد تعبيـر العوفـي‪ ،‬بـدت األطـراف‬
‫والمحـاور التخوميـة فـي الروايـة واهيـة المواقـع باهتـة السـيماء ذات حضـور عرضـي عابـر‪،‬‬
‫إذا قيسـت بإدريـس وماريـة‪ ،‬كأقنـوم محـوري مـزدوج‪ ،‬وبإدريـس علـى نحـو خـاص‪ ،‬كبطـل أول‬
‫للروايـة ومفتـاح أساسـي لهـا‪ .‬ومـن ثـم يمكـن اعتبار المحـاور األخرى‪ ،‬ثانوية كانـت أم مجهرية‪،‬‬
‫حاضـرة أم مسـتحضرة‪ ،‬مجـرد هوامـش وظلال محيطيـة تسـبح حـول المركـز ومفاتيـح صغـرى‬
‫للروايـة"(‪.((3‬‬
‫وبغض النظر عن موقف العوفي من طبيعة الشـخصيات وطريقة توزيعها‪ ،‬نالحظه يوظف‬
‫مصطلـح المحـاور أو المحـاور الشـخصية‪ ،‬عـوض مصطلـح الشخصية‪/‬الشـخصيات‪ ،‬وهـذا االنفـراد‬
‫فـي اختيـار األلفـاظ لمعانـي ودالالت المصطلحـات‪ ،‬ليس في التميز من شـيء‪ ،‬سـوى أنه يسـقط‬
‫القـارئ فـي االلتبـاس وعـدم التمييـز بيـن المصطلحـات‪ ،‬ال سـيما أن مصطلحـات النقـد ليسـت‬
‫فـي حاجـة إلـى االضطـراب وعـدم الضبـط؛ ألن كل انزيـاح عـن سـكة النقـد‪ ،‬يزيـد مـن أزمتـه‪،‬‬
‫ويعيـد خلـط األوراق ويعيـق حركته‪.‬‬
‫هـذا مـن جهـة‪ ،‬أمـا مـن جهـة الـدالالت التـي تحيـل عليهـا الشخصية‪/‬الشـخصيات فـي نظـر‬
‫العوفـي‪ ،‬وتجسـدها شـخصية إدريـس‪ ،‬فهـو بالنسـبة إليـه يمثـل "فـي الروايـة القيـم الطهرانيـة‬
‫واألصيلـة فـي مجتمـع يفتقدهـا‪ ،‬ويسـبح ضدهـا فـي مـدار خـارج عـن جاذبيتهـا‪ .‬يمثـل الوعـي‬

‫(‪ ((2‬حسن بحراوي‪ ،‬بنية الشكل الروائي‪ ،‬الصفحة ‪.209‬‬


‫‪(30) Georges Lukacs : Problèmes du réalisme, Edition L’arc, 1975, page 90.‬‬
‫‪(31) Mikhaïl Bakhtine : La poétique Dostoïevski. Editions seuil. 1970. Page 282.‬‬
‫(‪ ((3‬عبـد اهلل العـروي‪ ،‬األيديولوجيـا العربيـة المعاصـرة‪ ،‬ترجمـة محمـد عيتانـي‪ ،‬دار الحقيقـة‪ ،‬بيـروت ‪-‬لبنان‪،‬‬
‫الطبعـة ‪ ،1970 ،1‬الصفحـة ‪.277‬‬
‫(‪ ((3‬نجبب العوفي‪ ،‬درجة الوعي في الكتابة‪ ،‬الصفحة ‪.386‬‬

‫‪82‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫الصافـي ضمـن واقـع يرتـع فـي الخطايا ويتنفس هـواء التخلف"(‪ ،((3‬وكأنه بطـل يقوم "بالبحث‬
‫عـن قيـم أصيلـة فـي عالـم منحـط"(‪ ،((3‬يقف "بين شـجنين‪ ،‬شـجن الذهنية الغربيـة (أوروبا)‪،‬‬
‫وشـجن الذهنيـة الشـرقية (العالـم العربـي)‪ ،‬وضمنـه (المغـرب) كشـجن قريـب وخـاص‪ .‬الفاصـل‬
‫والصعـب بيـن شـجنين‪ ،‬شـجن الذهنيـة الغربية (أوروبـا)"(‪.((3‬‬
‫وبمـا أن هـذه الشـخصية عنصـر دال فـي منظـور العوفـي الـذي تبنـاه‪ ،‬فهـو يـرى أن مـن‬
‫دالالت إدريـس شـخصية "اليتيـم" الرئيسـة‪ ،‬إدراك "ميكانيـزم الغـرب الـذي يقبلـه ويرفضـه‬
‫معـا‪ ،‬و(إدراك) ميكانيـزم الشـرق الـذي يقبلـه ويرفضـه معـا أيضـا‪ .‬يسـكن األول دماغـه ويسـكن‬
‫الثانـي وجدانـه‪ ،‬وبينهمـا تتأرجـح المسـألة المغربيـة منزلـة بين المنزلتين‪ .‬ومـن ثم تضاعفت‬
‫مأسـاوية الوعـي‪ ،‬بتضاعـف التخلـف والتبـاس معادالتـه‪ .‬وأصبـح إدريـس مسـكونا بشـيزوفرينيا‬
‫حضاريـة"(‪.((3‬‬
‫وبغـض النظـر عـن كـون الشـخصية التـي سـلط عليهـا الضوء تمثـل "البورجوازيـة المدينية‬
‫الصغـرى‪ ..‬الطبقـة المثقفة‪(...‬النخبـة) "(‪ ،((3‬وبغـض النظـر عـن عالقاتـه المركبـة فـي‬
‫الروايـة‪ ،‬فهـو يـرى أن العالـم النقيـض لعالـم تلـك الشـخصية‪" ،‬يرتكـز علـى مـا يسـميه العـروي‬
‫"التقليدويـة‪ ،...‬ويقـوم علـى عالقـات مخزنيـة رقيـة‪ ...‬وعلى فكر ثيولوجي‪ ،...‬وعلى سـلفية‬
‫تبريريـة‪،((3(" ...‬‬
‫وتتجسـد رؤيـة العالـم مـن خلال تلـك الشـخصية ‪-‬كمـا يـرى العوفـي مـن خلال "االنتهازيـة‬
‫الفيوداليـة‪ ...‬وذيليـة البورجوازيـة الوسـيطة والميوعـة الليبرالية‪ ...‬ومـن خلف هذه المحاور‪/‬‬
‫العوالـم ‪-‬علـى حـد تعبيـر العوفي‪-‬يطـل المجتمـع الضحيـة‪ ،‬خلال الروايـة‪ ،‬مـن ثقـب ضيـق‬
‫ويتنفـس فـي عالـم محـدود‪ .‬لكـن برغـم محدوديتـه فـي الروايـة‪ ،‬يظـل هـو العالـم األرحـب‬
‫واألنقـى واألشـقى أيضـا"(‪.((4‬‬
‫إذن فداللـة األشخاص‪/‬الشـخصيات فـي نظـر العوفـي تتجسـد فـي مجموعة مـن الصور‪ ،‬التي‬
‫تكـون رؤيـة للعالـم بمنظـار هـذه الروايـة‪ ،‬وفـي عالقـة هـذا المعطـى بداللـة المصطلـح الـذي‬
‫وظفـه العوفـي‪ ،‬فهـو يجسـد المفهـوم الـذي ينبغـي أن يحملـه المصطلـح‪ ،‬وكلمـا اقتـرب بـه أكثـر‬
‫مـن داللـة النـص المسـتقل بذاتـه‪ ،‬كلمـا كان لتلـك المصطلحات قيمة وظيفية‪ ،‬ستسـاعده على‬
‫اسـتخالص الـدالالت‪ ،‬وسـتبرز مـا كان يختفـي وراء الكلمـات وسـطور الروايـة‪.‬‬
‫وعليـه فقـراءة العوفـي هـذه‪ ،‬مقارنـة مـع القـراءات السـابقة التـي كانـت تربـط الشـخصية‬
‫بالمؤلـف‪ ،‬كانـت موضوعيـة نسـبيا‪ ،‬واحترمـت خصوصيـة النـص الروائـي‪ ،‬واكتفـت بمـا يتيحـه‬
‫لهـا النـص وعناصـره مـن دالالت‪ ،‬والتوظيـف المصطلحـي هـو اآلخـر‪ ،‬سـاهم فـي بـروز دالالت‬
‫متنوعـة مـا كانـت الروايـة ستسـلم بها لـو لم يلتزم العوفي بخصوصيتها‪ ،‬وهـذه القفزة النوعية‬
‫فـي النقـد‪ ،‬كان لهـا األثـر اإليجابـي علـى النصـوص وعلـى تطـور الخطـاب النقـدي ومصطلحـات‬
‫النقد‪.‬‬
‫إن هـذه الطفـرة فـي االرتبـاط بالبنيويـة التكوينيـة‪ ،‬خلصـت العوفـي مـن المعياريـة‬
‫واالنتقائيـة التـي كانـت تسـيء إلـى النقـد‪ ،‬وتسـيء اسـتعمال مصطلحـات النقـد فـي مواضع غير‬
‫مواضعهـا‪ ،‬وبنـاء علـى تلـك الخصوصيـة التـي ظلـت الروايـة متمسـكة بهـا‪ ،‬التـي توجـب فـي‬

‫(‪ ((3‬نفس المرجع‪ ،‬الصفحة ‪.386‬‬


‫‪(35) Lucien Goldmann: Pour une sociologie du roman. Editions Gallimard 1964.‬‬
‫‪Page24.‬‬
‫(‪ ((3‬نجبب العوفي‪ ،‬درجة الوعي في الكتابة‪ ،‬الصفحة ‪.387‬‬
‫(‪ ((3‬نفس المرجع‪ ،‬الصفحة ‪.387‬‬
‫(‪ ((3‬نفس المرجع‪ ،‬الصفحة ‪.388‬‬
‫(‪ ((3‬نفس المرجع‪ ،‬الصفحة ‪.390- 389‬‬
‫(‪ ((4‬نفس المرجع‪ ،‬الصفحة ‪.390‬‬

‫‪83‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫دراسـتها مراعـاة تلـك الخصوصيـة‪ ،‬فقـد اقتـرب منها العوفي في قراءتـه الثانية لرواية العروي‪،‬‬
‫ووفـق نسـبيا فـي قنـص رسـائلها المشـفرة‪ ،‬واسـتوعب الـدرس النقـدي‪ ،‬وكانـت هـذه الخطـوة فـي‬
‫إضفـاء البعـد البنيـوي التكوينـي علـى مصطلح الشـخصية‪ /‬الشـخصيات مهمـة‪ ،‬وأحدثت تفاعال‬
‫بيـن المصطلـح السـردي والداللـة البنيويـة التكوينيـة‪ ،‬مـا سـاهم فـي بنـاء تصـور جديـد أغنى‬
‫قـراءة الروايـة‪.‬‬
‫‪ -2‬داللة األمكنة‪:‬‬
‫يعـد المـكان مـن المصطلحـات المهمـة فـي السـرد‪ ،‬ويمثـل عنصـرا بـارزا وركيـزة أساسـية مـن‬
‫عناصـر السـرد الروائـي؛ ألنـه الفضـاء الـذي يحتـوي أحـداث الروايـة‪ ،‬لكنـه لم يحـظ باالهتمام‬
‫الـكاف‪" ،‬وال توجـد أيـة نظريـة للمـكان الروائـي‪ ،‬ولكـن يوجـد فقـط مسـار للبحـث ذو منحـى‬
‫جانبـي غيـر واضـح‪ .‬وقـد مثـل هـذا التوجـه األكثـر حيويـة غاسـتون باشلار‪ ،‬عندمـا قـام فـي‬
‫(شـعرية المـكان) بدراسـة القيـم الرمزيـة المرتبطـة بالمناظـر التـي تتـاح لرؤيـة السـارد أو‬
‫الشـخصيات‪ ،‬سـواء فـي أماكـن إقامتهـم كالبيـت والغـرف المغلقـة‪ ،‬أم فـي األماكـن المنفتحـة‪،‬‬
‫الخفيـة أو الظاهـرة‪ ،‬المركزيـة أو الهامشـية"(‪.((4‬‬
‫وبمـا أن المـكان ليـس "منعـزال عـن باقـي عناصـر السـرد‪ ،‬وإنمـا يدخـل في عالقـات متعددة‬
‫مـع المكونـات الحكائيـة األخـرى للسـرد‪ ،‬كالشـخصيات واألحـداث والرؤيـات السـردية"(‪ ،((4‬فلـه‬
‫وظائـف مهمـة فـي الروايـة ودالالتـه متعـددة ومتنوعـة‪ ،‬وال ينحصـر دوره فـي مجـرد فضـاء‬
‫تجـري فيـه األحـداث‪ ،‬وقـد عنيـت العديـد مـن الدراسـات بهـذه الـدالالت التـي يحملهـا المـكان‬
‫فـي الروايـة‪ ،‬وباعتبـاره عنصـرا تخييليـا فهـو يحمـل كمـا هائلا مـن المشـاعر والتصـورات التـي‬
‫ال حصـر لهـا‪.‬‬
‫وبنـاء علـى هـذه الخصوصيـة التـي يحملها مصطلـح المكان في بنية الرواية السـردية‪ ،‬قام‬
‫نجيـب العوفـي بقـراءة دالالتـه فـي روايـة اليتيـم‪ ،‬وقبـل ذلـك يـرى أن "الفضـاء الجغرافـي فـي‬
‫الروايـة غلاف شـديد الرقـة والشـفافية للفضـاء الزمنـي والنفسـي‪ ،‬تتحـرك ظاللـه ومسـاحاته‬
‫داخـل الـذات أكثـر ممـا تتحـرك خارجهـا‪ .‬فمعظـم األمكنـة الـواردة فـي السـياق الروائـي‪ ،‬كمـا‬
‫هـو الشـأن بالنسـبة لمعظـم المحـاور الشـخصية‪ ،‬مسـتحضرة بالذاكـرة ومتداولـة غيابيا وليسـت‬
‫مقتحمـة بالحـواس ومتداولـة عيانيـا‪ .‬إن حجـم المتذكـر والمتخيـل فـي الروايـة يفـوق حجـم‬
‫المشـهود والمحسـوس"(‪.((4‬‬
‫والعوفـي يـرى أن "لهـذا األمـر داللتيـن أساسـيتين‪ :‬األولـى تشـير إلـى أن واقـع اللحظـة‬
‫المكانيـة والزمانيـة‪ ،‬واقـع غيـر مرغـوب فيـه‪ ،‬واقـع يثيـر نفـور الـذات وقلقهـا أكثـر ممـا يثيـر‬
‫رضاهـا وسـكينتها‪ .‬ولهـذا يقـع اختـراق وتخطـي سـجن اللحظـة‪ ،‬عبـر لحظـات أخـرى يفيـض‬
‫بهـا التذكـر والتخيـل‪ .‬والثانيـة تشـير إلـى أن النشـاط الذهنـي عنـد إدريـس أقـوى مـن النشـاط‬
‫العملـي‪ ،‬وعالمـه الداخلـي أكثـر اتسـاعا وغنـى مـن عالمـه الخارجـي"(‪.((4‬‬
‫إن للمـكان فـي الروايـة‪ ،‬إذن‪ ،‬حسـب مـا أورد العوفـي‪ ،‬حضـور متخيـل وذهنـي أكثـر مـا هـو‬
‫ملمـوس‪ ،‬ولهـذا داللـة عاطفيـة يجسـدها ارتبـاط الشـخصيات باألماكـن والفضـاءات‪ ،‬وفـي هـذا‬
‫البـاب يمكـن للمـكان أن يقـوم بـدور داللـي بالـغ األهميـة‪ ،‬وهـذا راجـع باألسـاس إلـى "التأثيـر‬
‫المتبـادل بيـن الشـخصية والمـكان الـذي تقيـم فيـه‪ ،‬أو البيئـة التـي تحيـط بهـا‪ ،‬بحيـث يصبـح‬
‫بإمـكان بنيـة الفضـاء الروائـي أن تكشـف لنـا عن الحالة الشـعورية التي تعيشـها الشـخصية‪ ،‬بل‬

‫(‪ ((4‬هنري ميتراند‪ ،‬نقال عن حسن بحرواي‪ ،‬بنية الشكل الروائي‪ ،‬الصفحة ‪.25‬‬
‫(‪ ((4‬حسن بحرواي‪ ،‬بنية الشكل الروائي‪ ،‬الصفحة ‪.25‬‬
‫(‪ ((4‬نجيب العوفي‪ ،‬درجة الوعي في الكتابة‪ ،‬الصفحة ‪.391‬‬
‫(‪ ((4‬نفس المرجع‪ ،‬الصفحة ‪.391‬‬

‫‪84‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫وقـد تسـاهم فـي التحـوالت الداخليـة التـي تطـرأ عليهـا"(‪.((4‬‬


‫وقد قسـم العوفي أمكنة الرواية إلى "أمكنة صغرى… وأمكنة وسـطى‪ ...‬وأمكنة كبرى‪،...‬‬
‫ويبقـى المركـز األساسـي‪ ،‬الواقعـي والرمـزي‪ ،‬الجامـع لهـذه األمكنـة في الرواية ‪-‬حسـب رأيه‪ -‬هو‬
‫المدينـة‪ .‬وهـي هنـا مجسـدة فـي البيضـاء‪ ،‬وتبقـى الرمـوز المكانيـة األخـرى‪ ،‬إمـا مندغمـة فـي‬
‫صلـب المركـز‪ ،‬أو محيطـات عابـرة ومضافـة‪ .‬وليـس فـي هـذا خـروج علـى المألـوف‪ .‬فقـد كانـت‬
‫المدينـة ومـا تـزال المجـال األثيـر الـذي تسـبح فيـه الروايـة‪ ،‬غربيـة كانـت أم شـرقية‪ ،‬والرئـة‬
‫التـي تتنفـس بهـا"(‪ ،((4‬وتبـدو المدينـة فـي الروايـة ‪-‬مـن منظـور العوفي‪" -‬كما هـي في نصوص‬
‫األدب العربـي المعاصـر‪ ،‬روايـة وقصـة وشـعرا‪ ،‬رمـزا لالغتـراب ولمحـات الـذات وافتقاد السـكينة‬
‫والبـراءة وانحطـاط القيـم وزيفهـا"(‪ .((4‬وليؤكـد هـذه الفرضيـة المكانيـة اسـتعان بمقـوالت‬
‫العـروي عـن الروايـة الـذي يعتبـر "المدينـة الكبيـرة هـي المسـرح الضـروري للروايـة الكبيـرة‪،‬‬
‫ألنهـا تجمـع فـي حيـز محـدود‪ ،‬المركـز واألطـراف‪ ،‬اإلنسـان وسـوابقه‪ ،‬العالـم المنجـز ورسـومه‬
‫األوليـة العرضيـة"(‪ ،((4‬وهـذا الخلـط‪ ،‬كمـا أشـرت سـابقا‪ ،‬يجسـد قصـور العوفـي النظـري فـي‬
‫نقـد الروايـة‪ ،‬فرغـم تغييـره لألسـاليب النقديـة وتوظيفـه مصطلحات نقدية خاصـة بالرواية‪،‬‬
‫وتخلصـه نسـبيا مـن االنتقائيـة المصطلحيـة‪ ،‬ال يـزال يلـح على ربط اإلبـداع بصاحبه ويحمله‬
‫المسـؤولية فـي كل صغيـرة وكبيـرة‪ ،‬كمـا فـي هـذه الداللـة التـي يريـد تأكيدهـا‪.‬‬
‫بنـاء علـى مـا سـبق‪ ،‬نالحـظ أن العوفـي أولى اهتماما بالغـا بمصطلح المكان‪ ،‬على اعتبار أنه‬
‫يحمـل دالالت عديـدة ومتنوعـة‪ ،‬ليـس مجـرد مـكان جامـد يسـتوعب األحـداث الروائيـة‪ ،‬وإنمـا‬
‫باعتبـاره فاعلا ومؤثـرا فـي العمليـة السـردية‪ ،‬وكان توظيفـه لهـذا المصطلـح مرافقـا لـدالالت‬
‫المنهـج الـذي سـلكه فـي نقـد الروايـة‪ ،‬فاقتـران مصطلـح المـكان ومصطلـح الداللـة أضفـى علـى‬
‫البعـد السـردي‪ ،‬أبعـادا أخـرى بنيويـة تكوينيـة‪ ،‬مـا أحـدث تفاعلا مصطلحيـا ودالليـا مهمـا‪،‬‬
‫سـاهم فـي إعـادة قـراءة الروايـة‪ ،‬بشـكل يختلـف عـن القراءات السـابقة‪.‬‬
‫‪ -3‬مستويات الذاكرة‪:‬‬
‫يعـد مصطلـح الذاكـرة مـن المصطلحـات المهمـة ضمـن عناصـر السـرد‪ ،‬علـى اعتبـار أنـه‬
‫يمثـل الوقائـع والمواقـف التـي يسـترجعها السـرد فـي اللحظة الحاضرة‪ ،‬وتفيد في سـد فراغات‬
‫الحكاية‪ ،‬وتسـاعد على تسـويغ شـرح سـلوك الشـخصيات في الحاضر‪ ،‬وعلى توقع ذلك السـلوك‬
‫في المسـتقبل"(‪ ،((4‬فإن كل عودة للماضي تشـكل‪ ،‬بالنسـبة للسـرد اسـتذكارا يقوم به لماضيه‬
‫الخـاص‪ ،..‬ومـن بيـن األنـواع األدبيـة المختلفـة تميـل الروايـة‪ ،‬أكثـر مـن غيرها‪ ،‬إلـى االحتفال‬
‫بالماضـي‪ ،‬واسـتدعائه‪ ،‬لتوظيفـه بنائيـا عـن طريـق اسـتعمال االسـتذكارات التـي تأتـي دائمـا‪،‬‬
‫لتلبيـة بواعـث جماليـة وفنيـة خالصـة فـي النـص الروائـي‪ .‬وتحقـق هـذه االسـتذكارات عـددا‬
‫مـن المقاصـد الحكائيـة‪ ،‬مثـل مـلء الفجـوات التي يخلفها السـرد وراءه‪ ،‬سـواء بإعطائنا معلومات‬
‫حول سـوابق شـخصية جديدة دخلت عالم القصة‪ ،‬أم باطالعنا على حاضر شـخصية اختفت‬
‫(‪((5‬‬
‫عـن مسـرح األحـداث ثـم عـادت للظهـور من جديـد‪".‬‬
‫وتأسيسـا على ما سـبق قام العوفي بتوظيف مصطلح الذاكرة كونه أشـمل وأرحب من الزمن‬
‫الـذي يعـده جـزءا مـن الذاكـرة‪ ،‬وعليـه "يلعـب الزمـن النفسـي فـي الروايـة دورا أساسـيا وعميقا‪،‬‬
‫ويعـد عصـب الذاكـرة الروائيـة وشـريانها المتدفـق والمتوتـر…‪ ،‬والروايـة بهـذا تشـبه جلسـة‬
‫سـرية‪ ،‬يخلـو فيهـا إدريـس إلـى ذاتـه‪ ،‬يكشـف مكنونهـا وينـزع الصمـام عـن تأمالتهـا وذكرياتهـا‬
‫(‪ ((4‬حسن بحراوي‪ ،‬بنية الشكل الروائي‪ ،‬الصفحة ‪.30‬‬
‫(‪ ((4‬نفس المرجع‪ ،‬الصفحة ‪392 - 391‬‬
‫(‪ ((4‬نفس المرجع‪ ،‬الصفحة ‪.392‬‬
‫(‪ ((4‬عبد اهلل العروي‪ ،‬األيديولوجيا العربية المعاصرة‪ ،‬الصفحة ‪.276‬‬
‫(‪ ((4‬يوسف حطيني‪ ،‬مصطلحات السرد في النقد األدبي‪ ،‬الصفحة ‪.107‬‬
‫(‪ ((5‬حسن بحراوي‪ ،‬بنية الشكل الروائي‪ ،‬الصفحة ‪.122 - 121‬‬

‫‪85‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫وأحالمهـا‪ .‬إن معظـم الشـخصيات واألحـداث واألمكنـة الـواردة فـي الروايـة‪ ،‬كمـا سـبق‪ ،‬معطيـات‬
‫لذلـك الزمـن النفسـي المشـتعل‪ ،‬شـبكة مـن الحيـاة تنسـج علـى نـول الذاكـرة وتتخلـق داخلهـا‪.‬‬
‫بـل يمكـن القـول ‪-‬بتعبيـر العوفـي‪ -‬إن الروايـة علـى نحـو عـام‪ ،‬شـريط تأملـي ذاتـي يحمـض فـي‬
‫الذاكـرة‪ ،‬ويتقطـر مـن حدقتهـا"(‪.((5‬‬
‫إذن فالعوفـي يـرى أن مصطلـح الذاكـرة فـي الروايـة حاضـر بقـوة مـن خلال الزمـن النفسـي‪،‬‬
‫الـذي هـو عبـارة عـن تأملات وذكريات وأحالم‪ ،‬لكنه تناول المصطلح بشـكل سـطحي‪ ،‬ولم يحط‬
‫بـكل جوانبـه فـي الروايـة‪ ،‬معتبـرا هـذا الجانـب النفسـي فـي طبيعـة إدريـس شـخصية الروايـة‬
‫الرئيسـة‪ ،‬سـلبيا مـن زاويـة أنـه "كان يتأمـل أكثـر ممـا كان يتصـرف"(‪ ،((5‬وال يرقـى إلـى مسـتوى‬
‫البطـل الثـوري الـذي يـراه العوفـي "ينتقـل‪ ..‬مـن حيـز الرفـض السـلبي إلى التجـاوز مغامرا بنقاء‬
‫حلمـه‪ ،‬محـاوال أال يقـف عنـد مخاصمـة النفـس والواقع"(‪.((5‬‬
‫إذن فالعوفـي يقـف موقفـا سـلبيا‪ ،‬نوعـا مـا‪ ،‬مـن طبيعـة الذاكـرة فـي روايـة اليتيـم‪ ،‬برغـم‬
‫إقـراره بإيجابيـة الموقـف الروائـي مـن حيـث المبـدأ‪ ،‬ونفهـم مـن موقفـه هذا أن وظيفـة الذاكرة‬
‫يجـب أن ترقـى بالروايـة وشـخصياتها مـن مسـتوى التأمـل والحلـم إلـى مسـتوى التصـرف والفعـل‪،‬‬
‫كمـا أقـر ذلـك‪ ،‬واستشـهد بمحمـد عابـد الجابـري ليؤكـد موقفـه مـن العروي نفسـه الـذي يحمله‬
‫مسـؤولية روايتـه‪ ،‬فالعـروي فـي نظـره "مفكـر عربـي يكتـب عـن معانـاة وعـن اطلاع‪ .‬ولـو أن‬
‫معاناتـه معانـاة ذهنيـة فقـط‪ ،‬واطالعـه اطلاع (غربـي) أكثـر منـه عربـي"(‪.((5‬‬
‫وهـذا الموقـف يذكرنـا بدراسـاته السـابقة حينمـا كان يقحـم مؤلـف الروايـة فـي دراسـته‪،‬‬
‫ويحاسـبه ويحملـه مسـؤولية إبداعـه‪ ،‬وبهـذا ينـزاح مجـددا عـن وظيفـة النقـد‪ ،‬ويسـمح لنفسـه‬
‫بربـط النـص بخارجـه‪ ،‬ويفـرغ الدراسـة مـن محتواهـا الحقيقـي‪ ،‬وتصبـح المصطلحـات فـي غيـر‬
‫موضعهـا‪ ،‬وهـو بهـذا الربـط يريـد القـول إن مصطلـح الذاكـرة وفـق تصوره لم يوظف فـي الرواية‬
‫بالشـكل المطلـوب‪ ،‬وإن االسـتغراق فيـه مـن خلال الحلـم والتأملات‪ ،‬يحصـر فعـل الشـخصيات‬
‫الروائيـة فـي حـدود التأمـل‪.‬‬
‫بغـض النظـر عـن موقفـه مـن طبيعـة الذاكـرة فـي روايـة اليتيـم‪ ،‬فهـو يقسـمها إلـى ثلاث‬
‫مسـتويات‪ ،‬ذاكـرة اسـترجاعية يـرى أنهـا "تنكـص بالروايـة إلى الوراء‪ ،‬وينبش إدريس بواسـطتها‬
‫مسـتودع الماضـي‪ ،‬وذلـك علـى مسـتويين‪ ،‬مسـتوى الماضـي القريـب‪ ،...‬ومسـتوى الماضـي‬
‫البعيـد‪ .‬وذاكـرة حلميـة‪ - ،‬يـرى أنهـا‪ -‬ترتـد بواسـطتها الروايـة مـن الخلـف إلـى األمـام‪ ،‬وتحـاول‬
‫افتضـاض الزمـن واختراقـه عبـر الحلـم‪ .‬وتتجلـى مـن خلال الرحلـة الوهميـة التـي قـام بهـا‬
‫إدريـس إلـى البندقيـة‪ ،‬ومـن خلال الصبـوات المتخطفـة والعرضيـة نحـو مـدن وعوالـم أخـرى‪.‬‬
‫وذاكـرة تسـجيلية وآنيـة‪ ،‬واسـطتها العيـن الخارجيـة في حال السـرد الوصفي وتحديد المشـاهد‬
‫واألشـياء‪ .‬ولحمتهـا التفاعـل الفـوري والمباشـر الحاصـل بيـن األطـراف فـي حـال الحـوار وجـدل‬
‫العالقـات اآلنيـة‪ ،‬ثنائيـا كان هـذا الحـوار أم الجـدل متعـدد األطـراف"(‪.((5‬‬
‫وبرغـم تقسـيم مسـتويات الذاكـرة‪ ،‬هـذا‪ ،‬فالعوفـي يـرى أن الروايـة تصطبـغ بمأسـاة اليتـم‪،‬‬
‫"سـواء ارتـدت الذاكـرة إلـى أطـواء الماضـي‪ ،‬أو جنحـت إلـى سـديم الحلـم‪ ،‬أو تغلغلـت فـي قعـر‬
‫الوعـي والتأمـل‪ ،‬أو ارتطمـت بجـدار اللحظـة واآلن‪ ،‬كان المعنـى يتفلـت مـن اليـد‪ .‬وكان اليتـم‬
‫والمثـل تختنـق وسـط هـواء عكـر‪ ،‬تضـرب بأجنحتهـا المكـدودة والناعمـة بـدون جـدوى‪ .‬وكان‬
‫اليتـم قـدرا مأسـاويا وغرابـا أسـطوريا‪ ،‬يجثـم بجناحـه األسـود علـى األشـياء"(‪.((5‬‬

‫(‪ ((5‬نجيب العوفي‪ ،‬درجة الوعي في الكتابة‪ ،‬الصفحة ‪393‬‬


‫(‪ ((5‬نفس المرجع‪ ،‬الصفحة ‪.394‬‬
‫(‪ ((5‬نفس المرجع‪ ،‬الصفحة ‪.395 - 394‬‬
‫(‪ ((5‬نفس المرجع‪ ،‬الصفحة ‪.395‬‬
‫(‪ ((5‬نفس المرجع‪ ،‬الصفحة ‪.394‬‬
‫(‪ ((5‬نفس المرجع‪ ،‬الصفحة ‪.394‬‬

‫‪86‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫ومنـه يتضـح أن تصـور العوفـي لمصطلـح الذاكـرة يتناقـض مـع المفهـوم الـذي ورد بـه فـي‬
‫روايـة العـروي‪ ،‬علـى اعتبـار أن الذاكـرة فـي الرواية يغلب عليها الطابع الذهني والنفسـي‪ ،‬ويحد‬
‫مـن تصـرف وفعـل الشـخصيات‪ ،‬وكان الهـدف الرئيـس من توظيف هذا المصطلح‪ ،‬والعوفي نفسـه‬
‫يخـف ذلـك‪ ،‬هـو محاكمـة الرواية وشـخصياتها‪ ،‬ومحاسـبتها علـى األخطاء التـي ارتكبتها‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫لـم‬
‫وهـذا بـارز فـي التسـاؤل الـذي طرحـه‪ ،‬بقولـه‪" :‬أي حكـم يمكـن أن نرتبـه علـى إدريـس‪،‬‬
‫بعـد هـذه الرحلـة التـي قمنـا بهـا معـه؟ أيـة بطولـة هـذه التـي جسـدها فـي الروايـة‪ ..‬أبطولـة‬
‫إيجابيـة أم بطولـة سـلبية؟ ال مـراء فـي أن إشـكاليته‪ ،‬فـي العمـق‪ ،‬كانـت إشـكالية إيجابيـة‬
‫وصحيـة؛ ألنهـا مـرآة صادقـة لإلشـكالية االجتماعيـة أوال‪ ،‬وألنهـا آيـة الجـدل الخصـب الـذي‬
‫يقـوم بيـن الـذات والواقـع‪ .‬الـذات المهمومـة الرافضـة والتواقـة التـي تديـن الواقـع عـوض أن‬
‫تمالئه‪ ،‬تريد بعثه عوض موته‪ .‬ولكن دورة هذه اإلشـكالية كانت في نفق مسـدود؛ ألن إدريس‬
‫كان يتأمـل أكثـر ممـا كان يتصـرف‪ .‬كان يسـأل أكثـر ممـا كان يجيـب‪ .‬لقـد كان شـمعة تحتـرق في‬
‫صمـت ومعانـاة‪ ،‬لكـن إضاءتهـا‪ ،‬عمليـا‪ ،‬كانـت باهتـة أو منعدمـة"(‪.((5‬‬
‫ومـن هنـا نسـتنتج أن توظيـف العوفـي لمصطلـح الذاكـرة‪ ،‬انـزاح كما أشـرت سـابقا عن قراءة‬
‫دالالت الروايـة‪ ،‬إلـى تقديـم أحـكام قيمـة فـي حقهـا‪ ،‬وكان اختيـاره لمصطلـح الذاكـرة عـوض‬
‫مصطلـح الزمـن‪ ،‬إيمانـا منـه بعالقـة الرواية بصاحبها‪ ،‬ووسـمها بالروايـة األوتوبيوغرافية ليس‬
‫غريبـا عـن مواقـف العوفـي‪ ،‬فقـد صاحبتـه هـذه الفكـرة طوال مسـيرته النقدية‪ ،‬سـواء أخفاها‬
‫أم أعلنهـا‪ ،‬حتـى فـي إعـادة قـراءة نفـس الروايـات وفـق منهـج جديـد‪ ،‬يعيـد ارتـكاب األخطـاء‬
‫نفسـها بربـط النـص الروائـي بمؤلفـه‪ ،‬ولعـل هـذه الرؤيـة‪ ،‬هـي المحـددة لطبيعـة توظيـف‬
‫المصطلحـات وطريقتهـا‪.‬‬

‫(‪ ((5‬نفس المرجع‪ ،‬الصفحة ‪.394‬‬

‫‪87‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫املصادر واملراجع‬
‫املراجع العربية‪:‬‬
‫‪1 .‬نجيب العوفي‪ ،‬درجة الوعي في الكتابة‪ ،‬دار النشر المغربية‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬الطبعة ‪.1980 ،1‬‬
‫‪2 .‬حسـن بحـراوي‪ ،‬بنيـة الشـكل الروائـي‪ ،‬الفضـاء ‪ -‬الزمـن ‪ -‬الشـخصية‪ ،‬المركـز الثقافـي العربـي‪ ،‬الـدار البيضـاء‪،‬‬
‫الطبعـة ‪.2009 ،2‬‬
‫‪3 .‬محمد برادة‪ ،‬فضاءات روائية‪ ،‬وزارة الثقافة‪ ،‬الرباط‪ ،‬الطبعة ‪.2003 ،1‬‬
‫‪4 .‬محمد برادة‪ ،‬الرواية ذاكرة مفتوحة‪ ،‬آفاق للنشر والتوزيع‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬الطبعة ‪.2008 ،1‬‬
‫‪5 .‬محمد برادة‪ ،‬الرواية العربية ورهان التجديد‪ ،‬كتاب دبي الثقافية‪ ،‬الطبعة ‪ ،1‬مايو‪2011 ،‬‬
‫‪6 .‬يوسف حطيني‪ ،‬مصطلحات السرد في النقد األدبي‪ ،‬عالم الكتب الحديث‪ ،‬األردن‪ ،‬الطبعة ‪.2019 ،1‬‬
‫‪7 .‬عبـد هللا العـروي‪ ،‬األيديولوجيـا العربيـة المعاصـرة‪ ،‬ترجمـة محمـد عيتاني‪ ،‬دار الحقيقة‪ ،‬بيـروت ‪-‬لبنان‪ ،‬الطبعة‬
‫‪.1970 ،1‬‬
‫‪8 .‬يوسـف وغليسـي‪ ،‬إشـكالية المصطلـح فـي الخطـاب النقـدي العربـي الجديـد‪ ،‬الـدار العربيـة للعلـوم ناشـرون‪،‬‬
‫الجزائـر‪ ،‬الطبعـة ‪.2008 ،1‬‬
‫‪9 .‬هنري ميتراند‪ ،‬نقال عن حسن بحرواي‪ ،‬بنية الشكل الروائي‪.‬‬

‫املراجع الغربية‪:‬‬
‫‪1. Georges Lukacs: Problèmes du réalisme, Edition L’arc, 1975.‬‬
‫‪2. Mikhaïl Bakhtine: La poétique Dostoïevski. Editions seuil. 1970.‬‬
‫‪3. Lucien Goldmann: Pour une sociologie du roman. Editions Gallimard 1964.‬‬
‫‪4. HENRI MITTERAND: Discours du roman; Ed PUF; 1980.‬‬

‫‪88‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫بعض الشواهد اجليومورفولوجية على التغريات املناخية يف هضبيت البطنان‬


‫والدفنة مشال شرق ليبيا خالل الباليستوسني واهلولوسني‬
‫إعداد‪:‬‬
‫د‪ .‬عالء جابر فتح اهلل الضراط‬
‫أستاذ مشارك – قسم الجغرافيا ‪ -‬كلية التربية ‪/‬جامعة طبرق‪.‬‬

‫القبول‪2023/6/7 :‬‬ ‫االستالم‪2023/5/14 :‬‬

‫املستخلص‪:‬‬
‫تركـز هـذه الورقـة العلميـة علـى دراسـة بعـض الشـواهد الجيومورفولوجيـة علـى التغيـرات‬
‫المناخيـة فـي هضبتـي البطنـان والدفنـة مـن حيـث الدالئـل البيئيـة والمنـاخ القديـم أثنـاء‬
‫الزمـن الرابـع‪ .‬وتمـت المقارنـة بيـن مـا توصـل إليـه الباحـث مـن شـواهد جيومورفولوجيـة‬
‫والدراسـات السـابقة التي تمت على سـواحل البحر المتوسـط‪ ،‬واألسـباب التي أدت إلى التغيرات‬
‫المناخيـة بالزمـن الرباعـي‪.‬‬
‫وبينـت النتائـج علـى وجـود تغيـرات مناخيـة وبيئيـة فـي منطقـة الدراسـة أثنـاء عصـري‬
‫الباليستوسـين والهولوسـين‪ ،‬وتبيـن مـن خلال الشـواهد الجيومورفولوجيـة أن طبيعـة المنـاخ‬
‫كانـت مطيـرة وتتخللهـا فتـرات جفـاف‪ ،‬وكذلـك تبيـن مـن خلال التكوينـات الجيولوجيـة تقـدم‬
‫وتراجـع الميـاه البحريـة علـى األطـراف الشـمالية لمنطقـة الدراسـة اسـتنادا إلـى وجـود‬
‫الشـواطئ البحريـة القديمـة والفتحـات السـاحلية وكذلـك تبدل شـبكات الصـرف المائي نتيجة‬
‫تأثرهـا بالطغيـان البحـري‪ ،‬كمـا بينـت بعـض أسـباب التبـدالت المناخيـة التـي حدثـت خلال‬
‫الباليستوسـين والهولوسـين علـى هضبتـي البطنـان والدفنـة‪.‬‬
‫الكلمات املفتاحية‪ :‬الشواهد الجيومورفولوجية‪ ،‬التغيرات المناخية‪ ،‬المناخ بالزمن الرابع‬
‫‪Abstract:‬‬
‫‪This paper focused on studying some geomorphological evidence of climate‬‬
‫‪changes in the Al-Batnan and Al-Dafna plateaus in terms of environmental indi-‬‬
‫‪cators and the ancient climate during the Quaternary time. A comparison was‬‬
‫‪made between the findings of the research in terms of geomorphological evi-‬‬
‫‪dence and previous studies that took place on the coasts of the Mediterranean‬‬
‫‪Sea, and the reasons that led to climate changes in the Quaternary time.‬‬
‫‪The results showed that there were climatic and environmental changes‬‬
‫‪in the study area during the Pleistocene and Holocene eras, and it was found‬‬
‫‪through geomorphological evidence that the nature of the climate was rainy and‬‬
‫‪interspersed with periods of drought, It was also shown through the geological‬‬
‫‪formations the progress and decline of marine waters on the northern outskirts‬‬
‫‪of the study area based on the presence of ancient sea beaches and coastal‬‬
‫‪openings, as well as the change of water drainage networks as a result of being‬‬
‫‪affected by marine tyranny.‬‬

‫‪89‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫املقدمة‪:‬‬
‫يعـد الزمـن الرابـع مـن أهـم األزمنة في العروض الوسـطى بسـبب التغيـرات المناخية خاصة‬
‫الحرارة والتساقط ما أدى إلى تنوع الدالئل التي تشير إلى التغيرات المناخية الباليستوسينية‬
‫التـي تركـت شـواهد متنوعـة ذات طبيعـة جيولوجيـة ودالئـل جيومورفولوجيـة‪ ،‬ترسـيبية‪،‬‬
‫بيئيـة‪ ،‬والرواسـب القاريـة المحفوظـة فـي قيعـان البحـار والمحيطـات‪ .‬واسـتحوذت الـدالالت‬
‫المناخيـة لألشـكال الجيومورفولوجيـة علـى اهتمـام متزايـد قـاد إلـى ظهـور نظـم جديـدة‬
‫للجغرافيـا الطبيعـة مثـل‪ :‬الجيومورفولوجيـا المناخيـة جيومورفولوجيـة الباليستوسـين‪.‬‬
‫وتتميـز هضبتـي البطنـان والدفنـة بتنـوع الظاهـرات الجيومورفولوجيـة الدالـة علـى‬
‫تذبذبـات مسـتوى سـطح البحـر خلال عصر الباليستوسـين سـواء فـوق اليابـس أو المغمورة منها‬
‫تحـت مسـتوى سـطح البحـر الحالـي‪ ،‬ومـن أهـم الشـواهد الجيومورفولوجيـة علـى سـاحل منطقة‬
‫الدراسـة الشـواطئ القديمـة (األرصفـة البحريـة) والفجـوات السـاحلية‪ ،‬وتبدالت نظم شـبكات‬
‫مجـاري الميـاه السـطحية وغيرهـا مـن الشـواهد الدالـة علـى مسـتويات تذبـذب مسـتوى سـطح‬
‫البحـر علـى منطقـة الدراسـة‪ ،‬إلـى جانـب تأثرها بحـركات الرفع التكتونية خلال الزمن الرابع‪.‬‬
‫ومحاولـة تحديـد أسـباب التغيـرات المناخيـة القديمة خالل عصر الباليستوسـين والهولوسـين‪.‬‬
‫وعلـى الرغـم مـن أن الباليستوسـين المتأخـر يضـم آخـر مرحلـة دفيئـة للأرض بيـن العصـر‬
‫الجليـدي األخيـر (‪ )Wurm‬الـذي بـداء منـذ حوالـي ‪ 70‬ألـف سـنة من اآلن والعصــر الجليدي‬
‫الــذي قبله (‪ )Riss‬الذي انتهى منذ حوالي ‪ 90/130‬ألف سنة من اآلن كما ذكر (‪Heyer‬‬
‫‪ )/1972‬وهي المدة التي شـهدت السـواحل الليبية والتي تعد سـواحل منطقة الدراسـة جزءًا‬
‫منهـا تغيـرات مناخيـة دراماتيكيـة تعاقبـت فيهـا البـرودة والـدفء والرطوبـة والجفـاف كغيرهـا‬
‫مـن سـواحل البحر المتوسـط والعالم‪.‬‬
‫مشكلة الدراسة‪:‬‬
‫تتلخص مشكلة الدراسة في التساؤل الرئيس اآلتي‪:‬‬
‫ ‪-‬ما الدورات الهامة للتغير المناخي القديم على هضبتي البطنان والدفنة؟‬
‫ ‪-‬مـا أنعكاسـات دورات التغيـر المناخـي القديـم وتأثيرهـا علـى هضبتـي البطنـان والدفنـة في‬
‫ضـوء الدراسـة الحالية‪.‬‬
‫أهمية الدراسة‪:‬‬
‫تكمـن أهميـة هـذه الدراسـة فـي أنهـا تغطـي مسـاحة جديـدة مـن سـطح األرض ال زالـت‬
‫مجهولـة نسـبيًا فـي هـذا المضمـار وتقـدم مسـاهمة علميـة أوليـة فـي النقـاش الدائـر حـول‬
‫التغيـرات المناخيـة ودالالتهـا خاصـة الجيومورفولوجيـة خلال الباليستوسـين والهولوسـين‪.‬‬
‫هدف الدراسة‪:‬‬
‫تهدف الدراسة إلى‪:‬‬
‫ ‪-‬معرفـة الشـواهد الدالـة علـى مسـتويات تذبـذب مسـتوى سـطح البحـر خلال الفتـرات‬
‫الجليديـة والدافئـة التـي تخللتهـا بالزمـن الرابـع‪.‬‬
‫ ‪-‬مناقشـة وتحليـل بعـض الدالئـل والمؤشـرات الجيومورفولوجيـة األكثـر انتشـارا فـي منطقـة‬
‫الدراسـة ومضامينهـا المناخيـة القديمـة التـي تشـكلت فيهـا خلال الباليستوسـين والهولوسـين‪.‬‬
‫ ‪-‬تهـدف هـذا الدراسـة إلـى تأريـخ الـدورات الهامـة للتغيـر المناخـي فـي منطقـة الدراسـة‬
‫وتفسـيرها انطالقـا مـن أسـبابها العالميـة واإلقليميـة‪.‬‬

‫‪90‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫فرضيات الدراسة‪:‬‬
‫لتحقيق أهداف الدراسة البد من إثبات الفرضيات اآلتية‪:‬‬
‫ ‪-‬تعـد العوامـل البنيويـة والمناخيـة القديمـة المسـؤولة عـن تكـون وتشـكيل األرصفـة‬
‫والشـواطئ البحريـة القديمـة وتبـدالت نظـم شـبكات التصـرف المائـي علـى سـطح هضبتـي‬
‫البطنـان والدفنـة وظهيرهمـا‪.‬‬
‫ ‪-‬عدم تعارض نتائج المعامالت التحليلية مع المالحظات والدالئل الميدانية‪.‬‬
‫منهج البحث‪:‬‬
‫تعتمـد الدراسـة الحاليـة المنهـج الوصفـي التحليلـي لوصـف الظاهـرة موضـوع الدراسـة‪،‬‬
‫والمنهـج االسـتقرائي الـذي تترتـب فيـه الحقائـق عن الظاهـرة الجيومورفولوجية قيد الدارسـة‬
‫فـي تنظيـم منطقـي يقـود فـي النهايـة إلـى االسـتنتاجات التـي تحقـق أهـداف هـذه الدراسـة‪.‬‬
‫طريقة العمل‪:‬‬
‫وسوف تعتمد الدراسة على‪:‬‬
‫الخرائـط الطبوغرافيـة لمنطقـة الدراسـة‪ ،‬مقيـاس ‪ ،1:50000‬ونموذج االرتفاع الرقمي‬
‫(‪2021 )DEM‬م بدقـة ‪30‬م والـذي يعـد األسـاس فـي دراسـة طبوغرافيـة السـطح‪ ،‬وبرنامج‬
‫(‪ )Excel‬لإلحصائيـات والتمثيـل الكرتوغرافـي للظاهـرات المختلفـة للمنحـدرات‪ ،‬والدراسـة‬
‫الحقليـة باسـتخدام جهـاز (‪ )GPS‬لتحديـد المواقـع ميدانيـا‪ ،‬وبوصلـة‪ ،‬وجهـاز (‪Abeny-‬‬
‫‪ )level‬لقيـاس درجـات االنحـدار‪ ،‬وعجلـة قيـاس المسـافات الرقميـة ‪ 10000 ,‬أالف متـر‬
‫(‪ )ZFP-DW2‬وآلـة تصويـر‪ ،‬والعمـل الميدانـي‪ .‬ونظـرًا للصعوبـات التقنيـة والكلفـة الماليـة‬
‫لتأريـخ التغيـرات المناخيـة مـن خلال تحديـد العمـر المطلـق لألشـكال الجيومورفولوجيـة فقد‬
‫اعتمـدت الدراسـة علـى البيانـات الميدانيـة والخرائـط الجيولوجيـة مقيـاس ‪250000 :1‬‬
‫لمنطقـة الدراسـة وربطهـا بشـواهد وأدلـة توصلـت لها بعض الدراسـات الجيولوجية والجغرافية‬
‫فـي حـوض البحـر المتوسـط سـبق دراسـتها وتأريخهـا‪.‬‬
‫الدراسات السابقة‪:‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪Desio, A (1928) Resultai scientified Della missions all Oasis di Gia-‬‬
‫‪rabub, pt. II, la geologies, Roma.‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪Desio, A (1939) Missione scientific della R. Academia d,italia ACu-‬‬
‫‪fra .V.2,Studi morphological sulla Libya Orientale , R. Accad. D,‬‬
‫‪Italia, Roma.‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪Desio, A. (1968) History of geologic exploration in Cyrenaica. In‬‬
‫‪Geology and Archaeology of Northern Cyrenaica, Libya, Tripoli.‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪Desio, A (1971) Outlines and Problems of the Geomorphological‬‬
‫‪Evolution of Libya from the Tertiary to the present day, Symposium‬‬
‫‪on the Geology of Libya, Tripoli.‬‬
‫كانـــت معظم دراســـات دزيو علـــى إقليم برقة والجبـــل األخضر والبطنان علـــى التكوينات‬
‫الجيولوجيـــة‪ ،‬والحافـــات الســـاحلية القديمـــة ودراســـة الخطـــوط العريضـــة والمشـــاكل‬
‫الجيومورفولوجية خالل الحقبة الثالثة وحتى الوقت الحاضر‪ ،‬ودراســـة حافات شـــمال شـــرق‬
‫ليبيـــا‪ ،‬واســـتنتج مـــن خالل دراســـاته أن الحافات العليـــا المحددة بخطوط انكســـارية واضحة‬
‫ال نتيجة‬‫هـــي مظاهر للســـطح التحاتـــي القديم هبط فـــي هيئة مدرجـــات صوب البحر شـــما ً‬

‫‪91‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫لتحـــركات كتليـــة حدثـــت على ســـطوح الفوالق‪ ،‬فهى حافات انكســـارية النشـــأة‪.‬‬
‫‪- Marchetti, M, M. (1934): Note illustrative per UN abbozo di‬‬
‫‪carta geological Della Cyrenaica. Boll. soc Geol. Ital., Vol. L‬‬
‫‪III, fasc.2, pp.309325-, Roma.‬‬
‫وملخصهـا أن الفوالـق الحديثـة النشـأة قـد تسـببت فـي تكويـن درجـات طبوغرافيـة‪ ،‬مثـل‬
‫العيـوب التـي تمـر قـرب المخيلـى جنـوب غـرب مـن منطقـة الدراسـة‪.‬‬
‫‪- MC. Burney, CB. M & Hey, R.W (1955): Prehistory and‬‬
‫‪Pleistocene geology in Cyrenaica Libya. Cambridge‬‬
‫‪University Press, London.‬‬
‫كانـت الدراسـة فـي مدرجـات شـمال برقـة‪ ،‬وتوصـل مـن خاللهـا أن نشـأتها انكسـارية وكلهـا‬
‫أرصفـة بحريـة النشـأة‪ ،‬وفسـر عـدم انتظـام ارتفـاع أكبـر األرصفـة بعمليـات تحطيـم تكتونيـة‬
‫حدثـت لهـا عقـب التكويـن‪ ،‬وحـدد سـبع درجـات فـوق مسـتوى سـطح البحـر الحالـي‪.‬‬
‫‪- Bellini, E (1968) Biostratigraphy of the ALjaghbob formation‬‬
‫‪in eastern Cyrenaica, Libya. Proceeding of the 3 rd. African‬‬
‫‪micro pal. Colluq. Cairo, p. 165183-.‬‬
‫قـام بدراسـة الطبقـات الحيويـة فـي تكوين الجغبـوب‪ ،‬وتوصل من التحليـل البتروغرافي أن‬
‫هـذا التكويـن ترسـب فـي بيئـة ضحلـة بالقرب من الشـاطئ خالل عصر الميوسـين األوسـط‪ ،‬في‬
‫حيـن الجـزء السـفلى مـن هـذا التكوين يرجع عمره إلى الميوسـين السـفلي‪.‬‬
‫ ‪-‬عبـد الباقـي‪ ،‬قـادري‪ ،‬بعـض الدالئل الجيومورفولوجية علـى التغيرات المناخية في اليمن‬
‫خلال الباليستوسـين والهولوسـين‪ ،‬مجلـة الجغرافـي‪ ،‬الجمعيـة الجغرافيـة اليمنيـة‪ ،‬العـدد‬
‫الثاني‪2003 ،‬م‪.‬‬
‫وخلصـت هـذه الدراسـة إلـى إن الدراسـات األثريـة والتاريخيـة قدمـت عـدة شـواهد علـى‬
‫تبـدالت مناخيـة قصيـرة المـدى ناتجـة عن انحرافات أو ضعف في نظام الموسـميات الجنوبية‬
‫الغربيـة بسـبب التغيـر فـي توزيـع الضغـوط علـى الجزيـرة العربيـة‪ .‬فقـد عملـت زيـادة السـكان‬
‫ومسائل توفير الغذاء والسكن لهم ولغيرهم من التجار آنذاك على تطوير نظم الري واالستفادة‬
‫القصـوى مـن األراضـي والميـاه السـطحية الجاريـة فـي األودية؛ وقد أدى ذلك إلى إزالة األشـجار‬
‫وزيـادة اسـتخدامها ألغـراض البنـاء وتوفيـر الطاقـة‪ ،‬األمـر الـذي نتـج عنـه المزيد مـن التدهور‬
‫البيئـي والتصحـر وزيـادة فـي تأثيـر اإلشـعاع المنعكـس فـي تسـخين الجو وإلى مزيـد من التحول‬
‫نحـو الجفـاف‪ .‬وقـد نتـج عـن هـذا التحـول المناخـي توسـع نطـاق الجفـاف الجغرافـي فـي اليمـن‬
‫إلـى وضعـه الحالـي وزيـادة فـي نشـاط العمليـات المورفوديناميكيـة الفجائيـة للميـاه السـطحية‬
‫الجارية وحمولتها الكبيرة من الرواسـب الخشـنة األمر الذي أدى إلى انهيار نظم الري القديمة‬
‫ومـن ثـم إلـى هجـرة وتصحـر األراضـي الزراعيـة القديمـة فـي حضرمـوت‪ ،‬كمـا أدى إلـى هجـرة‬
‫العواصـم التاريخيـة القديمـة التـي تزحزحـت رأسـيًا إلـى المرتفعات الجبليـة الغربية‪.‬‬
‫ ‪-‬صالح‪ ،‬محمود على المبروك‪ ،‬هضبة الدفنة في شمال شرق ليبيا‪ -‬دراسة جيومورفولوجية‪،‬‬
‫رسالة دكتوراه غير منشورة‪ ،‬كلية اآلداب جامعة عين شمس‪ ،‬القاهرة ‪.2013‬‬
‫خلصـت الدراسـة إلـى تحديـد العوامـل الطبيعيـة المكونـة للهضبـة وتحديـد مظاهر النحت‬
‫واإلرسـاب بها‪.‬‬
‫منطقة الدراسة‪:‬‬
‫تقـع هضبتـي البطنـان والدفنـة محل الدراسـة في شـمال شـرق ليبيا‪ ،‬وتمتـد ما بين دائرتي‬
‫عرض ‪ O 31:-30:"00‬إلى ‪O32:-25:"33‬شـماال‪ ،‬وخطي طول ‪ o 23:"00:¯00‬إلى‪:"00‬‬

‫‪92‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫‪ 25o :00-‬شـرقًا‪ ،‬وتبلـغ مسـاحة منطقـة الدراسـة ‪14133‬كـم ‪ ،2‬وهـي هضـاب تشـرف علـى‬
‫البحر المتوسـط بسـاحل يبلغ طوله ‪277‬كم من الحدود الليبية المصرية شـرقًا وحتى خليج‬
‫البمبـا غربـًا‪ ،‬ويوجـد بهـا العديـد مـن المرافئ والخلجـان الطبيعية وأبرزهـا خليج طبرق والذي‬
‫يعـد مـن الموائـي الطبيعيـة الهامـة فـي السـاحل الليبـي لعمـق الميـاه بـه؛ خاصـة على السـاحل‬
‫الجنوبـي مـن الخليـج والتـي تتجـاوز األعمـاق بـه ‪20‬م‪ .‬وتوضـح الخريطـة رقـم (‪ )1‬منطقـة‬
‫الدراسة‪.‬‬

‫المصــدر مــن إعــداد الباحــث بنــاء علــى المرئيــة الفضائيــة ‪ DEM‬بتاريــخ ‪17.7.2022‬بدقــة وضــوح ‪28.5‬م‪.‬‬
‫يوضح الشكل رقم (‪ )1‬منطقة الدراسة‬

‫نبذة عن جيولوجيا منطقة الدراسة‪:‬‬


‫لعبـت األحـداث الجيولوجيـة التـي مـر بها شـمال شـرق ليبيا بوجه عـام‪ ،‬وهضبتي البطنان‬
‫والدفنـة بشـكل خـاص‪ ،‬عبـر األزمنـة الجيولوجيـة وتطورهـا دورا هامـا فـي التفاعـل بيـن‬
‫العمليـات الداخليـة والخارجيـة والتـي تحكمـت فـي تشـكيل سـطح منطقـة الدراسـة‪ ،‬وأضفـت‬
‫عليهـا خصائصهـا المميـزة‪ ،‬وكانـت دراسـة زيتـل عـام ‪1873‬م والذي قدم وصفـا دقيقا لصخور‬
‫العصـر الثالثـي التـي تظهـر شـمال شـرق ليبيـا وغـرب مصـر‪ ،‬ثـم قـام ديـزو عـام ‪1930‬م‪،‬‬
‫بإعـداد خريطـة جيولوجيـة مـن خلال الدراسـات السـابقة مضيفـا إليهـا دراسـاته الخاصـة‪ .‬مع‬
‫بدايـة التنقيـب عـن النفـط فـي ليبيـا عـام ‪1955‬م‪ ،‬صـدرت عـدة نشـرات علميـة باإلضافـة‬
‫إلـى مجموعـة مـن خرائـط جيولوجيـة لمناطـق متفرقـة مـن ليبيـا‪ ،‬وجمعـت هـذه المعلومـات‬
‫والخرائـط عـام ‪1964‬م‪ ،‬فـي خريطـة جيولوجيـة عامـة لليبيـا بمقيـاس ‪1:2000000‬‬
‫سـم(((‪ .‬ومـع بدايـة النصـف األول مـن القـرن العشـرين شـهدت الدراسـات الجيولوجيـة تطـورا‬

‫((( المسلاتى‪،‬أمين (‪ )1995‬التطـور الجيولوجـى والتكتونـى‪ ،‬الجماهيريـة دراسـة فـي الجغرافيـا‪ ،‬تحريـر الهادي‬
‫مصطفـى بولقمـة وآخـر‪ ،‬الـدار الجماهيريـة للنشـر والتوزيـع واإلعالن‪،‬سـرت‪ ،‬الطبعة األولـى ص ‪.32-31‬‬

‫‪93‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫ملحوظا في شـمال شـرق ليبيا‪ ،‬واتسـاع دائرة المعلومات المتوفرة‪ ،‬وسـاهمت هذه الدراسـات في‬
‫توحيـد أسـماء وخصائـص المكونـات وكان أهـم هـذه الدراسـات‪:‬‬
‫(‪ )W.F. KLEINSMIEDE( )N.J. VANDEN BERG‬عـام ‪1968‬م‪ ،‬وكذلـك‬
‫(‪ )A.A.WEEGER ( )F.T. BARR‬عـام ‪1972‬م‪ ،‬وكذلـك الدراسـات المتعـددة التـي قـام‬
‫بهـا مركـز البحـوث الصناعيـة ليبيـا بالتعـاون مـع الهيئـات العلميـة العالميـة المختلفـة للمسـح‬
‫الجيولوجـي لمعظـم األراضـي الليبيـة‪ ،‬وال يمكـن دراسـة منطقـة الدراسـة بمعـزل عـن محيطها‬
‫اإلقليمـي‪ ،‬وبنـاء علـى هـذه الدراسـات فـإن هضبتـي البطنـان والدفنـة كانتـا مغمورتـان بميـاه‬
‫بحـر تيثـس خلال الزمـن الثانـي لـم تظهـران بعـد إلـى حيـز اليابـس‪.‬‬
‫الزمن اجليولوجي الثالث‪.)Cenozoique( :‬‬
‫=هـذا الزمـن يعتبـر ذو أهميـة كبيـرة بسـبب الحـركات التكتونيـة التـي حدثـت خاللـه‪،‬‬
‫حيـث توغـل البحـر فـي اليابـس علـى شـمال أفريقيـا مـن المغـرب حتـى مصـر (اإليوسـين) حيث‬
‫رسـمت ثالث خلجان كبرى في شـمال أفريقيا‪ ،‬وتقدم األول‪ :‬حتى منطقة أسـوان جنوب مصر‪،‬‬
‫والثانـي‪ :‬توغـل حتـى أطـراف جبـال تبسـتي جنـوب ليبيـا‪ ،‬والثالـث‪ :‬وصـل إلـى جبـال الهوقـار‬
‫جنـوب الجزائـر‪ .‬كمـا بالشـكل رقـم (‪ ،)2‬وفـى نهايـة ذلـك العصـر تراجع البحر مـرة أخرى تاركا‬
‫بحيـرات ومسـتنقعات علـى سـطح الصحـراء الكبـرى حاليـا‪.‬‬

‫المصدر‪.Desio, A.(1971), P15 :‬‬


‫يوضح الشكل رقم (‪ )2‬خط الساحل خالل الزمنين الثالث والرابع على شمال أفريقيا‬
‫وفى نهاية اإليوسـين األوسـط (اللوتيسـي) تراجع البحر بالمعنى الحقيقي تاركا رواسـب من‬
‫(((‬
‫الجبـس‪ ،‬وفـي فتـرة اإليوسـين األعلـى ظلـت السـواحل الشـمالية مغمورة بمياه البحـر الدافئة‬
‫وخلال العصـور المختلفـة مـن الزمـن الثالـث توالت عمليـات تقدم البحر وانحسـاره لمرات عدة‪،‬‬

‫((( ‪ ،Furon‬ترجمـة فضـل األيوبي‪ )1995( ،‬األزمنة الجيولوجية‪ ،‬منشـورات جامعة سـبها‪ ،‬سـبها‪ ،‬ص ص ‪-262‬‬
‫‪.273‬‬

‫‪94‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫إلـى جانـب الحـركات التكتونيـة التـي حدثت خالل عصر الباليوسـين واإليوسـين والتي أدت إلى‬
‫حـدوث تغيـرات مهمـة في شـكل وحجم البحر المتوسـط الحالي‪.‬‬
‫ومـن خلال مـا سـبق يمكـن القـول‪ :‬إن هضبتي البطنان والدفنة في شـمال شـرق ليبيا خالل‬
‫العصـور األولـى مـن الزمـن الثالـث كانتـان مغمورتـان بميـاه بحـر تيثـس‪ ،‬وخلال عصـر اإليوسـين‬
‫األسـفل بدأت حركة الرفع التدريجي وظهور قمة الجبل األخضر في الشـمال الشـرقي الليبي‪،‬‬
‫وبدايـة انحسـار البحـر عـن اليابـس شـمال ليبيـا‪ ،‬ومـع نهايـة الزمن الثالـث وبداية الزمـن الرابع‬
‫بـدأت السـواحل الشـمالية الليبيـة تظهـر بصورتهـا الحاليـة(((‪ .‬وبذلـك فـإن هضبتـي البطنـان‬
‫والدفنـة بـدأت تتشـكل وتظهـر فـوق مسـتوى سـطح البحـر بنهايـة الزمـن الثالـث خلال عصـري‬
‫الميوسـين والبليوسـين بفعـل عمليـات الرفـع التدريجـي المصاحبـة والتي أدت إلـى وجود الجبل‬
‫األخضـر شـمال شـرق ليبيـا‪ .‬ويمكـن حصـر التكوينـات الجيولوجيـة للزمـن الثالـث مـن األقـدم‬
‫إلـى األحـدث(((𐀀((( فيمـا يلي‪:‬‬
‫ ‪-‬تكويـن أبولونيـا (إيوسـين أوسـط ‪ -‬إيوسـين أعلـى) ويتكـون مـن الحجـر الجيـري الطباشـيري‬
‫ويتميز بالحبيبات الدقيقة النقية نسـبيًا‪ ،‬ويتدرج من مجهري التبلور إلى خشـن‪ ،‬وينتشـر‬
‫فـي هضبـة البطنـان فقط وهـو األقدم‪.‬‬
‫ ‪-‬تكويـن درنـة (إيوسـين أوسـط‪ -‬إيوسـين أعلـى) ويتكـون مـن صخـور جيرية دقيقـة الحبيبات‬
‫ذي لـون رمـادي مشـبع بالبيـاض ويحتـوي عـل وفـرة مـن الحفريات‪ .‬وينتشـر فـي غرب هضبة‬
‫البطنـان فقط‪.‬‬
‫ ‪-‬تكوين الخويمات (إيوسـين أعلى‪ -‬أوليجوسـين سـفلي) ويتكون من حجر جيري والدولومايت‬
‫والطفـل‪ .‬ينتشـر فـي هضبة الدفنة وهـو األقدم بها‪.‬‬
‫ ‪-‬تكوين األبرق (أوليجوسـين أوسـط – أوليجوسـين أعلى) ويتكون من صخور جيرية تتدرج‬
‫مـن الصخـور الجيريـة الطينيـة الدولوميتيـة الضعيفة إلـى الطبقـات الدولوميتية الثانوية‬
‫التبلـور‪ ،‬وهـو غنـي جـدًا بالحفريـات فـي طبقاتـه الوسـطى والعليـا‪ ،‬ويتميـز باللـون البنـي‬
‫الداكـن‪ ،‬وينتشـر فـي غـرب هضبـة البطنـان فقط‪.‬‬
‫ ‪-‬تكويـن الفايديـة (أوليجوسـين أعلـى – ميوسـين سـفلي) ويتكـون مـن الحجـر الجيـري‬
‫الطباشـيري الغنـي بالحفريـات مـع طبقـات مـن الطيـن والحجـر الجيـري المارل‪.‬وينتشـر فـي‬
‫هضبتـي البطنـان والدفنـة‪.‬‬
‫ ‪-‬تكويـن الجغبـوب (ميوسـين سـفلي – ميوسـين أوسـط) ويتكـون مـن طبقـات الحجـر الجيـري‬
‫الرملـي والطباشـيري الغنـي بالحفريـات‪ .‬ينتشـر فـي هضبتـي البطنـان والدفنـة‪.‬‬
‫ ‪-‬تكويـن قـارة مريـم (ميوسـين أوسـط) ويتكـون مـن حجـر جيـري غنـي بالحفريـات‪ ،‬ومتوسـط‬
‫الصالبـة ذات لـون أبيـض‪ ،‬وهـو حجـر جيـري طباشـيري‪ ،‬وكذلـك طفلـة ذات لـون أخضـر‬
‫فاتـح‪ ،‬وينتشـر فـي هضبـة البطنـان فقـط‪.‬‬
‫الزمن الرابع‪)Quaternary( :‬‬
‫تتابعـت فتـرات شـديدة البـرودة خلال عصـر الباليستوسـين بالزمـن الرابـع ويتخللهـا فترات‬
‫ترتفع بها الحرارة ويسـود الدفء‪.‬أما عن المدة التي اسـتغرقها هذا العصر اختلفت اآلراء حول‬
‫تقديـر طـول الباليستوسـين وفـق األدلـة التـي يعتمـد عليهـا‪ ،‬فهنـاك مـن اعتمـد علـى األسـس‬
‫((( المهـدوى‪ ،‬محمـد المبـروك‪ )1990( ،‬جغرافيـا ليبيـا البشـرية‪ ،‬منشـورات جامعـة قاريونس‪ ،‬بنغـازي‪ ،‬الطبعة‬
‫الثانيـة‪،‬ص ص ‪.24-20‬‬
‫‪(4) Geological map of Libya- Darnah, (1973), sheet NI34-16, Industrial Research‬‬
‫‪Centre, Tripoli, Libya.‬‬
‫‪(5) Geological map of Libya-Albardia, (1975), sheet NH 35-1, Industrial Research‬‬
‫‪Centre, Tripoli, Libya.‬‬

‫‪95‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫الحيوانيـة والحفريـات وقـدر طـول هـذا العصـر مليونـي سـنة‪ ،‬وهنـاك مـن اعتمـد علـى األسـس‬
‫المناخيـة وقـدر فتـرة هـذا العصـر مـا بيـن ‪– 2.5‬‬
‫‪ 3.0‬مليـون سـنة‪ ،‬ويمكـن القـول‪ :‬إن عصـر الباليستوسـين يتـراوح مـا بين ‪ 3-2‬مليون سـنة‬
‫مضـت(((‪ .‬وارتبـط منسـوب سـطح البحـر بالتغيـرات المناخيـة – النباتيـة فـي الزمـن الرابـع‪،‬‬
‫وكذلـك هنـاك عوامـل أخـرى منهـا‪ :‬التكتونيـة مثل توازن القشـرة األرضية وبنـاء الجبال والتواء‬
‫سـطح األرض؛ لذلـك فـإن مسـتوى سـطح البحـر خلال عصـر الباليستوسـين قـد شـهد تذبذبـا‬
‫مسـتمرًا‪ ،‬حيـث كان الغمـر البحـري بالفتـرات الدافئـة التـي تتخلـل الفترات الجليديـة‪ ،‬والعكس‬
‫أثنـاء فتـرات البـرودة الشـديدة أو الجليديـة‪.‬‬
‫تميـز الزمـن الرابـع بالتغيـرات المناخيـة التي شـاهدتها الصحراء الكبـرى الحالية من تتابع‬
‫للرطوبـة والجفـاف‪ ،‬واألوديـة الجافـة الموجـودة حاليـا كانـت تتلقـى سـيوال كثيـرة‪ ،‬وكذلـك‬
‫الكثبـان الرمليـة القاريـة والتـي تماسـكت مكونـة الحجـر الرملـي‪ ،‬حيـث نجـد هـذه التغيـرات‬
‫المناخيـة مسـئولة إلـى جانـب التكويـن الصخـري عن أنـواع التربة المختلفـة‪ .‬وأخذت األراضي‬
‫الليبيـة الشـمالية شـكال ال يختلـف كثيـرا عـن شـكلها الحالـي مع نهاية الزمن الثالـث ومع بداية‬
‫عصـر الباليستوسـين بالزمـن الرابـع(((‪.‬‬
‫ويمكن حصر رواسب الزمن الرابع على شكل غطاءات رملية أو كثبان رملية شاطئية تتدرج‬
‫مـن خشـنة إلـى ناعمـة‪ ،‬وتنتشـر فـي مناطـق متفرقـة وفـق شـكل السـهل السـاحلي‪ ،‬وفـي بعـض‬
‫األماكـن تتماسـك الرمـال علـى شـكل صخـور الكالكارينيـت التـي يكـون أصلهـا ريحيـًا فـي الغالـب‪،‬‬
‫وتنتشـر فـي مناطـق متفرقـة مـن السـاحل الشـمالي لمنطقـة الدراسـة‪ ،‬كمـا تنتشـر العديـد مـن‬
‫السـبخات حـول مصبـات األوديـة والخلجـان فـي المناطـق المنخفضـة نسـبيا بالقـرب مـن شـاطئ‬
‫البحـر حـول خليـج البمبـا وعيـن الغزالـة وخليـج طبـرق‪ ،‬وتنتشـر أيضـا الرواسـب المائيـة التـي‬
‫تتكـون مـن بعـض الطمـي والرمـال الدقيقـة والخشـنة وبعـض األحجـار شـبه المسـتديرة فـي‬
‫معظـم أحـواض الصـرف الداخلـي المنتشـرة جنـوب منطقـة الدراسـة وأوديـة الحافات الشـمالية‬
‫المنحـدرة صـوب البحـر شـماال‪ ،‬ويمكـن حصـر مكونـات الزمـن الرابـع فيمـا يلـي‪:‬‬
‫‪ -1‬رواسب قيعان املنخفضات‪:‬‬
‫تعد هذه الرواسـب األكثر شـيوعا على سـطح هضبة البطنان والدفنة‪ ،‬وتتكون في معظمها‬
‫مـن الطمـي واللـوس‪ ،‬وتغطـي العديـد مـن قيعـان المنخفضـات علـى سـطح منطقـة الدراسـة‬
‫بدرجـات متفاوتـة‪ ،‬وهـذه الرواسـب تحتـوي علـى الكوارتز الذي تتراوح نسـبته بين ‪% 30-20‬‬
‫وجـزء كبيـر مـن الطمـي قـد يكـون مشـتقا مـن ناتـج التعريـة والتجويـة مـن الصخـور الجيريـة‪،‬‬
‫ويميـل لـون هـذه الرواسـب إلـى اللـون البنـي الفاتـح‪ ،‬وفي كثير مـن المواضع تكون هذه الرواسـب‬
‫مختلطـة بكميـات متفاوتـة مـن الحصـى خاصـة فـي أحـواض المنخفضات‪.‬‬
‫‪ - 2‬الرواسب الساحلية‪)Coastal sediments( :‬‬
‫تشـمل هذه المجموعة الرواسـب السـاحلية من رمال الشـاطئ‪ ،‬وفي بعض األحيان تتماسـك‬
‫وتلتحـم مشـكلة صخـور الكالكارينيـت السـاحلية التـي غالبـا ريحيـة النشـأة‪ ،‬وكذلـك الكثبـان‬
‫الرمليـة السـاحلية‪ ،‬والحصـى السـاحلي‪ ،‬وتنتشـر الرمـال الشـاطئية فـي مناطـق متفرقـة علـى‬
‫سـاحل مرسـى لـك فـي هضبـة الدفنـة‪ ،‬وكذلـك سـاحل القرضبـة ومنطقـة المرصـص وحـول‬
‫مصبات األودية التي تخترق الحافة الشـمالية لمنطقة الدراسـة نحو البحر المتوسـط شـما ً‬
‫ال‪.‬‬

‫((( أندرو‪.‬س‪.‬جـودى‪ ،‬ترجمـة محمـود محمـد عاشـور‪ )1995(،‬التغيـرات البيئيـة – جغرافية الزمن الرابـع‪ ،‬الهيئة‬
‫العامة لشـؤون المطابـع األميرية‪ ،‬القاهـرة‪ ،‬ص ‪.34‬‬
‫((( جـودة‪ ،‬حسـنين جـودة‪ )1975( ،‬أبحاث فـي جيومورفولوجيـة األراضي الليبيـة‪ ،‬الجزء الثاني‪ ،‬منشـورات جامعة‬
‫بنغازي‪ ،‬مؤسسـة عبـد الحفيظ البسـاط‪ ،‬بيروت‪.‬‬

‫‪96‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫‪ -3‬رواسب السبخات‪.)Sebkha sediments( :‬‬


‫تنتشـر البحيـرات الملحيـة الضحلـة حـول الخلجـان الرئيسـة شـمال منطقـة الدراسـة حـول‬
‫خليـج البـردي وطبـرق وعيـن الغزالـة والبمبـا‪ ،‬وفـي مناطـق متفرقة من السـاحل‪ ،‬وترتفع أمواج‬
‫البحـر فـي أثنـاء عواصـف الشـتاء؛ لتغطي هذه البحيـرات‪ ،‬وكذلك تصب بها بعض األودية عند‬
‫سـقوط األمطـار مكونـة بحيـرات بالقـرب من شـاطئ البحر حول الخلجـان والمناطق المنخفضة‪،‬‬
‫وفـي فصـل الصيـف ترتفـع الحـرارة والجفـاف‪ ،‬وبالتالـي ترتفـع نسـبة التبخـر السـريع مكونـة‬
‫رواسـب تكـون فـي الغالـب مـن الرمـال الكلسـية الدقيقـة جدا‪ ،‬والجبـس المجهري والملـح القلوي‬
‫والطين(((‪.‬‬
‫ويتبيـن مـا خلال مـا سـبق أن جـل التكوينـات الصخريـة المكونـة لهضبتـي البطنـان‬
‫والدفنـة تنتمـي للزمنييـن الثالـث والرابـع‪ ،‬وشـهدت هـذه المنطقـة مراحـل متعاقبـة مـن‬
‫تطورهـا الجيولوجـي‪ ،‬ويتـراوح عمرهـا بيـن األيوسـين األوسـط حتـى البليستوسـين والعصـر‬
‫الحديـث‪ ،‬ومـرت خاللهـا بأحـداث عديـدة أهمها حـركات الرفع والتصدع والهبـوط وتقدم البحر‬
‫وانحسـاره‪ ،‬باإلضافـة إلـى نشـاط عمليـات التجويـة وعوامـل التعريـة والتـي أدت إلـى المظهـر‬
‫الجيومورفولوجـي الحالـي لسـطح الهضبـة‪ ،‬ومـا يسـود بهـا مـن أشـكال تضاريسـية‪.‬‬
‫نبذة عن املناخ احلالي‪:‬‬
‫بلغـت معـدالت األمطـار فـي الهولوسـين المبكـر (‪ 8000‬قبـل الميلاد) أكثـر مـن ‪500‬مـم‪/‬‬
‫سـنة علـى شـمال أفريقيـا فـي سـواحل البحـر المتوسـط الجنوبيـة والتـي تعـد منطقـة الدراسـة‬
‫جـزءًا منهـا‪ ،‬وأخـذت األمطـار تتناقـص بشـكل كبيـر علـى هـذه المنطقـة فـي منتصـف األلـف‬
‫الثانـي قبـل الميلاد‪ ،‬وفـي األلـف األولـى قبـل الميلاد أصبحـت األمطـار شـبه نـادرة علـى هـذه‬
‫المنطقـة‪ ،‬ويمكـن القـول إن المنـاخ الحالـي قـد بـدأ منـذ حوالي ‪5000‬سـنة(((‪ .‬ويهيمن بوجه‬
‫عـام علـى هضبتـي البطنـان والدفنـة فـي الوقـت الراهـن نوعيــن مــن المناخ همــا‪:‬‬
‫‪1.‬المنـاخ شـبه الجـاف علـى األطـراف الشـمالية مـن منطقـة الدراسـة بمـا يتـراوح بيـن ‪-10‬‬
‫‪20‬كـم مـن السـاحل التـي فيهـا تتحسـن الظـروف المناخيـة نسـبي ًا خاصـة فـي فصـل الشـتاء‪.‬‬
‫‪2.‬المنـاخ الصحـراوي الجـاف إلـى القاحـل ويسـود فـي األراضـي الداخليـة مـن منطقة الدراسـة‬
‫وجنوبها‪.‬‬
‫وتتأثـر العمليـات المورفوديناميكيـة الحاليـة كثيـرًا بالتجويـة الكيميائيـة علـى المناطـق‬
‫السـاحلية‪ ،‬والتجويـة الميكانيكيـة المرتبطـة بالوضـع المناخـي الجـاف وخاصـة فـي وسـط‬
‫منطقـة الدراسـة وجنوبهـا‪ ،‬وتأتـي عمليـات النحـت والترسـيب بواسـطة الريـاح فـي مقدمـة‬
‫العمليـات التـي تعكـس الظـروف المناخيـة الحاليـة‪ ،‬وهـي تختلـف مكانيـا باختلاف درجـة‬
‫التدهـور فـي الغطـاء النباتـي واختلاف سـرعة الريـاح واتجاهاتهـا وديمومتهـا والطاقـة‬
‫االنحداريـة‪ .‬وتظهـر هـذه االختالفـات المكانيـة فـي شـدة العمليـات الريحيـة‪ ،‬حيـث تسـود‬
‫عمليـات النحـت فـي سـفوح المنحـدرات‪ ،‬وتسـود عمليـات التعريـة المسـاحية فـي المناطـق‬
‫المسـطحة وخاصـة فـي مناطـق أحـواض الصـرف الداخلـي المنتشـر جنـوب خط تقسـيم المياه‪،‬‬
‫كما أن عمليات الترسـيب في األودية واألراضي السـهلية تشـهد أيضا عمليات التعرية األفقية‪.‬‬
‫وبوجـه عـام فـإن تلـك العمليـات تعمـل فـي الوقـت الحاضـر بصـورة بطيئـة على تعرية السـفوح‬
‫ونقـل الرواسـب وبنـاء سـهول أقـدام المنحـدرات‪ .‬ونتيجـة لهيمنـة المنـاخ الجـاف والقاحـل فـي‬

‫‪(8) Geological map of Libya-Albardia, (1975), sheet NH 35-1, Industrial Research‬‬


‫‪Centre, Tripoli, Libya.p.36.‬‬
‫‪(9) Hélène Jousse, Gilles Escarguel., 2006, The use of Holocene bovid fossils to‬‬
‫‪infer palaeoenvironment in Africa, Quaternary Science Reviews 25, pp775-776‬‬

‫‪97‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫معظـم هضبتـي البطنـان والدفنـة فـإن العمليـات الريحيـة تنشـط كثيـرًا وخاصـة فـي الجهـات‬
‫التـي تقـل فيهـا معـدالت األمطـار عـن ‪ 100‬ملـم فـي السـنة‪ .‬هـذه العمليـات الريحيـة تسـود‬
‫اليـوم فـي المناطـق الصحراويـة الداخليـة فـي وسـط منطقـة الدراسـة وجنوبهـا‪ ،‬حيـث تـزداد‬
‫عمليـات إعـادة تموضـع األتربـة وبنـاء الكثبـان الرمليـة القاريـة‪ ،‬ومـع ذلـك فـإن هـذه المناطـق‬
‫تشـهد أيضـا بعـض العمليـات الخاصـة بالمياه السـطحية الجارية المؤقتة خالل موسـم األمطار‬
‫الشـتوي وهـي تنحصـر فـي بطـون األوديـة وبعـض أحـواض الصـرف الداخلـي (البلـط) تتسـع‬
‫وتتداخـل مـع الرواسـب الريحيـة‪.‬‬
‫املضامني املناخية القـدمية لبعض أشكال سطح األرض يف هضبيت البطنان والدفنة‪:‬‬
‫‪ -‬تبدالت وتغريات نظم أو شبكة التصريف املائي السطحي‪:‬‬
‫تعـد هضبتـي البطنـان والدفنـة جـزء مـن هضبـة مارماريـكا القديمة‪ ،‬وهي هضـاب مترامية‬
‫األطـراف ويغلـب عليهـا المظهـر الهضبـي وتنحـدر حافتها الشـمالية تدريجيا فـي بعض المواضع‬
‫نحو السـهل السـاحلي على البحر المتوسـط‪ ،‬وأحيانا يكون انحدارها على شـكل جروف صخرية‬
‫صـوب البحـر مباشـرة‪ ،‬كمـا فـي أقصـى السـاحل الشـرقي مـن هضبـة الدفنـة بيـن مصبـي وادي‬
‫الجرفـان وحتـى وادي العيـن وكذلـك فـي هضبـة البطنـان بالمنطقـة الممتـدة بيـن مصبـي وادي‬
‫العـودة وحتـى وادي الكـراث‪ ،‬امـا باتجـاه الجنـوب بعـد خـط تقسـيم الميـاه الـذي ال يبعـد كثيـرا‬
‫عـن السـاحل فيكـون االنحـدار هيـن جـدا حتـى إن المتجـول مـن الشـمال إلـى الجنـوب ال يشـعر‬
‫بذلـك االنحـدار فـي مواضـع كثيـرة‪ .‬وهـذه المنطقـة تأثـرت باالضطرابـات التكتونيـة (عمليات‬
‫الرفـع) مـا أدى إلـى ظهورهـا فـوق سـطح البحـر‪ ،‬وكانـت عمليـات الرفـع فـي شـمال المنطقـة أكثر‬
‫مـن أطرافهـا الجنوبيـة‪ ،‬مـا أثـر علـى نظـم التصريـف المائـي واختاللهـا فـي بعـض المواضـع(‪.((1‬‬
‫ويوضـح الشـكل رقـم (‪ )3‬نظـم التصريـف المائـي بهضبـة مارماريـكا والجبـل األخضـر في أواخر‬
‫عصر الميوسـين‪:‬‬

‫‪.SOURCE: Desio, A. (1971), p21‬‬


‫يوضح الشكل رقم (‪ )3‬نظام تصريف المياه السطحية بهضبة مارماريكا أواخر عصر الميوسين‬

‫‪(10) Desio, A (1971) Outlines and Problems of the Geomorphological Evolution of‬‬
‫‪Libya from the Tertiary to the present day, Symposium on the Geology of Libya,‬‬
‫‪Tripoli. P. 21.‬‬

‫‪98‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫وتشـكل منطقـة الدراسـة حوضـ ًا طبوغرافيـًا عظيمـ ًا يمكـن أن يتواصل فيـه الجريان المائي‬
‫السـطحي فـي ظـروف المنـاخ المطيـر بحيـث يكـون حوضـه الجنوبـي جنـوب خط تقسـيم المياه‬
‫تتجمـع بـه الميـاه السـطحية الجاريـة‪ ،‬أمـا شـمال خـط تقسـيم الميـاه فيكـون الجريان السـطحي‬
‫للميـاه نحـو الشـمال وتصـب فـي البحــر المتوسـط عبــر األوديـة السـاحلية المنتشـرة علـى‬
‫المدرجـات الشـمالية حاليـ ًا‪ ،‬ينفصـل هـذا الحـوض الطبوغرافـي العظيـم فـي نظامـه التصريفي‬
‫بواسـطة الرصيـف الكالبـري الـذي يمتـد مـن الغـرب جنـوب خليـج عيـن الغزالـة إلـى الشـرق‬
‫جنـوب خليـج البـردي ويتـراوح ارتفاعـه مـا بيـن ‪222‬م جنـوب منطقـة القرضبـة إلـى ‪218‬م‬
‫جنـوب خليـج البـردي(‪ ((1‬إلـى قسـمين الجنوبـي وتصريفـه نحـو الجنـوب حيـث المنـاخ القاحـل‬
‫فضلا عـن الظـروف المناخيـة الحاليـة الجافـة إلـى شـبه الجافـة فـي المدرجـات الشـمالية‬ ‫ً‬
‫التـي تصـرف ميـاه التغذيـة المطريـة الكافيـة ألوديتهـا كـوادي الجرفـان والمانسـتير الشـرقي‬
‫والغربـي والكيـب والسـهل الشـرقي والغربـي و بودويسـة والكـراث وغيرهـا إلـى البحـر شـما ً‬
‫ال‪،‬‬
‫وتشـير الشـواهد االسـتراتيغرافية واألركيولوجيـة إلـى حـدوث تغييـرات مناخيـة كانـت لهـا آثار‬
‫بينـة علـى السـواحل‪ ،‬ووفقـا آلراء‪1955(Mc Burney & Hey.‬م ) فـإن خـط الشـاطئ‬
‫حتـى ارتفـاع ‪6‬م‪ ،‬يرجـع تكوينـه فـي الفتـرة الدافئـة بيـن جليـدي ريـس وفـورم مـن رواسـب‬
‫بحريـة‪ ،‬والحفريـات البحريـة الموجـودة بالرواسـب السـاحلية عنـد خـط الشـاطئ ليسـت لهـا‬
‫أهميـة مناخيـة أو تأريخيـة؛ ألن معظمهـا مـن فصائـل الرخويـات التـي مـا زالـت تعيـش حتـى‬
‫اآلن فـي البحـر المتوسـط‪ ،‬وأن المرحلـة األولـى مـن هـذه الرواسـب والتـي تمثلهـا رواسـب التوفـا‬
‫الكلسـية كانـت تتميـز بصيـف حـار‪ ،‬أمـا الشـتاء فيرجـح بأنـه بـارد‪ ،‬وكميـة األمطـار بـه كبيـرة‪،‬‬
‫أمـا المرحلـة الثانيـة وتمثلهـا الكثبـان الرمليـة والحصـى األحـدث‪ ،‬وهـذه المرحلـة كانـت تتميز‬
‫بشـتاء شـديد البرودة‪ ،‬وكمية األمطار الفصلية تشـبه الوقت الحالي‪ ،‬أما الرواسـب األخرى فهي‬
‫قارية وأحدث عهدا من البحرية‪ ،‬ومعظم الرواسـب السـاحلية سـواء كانت بحرية أم قارية في‬
‫النطـاق السـاحلي تقتصـر علـى عصـر البليستوسـين فـي أثنـاء فتـرة جليـد فـورم ( ( ‪Wuerm‬‬
‫وهـي آخـر المراحـل الجليديـة أقلهـا عمـرًا مـن الفتـرات الجليديـة األربعـة‪ ،‬إذ اسـتغرق الفتـرة‬
‫مـن ‪ 40000‬ـ ‪ 18000‬قبـل الميلاد‪.‬‬
‫وفضلا عـن التبـدالت السـابقة فـي نظـم التصريـف المائـي السـطحي يمكـن مالحظة بعض‬ ‫ً‬
‫التحويرات في شـبكة التصريف السـطحي ناتجة عن النحت التراجعي واألسـر النهري‪ .‬وتتركز‬
‫معظـم ظواهـر األسـر النهـري فـي نظـم التصريـف السـطحي علـى المدرجـات الشـمالية التـي‬
‫تتميـز بالطاقـة االنحداريـة الكبيـرة‪ .‬ومـا يذكـر فـي هذا المجال أن الجـزء الجنوبي من منطقة‬
‫الدراسـة أصبـح أقـل انحـدارًا مـا أدى إلـى األسـر النهـري لروافـد وادي الشـعبة ووادي الحميـم‪،‬‬
‫فضلا عـن ظواهـر األسـر النهـري في جنوب منطقة الدراسـة في الـوادي الخالي ووادي قوز‬ ‫ً‬ ‫هـذا‬
‫الحمر ووادي الحيط‪ ،‬ومع ذلك فإن ظواهر األسـر النهري تتسـارع مع النشـاط المتواصل للنحت‬
‫الخطـي فـي ظـل ظـروف مناخيـة مطيـرة حدثـت خلال مراحل مختلفـة من الباليستوسـين‪.‬‬
‫فقـد نشـطت العمليـات المورفوديناميكيـة للجريـان السـطحي علـى المدرجـات السـاحلية‬
‫شـتاء وعملـت علـى تقطيـع‬
‫ً‬ ‫الشـمالية التـي الزالـت فـي عنفوانهـا خلال موسـم سـقوط األمطـار‬
‫تلـك المدرجـات إلـى العديـد مـن األوديـة الخطيـة العميقـة وتطويـر نظـم التصريـف السـطحي‬
‫ال‪ .‬أمـا فيما يتعلق بوسـط هضبتـي البطنان والدفنـة وجنوبها‬ ‫إلـى سـاحل البحـر المتوسـط شـما ً‬
‫ال هضبيـًا ينحـدر ببـطء إلـى األراضـي السـهلية الداخليـة‪.‬‬ ‫فإنهـا أقـل انحـدارًا وتأخـذ شـك ً‬
‫وترتبـط نشـأة هضبتـي البطنـان والدفنـة بتطـور األحـداث الجيولوجيـة لمنطقـة الجبـل‬
‫األخضـر وإقليـم برقـة ككل‪ ،‬كمـا ذكرنـا سـابقًا‪ ،‬ومـع اسـتمرار حـركات الرفـع خلال عصـر‬
‫الميوسـين ظهـر إقليـم برقـة كجزيـرة فـوق سـطح بحـر تيثـس القديـم ويمثـل الجبـل األخضـر‬
‫قمتهـا‪ ،‬وامتـد تأثيـر حركـة الرفـع شـرقًا ليشـمل هضبتـي البطنان والدفنة‪ ،‬وغرب ًا شـمل سـهول‬

‫(‪ ((1‬الدراسة الميدانية شهر ديسمبر ‪.2022‬‬

‫‪99‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫سـرت(‪ ((1‬لذلـك تظهـر هضبتـي البطنـان والدفنـة مـن الناحيـة الجيومورفولوجيـة ارتباط ًا أكثر‬
‫بالظـروف الليثولوجيـة‪ ،‬نظـرًا لمكوناتهـا مـن صخـور الحجـر الجيـري‪.‬‬
‫وقـد تعرضـت للتعريـة المائيـة السـطحية الجاريـة والجوفيـة التي عملت علـى نحت وإذابة‬
‫التكوينـات الجيريـة التـي فـي أسـفلها ونتـج عنهـا تكويـن الخوانـق الضيقـة والعميقـة التـي‬
‫تصـل حتـى عمـق ‪40‬م دون مسـتوى سـطح منطقـة الدراسـة والتـي نجـد ‪ 77%‬مـن مسـاحتها‬
‫يتـراوح ارتفاعهـا بيـن ‪258 -100‬م فـوق مسـتوى سـطح البحر‪.‬وقـد تطـور عـن تلـك العمليـات‬
‫المورفوديناميكيـة القديمـة فـي هضبتـي البطنـان والدفنـة نظـام تصريـف األوديـة المنتشـرة‬
‫على الحافة الشـمالية الذي مزق منطقة الدراسـة تمزيق ًا شـديدًا وميزها بحوافها الحادة التي‬
‫تطـل علـى بطـون األوديـة فـي الشـمال‪.‬‬
‫ونظـرًا للتصـدع الشـديد الـذي تعرضـت لـه المنحـدرات الشـمالية لمنطقـة الدراسـة مكونة‬
‫المدرجـات السـاحلية فإنهـا تتميـز بالتضـرس ودرجـة االنحـدار الكبيـرة نحـو سـاحل البحـر‬
‫ال مـا أدى إلـى زيـادة فاعليـة الجريـان السـطحي وتكويـن عـدد مـن نظـم األوديـة‬ ‫المتوسـط شـما ً‬
‫السـاحلية القصيـرة‪ .‬أمـا فيمـا يتعلـق بوسـط منطقـة الدراسـة وجنوبهـا فإنهـا أقـل ارتفاعـ ًا مـن‬
‫شـمالها‪ ،‬وتنحـدر تدريجيـ ًا نحـو الجنـوب لتغـوص تحـت بحـر الرمـال العظيـم جنوبـ ًا‪.‬‬
‫‪ -‬تذبذب سطح البحر‪:‬‬
‫مـن المعـروف أن أول عصـر جليـدي ظهـر فـي القـارة القطبيـة الجنوبيـة وكان خلال عصـر‬
‫اإليوسـين (‪ )Eocene‬بالزمـن الثالـث‪ ،‬وقـد نتـج عنـه فتـرات ممطـرة فـي شـمال إفريقيـا وفي‬
‫الصحـراء الكبـرى الحاليـة والتـي تعـد منطقـة الدراسـة جـزءًا منهـا‪ ،‬أمـا العصـر الجليـدي فـي‬
‫ال صاحبـه تناقص كبير لألمطار‬ ‫نصـف الكـرة الشـمالي والـذي وصـل حتى خط العرض ‪ 45‬شـما ً‬
‫فـي شـمال إفريقيـا وجفـاف فـي الصحـراء الكبـرى الحاليـة(‪ .((1‬وغيـرت البحـار شـواطئها خلال‬
‫الفتـرات الجليديـة وفتـرات الـدفء التـي تخللتهـا‪ ،‬وخضعـت لعمليـات مـد وجـزر متتاليـة خلال‬
‫عصر الباليستوسـين تاركة شـواطئ متتالية ومتدرجة في ارتفاعها‪ ،‬وبعدها عن شـاطئ البحر‬
‫الحالـي وفـق زمـن تشـكيلها‪ ،‬وإن آثـار هـذه التقلبـات المناخيـة تظهـر واضحـة فـي طبوغرافيـة‬
‫منطقـة الدراسـة‪ .‬وتختلـف هـذه الدالئـل إلـى حـد كبيـر مـن حيـث درجـة حفظهـا وطبيعـة‬
‫ترسباتها‪.‬‬
‫تأثر التذبذب األيوسـتاتي للبحر أساسـًا بالتغيرات المناخية العالمية‪ ،‬ويرتبط في عالقة‬
‫مباشـرة بالعصـور الجليديـة البـاردة ومـا بيـن الجليديـة الدفيئـة‪ ،‬ومـا رافقهـا مـن عمليـات غمـر‬
‫وانحسـار بحـري لألراضـي السـاحلية‪ ،‬وتعـرف هـذه التغيرات في مناسـيب مياه البحـر بالذبذبات‬
‫اإليوسـتاتية ‪ ،Eustatic fluctuations‬وقـد ارتبـط انخفـاض منسـوب سـطح البحـر علـى‬
‫المستوى العالمي بفترات القمم الجليدية الباليستوسينية‪ ،‬إذ تراوح بين ‪150 -100 :‬م(‪،((1‬‬
‫واختلفت اآلراء والتقديرات لمعدالت انخفاض مسـتوى سـطح البحر في ذلك العصر‪ ،‬وقد قدر‬
‫(‪ )Donn et al 1962‬انخفـاض منسـوب البحـر بيـن ‪159-137‬م‪ ،‬دون مسـتواه الحالـي‬
‫خلال فتـرة ريـس‪ ،‬وبيـن ‪123- 105 :‬م خلال الفتـرة الجليديـة األخيـرة (فـورم‪ ،‬وسكنسـن‪،‬‬
‫ويستشـل) تحت مسـتواه الحالي‪ ،‬ويرى ( ‪ )Veehveevers, 1970‬أن منسـوب سـطح البحر‬

‫‪(12) Desio, A.1971, Op.Cit. P.29.‬‬


‫‪(13) MALEY. J. (1980): Les changements climatiques de la fin du Tertiary en Af-‬‬
‫‪rique: leur conséquence sur l’apparition du Sahara ET de SA végétation, In:‬‬
‫‪Williams M.A.J. (Ed) Faure H. (Ed) the Sahara and the Nile: quaternary environ-‬‬
‫‪ments and prehistoric occupation in Northern Africa. Rotterdam: Balkema, 1980,‬‬
‫‪4, p63-86.‬‬
‫(‪ ((1‬محســوب‪ ،‬محمــد صبــري‪ )2002(،‬جيومورفولوجيــة األشــكال األرضيــة‪ ،‬بــدون دار نشــر‪ ،‬ط‪ ،2‬القاهــرة‪،‬‬
‫ص ‪.317‬‬

‫‪100‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫انخفـض إلـى مـا دون ‪175 :‬م علـى المسـتوى العالمـي خلال نهايـة الفتـرة الجليديـة األخيـرة؛‬
‫(‪((1‬‬
‫النحسـار الميـاه فـي الغطـاءات الجليديـة‪ ،‬أي خلال الفتـرة ‪17000-13600 :‬سـنة مضت‬
‫ومـع انتهـاء فتـرة جليـد فيـرم وبدايـة انصهـار الجليـد ارتفـع مسـتوى سـطح البحـر فـي بدايـة‬
‫عصـر الهولوسـين نحـو‪5 :‬م‪ ،‬فـوق مسـتواه الحالـي‪ ،‬فيمـا يعـرف بالغمـر الفلنـدري؛(‪ ((1‬ومـن‬
‫ثـم غمـرت الميـاه النطـاق السـاحلي‪ ،‬وكذلـك األجـزاء الدنيـا مـن األوديـة السـاحلية مكونـة‬
‫الشـروم بأحجامهـا المتباينـة‪ ،‬ومـا لبثـت أن تناقصـت أبعادهـا؛ النخفـاض مسـتوى سـطح البحـر‬
‫التدريجي لمسـتواه الحالي‪ .‬لذلك عمد الباحث إلى إضافة بعض األشـكال البحرية السـاحلية‬
‫إلـى الدالئـل الجيومورفولوجيـة للتغيـرات المناخيـة وذلـك بهـدف تعزيـز المقارنـة للظـروف‬
‫المناخيـة محليـ ًا وعالميـ ًا‪ .‬وتبيـن الدراسـات أن االرتفـاع أو اإلنخفـاض فـي مسـتوى سـطح البحر‬
‫يخلـف أرصفـة شـاطئية وجروفـ ًا سـاحلية أو رمليـة وغيرهـا مـن األشـكال البحريـة التـي تميـزه‬
‫فـي الخصائـص الجيومورفولوجيـة وفـي العمـر الجيولوجـي‪.‬‬
‫‪ -‬الفتحات الساحلية‪:‬‬
‫تعـد الفتحـات السـاحلية واألرصفـة البحريـة والمدرجـات النهريـة فـوق اليابـس علـى‬
‫ضفـاف األوديـة دالئـل جيومورفولوجيـة علـى تذبـذب مسـتوى سـطح البحـر‪ ،‬وهـي مـن نتائـج‬
‫التغيـرات المناخيـة بالزمـن الرابع‪.‬تكونـت الفتحـات السـاحلية نتيجـة حـدوث غمـر بحـري‬
‫لبعـض السـواحل‪ ،‬وهـي فتحـات سـاحلية تشـبه سـواحل الريـا ولكنهـا أصغـر وأقـل منهـا اتسـاعًا‪،‬‬
‫هـي عبـارة عـن امتـداد لميـاه البحـر داخـل اليابسـة‪ ،‬وترتبـط فـي الغالـب بمصبـات األوديـة‪،‬‬
‫وتأخـذ الشـكل القمعـي نتيجـة الغمـر البحـري للشـاطئ المنخفـض(‪ ((1‬وتعرضـت بعـد نشـأتها‬
‫لظـروف مناخيـة متباينـة نتـج عنهـا اختلاف فيمـا تعرضـت لـه مـن عمليـات ردم أو نحـت قاري‬
‫أو بحـري‪ ،‬وتنتشـر هـذه الفتحـات السـاحلية قـرب مصبات األودية السـاحلية بمنطقة الدراسـة‬
‫خاصـة بالقطـاع الشـمالي الشـرقي مـن السـاحل الممتـد من الحـدود الليبية المصرية شـرق ًا من‬
‫ال‪ ،‬ومـن مصـب وادي الطرفـاوي‬ ‫مصـب وادي المعتـرض جنوبـ ًا وحتـى مصـب وادي المالحـة شـما ً‬
‫حتـى مصـب أم الشـاوش غربـًا‪ ،‬وتنتشـر الفتحـات السـاحلية عنـد مصبات األودية شـمال سـاحل‬
‫هضبـة الدفنـة‪ ،‬والبالـغ عددهـا ‪ 58‬وادي‪،‬وأيضـًا نجـد السـاحل الممتـد مـن مصـب وادي أمريـرة‬
‫شـمال مدينـة طبـرق وحتـى مصـب وادي الكـراث تنتشـر بـه الفتحـات السـاحلية أمـام مصبـات‬
‫ال‪ .‬وتعاصـر هـذه الفتحـات السـاحلية حاليـًا‬ ‫األوديـة التـي تصـب فـي البحـر المتوسـط شـما ً‬
‫ال فـي‬ ‫عوامـل تشـكيل بحريـة‪ ،‬تتمثـل فـي األمـواج والعواصـف البحريـة والتـي لهـا دورًا فعـا ً‬
‫نحـت جوانـب الفتحـات وتآكلهـا وتراجعهـا‪ ،‬وحركـة التيـارات البحريـة‪ ،‬وحركتـي المـد والجـزر‪،‬‬
‫التـي يكـون تأثيرهـا محـدودا علـى تلـك الفتحـات السـاحلية‪ .‬ومن خلال المشـاهدات الميدانية‬
‫لسـاحل منطقـة الدراسـة والمرئيـة الخاصـة بالسـاحل‪ ،‬تـم حصر عدد ‪ 35‬فتحـة بحرية على‬
‫السـاحل‪ ،‬وقد سـميت وفق أسـماء األودية التابعة لها ويوضح الجدول رقم (‪ )1‬بعض الفتحات‬
‫السـاحلية فـي هضبـة الدفنـة‪ ،‬والجـدول رقـم (‪ )2‬الفتحـات السـاحلية فـي هضبـة البطنـان‪.‬‬

‫(‪ ((1‬أندرو‪.‬س‪.‬جودى‪ ،‬ترجمة محمود محمد عاشور‪ )1995(،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.246‬‬
‫(‪ ((1‬أبوريــة‪ ،‬أحمــد محمــد أحمــد‪ )2007( ،‬المنطقــة الممتــدة فيمــا بيــن القصيــر ومرســى أم غيــج دراســة‬
‫جيومورفولوجيــة‪ ،‬رســالة دكتــوراه غيــر منشــورة‪ ،‬كليــة اآلداب جامعــة اإلســكندرية‪ ،‬ص ‪.222‬‬
‫(‪ ((1‬محسوب‪ ،‬محمد صبري‪ )2002(،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.367‬‬

‫‪101‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫يوضح الجدول رقم (‪ )1‬الخصائص المورفومترية للفتحات الساحلية في هضبة الدفنة‬

‫متوسط العرض أقصى امتداد‬ ‫احمليط‬ ‫املساحة‬


‫‪2‬‬ ‫املوقع‬ ‫االسم‬ ‫م‬
‫يف اليابس كم‬ ‫كم‬ ‫كم‬ ‫كم‬
‫‪ "31:¯250:08‬شرقًا‬
‫‪0.48‬‬ ‫‪0.25‬‬ ‫‪1.53‬‬ ‫‪0.11‬‬ ‫مرسى الرملة‬ ‫‪1‬‬
‫‪"47:¯310:40‬شما ً‬
‫ال‬
‫‪ 25:08:23‬شرقًا‬
‫‪0.36‬‬ ‫‪0.11‬‬ ‫‪1.12‬‬ ‫‪0.04‬‬ ‫مرسى المريغة‬ ‫‪2‬‬
‫‪ 31:40:00‬شماالً‬
‫‪ 25:07:43‬شرقًا‬
‫‪0.95‬‬ ‫‪0.39‬‬ ‫‪2.67‬‬ ‫‪0.33‬‬ ‫مرسى البردي‬ ‫‪3‬‬
‫‪ 31:42:34‬شماالُ‬
‫‪ 24:53:02‬شرقًا‬
‫‪0.60‬‬ ‫‪1.48‬‬ ‫‪4.51‬‬ ‫‪0.91‬‬ ‫مرسى العورة‬ ‫‪4‬‬
‫‪ 31:58:58‬شماالً‬
‫‪ 24:44:46‬شرقًا‬
‫‪0.40‬‬ ‫‪1.29‬‬ ‫‪4.79‬‬ ‫‪0.58‬‬ ‫مرسى لك‬ ‫‪5‬‬
‫‪ 32:00:58‬شماالً‬
‫‪ 24:25:07‬شرقًا‬ ‫مرسى بالعفاريت‬
‫‪0.60‬‬ ‫‪0.42‬‬ ‫‪2.15‬‬ ‫‪0.25‬‬
‫‪ 31:59:42‬شماالً‬ ‫توجد فتحتين‬ ‫‪6‬‬
‫‪0.68‬‬ ‫‪0.30‬‬ ‫‪2.22‬‬ ‫‪0.21‬‬
‫الشرقية والغربية‬ ‫بالساحل‬
‫‪ 24:23:05‬شرقًا‬
‫‪0.65‬‬ ‫‪0.31‬‬ ‫‪2.52‬‬ ‫‪0.20‬‬ ‫مرسى دومة‬ ‫‪7‬‬
‫‪ 31:59:36‬شماالً‬
‫‪ 24:21:50‬شرقًا‬
‫‪0.55‬‬ ‫‪0.48‬‬ ‫‪3.03‬‬ ‫‪0.31‬‬ ‫مرسى بوخشيبة‬ ‫‪8‬‬
‫‪ 31:59:46‬شماالً‬
‫‪ 24:20:53‬شرقًا‬ ‫مرسى الكد سك‬
‫‪0.49‬‬ ‫‪0.26‬‬ ‫‪1.59‬‬ ‫‪0.12‬‬ ‫‪9‬‬
‫‪ 31:59:47‬شماالً‬ ‫مصب وادي الذوق‬
‫‪ 24:17:07‬شرقًا‬
‫‪0.38‬‬ ‫‪0.58‬‬ ‫‪2.13‬‬ ‫‪0.22‬‬ ‫مرسى الكويفية‬ ‫‪10‬‬
‫‪ 31:59:56‬شماالً‬
‫‪ 24:15:10‬شرقًا‬
‫‪0.30‬‬ ‫‪0.49‬‬ ‫‪1.84‬‬ ‫‪0.15‬‬ ‫مرسى العقيلة‬ ‫‪11‬‬
‫‪ 32:00:11‬شماالً‬
‫‪ 24:01:45‬شرقًا‬
‫‪0.50‬‬ ‫‪0.45‬‬ ‫‪2.24‬‬ ‫‪0.18‬‬ ‫مرسى رأس بياض‬ ‫‪12‬‬
‫‪ 32:02:30‬شماالً‬
‫‪ 24:00:48‬شرقًا‬
‫‪0.71‬‬ ‫‪0.37‬‬ ‫‪2.84‬‬ ‫‪0.22‬‬ ‫مرسى أم الشاوش‬ ‫‪13‬‬
‫‪ 32:02:00‬شماالً‬
‫‪ 23:59:55‬شرقًا‬
‫‪0.23‬‬ ‫‪0.12‬‬ ‫‪0.82‬‬ ‫‪0.02‬‬ ‫مرسى الحريقة‬ ‫‪14‬‬
‫‪ 32:03:24‬شماالً‬
‫‪0.53‬‬ ‫‪0.52‬‬ ‫‪2.55‬‬ ‫‪0.26‬‬ ‫المتوسط‬
‫المصدر من قياسات الباحث من الخرائط الطبوغرافية مقياس ‪( 1:50000‬البردي‪،‬قصر الجدي‪ ،‬كمبوت‪ ،‬القعرة‪،‬‬
‫طبرق) وتم استخراج المساحة والمحيط من المرئية الفضائية ‪ DEM‬بتاريخ ‪ 17.7.2021‬وتم استخراج المساحة‬
‫والمحيط باستخدام برنامج ‪.ARC GIS 10.3‬بتاريخ ‪.2022/11/15‬‬

‫‪102‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫الجدول رقم (‪ )2‬الخصائص المورفومترية للفتحات الساحلية في هضبة البطنان‬

‫متوسط العرض االمتداد يف اليابس‬ ‫احمليط‬ ‫املساحة‬


‫‪2‬‬ ‫املوقع‬ ‫االسم‬ ‫م‬
‫كم‬ ‫كم‬ ‫كم‬ ‫كم‬
‫‪ "55:¯230:58‬شرق ًا‬
‫‪0.47‬‬ ‫‪0.35‬‬ ‫‪1.77‬‬ ‫‪0.12‬‬ ‫‪"51:=320:05‬شما ً‬ ‫أمريرة‬ ‫‪1‬‬
‫ال‬
‫‪""29:=230:58‬شرق ًا‬
‫‪0.38‬‬ ‫‪0.25‬‬ ‫‪1.30‬‬ ‫‪0.07‬‬ ‫‪""03:=320:06‬شما ً‬ ‫عبد الرسول‬ ‫‪2‬‬
‫ال‬
‫‪ "14:"230:57‬شرق ًا‬
‫‪0.46‬‬ ‫‪0.21‬‬ ‫‪1.60‬‬ ‫‪0.10‬‬ ‫‪ "16:"320:06‬شما ً‬ ‫هاشم‬ ‫‪3‬‬
‫ال‬
‫‪ "50:"230:55‬شرق ًا‬
‫‪0.91‬‬ ‫‪0.81‬‬ ‫‪4.08‬‬ ‫‪0.56‬‬ ‫‪ "20:"320:06‬شما ً‬ ‫العودة‬ ‫‪4‬‬
‫ال‬
‫‪"41:"230:54‬‬ ‫شرقا ً‬
‫‪0.51‬‬ ‫‪0.29‬‬ ‫‪1.71‬‬ ‫‪0.15‬‬ ‫شما ً‬ ‫طبيرق‬ ‫‪5‬‬
‫‪"42:"320:06‬‬ ‫ال‬
‫‪ "55:"230:53‬شرق ًا‬
‫‪0.54‬‬ ‫‪0.13‬‬ ‫‪1.41‬‬ ‫‪0.07‬‬ ‫‪ "49 :"320:06‬شما ً‬ ‫حسوها‬ ‫‪6‬‬
‫ال‬
‫‪ "14:"230:53‬شرق ًا‬
‫‪0.52‬‬ ‫‪0.21‬‬ ‫‪1.48‬‬ ‫‪0.09‬‬ ‫‪ "57:"320:06‬شماالً‬ ‫بوحجر‬ ‫‪7‬‬

‫‪ "52:"230:52‬شرق ًا‬
‫‪0.50‬‬ ‫‪0.22‬‬ ‫‪1.53‬‬ ‫‪0.10‬‬ ‫‪ "52:"320:06‬شما ً‬ ‫بوكريميسة‬ ‫‪8‬‬
‫ال‬
‫‪ "15:"230:52‬شرق ًا‬
‫‪0.77‬‬ ‫‪0.47‬‬ ‫‪2.72‬‬ ‫‪0.31‬‬ ‫‪ "01:"320:07‬شماالً‬ ‫بوالقمل‬ ‫‪9‬‬

‫‪ "34:"230:51‬شرق ًا‬
‫‪0.66‬‬ ‫‪0.45‬‬ ‫‪2.32‬‬ ‫‪0.27‬‬ ‫‪ "30:"320:07‬شما ً‬ ‫بوالمقارين‬ ‫‪10‬‬
‫ال‬
‫‪ ¯05:"230:51‬شرق ًا‬
‫‪0.46‬‬ ‫‪0.20‬‬ ‫‪1.33‬‬ ‫‪0.08‬‬ ‫‪ ¯30:"320:07‬شما ً‬ ‫الوعير‬ ‫‪11‬‬
‫ال‬
‫‪ ¯35:"230:50‬شرق ًا‬
‫‪0.37‬‬ ‫‪0.46‬‬ ‫‪1.79‬‬ ‫‪0.16‬‬ ‫‪ ¯01:"320:08‬شما ً‬ ‫أم كحيل‬ ‫‪12‬‬
‫ال‬
‫‪ ¯52:"230:49‬شرق ًا‬ ‫السهل‬
‫‪0.26‬‬ ‫‪0.51‬‬ ‫‪1.54‬‬ ‫‪0.12‬‬ ‫‪ ¯13:"320:08‬شما ً‬ ‫‪13‬‬
‫ال‬ ‫لغربي‬
‫‪ ¯33:"230:49‬شرق ًا‬
‫‪0.32‬‬ ‫‪0.22‬‬ ‫‪0.98‬‬ ‫‪0.06‬‬ ‫‪ ¯23:"320:08‬شما ً‬ ‫بودويسة‬ ‫‪14‬‬
‫ال‬
‫‪ ¯13:”230:49‬شرق ًا‬
‫‪0.30‬‬ ‫‪0.29‬‬ ‫‪1.42‬‬ ‫‪0.09‬‬ ‫‪ ¯33:”320:08‬شما ً‬ ‫المعطينات‬ ‫‪15‬‬
‫ال‬
‫‪ ¯54:"230:48‬شرق ًا‬
‫‪0.33‬‬ ‫‪0.14‬‬ ‫‪0.81‬‬ ‫‪0.04‬‬ ‫‪ ¯42:"320:08‬شماالً‬ ‫الشريرمية‬ ‫‪16‬‬

‫‪ ¯16:"230:48‬شرق ًا‬
‫‪0.24‬‬ ‫‪0.29‬‬ ‫‪0.92‬‬ ‫‪0.05‬‬ ‫‪ ¯56:"320:08‬شما ً‬ ‫بوقشيطة‬ ‫‪17‬‬
‫ال‬
‫‪ ¯06:"230:48‬شرق ًا‬
‫‪0.16‬‬ ‫‪0.16‬‬ ‫‪0.66‬‬ ‫‪0.02‬‬ ‫‪ ¯02:"320:09‬شماالً‬ ‫امرايف‬ ‫‪18‬‬

‫‪103‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫‪ ¯37:"230:47‬شرقًا‬
‫‪0.27‬‬ ‫‪0.34‬‬ ‫‪1.02‬‬ ‫‪0.06‬‬ ‫‪ ¯14:"320:09‬شماالً‬ ‫المعقب‬ ‫‪19‬‬

‫‪ ¯04:"230:47‬شرقًا‬ ‫أمريرة‬
‫‪0.13‬‬ ‫‪0.18‬‬ ‫‪0.60‬‬ ‫‪0.02‬‬ ‫‪ ¯25:"320:09‬شما ً‬ ‫‪20‬‬
‫ال‬ ‫الغربي‬
‫‪ ¯35:"230:46‬شرقًا‬
‫‪0.22‬‬ ‫‪0.35‬‬ ‫‪1.00‬‬ ‫‪0.04‬‬ ‫‪ ¯39:"320:09‬شما ً‬ ‫الكراث‬ ‫‪21‬‬
‫ال‬
‫‪0.42‬‬ ‫‪0.31‬‬ ‫‪1.52‬‬ ‫‪0.12‬‬ ‫المتوسط‬
‫المصدر من قياسات الباحث من الخرائط الطبوغرافية مقياس ‪(1:50000‬البردي‪،‬قصر الجدي‪ ،‬كمبوت‪ ،‬القعرة‪،‬‬
‫طبرق) وتم استخراج المساحة والمحيط من المرئية الفضائية ‪ DEM‬بتاريخ ‪ 17.7.2021‬وتم استخراج المساحة‬
‫والمحيط باستخدام برنامج ‪.ARC GIS 10.3‬بتاريخ ‪.2022/11/15‬‬
‫يتبيـن مـن خلال دراسـة الخصائـص المورفومترية للفتحات السـاحلية في هضبتي البطنان‬
‫والدفنـة ما يأتي‪:‬‬
‫‪ -‬تقع معظم الفتحات السـاحلية في شـمال شـرق منطقة الدراسـة وشـمالها‪ ،‬نتيجة طبوغرافية‬
‫السـطح‪ ،‬وكثرة األودية السـاحلية التي ترتبط بها‪.‬‬
‫‪ -‬بلـغ متوسـط مسـاحة الفتحـات السـاحلية فـي هضبـة الدفنـة ‪ 0.26‬كم ‪ ،‬وفي سـاحل هضبة‬
‫‪2‬‬

‫البطنـان ‪ 0.12‬كـم‪ ،2‬وكانـت أقـل الفتحـات السـاحلية مسـاحة فـي سـاحل منطقـة الدراسـة‬
‫فتحـة الحريقـة وأمرايـف وأمريـرة الغربـي (‪ 0.02‬كـم‪ )2‬فـي هضبـة البطنـان‪ ،‬وكانـت فتحـة‬
‫مرسـى العـورة وهـي األكبـر مسـاحة حيـث بلغـت مسـاحتها (‪ 0.91‬كـم‪)2‬؛ ويرجـع تباين مسـاحة‬
‫الفتحـات السـاحلية إلـى مسـاحة أحـواض األوديـة التـي ترتبـط بهـا‪ ،‬وتوجـد عالقـة طرديـة‬
‫بيـن مسـاحة الفتحـات السـاحلية وأحـواض األوديـة‪ ،‬ألنهـا امتـداد للقطاعـات الدنيـا لألوديـة‬
‫التـي كونتهـا‪.‬‬
‫‪ -‬بلغ متوسـط امتداد الفتحات السـاحلية في اليابسـة بهضبة الدفنة ‪ 0.53‬كم‪ ،‬وفي هضبة‬
‫البطنـان ‪ 0.42‬كـم وتراوحـت مسـافة تداخـل ميـاه البحـر مـع اليابسـة فـي سـاحل هضبـة‬
‫الدفنـة بيـن ‪0.23‬كـم فـي مرسـى الحريقـة إلـى ‪ 0.95‬كم عند مرسـى البردي‪ ،‬وكذلك سـاحل‬
‫هضبـة البطنـان تراوحـت مسـافة امتـداد البحر في اليابسـة ما بيـن ‪ 0.13‬كم عند مصب وادي‬
‫أمريـرة الغربـي إلـى ‪ 0.91‬كـم عنـد مصـب وادي العـودة‪ ،‬ويرجـع ذلـك إلـى طبيعيـة السـاحل‬
‫وتركيبـه الصخـري وتأثيـر فعـل األمـواج والتيـارات البحريـة وحركتـي المـد والجـزر إلـى جانـب‬
‫العوامـل المختلفـة التـي أدت إلـى نشـأة هضبتـي البطنـان والدفنـة‪.‬‬
‫‪ -‬بلـغ متوسـط عـرض الفتحـات السـاحلية باتجـاه البحـر فـي سـاحل الدفنـة ‪ 0.52‬كـم‪ ،‬وفـي‬
‫سـاحل البطنـان ‪ 0.31‬كـم‪ .‬ويرتبـط اتسـاع الفتحـات السـاحلية باتجـاه البحـر بعوامـل النشـأة؛‬
‫نتيجـة تذبذبـات منسـوب سـطح البحـر قديمـ ًا خاصـة السـالبة منهـا‪ ،‬األمـر الـذي أدى إلـى‬
‫نشـاط عوامـل التعريـة النهريـة‪ ،‬التـي عملـت علـى تعميق مجـاري األودية؛ للوصول إلى مسـتوى‬
‫القاعـدة الجديـد‪ ،‬وأدى امتـداد المجـاري المائيـة فـوق الهوامـش المكشـوفة الضحلـة للـرف‬
‫القـاري إلـى النحـت التراجعـي مـن المصـب إلى المنابـع‪ .‬وكذلك الخصائـص الليثولوجية لصخور‬
‫منطقـة الفتحـات السـاحلية وطبوغرافيـة السـطح‪ ،‬كلهـا عوامـل مجتمعـة أدت إلـى تشـكيلها‬
‫وفـق مظهرهـا الحالـي‪ ،‬ويعتبـر عامـل اختلاف التركيـب الصخـري مـن أهـم العوامـل التـي تشـكل‬
‫اإلطـار الجيومورفولوجـي العـام لخـط السـاحل‪ .‬فـإذا كانـت الجـروف البحريـة التـي تشـرف علـى‬
‫خـط السـاحل تتألـف مـن طبقـات صخريـة صلبـة متراكبـة فـوق طبقـات صخريـة لينـة‪ ،‬وأنهـا‬
‫تمزقـت وتشـققت بفعـل الشـقوق الكثيفـة فتتـآكل الصخـور اللينـة بسـرعة بفعل تكسـر األمواج‬
‫وتالطمهـا‪ ،‬وسـرعان مـا تنزلـق الكتـل الصخريـة أو تنهـار وتتسـاقط مـن أعالـي الجـروف البحرية‬
‫لتقـدم إلـى البحـر رسـوبيات قاريـة جديـدة تتجمـع فوق أرضية قاعه‪ ،‬كما في السـاحل الممتد‬

‫‪104‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫مـن مصـب وادي الطرفـاوي وحتـى مرسـى العقيلـة فـي هضبـة الدفنـة‪ ،‬وكذلـك السـاحل الممتـد‬
‫مـن مصـب وادي أمريـرة حتـى مصـب وادي الكـراث فـي هضبـة البطنان‪.‬وتوضـح الخريطـة رقـم‬
‫(‪ )4‬الفتحـات البحريـة علـى سـاحل هضبتـي البطنـان والدفنـة‪.‬‬

‫المصدر من إعداد الباحث بناء على المرئية الفضائية ‪ DEM‬بتاريخ ‪17.7.2022‬بدقة وضوح ‪28.5‬م‪.‬‬
‫توضح الخريطة رقم (‪ )4‬الفتحات البحرية علي ساحل هضبتي البطنان والدفنة‬

‫األرصفة البحرية‪:‬‬
‫لـم تقتصـر التغيـرات البيئيـة خلال عصـر الباليستوسـين فـي الزمـن الرابـع علـى التغيـرات‬
‫المناخية فحسـب‪ ،‬بل تعدتها إلى بعض النتائج التي تركت دالالتها على سـطح األرض‪ ،‬أهمها‬
‫تذبذبـات مسـتوى سـطح البحـر خلال عصـري الباليستوسـين والهولوسـين فـي الزمـن الرابـع‬
‫والتـي تعـرف بالتذبذبـات اإليوسـتاتية ‪ Eustatic‬التـي ترتبـط بالتغيـرات المناخيـة فـي‬
‫الزمـن الرابـع وبعـده‪ ،‬ومـا أرتبـط بهـا مـن تغيـر العالقـة بيـن توزيـع اليابـس والمـاء علـى سـطح‬
‫األرض‪ ،‬ونشـأة بعـض الظواهـر الجيومورفولوجيـة خاصـة علـى امتداد السـواحل أهمها األرصفة‬
‫البحرية‪.‬ووضـع كل مـن ‪ )1918( Depert& )1913( Gignoux‬مسـميات لألرصفـة‬
‫البحريـة التـي قـام بدراسـتها فـي جنـوب إيطاليـا وجزيـرة صقليـة‪ ،‬وأصبحـت هـذه المسـميات‬
‫األسـاس الـذي بنيـت عليـه الدراسـات الالحقـة الخاصـة بالشـواطئ فـي البحـر المتوسـط‪ .‬ووفقًا‬
‫لدراسات ‪ )1965( Buedel‬بلغ منسوب سطح البحر في بداية عصر الباليستوسين ‪100‬م‬
‫فـوق مسـتواه الحالـي‪ ،‬واألرصفـة الباليستوسـينية يشـترط أن تقـع فـي مناسـيب أدنـى مـن مائـة‬
‫متـر‪ ،‬وإذا وجـدت خطـوط للشـواطئ أعلـى مـن هـذا المنسـوب‪ ،‬فهـي إمـا أنهـا قـد تكونـت بفعـل‬
‫البحـر فـي بدايـة الباليستوسـين‪ ،‬أو تكـون قـد تكونـت بفعـل عوامـل تكتونيـة‪ .‬ويوضـح الشـكل‬
‫رقـم (‪ )5‬مناسـيب األرصفـة البحريـة كمـا يراهـا ‪.)1965( Buedel‬‬

‫‪105‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫المصدر ‪.)1965( Buedel‬‬


‫يوضح الشكل رقم (‪ )5‬األرصفة البحرية في حوض البحر المتوسط‬
‫تعـد األرصفـة البحريـة فـي منطقـة الدراسـة دليـل علـى التغيـرات التـي انتابـت خـط‬
‫السـاحل قديمـ ًا‪ ،‬وخاصـة الموجبـة منهـا‪ ،‬والتـي كانـت خلال الفتـرات الدافئـة بيـن الجليدية‪،‬‬
‫وقـام بدراسـة األرصفـة السـاحلية فـي هضبـة البطنـان كل مـن) ‪C.Migliorini 1920‬م)‬
‫وكذلك )‪C.Crema1925‬م) و ) ‪A. Disio1939‬م) ويبدو أن ساحل هضبتي البطنان‬
‫والدفنـة متقطـع بواسـطة مجموعـة مـن الصـدوع والفوالـق والتـي تمتـد موازيـة لخـط السـاحل‬
‫تقريبـا‪ ،‬ويـرى ‪ Disio‬أن هـذه الصـدوع المنتشـرة شـمال منطقـة الدراسـة قـد أنشـأت سلسـلة‬
‫مـن الحافـات‪ ،‬ويعتقـد أن األسـطح التـي تقـع أعلى الحافات الصدعية وأسـفلها تماثل المدرجات‬
‫التركيبيـة‪ ،‬أمـا ‪1955( Hey‬م) فيـرى أن كل الحافـات شـمال برقـة وهضبـة البطنان والدفنة‬
‫قـد نشـأة بسـبب التعريـة البحريـة وهـي أرصفـة بحريـة‪ ،‬أمـا ‪ 1939(Disio‬م) فقـد اسـتنتج‬
‫أن المدرجـات العليـا والتـي تحدهـا صـدوع واضحـة هـي مظاهـر السـطح التحاتـي القديـم والذي‬
‫هبـط فـي هيئـة درجـات باتجـاه البحـر المتوسـط شـماال؛ نتيجـة تحـركات كتليـة حدثـت علـى‬
‫سـطوح الفوالـق‪ ،‬ولكـي يتفـق رأي ‪ Disio‬والـذي يقـول‪ :‬بالنشـأة الصدعيـة لألرصفـة مـع رأي‬
‫‪ )1955( Hey‬والـذي يقـول‪ :‬أن كل أسـطح الحافـات مـن صنـع التعريـة البحريـة‪ ،‬فإنـه ينبغي‬
‫افتـراض أن الصـدوع أقـدم‪ ،‬وأن حافـات الصـدوع قد أزيلت بواسـطة التعرية‪ ،‬وهنا نجد تناقضا‬
‫مع ما يؤكده ‪ Disio‬أن عمر هذه الصدوع أحدث‪ ،‬ويرى أنها بليوستوسـينية النشـأة‪ ،‬أي خالل‬
‫البليوستوسـين‪ ،‬اسـتنادا علـى دراسـات مماثلـة فـي أجـزاء كثيـرة مـن سـواحل البحـر المتوسـط‪،‬‬
‫وأمـا عـن دراسـة جـودة (‪1975‬م) فقـال ‪ :‬إنـه ال يشـترط إرجـاع نشـأة الحافـات فـي سـاحل‬
‫برقـة إلـى عامـل واحـد‪ ،‬فهنـاك مـا قـد يرجـع نشـأتها إلـى الصـدوع والفوالـق‪ ،‬ومـا قـد يكـون‬
‫بسـبب التعريـة البحريـة ‪.‬‬
‫ومـن خلال دراسـة ‪ )1925( C. Crema‬يمكـن مشـاهدة خمـس درجـات فـي منطقـة‬
‫طبـرق وترجـع نشـأتها إلـى التعريـة البحرية‪ ،‬وارتفاعات هذه األرصفـة كما بالجدول رقم (‪.)3‬‬

‫‪106‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫الجدول رقم (‪ )3‬ارتفاعات األرصفة في هضبة الهضبة البطنان‬

‫االرتفاع‪ /‬متر‬ ‫ترتيب المدرج أو الرصيف‬


‫‪150‬‬ ‫الرصيف الخامس األعلى‬
‫لم يذكر ارتفاعه‬ ‫الرصيف الرابع العلوي‬
‫لم يذكر ارتفاعه‬ ‫الرصيف الثالث‬
‫‪95‬‬ ‫الرصيف الثاني‬
‫‪50‬‬ ‫الرصيف األول‬
‫المصدر‪C.Crema (1925), The Terraces of northern Marmarica p27-28 :‬‬
‫وكذلـك قـام ‪ C.I.Migliorini‬بدراسـة األرصفـة فـي مدينـة طبـرق ولم يحـدد ارتفاعها‪،‬‬
‫ووصـف هـذه األرصفـة علـى أنهـا صدعيـه النشـأة‪ ،‬ولـم يذكـر الدرجـة الخامسـة علـى أنهـا‬
‫مسـتقلة‪ ،‬ويـرى أن الرصيـف الثانـي والثالـث والرابـع يمـر علـى سـطح واحد منحـدر من الرصيف‬
‫العلوي (الرابع) إلى الرصيف األسـفل‪ ،‬وكذلك ‪ Disio‬قال ‪ :‬إن الدرجات السـاحلية في طبرق‬
‫تمثـل كتلا لسـطح طبوغرافـي واحـد وقـد تغيـر بواسـطة الصـدوع والفوالـق‪ ،‬وإن األحـواض‬
‫الطوليـة المنتشـرة بيـن هـذه الحافـات تعتـرض انبسـاط أسـطحها هـي ذات نشـأة صدعيـه‪ ،‬فـي‬
‫حيـن اسـتبعد (جـودة ) ربـط تكويـن األحـواض الطوليـة والتـي تعـرف محليـا باسـم السـقايف‬
‫بالعمليـات الصدعيـة‪ ،‬وعدهـا أوديـة تاليـة تجـري لتتصـل باألوديـة الرئيسـة التـي تقطـع‬
‫الحافات وتجري فوقها؛ لتصل إلى البحر شـماال أو أنها ناتجة عن عمليات التعرية سـواء أكانت‬
‫تعريـة بحريـة حدثـت وقـت تكويـن الحافـات أم بتأثيـر العمليـات الكارسـتية‪ ،‬أم كالهمـا معـا‪،‬‬
‫أمـا عـن نشـأة األرصفـة فـي هضبـة البطنـان والدفنـة والتـي ال تتماشـى مـع خطـوط صدعيـه‬
‫واضحـة‪ ،‬هـي فـي واقـع األمـر بحريـة النشـأة والتشـكيل‪ ،‬وهـذه األرصفـة ال يتعـدى ارتفاعهـا‬
‫‪ 100 :‬متـر فـوق منسـوب سـطح البحـر الحالـي‪ ،‬وأشـار إلـى أن سـبب عـدم انتظـام توزيـع‬
‫ارتفاعـات الحافـات يرجـع إلـى حـركات تكتونيـة حديثـة أدت إلـى تشـويه هـذه األرصفـة بعـد‬
‫نشـأتها‪ ،‬ويوضـح الجـدول رقـم (‪ )4‬األرصفـة البحريـة في بعض مناطق حوض البحر المتوسـط‬
‫والمقارنـة مـع منطقـة الدراسـة‪.‬‬

‫‪107‬‬
‫الجدول (‪ )4‬األرصفة البحرية بهضبة البطنان والدفنة والمقارنة باألرصفة في حوض المتوسط‬

‫أرصفة بحرية البحر المتوسط (متر)‬


‫الدفنة‬ ‫البطنان‬ ‫مطروح‪-‬السلوم‬ ‫مريوط‬ ‫تونس‪-‬‬
‫برقة ليبيا‬ ‫جنوب إيطاليا‬
‫‪2022‬‬ ‫‪2022‬م‬ ‫‪ /‬مصر‬ ‫مصر‬ ‫الجزائر‬
‫الرصيف البحري وعمره‬
‫‪Mc Burney‬‬ ‫شكري‬ ‫‪Buedel‬‬
‫الدراسة‬ ‫الدراسة‬ ‫شكري وآخرون‬ ‫‪Depert‬‬ ‫‪Woldstedt‬‬
‫& ‪Hey‬‬ ‫وآخرون‬ ‫بيدل‬
‫الميدانية‬ ‫الميدانية‬ ‫‪1956‬م‬ ‫‪1968‬م‬ ‫‪1966‬م‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬

‫م‪1955‬‬ ‫‪1956‬م‬ ‫‪1965‬م‬


‫شاطئان‬ ‫شاطئان‬ ‫شاطئان بحريان‬ ‫الكالبري‪ ،‬باليستوسين‬
‫بحريان‬ ‫بحريان‬ ‫‪200‬‬ ‫‪180‬‬
‫‪200 - 140‬‬ ‫أقدم‬
‫‪218 -102‬‬ ‫‪210 -102‬‬
‫الصقلي ظهر في فترة‬
‫‪106 -71‬‬ ‫‪99-61‬‬ ‫‪90- 70‬‬ ‫‪100‬‬ ‫‪110-80‬‬ ‫‪100-90‬‬ ‫‪100-80‬‬ ‫‪100‬‬ ‫الدفء األولي (جونز‪/‬‬
‫مندل)‬

‫‪108‬‬
‫ميال زى (جونز ‪/‬‬
‫‪69 -38‬‬ ‫‪60-47‬‬ ‫‪55-44‬‬ ‫‪60‬‬ ‫‪60‬‬ ‫‪60-55‬‬ ‫‪60‬‬ ‫‪60‬‬
‫مندل)‬
‫‪40 -30‬‬ ‫‪38 -29‬‬ ‫‪40-35‬‬ ‫‪35‬‬ ‫‪35‬‬ ‫‪30-28‬‬ ‫‪30‬‬ ‫‪40-28‬‬ ‫تيراني (مندل‪ /‬ريس)‬
‫موناستير (ريس ‪/‬‬
‫‪27 -22‬‬ ‫‪27-10‬‬ ‫‪25-15‬‬ ‫‪25‬‬ ‫‪25‬‬ ‫‪20-18‬‬ ‫‪18-15‬‬ ‫‪28-20‬‬
‫فورم)‬
‫الفلندري ما بعد جليد‬
‫‪7-4‬‬ ‫‪6-3‬‬ ‫‪6‬‬ ‫‪7‬‬ ‫‪10‬‬ ‫‪6-5‬‬ ‫‪8-7‬‬ ‫‪8-7‬‬
‫فورم‬
‫المصدر‪ :‬تم اإلعداد بناء على‪ :‬الدراسات المرفقة والدراسة الحقلية خالل ديسمبر ‪2022‬م(‪.∗((1‬‬
‫(‪ ∗ ((1‬جودة‪1975 ،‬م‪ ،‬ص ص ‪.32 -20‬‬
‫ ‪−‬‬ ‫‪Mc Burney and Hey (1955), The Terraces of northern Cyrenaica, p 71.‬‬
‫ ‪−‬‬ ‫‪Shukri,M, Philip, G. and Said, R (1956), The Terraces of northern Marmarica, p 28.‬‬
‫ ‪−‬‬ ‫‪Buedel, J. (1965), Eiszeitalter und heutiges Erdbild Die Umschau, Heft 1.‬‬
‫مجلة دالالت‬

‫ ‪−‬‬ ‫‪Depert, C. (1968), Essai de coordination chronologique generale des temps quaternairesC.R.Acad .Sci Paris.‬‬
‫ ‪−‬‬ ‫‪Woldstedt, P. (1966), Ablauf des Eiszeitalters. Eiszeitalter und Gegenwart, 17, Oehringen.‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫ويمكن من خالل الجدول السابق مالحظة اآلتي‪:‬‬


‫‪ -‬تتبايـن مناسـيب األرصفـة التـي صاحبـت الفتـرات الدافئـة خلال عصـر البليوستوسـين‬
‫علـى هيئـة مدرجـات موازيـة لخـط السـاحل‪ ،‬حيـث أن الهضبـة تعرضـت لحـركات تكتونيـة‬
‫أثـرت علـى مناسـيب األرصفـة‪ ،‬وخاصـة أن المنطقـة متأثـرة بعـدد ال بـأس بـه من االنكسـارات‪،‬‬
‫ويبعـد الرصيـف األعلـى أو األقـدم عـن البحر(‪40‬كـم تقريبـ ًا من السـاحل الحالـي) وتتدرج في‬
‫االنخفـاض نحـو البحـر‪ ،‬وتشـكل خطـوط الشـواطئ القديمـة لسـاحل هضبـة البطنـان والدفنـة‬
‫خلال الزمـن الرابـع‪ ،‬ومـن خلال المشـاهدات الميدانيـة أمكـن رصد سـتة مسـتويات فـي منطقة‬
‫السـاحل تتـراوح فـي االرتفاعـات بيـن ‪218 -3‬م‪ ،‬علـى مسـافة تتـراوح بيـن ‪ 40 - 0‬كـم‪ ،‬مـن‬
‫خـط الشـاطئ الحالـي‪ ،‬فالمدرجـات تبـدأ مـن الغـرب جنـوب خليـج البمبـا علـى هيئـة تموجـات‬
‫أرضيـة هينـة حتـى منطقـة بوالفرائـس شـرق التميمـي حيـث يظهر الرصيـف األول على ارتفاع‬
‫‪100‬م‪ ،‬ويسـتمر هـذا الرصيـف فـي االرتفـاع باتجـاه الشـرق‪ ،‬ثـم يتفـرع إلـى قسـمين عنـد‬
‫عيـن الغزالـة‪ ،‬والحافـة الشـمالية منـه تسـتمر منخفضـة نسـبيا حتـى رأس المحيطـة شـرق‬
‫المرصـص‪ ،‬ثـم يأخـذ فـي االرتفـاع بعـد ذلـك حتـى وادي العـودة شـمال طبـرق‪ ،‬ويبـدو أن هـذا‬
‫الرصيـف ينقسـم أيضـا إلـى أرصفـة ثانويـة باتجـاه الشـمال صـوب البحـر المتوسـط‪ ،‬فـي حيـن‬
‫نجـد الرصيـف الجنوبـي هنـا يرتفـع صـوب الجنـوب خاصـة بيـن عيـن الغزالـة حتـى طبـرق‪،‬‬
‫ويمثل خط تقسـيم المياه ؛ ليصل االرتفاع جنوب القرضبة حوالي ‪212‬م‪ ،‬فوق سـطح البحر‬
‫فـي مسـافة ال تتجـاوز ‪10‬كـم‪ ،‬مـن شـاطئ البحـر شـما ً‬
‫ال‪ .‬وقـام الباحـث بقيـاس االرتفاعـات مـن‬
‫ال وحتـى منطقـة أحـواض الصـرف الداخلـي جنـوب منطقـة الدراسـة بواقـع سـتة‬ ‫الشـاطئ شـما ً‬
‫قطاعـات طوليـة‪ ،‬ويوضـح الشـكل رقـم (‪ )6‬موقـع القطاعـات‪.‬‬

‫يوضح الشكل رقم (‪ )6‬موقع القطاعات الطولية في هضبتي البطنان والدفنة‬


‫‪ -‬عنـد مقارنـة مناسـيب األرصفـة فـي حـوض البحر المتوسـط‪ ،‬وخطوط الشـواطئ القديمة‬
‫بمنطقـة الدراسـة‪ ،‬نجـد تشـابهًا وتناسـقًا كبيـرًا بينهـا فـي معظـم الدراسـات التـي أجريـت‬
‫علـى سـاحل البحـر المتوسـط‪ ،‬ومنهـا دراسـة ‪1956( Shukri,M‬م) لسـاحل مريـوط غـرب‬
‫اإلسـكندرية فـي مصـر‪ ،‬وكذلـك دراسـة ‪)1964(Depert‬علـى سـواحل تونـس والجزائـر‪،‬‬
‫ومعظـم الدراسـات ترجـع هـذا الرصيـف الكالبـري إلـى الباليستوسـين األقـدم وهـو تكنونـي‬
‫النشـأة‪ .‬ويوضـح الشـكل رقـم (‪ )7‬قطاعـات االرتفـاع فـي هضبـة الدفنـة‪ ،‬والشـكل رقـم (‪)8‬‬
‫ال حتـى منطقـة أحـواض‬‫قطاعـات االرتفـاع فـي هضبـة البطنـان والتـي تبـدأ مـن الشـاطئ شـما ً‬

‫‪109‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫الصـرف الداخلـي جنـوب منطقـة الدراسـة‪.‬‬


‫يمكـن حصـر األرصفـة البحريـة القديمـة فـي منطقـة طبرق مـن خالل الدراسـة الميدانية‬
‫باآلتي‪:‬‬
‫الرصيف األعلى‪( :‬الكالبري) ‪Calabria‬‬
‫يعـد هـذا الرصيـف األقـدم واألعلـى‪ ،‬ويشـكل شـاطئان بحريـان‪ ،‬وهـو علـى هيئـة تلال‬
‫مسـطحة القمـم‪ ،‬تخترقـه بعـض مجـاري األوديـة الجافة‪ ،‬ويبعد في الغالب عن السـاحل الحالي‬
‫بيـن ‪40 - 30‬كـم‪ ،‬ويتسـم سـطحه باالنحـدار الهيـن نحـو الجنـوب‪ ،‬وتتـراوح درجـة االنحـدار‬
‫بيـن ‪ ،04 - 3‬فـي حيـن تتـراوح درجـة انحـدار واجهتـه الشـمالية بيـن ‪ ،070 -30‬ويتـراوح‬
‫ارتفـاع هـذا الرصيـف فـي هضبتـي البطنـان والدفنـة بيـن ‪218-102‬م‪ ،‬وتنتشـر على سـطحه‬
‫األحجـار الجيريـة المتفاوتـة األحجـام‪ ،‬والحـادة الحـواف‪ ،‬وأحيانـا تكـون مختلطـة مـع التربـة‬
‫الرمليـة الصحراويـة السـائدة‪ .‬ووفقـ ًا لدراسـات ‪ )1955( MC.Burney& Hey‬ودراسـات‬
‫جـودة (‪ )1975‬فـأن هـذا الرصيـف ينتمـي لعصـر الباليستوسـين األقدم‪ ،‬وهو تكنوني النشـأة‪.‬‬
‫الرصيف الصقلي‪Sicilian‬‬
‫يقـع هـذا الرصيـف إلـى الشـمال مـن الرصيـف السـابق بمسـافة تتـراوح بيـن ‪ 7 - 4‬كـم‪،‬‬
‫ويمتـد مـن الشـرق إلـى الغـرب موازيـًا خـط السـاحل‪ ،‬مـع تبايـن فـي االرتفـاع مـن منطقـة إلـى‬
‫أخـرى‪ ،‬وقـد شـقت األوديـة المائيـة غيـر الدائمـة الجريـان مجاريهـا عبـر هـذا الرصيـف وصو ً‬
‫ال‬
‫ال‪ ،‬ويتـراوح ارتفـاع هـذا الرصيـف مـا بيـن ‪106 -61‬م‪ ،‬وهـذا الرصيـف عبـارة‬ ‫إلـى البحـر شـما ً‬
‫عـن سالسـل تالليـة تمثـل حواجـز بحريـة‪ ،‬ويتـراوح انحـدار الواجهـة الجنوبيـة بيـن ‪ 2‬و ‪،4ᵒ‬‬
‫والواجهـة الشـمالية يتـراوح انحدارهـا بيـن ‪ 30‬و ‪ ،45ᵒ‬ووفقـ ًا لدراسـات ‪)1968( Depert‬‬
‫علـى سـاحل تونـس‪ ،‬والـذي قـدر عمـر هـذا الرصيـف ‪ 660‬ألـف سـنة‪ ،‬وجـودة (‪ )1975‬علـى‬
‫سـاحل برقـة‪ ،‬يعتقـد أن هـذا الرصيـف قـد تكـون فـي أواخـر البليوسـين بالزمـن الجيولوجـي‬
‫الثالـث وأوائـل عصـر الباليستوسـين بالزمـن الرابـع‪ ،‬وظهـر علـى السـطح خلال فتـرة الـدفء‬
‫األولـى (جونـز‪ ،‬منـدل) يعـد هـذا الرصيـف بحري النشـأة والتشـكيل‪ ،‬ويعـادل الرصيف الصقلي‬
‫فـي البحـر المتوسـط‪.‬‬

‫‪110‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬

‫‪111‬‬
‫المصدر من قياسات الباحث الدراسة الميدانية خالل شهر ديسمبر ‪2022‬‬
‫مجلة دالالت‬

‫يوضح الشكل رقم (‪ )7‬القطاعات الطولية التي تبين الشواطئ القديمة في هضبة الدفنة‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬

‫‪112‬‬
‫المصدر من قياسات الباحث خالل الدراسة الميدانية خالل شهر ديسمبر ‪2022‬‬
‫مجلة دالالت‬

‫يوضح الشكل رقم (‪ )8‬القطاعات الطولية التي تبين الشواطئ القديمة في هضبة البطنان‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫الرصيف امليالزي ‪Millazzo‬‬


‫يمتـد هـذا الرصيـف إلـى الشـمال مـن الرصيـف السـابق‪ ،‬ويبعـد عـن البحـر مسـافة تتـراوح‬
‫بيـن ‪ 6 - 5‬كـم‪ ،‬وهـو محيـط بمدينـة طبـرق مـن جهـة الجنـوب‪ ،‬وقـد نحتـت روافـد األوديـة‬
‫الجافـة بـه مجاريهـا المائيـة؛ للوصـول إلـى خليـج طبـرق‪ ،‬ويتكـون مـن التكوينـات الجيريـة‬
‫المختلطـة بالحصـى‪ ،‬ذات الحبيبـات الناعمـة إلـى المتوسـطة‪ ،‬وتـراوح ارتفاعـه مـا بيـن ‪-38‬‬
‫‪69‬م‪ ،‬وبلـغ انحـدار سـطحه جنوبـ ًا بيـن ‪ ،05-3‬أمـا الواجهـة الشـمالية فهي بين ‪،040 – 30‬‬
‫ووفقـ ًا للدراسـات ‪ )1966( Woldstedt‬فـي جنـوب إيطاليـا الـذي قـدر عمـر هـذا الرصيـف‬
‫بنحو نصف مليون سـنة‪ ،‬ودراسـات ‪ )1955( MC.Burney& Hey‬فأن هذا الرصيف ظهر‬
‫بعـد الرصيـف الصقلـي‪ ،‬ويحتـوي علـى نفـس الحفريـات‪.‬‬
‫الرصيف الترياني (‪)Tyrrhenian‬‬
‫يلـي هـذا الرصيـف مباشـرة الرصيـف الصقلـي جنـوب خليـج طبـرق علـى متوسـط ارتفـاع‬
‫‪35‬م‪ ،‬وتتـراوح ارتفاعـه فـي مناطـق متفرقـة مـن السـاحل مـا بيـن ‪40-29‬م‪ ،‬وبلغـت درجـات‬
‫انحـدار نحـو الشـمال مـا بيـن ‪ 27‬و ‪ ،°40‬ووفقـ ًا لدراسـات ‪)1955( MC.Burney & Hey‬‬
‫علـى سـاحل برقـة‪ ،‬وكذلـك شـكري وآخـرون (‪ )1956‬علـى سـاحل مطروح السـلوم‪ ،‬يرجع عمر‬
‫هـذا الرصيـف إلـى فتـرة الـدفء الثانيـة (بيـن منـدل و ريـس) إي حوالـي ‪ 270‬ألـف سـنة‪.‬‬
‫الرصيف املوناستريي (‪)Monasterian‬‬
‫تـراوح ارتفـاع هـذا الرصيـف مـا بيـن ‪27-10‬م‪ ،‬ووفقـًا لدراسـات&‪MC.Burney‬‬
‫‪ )1955(Hey‬علـى سـاحل برقـة‪ ،‬وكذلـك ‪ )1968( Depert‬فـي سـاحل تونـس‪ ،‬يتـراوح‬
‫عمـر هـذا الرصيـف بيـن ‪ 125‬و ‪ 150‬ألـف سـنة‪ ،‬ويعتقـد أن نشـأته تعـود إلـى فتـرة الـدفء‬
‫الثالثـة ( بيـن ريـس و فـورم)‪ ،‬يوجـد هـذا الرصيـف البحـري إلـى الشـمال مـن الرصيـف السـابق‬
‫ويشـرف مباشـرة على السـاحل بجروف سـاحلية يتراوح انحدارها بين ‪ 50‬و ‪ ،70ᵒ‬إلى الشـرق‬
‫مـن منطقـة رأس بيـاض بهضبـة الدفنـة‪ ،‬وسـطح الرصيـف الجنوبـي يتـراوح انحـداره بيـن ‪3‬‬
‫و ‪ ،5ᵒ‬ويظهـر إلـى الشـرق مـن مدينـة طبـرق علـى السـاحل مباشـرة فـي المنطقـة الممتـدة مـن‬
‫مرسـى الحريقة وحتى شـرق مرسـى رأس بياض‪ ،‬ويوضح الشـكل رقم (‪ )9‬واجهة هذا الرصيف‬
‫شـرق مرسـى رأس بيـاض شـرق مدينـة طبـرق‪.‬‬

‫الشكل رقم (‪ )9‬واجهة الرصيف البحري شرق رأس بياض‬

‫‪113‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫الرصيف الفلندري أو الفريسيلي (‪)Flandrienne or Versilienne‬‬


‫تـراوح ارتفـاع هـذا الرصيـف مـا بيـن ‪7-3‬م‪ ،‬ووفقـ ًا لدراسـات ‪ )1968( Depert‬علـى‬
‫سـاحل تونس‪ ،‬ودراسـات ‪ )1965( Buedel‬على سـاحل جنوب إيطاليا‪MC.Burney & ،‬‬
‫‪ )1955( Hey‬ودراسـة جـودة (‪1975‬م) علـى سـاحل برقـة‪ ،‬تـم تقديـر عمـر هـذا الرصيف‬
‫بنحـو ‪ 5‬آالف سـنة‪ ،‬وترجـع نشـأته إلـى بعـد انتهـاء جليـد فـورم‪ ،‬يمتـد هـذا الرصيـف علـى‬
‫خـط السـاحل مـن خليـج البـردي شـرق ًا وحتـى خليـج البمبـا غربـًا‪ ،‬ويشـرف علـى البحر مباشـرة‬
‫فـي مواضـع كثيـرة علـى هيئـة جـروف صخرية شـبه رأسـية‪ ،‬وسـطحه مغطى بالرمال السـاحلية‬
‫ال بيـن ‪ 2‬و ‪،5°‬‬‫واألحجـار الجيريـة المتباينـة األحجـام‪ ،‬ويتـراوح انحـداره نحـو البحـر شـما ً‬
‫وتظهـر بـه بقايـا األصـداف البحريـة‪ ،‬ويوضـح الشـكل رقـم (‪ )10‬الواجهـة الشـمالية لهـذا‬
‫الرصيـف شـمال منطقـة كمبـوت قـرب مصـب وادي الكويفيـة‪.‬‬

‫المصدر من تصوير الباحث خالل الدراسة الميدانية ‪2022/11/15‬‬


‫الشكل رقم‪ )10 ( :‬الواجهة الشمالية للرصيف البحري الفلندري ما بعد الجليد قرب مصب وادي‬
‫الكويفية‬
‫ويتضـح ممـا سـبق أن انخفـاض أو ارتفـاع معـدالت حـرارة الغلاف الجـوي للأرض يؤثـر علـى‬
‫تذبذب مسـتوى كافة بحار العالم‪ ،‬فقد بينت الدراسـات أن تراجع سـطح البحر الذي بداء منذ‬
‫ً‬
‫متواصلا بـل تـم فـي عـدة مراحـل متأثـرًا بالتغيـرات المناخيـة‬ ‫الباليستوسـين المبكـر لـم يكـن‬
‫حتـى وصـل إلـى أدنـى مسـتوياته مـا بيـن ‪ 100‬إلـى ‪150‬متـرا ً تحـت مسـتواه الحالـي‪ ،‬وذلـك‬
‫خلال العصـر الجليـدي األخيـر (‪ )Wurm‬فـي الباليستوسـين المتأخـر‪ .‬ومـع نهايـة العصـر‬
‫الجليـدي األخيـر وخلال الهولوسـين حدثـت مرحلة أخيرة من التذبذبات اإليوسـتاتية تزامنت‬
‫مـع المرحلـة الدفيئـة األخيـرة التـي شـهدتها األرض‪ .‬وتظهـر آثـار هـذه التذبذبـات في الجروف‬
‫السـاحلية والسـطوح الصخريـة المرتفعـة التـي توجـد قريبـة مـن شـاطئ البحـر فـي أجـزاء‬
‫متفرقة من سـواحل منطقة الدراسـة على ارتفاع ‪7-3‬م عن سـطح البحر‪ ،‬ويوضح الشـكل رقم‬
‫(‪ )11‬بعـض الجـروف السـاحلية واألسـطح الصخريـة قـرب مصـب وادي العـودة طبـرق‪.‬‬

‫‪114‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫المصدر من تصوير الباحث خالل الدراسة الميدانية نوفمبر ‪2022‬‬


‫يوضح الشكل رقم (‪ )11‬بعض الجروف الساحلية واألسطح الصخرية على قرب مصب وادي العودة‬
‫طبرق‬
‫ً‬
‫وفضلا عـن تلـك األشـكال البحريـة المرتفعـة توجـد أيضـ ًا مظاهـر مماثلـة مغمـورة تحـت‬
‫سـطح البحر كالشـطوط الرملية واألرصفة الشـاطئية واألودية الغارقة التي تبين أنها تعرضت‬
‫لعمليـات تخديـد ونحـت نتيجـة لهبـوط مسـتوى القاعـدة‪ ،‬كمـا هـو الحـال فـي الشـطوط الرملية‬
‫األرصفـة الشـاطئية واألوديـة المغمـورة في معظم سـاحل هضبة الدفنـة وهضبة البطنان‪ ،‬كما‬
‫هـو واضـح مـن المرئيـة(‪ .((1‬وتوضـح الخريطـة رقم(‪ )12‬الشـطوط الرمليـة واألودية واألرصفة‬
‫الشـاطئية المغمـورة أمـام سـاحل منطقة كمبـوت بهضبة الدفنة‪.‬‬

‫المصدر من إعداد الباحث بناء على (المرئية الفضائية ‪ DEM‬بتاريخ ‪ 2021/9/1‬بدقة وضوح ‪28.5‬م هضبة الدفنة)‪.‬‬
‫توضح الخريطة رقم (‪ )12‬بعض األشكال الجيومورفولوجية المغمورة أمام ساحل كمبوت بهضبة‬
‫الدفنة‬
‫(‪ ((1‬المرئية الفضائية ‪ DEM‬بتاريخ ‪ 2021/9/1‬بدقة وضوح ‪28.5‬م هضبة الدفنة‪.‬‬

‫‪115‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫وكذلـك السـاحل الممتـد شـمال مدينـة طبـرق مـن مصـب وادي أمريـرة وحتـى مصـب وادي‬
‫العـودة تنتشـر أمامـه الشـطوط الرمليـة األرصفـة الشـاطئية واألوديـة المغمـورة فـي معظـم‬
‫السـاحل بهضبـة البطنـان‪ ،‬ومعظـم األوديـة التـي تنتهـي إلـى السـاحل الحالـي منحوتـة فـي‬
‫رواسـبها الفيضيـة القريبـة مـن البحـر إلى عمق يتراوح بين‪6 - 1‬م(‪.((2‬وتشـير معظم الدراسـات‬
‫إلـى أن مسـتوى سـطح البحـر بـداء يتـــراجع منــذ حوالـي ‪ 3750‬سنــة مـن اآلن ووصـــل إلـى‬
‫مستـــواه الحــالي منـذ ألـف سـنة مـن اآلن(‪ ((2‬وتوضـح الخريطـة رقـم (‪ )13‬األوديـة والشـطوط‬
‫الرمليـة المغمـورة أمـام سـاحل مدينـة طبـرق‪.‬‬

‫المصدر من إعداد الباحث بناء على (المرئية الفضائية ‪ DEM‬بتاريخ ‪ 2022/10/12‬بدقة وضوح ‪28.5‬م هضبة‬
‫البطنان)‪.‬‬
‫توضح الخريطة رقم (‪ )13‬األودية والشطوط الرملية المغمورة أمام ساحل مدينة طبرق‬

‫اخلالصة‪:‬‬
‫رغم إن اإلشـكال الجيومورفولوجية من شـواطئ قديمة (أرصفة بحرية) وفتحات سـاحلية‬
‫وتغيـر نظـم شـبكات التصريـف المائـي السـطحية فـي هضبتـي البطنـان والدفنـة التـي تعتبـر‬
‫نتاجـ ًا لعمليـات مورفـو ديناميكيـة قديمـة تعـود إلـى نهايـة الزمـن الثالـث وبدايـة الزمـن الرابـع‬
‫فـي تفاعـل مباشـر مـع الظـروف التكتونية الليثولوجية المختلفـة‪ ،‬إال أن عدة تغيرات متعاقبة‬
‫فـي العمليـات المورفوديناميكيـة قـد حدثـت خالل الباليستوسـين والهولوسـين نتيجة لتغيرات‬
‫ً‬
‫وفضلا عـن مضـــامين‬ ‫مناخيـة مختلفـة مكانيـًا بيـن األراضـي الداخليـة والسـهول السـاحلية‪.‬‬
‫المنــاخ الجــاف أو الــرطب بنــوعيه لألشكال الجيومورفولوجية في منطقة الدراسة التي دلت‬
‫سـواء الطويلة أو القصيرة المدى‪ ،‬وتوصلت هذه الدراسـة‬ ‫ً‬ ‫على حدوث تلك التغيرات المناخية‬
‫أيضـ ًا إلـى أن عـدة أشـكال جيومورفولوجيـة فـي هضبتـي البطنـان والدفنـة ال زالـت مغمـورة في‬
‫مواقـع جغرافيـة خارجـة عـن نطاق التوازن مـع العمليات المورفوديناميكية الحالية‪ ،‬كالرواسـب‬
‫البحيريـة ونظـم التصريـف المغمـورة‪ ،‬والمـراوح الفيضيـة والرواسـب الريحيـة وركامـات سـفوح‬

‫(‪ ((2‬قياسات الباحث خالل الدراسة الميدانية نوفمبر ‪.2022‬‬


‫)‪Felber H., and others (1978): Sea level Fluctuation during the Quaternary Pe� ((2‬‬
‫‪riod. - In: Al-Sayari S.S. and Zotl J.G.: Quaternary period in Saudi Arabia, spring-‬‬
‫‪.er – Verlag, Wien / New York, 50 – 57‬‬

‫‪116‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫فضلا عـن التبايـن في نسـيج رواسـب المياه السـطحية الجارية فـي بطون األودية‪.‬‬ ‫ً‬ ‫المنحـدرات‪،‬‬
‫ولقـد دلـت األشـكال الجيومورفولوجيـة التـي نوقشـت فـي هـذه الدراسـة علـى أن منـاخ‬
‫هضبتـي البطنـان والدفنـة خلال المرحلـة الجليديـة للعصـر الجليـدي (‪ )Wurm‬الممتـدة‬
‫بيـن ‪ 25 – 40‬ألـف سـنة مـن اآلن تميـز بالتغيـر بيـن الجفـاف والرطوبـة وذلـك وفقـ ًا للتغيـر‬
‫فـي هيمنـة الضغـط الجـوي المرتفـع اآلزوري ومـدى توغـل تأثيـر الريـاح الشـمالية الغربيـة‬
‫وذلـك بسـبب دفء األرض نسـبيًا واالنحسـار الجزئـي للجليـد فـي نصـف الكـرة الشـمالية‪ .‬وقـد‬
‫تكونـت خلال الفتـرات الرطبـة رواسـب التوفـا والبحيـرات ورواسـبها الصلصاليـة الناعمـة فـي‬
‫األراضـي الداخليـة (أحـواض الصـرف الداخلـي‪ -‬البلـط)‪ ،‬وتعـد األوديـة الجافـة مـن الظاهـرات‬
‫الجيومورفولوجية الهامة‪ ،‬واألكثر انتشـارًا على سـطح هضبتي البطنان والدفنة‪ ،‬وتشـق معظم‬
‫هـذه األوديـة مجاريهـا وفقـا لطبوغرافيـة سـطح منطقـة الدراسـة وصـوال إلـى البحـر شـما ً‬
‫ال‪،‬‬
‫أوالمسـيالت الضحلـة إلـى منطقـة المنخفضـات جنوبـًا التـي تأخـذ اتجاهـات متعـددة‪ ،‬وشـبكات‬
‫تصريـف الميـاه السـطحية المنتشـرة علـى سـطح الهضبـة هي أشـكال موروثة عـن ظروف بيئية‬
‫كانـت أكثـر أمطـارًا وتعكـس صـورا جيومورفولوجيـة ناتجـة عـن فاعليـة الميـاه الجاريـة خلال‬
‫الزمـن الرابـع وخاصـة الباليستوسـين‪ ،‬فهـي ليسـت وليـدة الحاضـر‪ ،‬كمـا تميز الجريان السـطحي‬
‫بالحمولة الكبيرة للرواسـب التي كونت المراوح الفيضية وخاصة في أحواض الصرف الداخلي‬
‫الحاليـة‪ ،‬والتـي غطـت أيضـ ًا مسـاحات واسـعة فـي األراضـي الداخليـة‪.‬‬
‫وبتأثيـر مـن العامـل األيوستــاتي أنخفـض مستــوى سـطح البحـر خلال العصــر الجليـدي‬
‫(‪ )Wurm‬إلـى حوالـي ‪ 150– 100‬متـرًا تحـت مسـتواه الحالـي األمـر الـذي زاد مـن درجـة‬
‫قاريـة المناطـق الداخليـة مـن هضبتـي البطنـان والدفنـة‪ .‬ومـع نهايـة العصـر الجليـدي وبداية‬
‫الهولوسـين حوالـي ‪ 10– 12‬ألـف سـنة مـن اآلن‪ ،‬ونتيجـة لالرتفـاع النسـبي للحـرارة والـدفء‬
‫لسـطح األرض وذوبـان الجليـد ارتفـع مسـتوى سـطح البحـر إلـى حوالـي ‪ 3 -2‬متـر فـوق مسـتواه‬
‫الحالـي وقـد سـيطر منـاخ رطـب إلـى شـبه رطـب فـي عمـوم منطقـة الدراسـة مع ميل إلـى غزارة‬
‫فضلا عـن شـدة‬ ‫ً‬ ‫األمطـار علـى أطرافهـا الشـمالية‪ ،‬وذلـك بسـبب زيـادة التبخـر وكثافـة الغيـوم‬
‫تأثيـر دور الريـاح الشـمالية الغربيـة األمــر الـذي ميـز هـذه المرحلـة الرطبـة الممتـدة منـذ‬
‫بدايـة الهولوسـين وحتـى منتصفـه تقريبـ ًا‪ ،‬والتـي أمتـد تأثيرهـا إلـى المناطـق الجافـة اليـوم‬
‫فـي وسـط هضبتـي البطنـان والدفنـة وجنوبهمـا التـي ارتفعـت فيهـا كميـات األمطار خــلال تلك‬
‫المـرحلـــة الـرطبــة عـن الوضــع الحـالـي ‪.‬‬
‫ومنـذ منتصـف الهولوسـين وحتـى اليـوم تراجـع البحـر إلـى مسـتواه الراهـن‪ ،‬وبـدأ المنـاخ‬
‫الحالـي لهضبتـي البطنـان والدفنـة فـي التشـكل حيـث هيمـن وال يـزال المنـاخ الجـاف والقاحـل‬
‫فـي منطقـة الدراسـة وجنوبهـا فـي حيـن انخفـض مسـتوى األمطـار فـي أطرافهـا الشـمالية إلـى‬
‫وضعـه الحالـي المتميـز بمنـاخ شـبه جـاف‪ .‬ويمكـن تفسـير الظـروف المناخيـة الحاليـة بأنهـا‬
‫شـتاء فـي حـوض البحـر‬ ‫ً‬ ‫خاضعـة لتأثيـر الـدورة الهوائيـة ومنخفضـات األعاصيـر التـي تسـود‬
‫المتوسـط وشـمال أفريقيـا‪ .‬ومنـذ منتصـف الهولوسـين ونتيجـة لجفـاف المناطـق الداخليـة‬
‫نشـطت العمليـات الريحيـة مجـددًا فـي تذريـة المفتتـات الرمليـة‪ ،‬كما حملـت العواصف الرملية‬
‫إلـى المناطـق الشـمالية الرواسـب الريحيـة فـي معظـم بطـون األوديـة ومنطقـة أحـواض الصرف‬
‫الداخلـي (السـقايف) وقـد سـاعد فـي انتشـارها نشـاط السـكان منـذ القـدم في الزراعـة البعلية‬
‫بمنطقـة الدراسـة‪ .‬األمـر الـذي أدى إلـى تصحـر بعـض المناطـق وخاصـة فـي وسـط هضبتـي‬
‫البطنـان والدفنـة‪ ،‬فقـد عملـت زيـادة السـكان والعمـل علـى توفيـر الحبـوب الغذائيـة مـن القمح‬
‫والشـعير على االسـتفادة القصوى من األراضي الهامشـية والمياه السـطحية الجارية في االوديه؛‬
‫وقـد أدى ذلـك إلـى تناقـص كبيـر بالغطـاء النباتـي الطبيعـي وزيادة اسـتخدامه ألغـراض الرعي‬
‫وتوفيـر الطاقـة‪ ،‬األمـر الـذي نتـج عنـه المزيـد مـن التدهـور البيئـي والتصحـر وزيـادة معـدل‬
‫تأثيـر اإلشـعاع المنعكـس فـي تسـخين الجـو وإلـى مزيـد من التحـول نحو الجفـاف‪ .‬وقد نتج عن‬

‫‪117‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫هـذا التحـول المناخـي توسـع نطـاق الجفـاف الجغرافي في هضبتي البطنـان والدفنة إلى وضعه‬
‫الحالـي وزيـادة فـي نشـاط العمليـات المورفوديناميكيـة الفجائيـة للميـاه السـطحية الجاريـة‬
‫وحمولتهـا الكبيـرة مـن الرواسـب الخشـنة األمـر الـذي أدى إلـى انهيـار بعـض السـدود وزيـادة‬
‫الرواسـب باآلبـار السـطحية أحيانـًا ومـن ثـم إلـى هجـرة وتصحـر األراضي الزراعيـة القديمة في‬
‫منطقـة أحـواض الصـرف الداخلـي (السـقايف)‪.‬‬

‫‪118‬‬
‫م‬2023 ‫العدد ( الثامن ) يوليو‬ ‫مجلة دالالت‬

‫املراجع‬
:‫املراجع العربية‬
،‫ المنطقـة الممتـدة فيمـا بيـن القصيـر ومرسـى أم غيـج دراسـة جيومورفولوجيـة‬،‫ أحمـد محمـد أحمـد‬،‫أبوريـة‬1 .
.‫م‬2007 ،‫ كليـة اآلداب جامعـة اإلسـكندرية‬،‫رسـالة دكتـوراه غيـر منشـورة‬
‫ الهيئـة العامـة‬،‫ التغيـرات البيئيـة – جغرافيـة الزمـن الرابـع‬،‫ ترجمـة محمـود محمـد عاشـور‬،‫جـودى‬.‫س‬.‫أندرو‬2 .
.‫م‬1995،‫ القاهـرة‬،‫لشـؤون المطابـع األميريـة‬
‫ تحرير الهـادي مصطفى‬،‫ الجماهيريـة دراسـة فـي الجغرافيـا‬،‫ التطـور الجيولوجـى والتكتونـى‬،‫ أميـن‬،‫المسلاتى‬3 .
.‫ م‬1995،‫ الطبعة األولـى‬،‫ سـرت‬،‫ الـدار الجماهيريـة للنشـر والتوزيـع واإلعلان‬،‫بولقمـة وآخـر‬
‫ الطبعـة‬،‫ بنغـازي‬،‫ منشـورات جامعـة قاريونـس‬،‫ جغرافيـا ليبيـا البشـرية‬،‫ محمـد المبـروك‬،‫المهـدوى‬4 .
.‫م‬1990 ،‫الثانيـة‬
.‫م‬1995، ‫ سبها‬، ‫ منشورات جامعة سبها‬، ‫ األزمنة الجيولوجية‬، ‫ترجمة فضل األيوبي‬، Furon5 .
،‫ منشـورات جامعة بنغازي‬،‫ الجزء الثاني‬،‫ أبحـاث فـي جيومورفولوجيـة األراضي الليبية‬،‫ حسـنين جـودة‬،‫جـودة‬6 .
.‫م‬1975،‫ بيروت‬،‫مؤسسـة عبد الحفيظ البسـاط‬
.‫م‬1983،‫ القاهرة‬،‫ مكتبة االنجلو المصرية‬،‫ الجيومورفولوجيا‬،‫ ترجمة ليلي محمد عثمان‬،‫سباركس‬7 .
‫ بعض الدالئل الجيومورفولوجية على التغيرات المناخية في اليمن خالل الباليستوسين‬،‫ قادري‬،‫عبد الباقي‬8 .
.2003 ‫مجلة الجغرافي الصادرة عن الجمعية الجغرافية اليمنية العدد الثاني‬،‫المتأخــر والهولوسين‬
.‫م‬2002 ،‫ القاهرة‬،2‫ ط‬،‫ بدون دار نشر‬،‫ جيومورفولوجية األشكال األرضية‬،‫ محمد صبري‬،‫محسوب‬9 .

