You are on page 1of 4

‫ثانوية أبي بكر الصديق التأهيلية –الرباط‪-‬‬

‫مجزوءة‪ :‬الفاعلية واإلبداع‬

‫مفهوم التقنية والعلم‬

‫المحور الثالث‪ :‬نتائج التطور التقني‬

‫اإلشكال المؤطر للمحور‪ :‬ما هي نتائج تطور التقنية على الطبيعة وعلى اإلنسان؟ وهل استطاع اإلنسان‬
‫أن يسيطر على الطبيعة والتقنية أم أن هذه السيطرة انقلب عليه؟‬

‫مستوى الفهم‪:‬‬

‫إذا كانت التقنية هي مجموع الوسال واألدوات التي يخترعها اإلنسان اعتمادا على العلم‪ ،‬والتي تهدف‬
‫إلى توفير خدمات مختلفة لإلنسان وتساعده على التغلب على جوائح الطبيعة وعلى األمراض ومظاهر‬
‫النقص وتمكنه من تقليص المسافات واختصار األزمة وتقريب البعيد إلى غير ذلك من الفوائد‪ ،‬فإن‬
‫التطور الهائل الذي واكب التقنية الحديثة قلب المعادلة‪ ،‬فمع بداية العصر الحديث راودت اإلنسان فكرة‬
‫السيطرة على الطبيعة‪ ،‬قد عبر فرانسيس بيكون عن هذه الرغبة في عبارته الشهيرة " ال يمكن السيطرة‬
‫على الطبيعة إال بالخضوع لها والخضوع يقتضي فهمها عن طريق اكتشاف القوانين التي تحكمها وابتكار‬
‫األدوات التقنية األولية وصنع اآلالت التقنية الحديثة‪ .‬كل ذلك يجعلنا أمام مجموعة من التساؤالت‪:‬‬

‫ما هي أبرز نتائج التطور التقني على الطبيعة واإلنسان على حد سواء؟ هل أفضى التطور التقني‬
‫والعلمي إلى تحرير اإلنسان أم إلى استعباده ؟ أال يشكل التطور التقني مصدر خطر ليس على وجود‬
‫اإلنسان فحسب‪ ،‬وإنما على كل مظاهر الحياة؟‬

‫مستوى التحليل‪:‬‬

‫لإلجابة على التساؤالت المطروحة‪ ،‬يقترح ديكارت أطروحة تقوم على أساس ضرورة تجاوز الفلسفة‬
‫النظرية السكوالئية ( المدرسية) ألنها فلسفة عقيمة جوفاء ال فائدة منها وال تقدم لإلنسان أية منافع عملية‪،‬‬
‫ويدعو في المقابل إلى تبني فلسفة عملية عملية تجعلنا سادة على الطبيعة ومالكين لها‪ ،‬إذ تؤدي إلى‬
‫تحسين ظروف حياتنا ووجودنا‪.‬‬

‫وفي بناء هذه األطروحة وظف ديكارت مجموعة من المفاهيم‪ ،‬أبرزها مفهوم الفلسفة النظرية‪،‬‬
‫والمقصود بها الفلسفة المدرسية‪ ،‬أي تلك الفلسفة المسيحية التي قامت على أساس شرح نصوص الكتاب‬

‫‪1‬‬
‫المقدس واجترار الكتابات األرسطية‪ ،‬فهي بالنسبة لديكارت فلسفة ال فائدة منها‪ ،‬ألنها ال تؤدي إلى خدمة‬
‫غايات عملية حياتية‪ .‬لذلك يدعونا إلى تجاوزها واستبدالها بفلسفة عملية‪ ،‬أي فلسفة قائمة على العلم‬
‫الطبيعي والتي تستند إلى التقنية كأداة لتملك الطبيعة والتحكم في مقدراتها ومواردها‪ ،‬فهذه الفلسفة تتمتع‬
‫بالقدرة على المزاوجة بين الرياضيات والفيزياء عبر ترييض الظواهر الطبيعية ( التعبير عنها بصيغ‬
‫رياضية) من أجل معرفة قوانينها وبالتالي تحويلها إلى ما يخدم مصلحة البشر‪ .‬إن هذه الفلسفة تتأسس‬
‫على العلم الطبيعي‪ ،‬والمقصود به على ليس العلم الذي يتند إلى سلسلة من التجارب واالختبارات كما قد‬
‫يوحي لنا المفهوم للوهلة األولى بل العلم الذي يمزج في دراسته لظواهر الطبيعة بين المنطق والرياضيات‬
‫من أجل الوصول إلى أقصى درجات اليقين‪.‬‬

