Professional Documents
Culture Documents
المحاضرة الرابعة
المحاضرة الرابعة
-10لغة
أصل الفساد لغة من الفعل فسد،يفسد ،وفسد فسادا فهو فاسد ،فيقال تفاسد القوم بمعنى قطعوا األرحام
واملفسدة خالف املصلحة ،ويطلق لفظ الفساد على التلف والعطب واالضطراب والقحط.
فالفساد هو الخروج عن االعتدال وضده الصالح ،ويستعمل ذلك في النفس والبدن واألشياء الخارجة عن
االستقامة.
وال يختلف املعنى في اللغة الفرنسية ،فجاء للداللة عن تشويه الحقيقة ،تحريف الحيثيات ،الجور والظلم
واالضطهاد والتدمير والخراب ،ويعني أيضا اختراق القوانين ...
أما في اللغة اإلنجليزية فهو متعدد االستعمال ،فهو مشتق من الفعل الالتيني ( )Rumpereالذي يعني كسر ش يء
ما قد يكون املكسر ذا مدلول مادي أو أخالقي أو اجتماعي أو قاعدة إدارية ،ويرتبط الكسر بالحصول على كسب
مادي ،ويعني أيضا تضييع ا أمانة بسبب استعمال الرشوة.
وفي قاموس أكسفورد يقصد بالفساد تدهور القيم األخالقية في املجتمع أو لدى الفرد.
-10اصطالحا
جاء الفساد في القرآن الكريم بمختلف التصريفات خمسين مرة ،أما الفعل فذكر في ثمانية عشر موضعا،
ۖٗ
وسنعرض بعضا منها ،ففي قوله تعالىَ ﴿ :وإِ ۡذ قَا َل َرب َُّك ِل ۡل َملَئِ َك ِة إِنِي َجا ِع ٞل فِي ۡٱۡل َ ۡر ِ
ض َخ ِليفَة قَالُواْ أَت َۡجعَ ُل
ِس لَ ۖٗ َك قَا َل إِنِي أ َ ۡعلَ ُم َما ََل ت َعۡ لَ ُمونَ ( .سورة
ِك َونُقَد ُ فِي َها َمن ي ُۡف ِسدُ فِي َها َويَ ۡس ِفكُ ِ
ٱلد َما َء َون َۡح ُن نُ َ
سبِ ُح بِ َحمۡ د َ
البقرة-اآلية ) 03
َّللاُ ََل ي ُِحبُّ ْالفَ َ
سادَ . ض ِليُ ْف ِسدَ فِي َها َويُ ْه ِل َك ْال َح ْر َ
ث َوالنَّ ْس َل ۗ َو َّ وقال تعالىَ ﴿ :و ِإذَا ت ََولَّى َ
س َعى فِي ْاۡل َ ْر ِ
(سورة البقرة -اآلية ) 532
أي :هو أعوج املقال ،سيئ الفعال ،فذلك قوله ،وهذا فعله :كالمه كذب ،واعتقاده فاسد ،وأفعاله قبيحة.
ال َسنُ َقتِ ُل أَبْنَاءَ ُه ْم
ك ۚ قَ َ ِ وس ٰى َوقَ ْوَمهُ لِيُ ْف ِس ُدوا ِِف ْاْل َْر ِ ِ ِ ِ
ض َويَ َذ َرَك َوآِلتَ َ ال الْ َم ََلُ من قَ ْوم فْر َع ْو َن أَتَ َذ ُر ُم َ
وقال تعالىَ :وقَ َ
اهُرو َن ( .سورة اْلعراف -اآلية )721 ونَستحيِي نِساءهم وإِ اَّن فَوقَهم قَ ِ
َ َْ ْ َ َُ ْ َ ْ ُ ْ
1
وفي قول املأل من قوم فرعون أي :لفرعون ( أتذر موس ى وقومه ) أي :أتدعهم ليفسدوا في األرض ،أي :
يفسدوا أهل رعيتك ويدعوهم إلى عبادة ربهم دونك ،ياهلل للعجب ! صار هؤالء يشفقون من إفساد موس ى وقومه
! أال إن فرعون وقومه هم املفسدون ولكن ال يشعرون.
ض ۚ أُوٰلَئِ َ
ك ُه ُم وصل َويُ ْف ِس ُدو َن ِِف ْاْل َْر ِ اَّللِ ِمن ب ع ِد ِميثَاقِ ِه وي ْقطَعو َن ما أَمر ا ِِ اِ
اَّللُ به أَن يُ َ َ ََ ُ َ ََ ضو َن َع ْه َد ا َ ْ ين يَن ُق ُ
ويقول تعالى :الذ َ
اْل ِ
اسُرو َن( .سورة البقرة -اآلية ) 21َْ
فأما املؤمنون فوصلوا ما أمر هللا به أن يوصل من هذه الحقوق ،وقاموا بها أتم القيام ،وأما الفاسقون،
فقطعوها ،ونبذوها وراء ظهورهم ،معتاضين عنها بالفسق والقطيعة; والعمل باملعاص ي; وهو :اإلفساد في األرض.