:‫املراجع األجنبية‬
1. Buedel, J. (1965), Eiszeitalter und heutiges Erdbild Die Umschau, Heft 1.
2. Bunker D.G. (1953): The Southwest Borderland of the Rub Al Khali. - In: The geogr. J. vol. 69,
420 – 430.
3. Crema, C. (1925): Le “seghife”Particolarita morfologica dei dintorni di TOBRUK. Atti IXcongr.,
VOL.II, pp.9196-, Geneva.
4. Depert, C. (1968), Essai de coordination chronologique generale des temps quaternairesC.R.Acad
.Sci Paris.
5. Desio, A (1971) Outlines and Problems of the Geomorphological Evolution of Libya from the
Tertiary to the present day, Symposium on the Geology of Libya, Tripoli.
6. Geological map of Libya- Darnah, (1973), sheet NI3416-, Industrial Research Centre, Tripoli,
Libya.
7. Geological map of Libya-Albardia, (1975), sheet NH 351-, Industrial Research Centre, Tripoli,
Libya.
8. Felber H., and others (1978): Sea level Fluctuation during the Quaternary Period. - In: Al-Sayari
S.S. and Zotl J.G.: Quaternary period in Saudi Arabia ,springer – Verlag, Wien / New York, 50 – 57.
9. Heyer E. (1972): Witterung und Klima. - B5B. B.G Teubner Verl. Leipzig.
10. Hélène Jousse, Gilles Escarguel, 2006, the use of Holocene bovid fossils to infer palaeoenvironment
in Africa, Quaternary Science Reviews 25, pp775776-.
11. MALEY. J. (1980): Les changements climatiques de la fin du Tertiary en
Afrique: leur conséquence sur l’apparition du Sahara ET de SA végétation, In:
Williams M.A.J. (Ed) Faure H. (Ed) the Sahara and the Nile:
quaternary environments and prehistoric occupation in Northern Africa. Rotterdam:

119
‫م‬2023 ‫العدد ( الثامن ) يوليو‬ ‫مجلة دالالت‬

Balkema, 1980, 4, p6386-.


12. MC.Burney, C.M.B, &Hey, R.W. (1955): Prehistory and Pleistocene geology in Cyrenaica Libya.
Cambridge University Press, London.
13. Migliore Jeremy., 2013: surviving in mountain climate refugia: new insights
from the genetic structure and diversity of the relict shrub Myrtus
nivellei (Myrtaceae) in the Sahara Desert. PLOSONE 8 (9), p3.
14. Shukri, N.M, Philip, G and Said, R (1956), The Terraces of northern Marmarica.
15. Woldstedt, P. (1966), Ablauf des Eiszeitalter und Gegenwart, 17, Oehringen.

120
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫املـقومات البشرية للجذب السياحي ملـدينة توكرة‬


‫(دراسة يف جغرافية السياحة)‬
‫إعداد‪:‬‬
‫أ‪ .‬سعيد عبدالحميد عبداهلل دعبس‬
‫قسم اآلثار واإلرشاد السياحي ‪ -‬كلية اآلداب والعلوم توكرة ‪ -‬جامعة بنغازي‬
‫القبول‪2023/6/23 :‬‬ ‫االستالم‪2023/4/14 :‬‬

‫املستخلص‪:‬‬
‫تهـدف الدراسـة الحاليـة إلـى التعـرف علـى مقومـات العـرض السـياحي البشـري لمدينـة‬
‫توكـرة‪ ،‬ولتحقيـق هـدف الدراسـة تـم االعتمـاد علـى المنهـج الموضوعـي والمنهـج التاريخـي‬
‫والمنهـج الكمـي والميدانـي‪ ،‬والتـي مـن خاللهـا تـم التوصـل إلـى عـدة نتائج أهمهـا تمتع منطقة‬
‫الدراسـة بمقومـات بشـرية تمكنهـا مـن أن تكـون واجهـة سـياحية مهمـة‪ ،‬كمـا تـم وضـع عـدة‬
‫توصيـات مـن شـانها أن تسـاهم فـي تطويـر وتنشـيط السـياحة بالمنطقـة‪.‬‬
‫الكلمات املفتاحية‪ :‬السياحة‪ ،‬المقومات السياحية‪ ،‬الخدمات السياحية‬
‫‪Abstract:‬‬
‫‪The current study aimed to identify the components of the human tourism‬‬
‫‪offer in the city of Tocra. To achieve the goal of the study, the objective approach,‬‬
‫‪the historical approach, and the quantitative and field approach were adopted,‬‬
‫‪through which several results were reached, the most important of which is the‬‬
‫‪enjoyment of the study area with the elements of humanity that enable it to be‬‬
‫‪an important tourist destination.‬‬
‫‪Keywords: Tourism، Tourism potential ،Tourism services.‬‬

‫املقدمة‪:‬‬
‫تعتبـر جغرافيـة السـياحة أحـد االتجاهـات الحديثـة فـي علـم الجغرافيـا‪ ،‬وتهتـم بدراسـة‬
‫المقومـات المرتبطـة بعناصـر الجـذب السـياحي؛ كالبيئـة الطبيعية والبشـرية‪ ،‬كمـا أنها تدرس‬
‫حركـة السـياح وتوزيعهـم الجغرافـي‪ ،‬وأسـبابها واآلثـار الناجمـة عنهـا ولهـذا تعـد السـياحة مـن‬
‫الصناعات التي تسـاعد على بناء عالم أفضل لتعزيز فرص التفاهم والسلام بين الشـعوب؛ مما‬
‫يـؤدي إلـى تفاعـل حضـاري وثقافـي ينتـج عنـه ظواهـر اقتصاديـة واجتماعيـة وحضاريـة‪ ،‬كمـا‬
‫تعتبـر فـي الوقـت الراهـن داعمـة القتصـاد العديد من الدول التي عملـت على تعزيز التخطيط‬
‫السـياحي واسـتثمار مقوماتهـا السـياحية؛ إذ أصبحـت السـياحة مـن المصـادر المهمـة في الدخل‬
‫القومـي حيـث ترتبـط السـياحة بعناصـر البيئـة الطبيعيـة والبشـرية؛ فالبيئـة الطبيعيـة‬
‫بمجمـل عناصرهـا تشـكل األسـاس الـذي يقـوم عليـه النشـاط السـياحي وتشـمل المقومـات‬
‫البشـرية العديـد مـن العناصـر‪ ،‬منهـا المقومـات الدينيـة والتاريخيـة واألثريـة‪ ،‬وبالتالـي فـإن‬
‫السـياحة ظاهـرة جغرافيـة لهـا مضمـون واسـع مما يعنـي التمتع بالمقومات الطبيعية والبشـرية‬
‫فـي اإلجـازات وأوقـات الفـراغ والسـياحة‪ ،‬كنشـاط يهـدف إلى سـد حاجـات الفـرد‪ ،‬ومنها‪ :‬حاجة‬
‫السـائح للراحة‪ ،‬وحب االسـتطالع عن طريق االسـتجمام والترفيه؛ بهدف صفاء الروح ونقائها‬

‫‪121‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫خاصـة فـي البلـدان التـي تتمتـع بمقومـات سـياحية طبيعيـة وبشـرية متنوعـة‪ ،‬مثـل ليبيـا‪.‬‬
‫(((‬

‫وتسـلط الدراسـة الضـوء علـى عوامـل الجـذب السـياحي البشـري بمدينـة توكـرة التـي‬
‫تنتشـر بمنطقـة الدراسـة فالمعالـم التاريخيـة التـي تمتـد مـن العصـور الفينيقيـة واإلغريقيـة‬
‫والرومانيـة واإلسلامية تعـد أحـد أهـم المواقـع السـياحية حيـث التنـوع فـي مقومـات العـرض‬
‫السـياحي‪.‬‬
‫مشكلة الدراسة‪:‬‬
‫تعتبـر مدينـة توكـرة أحـد أهـم المواقـع التـي يمكـن اسـتثمارها سـياحيا‪ ،‬حيـث تتوافر فيها‬
‫العديد من مقومات الجذب السـياحي الفريدة المميزة بها؛ ونظرا الن السـياحة ال تعتمد فقط‬
‫علـي المقـوم الطبيعـي كعامـل جـذب سـياحي بـل تعتمـد فـي المقـام األول علـى اإلنسـان ومدى‬
‫تأثيـره علـى المقومـات الطبيعيـة التـي تعتبـر غيـر ذات جـدوى إن لـم يقـم اإلنسـان بتطويرهـا‬
‫واسـتثمارها علـى الوجـه األمثـل‪ ،‬بحيـث يجعـل منهـا مناطق جاذبـة ومتكاملة ومزدهرة سـياحيا‬
‫ولهـذا فـإن الدراسـة الحاليـة تسـعى لمعرفـة مقومـات الجغرافيـة البشـرية للجـذب السـياحي‬
‫بمدينـة توكـرة مـن خلال اإلجابـة عـن التسـاؤالت التالية‪:‬‬
‫‪1.‬هـل تمتلـك مدينـة توكـرة مقومـات جـذب سـياحية يمكـن أن تجعلهـا منطقـة سـياحية‬
‫مميـزة؟‬
‫‪ 2.‬ما مقومات الجذب السياحي البشرية لمدينة توكرة؟‬
‫‪ 3.‬هـل الخدمـات السـياحية الداعمـة للنــشاط الــسياحي المتوفـرة تكفـل اسـتمرار النشـاط‬
‫السـياحي بشـكل جيـد فـي منطقـة الدراسـة؟‬
‫أهداف الدراسة‪:‬‬
‫‪ 1.‬التعرف على مقومات الجذب السياحي لمدينة توكرة‪.‬‬
‫‪2.‬التعرف على مقومات الجذب السياحي البشرية لمدينة توكرة‪.‬‬
‫‪3.‬التعـرف علـى الخدمـات السـياحية المتوفـرة التـي تكفـل اسـتمرار النشـاط السـياحي بشـكل‬
‫جيـد فـي منطقـة الدراسـة‪.‬‬
‫أهمية الدراسة‪:‬‬
‫تأتـي أهميـة الدراسـة فـي إبـراز المقومـات الجغرافيـة البشـرية للجـذب السـياحي بمدينـة‬
‫توكـرة‪ ،‬وكذلـك األنمـاط السـياحية القائمـة عليهـا كإحـدى مناطـق الجـذب السـياحي وتحليــل‬
‫فـرص التنمية الــسياحية المــستقبلية‪.‬‬
‫املوقع اجلغرايف ملنطقة الدراسة‪:‬‬
‫يعـد الموقـع الجغرافـي والفلكـي مـن المقومـات المهمـة التـي لهـا أثـر واضـح علـى السـياحة‬
‫مـن ناحيتين‪:‬‬
‫األولـى تكمـن فـي موقـع منطقـة الجـذب السـياحي مـن مناطـق ورود السـائحين‪ ،‬فكلمـا كان‬
‫الموقـع قريبـا مـن مصـادر السـائحين بحيـث يمكـن الوصـول إليـه بسـرعة وتكليـف اقـل كان‬
‫اإلقبـال عليـه كبيـرا‪.‬‬
‫أمـا الناحيـة الثانيـة هـي موقعـه بالنسـبة لدوائـر العـرض ومـا لهـا مـن أثـر علـى خصائـص‬
‫ونـوع المنـاخ وأشـكال النباتـات ذات الجـذب السـياحي‪.‬‬

‫((( أيمـن يوسـف نجيـب‪" ،‬المقومـات السـياحية فـي محافظة بيـت لحم"‪( ،‬رسـالة ماجسـتير في الجغرافيـا‪ ،‬كلية‬
‫الدراسـات العليـا في جامعـة النجـاح الوطنية في نابلـس‪ ،‬فلسـطين‪ ،)2011،‬ص ‪.2‬‬

‫‪122‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫تقـع مدينـة توكـرة فـي الجـزء الشـمالي مـن سـهل بنغـازي الواقـع شـمال شـرق ليبيـا‪ .‬حيـث‬
‫تبعـد عـن مدينـة بنغـازي بحوالـي ‪ 70‬كـم وتحدهـا مـن الشـمال الشـرق منطقـة بوترابـة‪ ،‬فـي‬
‫حيـن إن البحـر يحدهـا مـن جهـة الشـمال والغرب‪ ،‬ومـن ناحية الجنوب تحدهـا منطقة بوجرار‪،‬‬
‫وتمثـل الحافـة األولـى للجبـل األخضـر حدودهـا الشـرقية‪ .‬وتمتـد المنطقـة علـى الطريـق‬
‫السـاحلي بيـن بنغـازي والمـرج‪ ،‬ولموقعهـا سـمة خدميـة فـي كونهـا تقع بمنتصف المسـافة بين‬
‫مدينتـي بنغـازي والمـرج‪ ،‬كمـا أنهـا تقـوم بـدور المركـز الخدمـي للمناطـق المحيطة بهـا وكذلك‬
‫حركـة السـير التـي تمـر عبرهـا‪.‬‬
‫أمـا الموقـع الفلكـي مـن دوائـر العـرض يحـدد لنـا نـوع المنـاخ ومـن ثـم النباتـات والحيوانـات‬
‫البريـة‪ ،‬كمـا يتحكـم فـي طـول النهـار وقصـره وهـذه الشـخصية المناخية لها أثرهـا في تحديد‬
‫نـوع الحركـة السـياحية وطبيعتهـا‪ .‬وبالنظـر إلـى الخريطـة الجغرافيـة (‪ )1‬لمنطقـة الدراسـة‬
‫نجد أن المنطقة تقع عند تقاطع خطي طول ‪ º20 - 33‬و ‪ º20 -36‬شـرقًا‪ ،‬ودائرتي عرض‬
‫ال‪ ،‬جعـل مـن هـذه المنطقـة تتميـز بمنـاخ حـار جـاف صيفـًا‬ ‫‪ º32 - 30‬و ‪ º32 - 34‬شـما ً‬
‫(((‬
‫شـتاء وهـو مماثـل لمنـاخ البحـر المتوسـط‪.‬‬
‫ً‬ ‫ومعتـدل وممطـر‬
‫ويعـد هـذا الموقـع لمنطقـة الدراسـة مقـوم مهـم مـن مقومـات العـرض السـياحي‬
‫وذلـك للمزايـا اآلتيـة‪:‬‬
‫‪1.‬موقـع منطقـة الدراسـة أثـر فـي اكتسـابها عناصـر جـذب أثريـة وتاريخيـة وثقافيـة نشـأت‬
‫بسـبب تعاقـب الحضـارات اإلغريقيـة والرومانيـة واإلسلامية عليهـا‪.‬‬
‫‪2.‬تقـع منطقـة الدراسـة بالقـرب مـن المراكـز العمرانيـة منهـا مدينـة بنغـازي والمـرج وباقـي‬
‫مـدن برقـة ممـا يسـهل عمليـة الوصـول إليهـا بوسـائل النقـل المختلفـة‪.‬‬
‫‪3.‬يعد موقع منطقة الدراسـة على السـهل السـاحلي المنبسـط ضمن سـهل بنغازي في الشـمال‬
‫الشـرقي مـن ليبيـا علـى السـاحل الجنوبـي للبحـر المتوسـط فـي العـروض المعتدلـة من أهم‬
‫مقومـات تنشـيط السـياحة بنوعيهـا الداخليـة والخارجيـة كمـا موقعـه فـي هـذه العـروض‬
‫(((‬
‫جعلهـا تتمتـع بمنـاخ البحر المتوسـط‪.‬‬

‫((( المكتـب االستشـاري للدراسـات االقتصاديـة بنغـازي‪ ،‬تحديث المخطـط العام السـتثمار مياه المرحلـة األولى من‬
‫النهـر الصناعـي‪ ،‬الجـزء األول منظومة أجدابيا بنغـازي‪ ،1997 ،‬ص ‪.61‬‬
‫((( المرجع السابق‪ ،‬ص‪.62‬‬

‫‪123‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫شكل (‪ )1‬موقع منطقة الدراسة‬

‫المصدر‪ :‬أعداد الباحث باستخدام برنامج (‪)Arc Map Gis 10.3.1‬‬

‫منهجية وأدوات الدراسة‪:‬‬


‫بالنسـبة لمنهجيـة البحـث فذلـك يتوقـف علـى طبيعـة الموضـوع بحـد ذاتـه وخصائصـه‬
‫والهـدف الـذي تسـعى الدراسـة للوصـول إليـه فـي سـبيل تحقيق أهـداف الدراسـة واإلجابة على‬
‫مـا أثيـر فـي التسـاؤالت‪ ،‬ولهـذا اعتمدنـا علـى العديـد مـن األدوات لجمـع البيانـات المرتبطـة‬
‫بموضـوع الدراسـة وتحليلهـا وذلـك مـن خلال مـا يأتـي‪:‬‬
‫أ‪ -‬الجانب النظري‪:‬‬
‫ويكـون عـن طريـق المسـح المكتبـي وذلـك باإلطلاع علـى الدراسـات السـابقة الخاصـة‬
‫بموضـوع الدراسـة‪ ،‬وتشـمل المراجـع والدوريـات والنشـرات والتقاريـر االستشـارية والمخططـات‬
‫الخاصـة بالمواقـع السـياحية فـي منطقـة الدراسـة واإلطلاع علـى الرسـائل العلميـة الخاصـة‬
‫بها ‪.‬‬
‫ب‪ -‬الجانب الميداني‪:‬‬
‫تعد الدراسة الميدانية من أهم مصادر جمع البيانات وذلك من خالل‪:‬‬
‫‪1.‬النزول إلى الميدان اللتقاط الصور الفوتوغرافية الخاصة بالدراسة وخاصة في المنطقة‬
‫القديمـة وصور عديدة أخرى‪.‬‬
‫‪2.‬أخـذ المواقـع السـياحية التـي تـم تحويلهـا إلـى خرائـط لتوضيـح المواقـع أو األماكـن‬
‫السـياحية فـي منطقـة الدراسـة‪.‬‬
‫واعتمدت الدراسة على العديد من المناهج وهي على النحو التالي‪:‬‬
‫أ‪ .‬المنهـج الموضوعـي‪ :‬والـذي يتنـاول فيـه موضـوع البحـث لتحديـد المقومـات السـياحية‬
‫البشـرية ودراسـتها داخـل نطـاق منطقـة الدراسـة‪.‬‬
‫ب‪ .‬المنهـج التاريخـي‪ :‬ويتبـع هـذا المنهـج سـرد وقائـع المنطقـة عبـر العصـور المختلفـة‬
‫وفهـم نظـرة المنطقـة إلـى السـياحة‪.‬‬

‫‪124‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫ج‪ .‬المنهـج الكمـي‪ :‬أخـذ اإلحداثيـات لرسـم الخرائـط‪ ،‬اسـتخدمت المرئيـات الفضائيـة‬
‫لمنطقـة الدراسـة لالسـتعانة بهـا لرسـم بعـض الخرائـط‪.‬‬
‫ــ مقومات الجذب السياحي البشرية في منطقة الدراسة‪:‬‬
‫تعـد المقومـات البشـرية والتاريخيـة للجـذب السـياحي الركيـزة األساسـية التـي تحـرك‬
‫السـياحة فـي أي منطقـة‪ ،‬وتختلـف المقومـات البشـرية عـن المقومـات الطبيعيـة للجـذب‬
‫السـياحي مـن ناحيـة أنهـا تعـد المحـرك الفعلـي لألنشـطة السـياحة‪.‬‬
‫ويمكـن تقسـيم المقومـات البشـرية إلـى قسـمين‪ :‬القسـم األول يحتـوي علـى المقومـات‬
‫التاريخيـة والمتاحـف والمقومـات الثقافيـة فـي منطقة الدراسـة‪ ،‬أما القسـم الثانـي فيتمثل في‬
‫التسـهيالت والخدمـات السـياحية المتوفـرة فـي منطقـة الدراسـة‪ .‬والشـكل (‪ )2‬يوضـح مقومـات‬
‫الجـذب السـياحي بالمنطقـة‪.‬‬
‫أو ًال‪ :‬املقومات التارخيية واألثرية‪:‬‬
‫تشـكل األماكـن األثر َّيـة والتاريخيّـة‪ ،‬إرثـًا بشـري ًا وسـج ً‬
‫ال حضاريـ ًا‪ ،‬يربـط بيـن الماضـي‬
‫والحاضر‪ ،‬فما خلفته حضارات األمم عبر تاريخها من معالم عمرانية كالمدن والقالع واألسـوار‬
‫للسـياح‪ ،‬ويمكـن تقسـيم المقومـات‬
‫ّ‬ ‫وغيرهـا‪ ،‬جعلـت كثيـرًا مـن الـدول التـي توجـد فيهـا جاذبـة‬
‫ابتـداء مـن الحضـارة اإلغريقيـة‬
‫ً‬ ‫التاريخيـة حسـب الحضـارات التـي مـرت بهـا منطقـة الدراسـة‬
‫مـرورا بالحضـارة الرومانيـة والبيزنطيـة واإلسلامية وأخيـرا العصـر الحديـث وهـي كاآلتي‪:‬‬
‫‪ - 1‬األول احلضارة اإلغريقية‪:‬‬
‫تعرضـت منطقـة الدراسـة للكثيـر مـن الحضـارات عبـر الزمـن حيـث وصـل اإلغريـق إلـى‬
‫شـواطئ ليبيـا واحتلـوا مدينـة قورينـا (شـحات) فـي عـام‪ 631‬ق م ولقـد لعـب موقـع المدينـة‬
‫دورا مهمـا فـي نموهـا وازدهارهـا‪ ،‬وأصبحـت قورينـا مركـزا سياسـيا ودينيـا وزراعيـا وتجاريـا مهما‪.‬‬
‫وزاد عـدد المهاجريـن إلـى المدينـة حتـى إنهـا ضاقـت بهـم فـأدى ذلـك إلـى إنشـاء مـدن‬
‫جديـدة فـي بارشـي (المـرج) ويوسـبريدس (بنغـازي) وتوخيـرة (توكـرة) بطلمـوس (طلميثـة)‬
‫ودارنـس (درنـة) قاسـيوس (قمينـس) أيوسـيميدا (الحنيـة) ونسـتاثموس(رأس الهلال) وغيرهـا‬
‫(((‬
‫مـن المسـتوطنات‪ ،‬هـذا و اسـتطاعت قورينـا أن تتحالـف مـع يوسـبريدس (بنغـازي)‪.‬‬
‫كمـا أن موقـع توكـرة قـرب وادي زازا (جنـوب غـرب برسـس) الـذي كشـف عـن كهفيـن بهمـا‬
‫نقـوش يرجـع أقدمهـا للحضـارة القفصيـة وأحدثهـا تعـود لفتـرة الحصـان‪ ،‬ممـا رجـع أن اإلنسـان‬
‫قـد اسـتمر فـي االسـتيطان فـي المنطقـة بمـا فيهـا توكـرة وهـذه البلـدة اسـتوطنها اإلنسـان فـي‬
‫عصـور مـا قبـل التاريـخ ثـم سـكنتها قبيلـة البكالـي الليبيـة‪ ،‬ثـم اسـتوطنها اإلغريق فـي أواخر‬
‫(((‬
‫القـرن السـابع ق م وعرفـت عندهـم وربمـا قبلهـم باسـم تاوخيـرا‪.‬‬
‫‪ - 2‬احلضارة الرومانية‪:‬‬
‫ورثـت رومـا المـدن الفينيقيـة واليونانيـة بسـبب قوتهـا العسـكرية وسـيطرتها علـى البحـر‬
‫المتوسـط‪ ،‬وظلـت اإلمبراطوريـة الرومانيـة تسـيطر علـى السـواحل الليبيـة وبعـض المـدن‬
‫الداخليـة لمـا يقـرب مـن ‪ 400‬عـام‪ ،‬ولقـد أبقـى الرومـان علـى الطابـع المعمـاري للمـدن‬
‫(((‬
‫الفينيقيـة واإلغريقيـة‪.‬‬

‫((( سـعد خليـل القزيـري‪" ،‬التحضر"‪ ،‬في كتاب دراسـة فـي الجغرافيا‪( ،‬تـح) الهادي بولقمة‪ ،‬سـعد خليل القزيري‪،‬‬
‫(سـرت‪ :‬الدار الجماهيرية للنشـر والتوزيع واإلعالن‪ ،)1995،‬ص ‪.400 - 399‬‬
‫((( خالد محمد عبداهلل الهدار‪ ،‬توكرة‪( ،‬منشورات مصلحة اآلثار الليبية‪ ،)2020 ،‬ص‪6‬‬
‫((( سـعيد صفـي الديـن الطيب‪ ،‬دراسـات فـي جغرافية ليبيـا السـياحة‪ ( ،‬بنغتـزي‪ :‬دار المكتب الوطنيـة‪،)2005 ،‬‬
‫ص ‪.127‬‬

‫‪125‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫شكل (‪ )2‬المقومات البشرية في منطقة الدراسة‬

‫المصدر أعداد الباحث باستخدام برنامج (‪)Arc Map Gis 10.3.1‬‬

‫وأضافوا إليه شخصية المعمار الروماني كالحمامات واألسواق والمسارح والمالعب ومجالس‬
‫المـدن‪ ،‬كمـا طـورت نظامـًا زراعيـا فريـدًا وذلـك فـي بناء شـبكة قوية معتمد عليهـا من األمطار‪،‬‬
‫وقـد أدخـل الرومـان خلال سـيطرتهم علـى المنطقـة ديانتيـن همـا اليهوديـة والمسـيحية‪ ،‬أمـا‬
‫األولـى فقـد نشـرها اليهـود الذيـن جلبهـم الرومـان مـن فلسـطين والثانيـة نشـرها الرومـان فـي‬
‫(((‬
‫مقاطعاتهـم اإلغريقيـة بعـد اعتناقهـم لها‪.‬‬
‫‪ - 3‬احلضارة العربية اإلسالمية‪:‬‬
‫لقـد بـدأ التأثيـر العربـي اإلسلامي دينيـا ولغويـا وثقافيـا منـذ عـام ‪ 642‬م عندمـا فتـح‬
‫عمـر بـن العـاص برقـة قادمـا مـن مصـر ولـم ينتهـي عـام ‪ 633‬م حتـى كانت أغلـب البالد تحت‬
‫النفـوذ والقوانيـن اإلسلامية ولكـن التعريـب الفعلـي لليبيـا لـم يبـدأ إال منـذ القـرن الحـادي‬
‫عشـر ميلادي‪ ،‬عندمـا تدفقـت قبائـل بنـي هلال وبنـي سـليم العربيـة مـن صعيـد مصـر بأعداد‬
‫ضخمـة األمـر الـذي أدى إلـى تواجـد وظهـور االختلاط العرقـي والثقافـي مـع السـكان األصلييـن‬
‫وبقيـت ليبيـا تابعـة للدولـة اإلسلامية‪ .‬ومن اآلثار اإلسلامية المنتشـرة في كافـة أرجاء البالد‬
‫القالع والحصون والمدارس سـواء في المدن السـاحلية أو في الواحات‪ ،‬كما تشـمل أيضا الطراز‬
‫المعمـاري اإلسلامي فـي عـدد مـن المـدن الليبية‪ ،‬وهناك بعض المعالم اإلسلامية األخرى مثل‬
‫مقبـرة صحابـة الرسـول صلـى اهلل عليه وسـلم‪.‬‬

‫((( المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.128 - 127‬‬

‫‪126‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫ــ أهم المعالم األثرية والسياحية في منطقة توكرة شكل (‪:)3‬‬


‫‪ - 1‬القلعة الرتكية ‪ -‬اإليطالية‪:‬‬
‫تشـغل هـذه القلعـة موقعـا مميـزا‪ ،‬كمـا فـي الصـورة (‪ )1‬إذ أنهـا تقـع عنـد الزاوية الشـمالية‬
‫مـن المدينـة األثريـة بيـن شـاطئ البحـر والمحجـر الشـرقي وداخـل حـدود أو أسـوار قـد بنيـت‬
‫فـي مـكان مرتفـع علـى أنقـاض سـور المدينـة بيـن البرجيـن‪ ،‬ومـا تـزال بقايـا هـذا السـور تبـرز‬
‫مـن الجـدار الجنوبـي الشـرقي مـن القلعـة‪ ،‬وقـد اسـتغلت أحجـار ذلـك السـور المتهـدم فـي بنـاء‬
‫القلعة‪.‬‬
‫شكل (‪ )3‬الفهرس الجغرافي ألسماء المواقع األثرية في توكرة‬

‫المصدر‪ :‬فليب كنريك‪ ،‬دليل المواقع األثرية في ليبيا‪ ،‬قورينائية (إقليم المدن الخمس)‪( ،‬تر)‪ ،‬احمد‬
‫بوزيان‪ ،‬عبداهلل الرحيبي‪( ،‬تونس‪ :‬دار النشر مطبعة سيمباكت‪ ،)2013 ،‬ص ‪.50‬‬

‫ويبدو أن األتراك قد بنو هذه القلعة مقرا للحامية التركية في توكرة وظيفتها الرئيسية‬
‫حمايـة جبـاة الضرائـب‪ ،‬وليـس مـن الممكـن تحديـد تاريـخ بنـاء هـذه القلعـة ولكن مـن المرجح‬
‫أنهـا بنيـت فـي أواخـر العهـد العثمانـي (‪ .)1912 – 1835‬وإن هـذه القلعـة كانـت صغيـرة‬
‫الحجـم عنـد بنائهـا بواسـطة األتـراك والتـي تتكـون مـن مجموعـة مـن الحجـرات مـزودة بنوافـذ‬
‫تحيـط بهـا جـدار سـميك غيـر منتظـم‪ ،‬بنـي مـن أحجـار ضخمـة مازالـت ظاهـرة حتـى اآلن‪ ،‬كان‬
‫فـي جانبهـا مصلـى هدمـه اإليطاليـون فـي عـام ‪ ،1913‬هـذا احتـل االيطاليـون توكـرة وأضافوا‬
‫إلـى القلعـة التركيـة السـابقة الكثيـر مـن المعالم مثل البرج الوحيـد الذي يبلغ ارتفاعه حوالي‬
‫‪ 8‬أمتـار‪ ،‬وأصبـح مدخلهـا فـي الناحية الشـمالية والشـرقية يليه درج يـؤدي إلى الطابق الثاني‪،‬‬
‫بعـد إلغـاء حجـرات الطابـق األرضـي التـي كانت تسـتخدم بواسـطة األتراك‪.‬‬
‫كمـا أن الشـكل الحالـي للقلعـة لـم يكـن هكـذا تماما فـي العهد االيطالي حيـث وضحت صورة‬
‫التقطـت للقلعـة أبـان احتاللهـا مـن قبـل الحلفاء في عـام ‪ 1941‬ومن قبلها صورة نادرة لجنود‬
‫إيطالييـن فـي العشـرينات علـى الجانـب الجنوبـي الغربـي للقلعة‪ ،‬حيث وضحـت الصورتان وجود‬
‫امتـداد للقلعـة فـي االتجـاه الشـمالي الغربـي تمثـل فـي طابقيـن مـن الحجرات‪ ،‬وقـد تعرض هذا‬
‫الجانـب للقصـف أثنـاء الحـرب العالميـة الثانيـة ولـم تبـق إال أساسـاته وصـور لتـدل عليـه‪ ،‬كمـا‬
‫يالحـظ وجـود لوحـة تذكاريـة مثبتـة علـى الجـدار الغربـي للقلعـة الغربـي عليها أسـماء بعض‬
‫الجيـش اإليطالـي الذيـن قتلـوا فـي الحـرب مـا بيـن (‪ )1914 – 1911‬كانـت األصـل معلقـة‬

‫‪127‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬
‫(((‬
‫فـي منتصـف جدارهـا الجنوبي الشـرقي‪.‬‬
‫صورة (‪ )1‬القلعة التركية االيطالية‬

‫المصدر‪ :‬تصوير الباحث سنة ‪2022‬‬

‫باإلضافـة إلـى وجـود السـاعة الشمسـية فـي الزاويـة الجنوبيـة للقلعـة مـن الخـارج‪ ،‬هـذه‬
‫البقايـا األثريـة ال تـزال هامـدة وتشـرف علـى مدينـة توكـرة األثريـة‪ ،‬والتـي تعـد مـن أهـم‬
‫(((‬
‫المعالـم لجـذب السـياح علـى الرغـم مـن مـرور أكثـر مـن ‪ 100‬عـام‪.‬‬
‫‪ - 2‬احلصن البيزنطي اإلسالمي‪:‬‬
‫قامت بالحفر فيه مصلحة اآلثار بين السـنوات (‪ )1965 - 1962‬تحت إشـراف البروفسـور‬
‫(جـو شـيلدو)‪ ،‬ويقـع علـى الجانـب الجنوبـي للشـارع الطولـي الرئيسـي‪ ،‬وهنـاك جـدار طويـل‬
‫يحـاذي الشـارع‪ ،‬ولكـن المدخـل هـو بوابـة عريضـة تقـع فـي وسـط الجـدار الغربـي‪ ،‬وجدرانـه‬
‫مشـيدة مـن أحجـار منزوعـة مـن مبـان أقـدم عهـدا ويرتكـز فقط على طين متماسـك فوق سـطح‬
‫األرض ممـا أدى إلـى تشـقق بعـض الجـدران الداخليـة‪ ،‬وأن هـذا البنـاء أقيـم علـى عجلـة بعكس‬
‫القلاع الضخمـة التـي بنيـت فـي عصـر (اناسـتا سـيوس وجوشـنين)‪ ،‬ويمكن اعتبار هـذا الحصن‬
‫بـاق لـكل برقـة والحصـن الشـك انـه قـد تـم بنائه في فتـرة متأخرة‬
‫آخـر أثـر للحكـم البيزنطـي ٍ‬
‫مـن حكـم اإلمبراطورين‪.‬‬
‫فالنتيـان وفالنـس (‪ )367 - 364‬اللـذان يظهـر أسـماهما فـي نقـش علـى حجـر معـاد‬
‫اسـتعماله فـي الجـدار الشـمالي فـي نهايتـه الغربيـة‪ ،‬والنقود التي عثر عليهـا في الحظائر كانت‬
‫تنتمـي إلـى حكـم اإلمبراطـور (هرقـل)‪ ،‬ويتفـق مـع الرأي الذي يقول إن الحصـن بني قبل الفتح‬
‫اإلسلامي فـي سـنة ‪ 642‬م‪.‬‬
‫ويشـغل الحصـن مـن الداخـل مبـان أقيمـت بغيـر عناية من بينهما فنـاءان أحدهما في الركن‬
‫الشـمالي الشـرقي ولـه أعمـدة حجريـة ذات تيجـان دوريـة وايونيـة أمـا اآلخـر وهـو األكبـر فلـم‬
‫يتـم حفـره تمامـا‪ ،‬ويقـع فـي الشـمال الغربـي لـه أروقـة محيطة بدعامات خشـبية‪.‬‬
‫‪ - 3‬احلمامات البيزنطية‪:‬‬
‫تطـل هـذه الحمامـات علـى شـارع الديكومانـوس قـرب البوابـة الشـرقية‪ ،‬وقـد بنيـت داخـل‬
‫مبنـى الجمنازيـوم الهلينسـتي كانـت مجـرد أكـوام مـن الحجـارة إلـى األعـوام مـا بيـن (‪- 1962‬‬
‫‪.)1965‬‬
‫((( خالد محمد عبداهلل الهدار‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.18 - 10‬‬
‫((( المرجع السابق‪ ،‬ص ص ‪.17- 16‬‬

‫‪128‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫يمكن أن نصف هذا المبنى بأنه مسـتطيل الشـكل تقريبا ليمتد إلى مسـافة ‪ 38.25‬مترا‬
‫(‪((1‬‬
‫بعرض يتراوح ما بين (‪ )19 - 10.20‬مترا‪.‬‬
‫ويمكـن الدخـول إلـى الحمامـات مـن عـدة مداخل أهمها المدخل الرئيسـي المطل على شـارع‬
‫الديكومانـوس‪ ،‬ومدخـل آخـر فـي الجـدار الجنوبـي الغربـي‪ ،‬ويوجـد فـي الحمامـات البيزنطيـة‬
‫ثالثـة حجـرات رئيسـية أولهـا حجـرة الحمـام البـارد وبعدهـا الحمـام الدافـئ والحمام السـاخن‪.‬‬
‫(‪((1‬‬

‫‪ - 4‬الكنيسة الشرقية‪:‬‬
‫تعـد هـذه الكنيسـة مثـاال جيـدا للمعمـار المسـيحي بالمدينة من حيث أنهـا قد تكون أقدم‬
‫كنيسـة بتوكرة‪ ،‬وكنيتها الرئيسـية (كاتدرائية)‪ ،‬كما أنها تقع في القطاع الشـمالي الشـرقي من‬
‫المدينـة المجـاورة للسـور الشـرقي الـذي تبعـد عنـه بمسـافة ‪ 75‬متـرًا‪ ،‬وهـذه الكنيسـة تتمثـل‬
‫فـي بنـاء مسـتطيل الشـكل‪ ،‬كمـا فـي الصـورة (‪ ،)2‬وهـي مـن طـراز البازيكيـة ثالثيـة األجنحـة‪،‬‬
‫تقـع حنيتهـا النصـف دائريـة فـي ناحيـة الشـمالي الشـرقي‪ ،‬تحيـط بهـا حجرتـان جانبيتـان‬
‫غيـر منتظمـة الشـكل‪ ،‬فـإن الشـكل الحالـي للكنيسـة يمكـن أن يـؤرخ بالنصـف األول مـن القـرن‬
‫السـادس أي إلـى عصـر اإلمبراطـور جسـنيان (‪ )565 - 527‬مـع وجـود تعديلات فـي زمـن ليس‬
‫(‪((1‬‬
‫من السـهل تحديـده‪.‬‬
‫صورة (‪ )2‬الكنيسة الشرقية‬

‫المصدر‪ :‬مكتب مراقبة آثار توكرة‬

‫‪ - 5‬الكنيسة الغربية‪:‬‬
‫عندمـا يواصـل الزائـر مسـيره فـي الديكومانـوس وقبـل أن يصـل إلـى البوابـة الغربيـة سـوف‬
‫يالحـظ إلـى الشـمال منهـا بمسـافة حوالـي ‪ 80‬متـرا وجـود بقايـا مبنـى دينـي غيـر منقـب لكـن‬
‫مخططـه واضـح جزئيـا يؤكـد أنـه يمثـل كنيسـة التـي عرفت باسـم الكنيسـة الغربيـة‪ ،‬كما أنها‬
‫ال تبعـد نهايتهـا الغربيـة عـن السـور الغربـي سـوى بمسـافة ‪ 25‬متـرا‪ ،‬وقريبا مـن البرج نالحظ‬
‫أن الكنيسـة مسـتطيلة الشـكل تمتـد مـن الشـرق إلـى الغـرب مـا بيـن (‪ )29 – 27‬متـرا‪ ،‬وهـي‬
‫تمتـد مـن الشـمال إلـى الجنـوب مـا بيـن (‪ )14.50 – 14.20‬متـرا‪ ،‬وهـي من طـراز البازيلكية‬
‫ثالثيـة األجنحـة‪ ،‬تقـع حنيـة الكنيسـة فـي الناحيـة الشـرقية ( و الحنيـة هـي القـوس أو‬

‫(‪ ((1‬على سالم الترك‪ ،‬مدينة توكرة‪ ،‬ط‪( ،2‬طرابلس‪ :‬منشورات مصلحة اآلثار‪ ،)1978 ،‬ص ص ‪.50 - 49‬‬
‫(‪ ((1‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.50‬‬
‫(‪ ((1‬خالد الهدار‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص ‪.48-46‬‬

‫‪129‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫القبـو ذى تجويـف نصـف دائـري مغطـى بقبـو نصـف كـروي أو شـبه قبة وهي مـكان جلوس رجل‬
‫الديـن أو مـكان المذبـح )‪.‬‬
‫تعـد الحنيـة مـن أبـرز معالـم الكنيسـة وضوحـا تأخـذ شـكل حـذوة الفـرس‪ ،‬قـد بنيـت مـن‬
‫أحجـار رمليـة مسـتطيلة يوجـد بداخلهـا حنيـة صغيـرة أخـرى قطرهـا ‪ 1.30‬متـرا‪ ،‬ربمـا كانت‬
‫جـزء مـن مقعـد األسـقفة‪ ،‬قـد تمـت حمايـة الحنيـة من الخارج بجـدار تمتد بقاياه من الشـمال‬
‫(‪((1‬‬
‫إلى الجنـوب‪.‬‬
‫‪ - 6‬املتاحف‪:‬‬
‫متحف توكرة‪:‬‬
‫أقيـم هـذا المتحـف الصغيـر داخـل المدينـة األثريـة توكـرة عـام (‪ )1945‬عقـب اكتشـاف‬
‫كميـة كبيـرة مـن اآلوانـي اإلغريقيـة التـي ترجـع إلـى فتـرة تاريخية مبكرة أسـهمت فـي التعرف‬
‫علـى التاريـخ الحقيقـي الـذي أسسـت فيـه (تاوخيـرا) وعالقتهـا الخارجيـة‪ ،‬وهـذا مـا أبرزتـه‬
‫المعروضـات الفخاريـة بالمتحـف‪ ،‬وعرضـت بـه أيضـا مجموعـة من النقوش ألقـت بعض األضواء‬
‫(‪((1‬‬
‫علـى تاريخ المدينـة‪.‬‬
‫وقـد فتـح المتحـف أبوابـه للـزوار فـي (‪ )1972 /4 /18‬ثـم أقفـل عـام ‪ 1990‬بسـبب‬
‫تعرضـه للعديـد مـن السـرقات‪ ،‬وفـي عـام ‪ 2021‬تـم افتتـاح المتحـف فـي مدينـة توكـرة فـي‬
‫المنطقـة األثريـة‪ ،‬وهـذا المتحـف يحتـوي علـى مجموعـة مـن خزانـات فيهـا مجموعـة مـن‬
‫األوانـي الفخاريـة المختلفـة ترجـع إلـى عصـور مختلفة‪.‬صـورة (‪.)3‬‬
‫صورة (‪ )3‬المتحف بمنطقة الدراسة‬

‫المصدر‪ :‬مكتب مراقبة آثار توكرة‬

‫(‪ ((1‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.41‬‬


‫(‪ ((1‬فليـب كنريـك‪ ،‬دليـل المواقـع األثريـة فـي ليبيـا‪ ،‬قورينائيـة (إقليم المـدن الخمـس) ترجمة‪ ،‬احمـد بوزيان‪،‬‬
‫عبـداهلل الرحيبـي‪ ،‬دار النشـر مطبعـة سـيمباكت تونس‪،‬سـنة ‪ ،2013‬ص ‪.50‬‬

‫‪130‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫‪ - 7‬املقابر واألضرحة‪:‬‬
‫تنتشـر المقابـر اليونانيـة واإلسلامية والعربيـة والتركيـة فـي المنطقـة‪ ،‬وتنتشـر أضرحـة‬
‫الصالحيـن انتشـارا واسـعا‪ ،‬توجـد بجانـب كل ضريح مقبرة ألشـخاص لهم صلـة قرابة بصاحبه‪،‬‬
‫بينمـا فـي مدينـة توكـرة المركـز بعـض الشـواهد لقبـور تعـود إلـى العصـر اإلغريقـي وأخرى إلى‬
‫(‪((1‬‬
‫العصـر الرومانـي وبعـض هـذه األضرحـة تعـود إلـى العصـر البيزنطي‪.‬‬
‫‪ - 8‬املساجد والكنائس والزوايا‪:‬‬
‫يوجـد فـي منطقـة الدراسـة العديـد مـن المسـاجد التـي يمكـن أن تسـاعد فـي عمليـة‬
‫الجـذب السـياحي‪ ،‬هـذه المسـاجد والزوايـا التاريخيـة كلهـا ترجع إلى فتـرات تاريخية مختلفة‪،‬‬
‫وفـي منطقـة الدراسـة يوجـد مسـجد يرجـع إلـى العصـر التركـي وأيضـا يوجد مسـجد آخر يعود‬
‫تاريخـه إلـى نهايـة العصـر التركـي‪.‬‬
‫باإلضافـة إلـى العديـد مـن المسـاجد الحديثـة اإلنشـاء‪ ،‬كذلـك الزوايـا فـي حيـن ال توجـد‬
‫كنيسـة يمـارس فيهـا التعبـد فـي منطقـة الدراسـة‪ ،‬وهنـاك المسـاجد والزوايـا تشـكل عنصـر‬
‫لجـذب سـياحي حتـى وقتنـا الراهـن‪.‬‬
‫‪ - 9‬الفنون والرتاث‪:‬‬
‫تعـد مدينـة توكـرة غنيـة بفنهـا وتراثهـا الشـعبي الراقـي المتميـز والمتمثـل فـي الفنـون‬
‫الشـعبية المتنوعـة مثـل الشـعر الشـعبي والغنـاء وغنـاوي العلـم والكشـك والصابيـة والمجـرودة‬
‫والمزمـار الشـعبي والرقـص جميعهـا مالزمـة لألفـراح‪ ،‬مواسـم الجالمـة والحصـاد والفروسـية كل‬
‫هـذا كان عنصـرا مـن عناصـر الجـذب السـياحي‪.‬‬
‫‪ - 10‬الرياضة‪:‬‬
‫تقـوم النـوادي الرياضيـة باإلضافـة إلى دورها الرياضـي والترفيهي بدور ثقافي واجتماعي‪،‬‬
‫حيـث يلتقـي عـدد كبيـر مـن الرياضييـن مـن مختلـف شـرائح المجتمـع فـي أروقـة األنديـة‬
‫الرياضيـة وتقـام الملتقيـات الرياضيـة التـي تسـاهم فـي تنشـيط ما يعرف بالسـياحة الشـبابية‬
‫مـن خلال ملتقيـات الدوريـات والمسـابقات والمباريات الودية التنشـيطية والرياضة المفتوحة‪،‬‬
‫(‪((1‬‬
‫ومـن أهـم هـذه النـوادي فـي مدينـة توكـرة هـي‪ :‬نـادي األحـرار الرياضـي االجتماعـي‪.‬‬
‫كمـا يوجـد أيضـا العديـد مـن السـاحات العامـة التـي تمارس فيها األنشـطة الشـعبية العامة‬
‫المختلفـة‪ ،‬والتـي تكـون ممارسـتها موسـمية مثـل صيـد الطيـور التـي تمـر في هجرتها مـن أوروبا‬
‫إلـى إفريقيـا والعكـس‪ ،‬وأيضـا رياضـة الفروسـية والتـي تعتبـر فـي حـد ذاتهـا عامـل جـذب‬
‫سـياحي فـي منطقـة الدراسـة‪.‬‬
‫‪ - 11‬األسواق‪:‬‬
‫تنتشـر المحلات التجاريـة فـي جميـع توكـرة وتجمعاتهـا السـكانية المختلفـة‪ ،‬تتوفـر فـي‬
‫هـذه المحلات مسـتلزمات الحيـاة اليوميـة مـن مواد غذائيـة ومالبس وغيرها‪ .‬وإن هذه األسـواق‬
‫يرتادهـا السـكان مـن مختلـف جهاتهـا تبـاع فيها السـلع وتمارس مختلف أنواع التجـارة‪ ،‬ويمكن أن‬
‫تكـون عنصـر جـذب ثقافـي للسـياح من هذه األسـواق‪:‬‬
‫سـوق توكرة الذي يرجع تأسيسـه إلى العهد اإليطالي ويعتبر موقعه ذا مكان سـياحي مهم‪،‬‬
‫إذ يقـع فـي الطريـق المؤدي إلى جنـوب المنطقة األثرية‪.‬‬
‫(‪ ((1‬سـعد خليـل القزيـري‪ ،‬التخطيـط والتنميـة السـياحية فـي ليبيـا‪( ،‬بنغـازي‪ :‬دار الكتـب الوطنيـة‪،)2006 ،‬‬
‫ص‪.356‬‬
‫(‪ ((1‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.358‬‬

‫‪131‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫‪ - 12‬الصناعات التقليدية‪:‬‬
‫لـم تلـق الصناعـات التقليديـة فـي توكـرة اهتمامـا مـن قبـل الدولـة‪ ،‬لذلـك لـم تـرق إلـى‬
‫مستوى المنافسة وال تمثل عنصر جذب سياحي في الوقت الحالي‪ ،‬و من الصناعات الموجودة‬
‫بالمنطقـة صناعـة الخـزف التقليـدي وغـزل الصوف وصناعة بيوت الشـعر واألغطية بأنواعها‪.‬‬
‫إال أن هـذه الصناعـات اندثـرت بسـبب عـزوف النسـاء عـن ممارسـتها بحجـة كثـرة المشـاغل‬
‫وعـدم التشـجيع‪ ،‬بالرغـم مـن أن ممارسـة هـذه الصناعـات قـد قلـت فـي الوقـت الحاضـر إال أنـه‬
‫باإلمـكان إحياؤهـا وإعـادة الـروح لممارسـتها نظـرا لوجـود المـادة الخـام الالزمـة لجميـع تلـك‬
‫الصناعـات التـي كانـت تمـارس سـابقا إذا جـاءت خطـة طموحـة لهـدف تطورهـا لتصبـح عنصـر‬
‫جـذب سـياحي فعـال‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬خدمات البنية األساسية لقيام النشاط السياحي‪:‬‬
‫يتبيـن ممـا سـبق أن مدينـة توكـرة تتمتـع بمقومـات جـذب سـياحي تعتبـر عامـل أساسـي‬
‫للجـذب السـياحي ومتمثلـة فـي مقومـات تاريخيـة ومعالـم أثريـة قديمـة مثـل القلاع والحصون‬
‫(‪((1‬‬
‫والمسـاجد إلى جانب العناصر الثقافية كالمتحف والنادي الرياضي والسـوق القديم ‪...‬الخ‪.‬‬
‫إال انـه مهمـا كانـت درجـة جاذبيـة المنطقة السـياحية فان اإلقبال عليها يكون محدودا إذا‬
‫لـم يجـد السـائح التسـهيالت التـي توفـر اإلقامـة المريحـة واالسـتمتاع بها‪ ،‬والخدمـات الصحية‬
‫ووسـيلة النقـل الجيـدة‪ ،‬وشـبكات الطـرق ومحطـات المواصلات التـي تجعـل الوصـول واالتصـال‬
‫امـرًا ال عنـاء فيـه‪ ،‬وشـبكة االتصـاالت وميـاه الشـرب والصـرف الصحـي‪ ((1( .‬وهـذا مـا سـوف‬
‫نسـتعرضه فيمـا يأتـي‪:‬‬
‫أ ‪ -‬تسهيالت اإليواء‪:‬‬
‫ال تسـتطيع عوامـل الجـذب السـياحي المختلفـة فـي أي دولـة أو مدينـة أن تسـاهم فـي‬
‫قيـام صناعـة سـياحية مزدهـرة إال إذا توفـرت التسـهيالت التـي يحتاجهـا السـائح مـن الفنـادق‬
‫والشـاليهات‪.‬‬
‫إن تسـهيالت اإليـواء المتعـارف عليهـا هـي المـكان الـذي يقـدم فيـه خدمـة المـأوى والمأكل‬
‫والمشـرب للسـياح‪ ،‬أو منشـأة سـياحية‪ ،‬ومن ثم فإن المطعم والفندق والقرية السـياحية وبيوت‬
‫الشـباب تنـدرج كلهـا تحـت مسـمى (منشـأة سـياحية) ومـن هنـا تعرف المنشـأة السـياحية بصفة‬
‫عامـة بأنهـا مـكان مخصـص ومرخـص لتقديـم خدمـة اإلقامـة والمـأكل والمشـرب وتوفيـر جميـع‬
‫اإلمكانيـات التـي تحقـق للضيـف الخدمـة التي ينشـدها فـي مقابل أجرة محـددة لفترة معلومة‪،‬‬
‫ولـكل منشـأة سـياحية طريقـة عمـل خاصـة بهـا مـع اشـتراك بعضهـا فـي خاصيـة اإليـواء مثـل‬
‫الفنـدق والمطعـم وبيت الشـباب‪.‬‬
‫وهنـاك فـي منطقـة توكـرة جـدول (‪ )1‬مطاعـم واسـتراحات ذات شـهرة محليـة جيـدة مثـل‬
‫اسـتراحة القروتـا واسـتراحة الحيطـة واسـتراحة الباكـور‪ ،‬وبعـض البيـوت الشـبابية علـى‬
‫شـاطئ البحـر‪ ،‬باإلضافـة إلـى العديـد مـن المقاهـي والمطاعـم تـؤدي خدماتهـا علـى أحسـن‬
‫وجـه وبمسـتويات عاليـة ومختلفـة يتـردد عليهـا الكثيـرون وتقصدها العائلات للترفيه مما أدى‬
‫ذلـك إلـى معرفـة الكثيـر عـن هـذه المنطقـة مـن قبـل الـزوار‪ ،‬وتعـد الفنـادق غيـر موجـودة أمـا‬
‫مرافـق اإليـواء الحاليـة (القـرى السـياحية وبيـوت الشـباب غيـر كافيـة مقارنة بحجم السـياحة‬
‫الموجـودة والمتوقعـة بمنطقـة الدراسـة‪.‬‬

‫(‪ ((1‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.361 ،360‬‬


‫(‪ ((1‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪362 ،361‬‬

‫‪132‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫جدول (‪ )1‬تسهيالت الضيافة‬

‫نوع اخلدمة‬ ‫االسم‬


‫وجبـات خفيفـة ‪ -‬وجبـات دسـمة مشـويات ‪ -‬سندوتشـات ‪ -‬خدمـات كافـي ـــ‬
‫استراحة القروتا‬
‫مهرجانـات وحفلات أسـبوعية‬
‫وجبات طعام دسـمة مشـويات ــ وجبات خفيفة ــ خدمات كافي ـــ تنزه في‬
‫استراحة الحيطة‬
‫الحديقة الموجودة في االسـتراحة‬
‫وهـي عبـارة عـن دور إقامـة وتكـون خدماتهـا بسـيطة وأسـعارها رخيصـة‬
‫بيوت الشباب‬
‫وتختـص باإليـواء الفـردي والجماعـي‬
‫قريـة الشـروق السـياحة ومنتجـع أصـول السـياحي والتـي توفـر فيهن خدمة‬
‫القرى السياحية‬
‫المبيـت واإلقامـة على شـاطئ البحر‬
‫ال توجـد فـي توكـرة فنـادق مـن أي نـوع وأقـرب الفنـادق إليهـا توجـد فـي‬
‫فنادق‬
‫بنغـازي‬
‫توجـد لديهـم خدمـات كافـي ووجبـات خفيفـة ويوجـد بهـا جنـاح خـاص‬
‫بالعائلات ويوجـد بهـا كل مـا يلـزم العائلـة يوجـد بهـا األلعـاب الترفيهيـة‬ ‫استراحة األكواخ‬
‫لألطفـال‬
‫المصدر‪ :‬أعداد الباحث سنة ‪.2023‬‬

‫صورة (‪ )5‬مطعم االكواخ‬ ‫صورة (‪ )4‬مصيف الشروق‬

‫المصدر‪ :‬تصوير الباحث سنة‪2022 ،‬‬ ‫المصدر‪ :‬تصوير الباحث سنة‪2022 ،‬‬

‫‪133‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫صورة (‪ )6‬مطعم القروتا‬

‫المصدر‪ :‬تصوير الباحث سنة‪2022 ،‬‬

‫ب ‪ -‬اخلدمات الصحية‪:‬‬
‫للخدمـات الصحيـة دور فـي جـذب السـواح حيـث يفضـل السـياح الذهـاب للمناطـق اآلمنـة‬
‫صحيـا التـي تتمتـع بوجـود خدمـات صحية إذا ما حدث عارض مرضي لهم‪ ،‬ومن خالل الدراسـة‬
‫الميدانيـة اتضـح إن منطقـة الدراسـة تتمتـع بوجـود مراكـز صحيـة عديـدة منها‪:‬‬
‫ــ في القطاع العام‪:‬‬
‫●مستشفى توكرة العام‪.‬‬
‫●مركز الهالل األحمر الطبي‪.‬‬
‫●مجمع الرعاية الصحية لألطفال‪.‬‬
‫ــ وفي القطاع الخاص‪:‬‬
‫●مركز توكرة الطبي‪.‬‬
‫●عيادة األسرة‬
‫●عيادة الزهراوي‪.‬‬
‫●عيادة النور‪.‬‬
‫باإلضافـة إلـى وجـود العديـد مـن الصيدالنيـات الطبيـة الحديثة التي تعمـل على مدار‪24‬‬
‫سـاعة منهـا (صيدليـة الـدواء الشـافي ــــ صيدليـة الشـروق ـــ صيدلية الشـهيد عزمـي البرغثي‬
‫وغيرهم)‬
‫ج ‪ -‬الطرق ووسائل النقل‪:‬‬
‫ترتبـط التجمعـات السـكانية فـي بلديـة توكـرة بشـبكة جيـدة مـن الطـرق الرئيسـية‬
‫والفرعيـة التـي تربطهـا بالبلديـات األخـرى‪ ،‬وتعتبـر شـبكات الطـرق شـريان الحيـاة السـياحية‬
‫لمدينـة توكـرة باعتبـار أن معظـم السـياح القادميـن لالسـتمتاع بشـواطئ وآثـار المدينـة هم من‬
‫خـارج منطقـة المقصـد السـياحي‪ ،‬ومـن أهـم هـذه الطـرق الطريـق الممتـدة مـن مدينـة بنغـازي‬
‫إلـى مدينـة توكـرة بطـول ‪ 72‬كـم‪ ،‬والطريـق الـذي يربـط مدينـة توكـرة مـع طلميثـة‪ ،‬والطريق‬

‫‪134‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫الرابـط مابيـن المـرج ومدينـة توكـرة‪ ،‬أمـا الطـرق المعبـدة داخـل مدينـة توكـرة فهـي محـدودة‬
‫وتحتـاج إلـى صيانـة حتـى تالئـم متطلبـات السـياحة‪.‬‬
‫وأمـا عـن الوسـائل البريـة المتوفـرة منهـا الحافلات وسـيارة األجـرة (الروميـس) وهـي فـي‬
‫حركـة مسـتمرة بيـن مـدن وقـرى منطقـة الدراسـة‪.‬‬
‫أمـا النقـل البحـري والجـوي يتمثـل فـي المطـارات والموانـئ التجاريـة‪ ،‬وتتوفـر إمكانيـة‬
‫الوصـول إلـى منطقـة الدراسـة بحـرا عـن طريـق مينـاء بنغـازي‪ ،‬وتتوفـر إمكانيـة الوصـول جـوا‬
‫عـن طريـق مطـار بنينـا الدولـي‪.‬‬
‫وهـذا يوفـر سـهولة الوصـول إلـى منطقـة الدراسـة بحـرا وجـوا‪ ،‬لذلـك فإن منطقة الدراسـة‬
‫ال تعانـي مـن هـذه الناحيـة ألن كل مقومـات البنيـة األساسـية البحرية والجويـة الالزمة لقيام‬
‫النشـاط السـياحي متوفـرة لقربهـا مـن مدينـة بنغـازي والتـي يتوفـر فيهـا هذه الخدمـات‪ ،‬وتبعد‬
‫منطقـة الدراسـة عـن بلديـة بنغـازي بمسـافة قصيرة تقطعها السـيارة في مـدة ال تتجاوز نصف‬
‫سـاعة‪ ،‬وبصفـة عامـة تعـد شـبكات الطـرق وعمليات النقل البـري جيدة‪.‬‬
‫د ‪ -‬خدمات االتصاالت‪:‬‬
‫أمـا بالنسـبة لخدمـات االتصـاالت فـإن مدينـة توكرة تتمتع بإمكانيات كبيـرة جدا من حيث‬
‫سـهولة الوصـول واالتصـال جـوا وبـرا وبحـرا‪ ،‬وهـذا كلـه يدعـم منطقة الدراسـة بالسـياح الذين‬
‫يرغبون في رؤية ما يتوفر فيها من عناصر جذب سـياحي‪ ،‬وتنتشـر مراكز االتصاالت وشـبكات‬
‫االنترنـت بشـكل كبيـر ومتطـور فـي منطقـة الدراسـة‪ ،‬فخدمـات الهاتـف المحمـول والخدمـات‬
‫الخاصـة باألنترنـت تغطـي معظـم المراكـز السـكانية‪ ،‬وهـذا األمـر يوفـر الكثيـر مـن الوقـت‬
‫والخدمـات للسـياح لنقـل ومشـاركة إمكانيـات المنطقـة السـياحية مـع أصدقائهـم وعائالتهـم‬
‫بالصـوت والصـورة معـا‪ ،‬باإلضافـة إلـى وجـود شـبكات االتصـاالت ليبيانـا والمدار وبريد وشـركة‬
‫مسـافي وغيرها‪.‬‬
‫‪ -‬أنواع الشركات اليت تقدم خدمات االتصاالت واالنرتنت يف منطقة الدراسة‪:‬‬
‫ــ القطاع العام‪:‬‬
‫●الشركة العامة للبريد واالتصاالت‪.‬‬
‫●وكالء ليبيـا لالتصـاالت فـي منطقـة توكـرة (القلعـة لـكل الخدمـات‪ ،‬ليبيـا فـون‪،‬‬
‫‪)LT T4g‬‬
‫●شركة ليبيانا للهاتف المحمول ـــ شركة المدار الجديد ـ‬
‫ــ القطاع الخاص‪:‬‬
‫●شركة السحابة الرقمية‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬مصلحة اجلوازات واجلنسية وشؤون األجانب فرع توكرة‪:‬‬
‫اإلدارة العامـة للجـوازات والهجـرة والجنسـية هـي أحـد أجهـزة وزارة الداخليـة التـي تـؤدي‬
‫خدماتهـا للمواطنيـن واألجانـب‪ ،‬ومـن خلال الدارسـة الميدانيـة تبيـن لنـا افتتـاح مصلحـة‬
‫الجـوازات فـرع توكـرة سـنة ‪ 2018‬يقـدم العديـد مـن الخدمـات للمواطنيـن مـن اسـتخراج‬
‫جـوازات السـفر واالهتمـام بشـؤون األجانـب مـن إقامـات وتسـهيل إجـراءات للمواطنيـن والسـياح‪،‬‬
‫فعلـى الرغـم مـن وجـود الفـرع الرئيسـي فـي مدينـة بنغـازي‪ ،‬إال أن هـذا الفـرع يشـغل دور كبيـر‬
‫فـي تقديـم الخدمـات للمواطنيـن ولألجانـب‪ ،‬ومـن المعوقـات التـي تعتـرض منطقة الدراسـة في‬
‫هـذا المجـال أن منظومـة الجـوازات ال تعمـل مـن فتـرة وذلـك بسـبب أعمـال صيانـة علـى أجهـزة‬
‫التصويـر "كاميـرات"‪.‬‬

‫‪135‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫النتائج‪:‬‬
‫‪1‬المقومـات البشـرية فـي منطقـة توكـرة تتميـز بـإرث حضـاري ثقافـي كبيـر قـد قامـت فيـه‬ ‫‪.‬‬
‫مجموعـة مـن الحضـارات التـي تركـت أثارهـا وتاريخهـا فـي هـذه المدينـة‪ ،‬ممـا يجعـل هذه‬
‫المدينـة مركـزا جـذب للسـياحة الترفيهيـة والثقافية‪.‬‬
‫‪2‬عدم وجود خرائط أو كتيبات بلغات مختلفة تبرز مختلف الخصائص البشرية والتراثية‬ ‫‪.‬‬
‫لتسـهل على السـائح معرفة معالم المنطقة‪.‬‬
‫‪3‬توفـر بعـض تسـهيالت الضيافـة فـي منطقـة الدراسـة منهـا المطاعـم السـياحية التـي‬ ‫‪.‬‬
‫تسـتقبل السـياح مثـل مطعـم القروتـا ومطعـم الحيطـة والتـي تقـوم بها بعـض المهرجانات‬
‫الترفيهيـة‪.‬‬
‫‪4‬وجـود طـرق جيـدة فـي منطقـة توكـرة نوعـا مـا‪ ،‬كمـا يمـر عليهـا الطريـق السـاحلي الـذي‬ ‫‪.‬‬
‫يربطهـا بمدينـة بنغـازي‪.‬‬
‫‪5‬إهمـال المناطـق األثريـة والتقصيـر فـي أعمـال الصيانـة والترميـم وإعـادة البنـاء وإجـراء‬ ‫‪.‬‬
‫المزيـد مـن أعمـال التنقيـب‪.‬‬
‫التوصيات‪:‬‬
‫بناء على االستنتاجات السابقة توصي الدراسة باآلتي‪:‬‬ ‫ً‬
‫‪1 .‬زيـادة االهتمـام بالمرافـق السـياحية واألثريـة والعمـل علـى حمايتهـا وصيانتهـا وترميمهـا‬
‫وتحسـين الطـرق المؤديـة إليها‪.‬‬
‫‪2 .‬منطقة الدراسـة تتمتع بجميع مزايا التي تجذب السـياح إليها ولكن تفتقر إلى االهتمام‬
‫الخاص والدعم من الدولة لتنمية السـياحة‪.‬‬
‫‪3 .‬إعادة النظر في اإلعالم واإلعالن عن إمكانات المنطقة وترويجها داخليا وخارجيا‪.‬‬
‫‪4 .‬تشـجيع المسـتثمرين وأصحاب رؤوس األموال من أهالي المنطقة لالسـتثمار في المشـاريع‬
‫السـياحية‪ ،‬ممـا سـيكون لـه مـردود ايجابـي فـي تنشـيط االقتصـاد وتوفيـر العديـد مـن‬
‫فـرص العمـل‪.‬‬

‫‪136‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫املراجع‬
‫‪1‬المكتـب االستشـاري للدراسـات االقتصاديـة بنغـازي‪ ،‬تحديـث المخطـط العـام السـتثمار ميـاه المرحلة األولى‬ ‫‪.‬‬
‫مـن النهـر الصناعـي‪ ،‬الجـزء األول منظومـة أجدابيا بنغـازي‪.1997 ،‬‬
‫‪2‬أيمن يوسـف نجيب‪" ،‬عودة المقومات السـياحية في محافظة بيت لحم"‪( ،‬رسـالة ماجسـتير غير منشـورة في‬ ‫‪.‬‬
‫الجغرافيا‪ ،‬كلية الدراسـات العليا في جامعة النجاح الوطنية في نابلس‪ ،‬فلسـطين‪)2011‬‬
‫‪3 .‬خالد محمد عبدهللا الهدار‪ ،‬توكرة‪( ،‬طرابلس‪ :‬منشورات مصلحة اآلثار الليبية‪.2020 ،‬‬
‫‪ 4‬سـعد خليـل القزيـري‪ ،‬التحضـر‪ ،‬دراسـة فـي الجغرافيـا "فـي كتـاب الجماهيريـة دراسـة فـي الجغرافيـا (تحريـر)‬ ‫‪.‬‬
‫الهـادي ابولقمـة وسـعد القزيـري (سـرت‪ :‬دار الجماهيريـة للنشـر والتوزيـع واإلعلان‪.)1995 ،‬‬
‫‪5‬سعد خليل القزيري‪ ،‬التخطيط والتنمية السياحية في ليبيا‪( ،‬بنغازي‪ :‬دار الكتب الوطنية‪ ،‬سنة ‪.)2006‬‬ ‫‪.‬‬
‫‪6 .‬سعيد صفي الدين الطيب‪ ،‬دراسات في جغرافية ليبيا السياحة‪( ،‬بنغازي‪ :‬دار الكتب الوطنية‪ ،‬سنة ‪.)2005‬‬
‫‪ 7‬على سالم الترك‪ ،‬مدينة توكرة‪ ،‬ط‪( ،2‬طرابلس‪ ،‬منشورات مصلحة اآلثار‪.)1978 ،‬‬ ‫‪.‬‬
‫‪ 8 .‬فليـب كنريـك‪ ،‬دليـل المواقـع األثريـة فـي ليبيـا‪ ،‬قورينائيـة (إقليـم المـدن الخمـس)‪( ،‬ترجمـة)‪ ،‬احمـد بوزيـان‪،‬‬
‫عبـدهللا الرحيبـي‪( ،‬تونـس‪ :‬دار النشـر مطبعـة سـيمباكت‪.)2013 ،‬‬

‫‪137‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫محاية املدنيني والتحول الدميقراطي يف ليبيا‬


‫منوذجا)‬
‫ً‬ ‫(تاورغاء‬
‫إعداد‪:‬‬
‫د‪ .‬خالد علي عبد القادر التومي‬
‫جامعة ليبيا المفتوحة ‪ -‬جنزور – طرابلس ‪ /‬ليبيا‬
‫القبول‪2023/5/20 :‬‬ ‫ ‬
‫االستالم‪2023/4/11 :‬‬

‫املستخلص‪:‬‬
‫تنـاول البحـث قضيـة دعـم التحـول الديمقراطـي التـي ِّ‬
‫ينظـر لهـا العالم الغربي‪ ،‬ويسـتخدم‬
‫كل الوسـائل لوصـول لذلـك التحـول‪ ،‬بمـا فيهـا الحـروب تحـت مظلـة المؤسسـات الدوليـة واألمـم‬
‫المتحـدة‪ ،‬ومـا تضمنتـه مـن عقـود وشـعارات ومبـادئ لحقـوق اإلنسـان وحمايـة المدنييـن‪ .‬إن‬
‫التدخـل بموجـب حمايـة المدنييـن دون شـك‪ ،‬جـاء علـى حسـاب مدنييـن أيضـا‪ ،‬فالتداخـل‬
‫بيـن األسـباب والدواعـى فـي القضيـة الليبيـة يحجـب الرؤيـة والوصـول إلـى نتائـج منطقيـة؛‬
‫لهـذا فـإن البحـث يلقـي الضـوء علـى جوانـب مـن تعقيـدات القضيـة الليبيـة فـي ظـل مـا حـدث‪،‬‬
‫عامـا لحجـم المشـكلة‪ ،‬ومفهـوم حمايـة المدنييـن‪ ،‬وتدويـل القضيـة الليبيـة‪،‬‬ ‫ويضـع تصـو ًرا ًّ‬
‫ومسـتقبل التغييـر فـي ليبيـا‪ ،‬ونمـاذج مـن تجـارب األمـم المختلفـة‪ ،‬التـي عصفـت بهـا ريـاح‬
‫التحـول الديمقراطـي‪ ،‬أمـا النتائـج والحلـول فإنهـا تقـف أمام عجـز القدرات الوطنيـة عن إيجاد‬
‫ُّ‬
‫يسـد المسـار السياسـي‪،‬‬ ‫ً‬
‫عائقـا‬ ‫مبـادرات وطنيـة حقيقيـة‪ ،‬لحـل مثـل تلـك القضايـا‪ ،‬ممـا جعلهـا‬
‫ويعيـق التحـول الديمقراطـي كمـا أريـد لـه‪.‬‬
‫الكلم�ات املفتاحي�ة‪( :‬تاورغـاء ‪ -‬حمايـة المدنييـن ‪ -‬مخيمـات ‪ -‬مسـتقبل التغييـر ‪ -‬التحـول‬
‫الديمقراطـي)‪.‬‬
‫‪Summary:‬‬
‫‪The research addressed the issue of support for democratization seen by the‬‬
‫‪Western world and uses all means of achieving that transition, including wars‬‬
‫‪under the umbrella of international institutions and the United Nations, and its‬‬
‫‪decades, slogans and principles of human rights and the protection of civilians.‬‬
‫‪Intervention under the protection of civilians undoubtedly came at the‬‬
‫‪expense of civilians as well. The interplay between reasons or motives in the‬‬
‫‪Libyan case obscures vision and logical results, So the research sheds light‬‬
‫‪on aspects of the complexity of the Libyan issue in the light of what happened.‬‬
‫‪protection of civilians and internationalization of the Libyan issue, The future of‬‬
‫‪change in Libya and models of different nations' experiences, which have been‬‬
‫‪ravaged by the winds of democratization The results and solutions stand in the‬‬
‫‪face of the inability of national capacities to develop genuine national initiatives‬‬
‫‪to resolve such issues, This has made it a hindrance that blocks the political‬‬
‫‪path and hinders the democratic transition as planned.‬‬

‫‪138‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫املقدمة‪:‬‬
‫يحتـاج هـذا الموضـوع الشـائك والمعقـد مـن الباحثين والمحلليـن الحيادية والهـدوء‪ ،‬بعيدًا‬
‫عـن االنفعـاالت واالسـتقطاب‪ ،‬واالسـتخدام لغـرض تأجيـج وإطالـة عمـر األزمـة‪ ،‬فالمشـكلة‬
‫محـددة العناصـر‪ ،‬وهـي واضحـة تمامـا أمـام أغلـب الليبيـن والمهتميـن بالشـأن الليبـي‪ ،‬فهـي مـن‬
‫اآلثـار البـارزة عقـب األحـداث التـى دارت رحاهـا فـى ‪2011‬م‪ ،‬بـل ربمـا تكـون األبـرز واألشـد‬
‫ٌ‬
‫مدينـة مدينـة أخـرى مجـاورة لهـا بالكامـل‪ ،‬فهـي التهجيـر األكبـر والمعظلـة‬ ‫ً‬
‫تعقيـدا؛ إذ طـردت‬
‫وتقـوض جهـود المصالحـة الوطنيـة‪،‬‬ ‫ِّ‬ ‫األساسـية‪ ،‬التـي ُتلقـي بظاللهـا علـى القضيـة الليبيـة‪،‬‬
‫التـي هـي األخـرى لـم يكتـب لهـا البدايـة بعـد‪.‬‬
‫يتنـاول هـذا البحـث قضيـة تاورغـاء‪ ،‬بدايـة مـن قـرارات األمـم المتحـدة والمجتمـع الدولى‪،‬‬
‫التـي أطلقـت لغـرض حمايـة المدنييـن فـي ‪2011‬م‪ ،‬التـى وقعـت فـي االزدواجيـة والخلـط‪،‬‬
‫فسـر إال بأنـه‬
‫كونهـا تتبنـى الحـرب وتدعـي حمايـة المدنييـن‪ ،‬وهـي متناقضـات‪ ،‬وتبايـن ال ُي َّ‬
‫تخبـط وعـدم وضـوح‪ ،‬لمـن قـاد األمـم المتحـدة ودفعهـا إلـى تلـك اإلجـراءات‪.‬‬ ‫ُّ‬
‫فكمـا يبـدو‪ ،‬باتـت عـادة للمجتمـع الدولـي واألمـم المتحـدة قيـادة حـرب بذريعـة حمايـة‬
‫المدنييـن‪ ،‬وثـم تركهـم بعـد ذلك للصراعات والحروب‪ ،‬التي تفتت نسـيجهم االجتماعي‪ .‬وتغيب‬
‫بعدئـذ قضيـة حمايـة المدنييـن وحقوقهـم وراء قضبـان السـجون‪ ،‬والتهجيـر القصـرى‪ ،‬وهذا ال‬
‫شـيئا سـوى أن تلـك القـرارات لـم تكـن تشـمل أهل تاورغـاء‪ ،‬على اعتبـار أن مناطقهم كانت‬ ‫ً‬ ‫يعنـى‬
‫تحـت سـيطرة (النظـام)؛ أي أنهـا كانـت تعدهـم مؤيديـن لـه؛ لهـذا وجـب القصـاص منهـم‪ ،‬كمـا‬
‫فهمهـا كل الليبييـن المتعاطيـن والمروجيـن لفكـرة االنتقـام بعـد انتهـاء تلـك األحـداث‪ ،‬أو َمـن‬
‫اسـترضاء لهـم‪ ،‬وتكبيلهـم بجرائـم إنسـانية سـوف‬
‫ً‬ ‫شـجع قـادة الحـرب فـى مصراتـة بشـكل نفعـي‬
‫يأتـي اليـوم الـذي تفتـح فيـه تلـك الملفات‪.‬‬
‫إن بعض القادة السياسـيين كانوا مدركين لفظاعة ما تقترفه الميلشـيات فى مصراتة باسـم‬
‫المدينة‪ ،‬وهذا سـيكون فى المسـتقبل من الملفات السـوداء فى مجال حقوق اإلنسـان‪ ،‬وسـتظل‬
‫تلـك القضايـا عالقـة وسـتدفع المدينـة يومـا الثمن‪ ،‬أو لربما يدفعه الوطن الليبي بأسـره‪.‬‬
‫إن طـرح هـذا الموضـوع فـي هـذه الفتـرة‪ ،‬بمـا يحمله من حساسـية مفرطة‪ ،‬يسـتوجب على‬
‫الباحـث محاولـة سـلوك الحياديـة؛ لهـذا رأى الباحـث تبويبه فـى األطر اآلتية‪:‬‬
‫ً‬
‫أواًل‪ :‬إشكالية املوضوع‪.‬‬
‫ثان ًيا‪ :‬نطاق املوضوع‪.‬‬
‫ً‬
‫ثالثا‪ :‬طريقة تناول املوضوع‪.‬‬
‫لقـد وقعـت قضيـة تاورغـاء (اإلنسـانية) بيـن التوظيـف السياسـي‪ ،‬واالسـتغالل السـيئ‪ ،‬ولم‬
‫ً‬
‫حلـواًل جـادة لحلهـا منـذ أكثـر مـن عشـر سـنوات‪ ،‬وذلـك راجـع بحسـب ظـن الباحـث إلـى‬ ‫تجـد‬
‫ْ‬
‫مقصـودا كان يتبـع فـى مسـارات‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫تعمـدا‬ ‫الطريقـة التـي ُصـورت عليهـا األحـداث‪ ،‬بـل إن هنـاك‬
‫تعبويـة؛ لشـحن الـرأي العـام حـول اسـتيفاء الحـق بالـذات‪ ،‬وهـذا دون شـك دفـع بالمقتصيـن‬
‫إلـى االشـتطاط والمغـاالة فـى تصويـر ماحـدث‪ ،‬علـى أنـه جرائـم غيـر مسـبوقة‪ ،‬وهـذا أدى‬
‫بالطبيعـة إلـى سـلبية المتعاطيـن مـع الملـف؛ ألن كل دروبـه كانـت مقفلـة‪ ،‬وال نقـاش فيهـا‪،‬‬
‫فأثـر ذلـك بشـكل سـلبى‪ ،‬واسـتمر الجـرح ينـزف طيلـة تلـك السـنوات‪ ،‬بـل إن الطـرف المتعنـت‬ ‫َّ‬
‫نوعـا مـن‬
‫الـذى هـو (مصراتـه عمومـا)؛ اسـتغل ذلـك الملـف أسـوأ اسـتغالل‪ ،‬بـل إنهـم فرضـوا ً‬
‫مثلا أو قضيـة تاورغـاء؛ كانـت بمثابـة‬‫ً‬ ‫(اإلرهـاب الفكـري) و(التشـدد)‪ ،‬فمناقشـة المصالحـة‬
‫التنـازل عـن دمـاء – الشـهداء ‪ -‬والتفريـط فـى كل حقوقهـم‪ .‬بـل إنـه تعـارض مـع مبـادئ الثـورة‬
‫التـي يتزعمونهـا‪.‬‬

‫‪139‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫كمـا أن ذلـك التعنـت والتصلـب‪ ،‬كان قـد فـرض مسـارًا واحـدًا علـى كل األحـداث‪ ،‬بـل إنهـم‬
‫اسـتخدموه ورقـة عبـور‪ ،‬لـكل المشـاركين فـى العمليـة السياسـية فـى ليبيـا عقـب ‪2011‬م‪،‬‬
‫فـكان الحكـم المسـبق وغيـر القابـل للنقـاش فداحـة جرائـم تاورغاء‪ ،‬التى تسـتحق عليها النفي‬
‫والقتـل واإلبعـاد‪ ،‬وربمـا اإلبـادة مـن قبـل مصراتـة وبشـكل مباشـر‪ ،‬دون الرجـوع إلـى المبـادئ‬
‫المتعـارف عليهـا عرفـ ًا أو قانونـًا‪.‬‬
‫ُ‬
‫إشـكالية الموضـوع معقـدة‪ ،‬وتكمـن فـى عمـق الهـوة التـي خلقـت بيـن تاورغـاء ومصراتـة‪،‬‬
‫التـي سـاهم فـي تعميقهـا الصـراع الدولـى المختـزل والمتخبـط‪ ،‬الـذي أفسـح المجـال لتطـور‬
‫تلـك المأسـاة‪ ،‬كمـا أن انتهازيـة بعـض السياسـيين النفعييـن‪ ،‬ووقوفهـم بشـكل غيـر علنـي مـع مـا‬
‫تتخـذه مصراتـة مـن تدابيـر زاد الطيـن بلـة‪ ،‬وفـي ظـل ذلـك الضبـاب الكثيـف‪ ،‬وسـكوت الجميـع‬
‫وتسـترهم ‪ -‬إال مـا نـدر‪ -‬علـى مـا ُيرتكـب مـن بشـائع؛ تطـورت القضيـة التاورغيـة وتأزمـت‪ ،‬وصـار‬
‫الجميـع شـركاء متواطئيـن فيهـا مـن الوهلـة األولـى‪ ،‬وهنـا وجبـت اإلشـارة إلى أن بعـض األطراف‬
‫السياسـية داخليـا وخارجيـا أدركـوا فداحـة األخطـاء التـى ُترتكـب منـذ البدايـة‪ ،‬فتصحيحهـا‬
‫نسـفا للعمليـة السياسـية مـن أساسـها؛ لهـذا تسـتروا وغضـوا الطـرف عـن هـذا الملـف‪ ،‬فلا‬ ‫ً‬ ‫يعنـي‬
‫قـدرة لهـم علـى الوقـوف أمـام تيـار االنتقـام‪.‬‬
‫كثيـرا مـن‬
‫ً‬ ‫إن سـيطرة ميليشـيات مصراتـة علـى أجـزاء كبيـرة مـن الوطـن الليبـى؛ جعـل‬
‫الجرائـم والمالحقـات والقتـل‪ ،‬تتـم حتـى فى المخيمـات البعيدة‪ ،‬كمخيـم (األكاديمية البحرية‬
‫بجنـزور)‪ ،‬فبتاريـخ (‪2012/02/06‬م) هوجـم المخيـم‪ ،‬حيـث كانـت تقيـم فيـه (‪)528‬‬
‫ظروفا صعبة‪ ،‬أسـفر ذلك الهجوم عن مقتل (‪ 7‬سـبع‬ ‫ً‬ ‫خمسـمائة وثمان وعشـرون أسـرة‪ ،‬يعانون‬
‫ضحايـا)‪ .‬كمـا هوجـم مخيـم (الفلاح)؛ الـذي تسـكنه ‪ ))250‬مئتـان وخمسـون أسـرة مـن قبـل‬
‫ميليشـيات مسـلحة؛ بتاريـخ (‪2013/07/25‬م) نتـج عـن الهجـوم (قتيـل) وعدد مـن الجرحى‪،‬‬
‫ً‬
‫سـاكنا(((‪.‬‬ ‫والحكومـة لـم تحـرك‬
‫ومجسـدة لـكل األحـداث التـي وقعـت فـي ليبيـا‪ ،‬فهـي‬ ‫إن هـذه القضيـة مختزلـة وشـاملة‪ُ ،‬‬
‫وأثـرا؛ فنطاقهـا يتمثـل فـى اآلتـي‪:‬‬
‫ً‬ ‫عمـرا‬
‫ً‬ ‫األعمـق واألعقـد واألطـول‬
‫ال‪ :‬سـكوت كل األطـراف عـن التجـاوزات التـي ارتكبـت بعـد انتصـار مصراتـة‪ ،‬أي أن الجميع‬ ‫أو ً‬
‫كان مشـاركا حتـى بصمتهـم‪ ،‬واألخطـر أن الجسـم التشـريعى المنتخـب (المؤتمـر الوطنـي)؛ كان‬ ‫ً‬
‫مـن المفتـرض أن يمثـل كل الليبييـن إال أنـه سـار فـي طريـق اإلقصـاء؛ فلم ُيسـمح فيه بمشـاركة‬
‫(تاورغـاء)‪ ،‬ولـم يصـدر عنـه أي توصيـة بحقوقهـم‪ ،‬أو مشـاركة فـى حـل قضيتهـم‪ ،‬أو حتـى‬
‫التخفيـف مـن معاناتهـم داخـل مخيمـات نزوحهـم التـي كانـت موزعـه كاآلتـى‪:‬‬
‫●مخيمات طرابلس‪:‬‬
‫ ‪-‬مخيم طريق المطار‪ ،‬وتقطنه (‪ )356‬ثالثمائة وست وخمسون أسرة‪.‬‬
‫ ‪ -‬مخيم الفالح‪ ،‬وبه (‪ )250‬مئتان وخمسون أسرة‪.‬‬
‫ ‪-‬مخيم سيدي السائح‪ ،‬وبه ‪ ))75‬خمس وسبعون أسرة‪.‬‬
‫ ‪-‬مخيم السراج‪ ،‬وبه (‪ )11‬إحدى عشرة أسرة‪.‬‬
‫ ‪ -‬مخيم شركة اثيب بترهونه‪ ،‬ويسكنه (‪ )60‬ستون أسرة‪.‬‬
‫ ‪ -‬كما توجد (‪ )530‬خمسمائة وثالثون أسرة موزعة فى المنطقة الغربية‪.‬‬
‫ ‪-‬وعدد (‪ )400‬أربعمائة أسرة تقطن حول ترهونه‪.‬‬
‫●مخيمات بنغازى‪ :‬وبها (‪ )7‬سبعة مخيمات‪ ،‬أهمها‪:‬‬
‫ ‪ -‬قاريونـس‪ ،‬وبـه (‪ )554‬خمسـمائة وأربـع وخمسـون أسـرة‪ ،‬وقـد تعرضـت هـي األخـرى‬

‫((( ناصر الهواري‪ ،‬وآخرون‪ ،‬تقارير منظمة ضحايا لحقوق اإلنسان‪ ،‬بتاريخ ‪ -11‬اغسطس‪2014 -‬م‪ ،‬ص‪.6-4‬‬

‫‪140‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫للتعـدي مـن قبـل الميليشـيات‪ ،‬كمـا أن الحـرب التـي دخلتهـا بنغـازى جـاءت على حسـاب‬
‫أولئـك الالجئين‪.‬‬
‫ ‪-‬ومخيم الحليس‪ ،‬وبه (‪ )360‬ثالثمائة وستون أسرة‪.‬‬
‫●أما الجنوب‪ ،‬فقد وصل عدد القاطنين به إلى ‪80‬ثمانين أسرة‪.‬‬
‫●وقـد بلـغ عـدد األسـر المقيمـة خـارج المخيمـات (‪ )3120‬ثالثـة آالف ومائـة وعشـرين‬
‫أسـرة(((‪.‬‬
‫إن هـذه المخيمـات والظـروف التـي تقاسـيها‪ ،‬كانـت ومازلـت صعبـة جـدًا‪ ،‬فلـم تسـتطع كل‬
‫األجسـام والكيانـات السياسـية المشـاركة فـي العمليـة السياسـية بعـد ‪2011‬م أن تطـرق بـاب‬
‫الحلـول‪ ،‬أو أن تضـع تصـورات للخـروج مـن تلـك المحنـة‪ ،‬بـل ولألسـف رضـت‪ ،‬وصـرح بعضهـا بأن‬
‫لمصراتـه الحـق فـى حـل قضيـة تاورغـاء بمفردهـم وبالطريقـة التـي تراهـا‪.‬‬
‫وحملـت تاورغـاء كل تبعـات‬‫َّ‬ ‫ثاني� ًا‪ :‬تقمصـت مصراتـة دور المنتصـر الوحيـد فـي فبرايـر‪،‬‬
‫جـدا فـي غيـاب تـام ألي صـوت يـرى عكـس‬ ‫النظـام السـابق‪ ،‬فالقضيـة أخـذت أبعـادًا خطيـرة ً‬
‫ذلـك‪ ،‬بـل إن الجميـع آثـر االبتعـاد عنهـا محابـاة‪ ،‬أو مجاملـة‪ ،‬أو لمـآرب أخـرى‪.‬‬
‫ثالثـ ًا‪ :‬إن الخطـأ الفـادح كان ذلـك السـكوت الطويـل مـن قبـل الوطنييـن‪ ،‬واألفـدح قيـادة‬
‫األمـم المتحـدة لشـكل مـن أشـكال التسـوية بيـن الطرفيـن؛ إذ أعلـن أن هنـاك تسـوية للقضيـة‬
‫التاورغيـة‪ ،‬فـي ظـروف ربمـا تكـون غامضـة‪ ،‬بـل إن فبـركات خطيـرة تمـت ُتنبـئ بـأن هنـاك‬
‫تسـترا علـى جرائـم ضـد اإلنسـانية‪ ،‬بـل إن مباركـة المجلـس الرئاسـي بقيـادة (فائـز السـراج)‬ ‫ً‬
‫لهـا (‪2017‬م ‪2018 -‬م)؛ جعلهـا مـن بيـن انجازاتـه؛ حيـث ُج ِّمعـت العائلات فـي قرارة القطف‬
‫ً‬
‫تمهيـدا لدخولهـم لتاورغـاء‪.‬‬
‫إن طـرح ملـف (تاورغـاء‪ ،‬مصراتـة) موازيـا لطـرح تفاوضـات‪ ،‬واتفاقـات وتسـويات أخـرى‪،‬‬
‫أهمهـا (الصخيـرات)‪ ،‬وخطـة األمـم المتحـدة مـن أجـل إنهـاء األزمـة فـي ليبيـا؛ هـو مجـرد خلـط‬
‫أوراق ليـس إال‪ ،‬كمـا أنـه محاولـة ضغـط مسـتمرة مـن قبـل الالعبيـن الحقيقييـن ومجـرد تبديـل‬
‫لألدوار‪.‬‬
‫رابع�ا‪ :‬االسـتغالل السـيئ لكثيـر مـن األطراف‪ ،‬واالسـتعجال فـي عودة أهالـي تاورغاء‪ ،‬ووضع‬‫ً‬
‫مصراتـة فـى مفتـرق طريـق‪ ،‬بـل هو شـق الصف المصراتى وإظهار التشـقق والتشـرذم داخل تلك‬
‫المدينـة‪ ،‬فمـا حـدث مـن إعطـاء اإلذن بدخـول المدينـة مـن قبـل المجلـس الرئاسـي‪ ،‬ال يفسـر‬
‫حـاد جـدا واسـتغالل قضايـا عمرهـا بعمر األزمة فـى ليبيا‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫إال فـى إطـار اسـتقطاب‬
‫ً‬
‫سـياًل مـن االستفسـارات؛ هـو لمـاذا يطـرح ملـف تاورغـاء مـن قبـل‬ ‫إن السـؤال الـذي يفتـح‬
‫المجلـس الرئاسـى بقيـادة فائـز السـراج؟ ومـا المسـتجدات الجديـدة؟ وهـل حمايـة المدنييـن‬
‫ملحـا اآلن‪ ،‬علـى األمـم المتحـدة‪ ،‬وعلـى كثير مـن الليبين؟ ومـا المقصود‬
‫أمـرا ً‬
‫وحـق العـودة صـار ً‬
‫مـن إدخـال المنطقـة الوسـطى فـي ترتيبـات جديـدة؟ أم أنها محاولة توزيـع أدوار ليس إال؟ ومن‬
‫المسـتفيد؟ وهـل حقـا ُيبحـث عـن حـل جـذري ألهـل تاورغـاء؟‬
‫خامس� ًا‪ :‬حقـوق اإلنسـان ودور المنظمـات اإلنسـانية((( وقـرارات األمـم المتحـدة‪ ،‬هـى أيضـا‬
‫ضمـن نطـاق هـذه القضيـة‪ ،‬فالبحـث سـوف ُيلقـي الضـوء علـى ذلـك المسـار غيـر الواضـح‪ ،‬وربما‬
‫لشـموله ازدواجيـة للمعاييـر‪ ،‬رافقـت كل الملفات المعروضـة على مجلس األمن واألمم المتحدة‪،‬‬
‫بمـا يتعلـق بليبيا‪.‬‬
‫((( ناصر الهواري‪ ،‬المرجع نفسه‪2014 ،‬م‪ ،‬ص ‪.8-7‬‬
‫((( مـا قـام بـه الصليـب األحمـر فـى ليبيـا في أثنـاء األحـداث من جمـع روايات لشـهود عيـان مـن الطرفين خالل‬
‫األزمـة‪ ،‬يمكـن تقديمهـا فى حوارات سـرية لألطـراف المعنية حول االنتهـاكات‪ .‬انظر‪ :‬برونـو بومييه‪ ،‬اسـتخدام القوة‬
‫لحمايـة المدنيـن والعمـل اإلنسـانى‪ ،‬حالة ليبيا ومـا بعدها‪ :‬المجلـة الدولية للصليـب األحمر‪ ،‬المجلـد ‪ ،39‬العدد‬
‫‪ ،884‬سـتبمر ‪2011‬م ‪ ،‬ص‪.19‬‬

‫‪141‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫احملور األول‪ :‬التصور العام حلجم املشكلة‪:‬‬


‫تكمـن المشـكلة فـى كـون مدينـة بأسـرها قـد ُهجـرت بعـد نهايـة األحـداث (‪2011‬م)‬
‫والحـرب التـى شـنتها األمـم المتحـدة والقـوى العظمـى؛ ال لشـيء إال مـن أجـل مصالحهـا وإنهـاء‬
‫وجـود القذافـى‪ ،‬فتاورغـاء البالـغ عـدد سـكانها مـا يقـارب (‪ 42‬اثنيـن وأربعيـن ألـف نسـمة)‪،‬‬
‫أيضـا (‪ 5‬خمسـة آالف نسـمة) كانـوا يسـكنون مصراتة ويقيمون بهـا إقامه دائمة‪،‬‬ ‫يضـاف إليهـم ً‬
‫ولكـن مـا حـدث جعـل منهـم نازحيـن مهجريـن هـم أيضـ ًا‪ ،‬إال القلـة منهـم الذيـن شـاركوا مـع‬
‫مصراتـه فـي حربهـا علـى النظـام‪ ،‬إذًا الحجـم العـام للقضيـة يكمـن فـى تهجير مدينـة بأكملها‪،‬‬
‫أصلا للحيـاة البشـرية‪ ،‬ومـا هـى إال مقـرات‬‫ً‬ ‫وجعـل سـكانها مشـردين فـى مخيمـات غيـر معـدة‬
‫للشـركات التـى غـادرت ليبيـا‪ ،‬فأقـام بهـا النازحـون طيلـة تلـك الفتـرة؛ إذ يأبـى أولئـك اللجـوء‬
‫الـذى تعرضـه كثيـ ٌر مـن الـدول عليهـم خـارج الوطـن‪.‬‬
‫كمـا أن القضيـة ومـن الناحيـة األخالقيـة تقـف وتفضـح ادعـاءات أنصـار مـا حـدث‪ ،‬فـى‬
‫كونهـم كانـوا يعانـون مـن ظلـم دام طيلة (‪ 42‬اثنتين وأربعين سـنة)‪ ،‬وعندما حكموا اسـتفتحوا‬
‫عهدهـم بظلـم فـادح‪ ،‬ووصمـة عـار سـوف تظـل تالحـق كل الليبييـن بسـبب سـكوتهم علـى مـا‬
‫جرى؛ من إقصاء وقتل وازدراء‪ ،‬وكأن سـكان تاورغاء ليسـوا ليبيين أو أنهم كانوا لوحدهم أنصار‬
‫ال ‪ -‬هـذا هـو أصـل االتهـام الموجه إليهم‪ ،‬وفي هذا الصدد تؤكد منظمة‬ ‫النظـام ‪ -‬إن كانـت جـد ً‬
‫‪ Human Rights Watch‬فـي تقريرهـا الصـادر فـي (‪ 20‬مـارس ‪2013‬م)‪ ،‬أن علـى‬
‫الحكومـة الليبيـة اتخـاذ خطـوات عاجلـة؛ لمنـع انتهـاكات حقـوق اإلنسـان الخطيـرة والمسـتمرة‬
‫بحـق سـكان بلـدة تاورغـاء‪ ،‬الذيـن يشـيع اعتبارهـم مـن مؤيديـن سـابقين لمعمـر القذافـي((( ‪.‬‬
‫وثقـت بعـض المنظمـات المحليـة كثيـرًا من الشـهادات‪ ،‬عن جزء ممـا حدث في منطقة‬ ‫لقـد َّ‬
‫تاورغـاء‪ ،‬كونهـا كانـت مالصقـة لمدنيـة مصراتـة مـن ناحيـة الشـرق‪ ،‬وقـد درات فيهـا أغلـب‬
‫العمليـات العسـكرية فـي أثنـاء حصـار مصراتـه‪ ،‬فالذنـب ليـس ذنـب األهالـي‪ ،‬فالنظـام والدولـة‬
‫الليبيـة القائمـة آنـذاك اسـتخدمت تلـك األراضـى للدفـاع عـن نفسـها‪ ،‬وعندمـا انتهـت الحـرب‬
‫انسـحبت القـوات العسـكرية التابعـة للنظـام مـن تاورغـاء‪ ،‬وسـيطرت ميليشـات مصراتـة عليهـا‪،‬‬
‫وأخيـرا أخرجـت كل األهالـى فـي ردة‬
‫ً‬ ‫فعاثـت فـي األرض فسـادًا؛ حيـث قتلـت وأسـرت ودمـرت‪،‬‬
‫فعـل علـى مـا حـدث‪.‬‬
‫لقـد ُهجـرت المدنيـة بأكملهـا شـرقا وغربـا وجنوبـا‪ ،‬هربـا علـى األقـدام مـن هـول وبطـش‬
‫القادميـن‪ ،‬الذيـن لـم يعفـوا النسـاء واألطفـال والشـيوخ من انتقامهم؛ لهذا مات فـي تلك العملية‬
‫أعـداد ليسـت بالقليلـة مـن كبـار السـن واألطفـال‪ ،‬وهـذه الحقائـق سـوف تطـرح مـن قبـل سـكان‬
‫تاورغـاء؛ ألنهـا شـهادات عـن حقيقـة مـا حـدث‪ ،‬فالمصالحـة تعنـي كشـف الحقيقـة الكاملـة أو‬
‫الجـزء المسـكوت عنـه‪ ،‬وإن حـدث فلـن تكـون إال مطلبـ ًا شـعبيا يبنـى علـى المصارحـة والكشـف‬
‫الكامـل لمـا حدث‪.‬‬
‫إن مبـدأ اإلفلات مـن العقـاب الـذي تـروج لـه األمـم المتحـدة؛ لـن يكـون إال عندمـا يتفـق‬
‫عليـه كل المكلوميـن والمظلوميـن فـى ليبيـا‪ ،‬فكشـف حقيقـة مـا حـدث ليـس مـن حـق مصراتـه‬
‫أو تاورغـاء وحدهمـا؛ وإنمـا هـو مطلـب شـعبى مـن أجـل كشـف الحقيقـة‪ ،‬ولخلـق رؤيـة شـعبية‬
‫ودرسـا لعـدم تكـراره مسـتقبال‪.‬‬
‫ً‬ ‫لحقيقـة مـا حـدث‪ ،‬ليكـون عبـرة‬
‫ربمـا ارتكبـت جرائـم ضـد مصراتـه فـي أثنـاء األحـداث‪ ،‬ولكـن تلـك االدعـاءات لـم يفصـح‬
‫عنهـا‪ ،‬ولـم تشـكل لجـان لتقصـى الحقائـق مـن قبـل األجسـام المنبثقـة عـن العمليـة السياسـية‬
‫السـاعية إلـى التحـول الديمقراطـى فـي ليبيـا‪ ،‬وال عـن الجهـات الحكوميـة وال الدولية التي من‬
‫المفتـرض أنهـا محايدة‪.‬‬
‫ويبـدو كمـا يدعـي البعـض فـى مصراتـه أن القضيـة تتعلـق بالشـرف‪ ،‬وبقضايـا اغتصـاب ال‬
‫((( ناصر الهواري‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.5‬‬

‫‪142‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫يـودون التصريـح عنهـا بحكـم القيـود والعـادات وثقافـة المجتمـع الليبـي‪ ،‬وهـذا مـا يزيـد مـن‬
‫تعقيد المسـألة بل ويعمقها‪ ،‬فهي ليسـت مثبته‪ ،‬وال يمكن تسـجيلها ومعاقبة مرتكبها بالقانون‬
‫وأمـام العدالـة؛ لهـذا فقـد تعاطـف مع مصراتـة جزء من الليبيين‪ ،‬والقريبـون منها‪ ،‬وأوجدوا لها‬
‫األعـذار فـى قضيـة غيـر مثبتـة‪ ،‬ولـن تثبت بل أخذ بجريرتها اآلالف مـن أهالي تاورغاء‪ ،‬حتى‬
‫النسـاء واألطفـال وكبـار السـن الذيـن هـم أبريـاء مـن تلـك الجرائـم المدعى بها‪.‬‬
‫إن قضيـة االغتصـاب المسـكوت عنهـا شـرفًا‪ ،‬والمبـاح عنهـا عـذرا‪ ،‬سـوف تظل هـي الذريعة‬
‫غيـر المثبتـه والمنسـوبة لقـوات القذافـي‪ ،‬فقـد تحدثت التقارير الدولية وكثير من الدراسـات‪،‬‬
‫عـن ممارسـات وعمليـات االغتصـاب فـي حـق المدنييـن مـن النسـاء فـي المـدن التـي تعـارض‬
‫النظـام‪ ،‬ومـن ُيشـك فـي انتمائهـم إلـى المعارضـة بطريقـة همجيـة وغوغائيـة((( ‪.‬‬
‫إن صيغـة اإلثبـات التـي أطلقـت ‪)2011‬م)‪ ،‬وعززتهـا وسـائل اإلعلام‪ ،‬تـكاد تجـزم‬
‫فعلا! أمـا اآلن فقـد تبخـرت فلا يوجـد‬ ‫ً‬ ‫بوقـوع الجـرم‪ ،‬وكأن النظـام قـد أصـدر تلـك األوامـر‬
‫دليـل عليهـا‪ ،‬كمـا أن أغلـب المناطـق األخـرى التـي كانـت تواجـه النظـام؛ لـم تسـجل فيهـا تلـك‬
‫الشـهادات كالجبـل الغربـى والزوايـة ‪...‬إلـخ‪.‬‬
‫إن البعـض فـي مصراتـة ال يـدرك أنـه لـم يعـد الكثيـرون يجـدون لهـم األعـذار‪ ،‬فهـم طـرف‬
‫مسـلح ولـم يكـن هـذا الطـرف فـي يـوم من األيام ضعيف ًا أو أعزل‪ ،‬فمن األيـام األولى لالنتفاضة‬
‫تمـت عسـكرتهم‪ ،‬وأصبحـوا مقاتليـن لهـم نديـة قـوات النظـام‪ ،‬وهـذا مـا تؤكـده بعـض الدراسـات‬
‫التـي أجريـت فـي جامعـة هارفـارد‪ ،‬التـي تؤكـد أن االنتفاضـة لـم تكـن سـلمية‪ ،‬وإنمـا كانـت‬
‫عنيفـة ومسـلحة‪ ،‬وتؤكـد أن التدخـل ضاعـف عـدد القتلـى إلـى مـا يقـارب (‪ 7‬سـبع مـرات) على‬
‫األقـل‪ ،‬مـا ترتـب عنـه انتهـاك صـارخ لحقـوق اإلنسـان((( ‪.‬‬
‫وهنـاك أيضـ ًا إحصائيـات قدمتهـا‪ ))Human Rights Watch‬تتحـدث عـن القتلـى‬
‫والمصابيـن فـى مصراتـة‪ ،‬األكثـر تضـررا فـى بدايـة األحـداث وخلال األسـابيع السـبعة األولى؛‬
‫إنـه مـن بيـن (‪ )943‬تسـعمائة وثالثـة وأربعيـن جريحـًا‪ ،‬كانـت أعـداد النسـاء واألطفـال (‪)30‬‬
‫(((‬
‫ثالثيـن فقـط‪ ،‬بمـا يشـير إلـى أن قـوات القذافـي كانـت تسـتهدف المقاتليـن أساسـ ًا‪ ،‬وقـد قتل‬
‫مـن بيـن سـكان المدينـة الـذي يقـدر بحوالـى (‪ 400‬أربعمائـة ألف) نسـمة ما نسـبته ال تتجاوز‬
‫‪ ،0,0006%‬وهـى نسـبة ضيئلـة للغايـة(((‪ .‬وإذا كانـت هـذه اإلحصائيـة فـي األسـابيع األولى؛‬
‫فـإن إحصائيـة أخـرى مـن مصراتـة قدمـت بعـد انتهـاء األحـداث بتاريـخ (‪2011/10/20‬م)‬
‫جـاءت باالسـم‪ ،‬وفيهـا عـدد القتلـى (‪ 1308‬ألـف وثالثمائـة وثمانيـة قتيـل)‪ ،‬منهـم (‪535‬‬
‫خمسـمائة وخمسـة وثالثـون مـن الذكـور) فـوق سـن (‪ 18‬سـنة)‪ ،‬و(‪ 31‬جثـة) مـن العـرب‬
‫واألجانـب‪ ،‬وعـدد (‪ 25‬جثـة) مجهولـة الهويـة(((‪.‬‬
‫ومهمـا يكـن مـن أمـر فـإن ردة الفعـل كانـت قاسـية جـدًا‪ ،‬واسـتمرار معانـاة أهـل تاورغـاء علـى‬
‫واضحا لكل‬
‫ً‬ ‫حـد سـواء‪ -‬مجرميـن وأبريـاء‪ -‬كل هـذا األمـد الطويـل؛ يمثـل سـادية مطلقـة وعجـزا‬
‫الحكومـات المتعاقبـة الهزيلـة‪ ،‬التـي لـم تكـن جـادة فـي معالجـة تلـك القضيـة أو حلحلتهـا‪.‬‬
‫إن مشـكلة تاورغـاء هـى المشـكلة األساسـية والمحوريـة بعـد إسـقاط النظـام‪ ،‬فلمـاذا سـكت‬

‫((( علاء الديـن زردومـى‪ ،‬التدخل االجنبي ودوره في إسـقاط نظام القذافي‪ ،‬رسـالة ماجسـتير‪ ،‬غير منشـورة‪ ،‬جامعة‬
‫محمد خضير‪ ،‬بسـكرة‪ ،‬الجزائـر‪2013 ،‬م‪ ،‬ورقة‪.122 ،‬‬
‫((( يوسـف محمـد الصوانـى‪ ،‬الواليـات المتحـدة وليبيـا‪ ،‬تناقضـات التدخـل ومسـتقبل الكيـان الليبـي‪ ،‬مجلـة‬
‫المسـتقبل العربـي‪2014 ،‬م‪ ،‬ص‪.17‬‬
‫((( لالطلاع علـى قوائـم الضحايا فـي مصراتة مـن بداية األحداث إلـى تاريـخ (‪2011/8/20‬م)‪ ،‬الذيـن بلغ عددهم‬
‫(‪ )1174‬قتيـل فقـط‪ .‬انظـر‪ :‬ابـو القاسـم عبـد اهلل عبـد العاطـى‪ ،‬أحـداث ثـورة ‪ 17‬فبرايـر‪( ،‬محرقـة مصراتـة‬
‫الهولوكوسـت مـن جديـد)‪ ،‬ط‪ ،2‬جــ‪ ،2‬دار قباء للطباعـة‪ ،‬القاهـرة‪ ،‬مصـر‪2012 ،‬م‪ ،‬ص‪.284-202‬‬
‫((( يوسف محمد الصوانى‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.20-17‬‬
‫((( أبو القاسم عبد اهلل عبد العاطى‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬جـ‪ 1‬ص ‪.243-220‬‬

‫‪143‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫عنها المؤتمر الوطني‪ ،‬المؤسسـة الديمقراطية المنتخبة األولى‪ ،‬التي اكتسـبت الشـرعية عبر‬
‫الصناديـق والتـي مـات مـن أجلهـا اآلف الليبييـن؛ فالمؤتمـر لـم ُيشـرع ولـم يلـزم الحكومـات التـى‬
‫اعتمدهـا علـى إيجـاد حلـول لتلـك القضيـة‪ ،‬بـل لـم يناقشـها‪ ،‬فقـد انشـغل بالحـروب المسـتمرة‬
‫التـى نشـأت بيـن المكـون الفبرايـري‪ ،‬ممـا أغرقـه فـى فسـاد وتدهـور لألوضـاع العامـة‪ ،‬ختمهـا‬
‫بخلاف كبيـر رفـض علـى أثرهـا تسـليم السـلطة للجسـم الـذى يليـه‪ ،‬فُادخلـت البلاد وملفـات‬
‫النازحيـن واألسـرى والمخطوفيـن فـي نفـق طويـل‪ ،‬وفـي هـذه األثنـاء اكتفـت األمـم المتحـدة‬
‫بالمراقبـة‪ ،‬أمـا الـدول الفاعلـة فلـم تعـد ُتعنـى بحقـوق اإلنسـان وحمايـة المدنييـن وبقيـة‬
‫القضايـا العالقـة فـي ليبيـا‪ ،‬كالنازحيـن‪ ،‬والسـجون‪ ،‬والحـروب‪ ،‬والفوضـى العارمـة التـي دخلـت‬
‫فيهـا البلاد‪ ،‬فقـد حرصـت فقـط علـى التهديـد الدائـم لـكل األطـراف بأنهـا سـوف تسـتخدم‬
‫الخطـة (ب)‪ ،‬التـي تعتمـد علـى وضـع اليـد علـى كل المرافـق الحيويـة فـي البلاد‪ ،‬بمـا فيهـا‬
‫االسـتثمارات والنفـط‪ ،‬ومصـرف ليبيـا المركـزي‪ ،‬إن لـم يتـم توافـق بيـن األطـراف المتخاصمـة‬
‫(‪. ((1‬‬
‫علـى السـلطة‬
‫إن الصمـت الداخلـي قابلـه دون شـك عـدم اهتمـام عالمـي‪ ،‬فالعالـم الـذي أقـام الدنيـا ولـم‬
‫يقعدهـا ‪)2011‬م) بسـبب حقـوق اإلنسـان وحمايـة المدنييـن؛ تجاهـل تمامـا قضيـة تاورغـاء‪،‬‬
‫واكتفـى بالمراقبـة‪ ،‬واكتفـت منظماتـه هـي األخـرى بإصـدار بعـض التقاريـر عـن سـوء معاملـة‬
‫الالجئيـن والظـروف القاسـية التـي يعيشـونها فـي بالدهـم‪.‬‬
‫احملور الثاني‪ :‬تدويل القضية الليبية كان من بوابة األوضاع اإلنسانية‪:‬‬
‫إن األمـم المتحـدة والقـوى المسـيطرة والمنفـذة لـكل القـرارات الدوليـة‪ ،‬ال تقـود حربـا‬
‫بسـبب حقوق اإلنسـان‪ ،‬أو بسـبب مناشـدات إنسـانية‪ ،‬فال وجود للحرب ذات الدوافع اإلنسـانية‪،‬‬
‫ومـن غيـر المعقـول أيضـا أن تعلـن حـرب مـن أجـل تقديـم مسـاعدات لفئـة معينـة تـؤدى إلـى‬
‫مقتـل اآلالف مـن البشـر‪ ،‬وحتـى وإن وجـدت فهـي مخالفة لكل المواثيـق وخارجة عن األعراف‪.‬‬
‫إن ميثـاق األمـم المتحـدة‪ ،‬يخلـو مـن أي تعريـف لمفهـوم التدخـل‪ ،‬ووجـوده أقـره الفقـه‬
‫الدولـي بسـبب تصاعـد روح الهيمنـة والتسـلط‪ ،‬كمـا أن ميثـاق الجامعـة العربيـة هـو اآلخـر ال‬
‫تحـرم التدخـل‪ ،‬وكذلـك نـص ميثـاق االتحـاد اإلفريقـى من‬ ‫ِّ‬ ‫يسـمح بالتدخـل‪ ،‬فالمـادة (‪ )8‬منـه‬
‫خلال المـادة (‪ )3‬البنـد (‪ ،)2-1‬كمـا أن محكمـة العـدل الدوليـة وفـي حكمهـا الصـادر حـول‬
‫تدخـل األمريـكان فـي نيكارغـوا فـي الثمانينيـات مـن القـرن الماضـي كان واضحـا‪ ،‬فقـد نـص‬
‫الحكـم الصـادر بتاريـخ (‪1986/6/27‬م) علـى رفـض التدخـل مهمـا كانـت أسـبابه(‪.((1‬‬
‫إن عدم مشـروعية التدخل حسـب األعراف الدولية‪ ،‬كان المعيار السياسـي واألمني لتبرير‬
‫مبدأ التدخل نفسـه‪ ،‬فقد سـعت الدول المسـيطرة للبحث عن ذرائع ووسـائل للتدخل‪ ،‬والتعدي‬
‫علـى مبـدأ السـيادة الوطنيـة‪ ،‬الـذى لـم يعـد موجـودا‪ ،‬كمـا أكـد ذلـك (بطـرس غالـى)‪( ،‬وكوفـى‬
‫عنـان) األمينـان السـابقان لألمـم المتحـدم‪ ،‬كمـا أن اجتماع االتحاد األوربـى والواليات المتحدة‬
‫علـى أن مسـألة حقـوق اإلنسـان واألمـن البشـري هـي مسـأله دوليـة‪ ،‬ولـم تعـد داخليـة ولـم يعـد‬
‫مقبـوال للـدول التـذرع والتخفـى وراء السـيادة الوطنيـة‪ ،‬لهـذا بـات مـن المفـروض وجـود مفهـوم‬
‫األمـن العالمـي المتكامـل الجديـد‪ ،‬إن جاز لنـا التعبير‪.‬‬
‫ً‬
‫مبـدأ‬ ‫إن حالـة غيـاب الوثائـق والعهـود العالميـة والدوليـة‪ ،‬التـى تشـرع وتبيـح التدخـل‬
‫متفقـا عليـه أمميـا؛ يجعـل مـن القـرارات العامـة لألمـم المتحـدة حـاالت الخاصـة‪ ،‬ال ينبغـى‬‫ً‬
‫التعويـل عليهـا واعتبارهـا المبـرر والمسـتند القانونـي للتدخـل‪ ،‬فتاريـخ تلـك الحـاالت يبـدأ من‬

‫(‪ ((1‬نـورى أبـو سـهمين‪ ،‬رئيـس المؤتمـر الوطنـى العـام‪ :‬جلسـة المؤتمـر ‪2015/4/28‬م‪ ،‬محضـر رقـم ‪،220‬‬
‫طرابلـس‪2015 ،‬م‪.‬‬
‫(‪ ((1‬مـرزوق بكـر‪ ،‬بوزيـان أميـن‪ ،‬التدخـل العسـكري لحماية حقوق اإلنسـان (ليبيا نموذجا) رسـالة ماجسـتير‪ ،‬غير‬
‫منشـورة‪ ،‬كليـة الحقـوق والعلوم اإلنسـانية‪ ،‬جامعة مـوالي الطاهر بسـعيدة‪ ،‬الجزائـر‪2017 ،‬م‪ ،‬ورقة ‪.45-38‬‬

‫‪144‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫المبـادرات الفرنسـية (‪1988‬م) و(‪1990‬م) حـول حـق المسـاعدة اإلنسـانية لضحايا الكوارث‬
‫واألوضـاع الطارئـة‪ ،‬فكانـت هـى حجـر األسـاس إليجاد دعائم لفـرض التدخل‪ ،‬بل مهدت الطرق‬
‫للمجمتـع الدولـى ألن يمتلـك الحـق فـي التدخـل متـى شـاء(‪.((1‬‬
‫لقـد كانـت النمـاذج كثيـرة بعـد ذلـك فـى التدخـل بذرائـع إنسـانية‪ ،‬فمثلا‪ :‬القـرار (‪)668‬‬
‫الصـادر عـن مجلـس األمـن ‪ )5‬ابريـل ‪1991‬م)‪ ،‬حـول قمـع المدنييـن فـى العـراق بمـا فيهـا‬
‫َ‬
‫تـرك األكـراد للحـروب‬ ‫ً‬
‫ذريعـة‪ ،‬وعندمـا أسـقط العـراق‬ ‫مناطـق األكـراد‪ ،‬وكيـف اسـتخدم القـرار‬
‫الداخليـة فيمـا بينهـم‪ ،‬وكذلـك مـا فعلـه األتـراك بهـم بعـد ذلـك مـن قتـل وتشـريد‪ ،‬كمـا تبيـن‬
‫فيمـا بعـد حجـم االنتهـاكات والفضائـع حـول حقـوق اإلنسـان‪ ،‬كأحـداث سـجن (أبـو غريـب)‬
‫وقصـف المدنييـن ‪...‬الـخ‪.‬‬
‫إن األمـم المتحـدة تقـدم قـرارات أخـرى مـن هـذا النـوع‪ ،‬أهمهـا قـرار مجلس األمـن (‪،)794‬‬
‫فـي (‪ 3‬ديسـمبر ‪1992‬م) الخـاص بالصومـال‪ ،‬وقـرار جورجيـا (‪1993‬م)‪ ،‬وقـرار األرمـن‪،‬‬
‫وأنغـوال (‪1994-1993‬م)‪ ،‬وأفغانسـتان‪...‬إلخ‪ ،‬وصـوال إلـى القـرارات الليبيـة‪ ،‬التـي صدرت في‬
‫شـهري (فبرايـر ومـارس ‪2011‬م)‪ ،‬وهمـا القـرار (‪ ،)1970‬والقـرار (‪ )1973‬الـذي يرتكـز على‬
‫اتخـاذ التدابيـر واإلجـراءات لحمايـة المدنييـن‪.‬‬
‫احلالة الليبية وقرارات األمم املتحدة‪:‬‬
‫جـاء التدخـل فـي ليبيـا مـن قبـل المجتمـع الدولـي‪ ،‬مـن بوابـة حمايـة المدنييـن وحقـوق‬
‫اإلنسـان‪ ،‬ولكنهـا طوعـت ضمـن (الفصـل السـابع) من مثيـاق األمم المتحدة‪ ،‬فعندمـا صدر القرار‬
‫يـات بالنتائـج المرجـوه‪ ،‬ولـم تحـدث االسـتجابة المطلوبـة‬‫(‪ )1970‬وشـعر الجميـع بأنـه لـم ِ‬
‫صـدر القـرار (‪ ،)1973‬فـي (‪ 17‬مـارس‬ ‫مـن قبـل النظـام‪ ،‬وبموافقـة جامعـة الـدول العربيـة ُأ ِ‬
‫‪2011‬م) الـذي كان أشـد وطـأة‪ ،‬فقـد أعطـى الحـق بالتدخـل الكامـل وقضـى علـى آمـال النظام‬
‫بالبقاء(‪.((1‬‬
‫لقـد أعطـى القـرار (‪ )1973‬اإلذن باسـتخدام القـوة‪ ،‬وذكـر قضية حماية المدنيين بشـكل‬
‫وفـوض الـدول المنفـذة لـه‬
‫ضمنـي وليـس أساسـي‪ ،‬ودعـا إلـى الوقـف الفـوري إلطلاق النـار‪َّ ،‬‬
‫باتخـاذ التدابيـر لحمايـة المدنييـن بموجب أحكام (الفصل السـابع) مـن ميثاق األمم المتحدة‪.‬‬
‫لقـد اعتمـد القـراران علـى (الفصـل السـابع)؛ الـذي يعطـي الحـق للمتدخـل فـي اسـتخدام‬
‫الوسـائل القهريـة فـى حـاالت تهديـد السـلم واإلخلال بـه‪ ،‬وليـس حقـوق المدنييـن‪ ،‬ومـن أجـل‬
‫إضفـاء حسـن النيـة؛ أردف القـرار بمـادة جـاءت مناصـرة لتلـك القضايـا اإلنسـانية‪.‬‬
‫إن االسـتعجال بإصـدار ذلـك القـرار المفـوض باسـتخدام القـوة ‪ -‬حسـب زعـم البعـض‪ -‬جـاء‬
‫بنـاء علـى ماصـرح بـه (معمـر القذافـي) حـول بنغـازى؛ حيـث توعـد المتمرديـن‪ ،‬فمـا كان مـن‬
‫األمـم المتحـدة والقـوة المناصـرة لهـا مـن سـبيل إال التعجيـل؛ ألن كارثـة إنسـانية سـوف تقـع‬
‫بفعـل ذلـك التهديـد علـى حسـب زعمهـم وظنهـم(‪ ، ((1‬فجـاءت حمايـة المدنييـن فـي بنغـازي‬
‫حسـب ظـن األمـم المتحـدة‪ ،‬بالرغـم مـن أن الحقائـق علـى األرض تنفـي هـذا الظـن‪ ،‬فالمـدة‬
‫التـى كانـت بيـن إعلان االنتفاضـة فـي (‪2011/2/15‬م) وتدخلـه فـي(‪2011/3/19‬م) شـهر‬
‫أو يزيـد؛ حيـث كانـت كامـل المناطـق الشـرقية تحـت سـيطرة المنتفضيـن تمامـا‪ ،‬الذيـن نجحـوا‬
‫خصوصا عندمـا اقتحموا جميع مخازن األسـلحة‪ ،‬لهذا‬ ‫ً‬ ‫فـي وقـت مبكـر فـي عسـكرة االنتفاضـة‪،‬‬

‫(‪ ((1‬مرزوق بكر‪ ،‬بوزيان أمين‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ورقة‪.48-47 ،‬‬


‫(‪ ((1‬عالء الدين زردومى‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.140-123‬‬
‫(‪ ((1‬خيـر الديـن حسـيب‪ ،‬ليبيا‪ ..‬الى أين؟ سـقوط نظـام القذافي‪ ،‬ولكن‪ ،‬مجلة المسـتقبل العربي‪ ،‬مركز دراسـات‬
‫الوحـدة العربيـة‪ ،‬العـدد‪ 391 ،‬السـنة ‪ ،34‬أيلـول‪2011 ،‬م ص‪71‬؛ برونـو بومييـه‪ ،‬المرجـع السـابق‪ ،‬ص ‪10-2‬؛‬
‫تيسـير إبراهيـم قديـح‪ ،‬التدخل الدولي االنسـاني –دراسـة حالة ليبيا‪ ،/2011 -‬ماجسـتير علوم سياسـية‪ ،‬إشـراف‪:‬‬
‫صلاح أبـو ختلة‪ ،‬جامعـة األزهر‪ ،‬غزة‪ ،‬فلسـيطين‪2013 ،‬م‪ ،‬ورقـة ‪.142-129‬‬

‫‪145‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫قامـوا بفعـل الهجـوم علـى المنطقـة الوسـطى؛ حيـث كانـوا متجهيـن إلـى سـرت‪ ،‬فهـم كانـوا فـى‬
‫حالـة هجـوم‪ ،‬وليـس كمـا صـور اإلعلام بـأن قـوات (معمـر القذافـي) هـي التـي هاجمـت وبادرت‬
‫بالعـدوان‪ ،‬فالرتـل المتجهـه إلـى بنغـازى تحـرك لصـد ذلـك الهجـوم‪.‬‬
‫لقد أضفي الطابع السياسـي والعسـكري والنفعي على حماية المدنيين تلك‪ ،‬بسـبب وسـائل‬
‫اإلعلام وعلـو جميـع األصـوات‪ ،‬األمـر الـذي جعـل الشـكوك تحوم حـول أغراض متعـددة‪ ،‬كانت‬
‫وراء ذلـك التدخـل‪ ،‬وليـس كمـا زعمـت األمم المتحدة‪.‬‬
‫يقـول‪ :‬سـتيورت باتريـك "قـد تكـون اإلطاحـة بالقذافـي هـي المبـرر األساسـي للدفـع‬
‫(بمسـؤولية الحمايـة)؛ ولكـن تطبيـق هـذه القاعـدة فـي المسـتقبل سـتكون حتمـًا انتقائيـا‬
‫وشـديد التأثـر بالسـياق السياسـي"(‪.((1‬‬
‫لقـد توقـف ذلـك الزخـم الـذي رافـق األحـداث فـي ليبيـا عقـب مقتـل القذافـي فقـد كان‬
‫نهايـة الحظـر وإيقـاف العمليـات العسـكرية فـي (‪2011 /10 /31‬م)‪ ،‬عقـب مقتلـه بفتـرة‬
‫وجيـزة‪ ،‬وكأن كل المشـاكل مرتبطـة بـه أو هـو العقبـة الوحيـدة أمـام حقـوق اإلنسـان المهـدد‬
‫للمدنييـن‪.‬‬
‫لقـد غضـت األمـم المتحـدة البصـر عمـا أعقـب تلـك النهايـة‪ ،‬ومقـدار وحجـم ذلـك االنتقام‬
‫الـذي قـاده الطـرف المنتصـر بعـد أن انتصـرت لـه ومكنتـه مـن البلاد والعباد‪.‬‬
‫إن التضحيـة خلال كل هـذه السـنوات الماضيـة بشـعب بأكملـه فـى سـبيل المصالـح‬
‫أخالقيـا بأيـة‬
‫ًّ‬ ‫االسـتراتيجية(‪ ((1‬لقـوة عظمـى‪ ،‬أو لتحالـف عـدد مـن الـدول؛ ال يمكـن تبريرهـا‬
‫حـال(‪ ،((1‬فتخلـي األمـم المتحـدة عـن دورهـا الـذي بدأتـه تخـاذل بعينـه‪ ،‬ومـا هـو إال اسـتمرار‬
‫لفوضـى خلقـت وتركـت‪ ،‬بـل إن أزمـة المهجريـن والالجئيـن سـوف تسـتمر‪.‬‬
‫احملور الثالث‪ :‬مستقبل التغيري يف ليبيا ومناذج خمتلفة‪:‬‬
‫هـل كان الليبيـون مسـتعدين للتغييـر؟ بـل هـل كانـوا مدركيـن لحجـم مـا ينتظرهـم مـن‬
‫اسـتحقاقات عندمـا أعلنـوا خروجهـم علـى نظـام (معمـر القذافـي)؟ وإلـى أي مـدى هـم قـادرون‬
‫علـى هضـم الماضـي والتطلـع إلـى المسـتقبل؟ وهـل سـنوات الفوضـى التـي أعقبـت ذلـك الخروج‬
‫سـوف تؤثـر علـى وحدتهـم وقاعـدة وطنيتهـم؟ أم أنهـا سـتفقدهم أهـم أساسـيات وجودهـم‬
‫وتكوينهـم المكانـي والقيمـي؟‬
‫عنيفة من التغيير‬
‫ٍ‬ ‫بموجـة‬
‫ٍ‬ ‫لقـد مـرت كثيـر مـن دول العالـم فـى (ثمانينـات) القرن الماضي‪،‬‬
‫الديمقراطـي‪ ،‬يمكـن االسـتفادة منهـا لمعرفـة كيـف عبرت تلك الشـعوب إلى بـر األمان‪ ،‬عقب ما‬
‫حـدث‪ ،‬خصوصـا إذا مـا علمنـا أن كل التغييـرات التـي تمـر بها المجتمعات البشـرية؛ تكون دائما‬
‫دمويـة ذات آثـار عميقـة فـي المجتمعـات‪ ،‬بـل إن بعضهـا ينتـج حـروب أهليـة يذهـب ضحيتهـا‬
‫آالف مـن البشـر‪ ،‬فاآلثـار المترتبـة عنهـا ربما تظل عشـرات السـنوات تقف أمـام تصالح وإصالح‬
‫أنسـجة المجتمعـات‪ ،‬وهنـا إسـقاطة مهمـة يجـب على الطبقة السياسـية التي تولـت دفة الحكم‬

‫(‪ ((1‬مسـارات (تطـور مفهـوم التدخـل العسـكرى اإلنسـانى إلـى مسـؤولية الحماية)‪ ،‬نشـرة شـهرية‪ ،‬يصدرهـا مركز‬
‫الملـك فيصـل للبحوث اإلسلامية‪ ،‬السـعودية‪ ،‬عـدد‪ ،‬مايـو‪2013 ،‬م‪ ،‬ص ‪.13‬‬
‫(‪ ((1‬هنـاك مـن يـرى أن التدخـل كان مـن أجل إسـقاط (معمر القذافـي)‪ ،‬وليس حمايـة المدنيين‪ ،‬كمـا أن من بين‬
‫الدوافـع مـا تمتلكـه ليبيـا من ثـروات‪ ،‬فاحتياطيـات النفط الليبـي يمكن أن ترتفـع إلـى (‪ 74‬مليار برميـل)‪ ،‬وليبيا‬
‫تحتـل المرتبـة (الخامسـة) عالميـا فـي احتياطيات النفـط الصخري‪ ،‬ومـن المتوقع زيـادة أمد النفـط الليبي وعمره‬
‫مـن (‪ 70‬سـنة إلـى ‪ 112‬سـنة)‪ ،‬كمـا أن الغـاز مصـدر الطاقـة المسـتقبلة تبلـغ احتياطياتـه (‪ 177‬تريليـون قدم)‬
‫وإضافـة (‪ 122‬تريليـون قـدم) مكعـب من االحتياطى القابل لالسـتخراج مـن الصخور‪ .‬انظر‪ :‬يوسـف محمد الصوانى‪:‬‬
‫الواليـات المتحـدة وليبيا‪ :‬تناقضات التدخل ومسـتقبل الكيان الليبى‪ :‬مجلة المسـتقبل العربـى‪2014 ،‬م‪ ،‬ص‪.17-9‬‬
‫(‪ ((1‬هانـس كشـلر‪ ،‬سياسـة األمـم المتحدة في فـرض العقوبات والقانـون الدولي‪ ،‬مركز دراسـات العالم اإلسلامي‪،‬‬
‫جمعيـة الجماهير للثقافة والفلسـفة‪ ،‬طرابلـس‪1997 ،‬م ص ‪.21-18‬‬

‫‪146‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫فـي ليبيـا عقـب تلـك الحـروب‪ ،‬االطلاع عليهـا ودراسـتها ومعرفـة اإليجابيـات منهـا والسـلبيات‬
‫لتفاديها‪.‬‬
‫وفى هذا اإلطار يبرز هنا سـؤال مهم‪ ،‬وهو كيف ينبغي أن يكون رد الحكومة الديمقراطية‬
‫علـى تهـم المخالفـات الصارخـة لحقـوق االنسـان‪ ،‬أثنـاء موجـة التحـول ومـا يرافقهـا مـن فوضـى‬
‫وجرائـم كالقتـل واالختطـاف‪ ،‬والتعذيـب واالغتصـاب‪ ،‬واالعتقـال بـدون محاكمـة‪ ،‬وهـل يجـب‬
‫عليهـا أن تبطـش بالفاعليـن؟ أم أن تسـبغ عليهـم عفوهـا؟‬
‫لقـد ُقدمـت بعـض اإلحصائيـات عـن الخطـف والقتـل فـي (األرجنتيـن)‪ ،‬مثلا‪ :‬فـي حقبـة‬
‫السـبعينيات والثمانينيـات‪ ،‬وصلـت إلـى (تسـعة آالف) يحتمـل أنهـم قتلـوا علـى يد قـوات األمن‪،‬‬
‫واختطـف عـدد آخـر كبيـر تعرضـوا لعمليـات تعذيـب قاسـية‪ .‬أمـا فـي (األرجـواي)‪ ،‬وخالل عهد‬
‫سـنوات الحكـم العسـكرى‪ ،‬كانـت هنـاك أعلـى نسـبة اعتقـال سياسـي فـى أيـة دولـة فـي العالـم؛‬
‫حيـث اعتقـل شـخص واحـد مـن بيـن خمسـين شـخصا‪ ،‬وكذلـك األمـر فـى (شـيلى)‪ ،‬فقـد قتـل‬
‫حوالـي (‪ )800‬شـخص إبـان انقلاب (‪1973‬م) أو بعـده مباشـرة‪ ،‬وقتـل أيضـ ًا (‪ )1200‬آخرون‬
‫فـي السـنوات التاليـة‪ ،‬وبعـد إعلان العفـو في (‪1979‬م) إطلق سـراح ‪ ))7000‬معتقل سياسـي‬
‫من السـجون(‪.((1‬‬
‫إن تلـك الموجـه العنيفـة دون شـك كانـت عميقـة بسـبب حجـم الدمـاء واالنتهـاكات التـي‬
‫وقعـت‪ ،‬لهـذا دار نقـاش مجتمعـي وجـدل حـول مـا ينبغـي علـى النظـام الديمقراطـى الناشـئ‬
‫والجديـد أن يفعلـه بعـد أن يؤسـس؟ فقيـل‪ :‬يجـب عليـه أن يعاقـب مرتكبـي الجرائـم بأقصـى‬
‫العقوبـات‪ ،‬وهـي اإلعـدام ألسـباب منهـا‪ :‬أن الحـق والعـدل ُيقـران ذلـك؛ وعلـى النظـام الجديـد‬
‫واجـب أخالقـي لعقـاب مـن ارتكبـوا جرائـم وحشـية ضـد البشـر‪ ،‬وكذلك ألن العقاب يعـد التزامًا‬
‫أخالقيـا تجـاه الضحايـا وأسـرهم‪ ،‬ويضيفـون إلـى ذلـك أن الديمقراطيـة تقـوم علـى القانـون‬‫ً‬
‫ويجـب إثبـات أن ال أحـد مهمـا كانـت رتبتـه فـوق القانـون‪ ،‬فالديمقراطيـة ليسـت قاصـرة علـى‬
‫إجـراء انتخابـات‪ ،‬وعلـى حريـة الـرأي ومـا إلـى ذلـك‪ ،‬بـل هـي سـيادة القانـون‪ ،‬كمـا أن العقـاب‬
‫ضـرورة إلثبـات رسـوخ النظـام الديمقراطـي(‪ ,((1‬لقـد دفـع بالعديـد من األسـباب لتنفيذ أقصى‬
‫العقوبـات علـى مرتكبـي الجرائـم‪ ,‬ولكـن رد المعارضيـن لهـم كان هـو اآلخـر مشـفوعا بـردود‬
‫مقنعـة‪ ،‬فالديمقراطيـة تقـوم علـى التصالـح ونبـذ العنـف‪ ،‬والتحـول الديمقراطـي يقـوم علـى‬
‫التفاهـم الصريـح أو القيمـي فيمـا بيـن الطوائـف والجماعـات‪ ،‬علـى عـدم إنـزال العقـاب علـى‬
‫إسـاءات الماضـى‪ ،‬وفـي حالـة ارتـكاب الجميـع النتهـاكات لحقـوق اإلنسـان علـى السـواء‪ ،‬يكـون‬
‫العفـو العـام للجميـع؛ حيـث يقـدم قاعـدة أقـوى وأكثـر رسـوخا للديمقراطيـة؛ كمـا أن العفـو‬
‫ضـرورة مـن أجـل إقامـة الديمقراطيـة الجديـدة علـى أسـاس صلـب‪ ،‬وحتـى إن كان ثمـة من يرى‬
‫وجـوب إجـراء محاكمـة علـى أسـاس القانـون واألخلاق؛ فـإن هـذا يأتـى بعـد الواجـب األخالقـي‬
‫فإنشـاء ديمقراطيـة مسـتقرة يجـب أن يأتـى بعـد ترسـيخ دعائـم الديمقراطيـة‪ ،‬قبـل عقـاب‬
‫األفـراد‪ ،‬وفـي هـذا الصـدد يقـول رئيـس (األرجـواى)‪" :‬أيهما أعدل‪ :‬إذا نثبت دعائم السلام في‬
‫البلاد؛ أم نسـعى إلـى عدالـة ارتجاعيـة تهـز دعائـم ذلـك السلام"(‪.((2‬‬
‫إن تلـك الموجـه العنيفـة والعفويـة‪ ،‬التـي اجتاحـت أغلـب دول العالـم فـي نهايـة القـرن‬
‫الماضـي كانـت بعيـدة عـن التدخلات‪ ،‬وعـن دهاليـز األمـم المتحـدة‪ ،‬والقـوى المسـيطرة‪ ،‬لهـذا‬
‫فقد أرسـت دعائم أنظمة ديمقراطية ذات هوية محلية خاصة بالدول التي حدثت فيها‪ ,‬كما‬
‫أنهـا قدمـت حلـو ً‬
‫ال لـكل قضاياهـا نابعـة مـن معانـاة شـعوبها‪ ،‬وضمنت لهـا النجاح واالسـتمرارية‪،‬‬
‫وفـي نفـس السـياق كانـت االتجاهـات العامـة لحل كل القضايا التـي ترتبت عن تلك الموجة‪ ،‬في‬

‫(‪ ((1‬صاموئيـل هانتنجيـون‪ ،‬الموجـة الثالثـة‪ ،‬ترجمـة عبـد الوهـاب علـوب‪ ،‬مركـز ابـن خلـدون‪ ،‬ط‪ ،1‬دار سـعاد‬
‫الصبـاح‪ ،‬الكويـت‪1993 ،‬م‪ ،‬ص ‪.299-296‬‬
‫(‪ ((1‬صاموئيل هانتنجيون‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.300-297‬‬
‫(‪ ((2‬صاموئيل هانتنجيون‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.301-298‬‬

‫‪147‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫بعـض دول أوروبـا الشـرقية سـابقا تميـل إلـى اتجاهيـن؛ األول‪ :‬يدعـو للعفـو والنسـيان‪ ،‬والثانـى‪:‬‬
‫يدعـو للمطالبـة بإجـراء تحقيقـات ومحاكمـات للمسـئولين عـن أفضـع الجرائـم التـي ارتكبـت‪،‬‬
‫ممـا أدى فـي نهايـة األمـر إلـى إصـدار بعـض األحـكام القضائيـة علـى بعـض المسـئولين‪ ،‬فحكـم‬
‫علـى بعضهـم بالسـجن لمـدة (‪ 4‬سـنوات)؛ السـتخدام العنـف فـى مواجهـة المتظاهريـن‪ .‬أمـا في‬
‫(األرجنتيـن) فقـد تعالـت األصـوات مطالبـة بمعرفـة الحقيقـة‪ ،‬وقـد اسـتجابت لهـم حكومتهم‪،‬‬
‫اسـت ِمع إلـى شـهادات مطولـة مـن الضحايـا وأسـرهم‪ ،‬ومـن‬‫ـد تقريـر مفصـل عمـا حـدث‪ ،‬كمـا ُ‬ ‫ُ‬
‫وأ ِع َّ‬
‫المسـئولين وغيرهم‪.‬‬
‫لقـد وصـل إدراك تلـك الشـعوب ووعيهـا إلـى أن العفـو ال يعنـي أن الجرائـم لـم ترتكـب؛ بـل‬
‫يعنـي نسـيانها‪ ،‬مـن أجـل المسـتقبل‪ ،‬وصـار الكثيـر منهـم يـرى أن الحقيقـة أهـم مـن العدالـة‪،‬‬
‫ودون شـك فـإن تلـك التجـارب خلقـت وعيـ ًا جماعيـ ًا ومجتمعيـًا‪ ،‬كمـا إنهـا أفـرزت نخـب صـارت‬
‫شـرا على مجتمعاتهم‪ ،‬وعلى أنفسـهم‪ ،‬أما األهم‬ ‫تؤمن بأن الديمقراطية هى أقل أشـكال الحكم ً‬
‫فهـو اكتسـاب تلـك النخـب مهـارة تحويـل الفتـرة االنتقاليـة إلـى ديمقراطيـة(‪ ،((2‬وعدم السـماح‬
‫للعناصـر (الراديكاليـة) والمتشـددة التـى سـتظل موجـودة حتمـًا‪ ،‬بالشـد إلـى الـوراء أو إفشـال‬
‫ذلـك النمـوذج مـن الديمقراطيـات التـي صنعتهـا المجتمعـات بفضـل نضالهـا‪.‬‬
‫إن أغلـب مـا ُطـرح فـي تلـك النمـاذج السـابقة‪ ،‬يـكاد يكـون مستنسـخا لمـا نعيشـه نحـن اآلن‬
‫فـي (ليبيـا)‪ ،‬وال يختلـف إال فـى كـون واقعنـا قـد صنعه اآلخـرون‪ ،‬فهم المتحكمـون فيه‪ ،‬ومبدأ‬
‫التدخـل وشـرعيته أعطـى األمـم المتحـدة الحـق الكامـل فى رسـم تصورات الحل‪ ،‬كمـا أن عملية‬
‫إعـادة البنـاء والهيكلـة الجديـدة تقـف حكـرا علـى مـا تـراه األمـم المتحـدة‪ ،‬والسـبب يرجـع فـي‬
‫اعتقـادي لفـرط هيمنتهـا‪ ،‬فهـى تتعامـل مـع المجتمعـات المنهـارة علـى أنهـا قاصـرة‪ ،‬وال تمتلـك‬
‫إرادة البنـاء وال مسـئولية القيـادة‪ ،‬وهـذا دون شـك سـوف يـؤدى إلـى غيـاب تـام للـروح الوطنيـة‬
‫والمبـادرات وحسـن النيـات‪ ،‬التـي تطـرح مـن المتعايشـين مـع هـذا الوضـع بمختلـف مكوناتهـم‬
‫واتجاهاتهـم الفكريـة‪ ،‬وهـذا القـول ربمـا يدلـل عليـه مـن خلال رفـض األمـم المتحـدة للمبـادرة‬
‫التـى كانـت خـارج إرادتهـا فـي (‪ 2016‬م)‪ ،‬فـي مالطـا بيـن (رئيـس المؤتمـر الوطنـى‪ ،‬ورئيـس‬
‫البرلمـان)‪ ،‬عندمـا حـاوال إنهـاء األزمـة بشـكل ليبـي ليبـي بعيـدًا عـن األمـم المتحـدة‪ ،‬التـي‬
‫اعتبـرت أن كل الحلـول يجـب أن تكـون تحـت إطـار سـلطتها‪ ،‬وهـذه ُأولـى ضرائـب التدخـل التـي‬
‫سـيظل يدفعهـا الليبيـون إلـى أمـد طويـل‪.‬‬
‫إن واقـع تدخـل األمـم المتحـدة شـيء مفـروغ منـه‪ ،‬علـى اعتبـار أنـه أصيـل فـي القضيـة‬
‫الليبيـة‪ ،‬بـل هـو األساسـي‪ ،‬وهـذا ربمـا مـا يبطـئ الحـل فـي ليبيـا بسـبب محاولـة كثيـر مـن‬
‫التيـارات السياسـية الداخليـة إلغـاء دور األمـم المتحـدة‪ ،‬فالحـل ليـس كمـا يتوقعـه الليبيـون‪،‬‬
‫وإنمـا كيفمـا تـراه الـدول المشـاركة فـي عمليـة التفكيـك تلـك‪ ،‬وأي عـدم تناغـم بيـن جميـع‬
‫العوامـل المشـاركة فـي القضيـة الليبيـة لـن يصـل بنـا إلـى حلـول أو أنـه لـن يعطيهـا المسـاحة‬
‫الكافيـة لتنفيـذ مـا اتفـق عليـه‪.‬‬
‫إن مـا يربـك المشـهد فـي ليبيـا أيضـا هـو تداخـل مصالـح القـوى الخارجية المختلفـة‪ ،‬التي‬
‫عملـت منـذ البدايـة علـى تبنـي وتقويـة أطـراف محليـة‪ ،‬تسـتخدم لصالـح تلـك الـدول فـي‬
‫حالـة عـدم انسـجام الحلـول مـع مصالحهـم‪ ،‬لهـذا فـإن موقـف األمـم المتحـدة صار هزيلا وغير‬
‫قـادر علـى فـرض أيـة حلـول؛ بالرغـم مـن إنهـا تمتلـك القوانيـن الدوليـة التـي تخولهـا إلـزام‬
‫كل األطـراف بالعمليـة السياسـية‪ ،‬وفـي أثنـاء ذلـك تعـزز مـن واجباتهـا نحـو حمايـة السـكان‬
‫المدنييـن‪ ،‬واحتـرام حقوقهـم‪ ،‬فجميـع األطـراف ومنهـم المتحاربـون تحـت سـلطة قوانينهـا‬
‫اإلنسـانية(‪.((2‬‬
‫والمشـهد الليبـي اآلن يعانـي مـن شـدة التعقيـد واختلاف االنتمـاءات‪ ،‬وتداخـل المصالـح‬
‫(‪ ((2‬صاموئيل هانتنجيون‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.408-316‬‬
‫(‪ ((2‬هانس كشلر‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.81-65 ،20-4‬‬

‫‪148‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫وبـطء فـرض الحلـول مـن قبـل األمـم المتحـدة‪ ،‬وهـذا التباطـؤ تترتـب عليه نتائج غيـر محمودة‬
‫العواقـب‪ ،‬بـل إنـه يزيـد من معاناة النازحين والمهجرين خصوص ًا من أبناء (تاورغاء)‪ ،‬فالمطلوب‬
‫مـن األمـم المتحـدة ليـس تقديـم المسـاعدات أو المعونـات‪ ،‬وإنمـا فـرض الحلـول التـي مـن شـأنها‬
‫إعـادة الحقـوق للسـكان المدنييـن‪ ،‬الذيـن تضـرروا جـراء تلـك القـرارات الداعيـة لحماية حقوق‬
‫اسـتبيحت بهـا البالد سـنة (‪2011‬م)‪.‬‬‫المدنييـن‪ ،‬التـي ُ‬
‫فكثيـر مـن الشـكوك فـي ظـن الباحـث بـدأت تطفـو علـى السـطح‪ ،‬حـول دور األمـم المتحـدة‬
‫فـي كيفيـة إدراة قضيـة أهالـى (تاورغـاء)‪ ،‬فاالتفـاق المبـرم بيـن (مصراتـة وتاورغـاء)‪ ،‬الـذي‬
‫ترعـاه األمـم المتحـدة وال تعتـرض عليـه‪ ،‬يشـك فـي بنـوده‪ ،‬ومـا تحملـه مـن تسـويات غيـر‬
‫منصفـة أو حقيقيـة‪ ،‬تعطـي للطـرف األقـوى‪ -‬بعـد أن ارتكـب جرائـم ضـد المدنييـن‪ -‬الحـق فـي‬
‫العـزل‪ ،‬بـل أعطتـه حـق اإلفلات مـن العقـاب‪ ،‬كمـا إن هـذا االتفـاق الـذي‬
‫تبريـر مـا ارتكبـه ضـد ُ‬
‫يعطـي (لتاورغـاء) حـق العـودة يعتمـد علـى ضـرورة تقديـم اعتـذار مـن قبلهـم علـى أخطـاء لـم‬
‫يكونـوا مسـؤولين عنهـا‪ ،‬وجرائـم لـم تسـتطع األمم المتحـدة‪ ،‬والمنظمات الدوليـة‪ ،‬أو المحلية‪،‬‬
‫ننـف ربمـا وقـوع بعـض االنتهـاكات‪ ،‬بـل نجـزم بالمطلـق عـدم‬‫إثبـات حتـى جـزء منهـا‪ ،‬وهنـا ال ِ‬
‫قصـد ارتـكاب تلـك الجرائـم بواسـطة (العقـل الجمعـي)‪ ،‬واإلرادة المطلقة لكل أهالـى (تاورغاء)‬
‫علـى حـد سـواء‪ ،‬أو موافقتهـم عليهـا‪ ،‬أو مناصرتهـم لها‪ ،‬خصوصا األبرياء مـن األطفال والعجائز‬
‫والنسـاء ‪.‬‬
‫إن التخبـط وعـدم سـعى الجميـع لحـل شـامل‪ ،‬قـاد هـذا الملـف إلـى هـذه النقطـة وأوصـل‬
‫سـكان (تاورغـاء) إلـى العـراء فـي (قـرارة القطـف)‪ ،‬بـل إن وجودهـم فـى أماكـن مقفـرة وصحـراء‬
‫جـرداء‪ ،‬يضخـم المشـكلة ويجعلهـا سـاخنة وملتهبـة‪ ،‬فلمـاذا أخرجـوا مـن مقـرات إقامتهـم فـى‬
‫المناطـق التـي كانـوا فيهـا‪ ،‬قبـل وجـود حـل شـامل ومكتمـل وضامـن‪ ،‬وحمايـة‪ ،‬ومراقبـة (أقلهـا‬
‫سـتة الشـهور األولـى)؟ بـل أيـن مبـادئ حسـن النيـات لجميع األطـراف؟ خصوصا إذا مـا علمنا أن‬
‫أكثـر مـن (‪ )80%‬مـن العائديـن هـم مـن العجـزة واألطفـال والنسـاء! وهـل التمثيـل فـى االتفـاق‬
‫المبـرم برعايـة األمـم المتحـدة ومجلسـها الرئاسـي يمثل التمثيل الحقيقى (للقاعدة الشـعبية)‬
‫(التاورغيـة والمصراتيـة)؟ وهـل للطرفيـن القـدرة علـى ضمـان النتائـج وتحمـل مسـؤلياتهم؟ وما‬
‫البنـود السـرية فـي ذلـك االتفـاق؟ ومـا النصـوص واآلليـات وطـرق التنفيـذ؟ ومـن أيـن دفعـت‬
‫األمـوال والمبالـغ الكبيـرة التـى يتحدثـون عنهـا؟ وأيـن أصدقـاء ليبيـا وكل المؤتمـرات مـن أجـل‬
‫إعـادة اإلعمـار؟ وهـل المجتمـع الدولـي تحمـل هـو اآلخـر مسـؤلياته علـى اعتبـار أنـه حمـى‬
‫المدنييـن وأزال عنهـم ذلـك النظـام؟‬
‫يبـدو أن كل هـذا وغيـره مجهـول‪ ،‬فيمـا عمـل الرئاسـي ومنـدوب األمـم المتحـدة التصالحـي‬
‫هـو المعلـوم‪ ،‬ولكنـه لـم يكلـل بالنجـاح‪ ،‬فقـد تركـت المخيمـات الجديـدة في العـراء‪ ،‬وما يحدق‬
‫بهـا مـن أخطـار كثيـرة منهـا‪ ،‬كوجـود الميلشـيات المسـلحة والمتنازعـة‪.‬‬

‫‪149‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫اخلامتة‪:‬‬
‫فى ختام هذا البحث يمكن استنتاج اآلتى‪:‬‬
‫ ‪-‬تدخـل األمـم المتحـدة (‪2011‬م) فـي ليبيـا كان تحـت ذريعـة حمايـة المدنييـن‪ ،‬وقضيـة‬
‫(تاورغـاء) قضيـة إنسـانية صرفـة‪ ،‬فمـاذا فعلـت فيها؟‬
‫ ‪-‬إن ملـف (تاورغـاء) القديـم المتجـدد قضية شـائكة ومعقدة‪ ،‬وهـو ضمن أهم ملفات القضية‬
‫الليبيـة بـل يـكاد يكـون أعمقهـا‪ ،‬وطرحـه بـكل مـا فيـه وبشـفافيه أفضـل مـن محاولـة حلـه‬
‫علـى عجل‪.‬‬
‫ ‪-‬كل مخرجـات العمليـة السياسـية فـي ليبيـا تعاملـت مـع هـذه القضيـة بسـلبية تامـة‪ ،‬بـل‬
‫إنهـم لـم يقدمـوا أيـة حلـول لقضيـة المخيمـات‪ ،‬بـل تركوهـا عرضـة لتعـدى واقتحام بعض‬
‫الميلشـيات؛ األمـر الـذي أدى إلـى ارتـكاب جرائـم لـم تعـر لهـا األمـم المتحـدة بـا ً‬
‫ال‪.‬‬
‫ ‪-‬مـا ارتكـب مـن جرائـم بعـد سـقوط النظـام فـي ليبيـا أمـر مسـكوت عنـه‪ ،‬ومجهـول ويتجاهله‬
‫الكثيـرون عـن قصـد‪ ،‬وذلـك مـن أجـل إرضـاء أطـراف سياسـية تمتلـك السلاح والقـوة‪.‬‬
‫ ‪-‬مـا تدعيـه (مصراتـة) مـن جرائـم ارتكبتهـا (تاورغـاء) لـم تأخـذ مسـاراتها القانونيـة‬
‫الطبيعيـة‪ ،‬بـل سـمح لهـا باسـتيفاء حقهـا بذاتهـا أمـام علـم الجميـع‪ ،‬وهـذه بـادرة خطيـرة‬
‫سـوف يكـون لهـا آثـار سـلبية بشـكل عـام‪.‬‬
‫ ‪-‬األمـم المتحـدة والحكومـات المتعاقبـة‪ ،‬لـم تسـع لتشـكيل لجـان لتقصـى الحقائـق‪ ،‬وهـذا‬
‫َع َّمـق مـن حجـم الهـوة‪ ،‬وأعطـى انطباعـًا بـأن القضيـة لـم تكـن مـن أولويـات كل تلـك األطـراف‪.‬‬
‫ً‬
‫أصلا‪ ،‬كمـا أن دوافـع التدخـل‬ ‫ ‪-‬ازدواجيـة المعاييـر تتضـح فـي تدويـل القضيـة الليبيـة‬
‫اإلنسـانية وحمايـة المدنييـن تصطـدم بقضيـة (تاورغـاء)‪ ،‬والذيـن علـى مـا يبـدو ليسـوا‬
‫مسـتهدفين بتلـك الحمايـة‪.‬‬
‫ ‪-‬موجـات التغييـر التـي مـرت بهـا األمـم األخـرى‪ ،‬وعبـر فتـرات مختلفـة دون شـك‪ ،‬تقـدم‬
‫لليبييـن دروسـا يجـب االسـتفادة منهـا‪ ،‬للخـروج مـن األزمـة الليبيـة‪.‬‬
‫ ‪-‬إن تـرك المجـال كاملا لتفـرد األمـم المتحـدة بطـرح الحلـول‪ ،‬سـوف يلغـي دور الوطنييـن‪،‬‬
‫كاملا لهـم‪ ،‬بـل إنـه لن يجعل من تلك الحلـول المقترحة ذات عمق جماهيري‬ ‫ويسـبب غيا ًبـا ً‬
‫وشـعبي‪ ،‬وهـذا ال يكـون إال بخلـق مسـارات جديـدة للحـوار الوطني المبني علـى المصارحة‪،‬‬
‫وتغليـب صالـح الوطـن علـى الـذوات المختلفـة واألهـواء‪ ،‬التـى تـكاد تجعـل منـا جميعـا‬
‫الجئيـن مشـردين بـدون وطـن‪.‬‬

‫‪150‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫قائمة املراجع‬
‫‪1 .‬برونـو بومييـه‪ ،‬اسـتخدام القـوة لحمايـة المدنييـن والعمـل اإلنسـاني‪ ،‬حالـة ليبيـا ومـا بعدهـا‪ ،‬المجلـة الدوليـة‬
‫للصليـب االحمـر‪ ،‬مجلـد‪ ،39‬العـدد‪ ،884‬سـبتمبر‪2011 ،‬م‪.‬‬
‫‪2 .‬تيسـير إبراهيم قديح‪ ،‬التدخل الدولي اإلنسـاني‪ -‬دراسـة حالة ليبيا‪ -‬رسـالة ماجسـتير‪ ،‬إشـراف صالح أبو ختلة‪،‬‬
‫جامعة األزهر‪ ،‬غزة‪ ،‬فلسـطين‪2013 ،‬م‪.‬‬
‫‪3 .‬خيـر الديـن حسـيب‪ ،‬ليبيـا‪ ...‬إلـى أيـن؟ سـقوط نظـام القذافـي‪ ،‬ولكـن؟ مجلـة المسـتقبل العربـي‪ ،‬مركز دراسـات‬
‫الوحـدة العربيـة‪ ،‬العـدد ‪ ،391‬السـنة‪ ،34‬ايلـول‪2011 ،‬م‪.‬‬
‫‪4 .‬صاموئيـل هانتنجيـون‪ ،‬الموجـه الثالثـة‪ ،‬ترجمـة عبـد الوهـاب علـوب‪ ،‬مركـز ابـن خلـدون‪ ،‬ط‪ ،1‬دار سـعاد الصباح‪،‬‬
‫الكويت‪1993،‬م‪.‬‬
‫‪5 .‬عالء الدين زردومى‪ :‬التدخل األجنبى ودوره فى إسـقاط نطام القذافي‪ ،‬رسـالة ماجسـتير‪ ،‬غير منشـورة‪ ،‬جامعة‬
‫محمد خيضر‪ ،‬بسـكرة‪ ،‬الجزائر‪2013 ،‬م‪.‬‬
‫‪6 .‬أبو القاسـم عبد هللا عبد العاطي‪ ،‬أحداث ثورة ‪ 17‬فبراير‪ ،‬محرقة مصراته الهولوكوسـت من جديد‪ ،‬ط‪ ،2‬ج‪،1،2،‬‬
‫دار قبـاء‪ ،‬للطباعـة‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪2012 ،‬م‪.‬‬
‫‪7 .‬مـرزوق بكـر‪ ،‬بـو زيـان أميـن‪ ،‬التدخـل العسـكري لحمايـة حقـوق اإلنسـان (ليبيـا نموذجـاً) رسـالة ماجسـتير‪ ،‬غيـر‬
‫منشـورة‪ ،‬كليـة الحقـوق والعلـوم السياسـية‪ ،‬جامعـة مـوالي الطاهـر بسـعيدة‪ ،‬الجزائـر‪2017 ،‬م‪.‬‬
‫‪8 .‬ناصـر الهـواري‪ ،‬وآخـرون‪ :‬تقاريـر منظمـة ضحايـا لحقـوق اإلنسـان‪( ،‬بتاريـخ ‪ 11‬اغسـطس ‪2014‬م)‪ ،‬حـول قضيـة‬
‫تاورغاء‪.‬‬
‫‪9 .‬نـوري أبـو سـهمين رئيـس المؤتمـر الوطنـى العـام‪ :‬جلسـة المؤتمـر الوطنـي العـام‪2015/4/28 ،‬م‪ ،‬محضـر رقـم‬
‫‪ ،220‬طرابلـس‪.‬‬
‫ ‪10.‬هانـس كشـلر‪ :‬سياسـة األمـم المتحـدة فـى فـرض العقوبـات والقانـون الدولـي‪ ،‬مركـز دراسـات العالـم اإلسلامى‪،‬‬
‫جمعيـة الجماهيـر للثقافـة والفلسـفة‪ ،‬طرابلـس‪1997 ،‬م‪.‬‬
‫‪11.‬يوسـف محمـد الصوانـى‪ :‬الواليـات المتحـدة وليبيـا‪ :‬تناقضـات التدخـل ومسـتقبل الكيـان الليبـي‪ :‬مجلـة‬
‫المسـتقبل العربـى‪2014 ،‬م‪.‬‬
‫ ‪12.‬ثانيًا‪ :‬الدوريات‪:‬‬
‫ ‪13.‬مسـارات‪ :‬تقاريـر تطـور مفهـوم التدخـل العسـكري اإلنسـانى إلـى مسـؤولية الحماية‪ ،‬نشـرة شـهرية‪ ،‬مركز الملك‬
‫فيصـل للبحـوث اإلسلامية‪ ،‬السـعودية‪ ،‬عـدد مايو‪2013 ،‬م‪.‬‬

