Professional Documents
Culture Documents
مدخل لدراسة الشريعة الاسلامية
مدخل لدراسة الشريعة الاسلامية
www.fsjes-agadir.info
ب .األحكام األخالقية :وهي األحكام المتعلقة بأمهات الفضائل ،ومن اآليات التي تنص على
تلك األحكام ما يلي:
ك َل َعلى ُخلُ ٍق َعظِ ٍيم﴾ [سورة القلم ،اآلية .]2
﴿وإِ هن َ
َ
هللا َو ُكو ُنوا َم َع الصها ِدق َ
ِين﴾ [سورة التوبة ،اآلية .]114 ﴿ َيا أَ ُّي َها الهذ َ
ِين آ َم ُنوا ا هتقُوا ه َ
ين﴾ [سورة النحل ،اآلية .]123 ص َبرْ ُت ْم لَه َُو َخ ْي ٌر لِلص ِ
هاب ِر َ ﴿َ ...ولَئِنْ َ
اس َو ه
هللا ُ ُيحِبُّ ِين ْال َغ ْي َظ َو ْال َعاف َ
ِين َعنْ ال هن ِ ون فِي السهره ا ِء َوالضهره ا ِء َو ْال َكاظِ م َ ﴿الهذ َ
ِين ُي ْن ِفقُ َ
ِين﴾ [سورة آل عمران ،اآلية .]132 ْالمُحْ سِ ن َ
ص ٌة[ ﴾...سورة الحشر ،اآلية .]4 ُون َعلَى أَ ْنفُسِ ِه ْم َولَ ْو َك َ
ان ِب ِه ْم َخ َ
صا َ ﴿َ ...وي ُْؤ ِثر َ
ج .األحكام العملية :وتنقسم إلى قسمين:
.1عبادات.
.2معامالت.
ومن اآليات التي تنص على تلك األحكام ما يلي:
ِين﴾ [سورة البقرة ،اآلية .]23 ﴿وأَقِيمُوا الص َهال َة َوآ ُتوا ه
الز َكا َة َوارْ َكعُوا َم َع الره ا ِكع َ َ
ِين مِنْ َق ْبلِ ُك ْم َل َعله ُك ْم َت هتقُ َ
ون﴾ [سورة ِب َعلَى الهذ َ
ص َيا ُم َك َما ُكت َ
ِب َعلَ ْي ُك ْم ال ِّ ﴿ َيا أَ ُّي َها الهذ َ
ِين آ َم ُنوا ُكت َ
البقرة ،اآلية .]183
اع إِلَ ْي ِه َس ِب ً
يال[ ﴾...سورة آل عمران ،اآلية .]42 اس ِح ُّج ْال َب ْي ِ
ت َمنْ اسْ َت َط َ ﴿َ ...و ِ ه ِ
ّلِل َعلَى ال هن ِ
ان َو ْاألَ ْق َرب َ
ُون ك ْال َوالِ َد ِ ان َو ْاألَ ْق َرب َ
ُون َولِل ِّن َسا ِء َنصِ يبٌ ِممها َت َر َ ك ْال َوالِ َد ِ
ال َنصِ يبٌ ِممها َت َر َ ﴿لِلرِّ َج ِ
ضا﴾ [سورة النساء ،اآلية .]2 ِممها َق هل ِم ْن ُه أَ ْو َك ُث َر َنصِ يبًا َم ْفرُو ً
ز .ال حرج و ال ضيق في الدينَ ...﴿ :و َما َج َع َل َعلَ ْي ُك ْم فِي ال ِّد ِ
ين مِنْ َح َر ٍج[ ﴾...سورة الحج،
اآلية .]28
النوع الثاني :بيان إجمالي ،أي ذكر األحكام بصورة مجملة تحتاج إلى بيان و تفصيل ،ومن
هذه األحكام:
أ .وجوب الصالة والزكاة ،قال تعالىَ ...﴿ :فأَقِيمُوا الص َهال َة َوآ ُتوا ه
الز َكا َة[ ﴾...سورة الحج،
اآلية .]28
ولم يبين القرآن عدد ركعات الصالة وكيفيتها ،فجاءت السنة بتفصيل ذلك ،قال ( :صلوا كما
رأيتموني أصلي) [رواه مسلم] ،وكذلك جاءت السنة ببيان أحكام الزكاة ،وتحديد مقاديرها
وأنصبتها.
اع إِلَ ْي ِه َس ِب ً
يال[ ﴾...سورة آل اس ِح ُّج ْال َب ْي ِ
ت َمنْ اسْ َت َط َ ب .وجوب الحجَ ...﴿ :و ِ ه ِ
ّلِل َعلَى ال هن ِ
عمران ،اآلية ،]42فجاءت السنة بتفصيل وبيان الحج وأركانه ،قال ( :خذوا عني مناسككم)
[مسلم].
ِب َع َل ْي ُك ْم ْال ِق َ
صاصُ [ ﴾...سورة البقرة ،اآلية ،]128فجاءت ج .وجوب القصاصُ ...﴿ :كت َ
السنة ببيان شروط القصاص.
د .حل البيع وحرمة الرباَ ...﴿ :وأَ َح هل ه
هللا ُ ْال َبي َْع َو َحره َم﴾ [سورة البقرة ،اآلية ،]225فجاءت
السنة ببيان البيع الحالل والبيع الحرام والمقصود بالربا.
النوع الثالث :بيان تفصيلي :أي ذكر األحكام بصورة تفصيلية ال إجمال فيها ،مثل :أنصبة
الورثة ،وكيفية الطالق وعدده ،وكيفية اللعان بين الزوجين ،والمحرمات من النساء في
النكاح.
-2داللة القرآن على األحكام:
إن آيات القرآن الكريم ثابتة بطريق قطعي ،ألنها نقلت إلينا بالتواتر الذي يوحي بالجزم أن
اآلية التي يقرؤها كل مسلم في بقاع األرض هي نفسها التي تالها الرسول صلى هللا عليه و
سلم على أصحابه ،و هي التي نزل بها جبريل عليه السالم من اللوح المحفوظ من غير
الذ ْك َر َوإِ هنا لَ ُه لَ َحاف ُ
ِظون[ ﴾...سورة تبديل و ال تغيير ،تحقيقا لقوله تعالى﴿ :إِ هنا َنحْ نُ َن هز ْل َنا ِّ
الحجر ،اآلية .]4
أما داللة النص القرآني على الحكم فليست واحدة ،فمنها ما هو قطعي الداللة و منها ما هو
ظني الداللة .فالنص القطعي الداللة هو ما دل معنى متعين فهمه منه ،و ال يحتمل تأويال
آخر معه ،و ذلك مثل النصوص التي وردت فيها أعداد معينة أو أنصبة محددة في
ك أَ ْز َوا ُج ُك ْم إِنْ لَ ْم َي ُكنْ لَهُنه َولَ ٌد﴾...