‫وللدفاع عن تصوره استعمل ديكارت مجموعة من اآلليات الحجاجية‪ ،‬فقد انطلق ديكارت من ضرورة‬
‫اإلفصاح عن مبادئ العلم الطبيعي لما لهذا العلم من نجاعة وفائدة في حل مجموعة من المعضالت‪،‬‬
‫ومن ثمة التخلي عن مبادئ الفلسفة المدرسية المسيحية التي كانت توظف المنطق األرسطي للدخول في‬
‫جداالت نظرية ال طائلة من وراءها‪ .‬لذلك فالحل يكمن في الفلسفة العملية والتي يستنتج صاحب النص‬
‫في األخير أنها وحدها القادرة على جعلنا سادة على الطبيعة ومالكين لها‪ ،‬بل وحفظ الصحة اإلنسانية‬
‫باعتبارها الغاية األسمى لكل البشر‪ ،‬وأساس كل الخيرات التي يسعى إليها اإلنسان في هذه الحياة‪ .‬لكن‬
‫إلى أي حد يمكن القبول بهذه األطروحة؟‬

‫مستوى المناقشة‪:‬‬

‫تتمتع أطروحة ديكارت بقيمة فلسفية تتمثل أساسا في دفاعها عن الفلسفة العملية والعلم الطبيعي فهما‬
‫اللذان يضعان مبادئ قابلة للتطبيق وبالتالي تحقيق المنفعة العملية‪ .‬كما تبرز قيمة موقف ديكارت في‬
‫نقده للفلسفة النظرية المدرسية‪ ،‬التي سادت خالل مرحلة العصور الوسطى‪ ،‬والتي جعلت هذه الحقبة‪،‬‬
‫حقبة تكرار واجترار وليس إبداع وتجديد‪ .‬غير أن هذه األطروحة في المقابل‪ ،‬إذ تعلي من قيمة الفلسفة‬
‫العملية وتدافع عن السيادة على الطبيعة‪ ،‬فهي تتصور الطبيعة كمستودع للمعادن‪ ،‬وبالتالي فهي تعطي‬
‫الحق في استباحتها دون النظر في النتائج الوخيمة لهذه السيطرة‪.‬‬

‫إذا كان هذا الموقف الديكارتي يدافع عن فكرة السيطرة على الطبيعة‪ ،‬على اعتبار أن هذه السيطرة هي‬
‫الكفيلة بتحقيق رفاهية اإلنسان‪ ،‬فإنها هناك في المقابل من يدعو إلى إعادة النظر في عالقة التقنية‬
‫بالطبية‪ ،‬وينادي بضرورة وضع أخالق توافق بين احتياجات اإلنسان وحماية الوسط الطبيعي‪ ،‬حيث يمثل‬
‫هذا الموقف الفيلسوف األلماني هانز يوناس‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫ففي كتابة المعنون " مبدأ المسؤولية" يقر هانز جوناس بأنه إذا كان العلم (بروميثيوس) قد شكل لحظة‬
‫أساسية وشرطا لبقاء اإلنسان‪ ،‬فقد تحول بروميثيوس مع مرور الزمن إلى " لعنة " وخطر ينذر بفناء‬
‫اإلنسان‪ .‬يتمثل هذا الخطر في الممارسات العلمية والتقنية التي باتت تنتهك الطبيعة وتنزع عنها طابعها‬
‫السحري‪ ،‬لتحولها إلى مجرد مادة قابلة لالستغالل‪ .‬وال يتوقف األمر عند هذا الحد‪ ،‬بل يصل إلى حد‬
‫التالعب بالجينوم البشري‪ ،‬وما يمثله من خطر على طبيعة اإلنسان وعلى النوع اإلنساني‪ .‬لذلك يطرح‬
‫هانز يوناس ما يسميه "مبدأ المسؤولية" والمسؤولية هنا ليست قانونية عاجلة‪ ،‬وليست مسؤولية دينية مؤجلة‬
‫( الحساب والعقاب في الدار اآلخرة) بل مسؤولية أخالقية إزاء األجيال المقبلة وإزاء مستقبل الكوكب‬
‫والجنس البشري‪ .‬إنها أخالق تقوم على الخوف من اندثار وفناء نوعنا البشري‪ ،‬ومن ثمة فهذه األخالق‬
‫هي التي من شأنها أن تجعل من ممارسات العلم والتقنية ال تتناقض مع وجود مستقبل آمن من األخطار‬
‫واألمراض بالنسبة لألجيال القادمة‪.‬‬