‫‪151‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫املسؤولية اجلنائية للطبيب‬


‫" ‪" Doctor's Criminal Responsibility‬‬

‫إعداد‪:‬‬
‫د‪ .‬شعبان محمود محمد الهواري‬
‫أستاذ القانون الجنائي المشارك‪ ،‬كلية القانون جامعة خليج السدرة‬

‫القبول‪2023/5/25 :‬‬ ‫االستالم‪2023/5/4 :‬‬

‫املستخلص‪:‬‬
‫إن مهنـة الطـب مهنـة إنسـانية وأخالقيـة قبـل أن تكـون علميـة‪ ،‬ويعـد األطبـاء مالئكـة‬
‫الرحمـة التـي تعمـل علـى تخفيـف آالم المرضـى‪ ،‬وتبرز أهمية الموضوع بسـبب التقدم العلمي‬
‫السـريع فـي مجـال الطـب الـذي ضاعـف من مسـؤوليات الطبيـب‪ ،‬فعمل الطبيب قـد يترتب عليه‬
‫مهنيـا‪ ،‬كأن أهمـل فـي تشـخيص المـرض‪،‬‬‫ًّ‬ ‫ً‬
‫خطـأ‬ ‫مسـؤولية قانونيـة وتأديبيـة فـي حالـة ارتكابـه‬
‫فـوت علـى المريـض الفرصـة فـي العلاج‪ ،‬أو أخطـأ فـي‬ ‫أو أخطـأ فـي وصـف العلاج المناسـب‪ ،‬أو ّ‬
‫العمليـات الجراحيـة‪ ،‬أو أخطـأ فـي التخديـر‪ ،‬أو غيرهـا مـن األخطـاء بسـبب إهمـال أو رعونـة أو‬
‫عـدم انتبـاه أو عـدم احتـراز‪ ،‬ومعيـار تقديـر مـا إذا كان الطبيـب قـد بـذل العنايـة الالزمـة مـن‬
‫عدمـه؛ وااللتـزام بواجبـات الحيطـة والحـذر‪ ،‬هـو مـا يقدمـه طبيـب يقـظ على درايـة وعلم في‬
‫ذات الظـروف المحيطـة فـي أثنـاء تأديتـه لعملـه مـع مراعـاة تقاليـد المهنـة واألصـول العلميـة‬
‫الثابتـة؛ فـإذا انحـرف الطبيـب عـن هـذا المعيـار‪ ،‬وقام بـأداء عمله دون المسـتوى المطلوب؛ فإن‬
‫الطبيـب ُيسـأل قانونـًا عمـا يلحـق بالمريـض مـن ضـرر طالمـا أن هـذا الضـرر كان نتيجـة حتمية‬
‫لخطأه‪.‬‬
‫كلم�ات مفتاحي�ة‪ :‬المسـؤولية الجنائيـة ‪ -‬الخطأ الطبي‪ -‬المسـؤولية الطبية ‪ -‬األصول العلمية‬
‫‪ -‬تحقيـق نتيجة‬
‫‪Summary:‬‬
‫‪the medical profession is a humane and ethical profession before it is‬‬
‫‪scientific, and doctors are considered angels of mercy who work to relieve the‬‬
‫‪pain of patients, and the importance of the subject is highlighted due to the rapid‬‬
‫‪scientific progress in the field of medicine that doubled the responsibilities of the‬‬
‫‪doctor, as the work of medicine may entail legal and disciplinary responsibility‬‬
‫‪in In the event that he commits a professional error by neglecting to diagnose‬‬
‫‪the disease, or misprescribing the appropriate treatment, or missing the patient‬‬
‫‪the opportunity for treatment, or making a mistake in surgeries, or making a‬‬
‫‪mistake in anesthesia, and other mistakes due to negligence, recklessness, lack‬‬
‫‪of attention, or lack of precaution. a criterion for assessing whether or not the‬‬
‫‪doctor took the necessary care; Commitment to the duties of caution and caution‬‬
‫‪is what a vigilant doctor provides with knowledge and knowledge in the same‬‬
‫‪surrounding circumstances while performing his work, taking into account the‬‬
‫‪traditions of the profession and established scientific principles. If the doctor‬‬

‫‪152‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫;‪deviates from this standard, and performs his work below the required standard‬‬
‫‪The doctor is legally responsible for the harm that befalls the patient, as long as‬‬
‫‪this harm was an inevitable result of his mistake, and the Penal Code requires the‬‬
‫‪punishment of every person who committed an act intentionally or by mistake‬‬
‫‪that led to the death of a person or inflicted bodily harm on him.‬‬
‫‪Opening words: Criminal responsibility - medical error - medical responsibility‬‬
‫‪- achieve a result.‬‬

‫مقدمـة‪:‬‬
‫موض�وع البح�ث‪ :‬الخطـأ بصـورة عامـة هـو انحـراف عـن السـلوك المألـوف للشـخص العـادي‪،‬‬
‫فـإذا خـرج الشـخص بسـلوكه عـن سـلوك اإلنسـان العـادي يكـون مخطئـ ًا‪ ،‬ويترتـب علـى ذلـك‬
‫مسـؤوليته‪ ،‬وبالنسـبة للطبيـب‪ ،‬االلتـزام الـذي يقـع علـى عاتقـه تجـاه مرضـاه هو التـزام ببذل‬
‫عنايـة‪ ،‬والـذي يفـرض عليـه بـذل العنايـة الالزمـة التـي تقتضيها األصول العلميـة والفنية في‬
‫يرتِـب المسـؤولية‬ ‫ً‬
‫خطـأ طبيـًا ّ‬ ‫مجـال الطـب‪ ،‬ومـن ثـم فـإن إخلال الطبيـب بهـذا االلتـزام يشـكل‬
‫الطبيـة‪ ،‬فالخطـأ الطبـي بوجـه عـام يكـون عنـد وجـود تقصيـر فـي مسـلك الطبيب‪ ،‬واسـتقر‬
‫الفقـه والقضـاء علـى أن التـزام الطبيـب نحـو المريـض هو التزام ببذل عنايـة‪ ،‬وإن كانت هناك‬
‫بعـض الحـاالت يكـون فيهـا التـزام الطبيـب التزامـ ًا بتحقيـق نتيجـة‪ ،‬ويفتـرض فيـه العنايـة‬
‫المطلوبـة التـي تفتضيهـا األصـول العلميـة فـي الطـب‪ ،‬التـي يتوجـب أن يقدمهـا طبيـب فـي‬
‫مسـتواه المهنـي‪ ،‬وعليـه فـإن خـروج الطبيـب عـن ذلـك يشـكل خطـأ يسـتوجب مسـاءلته عـن‬
‫أي ضـرر يصيـب المريـض‪ ،‬ومـن ثـم فرضـت التشـريعات الجنائيـة علـى الطبيـب بـذل العنايـة‬
‫الالزمـة لحفـظ حيـاة المريـض وسلامة بدنـه‪ ،‬وعليـه التقيـد باألصـول العلميـة المتفـق عليهـا‬
‫فقهـًا وقانونـًا‪ ،‬وفقـًا للمـادة الخامسـة‪(/‬أ) والمـادة السـابعة مـن القانـون الليبـي رقـم (‪ )17‬لسـنة‬
‫‪ 1986‬م بشـأن المسـئولية الطبيـة‪ ،‬وعليـه فـإن معيـار الخطـأ الطبـي‪ ،‬هـو معيـار عـام أساسـه‬
‫سـلوك الطبيـب العـادي‪ ،‬ويكـون التـزام الطبيـب فـي أداء عملـه التزام ًا ببـذل عناية‪ ،‬إال إذا نص‬
‫ال عـن الحالـة التـي يصـل إليهـا المريـض‬ ‫القانــون علـى خلاف ذلـك‪ ،‬وال يكـون الطبيـب مسـئو ً‬
‫إذا ثبـت أنـه بـذل العنايـة الالزمـة‪ ،‬ولجـأ إلـى جميـع الوسـائل التـي يسـتطيع مـن كان فـي مثـل‬
‫ظروفـه لتشـخيص المـرض ووصـف العلاج وفقـ ًا للمـادة (‪ )114‬من القانون الليبـي رقم (‪)106‬‬
‫لسـنة ‪ 1973‬م بشـأن إصـدار القانـون الصحـي‪.‬‬
‫أهمي�ة البح�ث‪ :‬العمـل علـى تحقيـق التـوازن بيـن حمايـة المريـض ومـا قـد يقـع مـن األطبـاء‬
‫مـن أخطـاء‪ ،‬وتقديـم العنايـة الطبيـة للمرضـى‪ ،‬هـذا مـن جانـب‪ ،‬وعلـى الجانـب اآلخـر توفيـر‬
‫الحريـة الالزمـة لألطبـاء مـن أجـل قيامهـم بواجبهـم نحـو مرضاهـم فـي جـو ِّ‬
‫يمكنهـم مـن أداء‬
‫عملهـم علـى أكمـل وجـه‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫منهجي�ة البح�ث‪ :‬اتبعنـا فـي دراسـة هـذا الموضـوع منهجـا تحليليـا‪ ،‬فهـو أوال منهـج تأصيلـي‬
‫يـرد النقـاط التفصيليـة إلـى أصولهـا النظريـة‪ ،‬فعندمـا نعالـج أحـكام المسـؤولية الجنائيـة‬
‫للطبيـب عـن األخطـاء الطبيـة نردهـا إلـى األركان العامـة فـي التجريـم‪ ،‬بهـدف الوصـول إلـى‬
‫توصيـف شـامل وكامـل للظاهـرة محـل الدراسـة‪ ،‬وتعتمـد الدراسـة أيض ًا على المنهـج المقارن من‬
‫أجـل مقارنـة النصـوص القانونيـة باألخـرى مـع تحليلهـا لتحقيـق الفائـدة مـن البحـث‪.‬‬
‫إشكاليات البحث‪ :‬يثير البحث عدة تساؤالت تتمثل في‪:‬‬
‫ ‪-‬ماهية وصور الخطأ الطبي وأنواعه؟‬
‫ ‪-‬ومـا مسـؤولية الطبيـب القانونيـة فـي حالـة ارتكابـه لخطـأ مهنـي‪ ،‬ترتـب عن إهمـال منه‪ ،‬أو‬
‫رعونـة‪ ،‬أو عـدم انتبـاه‪ ،‬أو عـدم احتـراز؟ ومـا درجـات الخطـأ الطبي؟‬
‫ ‪-‬ومـا مـعیار تقديـر الخطـأ الطبـي وكيفيـة إثباتـه؟ ومـا مـدى التـزام المحكمة بعـرض قضايا‬

‫‪153‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫المسـؤولية الطبيـة علـى المجلـس الطبـي‪ ،‬وااللتـزام بمـا يـرد فـي تقريره بشـأن مدى قيام‬
‫المسـؤولية الطبيـة؟ ومـا مقتضيـات إباحـة العمل الطبي وشـروطه؟‬
‫ ‪-‬ومـا التكييـف القانونـي لمسـؤولية الطبيـب؟ وهـل مسـؤولية الطبيـب عقديـة ناشـئة عـن‬
‫العقـد المبـرم بيـن الطبيـب والمريـض‪ ،‬أم هـي مسـؤولية تقصيرية أساسـها تقصير الطبيب‬
‫فـي أداء عملـه؟ ومـا مـدى التـزام الطبيـب في تدخالته الطبية؟ وهـل المطلوب من الطبيب‬
‫بـذل عنايـة أم تحقيـق نتيجـة؟ واإلجابـة عـن هـذه التسـاؤالت تشـكل خطـة البحـث علـى‬
‫النحـو التالي‪:‬‬
‫خطة البحث‪:‬‬
‫●المبحث األول‪ :‬ماهية إباحة العمل الطبي وشروطه‪.‬‬
‫المطلب األول‪ :‬تعريف العمل الطبي‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬شروط إباحة العمل الطبي‪.‬‬
‫●المبحث الثاني‪ :‬أركان المسؤولية الطبية للطبيب‪.‬‬
‫المطلب األول‪ :‬ركن الخطأ الطبي‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬ركن الضرر وعالقة السببية بينهما‪.‬‬
‫●المبحث الثالث‪ :‬التكييف القانوني لمسؤولية الطبيب‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬الطبيعة القانونية لمسؤولية الطبيب‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬مدى التزام الطبيب في تدخالته الطبية‪.‬‬
‫املبحث األول‪ :‬ماهية إباحة العمل الطيب وشروطه‪:‬‬
‫يحتاج الطبيب عند ممارسـته للمهنة القيام بأعمال‪ ،‬مثل‪ :‬الكشـف‪ ،‬والتشـخيص‪ ،‬والعالج‪،‬‬
‫ممـا يتطلـب منـه المسـاس بجسـم المريـض‪ ،‬إمـا بطريـق مباشـر؛ كإجـراء العمليـات الجراحية‪ ،‬أو‬
‫التحاليــل الطبيـة‪ .‬أو بطريـق غيـر مباشـر؛ كإعطـاء األدويـة والعقاقير التي قد تسـبب آالما‪ ،‬أو‬
‫تغيـرات فـي وظائـف الجسـم‪ ،‬وبذلـك ال يسـأل الطبيـب جنائي ًا أو مدني ًا عـن األفعال التي يأتيها‬
‫فـي أثنـاء ممارسـته لمهنـة الطـب؛ طالمـا توافـرت فـي فعلـه الشـروط التـي تقررهـا التشـريعات‬
‫الجنائيـة‪ ،‬ومـن ثـم نتنـاول ماهيـة إباحـة العمـل الطبي وشـروطه علـى النحو اآلتي‪:‬‬
‫املطلب األول‪ :‬تعريف العمل الطيب‪:‬‬
‫أو ًال‪ :‬التعريف الفقهي للعمل الطيب‪:‬‬
‫عـرف البعـض الخطـأ الطبـي بأنـه" ذلك النشـاط الـذي يتفق بكيفيته وظروف مباشـرته مع‬ ‫ّ‬
‫القواعـد المقـررة فـي علـم الطـب‪ ،‬ويتجـه فـي ذاتـه‪ ،‬أي وفـق المجـرى العـادي لألمـور إلـى شـفاء‬
‫المريـض‪ ،‬واألصـل فـي العمـل الطبـي أن يكـون عالجيـ ًا‪ ،‬أي يهـدف إلـى التخلـص مـن المـرض أو‬
‫تخفيـف حدتـه أو مجـرد تخفيـف آالمـه"(((‪ ،‬كمـا عرفـه البعـض بأنـه‪" :‬العمـل الـذي يشـمل‬
‫حـاالت التدخـل الطبـي لتحسـين الحالـة الصحيـة للمريـض‪ ،‬أو أي عضـو مـن أعضائـه‪ ،‬فهـو‬
‫بذلـك يشـمل أعمـال الجراحـة والتجميـل"(((‪ ،‬وعـرف البعـض الخطأ الطبي بأنـه‪" :‬انحراف عن‬
‫السـلوك الواجـب اتخـاذه لتحقيـق النتيجـة المقصـودة" (((‪.‬‬

‫((( د‪ .‬محمـود نجيـب حسـني‪ ،‬شـرح قانـون العقوبـات‪ ،‬القسـم الخـاص‪ ،‬دار النهضـة العربية‪ ،‬مصـر‪ ،1988 ،‬ص‬
‫‪.172‬‬
‫((( د‪ .‬مأمون محمد سالمة‪ ،‬شرح قانون العقوبات القسم العام‪ ،‬دار الفكر العربي‪ ،‬القاهرة‪ ، 1984 ،‬ص‪.200‬‬
‫((( د‪ .‬إيمـان محمـد علـي الجابري‪ ،‬المسـؤولية القانونية عن األخطـاء الطبية‪ ،‬دار الجامعة الجديدة للنشـر‪ ،‬مصر‪،‬‬
‫‪ ، 2011‬ص ‪.95‬‬

‫‪154‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫ثانيًا‪ :‬التعريف القانوني للعمل الطيب‪:‬‬


‫‪ -1‬التعريـف القانونـي للعمـل الطبـي فـي التشـريع الليبي‪ :‬نص المشـرع الليبي على تعريف‬
‫محـدد للعمـل الطبـي فـي المـادة الثانيـة مـن القانـون الليبي رقـــم (‪ )60‬الصادر بتاريـخ ‪/20‬‬
‫‪1957 /5‬م بشـأن مزاولـة مهنـة الطـب‪ ،‬التـي تقـرر بأنـه "تعتبـر مزاولـة لمهنـة الطـب إبـداء‬
‫مشـورة طبيـة‪ ،‬أو عيـادة مريـض‪ ،‬أو إجـراء عمليـة جراحيـة‪ ،‬أو مباشـرة والدة‪ ،‬أو وصـف أدويـة‪،‬‬
‫أو علاج مريـض بأيـة طريقـة كانـت‪ ،‬أو وصـف نظـارات طبيـة‪ ،‬وبوجـه عام مزاولـة مهنة الطب‬
‫بأيـة صفـة عامـة كانـت أو خاصة"(((‪.‬‬
‫‪ -2‬التعريـف القانونـي للعمـل الطبـي فـي التشـريع المصـري‪ :‬لـم ينـص المشـرع المصـري‬
‫علـى تعريـف محـدد للعمـل الطبـي‪ ،‬بـل اكتفـى باإلشـارة إلـى بيـان األعمـال التـي تدخـل فـي‬
‫نطـاق العمـل الطبـي‪ ،‬وتمنـح القائميـن بهـا وصـف الطبيـب أو المعالـج‪ ،‬وفقـًا للقانـون رقـم‬
‫(‪ )415‬لسـنة‪ 1954‬م بشـأن مزاولـة مهنـة الطـب‪ ،‬والتعديلات التـي جـاءت بعـده علـى أنـه‬
‫"ال يجـوز ألحـد إبـداء مشـورة طبيـة‪ ،‬أو عيـاده مريـض‪ ،‬أو إجـراء عمليـة جراحيـة‪ ،‬أو مباشـرة‬
‫والدة‪ ،‬أو وصـف أدويـة‪ ،‬أو علاج مريـض‪ ،‬أو أخـذ عينـة مـن العينـات التـي تحـدد بقـرار مـن‬
‫وزيـر الصحـة العموميـة مـن جسـم المرضـى اآلدمييـن للتشـخيص الطبي المعملـي‪ ،‬بأية طريقة‬
‫كانـت‪ ،‬أو وصـف نظـارات طبيـة‪ ،‬وبوجـه عـام مزاولـة مهنـة الطـب بأيـة صفة كانـت‪ ،‬إال إذا كان‬
‫مصريـ ًا أو كان مـن بلـد تجيـز قوانينـه للمصرييـن مزاولـة مهنـة الطـب بهـا‪ ،‬وكان اسـمه مقيـدًا‬
‫بسـجل األطبـاء بـوزارة الصحـة العموميـة‪ ،‬وبجـدول نقابـة األطبـاء البشـريين‪ ،‬وذلـك مـع عـدم‬
‫اإلخلال باألحـكام الخاصـة المنظمـة لمهنـة التوليـد‪ .‬ويسـتثنى مـن شـرط الجنسـية األجانب‬
‫الذيـن التحقـوا بإحـدى الجامعـات المصريـة قبـل العمـل بأحـكام القانـون رقـم (‪ )142‬سـنة‬
‫‪.((("1948‬‬
‫املطلب الثاني‪ :‬شروط إباحة العمل الطيب‬
‫نتناول شروط إباحة العمل الطبي على النحو التالي‪:‬‬
‫الفرع األول‪ :‬شرط الرتخيص مبزاولة مهنة الطب‪:‬‬
‫نصـت المـادة الثانيـة مـن القانـون الليبـي رقـم (‪ )17‬لسـنة ‪1986‬م بشـأن المسـئولية‬
‫الطبيـة علـى أنـه‪ :‬يحظـر ممارسـة أي عمـل مـن أعمـال المهـن الطبيـة والمهـن المرتبطـة بهـا‬
‫بـدون ترخيـص بذلـك مـن الجهـات المختصـة‪ ،‬وال يجـوز الجمـع بيـن أي مـن تلـك المهـن ومهنـة‬
‫أخـرى‪ .‬كمـا ال يجـوز للمرخـص لـه مزاولـة المهنـة إال فـي حـدود تخصصـه‪ ،‬وال يسـري ذلك في‬
‫حالـة إذا لـم يوجـد أخصائـي‪ ،‬أو كان هنـاك خطـر علـى حياة المريض‪ ،‬كمـا نصت المادة (‪)14‬‬
‫مـن القانـون الليبـي رقـــم ‪ 60‬لسـنة ‪ 1957‬بشـأن مزاولـة مهنـة الطـب الصـادر بتاريـخ ‪/ 20‬‬
‫‪ 1957 / 5‬م علـى أنـه "يعاقـب بالحبـس مـدة ال تتجـاوز سـنة‪ ،‬وبغرامـة ال تزيـد عـن مائتـي‬
‫جنيـه‪ ،‬أو بإحـدى هاتيـن العقوبتيـن‪ ،‬كل مـن زاول مهنـة الطـب علـى وجـه يخالـف أحـكام هـذا‬
‫القانـون‪ .‬وفـي جميـع األحـوال يأمـر القاضـي بإغلاق المحـل الـذي مـارس المتهـم فيـه العمـل‪،‬‬
‫مـع نـزع اللوحـات والالفتـات‪ ،‬وبمصـادرة األشـياء المتعلقـة بالمهنـة‪ ،‬ويأمـر كذلـك بنشـر الحكم‬
‫مـرة أو أكثـر مـن مـرة فـي جريـدة يعينهـا‪ ،‬وذلـك علـى نفقـة المحكـوم عليـه‪ .‬كمـا نصـت المـادة‬
‫(‪ )110‬مـن القانـون الصحـي الليبـي رقـم (‪ )106‬لسـنة ‪1973‬م علـى شـروط مزاولـة مهنـة‬
‫الطـب‪ ،‬التـي ضمنهـا شـرط الحصـول علـى المؤهـل العلمـي فـي مجـال تخصـص الطبيب‪ ،‬وشـروط‬

‫((( انظر‪ :‬المادة (‪ )2‬من القانون الليبي رقــم(‪ )60‬الصادر بتاريخ ‪ 1957 / 5 / 20‬بشأن مزاولة مهنة الطب‪.‬‬
‫((( د‪ .‬محم�د أس�امة عب�د اهلل قاي�د‪ ،‬المس�ؤولية الجنائي�ة لألطب�اء‪ ،‬الطبع�ة الثاني�ة‪ ،‬دار النهض�ة العربية‪ ،‬مصر‪،‬‬
‫بدون س�نة طب�ع‪ ،‬ص‪.25‬‬

‫‪155‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫القيـد بالسـجالت التـي تعتمدهـا أمانـة الصحـة بالخصوص؛ ألن الترخيص هو السـبب المشـروع‬
‫إلباحـة األعمـال الطبيـة‪ ،‬متـى روعيـت وفقـًا لألصـول الفنيـة للمهنـة‪ ،‬وال يسـتثنى مـن ذلـك‬
‫إال حالتـان‪ :‬الحالـة األولـى‪ :‬التـي يثبـت فيهـا عـدم توافـر األخصائـي الطبي‪ ،‬والحالـة الثانية‪:‬‬
‫وجـود خطـر يهـدد حيـاة المريـض‪.‬‬
‫كمـا نصـت المـادة (‪ )10‬مـن القانـون المصـري رقـــم ‪ 415‬لسـنة ‪ 1954‬الصـادر بتاريـخ‬
‫‪1954 /7 /22‬م بشـأن مزاولـة مهنـة الطـب علـى أنـه "يعاقـب بالحبـس مدة ال تجاوز سـنتين‪،‬‬
‫وبغرامـة ال تزيـد علـى مائتـي جنيـه‪ ،‬أو بإحـدى هاتيـن العقوبتيـن‪ ،‬كل مـن زاول مهنـة الطـب‬
‫علـى وجـه يخالـف أحـكام هـذا القانـون‪ ،‬وفـي حالـة العـود يحكـم بالعقوبتيـن معـًا‪ ،‬وفـي جميع‬
‫األحـوال يأمـر القاضـي بإغلاق العيـادة مـع نـزع اللوحات والالفتـات‪ ،‬ومصادرة األشـياء المتعلقة‬
‫بالمهنـة‪ ،‬ويأمـر كذلـك بنشـر الحكـم مـرة أو أكثـر مـن مـرة فـي جريدتيـن يعينهمـا علـى نفقـة‬
‫المحكـوم عليـه‪" .‬كمـا نصـت المـادة (‪ )11‬منـه‪ ،‬ويقابلهـا نـص المـادة (‪ )15‬من القانـون الليبي‬
‫رقـم (‪ )17‬لسـنة ‪1986‬م‪ ،‬بشـأن المسـئولية الطبيـة‪ ،‬التـي تقـرر أنـه ُيعاقـب بالعقوبـات‬
‫المنصـوص عليهـا فـي المـادة السـابقة‪:‬‬
‫‪ 1.‬كل شـخص غير مرخص له بمزاولة مهنة الطب يسـتعمل نشـرات‪ ،‬أو لوحات‪ ،‬أو الفتات‪ ،‬أو‬
‫أية وسـيلة أخرى من وسـائل النشـر‪ ،‬إذا كان من شـأن ذلك أن يحمل الجمهور على االعتقاد‬
‫بـأن لـه الحـق فـي مزاولـة مهنـة الطـب‪ ،‬وكذلـك كل من ينتحل لنفسـه لقب طبيـب‪ ،‬أو غيره‬
‫مـن األلقـاب التـي تطلـق على األشـخاص المرخص لهـم بمزاولة مهنة الطب‪.‬‬
‫‪ 2.‬كل شـخص غيـر مرخـص لـه بمزاولـة مهنـة الطـب وجدت عنـده آالت أو ُعدد طبية‪ ،‬ما لم‬
‫يثبت أن وجودها لديه كان بسـبب مشـروع‪ ،‬غير مزاولة مهنة الطب(((‪.‬‬
‫وباسـتقراء النصـوص القانونيـة السـابقة يتبيـن لنـا أن الشـخص الـذي يمـارس العمل الطبي‬
‫يجـب أن يكـون طبيبـاً حاصلاً علـى شـهادة معتـرف بهـا فـي البلد الذي يروم فيه ممارسـة العمل‬
‫الطبـي؛ ولذلـك تحصـر قوانيـن الصحـة العامـة فـي دول عدة ممارسـة العمل الطبي باألشـخاص‬
‫الحائزيـن علـى شـهادة أو إجـازة علميـة معتـرف بهـا‪ ،‬والحاصليـن علـى ترخيص قانونـي بمزاولة‬
‫المهنـة الطبيـة‪ ،‬ومـن ثـم يجـب الحصـول علـى ترخيـص بمزاولـة مهنـة الطـب مـن السـلطات‬
‫المختصـة وفقـاً للقوانيـن واللوائـح المنظمـة لهـذا األمـر‪ ،‬بعـد أن يحصل الشـخص علـى المؤهل‬
‫العلمـي الـذي يمكنـه مـن مزاولـة مهنـة الطب(((‪ ،‬وبالتالـي ُيسـأل الطبيـب جنائيـ ًا عمـا يحدثـه‬
‫فـي المريـض مـن جـراح علـى أسـاس العمـد‪ ،‬وال يؤثـر علـى تلـك المسـؤولية أن يكـون هـذا‬
‫التدخـل قـد حقـق الغـرض الـذي قصـده بشـفاء المريـض أو لـم يتحقـق‪ ،‬وال يعفـى مـن العقـاب‬
‫إال عنـد قيـام حالـة الضـرورة بشـروطها القانونيـة‪ ،‬وحتـى يسـتطيع مـن يحمـل صفـة الطبيـب‬
‫أن يمـارس عملـه‪ ،‬البـد لـه مـن أن يحصـل علـى ترخيـص قانونـي‪ ،‬إذ إنـه شـرط أساسـي إلباحـة‬
‫األعمـال الطبيـة‪ ،‬حتـى ولـو كان مـن أجراهـا حاصلا علـى المؤهـل العلمي الذي يعده لممارسـة‬
‫العمـل الطبـي(((‪ ،‬والجديـر بالذكـر أن حصـول الطبيـب علـى الترخيـص الـذي يخولـه مزاولـة‬
‫ال لجميـع أعمـال المهنـة‪ ،‬وقـد يكـون خاصـًا بمباشـرة أعمـال‬‫عامـا شـام ً‬
‫مهنـة الطـب‪ ،‬قـد يكـون ًّ‬
‫ً‬
‫معينـة‪ ،‬وفـي هـذه الحالـة ال تتوافـر اإلباحـة إال إذا كان العمـل داخلا فـي حـدود الترخيـص‬
‫المقـرر‪ ،‬كمـا هـو الحـال بالنسـبة لطبيـب األسـنان‪.‬‬

‫((( انظر‪ :‬القانون الليبي رقم (‪ )17‬لسـنة ‪ 1986‬م بشـأن المسـئولية الطبية‪ ،‬الجريدة الرسـمية لسـنة ‪ 1986‬العدد‬
‫‪ 28‬السـنة الرابعـة والعشـرون‪ ،‬والقانـون المصـري رقـــم (‪ )415‬لسـنة ‪ 1954‬الصـادر بتاريـخ ‪1954 / 7 / 22‬‬
‫بشـأن مزاولة مهنـة الطب‪.‬‬
‫((( انظـر‪ :‬القانـون المصـري رقـم (‪ )415‬لسـنة ‪ 1945‬الخـاص بمزاولـة مهنـة الطب‪ ،‬والمـادة ‪ 4‬من قانـون نقابة‬
‫األطبـاء العراقييـن رقـم (‪ )81‬لسـنة ‪ ،1984‬والمـادة الثانية من قانـون تنظيم مزاولـة المهنة الطبية في سـوريا رقم‬
‫(‪ )12‬لسـنة ‪ ،1970‬والمـادة ‪ 1 / 52‬مـن قانـون الصحة العامـة األردني رقم (‪ )21‬لسـنة ‪.1971‬‬
‫((( د‪ .‬أحمد شوقي أبو خطوه‪ ،‬القانون الجنائي والطب الحديث‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،1986 ،‬ص ‪.30‬‬

‫‪156‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫الفرع الثاني‪ :‬شرط رضاء املريض‪:‬‬


‫ُيعـد الرضـا مـن أهـم الشـروط الجوهريـة األساسـية التـي يلـزم توافرهـا لمشـروعية إجـراء‬
‫التجـارب الطبيـة العلميـة علـى جسـم اإلنسـان الحـي(((‪ ،‬ومـن المتفـق عليـه فـي الفقـه أن‬
‫الطبيـب الـذي يحصـل علـى رضـا المريـض‪ ،‬أو مـن يمثلـه قانونـًا‪ ،‬ولـم تكن ثمة ضـرورة لتدخله‬
‫ال(‪ ،((1‬وذلـك ألن رضـاء المريـض يعـد مـن أهـم الشـروط التـي تبيـح العمـل الطبـي‪،‬‬ ‫يكـون مسـؤ ًو ً‬
‫وتـزداد أهميـة رضـا المريـض فـي مراحـل العلاج التـي تكـون على قدر مـن الخطـورة‪ ،‬كالعمليات‬
‫الجراحيـة‪ ،‬كونهـا تعـرض المريـض للخطـر‪ ،‬حيـث نصـت المـادة (‪ )15‬مـن القانـون الليبـي رقـم‬
‫(‪ )17‬لسـنة ‪ 1986‬م بشـأن المسـئولية الطبيـة(‪ ((1‬علـى أنـه "ال يجـوز المسـاس بجسـم‬
‫اإلنسـان‪ ،‬أو نقـل عضـو أو جـزء منـه‪ ،‬مـا لـم يكـن ذلـك بموافقـة خطيـة‪ ،‬وبعد التأكـد من عدم‬
‫حصـول ضـرر لـه‪ ،‬إن كان حيـ ًا أو كان ذلـك وفقـًا ألحـكام القانـون رقـم (‪ )4‬لسـنة ‪1982‬م‪ ،‬إن‬
‫كان ميتًا‪ ،‬ويحظر إجراء التجارب العلمية على جسـم اإلنسـان الحي إال برضاه‪ ،‬ولغرض تحقيق‬
‫منفعـة مرجـوة لــه‪ ،‬وبمعرفـة أطبــاء مرخـص لهـم بإجرائهـا‪ ،‬طبقــ ًا لألسـس العلميـة المتعـارف‬
‫عليهـا"‪ ،‬ويتطلـب المشـرع إلباحـة الجراحـة الطبيـة وأعمـال التطبيـب أن تتم برضـاء المريض‬
‫صراحـة أو ضمنـًا‪ ،‬فلا يجـوز أن يرغـم الشـخص علـى تحمـل المسـاس‬ ‫ً‬ ‫أو النائـب عنـه قانونـًا‪،‬‬
‫بتكاملـه الجسـدي‪ ،‬ولـو كان ذلـك مـن أجـل مصلحتـه‪ ،‬ويجـب الحصـول علـى رضـاء المريـض قبل‬
‫البدء في مباشـرة العمل الطبي‪ ،‬وبتوافره تنتج اإلباحة آثارها بالنسـبة لما يحدث من مسـاس‬
‫بجسـم المريـض‪ ،‬ومـن مظاهـر الحمايـة الجنائيـة المقررة للحق في سلامة الجسـم ما نص عليه‬
‫قانـون العقوبـات الليبـي فـي المـادة ‪.((1( 384، 378،379،380،81 ،375 ،374‬‬
‫والجديـر بالذكـر أنـه يتعيـن توافـر رضـاء المريـض فـي كافـة مراحـل العمـل الطبـي‪ ،‬أي مـن‬
‫مرحلـة التشـخيص إلـى مرحلـة التدخـل العالجـي‪ ،‬الـذي قد يتـم بتعاطي األدويـة‪ ،‬أو التدخل‬
‫الجراحـي‪ ،‬ويسـتطيع الطبيـب أن يتجـاوز عـن الحصـول علـى رضـاء المريـض‪ ،‬ويظـل فعله مباحًا‬
‫إذا كان المريض مصاب ًا بمرض معد يخشى انتقال عدواه إلى غيره‪ ،‬فيتم تطعيمه دون رضائه‪،‬‬
‫وكذلـك الحـال إذا كان المريـض مهـددًا بخطـر جسـيم يقتضـي التدخـل العالجـي السـريع‪ ،‬وكان‬
‫المريـض غيـر قـادر علـى التعبيـر عـن إرادته ولم يوجد من يرضى نيابة عنه‪ ،‬ويشـترط لصحة‬
‫رضـاء المريـض أن يكـون حـرًا ومتبصـرًا‪ ،‬وأن يصدر عـن مريض متمتع بأهلية إصداره‪ ،‬بأن يكون‬
‫بالغـًا رشـيدًا متمتعـ ًا بكامـل قـواه العقليـة‪ ،‬وفـي حالـة صحيـة تسـمح لـه بإبـداء ذلـك الرضـاء‪.‬‬
‫ولمـا كان الرضـاء موقفـ ًا إراديـًا كامنـ ًا فـي النفـس‪ ،‬فـإن المريـض يعبـر عنـه صراحة بالـكالم‪ ،‬أو‬
‫اإلشـارة‪ ،‬أو الكتابـة‪ ،‬أو ضمنـ ًا‪ .‬وإذا كان المريـض فـي حالـة خطيـرة ال يقـدر معهـا علـى التعبير‬
‫التدخـل الطبـي السـريع بصـورة يعجـز معها الطبيب عـن‬ ‫ّ‬ ‫عـن إرادتـه‪ ،‬وكانـت هنـاك ضـرورة‬
‫الحصـول علـى رضـاء المريـض‪ ،‬أو ممثلـه القانونـي‪ ،‬أو أحـد أقاربه‪ ،‬يمكن للطبيب مباشـرة عمله‬
‫نظـرا لتوافـر حالة الضرورة المانعة للمسـؤولية(‪ ،((1‬والرضا ليس‬
‫ً‬ ‫الطبـي دون مسـاءلة جنائيـة؛‬
‫سـبب إباحـة وأنـه يعـد عنصـرًا يقـوم عليـه السـبب إلباحتـه‪ ،‬وبذلـك تكـون له أهميـة قانونية‬
‫باعتبـاره يسـاهم فـي بنيـان اإلباحـة‪ ،‬فاألعمـال الطبيـة ال يبيحهـا رضـا المريـض‪ ،‬لكـن هـذا‬
‫الرضـا شـرط إلـى جانـب الشـروط األخـرى‪ ،‬ال غنـى عنـه لقيـام اإلباحة(‪.((1‬‬
‫((( لمزيـد مـن التفصيـل حـول شـرط رضاء المريـض راجع‪ :‬سـمير عبد السـميع األودن‪ ،‬مسـئولية الطبيـب الجراح‬
‫وطبيـب التخديـر ومسـاعديهم‪ :‬مدنياً‪ -‬جنائيـاً‪ -‬وادارياً‪ -‬منشـأة المعارف‪ ،‬اإلسـكندرية‪ ،‬عـام ‪ ،2004‬ص ‪.172‬‬
‫(‪ ((1‬د‪ .‬محمـد عيـد الغريـب‪ ،‬التجـارب الطبيـة والعلمية وحرمة الكيان الجسـدي لإلنسـان‪ ،‬بدون دار نشـر‪ ،‬الطبعة‬
‫األولى‪1989 ،‬م‪ ،‬ص ‪.80‬‬
‫(‪ ((1‬انظر‪ :‬المادة (‪ )15‬من القانون الليبي رقم (‪ )17‬لسنة ‪1986‬م بشأن المسئولية الطبية‪.‬‬
‫(‪ ((1‬انظـر‪ :‬د‪ .‬حميـد السـعدي‪ ،‬أ‪ .‬عامـر عبيـد المشـاي‪ ،‬المسـؤولية الطبيـة مـن الوجهـة الجنائيـة‪ ،‬دار التضامن‬
‫للطباعـة والنشـر والتوزيـع‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنـان‪ ،‬ص‪.90‬‬
‫(‪ ((1‬د‪ .‬أمين مصطفى محمد‪ ،‬قانون العقوبات‪ ،‬القسم العام‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،2009 ،‬ص‪.121‬‬
‫(‪ ((1‬د‪ .‬رؤوف عبيد‪ ،‬مبادئ القسم العام من التشريع العقابي‪ ،‬الطبعة الرابع‪ ،‬دار الفكر العربي‪ ،1979،‬ص‪.506‬‬

‫‪157‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫الفرع الثالث‪ :‬قصد العالج‪:‬‬


‫تنـص المـادة الرابعـة مـن القانـون الليبـي رقـم (‪ )17‬لسـنة ‪ 1986‬م بشـأن المسـئولية‬
‫الطبيـة علـى أنـه‪" :‬يحظـر علـى كل مـن يمـارس أيـ ًا مـن المهـن الطبيـة والمهـن المرتبطـة بهـا‬
‫اسـتغالل حاجـة المريـض لتحقيـق منفعـة لنفسـه أو لغيـره"(‪ ،((1‬وإلباحـة العمـل الطبـي يجـب‬
‫أن تتجـه إرادة الطبيـب إلـى العلاج ال إلـى غايـة أخـرى‪ ،‬أي أن يكـون غرضـه ممـا يقـوم بـه مـن‬
‫أعمـال مهنتـه الوصـول إلـى علاج المريـض بتخليصـه مـن اآلالم التـي يكابدهـا أو التخفيف من‬
‫حدتهـا‪ .‬إذا انتفـى قصـد العلاج فـي العمـل الطبـي أصبـح فعـل الطبيب خاضع ًا لنـص التجريم‪،‬‬
‫مواد مخدرة لشـخص‬ ‫وبالتالـي قيـام المسـؤولية الجنائيـة للطبيـب‪ ،‬كحالة الطبيب الذي يصف َّ‬
‫مـا لغيـر العلاج‪ ،‬أو الـذي يقـوم بإجـراء عمليـة بتـر عضـو مـن أعضـاء شـخص ما بغـرض إعفائه‬
‫مـن أداء الخدمـة العسـكرية(‪.((1‬‬
‫وباسـتقراء النصوص القانونية يتبين لنا أنه يجب أن تكون األعمال الطبية التي يباشـرها‬
‫الطبيـب هادفـة إلـى شـفاء المريـض أو تخفيـف آالمـه‪ ،‬ويكفـي مجـرد القصـد ولـو لـم يتحقـق‬
‫بعدهـا شـفاء المريـض بالفعـل‪ ،‬وال يكـون فعـل الطبيـب مبـررًا‪ ،‬وتقـوم مسـؤوليته إذا كانـت‬
‫األعمـال التـي يمارسـها لهـدف غيـر العلاج‪ ،‬كإجـراء تجربـة علميـة أو االنتقـام‪ ،‬أو لتخليـص‬
‫مثلا(‪ ،((1‬أو إجـراء عمليـة جراحيـة يعلـم الطبيـب عـدم‬ ‫ً‬ ‫الشـخص مـن الخدمـة العسـكرية‬
‫جدواهـا سـلفًا‪ ،‬لكنـه يقـدم علـى إجرائهـا بُغيـة اسـتكمال بحـث لـه‪.‬‬
‫الفرع الرابع‪ :‬شرط اتباع األصول العلمية الثابتة يف الطب‪:‬‬
‫عـرف الفقهـاء األصـول العلميـة بأنهـا‪" :‬تلـك المبـادئ والقواعـد الثابتـة والمتعـارف عليهـا‬
‫والمتعـارف عليهـا نظريـ ًا وعمليـ ًا بيـن طائفـة أصحـاب المهـن الطبيـة‪ ،‬والتـي يجـب اإللمـام بهـا‬
‫وال يمكـن التنـازل عنهـا‪ ،‬أو هـي مجموعـة القواعـد النظريـة والعلميـة المسـتقرة بيـن أهـل‬
‫الطـب ولـم تعـد محـل نقـاش بينهـم؛ فهـي الحـد األدنـى الـذي يجـب مراعاتـه فـي العمـل الطبـي‬
‫اسـتثناء كحالـة الضـرورة"(‪ ،((1‬وينبثـق هـذا الشـرط عـن االلتـزام العـام الـذي يقـع علـى‬
‫ً‬ ‫إال‬
‫عاتـق الطبيـب أثنـاء مباشـرته لعملـه الطبـي‪ ،‬والمتمثـل فـي ضـرورة أن يتوافـق عمـل الطبيـب‬
‫مـع األصـول العلميـة الثابتـة‪ ،‬مـع مراعـاة األدوية المناسـبة للحالة الصحيـة للمريض في ضوء‬
‫التاريـخ الصحـي لـه وأداء هـذا العمـل علـى وجـه مـن العنايـة والدقـة والتبصر لتحقيق الشـفاء‬
‫وتحسـين حالـة المريـض(‪ .((1‬حيـث نصـت المـادة الخامسـة مـن القانون الليبي رقم (‪ )17‬لسـنة‬
‫‪ 1986‬م بشـأن المسـئولية الطبيـة بأنـه "يجـب علـى الطبيـب مراعـاة مـا يلـي‪:‬‬
‫‪1.‬توخـي الدقـة وااللتـزام باألصـول العلميـة الثابتـة‪ ،‬المعتـرف بهـا مـن قبـل أمانـة الصحـة‪،‬‬
‫سـواء فـي الكشـف أو العلاج أو الجراحـة‪.‬‬
‫‪2.‬التعـاون مـع غيـره مـن األطبـاء المتوليـن علاج المريـض‪ ،‬وتقديـم ما لديه مـن معلومات عن‬
‫حالتـه‪ ،‬أو الطريقـة التـي اتبعهـا فـي عالجـه كلما طلـب منه ذلك‪.‬‬
‫‪3.‬تسجيل الحالة الصحية والسوابق المرضية أو الوراثية للمريض‬

‫(‪ ((1‬انظر‪ :‬المادة الرابعة من القانون الليبي رقم (‪ )17‬لسنة ‪ 1986‬م بشأن المسئولية الطبية‪.‬‬
‫(‪ ((1‬د‪ .‬محمد حسنين منصور‪ ،‬المسؤولية الطبية‪ ،‬دار الفكر الجامعي‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،2006 ،‬ص‪.67‬‬
‫(‪ ((1‬د‪ .‬أكـرم نشـأت إبراهيـم‪ ،‬القواعـد العامـة فـي قانـون العقوبـات المقـارن‪ ،‬المكتبـة القانونية‪ ،‬الطبعـة األولى‪،‬‬
‫بغـداد‪ ،1998 ،‬ص‪.147‬‬
‫(‪ ((1‬عبدالحميـد الشـواربي‪ ،‬مسـؤولية األطبـاء والصيادلـة والمستشـفيات المدنيـة والجنائيـة والتأديبيـة‪ ،‬الطبعـة‬
‫األولـى‪ ،‬منشـأة المعـارف‪ ،‬مصـر (اإلسـكندرية)‪ ،1998 ،‬ص ‪.199‬‬
‫(‪ ((1‬د‪ .‬محمـود نجيـب حسـني‪ ،‬أسـباب اإلباحـة فـي التشـريعات العربية‪ ،‬جامعـة الـدول العربية‪ ،‬معهد الدارسـات‬
‫العربيـة‪ ،‬ص ‪ ،187‬د‪ .‬محمـد عـادل عبـد الرحمـن‪ ،‬أسـباب اإلباحـة في القانـون لألطباء‪ ،‬رسـالة دكتـوراه‪ ،‬جامعة‬
‫القاهـرة‪ ،‬عـام ‪ ،1985‬ص ‪.315‬‬

‫‪158‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫‪4.‬وصـف العلاج كتابـة‪ ،‬مـع تحديـد مقاديـره وطريقـة اسـتعماله‪ ،‬وتنبيـه المريـض أو ذويـه‬
‫إلـى ذلـك‪ ،‬أو إخبـار المريـض بـأي منهـاج آخـر للعلاج يعـد بديلا متعارفـ ًا عليـه‪ ،‬ونصحـه‬
‫بالمنهـاج األرجـح فـي رأيـه‪.‬‬
‫‪5.‬إرشـاد مـن يقـوم بفحصهـم إلـى الوسـائل الوقائيـة مـن األمـراض التـي يخشـى إصابتهـم بهـا‪،‬‬
‫وتحذيرهـم مـن عواقـب مخالفتهـا‪.‬‬
‫‪6.‬إبلاغ المريـض بمرضـه الخطيـر المسـتعصي‪ ،‬إذا اقتضـت ذلـك مصلحتـه وسـمحت حالتـه‬
‫النفسـية‪ ،‬وكذلـك إخطـار ذويـه مـا لـم يمانـع المريـض أو يحـدد مـن يرغـب إخطـاره‪.‬‬
‫‪7.‬بذل الجهد والعناية لتخفيف اآلم المريض الميؤوس من شفائه أو حياته‪.‬‬
‫‪8.‬عالج المضاعفات الناجمة عن التدخل العالجي أو الجراحي‪.‬‬
‫والجديـر بالذكـر أن القانـون الليبـي رقـم (‪ )17‬لسـنة ‪ 1986‬م بشـأن المسـئولية الطبيـة‬
‫وضـع العديـد مـن الموانـع والمحاذيـر علـى األطبـاء‪ ،‬وهـي كالتالي‪:‬‬
‫نصـت المـادة السادسـة مـن القانـون الليبـي رقـم (‪ )17‬لسـنة ‪ 1986‬م بشـأن المسـئولية‬
‫الطبيـة بأنـه‪ :‬يحظـر علـى الطبيـب مـا يلـي‪:‬‬
‫‪1.‬استخدام الطب إلزهاق روح اإلنسان أو اإلضرار بجسمه‪ ،‬ما لم يجز القانون ذلك‪.‬‬
‫‪2.‬معالجـة المريـض دون رضـاه‪ ،‬إال إذا كانـت حالتـه ال تسـمح بالتعبيـر عـن إرادتـه‪ ،‬أو كان‬
‫مرضـه مهـددًا للسلامة العامـة أو معديـًا‪ ،‬أو قـررت لجنـة طبيـة أن رفضـه للعلاج يسـبب‬
‫مضاعفـات يتعـذر أو يصعـب معهـا العلاج‪.‬‬
‫‪3.‬االمتنـاع عـن علاج المريـض‪ ،‬أو االنقطـاع عـن عالجـه‪ ،‬إال إذا خالـف التعليمات أو اسـتعان‬
‫بطبيـب آخـر دون موافقـة الطبيـب المشـرف علـى عالجه‪ ،‬أو المؤسسـة العالجيـة التي يتم‬
‫فيهـا العلاج‪ .‬وفـي جميـع األحـوال ال يجـوز االمتنـاع أو االنقطـاع إذا كانـت حيـاة المريـض‬
‫أو سلامته معرضتيـن للخطر‪.‬‬
‫‪4.‬استعمال الوسائل غير الطبية أو غير المشروعة في معالجة المريض‪.‬‬
‫‪5.‬وصـف أي علاج قبـل إجرائـه الكشـف علـى المريـض وتشـخيصه لمرضـه‪ ،‬وكذلـك وصـف‬
‫علاج ال تتناسـب خطورتـه مـع فائدتـه ولـو كان بموافقـة المريـض‪.‬‬
‫‪6.‬تحـرير تقرير طبي مخالف للحقيقة أو اإلدالء بمعلومـات أو شهادة كـاذبة مع علمه بذلك‪.‬‬
‫كما نصت المادة السـابعة من القانون الليبي رقم (‪ )17‬لسـنة ‪ 1986‬م بشـأن المسـئولية‬
‫الطبيـة بأنـه‪" :‬يكـون التـزام الطبيـب فـي أداء عملـه التزامــ ًا ببـذل عنايـة إال إذا نـص‬
‫القانــون علـى خلاف ذلـك"(‪ .((2‬كمـا أنـه وفقـ ًا للمـادة (‪ )11‬ال يجـوز إخـراج المريـض مـن‬
‫المؤسسـة العالجيـة إال إذا كانـت حالتـه الصحيـة تسـمح بذلـك‪ ،‬أو كان ذلـك بنـاء علـى‬
‫رغبتـه‪ .‬كمـا ال يجـوز إنهـاء حيـاة المريـض – ولـو بنـاء علـى طلبـه – لتشـويه أو لمـرض‬
‫مسـتعص أو ميئـوس مـن شـفائه وفقـًا لمـا قررتـه المادة (‪ ،)12‬بقولهـا " ال يجوز إنهاء حياة‬
‫المريـض – ولـو بنـاء علـى طلبـه – لتشـويه أو لمـرض مسـتعص أو ميئـوس مـن شـفائه أو‬
‫محقـق بـه وفـاة أو آلالم شـديدة‪ ،‬حتـى وإن كانـت حياتـه قائمـة علـى الوسـائل الصناعيـة"‪.‬‬

‫(‪ ((2‬انظر‪ :‬المادة السادسة والسابعة من القانون الليبي رقم (‪ )17‬لسنة ‪ 1986‬م بشأن المسئولية الطبية‪.‬‬

‫‪159‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫عـرف القتـل الرحيـم بــأنه "إنهــاء حيــاة مــريض ميـؤوس مــن‬ ‫والجديـر بالذكـر أن الفقــه ّ‬
‫شــفائه طبيــًا بفعــل إيجــابي أو ســلبي للحــد مــن آالمــه المبرحــة‪ ،‬أو غيــر المحتملــة‪ ،‬بنــاء‬
‫علــى طلبــه الصريح أو الــضمني‪ ،‬أو طلــب مــن ينــوب عنـه‪ ،‬سـواء قـام الطبيـب بتنفيـذ القتـل‬
‫وعرفــه جانــب مــن الفقــه أيضـ ًا بــأنه "ذلــك المــوت المختــار كمقابــل‬
‫أو شـخص آخـر"(‪ّ ،((2‬‬
‫للمـوت الطبيعـي‪ ،‬وفــي التعبيــر العلمــي المعاصــر فتعنــي كلمــة "األوثانازيــا" تســهيل مــوت‬
‫الشــخص المريــض الميؤوس مـن شـفائه بنـاء علـى طلـب ٍّ‬
‫ملـح منـه مقـدم للطبيـب المعالـج(‪،((2‬‬
‫والقانـون المصـري أخـذ بالموقـف المعـارض للقتـل الرحيـم‪ ،‬إذ يعتبـر أن أي فعـل علـى إنسـان‬
‫ً‬
‫فعلا‬ ‫ً‬
‫قتلا سـواء أكان‬ ‫مريـض مـن مـرض ميـؤوس مـن شـفاءه أدى إلـى التعجيـل بحياتـه يعـد‬
‫امتناعـا عـن المعالجـة‪ ،‬كاالمتنـاع عـن إجـراء جراحـة‪ ،‬أو إعطـاء دواء أدى إلـى وفـاة‬
‫ً‬ ‫إيجابيـا أم‬
‫ً‬
‫يعجـل بوفـاة المريـض‪ ،‬وهـو مـا نصـت عليه‬ ‫هـذا اإلنسـان‪ ،‬وليـس ألي إنسـان‪ ،‬ولـو كان طبيبـ ًا أن ِّ‬
‫المـادة رقـم (‪ )9‬بقولهـا‪ :‬ال يجـوز إنهـاء حيـاة المريـض أيـا كان السـبب‪ ،‬ولـو بنـاء علـى طلبـه أو‬
‫طلـب الولـي أو الوصـي عليـه‪ .((2(.‬كمـا أكـدت المـادة ‪ 13‬بأنـه "ال يجـوز إفشـاء أسـرار المريـض‬
‫التـي يطلـع عليهـا بسـبب مزاولـة المهنـة إال للجهـات القضائيـة وفقـًا للقانـون"‪ .‬وقـررت المـادة‬
‫‪ 14‬بأنـه "ال يجـوز لغيـر الطبيـب تقريـر ثبـوت الوفـاة‪ ،‬وعلـى الطبيـب أن يتأكـد من ذلك سـواء‬
‫بالكشـف الظاهــر‪ ،‬أو باسـتعمال الوسـائل العلميـة الحديثـة المتاحــة‪ ،‬أو باالسـتعانة بطبيـب‬
‫آخر"‪.‬‬
‫واجلدي�ر بالذك�ر أنـه ال يجـوز المسـاس بجسـم اإلنسـان‪ ،‬أو نقـل عضـو أو جـزء منـه مـا لـم‬
‫يكـن ذلـك بموافقـة خطيـة‪ ،‬وتكمـن أهميـة عمليـات نقـل وزراعـة األعضـاء البشـرية فـي أنهـا‬
‫تشـمل عـدة أطـراف تتمثـل فـي الشـخص السـليم الـذي سـينقل منـه العضـو‪ ،‬أو جثـة المتوفـى‪،‬‬
‫والشـخص المريـض الـذي سـيزرع لـه العضـو المنقـول(‪ ،((2‬وفـي شـأن ذلـك قـررت المـادة (‪)15‬‬
‫بأنـه "يحظـر إجـراء التجـارب العلميـة علـى جسـم اإلنسـان الحـي إال برضـاه‪ ،‬ولغـرض تحقيـق‬
‫منفعـة مرجـوة لــه‪ ،‬وبمعرفـة أطبــاء مرخـص لهـم بإجرائهـا‪ ،‬طبقــ ًا لألسـس العلميـة المتعـارف‬
‫عليهـا"‪ .‬كمـا نصـت المـادة (‪ )16‬علـى أنـه‪" :‬ال يجوز تركيب األعضاء الصناعية في الجسـم إال‬
‫بعـد التأكـد مـن مالئمتهـا للمريـض‪ ،‬وعـدم إضرارهـا بـه وتهيئـة جسـمه لقبولها‪ .‬ويكـون التزام‬
‫الطبيـب بتركيـب األسـنان الصناعيـة التزامـًا بتحقيـق نتيجـة‪ ،‬وهو ما سـوف نتناولـه بالتفصيل‬
‫فـي المبحـث األخيـر‪ ،‬كمـا نصـت المـادة (‪ )17‬علـى أنـه "ال يجـوز تلقيـح المـرأة صناعيـًا‪ ،‬أو‬
‫زرع الجنيـن بالرحـم‪ ،‬إال عنـد الضـرورة‪ ،‬وبشـرط أن يكـون اللقـاح فـي الحالتيـن مـن الزوجيـن‬
‫وبعـد موافقتهمـا‪ .‬كمـا نصـت المـادة ‪" 18‬ال يجـوز القيـام بـأي عمـل أو تدخـل بقصـد الحد من‬
‫التناسـل‪ ،‬مـا لـم يتفـق الزوجـان علـى ذلـك‪ ،‬وبمـا ال يخـل بمصلحـة المجتمـع‪ ،‬أو تقـرره لجنـة‬
‫طبيـة مختصـة بمقتضـى الضـرورة القصوى بالنسـبة للمشـوهين خلقيـ ًا أو المتخلفين عقليا‪ ،‬أو‬
‫(‪ ((2‬لمزيـد مـن التفصيـل راجـع‪ :‬د‪ .‬جمعـة أحمد أبـو قصيصـة‪ ،‬القتل بدافع الشـفقة في ميـزان الشـرع والقوانين‬
‫الوضعيـة‪ ،‬مجلـة أبحـاث‪ ،‬كليـة القانـون‪ ،‬جامعة سـرت‪ ،‬عـدد مـارس‪ ،‬عـام ‪ 2008‬م‪ ،‬ص ‪ 35‬وما بعدهـا‪ ،‬د‪ .‬هدى‬
‫حامـد قشـقوش‪ ،‬القتـل بدافع الشـفقة‪ ،‬دراسـة مقارنـة‪ ،‬دار النهضة العربيـة‪ ،‬القاهـرة‪ ،‬ط‪2008، 2‬م‪ ،‬ص ‪.6‬‬
‫(‪ ((2‬د‪ .‬السيد عتيق‪ ،‬القتل بدافع الشفقة‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪2010 ،‬م‪ ،‬ص ‪.45‬‬
‫(‪ ((2‬انظر‪ :‬د‪ .‬شـــريف الطبـــاخ‪ ،‬جرائم خطأ الطبـــيب والتعـــويض عنهـــا في ضـــوء الفقـــه والقضــاء‪،‬‬
‫اإلسـكندرية مصـــر‪ ،‬دار الفكـــر الجامعي‪ ،1993،‬ص‪ ،153‬وقانون المسـؤولية الطبية والصحيـة األردني رقم ‪25‬‬
‫لسـنة ‪ 2018‬أورد فـي المـادة ‪ 16‬منـه أنـه " أ‪ -‬ال يجـوز إنهاء حيـاة متلقي الخدمة أيا كان السـبب ولـو كان بناء على‬
‫طلبـه أو طلـب وليه أو الوصـي عليه‪.‬‬
‫ب‪ -‬ال يجـوز رفـع أجهـزة اإلنعـاش عـن متلقـي الخدمـة إال إذا توقـف القلـب توقفـا تامـا ونهائيـا‪ ،‬أو توقفـت جميع‬
‫وظائـف الدمـاغ توقفـًا تامـًا ونهائيـاً‪ ،‬وفقـًا للمعايير الطبيـة الدقيقة‪ ،‬وقـرر األطبـاء المعالجون بأن هـذا التوقف ال‬
‫رجعـة فيه‪.‬‬
‫(‪ ((2‬لمزيـد مـن التفصيـل انظـر‪ :‬د‪ .‬جمعـة أحمد أبـو قصيصـة‪ ،‬األسـس القانونية لمشـروعية عمليات نقـل وزراعة‬
‫األعضـاء البشـرية‪ ،‬دراسـة تحليلية مقارنـة‪ ،‬الوطنية لنشـر وتوزيع الكتـب والمطبوعـات‪ ،‬طرابلس‪ ،‬الطبعـة األولى‪،‬‬
‫عام ‪2013‬م ‪.‬‬

‫‪160‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫مراعـاة للخطـر المحقـق مـن الحمـل أو الـوالدة علـى حياة المرأة‪ ،‬وقررت المـادة (‪ )19‬بأنه‪" :‬ال‬
‫ً‬
‫تطبيقـا لحالـة‬ ‫يجـوز إجهـاض الحامـل أو قتـل الجنيـن إال إذا اقتضـى ذلـك إنقـاذ حيـاة األم ‪.‬إال‬
‫الضـرورة المنصـوص عليهـا فـي المـادة (‪ )72‬مـن قانـون العقوبـات‪ ،‬وقـد أبـاح المشـرع الليبـي‬
‫كغيـره مـن المشـرعين اإلجهـاض فـي حالـة إنقـاذ حيـاة األم فقـط‪ ،‬وتعـد هـذه اإلباحـة فـي‬
‫أضيـق نطـاق‪ ،‬وعلـى هـذا إذا تعارضـت حيـاة الجنيـن مع حياة األم‪ ،‬وكان فـي بقاء الجنين خطر‬
‫يهـدد حيـاة األم‪ ،‬ففـي هـذه الحالـة يجـوز التضحيـة بحيـاة الجنيـن مـن أجـل حيـاة األم‪ ،‬ألن‬
‫الجنيـن فـرع‪ ،‬واألم هـي األصـل‪ ،‬فلا يجـوز التضحيـة باألصـل مـن أجـل الفرع‪ ،‬وإنمـا التضحية‬
‫بالفـرع مـن أجـل األصـل‪ ،‬وحالـة الضـرورة فـي هـذه المسـألة موضوعيـة تدخـل فـي إطالقـات‬
‫محكمـة الموضـوع‪ ،‬ويسـتعان فـي ذلـك بـرأي أهـل الخبـرة مـن األطبـاء‪ .‬وجـرم قانـون العقوبـات‬
‫الليبـي اإلجهـاض كغيـره مـن القوانيـن المقارنـة‪ ،‬فـي الفصـل الثانـي مـن البـاب األول مـن الكتاب‬
‫الثالـث المتعلـق بالجرائـم ضـد آحـاد النـاس في المـواد مـن ‪ .((2( 395 -390‬والقانون المصري‬
‫وقـع مـن شـخص‬ ‫وقـع مـن الحامـل نفسـها‪ ،‬أو َ‬ ‫يعاقـب علـى اإلجهـاض فـي جميـع األحـوال‪ ،‬سـواء َ‬
‫الجنحـة إذا كان إسـقاط‬ ‫فجعـل عقوبـة الحالـة األولـى عقوبـة ُ‬ ‫آخـر‪ ،‬برضاهـا أو بـدون رضاهـا‪َ ،‬‬
‫وقـع مـن الغيـر علـى الحامـل إلـى‬ ‫َّ‬
‫وشـدد العقـاب إذا كان اإلسـقاط َ‬ ‫وقـع مـن الحامـل علـى نفسـها‪،‬‬ ‫َ‬
‫عقوبـة الجنايـة(‪ ،((2‬وتنـاول القانـون المصـري اإلجهـاض فـي المـواد ‪ 260‬إلـى ‪264‬؛ فالمـادة‬
‫بضـرب أو نحـوه مـن أنـواع اإليـذاء‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫عمـدا امـرأ ًة حبلـى‬
‫ً‬ ‫‪ 260‬تنـص علـى أن‪" :‬كل مـن أسـقط‬
‫ً‬
‫عمـدا امـرأة‬ ‫عاقـب باألشـغال الشـاقة المؤقتـة"‪ .‬والمـادة ‪ 261‬تنـص علـى أن‪" :‬كل مـن أسـقط‬ ‫ُي َ‬
‫حبلـى بإعطائهـا أدويـة‪ ،‬أو باسـتعمال وسـائل مؤديـة إلـى ذلـك‪ ،‬أو بداللتهـا عليهـا‪ ،‬سـواء أكان‬
‫رضيـت بتعاطي‬ ‫عاقـب بالحبـس"‪ .‬والمـادة ‪ 262‬تنـص علـى أن‪" :‬المـرأة التـي ِ‬ ‫برضائهـا أم ال ‪ُ -‬ي َ‬
‫مكنـت غيرهـا مـن‬ ‫رضيـت باسـتعمال الوسـائل السـالف ذكرهـا‪ ،‬أو َّ‬ ‫األدويـة مـع ِعلمهـا بهـا‪ ،‬أو ِ‬
‫ـب بالعقوبـة السـالف‬ ‫َ‬
‫تعاق ُ‬ ‫ً‬
‫حقيقـة ‪-‬‬ ‫ُ‬
‫اإلسـقاط عـن ذلـك‬ ‫اسـتعمال تلـك الوسـائل لهـا‪ ،‬وتسـبب‬
‫قانـون العقوبـات اللبنانـي الصـادر سـنة ‪ ،1943‬وقانـون العقوبـات‬ ‫ُ‬ ‫العقـاب‬
‫َ‬ ‫ذكرهـا"‪ .‬كمـا َّ‬
‫شـدد‬
‫خطرا‬
‫ً‬ ‫الموت نتيجة اسـتعمال وسـائل أشـد‬ ‫ُ‬ ‫نتج عن اإلجهاض‬ ‫السـوري الصادر سـنة ‪ 1949‬إذا َ‬
‫ممر ًضـا‪ ،‬أو‬
‫صيدليـا‪ ،‬أو ِّ‬
‫ًّ‬ ‫طبيبـا‪ ،‬أو‬
‫ً‬ ‫مـن الوسـائل التـي رضيـت المـرأ ُة‪ ،‬وكذلـك إذا كان الفاعـل‬
‫طبيبا أو‬
‫ً‬ ‫قابلـة قانونيـة وحـددت المـادة ‪ 263‬عقوبـة الطبيـب التـي تنص على أنـه‪" :‬إذا كان‬
‫قابلـة‪ ،‬يحكـم عليه باألشـغال الشـاقة المؤقتـة"(‪ ،((2‬ووفق ًا للمادة (‪:)20‬‬ ‫ً‬ ‫صيدليـا أو‬
‫ًّ‬ ‫جراحـا أو‬
‫ً‬
‫ال يجـوز للقابلـة وصـف أي دواء أو مباشـرة توليـد الحامـل التـي تسـتلزم حالتهـا تدخلا طبيـًا‪،‬‬
‫وقـررت المـادة (‪ )22‬بأنـه "ال يجـوز صـرف الـدواء إال بموجب وصفـة طبية مكتوبة من طبيب‬
‫مرخـص لـه‪ ،‬فيمـا عـدا األدويـة المبـاح صرفها مـن قبل أمانة الصحة بـدون الوصفة المذكورة‪،‬‬
‫وال يجـوز صـرف أدويـة غيـر صالحـة بطبيعتهـا‪ ،‬أو خواصهـا‪ ،‬أو مقاديرهـا‪ ،‬أو انتهت صالحيتها‪،‬‬
‫أو مخالفـة للوصفـة الطبيـة‪.‬‬
‫وبتحليـل النصـوص القانونيـة السـابقة يتضـح لنـا أن إباحـة األعمـال الطبيـة التـي يأتيهـا‬
‫الطبيب‪ ،‬تحقيق ًا للغرض الذي من أجله شرعت هذه المهنة‪ ،‬يقتضي مراعاة الموانع والمحاذير‬
‫علـى األطبـاء‪ ،‬وتوافـر شـروط العمـل الطبـي كمـا سـبق القـول‪ ،‬بحيـث لـو انعـدم أحدهـا أصبـح‬
‫عمـل الطبيـب غيـر مشـروع‪ ،‬ومـن ثـم يسـأل عنـه جنائيـًا‪ ،‬ويترتـب علـى ذلك عقوبـات جنائية‬
‫وتأديبيـة ومدنيـة‪ ،‬تتمثـل األخيـرة فـي حـق المريـض فـي الحصول على تعويـض عما لحقه من‬
‫أضـرار ومـا فاتـه مـن مكاسـب سـواء كانت ماديـة أو معنوية‪.‬‬

‫(‪ ((2‬د‪ .‬محمد رمضان بارة‪ ،‬القانون الجنائي الليبي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.170‬‬
‫(‪ ((2‬د‪ .‬رؤوف عبيـد‪ ،‬جرائـم االعتـداء علـى األشـخاص واألمـوال في قانـون العقوبـات المصري‪ ،‬الطبعة الخامسـة‪،‬‬
‫القاهـرة‪ ،1965 ،‬ص ‪ ،105‬د‪ .‬أسـامة قايـد‪ ،‬المسـؤولية الجنائيـة لألطبـاء‪ ،‬مرجع سـابق‪ ،‬ص‪.152‬‬
‫(‪ ((2‬د‪ .‬أسامة قايد‪ ،‬المسؤولية الجنائية لألطباء‪ ،‬دراسة مقارنة‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.152‬‬

‫‪161‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫املبحث الثاني‪ :‬أركان املسؤولية الطبية للطبيب‪:‬‬


‫ﺍﻟﻤﺴﺅﻭﻟﻴﺔ ﺍﻟﺠنائيـة ﻓﻲ ﻤﻌﻨﺎﻫﺎ ﺍﻟﻌﺎﻡ ﻫﻲ ﺘﻌﺒﻴﺭ ﻋﻥ ﺜﺒﻭﺕ ﻨﺴﺒﺔ ﺍﻟﻭﻀﻊ ﺍﻹﺠﺭﺍﻤﻲ ﻟﻠﻭﺍﻗﻌﺔ‬
‫ﺍﻟﻤﺎﺩﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻴﺠﺭﻤﻬﺎ ﺍﻟﻘﺎﻨﻭﻥ ﺇﻟﻰ ﺸﺨﺹ ﻤﻌﻴﻥ ﻤﺘﻬﻡ ﺒﻬﺎ(‪ ،((2‬وأسـاس المسـؤولية الجنائيـة هـو‬
‫الخطـأ‪ ،‬وجوهرهـا اإلرادة واإلدراك‪ ،‬وأركان وأسـاس المسـؤولية الطبيـة للطبيـب تقـوم على ركن‬
‫الخطـأ الطبـي‪ ،‬والضـرر‪ ،‬وعالقـة السـببية بيـن الخطـأ والضـرر‪ ،‬ومـن ثـم سـوف نتنـاول هـذه‬
‫األركان علـى النحـو التالـي‪:‬‬
‫املطلب األول‪ :‬ركن اخلطأ الطيب‪:‬‬
‫تعـددت االتجاهـات الفقهيـة فـي تحديدها لمعنـى الخطأ‪ ،‬فالبعض يرى أن الخطأ هو العمل‬
‫الضـار غيـر المشـروع‪ ،‬والبعـض اآلخـر يـرى أنـه إخلال بالتزام سـابق‪ ،‬ورأي أخير يـرى أن الخطأ‬
‫هـو اعتـداء علـى حـق يـدرك المعتـدي فيـه جانـب االعتـداء‪ ،‬فالخطـأ هـو تقصيـر فـي مسـلك‬
‫اإلنسـان وانحـراف عـن سـلوك الشـخص المعتـاد مـع اإلدراك والتمييـز لهـذا االنحـراف‪ ،‬ويعـد‬
‫الخطـأ العنصـر األساسـي فـي المسـؤولية التقصيريـة‪ ،‬وهـو عمـاد المسـؤولية المدنيـة الناتجـة‬
‫عـن فعـل الشـخص غيـر المشـروع‪ ،‬وأركانهـا تتمثـل فـي "خطـأ‪ ،‬وضـرر‪ ،‬وعالقة سـببية(‪ ،((2‬وهو‬
‫مـا نصـت عليـه المـادة(‪ )166‬مـن القانـون المدنـي الليبـي‪ ،‬ويقابلهـا نـص المـادة (‪ )163‬مـن‬
‫سـبب ضـر ًرا للغيـر يلـزم مـن ارتكبـه‬
‫القانـون المدنـي المصـري والتـي تنـص علـى أن‪" :‬كل خطـأ َّ‬
‫بالتعويـض‪ ،‬ولـم يضـع المشـرع تعريفـ ًا محـددًا للخطـأ؛ بسـبب اختلاف وجهـات النظر فـي معيار‬
‫الخطـأ‪ ،‬فالبعـض ينظـر إليـه فـي ذاتـه ال لمرتكبـه‪ ،‬فـي حيـن تبنـى البعـض اتجاهـ ًا شـخصي ًا‪،‬‬
‫ونتنـاول ركـن الخطـأ الطبـي بعـرض صـور ودرجـات الخطـأ الطبـي‪ ،‬ومعيـار تقديـر الخطـأ الطبـي‬
‫للطبيـب‪ ،‬والطبيعـة القانونيـة لمسـؤولية الطبيـب‪ ،‬وكيفيـة إثبـات الخطـأ الطبـي علـى النحـو‬
‫التالي‪:‬‬
‫الفرع األول‪ :‬صور اخلطأ الطيب‪:‬‬
‫تتمثـل صـور الخطـأ الطبـي فـي اإلهمـال‪ ،‬والرعونـة‪ ،‬وعـدم االحتيـاط أو قلـة االحتـراز‪،‬‬
‫وعـدم مراعـاة القوانيـن والقـرارات واللوائـح المنظمـة لمهنـة الطب‪ ،‬وحددت المـادة ‪ 3 /63‬من‬
‫قانـون العقوبـات الليبـي صـور الخطـأ بصفـة عامـة‪ ،‬وتتمثـل فـي "االهمـال‪ ،‬والطيـش‪ ،‬وعـدم‬
‫الدرايـة‪ ،‬ومخالفـة القوانيـن أو اللوائـح أو األوامـر أو األنظمـة"‪ ،‬ونتنـاول هـذه الصور على النحو‬
‫التالي‪:‬‬
‫أو ًال‪ :‬اإلهمال‪:‬‬
‫ينصـرف اإلهمـال إلـى التصرفـات السـلبية حيـث يغفـل اإلنسـان عـن القيـام بمـا يوجبـه‬
‫الحـذر واالنتبـاه والحيلولـة دون وقـوع نتيجـة ضـارة (‪ ،((3‬واإلهمـال مـرادف لعـدم االنتباه‪ ،‬وهو‬
‫تـرك أو عـدم اتخـاذ االحتيـاط الـذى تقتضيـه الحيطـة والحـذر‪ ،‬ولـو قـام بـه الفاعـل لتجنـب‬
‫وقـوع الحـادث‪ ،‬كصاحـب المصنـع الـذى ال يقـوم بتغطيـة األجـزاء الخطـرة مـن اآلالت بأجهـزة‬
‫سـاما‪ ،‬والطبيـب الـذى يسـتعمل آلـة‬
‫الوقايـة مـن الخطـر‪ ،‬والصيدلـي الـذى يصـرف خطـأ دواء ًّ‬

‫(‪ ((2‬د‪ .‬عـز الديـن الدينـاﺼﻭﺭﻱ‪ ،‬ﻭﻋﺒﺩ ﺍﻟﺤﻤﻴﺩ ﺍﻟﺸﻭﺍﺭﺒﻲ‪ ،‬ﺍﻟﻤﺴﺅﻭﻟﻴﺔ ﺍﻟﺠﻨﺎﺌﻴﺔ ﻓﻲ قانون العقوبات واإلجراءات ﺍﻟﺠﻨﺎﺌﻴﺔ‪،‬‬
‫ﺍﻟﻔﻨﻴﺔ ﻟﻠﺘﺠﻠﻴﺩ الفني‪ ،‬مصر‪ ،‬اإلسـكندرية ‪ ،2002‬ص ‪.12‬‬
‫(‪ ((2‬لمزيـد مـن التفصيـل حول الخطأ انظر‪ :‬د‪ .‬عبد الرازق السـنهوري‪ ،‬الوسـيط في شـرح القانـون المدني الجديد‪،‬‬
‫ج ‪ ،1‬مصـادر االلتـزام‪ ،‬ط ‪ ،2‬دار النهضـة العربية‪ ،‬القاهـرة‪ ،‬عـام ‪1964‬م‪ ،‬ص ‪ ،967 ،777‬د‪ .‬فتحي عبد الرحيم‬
‫عبـد اهلل‪ ،‬شـرح النظريـة العامـة لاللتـزام‪ ،‬الكتـاب األول‪ ،‬مصـادر االلتـزام‪ -‬منشـأة المعـارف – اإلسـكندرية‪ ،‬عام‬
‫‪2001‬م‪ ،‬ص ‪.435‬‬
‫(‪ ((3‬د‪ .‬محمـد رمضـان بـارة‪ ،‬قانـون العقوبـات الليبـي‪ ،‬القسـم الخـاص‪ ،‬ج‪ ،1‬جرائـم االعتـداء على األشـخاص‪،‬‬
‫‪2010‬م‪ ،‬الشـركة الخضـراء للطباعـة والنشـر‪ ،‬عـام ‪ ،2010‬ص ‪.116‬‬

‫‪162‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫الجفـت فـي الـوالدة دون حيطـة وحـذر؛ ممـا نتـج عنـه إصابـة الطفـل المولـود‪ ،((3(.‬وفـي شـأن‬
‫ذلـك قضـت محكمـة النقـض بأنـه‪ :‬إذا عـرض الحكـم لبيـان ركـن الخطـأ المسـند إلـى المتهـم‬
‫الثانـي (طبيـب) بقولـه ‪":‬إنـه طلـب إلـى الممـرض والتمرجـي أن يقدما له بنجًا موضعي ًا بنسـبة‬
‫‪ 1%‬دون أن يضيـف هـذا المخـدر‪ ،‬ودون أن يطلـع علـى الزجاجـة التـي وضـع فيهـا ليتحقـق مما‬
‫إذا كان هـو المخـدر الـذى يريـده أم غيـره‪ ،‬ومـن أن الكميـة التـي حقنـت بهـا المجنـي عليهـا‬
‫تفـوق إلـى أكثـر مـن ضعـف الكميـة المسـموح بهـا‪ ،‬ومـن أنـه قبـل أن يجـري عمليـة جراحيـة‬
‫قـد تسـتغرق سـاعة فأكثـر‪ ،‬دون أن يسـتعين بطبيـب خـاص بالمخـدر ليتفـرغ هـو إلـى مباشـرة‬
‫العمليـة‪ ،‬ومـن أن الحـادث وقـع نتيجـة مباشـرة إلهمالـه وعدم تحرزه‪ ،‬بـأن حقن المجني عليها‬
‫بمحلـول "البونتوكاييـن" بنسـبة ‪ ،1%‬وهـى تزيـد عشـر مـرات عـن النسـبة المسـموح بهـا؛‬
‫فتسـممت وماتـت "‪ -‬فـإن مـا أورده الحكـم مـن أدلـة علـى ثبـوت خطـأ الطاعـن من شـأنه أن يؤدي‬
‫إلـى مـا رتبـه عليهـا ‪ -‬أمـا مـا يقولـه المتهـم مـن أن عملـه فـي مستشـفى عـام قائـم علـى نظـام‬
‫التقسـيم والتخصـص‪ ،‬يعفيـه مـن أن يسـتوثق مـن نـوع المخـدر وصالحيتـه‪ ،‬وأنـه مـادام ذلـك‬
‫المخـدر قـد أعـد مـن موظـف فنـى مختـص وأودع غرفـة العمليـات ‪ -‬فإنـه فـي حل من اسـتعماله‬
‫دون أي بحـث‪ -‬هـذا الدفـاع مـن جانـب المتهـم هـو دفـاع موضوعـي ال تلتـزم المحكمـة بالـرد‬
‫عليـه‪ ،‬بـل إن الـرد عليـه مسـتفاد مـن أدلـة الثبـوت التـي أوردتهـا المحكمـة علـى خطـأ المتهـم‪،‬‬
‫وأسسـت عليهـا إدانتـه‪ ،‬وهـو مـا أولتـه ‪ -‬بحـق ‪ -‬علـى أنـه خطـأ طبـى وتقصيـر مـن جانـب المتهـم‬
‫ال يقـع مـن طبيـب يقـظ فـي نفـس الظـروف الخارجيـة‪ ،‬التـي أحاطـت بالطبيـب المسـئول‪ ،‬بمـا‬
‫يفيـد أنـه وقـد حـل محـل أخصائـي التخديـر‪ ،‬فإنـه يتحمـل التزاماتـه ومنـه االسـتيثاق مـن نوع‬
‫المخـدر"(‪.((3‬‬
‫ثانيًا‪ :‬الطيش‪:‬‬
‫الطيـش هـو ارتـكاب سـلوك علـى نحـو ال يتفـق مع ظروف الحالة‪ ،‬وال يتناسـب مع االحتياط‬
‫الـذي تمليـه الخبـرة العاديـة‪ ،‬وتوظيفـه لحمايـة األفـراد يعتبـر طيشـًا(‪ ،((3‬والطيـش هـو الخطأ‬
‫الـذى ال يقـع مـن شـخص متبصـر ومـدرك للعواقـب‪ ،‬كالقيـادة بحالـة تعـرض حيـاة األشـخاص‬
‫واألمـوال للخطـر‪ ،‬أو القيـادة بسـرعة تزيـد عـن الحـد المقـرر قانونـ ًا‪ ،‬أو إجـراء عملية جراحية‬
‫بداخـل مقلـة العيـن دون إجـراء الفحـوص الالزمـة للتأكـد مـن عـدم وجـود عـدوى ميكروبيـة‬
‫تسـبح علـى سـطح العيـن‪ ،‬ممـا قـد يترتـب عليـه التهـاب داخـل العيـن وربما فقد إبصارهـا‪ ،‬أو أن‬
‫يقـوم الطبيـب بعلاج المريـض‪ ،‬وهـو يعلـم أن حالتـه ال تسـاعد علـى التركيـز الشـديد والقيـام‬
‫بعملـه علـى أكمـل وجـه‪ ،‬وهكـذا نـرى أن الطيـش هـو خطـأ فـي تقديـر الخطر الـذى يقدم عليه‬
‫الفاعل(‪.((3‬‬
‫ثالثًا‪ :‬عدم الدراية (الرعونة)‪:‬‬
‫عـدم الدرايـة‪ ،‬هـو اضطلاع شـخص بعمل تنقصـه المعرفة التامة أو القـدرة الالزمة للقيام‬
‫بـه‪ ،‬فهـي تنطـوي علـى جهـل الفاعـل أو الجانـي‪ ،‬أو قصـوره فـي العمـل الـذى قام به‪ ،‬سـواء أكان‬
‫ذلـك العمـل الـذى قـام بـه ماديـا أو أدبيًا‪ ،‬والرعونة تعني نقص المهارة أو الجهل وسـوء التصرف‬
‫وعـدم الكفـاءة والعلـم بأصـول المهنـة‪ ،‬يـراد بـه سـوء التقديـر(‪ ،((3‬ويدخـل فـي هـذه الطائفـة‬

‫(‪ ((3‬انظر‪ :‬المحكمة العليا‪ ،‬جلسة ‪.1974/6/4‬‬


‫(‪ ((3‬انظر‪ :‬الطعن رقم ‪ 1332‬لسنة ‪ 28‬المكتب الفني رقم ‪ ،91‬بتاريخ ‪1959-01-27‬م‪.‬‬
‫(‪ ((3‬د‪ .‬محمـد رمضـان بـارة‪ ،‬قانـون العقوبـات الليبـي‪ ،‬القسـم الخـاص‪ ،‬ج‪ ،1‬جرائـم االعتـداء على األشـخاص‪،‬‬
‫المرجـع السـابق‪ ،‬ص ‪.116‬‬
‫(‪ ((3‬د‪ .‬محمد حسنين منصور‪ ،‬المسؤولية الطبية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.52‬‬
‫(‪ ((3‬د‪ .‬محمـود نجيب حسـني‪ ،‬شـرح قانـون العقوبـات العـام‪ ،‬دار النهضة العربيـة‪ ،‬القاهـرة‪ ،1989،‬ص‪ ،651‬د‪.‬‬
‫محمـد حسـنين منصـور‪ ،‬المسـؤولية الطبيـة‪ ،‬المرجـع السـابق‪ ،‬ص ‪ ،53‬د‪ .‬محمـد رمضان بـارة‪ ،‬قانـون العقوبات‬
‫الليبـي‪ ،‬القسـم الخـاص‪ ،‬ج‪ ،1‬جرائـم االعتـداء على األشـخاص‪ ،‬المرجـع السـابق‪ ،‬ص ‪.117 ،116‬‬

‫‪163‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫األخطـاء المهنيـة التـي يرتكبهـا األطبـاء والصيادلـة وأصحاب المهن األخـرى‪ ,‬متى كانت ناتجة‬
‫عـن إخلال بقواعـد المهنـة وتكشـف علـى جهـل الفاعـل أو قصـوره بأصـول المهنـة‪ ,‬وتطبيقـا‬
‫لذلـك حكـم بـأن الشـخص الـذى يتدخـل فـي عمليـة توليـد دون أن يكـون مرخصـا لـه بمزاولـة‬
‫مهنـة الطـب‪ ،‬ويتسـبب فـي قتـل المجنـي عليهـا‪ ،‬يرتكـب الجريمتيـن المنصـوص عليهمـا فـي‬
‫المـواد ‪ 377, 251‬مـن قانـون العقوبـات(‪ ،((3‬وفـي شـأن ذلـك قضـت محكمـة النقـض المصريـة‬
‫بـأن‪ :‬اآلثـار الحيويـة الموجـودة بـرأس الجنيـن‪ ،‬الـذى عثـر عليـه الطبيـب الشـرعي بالتجويـف‬
‫البطنـي‪ ،‬تشـير إلـى أنـه وقـت إجـراء عمليـة اإلجهاض كان الجنين مازال حيـا وغير متعفن‪ ،‬كما‬
‫يقـرر المتهـم‪ ،‬وأنـه يفسـر تشـخيص المتهـم لوفـاة الجنيـن نتيجـة لعـدم سـماعه ضربـات قلـب‬
‫الجنيـن‪ ،‬وأنـه فـي مثـل هـذه المـدة مـن الحمـل التـي وصلـت إليهـا المجنـي عليهـا مـا كان ينبغـي‬
‫ال عما ظهر‬ ‫اسـتعمال جفـت البويضـة السـتخراج الجنيـن علـى عـدة أجزاء كما قرر المتهـم‪ ،‬فض ً‬
‫مـن وجـود تمزيـق كبيـر بالرحـم‪ ،‬وأن ذلـك مفـاده أن المتهـم قد أخطأ في الطريقـة التي اتبعها‬
‫فـي إنـزال الجنيـن؛ األمـر الـذي أدى إلـى حـدوث الوفـاة نتيجـة تمـزق الرحـم‪ ،‬ومـا صحبـه مـن‬
‫ً‬
‫خطأ‬ ‫نزيـف وصدمـه عصبيـة‪ ،‬وانتهـى الطبيـب الشـرعي فـي تقريـره إلـى أن ذلـك فـي رأيـه يعد‬
‫مهنيـًا جسـيمًا‪ .‬وأنـه ممـا يزيـد مـن مسـئولية الطبيـب المتهـم أنـه قـد فـوت على المجنـي عليها‬
‫فرصـة عالجهـا علـى يـد أخصائـي‪ ،‬بعـدم تحويلهـا إلـى إحـدى المستشـفيات‪ ،‬ثم خلـص الحكم‬
‫إلـى ثبـوت االتهـام المسـند إلـى الطاعـن فـي قولـه‪ :‬ومـن حيـث أنـه يبيـن ممـا تقـدم أن التهمة‬
‫األولـى ثابتـه فـي حـق المتهـم مـن أقـوال الشـهود سـالفة الذكـر‪ ،‬وقـد جـاءت قاطعـة الداللـة‬
‫علـى أن المتهـم أجـرى عمليـة إجهـاض للمجنـي عليهـا أودت بحياتهـا‪ ،‬ومن أقوال المتهم نفسـه‪،‬‬
‫ال جفـت البويضـة‪ ،‬ومـن التقريـر الطبـي الشـرعي‪،‬‬ ‫وقـد اعتـرف بإجرائـه تلـك العمليـة مسـتعم ً‬
‫وقـد ثبـت منـه أنـه مـا كان ينبغـي للمتهـم اسـتعمال ذلـك الجفـت وهو يـدرك أن المجنـي عليها‬
‫فـي الشـهر الخامـس الرحمـي‪ ،‬كمـا أن اسـتعمال تلـك اآللـة قـد أدى إلـى إحـداث تمزيـق كبيـر‬
‫ً‬
‫خطـأ مهنيـًا جسـيمًا مـن المتهـم‪ ،‬ولمـا كان ذلـك‪ ،‬وكانـت القاعـدة أن‬ ‫بالرحـم‪ ،‬وأن ذلـك يعـد‬
‫الطبيـب أو الجـراح المرخـص لـه بتعاطـي أعمـال مهنيـة ال يسـأل عـن الجريمة العمديـة‪ ،‬وإنما‬
‫ً‬
‫خطـأ جسـيم ًا‪،‬‬ ‫يسـأل عـن خطئـه الجسـيم‪ ،‬وكان المتهـم قـد أخطـأ فـي إجـراء تلـك العمليـة‬
‫فأهمـل ولـم يتبـع األصـول الطبيـة‪ ،‬وال أدل علـى جسـامة خطئـه مـن تركـه رأس الجنيـن‪ ،‬وقـد‬
‫وجدهـا الطبيـب الشـرعي بالتجويـف البطنـي عنـد تشـريح جثة المجنى عليهـا‪ .‬ولما كان ذلك‬
‫قـد أدى مباشـرة إلـى وفـاة المجنـي عليهـا فإنـه يتعيـن إدانـة المتهـم طبقـ ًا للمـادة ‪ 238‬مـن‬
‫قانـون العقوبات(‪.((3‬‬
‫رابعًا‪ :‬عدم مراعاة القوانني والقرارات واللوائح املنظمة ملهنة الطب‪:‬‬
‫‪ -1‬ع�دم مراع�اة القوانين‪ :‬يعـد القانـون مصـدرًا للتجريـم والعقـاب‪ ،‬وبنـاء علـى ذلـك ال يجـوز‬
‫تجريـم فعـل أو امتنـاع أو تقريـر عقوبـة لهمـا إال بنـاء علـى نـص صـادر مـن السـلطة التشـريعية‬
‫م‪ 1‬ع؛ وعلـى ذلـك فـإن انتهـاك القوانيـن المتعلقـة بالتجريـم والعقـاب تشـكل خطـأ‪ ،‬ويترتـب‬
‫بالتالـي المسـؤولية الجنائيـة‪ ،‬وبنـاء علـى ذلـك فـإن مخالفـة قانـون المسـؤولية الطبيـة رقـم‬
‫‪ 17‬لسـنة ‪ 86‬م‪ ،‬أو انتهـاك القانـون الصحـي رقـم ‪ 106‬لسـنة ‪ 73‬م يشـكل خطـأ يسـتوجب‬
‫المسـاءلة الجنائيـة‪.‬‬
‫‪ -2‬عدم مراعاة اللوائح‪ :‬يجب أن تفهم اللوائح بالمعنى الواسـع فهي تشـمل اللوائح التي تصدرها‬
‫السـلطة اإلداريـة‪ ،‬غيـر أنـه يشـترط أن تكـون الالئحـة مشـروعة‪ ،‬بمعنـى أن تكـون قد اسـتوفت‬
‫الشـروط الموضوعيـة والشـكلية إلصدارهـا‪ ،‬وأهـم هـذه الشـروط أن تكـون الالئحـة صـدرت عـن‬
‫الجهـة المختصـة بإصداراتهـا قانونـ ًا‪ ،‬وإال تعرضـت للدفـع بعـدم الشـرعية عنـد تطبيقها‪ ,‬غير‬
‫أن قبـول هـذا الدفـع ال يترتـب عليـه بالضـرورة الحكـم ببـراءة المتهـم‪ ،‬ذلـك أن عـدم مراعـاة‬

‫(‪ ((3‬محكمة زليتين الجزئية‪ ،‬جلسة ‪ 1959/6/6‬م‪.‬‬


‫(‪ ((3‬محكمة النقض المصرية‪ ،‬جلسة ‪ ،1968/1/8‬رقم ‪ 27 ،1920‬ق‪.‬‬

‫‪164‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫خطـأ مـن نـوع آخـر هو عـدم االنتبـاه أو عدم االحتيـاط(‪،((3‬‬ ‫ً‬ ‫الئحـة غيـر مشـروعة قـد يشـكل‬
‫ويعـد الشـخص بمجـرد مخالفـة الئحـة مـن اللوائـح فـي حكـم المخطـئ إذا وقعـت منـه حادثـه‬
‫خطـأ‪ ،‬ومـن أمثلـة ذلـك عـدم‬‫ً‬ ‫وهـو مرتكـب لهـذه المخالفـة‪ ،‬ومخالفـة الطبيـب للوائـح تشـكل‬
‫تبليغـه عـن واقعـة الوفـاة‪ ،‬أو الـوالدة‪ ،‬وفقـًا لنـص المـادة ‪ - 2 / 18‬والمـادة (‪ )34‬مـن الالئحـة‬
‫التنفيذيـة للقانـون الليبـي رقـم (‪ )36‬لسـنة ‪1965‬م‪ ،‬فـي شـأن األحـوال المدنيـة‪ ،‬وتجـدر‬
‫اإلشـارة إلـى أن مخالفـة اللوائـح معاقـب عليهـا بنـص المـادة(‪ )507‬من قانون العقوبـات الليبي‪،‬‬
‫التـي تنـص علـى أنـه "كل مـن خالـف أحـكام لوائـح البوليـس الصـادرة مـن جهـات اإلدارة العامة‬
‫أو البلديـة أو المحليـة يجـازى بالعقوبـات المقـررة فـي تلـك اللوائـح‪ ،‬بشـرط أن ال تزيـد مـدة‬
‫الحبـس علـى أسـبوع‪ ،‬والغرامـة علـى عشـرة دنانيـر‪ ،‬فـإن كانـت العقوبـة المقـررة فـي الالئحـة‬
‫زائـدة عـن هـذه الحـدود وجـب حتمـًا إنزالهـا إليهـا‪ .‬فـإذا كانـت الالئحـة ال تنـص علـى عقوبـة‬
‫عوقـب مـن يخالفهـا بغرامـة ال تجـاوز دينـارًا واحـدًا"‪.‬‬
‫‪ -3‬ع�دم مراع�اة األوام�ر واألنظمة‪ :‬األوامـر يقصد بها أوامر رجال السـلطة واألمن وجهات اإلدارة‬
‫العامـة‪ ،‬ويقصـد باألنظمـة القواعـد االتفاقيـة التـي مصدرهـا األفراد‪ ،‬وتشـكل مخالفـة األوامر‬
‫واألنظمـة صـورة مـن صـور الخطـأ المنصـوص عليهـا بالمـاده‪ 3/63‬مـن قانـون العقوبـات الليبي‪،‬‬
‫ويسـتوي أن تكـون تلـك األوامـر شـفوية أو مكتوبـة ولكنـه يشـترط أن تكـون األوامـر مشـروعة‪،‬‬
‫وال تكتسـب هـذه الصفـة إال إذا كانـت صـادرة ممـن يملـك إصدارهـا قانونـًا(‪ ،((3‬وعـدم مراعـاة‬
‫األنظمـة التـي تضعهـا السـلطة اإلداريـة فـي حفـظ النظـام واألمـن يرتـب المسـئولية الجنائيـة‬
‫إذا نتجـت عنـه نتائـج ضـاره‪.‬‬
‫ ‪-‬أما درجات الخطأ الطبي تتمثل في‪:‬‬
‫‪ -1‬اخلط�أ الطبي اجلس�يم‪ :‬يتمثـل الخطـأ الطبي الجسـيم في عدم قيـام الطبيب ببـذل العناية‬
‫الواجبـة عليـه بصـورة ال تصـدر عـن أقـل األطبـاء حرصـ ًا وتبصـرًا‪ ،‬وكثيـرًا مـا يقـع األطبـاء‬
‫فيهـا أثنـاء العمليـات الجراحيـة‪ ،‬ويتخـذ الخطـأ الجسـيم فـي المجـال الطبـي صـو ًرا عديـدة‪،‬‬
‫كاسـتئصال العضـو السـليم بـدال مـن العضـو المريـض‪ ،‬أو نـزع كليـة سـليمة بـدال مـن المريضة‪،‬‬
‫أو إجـراء عمليـة جراحيـة علـى العيـن السـليمة بـدال مـن العيـن المريضـة‪ ،‬فهـي أخطـاء غيـر‬
‫مغتفـرة؛ ألنهـا أمـور واضحـة تظهـر لـه لـو قـام بمراجعتهـا قبـل التدخـل الجراحـي‪ ،‬كمـا يعـد‬
‫الطبيـب الـذي تخلـى بإرادتـه عـن علاج المريـض‪ ،‬وتركـه يعانـي مـن آالم فـي اليـد علـى أنـه‬
‫ليسـت لـه آثـار سـلبية‪ ،‬وأدى فـي النهايـة إلـى بتـر ذراع المريـض‪ ،‬أو تخلـى الطبيـب عـن علاج‬
‫جسـيما‬
‫ً‬ ‫المريـض دون سـبب؛ ممـا يـؤدي إلـى وفاتـه‪ ،‬فيعـد هـذا إهمـاال مـن جانبـه‪ ،‬ويمثـل خطأ‬
‫يسـتوجب قيـام المسـؤولية(‪.((4‬‬
‫‪ -2‬اخلطأ الطيب اليسير‪ :‬يقصد بالخطأ الطبي اليسـير "الخطأ الذي ال يرتكبه الشـخص المعتاد‬
‫مـن النـاس"(‪ ،((4‬وهـو الخطـأ الـذي يـرى الطبيـب اليقـظ الـذي ُوجـد فـي نفـس ظـروف الطبيـب‬
‫المسـئول أنـه فـي الغالـب غيـر محتمـل الحـدوث‪ ،‬والقضـاء المصـري لـم يفـرق بيـن الخطـأ الهين‬
‫والخطـأ الجسـيم‪ ،‬إذ قضـت محكمـة النقـض بـأن‪" :‬الطبيـب الـذي يخطـئ مسـئول عـن نتيجـة‬
‫خطئـه بـدون تفريـق بيـن الخطـأ الهيـن والجسـيم‪ ،‬وال بيـن الفنييـن وغيرهـم‪ ،‬ويسـأل الطبيـب‬
‫خطـأ جسـيم ًا أو يسـيرًا‪ ،‬فلا يتمتـع باسـتثناء خـاص"‪ .‬أمـا اتصـال الخطأ‬ ‫ً‬ ‫عـن إهمالـه سـواء أكان‬
‫بمهنـة الطـب فيشـمل الخطـأ العـادي والخطـأ المهنـي‪ ،‬نتنـاول كل منهمـا علـى النحـو التالـي‪:‬‬

‫(‪ ((3‬انظر‪ :‬الالئحة التنفيذية للقانون الصحي الصادر بموجب قرار ‪ 654‬لسنة ‪ 1975‬م‪.‬‬
‫(‪ ((3‬د‪ .‬محمـد رمضـان بـارة‪ ،‬قانـون العقوبـات الليبـي‪ ،‬القسـم الخـاص‪ ،‬ج‪ ،1‬جرائـم االعتـداء على األشـخاص‪،‬‬
‫المرجـع السـابق‪ ،‬ص ‪.118‬‬
‫(‪ ((4‬د‪ .‬هشام عبد الحميد فرج‪ ،‬األخطاء الطبية‪ ،‬منشأة المعارف‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،2007 ،‬ص ‪.111‬‬
‫(‪ ((4‬د‪ .‬حسـام الديـن األحمـد‪ ،‬المسـؤولية الطبيـة فـي الجراحة التجميليـة‪ ،‬منشـورات الحلبي الحقوقيـة‪ ،‬لبنان‪،‬‬
‫‪ ،2011‬ص‪.211‬‬

‫‪165‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫أ‪ -‬الخطـأ العـادي‪ :‬يعـرف الخطـأ العـادي بأنـه ذلـك الخطـأ الخارج عن مهنة الطـب‪ ،‬أو الخطأ‬
‫الـذي ال شــأن لـه بفـن الطـب فـي ذاتـه‪ ،‬أي الـذي ال يخضـع للخالفـات الفنيـة وال يتصل بسـبب‬
‫باألصـول العالجيـة المعتـرف بهـا‪ ،‬ومـن أمثلـة الخطـأ العـادي أن يجـري طبيـب جـراح تجربـة‬
‫جراحيـة وهـو سـكران‪ ،‬أو بيـد مرتعشـة‪ ،‬أو بـدون تعقيـم األدوات الجراحيـة الالزمة قبل إجراء‬
‫الجراحـة(‪ ،((4‬أو اإلهمـال فـي تخديـر المريـض ونسـيان قطـع الشـاش أو اآلالت الجراحيـة فـي‬
‫بطـن المريـض‪ ،‬أو يصـف الطبيـب دواء قبـل إجـراء الكشـف الطبـي علـى المريـض‪ ،‬أو تحريـر‬
‫تقريـر طبـي مخالـف للحقيقـة (‪.((4‬‬
‫ب‪ -‬الخطـأ الفنـي‪ :‬يقصـد بالخطـأ الفنـي (المهنـي) بوجـه عـام‪ ،‬هو انحراف شـخص ينتمي‬
‫إلـى مهنـة معينـة عـن األصـول التـي تحكـم هـذه المهنـة‪ ،‬وتقيـد أهلهـا عنـد ممارسـتهم لهـا‪،‬‬
‫فهـو إخلال بواجـب خـاص مفـروض علـى فئـة محـددة مـن النـاس ينتسـبون إلـى مهنـة معينـة‪،‬‬
‫كاألطبـاء‪ ،‬والمهندسـين‪ ،‬والمحاميـن‪ ،‬والقضـاة‪ ،‬والخطـأ الفنـي (المهنـي) المقصـود بـه هنـا‪ :‬هو‬
‫حـدد هـذا الخطـأ بالرجـوع إلـى‬‫الـذي يصـدر مـن الطبيـب باعتبـاره ذا خبـرة فنيـة طبيـة‪ ،‬و ُي َّ‬
‫القواعـد العلميـة والفنيـة للمهنـة‪ ،‬ومخالفـة قواعـد العلـم‪ ،‬أو مخالفـة األصـول الفنيـة التـي‬
‫تلـزم القواعـد الطبيـة كل طبيـب أن يقـوم بمراعاتهـا‪ ،‬ويرجـع الخطـأ إلـى أمريـن همـا‪ :‬الجهـل‬
‫بالقواعد المهنية واألصول العلمية أو تطبيقها تطبيق ًا غير سـليم‪ ،‬وإلى عدم حسـن التقدير‬
‫تـرك فيهـا مجـال للتقديـر‪ ،‬ومـن أمثلـة الخطـأ الفنـي‪ :‬الطبيـب الـذي يهمـل‬‫فـي الحـاالت التـي ُي َ‬
‫إجـراء فحـص عـادي‪ ،‬وأدى ذلـك بـه للوصـول إلـى تشـخيص خاطـئ(‪.((4‬‬
‫والـرأي الغالـب فـي الفقـه الليبـي(‪ ،((4‬يـرى أنـه يجـب مسـاءلة األطبـاء عـن كل خطـأ مـادي‬
‫أو فنـي‪ ،‬جسـيم ًا كان أم يسـيرًا‪ ،‬وهـو مـا قررتـه المـادة (‪ )23‬مـن القانـون الليبـي رقـم (‪)17‬‬
‫لسـنة ‪1986‬م بشـأن المسـئولية الطبيـة‪ ،‬التـي تقـرر أنـه "تترتـب المسـئولية الطبيـة علـى‬
‫كل خطـأ مهنـي ناشـئ عـن ممارسـة نشـاط طبـي سـبب ضـررًا للغيـر‪ ،‬ويعد خطأ مهنيـ ًا كل إخالل‬
‫بالتـزام تفرضـه التشـريعات النافـذة أو األصـول العلميـة المسـتقرة للمهنـة‪ ،‬كل ذلـك مع مراعاة‬
‫الظـروف المحيطـة واإلمكانيـات المتاحـة‪ ،‬ويعـد نشـوء الضـرر قرينـة علـى ارتـكاب الخطـأ أو‬
‫اإلخلال بااللتـزام‪ ،‬ويثبـت رفـض المريـض للعلاج بإقـراره كتابـة أو باإلشـهاد عليـه‪ .‬كما قررت‬
‫المـادة ‪ 24‬بأنـه "ال تقـوم المسـئولية الطبيـة إذا كان الضـرر ناشـئ ًا عـن رفض المريض للعالج‪،‬‬
‫أو عـدم اتباعـه التعليمـات الطبيـة برغـم نصحـه بالقبـول‪ ،‬وذلـك كلـه دون اإلخلال بحكـم‬
‫البند ب من المادة السادسـة من القانون الليبي رقم (‪ )17‬لسـنة ‪ 1986‬م بشـأن المسـئولية‬
‫الطبية‪.‬‬
‫واجلدي�ر بالذك�ر أن القانـون لـم يفرق من حيث قيام المسـؤولية بيـن الخطأ الفني والخطأ‬
‫المـادي‪ ،‬وال يجـوز اإلعفـاء أو التخفيـف مـن المسـئولية الطبيـة قبـل وقوع الضـرر‪ ،‬ويقع باطال‬
‫كل اتفـاق علـى ذلـك‪ .‬وكذلـك الفقـه المصـري يقرر مسـاءلة األطباء عـن كل خطِأ مادي أو فني‪،‬‬
‫جسـيمًا كان أم يسيرًا(‪.((4‬‬
‫‪ -‬معيـار تقديـر الخطـأ الطبـي للطبيـب‪ :‬اختلفـت اآلراء الفقهيـة حـول تحديد المعيـار اإللزامي‬
‫(‪ ((4‬د‪ .‬رؤوف عبيد‪ ،‬السببية الجنائية بين الفقه والقضاء‪ ،‬القاهرة‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،1984 ،‬ص ‪.217‬‬
‫(‪ ((4‬مفتـاح مصبـاح بشـير الغزالـي‪ ،‬المسـؤولية الجنائيـة لألطباء عـن التجارب الطبيـة والعلمية‪ ،‬المكتـب الوطني‬
‫للبحـث والتطوير‪ ،‬بنغـازي‪ ،2005 ،‬ص ‪.312‬‬
‫(‪ ((4‬د‪ .‬عوض محمد‪ ،‬قانون العقوبات‪ ،‬القسم العام‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،‬دار المطبوعات الجديدة‪ ،1998 ،‬ص ‪.247‬‬
‫(‪ ((4‬د‪ .‬موسـى مسـعود رحومـة "رحمـة اهلل عليـه"‪ ،‬مسـؤولية الطبيـب الجنائية الناشـئة عـن خطأه فـي العالج في‬
‫القانـون الليبـي والمقـارن‪ ،‬بحـث ضمـن أعمال النـدوة األولى حـول المسـؤولية الطبيبة فـي القانون الليبـي لجامعة‬
‫العـرب الطبيـة‪ ،‬بنغـازي‪ ،‬ليبيا‪ ،‬الفتـرة مـن ‪ ،1991/5/ 23 ،22‬ص ‪.8‬‬
‫(‪ ((4‬د‪ .‬محمـود محمـود مصطفـى‪ ،‬مسـؤولية األطبـاء والجراحيـن الجنائيـة‪ ،‬عمـان‪ ،‬األردن‪ ،‬دار اإلسـراء للنشـر‬
‫والتوزيـع‪ ،1998 ،‬ص ‪ ،34‬د‪ .‬فوزيـة عبـد السـتار‪ ،‬النظريـة العامـة للخطـأ غيـر العمـدي‪ ،‬دار النهضـة العربية‪،‬‬
‫‪ ،1977‬ص ‪.134‬‬

‫‪166‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫لقيـاس الخطـأ الطبـي‪ ،‬وانحصـر تحديدهمـا فـي معياريـن (شـخصي‪ ،‬موضوعـي)‪ ،‬نتنـاول كل‬
‫منهمـا علـى النحـو التالـي‪:‬‬
‫‪ -1‬املعي�ار الش�خصي‪ :‬يقصـد بـه إلـزام الطبيـب ببـذل مـا اعتـاد علـى بذلـه مـن يقظـة وتبصـر‪،‬‬
‫وإمكانيـة تجنـب الفعـل الضـار‪ ،‬وذلـك إذا وجـد فـي نفـس الظـروف التـي أحاطـت به سـواء أكانت‬
‫ظروفـ ًا خارجيـة أم ظروفـًا داخليـة‪ ،‬أي أنـه تتـم المقارنـة بيـن مـا صـدر عـن الطبيـب مـن خطأ‬
‫طبـي ومـا اعتـاد القيـام بـه فـي الظـروف ذاتهـا‪ ،‬أي الظـروف العاديـة للعمـل‪ .‬فـإذا ثبـت أنـه‬
‫كان فـي اسـتطاعته تجنـب الضـرر ولـم يفعـل‪ ،‬وصـف سـلوكه بالخطـأ أو اإلهمـال‪ ،‬لعـدم اتخـاذ‬
‫الحيطـة والحـذر(‪ ،((4‬وفـي شـأن ذلـك قضـت محكمـة النقـض المصريـة بـذات المبـدأ‪ ،‬حيـث‬
‫قـررت بـأن "التـزام الطبيـب ليـس التزامـًا بتحقيـق نتيجـة هـي شـفاء المريـض‪ ،‬وإنمـا التـزام‬
‫ببـذل عنايـة‪ ،‬إال أن العنايـة المطلوبـة منـه تقتضـي أن يبـذل لمريضـه جهـودًا صادقـة يقظـة‬
‫تتفـق فـي غيـر الظـروف االسـتثنائية مـع األصـول المسـتقرة فـي علـم الطـب‪ ،‬فيسـأل الطبيـب‬
‫عـن كل تقصيـر فـي مسـلكه الطبـي الـذي يقـع مـن طبيـب يقـظ فـي مسـتواه المهنـي‪ ،‬وجـد فـي‬
‫نفـس الظـروف المحيطـة‪ ،‬ويسـأل عـن جميـع أخطائـه حتى اليسـير منها(‪ ،((4‬وعليـه فإن الخطأ‬
‫الطبـي حسـب هـذا المعيـار يجـب األخـذ فيـه بعيـن االعتبـار مركـز الطبيـب العلمـي‪ ،‬ومـدى‬
‫تخصصـه وخبرتـه فـي ممارسـة المهنـة؛ ألن الخطـأ الطبـي الـذي يكـون أساسـه الجـراح مثال من‬
‫فعلـه الشـخصي يمكـن تعريفـه بأنـه‪" :‬تقصيـر فـي مسـلك الجـراح ال يقـع مـن جـراح وجـد فـي‬
‫نفـس الظـروف الخارجيـة بالجـراح المسـؤول"‪ .‬فاألصـل أن مسـؤولية الجـراح ال تثـور إال إذا‬
‫اعتبـر فعلـه خروجـ ًا عـن القواعـد الفنيـة‪ ،‬واألصـول العلميـة الثابتـة في علم الطب‪ ،‬إذا اتسـم‬
‫مسـلكه بالجهـل أو اإلهمـال الـذي ال يصـدر مـن جـراح فـي مسـتواه المهنـي‪ ،‬سـواء أكان هـذا فـي‬
‫مرحلـة اإلعـداد للعمليـة الجراحيـة‪ ،‬أو فـي أثنـاء إجرائها‪ ،‬أو فـي العناية الالزمة بعد إجرائها‪،‬‬
‫وعلـى الرغـم مـن وضـوح هـذا المعيـار إال أن هـذا االتجـاه واجـه النقـد‪ ،‬حيـث يـرى معارضـوه‬
‫أن هـذه القاعـدة فـي التقديـر ال تحقـق العدالـة؛ ألن تطبيقـه يمكـن أن يحاسـب مـن اعتـاد‬
‫اليقظـة علـى أقـل هفواتـه‪ ،‬وعـدم مجـازات مـن اعتـاد التقصيـر علـى تقصيـره (‪ ،((4‬كمـا يؤخـذ‬
‫عليـه صعوبـة تطبيقـه‪ ،‬حيـث يقتضـي ذلـك دراسـة شـاملة لشـخصية الطبيـب مرتكـب الخطـأ‪،‬‬
‫وظروفـه الخاصـة‪ ،‬وحالتـه العقليـة واالجتماعيـة والصحية‪ ،‬وكذلك الظروف المتصلة بجنسـه‬
‫وسـنه‪ ،‬كمـا أن تطبيقـه سـوف يـؤدي بالمسـؤولية الجنائيـة للطبيـب إلـى اعتمـاد مجموعـة مـن‬
‫االعتبـارات الشـخصية‪ ،‬ومـن ثـم عـدم قيامهـا علـى األخطـاء الطبيـة(‪.((5‬‬
‫‪ -2‬املعي�ار املوضوع�ي‪ :‬يجمـع الفقـه(‪ ((5‬علـى أن المعيـار الذي يقاس به الخطأ فـي االلتزام ببذل‬
‫عنايـة‪ ،‬هـو معيـار موضوعـي مجـرد يتمثـل فـي القيـاس علـى سـلوك الشـخص العـادي‪ ،‬والمعيـار‬
‫الموضوعـي ينفـرد فـي تقديـر الخطـأ الطبـي بسـلوك الطبيب المتوسـط الحيطـة واالنتباه‪ ،‬في‬
‫نفـس الظـروف الزمانيـة والمكانيـة وبتوافـر نفـس الوسـائل‪ .‬أي أن مسـاءلة الطبيـب جنائيـ ًا عن‬
‫خطئـه الطبـي ترتكـز فـي تقديرهـا بمراعـاة مـا أحـاط بالطبيـب العـادي عنـد مباشـرته لعملـه‬
‫الطبـي مـن ظـروف‪ ،‬تقـاس علـى أسـاس عمـل طبيـب مـن فئته متوسـط الحيطة والحـذر‪ .‬وبذلك‬
‫فـإن تقديـر الخطـأ الطبـي يعتمـد علـى سـلوك طبيـب نموذجـي يكـون من أوسـط األطبـاء خبرة‬
‫ومعرفـة بالمجـال الطبـي والجراحـي‪ .‬إال أن هـذا المعيـار لـم يسـلم مـن النقـد‪ ،‬علـى أسـاس أنـه‬

‫(‪ ((4‬د‪ .‬محسـن عبـد الحميـد البيـه‪ ،‬خطـأ الطبيـب الموجـب للمسـؤولية المدنيـة‪ ،‬مطبوعـات جامعـة الكويـت‪،‬‬
‫‪ ،1993‬ص‪.122‬‬
‫(‪ ((4‬مجموعة أحكام النقض‪ 11 ،‬فبراير ‪ ،1973‬س ‪ ،24‬رقم ‪ ،40‬ص ‪.180‬‬
‫(‪ ((4‬د‪ .‬محسن عبد الحميد البيه‪ ،‬خطأ الطبيب الموجب للمسؤولية المدنية‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.122‬‬
‫(‪ ((5‬د‪ .‬عبـد الـرزاق أحمد السـنهوري‪ ،‬الوجيز فـي النظرية العامة لاللتزام‪ ،‬اإلسـكندرية‪ ،‬منشـأة المعارف‪،2004 ،‬‬
‫ص ‪ 330‬د‪ .‬محسـن عبـد الحميـد البيه‪ ،‬خطـأ الطبيب الموجب للمسـؤولية المدنية‪ ،‬المرجع السـابق‪ ،‬ص‪.122‬‬
‫(‪ ((5‬د‪ .‬عبـد الـرزاق أحمـد السـنهوري‪ ،‬الوجيـز فـي النظرية العامـة اللتزام‪ ،‬المرجـع السـابق‪ ،2004 ،‬ص ‪،330‬‬
‫د‪ .‬محسـن عبـد الحميـد البيه‪ ،‬خطـأ الطبيب الموجـب للمسـؤولية المدنية‪ ،‬المرجـع السـابق‪ ،1993 ،‬ص‪.122‬‬

‫‪167‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫يقـوم علـى فكـرة مجـردة‪ ،‬باعتبـار أن نمـوذج المقارنـة لـن يكـون إال شـخصا نموذجيـ ًا؛ ولـذا تـم‬
‫الـرد علـى ذلـك بـأن فكـرة الرجـل العـادي‪ ،‬وإن كانـت تعبـر عـن سـلوك مجردً لشـخصية مجردة‪،‬‬
‫إال أنهـا تكتسـب مضمونهـا مـن فكـرة تصـرف األشـخاص العادييـن فـي شـئونهم الخاصة(‪.((5‬‬
‫‪ -3‬املعي�ار الراج�ح‪ :‬يعـد التـزام الطبيب من حيث األصل التـزام ببذل عناية‪ ،‬ويتلخص االلتزام‬
‫بعنايـة فـي بـذل الجهـود الصادقـة اليقظـة التـي تتفـق والظـروف القائمـة واألصـول العلميـة‬
‫الثابتـة‪ ،‬بهـدف تحسـين حالـة المريـض‪ ،‬وأي إخلال بهـذا االلتـزام يشـكل خطـأ طبيـ ًا يرتـب‬
‫مسـؤولية الطبيـب‪ ،‬وإذا كان األصـل فــي التـزام الطبيـب وهـو بـذل عنايـة(‪.((5‬‬
‫واجلدي�ر بالذك�ر أن االسـتثناء الـذي يـرد علـى هـذا األصـل يكـون االلتـزام فيهـا التـزام‬
‫الطبيـب بتحقيـق نتيجــة‪ ،‬كمـا فـي عمليـات نقـل الـدم والتحاليـل الطبيـة وعمـل التركيبـات‬
‫الطبيـة‪ ،‬وكذلـك االلتـزام بضمــان سلامة المريـض ‪ -‬وهـو مـا سـوف نتناولـه بالدراسـة فـي‬
‫المبحـث الثالـث ‪ ،-‬وهـذا المعيـار نتفـق معـه‪ ،‬إذ يجـب علـى الطبيـب مـن حيـث األصـل االلتـزام‬
‫ببـذل عنايـة‪ ،‬تتمثـل فـي بـذل الجهـود الصادقـة اليقظـة التـي تتفـق والظـروف القائمـة‬
‫واألصـول العلميـة الثابتـة‪.‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬ركن الضرر‪:‬‬
‫الضـرر بوجـه عـام هـو الركـن الثانـي فـي المسـؤولية المدنيـة‪ ،‬وبدونـه ال تقـوم‪ ،‬إذ إنـه‬
‫حتى ولو ثبت الخطأ في جانب الشـخص دون وجود ضرر‪ ،‬ال نسـتطيع مطالبته بالتعويض عن‬
‫خطئـه‪ ،‬وهـو وجـه االختلاف بينـه وبين الخطأ في مجال المسـؤولية الجنائيـة(‪ ،((5‬والضرر هو‬
‫األذى الـذي يصيـب اإلنسـان فـي جسـمه أو فـي مالـه‪ ،‬فيلحـق بـه خسـارة ماليـة‪ ،‬وهـذا هـو الضر‬
‫المـادي‪ ،‬أمـا الضـرر المعنـوي فهـو الضـرر الـذي يصيـب اإلنسـان في إحساسـه أو شـعوره أو كرامته‬
‫أو شـرفه(‪ ،((5‬ويجب التمييز بين الضرر المسـتقبل والضرر المحتمل‪ ،‬حيث يشـترط توافر عدة‬
‫(‪((5‬‬
‫شـروط فـي الضـرر حتـى يمكـن الحكـم بالتعويض للمضـرور عنه‪:‬‬
‫ً‬
‫فعلا أو كان‬ ‫‪ -1‬أن يك�ون الض�رر حمقق� ًا‪ :‬وهـو الضـرر المؤكـد الحدوث‪ ،‬سـواء أكان حـا ً‬
‫ال أي وقع‬
‫ال‪ ،‬إذا كان وجـوده مؤكـدًا‪ ،‬وإن تراخـى وقوعـه إلـى زمـن الحـق‪ .‬إال أنه ال يجوز التعويض‬‫مسـتقب ً‬
‫عـن الضـرر المحتمـل‪ ،‬وهـو الضـرر الـذي لـم يقـع وال يوجـد مـا يؤكـد وقوعـه مسـتقب ً‬
‫ال(‪. ((5‬‬
‫فالضـرر المحتمـل هـو ضـرر غيـر محقـق‪ ،‬قـد يقـع وقـد ال يقـع‪ ،‬فال يكـون التعويض عنـه واجب ًا‬
‫ً‬
‫فعلا (‪.((5‬‬ ‫إال إذا وقـع‬
‫‪ -2‬أن يك�ون الض�رر مباش�راً‪ :‬إن مسـؤولية المديـن (مرتكـب الفعـل الضـار) عـن التعويض تشـمل‬

‫(‪ ((5‬د‪ .‬محسن عبد الحميد البيه‪ ،‬خطأ الطبيب الموجب للمسؤولية المدنية‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.124‬‬
‫(‪ ((5‬د‪ .‬وفـاء حلمـي أبـو جميـل‪ ،‬الخطـأ الطبـي‪ ،‬دراسـة تحليليـة فقهيـة وقضائيـة في كل مـن مصر وفرنسـا‪ ،‬دار‬
‫النهضـة العربيـة‪ ،‬القاهـرة‪ ،1987،‬ص‪.48‬‬
‫(‪ ((5‬لمزيـد م�ن التفصي�ل راجع‪ :‬د‪ .‬س�ليمان مرقص‪ ،‬المس�ؤولية المدنية في تقني�ات البالد العربية‪ ،‬القس�م األول‪،‬‬
‫معه�د البحوث والدراس�ات العربية‪ ،‬جامعة الـدول العربية‪ ،‬القاهـرة‪ ،1971،‬ص ‪.127‬‬
‫(‪ ((5‬د‪ .‬فتحـي عبـد الرحيـم عبد اهلل‪ ،‬شـرح النظرية العامـة لاللتزام‪ ،‬الكتـاب األول‪ ،‬مصادر االلتزام‪ -‬مرجع سـابق‪،‬‬
‫ص ‪468‬‬
‫(‪ ((5‬د‪ .‬مصبـاح عبـد اهلل عبـد القـادر أحواس‪ ،‬أسـاس وطـرق التعويض عن األضـرار البيئية‪ ،‬رسـالة دكتوراه‪ ،‬دراسـة‬
‫مقارنـة‪ ،‬كليـة الحقـوق‪ ،‬جامعة عين شـمس‪ ،‬عـام ‪ 2011‬م‪ ،‬ص‪.34 – 32‬‬
‫(‪ ((5‬فـارس حامـد عبـد الكريـم ‪ ،‬الخطـأ والضـرر والرابطـة السـببية في المسـئولية عن الفعل الشـخصي كأسـاس‬
‫لتقديـر التعويـض – المرجـع السـابق – ص ‪ 8‬وما بعدها ‪ ،‬منشـور على شـبكة اإلنترنت على الرابـط التالي‪ :‬تاريخ‬
‫الدخول ‪ 2022/11/25‬السـاعة‪.9 :03 :‬‬
‫‪https www.mohamah.net//:‬‬
‫(‪ ((5‬د‪ .‬عـادل حمزة شـيبه منصور‪ ،‬مسـئولية الشـخص االعتبـاري التقصيرية‪ ،‬رسـالة دكتوراه‪ ،‬جامعـة القاهرة‪ ،‬عام‬
‫‪ ،1994‬ص ‪ 260‬ومـا بعدها‪.‬‬

‫‪168‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫الضـرر المـادي المباشـر كلـه متوقعـ ًا كان أو غيـر متوقـع‪ .‬وال مسـؤولية عـن الضـرر غير المباشـر‬
‫فـي كل األحـوال‪ ،‬ومعيـار التمييـز بيـن حـاالت الضـرر المـادي هـو معيـار موضوعـي (معيـار‬
‫الشـخص المعتـاد)‪ .‬فالضـرر المباشـر المتوقـع‪ ،‬هـو الضـرر الـذي يكـون نتيجـة طبيعيـة للخطـأ‪.‬‬
‫أمـا الضـرر غيـر المباشـر‪ ،‬فهـو الضـرر الـذي ال يكـون نتيجـة طبيعيـة مألوفـة للخطـأ‪ ،‬وهـو يعد‬
‫كذلـك إذا كان بإمـكان الدائـن أو المضـرور تجنبـه ببذل جهد معقول‪ ،‬وتقدر المحكمة التعويض‬
‫فـي جميـع األحـوال بقـدر مـا لحـق المتضـرر مـن ضـرر‪ ،‬ومـا فاتـه مـن كسـب‪ ،‬بشـرط أن يكـون‬
‫هـذا نتيجـة طبيعيـة للعمـل غيـر المشـروع(‪ ،((5‬فـإذا لـم يكـن هنـاك ضـرر فلا مسـؤولية مهمـا‬
‫كان الخطـأ مؤكـدا(‪ ،((6‬ويظهـر الضـرر فـي مجـال المسـؤولية المدنيـة الطبيـة فـي عـدة مظاهـر‬
‫تتمثـل فـي عـدم قـدرة المريـض علـى مزاولـة مهنتـه‪ ،‬أو فقـد حريتـه بحجـزه‪ ،‬أو االعتـداء‬
‫علـى حقـه فـي تكامـل جسـمه‪ ،‬أو إفشـاء الطبيـب لسـر مهنتـه(‪ ،((6‬وقضـى أنـه" متـى كان الحكـم‬
‫قـد انتهـى إلـى تبرئـة المطعـون ضـده مـن جريمتـي القتـل واإلصابـة الخطـأ والتمـاس العـذر له‬
‫وإسـقاط الخطـأ عنـه نظـرًا لزحمـة العمـل‪ ،‬وألنـه ال يوجـد بالوحـدة الطبيـة سـوى إنـاء واحـد‬
‫يقـر فيـه المـاء‪ ،‬أو يحضـر فيـه الطرطيـر؛ ممـا أوقعـه فـي الغلـط‪ ،‬وإلـى أن مـن مـات مـن األطفال‬
‫كان فـي حالـة مرضيـة تكفـى وحدهـا للوفـاة إال أن الحقـن عجـل بوفاتهـم‪ ،‬ممـا يقطـع رابطـة‬
‫السـببية بيـن الخطـأ بفـرض ثبوتـه فـي حقـه وبيـن المـوت الـذى حـدث‪ ،‬ومـا ذكـره الحكـم مـن‬
‫ذلـك سـواء فـي نفيـه الخطـأ أو فـي القـول بانقطاع رابطة السـببية خطأ فـي القانون‪ ،‬ذلك بأنه‬
‫مـا دام أن المطعـون ضـده وهـو طبيـب مـزج الـدواء بمحلـول الطرطيـر بـدال مـن المـاء المقطـر‬
‫الـذى كان يتعيـن مزجـه‪ ،‬فقـد أخطـأ سـواء أكان قـد وقـع فـي هـذا الخطـأ وحده أم اشـترك معه‬
‫الممـرض فيـه‪ ،‬وبالتالـي وجبـت مسـاءلته فـي الحاليـن؛ ألن الخطـأ المشـترك ال يجب مسـئولية‬
‫أي مـن المشـاركين فيـه؛ وألن اسـتيثاق الطبيـب مـن كنـه الـدواء الـذى يناولـه المريـض أو فـي مـا‬
‫يطلـب منـه فـي مقـام بـذل العنايـة فـي شـفائه‪ ،‬وبالتالـي فـإن التقاعـس عـن تحريـه والتحـرز‬
‫فيـه واالحتيـاط لـه إهمـال يخالـف كل قواعـد المهنـة وتعاليمهـا‪ ،‬وعليـه أن يتحمـل وزره‪ .‬كمـا‬
‫أن التعجيـل بالمـوت مـرادف إلحداثـه فـي توافـر عالقـة السـببية واسـتجاب المسـئولية‪ ،‬وال‬
‫يصلـح مـا اسـتندت إليـه المحكمـة مـن إرهـاق الطبيب بكثرة العمـل مبررًا إلعفائه مـن العقوبة‪،‬‬
‫وإن صلـح ظرفـ ًا لتخفيفهـا‪ .‬ومـن ثـم فـإن الحكـم المطعـون فيـه يكـون معيبـًا؛ ممـا يسـتوجب‬
‫نقضه (‪.((6‬‬
‫املطلب الثاني‪ :‬عالقة السببية بني اخلطأ والضرر‪:‬‬
‫تعد عالقة السببية الركن الثالث لقيام المسئولية التقصيرية‪ ،‬فال يكفي أن يكون هناك‬
‫خطـأ وضـرر‪ ،‬بـل يلـزم أن يكـون الضـرر نتيجـة حتميـة ومالزمـة للخطـأ‪ ،‬ولـن تكتمـل عناصـر‬
‫المسـؤولية التقليديـة إال بتوافـر األركان الثالثـة لقواعـد المسـؤولية‪ ،‬مـن خطأ وضرر وعالقة‬
‫سـببية‪ ،‬ويكـون إثبـات رابطـة السـببية فـي المسـؤولية عـن األضـرار علـى عاتـق المضـرور(‪،((6‬‬
‫ً‬
‫متصلا بالضـرر اتصـال‬ ‫وتوافـر عالقـة السـببية بيـن الخطـأ والضـرر يقتضـي أن يكـون الخطـأ‬

‫(‪ ((5‬فـارس حامـد عبـد الكريـم‪ ،‬الخطـأ والضـرر والرابطـة السـببية فـي المسـئولية عن الفعل الشـخصي كأسـاس‬
‫لتقديـر التعويـض‪ ،‬المرجـع السـابق‪ ،‬ص ‪ 9‬ومـا بعدها‪.‬‬
‫(‪ ((6‬حس�ام عبي�س ع�ودة‪ ،‬المس�ؤولية المدنية ع�ن األضرار التي يس�ببها الروبوت‪ )،‬دراس�ة تحليلية مقارن�ة (‪ ،‬كلية‬
‫اإلم�ام الكاظم‪ ،‬المغرب‪ ،‬عـام ‪ 2019‬م‪ ،‬ص ‪.751‬‬
‫(‪ ((6‬د‪ .‬عبد الرشيد مأمون‪ ،‬عقد العالج بين النظرية والتطبيق‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬عام ‪1986‬م‪ ،‬ص ‪.123‬‬
‫(‪ ((6‬انظـر‪ :‬الطعـن رقـم ‪ 0331‬لسـنة ‪ 40‬مكتب فنـي ‪ 21‬صفحة رقـم ‪ ،626‬بتاريـخ ‪ ،1970-04-20‬الطعن رقم‬
‫‪ 31881‬لسنة ‪ 69‬ق‪.‬‬
‫(‪ ((6‬د‪ .‬فتحـي عبـد الرحيـم عبد اهلل‪ ،‬شـرح النظرية العامـة لاللتزام‪ ،‬الكتـاب األول‪ ،‬مصادر االلتزام‪ -‬مرجع سـابق‪،‬‬
‫ص ‪ ،480‬د‪ .‬ع�ادل جب�ري محم�د حبي�ب‪ ،‬المفه�وم القانون�ي لرابط�ة السبـبية‪ ،‬دار الفك�ر الجامعي‪ ،‬اإلسـكندرية‪،‬‬
‫عـام ‪ 2003‬م‪ ،‬ص‪.241‬‬

‫‪169‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫السـبب‪ ،‬بحيـث ال يتصـور وقـوع بغيـر قيـام هـذا الخطـأ(‪ ،((6‬ومعيـار رابطـة السـببية يختلـف‬
‫فـي القانـون الجنائـي الـذي يأخـذ بالمفهـوم الواسـع علـى عكـس القانـون المدني‪ ،‬مثـال القانون‬
‫األلمانـي الـذي أخـذ قضـاؤه الجنائـي بنظريـة تكافـؤ األسـباب‪ ،‬فـي حيـن أخـذ قضـاؤه المدنـي‬
‫بنظريـة السـببية المالئمـة‪ ٬‬وفـي فرنسـا اتجـه القضـاء المدنـي لتبنـي نظريـة تكافؤ األسـباب‪،‬‬
‫ركنـا لقيـام المسـؤولية المدنيـة‪ ،‬ونتيجة للتوسـع فـي قرائن الخطأ‬ ‫عندمـا كان اشـتراط الخطـأ ً‬
‫وظهـور مـا يعـرف بنظريـة تحمـل التبعـة‪ ٬‬اتجـه القضـاء نحـو معيـار أكثـر تضييقـا لرابطـة‬
‫السـببية(‪ ،((6‬وبعـد ثبـوت أركان مسـؤولية الطبيـب التـي تتمثـل فـي الخطـأ والضـرر وعالقـة‬
‫ال مسـؤولية شـخصية فـي ذمتـه الماليـة الخاصـة عـن‬ ‫السـببية‪ ،‬فـإن الطبيـب يكـون مسـؤو ً‬
‫األضـرار التـي يسـببها للمريـض مـن جـراء أعمالـه الطبيـة تجاهـه‪ ،‬وتخضـع دعـوى المسـؤولية‬
‫المدنيـة للطبيـب لألحـكام العامـة فـي المسـؤولية المدنيـة‪ ،‬شـأنها فـي ذلـك شـأن أيـة دعـوى‬
‫مدنيـة أخـرى‪ ،‬فاألصـل فـي التعويـض أن يكـون عينيـ ًا؛ أي بإلـزام المسـؤول بإعـادة الحـال إلـى‬
‫مـا كان عليـه قبـل وقـوع الفعـل الضـار‪ ،‬وعلـى القاضـي أن يحكـم بـه‪ ،‬بنـاء علـى طلـب الدائـن‬
‫(المريـض)‪ ،‬إذا كان ممكنـ ًا وال يسـبب إرهاقـا للمديـن وال يشـكل بحريتـه الشـخصية؛ وللمديـن‬
‫نفقتـه‪ ،‬ونظـرًا لصعوبـة بـل السـتحالة‬
‫ً‬ ‫ذلـك كإلـزام الطبيـب بعلاج المريـض المضـرور علـى‬
‫الحكـم بالتعويـض العينـي فـي معظـم دعـاوى المسـؤولية الطبيـة‪ ،‬فإنـه يصـار إلـى التعويـض‬
‫بمقابـل‪ ،‬وبصفـة خاصـة فـي صـورة نقديـة‪ ،‬وتقديـر التعويـض مـن إطالقـات قاضـي الموضـوع‬
‫بحسـب مـا يـراه مناسـبًا لجبـر الضـرر‪ ،‬مـادام تقديـره قائمـًا علـى أسـباب سـائغة تبررهـا‪ ،‬وال‬
‫يوجـد فـي القانـون نـص يلزمـه معاييـر معينـه فـي هـذا الصـدد (‪.((6‬‬
‫واجلدي�ر بالذك�ر أن جريمـة اإلهمـال الطبـي كمـا سـبق القـول هـي الفعـل الـذي يصـدر من‬
‫الطبيـب تجـاه أحـد المرضـى برعونـة أو إهمـال أو عـدم احتـرازه أو عـدم مراعـاة للقوانيـن أو‬
‫اللوائح‪ ،‬ويؤدي ذلك اإلهمال الطبي إلى جرح بالمريض‪ ،‬أو إحداث عاهة مسـتديمة أو وفاته‪,‬‬
‫مهملا مقصـرًا في بعـض األحيان‪ ،‬ومن‬‫ً‬ ‫وعليـه نجـد الطبيـب كغيـره مـن البشـر مخطئـ ًا أحيانـ ًا أو‬
‫ثـم تصـدى قانـون العقوبـات لجريمـة اإلهمـال الطبـي‪ ،‬حيـث نصـت المـادة ‪ 244‬مـن قانـون‬
‫العقوبات المصري‪ ،‬التي تقرر على أن من تسـبب خطأ في جرح شـخص أو إيذائه بأن كان ذلك‬
‫ناشـئًا عـن إهمالـه أو رعونتـه أو عـدم احتـرازه أو عـدم مراعاتـه للقوانيـن والقـرارات واللوائـح‬
‫واألنظمـة يعاقـب بالحبـس مـدة ال تزيـد علـى سـنة‪ ،‬وبغرامة ال تجـاوز ‪ 200‬جنيه‪ ،‬أو بإحدى‬
‫هاتيـن العقوبتيـن‪ ،‬وتكـون العقوبـة الحبـس مـدة ال تزيـد علـى سـنتين وغرامـة ال تجـاوز ‪300‬‬
‫جنيـه أو إحـدى هاتيـن العقوبتيـن إذا نشـأ عـن اإلصابـة عاهة مسـتديمة أو إذا وقعت الجريمة‬
‫جسـيما بمـا تفرضـه عليـه أصـول وظيفتـه أو مهنتـه أو حرفتـه‪،‬‬ ‫ً‬ ‫نتيجـة إخلال الجانـي إخلا ً‬
‫ال‬
‫مسـكرا أو مخـد ًرا عنـد ارتكابـه الخطـأ الـذي نجـم عنـه الحـادث‪ ،‬أو نـكل وقـت‬
‫ً‬ ‫متعاطيـا‬
‫ً‬ ‫أو كان‬
‫الحـادث عـن مسـاعدة مـن وقعـت عليـه الجريمـة أو عـن طلب المسـاعدة له مـع تمكنه من ذلك‪،‬‬
‫وتكـون العقوبـة الحبـس إذا نشـأ عـن الجريمـة إصابـة أكثـر مـن ‪ 3‬أشـخاص‪ ،‬فـإذا توافـر ظـرف‬
‫آخـر مـن الظـروف الـواردة فـي الفقـرة السـابقة تكـون العقوبـة الحبس مدة ال تقل عن سـنة وال‬
‫تزيـد علـى خمـس سـنين(‪ ،((6‬وقـررت المـادة الثالثـة والثالثـون مـن القانـون الليبـي رقـم (‪)17‬‬
‫لسـنة ‪ 1986‬م بشـأن المسـئولية الطبية باعتبار الخطأ يشـكل جناية بأنه "يعاقب بالسـجن‬
‫كل من قام بعمل أو تدخل بقصد حرمان شـخص من التناسـل في غير األحوال المسـموح بها‪،‬‬

‫(‪ ((6‬عادل جبري محمد حبيب‪ ،‬المفهوم القانوني لرابطة السببية‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.241‬‬
‫‪ -‬انظر‪ :‬نقض مدني جلسـة ‪ / 30‬فبراير ‪ ،1995 /‬الطعن رقم ‪ 7085‬لسـنة ‪ 63‬ق‪ ،‬س ‪ ،46‬ص جلسـة ‪ 10‬فبراير‬
‫‪ ،1998‬الطعن رقم ‪ ،11178‬سـنة ‪ 66‬ق‪.‬‬
‫(‪ ((6‬د‪ .‬عادل جبري محمد حبيب‪ ،‬المفهوم القانوني لرابطة السببية‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.241‬‬
‫(‪ ((6‬انظـر‪ :‬نقـض مدنـي جلسـة ‪ / 30‬فبرايـر ‪ ،1995 /‬الطعـن رقـم ‪ 7085‬لسـنة ‪ 63‬ق‪ ،‬س ‪ ،46‬ص ‪،1285‬‬
‫رقم ‪.251‬‬
‫(‪ ((6‬انظر‪ :‬لمادة ‪ 244‬من قانون العقوبات المصري‪.‬‬

‫‪170‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫وفقـ ًا لحكـم المـادة الثامنـة عشـر مـن هـذا القانـون‪ .‬وتكـون العقوبـة الحبـس والغرامـة التـي ال‬
‫تجـاوز مائتـي دينـار أو بإحـدى هاتيـن العقوبتيـن‪ ،‬إذا كان الحرمـان مـن التناسـل بصفـة مؤقتـة‪.‬‬
‫كمـا قـررت المـادة الرابعـة والثالثـون مـن ذات القانـون بأنـه "يعاقـب بالسـجن مـدة ال تزيد على‬
‫عشـرة سـنوات كل مـن يخالـف حكـم المـادة الثانيـة عشـرة مـن هـذا القانون"‪.‬‬
‫وباعتبار الخطأ يشكل جنحة قررت المادة الخامسة والثالثون من ذات القانون أنه "يعاقب‬
‫بالحبـس مـدة ال تقـل عـن سـنة‪ ،‬وبغرامـة ال تجـاوز ألـف دينـار‪ ،‬كل مـن يخالـف أحـكام المـواد‬
‫الرابعـة‪ ،‬والبنـد (و) مـن المـادة السادسـة‪ ،‬والمـادة العاشـرة والفقـرة الثانية من المادة الخامسـة‬
‫عشـرة والمـادة السـابعة عشـرة مـن هـذا القانـون‪ .‬كمـا يعاقـب بالحبـس مـدة ال تزيـد علـى سـتة‬
‫أشـهر وبغرامـة ال تجـاوز خمسـمائة دينـار أو بإحـدى هاتيـن العقوبتيـن كل مـن يخالـف أحـكام‬
‫المـواد الثانيـة والثالثـة والبنـود (أ)‪(،‬ب)‪( ،‬د)‪( ،‬ح) مـن المادة الخامسـة والبندين (ج)‪(،‬هـ) من‬
‫المادة السادسـة‪ ،‬والمواد‪ :‬الثالثة عشـرة والرابعة عشـرة والعشـرين والحادية والعشـرين والفقرة‬
‫الثانيـة مـن المـادة الثانيـة والعشـرين مـن هـذا القانـون "وفقـًا لنـص المـادة السادسـة والثالثـون‬
‫مـن القانـون الليبـي رقـم (‪ )17‬لسـنة ‪1986‬م بشـأن المسـئولية الطبية(‪.((6‬‬
‫وباسـتقراء النصـوص القانونيـة السـابقة يالحـظ أن المشـرع تتـدرج فـي العقوبـة الجنائية‬
‫علـى حسـب جسـامة الخطـأ‪ ،‬فتكـون عقوبتهـا الحبـس مـدة ال تقـل عـن سـنة وبغرامـة بوصفهـا‬
‫جنحـة‪ ،‬وذلـك فـي حالـة األخطـاء ويسـتتبع أخطـاء الطبيـب البسـيطة‪ ،‬وتشـدد العقوبـة‬
‫الجنائيـة فـي حالـة األخطـاء الجسـيمة‪ ،‬لتصـل إلـى السـجن مـدة ال تزيـد على عشـرة سـنوات‪،‬‬
‫باعتبار الخطأ يشـكل جناية‪ ،‬كما يسـتتبع خطأ الطبيب جنائي ًا عقوبات تأديبية‪ ،‬التي تنشـأ‬
‫عـن إيـذاء المريـض أو وفاتـه بسـبب الخطـأ الطبـي‪ ،‬والعقوبـات التأديبيـة التـي يجـوز توقيعهـا‬
‫علـى المخالفيـن طبقـ ًا ألحـكام القانـون الليبـي رقـم (‪ )17‬لسـنة ‪ 1986‬م بشـأن المسـئولية‬
‫الطبيـة‪ ،‬كمـا قررتهـا المـادة الثالثـون هـي‪:‬‬
‫‪1.‬اإلنذار‪.‬‬
‫‪2.‬اللوم‪.‬‬
‫‪3.‬الخصـم مـن المرتـب لمـدة ال تجـاوز تسـعين يومـ ًا فـي السـنة‪ ،‬وال يجـوز أن يجـاوز الخصـم‬
‫تنفيـذًا لهـذه العقوبـة ربـع المرتـب شـهريًا‪ ،‬بعـد الربـع الجائـز الحجـز عليـه أو التنازل عنه‬
‫قانون ًا ‪.‬‬
‫‪4.‬الحرمان من العالوة السنوية‪.‬‬
‫‪5.‬الحرمان من الترقية مدة ال تقل عن سبعة أشهر وال تجاوز ثالث سنوات‪.‬‬
‫‪6.‬اإليقاف عن مزاولة المهنة لمدة ال تجاوز سنة‪.‬‬
‫‪7.‬خفض الدرجة‪.‬‬
‫‪8.‬العزل من الوظيفة أو الحرمان من مزاولة المهنة ‪.‬‬
‫(‪((6‬‬

‫ً‬
‫أمـا بالنسـبة للعقوبـات التأديبيـة التـي يجـوز توقيعهـا علـى المخالفيـن طبقـا ألحـكام‬
‫القانـون األردنـي وفقـًا للقانـون رقـم ‪ 13‬لعـام ‪ ،1972‬فقـد نصـت المـادة (‪ )45‬فـي الفصـل‬
‫السـادس منـه علـى السـلطة التأديبيـة علـى أن‪" :‬كل طبيـب يخـل بواجباتـه المهنيـة خالفـا‬
‫ألحـكام هـذا القانـون وأي نظـام صـادر بمقتضـاه‪ ،‬أو يرتكـب خطـا مهنيـًا‪ ،‬أو يتجـاوز حقوقـه‪،‬‬
‫أو يقصـر بالتزاماتـه وفـق الدسـتور الطبـي‪ ،‬أو يرفـض التقيـد بقـرارات المجلـس‪ ،‬أو يقـدم علـى‬
‫عمـل يمـس شـرف المهنـة‪ ،‬أو يتصـرف فـي حياتـه الخاصـة تصرفـ ًا يحـط مـن قدرهـا‪ ،‬يعـرض‬
‫نفسـه إلجـراءات تأديبيـة أمـام مجلـس التأديـب"‪ .‬كمـا حـددت المـواد مـن (‪ )54-46‬من نقابة‬

‫(‪ ((6‬انظر‪ :‬المادة ‪ 36 ،35 ،33‬من القانون الليبي رقم (‪ )17‬لسنة ‪ 1986‬م بشأن المسئولية الطبية‪.‬‬
‫(‪ ((6‬انظر‪ :‬المادة ‪ 30‬من القانون الليبي رقم (‪ )17‬لسنة ‪ 1986‬م بشأن المسئولية الطبية‪.‬‬

‫‪171‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫األطبـاء كيفيـة تشـكيل السـلطة التأديبيـة‪ ،‬واإلجـراءات المتبعة أمامهـا‪ ،‬وتحدد هذه النصوص‬
‫أيضـ ًا العقوبـات التـي يحكـم بهـا مجلـس التأديـب‪ ،‬وهـي واحدة وأكثـر‪ ،‬والواردة فـي المادة (‪)55‬‬
‫وهـي مـا يلي‪:‬‬
‫أ‪ -‬التنبيه‪.‬‬
‫ب‪ -‬التوبيخ‪.‬‬
‫ج‪ -‬الغرامة النقدية من (‪ )10‬إلى (‪ )250‬دينار تدفع لصندوق النقابة‪.‬‬
‫د‪ -‬الحرمان من عضوية المجلس والهيئات المختلفة للنقابة للمدة التي يقررها‪.‬‬
‫هـ‪ -‬المنع من الممارسة مؤقتا لمدة ال تزيد عن سنة‪.‬‬
‫و‪ -‬المنـع النهائـي مـن ممارسـة المهنـة‪ ،‬وشـطب اسـم الطبيـب مـن السـجل بعـد إدانتـه مـن‬
‫(‪((7‬‬
‫المحاكـم المختصـة‪.‬‬
‫وباس�تقراء النص�وص القانوني�ة الس�ابقة يالح�ظ أن الجـزاء التأديبـي يتـدرج علـى حسـب‬
‫جسـامة الخطـأ‪ ،‬فتكـون الجـزاءات اإلداريـة أو العقوبـات التأديبيـة تتـراوح مـا بيـن اإلنـذار‬
‫واللوم‪ ،‬والخصم من الراتب‪ ،‬والحرمان من العالوة السـنوية والترقية‪ ،‬وذلك في حالة األخطاء‬
‫البسـيطة‪ ،‬وتشـدد العقوبـة التأديبيـة فـي حالـة األخطـاء الجسـيمة لتصـل إلـى اإليقـاف عـن‬
‫مزاولـة المهنـة لمـدة ال تجـاوز سـنة‪ ،‬وخفـض الدرجـة‪ ،‬لتصـل إلـى أقصـى العقوبـة التأديبيـة‬
‫التـي تتمثـل فـي العـزل مـن الوظيفـة أو الحرمـان مـن مزاولـة المهنـة‪ ،‬وفي شـأن مناط مسـئولية‬
‫الطبيـب اإلداريـة أقـرت المحكمـة اإلداريـة العليـا بأنه "من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن‬
‫األصـل فـي مسـئولية الطبيـب‪ ،‬أنهـا ال تقـوم علـى االلتـزام بتحقيـق غايـة هـي شـفاء المريض‪،‬‬
‫وإنمـا علـى االلتـزام ببـذل العناية الصادقة في سـبيل شـفائه‪ ,‬وواجبه فـي بذل العناية مناطه‬
‫مـا قدمـه طبيـب يقـظ فـي مسـتواه المهنـي علمـا ودرايـة‪ ،‬فـي مثـل الظـروف الخارجيـة التـي‬
‫أحاطـت بالطبيـب المسـئول فـي أثنـاء ممارسـته لعملـه‪ ,‬ملحوظـا‪ ,‬فـي ذلـك كلـه تقاليـد المهنـة‬
‫واألصـول العلميـة الثابتـة‪ ,‬فـإذا انحـرف الطبيـب عـن أداء هـذا الواجـب فعندئـذ يعـد انحرافـه‬
‫خطـأ يسـتوجب مسـئوليته عـن الضـرر الـذي يلحـق بالمريـض(‪ ،((7‬كمـا أن القاعـدة الواجبـة‬
‫المراعـاة فـي مجـال التأديـب هـي أن للموظـف التحـرك فـي حدود السـلطة التقديريـة المخولة‬
‫لـه‪ ،‬فيمـا يخضـع لتقديـر الخبـراء‪ ،‬دون أن يترتـب علـى مـا ينتهـي إليـه اعتبـاره مرتكبـا لخطـأ‬
‫تأديبـي طالمـا أنـه يمـارس عملـه بحسـن نيـة‪ ،‬متجـردا مـن سـوء القصـد واإلهمـال‪ ،‬أو مخالفـة‬
‫القانـون‪ ،‬أو الضـرر بالمصلحـة العامـة لتحقيـق مصلحـة خاصة لـه أو لغيره‪ ،‬ذلك أن القول بغير‬
‫ذلـك مـؤداه أن يحجـم كل مختـص عـن ممارسـة سـلطته التقديريـة بالمرونـة الواجبـة‪ ،‬ومـن ثم‬
‫تسـود البيروقراطيـة‪ ،‬وتنمـو روح التسـلب مـن ممارسـة المسـئولية تجنبـا للمسـاءلة عـن كل‬
‫إجـراء يتخـذه الموظـف فـي حـدود سـلطة التقديريـة التـي تفتـرض القـدرة علـي التحـرك فـي‬
‫المجـال المتـاح لـه قانونـا(‪.((7‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬التكييف القانوني ملسؤولية الطبيب‪:‬‬
‫مما ال شـك فيه أن الطبيب ُيسـأل عن كل خطأ مادي أو فني‪ ،‬جسـيم ًا كان أم يسـيرًا‪ ،‬ولكن‬
‫السـؤال الـذي يفـرض نفسـه هـو‪ :‬مـا الطبيعـة القانونيـة لمسـؤولية الطبيـب؟ وهـل مسـؤولية‬
‫الطبيـب عقديـة ناشـئة عـن العقـد المبـرم بيـن الطبيـب والمريـض أم هي مسـؤولية تقصيرية‬
‫أساسـها تقصيـر الطبيـب فـي أداء عملـه؟ وكيفيـة إثبـات الخطـأ الطبـي للطبيـب؟ وماهـي سـلطة‬
‫المحكمـة فـي تقديـر عمـل الخبـراء؟ وإذا كان التـزام الطبيـب هـو بذل عناية هـل هناك أعمال‬

‫(‪ ((7‬انظر‪ :‬المواد من ‪ 56 – 45‬القانون األردني رقم ‪ 13‬لعام ‪ 1972‬م‪.‬‬


‫(‪ ((7‬اإلدارية العليا جلسة ‪1989/3/16‬طعن رقم ‪ ،572‬س ‪58‬ق‪.‬‬
‫(‪ ((7‬انظر‪ :‬الطعن رقم ‪ 1154‬لسنه ‪ 33‬ق‪ -‬جلسة ‪ 1989/2/25‬إدارية عليا‪.‬‬

‫‪172‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫طبيـة يلتـزم بهـا الطبيـب بتحقيـق نتيجة؟‬


‫نتناول ذلك خالل مطلبين على النحو التالي‪:‬‬
‫املطلب األول‪ :‬الطبيعة القانونية ملسؤولية الطبيب‪:‬‬
‫المسـئولية فـي معناهـا العـام هـي المؤاخـذة والتبعـة‪ ،‬والمسـئولية هـي االلتـزام بتعويـض‬
‫أو اصلاح الضـرر الـذي يسـببه إخلال المديـن بالتزامـه(‪ ،((7‬وتكييـف المسـؤولية الطبيـة‬
‫ال لـدى فقهـاء القانـون حـول تحديـد‬ ‫لـه أهميـة كبيـرة فـي اإلثبـات(‪ ،((7‬ومـن ثـم ثـار جـد ً‬
‫الطبيعة القانونية لمسؤولية الطبيب‪ ،‬والمســـؤولية المدنيـــة تقســـم إلــى مســؤولية عقديــة‬
‫ومســؤولية تقصيريــة‪ ,‬المســؤولية العقديــة هي التي تأتي نتيجة اإلخالل بالتزام تعاقدي‪،‬‬
‫أمـا المســـؤولية التقصيريـــة فتقـوم علـى اإلخلال بالتـزام قانونـي‪ ،‬عـام هـو االلتـزام بعـدم‬
‫اإلضـرار بالغيـر(‪ ((7‬ونتنـاول ذلـك علـى النحـو التالـي‪:‬‬
‫الفرع األول‪ :‬الطبيعة العقدية للمسئولية الطبية‪:‬‬
‫يـرى غالبيـة الفقـه الحديـث أن المسـؤولية الطبيـة كأصـل عـام تكـون عقديـة‪ ،‬ويشـترط‬
‫(‪((7‬‬
‫لقيـام المسـئولية العقديـة للطبيـب توافـر الشـروط اآلتيـة‪:‬‬
‫‪1.‬قيـام الرابطـة العقديـة‪ ،‬فحتـى فـي حـاالت االسـتعجال يعد الطبيب في حالـة إيجاب دائم‬
‫موجود‪ ،‬فإذا باشـر الطبيب العالج دون أن يسـبق ذلك عقد كانت المسـئولية تقصيرية‪.‬‬
‫‪2.‬وجـود عقـد صحيـح مرتـب لجميـع آثـاره‪ ،‬وجـب أن يتوافـر فيـه جميـع األركان‪ ،‬غيـر مشـوب‬
‫بـأي عيـب مـن عيـوب اإلرادة‪.‬‬
‫ً‬
‫‪3.‬أن يكـون المتضـرر هـو المريـض شـخصيا‪ ،‬ويجـب أن يكـون الحاصـل نتيجـة إلخلال بتنفيـذ‬
‫االلتـزام العقدي‪.‬‬
‫‪4.‬يجـب أن يكـون الخطـأ المنسـوب إلـى الطبيـب نتيجـة لعـدم تنفيـذ التـزام ناشـئ عـن عقـد‬
‫العلاج (‪.((7‬‬
‫‪ -‬موق�ف القض�اء املص�ري‪ :‬يذهـب القضـاء المصـري إلى القـول إن مسـئولية الطبيب مسـئولية‬
‫تقصيريـة‪ ،‬فقـد قضـت محكمـة النقـض المصريـة بأنـه ال يمكـن مسـاءلة طبيـب المستشـفى‬
‫العـام إال علـى أسـاس المسـئولية التقصيريـة‪ ،‬ألنـه ال يمكـن القـول فـي هـذه الحالـة بـأن‬
‫المريـض قـد اختـار الطبيـب لعالجـه حتـى ينعقـد عقـد بينهمـا‪ ،‬كمـا ال يمكـن القـول بوجـود‬
‫عقد اشـتراط لمصلحة المريض بين إدارة المستشـفى العام وبين أطبائها؛ ألن عالقة الطبيب‬
‫الموظـف بالجهـة اإلداريـة التـي يتبعهـا هـي عالقـة تنظيميـة وليسـت تعاقديـة‪ ،‬وبذلـك ال‬
‫يكـون هنـاك محـل لبحـث مسـئولية طبيـب المستشـفى العام فـي دائرة المسـئولية ال تعاقدية‪،‬‬
‫صراحـة أنـه يقرر أن مسـئولية الطبيب تقصيريـة في فرضه العالج‬ ‫ً‬ ‫وبالنظـر لهـذا الحكـم نجـد‬
‫(‪ ((7‬د‪ .‬فتحـي عبـد الرحيم عبد اهلل‪ ،‬شـرح النظريـة العامة لاللتزام‪ ،‬الكتـاب األول‪ ،‬مصادر االلتزام‪ -‬منشـأة المعارف‬
‫– اإلسكندرية‪ ،‬عام ‪2001‬م‪ ،‬ص ‪.392‬‬
‫(‪ ((7‬سـمير عبـد السـميع األودن‪ ،‬مسـئولية الطبيـب الجـراح وطبيـب التخديـر ومسـاعديهم‪ ،‬مرجـع سـابق‪ ،‬عـام‬
‫‪ ،2004‬ص ‪.39‬‬
‫(‪ ((7‬د‪ .‬فتحـي عبـد الرحيـم عبد اهلل‪ ،‬شـرح النظرية العامـة لاللتزام‪ ،‬الكتـاب األول‪ ،‬مصادر االلتزام‪ -‬مرجع سـابق‪،‬‬
‫ص ‪404‬‬
‫(‪ ((7‬عبـد الرازق السـنهوري‪ ،‬الوسـيط في شـرح القانـون المدني الجديـد‪ ،‬ج ‪ ،1‬مصادر االلتزام‪ ،‬ط ‪ -2‬مرجع سـابق‬
‫– ص ‪ .821‬د‪ .‬عـز الديـن الدينـاﺼﻭﺭﻱ‪ ،‬ﻭﻋﺒﺩ ﺍﻟﺤﻤﻴﺩ ﺍﻟﺸﻭﺍﺭﺒﻲ‪ ،‬ﺍﻟﻤﺴﺅﻭﻟﻴﺔ ﺍﻟﺠﻨﺎﺌﻴﺔ ﻓﻲ ﻗﺎﻨﻭﻥ ﺍﻟﻌﻘﻭﺒﺎﺕ واإلجـراءات‬
‫ﺍﻟﺠﻨﺎﺌﻴﺔ‪ ،‬مرجع سـابق‪ ،‬ص ‪79‬‬
‫(‪ ((7‬عبـد الـرازق السـنهوري‪ ،‬الوسـيط فـي شـرح القانون المدنـي الجديـد‪ ،‬ج ‪ ،1‬مصـادر االلتـزام‪ ،‬ط ‪ -2‬المرجع‬
‫السـابق – ص ‪ .821‬د‪ .‬عـز الديـن الدينـاﺼﻭﺭﻱ‪ ،‬ﻭﻋﺒﺩ ﺍﻟﺤﻤﻴﺩ ﺍﻟﺸﻭﺍﺭﺒﻲ‪ ،‬ﺍﻟﻤﺴﺅﻭﻟﻴﺔ ﺍﻟﺠﻨﺎﺌﻴﺔ ﻓﻲ ﻗﺎﻨﻭﻥ ﺍﻟﻌﻘﻭﺒﺎﺕ‬
‫واإلجـراءات ﺍﻟﺠﻨﺎﺌﻴﺔ‪ ،‬المرجـع السـابق‪ ،‬ص ‪.79‬‬

‫‪173‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫عنـد طبيـب عـام بمستشـفى عـام‪ ،‬ثـم تنتفـي المسـئولية العقديـة لعـدم تصـور وجـود عقـد‬
‫بيـن المريـض الـذي يتلقـى العلاج وبيـن الطبيـب العام‪ .‬كمـا ذهبت أحكام القضـاء المصري إلى‬
‫القـول بالطبيعـة التقصيريـة للمسـئولية الطبيـة‪ ،‬فقـد قضـت محكمـة النقـض بـأن الطبيـب‬
‫مسـئول عـن تعويـض الضـرر المترتـب علـى خطئـه فـي المعالجـة ومسـئوليته هـذه تقصيريـة‬
‫بعيـدة عـن المسـئولية العقديـة‪ ،‬فيسـأل الطبيـب عـن كل تقصيـر فـي مسـلكه الطبـي ال يقـع‬
‫مـن طبيـب يقـظ فـي مسـتواه المهنـي وجـد نفـس الظـروف الخارجيـة التـي أحاطـت بالطبيـب‬
‫المسـئول‪ ،‬كمـا يسـأل عـن خطئـه أ ًّيـا كانـت درجـة جسـامته(‪.((7‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬حاالت املسؤولية التقصريية‪:‬‬
‫إن القواعـد العامـة فـي المسـؤولية التقصيريـة األصـل العـام فيهـا بـراءة الذمـة وانشـغالها‬
‫يمثـل أمـرًا عارضـًا‪ ،‬ومـن يدعـي خلاف ذلـك يقـع عليـه عبء إثبـات ذلك‪ ،‬ونتيجـة لتطور فكرة‬
‫الخطـأ ومـا واجـه الفقـه والقضـاء مـن تطبيقـات عمليـة بـات مـن الضـروري التوسـع فـي تحديـد‬
‫نطـاق ركـن الخطـأ فـي حـد ذاتـه‪ ،‬ويتطلـب األمـر اللجـوء إلـى القواعـد المكملـة والمفسـرة‪،‬‬
‫والعـرف‪ ،‬والعدالـة بحسـب طبيعـة االلتـزام ذاتـه(‪ ،((7‬والمسـؤولية المترتبـة عـن األخطـاء‬
‫المرتكبـة مـن الطبيـب وتسـبب ضـررًا للمريـض هـي مسـؤولية تعاقديـة إال أن هنـاك حـاالت‬
‫تكـون المسـؤولية الطبيـة فيهـا مسـؤولية تقصيريـة‪ ،‬أال وهـي‪:‬‬
‫‪1.‬إذا شكل فعل الطبيب جريمة جنائية‪.‬‬
‫‪2.‬إذا نجـم ضـرر للغيـر بسـبب المريـض ذاتـه‪ ،‬فتكـون مسـئولية الطبيـب أمـام هـذا الغيـر‬
‫مسـئولية تقصيريـة‪ ،‬مثـال تسـبب الطبيـب بخطـأه فـي نقـل مـرض إلـى الغيـر عـن طريـق‬
‫العـدوى‪.‬‬
‫‪3.‬تدخـل الطبيـب بغيـر دعـوة المريـض كأن يصـاب شـخص فـي الطريـق العـام ويتدخـل مـن‬
‫تلقـاء نفسـه إلسـعاف المصـاب فـإن المسـئولية هنـا تكـون تقصيريـة لعـدم وجـود عقـد‪.‬‬
‫‪4.‬الطبيـب الـذي يعمـل موظفـ ًا ال يمكـن مسـاءلته إال علـى أسـاس المسـئولية التقصيريـة‪.‬‬
‫حيـث يعـد فـي مركـز تنظيمـي أو الئحي‪ ،‬وأنه يخضع تبعـًا لذلك للقوانين واللوائح الخاصة‬
‫بالعامليـن بالدولـة وفـي هـذه الحالة‪.‬‬
‫‪5.‬حالـة امتنـاع الطبيـب عـن علاج المريـض أو إنقـاذه بلا مبـرر مشـرع‪ ،‬مخالفـ ًا بذلـك قانـون‬
‫أخالقيـات المهنـة التـي يفـرض عليـه التدخـل السـريع إلنقـاذ حياته(‪.((8‬‬
‫بعـد أن تناولنـا الطبيعـة القانونيـة لمسـؤولية الطبيـب سـواء أكانـت مسـؤولية تقصيرية أم‬
‫عقديـة‪ ،‬السـؤال الـذي يطـرح نفسـه مـا مـدى التـزام الطبيب فـي أداء عمله؟ هـل المطلوب منه‬
‫بـذل عنايـة أم تحقيـق نتيجـة؟ الحقيقـة أن التـزام الطبيـب هـو بـذل عنايـة الرجـل المعتـاد‬
‫فـي مثـل الظـروف التـي فيهـا‪ ،‬إال أن هنـاك اسـتثناء علـى هـذا األصـل العـام تمثـل فـي االلتـزام‬
‫بتحقيـق نتيجـة وسلامة المريـض‪ ،‬ويشـمل هـذا االسـتثناء الحـاالت التـي زالـت عنهـا فكـرة‬
‫االحتمـال وباتـت نتائجهـا مؤكـدة بفضـل تطـور العلـوم الطبيـة وأسـاليبها ووسـائلها وفـي هـذه‬
‫الحـاالت تتحقـق مسـؤولية الطبيـب بمجـرد تخلـف النتيجـة التي كان من أجلهـا تدخله الطبي‪،‬‬
‫ونتنـاول ذلـك فـي المطلـب التالـي‪:‬‬

‫(‪ ((7‬نقض مدني‪ ،‬جلسة ‪ 21‬ديسمبر سنة ‪ ،1971‬الطعن قم ‪ ،464‬لسنة ‪ 36‬ق‪ ،‬س ‪ ،22‬ص ‪.1062‬‬
‫(‪ ((7‬لمزيـد مـن التفصيـل راجـع‪ :‬د‪ .‬مصبـاح عبـد اهلل عبـد القـادر أحـواس‪ ،‬أسـاس وطـرق التعويض عـن األضرار‬
‫البيئيـة‪ ،‬مرجـع سـابق‪ ،‬ص ‪ 58‬ومـا بعدها‪.‬‬
‫(‪ ((8‬عبـد الحميـد الشـواربي‪ ،‬مسـؤولية األطبـاء والصيادلـة والمستشـفيات المدنيـة والجنائيـة والتأديبيـة‪ ،‬مرجع‬
‫سـابق‪ ،‬ص ‪.627‬‬

