Professional Documents
Culture Documents
أساس الحكم في الإسلام
أساس الحكم في الإسلام
الكلمات المفتاحية :حمسن األراكي ،أساس احلكم يف اإلسالم ،اإلسالم وحكومة ،الفقيه ،احلاكم العادل،
التوحيد العملي.
اإلسالم والحكومة
سره):
يقول اإلمام اخلميين (ق ّدس ّ
على املسلمني –ويف طليعتهم الروحانيّون وطالب العلوم الدينيّة– القيام ض ّد تبليغات أعداء اإلسالم بأيّة وسيلة
حت يههر أ ّن اإلسالم قام لتأسي حكومة عادلة ييها قوانني مربوطة باملاليّات وبيت املال ،وأخذها من ممكنةّ ،
مجيع الطبقات على هنج عدل ،وقوانني مربوطة باجلزائيّات قصاصا ،وحدا ،وديّة بوجه لو عُمل به لقلّت اجلنايات
لو مل تنقطع ،وانقطعت بذلك املفاسد املرتتّبة عليها ،كاليت ترتتّب على استعمال املسكرات من اجلنايات
والفواحش إىل ما شاء اهلل تعاىل ،وما ترتتّب على الفواحش ما ظهر منها وما بطن ،وقوانني مربوطة بالقضاء
واحلقوق على هنج عادل وسهل من غري إتالف الوقت واملال ،كما هو املشهد يف احملاكم الفعليّة ،وقوانني مربوطة
باجلهاد والدياع واملعاهدات بني دولة اإلسالم وغريها.1
ويقول (رضوان اهلل عليه) " :بل ميكن أن يقال :اإلسالم هو احلكومة بشؤوهنا واألحكام قوانني اإلسالم،
وهي شأن شؤوهنا ،بل األحكام مطلوبات بالعرض وأمور آليّة إلجرائها وبسط العدالة".2
1
َع ِد َل بَْي نَ ُك ُم} ،4وقال تعاىل: ت ِأل ْ وقال تعاىل خماطبا نبيه الكرمي{ :وقُل آَمْنت ِِبَا أَنْزَل اللَّه ِمن كِتَ ٍ ِ
اب َوأُم ْر ُ َ ُ ْ َ ْ َ ُ ّ
ِ ِ ِ اب بِ ْ {إِنَّا أَنْزلْنَا إِلَي َ ِ
َّاس ِبَا أ ََر َاك اللَّهُ } ،وقال تعاىلَ { :وَم ْن َملْ ََْي ُك ْم ِبَا أَنْ َزَل اللَّهُ ني الن ِ
5
احلَ ِّق لتَ ْح ُك َم بَ ْ َ ك الْكتَ َ َ ْ
ِ ِ ِ
ِ
ك ُه ُم الهَّال ُمو َن} ،و{ َوَم ْن َملْ ََْي ُك ْم ِبَا أَنْ َزَل اللَّهُ
ِ
ك ُه ُم الْ َكاي ُرو َن } َ { ،وَم ْن َملْ ََْي ُك ْم ِبَا أَنْ َزَل اللَّهُ يَأُولَئ َ يَأُولَئِ َ
7 6
اب َوُم َهْي ِمنا ني ي َديِْه ِمن الْ ِكتَ ِ ِ اب بِ ْ اس ُقو َن} ،8وقال تعاىل{ :وأَنْزلْنَا إِلَي َ ِ ك هم الْ َف ِ ِ
َ صدِّقا ل َما بَ ْ َ َ احلَ ِّق ُم َ ك الْكتَ َ َ َ ْ يَأُولَئ َ ُ ُ
احلَ ِّق } ،9وقال يف اآلية اليت بعدها مؤّكدا: اح ُك ْم بَْي نَ ُه ْم ِِبَا أَنْ َزَل اللَّهُ َوَال تَتَّبِ ْع أ َْه َواءَ ُه ْم َع َّما َجاءَ َك ِم َن ْ ِ
َعلَْيه يَ ْ
ك يَِ ْن تَ َولَّْوا ض َما أَنْ َزَل اللَّهُ إِلَْي َ وك َع ْن بَ ْع ِ اح َذ ْرُه ْم أَ ْن يَ ْفتِنُ َ ِ
اح ُك ْم بَْي نَ ُه ْم ِبَا أَنْ َزَل اللَّهُ َوَال تَتَّبِ ْع أ َْه َواءَ ُه ْم َو ْ
{ َوأَن ْ
ِ
َّاس لََفا ِس ُقو َن * أَيَحكْم ْ ِ ِ ِ ض ذُنُوهبِِ ْم َوإِ َّن َكثِريا ِم َن الن ِ صيبَ ُه ْم بِبَ ْع ِيد اللَّه أَ ْن ي ِ
َح َس ُن اجلَاهليَّة يَْب غُو َن َوَم ْن أ ْ ُ َ اعلَ ْم أَََّّنَا يُِر ُ ُ ُ يَ ْ
اب آَ َمنُوا َواتَّ َق ْوا لَ َكف َّْرنَا َعْن ُه ْم َسيِّئَاهتِِ ْم َن أ َْهل الْ ِكتَ ِ ِ ٍ ِ ِ َّ ِ
م َن الله ُحكْما ل َق ْوم يُوقنُو َن} ،وقال تعاىلَ { :ولَ ْو أ َّ َ
10
اإل ِْْنيل وما أُنْ ِزَل إِلَي ِهم ِمن رِّهبِم َألَ َكلُوا ِمن يَوقِ ِهم وِمن َْحت ِ ِ ِ
ت ْ ْ َْ ْ ْ ْ َْ ْ اه ْم َجنَّات النَّعي ِم * َولَ ْو أَن َُّه ْم أَقَ ُاموا الت َّْوَرا َة َو ِْ َ َ َ َوَأل َْد َخ ْلنَ ُ
اب لَ ْستُ ْم َعلَى َش ْي ٍء ص َدةٌ وَكثِري ِمْن هم ساء ما ي ْعملُو َن} ،11وقال تعاىل{ :قُل يا أ َْهل الْ ِكتَ ِ
َْ َ َ ٌ ُْ َ َ َ َ َ
أَرجلِ ِهم ِمْن هم أ َُّمةٌ م ْقتَ ِ
ُْ ْ ُْ ُ
ِ ِ ِ ِ ِ
َشاءُ َوَر ْْحَِيت يب بِه َم ْن أ َ {ع َذ ِاِب أُص ُ يل َوَما أُنْ ِزَل إِلَْي ُك ْم م ْن َربِّ ُك ْم} ،وقال تعاىلَ : ِ
12
يموا الت َّْوَرا َة َو ْاإل ْْن َ
َح َّت تُق ُ
ين يَتَّبِعُو َن َّ ِ ِ ِ َّ ِ و ِسعت ُك َّل شي ٍء يَسأَ ْكتب ها لِلَّ ِذين ي تَّ ُقو َن وي ؤتُو َن َّ َّ ِ
ول النِ َّ
َِّب الر ُس َ ين ُه ْم ب َآيَاتنَا يُ ْؤمنُو َن الذ َ الزَكا َة َوالذ َ َ ُْ َ َ َ ْ َ ُُ َ َ َْ
وف وي ْن هاهم ع ِن الْمْن َك ِر وَُِي ُّل ََلم الطَّيِّب ِ ِ ِ ْاأل ُِّمي الَّ ِذي ََِي ُدونَه مكْتُوبا ِعْن َدهم ِيف التَّوراةِ و ِْ ِ
ات اإل ْْن ِيل يَأْ ُم ُرُه ْم بالْ َم ْع ُر َ َ َ ُ ْ َ ُ َ ُ ُ َ َْ َ ُْ َُ َّ
ِِ ِ َّ ِ
ص ُروهُ َواتَّبَ عُواين آَ َمنُوا به َو َعَّزُروهُ َونَ َ ت َعلَْيه ْم يَالذ َ صَرُه ْم َو ْاألَ ْغ َال َل الَِّيت َكانَ ْ ض ُع َعْن ُه ْم إِ ْ ث َويَ َ اخلَبَائِ َ
َوَُيَِّرُم َعلَْي ِه ُم ْ
ول اللَّ ِه إِلَي ُكم َِ ِ الن ِ
مجيعا}.13 ْ ْ َّاس إِ ِِّّن َر ُس ُ
ك ُه ُم الْ ُم ْفل ُحو َن قُ ْل يَا أَيُّ َها الن ُ ُّور الَّذي أُنْ ِزَل َم َعهُ أُولَئِ َ َ
وخاصة منها
ّ ياآليات اليت ذُكرت تؤّكد ِبجموعها على املفهوم الذي أسلفناه وهو أ ّن الرساالت اإلَليّة،
احملمديّة إَّّنا جاءت إلقامة العدل بني الناس ،وإلقامة حكم اهلل ،وما أُنزل إىل الناس من قبل اهلل ،وإلقامة
الرسالة ّ
األمر باملعروف والنهي عن املنكر ،ومن أجل حترمي اخلبائث وحتليل الطيّبات ،ومن أجل حترير اإلنسان من أغالل
حممد (صلّى اهلل
العبوديّة والطاعة لغري اهلل سبحانه وتعاىل ،وأ ّكد سبحانه على أ ّن الرسالة اإلسالميّة اليت بعث هبا ّ
وخنلص ممّا ذكرنا إىل أ ّن احلكومة روح اإلسالم وأساسه ،وأ ّن اإلسالم املنفصل عن احلكم والسياسة اسم
ٍ
وعندئذ يلسنا حباجة إىل اثبات ضرورة إقامة احلكومة اإلسالميّة بالدليل ،ينف مسمى ولفظ ياقد ملعناه،
دون ّ
كل األدلّة اليت على أساسها نعرتف باإلسالم كدين ألزمنا اهلل تعاىل
الدليل الذي يثبت لنا ح ّقانيّة اإلسالم ،و ّ
سالمي
ّ اإلسالمي ووجوب تطبيق النهام اإل
ّ كل ذلك دليل بنفسه على وجوب إقامة احلكمباتّباعه والعمل به ،و ّ
على اجملتمع بكايّة شؤونه وأحواله.
يف الواقع إ ّن قضيّة احلكومة اإلسالميّة ليست قضيّة يرعيّة يف شريعة اإلسالم ،كسائر يروع الواجبات من أمثال
الصالة والصوم والزكاة وغريها ،بل ّإهنا مت ّ أصل العقيدة اإلسالميّة وهو مبدأ التوحيد.
اإلَلي واإلميان بوحدانيّة اهلل تبارك وتعاىل ،وال ب ّد أن نكون على بصرية من مفهوم
وهو عقد القلب على التوحيد ّ
حمرف واآلخر صائب وسليم.
النهري ،يِ ّن هناك مفهومني للمبدأ الواحد أحدمها ّ ّ اإلَلي على املستوى
التوحيد ّ
احملرف :هو الذي يعترب اإلله الواحد موجودا منعزال عن الكون واجملتمع انقضت ّ
مهمته يف عامل املفهوم َّ
األول يف خلق
الوجود بعد خلقه للكون واإلنسان ،ولي على اإلنسان ّإال أن يق ّدره وَيرتمه جزاء على إحسانه ّ
األشياء من العدم.
ياإلله يف هذا املفهوم اخلاطئ شخصيّة تارخييّة لي َلا بواقع احلياة اإلنسانيّة احلاضرة دخل أو مساس من
ويكرمها كما يق ّدس األحفاد العجائز من اجلدات واجلدود .وقد
قريب أو بعيد ،وإَّّنا على اإلنسان أن يق ّدسها ّ
3
ت أَيْ ِدي ِه ْم َولُعِنُوا ِِبَا قَالُوا ِ
ود يَ ُد اللَّه َم ْغلُولَةٌ غُلَّ ْ
ِ
احملرف حيث قالَ { :وقَالَت الْيَ ُه ُ
أشار القرآن الكرمي إىل هذا املفهوم ّ
ف يَ َشاءُ}.14 ِ ِ
بَ ْل يَ َداهُ َمْب ُسوطَتَان يُْنف ُق َكْي َ
المفهوم السليم :وهو الذي يعترب اإلله الواحد مهيمنا على الوجود كلّه ومفيضا ييضه على املخلوقات يف
جل
كل شيء من شؤونه ِبشيئة الباري ّ كل حلهة ،ويرى أ ّن الوجود كلّه قائم بذاته تعاىل ،وأ ّن الكون واإلنسان و ّ
ّ
توضح حقيقة التوحيد ،وتُزيح الشُّبَه وتزيل الغموض عن هذا
وعال .والقرآن الكرمي مليء باآليات والبيّنات اليت ّ
حت
خاصّ ،
ّ املفهوم ،ومن بني السور القرآنية ْند أ ّن سوريت الرعد والنحل تؤّكدان على هذا املفهوم بشكل
لنجد أ ّن اآليات يف هاتني السورتني تدور حول هذا املوضوع من ّأول السورة إىل آخرها بالتقريب.