﴿ولَ ُك ْم نِصْ فُ َما َت َر َ
المواريث و الحدود ،قال تعالىَ :
[سورة النساء ،اآلية ،]12فإن داللة النص قطعية على أن فرض الزوج النصف ،و قال
الزانِي َفاجْ لِ ُدوا ُك هل َوا ِح ٍد ِم ْن ُه َما مِا َئ َة َج ْل َد ٍة[ ﴾...سورة النور ،اآلية ،]2فاآلية﴿الزا ِن َي ُة َو ه
تعالى :ه
َ
قطعية الداللة في مقدار حد الزنا ،و قال تعالى في كفارة اليمينَ ﴿ :فصِ َيا ُم َث َال َث ِة أي ٍ
هام﴾...
[سورة المائدة ،اآلية ،]84فالعدد قطعي الداللة ،وال تقبل الكفارة بأقل من ذلك وال بأكثر
منه.
أما النص الظني الداللة فهو ما يدل على عدة معان ،أو ما يدل على معنى ،و لكنه يحتمل
ات َي َت َربهصْ َن ِبأَنفُسِ ِهنه َث َال َث َة
﴿و ْال ُم َطله َق ُ
معاني أخرى ،مثل لفظة "القرء" في قوله تعالىَ :
قُرُو ٍء[ ﴾...سورة البقرة ،اآلية .]228
فلفظ القرء في اللغة مشترك بين معنيين :الطهر والحيض ،والنص القرآني يحتمل أن يراد
منه ثالثة أطهار كما قال الشافعي وغيره ،ويحتمل أن يراد منه ثالث حيضات كما قال
اإلمام أبو حنيفة ومن معه.
ثانيا :السنة النبوية
-1تعريف السنة:
أ .لغة :الطريقة المعتادة ،حسنة كانت أو سيئة ،ومنه قوله تعالىُ ﴿ :س هن َة َمنْ َق ْد أَرْ َس ْل َنا َق ْبلَ َ
ك
يال﴾ [سورة اإلسراء ،اآلية ،]22ومنه قول رسول هللا ( :من مِنْ ُر ُس ِل َنا َو َال َت ِج ُد ِل ُس هن ِت َنا َتحْ ِو ً
سن في اإلسالم حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من
أجورهم شيء ،ومن سن في اإلسالم سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من
بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء ) [مسلم وغيره].
ب .اصطالحا :يراد بالسنة ما صدر عن النبي غير القرآن من قول أو فعل أو تقرير.
-2حجيتها :اتفق العلماء على أن السنة الصحيحة الثابتة التي صدرت عن رسول هللا بقصد
التشريع واإلقتداء حجة على المسلمين ،ومصدر تشريعي لهم متى ثبتت بطريق القطع أو
غلبة الظن.
أ .أدلة من القرآن على حجية السنة:
ك ِّ
الذ ْك َر لِ ُت َبي َِّن لِل هن ِ
اس َما ُن ِّز َل إِلَي ِْه ْم[ ﴾...سورة النحل ،اآلية .]22 ﴿َ ...وأَ َ
نز ْل َنا إِلَ ْي َ
الز َكا َة َوأَطِ يعُوا الره سُو َل َل َعله ُك ْم ُترْ َحم َ
ُون﴾ [سورة النور ،اآلية .]53 ﴿وأَ ِقيمُوا الص َهال َة َوآ ُتوا ه
َ
هللا ُ َو َي ْغفِرْ لَ ُك ْم[ ﴾...سورة آل عمران ،اآلية .]31 هللا َفا هت ِبعُونِي يُحْ ِب ْب ُك ْم ه
ُّون ه َ
﴿قُ ْل إِنْ ُك ْن ُت ْم ُت ِحب َ
هللا َوأَطِ يعُوا الره سُو َل َوأ ُ ْولِي ْاألَم ِْر ِم ْن ُك ْم[ ﴾...سورة النساء ،اآلية ِين آ َم ُنوا أَطِ يعُوا ه َ
﴿ َيا أَ ُّي َها الهذ َ
.]54
ون ِب ه ِ
اّلِل َو ْال َي ْو ِم ُول إِنْ ُكن ُت ْم ُت ْؤ ِم ُن َ ازعْ ُت ْم فِي َشيْ ٍء َف ُر ُّدوهُ إِلَى ه ِ
هللا َوالره س ِ ﴿َ ...فإِنْ َت َن َ
ْاآلخ ِِر[ ﴾...سورة النساء ،اآلية .]54
﴿َ ...و َما آ َتا ُك ْم الره سُو ُل َف ُخ ُذوهُ َو َما َن َها ُك ْم َع ْن ُه َفا ْن َتهُوا[ ﴾...سورة الحشر ،اآلية .]2
ون لَ ُه ْم ْال ِخ َي َرةُ مِنْ أَم ِْر ِه ْم َو َمنْ
هللا ُ َو َرسُولُ ُه أَمْرً ا أَنْ َي ُك َ
ضى هِن َو َال م ُْؤ ِم َن ٍة إِ َذا َق َ ﴿و َما َك َ
ان لِم ُْؤم ٍ َ
ض َال ًال ُم ِبي ًنا﴾ [سورة األحزاب ،اآلية .]33 ض هل َ ص هَ
هللا َو َرسُولَ ُه َف َق ْد َ َيعْ ِ
ك فِي َما َش َج َر َب ْي َن ُه ْم ُث هم َال َي ِج ُدوا فِي أَنفُسِ ِه ْم َح َرجً ا ِممها
ون َح هتى ي َُح ِّكمُو َ
ك َال ي ُْؤ ِم ُن َ
﴿فال َو َر ِّب َ
ْت َو ُي َسلِّمُوا َتسْ لِيمًا﴾ [سورة النساء ،اآلية .]35 ضي ََق َ
اع ِبإِ ْذ ِن ه ِ
هللا[ ﴾...سورة النساء ،اآلية .]32 ﴿و َما أَرْ َس ْل َنا مِنْ َرس ٍ
ُول إِ هال لِ ُي َط َ َ
﴿و َمنْ ُي َشاق ِْق الره سُو َل مِنْ َبعْ ِد َما َت َبي َهن لَ ُه ْال ُهدَى َو َي هت ِبعْ َغي َْر َس ِب ِ
يل أ .من القرآن :قال تعالىَ :
ت مَصِ يرً ا﴾ [سورة النساء ،اآلية .]115 ْالم ُْؤ ِمن َ
ِين ُن َولِّ ِه َما َت َولهى َو ُنصْ لِ ِه َج َه هن َم َو َسا َء ْ
و أول من استدل بهذه اآلية على حجية اإلجماع هو اإلمام الشافعي ،كما ذكرت أمهات كتب
األصول و غيرها.