‫‪174‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫املطلب الثاني‪ :‬مدى التزام الطبيب يف تدخالته الطبية‪:‬‬


‫كمـا سـبق القـول إن التـزام الطبيـب مـن حيـث األصـل هو التـزام ببذل عنايـة‪ ،‬إال أن هناك‬
‫اسـتثناءات علـى هـذا األصـل العـام تتمثـل في االلتزام بتحقيق نتيجة وسلامة المريض‪ ،‬أهمها‬
‫الجراحـات التجميليـة‪ ،‬نقـل الـدم‪ ،‬تركيـب األسـنان واألعضـاء الصناعيـة‪ ،‬التحاليـل الطبيـة‬
‫واسـتعمال األجهـزة واألدوات الطبيـة‪ ،‬ومـن ثـم نتنـاول ذلـك علـى النحـو التالي‪:‬‬
‫الفرع األول‪ :‬التزام الطبيب ببذل عناية‪:‬‬
‫وفقـ ًا للقانـون الليبـي رقـم (‪ )17‬لسـنة ‪1986‬م‪ ،‬بشـأن المسـئولية الطبيـة فقـد وضـع‬
‫التزامـات الطبيـب فـي أداء عملـه التزامــ ًا ببـذل عنايـة في المـواد (‪ ،)9 ،8 ،7‬بأن يكون التزام‬
‫الطبيـب فـي أداء عملـه التزامــًا ببـذل عنايـة‪ ،‬إال إذا نـص القانـون علـى خلاف ذلـك كمـا أنـه‬
‫يجـب علـى المحلـل والمشـخص والمعالـج باألشـعة أو الطاقـات الحرارية أو الموجـات الكهربائية‬
‫أو مـا فـي حكمهـا مراعـاة الدقـة‪ ،‬وبـذل العنايـة واتخـاذ أسـباب الوقايـة فـي أداء العمـل‪ ،‬وذلـك‬
‫كلـه طبقـ ًا لألصـول العلميـة‪ .‬ويجـب اسـتعمال األدوات واألجهـزة الطبيـة بـكل يقظـة وانتبـاه‪،‬‬
‫وفقـ ًا لألصـول العلميـة وبمـا ال يضـر بالسلامة‪ ،‬والجديـر بالذكـر أن قواعـد المهـن الطبيـة‪،‬‬
‫والقواعـد القانونيـة المدنيـة سـواء أكانـت العالقـة بيـن الطبيب تعاقدية أم غيـر تعاقدية‪ ،‬ال‬
‫التزامـا بشـفاء المريـض‪ ،‬بـل تلزمـه ببـذل قـدر مـن العنايـة فقـط‪ ،‬بحيث‬
‫ً‬ ‫تفـرض علـى الطبيـب‬
‫تبـرأ ذمتـه بمجـرد أن يبـذل العنايـة المطلوبـة لـو لـم تتحقـق نتيجـة الشـفاء(‪ ،((8‬وكمـا سـبق‬
‫التزامـا ببـذل عنايـة‪ ،‬وفقـ ًا للمعيـار الراجـح فـي‬
‫ً‬ ‫القـول يعـد التـزام الطبيـب مـن حيـث األصـل‬
‫تقديـر الخطـأ الطبـي للطبيـب‪ ،‬ويتلخـص االلتـزام بالعنايـة فـي بذل الجهـود الصادقة اليقظة‬
‫التـي تتفـق والظـروف القائمـة واألصـول العلميـة الثابتـة‪ ،‬بهـدف تحسـين حالـة المريـض‪ ،‬وأي‬
‫إخلال بهـذا االلتـزام يشـكل خطـأ طبيـًا يرتـب مسـؤولية الطبيـب‪ ،‬والمشـرع الليبـي بحسـب‬
‫األصـل وكقاعـدة عامـة جعـل التـزام الطبيـب التزامـ ًا ببـذل عنايـة إال إذا نـص القانـون علـى‬
‫خلاف ذلـك‪ ،‬وإذا كان األصـل فــي التـزام الطبيـب هـو بـذل عنايـة‪ ،‬واالسـتثناء الـذي يـرد على‬
‫هـذا األصـل يكـون التزامـًا بتحقيـق نتيجــة كما في عمليات نقل الـدم والتحاليل الطبية وعمل‬
‫التركيبـات الطبيـة وكذلـك االلتـزام بضمــان سلامة المريـض‪ ،‬وهـذا المعيار نتفـق معه إذ يجب‬
‫علـى الطبيـب مـن حيـث األصـل التـزام ببـذل عنايـة‪ ،‬التـي تتمثـل فـي بـذل الجهـود الصادقـة‬
‫اليقظـة التـي تتفـق والظـروف القائمـة واألصول العلمية الثابتـة‪ ،‬على أن التزام الطبيب ببذل‬
‫عنايـة صادقـة بانتبـاه تـام ويقظـة ضمير تتفـق مع الظروف القائمة واألصـول العلمية تتحكم‬
‫فيـه عدة عوامـل(‪:((8‬‬
‫ال‪ :‬القواعـد التـي تفرضهـا مهنـة الطـب ودرجـة تقـدم العلـوم الطبيـة‪ ،‬فشـفاء المريـض‬ ‫أو ً‬
‫رهيـن اعتبـارات خارجـة عـن إرادة الطبيـب‪ ،‬كحالـة المريـض‪ ،‬ودرجـة مناعـة جسـمه‪ ،‬ومـدى‬
‫تفاعلـه مـع العلاج المقـدم لـه‪ ،‬واسـتحضار المسـتوى الـذي وصـل إليـه علـم الطـب فـي علاج‬
‫المـرض المصـاب بـه‪.‬‬
‫ثاني� ًا‪ :‬المسـتوى المهنـي للطبيـب‪ ،‬فااللتزامـات التـي يتحملهـا الطبيـب العـام ليسـت هـي‬
‫نفسـها التـي يتحملهـا الطبيـب االختصاصـي‪ ،‬فهـذا األخيـر يفتـرض فيـه بـذل جهـد كبيـر مـن‬
‫العنايـة؛ ولذلـك فالقضـاء عـادة مـا يتشـدد بصرامـة فـي تقديـر الخطـأ المنسـوب إليـه‪.‬‬
‫ثالث� ًا‪ :‬الظـروف الخارجيـة والداخليـة التـي يمـارس فيهـا الطبيـب عملـه‪ ،‬ذلـك أن تقديـر‬
‫مـدى العنايـة المبذولـة مـن جانـب الطبيـب متوقفة على حجم اإلمكانـات المتاحة له واألدوات‬
‫(‪ ((8‬د‪ .‬سليمان مرقص‪ ،‬الوافي في شرح القانون المدني‪ ،‬ج ‪ ،1‬ط‪ ،‬مصر الجديدة‪ ،‬عام ‪1992‬م ‪ ،‬ص ‪.397‬‬
‫(‪ ((8‬انظـر‪ :‬الطعـن رقـم ‪ 464‬لسـنة ‪ 36‬قضائيـة الصـادر بجلسـة ‪ 1971/12/12‬مكتـب فنـي) سـنة ‪ - 22‬قاعدة‬
‫‪ - 179‬صفحـة ‪ ،14062‬د‪ .‬سـليمان مرقـص‪ ،‬الوافـي فـي شـرح القانـون المدنـي‪ ،‬ج ‪ ،1‬ط‪ ،‬مصر الجديـدة‪ ،‬عام‬
‫‪1992‬م‪ ،‬ص ‪.397‬‬

‫‪175‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫واألجهـزة المتوفـرة لديه‪.‬‬


‫رابع� ًا‪ :‬أن تكـون الجهـود التـي يبذلهـا الطبيـب متفقـة مع األصـول العلمية الطبيـة الثابتة‪،‬‬
‫حـرا فـي اختيـار طريقـة العلاج‪ ،‬فلا يعقـل أن يسـتعمل وسـائل أو أسـاليب‬‫فـإذا كان الطبيـب ًّ‬
‫بدائيـة نبذهـا العلـم وهجرهـا الطـب(‪.((8‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬التزام الطبيب بتحقيق نتيجة‪:‬‬
‫هنـاك اسـتثناءات علـى األصـل العـام تتمثـل فـي االلتـزام بتحقيق نتيجة وسلامة المريض‬
‫أهمهـا الجراحـات التجميليـة‪ ،‬ونقـل الـدم‪ ،‬وتركيـب األسـنان‪ ،‬واألعضـاء الصناعيـة‪ ،‬والتحاليـل‬
‫الطبيـة‪ ،‬واسـتعمال األجهـزة واألدوات الطبيـة‪ ،‬نتنـاول ذلـك علـى النحـو التالي‪:‬‬
‫أو ًال‪ :‬اجلراحة التجميلية‪:‬‬
‫جراحيـا بقصـد إزالة تشـويه في جسـم المريض‬ ‫ًّ‬ ‫الجراحـة التجميليـة التـي تتطلـب تدخلا‬
‫قـد يكـون ظاهـرًا أو خفيـ ًا‪ ،‬فقـد تشـدد القضـاء مـع الطبيـب الجـراح فـي هـذه العمليـات عنـد‬
‫وجـود خطـأ أو إهمـال مـن جانبـه‪ ،‬إال أن القضـاء لـم يسـتقر علـى تحديـد نـوع التـزام الطبيـب‬
‫الجـراح فـي هـذه العمليـات‪ ،‬وإن كانـت هناك بعض القرارات التي ذهبت فيها المحاكم الفرنسـية‬
‫إلـى تقريـب هـذا االلتـزام مـن االلتزامـات التـي يسـأل فيهـا الطبيـب عـن تحقيـق نتيجـة‪ ،‬ففـي‬
‫قضيـة تتعلـق بجراحـة تجميليـة أدانـت فيهـا محكمـة باريـس فـي ‪ 1972 /11 /7‬الطبيـب‬
‫الجـراح‪ ،‬علـى الرغـم مـن بـذل الجهـود واليقظـة الالزميـن فـي هـذه العمليـة؛ ألنـه لـم يقـدم‬
‫للمحكمـة مـا يبـرر فشـل العمليـة الجراحيـة‪ ،‬بعكـس مـا هـو متوقـع‪ ،‬ومـا يحـدث فـي مثـل هـذا‬
‫النـوع مـن العمليـات الجراحيـة(‪ ،((8‬والقضـاء المصـري تشـدد مـع الطبيـب الجـراح فـي العمليـات‬
‫الجراحيـة‪ ،‬وتطلـب منـه عنايـة أكثـر فـي جراحـة التجميـل‪ ،‬وفـي شـأن ذلـك قضـت محكمـة‬
‫النقـض المصريـة بأنـه "يتطلـب مـن الطبيب الجراح عنايـة أكثر في جراحة التجميل‪ ،‬وإن كان‬
‫كغيـره مـن األطبـاء ال يضمـن نجـاح العمليـة التـي يجريهـا‪ ،‬إال أن العنايـة المطلوبـة منـه أكثـر‬
‫منهـا فـي أحـوال الجراحـة األخـرى‪ ،‬اعتبـارا بأن جراحة التجميل ال يقصد منها شـفاء المريض‬
‫يعـرض حياتـه ألي خطر‪ .‬وإلثبـات خطأ الطبيب‬ ‫مـن علـة فـي جسـمه‪ ،‬وإنمـا إصلاح تشـويه ال ِّ‬
‫الجـراح فـي الحـاالت التـي يكـون فيهـا التزامه بتحقيـق نتيجة‪ ،‬يكفي من المريـض إثبات وجود‬
‫الضـرر الـذي أصابـه مـن جـراء تنفيـذ الطبيـب للعمليـة الجراحيـة‪ ،‬وهـذا كاف لعـدم تحقـق‬
‫النتيجـة المطلوبـة‪ ،‬ودون حاجـة مـن جانـب المريـض إلثبـات وجـود خطـأ مـن قبـل الطبيـب‬
‫الجـراح‪ ،‬إذ إن وجـود الضـرر الـذي يصيـب المريـض فـي هـذه الحـاالت يكفـي لمسـاءلة الطبيـب‬
‫الجـراح‪ ،‬وال تـزول عنـه هـذه المسـؤولية‪ ،‬إال إذا اسـتطاع أن يرجـع ذلـك إلـى السـبب األجنبـي‪،‬‬
‫بـأن يثبـت أن الضـرر الـذي تعـرض لـه المريـض ناجـم عـن قـوة قاهـرة أو خطـأ المريـض نفسـه‬
‫أو خطـأ الغيـر‪ ،‬وال يسـتطيع الطبيـب فـي هـذه الحـاالت أن يثبـت أنـه بـذل العنايـة المطلوبـة‬
‫لتنفيـذ التزامـه لكـي يعفـي نفسـه مـن هـذه المسـؤولية"(‪.((8‬‬
‫والجديـر بالذكـر أن المـادة العاشـرة مـن القانـون الليبـي رقـم (‪ )17‬لسـنة ‪1986‬م بشـأن‬
‫المسـئولية الطبيـة‪ ،‬وضعـت ضوابـط عـدة إلجـراء العمليـات الجراحيـة‪ ،‬بقولهـا‪" :‬ال يجـوز‬
‫إجـراء العمليـات الجراحيـة إال بمراعـاة مـا يلـي‪:‬‬
‫‪1.‬أن تتم العملية داخل مؤسسة عالجية أو عيادة طبية معدة لذلك‪.‬‬
‫‪ 2.‬أن تجـرى الفحوصـات والتحاليـل الالزمـة‪ ،‬ويتأكـد مـن أن حالـة المريـض تسـمح بإجـراء‬
‫العمليـة‪.‬‬

‫(‪ ((8‬د‪ .‬سليمان مرقص‪ ،‬الوافي في شرح القانون المدني‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.397‬‬
‫(‪ ((8‬د‪ .‬محمد حسنين منصور‪ ،‬المسؤولية الطبية‪ ،‬موسوعة القضاء والفقه للدول العربية‪1985 ،‬م‪ ،‬ص ‪.75‬‬
‫(‪ ((8‬انظر‪ :‬جلسة الطعن ‪1996/7/26‬م‬

‫‪176‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫‪3.‬أن تكـون الحالـة الصحيـة للمريـض تدعـو إلجـراء العملية‪ ،‬عدا حالة بتـر أجزاء أو أعضاء‬
‫من الجسم‪.‬‬
‫‪4.‬أن تكـون هنـاك موافقـة كتابيـة علـى إجـراء العمليـة مـن المريض‪ ،‬أو المسـئول عنـه قانوناً‬
‫إذا لـم يكـن راشـدًا‪ ،‬أو كانـت حالتـه ال تسـمح بالتعبيـر عـن إرادتـه‪ ،‬وذلـك كلـه مـا لـم‬
‫يقـرر طبيبـان علـى األقــل أن العمليـة ضروريـة ومسـتعجلة‪ ،‬وكــان الحصــول علـى الموافقة‬
‫ً (‪((8‬‬
‫متعـذرا‪.‬‬
‫‪5.‬ال يجـوز إخـراج المريـض مـن المؤسسـة العالجيـة إال إذا كانـت حالتـه الصحيـة تسـمح‬
‫بذلـك‪ ،‬أو كان ذلـك بنـاء علـى رغبتـه‪.‬‬
‫ويحظـر إجـراء التجـارب العلميـة علـى جسـم اإلنسـان الحـي إال برضـاه‪ ،‬ولغـرض تحقيـق‬
‫منفعـة مرجـوة لــه‪ ،‬وبمعرفـة أطبــاء مرخـص لهـم بإجرائهـا‪ ،‬طبقــ ًا لألسـس العلميـة المتعـارف‬
‫عليها ‪.‬‬
‫ويلتزم الطبيب الجراح تجاه المريض ببذل العناية الالزمة عند إجراء العملية الجراحية‬
‫لـه‪ ،‬وتنشـأ مسـؤوليته إذا اسـتهتر بواجبـه‪ ،‬ولـم يتخـذ االحتياطـات الالزمة قبل إجـراء العملية‬
‫الجراحيـة وخاللهـا‪ .‬ولمعرفـة الخطـأ يقـاس سـلوك الطبيـب الجـراح بسـلوك طبيـب جـراح‪،‬‬
‫مـن االختصـاص نفسـه والمسـتوى المهنـي والعلمـي ذاتـه‪ ،‬مـع األخـذ بعيـن االعتبـار‪ ،‬الظـروف‬
‫الخارجيـة واإلمكانـات الماديـة التـي توافـرت عنـد إجـراء العمليـة الجراحيـة‪ .‬وفـي ضـوء ذلـك‬
‫يسأل الطبيب الجراح‪ ،‬عن كل تقصير ال يمكن توقعه من طبيب جراح آخر يتمتع بالمؤهالت‬
‫نفسـها‪ ،‬وفـي الظـروف نفسـها التـي أحاطـت بإجـراء العمليـة الجراحية(‪.((8‬‬
‫واجلدي�ر بالذك�ر أن لألخطـاء الطبيـة الجراحيـة صـو ًرا تختلـف عـن األخطـاء الطبية في‬
‫التخصصـات األخـرى‪ ،‬وفـي مـا يلـي بعضها(‪:((8‬‬
‫قانونيـا قبـل إجـراء العمليـة‬
‫ً‬ ‫ال‪ :‬علـى الطبيـب الجـراح أخـذ موافقـة المريـض أو مـن يمثلـه‬ ‫أو ً‬
‫الجراحيـة‪ ،‬ويجـب أن تصـدر هـذه الموافقـة بعد شـرح حقيقة العمليـة والنتائج المحتملة لها‪،‬‬
‫ً‬
‫مسـؤواًل عـن النتائج الضارة للعمليـة الجراحية ولو‬ ‫ً‬
‫مخطئـا‪ ،‬ويكون‬ ‫وبخلاف ذلـك يعـد الطبيـب‬
‫بـذل العنايـة المطلوبـة فيها‪.‬‬
‫ثان ًي�ا‪ :‬علـى الطبيـب الجـراح اسـتخدام الطـرق الحديثـة فـي الفحـص لمعرفـة حالـة المريـض‪،‬‬
‫ً‬
‫مسـؤواًل إذا أخطأ في التشـخيص‬ ‫ونـوع العمـل الجراحـي قبـل إجـراء العمليـة الجراحيـة‪ ،‬ويكون‬
‫بسـبب عـدم اسـتخدام هـذه الطرق‪.‬‬
‫ثالث�ا‪ :‬علـى الطبيـب الجـراح اتخـاذ االحتياطـات الالزمـة‪ ،‬عنـد اسـتعمال األدوات الالزمـة فـي‬ ‫ً‬
‫ً‬
‫العمليـات الجراحيـة‪ ،‬حيـث يكـون مسـؤواًل إذا أهمـل ذلـك‪.‬‬
‫راب ًع�ا‪ :‬علـى الطبيـب الجـراح إجـراء العمليـة الجراحيـة للمريـض فـي المستشـفى‪ ،‬وليـس فـي‬
‫حرصـا علـى توفيـر جميـع الوسـائل الالزمـة‪.‬‬
‫ً‬ ‫العيـادات الخاصـة‪،‬‬
‫خامس�ا‪ :‬يعـد خطـأ مـن جانـب الطبيـب الجـراح إجـراء العمليـة الجراحيـة‪ ،‬مـن دون التأكـد مـن‬ ‫ً‬
‫(‪ ((8‬انظر‪ :‬المادة العاشرة من القانون الليبي رقم (‪ )17‬لسنة ‪ 1986‬م بشأن المسئولية الطبية‪.‬‬
‫(‪ ((8‬د‪ .‬محمـد سـامي الشـوا‪ ،‬الخطـأ الطبـي أمـام القضـاء الجنائـي‪ ،‬دراسـة مقارنـه فـي القضاءيـن المصـري‬
‫والفرنسـي‪ ،‬دار النهضـة العربيـة‪ 2003 ،‬م‪ ،‬ص ‪ 59‬ومـا بعدهـا‪ ،‬د‪ .‬محمـد أسـامة قايـد‪ ،‬المسـؤولية الجنائيـة‬
‫لألطبـاء‪ ،‬مرجـع سـابق‪ ،‬ص‪ ،302‬مفتاح مصباح بشـير الغزالي‪ ،‬المسـؤولية الجنائيـة لألطباء عن التجـارب الطبية‬
‫والعلميـة‪ ،‬مرجـع سـابق‪ ،‬ص‪.395 -378‬‬
‫(‪ ((8‬د‪ .‬محمـد سـامي الشـوا‪ ،‬الخطـأ الطبـي أمـام القضـاء الجنائـي‪ ،‬المرجـع السـابق‪ ،‬ص‪ 103‬ومـا بعدها‪ ،‬د‪.‬‬
‫محمـد أسـامة قايـد‪ ،‬المسـؤولية الجنائيـة لألطبـاء‪ ،‬المرجع السـابق‪ ،‬ص‪.302‬‬
‫‪ -‬د‪ .‬محمـد سـامي الشـوا‪ ،‬الخطأ الطبي أمـام القضاء الجنائي‪ ،‬المرجع السـابق‪ ،‬ص ‪ ،96‬عبد الحميد الشـواربي‪،‬‬
‫مسـؤولية األطباء والصيادلة والمستشـفيات المدنية والجنائية والتأديبية‪ ،‬مرجع سـابق‪ ،‬ص ‪.95‬‬

‫‪177‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫سلامة المنضـدة‪ ،‬وآالت تثبيـت المريـض عليهـا‪ ،‬والـذي يمكـن أن يـؤدي إلـى سـقوط المريـض‬
‫عنها ‪.‬‬
‫سادس�ا‪ :‬يتوجـب علـى الطبيـب الجـراح اتبـاع األصـول العلميـة المتعـارف عليهـا‪ ،‬واسـتخدام‬ ‫ً‬
‫الطـرق الحديثـة عنـد إجـراء العمليـة الجراحيـة‪ ،‬واالبتعـاد عـن الطـرق البدائيـة فـي ذلـك‪.‬‬
‫س�اب ًعا‪ :‬علـى الطبيـب الجـراح ‪ -‬عنـد االنتهـاء مـن العمليـة الجراحيـة ‪ -‬التأكـد من إزالـة المواد‬
‫دائمـا تـرك بعـض هـذه المـواد أو القطـع‬
‫وقطـع الشـاش المسـتعملة‪ ،‬ومـن األخطـاء التـي تتكـرر ً‬
‫وغالبـا مـا يضـع الطبيـب الجراح المسـؤولية‬
‫ً‬ ‫فـي جسـم المريـض؛ ممـا يـؤدي أحيا ًنـا إلـى وفاتـه‪.‬‬
‫فـي هـذا المجـال علـى مسـاعديه مـن الممرضـات والممرضيـن‪ ،‬إال أن ذلـك ال يعفيـه مـن هـذه‬
‫المسؤولية‪.‬‬
‫ثام ًن�ا‪ :‬علـى الطبيـب الجـراح الرقابـة الطبيـة بعـد التدخـل الجراحـي‪ ،‬ويقـع علـى عاتقـه‬
‫متابعـة التخديـر واإلنعـاش(‪.((8‬‬
‫ثانيًا‪ :‬نقل الدم‪:‬‬
‫تعـد عمليـات نقـل الـدم مـن الحـاالت التي يلتزم فيها الطبيـب بتحقيق نتيجة‪ ،‬فإذا احتاج‬
‫ً‬
‫مطابقا‬ ‫المريـض إلـى نقـل الـدم إليـه بسـبب العمليـة الجراحيـة‪ ،‬فيتوجـب أن يكـون هـذا الـدم‬
‫لفصيلـة دمـه‪ ،‬كمـا يجـب أن يكـون خاليـًا مـن األمـراض‪ ،‬والتـزام الطبيب في هـذه الحالة محدد‬
‫ً‬
‫مخلا بالتزامـه هذا‬ ‫بتقديـم دم يتناسـب مـع فصيلـة دم المريـض وسـليم ًا مـن األمـراض‪ ،‬ويكـون‬
‫إذا نَقـل إلـى المريـض دمـ ًا غيـر مناسـب‪ ،‬كمـا لو كان يختلف عـن فصيلة دمه‪ ،‬كما يكون الطبيب‬
‫ال تجاه المريض‪ ،‬لو كان هذا الدم ملوثًا‪ ،‬وفي هذه األحوال يكون الطبيب مسـؤو ً‬
‫ال‬ ‫أيضًا مسـؤو ً‬
‫عـن الضـرر الـذي يصيـب المريـض‪ ،‬وتترتـب مسـؤولية الطبيـب ولـو لـم يكـن هـو الـذي أجـرى‬
‫تحليـل دم المريـض للتعـرف علـى فصيلتـه‪ ،‬بـل قـام بذلـك طبيـب أخـر‪ ،‬ذلـك ألنـه ملـزم تجاه‬
‫مريضـه بتقديـم دم سـليم يتفـق مـع فصيلتـه‪ ،‬إال أنـه يسـتطيع أن يتخلـص مـن المسـؤولية‪ ،‬إذا‬
‫اسـتطاع إثبـات السـبب األجنبـي الـذي ال ينسـب إليـه(‪ .((9‬وفـي شـأن ذلك قررت المـادة الحادية‬
‫والعشـرون مـن القانـون الليبـي رقـم (‪ )17‬لسـنة ‪ 1986‬م بشـأن المسـئولية الطبيـة أنـه "ال‬
‫يجـوز إرغـام شـخص علـى إعطـاء كميـة مـن دمـه‪ .‬وال يتـم نقـل الـدم مـن المتبـرع إال بمعرفـة‬
‫طبيـب مختـص‪ ،‬وبعـد إجـراء الفحـص والتحليـل‪ ،‬وفقـ ًا لألصـول الفنيـة المتبعـة للتأكـد مـن‬
‫صالحيـة الـدم وعـدم اإلضـرار بصحـة المتبـرع‪ .‬وال يجـوز إعطـاء المريـض كميـة مـن الـدم أو‬
‫مشـتقاته أو بدائلـه إال فـي حـاالت الضـرورة القصـوى‪ ،‬وبعـد التأكـد مـن مالءمتهـا وصالحيتهـا‬
‫وخلوهـا مـن أيـة مسـببات للمـرض ومطابقتهـا لفصيلتــه"‪ ،‬فعمليـات نقـل الدم تعد مـن الحاالت‬
‫التـي يلتـزم فيهـا الطبيـب بتحقيـق نتيجـة‪ ،‬فـإذا احتـاج المريـض إلـى نقـل الـدم إليـه بسـبب‬
‫العمليـة الجراحيـة‪ ،‬فيتوجـب أن يكـون هـذا الـدم مطابـق لفصيلـة دمه(‪.((9‬‬
‫ثالثًا‪ :‬تركيب األسنان واألعضاء الصناعية‪:‬‬
‫يعـد التـزام الطبيـب تجـاه المريـض في تركيب األعضاء الصناعيـة التزامًا بتحقيق نتيجة‪،‬‬
‫ومـن أمثلـة ذلـك تركيـب األسـنان واألطـراف الصناعيـة‪ ،‬وفـي حكـم صـادر عـن محكمـة النقـض‬

‫(‪ ((8‬د‪ .‬جمعـة أحمـد أبـو قصيصـة‪ ،‬األسـس القانونيـة لمشـروعية عمليـات نقـل وزراعـة األعضاء البشـرية‪ ،‬مرجع‬
‫سـابق‪ ،‬ص ‪ 95‬ومـا بعدها‪.‬‬
‫(‪ ((9‬أحمـد حسـن الحيـارى‪ ،‬المسـؤولية المدنيـة للطبيـب‪ ،‬المرجـع السـابق ص ‪ 48‬ومـا بعدهـا‪ .‬د‪ .‬محمـد عبد‬
‫الظاهـر حسـين‪ ،‬مشـكالت المسـؤولية المدنية فـي مجال عمليات نقـل الدم‪ ،‬المرجـع السـابق‪ ،‬ص‪ .98‬عبد الحميد‬
‫الشـواربي‪ ،‬مسـؤولية األطبـاء والصيادلـة والمستشـفيات المدنيـة والجنائيـة والتأديبية‪ ،‬مرجع سـابق‪ ،‬ص ‪.86‬‬
‫(‪ ((9‬أحمـد حسـن الحيـارى‪ ،‬المسـؤولية المدنيـة للطبيـب‪ ،‬دار الثقافة للنشـر والتوزيع‪ ،‬األردن‪ ،‬عـام ‪2007‬م‪ ،‬ص‬
‫‪ 48‬ومـا بعدهـا‪ .‬د‪ .‬محمـد عبـد الظاهـر حسـين‪ ،‬مشـكالت المسـؤولية المدنيـة فـي مجال عمليـات نقل الـدم‪ ،‬دار‬
‫النهضـة العربيـة‪ 1995 ،‬م‪ ،‬ص‪.98‬‬

‫‪178‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫الفرنسـية‪ ،‬اعتبـرت فيـه التـزام طبيـب األسـنان بتركيـب األسـنان الصناعيـة تجـاه المريـض‬
‫التزامـ ًا بتحقيـق نتيجـة‪ ،‬فيمـا يتعلـق بتصميمهـا ومالئمتهـا للمريـض وخلوهـا مـن األمـراض‪،‬‬
‫وعليـه فـي هـذه الحالـة أن يركـب لمريضه األسـنان الصناعية المناسـبة لـه‪ ،‬ويعد مخطأ إذا لم‬
‫ِ‬
‫يـف بهـذا االلتـزام‪ .‬حيـث قـررت المـادة السادسـة عشـرة مـن القانـون الليبـي رقـم (‪ )17‬لسـنة‬
‫‪ 1986‬م بشـأن المسـئولية الطبيـة أنـه "ال يجـوز تركيـب األعضـاء الصناعيـة فـي الجسـم إال‬
‫بعـد التأكـد مـن مالءمتهـا للمريـض‪ ،‬وعـدم إضرارهـا بـه وتهيئـة جسـمه لقبولها‪ .‬ويكـون التزام‬
‫الطبيـب بتركيـب األسـنان الصناعيـة التزامـ ًا بتحقيـق نتيجـة"‪ ،‬ويخضـع طبيب األسـنان لنفس‬
‫القواعـد شـأنه فـي ذلـك شـأن باقـي األطبـاء وال ينفـرد إال بالتزامـه بتحقيـق نتيجـة بخصـوص‬
‫التركيبـات الصناعيـة‪ .‬أمـا بخصـوص العمـل العالجـي ذو الطبيعة الطبية فهـو كالطبيب العادي‬
‫يلتـزم ببـذل العنايـة المطلوبـة‪ ،‬وال تقـوم مسـئوليته إال إذا ثبـت وجـود تقصيـر مـن جانبـه‪،‬‬
‫ونفس الشـيء بالنسـبة للجراح وجراحات تجميل األسـنان فهي تخضع للقواعد العامة السـابق‬
‫عرضها‪ ،‬ويسـأل طبيب األسـنان عن اآلالت واألجهزة التي يسـتخدمها إذا ما ترتب عليها إضرار‬
‫بالمريـض‪ ،‬فهـو يلتـزم بسلامة المريـض‪ ،‬ويسـأل عـن األضـرار التـي يسـببها لـه عنـد قيامـه‬
‫بعمليـة العالج(‪.((9‬‬
‫رابعًا‪ :‬التحاليل الطبية‪:‬‬
‫التـزام طبيـب التحاليـل الطبيـة محلـه تحقيق نتيجة‪ ،‬ففي جميع الحاالت ينحصر نشـاطه‬
‫فـي أعمـال معمليـة‪ ،‬ال تتضمـن حسـب األصـول العلميـة السـليمة أي احتمـال‪ ،‬فإنـه ملـزم‬
‫بتحقيـق النتيجـة وبتقديـم تقريـر صحيـح مطابـق تمامـًا للحقيقـة‪ ،‬ويقـع اإلخلال بـه بمجـرد‬
‫ثبـوت خطـأ فيـه‪ ،‬وال تنتفـي مسـئوليته إال بإثبـات السـبب األجنبـي‪ ،‬أمـا التحاليـل الدقيقـة‬
‫التـي يصعـب فيهـا الكشـف عـن الحقيقـة بالطـرق العلميـة القائمـة‪ ،‬وتتـرك مجـاال ألن يختلـف‬
‫فيهـا التفسـير‪ ،‬فيقتصـر التـزام الطبيـب فيهـا علـى بـذل العنايـة واليقظـة الواجبـة(‪.((9‬‬
‫خامسًا‪ :‬استعمال األجهزة واألدوات الطبية‪:‬‬
‫يكـون الطبيـب الجـراح ملزمـ ًا بتحقيـق نتيجـة‪ ،‬إذا اسـتخدم آالت وأجهـزة فـي أثنـاء إجـراء‬
‫العمليـة الجراحيـة‪ ،‬وهـذه النتيجـة هـي عـدم حـدوث ضـرر للمريـض عنـد اسـتخدام اآلالت‬
‫ال عـن األضـرار التـي تصيـب المريـض‪،‬‬‫واألجهـزة فـي أثنـاء إجـراء العمليـة لـه‪ ،‬إذ يكـون مسـؤو ً‬
‫إذا كانـت بسـبب وجـود عيـب أو عطـل فـي هـذه اآلالت واألجهـزة؛ ألنـه يقـع علـى الطبيـب‬
‫الجـراح فـي أثنـاء إجـراء العمليـة الجراحيـة للمريض‪ ،‬اسـتعمال آالت وأجهـزة صالحة ال تصيب‬
‫المريـض بأضـرار‪ ،‬وهنـاك حـاالت قضـت فيهـا المحاكـم بمسـؤولية الطبيـب عن األضـرار والوفاة‬
‫التـي حصلـت للمريـض‪ ،‬بسـبب انفجـار األجهـزة الطبيـة‪ ،‬أو نتيجـة خـروج لهيـب مـن المشـرط‬
‫الكهربائـي‪ ،‬أو احتـراق جلـد المريـض نتيجـة وجـود خلـل فـي أجهـزة األشـعة‪ .‬ومـن التطبيقـات‬
‫القضائيـة األخـرى‪ ،‬مـا قضـى بمسـاءلة الطبيـب عـن كسـر حقنـة الـدواء في عضلات المريض‪،‬‬
‫كذلـك مسـاءلة طبيـب األسـنان عـن تمـزق لسـان المريـض وتلـف أغشـية فمـه بسـبب ناتـج عـن‬
‫األجهـزة المسـتخدمة فـي علاج المريـض‪ .‬إال أن الطبيـب قد يسـتطيع التخلص من المسـؤولية‬
‫إذا اسـتطاع أن يعـزو ذلـك إلـى السـبب األجنبـي(‪ ،((9‬إذ قـررت المـادة السادسـة والعشـرون مـن‬
‫القانـون الليبـي رقـم (‪ )17‬لسـنة ‪ 1986‬م بشـأن المسـئولية الطبيـة أنـه "يكـون مسـئوال‬
‫بالتضامـن عـن األضـرار التـي تنجـم عـن اسـتعمال األدوات واألجهـزة الطبيـة واألدويـة كل مـن‬
‫أمانـة الصحـة والجهـات المـوردة والمصنعـة والموزعـة والمسـتعملة"‪.‬‬

‫(‪ ((9‬المستشـار عزالديـن الدناصـورى والدكتـور عبـد الحميد الشـواربي‪ ،‬المرجـع السـابق‪ ،‬ص‪ .1428‬عبد الحميد‬
‫الشـواربي‪ ،‬مسـؤولية األطبـاء والصيادلـة والمستشـفيات المدنية والجنائيـة والتأديبية‪ ،‬مرجع سـابق‪ ،‬ص ‪.90‬‬
‫(‪ ((9‬المستشار عزالدين الدناصورى والدكتور عبد الحميد الشواربي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.1435‬‬
‫(‪ ((9‬د‪ .‬محمد حسن منصور‪ ،‬المسؤولية الطبية‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.2014‬‬

‫‪179‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫بعـد أن وضحنـا الطبيعـة القانونيـة لمسـؤولية الطبيـب سـواء أكانـت مسـؤولية تقصيريـة‬
‫أم عقديـة‪ ،‬ومـدى التزامـه فـي أداء عملـه‪ ،‬السـؤال الـذي يثـار هنـا كيفيـة إثبـات الخطـأ الطبي‬
‫للطبيـب؟ والسـؤال الـذي يفـرض نفسـه أيضـًا هـو مـدى سـلطة المحكمـة فـي تقديـر عمـل‬
‫الخبـراء؟ واإلجابـة علـى ذلـك فـي النقطتيـن التاليتيـن‪:‬‬
‫‪ -1‬كيفية إثبات اخلطأ الطيب للطبيب‪:‬‬
‫يختلـف دور القاضـي المدنـي عـن دور القاضـي الجنائـي‪ ،‬خاصـة فيمـا يتعلـق بوسـائل‬
‫اإلثبـات‪ ،‬حيـث يتمتـع القاضـي الجنائـي بحريـة كاملـة فـي أن يسـتعين بكافـة طـرق اإلثبـات‪،‬‬
‫وذلـك للبحـث عـن الحقيقـة والكشـف عنهـا‪ ،‬علـى عكـس الثانـي‪ ،‬فهـو مقيـد في اإلثبـات بطرق‬
‫معينـة(‪ ،((9‬واألصـل أن إثبـات الخطـأ الطبـي جائـز بكافـة طـرق اإلثبـات‪ ،‬بمـا فيهـا الخبـرة‬
‫وشـهادة الشـهود والقرائـن القضائيـة والكتابـة‪ ،‬حيـث يقـع علـى عاتـق المتضـرر إثبـات خطـأ‬
‫الطبيـب‪ ،‬وهـذا ممكـن باالعتمـاد علـى كل وسـائل اإلثبـات‪ ،‬ويتحقـق القاضـي مـن وجـود خطـأ‬
‫طبـي أكيـد‪ ،‬ارتكبـه الطبيـب عـن رعونـة وعـدم تبصـر‪ ،‬فمـن الضـروري أن يكـون الخطـأ ثابتـ ًا‬
‫ثبوتـ ًا قطعيـ ًا أكيـدًا‪ ،‬وليـس مجـرد تخميـن؛ لـذا يجـب أن يسـتند اإلثبـات إلـى وقائـع دقيقـة‪،‬‬
‫وليـس إلـى مجـرد معطيـات يمكـن إثبـات عكسـها‪ .‬غيـر أن طـرق إثبات األخطـاء الطبية تختلف‬
‫باختلاف طبيعتهـا‪ ،‬مـن حيـث كونهـا أخطـاء ذات طابـع فنـي‪ ،‬أو أخطـاء متعلقـة باإلنسـانية‬
‫الطبية ‪.‬أما بالنسـبة لألخطاء المتعلقة باإلنسـانية الطبية فيمكن اعتماد كل وسـائل اإلثبات‬
‫القانونيـة الممكنـة إلثباتهـا‪ ،‬بمـا فـي ذلك القرائن وشـهادة الشـهود‪ ،‬وهنـاك اختالف بين نظام‬
‫اإلثبـات المدنـي ونظـام اإلثبـات الجنائـي‪ ،‬مـن حيـث دور القاضـي فـي كل مـن النظاميـن‪ ،‬ومـا‬
‫يتبعـه مـن حيـث األدلـة المسـموح بهـا فـي كل منهما(‪ ،((9‬كما يكون للقاضي الـدور اإليجابي في‬
‫إثبـات األخطـاء الطبيـة‪ ،‬فمنهـا مـا يمكنـه اكتشـافها وفقـا لثقافتـه العامـة‪ ،‬كاألخطـاء العاديـة‬
‫مهمـا فـي إثبـات األخطـاء المهنيـة‪ ،‬وذلـك بالرجـوع إلـى التزامـات‬ ‫للطبيـب‪ ،‬كمـا يلعـب دورا ً‬
‫الطبيـب المنصـوص عليهـا فـي القانـون‪ ،‬كمـا سـبق القـول‪ ،‬ومحاولـة قيـاس سـلوكه مـع هـذه‬
‫االلتزامـات‪ .‬أمـا األخطـاء الطبيـة ذات الطابـع الفنـي‪ ،‬فـإن القاضـي يكـون ملزمـا باالعتماد على‬
‫الخبـرة‪ ،‬باعتبارهـا وسـيلة اإلثبـات الوحيـدة الناجعـة لحل المسـائل الفنيـة المطروحة أمامه‪،‬‬
‫ويبقـى دوره منحصـرًا فـي األخـذ أو عـدم األخـذ بتقريـر الخبـر(‪ ،((9‬والخبـرة باعتبارهـا أحـد‬
‫وسـائل إثبات الخطأ الطبي أمام المحاكم الجنائية‪ ،‬ال يسـتطيع القاضي بسـبب عدم المعرفة‬
‫الكافية لديه بالمسـائل الطبية أن يتصدى مباشـرة لمناقشـة هذه المسـائل‪ ،‬وأن يقدر بنفسـه‬
‫خطـأ الطبيـب بهـذا المجـال؛ لذلـك علـى القاضـي أن يتوجـه إلـى المختصيـن مـن الخبـراء بيـن‬
‫أهـل الطـب مـن أجـل اسـتيضاح األمـر‪ ،‬وبالتالي إلقاء الضوء على سـلوك الطبيب المتهم‪ ،‬إن كان‬
‫يتفـق مـع سـلوك الطبيـب الوسـط الحريـص فـي مهنتـه‪ ،‬وهـذا يعنـي أن أهـل الخبـرة هـم الذيـن‬
‫سـيقدمون وجهـة نظرهـم‪ ،‬حـول مسـألة السـلوك والحـذر الـذي كان يجـب أن يقدمـه الطبيـب‪.‬‬
‫وإذا كان الخبيـر يقـوم بمسـاعدة القاضـي باسـتنباط الخطـأ فـي المجـال الطبـي‪ ،‬سـواء أكان‬
‫فـي المسـائل التطبيقيـة أم فـي األخلاق الطبيـة‪ ،‬فالقاضـي يسـتقل فـي التكييـف القانونـي‬
‫للسـلوك الفنـي للطبيـب‪ ،‬وهـو الـذي يقـوم بتقديـر رأي الخبيـر‪ ،‬وبالنتيجـة األخـذ بـه أو عدم‬
‫األخـذ بـه‪ .‬إذا كان للمحكمـة سـلطة تقديريـة فـي نـدب الخبيـر‪ ،‬ولهـا السـلطة فـي االسـتجابة‬
‫أو رفـض الطلـب الـذي يقـدم إليهـا نـدب الخبيـر‪ ،‬إال أن حـد ذلـك أن تكـون المسـألة المطلـوب‬
‫(‪ ((9‬د‪ .‬شـعبان محمـود محمـد الهـواري‪ ،‬أدلـة اإلثبـات الجنائـي‪ ،‬دار الفكـر والقانـون‪ ،‬المنصورة‪ ،‬طبعـة ‪،2013‬‬
‫ص‪.122‬‬
‫(‪ ((9‬د‪ .‬عبد الرءوف مهدي‪ ،‬شرح القواعد العامة لإلجراءات الجنائية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.1420‬‬
‫(‪ ((9‬د‪ .‬سـمير عبد السـميع األودن‪ ،‬مسـئولية الطبيب الجراح وطبيب التخدير ومسـاعديهم‪ ،‬مرجع سـابق‪ ،‬ص ‪،77‬‬
‫د‪ .‬علـي عصـام غصـن‪ ،‬الخطأ الطبـي‪ ،‬مكتبة زيـن الحقوقيـة واألدبية‪ ،‬بيـروت‪ ،‬عـام ‪ ، 2006‬ص ‪ ،160‬د‪ .‬عاطف‬
‫النقيـب‪ ،‬المسـئولية المدنيـة عن األخطـاء المهنية‪ :‬الطبيـب‪ ،‬المهندس المعمـاري والمقاول‪ ،‬المحامـي‪ ،‬دار الكتاب‬
‫اللبنانـي‪ ،‬بيروت ‪ ،‬عـام ‪ ، 1992‬ص ‪.135‬‬

‫‪180‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫نـدب الخبيـر مـن أجلهـا مسـألة فنيـة بحتـة‪ ،‬ال تسـتطيع المحكمـة أن تفصـل فيها بنفسـها دون‬
‫االسـتعانة بخبيـر متخصـص(‪ ،((9‬وفـي شـأن ذلـك قضـت بـأن "المحكمـة هـي الخبيـر األعلى في‬
‫كل مـا تسـتطيع أن تفصـل فيـه‪ ،‬بنفسـها أو باالسـتعانة بخبيـر يخضـع رأيـه لتقديرهـا‪ ،‬مادامـت‬
‫المسـألة المطروحـة ليسـت فنيـة بحتـة"(‪ ،((9‬وقضـى أيضـًا "بأنـه ومتـى كان طلـب الدفـاع ال‬
‫يتصل بمسـألة فنية بحتة‪ ،‬فإن المحكمة ال تكون ملزمة بندب خبير‪ ،‬إذا هي رأت من األدلة‬
‫المقدمـة فـي الدعـوى‪ ،‬مـا يكفل الفصل فيهـا دون حاجة لندبه"(‪ ،((10‬والتزام المحكمة بندب‬
‫خبيـر ال يتوقـف علـى طلـب الخصـوم‪ ،‬بـل العبـرة دائمـا هي بطبيعـة المسـألة المعروضة(‪.((10‬‬
‫واجلدي�ر بالذك�ر أنـه منـذ صـدور قانـون المسـؤولية الطبيـة الليبـي‪ ،‬ثـار الجـدل القانونـي‬
‫حـول مـدى التـزام المحاكـم بوجـوب إحالـة قضايـا المسـؤولية الطبيـة إلـى المجلـس الطبـي‪،‬‬
‫ومـدى التـزام المحكمـة باألخـذ بـرأي المجلـس الطبـي‪ ،‬وهـذا القانـون الـذي سـاهم فـي وضعـه‬
‫األطبـاء‪ ،‬فحـددوا جهـة معينـه لتحديـد مسـؤوليتهم هي المجلس الطبـي‪ ،‬وهو يتكون من أطباء‬
‫يتبعـون وزارة الصحـة فـي مختلـف التخصصـات‪ ،‬وقـد سـار القضـاء فـي تطبيـق هـذا القانـون إلى‬
‫منهجيـن‪ ،‬األول أن المحكمـة تأخـذ بـرأي المجلـس الطبـي دون نقـاش‪ ،‬فـكأن المجلـس الطبـي‬
‫أصبـح هـو المحكمـة‪ ،‬ومنهـج آخـر وهـو وجـوب العـرض وعـدم لـزوم األخـذ بـرأي المجلـس‪،‬‬
‫وذهبـت قليـل مـن المحاكـم إلـى أن العـرض هـو سـلطة تقديريـة للمحكمـة‪ ،‬وترتـب علـى ذلـك‬
‫صـدور أحـكام متناقضـة فـي إجراءاتهـا‪ ،‬وقـد حسـم ذلـك الخلاف مـن خلال هـذا المبـدأ الـذي‬
‫أرسـته الدوائـر المجتمعـة بالمحكمـة العليـا‪ ،‬والمبـدأ الصـادر فـي قانـون المسـؤولية الطبيـة‬
‫نصـه‪ " :‬قـررت المحكمـة – بــدوائرها مجتمعـة – العـدول عـن المبـادئ التـي تقضـي بإلـزام‬
‫المحكمـة بعـرض قضايـا المسـؤولية الطبيـة علـى المجلـس الطبـي‪ ،‬وااللتـزام بمـا يـرد فـي‬
‫تقريـره بشـأن مـدى قيـام المسـؤولية الطبيـة‪ ،‬وإرسـاء مبـدأ مفـاده حـق المحكمـة فـي اختيـار‬
‫طــريق اإلثبـات الـذي تــراه مــؤدي ًا إلـى ذلـك‪ ،‬وهـذا الحكـم أعـاد األمـور إلـى نصابهـا الصحيـح‬
‫فأصبحـت االسـتعانة بالخبـرة مـن السـلطات التقديريـة للمحكمـة‪ ،‬وفقـ ًا للقواعـد العامـة فـي‬
‫قانـون المرافعـات وقانـون االجـراءات الجنائيـة"(‪.((10‬‬
‫‪ -2‬سلطة احملكمة يف تقدير عمل اخلرباء(‪:((10‬‬
‫يشـترط أن يقـدم طلـب نـدب الخبيـر للمحكمـة قبـل إقفـال بـاب المرافعـة؛ ألنـه ال يعـدو‬
‫أن يكـون طلبـا مـن طلبـات تحقيـق الدعـوى‪ ،‬فـإن قـدم قبـل فتـرة حجـز الدعـوى للحكـم‪ ،‬لـم‬
‫تكـن المحكمـة ملتزمـة بإجابتـه وبالـرد عليـه إال إذا كانـت المحكمـة لـم يسـبق لهـا اسـتيفاء‬
‫دفـاع المتهـم شـفهيا‪ ،‬قبـل حجـز الدعـوى للحكـم(‪ ،((10‬وفـي شـأن ذلـك قضـت محكمـة النقـض‬
‫بأنـه "مـن المقـرر أن المحكمـة متـى أمـرت بإقفـال بـاب المرافعـة فـي الدعوى وحجزهـا للحكم‪،‬‬
‫فهـي بعـد ال تكـون ملزمـة بإجابـة طلـب التحقيـق الـذي يبديـه المتهـم فـي مذكرتـه‪ ،‬التـي‬
‫يقدمهـا فـي فتـرة حجـز القضيـة للحكـم أو الـرد عليـه‪ ،‬سـواء أقـدم بتصريـح أم بغيـر تصريـح‪،‬‬

‫(‪ ((9‬د‪ .‬عبد الرءوف مهدي‪ ،‬شرح القواعد العامة لإلجراءات الجنائية‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.1555 ،1554‬‬
‫(‪ ((9‬نقض ‪ 17‬أبريل ‪ 1984‬مجموعة أحكام النقض س‪ 55‬رقم ‪ 101‬ص‪.578‬‬
‫(‪ ((10‬نقـض ‪ 13‬مـن يونيـه سـنة ‪ 1961‬مجموعة أحـكام النقـض س‪ 12‬ص‪ 671‬رقم ‪ ،131‬ولمزيد مـن التفصيل‬
‫انظـر‪ :‬فـي قيمـة البصمـة الوراثية في اإلثبـات‪ ،‬بحث الدكتـور غنام محمـد غنـام "دور البصمة الوراثيـة ‪ D.N.A‬في‬
‫اإلثبـات" بحـث مقـدم إلـى مؤتمـر الهندسـة الوراثيـة بين الشـريعة والقانـون‪ ،‬الـذي عقد بكليـة الشـريعة والقانون‬
‫بجامعـة اإلمـارات العربيـة المتحدة مـن ‪ 7 – 5‬مايو سـنة ‪.2002‬‬
‫(‪ ((10‬نقض ‪ 8‬أكتوبر ‪ 1962‬مجموعة أحكام النقض س‪ 13‬ص‪ 610‬رقم ‪.152‬‬
‫(‪ ((10‬انطـر‪ :‬المحكمــــة العليــا‪( -‬دوائـر المحكمـة مجتمعـة) بجلستهــا يـــوم االثنين ‪ 20‬صفــر ‪ 1434‬هـ‬
‫المـــوافق ‪2013.12.23‬م‪.‬‬
‫(‪ ((10‬د‪ .‬سـمير عبـد السـميع األودن‪ ،‬مسـئولية الطبيـب الجـراح وطبيـب التخديـر ومسـاعديهم‪ ،‬مرجـع سـابق‪،‬‬
‫ص‪.102‬‬
‫(‪ ((10‬د‪ .‬عبد الرءوف مهدي‪ ،‬شرح القواعد العامة لإلجراءات الجنائية‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.1549‬‬

‫‪181‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫مـادام هـو لـم يطلـب ذلـك بجلسـة المحاكمـة وقبـل قفـل بـاب المرافعـة فـي الدعـوى‪ .‬فـإن‬
‫النعـي بالتفـات المحكمـة عـن طلـب عـرض الطلقات المضبوطـة على كبير األطباء الشـرعيين‪،‬‬
‫المبـدى بالمذكـرة المقدمـة خلال فتـرة حجـز الدعـوى للحكـم‪ ،‬التـي سـبقها اسـتيفاء الدفـاع‬
‫الشـفوي يكون غير سـديد‪ ،‬وال يقدح في ذلك أن الدفاع أحال في مرافعته بالجلسـة األخيرة‬
‫إلـى مرافعاتـه بالجلسـة السـابقة‪ ،‬التـي أبـدي هـذا الطلـب فـي إحداهـا‪ ،‬ذلـك أنـه تنـازل عنـه‬
‫ال من أدلة‬‫صراحـة فـي جلسـة تاليـة"(‪ .((10‬ومـن المقـرر أن تقرير الخبيـر ال يعدو أن يكون دلي ً‬
‫الدعـوى‪ ،‬فهـو يخضـع لتقديـر المحكمـة‪ ،‬فلهـا أن تأخـذ بـه إذا اطمأنـت إليـه‪ ،‬ولهـا أن تطرحـه‬
‫إذا لـم تطمئـن إليـه(‪ ,((10‬فالمحكمـة هـي الخبيـر األعلـى فـي كل ما تسـتطيع هي أن تفصل فيه‬
‫بنفسـها‪ ،‬مادامـت المسـألة المطروحـة ليسـت مـن المسـائل الفنيـة البحتـة‪ ،‬التـي ال تسـتطيع‬
‫المحكمـة بنفسـها أن تشـق طريقهـا إلبـداء الـرأي فيهـا‪ ،‬وذلك اسـتنادًا إلى مبـدأ حرية االقتناع‬
‫الـذي نـص عليـه قانـون اإلجـراءات الجنائيـة‪ ،‬فتقريـر الخبيـر هو مـن جملة األدلـة المعروضة‬
‫علـى المحكمـة‪ ،‬خاضـع للمناقشـة والتمحيـص‪ ،‬وعندمـا ترفـض المحكمـة األخـذ بخبـرة تتعلق‬
‫بأمـر فنـي ال تسـتطيع تقديـره بنفسـها‪ ،‬فعليهـا أن تسـتند فـي هـذا الرفـض إلـى خبـرة فنيـة‬
‫تنفـي مـا جـاء فـي الخبـرة األولـى‪ ،‬حتـى يتسـنى لهـا أن ترجـح إحـدى الخبرتيـن(‪ ،((10‬واختيـار‬
‫الطبيـب طريقـة للعلاج دون أخـرى‪ ,‬ال يمكـن أن يـؤدي إلـى مسـئوليته عن طريقـة العالج التي‬
‫اتبعهـا‪ ،‬مـا دامـت هـذه الطريقـة صحيحـة علميـ ًا ومتبعـة فعلا فـي علاج المرضـى‪ ,‬ومسـئولية‬
‫الطبيـب عـن خطـأ العلاج ال تقـوم بصفـة مطلقـة علـى نـوع العلاج الـذي يختـاره إال إذا ثبـت‬
‫جهلا بأصـول العلـم والفـن الطبـي(‪ ،((10‬والمحكمـة غيـر مرتبطـة‬ ‫ً‬ ‫أنـه فـي اختيـار العلاج أظهـر‬
‫فـي قضائهـا بمـا يقـرره الخبـراء مـن أطبـاء وغيـر أطبـاء‪ ،‬بـل لهـا تقديـر أقوالهـم والمفاضلـة‬
‫بيـن الدليـل المسـتفاد منهـا وغيـره مـن األدلـة األخـرى‪ ،‬القائمـة فـي الدعـوى وترجيـح ما ترى‬
‫ترجيحـه منهـا (‪ ،((10‬وقضـى أيضـ ًا "للمحكمـة أن تأخـذ مـن األدلـة بمـا تطمئـن إليـه‪ ،‬وتقريـر‬
‫الخبيـر إن هـو إال دليـل مـن هـذه األدلـة‪ ،‬فلا تثريـب علـى المحكمة إذا هـي اطرحت ما ورد في‬
‫تقريـر الخبيـر مـا دامـت لـم تطمئـن إليـه لالعتبـارات السـائغة التـي أوردتهـا فـي حكمهـا"(‪،((11‬‬
‫واألصـل أن لمحكمـة الموضـوع أن تجـزم بمـا لـم يجـزم به الخبير فـي تقريره‪ ،‬متى كانت وقائع‬
‫الدعـوى قـد أيـدت ذلـك عندهـا و أكدتـه لديهـا(‪.((11‬‬

‫واهلل ولي التوفيق‪..‬‬

‫(‪ ((10‬نقض ‪ 12‬فبراير سنة ‪ 1978‬مجموعة أحكام النقض س‪ 29‬ص‪ 150‬رقم ‪.26‬‬
‫(‪ ((10‬د‪ .‬عبد الرءوف مهدي‪ ،‬شرح القواعد العامة لإلجراءات الجنائية‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.1561‬‬
‫(‪ ((10‬مصطفى مجدي هرجه‪ ،‬التعليق على قانون العقوبات‪ ،‬طبعة نادي القضاة‪ ،1993،‬ص‪.120‬‬
‫(‪ ((10‬محكمة مصر االبتدائية جلسة ‪ 1944/10/3‬م‪.‬‬
‫(‪ ((10‬الطعن رقم ‪ 405‬لسنة ‪ 46‬ق‪ ،‬جلسة ‪1929/3/7‬‬
‫(‪ ((11‬الطعن رقم ‪ 660‬لسنة ‪ 25‬ق – جلسة ‪ 1955/11/17‬مكتب فني ‪ 6‬صفحة رقم ‪1301‬‬
‫(‪ ((11‬الطعن رقم ‪1980‬لسنة ‪ 36‬ق – جلسة ‪ 1967/2/13‬مكتب فني ‪ 18‬صفحة رقم ‪.189‬‬

‫‪182‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫اخلامتة‪:‬‬
‫بعـد أن انتهينـا مـن عـرض موضـوع البحـث يمكننـا أن نـورد العديـد مـن النتائـج التـي تـم‬
‫التوصـل إليهـا‪ ،‬ومـن ثـم نطـرح بعـض التوصيـات علـى النحـو التالـي‪:‬‬
‫‪-‬النتائج‪:‬‬
‫‪1.‬الخطـأ الطبـي هـو ذلـك النشـاط الذي يتفق بكيفيته وظروف مباشـرته مـع القواعد المقررة‬
‫فـي علـم الطـب‪ ،‬ويتجـه فـي ذاتـه‪ ،‬أي وفـق المجـرى العـادي لألمـور إلـى شـفاء المريـض‪،‬‬
‫والتـزام الطبيـب نحـو المريـض هـو التـزام ببـذل عنايـة‪ ،‬وإن كانـت هنـاك بعـض الحـاالت‬
‫يكـون فيهـا التـزام الطبيـب التزامـًا بتحقيـق نتيجـة‪.‬‬
‫‪2.‬الخطـأ الطبـي الجسـيم هـو قيـام الطبيـب ببـذل العنايـة الواجبـة عليـه بصـورة ال تصـدر‬
‫عـن أقـل األطبـاء حرصـًا وتبصـرًا‪ ،‬والخطـأ العـادي هـو الخطـأ الخـارج عـن مهنـة الطـب‪ ،‬أو‬
‫الخطـأ الـذي ال شــأن لـه بفـن الطـب فـي ذاته‪ ،‬أي الذي ال يخضـع للخالفات الفنية‪ ،‬والخطأ‬
‫الفنـي بوجـه عـام هـو انحـراف شـخص ينتمـي إلـى مهنـة معينـة عـن األصـول التـي تحكـم‬
‫هـذه المهنة‪.‬‬
‫‪3.‬المعيـار الشـخصي يقصـد بـه إلـزام الطبيـب ببـذل مـا اعتـاد علـى بذلـه من يقظـة وتبصر‪،‬‬
‫والمعيـار الموضوعـي هـو المعيـار الـذي يقـاس به الخطأ في االلتزام ببـذل عناية هو معيار‬
‫موضوعـي مجـرد يتمثـل فـي القياس على سـلوك الشـخص العادي‪.‬‬
‫‪4.‬المسئولية الطبية هي في األصل مسئولية عقدية‪ ،‬واالستثناء أن تكون تقصيرية‪.‬‬
‫‪5.‬هنـاك اسـتثناءات علـى هـذا األصـل العـام‪ ،‬تتمثـل فـي االلتـزام بتحقيـق نتيجـة وسلامة‬
‫المريـض‪ ،‬أهمهـا الجراحـات التجميليـة‪ ،‬نقـل الـدم‪ ،‬تركيـب األسـنان واألعضـاء الصناعيـة‪،‬‬
‫التحاليـل الطبيـة‪ ،‬واسـتعمال األجهـزة واألدوات الطبيـة‪.‬‬
‫‪6.‬يسـأل الطبيـب جنائيـ ًا عنـد تجـاوزه الشـروط األساسـية لمشـروعية العمـل الطبـي‪ ،‬والجزاء‬
‫التأديبـي يتـدرج علـى حسـب جسـامة خطـأ الطبيب‪.‬‬
‫‪-‬التوصيات‪:‬‬
‫‪ 1.‬العمـل علـى تحقيـق التـوازن بيـن حمايـة المريـض ممـا قـد يقـع مـن األطبـاء مـن أخطـاء‪،‬‬
‫وتقديـم العنايـة الطبيـة للمرضـى‪ ،‬مـع توفيـر الحريـة الالزمـة لألطبـاء‪ ،‬مـن أجـل قيامهـم‬
‫يمكنهـم مـن أداء عملهـم علـى أكمل وجه‪ ،‬مـن خالل حصر‬ ‫بواجبهـم نحـو مرضاهـم فـي جـو ِّ‬
‫مسـؤولية الطبيـب علـى األخطـاء الطبيـة الجسـيمة‪ ،‬مـع ضمـان حـق المريـض فـي سلامة‬
‫جسـده‪ ،‬وحصولـه علـى الرعايـة والعنايـة الطبيـة الكافيـة‪.‬‬
‫‪ 2.‬استحداث نيابات ومحاكم متخصصة في مجال المسؤولية الطبية‪.‬‬
‫‪ 3.‬العمل على زيادة الوعـــي الطـــبي لخريجـــي كليات الطب والتأكيـــد على أهميـــة وعواقـــب‬
‫الخطــأ الطبــي‪.‬‬
‫ً‬
‫تأهيلا مهنيـ ًا عاليـ ًا‪ ،‬من خالل الـدورات الطبية‪،‬‬ ‫‪ 4.‬العمـل علـى تأهيـل خريجـي كليـات الطـب‬
‫واإلشـراف عليهـا مـن قبـل أسـاتذة لهـم كثيـر مـن الخبرة والدرايـة؛ لتقليل األخطـاء الطبية‬
‫مستقب ً‬
‫ال ‪.‬‬
‫‪ 5.‬تطوير قانون المسؤولية الطبية الليبي رقم ‪ 7‬لسنة ‪ 1986‬في بعض نصوصه المتعلقة‬
‫بالتطورات الطبية الحديثة‪ ،‬كتجريم االستنساخ البشري وتغيير الجنس‪.‬‬
‫‪ 6.‬تدريس مادة قانون المسـؤولية الطبية بكليات القانون‪ ،‬وكليات الطب البشـري‪ ،‬واألسـنان‪،‬‬
‫والصيدلـة‪ ،‬والعلـوم الصحيـة لزيـادة وعـي الطلاب بخطـورة األخطـاء الطبيـة‪ ،‬ومـا يترتـب‬
‫عليهـا مـن مسـؤوليات جنائيـة‪ ،‬مهنية‪ ،‬وإداريـة‪ ،‬ومدنية‪.‬‬

‫‪183‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫املراجع‬
‫أو ًال‪ :‬القرآن الكريم‪:‬‬
‫ثانيًا‪ :‬كتب الصحاح َّ‬
‫والسنة‪:‬‬
‫‪-‬صحيح البخاريُّ‪ ،‬كتاب الدي َّات‪ ،‬ج رقم ‪.6878‬‬
‫‪-‬مسلم في صحيحه‪ :‬كتاب القسامة والمحاربين والقصاص والديات‪ ،‬ج رقم ‪.1676‬‬

‫ثالثًا‪ :‬املراجع العامة‪:‬‬


‫‪1 .‬د‪ .‬أحمد شوقي أبو خطوة‪ ،‬القانون الجنائي والطب الحديث‪ ،‬دار النهضة العربية‪ 1986 ،‬م‪.‬‬
‫‪2 .‬د‪ .‬أكـرم نشـأت إبراهيـم‪ ،‬القواعـد العامـة فـي قانـون العقوبـات المقارن‪ ،‬المكتبـة القانونية‪ ،‬الطبعـة األولى‪ ،‬بغداد‪،‬‬
‫‪1998‬م‪.‬‬
‫‪3 .‬د‪ .‬أمين مصطفى محمد‪ ،‬قانون العقوبات‪ ،‬القسم العام‪ ،‬دار النهضة العربية‪2009 ،‬م‪.‬‬
‫‪4 .‬د‪ .‬رؤوف عبيد‪ ،‬مبادئ القسم العام من التشريع العقابي‪ ،‬الطبعة الرابع‪ ،‬دار الفكر العربي‪ 1979 ،‬م‪.‬‬
‫‪5 .‬د‪ .‬رؤوف عبيـد‪ ،‬جرائـم االعتـداء علـى األشـخاص واألمـوال فـي قانـون العقوبـات المصـري‪ ،‬الطبعـة الخامسـة‪،‬‬
‫القاهـرة‪1965 ،‬م‪.‬‬
‫‪6 .‬د‪ .‬رؤوف عبيد‪ ،‬السببية الجنائية بين الفقه والقضاء‪ ،‬القاهرة‪ ،‬دار النهضة العربية‪1984 ،‬م‪.‬‬
‫‪7 .‬د‪ .‬سليمان مرقص‪ ،‬الوافي في شرح القانون المدني‪ ،‬ج ‪ ،1‬ط‪ ،‬مكتبة مصر الجديدة‪ ،‬عام ‪1992‬م‪.‬‬
‫‪8 .‬د‪ .‬شـــريف الطبـــاخ‪ ،‬جرائم الخطأ الطـــيب والتعـــويض عنهـــا في ضـــوء الفقـــه والقضــاء‪ ،‬اإلسكندرية مصــر‪ ،‬دار‬
‫الفكــر الجامعي‪1993،‬م‪.‬‬
‫‪9 .‬د‪ .‬شعبان محمود محمد الهواري‪ ،‬أدلة اإلثبات الجنائي‪ ،‬دار الفكر والقانون‪ ،‬المنصورة‪ ،‬طبعة ‪2013‬م‪.‬‬
‫ ‪10.‬د‪ .‬عـادل جبـري محمـد حبيـب‪ ،‬المفهـوم القانونـي لرابطـة السـببية‪ ،‬دار الفكـر الجامعـي‪ ،‬اإلسـكندرية‪ ،‬عـام‬
‫‪ 2003‬م‪.‬‬
‫ ‪11.‬د‪ .‬عبد الرءوف مهدي‪ ،‬شرح القواعد العامة لإلجراءات الجنائية‪ ،‬مطابع روز اليوسف‪ 2008 ،‬م‪.‬‬
‫ ‪12.‬د‪ .‬عبـد الـرازق السـنهوري‪ ،‬الوسـيط فـي شـرح القانـون المدنـي‪ ،‬الجـزء األول‪ ،‬دار النهضـة العربيـة‪ ،‬الطبعـة ‪،2‬‬
‫عـام ‪ 1964‬م‪.‬‬
‫ ‪13.‬د‪ .‬عبد الرزاق أحمد السنهوري‪ ،‬الوجيز في النظرية العامة لاللتزام‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،‬منشأة المعارف‪ 2004 ،‬م‪.‬‬
‫ ‪14.‬د‪ .‬عـز الديـن الدينـاﺼﻭﺭﻱ‪ ،‬ﻭﻋﺒﺩ ﺍﻟﺤﻤﻴﺩ ﺍﻟﺸﻭﺍﺭﺒﻲ‪ ،‬ﺍﻟﻤﺴﺅﻭﻟﻴﺔ ﺍﻟﺠﻨﺎﺌﻴﺔ فـي ﻗﺎﻨﻭﻥ ﺍﻟﻌﻘﻭﺒﺎﺕ ﻭﺍﻹﺠﺭاءاﺕ‬
‫ﺍﻟﺠﻨﺎﺌﻴﺔ‪ ،‬ﺍﻟﻔﻨﻴﺔ ﻟﻠﺘﺠﻠﻴﺩ الفنـي‪ ،‬مصـر‪ ،‬اإلسـكندرية ‪2002‬م‪.‬‬
‫ ‪15.‬د‪ .‬عوض محمد‪ ،‬قانون العقوبات‪ ،‬القسم العام‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،‬دار المطبوعات الجديدة‪1998 ،‬م‪.‬‬
‫ ‪16.‬د‪ .‬فتحي عبد الرحيم عبد هللا‪ ،‬شرح النظرية العامة لاللتزام‪ ،‬الكتاب األول‪ ،‬مصادر االلتزام‪ ،‬منشأة المعارف‪،‬‬
‫اإلسكندرية‪ ،‬عام ‪2001‬م‪.‬‬
‫ ‪17.‬د‪ .‬فوزية عبد الستار‪ ،‬النظرية العامة للخطأ غير العمدي‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪1977 ،‬م‪.‬‬
‫ ‪18.‬د‪ .‬مأمون محمد سالمة‪ ،‬شرح قانون العقوبات القسم العام‪ ،‬دار الفكر العربي‪ ،‬القاهرة‪ 1984 ،‬م‪.‬‬
‫ ‪19.‬مصطفى مجدي هرجه‪ ،‬التعليق على قانون العقوبات‪ ،‬طبعة نادي القضاة‪1993،‬م‪.‬‬
‫ ‪20.‬د‪ .‬محمـد ذكـي أبـو عامـر‪ ،‬د‪ .‬سـليمان عبـد المنعـم‪ ،‬قانـون العقوبات الخاص‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬منشـورات الحلبي‬
‫الحقوقية‪ 2006،‬م‪.‬‬
‫ ‪21.‬د‪ .‬محمد رمضان بارة‪ ،‬قانون العقوبات الليبي‪ ،‬القسـم الخاص‪ ،‬ج‪ ،1‬جرائم االعتداء على األشـخاص‪2010 ،‬م‪،‬‬
‫الشـركة الخضراء للطباعة والنشـر‪ ،‬عام ‪2010‬م‪.‬‬
‫ ‪22.‬د‪ .‬محمود نجيب حسني‪ ،‬شرح قانون العقوبات‪ ،‬القسم الخاص‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬مصر‪1988 ،‬م‪.‬‬

‫‪184‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫رابعًا‪ :‬املراجع املتخصصة‪.‬‬


‫‪1 .‬أحمد حسن الحياري‪ ،‬المسؤولية المدنية للطبيب‪ ،‬دار الثقافة للنشر والتوزيع‪ ،‬األردن‪ ،‬عام ‪2007‬م ‪.‬‬
‫‪2 .‬د‪ .‬أسامة قايد‪ ،‬المسؤولية الجنائية لألطباء‪" ،‬دراسة مقارنة"‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪1990 ،‬م‪.‬‬
‫‪3 .‬د‪ .‬إيمـان محمـد علـي الجابـري‪ ،‬المسـؤولية القانونيـة عـن األخطـاء الطبيـة‪ ،‬دار الجامعـة الجديـدة للنشـر‪ ،‬مصر‪،‬‬
‫‪ 2011‬م‪.‬‬
‫‪4 .‬د‪ .‬جمعـة أحمـد أبـو قصيصـة‪ ،‬األسـس القانونيـة لمشـروعية عمليـات نقـل وزراعـة األعضـاء البشـرية‪ ،‬دراسـة‬
‫تحليليـة مقارنـة‪ ،‬الوطنيـة لنشـر وتوزيـع الكتـب والمطبوعـات‪ ،‬طرابلـس‪ ،‬الطبعـة األولـى‪ ،‬عـام ‪2013‬م‪.‬‬
‫‪ 5 .‬د‪ .‬حسـام الديـن األحمـد‪ ،‬المسـؤولية الطبيـة فـي الجراحـة التجميليـة‪ ،‬منشـورات الحلبـي الحقوقيـة‪ ،‬لبنـان‪،‬‬
‫‪2011‬م‪.‬‬
‫‪6 .‬حسـام عبيـس عـودة‪ ،‬المسـؤولية المدنيـة عـن األضـرار التـي يسـببها الروبـوت‪ "،‬دراسـة تحليليـة مقارنـة"‪ ،‬كليـة‬
‫اإلمـام الكاظـم‪ ،‬المغـرب‪ ،‬عـام ‪ 2019‬م‪.‬‬
‫‪ 7 .‬د‪ .‬حميـد السـعدي‪ ،‬أ‪ .‬عامـر عبيـد المشـاي‪ ،‬المسـؤولية الطبيـة مـن الوجهـة الجنائيـة‪ ،‬دار التضامـن للطباعـة‬
‫والنشـر والتوزيـع‪ ،‬بيـروت‪ ،‬لبنـان‪ ،‬عـام ‪1996‬م‪.‬‬
‫‪8 .‬د‪ .‬سـمير عبـد السـميع األودن‪ ،‬مسـئولية الطبيـب الجـراح وطبيـب التخديـر ومسـاعديهم "مدنيـاً‪ -‬جنائيـا‪ً-‬‬
‫واداريـاً" منشـأة المعـارف‪ ،‬اإلسـكندرية‪ ،‬عـام ‪2004‬م‪.‬‬
‫‪9 .‬د‪ .‬السيد عتيق‪ ،‬القتل بدافع الشفقة‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪2010 ،‬م‪.‬‬
‫ ‪10.‬د‪ .‬عاطـف النقيـب‪ ،‬المسـئولية المدنيـة عـن األخطـاء المهنيـة‪ :‬الطبيـب‪ ،‬المهنـدس المعمـاري والمقـاول‪،‬‬
‫المحامـي‪ ،‬دار الكتـاب اللبنانـي‪ ،‬بيـروت‪ ،‬عـام ‪ 1992‬م‪.‬‬
‫ ‪ 11.‬عبـد الحميـد الشـواربي‪ ،‬مسـؤولية األطبـاء والصيادلـة والمستشـفيات المدنيـة والجنائيـة والتأديبيـة‪ ،‬الطبعـة‬
‫األولـى‪ ،‬منشـأة المعـارف‪ ،‬مصـر (اإلسـكندرية)‪ ،‬عـام ‪1998‬م‪.‬‬
‫ ‪12.‬د‪ .‬عبد الرشيد مأمون‪ ،‬عقد العالج بين النظرية والتطبيق‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬عام ‪1986‬م‪.‬‬
‫ ‪13.‬د‪ .‬علي عصام غصن‪ ،‬الخطأ الطبي‪ ،‬مكتبة زين الحقوقية واألدبية‪ ،‬بيروت‪ ،‬عام ‪2006‬م‪.‬‬
‫ ‪14.‬د‪ .‬محسـن عبـد الحميـد البيـه‪ ،‬خطـأ الطبيـب الموجـب للمسـؤولية المدنيـة‪ ،‬مطبوعـات جامعـة الكويـت‪ ،‬عـام‬
‫‪ 1993‬م‪.‬‬
‫ ‪15.‬د‪ .‬محمـد أسـامة عبـد هللا قايـد‪ ،‬المسـؤولية الجنائيـة لألطبـاء‪ ،‬الطبعـة الثانيـة‪ ،‬دار النهضـة العربيـة‪ ،‬مصـر‪،‬‬
‫بـدون سـنة طبـع‪.‬‬
‫ ‪16.‬د‪ .‬محمد حسنين منصور‪ ،‬المسؤولية الطبية‪ ،‬دار الفكر الجامعي‪ ،‬اإلسكندرية‪ 2006،‬م‬
‫ ‪17.‬د‪ .‬محمد سـامي الشـوا‪ ،‬الخطأ الطبي أمام القضاء الجنائي‪ ،‬دراسـة مقارنه في القضائيين المصري والفرنسـي‪،‬‬
‫دار النهضة العربية‪ 2003 ،‬م‪.‬‬
‫ ‪ 18.‬د‪ .‬محمـد عبـد الظاهـر حسـين‪ ،‬مشـكالت المسـؤولية المدنيـة فـي مجـال عمليـات نقـل الـدم‪ ،‬دار النهضـة‬
‫العربيـة‪1995 ،‬م‪.‬‬
‫ ‪ 19.‬د‪ .‬محمـد عيـد الغريـب‪ ،‬التجـارب الطبيـة والعلميـة وحرمـة الكيان الجسـدي لإلنسـان‪ ،‬بدون دار نشـر‪ ،‬الطبعة‬
‫األولى‪1989 ،‬م‪.‬‬
‫ ‪ 20.‬د‪ .‬محمـود محمـود مصطفـى‪ ،‬مسـؤولية األطبـاء والجراحيـن الجنائيـة‪ ،‬عمـان‪ ،‬األردن‪ ،‬دار اإلسـراء للنشـر‬
‫والتوزيـع‪ ،‬عـام ‪ 1998‬م‪.‬‬
‫ ‪ 21.‬د‪ .‬محمـود نجيـب حسـني‪ ،‬أسـباب اإلباحـة فـي التشـريعات العربيـة‪ ،‬جامعـة الـدول العربيـة‪ ،‬معهـد الدارسـات‬
‫العربية‪،‬عـام ‪ 1998‬م‪.‬‬
‫ ‪ 22.‬مفتـاح مصبـاح بشـير الغزالـي‪ ،‬المسـؤولية الجنائيـة لألطبـاء عـن التجـارب الطبيـة والعلميـة‪ ،‬المكتـب الوطنـي‬
‫للبحـث والتطويـر‪ ،‬بنغـازي‪ ،‬عـام ‪2005‬م‪.‬‬
‫ ‪ 23.‬د‪ .‬منذر الفضل‪ ،‬المسؤولية الطبية "دراسة مقارنة"‪ ،‬دار الثقافة للنشر والتوزيع‪ ،‬عمان‪ ،‬األردن‪ ،‬عام ‪2012‬م‪.‬‬

‫‪185‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫ ‪ 24.‬د‪ .‬هشام عبد الحميد فرج‪ ،‬األخطاء الطبية‪ ،‬منشأة المعارف‪ ،‬اإلسكندرية عام ‪2007‬م‪.‬‬
‫ ‪ 25.‬د‪ .‬هدى حامد قشقوش‪ ،‬القتل بدافع الشفقة‪ ،‬دراسة مقارنة‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪2008، 2‬م‪.‬‬
‫ ‪ 26.‬د‪ .‬وفـاء حلمـي ابـو جميـل‪ ،‬الخطـأ الطبـي‪ ،‬دراسـة تحليليـة فقهيـة وقضائيـة فـي كل مـن مصـر وفرنسـا‪ ،‬دار‬
‫النهضـة العربيـة‪ ،‬القاهـرة‪ ،‬عـام‪ 1987‬م‪.‬‬

‫خامسًا‪ :‬رسائل املاجستري والدكتوراه‪:‬‬


‫‪ 1 .‬د‪ .‬عـادل حمـزة شـيبه منصـور‪ ،‬مسـئولية الشـخص االعتبـاري التقصيريـة‪ ،‬رسـالة دكتـوراه‪ ،‬جامعـة القاهـرة‪،‬‬
‫عـام ‪1994‬م‪.‬‬
‫‪ 2 .‬د‪ .‬محمـد عـادل عبـد الرحمـن‪ ،‬أسـباب اإلباحـة فـي القانـون لألطبـاء‪ ،‬رسـالة دكتـوراه‪ -‬جامعـة القاهـرة‪ ،‬عـام‬
‫‪.1985‬‬
‫‪ 3 .‬د‪ .‬مصبـاح عبـد هللا عبـد القـادر أحـواس‪ ،‬أسـاس وطـرق التعويـض عـن األضرار البيئية‪ ،‬رسـالة دكتوراه‪ ،‬دراسـة‬
‫مقارنـة‪ ،‬كليـة الحقـوق‪ ،‬جامعة عين شـمس‪ ،‬عـام ‪ 2011‬م‪.‬‬

‫سادسًا‪ :‬الدوريات واملؤمترات‪:‬‬


‫‪ -1 .‬د‪ .‬جمعـة أحمـد أبـو قصيصـة‪ ،‬القتـل بدافـع الشـفقة فـي ميـزان الشـرع والقوانيـن الوضعيـة‪ ،‬مجلـة أبحـاث‪،‬‬
‫كليـة القانـون‪ ،‬جامعـة سـرت‪ ،‬عـدد مـارس‪ ،‬عـام ‪ 2008‬م‪.‬‬
‫‪ 2 .‬د‪ .‬غنـام محمـد غنـام‪ " ،‬دور البصمـة الوراثيـة ‪ D.N.A‬فـي اإلثبـات"‪ ،‬بحـث مقـدم إلـى مؤتمـر الهندسـة الوراثيـة‬
‫بيـن الشـريعة والقانـون الـذي عقـد بكليـة الشـريعة والقانـون بجامعـة اإلمـارات العربية المتحدة مـن ‪ 7 - 5‬مايو‬
‫سـنة ‪ 2002‬م‪.‬‬
‫‪ 3 .‬د‪ .‬موسـى مسـعود رحومـة "رحمـة هللا عليـه"‪ ،‬مسـؤولية الطبيـب الجنائيـة الناشـئة عـن خطـأه فـي العلاج‬
‫فـي القانـون الليبـي والمقـارن‪ ،‬بحـث ضمـن أعمـال النـدوة األولـى حـول المسـؤولية الطبيبـة فـي القانـون الليبـي‬
‫لجامعـة العـرب الطبيـة‪ ،‬بنغـازي‪ ،‬ليبيـا‪ ،‬الفتـرة مـن‪ 1991/5/ 23 ،22‬م‪.‬‬

‫سابعًا‪ :‬القوانني والتشريعات‪:‬‬


‫‪1 .‬قانون تنظيم مزاولة المهنة الطبية في سوريا رقم (‪ )12‬لسنة ‪.1970‬‬
‫‪2 .‬قانون الصحة العامة األردني رقم (‪ )21‬لسنة ‪.1971‬‬
‫‪3 .‬القانون الليبي رقم (‪ )17‬لسنة ‪ 1986‬م بشأن المسئولية الطبية‪.‬‬
‫‪4 .‬القانون الليبي رقــم (‪ )60‬الصادر بتاريخ ‪ 1957 /5 /20‬بشأن مزاولة مهنة الطب‪.‬‬
‫‪5 .‬القانون المصري رقــم (‪ )415‬لسنة ‪ 1954‬الصادر بتاريخ ‪ 1954 /7 /22‬بشأن مزاولة مهنة الطب‪.‬‬
‫‪6 .‬قانون نقابة األطباء العراقيين رقم (‪ )81‬لسنة ‪.1984‬‬
‫‪7 .‬الالئحة التنفيذية للقانون الصحي الصادر بموجب قرار ‪ 654‬لسنة ‪ 1975‬م‪.‬‬

‫ثامنًا‪ :‬أحكام احملاكم‪:‬‬


‫‪1 .‬أحكام المحكمـــة العليـا‪.‬‬
‫‪2 .‬مجموعة أحكام النقض المصرية‪.‬‬
‫‪3 .‬المحكمة اإلدارية العليا‪.‬‬

‫تاسعًا‪ :‬مواقع اإلنرتنت‪:‬‬


‫‪1 .‬فـارس حامـد عبـد الكريـم‪ ،‬الخطـأ والضـرر والرابطـة السـببية فـي المسـئولية عـن الفعـل الشـخصي كأسـاس‬
‫لتقديـر التعويـض‪ ،‬منشـور علـى شـبكة اإلنترنـت علـى الرابـط التالـي ‪ :‬تاريـخ الدخـول ‪ 2022/11/25‬السـاعة‪:‬‬
‫‪. 9:03‬‬
‫‪https//:www.mohamah.net/law‬‬

‫‪186‬‬
‫م‬2023 ‫العدد ( الثامن ) يوليو‬ ‫مجلة دالالت‬

‫السب والقذف عرب الوسائط اإللكرتونية‬


) ‫( دراسة مقارنة‬
:‫إعــداد‬
‫ حمزة حامد عبد الواحد‬.‫د‬
‫ جامعة طبرق‬- ‫ كلية القانون‬- ‫رئيس قسم الجنائي‬

2023/5/15 :‫القبول‬
2023/4/14 :‫االستالم‬

:‫املستخلص‬
،‫نتيجـة التطـور الهائـل فـي مجـال تقنيـة المعلومـات وسـرعة االتصال والتواصـل بين الناس‬
‫ هذا‬،‫وبالرغـم ممـا يحملـه مـن مزايـا جمـة؛ إال أنـه لم يقتصر على االسـتخدام السـليم والمفيد‬
‫التطـور التقنـي الكبيـر إذ ال يمكـن اليـوم إنـكار مسـاوئ وسـائط التواصـل االجتماعـي مـن حيـث‬
‫ ومنهـا جريمتا القذف والسـب عبر الوسـائط اإللكترونية‬،‫ارتـكاب الجرائـم علـى األصعـدة كافـة‬
‫ وقـد خلفـت هـذه الوسـائط اإللكترونيـة طيفـ ًا جديـدًا مـن المجرمين يسـمى‬،‫بـل و ُتعـد أشـهرها‬
‫ ونتيجة لحداثة السـن مع وجود‬،‫ وهم غالبًا من فئة صغار السـن أو الشـباب‬،‫مجرمي المعلومات‬
‫هـذه التقنيـة الحديثـة خلـق جيـل مشـوه فـي بعـض األحيـان إذ وجـب علـى السـلطات األمنيـة‬
ً ‫والشـرطية وضـع ضوابـط وقوانيـن تحمـي هـؤالء الشـباب مـن أنفسـهم أو‬
‫ ثـم تحمـي المجتمـع‬،‫ال‬
‫ وهـذا مـا سـنتطرق إليه خالل هذا البحث حيث سـنتناول موضوع جريمتي‬،‫مـن جرائمهـم ثانيـ ًا‬
.‫السـب والقـذف عبر الوسـائط اإللكترونية‬
‫ اإللكترونية‬- ‫ جريمة‬- ‫ اإلسناد‬- ‫ فعل‬:‫الكلمات املفتاحية‬

Summary:
As a result of the tremendous development in the field of information tech-
nology and the speed of communication and communication between people,
and despite its many advantages; However, it was not limited to the proper and
useful use, this great technical development, as today it is not possible to deny
the disadvantages of social media in terms of committing crimes at all levels,
including the crimes of slander and insult through electronic media, but it is con-
sidered the most famous, and these electronic media have left a new spectrum
of criminals They are called information criminals, and they are often young or
young, and as a result of their young age with the presence of this modern tech-
nology, a distorted generation is sometimes created, as the security and police
authorities must establish regulations and laws that protect these young people
from themselves first, and then protect society from their crimes secondly. This
is what we will address during this research, where we will address the topic of
the crimes of insult and slander through electronic media.
Keywords: action - attribution - crime - electronic

187
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫املقدمة‪:‬‬
‫حـرص القانـون علـى حمايـة األفـراد سـواء مـن الناحيـة الجسـدية المتمثلـة فـي حـق‬
‫الحيـاة وعـدم المسـاس بهـا‪ ،‬ولذلـك فـي تجريـم جريمـة القتـل وإزهـاق روح اإلنسـان‪ ،‬وينسـحب‬
‫القول أيضًا على عدم المسـاس بجسـد اإلنسـان في تجريم الضرب واإليذاء الجسـدي بعقوبات‬
‫جنائيـة رادعـة‪.‬‬
‫ً‬
‫ونالحـظ أيضـا الحمايـة التـي يقرهـا القانـون الجنائـي فـي عـدم المسـاس بالشـرف وذلـك‬
‫في تجريم القذف والسـب والتشـهير على اعتبار حماية كرامة اإلنسـان وشـرفه والمسـاس بهما‬
‫يشـكل جريمـة يعاقـب عليهـا القانـون‪.‬‬
‫ونتيجـة التطـور الهائـل فـي مجال تقنية المعلومات وسـرعة االتصـال والتواصل بين الناس‪،‬‬
‫وبالرغـم ممـا يحملـه مـن مزايـا جمـة؛ إال أنـه لم يقتصر على االسـتخدام السـليم والمفيد‪ ،‬هذا‬
‫التطـور التقنـي الكبيـر إذ ال يمكـن اليـوم إنـكار مسـاوئ وسـائط التواصـل االجتماعـي مـن حيـث‬
‫ارتـكاب الجرائـم علـى كافـة األصعـدة‪ ،‬ومنهـا جريمتا القذف والسـب عبر الوسـائط اإللكترونية‬
‫بـل و ُتعـد أشـهرها‪ ،‬وقـد خلفـت هـذه الوسـائط اإللكترونيـة طيفـ ًا جديـدًا مـن المجرمين يسـمى‬
‫مجرمي المعلومات‪ ،‬وهم غالبًا من فئة صغار السـن أو الشـباب‪ ،‬ونتيجة لحداثة السـن مع وجود‬
‫هـذه التقنيـة الحديثـة خلـق جيـل مشـوه فـي بعـض األحيـان إذ وجـب علـى السـلطات األمنيـة‬
‫والشـرطية وضـع ضوابـط وقوانيـن تحمـي هـؤالء الشـباب مـن أنفسـهم أو ً‬
‫ال‪ ،‬ثـم تحمـي المجتمـع‬
‫مـن جرائمهـم ثانيـ ًا‪ ،‬وهـذا مـا سـنتطرق إليه خالل هذا البحث حيث سـنتناول موضوع جريمتي‬
‫السـب والقـذف عبر الوسـائط اإللكترونية‪.‬‬
‫إشكالية البحث‪:‬‬
‫مـن أهـم إشـكاليات هـذا البحـث هـو صعوبـة اكتشـاف الجانـي والقـدرة علـى محـو األدلـة‬
‫وهـذا يثيـر العديـد مـن الصعوبـات فـي الجانـب‪ ...‬مـن إثبـات األدلـة وموضـوع إلسـناد الفعـل‬
‫إلـى الجانـي نفسـه أو ً‬
‫ال وثبـوت هويتـه ثانيـًا‪ ،‬وصعوبـة تطبيـق القوانيـن التقليديـة علـى مثـل‬
‫هـذه الجرائـم‪ ،‬ممـا يزيـد إشـكالية هـذا البحـث مـدى توافق القانـون الليبي والمقـارن مع التطور‬
‫الـذي حـدث فـي مجـال تقنيـة المعلومـات عبـر الوسـائط اإللكترونيـة وجـرى تحديـث القوانيـن‬
‫لمواكبـة عصـر المعلومـات الرقميـة لتحقيـق العدالة الجنائية وعـدم إفالت الجاني من العقاب‪.‬‬
‫أهمية الدراسة‪:‬‬
‫تكمن أهمية الدراسـة في التعرف على جريمتي القذف والسـب عبر الوسـائط اإللكترونية‬
‫وتوضيح الفرق بين جريمتي السـب والقذف التقليدية وجريمتي السـب والقذف عبر الوسـائط‬
‫اإللكترونيـة‪ ،‬وتطـرق القانـون الليبـي ومـدى مواكبـة التطـور التقنـي المعلوماتـي فـي التجريـم‬
‫والعقـاب وتوضيـح مـا يشـوبه من قصور‪.‬‬
‫الدراسات السابقة‪:‬‬
‫‪ -1‬دراسـة‪ :‬إسلام عبـد اهلل محمـد عبـاس (‪ :)2010‬بعنـوان‪« :‬أمـن المعلومـات علـى شـبكة‬
‫االنترنـت واسـتخدام طريقـة حقـن لغة االسـتعالم الهيكلية في اختـراق قواعد بيانات المواقع‬
‫اإللكترونية»‪.‬‬
‫هدفـت الدراسـة إلـى إبـراز خطـورة الهجمـات علـى المواقـع فـي الشـبكة العنكبوتيـة وبخاصـة‬
‫المنفذة بواسطة لغة (‪ ،)SQL‬ومن ضمن ما هدفت إليه الدارسة هو‪ :‬تصميم برنامج الختراق‬
‫المواقـع اإللكترونيـة والتـي تعتمـد علـى دوال تصفيـة البيانـات‪ ،‬والوقـوف علـى المخاطـر التـي‬
‫تهـدد أمـن البيانـات وكيفيـة التعامـل معهـا‪ ،‬ومـن ثـم دراسـة األسـاليب المسـتخدمة فـي عمليات‬
‫االختـراق والمراحـل التـي تمـر بهـا‪ ،‬وفي األخير مناقشـة النماذج األمنية المسـتخدمة في أمن‬
‫المعلومـات‪ ،‬وقـد اتبعـت الدراسـة المنهج االسـتنباطي والتاريخي في الدراسـة‪.‬‬

‫‪188‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫‪ -2‬دراسـة‪ :‬جواهـر علـي األميـري (‪ ،)2010‬بعنـوان‪ ( :‬جريمـة القـذف والسـب عبـر وسـائل‬
‫تقنيـة المعلومـات)‬
‫تنـاول البحـث جريمـة القـذف والسـب عبـر وسـائل تقنيـة المعلومـات وتكمـن أهميـة البحـث في‬
‫ضـرورة اإللمـام بالقوانيـن واألحـكام المتعلقـة بجريمـة القـذف والسـب ومـا يسـتجد مـن أحكام‬
‫فـي هـذا الشـأن ألنهـا تعـد مـن الجرائـم األكثـر انتشـارًا فـي الوقـت الحالـي لسـهولة ارتكابهـا‬
‫وصعوبـة اثباتهـا فـي كثيـر مـن األحيـان‪.‬‬
‫املطلب األول‪ :‬تعريف السب والقذف اإللكرتوني‪.‬‬
‫الفرع األول‪ :‬تعريف القذف والسب‪:‬‬
‫أو ًال‪ :‬تعريف القذف‪:‬‬
‫جـاء فـي معجـم مقاييـس اللغـة‪ :‬القـاف والذال والفاء‪ :‬أصل يدل علـى الرمي والطرح‪ُ ،‬يقال‪:‬‬
‫قـذف قذف ًا إذا رمى به(((‪.‬‬
‫القـذف الرمـي بالسـهم والحصـى والـكالم وكل شـيء ممـا يضـر ويـؤذي‪ ،‬وقـذف المحصنـة‬
‫يقذفهـا رماهـا بالزنـا‪ ،‬فاصـل القـذف‪ :‬الرمـي‪ ،‬ثـم اسـتعمل فـي السـب والرمـي بالزنـا أو بما معناه‬
‫حتـى غلـب عليـه(((‪.‬‬
‫وعـرف الفقـه القـذف‪ :‬القـذف الـذي اإلسـناد فيـه العقـاب قانونـ ًا هـو مـا يتضمن إسـناد فعل‬
‫ُيعـد جريمـة يقـرر لهـا القانـون عقوبـة جنائية(((‪.‬‬
‫وعـرف البعـض القـذف بأنـه‪« :‬هـو إسـناد واقعـة محـددة تسـتوجب العقـاب مـن انتسـب إليـه‬
‫أو احتقـاره إسـنادًا علنيـًا عمديـ ًا(((‪.‬‬
‫وتجـدر اإلشـارة إلـى أن المشـرع الليبـي قـد عـرف القـذف فـي القانـون رقـم (‪ )52‬لسـنة‬
‫‪1394‬هــ‪1974 -‬م فـي شـأن إقامـة حـد القـذف فـي المـادة األولـى بقولهـا‪« :‬القـذف هـو رمـي‬
‫المقذف أو غيبته وفـي عالنية أو بدونها»‪.‬‬ ‫بالزنـا ونفـي النسـب بأيـة وسـيلة كانـت وفـي حضور ُ‬
‫وينسـحب القـول علـى المشـرع المصـري فـي نـص المـادة (‪ )302‬عقوبـات مصـري‪ُ « :‬يعـد‬
‫المبينـة بالمـادة (‪.»)171‬‬‫قذفـًا كل مـن أسـند لغيـره بواسـطة إحـدى الطـرق ُ‬
‫ثانيًا‪ :‬تعريف السب‪:‬‬
‫لغة‪ :‬هو الشـتم والتهكم في عرض اإلنسـان بما يعيبه‪ ،‬وهو مصدر سـبه يسـبه سـبًا‪،‬‬ ‫السـب ً‬
‫ِيـن َوا ْل ُم ْؤ ِم َن ِ‬
‫ـات‬ ‫ون ا ْل ُم ْؤ ِمن َ‬ ‫أي‪ :‬شـتمه‪ ،‬وقـد ورد النهـي عـن السـب‪ ،‬فـي قولـه تعالـى‪َ ( :‬وا َّل ِذ َ‬
‫يـن ُي ْـؤ ُذ َ‬
‫ينا) (((‪.‬‬ ‫ِث ًمـا ُّم ِب ً‬ ‫اح َت َمُلـوا ب ْ‬
‫ُه َتا ًنا َوإ ْ‬ ‫ـد ْ‬ ‫ِغ ْي ِـر َمـا ْ‬
‫اك َت َس ُـبوا َف َق ِ‬ ‫بَ‬
‫ُه َتا ًنـا‬
‫ـل ب ْ‬‫اح َت َم َ‬
‫ـد ْ‬‫يئـا َف َق ِ‬ ‫ِـه َب ِر ً‬
‫ـم َي ْـر ِم ب ِ‬ ‫ـة َأ ْو إ ْ‬
‫ِث ًمـا ُث َّ‬ ‫يئ ً‬‫ـب َخ ِط َ‬ ‫وكذلـك قولـه تعالـى‪َ ( :‬و َمـن َي ْك ِس ْ‬
‫ينا)(((‪.‬‬ ‫ِث ًمـا ُّم ِب ً‬‫َوإ ْ‬
‫اف َاَل ِت‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ـات الغ ِ‬ ‫ْ‬
‫ـون ال ُم ْح َص َن ِ‬ ‫ّ‬
‫ِن ا َل ِذ َ‬
‫يـن َي ْر ُم َ‬ ‫ّ‬
‫وأيضـا فـي قولـه تعالـى فـي سـورة النـور اآليـة ‪( : 23‬إ َ‬ ‫ً‬
‫يـم) (((‪.‬‬‫اب َع ِظ ٌ‬ ‫ـذ ٌ‬ ‫ـم َع َ‬‫الد ْن َيـا َو ْاآْل ِخ َـر ِة َو َل ُه ْ‬
‫ـات ُل ِع ُنوا ِفي ُّ‬ ‫ا ْل ُم ْؤ ِم َن ِ‬

‫((( أبي الحسن أحمد فارس بن زكريا‪ ،‬معجم مقاييس اللغة‪-‬ج‪ ،5‬ص‪ ،68‬مادة‪ :‬قذف‪.‬‬
‫((( خالـد حسـن أحمـد لطفـي‪ ،‬المسـؤولية عـن جريمـة القـذف والسـب عبـر الوسـائط اإللكترونيـة‪ ،‬دار الفكـر‬
‫الجامعـي‪ ،‬ط‪ ،2020 ،1‬ص ‪.35‬‬
‫((( محمود محمود مصطفى‪ ،‬شرح قانون العقوبات‪ ،‬مطبعة الجامعة‪ ،‬القاهرة‪1984 ،‬م‪ ،‬ص‪.8‬‬
‫((( محمود نجيب حسني‪ ،‬شرح قانون العقوبات‪ ... ،‬الخامس‪2016 ،‬م‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬ص‪.614‬‬
‫((( سورة األحزاب‪ ،‬اآلية‪.58 :‬‬
‫((( سورة النساء‪ ،‬اآلية‪.112 :‬‬
‫((( سورة النور‪ ،‬اآلية‪.23 :‬‬

‫‪189‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫ال‪ :‬تعريـف السـب لغويـًا‪ :‬يعـرف السـب بأنـه الشـتم سـواء بإطلاق اللفـظ الصريـح الـدال‬ ‫أو ً‬
‫إن السـب هـو إلصـاق عيـب أو تعبيـر يحـط‬ ‫عليـه أو باسـتعمال المعـارض التـي تـؤدي إليـه(((‪ ،‬أي َّ‬
‫مـن قـدر الشـخص خدشـ ًا لسـمعته أو إهانـة لـه(((‪.‬‬
‫ثانيـًا‪ :‬اصطالحـًا‪ :‬الشـتم هـو كل كالم قبيـح وحينئـذ فالقـذف واالسـتخفاف بحقـه وإلحـاق‬
‫النقـص بـل؛ كل ذلـك داخـل فـي السـب(‪.((1‬‬
‫وتجـدر اإلشـارة إلـى أن المشـرع الليبـي قـد َع َّـرف السـب فـي نـص المـادة (‪ )438‬مـن قانـون‬
‫العقوبات بأنه‪« :‬كل خدش شـرف شـخص أو اعتباره في حضوره يعاقب بالحبس لمدة ال تزيد‬
‫عـن سـتة أشـهر أو بغرامـة ال تزيـد عـن ‪ 25‬دينار»‪.‬‬
‫وعرف بعض الفقه السـب بأنه‪ »:‬تعبير عن أي معنى شـائن ال ينطوي على تحديد لواقعة‬ ‫َّ‬
‫معينة»(‪.((1‬‬
‫وعرفـه أيضـ ًا بأنـه‪ « :‬خـدش شـرف شـخص أو اعتبـاره عمـدًا من دون أن يتضمن ذلك إسـناد‬
‫واقعة إليه»(‪.((1‬‬
‫فـي حيـن ذهـب رأي آخـر إلـى القـول بأن‪»:‬السـب هـو كل تعبيـر يحـط مـن قـدر الشـخص‬
‫فيخـدش شـرفه واعتبـاره مـن دون إسـناد واقعـة معينـة شـائنة إليـه»(‪.((1‬‬
‫وفـي تعريـف آخـر بأنـه‪« :‬خـدش شـرف شـخص واعتبـاره عمـدًا دون أن يتضمـن ذلـك إسـناد‬
‫واقعـة معينـة إليـه‪ ،‬سـواء أسـند المتهـم إلـى المجنـي عليـه عيبـ ًا معينـًا يخـدش شـرفه أو‬
‫اعتبـاره»(‪.((1‬‬
‫ومـن أمثلـة ذلـك كأن يصفـه بالسـارق ولـص أو نصـاب أو مرتشـي‪ ،‬أو وصفـه بأوصـاف عامـة‬
‫مثلا أنـه مـن غيـر أخلاق أو سـيء ُ‬
‫الخلـق أو أنـه إنسـان شـرير‪.‬‬ ‫ً‬ ‫خادشـة‬
‫ً‬
‫ومـن جملـة السـب أيضـا يقـوم الفعـل اإلجرامـي المكـون لواقعـة السـب التعابيـر التـي تحـط‬
‫مـن شـأن المسـبوب كوصفـه ضمنـ ًا بالكلـب أو الحيـوان‪ ،‬ويسـتوي فـي هـذه العبـارات أن تكـون‬
‫صريحـة أو ضمنيـة‪ ،‬كأن يقـول المتهـم عـن المجنـي عليـه أن يـده طويلـة والمقصـود بهـا أنـه‬
‫سـارق أو أنـه يعمـل علـى الشـمال أي إن رزقـه مـن النصـب والحـرام‪ ،‬وغيرهـا من األلفـاظ وغيرها‬
‫مـن األلفـاظ الدالـة علـى الحـط مـن قـدر المجنـي عليـه وخـدش شـرفه‪.‬‬
‫وتجـدر اإلشـارة إلـى أن محكمـة النقـض المصريـة عرفـت السـب بأنـه‪« :‬المـراد بالسـب فـي‬
‫أصـل اللغـة الشـتم سـواء بإطلاق اللفـظ الـدال علـى ذلـك‪ ،‬أو باسـتعمال المعـارض التـي تومـئ‬
‫إليـه‪ ،‬وهـو المعنـى الملحـوظ فـي اصطلاح القانـون الـذي عـد السـب كل إلصـاق لعيـب أو تعبيـر‬
‫يحـط مـن قـدر الشـخص نفسـه أو يخـدش سـمعته عـن غيـره(‪.((1‬‬
‫وقـد عـرف المشـرع المصـري فـي المـادة (‪ )206‬مـن قانـون العقوبـات السـب بأنـه‪« :‬كل‬
‫سـب ال يشـتمل علـى إسـناد واقعـة معينـة بـل يتضمـن بـأي وجـه مـن الوجـوه خدشـ ًا للشـرف أو‬
‫االعتبـار يعاقـب عليـه فـي األحـوال المبينـة بالمـادة (‪ )17‬بغرامة ال تقـل عن ألفي جنية وال‬

‫((( فوزية عبد الستار‪ ،‬شرح قانون العقوبات الخاص‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،2019 ،‬ص ‪.590‬‬
‫((( مجـدي سـعد هلال‪ ،‬جنحـة القذف‪ ،‬دراسـة علميـة للجريمة طبقًا لما اسـتقرت عليـه أحكام النقض حتى سـنة‬
‫‪ ،2001‬منشـورات القانونية ‪ ،2004 ،‬ص ‪.40‬‬
‫(‪ ((1‬حاشية الدسوقي‪ ،‬للدسوقي‪ ،‬ج‪ ،4‬ص ‪.309‬‬
‫(‪ ((1‬محمود نجيب حسني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.697‬‬
‫(‪ ((1‬فوزية عبد الستار‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.592‬‬
‫(‪ ((1‬عمر سعيد رمضان‪ ،‬شرح قانون العقوبات العام‪ ،‬طبعة ‪ ،2000‬ص ‪.385‬‬
‫(‪ ((1‬محمود نجيب حسين‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.698‬‬
‫(‪ ((1‬محمـد سـمير‪ ،‬كتـاب جرائم الصحافة والنشـر‪ ،‬نادي القضاة‪ ،‬ص ‪ ،282‬طعن رقم ‪ 2488‬لسـنة ‪66‬ق جلسـة‬
‫بتاريخ ‪2004/3/20‬ن‬

‫‪190‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫تزيـد علـى عشـرة آالف جنيـة‪.‬‬


‫ثالثًا‪ :‬تعريف جبرمية القذف والسب عرب شبكة االنرتنت‪:‬‬
‫هـي‪ :‬إسـناد علنـي عمـدي لواقعـة محـددة تسـتوجب عقـاب أو احتقـار مـن أسـند إليـه(‪،((1‬‬
‫وعلـى ذلـك فـإن جريمـة القـذف عـن طريـق االنترنـت هـي جريمـة يلازم وصفهـا طبيعـة فعـل‬
‫النشـر وهـي تبـدأ وتنتهـي بارتـكاب هـذا الفعـل ومـن ثـم فهـي جريمـة وقتيـة(‪.((1‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬خصائص اجلرائم اإللكرتونية‪:‬‬


‫تتميـز الجرائـم اإللكترونيـة بخصائـص تختلـف إلـى حـد مـا عـن الجريمـة العاديـة‪ ،‬ويمكن‬
‫توضيـح خصائـص هـذه الجرائـم اإللكترونيـة كمـا يلي(‪:((1‬‬
‫‪ -1‬جرائم ناعمة ومغرية للمجرمني‪:‬‬
‫إذا كانـت الجريمـة بصورتهـا التقليديـة تحتـاج فـي األغلـب إلـى مجهـود عضلـي مـن نـوع مـا‬
‫كجرائـم القتـل‪ ،‬السـرقة‪ ،‬االغتصـاب‪ ،‬فـإن الجريمـة اإللكترونيـة علـى العكـس ال تحتـاج إلـى‬
‫أدنـى مجهـود عضلـي‪ ،‬بـل تعتمـد علـى الدراية الذهنيـة والتفكير العلمي المـدروس القائم على‬
‫معرفـة بتقنيـات الحاسـب اآللـي‪ ،‬ولـذا كان الشـرط األسـاس فـي المجـرم توافـر العلـم الكالـي‬
‫بكيفية عمل الحاسـب اآللي وآلية تشـغيله‪ ،‬باإلضافة إلى اإلحاطة ببعض البرامج التشـغيلية‬
‫هـذا فيمـا يخـص نعومـة هـذه الجرائم‪.‬‬
‫‪ -2‬جرائم عابرة للدولة‪:‬‬
‫يطلـق تعبيـر «جرائـم عابـرة للـدول أو جرائـم غيـر وطنيـة علـى تلـك الجرائـم التـي تقـع‬
‫بيـن أكثـر مـن دولـة‪ ،‬بمعنـى أنها ال تعترف بالحدود الجغرافية للـدول كجرائم تبييض األموال‪،‬‬
‫والمخـدرات وغيرها‪.‬‬
‫وفـي عصـر الحاسـب اآللـي‪ ،‬ومـع انتشـار شـبكة االتصـاالت العالميـة (االنترنـت)‪ ،‬أمكـن ربط‬
‫أعـداد هائلـة ال حصـر لهـا مـن الحواسـيب عبـر العالـم بهـذه الشـبكة بحيـث يغـدو أمـر التنقـل‬
‫ال‪ ،‬طالمـا حدد عنوان المراسـل إليه‪ ،‬أو أمكن معرفة كلمة السـر‪.‬‬ ‫واالتصـال فيمـا بينهـا أمـرًا سـه ً‬
‫‪ -3‬سرعة التنفيذ‪:‬‬
‫مـن خصائـص الجريمـة اإللكترونيـة سـرعة التنفيـذ‪ ،‬بحيث يمكـن تنفيذها خالل جزء من‬
‫الثانيـة وبصـورة خفيـة ال يالحقهـا المجنـي عليـه‪ ،‬كمـا أنهـا تتـم فـي بيئـة خاصـة هـي بيئـة‬
‫المعالجـة اآلليـة للبيانـات‪ ،‬وتتميـز بخطورتهـا المتناهيـة علـى األفـراد والحكومـات والشـركات‪،‬‬
‫(‪((1‬‬
‫وهـذا يهـدد األمـن السياسـي واألمـن االقتصادي للـدول‪.‬‬
‫‪ -4‬صعوبة اكتشاف اجلرمية‪:‬‬
‫تتميـز الجريمـة اإللكترونيـة بصعوبـة اكتشـافها‪ ،‬وإذا اكتشـفت فـإن ذلـك يكـون بمحـض‬
‫الصدفـة عـادة‪ ،‬حيـث يبـدو مـن الواضـح أن عـدد الحـاالت التـي تـم فيها اكتشـاف هـذه الجرائم‬
‫قليلـة إذا قورنـت بمـا يتـم اكتشـافه مـن الجرائـم التقليديـة‪ ،‬ويمكن رد األسـباب التي تقف وراء‬
‫الصعوبـة فـي اكتشـاف الجريمـة اإللكترونيـة إلـى عـدم تـرك هـذه الجريمـة ألي أثـر خارجـي‬
‫بصـورة مرئية‪.‬‬
‫‪ -5‬صعوبة إثبات اجلرمية اإللكرتونية‪:‬‬
‫ُيعـد اإلثبـات مـن أهـم التحديـات التـي تواجـه األجهـزة األمنيـة‪ ،‬ويـزداد اإلثبـات صعوبـة‬

‫(‪ ((1‬حسنين إبراهيم عبيد‪ ،‬الجرائم الدولية‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬ط‪ ،1979 ،1‬ص‪.153‬‬
‫(‪ ((1‬مصطفى محمد مصطفى‪ ،‬التحقيق في الجرائم اإللكترونية‪ ،‬ط‪ ،2009 ،1‬ص ‪.430‬‬
‫(‪ https://www.sharjah.ac.ae ((1‬تاريخ الزيارة ‪ .2023/5/5‬الساعة ‪ 10‬صباحاً‪.‬‬
‫(‪ https://www.ajrsp.com ((1‬تاريخ الزيارة ‪ .2023/5/5‬الساعة ‪ 12‬ظهراً‪.‬‬

‫‪191‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫فـي الجريمـة اإللكترونيـة‪ ،‬حيـث إن اكتشـاف الجريمـة اإللكترونيـة أمـر ليـس بالسـهل‪ ،‬ولكـن‬
‫حتـى فـي حـال اكتشـاف وقـوع هـذه الجريمـة واإلبلاغ عنهـا فـإن إثباتهـا أمـر يحيـط بـه كثيـر‬
‫مـن الصعـاب‪.‬‬
‫فالجريمـة اإللكترونيـة تتـم فـي بيئـة غيـر تقليديـة‪ ،‬حيـث تقع خارج إطـار الواقع المادي‬
‫الملمـوس‪ ،‬لتقـوم أركانهـا فـي بيئـة الحاسـوب واالنترنـت‪ ،‬مـا يجعـل األمـور تـزداد تعقيـدًا لـدى‬
‫سـلطات األمـن وأجهـزة التحقيـق والمالحقـة‪ ،‬ففـي هـذه البيئـة تكـون البيانـات والمعلومـات‬
‫عبـارة عـن نبضـات إلكترونيـة غيـر مرئيـة تنسـاب عبـر البرامج المعلوماتية‪ ،‬مـا يجعل أمر محو‬
‫(‪((2‬‬
‫الدليـل كليـًا مـن قبـل الفاعـل أمـر غيـر مسـتحيل‪.‬‬

‫املطلب الثاني‪ :‬الركن املعنوي جلرمييت القذف والسب بالوسائط اإللكرتونية‪.‬‬


‫الركـن المعنـوي بصفـة عامـة هـو الجانـب الذاتـي الخـاص بالجريمـة مباشـرة‪ ،‬وهـو بمثابـة‬
‫التعبيـر العميـق للصلـة مـا بيـن النشـاط الذهنـي الـذي ُيمارسـه الفاعـل والنشـاط المـادي الـذي‬
‫أتـى بـه‪ ،‬وعليـه لـن يكتمـل الوجـود القانونـي للجريمـة إال باقتـران ركنهـا المـادي بقرينـة‬
‫المعنـوي الـذي قوامـه اإلرادة المجرمـة والتـي تتجـه نحـو الفعـل اإلجرامـي‪ ،‬وبالتالـي تحقيـق‬
‫النتيجـة اإلجراميـة‪.‬‬
‫وهـذه اإلرادة تتخـذ صـورة القصـد الجنائـي‪ ...‬وهي التي تتجسـد فـي الجرائم العمدية مثل‬
‫القتـل مع سـبق اإلصرار والترصد‪.‬‬
‫ويقصـد بالقصـد الجنائـي تعمـد إتيـان الفعـل المجـرم أو تركـه مـع العلـم بـأن الشـارع يحرم‬
‫الفعـل أو يوجبه‪.‬‬
‫عناصر القصد الجنائي لجريمتي القذف والسب بالوسائط اإللكترونية (‪:((2‬‬
‫‪-‬العلم‪.‬‬
‫‪-‬اإلرادة‪.‬‬
‫الفرع األول‪ :‬العلم‪:‬‬
‫تفتـرض جريمتـا القـذف والسـب بالوسـائط اإللكترونيـة أن تكـون الواقعـة المسـندة إلـى‬
‫المجنـي عليـه قائمـة علـى أنهـا تسـتوجب عقابـه أو أنهـا تسـتوجب احتقاره عند أهـل وطنه‪ ،‬أو‬
‫عنـد الوسـط الـذي يعيـش فيـه(‪.((2‬‬
‫وهـذا يدفعنـا إلـى تنـاول العلـم بواقعـة جريمتـي القـذف والسـب بالوسـائط اإللكترونيـة‪،‬‬
‫والعلـم بعالنيـة اإلسـناد‪ ،‬وذلـك علـى النحـو اآلتـي‪:‬‬
‫أو ًال‪ :‬علم اجلاني مبعنى العبارات املسندة إىل اجملين عليه‪:‬‬
‫يجـب أن يكـون الجانـي علـى علـم بمعنـى العبارات المتضمنة للسـب والقـذف التي تؤدي إلى‬
‫خـدش شـرف المجنـي عليـه واعتبـاره‪ ،‬ويكـون هـذا العلـم مفترضـا طالمـا أن العبـارات تخـدش‬
‫شـرف المجنـي عليـه‪ ،‬ويجـب هنـا علـى المتهـم أن يثبت عكس ذلك إذ يسـتطيع المتهم أن ينفي‬
‫القصـد الجنائـي إذا أثبـت أنـه كان يجهـل معنى الكلمـات التي وجهها إلى المجني عليه متضمنة‬
‫عبارات السـب‪ ،‬أما في حالة أن العبارات كانت ال تخدش شـرف أو اعتبار المجني عليه‪ ،‬فيجب‬
‫علـى المجنـي عليـه أن يثبـت أن المتهـم كان يقصد بهذه العبارات النيل من شـرفه واعتباره(‪.((2‬‬

‫(‪ https://www.iasj..net ((2‬تاريخ الزيارة ‪ .2023/5/6‬الساعة ‪ 11‬صباحاً‪.‬‬


‫(‪ ((2‬محمد حميد المزمومي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.445‬‬
‫(‪ ((2‬محمود نجيب حسني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.566‬‬
‫(‪ ((2‬خالد موس التوني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.439‬‬

‫‪192‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫ثانيًا‪ :‬علم اجلاني بالعالنية‪:‬‬


‫ال يكفـي علـم الجانـي بجريمتـي القـذف والسـب بالوسـائط اإللكترونيـة‪ ،‬بـل يجـب أن يمتد‬
‫إلـى علـم الجانـب بـأن إسـناده لهـذه الواقعـة يتم بطريـق العالنية‪.‬‬
‫فعالنيـة اإلسـناد هـي إرادة الفعـل اإلجرامـي وهـي وفق ًا للقواعد العامـة أحد عناصر القصد‬
‫الجنائـي‪ ،‬فيفتـرض هـذا العنصـر أن إرادة المتهـم قـد اتجهـت إلـى إسـناد واقعـة أو إلصـاق وصف‬
‫قذف أو سـب بوسـيلة إلكترونية(‪.((2‬‬
‫ومثـال علـى ذلـك لـو قـام شـخص بإرسـال رسـالة إلـى آخـر عبر تطبيـق من تطبيقات وسـائل‬
‫التواصـل االجتماعـي مثـل واتـس آب‪ ،‬وكان ضمـن مجموعـة مـن األفـراد أو مـا يسـمى بالجـروب‪،‬‬
‫وكان هـذا الشـخص مـن ضمـن هـذه المجموعـة ففـي هـذه الحالـة يسـأل الشـخص المرسـل عـن‬
‫جريمـة سـب وقـذف بالوسـائل اإللكترونيـة‪ ،‬ألنهـا وقعـت بوسـيلة إلكترونيـة هدفهـا التشـهير‬
‫بالغيـر والمسـاس بسـمعة الشـخص اآلخـر واعتبـاره أمـام الغيـر ‪.‬‬
‫ويقع على سلطة االتهام عبء إثبات العالنية كما يقع عيها عبء إثبات القصد الجنائي‪.‬‬
‫وللقاضـي حريـة تقديـر وجـود هـذا القصـد أو انتهائـه بنـاء علـى مـا يطـرح عليه مـن وقائع‬
‫ظـروف الدعـوى ويجـب أن يبيـن وجـود القصـد الجنائـي أو انتفائـه وتوضيحه فـي حكمه((‪.)((2‬‬
‫وفـي حكـم لمحكمـة النقـض فقـد قضـت‪ « :‬مـن المقـرر أن اسـتظهار القصـد الجنائـي فـي‬
‫جريمتـي القـذف والسـب علنـًا مـن اختصـاص محكمـة الموضـوع تسـتخلصه مـن وقائـع الدعـوى‬
‫ً‬
‫عقلا مـع هـذه‬ ‫وظروفهـا دون معقـب عليهـا مـادام موجـب هـذه الوقائـع والظـروف ال يتنافـر‬
‫االسـتنتاج وكان القانـون ال يتطلـب فـي جريمـة القـذف قصـدًا خاصـ ًا بـل يكتفـي القصـد العـام‬
‫الـذي يتحقـق متـى نشـر القـاذف األمـور المتضمنـة للقـذف وهـو عالـم أنهـا لـو كانـت صادقـة‬
‫ألوجـب عقـاب المقـذوف أو احتقـاره وهـذا العلـم مفتـرض إذا كانـت العبارات موضـوع القذف كما‬
‫هـو الحـال فـي الدعـوى شـائنة بذاتهـا ومقنعـة ومتـى تحقق القصـد الجنائي فـي جرائم القذف‬
‫والسـب فلا محـل للخـوص فـي مسـألة النيـة أو صحة وقائع القذف إال فـي صورة ما يكون الطعن‬
‫موجهـًا إلـى موظـف أو مـن فـي حكمـه‪ ،‬ففـي هـذه الصـورة إذا أفلـح المتهـم فـي إقنـاع المحكمـة‬
‫بسلامة نيتـه فـي الطعـن بـأن كان يبغـي بـه الدفـاع عـن مصلحـة عامـة‪ ،‬واسـتطاع مـع ذلـك أن‬
‫يثبـت حقيقـة كل فعـل أسـنده إلـى المجنـي عليـه‪ ،‬فلا عقـاب عليـه برغـم ثبوت سـوء القصد‪،‬‬
‫أمـا إذا تبيـن أن قصـده مـن الطعـن إنمـا هـو مجـرد التشـهير والتجريـح فالعقـاب واجـب ولـو كان‬
‫فـي اسـتطاعته أن يثبـت حقيقـة كل فعـل أسـنده إلـى المجنـي عليـه وإذا كان البيـن مـن الحكـم‬
‫المطعـون فيـه أن الطاعـن لـم يفلـح فـي إقنـاع المحكمـة بسلامة نيتـه فـي الطعـن ولم يسـتطع‬
‫التدليـل علـى حقيقـة الوقائـع التـي أسـندها إلـى المجنـي عليـه‪ ،‬فـإن معنـاه فـي هـذا الشـأن ال‬
‫يكـون له محـل(‪.((2‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬اإلرادة‪:‬‬
‫ال يكفـي أن تتجـه إرادة الجانـي مـن فعـل اإلسـناد إلـى إسـناده للجانـي وإعالنـه (أي عالنيتـه‬
‫للنـاس) بـل البـد أن يكـون بكامـل إرادتـه وحريتـه السـليمة خاليـة مـن أي عيب(‪.((2‬‬
‫أو ًال‪ :‬اجتاه إرادة اجلاني إلسناد واقعة القذف والسب بالوسائط اإللكرتونية‪:‬‬
‫حتـى يتوافـر القصـد الجنائـي لـدى الجانـي البـد أن تتجـه إرادتـه إلى إسـناد القذف والسـب‬
‫(‪ ((2‬محمود نجيب حسني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.566‬‬
‫(‪ ((2‬محمد محي الدين عوض‪ ،‬العالنية في قانون العقوبات – دراسة مقارنة‪ ،‬رسالة دكتوراه‪ ،‬مطبعة النصر‪،‬‬
‫‪ ،1955‬ص ‪.493‬‬
‫(‪ ((2‬الطعن رقم ‪ 84686‬لسنة ‪ 75‬جلسة ‪ 2012/10/10‬س ‪.63‬‬
‫(‪ ((2‬محمد صبحي نجم‪ ،‬الجرائم الواقعة على األشخاص‪ ،‬مكتبة دار الثقافة للنشر والتوزيع‪ ،1994 ،‬ص ‪.170‬‬

‫‪193‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫بالوسـائط اإللكترونيـة علـى كافة الناس‪.‬‬


‫ويفتـرض فـي هـذه الحالـة أن يكـون الجانـي قـد وجـه عبـارات القـذف والسـب بالوسـائط‬
‫اإللكترونيـة بإرادتـه الحـرة دون إكـراه أو تهديـد‪ ،‬واتجهـت إرادتـه إلـى المسـاس بسـمعة المجنـي‬
‫عليـه وشـرفه وجعلـه محـل ازدراء بيـن النـاس(‪.((2‬‬
‫وينتفي القصد الجنائي في حالتين‪:‬‬
‫الحالـة األولـى‪ :‬كان الجانـي مكرهـًا علـى قـول وكتابـة هـذه العبـارات عبـر الوسـائل‬
‫اإللكترونيـة‪.‬‬
‫الحالـة الثانيـة‪ :‬إذا كان الجانـي قـد وجـه هـذه العبـارات إلـى المجنـي عليـه بسـبب ثـورة‬
‫نفسـية ولـم يقصـد المعنـي المسـتخلص منهـا(‪.((2‬‬
‫ثانيًا‪ :‬اتجاه إرادة الجاني إلى عالنية واقعة القذف والسب بالوسائط اإللكترونية‪:‬‬
‫ال يكفـي لإلدانـة فـي جريمتـي القـذف والسـب بالوسـائط اإللكترونيـة القـذف بعالنيـة‬
‫العبـارات‪ ،‬بـل تطلـب توافـر «قصـد العالنيـة»‪.‬‬
‫وهـذا القصـد ال يكفـي لثبوتـه العلـم بالعالنيـة‪ ،‬بـل يجـب أن تتوافـر إرادة العالنيـة‪ ،‬وال‬
‫ينقـض هـذا القـول أن هـذه اإلدانـة تفتـرض فـي حـال ثبت العلم بالعالنية‪ ،‬بـل أنها تفترض إذا‬
‫ثبتـت العالنيـة ذاتهـا‪ ،‬ذلـك بـأن هـذا االفتـراض مجـرد قاعـدة إجرائيـة(‪.((3‬‬
‫وفـي كل األحـوال فقاضـي الموضـوع هـو الـذي يسـتخلص توافر القصد الجنائـي في الوقائع‬
‫المعروضـة أمامه مـن عدمها(‪.((3‬‬
‫وأخيـرًا‪ ..‬فـإذا توافـرت عناصـر القصـد الجنائـي يتحقـق الركـن المعنـوي للجريمـة مهما كان‬
‫الباعـث فـي القصـد الجنائـي‪ ،‬والجريمـة تقـوم حتـى لـو كان الباعـث علـى ذلـك هـو اسـتفزاز‬
‫المجنـي عليـه واحتقـاره‪.‬‬
‫وفـي هـذا قضـت محكمـة النقـض المصريـة بأنـه‪« :‬إذا كان المتهـم قـد شـكا أحـد زمالئـه‬
‫إلـى مجلـس إدارة الشـركة وكتـب علـى غلاف الشـكوى « سـري وشـخصي « ثـم أمـام المحكمـة‬
‫تمسـك بأنـه مـا كان يقصـد إذاعـة مـا حوتـه الشـكوى مـن العبـارات التـي عدتهـا المحكمـة قذف ًا‬
‫فـي المشـكو بداللـة مـا كتبـه علـى غالفهـا‪ ،‬ولكـن المحكمـة أدانتـه فـي جريمـة القـذف علنـ ًا‬
‫دون أن تتحـدث عمـا تمسـك بـه دفاعـه‪ ،‬فإنهـا تكـون قـد قصـرت فـي بيـان األسـباب التـي بنـت‬
‫عليهـا حكمهـا(‪.((3‬‬
‫فسـواء كان الباعـث شـريفًا أو دنيئـ ًا فإنـه ال يؤثـر علـى قيـام الجريمـة‪ ،‬فمـن الممكـن أن‬
‫يكـون الباعـث علـى عبـارات القـذف هـو االنتقـام مـن المجني عليـه بالنيل من شـرفه أو اعتباره‬
‫أو تنبيـه النـاس علـى عـدم صدقـه أو أمانتـه‪.‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬موقف القانون املقارن من جرمييت القذف والسب عرب االنرتنت‪.‬‬
‫إن علـة التجريـم لجريمتـي القـذف والسـب تتمثـل فـي االعتـداء الواقـع على شـرف المجني‬
‫عليـه واعتبـاره‪ ،‬باإلضافـة إلـى مـا قـد ينطـوي عليـه مـن إيلام لنفسـه وأضـرار ماديـة ومعنوية‬
‫لـه ومـا يحتمـل أن يفضـي إليـه مـن تبـال بينـه وبيـن مرتكـب السـب‪ ،‬لـذا سـوف نتنـاول فـي هـذا‬
‫المطلـب بيـان موقـف كل مـن المشـرع الفرنسـي واألمريكـي من جريمتي القذف والسـب‪ ،‬ثم بعد‬
‫ذلـك لموقـف التشـريع العراقـي‪ ،‬وذلـك علـى مدى ثالثـة فروع‪.‬‬

‫(‪ ((2‬محمد حميد المرمومي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.451‬‬


‫(‪ ((2‬محمود نجيب حسني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.567‬‬
‫(‪ ((3‬محمود نجيب حسني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.568‬‬
‫(‪ ((3‬خالد موسى التوني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.477‬‬
‫(‪ ((3‬نقض ‪ ،1941/12/1‬مجموعة القواعد القانونية‪ ،‬ج‪ ،5‬رقم ‪ ،214‬ص ‪.519‬‬

‫‪194‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫الفرع األول‪ :‬موقف املشرع الفرنسي واألمريكي من جرمييت القذف والسب عرب االنرتنت‪.‬‬
‫أو ًال‪ :‬موقف املشرع الفرنسي‪:‬‬
‫لقـد جـرم المشـرع الفرنسـي جرائـم القـذف والسـب العلنـي بنصـوص خاصـة فـي القانـون‬
‫الصـادر فـي (‪ )1818/7/29‬بشـان حريـة الصحافـة((‪ ،((3‬ووفقـًا لنص المـادة (‪ )29‬من القانون‬
‫المذكـور عـرف القـذف بأنـه (( كل إدعـاء أو اتهـام بفعـل يجلـب عـدوان علـى سـمعة أو اعتبـار‬
‫لشـخص ما أو لمجموعة ينسـب إليها الفعل)) (‪،((3‬هذا وتسـتوجب المادة (‪ )29‬السـالفة الذكر‬
‫لقيـام جريمتـي القـذف والسـب توافـر صفـة العالنيـة‪ ،‬وفـي حالـة تخلـف ركـن العالنيـة‪ ،‬فـإن‬
‫السـلوك المؤثـر المـاس بشـرف واعتبـار الغيـر ال ينفـك عنـه التجريـم‪ ،‬ولكـن ينحصـر األثـر‬
‫المترتـب علـى ذلـك فـي تغيـر التكييـف القانونـي مـن جنحـة إلـى مخالفـة كمـا هـو الحـال فـي‬
‫مخالفـة السـب غيـر العلنـي الـواردة فـي المـادة (‪ )9/287‬مخالفـات أو المـادة (‪– 1/621‬‬
‫‪ )2/621‬مخالفـات مـن قانـون العقوبـات الفرنسـي(‪،((3‬كما أنـه بالرجـوع لنـص المـادة (‪ )23‬من‬
‫القانون السـالف الذكر‪ ،‬من هذا يتبين لنا أن المشـرع الفرنسـي أورد وسـائل العالنية ‪ ،‬إذ نصت‬
‫المـادة المذكـورة علـى العالنيـة بواسـطة الـكالم أو الصيـاح أو التهديـد المتلفـظ بـه فـي أماكـن‬
‫واجتماعـات عامـة‪ ،‬والكتابـات والمطبوعـات المبيعـة أو الموزعـة أو المعروضـة فـي األماكـن‬
‫واالجتماعـات العامـة أو الملصقـات المعروضـة علـى أنظـار العامـة‪ ،‬هـذا وتقـرر المـادة (‪ )3‬فـي‬
‫قانـون الصحافـة الفرنسـي والمعدلـة بالقانـون رقـم (‪ )1317‬والصـادر فـي ‪1985/12/13‬‬
‫علـى تحقيـق العالنيـة لألقـوال وصـور السـلوك المختلفـة عن طريق وسـيلة من وسـائل االتصال‬
‫اإلذاعـي المسـموع والمرئـي‪ ،‬ومـن هـذا المنطلـق نجـد أن هـذه الصـورة هـي التـي يمكـن أن تكون‬
‫أكثـر صـور العالنيـة انطباقـًا علـى شـبكة اإلنترنـت إذ تتحقق العالنية فيما لو اسـتخدم الجاني‬
‫شـبكة االنترنـت فـي إذاعـة القـول أو الصيـاح أو ترديـه‪ ،‬فالعبـارات المسـتخدمة مـن مجموعـات‬
‫تحاوريـة ورسـائل إلكترونيـة ومواقـع ويب كلها أصبحـت تعتمد على تقنيات الصوت والصورة(‪.((3‬‬
‫ثانيًا‪ :‬موقف املشرع األمريكي‪:‬‬
‫سـار التشـريع الفيدرالـي األميركـي فـي مواجهـة الجرائـم الماسـة بالشـرف واالعتبـار علـى‬
‫االتجـاه ذاتـه الـذي سـار عليـه فـي مواجهـة الجرائـم المتعلقة باالعتـداء على الحيـاة الخاصة‪،‬‬
‫إذ لم ينص صراحة على قوانين لمواجهة تلك الجرائم وذلك على عكس ما سـار عليه تشـريع‬
‫الواليـات مـن النـص علـى تلـك الجرائـم وإقرارهـا ضمانـات قانونيـة تختلـف عمـا قـرره الدسـتور‬
‫فـي مواجهـة تلـك الجرائـم‪ ،‬إذ اتخـذ تشـريع الواليـات موقفـ ًا حازمـ ًا مـن التشـريع الفيدرالـي‬
‫فـي مواجهـة جرائـم العنـف والسـب‪ ،‬وذلـك بتجريـم التهديـدات التـي تسـببها المضايقـات علـى‬
‫خطـوط االتصـال (‪ ،)Online‬وكان ذلـك مـن أجـل تعويـض النقـص التشـريعي علـى المسـتوى‬

‫(‪ ((3‬يعـد هـذا القانـون األسـاس الذي تشـكل معه النظـام القانونـي للصحافة الفرنسـية‪ ،‬وقد تم العمل بـه من قبل‬
‫مشـرع الجمهوريـة الثالثـة‪ ،‬ولقـد تـم تعديله بمقتضـى القانون المـؤرخ فـي (‪ ،)1982/7/29‬بشـأن هيكلـة النظام‬
‫لقانـون الصحافـة‪ ،‬ثـم أضيفت إليـه النصوص الـواردة في (‪ )1986/8/1‬بشـأن هيكلـة النظام لقانـون الصحافة‪ ،‬ثم‬
‫أضيفـت إليـه النصـوص الـواردة في القانون الصـادر في (‪ )1990/7/3‬بشـأن العنصريـة‪ ،‬وهو القانون المعروف باسـم‬
‫تشـريع ‪ ، Loicayssot‬وأيضـًا عـدل بمقتضـى قانون تدعيم البراءة رقـم (‪ )2000/516‬الصـادر في ‪،2000/6/5‬‬
‫د‪ .‬خالـد ممـدوح إبراهيـم‪ ،‬فن التحقيـق الجنائي في الجرائـم اإللكترونيـة‪ ،‬ط‪ ،1‬دار الفكر الجامعي‪ ،‬اإلسـكندرية‪،‬‬
‫‪ ،2010‬ص‪.329‬‬
‫(‪ ((3‬فتحـي محمـد أنـور عـزت‪ ،‬الحمايـة الجنائيـة الموضوعيـة اإلجرائيـة‪ ،‬ط‪ ،1‬دار النهضـة العربيـة‪ ،‬القاهرة‪،‬‬
‫‪ ،2007‬ص‪.192‬‬
‫(‪ ((3‬أحمـد السـيد علـي عفيفـي‪ ،‬األحـكام العامة للعالنية فـي قانـون العقوبات‪ ،‬أطروحـة دكتوراة‪ ،‬كليـة الحقوق‪،‬‬
‫جامعـة عين شـمس‪ ،2001 ،‬ص ‪.134‬‬
‫(‪ ((3‬خالد ممدوح إبراهيم‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪.‬‬

‫‪195‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫الفيدرالي(‪.((3‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬موقف التشريعات العربية من جرمييت القذف والسب عرب االنرتنت‪:‬‬
‫أو ًال‪ :‬التشريع العراقي‪:‬‬
‫بالنسـبة لموقـف المشـرع العراقـي مـن جريمتـي القذف والسـب من حيث تأثـره باالنترنت‪،‬‬
‫فإنـه بالرجـوع إلـى النصـوص العقابيـة النافـذة نالحـظ أن المشـرع العراقـي قـد اسـتخدم‬
‫عبـارات مرنـة بشـأن وسـائل وقـوع جريمتـي القـذف والسـب‪ ،‬إذ ذكـر ذلـك فـي المـواد (‪-433‬‬
‫‪ ،)434‬علـى أنـه فـي حالـة وقـوع القـذف أو السـب بطريـق النشـر فـي الصحـف أو المطبوعـات‬
‫أو بإحـدى طـرق اإلعلام عـد ذلـك ظرفـ ًا مشـددًا‪ ،‬وعليـه يمكـن القـول بشـأن عبـارة ( إحـدى‬
‫طـرق اإلعلام )‪ ،‬أن ينـدرج تحتهـا أي وسـيلة أخـرى قـد يسـتخدمها الجانـي الرتـكاب جريمتـه‬
‫منها اسـتخدام شـبكة االنترنت كوسـيلة من الوسـائل المحتملة الرتكاب الجريمة‪ ،‬وعليه فإننا‬
‫نـرى مـن الضـروري إعمـال نصـوص قانـون العقوبـات العراقي وجعلها واجبـة التطبيق أو أية مواد‬
‫قانونيـة أخـرى مشـابهة لهـا لـن تواجـه أي مشـكلة فـي تطبيقها‪ ،‬وذلك باالسـتناد إلى ما يأتي ‪:‬‬
‫ال‪ :‬إن المشـرع العراقـي قـد تطلـب لوقـوع جريمتي القذف والسـب غيـر العلني أن يقع في‬ ‫أو ً‬
‫مواجهـة المجنـي عليـه أو عـن طريـق الهاتف(‪،((3‬وهـذا مـا نصت عليه المـادة (‪ )435‬من قانون‬
‫العقوبـات العراقـي علـى أنـه ( إذا وقـع القـذف أو السـب فـي مواجهـة المجنـي عليـه مـن غيـر‬
‫عالنيـة أو فـي حديـث تليفونـي معـه أو فـي مكتـوب بعـث بـه إليـه أو أبلغـه ذلـك بواسـطة أخرى‬
‫فتكـون العقوبـة الحبـس مـدة ال تزيـد علـى سـتة أشـهر وبغرامـة ال تزيـد علـى خمسـين دينـارا‬
‫أو بإحـدى هاتيـن العقوبتيـن)‪ ،‬مـن خلال النـص المتقـدم نسـتطيع القول بانطبـاق نص القذف‬
‫والسـب بواسـطة الهاتـف علـى الجرائـم الواقعـة عـن طريـق االنترنـت‪ ،‬كون االنترنـت يعتمد في‬
‫أساسـه على االتصال الهاتفي كما أنه في السـابق كان يطلق اسـم هاتف على األجهزة الهاتفية‬
‫التـي تعمـل فـي المنـازل‪ ،‬ثـم ظهـر الهاتـف المحمـول‪ ،‬ثـم تطـورت التكنولوجيـا وظهـر الهاتـف‬
‫المرئـي حتـى ظهـور االنترنت(‪،((3‬هـذا مـن جانـب ومـن جانـب آخـر نالحـظ أن المشـرع العراقـي‬
‫لـم ينـص علـى أن الجريمـة بطريـق الهاتـف تكـون بالقـول فقـط فمـن الممكـن أن تقـع الجريمـة‬
‫بالقـول أو بالكتابـة أو يبلغـه ذلـك بواسـطة أخـرى كمـا ذكـرت ذلـك نـص المـادة (‪ )435‬مـن‬
‫(ق‪.‬ع) فعبـارة (بواسـطة أخـرى) التـي ذكرتهـا المـادة سـالفة الذكـر تتيـح اسـتخدام االنترنـت‬
‫مثلا وقـوع جرائـم القـذف والسـب أثنـاء اسـتخدام غـرف الدردشـة‬ ‫ً‬ ‫فـي ارتـكاب هـذه الجرائـم‪،‬‬
‫والتـي يسـتطيع أن يدخلهـا مـن يشـاء أو عـن طريـق إرسـال رسـالة بالبريـد اإللكترونـي متضمنة‬
‫مـا يعـد قذفـًا أو سـبًا‪.‬‬
‫ثانيـ ًا‪ :‬كمـا ظهـرت التقنيـات الحديثـة أنـه ليـس بالضـرورة أن تكـون جميـع الجرائـم التـي‬
‫تقـع بالهاتـف غيـر علنية(‪،((4‬فقـد أصبـح التليفـون وسـيلة لنقـل الصـور واألصـوات عـن طريـق‬
‫اسـتخدام الكمبيوتـر وشـبكات االنترنـت لعـدد غيـر محـدود من الناس ال على المسـتوى المحلي‬
‫فقـط‪ ،‬ولكـن علـى مسـتوى العالـم‪ ،‬مـن خلال مـا تقـدم نـرى ضـرورة تدخـل المشـرع العراقـي‬
‫بالنـص علـى مواجهـة جريمتـي القـذف والسـب صراحـة باسـتخدام الحاسـب اآللـي وشـبكات‬
‫المعلومـات لمـا يترتـب عليهـا مـن أضـرار كبيـرة تفـوق أضعاف ارتكابها باسـتخدام الحاسـب اآللي‬
‫عن ارتكابها بأي وسـيلة أخرى‪ ،‬وذلك كونها ظرف ًا مشـددًا يسـتوجب العقوبة سـواء في جريمة‬

‫(‪ ((3‬أيمن عبد الحفيظ‪ ،‬استراتيجية مكافحة جرائم استخدام الحاسب اآللي‪ ،‬بال مكان طبع‪ ،2003 ،‬ص‪.127‬‬
‫(‪ ((3‬ممـدوح خليـل بحـر‪ ،‬الجرائـم الواقعة على األشـخاص فـي قانون العقوبـات اإلماراتـي‪ ،‬ط‪ ،1‬دار إثراء للنشـر‬
‫والتوزي�ع‪ ،‬األردن‪ 2009 ،‬ص ‪. 158‬‬
‫(‪ ((3‬شمسـان ناجـي صالـح الخيلـي‪ ،‬الجرائـم المسـتخدمة بطـرق غيـر مشـروعة لشـبكة االنترنـت‪ ،‬دار النهضـة‬
‫العربيـة‪ ،‬القاهـرة‪ ،2009 ،‬ص ‪.158‬‬
‫(‪ ((4‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.159‬‬

‫‪196‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫القـذف أو السـب‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬التشريع اإلماراتي‪:‬‬
‫نصـت المـادة ‪ 20‬مـن قانـون مكافحـة جرائـم تقنيـة المعلومـات رقـم ‪ 2012/5‬علـى «مـع‬
‫عـدم اإلخلال بأحـكام جريمـة القـذف المقـررة فـي الشـريعة اإلسلامية‪ ،‬يعاقـب بالحبـس‬
‫والغرامـة التـي ال تقـل عـن مائتيـن وخمسـين ألـف درهـم وال تتجـاوز خمسـمائة ألـف درهـم أو‬
‫ً‬
‫محلا‬ ‫بإحـدى هاتيـن العقوبتيـن كل مـن سـب الغيـر أو أسـند إليـه واقعـة مـن شـأنها أن تجعلـه‬
‫للعقـاب أو االزدراء مـن قبـل اآلخريـن‪ ،‬وذلـك باسـتخدام شـبكة معلوماتيـة‪ ،‬أو وسـيلة تقنيـة‬
‫معلومـات‪.‬‬
‫فـإذا وقـع السـب أو القـذف فـي حـق موظـف عـام أو مكلـف بخدمة عامة بمناسـبة أو بسـبب‬
‫تأديـة عملـه عـد ذلـك ظرفًا مشـددًا للجريمة»‪.‬‬
‫بمراجعـة نـص المـادة ‪ 20‬مـن قانـون مكافحـة جرائـم تقنيـة المعلومـات رقـم ‪،2012/5‬‬
‫يتضـح لنـا اآلتـي‪...‬‬
‫●العقوبة األصيلة‪:‬‬
‫قرر المشرع اإلماراتي لجريمتي القذف والسب بالوسائط اإللكترونية العقوبات اآلتية‪:‬‬
‫‪ -1‬الحبس‪:‬‬
‫عـرف المشـرع اإلماراتـي الحبـس فـي المـادة ‪ 69‬مـن قانـون اتحـادي رقـم ‪ 3‬لسـنة‪1987‬‬
‫بشـأن إصـدار قانـون العقوبـات بأنـه‪ « :‬وضـع المحكـوم عليـه فـي إحـدى المنشـآت العقابيـة‬
‫المخصصـة قانونـ ًا لهـذا الغـرض وذلـك للمـدة المحكـوم بهـا‪ .‬وال يجـوز أن يقـل الحـد األدنـى‬
‫للحبـس عـن شـهر وال أن يزيـد حـده األقصـى علـى ثلاث سـنوات مـا لـم ينـص القانـون علـى‬
‫خلاف ذلـك»‪..‬‬
‫ويالحـظ أن عقوبـة الحبـس المنـوه عنهـا بالمـادة السـابقة جاءت دون تحديـد مدة معينة‪،‬‬
‫فـإن علـى المحكمـة أن تنطـق بالحكـم بمـدة تقدرهـا بحيـث تقـل عن شـهر وال تزيـد على ثالث‬
‫سـنوات(‪ ،((4‬وحيـث أن عبـارة الحبـس جـاءت مطلقـة فـي نـص المـادة ‪ 20‬مـن قانـون مكافحـة‬
‫جرائـم تقنيـة المعلومـات فهـذا يعنـي أن المشـرع قـد تـرك للقاضـي سـلطة تقديـر العقوبـة‬
‫المناسـبة بحسـب مـا يـراه مـن ظـروف الواقـع(‪.((4‬‬
‫ووفقـًا لنـص م‪ ((4( 29‬مـن قانـون العقوبـات اإلماراتـي فـإن عقوبـة الحبـس مقـررة للجنـح‬
‫دائم ًا ‪.‬‬
‫‪ -2‬الغرامة‪:‬‬
‫عـرف المشـرع اإلماراتـي الغرامـة فـي المـادة ‪ 71‬مـن قانـون اتحـادي رقـم ‪ 3‬لسـنة ‪1987‬‬
‫بشـأن إصـدار قانـون العقوبـات بأنـه‪ « :‬هـي إلـزام المحكـوم عليـه أن يدفـع للخزينـة المبلـغ‬
‫المحكـوم بـه‪ ،‬وال يجـوز أن تقـل الغرامـة عـن ألـف درهـم وال أن يزيـد حدهـا األقصـى علـى‬
‫مليـون درهـم فـي الجنايـات وثالثمائـة ألـف درهـم فـي الجنـح‪ ،‬وذلـك كلـه مـا لـم ينـص القانـون‬
‫علـى خالفـه‪.‬‬
‫ووفقـًا لسـابقه فـإن عقوبـة هـذه الجريمـة قـد تكـون الحبـس والغرامـة معـ ًا أو تكـون‬

‫(‪ ((4‬غنام محمد غنام‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.375‬‬


‫(‪ ((4‬مؤيـد محمـد علـي‪ ،‬شـرح قانـون العقوبـات االتحـادي اإلماراتي القسـم العـام الكتاب الثانـي الجـزاء الجنائي‬
‫العقوبـة والتدابيـر االحترازيـة‪ ،‬ط‪ ،2014 ،1‬ص‪.53‬‬
‫(‪ ((4‬نـص م‪ 29‬مـن ق‪/‬ع‪/‬إماراتـي‪ .‬الجنحـة هـي الجريمـة المعاقـب عليهـا بعقوبـة أو أكثـر مـن العقوبـات اآلتيـة‪:‬‬
‫(الحبـس‪ ،‬الغرامـة التـي تزيـد علـى ألـف درهـم‪ ،‬الدية )‪.‬‬

‫‪197‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫إحداهمـا‪ ،‬وقـد تـرك أمـر تحديـد مـدة عقوبـة الحبـس للقاضـي بينمـا قيـد المشـرع مقـدار‬
‫عقوبـة الغرامـة بحـد أدنـى مائتيـن وخمسـين ألـف درهـم وحـد أعلـى خمسـمائة ألـف درهـم‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬التشريع املصري‪:‬‬
‫جـاءت المـادة ‪ 26‬مـن قانـون رقـم ‪ 2018/175‬بشـان مكافحـة جرائـم تقنيـة المعلومـات‬
‫لتنـص علـى «يعاقـب بالحبـس مـدة ال تقـل عـن سـنتين وال تجـاوز خمـس سـنوات‪ ،‬وبغرامـة ال‬
‫تقـل عـن مائـة ألـف جنيـة وال تجـاوز ثالثمائـة ألـف جنيـه‪ ،‬أو بإحـدى هاتيـن العقوبتيـن‪،‬‬
‫كل مـن تعمـد اسـتعمال برنامـج معلوماتـي أو تقنيـة معلوماتيـة فـي معالجـة معطيـات شـخصية‬
‫للغيـر لربطهـا بمحتـوى منـاف للآداب العامـة‪ ،‬أو إظهارهـا بطريقـة مـن شـأنها المسـاس باعتباره‬
‫أو شـرفه»‪.‬‬
‫بمراجعة نص المادة المنوه عنها بعاليه‪ ،‬يتضح لنا اآلتي‪:‬‬
‫●العقوبة األصلية‪:‬‬
‫قـرر المشـرع المصـري لجريمتـي القـذف والسـب بالوسـائط اإللكترونيـة العقوبـات اآلتيـة‪:‬‬
‫(‪....((4‬‬
‫المشـرع المصـري فـي قانـون رقـم ‪ 2018/175‬بشـأن مكافحـة جرائـم تقنيـة المعلومـات‬
‫عاقـب مرتكبـي جريمتـي القـذف والسـب بالوسـائط اإللكترونيـة بالحبـس مـدة ال تقـل عـن‬
‫سـنتين وال تجـاوز خمـس سـنوات‪.‬‬
‫عـرف المشـرع المصـري الحبـس فـي المـادة ‪ 18‬من قانون العقوبـات بأنه‪ « :‬عقوبة الحبس‬
‫هـي وضـع المحكـوم عليـه فـي أحـد السـجون المركزيـة أو العموميـة المـدة المحكـوم بهـا عليـه‬
‫وال يجـوز أن تنقـص هـذه المـدة عـن أربـع وعشـرين سـاعة وال أن تزيـد على ثالث سـنين إال في‬
‫األحـوال الخصوصيـة بالمنصـوص عليها قانونا»‪.‬‬
‫يالحـظ أن عقوبـة الحبـس مقـررة للجنـح‪ ،‬والجنحة وفق ًا لتعريـف قانون العقوبات المصري‬
‫هـي « عمـل إجرامـي أصغـر وعـادة يعاقـب علـى الجنـح بعقوبـات أخـف مـن عقوبـات الجنايـات‬
‫وأشـد مـن العقوبـات علـى المخالفـات اإلداريـة‪ ،‬وفـي كثيـر مـن األحيـان يعاقـب علـى الجنـح‬
‫بغرامات مالية‪ ،‬وقد تشـمل الجنح جرائم مثل‪ :‬السـرقة البسـيطة‪ ،‬االعتداء البسـيط‪ ،‬السـلوك‬
‫غيـر المنضبـط (كاإلزعـاج أو المشـاجرات) ‪ ،‬التخريـب البسـيط لممتلـكات الغيـر‪.‬‬
‫رابعًا‪ :‬التشريع السعودي‪:‬‬
‫بمراجعـة نـص البنـد الخامـس مـن المـادة الثالثـة مـن نظـام مكافحـة الجريمـة المعلوماتية‬
‫السـعودي نجـد أنهـا نصـت علـى « يعاقـب بالسـجن مـدة ال تزيـد علـى سـنة وبغرامـة ال تزيـد‬
‫علـى خمسـمائة ألـف ريـال ‪ ،‬أو بإحـدى هاتيـن العقوبتيـن‪ ،‬كل شـخص يرتكـب أيـًا مـن الجرائـم‬
‫المعلوماتيـة اآلتيـة‪ :‬التشـهير باآلخريـن‪ ،‬وإلحـاق الضـرر بهـم‪ ،‬عبـر وسـائل تقنيـات المعلومـات‬
‫المختلفة»‬
‫خامسًا‪ :‬التشريع اللييب‪:‬‬
‫لـم ينـص التشـريع الليبـي علـى جريمـة القـذف والسـب اإللكترونـي فـي القانـون الصـادر‬
‫رقـم (‪ )5‬لسـنة ‪ 2022‬بشـأن مكافحـة الجرائـم اإللكترونيـة بـل اكتفـى بتعريـف الجريمـة‬
‫اإللكترونيـة والدليـل الرقمـي ولـم ُيشـر إلـى واقعـة القـذف والسـب ال مـن قريـب وال مـن بعيـد‪.‬‬

‫(‪ ((4‬أمـا عقوبـة السـجن فقـد نصـت عليهـا المادة ‪ 16‬مـن قانـون العقوبـات « عقوبة السـجن هي وضـع المحكوم‬
‫عليـه فـي أحـد السـجون العموميـة وتشـغيله داخـل السـجن أو خارجـه فـي األعمـال التـي تعينهـا الحكومـة المدة‬
‫المحكـوم بهـا عليـه وال يجـوز أن تنقـص تلك المـدة عن ثالث سـنوات وال تزيد على خمس عشـرة سـنة إال في األحوال‬
‫الخصوصيـة المنصـوص عليهـا قانوناً‪.‬‬

‫‪198‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫وكان يجـدر بالمشـرع الليبـي أن يحـذو حـذو المشـرع المصـري وباقـي القوانيـن المشـار إليها‬
‫بالدراسـة بالنـص صراحـة علـى واقعـة القـذف والسـب اإللكترونـي‪ ،‬وهـذا ُيعـد قصـورًا يلـزم‬
‫المشـرع باسـتكماله‪.‬‬
‫اخلامتة‪:‬‬
‫مما ال شـك فيه أن جريمتي القذف والسـب عبر الوسـائط اإللكترونية قد انتشـرت بشـكل‬
‫كبيـر فـي هـذا الوقـت نظـرًا للتطـور الهائـل الذي لحق بوسـائل االتصـال الحديثة‪.‬‬
‫وتجدر اإلشـارة إلى أن كثيرا من مسـتخدمي الشـبكة العنكبوتية يلجؤون إلى هذه النوعية‬
‫مـن الجرائـم العتقادهـم بصعوبة اكتشـافهم واإلفالت من العقاب ‪.‬‬
‫ومـن المعلـوم أن الجرائـم المعلوماتيـة تخضع لطـرق إثبات مختلفة عن الجرائم التقليدية‪،‬‬
‫ويمكـن االختلاف فـي وجـود أشـخاص مؤهليـن ومدربين علـى مثل هذه الجرائم وفك طالسـمها‪،‬‬
‫إذ تعـد هـذه الجريمـة مـن الجرائـم العابـرة للحـدود إذ قـد يقـوم شـخص ما بسـب المجني عليه‬
‫وقذفـه وهـو فـي دولـة أخـرى‪ ،‬ما يصعب على األجهزة األمنية والرقمية الوصول إليه واكتشـاف‬
‫الواقعـة وإسـنادها للجانـي‪ ،‬ويتطلـب الكشـف عـن هـذه النوعيـة مـن الجرائـم تعـاون دولـي فـي‬
‫مجـال تقنيـة المعلومـات للحـد منها ومن أثارها السـلبية‪.‬‬
‫وفـي جميـع األحـوال نالحـظ أن انتشـار مثـل هـذه الجرائـم يرجـع إلـى عـدة أسـباب منهـا‪:‬‬
‫غيـاب الـوازع الدينـي واألخالقـي‪ ،‬ويرجـع بالتالـي المسـتوى العلمـي والثقافـي للفـرد داخـل‬
‫المجتمـع إذا يتناسـب تناسـب ًا عكسـيًا حيـث إنـه كلمـا افتقـرت الدولـة إلـى مسـتوى تعليمي جيد‬
‫كلمـا انتشـرت الجرائـم بصفـة عامـة وهـذا ينسـحب علـى جريمتـي السـب والقـذف المنصـوص‬
‫عليهـا فـي المـواد ( ‪ ) 439 ، 4398‬عقوبـات ليبـي‪ ،‬وقـد خـرج مـن الباحـث من هذه الدراسـة‬
‫بعـدة نتائـج وتوصيـات هامـة جـدًا وهـي علـى النحـو اآلتـي‪:‬‬
‫أو ًال‪ :‬النتائج‪:‬‬
‫‪1 .‬اتضـح مـن خلال هـذا البحـث أن أغلـب التشـريعات العربيـة يشـوبها القصـور فـي تجريـم‬
‫جريمتـي السـب والقـذف عبـر وسـائط اإللكترونيـة وخصوصـًا التشـريع الليبـي‪.‬‬
‫‪2 .‬تتميز جريمتا السـب والقذف عبر الوسـائط اإللكترونية بصعوبة اكتشـافها إذ تحتاج إلى‬
‫فنييـن ومتخصصيـن فـي مجـال تقنيـة المعلومـات‪ ،‬وكذلـك سـهولة مسـح األدلـة مـن قبـل‬
‫الجانـي وبالتالـي صعوبـة إثباتها‪.‬‬
‫‪3 .‬مـن خلال هـذا البحـث توصلنـا إلـى نتيجـة مفادهـا أنـه يجـب علـى التشـريعات العربيـة‬
‫ومنهـا التشـريع الليبـي مواكبـة التطـور التقنـي والعلمي في مجال التشـريع وعدم االعتماد‬
‫علـى النصـوص التقليديـة سـواء فـي جريمتي السـب والقذف عبر الوسـائط اإللكترونية أو‬
‫باقـي الوقائـع المجرمـة فـي نصـوص قانـون العقوبـات إذ يـؤدي ذلـك إلـى إفلات الجاني من‬
‫العقـاب حـال ارتكـب الجريمـة عبـر الوسـائط اإللكترونيـة لوجـود قصـور تشـريعي واضـح‪،‬‬
‫وهـذا بـدوره ُيعـد إخلا ً‬
‫ال بمبـدأ العدالـة الجنائية‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬التوصيات‪:‬‬
‫‪1 .‬نهيـب بالمشـرع الليبـي إصـدار قانـون مكافحـة الجرائـم عبـر الوسـائط اإللكترونيـة إذ ُيعد‬
‫القانـون الليبـي قاصـرًا إلـى حـد كبيـر فـي هـذا المجال ‪.‬‬
‫‪2 .‬تأهيل السلطات المختصة وتدريبها في مجال مكافحة الجرائم عبر الوسائط اإللكترونية‬
‫وتوفير جميع الوسـائل واإلمكانيات للكشـف عن مثل هذه الجرائم‪.‬‬
‫‪3 .‬ضـرورة تعديـل قانـون ( ‪ ) 52‬لسـنة ‪ 1974‬المتضمـن السـب والقـذف عبـر الوسـائط‬
‫اإللكترونيـة وتوافقـه مـع الشـريعة اإلسلامية حـال تطبيـق قانـون القصـاص والديـة‬
‫المنصـوص عليـه فـي القانـون سـالف الذكـر‪.‬‬

‫‪199‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫‪4 .‬قصـور المـواد ( ‪ ) 439 ، 438‬عقوبـات ليبـي عـن اإللمـام بـكل وسـائل وقـوع جريمتـي‬
‫السـب والقـذف عبـر الوسـائط اإللكترونيـة‪ ،‬وعلـى المشـرع الليبـي تالفـي هـذا القصـور‪.‬‬
‫‪5 .‬نهيـب بالمشـرع الليبـي إصـدار قانـون خـاص بجريمتـي السـب والقـذف عبـر الوسـائط‬
‫اإللكترونيـة لمـا تمثلـه هـذه الواقعـة مـن ضـرر كبير على أفـراد المجتمع وسـهولة ارتكابها‬
‫مـع صعوبـة إثباتهـا وكشـف الجنـاة إذ إن هـذا القانـون سـوف يضمن تدريـب وتأهيل الجهات‬
‫القضائيـة والشـرطية للحـد منهـا ومعرفـة مرتكبهـا‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫قائمة املصادر واملراجع‬


‫أو ًال‪ :‬القرآن الكريم‪:‬‬
‫‪1 .‬سورة األحزاب‪.‬‬
‫‪2 .‬سورة النساء‪.‬‬
‫‪3 .‬سورة النور‪.‬‬

‫ثانيًا‪ :‬الكتب والرسائل العلمية‪:‬‬


‫‪1 .‬أبي الحسن أحمد فارس بن زكريا‪ ،‬معجم مقاييس اللغة‪-‬ج‪.5‬‬
‫‪2 .‬أحمـد السـيد علـي عفيفـي‪ ،‬األحـكام العامـة للعالنيـة فـي قانـون العقوبـات‪ ،‬أطروحـة دكتـوراة‪ ،‬كليـة الحقـوق‪،‬‬
‫جامعـة عيـن شـمس‪.2001 ،‬‬
‫‪3 .‬أيمن عبد الحفيظ‪ ،‬استراتيجية مكافحة جرائم استخدام الحاسب اآللي‪ ،‬بال مكان طبع‪.2003 ،‬‬
‫‪4 .‬حاشية الدسوقي‪ ،‬للدسوقي‪ ،‬ج‪.4‬‬
‫‪5 .‬حسنين إبراهيم عبيد‪ ،‬الجرائم الدولية‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬ط‪.1979 ،1‬‬
‫‪6 .‬خالـد حسـن أحمـد لطفـي‪ ،‬المسـؤولية عـن جريمـة القـذف والسـب عبـر الوسـائط اإللكترونيـة‪ ،‬دار الفكـر‬
‫الجامعـي‪ ،‬ط‪.2020 ،1‬‬
‫‪7 .‬خالـد ممـدوح إبراهيـم‪ ،‬فـن التحقيـق الجنائـي فـي الجرائـم اإللكترونيـة‪ ،‬ط‪ ،1‬دار الفكـر الجامعـي‪ ،‬اإلسـكندرية‪،‬‬
‫‪.2010‬‬
‫‪8 .‬خالـد موسـى التونـي‪ ،‬شـرح قانـون العقوبـات االتحـادي لدولـة اإلمـارات المتحـدة القسـم الخـاص‪ ،‬أكاديميـة‬
‫الشـرطة‪ ،‬دبـي‪ ،‬ط‪.2013 ،1‬‬
‫‪9 .‬شمسـان ناجـي صالـح الخيلـي‪ ،‬الجرائـم المسـتخدمة بطـرق غيـر مشـروعة لشـبكة االنترنـت‪ ،‬دار النهضـة‬
‫العربيـة‪ ،‬القاهـرة‪.2009 ،‬‬
‫ ‪10.‬عمر سعيد رمضان‪ ،‬شرح قانون العقوبات العام‪ ،‬طبعة ‪.2000‬‬
‫ ‪11.‬فتحي محمد أنور عزت‪ ،‬الحماية الجنائية الموضوعية اإلجرائية‪ ،‬ط‪ ،1‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪.2007 ،‬‬
‫ ‪ 12.‬فوزية عبد الستار‪ ،‬شرح قانون العقوبات الخاص‪ ،‬دار النهضة العربية‪.2019 ،‬‬
‫ ‪13.‬مجـدي سـعد هلال‪ ،‬جنحـة القـذف‪ ،‬دراسـة علميـة للجريمـة طبقـا ً لمـا اسـتقرت عليـه أحـكام النقـض حتـى‬
‫سـنة ‪ ،2001‬منشـورات القانونيـة ‪.2004 ،‬‬
‫ ‪14.‬محمـد حميـد المزمومـي‪ ،‬جريمـة التشـهير عبـر وسـائل تقنيـة المعلومـات وفقـا ً لنظـام مكافحـة الجريمـة‬
‫المعلوماتية السـعودي دراسـة تحليلية‪ ،‬مجلة الشـريعة والقانون‪ ،‬س ‪ ،29‬أكتوبر ‪ ،2015‬كلية القانون‪ ،‬مجلس‬
‫النشـر العلمـي‪.‬‬
‫ ‪15.‬محمـد سـمير‪ ،‬كتـاب جرائـم الصحافـة والنشـر‪ ،‬نـادي القضـاة‪ ،‬طعـن رقـم ‪ 2488‬لسـنة ‪66‬ق جلسـة بتاريـخ‬
‫‪2004/3/20‬ن‬
‫ ‪16.‬محمد صبحي نجم‪ ،‬الجرائم الواقعة على األشخاص‪ ،‬مكتبة دار الثقافة للنشر والتوزيع‪.1994 ،‬‬
‫ ‪17.‬محمـد محـي الديـن عـوض‪ ،‬العالنيـة فـي قانـون العقوبـات – دراسـة مقارنـة‪ ،‬رسـالة دكتـوراه‪ ،‬مطبعـة النصـر‪،‬‬
‫‪.1955‬‬
‫ ‪18.‬محمود محمود مصطفى‪ ،‬شرح قانون العقوبات‪ ،‬مطبعة الجامعة‪ ،‬القاهرة‪1984 ،‬م‪.‬‬
‫ ‪19.‬محمود نجيب حسني‪ ،‬شرح قانون العقوبات‪ ... ،‬الخامس‪2016 ،‬م‪ ،‬دار النهضة العربية‪.‬‬
‫ ‪20.‬مصطفى محمد مصطفى‪ ،‬التحقيق في الجرائم اإللكترونية‪ ،‬ط‪.2009 ،1‬‬
‫ ‪21.‬ممـدوح خليـل بحـر‪ ،‬الجرائـم الواقعـة علـى األشـخاص فـي قانـون العقوبـات اإلماراتـي‪ ،‬ط‪ ،1‬دار إثـراء للنشـر‬
‫والتوزيـع‪ ،‬األردن‪.2009 ،‬‬

‫‪201‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫ ‪22.‬مؤيـد محمـد علـي‪ ،‬شـرح قانـون العقوبـات االتحـادي اإلماراتـي القسـم العـام الكتـاب الثانـي الجـزاء الجنائـي‬
‫العقوبـة والتدابيـر االحترازيـة‪ ،‬ط‪ ،2014 ،1‬ص‪.53‬‬

‫ثالثًا‪ :‬التشريعات والقوانني‪:‬‬


‫‪1 .‬تشريع فرنسي‪.‬‬
‫‪2 .‬التشريع األمريكي‪.‬‬
‫‪3 .‬التشريع العراقي‪.‬‬
‫‪4 .‬التشريع المصري‪.‬‬
‫‪5 .‬التشريع اإلماراتي الطعن رقم ‪ 84686‬لسنة ‪ 75‬جلسة ‪ 2012/10/10‬س ‪. 63‬‬
‫‪6 .‬نقض ‪ ،1941/12/1‬مجموعة القواعد القانونية‪ ،‬ج‪ ،5‬رقم ‪.214‬‬
‫‪7 .‬نص م‪ 29‬من ق‪/‬ع‪/‬إماراتي‪.‬‬

‫رابعًا‪ :‬شبكة املعلومات الدولية ( االنرتنت )‬


‫‪ https://www.sharjah.ac.ae1 .‬تاريخ الزيارة ‪ .2023/5/5‬الساعة ‪ 10‬صباحاً‪.‬‬
‫‪https://www.ajrsp.com2 .‬تاريخ الزيارة ‪ .2023/5/5‬الساعة ‪ 12‬ظهراً‪.‬‬
‫‪ https://www.iasj..net3 .‬تاريخ الزيارة ‪ .2023/5/6‬الساعة ‪ 11‬صباحاً‪.‬‬

‫‪202‬‬
‫م‬2023 ‫العدد ( الثامن ) يوليو‬ ‫مجلة دالالت‬

‫كفالة الضمانات القانونية للموظف الدولي‬


:‫إعداد‬
‫ مسعود محمد مسعود أحمد‬.‫أ‬
‫ الجامعة األسمرية اإلسالمية‬- ‫ كلية الشريعة والقانون أوباري‬- ‫رئيس قسم القانون‬

2023/6/14 :‫القبول‬
2023/5/1 :‫االستالم‬

:‫املستخلص‬
‫ُيثيـر موضـوع الضمانـات القانونيـة المكفولـة للموظـف الدولـي أهميـة كبـرى فـي وقتنـا‬
،‫ لمـا ُيمثلـه وضـع الموظـف الدولـي علـى صعيد العمـل بالمنظمات الدوليـة من أهمية‬،‫الحاضـر‬
ّ ‫ وبالتالـي‬،‫ وشـريان الحيـاة بهـا‬،‫فهـو ُيمثـل عصـب العمـل بالمنظمـة‬
‫فـإن وجـود أمـان إداري‬
‫وقضائـي يكفـل حمايـة تامـة وعدالـة منصفـة لصالـح هـؤالء الموظفين الدوليين كفيل بحسـن‬
‫ كلمـا‬،‫وفعالـة‬
ّ ‫ فالضمانـات القانونيـة للموظـف كلمـا كانـت كافيـة‬،‫أداء المنظمـة الدوليـة ككل‬
.‫ ومـن ثـم نجاحهـا وتطورهـا‬،‫انعكـس ذلـك علـى تسـيير المنظمـة‬
‫وتهـدف هـذه الدراسـة للتطـرق إلـى الضمانـات القانونيـة للموظـف الدولـي اإلداريـة‬
‫ ومـن ثـم‬،‫ كلمـا انعكـس ذلـك علـى تسـيير المنظمـة‬،‫وفعالـة‬ّ ‫ كلمـا كانـت كافيـة‬،‫والقضائيـة‬
.‫نجاحهـا وتطورهـا‬
‫ويحـاول الباحـث اإلجابـة عـن إشـكالية رئيسـية؛ مـا هـي الضمانـات القانونيـة المكفولـة‬
‫للموظـف الدولـي؟‬
.‫ المنظمات‬،‫ الدولي‬،‫ الموظف‬،‫ القانونية‬،‫ الضمانات‬:‫الكلمات املفتاحية‬
Summary:
The issue of legal guarantees guaranteed to the international employee is of
great importance at the present time, because of the importance of the situation
of the international employee at the level of work in international organizations,
as it represents the backbone of work in the organization and the lifeblood of it,
and therefore the presence of administrative and judicial security that guarantees
full protection and fair justice for the benefit of these international employees A
guarantor of the good performance of the international organization as a whole.
The legal guarantees for the employee are sufficient and effective, the more this
will be rejected in the organization's management, and then its success and
development.
This study aims to address the legal guarantees for the international
employee, administrative and judicial, whenever they are sufficient and effective,
the more this is rejected in the organization's management, and then its success
and development.
The researcher tries to answer a main problem; What are the legal
guarantees guaranteed to the international employee unified in all international
organizations.
Keywords: guarantees, legal, employee, international, organizations.