يهذه اآليات وكثري غريها تؤّكد بوضوح على أ ّن حقيقة التوحيد تعين االعتقاد بأ ّن األمر كلّه هلل ،وأنّه ال
مؤثّر يف الوجود ّإال اهلل سبحانه وتعاىل ،وأ ّن األشياء كلّها تابعة يف وجودها وأيعاَلا وآثارها ملشيئة اهلل سبحانه
وتعاىل وسنّته اليت ق ّدرها يف الوجود .هذا من التوحيد النهري.
النهري،
ّ العملي هو أن يكون اإلنسان يف عمله خاضعا هلل وحده .وهذا يف احلقيقة نتيجة التوحيدّ ومعىن التوحيد
العملي .يِ ّن االعتقاد
ّ النهري إَّّنا يتجلّى من خالل التوحيد
ّ ِبعىن أ ّن صدق عقيدة التوحيد أو قُل صدق التوحيد
وتصرياته ،واالعتقاد بأ ّن األشياء كلّها تابعة ألمر
خبضوع األشياء كلّها هلل يقتضي خضوع اإلنسان هلل يف عمله ّ
اهلل ومشيئته يقتضي تبعيّة اإلنسان أيضا هلل تعاىل يف حياته وحركاته.
ِِ َن أ َْهل الْ ِكتَ ِ
اب آَ َمنُوا َواتَّ َق ْوا لَ َكف َّْرنَا َعْن ُه ْم َسيِّئَاهت ْم َوَأل َْد َخ ْلنَ ُ
اه ْم أنهر اآلية الكرمية اليت تقولَ { :ولَ ْو أ َّ َ
ت أ َْر ُجلِ ِه ْم اإل ِْْنيل وما أُنْ ِزَل إِلَي ِهم ِمن رِّهبِم َألَ َكلُوا ِمن يَوقِ ِهم وِمن َْحت ِ
ْ ْ ْ َ ْ ْ ْ ْ َ ْ
ِ ِ
َجنَّات النَّعي ِم * َولَ ْو أَن َُّه ْم أَقَ ُاموا الت َّْوَرا َة َو ِْ َ َ َ
وتأمل ييها لتجد روعة املعىن وعهمة الدليل ومجال البالغة 23 ِ ِ ِ ِ
مْن ُه ْم أ َُّمةٌ ُم ْقتَص َدةٌ َوَكث ٌري مْن ُه ْم َساءَ َما يَ ْع َملُو َن } ّ ،
ض،24}... ات َو ْاأل َْر ِ السماو ِ ِ
األدبيّة ،كيف َتلّت كلّها يف هذا الربط املربهن بني التوحيد النهريَ { :ولَهُ َما يف َّ َ َ
اصبا أَيَغَْي َر اللَّ ِه تَتَّ ُقو َن} ،25وذلك بأوجز تعبري وأمجل خطاب. وبني التوحيد العلمي { :ولَه الدِّين و ِ
ّ َُ َُ
العملي ،وَلذا َتد أ ّن القرآن َيكي موجز رسالة األنبياء هبذه ّ والواقع أ ّن التقوى عبارة أخرى عن التوحيد
ت ِم ْن لَ ُد ْن َح ِكي ٍم َخبِ ٍري أََّال تَ ْعبُ ُدوا إَِّال اللَّهَ إِن َِّين لَ ُك ْم ِمْنهُ نَ ِذ ٌير
صلَ ْ ت آَيَاتُهُ ُُثَّ يُ ِّ العبارة تارة{ :الر كِتَاب أ ِ
ُحك َم ٌْ ْ
ٍ ِ ِ ِ ِ
اه ْم ُهودا ني أَ ْن َال تَ ْعبُ ُدوا إَِّال اللَّهَ} َ { ،وإِ َىل َعاد أ َ
َخ ُ َوبَشريٌ} َ { ،ولََق ْد أ َْر َس ْلنَا نُوحا إِ َىل قَ ْومه إِ ِِّّن لَ ُك ْم نَذ ٌير ُمبِ ٌ
27 26
ني إِ ْذ قَ َ ِ
وح أََال وه ْم نُ ٌ َخ ُ ال ََلُ ْم أ ُ وح الْ ُم ْر َسل َت قَ ْوُم نُ ٍ وثانية َيكي موجز رسالة األنبياء هبذه العبارةَ { :ك َّذبَ ْ
ني إِ ْذ قَ َ ِ ِ ِ 31 تَتَّ ُقو َن إِ ِِّّن لَ ُكم رس ٌ ِ
ود أََال تَتَّ ُقو َن وه ْم ُه ٌ َخ ُال ََلُ ْم أ ُ اد الْ ُم ْر َسل َ
ت َع ٌ ون} َ { ،ك َّذبَ ْ ني يَاتَّ ُقوا اللَّ َه َوأَطيعُ
ول أَم ٌ ْ َُ
صالِ ٌح أََال تَتَّ ُقو َن إِ ِِّّن
وه ْم َ َخ ُ ني إِ ْذ قَ َ
ال ََلُ ْم أ ُ
ِ
ود الْ ُم ْر َسل َ
ت ََثُ ُ ون} َ { ،ك َّذبَ ْ
32 َطيع ِ ِ
ني يَاتَّ ُقوا اللَّهَ َوأ ُ
إِ ِِّّن لَ ُكم رس ٌ ِ
ول أَم ٌ ْ َُ
ط أََال تَتَّ ُقو َن إِ ِِّّن ني إِ ْذ قَ َ ِ ٍ َطيع ِِ لَ ُكم رس ٌ ِ
وه ْم لُو ٌَخ ُال ََلُ ْم أ ُ ت قَ ْوُم لُوط الْ ُم ْر َسل َ ون} َ { ،ك َّذبَ ْ ني يَاتَّ ُقوا اللَّ َه َوأ ُ
ول أَم ٌ
33
ْ َُ
ب أََال تَتَّ ُقو َن إِ ِِّّن ني إِ ْذ قَ َ ِ ِ ِ ِ لَ ُكم رس ٌ ِ
ال ََلُ ْم ُش َعْي ٌ اب ْاألَيْ َكة الْ ُم ْر َسل َ َص َح ُ بأْ ني يَاتَّ ُقوا اللَّ َه َوأَطيعُون} َ { ،ك َّذ َ ول أَم ٌ
34
ْ َُ
ِ ِ 35 لَ ُكم رس ٌ ِ
ني يَاتَّ ُقوا اللَّ َه َوأَطيعُون} . ول أَم ٌ ْ َُ
يالعبارتان حتكيان معىن واحدا بلفهني :يِ ّن عبادة اهلل تعاىل وحده هي بعينها تقوى اهلل سبحانه وتعاىل
اليت جاء األمر هبا يف احلكاية الثانية لرسالة األنبياء عليهم السالم .ويبدو من جمموع آيات الطائفة الثانية أ ّن
وضحت وبالدقّة
تقوى اهلل اليت أمر هبا األنبياء لي مفهوما َتريديا كلّيا غامض األبعاد واملصاديق ،بل إ ّهنا ّ
ون }. ِ
َطيع ِ
احلقيقي من األمر به بقوَلمَ { :وأ ُ
ّ مصداق هذه التقوى واملراد
َطيع ِ ِ
مستقالن ،منفصل أحدمها عن اآلخر ،بل هناك ّ ون} موضوعان يلي يف كلمة األنبياء {يَاتَّ ُقوا اللَّهَ َوأ ُ
رسالة واحدة يف عبارة{ :قَ ْوِم ْاعبُ ُدوا اللَّهَ َما لَ ُك ْم ِم ْن إِلٍَه َغْي ُرهُ .}...وهي يف عبارة أخرى{ :أََال تَتَّ ُقو َن} و{اتّقوا
ون} ،وهبذه الطاعة تتح ّقق التبعيّة العمليّة واخلضوع َطيع ِ ِ
اهلل} .وهي يف مصداقها وتعيّنها العملي وامليداِّنَ { :وأ ُ
العملي يف سلوك اإلنسان املؤمن باهلل وحده.
ّ احلقيقي هلل سبحانه وتعاىل ،وبذلك يتجلّى التوحيد ّ
للموحد أن ال يرى مؤثرا يف الوجود على حنو االستقالل غري اهلل ّ النهري ،ال ب ّد
ّ يفي جمال التوحيد
سبحانه ،وأن يعتقد أ ّن األمر كلّه بيد اهلل ،وأ ّن إىل اهلل تصري األمور ،وأ ّن له اخللق واألمر ،وأ ّن له من يف
السماوات واألرض وما ييهما ،وأ ّن له امللك وأنّه يفعل ما يشاء ،وال يفعل ما يشاء غريه.
وهذا هو معىن إسالم الوجه هلل سبحانه الذي يعين أن يكون العبد يف وجهته أي يف الطريقة اليت يسلكها
عمن سواه.
تتوجه إليه إرادته خاضعا هلل سبحانه مطيعا ألمره ،ممتثال إلرادته معرضا ّ
يف حياته ،ويف كل ما ّ
اب إَِّال ِم ْن بَ ْع ِد َما َجاءَ ُه ُم الْعِْل ُم ِ
ين أُوتُوا الْكتَ َ
اإلس َالم وما اخت لَ َّ ِ
ف الذ َ
قال تعاىل{ :إِ َّن الد ِ ِ
ِّين عْن َد اللَّه ِْ ْ ُ َ َ ْ َ َ َ
ِ ِ
ت َو ْج ِه َي للَّه َوَم ِن اتَّبَ َع ِن َوقُ ْل احلس ِِ ِ ِ ِ
َسلَ ْم ُ
وك يَ ُق ْل أ ْاج َ
اب يَِ ْن َح ُّ يع ْ َ بَ ْغيا بَْي نَ ُه ْم َوَم ْن يَ ْك ُف ْر ب َآيَات اللَّه يَِ َّن اللَّ َه َس ِر ُ
ص ٌري بِالْعِبَ ِاد}.42 ك الْب َالغُ واللَّه ب ِ ِ ِ ِ َِّ ِ
َسلَ ُموا يَ َقد ْاهتَ َد ْوا َوإ ْن تَ َولَّْوا يَََِّّنَا َعلَْي َ َ َ ُ َ ني أَأ ْ
َسلَ ْمتُ ْم يَِ ْن أ ْ اب َو ْاأل ُِّميِّ َ
ين أُوتُوا الْكتَ َ للذ َ
ويف اآلية داللة على أ ّن األنبياء صلوات اهلل عليهم هم الطليعة يف طريق اإلسالم هلل ،وتوحيد الطاعة هلل تعاىل،
ت َو ْج ِه َي لِلَّ ِه َوَم ِن َسلَ ْم ُ
وأ ّن إسالم الناس اآلخرين هلل تعاىل إَّّنا يتح ّقق بتبعيّتهم لألنبياء عليهم السالم { ،أ ْ
اتَّب ع ِن} ،كما قال سبحانه أيضا{ :قُل ه ِذ ِه سبِيلِي أ َْدعو إِ َىل اللَّ ِه علَى ب ِ
ص َريةٍ أَنَا َوَم ِن اتَّبَ َع ِين َو ُسْب َحا َن اللَّ ِه َوَما أَنَا َ َ ُ ْ َ َ ََ
ِ ِ
ُ َ
نِب اهلل سليمان بن داوود قوله{ :أ اَّل تَ ْعلوا َعلَ اي م َن الْ ُم ْش ِرك َ
43
ني} .وَلذا ْند القرآن الكرمي َيكي عن لسان ّ
َو ْأتُونِي ُم ْسلِ ِمينَ } ،44ياإلسالم هلل إَّّنا يتح ّقق باخلضوع حلكمه اجلاري على يد عبده الصاحل سليمان يال ب ّد
لآلخرين أن خيضعوا َلذا احلكم وأن ال يعلوا على حكومة اهلل اليت يقيمها أولياؤه الصاحلون ،ولن يكون إسالم إال
هبذه التبعيّة للقادة اإلَليّني.