‫أما ميشال سير فينتقد ميشيل سير الموقف الديكارتي المبني على منطق التحكم في الطبيعة‪ ،‬هذا‬
‫الموقف المرتبط بعصر الحديث والذي بشر بمعرفة الطبيعة تماما كما يعرف المهندس اآللة التي صنعها‪.‬‬
‫لقد كان من نتائج هذا االتجاه انتشار نوع من العنف الموضوعي كما سماه "ميشيل سير " ليس تجاه‬
‫الطبيعة فحسب بل اتجاه اإلنسان نفسه‪ ،‬وهكذا إذا التحكم في الطبيعة الذي دعا إليه اإلنسان أصبح وباال‬
‫على اإلنسان نفسه‪ ،‬حيث تحولت الطبيعة ضده‪ ،‬فأصبحت هي التي تهدده‪ ،‬وتسعى إلى التحكم فيه‬
‫القديم‪.‬‬ ‫العصر‬ ‫لإلنسان‬ ‫بالنسبة‬ ‫الشأن‬ ‫كان‬ ‫كما‬ ‫محليا‬ ‫وليس‬ ‫عالميا‬ ‫تملكا‬ ‫وتملكه‬
‫لذلك أصبح ملحا اآلن العمل على التحكم في تحكمنا كما يقول ميشيل سير حتى ال تتحول السيادة التي‬
‫بشر بها ديكارت سابقا إلى عبودية في وقتنا الحاضر‪.‬‬

‫مستوى التركيب‪:‬‬

‫يبدو أن التطور التقني قد طرح مواقف وتصورات متباينة‪ ،‬ما بين من يعتبره شرطا ضروريا لتخليص‬
‫اإلنسان من مظاهر النقص وبالتالي تحقيق رفاهيته وسعادته ورفعه إلى منزلة السيادة على الطبيعة‪ ،‬ومن‬
‫يرى في المقابل بأن هذا التقدم خط ار ينذر باندثار الطبيعة وتفككك الجنس البشري ومن ثمة يقترحون‬
‫وضع ضوابط قانونية وأخالقية للبحث العلمي والممارسات التقنية‪.‬‬

‫وعليه‪ ،‬إذا كانت التطورات التقنية قد حققت لإلنسان مجموعة من المكاسب‪ ،‬وجعلته يتغلب على‬
‫مجموعة من األمراض ويقلص المسافات المتباعدة‪ ،‬ويحقق مجموعة من االحتياجات التي كانت تشكل‬
‫بالنسبة له في القديم أضغاث أحالم فإن هذا التطور التقني البد من أن يكون محكوما بضوابط خاصة‬

‫‪3‬‬
‫عندما يتعلق األمر بضرورة المحافظة على الوسط الطبيعي وعلى طبيعة اإلنسان كما خلقه هللا دون تغيير‬
‫أو تبديل‪.‬‬

‫‪4‬‬

You might also like