You are on page 1of 13

‫‪#‬اإلرساء والمعراج الخطبة األوىل‪#‬‬

‫اإلرس ُاء والمعراج الخطبة األوىل‬

‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬


‫َّ ُ َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬
‫َّ‬
‫محم ٍد صىل هللا عليه وآله‬ ‫ش ٍء علما وأحىص‪ ،‬وفض َل أ َّمة‬ ‫ِّ‬
‫هلل الذي حض عىل التقوى ووَّص‪ ،‬وأحاط بكل ي‬
‫َّ‬ ‫الحمد ِ‬
‫ً‬ ‫َ ً‬ ‫ُ‬
‫قص َصا‪ ،‬وأرسى بعبده صىل هللا عليه وآله وسلم ليال من المسجد‬ ‫ٌ‬
‫مذكور يف القرآن‬ ‫وسلم عىل سائر األ َم ِم كما هو‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َّ ً‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫َ ُ‬
‫مختصا‪ ،‬وأشهد أن ال إله إال هللا وحده ال رسيك له‪ ،‬وأشهد‬ ‫أحمده سبحانه حمدا يكون به‬ ‫الحرام إىل المسجد األقىص‪،‬‬
‫ِّ‬ ‫اللهم ِّ‬
‫َّ‬ ‫َّ ً‬ ‫محمدا عبده ورسوله الذي صار بالشفاعة ُ‬ ‫ً‬ ‫أن ِّ‬
‫محمد‬
‫ٍ‬ ‫صل وسلم عىل عبدك ورسولك‬ ‫مختصا‪،‬‬ ‫العظىم‬ ‫ِ‬ ‫سيدنا‬
‫ُ‬ ‫َ ُ ُّ‬
‫فضائل ال تعد وال تحىص ‪،‬‬ ‫وعىل آله الذين نالوا بقربه‬

‫‪ْ َََ :‬‬


‫{ولقد‬ ‫ونفس بتقوى هللا ‪-‬عز وجل‪ ،-‬فإنها وصية هللا تعاىل لألولي واآلخرين من خلقه‬ ‫ي‬ ‫َّأما بعد‪ :‬أيها الناس‪ :‬أوصيكم‬
‫اب م ْن َق ْبل ُك ْم َوإ َّي ُاك ْم َأن َّات ُقوا َّ َ‬
‫اَّلل}‪.‬‬
‫َ َّ ْ َ َّ َ ُ ُ‬
‫وتوا ْالك َت َ‬ ‫وصينا ال ِذين أ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬

‫والداع إىل كل خي‪ ،‬والعاصم من كل‬


‫ي‬ ‫شء‪،‬‬ ‫ه الخلف من كل ي‬ ‫ه النجاة والفالح والسعادة واالطمئنان‪ ،‬ي‬ ‫تقوى هللا ي‬
‫َ‬ ‫َُ‬ ‫َ‬ ‫ُْ‬ ‫َّ َ َ ِّ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫َ َ ْ ُ َّ ْ َ ُ َ ُ‬ ‫َ‬
‫اَّلل ُيكف ْر َعنه َس ِّيئ ِات ِه َو ُي ْع ِظ ْم له أ ْج ًرا)‪ .‬أيها المسلمون‪ :‬تظل السية النبوية‬ ‫اَّلل أن َزله ِإل ْيك ْم َو َم ْن َيت ِق‬
‫سوء‪( :‬ذ ِلك أمر ِ‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫اليية‬
‫العي والدروس يف سية خي ر‬
‫وف كل مكان‪ ،‬يلتمسون ر‬ ‫منبعا عذبا وموردا صافيا ينهل منه المسلمون يف كل حي ي‬
‫النب المعصوم ‪-‬صىل هللا عليه وآله وسلم‪.-‬‬ ‫وصاحب الرسالة ر ي‬

‫ونعيش اليوم مع آية باهرة ومعجزة ظاهرة‪ ،‬وحدث عظيم‪ ،‬مع معجزة من معجزات المصطف ‪-‬صىل هللا عليه وآله‬

‫الب كان هللا ‪-‬عز وجل‪ -‬يؤيده بها بي الحي واآلخر مع اإلرساء والمعراج‪ .‬فبعد عش سنوات من الدعوة ي‬
‫الب‬ ‫وسلم‪ -‬ي‬
‫وف عالم الجن عىل يد وفد جن‬
‫الوح يف غار حراء ومضت تشق طريقها يف قلوب الفتيان من قريش ي‬
‫ي‬ ‫بتلف‬
‫ي‬ ‫ابتدأت‬
‫نصيبي‪ ،‬وتتجاوب أصداؤها يف قبائل العرب كلها من خالل لقاءات الرسول ‪-‬صىل هللا عليه وآله وسلم‪ -‬مع وفود‬
‫النجاش يف الحبشة‪ ،‬فتثمر اإلسالم والحماية والدعوة والنرصة‪.‬‬
‫ي‬ ‫العرب يف أسواقهم ومواسمهم‪ ،‬وتصل بتابعيها إىل بالد‬
‫وكان المشكون يف مكة يبثون سمومهم ودعايتهم يف كل مكان ضد الدعوة الجديدة‪ ،‬ويؤلبون العرب عىل حرب رسول‬
‫هللا وأتباعه‪ ،‬ورميه بالكهانة مرة وبالسحر أخرى وبالجنون ثالثة‪ ،‬ويطاردونه هو وأصحابه أينما حلوا وحيثما ذهبوا‪،‬‬
‫ً‬
‫رَّص هللا عنهما وقد كانا له سندا وقوة يدافعان‬
‫وشاءت إرادة هللا –عز وجل‪ -‬أن يتوف عمه أبو طالب وزوجه خديجة ي‬
‫عنه ويواسيانه ويعزيانه عىل مصابه يف قومه وتكذيبهم له‪ ،‬وعداوتهم له‪ ،‬يصور ذلك قوله ‪-‬صىل هللا عليه وسلم‪" :-‬ما‬
‫ً‬
‫وف ظل هذه الظروف القاسية اشتد األذى عىل الرسول ‪-‬صىل‬ ‫عىم أبو طالب"‪ .‬ي‬
‫توف ي‬‫مب قريش شيئا أكرهه حب ي‬ ‫نالت ي‬
‫هللا عليه وآله وسلم‪ -‬وصحابته حب ضاقت عليهم األرض بما رحبت‪ ،‬والرسول ‪-‬صىل هللا عليه وآله وسلم‪ -‬مع ذلك‬
‫صابر ألمر هللا‪ ،‬ال تأخذه يف هللا لومة الئم‪ ،‬يدعو إىل اإلسالم ويبلغ عن هللا رساالته‪ ،‬وكان هللا ‪-‬عز وجل‪ -‬مع نبيه‬
‫بالوح بي الفينة واألخرى ويسليه بقصص األنبياء والرسل السابقي الذين منهم من لبث يف‬
‫ي‬ ‫يؤيده باآليات ويعزيه‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وف ليلة السابع والعشين من شهر رجب المعظم‪،‬‬‫قومه ألف سنة إال خمسي عاما‪ ،‬ولم يؤمن معه إال اثنا عش رجال‪ .‬ي‬
‫رَّص هللا عنها‪ ،‬فصىل العشاء اآلخرة ثم نام عندها‪،‬‬ ‫ئ‬
‫أن طالب ي‬
‫كان صىل هللا عليه وآله وسلم يف بيت أم هان بنت عمه ر ي‬
‫بالياق‪ ،‬وهو دابة بيضاء طويلة فوق الحمار ودون‬
‫جييل عليه السالم ر‬
‫فأذن هللا ‪-‬عز وجل له باإلرساء والمعراج‪ ،‬فأتاه ر‬
‫البغل‪ -‬يضع حافره عند منتىه طرفه ‪-‬أي نظره‪ .-‬فركب عليه المصطف ‪-‬صىل هللا عليه وآله وسلم‪ -‬حب أن بيت‬
‫المقدس‪ ،‬فدخل المسجد وصىل فيه ركعتي‪ ،‬ثم عرج به تلك الليلة من بيت المقدس إىل السماء الدنيا ثم لم يزل‬
‫سماء حب بلغ السماء السابعة‪ ،‬فرأى الجنة والنار‪ ،‬وعرج به إىل سدرة المنتىه‪ ،‬ورأى ما‬ ‫ً‬ ‫جييل يستفتح له‪ ،‬كلما دخل‬ ‫ر‬
‫َْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫فيها من عجائب الخلق وبدائع الصنع‪( :‬ل َق ْد َرأى م ْن آ َي َ ِّ‬
‫النب ‪-‬صىل هللا عليه وآله‬
‫وف تلك الليلة رأى ر ي‬ ‫ات رب ِه الك ريى)‪ ،‬ي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ً‬
‫وسلم‪ -‬ما يهول الفؤاد من أحوال العصاة من أمته‪ ،‬فقد رأى رجاال من أمته لهم مشافر كمشافر اإلبل‪ ،‬يف أيديهم قطع‬
‫جييل؟! قال‪ :‬هؤالء أكلة أموال اليتاىم‪:‬‬ ‫من نار كاألفهار‪ ،‬يقذفونها بأفواههم فتخرج من أدبارهم‪ ،‬فقال‪ :‬من هؤالء يا ر‬
‫ً‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫ُُ‬ ‫َّ َّ َ َ ْ ُ ُ َ َ ْ َ َ ْ َ َ َ ُ ْ ً َّ َ َ ْ ُ ُ َ‬
‫ون ِه ْم ن ًارا َو َس َي ْصل ْون َس ِع ًيا)‪ ،‬ثم رأى رجاال لهم بطون لم ير مثلها‬
‫ِ(إن ال ِذين يأ كلون أموال اليتاىم ظلما ِإنما يأ كلون ِ يف بط ِ‬
‫قط يف طريق آل فرعون إىل النار‪ ،‬يمرون عليهم كاإلبل المهيومة حي يعرضون عىل النار فيطؤونهم ال يقدرون عىل أن‬
‫ون إ ََّل َك َما َي ُق ُ‬‫َّ َ َ ْ ُ ُ َ ِّ َ َ َ ُ ُ َ‬
‫وم‬ ‫جييل؟! قال‪ :‬هؤالء أكلة الربا‪( :‬ال ِذين يأ كلون الربا َل يقوم ِ‬ ‫يتحولوا مع مكانهم ذلك‪ ،‬قال‪ :‬من هؤالء يا ر‬
‫َ ٌ‬ ‫َ َ َ َّ ُ ُ َّ ْ َ ُ َ ْ َ ِّ َ َ َ َّ ُ ْ َ ُ َّ َ ْ َ ْ ُ ْ ُ ِّ َ َ َ َ َّ َّ ُ ْ َ ْ َ َ َ َّ َ ِّ َ‬ ‫َّ‬
‫الر َبا ف َم ْن َج َاء ُه َم ْو ِعظة‬ ‫ال ِذي يتخبطه الشيطان ِمن المس ذ ِلك ِبأنهم قالوا ِإنما البيع ِمثل الربا وأحل اَّلل البيع وحرم‬
‫ً‬ ‫َ ُ َ‬ ‫ْ َ ِّ َ ْ َ َ َ َ ُ َ َ َ َ َ َ ْ ُ ُ َ َّ َ َ ْ َ َ َ ُ َ َ َ ْ َ ُ َّ ُ‬
‫اب الن ِار ه ْم ِف َيها خ ِالدون)‪ ،‬ورأى رجاال بي أيديهم‬ ‫اَّلل ومن عاد فأول ِئك أصح‬ ‫ِمن رب ِه فانتىه فله ما سلف وأمره ِإىل ِ‬
‫لحم سمي طيب‪ ،‬إىل جنبه لحم غث مني الرائحة‪ ،‬يأكلون من الغث المني وييكون السمي الطيب‪ ،‬فقال‪ :‬من هؤالء‬
‫جييل؟! قال‪ :‬هؤالء الذين ييكون ما أحل هللا لهم من النساء‪ ،‬ويذهبون إىل ما حرم عليهم منهن‪ ،‬وهم الزناة والعياذ‬
‫يا ر‬
‫باهلل‪.‬‬