وجه االستدالل باآلية :إن هللا جمع بين مشاقة الرسول و اتباع غير سبيل المؤمنين في
الوعيد ،حيث قالُ ﴿ :ن َولِّ ِه َما َت َولهى َو ُنصْ لِ ِه َج َه هن َم﴾ ،و هذا يستلزم أن يكون إتباع غير سبيل
المؤمنين محرما ،وإذا حرم إتباع غير سبيل المؤمنين وجب تجنبه ،وال يمكن تجنبه إال
بإتباع سبيلهم ألنه ال واسطة بينهما ،ولزم من وجوب إتباع سبيلهم كون اإلجماع حجة.
هللا َوأَطِ يعُوا الره سُو َل َوأ ُ ْولِي ْاألَم ِْر ِم ْن ُك ْم َفإِنْ َت َن َ
ازعْ ُت ْم ِين آ َم ُنوا أَطِ يعُوا ه َ
قال تعالىَ ﴿ :يا أَ ُّي َها الهذ َ
اّلِل َو ْال َي ْو ِم ْاآلخ ِِر[ ﴾...سورة النساء ،اآلية ون ِب ه ِ
ُول إِنْ ُكن ُت ْم ُت ْؤ ِم ُن َ فِي َشيْ ٍء َف ُر ُّدوهُ إِلَى ه ِ
هللا َوالره س ِ
.]54
وجه الداللة من اآلية:شرط هللا تبارك وتعالى التنازع لوجوب الرد إلى الكتاب والسنة فدل
ذلك على أنهم إذا لم يتنازعوا لم يجب عليهم الرد ،و أن االتفاق منهم حينئذ كاف عن الرد
إلى الكتاب والسنة ،وال معنى لكون اإلجماع حجة إال هذا.
ب .من السنة النبوية :روي عن رسول هللا الكثير من األحاديث التي تواتر معناها ،وإن لم
يتواتر لفظها لورودها بألفاظ مختلفة:
( .1ال تجتمع أمتي على ضاللة).
( .2ال تجتمع أمتي على خطأ).
( .3ما رآه المسلمون حسنا فهو عند هللا حسن).
( .2يد هللا مع الجماعة).
( .5من فارق الجماعة و مات فميتته جاهلية).
( .3من خرج عن الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة اإلسالم من عنقه).
وجه االستدالل بهذه األحاديث :هذه األحاديث ونحوها وإن لم يتواتر كل واحد منها لفظا إال
أن القدر المشترك بينها و هو عصمة األمة متواتر فيها لوجوده في كل منها ،وإذا ثبت
عصمة األمة تواترا كان اإلجماع حجة.
أن هذه األحاديث لم تزل مشهورة بين الصحابة و التابعين يتمسكون بها في إثبات اإلجماع.
-3أنواعه:
أ .اإلجماع الصريح :و هو اإلجماع الذي يبدي فيه كل واحد من المجتهدين برأيه
صراحة في مسألة فقهية ،و هو اإلجماع المعتد عند جمهور العلماء.
ب .اإلجماع السكوتي :هو الذي يعلن فيه أحد المجتهدين عن رأيه في مسألة فقهية ،ويسكت
باقي المجتهدين دون إنكار عليه
* موقف العلماء من اإلجماع السكوتي:
ذهب الشافعي و بعض الحنفية إلى عدم االحتجاج به ،و دليلهم على ذلك ما يأتي:
.1إنه ال ينسب لساكت قول كما يقول الشافعي.
.2إن السكوت تحيط به احتماالت نفسية باطنة ال يمكن الجزم معها بأن باقي المجتهدين
سكتوا موافقة ورضى ،وذلك بأن السكوت قد يكون مهابة للقائل أو لعدم االنتهاء إلى رأي
في موضوع الفتوى ،أو لسبب آخر ال نعلمه.
وذهب اإلمام أحمد وأكثر الحنفية و بعض أصحاب الشافعي إال أنه يحتج باإلجماع
السكوتي ،ودليلهم على ذلك ما يأتي:
.1إن العادة قد جرت بتصدر األكبر للفتوى و سكوت غيرهم عند موافقة رأيهم لرأي
كبارهم ،فالسكوت محمول على الرضا والموافقة بمقتضى العرف والعادة.
.2إن عمل المجتهدين هو بيان الحكم الشرعي ،وسكوتهم عن بيانه في موضع البيان
ووقته ،حيث أعلن أحدهم رأيه يعد بيانا وموافقة على هذا الرأي ،ألن السكوت في موضع
البيان بيان.
.3إن السكوت ال يحمل على الرضا إال إذا كان مجردا من الداللة على اإلنكار والمخالفة،
وإال إذا مضت مدة كافية للتروية تكوين الرأي ،و القول بأن السكوت قد يكون مهابة للقائل
وخوفا منه أو نحو ذلك ال يليق في جانب المجتهدين الذين بلغوا أعلى المراتب الفقهية
والدينية ،والساكت عن الحق شيطان أخرس.
* أمثلة عن اإلجماع:اإلجماع على تحريم الزواج بالجدة استنادا إلى قول تعالى﴿ :حُرِّ َم ْ
ت
َعلَ ْي ُك ْم أ ُ هم َها ُت ُك ْم﴾ [سورة النساء ،اآلية ]22أي أصولكم ،إذن فالجدة أم.
إجماع الصحابة على توريث الجدة السدس ،استنادا إلى ما رواه المغيرة بن شعبة عن
رسول هللا صلى هللا عليه و سلم.
إجماع الصحابة على جمع القرآن في مصحف واحد.
-2مرتبته:
يأتي اإلجماع في المرتبة الثالثة بعد القرآن والسنة ،قال ابن مسعود[ :إذا سئل أحدكم فلينظر
في كتاب هللا ،فإن لم يجد ففي سنة رسول هللا ،فإن لم يجد فلينظر في ما اجتمع عليه
المسلمون وإال فليجتهد].