وفي السنة النبوية الشريفة أيضا ورد العديد من األحاديث في مواضع كثيرة ،منها:
قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم :إنما األعمال كالوعاء إذا طاب أسفله طاب أعاله ،وإذا فسد أسفله فسد
أعاله .اخرجه ابن ماجة في سننه وصححه األلباني.
وفي حديث ابن الدرداء رض ي هللا عنه قال :قال صلى هللا عليه وسلم( :أال أخبركم بأفضل من درجة الصيام
والصالة والصدقة ،قالوا بلى ،قال صالح ذات البين فإن فساد ذات البين هي الحالقة) .أخرجه الترميذي في سننه
وقال األلباني صحيح.
سواء من أمور الدين أو ُّ ُ َُ ُ ُْ
الدنيا؛ ِ ِ ذورهِ ٌ ،وتحلقه وتقطعه من ج ِ كل ش ٍيء ِ القاطعة واملنهية التي تأ ِتي على ِ
ِ الحالقة أي:
نسان،
َ َ ُ ُ ُ َّ التشاحن َ
ُ َّ ُ
السي ِئ على اإل ِ
لبي ِاألثر الق ِ
الناس والتهاج ِر وربما التقاتل ،هذا غير ما فيها ِمن ِ ِ بين ِ ؤدي إلىألنها ت ِ
ُّ ٌ َ ُ
الحديث :الحث
ِ َ
مجتم ِعه ،وفي ظاهر في ن ْف ِسه أو للدين وال ِعبادات ٌ
أثر فسد قلبه على إخوا ِنه ،فال يكون ِ
َ
في ِ
ُ
الناس. َ
بين القات َ ُ
ِ الع ِ إصالح
ِ على والترغيب
ين ُّ هدم الد َ إفساد العالقات َ َ وفيه أيضا ُ
بيان َّأن
والدنيا. الناس َي ُ ِ
ِ بين ِ ِ
وفي حديث أبي أمامة الباهلي رض ي هللا عنه عن النبي صلى هللا عليه وسلم قال(:أن األمير إذا ابتىى الريبة في الناس
أفسدهم) .أخرجه أبوداوود في سننه.
ُ
الحديث لألمير َّ َ َّ ُ
ألنه ِ وغيره ،وجاء
كالوزير ِ
ِ ومسؤولية،
ٍ رعاية
أي ٍ تولى َّ الحاك َم ،ويدخ ُل في معناه من ي ِ َ
األمير أي:
ُّ َ الناس) ،أيَ : واملسؤول (إذا ْاب َت َىى الر َيب َة في َّ َ
وتجسس على عيوبهم، َّ الظ ِن،
وسوء ِ َ الت َه َمة األصل فيهم َ جعل ِ ِ ِ
ُ امل ْر ِج ُع
َ ومعاد ُهم؛ َّ َ ْ ْ وات َهمهم في أحوالهم بن َّية َف ْ
ألنه بفعله َّأداهم إلى ارتكا ِب ما َ ض ِحهم (أف َس َد ُهم) أي :أف َس َد عليهم َمعاش ُهم ِ ِِ ِ
َّ
2
وفي عصرنا تعددت تعريفات الفساد حسب الزاوية التي ينظر منها له ،وفيما يلي عرض ألهم هذه التعريفات:
يعرفه البنك الدولي بأنه سوء استغالل السلطة العامة من أجل الحصول على املكاسب الخاصة ،والفساد
تبعا لهذا يكون في الحاالت التالية:
-قبول أو طلب رشوة من قبل موظف عمومي بغرض تسهيل إجراءات إدارية لفائدة جهة ما أو تسريع
إجراءات عقود.
-تقديم رشاوي من قبل الشركات أو وسائطها لالستفادة من امتيازات تنافسية وتحقيق أرباح غير
قانونية في األصل.
-استغالل الوظيفة من أجل توظيف األقارب أو ترقيتهم بطرق غير شرعية.