‫الالن أدخلن عىل أزواجهن من ليس من أوالدهم‪.‬‬ ‫جييل؟! قال‪ :‬هؤالء‬ ‫ً‬
‫نساء معلقات بثديهن‪ ،‬فقال‪ :‬من هؤالء يا ر‬ ‫ورأى‬
‫ي‬
‫أي‪ :‬بالزنا‪ .‬ثم عاد رسول هللا صىل هللا عليه وآله وسلم إىل فراشه قبل الصبح ‪.‬‬

‫النب صىل هللا عليه وآله وسلم يف مكة‪ ،‬وجلس كما كان يجلس يف الحجر‪ ،‬فمر عليه أبو جهل فقال‪ :‬ما عندك يا‬
‫أصبح ر ي‬
‫محمد؟ فقال ‪(( :‬لقد أرسي ر ين الليلة إىل المسجد األقىص‪ ،‬قال‪ :‬وأصبحت بيننا؟! قال‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪ :‬لو دعوت لك قريشا‬
‫تب به؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬فنادى أبو جهل يف الناس فاجتمعوا‪ ،‬فقال ‪ :‬لقد أرسى ر ين الليلة إىل المسجد‬
‫أخي ي‬
‫تخيهم بما ر‬‫ر‬
‫األقىص‪ ،‬قالوا‪ :‬وأصبحت بيننا؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬فارتد أناس‪ ،‬وأخذوا يرصبون عىل رؤوسهم تعجبا‪ .‬ثم قالوا‪ :‬يا محمد! لقد‬
‫وخيناه‪ ،‬فهل تستطيع إذا سألناك عنه أن تجيبنا؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬فجعلوا يسألونه فيجيبهم‪ ،‬فسألوه‬
‫جئنا بيت المقدس ر‬
‫للسء كن فيكون‪،‬‬
‫ي‬ ‫عن أشياء لم يثبتها‪ ،‬فكرب كربة شديدة‪ ،‬ما كرب مثلها قط‪ ،‬وإذا برب العزة سبحانه الذي يقول‬
‫النب ينظر إليه‪ ،‬فجعل ينظر إىل المسجد األقىص بعينيه‪ ،‬ويسألونه فيجيبهم‪ ،‬فقالوا‪:‬‬
‫يرفع المسجد األقىص‪ ،‬ويجعل ر ي‬
‫ّ‬
‫وف هذه الرحلة العظيمة دروس‬ ‫الخي فقد كذب ‪ .‬هكذا كانت رحلة اإلرساء والمعراج ‪ ،‬ي‬ ‫أما الوصف فقد صدقك‪ ،‬وأما ر‬
‫شء منها ‪ ،‬الدرس األول‪ :‬أن اإليمان برحلة اإلرساء والمعراج جزء من عقيدة المسلم ‪ ،‬ذلكم أنه‬
‫وعي ‪ ،‬لعلنا نقف عىل ي‬
‫ر‬
‫الب أيد هللا بها نبيه عليه الصالة والسالم‪ ،‬واإليمان بالمعجزة جزء من العقيدة اإلسالمية‪ ،‬وهو‬
‫إحدى المعجزات ي‬
‫امتحان إليمان المؤمني وارتياب المنافقي ‪ .‬ولهذا ارتد من ارتد عن الدين لضعف إيمانهم وقلة يقينهم‪ ،‬لطف هللا‬
‫تعاىل بعباد ه ‪ ،‬ونرصته ألوليائه والدعاة إىل سبيله ‪ ،‬فقد جاءت رحلة اإلرساء والمعراج بعد أن اشتد برسول هللا صىل‬
‫ً‬ ‫ً ُ‬
‫هللا عليه وآله وسلم وصحابته األذى ؛ تكريماُ من هللا تعاىل لهم ‪ ،‬وتجديدا لعزيمتهم وثباتهم عىل الدين ‪ ،‬وثقتهم‬
‫باهلل رب العالمي ‪ .‬أن يف هذه الحادثة داللة عىل عظم شأن الصالة ‪ ،‬فقد اختصها هللا من بي العبادات بأن تفرض يف‬
‫السماء‬

‫لقد رسعت الصالة عباد هللا لتكون معراجا ترف بالناس كلما تدنت بهم شهوات النفوس وأعراض الدنيا‪ ،‬ر‬
‫وأكي الناس‬
‫ه مجرد حركات جوفاء‪ ،‬ألن عالمة‬
‫الب رسعها هللا‪ ،‬فصالتهم ال حياة فيها وال روح‪ ،‬إنما ي‬
‫اليوم ال يصلون الصلوات ي‬
‫بسء‬
‫صدق الصالة أن تعصم صاحبها من الوقوع يف الخطايا‪ ،‬وأن تخجله من االستمرار والبقاء عليها إن هو ألم ي‬
‫منها ‪ ..‬أيها المسلمون نستفيد من هذه اآلية العظيمة (اإلرساء والمعراج) عدة فوائد منها‪:‬‬

‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ ً‬
‫رسى ِب َع ْب ِد ِه ل ْيًل ِم َن ال َم ْس ِج ِد ال َح َر ِام‬‫ان َّال ِذي َأ ْ َ‬
‫ُ ْ َ َ‬
‫والسنة واإلجماع‪ ،‬قال تعاىل‪ :‬ﮋسبح‬
‫ُّ َّ‬ ‫ٌ‬
‫‪ -1‬إن اإلرساء والمعراج ثابت بالكتاب‬
‫َّ‬
‫َ َ ْ َ َ ْ َ ُ ُ َ ُ ْ َ َ َ َّ ُ َ َّ ُ ْ‬ ‫َّ‬ ‫َْْ‬ ‫َ ْ‬
‫يع ال َب ِص ُي ﮊ‪ ،‬وورد يف القرآن أنه صىل هللا عليه وآله‬ ‫ِإىل ال َم ْس ِج ِد األق َىص ال ِذي باركنا حوله ِل ِييه ِمن آي ِاتنا ِإنه هو الس ِم‬
‫َُ َ‬ ‫ََُ‬
‫جييل عليه الصالة والسالم عند سدرة المنتىه عندها جنة المأوى‪ ،‬قال تعاىل‪ ﴿ :‬أفت َم ُارونه َعىل َما َي َرى *‬ ‫وسلم رأى ر‬
‫َ َ َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ َ َ َّ ُ ْ‬ ‫ُ‬
‫َََ ْ َ ُ َ ًَ ْ‬
‫َ َ‬
‫رص َو َما طغ *‬ ‫اغ ْال َب َ ُ‬ ‫ْ َ‬
‫السد َرة َما َيغس * ما ز‬
‫ِّ ْ َ‬ ‫ْ ْ َ‬ ‫َْ ْ ْ َْ َ‬
‫آه ن ْزلة أخ َرى * ِعند ِسد َرِة ال ُمنتىه * ِعندها َجنة ال َمأ َوى * ِإذ َيغس‬ ‫ولقد ر‬
‫فشت األحاديث الصحيحة قصة اإلرساء والمعراج الواردتي‬ ‫َل َق ْد َ َرأى م ْن َآيات َ ِّربه ْال ُك رْ َيى ﴾ [النجم‪ ،]18 - 12 :‬وقد َّ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫َ َ َّ َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ ُ َ ِّ َ َّ‬ ‫ْ‬ ‫ِّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫َ َْ َ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬
‫اس َما ن ِّز َل ِإل ْي ِه ْم َول َعل ُه ْم َيتفك ُرون ﴾‬ ‫يف القرآن وبينت تفاصيلهما تحقيقا لقوله تعاىل‪ ﴿ :‬وأنزلنا ِإليك الذكر ِلتبي ِللن ِ‬
‫ً َّ ً‬ ‫ً‬ ‫إن اإلرساء والمعراج كان بروح ر ِّ‬ ‫َّ‬
‫مرة واحدة‪ ،‬كما جاءت‬ ‫النب صىل هللا عليه وسلم وجسده‪ ،‬يقظة ال مناما‪،‬‬ ‫ي‬ ‫[النحل‪.]44 :‬‬
‫بذلك األدلة الشعية وأن (اإلرساء والمعراج)كان يف ‪/ 27‬من شهر رجب قبل الهجرة بسنة واحده‪،‬وأما قوله عز وجل‪:‬‬
‫{أرسى بعبده}‬

‫يعب محمدا عليه السالم ‪ ،‬واإلرساء هو المسي بالليل‪ ،‬وأما قوله‪ :‬ليال فإنه معب قدرته وتعجيل بلوغه إىل الشام‬
‫فإنه ي‬
‫من مكة يف ليلة واحدة‪ ،‬والمسجد مسجد مكة‪ ،‬والمسجد األقىص مسجد بيت المقدس المبارك الذي بارك هللا فيه‬
‫عز وجل وفيما حوله‪ ،‬وأعظم النعمة عىل خلقه‪ ،‬واإلحسان إىل بريته‪ ،‬ومعب قوله‪{ :‬ليال}‬

‫ليلة واحدة؛ ألن قريش لم تفقد رسول هللا صىل هللا عليه وآله وسلم إال ليلة واحدة‪ ،‬قال الحسي بن القاسم عليهما‬
‫السالم‪ :‬وروي أن هللا عز وجل أرسى به ملكا من المالئكة الكرام‪ ،‬فأوصله إىل بيت المقدس يف ليلة واحدة‪ ،‬وهذا‬
‫عجب عجيب لمن عقل‪ .‬وهذا عجب عجيب لمن عقل‪.‬‬

‫وروي أنه أن إىل أهل مكة بأخبار من سافر منهم إىل الشام‪ ،‬فلما وصل أصحابهم سألوهم عن ذلك فوجدوه حقا‪ ،‬وكان‬
‫ذلك من هللا حجة عليهم‪ ،‬ومعجزة عظيمة أتا بها لهم‪ ،‬ومعب‪{ :‬باركنا حوله}‬

‫اليكة والخي الكثي‪ ،‬وآثار األنبياء الطاهرين‪ ،‬والوسيلة والتقرب إىل رب العالمي ثم قال تعاىل‪{ :‬لييه‬
‫أي جعلنا عنده ر‬
‫من آياتنا}‬
‫الب تدل عىل قدرة هللا تعاىل‪ ،‬ثم‬
‫يعب ما أراده يف تلك الليلة من عظمة سلطانه‪ ،‬ونيات برهانه من العجائب واآليات ي‬
‫ي‬
‫قال‪{ :‬إنه هو السميع البصي}‬

‫أي السميع بال إله‪ ،‬والبصي بال حاشية‪ ،‬فمعب السميع البصي هو العليم الخبي‪ .‬قال اإلمام الناﺮﺻ لدين هللا أبو الفتح‬
‫الديلىم عليه السالم يف برهانه‪ :‬ليس ينكر المعراج إال من ينكر ويدفع معجزات األنبياء‪ ،‬وكراماتهم‪ ،‬وليس العروج‬
‫ي‬
‫برسول هللا صىل هللا عليه وآله وسلم إىل السماء ليشاهد ما خلق هللا عز وجل من بديع الخلق‪ ،‬وبحكم الصنع بأعظم‬
‫مما ظهر عىل يديه من اآليات والمعجزات‪ ،‬والشواهد الصادقة‪ ،‬كالقرآن وتكليم الشجرة‪ ،‬وتسبيح الحىص‪ ،‬إىل غي ذلك‬
‫مما خصه هللا تعاىل‪ ،‬ثم مع ذلك إن أهل اإلسالم يجمعون عىل أن عيس عليه السالم رفعه هللا تعاىل إىل السماء‪ ،‬وأن‬
‫يخيون رفع عيس عليه السالم إىل السماء‪،‬‬
‫محمدا صىل هللا عليه وآله وسلم أفضل منه قدرا عند هللا‪ ،‬فما بالهم ر‬
‫النب صىل هللا عليه وآله وسلم‪ ،‬وما يجحد المعراج إىل قليل التدبي والمعرفة بمراتب‬
‫ويمنعون هذه الفضيلة من ر ي‬
‫األنبياء والمرسلي‪ .‬وعندنا أنه أرسي بجسمه وروحه‪ ،‬وأنه دخل بيت المقدس وصىل فيه‪ ،‬ثم عرج به منه‪ ،‬ثم رجع إىل‬
‫المسجد الحرام‪ ،‬وصىل فيه صالة الصبح من صبيحة ليلته‪ ،‬ثم إن المشكي كذبوا بذلك‪ ،‬وجعلوا يسألونه عن بيت‬
‫المقدس‪ ،‬وما رأى يف طريقه‪ ،‬فوصفه لهم‪ ،‬ثم ذكر لهم صفة إبل كانت لهم يف طريق الشام تحمل متاعا‪ ،‬وأنها تقدم‬
‫يوم كذا مع طلوع الشمس يقدمها جمل أورق‪ ،‬فخرجوا يف ذلك اليوم يستقبلونها‪ ،‬فقال قائلهم‪ :‬هذه وهللا الشمس قد‬

‫رسقت ولم تأت‪ ،‬وقال آخر‪ :‬هذه والعي يقدمها جمل أورق كما قال محمد‪ ،‬ي‬
‫وف هذا دليل عىل إرسائه بجسمه وروحه‪،‬‬
‫وقوله‪{ :‬إىل المسجد األقىص}‬

‫وسىم األقىص لبعد ما بينه وبي المسجد الحرام‪ ،‬ثم قال‪{ :‬الذي‬
‫ي‬ ‫يعب بيت المقدس‪ ،‬وهو مسجد سليمان بن داود‪،‬‬
‫ي‬
‫باركنا حوله}‬