رابعا :القياس
-1تعريفه:
لغة :التقدير ،مثل :قست الثوب بالذراع ،أي عرفت مقداره ،يتعدى بالباء وبـ على ،فيقال:
قاسه على الشيء ،و قاسه بالشيء ،و يكثر في األصول تعديه ب على.
اصطالحا :هو مساواة أمر ألمر آخر في الحكم الثابت له الشتراكهما في علة الحكم.
-2أركانه :يرتكز القياس على أربعة أركان هي:
األصل :و هو المقيس عليه أو المشبه به.
الفرع :و هو المقيس أو المشبه ( الواقعة أو الحادثة التي نريد معرفة حكمها) .
حكم األصل :و هو الحكم الشرعي الذي يراد بيان مساواة الفرع لألصل فيه.
العلة :التي انبنى عليها تشريع الحكم في األصل ،و يتساوى معه الفرع فيها ،و تسمى
جامعا.
-3حجيته:
ار﴾ [سورة الحشر ،اآلية ،]2فاالعتبار هو
ص ِأ .قال تعالىَ ...﴿ :فاعْ َت ِبرُوا َيا أُولِي ْاألَ ْب َ
القياس ،و اآلية أمرت باالعتبار ،و األمر يفيد الوجوب ،فيكون القياس واجبا على المجتهد.
قال الشوكاني[ :االعتبار مشتق من العبور ،و القياس عبور من حكم األصل إلى حكم
الفرع ،فكان داخال تحت األمر].
ب .إن القرآن يستعمل القياس في اإلقناع و إلزام الحجة ،فقد رد القرآن على منكري البعث
الذين قالواَ ...﴿ :منْ يُحْ يِ ْال ِع َظا َم َوه َ
ِي َرمِي ٌم﴾ [سورة يس ،اآلية ،]28بقوله تعالى﴿ :قُ ْل
يُحْ ِيي َها الهذِي أَن َشأ َ َها أَ هو َل َمره ٍة[ ﴾...سورة يس ،اآلية ،]24فقاس سبحانه إعادة المخلوقات
وبعثها بعد فنائها على النشأة األولى وبدء الخلقة ،وبين أن من قدر على بدء الخلق قادر
على إعادته ،بل هو أهون عليه.
ج .وقد اعتمدت السنة على القياس أيضا ،ومن ذلك أن امرأة خثعمية جاءت إلى
الرسول وقالت له:
(إن أبي أدركته فريضة الحج ،أفأحج عنه؟ فقال لها :أرأيت لو كان على أبيك دين فقضيته
أكان ينفعه ذلك؟ قالت :نعم ،قال :فدين هللا أحق بالقضاء) .فكان هذا قياسا لدين هللا على دين
العباد.
د( .روي أن النبي صلى هللا عليه و سلم بعث معاذا وأبا موسى األشعري إلى اليمن
قاضيين ،كل واحد منهما في ناحية ،و أنهما لما سئال قاال :إذا لم نجد في القرآن وال في
السنة نقيس األمر باألمر ،فما كان أقرب إلى الحق عملنا به ،فقال صلى هللا عليه و سلم:
أصبتما).
-2شروط صحة القياس:
أ .شروط حكم األصل:
.1أن يكون حكم األصل ثابتا بالكتاب كحرمة الخمر الثابتة بالقرآن ،أو ثابتا بالسنة ،أو
باإلجماع (في رأي كثير من العلماء).
.2أن يكون الحكم معقول المعنى ،يعني أن يستطيع العقل إدراك علته كتحريم الخمر ،فإن
الخمر تدرك علته و هي اإلسكار.
.3أن ال يكون حكم األصل مختصا به ،ألن الدليل الدال على هذا االختصاص يمنع تعدي
هذا الحكم إلى الفرع بطريق القياس.
ب .شروط الفرع:
.1أال يكون قد ورد نص أو إجماع بحكم في الفرع يخالف القياس.
.2أن يتساوى الفرع مع األصل في علة الحكم دون فارق جوهري بينهما ،حتى ال يكون
القياس قياسا مع الفارق.
ج .شروط العلة:
تتضح شروط العلة من خالل تعريفها ،فالعلة هي الوصف الظاهر المنضبط المتعدي
المناسب للحكم ،فيشترط في الوصف الذي يعلل به الحكم ما يأتي:
.1أن يكون وصفا ظاهرا يمكن التحقق من وجوده و عدمه كاإلسكار.
.2أن يكون وصفا منضبطا ،له حدود معينة.
.3أن يكون وصفا متعديا غير قاصر ،يعني يمكن وجوده في غير األمر األصلي المقيس
عليه.
.2أن يكون وصفا مناسبا مالئما لتشريع الحكم ،أي أن ربط الحكم به وجودا و عدما من
شأنه أن يحقق مصلحة للناس أو أن يدفع عنهم مفسدة.
ب -المصادر المختلف فيها
أوال :المصالح المرسلة
-1أنواع المصالح التي تقوم عليها الشريعة:
أ .المصالح الضرورية( :وهي التي تكون األمة بمجموعها وآحادها في ضرورة إلى
تحصيلها ،بحيث ال يستقيم النظام باختاللها ،بحيث إذا انخرمت تؤول حالة األمة إلى فساد
وتالش).
وتتمثل هذه المصالح فيما يلي:
.1الدين.
.2النفس.
.3النسل
.2العقل
.5المال
ولقد شرع للمحافظة على الدين وجوب الجهاد في سبيل هللا للذود عن الدين ،كما شرع
للمحافظة على النفس وجوب تناول القدر الضروري لبقائها من طعام وشراب ،ووجوب
ارتداء القدر الالزم لرفع الضرر عنها ،ومما شرع للمحافظة على النسل تحريم الزنا
والقذف وإقامة الحد على مرتكبي هاتين الفاحشتين ،ومما شرع للمحافظة على العقل تحريم
الخمر وسائر المسكرات ،ألنها مدعاة لحدوث خلل في العقل( ،فدخول الخلل على عقل
الفرد مفض إلى فساد جزئي ،ودخوله على عقول الجماعات وعموم األمة أعظم ،ولذلك
يجب منع الشخص من السكر ،ومنع األمة من تفشي السكر بين أفرادها) .ومما شرع
للمحافظة على المال تحريم السرقة ،وتحريم أكل المال بالباطل.