أما األمم املتحدة ففي املشروع التمهيدي التفاقية األمم املتحدة ملكافحة الفساد نظرا لعدم االتفاق على
تعريف محدد للفساد ،فقد اكتفت باإلشارة إلى صوره كالرشوة واختالس املمتلكات واستغالل الوظيفة
واملتاجرة بالنقود والرشوة في القطاع الخاص وإعاقة السير الحسن للعدالة...إلخ
وفي تعريف منظمة الشفافية الدولية -وهي منظمة عاملية تعنى بالفساد وتجتهد ملكافحته والوقاية منه،-
ترى بأنه سلوك الذي يمارسه املسؤولون في القطاع العام أو القطاع الخاص سواء كانوا سياسيين أو
موظفين إداريين بهدف إثراء أنفسهم أو أقاربهم بصورة غير قانونية وذلك من خالل سوء استغاللهم للسلطة
املمنوحة لهم.
الفساد ظاهرة اجتماعية واقتصادية وسياسية ال يكاد يخلو منها مجتمع من املجتمعات ،غير أن خطورتها
وانتشارها يختلف من مجتمع إلى آخر ،وتختلف أنواع الفساد باختالف املعايير التي نعرضها في اآلتي:
3
-الفساد األخالقي :وهو الفساد الذي يؤدي بالفرد إلى االنحطاط في سلوكياته بصورة تجعله ال يحكم
عقله الذي ميزه هللا تعالى به عن سائر املخلوقات ،فيستسلم لنزواته ورغباته فينحط إلى أقل الدرجات
واملراتب ،فينتج عنه انتشار الرذيلة والفاحشة والسلوكات املخالفة لآلداب.
-الفساد السياس ي :وهو إساءة استخدام السلطة العامة من قبل النخب الحاكمة ألهداف غير
مشروعة ،كما عرفته األمم املتحدة بأنه استغالل السلطة العامة لتحقيق مكاسب خاصة ،من مظاهره
غياب الديموقرطية ،فقدان املشاركة السياسية ،فساد الحكام...
-الفساد الثقافي :ويقصد به الخروج عن الثوابت العامة لألمة مما يفكك هويتها وإرثها الثقافي ،وهو عكس
األنواع السابقة يصعب اإلجماع على إدانته أو سن التشريعات التي تجرمه كونه يتحصن وراء حرية
التعبير واإلبداع.
-الفساد االجتماعي :هو الخلل الذي يصيب املؤسسات االجتماعية التي أوكل لها املجتمع تربية الفرد
وتنشئته ،كاألسرة واملدرسة والجامعات ومؤسسات العمل ،فالتنشئة الفاسدة تؤدي حتما إلى فساد
اجتماعي مستقبلي ،من مظاهره عدم تقبل الوالء الوظيفي ،عدم احترام الرؤساء في العمل ،عدم تنفيذ
األوامر واإلخالل باألمن العام....
-الفساد القضائي :هو االنحراف الذي يصيب الهيئات القضائية مما يؤدي إلى ضياع الحقوق وتفش ي
الظلم ،من أبرز مظاهره املحسوبية والوساطة ،قبول الهدايا والرشاوي ،شهادة الزور ،وهو من أخطر
أشكال الفساد يهلك الشعوب والحكومات كونه السلطة التي يلجأ لها الناس الستعادة حقوقهم
املهضومة.
-الفساد االقتصادي :ويتعلق باملمارسات املنحرفة واالستغاللية واالحتكارات االقتصادية وقطاعات
األعمال التي تستهدف تحقيق منافع اقتصادية خاصة على حسام املصلحة العامة ،وتحدث هذه
املمارسات نتيجة غياب الرقابة أو نتيجة ضعف الضوابط والقواعد الحاكمة واملنظمة للمناخ
االقتصادي.
-0الفساد حسب األفراد املنخرطين فيه :ويمكن التمييز بين نوعيين:
-فساد القطاع العام :وهو استغالل النشاط العام خاصة في تطبيق أدوات السياسات املالية واملصرفية
مثل التعريفات الجمركية واالئتمان املصرفي واإلعفاء الضريبي...ألغراض خاصة ،حيث يتواطأ املوظفون
العموميون معا لتحويل الفوائد والرسوم ألنفسهم بدال من تحويلها لخزينة الدولة ،بطرق مختلفة
كاالختالس ،السرقة ،الرشوة...إلخ ،وهو من أخطر أنواع الفساد املعيقة للتنمية.
-فساد القطاع الخاص :يتمثل في استغالل النفوذ الخاصة بفضل ما يملكه هذا القطاع من مال للتأثير
على الحكومات ،ويظهر في شكل هدايا ورشاوي من قبل القطاع الخاص مقابل اإلعفاءات واإلعانات التي
يقدمها القطاع العام،وينتج عنه تغيير السياسات الحكومية وانحرافها نحو طبقة أو فئة معينة وهي
4
املؤسسات الخاصة ورجال األعمال ...على حساب البسطاء والفقراء،وهنا تكون سيادة القانون معطلة
بحيث تسمح للفئة األولى بممارسة سلطتها عن طريق االحتكار مثال.