ّأما توحيد الطاعة هلل يتعين أ ّن الوالية له تعاىل على الناس ال لغريه ،يِ ّن الوالية معناها السيطرة والسلطة ،يقد جاء
ول الشيء وعليه والية :ملك أمره وقام به .45يالوالية يف
ول البلد :تسلّط عليه .وجاء يف اللغة أيضا ّ يف اللغة ّ
حق ّاختاذ القرار وتعيني املصري.
روحها تعين ّ
العملي يقتضي خضوع اإلنسان هلل وطاعته املطلقة له تعاىل ياجلواب واضح ال غموض ّ وإذا كان التوحيد
يقرر لإلنسان مصريه والطريقة اليت
ييه أبدا .يِ ّن معىن خضوع اإلنسان هلل وطاعته له أ ّن اهلل هو الذي ال ب ّد أن ّ
يكيّف هبا شؤونه احلياتيّة يف خمتلف جماالهتا وشعبها.
إ ّن النهرة التوحيديّة حتكم أن يكون صاحب القرار يف الكون كلّه هو اهلل سبحانه وتعاىل ،وتأىب هذه
أي استثناء ،يلي اإلنسان وحياته الفرديّة واالجتماعيّة استثناء يف هذه النهرة النهرة التوحيديّة إىل الكون ّ
الشاملة ،وال ميكن أن يكون اإلنسان نشازا يف هذه اجملموعة الكونيّة اخلاضعة هلل تعاىل وحده{ .لَ ِكنَّا ُه َو اللَّهُ َرِِّب
ك َماال ت َما َشاءَ اللَّهُ َال قُ َّوَة إَِّال بِاللَّ ِه إِ ْن تَ َرِن أَنَا أَقَ َّل ِمْن َ
ك قُ ْل َ ت َجنَّتَ َ َحدا * َولَ ْوَال إِ ْذ َد َخ ْل َ ِ
َوَال أُ ْش ِرُك بَرِِّب أ َ
ك الْ َوَاليَةُ لِلَّ ِه ْ
احلَ ِّق ُه َو َخْي ٌر ثَ َوابا َو َخْي ٌر عُ ْقبا}.47 ِ 46
َوَولَدا} .إىل قوله تعاىلُ { :هنَال َ
وإذا كان صاحب القرار يف الكون واحدا وهو اهلل تعاىل لي غريه ،وإذا كان اإلنسان ضمن هذه اجملموعة
الكونيّة اخلاضعة لوالية اهلل سبحانه ،يليست الوالية يف حياة اإلنسان ّإال هلل وحده ،يهو صاحب القرار يف حياة
اإلنسان وهو املوىل ونعم املوىل ونعم النصري.
لي هناك ّإال طريق واحد ،وهو أن ينصب اهلل سبحانه وتعاىل يف عباده َمن يأمرهم بطاعته واتّباعه،
ويفرتض عليهم واليته ،لتكون طاعتهم له طاعة هلل سبحانه واخلضوع لواليته خضوعا لوالية اهلل سبحانه وتعاىل.
تتبىن آراء الناس أساسا النبثاق احملور الذي يسلّم له الناس بالطاعة
حت الطرق اليت ّ
أي طريق غري هذا الطريق ّ
وّ
التصرف يف حياهتم وشؤوهنم ،يضال عن الطرق املعتمدة على أساس القهر ،والغلبة ،والقوة،
وخيولونه أمر ّ
واالنقياد ّ
كل هذه الطرق تتناىفوالسيطرة ،واخلداع ،والتضليل ،والتمويه ،وسرقة آراء الناس ،واغتصاب إرادهتم وغري ذلكّ ،
احتل يف اجملتمع البشري موقعا إَليا ،ويرض نفسه يوق العباد وطلب منهم طاعته
كل ما سوى اهلل إذا ّ
و ّ
حت لو كان ذلك بفعل آراء الناس أنفسهم يَِّّنا هو طاغوتّ ،إال َمن كانت طاعته منبثقة من واالنقياد ألمره ّ
طاعة اهلل ،وكان االنقياد له انقيادا هلل سبحانه وتعاىل ،وهو الذي ينصبه اهلل سبحانه وتعاىل على الناس إماما
وقائدا ليسلك هبم طريق الطاعة اإلَليّة ،وين ّفذ ييهم أمر اهلل وهنيه ،48قال تعاىل{ :فَ َم ْن يَ ْكفُرْ بِالطاا ُغو ِ
ت
َّللاُ َس ِمي ٌع َعلِي ٌم} .49وقد سبق أن أشرناصا َم لَهَا َو ا ك بِ ْالعُرْ َو ِة ْال ُو ْثقَى ََّل ا ْنفِ َ َوي ُْؤ ِم ْن بِ ا
اَّللِ فَقَ ِد ا ْستَ ْم َس َ
ِ
َطيع ِ
ون} ، 50ونبّهنا إىل أ ّن طاعة األنبياء إىل ما َيكيه القرآن من موجز رسالة االنبياء بقوله تعاىل{ :يَاتَّ ُقوا اللَّهَ َوأ ُ
العملي.
ّ مصداق التقوى اإلَليّة اليت هي بدورها تعبري عن التوحيد
48
يِهنا طاعة الطاغوت ،وكل مطاع ال تنتهي طاعته يكل طاعة وانقياد مل تنته إىل طاعة اهلل ّ
وانطالقا من هذا األساس التوحيدي ّ
أي إنسان حت الوالدين ،أو الصديق أو القادة السياسيني واحلزبيّني إَّّنا َتوز بِذن من إىل طاعة اهلل يِنّه طاغوت .إذن ،يِطاعة ّ
اهلل سبحانه ،وإال يِنّه من عبادة الطاغوت .وقد وردت بذلك أحاديث كثرية عن املعصومني منها ما رواه القمي بسند صحيح عن
وجل{ :وما يؤمن أكثرهم باهلل ّإال وهم مشركون} قال :شرك طاعة ،ولي شرك عبادة. عز ّ أِب عبداهلل (عليه السالم) يف قول اهلل ّ
احلر العاملي ،وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة (دار إحياء الرتاث العرِب) ،اجلزء ،18 حممد بن احلسن ّ الشيخ ّ
الصفحة .90
وروى الصدوق بِسناده عن اإلمام الصادق (عليه السالم) أنّه قال :إياك والرياسة يما طلبها أحد إال هلك – إىل أن قال – إَّّنا
احلر العاملي ،وسائل
حممد بن احلسن ّ
تنصب رجال دون احلجة يتص ّدقه يف كل ما قال ،وتدعو الناس إىل قوله الشيخ ّ
ذلك أن ّ
الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة (دار إحياء الرتاث العرِب) ،اجلزء ،18الصفحة .93
49سورة البقرة ،اآلية .256
50سورة الشعراء ،اآلية .108
10
العملي يفرض توحيد الوالية والطاعة هلل سبحانه ،وإ ّن توحيد الوالية والطاعة
ّ بناءّ على ما تق ّدم ،إ ّن التوحيد
ينصب اهلل سبحانه وتعاىل ،يف عباده قائدا ووليا يطيعون اهلل بطاعته ،ويسلّمون هلل سبحانه وتعاىل يقتضي أن ّ
باالنقياد له.
األول يقد قال وخاصة نبيّنا صلّى اهلل عليه وآلهّ ،أما الوصف ّ ّ وقد َتلّت هذه الصفات يف األنبياء عليهم السالم،
{ونََّزلْنَا ضل اللَّ ِه علَي َ ِ ْم َة َو َعلَّ َم َ ك الْ ِكتَاب و ِْ
تعاىلَ { :وأَنْ َزَل اللَّهُ َعلَْي َ
ك َعهيما} َ ، ك َما َملْ تَ ُك ْن تَ ْعلَ ُم َوَكا َن يَ ْ ُ َ ْ احلك َ
51
َ َ
ني}.52 ِ ِِ ٍ علَيك الْ ِكت ِ ِ
اب تْب يَانا ل ُك ِّل َش ْيء َوُهدى َوَر ْْحَة َوبُ ْشَرى ل ْل ُم ْسلم ََْ َ َ َ
كل ما حتتاجه
املنزل على الرسول األعهم تبيان لك ّل شيء ،ويدخل يف هذا العموم الشامل ّ
يالكتاب ّ
كل اجملاالت من إدارة ،وحكم ،وسياسة ،وتربية ،واقتصاد وغري ذلك.
البشريّة يف حياهتا من نُهم وتشريعات ويف ّ
املنزل على الرسول ،هو هدى ورْحة وبشرى للمسلمني ،أي الذين خضعوا لوالية اهلل تعاىل وطاعته، وهذا الكتاب ّ
ت ُك َّل َش ْي ٍء ِ
{وَر ْْحَِيت َوس َع ْ
وانقادوا ألمره ،واتّبعوا الرسول صلّى اهلل عليه وآله كما ّبني سبحانه وتعاىل ذلك قائالَ :
ين يَتَّبِعُو َن َّ ِ ِ ِ َّ ِ يَسأَ ْكتب ها لِلَّ ِذين ي تَّ ُقو َن وي ؤتُو َن َّ َّ ِ
ول النِ َّ
َِّب ْاأل ُِّم َّي}.53 الر ُس َ ين ُه ْم بآَيَاتنَا يُ ْؤمنُو َن الذ َ
الزَكا َة َوالذ َ َ ُْ ََ َ ُُ َ
ول يَِ ْن تَ َولَّْوا يَََِّّنَا َعلَْي ِه َما ُْحِّ َل َو َعلَْي ُك ْم
الر ُس َ
َطيعُوا َّ َطيعوا اللَّه وأ ِ
ِ
و ّأما الوصف الثاِّن ،يقد قال تعاىل{ :قُ ْل أ ُ َ َ
احبُ ُك ْم َوَما َغ َوى ول إَِّال الْب َالغُ الْمبِني} ،54وقال تعاىل{ :ما ض َّل ص ِ الرس ِ ِ ِ
َ َ َ ُ ُ َ َما ُْحِّْلتُ ْم َوإ ْن تُطيعُوهُ تَ ْهتَ ُدوا َوَما َعلَى َّ ُ
اع اللَّهَ} ،56وقال تعاىل: {م ْن يُ ِط ِع َّ ِ ِ ِ
َوَما يَْنط ُق َع ِن ا َْلََوى إ ْن ُه َو إَّال َو ْح ٌي يُ َ
55
ول يَ َق ْد أَطَ َ الر ُس َ وحى} ،وقال تعاىلَ :
يك لَه وبِ َذلِ َ ِ ِ اي َوممََ ِايت لِلَّ ِه َر ِّ ِ ني قُل إِ َّن َ ِ ِِ ِ
ت َوأَنَا أ ََّو ُل ك أُم ْر ُ ني َال َش ِر َ ُ َ ب الْ َعالَم َ ص َاليت َونُ ُسكي َوَْحميَ َ م َن الْ ُم ْشرك َ ْ
ني}.60 ِِ
الْ ُم ْسلم َ
ضل وما غوى ،وأنّه ال ينطق عن اَلوى إن هو ّإال وحي، يالتصريح بأ ّن الرسول صلّى اهلل عليه وآله ،ما ّ
وأ ّن من يطيعه يقد أطاع اهلل ،وأ ّن املهتدين هم الذين يطيعونه ،وأ ّن الذين يتّقون هم الذين يتبعونه وأ ّن الرسول
يتضمن التأكيد الصريح على عصمة الرسول
كل هذا ونهائره الكثرية يف القرآن الكرمي ّ
يهدي إىل صراط مستقيمّ ،
الشك أو الرتديد.
صلّى اهلل عليه وآله قوال ويعال ِبا ال يقبل ّ
متنوعة ،وآيات كثرية من القرآن نكتفي وقد أ ّكد القرآن هذه العصمة بالنسبة لغريه من األنبياء بأساليب ّ
اه ْم أَئِ َّمة يَ ْه ُدو َن بِأ َْم ِرنَا اق وي ع ُقوب نَايِلَة وُكال جع ْلنَا ِِ ِ
ني َو َج َع ْلنَ ُ
صاحل َ
َ ََ َ منها هبذه اآلية الكرميةَ { :وَوَهْب نَا لَهُ إ ْس َح َ َ َ ْ َ
ين}.61 ِِ الص َال ِة وإِيتاء َّ ِ وأَوحْي نَا إِلَْي ِهم يِ ْعل ْ ِ ِ
الزَكاة َوَكانُوا لَنَا َعابد َ اخلَْي َرات َوإقَ َام َّ َ َ َ ْ َ ََْ
ويف التعبري القرآِّنّ الوارد يف هذه اآلية بقوله تعاىل{ :يهدون بأمرنا} إلبراز للعنصرين األساسيَّني يف
مواصفات القادة اإلَليّني وهو العلم ِبا يأمر به اهلل تعاىل ،أي العلم بالطريق السالك إىل مرضاة اهلل اليت يتح ّقق
اإلَلي
العملي الكامل بسلوك الطريق ّ ّ املؤدية إىل االلتزام
هبا إسعاد الناس ،وإيصاَلم إىل كماَلم املطلوب ،والعصمة ّ
تتم ّإال هبذين العنصرين األساسيَني.