203
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫املقدمة‪:‬‬
‫ُتمـارس المنظمـات الدوليـة سـواء الحكوميـة أو غيـر الحكوميـة عملهـا عـن طريـق موظفيـن‬
‫تختارهم هي حسب معايير واشتراطات معينة‪ ،‬ويمنحهم القانون الدولي الحصانات واالمتيازات‬
‫التـي تكفـل لهـم أداء مهامهـم بكفـاءة واقتـدار‪ ،‬وال تعفيهـم هـذه الحصانـات واالمتيـازات مـن‬
‫المسـؤولية القانونيـة الدوليـة عندمـا يخطئـون‪ ،‬أو يتعـدون حـدود عملهـم‪ ،‬أو يترتب على هذا‬
‫العمـل إضـرار بالـدول واألفـراد والمنظمـة التـي يعملـون لحسـابها‪ ،‬وهـذا مـا نـص عليـه القانـون‬
‫الدولـي العام‪.‬‬
‫إن إحاطـة الموظـف الدولـي بضمانـات قانونيـة للتصـدي النحـراف سـلطة إدارة المنظمـة‬ ‫ّ‬
‫وقضـاء‪ ،‬فهـي مـن المسـلمات التـي تقتضيهـا‬
‫ً‬ ‫فقهـا‬
‫وتعسـفها‪ ،‬أصبـح مـن األمـور المسـتقر عليهـا ً‬
‫المبـادئ القانونيـة‪ ،‬وتمليهـا قواعـد االنصـاف والعدالـة‪ ،‬دون الحاجـة إلـى نصـوص قانونيـة‬
‫كافيا‬
‫تقررهـا‪ ،‬فالعدالـة الناجـزة فـي بيئـة العمـل ال يمكن أن تتحقق ما لم يوفر التشـريع قد ًرا ً‬
‫مـن الضمانـات القانونيـة للموظـف‪ ،‬ال سـيما فـي المجـال التأديبـي‪.‬‬
‫ويشمل اإلطار العام للدراسة ما يلي‪:‬‬
‫أ ّو ًال‪ :‬أهمية هذا املوضوع‪:‬‬
‫فيمـا ُيمثلـه وضـع الموظـف الدولـي علـى صعيـد العمل بالمنظمات الدوليـة من أهمية‪ ،‬فهو‬
‫يمثـل عصـب العمـل بالمنظمـة وشـريان الحيـاة بهـا‪ ،‬وبالتالـي ّ‬
‫فـإن وجـود أمـان إداري وقضائـي‬
‫يكفـل حمايـة تامـة وعدالـة منصفـة لصالـح هـؤالء الموظفيـن الدولييـن كفيـل بحسـن أداء‬
‫وفعالة‪ ،‬كلما انعكس‬
‫المنظمـة الدوليـة ككل‪ ،‬فالضمانـات القانونيـة للموظـف كلمـا كانت كافيـة ّ‬
‫ذلـك علـى تسـيير المنظمـة‪ ،‬ومـن ثـم نجاحهـا وتطورهـا‪.‬‬
‫ثان ًيا‪ :‬إشكالية دراسة املوضوع‪:‬‬
‫في اإلجابة عن التساؤالت التالية‪:‬‬
‫‪1.‬مـن هـو الموظـف الدولـي المشـمول بالحمايـة القانونيـة التـي كفلتهـا لوائـح وأنظمـة‬
‫المنظمـات الدوليـة؟‬
‫‪2.‬مـا هـي الضمانـات اإلداريـة المكفولـة للموظـف الدولـي لمواجهة القـرارات المخالفة للوائح‬
‫المنظمـات وعقـود التشـغيل‪ ،‬ال سـيما القـرارات التأديبية منها؟‬
‫‪3.‬هل الضمانات القانونية المكفولة للموظف الدولي موحدة في جميع المنظمات الدولية؟‬
‫ً‬
‫ثالثا‪ :‬املنهج العلمي املتبع‪:‬‬
‫لـم يتـم االعتمـاد علـى منهـج ُمحـدد فـي هـذه الدراسـة‪ ،‬وإ ّنمـا اختلـف باختلاف المسـألة‬
‫ثـم ّ‬
‫فـإن هـذه الدراسـة اعتمـدت علـى مناهـج متعـددة تمثلـت فـي‪ :‬المنهـج‬ ‫محـل النظـر‪ ،‬ومـن ّ‬
‫الوصفـي‪ ،‬والمنهـج التحليلـي‪ ،‬والمنهـج التطبيقـي‪ ،‬والمنهـج المقـارن‪.‬‬
‫راب ًعا‪ :‬خطة الدراسة‪:‬‬
‫سنقسـم البحـث إلـى مبحثيـن‪ ،‬نتنـاول فـي المبحـث األوّل‪ :‬ماهيـة الموظـف الدولـي وتطـور‬
‫مفهـوم الوظيفـة الدوليـة‪ .‬وفـي المبحـث الثاني‪ :‬ضمانات الدعوى اإلداريـة التأديبية للموظف‬
‫الدولـي‪ .‬وذلـك علـى النحـو التالي‪:‬‬

‫‪204‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫املبحث األوّل‪ :‬ماهية املوظف الدولي وتطور مفهوم الوظيفة الدولية‪:‬‬


‫نتنـاول فـي هـذا المبحـث؛ ظهـور ونشـأة المنظمـات الدوليـة‪ ،‬ومفهـوم الموظـف فـي القانـون‬
‫الدولـي العـام‪ ،‬وحصانـات وامتيـازات الموظـف الدولـي‪.‬‬
‫املطلب األوّل‪ :‬ظهور ونشأة املنظمات الدولية‪:‬‬
‫عد المنظمات الدولية وليدة القرن التاسع عشر‪ ،‬بالتزامن مع تبلور فكرة الدول القومية‪،‬‬ ‫ُت ّ‬
‫ّ‬
‫وتطـور مفهـوم المصالـح والعالقـات الدوليـة‪ ،‬إذ أن تطـور هـذه العالقـات يقتضـي وجـود تنظيـم‬
‫ألن حـاالت الحـرب والسـلم تتطلـب إطـا ًرا ُم ً‬
‫عينا تحل في نطاقـه تلك الحاالت‪.‬‬ ‫لهـا‪ ،‬وذلـك ّ‬
‫أ ّو ًال – تعريف املنظمة الدولية‪:‬‬
‫توجـد عـدة تعريفـات ُمختلفـة للمنظمـة الدوليـة‪ ،‬بـل قـد يتعـدى هـذا االختلاف فـي‬
‫التعريـف إلـى فحـوى هـذا الفـرع مـن فـروع القانـون الدولـي‪.‬‬
‫أن دراسـة هـذا الحقـل مـن حقـول التعـاون الدولـي يجـب أن تتـم‬ ‫فبعـض المختصيـن يـرون ّ‬
‫تحـت عنـوان (التنظيـم الدولـي)‪ ،‬الـذي تضم فحواه هيئات تنشـئها مجموعـة من الدول بإرادتها‬
‫ذاتيـا ُتباشـره هـذه‬
‫اختصاصـا ً‬
‫ً‬ ‫واختيارهـا لإلشـراف علـى شـأن مـن شـؤونها المشـتركة‪ ،‬وتمنحهـا‬
‫الهيئـات فـي المجتمـع الدولـي‪ ،‬وفـي مواجهـة الـدول نفسـها(((()‪ ،‬كمـا ُيضيـف البعـض صفـة‬
‫الديمومـة ألجهـزة مـا يسـمونه (بالمنتظـم الدولـي) فيعرفـون المنتظـم الدولـي بأ ّنـه‪" :‬هيئـة‬
‫دائمـة تشـترك فيهـا بعـض الـدول رغبـة السـعي فـي تنميـة مصالحهـا المشـتركة ببـذل مجهـود‬
‫قانونـي‪ ،‬تتعهـد بسـببه أن تخضـع لبعـض القواعـد القانونيـة لتحقيـق هـذه المصالـح"‪.‬‬
‫بـل يذهـب البعـض منهـم إلـى أبعـد مـن ذلـك‪ ،‬فيضـع التنظيـم الدولـي فـي مواجهـة القانون‬
‫أن التنظيـم الدولـي هـو مرحلـة أعلـى مـن مرحلـة القانـون‬ ‫الدولـي‪ ،‬ويسـتنتج مـن المقارنـة ّ‬
‫أن القانـون الدولـي ظهـر كمنظـم لعالقـات الحـرب بيـن‬ ‫تاريخيـا لـه‪ ،‬إذ ّ‬
‫ً‬ ‫الدولـي‪ ،‬ويعتبـر تطـو ًرا‬
‫وأن الدول تتمتع بسـيادة ُمطلقة فـي تصرفاتها في القانون‬ ‫الـدول‪ ،‬ولـذا ُيبيـح اسـتخدام القـوة‪ّ ،‬‬
‫المقيـدة‪ ،‬كمـا ّ‬
‫أن‬ ‫الدولـي‪ ،‬الشـيء الـذي ال يقـره التنظيـم الدولـي المبنـي علـى أسـاس السـيادة ُ‬
‫القانـون الدولـي يعتمـد فـي ديناميكيتـه علـى المنافسـة ال التعـاون المشـترك‪ ،‬عكـس التنظيـم‬
‫أمـا التنظيـم الدولـي فهـو قانـون سلام؛ ال يبيـح اسـتخدام القـوة‪ ،‬بـل ينظـم عالقـات‬ ‫الدولـي‪ّ ،‬‬
‫التعـاون بيـن الـدول(((‪.‬‬
‫وعليـه يمكـن تعريـف المنظمـة الدوليـة بأ ّنهـا‪" :‬كيـان تنشـئه مجموعـة مـن الـدول كإطـار‬
‫قانونـي لتحقيـق أهـداف التعـاون بينها‪ ،‬تمنحه صفة الشـخصية القانونية الدولية‪ ،‬لتمكنه من‬
‫القيام بأعبائه‪ ،‬كما تمنحه إرادة مسـتقلة عن إرادات الدول األعضاء‪ ،‬وتنشـئ له أجهزة دائمة‬
‫تعمـل علـى أسـاس قانونـي‪ ،‬متمثـل فـي اتفاقيـة دوليـة متعـددة األطـراف – ميثاق‪ ،‬دسـتور –‬
‫تحـدد الجوانـب األساسـية ألنشـطة هـذا الكيـان وفق أحـكام القانون الدولـي المعاصر(((‪.‬‬
‫ثان ًيا ‪ -‬أسباب وعناصر نشوء املنظمة الدولية‪:‬‬
‫المعاصرة‬‫ُيعـزي فريـق مـن الفقهـاء ظهـور المنظمات الدولية كإحدى أهم العالقـات الدولية ُ‬
‫إلـى التطـور التقنـي الـذي اسـتجد فـي منتصـف القـرن التاسـع عشـر‪ ،‬وخاصـة مـا اسـتحدث مـن‬
‫وسائط اتصال من تلغراف ونحوه‪ ،‬ومواصالت؛ من قاطرات‪ ،‬وسفن‪ ،‬وطائرات‪ ،‬وغيره‪ ،‬ويستدلون‬
‫إال في مجال االتصـاالت والمواصالت الدولية‬‫بـأن أوائـل المنظمـات الدولية لم تنشـأ ّ‬‫علـى ذلـك ّ‬
‫بالـذات‪ ،‬هـذه الحقيقـة يعتقـد الفريـق اآلخـر أ ّنهـا عموميـة‪ ،‬وال توضـح بالقـدر الكافـي مـا هـو‬

‫((( شهاب (‪1974‬م)‪ ،‬مفيد شهاب‪ ،‬المنظمات الدولية‪ ،‬ط‪ ،2‬دار النهضة العربية_ القاهرة‪ /‬مصر‪ ،‬ص ‪.37‬‬
‫((( حسين (‪1988‬م)‪ ،‬مصطفى سالمة حسين‪ ،‬المنظمات الدولية‪ ،‬الدار الجامعية‪ ،‬ص‪.60‬‬
‫((( مصطفى (‪1998‬م)‪ ،‬مأمون مصطفى‪ ،‬قانون المنظمات الدولية‪ ،‬ب‪ .‬د‪ .‬ن‪ ،‬ص ‪.19‬‬

‫‪205‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫أن المسـبب الفعلـي لظهـور ونشـأة وتطـور المنظمـات‬ ‫مطلـوب‪ ،‬ويطـرح بـد ً‬
‫ال لهـذا الـرأي مقولـة ّ‬
‫الدوليـة هـو حتميـة التبـادل التجـاري بين الدول‪ ،‬وتعمق معامالت االعتماد المتبادل‪ ،‬وترسـيخ‬
‫أن الرأييـن يكمالن بعضهمـا البعض(((‪.‬‬‫دوليـا‪ ،‬والراجـح ّ‬
‫ً‬ ‫أبعـاد تقسـيم العمـل‬
‫إن التطـور العلمـي والتقنـي‪ ،‬وكذلـك النمـو االقتصـادي‪ ،‬والتقـدم االجتماعـي‪ ،‬هـي فـي‬ ‫ّ‬
‫المختلفـة‬
‫مجملهـا تكـون أعمـدة االعتمـاد المتبـادل بيـن الـدول‪ ،‬وتـؤدي إلـى تقويـة العالقـات ُ‬
‫بينهـا‪ ،‬الشـيء الـذي يدعـو لضـرورة تأطيـر وتنظيـم فـروع وأصعـدة المعاملات الدوليـة عـن‬
‫طريـق منظمـات دوليـة تقـوم بتنفيـذ هـذا الهـدف‪ ،‬وذلـك بوضـع المبـادئ العامـة للتعـاون‬
‫الدولـي‪ ،‬وتبيـان طـرق تنميتـه وتطويـره‪.‬‬
‫ثالثا – عناصر نشوء املنظمة الدولية‪:‬‬
‫ً‬
‫أي منظمـة دوليـة تنبنـي علـى أرض الواقـع عناصـر؛ هـي فـي الواقـع ارهاصـات‬ ‫قبـل ظهـور ّ‬
‫تشـير إلـى ضـرورة نشـوئها‪ ،‬مـن بينهـا نذكـر‪:‬‬
‫‪1.‬وعـي الـدول ذات المصلحـة والرغبـة بتوافـق نسـبي فـي المصالـح على صعيـد ُمحدد وبقدر‬
‫ُمحدد‪.‬‬
‫‪2.‬االقتناع التام من قبل تلك الدول بحتمية وفائدة التعاون المشترك في المجال المعني‪.‬‬
‫‪3.‬قـدرة تلـك الـدول علـى الوصـول إلـى اتفـاق حـول أهـداف ومبـادئ وأطـر نشـاط المنظمـة‬
‫المنشـودة‪.‬‬
‫إن ظهـور تلـك االرهاصـات والعناصـر ال يعتمـد فقـط ظهـور ونشـأة المنظمـة الدولية‪ ،‬بل‬ ‫ّ‬
‫يتعـداه إلـى نجـاح نشـاطها واسـتمراريتها فـي المسـتقبل‪ ،‬والعكـس مـن ذلـك صحيـح‪ّ ،‬‬
‫فـإن غيـاب‬
‫المتطلبـات المذكـورة يعنـي عقبـة كبيـرة يصعـب تخطيهـا‪ ،‬حتـى وإن اجتمعـت كل األسـباب‬ ‫ُ‬
‫الماديـة لنشـوء المنظمـة المبتغـاة(((‪.‬‬
‫راب ًعا ‪ -‬املراحل التارخيية لنشوء املنظمة الدولية‪:‬‬
‫ال بطيئـًا يحتـوي علـى تنظيـم شـؤون دوليـة‬ ‫فـي البـدء اتخـذ نمـو المنظمـات وظهورهـا شـك ً‬
‫ليسـت بتلك األهمية والدرجة من األولوية‪ ،‬لترتبط بمصائر الدول‪ ،‬فكان المنحى هو تنظيم‬
‫العالقـات فـي مجـال االتصـاالت الدوليـة‪ ،‬وذلـك بإنشـاء منظمـة االتحـاد الدولـي للمواصلات‬
‫أمـا المرحلـة‬
‫السـلكية والالسـلكية‪ ،‬وتكـون اتحـاد البريـد العالمـي فـي ديسـمبر ‪1874‬م‪ّ ،‬‬
‫ً‬
‫وثيقـا بأحـداث الحـرب العالميـة األولـى‪،‬‬ ‫ً‬
‫ارتباطـا‬ ‫الالحقـة لهـذه الخطـوة األولـى فقـد ارتبطـت‬
‫المتداخلة‪ ،‬خاصة‬ ‫ُ‬ ‫الدولية‬ ‫العالقـات‬ ‫لتنظيم‬ ‫أوسـع‬ ‫وظهـور الحتميـة الموضوعيـة لتعاون دولي‬
‫فيمـا يخـص الشـؤون الحربيـة‪ ،‬ومـا يتفـرع منهـا مـن قضايـا األمـن وفـض المنازعـات‪ ،‬وتمخضـت‬
‫أما المرحلـة الثالثة‬
‫هـذه المرحلـة عـن قيـام عصبـة األمـم فـي مؤتمـر باريـس عـام ‪1919‬م‪ّ .‬‬
‫فـي تطـور المنظمـات فقـد أبـدت عـن نفسـها كغيرهـا مـن ظواهـر القانـون الدولـي المعاصـر بعد‬
‫الحـرب العالميـة الثانيـة‪ ،‬التـي كشـفت عـن قصـور المرحلـة السـابقة‪ ،‬وكان لتجربـة التعـاون‬
‫المشـترك لصـد العـدوان الفاشـي أثـر كبيـر في اقناع كثير من الـدول باالرتباط بجماعة دولية‬
‫تهـدف إلقـرار األمـن والسـلم الدولييـن‪ ،‬فكانـت النتيجـة إنشـاء األمـم المتحـدة فـي مؤتمـر سـان‬
‫فرانسيسـكو عـام ‪1945‬م(((‪.‬‬

‫‪(4) Chamberlian International Organizations New York 1955, Moraveski V Fun-‬‬


‫‪cions of International Organization – Warsaw 1971 D. P. 41 ands.‬‬
‫((( مصطفى ‪1998‬م‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.10‬‬
‫((( مصطفى ‪1998‬م‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.10‬‬

‫‪206‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫املطلب الثاني‪ :‬مفهوم املوظف يف القانون الدولي العام‪:‬‬


‫ً‬
‫طبقـا الحتياجاتهـا‪ ،‬أو كفاءتـه‬ ‫يتـم تعييـن الموظـف الدولـي مـن قبـل المنظمـة الدوليـة‬‫ُّ‬
‫ً‬
‫طبقـا‬ ‫أمـا منـدوب الدولـة فيتـم تعيينـه مـن قبـل حكومتـه‪،‬‬ ‫بترشـيح مـن دولتـه‪ ،‬أو بدونـه‪ّ ،‬‬
‫لقوانينهـا الداخليـة‪.‬‬
‫لـذا فالموظـف الدولـي لـه مـن الحصانات ما يضمن اسـتقالله‪ ،‬وحسـن أدائـه في مواجهة كل‬
‫أمـا منـدوب الدولـة‬
‫الـدول األعضـاء‪ ،‬وغيـر األعضـاء‪ ،‬بمـا فيهـم دولتـه األصـل‪ ،‬ودولـة المقـر‪ّ ،‬‬
‫فحصانتـه تكـون نابعـة مـن دولتـه األصـل فـي مواجهـة الـدول األخرى‪.‬‬
‫أ ّو ًال ‪ -‬تعريف املوظف الدولي‪:‬‬
‫عرفـت اتفاقيـة سلامة موظفـي األمـم المتحـدة واألفـراد المرتبطيـن بهـا الموظـف الدولـي‬
‫أفـرادا في العنصر‬
‫ً‬ ‫بقولهـا أ ّنهـم‪" :‬جميـع األشـخاص الذين يسـتخدمهم األمين العام‪ ،‬سـواء كانوا‬
‫العسـكري‪ ،‬أو عنصـر الشـرطة‪ ،‬أو العنصـر المدنـي‪ ،‬والموظفـون‪ ،‬والخبـراء الموفـدون فـي بعثات‬
‫األمـم المتحـدة أو وكاالتها"(((‪.‬‬
‫وعرفته محكمة العدل الدولية من خالل رأيها االستشـاري المتعلق بقضية إصالح األضرار‬
‫فـي عـام ‪1949‬م بأ ّنـه‪" :‬كل موظـف بأجـر أو بـدون أجـر يعمـل بصفـة دائمـة أم ال‪ ،‬يعيـش‬
‫بواسـطة أحد أجهزة المنظمة لممارسـة أو المسـاعدة في ممارسـة أحد وظائف المنظمة‪ ،‬وهو‬
‫باختصار كل شـخص تتصرف المنظمة بواسـطته"‪.‬‬
‫أيضـا بأ ّنـه‪" :‬هـو الـذي يقـوم بوظيفـة دوليـة عامـة علـى سـبيل‬
‫عـرف الموظـف الدولـي ً‬ ‫و ُي ّ‬
‫االسـتمرار والتفـرغ‪ ،‬ويسـتهدف مـن وراء ذلـك صالـح المنتظـم (المنظمـة) وتحـت إشـرافه‪،‬‬
‫ويخضـع فـي هـذا الشـأن لنظـام قانونـي يضعـه المنتظـم"(((‪.‬‬
‫طبقا لشـروط منصوص عليها في‬ ‫ً‬ ‫أيضـا بأ ّنـه‪" :‬شـخص يعمـل لحسـاب منظمـة معينة‬ ‫وعـرف ً‬
‫عقـد يبرمـه مـع األخيـرة‪ ،‬وفي ميثاقيها‪ ،‬أو النظام األساسـي لموظفيها"(((‪.‬‬
‫وتوجـد الكثيـر مـن التعريفـات التـي تناولـت فكـرة الموظـف الدولي‪ ،‬ولكنهـا اجتمعت في ّ‬
‫أن‬
‫الموظـف الدولـي هـو ذلـك الشـخص الـذي ُتمـارس المنظمـة الدوليـة عملهـا مـن خاللـه‪ ،‬إذ ّ‬
‫أن‬ ‫ُ‬
‫المنظمـة الدوليـة تمثـل مجموعـة تابعيـن إلدارتهـا يعملـون علـى تنفيـذ إلدارتهـا يعملـون على‬
‫تنفيـذ قراراتهـا والسـعي فـي تحقيـق أهدافها‪.‬‬
‫ثان ًيا – شروط املوظف الدولي‪:‬‬
‫تتمثـل شـروط تعييـن الموظـف الدولـي فـي الفقـرة األولـى مـن المـادة (‪ )1‬مـن اتفاقيـة‬
‫سلامة موظفـي األمـم المتحـدة واألفـراد المرتبطيـن بهـا عـام ‪1995‬م‪ ،‬وهـي‪:‬‬
‫‪1.‬يجـب أن يـؤدي الموظـف الدولـي عملـه فـي خدمـة منظمـة دوليـة‪ ،‬أو ّ‬
‫أي فـرع مـن فروعهـا‪،‬‬
‫وليـس مـن الموظفيـن الدولييـن مـن يـؤدي عملـه لخدمـة دولتـه‪ ،‬أو ّ‬
‫أي مؤسسـة تابعـة لهـا‪،‬‬
‫إذ أ ّنـه ال يمكـن أن يطلـق عليهـا منظمـة دوليـة‪.‬‬
‫وال يمكـن أن نطلـق ُمسـمى الموظـف الدولـي علـى الممثـل الدائـم للـدول لـدى المنظمـة‬
‫الدوليـة‪ ،‬إذ أ ّنـه يقـوم بعملـه لحسـاب دولتـه‪ ،‬وليـس لحسـاب المنظمـة الدوليـة‪ ،‬والمصلحـة‬
‫الرئيسـية التـي يسـعى إليهـا هـي مصلحـة أن يهـدف عمـل الموظـف إلـى خدمـة المنظمـة‬
‫الدوليـة‪ ،‬وليـس الدولـة التـي يحمـل جنسـيتها‪ ،‬وال يعنـي ذلـك أ ّنـه يشـترط لعمـل الموظـف‬

‫((( المادة ‪ 1‬من اتفاقية سالمة موظفي األمم المتحدة ‪1994‬م‪.‬‬


‫((( الدقاق‪ ،‬حمد سعيد الدقاق‪ ،‬التنظيم الدولي‪ ،‬الدار الجامعية ‪ -‬اإلسكندرية‪ /‬مصر‪ ،‬ص‪.175‬‬
‫((( أبـو الوفـاء (‪1986‬م)‪ ،‬أحمـد أبـو الوفـا‪ ،‬الوسـيط في قانـون المنظمـات الدولية‪ ،‬الطبعـة الثانيـة‪ ،‬دار النهضة‬
‫العربيـة ‪ -‬القاهـرة‪ /‬مصر‪ ،‬ص‪.132‬‬

‫‪207‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫الدولـي لـدى المنظمـة الدوليـة أن يكـون عملـه داخـل المقـر الرئيسـي للمنظمـة‪ ،‬فقـد ُيمـارس‬
‫أي دولـة أخـرى‪ ،‬وقد يتمثـل عمله في‬ ‫وظيفتـه داخـل إقليـم دولـة معينـة‪ ،‬قـد تكـون دولتـه أو ّ‬
‫التنقـل بيـن الـدول‪.‬‬
‫خاضعـا إلشـراف ومتابعـة أجهـزة المنظمـة الدوليـة‬
‫ً‬ ‫‪2.‬يجـب أن يكـون عمـل الموظـف الدولـي‬
‫التـي يعمـل بهـا‪ ،‬وأن ينفـذ التعليمـات واألوامـر التـي تصـدر لـه مـن رؤسـائه المباشـرين‪،‬‬
‫وفقـا لمـا هـو منصـوص فـي الميثـاق المؤسـس للمنظمة‪ ،‬ومـا تبعه من قـرارات ولوائح‬ ‫وذلـك ً‬
‫منظمة ‪.‬‬
‫خاضعـا فـي عملـه للقوانيـن الخاصـة‬
‫ً‬ ‫يكـون‬ ‫مـن‬ ‫ـا‬ ‫دولي‬
‫ً‬ ‫ـا‬ ‫ً‬
‫وظف‬ ‫م‬
‫ُ‬ ‫يكـون‬ ‫ال‬ ‫القـول‬ ‫سـبق‬ ‫وكمـا‬
‫أي دولـة أخـرى يقـوم بعملـه باسـمها‪.‬‬ ‫بدولتـه التـي يحمـل جنسـيتها‪ ،‬أو ّ‬
‫‪3.‬يجـب أن يتفـرغ الموظـف الدولـي ألداء عملـه المرتبـط بالمنظمـة الدوليـة فقـط‪ّ ،‬‬
‫وأال‬
‫أي عمـل آخـر‪ ،‬سـواء أكان عمـل حـر‪ ،‬أو مرتبـط بتبعيتـه لدولتـه‪.‬‬ ‫يشـغله عـن ذلـك ّ‬
‫‪4.‬يجـب أن يتحـدد النظـام القانونـي للموظـف عـن طريـق قواعـد قانونيـة دوليـة منصـوص‬
‫عليهـا فـي الميثـاق المنشـئ للمنظمـة‪ ،‬أو عـن طريـق اتفاقيـات دولية مثـل اتفاقية موظفي‬
‫األمـم المتحـدة واألفـراد المرتبطيـن بهـا عـام ‪1995‬م‪.‬‬
‫‪5.‬يجـب أن يكـون والء الموظـف الدولـي للمنظمـة التـي يعمـل بهـا‪ ،‬وأن يكـون شـغله الشـاغل‬
‫تحقيـق األهـداف والمكاسـب التـي تسـعى إليهـا المنظمـة الدوليـة‪ ،‬وأن يسـعى مـن خلال‬
‫عملـه فـي المنظمـة الدوليـة إلـى تحقيـق المصلحـة الجماعيـة المشـتركة للمجتمـع الدولـي‪.‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬حصانات وامتيازات املوظف الدولي‪:‬‬
‫يتمتـع الموظـف الدولـي بالحصانـات واالمتيـازات القانونيـة نابعـة مـن كونـه تابـع للمنظمة‬
‫أن المصلحة الوظيفية التي تتطلب‬ ‫الدولية‪ ،‬والسـبب الرئيسـي في تمتعه بهذه الحصانات هو ّ‬
‫فـإن تمتعـه بالحصانـة والحمايـة القانونية الدولية يجعلـه يمارس عمله بكفاءة واقتدار‪،‬‬ ‫ذلـك‪ّ ،‬‬
‫ألي مؤثـر خارجـي قـد يمنعه من ممارسـة عملـه المنوط به‪.‬‬ ‫وحريـة واسـتقالل عـن الخضـوع ّ‬
‫كمـا تعـد الحصانـات واالمتيـازات بهـذه المثابـة مـن النتائـج المترتبـة علـى االعتـراف‬
‫للمنظمة الدولية بالشـخصية القانونية الدولية؛ أل ّنها تعبر عن اسـتقالل المنظمة وموظفيها‬
‫فـي مواجهـة الـدول األعضـاء(‪.((1‬‬
‫أ ّو ًال – مصادر حصانات وامتيازات املوظف الدولي‪:‬‬
‫تسـتند المنظمـات الدوليـة فـي منحهـا الحصانـات واالمتيـازات للموظفيـن إلـى عـدة مصـادر‬
‫هي ‪:‬‬
‫‪1.‬املواثي�ق اخلاص�ة باملنظم�ات الدولي�ة‪ :‬تعـد مواثيـق المنظمـات الدوليـة كالدسـتور بالنسـبة‬
‫للـدول‪ ،‬إذ علـى أساسـه يتـم اعتمـاد الحصانـات واالمتيازات الخاصـة بالموظفين‪ ،‬وقد نصت‬
‫أن‪" :‬يتمتـع المندوبـون من أعضاء‬‫المـادة (‪ )2/150‬مـن ميثـاق هيئـة األمـم المتحـدة علـى ّ‬
‫األمـم المتحـدة وموظفـو هـذه الهيئـة بالمزايـا واإلعفـاءات التـي يتطلبهـا اسـتقاللهم فـي‬
‫القيـام بمهـام وظائفهـم المتصلـة بالهيئـة"‪.‬‬
‫ومـن ذلـك مـا نصـت عليـه المـادة (‪ )22‬مـن اتفاقية مزايـا وحصانات جامعة الـدول العربية‬
‫بـأن‪" :‬المزايـا والحصانـات التـي تمنـح للموظفين هـي لصالح الجامعة"‪.‬‬‫ّ‬
‫‪2.‬االتفاقي�ات املوقع�ة بين املنظمة وال�دول‪ :‬تعـد االتفاقيـات الموقعة بيـن المنظمـات الدولية‬
‫وبيـن الـدول العامـة منهـا والثنائيـة مـن مصـادر الحصانـات واالمتيـازات التـي يتمتـع بهـا‬

‫(‪ ((1‬نـدا (‪1986‬مـم)‪ ،‬جمـال طـه اسـماعيل نـدا‪ ،‬الموظـف الدولي ‪ -‬دراسـة مقارنـة في القانـون الدولـي اإلداري‪،‬‬
‫الهيئـة المصريـة العامـة للكتـاب ‪ -‬القاهرة‪ /‬مصـر‪ ،‬ص ‪.160‬‬

‫‪208‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫الموظـف الدولـي‪ ،‬فعندمـا توقـع المنظمـة اتفاقيـة ثنائيـة أو عامـة مـع الـدول لكـي تحمي‬
‫أي ضغوطـات‪ ،‬وأن يشـعروا باألمـان‬ ‫موظفيهـا‪ ،‬وتسـمح لهـم بـأن ُيمارسـوا عملهـم بـدون ّ‬
‫والحمايـة‪.‬‬
‫ومـن هـذه االتفاقيـات اتفاقيـة ‪1946‬م الخاصـة بامتيـازات وحصانـات األمـم المتحـدة‪،‬‬
‫واتفاقيـة ‪1947‬م الخاصـة بامتيـازات وحصانـات المنظمـات المتخصصـة(‪.((1‬‬
‫‪3.‬االتفاقي�ات املوقع�ة م�ع دول املق�ر‪ :‬توقع المنظمـات الدولية بشـكل عـام اتفاقيات مـع الدول‬
‫التـي وقـع عليهـا االختيـار بـأن يكـون بداخلهـا مقـر المنظمـة‪ ،‬إذ ّ‬
‫أن هـذه االتفاقيـات تكفل‬
‫الحمايـة لمقـر المنظمـة وللموظفيـن العاملين وأسـرهم المرافقين لهـم والمتواجدين بصفة‬
‫دائمـة فـي مقـر المنظمـة‪ ،‬ومـن هـذه االتفاقيـات االتفاقيـة الموقعـة بيـن هيئـة األمـم‬
‫المتحـدة والواليـات المتحـدة األمريكيـة‪.‬‬
‫ثان ًيا – حصانات وامتيازات املنظمات الدولية‪:‬‬
‫أن الخضوع‬ ‫تتمثـل الحصانـات فـي عـدم خضوعهـا للتشـريعات الوطنيـة لـدول المقـر‪ ،‬ذلـك ّ‬
‫لتشـريعات دولـة المقـر قـد يـؤدي إلـى التأثيـر علـى أداء مهماتهـا كشـخصية قانونيـة دوليـة‬
‫ذات إرادة منفصلـة عـن إرادات الـدول األعضـاء‪ ،‬بغـض النظـر عـن وجهـة نظـر التشـريع الوطني‬
‫للدولـة فـي نشـاط المنظمـة مـن حيـث تعارضـه معهـا أو اتفاقـه‪.‬‬
‫حيـث جـاء فـي الفقـرة الثانيـة مـن القسـم السـابع فـي اتفاقيـة المقـر بيـن األمـم المتحدة‪،‬‬
‫إال إذا نص على عكس ذلك‬ ‫والخـاص بتطبيـق قوانيـن الواليـات المتحـدة داخـل مقـر المنظمـة‪ّ ،‬‬
‫فـي نفـس االتفاقيـة‪ ،‬أو االتفاقيـة العامـة‪ ،‬وهـذا لنـص أشـير بـه إلـى نصـوص القسـم الخـاص‬
‫الـذي يعطـي المنظمـة حـق إصـدار قانونهـا الداخلـي وتطبيقـه‪ ،‬حتـى وإن تعـارض مـع القانـون‬
‫المحلـي‪ ،‬مـع إيـراد بعـض القيـود علـى هـذه السـلطات الكبيـرة‪ ،‬ومنهـا‪:‬‬
‫‪ .‬أأن يكون القصد تمكين المنظمة من القيام بمسؤولياتها وتنفيذ أغراضها‪.‬‬
‫‪ .‬بخلق الظروف المواتية لحسن تنفيذ أعمال األمم المتحدة‪.‬‬
‫‪ .‬جأن يقتصر تطبيق هذه اللوائح على مقر المنظمة‪.‬‬
‫وتشـمل الحصانـات واالمتيـازات الجوانـب الماليـة‪ ،‬والجمركية‪ ،‬وحقـوق االنتقال‪ ،‬واالتصال‪،‬‬
‫وحرية النشـر‪ ،‬واالجتمـاع‪ ،‬وغيرها‪.‬‬
‫أن حصانات وامتيازات المنظمات الدولية تختلف عن الحصانات واالمتيازات‬ ‫الجدير بالذكر ّ‬
‫أن األسـاس القانونـي لحصانـات امتيـازات‬ ‫التـي تتمتـع بهـا الهيئـات الدبلوماسـية للـدول‪ ،‬حيـث ّ‬
‫أمـا حصانـات وامتيـازات المنظمات إ ّنما تنبنـي على االتفاق‪.‬‬ ‫بعثـات الـدول هـو القانـون العرفـي‪ّ ،‬‬
‫ّ‬
‫أن حصانـات امتيـازات الـدول تحمـل صفـة (الوظيفيـة)‪ ،‬أي أنهـا‬ ‫كمـا تجـدر اإلشـارة إلـى ّ‬
‫ً‬
‫وثيقـا بالوظيفـة المحـددة التي يحددها الميثاق للمنظمـة‪ ،‬والتي طبقا لذلك‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫ارتباطـا‬ ‫ترتبـط‬
‫تؤديهـا بعثاتهـا فـي الـدول المضيفة ‪.‬‬
‫(‪((1‬‬

‫ال من‬‫أيضـا إلـى اختلاف حجـم الحصانات واالمتيازات من منظمـة إلى أخرى؛ فمث ً‬ ‫كمـا نشـير ً‬
‫الطبيعـي أن تختلـف حصانـات وامتيـازات قضـاة محكمـة العـدل الدولية عن حصانـات وامتيازات‬
‫بقيـة القضـاة العامليـن في المحاكـم الدولية األخرى‪.‬‬
‫ثالثا – حصانات وامتيازات املوظف الدولي‪:‬‬
‫ً‬
‫تتحـدث المـادة (‪ )2/105‬مـن ميثـاق األمـم المتحـدة عـن تمتـع موظفـي الهيئـة العالميـة‬
‫"بالمزايـا واالعفـاءات التـي يتطلبهـا اسـتقاللهم فـي القيـام بمهـام وظائفهـم المتصلـة بهـا"‪.‬‬

‫(‪ ((1‬أبو الوفاء ‪2005‬م‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.328‬‬


‫(‪ ((1‬مصطفى ‪1998‬م‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.27‬‬

‫‪209‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫وتنـص المـادة (‪ )23‬مـن اتفاقيـة مزايـا وحصانات الجامعة العربيـة التي وافق عليها مجلس‬
‫أن‪" :‬المزايـا والحصانات التي تمنح للموظفين هي لصالح‬ ‫الجامعـة فـي ‪ 9‬أبريـل ‪1953‬م علـى ّ‬
‫الجامعة"‪.‬‬
‫ّ‬
‫وتضيـف المـادة أنـه‪ " :‬لألميـن العـام الحـق‪ ،‬بـل ويقتضيـه الواجـب رفـع الحصانـة عـن‬
‫موظفـي األمانـة} باسـتثناء األمنـاء المسـاعدين والموظفيـن الرئيسـيين الذيـن ال ترفـع عنهـم‬
‫أن الحصانة تحول‬ ‫إال بموافقـة مجلـس الجامعـة {‪ ،‬فـي كافـة األحـوال التي يرى فيهـا ّ‬ ‫الحصانـة ّ‬
‫ّ‬
‫دون أخـذ العدالـة مجراهـا‪ ،‬وأن رفعهـا ال يضـر بصالـح الجامعـة"‪.‬‬
‫وتتضمـن النصـوص بيـان هـذا الحصانـات واالمتيـازات التـي تشـبه مـا يتمتـع بـه المبعوثـون‬
‫أن عدم‬‫الدبلوماسـيون مـن مزايـا‪ ،‬وإن كانـت تختلـف عنهـا مـن حيـث جزاء عدم مراعاتهـا‪ ،‬ذلك ّ‬
‫مراعـاة حصانـات وامتيـازات الموظفيـن الدبلوماسـيين تـؤدي إلـى المعاملـة بالمثـل‪ ،‬فـي حين ال‬
‫يوجـد مثـل هـذا الجـزاء بالنسـبة لحصانـات وامتيـازات الموظـف الدولي(‪.((1‬‬
‫ومن أهم صور حصانات وامتيازات الموظف الدولي الحصانة القضائية الجنائية والمدنية‪،‬‬
‫وحريـة االقامـة‪ ،‬واالنتقال‪{،‬وبصفـة خاصـة عـن طريـق جـوازات مـرور}‪ ،‬وحريـة االتصـال‬
‫بالمنظمـة عـن طريـق اسـتخدام الشـفرة‪ ،‬والبريـد الدبلوماسـي‪ ،‬والحقيبـة الدبلوماسـية‪ ،‬إلـى‬
‫جانـب عـدد مـن التسـهيالت الماليـة واالعفـاءات الجمركيـة والضريبيـة(‪.((1‬‬
‫وال يتمتـع الموظفـون الدوليـون كافـة بـكل هـذه الحصانـات‪ ،‬وإ ّنمـا تقـوم التفرقـة بينهـم‪،‬‬
‫وفـي مـدى الحصانـات التـي يتمتعـون بهـا‪ ،‬علـى أسـاس مـدى المسـؤولية التـي تتحملهـا كل فئة‪،‬‬
‫ومقـدار مـا تحتاجـه كل منهـا مـن حصانـات وامتيـازات ألداء أعمالهـا‪.‬‬
‫وتطبيقـا للمعاهـدة الخاصـة بمزايـا وحصانـات األمـم المتحـدة ‪1946 /2 /13‬م‪ .‬وتلـك‬ ‫ً‬
‫المتعلقـة بمزايـا وحصانـات الـوكاالت المتخصصـة ‪1947 /11 /21‬م‪ .‬واللوائـح المختلفـة‬
‫المتعلقـة بهـذا الموضـوع‪ ،‬يتمتـع الموظفـون الدوليـون فـي الدرجـات القياديـة ‪du carde‬‬
‫أمـا الموظفـون المهنيـون‬‫‪ directorial‬بـكل مـا يتمتـع بـه المبعـوث الدبلوماسـي مـن مزايـا‪ّ ،‬‬
‫‪ du carde professionnel‬فيتمتعـون بجـزء مـن الحصانـات واالمتيـازات‪ ،‬وفـي الحـدود‬
‫أمـا صغـار الموظفيـن اإلدارييـن فلا يتمتعـون بهـذه الحصانات‬ ‫الالزمـة ألداء واجبـات الوظيفـة‪ّ ،‬‬
‫واالمتيـازات‪.‬‬
‫ومـن ناحيـة أخـرى فقـد يسـتثنى الموظفـون مـن رعايـا دولـة المقـر مـن التمتـع ببعـض‬
‫الحصانـات واالمتيـازات‪.‬‬
‫املبحث الثاني‪ :‬ضمانات الدعوى اإلدارية التأديبية للموظف الدولي‪:‬‬
‫مـن المبـادئ العامـة التـي تحكـم الوظيفـة العامـة داخليـة كانت أم دولية‪ ،‬مبـدأ تقرير حق‬
‫الموظـف فـي الحمايـة مـن تعسـف اإلدارة العامـة‪ ،‬فـي صـورة ضمانـات تكفـل لـه حـق منازعـة‬
‫قراراتهـا التأديبيـة‪ ،‬التـي يـرى فيهـا مسـاس بحقوقـه األساسـية‪ ،‬المثبتـة بموجـب اللوائـح‬
‫األساسـية التـي تحكـم مركـزه القانونـي‪.‬‬
‫كمـا تتعـدد أوجـه هـذه الحمايـة بـدئ بالحمايـة اإلداريـة الداخليـة التـي تأخـذ شـكل‬
‫الضمانـات اإلداريـة السـابقة عـن صـدور القـرار التأديبـي‪ ،‬أو الالحقـة لـه‪ ،‬والتـي تتيـح له طلب‬
‫مراجعة قرارات اإلدارة التعسـفية التي تنطوي على إسـاءة اسـتعمال السـلطة‪ ،‬أو االنحراف بها‪،‬‬
‫ً‬
‫فضلا عـن الحمايـة القضائيـة‪.‬‬
‫مالزمـا‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ارتباطـا‬ ‫أن نظـام الحمايـة مرتبـط‬‫ففـي نطـاق الوظيفـة العامـة الدوليـة نجـد ّ‬

‫(‪ ((1‬مصطفى ‪1998‬م‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.159‬‬


‫(‪ ((1‬الغنيمـي (‪1972‬م)‪ ،‬محمـد طلعـت الغنيمـي‪ ،‬األحـكام العامـة في قانـون األمـم‪ -‬التنظيم الدولـي‪ ،‬ب‪ .‬د‪ .‬ن‪،‬‬
‫ص ‪.358‬‬

‫‪210‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫بالوظيفـة أكثـر مـن ارتباطـه بشـخص الموظـف‪ ،‬إذ يسـتهدف توفيـر الضمانـات الالزمـة ليمارس‬
‫وظيفيا‪ ،‬لتجعلهـم في منأى عن‬
‫ً‬ ‫مسـتخدمي المنظمـة الدوليـة مهامهـم فـي بيئـة آمنة ومسـتقرة‬
‫ّ‬
‫أي مـزاج سياسـي‪ ،‬أو أيديولوجـي‪.‬‬
‫املطلب األوّل‪ :‬الضمانات اإلدارية للموظف الدولي‪:‬‬
‫أ ّو ًال – الضمانات اإلدارية السابقة لصدور القرار التأدييب‪:‬‬
‫من الضمانات األساسـية السـابقة لصدور القرار التأديبي الواجب مراعاتها ضمن اإلجراءات‬
‫التأديبيـة‪ ،‬ضـرورة إحالـة ملـف الدعـوى التأديبيـة علـى لجنـة مسـتقلة‪ ،‬يتقاسـم عضويتهـا‬
‫ممثليـن عـن اإلرادة وممثليـن عـن الموظفيـن‪ ،‬إلبداء الرأي بشـأنها‪ ،‬على شـرط احترام إجراءات‬
‫التبليـغ واآلجـال المحـددة لهـا(‪ ،((1‬مـع احتفـاظ الموظـف بحقـه فـي الطعن القضائـي متى ظهر‬
‫لـه ّ‬
‫أن القـرار التأديبـي الصـادر ضـده قـد أخـل بهـذه الضمانات‪.‬‬
‫كمـا تقضـي طبيعـة بعـض القـرارات الماسـة بالمركـز القانونـي للموظـف‪ ،‬كالتنزيـل فـي‬
‫الرتبـة‪ ،‬أو تحويـل إلـى منصـب آخـر‪ ،‬لقصور فـي األداء الوظيفي‪ ،‬أو الفصل النهائي من وظيفة‪،‬‬
‫بـأن تراعـي فـي هـذه األحـوال القواعـد اإلجرائيـة المحـددة بموجـب الئحة شـؤون الموظفين‪.‬‬
‫ومـن بيـن القواعـد اإلجرائيـة الواجـب مراعاتهـا أثنـاء سـير الدعـوى اإلداريـة التأديبيـة؛‬
‫ضـرورة عـرض المسـألة علـى لجنـة تأديـب‪ ،‬ووجـوب إخطـار الموظـف باألسـباب التـي اسـتندت‬
‫إليهـا اإلدارة فـي توقيـع الجـزاء‪ ،‬وإجـراء التحقيـق اللازم‪ ،‬وتمكيـن الموظـف مـن الدفـاع عـن‬
‫ال عن‬‫نفسـه‪ ،‬وضرورة أن تدرس هيئة التأديب كل المسـتندات والوثائق المتعلق بالقضية‪ ،‬فض ً‬
‫تبليـغ الموظـف بالقـرار التأديبـي(‪.((1‬‬
‫ثان ًيا – الضمانات اإلدارية الالحقة لصدور القرار التأدييب‪:‬‬
‫إلـى جانـب أهليتـه فـي ُمباشـرة دعـاوى الطعـن القضائـي ضـد القـرارات التأديبيـة الصـادرة‬
‫عـن إدارة المنظمـة الدوليـة للموظـف الدولـي‪ً ،‬‬
‫أيضـا الحـق فـي رفـع تظلماتـه الوالئيـة‪ ،‬أقرتـه‬
‫كافـة لوائـح شـؤون الموظفيـن الدولييـن‪ .‬بـل قـد يعـد التظلـم المسـبق إجـراء جوهـري يترتـب‬
‫عنـه قبـول الطعـن القضائـي مـن عدمـه‪.‬‬
‫فـإذا تعـرض الموظـف الدولـي إلجـراء إداري أخـل بمركـزه القانونـي‪ ،‬فالوضـع الطبيعـي‬
‫يقتضـي وجـود جهـة إداريـة توفـر لـه الحمايـة الكافيـة مـن التصرفـات التي تنطوي على إسـاءة‬
‫إدارة المنظمـة الدوليـة اسـتعمال سـلطتها(‪.((1‬‬
‫إن إقـرار لوائـح المنظمـة الدوليـة الحـق فـي التظلـم أمـام سـلطة إداريـة أعلـى علـى غـرار‬ ‫ّ‬
‫شـيوعا فـي نطـاق‬
‫ً‬ ‫األكثـر‬ ‫األسـلوب‬ ‫يـزال‬ ‫وال‬ ‫كمـا‬ ‫الداخليـة‪،‬‬ ‫القانونيـة‬ ‫النظـم‬ ‫فـي‬ ‫قـرر‬ ‫م‬
‫ُ‬ ‫هـو‬ ‫مـا‬
‫سـائدا خلال عصبـة األمـم‪ ،‬حيـث أتاحـت‬ ‫ً‬ ‫الوظيفـة العامـة الدوليـة‪ ،‬علـى النحـو الـذي كان‬
‫جمعيتهـا العامـة للموظفيـن إمكانيـة الطعـن علـى القـرارات اإلداريـة أمـام مجلـس العصبـة‪.‬‬
‫كمـا أكـدت فيمـا بعـد علـى ذات األسـلوب الالئحـة الداخلية لشـؤون موظفي األمـم المتحدة‬
‫(‪ 111.2‬مـن الالئحـة الداخليـة لموظفـي األمـم المتحـدة)‪ ،‬مثلهـا مثـل الئحـة شـؤون موظفـي‬
‫منظمـة العمـل الدوليـة التـي أقـرت حـق موظفـي مكتـب العمـل الدولـي فـي رفـع التظلـم إلـى‬

‫(‪ ((1‬صفوت (‪2009‬م)‪ ،‬محمد أحمد صفوت‪ ،‬النظام التأديبي للموظفين الدوليين‪ ،‬ط‪ ،1‬ب‪ .‬د‪ .‬ن‪ ،‬ص ‪.204‬‬
‫(‪ ((1‬ندا ‪1986‬م‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.293‬‬
‫‪(17) Le droit des fonctionnaires internationaux a utilizer tous les moyens de re-‬‬
‫‪cours internes et juridictionnels qui leur sont reconnus, sans qu,ils ne subissent‬‬
‫‪de consequences defavorables pour leur carriere, constitue une garantie essen-‬‬
‫‪tielle a laquelle le tribunal accorde la plus grande attention. Jugement n 2139 du‬‬
‫‪15.07.2002, AIEA, TAOIT.‬‬

‫‪211‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫المديـر العام‪.‬‬
‫أمـا علـى المسـتوى اإلقليمـي فقـد أتاحـت الئحـة موظفـي مجلـس أوروبـا إمكانيـة ُمباشـرة‬ ‫ّ‬
‫التظلـم أمـام األميـن العـام ضـد القـرارات الفرديـة أو التنظيميـة‪ ،‬علـى شـرط تحقـق المصلحـة‬
‫الحالـة والمباشـرة‪ ،‬ونفـس القاعـدة اعتمـدت بنـص الئحـة موظفـي األمانـة العامـة لجامعـة‬
‫الـدول العربيـة‪.‬‬
‫كما ال يقتصر أسـلوب الطعن على التظلم اإلداري أمام سـلطة التأديب وحدها‪ ،‬بل أوجدت‬
‫العديـد مـن المنظمـات الدوليـة هيئـات إداريـة يمكـن للموظـف اللجـوء إليهـا لرفـع تظلمـه ضـد‬
‫قـرار مـس بمركـزه القانونـي‪ .‬وتأخـذ هـذه الهيئـات شـكل لجـان مختلطـة تتكـون مـن ممثليـن‬
‫عـن اإلدارة وآخريـن منتخبيـن عـن الموظفيـن‪ ،‬يسـند إليهـا صالحيـة إبـداء الـرأي حـول القـرار‬
‫التأديبـي المطعـون فيـه‪.‬‬
‫تأكيـدا لمبـدأ الحمايـة الداخليـة للموظـف الدولـي ضـرورة رعايـة‬‫ً‬ ‫ومـن الضمانـات األكثـر‬
‫بنـاء علـى طلـب مـن‬
‫ً‬ ‫أمنـه الوظيفـي‪ ،‬وإمكانيـة إعـادة النظـر فـي إجـراءات الدعـوى التأديبيـة‬
‫أن هنـاك أدلـة أو وقائـع يمكـن أن‬ ‫الموظـف‪ ،‬أو مـن قبـل الرئيـس اإلداري األعلـى‪ ،‬متـى تبيـن ّ‬
‫يسـتند عليهـا لتفعيـل إجـراءات إعـادة النظـر فـي القـرار التأديبي‪ ،‬سـواء لتعديله أو سـحبه(‪.((1‬‬
‫وبالرجـوع إلـى بعـض اللوائـح األساسـية لشـؤون الموظفيـن الدولييـن‪ ،‬يمكـن رصـد بعـض‬
‫القواعـد اإلجرائيـة المشـتركة ذات الصلـة بنظـم التأديـب اإلداري المعتمـدة مـن قبـل العديـد‬
‫مـن المنظمـات الدوليـة‪ ،‬منهـا‪:‬‬
‫‪1.‬أن تشكيل هيئات الطعن واالستئناف ذات الطبيعة المختلطة يتم بمعرفة الرئيس اإلداري‬
‫األعلـى‪ ،‬الـذي يعيـن ممثليـن عـن اإلدارة‪ ،‬في حين يتم انتخاب ممثلين عن الموظفين‪.‬‬
‫إال مـن قبـل اللجنـة المشـكلة مـن أعضـاء ممـن هـم فـي درجـة‬ ‫‪2.‬أن فحـص الطعـون ال يتـم ّ‬
‫الموظـف المحـال علـى لجنـة التأديـب أو فـي درجـة أعلـى منـه‪.‬‬
‫‪3.‬أن اللجـوء إلـى هـذه الهيئـات يعـد إجـراء جوهـري يتوقـف عليـه قبـول الدعـوى القضائيـة‬
‫بنـاء على اتفاق‬
‫ً‬ ‫مـن عدمـه‪ .‬حيـث أتاحـت بعض النظم األساسـية مجال التسـوية القضائية‬
‫مسـبق بيـن المنظمـة والموظـف‪ ،‬دون عـرض المسـألة علـى اللجنة اإلداريـة للطعون‪.‬‬
‫‪4.‬جواز االتفاق بين إدارة المنظمة والموظف على نشـر النزاع ُمباشـرة أمام القضاء‪ ،‬بتخطي‬
‫أن عـدم النـص علـى الحق في الطعن اإلداري ال يفسـر‬ ‫إجـراء الطعـن اإلداري المسـبق‪ ،‬علـى ّ‬
‫علـى أ ّنـه إسـقاط لحق اللجـوء إلى القضاء‪.‬‬
‫‪5.‬أن تتسـم إجـراءات النظـر فـي الطعـون بالطابـع الحضـوري والعالنيـة والمواجهـة‪ ،‬مـع وجوب‬
‫مراعـاة المواعيـد واآلجـال الخاصـة بالطعن‪.‬‬
‫‪6.‬ضـرورة مراعـاة هيئـة الطعـن لنظامهـا اإلجرائـي‪ ،‬بمـا فـي ذلـك تبليـغ أراءهـا فـي اآلجـال‬
‫المحـددة قانو ًنـا‪.‬‬
‫املطلب الثاني‪ :‬الضمانات القضائية للموظف الدولي‪:‬‬
‫اهتمامـا أكبـر عندمـا عزفـت المحاكـم الوطنيـة عـن‬
‫ً‬ ‫أخـذت فكـرة الضمانـات القضائيـة‬
‫النظـر فـي المنازعـات التـي تثـور بيـن المنظمـة وموظفيهـا‪ ،‬وذلـك بسـبب الحصانـة القضائيـة‬
‫للمنظمـة الدوليـة ذاتهـا فـي مواجهـة القضـاء الوطنـي لدولـة المقـر‪ ،‬وهذا األمر الـذي أدى إلى‬
‫مواجهتـه مـن خلال اسـتحداث مـا يسـمى بالمحاكـم اإلداريـة الدوليـة للمنظمـات الدوليـة‪.‬‬

‫(‪ ((1‬مختــار (‪2017‬م)‪ ،‬إبراهيــم براهمــي مختــار‪ ،‬مســؤولية الموظــف الدولــي وتطبيقاتهــا فــي قضــاء المحاكــم‬
‫اإلداريــة الدوليــة‪ ،‬رســالة دكتــوراه‪ ،‬كليــة الحقــوق والعلــوم السياســية ‪ -‬جامعــة أبوبكــر بلقايــد‪ ،‬ص ‪.130‬‬

‫‪212‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫أ ّو ًال – نطاق احلماية القضائية للموظف الدولي ومظاهرها‪:‬‬


‫إن الحمايـة القضائيـة ضمانـة ال غنـى عنهـا فـي مواجهـة تعسـف اإلدارة فـي مجـال‬ ‫ّ‬
‫الخدمـة المدنيـة الدوليـة‪ ،‬فهـي الملاذ األخيـر بالنسـبة للموظـف الدولـي عندمـا يسـتنفذ‬
‫كافـة الضمانـات األخـرى فـي تحقيـق مـا يصبـو إليـه مـن إلغـاء قـرارات اإلدارة لمخالفتـه لمبـدأ‬
‫المشـروعية‪.‬‬
‫إن تحديـد نطـاق الحمايـة القضائيـة للموظـف‬ ‫‪ .1‬نط�اق احلماي�ة القضائي�ة للموظ�ف الدول�ي‪ّ :‬‬
‫الدولـي تكمـن أهميتـه فـي تحديـد األشـخاص العاملين في المنظمة المشـمولين بهذه الحماية‪،‬‬
‫باإلضافـة إلـى تحديـد طبيعـة النزاعـات التـي يمكـن أن تكـون محـل النظـر مـن طـرف القضـاء‬
‫اإلداري الدولـي‪.‬‬
‫أ‪ .‬النط�اق الش�خصي‪ :‬يتحـدد النطـاق الشـخصي للحمايـة القضائيـة فـي ظـل النظـام القانونـي‬
‫اإلداري الدولـي علـى مسـتويين‪ ،‬يرتبـط األوّل بتحديـد طائفـة األشـخاص العامليـن لـدى‬
‫المنظمـة الذيـن يخضعـون الختصـاص الجهـاز القضائـي اإلداري الدولـي‪ ،‬والمسـتوى الثانـي يتم‬
‫مـن خلال تحديـد المنظمـات التـي يمتـد إليهـا اختصـاص المحكمـة(‪.((1‬‬
‫إن حـق اللجـوء إلى المحاكـم الدوليـة هو حق‬ ‫‪ -1‬األف�راد الذي�ن حي�ق هل�م اللج�وء إىل احملكمة‪ّ :‬‬
‫ّ‬
‫حصـري لموظفـي المنظمـة‪ ،‬حتـى ولـو انتهـت عالقتهـم الوظيفيـة بالمنظمـة‪ ،‬كمـا أن هـذا‬
‫أيضـا‪ ،‬والمحكمـة تحـدد مـن هـم ورثة الموظف الذين يسـتحقون معاشـه‪،‬‬ ‫الحـق يثبـت لورثتهـم ً‬
‫وتسـتعين المحكمـة فـي تحديـد المسـتحقين بقواعـد القانـون الدولـي الخـاص ‪.‬‬
‫(‪((2‬‬

‫‪ -2‬امت�داد اختص�اص احملاك�م اإلداري�ة الدولية ليش�مل موظفي منظم�ات دولية أخ�رى‪ّ :‬‬
‫إن الجهاز‬
‫القضائـي اإلداري الدولـي يتولـى عـادة النظـر فـي المنازعـات التـي تكـون المنظمـة الدوليـة‬
‫طرفـا فيهـا‪ ،‬ومـع ذلـك ليـس هنـاك مـا يمنـع مـن امتـداد اختصـاص هـذا الجهـاز‬ ‫ً‬ ‫المنشـئة لـه‬
‫إال بموافقـة المنظمـة التـي‬‫صحيحـا ّ‬
‫ً‬ ‫االمتـداد‬ ‫هـذا‬ ‫يقـع‬ ‫وال‬ ‫أخـرى‪.‬‬ ‫دوليـة‬ ‫منظمـات‬ ‫ليشـمل‬
‫ً‬
‫طبقـا‬ ‫ترغـب فـي قبـول اختصـاص الجهـاز القضائـي‪ ،‬وكذلـك المنظمـة التـي أنشـأته‪ ،‬وذلـك‬
‫إلجـراءات محـددة يتكفـل بوضعهـا النظـام األساسـي للجهـاز(‪.((2‬‬
‫إن الحديـث عـن النطـاق الموضوعـي للحمايـة القضائيـة للموظـف الدولي‬ ‫أ‪ .‬النط�اق املوضوع�ي‪ّ :‬‬
‫يقـود التطـرق إلـى االختصـاص الموضوعـي للمحاكـم اإلداريـة الدولية‪.‬‬
‫إن النطـاق الموضوعـي للحمايـة القضائيـة‬ ‫‪ -1‬ح�دود النط�اق املوضوع�ي للحماي�ة القضائي�ة‪ّ :‬‬
‫للموظـف الدولـي يتحـدد بالنظـر إلـى مـدى اختصـاص المحاكـم اإلداريـة الدوليـة للتصـدي‬
‫وتبعـا لذلـك ّ‬
‫فـإن‬ ‫ً‬ ‫للنزاعـات الناجمـة عـن انتهـاك عقـود تشـغيل الموظفيـن‪ ،‬أو شـروط عملهـم‪،‬‬
‫اختصـاص هـذه المحاكـم ينعقـد فـي حالـة وجـود مخالفة لقواعـد قانونية‪ ،‬أو انتهـاك اللتزام‬
‫قانونـي‪ ،‬سـواء ورد ذلـك فـي نـص تعاقـدي‪ ،‬أو نظامـي‪ ،‬أو الئحـي‪ ،‬ويبـدو حتم ًيـا قبـل أن تقضي‬
‫الجهـة القضائيـة بإختصاصهـا فـي نظـر الدعـوى أن تتأكـد من وجود العقـد إذا كان محل الطعن‬
‫انتهـاك أحـد الشـروط العقديـة‪ ،‬أو التعـرف علـى مصـدر القاعـدة القانونيـة ومضمونهـا‪ ،‬إذا كان‬
‫محـل الطعـن عـدم مراعـاة أحـد القواعـد القانونيـة التـي تحكـم الوظيفـة الدوليـة التي تشـكل‬
‫فـي النهايـة اإلطـار العـام لمـا يسـمى (بأوضـاع وشـروط التشـغيل)(‪.((2‬‬
‫‪ -2‬اجت�اه احملاك�م اإلداري�ة الدولية حنو توس�يع نط�اق احلماي�ة املوضوعية حلقوق املوظ�ف الدولي‪:‬‬
‫(‪ ((1‬أبـو بطيـخ (‪2007‬م)‪ ،‬غسـان شـاكر محسـن أبـو بطيخ‪ ،‬تعويـض الموظف الدولي عـن الضرر الناشـئ عن خطأ‬
‫المنظمـة الدولية‪ ،‬منشـورات الحلبي الحقوقيـة ‪ -‬لبنان‪ ،‬ص‪.38‬‬
‫‪(20) Basdevant Suzanne, Les Fonctionnaires Internationaux, Sirey, Paris, 1931,‬‬
‫‪p 451.‬‬
‫(‪ ((2‬زناتي (‪1995‬م)‪ ،‬عصام زناتي‪ ،‬القضاء الدولي اإلداري‪ ،‬دار النهضة العربية – القاهرة‪ /‬مصر‪ ،‬ص ‪.28‬‬
‫(‪ ((2‬ابو بطيخ ‪2007‬م‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪134‬‬

‫‪213‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫اتجهـت المحاكـم اإلداريـة الدوليـة فـي كثيـر مـن أحكامها إلى األخذ بالتفسـير الواسـع لنصوص‬
‫مواثيـق المنظمـات الدوليـة‪ ،‬وأنظمتهـا الداخليـة‪ ،‬ولوائحها الوظيفية‪ ،‬وهو ما جعل اختصاصها‬
‫يمتـد ويتسـع لنظـر غالبيـة المنازعـات التي تثـور بين الجهاز الدولي والموظفيـن الدوليين(‪.((2‬‬
‫وتسـتند المحاكـم اإلداريـة الدوليـة لتوسـيع اختصاصهـا إلـى األخـذ بنظريـة السـلطات‬
‫كبيـرا فـي تطويـر المنظمـة الدوليـة‬
‫ً‬ ‫واالختصاصـات الضمنيـة‪ ،‬وقـد لعبـت هـذه األخيـرة دو ًرا‬
‫حسـما للمنازعـات‬
‫ً‬ ‫ومحاكمهـا(‪ .((2‬وقـد انتهجـت المحاكـم فـي كثيـر مـن أقضيتهـا سـبيل التفسـير‬
‫المطروحـة أمامهـا‪ُ ،‬ملتزمـة بمنطقيـة التفسـير‪ ،‬وأن يمتـد التفسـير لفهـم روح النـص إلظهـاره‪،‬‬
‫إضافـة إلـى أ ّنـه يجـب أن يكـون التفسـير فـي ضـوء كافـة النصـوص‪ ،‬وال يتـم تفسـير النـص فـي‬
‫عزلـة عـن باقـي النصـوص األخـرى(‪.((2‬‬
‫‪ .2‬مظاه�ر احلماي�ة القضائية للموظف الدولي‪ :‬تتجلى ثمرة الحماية القضائية للموظف الدولي‬
‫مـن خلال منـح القاضـي اإلداري سـلطات لحمايـة الموظـف‪ ،‬عـن طريـق بسـط رقابتـه علـى‬
‫القـرارات الفرديـة الصـادرة عـن إدارة المنظمـة الدولية والمخالفة للمشـروعية‪ ،‬سـواء باإللغاء‪،‬‬
‫أو باإلعـادة إلـى ذات اإلدارة لتصحيـح اإلجـراءات‪ ،‬أو بالتعويـض إذا اقتضـى األمـر ذلـك‪.‬‬
‫أ‪ .‬إلغاء قرارات اإلدارة املخالفة للمش�روعية‪ :‬القضاء باإللغاء هو القضاء الذي يقف فيه القاضي‬
‫علـى مـدى توافـر أركان القـرار اإلداري المطعـون فيـه مـن عدمـه‪ ،‬وقـد عمـد القضـاء اإلداري‬
‫الدولي إلى إلغاء القرارات اإلدارية الدولية التي تصدرها اإلدارات بالمخالفة للنظام األساسـي‬
‫للمنظمـة‪ ،‬أو لوائـح الموظفيـن فيهـا‪ ،‬ويشـترط لقبـول دعـوى اإللغـاء أمـام القضـاء اإلداري‬
‫الدولـي أن تكـون موجهـة ضـد قـرار إداري(‪ .((2‬ولمزيـد مـن التفاصيـل نتطـرق إلـى العيـوب التـي‬
‫تطـرأ علـى القـرار اإلداري الصـادر عـن إدارة المنظمـة الدوليـة‪ ،‬والتـي يسـتند عليهـا القاضـي‬
‫المعيـب والغيـر المشـروع‪.‬‬
‫للحكـم بإلغـاء القـرار ُ‬
‫‪ -1‬عي�ب الش�كل واإلج�راءات‪ :‬عيـب الشـكل واإلجـراءات هـو عبـارة عـن عـدم التـزام الجهـة‬
‫اإلداريـة بالمنظمـة الدوليـة عنـد إصدارهـا للقـرار اإلداري بالقواعـد الشـكلية واإلجرائيـة‬
‫الضروريـة التـي تتطلبهـا اللوائـح عنـد إصـدار القـرارات(‪ ،((2‬فشـكل القـرار فـي ذاتـه هـو الصـورة‬
‫الخارجيـة التـي يفـرغ فيهـا القـرار‪ ،‬بحيـث يجـب أن ُيصاغ القرار اإلداري في الشـكل الذي يقرره‬
‫قانـون المنظمـة‪ ،‬وفـي حالـة عـدم النـص علـى ذلـك صراحـة‪ ،‬يجـب أن يصـدر القـرار اإلداري‬
‫مسـتلهما قواعـد القانـون الدولـي‪ .‬ورقابـة المحاكـم اإلداريـة لهـذا العيـب ال تقتصـر فحسـب‬ ‫ً‬
‫أيضـا إلـى كل مـا يتعلـق بمراحـل إصـداره(‪ ،((2‬حيـث ّ‬
‫أن‬ ‫علـى الشـكل النهائـي للقـرار‪ ،‬بـل وتمتـد ً‬
‫اإلجـراءات الشـكلية التـي تفرضهـا النصوص علـى اإلدارة من الضمانات الهامة للموظف الدولي‪،‬‬
‫أن عـدم ُمراعـاة اإلجـراءات المنصـوص عليهـا يـؤدي إلـى البطلان للقـرار اإلداري‪.‬‬ ‫واألصـل ّ‬
‫‪ -2‬عي�ب الس�بب‪ :‬السـبب فـي القـرار اإلداري؛ هـو مجموعـة العناصـر الواقعيـة أو القانونية التي‬
‫تبـرر وتسـمح لرجـل اإلدارة اتخـاذ القـرار‪ ،‬فالسـبب عنصـر خارجـي عـن القـرار اإلداري وسـابق‬
‫عليـه‪ ،‬ويطلـق عليـه الباعـث المهـم‪ ،‬أي أسـاس ذلـك القـرار وسـبب وجـوده(‪.((2‬‬
‫(‪ ((2‬الـذاري (‪2012‬م)‪ ،‬محمـد عبدالرحمـن إسـماعيل علي الذاري‪ ،‬الحمايـة القضائية للموظـف الدولي‪ ،‬المنظمة‬
‫العربيـة للتنمية اإلداريـة ‪ -‬مصر‪ ،‬ص‪.401‬‬
‫(‪ ((2‬السـريري (‪2013‬م)‪ ،‬فتـح اهلل محمد حسـين السـريري‪ ،‬المركـز القانوني للموظف الدولـي‪ ،‬دار الفكر الجامعي‬
‫‪ -‬اإلسـكندرية‪ /‬مصر‪ ،‬ص ‪.150‬‬
‫(‪ ((2‬فــوزي (‪1991‬م)‪ ،‬صــاح الديــن فــوزي‪ ،‬النظــام القانونــي للوظيفــة الدوليــة (دراســة مقارنــة)‪ ،‬دار النهضــة‬
‫العربيــة ‪ -‬القاهــرة‪ /‬مصــر‪ ،‬ص‪.171‬‬
‫(‪ ((2‬العربـي (‪2002‬م)‪ ،‬السـيد عبدالحميـد محمـد العربي‪ ،‬ممارسـة الموظف للحريـات العامة فـي القانون اإلداري‬
‫والقانـون الدولي‪ ،‬رسـالة دكتـوراه‪ ،‬جامعة أسـيوط ‪ -‬مصر‪ ،‬ص‪.758‬‬
‫(‪ ((2‬فوزي ‪1991‬م‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.429‬‬
‫(‪ ((2‬الذاري ‪2012‬م‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.374‬‬
‫(‪ ((2‬البرنجيـن (‪1981‬م)‪ ،‬عبدالوهـاب البرنجيـن‪ ،‬السـلطة التقديرية والرقابـة القضائية على أعمال اإلدارة‪ ،‬رسـالة‬

‫‪214‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫وقـد عرفـت المحكمـة اإلداريـة لجامعـة الـدول العربيـة السـبب‪ ،‬وبينت أهم شـروط تحققه‬
‫بقولهـا‪( :‬حالـة واقعيـة أو قانونيـة تحمـل اإلدارة علـى التدخـل بقصـد إحـداث أثـر قانونـي‬
‫هـو محـل القـرار ابتغـاء وجـه المصلحـة العامـة الـذي هـو غايـة القـرار اإلداري‪ ،‬وهـذه الحالـة‬
‫الواقعيـة أو القانونيـة التـي اسـتدعت تدخـل اإلدارة يجـب أن تكـون محققـه الوجـود وقائمـة‬
‫أساسـا صادقـة ولهـا‬
‫ً‬ ‫وقـت إصـدار القـرار‪ ،‬بحيـث تصـدر تلـك القـرارات قائمـة عليهـا باعتبارهـا‬
‫معيبـا بعيـب السـبب)(‪ .((3‬وأوضحـت المحكمـة اإلداريـة‬ ‫ً‬ ‫قـوام فـي الواقـع‪ّ ،‬‬
‫وإال اعتبـر القـرار‬
‫(أن هـذه الرقابـة تجـد حدهـا‬ ‫لجامعـة الـدول العربيـة حـدود رقابتهـا لركـن السـبب بقولهـا‪ّ :‬‬
‫عنـد التحقـق مـن وجـود هـذه األسـباب‪ ،‬ومـا إذا كانت ُمطابقة للقانون وتـؤدي إلى النتيجة التي‬
‫انتهـت إليهـا)(‪.((3‬‬
‫وخصوصا‬
‫ً‬ ‫أن المحاكـم اإلداريـة الدوليـة تلـزم المنظمات الدولية تسـبيب قراراتها‪،‬‬ ‫واألصـل ّ‬
‫مـا يتعلـق منهـا بالقـرارات التـي تؤثـر فـي المركـز القانونـي للموظـف الدولـي‪ ،‬أو فـي حقوقـه‬
‫المنصـوص عليهـا فـي عقـد التوظيف واألنظمة األساسـية أو اإلداريـة للموظفين الدوليين(‪.((3‬‬
‫‪ -3‬عي�ب االختص�اص‪ :‬عيـب االختصـاص هـو أن تصـدر سـلطة إداريـة قـرا ًرا دون أن تكـون لهـا‬
‫ً‬
‫خالفـا لمـا يقـرره‬ ‫صفـة اتخـاذه قانو ًنـا‪ ،‬ومـن ثـم يكـون عـدم االختصـاص هـو صـدور القـرار‬
‫القانـون مـن قواعـد االختصـاص‪ ،‬أو هـو عـدم اتخـاذ قـرار بواسـطة السـلطة التـي لهـا صفة في‬
‫اتخـاذه(‪.((3‬‬
‫‪ -4‬عي�ب االحن�راف يف اس�تعمال الس�لطة‪ :‬عيـب االنحـراف بالسـلطة هـو العيـب الـذي يتعلـق‬
‫بالغايـة والهـدف مـن القـرار اإلداري‪ ،‬ويتضـح هـذا العيـب عندما يسـتخدم مصدر القرار سـلطته‬
‫لتحقيـق غـرض مغايـر للغـرض األساسـي الـذي يجـب أن يسـتهدفه القرار‪ .‬وقد عرفتـه المحكمة‬
‫اإلداريـة لمنظمـة العمـل الدوليـة بأ ّنـه‪( :‬عيـب يشـوب الغايـة بـأن تكون اإلدارة أصـدرت قرارها‬
‫بدافـع ال يمـت للمصلحـة العامـة)(‪.((3‬‬
‫‪ -5‬عي�ب احمل�ل (عي�ب خمالف�ة القان�ون)‪ :‬محـل القـرار اإلداري هـو موضوعـه أو األثـر القانونـي‬
‫المترتـب عليـه‪ ،‬ويقصـد بعيـب المحـل أن ُيخالـف محـل القـرار اإلداري إحـدى القواعـد‬ ‫المباشـر ُ‬‫ُ‬
‫القانونيـة‪ ،‬وتسـتوى فـي ذلـك القواعـد المدونـة أو غيـر المدونـة المسـتمدة مـن العـرف أو‬
‫أي عيب‬ ‫القضـاء‪ ،‬ويطلـق علـى عيـب المحـل عيـب مخالفـة القانـون بالمعنـى الضيق‪ ،‬وذلـك ّ‬
‫ألن ّ‬
‫أن القانون هو الذي ُيحدد‬ ‫يشوب القرار اإلداري إ ّنما يعتبر ُمخالف للقانون بالمعنى الواسع‪ ،‬إذ ّ‬
‫القواعـد التـي تحكـم شـروط صحـة القـرار اإلداري مـن اختصـاص‪ ،‬وشـكل‪ ،‬وغايـة‪ ،‬وسـبب ‪.‬‬
‫(‪((3‬‬

‫أ‪ .‬التعوي�ض ع�ن الض�رر الناتج عن خطأ املنظمة‪ :‬يتصف القضـاء اإلداري الدولي بالقضاء الكامل؛‬
‫أيضـا بالتعويض‬ ‫المعيبـة فهو يختص ً‬ ‫أل ّنـه باإلضافـة إلـى اختصاصـه بإلغـاء القـرارات اإلداريـة ُ‬
‫عـن األضـرار التـي تلحـق الموظفيـن الدولييـن جراء القرارات الصادرة عـن المنظمة‪ ،‬أو األضرار‬
‫التـي تلحـق بهـم عندمـا يكـون تنفيـذ االلتـزام الملقـى علـى عاتـق اإلدارة تجـاه موظفيهـا‬
‫ُمسـتحي ً‬
‫ال أو ُمتعـذ ًرا((‪.)((3‬‬
‫‪ -1‬حاالت التعويض‪ :‬تشكل حاالت الحكم بالتعويض سمة أساسية في القضاء اإلداري الدولي‪.‬‬

‫دكتوراه‪ ،‬جامعة القاهرة ‪ -‬مصر‪ ،‬ص ‪.233‬‬


‫(‪ ((3‬الدعوى رقم ‪ 21‬لسنة ‪48‬ق‪ ،‬بتاريخ ‪2014 /09/01‬م‪.‬‬
‫(‪ ((3‬الدعوى رقم ‪ 12‬لسنة ‪49‬ق‪ ،‬بتاريخ ‪2015/05/11‬م‪.‬‬
‫(‪ ((3‬أبوبطيخ ‪2007‬م‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.98‬‬
‫(‪ ((3‬عبداللطيـف (‪2002‬م)‪ ،‬محمـد محمـد عبداللطيـف‪ ،‬قانون القضـاء اإلداري‪ ،‬الكتـاب الثاني‪ ،‬دعـوى اإللغاء‪،‬‬
‫دار النهضـة العربيـة ‪ -‬القاهـرة‪ /‬مصر‪ ،‬ص‪.216‬‬
‫(‪ ((3‬سرحان (‪1990‬م)‪ ،‬عبدالعزيز سرحان‪ ،‬القانون الدولي اإلداري‪ ،‬دار النهضة العربية ‪ -‬القاهرة‪ /‬مصر‪ ،‬ص‪.302‬‬
‫(‪ ((3‬أبو بطيخ ‪2007‬م‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.176‬‬
‫(‪ ((3‬العربي ‪2002‬م‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.776‬‬

‫‪215‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫إن مخالفـة النصـوص واإللتزامـات الالئحيـة أو التعاقديـة التـي يترتـب عنهـا ضرر للموظف‬ ‫ّ‬
‫الدولـي توجـب التعويـض‪ ،‬وفـي هـذا الصـدد نصـت المـادة (‪ )1/9/6‬مـن المرفـق التاسـع مـن‬
‫لوائـح الموظفيـن المدنييـن بحلـف شـمال األطلسـي علـى أ ّنـه يجـوز للمحكمـة اإلداريـة أن‬
‫أي مخالفـة يرتكبهـا‬ ‫تأمـر هيئـة حلـف شـمال األطلسـي بدفـع تعويـض عـن الضـرر الناجـم عـن ّ‬
‫رئيـس هيئـة حلـف شـمال األطلسـي‪ ،‬كمـا نصـت المـادة (‪ )2/13‬مـن النظام األساسـي للمحكمة‬
‫اإلداريـة لبنـك التنميـة األفريقـي علـى أ ّنـه؛ وفـي حالة الحكـم بإلغاء القـرار اإلداري لمخالفته‬
‫القواعـد القانونيـة المعمـول بهـا فـي المنظمـة‪ ،‬يتعيـن علـى المحكمـة فـي هـذه الحالـة الحكم‬
‫عمـا لحـق بـه مـن ضـرر جـراء هـذه المخالفـة‪ .‬كمـا نصـت علـى ذلـك وعلـى‬ ‫بتعويـض للموظـف ّ‬
‫سـبيل المثـال المـادة (‪ )14‬مـن النظـام األساسـي للمحكمـة اإلداريـة لصنـدوق النقـد الدولـي‪،‬‬
‫والمـادة (‪/5/10‬ب) مـن النظـام األساسـي لمحكمـة األمـم المتحـدة للمنازعـات‪ ،‬والمـادة (‪)2/9‬‬
‫مـن النظـام األساسـي للمحكمـة اإلداريـة لمنظمـة الـدول األمريكية‪ .‬ويشـترط لقيام مسـؤولية‬
‫المنظمـة الدوليـة عـن قراراتهـا قيـام خطـأ مـن جانبها بأن يكون القرار غير مشـروع‪ ،‬وأن يلحق‬
‫بالموظـف ضـرر‪ ،‬وأن تقـوم عالقـة سـببية بيـن الخطـأ والضـرر‪ ،‬ويجـب علـى المضـرور أن يثبت‬
‫فـإن طلـب التعويـض ال‬ ‫عناصـر الضـرر المـادي واألدبـي‪ ،‬فـإن انتفـى ركـن مـن أركان المسـؤولية ّ‬
‫قائمـا علـى أسـاس سـليم(‪.((3‬‬ ‫ً‬ ‫يكـون‬
‫ّ‬
‫والحكـم بالتعويـض ال يشـترط فيـه االقتـران بالحكـم باإللغـاء‪ ،‬حيـث أن الجهـة القضائيـة‬
‫ألن ما لحـق به من عيوب لم يكن‬ ‫نظرا ّ‬
‫تملـك سـلطة عـدم الحكـم بإلغـاء القـرار المطعـون فيه‪ً ،‬‬
‫سـوى ُمخالفـة بسـيطة فـي اإلجـراءات‪ ،‬وتكتفي هـذه الحالة بالقضـاء بالتعويض ‪.‬‬
‫(‪((3‬‬

‫‪ -2‬تقدي�ر التعوي�ض‪ :‬يتـم تحديد مبلغ التعويض باالتفاق بين األطراف المعنية‪ ،‬أو عن طريق‬
‫اللجـوء إلـى المحاكـم اإلداريـة الدوليـة‪ ،‬وللقضـاء اإلداري الدولي في هذا المجال سـلطة واسـعة‬
‫أن هـذا األخيـر ُمقيـد بمـا يفرضـه القانـون الداخلـي‬ ‫أكثـر مـن سـلطة القاضـي الوطنـي‪ ،‬حيـث ّ‬
‫مـن حـدود ال يمكـن تجاوزهـا‪ ،‬فـي حيـن يفتقـر القانـون اإلداري الدولي إلـى قواعد عامة تتعلق‬
‫بتقديـر التعويـض المالـي‪ ،‬إذ تتأثـر أحـكام القضـاة الدولييـن وقراراتهم بتنـوع الضرر الحاصل‪،‬‬
‫المعتمدة في تقديـر التعويض(‪.((3‬‬ ‫األمـر الـذي يـؤدي بالتالـي إلـى تنـوع المعاييـر ُ‬
‫وفـي هـذا الشـأن قضـت المحكمـة اإلداريـة لجامعـة الـدول العربيـة بأ ّنـه‪( :‬المحكمـة هـي‬
‫التـي تقـوم بتقديـر التعويـض المناسـب لجبـر األضـرار التـي أصابـت المدعـي والمترتبـة عـن‬
‫الخطـأ أو القـرار الغيـر المشـروع الـذي صـدر عـن الجهـة أو الهيئـة المدعـي عليهـا‪ ،‬وينبغـي أن‬
‫مبنيـا علـى تحقيـق العدالـة لجبر األضرار دون إفـراط أو تفريط‪ ،‬وذلك‬ ‫ً‬ ‫يكـون تقديـر التعويـض‬
‫ً‬
‫وتحقيقا للكسـب‬ ‫مدخلا إلسـتنزاف هـذه الجهة أو الهيئة‪،‬‬ ‫ً‬ ‫حتـى ال تكـون المطالبـة بالتعويـض‬
‫الغيـر المشـروع‪ ،‬أو تكـون مـن ناحيـة أخـرى ُمجحفـة بالمضـرور)(‪.((4‬‬
‫الموجـب للتعويـض قـد يكـون ماد ًيـا‪ ،‬وقـد يكـون‬ ‫إن الضـرر ُ‬ ‫‪ -3‬أن�واع الض�رر املوج�ب للتعوي�ض‪ّ :‬‬
‫أمـا الضـرر‬
‫معنو ًيـا‪ ،‬والضـرر المـادي هـو الـذي ُيصيـب الشـخص فـي حـق أو مصلحـة ماليـة‪ّ ،‬‬
‫المعنـوي فهـو الـذي ال يمـس مصلحـة ماليـة‪ ،‬بـل يصيـب الفـرد فـي شـرفه‪ ،‬أو سـمعته‪ ،‬أو‬
‫وكثيـرا مـا يتبـع الضـرر المـادي ضـر ًرا معنو ًيـا والعكـس‪.‬‬
‫ً‬ ‫عاطفتـه‪ ،‬أو مركـزه االجتماعـي‪،‬‬
‫أساسـا للتعويـض‪،‬‬
‫ً‬ ‫يصلـح‬ ‫طبيعتـه‬ ‫أو‬ ‫مقـداره‬ ‫كان‬ ‫ـا‬‫ي‬‫ّ‬
‫ً‬ ‫أ‬ ‫المـادي‬ ‫أن الضـرر‬ ‫وإذا كان مسـلم بـه ّ‬
‫سـليما للتعويـض ال يقل شـأ ًنا عـن تعويض الضـرر المادي(‪.((4‬‬ ‫ً‬ ‫ا‬ ‫ر‬ ‫بـر‬
‫ُ ً‬ ‫م‬ ‫يشـكل‬ ‫ّ‬
‫فـإن الضـرر المعنـوي‬

‫(‪ ((3‬أبو بطيخ ‪2007‬م‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.115‬‬


‫(‪ ((3‬عائشـة (‪2019‬م)‪ ،‬غزيـل عائشـة‪ ،‬الحمايـة القانونية للموظـف الدولي‪ ،‬رسـالة دكتوراه‪ ،‬كلية الحقـوق والعلوم‬
‫السياسـية ‪ -‬جامعـة جياللي ليابس‪ /‬سـيدي بلعبـاس‪ ،‬ص ‪.197‬‬
‫(‪ ((3‬زناتي ‪1995‬م‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.83‬‬
‫(‪ ((4‬الدعوى رقم ‪ 8‬لسنة ‪49‬ق‪ ،‬بتاريخ ‪2015/05/11‬م‪.‬‬
‫(‪ ((4‬أبوبطيخ ‪2007‬م‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.111‬‬

‫‪216‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫واسـتقر القضـاء اإلداري الدولـي علـى التعويـض عـن الضـرر األدبـي الـذي يلحـق بالموظـف‬
‫بسـبب قـرارات إدارة المنظمـة‪ ،‬حتـى ولـو لـم يكن هناك ثمة حكـم قضائي قضى بإلغائها‪ ،‬فهي‬
‫تقضـي بـه حتـى ولـو لـم يتلازم مـع أحقيتـه فـي تعويـض مـادي‪ ،‬ويجـوز المطالبـة بالتعويـض‬
‫األدبـي إذا أثبـت الموظـف عناصـر الضـرر األدبـي الـذي وقـع عليـه‪ ،‬وللمحكمـة أن تقـدر مـدى‬
‫مالئمـة هـذا التعويـض للضـرر الواقـع عليـه(‪.((4‬‬
‫ثان ًيا – إجراءات التقاضي أمام احملاكم اإلدارية الدولية‪:‬‬
‫إال مـن خلال‬ ‫إن الحمايـة القضائيـة للموظـف الدولـي ال يمكـن تحقيقهـا علـى أرض الواقـع ّ‬ ‫ّ‬
‫وسـيلة قانونيـة يسـتطيع الموظـف الدولـي مـن خاللهـا الوصـول بنزاعـه إلـى القضـاء‪ ،‬وهـي‬
‫أن إقامـة الدعـوى أمـام المحاكـم اإلداريـة الدوليـة يكـون ً‬
‫وفقـا إلطار‬ ‫الدعـوى القضائيـة‪ ،‬ذلـك ّ‬
‫إجرائـي يهـدف إلـى تنظيـم الحمايـة القضائيـة للحقـوق الموضوعيـة‪.‬‬
‫إن عمليـة التقاضي أمام‬ ‫‪ .1‬ش�روط رف�ع الدعوى وإجراءات سيرها أم�ام احملاكم اإلداري�ة الدولية‪ّ :‬‬
‫المحاكـم اإلداريـة الدوليـة تتطلـب جملـة مـن الشـروط‪ ،‬واإلخلال بتلـك الشـروط القانونيـة له‬
‫أن هنـاك مجموعـة مـن اإلجـراءات المخصصـة‬ ‫تبعاتـه وآثـاره علـى سـير عمليـة التقاضـي‪ ،‬كمـا ّ‬
‫لرفـع الدعـوى أمـام المحكمـة اإلداريـة الدوليـة يتعيـن علـى الطاعـن احترامهـا والعمـل بهـا‪،‬‬
‫ومخالفتهـا قـد تتسـبب فـي إبطـال الدعـوى‪.‬‬
‫ّ‬
‫أ‪ .‬ش�روط رف�ع الدع�وى أم�ام احملاك�م اإلداري�ة الدولي�ة‪ :‬إن الدعـوى اإلداريـة فـي نطـاق القضـاء‬
‫اإلداري الدولي ال تختلف عن غيرها من الدعاوى اإلدارية على مسـتوى التشـريعات الداخلية‪،‬‬
‫بحيـث البـد أن تقـوم علـى شـكليات خاصـة فـي بعـض نواحيهـا‪ ،‬فلكـي يتسـنى للقاضـي اإلداري‬
‫ال دراسـة هذه الدعوى في شـقها الشـكلي‬ ‫التطـرق إلـى الجانـب الموضوعـي للدعـوى‪ ،‬البـد له أ ّو ً‬
‫ال؛ وهـو مـا يعـرف بشـروط قبـول الدعـوى‪ ،‬ويقصـد بهـا الشـروط الواجـب توافرهـا لقبول نظر‬ ‫أ ّو ً‬
‫الدعـوى أمـام القضـاء‪ ،‬بحيـث إذا تخلـف واحـد أو أكثـر مـن هـذه الشـروط أصبحـت الدعـوى‬
‫المرفوعـة غيـر قابلـة للنظـر فـي موضوعهـا‪ ،‬حتـى ولـو كان هـذا الموضـوع يدخـل فـي نطـاق‬
‫اختصـاص المحكمـة اإلداريـة الدوليـة‪ ،‬بـل حتـى ولـو كان القـرار اإلداري الدولـي مشـوب بعـدم‬
‫المشـروعية فـي ظاهـره(‪.((4‬‬
‫وهذه الشروط هي‪:‬‬
‫‪1 .‬توجيه الطعن ضد قرار إداري‪.‬‬
‫‪2 .‬الصفة والمصلحة‪.‬‬
‫‪3 .‬االختصاص‪.‬‬
‫‪4 .‬وجود نزاع حقيقي وفعلي‪.‬‬
‫‪5 .‬استنفاد طرق الطعن الداخلي‪.‬‬
‫‪6 .‬ارتكاز الطعن على بنود عقد التشغيل والقواعد الحاكمة ألوضاع وشروط العمل‪.‬‬
‫‪7 .‬التظلم‪.‬‬
‫ب‪ .‬سير اخلصوم�ة أم�ام احملاكم اإلداري�ة الدولية‪ :‬مـن الضمانات األساسـية للموظـف الدولي في‬
‫مرحلـة التقاضـي هـو أن يكـون علـى علـم بمختلـف اإلجـراءات المتبعـة أمـام المحاكـم اإلداريـة‬
‫الدوليـة‪ ،‬والسـلطات الممنوحـة لهـا‪ ،‬حتـى يسـتطيع اتبـاع اإلجـراءات السـليمة‪ ،‬وال يخسـر‬
‫ملمـا بالضمانـات التـي مـن شـأنها أن تكفـل لـه قـد ًرا مـن‬ ‫دعـواه‪ ،‬ومـن جهـة أخـرى حتـى يكـون ً‬
‫االنصـاف والعدالـة فـي تحصيـل حقوقـه؛ كحـق الدفـاع‪ ،‬وعالنيـة الجلسـات‪... ،‬إلـخ(‪.((4‬‬
‫(‪ ((4‬العربي ‪2002‬م‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.781‬‬
‫(‪ ((4‬عائشة ‪2019‬م‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.208‬‬
‫(‪ ((4‬عائشة ‪2019‬م‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.221‬‬

‫‪217‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫‪ -1‬حتضري الدعوى‪:‬‬
‫‪ /1‬رف�ع الدع�وى‪ :‬يجـري العمـل فـي المحاكـم اإلداريـة الدوليـة علـى أن تتـم إقامـة الدعـوى‬
‫بواسـطة نمـوذج ُمحـدد يحصـل عليـه الطاعـن مـن سـكرتارية المحكمة‪ ،‬ويتـم صياغته بإحدى‬
‫اللغـات الرسـمية المسـتخدمة فـي المنظمـة‪ ،‬ويجـب أن تنطـوي صحيفـة الدعـوى علـى عـرض‬
‫للوقائـع واألسـانيد‪ ،‬ويقـدم الطاعـن مرفقـات بأصـول وصـور طبـق األصـل مـن المسـتندات التـي‬
‫أيضـا بإحـدى اللغات الرسـمية للمنظمـة‪ ،‬كما يجب‬ ‫يـرى أ ّنهـا تدعـم موقفـه‪ ،‬وتقـدم المرفقـات ً‬
‫بـأي ترجمـات ضروريـة‪ ،‬ويتـم تقديـم الوثائـق فـي العديـد مـن‬ ‫أن تكـون الوثائـق مصحوبـة ّ‬
‫المنظمـات فـي شـكل الكترونـي(‪.((4‬‬
‫‪ /2‬ال�ردود‪ :‬بعـد التأكـد مـن االمتثـال للمتطلبـات الرسـمية لرفـع الدعـوى يحيل قلـم المحكمة‬
‫نسـخة مـن عريضـة الدعـوى إلى المدعـى عليه(‪.((4‬‬
‫‪ -2‬القواع�د اإلجرائي�ة اخلاص�ة بنظر الدعوى‪ :‬بعـد انتهاء المرحلة األولى مـن إجراءات التقاضي‬
‫تدخـل الدعـوى فـي مراحـل أخـرى‪ ،‬تتلخـص أهـم خطواتهـا فـي‪ :‬نظـر الدعـوى‪ ،‬التدخـل فـي‬
‫الدعـوى‪ ،‬ضـم الدعـوى‪ ،‬مذكـرات أصدقـاء المحكمـة‪ ،‬عالنيـة الجلسـات‪ ،‬التمثيـل‪ ،‬تقديـر‬
‫وفحـص األدلـة‪ ،‬الشـهود والخبـراء‪.‬‬
‫إن نظـام الطعـن فـي األحـكام يهـدف لضمـان‬ ‫‪ .2‬الطع�ن يف أح�كام احملاك�م اإلداري�ة الدولي�ة‪ّ :‬‬
‫سلامة وعدالـة األحـكام القضائيـة‪ ،‬وبـث الشـعور بالثقـة واالطمئنـان لـدى مـن صـدر الحكـم‬
‫فـي حقـه‪.‬‬
‫إن األحـكام القضائيـة الصـادرة عـن المحاكـم اإلداريـة الدوليـة نهائيـة‪ ،‬وال يجـوز الطعـن‬ ‫ّ‬
‫فيهـا لغيـاب التـدرج بيـن المحاكـم اإلدارية الدولية‪ ،‬وتعتبر محكمة األمم المتحدة لالسـتئناف‬
‫االسـتثناء الوحيـد علـى هـذه القاعـدة‪ ،‬حيـث أ ّنهـا تعتبـر إحـدى مخرجـات اإلصلاح اإلداري‬
‫الـذي عرفـه نظـام العـدل الداخلـي باألمـم المتحـدة‪.‬‬
‫نظـرا لمـا قـد يعتـري القاضي مـن أخطاء في تقديـر الوقائع‪ ،‬أو إسـاءة‬
‫ً‬ ‫أ‪ .‬ط�رق الطع�ن العادي�ة‪:‬‬
‫فـإن العدالـة القانونيـة تقتضـي أن يتـم نظـر الدعـوى علـى مرحلتيـن‪،‬‬ ‫فـي تطبيـق القانـون‪ّ ،‬‬
‫وأمـام محكمتيـن‪ ،‬محكمـة درجـة أولـى‪ ،‬ومحكمـة درجـة ثانية‪ ،‬وهذا ما يسـمى بمبـدأ التقاضي‬
‫علـى درجتين‪.‬‬
‫‪ -1‬مب�دأ ع�دم قابلي�ة أحكام احملاك�م اإلدارية الدولية لالس�تئناف‪ :‬باسـتثناء األحـكام الصادرة‬
‫عـن محكمـة األمـم المتحـدة للمنازعـات‪ّ ،‬‬
‫فـإن معظم أحـكام القضاء اإلداري الدولـي نهائية‪ ،‬وال‬
‫يجـوز الطعـن فيهـا أمـام جهـات قضائيـة أعلـى‪ ،‬ولقـد تـم صياغة هـذا المبدأ فـي التقرير الذي‬
‫أعدتـه لجنـة المراقبـة بعصبـة األمـم‪ ،‬بمناسـبة إنشـاء المحكمـة اإلداريـة للعصبـة(‪ ،((4‬ولقـد‬
‫ورد بالتقريـر أ ّنـه (ال يوجـد فـي النظـام األساسـي للمحكمـة نصـوص تتعلق بمراجعـة أحكامها‪،‬‬
‫وذلـك لكفالـة الطابـع النهائـي‪ ،‬ولتجنـب اإلجـراءات التـي تسـتهدف إطالة أمد النـزاع)(‪.((4‬‬
‫إن نظام‬‫‪ -2‬االس�تثناء ال�وارد عل�ى مبدأ عدم قابلية أح�كام احملاكم اإلدارية الدولية لالس�تئناف‪ّ :‬‬
‫العـدل الداخلـي باألمـم المتحـدة يـكاد ينفـرد بخاصيـة التقاضـي علـى درجتيـن‪ ،‬فمحكمـة‬
‫األمـم المتحـدة لالسـتئناف تعـد بمثابـة محكمـة درجـة ثانيـة في نظام العدل الرسـمي باألمم‬
‫المتحدة‪.‬‬
‫●اختص�اص حمكم�ة األم�م املتحدة لالس�تئناف‪ :‬تختص محكمة االسـتئناف بالنظـر والبث في‬
‫(‪ ((4‬عائشة ‪2019‬م‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.221‬‬
‫(‪ ((4‬عائشة ‪2019‬م‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.222‬‬
‫(‪ ((4‬عبدالعزيـز (‪2014‬م)‪ ،‬حسـام محمـد عبدالعزيـز‪ ،‬المحاكم اإلداريـة الدولية‪ ،‬دار الفكر الجامعي ‪ -‬اإلسـكندرية‪/‬‬
‫مصر‪ ،‬ص‪.409‬‬
‫(‪ ((4‬زناتي ‪1995‬م‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.196‬‬

‫‪218‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫دعـاوى االسـتئناف التـي ترفـع بشـأن األحكام والقـرارات اآلتية‪:‬‬


‫ ‪-‬أحكام محكمة األمم المتحدة للمنازعات‪.‬‬
‫ ‪-‬القـرارات الصـادرة عـن اللجنـة الدائمـة العاملـة باسـم مجلـس الصنـدوق المشـترك‬
‫للمعاشـات التقاعديـة لموظفـي األمـم المتحـدة‪.‬‬
‫ ‪-‬األحـكام الصـادرة فـي دعـاوى أحـد أطرافهـا الـوكاالت المتخصصة أو منظمـات وكيانات‬
‫أخرى‪.‬‬
‫إن الطعـن باالسـتئناف أمـام محكمـة األمـم المتحـدة لالسـتئناف يجب أن‬ ‫●آجـال االسـتئناف‪ّ :‬‬
‫يكـون وفـق اآلجـال اآلتية‪:‬‬
‫يوما من تاريخ استالم الطرف المستأنف للحكم الصادر عن محكمة المنازعات‪.‬‬ ‫ ‪ً 06-‬‬
‫يومـا مـن تاريـخ اسـتالم الطـرف المسـتأنف قرا ًرا صـاد ًرا عن اللجنة الدائمة باسـم‬ ‫ ‪ً 90-‬‬
‫مجلـس الصنـدوق المشـترك للمعاشـات التقاعدية لموظفـي األمم المتحدة‪.‬‬
‫ب‪ .‬طرق الطعن غري العادية‪:‬‬
‫‪ -1‬التم�اس إع�ادة النظ�ر‪ :‬يعـد الطعـن بطريـق التمـاس إعـادة النظـر طريـق طعـن خـاص فـي‬
‫األحـكام النهائيـة يرفـع إلـى نفـس المحكمـة التـي أصدرتـه إذا توافـر سـبب مـن األسـباب التـي‬
‫نـص عليهـا القانـون علـى سـبيل الحصـر‪.‬‬
‫ً‬
‫اسـتئنافا للحكـم بالمعنـى المتعـارف عليـه فـي القوانيـن الوطنيـة‬ ‫فهـذه الطريقـة ال تعـد‬
‫الداخليـة‪ ،‬ولكنـه نـوع مـن تـدارك مـا قـد يشـوب أحـكام المحكمـة مـن أخطـاء مقصـودة أو غير‬
‫مقصـودة‪ ،‬سـواء كانـت هـذه األخطـاء صـادرة مـن المحكمـة‪ ،‬أو مـن أحـد أطـراف الدعـوى‪.‬‬
‫‪ -2‬تصحي�ح احلك�م‪ :‬قـد يشـوب الحكـم الصـادر عـن جهـات القضـاء اإلداري الدولـي بعـض‬
‫األخطـاء الماديـة عنـد تحريـر الحكـم‪ ،‬وفـي هـذه الحالـة تلتـزم المحكمة التي أصـدرت الحكم‬
‫أي طـرف مـن أطـراف الدعـوى بتصحيـح هـذه األخطـاء‪ ،‬وبالتالـي يهـدف طلـب‬ ‫بنـاء علـى طلـب ّ‬
‫ً‬
‫التصحيـح ُمجـرد تصحيـح األخطـاء الماديـة؛ كخطـأ فـي الكتابـة‪ ،‬أو فـي الحسـاب الـذي يطـرأ‬
‫علـى نـص الحكـم‪.‬‬
‫فالخطـأ المـادي يرتبـط بوقائـع ماديـة فقـط مـن حيـث تقريـر وجودهـا مـن عدمـه‪ ،‬وبهـذا‬
‫فـإن تصحيـح الخطـأ المـادي يمـس بطريقـة متفاوتة جوهر الحكم‪ ،‬وربمـا يتطلب األمر‬ ‫المعنـى ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫االقتـراب مـن فحـص موضـوع الحكـم‪ ،‬ولـذا فإنـه مـن الطبيعـي أال يتـم تقديـم طلـب التصحيـح‬
‫إال مـن أطـراف الحكـم‪ ،‬كمـا يحـق للجهـة القضائيـة أن تتصدى للتصحيح بمبـادرة منها‪ ،‬وتصدر‬ ‫ّ‬
‫بنـاء علـى طلـب أحـد الخصوم‪.‬‬ ‫ً‬ ‫بذلـك قـرا ًرا مـن تلقـاء نفسـها‪ ،‬أو‬
‫وقـد جـرت العـادة فـي إطـار المحاكـم اإلداريـة الدوليـة أن يتـم التصحيـح بـدون مرافعـة‪،‬‬
‫ويجـري سـكرتير الجهـة القضائيـة هـذا التصحيـح علـى نسـخة الحكم األصليـة‪ ،‬ويوقعها رئيس‬
‫الجلسـة‪ ،‬ويتـم إخطـار ذوي الشـأن(‪.((4‬‬
‫دائمـا من الجهـة القضائية‪ ،‬حتـى في حالة‬ ‫ال ً‬ ‫إن تفسـير الحكـم يلقـى قبـو ً‬ ‫‪ -3‬تفسير احلك�م‪ّ :‬‬
‫غيـاب النـص‪ ،‬وينبغـي أن يسـتهدف الطلـب إيضـاح المعنـى الحقيقـي للحكـم‪ ،‬وال يمـس حجيـة‬
‫الشـيء المقضـي بـه التـي يتمتـع بها‪.‬‬
‫وقد حددت المحكمة اإلدارية لمنظمة العمل الدولية المبادئ األساسـية لتفسـير الحكم‪،‬‬
‫علـى أ ّنهـا تتمثـل فـي تفسـير المصطلحـات الغامضـة فـي الحكم بحسـن نية‪ّ ،‬‬
‫ممـا يعطيها معناها‬
‫الطبيعـي والمعتـاد فـي سـياقها‪ ،‬باإلضافة إلى تفسـير النصوص الغامضـة لصالح الموظف ‪.‬‬
‫(‪((5‬‬

‫(‪ ((4‬زناتي ‪1995‬م‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.200‬‬


‫(‪ ((5‬عائشة ‪2019‬م‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.250‬‬

‫‪219‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫كمـا قضـت المحكمـة اإلداريـة لجامعـة الـدول العربيـة ّ‬


‫أن‪( :‬الحكـم الصادر بالتفسـير يعتبر‬
‫حكما جديـد‪ ،‬وعلى ذلك يلزم أن يقف عند‬ ‫ً‬ ‫متممـا للحكـم الـذي يفسـره مـن جميـع الوجوه‪ ،‬ال‬ ‫ً‬
‫فعلا‪ ،‬ال مـا التبـس علـى ذوي الشـأن فهمـه‪ ،‬علـى الرغـم مـن وضوحـه‪ ،‬وذلـك‬ ‫ً‬ ‫إيضـاح مـا أبهـم‬
‫ال بقـوة الشـيء المقضـي‬ ‫دون المسـاس بمـا قضـى بـه الحكـم محـل التفسـير‪ّ ،‬‬
‫وإال كان ذلـك إخلا ً‬
‫فيـه‪ ،‬وفـي هـذا النطـاق يتحـدد موضـوع طلـب التفسـير فلا يكون لـه محل إذا تعلـق بمنطوق ال‬
‫غمـوض فيـه‪ ،‬كمـا أ ّنـه ال محـل لطلـب التفسـير إذا اسـتهدف ما قضي به الحكـم زيادة أو نقصان‪،‬‬
‫ولـو كان قضـاؤه خاطئـًا‪ ،‬كمـا أ ّنـه ال محـل لطلـب التفسـير إذا اسـتهدف إعـادة مناقشـة مـا فصـل‬
‫فيـه هـذا الحكـم مـن طلبـات موضوعيـة أ ًّيـا كان الفصـل في هذه الطلبـات)(‪.((5‬‬
‫اخلامتة‪:‬‬
‫َّ‬
‫إن االسـتقرار الوظيفـي فـي المنظمـة الدوليـة لـن يتحقـق إال مـن خلال توفيـر قـد ًرا مـن‬
‫الضمانـات القانونيـة التـي تمكـن الموظـف الدولـي والـذي هـو عصـب المنظمـة الدوليـة مـن‬
‫القيـام بالمهـام المنوطـة بـه فـي جـو مـن الطمأنينـة واالسـتقرار‪ ،‬األمـر الـذي سـينعكس بدوره‬
‫علـى أداء المنظمـة وفاعليتهـا‪.‬‬
‫نتائج الدراسة‪:‬‬
‫‪1.‬عـدم اسـتقرار الفقـه والقضـاء اإلداري الدولـي علـى تعريـف موحد للموظـف الدولي‪ ،‬حيث‬
‫إنهـم انقسـموا مـن حيـث اشـتراط صفـة الـدوام واالسـتمرار فـي الوظيفـة ومـا بيـن عـدم‬
‫تمامـا‪.‬‬
‫ً‬ ‫االعتـداد بهـذا الشـرط‬
‫أن لـه حقـوق وامتيـازات وعليـه واجبـات‬ ‫‪2.‬خضـوع الموظـف الدولـي لنظـام قانونـي‪ ،‬أي َّ‬
‫أن الوظيفـة الدوليـة والوظيفـة الوطنيـة متماثلتان‪،‬‬ ‫والتزامـات‪ ،‬ويالحـظ فـي هـذا الصـدد َّ‬
‫وأن القواعـد التـي تتنـاول التنظيـم اإلداري والوظيفـي الدولـي مسـتمدة فـي الغالـب مـن‬ ‫َّ‬
‫قواعـد القانـون اإلداري الداخلـي‪.‬‬
‫إن مظاهـر الحمايـة القضائيـة للموظـف الدولـي تتجلـى مـن خلال منـح القاضـي اإلداري‬ ‫‪َّ 3.‬‬
‫سـلطات لحمايـة الموظـف عـن طريـق بسـط رقابتـه علـى القـرارات الفرديـة الصـادرة عـن‬
‫إدارة المنظمـة الدوليـة والمخالفـة للمشـروعية‪ ،‬سـواء باإللغاء أو باإلعـادة إلى ذات اإلدارة‬
‫لتصحيـح اإلجـراءات‪ ،‬أو بالتعويـض فـي حـاالت معينـة‪.‬‬
‫إن النظـام القضائـي الدولـي اإلداري يحتـاج إلـى مراجعـة‪ ،‬فتعـدد المحاكـم ونظمهـا يحـول‬ ‫‪َّ 4.‬‬
‫دون تطويـر الوظيفـة الدوليـة وتفعيلهـا‪ ،‬ويحـول كذلـك دون توحيـد المعاييـر الخاصـة‬
‫باألحكام ومراجعتها وإرسـاء السـوابق القضائية‪ ،‬وخلق قواعد قانونية تسـاهم في تدعيم‬
‫وجـود قانـون موحـد للوظيفـة الدوليـة‪.‬‬

‫(‪ ((5‬الدعوى رقم ‪ 27‬لسنة ‪ 50‬ق‪ ،‬بتاريخ‪2016 /11 /29 :‬م‪.‬‬

‫‪220‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫قائمة املراجع‬
‫أ ّو ًال‪ :‬الكتب‪:‬‬
‫‪1 .‬أبـو الوفـاء (‪1986‬م)‪ ،‬أحمـد أبـو الوفـا‪ ،‬الوسـيط فـي قانـون المنظمـات الدولية‪ ،‬الطبعة الثانيـة‪ ،‬دار النهضة العربية‬
‫‪ -‬القاهـرة‪ /‬مصر‪.‬‬
‫‪2 .‬أبـو الوفـاء (‪2005‬م)‪ ،‬أحمـد أبـو الوفـا‪ ،‬الوسـيط فـي قانـون المنظمـات الدوليـة‪ ،‬دار النهضـة العربيـة ‪ -‬القاهـرة‪/‬‬
‫مصر ‪.‬‬
‫‪3 .‬أبـو بطيـخ (‪2007‬م)‪ ،‬غسـان شـاكر محسـن أبـو بطيـخ‪ ،‬تعويـض الموظـف الدولـي عـن الضـرر الناشـئ عـن خطـأ‬
‫المنظمـة الدوليـة‪ ،‬منشـورات الحلبـي الحقوقيـة ‪ -‬لبنـان‪.‬‬
‫‪4 .‬حسين (‪1988‬م)‪ ،‬مصطفى سالمة حسين‪ ،‬المنظمات الدولية‪ ،‬الدار الجامعية‪.‬‬
‫‪5 .‬الدقاق‪ ،‬حمد سعيد الدقاق‪ ،‬التنظيم الدولي‪ ،‬الدار الجامعية ‪ -‬اإلسكندرية‪ /‬مصر‪.‬‬
‫‪6 .‬الـذاري (‪2012‬م)‪ ،‬محمـد عبدالرحمـن إسـماعيل علـي الـذاري‪ ،‬الحمايـة القضائيـة للموظـف الدولـي‪ ،‬المنظمـة‬
‫العربيـة للتنميـة اإلداريـة ‪ -‬مصـر‪.‬‬
‫‪7 .‬زناتي (‪1995‬م)‪ ،‬عصام زناتي‪ ،‬القضاء الدولي اإلداري‪ ،‬دار النهضة العربية ‪ -‬القاهرة‪ /‬مصر‪.‬‬
‫‪8 .‬سرحان (‪1990‬م)‪ ،‬عبدالعزيز سرحان‪ ،‬القانون الدولي اإلداري‪ ،‬دار النهضة العربية ‪ -‬القاهرة‪ /‬مصر‪.‬‬
‫‪ 9 .‬السـريري (‪2013‬م)‪ ،‬فتـح هللا محمـد حسـين السـريري‪ ،‬المركـز القانونـي للموظـف الدولـي‪ ،‬دار الفكـر الجامعي‬
‫‪ -‬اإلسـكندرية‪ /‬مصر‪.‬‬
‫ ‪10.‬شهاب (‪1974‬م)‪ ،‬مفيد شهاب‪ ،‬المنظمات الدولية‪ ،‬ط‪ ،2‬دار النهضة العربية‪ -‬القاهرة‪ /‬مصر‪.‬‬
‫ ‪11.‬صفوت (‪2009‬م)‪ ،‬محمد أحمد صفوت‪ ،‬النظام التأديبي للموظفين الدوليين‪ ،‬ط‪ ،1‬ب‪ .‬د‪ .‬ن‪.‬‬
‫ ‪12.‬عبدالعزيز (‪2014‬م)‪ ،‬حسـام محمد عبدالعزيز‪ ،‬المحاكم اإلدارية الدولية‪ ،‬دار الفكر الجامعي ‪ -‬اإلسـكندرية‪/‬‬
‫مصر‪.‬‬
‫ ‪13.‬عبداللطيـف (‪2002‬م)‪ ،‬محمـد محمـد عبداللطيـف‪ ،‬قانـون القضـاء اإلداري‪ ،‬الكتـاب الثاني‪ ،‬دعـوى اإللغاء‪ ،‬دار‬
‫النهضـة العربيـة ‪ -‬القاهـرة‪ /‬مصر‪.‬‬
‫ ‪14.‬الغنيمي (‪1972‬م)‪ ،‬محمد طلعت الغنيمي‪،‬األحكام العامة في قانون األمم‪ -‬التنظيم الدولي‪ ،‬ب ‪ .‬د‪ .‬ن‪.‬‬
‫ ‪15.‬فـوزي (‪1991‬م)‪ ،‬صلاح الديـن فـوزي‪ ،‬النظـام القانونـي للوظيفـة الدوليـة (دراسـة مقارنـة)‪ ،‬دار النهضـة العربيـة‬
‫‪ -‬القاهـرة‪ /‬مصـر‪.‬‬
‫ ‪16.‬فـوزي (‪2013‬م)‪ ،‬صلاح الديـن فـوزي‪ ،‬الوظيفـة العامـة والوظيفة العامة الدوليـة‪ ،‬دار النهضة العربية ‪ -‬القاهرة‪/‬‬
‫مصر‪.‬‬
‫ ‪17.‬مصطفى (‪1998‬م)‪ ،‬مأمون مصطفى‪ ،‬قانون المنظمات الدولية‪ ،‬ب‪ .‬د‪ .‬ن‪.‬‬
‫ ‪18.‬ندا (‪1986‬مم)‪ ،‬جمال طه اسـماعيل ندا‪ ،‬الموظف الدولي ‪ -‬دراسـة مقارنة في القانون الدولي اإلداري‪ ،‬الهيئة‬
‫المصريـة العامـة للكتاب ‪ -‬القاهرة‪ /‬مصر‪.‬‬

‫ثان ًيا‪ :‬الرسائل العلمية‪:‬‬


‫‪1 .‬البرنجيـن (‪1981‬م)‪ ،‬عبدالوهـاب البرنجيـن‪ ،‬السـلطة التقديريـة والرقابـة القضائيـة علـى أعمـال اإلدارة‪ ،‬رسـالة‬
‫دكتـوراه‪ ،‬جامعـة القاهـرة – مصـر‪.‬‬
‫‪2 .‬عائشـة (‪2019‬م)‪ ،‬غزيـل عائشـة‪ ،‬الحمايـة القانونيـة للموظـف الدولـي‪ ،‬رسـالة دكتـوراه‪ ،‬كليـة الحقـوق والعلـوم‬
‫السياسـية – جامعـة جياللـي ليابـس‪ /‬سـيدي بلعبـاس‪.‬‬
‫‪3 .‬العربـي (‪2002‬م)‪ ،‬السـيد عبدالحميـد محمـد العربـي‪ ،‬ممارسـة الموظـف للحريـات العامـة فـي القانـون اإلداري‬
‫والقانـون الدولـي‪ ،‬رسـالة دكتـوراه‪ ،‬جامعـة أسـيوط – مصـر‪.‬‬
‫‪4 .‬مختـار (‪2017‬م)‪ ،‬إبراهيـم براهمـي مختـار‪ ،‬مسـؤولية الموظـف الدولـي وتطبيقاتهـا فـي قضـاء المحاكـم اإلداريـة‬
‫الدوليـة‪ ،‬رسـالة دكتـوراه‪ ،‬كليـة الحقـوق والعلـوم السياسـية ‪ -‬جامعـة أبوبكـر بلقايـد‪.‬‬

‫‪221‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫ثالثا – املراجع األجنبية‪:‬‬


‫ً‬
‫‪1. Chamberlian International Organizations New York 1955, Moraveski V Funcions of‬‬
‫‪International Organization – Warsaw 1971 D. P. 41 ands.‬‬
‫‪2. Basdevant Suzanne, Les Fonctionnaires Internationaux, Sirey, Paris, 1931,‬‬
‫‪p 451.‬‬

‫راب ًعا ‪ -‬أحكام احملاكم‪:‬‬


‫‪1 .‬حكم المحكمة اإلدارية لجامعة الدول العربية‪ ،‬الدعوى رقم ‪ 27‬لسنة ‪ 50‬ق‪ ،‬بتاريخ‪2016 /11 /29 :‬م‪.‬‬
‫‪2 .‬حكم المحكمة اإلدارية لجامعة الدول العربية‪ ،‬الدعوى رقم ‪ 8‬لسنة ‪49‬ق‪ ،‬بتاريخ ‪2015/05/11‬م‪.‬‬
‫‪3 .‬حكم المحكمة اإلدارية لجامعة الدول العربية‪ ،‬الدعوى رقم ‪ 21‬لسنة ‪48‬ق‪ ،‬بتاريخ ‪2014 /09/01‬م‪.‬‬
‫‪4 .‬حكم المحكمة اإلدارية لجامعة الدول العربية‪ ،‬الدعوى رقم ‪ 12‬لسنة ‪49‬ق‪ ،‬بتاريخ ‪2015/05/11‬م‪.‬‬

‫‪222‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫دور السلطة التشريعية والتنفيذية يف صنع السياسة العامة‬


‫سياق دستوري مقارن ملعرفة دور السلطتني التشريعية والتنفيذية يف صنع السياسة العامة للدولة‬
‫إعداد‬
‫د‪ .‬مرعية عبداهلل موسى العبار‬
‫قسم اإلدارة العامة‪ -‬كلية االقتصاد‪ -‬جامعة بنغازي‬
‫القبول‪2023/6/26 :‬‬ ‫االستالم‪2023/5/14 :‬‬

‫املستخلص‪:‬‬
‫عمليـة صنـع السياسـة العامـة هـي الركيـزة األساسـية للنظـام السياسـي لتنفيـذ سياسـاته‬
‫للوصـول إلـى األهـداف المطلوبـة‪ ،‬حيـث يقوم النظام السياسـي ومن خلال أدواته المتمثلة في‬
‫السـلطات العامـة الدسـتورية التشـريعية‪ ،‬والتنفيذيـة‪ ،‬بعمليـة صنـع السياسـة العامة‪.‬‬
‫فـإن هـذه الدراسـة هـي محاولـة لفهـم السـياق الدسـتوري المقـارن لـدور كل مـن‬ ‫ومـن هنـا َّ‬
‫السـلطة التشـريعية والتنفيذيـة لعمليـة صنـع السياسـة العامـة‪ ،‬عبـر ثالث مراحل مـن التاريخ‬
‫لتحـد أوجـه الشـبه واالختلاف بيـن هذه األدوار للوصـول إلى فهم أعمق‬‫َّ‬ ‫السياسـي لليبيـا وذلـك‬
‫لمخرجـات النظـام السياسـي بشـكل عام‪.‬‬
‫تـم تقسـيم الدراسـة إلـى ثالثـة أجـزاء‪ ،‬فقـد تنـاول الجـزء األول إطـار المفاهيم لكل‬‫حيـث ُّ‬
‫مـن الدسـتور والسياسـة العامـة‪ ،‬أمـا الجـزء الثانـي تنـاول اإلطـار المؤسسـي لـكل مـن السـلطة‬
‫التشـريعية والتنفيذيـة‪ ،‬أمـا الجـزء الثالـث فقـد تنـاول اختصاصـات السـلطة التشـريعية‬
‫تمـت اإلجابـة‬
‫والتنفيذيـة‪ ،‬أمـا الجـزء الرابـع فقـد تنـاول التحليـل النتائـج‪ ،‬التـي مـن خاللهـا ّ‬
‫علـى تسـاؤالت الدراسـة‪.‬‬
‫الكلم�ة املفتاحي�ة‪ :‬الدسـتور‪ -‬السياسـة العامـة ‪ -‬السـلطة التشـريعية ‪ -‬السـلطة التنفيذيـة ‪-‬‬
‫اإلطـار المؤسسـي‪.‬‬
‫‪Abstract:‬‬
‫‪The process of making public policy is the basic pillar of the political system‬‬
‫‪to implement its policies to reach the required goals, as the political system‬‬
‫‪carries out the process of making public policy through its tools represented in‬‬
‫‪the public, constitutional, legislative and executive authorities..‬‬
‫‪Hence, this study is an attempt to understand the comparative constitutional‬‬
‫‪context of the role of each of the legislative and executive authorities in the‬‬
‫‪process of making public policy through three stages of the political history of‬‬
‫‪Libya, in order to challenge the similarities and differences between these roles‬‬
‫‪in order to reach a deeper understanding of the outputs of the political system‬‬
‫‪in general.‬‬
‫‪Where the study was divided into three parts, the first part dealt with the‬‬
‫‪conceptual framework of both the constitution and public policy, as for the‬‬
‫‪second part, it dealt with the institutional framework for each of the legislative‬‬
‫‪and executive branches, as for the third part, it dealt with the powers of the‬‬
‫‪legislative and executive authorities, as for the fourth part, it dealt with the‬‬
‫‪analysis of the results, through which the study questions were answered.‬‬
‫‪keyword: Constitution - public policy - legislative power - executive power -‬‬
‫‪institutional framework‬‬

‫‪223‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫املقدمة‪:‬‬
‫السياسـة العامـة هـي النشـاط المؤسسـي الـذى تقـوم بـه الحكومـة طبقـا لإلمكانيـات‬
‫المتاحـة‪ ،‬وتختلـف درجـة اشـتراك المؤسسـات السياسـية فـي رسـم السياسـة العامـة مـن نظـام‬
‫المحددة لكيفية تحقيق األهداف‬ ‫إلـى آخـر‪ ،‬و ُتعـرف السياسـة العامة بأ ّنهـا «الخطوط العريضة ُ‬
‫فـإن السياسـة العامـة‪ ،‬هـي تداخـل وتفاعل ثالثة عناصر أساسـية‬ ‫العامـة»(((‪ .‬وفـي واقـع األمـر َّ‬
‫هـي‪ :‬النوايـا واألفعـال والنتائـج‪ ،‬وإذا كانـت النوايـا تعنـي‪ :‬مـاذا سـتفعل الدولـة‪َّ ،‬‬
‫فـإن األفعـال‬
‫فإن النتائج تعكـس كل ما يترتب عن أفعال‬ ‫تجسـد السـلوك الفعلـي للحكومـة أو الدولـة‪ ،‬وعليـه َّ‬‫ّ‬
‫الدولـة أو تأثيـر سياسـات الدولـة علـى المجتمـع ككل(((‪ ،‬والسياسـة العامـة بشـكل عـام هـي‬
‫«تخصيـص سـلطوي للقيـم «‪،‬كمـا أ ّنَهـا «منهـج عمـل هـادف يوجـه التعامـل مـع قضايا ومشـكالت‬
‫فـإن عمليـة صنـع السياسـة العامـة تتطلـب معرفـة دور‬ ‫مجتمعيـة حيويـة‪ .‬وفـى هـذا االطـار َّ‬
‫السـلطات العامـة التشـريعية والتنفيذيـة‪ ،‬وتحديـد اختصاصاتهـا ووظائفهـا فـي الدسـتور الـذى‬
‫هـو أعلـى وثيقـة فـي الدولـة وأعلـى مرتبـة مـن القوانيـن واللوائـح والقـرارات التنفيذية‪ ،‬ويجب‬
‫يتـم‬
‫علـى السـلطات العامـة فـي الدولـة أن تحتـرم هـذه القواعـد الدسـتورية‪ ،‬التـي مـن خاللهـا ُّ‬
‫إن دسـتور أي دولـة يكـون انعكاسـا للظواهـر السياسـية التـي‬ ‫تحديـد دورهـا فـي الدسـتور‪ ,‬حيـث َّ‬
‫تسـود مجتمع ما‪ ،‬فالدسـتور هو محاولة للتعبير عن الواقع السياسـي لشـعب ما‪ ،‬وضبط نشـاطه‬
‫السياسـي بتحويلـه إلـى قواعـد وضوابـط تحـدد بنصـوص القانـون‪ ،‬ويترتـب علـى ذلـك اختلاف‬
‫دسـاتير الدول بشـكل عام‪ ،‬وتبعا الختالف السـمات التاريخية والجغرافية‪ ،‬وطبيعة المشـكالت‬
‫فـإن تنظيم السـلطات‬‫السياسـية السـائدة‪ ،‬باإلضافـة إلـى الواقـع االقتصـادي والثقافـي للدولـة‪َّ ،‬‬
‫يتـم وفقـا للواقع العملـي الذي تمر‬
‫العامـة للدولـة وتحديـد وظائفهـا واختصاصاتهـا‪ ،‬فالدسـتور ُّ‬
‫بـه الدولـة وليـس لنظريـة عامـة أو مبـدأ أساسـي‪ ,‬وفـى هـذا السـياق فقـد مـررت ليبيـا بمراحل‬
‫عـدة مـن صياغـة الدسـتور التـي اختلـف فيهـا دور كل مـن السـلطة التشـريعية والتنفيذيـة ‪,‬‬
‫فـإن هـذا البحـث يسـعى‬‫ممـا أنعكـس ذلـك علـى عمليـة صنـع وتنفيـذ السياسـة العامـة‪ ،‬وعليـه َّ‬
‫إلـى تحليـل دور السـلطة التشـريعية والتنفيذيـة فـي عمليـة صنـع السياسـة العامـة للدولـة‪،‬‬
‫مـن خلال إطـار تحليلـي مقـارن بيـن فتـرات زمنيـة مـن التاريـخ السياسـي لليبيـا‪ ،‬مـن الفتـرة إلى‬
‫‪ 1969‬ومـن الفتـرة ‪ 1969‬إلـى الفتـرة م‪ 2010‬ومـن الفتـرة ‪ 2010‬الـى الفترة ‪ 2014‬وهى‬
‫فتـرة االعالن الدسـتوري‪.‬‬
‫مشكلة البحث‪:‬‬
‫مـر التاريـخ السياسـي لليبيـا بعـدة فتـرات مختلفـة‪ ،‬تمثلت فـي فترة الحكـم الملكي ومرحلة‬
‫حكـم القذافـي‪ ،‬والمرحلـة االنتقاليـة‪ ،‬وفـى كل مرحلـة مـن المراحـل اختلفـت فيهـا نواتـج‬
‫عمليـة صنـع السياسـة العامـة للدولـة‪ ،‬حيـث ارتبطـت عمليـة صنـع السياسـة العامـة بـدور‬
‫السـلطات التشـريعية والتنفيذيـة وفقـا للسـياق الدسـتوري لـكل فتـرة‪ ،‬ومن خالل ذلـك َّ‬
‫فإن هذا‬
‫البحـث يحـاول اإلجابـة علـى التسـاؤالت التاليـة‪:‬‬
‫‪ -1‬هـل يؤثـر اختلاف السـياق الدسـتوري للسـلطات العامـة التشـريعية والتنفيذيـة عبـر فترات‬
‫زمنيـة مختلفـة علـى عمليـة صنـع السياسـة العامة؟‬
‫‪-2‬هـل توجـد عالقـة بيـن وظيفـة السـلطة التشـريعية والتنفيذيـة فـي الماضـي بعمليـة صنـع‬
‫السياسـة العامـة فـي الحاضـر وفقا للسـياق الدسـتوري؟‬

‫((( عامـر الكبيسـي‪ ،‬السياسـات العامة مدخل لتطويـر أداء الحكومات‪( ،‬القاهرة‪ :‬منشـورات المنظمـة العربية للتنمية‬
‫إلدارية‪ )2008 ،‬ص‪.3‬‬
‫((( مصطفـي عبـد اهلل خشـيم‪ ،‬موسـوعة علـم السياسـة‪ :‬مصطلحـات مختـارة‪ ،‬ط‪( ،2‬مصراتـة‪ :‬الـدار الجماهيرية‬
‫للنشـر والتوزيـع واإلعلان‪ ،)2004 ،‬ص‪.283‬‬

‫‪224‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫‪ -3‬مـا تأثيـر عـدم وجـود دسـتور موحـد علـى عمليـة صنـع السياسـة العامـة فـي ليبيـا بشـكل‬
‫عام؟‬
‫منهجية البحث‪:‬‬
‫سـوف يسـتخدم فـي هـذا البحـث المنهـج المقـارن لتحديـد أوجـه الشـبه واالختلاف فـي‬
‫تم‬
‫السـياق الدسـتوري لـكل مـن السـلطة التشـريعية التنفيذيـة‪ ،‬وفقـا للمراحـل المختلفـة التي ّ‬
‫تحديدهـا‪ ،‬مرتكـزا علـى التحليـل الكيفـي الـذي يرتكـز علـى مدخـل السياسـة العامـة‪.‬‬
‫مصادر البيانات‪:‬‬
‫ّ‬
‫يركـز هـذا البحـث علـى تحليـل دور السـطلة التشـريعية والتنفيذيـة فـي صنـع السياسـات‬
‫العامـة مـن خلال المصـادر األصليـة والثانويـة وتحليـل النصـوص القانونيـة ذات السـياق‬
‫الدسـتوري‪ ،‬وذلـك لتقديـم إجابـات علـى أسـلة البحـث‪.‬‬
‫أهمية البحث‪:‬‬
‫تكمن أهمية هذا البحث في كونه يسـعى إلى توضيح دور السـلطات التشـريعية والتنفيذية‬
‫وأهميتها في رسـم السياسـات العامة‪ ،‬من خالل التركيز على السـياق الدسـتوري لهذه السـلطات‬
‫خلال فتـرات زمنيـة مختلفـة من التاريخ السياسـي للدولة الليبية‪.‬‬
‫احلدود الزمنية‪:‬‬
‫مقسـما‬
‫تنطلـق هـذه الدراسـة مـن خلال تتبعهـا لمراحـل صياغـة دسـتور الدولـة الليبيـة ّ‬
‫إلـى ثلاث مراحـل هـي (‪ )2014-2011/ 2010-1969 /1969-1951‬أي نهايـة مرحلـة‬
‫اإلعلان الدسـتوري‪.‬‬
‫احلدود املكانية‪:‬‬
‫الحدود المكانية للدارسـة‪ ،‬هو دراسـة السـياق الدسـتوري لسـلطات الدولة‪ ،‬ودرها في رسـم‬
‫السياسـة العامة‪.‬‬
‫حمتويات البحث‪:‬‬
‫الجزء االول‪ - :‬إطار مفاهيم الدراسة‬
‫اوال‪ :‬مفهوم الدستور‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬السياسة العامة‪ :‬تعريف إجرائي‪.‬‬
‫الجزء الثاني‪- :‬اإلطار الدستوري للسلطة التشريعية والتنفيذية‪.‬‬
‫أوال‪ - :‬اإلطار الدستوري للسلطة التشريعية‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬اإلطار الدستوري للسلطة التنفيذية‪.‬‬
‫الجزء الثالث‪ :‬اختصاصات السلطة التشريعية والتنفيذية‬
‫أوال‪ :‬اختصاصات السلطة التشريعية‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬اختصاصات السلطة التنفيذية‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬النتائج والخاتمة‪.‬‬

‫‪225‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫اجلزء األول‪ :‬إطار مفاهيم الدستور والسياسة العامة‪:‬‬


‫أوال‪ :‬مفهوم الدستور‪:‬‬
‫العالقـة بيـن الحاكـم والمحكـوم البـد مـن وضعهـا فـي إطـار قانونـي ينظمهـا‪ ،‬فالسـلطة‬
‫الحاكمـة البـد أن تعمـل فـي مؤسسـات لهـا اختصاصـات تكـون مدونـة فـي صـورة قوانيـن عادية‪،‬‬
‫إن القانـون الدسـتوري «هـو‬ ‫أو ميثـاق أو إعلان أو وثيقـة خاصـة‪ ،‬يطلـق عليهـا الدسـتور‪ ،‬حيـث َّ‬
‫القواعـد المنظمـة التـي تنظـم شـكل الدولـة ومؤسسـاتها‪ »،‬ويعـرف أيضـا «بأ ّنَـه القانـون الـذى‬
‫ينظـم السـلطات العامـة الدسـتورية فـي الدولـة فيمـا بينهـا‪ ،‬وفـى عالقتهـا بالمواطنيـن»(((‪.‬‬
‫أن قواعـد‬‫تعـددت تعريفـات القانـون الدسـتوري بحسـب آراء كثيـر مـن العلمـاء‪ ,‬فمنهـم مـن يظـن َّ‬
‫الدسـتور هـي» تعيـن أمـر الحكـم فـي جماعـة سياسـية فـي وقـت معيـن»‪ ،‬حيـث يـرون إن‬
‫أن الدولـة إذا كانـت أسـبق فـي الوجـود‬ ‫الدولـة أسـبق فـي الوجـود مـن الدسـتور((( ‪ ،‬والـرد علـى َّ‬
‫ّ‬
‫َ‬
‫فـإن الحكومـة هـي األخـرى تأخـذ هـذا الوضـع‪ ,‬ألن الحكومـة ركـن مـن أركان‬ ‫علـى الدسـتور‪َّ ،‬‬
‫أن قواعـد القانـون الدسـتوري تتعلـق بشـأن كل‬ ‫الدولـة‪ ,‬واالجمـاع الحاصـل بيـن الفقهـاء اآلن َّ‬
‫مـا يخـص الحكـم فـي الدولـة‪ ,‬فهـي تقيـم المؤسسـات الحاكمـة وتبيـن اختصاصاتهـا‪ ،‬والعالقـة‬
‫بيـن السـلطات‪ ،‬وترسـم معالـم ومالمـح النظـام السياسـي ككل(((‪ ،‬وفـى نفـس السـياق فقـد اتجـه‬
‫بعـض العلمـاء لتقديـم تعريفـات للدسـتور مـن اتجاهيـن‪ ،‬االتجـاه األول عرف الدسـتور من حيث‬
‫الموضـوع ‪ ,‬كذلـك عـرف الدسـتور مـن حيـث الشـكل‪ ،‬حيـث أشـار الدسـتور مـن حيـث الموضـوع‬
‫بأ ّنـه «هـو الـذى يحـدد السـلطة السياسـية ومؤسسـاتها التـي تمارس السـلطة مـن خاللها‪ ,‬تحدد‬
‫الفلسـفة العامـة للدولـة‪ ,‬بمعنـى رؤيـة النـاس فـي الدولـة لمفاهيـم تتعلـق بالحقـوق وحقـوق‬
‫وتـم تقسـيم الدسـتور وفـق لموضوعـه إلـى‪:‬‬‫المواطنيـن»‪َّ ،‬‬
‫نظـام السـلطات فالدسـتور هنـا مـن موضوعاتـه « تحديـد وتكويـن عمـل كل سـلطة مـن‬
‫إن الدسـتور يحـدد طـرق اختيـار المسـؤولين‪ ،‬كذلـك‬ ‫السـلطات الثلاث فـي الدولـة»‪ ،‬حيـث َّ‬
‫طـرق انتخـاب البرلمـان وطريقـة تعيـن أعضـاء السـلطة التنفيذيـة‪ ،‬أيضـا يحدد شـكل السـلطة‬
‫التنفيذيـة هـل هـي واحـدة فـي يـد رئيـس الدولـة أو يتقاسـمها مـع مجلـس الـوزراء‪ ،‬أيضـا ـ فيما‬
‫فـإن الدسـتور يهتـم بالطريقـة التـي تجتمـع فيهـا السـلطات لممارسـة‬ ‫يتعلـق بعمـل السـلطات َّ‬
‫السـلطة والعمـل سـواء فـي مجلـس الـوزراء أو البرلمـان‪،‬‬
‫كمـا يحـدد الدسـتور المـدة الزمنيـة للبرلمـان(((‪ .‬ومـن المواضيـع التـي يهتـم بهـا الدسـتور‬
‫تحديـد صالحيـات كل مـن السـطلة التشـريعية والتنفيذيـة‪ ،‬كذلـك تحديـد الطريقـة التـي‬
‫يقـوم بهـا البرلمـان إصـدار التشـريعات ومناقشـتها ومراقبـة تطبيقها‪ ,‬أيضا ـ يحـدد اختصاصات‬
‫السـلطة التنفيذية ودورها في إعداد القوانين‪ ،‬وفى السـياق ذاته يحدد الدسـتور العالقة بين‬
‫مؤسسـات الدولـة‪ ,‬بمعنـى يحـدد مـا إذا كان النظـام برلمانيـا أو رئاسـي ًا‪ ،‬أيضـا ـ يحـدد العالقـات‬
‫العالقـة بيـن السـلطات الدسـتورية التشـريعية والتنفيذيـة مـن جهـة‪ ،‬والسـلطة القضائيـة مـن‬
‫جهـة أخـرى‪ ،‬كمـا يحـدد درجـة مركزيـة أو عـدم مركزيـة السـلطة‪ ،‬أمـا تعريـف الدسـتور مـن‬
‫حيـث الشـكل‪ ،‬فقـد ركـز هـذا االتجـاه غلـى وجـود نوعيـن مـن القوانيـن همـا‪ :‬القانـون العرفـي»‬
‫الـذى يتكـون مـع الوقـت بطريقـة تلقائيـة»‪ ،‬والقانـون المكتـوب» الـذى يتـم كتابتـه عن طريق‬
‫المشـرع»(((‪ .‬ويمكـن اإلشـارة إلـى أمثلـة الدسـتور العرفـي الـذي كان موجـودا فـي نهايـة القـرن‬

‫((( عبدالقـادر اقـدورة ‪.,‬القانـون الدسـتوري ‪,‬كليـة القانـون ‪:‬جامعـة بنغازي‪(,‬منشـورات دار الكتـب الوطنيـة‬
‫‪،)2009 .‬ص ‪.127‬‬
‫((( رمزي طه الشاعر ‪,‬النظم السياسية والقانون الدستوري ‪(,‬القاهرة‪ ,‬منشورات دار النهضة العربية‪,.)2004.‬ص‪.67‬‬
‫((( رمضان محمد‪ ,‬النظرية العامة للقانون الدستوري ‪(,‬القاهرة‪ ,‬منشورات دار النهضة العربية‪,)2009,‬ص‪.99‬‬
‫((( عبد القادر اقدورة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.128‬‬
‫((( المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.134‬‬

‫‪226‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫الثامـن عشـر‪ ،‬ومـن ذلـك التاريـخ حلـت محلـه الكثيـر مـن الدسـاتير المكتوبـة فـي جميـع انحـاء‬
‫العالـم‪ ،‬باسـتثناء بريطانيـا‪ ،‬ومـن أهـم هـذه الدسـاتير دسـتور فرنسـا فـي ظـل النظـام القديـم‪،‬‬
‫حيث كان دسـتورها شـبه عرفي‪ ،‬وما كان يسـمى بالقوانين األساسـية للملكة»‪ .‬وهو شـبه دسـتور‬
‫«لسـبب ألنـه مـن جهـة هـذه القوانيـن ال تتعلـق بالمواطنيـن‪ ،‬أيضـا ـ هناك الدسـتور اإلنجليزي‬
‫«فهـو دسـتور عرفـي‪ ،‬ولكـن فيـه جـزء مكتوب‪ ،‬فأغلب الدسـتور المؤسسـاتي هو دسـتور عرفي‪».‬‬
‫أن الدستور يلعب دورا كبيرا في تحديد اختصاصات السلطة التشريعية‬ ‫ونالحظ مما سبق َّ‬
‫ّ‬
‫فـإن هـذا البحـث يركـز علـى معرفـة الـدور الـذي تقـوم بـه هـذه‬
‫والتنفيذيـة‪ ،‬ووفقـا لذلـك‪َ ،‬‬
‫السـلطات فـي صنـع السياسـة العامـة للدولـة‪ ،‬مـن خلال سـياق دسـتوري مقـارن‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬السياسة العامة‪ :‬تعريف إجرائي‪:‬‬
‫تعتبـر دراسـة السياسـة العامـة إحـدى االتجاهـات الحديثـة فـي دراسـة النظـم السياسـة‬
‫والسياسـة المقارنـة‪ ،‬فهـي تكشـف عـن النظـام السياسـي‪ ،‬وهـو فـي حالـة حركـة‪ ،‬وتركـز علـى‬
‫أن دراسـة السياسـة العامـة مـن الناحيـة العمليـة‪ ،‬تزيـد‬ ‫مخرجـات العمليـة السياسـية‪ ،‬كمـا َّ‬
‫مـن االرتبـاط بالمجتمـع ومشـاكله(((‪ ،‬فالسياسـة العامـة؛ هـي حقـل مهنـي وأكاديمـي متخصـص‬
‫يسـتند إلـي المنهجيـة والمعرفـة العلميـة المسـتمدة مـن علـوم اجتماعيـة وطبيعيـة متكاملـة‪،‬‬
‫تـدور مجاالتهـا وموضوعاتهـا حـول قضايـا مجتمعيـة عامـة‪ ،‬وللسياسـة العامـة وجهـان؛ أحدهما‬
‫علمـي أكاديمـي يشـكل األسـاس الفكـري والنظـري والمعرفـي‪ ،‬واآلخـر عملـي وتطبيقـي يشـكل‬
‫الترجمـة الواقعيـة للقضايـا واألهـداف التـي تتناولهـا السياسـة العامـة للدولـة (((‪ ،‬وألهميـة‬
‫حقـل السياسـة العامـة‪ ،‬فإ ّنـه سـوف يتـم التركيـز فـي هـذا الجـزء على مفهـوم السياسـة العامة‪،‬‬
‫ونظرياتهـا وأهدافهـا‪ ،‬وقـد حـاول المهتمـون مـن علمـاء السياسـة‪ ،‬واإلدارة العامـة واالجتمـاع‬
‫مـن خلال توجهاتهـم‪ ،‬أن يربطـوا مفهـوم السياسـة العامـة بقضايـا الشـؤون المجتمعيـة العامـة‬
‫ومجاالتهـا التـي تتمثـل فـي الحاجـات والمطالـب والقضايـا والمشـكالت‪ ،‬وعلـى الرغـم مـن تعـدد‬
‫أن هـذا التعـدد ال يعكـس اختالفـ ًا فـي‬ ‫التعريفـات المسـتخدمة لتعريـف السياسـة العامـة‪ ،‬إال َّ‬
‫المضمـون الداخلـي لمفهـوم السياسـة العامـة بشـكل كبيـر‪ ،‬بقـدر مـا يعكـس اختالفـ ًا فـي‬
‫(‪((1‬‬
‫توجهـات علمـاء السياسـة والباحثيـن للوصـول إلى فهم شـامل لدراسـة السياسـات العامة‪.‬‬
‫أن السياسـة العامـة؛ هـي النشـاط المؤسسـي الـذي تقـوم بـه الحكومـة طبقـ ًا لإلمكانيـات‬ ‫كمـا َّ‬
‫المتاحـة‪ ،‬وتختلـف درجـة اشـتراك المؤسسـات السياسـية فـي رسـم السياسـة العامـة مـن نظـام‬
‫المحـددة لكيفيـة تحقيـق األهـداف‬ ‫إلـى آخـر‪ ،‬وعرفهـا البعـض بأنهـا «الخطـوط العريضـة ُ‬
‫العامة»(‪ ،((1‬فالسياســة العامة تجسـد‪ ،‬في واقع األمر‪ ،‬تداخل وتفاعل ثالثة عناصر أساسـية‬
‫هـي‪ :‬النوايـا واألفعـال والنتائـج‪ ،‬وإذا كانـت النوايـا تعنـي‪ :‬مـاذا سـتفعل الدولـة؟ فـإن األفعـال‬
‫فإن النتائج تعكـس كل ما يترتب عن أفعال‬ ‫تجسـد السـلوك الفعلـي للحكومـة أو الدولـة‪ ،‬وعليـه َّ‬ ‫ّ‬
‫الدولـة أو تأثيـر سياسـات الدولـة علـى المجتمـع ككل ‪.‬‬
‫(‪((1‬‬

‫إن اإللمـام بالخلفيـة السياسـية‪ ،‬ال يغنينـا بطبيعـة الحـال عـن اإللمـام بالجوانـب‬ ‫َّ‬
‫االقتصاديـة واالجتماعيـة والثقافيـة والنفسـية ذات العالقـة بالسياسـة العامـة‪ ،‬علـى اعتبـار‬

‫((( نجـوى إبراهيـم محمـود‪ ،‬مفهـوم السياسـة العامـة‪ ،‬مؤسسـة األهرام‪،‬مجلـة الديمقراطيـة ‪،‬العـدد االول‪ ،‬يناير‬
‫(‪،)2001‬ص‪.12‬‬
‫((( نائل عبد الحافظ العواملة‪ ،‬تحليل السياسات العامة‪ ،‬تطبيقات من األردن والخليج(عمان‪ ،‬منشورات جامعة‬
‫االردن‪ ،1999،‬ص ‪.20‬‬
‫(‪ ((1‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.112‬‬
‫(‪ ((1‬عامـر الكبيسـي‪ ،‬السياسـات العامـة مدخـل لتطويـر أداء الحكومـات‪( ،‬القاهـرة‪ :‬منشـورات المنظمـة العربيـة‬
‫للتنميـة إلداريـة‪)2008 ،‬ص‪.3‬‬
‫(‪ ((1‬مصطفـي عبـداهلل خشـيم‪ ،‬موسـوعة علـم السياسـة‪ :‬مصطلحات مختـارة‪ ،‬ط‪( ،2‬مصراتـة‪ :‬الـدار الجماهيرية‬
‫للنشـر والتوزيع واإلعلان‪ ،)2004 ،‬ص‪.283‬‬

‫‪227‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫تجسـد أيضـًا تأثيـر‬


‫ّ‬ ‫َّ‬
‫ولكنهـا‬ ‫أن السياسـة العامـة ال تعكـس فقـط الظـروف البيئيـة السياسـية‪،‬‬ ‫َّ‬
‫الظـروف البيئيـة االقتصاديـة واالجتماعيـة والثقافيـة والنفسـية(‪ ،((1‬وتعرف السياسـة العامة‬
‫بشـكل عـام بأنهـا «تخصيـص سـلطوي للقيـم»‪ ،‬كمـا أنهـا «منهـج عمـل هـادف يوجـه التعامل مع‬
‫قضايـا ومشـكالت مجتمعيـة حيويـة»(‪..((1‬‬
‫أن السياسـة العامـة هـي مـا تقـوم بـه الحكومـة‬ ‫مـن خلال التعريفـات السـابقة‪ ،‬يتضـح َّ‬
‫مـن وظائـف عمليـة لألهـداف المحـددة وفقـ ًا لإلمكانيـات المتاحـة للنظـام السياسـي‪ ،‬وتصنـف‬
‫الدراسـات الخاصـة بالسياسـة العامـة اتجاهـات علمـاء السياسـة فـي تعريفهـم للسياسـة العامـة‬
‫إلـى ثالثـة اتجاهـات كالتالـي‬
‫االجتاه األول‪ :‬السياسة العامة كنظام متداخل‪:‬‬
‫يمثـل مفهـوم (النظـام) وحـدة كليـة مؤلفـة مـن مجموعـة أجـزاء فرعيـة أو أنظـم فرعيـة‪،‬‬
‫تشـكل فيمـا بينهـا عنـد (ديفيـد أسـتون) مجموعـة مدخلات النظـام ومخرجاتـه‪ ،‬وفـي هـذا‬
‫السـياق فإ ّنَـه ينظـر إلـي السياسـة العامـة «كنتيجـة متحصلـة فـي حيـاة المجتمـع مـن منطلـق‬
‫أن السياسـة العامـة هـي محصلـة تفاعـل مـا‬ ‫تفاعلهـا الصحيـح مـع البيئـة الشـاملة»(‪ ،((1‬كمـا ّ‬
‫بيـن األطـراف المؤسسـية والمتطلبـات والمعاييـر المؤثـرة بنظـام السياسـة العامـة ‪ ،‬و ُينظـر‬
‫(‪((1‬‬

‫للسياسـة العامـة أيضـًا مـن خلال قـدرة النظـام علـى االسـتجابة لضغـوط البيئـة المحيطـة‬
‫المتمثلـة فـي المدخلات التـي يتلقاهـا النظـام السياسـي‪ ،‬ويقـوم بمعالجتهـا داخـل الجهـاز‬
‫الحكومـي‪ ،‬وأشـار علمـاء السياسـة‪ ،‬إلـى أن السياسـات العامـة مـا هـي إال تعبيـ ٌر عـن مـا تنـوى‬
‫الحكومـة القيـام بـه اسـتجابة لمطالـب النظـام االجتماعـي التـي يحولها إلى النظام السياسـي‪،‬‬
‫أن السياسـة العامة هو‬ ‫بصفـة عامـة يالحـظ أن التعاريـف السـابقة للسياسـة العامـة تشـير إلـى َّ‬
‫وسـيلة لتحقيـق أهـداف النظـام السياسـي وغاياتـه‪ ،‬مـن خلال تحديد العالقة مـا بين مدخالت‬
‫النظـام ومخرجاتـه‪.‬‬
‫االجتاه الثاني‪ :‬السياسة العامة كعملية‪:‬‬
‫أن السياسـة العامـة عمليـة تتأثـر بالبيئـة‬ ‫وفقـًا لهـذا االتجـاه‪ ،‬يـرى مؤيـدو هـذا االتجـاه ّ‬
‫المحيطـة‪ ،‬وتكـون بالتالـي نتيجـة تفاعـل عديـد العوامـل مـن خلال نظـام مـا يعـرف بالنتائـج‪،‬‬
‫وكذلـك التغذيـة العكسـية‪ ،‬وفـي هـذا الخصـوص يـرى بسـيوني إبراهيم «السياسـة العامـة بأ ّنها‬
‫أفـكار خاصـة مـن قبـل السـلطات الحكوميـة لتصبح هذه المقترحات سياسـة عامـة»(‪ ،((1‬ويرى‬
‫بعـض الباحثيـن أ ّنـه يمكـن التعامـل مـع السياسـة العامـة كعمليـة أو متغيـر مسـتقل‪ ،‬وفـي هـذه‬
‫أن منظمـات اإلدارة العامـة أو تسـاهم‬ ‫الحالـة يتـم الفصـل بيـن اإلدارة والسياسـة علـى اعتبـار ّ‬
‫بطريقـة مباشـرة أو غيـر مباشـرة فـي المراحـل المختلفـة لعمليـة السياسـة العامـة(‪ ،((1‬وتـرى‬
‫أن السياسـة العامـة كعمليـة‪ ،‬ماهـي إال معالجـة النظام للمدخالت من خالل سياسـيات‬ ‫الباحثـة ّ‬
‫الحكومـة التـي تحولـت إلـى مخرجـات فـي شـكل أهـداف‪.‬‬

‫(‪ ((1‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪. 284‬‬


‫(‪ ((1‬نائل عبد الحافظ العواملة‪ ،‬تحليل السياسات العامة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.20‬‬
‫(‪ ((1‬نائل العواملة‪ ،‬تحليل السياسات العامةمرجع السابق‪ ،‬ص‪.75‬‬
‫(‪ ((1‬أمانـي مسـعود‪ ،‬السياسـات العامـة‪ « ،‬تطور المفهوم واقترابات الدراسـة «‪ ،‬مجلة السياسـة العامـة‪ ،‬العدد (‪)3‬‬
‫‪ ،2007‬ص‪.5‬‬
‫(‪ ((1‬دراسات وأبحاث في العلوم السياسة‪،‬شبكة طلبة جامعة الجزائر‪net.etudiantdz.www ،‬‬
‫ص ‪ ،5‬تاريخ الدخول ‪.2013/8/24‬‬
‫(‪ ((1‬مصطفـي عبداهلل خشـيم‪،‬مناهج وأسـاليب البحث السياسـي‪ ،‬الطبعـة األولى(بنغازي‪ :‬دار الكتـب الوطنية الطبعة‬
‫األولى‪ ،)2002 ،‬ص‪.97‬‬

‫‪228‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫االجتاه الثالث‪ :‬السياسة العامة كتعبري عن أفعال حكومية‪:‬‬


‫توصـف الحكومـة عامـة بالبنيـة التنظيميـة‪ ،‬حيث تمثل باألجهزة والمؤسسـات التي تقوم‬
‫بتنفيـذ األهـداف المطلوبـة فـي صـورة خطـط ومقترحـات‪ ،‬وقـد عـرف (هنـري تونى ) السياسـة‬
‫العامـة وفقـًا لهـذا االتجـاه بأ ّنهـا «تلـك الوسـائل المعتمـدة من خالل الحكومة في سـبيل إحداث‬
‫تغيـرات معينـة داخـل النظـام االجتماعـي للدولـة»‪ ،‬وأشـار بعـض العلمـاء السياسـيين إلـى ّ‬
‫أن‬
‫السياسـة العامـة مـا هـي إال تعبيـر عـن األداء الحكومـي وتنفيـذ المطالـب‪ ،‬لذلـك ُع ِّرفـت بأ ّنهـا‬
‫«برنامـج عمـل هـادف يوجـه ويرشـد المتعاملين مع مشـكلة تثير االهتمـام»(‪ ،((1‬وعرفها جيمس‬
‫فـإن السياسـة‬ ‫أندرسـون بأ ّنهـا» العالقـة بيـن الوحـدة الحكوميـة وبيئتهـا»(‪ ،((2‬وبشـكل عـام؛ ّ‬
‫العامـة‪ ،‬طبقـًا لهـذا االتجـاه‪ ،‬ماهـي إال األفعـال الحكوميـة لصنـع السياسـة العامـة للدولـة‪،‬‬
‫فـان هـذا البحـث يركـز علـى دور كل مـن السـلطة التشـريعية والتنفيذية فـي صنع‬ ‫وفـى هـذا السـياق ّ‬
‫السياسـة العامـة الدولـة مـن خلال سـياق دسـتوري مقـارن لبيـان االطـار المؤسسـاتي مـن جهـة‬
‫‪ ،‬ومـن جهـة أخـرى يتـم توضيـح اختصاصـات كل منهمـا‪ ،‬وذلـك للوصـول إلـى اإلجابـة علـى‬
‫التسـاؤالت المطروحـة‪.‬‬
‫اجلزء الثاني‪ :‬اإلطار الدستوري للسلطة التشريعية والتنفيذية‪:‬‬
‫أوال‪ :‬اإلطار الدستوري للسلطة التشريعية‬
‫‪ -1‬الفترة (‪:)1969-1951‬‬
‫مـن خلال تحليـل مـواد الدسـتور الليبـي الصـادر فـي (‪ )1951‬وتحديدا في فصل السـلطات‬
‫بـأن السـلطة التشـريعية يتوالهـا الملـك مع مجلـس األمة‪ ،‬ويصدر‬‫العامـة‪ ،‬أشـارت المـادة (‪ّ )41‬‬
‫أن ُيقرهـا مجلـس األمـة علـى الوجـه المبيـن فـي الدسـتور‪ ،‬وفـى الفصـل‬ ‫الملـك القوانيـن بعـد ْ‬
‫أن مجلـس‬ ‫السـابع مـن هـذا الدسـتور أشـار إلـى مجلـس األمـة حيـث أقـرت المـادة (‪ )93‬منـه إلـى ّ‬
‫األمـة يتكـون مـن مجلـس الشـيوخ‪ ،‬ومجلـس النـواب‪ ،‬وجـاءت المـادة (‪ )94‬لتبين مـا يتألف منه‬
‫أن مجلـس الشـيوخ يتكـون مـن أربعة وعشـرين عضـوا يعينهم‬ ‫مجلـس الشـيوخ‪ ،‬حيـث أشـارت إلـى ّ‬
‫الملـك‪ ،‬وجـاءت المـادة (‪ )96‬لتحـدد الشـروط المقـررة فـي قانـون االنتخـاب‪ ،‬والتـي تمثلـت بأن‬
‫يكـون ليبـي الجنسـية‪ ،‬وال ّ‬
‫يقـل سـنه يـوم التعييـن عن أربعين عاما‪ ،‬أمـا المادة (‪ )97‬أقرت بأن‬
‫الملـك يعيـن رئيـس مجلـس الشـيوخ وينتخـب المجلـس وكيلين‪ .‬أما المادة (‪ )98‬فقد أشـارت إلى‬
‫أن مجلس‬ ‫أن مدة العضوية في مجلس الشـيوخ ثماني سـنوات‪ ،‬وجاءت المادة (‪ )99‬لتشـير إلى ّ‬ ‫ّ‬
‫الشـيوخ يجتمـع عندمـا يجتمـع مجلـس النـواب وتوفـق جلسـاته معـه‪ ،‬أمـا مجلـس النـواب فقـد‬
‫جـاءت كل مـن المـادة (‪ )103(،)101(،)100‬لتحـدد معاييـر أنتخـاب مجلس النواب والشـروط‬
‫أتـم سـنة الثالثـون مـن عمره فـي التقويم‬
‫الواجـب توافرهـا فـي النائـب‪ ،‬والتـي أهمهـا‪ :‬أن يكـون ّ‬
‫الميلادي‪ ،‬وأن يكـون مـن أعضـاء البيـت المالـك‪ ،‬كمـا جـاءت المـواد (‪)106(،)105(،)104‬‬
‫لتوضـح آليـة العمـل االنتخـاب ومـدة مجلـس النـواب‪ ،‬والتـي ال تتجـاوز األربـع سـنوات‪ ,‬وفـى‬
‫السـياق ذاتـه ووفقـا للدسـتور الليبـي المعـدل سـنة ‪ 1963‬وفـى بـاب السـلطات العامـة وفقـا‬
‫فإن السـلطة التشـريعية يتوالها الملك باالشـتراك مع مجلس األمة‪ ،‬ويصدر‬ ‫للمادة (‪ )41‬منه ّ‬
‫الملـك القوانيـن بعـد أن يقرهـا مجلـس األمـة علـى الوجـه المبيـن فـي هـذا الدسـتور‪.‬‬
‫‪ -2‬الفترة (‪:)2010-1969‬‬
‫يمكـن تقسـيم هـذه الفتـرة الـى فترتيـن جزيتيـن همـا‪ :‬مرحلـة اإلعلان الدسـتوري المؤقـت‬

‫(‪ ((1‬دراسـات وأبحاث في العلوم السياسـة‪ ،‬شـبكة طلبة جامعة الجزائر‪ net.etudiantdz.www ،‬مرجع سـابق‪،‬‬
‫ص ‪.4‬‬
‫(‪ ((2‬جيمـس أندرسـون‪ ،‬صنـع السياسـات العامـة‪ ،‬ترجمـة عامر الكبيسـي‪( ،‬عمـان ‪:‬دار الميسـرة للنشـر والتوزيع‪،‬‬
‫‪ ،)2002‬ص‪.14‬‬