-3الفساد من حيث حجمه :ينقسم إلى:
-الفساد الكبير :يرتبط هذا النوع بالفساد بالصفقات الكبرى في املقاوالت وتجارة السالح والحصول على
التوكيالت التجارية للشركات التجارية الكبرى املتعددة الجنسيات،ويطال هذا النوع من الفساد كبار
املسؤولين في الدولة وصناع القرار،من أمثلته االستالء على املال العام ،سحب القروض الضخمة من
البنوك ،تسهيل حصول رجال األعمال على قروض ضخمة بفوائد منخفضة وبدون ضمانات ،التزوير في
املحررات الرسمية بفضل النفوذ لالستيالء على املمتلكات العامة وغيرها.
-الفساد الصغير :ويشير إلى أشكال الفساد التي تعبر عن سلوك شخص ي أو أكثر باملنظمة ،يقوم بع
صغار املوظفين عبر االختالسات الصغيرة وتلقى الرشاوي وغيرها،ويتسم بأن يكون غير منظم في اغلب
األحيان ،يكون في شكل تيسير إجراءات معقدة وتوفير خدمات مقابل رشاوى وهدايا ،وعلى الرغم من أنه
أقل خطورة من النوع السابق إال أن له أثر بالغ في تركيبة املجتمع والطبقات الفقيرة خاصة إذا تفش ى
وصعب السيطرة عليه.
-4الفساد من حيث نطاقه :ويتمثل في :
-الفساد املحلي :هو الذي يتم داخل حدود البلد ،ويقتصر على أطراف محليين ويتم عادة عند التقاء
القطاع الخاص بالقطاع العام في معاملة ما ،وقد يكون الطرفان في القطاع العام ،قد يكون في شكل
رشاوي تقدم ملسؤولين حكوميين للحصول على الصفقات مما يخل بقواعد املنافسة ،كما يؤدي إلى زيادة
تكاليف املشروعات ومن ثم زيادة األسعار بسبب إضافة قيمة الرشاوي املدفوعة إلى تكاليف املشروع
مما يحمل الدولة نفقات إضافية.
-الفساد الدولي :وهو الذي يتجاوز حدود الدولة ،وذلك عند تعامل الدولة مع أطراف خارجية حيث تقوم
الحكومات في الدول النامية بشراء معدات ومستلزمات من الخارج ودفع الرشاوي والعموالت للتعاقد مع
شركة دون أخرى ،ويكون هذا بصفة خاصة في الصفقات الكبرى املتعلقة بالنشاط االستراتيجي
ومشروعات البنية األساسية ،صفقات السالح...وغيرها.
-5الفساد من حيث طبيعة طرفي الفساد :وينقسم إلى:
-الفساد القصري :وهنا يتم إجبار املستهلك أو طالب الخدمة على دفع رشوة وإال تعطلت مصالحه
وتأخر في الحصول على الخدمة.
-الفساد تآمري :أو االتفاقي وهنا يكون هناك تعاون بين طرفي الفساد بحيث يتفق طرفا الفساد على
تجنب الدفع للحكومة ودفع مبلغ أقل للموظف الحكومي ،مثل دفع مبلغ ملوظف الجمارك للسماح
بدخول سلعة خاضعة للضريبة الجمركية بدون تقاض ي هذه الضريبة الجمركية أو تخفيضها،
5
-6الفساد من حيث درجة التنظيم :ويتمثل في:
-الفساد العرض ي :وهذا يشير إلى كافة أنواع الفساد الصغيرة والعرضية مما يجعلها تعبر عن سلوك
شخص ي وليس نظام عام ،كاالختالس ،املحسوبية ،املحاباة ،سرقة أدوات مكتبية أو بعض املبالغ
الصغيرة.
-الفساد املنظم :وينتشر هذا النوع في الهيئات واإلدارات واملنظمات املختلفة من خالل إجراء ترتيبات
مسبقة ومحددة ،تعرف من خاللها مقدار الرشوة وآلية دفعها وكيفية إنهاء املعاملة ،بمعنى أن يدير
العمل برمته شبكة مترابطة للفساد يستفيد ويعتمد كل عنصر فيها على اآلخر.
-الفساد الشامل :وهو نهب واسع النطاق لألموال واملمتلكات الحكومية من طرف صفقات وهمية،
أوتحويل ممتلكات عامة إلى مصالح خاصة بدعوى املصلحة العامة.
6