ب .المصالح الحاجية :ويراد بها األمور التي يحتاج الناس إليها لرفع الحرج عنهم ،وبدونها
ال يختل نظام حياتهم ولكنهم يحسون بالضيق والحرج .ومن أحكام رفع الحرج إباحة الفطر
في رمضان للمسافر والمريض ،وقصر الصالة الرباعية في السفر ،والتيمم عند فقد الماء
أو عدم القدرة على استعماله.
ج .المصالح التحسينية :وهي ما يتعلق بمكارم األخالق ،ومحاسن العادات كالطهارة ،ولبس
الجديد من اللباس ،وكل ما يرتقي بحياة الناس إلى مستوى أفضل.
-2أقسام المصالح من حيث اعتبار الشريعة أو عدم اعتبارها لها:
أ .المصالح المعتبرة :وهي المصالح التي وردت نصوص لتحقيقها ،فهي معتبرة بذلك في
نظر الشريعة كالمصالح المذكورة آنفا.
ب .المصالح الملغاة :وهي المصالح التي وردت نصوص دالة على إلغائها مثل :دعوى
هللا ُ فِي أَ ْو َال ِد ُك ْم
مساواة االبن والبنت في الميراث ،فتلك مصلحة ملغاة بقوله تعالى﴿ :يُوصِ ي ُك ْم ه
ُ
ل هِلذ َك ِر م ِْث ُل َح ِّظ ْاألن َث َيي ِ
ْن[ ﴾...سورة النساء ،اآلية .]13
ج .المصلحة المرسلة :وهي المصلحة المطلقة التي لم يرد نص يعتبرها أو يلغيها .كما
تعرف بأنها( :المعاني التي يحصل من ربط الحكم بها وبنائه عليها جلب منفعة أو رفع
مفسدة ،ولم يقم دليل معين يدل على اعتبارها أو إلغائها).
-3أدلة المعت ًدين بالمصلحة المرسلة:
من األدلة التي استدل بها المعت ًدون بالمصلحة المرسلة ما يلي:
.1أن المعروف أن مصالح الناس في تجدد مستمر ،وأن الشريعة اإلسالمية جاءت لتحقيق
مصالح العباد ،فإذا ما استجد أمر في حياة الناس ،وال يوجد نص يتناول ذلك ،فإن القول
باعتبار المصلحة ينسجم مع بقاء الشريعة وخلودها( ،فأينما وجدت المصلحة فثم شرع هللا).
.2حصول إجماع الصحابة على االحتجاج بالمصلحة المرسلة ،ويتجلى ذلك في تشريعهم
لكثير من األحكام تحقيقا لمصالح مطلقة ،ومن ذلك ما يلي:
أ .تم جمع القرآن الكريم في مصحف واحد في عهد أبي بكر الصديق.
ب .لقد ثبت أن الرسول صلى هللا عليه وسلم لم يستخلف أحدا بعده ،ولما رأى أبو بكر
الصديق رضي هللا عنه أن مصلحة األمة تقتضي استخالف عمر بن الخطاب رضي هللا
عنه صنع ذلك تحقيقا لتلك المصلحة،
ج .وضع عمر بن الخطاب للخراج وتدوينه تحقيقا للمصلحة.
د .حكم عثمان بن عفان رضي هللا عنه بتوريث المرأة التي طلقها زوجها في مرض موته
بغية حرمانها من الميراث ،وذلك معاملة بعكس مقصوده.
.2أهمية العمل بالمصلحة المرسلة :إن العمل بالمصلحة المرسلة يخدم مصالح األمة ،إذ أن
الراسخين في العلم ووالة األمور في إمكانهم تشريع ما يحقق مصالح الناس في إطار معالم
الشريعة وروحها ،وال شك أن استجابة الشريعة لمصالح الناس المتجددة مظهر من مظاهر
كمال الشريعة وصالحيتها كل زمان ومكان.
.5شروط العمل بالمصلحة المرسلة :تشير كثير من المراجع إلى شروط الزمة للعمل
بالمصلحة المرسلة تتمثل فيما يلي:
أوال :أن تكون المصلحة كلية ،بمعنى أن تكون شاملة للكثير من الناس فإذا كانت خاصة فال
يعتمد عليها تشريع في الحكم.
ثانيا :أن تكون المصلحة حقيقية ،بمعنى أن يكون تشريع حكم بناءا على تلك المصلحة من
شأنه جلب النفع أو دفع الضرر.
ثالثا :أن تكون المصلحة مالئمة لمقاصد الشريعة ،فإذا لم تكن كذلك ال يعتمد عليها في
تشريع األحكام.
رابعا :أال تكون مصلحة ملغاة ،فإذا ورد نص يلغي مصلحة معينة فال مجال لتشريع حكم
بنا ًء عليه.
.3مجال العمل بالمصلحة المرسلة:إن إدراك المصلحة يتحقق في المعامالت دون العبادات،
لذلك فإن مجال العمل بالمصلحة المرسلة هو مجال المعامالت.
أمثلة لبعض األحكام الصادرة بناءا على مصلحة:
أ .فرض الضرائب عند عدم وجود ما يكفي من المال لتحقيق مصالح الناس العامة.
ب .توثيق عقد الزواج تحديدا للمسؤوليات وحفظا للحقوق.
ج .النص على أن نقل الملكية من البائع إلى المشتري في عقد البيع يتم بعد تسجيله.
د .وضع قواعد المرور واإللزام بتطبيقها.
.2المصلحة المفسدة من حيث تعلق الخطاب بها شرعا:
يقول اإلمام الشاطبي ( :فالمصلحة إذا كانت هي الغالبة عند مناظرتها مع المفسدة في حكم
االعتياد فهي المقصودة شرعا ،ولتحصيلها وقع الطلب على العباد ليجري قانونها على أقوم
طريق وأهدى سبيل ...وكذلك المفسدة إذا كانت هي الغالبة بالنظر إلى المصلحة في حكم
االعتياد ،فرفعها هو المقصود شرعا وألجله وقع النهي).
ثانيا :العرف
-1تعريفه :هو ما تعارف الناس واستقامت عليه أمورهم من قول أو فعل.
والعرف والعادة أمران مختلفان ،إذ العادة بمعنى التكرار ،وكما يكون تعود الشيء من فرد
يكون من جماعة ،واألولى تسمى عادة فردية والثانية عادة جماعية ،أما العرف فال يصدق
إال على الجماعية ،فما يعتاده بعض الناس ال يكون عرفا :ألنه ال بد في تحقق العرف من
اعتياد األغلب أو الكل.