‫يعب بمن جعل حوله من األنبياء واألوصياء‪ ،‬وما خص هللا أهله به من الثمار ومجاري األنهار {لييه من آياتنا}‬ ‫ي‬
‫فرض هللا الصالة يف رحلة‬ ‫وإلهمية الصالة فقد فرصت مع األذان ليلة اإلرساء والمعراج ‪،‬لو تساءلنا معارس العباد لماذا َ‬
‫ُ‬
‫كباف الفرائض؟ لو تساءلنا‪ ،‬لكانت اإلجابة الواضحة‪ :‬لعظمة هذه‬ ‫ي‬ ‫اإلرساء والمعراج‪ ،‬وبذلك المقام؟ ولماذا لم تفرض‬
‫فىه الركن األعظم من أركان اإلسالم بعد التوحيد‪ .‬الصالة‬
‫العبادة وأهميتها‪ ،‬وعظيم ميلتها وسمو مكانتها يف اإلسالم‪ ،‬ي‬
‫ه منطلق التحرر من كل عبودية‪ ،‬إال من العبودية هلل وحده‪ ،‬والتخلص من كل انقياد وخضوع‪ ،‬إال لرب العالمي‪.‬‬
‫ي‬
‫وه أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة‪ ..‬قال رسول هللا صىل هللا عليه وآله‬ ‫فىه آكد أركان اإلسالم بعد الشهادتي‪ ،‬ي‬
‫ي‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬
‫عمله صالته‪ ،‬فإن صلحت فقد أفلح وأنجح‪ ،‬وإن فسدت فقد‬ ‫القيامة من ِ‬
‫ِ‬ ‫وسلم قال‪(:‬إن أول ما يحاسب ِبه العبد يوم‬
‫وخش)‪.‬‬ ‫َ‬
‫خاب‬
‫ِ‬

‫وألهميتها يف اإلسالم‪ ،‬فقد جاء األمر بإقامتها والمحافظة والمداومة عليها يف كثي من سور القرآن وكذا يف السنة‬
‫النبوية‪.‬‬

‫ي ﴾ [البقرة‪ .]238 :‬وقال تعاىل‪َ ﴿ :‬و َأق ُ‬


‫يموا‬ ‫الص ًَلة ْال ُو ْس ََط َو ُق ُ‬
‫وموا ََّّلل َقانت َ‬ ‫الص َل َوات َو َّ‬
‫قال ربنا‪َ ﴿ :‬حاف ُظوا َع َىل َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫الراكع َ‬ ‫َ‬
‫َّ َ َ ْ ُ َ َ‬
‫َ‬ ‫َّ َ َ َ ُ‬
‫ي ﴾ [البقرة‪ .]43 :‬والمحافظة عىل الصالة‪ :‬المواظبة والمداومة عليها بطهارتها‬ ‫الصًلة وآتوا الزكاة واركعوا مع َّ ِ ِ‬
‫ومواقيتها وحدودها وإقامتها وإتمام أركانها بالطمأنينة والخشوع‪.‬‬

‫ُ‬
‫وتأملوا وتمعنوا يرحمكم هللا‪ ،‬فالحديث عن الصالة ف القرآن جاء مقينا بصفات ألفاظها مختلفة‪ ،‬فمرة قرنت‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َّ َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ْ َ‬ ‫َّ َ ُ ْ‬
‫ين ه ْم َعىل َصل َو ِات ِه ْم‬ ‫اش ُعون ﴾ [المؤمنون‪ ،]2 :‬ومرة بالمحافظة‪ ﴿ :‬وال ِذ‬ ‫بالخشوع‪ ﴿ :‬ال ِذين هم ِ يف صًل ِت ِهم خ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ َ ُ‬ ‫ُ َ‬
‫ين ه ْم َعىل َصًل ِت ِه ْم د ِائ ُمون ﴾ [المعارج‪ ،]23 :‬ومرة باإلقامة‪﴿ :‬‬ ‫ُي َح ِافظون ﴾ [المؤمنون‪ ،]9 :‬ومرة بالدوام‪ ﴿ :‬ال ِذ‬
‫َّ َ ُ ُ َ َّ َ َ‬
‫الصًلة ﴾ [المائدة‪ .]55 :‬وهذا االختالف يف األلفاظ يف حد ذاته رسالة موجهة إىل عموم المصلي رجاال‬ ‫ال ِذين ي ِقيمون‬
‫ونساء‪ ،‬أن هللا ال يريد مجرد صالة وإال لقال صلوا‪ ،‬ولو قال هللا صلوا ألجزأت أي صالة‪.‬‬

‫َّ َ َ‬ ‫َ‬
‫الصًلة ﴾ [اإلرساء‪ ،]78 :‬أي إقامة الصالة‬ ‫يكف مجرد الصالة بل ال بد من اإلقامة‪ ﴿ :‬أ ِق ِم‬
‫فالذي يجب أن نفهمه أنه ال ي‬
‫يكف مجرد الدوام‪ ،‬بل ال بد‬
‫يكف مجرد اإلقامة‪ ،‬بل ال بد من الدوام عليها‪ ،‬وأنه ال ي‬
‫بحدودها وفرائضها وأوقاتها‪ ،‬وأنه ال ي‬
‫يكف الخشوع‪ ،‬بل ال بد من ظهور آثار‬
‫تكف المحافظة‪ ،‬بل ال بد من الخشوع فيها‪ ،‬وأنه ال ي‬
‫من المحافظة عليها‪ ،‬وأنه ال ي‬
‫الب تنحرص يف أشكال وأفعال ظاهرية إذا أتقنها المرء‬ ‫الخشوع ف الحياة العملية‪ .‬فالصالة عند التأمل ليست تلك ي‬
‫ُ‬ ‫َْ ُ‬
‫األصىل يف الصالة ومن الصالة هو التوجه إىل الواحد المعبود‪ ،‬وإفراده بالقصد إليه يف كل‬
‫ي‬ ‫المق ِصد‬ ‫صلحت صالته‪ ،‬إنما‬
‫َّ َ َ َّ َّ َ َ َ ْ َ َ ْ َ ْ َ َ ْ ُ ْ َ‬ ‫ََ‬
‫حال‪ .‬فحينما يقول ربنا سبحانه وتعاىل‪ ﴿ :‬وأ ِق ِم الصًلة ِإن الصًلة تنىه ع ِن الفحش ِاء والمنك ِر ﴾ [العنكبوت‪،]45 :‬‬
‫يعب أن للصالة دورا مهما يف‬
‫اإللىه‪ ،‬يؤكد عىل الوظائف الفردية واالجتماعية الخاصة للصالة‪ ،‬وهذا ي‬
‫ي‬ ‫فإن هذا التوجيه‬
‫النىه عن الفحشاء والمنكر‪.‬‬
‫ي‬ ‫اإلصالح والخيي لدى المسلم‪ ،‬وتشكيل ثقافة‬ ‫ي‬ ‫تربية الفرد والمجتمع‪ ،‬وتنمية الحس‬
‫ْ ْ َ‬ ‫َ َ َْ َ َ َْ َ‬ ‫َّ‬
‫فالمتأمل لهذه اآلية‪ِ ﴿ :‬إن ال َّصًلة تنىه ع ِن الف ْحش ِاء َوال ُمنك ِر ﴾ [العنكبوت‪ ،]45 :‬يجدها تحمل يف طياتها الكثي من‬
‫المعان‪.‬‬
‫ي‬ ‫لطائف‬

‫فمن أقام الصالة إقامة صحيحة مكتملة األركان‪ ،‬ومستوفية الشوط‪ ،‬بخشوعها و طمأنينتها‪ ،‬صالة يراقب بها َ‬
‫هللا‬
‫َ‬
‫تعاىل‪ ،‬ويستشعر فيها مراقبته سبحانه وأنه واقف بي يديه‪ ،‬صالة كهذه ستنهاه عن كل فحشاء ومنكر‪ ،‬صالة كهذه‬
‫تجعله يكف لسانه عن الغيبة والنميمة والكذب والبهتان وعن شهادة الزور وقول الفواحش‪ ،‬تجعل لسانه عفيفا ال‬
‫يقول إال طيبا‪ ،‬تجعل قلبه سليما طاهرا نقيا ال يحمل بي جنباته بغضا وال كراهية وال حقدا وال حسدا‪ ،‬تجعله يحب‬
‫كل المسلمي ويحب لهم ما يحب لنفسه وال يرجو لهم إال الخي‪...‬فهذا قد نفعته صالته وانتفع بها ولكننا لألسف نرى‬
‫يصىل الصلوات الخمس يف الجماعة‪ ،‬وقد نجده يحافظ عىل الصف األول وال تفوته تكبية‬
‫ي‬ ‫يصىل باستمرار‪،‬‬
‫ي‬ ‫الرجل‬
‫اإلحرام‪ ،‬لكنه إذا خرج من صالته وخرج من المسجد‪ ،‬فعل المنكرات‪ ،‬وقارف السيئات‪ ،‬وعامل المسلمي بالغش‬
‫والكذب واالحتيال‪ ،‬عاملهم بالظلم والجور‪.‬‬

‫يصىل وهو مشهور ببيع المحرمات من المطعومات والمشوبات‪.‬‬


‫ي‬ ‫تجده‬

‫يصىل وهو يأكل ويتعامل بالربا‪.‬‬


‫ي‬ ‫تجده‬

‫كي الركوع والسجود ويصوم النهار ويقوم الليل ويمكث الساعات الطوال بتالوة القرآن‪ ،‬لكن َ‬
‫قلبه‬ ‫تراه يطيل صالته ُ‬
‫وي ر‬
‫ٌ‬
‫مملوء غال وحسدا وضغينة وكراهية لغيه‪ ،‬لسانه ال يفي عن الغيبة والنميمة واالستهزاء والسخرية بغيه‪ ،‬يسغ يف‬
‫تأجيج الفي وإنشاء الخالفات‪ ،‬ال يهدأ له بال وال يقر له قرار إال بإحداث المشاكل والخصومات بي الناس‪ .‬إذا رأيت‬
‫ذلك فاعلم أن هذا يف صالته خلل‪ ،‬وأنه لم ينتفع بها وأنها لم تنفعه‪ ..‬بل اهمس يف أذنه أن رجال قال‪( :‬يا رسول هللا‪،‬‬
‫تكي من صالتها وصدقتها وصيامها غي أنها تؤذي جيانها بلسانها‪ ،‬قال‪ :‬ه ف النار)‪ ،‬فما نفعها ر‬
‫كية صالتها‬ ‫إن فالنة ر‬
‫ي ي‬
‫فىه عمود اإلسالم‬
‫وصيامها وصدقتها؛ ألنها تؤذي غيها ‪،‬عباد هللا تتصدر الصالة المرتبة األوىل من مراتب العبادات‪ ،‬ي‬
‫الذي ال يقوم إال به‪ ،‬وأحد أركانه‪ ،‬وألهميتها يف تقوية صلة العبد بربه لم يرخص الشارع ألحد يف تركها مهما كانت‬
‫النب صىل هللا عليه وآله وسلم أن يعفيهم عن الصالة فقال‪(( :‬ال خي‬
‫الظروف واألحوال‪ ،‬ولقد طلب وفد ثقيف من ر ي‬
‫يف دين ال صالة فيه ))‪.‬‬

‫وه ليلة اإلرساء والمعراج‪ ،‬فكانت خي منحة ربانية لنبيه محمد صىل‬
‫وقد اختار هللا لفرضها أفضل األوقات وأرسفها‪ ،‬ي‬
‫هللا عليه وآله وسلم وألمته‪ ،‬فمن حافظ عليها كانت له نورا وبرهانا ونجاة يوم القيامة‪.‬‬

‫وقد اختلف يف بدء مشوعية األذان‪ ،‬فعند أهل البيت أنه رسع حي أرسي برسول هللا صىل هللا عليه وآله وسلم إىل‬
‫السماء قال اإلمام الهادي يف (األحكام)‪ :‬واألذان أصله أن رسول هللا صىل هللا عليه وآله وسلم ليلة اإلرساء أرسل هللا‬
‫تحدثب عن هذا األذان فإنا نقول‪ :‬إنما‬
‫ي‬ ‫إليه ملكا فعلمه األذان‪ .‬وقال أبو العالء‪ :‬قلت لمحمد بن ع يىل‪ :‬يا أبا القاسم‪ ،‬أال‬
‫فأخي به رسول هللا فأمره أن يعلمه بالال فأذن؟ قال‪ :‬ففزع لذلك وقال‪ :‬ويحكم أال تتقون‬
‫ر‬ ‫رآه رجل من األنصار يف المنام‬
‫هللا! عمدتم إىل أمر جسيم من جسيم أمر دينكم فزعمتم أنما رآه رجل يف المنام رؤيا! قال‪ :‬فقلت‪ :‬فكيف كان إذن؟‬
‫قال‪ :‬إن رسول هللا أرسي به حب انتىه إىل ما شاء هللا من السماء‪ ،‬ففرضت عليه الصالة‪ ،‬فبعث هللا ملكا ما رأوه يف‬
‫أكي‪ ..‬الحديث ‪.‬‬ ‫السماء قبل ذلك اليوم فقال‪ :‬هللا ر‬
‫أكي هللا ر‬

‫عىل‪،‬‬
‫عىل‪ ،‬وزيد بن ي‬
‫وعىل بن الحسي‪ ،‬ومحمد بن ي‬
‫ي‬ ‫عىل‪ ،‬ومحمد بن الحنفية‪،‬‬ ‫وقد رواه األئمة‪ :‬اإلمام ي‬
‫عىل‪ ،‬والحسن بن ي‬
‫بوح من السماء كما رسعت‬ ‫ي‬ ‫وجعفر الصادق‪ ،‬والقاسم بن إبراهيم‪ ،‬والهادي‪ ،‬والناﺮﺻ األطروﺵ ‪ ،‬وقالوا‪ :‬إنه رسع‬
‫عىل عليه السالم‪ :‬لما أراد هللا أن يعلم رسوله األذان أتاه ر‬
‫جييل عليه‬ ‫الصالة‪ ،‬وقد روي يف مجمع الزوائد بسنده عن ي‬
‫السالم‪ ..‬وساق الحديث بطوله ‪.‬‬

‫عىل عليه السالم قال‪( :‬األذان مثب‬ ‫عىل‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن جده‪ ،‬عن ي‬ ‫واألذان واإلقامة مثب مثب‪ ،‬لما رواه اإلمام زيد بن ي‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ان َّال ِذي أ ْ َ‬
‫ُ ْ َ َ‬
‫رسى ِب َع ْب ِد ِه ل ْيًل ِم َن ال َـم ْس ِج ِد ال َح َر ِام ِإىل‬ ‫مثب‪ ،‬واإلقامة مثب مثب‪ ،‬ويرتل األذان ويحدر اإلقامة) ‪ .‬سبح‬
‫َ َ ْ َ َ ْ َ ُ ُ َ ُ ْ َ َ َ َّ ُ َ َّ ُ ْ‬ ‫َّ‬ ‫َْْ‬ ‫ْ‬
‫يع ال َب ِص ُي‬‫ال َـم ْس ِج ِد األق َىص ال ِذي باركنا حوله ِل ِييه ِمن آي ِاتنا ِإنه هو الس ِم‬

‫ْ ُ َ ْ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ َّ ُ َ َّ ُ ُّ َ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ َّ ُ َ ْ ً ُ َ ُ َ‬
‫س َما ك َس َبت َوه ْم َل ُيظل ُـمون} ‪#‬‬
‫ٍ‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫ل‬ ‫ك‬ ‫ف‬ ‫و‬ ‫ت‬ ‫م‬ ‫ث‬ ‫هللا‬
‫ِ‬ ‫ىل‬ ‫من سورة اإلرساء‪ -‬آية (‪{ )1‬واتقوا يوما ت ْرجعون ِف ِ‬
‫يه ِإ‬

‫ونفعب‬ ‫‪.‬‬‫م‬ ‫العظي‬ ‫آن‬


‫القر‬ ‫ف‬ ‫ولكم‬ ‫ىل‬ ‫هللا‬ ‫بارك‬ ‫}‪#‬‬ ‫اد‬ ‫ب‬ ‫ض َأ ْمري إ َىل هللا إ َّن َ‬
‫هللا َبص ٌي ب ْالع َ‬ ‫ول َل ُك ْم َو ُأ َف ِّو ُ‬
‫ون َما َأ ُق ُ‬
‫َ َْ ُُ َ‬
‫{فستذكر‬
‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫وإياكم بما فيه من االيات والذكر الحكيم‪ ،‬إنه تعاىل ملك ٌبر رؤوف رحيم ‪#،‬‬
‫‪#‬الخطبة الثانية‪ .‬اإلرساء والمعراج ‪1441/‬‬

‫بسم هللا الرحمن الرحيم ‪،‬‬

‫الحمد هلل رب العالمي‪ ،‬أرسى بعبده من المسجد الحرام إىل المسجد األقىص‪ ،‬وأشهد أن ال إله إال هللا وحده ال رسيك‬
‫ً‬
‫له‪ ،‬وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله‪ ،‬صىل هللا عليه وآله وسلم وعىل آله الطيبي الطاهرين ‪،‬‬

‫أما بعد ‪ ..‬ها هو الداعية األول صىل هللا عليه وآله وسلم يف مكة ‪ ،‬يدعو قومه إىل هللا تعاىل ‪ ..‬سنوات مأساوية ‪ ،‬مليئة‬
‫مزق شمل أتباعه ‪ ،‬وسامهم أهل مكة سوء العذاب ‪،‬‬ ‫بالعواصف العاتية من التعذيب واإليذاء ‪ ،‬والبغضاء واالفياء ‪ّ ..‬‬

‫ثم كان العام العارس من البعثة العام الحزن الذي فقد فيه صىل هللا عليه وآله وسلم عمه أبا طالب رَّص هللا عنه الذي‬
‫النب صىل هللا عليه وآله وسلم‬
‫أن طالب بثالثة أيام أو شهرين يفجع ر ي‬
‫كان يناﺮﺻه ويدفع عنه أذى قريش ‪ ،‬وبعد وفاة ر ي‬
‫وه من يف مؤازرتها له وقوفها إىل جانبه يف أشد المواقف عىل‬
‫رَّص هللا عنها ‪ ،‬ي‬
‫بموت رفيقة دربه السيدة خديجة ي‬
‫ً‬
‫مدى خمسة وعشين عاما ‪.‬‬

‫يتلفت عليه الصالة والسالم يف مكة فال يجد من ينرصه ليبلغ رسالة ربه ‪ ،‬فيخرج إىل الطائف ‪ ،‬ويعرض دعوته عىل‬
‫ثقيف ‪ ،‬فيدون عليه بأقبح رد ‪ ،‬وآذوه ونالوا منه ما لم ينل منه قومه‪ ،‬وأغروا به سفهاءهم يرمونه بالحجارة حب‬
‫دميت قدماه الشيفتان‪.‬‬

‫ً‬ ‫ً‬
‫يمس وال يشعر بنفسه ‪ ،‬حب استفاق يف قرن‬
‫ي‬ ‫وينرصف صىل هللا عليه وآله وسلم من الطائف محزونا مهموما ‪،‬‬
‫وهوان عىل الناس ‪ .‬أنت أرحم‬
‫ي‬ ‫حيلب‬
‫ي‬ ‫يناح ربه بالدعاء المشهور‪ :‬اللهم إليك أشكو ضعف ي‬
‫قون وقلة‬ ‫الثعالب فأخذ ر ي‬
‫يتجهمب أم إىل عدو ملكته أمري ؟ إن لم يكن بك‬
‫ي‬ ‫تكلب ؟ إىل بعيد‬
‫ي‬ ‫رن إىل من‬
‫الراحمي أنت رب المستضعفي وأنت ر ي‬
‫أباىل غي أن عافيتك أوسع يىل ‪ .‬أعوذ بنور وجهك الكريم الذي أرسقت له الظلمات وصلح عليه أمر‬
‫عىل فال ي‬
‫غضب ي‬
‫العتب حب ترَّص وال حول وال قوة إال بك ‪.‬‬
‫عىل سخطك ‪ ،‬لك ر‬ ‫عىل غضبك أو ييل ي‬
‫الدنيا واآلخرة أن يحل ي‬

‫ثم يعود صىل هللا عليه وسلم إىل مكة ‪ ،‬فلم يستطع دخولها إال تحت جوار المطعم بن عدي وهو رجل مشك ‪.‬‬

‫ثنب عشة سنة من البعثة ‪ ،‬يشاء هللا ‪ ،‬اللطيف بعباده‬


‫مىص ي‬
‫ي‬ ‫يف ظل هذه األجواء الكالحة ‪ ،‬والظروف الحرجة ‪ ،‬وبعد‬
‫نب مرسل وال ملك مقرب ‪.‬‬
‫يسىل رسوله ‪ ،‬ويثبته عىل الحق ‪ ،‬فيمن عليه برحلة تاريخية لم ينل رسفها قبله ر ي‬
‫ي‬ ‫أن‬

‫رحلة مباركة طيبة ‪ ،‬بدأت بأقدس بقاع األرض ‪ ،‬وانتهت بأعىل طبقات السماء ‪.‬‬

‫قال سبحانه‪( :‬سبحان الذي أرسى بعبده ليال من المسجد الحرام إىل المسجد األقىص الذي باركنا حوله لييه من آياتنا‬
‫إنه هو السميع البصي) ‪.‬‬
‫جييل يف الهواء‪ .‬إذا ر ي‬
‫بالنب صىل هللا عليه وآله‬ ‫إنها رحلة اإلرساء والمعراج ‪ .‬وبينما ر ي‬
‫النب صىل هللا عليه وآله وسلم مع ر‬
‫جييل عليه السالم‬
‫ياجييل لمن هذه الرائحة الزكية ‪،‬فقال ر‬
‫ر‬ ‫أح‬
‫وسلم يشم رائحة طيبة أطيب من المسك‪ ،‬فقال يا ي‬
‫ه وزوجها ‪ ..‬يف ظل ملك فرعون ‪ ..‬زوجها مقرب‬ ‫الب كانت تعيش ي‬
‫تلك رائحة ماشطة فرعون‪ ،‬تلك المرأة الصالحة ي‬
‫وه خادمة ومربية لبنات فرعون ‪..‬‬
‫من فرعون ‪ ..‬ي‬

‫فمن هللا عليهما باإليمان ‪ ..‬فلم يلبث زوجها أن علم فرعون بإيمانه فقتله ‪ ..‬فلم تزل الزوجة تعمل يف بيت فرعون‬
‫تمشط بنات فرعون ‪ ..‬وتنفق عىل أوالدها الخمسة ‪ ..‬تطعمهم كما تطعم الطي أفراخها ‪..‬‬

‫ه تمشط ابنة فرعون يوما ‪ ..‬إذ وقع المشط من يدها‪ ،‬فقالت‪ :‬بسم هللا ‪ ..‬فقالت ابنة فرعون‪ :‬هللا ‪ ..‬ر ي‬
‫أن؟‬ ‫فبينما ي‬

‫رن ‪ ..‬وربك ‪ ..‬ورب أبيك ‪..‬‬


‫فصاحت الماشطة بابنة فرعون‪ :‬كال ‪ ..‬بل هللا ‪ ..‬ر ي‬

‫فتعجبت البنت أن يعبد غي أبيها ‪..‬‬

‫أخيت أباها بذلك ‪ ..‬فعجب أن يوجد يف قرصه من يعبد غيه ‪..‬‬


‫ثم ر‬

‫رن وربك هللا ‪..‬‬


‫فدعا بها ‪ ..‬وقال لها‪ :‬من ربك؟ قالت‪ :‬ر ي‬

‫فأمرها بالرجوع عن دينها ‪ ..‬وحبسها ‪ ..‬وﺮﺻبــها ‪ ..‬فلم ترجع عن دينها ‪..‬‬

‫أحىم ‪ ..‬حب غال ‪..‬‬


‫ي‬ ‫فأمر فرعون بقدر من نحاس فملئت بالزيت ‪ ..‬ثم‬

‫ه نفس واحدة تخرج وتلف هللا تعاىل ‪ ..‬فعلم فرعون أن أحب‬


‫وأوقفها أمام القدر ‪ ..‬فلما رأت العذاب ‪ ..‬أيقنت أنما ي‬
‫الناس إليها أوالدها الخمسة ‪ ..‬األيتام الذين تكدح لهم وتطعمهم ‪ ..‬فأراد أن يزيد يف عذابها فأحرص األطفال الخمسة ‪..‬‬
‫تدور أعينهم ‪ ..‬وال يدرون إىل أين يساقون ‪..‬‬

‫وتبﻜ ‪ ..‬وأخذت أصغرهم وضمته إىل صدرها ‪..‬‬ ‫ي‬ ‫فلما رأوا أمهم تعلقوا بها يبكون ‪ ..‬فانكبت عليهم تقبلهم وتشمهم‬
‫المغىل‪ ،‬والغالم يصيح‬
‫ي‬ ‫بأكيهم ‪ ..‬فجره الجنود ودفعوه إىل الزيت‬
‫وألقمته ثديها ‪ ..‬فلما رأى فرعون هذا المنظر ‪ ..‬أمر ر‬
‫بأمه ويستغيث ‪ ..‬ويسيحم الجنود ‪ ..‬ويتوسل إىل فرعون ‪ ..‬ويحاول الفكاك والهرب ‪..‬‬

‫وينادي إخوته الصغار ‪ ..‬ويرصب الجنود بيديه الصغيتي ‪ ..‬وهم يصفعونه ويدفعونه ‪..‬‬

‫وأمه تنظر إليه ‪ ..‬وتودعه ‪..‬‬

‫تبﻜ وتنظر ‪ ..‬وإخوته يغطون أعينهم بأيديهم الصغية ‪ ..‬حب‬


‫ألف الصغي يف الزيت ‪ ..‬واألم ي‬
‫ه إال لحظات ‪ ..‬حب ي‬
‫فما ي‬
‫إذا ذاب لحمه من عىل جسمه النحيل ‪ ..‬وطفحت عظامه بيضاء فوق الزيت ‪ ..‬نظر إليها فرعون وأمرها بالكفر باهلل ‪..‬‬
‫فأبت عليه ذلك ‪..‬‬
‫ألف يف‬
‫ه إال لحظات حب ي‬ ‫يبﻜ ويستغيث ‪ ..‬فما ي‬ ‫الثان ‪ ..‬فسحب من عند أمه وهو ي‬
‫ي‬ ‫فغضب فرعون ‪ ..‬وأمر بولدها‬
‫وه تنظر إليه ‪ ..‬حب طفحت عظامه بيضاء واختلطت بعظام أخيه ‪ ..‬واألم ثابتة عىل دينها ‪ ..‬موقنة بلقاء‬ ‫الزيت ‪ ..‬ي‬
‫ربــها‪.‬‬

‫وألف يف الزيت ‪..‬‬


‫ي‬ ‫المغىل‪ ،‬ثم حمل‬
‫ي‬ ‫ثم أمر فرعون بالولد الثالث فسحب وقرب إىل القدر‬

‫وفعل به ما فعل بأخويه ‪..‬‬

‫واألم ثابتة عىل دينها ‪ ..‬فأمر فرعون أن يطرح الرابع يف الزيت ‪..‬‬

‫قدىم أمه ‪ ..‬ودموعه‬


‫ي‬ ‫فأقبل الجنود إليه ‪ ..‬وكان صغيا قد تعلق بثوب أمه ‪ ..‬فلما جذبه الجنود ‪ ..‬بﻜ وانطرح عىل‬
‫وه تحاول أن تحمله مع أخيه ‪..‬‬
‫تجري عىل رجليها ‪ ..‬ي‬

‫تحاول أن تودعه وتقبله وتشمه قبل أن يفارقها ‪ ..‬فحالوا بينه وبينها ‪ ..‬وحملوه بيديه الصغيتي ‪ ..‬وهو ي‬
‫يبﻜ‬
‫المغىل ‪..‬‬
‫ي‬ ‫ويستغيث ‪ ..‬ويتوسل بكلمات غي مفهومة ‪ ..‬وهم ال يرحمونه ‪ ..‬وما ي‬
‫ه إال لحظات حب غرق يف الزيت‬
‫وغاب الجسد ‪ ..‬وانقطع الصوت ‪ ..‬وشمت األم رائحة اللحم ‪ ..‬وعلت عظامه الصغية بيضاء فوق الزيت يفور بها ‪..‬‬
‫تنظر األم إىل عظامه ‪ ..‬وقد رحل عنها إىل دار أخرى ‪..‬‬

‫تبﻜ ‪ ..‬وتتقطع لفراقه ‪ ..‬طالما ضمته إىل صدرها ‪ ..‬وأرضعته من ثديها ‪ ..‬طالما سهرت لسهره ‪ ..‬وبكت لبكائه ‪..‬‬
‫وه ي‬‫ي‬

‫كم ليلة بات يف حجرها ‪ ..‬ولعب بشعرها ‪ ..‬كم قربت منه ألعابه ‪ ..‬وألبسته ثيابه ‪..‬‬

‫فجاهدت نفسها أن تتجلد وتتماسك ‪ ..‬فالتفتوا إليها ‪ ..‬وتدافعوا عليها ‪..‬‬

‫وانيعوا الخامس الرضيع من بي يديها ‪ ..‬وكان قد التقم ثديها ‪..‬‬

‫فلما انيع منها ‪ ..‬ﺮﺻﺥ الصغي ‪ ..‬وبكت المسكينة ‪ ..‬فلما رأى هللا تعاىل ذلها وانكسارها وفجيعتها بولدها ‪ ..‬أنطق‬
‫الصب يف مهده وقال لها‪:‬‬
‫ري‬

‫ألف يف الزيت ‪ ..‬ي‬


‫وف فمه بقايا‬ ‫اصيي فإنك عىل الحق ‪ ..‬ثم انقطع صوته عنها ‪ ..‬وغيب يف القدر مع إخوته ‪ ..‬ي‬
‫يا أماه ر‬
‫من حليبها ‪..‬‬

‫وف يده شعرة من شعرها ‪ ..‬وعىل أثوابه بقية من دمعها ‪..‬‬


‫ي‬

‫ه عظامهم يلوح بها القدر ‪..‬‬


‫وذهب األوالد الخمسة ‪ ..‬وها ي‬

‫ولحمهم يفور به الزيت ‪ ..‬تنظر المسكينة ‪ ..‬إىل هذه العظام الصغية ‪..‬‬
‫عظام من؟ إنهم أوالدها ‪ ..‬الذين طالما مألوا عليها البيت ضحكا ورسورا ‪ ..‬إنهم فلذات كبدها ‪ ..‬وعصارة قلبها ‪ ..‬الذين‬
‫لما فارقوها ‪ ..‬كأن قلبها أخرج من صدرها‪.‬‬

‫طالما ركضوا إليها ‪ ..‬وارتموا بي يديها ‪ ..‬وضمتهم إىل صدرها ‪ ..‬وألبستهم ثيابهم بيدها ‪ ..‬ومسحت دموعهم‬
‫بأصابعها ‪ ..‬ثم ها هم ينيعون من بي يديها ‪ ..‬ويقتلون أمام ناظريــها ‪..‬‬

‫وتركوها وحيدة ابعدوهم عنها ‪ ..‬وعن قريب ستكون معهم ‪..‬‬

‫كانت تستطيع أن تحول بينهم وبي هذا العذاب ‪ ..‬بكلمة كفر‪ .‬تسمعها لفرعون ‪ ..‬لكنها علمت أن ما عند هللا خي‬
‫وأبف ‪..‬‬

‫ه ‪ ..‬أقبلوا إليها كالكالب الضارية ‪ ..‬ودفعوها إىل القدر ‪..‬‬


‫ثم ‪ ..‬لما لم يبق إال ي‬

‫فلما حملوها ليقذفوها يف الزيت ‪ ..‬نظرت إىل عظام أوالدها ‪ ..‬فتذكرت اجتماعها معهم يف الحياة ‪ ..‬فالتفتت إىل‬
‫فرعون وقالت‪ :‬يىل إليك حاجة ‪ ..‬فصاح بها وقال‪ :‬ما حاجتك؟‬

‫عظاىم وعظام أوالدي فتدفنها يف رقي واحد ‪ ..‬ثم أغمضت عينيها ‪..‬‬
‫ي‬ ‫فقالت‪ :‬أن تجمع‬

‫وألقيت يف القدر ‪ ..‬واحيق جسدها ‪ ..‬وطفت عظامها ‪..‬‬

‫ﻪﻠﻠﻓ در هذه المرأة ما أعظم ثباتها ‪ ..‬ر‬


‫وأكي ثوابها ‪..‬‬

‫البيهف‪(( :‬لما أرسي ر ين مرت ر ين‬


‫ي‬ ‫النب ÷ ليلة اإلرساء شيئا من نعيمها ‪ ..‬فحدث به أصحابه وقال لهم فيما رواه‬
‫ولقد رأى ر ي‬
‫رائحة طيبة ‪ ..‬فقلت‪ :‬ما هذه الرائحة؟ فقيل يىل‪ :‬هذه ماشطة فرعون وأوالدها ‪.)) ..‬‬

‫أكي تعبت قليال ‪ ..‬لكنها اسياحت كثيا ‪..‬‬


‫هللا ر‬

‫تحسي الذين قتلوا يف سبيل هللا أمواتا بل أحياء عند ربــهم يرزقون‪ 169‬فرحي بما آتاهم هللا من فضله‬
‫ر‬ ‫{وال‬
‫ويستبشون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم أال خوف عليهم وال هم يحزنون‪ 170‬يستبشون بنعمة من هللا وفضل‬
‫وأن هللا ال يضيع أجر المؤمني‪ 171‬الذين استجابوا هلل والرسول من بعد ما أصابهم القرح للذين أحسنوا منهم واتقوا‬
‫أجر عظيم‪}172‬‬

‫‪.‬مضت هذه المرأة المؤمنة إىل خالقها ‪ ..‬وجاورت ربــها ‪..‬‬

‫ويرح أن تكون اليوم ف جنات ونهر ‪ ..‬ومقعد صدق عند مليك مقتدر ‪ ..‬وه اليوم أحسن منها ف الدنيا حاال ‪ ..‬ر‬
‫وأكي‬ ‫ر‬
‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫نعيما وجماال ‪..‬‬

‫عىل صىل هللا عليه‪ ،‬قال‪( :‬قال رسول هللا صىل هللا عليه وآله وسلم‪(( :‬لما أرسي ر ين إىل السماء قيل يىل‪ :‬فيم‬
‫و عن ي‬
‫السيات()‪ ،‬ونقل األقدام إىل الجماعات‪،‬‬ ‫ر‬ ‫فعلمب‪ ،‬قال‪ :‬يف إسباغ الوضوء يف‬
‫ي‬ ‫يختصم المأل األعىل؟ قلت‪ :‬ال أدري ؛‬
‫وانتظار الصالة بعد الصالة)))‪ .‬وعنه صىل هللا عليه وآله وسلم‪(( :‬لما أرسي ر ين إىل السماء دخلت الجنة فرأيت فيها‬
‫ياجييل‪:‬‬
‫قرصا من ياقوت يرى داخله من خارجه وخارجه من داخله من ضيائه وفيه بيتا (‪ )1‬من در وزبرجد‪ .‬فقلت‪ :‬ر‬

‫لمن هذا القرص؟ فقال‪ :‬هذا لمن أطاب الكالم وأدام الصيام وأطعم الطعام وتهجد الليل والناس نيام))‪ .‬قال ي‬
‫عىل عليه‬
‫عىل فدنا منه‪ ،‬فقال‪ :‬أتدري من أطاب الكالم؟ قال‪ :‬هللا ورسوله‬ ‫وف أمتك من يطيق هذا؟ فقال‪(( :‬ادن ي‬
‫مب يا ي‬ ‫السالم‪ :‬ي‬
‫أكي‪ ،‬تدري من أدام الصيام؟ قال‪ :‬هللا ورسوله أعلم‪.‬‬
‫أعلم‪ .‬قال‪ :‬من قال‪ :‬سبحان هللا والحمدهلل وال إله إال هللا وهللا ر‬
‫قال‪ :‬من صام رمضان ولم يفطر منه يوما‪ .‬تدري من أطعم الطعام؟ قال‪ :‬هللا ورسوله أعلم‪ .‬قال‪ :‬من طلب لعياله ما‬
‫يصىل‬
‫ي‬ ‫يكف به وجوههم عن الناس‪ .‬تدري من تهجد بالليل والناس نيام؟ قال‪ :‬هللا ورسوله أعلم‪ .‬قال‪ :‬من لم ينم حب‬
‫ويعب بالناس نيام‪ :‬اليهود والنصارى فإنهم ينامون فيما بينهما‪.‬‬
‫ي‬ ‫العشاء اآلخرة))‪.‬‬

‫وعن عبد هللا بن بن زرارة قال‪ :‬قال رسول هللا ‪-‬صىل هللا عليه وآله وسلم‪(( :‬لما أرسي ر ين إىل السماء انتىه ر ين إىل قرص‬
‫عىل بثالث خصال بأنه سيد المسلمي‪ ،‬وإمام المتقي وقائد الغر‬
‫وأمرن يف ي‬
‫ي‬ ‫إىل‬
‫من لؤلؤ فراشه من ذهب يتألأل فأوح ي‬
‫المحجلي))وروى الواحدي‪ :‬عن مقاتل بن سليمان أنه لما أرسي ر ي‬
‫بالنب صىل هللا عليه وآله وسلم إىل السماء أعَط‬
‫خواتم سورة البقرة فقالت له المالئكة‪ :‬إن هللا عزوجل قد أكرمك بحسن الثناء عليك بقوله آمن الرسول‪ ،‬فاسئله‬
‫جييل عليه السالم كيف يدعو‪ ،‬فقال محمد صلوات هللا عليه وعىل آله وسلم‪(( :‬غفرانك ربنا وإليك‬
‫وارغب‪ ،‬فعلمه ر‬
‫المصي)) فقال هللا‪ :‬قد غفرت لكم‪ .‬فقال‪ :‬التؤاخذنا‪ ،‬قال هللا‪ :‬ال أواخذكم‪ ،‬فقال‪ :‬والتحمل علينا إﺮﺻا‪ ،‬فقال‪ :‬ال أشدد‬
‫عليكم‪ ،‬قال محمد صىل هللا عليه وآله وسلم‪(( :‬وال تحملنا ماال طاقة لنا به)) فقال‪ :‬ال أحملكم ذلك‪ ،‬فقال‪ :‬محمد‬
‫صىل هللا عليه وآله وسلم ‪(( :‬واعف عنا واغفر لنا وارحمنا))‪ ،‬فقال‪ :‬هللا‪ :‬قد عفوت عنكم وغفرت لكم ورحمتكم‪،‬‬
‫النب صىل هللا عليه وآله وسلم قال‪:‬‬ ‫وف (شواهد التييل) ‪ :‬بإسناده عن ر ي‬
‫أن هريرة‪ ،‬عن ر ي‬ ‫وأنرصكم عىل القوم الكافرين‪ .‬ي‬
‫((لما أرسي ر ين إىل السماء سمعت تحت العرﺵ‪ :‬أن عليا راية الهدى‪ ،‬وحبيب من يؤمن ر ين‪ ،‬بلغ يا محمد)) قال فلما نزل‬
‫النب صىل هللا عليه وآله وسلم أرس ذلك فأنزل هللا عز وجل‪{ :‬يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك ‪} ..‬‬
‫ري‬
‫ف عىل بن أن طالب { ‪ ..‬وإن لم تفعل فما بلغت رسالته وهللا يعصمك من الناس} أال ر‬
‫وأكيوا يف هذا اليوم وأمثاله من‬ ‫ري‬ ‫ي ي‬
‫ً‬
‫النب يا أيها الذين آمنوا‬
‫نب وآله‪ ،‬إمتثاال لقول هللا جل جالله {إن هللا ومالئكته يصلون عىل ر ي‬
‫الصالة والسالم عىل ال ر ي‬
‫ر‬ ‫ر‬
‫صلوا عليه وسلموا تسليما} عباد هللا‪ :‬أكيوا يف هذا اليوم من الصالة عىل نبيكم الكريم القائل‪(( :‬أكيوا ي‬
‫عىل من‬

‫الصالة يف يوم الجمعة فإنه يوم تضاعف فيه األعمال)) والقائل‪(( :‬من صىل ي‬
‫عىل صالة واحدة صىل هللا عليه بها عش‬
‫روح منه‬
‫ي‬ ‫صلوات‪ ،‬ومﻰﺤ عنه بها عش سيئات‪ ،‬وكتب له بها عش حسنات‪ ،‬واستبق ملكاه الموكالن به أيهما يبلغ‬
‫السالم))‪.‬‬

‫‪.‬‬

‫أن الطيب والطاهر والقاسم محمد بن عبد هللا‬


‫اللهم صل وسلم وبارك وترحم عىل عبدك ونبيك وخيتك من خلقك ر ي‬
‫بن عبد المطلب بن هاشم‪.‬‬
‫أن طالب‪ ,‬وعىل زوجته‬‫عىل بن ر ي‬
‫وصل اللهم وسلم عىل أخيه وابن عمه وباب مدينة علمه أشجع طاعن وضارب ي‬
‫أن محمد‬‫الحوراء خامسة أهل الكساء فاطمة البتول الزهراء‪ .‬وصل اللهم وسلم عىل ولديهما اإلمامي األعظمي ر ي‬
‫وأن عبد هللا الحسي‪.‬‬
‫الحسن ر ي‬

‫عىل‪ ،‬وصل اللهم وسلم عىل اإلمام الهادي إىل الحق القويم يحب‬
‫الوىل اإلمام زيد بن ي‬
‫الوىل ابن ي‬
‫وصل اللهم وسلم عىل ي‬
‫بن الحسي بن القاسم بن إبراهيم‪.‬‬

‫وصل اللهم وسلم عىل سائر أهل بيت نبيئك المطهرين دعاة منهم ومقتصدين‪.‬‬

‫وارض اللهم عن الصحابة األخيار من المهاجرين واألنصار وعنا معهم بفضلك ومنك يا كريم‪.‬‬

‫اللهم إنا نسألك رضاك ورضا الوالدين والجنة‪ ،‬ونعوذ بك من سخطك وسخط الوالدين والنار‪.‬‬

‫والكي والكسل وسوء العمل وسوء‬


‫ر‬ ‫الجي والبخل‬
‫ر‬ ‫اللهم إنا نسألك التوفيق والسداد والعون والرشاد ونعوذ بك من‬
‫المنقلب يف األهل والمال والولد‪.‬‬

‫اللهم إنا نعوذ بك من عيش الشقاء وحياة التعساء وموت البؤساء ونعوذ بك من عيشة يف شدة وموت عىل غي عدة‪.‬‬

‫اللهم احيينا ما كانت الحياة خيا لنا‪ ،‬فإذا كانت حياتنا مرتعا للشيطان فاقبضنا إليك غي خزايا وال مفتوني‪ .‬اللهم احفظ‬
‫لنا علماءنا العاملي والدعاة والمرشدين وطلبة العلم أجمعي‪ ،‬وآخر دعوانا أن الحمد هلل رب العالمي‪ .‬عباد هللا‪{ :‬إن‬
‫والبغ يعظكم لعلكم تذكرون}‬
‫ي‬ ‫القرن وينىه عن الفحشاء والمنكر‬
‫ر‬ ‫هللا يأمر بالعدل واإلحسان وإيتاء ذي‬

‫‪ ،‬فاذكروا هللا العظيم الجليل يذكركم‪ ،‬واشكروه عىل نعمه يزدكم‪{ ،‬وأقم الصالة إن الصالة تنىه عن الفحشاء والمنكر‬
‫أكي وهللا يعلم ما تصنعون}‬
‫ولذكر هللا ر‬

‫*****‬

You might also like