‫‪229‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫أن مجلس قيادة الثورة في الجمهورية الليبية هو أعلى‬ ‫‪ ،1969‬حيث أشارت المادة (‪ )18‬إلى ّ‬
‫سـلطة ويباشـر أعمـال السـيادة العليـا ووضـع السياسـة العامـة للدولـة نيايـة عـن الشـعب‪ ،‬وهـو‬
‫بذلـك يتخـذ كافـة التدابيـر الالزمـة التـي يراهـا ضرورية ومناسـبة أما الفتـرة ‪2010_1969‬‬
‫‪ ،‬فقـد تضمنهـا صـدور وثيقـة إعلان سـلطة الشـعب‪ ،‬وهـى أسـاس النظـام السياسـي فـي ليبيـا‪،‬‬
‫وأن الشـعب يمـارس سـلطته عـن طريـق المؤتمـرات الشـعبية‪ ،‬وهـو الـذى يصـدر القوانيـن‪ ،‬كمـا‬ ‫ّ‬
‫تضمنـت هـذه الفتـرة صـدور الوثيقـة الخضـراء لحقـوق االنسـان والتـي كانـت بمثابـة الدسـتور‪،‬‬
‫وباإلشـارة إلـى المبـادئ التـي جـاءت بهـا الوثيقـة الخضـراء‪ ،‬هنـاك إشـارة إلـى أن ابنـاء المجتمع‬
‫الجماهيري يحتكمون إلى شـريعة مقدسـة ذات أحكام ثابتة ال تخضع للتغير أو التدبيل وهى‬
‫الديـن والعرف‪.‬‬
‫‪ -3‬الفترة (‪ )2014-2011‬اإلعالن الدستوري المؤقت للمرحلة االنتقالية‪:‬‬
‫ووفقـًا لإلعلان الدسـتوري المؤقـت الصـادر فـي عـام ‪ 2011‬فقـد جـاءت المـادة (‪)17‬‬
‫أن المجلـس االنتقالـي المؤقـت هـو أعلـى سـلطة فـي الدولـة الليبيـة‪ ،‬ويباشـر‬ ‫منـه لتشـير الـى ّ‬
‫أعمـال السـيادة العليـا بمـا فـي ذلـك التشـريع‪ ،‬ووضـع السياسـة العامـة للدولـة‪ ،‬وهـو الممثـل‬
‫الشـرعي الوحيـد للدولـة‪ ،‬كمـا جـاءت المـادة (‪ )18‬لتوضـح الهيكليـة األساسـية التـي يتكـون‬
‫منهـا المجلـس الوطنـي االنتقالـي حيـث يتكـون مـن ممثليـن عـن المجالـس المحليـة‪ ،‬ويراعـى‬
‫فـي تحديـد ممثلـي كل مجلـس محلـى الكثافـة السـكانية والمعيـار الجغرافـي للمدينـة‪ ،‬وينتخب‬
‫وثـان‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫المجلـس االنتقالـي رئيسـا لـه ونائبـا أول‬
‫ثانيًا‪ :‬اإلطار الدستوري للسلطة التنفيذية‪:‬‬
‫‪-1‬القترة (‪:)1969-1951‬‬
‫وفقـا لدسـتور (‪ )1951‬فقـد جـاءت المـواد (‪ )78‬الـى (‪ )85‬لتوضـح آليـة اختيـار الـوزراء‬
‫بشـكل عـام‪ ،‬والتـي ركـزت علـى أن يكـون ليبـي الجنسـية‪ ،‬ويجـوز لـه أن يجمـع مـا بيـن الـوزارة‬
‫وعضويـة مجلـس األمـة‪ ،‬أيضـا ـ يقـوم مجلـس الـوزراء بـإدارة جميـع شـؤون الدولـة والخارجيـة‪،‬‬
‫كـم أشـارت المـواد (‪ )78‬إلـى (‪ )90‬إلـى منـح مجلـس النـواب الثقـة للحكومـة‪ ،‬وآليـة الرفـض‬
‫واالسـتقالة‪ ،‬وجـاءت المـادة (‪ )91‬لتحـدد مرتبـات رئيـس الـوزراء بالقانـون‪ ،‬أيضـاـ أقـرت المادة‬
‫(‪ )92‬بضـرورة تحديـد مسـؤوليات مجلـس الـوزراء بالقانـون‪.‬‬
‫‪-2‬الفترة من(‪:)2010-1969‬‬
‫وفقـا لإلعلان الدسـتوري الصـادر عـن مجلـس قيـادة الثـورة ‪ 1969‬فقـد جـاءت المـواد‬
‫(‪ )19‬إلـى (‪ )20‬لإلشـارة الـى أن مجلـس قيـادة الثـورة يقـوم بتعيـن مجلـس الـوزراء يتكـون مـن‬
‫رئيـس الـوزراء ووزراء‪ ،‬ويجـوز لـه تعيـن نـواب لرئيـس الـوزراء ‪،‬كمـا يحق لمجلس قيـادة الثورة أن‬
‫يقيـل رئيـس الـوزراء والـوزراء‪ ،‬كمـا أقـرت هـذه المـواد بتولـي مجلـس الـوزراء بتنفيـذ السياسـة‬
‫العامـة للدولـة وفقـا لمـا يخططـه مجلـس قيـادة الثـورة‪ ،‬كذلـك يقـوم مجلـس الـوزراء بدراسـة‬
‫وإعـداد كافـة المشـروعات كذلـك إصـدار الميزانيـة العامـة للدولـة بالقانـون‪ ،‬كمـا تضمنت هذه‬
‫القتـرة بـروز المؤتمـر الشـعب العـام والـذى تنبثـق عنـه( للجنـة الشـعبية العامـة) والتـي تعبيـر‬
‫بمثابـة السـلطة التنفيذيـة‪ ،‬حيـث تتكـون مـن أميـن اللجنة الشـعبية العامة‪ ،‬واألمنـاء لألمانات‬
‫الفرعيـة‪ ،‬وتسـند إليهـم مهـام تنفيـذ السياسـة العامـة للدولـة‪ ،‬حيـث تقـدم هـذه اللجنـة‬
‫تقريرهـا السـنوي عـن أعمالهـا فـي جلسـات المؤتمـر الشـعب العـام فـي جلسـاته السـنوية‪.‬‬
‫‪ -3‬الفترة (‪:)2014-2011‬‬
‫وفقـا لإلعلان الدسـتوري الصـادر عـن المجلـس االنتقالـي‪ ،‬فقـد أشـارت المـادة (‪ )24‬إلى أنّ‬
‫المجلـس االنتقالـي يقـوم بتعيـن مكتبـ ًا تنفيذيـ ًا أو حكومـة مؤقتـة‪ ،‬تتكـون مـن رئيـس وعـدد‬
‫مـن األعضـاء لتسـيير القطاعـات المختلفـة فـي البلاد خلال المرحلـة االنتقاليـة‪ ،‬وللمجلـس‬
‫االنتقالـي الحـق فـي إقالـة رئيـس المجلـس التنفيـذي أو الحكومـة المؤقتـة‪ ،‬أو أي مـن أعضائه‪،‬‬

‫‪230‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫علـى أن يصـدر القـرار أغلبيـة ثلثـي أعضـاء المجلـس‪ ،‬كمـا جـاءت المـادة (‪ )26‬مـن اإلعلان‬
‫يتـم وفقـا لمـا يرسـمه المجلـس‬
‫ّ‬ ‫أن تنفيـذ السياسـة العامـة للدولـة‬ ‫الدسـتوري لتشـير إلـى ّ‬
‫االنتقالـي‪ ،‬حيـث يتولـى المجلـس إصـدار اللوائـح التنفيذية للقوانين الصـادرة‪ ،‬ويتولى المكتب‬
‫التنفيـذي أو الحكومـة المؤقتـة تقديـم مشـروعات القوانيـن التـي تعرض علـى المجلس الوطني‬
‫للنظـر فيهـا واتخـاذ مـا يـراه مناسـبا بشـأنها‪.‬‬
‫وفـى ضـوء مـا تقـدم تشـير الباحثـة ومـن خلال تحليـل بعـض المـواد للنصـوص القانونيـة‬
‫موضـع الدراسـة‪ ،‬بوجـود إطـار دسـتوري لـكل مـن السـلطة التشـريعية التنفيذيـة‪ ،‬وإن اختلـف‬
‫هـذا اإلطـار مـن فتـرة إلـى أخـرى تبعـا للظـروف السياسـة للدولـة الليبيـة‪ ،‬وقـد انعكـس ذلـك‬
‫االختالف على دور السـلطات الدسـتورية (التشـريعية‪ -‬والتنفيذية) في صنع السياسـة العامة‬
‫للدولة‪.‬‬
‫اجلزء الثالث‪ :‬اختصاصات السلطة التنفيذية والتشريعية‪:‬‬
‫أو ًال‪ :‬اختصاصات السلطة التشريعية‪:‬‬
‫‪-1‬الفترة ‪:1969-1951‬‬
‫وفق ًا للمادة (‪ )41‬من الدسـتوري الليبي السـلطة التشـريعية يتوالها الملك باالشـتراك مع‬
‫مجلـس األمـة‪ ،‬ويصـدر الملـك القوانيـن بعـد أن يقرهـا مجلـس األمـة (مجلـس النـواب ‪ ،‬ومجلـس‬
‫الشـيوخ) علـى الوجـه المبيـن فـي الدسـتور‪ ،‬أمـا المـواد (‪ )121(،)120‬فقد أكـدت على ّ‬
‫أن كل‬
‫يتـم رفضـه مـن مجلـس األمـة ال يجـوز تقديمـه ثانيـة فـي الدورة ذاتهـا‪ ،‬ويصدق‬
‫مشـروع قانـون ّ‬
‫الملـك علـى القوانيـن خلال ثالثيـن يومـا مـن إبالغها إليه‪ ،‬وخالل هذه المـدة يطلب من مجلس‬
‫األمـة إعـادة النظـر فـي هـذه القوانيـن‪ ،‬وعلـى المجلـس فـي هـذه الحالـة إعـادة البحـث فيها من‬
‫جديـد‪ ،‬وعنـد الموافقـة عليهـا مـن ِقبـل ثلثـي أعضـاء مجلـس األمـة يتـم التصديـق عليهـا مـن‬
‫ِقبـل الملك‪.‬‬
‫‪-2‬الفترة ‪:2010-1969‬‬
‫وفقـا لإلعلان الصـادر عـن مجلـس قيـادة الثـورة فـي ‪ 1969‬فقـد أشـارت المـادة (‪ )18‬منـه‬
‫أن مجلـس قيـادة الثـورة هـو أعلـى سـلطة فـي الجمهوريـة الليبيـة‪ ،‬ويباشـر أعمـال السـيادة‬‫إلـى ّ‬
‫العليا والتشـريع‪ ،‬ووضع السياسـة العامة للدولة نيابة عن الشـعب‪ ،‬وأ ّنه بهذه الصفة أن تتخذ‬
‫كافـة التدابيـر التـي يراهـا ضروريـة لحمايـة الثورة والنظام القائم فيها‪ ،‬وفى السـياق ذاته فقد‬
‫أقر بأن القرأن الكريم هو شـريعة‬‫جاء إعالن قيام سـلطة الشـعب في ‪ 2‬مارس ‪ ، 1977‬حيث ّ‬
‫المجتمـع‪ ،‬وأن السـلطة الشـعبية المباشـرة هـي أسـاس النظـام السياسـي فـي ليبيـا‪ ،‬وال سـلطة‬
‫لسـواه‪ ،‬ويمـارس الشـعب سـلطته عـن طريـق المؤتمـرات الشـعبية‪ ،‬ويحد القانون نظـام عملها‪.‬‬
‫‪-3‬الفترة من ‪:2014-2010‬‬
‫ووفقـا للمـادة (‪ )18‬مـن اإلعلان الدسـتوري الصـادر فـي ‪ ،2011‬يعتبـر المجلـس االنتقالي‬
‫هـو أعلـى سـلطة فـي الدولـة الليبيـة‪ ،‬ويباشـر أعمـال السـيادة العليـا بمـا فـي ذلـك التشـريع‪،‬‬
‫ويسـتمد شـرعيته مـن ثـورة السـابع عشـر مـن فبرايـر‪ ،‬وهـو المؤتمـن علـى ضمـان الوحـدة‬
‫الوطنيـة وسلامة المواطنيـن‪ ،‬والمصادقـة علـى المعاهـدات الدوليـة‪ ،‬وبنـاء أسـس الدولـة‬
‫المدينـة الدسـتورية الديمقراطيـة‪.‬‬
‫وبنـاءا علـى هـذا السـياق ومـن خلال التحليل لالختصاص التشـريعي‪ ،‬يمكن اسـتنتاج وجود‬
‫إطـارًا تشـريعيًا يعكـس السـلطة التشـريعية‪ ،‬وإن اختلـف هـذا اإلطار من فتـرة زمنية إلى أخرى‪،‬‬
‫تـم سـردها لتوضيح أهمية الـدور الذي تقوم به‬ ‫ووفقـا للفتـرات الزمنيـة محـل المقارنـة‪ ،‬والتـي ّ‬
‫السـلطة التشـريعية في صنع السياسـة العامة للدولة‪.‬‬

‫‪231‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫ثانيا ‪:‬اختصاصات السلطة التنفيذية‪-:‬‬


‫‪-1‬الفترة من ‪:1969-1951‬‬
‫أن الملـك يقـوم بتعيـن رئيـس‬ ‫أشـارت المـادة (‪ )78‬مـن الدسـتور المعـدل فـي ‪ 1961‬إلـى ّ‬
‫الـوزراء‪ ،‬ويتآلـف مجلـس الـوزراء مـن رئيـس الـوزراء والـوزراء الذيـن يوافـق الملـك علـى تعينهـم‬
‫بناء على ما يعرضه عليه رئيس الوزراء‪ ،‬كما أشـارت المادة (‪ ، )85‬إلى أن توقيعات الملك في‬ ‫ً‬
‫شـؤون الدولـة يجـب لنفادهـا أن يوقـع عليهـا رئيـس الـوزراء والـوزراء المختصـون‪ ،‬ويعيـن رئيـس‬
‫الـوزراء مسـؤولون تجـاه‬
‫َ‬ ‫الـوزراء و ُيعفـى مـن منصبـه بأمـر ملكـي‪ ،‬كمـا أكـدت المـادة (‪ّ ، )86‬‬
‫أن‬
‫مجلـس النـواب مسـوؤلية مشـتركة عـن السياسـية العامـة للدولـة‪.‬‬
‫‪-2‬الفترة من ‪:2010 -1969‬‬
‫انقسـمت هـذه المرحلـة إلـى فترتيـن‪ ،‬وكل مرحلـة اختلـف فيهـا اإلطـار المؤسسـي للسـلطة‬
‫التنفيذيـة‪ ،‬ففـي الفتـرة ‪ 1977- 1969‬مجلـس قيـادة الثـورة هو المسـؤول عـن تعيين مجلس‬
‫للـوزراء وفقـا للمـواد (‪ )22(-)19‬مـن إعلان مجلـس قيـادة الثـورة‪ ،‬والـذى يتكـون مـن رئيـس‬
‫للـوزراء ووزراء ويجـوز لـه تعيـن نائـب لرئيس الـوزراء بدون وزارة‪ ،‬ومن مهام مجلس الوزراء تنفيذ‬
‫السياسـة العامـة للدولـة ووفقـا لمـا يرسـمه مجلـس قيـادة الثـورة‪ ،‬كمـا يقـوم مجلـس الـوزراء‬
‫بإعـداد كافـة المشـروعات‪ ،‬كذلـك يقـوم بإصـدار الميزانيـة العامـة للدولـة‪ ،‬أمـا الفتـرة مـن‬
‫‪ 2010-1977‬ووفقـا إلعلان قيـام سـلطة الشـعب‪ّ ،‬‬
‫فـإن المؤتمـر الشـعبي العام يقـوم باختيار‬
‫اللجنـة الشـعبية العامـة «والتـي هـي أعلـى سـلطة تنفيذيـة فـي ليبيـا‪ ،‬وأمانـة اللجنـة تماثـل‬
‫مجلـس الـوزراء‪ ،‬وأمينهـا يناظـر رئيـس الوزراء‪ ،‬وتتكون اللجنة الشـعبية العامة‪ :‬من أمناء اللجان‬
‫الشـعبية‪ ،‬ومـن أمنـاء اللجـان الشـعبية للمؤتمـرات الشـعبية األساسـية ‪ ،‬وأمنـاء اللجان الشـعبية‬
‫العامـة للقطاعـات‪ ،‬ويقـوم المؤتمـر الشـعبي العـام باختيـار أميـن اللجنـة الشـعبية «رئيـس‬
‫الوزراء» واألمناء المسـاعدين للجنة الشـعبية» الوزراء»‪ ،‬وتتمثل اختصاصات اللجنة الشـعبية‬
‫العامـة فـي تنفيـذ القوانيـن والقـرارات الصـادرة عـن المؤتمرات الشـعبية العامة األساسـية التي‬
‫تمـت صياغتهـا فـي المؤتمـر الشـعبي العام‪ ،‬كذلك اقتراح مشـروع الميزانية السـنوية‪ ،‬ومشـروع‬
‫ميزانيـة التحـول وإحالتهـا الـى مجلـس التخطيـط العـام‪ ،‬أيضـا متابعـة أعمـال اللجـان الشـعبية‬
‫للقطاعـات والشـعبيات‪ ،‬ومـن اختصاصاتها تشـجيع االسـتثمارات األجنبية فـي الداخل والخارج‪،‬‬
‫أيضـا ـ وضـع الضوابـط المتعلقـة باإليفـاد للعمـل أو الدراسـة‪.‬‬
‫‪ -3‬الفترة من ‪:2014-2011‬‬
‫جـاءت المـادة (‪ )26‬مـن اإلعلان الدسـتوري بـأن تنفـذ السياسـة العامـة للدولـة وفقـا لمـا‬
‫يرسـمه المجلـس االنتقالـي‪ ،‬كمـا يتولـى المجلـس االنتقالـي إصـدار اللوائح التنفيذيـة للقوانين‬
‫الصـادرة‪ ،‬ويتولـى المكتـب التنفيـذي أو الحكومـة المؤقتـة تقديـم مشـروعات القوانيـن التـي‬
‫تعـرض علـى المجلـس الوطنـي للنظـر فيهـا واتخـاذ مـا يـراه مناسـبا بشـأنها‪.‬‬
‫وفى سـياق ما تقدم من سـرد ال اختصاصات السـلطة التنفيذية‪ ،‬يتضح وجود اختالف في‬
‫الوظائـف التـي تقـوم بهـا السـلطة التنفيذيـة تبعـا للفتـرة الزمنيـة‪ ،‬نتيجـة الختلاف اإلطـار‬
‫المؤسسـي لـكل منها‪.‬‬

‫‪232‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫اجلزء الرابع‪ :‬التحليل والنتائج‪:‬‬


‫مـن خلال المقارنـات فـي السـياق الدسـتوري لـكل مـن السـلطة التشـريعية والتنفيذيـة وفقا‬
‫للمراحـل التاريخيـة التـي تناولتهـا الدراسـة‪ ،‬وللوصـول إلـى فهـم أعمـق لتحديـد أوجـه الشـبه‬
‫واالختلاف بيـن عمليـة صنـع السياسـة العامـة لـكل مرحلـة مـن المراحـل‪ ،‬فقـد تـم األخـذ‬
‫بعـدد مـن المعاييـر التـي قـد تكـون كافيـة لتحقيـق المنهـج المقـارن وفقـا لمـا تتطلبـه أسـئلة‬
‫الدراسـة‪ ،‬وتتمثـل هـذه المعاييـر (اإلطـار المؤسسـي والدسـتوري لـكل سـلطة وفقـا للمرحلـة‬
‫المسـألة العامة‬
‫التاريخيـة ‪ -‬دور السـلطات الدسـتورية فـي عمليـة صنـع السياسـة العامـة‪ -‬مدى ُ‬
‫لهـذه السـلطات) وفيمـا يلـى جـدول يوضـح أهـم المعاييـر المسـتخدمة في هذه الدراسـة مقارنة‬
‫بـكل فتـرة زمنيـة‪.‬‬
‫الفترات الزمنية المستخدمة في الدراسة‬ ‫المعايير‬
‫‪2014-2010‬‬ ‫‪2010-1977‬‬ ‫‪1977-1969‬‬ ‫‪1969-1951‬‬

‫‪ -1‬اإلطار المؤسسي للسلطتين‬


‫‪3‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪4‬‬
‫التشريعية ‪ -‬والتنفيذية‬
‫‪2‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪4‬‬ ‫‪-2‬عملية صنع السياسة العامة‬
‫المسألة العامة للسلطة‬
‫ُ‬
‫‪2‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪4‬‬
‫التنفيذية‬
‫‪(3‬جيد جدا)‬ ‫‪(2‬جيد)‬ ‫‪(1‬ضعيف)‬ ‫‪0‬‬ ‫المؤشر‬

‫أسئلة الدراسة تمثلت في‪:‬‬


‫‪ -1‬هل يؤثر اختالف السـياق الدسـتوري لكل من السـلطة التشـريعية والتنفيذية على عملية‬
‫صنع السياسـة العامة؟‬
‫‪ -2‬ما تأثير عدم وجود سياق دستوري موحد على عملية صنع السياسة العامة؟‬
‫‪ -3‬هـل يوجـد عالقـة بيـن االخلاف فـي السـياق الدسـتوري للسـلطات وبيـن عمليـة صنـع‬
‫السياسـة العامـة؟‬
‫من خالل تحليل بيانات الجدول السابق يمكن االجابة على تساؤالت الدراسة كما يلى‪:‬‬
‫‪ -1‬اإلطار املؤسسي‪:‬‬
‫فـي الفتـرة ‪ 1969-1951‬وفقـا لبيانـات الجـدول فقـد كان اإلطـار المؤسسـي «ممتـاز»‪،‬‬
‫وذلـك مـن خلال وجـود مؤسسـة تشـريعية ممثلـة فـي مجلـس األمـة (مجلـس النـواب ‪ -‬ومجلـس‬
‫الشـيوخ) تقـوم بمهـام تشـريعية وفقـا لمـا يحـده الدسـتور‪ ،‬أيضـاـ وجـود مؤسسـة تنفيذيـة‬
‫تتمثـل فـي تعيـن مجلـس وزراء ووزراء وفقـا للمـادة (‪ )42‬والمـادة (‪ )61‬مـن الدسـتور المعـدل‪،‬‬
‫أمـا الفتـرة الزمنيـة مـن ‪ 1977-1969‬اإلطـار المؤسسـي لـم يكـن موجـودًا (ضعيـف)‪ ،‬وإنمـا‬
‫المشـرع كمـا كان يخطـط السياسـة العامـة للدولـة‪ ،‬وهـو‬
‫كان مجلـس قيـادة الثـورة هـو بمثابـة ُ‬
‫الـذى يقـوم اختيـار مجلـس الـوزراء والـوزراء‪ ،‬وفى السـياق ذاتـه وخالل الفتـرة الزمنية ‪-1977‬‬
‫‪ 2010‬فقـد تشـكل إطـارًا مؤسسـيا (جيـدا) تمثـل في المؤتمر الشـعبي العـام الذى يصدق على‬
‫التشـريعات النافـذة مـن المؤتمـرات الشـعبية الفرعيـة وينظـر فيهـا‪ .‬أمـا السـلطة التنفيذيـة‬
‫فتناظرهـا اللجنـة الشـعبية العامـة ولجانهـا الفرعيـة التي تعمل على تنفيـذ قرارات المؤتمرات‬
‫الشـعبية التـي تعكـس عمليـة صنـع السياسـة العامـة للـدول‪ ،‬وفـى االطار ذاته وخلال المرحلة‬
‫االنتقاليـة مـن ‪ 2014-2011‬فـإن اإلطـار المؤسسـي (جيـد جـدا) حيـث أصـدر المجلـس‬

‫‪233‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫االنتقالـي بصفتـه أعلـى سـلطة فـي البلاد إعالنا دسـتوريا تضمن مجموعة من التشـريعات التي‬
‫أصبحـت نافـذة فـي تلـك الفتـرة بحكـم الظـروف االنتقاليـة التـي مـرت بهـا ليبيـا‪ ،‬كمـا تمثلـت‬
‫السـلطة التنفيذيـة بوجـود مجلـس تنفيـذي يكـون مـن رئـس ومجموعـة وزراء‪ ،‬حيـث يقـوم‬
‫هـذا المجلـس بـإدارة شـؤون البلاد خلال المرحلـة االنتقاليـة وفقـا لمـا ينـص عليـه اإلعلان‬
‫الدستوري‪.‬‬
‫‪ -2‬عملية صنع السياسة العامة‪:‬‬
‫وفقـا لبيانـات الجـدول ومـن خلال التحليـل الوصفـي لهـذه البيانـات‪ ،‬فقـد كانـت عمليـة‬
‫صنـع السياسـة العامـة فـي الفتـرة ‪( 1969-1951‬ممتـازة) ‪ ،‬ونتيجـة لوجـود إطـار مؤسسـي‬
‫متكامـل لـكل مـن السـلطة التشـريعية والتنفيذيـة‪ ،‬فقـد أنعكـس ذلـك على تحسـن عملية صنع‬
‫السياسـة العامـة مـن خلال وجـود قاعـدة تشـريعية قويـة نافـذة فـي كل المجـاالت الخدميـة‬
‫التـي تهـم المواطـن‪ ،‬وفـى نفس السـياق وخالل الفترة الزمنيـة ‪ 1977_1969‬أصبحت عملية‬
‫صنـع السياسـة العامـة (جيـدة )‪ ،‬لكنهـا لـم تكـن واضحـة المالمـح لعـدم وجـود إطـار تشـريعي‪،‬‬
‫حيـث كان مجلـس قيـادة الثـورة هـو الجهـة التـي تصدر التشـريعات‪ ،‬أما السـلطة التنفيذية فهي‬
‫منتخبـة مـن مجلـس قيـادة الدولـة لتسـير أمـور الدولـة وفقـا لمـا يخططـه لهـا مجلـس الثـورة‪،‬‬
‫أمـا الفتـرة الزمنيـة ‪ ، 2014- 2011‬فقـد عمليـة صنـع السياسـة العامـة (جيـدة) نتيجـة‬
‫للظـروف االنتقاليـة التـي مـرت بهـا ليبيـا‪ ،‬حيـث تم إصدار بعض التشـريعات مـن قبيل المجلس‬
‫االنتقالـي‪ ،‬والتـي تخـص المرحلـة االنتقاليـة‪ ،‬كمـا تولـى المجلـس التنفيذي والـذى هو بمثابة‬
‫السـطلة التنفيذيـة بتسـير أمـور الدولـة فـي كافـة المجـاالت الخدميـة التـي تهـم المواطـن فـي‬
‫تلـك المرحلة‪.‬‬
‫‪ -3‬املسالة العامة‪:‬‬
‫المسـألة العامـة‪ ،‬ومـن خلال‬ ‫تمثلـت الفتـرة الزمنيـة ‪ 1969-1951‬بدرجـة عاليـة مـن ُ‬
‫مـا اشـارت إليـه مـواد الدسـتور الليبـي الصـادر فـي ‪ ،1951‬حيـث تناولـت المـواد (‪)89()88‬‬
‫المسـألة‬
‫للمسـألة العامـة(‪ ،((2‬أما الفترة ‪ 1977-1969‬فقد كانت ُ‬ ‫(‪ )90‬منهـا أحكامـا واضحـة ُ‬
‫(ضعيفـة) لعـدم وجـود إطـار مؤسسـي واضـح لـكل مـن السـلطة التشـريعية والتنفيذيـة‪ ،‬حيـث‬
‫المشـرع وهـو الـذى يعيـن رئيـس الـوزراء والوزراء‪ ،‬وفى السـياق‬
‫ِّ‬ ‫كان مجلـس قيـادة الثـورة بمثابـة‬
‫المسـألة العامـة خلال الفتـرة ‪ ،2010 -1977‬حيـث اقتصـر األمـر‬ ‫ذاتـه لـم تختلـف نسـبة ُ‬
‫علـى ُمسـألة السـلطة التنفيذيـة مـن ِقبـل أمانـة المؤتمـر الشـعبي الـذى قـد يأخـذ قـرارات‬
‫اإلقالـة بشـأنها فـي بعـض األحيـان وفـى الشـأن ذاتـه‪ ،‬وخلال الفتـرة ‪ 2014-2011‬كانـت‬
‫المسـألة (جيـده) وبالرغـم مـن وجـود ديـوان المحاسـبة‪ ،‬وجهـاز الرقابـة اإلداريـة والتـي كانـت‬ ‫ُ‬
‫تصـدر تقاريـر عـن الفسـاد اإلداري والمالـي‪ ،‬لكنهـا لـم تكـن إال مجـرد تقاريـر ورقيـة لـم ترقـى‬
‫المسـاءلة العامـة‪.‬‬
‫إلـى مسـتوى تنفيـذ ُ‬
‫واستكماال لما سبق وعند اإلجابة عن تساؤالت الدراسة نجد ّ‬
‫أن‪:‬‬
‫‪ -1‬قـد أثـر االختلاف فـي السـياق الدسـتوري بشـكل كبيـر علـى عمليـة صنـع السياسـة العامـة‬
‫تـم تحليلـه مـن خلال المعاييـر المسـتخدمة‪.‬‬ ‫للدولـة ووفقـا لمـا ّ‬
‫‪ -2‬عدم وجود دستور موحد للدولة‪ ،‬قد نتج عنه تتذبذب في صنع السياسات العامة‪.‬‬
‫‪ -3‬توجـد عالقـة مـا بيـن االختلاف فـي اإلطـار المؤسسـي للسـطلتين التشـريعية والتنفيذية‪،‬‬
‫وبيـن عمليـة رسـم السياسـة العامـة‪ ،‬وذلـك ناتـج لعـدم ثبـوت الهيـاكل اإلدارية داخل مؤسسـات‬
‫الدولة‪.‬‬

‫(‪ ((2‬أنظر لمواد الدستور الليبيى ‪.1951‬‬

‫‪234‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫قائمة املراجع‬
‫أوال‪ :‬الوثائق‪:‬‬
‫‪1 .‬الدستور الليبي ‪.1951‬‬
‫‪2 .‬الدستور المعدل ‪.1963‬‬
‫‪3 .‬اإلعالن الدستوري ‪.1969‬‬
‫‪4 .‬إعالن قيام سلطة الشعب ‪.1977‬‬
‫‪5 .‬الوثيقة الخضراء لحقوق اإلنسان‪.‬‬
‫‪6 .‬اإلعالن الدستوري الصادر عن المجلس االنتقالي ‪.2011‬‬

‫ثانيا‪ :‬الكتب‪:‬‬
‫‪1 .‬اندرسون‪ ،‬جيمس‪ .‬صنع السياسات العامة‪ .‬عامر الكبيسي‪ ،‬عمان‪ :‬دار الميسرة للنشر والتوزيع‪.2002 ،‬‬
‫‪2 .‬الكبيسـي‪ ،‬عامـر‪ .‬السياسـات العامـة مدخـل لتطويـر أداء الحكومـات‪ .‬القاهـرة‪ :‬منشـورات المنظمـة العربيـة‬
‫للتنميـة اإلداريـة‪.2008 ،‬‬
‫‪3 .‬أبـو قاعـود‪ ،‬غـازي‪ ».‬وظيفـة محلـل السياسـة العامـة فـي األردن ‪ :‬دراسـة وصفية تقويمية «في تحليل السياسـات‬
‫العامـة فـي الوطن العربي‪ .‬تحرير سـلوى شـعراوي‪.2004 ،‬‬
‫‪4 .‬اقدورة‪ ،‬عبد القادر‪ .‬القانون الدستوري‪ .‬بنغازي‪ :‬منشورات دار الكتب الوطنية‪.2009،‬‬
‫‪5 .‬الفهـداوي‪ ،‬فهمـي خليفـة‪ .‬السياسـة العامـة منظـور ككلـى فـي البيئـة والتحليـل‪ .‬عمـان‪ :‬دار الميسـرة للنشـر‬
‫والتوزيـع‪.2001 ،‬‬
‫‪6 .‬العواملـة‪ ،‬نائـل عبـد الحفيـظ‪ .‬تحليـل السياسـات العامـة‪ :‬تطبيقـات مـن األردن والخليـج‪ .‬عمـان‪ :‬منشـورات‬
‫جامعـة األردن‪.1999 ،‬‬
‫‪7 .‬خشـيم‪ ،‬مصطفـي عبـد هللا‪ .‬موسـوعة علـم السياسـة‪ :‬مصطلحـات مختـارة‪ .‬مصراتـه‪ :‬الـدار الجماهيريـة للنشـر‬
‫والتوزيـع واإلعلان‪.2004 ،‬‬
‫‪8 .‬طه‪ ،‬رمزي‪ .‬النظم السياسية والقانون الدستوري‪ .‬القاهرة‪ :‬منشورات دار النهضة العربية‪.2004،‬‬
‫‪9 .‬محمد‪ ،‬رمضان‪ .‬النظرية العامة للقانون الدستوري‪ .‬القاهرة‪ :‬منشورات دار النهضة العربية‪.2009،‬‬

‫ثالثا‪ :‬الدوريات‪:‬‬
‫‪1 .‬مسعود‪ ،‬أماني‪« .‬تطور المفهوم اقتراحات الدراسة»‪ .‬السياسة العامة‪.)2007( 3‬‬
‫‪2 .‬محمود‪ ،‬نجوى إبراهيم‪« .‬مفهوم السياسة العامة»‪ .‬األهرام‪.)2001( ،‬‬

‫رابعا‪ :‬شبكة املعلومات الدولية‬


‫‪1 .‬دراسات وأبحاث في العلوم السياسية شبكة طلبة الجزائر‪.www.etudiantdz.nez ،‬‬

‫‪235‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫معوقات االندماج االجتماعي يف اجلنوب اللييب‬


‫( دراسة ميدانية )‬
‫إعداد‬
‫د‪ .‬يوسف محمد أبو القاسم الصيد‬
‫أستاذ مساعد ‪ -‬رئيس قسم علم االجتماع والخدمة االجتماعية‬
‫كلية اآلداب ‪ -‬جامعة سبها‬
‫القبول‪2023/6/28 :‬‬ ‫ ‬
‫االستالم‪2023/5/18 :‬‬

‫املستخلص‪:‬‬
‫تعـرض المجتمـع الليبـي فـي اآلونـة األخيـرة ‪ -‬واليـزال يتعـرض ‪ -‬إلـى هـزات عنيفـة‪،‬‬
‫كادت أن تعصـف بهـذا المجتمـع وتدمـره‪ ،‬األمـر الـذي انعكس على األقاليم المكونة له‪ ،‬ولعل من‬
‫ً‬
‫ظروفـا اسـتثنائية أثـرت علـى طبيعـة الحياة‬ ‫أهمهـا الجنـوب الليبـي‪ ،‬الـذي عـاش واليـزال يعيـش‬
‫االجتماعيـة واالقتصاديـة والسياسـية والثقافيـة فيـه‪ ،‬مـن هـذا المنطلـق يكمـن الهـدف الرئيس‬
‫فـى التعـرف علـى معوقـات االندمـاج االجتماعـي فـي الجنـوب الليبـي‪ ،‬مـن خلال التعـرف علـى‬
‫مـدى وجـود وعـي مجتمعـي بالظـروف المحيطـة باألسـرة والمجتمـع‪ ،‬وعلى مدى وجـود معوقات‬
‫تختـص بأفـراد الدراسـة (ذاتيـة ‪ -‬اجتماعيـة ‪ -‬اقتصاديـة ‪ -‬سياسـية)‪ ،‬ومـدى وجـود فـروق‬
‫وتبيايـن تعـزى لمتغيـرات‪( :‬النـوع‪ ،‬والمسـتوى التعليمـى‪ ،‬ومحـل اإلقامـة)‪ ،‬اعتمـدت الدراسـة‬
‫علـى (عينـة كـرات الثلـج)‪ ،‬بلـغ إجمالـي أفـراد العينـة (‪ )368‬مفـردة‪ ،‬موزعـة علـى مناطـق‬
‫الجنـوب الليبـي‪ ،‬توصلـت الدراسـة لجملـة مـن النتائـج‪ ،‬مـن أهمهـا‪:‬‬
‫ ‪-‬االسـتبعاد االجتماعـي مـن األسـباب المباشـرة فـي تقسـيم المجتمعـات‪ ،‬حيـث يعمـل فـي‬
‫تضـاد تـام مـع عمليـة االندمـاج االجتماعـي التـي تؤسـس عليهـا المجتمعـات‪ ،‬وأن مفهـوم‬
‫الدولـة مفهـوم ناقـص فـى ظـل عوامـل التهميـش واإلقصـاء والتحايـل السياسـي علـى مبـادئ‬
‫الديمقراطيـة‪.‬‬
‫ ‪-‬تبيـن ارتفـاع مسـتوى إيجابيـة االندمـاج االجتماعـي ألفـراد مجتمـع الدراسـة مـن خلال‬
‫اسـتبصار ذاتهـم‪.‬‬
‫ ‪ -‬وجـود فـروق لصالـح اإلنـاث حـول أبعـاد المقيـاس‪ ،‬فيمـا يتعلـق بمعيقـات االندمـاج‬
‫االجتماعـي‪ ،‬علـى الصعيـد االجتماعـي واالقتصـادي والسياسـي‪.‬‬
‫ ‪-‬اتضـح وجـود اختلاف وعـدم تجانـس بيـن المجموعـات‪ ،‬وبالتالـي وجـود تبايـن ذي داللـة‬
‫إحصائيـة يعـزى لمتغيـر المسـتوى التعليمـي الثانـوي والجامعـي‪.‬‬
‫الكلمات املفتاحية‪ :‬المعوقات – االندماج االجتماعي – الجنوب الليبي‪.‬‬
‫‪Abstract:‬‬
‫‪Libyan society has recently been exposed and is still exposed to violent‬‬
‫‪tremors that almost ravaged and destroyed this society, which was reflected in‬‬
‫‪the regions that make it up, perhaps the most important of which is the south‬‬
‫‪of Libya, which lived and is still living exceptional circumstances that affected‬‬
‫‪the nature of social, economic, political and cultural life in it, from this point of‬‬
‫‪view lies the main goal to identify the obstacles to social integration in southern‬‬
‫‪Libya, by identifying the extent to which there is community awareness of the‬‬

‫‪236‬‬
‫م‬2023 ‫العدد ( الثامن ) يوليو‬ ‫مجلة دالالت‬

circumstances surrounding the family and society, and the extent of the existence
of Obstacles related to the members of the study (subjective - social - economic -
political), and the extent of the existence of differences and variations attributed
to variables (gender, educational level and place of residence), the study relied
on (snowball sample) The total members of the sample (368) single, distributed
over the regions of southern Libya, the study reached a number of results, the
most important of which are:
-Social exclusion is one of the direct causes of the division of societies, as it
works in complete contradiction with the process of social integration on which
societies are based, and that the concept of the state is an incomplete concept
in light of the factors of marginalization, exclusion and political circumvention
of the principles of democracy.
-It was found that the high level of positivity of the social integration of the
members of the study population through self-insight.
-The existence of differences in favor of females on the dimensions of the
scale with regard to obstacles to social integration at the social, economic and
political levels.
-It was found that there is a difference and heterogeneity between the
groups, and therefore there are statistically significant differences attributable
to the variable of secondary and university educational level.
Key words:Obstacles - social integration - southern Libya.

237
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫استهالل‪:‬‬
‫تعرض النسـيج االجتماعي الليبي لهزات عنيفة على اعتبار أن التفكك والتصدع قد أصابه‬
‫فـي فتـرات متالحقـة‪ ،‬األمـر الـذي يدعـو إلى وجـوب تحقيق آلية (لالندمـاج االجتماعي)‪ ،‬بهدف‬
‫حل األزمة الليبية المسـتعصية‪" ،‬إن االندماج االجتماعي وسـيلة فاعلة في زيادة الترابط بين‬
‫مكونات المجتمع‪ ،‬ويكون ذلك من خالل إيجاد وسـيلة انسـجام‪ ،‬وإقامة سـلطة مركزية تنظيمية‬
‫تكـون قـادرة علـى بسـط النفـوذ وتطبيـق القانـون فـي ربـوع الدولـة‪ ،‬باإلضافـة إلـى المواءمة بين‬
‫النخب والجماهير"(((‪.‬‬ ‫ُ‬
‫ّ‬
‫ويوصف االندماج االجتماعي بأنَه من الموضوعات السيدة والحاضرة في الفكر السسيولوجي‬
‫المعاصـر‪ ,‬فهـو مـن الركائـز األساسـية التـي يرتكـز عليهـا المجتمـع‪ ،‬بمعنى أ ّنَـه ال يخلو مجتمع ما‬
‫مـن وجـود جماعـات تفتقـر لعمليـة االندمـاج في المجتمـع الذي تعيش فيه‪ ،‬فـي كل األحوال فإن‬
‫فهـم مسـألة االندمـاج االجتماعـي يكـون فـي إطـار "جدلية العالقـة" بين المجتمـع والدولة‪ ،‬وإن‬
‫غيابـه ال يرجـع إلـى ضعـف القـدرات الفرديـة‪ ،‬بـل هـو حصـاد بيئـة اجتماعيـة‪ ،‬إذًا فهـو قضيـة‬
‫اسـتبعاد‪ ،‬علـى هـذا األسـاس ميـز العالـم "ماكـس فيبـر" بيـن االندمـاج واالسـتبعاد‪ ،‬إذ يـرى‬
‫"أن االسـتبعاد أحـد أشـكال االنغلاق االجتماعـي‪ ,‬فهـو يـرى أن االنغلاق االسـتبعادي هـو محاولـة‬ ‫َّ‬
‫جماعـة معينـة السـيطرة علـى مركـز معين على حسـاب جماعـة أخرى‪ ,‬بالتالي فـإن االندماج هو‬
‫وسـيلة لتبيان واقع (اإلقصاء االجتماعي)‪ ،‬التي تسـود بعض المجتمعات نتيجة ظروف حياتية‬
‫خلال فتـرة زمنية معينـة"(((‪.‬‬
‫إن تحقيـق االندمـاج مرهـون بمشـاركة جميـع المؤسسـات‪ ،‬مـن خلال إضفـاء الطابع المؤسسـي‬
‫علـى الحقـوق االجتماعيـة‪ ،‬والحـرص علـى إقامـة دولة القانـون والعدالة‪ ،‬فهو مفهوم ينسـجم مع‬
‫فكـرة بنـاء األمـة أو (الدولـة – األمـة) بمؤسسـاتها المختلفـة‪ ،‬التـي تعد أداة البنـاء التكاملي(((‪.‬‬
‫اإلشكالية‪:‬‬
‫جمه في بناء وإدارة وتنظيم الدولة‬ ‫تواجـه المجتمعـات التـي مـرت بثـورات عنيفة صعوبات َّ‬
‫واسـتقرارها‪ ،‬خاصـة علـى الصعيـد السياسـي (اإلدارة السياسـية)‪ ،‬الـذي بـدوره ينعكـس بصـورة‬
‫سـلبية علـى كافـة األصعـدة االجتماعيـة والثقافية واألكثر خطـورة الصعيد االقتصادي‪ ،‬حيث‬
‫تظهـر علـى السـطح معوقـات كثيـرة تسـهم فـي إعاقـة بنـاء الدولـة وإدارة وتنظيـم أركانهـا‪ .‬ومما‬
‫أن االندمـاج االجتماعـي مـن العوامـل المسـاعدة‪ ،‬بـل األساسـية فـي انتشـال الـدول‬‫ال شـك فيـه َّ‬
‫الواقعـة فـي األزمـات إلـى بـر األمـان‪ ،‬هـذا فـي حـال عـدم وجـود معوقـات تحـول دون تحقيـق‬
‫األهـداف المرجوة‪.‬‬
‫يشـير االندمـاج االجتماعـي إلـى معنـى التفاعلات المتداخلـة والمترابطـة‪ ،‬بيـن األجـزاء‬
‫المكونـة للبنـاء االجتماعـي‪ ،‬بآليـات وأسـاليب إداريـة وتنظيميـة متنوعـة‪ ،‬ولمـا كان البنـاء‬
‫االجتماعـي أو المجتمـع يتكـون مـن مجموعـة مـن األفـراد والجماعـات‪َّ ،‬‬
‫فـإن االندمـاج السـليم‬
‫قائمـا علـى التفاعـل والتناغـم‪ ،‬مـن خلال تقاسـم مشـترك فـي العـادات والقيـم والمعاييـر‬
‫ً‬ ‫يكـون‬
‫المحـددة فـي البنـاء الـذي تنطـوي تحـت ظلـه‪.‬‬

‫((( يوسـف محمـد أبوالقاسـم الصيـد‪ ،‬أنمـوذج االتفاقيـات والمصالحـات الوطنيـة فـي الجزائـر‪ ،‬جنـوب إفريقيـا‪،‬‬
‫أيرلنـدا الشـمالية‪ ،‬وإمكانيـة التطبيـق في ليبيا دراسـة تحليلية"‪ ،‬دراسـة قدمت إلـى المؤتمر األول للجمعيـة الليبية‬
‫لعلـم االجتمـاع حول‪ :‬النسـيج االجتماعـي الليبي‪ :‬المخاطـر والتحديات‪ ،‬األكاديميـة الليبية‪ ،‬جنـزور‪ ،‬طرابلس ليبيا‬
‫‪ ،2019‬ص ص (‪.)22-21‬‬
‫((( أحمد محمد الزغبي‪ ،‬التوجيه واإلرشاد النفسي‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬دمشق‪ ،2008 ,‬ص (‪.)56‬‬
‫((( فوشـان عبـد القـادر‪ ،‬العلاوي أحمد‪ ،‬االندمـاج االجتماعي المفهـوم – األبعاد المؤشـرات‪ ،‬جامعة وهـران‪ ،‬كلية‬
‫العلـوم االجتماعية‪ ،‬ص (‪.)31‬‬

‫‪238‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫إن الهـدف األساسـي لالندمـاج االجتماعـي‪ ،‬هـو االنتقـال مـن مرحلـة الصـراع والخلاف إلـى‬ ‫َّ‬
‫حالـة قبـول اآلخريـن والتعايـش معهـم والمصالحـة بينهـم‪ ،‬علـى هـذا األسـاس َّ‬
‫فـإن أخطـر وأشـد‬
‫هـذه الصراعـات‪ ،‬وأكثرهـا خطـورة علـى أمـن وسلامة المجتمعات‪ ،‬صعوبة تحقيق اندماج سـلمي‬
‫واسـتقرار اجتماعـي مبنـي علـى التسـامح والمحبـة‪ ،‬بعيـدًا عـن االسـتبعاد والتهميـش السياسـي‬
‫واالقتصـادي‪.‬‬
‫جـزءا ال يتجـزأ مـن المحيـط‬
‫ً‬ ‫فـى المجتمعـات المندمجـة والمسـتقرة‪ ،‬يتصـرف اإلنسـان كونـه‬
‫االجتماعـي الـذي يعيـش فيـه‪ ،‬وهـو مـا يعـرف باالندمـاج (اإليجابـي)‪ ،‬الـذي يسـهم فـي بنـاء‬
‫المجتمـع علـى أسـس حقيقيـة خاليـة مـن العيـوب‪ ،‬بخلاف الحـال فـي االندمـاج (السـلبي)‪ ،‬الذي‬
‫يعكـس الواقـع المتـردي علـى كافـة األصعـدة‪.‬‬
‫عال من‬
‫إن تحقيـق االندمـاج االجتماعـي‪ ،‬ال يتأتـى إال مـن خلال بيئة سياسـية تتمتع بقدر ِ‬ ‫َّ‬
‫العدالـة والمسـاواة‪ ،‬ومشـاركة اجتماعيـة وثقافيـة علـى درجـة مـن الوعـي بالحقـوق والواجبـات‪،‬‬
‫فهـي التـي تحتـرم اإلنسـان‪ ،‬وتقـدره للعيـش بجميع شـروط اإلنسـانية واآلدامية‪.‬‬
‫لقـد تعـرض المجتمـع الليبـي فـي اآلونـة األخيـرة واليـزال‪ ،‬يتعـرض إلـى هـزات‪ ،‬عنيفـة‬
‫كادت أن تعصـف بهـذا المجتمـع وتدمـره‪ ،‬األمـر الـذي انعكـس علـى األقاليـم المكونـة لـه‪ ،‬ولعـل‬
‫مـن أهمهـا الجنـوب الليبـي‪ ،‬الـذي عـاش واليـزال يعيـش ظـروف اسـتثنائية‪ ،‬أثـرت علـى طبيعـة‬
‫الحيـاة االجتماعيـة واالقتصاديـة والسياسـية والثقافيـة فيـه‪ .‬فـي هـذا السـياق عانـى الجنـوب‬
‫الليبـي لفتـرات طويلـة ويلات التهميـش واالسـتبعاد واإلقصـاء‪ ،‬علـى كافـة األصعـدة السياسـية‬
‫واالقتصاديـة واالجتماعيـة ومـازال إلـى اآلن‪ ،‬ومـا مـن شـك أن هـذا التهميـش انعكـس علـى سـكان‬
‫الجنـوب بصفـة خاصـة‪ ،‬إذ انتشـرت الجريمـة واالنفلات األمنـي‪ ،‬والتباعد الفكـري‪ ،‬والهجرة غير‬
‫الشـرعية بصورة علنية‪ ،‬وانهيار البنية التحتية‪ ،‬ضف إلى ذلك المظاهر السـلبية على مسـتوى‬
‫الدولة الليبية‪ ،‬كالفسـاد اإلداري‪ ،‬واالقتصادي‪ ،‬والصراع السياسـي‪ ،‬والتخريب‪ ،‬والغش‪ ،‬والرشـوة‪،‬‬
‫إن بروز هذه المشاكل يشكل أمثلة‬ ‫وسرقة المال العام والخاص‪ ،‬والصراعات القبلية والمناطقية‪َّ .‬‬
‫واقعيـة علـى الذاتيـة والفردانيـة‪ ،‬وتقديـم المصلحـة الخاصة على المصلحة العامة‪ ،‬وهي مؤشـر‬
‫خطيـر علـى انفصـام شـخصية الفـرد عـن البيئـة التـي يعيـش فيهـا‪ ،‬والسـبب فـى ذلك ُيعـزى إلى‬
‫أن هذه السـلبيات تسـهم‬‫فشـل االسـتقرار السياسـي للدولة وضعف إدارتها التنظيمية‪ ،‬وما من شـك َّ‬
‫فـي إضعـاف (روح الـوالء واإليثـار للدولـة والتضيحـة)‪ ،‬التـي مـن شـأنها أن تضعـف روح المشـاركة‬
‫والبنـاء‪ ,‬وهـو مـا يطلـق عليه(االندماج السـلبي‪ ,‬أو المعدوم ألفراده)‪ ،‬ولتفـادي المزيد من التهتك‬
‫فـي نسـيج المجتمـع الليبـي‪ ،‬يقتضـي األمـر دراسـة المعوقـات المسـاهمة فـي إعاقـة تحقيـق‬
‫اندمـاج اجتماعـي قائـم علـى مبـادئ الديمقراطيـة وحقـوق اإلنسـان‪ ،‬والمحبـة‪ ،‬والتسـامح‪،‬‬
‫واألمـن‪ ،‬والمواطنـة‪ ،‬مـن خلال ذلـك تبـرز مشـكلة الدراسـة الراهنـة فـى تسـاؤل رئيـس‪ ،‬وهـو‪ :‬مـا‬
‫معوقـات االندمـاج االجتماعـي فـي الجنـوب الليبـي؟ وهل ُيعد االسـتبعاد االجتماعـي‪ -‬والتهميش‬
‫السياسـي‪ -‬واالنفلات األمنـي‪ -‬والوضـع االقتصـادي – عوامـل معيقـة لالندمـاج االجتماعـي لـدي‬
‫عينة الدراسـة؟‬
‫أهداف الدراسة‪:‬‬
‫يتمثـل الهـدف العـام للدراسـة فـي التعرف على معوقات االندمـاج االجتماعي‪ ،‬داخل البناء‬
‫واقعيـا‪ ،‬وينـدرج تحـت هـذا الهدف األهـداف الفرعية‬
‫ًّ‬ ‫نموذجـا‬
‫ً‬ ‫االجتماعـي فـي الجنـوب الليبـي‬
‫اآلتية‪:‬‬
‫‪1.‬التعرف على مدى وجود وعي مجتمعي بالظروف المحيطة باألسرة والمجتمع‪.‬‬
‫‪2.‬التعـرف علـى مـدى وجـود معوقـات تختـص بأفـراد الدراسـة‪( :‬ذاتيـة ‪ -‬أو اجتماعيـة ‪ -‬أو‬
‫اقتصاديـة ‪ -‬أو سياسـية)؟‬
‫‪3.‬مـا مـدى وجـود فـروق ذات داللـة إحصائيـة‪ ،‬فـي معوقـات االندماج االجتماعـي في الجنوب‬

‫‪239‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫الليبـي‪ ،‬تعـزى لمتغير (النوع)؟‬


‫‪4.‬التعـرف علـى التبايـن بيـن معوقـات االندمـاج االجتماعـي‪ ،‬تعـزى إلـى متغيـر المسـتوى‬
‫التعليمـي ومحـل اإلقامـة؟‬
‫‪5.‬إمكانيـة طـرح سياسـة تنظيميـة مبنيـة علـى رؤيـة تسـهم فـي تجـاوز السياسـة الحاليـة‪،‬‬
‫مـن خلال وضـع أسـس ومبـادئ‪ ،‬للوصـول لتحقيـق إندمـاج مشـترك قائـم على مبـدأ العدالة‬
‫االجتماعيـة؟‬
‫أهمية الدراسة‪:‬‬
‫َّ‬
‫إن السـلوك اإلنسـاني (اإليجابـي) علـى مسـتوى األفـراد والجماعـات‪ ،‬يقـود فـي األحوال كلها‬
‫إلـى تحقيـق درجـة مـن عاليـة من التناسـق والتناغـم االجتماعي‪ ،‬وهذا بطبيعـة الحال يتوقف‬
‫علـى مبـادئ عـدة‪ ،‬مـن أهمهـا‪( :‬العدالـة فـي الحقـوق والواجبـات‪ ،‬والقضـاء علـى االسـتبعاد‬
‫والتهميـش)‪ ،‬والعكـس فـي حـال االفتقـار لتلـك المبـادئ‪ .‬وتكتسـب هـذه الدراسـة أهميتهـا‬
‫مـن خلال دراسـة الوضـع االجتماعـي للجنـوب الليبـي الراهـن‪ ،‬المتأثـر بالظـروف السياسـية‬
‫التـي أخـدت تعصـف بأمـن وسلامة المجتمـع‪ ،‬الناتـج عـن الصراعـات التـي تنشـأ بيـن األفـراد‬
‫والجماعـات‪ ،‬ألسـباب ومصالـح شـخصية ضيقـة‪ ،‬أو لمحاولـة الحصـول علـى مكاسـب قد ال تكون‬
‫مشـروعة‪ ،‬أو لتبـوء مكانـات غيـر مسـتحقة‪ ،‬األمـر الـذي ينعكـس سـلبًا علـى تحقيـق اندمـاج‬
‫اجتماعـي ناجـح‪.‬‬
‫مفاهيم الدراس‪:‬‬
‫المعوقـات‪ :‬يقصـد بهـا "إجـراءات إداريـة وسياسـية واقتصاديـة‪ ،‬يكتنفهـا الغمـوض‪ ،‬وتحـول‬
‫دون تحقيـق األهـداف بكفـاءة وفاعليـة‪ ،‬ويمكـن النظـر إليهـا علـى أنهـا المسـبب للفجـوه بيـن‬
‫مسـتوى اإلنجـاز المتوقـع واإلنجـاز الفعلـي‪ ،‬أو علـى أنها االنحراف فـى األداء عن المعيار المحدد‬
‫مسـبقا"(((‪ .‬ويقصـد بهـا كذلـك "السياسـات اإلدارية والسياسـية واالقتصاديـة المؤدية إلعاقة‬ ‫ً‬
‫االسـتقرار االجتماعـي واالقتصـادي والسياسـي علـى مسـتوى البنـاء االجتماعـي"(((‪.‬‬
‫المعوقـات إجرائيـا‪ :‬يقصـد بهـا العقبـات الذاتيـة واالجتماعيـة واالقتصاديـة والسياسـية‪،‬‬
‫التـي تـؤدي إلـى عـدم تحقيـق اندمـاج اجتماعـي فـى الجنـوب الليبـي‪ ،‬مـع بقيـة األقاليـم‬
‫قائمـا علـى مبـدأ العدالـة االجتماعيـة والمشـاركة الجمعية‪.‬‬
‫ً‬ ‫المكونـة للدولـة الليبيـة‪ ،‬ويكـون‬
‫االندماج االجتماعي‪:‬‬
‫إن االندمـاج هـو خالصـة الجهـود المبذولـة لضمـان تكافـؤ الفـرص للجميـع‪ ،‬بعيـدًا عـن‬ ‫َّ‬
‫اختلاف خلفياتهـم الثقافيـة‪ ،‬مـن أجـل التوافق السـليم فـي الحياة‪ ،‬وبالتالي فهـي عملية متعددة‬
‫األبعـاد‪ ،‬تهـدف إلـى تهيئـة الظـروف والمشـاركة الفعالـة لجميـع أفـراد المجتمع فـي جميع نواحي‬
‫الحيـاة‪ ،‬إذ إنـه يشـكل عمليـة ديناميـة لتعزيـز العالقـات اإليجابيـة بيـن األفـراد‪ ،‬بهـدف تحقيـق‬
‫شـامل للتنميـة االجتماعيـة واالقتصاديـة‪ ،‬واحتـرام النـوع‪ ،‬والتعدد‪ ،‬والتسـامح‪ ،‬وعدم التمييز‪،‬‬
‫واللجـوء إلـى العنـف والمسـاواة فـي الفـرص والحياة المشـتركة(((‪.‬‬
‫إن اإلحساس باإلنسانية يرتبط عموم ًا باالتصال باآلخرين‪ ،‬فهناك حاجة لهم وحاجاتهم‬ ‫َّ‬
‫لـه‪ ،‬وذلـك لتعزيـز اسـتمرار الوجـود‪ ،‬فاإلنسـان يقـوم بـاألدوار فـي جماعـة‪ ،‬وبالتالـي هنـاك أدوار‬
‫مهمـة فـي تكويـن الجماعـات وبقائهـا عـن طريق التفاعـل بين أفرادها وبيـن الجماعات المختلفة‪,‬‬

‫((( علـى محمـد درويـش‪ ،‬تطبيقات الحكومـة اإللكترونية‪ ،‬دراسـة ميدانية على إدارة الجنسـية واإلقامة بدبي‪ ،‬رسـالة‬
‫ماجسـتير‪ ،‬غير منشـورة‪ ،‬جامعـة نايف العربية للعلـوم األمنية‪ ،‬الريـاض‪ ،2005 ،‬ص (‪.)7‬‬
‫((( جـون هيلـز وآخـرون‪ ،‬االسـتبعاد االجتماعـي‪ ،‬محاولة للفهم‪ ،‬ترجمـة‪ :‬محمد الجوهـري‪ ،‬عالم المعرفـة‪ ،‬العدد‬
‫‪ ,344‬المجلـس الوطني للثقافـة والفنون واألدب‪ ،‬الكويـت‪ ،2007 ,‬ص (‪.)8‬‬
‫((( كمال دسوقي‪ ،‬علم النفس ودراسة التوافق‪ ،‬مكتبة علم النفس االجتماعي‪ ،1974 ,‬ص (‪.)73‬‬

‫‪240‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫أن الحاجـات ال تتحقـق إال مـن خلال االتصـال باآلخريـن‪،‬‬ ‫وفـي ذلـك يـرى ماسـلوا (‪َّ )maslow‬‬
‫فاإلنسـان يحتـاج إلـى رعايـة كمـا يحتـاج لتعـاون مـع الجميـع؛ لتحقيـق األهـداف للصالـح العـام‬
‫والخـاص‪ (((.‬ويرتبـط االندمـاج االجتماعـي بالمصطلحـات المتناقضـة معـه‪ ،‬وهـو (اإلقصـاء أو‬
‫االسـتبعاد)‪ ،‬الـذي يعـرف بأنـه حالـة يعيشـها أو تعيشـها األفـراد والجماعـات خـارج نطـاق العملية‬
‫السياسـية أو االقتصاديـة أو غيرهـا‪ ،‬وعلـى صعيـد األفـراد يكـون وضعهم في حـال (اغتراب)‪ ،‬فهم‬
‫الذيـن ال ينتمـون إلـى ثقافـة المجتمـع أو األقليـات التـي تعيـش منفصلـة داخـل حـدود المجتمـع‬
‫الواحـد‪ ،‬أو اإلقصـاء الطبقـي بيـن طبقـات المجتمـع‪ ،‬علـى هـذا األسـاس يمكـن اسـتيعاب مفهـوم‬
‫االندمـاج االجتماعـي الـذي يشـير إلـى عمليـة دمـج وتضميـن جميع الفئـات والجماعـات من كافة‬
‫النواحي االقتصادية والسياسية واالجتماعية‪ ،‬بهدف تحسين األوضاع القائمة‪ ،‬وإبعاد التفرقة‬
‫والتمييـز‪ ،‬مـع كـون مسـئولية االندمـاج تقـع علـى عاتـق المجتمع والفـرد(((‪.‬‬
‫كمـا يرتبـط مفهـوم االندمـاج إيجابيا بمعان عديدة‪ ،‬أهمها "التماسـك‪ ،‬وااللتفـاف‪ ،‬والتداخل‬
‫والتعاضـد"‪ ،‬فهـو يشـير إلـى األسـاليب والعمليـات التـي مـن شـأنها أن تنقـل األشـخاص مـن حـاالت‬
‫العزلـة والوحـدة والنديـة والقطيعـة إلـى حالـة مـن التعايـش مـع اآلخريـن والتعـاون والتوافـق‬
‫(((‬
‫والتكامـل‪.‬‬
‫االندماج نظريًا‪:‬‬
‫يـدل االندمـاج علـى معـان عديـدة تشـير إلـى معنـى االنصهـار‪ ،‬وهـي المناقضـة للعزلـة‬
‫والصـراع واالنقسـام والتناقـض‪ ،‬ويـدل مفهـوم االندمـاج أيضـ ًا علـى الحريـة واكتسـاب السـيادة‪،‬‬
‫وهـو مـا يحيـل بالضـرورة إلـى حريـة األفـراد والجماعـات فـي االنتمـاء بعيـدًا عـن االندمـاج‬
‫القسـري والتسـلط‪ ،‬فهـو مرتبـط بالسـيادة برفـض جميـع أشـكال التهميـش واإلقصـاء(‪.((1‬‬
‫مـن الناحيـة االجتماعيـة‪ ،‬يعنـي االندمـاج "الصيـرورة األثنولوجيـة" التـي تسـهم فـي‬
‫تهيئـة وتمكيـن أحـد أفـراد المجتمـع أو مجموعـة مـن المجتمـع‪ ،‬مـن التقـارب والتالحـم حتـى‬
‫تتحـول إلـى مجموعـة أكبـر وأوسـع‪ ،‬ويكـون ذلـك مـن خلال تقمـص أو تبنـي ضـم األنظمـة‬
‫االجتماعية‪ ،‬على ذلك يسـتوجب لتحقيق االندماج االجتماعي توافر شـرطين أساسـين‪ ،‬هما‪:‬‬
‫(‪ )1‬إرادة اإلنسـان‪ ،‬وسـعيه الشـخصي لالندمـاج والتكيـف مـن خلال التعبيـر الطوعـي عـن‬
‫االندماجيـة‪.‬‬
‫(‪ )2‬القـدرة واإلمكانيـات االندماجيـة للمجتمـع مـن خلال احتـرام تبايـن واختلاف األشـخاص‬
‫(‪((1‬‬
‫وتمايزهـم‪.‬‬
‫(أبعاد االندماج االجتماعي)‪:‬‬
‫يتصـف االندمـاج االجتماعـي بأنـه التنظيـم التكاملـى والبنائـي للنسـق االجتماعـي‪ ،‬ولـه‬
‫أبعـاد عديـدة‪ ،‬مـن أهمهـا‪:‬‬
‫‪ )1‬التضامـن‪ :‬ينظـر للمجتمـع مـن خالل "وجود جوهر القيم المشـتركة "المجتمع األخالقي"‪,‬‬
‫مـن خلال اسـتيعاب األفـراد والسـماح لهـم بالتعبيـر عـن رغباتهـم وانتمائهـم وعضويتهـم‪ ،‬مـن‬

‫((( نـاذر جميـل حمـد‪ ،‬صورة الـذات وعالقتهـا بالتفاعـل االجتماعي‪ ،‬دار الكتـب والوثائـق‪ ،‬مكتبة اليمامـة للطباعة‬
‫والنشـر‪ ،‬بغـداد ‪ ،2014‬ص (‪.)11-10‬‬
‫((( صايل الخطايبة‪ ،‬نادر بني نصر‪ ،‬المجتمع األردني‪ ،‬ط‪ ,2‬المكتبة الوطنية‪ ،‬األردن‪ ،‬ص (‪.)15‬‬
‫((( مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروز آبادي‪ ،‬القاموس المحيط‪ ،‬دار الحديث‪ ،‬القاهرة‪ ،2008 ,‬ص (‪.)561‬‬
‫(‪ ((1‬هاديـا عـادل كاتبـي‪ ،‬االندمـاج االجتماعي لـدى عينة من متعلمـي اللغة العربيـة للناطقين بغيرها فـي الجامعة‬
‫األردنية‪ ،‬مجلد ‪ ,34‬عـدد‪ ،2015 ,3‬ص (‪.)316‬‬
‫(‪ ((1‬أمحمـد المالكـي‪ ،‬جدليـة االندمـاج االجتماعي وبنـاء الدولة واألمة فى الوطـن العربي‪ ،‬المركـز العربي لألبحاث‬
‫ودراسـة السياسـات‪ ،‬ط‪ ،1‬بيروت‪ ،‬لبنان ‪ ،2014‬ص (‪.)663‬‬

‫‪241‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫خلال المشـاركة الفعالـة‪ ،‬ويظهـر االسـتبعاد مـن خلال (التمـزق فـي الروابـط االجتماعيـة‪،‬‬
‫انهيـار النسـيج االجتماعـي‪ ،‬انهيـار القيـم‪ ،‬االحتـرام‪ ،‬القيـم الجمعيـة)‪.‬‬
‫‪ )2‬التخصـص‪ :‬ينظـر هـذا النمـوذج للمجتمـع مـن خلال النظـام‪ ،‬منظـم ألفـراده الحامليـن‬
‫للحقـوق والواجبـات‪ ،‬ومـن لديهـم اإلمكانيـات والقـدرات‪ ،‬وبنـاء مجتمـع قائـم على تقسـيم العمل‬
‫والتبـادل فـي كافـة المجـاالت‪ -‬االسـتبعاد فـي هـذا النمـوذج يعكـس االختيـارات الطوعيـة‪،‬‬
‫واالهتمـام‪ ،‬والعالقـات التعاقديـة‪ ،‬والتشـوهات‪ ،‬والفسـاد‪ ،‬والتعصـب‪ ،‬العجـز‪.‬‬
‫‪ )3‬االحتكار‪ :‬ينظر هذا النموذج إلى المجتمعات المتنازعة والمتصارعة‪ ،‬من خالل الجماعات‬
‫المختلفـة والمتباينـة فـي قوتهـا وسـيطرتها علـى مقـدرات المجتمعات ومواردها‪ ،‬بالتالي تسـعى‬
‫تلـك الجماعـات إلـى حمايـة مصالحهـا وامتيازاتهـا وممتلكاتهـا مـن اآلخريـن‪ ،‬ويمثـل االندمـاج‬
‫عكـس ذلـك مـن خلال خلـق الحواجـز أو الفـوارق االجتماعيـة التـي تحـد مـن قـدرة اآلخريـن‬
‫"الغربـاء" مـن الوصـول إلـى الجماعـة المتحكمـة أو المسـيطرة(‪.((1‬‬
‫معوقات االندماج االجتماعي‪:‬‬
‫يواجـه االندمـاج االجتماعـي معيقـات عديـدة‪ ،‬تحـول دون الوصـول إلـى تحيقيـق أعلـى‬
‫درجـات االسـتقرار االجتماعـي واالقتصـادي والسياسـي‪ ،‬علـى مسـتوى البنـاء االجتماعـي ككل‪،‬‬
‫وعلـى هـذا األسـاس فـإن بنـاء دولـة حديثـة أمـر غيـر وارد‪ ،‬فى ظـل الظروف الراهنـة‪ ،‬ولعل من‬
‫أهـم المعيقـات تأثيـرا مـا يلـي‪:‬‬
‫االستبعاد‪:‬‬
‫إن االسـتبعاد هـو نقيـض االندمـاج أو االسـتيعاب‪ ،‬وهـو كاشـف لطبيعـة البنية‬ ‫يمكـن القـول َّ‬
‫االجتماعيـة فـي أي مجتمـع‪ ,‬فاالسـتبعاد ليـس أمـرًا شـخصي ًا‪ ،‬وال راجعـ ًا إلـى تدنـي القـدرات‬
‫فقـط‪ ،‬بقـدر مـا هـو حصـاد بنيـة اجتماعيـة معينـة واتجاهـات محـددة‪ ،‬ومؤشـر علـى أداء هـذه‬
‫البنيـة لوظائفهـا‪ ,‬كذلـك ليـس موقفـًا سياسـي ًا فقـط وال طبقيـ ًا‪ ،‬إنمـا هـو َّ‬
‫مركـب مـن كل ذلـك‪،‬‬
‫ً‬
‫مرتبطـا بالفقـراء وحدهـم أو األغنيـاء أو السياسـيين أو الشـعب لوحدهـم‪ ،‬إنما هو‬ ‫ً‬
‫إذا فهـو ليـس‬
‫مشـكلة الجميـع علـى السـواء‪ ،‬بالتالـي فـإن الحـل هـو التقليل من ذلك االسـتبعاد بهـدف تحقيق‬
‫جملـة مـن الخصـال النافعـة التـي تظهـر المواطنـة والوطنية الحقيقية‪ ،‬و ُيعد االسـتبعاد صورة‬
‫مـن عـدم االعتـراف بالحقـوق األساسـية‪ ،‬وفـي حالـة مغايـرة وهـو االعتـراف‪ ,‬فيعـد االسـتبعاد‬
‫صـورة مـن صـور العجـز عـن الوصـول للمنظومـة السياسـية والقانونيـة‪ ،‬الالزمـة لجعـل هـذه‬
‫الحقـوق واقعًا حيـ ًا(‪.((1‬‬
‫مؤشرات االستبعاد‪:‬‬
‫(‪ )1‬االس�تبعاد االجتماعي‪ :‬يشـير هذا المفهوم إلى حدوث خلل في البناء االجتماعي للمجتمع‪،‬‬
‫مـن خلال انعـدام التكافـؤ بيـن أفـراد الجماعـة الواحـدة والمجتمـع الواحـد‪ ,‬األمـر الـذي ينعكـس‬
‫سلبي ًا على فرص حياتهم وتحقيق ذاتهم‪ ،‬مثل‪( :‬اإلنتاج‪ ,‬واالستهالك‪ ,‬والتعلم‪ ,‬والصحة‪ ,‬والعمل‬
‫السياسـي‪ ,‬والحصـول علـى الخدمـات األساسـية التـي يحتاجهـا اإلنسـان)(‪ ،((1‬وهـذا مايطلـق عليـه‬
‫إنعـدام المسـاواة (‪ ،) Equality Social‬حيـث ُيعـد هـذا المبـدأ (المسـاواة) مـن أهـم المبـادئ‬
‫التـي تأخذهـا السياسـات الوطنيـة بعيـن االعتبـار‪ ،‬وتتسـابق األنظمـة السياسـية علـى تحقيقهـا‪،‬‬
‫وذلـك مـن خلال إصـدار قوانيـن‪ ،‬يفتـرض أنهـا تعمل على تهيئة الظروف المناسـبة‪ ،‬لتحقيق هذا‬

‫(‪ ((1‬محمـد يوسـف بـن مفـرج‪ ،‬االسـتبعاد االجتماعـي فـي األردن‪ ،‬دراسـة سسـيولوجية لمجـاالت االسـتبعاد فـي‬
‫قريـة المخيبـة الفوقـا‪ ،‬لـواء بني كنانة‪ ،‬رسـالة ماجسـتير غير منشـورة‪ ،‬جامعـة اليرمـوك‪ ،‬كلية اآلداب‪ ،‬قسـم علم‬
‫االجتمـاع‪ ،2013 ,‬ص (‪.)11‬‬
‫(‪ ((1‬جون هيلز وآخرون‪ ،‬االستبعاد االجتماعي‪ ،‬محاولة للفهم‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص (‪.)8‬‬
‫(‪ ((1‬هناء محمد الجوهري‪ ،‬علم االجتماع الحضري‪ ،‬دار المسرة‪ ،‬عمان‪ ،2009 ,‬ص (‪.)32‬‬

‫‪242‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫المبـدأ فـي مختلـف المجـاالت‪ ،‬وعلـى كل المسـتويات‪ ،‬وتوجـد ثالثـة أنماط رئيسـة من المسـاواة‪،‬‬
‫هي‪:‬‬
‫(أ) المسـاواة فـي الفـرص‪ ،‬وهـي إتاحـة المسـاواة فـي االلتحـاق بالمؤسسـات والمراكـز االجتماعية‪،‬‬
‫بيـن الجماعـات االجتماعيـة‪ ،‬مثـل الحـق في التعلـم والصحة‪.‬‬
‫(ب) المسـاواة فـي الوضـع االجتماعـي‪ ،‬وتعنـي المسـاواة فـي األحـوال المعيشـية للجماعـات‬
‫االجتماعيـة مثـل‪ :‬المسـاواة فـي الدخـل‪ ،‬وعلـة هـذا األسـاس أنـه مـن الصعـب الوصـول إلى أقصى‬
‫درجـة للمسـاواة فـي الفـرص‪ ،‬دون أن تعتنـي بالمسـاواة فـي الوضـع االجتماعـي‪.‬‬
‫(جـ) المسـاواة فى النتيجة أو الناتج‪ ،‬وتعني تطبيق سياسـات أو عمليات مختلفة على الجماعات‬
‫االجتماعيـة المختلفـة‪ ،‬لتحويـل مظاهـر انعـدام المسـاواة فـى البدايـة إلـى مظاهـر مسـاواة فـى‬
‫النهاية‪ ،‬فالتمييز اإليجابي لصالح النسـاء أو السـود أو المدينة الفقيرة‪ ،‬فى التعليم أو االختيار‬
‫لشغل الوظائف‪ ،‬يقصد بها تعويضهم عن عدم المساواة فى الوضع االجتماعي‪ ،‬وإال فإن تحقيق‬
‫المسـاواة فـى الفـرص يصبـح أمرًا ال معنـي له(‪.((1‬‬
‫ومـا مـن شـك فـي أن القانـون الليبـي يوجـد بـه مجموعـة مـن النصـوص‪ ،‬التـي ترتبط بتحقيق‬
‫المسـاواة في المجاالت السياسـية واالقتصادية واألنشـطة االجتماعية والمسـاواة بين الجنسـين‪،‬‬
‫والحصول على الحقوق‪ ،‬كالتعليم والصحة والثروة‪ ،‬إال أن هناك عوامل كثيرة تتدخل وتحول دون‬
‫تحقيـق مبـدأ المسـاواة‪ ،‬ويعـزى بعضها إلى الجذور التاريخية‪ ،‬وطبيعـة العالقات االجتماعية(‪،((1‬‬
‫ومـن أهـم العوامـل الداعمـة لالندمـاج االجتماعـي‪( ،‬التعليـم) مـن خلال المسـتويات التعليميـة‪،‬‬
‫ً‬
‫تحملا وتكيفـًا‬ ‫واالنخـراط فـي األعمـال ذات القيمـة االقتصاديـة‪ ،‬فاألفـراد المتعلمـون هـم أكثـر‬
‫مـع المتغيـرات االجتماعيـة الجديـدة‪ ,‬حيـث توجـد عالقـة سـببية بيـن االسـتبعاد االجتماعـي‬
‫والفشـل التعليمـي‪ ,‬فمـن خلال ذلـك يواجـه األفـراد صعوبـات ومعوقـات عديـدة‪ ،‬أهمهـا‪ :‬نقـص‬
‫المعارف والمهارات‪ ,‬فالتعليم عامل أساس في تطوير التنشئة االجتماعية نحو المواطنة والوالء‬
‫واالنتمـاء‪ ,‬وبالتالـي االندمـاج االجتماعـي‪ ،‬وتمكيـن األفـراد مـن تحقيق ذاتهـم(‪.((1‬‬
‫إن ضعـف الخدمـات التعليميـة فـي المـدارس والجامعـات الحكوميـة علـى مسـتوى المجـاالت‬ ‫َّ‬
‫والنواحـي األكاديميـة‪ ،‬يؤثـر علـى العمليـة التربويـة مـن خلال انخفاض المسـتوى التعليمـي(‪،((1‬‬
‫مـن هـذا المنطلـق يمكـن القـول إن االسـتبعاد االجتماعـي مـن األسـباب المباشـرة فـي تقسـيم‬
‫المجتمعـات‪ ،‬وظهـور مؤشـرات ومالمـح االنقسـام‪ ،‬حيـث يعمـل فـي تضـاد تـام مع عمليـة االندماج‬
‫(‪((1‬‬
‫االجتماعـي التـي تؤسـس عليهـا المجتمعـات‪ ،‬حتـى إن مفهـوم الدولـة يعـد ناقصـا بوجـوه‪.‬‬
‫(‪ )2‬االس�تبعاد السياس�ي‪ :‬تسـهم المشـاركة السياسـية القائمة على مبدأ (المواطنة) الصحيحة‬
‫فـي قيـادة األفـراد والجماعـات إلـى المشـاركة الفاعلـة والطوعيـة فـي مجـال الحيـاة السياسـية‪,‬‬
‫إن انغمـاس أفـراد المجتمـع فـي العمـل السياسـي علـى كافـة المسـتويات‪ ،‬يكـون رهيـن تحقيـق‬ ‫َّ‬
‫الطموحات واآلمال والمصالح الجمعية‪ ,‬بخالف ذلك قد يشكك األفراد في السلطة السياسية‪،‬‬
‫ويعدونهـا أداة لتحقيـق مصالـح ضيقـة خاصـة بهـم‪ ،‬إذا ابتعـدت عـن تلبية حاجاتهـم ورغباتهم‬

‫(‪ ((1‬ميشـيل مـان‪ ،‬موسـوعة العلـوم االجتماعيـة‪ ،‬ط‪ ،1‬ترجمـة عادل مختـار الهواري‪ ،‬سـعد عبد العزيـز مصلوح‪،‬‬
‫مكتبـة الفالح للنشـر والتوزيـع‪ ،1994 ،‬ص (‪.)230-229‬‬
‫(‪ ((1‬مصطفـى عمـر التيـر‪ ،‬األوضاع المعيشـية لذوي الدخـل المحدود في المجتمـع الليبي‪ ،‬دراسـة أمبريقية‪ ،‬ط‪,1‬‬
‫دار مـداد للطباعة والنشـر والتوزيع‪ ،‬طرابلس‪ ،‬ليبيـا‪ ،2013 ,‬ص (‪.)9‬‬
‫(‪ ((1‬محمد يوسف بن مفرج‪ ،‬االستبعاد االجتماعي في األردن‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص (‪.)20‬‬
‫(‪ ((1‬سـلوى عبدالحميـد الخطيـب‪ ،‬نظـرة فـى علـم االجتمـاع المعاصـر‪ ،‬ط‪ ،1‬مطبعة النيـل‪ ،‬القاهـرة‪،2002 ،‬‬
‫ص(‪.)187‬‬
‫(‪ ((1‬هـدي أحمـد الدئـب‪ ،‬محمـود عبدالعليـم سـليمان‪ ،‬مخاطـر االسـتبعاد االجتماعـي علـى الدولـة والمجتمـع‪:‬‬
‫تحليـل سوسـيولوجي‪ ،‬مجلة الدراسـات والبحوث االجتماعية‪ ،‬جامعة الشـهيد حمـه لخضر الـوادي‪ ،‬العدد (‪)14-13‬‬
‫ديسـمبر ‪ ،2015‬ص (‪.)56‬‬

‫‪243‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫كمواطنيـن(‪ ،((2‬وترتبـط مشـاركة أفـراد المجتمـع في العملية السياسـية بقضية المواطنة‪ ،‬فهي‬
‫الثقافـة التـي تدفـع األفـراد والجماعـات لالنغمـاس فـي العمل السياسـي واإلقـدام عليه‪.‬‬
‫أهمية االندماج االجتماعي فى تنظيم وإدارة اجملتمع‪:‬‬
‫تكمـن أهميـة االندمـاج االجتماعـي فـي ضـرورة إدراجه ضمن مبادرات التنمية المسـتدامة‪،‬‬
‫على اعتبار أ ّنَه آلية تضمن حماية حقوق اإلنسان ومبادئ المساواة واإلنصاف‪ ,‬وتعالج التفاوت‬
‫المبنـي علـى التوزيـع غيـر المتسـاوي للثـروة‪ ,‬ونقصـان فـرص الحـراك االجتماعـي‪ ،‬ومحاربـة‬
‫اآلثار المرتبطة بالتهميش واالسـتبعاد(‪ ،((2‬إن االندماج هو عملية ديناميكية منظمة يشـارك‬
‫فيهـا جميـع األعضـاء فـي حـوار لتحقيـق التوازن والحفاظ على العالقات االجتماعية السـليمة‪,‬‬
‫بالتالـي فهـو وعـي إنسـاني مـن خلال السـلوك‪ ,‬ال يقتصـر علـى جيـل معيـن أو شـعب أو فئـة أو‬
‫أفـراد‪ ,‬فهـو سـبيل لإلنسـان‪ ،‬يهـدف إلـى خلـق بدائـل للواقـع اإلنسـاني‪ ،‬خاصـة فـي مرحلة مرور‬
‫المجتمعات(باألزمـات)‪ ،‬بمـا يضمـن لـه االسـتمرارية والديمومـة والبقـاء‪ ,‬فهـو وضـع ديناميكـي‬
‫فـي حركـة دائمـة ومسـتمرة‪ ،‬فهـذه الخاصيـة تتيـح للبشـر وضـع اسـتراتيجيات للبقـاء‪ ،‬وإعـادة‬
‫البنـاء‪ ،‬األمـر الـذي يسـهم فـي توفيـر فـرص التغلـب علـى األزمـات علـى كافة األصعـدة‪ ،‬بمعنى‬
‫خلـق سياسـة اندماجيـة صريحـة للبقـاء والنهـوض‪ ((2(.‬وعلـى ذلـك تتحـدد شـروط االندمـاج‬
‫االجتماعـي فـي اآلتي‪:‬‬
‫‪1 .‬مجتمـع آمـن مسـتقر عـادل‪ ،‬مـن خلال إصلاح ظـروف التفـكك االجتماعـي‪ ،‬واإلقصـاء‬
‫االجتماعـي‪ ،‬والتفتـت االجتماعـي‪ ،‬االسـتقطاب والطائفيـة القبليـة‪.‬‬
‫(‪((2‬‬
‫‪2 .‬عالقات تعايش اجتماعية سليمة‪ ،‬تشمل التعاون والتماسك‪.‬‬
‫‪3 .‬النظم واآلليات الديمقراطية المرتبطة بالحقوق والواجبات في إطار المواطنة‪.‬‬
‫‪4 .‬حقوق اإلنسان بصورة أكثر شفافية‪.‬‬
‫املقاربة النظرية يف تنظيم وبناء وإدارة الدولة‪:‬‬
‫أو ًال‪ :‬نظرية عبد الرمحن بن خلدون "العصبية"‪:‬‬
‫يـرى ابـن خلـدون أن العصبيـة مرتبطة بالنسـب والقرابة‪ ،‬فيقـول‪ :‬إن "صلة الرحم طبيعي‬
‫فـي البشـر إال فـي األقـل‪ ،‬ومـن صلتهـا النعـرة علـى ذوي القربـى وأهـل األرحـام‪ ،‬أن ينالهـم ضيم‬
‫أو تصيبهـم هلكـة‪ ،‬فـإن القريـب يجـد بنفسـه غضاضـة فـي ظلـم قريبـه‪ ،‬أو العـداء عليـه‪ ،‬ويود‬
‫(‪((2‬‬
‫لـو يحـول بينـه وبيـن مـا يصلـه مـن المعاطـب والمهالك نزعـة طبيعية مذ كانـوا"‪.‬‬
‫أن قيـام الدولـة مرهـون بقـوة العصبيـة‪ ،‬وتنهـار وتسـقط بفسـادها‪ ،‬علـى أن‬ ‫ويشـير إلـى َّ‬
‫المصالـح المشـتركة الجمعيـة فـي حاجـة إلـى الكفـاح والصراع من أجل ظـروف أفضل لالندماج‬
‫والعيـش‪ .‬إن بـروز مصالـح شـخصية متناقضـة تسـهم فـي إضعـاف العصبيـة‪" ،‬االندمـاج" الـذي‬
‫كان السـند الرئيـس فـي قـوة الدولـة‪ ،‬فتسـقط وتنهـار ويـزول حكامهـا‪ ،‬وهكـذا كلمـا كانـت القوى‬

‫(‪ ((2‬حسـين علـوان‪ ،‬إشـكالية بنـاء ثقافـة المشـاركة فـي الوطـن العربـي‪ ،‬المؤسسـة الجامعيـة للدراسـات والنشـر‬
‫والتوزيـع‪ ،2009 ,‬ص (‪.)18-17‬‬
‫(‪ ((2‬علـى عبدالـرازق جلبـي‪ ،‬االندمـاج والمواطنـة‪ :‬جدليـات االندمـاج االجتماعـي وبنـاء الدولة واألمة فـى الوطن‬
‫العربـي‪ ،‬ط‪ ،1‬المركـز العربـي لألبحاث ودراسـة السياسـات‪ ،‬بيـروت‪ -‬لبيـان‪ ،2014 ،‬ص (‪.)263‬‬
‫(‪ ((2‬محم�د بالراش�د‪ ،‬التضام�ن اإلنس�اني ف�ي األزم�ات والبدائ�ل الضروري�ة للبق�اء‪ ،‬ش�بكة المعلوم�ات الدولي�ة‪:‬‬
‫‪https://tafahom.mara.gov.om/storage/al-tafahom/ar/2020/069/pdf/09.pdf‬‬
‫(‪ ((2‬ســامح العبيــدي‪ ،‬شــروط االندمــاج االجتماعــي (‪ ،)2020-9-20‬مقــال منشــور علــى شــبكة المعلومــات‬
‫الدوليـ�ة‪https://sotor.com :‬‬
‫(‪ ((2‬عبدالرحمن بن خلدون‪ ،‬المقدمة‪( ،‬د‪ -‬ت) دار الجيل‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ص (‪.)142-14‬‬

‫‪244‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫المحركـة للعصبيـة هـي "المصلحـة المشـتركة"‪ ،‬كانت متماسـكة متضامنة وقويـة وصامدة‪ ،‬أما‬
‫إذا تحولـت تلـك المصلحـة إلـى مصالـح شـخصية‪ ،‬وطغـت مصالـح هـذا علـى تلـك‪ ،‬فـإن التضامـن‬
‫الـذي كان باألمـس ينقلـب إلـى فرقـة ونـزاع‪ ،‬فيطغـى األنـا الشـخصي علـى األنا العصبي وتفسـد‬
‫العصبيـة‪ ،‬إن رابطـة العصبيـة ليسـت رابطـة بيـن فـرد وآخـر‪ ،‬بـل هـي الرابطـة األولـى بيـن‬
‫الفـرد والجماعـة أو المجموعـة‪ ,‬إذ ينصهـر الفـرد فـي العصبيـة عندمـا يتعـرض للخطـر‪ ,‬كمـا‬
‫أن العصبيـة نفسـها تتقمـص الفـرد عندمـا ُيصـاب بـأذى أو يلحقـه مكـروه مـا‪ ((2(.‬بالتالـي يكـون‬
‫الواحـد للجميـع أو الجميـع للواحـد‪ ((2(.‬لقـد أبـرز ابن خلدون أهميـة العصبية في قيام الدولة‬
‫وانحاللهـا‪ ،‬حيـث أصبحـت عنـده "رابطـة اجتماعيـة سـيكولوجية وشـعورية وال شـعورية معـًا‪،‬‬
‫تربـط أفـراد الجماعـة الواحـدة(‪ ،((2‬ولمـا كانـت العصبيـة هـي المبـدأ األوحـد واألنجـع لنشـوء‬
‫بعـض الباحثيـن أن اهتمـام ابـن خلدون بالعصبية ناشـئ عن مشـاهدة‬ ‫ُ‬ ‫الدولـة فـى نظـره‪ ،‬فيـرى‬
‫المجتمعـات المركبـة‪ ،‬وهـي تضمحـل وتتدهـور‪ ،‬حيـث جرفت معها كل المؤسسـات القائمة فيها‪،‬‬
‫بخلاف الحـال فـي المجتمعـات البدويـة التـي احتفظـت بوحدتهـا وتضامنهـا واندماجهـا فـي‬
‫مواجهـة األخطـار والضغوطـات(‪.((2‬‬
‫املس�لمات النظري�ة املس�تخلصة ف�ى تنظي�م وبن�اء وإدارة الدول�ة لنظري�ة عب�د الرمحن بن‬
‫خلدون‪:‬‬
‫‪1.‬تقـود النزعـة الطبيعيـة فـى البشـر إلـى (االتحـاد والقـوة) بيـن أفـراد القبيلـة الواحـدة أو‬
‫العائلـة الواحـدة‪ ،‬والسـبب فـى ذلك يعزى لدفعهم جميعا إلـى التعاضد والتناصر والتالحم‪،‬‬
‫وتفـان علـى تحقيـق األهـداف من أجـل البقاء‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫بمعنـى تعـاون‬
‫‪2.‬ضعـاف النسـب‪ ،‬اليوجـد بينهـم تلـك األلفـة والتعاضـد‪ ،‬حيـث إنهـم كلمـا تعرضـوا للشـر أو‬
‫الحـرب‪ ،‬حـاول كل واحـد منهـم النجـاة بنفسـه‪.‬‬
‫تسـهم العصبيـة فـى بنـاء الدولـة والملـك‪ ،‬وهـي الغايـة المطلقـة للعصبيـة‪ ،‬كذلـك فهـي‬
‫تسـهم مـن جهـة أخـرى فـى عرقلـة بنـاء الدولـة إذا كانـت متعـددة ومتخالفـة‪ ،‬إذ يقـول ابـن‬
‫خلـدون فـى ذلـك‪" :‬إن األوطـان الكثيـرة القبائـل والعصائـب قـل أن تسـتحكم فيهـا دولـة "(‪.((2‬‬
‫ثانيًا‪ :‬نظرية دور كايم عن تقسيم العمل االجتماعي فى تنظيم إدارة الدولة وبنائها‪:‬‬
‫قسـم دور كايـم المجتمعـات إلـى قسـمين‪ ،‬همـا‪ :‬النمـوذج المتمايـز الحديث‪ ،‬الذي يسـميه دور‬
‫َّ‬
‫كايـم بالتضامـن العضـوي‪ ،‬فهـو يتكـون مـن نسـق من األعضـاء والوظائف المتشـابكة‪ ،‬بحيث يقدم‬
‫محـددا‪ ،‬والنمـوذج اآلخـر غيـر متمايـز‪ ،‬أو متمايـز بشـكل ضعيـف‪ ،‬فهـو يتقـدم‬
‫ً‬ ‫كل فـرد فيـه دورا‬
‫ويتأسـس علـى تكـرار عناصـر متشـابهة ومتجانسـة تقـوم بالفعـل نفسـه‪ ،‬ويطلـق عليـه (المجتمـع‬
‫اآللي)‪.‬‬
‫ويـرى دور كايـم أن أهـم مدخـل لتنـاول أشـكال (التضامـن) الناتجـة عـن تقسـيم العمـل‬
‫االجتماعي‪ ،‬هو "نسـق القواعد القانونية" التي يعتمدها المجتمع‪ ،‬يهدف تنظيم وإدارة سـلوك‬
‫األفـراد داخـل الجماعـات والمجتمعـات التـي ينتمـون إليهـا‪ ،‬وعلى ذلك يميـز دور كايم بين نوعين‬

‫(‪ ((2‬محمـد عابـد الجابـري‪ ،‬فكـر ابـن خلـدون‪ :‬العصبية والدولـة‪ ،‬معالم نظريـة خلدونيـة في التاريخ اإلسلامي‪،‬‬
‫مركـز دراسـات الوحـدة العربية‪ ،‬ط‪ ,6‬بيـروت‪ ،‬لبنـان‪ ،1994 ,‬ص (‪.)177‬‬
‫(‪ ((2‬محمد بالراشد‪ ,‬التضامن اإلنساني في األزمات والبدائل الضرورية للبقاء‪ ،‬شبكة المعلومات الدولية‪:‬‬
‫‪https://tafahom.mara.gov.om/storage/al-tafahom/ar/2020/069/pdf/09.pdf‬‬
‫(‪ ((2‬محمـد عابـد الجابـري‪ ،‬فكـر ابـن خلـدون‪ ،‬العصبية والدولـة‪ ،‬معالـم نظرية خلدونيـة في التاريخ اإلسلامي‪،‬‬
‫مرجع سـبق ذكـره‪ ،‬ص (‪.)168‬‬
‫(‪ ((2‬ريـاض عزيـز هـادي‪ ،‬مفهـوم الدولـة وتنبؤتها عنـد ابن خلدون‪ ،‬مجلـة العلم السياسـية‪ ،‬العـدد (‪ ،)37‬العراق‪،‬‬
‫ص (‪.)89‬‬
‫(‪ ((2‬عبد الرحمن بن خلدون‪ ،‬المقدمة‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص (‪.)163‬‬

‫‪245‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫قمعيا في المجتمع غير‬ ‫ًّ‬ ‫من أشكال العقاب‪ ،‬يرتبط كل منهما بمجتمع معين‪ ،‬بحيث يكون العقاب‬
‫المتمايـز‪ ،‬لضمـان سـيادة الوعـي‪ ،‬ويكـون العقـاب تقويميـ ًا فـي المجتمـع المتمايز‪ ،‬على أنه يسـعى‬
‫للحـد مـن الخسـارة الناتجـة عـن تجـاوز القاعـدة االجتماعيـة‪ ،‬أو إصلاح القـرار‪ .‬إن أهـم وأخطـر‬
‫مـا يواجـه المجتمـع الحديـث‪ ،‬مـن حيـث إنـه مجتمـع متمايـز بنيويا ووظيفيـا‪" ،‬هو غيـاب التوافق‬
‫والتضامن (االندماج)‪ ،‬التي يعتبرها دوركايم ضرورية‪ ،‬وهو عصب الحياة االجتماعية‪ ،‬وال يمكن‬
‫أن يكـون المجتمـع موجـودًا بدونهـا‪ ،‬والقصـد مـن ذلـك أن دوركايـم أشـار إلـى أن آليـات (االندمـاج‬
‫االجتماعـي) وسـيلة لتجـاوز حالـة الفوضـى‪ ،‬التـي يمكـن أن تنتـج عـن الخطابـات االجتماعيـة‬
‫والمرجعيـات الثقافيـة‪ ،‬التـي يتشـكل منهـا المجتمع الحديـث‪ ,‬وهي ال تخرج عن قضيتين اثنتين‬
‫(‪((3‬‬
‫همـا‪" :‬التربيـة والديـن"‪ ،‬إذ يتأهـل الفـرد باألولـى اجتماعيـًا‪ ،‬ويحقق االندمـاج بالثانية‪.‬‬
‫(‪((3‬‬
‫ويمكن اختصار التصور اآللي والعضوي للتضامن عند دوركايم فى الجدول اآلتي‪:‬‬
‫جدول رقم (‪)1‬‬

‫الروابط بني‬
‫النسقالقانوني‬ ‫الوعياجلماعي‬ ‫األسس‬ ‫الوظائف‬
‫األفراد‬
‫وجود قوي‬
‫قانون قمعي‬ ‫محكوم‬ ‫تجانس القيم‬ ‫تضامن آلي‬
‫تشابه األفراد‬ ‫االندماج‬
‫العقوبة على‬ ‫بالضغوطات‬ ‫والمعتقدات‪،‬‬ ‫"مجتمعات‬
‫ووظائفهم‬ ‫االجتماعي‬
‫األخطاء والجرائم‬ ‫والمجموعات‬ ‫طقوس متعددة‬ ‫بدائية"‬
‫االجتماعية‬

‫تنوع قيم‬
‫التمايز‬ ‫تضامن‬
‫ومعتقدات‬
‫قانون تقويمي أو‬ ‫ضعيف في‬ ‫بين األفراد‬ ‫االندماج‬ ‫عضوي‬
‫متمايزة االعتماد‬
‫تعاوني‬ ‫تراجع‬ ‫والتكامل بين‬ ‫االجتماعي‬ ‫"المجمعات‬
‫المتبادل تأثير‬
‫الوظائف‬ ‫الحديثة"‬
‫لتقييم العمل‬

‫تعدد الروابط‬
‫الهدف هو إصالح‬
‫تأويل أوسع‬ ‫االجتماعية‬
‫األخطاء أو‬
‫للضروريات‬ ‫والتباين في‬
‫تشجيع تعاون‬
‫االجتماعية‬ ‫شدتها بحسب‬
‫األفراد‬
‫األفراد‬

‫يمكــن القــول إن فكــرة دوركايــم األساســية تفيــد أن بنــاء الدولــة فــي األســاس يقــوم علــى‬
‫القــوى التــي تربــط النــاس ببعضهــم‪ ،‬فعندمــا يضعــف التماســك االجتماعــي تمــرض الدولــة‬
‫وتتفــكك؛ لــذا علينــا أن نجــد العــاج الصحيــح الســتعادة ذلــك التماســك االجتماعــي الحيــوي‪،‬‬
‫فالسوســيولوجيا عنــد دوركايــم هــي علــم ذلــك التماســك‪ ،‬فهــي أساســه‪ ،‬وكيــف يضعــف‪ ،‬وكيــف‬
‫يمكــن تقويتــه‪ ،‬وقــد اعتقــد (دوركايــم) أن فرنســا فــي زمنــه كانــت مجتمعـ ًا ضعيــف التماســك‪،‬‬

‫(‪ ((3‬زكريا اإلبراهيمي‪ ،‬إميل دوركايم والتأسـيس السوسـيولوجي للحداثة‪ ،‬قسـم الفلسـفة والعوم اإلنسـانية‪ ،‬مؤمنون‬
‫بال حدود ‪www.mominoun.com‬‬
‫(‪ ((3‬محمد بالراشد‪ ،‬التضامن اإلنساني في األزمات والبدائل الضرورية للبقاء‪ ،‬شبكة المعلومات الدولية‪:‬‬
‫‪https://tafahom.mara.gov.om/storage/al-tafahom/ar/2020/069/pdf/09.pdf‬‬

‫‪246‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬
‫(‪((3‬‬
‫أي إنهــا كانــت مجتمعـ ًا مريضـ ًا"‬
‫الدراسات السابقة‪:‬‬
‫خضـع موضـوع االندمـاج االجتماعـي للدراسـة والتحليـل فـى مجـاالت عديـدة‪ ،‬أهمهـا‬
‫االندمـاج الذاتـي واالقتصـادي والتعليمـي والسياسـي‪ ،‬ونشـير فـى هـذا الجـزء لعـدد مـن تلـك‬
‫الدراسـات‪:‬‬
‫(‪ :)2019‬عـن االندمـاج االجتماعـي وعالقتـه باسـتبصار‬ ‫(‪((3‬‬
‫ ‪-‬دراس�ة (سوس�ن الس�لطاني)‬
‫الـذات لـدى عينـة مـن الموظفيـن‪ ،‬هدفت الدراسـة إلى التعرف على االندمـاج االجتماعي‪،‬‬
‫من خالل مؤشـرات (نفسـية وسـلوكية‪ ،‬هي االنتماء والتضحية واسـتبصار الذات‪ ،‬من خالل‬
‫فهـم اآلخريـن‪ ،‬والقـدرة علـى إدارة المواقـف فـى الحيـاة‪ ،‬بلـغ حجم عينة الدراسـة (‪)200‬‬
‫أن اإلناث أكثر اندماجا من الذكور على مسـتوى المؤشـرات الثالثة‪،‬‬ ‫موظف وموظفة‪ ،‬تبين َّ‬
‫أيضـا وجـود عالقـة ارتباطيـة بيـن االندمـاج واسـتبصار الـذات لدى الموظفيـن جميعا‪.‬‬
‫ ‪-‬دراس�ة (أمح�د عب�د املوج�ود)(‪ :)2017(((3‬هدفـت الدراسـة إلـى التعـرف علـى مالمـح غيـاب‬
‫الوعي السياسـي‪ ،‬وانعكاسـاتها على توجهات الشـباب نحو االحتجاجات اإللكترونية‪ ،‬دراسـة‬
‫علـى عينـة مـن الشـباب بمحافظـة أسـيوط بجمهوريـة مصـر‪ ،‬مـن خلال (أزمـة االندمـاج‬
‫والهويـة والمشـاركة السياسـية)‪ ،‬بلـغ حجـم العينـة(‪ )300‬مفـردة باسـتخدام العينـة‬
‫العشـوائية البسـيطة‪ ،‬تبيـن مـن النتائـج أن االرتبـاك السياسـي فـى البلاد ناتـج عـن غيـاب‬
‫الوعـي السياسـي‪ ،‬وانخـراط الشـباب فـي المظاهـرات السـلبية لالحتجاجـات اإللكترونيـة‪،‬‬
‫وبالتالـي غيـاب لالندمـاج والهويـة والمشـاركة السياسـية الفاعلـة‪.‬‬
‫ ‪-‬دراس�ة (دروش فاطم�ة فضيل�ة)(‪ :((3‬هدفـت الدراسـة للتعـرف علـى معوقـات االندمـاج‬
‫االجتماعـي لـدى فئـة الشـباب الجزائـري‪ ،‬وذلـك مـن خلال تحليـل سيسـونقدي لمؤشـرات‬
‫االندمـاج االجتماعـي‪ ،‬مـن خلال ارتفـاع نسـبة (االنتحـار والهجـرة غيـر الشـرعية وارتفـاع‬
‫حـاالت االسـتياء وعـدم الرضـا‪ ،‬وتوالـي االحتجاجـات وارتفـاع موجـات الرفـض)‪ ،‬افترضـت‬
‫الدراسـة أن تمـرد الشـباب الجزائـري لـه أسـباب كثيـرة‪ ،‬أهمها(فشـل النظـام االجتماعـي‬
‫المؤسسـي المتمثـل فـى األسـرة والمدرسـة‪ ،‬وفشـل الخطـاب السياسـي واإلعالمـي‪ ،‬فـى إنتـاج‬
‫آليـه قائمـة علـى الشـرعية التاريخيـة والقيـم الوطنيـة‪ ،‬ومـن نتائـج الدراسـة ضـرورة‬
‫إدمـاج الشـباب فـى المجتمـع‪ ،‬مـن خلال تهيئـة الظـروف االقتصاديـة واالجتماعيـة لهـم‪،‬‬
‫والتخطيـط السـليم للمشـاريع االجتماعيـة‪ ،‬مـن خلال إشـراك المتخصصيـن االجتماعييـن‪.‬‬
‫تعقيب على الدراسات السابقة‪:‬‬
‫تناولـت الدراسـة الحاليـة بعـض المتغيـرات والمؤشـرات الخاصـة باالندمـاج االجتماعـي‬
‫المطروحـة فـى الدراسـات السـابقة‪ ،‬حيـث أشـارت دراسـة (سوسـن السـلطاني) إلـى مؤشـرات‬
‫اسـتبصار الـذات واالنتمـاء والتضحيـة‪ ،‬فـي حين أشـارت دراسـة (أحمد عبدالموجود) لمؤشـرات‬
‫أزمـة االندمـاج والهويـة والمشـاركة السياسـية‪ ،‬تتوافـق أيضـا مع دراسـة (دورش فاطمة فضيلة)‬
‫فـى تنـاول قضيـة فشـل أنظمـة البنـاء االجتماعـي فـى المجتمـع الجزائـري فـى تحقيـق اندمـاج‬

‫(‪ ((3‬غنارسـكيربك ونلـز غيلجـي ‪ -‬تاريـخ الفكر الغربي‪ ..‬مـن اليونان القديمة إلـى القرن العشـرين ‪ -‬ترجمة‪ :‬د‪ .‬حيدر‬
‫حاج إسـماعيل ‪ -‬مركز دراسـات الوحـدة العربية ‪ -‬الطبعة األولى‪ ،‬بيروت‪ ،‬نيسـان (ابريـل) ‪ ،2012‬ص (‪.)821-820‬‬
‫(‪ ((3‬سوسـن عبـد علـي كاظم السـلطاني‪ ،‬االندمـاج االجتماعي وعالقته باسـتبصار الـذات لدى الموظفيـن‪ ،‬حوليات‬
‫كليـة اآلداب‪ ،‬جامعـة عين شـمس‪ ،‬المجلـد (‪ )47‬أبريل ‪ 2019‬مصـر‪ ،‬ص (‪.)137‬‬
‫(‪ ((3‬أحمـد كمـال عبـد الموجود‪ ،‬مالمـح غياب الوعي السياسـي‪ ،‬حوليات كليـة اآلداب‪ ،‬جامعة عين شـمس‪ ،‬المجلد‬
‫(‪ )47‬أبريـل ‪ 2019‬مصر‪ ،‬ص (‪.)231‬‬
‫(‪ ((3‬دروش فاطمـة فضيلـة‪ ،‬معوقـات االندمـاج االجتماعـي لـدى فئـة الشـباب التائـب‪ ،‬قـراءة سوسـيونقدية لرواية‬
‫الـورم‪ ،‬المجلـة الجزائريـة للدراسـات السوسـيولوجية‪ ،‬العـدد (‪ )6‬يونيـو ‪ ،2018‬ص (‪.)77-65‬‬

‫‪247‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫اجتماعـي‪ ،‬وهـو مـا يتوافـق مـع مؤشـرات الدراسـة الحاليـة المرتبطـة بالمعوقـات السياسـية‬
‫واالقتصاديـة واالجتماعيـة القائمـة علـى االسـتبعاد والتهميـش واإلقصـاء‪ ،‬كعامـل أساسـي‬
‫لضعف االندماج االجتماعي‪ ،‬على هذا األسـاس يمكن القول إن هذه الدراسـات سـاهمت بصورة‬
‫جيـدة فـى دعـم الدراسـة الحاليـة بمؤشـرات هامـة حـول االندمـاج االجتماعـي ومعيقاتـه‪.‬‬
‫اإلجراءات املنهجية للدراسة‪:‬‬
‫او ًال‪ :‬منهج الدراسة‪:‬‬
‫اعتمـدت الدراسـة علـى دراسـة الظاهـرة االجتماعيـة لمعوقـات االندمـاج االجتماعـي فـي‬
‫الجنـوب الليبـي‪ ،‬عليـه تعـد هـذه الدراسـة دراسـة (وصفيـة تحليليـة)‪ ،‬تهدف إلـى جمع ووصف‬
‫الحقائـق وتفسـيرها السـتخالص نتائجها‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬حدود وجماالت الدراسة‪:‬‬
‫المجـال المكانـي (الجنـوب الليبـي)‪ ،‬المجـال البشـري (الليبيـون فـي الجنـوب)‪ ،‬المجـال‬
‫الزمنـي (‪.)1/2023‬‬
‫ثالثًا‪ :‬العينة وأسلوب اختيارها‪:‬‬
‫تتمثل خطوات اختيار العينة فى اآلتي‪:‬‬
‫ ‪-‬نـوع العينـة‪ :‬اسـتخدم الباحـث أسـلوب العينات غيـر االحتمالية (غير العشـوائية)‪( ،‬عينة‬
‫كـرات الثلـج)‪ ،‬ويسـتخدم هـذا النـوع مـن العينـات فـى حالـة عـدم وجـود إطـار لعينـة‬
‫الدراسـة‪.‬‬
‫ ‪-‬وحدة العينة‪ :‬الليبيون (ذكور وإناث) (في الجنوب الليبي)‪.‬‬
‫ ‪-‬حجم العينة‪ :‬بلغ حجم عينة الدراسة (‪ )368‬مفردة على مستوى الجنوب الليبي‪.‬‬
‫ ‪-‬إطار العينة‪ :‬الليبيون في الجنوب‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬أداة مجع البيانات اخلاصة بالدراسة‪:‬‬
‫اعتمـدت الدراسـة الراهنـة علـى اسـتبيان إلكترونـي‪ ،‬يحتوي بيانات عـن المبحوث والظاهرة‬
‫محل الدراسـة‪ ،‬ومقياس األبعاد‪( :‬الذاتية‪ ،‬واالجتماعية‪ ،‬واالقتصادية‪ ،‬والسياسـية) لمعوقات‬
‫االندمـاج االجتماعـي عنـد الليبيين في الجنوب‪.‬‬
‫ ‪-‬ص�دق أدة الدراس�ة‪ :‬عـرض مقيـاس الدراسـة علـى مجموعـة مـن المحكميـن مـن ذوي‬
‫االختصـاص‪ ،‬والبالـغ عددهـم (‪ ،)4‬إذ أكـد الجميـع علـى صـدق األداة‪.‬‬
‫ ‪-‬ثبات أداة الدراس�ة‪ :‬تحقق الباحث من ثبات أداة الدراسـة‪ ،‬من خالل اسـتخدام معادلة (ألفا‬
‫عـد معـد ً‬
‫ال جيـدًا إلجـراء‬ ‫كرونبـاخ) للمقيـاس‪ ،‬بلـغ معـدل الثبـات الكلـي (‪ ،).73‬حيـث ُي ّ‬
‫الدراسـة الميدانية‪.‬‬
‫رابعًا‪ :‬فروض الدراسة‪:‬‬
‫تفتـرض الدراسـة أن ضعـف االندمـاج االجتماعـي فـى الجنـوب الليبـي‪ ،‬يعـزى ألسـباب‬
‫ذاتيـة‪ ،‬واجتماعيـة‪ ،‬وثقافيـة‪ ،‬واقتصاديـة‪ ،‬وسياسـية‪ ،‬وينـدرج تحـت هـذا الفـرض الرئيـس‬
‫الفـروض الفرعيـة اآلتيـة‪:‬‬
‫ ‪-‬توجـد فـروق ذات داللـة إحصائيـة فـي معوقـات االندمـاج االجتماعـي فـي الجنـوب الليبـي‬
‫تعـزي لمتغيـر (النوع)‪.‬‬
‫ ‪-‬يوجد تباين في معوقات االندماج االجتماعي فى الجنوب الليبي يعزى لمتغير (المسـتوى‬
‫التعليمي ومحل اإلقامة)‪.‬‬

‫‪248‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫خامسًا‪ :‬األساليب اإلحصائية املستخدمة‪:‬‬


‫اعتمدت الدراسـة على األسـاليب اإلحصائية الوصفية المتمثلة فى‪( :‬النسـب المئوية‪،‬‬
‫والمتوسط الحسابي‪ ،‬واالنحراف المعياري‪ ،‬واختبار ‪ ))t‬لعينتين مستقلتين (‪Independent-‬‬
‫‪ ،-Samples‬والتبايـن األحـادي‪ ،‬حيـث تمت معالجة البيانات باسـتخدام البرنامج اإلحصائي‬
‫(‪.)SPSS‬‬
‫او ًال‪ :‬اخلصائص الدميوغرافية واالجتماعية‪:‬‬
‫مـن خلال اتبـاع أسـلوب عينـة (كـرات الثلـج)‪ ،‬ولمـا كان االسـتبيان اإللكترونـي مـن الوسـائل‬
‫ً‬
‫وتحديـدا بالمنطقـة الجنوبيـة منـه‪،‬‬ ‫الحديثـة فـي االسـتعمال‪ ،‬خاصـة فـي المجتمـع الليبـي‪،‬‬
‫وجـدت الدراسـة أن هنـاك تجاوبـ ًا مرضيـًا مـن أفـراد العينـة علـى كافـة المسـتويات فـي قبـول‬
‫المشـاركة فـي هـذه الدراسـة‪ ،‬سـواء علـى مسـتوى المتغيرات النوعيـة أو العمريـة‪ ،‬أو المرتبطة‬
‫بالمسـتوى التعليمـي والمهنـة‪ ،‬فهـى متغيـرات مسـتقلة تسـهم وتسـاعد فـي التعـرف‪ ،‬ولو بنسـبة‬
‫بسـيطة‪ ،‬عـن مسـتوى االندمـاج االجتماعـي فـي الجنـوب الليبـي‪ ،‬وبالتالـي التعـرف علـى‬
‫المعيقـات المؤديـة إلـى إعاقـة االندمـاج االجتماعـي فيـه‪.‬‬
‫جدول رقم (‪ )2‬يوضح متغير النوع لعينة الدراسة‬

‫‪%‬‬ ‫العدد‬ ‫النوع‬


‫‪50.3‬‬ ‫‪185‬‬ ‫ذكور‬
‫‪49.7‬‬ ‫‪183‬‬ ‫إناث‬
‫‪100‬‬ ‫‪368‬‬ ‫المجموع‬

‫يتبيـن مـن البيانـات الـواردة فـي الجـدول أعلاه ارتفـاع نسـبة الذكـور عـن اإلنـاث فـي‬
‫هـذه الدراسـة‪ ،‬إذ بلغـت نسـبة الذكـور ‪ ،50.3%‬فـي حيـن بلغت نسـبة اإلنـاث ‪ ،49.7%‬هذه‬
‫النتيجـة تفيـد إقبـال الذكـور واإلنـاث علـى المشـاركة‪ ،‬وإبـداء الـرأي فـى مثـل هـذه الدراسـات‪،‬‬
‫وهـذا ُيعـد مـن العوامـل اإليجابيـة فـى ارتفـاع نسـبة الوعـي فـي الجنـوب الليبـي مـن خلال‬
‫المشـاركة الفاعلـة فـى مثـل هـذه الدراسـات‪.‬‬
‫جدول رقم (‪ )3‬يوضح متغير العمر لعينة الدراسة‬

‫‪%‬‬ ‫العدد‬ ‫العمر‬


‫‪22.5‬‬ ‫‪83‬‬ ‫‪27-18‬‬
‫‪28.8‬‬ ‫‪106‬‬ ‫‪37-28‬‬
‫‪25.8‬‬ ‫‪95‬‬ ‫‪47-38‬‬
‫‪15.7‬‬ ‫‪58‬‬ ‫‪57-48‬‬
‫‪7.0‬‬ ‫‪26‬‬ ‫‪+58‬‬
‫‪100‬‬ ‫‪368‬‬ ‫المجموع‬

‫تفيـد المعطيـات الخاصـة بمتغيـر العمـر‪ ،‬أن أعلـى نسـبة تركـزت فـي الفئـة ‪،37-28‬‬
‫بنسـبة ‪ ،28.9%‬تليها الفئة العمرية ‪ ،47-38‬بنسـبة ‪ ،25.8%‬تليها الفئة العمرية ‪-18‬‬
‫وأخيـرا الفئـة العمرية‬
‫ً‬ ‫‪ ،27‬بنسـبة ‪ ،22.5%‬ثـم الفئـة العمريـة ‪ 57-48‬بنسـبة ‪،15.7%‬‬
‫من ‪ – 58‬فما فوق بنسـبة ‪ ،7.0%‬وتوصف عينة الدراسـة بأنها عينة (فتية) شـاهدة على‬
‫الواقـع المعاصـر ومـا يـدور فيـه من أحـدث اجتماعيـة واقتصادية وسياسـية‪.‬‬

‫‪249‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫جدول رقم (‪ )4‬يوضح متغير المستوى التعليمي لعينة الدراسة‬

‫‪%‬‬ ‫العدد‬ ‫المستوي التعليمي‬


‫‪14.9‬‬ ‫‪55‬‬ ‫ثانوي‬
‫‪57.3‬‬ ‫‪211‬‬ ‫جامعي‬
‫‪17.9‬‬ ‫‪66‬‬ ‫ماجستير‬
‫‪9.7‬‬ ‫‪36‬‬ ‫دكتوراه‬
‫‪100‬‬ ‫‪368‬‬ ‫المجموع‬

‫اتضـح مـن مراحـل المسـتوى التعليمـي ألفـراد العينـة‪ ،‬أن أعلـى نسـبة عند فئة المسـتوى‬
‫التعليمـي جامعـي‪ ،‬إذ بلغـت نسـبتها ‪ ،57.3%‬تليهـا فئـة الماجسـتير بنسـبة ‪ ،17.9%‬ثـم‬
‫المسـتوى التعليمـي الثانـوي بنسـبة ‪ ،14.9%‬ثـم المسـتوى التعليمـي الدكتـوراه بنسـبة‬
‫‪ ،9.7%‬وتفيـد المعطيـات أن عينـة الدراسـة نالـت قسـط ًا مـن التعليـم علـى المسـتويات العليا‪،‬‬
‫األمـر الـذي ينعكـس إيجابيـا علـى التعرف على أهم المؤشـرات المرتبطة باالندماج االجتماعي‬
‫ومعوقاته‪.‬‬
‫جدول رقم (‪ )5‬يوضح متغير المهنة لعينة الدراسة‬

‫‪%‬‬ ‫العدد‬ ‫المهنة‬


‫‪18.3‬‬ ‫‪71‬‬ ‫طالب‬
‫‪30.7‬‬ ‫‪113‬‬ ‫موظف‬
‫‪9.4‬‬ ‫‪36‬‬ ‫معلم فى مراحل التعليم‬
‫‪22.8‬‬ ‫‪84‬‬ ‫أستاذ جامعي‬
‫‪4.3‬‬ ‫‪16‬‬ ‫عسكري‬
‫‪13.0‬‬ ‫‪48‬‬ ‫أعمال حرة‬
‫‪100‬‬ ‫‪368‬‬ ‫المجموع‬

‫وبلغـت أعلـى نسـبة للمهنـة عنـد مهنـة الموظفيـن بنسـبة ‪ ،30.7%‬تليهـا مهنـة األسـتاذ‬
‫الجامعـي بنسـبة ‪ ،22.8%‬تليهـا مهنـة الطالـب بنسـبة ‪ ،18.3%‬ثـم مهنـة األعمـال الحـرة‬
‫بنسـبة ‪.13%‬‬
‫جدول رقم (‪ )6‬يوضح متغير محل اإلقامة لعينة الدراسة‬

‫‪%‬‬ ‫العدد‬ ‫محل اإلقامة‬


‫‪43.2‬‬ ‫‪159‬‬ ‫سبها‬
‫‪13.6‬‬ ‫‪50‬‬ ‫الشاطئ‬
‫‪13.9‬‬ ‫‪51‬‬ ‫أوباري‬
‫‪7.1‬‬ ‫‪26‬‬ ‫غات‬
‫‪11.7‬‬ ‫‪43‬‬ ‫مرزق‬
‫‪10.6‬‬ ‫‪39‬‬ ‫الشرقية‬
‫‪100‬‬ ‫‪368‬‬ ‫المجموع‬

‫‪250‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫فيمـا يتعلـق بمـكان اإلقامـة‪ ،‬اتضـح أن غالبيـة أفـراد العينـة مـن مدينـة سـبها بنسـبة‬
‫‪ ،43.2%‬تليهـا أوبـاري بنسـبة ‪ ،13.9%‬ثـم الشـاطئ بنسـبة ‪ ،13.6%‬ثـم مـرزق بنسـبة‬
‫‪ ،11.7%‬تليهـا الشـرقية بنسـبة ‪ ،10.6%‬ثـم غـات بنسـبة ‪ ،7.1%‬وحسـبنا اإلشـارة إلـى‬
‫أن مـكان اإلقامـة ُيعـد مـن المتغيـرات ذات األهميـة القصـوى فـى التعرف على مسـتوى االندماج‬
‫االجتماعـي فـى المجتمعـات المعاصـرة‪ ،‬وذلـك مـن حيـث مـدى توافـر اإلمكانيـات الالزمـة أو‬
‫المشـجعة علـى وجـود اندمـاج حقيقـي لـدى األفـراد مـن عدمـه‪.‬‬
‫جيدا على المشاركة‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫يستنتج من عرض البيانات العامة لخصائص العينة‪ ،‬أن هناك إقبااًل‬
‫فـي هـذه الدراسـة علـى مسـتوى النـوع والعمر‪ ،‬والمسـتويات التعليمية والمهنـة‪ ،‬ومحل اإلقامة‪،‬‬
‫وهـذا يـدل علـى ارتفـاع نسـبة الوعـي فـي المشـاركة فـي مثـل هـذه الدراسـات‪ ،‬ومـدى أهميتهـا‬
‫العلميـة‪ ،‬ووجـب اإلشـارة إلـى نقطـة جوهريـة‪ ،‬وهـى تبايـن أعـداد أفـراد العينـة حسـب مـكان‬
‫اإلقامـة‪ ،‬حيـث نالـت مدينـة سـبها النصيـب األكبـر‪ ،‬تليهـا أوبـاري‪ ،‬ثـم الشـاطئ‪ ،‬وهـذا وضـع‬
‫طبيعـي‪ ،‬علـى اعتبـار أن هـذه المناطـق مـن أكثـر المناطـق ارتفاعـًا فـى الكثافـة سـكانية فـي‬
‫الجنـوب الليبـي‪ ،‬كذلـك أن المسـتويات التعليميـة العليـا والمتوسـطة وسـيلة حيـة للتعـرف عـن‬
‫قـرب‪ ،‬فيمـا يتعلـق بالمعوقـات التـي تعيـق االندمـاج االجتماعـي الحقيقـي في الجنـوب الليبي‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬مؤشرات االندماج االجتماعي‪:‬‬
‫الس�ؤال األول‪ :‬ما مدى وجود وعي جمتمعي اجتماعي وثقايف وسياس�ي لدى عينة الدراسة فى‬
‫اجلنوب اللييب؟‬
‫جدول رقم (‪ )7‬الوعي االجتماعي والثقافي والسياسي‬

‫ال‬ ‫نعم‬
‫االتجاه‬
‫‪%‬‬ ‫العدد‬ ‫‪%‬‬ ‫العدد‬
‫‪23.6‬‬ ‫‪143‬‬ ‫‪37.1‬‬ ‫‪225‬‬ ‫لدي المعرفة الكاملة بكل ما يحيط بنا فى هذا المجتمع‬
‫‪23.9‬‬ ‫‪145‬‬ ‫‪36.8‬‬ ‫‪223‬‬ ‫أتحاور مع الجميع فى األمور االجتماعية والسياسية‬
‫‪35.5‬‬ ‫‪215‬‬ ‫‪25.2‬‬ ‫‪153‬‬ ‫ال أهتم باألمور السياسية إطالق ًا‬
‫‪4.0‬‬ ‫‪24‬‬ ‫‪56.8‬‬ ‫‪344‬‬ ‫المشهد السياسي الراهن هو تحقيق المصلحة الخاصة فقط‬
‫‪36.5‬‬ ‫‪221‬‬ ‫‪24.3‬‬ ‫‪147‬‬ ‫الثقافة الليبية ثقافة سلبية تدعو إلى الفرقة واالنقسام‬
‫التنشئة االجتماعية الليبية تدعو إلى حب الوطن والعمل من‬
‫‪12.9‬‬ ‫‪78‬‬ ‫‪47.9‬‬ ‫‪290‬‬
‫أجله‬
‫‪18.4‬‬ ‫‪68‬‬ ‫‪81.5‬‬ ‫‪300‬‬ ‫اليزال هناك الكثير من األمل إلصالح المجتمع‬

‫سـعت الدراسـة إلـى محاولـة التعـرف علـى مـدى وجـود وعـي مجتمعـي لـدى أفـراد العينـة‬
‫جـزءا مـن حيـاة المجتمـع الليبـي‪ ،‬واتضـح أن لـدى عينـة‬
‫ً‬ ‫حـول بعـض القضايـا الرئيسـة‪ ،‬كونهـا‬
‫الدراسة وعي جيد بما يدور في البيئة الليبية‪ ،‬سواء على المستوى االجتماعي أو الثقافي أو‬
‫السياسـي للمؤشـرات المطروحة‪ ،‬وبالنظر للجدول أعاله اتضح أن أعلى نسـبة عند الفقرة رقم‬
‫(‪ )4‬عنـد فئـة األشـخاص الذيـن أجابـوا بنعـم‪ ،‬بنسـبة (‪ ،)56.8‬بخصوص أن الوضع السياسـي‬
‫يتجـه نحـو تحقيـق المصالـح الشـخصية الخاصـة وإهمـال الصالـح العـام‪ ،‬تليهـا الفقـرة الثانيـة‬
‫رقـم (‪ )2‬حـول وجـود تفاعـل وتحـاور لـدى عينـة الدراسـة فـي األمـور السياسـية واالجتماعية‬
‫والقضايـا المصاحبـة لهـا‪ ،‬بنسـبة (‪ ،)36.8‬الذيـن أجابـوا بنعـم‪ ،‬تليهـا الفقـرة رقـم (‪،)6‬‬
‫حـول تأكيـد علـى دور التنشـئة االجتماعيـة فـي تنميـة حـب الوطـن والعمـل مـن أجلـه بنسـبة‬
‫"‪ ،"47.9‬تليهـا الفقـرة األولـى التـي تفيـد أن أفـراد العينـة علـى درايـة كاملـة بمـا يحيـط بهم‬

‫‪251‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫هـذه المعطيـات تفيـد‬ ‫مـن أحـداث وتطـورات علـى كافـة األصعـدة‪ ،‬بنسـبة "‪."37.1%‬‬
‫بارتفـاع درجـة الوعـي المجتمعـي لـدى أفـراد العينـة فـى الجنـوب الليبـي‪ ،‬واإللمـام باألحـداث‬
‫التـي ترتبـط بالحيـاة اليوميـة‪ ،‬تختلـف هـذه النتيجـة مـع دراسـة أحمـد عبـد الموجـود التـي‬
‫تشـير بـأن االرتبـاك السياسـي ناتـج عـن غيـاب الوعـي المجتمعـي بالظـروف الساسـية‪ ،‬الـذي‬
‫الهوية‪.‬‬
‫يقـود لعـدم المشـاركة السياسـية الفاعلـة واالنخـراط فـى المظاهـرات السـلبية وضعـف ُ‬
‫الس�ؤال الثاني‪ :‬ما مدى وجود معوقات ذاتية (اس�تبصار الذات) لدى عينة الدراس�ة حتول دون‬
‫حتقي�ق االندماج االجتماعي فى اجلنوب اللييب؟‬
‫جدول رقم (‪ )8‬المعوقات الذاتية لإلندماج االجتماعي‬

‫أوافق بشده‬
‫غير موافق‬

‫غير موافق‬
‫االنحراف‬

‫المتوسط‬
‫المعياري‬
‫الترتيب‬

‫محايد‬
‫بشده‬

‫أوافق‬
‫اإلتجاه‬

‫لدي الرغبة الكاملة في‬


‫‪2‬‬ ‫‪0.86‬‬ ‫‪4.3‬‬ ‫‪0.7‬‬ ‫‪1.5‬‬ ‫‪7.3‬‬ ‫‪19.0 32.3‬‬ ‫تقديم الخدمات التي تسهم‬
‫في بناء الوطن‬
‫أسعى للمساهمة فى األعمال‬
‫‪1‬‬ ‫‪0.77‬‬ ‫‪4.3‬‬ ‫‪0.2‬‬ ‫‪1.0‬‬ ‫‪7.8‬‬ ‫‪22.1 29.7‬‬ ‫الخيرية والتطوعية‬
‫واالنظمام إليها‬
‫أحرض اآلخرين على التمرد‬
‫‪5‬‬ ‫‪1.2‬‬ ‫‪2.9‬‬ ‫‪9.6‬‬ ‫‪12.9‬‬ ‫‪18.3‬‬ ‫‪10.4‬‬ ‫‪9.1‬‬
‫ضد األوضاع القائمة‬
‫أشعر باالنتماء الكامل للدولة‬
‫‪3‬‬ ‫‪1.0‬‬ ‫‪3.5‬‬ ‫‪2.5‬‬ ‫‪8.6‬‬ ‫‪14.4‬‬ ‫‪26.2‬‬ ‫‪9.1‬‬
‫ومؤسساتها‬
‫ال يوجد شيء يستحق‬
‫‪4‬‬ ‫‪1.1‬‬ ‫‪2.2‬‬ ‫‪27.4‬‬ ‫‪6.6‬‬ ‫‪6.6‬‬ ‫‪3.5‬‬
‫التضحية فى هذه البالد‬

‫أرفض القبلية والتعددية‬


‫‪6‬‬ ‫‪1.3‬‬ ‫‪2.9‬‬ ‫‪8.6‬‬ ‫‪16.3‬‬ ‫‪13.7‬‬ ‫‪10.9 11.2‬‬
‫الثقافية وأدعو للقضاء عليها‬

‫‪3.3‬‬ ‫المتوسط الكلي‬

‫مـن خلال البيانـات الـواردة فـي الجـدول أعلاه‪ ،‬تبيـن أن المتوسـط العام للمعوقـات الذاتية‬
‫لالندمـاج االجتماعـي بلغـت "‪ ،"3.3‬وهـذا يشـير إلـى أ ّنَـه ال توجـد معوقـات ذاتيـة لـدى أفراد‬
‫العينـة فيمـا يتعلـق بقضيـة االندمـاج االجتماعـي‪ ،‬حيـث كانـت الفقـرة رقـم (‪ )2‬فـي هـذا‬
‫البعـد أكثـر إيجابيـة‪ ،‬مـن حيـث سـعي أفـراد العينـة بـكل جديـة وحمـاس فـي سـبيل االنخـراط‬
‫والمسـاهمة فـي األعمـال الخيريـة والتطوعيـة بمتوسـط بلـغ "‪ ،"4.3‬وانحـراف معيـاري "‬
‫‪ ،"0.77‬تليهـا فـي اإلطـار اإليجابـي الفقـرة األولـى "‪ "1‬بمتوسـط قـدره "‪ "4.3‬وانحـراف‬
‫معيـاري " ‪ "0.86‬بخصـوص وجـود رغبـة وطنيـة صادقـة وكاملـة فـي المسـاهمة فـي تقديـم‬
‫الخدمـات التـي تسـهم فـي بنـاء الوطـن‪ ،‬تليهـا الفقـرة رقـم "‪ "4‬مـن حيـث الشـعور باالنتمـاء‬
‫الكامـل للدولـة ومؤسسـاتها بمتوسـط قـدره "‪ "3.5‬وانحـراف معيـاري "‪."1.0‬‬
‫يأتـي بعـد ذلـك بعـض االتجاهـات السـلبية بمتوسـط أقـل‪ ،‬مـن حيث التحريض ضـد الدولة‬
‫وسياسـتها‪ ،‬والتراكيـب االجتماعيـة والقبليـة المكونـة للبنـاء االجتماعي فيها‪.‬‬

‫‪252‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫سـاهمت الثـورات فـى كثيـر مـن البلـدان والبلـدان العربيـة‪ ،‬علـى وجـه الخصـوص (الربيـع‬
‫العربـي)‪ ،‬فـى حـدوث شـرخ فـى اسـتقرار تلـك البلـدان‪ ،‬ومظالـم ال حصـر لهـا لحقـت باألفـراد‬
‫والجماعـات‪ ،‬برغـم ذلـك اليـزال يوجـد هنـاك أنـاس قـادرون علـى تقديم المسـاعدة والتضحية‬
‫مـن أجـل اآلخريـن‪ ،‬وهـذا مـا يعرف باسـتبصار الذات‪ ،‬إن اسـتبصار الذات نفسـي ًا وإنسـاني ًا يحرك‬
‫فـي اإلنسـان الرغبـة فـى تقديـم المسـاعدة دون انتظـار مـردود مـادي‪ ،‬وهـذا مـا يطلـق عليـه‬
‫(االندمـاج االجتماعـي اإليجابـي) الـذي يتضمـن مبـادئ اإليثـار واإلنتمـاء والتضحيـة‪.‬‬
‫أن ارتفـاع مسـتوى اإليجابيـة (يعنـي‪ :‬إيجابيـة االندمـاج‬ ‫حسـبنا اإلشـارة هنـا إلـى َّ‬
‫االجتماعـي) ألفـراد مجتمـع الدراسـة‪ ،‬مـن خلال اسـتبصار ذاتهـم‪ ،‬راجـع بالدرجـة األولـى إلـى‬
‫أسـاليب التنشـئة الدينيـة واالجتماعيـة الداعيـة لحـب الوطـن‪ ،‬والوفـاء لـه والتضحيـة مـن‬
‫أجلـه‪ ،‬ويعـزى ذلـك للترابـط والتماسـك األسـري والعشـائري‪ ،‬بعيدًا عن بعض السـلبيات الناتجة‬
‫عـن التركيـب الثقافـي المتعـدد‪ .‬إن إيجابيـة اإلنسـان لخدمـة أهلـه ووطنـه مرهـون فـى األحوال‬
‫كلهـا بالمـردود المعنـوي والمـادي المقـدم مـن الدولـة وسياسـاتها نحـوه‪ ،‬تتفـق هـذه النتيجة مع‬
‫دراسـة درويـش فاطمـة فضيلـة التـي أشـارت إلـى أن تحقيـق اندماج اجتماعي سـليم يعتمد على‬
‫مـدى تهيئـة الظـروف السياسـية واالقتصاديـة واالجتماعيـة‪ ،‬باإلضافـة إلـى التخطيط السـليم‬
‫للمشـاريع االجتماعيـة‪.‬‬
‫جدول رقم (‪ )9‬المعوقات االجتماعية لالندماج االجتماعي‬
‫غير موافق‬

‫غير موافق‬
‫االنحراف‬

‫المتوسط‬
‫المعياري‬
‫الترتيب‬

‫محايد‬
‫بشدة‬

‫بشدة‬
‫أوافق‬

‫أوافق‬

‫االتجاه‬

‫المواطن فى الجنوب الليبي‬


‫‪2‬‬ ‫‪0.98‬‬ ‫‪1.6‬‬ ‫‪35.3‬‬ ‫‪18.0‬‬ ‫‪2.8‬‬ ‫‪2.6‬‬ ‫‪2.0‬‬
‫نال جميع الخدمات اإلنسانية‬
‫يتصف الوضع فى الجنوب‬
‫‪1‬‬ ‫‪0.96‬‬ ‫‪1.8‬‬ ‫‪27,6‬‬ ‫‪22.8‬‬ ‫‪6.4‬‬ ‫‪2.1‬‬ ‫‪1.8‬‬ ‫الليبي بالعدالة االجتماعية‬
‫على كافة المستويات‬
‫يتمتع الجنوب الليبي بقدر‬
‫‪2‬‬ ‫‪0.98‬‬ ‫‪1.7‬‬ ‫‪30.7‬‬ ‫‪20.3‬‬ ‫‪4.8‬‬ ‫‪3.6‬‬ ‫‪1.3‬‬ ‫كاف من األمن واألمان‬
‫االجتماعي‬
‫يتعرض الجنوب إلى التهميش‬
‫‪3‬‬ ‫‪1.0‬‬ ‫‪4.3‬‬ ‫‪1.3‬‬ ‫‪5.4‬‬ ‫‪00‬‬ ‫‪35.8‬‬ ‫واإلقصاء االجتماعي على‬
‫كافة المستويات‬
‫تتساوى األقاليم الليبية‬
‫‪4‬‬ ‫‪1.1‬‬ ‫‪1.8‬‬ ‫‪33.2‬‬ ‫‪16.5‬‬ ‫‪3.0‬‬ ‫‪4.3‬‬ ‫‪3.3‬‬ ‫الثالثة فى ميزان العدالة‬
‫والحقوق‬

‫‪2.7‬‬

‫أن المتوسـط العـام للمعوقـات‬ ‫مـن خلال المعطيـات الـواردة فـي الجـدول أعلاه‪ ،‬يتضـح َّ‬
‫االجتماعيـة لالندمـاج االجتماعـي بلـغ "‪ ،"2.7‬فقـد أشـار أفـراد العينـة فـي إجاباتهـم‬
‫حـول هـذا البعـد مـن المقيـاس‪ ،‬أنهـا علـى درجـة عاليـة مـن السـلبية‪ ،‬وعـدم الرضـا بالوضـع‬
‫االجتماعـي الراهـن فـي الجنـوب الليبي(سـلبية االندمـاج االجتماعـي)‪ ،‬األمـر الـذي يشـير إلـى‬
‫حالـة مـن (االغتـراب)‪ ،‬إضافـة إلـى ارتفـاع الوعـي بدرجـة اإلقصـاء والتهميـش الـذي يعانيـه‬

‫‪253‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫الجنـوب الليبـي مـن تبعيـات اإلسـتراتيجية السياسـية للدولـة الليبيـة اتجـاه أقاليمهـا‪ ،‬في إطار‬
‫ذلـك جـاءت الفقـرة رقـم (‪ )2‬بدرجـة سـلبية عالية ومتوسـط منخفض بلـغ "‪ "1.8‬حول رفض‬
‫تمتـع الجنـوب الليبـي بالعدالـة االجتماعيـة علـى كافـة المسـتويات‪ ،‬تليهـا الفقرتـان رقم (‪، 1‬‬
‫‪ )3‬علـى التوالـي حـول االعتـراض عـن حصـول الجنـوب الليبـي على جميع الخدمات اإلنسـانية‬
‫والصحيـة‪ ،‬باإلضافـة إلـى االعتـراض اآلخـر حـول تمتـع الجنـوب الليبـي بقـدر ِ‬
‫كاف مـن األمـن‬
‫واألمـان‪ ،‬تليهـا الفقـرة رقـم (‪ )4‬حـول التأكيـد المطلـق علـى تعـرض الجنـوب الليبـي لعوامـل‬
‫اإلقصـاء والتهميـش علـى كافـة المجـاالت االجتماعية خاصة‪ ،‬يسـتنتج من هذه المؤشـر وجود‬
‫معوقـات اجتماعيـة الحصـر لهـا تعـوق وجـود اندمـاج اجتماعـي (إيجابـي) للقاطنييـن فـى هذا‬
‫األقليـم‪ ،‬و ُيعـزى ذلـك مـن وجهـة نظـر أفراد العينة إلى السياسـة االجتماعية العقيمة في بناء‬
‫الدولـة الليبيـة القائمـة علـى إقصـاء روح العدالـة‪ ،‬واحتـرام الحقـوق‪ ،‬ضـف إلـى ذلـك انهيـار‬
‫أمـن الدولـة الـذي ينعكـس بـدوره علـى الرفـاه االجتماعـي للسـكان‪ ،‬وهذا لن يتحقـق إال بوجود‬
‫قيـادة سياسـية رشـيدة‪ ،‬تنظـر لهـذا األقاليـم نظـرة وطنيـة‪ ،‬تؤمـن َّ‬
‫بأن اسـتقرار الدولـة الليبية‬
‫لـن يكـون إال باسـتقرار الجنـوب‪.‬‬
‫فيمـا يتعلـق بسياسـة اإلقصـاء والتهميـش االجتماعـي للجنـوب طابـع غالـب للحكومـات‬
‫المتعاقبـة‪ ،‬ولسياسـة الدولـة عمومـا‪ ،‬ضـف إلـى ذلـك دق ناقـوس الخطـر إلـى احتماليـة نشـأة‬
‫مـا يعـرف (بالفيدراليـة)‪ ،‬وتحـول ليبيـا إلـى أقاليـم مبعثـرة ومشـتتة‪ ،‬األمـر الـذي يفتـح البـاب‬
‫أمـام تـرك فجـوة وفـراغ لالنفصالييـن‪ ،‬عمومـا تتصـف إيجابيـة االندمـاج االجتماعـي فـى أي‬
‫مجتمـع مـن المجتمعـات اإلنسـانية بمـا يقدمـه ألفـراده‪ ،‬ومـدى االهتمـام بهـم ورعايتهـم‪ ،‬مـن‬
‫خلال توفيـر كافـة اإلمكانيـات‪ ،‬بهـدف تحقيـق حيـاة كريمـة مـن جهـة‪ ،‬وضمـان الـوالء لـه‬
‫مـن جهـة أخـرى‪ .‬إن وضـع الجنـوب الليبـي فـى ظـل األوضـاع الراهنـة‪ ،‬وخاصـة عـدم اسـتقرار‬
‫الوضـع السياسـي للدولـة‪ ،‬يشـهد أوضاعـا صعبـة‪ ،‬فعلـى الرغم من كونه مصدرًا رئيسـا (للنفظ)‪،‬‬
‫أن ذلـك لم يشـفع له أن يكـون إقليمًا نموذجي ًا‪ ،‬حيث‬‫واإلنتـاج لبعـض المحاصيـل الزارعيـة‪ ،‬إال َّ‬
‫ال تتوفـر فيـه مقومـات التخطيـط الحضري العصري‪ ،‬أو مؤشـرات التنميـة الريفية أو الحضرية‪،‬‬
‫ضـف إلـى ذلـك انعـدام االسـتقرار األمنـي بفعـل ظاهـرة الهجـرة والجريمـة‪.‬‬

‫‪254‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫جدول رقم (‪ )10‬المعوقات االقتصادية لالندماج االجتماعي‬

‫أوافق بشدة‬
‫غير موافق‬

‫غير موافق‬
‫االنحراف‬

‫المتوسط‬
‫المعياري‬
‫الترتيب‬

‫محايد‬
‫بشدة‬

‫أوافق‬
‫االتجاه‬

‫المساواة والعدالة االقتصادية‬


‫‪5‬‬ ‫‪1.4‬‬ ‫‪2.4‬‬ ‫‪21.6‬‬ ‫‪16.6‬‬ ‫‪7.8‬‬ ‫‪6.1‬‬ ‫‪9.2‬‬ ‫مبدأ الحكومات الليبية‬
‫المتعاقبة‬
‫دخل الفرد الليبي جيد‬
‫‪3‬‬ ‫‪1.0‬‬ ‫‪1.8‬‬ ‫‪28.9‬‬ ‫‪20.1‬‬ ‫‪4.5‬‬ ‫‪5.0‬‬ ‫‪2.3‬‬ ‫ويتماشي مع متطلبات األزمة‬
‫االقتصادية الراهنة‬
‫تسعى الحكومات الليبية‬
‫‪4‬‬ ‫‪1.1‬‬ ‫‪1.8‬‬ ‫‪28.5‬‬ ‫‪23.8‬‬ ‫‪0.3‬‬ ‫‪4.8‬‬ ‫‪3.3‬‬
‫إلعادة إعمار الجنوب‬
‫يتعرض الجنوب الستنزاف‬
‫‪2‬‬ ‫‪0.9‬‬ ‫‪4.4‬‬ ‫‪2.0‬‬ ‫‪1.3‬‬ ‫‪3.6‬‬ ‫‪15.2‬‬ ‫‪38.3‬‬ ‫مقدراته االقتصادية بسبب‬
‫سوء اإلدارة االقتصادية‬
‫الوضع االقتصادي الراهن‬
‫‪1‬‬ ‫‪0.3‬‬ ‫‪4.7‬‬ ‫‪0.3‬‬ ‫‪0.7‬‬ ‫‪1.0‬‬ ‫‪10.1‬‬ ‫‪48.7‬‬ ‫وضع سيئ بسبب الفساد‬
‫المالي‬
‫‪2.2‬‬

‫تشـير المعطيـات الـواردة فـي الجـدول أعلاه‪ ،‬إلـى أن المتوسـط العـام بلـغ "‪ "2.2‬الخـاص‬
‫بالمعوقـات االقتصاديـة لالندمـاج االجتماعـي لعينـة الدراسـة‪ ،‬وجـاء هذا البعد بدرجة سـلبية‬
‫عاليـة مـن الضجـر وعـدم القبـول مـن أفـراد العينـة حولـه‪ ،‬إذ تشـير غالبيـة المتوسـطات بوجود‬
‫ضعـف اندمـاج اقتصـادي لـدى أفـراد العينـة‪ ،‬وتفيـد البيانـات أن أكثـر سـلبيات ضعـف االندمـاج‬
‫االقتصـادي فـي الفقـرة رقـم (‪ ،)5‬حيـث أكـد أفـراد العينـة بدرجة عالية على وجود فسـاد إداري‬
‫ومالـي سـاهم فـي زيـادة الوضـع االقتصـادي سـوءًا‪ ،‬األمـر الـذي انعكـس علـى الحيـاة االقتصاديـة‬
‫للمواطـن فـي ظـل التهميـش السياسـي واالقتصـادي واالجتماعـي‪ ،‬فقـد بلـغ متوسـط هـذه الفقـرة‬
‫من المقياس "‪ ،"4.7‬تليها الفقرة رقم (‪ )4‬التي تشـير بتعرض الجنوب الليبي لعملية اسـتنزاف‬
‫لمقدراتـه وإمكانياتـه االقتصاديـة‪ ،‬بمتوسـط قـدره "‪ ،"4.4‬تليهـا الفقـرة رقـم (‪ )3‬التي يعترض‬
‫فيهـا أفـراد العينـة علـى دخـل الفـرد الليبـي مقارنـة بالظـروف االقتصادية الراهنة‪ ،‬يسـتنتج من‬
‫هـذا المؤشـر بـروز مظاهـر الفسـاد اإلداري العائـق لقيـام الدولـة الليبيـة‪ ،‬والمتمثـل فـى بـزوغ‬
‫ظاهـرة (الفسـاد) إداريـ ًا واقتصاديـًا وسياسـيًا‪ ،‬ولعـل من أهم مظاهر الفسـاد نهـب مقدرات وثروات‬
‫البلاد وإهدارهـا‪ ،‬حيـث تعانـي البلاد عامـة مـن انهيـار البنيـة التحتيـة‪ ،‬بسـبب عـدم وجـود‬
‫مشـاريع اقتصاديـة واسـتثمارات نشـطة تنعـش االقتصـاد الليبـي‪ ،‬األمـر الـذي ينعكـس علـى‬
‫أفـراده‪ .‬إن الحرمـان الصريـح للجنـوب الليبـي وسـكانه مـن مقدراتـه االقتصاديـة مـن (نفـط وغاز‬
‫وميـاه) مـع عـدم وجـود عائـد اقتصـادي ألكبـر دليـل تابـث علـى الفسـاد السياسـي واالقتصـادي‬
‫السـائد فـى الدولـة ككل‪.‬‬
‫يعـد دخـل الفـرد مـن أهـم المؤشـرات التـي تعكـس مـدى وجـود اندمـاج‬ ‫مـن جهـة أخـرى ُ‬
‫اجتماعـي إيجابـي فـى المجتمعـات المتحضـرة والمتطـورة‪ ،‬التـي تنهتـج سياسـات أكثـر نجاحـا‬
‫واحترامـا لمواطنيهـا‪ ،‬بالنظـر لدخـل الفـرد الليبـي نجـده اليـزال فـي مسـتويات متدنيـة عبـر‬

‫‪255‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫مراحـل تاريخيـة متعاقبـة‪ ،‬ضـف إلـى ذلـك األزمـة االقتصاديـة العالميـة‪ ،‬وبالنظـر لألمكانيات‬
‫الجيـدة المتوفـرة لـدى الدولـة الليبيـة‪ ،‬وإمكانيـات الجنـوب الليبـي علـى وجه الخصـوص‪ ،‬يثير‬
‫ذلـك تسـاؤالت عديـدة وغامضـة حـول األسـباب الكامنـة وراء ذلـك التدنـي الرهيـب‪.‬‬
‫يمكـن القـول إن النوايـا غيـر الحسـنة لهـا تأثيـر معنـوي جسـيم علـى اسـتقرار الدولـة‬
‫وبنائهـا‪ ،‬علـى هـذا األسـاس حسـبنا اإلشـارة إلـى أن إدراك أبنـاء الجنـوب للفسـاد المستشـري فى‬
‫أركان األروقـة السياسـية ينـذر ببـروز ظاهـرة (االغتـراب) لديهـم‪ ،‬ويتجلـى ذلـك فـى إدراكهـم أن‬
‫القـادة السياسـيين ال تتوفـر لديهـم الرغبـة الصادقـة فـى إعمـار الجنـوب‪ ،‬وإعـادة تأهيـل البنى‬
‫التحتيـة‪ ،‬إنمـا هـو مصـدر (رزق ونهـب)‪ ،‬والدليـل علـى ذلـك الواقـع المعـاش لهـم فـى ظـل وجود‬
‫أزمـات خانقـة‪ ،‬لعـل أهمهـا‪ :‬أزمـة الوقـود والغـاز‪ ،‬وارتفـاع األسـعار‪ ،‬والبنيـة التحتيـة المتهالكـة‬
‫المتمثلـة فـى (الطـرق والمواصلات)‪ ،‬ومـا يرتبـط بها من مشـاق فى السـفر سـواء للعلاج أو الحج‬
‫أو الزيـارات االجتماعيـة لألقاليـم األخـرى للدولـة‪ ،‬حيـث يتكبـد أبنـاء الجنـوب مشـاق أقـل مـا‬
‫توصـف بأنهـا مشـاق مفتعلـة لزيـادة أزمـة الدولـة مـن جهـات غيـر مسـؤولة‪ ،‬تسـهم فـى انعـدام‬
‫وجـود اندمـاج حقيقـي يسـهم فـى االرتقـاء بالدولـة الليبيـة‪.‬‬
‫جدول رقم (‪ )11‬المعوقات السياسية لالندماج االجتماعي‬

‫أوافق بشدة‬
‫غير موافق‬

‫غير موافق‬
‫االنحراف‬

‫المتوسط‬
‫المعياري‬
‫الترتيب‬

‫محايد‬
‫بشدة‬

‫أوافق‬

‫االتجاه‬

‫أرفض المشاركة السياسية‬


‫‪5‬‬ ‫‪1.3‬‬ ‫‪2.8‬‬ ‫‪9.2‬‬ ‫‪21.5‬‬ ‫‪10.6‬‬ ‫‪8.3‬‬ ‫‪11.2‬‬
‫بجميع أشكالها‬
‫الدولة الليبية جادة في توزيع‬
‫‪4‬‬ ‫‪1.2‬‬ ‫‪2.4‬‬ ‫‪14.9‬‬ ‫‪22.1‬‬ ‫‪10.4‬‬ ‫‪7.4‬‬ ‫‪5.1‬‬
‫الحقوق‬
‫مبادئ الديمقراطية الجديدة‬
‫‪3‬‬ ‫‪1.1‬‬ ‫‪2.2‬‬ ‫‪15.5‬‬ ‫‪25.1‬‬ ‫‪10.6‬‬ ‫‪6.4‬‬ ‫‪3.1‬‬ ‫تسير بخطى ثابثة نحو النجاح‬
‫فى ليبيا‬
‫استبعاد وتهميش الجنوب‬
‫‪1‬‬ ‫‪0.8‬‬ ‫‪4.2‬‬ ‫‪1.2‬‬ ‫‪4.1‬‬ ‫‪5.0‬‬ ‫‪19.5‬‬ ‫‪31.0‬‬ ‫الطابع العام على الوضع‬
‫السياسي الليبي‬
‫السيطرة والتفرد بالسلطة وضع‬
‫‪1‬‬ ‫‪0.8‬‬ ‫‪4.2‬‬ ‫‪1.0‬‬ ‫‪2.1‬‬ ‫‪5.3‬‬ ‫‪22.9‬‬ ‫‪29.4‬‬
‫الجنوب فى دائرة مغلقة‬

‫العنصرية والتفرقة سمة العمل‬


‫‪2‬‬ ‫‪1.0‬‬ ‫‪4.0‬‬ ‫‪2.3‬‬ ‫‪4.0‬‬ ‫‪8.6‬‬ ‫‪20.5‬‬ ‫‪25.4‬‬
‫السياسي فى ليبيا‬

‫‪2.2‬‬

‫تشـير المعطيـات الـواردة فـي الجـدول أعلاه‪ ،‬إلـى أن المتوسـط العـام بلـغ "‪ "2.2‬الخـاص‬
‫بالمعوقات السياسية لالندماج االجتماعي لعينة الدراسة‪ ،‬جاء هذا البعد بدرجة سلبية عالية‬
‫مـن الرفـض وعـدم القبـول‪ ،‬خاصـة فيمـا يتعلـق بسياسـة الدولـة فـى الشـؤون السياسـية ‪ ،‬حيـث‬
‫تبيـن أن الفقرتيـن (‪ )5-4‬بدرجـة عاليـة مـن الموافقـة بشـدة حـول وجـود اسـتبعاد وتهميـش‬
‫للجنـوب الليبـي‪ ،‬ضـف إلـى ذلـك أن السـبب الرئيـس فـى ذلـك ُيعـزى إلـى المركزيـة والسـيطرة‬

‫‪256‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫والتفـرد بالسـلطة‪ ،‬األمـر الـذي سـاهم فـي قوقعة الجنـوب فى دائرة مغلقة‪ ،‬بلغ متوسـط هاتين‬
‫الفقرتيـن (‪ ،) 4.2‬تليهمـا الفقـرة السادسـة التـي تشـير لوجـود (مبـدأ العنصريـة) بنسـبة‬
‫موافقـة شـديدة‪ ،‬بلـغ متوسـطها (‪ ،)4.0‬كمـا تبيـن ضعـف تطبيق مبـادئ الديمقراطية بدرجة‬
‫عالية بعدم الموافقة بمتوسـط قدره (‪ ،)1.1‬يسـتنتج من هذا المؤشـر أن المعوقات السياسـية‬
‫لالندمـاج االجتماعـي مـن أهـم المعوقـات بـروزًا وتأثيـرًا علـى الصعيـد المحلـي‪ ،‬ويتضـح ذلـك‬
‫جليـا فـي حجـم الفسـاد السياسـي‪ ،‬والتحايـل علـى القانـون‪ ،‬فـي سـبيل إنجـاز أهـداف خاصـة‪،‬‬
‫حيـث شـهدت ليبيـا صراعـًا داميـا علـى السـلطة والمراكـز السياسـية ليس خدمة للبلاد وأهلها‪،‬‬
‫بـل لخدمـة مصالـح ضيقـة‪.‬‬
‫إن وجـود نظـام فيدرالـي رشـيد مـن العوامـل المسـاهمة فـى بنـاء الدولـة الحديثـة‪ ،‬هـذا‬
‫المؤشـر مـن المحتمـل ظهـوره علـى السـاحة الليبيـة مسـتقب ً‬
‫ال فـى ظـل اسـتمرار مظاهـر الخـداع‬
‫السياسـي‪ ،‬الـذي تتبعـه بعـض الحكومـات فـى سـبيل التفـرد بالسـلطة‪ ،‬وممارسـة مبـدأ التفرقـة‬
‫العنصريـة والمناطقيـة‪ ،‬مـن جهـة أخـرى إن بـروز شـعارات الديمقراطيـة المزيفـة التـي أقـل مـا‬
‫توصـف بأنهـا آليـات للفسـاد السياسـي علـى المسـتوى المحلـي والعالمـي‪ ،‬ضـف إلـى ذلـك عـدم‬
‫شـرعية األجسـام السياسـية عبـر المراحـل السـابقة‪ ،‬رسـالة واضحـة علـى بـروز مبـدأ التفـرد‬
‫بالسلطة والتمسك بها‪ ،‬وهذا من المؤشرات الخطيرة على فشل العملية السياسية‪ ،‬وانعكاساتها‬
‫السـلبية علـى وجـود اندامـاج اجتماعـي للسـكان‪ ،‬ومـدى والئهـم للدولـة فى المسـتقبل القريب‪.‬‬
‫تانيًا‪ :‬حتليل العالقة بني املتغريات‪:‬‬
‫يختـص هـذا الجـزء مـن الدراسـة بتحليـل العالقـة بيـن المتغيـرات‪ ،‬مـن خلال اسـتخدام‬
‫بعـض األسـاليب اإلحصائيـة لتحقيـق األهـداف الموضوعـة لذلـك‪ ،‬حيـث اسـتخدم الباحـث‬
‫(اختبـار (‪ t.set‬إليجـاد الفـروق بيـن معوقـات االندمـاج االجتماعـي فـي الجنـوب الليبـي‪،‬‬
‫ُتعـزى لمتغيـر النـوع‪ ،‬واختبـار التبايـن ُ‬
‫األحـادي للتعـرف علـى مـدى وجـود فـروق أو تبايـن بيـن‬
‫المجموعـات تعـزى لمتغيـر (المسـتوى التعليمـي ومحـل اإلقامـة)‪.‬‬
‫الس�ؤال األول‪ :‬م�ا مدى وجود ف�روق ذات داللة إحصائية يف معوق�ات االندماج االجتماعي يف‬
‫اجلن�وب اللييب تعزى ملتغري (النوع)؟‬
‫جدول رقم (‪ )12‬اختبار (‪ )T‬لعينتين مستقلتين‬

‫الخطأ المعياري‬ ‫االنحراف المعياري‬ ‫المتوسط‬ ‫حجم العينة‬ ‫النوع‬


‫‪.02‬‬ ‫‪.33‬‬ ‫‪3.00‬‬ ‫‪185‬‬ ‫ذكور‬ ‫البعد‬
‫‪.02‬‬ ‫‪.36‬‬ ‫‪3.09‬‬ ‫‪183‬‬ ‫إناث‬

‫مقياس ليفين‬
‫درجة الحرية احتمال القيمتين‬ ‫‪T‬‬ ‫مستوى الداللة‬ ‫‪F‬‬
‫‪.010‬‬ ‫‪366‬‬ ‫‪2.57‬‬
‫‪.144‬‬ ‫‪2.145‬‬ ‫األبعاد‬
‫‪.010‬‬ ‫‪362.313‬‬ ‫‪2.57‬‬

‫مـن خلال اسـتخدام اختبـار (‪ )T‬لعينتيـن مسـتقلتين تبيـن أنـه توجـد فـروق بيـن الذكـور‬
‫واإلنـاث‪ ،‬حـول أبعـاد مقيـاس معوقـات االندمـاج االجتماعـي‪ ،‬حيـث بلغت قيمـة (‪،)2.57( )T‬‬
‫وهـي ذات داللـة إحصائيـة علـى مسـتوى أقـل مـن (‪ ،)0.05‬إذ بلغـت القيمـة االحتماليـة‬
‫للفـروق (‪ ).010‬وهـي أصغـر مـن (‪ ،)0.05‬هـذه النتيجـة تشـير إلـى أن الفـروق لصالـح اإلنـاث‬
‫حـول أبعـاد المقيـاس فيمـا يتعلـق بمعيقـات االندمـاج االجتماعـي علـى الصعيـد االجتماعـي‬

‫‪257‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫واالقتصادي والسياسـي‪ ،‬تتفق هذه النتيجة مع دراسـة سوسـن السـلطاني‪ ،‬التي بينت أن اإلناث‬
‫أكثـر اندماجـا مـن الذكـور حـول مؤشـرات االندمـاج االجتماعـي واسـتبصار الـذات‪.‬‬
‫السؤال الثاني‪:‬‬
‫أ‪ -‬التعرف على التباين فى معوقات االندماج االجتماعي تعزى ملتغري املستوى التعليمي‬
‫مستوى الداللة‬ ‫درجة الحرية ‪2‬‬ ‫درجة الحرية ‪1‬‬ ‫مقياس ليفين‬
‫‪.004‬‬ ‫‪364‬‬ ‫‪3‬‬

‫مستوى الداللة‬ ‫ف‬ ‫درجة الحرية‬


‫‪.00‬‬ ‫‪7.286‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪2.553‬‬ ‫داخل المجموعات‬
‫‪364‬‬ ‫‪42.525‬‬ ‫بين المجموعات‬
‫‪367‬‬ ‫‪45.079‬‬ ‫المجموع‬

‫مـن خلال المعطيـات اإلحصائيـة باسـتخدام التبايـن األحـادي‪ ،‬اتضـح أنـه يوجـد اختلاف‬
‫وعدم تجانس بين المجموعات‪ ،‬بالتالي وجود فروق ذات داللة إحصائية تعزى لمتغير المستوى‬
‫التعليمـي ألفـراد العينـة‪ ،‬من خلال اآلتي‪:‬‬
‫‪1.‬يوجـد تبايـن حـول معوقـات االندمـاج االجتماعـي بالجنوب الليبي بين المسـتوى التعليمي‬
‫(الثانـوي والماجسـتير والدكتـوراه) بينـت النتائـج أن الفـروق لصالـح المسـتوى التعليمـي‬
‫الثانـوي بمتوسـط قـدره (‪ )3.19‬مـع حاملـي درجـة الماجسـتير‪ ،‬وبلـغ (‪ )3.14‬مـع حاملـي‬
‫درجـة الدكتوراه‪.‬‬
‫‪2.‬يوجـد تبايـن حـول معوقـات االندمـاج االجتماعـي بالجنوب الليبي بين المسـتوى التعليمي‬
‫(الجامعـي والماجسـتير) بينـت النتائـج أن الفـروق لصالـح المسـتوى التعليمـي الجامعـي‬
‫بمتوسـط قـدره (‪ )3.07‬مـع حاملـي درجـة الماجسـتير‪ ،‬هـذا يفيـد أن أفـراد العينـة مـن‬
‫حاملـي المسـتوى التعليمـي (الثانـوي والجامعـي) أكثـر تأكيـدًا للمعوقـات المطروحـة حـول‬
‫االندمـاج االجتماعـي فـي المجتمـع الليبـي (الجنـوب)‪.‬‬
‫ب‪ -‬التعرف على التباين يف معوقات االندماج االجتماعي تعزى ملتغري حمل اإلقامة‬
‫مستوى الداللة‬ ‫درجة الحرية ‪2‬‬ ‫درجة الحرية ‪1‬‬ ‫مقياس ليفين‬
‫‪.730‬‬ ‫‪362‬‬ ‫‪5‬‬

‫مـن خلال المعطيـات اإلحصائيـة باسـتخدام التباين األحـادي‪ ،‬اتضح أنه ال يوجد اختالف‬
‫وعـدم تجانـس بيـن المجموعـات‪ ،‬بالتالـي عـدم وجـود فـروق ذات داللـة إحصائيـة تعـزى‬
‫لمتغيـر محـل اإلقامـة ألفـراد العينـة‪ ،‬وتبـدو هـذه النتيجـة منطقيـة إلـى حـد ما‪ ،‬علـى اعتبار‬
‫أن مناطـق الجنـوب الليبـي علـى السـواء تعانـي ويلات التهميـش واإلقصاء‪ ،‬ناهيـك عن الظروف‬
‫أن انعـدام ظواهـر الدولـة الحديثـة‬‫االقتصاديـة واألمنيـة لإلقليـم ككل‪ ،‬وممـا أشـك فيـه َّ‬
‫والخدمـات التـي تعكـس الظـروف المالئمـة للعيـش الكريـم تفتقرها مدن وقرى الجنـوب الليبي‪،‬‬
‫بالتالـي يتأثـر مسـتوى االندمـاج االجتماعـي فـي تلـك المناطـق‪ ،‬وينحـدر بشـكل كبيـر جـدا‬
‫بفعـل تلـك الظـروف‪.‬‬

‫‪258‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫السياسة اإلدارية والتنظيمية املقرتحة لالندماج االجتماعي يف اجملتمع اللييب‪:‬‬


‫ُيعـد االندمـاج االجتماعـي مقياسـ ًا صريحـًا للبنـاء االجتماعـي المسـتقر‪ ،‬مـن حيـث مـدى‬
‫قيـام هـذا البنـاء بالوظائـف األساسـية‪ ،‬وذلـك مـن خلال اآلليـات والسياسـات القائمـة فيه‪ ،‬وما‬
‫يحويـه مـن إطـار شـامل لمفاهيـم المواطنـة والمشـاركة والتعـاون واإليثـار والتضحيـة‪ ،‬وجميـع‬
‫التفاعلات االجتماعيـة‪.‬‬
‫ولبـدء مسـيرة التنميـة الصحيحـة يتوجـب علـى السياسـات االجتماعيـة واالقتصاديـة فـى‬
‫المجتمعـات غيـر المسـتقرة الحـرص علـى االهتمـام بقضايـا مهمـة تسـهم فـى إنشـاء اندمـاج‬
‫اجتماعي سليم‪ ،‬تتمثل تلك القضايا فى التفاعالت االجتماعية القائمة على مبدأ (المشاركة‬
‫والتعـاون‪ ،‬ونبـذ التهميـش واالسـتبعاد) بمعنـى المشـاركة الفاعلـة فـى جميـع مكونـات النشـاط‬
‫المجتمعـي‪ (((3(.‬راضيـة أبـو زيـان ‪.)175: 2018:‬‬
‫إن الدولـة الليبيـة اليـوم أمـام تحديات صعبة‪ ،‬األمر الذي يلزمها العمل بسياسـات تنظيمة‬
‫وإداريـة أكثـر عقالنيـة وذكاء‪ ،‬ولهـا فـي تجـارب بعـض البلـدان األكثر تقدمـًا دليل حي في ذلك‪،‬‬
‫مثـل دولـة ماليزيـا ودولـة سـنغافورة ورونـدا‪ ،‬إذ نجحـت تلـك البلدان وغيرها فـي تحقيق درجات‬
‫عالية من االسـتقرار المجتمعي والسياسـي في الدولة‪.‬‬
‫معنى بتحقيق السياسات االجتماعية واالقتصادية‬ ‫ٌّ‬ ‫إن تحقيق التكامل االجتماعي الشامل‪،‬‬
‫والسياسـية‪ ،‬فعلـى صعيـد السياسـات االقتصاديـة مثلا‪ ،‬يجـب أن تسـعى الدولـة الليبيـة إلـى‬
‫االسـتفادة الكاملـة مـن مواردهـا الطبيعيـة والبشـرية فـي أقاليمهـا الثالثـة‪ ،‬وانتهـاج سياسـة‬
‫التعبئـة االقتصاديـة‪ ،‬وذلـك بهـدف جعل المواطن الليبي مواطنًا منتج ًا وليس مسـتهلك ًا‪ .‬كذلك‬
‫السـعي الدائـم إلـى احتـرام آدميتـه ومكانتـه اإلنسـانية والوطنيـة مـن خلال التوزيـع العـادل‬
‫للمـوارد والثـروات التـي تزخـر بهـا البلاد دون إقصـاء أو إبعـاد‪ ،‬واالهتمـام بالهيكليـة البنائيـة‬
‫للبلاد المتمثلـة فـي البنيـة التحتيـة ودعـم االسـتثمار االقتصـادي‪.‬‬
‫تبنـي سياسـات لـم الشـمل مـن خلال الحـرص علـى مصالحـة وطنيـة‬ ‫ّ‬ ‫علـى الدولـة الليبيـة‬
‫شـاملة بيـن أجـزاء هـذا التـراب الوطنـي كافـة‪ ،‬وكذلك السـعي للمحافظة على عالقـات الترابط‬
‫وعالقـة المصاهـرة والجيـرة‪ ،‬وغـرس القيـم االجتماعيـة النبيلـة وانتهـاج سياسـة الدمـج‬
‫االجتماعيـة باحتـرام مكونـات هـذا المجتمـع‪ ،‬وجعـل المواطـن يحـس بأنـه إنسـان آدمـي لـه‬
‫حقـوق وعليـه واجبـات‪ ،‬ال إقصـاء وال تهجيـر وال قبليـة‪ ،‬الـكل يعيش إخـوة تحت مظلة القانون‬
‫والعدالـة االجتماعيـة‪.‬‬
‫وعلـى صعيـد الظـروف السياسـة فاألمـر عسـير وغايـة فـي األهميـة مـن خلال السـرعة فـي‬
‫إيجـاد قاعـدة دسـتورية وقانونيـة تكلـف الحـق‪ ،‬وتمنـع األذى‪ ،‬وتحمي الوطـن والمواطن‪ ،‬فالكل‬
‫لـه حقـوق وعليـه واجبـات ملـزم بتأديتهـا‪ ،‬والسـعي الـدؤوب لتنفيـذ االنتخابـات بهـدف تحقيـق‬
‫االسـتقرار السياسـي‪ ،‬والخـروج بالبلاد إلـى بـر األمـان مـن خلال إشـراف المواطـن فـي تقريـر‬
‫مصيـره وحقـه فـي اختيـار مـن يحكمـه ويديـر شـئونه الخاصـة والعامـة‪ ،‬وبمـا يكفـل لـه تحقيـق‬
‫غاياتـه وأهدافـه والعيـش بأمـان علـى أرضـه‪.‬‬
‫حسـبنا اإلشـارة إلـى أن االندمـاج يرتكـز بالدرجـة األولـى علـى تكيـف األفـراد مـع العـادات‬
‫المحليـة والعالقـات االجتماعيـة والممارسـات اليوميـة‪ ،‬وتقـاس عـادة من خالل شـبكة العالقات‬
‫االجتماعيـة واللغـة والـزواج‪ ،‬بمعنـى ارتفـاع نسـبة التجانـس االجتماعـي فـى البنـاء العام‪ ،‬من‬
‫هـذا المنطلـق يمكـن القـول إن مفهـوم "المجتمع للجميع" يجب أن يكون مدعم ًا بآليات مناسـبة‬
‫تسـمح للجميـع بالمشـاركة فـي عمليـة صنـع القـرار‪ ،‬التـي تؤثر فـي حياتهم وتوجه مسـتقبلهم‪،‬‬
‫والس�ؤال املطروح هاهنا هو (ما نوع تلك السياس�ات التنظيمة واإلدارية واآلليات الواجب توافرها؟ وما‬
‫(‪ ((3‬راضيـة أبـو زيـان‪ ،‬االندمـاج االجتماعي للشـباب فـى المجتمع العربـي‪ ،‬اآلليـات والمتطلبات‪ ،‬المجلـة العربية‬
‫للدراسـات األنثربولوجيـة المعاصـرة‪( ،‬مجلد‪ -4‬عـدد ‪ ،)7‬الجزائـر‪ ،2018 ،‬ص (‪.)175‬‬

‫‪259‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫أهمية االندماج االجتماعي لعملية بناء السلام وفض النزاعات أو احلئول دون وقوعها؟‬
‫يمكـن القـول إن مـن أهـم آليـات النجـاح لتحقيـق مفهـوم المجتمـع للجميـع‪ ،‬يتوجـب اتبـاع‬
‫آليـة االقتصـاد الشـامل فـي ظـل توفـر إمكانيـات جيدة‪ ،‬فهي بدون شـك مدخـل النجاح لتحقيق‬
‫مبـدأ االسـتقرار علـى كافـة األصعـدة السياسـية واالقتصاديـة واالجتماعيـة والثقافيـة علـى‬
‫مسـتوى الدولـة‪ ،‬وهنـا وجـب التنويـة مـرة أخـرى لضـرورة االسـتفادة مـن التجـارب الدوليـة التي‬
‫حققـت درجـة عاليـة مـن مبـدأ (التكافـل والتكامـل االجتماعـي)‪ ،‬ولعـل مـن أهـم تلـك الـدول‬
‫(سـنغافورة – وماليزيـا – ورونـدا)‪.‬‬
‫إن االسـتفادة مـن تلـك التجـارب ال تعنـي التجـرد مـن القيـم الرصينة‪ ،‬والثقافـة المحافظة‪،‬‬
‫وهـي فـي كل األحـول ال تعنـي التقليـد والمحـاكاه بقـدر ماهـي نهـج للخروج من المأزق السياسـي‬
‫الجسيم‪.‬‬
‫إن الواقـع الطبيعـي للدولـة الليبيـة يـدل علـى أن ليبيـا مـن الـدول الغنيـة بالمـوارد‪ ،‬ولعـل‬
‫أهمهـا (النفـظ) الـذي ُيعـد سلاحا ذا حديـن (إيجابـي‪ ،‬وسـلبي) وفقـا للسياسـة المتبعـة مـن‬
‫الهيئـة السياسـة صاحبـة القـرار‪.‬‬
‫إن تحقيـق النجـاح يحتـاج تعبئـة كل المـوارد المتاحـة فـي نطـاق (سياسـة اقتصاديـة‬
‫منتجة)‪ ،‬تسـعى لتحقيق اندماج اجتماعي شـامل‪ ،‬وبطبيعة الحال هذا لن يتأتى إال من خالل‬
‫السـعي الـدؤوب والحـازم إليجـاد شـروط مهمـة‪ ،‬أهمها‪:‬‬
‫‪1.‬تحقيـق مبـدأ المواطنـة العادلـة مـن خلال التوزيـع العـادل للثـروة بيـن مكونـات الدولـة‬
‫بالتسـاوي دون إقصـاء أو تهميـش‪.‬‬
‫‪2.‬الحـرص علـى اتبـاع سياسـة رفـع الجـودة المحليـة‪ ،‬لتصبـح ذات جـودة إنتاجيـة وليسـت‬
‫مسـتهلكة‪.‬‬
‫‪3.‬تحقيق مبدأ الوحدة الوطنية من خالل شعارات (عدالة سياسية) للجميع‪.‬‬
‫ً‬
‫هـذه اآلليـات بـدون شـك نهـج صحيـح لتحقيـق االندمـاج االجتماعـي أفقيـا‪ ،‬بيـن مكونـات‬
‫المجتمـع الليبـي عمومـا (وحـدة النسـيج االجتماعـي)‪ ،‬واندمـاج آخـر عموديـا بيـن المجتمـع‬
‫والنظـام السياسـي (وحـدة وطنيـة واحـدة)‪ ،‬كل ذلـك فـي سـبيل تحقيـق مبـدأ الوطنيـة بالوالء‬
‫فـي كل األحـول إلـى الدولـة ومؤسسـاتها‪.‬‬
‫النتائج العامة للدراسة ومناقشتها‪:‬‬
‫توصلت الدراسة إلى جملة من النتائج‪ ،‬هي‪:‬‬
‫أو ًال‪ :‬النتائج الوصفية‪:‬‬
‫‪1‬االسـتبعاد االجتماعـي مـن األسـباب المباشـرة فـي تقسـيم المجتمعات‪ ،‬إذ يعمـل في تضاد‬ ‫‪.‬‬
‫تـام مـع عمليـة االندمـاج االجتماعي التي تؤسـس عليهـا المجتمعات‪.‬‬
‫‪2‬إن مفهـوم الدولـة مفهـوم ناقـص فـى ظـل عوامـل التهميـش واإلقصـاء والتحايـل السياسـي‬ ‫‪.‬‬
‫علـى مبـادئ الديمقراطيـة‪.‬‬
‫‪3‬اتضـح ارتفـاع نسـبة الذكـور عـن اإلنـاث‪ ،‬إذ بلغت نسـبة الذكـور ‪ ،50.3%‬في حين بلغت‬ ‫‪.‬‬
‫نسـبة اإلناث ‪.49.7%‬‬
‫‪4‬تبيـن أن أعلـى نسـبة لمتغيـر العمـر تركـزت فـي الفئـة ‪ ،37-28‬بنسـبة ‪ ،28.9%‬تليهـا‬ ‫‪.‬‬
‫الفئـة العمريـة ‪ ،47-38‬بنسـبة ‪ ،25.8%‬تليهـا الفئـة العمريـة ‪ ،27-18‬بنسـبة‬
‫‪ ،22.5%‬ثـم الفئـة العمريـة ‪ 57-48‬بنسـبة ‪.15.7%‬‬
‫‪5‬إن أعلـى نسـبة لمتغيـر المسـتوى التعليمـي عنـد فئـة جامعي‪ ،‬إذ بلغت نسـبتها ‪،57.3%‬‬ ‫‪.‬‬

‫‪260‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫تليها فئة الماجستير بنسبة ‪ ،17.9%‬ثم المستوى التعليمي الثانوي بنسبة ‪،14.9%‬‬
‫ثم المسـتوى التعليمي الدكتوراه بنسـبة ‪.9.7%‬‬
‫‪6 .‬أعلى نسـبة للمهنة عند مهنة الموظفين بنسـبة ‪ ،30.7%‬تليها مهنة األسـتاذ الجامعي‬
‫بنسـبة ‪ ،22.8%‬تليها مهنة الطالب بنسـبة ‪ ،18.3%‬ثم مهنة األعمال الحرة بنسـبة‬
‫‪.13%‬‬
‫‪7 .‬اتضـح أن غالبيـة أفـراد العينـة مـن مدينـة سـبها بنسـبة ‪ ،43.2%‬تليهـا أوبـاري بنسـبة‬
‫‪ ،13.9%‬ثـم الشـاطئ بنسـبة ‪ ،13.6%‬ثـم مـرزق بنسـبة ‪ ،11.7%‬تليهـا الشـرقية‬
‫بنسـبة ‪ ،10.6%‬ثـم غـات بنسـبة ‪.7.1%‬‬
‫‪8 .‬اتضـح ارتفـاع درجـة الوعـي المجتمعـي لـدى أفـراد العينـة فـى الجنـوب الليبـي واإللمـام‬
‫باألحـداث التـي ترتبـط بالحيـاة اليوميـة‪.‬‬
‫‪ 9 .‬تبيـن ارتفـاع مسـتوى إيجابيـة االندمـاج االجتماعـي ألفـراد مجتمـع الدراسـة مـن خلال‬
‫اسـتبصار ذاتهم‪.‬‬
‫ ‪10.‬تبيـن أن المتوسـط العـام للمعوقـات الذاتيـة لالندمـاج االجتماعـي بلغـت "‪ ،"3.3‬وهـذا‬
‫يشـير إلـى أ ّنَـه ال توجـد معوقـات ذاتيـة لـدى أفـراد العينـة فيمـا يتعلق بقضيـة االندماج‬
‫االجتماعي‬
‫أن المتوسـط العـام للمعوقـات االجتماعيـة لالندمـاج االجتماعـي بلـغ "‪،"2.7‬‬ ‫ ‪11.‬اتضـح َّ‬
‫فقـد أشـار أفـراد العينـة فـي إجاباتهـم حـول هـذا البعـد مـن المقيـاس‪ ،‬أنهـا علـى درجـة‬
‫عاليـة مـن السـلبية وعـدم الرضـا بالوضـع االجتماعي الراهن في الجنوب الليبي (سـلبية‬
‫االندمـاج االجتماعـي)‪.‬‬
‫ ‪12.‬تبيـن وجـود معوقـات اجتماعيـة ال حصـر لهـا تعـوق وجـود اندمـاج اجتماعـي (إيجابـي)‬
‫للقاطنييـن فـى هـذا األقليـم‪ ،‬و ُيعـزى ذلـك مـن وجهـة نظـر أفـراد العينـة إلـى السياسـة‬
‫االجتماعيـة العقيمـة للدولـة الليبيـة‪.‬‬
‫ً‬
‫ ‪13.‬بـروز سياسـة اإلقصـاء والتهميـش االجتماعـي للجنـوب الليبـي سياسـة مباشـرة للدولـة‬
‫الليبيـة‪.‬‬
‫ ‪14.‬اتضـح أن المتوسـط العـام بلـغ "‪ "2.2‬الخـاص بالمعوقـات االقتصاديـة لالندمـاج‬
‫االجتماعـي لعينـة الدراسـة‪ ،‬وجـاء هـذا البعـد بدرجـة سـلبية عاليـة مـن الضجـر وعـدم‬
‫القبـول مـن أفـراد العينـة حولـه‪ ،‬إذ تشـير غالبيـة المتوسـطات بوجـود ضعـف اندمـاج‬
‫اقتصـادي لـدى أفـراد العينـة‪.‬‬
‫ ‪15.‬بلـغ المتوسـط العـام "‪ "2.2‬الخـاص بالمعوقـات السياسـية لالندمـاج االجتماعـي لعينـة‬
‫الدراسـة‪ ،‬إذ جـاء هـذا البعـد بدرجـة سـلبية عاليـة مـن الرفـض وعـدم القبـول‪ ،‬خاصـة‬
‫فيمـا يتعلـق بسياسـة الدولـة فـى الشـؤن السياسـية‪.‬‬
‫أشـارت النتائـج الوصفيـة للدراسـة الراهنـة إلـى أن مفهـوم الدولـة بالجميـع وللجميـع‪،‬‬
‫يصطـدم بمعيقـات شـتى‪ ،‬أهمهـا( االسـتبعاد واإلقصـاء والتهميـش والتحايـل علـى السـلطة‬
‫والتحكـم فـى اتخـاذ القـرار )‪ ،‬ويشـمل ذلـك كل األصعدة المكونة للبنـاء االجتماعي الليبي‪ ،‬من‬
‫اإليجابيـات الـواردة ارتفـاع درجـة الوعـي المجتمعي ألفـراد العينة بقضايـا المجتمع واألحداث‬
‫الدائـرة فيـه‪ ،‬مـن جهـة أخـرى يتضـح أن إيجابيـة أفـراد العينـة حـول مكونـات وأبعـاد االندمـاج‬
‫االجتماعـي تعكـس حقيقـة مفادهـا أن معوقـات االندمـاج االجتماعـي تتحـدد فـى األبعـاد‬
‫السياسـية واإلدارة التنظيميـة للدولـة وسياسـاتها‪ ،‬األمـر الـذي يعكـس حقيقـة ثابثـة‪ ،‬وهـي أن‬
‫نجـاح وتطـور األمـم يعتمـد بالدرجـة األولـى علـى اتبـاع سياسـة تنظيمـة وإداريـة علـى درجـة‬
‫عاليـة مـن المثاليـة والعدالـة االجتماعيـة بيـن مكونـات المجتمـع‪.‬‬

‫‪261‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫تانيًا‪ :‬نتائج حتليل العالقة بني املتغريات‪:‬‬


‫‪1.‬تبيـن أنـه توجـد فـروق بيـن الذكـور واإلنـاث حـول أبعـاد مقيـاس معوقـات االندمـاج‬
‫االجتماعـي‪ ،‬إذ بلغـت قيمـة (‪ ،)T) (2.57‬وهـي ذات داللـة إحصائيـة علـى مسـتوى أقـل‬
‫من (‪ ،)0.05‬إذ بلغت القيمة االحتمالية للفروق (‪ ،).010‬وهي أصغر من (‪ ،)0.05‬هذه‬
‫النتيجـة تشـير إلـى أن الفـروق لصالـح اإلنـاث حـول أبعـاد المقيـاس‪ ،‬فيمـا يتعلـق بمعيقـات‬
‫االندمـاج االجتماعـي علـى الصعيـد االجتماعـي واالقتصـادي والسياسـي‪.‬‬
‫‪2.‬اتضـح أنـه يوجـد اختلاف وعـدم تجانس بين المجموعات‪ ،‬بالتالـي وجود فروق ذات داللة‬
‫إحصائيـة تعـزى لمتغيـر المسـتوى التعليمي ألفـراد العينة‪ ،‬من خالل اآلتي‪:‬‬
‫‪3.‬يوجـد تبايـن حـول معوقـات االندماج االجتماعي بالجنوب الليبي‪ ،‬بين المسـتوى التعليمي‬
‫(الثانـوي والماجسـتير والدكتـوراه) بينـت النتائـج أن الفـروق لصالـح المسـتوى التعليمـي‬
‫الثانـوي بمتوسـط قـدره (‪ )3.19‬مـع حاملـي درجـة الماجسـتير وبلـغ (‪ )3.14‬مـع حاملـي‬
‫درجـة الدكتوراه‬
‫‪4.‬يوجـد تبايـن حـول معوقـات االندمـاج االجتماعـي بالجنوب الليبي بين المسـتوى التعليمي‬
‫(الجامعـي والماجسـتير)‪ ،‬بينـت النتائـج أن الفـروق لصالـح المسـتوى التعليمـي الجامعـي‬
‫بمتوسـط قـدره (‪ )3.07‬مـع حاملـي درجـة الماجسـتير‪.‬‬
‫ارتكـزت الدراسـة الراهنـة علـى فرضيـات بحثيـة بغيـة الوصـول إلـى درجـة مـن المنطقيـة‬
‫العلميـة‪ ،‬إذ بينـت نتائـج تحليـل العالقـة بيـن المتغيـرات أن الفـروق المعنويـة لمتغيـر النـوع‬
‫تشـير إلـى أن اإلنـاث أعلـى مـن الذكـور‪ ،‬حـول أبعـاد مقيـاس معوقـات االندمـاج االجتماعـي‬
‫(الذاتيـة واالجتماعيـة واالقتصاديـة والسياسـية)‪ ،‬بمعنـى أن اإلنـاث فـي مجتمـع الدراسـة‬
‫يرتفـع مسـتوى ضعـف االندمـاج لديهـن أكثـر مـن الذكور‪ ،‬علـى اعتبار أن هنـاك عيو ًبا ومعوقات‬
‫تعيـق وجـود اندمـاج ناجـح‪ ،‬مـن جهة أخـرى بينت النتائج المتعلقة بمتغير المسـتوى التعليمي‬
‫ً‬
‫تباينـا بيـن المسـتويات التعليميـة المختلفـة‪ ،‬حـول معوقـات االندماج‬ ‫ألفـراد العينـة أن هنـاك‬
‫االجتماعـي‪ ،‬إذ تبيـن أن أصحـاب المسـتويات التعليميـة بالمرحلـة الثانويـة أكثـر الفئـات التـي‬
‫تشـير بوجـود معوقـات لالندمـاج االجتماعـي فـى مجتمـع الدراسـة‪ ،‬مـن خلال أبعـاد المقيـاس‬
‫مقارنـة بحاملـي درجـة الماجسـتير والدكتـوراه‪ ،‬كمـا بينـت الناتئـج أن حاملـي درجـة المسـتوى‬
‫التعليمي الجامعي أعلى من المستوى التعليمي لحاملي درجة الماجستير حول أبعاد المقياس‪.‬‬
‫اخلامتة‪:‬‬
‫تسـعى الـدول القابعـة فـي أزمـات سياسـية واجتماعيـة واقتصاديـة إلـى الوصـل إلـى حالـة‬
‫مـن االسـتقرار علـى كافـة األصعـدة‪ ،‬غيـر أن ذلـك االسـتقرار قـد يصطـدم بمعوقـات كثيـرة‪،‬‬
‫مـن أهمهـا معوقـات االندمـاج االجتماعـي‪ ،‬فـى هـذا الشـأن تعـرض المجتمـع الليبـي فـى اآلونـة‬
‫األخيـرة إلـى هـزات عنيفـة كادت أن تعصـف بنسـيجه االجتماعـي وتدمـره‪ ،‬ويعـزى ذلـك لضعـف‬
‫االسـتقرار السياسـي الذي انعكس على البناء االجتماعي ككل‪ ،‬تتناول الدراسـة معوقات االندماج‬
‫االجتماعـي فـى الجنـوب الليبـي‪ ،‬أحـد األقاليـم الليبيـة المتأثـرة باألوضـاع والظروف السياسـية‬
‫الراهنـة علـى كافـة األصعـدة‪ ،‬هدفـت الدراسـة إلـى تحقيـق جملـة مـن األهـداف‪ ،‬منهـا‪( :‬التعرف‬
‫علـى مـدى وجـود وعـي مجتمعـي بالظـروف المحيطة باألسـرة والمجتمع‪ ،‬وأبرز معوقـات االندماج‬
‫االجتماعي‪( :‬ذاتية – أو اجتماعية – أو سياسية – أو اقتصادية)‪ ،‬ومدى وجود فروق وتباين‬
‫يعـزى لمتغيـرات (النـوع‪ ،‬والمسـتوى التعليمـي‪ ،‬ومحـل اإلقامـة)‪ ،‬اسـتندت الدراسـة علـى نظريات‬
‫علميـة فـى إدارة وتنظيـم الدولـة‪ ،‬أهمهـا‪( :‬نظريـة العصبيـة للعالمـة عبدالرحمـن بـن خلدون)‪،‬‬
‫و(نظريـة تقسـيم العمـل االجتماعـي لدوركايـم)‪ ،‬بلـغ حجـم عينـة الدراسـة (‪ )368‬مفـردة‪،‬‬
‫باستخدام المنهج الوصفي التحليلي‪ ،‬توصلت الدراسة إلى جملة من النتائج‪ ،‬أهمها‪( :‬االستبعاد‬
‫االجتماعـي مـن األسـباب المباشـرة فـي تقسـيم المجتمعـات‪ ،‬ارتفـاع درجـة الوعـي المجتمعـي‬

‫‪262‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫لـدى أفـراد العينـة فـى الجنـوب الليبـي‪ ،‬واإللمام باألحـداث التي ترتبط بالحيـاة اليومية‪ ،‬وجود‬
‫معوقـات اجتماعيـة الحصـر لهـا تعـوق وجـود اندمـاج اجتماعـي (إيجابـي) للقاطنييـن فـى هـذا‬
‫األقليـم‪ ،‬و ُيعـزى ذلـك مـن وجهـة نظـر أفـراد العينـة إلـى السياسـة االجتماعيـة العقيمـة للدولـة‬
‫الليبيـة‪ .‬وتوجـد فـروق بيـن الذكـور واإلنـاث حـول أبعـاد مقيـاس معوقـات االندمـاج االجتماعـي‪،‬‬
‫إذ بلغـت قيمـة (‪ ،)T) (2.57‬وهـي ذات داللـة إحصائيـة علـى مسـتوى أقـل مـن (‪ ،)0.05‬إذ‬
‫بلغـت القيمـة االحتماليـة للفـروق (‪ ،).010‬وهـي أصغـر مـن (‪ ،)0.05‬هـذه النتيجـة تشـير إلـى‬
‫أن الفـروق لصالـح اإلنـاث حـول أبعـاد المقيـاس‪ ،‬يوجد تباين حول معوقـات االندماج االجتماعي‬
‫بالجنـوب الليبـي بيـن المسـتوى التعليمـي (الثانـوي‪ ،‬والماجسـتير‪ ،‬والدكتـوراه)‪ ،‬بينـت النتائج أن‬
‫الفـروق لصالـح المسـتوى التعليمـي الثانـوي‪ ،‬يوجـد تبايـن حـول معوقـات االندمـاج االجتماعـي‬
‫بالجنوب الليبي بين المستوى التعليمي (الجامعي والماجستير)‪ ،‬بينت النتائج أن الفروق لصالح‬
‫المسـتوى التعليمـي الجامعـي‪ ،‬بمتوسـط قـدره (‪ )3.07‬مـع حاملـي درجـة الماجسـتير‪.‬‬
‫التوصيات‪ :‬تقترح الدراسة جملة من التوصيات أهمها‪:‬‬
‫‪ .‬أسرعة إجراء االنتخابات العامة للدولة الليبية للخروج من الحلقة المفرغة‪.‬‬
‫‪.‬باعتمـاد دسـتور للبلاد‪ ،‬بمـا يكفـل حـق المواطنـة والعدالـة االجتماعيـة والتوزيـع العـادل‬
‫للمـوارد‪.‬‬
‫‪ .‬ججــ‪ -‬إجـراء دراسـات عـن االندمـاج االجتماعـي علـى مسـتوى الدولـة الليبيـة؛ بغيـة التعرف‬
‫علـى معيقاتـه واقتـراح الحلـول له‪.‬‬

‫‪263‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫املراجع‬
‫الكتب‪:‬‬
‫‪1 .‬أحمد محمد الزغبي‪ ،‬التوجيه واإلرشاد النفسي‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬دمشق‪.2008 ،‬‬
‫‪2 .‬حسـين علـوان‪ ،‬إشـكالية بنـاء ثقافـة المشـاركة فـي الوطـن العربـي‪ ،‬المؤسسـة الجامعيـة للدراسـات والنشـر‬
‫والتوزيـع‪.2009 ,‬‬
‫‪3 .‬سلوى عبد الحميد الخطيب‪ ،‬نظرة فى علم االجتماع المعاصر‪ ،‬ط‪ ،1‬مطبعة النيل‪ ،‬القاهرة‪.2002 ،‬‬
‫‪4 .‬صايل الخطايبة‪ ،‬نادر بني نصر‪ ،‬المجتمع األردني‪ ،‬ط‪ ,2‬المكتبة الوطنية‪ ،‬األردن‪.‬‬
‫‪5 .‬عبد الرحمن بن خلدون‪ ،‬المقدمة‪ ،‬دار الجيل‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪6 .‬علـى عبدالـرازق جلبـي‪ ،‬االندمـاج والمواطنـة‪ ،‬جدليـات االندمـاج االجتماعـي وبنـاء الدولـة واألمـة فـى الوطـن‬
‫العربـي‪ ،‬ط‪ ،1‬المركـز العربـي لألبحـاث ودراسـة السياسـات‪ ،‬بيـروت‪ -‬لبيـان‪.2014،‬‬
‫‪7 .‬غنارسـكيربك ونلـز غيلجـي‪ ،‬تاريـخ الفكـر الغربـي‪ ..‬مـن اليونـان القديمـة إلـى القرن العشـرين‪ ،‬ترجمـة‪ :‬د‪ .‬حيدر‬
‫حـاج إسـماعيل‪ ،‬مركـز دراسـات الوحـدة العربيـة‪ ،‬الطبعـة األولـى‪ ،‬بيروت‪ ،‬نيسـان (أبريل) ‪.2012‬‬
‫‪8 .‬فوشـان عبدالقـادر‪ ،‬العلاوي أحمـد‪ ،‬االندمـاج االجتماعـي المفهـوم‪ :‬األبعـاد المؤشـرات‪ ،‬جامعـة وهـران‪ ،‬كليـة‬
‫العلـوم االجتماعيـة‪.‬‬
‫‪9 .‬كمال دسوقي‪ ،‬علم النفس ودراسة التوافق‪ ،‬مكتبة علم النفس االجتماعي‪.1974 ,‬‬
‫ ‪10.‬مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي‪ ،‬القاموس المحيط‪ ،‬دار الحديث‪ ،‬القاهرة‪.2008 ،‬‬
‫ ‪11.‬محمـد عابـد الجابـري‪ ،‬فكـر ابـن خلـدون‪ ،‬العصبيـة والدولة‪ ،‬معالم نظرية خلدونية في التاريخ اإلسلامي‪ ،‬مركز‬
‫دراسـات الوحدة العربية‪ ،‬ط‪ ,6‬بيروت‪ ،‬لبنان‪.1994 ,‬‬
‫ ‪12.‬مصطفـى عمـر التيـر‪ ،‬األوضـاع المعيشـية لـذوي الدخـل المحدود فـي المجتمع الليبي‪ :‬دراسـة أمبريقية‪ ،‬ط‪,1‬‬
‫دار مـداد للطباعـة والنشـر والتوزيع‪ ،‬طرابلـس‪ ،‬ليبيا‪.2013 ,‬‬
‫ ‪13.‬ميشـيل مـان‪ ،‬موسـوعة العلـوم االجتماعيـة‪ ،‬ط‪ ،1‬ترجمـة‪ :‬عـادل مختـار الهـواري‪ ،‬سـعد عبـد العزيـز مصلـوح‪،‬‬
‫مكتبـة الفلاح للنشـر والتوزيـع‪.1994،‬‬
‫ ‪14.‬نـاذر جميـل حمـد‪ ،‬صـورة الـذات وعالقتهـا بالتفاعـل االجتماعـي‪ ،‬دار الكتـب والوثائق‪ ،‬مكتبـة اليمامة للطباعة‬
‫والنشـر‪ ،‬بغداد ‪.2014‬‬
‫ ‪15.‬هناء محمد الجوهري‪ ،‬علم االجتماع الحضري‪ ،‬دار المسرة‪ ،‬عمان‪.2009 ,‬‬

‫الدوريات‪:‬‬
‫‪1 .‬أحمـد كمـال عبـد الموجـود‪ ،‬مالمـح عيـاب الوعـي السياسـي‪ ،‬حوليـات كليـة اآلداب‪ ،‬جامعـة عيـن شـمس‪،‬‬
‫المجلـد (‪ )47‬أبريـل ‪ 2019‬مصـر‪.‬‬
‫‪2 .‬أمحمـد المالكـي‪ ،‬جدليـة االندمـاج االجتماعـي وبنـاء الدولـة واألمـة فـى الوطـن العربـي‪ ،‬المركز العربـي لألبحاث‬
‫ودراسـة السياسـات‪ ،‬ط‪ ،1‬بيـروت‪ ،‬لبنـان ‪.2014‬‬
‫‪3 .‬جـون هيلـز وآخـرون‪ ،‬االسـتبعاد االجتماعـي‪ ،‬محاولـة للفهـم‪ ،‬ترجمـة‪ :‬محمـد الجوهـري‪ ،‬عالـم المعرفـة‪ ،‬العـدد‬
‫‪ ,344‬المجلـس الوطنـي للثقافـة والفنـون واألدب‪ ،‬الكويـت‪.2007 ,‬‬
‫‪4 .‬دروش فاطمـة فضيلـة‪ ،‬معوقـات االندمـاج االجتماعـي لـدى فئـة الشـباب التائـب‪ ،‬قـراءة سوسـيونقدية لروايـة‬
‫الـورم‪ ،‬المجلـة الجزائريـة للدراسـات السوسـيولوجية‪ ،‬العـدد (‪ )6‬يونيـو ‪.2018‬‬
‫‪5 .‬راضيـة أبـو زيـان‪ ،‬االندمـاج االجتماعـي للشـباب فـى المجتمـع العربـي‪ :‬اآلليـات والمتطلبـات‪ ،‬المجلـة العربيـة‬
‫للدراسـات األنثربولوجيـة المعاصـرة‪( ،‬مجلـد‪ -4‬عـدد ‪ ،)7‬الجزائـر ‪.2018،‬‬
‫‪6 .‬رياض عزيز هادي‪ ،‬مفهوم الدولة ونشوؤها عند ابن خلدون‪ ،‬مجلة العلوم السياسية‪ ،‬العدد ‪ ,37‬العراق‪.‬‬
‫‪7 .‬سوسـن عبـد علـي كاظـم السـلطاني‪ ،‬االندمـاج االجتماعـي وعالقتـه باسـتبصار الـذات لدى الموظفيـن‪ ،‬حوليات‬
‫كليـة اآلداب‪ ،‬جامعـة عيـن شـمس‪ ،‬المجلـد (‪ )47‬أبريـل ‪ 2019‬مصـر‪.‬‬

‫‪264‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫‪8 .‬هاديـا عـادل كاتبـي‪ ،‬االندمـاج االجتماعـي لـدى عينـة مـن متعلمـي اللغة العربيـة للناطقين بغيرهـا في الجامعة‬
‫األردنيـة‪ ،‬مجلـد ‪ ,34‬عدد‪.2015 ,3‬‬
‫‪9 .‬هـدى أحمـد الدئـب‪ ،‬محمـود عبـد العليـم سـليمان‪ ،‬مخاطـر االسـتبعاد االجتماعـي علـى الدولـة والمجتمـع‪،‬‬
‫تحليـل سوسـيولوجي‪ ،‬مجلـة الدراسـات والبحـوث االجتماعيـة‪ ،‬جامعـة الشـهيد حمـه لخضـر الـوادي‪ ،‬العـدد‬
‫(‪ )14-13‬ديسـمبر ‪.2015‬‬
‫ ‪10.‬يوسـف محمـد أبـو القاسـم الصيـد‪" ،‬أنمـوذج االتفاقيـات والمصالحـات الوطنيـة فـي الجزائـر‪ ،‬جنـوب إفريقيـا‪،‬‬
‫أيرلنـدا الشـمالية‪ ،‬وإمكانيـة التطبيـق فـي ليبيـا‪ :‬دراسـة تحليليـة"‪ ،‬دراسـة قدمـت إلـى المؤتمـر األول للجمعيـة‬
‫الليبيـة لعلـم االجتمـاع حـول النسـيج االجتماعـي الليبـي‪ ،‬المخاطـر والتحديـات‪ ،‬األكاديميـة الليبيـة‪ ،‬جنـزور‪،‬‬
‫طرابلـس ليبيـا ‪.2019‬‬

‫الرسائل العلمية‪:‬‬
‫‪1 .‬محمد يوسـف بن مفرج‪ ،‬االسـتبعاد االجتماعي في األردن‪ ،‬دراسـة سسـيولوجية لمجاالت االسـتبعاد في قرية‬
‫المخيبـة الفوقـا‪ ،‬لـواء بنـي كنانـة‪ ،‬رسـالة ماجسـتير غيـر منشـورة‪ ،‬جامعـة اليرمـوك‪ ،‬كليـة اآلداب‪ ،‬قسـم علـم‬
‫االجتمـاع‪.2013 ,‬‬
‫‪2 .‬علـي محمـد درويـش‪ ،‬تطبيقـات الحكومـة اإللكترونيـة‪ :‬دراسـة ميدانيـة علـى إدارة الجنسـية واإلقامـة بدبـي‪،‬‬
‫رسـالة ماجسـتير غيـر منشـورة‪ ،‬جامعـة نايـف العربيـة للعلـوم األمنيـة‪ ،‬الريـاض‪.2005 ،‬‬

‫شبكة املعلومات الدولية‪:‬‬


‫‪1 .‬زكريـا اإلبراهيمـي‪ ،‬إميـل دوركايـم والتأسـيس السوسـيولوجي للحداثـة‪ ،‬قسـم الفلسـفة والعلـوم اإلنسـانية‪،‬‬
‫مؤمنـون بلا حـدود ‪com.mominoun.www‬‬
‫‪2 .‬سـامح العبيـدي‪ ،‬شـروط االندمـاج االجتماعـي (‪ ،)2020-9-20‬مقـال منشـور علـى شـبكة المعلومـات الدوليـة‪:‬‬
‫‪https://sotor.com‬‬
‫‪3 .‬محمـد بالراشـد‪ ،‬التضامـن اإلنسـاني فـي األزمـات والبدائـل الضروريـة للبقـاء‪ ،‬شـبكة المعلومـات الدوليـة‬
‫‪pdf/09.pdf/069/https://tafahom.mara.gov.om/storage/al-tafahom/ar/2020‬‬

‫‪265‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫اهلواتف الذكية ودورها يف التحصيل العلمي لدى الطالب‬


‫دراسة ميدانية على عينة من طالب التعليم الثانوي‬
‫إعداد‪:‬‬
‫د‪ .‬عبد الفتاح بالعيد هودج حفالش‬
‫قسم علم االجتماع ‪ -‬كلية اآلداب ‪ -‬جامعة طبرق‬

‫القبول‪20/6/2023 :‬‬ ‫ ‬
‫االستالم‪2023/5/12 :‬‬

‫املستخلص‪:‬‬
‫تهـدف هـذه الدراسـة للتعـرف علـى الـدور الـذي تلعبـه الهواتـف الذكيـة فـي التحصيـل‬
‫العلمـي لطلاب مرحلـة التعليـم الثانـوي‪ ،‬حيـث قام الباحث بتحديد عناصر الدراسـة المتمثلة‬
‫فـي األهميـة واألهـداف وتطـرق إلـى بعـض الدراسـات السـابقة المتعقلـة بموضـوع الدراسـة‪.‬‬
‫تم اعتمادها في‬‫تنـاول الباحـث التسـاؤالت التـي سـتقدم بيانات واضحة عن األهـداف التي ّ‬
‫اإلطـار المنهجـي للدراسـة‪ ،‬وذلـك لمعرفـة مـدى اسـتثمار طلاب التعليـم الثانـوي لهـذه التقنيـة‬
‫الحديثـة فـي عمليـة التحصيـل العلمـي‪ ،‬كمـا اعتمـد الباحـث علـى المنهـج الوصفـي لعينـة‬
‫طالبـا وطالبـة مـن مرحلـة التعليـم الثانـوي؛ وذلـك لقـدرة طلاب هـذه المرحلـة‬
‫ً‬ ‫قوامهـا (‪)80‬‬
‫وتم اسـتخدام اسـتمارة‬
‫علـى الفهـم واإلدراك ووعيهـم بنسـبة تفـوق طلاب المراحـل األساسـية‪ّ ،‬‬
‫االسـتبيان كأداة لجمـع المعلومـات والبيانـات وصـو ً‬
‫ال إلـى النتائـج التـي سـتقدم معلومـات تفيـد‬
‫فـي كيفيـة اسـتخدام الطلاب لهـذه التقنيـة‪ ،‬ومدى االسـتفادة منها وأهم االنعكاسـات المترتبة‬
‫عنها ‪.‬‬
‫الكلمات املفتاحية‪( :‬االستخدمات ‪ -‬االستجابات ‪ -‬تالميذ الثانوي ‪ -‬الهاتف الذكي)‬
‫‪Abstract:‬‬
‫‪Smartphones and their role in students' academic achievement‬‬
‫‪A Field study on secondary school students‬‬
‫‪This study aims to identify the role that smart phones play in the educational‬‬
‫‪achievement of secondary school students.‬‬
‫‪The researcher addressed the questions that will provide clear data on the‬‬
‫‪objectives that were adopted in the methodological framework of the study, in‬‬
‫‪order to find out the extent to which secondary education students invest this‬‬
‫‪modern technology in the process of academic achievement. The researcher‬‬
‫‪also relied on the descriptive approach for a sample of (80) male and female‬‬
‫‪students. from the secondary level; This is due to the ability of students of‬‬
‫‪this stage to understand and comprehend, and their awareness is higher than‬‬
‫‪that of students in the basic stages. The questionnaire was used as a tool for‬‬
‫‪collecting information and data in order to reach the results that will provide‬‬
‫‪useful information on how students use this technology, the extent to which they‬‬
‫‪benefit from it, and the most important implications of it.‬‬
‫)‪Keywords: (answers - secondary students - smart phone‬‬

‫‪266‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫مقدمة‪:‬‬
‫لقـد أحدثـت التغيـرات التكنولوجيـة الحديثـة والمتسـارعة المكتشـفة فـي أواخـر العقـد‬
‫األخيـر مـن القـرن العشـرين وأوائـل القـرن الحـادي العشـرين أثـرا كبيـرا علـى كافـة المجـاالت‬
‫الحياتيـة‪ ،‬ال سـيما التعليـم والتعلـم فـي جميـع مراحـل الدراسـة‪ ،‬حيـث لوحـظ الـدور البـارز‬
‫للتطـور التكنولوجـي فـي قيـادة األمـم نحـو عصـر المعرفـة‪ ،‬واسـتخدام التقـدم التكنولوجـي‬
‫فـي خدمـة التعليـم والتعلـم‪ .‬وأضحـى اإلنسـان اليـوم يعيـش فـي عصـر يتميـز بالمعلوماتيـة‬
‫والتكنولوجيـا‪ ،‬فأصبـح هـذا العصـر يعـرف بعصـر تكنولوجيا المعلومات‪ ،‬وهـذا كله يعود الفضل‬
‫فيـه للثـورة المعرفيـة المعلوماتيـة التـي لـم يسـبق لهـا مثيـل عبـر عصـور اإلنسـانية‪.‬‬
‫ونجـد أن مـن أهـم سـمات هـذا العصـر سـيطرة التكنولوجيـا علـى مختلـف المجـاالت متمثلـة‬
‫فـي تكنولوجيـا المعلومـات واإلنترنـت وأجهـزة الحاسـب اآللـي‪ ،‬هـذا وقـد غيـرت الطريقـة التـي‬
‫يعمـل بهـا العالـم مـن أنظمـة متطـورة إلـى أنظمـة أكثر تطورًا وإنجـازًا‪ ،‬فأصبح هـذا العالم قريبًا‬
‫مـن بعضـه البعـض‪ ،‬لتصـح تسـميته قريـة عالميـة صغيـرة‪ ،‬ومـن أهـم المجـاالت التـي أصبحـت‬
‫تواجـه هـذا العصـر هـو ظهـور التكنولوجيـا فـي مجال التعليـم‪ ،‬فمن أهم التحديـات التي تواجه‬
‫التعليـم فـي مجتمـع المعلوماتيـة القـدرة علـى معرفـة طـرق جديـدة وحديثة للتعليم‪ ،‬ال سـيما‬
‫التعليـم الثانوي‪.‬‬
‫وعرفت العديد من التقنيات‬ ‫ُ‬ ‫الحيـاة‬ ‫مجاالت‬ ‫من‬ ‫العديـد‬ ‫الحديثـة‬ ‫التكنولوجيـا‬ ‫لقـد واكبـت‬
‫المتعـددة‪ ،‬حيـث نجـد هـذه التقنيـات واألجهـزة فـي العديـد مـن المراحـل لتصـل إلـى مـا هـو‬
‫عليـه اليـوم مـن تطـور مـرورًا باالتصـاالت السـلكية‪ ،‬حيث كانـت أغلب األجهزة تعمـل بالكابالت‬
‫واألسلاك الكهربائيـة منهـا الهواتـف الثابتـة‪ ،‬ثـم تطـورت هـذه التكنولوجيـا لتصبح ال سـلكية‬
‫لتسـمى بالهواتـف المحمولـة وأطلـق عليهـا ثـورة االتصـاالت الالسـلكية‪ ،‬ومـن ثـم ظهـور أجهـزة‬
‫الهواتـف الذكيـة وانتشـار اسـتخدامها بمـرور األيـام فـي المجـاالت الثقافيـة واالجتماعيـة‬
‫واالقتصاديـة كافـة وغيرهـا‪.‬‬
‫لقـد دل ذلـك علـى مـا توفـره مـن تطبيقـات وخدمـات كثيـرة لـم توفرهـا أجهـزة المحمـول‬
‫التقليديـة‪ ،‬ذلـك جعـل اإلنسـان علـى تواصـل دائـم مـع غيـره فـي أي وقـت ومـكان‪ ،‬ورغـم مـا‬
‫ينتـج عنهـا مـن اسـتخدمات سـلبية أو إيجابيـة لهـذه التقنيـة من قبل مسـتخدميها إال أنها تظل‬
‫موضـع دهشـة لـدى البعـض ممـن لـم يقومـوا بتجربتهـا‪ .‬انتشـر اسـتخدام هـذه األجهـزة الذكية‬
‫فـي مجـاالت البحـث العلمـي وكذلـك التحصيـل العلمي لطالب المـدارس بالتعليـم الثانوي‪ ،‬وتعد‬
‫عاملا مهمـا ومسـاعدا للحصـول علـى المعلومـات التـي يحتاجهـا الطلاب بـكل بسـاطة ويسـر‪،‬‬
‫وكذلـك نجـد سـرعة فـي أداء المهـام الدراسـية‪ ،‬كتصفـح اإلنترنـت والبريـد اإللكترونـي الخاص‬
‫فضلا عـن تحميـل الكتـب‪ ،‬والملفـات‪ ،‬والبرامـج‪،‬‬‫ً‬ ‫أو التوااصـل‪ ،‬ودخـول الشـبكات االجتماعيـة‪،‬‬
‫والمقاطـع التـي تلبـي أغلـب احتياجاتهـم الدراسـية والمعرفية‪ ،‬وذلك بفضـل احتوائها على أهم‬
‫وأشـهر نظـم التشـغيل‪ ،‬وتنـوع تطبيقاتهـا وبرامجهـا المتعـددة‪.‬‬
‫وال نجـد غرابـه بـأن طلاب التعليـم الثانـوي وباعتبارهـم شـريحة مهمـة يقبلـون بشـدة‬
‫علـى الهواتـف الذكيـة ألغـراض عديـدة منهـا البحـث ألجـل التحصيـل العلمـي فـي كافـة المواد‬
‫الدراسـية ومتابعـة مناهجهـم العلميـة‪ ،‬وهـذا مـا تسـعى إليـه هـذه الدراسـة للتعريـف بـدور‬
‫الهواتـف الذكيـة فـي التحصيـل العلمـي لـدى طلاب التعليـم الثانـوي فـي مدينـة طبـرق‪ ،‬وكـذا‬
‫معرفـة انعكاسـات اسـتخدام تلـك الهواتـف عليهـم‪.‬‬

‫‪267‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫إجراءات الدراسة املنهجية‪:‬‬


‫أ‪ .‬مشكلة الدراسة‪:‬‬
‫أحدثـت التكنولوجيـا المعلوماتيـة الحديثـة العديـد مـن التغيـرات فـي نمط حياة اإلنسـان‪،‬‬
‫ولعـل مـن أهـم هـذه التغيـرات دخـول تقنيـات جديـدة لعالمنـا المعاصـر‪ ،‬ومـن هـذه التقنيـات‬
‫الهواتـف الذكيـة التـي أضحـت تقـوم بالعديـد مـن المهـام فـي مجـاالت الحيـاة الواسـعة‪ ،‬حيـث‬
‫غيـرت طريقـة عيـش البشـرية جمعـاء‪ ،‬وكذلـك كل مـا يتعلـق باألعمـال البشـرية فـي شـتى‬
‫مجـاالت حياتهـم اليوميـة‪ ،‬لقـد باتـت المعلومـة تصـل إلـى الجميـع دون أسـتثناء‪ ،‬وكذلـك دون‬
‫مشـقة بعـد ظهـور خدمـات توفرهـا بأقـل جهـد ووقت‪ ،‬وفي أي مكان تسـمى بخدمات اإلنترنت أو‬
‫مـا يطلـق عليـه عالـم اإلنترنـت‪ ،‬هـذا العالـم الـذي سـهّل للباحـث التصفـح واالطالع علـى العالم‬
‫عبـر شـبكات وخدمـات تتصـل بهـا أجهـزة الهواتـف الذكيـة لتتعـدد أدوارهـا فـي اآلونـة األخيرة‬
‫ال سـيما في المجال التعليمي والتحصيل الدراسـي لدى طالب التعليم الثانوي‪ ،‬بل ازداد الطلب‬
‫عليهـا لمـا توفـره مـن تطبيقـات وبرمجيـات أكثـر دقـة وتعقيـدًا‪.‬‬
‫ولكن بالرغم مما أتاحته الهواتف الذكية من سـهولة وسـرعة في عملية التحصيل العلمي‬
‫للطلاب؛ إال أن هنـاك البعـض يواجهـون صعوبـة فـي اسـتخدامها وعدم معرفتهـم بآليات تطبيق‬
‫برامجهـا‪ ،‬و ُيعـزي المتخصصـون ذلـك لعـدم الدرايـة بكيفيـة اسـتخدام التطبيقـات التي أضحت‬
‫تتطـور يومـ ًا بعـد يـوم‪ ،‬أو عـدم المعرفـة بوجود خدمات تتيح مصـادر معلومات أو البحث عنها‪.‬‬
‫ومـن هنـا كان البـد مـن الوقـوف عنـد الـدور الـذي تلعبـه الهواتـف الذكيـة فـي حيـاة طلاب‬
‫مرحلـة التعليـم الثانـوي بطبرق بشـكل مكثف؛ باعتبارها وسـيلة تتيـح الحصول على المعلومات‬
‫العلميـة وكيفيـة تطبيقهـا‪ ،‬وكذلـك تسـاعدهم فـي عملية التحصيل الدراسـي‪ .‬ولمعرفة أسـباب‬
‫وكيفيـة هـذا االسـتخدام قمنـا بطـرح اإلشـكالية التاليـة‪ :‬م�ا دور اهلوات�ف الذكي�ة يف عملي�ة‬
‫التحصي�ل العلمي لطالب مرحلة التعليم الثانوي؟‬
‫ب‪ .‬أهمية الدراسة‪:‬‬
‫تنطلـق أهميـة الدراسـة مـن أهميـة التطـور التكنولوجـي للهواتـف الذكيـة ودورهـا الـذي‬
‫باتـت تلعبـه فـي سـائر أنمـاط حياتنا اليومية‪ ،‬وأعمالنا ال سـيما العمليـة التعليمية والتحصيل‬
‫العلمـي ونخـص منهـا هنـا فئـة الطلاب بمـدارس التعليـم الثانـوي كونهـم يسـتخدمون تقنيـة‬
‫الهواتـف الذكيـة فـي التحصيـل العلمـي‪.‬‬
‫ً‬
‫فضلا عـن جـدة وحداثـة الموضـوع نسـعى إلـى البحـث عـن الدافـع إلـى تبني هـذه التقنية‬
‫الحديثـة‪ ،‬وكـذا اإلنجـازات التـي تحققـت باسـتخدام الهواتـف الذكيـة فـي عمليـة التحصيـل‬
‫العلمـي لـدى طلاب مرحلـة التعليـم الثانـوي‪.‬‬
‫ج‪ .‬أهداف الدراسة‪:‬‬
‫تهدف هذه الدراسة إلى ما يلي‪:‬‬
‫‪1.‬معرفة إلى أي حد يعتمد طالب التعليم الثانوي على الهواتف الذكية‪.‬‬
‫‪2.‬التعرف على الدوافع الكامنة وراء أستخدام الهواتف الذكية لدى طالب التعليم الثانوي‪.‬‬
‫‪3.‬الوقـوف علـى االشـباعات التـي يحققهـا اسـتخدام طلاب التعليـم الثانـوي للهواتـف الذكيـة‬
‫فـي عمليـة التحصيـل العلمـي‪.‬‬
‫‪4.‬التعـرف علـى اآلثـار المترتبـة عـن اسـتخدام الهواتـف الذكيـة علـى طلاب التعليـم الثانوي‬
‫فـي التحصيـل العلمي‪.‬‬

‫‪268‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫د‪ .‬أسباب اختيار املوضوع‪:‬‬


‫أسباب ذاتية‪:‬‬
‫‪1.‬السبب األول واألساسي أن هذا الموضوع لم يدرس بطريقة مكثفة‪.‬‬
‫‪2.‬ازديـاد اإلقبـال علـى اسـتخدام الهواتـف الذكيـة –آخـر اإلصـدارات‪ -‬مـن قبـل الطلاب‬
‫بالمـدارس‪.‬‬
‫‪3.‬الرغبة في معرفة أسباب أنتشار الهواتف الذكية بين طالب المدارس‪.‬‬
‫أسباب موضوعية ‪:‬‬
‫ً‬
‫‪1.‬موضوع الهواتف الذكية جديد لم يحظ بالكثير من الدراسـات واألبحاث مقارنة بالوسـائل‬
‫اإلعالميـة األخـرى‪ ،‬حيـث تعتبـر هـذه هـي الدراسـة األولى التي ُأجريت حـول دور الهواتف‬
‫الذكيـة ومـدى اسـتخدامها مـن قبـل طالب مدارس المرحلـة الثانوية بمدينة طبرق‪.‬‬
‫‪2.‬ارتباط الموضوع بتخصص علم االجتماع وتكنولوجيا اإلعالم والمعلومات الحديثة‪.‬‬
‫‪3.‬انتشـار الهواتـف الذكيـة بشـكل الفـت‪ ،‬السـيما بيـن أوسـاط الطلاب فـي مرحلـة التعليـم‬
‫الثانـوي‪.‬‬
‫هـ‪ .‬تساؤالت الدراسة‪:‬‬
‫‪1.‬ما مدى استخدام طالب التعليم الثانوي للهواتف الذكية؟‬
‫‪2.‬ما الدوافع الكامنة وراء أستخدام الهواتف الذكية لدى طالب التعليم الثانوي؟‬
‫‪3.‬مـا اإلشـباعات التـي تحققـت مـن اسـتخدام طلاب التعليـم الثانـوي للهواتـف الذكيـة فـي‬
‫عمليـة التحصيـل العلمـي؟‬
‫‪4.‬مـا هـي اآلثـار المترتبـة علـى اسـتخدام الهواتـف الذكيـة علـى طلاب التعليـم الثانـوي فـي‬
‫التحصيـل العلمـي؟‬
‫و‪ .‬منهج الدراسة والعينة‪:‬‬
‫تـم اعتمـاد الدراسـة الوصفيـة؛ لوصـف واقـع اسـتخدام طلاب التعليم الثانـوي بالمدارس‬
‫للهواتـف الذكيـة فـي التحصيـل العلمـي والمعرفـي‪ ،‬كمـا تـم اعتمـاد المنهـج المسـحي الميدانـي‬
‫فـي الدراسـة الميدانيـة والـذي تقتضيهـا طبيعـة الدراسـة لمعرفـة كيفيـة اسـتخدام طلاب‬
‫مـدارس التعليـم الثانـوي للهواتـف الذكيـة فـي التحصيـل العلمـي‪ ،‬باالعتمـاد علـى االسـتبانة‬
‫كأداة لجمـع البيانـات حيـث تـم توزيعهـا علـى مجموعـة مـن طالب بعض مـدارس التعليم الثانوي‬
‫بمدينة طبرق وهي‪( :‬مدرسـة أم المؤمنين‪ ،‬مدرسـة طبرق الثانوية‪ ،‬مدرسـة الشـعلة‪ ،‬مدرسـة‬
‫تـم اختيـار عـدد (‪)20‬‬‫تـم اختيـار عينـة قوامهـا (‪ )80‬طالبـا وطالبـة‪ ،‬كمـا ّ‬‫الفـاروق) حيـث ّ‬
‫طالبـا مـن كل مدرسـة مـن المـدارس األربـع‪.‬‬
‫ز‪ .‬أدوات مجع البيانات‪:‬‬
‫تـم تصميـم اسـتبانة لجمـع المعلومـات المتعلقـة بالعينـة المبحوثـة مـن طلاب مـدارس‬ ‫ّ‬
‫التعليـم الثانـوي بمدينـة طبـرق حـول الهواتـف الذكيـة ودورهـا فـي عمليـة التحصيـل العلمـي‬
‫وفقـًا ألهـداف وأسـئلة الدراسـة‪ ،‬وتكونـت األسـئلة مـن متغيـرات وهـي‪:‬‬
‫أ‪ .‬متغيرات مستقلة متمثلة في البيانات الشخصية‪.‬‬
‫ب‪ .‬متغيرات تابعة وتقاس من خالل المحاور الرئيسية التالية‪:‬‬
‫‪1 .‬ما مدى استخدام طالب التعليم الثانوي للهواتف الذكية؟‬
‫‪2 .‬ما الدوافع الكامنة وراء أستخدام الهواتف الذكية لدى طالب التعليم الثانوي؟‬

‫‪269‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫‪3 .‬مـا االشـباعات التـي تحققـت مـن اسـتخدام طلاب التعليم الثانوي للهواتـف الذكية في‬
‫عمليـة التحصيل العلمي؟‬
‫‪4 .‬مـا اآلثـار المترتبـة علـى اسـتخدام الهواتـف الذكيـة علـى طلاب التعليـم الثانـوي فـي‬
‫التحصيـل العلمي؟‬
‫وتقاس هذه المحاور من خالل استبانة تم إعدادها للغرض المطلوب‪.‬‬
‫ح‪ -‬جماالت الدراسة‪:‬‬
‫ ‪-‬المجـال المكانـي‪ :‬ونعنـي بـه تحديـد المـكان أو المنطقـة التي جرت بها الدراسـة الميدانية‬
‫المتمثـل فـي بعـض مـدارس الثانوية بمدينـة طبرق وهي‪:‬‬
‫أ‪ -‬مدرسة أم المؤمنين للبنات‪.‬‬
‫ب‪ -‬مدرسة طبرق للتلعيم األساسي والثانوي‪.‬‬
‫ج‪ -‬مدرسة الشعلة للبنات‪.‬‬
‫د‪ -‬مدرسة الفاروق للبنين‪.‬‬
‫ ‪-‬المجـال البشـري‪ :‬ويتمثـل فـي عينـة مـن طلبـة المـدارس الثانويـة بمدينـة طبـرق‪ ،‬والتـي‬
‫بلـغ عددهـا (‪ )80‬طالبـا وطالبـة‪ ،‬موزعيـن بشـكل متسـا ٍو علـى أربـع مـدارس‪ ،‬وتـم اختيـار‬
‫عـدد (‪ )20‬مـن كل مدرسـة ذكـورًا وإناثـًا‪.‬‬
‫ ‪-‬المجـال الزمنـي‪ :‬وهـو المتمثـل فـي الزمـن المسـتغرق الـذي أقيمـت فيـه الدرسـة‪ ،‬حيـث‬
‫طبقـت هـذه الدراسـة فـي الفتـرة مـن ‪ 2023/4/1‬إلـى ‪.2023/5/15‬‬
‫ط‪ -‬مفاهيم ومصطلحات الدراسة‪:‬‬
‫تعريف الهواتف الذكية‪:‬‬
‫ً‬
‫اصطالحـا‪ :‬بأنـه الهاتـف الـذي يوفـر مزايـا تصفـح اإلنترنـت ومزامنـة البريـد اإللكترونـي‪،‬‬
‫وفتـح ملفـات األوفـس‪ ،‬ويحتـوي علـى لوحـة مفاتيـح كاملـة(((‪.‬‬
‫وتعـرف أيضـ ًا‪ :‬الهواتـف الذكيـة هـي وسـيلة تعليميـة تسـتخدم فـي الكثيـر مـن المـدارس‬
‫والجامعـات لمسـاعدة الطلاب علـى متابعـة مسـاقاتهم األكاديميـة‪ ،‬ومتابعة واجباتهـم العلمية‪،‬‬
‫ومواعيـد محاضراتهـم ودروسـهم‪ ،‬ومتابعـة درجاتهـم االمتحانيـة‪ ،‬وكذلـك المتابعـات اإلداريـة‬
‫المختلفـة مـن قـرارات وتعليمـات أكاديميـة فـي مختلـف الكليـات واألقسـام‪ ،‬ممـا يوفـر علـى‬
‫الطالـب وأعضـاء هيـأة التدريـس الجهـد والوقـت والعنـاء‪ ،‬ويسـهل عمليـة التواصـل التقنـي بيـن‬
‫جميـع أطـراف العمليـة التعليميـة(((‪.‬‬
‫إجرائيـ ًا‪ :‬هـو الجهـاز الـذي يحملـه طلاب التعليـم الثانـوي بطبـرق ويسـتخدمه الطلاب‬
‫لالتصـال باآلخريـن وتبـادل المعلومـات ويتفاعلـون عبـره بالشـبكة االتصاليـة الالسـلكية والتي‬
‫تجمـع بيـن خصائـص الهواتـف المحمولـة التقليديـة وبيـن التكنولوجيا الحديثـة المتمثلة في‬
‫الحواسـيب وأنظمتهـا المشـغلة التـي تتيـح للطالـب االتصـال عبـر شـبكة اإلنترنـت‪.‬‬
‫تعريف التحصيل العلمي‪:‬‬
‫ً‬
‫اصطالحـا‪ :‬هـي البيانـات التـي يتـم الحصـول عليهـا لتحقيـق هـدف معين السـتعمال محدد‪،‬‬
‫والتـي يتالقهـا الطلاب‪ ،‬حيـث يمكـن تداولهـا وتسـجيلها ونشـرها وتوزيعهـا فـي صـورة رسـمية أو‬

‫((( شـرحبيلي محمـد عطيـة‪ :‬الفوائـد التربويـة مـن اسـتخدام الهواتـف الذكيـة وأجهـزة الكومبيوتـر فـي العمليـة‬
‫التعليميـة‪ ،‬موقـع ويـب‪ ،‬منشـور بتاريـخ ‪2019/12/5‬م‪.‬‬
‫((( عبدالرازق محمد الدليمي‪ :‬اإلعالم والعولمة‪ ،‬مكتبة الرائد‪ ،‬عمان‪ ،‬األردن‪ ،2006 ،‬ص‪.6‬‬

‫‪270‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫غيـر رسـمية وفـي أي شـكل(((‪.‬‬


‫إجرائيـ ًا‪ :‬هـو الوصـول أو الحصـول علـى المعلومـات والمعرفـة التـي تبيـن مـدى حصيلـة‬
‫الطلاب الدراسـية فـي مـادة معينـة أو مناهجهـم المقـررة عليهـم فـي مرحلـة تعليمهـم‪ ،‬وكـذا‬
‫معرفـة مسـتوى الطلاب التعليمـي والتحصيلـي‪ ،‬و فـي ظـل التطـورات الظاهـرة يمكـن للطالـب أن‬
‫يحصـل أو يصـل إلـى المعرفـة أو المعلومـات أو البيانـات باسـتخدام الهواتـف الذكيـة المتوفـرة‬
‫علـى شـبكة االنترنـت‪.‬‬
‫تعريف التعليم الثانوي‪:‬‬
‫وهـي المرحلـة التعليميـة األخيـرة أو مـا قبل الجامعة فـي المدارس والتي تبدأ من عمر‪15‬‬
‫سـنة حتـى عمـر الــ ‪ 17‬سـنة؛ و قصدنـا فـي دراسـتنا المراحـل األخيـرة مـن التعليـم المدرسـي‬
‫الواقعة بين المرحلتين الخامسـة عشـرة و السـابعة عشـرة وللسـنة العمرية بين ‪ 17-15‬سـنة‬
‫كعينة مسـتهدفة للدراسة‪.‬‬
‫ق‪ -‬الدراسات السابقة‪:‬‬
‫‪ -1‬دراسـة أحمـد يوسـف الشـامي‪ ،‬آمـال خالـد حميـد (‪ )2021‬بعنـوان(((‪ :‬واقـع اسـتخدام‬
‫تطبيقـات الهواتـف الذكيـة فـي العمليـة التعليميـة التعليميـة مـن وجهـة نظـر طلبة الدراسـات‬
‫العليـا فـي الجامعـة اإلسلامية بغـزة‪ :‬حيـث هدفـت هـذه الدراسـة إلـى التعـرف علـى واقـع‬
‫اسـتخدام تطبيقـات الهواتـف الذكيـة فـي العمليـة التعليميـة التعلميـة مـن وجهـة نظـر طلبـة‬
‫الدراسـات العليا في الجامعة اإلسلامية بغزة‪ ،‬وقد تم اسـتخدام المنهج الوصفي التحليلي في‬
‫هـذه الدراسـة‪ ،‬وتكـون مجتمـع الدراسـة مـن طلبـة الدراسـات العليا فـي كليات (التربيـة‪-‬اآلداب‪-‬‬
‫االقتصاد‪-‬العلـوم) البالـغ عددهـم (‪ )703‬طالبـ ًا وطالبـة للعـام الدراسـي (‪2020/2021‬م)‪،‬‬
‫وتـم اختيـار عينـة عشـوائية مكونـة مـن (‪ )105‬طالبـًا وطالبـة‪ ،‬ولتحقيـق أهـداف الدراسـة‬
‫قـام الباحثـان بتصميـم اسـتبانة كأداة لجمـع البيانـات مـن أفـراد عينـة الدراسـة‪ ،‬وتكونـت مـن‬
‫(‪ )30‬فقرة موزعة على ثالثة مجاالت‪ ،‬هي درجة اسـتخدام طلبة الدراسـات العليا تطبيقات‬
‫الهواتـف الذكيـة‪ ،‬ومتطلبـات اسـتخدام تطبيقـات الهواتـف الذكيـة‪ ،‬والصعوبـات التـي يواجهـا‬
‫طلبـة الدراسـات العليـا عنـد اسـتخدام تطبيقـات الهواتـف الذكيـة‪.‬‬
‫وتوصلـت الدراسـة إلـى أن الدرجـة الكليـة لمتوسـطات واقـع اسـتخدام تطبيقـات الهواتـف‬
‫الذكيـة فـي العمليـة التعليميـة التعلميـة مـن وجهـة نظـر طلبـة الدراسـات العليـا كانـت موافقة‬
‫متوسـطة‪ ،‬عـدم وجـود فـروق ذات داللـة إحصائيـة عنـد مسـتوى (‪ )0.05‬فـي متوسـطات‬
‫وجهـات نظـر طلبـة الدراسـات العليـا في الجامعة اإلسلامية بغزة نحو واقع اسـتخدام تطبيقات‬
‫الهواتـف الذكيـة فـي العمليـة التعليميـة التعلميـة تعـزى للمتغيـرات (النـوع االجتماعـي‪،‬‬
‫المرحلـة الدراسـية‪ ،‬الفئـة العمريـة‪ ،‬الكليـة)‪.‬‬
‫وكانـت أهـم التوصيـات تطويـر البرامـج التعليميـة التـي توظـف تطبيقات الهواتـف الذكية‪،‬‬
‫وعقـد دورات حـول طرق اسـتخدامها‪.‬‬
‫‪ -2‬دراسـة نـور محمـد الطباخـي (‪ )2020‬بعنـوان ‪ :‬درجـة توظيـف الهواتـف الذكيـة فـي‬
‫(((‬

‫إدارة العمليـة التعليميـة فـي المـدارس األردنيـة‪ .‬هدفـت هـذه الدراسـة إلى التعـرف على درجة‬
‫وتـم‬
‫توظيـف تطبيقـات الهواتـف الذكيـة فـي إدارة العمليـة التعليميـة فـي المـدارس األردنيـة‪ّ ،‬‬

‫((( محمد فتحي عبدالهادي‪ :‬مقدمة في علم المعلومات‪ ،‬دار الثقافة العلمية‪ ،‬االسكندرية‪2008 ،‬م‪ ،‬ص‪.13‬‬
‫((( أحمـد يوسـف الشـامي‪ ،‬آمـال خالـد حميـد‪ :‬واقـع اسـتخدام تطبيقـات الهواتـف الذكية فـي العمليـة التعليمية‬
‫التعلميـة مـن وجهـة نظر طلبـة الدراسـات العليا في الجامعة اإلسلامية بغـزة‪ ،‬مجلة الجامعة اإلسلامية للدراسـات‬
‫التربويـة والنفسـية‪ ،‬الجامعة اإلسلامية غـزة‪ ،‬المجلد‪ ،29‬العـدد‪( 4‬يوليو‪/‬تمـوز ‪.)2021‬‬
‫((( نـور محمـد الطباخي‪ :‬درجـة توظيف تطبيقات الهواتـف الذكية فـي إدارة العملية التعليمية في المـدارس األردنية‪،‬‬
‫كلية العلوم اإلنسـانية‪ ،‬جامعة الشـرق االوسـط‪ ،‬عمان‪ ،‬االردن‪ ،‬رسالة ماجسـتير‪ ،‬منشورة‪.2020 ،‬‬

‫‪271‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫اسـتخدام المنهـج الوصفـي المسـحي‪ ،‬وتكونـت عينـة الدراسـة مـن (‪ )366‬معلمـ ًا ومعلمـة‪ّ ،‬‬
‫تـم‬
‫اختيارهـم بالطريقـة العشـوائية‪ ،‬مـن المـدارس األردنيـة للوائـي القويسـمة وقصبـة عمـان في‬
‫محافظـة العاصمـة عمـان‪ ،‬ولتحقيـق أهـداف الدراسـة تـم تصميـم اسـتمارة اسـتبيان‪ ،‬تضمنـت‬
‫(‪ )43‬فقـرة موزعـة علـى أربعـة مجـاالت‪ ،‬مجـال تطبيقـات الهواتـف الذكيـة إلدارة العمليـة‬
‫التدريسـية‪ ،‬ومجـال تطبيقـات الهواتـف الذكيـة إلدارة العمليـة التقيميـة‪ ،‬ومجـال تطبيقـات‬
‫الهواتف الذكية إلدارة شـؤون الطلبة‪ ،‬ومجال تطبيقات الهواتف الذكية إلدارة شـؤون العاملين‪.‬‬
‫إن درجة توظيف تطبيقـات الهواتف الذكية في إدارة‬ ‫وتوصلـت الدراسـة لعـدة نتائـج منهـا‪ّ :‬‬
‫ً‬
‫العمليـة التعليميـة كانـت متوسـطة‪ ،‬كمـا أظهـرت النتائـج عـدم وجـود فروق دالـة إحصائيا بين‬
‫متوسـطات اسـتجابات أفـراد عينـة الدراسـة تعـزى لمتغيـر الجنـس‪ ،‬كمـا أظهـرت النتائـج وجـود‬
‫فـروق ذات داللـة إحصائيـة تعـزى لمتغيـر التخصـص األكاديمـي‪ ،‬ولصالـح التخصـص اإلنسـاني‪،‬‬
‫ووجـود فـروق ذات داللـة إحصائيـة تعـزى لمتغيـر السـلطة المشـرفة‪ ،‬ولصالـح القطـاع الخاص‪.‬‬
‫وأوصـت الدراسـة برفـع كفايـات مديـري المـدارس حـول آليـات االسـتفادة مـن الهواتـف الذكيـة‬
‫وتطبيقاتهـا؛ لتوظيفهـا فـي إدارة العمليـة التعليميـة في مدارسـهم‪.‬‬
‫‪ -3‬دراسـة فـرال ناجـي مصطفـى (‪ )2017‬بعنـوان(((‪ :‬درجـة اسـتخدام الهواتـف الذكيـة‬
‫فـي العمليـة التعليميـة " دراسـة ميدانيـة مـن وجهـة نظـر طلبـة تكنولوجيـا التعليـم فـي‬
‫الجامعـات األردنيـة الخاصـة‪ :‬حيـث هدفـت هـذه الدراسـة إلـى قيـاس درجة اسـتخدام الهواتف‬
‫الذكيـة فـي العمليـة التعليميـة‪ :‬دراسـة ميدانيـة مـن وجهة نظـر طلبة تكنولوجيـا التعليم في‬
‫الجامعـات األردنيـة الخاصـة‪ ،‬ولتحقيـق هـدف الدراسـة تـم تطويـر أداة اسـتبانة تتعلـق بدرجة‬
‫تم اسـتخدام‬‫اسـتخدام الهواتـف الذكيـة فـي العمليـة التعليميـة تتكـون مـن (‪ )20‬فقرة‪ ،‬حيث ّ‬
‫المنهـج الوصفـي المسـحي فـي الدراسـة‪ ،‬مـن خالل توزيع االسـتبيانات على جميـع أفراد مجتمع‬
‫الدراسـة مـن طلبـة تكنولوجيـا التعليـم بالجامعـات األردنيـة الخاصـة ومسـحهم خلال العـام‬
‫الدراسـي ‪ ،2017/2016‬وبلـغ إجمالـي االسـتبانات المكتملـة (‪ )100‬اسـتبانة‪.‬‬
‫وتوصلت الدراسة لعدة نتائج منها أن درجة استخدام طلبة تكنولوجيا التعليم بالجامعات‬
‫األردنيـة الخاصـة للهواتـف الذكيـة فـي التعليـم كانـت متوسـطة‪ ،‬وأظهـرت أيضـًا عـدم وجـود‬
‫فـروق ذات داللـة إحصائيـة عنـد مسـتوى داللـة (‪ )0.05‬في درجة اسـتخدام الهواتف الذكية‬
‫فـي العمليـة التعليميـة مـن وجهـة نظـر طلبـة تكنولوجيـا التعليـم فـي الجامعـات األردنيـة‬
‫الخاصـة تعـزى لمتغيـرات الدراسـة الثالثـة‪ :‬الجنـس‪ ،‬والجامعـة‪ ،‬والمرحلـة الدراسـية‪.‬‬
‫وأوصـت الدراسـة بعقـد دورات خاصـة لـكل مـن الطلبـة والمدرسـين لتوظيـف واسـتخدام‬
‫كافـة األدوات المتاحـة فيـه للعمليـة التعليميـة‪.‬‬
‫‪ -4‬دراسـة أمـل الزيـدي (‪ )2014‬بعنـوان(((‪" :‬إدمـان اإلنترنـت وعالقتـه بالتواصـل االجتماعي‬
‫والتحصيـل الدراسـي لـدى طلبـة جامعـة نـزوى"‪ :‬وكان مـن أهـداف تلـك الدراسـة رصـد العالقـة‬
‫بيـن إدمـان اإلنترنـت وكل مـن التواصـل االجتماعـي والتحصيـل الدراسـي‪ ،‬لـدى طلبـة جامعـة‬
‫نـزوى‪ ،‬وتكونـت العينـة مـن ‪ 412‬طالبـ ًا وطالبـة‪ ،‬وأظهـرت نتائجها بلوغ عدد مدمني اسـتخدام‬
‫شـبكة اإلنترنـت ‪ 40‬مفـردة‪ ،‬بنسـبة ‪ 9.7%‬مـن أفـراد عينـة الدراسـة‪ ،‬وعـدم وجـود فـروق‬
‫ذات داللـة إحصائيـة بيـن المتوسـطات الحسـابية لمقيـاس إدمـان اإلنترنت تعـزي لمتغير النوع‬
‫االجتماعـي‪ ،‬والمسـتوى الدراسـي وكذلـك وجـود عالقـة عكسـية ذات داللـة إحصائيـة بيـن‬
‫إدمـان اإلنترنـت والتواصـل االجتماعـي ‪ ،‬ووجـود عالقة ضعيفـة ذات داللة إحصائية بين ذلك‬

‫((( فريـال ناجـي مصطفـى‪ :‬درجـة اسـتخدام الهواتف الذكيـة في العمليـة التعليمية "دراسـة ميدانية مـن وجهة نظر‬
‫طلبـة تكنولوجيـا التعليـم في الجامعات األردنية الخاصة‪ ،‬رسـالة ماجسـتير‪ ،‬غير منشـورة‪ ،‬جامعة الشـرق األوسـط‪،‬‬
‫‪2017‬م‪.‬‬
‫((( أمـل ناصـر الزيـدي‪ :‬إدمـان اإلنترنـت وعالقتـه بالتواصـل االجتماعـي والتحصيـل الدراسـي لـدى طلبـة جامعة‬
‫نـزوى‪ ،‬عمـان‪ ،‬جامعـة نـزوي‪ ،‬كليـة العلـوم واآلداب‪ ،‬رسـالة ماجسـتير‪ ،‬غيـر منشـورة‪2014 ،‬م‪.‬‬

‫‪272‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫اإلدمـان والتحصيل الدراسـي‪.‬‬


‫‪ -5‬دراسـة أريـن كاربنسـكي ‪ )2010( Aren Karbnsky‬بعنـوان ‪" :‬اثـر اسـتخدام موقـع‬
‫(((‬

‫فيس بوك على التحصيل الدراسـي لدى طلبة الجامعات" وطبقت تلك الدراسـة على (‪)219‬‬
‫طالبـ ًا جامعيـًا‪ ،‬وتوصلـت الدراسـة لعـدة نتائـج ومنهـا أن الدرجـات التـي يحصـل عليهـا طلاب‬
‫الجامعـات المدمنـون لإلنترنـت وتصفـح موقـع "فيـس بـوك" كبـرى الشـبكات االجتماعية على‬
‫اإلنترنـت أدنـي بكثيـر مـن تلـك التـي يحصل عليهـا نظراؤهم الذين ال يسـتخدمون هذا الموقع‪.‬‬
‫أنـه كلمـا ازداد الوقـت الـذي يمضيـه الطالـب الجامعي في تصفح هـذا الموقع تدنت درجاته‬
‫فـي االمتحانـات‪ ،‬ومـن يقضـون وقتـ ًا أطول على اإلنترنت يخصصون وقتا أقصر للدراسـة‪ ،‬مشـيرًا‬
‫أن لـكل جيـل اهتماماتـه‪ ،‬وأن هـذا الموقـع يتيـح للمسـتخدم "الدردشـة" وحـل األحاجـي‪،‬‬ ‫إلـى ّ‬
‫وإبـداء رأيـه فـي كثيـر مـن األمـور‪ ،‬والبحـث عن أصدقاء جدد أو قدامى‪ .‬وبينـت النتائج أيض ًا أن‬
‫‪% 79‬مـن الطلاب الجامعييـن الذيـن شـملتهم الدراسـة أقـروا بـأن إدمانهـم لموقـع الفيـس بوك‬
‫أثر سـلبي ًا على تحصيلهم الدراسـي‪.‬‬
‫تعقي�ب ع�ن الدراس�ات الس�ابقة‪ :‬تعد الدراسـات السـابقة التـي تم تناولهـا في هذه الدراسـة‬
‫أنهـا تناولـت متغيـرات الدراسـة مـن زوايـا مختلفـة‪ ،‬وقـد اتفقـت الـدراس العمليـة التعليميـة‬
‫الحاليـة مـع معظـم الدراسـات مـن حيـث اتبـاع المنهـج الوصفـي للدراسـة‪.‬‬
‫كمـا اختلفـت بعـض الدراسـات فـي أدوات جمـع البيانـات‪ ،‬حيـث اعتمـدت بعـض الدراسـات‬
‫علـى المقابلـة‪ ،‬وكذلـك اختلفـت عينـة الدراسـة مـن دراسـة ألخـرى‪ ،‬وكذلـك نوعيـة العينـة‬
‫ففـي بعـض الدراسـات السـابقة تـم اختيـار العينة العشـوائية للدراسـة‪ ،‬أما عينة هذه الدراسـة‬
‫فهـي عينـة قصديـة‪.‬‬
‫ومـن خلال العـرض البسـيط تـزداد أهميـة الدراسـة الحالية؛ كونها تهدف إلـى تقديم تصور‬
‫بسـيط عـن واقـع اسـتخدام الهواتـف الذكيـة فـي مرحلـة التعليـم الثانـوي واسـتخدام الهواتـف‬
‫الذكيـة فـي التعليـم ومعرفـة مـدى دورها في االسـتفادة للطلبة وحاجتهـم الحقيقة إلى الهاتف‬
‫فـي عمليـة التعلم‪.‬‬
‫وفـي المجمـل فقـد اسـتفادت الدراسـة الحاليـة مـن مجمـل الدراسـات السـابقة فـي جوانـب‬
‫عـدة منهـا تشـكيل وبلـورة الدراسـة وأهدافها‪ ،‬وكذلك مشـكلة الدراسـة‪ ،‬ومـدى أهميتها‪ ،‬واختيار‬
‫منهج الدراسـة‪ ،‬وتحديد طرق المعالجة اإلحصائية للدراسـة‪ ،‬وربط نتائج الدراسـات السـابقة‬
‫بالدراسـة الحاليـة‪ ،‬وهـذا بمـا يحقـق الترابـط فـي مجـاالت البحـث العلمي‪.‬‬
‫حاجات طالب املرحلة الثانوية‪:‬‬
‫قـد يظـن البعـض أن مـن أهـم حاجـات الطلاب هـي اإلرشـاد والتوجيه وكيفيـة تعامله مع‬
‫معلميـه‪ ،‬ولكـن هنـاك احتياجـات أخـرى عـدة‪ ،‬ولعـل أول مـا يتبـادر للذهـن عنـد ذكـر الحاجـات‬
‫والمطالـب اسـم إبراهـام ماسـلو ‪ Abraham Maslow 1945‬صاحـب نظريـة الترتيـب‬
‫الهرمـي للحاجـات‪ ،‬والـذي يسـتقي منـه غالبيـة الباحثيـن أفكارهـم حيـن يناقشـون الحاجـات‬
‫والمطالـب اإلنسـانية‪.‬‬
‫ونجـد أن نظـرة "ماسـلو" للحاجـات اإلنسـانية يرتبهـا ترتيبـًا هرميـًا تصاعديـ ًا‪ ،‬يبـدأ‬
‫مـن الحاجـات الفسـيولوجية عنـد القاعـدة ثـم الحاجـة لألمـن‪ ،‬ثـم الحاجـة للحـب واالنتمـاء‪،‬‬
‫ثـم الحاجـة إلـى التقبـل وتقديـر الـذات‪ ،‬وأخيـرًا حاجـة تحقيـق الـذات‪ ،‬التـي تتربـع على قمة‬
‫الهـرم ثـم أضـاف حاجتيـن فـي كتاباتـه األخيـرة فـوق الحاجـة لتحقيـق الـذات همـا ‪ -‬علـى‬

‫‪(8) Aren, Karbiniski," Face book and the technology revolution", N,Y Spectrum‬‬
‫‪publications , 2010.‬‬

‫‪273‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫التوالـي ‪ -‬الحاجـة للمعرفـة والحاجـة لتـذوق الجمـال(((‪.‬‬


‫ّ‬
‫إن التركيـز علـى الطلاب عنصـر مهـم‪ ،‬فهـو العنصـر األساسـي فـي العمليـة التعليميـة‪،‬‬
‫ّ‬
‫حيـث نجـد أن الحيـاة المدرسـية داخـل المدرسـة الثانويـة يجـب أال ينصـب اهتمامهـا علـى مـا‬
‫فـي الكتـب‪ ،‬بـل يجـب أن يمتـد إلـى أشـكال سـلوك الطالب‪ ،‬وأن تهتـم بإعداد الطالـب للحياة في‬
‫بيئـة اجتماعيـة غنيـة‪ ،‬ينمـي فيهـا سـلوكه ومفاهيمـه عـن طريـق التفاعـل الشـخصي بد ً‬
‫ال من‬
‫تلقينـه المعـارف والمعلومـات فقط‪.‬‬
‫ومن أهم احلاجات األساسية لطالب املرحلة الثانوية فيما يأتي‪:‬‬
‫إن الحاجـة إلـى تكوين جسـم صحيـح ولياقة جسـمية صحيحة‪ ،‬تعتبر‬ ‫‪ -1‬احلاج�ات اجلس�مية‪ّ :‬‬
‫مـن االحتياجـات الجسـمية الضروريـة‪ ،‬التـي يجـب إشـباعها بهـدف الحفـاظ علـى وجـود المـرء‬
‫وحيويتـه‪ ،‬وهـذه الحاجـات تختلـف بطبيعتهـا عن الحاجات األخرى؛ إذ تبدو أعراضها جسـمية‬
‫بدرجـة كبيـرة‪ ،‬وهـي أكثـر فاعليـة للفـرد ومـا يصـل إليـه الفـرد مـن إشـباع لهـذه الحاجـات فـي‬
‫ـم تتطلـب إشـباعًا دوريـ ًا متجـددًا‪،‬‬
‫لحظـة مـا سـرعان مـا يسـتهلك وتتناقـص تدريجيـ ًا‪ ،‬ومـن َث ّ‬
‫تتوقـف فتراتـه علـى نـوع الحاجـة‪ .‬وتتمثـل هـذه الحاجـات فـي الحاجـة إلـى الطعـام والمـاء‬
‫والجنـس واألمومـة‪.‬‬
‫‪ -2‬احلاج�ة إىل حتقي�ق ال�ذات‪ :‬هو حاجة الفرد للتعبير عن ذاته بصورة مباشـرة أو غير مباشـرة‬
‫للوصـول إلـى أقصـى مـا يمكـن تحقيقـه مـن إمكانيات وقدرات بقصد إشـباع الحاجات األساسـية‪،‬‬
‫وتتضمـن الحاجـة إلـى اهتمـام الجنـس اآلخر‪ ،‬والحاجة إلى التوافق الجنسـي الضروري‪.‬‬
‫‪ -3‬احلاج�ة إىل احلري�ة واللع�ب‪ :‬تعتبـر الحريـة مـن أهـم مسـتلزمات الحيـاة حيـث تمنـح الثقـة‬
‫بالنفـس‪ ،‬واحتـرام الشـخصية‪ ،‬وكذلـك تنمـي الشـعور الـذي ينـم عـن السـرور والفـرح‪ ،‬حيـث‬
‫يشـعر الطالـب فـي مرحلـة الثانويـة بالحاجـة إلـى الحريـة فـي التعبيـر عـن قـواه واسـتعداداته‬
‫وميولـه‪ ،‬عـن طريـق الحركـة واللعـب‪ ،‬والـكالم‪ ،‬والتقليـد‪ ،‬والتمثيـل‪ ،‬والموسـيقى؛ لذلـك يجـب‬
‫مراعـاة هـذه الحاجـة فـي المنهـج المدرسـي‪.‬‬
‫‪ -4‬احلاج�ة إىل التوجي�ه والقي�ادة‪ :‬هنـاك بعـض الصفـات المشـتركة بيـن الزعامـة والقيـادة‬
‫الناجحـة كالصفـات الشـخصية مثـل "الصبـر والشـخصية القويـة والصحـة النفسـية والـذكاء"‪،‬‬
‫فالحريـة وحدهـا دون فهـم وتوجيـه عامـل مدمـر وهـدام‪ ،‬فالطالـب فـي هـذه المرحلـة يمكن أن‬
‫ُيتـرك وشـأنه يعبـر بحريتـه كمـا يشـاء فـي مجتمـع لـه عاداتـه اختيـار االتجـاه السـليم؛ ولذلـك‬
‫فـإن التوجيـه المتـزن الـذي يشـبع هـذه الحاجة مـن األمور المهمة الضرورية فـي هذه المرحلة‬
‫العمرية(‪.((1‬‬
‫‪ -5‬املس�كن الص�احل‪ :‬والمقصـود بـه المسـكن الـذي يـأوي ويعيش فيه األبنـاء‪ ،‬ويحميهـم‪ ،‬ويوفر‬
‫لهـم األمـن واألمـان‪ ،‬ويضمـن لهـم الهـدوء والخصوصيـة بعيـدًا عـن الحياة خارج األسـرة‪.‬‬
‫‪ -6‬احلاج�ة للرعاي�ة والصح�ة‪ :‬البـد من تلبيـة حاجات النـاس الصحية من خالل رعاية شـاملة‬
‫إرشـادية وحمائيـة ووقائيـة وعالجيـة وتأهيلية وملطفـة طوال فترة الحياة؛ فالرعاية الصحية‬
‫مطلوبـة منـذ التكويـن فـي رحـم األم‪ ،‬وتسـتمر بعـد الـوالدة‪ .‬وتتنـوع هـذه الحاجـات الصحيـة‬
‫وفـق مراحل العمـر المختلفة‪.‬‬
‫‪ -7‬احلاج�ة إىل امللب�س‪ :‬فـي البـدء نجـد أن الحاجـة للملبـس أرتبطـت بالحاجـة إلـى الوقايـة من‬
‫ثـم تطـور األمـر لنجـد بـأن الحاجـة للبس المالبـس الداخلية‬ ‫األحـوال الجويـة كالبـرد والحـر‪ّ ،‬‬
‫أم الخارجية الصيفية أم الشـتوية أو األقطان والحرير أو األصواف وأوقات ارتدائها في المكان‬

‫((( عبـداهلل بـن أحمـد الغامـدي‪ :‬تـردد المراهقيـن على مقاهـي اإلنترنـت وعالقته ببعض المشـكالت النفسـية‪ ،‬مكة‬
‫المكرمـة‪ ،‬جامعـة أم القـرى‪ ،‬كليـة التربية‪ ،‬رسـالة ماجسـتير غير منشـورة‪ ،2009 ،‬ص ‪.17‬‬
‫(‪ ((1‬يامن محمد بودهان‪ :‬الشباب واألنترنت‪ ،‬عمان‪ ،‬دار مجدالوي للنشر والتوزيع‪ ،2014 ،‬ص ‪.67‬‬

‫‪274‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫المناسـب‪ ،‬أصبحـت نوعـا مـن األساسـيات الملزمـة‪ ،‬بـل وتعـدت ذلـك لتصبـح مـن أهـم مظاهـر‬
‫الحيـاة الخارجية‪.‬‬
‫‪ -8‬احلاج�ة إىل الرفق�ة‪ :‬مـن الحاجـات االجتماعيـة والنفسـية التـي يحتـاج إليهـا المرافـق‬
‫هـي الحااجـة إلـى الرفقـة‪ ،‬فاإلنسـان اجتماعـي بطبعـه‪ ،‬والتعـارف والتآلـف بيـن النـاس أمـر‬
‫فطـري مركـوز فـي النفـس البشـرية‪ ،‬والرفقـة مطلـب ال يسـتغنى عنـه اإلنسـان‪ ،‬خصوصـ ًا فـي‬
‫مرحلـة المراهقـة‪ ،‬التـي يمضـي فيهـا المراهـق كثيـرًا مـن وقتـه فـي تبـادل اآلراء والمشـاعر‪،‬‬
‫واآلمـال‪ ،‬ويحـاول بلـورة األفـكار مـع رفاقـه الذيـن يشـاركونه فـي التحـوالت الجسـدية والنفسـية‬
‫واالجتماعيـة والعقليـة‪.‬‬
‫‪ -9‬احلاج�ة إىل العم�ل وحتم�ل املس�ئولية‪ :‬ترتبـط المسـؤولية بالمشـقة والتعـب والصعوبـات ال‬
‫شـك فـي ذلـك‪ ،‬لكـن التعـود علـى تحمل المسـؤوليات يمكن أن تتحول إلى عادة مكتسـبة‪ ،‬ونظرًا‬
‫لنمـو قـدرات المراهـق وطاقاتـه ونتيجـة لوقـت الفـراغ الممتـد عنـده علـى المربيـن أن يهيئـوا‬
‫جـزءا مـن المسـئولية ليشـبع ذلـك إحساسـ ًا برجولتـه‬
‫ً‬ ‫الظـروف المناسـبة ألن يتحمـل المراهـق‬
‫ودوره فـي الحيـاة(‪.((1‬‬
‫احلاجات اليت تشبعها اهلواتف الذكية للطالب‪:‬‬
‫إن الحاجـات المعرفيـة هـي تلـك الحاجـات التي تكسـب اإلنسـان المعرفة‬ ‫‪ -1‬احلاج�ات املعرفي�ة‪ّ :‬‬
‫بـكل مـا يحيـط بـه‪ ،‬وهـي الحاجـات المرتبطة بتقوية المعلومات والمعرفـة وفهم البيئة‪ ،‬وتوفر‬
‫الهواتـف الذكيـة االمكانـات الالزمـة لتلبيـة حاجـات الشـباب فـي هـذا الصـدد‪ ،‬بإيصالهـم إلـى‬
‫المواقـع األكاديميـة‪ ،‬ومواقـع تحميـل الكتـب اإللكترونيـة‪ ،‬إضافـة إلـى مواقـع طبيـة وإعالميـة‬
‫وإلـى خدمات التسـوق والتجـارة(‪.((1‬‬
‫‪ -2‬حاج�ات عاطفي�ة‪ :‬يعتبـر إشـباع الحاجات العاطفية مـن األركان المهمة للتوافق واالنسـجام‪،‬‬
‫أن الهواتف الذكية تضم مئات من المواقع لمختلف أنواع النشاط الترفيهي‪ ،‬للمستخدم‬ ‫فنجد ّ‬
‫الراغـب فـي قضـاء وقـت ممتـع‪ ،‬يشـبع فيـه حاجاتـه المعرفيـة والعاطفيـة عـن طريـق التصفـح‬
‫واكتشـاف عوالم جديدة(‪.((1‬‬
‫إن احتياجـات الشـخص هـي الدافـع وراء عملـه بطريقـة معينـة‪ ،‬ومـن‬ ‫‪ -3‬حاج�ات ش�خصية‪ّ :‬‬
‫أمثلـة الحاجـات الشـخصية التـي تلبيهـا الهواتـف الذكيـة ‪ ،‬فـرص العمـل والمواقـع التـي توجـه‬
‫المسـتخدم إلـى كيفيـة الحفـاظ علـى صحتـه‪ ،‬وذلـك عـن طريـق أسـتخدام الهواتـف الذكيـة‬
‫وبرامجهـا المختلفـة‪.‬‬
‫‪ -4‬حاج�ات اجتماعي�ة‪ :‬وهـي الحاجـات الناشـئة عـن احتـكاك الفـرد بأقرانه فـي المجتمع‪ ،‬مثل‬
‫أن الهواتف الذكية‬‫الحاجـة إلـى التقديـر‪ ،‬واالحتـرام‪ ،‬والحاجة إلى المشـاركة الحسـية‪ ،‬فنجـد ّ‬
‫تتيـح لمسـتخدميها سـهولة االتصـال بآخريـن مـن مختلـف أنحـاء العالـم‪ ،‬مـن خلال البريـد‬
‫اإللكترونـي أو برامـج الحـوار(‪.((1‬‬
‫‪ -5‬حاج�ات هروبي�ة‪ :‬وهي الحاجـات المرتبطة برغبة الفرد في الهروب‪ ،‬وإزالة التوتر‪ ،‬والرغبة‬
‫فـي تغييـر المسـار‪ ،‬ومـن منطلـق الحاجـات المختلفـة التـي يحتـاج اإلنسـان إلـى إشـباعها‪ ،‬وهنـا‬

‫(‪ ((1‬سـندس الشـبراوي رزق‪ :‬األبعـاد االجتماعيـة والمدرسـية لظاهـرة العنـف الطالبـي فـي المـدارس الحكوميـة‪،‬‬
‫المنصـورة‪ ،‬جامعـة المنصـورة ‪ ،‬كليـة التربيـة‪ ،‬رسـالة ماجسـتير‪ ،‬غيـر منشـورة‪ ،2006 ،‬ص ص ‪.74-68‬‬
‫(‪ ((1‬ناجيـة مصطفـى صالح عمـارة‪ :‬تأثير اسـتخدام اإلنترنت على الشـباب الجامعي‪ ،‬المنصورة‪ ،‬جامعـة المنصورة‪،‬‬
‫كلية اآلداب‪ ،‬رسـالة ماجستير‪ ،‬غير منشـورة‪2013 ،‬م‪ ،‬ص ‪.98‬‬
‫(‪ ((1‬باسـم حوامـدة‪ ،‬سـليمان قزاقزة‪ :‬وسـائل االعلام والطفولة‪ ،‬عمان‪ ،‬دار جرير للنشـر والتوزيـع‪ ،‬ط‪2006 ،2‬م‪،‬‬
‫ص‪.65‬‬
‫(‪ ((1‬سـامية زكـي يوسـف احمـد‪ :‬شـبكة اإلنترنـت وآثارهـا علـى الشـباب المصـري دراسـة سوسـيولوجية‪ ،‬القاهرة‪،‬‬
‫جامعـة عيـن شـمس‪ ،‬كليـة اآلداب‪ ،‬رسـالة ماجسـتير غيـر منشـورة‪ ،2008 ،‬ص ‪.16‬‬

‫‪275‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫يسـتطيع المسـتخدم القيـام بهـذه مـن خلال آالف المواقـع التي تحتوي على التسـلية والترفيه‬
‫واأللعـاب‪ ،‬التـي يهـرب فيهـا بمفـرده أو مـع غيـره مـن الواقـع إلى عالـم افتراضي(‪.((1‬‬
‫إجراءات الدراسة امليدانية‪:‬‬
‫لقـد قمنـا باسـتخدام أسـلوب العينـة فـي الدراسـة واخترنـا عينـة قصديـة وذلـك بسـبب‬
‫تجانـس مجتمـع البحـث ومعرفتهـم‪ ،‬وتـم حصـر جميـع مفـردات مجتمـع الدراسـة‪ ،‬ثـم وزعنـا‬
‫االسـتبانة علـى التالميـذ مـن الذكـور واإلنـاث عينـة الدراسـة وبلـغ عـدد االسـتبانات الموزعـة‬
‫وتـم تفريغهـا وتحليلهـا وإيجـاد العالقـات واالرتباطـات بيـن المتغيـرات‪ ،‬اعتمادًا‬
‫(‪ )80‬اسـتبانة‪ّ ،‬‬
‫علـى برنامـج (‪ )SPSS‬اإلحصائـي والمتخصـص فـي تحليـل بيانـات العلـوم االجتماعيـة‪.‬‬
‫جدول رقم (‪ )1‬يوضح توزيع أفراد العينة حسب النوع‬

‫الترتيب‬ ‫النسبة ‪%‬‬ ‫العدد‬ ‫المتغير‬ ‫نوع المتغير‬

‫‪-‬‬ ‫‪50‬‬ ‫‪40‬‬ ‫ذكر‬


‫النوع‬
‫‪-‬‬ ‫‪50‬‬ ‫‪40‬‬ ‫أنثي‬

‫‪-‬‬ ‫‪100‬‬ ‫‪80‬‬ ‫المجموع‬

‫يتضـح مـن الجـدول رقـم واحـد والـذي يبيـن توزيـع أفراد العينة حسـب النـوع‪ ،‬حيث جاءت‬
‫العينـة متسـاوية بيـن الطلاب ذكـورًا وإناثـ ًا‪ ،‬وذلـك بواقع نسـبة مئويـة ‪ 50%‬لكل نوع‪.‬‬
‫جدول رقم (‪ )2‬يوضح توزيع أفراد العينة حسب النوع حول مدى استخدام الطالب للهواتف الذكية؟‬

‫االستجابة ‪ /‬ن = ‪80‬‬


‫التصنيف‬ ‫رقم‬
‫النسبة‪%‬‬ ‫التكرار‬
‫‪7.5‬‬ ‫‪6‬‬ ‫أقل من ساعة‬ ‫‪1‬‬
‫‪12.5‬‬ ‫‪10‬‬ ‫من ساعة إلى أقل من ساعتين‬ ‫‪2‬‬
‫‪23.75‬‬ ‫‪19‬‬ ‫من ساعتين إلى أقل من ثالث ساعات‬ ‫‪3‬‬
‫‪45‬‬ ‫‪36‬‬ ‫من ثالث ساعات إلى أقل من أربع ساعات‬ ‫‪4‬‬
‫‪11.25‬‬ ‫‪9‬‬ ‫من أربع ساعات فأكثر‬ ‫‪5‬‬
‫‪100%‬‬ ‫‪80‬‬ ‫المجموع‬
‫بالنظـر إلـى بيانـات الجـدول رقـم (‪ ،)2‬والخـاص بمعرفة مدى اسـتخدام طلاب التعليم الثانوي‬
‫للهواتـف الذكيـة‪ ،‬جـاءت الفقـرة رقـم (‪ )4‬والخاصـة مـدة اسـتخدام الهواتـف الذكيـة مـن (مـن‬
‫ثلاث سـاعات إلـى أقـل مـن أربـع سـاعات) بمجمـوع تكـرارات بلـغ (‪ ،)36‬وبنسـبة مئويـة بلغـت‬
‫(‪ )45‬وذلـك فـي الترتيـب األول‪ ،‬بينمـا جـاءت الفقـرة رقـم (‪ )1‬والخاصـة بالمـدة مـن (أقـل من‬
‫سـاعة)‪ ،‬بمجمـوع تكـرارات بلـغ (‪ ،)6‬وبنسـبة مئويـة بلغـت (‪ )7.5‬وذلـك فـي الترتيب األخير‪.‬‬
‫ومـن البيانـات نجـد أن اسـتخدام الطلاب للهواتـف الذكيـة ألكثـر مـن ثلاث سـاعات يوميـ ًا‬
‫يوحـي بأنهـم ال يعيـرون للوقـت الـذي يمضونـه فـي اسـتخدامها أي أهميـة؛ وقد يرجـع ذلك إلى‬
‫مـا يجدونـه مـن متعـة فـي التحـاور مـع األصدقـاء أو األقـارب‪ ،‬وينتـج عـن ذلـك إهمـال الواجبات‬

‫(‪ ((1‬أشرف سعد نخلة‪ :‬أطفالنا واألنترنت‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،‬دار الفكر الجامعي‪ ،2011 ،‬ص ‪.54‬‬

‫‪276‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫المنوطـة بالطالـب‪ ،‬سـواء أكانـت تلـك الواجبات تتعلق بالواجبات المدرسـية ومراجعة الدروس‪،‬‬
‫أم َف ْقـد جـزء مـن الوقـت الـذي مـن المفتـرض أن يقضيـه بيـن أفراد أسـرته‪.‬‬
‫جدول رقم (‪ )3‬يوضح توزيع أفراد العينة حسب الدوافع الكامنة وراء أستخدام الهواتف الذكية لدى‬
‫طالب التعليم الثانوي‬
‫االستجابة ‪ /‬ن = ‪80‬‬
‫االتجاه العام‬

‫مج االوزان‬
‫المتوسط‬

‫مج تكرار‬
‫الترتيب‬

‫المرجح‬

‫رقم‬
‫ال‬ ‫إلي حد ما‬ ‫نعم‬ ‫نص الفقرة‬
‫‪%‬‬ ‫‪%‬‬ ‫‪%‬‬ ‫تكرار‬

‫‪3‬‬ ‫نعم‬ ‫‪2.7‬‬ ‫‪212‬‬ ‫‪80‬‬ ‫‪10‬‬ ‫‪8‬‬ ‫‪15‬‬ ‫‪12‬‬ ‫‪75‬‬ ‫‪60‬‬ ‫شغل أوقات الفراغ‬ ‫‪1‬‬
‫التسلية والترفيه‬
‫‪2‬‬ ‫نعم‬ ‫‪2.7‬‬ ‫‪217‬‬ ‫‪80‬‬ ‫‪8.75‬‬ ‫‪7‬‬ ‫‪11.25‬‬ ‫‪9‬‬ ‫‪80‬‬ ‫‪64‬‬ ‫‪2‬‬
‫والمرح‬
‫من أجل اللعب‬
‫‪4‬‬ ‫نعم‬ ‫‪2.6‬‬ ‫‪206‬‬ ‫‪80‬‬ ‫‪11.25‬‬ ‫‪9‬‬ ‫‪20‬‬ ‫‪16‬‬ ‫‪68.75‬‬ ‫‪55‬‬ ‫باأللعاب‬ ‫‪3‬‬
‫اإللكترونية‬
‫محاكاة وتقليد‬
‫‪6‬‬ ‫نعم‬ ‫‪2.2‬‬ ‫‪173‬‬ ‫‪80‬‬ ‫‪33.75‬‬ ‫‪27‬‬ ‫‪16.25‬‬ ‫‪13‬‬ ‫‪50‬‬ ‫‪40‬‬ ‫‪4‬‬
‫اآلخرين‬
‫حب استطالع‬
‫‪1‬‬ ‫نعم‬ ‫‪2.9‬‬ ‫‪299‬‬ ‫‪80‬‬ ‫‪2.5‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪8.75‬‬ ‫‪7‬‬ ‫‪88.75‬‬ ‫‪71‬‬ ‫‪5‬‬
‫التكنولوجيا‬
‫التواصل مع األقارب‬
‫‪9‬‬ ‫نعم‬ ‫‪2.2‬‬ ‫‪178‬‬ ‫‪80‬‬ ‫‪20‬‬ ‫‪16‬‬ ‫‪37.5‬‬ ‫‪30‬‬ ‫‪42.5‬‬ ‫‪34‬‬ ‫‪6‬‬
‫واألصدقاء‬
‫‪8‬‬ ‫نعم‬ ‫‪2.0‬‬ ‫‪166‬‬ ‫‪80‬‬ ‫‪23.75‬‬ ‫‪19‬‬ ‫‪32.5‬‬ ‫‪26‬‬ ‫‪43.75‬‬ ‫‪35‬‬ ‫ألغراض تعليمية‬ ‫‪7‬‬
‫تكوين صداقات مع‬
‫‪10‬‬ ‫نعم‬ ‫‪1.9‬‬ ‫‪156‬‬ ‫‪80‬‬ ‫‪38.75‬‬ ‫‪31‬‬ ‫‪27.5‬‬ ‫‪22‬‬ ‫‪33.75‬‬ ‫‪27‬‬ ‫‪8‬‬
‫الجنس اآلخر‬
‫‪7‬‬ ‫نعم‬ ‫‪2.1‬‬ ‫‪170‬‬ ‫‪80‬‬ ‫‪36.25‬‬ ‫‪29‬‬ ‫‪15‬‬ ‫‪12‬‬ ‫‪48.75‬‬ ‫‪39‬‬ ‫تحميل الدروس‬ ‫‪9‬‬
‫التعبير عن رأيي‬
‫‪5‬‬ ‫نعم‬ ‫‪2.4‬‬ ‫‪190‬‬ ‫‪80‬‬ ‫‪8‬‬ ‫‪15‬‬ ‫‪25‬‬ ‫‪20‬‬ ‫‪56.25‬‬ ‫‪45‬‬ ‫‪10‬‬
‫بحرية‬

‫نعم‬ ‫االتجاه العام للمحور‬

‫بالنظـر إلـى بيانـات الجـدول رقـم (‪ ،)3‬والخـاص بمعرفـة الدوافـع الكامنـة وراء اسـتخدام‬
‫الهواتـف الذكيـة لـدى طلاب التعليـم الثانوي‪ ،‬جاءت الفقرة رقم (‪ )5‬والخاصة (حب اسـتطالع‬
‫التكنولوجيا) بمجموع أوزان بلغ (‪ ،)299‬وبمتوسط مرجح بلغ (‪ ،)2.9‬وباتجاه عام (موافق)‪،‬‬
‫وذلـك فـي الترتيـب األول‪ ،‬بينمـا جـاءت الفقـرة رقـم (‪ )8‬والخاصـة بأنـه (تكويـن صداقـات مـع‬
‫الجنـس اآلخـر)‪ ،‬بمجمـوع أوزان بلـغ (‪ ،)156‬وبمتوسـط مرجـح بلـغ (‪ ،)1.9‬وباتجـاه عـام‬
‫(موافق)‪.‬‬
‫ويتبيـن مـن هـذه اإلحصائيـات وجـود دوافـع عديـدة السـتخدام الطلاب الهواتـف الذكيـة‪،‬‬
‫أن معظـم الطلاب يسـتخدمون الهواتـف الذكيـة بدافـع حب اسـتطالع‬ ‫حيـث تشـير النتائـج إلـى ّ‬
‫ّ‬
‫التكنولوجيـا؛ ويرجـع ذلـك إلـى أن الطالـب يبحـث فـي عالـم التكنولوجيـا لتعلـم كل مـا هـو‬
‫جديـد‪ ،‬حيـث يلجـأ إلـى عالـم الهواتـف الذكيـة‪ ،‬أل ّنـه لـدى الطالب فـي هذه المرحلـة العمرية‬
‫حـب االستكشـاف خاصـة فـي عالـم التكنولوجيـا بمـا فيهـا الهواتـف الذكيـة‪ ،‬كونـه يجدهـا‬
‫مسـرحا للمتعـة الكبيـرة التـي ربمـا ال يجدهـا فـي عالمـه الواقعـي‪.‬‬

‫‪277‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫جدول رقم (‪ )4‬يوضح توزيع أفراد العينة حسب اإلشباعات التي تحققت من استخدام طالب التعليم‬
‫الثانوي للهواتف الذكية في عملية التحصيل العلمي‬
‫االتجاه العام‬ ‫االستجابة ‪ /‬ن = ‪80‬‬

‫مج األوزان‬
‫المتوسط‬

‫مج تكرار‬
‫الترتيب‬

‫المرجح‬

‫رقم‬
‫ال‬ ‫إلي حد ما‬ ‫نعم‬ ‫نص الفقرة‬
‫‪%‬‬ ‫تكرار‬ ‫‪%‬‬ ‫تكرار‬ ‫‪%‬‬ ‫تكرار‬
‫الوصول للمراجع‬
‫‪8‬‬ ‫نعم‬ ‫‪2.6‬‬ ‫‪211‬‬ ‫‪80‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪36.25‬‬ ‫‪29‬‬ ‫‪63.75‬‬ ‫‪51‬‬ ‫‪1‬‬
‫والمصادر العلمية‬
‫التواصل مع‬
‫‪7‬‬ ‫نعم‬ ‫‪2.6‬‬ ‫‪215‬‬ ‫‪80‬‬ ‫‪1.25‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪28.75‬‬ ‫‪23‬‬ ‫‪70‬‬ ‫‪56‬‬ ‫‪2‬‬
‫أساتذتي‬
‫متابعة كل ما‬
‫‪6‬‬ ‫نعم‬ ‫‪2.6‬‬ ‫‪211‬‬ ‫‪80‬‬ ‫‪12.5‬‬ ‫‪10‬‬ ‫‪11.25‬‬ ‫‪9‬‬ ‫‪76.25‬‬ ‫‪61‬‬ ‫‪3‬‬
‫يستجد بالمدرسة‬
‫الرغبة في تطوير‬
‫‪9‬‬ ‫نعم‬ ‫‪2.5‬‬ ‫‪205‬‬ ‫‪80‬‬ ‫‪5‬‬ ‫‪4‬‬ ‫‪33.75‬‬ ‫‪27‬‬ ‫‪61.25‬‬ ‫‪49‬‬ ‫‪4‬‬
‫الذات‬
‫اكتساب قدر كبير‬
‫‪4‬‬ ‫نعم‬ ‫‪2.8‬‬ ‫‪224‬‬ ‫‪80‬‬ ‫‪5‬‬ ‫‪4‬‬ ‫‪10‬‬ ‫‪8‬‬ ‫‪85‬‬ ‫‪68‬‬ ‫‪5‬‬
‫من الثقافة‬
‫تكوين مجموعات‬
‫‪3‬‬ ‫نعم‬ ‫‪2.8‬‬ ‫‪230‬‬ ‫‪80‬‬ ‫‪2.5‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪7.5‬‬ ‫‪6‬‬ ‫‪90‬‬ ‫‪72‬‬ ‫‪6‬‬
‫مع زمالء الدراسة‬
‫سهولة الحصول‬
‫‪1‬‬ ‫نعم‬ ‫‪2.9‬‬ ‫‪234‬‬ ‫‪80‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪7.5‬‬ ‫‪6‬‬ ‫‪92.5‬‬ ‫‪74‬‬ ‫على المعلومات‬ ‫‪7‬‬
‫المتعلقة بالدروس‬
‫التعرف على‬
‫‪2‬‬ ‫نعم‬ ‫‪2.9‬‬ ‫‪231‬‬ ‫‪80‬‬ ‫‪2.5‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪6.25‬‬ ‫‪5‬‬ ‫‪91.25‬‬ ‫‪73‬‬ ‫التكليفات‬ ‫‪8‬‬
‫الدراسية‬
‫جعل التعليم أكثر‬
‫‪5‬‬ ‫نعم‬ ‫‪2.8‬‬ ‫‪244‬‬ ‫‪80‬‬ ‫‪1.25‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪17.5‬‬ ‫‪14‬‬ ‫‪81.25‬‬ ‫‪65‬‬ ‫‪9‬‬
‫متعة‬

‫نعم‬ ‫االتجاه العام للمحور‬

‫بالنظـر إلـى بيانـات الجـدول رقـم (‪ ،)4‬والخـاص بمعرفـة اإلشـباعات التـي تحققـت مـن‬
‫اسـتخدام طلاب التعليـم الثانـوي للهواتـف الذكيـة في عمليـة التحصيل العلمي‪ ،‬جـاءت الفقرة‬
‫رقـم (‪ )7‬والخاصـة (سـهولة الحصـول علـى المعلومـات المتعلقـة بالـدروس) بمجمـوع أوزان بلـغ‬
‫(‪ ،)234‬وبمتوسـط مرجـح بلـغ (‪ ،)2.9‬وباتجـاه عـام (موافـق)‪ ،‬وذلـك فـي الترتيـب األول‪،‬‬
‫بينمـا جـاءت الفقـرة رقـم (‪ )4‬والخاصـة بأنـه (الرغبـة فـي تطويـر الـذات)‪ ،‬بمجمـوع أوزان بلغ‬
‫(‪ ،)205‬وبمتوسـط مرجـح بلـغ (‪ ،)2.5‬وباتجـاه عـام (موافـق)‪.‬‬
‫وبنـاء علـى ذلـك نالحظـة أن اسـتخدام الهواتـف الذكيـة يحقـق إشـباعات فـي التعليـم‬
‫والبحـث العلمـي كونهـا توفـر المعلومـات والمعـارف فـي مجـاالت المعرفـة اإلنسـانية كافـة بوجـه‬
‫عـام والـدروس المدرسـية بوجـه خـاص‪ ،‬إذ يمكـن التعـرف عليهـا واسـتخدامها بسـهولة ويسـر‪.‬‬
‫ولذلـك تعـد الهواتـف الذكيـة مـن التقنيات التي يمكن اسـتخدامها فـي التعليم‪ ،‬إذ توفر الفرص‬
‫للمعلميـن والمربيـن والطلاب لالطلاع علـى مـا تحويـه مـن كـم هائـل مـن المعـارف والمعلومـات‬
‫فـي شـتى المجـاالت‪.‬‬
‫وبذلـك يمكـن القـول بـإن الهواتـف الذكيـة وسـيلة مثيـرة وفعالـة فـي التعلـم؛ لسـهولتها‬
‫وسـرعتها‪ ،‬إضافـة لقلـة التكاليـف وسـرعة الحصـول علـى المعلومـات‪ ،‬وعـدم التقيـد بسـاعات‬
‫دراسـية معينـة‪ ،‬ومناسـبتها لكافـة فئـات المجتمـع‪ .‬ويمكنهـا أيضـ ًا تعديـل الطـرق القديمـة‬
‫واسـتحداث طـرق حديثـة شـائقة للتدريـس والتعليـم‪ ،‬وتطويـر مهـارات الدارسـين الفكريـة‬
‫واإلبداعيـة بمنـأى عـن التلقيـن‪ ،‬وبذلـك تقـوم الهواتـف الذكيـة بوظائـف عـدة للطلاب‬

‫‪278‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫الدارسـين‪.‬‬
‫جدول رقم (‪ )5‬يوضح توزيع أفراد العينة حسب اآلثار المترتبة على استخدام الهواتف الذكية على‬
‫طالب التعليم الثانوي في التحصيل العلمي‬
‫االستجابة ‪ /‬ن = ‪80‬‬
‫االتجاه العام‬

‫مج االوزان‬
‫المتوسط‬

‫مج تكرار‬
‫الترتيب‬

‫المرجح‬

‫رقم‬
‫ال‬ ‫إلي حد ما‬ ‫نعم‬ ‫نص الفقرة‬
‫‪%‬‬ ‫تكرار‬ ‫‪%‬‬ ‫تكرار‬ ‫‪%‬‬ ‫تكرار‬
‫ضياع وقت مراجعة‬
‫‪1‬‬ ‫نعم‬ ‫‪2.8‬‬ ‫‪230‬‬ ‫‪80‬‬ ‫‪2.5‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪7.5‬‬ ‫‪6‬‬ ‫‪90‬‬ ‫‪72‬‬ ‫‪1‬‬
‫الدروس‬
‫تراجع المستوى‬
‫‪2‬‬ ‫نعم‬ ‫‪2.9‬‬ ‫‪299‬‬ ‫‪80‬‬ ‫‪2.5‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪8.75‬‬ ‫‪7‬‬ ‫‪88.75‬‬ ‫‪71‬‬ ‫‪2‬‬
‫الدراسي‬
‫يشتت االنتباه أثناء‬
‫‪3‬‬ ‫نعم‬ ‫‪2.8‬‬ ‫‪244‬‬ ‫‪80‬‬ ‫‪1.25‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪17.5‬‬ ‫‪14‬‬ ‫‪81.25‬‬ ‫‪65‬‬ ‫‪3‬‬
‫الحصة‬
‫قلة المشاركة في‬
‫‪6‬‬ ‫نعم‬ ‫‪2.3‬‬ ‫‪162‬‬ ‫‪80‬‬ ‫‪35‬‬ ‫‪28‬‬ ‫‪27.5‬‬ ‫‪22‬‬ ‫‪37.5‬‬ ‫‪30‬‬ ‫‪4‬‬
‫األنشطة المدرسية‬
‫‪5‬‬ ‫نعم‬ ‫‪2.2‬‬ ‫‪178‬‬ ‫‪80‬‬ ‫‪20‬‬ ‫‪16‬‬ ‫‪37.5‬‬ ‫‪30‬‬ ‫‪42.5‬‬ ‫‪34‬‬ ‫يؤدي إلى الرسوب‬ ‫‪5‬‬
‫الرغبة في التشاجر مع‬
‫‪7‬‬ ‫نعم‬ ‫‪1.7‬‬ ‫‪143‬‬ ‫‪80‬‬ ‫‪52.5‬‬ ‫‪42‬‬ ‫‪16.25‬‬ ‫‪13‬‬ ‫‪31.25‬‬ ‫‪25‬‬ ‫‪6‬‬
‫الطالب‬
‫‪8‬‬ ‫نعم‬ ‫‪1.6‬‬ ‫‪126‬‬ ‫‪80‬‬ ‫‪60‬‬ ‫‪48‬‬ ‫‪22.5‬‬ ‫‪18‬‬ ‫‪17.5‬‬ ‫‪14‬‬ ‫التمرد على المعلمين‬ ‫‪7‬‬
‫‪3‬‬ ‫نعم‬ ‫‪2.8‬‬ ‫‪222‬‬ ‫‪80‬‬ ‫‪1.25‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪17.5‬‬ ‫‪12‬‬ ‫‪81.25‬‬ ‫‪65‬‬ ‫ضعف النظر‬ ‫‪8‬‬
‫قلة ساعات النوم مما‬
‫‪4‬‬ ‫نعم‬ ‫‪2.2‬‬ ‫‪173‬‬ ‫‪80‬‬ ‫‪27‬‬ ‫‪16.25‬‬ ‫‪13‬‬ ‫‪50‬‬ ‫‪40‬‬ ‫‪9‬‬
‫يؤدي إلى ضعف التركيز‬

‫نعم‬ ‫االتجاه العام للمحور‬

‫بالنظـر إلـى بيانـات الجـدول رقـم (‪ ،)5‬والخـاص بمعرفـة اآلثـار المترتبـة علـى اسـتخدام‬
‫الهواتـف الذكيـة علـى طلاب التعليـم الثانـوي فـي التحصيـل العلمـي‪ ،‬جـاءت الفقـرة رقـم (‪)1‬‬
‫والخاصـة (ضيـاع وقـت مراجعـة الـدروس) بمجمـوع أوزان بلـغ (‪ ،)230‬وبمتوسـط مرجـح بلـغ‬
‫(‪ ،)2.8‬وباتجـاه عـام (موافـق)‪ ،‬وذلـك فـي الترتيـب األول‪ ،‬فـي حيـن جـاءت الفقـرة رقـم (‪)14‬‬
‫والخاصـة بــ (التمـرد علـى المعلميـن)‪ ،‬بمجمـوع أوزان بلـغ (‪ ،)126‬وبمتوسـط مرجـح بلـغ‬
‫(‪ ،)1.6‬وباتجـاه عـام (موافـق)‪.‬‬
‫يتضـح مـن الجـداول السـابقة أن أشـهر اآلثـار للهواتـف الذكيـة علـى الجوانـب التعليميـة‪،‬‬
‫ضيـاع وقـت مراجعـة الـدروس‪ ،‬وتراجـع المسـتوي الدراسـي لدى عينة الدراسـة‪ ،‬و ضعف النظر‬
‫أن عـددًا‬‫هـذه أكثـر اآلثـار السـلبية للهواتـف الذكيـة علـى الصحـة لـدى عينـة الدراسـة‪ ،‬وبمـا ّ‬
‫أن اسـتخدام الهواتـف الذكيـة يكون‬ ‫كبيـرًا مـن أفـراد مجتمـع الدراسـة ‪-‬ونسـبتهم ‪ -90%‬يـرون ّ‬
‫علـى حسـاب مراجعـة الـدروس‪ ،‬فقـد اتفقـت هـذه النتيجـة مـع نتائـج دراسـة أريـن كاربنسـكي‬
‫أن َمـن يقضـون وقتـًا أطـول فـي اسـتخدام التكنولوجيـا يخصصـون وق ًتـا‬‫‪ ،2010‬التـي أظهـرت ّ‬
‫ـم تقـل مشـاركتهم أثنـاء الـدروس‪ ،‬بمـا ينعكـس سـلبًا علـى تحصيلهـم‬ ‫أقصـر للدراسـة‪ ،‬ومـن َث ّ‬
‫الدراسي‪.‬‬

‫‪279‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫جدول رقم (‪ )6‬يوضح توزيع أفراد العينة حسب المقترحات الالزمة للحد من اآلثار السلبية‬
‫الستخدام الهواتف الذكية‬
‫االستجابة ‪ /‬ن = ‪80‬‬
‫االتجاه العام‬

‫مج األوزان‬
‫المتوسط‬

‫مج تكرار‬
‫الترتيب‬

‫المرجح‬

‫رقم‬
‫ال‬ ‫إلي حد ما‬ ‫نعم‬ ‫نص الفقرة‬
‫‪%‬‬ ‫تكرار‬ ‫‪%‬‬ ‫تكرار‬ ‫‪%‬‬ ‫تكرار‬

‫التوعية بسلبيات‬
‫‪3‬‬ ‫نعم‬ ‫‪2.8‬‬ ‫‪225‬‬ ‫‪80‬‬ ‫‪5‬‬ ‫‪4‬‬ ‫‪8.75‬‬ ‫‪7‬‬ ‫‪86.25‬‬ ‫‪69‬‬ ‫وإيجابيات الهواتف‬ ‫‪1‬‬
‫الذكية‬
‫االهتمام ودعم األنشطة‬
‫‪2‬‬ ‫نعم‬ ‫‪2.9‬‬ ‫‪231‬‬ ‫‪80‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪11.25‬‬ ‫‪9‬‬ ‫‪88.75‬‬ ‫‪71‬‬ ‫‪2‬‬
‫الطالبية‬
‫إعطاء محاضرات في‬
‫‪7‬‬ ‫نعم‬ ‫‪2.7‬‬ ‫‪217‬‬ ‫‪80‬‬ ‫‪5‬‬ ‫‪4‬‬ ‫‪18.75‬‬ ‫‪15‬‬ ‫‪76.25‬‬ ‫‪61‬‬ ‫اإلذاعة المحلية حول‬ ‫‪3‬‬
‫مخاطر الهواتف الذكية‬
‫شغل أوقات فراغ‬
‫‪1‬‬ ‫نعم‬ ‫‪2.9‬‬ ‫‪234‬‬ ‫‪80‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪7.5‬‬ ‫‪6‬‬ ‫‪92.5‬‬ ‫‪74‬‬ ‫الطالب من خالل تنمية‬ ‫‪4‬‬
‫هواياتهم‬
‫تكثيف اإلعالن‬
‫‪5‬‬ ‫نعم‬ ‫‪2.7‬‬ ‫‪218‬‬ ‫‪80‬‬ ‫‪7.5‬‬ ‫‪6‬‬ ‫‪12.5‬‬ ‫‪10‬‬ ‫‪80‬‬ ‫‪64‬‬ ‫بالمدرسة حول مخاطر‬ ‫‪5‬‬
‫الهواتف الذكية‬
‫عقد لقاءات مع أولياء‬
‫‪6‬‬ ‫نعم‬ ‫‪2.7‬‬ ‫‪219‬‬ ‫‪80‬‬ ‫‪3.75‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪18.75‬‬ ‫‪15‬‬ ‫‪77.5‬‬ ‫‪62‬‬ ‫األمور لتبصيرهم‬ ‫‪6‬‬
‫بمخاطر الهواتف الذكية‬
‫العمل على شغل وقت‬
‫‪4‬‬ ‫نعم‬ ‫‪2.8‬‬ ‫‪227‬‬ ‫‪80‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪16.25‬‬ ‫‪13‬‬ ‫‪83.75‬‬ ‫‪67‬‬ ‫‪7‬‬
‫الطالب بعمل مفيد لهم‬

‫نعم‬ ‫االتجاه العام للمحور‬

‫بالنظـر إلـى بيانـات الجـدول رقـم (‪ )6‬الخـاص بمعرفـة المقترحات الالزمـة للحد من اآلثار‬
‫السـلبية السـتخدام الهواتـف الذكيـة علـى طلاب التعليـم الثانوي في التحصيـل العلمي‪ ،‬جاءت‬
‫الفقـرة رقـم (‪ )4‬والخاصـة (شـغل أوقـات فـراغ الطلاب مـن خلال تنميـة هواياتهـم) بمجمـوع‬
‫أوزان بلـغ (‪ ،)234‬وبمتوسـط مرجـح بلـغ (‪ ،)2.9‬وباتجـاه عـام (موافـق)‪ ،‬وذلـك فـي الترتيـب‬
‫األول‪ ،‬بينمـا جـاءت الفقـرة رقـم (‪ )3‬والخاصـة بأنـه (إعطـاء محاضـرات فـي اإلذاعـة المحليـة‬
‫حـول مخاطـر الهواتـف الذكيـة)‪ ،‬بمجمـوع أوزان بلـغ (‪ ،)217‬وبمتوسـط مرجـح بلـغ (‪،)2.7‬‬
‫وباتجـاه عـام (موافق)‪.‬‬
‫ومـن البيانـات الـواردة فـي الجـدول البـد مـن اتخاذ عـدة خطوات تقلل من مخاطر اسـتخدام‬
‫الهواتـف الذكيـة كإدخـال شـبكة اإلنترنـت للمدرسـة‪ ،‬مـع توفيـر أحـدث برامـج نظـم تشـغيل‬
‫للشـبكات‪ ،‬وتوفيـر متصفحـات اإلنترنـت‪ .‬ووضـع برامـج تدريبيـة تتضمـن تدريـب الطلاب علـى‬
‫اسـتخدام الحاسـوب‪ ،‬وعقـد النـدوات واسـتقطاب المتخصصيـن فـي هـذا المجـال لنقـل خبراتهم‬
‫للطلاب‪ ،‬وتخصيـص بعـض الحصـص لتوضيـح أهميـة الهواتـف الذكيـة وخطورتهـا‪ ،‬إضافـة إلـى‬
‫تنظيـم النشـاطات الطالبيـة غيـر الصفيـة مـع الجهـات ذات العالقة بتقنيـة المعلومات لكيفية‬
‫االسـتخدام األمثـل لهـا‪ ،‬مـع إقامـة ورش للعمـل ولقـاءات حـول ذلـك‪.‬‬

‫‪280‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫نتائج الدراسة‪:‬‬
‫ ‪-‬فيمـا يتعلـق بمعرفـة مـدى اسـتخدام الطلاب للهواتـف الذكية لدى طلاب التعليم الثانوي‪،‬‬
‫كانـت أعلـى نسـبة فـي مـدة اسـتخدام الهواتـف الذكيـة هـي (مـن ثلاث سـاعات إلـى أقل من‬
‫أربـع سـاعات) بمجمـوع تكـرارات بلـغ (‪ ،)36‬وبنسـبة مئويـة بلغـت (‪ ،)45‬بينمـا كانـت أقل‬
‫مـدة اسـتخداما (أقـل مـن سـاعة)‪ ،‬بمجمـوع تكرارات بلغ (‪ ،)6‬وبنسـبة مئويـة بلغت (‪)7.5‬‬
‫وذلـك في الترتيـب األخير‪.‬‬
‫ ‪-‬بالنسـبة للدوافـع الكامنـة وراء اسـتخدام الهواتـف الذكيـة لدى طالب التعليـم الثانوي جاء‬
‫ـب اسـتطالع التكنولوجيـا لـدى الطلاب فـي المرتبـة األولـى بمجمـوع بمجمـوع تكـرارات‬ ‫ُح ّ‬
‫بلـغ (‪ )71‬طالبـا وبنسـبة ‪ ،88.75%‬بينمـا جـاءت (تكويـن صداقـات مـع الجنس اآلخر)‪،‬‬
‫بمجمـوع تكـرارات (‪ )27‬طالبـا مـا نسـبتهم (‪ )33.75‬هـي آخـر اهتمامـات مجتمع الدراسـة‪.‬‬
‫ ‪-‬فيما يتعلق باإلشـباعات التي تحققت من اسـتخدام طالب التعليم الثانوي للهواتف الذكية‬
‫فـي عمليـة التحصيـل العلمـي كانـت (سـهولة الحصـول علـى المعلومـات المتعلقـة بالدروس)‬
‫فـي المرتبـة األولـى بمجمـوع تكـرارات (‪ )74‬وبنسـبة (‪ ،)92.5‬بينمـا جـاءت (الرغبة في‬
‫تطويـر الـذات)‪ ،‬فـي آخر االشـباعات التـي تحققها للطالب‪.‬‬
‫ ‪-‬وفيمـا يخـص اآلثـار المترتبـة عـن اسـتخدام الهواتـف الذكيـة علـى طلاب التعليـم الثانـوي‬
‫فـي التحصيـل العلمـي‪ ،‬جـاءت (ضيـاع وقـت مراجعـة الـدروس) بمجمـوع تكـرارات (‪)72‬‬
‫وبنسـبة (‪ )90‬مـن مجتمـع البحـث‪ ،‬فـي الترتيـب األول‪ ،‬بينمـا جـاءت الفقـرة الخاصـة‬
‫(التمـرد علـى المعلميـن) فـي المرتبـة األخيـرة بمجمـوع تكـرارات (‪ )14‬طالبـا‪.‬‬
‫ ‪-‬بالنظـر إلـى اآلثـار المترتبـة علـى اسـتخدام الهواتـف الذكيـة علـى طلاب التعليـم الثانـوي‬
‫فـي التحصيـل العلمـي‪ ،‬جـاءت الفقـرة الخاصـة (شـغل اوقـات فـراغ الطالب من خلال تنمية‬
‫هواياتهـم) بمجمـوع تكـرارات بلغـت (‪ )74‬ونسـبتهم (‪ )92%‬فـي الترتيـب األول‪ ،‬بينمـا‬
‫جـاءت الفقـرة الخاصـة (بإعطـاء محاضـرات فـي اإلذاعـة المحليـة حـول مخاطـر الهواتـف‬
‫الذكيـة)‪ ،‬فـي المرتبـة األخيـرة‪.‬‬
‫التوصيات‪:‬‬
‫ ‪ -‬توجيه الطالب إلى ضرورة االلتزام والتقيد باالستخدام األمثل لإلجهزة الذكية‪.‬‬
‫ ‪ -‬توعيـة الطلاب بالجانـب السـلبي السـتخدام اإلجهـزة الذكيـة عـن طريـق وسـائل اإلعلام‬
‫المختلفـة؛ المرئيـة المسـموعة‪.‬‬
‫ ‪ -‬نشـر الوعـي لـدى الطلاب بضـرورة اإلفـادة مـن األجهـزة الذكيـة بشـكل إيجابـي عـن طريق‬
‫المحاضرات والمنشـورات‪.‬‬
‫ ‪ -‬دراسة احتياجات الطالب وأولوياتها فيما يتعلق باستخدام اإلجهزة الذكية‪.‬‬
‫ ‪ -‬القيام بالدراسـات المتعلقة باآلثار السـلبية للهواتف الذكية للوقوف على أهم المعالجات‬
‫ووضع الحلول واآلليات المناسـبة‪.‬‬

‫‪281‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫املراجع‬
‫‪1 .‬أحمـد يوسـف الشـامي‪ ،‬آمـال خالـد حميـد‪ :‬واقـع اسـتخدام تطبيقـات الهواتـف الذكيـة فـي العمليـة التعليميـة‬
‫التعلميـة مـن وجهـة نظـر طلبـة الدراسـات العليـا فـي الجامعـة اإلسلامية بغـزة‪ ،‬مجلـة الجامعـة اإلسلامية‬
‫للدراسـات التربويـة والنفسـية‪ ،‬الجامعـة اإلسلامية غـزة‪ ،‬المجلـد‪ ،29‬العـدد‪( 4‬يوليو‪/‬تمـوز ‪.)2021‬‬
‫‪2 .‬أشرف سعد نخلة‪ :‬أطفالنا واألنترنت‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،‬دار الفكر الجامعي‪2011 ،‬م‪.‬‬
‫‪3 .‬أمـل ناصـر الزيـدي‪ :‬إدمـان اإلنترنـت وعالقتـه بالتواصـل االجتماعـي والتحصيـل الدراسـي لـدى طلبـة جامعـة‬
‫نـزوى‪ ،‬عمـان‪ ،‬جامعـة نـزوي‪ ،‬كليـة العلـوم واآلداب‪ ،‬رسـالة ماجسـتير‪ ،‬غيـر منشـورة‪2014 ،‬م‪.‬‬
‫‪4 .‬باسم حوامدة‪ ،‬سليمان قزاقزة‪ :‬وسائل االعالم والطفولة‪ ،‬عمان‪ ،‬دار جرير للنشر والتوزيع‪ ،‬ط‪2006 ،2‬م‪.‬‬
‫‪ 5 .‬سـامية زكـي يوسـف أحمـد‪ :‬شـبكة اإلنترنـت وآثارهـا علـى الشـباب المصـري دراسـة سوسـيولوجية‪ ،‬القاهـرة‪،‬‬
‫جامعـة عيـن شـمس‪ ،‬كليـة اآلداب‪ ،‬رسـالة ماجسـتير غيـر منشـورة‪2008 ،‬م‪.‬‬
‫‪ 6 .‬سـندس الشـبراوي رزق‪ :‬األبعـاد االجتماعيـة والمدرسـية لظاهـرة العنـف الطالبـي فـي المـدارس الحكوميـة‪،‬‬
‫المنصـورة‪ ،‬جامعـة المنصـورة ‪ ،‬كليـة التربيـة‪ ،‬رسـالة ماجسـتير‪ ،‬غيـر منشـورة‪2006 ،‬م‪.‬‬
‫‪7 .‬شـرحبيلي محمـد عطيـة‪ :‬الفوائـد التربويـة مـن اسـتخدام الهواتـف الذكيـة وأجهـزة الكومبيوتـر فـي العمليـة‬
‫التعليميـة‪ ،‬موقـع ويـب‪ ،‬منشـور بتاريـخ ‪2019/12/5‬م‪.‬‬
‫‪8 .‬عبدالرازق محمد الدليمي‪ :‬اإلعالم والعولمة‪ ،‬مكتبة الرائد‪ ،‬عمان‪ ،‬األردن‪2006 ،‬م‪.‬‬
‫‪9 .‬عبدهللا بن أحمد الغامدي‪ :‬تردد المراهقين على مقاهي اإلنترنت وعالقته ببعض المشـكالت النفسـية‪ ،‬مكة‬
‫المكرمة‪ ،‬جامعة أم القرى‪ ،‬كلية التربية‪ ،‬رسـالة ماجسـتير غير منشـورة‪2009 ،‬م‪.‬‬
‫ ‪10.‬فريـال ناجـي مصطفـى‪ :‬درجـة اسـتخدام الهواتـف الذكيـة فـي العمليـة التعليميـة "دراسـة ميدانيـة مـن وجهـة‬
‫نظـر طلبـة تكنولوجيـا التعليـم فـي الجامعـات األردنية الخاصة‪ ،‬رسـالة ماجسـتير‪ ،‬غير منشـورة‪ ،‬جامعة الشـرق‬
‫األوسـط‪2017 ،‬م‪.‬‬
‫ ‪11.‬محمد فتحي عبد الهادي‪ :‬مقدمة في علم المعلومات‪ ،‬دار الثقافة العلمية‪ ،‬االسكندرية‪2008 ،‬م‪.‬‬
‫ ‪12.‬ناجيـة مصطفـى صالـح عمـارة‪ :‬تأثير اسـتخدام اإلنترنت على الشـباب الجامعي‪ ،‬المنصـورة‪ ،‬جامعة المنصورة‪،‬‬
‫كلية اآلداب‪ ،‬رسـالة ماجسـتير‪ ،‬غير منشـورة‪2013 ،‬م‪.‬‬
‫ ‪13.‬نـور محمـد الطباخـي‪ :‬درجـة توظيـف تطبيقـات الهواتـف الذكيـة فـي إدارة العمليـة التعليميـة فـي المـدارس‬
‫األردنيـة‪ ،‬كليـة العلـوم اإلنسـانية‪ ،‬جامعـة الشـرق االوسـط‪ ،‬عمـان‪ ،‬األردن‪ ،‬رسـالة ماجسـتير‪ ،‬منشـورة‪2020 ،‬م‪.‬‬
‫ ‪14.‬يامن محمد بودهان‪ :‬الشباب واألنترنت‪ ،‬عمان‪ ،‬دار مجدالوي للنشر والتوزيع‪2014 ،‬م‪.‬‬
‫‪15. Aren, Karbiniski,» Face book and the technology revolution», N,Y Spectrum‬‬
‫‪publications , 2010.‬‬

‫‪282‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫واقع الرتبية والتعليم من خالل كتب النوازل‬


‫قضايا املعلم واملتعلم منوذجا‬
‫إعداد‪:‬‬
‫د‪ .‬محمد َّ‬
‫الدرداري‬
‫دكتوراه في الفقه واألصول‬
‫األكاديمية الجهوية للتربية والتكوين ‪ -‬جهة طنجة تطوان الحسيمة‪ /‬المغرب‬

‫القبول‪2023/6/14 :‬‬ ‫ ‬
‫االستالم‪2023/5/5 :‬‬

‫املستخلص‪:‬‬
‫تعالـج هـذه الورقـة موضـوع واقـع التربيـة والتعليـم مـن خلال كتـب النـوازل‪ ،‬وقـد جـاءت‬
‫فـي‪ :‬مقدمـة‪ ،‬ومدخـل‪ ،‬ومبحثيـن‪.‬‬
‫ُ‬
‫فاسـتعرضت فيهـا جانبـا مـن األهميـة التـي تحظـى بهـا كتـب النـوازل‪ ،‬مـع‬ ‫أمـا المقدمـة‪:‬‬
‫التأكيـد علـى إمكانيـة االسـتفادة منهـا فـي كل المجـاالت‪ ،‬ومنهـا مجـال التربيـة والتعليـم‪.‬‬
‫وأما المدخل‪ :‬فأفردته للتعريف بمصطلحات الدراسة وهي‪ :‬التربية‪ ،‬والتعليم‪ ،‬والنوازل‪.‬‬
‫وفـي المبحـث األول‪ :‬توقفـت مـع نـوازل المعلميـن التـي ُتبـرز مؤهالتهم العلميـة واألخالقية‬
‫والمنهجيـة‪ ،‬والصفـات التـي يجـب أن تتوافـر فيهم‪.‬‬
‫أمـا المبحـث الثانـي‪ :‬فخصصتـه لذكـر أحـوال المتعلميـن‪ ،‬وبعـض حقوقهـم مـن خلال كتـب‬
‫النوازل‪.‬‬
‫الكلمات املفتاحية‪ :‬التربية‪ ،‬التعليم‪ ،‬النوازل‪ ،‬المدرسة‪ ،‬المعلم‪ ،‬المتعلم‪.‬‬
‫‪Abstract:‬‬
‫"‪This paper discusses the reality of education through the lens of "Nawazil‬‬
‫‪books. The paper consists of an introduction, a section on terminology, and two‬‬
‫‪sections on the qualifications of teachers and the rights of students according‬‬
‫‪to "Nawazil" jurisprudence.‬‬
‫‪In the introduction, the paper highlights the importance of "Nawazil" books‬‬
‫‪and their potential use in various fields, including education. The terminology‬‬
‫‪section defines the key terms of the study, including education, teaching, and‬‬
‫"‪"Nawazil.‬‬
‫‪The first section focuses on the qualifications of teachers as outlined‬‬
‫‪in "Nawazil" books, including their scientific, ethical, and methodological‬‬
‫‪qualifications, and the necessary qualities they should possess.‬‬
‫‪The second section discusses the rights of students and their conditions‬‬
‫‪according to "Nawazil" jurisprudence.‬‬
‫‪Keywords:Education, teaching, Nawazil, school, teacher, student.‬‬

‫‪283‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫تقديم‪:‬‬
‫بسـم اهلل الرحمن الرحيم‪ ،‬الحمد هلل رب العالمين‪ ،‬والصالة والسلام على المبعوث رحمة‬
‫للعالميـن‪ ،‬وعلـى آلـه وصحبـه أجمعين‪ ،‬ومن تبعهم بإحسـان إلى يـوم الدين‪ .‬وبعد؛‬
‫تزخـر كتـب النـوازل بمـادة علميـة فـي غايـة األهميـة والتنـوع‪ ،‬فهـي ال تقتصـر علـى بيـان‬
‫األحـكام الشـرعية لمـا يعـرض للنـاس وينـزل بهـم مـن وقائـع وأحـداث ــــ وإن كانـت هـذه هـي‬
‫غايتهـا األساسـية ــــ بـل إنهـا باإلضافـة إلـى ذلـك تقـدم لنـا توصيفـا دقيقـا ألحـوال النـاس‪،‬‬
‫وعاداتهـم‪ ،‬وأعرافهـم‪ ،‬وطبائعهـم المختلفـة‪.‬‬
‫فالناظـر فـي هـذا النـوع مـن الكتـب ال يعـدم اإلفـادة منهـا‪ ،‬وذلك مـن جهتيـن‪ ،‬األولى‪ :‬فيما‬
‫تخـص شـؤون النـاس‪ ،‬وأحوالهـم العامـة والخاصـة‪ ،‬وهنا‬ ‫ُّ‬ ‫يقدمـه أهـل الفتـوى مـن أجوبـة فقهيـة‬
‫والعامـي؛ إذ كل منهمـا يتعـرف حكـم النازلـة المسـؤول عنهـا‪ ،‬غيـر أن الفقيـه‬‫ُّ‬ ‫يسـتوي الفقيـه‬
‫يزيـد عليـه بمعرفـة مناهـج االسـتنباط‪ ،‬وطـرق التنزيـل‪ ،‬فيفيـد منهـا عنـد النظـر واالجتهاد‪،‬‬
‫والثانيـة مـا تحملـه أسـئلة المسـتفتين مـن وصـف دقيـق ألوضـاع المجتمـع فـي فتـرات زمنيـة‬
‫مختلفـة‪ ،‬وال يخفـى مـا فـي ذلـك مـن اإلشـارات المهمـة‪ ،‬التـي تفيـد الباحـث في دراسـة العديد‬
‫مـن الظواهـر االجتماعيـة‪ ،‬واالقتصاديـة‪ ،‬والسياسـة‪ ،‬والتربويـة‪ ،‬وغيرهـا‪ ،‬هـذه اإلشـارات وإن‬
‫لـم تكـن هـي المقصـودة باألسـاس‪ ،‬فهـي تحمـل في طياتها صـورة عن حركية الواقـع والمجتمع‪،‬‬
‫وهـي صـورة أكثـر نزاهـة وصدقيـة ممـا تحويـه المدونـات التاريخيـة‪.‬‬
‫ولمـا كان موضـوع هـذه الدراسـة لـه صلـة بقضيـة مـن القضايـا االجتماعيـة‪ ،‬وهـي قضيـة‬
‫التربيـة والتعليـم؛ كان حريـا بـي النظـر إليهـا مـن الجهتيـن معـا‪ :‬أجوبـة الفقهـاء‪ ،‬وأسـئلة‬
‫المسـتفتين‪ .‬والجهتـان معـا تـدالن علـى أن قضايـا التربيـة والتعليـم نالـت حظـوة وحضـورا فـي‬
‫الذهـن الفقهـي خصوصـا‪ ،‬وفـي الذاكـرة المجتمعيـة علـى وجـه العمـوم‪.‬‬
‫ملحـا وضرور ًّيـا‪،‬‬
‫أمـرا ًّ‬
‫إن النظـر فـي قضايـا التربيـة والتعليـم‪ ،‬وتعميـق البحـث فيهـا‪ ،‬صـار ً‬
‫وهـي مسـؤولية يتقاسـمها الجميـع دون اسـتثناء‪ ،‬ويبقـى حملهـا األثقـل علـى أهـل هـذا الشـأن‬
‫مـن الخبـراء والباحثيـن‪ ،‬فهـم أهـل االختصـاص الذيـن ُيهتـدى بهـم‪ ،‬و ُيترسـم طريقهـم‪ ،‬أمـا‬
‫غيرهـم مـن أهـل السياسـة والتدبيـر فتبـع لهـم‪ ،‬وإنما يقـاس عملهم ويحكم عليـه بتعقبهم لهم‪،‬‬
‫وتفانيهـم فـي إنفـاذ خططهـم‪.‬‬
‫واحـدا مـن هـؤالء الباحثيـن‪ ،‬فقـد غالبـت نفسـي‪ ،‬وحملتهـا علـى‬ ‫ً‬ ‫ُ‬
‫كنـت أعـد نفسـي‬ ‫ولمـا‬
‫تجشـم عنـاء هـذا البحـث‪ ،‬رجـاء اإلسـهام ـــ ولـو بالقليـل ـــ فـي نهضتنـا التعليميـة‪ ،‬وقـد آثـرت‬
‫أن أنطلـق فـي هـذه الدراسـة مـن تراثنـا الفقهـي النوازلـي؛ لمـا اشـتمل عليـه مـن مـادة تربويـة‬
‫وتعليميـة فـي غايـة األهميـة‪ ،‬وقـد اختـرت لهـا عنـوان‪" :‬واقـع التربيـة والتعليـم مـن خلال‬
‫كتـب النـوازل‪ :‬قضايـا المعلـم والمتعلـم نموذجـا"‪ ،‬وهي دراسـة سـأكتفي فيها باإلشـارة إلى بعض‬
‫القضايـا التربويـة والتعليميـة‪ ،‬أدلـل مـن خاللهـا علـى حيوية الفقه اإلسلامي‪ ،‬وأن الفقهاء كان‬
‫لهـم إسـهام وافـر فـي قضايـا التربيـة والتعليـم‪ ،‬وهـي مناسـبة لرصـد سـبق المسـلمين فـي هـذا‬
‫المضمـار‪ ،‬ولجـم روح الهزيمـة التـي سـرت فـي نفـوس بعضهـم‪ ،‬حتى صار يخيـل إليهم أن تراثنا‬
‫اإلسلامي ليـس فيـه نظريـات أو مذاهـب تربويـة‪ ،‬وأن الحـل الوحيـد لتحقيـق نهضـة تعليميـة‬
‫رائـدة هـو توريـد الحلـول الجاهـزة‪.‬‬
‫إن هـذه الدراسـة ـ باإلضافـة إلـى مـا مـر ـ تسـعى إلـى لفـت االنتباه إلى هذا الجانب المشـرق‬
‫مـن تراثنـا اإلسلامي‪ ،‬وبيـان أهميتـه فـي بلـورة رؤى إصالحيـة مسـتمدة مـن خصوصيـة الـذات‬
‫اإلسلامية‪ ،‬بعيـدا عـن مشـاعر الهزيمـة واالنبهار‪.‬‬
‫مدخل مفاهيمي‪:‬‬
‫تضمـن عنـوان هـذه الدراسـة ثالثـة مفاهيـم أساسـية‪ ،‬وهـي‪ :‬التربيـة‪ ،‬والتعليـم‪ ،‬والنـوازل‪.‬‬

‫‪284‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫وقـد جـرت عـادة الباحثيـن قبـل الخـوض فـي صميـم بحوثهـم أن يعرفـوا أوال بمفرداتها‪ ،‬وسـيرا‬
‫علـى نهـج هـؤالء‪ ،‬فإننـي سـأخصص هـذا المدخـل للتعريـف بهـذه المفـردات‪ ،‬وهـي كاآلتي‪:‬‬
‫أوال‪ :‬الرتبي�ة‪ :‬التربيـة لغـة‪ :‬جـاء فـي لسـان العـرب البـن منظـور‪" :‬ربـا الشـيء يربـو ربـوا وربـاء‪:‬‬
‫ـات﴾(((‪ .‬أي‪:‬‬ ‫الص َد َق ِ‬
‫زاد ونمـا‪ .‬وأربيتـه‪ :‬نميتـه"(((‪ .‬وبهـذا المعنـى ورد قولـه تعالـى‪َ ﴿ :‬و ُي ْربِـي َّ‬
‫ينميهـا ويزيدهـا‪ .‬وفـي االصطلاح فـإن التربيـة قـد ُع ِّرفـت بتعريفـات كثيـرة‪ ،‬حاصلهـا أنهـا‬
‫عمليـة منظمـة‪ ،‬تـروم تهذيـب اإلنسـان‪ ،‬وتقويـم سـلوكه‪ ،‬وتنميـة قدراتـه العقليـة والجسـمية‬
‫والخلقيـة والروحيـة؛ حتـى يصيـر قـادرا علـى فهـم ذاتـه‪ ،‬وواقعـه‪ ،‬والمحيـط الـذي يعيـش فيه‪.‬‬
‫ثاني�ا‪ :‬التعلي�م‪ :‬وهـو مـن المفـردات المالزمـة لكلمـة التربيـة‪ ،‬فلا تـكاد ُتذكـر إال مقترنـة بهـا‪،‬‬
‫"وع َّل َم ُه‬
‫يعلِـم تعليمـا‪ .‬جـاء في القامـوس المحيـط‪َ :‬‬ ‫علـم ّ‬ ‫والتعليـم فـي اللغـة‪ :‬مصـدر‪ ،‬وهـي مـن‪َّ :‬‬
‫اء ُكَّل َهـا‪ُ ،‬ث َّ‬
‫ـم‬ ‫ـم‬
‫ْ َ َ‬ ‫س‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫اأْل‬ ‫م‬ ‫آد‬ ‫ـم‬
‫ََ َ ََ‬ ‫ّ‬
‫َ‬
‫ل‬ ‫ع‬‫و‬ ‫﴿‬ ‫تعالـى‪:‬‬ ‫قولـه‬ ‫ومنـه‬ ‫ـه إيـا ُه َف َت َع َّل َمـه(((‪.‬‬ ‫ـم َت ْعليمـ ًا‪ْ ...‬‬
‫وأع َل َم ُ‬ ‫الع ْل َ‬
‫ِ‬
‫اد ِق َ‬
‫يـن﴾(((‪.‬‬ ‫ـم َص ِ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫نت‬‫ك‬‫ُ‬ ‫ِن‬
‫إ‬ ‫ِ‬
‫ء‬ ‫َ‬
‫اَل‬ ‫ُ‬
‫ؤ‬ ‫ٰ‬
‫ه‬ ‫ِ‬
‫اء‬ ‫ـم‬
‫ْ َ َ‬ ‫س‬ ‫َ‬
‫ِأ‬‫ب‬ ‫ِـي‬
‫ن‬ ‫و‬‫ئ‬‫ُ‬ ‫نب‬
‫ِ‬ ‫َ‬
‫أ‬ ‫َ‬
‫ـال‬ ‫ق‬‫َ‬ ‫َ‬
‫ف‬ ‫‪،‬‬ ‫ِ‬
‫ـة‬ ‫َ‬
‫ِك‬ ‫ئ‬ ‫َ‬
‫اَل‬ ‫م‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫ل‬ ‫ا‬ ‫ـى‬‫ل‬‫َ‬ ‫ع‬ ‫ـم‬
‫ْ َ‬ ‫ه‬‫ُ‬ ‫ض‬‫َ‬ ‫ر‬
‫َع َ‬
‫عرفـه األسـتاذ محمـد الدريـج بأنـه‪" :‬نشـاط تواصلـي يهـدف إلـى‬ ‫والتعليـم فـي االصطلاح َّ‬
‫التعلـم‪ ،‬وتحفيـز وتسـهيل حصولـه‪ ،‬إنـه مجموعـة األفعـال التواصليـة‪ ،‬والقـرارات التـي‬ ‫ُّ‬ ‫إثـارة‬
‫يتـم اللجـوء إليهـا بشـكل قصـدي ومنظـم‪ ،‬أي‪ :‬يتـم اسـتغاللها وتوظيفهـا‪ ،‬بكيفيـة مقصـودة مـن‬
‫طـرف الشـخص (أو مجموعـة مـن األشـخاص) الـذي يتدخـل كوسـيط فـي إطـار موقـف تربـوي‬
‫تعليمـي"(((‪ .‬وعرف�ه رشـدي أحم�د طعيمةـ بأنـه‪" :‬عملي�ة إعاـدة بناـء الخبـرة التـي يكتسـب‬
‫المتعلـم بواسـطتها المعرفـة والمهـارات واالتجاهـات والقيم‪ .‬وبعبارة أخرى إنه مجموع األسـاليب‬
‫التـي يتـم بواسـطتها تنظيـم عناصـر البيئـة المحيطـة بالمتعلـم‪ ،‬بمثـل مـا تتسـع لـه كلمـة‬
‫البيئـة مـن معـان مـن أجـل اكتسـابه خبـرات تربويـة معينـة"(((‪.‬‬
‫وعليـه فالتعليـم هـو عمليـة منظمـة يقـوم بهـا المعلـم‪ ،‬وتهـدف إلـى نقـل مـا عنـده مـن‬
‫المعـارف‪ ،‬والمعلومـات‪ ،‬والخبـرات‪ ،‬والتجـارب إلـى المتعلميـن‪ ،‬مـن خلال مواقـف تعليميـة‬
‫مخططـة ومدروسـة‪.‬‬
‫ثالث�ا‪ :‬الن�وازل‪ .‬النـوازل لغـة‪ :‬جمـع نازلـة‪ ،‬ومعناهـا‪ :‬الشـدة والداهيـة والمصيبـة ففـي اللسـان‪:‬‬
‫النازلـة‪ :‬الشـدة مـن شـدائد الدهـر تنـزل بالنـاس(((‪ .‬وفي االصطالح هي تلك المسـائل والقضايا‬
‫(((‪.‬‬
‫الدينيـة والدنيويـة التـي تحـدث للمسـلم ويريـد أن يعـرف حكـم اهلل فيهـا بسـؤال العلمـاء‬
‫وعرفهـا الحسـن العبـادي بأنهـا‪" :‬الحـوادث والوقائـع اليوميـة التـي تنـزل بالنـاس‪ ،‬فيتجهون إلى‬ ‫َّ‬
‫الفقهـاء للبحـث عـن الحلـول الشـرعية لهـا((("‪.‬‬
‫فتعرض في شـكل سـؤال على‬ ‫وعليـه فالنازلـة هـي المسـألة الطارئـة التـي تحـل بالمكلفيـن‪ُ ،‬‬
‫أهـل الشـأن مـن العلمـاء لمعرفة الحكم الشـرعي المناسـب لها‪.‬‬
‫((( لسـان العـرب‪ ،‬أبـو الفضـل محمد بـن مكرم بن منظـور‪ ،‬مادة (ربـا)‪ ،‬دار صادر – بيـروت‪ ،‬ط‪ /‬الثالثـة ‪1414 -‬‬
‫هـ (‪.)304/14‬‬
‫((( (البقرة‪.)276 :‬‬
‫((( القامـوس المحيـط‪ ،‬أبـو طاهـر مجـد الديـن الفيـروز آبـادي‪ ،‬مـادة (علم)‪ ،‬مؤسسـة الرسـالة للطباعة والنشـر‬
‫والتوزيـع‪ ،‬بيـروت – لبنـان ط‪1426 ،8/‬هــ (ص‪)1140 :‬‬
‫((( (البقرة‪.)31 :‬‬
‫((( مدخل إلى علم التدريس‪ ،‬محمد الدريج‪ ،‬قصر الكتاب‪ ،‬المغرب ط‪2000 ،1/‬م (ص‪.)13 :‬‬
‫((( تعليـم اللغـة العربيـة لغيـر الناطقيـن بهـا‪ :‬مناهجـه وأسـاليبه‪ ،‬رشـدي أحمـد طعيمـة‪ ،‬منشـورات المنظمـة‬
‫اإلسلامية للتربيـة والعلـوم والثقافـة‪ ،‬مصـر‪ ،‬ط‪1989 ،1/‬م‪( .‬ص‪.)45 :‬‬
‫((( لسان العرب‪ ،‬مادة‪( :‬نزل) (‪.)659 /11‬‬
‫((( نظـرات فـي النـوازل الفقهية‪ ،‬محمد حجــي‪ ،‬منشـورات الجمعيـة المغربية للتأليـف والترجمة والنشـر‪ ،‬ط‪،1 /‬‬
‫‪1999‬م‪ .‬ص‪ .11 :‬بتصرف بسـير‪.‬‬
‫((( فقـه النـوازل فـي سـوس قضايـا وأعلام‪ ،‬الحسـن العبـادي‪ ،‬منشـورات كليـة الشـريعة بأكاديـر‪ ،‬مطبعـة النجاح‬
‫الجديـدة‪ ،‬البيضـاء‪ ،‬ط‪1999 ،1/‬م‪.‬ص‪.53 :‬‬

‫‪285‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫بعـد هـذا المدخـل المفاهيمـي‪ ،‬لنـا أن نتسـاءل عـن مكونـات‪ ،‬أو عناصـر العمليـة التعليمية‬
‫التعلميـة؟ وهـل كان للفقهـاء أي اهتمـام بهـا؟ وهـل بمقدورنـا اسـتثمار جهودهم فـي بناء نظرية‬
‫تربويـة شـاملة ومتكاملـة؟ وهـل كتـب الفتـاوى والنـوازل تسـعفنا في ذلك؟‬
‫إن العملية التعليمية التعلمية تنبني على ثالثة عناصر أساسـية‪ ،‬هي‪ :‬المعلم‪ ،‬والمتعلم‪،‬‬
‫والمحتـوى العلمـي أو الدراسـي‪ ،‬ومـن شـروط نجـاح العملية التعليمية التعلمية التفقد المسـتمر‬
‫لهـذه العناصـر‪ ،‬وإيالؤهـا الرعايـة واالهتمـام الالزميـن‪ ،‬فالمعلـم كي يضطلع بمهامـه‪ ،‬ويقوم بها‬
‫علـى أكمـل وجـه؛ البـد مـن مراعـاة ظروفـه االجتماعيـة والماديـة والنفسـية‪ ،‬وتأهيلـه بشـكل‬
‫متيـن ومسـتمر‪ ،‬حتـى يسـاير المسـتجدات‪ ،‬ويجـاري كل مبتكـر فـي الميدان التربـوي والتعليمي‪.‬‬
‫أمـا المتعلـم باعتبـاره مسـتفيدا مـن عمليـة التعلـم‪ ،‬فال بد من تحفيز دافعيـة التعلم لديه‪،‬‬
‫ودفعـه بشـتى السـبل إلـى االرتبـاط بالمدرسـة‪ ،‬كونهـا فضـاء تعليميـا يتيـح لـه االنفتـاح علـى‬
‫عوالـم معرفيـة مختلفـة‪ ،‬وتفجيـر طاقاتـه المعرفيـة واإلبداعيـة بعيـدا عن العزلـة واالنطواء‪.‬‬
‫أمـا العنصـر الثالـث فهـو المحتـوى الدراسـي‪ ،‬وهـو المحتويـات المضمونيـة التـي يتألـف منها‬
‫البرنامـج الدراسـي الخـاص بـكل مـادة دراسـية‪ ،‬وال بـد أن تكـون هـذه المحتويـات مراعيـة لعدد‬
‫مـن الشـروط‪ ،‬منهـا‪ :‬التـدرج‪ ،‬والواقعيـة‪ ،‬والمواءمـة‪ ،‬واالنفتاح‪.‬‬
‫تلـك هـي مكونـات العمليـة التعليميـة التعلميـة‪ ،‬والتـي مـن خاللهـا تصيـر عمليـة التعلـم‬
‫ذات وجـود فعلـي ومكتملـة األركان‪ ،‬ولكـي تثمـر أهدافهـا المرجـوة البـد أن تقـوم بين عناصرها‬
‫عالقـات تفاعليـة‪ ،‬بحيـث تفضـي إلـى بنـاء نظـام تربـوي متكامـل‪ ،‬وقـادر علـى إعـداد جيـل‬
‫مبدع‪ ،‬ومؤهل لمواكبة الركب العلمي والحضاري‪ ،‬ومسـتعد لالنطالق بكل ثقة نحو المسـتقبل‪.‬‬
‫جـل مـن يتصـدر اليـوم للحديـث عـن قضايا التربيـة والتعليم ال يكاد يخرج عن ما كتبه‬ ‫إن َّ‬
‫أعلام الفكـر التربـوي الغربـي‪ ،‬فمعظـم هـؤالء يـرددون مـا هـو مـدون في كتب جان جاك روسـو‪،‬‬
‫وجـون ديـوي‪ ،‬وهاربـارت وليـام سبنسـر وغيرهـم‪ ،‬حتـى ليخيـل إلـى البعـض أن المسـلمين عبـر‬
‫أي اهتمـام بالفكـر التربـوي‪ ،‬وهـذا غيـر صحيـح‪ ،‬فالمكتبـة‬ ‫تاريخهـم الطويـل لـم يكـن لديهـم ّ‬
‫ضمنهـا أصحابهـا الكثيـر من القواعد واألسـس‪ ،‬التي‬ ‫َّ‬ ‫التـي‬ ‫والمؤلفـات‬ ‫اإلسلامية غاصـة بالكتـب‬
‫تنبنـي عليهـا النظريـة التربويـة اإلسلامية‪ ،‬ومـن هـؤالء‪ :‬ابـن خلـدون‪ ،‬وابـن سـينا‪ ،‬والغزالـي‪،‬‬
‫والفارابـي وغيرهم‪.‬‬
‫كمـا تنوعـت أيضـا المـدارس والمشـارب التـي تناولـت قضايـا التربيـة والتعليـم‪ ،‬فهنـاك‬
‫المدرسـة الفقهيـة‪ ،‬والمدرسـة العلميـة‪ ،‬والمدرسـة الروحيـة (الصوفيـة) والمدرسـة السـلفية‪،‬‬
‫وغيرهـا‪ ،‬ولـكل مدرسـة خصائـص تتفـرد بهـا‪ ،‬وإن كانـت جميعهـا تتفـق فـي أنهـا تتنـاول قضايـا‬
‫التربيـة والتعليـم مـن مرجعيـة الوحـي والرسـالة‪.‬‬
‫إن هـذه الدراسـة تأتـي لتبيـن جانبـا مـن جهـود فقهاء المسـلمين فـي إثراء الحقـل التربوي‪،‬‬
‫تنـم عـن ثقافـة موسـوعية لدى هؤالء‪ ،‬وسـعة أفـق جعلتهم يتعاطـون بإيجابية مع‬ ‫وهـي جهـود ُّ‬
‫قضايـا المجتمـع المختلفـة ‪ -‬بمـا فيهـا قضايـا التربيـة والتعليـم ‪ -‬وقـد ارتأيـت أن أقصـر مادتهـا‬
‫علـى الفتـاوى الفقهيـة بالغـرب اإلسلامي؛ لمـا تتسـم بـه مـن العلميـة‪ ،‬والواقعيـة‪ ،‬والتنـوع‪،‬‬
‫والضبط‪.‬‬
‫املبحث األول‪ :‬املعلم‪ :‬مؤهالته‪ ،‬وما جيب أن يتوافر فيه من صفات‪:‬‬
‫مـن القضايـا التـي ُتبحـث فـي األدبيـات التربويـة الحديثـة مـا يتعلـق بالمعلـم‪ ،‬وبيـان‬
‫صفاتـه ومؤهالتـه‪ ،‬وليـس ذلـك مـن قبيـل التـرف‪ ،‬أو البحـث الزائـد‪ ،‬فالمعلـم هو الركن األسـاس‬
‫الـذي تنبنـي عليـه عمليـة التعلـم‪ ،‬ومـن المسـلمات فـي هـذا المجـال أن الشـخص الـذي يتصـدر‬
‫للتعليـم‪ ،‬البـد أن تتوافـر فيـه جملـة مـن الصفـات‪ ،‬وقـد أورد الفقهـاء فـي فتاويهـم بعضـا منهـا‪،‬‬
‫ومـن ذلك‪:‬‬