وعدم االحنراف عنه بتاتا ،يِ ّن اَلداية بأمر اهلل ال ّ
العملي ،أو قل خضوع اإلنسان هلل تعاىل يف حياته االجتماعيّة
ّ وال ب ّد هنا من اإلشارة إىل أ ّن التوحيد
والفرديّة ،ال تتح ّقق ّإال عن طريق القيادة اإلَليّة ِبواصفاهتا اليت أشرنا إليها .يالطريق الوحيد خلضوع احلياة
إَلي
اإلنسانيّة هلل تعاىل ،وانطباعها بطابع الطاعة اإلَليّة ،هو أن ختضع احلياة اإلنسانيّة حلكومة إَليّة يقوم هبا قائد ّ
بكل ما يرضه اهلل سبحانه وتعاىل
خاضع هلل سبحانه وتعاىل كمال اخلضوع ،ومنقاد له تعاىل كمال االنقياد ،وعامل ّ
املتنوعة.
وقرره بشأن اإلنسان وإدارة حياته وتوجيهها يف شؤوهنا املختلفة وشعبها ّ ّ
َيق لإلنسان اخلضوع َلا واالنقيادّأما القيادة اليت ال تكتسب شرعيّتها من قبل اهلل سبحانه وتعاىل يال ّ
إليها ،يِ ّن طاعة غري اهلل خروج عن طريقة التوحيد (كما أسلفنا توضيحه من قبل) .و ّأما إرادة اإلنسان واختياره
يِ ّهنا ال ترتفع يوق اإلنسان نفسه ،أي إنّه ال تستطيع أن تُضفي بالشرعيّة لقيادة تريد أن ترتفع يوق إرادة اإلنسان
وتوجه إرادته وتأمره وتنهاه .يما قيمة اآلمر والناهي الذي يكتسب شرعيّة األمر والنهي ّإال من املأمور؟ وما
نفسهّ ،
حق املطاع على املطيع لو أراد املطيع أن يتجاوز إرادة
قيمة املطاع الذي مل تستند طاعته ّإال إىل إرادة املطيع؟ يما ّ
حق
املنطقي الذي يفرض على اإلنسان أن خيضع للجهة اليت لي َلا عليه من ّ العقلي و ّّ املطاع؟ وما هو األساس
حق أن يعطي؟
يسرتد الذي أعطى كما ّ
إال الذي ّيوضه َلا اإلنسان نفسه وله أن ّ
وبكلمة واحدة :يِ ّن البديهة حتكم بأ ّن من السخف أن يفرض اإلنسان على نفسه َمن َيكم عليه حبيث
أي
يكل طاعة تنبع من إرادة اإلنسان نفسه ال متلك ّ َيق له اخلروج عن طاعته ،وال التخلّف عن حكمهّ . ال ّ
يِهنا عدمية األساس واملعىن مهما ّاختذت هذه الطريقة من
كل طريقة للحكم تقوم على هذا املبىن ّ
أساس معقول ،و ّ
أشكال وعناوين ،ومهما ّاختذت من أساء وصفات ،وسواء ّاختذت شكل الدميقراطيّة ،أو الشورى ،أو اإلمجاع،
أي صفة ،أو عنوان آخر.أو ّ
حق اختيار احلاكم املطاع يِنّه -بعبارة أخرى -يعين التخلّي
خيول اهلل سبحانه لعباده ّ
و ّأما ايرتاض أن ّ
عن الربوبيّة واإلَليّة ،يِ ّن األمر والنهي واحلكم والسلطة من مستلزمات الربوبيّة واإلَليّة :أل ّن الطاعة عبادة،
والعبادة ال تكون ّإال هلل سبحانه ،ياحلكم والسلطة واألمر والنهي من شؤون املعبوديّة والربوبيّة ،ويستحيل أن
يتخلّى اهلل سبحانه وتعاىل عن صفة ال تليق ّإال به ،وال َتوز ّإال له.
وبني وصفه لنفسه بالربوبيّة واأللوهيّة ،قال تعاىل{ :قُ ْل وَلذا وصف اهلل سبحانه وتعاىل نفسه بامللكَّ ،
ِ َّاس إِلَِه الن َّاس ملِ ِ أَعُوذُ بَِر ِّ
َّاس} ،كما قال تعاىل أيضا{ :يَتَ َع َاىل اللَّهُ الْ َمل ُ
ِ 62 ك الن ِ
احلَ ُّق} ،63وقال تعاىل: ك ْ ب الن ِ َ
اجلَبَّ ُار الْ ُمتَ َكبِّ ُر ُسْب َحا َن اللَّ ِه َع َّما
الس َال ُم الْ ُم ْؤِم ُن الْ ُم َهْي ِم ُن الْ َع ِز ُيز ْ ِ ِ
ُّوس َّ {ه َو اللَّهُ الَّذي َال إِلَهَ إَِّال ُه َو الْ َمل ُ
ك الْ ُقد ُ ُ
ض الْملِ ِ ِ ي ْش ِرُكو َن} ،64وقال تعاىلَ { :ذلِ ُكم اللَّه ربُّ ُكم لَه الْم ْلك}{ ،65يسبِّح لِلَّ ِه ما ِيف َّ ِ
ك الس َم َاوات َوَما يف ْاأل َْر ِ َ َُ ُ َ ُ َُ ْ ُ ُ ُ ُ
احلَ ِكي ِم} ...66وغري ذلك من اآليات. ُّوس الْ َع ِزي ِز ْ
الْ ُقد ِ
اليتدخلوا يف شؤون القيادة اإلَليّة بآرائهم ونهريّاهتمَ { :وقَ َ وقد جاء هذا ردا على َمن زعم أ ّن للناس أن ّ
ت ِ ِ
َح ُّق بِالْ ُم ْلك مْنهُ َوَملْ يُ ْؤ َ
ك َعلَْي نَا َوَْحن ُن أ َ وت َملِكا قَالُوا أ َّ
ََّن يَ ُكو ُن لَهُ الْ ُم ْل ُ ََلُ ْم نَبِيُّ ُه ْم إِ َّن اللَّ َه قَ ْد بَ َع َ
ث لَ ُك ْم طَالُ َ
اجلِ ْس ِم َواللَّهُ يُ ْؤِيت ُم ْل َكهُ َم ْن يَ َشاءُ َواللَّهُ َو ِاس ٌع
اصطََفاهُ َعلَْي ُك ْم َوَز َادهُ بَ ْسطَة ِيف الْعِْل ِم َو ْ َس َعة ِم َن الْ َم ِال قَ َ
ال إِ َّن اللَّ َه ْ
يم}.69 ِ
َعل ٌ
لتحمل عبء القيادة يف وقد أ ّكد أيضا على أ ّن اهلل سبحانه وتعاىل قد اختار من عباده قادة اصطفاهم ّ
ابصيبا ِمن الْ ِكتَ ِ اجملتمع البشري رغم كراهة احلاقدين ،وحنق احلاسدين يقال تعاىل{ :أَ َمل تَر إِ َىل الَّ ِذين أُوتُوا نَ ِ
َ َ ْ َ ّ
ين لَ َعنَ ُه ُم اللَّهُ َوَم ْن ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ
ت والطَّاغُوت ويَ ُقولُو َن للَّذين َك َفروا َه ُؤَالء أ َْه َدى من الَّذين آَ َمنُوا َسبِيال أُولَئ َ َِّ ي ْؤِمنُو َن بِ ِْ ِ
ك الذ َ َ َ َ ُ َ اجلْب َ ُ
ِ ِ ِ ِ ِ ِ
اه ُم
َّاس َعلَى َما آَتَ ُ َّاس نَقريا أ َْم ََْي ُس ُدو َن الن َ
يب م َن الْ ُم ْلك يَِذا َال يُ ْؤتُو َن الن َ يَْل َع ِن اللَّهُ يَلَ ْن ََت َد لَهُ نَصريا أ َْم ََلُ ْم نَص ٌ
اه ْم ُم ْلكا َع ِهيما}.70 ضلِ ِه يَ َق ْد آَتَي نَا آَ َل إِب ر ِاهيم الْ ِكتَاب و ِْ
اللَّهُ ِم ْن يَ ْ
ْم َة َوآَتَْي نَ ُ
احلك َ َ َ َْ َ ْ
وهذا امللك العهيم هو الذي طلبه إبراهيم لذريته يف قوله تعاىل{ :وإِ ِذ اب ت لَى إِب ر ِاهيم ربُّه بِ َكلِم ٍ
ات يَأََمتَُّه َّن َ َْ ْ َ َ َ ُ َ ّ
ِ ِ ِ ال َوِم ْن ذُِّريَِّيت قَ َ ك لِلن ِ
َّاس إَِماما قَ َ ال إِ ِِّّن ج ِ
ال َع ْهدي الهَّالم َ
71
اإلَلي قد ني} .وإذا كان هذا امللك ّ ال َال يَنَ ُ اعلُ َ َ قَ َ
الذريّة الطاهرة قد امتازت على غريها من استقر يف آل إبراهيم يلم يكن ذلك بالوراثة والنسب ،وإَّّنا أل ّن هذه ّ ّ
اإلَلي على سؤال إبراهيم باالستجابة الرد ّ الناس بالكفاءات والقابليّات اإلَليّة اليت ّأهلها لذلك ،وَلذا يقد جاء ّ
ِِ املشروطة بالكفاءة واألهليةَ{ :ال ي ن ُ ِ
ني} ،72وقال – ييما أشرنا إليه سابقا – مؤّكدا على أ ّن ال َع ْهدي الهَّالم َ ََ ّ
ْمةَ} ورتّب على هذا التمتّع ِ
السر يف هذا االصطفاء هو الكفاءة واألهلية{ :يَ َق ْد آَتَي نَا آَ َل إِب راهيم الْ ِكتَاب و ِْ
احلك َ َ َ َْ َ ْ ّ ّ
وخوله
ال خالف بني املسلمني كايّة أ ّن الرسول األعهم صلّى اهلل عليه وآله اصطفاه اهلل سبحانه وتعاىل لواليتهّ .
حق ّاختاذ القرار بشأن اإلنسان
البشري وسياسته .وإذا كنّا قد يهمنا معىن الوالية اإلَليّة ،وأ ّهنا ّ ّ أمر إدارة اجملتمع
وتعيني مصريه يف احلياة عرينا معىن الوالية النبويّة ،أي الوالية اليت جعلها اهلل سبحانه وتعاىل لنبيّه على الناس .وقد
ني ِم ْن أَنْ ُف ِس ِه ْم} .76واألولويّة باملؤمنني من أنفسهم هيِِ
َِّب أ َْوَىل بِالْ ُم ْؤمن َ
جاء التصريح بذلك يف قوله تعاىل{ :النِ ُّ
حق ّاختاذ القرار بشأن املؤمنني وتقرير مصريهم يف احلياة بكايّة حقوَلا وشؤوهنا.
العبارة الثانية ملا ذكرناه من ّ
للنِب
العملي منحصر جبعل الوالية اإلَليّة ّّ وال حاجة لنا أن نعود ملا أ ّكدناه سابقا من أ ّن طريق التوحيد
وشرعه حلياة
بكل ما أراده اهلل ّ
صلّى اهلل عليه وآله الذي تتويّر ييه الصفتان األساسيّتان للقيادة اإلَليّة ،ومها العلم ّ
التام بطاعة اهلل سبحانه وتعاىلُ .ثّ إ ّن املسلمني اختلفوا يف كيفيّة امتداد
لي ّ اإلنسان ،والعصمة ِبعىن اإللتزام العم ّ
ط الوالية اإلَليّة يف اجملتمع اإلنساِّنّ بعد وياة الرسول األعهم صلّى اهلل عليه وآله إىل يريقني:
خّ
السنّة زعموا أ ّن الرسول صلّى اهلل عليه وآله أمهل أمر الوالية
األول :هم الذين اصطُلح عليهم بأهل ُّ
الفريق ّ
األمة (على اختالف الول بنفسها ،يكأ ّن ّ
لألمة لتختار ّ يسروا ذلك بأنّه ختويل ّ
ينص عليها بشيء ،وقد ّاإلَليّة ومل ّ
املتصورة أو اإلمجاع ِبختلف
األمة من الشورى باختالف أشكاَلا املفروضة و ّ الصيغ اليت يفرتضوهنا يف متثيل هذه ّ
حق الوالية على نفسها.