-2حجيته :ذكر العلماء جملة من األدلة لالستدالل بها على حجية العرف أذكر منها:
أ .قوله تعالىُ ﴿ :خ ْذ ْال َع ْف َو َو ْأمُرْ ِب ْالعُرْ فِ َوأَعْ ِرضْ َعنْ ْال َجا ِهل َ
ِين﴾ [سورة األعراف ،اآلية
.]144
قال القرافي[ :فكل ما شهدت به العادة قضي به لظاهر اآلية].
ب .قول الرسول ( :ما رآه المسلمون حسنا فهو عند هللا حسن) ،فهذا الحديث يوحي بحجية
العرف.
ج .ما ثبت أن الرسول قال لهند زوج أبي سفيان حينما اشتكت إليه بخل زوجها عليها
بالنفقة ،قال لها( :خذي من مال أبي سفيان ما يكفيك وولدك بالمعروف) .قال القرطبي[ :في
هذا الحديث اعتبار العرف في الشرعيات].
د .إن تعارف الناس على قول أو فعلما لدليل على أن في ذلك تحقيقا لمصلحة أو رفعا
لحرج ،وتحقيق المصالح ورفع الحرج مما جاءت الشريعة لتقريره.
وقد ذهب جمهور الفقهاء إلى االحتجاج بالعرف ،ومع أنه قد اشتهر األخذ به عند الحنفية
والمالكية ،فقد قيل أن الشافعي قد بنى أحكام مذهبه الجديد على عرف أهل مصر ،وقد كان
في مذهبه القديم ما بناه على عرف أهل العراق .يقول القرافي[ :أما العرف فمشترك بين
المذاهب ،ومن استقرأها وجدهم يصرحون بذلك].
-3أقسامه:
أ .تقسيم العرف إلى قولي وعملي:
.1العرف القولي :مثل تعارف الناس على إطالق لفظ "الولد" على الذكر دون األنثى مع أن
هللا ُ فِي أَ ْو َال ِد ُك ْم ل هِلذ َك ِر
لفظ "الولد" ينطبق على الذكر واألنثى معا ،يقول تعالى﴿ :يُوصِ ي ُك ْم ه
ُ
م ِْث ُل َح ِّظ ْاألن َث َيي ِ
ْن[ ﴾...سورة النساء ،اآلية .]11
وتعارفهم على إطالق لفظ "الدابة" على ذوات األربع ،مع أن كل ما يدب على األرض
هللا ِر ْزقُ َها[ ﴾...سورة هود، ﴿و َما مِنْ َدا هب ٍة فِي ْاألَرْ ِ
ض إِ هال َعلَى ه ِ يسمى "دابة" ،قال تعالىَ :
اآلية .]3
كما تعارف سكان بعض البالد المصرية على إطالق "الدابة" على الحمار فقط ،في حين
يطلق سكان بعض البالد العراقية والسودانية لفظ "الدابة" على الفرس فقط.
كما تعارف الناس أيضا على إطالق لفظ " اللحم" على ما عدا السمك من اللحوم ،مع أن
﴿وه َُو الهذِي َس هخ َر ْال َبحْ َر ِل َتأْ ُكلُوا ِم ْن ُه لَحْ مًا
القرآن سماه "لحما" في قوله تعالىَ :
َط ِر ًيا[ ﴾...سورة النحل ،اآلية .]12
.2العرف العملي :مثل تعارف الناس على البيع بالتعاطي في بعض السلع دون إيجاب و
قبول ،وتقسيم المهر إلى معجل ومؤجل ،ودخول الحمامات واألندية والمقاهي دون تحديد
لمدة المكث فيها.
ب .تقسيم العرف إلى عام وعام:
.1العرف العام :هو ما تعارف عليه الناس جميعا في عصر من العصور.
.2العرف الخاص :هو ما تعارف عليه الناس في طائفة معينة أو بلد معين ،وهذا ما نجده
في الواقع ،حيث تختلف األعراف من طائفة إلى أخرى ،ومن بلد إلى آخر.
-2شروط العمل بالعرف:
أوال :أال يناقض العرف نصا قطعيا ،فال عبرة لما تعارف عليه الناس من أكل الربا ،ألنه
عرف فاسد ،لمصادمته قوله تعالىَ ...﴿ :وأَ َح هل ه
هللاُ ْال َبي َْع َو َحره َم الرِّ َبا[ ﴾...سورة البقرة ،اآلية
.]225
ثانيا :أن يكون العرف مطردا ،أي في جميع الحوادث أو أغلبها ،فال عبرة بالعرف غير
الغالب.
ثالثا :أن يكون العرف المراد تحكيمه في التصرفات موجودا عند إنشائها وذلك بأن يقارن
الفعل دون تأخير عنه ،فلو كان العرف طارئا فال عبرة به.
رابعا :أال يعارض العرف تصريح بخالفه ،فمثال إذا كان العرف الجاري تعجيل نصف
المهر وتأخير النصف لكن اشترطت المرأة تعجيل كل المهر وقبل الزوج بذلك ،فإن العرف
ال يحكم في هذه الحالة ألنه ال يلجأ إليه إال إذا لم يوجد ما يفيد مقصود العاقدين صراحة،
فحيث علم المقصود صراحة من الشرط ال يصار إلى العرف.
.5اختالف األحكام باختالف العرف:وردت أحكام كثيرة مبنية على العرف ،وكان اختالف
األعراف سببا الختالف تلك األحكام ،وهذا االختالف يقال عنه :أنه اختالف عصر وزمان،
ال اختالف حجة وبرهان ،ومن أمثلة هذا االختالف ما يأتي:
.1أن اإلمام أبا حنيفة كان يرى االكتفاء في الشهود بالعدالة الظاهرة فيما عدا الحدود
والقصاص ،ولم يشترط التزكية لقوله ( :المسلمون عدول بعضهم على بعض) ،وكان هذا
الحكم مناسبا لزمان أبي حنيفة لغلبة الصالح فيه ،ولما تغير حال الناس وفشا فيهم الكذب
رأى الصاحبان أن األخذ بظاهر العدالة كما يقول أبو حنيفة يؤدي إلى مفسدة ،وهي ضياع
كثير من الحقوق ،فدعا فساد الزمان وتغيره أن يقوال بتزكية جميع الشهود دفعا لهذه
المفسدة.