‫‪286‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫‪ -1‬الكف�اءة العلمي�ة‪ :‬فالبـد أن يكـون المعلـم ُملمـا بمجـال تخصصـه‪ ،‬محيطـا بدقائقـه‪ ،‬وذلـك‬
‫يقتضـي التحقـق مـن حالـه‪ ،‬واختبـاره المـرة تلـو المـرة‪ ،‬فلا يتصـدر للتعليـم إال مـن ُشـهد لـه‬
‫بالكفـاءة واألهليـة‪ .‬فقـد سـئل اإلمـام محمـد بـن يوسـف السنوسـي عـن المعلـم الـذي ال يعـرف‬
‫اإلظهـار‪ ،‬واإلدغـام‪ ،‬واإلهمـال‪ ،‬واإلعجـام‪ ،‬والتفخيـم‪ ،‬والترقيـق‪ ،‬وغيـر ذلك من أحـكام القرآن‪،‬‬
‫حكـم مخـارج الحـروف‪ ،‬وأن جميـع مـا يأخـذه سـحت؛ إذ‬ ‫فأجـاب‪" :‬بأنـه ال يجـوز إقـراؤه‪ ،‬إن لـم ُي ِ‬
‫كل مـن أعطـي شـيئا علـى ظـن حالـة فيـه‪ ،‬وفيـه خالفهـا‪ ،‬فجميـع مـا يأخـذه سـحت"(‪.((1‬‬
‫ومثلهـا نازلـة سـئل عنهـا اإلمـام الشـاطبي‪ ،‬بخصـوص امـرأة مـن الباديـة ُتعلم القـرآن للبنات‬
‫والنسـاء‪ .‬فجـاء جوابـه بـأن هـذا فعـل حسـن منهـا‪ ،‬لكنـه اشـترط أن تكـون علـى علـم بمـا تعلمه‬
‫لهـن‪ .‬يقـول رحمـه اهلل فـي جوابـه‪" :‬لكـن ذلـك كلـه بشـرط أن تكون هذه المـرأة عارفة بالقرآن‬
‫كيـف تقـرأه وتقرئـه‪ ،‬وتؤديـه كمـا أمـر اهلل‪ ،‬مـن غيـر لحـن وال تحريـف وال تبديـل‪ ،‬فـإن كانـت‬
‫ال تقـرأه وال تؤديـه إال علـى اللحـن والتغييـر والتبديـل؛ فلا يحـل لهـا أن تقـرأه كذلـك‪ ،‬وال أن‬
‫ّ‬
‫تعلِمه أحـدا"(‪.((1‬‬
‫ومـن تصـدر للتعليـم ممـن ليـس أهلا‪ ،‬أو ممـن تـرك البحـث والنظـر حتـى ضعـف حالـه‪،‬‬
‫فالواجـب الحجـر عليـه ممـن ولـي أمـر النـاس‪ ،‬وهـو مـا أشـار إليه الشـاطبي في الفتوى السـابقة‪،‬‬
‫حينمـا قـال‪" :‬فـإن كانـت ال تقـرأه وال تؤديـه إال علـى اللحـن والتغييـر والتبديـل‪ ...‬فلا يحـل‬
‫لمـن علـم بذلـك أن يسـكت عليـه‪ ،‬بـل ينكـر ذلـك عليهـا‪ ،‬ويجـب علـى أهـل القريـة منعهـا مـن‬
‫ذلـك"(‪.((1‬‬
‫وسـدا للبـاب أمـام المتطفليـن‪ ،‬وضبطـا لهـذا المجـال مـن أن يلجـه مـن ليسـوا مـن أهلـه‪ ،‬فـإن‬ ‫ًّ‬
‫األنظمـة التربويـة الحديثـة اليـوم أضحـت تشـترط فـي مـن يترشـح لهـذه الوظيفـة أن يحـوز‬
‫شـهادات تثبـت أهليتـه العلميـة‪ ،‬وقدرتـه علـى تعليـم الطلاب‪ ،‬كمـا تخضعـه أيضـا الختبـارات‬
‫للتحقـق مـن مـدى اسـتعداده للقيـام بهـذه الوظيفـة‪.‬‬
‫‪ -2‬األخلاق املهني�ة للمعل�م‪ :‬وكمـا ُيطلب فـي المعلم الكفـاءة العلمية‪ ،‬فيطلب فيـه أيضا التحلي‬
‫باألخلاق المهنيـة التـي تجعلـه محببـا إلـى الطلاب‪ ،‬قريبا منهـم‪ ،‬مألوفا لديهـم‪ ،‬ومن ذلك‪:‬‬
‫●العـدل بيـن المتعلميـن‪ :‬فالواجـب عليـه العـدل فيمـا بينهـم‪ ،‬يقـول ابـن الحـاج الفاسـي‬
‫المالكـي‪" :‬ويكـون الصبيـان عنـده بمنزلـة واحـدة‪ ،‬ال يشـرف بعضهـم علـى بعـض‪ ،‬فابـن‬
‫الفقيـر وابـن صاحـب الدنيـا علـى حـد واحـد فـي التربيـة والتعليـم"(‪ .((1‬ويقـول محمـد‬
‫بـن سـحنون‪" :‬إذا قوطـع المعلـم علـى األجـرة فلـم يعـدل بينهـم ـ أي الصبيـان ـ كتـب مـن‬
‫الظلمـة"(‪ .((1‬فليـس للمعلـم أن يميـل إلـى فئـة ويهمـل أخـرى‪ ،‬فـإن ذلـك مـن الظلـم المحرم‬
‫الـذي يـورث اإلحـن‪ ،‬ويـزرع األحقـاد والضغائـن بيـن المتعلميـن‪.‬‬
‫●الليـن والرفـق وطالقـة الوجـه‪ :‬ففـي المعيـار نازلـة أفتـى فيهـا اإلمـام القابسـي‪ ،‬وهـي تبيـن‬
‫مـا ينبغـي أن يتحلـى بـه المعلـم‪ .‬يقـول رحمـه اهلل‪" :‬وينبغـي أن يكـون المعلـم مهيبـا ال‬
‫فـي عنـف‪ ،‬ال يكـون عبوسـا مغضبـا‪ ،‬وال مبسـوطا مرفقـا بالصبيـان دون ليـن‪ .((1("...‬وفـي‬

‫(‪ ((1‬النـوازل (نـوازل العلمـي)‪ ،‬أبو الحسـن علي بن عيسـى العلمي‪ ،‬تحقيق المجلـس العلمي ‪ /‬فاس‪ ،‬منشـورات وزارة‬
‫األوقاف والشؤون اإلسلامية‪ /‬المغرب‪1986 ،‬م (‪.)267 :2‬‬
‫(‪ ((1‬فتاوى اإلمام الشاطبي‪ ،‬تحقيق محمد أبو األجفان‪ ،‬مكتبة العبيكان ـ الرياض ـ ط‪2001 ،4/‬م(ص‪)165 :‬‬
‫(‪ ((1‬نفسه‪.‬‬
‫(‪ ((1‬المدخل البن الحاج‪ ،‬أبو عبد اهلل محمد (ابن الحاج)‪ ،‬دار التراث ـ القاهرة ـ دون طبعة وال تاريخ (‪.)309/2‬‬
‫(‪ ((1‬آداب المعلميـن‪ ،‬محمـد بـن سـحنون‪ ،‬مراجعـة وتعليـق محمـد العروسـي المطـوي‪ ،‬مكتبـة الفقـه اإلسلامي‬
‫تونـس‪ ،‬دون طبعـة‪1972 ،‬م‪( ،‬ص‪.)85 :‬‬
‫(‪ ((1‬المعيـار المعـرب‪ ،‬أبـو العبـاس أحمد الونشريسـي‪ ،‬خرجه جماعـة من الفقهاء بإشـراف الدكتـور محمد حجي‪،‬‬
‫منشـورات وزارة الوقـاف والشـؤون اإلسلامية ـ المغـرب‪ ،‬دار الغرب اإلسلامي ـ بيـروت ‪ /‬لبنـان ـ دون طبعة‪1981 ،‬م‬
‫(‪.)250 /8‬‬

‫‪287‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫رسـالته فـي أحـوال المعلميـن والمتعلميـن يقـول‪" :‬فهـو ـ أي المعلـم ـ يسوسـهم فـي كل ذلـك‬
‫بمـا ينفعهـم‪ ،‬وال يخرجهـم ذلـك مـن حسـن رفقـه بهـم‪ ،‬وال مـن رحمتـه إياهـم‪ ،‬فإنمـا هـو‬
‫عـوض مـن آبائهـم‪ ،‬فكونـه عبوسـا أبـدا من الفضاضـة الممقوتـة‪ .((1("...‬وهـذه الصفات َّ‬
‫قل‬
‫أن توجـد فـي المعلـم ويكـون مسـتثقال أو منبـوذا‪.‬‬
‫●التفـرغ للتدريـس‪ :‬ألنـه أدعـى لبـراءة الذمـة‪ ،‬ومـن شـغل نفسـه بغيـره (أي بالتدريـس)‬
‫ًّ‬
‫وسـدا‬ ‫ممـا ُيسـتغنى عنـه عـادة فإنـه يكـون عرضـة للتقصيـر المفضـي إلـى ضيـاع الحقـوق‪.‬‬
‫لذريعـة الفسـاد التـي تلحـق الطلاب بسـبب غيـاب المعلميـن أفتـى القاضـي أبـو عثمـان‬
‫سـعيد العقبانـي بـأن المعلـم ال يجـوز لـه أن يجعـل غيـره فـي موضعه‪ .‬ففي المعيار‪" :‬وسـئل‬
‫عـن المعلـم يريـد أن يجعـل غيـره فـي موضعـه‪ ...‬فأجـاب‪ :‬ليـس لـه أن يجعـل غيـره فـي‬
‫موضعـه"(‪.((1‬‬
‫وفـي النـوازل الكبـرى للوزانـي مسـألة شـبيهة بهـذه‪ ،‬وتتعلـق بمـن ولـي التدريـس ببلديـن‬
‫متباعديـن‪ ،‬ونقـل فيهـا فتـوى ابـن السـبكي بعـدم الجـواز‪ ،‬يقـول فيهـا‪" :‬والذي يظهـر أن هذا ال‬
‫يجـوز‪ ،‬وأكل األمـوال فيـه أكل بالباطـل‪ ،‬وغيبـة عـن واحدة ليحضر أخرى ليس بعذر‪ ،‬فما ظنك‬
‫بمـن يغيـب بالكليـة"(‪ .((1‬وابـن السـبكي بهـذه الفتـوى كأنـه يعيـش بيننـا اليوم‪ ،‬وكم سـمعنا بل‬
‫وشـاهدنا معلميـن ينصرفـون عـن واجبهـم فـي المـدارس الحكوميـة‪ ،‬ويتركـون تالميذهم يهيمون‬
‫فـي األزقـة والسـاحات‪ ،‬وينتظـرون علـى أبـواب المـدارس‪ ،‬ويتوجهـون إلى المـدارس الخصوصية‬
‫يبيعـون فيهـا ضمائرهـم ببعـض الفتات‪.‬‬
‫‪ -3‬الكف�اءة املنهجي�ة‪ :‬وتشـمل قـدرة المعلـم علـى تدبيـر عمليـة التعلـم فـي شـقها المنهجـي‬
‫المتعلـق باسـتراتيجيات التدريـس وأسـاليبه المتنوعـة‪ ،‬فالمـدرس الكـفء هـو الـذي يتبنـى‬
‫أسـاليب تعليميـة فعالـة‪ ،‬تتيـح للمتعلـم إشـباع حاجاتـه المعرفيـة‪ ،‬وتحصيل الحـد األقصى من‬
‫الكفايـات‪.‬‬
‫وعلـى كل حـال فـإن كتـب النـوازل فيهـا مـا يـدل علـى تشـبع الفقهـاء بهـذا المسـلك‪ ،‬أكتفـي‬
‫باإلشـارة إلـى بعـض األمثلـة‪ ،‬ومنهـا‪:‬‬
‫يحصل منه شـيء‪،‬‬‫َّ‬ ‫لم‬ ‫واحدة‬ ‫دفعة‬ ‫كله‬ ‫لـب‬ ‫ط‬‫ُ‬ ‫إذا‬ ‫فالعلـم‬ ‫العلـوم‪:‬‬ ‫●تقديـم األولـى فاألولـى مـن‬
‫فيلـزم أخـذه علـى مراحـل‪ ،‬وعلـى المعلـم مراعـاة حال الطالـب‪ ،‬ومقدار تحصيلـه القبلي في‬
‫أي علـم مـن العلـوم ليبنـي عليـه غيـره‪ ،‬ويسـعى فـي تحصيـل مـا بقـي منـه‪ ،‬وهـذا المسـلك‬
‫نجـده واضحـا فـي فقـه اإلمـام الشـاطبي‪ ،‬فقـد سـئل رحمـه اهلل تعالـى عـن مـا يقـدم علـى‬
‫غيـره مـن العلـوم فأجـاب‪" :‬إن كل علـم اقتضـى الوقـت والحـال بالنسـبة إلـى طلـب الشـرع‬
‫تقديمـه فهـو المقـدم‪ ،‬ومـا اقتضـى تأخيـره فهـو المؤخـر‪ ،‬وتفصيـل هـذه الجملـة ال يخفـى‬
‫علـى ذي معرفـة بمراتـب العلـوم فـي نظـر الشـارع‪ .‬نعـم مـا ُيخـاف اندراسـه وذهابـه فلا بـد‬
‫مـن القيـام بـه لئلا تفـوت المنفعـة بـه عنـد الحاجة إليـه"(‪.((1‬‬
‫وقـد نعـى اإلمـام الشـاطبي علـى فئـة مـن المتصدريـن للتعليـم والفتـوى عـرض المسـائل‬
‫العلميـة العويصـة علـى مـن ليسـوا مـن أهلهـا‪ ،‬فيقـول‪" :‬ويتصـور ذلـك فيمـن يتبجـح بذكـر‬
‫المسـائل العلميـة لمـن ليـس مـن أهلهـا‪ ،‬أو ذكـر كبـار المسـائل لمـن ال يحتمل عقلـه إال صغارها‪،‬‬
‫علـى ضـد التربيـة المشـروعة‪ ،‬فمثـل هـذا يوقـع فـي المصائـب‪ ،‬ومـن أجلها قال علـى رضي اهلل‬
‫عنـه‪ :‬حدثـوا النـاس بمـا يفهمـون أتحبـون أن يكـذب اهلل ورسـوله؟ وقـد يصيـر ذلـك فتنة على‬

‫(‪ ((1‬الرسـالة المفصلـة ألحـوال المتعلميـن وأحـكام المعلميـن والمتعلميـن‪ ،‬أبو الحسـن علـي القابسـي‪ ،‬تحقيق‪:‬‬
‫أحمـد خالـد‪ ،‬الشـركة التونسـية للتوزيـع‪ ،‬ط‪( 1986 ،1/‬ص‪.)128 :‬‬
‫(‪ ((1‬نفسه (‪.)238 /8‬‬
‫(‪ ((1‬النـوازل الجديـدة الكبـرى‪ ،‬أبو عيسـى سـيدي المهـدي الوزاني‪ ،‬صححه األسـتاذ عمـر بن عباد‪ ،‬منشـورات وزارة‬
‫الوقاف والشـؤون اإلسلامية ـ المغرب ـ ‪1996‬م (‪.)448 /1‬‬
‫(‪ ((1‬فتاوى اإلمام الشاطبي (ص‪.)167 :‬‬

‫‪288‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫بعض السـامعين"(‪ .((2‬وقد علق مشـهور بن حسـن آل سـلمان على كالم اإلمام الشـاطبي بقوله‪:‬‬
‫"تلقيـن كبـار المسـائل لمـن ال يحتملهـا عقلـه كانـت إحـدى اآلفـات التـي نزلـت بأسـلوب التعليـم‬
‫فـي معاهدنـا‪ ،‬فقتلـت أوقاتـا نفيسـة فـي غيـر سـبيل اهلل‪ ،‬وعطلـت قرائـح كانت أحق بأن تسـقى‬
‫بتعليـم سـائغ فتؤتـي أكلهـا كل حيـن‪ ،‬وعلاج هـذه العلـة أن يعلـم األسـتاذ أن تمييـز مراتـب‬
‫التالميـذ فـي الفهـم وترشـيحهم بمبـادئ العلـوم علـى حسـب اسـتعدادهم أعظـم ثوابـا فـي الدار‬
‫الباقيـة‪ ،‬وأدعـى إلجلال التالميـذ أنفسـهم وإخالصهـم لـه مـن مفاجأتهـم بالخـوض فـي مسـائل‬
‫ال تسـعها مداركهـم"(‪.((2‬‬
‫وهـذه المشـكلة لـم تعـد اليـوم مطروحـة كمـا السـابق‪ ،‬فغالـب محاضـن التربيـة اليـوم هـي‬
‫تحـت إشـراف الـدول والحكومـات‪ ،‬التـي تعطـي أهميـة بالغـة للبرامـج والمناهـج الدراسـية التـي‬
‫يتولـى وضعهـا خبـراء فـي المجـال‪ ،‬فتأتـي فـي الغالـب وفـق تـدرج علمـي ال يتـرك مجـاال أمـام‬
‫المعلـم ليتصـرف فيهـا بالحـذف أو الزيـادة والنقصـان‪ ،‬بـل تكـون وظيفته األسـاس تصريفها وفق‬
‫مـا هـو مسـطر فـي مذكـرات ووثائـق خاصـة‪.‬‬
‫●تفريـد التعليـم‪ :‬وهـو أحـد طـرق التعليـم الحديثـة التـي تعـد التلميـذ محـور العمليـة‬
‫التعليميـة التعلميـة‪ ،‬ومـن مرتكـزات هـذه الطريقـة مراعاة الفروق الفرديّـة بين المتعلمين‪.‬‬
‫إن أغلـب النظريـات التربويـة اليـوم تـرى أن التعلـم يتم عبر إيقاعـات متعددة‪ ،‬فهو يختلف‬
‫مـن شـخص آلخـر‪ ،‬وليـس للمعلـم أن يحمـل الجميـع علـى نسـق واحـد فـي التعلـم‪ ،‬بـل يلزمه‬
‫التنويـع فـي الصيـغ والطرائـق؛ ألن قـدرات المتعلميـن متفاوتـة‪ ،‬وذكاءاتهـم مختلفـة‪.‬‬
‫أمـرا مهمـا ال‬
‫لقـد أولـت أجوبـة الفقهـاء موضـوع الفـروق الفرديـة أهميـة بالغـة‪ ،‬واعتبرتـه ً‬
‫يحسـن بالمعلـم تجاهلـه أو التقصيـر فيـه‪ .‬فمثلا ال ينبغـي للمعلـم أن يجـري تقويمـا جماعيـا‬
‫لمكتسـبات المتعلميـن‪ ،‬حتـى ال يعمـي بعضهـم علـى بعـض‪ ،‬أو يختبـئ بعضهـم خلـف بعـض‪،‬‬
‫ِّ‬
‫المجـد‬ ‫فالتقويـم الفـردي ِّ‬
‫يمكـن المعلـم مـن تتبـع تحصيـل كل فـرد‪ ،‬ويتيـح لـه التمييـز بيـن‬
‫منهـم‪ ،‬والمعتـدل‪ ،‬والضعيـف‪.‬‬
‫هـذا إذا لـم يطمئـن إلـى ضبطهـم وتحصيلهـم‪ ،‬أمـا إذا اطمـأن إلـى ذلـك فقـد أفتـى القاضـي‬
‫أبـو عثمـان سـعيد العقبانـي بالجـواز‪ .‬ففـي المعيـار أنـه سـئل عـن معلـم يعـرض الصبيـان عشـية‬
‫األربعـاء‪ ،‬هـل يعرضهـم اثنيـن أو ثالثـة خشـية أن ال يسـتوعبهم في الجمعـة أو أفرادا؟ فأجاب‪:‬‬
‫"إن كان علـى يقيـن مـن حفظهـم أرجـو أن ال يكـون بذلـك بـأس‪ ،‬وإن لـم يكـن علـى يقيـن مـن‬
‫حفظهـم‪ ...‬فـأرى أن يمنعهـم مـن العـرض ويأخذهـم منفرديـن"(‪.((2‬‬
‫والمسـألة نفسـها تقريبـا ُعرضـت علـى اإلمـام القابسـي‪ ،‬فقـد سـئل‪ :‬هـل يجـوز اجتمـاع‬
‫الصغـار والبالغيـن يقـرؤون فـي سـورة واحـدة‪ ،‬وهـم جماعـة علـى وجـه التعليـم؟ فلـم يحبذ هذا‬
‫المسـلك‪ ،‬وعلـل ذلـك بـأن "اجتماعهـم علـى القـراءة يخفـي عليـه القـوي الحفـظ مـن الضعيـف‪،‬‬
‫ولكـن إن كانـوا مـن ذلـك لهـم خفـة‪ ،‬فيخبرهم أنه سـيعرض كل واحد منهم في حزبه‪ ،‬مما يكون‬
‫منـه مـن غيـر تقصيـر تهديـدا يهددهـم بذلـك"(‪.((2‬‬
‫●مواكبـة المتعلميـن وتتبعهـم وتصحيـح أخطائهـم‪ :‬ففـي نـوازل العلمـي أن فقيهـا سـئل عـن‬
‫المعلـم هـل يلزمـه أن ينظـر فـي ألـواح الصبيـان‪ :‬هـل فيهـا خطأ في األحـرف أم ال؟ فأجاب‪:‬‬
‫"يجـب عليـه أن ينظـر فـي ألواحهـم‪ ،‬وإصلاح مـا فيها من الخطأ‪ ،‬وشـرطه عـدم النظر خطأ‬
‫ال يجوز"(‪.((2‬‬

‫(‪ ((2‬الموافقـات‪ ،‬أبـو إسـحاق إبراهيـم بن موسـى الشـاطبي‪ ،‬تحقيق أبو عبيدة مشـهور بن حسـن آل سـلمان‪ ،‬دار ابن‬
‫عفـان ـ الجيزة‪ /‬مصـر‪ ،‬ط‪1417: ،1/‬هـ‪1997 /‬م (‪.)124 /1‬‬
‫(‪ ((2‬نفسه (هامش رقم‪.)3 :‬‬
‫(‪ ((2‬المعيار (‪.)239 /8‬‬
‫(‪ ((2‬نفسه (‪.)249 /8‬‬
‫(‪ ((2‬نوازل العلمي‪.)277 /2( ،‬‬

‫‪289‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫وهـذا شـبيه بمـا يقـوم بـه المعلمـون اليـوم مـن النظـر فـي كتـب المتعلميـن‪ ،‬أو المذكـرات‬
‫التـي يدونـون فيهـا دروسـهم‪ ،‬أو تتبـع األعمـال المنزليـة التـي ُتطلـب منهـم‪ ،‬فهـذا يدخـل فـي‬
‫صميـم عمـل المعلـم‪ ،‬وقـد ميـز الفقيـه عبـد القـادر الفاسـي بيـن الصغـار والكبـار‪ ،‬بقولـه‪" :‬إن‬
‫نظـر المعلـم فـي ألـواح الصبيـان‪ ،‬وإصلاح مـا فيه مـن الخطأ الزم له"(‪ .((2‬وقـد علل ذلك بأنهم‬
‫"إذا كبـروا وربـوا علـى الخطـأ‪ ،‬عسـر زوالـه‪ ،‬وصعـب تقويمـه"(‪ .((2‬أمـا الطلبـة الكبـار فلا إشـكال‬
‫عنـده فـي تـرك النظـر فـي ألواحهـم‪.‬‬
‫والحـد عنـدي اليـوم بيـن الصغـار الذيـن يجـب النظر لهم‪ ،‬والكبار الذين ال يجب لهم شـيء‪،‬‬
‫أن تالميـذ مرحلتـي االبتدائـي واإلعـدادي هـم مـن الصغـار الذيـن تكثـر منهـم األخطـاء؛ لذلـك‬
‫فمعلمـو هاتيـن المرحلتيـن مطالبـون بتفقـد أخطائهـم وتصحيحها‪ ،‬أما الكبار فهم ـ بحسـب رأيي‬
‫ـ تالميـذ الثانـوي وطلبـة الجامعـات الذيـن هـم فـي غنـى عـن مـن يتفقـد مكتوباتهـم‪ ،‬أو ينظـر‬
‫فيهـا بقصـد الضبـط والتصحيح‪.‬‬
‫املبحث الثاني‪ :‬أحوال املتعلم‪ ،‬وبعض حقوقه من خالل فقه النوازل‪:‬‬
‫وكمـا اعتنـى الفقهـاء فـي أجوبتهـم بالمعلـم‪ ،‬وبينـوا صفاتـه العلميـة والخلقيـة‪ ،‬وكل مـا‬
‫يتصـل بـه‪ ،‬فإنهـم كذلـك اهتمـوا بالمتعلـم‪ ،‬فذكـروا لـه جملـة مـن الحقـوق واألحـوال‪ ،‬وكان‬
‫غرضهـم ضمـان حقـه فـي تعلـم جيـد يالئـم عقلـه‪ ،‬ويسـهل عليـه الفهـم واإلدراك‪ ،‬فجـاءت‬
‫إسـهاماتهم وافـرة فـي هـذا البـاب‪.‬‬
‫وسأورد فيما يلي بعضا من هذه الحقوق واألحوال‪:‬‬
‫أوال‪ :‬حق�ه يف التعل�م والتمدرس‪ :‬لقد تضمنت أجوبة الفقهاء إشـارات مسـتفيضة‪ ،‬فيها دعوة إلى‬
‫رعايـة األبنـاء وتعليمهـم العلـم النافـع‪ ،‬بـل كثيـرا مـا يتعـدى األمـر اآلبـاء إلـى من يقـوم مقامهم‬
‫مـن األوليـاء‪ ،‬أو األوصيـاء‪ ،‬أو جماعة المسـلمين‪.‬‬
‫جبر األب أو الوصـي على تعليم‬ ‫ُ َ‬‫ي‬ ‫هـل‬ ‫بعنوان‪:‬‬ ‫نازلـة‬ ‫ومـن النـوازل التعليميـة فـي هـذا البـاب‬
‫الصبـي والصبيـة؟ ففـي المعيـار‪ :‬وسـئل(‪ ((2‬هـل علـى الرجـل أن يجعـل ابنـه فـي الكتـاب ويجبره‬
‫القاضـي‪ ،‬الذكـر واألنثـى سـواء؟ فـإن لـم يجبـر هـل يوعـظ؟ وهل الوصي كاألب فـي الجبر أم ال؟‬
‫فـإن لـم يكـن وصـي فهـل ذلـك لإلمـام أو الوالـي أو للمسـلمين مـن مالـه إن كان أو علـى المسـلمين‬
‫إن لـم يكـن؟ أو علـى المعلـم بغيـر شـيء؟ وهـل إن امتنـع األب يسـجنه اإلمـام أو يضربـه علـى‬
‫ذلـك؟ وهـل تقـوم الجماعـة مقـام األب فـي جبـره إن لـم يكـن أم ال؟ فأجـاب بقولـه صلـى اهلل‬
‫عليـه وسـلم‪[ :‬خياركـم مـن تعلـم القـرآن وعلمـه](‪ ((2‬يشـمل الوالـد بتعليمه ولده إيـاه ولو بأجرة‬
‫تعليمـه العلم"(‪.((2‬‬
‫ولقـد كان اإلمـام ابـن سـحنون أكثـر وضوحـا فـي هـذه المسـألة‪ ،‬إذ ذهـب إلـى أن تعليـم‬
‫الصبيـان هـو أفضـل أنـواع العبـادات‪ ،‬بـل هـو أفضـل مـن الحـج والربـاط والجهـاد‪ .‬ففـي جوابـه‬
‫ألب كان ابنـه يطلـب العلـم‪ ،‬وتولـى هـو العمـل بنفسـه؛ لئلا يشـغله عـن طلـب العلـم‪ .‬قـال لـه‪:‬‬
‫"أجـرك فـي ذلـك أعظـم مـن الحـج والربـاط والجهـاد‪ ،‬وقـال‪ :‬إن تـرك األب تعليـم ولـده القـرآن‬
‫لشـح قبـح فعلـه"(‪.((3‬‬

‫(‪ ((2‬نفسه‪.‬‬
‫(‪ ((2‬نفسه‪.‬‬
‫(‪ ((2‬هو اإلمام القابسي‪.‬‬
‫(‪ ((2‬صحيـح البخـاري‪ ،‬أبـو عبـد اهلل محمـد بـن إسـماعيل البخـاري‪ ،‬تحقيـق‪ :‬محمد زهير بـن ناصـر الناصر‪ ،‬دار‬
‫طـوق النجـاة‪ ،‬بيـروت ـ لبنـان‪ ،‬ط‪ ،1/‬الطبعـة‪ :‬األولـى‪1422 ،‬هـ‪ ،‬كتـاب‪ :‬فضائل القـرآن‪ ،‬باب‪ :‬خيركـم من تعلم‬
‫القـرآن وعلمـه‪ ،‬حديث رقـم‪.)192 /6( 5027 :‬‬
‫(‪ ((2‬المعيار (‪.)250 .249 /8‬‬
‫(‪ ((3‬نفسه‪.‬‬

‫‪290‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫وهـذا ينـم عـن مسـتوى النضـج العلمـي والحضـاري لـدى الفقهـاء‪ ،‬فلقـد كانـوا علـى وعي بأن‬
‫نهضـة األمـة وتقدمهـا منـوط بتعليـم أطفالهـا‪ ،‬ألجـل ذلـك حثـوا علـى تعليـم األبنـاء والبنـات‬
‫ـ رجـال ونسـاء المسـتقبل ـ الذيـن سـيضيئون غـدا درب األمـة فـي رحلتهـا الخالـدة‪ ،‬ويوجهـون‬
‫بوصلتهـا فـي رحلـة التمـدن والحضـارة‪.‬‬
‫ثاني�ا‪ :‬ضب�ط ع�دد املتعلمين‪ :‬مـن أجـل ضمـان تلقـي تعليـم جيـد‪ ،‬فقـد كان بعـض المعلميـن‬
‫يشـترطون عـددا معينـا مـن المتعلميـن ال يزيـدون عليـه‪ ،‬وهـذا أدعـى للضبـط واإلتقـان؛ ألن‬
‫االكتظـاظ عائـق للمعلـم والمتعلـم علـى السـواء‪ ،‬وقـد حصـر البعـض العـدد فـي ثالثيـن‪ .‬ذكـر‬
‫البرزلـي فـي نوازلـه أن أبـا العبـاس السـقطي كان ال يزيـد عـن ثالثيـن صبيـا؛ ألنـه يـرى أنـه ال‬
‫يقـوى علـى أكثـر منهـم(‪.((3‬‬
‫وقـد منـع القاضـي أبـو عثمـان سـعيد العقبانـي أن يشـترط المعلـم علـى اآلبـاء أن يقـرئ مـن‬
‫شـاء مـن الصبيـان دون عـدد محـدد‪ ،‬لمـا يفضـي إليـه ـ فـي الغالـب ـ مـن التقصيـر(‪.((3‬‬
‫ثالث�ا‪ :‬احترام الزم�ن املدرس�ي للمتعلم‪ :‬وهو الزمـن المخصص للتعلم‪ ،‬إمـا باالتفاق بيـن المعلمين‬
‫واآلبـاء‪ ،‬كمـا هـو الحـال اليـوم فـي ريـاض األطفال‪ ،‬أو الـذي تحدد الدولة فـي التعليم النظامي‪،‬‬
‫وليـس للمعلـم أن ُيهـدر منـه شـيئا‪ ،‬إذ مـا يتقاضـاه مـن األجـر إنمـا هـو نظيـر مـا يؤديـه مـن‬
‫التعليـم‪ ،‬وهـو مسـتأمن عليـه ال تبـرأ ذمتـه إال بأدائـه علـى الصفـة المحـددة‪ ،‬ولـو اطلـع على ما‬
‫يفيـد منـه التقصيـر‪ ،‬كان للأب الرجـوع عليـه بجزء من الثمن مقابـل ما حصل منه من تقصير‪،‬‬
‫وقـد دأبـت الحكومـات اليـوم علـى خصـم جـزء مـن رواتـب المعلميـن‪ ،‬إذا تخلفـوا عـن وظائفهـم‬
‫دون موجـب؛ ونتيجـة لذلـك أفتـى بعـض الفقهـاء بمنـع المعلميـن مـن التلبـس ببعـض األعمـال‬
‫فـي وقـت التعليـم‪ ،‬كالصلاة علـى الجنائـز‪ ،‬وعيـادة المرضـى‪ ،‬وشـهود عقـد النـكاح والبيـوع(‪.((3‬‬
‫ومنـع بعضهـم التدريـس بموضعيـن مختلفيـن كبلديـن متباعديـن؛ ألنـه باعـث علـى الغيبـة عن‬
‫واحـدة منهمـا(‪ .((3‬واسـتثنوا مـن ذلـك حـاالت خاصـة أجـازوا فيهـا للمعلـم التغيـب مـع اسـتنابة‬
‫غيـره بأجـر أو دونـه‪ ،‬فيحـل محلـه‪ ،‬كمـن مـرض أو خـرج فـي سـفر ضـروري مـدة يـوم أو يوميـن‬
‫أو نحوهمـا(‪ .((3‬ومـن اشـتغل بأمـوره الخاصـة لزمـه أن يوفـي بمـا غابـه‪ ،‬بـل واشـترط بعضهـم‬
‫التعويـض قبـل االنشـغال بشـؤونه‪ ،‬وهـو مـا يعـرف اليـوم بالتعويـض القبلـي‪.‬‬
‫رابع�ا‪ :‬ض�رب املتعلمين وزجره�م‪ :‬تزخـر كتـب النـوازل باإلشـارات الدالـة علـى أن زجـر الصبيـان‬
‫وضربهم كان أمرا مألوفا‪ ،‬وقد تنوعت المسـائل في ذلك بين من يسـأل عن مشـروعية الضرب‪،‬‬
‫وحـده‪ ،‬ومقـداره‪ ،‬وموضعـه‪ ،‬والخطـأ فيـه‪ ،‬وغيرهـا‪ ،‬وسـأورد فيمـا يلـي بعضـا مـن العناويـن التـي‬ ‫ِّ‬
‫وردت فـي موضـع واحـد مـن كتـاب المعيـار‪ ،‬وهـي‪:‬‬
‫ ‪-‬معلم أراد ضرب صبي‪ ،‬فجازت إلى آخر(‪.((3‬‬
‫(‪((3‬‬
‫ ‪-‬هل يضرب ابن خمس سنين من الصبيان‪ ،‬أو أقل‪ ،‬أو أكثر؟‬
‫ ‪-‬صفات المعلم وطريقة ضربه للصبيان(‪.((3‬‬
‫ ‪-‬إذا ضرب المعلم الصبي ففقأ عينه‪ ،‬أو كسر ساقه(‪.((3‬‬
‫(‪ ((3‬جامـع مسـائل األحـكام لمـا نـزل مـن القضايـا بالمفتيـن والحـكام المشـهور‪ ،‬أبـو القاسـم البرزلـي‪ ،‬تحقيق‬
‫وتقديـم‪ :‬األسـتاذ محمـد الحبيـب الهيلـة‪ ،‬دار الغـرب اإلسلامي‪ ،‬بيـروت‪ /‬لبنـان‪ ،‬ط‪1/‬ن ‪2002‬م (‪.)581 /3‬‬
‫(‪ ((3‬المعيار (‪.)240 /8‬‬
‫(‪ ((3‬جامع مسائل األحكام (‪.)580 /3‬‬
‫(‪ ((3‬النوازل الجديدة الكبرى للوزاني (‪.)448 /1‬‬
‫(‪ ((3‬جامع مسائل األحكام (‪.)580 /3‬‬
‫(‪ ((3‬المعيار (‪.)242 /8‬‬
‫(‪ ((3‬نفسه (‪.)245 /8‬‬
‫(‪ ((3‬نفسه (‪.)250 /8‬‬
‫(‪ ((3‬نفسه‪.‬‬

‫‪291‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬
‫(‪((4‬‬
‫ ‪-‬هل يضرب المعلم الصبي ثالثا على خطأ في أحرف القرآن؟‬
‫ ‪-‬يضرب من عظم جرمه من الصبيان بالعصا في رجليه(‪.((4‬‬
‫هـذه المسـائل وأمثالهـا كثيـرة جـدا فـي كتـب النوازل‪ ،‬وهـي تنبئ أن الضرب كان أمرا شـائعا‪،‬‬
‫وبالرغـم مـن إقـرار كثيـر مـن الفقهـاء المعلميـن علـى الضـرب‪ ،‬وإفتائهم بجواز ذلـك‪ ،‬إال أنهم في‬
‫أجوبتهـم لـم يتركـوا ذلـك مطلقـا دون قيـود‪ ،‬فالمعلـم إذا ضرب ال يؤلـم‪ ،‬وال يتعدى إلى التأثير‬
‫المضر‪ ،‬وال ينيب عنه الصبيان في الضرب لما في ذلك من بث الشـحناء‬ ‫ّ‬ ‫المستبشـع أو الموهن‬
‫بينهـم‪ ،‬وال يضـرب علـى الـرأس والوجـه‪ ،‬وإذا ضرب ففي السـاق؛ ألنه آمن وأحمد للسلامة(‪.((4‬‬
‫وإذا تجـاوز المعلـم ذلـك فألحـق ضـررا بالمتعلـم‪ ،‬كأن يسـبب لـه كسـرا فـي يـده أو رجلـه‪ ،‬أو‬
‫أحـدث عاهـة فـي عينـه‪ ،‬فـإن الفقهـاء يلزمونـه بالديـة(‪ .((4‬بـل إن اإلمـام مالـكا حكـم عليـه‬
‫بالقصـاص‪ ،‬وفـي ذلـك يقـول كمـا فـي المعيـار‪" :‬وإن ضربـه باللـوح أو بالعصـا فقتلـه فعليـه‬
‫القصـاص؛ ألنـه لـم يـؤذن لـه فـي الضـرب بعصـا وال لـوح"(‪.((4‬‬
‫ولقـد انتقـد علمـاء كثـر أسـلوب الزجـر والعقـاب‪ ،‬ومـن هـؤالء ابـن خلـدون إذ يقـول‪" :‬وذلـك‬
‫سـيما فـي أصاغـر الولـد؛ أل ّنـه مـن سـوء الملكـة‪ .‬ومـن‬ ‫ّ‬
‫بالمتعلـم‪ّ ،‬‬ ‫مضـر‬
‫ّ‬ ‫الحـد ّ‬
‫بالتعليـم‬ ‫ّ‬ ‫أن إرهـاف‬‫ّ‬
‫وضيـق عن‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫كان مربـاه بالعسـف والقهـر مـن المتعلميـن‪ ،‬أو المماليـك‪ ،‬أو الخـدم‪ ،‬سـطا بـه القهـر‪،‬‬
‫النفـس فـي انبسـاطها‪ ،‬وذهـب بنشـاطها‪ ،‬ودعـاه إلـى الكسـل‪ ،‬وحمـل علـى الكـذب والخبـث‪ ،‬وهـو‬ ‫ّ‬
‫ّ‬
‫التظاهـر بغيـر مـا فـي ضميـره‪ ،‬خوفـا من انبسـاط األيدي بالقهر عليه‪ ،‬وعلمـه المكر والخديعة‬ ‫ّ‬
‫(‪((4‬‬ ‫ّ‬
‫اإلنسـانية التي لـه" ‪.‬‬
‫ّ‬ ‫لذلـك‪ ،‬وصـارت لـه هـذه عـادة وخلقـا‪ ،‬وفسـدت معاني‬
‫وصلى اهلل وسلم وبارك على نبينا الكريم‪ ،‬والحمد هلل رب العالمين‬

‫(‪ ((4‬نفسه (‪.)255 /8‬‬


‫(‪ ((4‬نفسه (‪)256 /8‬‬
‫(‪ ((4‬المعيار (‪)250 /8‬‬
‫(‪ ((4‬نفسه‪.‬‬
‫(‪ ((4‬نفسه‪.‬‬
‫(‪ ((4‬ديـوان المبتـدأ والخبـر فـي تاريخ العـرب والبربر ومن عاصرهـم من ذوي الشـأن األكبر‪ ،‬عبد الرحمـن بن محمد‬
‫ابـن خلدون‪ ،‬تحقيق‪ :‬خليل شـحادة‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬بيـروت‪ ،‬ط‪1988 2/‬م (ص‪.)743 :‬‬

‫‪292‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫املصادر واملراجع‬
‫‪1 .‬القرآن الكريم‪.‬‬
‫‪2 .‬آداب المعلميـن‪ ،‬محمـد بـن سـحنون‪ ،‬مراجعـة وتعليـق محمـد العروسـي المطـوي‪ ،‬مكتبـة الفقـه اإلسلامي‬
‫تونـس‪ ،‬دون طبعـة‪1972 ،‬م‪.‬‬
‫‪3 .‬تعليـم اللغـة العربيـة لغيـر الناطقيـن بهـا‪ :‬مناهجـه وأسـاليبه‪ ،‬رشـدي أحمـد طعيمـة‪ ،‬منشـورات المنظمـة‬
‫اإلسلامية للتربيـة والعلـوم والثقافـة‪ ،‬مصـر‪ ،‬ط‪1989 ،1/‬م‪.‬‬
‫‪4 .‬ديـوان المبتـدأ والخبـر فـي تاريـخ العـرب والبربـر ومـن عاصرهـم مـن ذوي الشـأن األكبر‪ ،‬عبد الرحمـن بن محمد‬
‫بـن خلـدون‪ ،‬تحقيـق‪ :‬خليل شـحادة‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬بيـروت‪ ،‬ط‪1988 2/‬م‪.‬‬
‫‪5 .‬الرسـالة المفصلـة ألحـوال المتعلميـن وأحـكام المعلميـن والمتعلميـن‪ ،‬أبـو الحسـن علـي القابسـي‪ ،‬تحقيـق‪:‬‬
‫أحمـد خالـد‪ ،‬الشـركة التونسـية للتوزيـع‪ ،‬ط‪1986 ،1/‬م‪.‬‬
‫‪6 .‬صحيـح البخـاري‪ ،‬أبـو عبـد هللا محمـد بـن إسـماعيل البخـاري‪ ،‬تحقيـق‪ :‬محمد زهير بن ناصـر الناصر‪ ،‬دار طوق‬
‫النجـاة‪ ،‬بيـروت ـ لبنـان‪ ،‬ط‪ ،1/‬الطبعة‪ :‬األولى‪1422 ،‬هـ‬
‫‪7 .‬فتاوى اإلمام الشاطبي‪ ،‬تحقيق محمد أبو األجفان‪ ،‬مكتبة العبيكان ـ الرياض ـ ط‪2001 ،4/‬م‪.‬‬
‫‪8 .‬فقـه النـوازل فـي سـوس قضايـا وأعلام‪ ،‬الحسـن العبـادي‪ ،‬منشـورات كليـة الشـريعة بأكاديـر‪ ،‬مطبعـة النجـاح‬
‫الجديـدة‪ ،‬البيضـاء‪ ،‬ط‪1999 ،1/‬م‪.‬‬
‫‪9 .‬القامـوس المحيـط‪ ،‬أبـو طاهـر مجـد الديـن الفيـروز آبـادي‪ ،‬مؤسسـة الرسـالة للطباعـة والنشـر والتوزيـع‪ ،‬بيـروت‬
‫– لبنـان ط‪1426 ،8/‬هــ ‪.‬‬
‫ ‪10.‬لسان العرب‪ ،‬أبو الفضل محمد بن مكرم بن منظور‪ ،‬مادة (ربا) دار صادر – بيروت‪ ،‬ط‪ /‬الثالثة ‪ 1414 -‬هـ‪.‬‬
‫ ‪11.‬مدخل إلى علم التدريس‪ ،‬محمد الدريج‪ ،‬قصر الكتاب‪ ،‬المغرب ط‪2000 ،1/‬م‪.‬‬
‫ ‪12.‬المدخل البن الحاج‪ ،‬أبو عبد هللا محمد (ابن الحاج)‪ ،‬دار التراث ـ القاهرة ـ دون طبعة وال تاريخ‪.‬‬
‫ ‪13.‬المعيـار المعـرب والجامـع المغـرب‪ ،‬أبـو العبـاس أحمـد الونشريسـي‪ ،‬خرجـه جماعـة مـن الفقهـاء بإشـراف‬
‫الدكتـور محمـد حجـي‪ ،‬منشـورات وزارة الوقـاف والشـؤون اإلسلامية‪ ،‬المغـرب‪ ،‬دار الغـرب اإلسلامي ـ بيـروت ‪/‬‬
‫لبنـان ـ دون طبعـة‪1981 ،‬م‪.‬‬
‫ ‪14.‬الموافقـات‪ ،‬أبـو إسـحاق إبراهيـم بـن موسـى الشـاطبي‪ ،‬تحقيـق أبـو عبيـدة مشـهور بـن حسـن آل سـلمان‪ ،‬دار‬
‫ابـن عفـان ـ الجيـزة‪ /‬مصـر‪ ،‬ط‪1417: ،1/‬هــ‪1997 /‬م‪.‬‬
‫ ‪15.‬نظـرات فـي النـوازل الفقهيـة‪ ،‬محمـد حجــي‪ ،‬منشـورات الجمعيـة المغربيـة للتأليـف والترجمـة والنشـر‪ ،‬ط‪،1 /‬‬
‫‪1999‬م‪.‬‬
‫ ‪16.‬النـوازل‪ ،‬أبـو الحسـن علـي بـن عيسـى العلمـي‪ ،‬تحقيـق المجلـس العلمـي‪ /‬فـاس‪ ،‬منشـورات وزارة األوقـاف‬
‫والشـؤون اإلسلامية‪ /‬المغـرب‪1986 ،‬م‪.‬‬
‫ ‪17.‬النـوازل الجديـدة الكبـرى‪ ،‬أبـو عيسـى سـيدي المهـدي الوزاني‪ ،‬صححه األسـتاذ عمر بن عباد‪ ،‬منشـورات وزارة‬
‫الوقاف والشـؤون اإلسلامية ـ المغرب ـ ‪1996‬م‪.‬‬

‫‪293‬‬
‫م‬2023 ‫العدد ( الثامن ) يوليو‬ ‫مجلة دالالت‬

‫املشكالت االجتماعية اليت تواجه املرأة العاملة املتزوجة‬


‫دراسة ميدانية على عينة من العامالت مبستشفى جالو املركزي‬

:‫إعداد‬
‫حميدة حمد خيرواجد البطران‬
‫ جامعة بنغازي‬- ‫ الواحات‬- ‫كلية اآلداب والعلوم‬

2023/6/29 :‫القبول‬
2023/5/13 :‫االستالم‬

:‫املستخلص‬
‫هدفـت هـذه الدراسـة إلـى التعـرف على المشـكالت االجتماعية التي تواجـه المرأة العاملة‬
‫ ومعرفـة الصعوبـات والعراقيـل التـي‬،‫المتزوجـة بمستشـفى جالـو المركـزي بمنطقـة جالـو‬
‫ وأعتمـدت الدراسـة‬،‫ وأهـم الدوافـع واألسـباب التـي أدت إلـى خروجهـا لمجـال العمـل‬،‫تواجههـا‬
‫ وتكونـت عينـة هـذه‬،)‫ واسـتخدام العينـة القصدية(العمديـة‬،‫علـى المنهـج الوصفـي التحليلـي‬
‫ أن العاملات‬:‫ وتوصلـت الدراسـة الحاليـة الـى النتائـج التاليـة‬،‫) امـرأة عاملـة‬50( ‫الدراسـة مـن‬
‫ ولديهـن صعوبـة في‬،‫يعانيـن مـن مشـكالت اجتماعيـة وتنظيميـة تؤثـر علـى أدائهـن فـي العمـل‬
‫ وأن أغلب المبحوثـات لديهن دوافع‬،‫عـدم توفيـر الرعايـة الالزمـة ألبنائهـن خلال فتـرة الدوام‬
‫ وكذلك زيادة حجم األسـرة وتأكيد‬،‫تعليمية واقتصادية ونفسـية دفعتهن للعمل خارج المنزل‬
.‫ذاتهن‬
‫ مستشـفى جالـو‬،‫ المـرأة العاملـة المتزوجـة‬،‫ المشـكالت االجتماعيـة‬:‫الكلم�ات املفتاحي�ة‬
‫المركـزي‬

Abstract:
Social Problems Facing Married Working Women
A Field study on a sample of female workers at Gallo Central Hospital
This study aimed to identify the social problems facing married working
women at Jalu Central Hospital in Jalu area, and to know the difficulties and
obstacles they face, and the most important motives and reasons that led to
their exit to the field of work, and the study relied on the descriptive analytical
approach, and the use of the intentional sample (intentional), and the sample of
this study consisted of (50) working women, and the current study come up with
the following results: Workers suffer from social and organizational problems
that affect their performance at work, and have difficulty in not providing the
necessary care for their children during the working period, and that most of
the respondents have educational, economic and psychological motives that
pushed them to work outside home, as well as increasing the size of the family
and asserting themselves.
Keywords: Social problems, Married working women, Jalu Central Hospital

294
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫املقدمة‪:‬‬
‫يعتبـر خـروج المـرأة للعمـل بقطـاع الصحـة والمبيـت والتنـاوب بالفتـرة الليليـة ظاهـرة‬
‫جديـدة فـي المجتمـع الليبـي‪ ،‬إذ لـم يكـن مـن المألـوف أن تخـرج المـرأة لكسـب الـرزق شـأنٍها‬
‫شـأن الرجـل فـي هـذا المجـال‪ ،‬فالمـرأة تمثـل نصـف المجتمـع‪ ،‬ويقع عليها أسـس كثيـرة كتربية‬
‫األبنـاء وتنشـئتهم ورعايتهـم‪ ،‬إذ أنـه فـي الماضـي كانـت تعانـي مـن مشـكالت عديـدة لنظـرة‬
‫المجتمـع لهـا‪ ،‬وتمييـز الرجـل عنهـا ومنعهـا مـن الخـروج إلـى العمـل؛ بحكـم اختالطهـا بالرجـل؛‬
‫فكانـت نظـرة المجتمـع تحتـم علـى عـدم خـروج المـرأة للعمـل‪.‬‬
‫"فتعليـم المـرأة لـم يعـد مجـرد طريقـة لتلبيـة االحتياجـات االقتصاديـة ورفـع المسـتوى‬
‫االقتصادي‪ ،‬بل أصبح من أولويات حياة المرأة وخاصة بعد استكمال مرحلة التعليم الجامعي‪،‬‬
‫وإن تعليـم المـرأة ونـوع التعليـم‪ ،‬وكيفيتـه ومتطلبات الحيـاة االجتماعية‪ ،‬هي التي تؤهل المرأة‬
‫للعمـل وتمهـد لهـا الطريـق للخـروج مـن المنـزل‪ ،‬ولكـن المـرأة تواجـه دائمـا صعوبـة فـي كيفيـة‬
‫(((‬
‫التوفيـق بيـن عملها وبيـن المنزل"‪.‬‬
‫فـاألم العاملـة أصبحـت تقـوم بدوريـن بعـد خروجهـا للعمـل خـارج المنـزل‪ ،‬وظيفـة فعليـة‬
‫تقـوم بهـا داخـل المنـزل‪ ،‬وواجبـات تتحملهـا أمـام زوجهـا‪ ،‬ومسـؤوليات اجتماعيـة وتربويـة‬
‫مختلفـة تضعهـا أمـام واقـع ومهـام غالبـا مـا ينشـأ عنهـا الكثيـر مـن المشـكالت والمعوقـات التـي‬
‫تتـرك آثـارًا سـالبة علـى االسـتقرار األسـري وتماسـك األسـرة وتربيـة األطفـال‪.‬‬
‫مشكلة الدراسة‪:‬‬
‫رغـم إمتلاك المـرأة للمؤهلات العلميـة والكفـاءة العاليـة ودخولهـا فـي كثيـر مـن مجـاالت‬
‫العمـل إال أنهـا مازالـت تواجـه الكثيـر مـن الصعوبـات والمشـكالت فـي عملهـا‪ ،‬وتظهـر مشـكلة‬
‫الدراسـة في المشـكالت التي تواجه المرأة العاملة المتزوجة في التوفيق بين عملها وواجباتها‬
‫األسرية‪.‬‬
‫فمشـاركة المـرأة الليبيـة فـي القـوى العاملـة والقطـاع اإلنتاجـي يعتبـر شـيئا جوهريـا فـي‬
‫حياتهـا‪ ،‬ولكـن نتيجـة للتغيـرات التـي حدثت‪ ،‬أصبح هناك من يشـجع خـروج المرأة إلى العمل‪،‬‬
‫كمـا يشـجعها علـى التعليـم وعلـى حقوقهـا السياسـية واالجتماعيـة‪ ،‬ولقـد كان لهـذه التحـوالت‬
‫االقتصاديـة واالجتماعيـة تأثيرهـا الواضـح علـى وضـع المـرأة اقتصاديـا واجتماعيـا؛ ممـا أدى‬
‫إلـى وجـود العديـد مـن المشـكالت التـي تعرضـت لهـا مـن خلال ذلـك العمـل وخاصة فـي مجتمع‬
‫الواحـات‪ ،‬ممـا يترتـب عليهـا مـن آثـار نفسـية واجتماعيـة واقتصاديـة نتيجـة خروجهـا مـن‬
‫المنـزل‪ .‬وتنطلـق الدراسـة مـن التسـاؤالت التاليـة‪:‬‬
‫س‪ - 1‬ماهـي المشـكالت االجتماعيـة التـي تواجـه المـرأة العاملـة المتزوجـة بمستشـفى جالـو‬
‫المركزي؟‬
‫س‪ -2‬ماهي الصعوبات التي تواجه المرأة العاملة المتزوجة بمستشفى جالو المركزي؟‬
‫س‪ -3‬ما هي األسباب التي أدت الى خروج المرأة المتزوجة للعمل؟‬
‫أهداف الدراسة‪:‬‬
‫هدفت الدراسة الى تحقيق اآلتي‪:‬‬
‫‪1.‬التعـرف علـى المشـكالت االجتماعيـة التـي تواجـه المـرأة العاملـة المتزوجـة بمستشـفى‬
‫جالـو المركـزي‪.‬‬
‫‪2.‬التعرف على الصعوبات التي تواجه المرأة العاملة المتزوجة بمستشفى جالو المركزي‪.‬‬

‫((( حمد إبراهيم‪ ،‬علم االجتماع العائلي‪ ،‬دار جامعة االزهر‪ ،‬الطبعة االولى‪،1997 ،‬ص ‪.110‬‬

‫‪295‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫‪3.‬التعرف على األسباب التي أدت إلى خروج المرأة العاملة المتزوجة للعمل‪.‬‬
‫أهمية الدراسة‪:‬‬
‫تأتي أهمية الدراسة في أنها‪:‬‬
‫‪1.‬تلقـي الضـوء علـى أهـم الصعوبـات التـي تواجـه المـرأة العاملـة المتزوجـة‪ ،‬وتسـعى إلـى‬
‫مسـاعدة المـرأة العاملـة للتوفيـق بيـن واجباتهـا المنزليـة‪ ،‬ومـدى تأكيدهـا علـى ذاتهـا‪.‬‬
‫‪2.‬المسـاهمة فـي تغييـر المفاهيـم السـالبة عـن عمـل المـرأة وذلـك مـن خلال دعمهـا من قبل‬
‫المجتمع‪.‬‬
‫‪3.‬توعيـة أفـراد المجتمـع بأهميـة دور المـرأة فـي المشـاركة الفعالـة المتوافقـة بيـن الرجـل‬
‫والمـرأة داخـل المجتمـع عامـة وداخـل المنـزل خاصـة‪.‬‬
‫‪4.‬مسـاعدة المـرأة العاملـة المتزوجـة فـي مواجهـه جميـع الصعوبـات التـي تعـوق عملهـا داخل‬
‫المستشفى‪.‬‬
‫مصطلحات الدراسة‪:‬‬
‫تعري�ف املش�كالت‪ :‬هـي المواقـف التـي ينظـر إليهـا المجتمـع باعتبارهـا مصـدر يخالـف القيم‪،‬‬
‫(((‬
‫وتعـرف بأنهـا موقـف اجتماعـي يقضـي تغيـر إلـى األفضـل‪.‬‬
‫التعريف اإلجرائي للمش�كالت االجتماعية‪ :‬هي الظروف التي تحيط بالمرأة العاملة المتزوجة‬
‫بمستشـفى جالـو المركـزي والتـي تجعلهـا غيـر قـادرة علـى تأديـة عملهـا بأكمـل وجـه والتكيـف‬
‫معه‪.‬‬
‫امل�رأة العامل�ة املتزوج�ة‪ :‬هـي التـي تعمـل خـارج نطـاق المنـزل وتحصـل علـى أجـر مقابـل مـادي‪،‬‬
‫وتقـوم فـي حياتهـا بدوريـن أساسـيين‪ ،‬دورهـا كـــــ ربـه بيـت ودورهـا كموظفـة‪.‬‬
‫التعري�ف االجرائ�ي للم�رأة العامل�ة‪ :‬هي المرأة التـي تخرج من بيتهـا بإرادتهـا أو تخرجها حاجة‬
‫المجتمـع مـن أجـل العمـل داخل مجتمـع الواحات‪.‬‬
‫حدود الدراسة‪:‬‬
‫تتمثـل فـي المـرأة العاملـة المتزوجـة داخـل مستشـفى جالـو المركـزي بمدينـة جالو‪ ،‬سـواء‬
‫مـن العناصـر الطبيبـة أو الطبية المسـاعدة‪.‬‬
‫اإلطار النظري‪:‬‬
‫املشكالت اليت تواجهها املرأة العاملة‪:‬‬
‫‪1.‬مشـكالت داخـل نطـاق العمـل‪ :‬وهـي تتعلـق بنوعيـة المشـاكل التـي تواجـه المـرأة العاملـة‬
‫داخـل محيـط المستشـفى‪ ،‬فمعظـم النسـاء العاملات فـي القطـاع الصحـي يعانيـن مـن‬
‫مشـاكل عديـدة تؤثـر علـى أدائهـا لمهامهـا‪ ،‬ومـن بينهـا عـدم المسـاواة بيـن الرجـل والمـرأة‪،‬‬
‫المضايقـات‪ ،‬وغيـاب التحفيـر‪ ،‬والتعامـل مـع المواطنيـن‪ ،‬طـول فتـرة الـدوام‪.‬‬
‫‪2.‬مشـكلة غيـاب األم عـن األبنـاء لفتـرة طويلـة‪ :‬إن مسـؤوليات األم كثيـرة داخـل المنـزل‪،‬‬
‫منهـا االهتمـام والرعايـة والحمايـة والسـهر عنـد المـرض والتربيـة واإلرشـادات‪ ،‬والنصيحـة‬
‫ألبنائهـا‪ ،‬ناهيـك عـن دورهـا اتجـاه زوجهـا‪ ،‬بمعنـى أن مسـؤولياتها اجتماعيـة‪ ،‬وتربويـة‪،‬‬
‫وصحيـة وغذائيـة‪ ،‬لذلـك علـى األم العاملـة أن ترعـى أطفالهـا وتربيهم تربية صحية‪ .‬ألن‬
‫غيابهـا عـن المنـزل لفتـرة طويلـة يؤثـر سـلبًا علـى األبنـاء‪.‬‬
‫‪3.‬المشـكالت الناجمـة عـن التداخـل بيـن مسـؤوليات المـرأة‪ :‬أن عمـل المـرأة ومسـاهمتها فـي‬

‫((( إبراهيم مذكور‪ ،‬معجم العلوم االجتماعية‪ ،‬الهيئة المصرية العامة للكتاب‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪.1975 ،‬‬

‫‪296‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫التنمية واتسـاع نشـاطها وخروجها عن إطار الواجبات والمهام األسـرية‪ ،‬يؤدي إلى تغيرات‬
‫نوعيـة فـي العالقـات األسـرية وعالقـات اإلنتـاج فـي المجتمـع‪ ،‬واختيـار المـرأة لدورهـا فـي‬
‫الحيـاة‪ ،‬الـذي أصبـح معتـادًا إلـى حـد كبيـر‪ ،‬وذلـك لتعرضهـا لضغـوط عديـدة‪ ،‬فهـي مـن‬
‫ناحيـة تخضـع لضغـط التقاليـد والطبيعـة البيولوجيـة التي تدفعها إلـى األعمال المنزلية‬
‫واألمومـة‪ ،‬ومـن ناحيـة أخـرى تنجـذب إلـى الفـرص التـي أصبحـت متاحـة أمامهـا فـي عالـم‬
‫الوظيفـة والعمـل واألجـر‪ ،‬ويواجـه اختيـار المـرأة للعمـل مجموعـة مـن العقبـات نتيجـة‬
‫ألربعـة عوامـل هـي (الـزواج ‪،‬األعمـال المنزليـة‪ ،‬إنجـاب األطفـال وتربيتهـم‪ ،‬الوظيفـة)‬
‫وعنـد قيـام الزوجـة بـكل هـذه األدوار يخلـق لديهـا مشـكلة وصراعـات بينهـا وبيـن زوجهـا‪.‬‬
‫‪4.‬مشـاكل علـى الصعيـد الشـخصي‪ :‬إن التحـرر الجزئـي للمـرأة الذي ظهر فـي انتقالها من مجرد‬
‫حارسـة للبيـت إلـى أن تصبـح منافسـًا قويـًا للرجـل فـي مياديـن الصناعـة‪ ،‬والتجـارة وغيرها‬
‫مـن المهـن‪ ،‬كانـت لـه انعكاسـات إيجابيـة بنـاءة‪ ،‬وأخـرى سـلبية هدامـة في شـخصيتها‪ ،‬فمن‬
‫الناحيـة اإليجابيـة أن العمـل يسـاعدها علـى القيـام بـدور في المسـاهمة بتطوير المجتمع‬
‫(((‬
‫وتطوير شـخصيتها سـيكولوجيا واجتماعيا‪.‬‬
‫دوافع وأسباب خروج املرأة للعمل‪:‬‬
‫ركـزت الباحثـة علـى العوامـل األساسـية التـي دفعـت بالمـرأة للخـروج إلـى ميـدان العمـل‪،‬‬
‫وتتمثـل هـذه الدوافـع فـي مـا يلـي‪:‬‬
‫‪ -1‬الداف�ع االقتص�ادي‪ :‬خـروج المـرأة للعمـل ضـرورة اسـتلزمتها الحاجـات المتزايـدة للمجتمـع‪،‬‬
‫وأن أعبـاء المعيشـة وغالئهـا مـن جهـة والتطلـع إلـى مسـتوى أفضـل للحيـاة مـن جهـة اخرى دفع‬
‫بالمـرأة إلـى الخـروج عـن اطارهـا التقليـدي‪ ،‬والمتمثـل فـي دور المنجبـة والمربيـة والراعيـة‬
‫(((‬
‫لشـؤون أسـرتها‪.‬‬
‫وهـذا مـا أكدتـه تماضـر حسـون فـي دراسـة لهـا "حـول تأثيـر عمـل المـرأة علـى التماسـك‬
‫األسـري"‪ ،‬توصلـت فيهـا إلـى أن الرغبـة فـي زيـادة الدخل األسـري وتحسـين المسـتوى المعيشـي‬
‫كان السـبب الرئيسـي الـذي دفـع أغلبيـة السـيدات لمزاولـة عمـل مأجـور خـارج المنـزل‪ ،‬خاصة‬
‫(((‬
‫اللواتـي ينتميـن إلـى طبقـات ذات دخـل منخفـض ومتوسـط‪.‬‬
‫تـرى الباحثـة ان الدافـع االقتصـادي يعتبـر مـن أقوى األسـباب التي تؤدي الـى خروج المرأة‬
‫للعمـل‪ ،‬فالحاجـة االقتصاديـة وقوتهـا الملحـة لكسـب المـال وحاجـة األسـرة لالعتمـاد علـى‬
‫دخـل المـرأة فـي حالـة عـدم وجـود مصـدر أخـر هـو الـذي يدفعهـا للعمـل خـارج المنـزل‪.‬‬
‫‪ -2‬الداف�ع االجتماع�ي‪ :‬الدوافـع االجتماعيـة تـؤدى دورا مهمـا فـي تحفيـز المـرأة ودفعهـا نحـو‬
‫العمـل‪ ،‬وذلـك إليمـان المـرأة بأهميـة العمـل فـي حيـاة اإلنسـان‪ ،‬أو شـعورها بوقـت فـراغ لديهـا‬
‫يمكـن أن تقصيـة بالعمـل‪ ،‬كمـا تنظـر بعـض الموظفـات إلـى المسـاواة مـع غيرهـا فـي العمـل‪،‬‬
‫ويطمـح البعـض للحصـول علـى مركـز اجتماعـي أعلـى لتحقيـق الـذات مـن خاللهـا‪ ،‬فتشـجيع‬
‫األزواج لزوجاتهـم للعمـل خـارج المنـزل لـه أهميـة فـي هـذا المجـال‪ ،‬ويمكـن حصـر الدوافـع‬
‫(((‬
‫االجتماعيـة فـي (ارتفـاع مسـتوى تعليـم المرأة‪ ،‬الطالق أو وفاة الزوج‪ ،‬ارتفاع حجم األسـرة)‪.‬‬

‫((( محامديـة وبوطوطـن‪ ،‬المـراة العاملـة والعالقـات االسـرية‪ ،‬الملتقـى الوطني الثاني حـول االتصال وجـود الحياة‬
‫االسـرية‪ ،‬ابريـل‪ ،‬قسـم العلوم السـلوكية‪ ،‬جامعـة قاصدي مريـاح‪ ،‬ورقلـة‪ ،‬الجزائر‪.2013،‬‬
‫((( كاميليـا عبـد الفتـاح‪ ،‬سـيكولوجية المـرأة العربيـة‪ ،‬دار الثقافـة العربيـة للطباعـة‪ ،‬القاهـرة‪ ،‬الطبعـة االولى‪،‬‬
‫‪،1972‬ص‪.85‬‬
‫(‪ )5‬تماضـر حسـون‪ ،‬تأثيـر عمـل المـرأة علـى التماسـك االسـري في المجتمـع العربـي‪ ،‬المركـز العربي للدراسـات‬
‫االمنيـة والتدريـب‪ ،‬الريـاض‪ ،1993 ،‬ص‪.50‬‬
‫((( أسـيا كاظـم فرحـان‪ ،‬دور المـرأة فـي النشـاط االقتصـادي مـع التركيـز على المـرأة الريفيةـ‪ ،‬رسـالة ماجسـتير‬
‫المسـتنصرة‪ ،‬بغـداد‪ ،1980 ،‬ص‪. 222‬‬

‫‪297‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫‪ -3‬الداف�ع التعليم�ي‪ :‬إن األسـرة قـد أولـت اهتمامًا كبيـرًا وجهودًا معتبرة بالنسـبة لتعليم المرأة‬
‫وتكوينهـا‪ ،‬حيـث أصبـح تعليمهـا حتميـة ال مفـر منهـا إلخراجهـا مـن بـؤرة األميـة‪ ،‬ولهـذا كان‬
‫النتشـار التعليـم علـى نطـاق واسـع أثـر فـي قلـب المعاييـر التـي كانـت سـائدة مـن قبـل ففـرص‬
‫عمـل المـرأة ترتبـط بمسـتواها التعليمـي وخاصـة فـي مجـال الطـب‪ ،‬وتندفـع للبحـث عـن عمـل‬
‫مهنـي مناسـب لشـهادتها الدراسـية‪.‬‬
‫‪ -4‬الدافع النفسي‪ :‬وتتمثل الدوافع النفسية التي تدفع المرأة للعمل في اآلتي‪:‬‬
‫‪ .‬أوجـود وقـت فـراع‪ :‬فأغلـب النسـاء تعانـي مـن وجـود وقـت فـراغ‪ ،‬السـيما فـي ظـروف عـدم‬
‫اإلنجـاب وغيرهـا ممـا يدفـع المـرأة الـى العمـل مـن أجـل سـد وقـت فراغهـا‪.‬‬
‫‪.‬بعـدم وجـود معيـل لألسـرة‪ :‬قـد تضطـر المـرأة للبحـث عـن عمـل‪ ،‬والخـروج في ظـروف غير‬
‫مناسـبة‪ ،‬بسـبب األحـوال المعيشـية الصعبـة لألسـرة‪ ،‬مثـل عـدم وجـود مصـدر دخـل فـي‬
‫األسـرة لسـبب أو آلخـر‪ ،‬وعـدم وجـود معيـل لهـا‪ ،‬بسـبب الطلاق أو وفـاة الـزوج أو مـرض‬
‫يمنعـه مـن العمـل‪ ،‬أو عـدم رغبـة الـزوج بالعمـل واالتـكال علـى الزوجـة‪ ،‬بعـض الدراسـات‬
‫تشـير إلـى االرتفـاع المتزايـد لألسـر التـي تعيلهـا النسـاء واألمهـات ألسـباب تتعلـق بمـوت‬
‫الـزوج أو الطلاق أو الهجـر أو االنفصـال أو تعـدد حـاالت الـزواج‪.‬‬
‫‪ .‬جبطالـة الـزوج أو توقفـه عـن العمـل‪ :‬فالبطالـة المؤقتـة أو الدائمة للـزوج دور مهم في حياة‬
‫األسـرة‪ ،‬وينعكـس ذلـك سـلبا علـى أوضاعهـم االقتصاديـة والنفسـية‪ ،‬فتوقـف الـزوج عـن‬
‫العمـل يشـكل ظرفـا قاهـرا يرغـم بعـض النسـاء المتزوجـات علـى العمـل‪.‬‬
‫الصعوبات واملعيقات اليت تواجه املرأة العاملة‪:‬‬
‫‪1.‬عدم وجود قطاع خدمات متطور لرعاية أبناء األم العاملة‪.‬‬
‫‪2.‬ضعف التعاون بين الرجل والمرأة داخل األسرة‪.‬‬
‫(((‬
‫‪3.‬ضعف استيعاب بعض الرجال لدور المرأة في العمل‪.‬‬
‫‪4.‬ربط العمل بالحاجة المادية‪.‬‬
‫‪5.‬ضعف وسائل اإلعالم في إبراز أهمية المرأة‪.‬‬
‫‪6.‬التمييز بين الرجل والمرأة في الترشيح والترقيات‪.‬‬
‫‪7.‬عدم وجود الحوافز المادية لبعض المهن‪.‬‬
‫‪8.‬العـادات والتقاليـد التـي تجعـل المـرأة تابعـة للرجـل كان أبـا أو زوجـا أو أخـا وخاصـة فـي‬
‫المناطـق الريفيـة‪.‬‬
‫(((‬
‫‪9.‬قلة فرص التطوير والتدريب للمرأة ‪.‬‬
‫اآلثار املرتتبة على خروج املرأة للعمل‪:‬‬
‫هنـاك مجموعـة مـن اآلثـار ناجمـة عـن صـراع األدوار التـي تعيشـها المـرأة العاملـة خـارج‬
‫البيـت وهـي‪:‬‬
‫‪ -1‬اآلث�ار اإلجيابي�ة‪ :‬فالمـرأة تسـتطيع أن تحقـق ذاتهـا وشـخصيتها ووجودهـا مـن خلال العمـل‪،‬‬
‫فالعمـل يعطيهـا اسـتقالليتها الماديـة‪ ،‬ويسـاهم فـي تنميـة قدراتها الشـخصية‪ ،‬فالقيام بالعمل‬
‫يشـعر المـرأة بالرضـا والسـرور والنجـاح‪ ،‬وكذلـك يسـاهم فـي تحسـين الصحـة النفسـية للمـرأة‪.‬‬

‫((( مليكـة عبـد العالـي‪ ،‬تأثير العوامـل الديموغرافيـة واالقتصادية في عمل المـرأة‪ ،‬جامعة حلب‪ ،‬سـوريا‪،1989 ،‬‬
‫ص‪.43‬‬
‫((( لؤلـؤة عبـداهلل خليفـة‪ ،‬االسـرة الخليجية معالـم النغير وتوجيهات المسـتقبل‪ ،‬مطابـع البيان التجاريـة‪ ،‬الطبعة‬
‫االولى‪ ،‬دبـي‪ ،1996 ،‬ص‪.195-193‬‬

‫‪298‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫ففـي دراسـة قامـت بهـا "فريـدة صـادق زوزو" حـول أثـر عمـل المـرأة خـارج البيـت على اسـتقرار‬
‫بيـت الزوجيـة بماليزيـا‪ ،‬أشـارت إلـى أن مـن أهـم اآلثـار اإليجابيـة لعمـل المـرأة خـارج بيتهـا‬
‫هـي‪( :‬المسـاهمة فـي تنميـة الوطـن‪ -‬المسـاهمة فـي الدخـل‪ -‬المشـاركة فـي األعبـاء الماليـة‬
‫(((‬
‫للزوج)‪.‬‬
‫‪ -2‬اآلث�ار الس�لبية‪ :‬المـرأة المعاصـرة خرجـت للعمـل مدفوعـة بعـدة عوامـل (اقتصاديـة‬
‫واجتماعيـة ونفسـية) وأصبحـت تواجـه عـددًا كبيـرًا مـن العوامـل المتغيـرة المحيطـة بهـا‪ ،‬ممـا‬
‫جعـل دورهـا (خروجهـا للعمـل) يعـود بالسـلب علـى نفسـيتها ويسـبب لهـا الكثيـر مـن المتاعـب‬
‫النفسـية كالقلـق واالكتئـاب؛ وتـؤدي بهـا فـي النهايـة إلى حالـة االضطراب إذا كانـت أمآ ألطفال‬
‫صغـار‪ ،‬فهـي تدفـع ثمـن عملهـا مـن راحتهـا وأعصابهـا‪.‬‬
‫‪ -3‬آث�ار عم�ل امل�رآة على نفس�ها‪ :‬أن المرأة العاملة بسـبب كثرة المسـؤوليات الملقـاة على عاتقها‬
‫(‪((1‬‬
‫فإنهـا تصـاب باإلرهـاق المـؤدي إلى الضغط النفسـي‪.‬‬
‫فالعمل الروتيني الممل أو العمل القاسـي الصعب وخاصة في المستشـفيات‪ ،‬يسـاهم بشـكل‬
‫سـلبي علـى صحـة المـرأة النفسـية‪ ،‬كمـا يعمـل علـى تشـتيت جهدهـا‪ ،‬وعـدم ضبـط النفـس‪،‬‬
‫وفقـدان لقدرتهـا علـى التركيـز والقلـق المسـتمر الـذي تعيشـه معظـم العاملات‪ .‬فقـد ظهـرت‬
‫تيـارات تنـادي بفكـرة أن المـرأة مملكتهـا البيـت والرجـل لـه المجـال الخارجـي‪ ،‬إذ ينظـر إلـى‬
‫توظيـف النسـاء كخطـر يهـدد المسـتويات االخالقيـة واألسـس االقتصاديـة لألسـرة‪ ،‬واالحترام‬
‫(‪((1‬‬
‫الذاتـي للرجـال‪.‬‬
‫من وجهة نظر الباحثة أن الدعم النفسـي من قبل األسـرة وخاصة الزوج له دور كبير في‬
‫التغلـب علـى الصعـاب والضغوطـات النفسـية التـي تتعـرض لهـا المـرأة العاملـة‪ ،‬وذلـك مـن خلال‬
‫تقديـم المسـاعدة لهـا سـواء باالحتياجـات داخـل المنـزل أو خارجـه‪ ،‬فمـن خلال ذلـك الدعـم‬
‫تسـتطيع المـرأة أن تقـوم بعملهـا بأكمـل وجـه‪ ،‬والسـيطرة علـى جميـع الظروف التـي تحيط بها‪،‬‬
‫ألن للمحيـط االجتماعـي دور كبيـر فـي تقديـم المسـاعدة للمـرأة العاملـة عـن طريـق التحفيـز‬
‫والتشـجيع والدوافع لالسـتمرار في العمل‪ ،‬وإال مصيرها االستسلام والتوقف عن أدائها لعملها‪.‬‬
‫‪ -4‬آث�ار عم�ل امل�رأة عل�ى ال�زوج‪ :‬جـاء اإلسلام مؤكـدا حقـوق الـزوج بصـورة واضحـة وصريحـة‬
‫علـى وجـوب طاعتـه وعـدم إهمـال حقـه بـأي حـال مـن األحـوال مـن قبـل الزوجة‪ ،‬فقـد تعرض‬
‫لهـا أسـباب أو تخدعهـا مغريـات فتهمـل حقـه‪ ،‬ويعـد العمـل أحد األسـباب الرئيسـية في انشـغال‬
‫المـرأة عـن أداء واجبهـا تجـاه زوجهـا‪ ،‬وإعطائـه حقـه كمـا أن انشـغالها لفترات طويلـة في العمل‬
‫يـؤدي إلـى شـعورها بالتعـب ورغبتهـا فـي الراحـة عندمـا تعـود الـى المنـزل‪ .‬فعـدم قدرتهـا على‬
‫(‪((1‬‬
‫التحـدث معـه يـؤدي إلـى التباعـد بين الزوجيـن‪.‬‬
‫‪ -5‬آث�ار عم�ل امل�رأة عل�ى األبناء‪ :‬تواجه المرأة العاملـة عدة عوائق‪ ،‬ولكنها ال تحـول دون عملها‬
‫فهـي صعوبـات تعرقـل مسـار العمـل‪ ،‬ولكـن يمكـن إيجـاد الحلـول لهـا أن كانـت عازمـة اإلرادة على‬
‫التحـدي‪ ،‬ومـن أهـم هـذه العوائـق الشـعور بالذنـب تجـاه أطفالهـا‪ ،‬وبالتالـي تحـاول تعويضهـم‬
‫(‪((1‬‬
‫لقضـاء أوقـات أــطول معهـم‪ ،‬واالهتمـام بدراسـتهم‪.‬‬

‫(‪ )9‬فريدة صادق زوزو ماليزيا‪ ،‬تاريخ الدخول ‪ ،2022 /12/18‬على الموقع ‪)"com.lahaonline.www‬‬
‫(‪ ((1‬فرانـس كيـري‪ ،‬دور االفـكار فـي تطـور االسـرة الغربيـة‪ ،‬االصالة‪ ،‬محاضـرات ملتقـى الفكر االسلامي‪ ،‬الجزاء‬
‫الثانـي‪ ،‬وزارة‪ ،‬الشـؤون الدينية‪ ،‬باتنـة ‪ ،1988‬ص ‪.309‬‬
‫(‪ ((1‬سـميرة حرفـوش واخريـات‪ ،‬تحديـات االحتياجـات التدريبيـة للقـوى العاملـة النسـائية السـعودية فـي االجهزة‬
‫الحكوميـة‪ ،‬المركـز العربـي للدراسـات االمنيـة‪ ،‬الريـاض ‪1961‬ص‪.30 ،‬‬
‫(‪ ((1‬عاجـب أبـو مديـن‪ ،‬االثار االسـرية واالجتماعيـة المترتبة عن عمل المـرأة خارج البيت‪ ،‬جامعـة وهران‪،2017 ،‬‬
‫ص‪.13‬‬
‫(‪ ((1‬أنـور حسـن حسـين‪ ،‬اثر عمل المرأة في تماسـك االسـرة وتنشـئة االطفـال‪ ،‬دراسـة حالة بوحدة الحاج يوسـف‪،‬‬
‫مجلة الدراسـات العليا جامعـة النيلين(ع‪ ،)2-37‬السـودان‪ ،2017 ،‬ص‪14‬‬

‫‪299‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫كمـا أن المشـاكل التـي تتعـرض لهـا المـرأة العاملـة وأطفالهـا‪ ،‬تعتمـد علـى نوعيـة المـرأة‬
‫ذاتهـا‪ ،‬ونـوع عالقتهـا بهـم‪ ،‬وكذلـك طريقـة رعايتهـا لهـم ومـدى واسـتمتاعها بعملهـا "فقـد‬
‫يدفعهـا خروجهـا للعمـل حسـاب الوقـت جيـدا وتعليـم االطفـال االعتمـاد علـى أنفسـهم‪ ،‬والنـوم‬
‫واالسـتيقاظ باكـرا وتجهيـز أنفسـهم للذهـاب إلـى مدرسـتهم‪ ،‬وتجعلهـم يعتمـدون علـى أنفسـهم‪،‬‬
‫فـي واجباتهـم المدرسـية‪.‬‬
‫فعاطفـة األم تجـاه اطفالهـا تدفعهـا إلـى التعويـض عن سـاعات الغياب الطويلـة التي يبقون‬
‫بهـا لوحدهـم فتقابلهـم بالحـب واللهفة والشـوق‪ ،‬وهذا يبني قنـوات أفضل للتواصل ويزرع فيهم‬
‫شـعور الحـب والطمأنينـة واألمـان بدال من شـعور الكره والضغينة‪.‬‬
‫الدراسات السابقة‪:‬‬
‫دراس�ة س�هام بنت خضر الزهران�ي (‪" )1432‬بعن�وان املعوقات االجتماعية التي تواجه املرأة‬
‫(‪((1‬‬

‫العامل�ة يف القط�اع الصح�ي" هدفت هذه الدراسـة إلى التعـرف على المعوقـات اإلجتماعية التي‬
‫تواجـه المـرأة العاملـة فـي القطـاع الصحـي وهـي المعوقـات االقتصاديـة والثقافيـة واألسـرية‬
‫والمهنيـة والذاتيـة‪ ،‬واسـتخدمت الباحثـة منهـج المسـح االجتماعـي‪ ،‬واعتمـدت فـي جمـع‬
‫البيانـات علـى أداة االسـتبانة كدراسـة اسـتطالعية علـى مجموعـة مـن الموظفـات العاملات‬
‫فـي المستشـفيات‪ ،‬بلـغ حجـم عينـة الدراسـة (‪ )400‬موظفـة وتوصلـت الدراسـة إلـى تأكيـد‬
‫دور المعوقـات التـي تواجـه المـرأة العاملـة بالقطـاع الصحـي مـن خلال النتائـج التاليـة‪ :‬أن‬
‫احتياجـات أبنـاء الموظفـات تؤثـر علـى أدائهـن لعملهـن بالمستشـفى يمثـل ازدواجـا فـي أدوارهن‬
‫بيـن المنـزل والعمـل‪ .‬وأن مـن بيـن الصعوبـات للموظفـة بالمستشـفى تتمثـل فـي اإلختلاط‪،‬‬
‫وكذلـك صعوبـة فـي ضعـف الراتـب‪ ،‬وأن طبيعـة مهنتهـن تختلـف عـن باقـي العاملات فـي أي‬
‫جهـات حكوميـة أخـرى‪ .‬ومـن الصعوبـات أيضـا التـي تواجـه المـرأة السـعودية االلتحـاق بالعمـل‬
‫بالمستشـفى والمناوبـات الليليـة ال يتوافـق مـع القيـم السـائدة في المجتمع السـعودي وهذا أكثر‬
‫األسـباب التـي تـؤدي فـي تـرك الموظفـة للعمـل بالمستشـفى نظـام المناوبـة الليليـة‪.‬‬
‫دراس�ة ه�دى حمم�د الس�بيعي (‪ ((1(")2010‬بعن�وان املش�كالت االجتماعية التي تواجه املرأة‬
‫العامل�ة يف بيئ�ة العم�ل املختلط�ة" تهـدف إلى التعـرف على المشـكالت االجتماعية التـي تواجه‬
‫المرأة في بيئة العمل المختلطة‪ ،‬وانطلقت من فرضية مفادها أن المشكالت االجتماعية تؤثر‬
‫علـى المـرأة العاملـة فـي بيئـة العمـل المختلطـة‪ ،‬وكذلـك التمييـز مـن المشـكالت االجتماعيـة‬
‫التـي تواجـه المـرأة العاملـة فـي بيئـة العمـل المختلطـة‪ ،‬اسـتخدمت الباحثـة المنهـج التحليلي‬
‫بطريقة المسـح االجتماعي‪ ،‬قامت باختيار عينة عشـوائية منتقاة بنسـبة ال تقل عن ‪15%‬‬
‫مـن النسـاء العاملات فـي كل مؤسسـة مـن المؤسسـات وتوصلـت الدراسـة إلـى وجـود مشـكالت‬
‫تواجـه المـرأة العاملـة وكان أكثرهـا ‪:‬التمييـز بيـن النسـاء والرجـال فـي الترقيـات الوظيفيـة‬
‫فـي بيئـة العمـل المختلطـة‪ ،‬كذلـك وجـود داللـة المتغيـرات الشـخصية واالجتماعيـة للمـرأة‬
‫العاملـة علـى أدائهـا فـي ماهيـة المشـكالت المتعلقـة ببيئـة العمـل المختلطـة‪ ،‬وارتفـاع نسـبة‬
‫المبحوثـات الالتـي يـرون أن مشـكالت المـرأة العاملـة تحـدث بسـبب المديريـن الذكـور أو االناث‬
‫معا ‪.‬‬
‫دراس�ة دالل اس�عد عم�ار (‪ ((1()2014‬بعن�وان عم�ل املرأة وعالقت�ه بالتواف�ق الزواجي" هدفت‬
‫الدراسـة إلـى التعـرف علـى العالقـة بيـن خـروج المرأة للعمل وبين توافقهـا الزواجي لدى عينة‬
‫(‪ ((1‬سـهام بنـت خضـر الزهراتـي(‪ )1432‬المعوقـات االجتماعيـة التـي تواجـه المرأة العاملـة في القطـاع الصحي‪،‬‬
‫رسـالة ماجسـتير‪ ،‬كليـة اآلداب ‪،‬قسـم االجتمـاع والخدمـة االجتماعية‪ ،‬جامعـة عبدالعزيز‪ ،‬السـعودية‪.‬‬
‫(‪ ((1‬هـدى محمـد السـبيعي (‪ )2010‬المشـكالت االجتماعيـة التي تواجه المـرأة العاملة في بيئة العمـل المختلطة‪،‬‬
‫رسـالة ماجسـتير‪ ،‬كلية العلوم االجتماعية‪ ،‬قسـم االجتماع‪ ،‬جامعة محمد بن سـعود االسلامية‪.‬‬
‫(‪ ((1‬دالل أسـعد عمـار (‪ )2014‬عمـل المـرأة وعالقته بالتوافـق الزواجين‪ ،‬مجلة جامعة تشـرين للبحوث والدراسـات‬
‫العلميـة‪ ،‬سلسـلة اآلداب والعلوم االنسـانية‪ ،‬المجلـد (‪ )36‬العدد (‪.)4‬‬

‫‪300‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫مـن النسـاء المتزوجـات فـي محافظـة الالذقيـة‪ ،‬مـن العاملات وغيـر العاملات فـي القطاعيـن‬
‫الحكومـي والخـاص‪ ،‬وتكونـت عينـة الدراسـة مـن (‪ )200‬امـرأة (‪ 106‬مـن العاملات و‪94‬مـن‬
‫غيـر العاملات) واسـتخدمت الباحثـة مقيـاس التوافـق الزواجـي مـن إعدادها‪ .‬وتوصلت الدراسـة‬
‫إلـى وجـود فـروق دالـة إحصائيـا بيـن متوسـط درجـات النسـاء العامالت ومتوسـط درجات النسـاء‬
‫غيـر العاملات فـي توافقهـن الزواجـي الكلـي‪ ،‬ووجـود فـروق دالـة إحصائيـا بيـن متوسـط النسـاء‬
‫العاملات فـي القطـاع الحكومـي وبيـن متوسـط النسـاء العامالت فـي القطاع الخاص فـي توافقهن‬
‫الزواجـي ولصالـح العاملات فـي القطـاع الحكومـي‪.‬‬
‫دراس�ة الص�ادق عثم�ان (‪" ((1()2014‬بعن�وان عم�ل املرأة خ�ارج البي�ت وص�راع االدوار" هدفها‬
‫معرفـة الـدور الـذي يسـاهم فـي ترقيـة المـرأة اجتماعيـا مـن خلال تأثيرهـا علـى أهـم العـادات‬
‫والتقاليـد‪ ،‬كذلـك معرفـة العراقيـل التـي تتعـرض لهـا المـرأة علـى مسـتوى األسـرة‪ .‬وتوعيـة‬
‫المحيطين بالزوجة (الزوج واألبناء) بالصراعات التي قد تنشـأ لديها بين واجباتها المختلفة‬
‫تجاههـم ولذلـك يمكـن دعمهـا وتقديـم المسـاعدات لهـا للتخفيـف من حدة صـراع األدوار لديها‬
‫كمـا هدفـت الكشـف عـن إمكانيـة توفيـق المـرأة بيـن عملهـا خـارج المنـزل واألعبـاء األسـرية‬
‫بشـكل عـام‪ .‬اعتمـدت الدراسـة علـى المنهـج الوصفـي التحليلـي‪ ،‬وعينـة عشـوائية بسـيطة‬
‫تكونـت مـن‪ 65‬عاملـة متزوجـة‪ .‬توصلـت الدراسـة إلـى أن العاملات يجـدن تشـجيع مـن أزواجهن‬
‫وأسـرهن عـن العمـل‪ ،‬وأن العاملات يفضلـن القيـام بأدوارهـن لوحدهـن داخـل البيـت بمسـاعدة‬
‫أزواجهن‪.‬‬
‫دراس�ة خول�ة ب�ن بوزي�د (‪"((1()2015‬بعن�وان مش�كالت امل�رأة العامل�ة وتأثريه�ا عل�ى األداء‬
‫الوظيفي "‬
‫تهـدف إلـى الكشـف عـن مـدى أهميـة المـرأة فـي مجال العمـل‪ ،‬والوقوف على أهـم المعوقات‬
‫أوال مشـكالت التـي تؤثـر علـى أداء المـرأة العاملـة‪ .‬كمـا تبحـث عـن أهـم العوامـل التـي تتولـد‬
‫منهـا هـذه المشـكالت‪ .‬واعتمـدت الدراسـة علـى المنهـج الوصفـي‪ ،‬حيـث بلغـت حجـم العينـة‬
‫المسـتخدمة فـي الدراسـة (‪ )55‬موظفـة‪ .‬توصلـت الدراسـة إلـى أن المشـكالت االجتماعيـة‬
‫والمشـكالت التنظيميـة تؤثـر علـى األداء الوظيفـي‪ .‬وأن التمييـز هـو أحـد المعيقـات التـي‬
‫تؤثـر علـى األداء الوظيفـي وطـول سـاعات العمـل يجعـل مـن المـرأة تخمـل مـن مسـؤولياتها تجاه‬
‫أسـرتها‪ ،‬وكذلـك نظـرة المجتمـع سـلبية لعملهـا وأدائهـا الوظيفـي‪ ،‬والظروف الفيزيقية السـلبية‬
‫لهـا تأثيـر كبيـر علـى مردوديـة العمـل‪.‬‬
‫دراس�ة إميان س�ليمان حامد(‪ )2020‬بعنوان "اآلثار األس�رية االجتماعية املرتتبة على عمل‬
‫(‪((1‬‬

‫امل�رأة املتزوج�ة" هدفـت الدراسـة للتعـرف على اآلثـار األسـرية واالجتماعية الناجمـة عن عمل‬
‫المـرأة المتزوجـة‪ ،‬تكونـت العينـة مـن(‪ )125‬امـرأه متزوجـة ممـن لديهـن أبنـاء‪ ،‬اسـتخدمت‬
‫الباحثـة العينـة الصدفيـة‪ ،‬وإعتمـدت علـى إسـتمارة االسـتبيان فـي جمـع البيانـات‪ ،‬وتوصلـت‬
‫الدراسـة إلى‪ :‬أن اآلثار األسـرية المترتبة على عمل المرأة تراوحت بين اإليجابية والسـلبية‪،‬‬
‫وأن أغلـب العينـات ال يعانيـن مـن وجـود مشـاكل أسـرية نتيجـة عملهـن‪ ،‬نظـرا لتفهـم األزواج‬
‫لظـروف عملهـن حتـى قبـل الـزواج‪ ،‬ممـا جعلـه متقبلا لحياتـه معهـا‪ ،‬كمـا بينـت النتائـج أنهـن‬
‫يشـتكين مـن اإلرهـاق وتعـدد المسـؤوليات داخـل البيـت وخارجـه ممـا يسـبب لهـن الضغوطـات‬
‫النفسية‪.‬‬

‫(‪ ((1‬الصـادق عثمـان (‪ )2014‬عمـل المـرأة خـارج البيـت وصـراع االدوار‪ ،‬رسـالة ماجسـتير‪ ،‬جامعـة محمد خيضر‬
‫بسـكرة‪ ،‬كليـة اآلداب والعلـوم االنسـانية‪ ،‬قسـم العلـوم االجتماعية‪.‬‬
‫(‪ ((1‬خولـة بـن بوزيـد (‪ )2015‬مشـكالت المـرأة العاملـة وتأثيرها علـى األداء الوظيفي‪ ،‬رسـالة ماجسـتير‪ ،‬جامعة‬
‫العربـي بـن مهيدي‪ ،‬كليـة العلـوم االجتماعية‪ ،‬قسـم علـم االجتماع‪.‬‬
‫(‪ ((1‬ايمـان سـليمان حامـد (‪ )2020‬اآلثـار األسـرية االجتماعيـة المترتبـة على عمل المـرأة المتزوجـة‪ ،‬مجلة كلية‬
‫اآلداب‪ ،‬جامعـة بنغـازي‪ ،‬العدد (‪.)48‬‬

‫‪301‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫وأن أغلـب أفـراد العينـة ال يعانيـن مـن وجـود تقصيـر مـع الجيـران‪ ،‬وأنهـم ال يعتبـون عليهـن‬
‫إذا غابـت عنهـم فتـرة معينـة‪ ،‬لتفهمهـم لطبيعـة عملهـا وارتباطهـا بمسـؤوليات داخـل البيـت‬
‫وخارجه‪.‬‬
‫التعقيب عن الدراسات السابقة‪:‬‬
‫لقـد كشـفت نتائـج الدراسـات السـابقة أن هنـاك تشـابه واختلاف فيمـا بينهـا‪ ،‬فمـن ناحيـة‬
‫الموضـوع هنـاك اتفـاق بيـن دراسـة (سـهام بنـت خضـر الزهرانـي‪ )1432،‬ودراسـة (هـدى‬
‫محمـد السـبيعي‪ )2010 ،‬ودراسـة خولـة بـن بوزيـد‪ )2015 ،‬مـع الدراسـة الحاليـة‪ ،‬واتفقـت‬
‫دراسـة (دالل اسـعد عمار‪ )2014،‬ودراسـة (الصادق عثمان‪ )2014،‬ودراسـة (ايمان سـليمان‪،‬‬
‫‪ .)2020‬ومـن حيـث الهـدف فقـد اتفقـت دراسـة كاميليـا عبـد الفتـاح ودراسـة سـهام الزهـري‪،‬‬
‫ودراسـة هـدى محمـد‪ ،‬ودراسـة خولـة بـن بوزيـد‪ ،‬مـع الدراسـة الحاليـة فـي معرفـة المشـكالت‬
‫االجتماعيـة التـي تواجـه المـرأة العاملـة‪ ،‬ودوافـع وأسـباب خروجها للعمل‪ ،‬والمعوقـات والنتائج‬
‫المترتبـة علـى خروجهـا للعمـل‪ .‬ومعظـم الدراسـات أعتمـدت علـى اسـتخدام المنهـج الوصفـي‬
‫التحليلي كالدراسـة الحالية‪ ،‬ودراسـة الصادق عثمان‪ ،‬ودراسـة خولة بن بوزيد‪ ،‬ودراسـة دالل‬
‫أسـعد عمار‪ ،‬ودراسـة إيمان سـليمان‪ .‬واختلفت مع دراسـة سـهام الزهري‪ ،‬ودراسـة هدى السـبعي‬
‫فـي إسـتخدام منهـج المسـح االجتماعـي‪ .‬اتفقـت هـذه الدراسـة مـع دراسـة سـهام الزهرانـي‪،‬‬
‫ودراسـة هـدى السـبعي‪ ،‬ودراسـة خولـة بـن بوزيـد‪ ،‬ودراسـة الصـادق عثمـان مـن حيـث النتائـج‪.‬‬
‫واختلفـت دراسـة إيمـان سـليمان‪ ،‬ودراسـة دالل أسـعد عـن باقـي النتائـج‪.‬‬
‫إجراءات الدراسة‪:‬‬
‫ن�وع الدراس�ة‪ :‬تعتبـر هـذه الدراسـة مـن الدراسـات الوصفيـة التـي تمـد الباحـث بالمعلومـات‬
‫والبيانـات والتـي ترسـم صـورة عامـة للظاهـرة المدروسـة‪.‬‬
‫منه�ج الدراس�ة‪ :‬اتبعـت الدراسـة المنهـج الوصفـي التحليلـي الـذي يقـوم علـى وصـف الظاهـرة‬
‫بنـاء علـى البيانـات التـي تـم جمعهـا‪.‬‬
‫ً‬ ‫وتحليلهـا وتفسـيرها‬
‫جمتم�ع الدراس�ة‪ :‬يتكـون مجتمـع الدراسـة مـن العاملات المتزوجـات بمستشـفى جالـو المركـزي‬
‫البالـغ عددهـن (‪ )50‬عاملـة‪ .‬تـم أخـذ جميـع العاملات المتزوجـات فقـط بالكامـل المتـرددات‬
‫علـى المستشـفى بشـكل دوري‪.‬‬
‫عين�ة الدراس�ة‪ :‬تكونـت عينـة الدراسـة مـن العاملات المتزوجـات والتـي سـبق لهـن الـزواج مـن‬
‫المطلقـات واألرامـل ومعهـن أطفـال‪ ،‬واعتمدت الدراسـة على العينـة القصدية(العمدية)‪ ،‬وألنها‬
‫تضمـن تمثيـل شـرائح المجتمـع مـن حيـث الخصائـص العامـة نتمكـن مـن الحصـول علـى بيانـات‬
‫ونتائـج أفضل‪.‬‬
‫جدول رقم (‪ )1‬يبين توزيع عينة الدراسة‬

‫النسبة المئوية‬ ‫التكرار‬ ‫الوضع الوظيفي‬


‫‪%6‬‬ ‫‪3‬‬ ‫إدارية‬
‫‪%20‬‬ ‫‪10‬‬ ‫طبيبة‬
‫‪%50‬‬ ‫‪25‬‬ ‫ممرضة‬
‫‪%14‬‬ ‫‪7‬‬ ‫مختبرات‬
‫‪%10‬‬ ‫‪5‬‬ ‫قابلة‬
‫‪%100‬‬ ‫‪50‬‬ ‫المجموع‬

‫المصدر‪ :‬بيانات إستمارة االستبيان‬

‫‪302‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫يتضـح مـن الجـدول (‪ )1‬أن أغلـب المبحوثـات مـن الممرضـات حيـث بلغت نسـبتهن (‪)50%‬‬
‫أي يمثلـن نصـف مجتمع الدراسـة‪.‬‬
‫أداة الدراسة‪:‬‬
‫بعـد االطلاع ومراجعـة عـدة أدبيـات ودراسـات سـابقة متعلقـة بمشـكلة الدراسـة قامـت‬
‫الباحثة بإعداد اسـتمارة اسـتبيان خاصة بالعامالت الالتي يواجهن مشـكالت اجتماعية‪ .‬حيث‬
‫تكونـت االسـتمارة علـى (‪ )20‬فقـرة قسـمت علـى عدة محاور األول‪ :‬يتعلـق بالخصائص الخاصة‬
‫بعينـة الدراسـة والثانـي يتعلـق بالمشـكالت االجتماعيـة التي تواجه المـرأة العاملة المتزوجة‪،‬‬
‫والثالـث يتعلـق بالصعوبـات التـي تواجـه المـرأة العاملـة المتزوجـة‪ ،‬والرابـع يتمثـل فـي الدوافع‬
‫واألسـباب التـي أدت إلـى خـروج المـرأة للعمل‪.‬‬
‫يمكن تحليل نتائج الدراسة باإلِعتِماد على اإلستبيان على النحو التالي‪:‬‬
‫أوال‪ :‬البيانات األولية خلصائص جمتمع الدراسة‪:‬‬
‫الجدول (‪ )2‬يوضح توزيع مجتمع الدراسة حسب متغير العمر‬

‫النسبة المئوية‬ ‫التكرار(العدد)‬ ‫الفئة العمرية‬


‫‪%64‬‬ ‫‪32‬‬ ‫الفئة االولى من ‪40-20‬‬
‫‪%36‬‬ ‫‪18‬‬ ‫الفئة الثانية من ‪60-41‬‬
‫‪%100‬‬ ‫‪50‬‬ ‫المجموع‬
‫المصدر‪ :‬بيانات إستمارة االستبيان‬
‫يتضـح مـن الجـدول (‪ )2‬أن المبحوثـات الالتـي أعمارهن من ‪ 40-20‬بلغت نسـبتهن ‪,64%‬‬
‫أي إن أغلب المبحوثات من فئة متوسـطي السـن‪.‬‬
‫ونعـزي هـذه النتيجـة إلـى أن هـذه الفئـة لديهـا القـدرة علـى العمـل المتواصـل والمسـتمر‬
‫نتيجـة النشـاط والطاقـة واألكثـر حيويـة مـن األعمـار األخـرى‪.‬‬
‫الجدول (‪ )3‬يوضح مجتمع الدراسة حسب متغير الدخل‬

‫النسبة المئوية‬ ‫التكرار(العدد)‬ ‫الدخل‬


‫‪70%‬‬ ‫‪35‬‬ ‫دخل منخفض من ‪900-500‬‬
‫‪30%‬‬ ‫‪15‬‬ ‫عال من ‪1500-1000‬‬
‫دخل ِ‬
‫‪100%‬‬ ‫‪50‬‬ ‫المجموع‬
‫المصدر‪ :‬بيانات إستمارة االستبيان‬
‫يتضـح مـن الجـدول (‪ )3‬أن‪ 70%‬مـن المبحوثـات بلـغ الدخل الشـهري لهـن من ‪900-500‬‬
‫دينـار وهـو يعتبـر دخـل منخفـض عنـد مقارنتـه بالدخـل الثانـي‪ .‬فالعمل في المجـاالت الطبية‬
‫يتميـز بارتفـاع الدخـل لحاجـة المجتمـع الملحـة للخدمـات التـي تقدمهـا هـذه المهـن‪ .‬وهـذا ما‬
‫يجعـل العاملات فـي مثـل هـذا القطـاع غيـر راضيـات على تدنـي رواتبهن‪.‬‬

‫‪303‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫الجدول رقم (‪ )4‬يوضح مجتمع الدراسة حسب متغير الحالة االجتماعية‬

‫النسبة المئوية‬ ‫التكرار(العدد)‬ ‫الحالة االجتماعية‬


‫‪66%‬‬ ‫‪33‬‬ ‫متزوجة‬
‫‪20%‬‬ ‫‪10‬‬ ‫مطلقـــــــــة‬
‫‪14%‬‬ ‫‪7‬‬ ‫أرملة‬
‫‪100%‬‬ ‫‪50‬‬ ‫المجموع‬
‫المصدر‪ :‬بيانات إستمارة االستبيان‬
‫يالحـظ مـن الجـدول (‪ )4‬أن نسـبة المتزوجـات مـن المبحوثـات بلغـت ‪ 46%‬وهـي تمثـل‬
‫أعلـى نسـبة مقارنـة بالحـاالت األخـرى‪ .‬وهـذا مـا يسـاعدنا فـي دراسـتنا الحاليـة فـي التعـرف‬
‫علـى المشـكالت التـي تواجـه المـرأة العاملـة المتزوجـة‪ ،‬فالمتزوجـة دورهـا مضاعـف عـن دور‬
‫المطلقـة واألرملـة وذلـك بوجـود الـزوج وهـذا مـا يجعلهـا تواجـه مشـكالت ومعوقـات تعبـر عـن‬
‫طبيعـة حالتهـا مـا بيـن المنـزل والعمـل‪.‬‬
‫الجدول رقم (‪ )5‬يوضح مجتمع الدراسة حسب متغير المستوى التعليمي‬

‫النسبة المئوية‬ ‫التكرار (العدد)‬ ‫المستوى التعليمي‬


‫‪48%‬‬ ‫‪24‬‬ ‫متوسط‬
‫‪52%‬‬ ‫‪26‬‬ ‫جامعي فما فوق‬
‫‪100%‬‬ ‫‪50‬‬ ‫المجموع‬
‫المصدر‪ :‬بيانات إستمارة االستبيان‬
‫يتبيـن مـن الجـدول (‪ )5‬أن أغلـب المبحوثـات مسـتوى تعليمهن جامعـي فما فوق حيث بلغت‬
‫نسـبتهن ‪ 52%‬وهـذا يوضـح لنـا أن المسـتوى التعليمـي يرتبـط بطبيعـة العمـل الـذي يقوم به‬
‫مجتمـع الدراسـة‪ ،‬فهـذا المجـال يحتـاج إلى مسـتويات علمية متقدمة‪.‬‬
‫الجدول (‪ )6‬يوضح مجتمع الدراسة حسب توقيت العمل‬

‫النسبة المئوية‬ ‫التكرار (العدد)‬ ‫توقيت العمل‬


‫‪44%‬‬ ‫‪22‬‬ ‫نهاري‬
‫‪26%‬‬ ‫‪13‬‬ ‫ليلي‬
‫‪30%‬‬ ‫‪15‬‬ ‫ورديات‬
‫‪100%‬‬ ‫‪50‬‬ ‫المجموع‬
‫المصدر‪ :‬بيانات إستمارة االستبيان‬
‫يتضـح مـن الجـدول (‪ )6‬أن المبحوثـات الالتـي يعملن في فترة النهار مثلت نسـبتهن ‪،44%‬‬
‫نسـتنتج ممـا سـبق إن أغلـب المبحوثـات يفضلـن العمـل بفتـرة النهـار‪ ،‬وهـذا يتيـح أكثـر حريـة‬
‫لهـن ليتفرغـن للعمـل داخـل المنـزل‪ ،‬أمـا العمـل الليلي والورديات يترتب عنـه تبعات على الزوج‬
‫واألبناء‪.‬‬
‫وأكـدت دراسـة سـهام خضـر أن مـن أكثـر األسـباب التـي تـؤدي فـي تـرك الموظفـة للعمـل‬
‫بالمستشـفى هـو نظـام المناوبـة الليليـة ألنـه ال يتوافـق مـع القيـم السـائدة فـي المجتمـع‬
‫السـعودي‪.‬‬

‫‪304‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫التساؤل االول‪ :‬ما املشكالت االجتماعية اليت تواجه املرأة العاملة املتزوجة؟‬
‫جدول رقم (‪ )7‬هل تواجهك مشكالت مع الزوج بسبب العمل؟‬

‫النسبة المئوية‬ ‫التكرار‬ ‫احتماالت‬


‫‪%42‬‬ ‫‪21‬‬ ‫نعم‬
‫‪58%‬‬ ‫‪29‬‬ ‫ال‬
‫‪%100‬‬ ‫‪50‬‬ ‫المجموع‬
‫المصدر‪ :‬بيانات إستمارة االستبيان‬
‫يتبيـن مـن الجـدول (‪ )7‬أن أكثـر مـن نصـف مجتمـع الدراسـة ال تواجههن مشـكالت مع الزوج‬
‫بسـبب العمـل وقـد بلغـت نسـبتهن ‪ .58%‬ونسـتنتج ممـا سـبق أن قناعـات األزواج قويـة بعمـل‬
‫زوجاتهـم وذلـك نظـرًا لثقـل األعبـاء الماديـة عليهـم وصعوبـة العيـش والمعيشـة بأجـر واحـد‪،‬‬
‫وهـذا تطـور جديـد فـي عقليـة أهـل الريـف ولـم يكـن موجـودًا في السـنوات السـابقة‪.‬‬
‫جدول رقم (‪ )8‬هل المناوبات الليلية تؤثر على حياتك األسرية؟‬

‫النسبة المئوية‬ ‫التكرار‬ ‫االحتماالت‬


‫‪%74‬‬ ‫‪37‬‬ ‫نعم‬
‫‪%26‬‬ ‫‪13‬‬ ‫ال‬
‫‪%100‬‬ ‫‪50‬‬ ‫المجموع‬
‫المصدر‪ :‬بيانات إستمارة االستبيان‬
‫أن العمـل ً‬
‫ليلا يؤثـر علـى‬ ‫يوضـح الجـدول رقـم (‪ )8‬أن أغلـب المبحوثـات أجبـن (بنعـم) َ‬
‫الحياة األسـرية وخاصة بااللتزامات المنزلية فيما يتعلق بالزوج واألبناء واالهتمام بشـؤونهم‬
‫عنـد غيابهـا لفتـرات طويلـة عـن المنـزل بسـبب عملهـا بالمناوبـات الليليـة فنظـام الـدوام‬
‫المطبـق حاليـا علـى المـرأة العاملـة غيـر مالئـم لطبيعتهـا وظروفهـا ومسـؤولياتها ويعتبـر نظـام‬
‫وأن طول وقت الـدوام الحالي يؤدي إلى انخفاض‬ ‫عمـل طويـل يبعدهـا فتـرة طويلـة عـن المنـزل َ‬
‫أداء وانتاجيـة المـرأة العاملـة‪ .‬وهـذه النتيجـة تتفـق مـع نتيجـة الجـدول رقـم (‪ )6‬عندما أكدن‬
‫المبحوثـات أنهـن يفضلـن الـدوام النهـاري أكثـر مـن الليلـي‪.‬‬
‫جدول رقم (‪ )9‬هل تتلقين أي دعم من األسرة المحيطة؟‬

‫النسبة المئوية‬ ‫التكرار‬ ‫احتماالت‬


‫‪%60‬‬ ‫‪30‬‬ ‫نعم‬
‫‪%40‬‬ ‫‪20‬‬ ‫ال‬
‫‪%100‬‬ ‫‪50‬‬ ‫المجموع‬
‫المصدر‪ :‬بيانات إستمارة االستبيان‬
‫يالحـظ مـن الجـدول (‪ )9‬أن المبحوثـات الالتـي يتلقيـن دعـم مـن األسـرة المحيطـة بلغـت‬
‫نسـبتهن ‪ ،60%‬حيث يتلقين تشـجيع ومسـاعدة من األهل وخاصة في العناية بأبنائهن أثناء‬
‫فتـرة دوامهـن‪ ،‬ممـا يسـهل عليهـن ممارسـة أعمالهن خـارج المنزل‪.‬‬
‫وهـذا مـا أكدتـه دراسـة الصـادق عثمـان علـى أن العاملات يجـدن تشـجيع مـن أزواجهـن‬
‫وأسـرهن عـن العمـل‪ ،‬لـذا يفضلـن القيـام بأدوارهـن لوحدهـن داخـل البيـت بمسـاعدة أزواجهـن‪.‬‬

‫‪305‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫جدول رقم (‪ )10‬هل الزوج يالزم األبناء عند وجودك بالعمل؟‬

‫النسبة المئوية‬ ‫التكرار‬ ‫احتماالت‬


‫‪%68‬‬ ‫‪34‬‬ ‫نعم‬
‫‪%32‬‬ ‫‪16‬‬ ‫ال‬
‫‪%100‬‬ ‫‪50‬‬ ‫المجموع‬
‫المصدر‪ :‬بيانات إستمارة االستبيان‬
‫يالحـظ مـن الجـدول (‪ )10‬ان ‪ 68%‬مـن المبحوثـات أجبـن بـ(نعـم) أن أزواجهـن يالزمـون‬
‫األبنـاء عنـد وجودهـن بالعمـل‪ ،‬وهـذا مؤشـر يـدل علـى روح التعـاون والتفاهـم بيـن الزوجيـن‬
‫ومـدى قناعـة الـزوج بعمـل الزوجـة‪.‬‬
‫جدول رقم (‪ )11‬هل ترين أن نظره المجتمع لعمل المرأة غير منصفة؟‬

‫النسبة المئوية‬ ‫التكرار‬ ‫احتماالت‬


‫‪%72‬‬ ‫‪36‬‬ ‫نعم‬
‫‪%28‬‬ ‫‪14‬‬ ‫ال‬
‫‪%100‬‬ ‫‪50‬‬ ‫المجموع‬
‫المصدر‪ :‬بيانات إستمارة االستبيان‬
‫يبيـن الجـدول (‪ )11‬أن المبحوثـات الالتـي أجبـن بـ(نعـم) بلغـت نسـبتهن ‪ 72%‬ممن يرون‬
‫أن نظـرة المجتمـع ظالمـة وغيـر منصفـة لعمـل المـرأة والسـبب ألن المجتمـع تقليـدي‪ ،‬وينظـر‬
‫إلـى عمـل المـرأة يعطـي لهـا الحريـة ومنافسـة الرجـل في مناصب عليا‪ .‬وأن الرجل هو المسـؤول‬
‫األول‪ ،‬وأن المـرأة مكانهـا المنـزل‪.‬‬
‫التساؤل الثاني‪ :‬ما الصعوبات اليت تواجه املرأة العاملة املتزوجة؟‬
‫جدول رقم (‪ )12‬هل عملك يوفر لك مكان لرعاية األطفال إثناء الدوام؟‬

‫النسبة المئوية‬ ‫التكرار‬ ‫احتماالت‬


‫‪%20‬‬ ‫‪10‬‬ ‫نعم‬
‫‪%80‬‬ ‫‪40‬‬ ‫ال‬
‫‪%100‬‬ ‫‪50‬‬ ‫المجموع‬
‫المصدر‪ :‬بيانات إستمارة االستبيان‬
‫يتبيـن مـن الجـدول (‪ )12‬أن ‪ 80%‬مـن مجتمـع الدراسـة أجبـن بـِ(نعـم) أن العمـل ال يوفـر‬
‫لهـن مـكان لرعايـة أطفالهـن أثنـاء الدوام‪ ،‬فالقطاعـات التي ال يتوفر فيها دور حضانة لألطفال‬
‫علـى مسـتوى عـال مـن التنظيـم والمسـؤولية يجعـل المـرأة العاملـة ال تطمئـن علـى طفلهـا وقت‬
‫وجودهـا بالعمـل‪ .‬ممـا يجعـل المـرأة العاملـة تـرك أبناءهـا إمـا عنـد أهل الزوج‪ ،‬أو أهـل الزوجة‪.‬‬

‫‪306‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫جدول رقم (‪ )13‬هل هناك من يساعدك على العناية بأبنائك أثناء دوامك؟‬

‫النسبة المئوية‬ ‫التكرار‬ ‫احتماالت‬


‫‪64%‬‬ ‫‪32‬‬ ‫نعم‬
‫‪%36‬‬ ‫‪18‬‬ ‫ال‬
‫‪%100‬‬ ‫‪50‬‬ ‫المجموع‬
‫المصدر‪ :‬بيانات إستمارة االستبيان‬
‫يتبيـن مـن الجـدول (‪ )13‬أن‪ 64%‬مـن المبحوثـات أجبـن بـ(نعـم) لديهـن مـن يسـاعدهن‬
‫علـى العنايـة بأبنائهـن أثنـاء الـدوام الرسـمي‪ ،‬وقـد أكـدن المبحوثـات أنهـن عـاد ًة يتلقيـن‬
‫المسـاعدة مـن أهـل الزوجـة (الجـدة والخالـة) أو مـن أهـل الـزوج (الجـدة والعمـة) خاصـة إذا‬
‫كان مسـكن الزوجيـة قريـب مـن مسـكن أهـل الـزوج‪ ،‬أمـا فـي حالـة تواجد الزوج بالمنـزل فيقوم‬
‫بمالزمـة األبنـاء‪ ،‬ومنهـن مـن يأخـذن أبناءهـن للروضـة‪ .‬نسـتنتج مـن نتائـج الجـدول أن النسـاء‬
‫الالتـي يعملـن هـن مـن العاملات الالتي يتلقين مسـاعدة من األخرين فـي العناية بأبنائهن أثناء‬
‫دوامهـن‪ ،‬وهـذا التعـاون هـو مـا يدفعهـن لممارسـة عملهـن خـارج المنـزل‪.‬‬
‫جدول رقم (‪ )14‬هل تواجهك أي صعوبة في القيام بواجبك الوظيفي؟‬

‫النسبة المئوية‬ ‫التكرار‬ ‫احتماالت‬


‫‪%56‬‬ ‫‪28‬‬ ‫نعم‬
‫‪%44‬‬ ‫‪22‬‬ ‫ال‬
‫‪%100‬‬ ‫‪50‬‬ ‫المجموع‬
‫المصدر‪ :‬بيانات إستمارة االستبيان‬
‫يالحـظ مـن الجـدول (‪ )14‬أن ‪ 56%‬مـن النسـاء العاملات يواجهـن صعوبـة عنـد القيـام‬
‫بواجبهـن الوظيفـي‬
‫ونعـزي تلـك النتيجـة إلـى األعبـاء الكبيـرة والمسـؤوليات التـي تتحملهـا المـرأة المتزوجـة‬
‫تجـاه أبنائهـا واتجـاه زوجهـا علـى عكـس المرأة العازبـة‪ ،‬ناهيك عن الواجبـات المنزلية األخرى‬
‫والعالقـات االجتماعيـة مـع األهـل والجيـران واألقـارب واألصدقـاء يلعـب دورًا هامـ ًا فـي عـدم‬
‫القـدرة علـى التوافـق فـي بعـض األحيـان‪.‬‬
‫وهـذا مـا أكدتـه دراسـة خولـة بـن بوزيـد عندمـا أشـارت إلـى أن المشـكالت االجتماعيـة‬
‫والتنظيميـة تؤثـر علـى األداء الوظيفـي‪ ،‬وكذلـك طـول سـاعات العمـل يجعـل مـن المـرأة تهمـل‬
‫مـن مسـؤولياتها تجـاه أسـرتها‪ ،‬ونظـرة المجتمـع السـلبية لعملهـا‪ ،‬وأدائهـا الوظيفـي‪ ،‬والظـروف‬
‫الفيزيقيـة السـلبية لهـا تأثيـر كبيـر علـى مردوديـة العمـل‪.‬‬
‫جدول رقم (‪ )15‬هل وجودك لساعات طويلة بالعمل يجعلك مقصرة تجاه واجباتك المنزلية؟‬

‫النسبة المئوية‬ ‫التكرار‬ ‫االحتماالت‬


‫‪%54‬‬ ‫‪27‬‬ ‫نعم‬
‫‪%46‬‬ ‫‪23‬‬ ‫ال‬
‫‪%100‬‬ ‫‪50‬‬ ‫المجموع‬
‫المصدر‪ :‬بيانات إستمارة االستبيان‬
‫يالحـظ مـن الجـدول (‪ )15‬أن النسـاء الالتـي أجبـن بـ(نعـم) أن بقائهـن لسـاعات طويلـة‬
‫بالعمـل خـارج المنـزل يجعلهـن مقصـرات تجـاه وأجباتهن المنزلية بلغت نسـبتهن‪ ،54%‬فبعض‬

‫‪307‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫األعمـال تجعـل المـرأة مرهقـة ومجهـدة وغيـر قـادرة علـى أداء واجباتهـا المنزليـة ممـا تسـتعين‬
‫بأبنائهـا للقيـام ببعـض األعمـال وهـذا يؤثـر بالسـلب علـى األبنـاء وعلـى تحصيلهـم الدراسـي‬
‫وعلـى العنايـة بصحتهـم وهـذا مـا يجعلهـا غيـر متوافقة بيـن عملها داخل المنـزل وعملها خارج‬
‫المنزل‪.‬‬
‫وهـذا مـا أشـارت إليـه دراسـة سـهام بنـت خضـر أن مـن أهـم الصعوبـات التـي تواجـه المـرأة‬
‫العاملـة المتزوجـة هـو احتياجـات أبنـاء الموظفـات التـي تؤثـر علـى أدائهـن لعملهـن ويمثـل‬
‫ازدواجـا فـي أدوارهـن بيـن المنـزل والعمـل‪.‬‬
‫جدول رقم (‪ )16‬هل يوفر لك العمل مواصالت من المنزل إلى مكان العمل؟‬

‫النسبة المئوية‬ ‫التكرار‬ ‫احتماالت‬


‫‪%20‬‬ ‫‪10‬‬ ‫نعم‬
‫‪%80‬‬ ‫‪40‬‬ ‫ال‬
‫‪%100‬‬ ‫‪50‬‬ ‫المجموع‬
‫المصدر‪ :‬بيانات إستمارة االستبيان‬
‫أن العمـل ال يوفـر‬
‫يالحـظ مـن الجـدول رقـم (‪ )16‬أن ‪ 80%‬مـن المبحوثـات أجبـن بــ(ال) َ‬
‫لهـن مواصلات للذهـاب إلـى العمـل‪ ،‬وحتـى إن وفـر لهن العمل وسـائل مواصلات فالبعض منهن ال‬
‫يذهبـن فـي هـذه المواصلات‪ ،‬ألن الوقـت الطويـل الـذي تقضيـه المرأة المتزوجة داخل وسـيلة‬
‫المواصلات تكـون قـد أنجـزت فيـه عـدة أعمـال داخـل نطـاق المنـزل‪ .‬لـذا ال يفضلـن الذهـاب‬
‫بالمواصلات العامة‪.‬‬
‫جدول (‪ )17‬هل اإلختالط بين الجنسين يؤثر على أدائك لعملك؟‬

‫النسبة المئوية‬ ‫التكرار‬ ‫احتماالت‬


‫‪76%‬‬ ‫‪38‬‬ ‫نعم‬
‫‪24%‬‬ ‫‪12‬‬ ‫ال‬
‫‪100%‬‬ ‫‪50‬‬ ‫المجموع‬
‫المصدر‪ :‬بيانات إستمارة االستبيان‬
‫يتبيـن مـن الجـدول (‪ )17‬أن ‪ 76%‬مـن مجتمـع الدراسـة أجبـن بـ(نعـم) بـأن االختلاط‬
‫بيـن الجنسـين يؤثـر علـى أدائهـن لعملهـن‪ ،‬وتعـزي تلـك النتيجـة إلـى التمييـز الواضـح بيـن‬
‫الذكـور واإلنـاث وخاصـة نظـرة المجتمـع للمـرأة علـى أنهـا أقـل نشـاط وقـدرة وجهـد علـى أداء‬
‫بعـض األعمـال داخـل قطـاع الصحـة وربمـا يعـود السـبب إلـى خبـرة الرجـل وأقدميتـه فـي‬
‫العمل(المستشـفى)‪.‬‬
‫وأكدت دراسة هدى محمد السبيعي أن أكثر المشكالت التي تواجه المرأة العاملة المتزوجة‬
‫هي التمييز بين النساء والرجال في الترقيات الوظيفية في بيئة العمل المختلطة‪.‬‬

‫‪308‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫التساؤل الثالث‪ :‬ما األسباب اليت دفعت املرأة للخروج للعمل؟‬


‫عال هو ما دفعك لاللتحاق بالعمل؟‬
‫جدول رقم (‪ )18‬هل حصولك على مؤهل ِ‬

‫النسبة المئوية‬ ‫التكرار‬ ‫احتماالت‬


‫‪88%‬‬ ‫‪44‬‬ ‫نعم‬
‫‪12%‬‬ ‫‪6‬‬ ‫ال‬
‫‪100%‬‬ ‫‪50‬‬ ‫المجموع‬
‫المصدر‪ :‬بيانات إستمارة االستبيان‬
‫عـال هـو مـا‬
‫ِ‬ ‫نالحـظ مـن الجـدول (‪ )18‬أن أغلـب النسـاء العاملات حصولهـن علـى مؤهـل‬
‫دفعهـن للخـروج للعمـل حيـث مثلـت نسـبتهن ‪ ،88%‬ونالحـظ أن تعليـم المـرأة قـد سـاهم بقـدر‬
‫كبيـر فـي تغييـر نظـرة النسـاء نحـو العمـل‪ ،‬فالتعليـم والحصول على شـهادة علميـة عالية تزيد‬
‫فرص المرأة في الحصول على عمل وفرصة أكبر في تحسـين مسـتوى معيشـتها ودخلها‪ .‬وشـكل‬
‫مصـدر رزق جيـد تسـتطيع مـن خاللـه سـد احتياجاتهـا وحاجـات أسـرتها وتسـاعد زوجهـا فـي‬
‫تحمـل أعبـاء الحياة‪.‬‬
‫جـدول رقـم (‪ )19‬هـل الرغبـة فـي تحسـين الوضـع المالـي نتيجـة الظـروف المعيشـية سـببًا لخروجـك‬
‫العمـل؟‬

‫النسبة المئوية‬ ‫التكرار‬ ‫احتماالت‬


‫‪64%‬‬ ‫‪32%‬‬ ‫نعم‬
‫‪36%‬‬ ‫‪18%‬‬ ‫ال‬
‫‪100%‬‬ ‫‪50‬‬ ‫المجموع‬
‫المصدر‪ :‬بيانات إستمارة االستبيان‬
‫يتبيـن مـن الجـدول (‪ )19‬أن المبحوثـات الالتـي أجبن بـ(نعم) بلغت نسـبتهن ‪ ،64%‬حيث‬
‫أكـدن أن لديهـن رغبـة فـي تحسـين الوضـع المـادي وذلـك نظـرًا للظـروف المعيشـية الراهنـة‪،‬‬
‫وهـذا مـا دفـع المـرأة اللتحاقهـا بسـوق العمـل‪ .‬وهـذا مـا أكدتـه دراسـة كاميليـا عبـد الفتـاح‬
‫التـي وجـدت أن المـرأة العاملـة تخـرج إلـى مياديـن العمـل المختلفـة مدفوعـة مـن أجـل تحقيـق‬
‫امكانياتهـا وتحسـين وضعهـا المـادي‪.‬‬
‫جدول (‪ )20‬هل زيادة حجم األسرة تجعل المرأة من الضروري بأن تلتحق بعملها؟‬

‫النسبة المئوية‬ ‫التكرار‬ ‫احتماالت‬


‫‪66%‬‬ ‫‪33‬‬ ‫نعم‬
‫‪34%‬‬ ‫‪17‬‬ ‫ال‬
‫‪100%‬‬ ‫‪50‬‬ ‫المجموع‬
‫المصدر‪ :‬بيانات إستمارة االستبيان‬
‫يتبيـن مـن الجـدول (‪ )20‬أن ‪ 66%‬مـن النسـاء أجبـن بـ(نعـم) أن زيادة حجم األسـرة يجعل‬
‫المـرأة تلتحـق بالعمـل‪ ،‬وهـذا مـا يدفـع المـرأة للخـروج للعمـل خـارج المنـزل لتقليـل األعبـاء‬
‫الواقعـة علـى األب‪ ،‬فاألطفـال بحاجـة لمـن يلبـي لهـم العديد مـن الحاجات األوليـة والثانوية‪.‬‬
‫ويـزداد الضغـط علـى ُ‬
‫األم فـي حالـة عـدم وجـود األب أو انشـغاله عـن األبنـاء وبالتالـي تسـعى‬
‫المـرأة العاملـة إلـى االكتفـاء بإنجـاب إثنيـن أو ثالثـة أطفـال لتقـل المسـؤولية عـن عاتقهـا‪.‬‬

‫‪309‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫ِ‬
‫إستطعت إثبات ذاتك كإمرأة عاملة في المجتمع؟‬ ‫جدول (‪ )21‬هل‬

‫النسبة المئوية‬ ‫التكرار‬ ‫احتماالت‬


‫‪92%‬‬ ‫‪46‬‬ ‫نعم‬
‫‪8%‬‬ ‫‪4‬‬ ‫ال‬
‫‪100%‬‬ ‫‪50‬‬ ‫المجموع‬
‫المصدر‪ :‬بيانات إستمارة االستبيان‬
‫نالحـظ مـن الجـدول (‪ )21‬أن (‪ )92%‬مـن المبحوثـات الالتـي أجبن بـ(نعم) أنهن اسـتطعن‬
‫إثبـات أنفسـهن فـي مجتمـع يرفـض فيـه عمـل المـرأة المتزوجـة‪ ،‬فمسـألة إثبـات المـرأة العاملـة‬
‫لنفسـها راجـع إلـى شـخصية المـرأة مـن جهـة‪ ،‬وإلـى طبيعـة المجتمـع وباألخـص ثقافـة األسـرة‬
‫مـن جهـة‪ .‬مـن خلال هـذه النتيجـة نرى أن مجتمع الدراسـة يعتبر عمـل المرأة ضروري لتحقيق‬
‫حاجاتهـا النفسـية والمعنويـة ومكانتهـا اإلجتماعيـة واحتـرام التقديـر والذات‪ ،‬فالمـرأة تحاول‬
‫دائمـا إثبـات ذاتهـا وتحقيـق نجاحاتها فـي المجتمع‪.‬‬

‫‪310‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫قائمة املراجع‬
‫‪1 .‬أبو مدين‪ ،‬عاجب (‪ )2017‬اآلثار األسرية االجتماعية المترتبة عن عمل المرأة خارج البيت‪ ،‬جامعة وهران‪.‬‬
‫‪2 .‬إبراهيم‪ ،‬حمد (‪ )1997‬علم االجتماع العائلي‪ ،‬دار جامعة االزهر‪ ،‬الطبعة االولى‪.‬‬
‫‪3 .‬أسـعد عمـار‪ ،‬دالل (‪ )2014‬عمـل المـرأة وعالقتـه بالتوافـق الزواجـي‪ ،‬مجلـة جامعـة تشـرين للبحوث والدراسـات‬
‫العلميـة‪ ،‬سلسـلة اآلداب والعلـوم االنسـانية‪ ،‬المجلـد (‪ )36‬العـدد (‪.)4‬‬
‫‪4 .‬بـن بوزيـد‪ ،‬خولـة (‪ )2015‬بعنـوان مشـكالت المـرأة العاملـة وتأثيرهـا علـى األداء الوظيفـي‪ ،‬رسـالة ماجسـتير‪،‬‬
‫جامعـة العربـي بـن مهيـدي‪ ،‬كليـة العلـوم االجتماعيـة‪ ،‬قسـم علـم االجتمـاع‪.‬‬
‫‪5 .‬بنـت خضـر الزهرانـي‪ ،‬سـهام (‪ )1432‬المعوقـات االجتماعيـة التـي تواجـه المـرأة العاملـة فـي القطـاع الصحـي‪،‬‬
‫رسـالة ماجسـتير‪ ،‬كليـة اآلداب والعلـوم االنسـانية‪ ،‬قسـم االجتمـاع والخدمـة االجتماعيـة‪ ،‬جامعـة الملـك‬
‫عبدالعزيـز‪.‬‬
‫‪6 .‬حرفـوش واخريـات‪ ،‬سـميرة (‪ )1961‬تحديـد االحتياجـات التدريبيـة للقـوى العاملـة النسـائية السـعودية فـي‬
‫األجهـزة الحكوميـة‪ ،‬اإلدارة العامـة للمكتبـات‪ ،‬الريـاض‪.‬‬
‫‪7 .‬حسـون‪ ،‬تماضـر (‪" )1993‬تأثيـر عمـل المـرأة علـى التماسـك األسـري فـي المجتمـع العربـي‪ ،‬المركـز العربـي‬
‫للدراسـات األمنيـة والتدريـب‪ ،‬الريـاض‪.‬‬
‫‪8 .‬حسـين‪ ،‬أنـور حسـن (‪ )1998‬أثـر عمـل المـرأة فـي تماسـك األسـرة وتنشـئة األطفال‪ ،‬دراسـة حالة بوحـدة الحاج‬
‫يوسـف شـرق التعليميـة" محليـة شـرق النيـل‪ ،‬مجلـة كليـة الدراسـات العليـا‪ ،‬قسـم علـم االجتمـاع‪ ،‬جامعـة‬
‫النيليـن (ع ‪ ،)2-37‬السـودان‪.‬‬
‫‪9 .‬سـليمان حامـد‪ ،‬إيمـان (‪ )2020‬اآلثـار األسـرية واالجتماعيـة المترتبـة علـى عمـل المـرأة المتزوجـة‪ ،‬مجلـة كليـة‬
‫اآلداب جامعـة بنغـازي‪ ،‬العـدد‪.48‬‬
‫ ‪10.‬صـادق زوزو‪ ،‬فريـدة‪ ،‬أثـر عمـل المـرأة خـارج البيـت علـى اسـتقرار بيـت الزوجيـة‪ ،‬ماليزيـا‪ ،‬تاريـخ الدخـول‬
‫‪2022/12/18‬علـى الموقـع (‪.)com.lahaonline.www‬‬
‫ ‪11.‬عبد هللا خليفة‪ ،‬لؤلؤة (‪ )1996‬األسـرة الخليجية معالم التغير وتوجيهات المسـتقبل‪ ،‬مطابع البيان التجارية‪،‬‬
‫الطبعـة ‪ ،1‬دبي‪.‬‬
‫ ‪12.‬عبد العالي‪ ،‬مليكة (‪ )1989‬تأثير العوامل الديموغرافية واالقتصادية في عمل المرأة‪ ،‬جامعة حلب‪ ،‬سوريا‪.‬‬
‫ ‪13.‬عبد الفتاح‪ ،‬كاميليا (‪ )1972‬سيكولوجية المرأة العربية‪ ،‬دار الثقافة العربية للطباعة‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪.1‬‬
‫ ‪14.‬عثمـان‪ ،‬الصـادق (‪ )2014‬عمـل المـرأة خـارج البيـت وصـراع االوار رسـالة ماجسـتير‪ ،‬جامعـة محمـد خيضـر‬
‫بسـكرة‪ ،‬كليـة العلـوم اإلنسـانية واالجتماعيـة‪ ،‬قسـم العلـوم االجتماعيـة‪.‬‬
‫ ‪15.‬كاظـم فرحـان‪ ،‬آسـيا (‪ )1980‬دور المـرأة فـي النشـاط االقتصـادي مـع التركيـز علـى المـرأة الريفيـة‪ ،‬رسـالة‬
‫ماجسـتير جامعـة المسـتنصرة‪ ،‬بغـداد‪.‬‬
‫ ‪16.‬كيـري‪ ،‬فرانـس (‪ )1988‬دور األفـكار فـي تطـور األسـرة الغربيـة‪ ،‬األصالـة‪ ،‬محاضـرات ملتقـى الفكـر اإلسلامي‪،‬‬
‫الجـزء الثانـي‪ ،‬وزارة الشـؤون الدينيـة‪ ،‬باتنـة‪.‬‬
‫ ‪17.‬محامديـة‪ ،‬وبوطوطـن(‪ )2013‬المـرأة العاملـة والعالقات االسـرية ‪ ،‬الملتقـى الوطني الثاني حول االتصال وجودة‬
‫الحياة األسـرية‪ ،‬ابريل‪ ،‬قسـم العلوم االنسـانية‪ ،‬جامعة قاصدي مرياح‪ ،‬ورقلة‪ ،‬الجزائر‪.‬‬
‫ ‪18.‬مذكور‪ ،‬ابراهيم (‪ )1975‬معجم العلوم االجتماعية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬الهيئة المصرية العامة للكتاب‪.‬‬
‫ ‪19.‬محمـد السـبيعي‪ ،‬هـدى (‪ )2010‬المشـكالت االجتماعيـة التـي تواجـه المـرأة العاملـة فـي بيئـة العمـل‬
‫المختلطـة‪ ،‬رسـالة ماجسـتير‪ ،‬كليـة العلـوم االجتماعيـة‪ ،‬قسـم االجتمـاع والخدمـة االجتماعيـة‪ ،‬جامعـة اإلمـام‬
‫محمـد بـن سـعود االسلامية‪.‬‬

‫‪311‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫إشراك اجملتمع احمللي يف محاية املوروث واآلثار يف قورينا (كرييين)‬


‫‪Involving the Local Community in the Protection of the Heri-‬‬
‫‪tage and Archaeology of Cyrene‬‬

‫الكاتب‪ :‬د‪ .‬أحمد عيسى فرج عبدالكريم‪.‬‬


‫ترجمة‪ :‬د‪ .‬محمد عمر محمد عبدربه‬
‫أستاذ مساعد بقسم اآلثار‪ /‬جامعة عمر المختار‬

‫القبول‪2023/6/20 :‬‬ ‫االستالم‪2023/6/5 :‬‬

‫املستخلص‪:‬‬
‫كاتبهـا (د‪.‬‬
‫ُ‬ ‫هـذه المقالـة هـي ترجمـة إلـى اللغـة العربيـة‪ ،‬لمقالـة باللغـة اإلنجليزيـة‪،‬‬
‫أحمـد عيسـى فـرج عبـد الكريـم‪ /‬أسـتاذ ُمشـارك بقسـم اآلثـار‪ /‬جامعـة ُعمـر المختـار)‪ .‬وقـد‬
‫ُنشـرت المقالـة األصـل بمجلـة الدراسـات الليبيـة بلنـدن في عددها رقـم ‪ 44‬للعام ‪ 2013‬في‬
‫الصفحـات مـن ‪.106-103‬‬
‫تطـرح هـذه المقالـة مشـروع ًا مهمـًا ُن ِّفـذ فـي مدينـة شـحات‪ ،‬أو مـا ُتعـرف قديمـًا باسـم‬
‫(قورينـا‪ /‬كيرينـي)‪ ،‬يهـدف إلـى إشـراك المجتمـع المحلـي فـي حمايـة التـراث األثـري‪ .‬ويناقـش‬
‫الكاتـب فـي هـذه المقالـة الـدور المهـم الـذي يمكـن للمجتمعـات المحليـة أن تلعبـه فـي حمايـة‬
‫المواقـع األثريـة والمـوروث الثفافـي بشـكل عـام‪ ،‬لكون المجتمع المحلي شـريكًا أساسـي ًا في هذا‬
‫الموضـوع‪ ،‬وذلـك ال يتأتـى إال فـي حالـة عـرف المجتمـع المحلـي القيمة الكبيـرة والمهمة لهذا‬
‫المـوروث الثقافـي َّ‬
‫وقدرهـا‪.‬‬
‫ومـن هنـا يـرى الكاتـب أن تثقيـف المجتمـع وإعالمـه – وبخاصـة األجيـال القادمـة ‪ -‬هـي‬
‫مـن الوسـائل المهمـة والناجعـة لضمـان حمايـة فعليـة للتـراث األثـري‪ ،‬ليـس فـي شـحات فقـط‪،‬‬
‫بـل فـي عمـوم البلاد‪ ،‬وأنـه لتثقيـف هـذه األجيـال ال بـد‪ -‬حسـب ُمبـادرة الكاتـب‪ -‬مـن البـدء‬
‫واالسـتمرار في خطوات عدة‪ ،‬منها‪ -‬على سـبيل المثال ال الحصر‪ -‬إلقاء سلسـلة من المحاضرات‬
‫فـي المـدارس‪ ،‬وتنظيـم زيـارات ميدانيـة للمواقـع األثرية‪ ،‬وإدراج التوعيـة المجتمعية في هذا‬
‫الصـدد فـي المناهج الدراسـية‪.‬‬
‫‪Abstract:‬‬
‫‪This article is an Arabic translation of an English article by Dr. Ahmad Issa‬‬
‫‪Faraj AbdulKareim (Associate Professor in the department of Archaeology/‬‬
‫‪Omar Al-Mukhtar University). The article was published in 2013 in the Journal of‬‬
‫‪Libyan Studies/ London, volume 44, pages 103106-.‬‬
‫‪This article presents an important project that was implemented in the city of‬‬
‫‪Shahaat (ancient Cyrene), aiming to involve the local community in protecting the‬‬
‫‪archaeological heritage. In this article, the author discusses the important role‬‬
‫‪that local communities can play in protecting archaeological sites and cultural‬‬
‫‪heritage in general, considering the local community as an essential partner‬‬
‫‪in this matter, and this can only be achieved if the local community knows and‬‬
‫‪appreciates the great and important value of this cultural heritage.‬‬

‫‪312‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫‪The writer believes that educating and informing the community - and future‬‬
‫‪generations in particular - is one of the very important means to ensure effective‬‬
‫‪protection of the archaeological heritage - not only in Cyrene, but throughout‬‬
‫‪the country. Also, according to the writer's initiative, that to educate these‬‬
‫‪generations, it is necessary - to start and continue in several steps, including‬‬
‫‪delivering a series of lectures in schools, organizing field visits to archaeological‬‬
‫‪sites, and inserting community awareness into the school curriculum.‬‬

‫مقدمة‪:‬‬
‫مدينـة شـحات القديمـة أو (قورينـا‪ /‬كيرينـي) هـي واحـدة مـن أهـم المواقـع األثريـة فـي‬
‫سـجلة فـي قائمـة مواقـع التـراث العالمـي منـذ عـام ‪ ،1982‬وهـي واحـدة مـن‬ ‫العالـم‪ ،‬وهـي ُم َّ‬
‫خمسـة مواقـع فـي ليبيـا‪ُ ،‬مدرجـة اآلن علـى قائمـة التـراث العالمـي‪.‬‬
‫إال أنـه‪ -‬ومـع األسـف‪ -‬فـإن هـذا الموقـع أصبـح تحـت التهديـد ألسـباب عـدة‪ ،‬وقـد الحظـت‬
‫لجنـة التـراث العالمـي العديـد مـن هـذه التهديـدات ودونتهـا؛ ولذلـك فقـد ُطلـب مـن مصلحـة‬
‫اآلثـار الليبيـة ‪-‬وفـي أكثـر مـن مناسـبة‪ -‬طـرح حلولهـا فـي هـذا الصـدد(((‪.‬‬
‫لقـد سـبق أن حـاول بعـض علمـاء اآلثـار‪ -‬ممـن خبـروا ليبيـا وعملـوا بهـا‪ -‬لفـت االنتبـاه إلـى‬
‫المخاطـر والتهديـدات التـي تؤثـر سـلبًا فـي الممتلـكات الثقافيـة واآلثـار بشـكل عـام‪ ،‬وبنـاء‬
‫عليـه‪ ،‬فقـد بـدأت مصلحـة اآلثـار فـي العمـل على الحد من تلـك التهديـدات والمخاطر وحماية‬
‫ً‬
‫خاصـة(((‪.‬‬ ‫المـوروث فـي جميـع أنحـاء ليبيـا‪ ،‬وفـي قورينـا‬
‫الرتاث حتت التهديد‪:‬‬
‫موقع قورينا األثري واقع حتت التهديد نتيجة العديد من العوامل اليت ميكن تقس�يمها بش�كل‬
‫عام إىل عوامل طبيعية ُ‬
‫وأخرى بشرية(((‪.‬‬
‫فـي الوقـت الـذي تتمثـل العوامـل الطبيعيـة فـي التهديـدات الناتجـة عـن المنـاخ والغطـاء‬
‫النباتـي‪ ،‬نجـد أن العوامـل البشـرية ُمتعـددة وتشـمل رعـي الحيوانـات فـي المواقـع األثريـة‬
‫المكشـوفة داخـل حـدود المدينـة القديمـة‪ ،‬والحفـر الناجـم عـن مسـح أجـزاء مـن ضواحـي‬
‫المدينـة ومقابرهـا األثريـة لغـرض األنشـطة الزراعيـة‪ ،‬باإلضافـة إلـى إنشـاء طـرق جديـدة‪،‬‬
‫وبنـاء عـدد كبيـر مـن المنـازل الحديثـة داخـل حـدود موقـع المدينـة القديمة وفـي ضواحيها‪،‬‬
‫وبخاصـة فـي المناطـق المحتويـة علـى مقابـر أثريـة‪.‬‬
‫هنـاك أيضـ ًا ازديـاد فـي عمليـات التنقيب السـرية لغرض سـرقة اآلثـار‪ ،‬وخاصة في منطقة‬
‫المقابـر الشاسـعة وفـي عـدد مـن المواقـع بضواحـي المدينـة‪ ،‬ناهيـك عـن المشـاكل المتزايـدة‪،‬‬
‫الناجمـة عـن السـياحة‪ ،‬ال سـيما التلـوث الناتـج مـن رمـي القمامـة‪ ،‬والكتابـة والرسـم علـى‬
‫المدمـرة التـي قـد تشـب نتيجـة إليقـاد النيـران مـن ِق َبـل ُّ‬
‫السـياح فـي أثناء‬ ‫الجـدران‪ ،‬والحرائـق ُ‬
‫‪(1) UNESCO WHC 1982. http://whc.unesco.org/en/list/190/‬‬
‫‪(2) Bennett, P. and Barker, G. 2011. Protecting Libya’s Archaeological Heritage.‬‬
‫‪African Archaeological Review 25.5: 5–25; Cuttler et al. 2009. Changing per-‬‬
‫‪spectives on the city of Cyrene, Libya: Remote sensing and the management of‬‬
‫‪the buried archaeological resource. Archéo Sciences 33 (suppl.): 65–67.‬‬
‫‪(3) Abdulkariem, A. 2011. Factors of Deterioration at the Archaeological Site‬‬
‫‪in Cyrene. In Ensoli, S. (ed.), For the Preservation of the Cultural Heritage in‬‬
‫‪Libya, a dialogue among institutions. Procedings of Conference 1–2 July 2011.‬‬
‫‪Fabrizio Serra editore, Pisa/ Roma: 109.‬‬

‫‪313‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫نزهاتهم‪.‬‬
‫والسـؤال المهـم هنـا هـو‪ :‬مـا دوافـع الناس إلتلاف تراثهم في مدينة قورينـا؟ والجواب حتماً‬
‫المؤثـرة فـي تدهـور الموقع‪ .‬وعلـى أية حال‪،‬‬ ‫ومركـب‪ ،‬بمـا أن هنـاك العديـد مـن العوامـل ُ‬ ‫معقـد ُ‬
‫فـإن السـبب األساسـي فـي التهديـد البشـري الـذي تتعـرض لـه قورينـا هو قلـة المعرفـة والوعي‬
‫بالقيمـة التراثية للموقع‪.‬‬
‫األسـباب األخرى تشـمل المكاسـب الشـخصية‪ ،‬كبناء منزل للسـكن‪ ،‬أو حظيرة للحيوانات‪ ،‬أو‬
‫وغالبـا مـا ُترتكـب هـذه التجـاوزات حتـى مـع علـم ُمرتكبيهـا بأنهـا‬
‫ً‬ ‫الزراعـة فـي الموقـع األثـري‪،‬‬
‫تتعـارض مـع األعـراف والقوانين السـائدة‪.‬‬
‫حنو إشراك ُس َّ‬
‫كان قورينا يف احلفاظ على تراثهم ومحايته‪:‬‬
‫لـم تحـاول مصلحـة اآلثـار –حتـى مؤخـرًا‪ -‬إشـراك عامـة النـاس فـي حمايـة مـوروث ليبيـا‬
‫والمحافظـة عليـه‪ ،‬بـل عملـت بشـكل منعـزل مـن دون إشـراك المجتمـع المحلـي‪ .‬ولـم تحـاول‬
‫مصلحة اآلثار أيض ًا توعية الناس وتثقيفهم حول تراثهم وآثارهم‪ ،‬سـواء بشـكل مسـتقل أو عن‬
‫طريـق التعـاون مـع اآلخريـن‪( ،‬مثـل‪ :‬المنظمـات‪ ،‬أو المؤسسـات التعليميـة‪ ،‬أو منظمـات المجتمع‬
‫المدني)‪.‬‬
‫إن نقـص هـذا التواصـل لـم يـؤد إلـى جهـل المجتمـع باآلثـار والتـراث فحسـب‪ ،‬بـل ً‬
‫أيضـا إلـى‬
‫عـدم فهـم قيمـة هـذا التـراث بالنسـبة للمجتمـع‪ .‬هنـاك عامـل آخـر ربمـا سـاهم أيضـ ًا فـي هذا‬
‫الوضـع‪ ،‬وهـو الموقـف الـذي اتخـذه (نظـام القذافي)‪ ،‬وذلك لرؤيته للمواقـع اآلثارية والتراثية‬
‫فـي ليبيـا علـى أنهـا مـن بقايـا االسـتعمار‪ ،‬وال عالقـة لهـا بالشـعب الليبي(((‪.‬‬
‫إن إشـراك المجتمـع المحلـي فـي حمايـة التـراث‪ ،‬باإلضافـة إلـى خطـط التنميـة يمكنهـا‬
‫نجـزت‬‫أن تسـاعد فـي ضمـان تحقيـق األهـداف المرجـوة‪ ،‬فبعـد ثـورة ‪ 17‬فبرايـر ‪ُ ،2011‬أ ِ‬
‫العديـد مـن األنشـطة والمبـادرات المدنيـة‪ ،‬وهـذا راجـع إلى أن المناقشـة وصنع القـرار أصبحتا‬
‫مفتوحتيـن ومتاحتيـن أمـام السـكان المحلييـن‪.‬‬
‫ومـن الواضـح أن خلـق الوعـي باآلثـار والتـراث سـيكون لـه نتائج مفيدة وفورية‪ .‬فهو سـيزيد‬
‫مـن الشـعور بالفخـر واالعتـزاز المحلـي باآلثـار والتـراث‪ ،‬وهذا بدوره سيسـاعد فـي الحماية‪.‬‬
‫ال شـك فـي أن االسـتثمار فـي التواصـل مـع المجتمـع‪ ،‬وبخاصـة طلبـة المـدارس‪ ،‬سـيؤدي‬
‫ِّ‬
‫سـيعزز العالقـات‬ ‫إلـى تغييـر جوهـري فـي رؤيـة السـكان المحلييـن للموقـع األثـري‪ ،‬وهـذا بـدوره‬
‫واسـعا لحمايـة المواقع‬
‫ً‬ ‫شـعبيا‬
‫ًّ‬ ‫ً‬
‫تكافلا‬ ‫بيـن المجتمـع والفـرق األثريـة والمواقـع األثريـة‪ّ ،‬‬
‫ويولِـد‬
‫األثرية‪.‬‬
‫باإلضافـة إلـى ذلـك‪ ،‬فـإن هـذا االسـتثمار سيشـجع على نقـل المعلومات األثريـة إلى جمهور‬
‫أوسـع‪ ،‬وأيضـًا يشـجع علـى اسـتخدام اإليـرادات الماديـة المحتملـة مـن المـوروث فـي توظيـف‬
‫السـكان المحلييـن(((‪.‬‬
‫إن هـذه المبـادرة الموصوفـة أدنـاه‪ ،‬هـي مسـتمدة ‪ -‬فـي األسـاس‪ -‬مـن مشـروع أطروحـة‬

‫‪(4) Kenrick, P. 2011. Conservation and Presentation of Cultural Heritage: the Im-‬‬
‫‪portance of Education. In Ensoli, S. (ed.), For the Preservation of the Cultural‬‬
‫‪Heritage in Libya, a dialogue among institutions. Procedings of Conference 1–2‬‬
‫‪July 2011. Fabrizio Serra editore, Pisa/ Roma: 145.‬‬
‫‪(5) Moser, D. G. (2002). Transforming Archaeology through Practice: Strategies‬‬
‫‪for Collaborative Archaeology and the Community Archaeology Project at Qu-‬‬
‫‪seir, Egypt. World Archaeology, Vol. 34, No. 2, Community Archaeology, 223.‬‬

‫‪314‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫الدكتوراه لكاتب هذه المقالة‪ ،‬التي تهدف ً‬


‫أيضا إلى المساهمة في ثورة ‪ 17‬فبراير (((‪.2011‬‬
‫برنام�ج لتعري�ف طلب�ة وطالبات امل�دارس احمللية الدارسين باملرحل�ة الثانوي�ة باملوقع األثري‬
‫ملدينة (قورينا) (ش�حات)‪:‬‬
‫قتـرح إلـى مكتـب النشـاط بـإدارة التعليـم في شـحات يهدف إلى نشـر وعـي عام وأكبر‬
‫ٌ‬ ‫ُق ِّ‬
‫ـد َم ُم‬
‫بأهميـة المواقـع األثريـة بمدينـة قورينـا‪ .‬وتضمـن االقتراح الذي قبله مكتب النشـاط ما يلي‪:‬‬

‫‪ .1‬احملاضرات‪:‬‬
‫ُن ِّظمـت لمـدارس المرحلـة الثانويـة بمدينـة شـحات ُع ٌ‬
‫ـروض مـن ِق َبـل (فريـق التعريـف‬
‫باآلثـار والتـراث بمراقبـة آثـار شـحات)‪ .‬وقـد ُر ِّك َـز فـي هـذه العـروض علـى قضايـا رئيسـة‪،‬‬
‫مثـل‪ :‬التعريـف باآلثـار الليبيـة وأهميتهـا‪ ،‬والقيمـة االقتصادية المحتملة علـى المدى الطويل‬
‫للممتلـكات التراثيـة‪ ،‬باإلضافـة إلـى التهديـدات التـي يتعـرض لهـا المـوروث الليبـي اليـوم‪.‬‬
‫مـن خلال هـذه العـروض ُن ِّبـه الطلاب إلـى أن حمايـة المواقـع والمبانـي األثريـة مسـؤولية‬
‫جميـع الليبييـن‪ ،‬السـيما وأنهـم يشـكلون جـزءًا مـن تـراث مشـترك‪ ،‬وأن حمايـة تراثنـا واجـب‬
‫وطني‪.‬‬

‫‪ .2‬الوسائل التعليمية‪:‬‬
‫صممـة لعرضهـا فـي مداخـل المـدارس لفتـرة مـن‬ ‫الم َّ‬
‫وتشـمل الخرائـط والصـور والرسـومات‪ُ ،‬‬
‫الزمـن‪ .‬وقـد تضمنـت الصـور نمـاذج قديمة ُأخذت من أرشـيف الموقع إلحـدى مناطق قورينا أو‬
‫لمعلـم أثـري معيـن‪ ،‬باإلضافـة إلـى صور فوتوغرافية حديثة للمنطقة نفسـها أو للمعلم األثري‬
‫خدمت هذه‬ ‫نفسـه؛ لغرض توضيح وتفسـير مدى التغييرات التي حدثت على الموقع‪ .‬وقد ُ‬
‫اسـت ِ‬
‫الصـور للمقارنـة‪ ،‬وللشـرح‪ ،‬ولتحليـل الظواهـر السـلبية التـي تـؤدي إلى تدهور المعالـم والمواقع‬
‫األثرية بشـكل عام‪.‬‬

‫‪ .3‬الدعوات‪:‬‬
‫وق ِّدمـت معلومـات وشـروح عـن تاريـخ‬ ‫كمـا ُو ِّجهـت الدعـوة للمـدارس لزيـارة الموقـع األثـري‪ُ ،‬‬
‫وآثـار الموقـع للتالميـذ‪ ،‬وتضمـن هـذا التقديـم إقامـة العديـد مـن األنشـطة‪ ،‬لجعـل تجربـة‬
‫التعلـم لـدى الطلاب والطالبـات ممتعـة ومسـلية وال ُتنسـى‪.‬‬
‫التحديات والنتائج‪:‬‬
‫لقـد أظهـر البرنامـج تحديـات حقيقيـة‪ ،‬ليـس أقلهـا‪ ،‬أن القليـل منهـم كانـوا علـى اسـتعداد‬
‫ـد َم‪ .‬فحتـى اآلن‪ ،‬لـم ُينفـذ إال عدد قليل من المحاضـرات والزيارات الميدانية‬ ‫لتبنيـه عندمـا ُق ِّ‬
‫أي من الوسائل التعليمية‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ً‬
‫(الصورتان ‪ 1‬و ‪ ،)2‬وأيضا فإنه‪ -‬وألسباب مالية‪ -‬لم تنتج حتى اآلن ّ‬
‫العظمـى ينتابهـم الشـك فـي أن مثـل‬ ‫تجـدر اإلشـارة هنـا إلـى أنـه فـي البدايـة كان الغالبيـة ُ‬
‫هـذه البرامـج سـتحقق أيـة نتائـج إيجابيـة‪ ،‬ولكـن مـع بـدء العمليـة‪ ،‬فقـد صـار العديـد مـن‬
‫الزملاء مقتنعيـن بأهميـة المبـادرة‪ .‬وكان دور مكتـب التعليـم فـي مدينـة شـحات مفيدًا ومشـجعًا‬
‫للغايـة منـذ البدايـة‪ ،‬وكان ردهـم اإليجابـي الكبيـر علـى االقتـراح األصلـي دافعـ ًا كبيـرًا ومهمـًا‬
‫للمضـي قدمـ ًا فـي المبـادرة‪.‬‬

‫‪(6) Al-Qataani, A. 2012. (November 22). Experience is the best teacher. Correspon-‬‬
‫‪dents.org/ ly. Retrieved 04 January 2013 from Correspondents.org: http://www.‬‬
‫‪correspondents.org/node/1281.‬‬

‫‪315‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫وممـا ال شـك فيـه أن مثـل هـذه المبـادرات الرائدة تواجه العديد مـن الصعوبات والتحديات‪،‬‬
‫وليـس أقلهـا القيـود الماليـة‪ .‬فيمكـن القيـام بالمزيـد مـن خلال التمويـل المالـي للوسـائل‬
‫التعليميـة‪ ،‬بمـا فـي ذلـك توفيـر معـدات العـرض والكراسـي الكافية للمشـاركين وإنتـاج الكتيبات‬
‫أو النشـرات‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫كان الوقـت أيضـا عاملا مقيـدا‪ ،‬حيـث كانت العروض والجوالت الميدانية خارج إطار المنهج‬
‫الدراسـي‪ .‬ولذلـك نأمـل فـي المسـتقبل أن ُت َّ‬
‫طـور المبـادرة لتضمينهـا في المناهج الدراسـية‪ ،‬وأن‬
‫ُت َّ‬
‫طـور وتوسـع؛ لتعمـم فـي كل أنحـاء البالد‪ ،‬وال سـيما كل المـدارس في ليبيا‪.‬‬
‫المرشد‪.‬‬
‫صورة ‪ .1‬زيارات ميدانية للموقع مع ُ‬

‫صورة ‪ .2‬عرض في قاعة الدراسة‪.‬‬

‫ً‬
‫عاملا مقيـدًا‪ ،‬حيـث كانت العروض والجوالت الميدانية خارج إطار المنهج‬ ‫كان الوقـت أيضـًا‬
‫الدراسـي‪ .‬ولذلك نأمل في المسـتقبل أن ُت َّ‬
‫طور المبادرة لتضمينها في المناهج الدراسـية‪ ،‬وأن‬

‫‪316‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫اخلامتة‪:‬‬
‫لقـد أكـدت نتائـج هـذه المبـادرة أن الطريقـة الصحيحـة لتحقيـق حمايـة ناجعـة للمـوروث‬
‫فـي ليبيـا تكمـن فـي نشـر أهميتـه لألجيـال القادمـة‪ ،‬وربـط العالقـة بيـن التـراث والمجتمـع من‬
‫حيـث الهويـة الوطنيـة والثقافيـة والقيمـة االقتصاديـة‪ ،‬وبالتالـي يمكننـا تحقيـق الحمايـة‬
‫للمـوروث فـي الوقـت الحالـي وفـي المسـتقبل علـى حـد سـواء‪.‬‬
‫لقـد ُد ّوِنـت أيضـ ًا مالحظـات عـدة‪ ،‬فـي نقـاط رئيسـة مـن خلال هـذا العمـل‪ ،‬وسـيكون مـن‬
‫المفيـد البنـاء علـى هـذه المعرفـة فـي المسـتقبل‪.‬‬
‫كان الطلاب والمعلمـون مهتميـن جـدًا بالمعلومـات المقدمـة حـول المدينـة القديمـة‪،‬‬
‫وصلتهـا بأجيـال اليـوم والمسـتقبل‪ .‬ولعلـه مـن المفاجـئ أن بعضهـم قـد أشـار إلـى أنـه لم يسـبق‬ ‫ِ‬
‫لهـم زيـارة موقـع قورينـا األثـري‪ ،‬علـى الرغـم مـن إقامتهـم فـي شـحات أو فـي المـدن والمناطـق‬
‫المجـاورة لهـا أو القريبـة منهـا‪.‬‬
‫إال أنـه لـم يكـن مفاجئـ ًا‪ -‬فـي الوقـت نفسـه‪ -‬أن معظمهـم اعتـرف بمعرفـة القليـل جـدًا عـن‬
‫الموقـع األثـري للمدينـة‪ ،‬وهـذا مـرده إلـى أن المعلومـات المتوافرة حول قورينـا باللغة العربية‬
‫كانـت قليلـة العـرض‪ ،‬إضافـة إلـى نـدرة البرامـج الشـعبية – المرئيـة والمسـموعة علـى حـد‬
‫سـواء‪ -‬التـي تتنـاول هـذه المواضيـع‪.‬‬
‫لحـة إلـى ترجمـة األعمـال المنشـورة حول موقـع قورينا األثري‬ ‫وعليـه فـإن هنـاك حاجـة ُم َّ‬
‫مـن اللغتيـن اإلنجليزيـة واإليطاليـة إلـى العربيـة‪ ،‬لتكـون متاحـة لألجيـال القادمـة من الطالب‬
‫الليبييـن‪ ،‬كمـا أن الكتيبـات والكتـب المصـورة الجديـدة مطلوبـة للجميـع‪ ،‬ولألطفـال علـى وجـه‬
‫صـى باتبـاع هـذا النـوع مـن المبـادرات فـي جميـع أنحـاء البلاد‪ ،‬وبدعـم مـن‬ ‫ويو َ‬
‫الخصـوص‪ُ ،‬‬
‫مصلحـة اآلثـار والمؤسسـات الرسـمية فـي الدولـة‪.‬‬
‫إن وزارة التربيـة والتعليـم هـي شـريك رسـمي فـي مشـروع موقـع قورينـا األثـري‪ ،‬ويحدونـا‬
‫األمـل فـي أن يصبـح ‪-‬المـوروث واآلثـار فـي ليبيـا‪ ،‬والقضايـا التـي تهـدد المواقـع التاريخيـة فـي‬
‫كل أنحـاء البلاد‪ -‬مكونـ ًا مهمـًا فـي المنهـج الدراسـي المحلـي فـي المسـتقبل‪.‬‬
‫كمـا نأمـل فـي ازديـاد عـدد الزيـارات المدرسـية للمواقـع األثريـة والمتاحـف فـي جميـع‬
‫ً‬
‫نتيجـة لهـذه المبـادرة (التوعويـة) البسـيطة والضروريـة‪ ،‬وكلنـا أمل أيضـًا في أن‬ ‫أنحـاء البلاد‪،‬‬
‫المعرفـة بالمـوارد سـتولد الرغبـة الوطنيـة لحمايـة تراثنـا لصالـح األجيـال القادمـة‪.‬‬
‫شكر وتقدير‪:‬‬
‫أنـا مديـن للغايـة للدكتـور روبـرت موركـوت (المشـرف علـى بحثـي ألطروحـة الدكتـوراه‬
‫بقسـم اآلثـار فـي جامعـة إكسـتر بالمملكـة المتحـدة)‪ ،‬الـذي شـجعني علـى كتابـة هـذه المقالة‬
‫وتقديمهـا‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫والشـكر أيضـا لألسـتاذ فـرج عبـد العاطـي حامـد‪ ،‬الـذي كان مراقبـا آلثـار شـحات عندمـا‬
‫قدمـت اقتراحـي األصلـي‪ .‬وأود أن أعـرب عـن خالـص امتنانـي للدكتـور صالـح العقـاب رئيـس‬
‫مصلحـة اآلثـار‪ ،‬كمـا أتوجـه بخالـص الشـكر لمكتـب التربيـة والتعليـم فـي شـحات‪ ،‬وخاصـة إلى‬
‫رمضـان اإلخوانـي بمكتـب النشـاط‪.‬‬
‫الشـكر موصـول أيضـ ًا إلـى مراقبـة آثـار شـحات والمركـز الثقافـي‪ ،‬وراديـو قورينـا‪ .‬وختام ًا أود‬
‫أن أعـرب عـن خالـص تقديـري للسـيد أحمـد الصابـر سـعدون (المديـر السـابق لمراقبـة آثـار‬
‫شـحات)‪ ،‬الـذي أيـد اقتراحـي منـذ عـام ‪ 2010‬قبـل ثـورة فبرايـر‪ ،‬على الرغم مـن أننا – ومع‬
‫األسـف ‪ -‬لـم نتمكـن مـن تنفيـذه فـي ذلـك الوقـت‪.‬‬
‫إن نجـاح هـذا العمـل يرجـع إلـى القـدرات المتميـزة للفريق الذي قام بتنفيـذه‪ ،‬هذا الفريق‬

‫‪317‬‬
‫العدد ( الثامن ) يوليو ‪2023‬م‬ ‫مجلة دالالت‬

‫علـي شـكره‪ ،‬وهـم‪ :‬عبـد الرحيـم صالـح شـريف‪ ،‬ورزق عبـد الكريـم عبـد اهلل‪،‬‬
‫َّ‬ ‫الـذي ينبغـي‬
‫وعلـي عبـد الحميـد عبـد السـيد‪ .‬وسـيتكون الفريـق الجديـد لموسـم ‪ 2013-2012‬مـن كل‬
‫مـن‪ :‬فتحيـة عبدالنبـي‪ ،‬وسـعيد امحمـد العنابـي‪ ،‬وفضـل عبدالعزيـز المبـروك‪.‬‬

‫‪318‬‬
‫م‬2023 ‫العدد ( الثامن ) يوليو‬ ‫مجلة دالالت‬

‫قائمة املراجع‬
1. Abdulkariem, A. 2011. Factors of Deterioration at the Archaeological Site in Cyrene.
In Ensoli, S. (ed.), For the Preservation of the Cultural Heritage in Libya, a dialogue
among institutions. Procedings of Conference 1–2 July 2011. Fabrizio Serra editore,
Pisa/ Roma: 109–110.
2. Al-Qataani, A. 2012. (November 22). Experience is the best teacher. Correspondents.
org/ ly. Retrieved 04 January 2013 from Correspondents.org: http://www.correspondents.
org/node/1281.
3. Bennett, P. and Barker, G. 2011. Protecting Libya’s Archaeological Heritage. African
Archaeological Review 25.5: 5–25.
4. Cuttler, R., Gaffney, C., Gaffney, V., Goodchild, H., Howard, A. and Sears, G. 2009.
Changing perspectives on the city of Cyrene, Libya: Remote sensing and the
management of the buried archaeological resource. Archéo Sciences 33 (suppl.):
65–67.
5. Kenrick, P. 2011. Conservation and Presentation of Cultural Heritage: the Importance
of Education. In Ensoli, S. (ed.), For the Preservation of the Cultural Heritage in Libya,
a dialogue among institutions. Procedings of Conference 1–2 July 2011. Fabrizio Serra
editore, Pisa/ Roma: 145–146.
6. Moser, D. G. (2002). Transforming Archaeology through Practice: Strategies for
Collaborative Archaeology and the Community Archaeology Project at Quseir, Egypt.
World Archaeology, Vol. 34, No. 2, Community Archaeology, 220–248.
7. UNESCO WHC 1982. http://whc.unesco.org/en/list/190/

319

You might also like