خولت من قبل الرسول صلّى اهلل عليه وآله ّ
الدوائر اليت ميكن ايرتاضها له) ّ
الفريق الثاني :هم الذين اصطُلح عليهم بشيعة أهل البيت عليهم السالم ،اعتقدوا أ ّن الوالية اإلَليّة ال
البشري ال يتح ّقق
ّ العملي يف اجملتمع
ّ مخ الشريعة وقوامها .وقد ذكرنا سابقا أ ّن التوحيد اإلَل ّي
يعقل إمهاَلا أل ّهنا ّ
علي بن موسى الرضا صلوات اهلل عليهما ،عن أبيه :عن ّإال هبا وعن طريقها ،وهذا معىن الرواية املتواترة عن اإلمام ّ
آبائه ،عن ج ّده رسول اهلل صلّى اهلل عليه وآله ،أ ّن اهلل تبارك وتعاىل قال" :ال إله إال اهلل حصين يمن دخل حصين
مرت الراحلة نادانا بشروطها وأنا من شروطها" .77كما ال يعقل تفويض أمر الوالية إىل ِ
يلما ّ
أمن (من) عذاِبّ ،
األمة نفسها ملا أشرنا إليه من العاملني األساسيّني:
ّ
حق اختيار من َتب
املوىل عليه ،يِنّه ال معىن ألن يوكل إىل يرد أو مجاعة ّ
الول و ّ
األول :ال يعقل ّاحتاد ّ ّ
لتعني
عليها طاعته ،وتق ّدم على إرادهتا إرادته ،وبعبارة أخرى أ ّن اإلرادة البشريّة ال ميكن أن ترتفع يوق مستواها ّ
توجه إرادة اإلنسان وأن تأمر اإلنسان وتنهاه.َيق َلا أن ّاجلهة اليت ّ
إَلي منصوب من قبل اهلل سبحانه متويّر على وهذا النوع من الطاعة هلل إَّّنا ميكن عمليا عند وجود قائد ّ
شرط العلم والعمل ِبا يريده اهلل تعاىل يف خلقه يِ ّن اخلضوع والطاعة للمنصوب من اهلل بالشرطني املذكورين
خضوع هلل سبحانه وطاعة لهّ .أما طاعة من خيتاره الناس لإلمامة والقيادة يِ ّهنا طاعة ملن اختاروه ،وهم الناس
أنفسهم ،ومن املستحيل أن خيلع اهلل سبحانه وتعاىل عن عباده ربقة الطاعة لنفسه ،ويوّكل أمر الطاعة والوالية
خيول للناس
إليهم يِ ّن معىن ذلك – كما أشرنا سابقا – أن يتخلّى اهلل سبحانه وتعاىل عن ألوهيّته وربوبيّته ،وأن ّ
خول َلم ييها أن يطيعوا من أي شأن من شؤون حياهتم وأن ال يطيعوه يف أعماَلم اليت ّ خيص ّأن ال يعبدوه ييما ّ
خيتاروهنم ،ال من خيتاره اهلل نفسه.
ٍِ ِ ِ
ضى اللَّهُ َوَر ُسولُهُ أ َْمرا أَ ْن يَ ُكو َن ََلُ ُم وَلذا ْند أ ّن اهلل سبحانه يؤكد قائالَ { :وَما َكا َن ل ُم ْؤم ٍن َوَال ُم ْؤمنَة إِ َذا قَ َ
َّ ِ َّ َِّ ِ ِ اخلِيَ َرةُ ِم ْن أ َْم ِرِه ْم َوَم ْن يَ ْع ِ
ص اللَّهَ َوَر ُسولَهُ يَ َق ْد َ
78
ين
ض َالال ُمبينا} ،ويقول تعاىل{ :إَّنَا َوليُّ ُك ُم اللهُ َوَر ُسولُهُ َوالذ َ ض َّل َ ْ
ب اللَّ ِه ُه ُم ِ ِ َّ ِ َّ َّ ِ الص َال َة َويُ ْؤتُو َن َّ آَمنوا الَّ ِذ ِ
ين آَ َمنُوا يَ َّن ح ْز َ الزَكا َة َوُه ْم َراكعُو َن َوَم ْن يَتَ َول الل َه َوَر ُسولَهُ َوالذ َ يمو َن َّ ين يُق ُ َ َُ
اع بِِ ْذ ِن اللَّ ِه}.80 الْغالِبو َن} ،79يقول سبحانه{ :وما أَرس ْلنا ِمن رس ٍ ِ
ول إَِّال ليُطَ َ ََ ْ َ َ ْ َ ُ َُ
يفي هذه اآليات ،ويف غريها الكثري ممّا أشرنا إىل بعضه سابقا داللة وتأكيدا على حصر الطاعة هلل
األدالء اَلادين إىل سبيله وال ّداعني إىل طريقه.
سبحانه وعلى أ ّن اهلل سبحانه يتح للعباد أبواب طاعته بنصبه ّ
وجاءت السنّة النبويّة لتؤّكد على استمراريّة القيادة اإلَليّة يف أهل البيت عليهم السالم ابتداء باإلمام أمري املؤمنني
األئمة من
نص ييها على ّ صلوات اهلل عليه ،وتواترت يف ذلك األحاديث عن النِب (صلّى اهلل عليه وآله) ،واليت ّ
كل هذا عدا ما ورد يف القرآن الكرمي ممّا اتّفق املسلمون على نزوله يف
بعده باإلمجال تارة ،والتفصيل أخرىّ .
املناسبات اليت تؤّكد على هذا التنصيص.
وجاءت السنّة النبويّة لتضع النقاط على احلروف يف مسألة الوالية واحلكم بعد الرسول صلّى اهلل عليه وآله ،يلم
شك أو شبهة وتواترت األحاديث الصرَية عن الرسول صلّى اهلل عليه وآله مؤّكدة على استمرار ألي ّ ترتك جماال ّ
ط الوالية اإلَليّة يف أهل البيت عليهم السالم ،وهم علي وأوالده األحد عشر عليهم السالم املعيّنون من قِبَ ِل
خّ
الرسول األعهم صلّى اهلل عليه وآله بأشخاصهم وأسائهم بصراحة وتأكيد.
وقد صدرت يف اآلونة األخرية جماميعا متع ّددة قامت بِحصاء النصوص الواردة عن الرسول األعهم يف
أهم هذه اجملاميع:
ذلك عن املصادر املتّفق عليها بني خمتلف يرق املسلمني ،و ّ
21
وقد مضت اإلشارة إليه عند ذكر آييت التبليغ واإلكمال وقد ُروي احلديث بطرق كثرية ،وعبارات خمتلفة ،خنتار
منها هنا ما أخرجه اإلمام أْحد يف مسنده:
بِسناده إىل زيد بن أرقم قال :قال ميمون ابن عبد اهلل قال :قال :زيد بن أرقم وأنا أسع :نزلنا مع رسول
اهلل بو ٍاد يقال له :وادي خم يأمر بالصالة يصالها ،قال :يخطبنا وظُلِّ َل الرسول اهلل بثوب على شجرة
النِب صلّى اهلل عليه وآله:
من الشم ،يقال ّ
بكل مؤمن من نفسه؟
أِّن أوىل ّ
"ألستم تعلمون؟ أو لستم تشهدون ّ
قالوا :بلى.
قال :يمن كنت مواله يِ ّن عليا مواله ،اللّهم ِ
عاد من عاداه وو ِال من وااله."95 ّ
كل ذلك العالمة األميين يف الغدير أساء الصحابة من رواة حديث الغدير ،وهم مئة وعشرةّ ، وقد ذكر ّ
عن مصادر أهل السنّة 96وذكر أساء أربعة وَثانني تابعيا من رواة حديث الغدير نقال عن مصادر أهل السنّة
أيضا ،وذكر أساء ثالَثائة وستني عاملا كبريا كلّهم من أهل السنّة ممّن روى حديث الغدير.97
روى الطربي يف تأرخيه 98بِسناده إىل ابن عباس عن علي بن أِب طالب قال :ملا نزلت هذه اآلية على
ّ ِ
رسول اهلل صلّى اهلل عليه وآله{ :وأَنْذ ْر َع ِش َريتَ َ
ك ْاألَقْ َربِ َ
ني} 99دعاِّن رسول اهلل صلّى اهلل عليه وآله يقال
أِّن مت أُبادئهم هبذا
ل :يا علي إ ّن اهلل أمرِّن أن أنذر عشرييت األقربني ،يضقت بذلك ذرعا ،وعريت ّ
حممد ،إنّك ّإال تفعل ما تؤمر به
حت جاءِّن جربيل يقال :يا ّيصمت عليه ّ
ُ األمر أرى منهم ما أكره،
يع ّذبك ربّك ،ياصنع لنا صاعا من طعام ،واجعل عليه رجل شاة ،وامأل لنا عُسا من لنب ُثّ امجع ل بين
عبد املطلب حت أكلّمهم وأبلّغهم ما أمرت به ،يفعلت ما أمرِّن به ُث دعوهتم له ،وهم ٍ
يومئذ أربعون ّ ّ
يلما أراد رسول اهلل أن يكلّمهم بَ َدرهُ أبو َلب إىل
رجال يزيدون رجال أو ينقصونه – إىل أن يقولّ :-
-3حديث المنزلة
100
املتوىف سنة 240ه يف
قال العالمة األميين يف ذيل هذه الرواية :وهبذا اللفظ أخرجه أبو جعفر اإلسكايف املتكلّم البغداديّ ،
كتابه نقض العثمانية ،وقال :إنّه روى يف اخلرب الصحيح ،ورواه الفقيه برهان الدين يف "أنباء ْنباء األبناء" ،الصفحتان -46
،47وابن األثري يف الكامل ،اجلزء ،2الصفحة ،24وشهاب الدين اخلفاجي يف "شرح الشفاء" للقاضي عياض ،اجلزء ،3
الصفحة 37وبرت آخره وقال :ذكر يف داليل البيهقي وغريه بسند صحيح ،واخلازن عالء الدين البغدادي ،يف تفسريه ،الصفحة
،390واحلايظ السيوطي يف جمع الجوامع كما يف (ترتيبه) ،اجلزء ،6الصفحة 392نقال عن الطربي .ويف الصفحة 397عن
احل ّفاظ الستّة :ابن اسحاق وابن جرير وابن أِب حاُت ابن مردويه وأِب نعيم والبيهقي :وعن ابن أِب احلديد يف شرح نهج البالغة،
املؤرخ جرجي زيدان يف تاريخ التمدن اإلسالمي ،اجلزء ،1الصفحة ،31واألستاذ ّ
حممد اجلزء ،3الصفحة ،254وذكره ّ
حسني هيكل يف حياة محمد (ص) ،الصفحة 104من الطبعة.1
ويواصل األميين حبثه حول الرواية ،ومن أراد التفصيل يلرياجع الغدير اجلزء ،2الصفحة 278يما بعدها.
23
"أما ترضى أن تكون مين ِبنزلة هارون من موسى ّإال أنّه ال نب ّوة بعدي؟".101
وقد روى هذا احلديث ابن عبّاس أيضا ضمن حديثه عن مناقب علي عليه السالم ،وهو احلديث اآليت:
قال السيّد شرف الدين :أخرجه اإلمام أْحد يف اجلزء 1من مسنده ،102واإلمام النسائي يف خصائصه،103
صحتها :عن عمر بن ميمون قال:
وغريهم من أصحاب السنن بالطرق اجملمع على ّ
وإما أن ختلونا يا
إِّن جلال عند ابن عبّاس إذ أتاه تسعة رهط ،قالوا :يا ابن عبّاس ّإما أن تقوم معناّ ،
ّ
يعم ،قال :يابتدأوا يتح ّدثوا يال ٍ
هؤالء ،يقال ابن عبّاس :بل أقوم معكم ،قال :وهو يومئذ صحيح مل َ
وتف ،وقعوا يف رجل له عشر ،وقعوا يف رجل قال له أف ّ ندري ما قالوا ،يجاء ينفض ثوبه وهو يقولّ :
َيب اهلل ورسوله قال :ياستشرف َلا من ألبعثن رجال ال خيزيه اهلل أبدا ّ
ّ النِب صلّى اهلل عليه وآله:
استشرف يقال :أين علي؟ قالوا :هو يف الرحل يطحن ،قال :وما كان أحدكم يطحن؟ قال :يجاء وهو
هز الراية ثالثا يأعطاها إيّاه ،يجاء بصفيّة بنت حيّي ،قال:
أرمد ال يكاد أن يبصر ،ينفث يف عينيهُ ،ثّ ّ
مين وأنا
ُثّ بعث يالنا بسورة التوبة ،ييعث عليا خلفه ،يأخذها منه ،وقال :ال يذهب هبا ّإال رجل هو ّ
منه ،قال :وقال لبين عمه :أيّكم يواليين يف الدنيا واآلخرة؟ قال وعلي جال معهم يأبوا ،يقال علي
(عليه السالم) :أنا أواليك يف الدنيا واآلخرة يرتكه ُثّ أقبل على رجل منهم يقال :أيّكم يواليين يف الدنيا
واآلخرة ،يقال :أنت وليّي يف الدنيا واآلخرة ،قال :وكان ّأول َمن أسلم من الناس بعد خدَية ،قال:
وأخذ رسول اهلل (صلّى اهلل عليه وآله) ثوبه ،يوضعه على علي وياطمة وحسن وحسني صلوات اهلل عليهم
الرج أَهل الْب ي ِ
ت َويُطَ ِّهَرُك ْم تَطْ ِهريا} 104قال :وشرى علي نفسه: يقال{ :إََِّّنَا ي ِر َّ ِ ِ
ب َعْن ُك ُم ِّ ْ َ ْ َ َ ْ
يد اللهُ ليُ ْذه َ
ُ ُ
لف رأسه يف الثوب ال خيرجه حتّآ أصبحُ ،ثّ يتضور ،قد ّ النِب (صلّى اهلل عليه وآله) وهو ّ لب ثوب ّ
تتضور وقد استنكرنا ذلك .قال:يتضور وأنت ّ كشف عن رأسه يقالوا :إنّك للئيم كان صاحبك نرميه ال ّ
نِب اهلل :ال،
وخرج الناس يف غزاة [غزوة] تبوك ،يقال له علي (عليه السالم) :أخر ُج معك؟ يقال له ّ
مين ِبنزلة هارون من موسى ّإال أنّك لست يبكى علي (عليه السالم) ،يقال له :أما ترضى أن تكون ّ
بنِب؟ ال ينبغي أن أذهب ّإال وأنت خليفيت .قال :وقال له رسول اهلل (صلّى اهلل عليه وآله) :أنت وليّي يف
ّ
أبواب املسجد غري باب علي (عليه السالم) قال :ييدخل املسجد كل مؤمن من بعدي .قال :وس ّد
ّ
-5حديث الثقلين
حديث صحيح اإلسناد على شرط الشيخني ،ومل خيرجاه ،وأخرجه الذهِب يف تلخيص المستدرك معرتيا ّ
بصحته على شرط
الشيخني.
108المراجعات ،مصدر سابق ،الصفحة .21
25
ُثّ أ ّن هناك رواية أخرى بلفظ" :كتاب اهلل وسنّيت" وهي غري متواترة يال تعارض احلديث املتواتر املذكور،
صحة هذه الرواية يال تعارض حديث الثقلني إضاية إىل ضعف طريقها على ما أثبته احمل ّققون ،وعلى يرض ّ
اخلاص على العام ،يِ ّن قوله صلّى اهلل عليه
ّ املعروف أل ّن بينهما عموما وخصوصا مطلقا ييق ّدم –بطبيعة احلال–
وآله –حسب هذا النقل– كتاب اهلل وسنّيت يأمر بالرجوع إىل سنّة رسول اهلل .وقد ثبت بالنقل يف السنّة النبويّة
ما أسلفناه من حديث الثقلني الذي يأمر بالرجوع إىل الكتاب والعرتة .إذن ينتيجة العمل واألخذ بالكتاب والسنّة
هو اإللتزام بوالية أهل البيت عليهم السالم.
هذه جمموعة يسرية من النصوص الصرَية الدالّة على استمراريّة الوالية اإلَليّة يف أهل البيت عليهم السالم
صرحت بعدد خلفاء النِب املنصوبني من قبله لوالية األمر بل النِب صلّى اهلل عليه وآله ،وهناك نصوص أخرى ّ
بعد ّ
وأسائهم ،نشري إىل َّنوذج ما ورد منها عن طرق أهل السنّة ويف مصادرهم املوثوق هبا عندهم.
الحديث األول:
حت ميضي
النِب يسمعته يقول :إ ّن هذا األمر ال ينقضي ّ
دخلت مع أِب على ّ
ُ روى مسلم عن جابر بن سرة قال:
علي يقلت ألِب :ما قال؟ قال :كلّهم من قريش .109وقريبخفي ّ
ييهم اثنا عشر خليفة قالُ :ثّ تكلّم بكالم ّ
منه ولكن بلفظ "اثنا عشر أمريا" يف صحيح البخاري 110وصحيح الرتمذي 111وصحيح مسلم أيضا بلفظ آخر
األول يف نف الباب ،وصحيح داوود أيضا ،112وغريها من املصادر والكتب ،وقد مجعها الشيخ لطف قريب من ّ
اهلل الصايف يف كتابه القيّم (منتخب األثر) يلرياجع.113
الحديث الثاني:
روي يف كشف اليقني عن مسند أْحد بن حنبل :قال النِب صلّى اهلل عليه وآله ،للحسني عليه السالم" :هذا إبين
أئمة تسعة ،تاسعهم قائمهم".114
إمام أخو إمام ،أبو ّ
الحديث الثالث:
109صحيح مسلم – كتاب اإلمارة – (باب الناس تبع لقريش ،واخلالية يف قريش) ،اجلزء ،2الصفحة 191القسم ،1طبعة
مصر سنة .1348
110صحيح البخاري ،اجلزء ،4الصفحة .175
111صحيح الترمذي ،اجلزء ،2الصفحة .45
112صحيح أِب داوود ،اجلزء ،2الصفحة .207
113أْحد بن عياش اجلوهري ،مقتضب األثر (قم :مكتبة الطبطبائي) ،الصفحة 10يما بعده.
114مقتضب األثر ،مصدر سابق ،الصفحة .96
26
حممد اَلروي
حممد بن مسلم بن أِب الفوارس يف أربعينه ،قال :أخربنا حممود بن ّ
روى احلايظ أبو الفتح ّ
بقريبة –إىل أن قال– عن أِب حفص أْحد بن نايع البصري قال :ح ّدثين أِب وكان خادما لإلمام أِب
احلسن علي بن موسى الرضا عليهما السالم ،قال ح ّدثين أِب العبد الصاحل موسى بن جعفر ،وذ ّكر آباءه
واحدا بعد واحد إىل احلسني صلوات اهلل عليه ُث قال :ح ّدثين أِب سيّد األوصياء علي بن أِب طالب
وجل ،وهو مقبلعز ّ أحب أن يلقى اهلل ّ
عليهم السالم قال" :قال أخي رسول اهلل صلّى اهلل عليه وآله من ّ
يليتول
أحب أن يلقى اهلل وقد مت ّحص عنه ذنوبه ّ يليتول بنك [ابنك] احلسن ،ومن ّ عليه غري معرض عنه ّ
يليتول حممد بن علي ،ومن
أحب أن يلقى اهلل تعاىل وهو قرير العني ّ
السجاد ]..[،ومن ّ
علي بن احلسني ّ
أحب أن يلقى اهلل
حممد الصادق ،ومن ّ
يليتول جعفر بن ّأحب أن يلقى اهلل تعاىل ييعطيه كتابه بيمينه ّ
ّ
يليتول ابنه
أحب أن يلقى اهلل وهو ضاحك ّ
يليتول موسى بن جعفر الكاظم ،ومن ّ مطهرا ّ تعاىل طاهرا ّ
أحب
حممدا ،ومن ّ يليتول ابنه ّ
أحب أن يلقى اهلل وقد ريعت درجاته وب ّدلت سيّئاته حسنات ّ
علي ،ومن ّ ّ
وجل ييحاسبه حسابا يسريا ويدخله جنّة عرضها السماوات واألرض أعددت للمتّقني
عز ّ أن يلقى اهلل ّ
أحب
العسكري ،ومن ّ
ّ يليتول ابنه احلسن
أحب أن يلقى اهلل وهو من الفائزين ّ
ييتول ابنه عليا ،ومن ّ
ّ
املهدي .يهؤالء،
ّ حممدا صاحب الزمان
يليتول ابنه املنتهر ّ
ّ أن يلقى اهلل وقد كمل إميانه وحسن إسالمه
وتوالهم كنت ضامنا له على اهلل تعاىل
أئمة اَلدى ،وأعالم التقى يمن أحبّهمّ ،
مصابيح الدجى ،و ّ
اجلنّة.115
-1روى الرتمذي يف الصحيح عن زين عبد اهلل ،قال :قال رسول اهلل صلّى اهلل عليه وآله" :ال تذهب
حت ميلك العرب رجل من أهل بييت يواطئ اسه اسي".116
الدنيا ّ
النِب صلّى اهلل عليه وآله أنّه قال" :ال تذهب –أو ال تنقضي–
-2روى أبو داوود يف الصحيح عن ّ
حت ميلك العرب رجل من أهل بييت يواطئ اسه اسي".117
الدنيا ّ
-3روى أبو داود يف الصحيح أيضا عن ّأم َسلَمة قالت سعت رسول اهلل [صلّى اهلل عليه وآله] يقول:
"املهدي من عرتيت من ولد ياطمة" .118ورواه ابن ماجة يف سننه ،119ورواه يف التاج اجلامع
لألصول.120
الفصل املاضي أ ّن املسلمني بعد اتّفاقهم على الوالية النبويّة اختلفوا يف كيفيّة استمرارها يف مستهل
ّ ذكرنا يف
البشري ،أو قل:
ّ بعد الرسول على يرقتني ،وذكرنا هنالك أ ّن توحيد الطاعة هلل يف اجملتمع اإلسالمي
ّ اجملتمع
العملي هلل يف اجملتمع ال يتح ّقق ّإال عن طريق استمرار الوالية اإلَليّة بنصب القادة اإلَليني ،وهم أهل
ّ التوحيد
أئمة
البيت عليهم السالم ،والكالم نفسه يعود بالنسبة للمرحلة الزمنيّة اليت تغيب ييها القيادة اإلَليّة املتمثّلة يف ّ
األمة اإلسالميّة.
أهل البيت عليهم السالم عن ّ
عجل اهلل يرجه أن يغيب عن ساحة األحداث يفي زمن الغيبة –وهو زماننا هذا -إذ ق ّدر إلمام العصر ّ
البشري ،وال ميكن أن يتح ّقق هذا االستمرار
ّ تستمر عمليا يف اجملتمع
ّ البشري ال ب ّد للوالية اإلَليّة أن
ّ يف اجملتمع
البشري ّإال بنصب القادة الذين َيتمع ييهم شرط العلم بالشريعة ،أي ِبا أراده
ّ العملي للوالية اإلَليّة يف اجملتمع
ّ
شرعه يف شأن عباده.
بكل ما أراده اهلل تعاىل ،و ّ
التامة أي االلتزام الكامل عمليا ّ
اهلل تعاىل من خلقه ،والعدالة ّ
يتم يف حبثني:
وتفصيل الكالم يف هذا الباب ُّ
األول :دليل والية الفقيه.
-البحث ّ
-البحث الثاِّن :حدود والية الفقيه.
128سبق توضيح ذلك يف الفصل الثالث ،وخاصة يف الوصف الثالث من مواصفات القادة اإلَليني.
129راجع الفصل املذكور.
31
-4الوالية على استيفاء احلقوق املاليّة اإلَليّة كاألمخاس والصدقات.
-5الوالية على الغائب.
-6الوالية على املمتنع.
-7الوالية على اجملهول.
ول له.
-8الوالية على َمن ال ّ
وغري ذلك ممّا َيده الباحث يف أبواب الفقه املختلفة.