.2أن أبا حنيفة قال[:ال يتحقق اإلكراه من غير السلطان] ،وقال الصاحبان[ :إن اإلكراه
يتحقق من غير السلطان] ،فهذا القول من أبي حنيفة مبني على ما شاهده في عصره من أن
القدرة والمنفعة لم تكن إال لسلطان ،وهذا الحال تغير في زمن الصاحبين ،وصار لكل ظالم
القدرة على إيقاع ما هدد به من األذى والمكروه ،فقاال[ :إن اإلكراه يتحقق أيضا من غير
السلطان].
.3اختلف أبو حنيفة وصاحباه فيما لو غصب شخص ثوبا وصبغه بلون أسود ،فقال أبو
حنيفة :إنه نقصان في قيمته ،وقال الصاحبان :إنه زيادة فيها كما لو صبغه بلون أصفر أو
أحمر .ومرجع هذا االختالف إلى العرف ،فإن بني أمية في زمن أبي حنيفة كانوا يمتنعون
عن لبس السواد ،فكان مذموما ،وفي زمن الصاحبين كان بنو العباس يلبسون السواد ،فكان
ممدوحا ،فأجاب كل منهم على ما شاهد من عادة أهل عصره.
.2روي عن اإلمام مالك أنه إذا تنازع الزوجان في قبض الصداق بعد الدخول فالقول قول
الزوج ،مع أن الظاهر أن القول يكون للزوجة ألن األصل عدم القبض ،فداء بعض فقهاء
المالكية فقالوا :هذه كانت عادتهم بالمدينة أن الرجل ال يدخل بامرأته حتى تقبض صداقها،
واليوم عادتهم على خالف ذلك ،فالقول قول الزوجة مع يمينها جريا على عادات الناس.
ثالثا :قول الصحابي
-1التعريف بالصحابي :الصحابي عند جمهور علماء األصول هو من لقي النبي صلى هللا
عليه و سلم و آمن به و الزمه مدة كافية إلطالق وصف الصحبة عرفا.
-2حجية قول الصحابي
أ .إشارة القرآن عن فضل الصحابة ،و إعالن الرضا عمن تبعهم ،واألخذ بأقوالهم و سنتهم
ان َرضِ َي ار َوالهذ َ
ِين ا هت َبعُو ُه ْم ِبإِحْ َس ٍ ص ِ ين َو ْاألَن َ ون مِنْ ْال ُم َها ِج ِر َ ون ْاألَ هول ُ َ هابقُ َ﴿والس ِ
هو إتباعهمَ .
ك ْال َف ْو ُز ت َتجْ ِري َتحْ َت َها ْاألَ ْن َها ُر َخالِد َ
ِين فِي َها أَ َب ًدا َذلِ َ هللا ُ َع ْن ُه ْم َو َرضُوا َع ْن ُه َوأَ َع هد لَ ُه ْم َج هنا ٍ
ه
ْالعَظِ ي ُم﴾ [سورة التوبة ،اآلية .]133
ب .وردت أحاديث تجعل سنة الخلفاء الراشدين المهديين مع سنة رسول هللا :
(فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ).
(أنا أمان ألصحابي وأصحابي أمان ألمتي).
(خير القرون قرني ،ثم الذين يلونهم).
ج .قال ابن قيم عن الفتوى التي يفتي بها الصحابة أنها ( ال تخرج عن ستة أوجه:
األول :أن يكون سمعها من النبي صلى هللا عليه وسلم.
الثاني :أن يكون سمعها ممن سمعها منه.
الثالث :أن يكون فهمها من آية من كتاب هللا فهما خفي علينا.
الرابع :أن يكون قد اتفق عليها مألهم ،ولم ينقل إلينا إال قول المفتي بها وحده.
الخامس :أن يكون لكمال علمه باللغة وداللة اللفظ على الوجه الذي انفرد به عنا ،أو لقرائن
حالية اقترنت بالخطاب ،أو لمجموع أمور فهموها على طول الزمان من رؤية النبي صلى
هللا عليه وسلم ومشاهدة أفعاله وأحواله وسيرته وسماع كالمه ،والعلم بمقاصده ،وشهود
تنزيل الوحي ،ومشاهدة تأويله بالفعل فيكون فهم ما ال نفهمه نحن.
وعلى هذه التقادير الخمسة تكون فتواه حجة يجب إتباعها.
السادس :أن يكون فهم ما لم يرده الرسول صلى هللا عليه وسلم واخطأ في فهمه ،والمراد
غير ما فهمه.
وعلى هذا التقدير ال يكون قوله حجة ،ومعلوم قطعا أن وقوع احتمال من خمسة أغلب على
الظن من وقوع احتمال واحد معين ،هذا ما ال يشك فيه عاقل ،وذلك يفيد ظنا غالبا قويا على
أن الصواب في قوله دون ما خالفه من أقوال من بعده وليس المطلوب إال الظن الغالب،
والعمل به متعين ).
وقد ذهب بعض العلماء إلى أن قول الصحابي ليس حجة اعتمادا على أدلة منها:
.1الصحابة غير معصومين من الخطأ ،ومن ال عصمة له ال حجة لرأيه.
.2الصحابة سمحوا بمخالفتهم في الرأي.
.3رأي الصحابي ليس حتما أكثر امتيازا من غيره.
ويرى األستاذ زكريا البري أن أراء الصحابة االجتهادية ينبغي أال تكون حجة ملزمة
كالقرآن والسنة ،وإنما يستأنس بها في استنباط األحكام من النصوص.
رابعا :االستصحاب
1تعريفه:
أ -لغة :يقصد به استمرار الصحبة.
ب -اصطالحا :معناه استبقاء األمر الثابت في الزمن الماضي إلى أن يقوم الدليل على
تغييره.
-2حجيته :من األدلة التي احتج بها القائلون بحجية االستصحاب ما يأتي:
أوال :أن استقراء األحكام الشرعية يظهر أن الشارع يحكم ببقائها حتى يحدث ما يغيرها،
فعصير العنب حالل إلى أن يصير خمرا ،والعشرة الزوجية حالل بين الزوجين إلى أن
يزول عقد الزواج ،والمفقود يكون حيا باالستصحاب إلى أن يقوم الدليل على وفاته ،وله كل
أحكام األحياء.
ثانيا :إن مما فطر هللا الناس عليه ،وجرى به عرفهم في معامالتهم وسائر عقودهم
وتصرفاتهم أنهم إذا تحققوا من وجود أمر في الماضي غلب على ظنهم بقاؤه واستمراره ما
دام لم يثبت ما ينافيه ،كما أنهم إذا تحققوا من عدم وجود أمر غلب على ظنهم استمرار
عدمه حتى يثبت لهم وجوده.