كل
العامة يف ّ
املق ّدمة الثانية :نستكشف من خالل املوارد املشار إليها سابقا أ ّن الفقيه العادل له الوالية ّ
العامة الثابتة للفقيه .وذلك
اإلسالمي ،وأ ّن تلك املوارد ما هي إال مصاديق وجزئيّات لكربى الوالية ّ
ّ شؤون اجملتمع
الول ،ولي من املعقول أنأل ّن الصالحيّات اليت تتوقّف عليها املمارسات املذكورة إَّّنا هي صالحيّات احلاكم ّ
تكون لبعض هذه املوارد أو كلّها خصوصيّة تقتضي جعل الوالية ييها للفقيه العادل دون غريها.
أهم األدلّة النقليّة اليت تصلح أن تكون دليال على والية الفقيه العادل:
وييما يلي نشري إىل ّ
النص األول :مقبولة عمر بن حنهلة قال:
سألت أبا عبد اهلل (عليه السالم) عن رجلني من أصحابنا بينهما منازعة يف دين أو مرياث يتحاكما إىل
املنهي عنه
حق أو باطل يَِّّنا حتاكم إىل الطاغوت ّ أَيل ذلك ،قالَ :من حتاكم إليهم يف ّ القضاة ّ السلطان أو
وجل أن
عز ّوما حكم له به ،يَِّّنا يأخذ سحتا ،وإن كان حقا ثابتا له؛ ألنّه أخذه حبكم الطاغوت ،ومن أمر اهلل ّ
يدو َن أَ ْن ي تحا َكموا إِ َىل الطَّاغُ ِ
وت َوقَ ْد أ ُِم ُروا أَ ْن يَ ْك ُف ُروا بِِه} .130قلت :يكيف وجل{ :يُِر ُ
ََ َ ُ عز ّيكفر به ،قال اهلل ّ
يصنعان وقد اختلفا؟ قال :ينهران إىل من كان منكم ممّن قد روى حديثنا ونهر يف حاللنا وحرامنا ،وعرف
يِِّن قد جعلته عليكم حاكما ،يِذا حكم حبكم يلم يقبل منه ،يَِّّنا حبكم اهلل أحكامنا ،يلريضوا به حكما ّ
رد ،والرد علينا كاير راد على اهلل وهو على ح ّد الشرك باهلل.131 استخف وعلينا َّ
ّ
والرواية صحيحة السند لكون رواهتا موثوقني مجيعا ،وقد وصفها يقهاؤنا باملقبولة للداللة على الوثوق
يدل
يِِّن قد جعلته عليكم حاكما" ،واحلاكم ّ بسندها ،وداللتها على والية الفقيه واضحة لقوله عليه السالمّ " :
32
العامة ،وورودها يف مورد القضاء ال
العامة يتكون دالّة على نصب الفقيه للوالية ّ
بههوره على السلطة والوالية ّ
العامة ِبقتضى التعبري باحلاكم ييها.
تدل على النصب للوالية ّ
يستلزم اختصاص الوالية بوالية القضاء يِ ّن الرواية ّ
ولقد يهم السائل اإلطالق من قوله "ارحم خلفائي" يلم يسأل الرسول عن مورد اخلالية ،135وإَّّنا سأله
عن مصاديق اخللفاء يأجابه صلّى اهلل عليه وآله ببيان العنوان العام ،ونكتة هذا اإلطالق أ ّن ظاهر هذا الكالم
احلر العاملي ،وسائل الشيعة (لبنان -بريوت :دار إحياء الرتاث العرِب) ،اجلزء ،18الصفحة .101 ّ
132
133يِ ّن رجال السند موثوقون ،وال كالم ييهم ّإال إسحاق بن يعقوب يلم يرد يف كتب الرجال له ذكر ،ولي ذلك بضائر بعد
تصديق الكليين له هذه الرواية ،أل ّن الكليين عاصر الغيبة الصغرى ،وعرف رجاَلا ،ومل يكن يرد آنذاك توقيع من الناحية املق ّدسة
ّإال للخواص لش ّدة التقيّة ،يلم َيتمل من مثل الكليين أن يروي باملباشرة توقيعا إال وهو يرى الراوي أهال لصدور التوقيه له من
(عجل اهلل يرجه).
صاحب الزمان ّ
134وسائل الشيعة ،مصدر سابق ،اجلزء ،18الصفحة .65
135هذا جواب على إشكال يقول :إ ّن قوله "ارحم خلفائي "...ال ّ
يدل على أ ّن الذين يذكرهم الرسول (صلّى اهلل عليه وآله)
ولعل املراد باخلالية خصوص اخلالية
كول لألمر ،ومبلّغ عن اهلل وغري ذلكّ .
كل صالحياته وشؤونه ّ بعنوان اخللفاء هم خلفاؤه يف ّ
أهم ما جاء الرسول ألجله كما دلّت عليه آيات القرآن هويف العلوم واألحكام يال يشمل اخلالية يف والية األمر .هذا مع أ ّن ّ
33
وأمثاله أنّه أسلوب خاص للداللة على اخلالية وتعريف اخللفاء عن الرسول صلّى اهلل عليه وآله ،ولي هذا الكالم
جمرد طلب الرْحة للخلفاء ليقال إنّه لي بصدد البيان من هذه اجلهة يال يكون للكالم إطالق ،واحلاصل أ ّن ّ
شك يف إطالق مثل هذا
الكالم ِبنزلة أن يقال :خلفائي هم الذين يأتون من بعدي ويروون حديثي وسنّيت وال ّ
التعبري.
ولو مل يرد الرسول من اخلالية ،اخلالية املطلقة لكان عليه أن يزيل احتمال ذلك بالتنبيه على أ ّن املراد
خاص ،وذلك ألمهّيّة موضوع اخلالية وضرورة ديع الغموض احملتمل يف شأنه. ّ باخلالية خالية خاصة يف مورد
النص
جمرد نَ َقلة ألفاظ األحاديث (ملا ذكرناه يف ّواملراد برواة احلديث والسنّة هم الفقهاء العاملون بالشريعة ،ولي ّ
النص باخلصوص وهي عطف "سنّيت" على "حديثي" يِ ّن السنّة تعين واقع الشريعة السابق) ،ولقرينة أخرى يف هذا ّ
اليت سنّها الرسول صلّى اهلل عليه وآله بقوله وبفعله وبتقريره ،وال يكون العارف هبذه السنّة إال الفقيه املستوعب
لشريعة الرسول األعهم صلّى اهلل عليه وآله استيعابا عن يهم وتف ّقه.
يتطرق له عادة الباحثون َلذا املوضوع وهو الدائرة اليت تتّسع َلا صالحيات الفقيه يف الوالية هنالك حبث ّ
خمتص باهلل تعاىل ال
احلق ّ
واحلكم .ولقد ذكرنا سابقا أ ّن حقيقة الوالية واحلكم تعين حق الطاعة والتبعيّة ،وأ ّن هذا ّ
أدالء على طاعته ،ويأمر الناس بطاعتهم ،يطاعة ينصب األنبياء واألولياء ّ
يشاركه ييه غريهُ ،ثّ إ ّن اهلل سبحانه ّ
حق الطاعة والوالية بشكل
األدالء على مرضاته سبحانه ،وهكذا ينتقل ّ
الناس هلل إَّّنا تتح ّقق بطاعتهم ألوليائه ّ
ثانوي إىل النِب صلّى اهلل عليه وآله ومنه إىل سائر املعصومني ،ومنهم إىل الفقهاء العدول .وعلى هذا األساس
ّ
إقامة العدل والقسط كما قال تعاىل{ :وأمرت ألعدل بينكم} ،وقال تعاىل{ :لقد أرسلنا رسلنا بالبيّنات ،وأنزلنا معهم الكتاب
أهم ما بعث ألجله. وامليزان ليقوم الناس بالقسط" يال ب ّد أن تكون خالية شاملة َلذا األمر الذي هو ّ
136
(عجل اهلل تعاىل
وهبذا يتّضح أ ّن اإلسالم مل يرتك يراغا يف مسألة الوالية واحلكم حت بالنسبة ملا بعد زمن اإلمام الثاِّن عشر ّ
يرجه الشريف).
34
يكتسب أمر الرسول صلّى اهلل عليه وآله وأمر أوصيائه والنائبني عنهم صفة اإللزام ولزوم الطاعة وحرمة املعصية
واملخالفة أل ّن خمالفتهم خمالفة هلل سبحانه الذي أمر بطاعتهم واتّباعهم ،وقد ورد النص القرآِّنّ مؤّكدا على هذا
َّللا َوأَ ِطيعُوا ال ارسُو َل َوأُولِي ْاْلَ ْم ِر ِم ْن ُك ْم}.137
األمر يف قوله تعاىل{ :يَا أَ ُّيهَا الا ِذينَ آَ َمنُوا أَ ِطيعُوا ا َ
مرة يف شأن اهلل تعاىل ،وثانية بشأن
مرتنيّ ،
يتكرر يف اآلية ّ
وامللحوظ يف هذه اآلية أ ّن األمر بالطاعة ّ
الرسول وأول األمر .وهذه إشارة إىل أ ّن العباد مكلّفون بنوعني من الطاعة ،الطاعة هلل تعاىل والطاعة للرسول
وأول األمر ،وإن كانت الطاعة للرسول وأول األمر نرجع يف حقيقتها إىل إطاعة اهلل تعاىل.
األوىل :املرحلة النهريّة أي وضع الصيغ التطبيقيّة للعمومات التشريعيّة وتفسريها وتبيني مصاديقها العينيّة
يف احلياة.
الثانية :املرحلة العمليّة أي تنفيذ الشريعة اإلَليّة بكامل أبعادها وتفاصيلها يف اجملتمع اإلنساِّنّ.
األئمة املعصومون والفقهاء مكلّفون بِقامة حكم اهلل تعاىل يف األرض ،يهم مكلّفون ببيان
واألنبياء وكذا ّ
شريعة اهلل للناس ومكلّفون أيضا بشرحها وتفسريها وبيان مصاديق العمومات الواردة ييها ،كما أ ّهنم مكلّفون
العملي على صعيد احلياة البشريّة.
ّ بتنفيذها وتطبيقها
مهمة بيان شريعة اهلل ،لي دورهم ّإال دور املبلّغ والوسيط مع يارق للمهمة األوىل ،وهي ّ
ولكنّهم بالنسبة ّ
األئمة
النِب خمرب مباشر عن اهلل تعاىل ،و ّكل من الطوائف الثالثة يف جمال التبليغ ،يِ ّن ّ
يف األدوار اليت يقوم هبا ّ
األئمة عليهم السالم ،باإلضاية
النِب و ّ
النِب ،والفقهاء خمربون عن اهلل تعاىل ،بواسطة ّ
خيربون عن اهلل تعاىل بواسطة ّ
اجتهادي.
ّ حدسي
ّ حس ّي ،و ّأما إخبار الفقيه يهو إخبار
إىل أ ّن أخبار املعصوم عليه السالم إخبار ّ
املهمة تكون األحكام واألوامر اليت يبلّغها املعصوم أو الفقيه عن اهلل سبحانه
خيص دائرة هذه ّ
إذن ،يفيما ّ
أوامر وأحكاما هلل تعاىل باملباشرة ،وقد كلّف املعصوم والفقيه بتطبيق هذه األوامر واألحكام كتكليفهما بِبالغها
الول املسؤول عن تطبيق الشريعة برسم تفاصيلها وجزئيّاهتا متهيدا األول :عمومات وكلّيّات يكلّف ّ القسم ّ
ِِ َّ ِ ِ
ني {ولَ ْن ََْي َع َل اللهُ ل ْل َكاي ِر َ
ين َعلَى الْ ُم ْؤمن َ العملي وامليداِّنّ ،وذلك كما يف النصوص والتشريعات التاليةَ : ّ لتطبيقها
ٍ 140 ِ ِ
َسبِيال} َ { ،وأَع ُّدوا ََلُ ْم َما ْ
139
لعرِب
استَطَ ْعتُ ْم م ْن قُ َّوة} .قال رسول اهلل صلّى اهلل عليه وآله" :أال ال يضل ّ
عرِب ،وال ألسود على أْحر ،وال أْحر على أسود ّإال بالتقوى" ،141وعنه صلّى عجمي على ّ ّ عجمي ،وال
ّ على
ني ْاألَ ْغنِيَ ِاء ِمْن ُك ْم}َ{ ،143ال تَأْ ُكلُوا 142
اهلل عليه وآله" :الناس كأسنان املشط سواء" َ { ،ك ْي َال يَ ُكو َن ُدولَة بَ ْ َ
ضةَ َوَال يُْن ِف ُقونَ َها ِيف
ب َوالْ ِف َّ َّ ِ
ين يَكْن ُزو َن الذ َه َ
اض}ِ َّ ،144
{والذ ََ
أَموالَ ُكم ب ي نَ ُكم بِالْب ِ
اط ِل إَِّال أَ ْن تَ ُكو َن َِتَ َارة َع ْن تَ َر ٍْ َ ْ َْ ْ َ
ِ ِ ِ ِ
ِ ٍ ٍ ِ َّ ِ
َسب ِيل الله يَبَش ِّْرُه ْم ب َع َذاب أَليم} َ { ،وإ ْن تُْبتُ ْم يَلَ ُك ْم ُرؤ ُ
146 145
وس أ َْم َوال ُك ْم َال تَهْل ُمو َن َوَال تُهْلَ ُمو َن} .وعن النِب
ول األمر
لول األمر أن يصدر ييهما حكمه ِبا هو ّ
وقد اتّضح ممّا ذكرناه جماالن من اجملاالت اليت ال ب ّد ّ
أي ِبا هو مسؤول عن تطبيق الشريعة ال ِبا هو مبلّغ عن اهلل تعاىل:
املوحد إزاء موضوعات األحكام اليت ال ب ّد ييها من موقفوهناك جمال ثالث وهوّ ،اختاذ املوقف ّ
اإلسالمي ووحدته ،أو يستلزم يقدان احلكم
ّ يضر بانسجام اجملتمع
موحد ،باعتبار أ ّن تعدد املواقف ييها ّ
اجتماعي ّ
ّ
احلجة
شوال ،أو ذي ّ العملي .نضرب لذلك مثاال :هالل رمضان ،أو ّّ الشرعي لروحه وجوهره يف جمال التطبيق
ّ
شوال وصالة العيد ،أو األول من ّ عبادي عهيم كصوم شهر رمضان ،أو إيطار اليوم ّ
ّ باعتبار أنّه موضوع حلكم
اإلسالمي كما أنّه مينع من
ّ يضر بانسجام اجملتمع
األمة يف ذلك ممّا ّ
احلج ووظائفه ،يِ ّن اختالف ّ
أداء مناسك ّ
األساسي يف هذه املناسك العباديّة ،وبانتفائه تكاد العبادة
ّ الفقري و
ّ اخلاصة وهو العمود
حت ّقق االجتماع يف العبادة ّ
تتقوم به.
اجلوهري الذي ّ
ّ اخلاصة تفقد روحها
ّ
160ومن اجلدير أن ننبّه على أ ّن اللجنة اليت أمر اإلمام اخلميين بتشكيلها حتت عنوان (جلنة تعيني املصلحة) تقوم بنف هذه
التام
املهمة اليت أشرنا إليها ،يالواقع أ ّن هذه املهمة من صالحية شخص اإلمام ،ولكنّه من أجل رعاية الدقة الكاملة واالحتياط ّ ّ
املهمة حتت نهره وإشرايهّ .أما جمل احملايهة على الدستور يلي من شأنه إال تطبيق أمر بتشكيل هذه اللجنة لتقوم هبذه ّ
املقررات القانونية على نص الشريعة أو الدستور واإلعالن عن مطابقتها أو خمالفتها معهُ .ثّ إ ّن من صالحيّات اللجنة املذكورة
ّ
ممارسة اجملال الثالث من جماالت والية األمر الذي سوف نشري إليه.
38
لكل ّأمة مصاحل ومنايع ال ب ّد من ْحايتها ورعايتها سواء يف إدارة شؤوهنا الداخليّة أو
ومثال آخرّ :
اخلارجيّة ويف تعاملها مع سائر األمم واحلكومات ،ومن الطبيعي أن تتع ّدد اآلراء والنهريات ييما هو األصلح ،أو
يؤدي بنفسه إىل الصالح يف كثري من املوارد واألمور ،غري أ ّن اضطراب املوقف وعدم ّاختاذ موقف حم ّدد واحد ّ
املوحد من قبل األمة تستدعي ّاختاذ املوقف ّ األمة ،وهدر الكثري من منايعها وحقوقها ،يِدارة شؤون ّضياع حق ّ
ول األمر ،ويكون املوقف الذي َي ّدده هو املوقف املشروع الوحيد الذي ال ب ّد جلميع أيراد األمة اتّباعه و ّاختاذه.
ّ
وهناك جمال رابع أيضا وهو يصل اخلصومات واحلكم بني املتنازعني يِنّه أيضا من املوارد اليت يتوقف عليها
تطبيق الشريعة بني الناس.
عربنا عنها
ُثّ إ ّن هذه اجملاالت األربعة تندرج كلّها ضمن املرحلة األوىل من مسؤوليّة التطبيق ،واليت ّ
باملرحلة النهريّة للتطبيق ،ولكن هذه املرحلة النهريّة ِبجاالهتا األربعة ال تكفي لتطبيق الشريعة تطبيقا عمليا يف
ول األمر من بسط الشريعة اإلَليّة يف واقع التعايش اإلنساِّن
اجملتمع ما مل تقرتن بالصالحيّات التنفيذيّة اليت مت ّكن ّ
أهم هذه الصالحيات التنفيذيّة (واليت تشكل جماالت املرحلة
وتكييف احلياة البشريّة على ضوئها ،وميكن تلخيص ّ
العملية لتطبيق الشريعة) يف أمور:
العامة
التصرف يف األموال ّّ ول األمر
ختول ّ
األمر األول :الصالحيات املالية :وهي الصالحيّات اليت ّ
تتقوم به حياة الناس ومعاشهم يف خمتلف الشؤون والقضايا واجلهات.
كل ما ّ
وصريها يف املصاحل العامة ويف ّ
َيق َلا أن متارس
يول األمر هو اجلهة الوحيدة اليت ّ
األمر الثاِّن :صالحية تنفيذ العقوبات واحلدودّ ،
ول األمر ويق صالحيات املرحلة النهرية للتطبيق،
العقوبات واحلدود يف مواردها اليت حددهتا الشريعة ،أو َيددها ّ
(واليت سبقت اإلشارة إليها).
األمر الثالث :صالحية إبرام العهود ،واملواثيق واإللتزامات مع األشخاص واجلهات والدول واملؤسسات
وعلى االمجال مع الشخصيات احلقيقيّة أو االعتباريّة.
161نهري احملجور عليه لفل ،أو احملبوس الذي ال تصل األيدي إليه.
39
األمر اخلام :صالحيّة تنفيذ األحكام القضائيّة بني املتخاصمني :وهذه أيضا من الصالحيّات التنفيذيّة
حق املهلوم وردع املعتدي وإقامة موازين العدل
الشرعي واليت ِبوجبها يتمكن من إجراء العدل وإحقاق ّ
ّ للحاكم
البشري.
ّ والقسط يف اجملتمع
هذا جممل الصالحيّات التنفيذيّة اليت تندرج ضمن دائرة املرحلة التنفيذيّة أو العمليّة للتطبيق .وهبذا اتّضح
لول األمر من القيام هبا ِبرحلتيها ،ومسؤولية تطبيق الشريعة بكلتا مرحلتيها عبارة
املراد ِبسؤولية التطبيق اليت ال ب ّد ّ
اإلسالمي
ّ وول ،ياحلاكم يف املفهوم
الول ِبا هو حاكم ّ
عما يُصطلح عليه أحيانا بصالحيّات احلاكم أو ّ أخرى ّ
كل الصالحيّات اليت ال ب ّد منها يف تطبيق الشريعة،
هو املتص ّدي لتطبيق شريعة اهلل يف اجملتمع ،وله هبذا االعتبار ّ
وقد أسلفنا رسا عاما عن هذه الصالحيّات.
إىل هنا اتّضح املعىن املراد يف األمر بطاعة اهلل ،واألمر بطاعة الرسول وأول األمر يف اآلية الشريفة ياألمر
مهمة التبليغ عن اهلل تعاىل،
مهمته األوىل وهي ّ
الول بلحاظ ّبطاعة اهلل إشارة إىل األوامر واألحكام الصادرة من ّ
الول ِبا هو مطبّق
واألمر بطاعة الرسول وأول األمر إشارة إىل األوامر ،واألحكام ،واالجراءات الصادرة عن ّ
الول من قبل اهلل سبحانه وتعاىل.
يتوالها ّ
املهمة الثانية اليت ّ
لرسالة اهلل وشريعته يف األرض ،وهي ّ
وقد اتّضحت أبعاد الوالية اليت نبحث عن ثبوهتا للفقيه يف زمن الغيبة .وباتّضاح ذلك يههر أ ّن جمرد
وضحناه بالتفصيلبكل أبعادها ،وذلك ملا ّ
ثبوت أصل الوالية للفقيه يف زمن غيبة املعصوم يكفي يف ثبوت الوالية ّ
من أ ّن حقيقة الوالية تعين مسؤوليّة تطبيق الشريعة بني الناس ،يِن ثبتت هذه املسؤوليّة يِ ّن الصالحيّات اليت
مهمة
املهمة األوىل وهي ّ
تنفك عنها ،وإن مل تثبت هذه املسؤوليّة ،يذلك يعين لغويّة ّتستتبعها هذه املسؤوليّة ال ّ
التبليغ واإلنذار – يِنّه ال معىن ألن يكون املعصوم أو الفقيه مكلّفا ِبجرد نشر األحكام وتعليمها للناس ،من
خاصة إزاء تطبيقها والعمل هبا.
دون أن تكون هناك مسؤوليّة ّ
هذا وميكننا تلخيص األدلّة على الوالية املطلقة للفقيه ،أي الوالية اليت تستبطن كل صالحيات التطبيق
ضمن األدلّة التالية:
الدليل األول:
ويتلخص يف مق ّدمتني:
العقليّ ،
ّ ما أشرنا إليه أخريا من الدليل
ومهمة التطبيق ،وإ ّن سلب مسؤوليّة التطبيق عن املعصوم أو الفقيه باإلضاية إىل ضرورة مهمة التبليغّ ،ّ
تدل بالضرورة على أ ّن املعصوم والفقيه مسؤوالن عن التطبيق
بطالنه إثباتا –أي يف األدلّة الشرعيّة والعقليّة أل ّهنا ّ
40
كما ّأهنما مسؤوالن عن التبليغ– مستحيل ثبوتا ،أل ّن العقل َيكم بأ ّن من اللغو البارد أن يكلّف اهلل املعصوم أو
مهمة التبليغ واإلرشاد طريق
الفقيه بتبليغ الشريعة ويسلب عنه أيّة مسؤوليّة إزاء تطبيقها ،بل إ ّن العقل َيكم بأ ّن ّ
املهمة األخرى وهي تطبيق شريعة اهلل على وجه األرض.
إىل حت ّقق ّ
مهمة املعصوم ْند أ ّن من المقدمة الثانية :بعد ثبوت كون مسؤوليّة التطبيق من ّ
مهمة الفقيه كما هو من ّ
مهمة تطبيق الشريعةُ ،ثّ ال مينحه الصالحيّة اليت يستحيل
غري املعقول أن يعهد اهلل سبحانه إىل املعصوم أو الفقيه ّ
التطبيق بدوهنا ،وقد سبقت اإلشارة إىل أ ّن طبيعة التطبيق تتطلّب الصالحيّات املذكورة ،وأ ّن هذه الصالحيّات
ِبجموعها ليست ّإال جهات متع ّددة ملسؤوليّة واحدة ،وهي مسؤوليّة التطبيق .يسلب صالحيّات التطبيق مع
كل الصالحيّات اليت يتطلّبها تطبيق شريعةثبوت مسؤوليّة التطبيق أمر غري معقول .وبذلك تتّضح ضرورة ثبوت ّ
اهلل بني الناس للفقيه العادل يف زمن غيبة املعصوم.
الدليل الثاني:
تدل بِطالقها على ثبوت مطلق الصالحيّات –الثابتة النصوص املطلقة الدالّة على والية الفقيه ّ
حجيت
"أما احلوادث الواقعة يارجعوا ييها إىل رواة حديثنا يِ ّهنم ّ
للمعصوم– للفقيه كذلك ،مثل قوله عليه السالمّ :
"أللهم ارحم خلفائي ..إخل" يف داللته على ثبوت اخلالية
ّ حجة اهلل" .وقد بيّ نّا سابقا إطالق رواية:
عليكم ،وأنا ّ
والوالية للفقهاء.
كل
تدل بوضوح على ثبوت الوالية املطلقة للفقيه واليت ِبوجبها تثبت للفقيه ّ إذن يمجموع األدلّة ّ
البشري.
ّ اإلَلي يف اجملتمع
صالحيّات تطبيق النهام ّ
41