-3أنواعه :يقسم االستصحاب إلى األنواع اآلتية:
األول :استصحاب الحكم األصلي لألشياء وهو اإلباحة :يقرر جمهور الفقهاء أن األصل في
األشياء اإلباحة استنادا إلى األدلة التالية:
ض َجمِي ًعا[ ﴾...سورة البقرة ،اآلية ،]24 قوله تعالى﴿ :ه َُو الهذِي َخ َل َق لَ ُك ْم َما فِي ْاألَرْ ِ
ض َجمِي ًعا ِم ْن ُه[ ﴾...سورة الجاثية ،اآلية ت َو َما فِي ْاألَرْ ِ ﴿و َس هخ َر َل ُك ْم َما فِي ال هس َم َاوا ِ
وقولهَ :
ت مِنْ الرِّ ْز ِق﴾... هللا الهتِي أَ ْخ َر َج لِ ِع َبا ِد ِه َو ه
الط ِّي َبا ِ ،]13وقوله تعالى﴿ :قُ ْل َمنْ َحره َم ِزي َن َة ه ِ
[سورة األعراف ،اآلية .]32
فإذا كان هللا قد سخر لنا ما في السموات واألرض ،فإن ذلك دليل اإلذن واإلباحة ،ونفي
الحرمة في اآلية األخيرة يعني إثبات اإلباحة.
كما استدلوا بقول الرسول ( :إن أعظم المسلمين في المسلمين جرما من سأل عن شيء
فحرم من أجل مسألته) ،وبقوله( :الحالل ما أحله هللا في كتابه ،والحرام ما حرمه هللا في
كتابه ،وما سكت عنه فهو مما عفا عنه).
الثاني :استصحاب العدم األصلي أو البراءة األصلية ،كالحكم ببراءة الذمة من التكاليف
الشرعية والحقوق حتى يوجد الدليل الدال على ما يشغلها.
وعن هذا النوع قال ابن قيم الجوزية[ :فقد تنازع الناس فيه ،فقالت طائفة من الفقهاء
واألصوليين أنه يصلح للدفع ال لْلبقاء كما قاله بعض الحنفية ،ومعنى ذلك أنه يصلح ألن
يدفع به من ادعى تغيير الحال لبقاء األمر على ما كان ،فإن بقاءه على ما كان إنما مستند
إلى موجب الحكم ال إلى عدم المغير له ،فإذا لم نجد دليال نافيا وال مثبتا أمسكنا ال نثبت
الحكم وال ننفيه ،بل ندفع باالستصحاب دعوى من أثبته ،فيكون حال المتمسك باالستصحاب
كحال المعترض مع المستدل ،فهو يمنعه الداللة حتى يثبته ال إن يقيم دليال على نفي ما
ادعاه ،وهذا غير حال المعارض :فالمعارض لون والمعترض لون ،فالمعترض يمنع داللة
الدليل ،والمعارض يسلم داللته ويقيم دليال على نقيضه .وذهب األكثرون من أصحاب مالك
والشافعي وأحمد وغيرهم على أنه يصلح إلبقاء األمر على ما كان عليه ،قالوا :ألنه إذا
غلب على الظن انتفاء الناقل غلب على الظن بقاء المر على ما كان عليه].
الثالث :استصحاب ما دل العقل أو الشرع على ثبوته ،فإذا استدان شخص من آخر مبلغا من
المال فقد ثبتت مديونيته ،وتبقى ذمته مشغولة بهذا الدين حتى يقوم الدليل على براءتها بسداد
الدين أو اإلبراء .وإذا ثبت الملك لشخص بسبب من أسباب الملك :كالبيع أو اإلرث مهما
طال الزمان اعتبر قائما حتى يقوم الدليل انتفائه بسبب طارئ ،وإذا تزوج شخص امرأة
وثبت ذلك فإنه يحكم ببقاء الزوجية ما لم يقم عنده دليل على الفرقة.
* قواعد شرعية مبنية على االستصحاب:من القواعد الشرعية المبنية على االستصحاب ما
يلي:
.1األصل في األشياء اإلباحة.
..2األصل في اإلنسان البراءة.
.3اليقين ال يزول بالشك.
.2األصل بقاء ما كان على ما كان حتى يثبت ما يغيره.
خامسا :االستحسان
-1تعريفه :عرفه الفقيه الحنفي أبو الحسن الكرخي بقوله[ :هو أن يعدل المجتهد عن أن
يحكم في المسالة بمثل ما حكم في نظائرها إلى خالفه لوجه أقوى يقتضي العدول عن
األول].
.2أنواعه:
النوع األول :ترجيح قياس خفي على قياس ظاهر جلي لقوة تأثير القياس الخفي ،ومثاله :ما
قرره الفقهاء أن الشخص إذا وقف أرضا زراعية على جهة بر ،فإن حقوقها من الشرب
والمسيل والمرور تدخل في الوقف ،ولو لم ينص في وقفه على ذلك ،مع أن مقتضى القياس
عدم دخولها إال بالنص عليها كما في بيع األرض ،حيث ال تدخل في المبيع إال بالنص
عليها ،ووجه االستحسان أن الوقف ال يفيد ملك الموقوف عليه للمال الموقوف ،وإنما يثبت
له ملك المنفعة فقط ،واألرض ال يمكن االنتفاع بها بدون حقوق االرتفاق ،كما في عقد
اإلجارة ،فهنا قيا سان :قياس ظاهر وهو إلحاق الوقف بالبيع من جهة أن كال منهما يفيد
إخراج المال من مالكه ،وقياس خفي وهو إلحاقه باإلجارة من ناحية أن كال منهما مقصود
االنتفاع ،فرجحوا الثاني.
النوع الثاني :استثناء مسألة جزئية من قاعدة عامة لوجه اقتضى هذا االستثناء.
ومثاله أن المحجور عليه للسفه يصح وقفه على نفسه مدة حياته استحسانا استثناء من
القاعدة العامة وهي عدم صحة تبرعاته ،ووجه االستحسان أن وقفه على نفسه يحفظ العقار
الموقوف من الضياع للزوم الوقف ،وعدم قبوله للبيع والشراء ،فيتحقق الغرض الذي حجر
عليه من أجله ،وهو المحافظة على أمواله فهو استحسان يستند إلى المصلحة.
-3موقف العلماء من االستحسان :ذهب الشافعي والظاهرية والشيعة إلى إنكار االستحسان،
بينما ذهب الجمهور إلى االحتجاج به.
أدلة المنكرين: