You are on page 1of 31

‫دروس ومحاضرات لطلبة القانون‬

‫‪www.fsjes-agadir.info‬‬

‫مدخل لدراسة الشريعة اإلسالمية‬

‫مصادر التشريع اإلسالمي‬


‫‪-‬أ‪ -‬المصادر المتفق عليها‬
‫أوال‪ :‬القرآن الكريم‬
‫‪ -1‬تعريفه‪[ :‬هو كالم هللا تعالى المعجز المنزل على سيدنا محمد باللفظ العربي‪ ،‬المنقول‬
‫إلينا بالتواتر‪ ،‬المكتوب بالمصاحف‪ ،‬المتعبد بتالوته‪ ،‬المبدوء بسورة الفاتحة‪ ،‬المختوم بسورة‬
‫الناس]‪.‬‬
‫‪ -2‬حجيته‪ :‬اتفق جميع المسلمين على حجية القرآن الكريم‪ ،‬ووجوب العمل بمقتضى كل‬
‫حكم ورد فيه‪ ،‬ويعد المرجع األول الذي يعود إليه المجتهد لمعرفة حكم هللا‪ ،‬وال ينتقل إلى‬
‫غيره من المصادر إال عند عدم وجود الحكم المبتغى فيه‪.‬‬
‫‪ -3‬بعض وجوه إعجازه‪ :‬اقتضت حكمة هللا عز و جل أن يؤيد أنبياءه ورسله بالمعجزات‬
‫للداللة على أنه مرسلهم ومكلفهم بتبليغ دينه‪ ،‬وقد خص هللا الرسول محمدا صلى هللا عليه‬
‫وسلم بأعظم معجزة تمثلت في "القرآن الكريم"‪.‬‬
‫وليس سهال أن أتناول جميع وجوه اإلعجاز في القرآن‪ ،‬لذلك أكتفي بذكر بعضها اختصارا‬
‫على الوجه اآلتي‪:‬‬
‫أ‪ .‬فصاحة ألفاظه وبالغة عباراته‪ :‬وقد بلغ القرآن في ذلك أعلى المستويات‪ ،‬وبذلك شهد‬
‫علماء اللغة وأئمة البيان‪ ،‬وقد تحدى هللا العرب وهم عمالقة الفصاحة والبالغة باإلتيان بمثل‬
‫القرآن فعجزوا‪ ،‬ثم تحداهم بأن يأتوا بعشر سور فلم يقدروا‪ ،‬ثم تحداهم بأن يأتوا بسورة‬
‫فعجزوا‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬
‫ان‬ ‫آن َال َيأْ ُت َ‬
‫ون ِبم ِْثلِ ِه َولَ ْو َك َ‬ ‫ْ‬
‫اإلنسُ َو ْال ِجنُّ َعلَى أَنْ َيأ ُتوا ِبم ِْث ِل َه َذا ْالقُرْ ِ‬
‫ت ِْ‬‫﴿قُ ْل لَئِنْ اجْ َت َم َع ْ‬
‫ض َظ ِهيرً ا﴾ [سورة اإلسراء‪ ،‬اآلية ‪.]88‬‬ ‫ض ُه ْم ِل َبعْ ٍ‬
‫َبعْ ُ‬
‫ون ه ِ‬
‫هللا إِنْ‬ ‫ون ا ْف َت َراهُ قُ ْل َفأْ ُتوا ِب َع ْش ِر س َُو ٍر ِم ْثلِ ِه ُم ْف َت َر َيا ٍ‬
‫ت َو ْادعُوا َمنْ اسْ َت َطعْ ُت ْم مِنْ ُد ِ‬ ‫﴿أَ ْم َيقُولُ َ‬
‫ِين﴾ [سورة هود‪ ،‬اآلية ‪.]13‬‬ ‫ُكن ُت ْم َ‬
‫صا ِدق َ‬
‫ين﴾‬ ‫هللا إِنْ ُك ْن ُت ْم َ‬
‫صا ِد ِق َ‬ ‫ون ا ْف َت َراهُ قُ ْل َفأْ ُتوا ِبس َ‬
‫ُور ٍة م ِْثلِ ِه َو ْادعُوا َمنْ اسْ َت َطعْ ُت ْم مِنْ ُد ِ‬
‫ون ه ِ‬ ‫﴿ َيقُول ُ َ‬
‫[سورة يونس‪ ،‬اآلية ‪.]38‬‬
‫﴿وإِنْ ُكن ُت ْم فِي‬ ‫ثم يؤكد عجز البشر عن اإلتيان بسورة واحدة ‪ -‬حاضرا ومستقبال ‪ -‬فقال‪َ :‬‬
‫ون ه ِ‬
‫هللا إِنْ ُكن ُت ْم‬ ‫ش َه َدا َء ُك ْم مِنْ ُد ِ‬ ‫ب ِممها َن هز ْل َنا َعلَى َع ْب ِد َنا َفأْ ُتوا ِبس َ‬
‫ُور ٍة مِنْ م ِْثلِ ِه َو ْادعُوا ُ‬ ‫َر ْي ٍ‬
‫ارةُ أُعِ هد ْ‬
‫ت‬ ‫ار الهتِي َوقُو ُد َها ال هناسُ َو ْالح َِج َ‬‫ِين* َفإِنْ لَ ْم َت ْف َعلُوا َولَنْ َت ْف َعلُوا َفا هتقُوا ال هن َ‬
‫صا ِدق َ‬‫َ‬
‫ين﴾ [سورة البقرة‪ ،‬اآليتان ‪.]22 -23‬‬ ‫ل ِْل َكاف ِِر َ‬
‫ب‪ .‬اإلخبار عن المغيبات‪:‬‬
‫ت الرُّ و ُم* فِي‬ ‫‪ -‬إخبار هللا تعالى عن انتصار الروم على الفرس قبل وقوع الحرب‪﴿ :‬الم* ُغلِ َب ْ‬
‫ّلِل ْاألَ ْم ُر مِنْ َق ْب ُل َومِنْ َبعْ ُد‬
‫ِين ِ ه ِ‬ ‫ض َو ُه ْم مِنْ َبعْ ِد َغلَ ِب ِه ْم َس َي ْغ ِلب َ‬
‫ُون* فِي ِبضْ ِع سِ ن َ‬ ‫أَ ْد َنى ْاألَرْ ِ‬
‫ص ُر َمنْ َي َشا ُء َوه َُو ْال َع ِزي ُز الره حِي ُم﴾ [سورة الروم‪،‬‬ ‫هللا َين ُ‬ ‫ون* ِب َنصْ ِر ه ِ‬ ‫َو َي ْو َم ِئ ٍذ َي ْف َر ُح ْالم ُْؤ ِم ُن َ‬
‫اآليات ‪.]5 -1‬‬
‫َق ه‬
‫هللا ُ َرسُولَ ُه الرُّ ْؤ َيا ِب ْال َح ِّق لَ َت ْد ُخلُنه ْال َمسْ ِج َد ْال َح َرا َم إِنْ َشا َء‬ ‫‪ -‬إخبار هللا عن فتح مكة‪﴿ :‬لَ َق ْد َ‬
‫صد َ‬
‫ون َذلِ َ‬
‫ك َف ْتحً ا‬ ‫ون َف َعلِ َم َما لَ ْم َتعْ لَمُوا َف َج َع َل مِنْ ُد ِ‬ ‫ين َال َت َخافُ َ‬ ‫ِين م َُحلِّق َ‬
‫ِين ُرءُو َس ُك ْم َو ُم َقص ِِّر َ‬ ‫ه‬
‫هللا ُ آ ِمن َ‬
‫َق ِريبًا﴾ [سورة الفتح‪ ،‬اآلية ‪.]22‬‬
‫‪ -‬اإلخبار بواقعات وحوادث وقعت سابقا‪ ،‬نجد لها أثرا في الصحيح من الكتب السماوية‪،‬‬
‫ك مِنْ أَ ْن َبا ِء ْال َغ ْي ِ‬
‫ب ُنوحِي َها إِلَ ْي َ‬
‫ك َما‬ ‫كما قص القرآن أخبار األنبياء مع أقوامهم‪ ،‬قال تعالى‪﴿ :‬ت ِْل َ‬
‫ِين﴾ [سورة هود‪ ،‬اآلية ‪.]24‬‬ ‫ك مِنْ َقب ِْل َه َذا َفاصْ ِبرْ إِنه ْالعا ِق َب َة ل ِْل ُم هتق َ‬ ‫نت َتعْ َل ُم َها أَ ْن َ‬
‫ت َو َال َق ْو ُم َ‬ ‫ُك َ‬
‫ج‪ .‬اشتماله على األحكام الشرعية المختلفة المتعلقة بالعقيدة والعبادة و األخالق والمعامالت‪.‬‬
‫ون﴾ [سورة‬ ‫الذ ْك َر َوإِ هنا لَ ُه لَ َحاف ُ‬
‫ِظ َ‬ ‫د‪ .‬بقاؤه وخلوده‪ ،‬مصداقا لقوله تعالى‪﴿ :‬إِ هنا َنحْ نُ َن هز ْل َنا ِّ‬
‫الحجر‪ ،‬اآلية ‪.]4‬‬
‫ه‪ .‬اإلعجاز العلمي في القرآن الكريم‪ :‬إن القرآن الكريم كتاب هداية وتشريع‪ ،‬ولكن هذا ال‬
‫يمنع من وجود إشارات إلى حقائق علمية أكدها العلم الحديث‪ ،‬من ذلك مثال في قوله‬
‫ض َكا َن َتا َر ْت ًقا َف َف َت ْق َنا ُه َما َو َج َع ْل َنا مِنْ ْال َما ِء‬‫ت َو ْاألَرْ َ‬ ‫ِين َك َفرُوا أَنه ال هس َم َاوا ِ‬ ‫تعالى‪﴿ :‬أَ َولَ ْم َي َرى الهذ َ‬
‫ون﴾ [سورة األنبياء‪ ،‬اآلية ‪ ،]33‬وفي هذه إشارة إلى أن األرض‬ ‫ُك هل َشيْ ٍء َحيٍّ أَ َف َال ي ُْؤ ِم ُن َ‬
‫كانت جزءا من المجموعة الشمسية‪ ،‬ثم انفصلت عنها لتكون صالحة الستقبال اإلنسان على‬
‫ِْلسْ َال ِم َو َمنْ ي ُِر ْد أَنْ يُضِ له ُه‬ ‫ص ْد َرهُ ل ْ ِ‬ ‫هللا ُ أَنْ َيه ِد َي ُه َي ْش َرحْ َ‬
‫ظهرها‪ ،‬و قوله تعالى‪َ ﴿ :‬ف َمنْ ي ُِر ْد ه‬
‫ين َال‬ ‫س َعلَى اله ِذ َ‬ ‫هللا ُ الرِّ جْ َ‬ ‫ك َيجْ َع ُل ه‬ ‫ص هع ُد فِي ال هس َما ِء َك َذلِ َ‬ ‫ض ِّي ًقا َح َرجً ا َكأ َ هن َما َي ه‬
‫ص ْد َرهُ َ‬ ‫َيجْ َع ْل َ‬
‫ون﴾ [سورة األنعام‪ ،‬اآلية ‪ ،]125‬ففي هذه اآلية إشارة إلى شعور اإلنسان بنقص‬ ‫ي ُْؤ ِم ُن َ‬
‫ْن لَ َعله ُك ْم‬‫﴿ومِنْ ُك ِّل َشيْ ٍء َخلَ ْق َنا َز ْو َجي ِ‬ ‫األكسجين كلما ارتقى في أجواء السماء‪ ،‬و قوله تعالى‪َ :‬‬
‫ان الهذِي َخلَ َق ْاألَ ْز َوا َج ُكله َها ِممها ُت ْن ِب ُ‬
‫ت‬ ‫ُون﴾ [سورة الذاريات‪ ،‬اآلية ‪ ،]24‬وقوله‪ُ ﴿ :‬سب َْح َ‬ ‫َت َذ هكر َ‬
‫ُون﴾ [سورة يس‪ ،‬اآلية ‪ ،]33‬إشارة إلى انبثاث الزوجية‬ ‫ْاألَرْ ضُ َومِنْ أَنفُسِ ِه ْم َو ِممها َال َيعْ لَم َ‬
‫ين َعلَى أَنْ ُن َسوِّ َ‬
‫ي‬ ‫اإلن َسانُ أَلهنْ َنجْ َم َع عِ َظا َم ُه* َبلَى َقاد ِِر َ‬ ‫َ‬
‫في كل شيء‪ ،‬وقوله تعالى‪﴿ :‬أ َيحْ َسبُ ْ ِ‬
‫َب َنا َنهُ﴾ [سورة القيامة‪ ،‬اآليات ‪ ،]2-3‬إشارة إلى اختالف بصمات البشر‪.‬‬
‫‪ -2‬حكمة نزول القرآن منجما‪:‬‬
‫اقتضت حكمة هللا عز وجل أن ينزل القرآن مفرقا مستغرقا مدة الرسالة كلها‪ ،‬وذلك لحكم‬
‫يمكن تلخيصها فيما يلي‪:‬‬
‫ِين َك َفرُوا لَ ْو َال ُن ِّز َل َع َل ْي ِه ْالقُرْ آنُ‬
‫﴿و َقا َل الهذ َ‬‫أ‪ .‬تثبيت قلب النبي ‪ :‬ويتجلى ذلك في قوله تعالى‪َ :‬‬
‫ِيال﴾ [سورة الفرقان‪ ،‬اآلية ‪ ،]32‬وحينما تنزل‬ ‫ك َو َر هت ْل َناهُ َترْ ت ً‬ ‫ِّت ِب ِه فُ َؤا َد َ‬‫ك لِ ُن َثب َ‬ ‫ُج ْملَ ًة َوا ِح َد ًة َك َذلِ َ‬
‫اآليات على النبي يقوى صبره‪ ،‬وتشحذ همته‪ ،‬كيف ال وهللا يخاطبه بمثل هذه‬
‫﴿واصْ ِبرْ‬ ‫ص َب َر أ ُ ْولُوا ْال َع ْز ِم مِنْ الرُّ س ُِل‪[ ﴾...‬سورة األحقاف‪ ،‬اآلية ‪َ ،]35‬‬ ‫اآليات‪َ ﴿:‬فاصْ ِبرْ َك َما َ‬
‫﴿و ُك ًال َنقُصُّ‬ ‫ِين َتقُو ُم﴾ [سورة الطور‪ ،‬اآلية ‪َ ،]28‬‬ ‫كح َ‬ ‫ك ِبأَعْ ُي ِن َنا َو َسبِّحْ ِب َح ْم ِد َر ِّب َ‬ ‫ك َفإِ هن َ‬ ‫لِ ُح ْك ِم َر ِّب َ‬
‫ِين﴾‬‫ك فِي َه ِذ ِه ْال َح ُّق َو َم ْوعِ َظ ٌة َو ِذ ْك َرى ل ِْلم ُْؤ ِمن َ‬ ‫ك َو َجا َء َ‬ ‫ِّت ِب ِه فُ َؤا َد َ‬ ‫ك مِنْ أَ ْن َبا ِء الرُّ س ُِل َما ُن َثب ُ‬ ‫َعلَ ْي َ‬
‫وذوا َح هتى‬ ‫ص َبرُوا َعلَى َما ُك ِّذبُوا َوأ ُ ُ‬ ‫ك َف َ‬ ‫ت ُر ُس ٌل مِنْ َق ْبلِ َ‬ ‫﴿ولَ َق ْد ُك ِّذ َب ْ‬‫[سورة هود‪ ،‬اآلية ‪َ ،]123‬‬
‫ِين﴾ [سورة األنعام‪ ،‬اآلية ‪.]32‬‬ ‫ك مِنْ َن َبإِ ْالمُرْ َسل َ‬ ‫هللا َولَ َق ْد َجا َء َ‬ ‫ت هِ‬ ‫أَ َتا ُه ْم َنصْ ُر َنا َو َال ُم َب ِّد َل لِ َكلِ َما ِ‬
‫ب‪ .‬التلطف بالنبي عند نزول القرآن‪ :‬إن للقرآن هيبة وجالال ووقارا‪ ،‬وذلك يستدعي‬
‫ِيال [سورة المزمل‪،‬‬ ‫ك َق ْو ًال َثق ً‬
‫التلطف بالنبي فأنزله هللا منجما‪ ،‬يقول تعالى‪﴿ :‬إِ هنا َس ُن ْلقِي َعلَ ْي َ‬
‫ك ْاألَمْ َثا ُل‬ ‫ص ِّد ًعا مِنْ َخ ْش َي ِة ه ِ‬
‫هللا َوت ِْل َ‬ ‫آن َعلَى َج َب ٍل لَ َرأَ ْي َت ُه َخاشِ ًعا ُم َت َ‬
‫اآلية ‪﴿ ،]5‬لَ ْو أَ ْن َز ْل َنا َه َذا ْالقُرْ َ‬
‫ُون﴾ [سورة الحشر‪ ،‬اآلية ‪ ،]21‬فإذا كان ذلك حال الجبل لو أنزل‬ ‫اس لَ َعله ُه ْم َي َت َف هكر َ‬‫َنضْ ِر ُب َها لِل هن ِ‬
‫عليه القرآن‪ ،‬فكيف بالنبي وهو أرق الناس قلبا‪ ،‬وأكثرهم تقديرا لكالم هللا؟‬
‫وتصف أم المؤمنين عائشة حال الرسول حين يتنزل عليه القرآن بقولها‪( :‬لقد رأيته حين‬
‫ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد فينفصم عنه وإن جبينه ليتفصد عرقا)‪.‬‬
‫ج‪ .‬تقريع الكفار باستمرار‪ ،‬وتجديد تذكيرهم بانحرافهم عن الطريق المستقيم‪ ،‬وفي المقابل‪،‬‬
‫يثبت هللا المؤمنين ويواسيهم‪ ،‬ويفرغ عليهم صبرا ويقينا‪.‬‬
‫د‪ .‬التدرج في تربية المجتمع اإلسالمي‪ ،‬وذلك بتبديد الرذائل‪ ،‬وزرع الفضائل‪ ،‬وذلك بآيات‬
‫التخلية وآيات التحلية‪.‬‬
‫ث فِي‬‫ه‪ .‬تيسير حفظ القرآن الكريم وفهمه للمسلمين‪ ،‬وذلك كونهم أميين‪﴿ :‬ه َُو الهذِي َب َع َ‬
‫اب َو ْالح ِْك َم َة َوإِنْ َكا ُنوا مِنْ َق ْب ُل‬
‫يه ْم َو ُي َعلِّ ُم ُه ْم ْال ِك َت َ‬ ‫ِّين َرس ً‬
‫ُوال ِم ْن ُه ْم َي ْتلُو َعلَي ِْه ْم آ َيا ِت ِه َوي َُز ِّك ِ‬ ‫ْاأل ُ ِّمي َ‬
‫ين﴾ [سورة الجمعة‪ ،‬اآلية ‪.]2‬‬ ‫ض َال ٍل م ُِب ٍ‬
‫لَفِي َ‬
‫و‪ .‬التدرج في تشريع األحكام‪ ،‬ومثال ذلك الخمر الذي تم وفق تدرج حكيم حسب المراحل‬
‫التالية‪:‬‬
‫ك‬ ‫ِيل َو ْاألَعْ َنا ِ‬
‫ب َت هتخ ُِذ َ‬
‫ون ِم ْن ُه َس َكرً ا َو ِر ْز ًقا َح َس ًنا إِنه فِي َذلِ َ‬ ‫﴿ومِنْ َث َم َرا ِ‬
‫ت ال هنخ ِ‬ ‫المرحلة األولى‪َ :‬‬
‫ون﴾ [سورة النحل‪ ،‬اآلية ‪.]32‬‬ ‫َآل َي ًة لِ َق ْو ٍم َيعْ ِقل ُ َ‬
‫اس َوإِ ْث ُم ُه َما أَ ْك َب ُر‬
‫ِيه َما إِ ْث ٌم َك ِبي ٌر َو َم َنا ِف ُع لِل هن ِ‬
‫ك َعنْ ْال َخم ِْر َو ْال َميْسِ ِر قُ ْل ف ِ‬ ‫المرحلة الثانية‪َ ﴿ :‬يسْ أَلُو َن َ‬
‫ُون﴾ [سورة‬ ‫ت لَ َعله ُك ْم َت َت َف هكر َ‬ ‫ك ُي َبيِّنُ ه‬
‫هللا ُ لَ ُك ْم ْاآل َيا ِ‬ ‫ون قُ ْل ْال َع ْف َو َك َذلِ َ‬
‫ك َما َذا يُن ِفقُ َ‬‫مِنْ َن ْفع ِِه َما َو َيسْ أَلُو َن َ‬
‫البقرة‪ ،‬اآلية ‪.]214‬‬

‫ِين آ َم ُنوا َال َت ْق َربُوا الص َهال َة َوأَ ْن ُت ْم ُس َك َ‬


‫ارى َح هتى َتعْ لَمُوا َما‬ ‫المرحلة الثالثة‪َ ﴿ :‬يا أَ ُّي َها الهذ َ‬
‫ون‪[ ﴾...‬سورة النساء‪ ،‬اآلية ‪.]23‬‬ ‫َتقُول ُ َ‬
‫المرحلة الرابعة‪ :‬وهي مرحلة التحريم القطعي‪َ ﴿ :‬يا أَ ُّي َها الهذِي َن آ َم ُنوا إِ هن َما ْال َخ ْم ُر َو ْال َميْسِ ُر‬
‫ُون* إِ هن َما ي ُِري ُد ال هش ْي َطانُ أَنْ‬ ‫َ‬ ‫َو ْاألَن َ‬
‫صابُ َو ْاأل ْز َال ُم ِرجْ سٌ مِنْ َع َم ِل ال هش ْي َط ِ‬
‫ان َفاجْ َت ِنبُوهُ لَ َعله ُك ْم ُت ْفلِح َ‬
‫هللا َو َعنْ الص َهال ِة َف َه ْل‬ ‫ص هد ُك ْم َعنْ ِذ ْك ِر ه ِ‬ ‫ضا َء فِي ْال َخم ِْر َو ْال َميْسِ ِر َو َي ُ‬
‫يُوق َِع َب ْي َن ُك ْم ْال َع َد َاو َة َو ْال َب ْغ َ‬
‫ُون﴾ [سورة المائدة‪ ،‬اآليتان ‪.]41-43‬‬ ‫أَ ْن ُت ْم مُن َته َ‬
‫‪ -5‬أنواع األحكام التي اشتمل عليها القرآن الكريم‪ :‬اشتمل القرآن الكريم على جميع األحكام‬
‫التي تخص اإلنسان‪ ،‬ويمكن تصنيفها في األنواع التالية‪:‬‬
‫أ‪ .‬األحكام اإلعتقادية‪ :‬وهي األحكام المتعلقة بالعقيدة‪ ،‬ومن اآليات التي تنص على تلك‬
‫األحكام ما يأتي‪:‬‬
‫ون ُك ٌّل آ َم َن ِب ه ِ‬
‫اّلِل َو َم َال ِئ َك ِت ِه َو ُك ُت ِب ِه َو ُر ُسلِ ِه َال ُن َفرِّ ُق‬ ‫نز َل إِلَ ْي ِه مِنْ َر ِّب ِه َو ْالم ُْؤ ِم ُن َ‬‫ُ‬
‫﴿آ َم َن الره سُو ُل ِب َما أ ِ‬
‫ك ْالمَصِ يرُ﴾ [سورة البقرة‪ ،‬اآلية‬ ‫َبي َْن أَ َح ٍد مِنْ ُر ُسلِ ِه َو َقالُوا َسمِعْ َنا َوأَ َطعْ َنا ُغ ْف َرا َن َ‬
‫ك َر هب َنا َوإِلَ ْي َ‬
‫‪.]285‬‬
‫﴿الم* ه‬
‫هللا ُ َال إِلَ َه إِ هال ه َُو ْال َحيُّ ْال َقيُّو ُم﴾ [سورة آل عمران‪ ،‬اآليتان ‪.]2 -1‬‬
‫ْس َكم ِْثلِ ِه َشيْ ٌء َوه َُو ال هسمِي ُع البَصِ ي ُر﴾ [سورة الشورى‪ ،‬اآلية ‪.]11‬‬
‫﴿‪...‬لَي َ‬
‫ك ْالقُ ُّدوسُ الس َهال ُم ْالم ُْؤمِنُ ْال ُم َه ْيمِنُ ْال َع ِزي ُز ْال َجبها ُر ْال ُم َت َك ِّب ُر‬ ‫﴿ه َُو ه‬
‫هللا ُ الهذِي َال إِلَ َه إِ هال ه َُو ْال َملِ ُ‬
‫صوِّ ُر لَ ُه ْاألَسْ َما ُء ْالحُسْ َنى ُي َس ِّب ُح لَ ُه َما فِي‬ ‫ئ ْال ُم َ‬ ‫ون* ه َُو ه‬
‫هللا ُ ْال َخال ُِق ْال َب ِ‬
‫ار ُ‬ ‫هللا َعمها ُي ْش ِر ُك َ‬ ‫ان ه ِ‬ ‫ُسب َْح َ‬
‫ض َوه َُو ْال َع ِزي ُز ْال َحكِي ُم﴾ [سورة الحشر‪ ،‬اآليتان ‪.]22 -23‬‬ ‫ت َو ْاألَرْ ِ‬ ‫ال هس َم َاوا ِ‬
‫ص َم ُد* لَ ْم َيل ِْد َولَ ْم يُولَ ْد* َولَ ْم َي ُكنْ لَ ُه ُكفُ ًوا أَ َح ٌد﴾ [سورة اإلخالص]‪.‬‬ ‫هللا ُ أَ َح ٌد* ه‬
‫هللا ُ ال ه‬ ‫﴿قُ ْل ه َُو ه‬

‫ب‪ .‬األحكام األخالقية‪ :‬وهي األحكام المتعلقة بأمهات الفضائل‪ ،‬ومن اآليات التي تنص على‬
‫تلك األحكام ما يلي‪:‬‬
‫ك َل َعلى ُخلُ ٍق َعظِ ٍيم﴾ [سورة القلم‪ ،‬اآلية ‪.]2‬‬
‫﴿وإِ هن َ‬
‫َ‬
‫هللا َو ُكو ُنوا َم َع الصها ِدق َ‬
‫ِين﴾ [سورة التوبة‪ ،‬اآلية ‪.]114‬‬ ‫﴿ َيا أَ ُّي َها الهذ َ‬
‫ِين آ َم ُنوا ا هتقُوا ه َ‬
‫ين﴾ [سورة النحل‪ ،‬اآلية ‪.]123‬‬ ‫ص َبرْ ُت ْم لَه َُو َخ ْي ٌر لِلص ِ‬
‫هاب ِر َ‬ ‫﴿‪َ ...‬ولَئِنْ َ‬
‫اس َو ه‬
‫هللا ُ ُيحِبُّ‬ ‫ِين ْال َغ ْي َظ َو ْال َعاف َ‬
‫ِين َعنْ ال هن ِ‬ ‫ون فِي السهره ا ِء َوالضهره ا ِء َو ْال َكاظِ م َ‬ ‫﴿الهذ َ‬
‫ِين ُي ْن ِفقُ َ‬
‫ِين﴾ [سورة آل عمران‪ ،‬اآلية ‪.]132‬‬ ‫ْالمُحْ سِ ن َ‬
‫ص ٌة‪[ ﴾...‬سورة الحشر‪ ،‬اآلية ‪.]4‬‬ ‫ُون َعلَى أَ ْنفُسِ ِه ْم َولَ ْو َك َ‬
‫ان ِب ِه ْم َخ َ‬
‫صا َ‬ ‫﴿‪َ ...‬وي ُْؤ ِثر َ‬
‫ج‪ .‬األحكام العملية‪ :‬وتنقسم إلى قسمين‪:‬‬
‫‪ .1‬عبادات‪.‬‬
‫‪ .2‬معامالت‪.‬‬
‫ومن اآليات التي تنص على تلك األحكام ما يلي‪:‬‬
‫ِين﴾ [سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪.]23‬‬ ‫﴿وأَقِيمُوا الص َهال َة َوآ ُتوا ه‬
‫الز َكا َة َوارْ َكعُوا َم َع الره ا ِكع َ‬ ‫َ‬
‫ِين مِنْ َق ْبلِ ُك ْم َل َعله ُك ْم َت هتقُ َ‬
‫ون﴾ [سورة‬ ‫ِب َعلَى الهذ َ‬
‫ص َيا ُم َك َما ُكت َ‬
‫ِب َعلَ ْي ُك ْم ال ِّ‬ ‫﴿ َيا أَ ُّي َها الهذ َ‬
‫ِين آ َم ُنوا ُكت َ‬
‫البقرة‪ ،‬اآلية ‪.]183‬‬
‫اع إِلَ ْي ِه َس ِب ً‬
‫يال‪[ ﴾...‬سورة آل عمران‪ ،‬اآلية ‪.]42‬‬ ‫اس ِح ُّج ْال َب ْي ِ‬
‫ت َمنْ اسْ َت َط َ‬ ‫﴿‪َ ...‬و ِ ه ِ‬
‫ّلِل َعلَى ال هن ِ‬
‫ان َو ْاألَ ْق َرب َ‬
‫ُون‬ ‫ك ْال َوالِ َد ِ‬ ‫ان َو ْاألَ ْق َرب َ‬
‫ُون َولِل ِّن َسا ِء َنصِ يبٌ ِممها َت َر َ‬ ‫ك ْال َوالِ َد ِ‬
‫ال َنصِ يبٌ ِممها َت َر َ‬ ‫﴿لِلرِّ َج ِ‬
‫ضا﴾ [سورة النساء‪ ،‬اآلية ‪.]2‬‬ ‫ِممها َق هل ِم ْن ُه أَ ْو َك ُث َر َنصِ يبًا َم ْفرُو ً‬

‫ف أَ ْو َتسْ ِري ٌح ِبإِحْ َس ٍ‬


‫ان‪[ ﴾...‬سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪.]224‬‬ ‫ان َفإ ْم َسا ٌ‬
‫ك ِب َمعْ رُو ٍ‬ ‫ه‬
‫﴿الط َال ُق َمره َت ِ‬
‫﴿‪َ ...‬وأَ َح هل ه‬
‫هللا ُ ْال َبي َْع َو َحره َم الرِّ َبا‪[ ﴾...‬سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪.]225‬‬
‫ْن إِلَى أَ َج ٍل ُم َس ًمى َفا ْك ُتبُوهُ‪[ ﴾...‬سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪.]282‬‬ ‫﴿ َيا أَ ُّي َها الهذ َ‬
‫ِين آ َم ُنوا إِ َذا َتدَ ا َين ُت ْم ِب َدي ٍ‬
‫ون﴾ [سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪.]124‬‬ ‫اص َح َياةٌ َيا أ ُ ْولِي ْاألَ ْل َبا ِ‬
‫ب لَ َعله ُك ْم َت هتقُ َ‬ ‫ص ِ‬‫﴿ولَ ُك ْم فِي ْال ِق َ‬
‫َ‬
‫‪ -3‬بيان القرآن لألحكام‬
‫جاء بيان القرآن لألحكام على ثالثة أنواع‪:‬‬
‫النوع األول‪ :‬بيان كلي أي بذكر القواعد والمبادئ العامة التي تكون أساسا لتفريع األحكام‬
‫وابتنائها عليها‪ ،‬مثل‪:‬‬
‫اورْ ُه ْم فِي ْاألَم ِْر‪[ ﴾...‬سورة آل عمران‪ ،‬اآلية ‪،]154‬‬
‫أ‪ .‬األمر بالشورى‪ :‬قال تعالى‪َ ...﴿ :‬و َش ِ‬
‫ورى َب ْي َن ُه ْم‪[ ﴾...‬سورة الشورى‪ ،‬اآلية ‪.]38‬‬ ‫وقال أيضا‪َ ...﴿ :‬وأَ ْم ُر ُه ْم ُ‬
‫ش َ‬
‫ان َوإِي َتا ِء ذِي ْالقُرْ َبى‬ ‫ب‪ .‬األمر بالعدل والحكم به‪ :‬قال هللا تعالى‪﴿ :‬إنه ه ْ‬
‫هللا َيأ ُم ُر ِب ْال َع ْد ِل َو ِ‬
‫اإلحْ َس ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫ُون﴾ [سورة النحل‪ ،‬اآلية ‪.]43‬‬ ‫َ‬ ‫ه‬ ‫َو َي ْن َهى َعنْ ْال َفحْ َشا ِء َو ْالمُن َكر َو ْال َب ْغي َيع ُ‬
‫ِظ ُك ْم َل َعلك ْم َتذكر َ‬
‫ه‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اس أَنْ َتحْ ُكمُوا ِب ْال َع ْد ِل‪[ ﴾...‬سورة النساء‪ ،‬اآلية ‪.]58‬‬ ‫وقال أيضا‪َ ...﴿ :‬وإِ َذا َح َك ْم ُت ْم َبي َْن ال هن ِ‬
‫از َرةٌ ِو ْز َر أ ُ ْخ َرى‪[ ﴾...‬سورة فاطر‪ ،‬اآلية‬
‫﴿و َال َت ِز ُر َو ِ‬
‫ج‪ .‬ال يسأل اإلنسان عن ذنب غيره‪َ :‬‬
‫‪.]18‬‬
‫﴿و َج َزا ُء َس ِّي َئ ٍة َس ِّي َئ ٌة م ِْثل ُ َها‪[ ﴾...‬سورة الشورى‪ ،‬اآلية‪.]23.‬‬
‫د‪ .‬العقوبة بقدر الجريمة‪َ :‬‬
‫﴿و َال َتأْ ُكلُوا أَم َْوالَ ُك ْم َب ْي َن ُك ْم ِب ْالبَاطِ ِل َو ُت ْدلُوا ِب َها إِلَى ْال ُح هك ِام ِل َتأْ ُكلُوا َف ِري ًقا‬
‫ه‪ .‬حرمة مال الغير‪َ :‬‬
‫ُون [سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪.]188‬‬ ‫اإل ْث ِم َوأَ ْن ُت ْم َتعْ لَم َ‬
‫اس ِب ْ ِ‬ ‫مِنْ أَم َْو ِ‬
‫ال ال هن ِ‬
‫ِين آ َم ُنوا أَ ْوفُوا ِب ْال ُعقُو ِد‪[ ...‬سورة المائدة‪ ،‬اآلية ‪.]1‬‬
‫و‪ .‬الوفاء بااللتزامات‪َ ﴿ ،‬يا أَ ُّي َها الهذ َ‬

‫ز‪ .‬ال حرج و ال ضيق في الدين‪َ ...﴿ :‬و َما َج َع َل َعلَ ْي ُك ْم فِي ال ِّد ِ‬
‫ين مِنْ َح َر ٍج‪[ ﴾...‬سورة الحج‪،‬‬
‫اآلية ‪.]28‬‬
‫النوع الثاني‪ :‬بيان إجمالي‪ ،‬أي ذكر األحكام بصورة مجملة تحتاج إلى بيان و تفصيل‪ ،‬ومن‬
‫هذه األحكام‪:‬‬
‫أ‪ .‬وجوب الصالة والزكاة‪ ،‬قال تعالى‪َ ...﴿ :‬فأَقِيمُوا الص َهال َة َوآ ُتوا ه‬
‫الز َكا َة‪[ ﴾...‬سورة الحج‪،‬‬
‫اآلية ‪.]28‬‬
‫ولم يبين القرآن عدد ركعات الصالة وكيفيتها‪ ،‬فجاءت السنة بتفصيل ذلك‪ ،‬قال ‪( :‬صلوا كما‬
‫رأيتموني أصلي) [رواه مسلم]‪ ،‬وكذلك جاءت السنة ببيان أحكام الزكاة‪ ،‬وتحديد مقاديرها‬
‫وأنصبتها‪.‬‬
‫اع إِلَ ْي ِه َس ِب ً‬
‫يال‪[ ﴾...‬سورة آل‬ ‫اس ِح ُّج ْال َب ْي ِ‬
‫ت َمنْ اسْ َت َط َ‬ ‫ب‪ .‬وجوب الحج‪َ ...﴿ :‬و ِ ه ِ‬
‫ّلِل َعلَى ال هن ِ‬
‫عمران‪ ،‬اآلية ‪ ،]42‬فجاءت السنة بتفصيل وبيان الحج وأركانه‪ ،‬قال ‪( :‬خذوا عني مناسككم)‬
‫[مسلم]‪.‬‬

‫ِب َع َل ْي ُك ْم ْال ِق َ‬
‫صاصُ ‪[ ﴾...‬سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪ ،]128‬فجاءت‬ ‫ج‪ .‬وجوب القصاص‪ُ ...﴿ :‬كت َ‬
‫السنة ببيان شروط القصاص‪.‬‬
‫د‪ .‬حل البيع وحرمة الربا‪َ ...﴿ :‬وأَ َح هل ه‬
‫هللا ُ ْال َبي َْع َو َحره َم﴾ [سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪ ،]225‬فجاءت‬
‫السنة ببيان البيع الحالل والبيع الحرام والمقصود بالربا‪.‬‬
‫النوع الثالث‪ :‬بيان تفصيلي‪ :‬أي ذكر األحكام بصورة تفصيلية ال إجمال فيها‪ ،‬مثل‪ :‬أنصبة‬
‫الورثة‪ ،‬وكيفية الطالق وعدده‪ ،‬وكيفية اللعان بين الزوجين‪ ،‬والمحرمات من النساء في‬
‫النكاح‪.‬‬
‫‪ -2‬داللة القرآن على األحكام‪:‬‬
‫إن آيات القرآن الكريم ثابتة بطريق قطعي‪ ،‬ألنها نقلت إلينا بالتواتر الذي يوحي بالجزم أن‬
‫اآلية التي يقرؤها كل مسلم في بقاع األرض هي نفسها التي تالها الرسول صلى هللا عليه و‬
‫سلم على أصحابه‪ ،‬و هي التي نزل بها جبريل عليه السالم من اللوح المحفوظ من غير‬
‫الذ ْك َر َوإِ هنا لَ ُه لَ َحاف ُ‬
‫ِظون‪[ ﴾...‬سورة‬ ‫تبديل و ال تغيير‪ ،‬تحقيقا لقوله تعالى‪﴿ :‬إِ هنا َنحْ نُ َن هز ْل َنا ِّ‬
‫الحجر‪ ،‬اآلية ‪.]4‬‬
‫أما داللة النص القرآني على الحكم فليست واحدة‪ ،‬فمنها ما هو قطعي الداللة و منها ما هو‬
‫ظني الداللة‪ .‬فالنص القطعي الداللة هو ما دل معنى متعين فهمه منه‪ ،‬و ال يحتمل تأويال‬
‫آخر معه‪ ،‬و ذلك مثل النصوص التي وردت فيها أعداد معينة أو أنصبة محددة في‬
‫ك أَ ْز َوا ُج ُك ْم إِنْ لَ ْم َي ُكنْ لَهُنه َولَ ٌد‪﴾...‬‬
‫﴿ولَ ُك ْم نِصْ فُ َما َت َر َ‬
‫المواريث و الحدود‪ ،‬قال تعالى‪َ :‬‬
‫[سورة النساء‪ ،‬اآلية ‪ ،]12‬فإن داللة النص قطعية على أن فرض الزوج النصف‪ ،‬و قال‬
‫الزانِي َفاجْ لِ ُدوا ُك هل َوا ِح ٍد ِم ْن ُه َما مِا َئ َة َج ْل َد ٍة‪[ ﴾...‬سورة النور‪ ،‬اآلية ‪ ،]2‬فاآلية‬‫﴿الزا ِن َي ُة َو ه‬
‫تعالى‪ :‬ه‬
‫َ‬
‫قطعية الداللة في مقدار حد الزنا‪ ،‬و قال تعالى في كفارة اليمين‪َ ﴿ :‬فصِ َيا ُم َث َال َث ِة أي ٍ‬
‫هام‪﴾...‬‬
‫[سورة المائدة‪ ،‬اآلية ‪ ،]84‬فالعدد قطعي الداللة‪ ،‬وال تقبل الكفارة بأقل من ذلك وال بأكثر‬
‫منه‪.‬‬
‫أما النص الظني الداللة فهو ما يدل على عدة معان‪ ،‬أو ما يدل على معنى‪ ،‬و لكنه يحتمل‬
‫ات َي َت َربهصْ َن ِبأَنفُسِ ِهنه َث َال َث َة‬
‫﴿و ْال ُم َطله َق ُ‬
‫معاني أخرى‪ ،‬مثل لفظة "القرء" في قوله تعالى‪َ :‬‬
‫قُرُو ٍء‪[ ﴾...‬سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪.]228‬‬
‫فلفظ القرء في اللغة مشترك بين معنيين‪ :‬الطهر والحيض‪ ،‬والنص القرآني يحتمل أن يراد‬
‫منه ثالثة أطهار كما قال الشافعي وغيره‪ ،‬ويحتمل أن يراد منه ثالث حيضات كما قال‬
‫اإلمام أبو حنيفة ومن معه‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬السنة النبوية‬
‫‪ -1‬تعريف السنة‪:‬‬

‫أ‪ .‬لغة‪ :‬الطريقة المعتادة‪ ،‬حسنة كانت أو سيئة‪ ،‬ومنه قوله تعالى‪ُ ﴿ :‬س هن َة َمنْ َق ْد أَرْ َس ْل َنا َق ْبلَ َ‬
‫ك‬
‫يال﴾ [سورة اإلسراء‪ ،‬اآلية ‪ ،]22‬ومنه قول رسول هللا ‪( :‬من‬ ‫مِنْ ُر ُس ِل َنا َو َال َت ِج ُد ِل ُس هن ِت َنا َتحْ ِو ً‬
‫سن في اإلسالم حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من‬
‫أجورهم شيء‪ ،‬ومن سن في اإلسالم سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من‬
‫بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء ) [مسلم وغيره]‪.‬‬
‫ب‪ .‬اصطالحا‪ :‬يراد بالسنة ما صدر عن النبي غير القرآن من قول أو فعل أو تقرير‪.‬‬
‫‪ -2‬حجيتها‪ :‬اتفق العلماء على أن السنة الصحيحة الثابتة التي صدرت عن رسول هللا بقصد‬
‫التشريع واإلقتداء حجة على المسلمين‪ ،‬ومصدر تشريعي لهم متى ثبتت بطريق القطع أو‬
‫غلبة الظن‪.‬‬
‫أ‪ .‬أدلة من القرآن على حجية السنة‪:‬‬
‫ك ِّ‬
‫الذ ْك َر لِ ُت َبي َِّن لِل هن ِ‬
‫اس َما ُن ِّز َل إِلَي ِْه ْم‪[ ﴾...‬سورة النحل‪ ،‬اآلية ‪.]22‬‬ ‫﴿‪َ ...‬وأَ َ‬
‫نز ْل َنا إِلَ ْي َ‬
‫الز َكا َة َوأَطِ يعُوا الره سُو َل َل َعله ُك ْم ُترْ َحم َ‬
‫ُون﴾ [سورة النور‪ ،‬اآلية ‪.]53‬‬ ‫﴿وأَ ِقيمُوا الص َهال َة َوآ ُتوا ه‬
‫َ‬
‫هللا ُ َو َي ْغفِرْ لَ ُك ْم‪[ ﴾...‬سورة آل عمران‪ ،‬اآلية ‪.]31‬‬ ‫هللا َفا هت ِبعُونِي يُحْ ِب ْب ُك ْم ه‬
‫ُّون ه َ‬
‫﴿قُ ْل إِنْ ُك ْن ُت ْم ُت ِحب َ‬
‫هللا َوأَطِ يعُوا الره سُو َل َوأ ُ ْولِي ْاألَم ِْر ِم ْن ُك ْم‪[ ﴾...‬سورة النساء‪ ،‬اآلية‬ ‫ِين آ َم ُنوا أَطِ يعُوا ه َ‬
‫﴿ َيا أَ ُّي َها الهذ َ‬
‫‪.]54‬‬

‫هللا َو َرسُولَ ُه َو َال َت َوله ْوا َع ْن ُه َوأَ ْن ُت ْم َتسْ َمع َ‬


‫ُون﴾ [سورة األنفال‪ ،‬اآلية‬ ‫ِين آ َم ُنوا أَطِ يعُوا ه َ‬
‫﴿ َيا أَ ُّي َها الهذ َ‬
‫‪.]23‬‬

‫﴿ َمنْ يُطِ عْ الره سُو َل َف َق ْد أَ َط َ‬


‫اع ه َ‬
‫هللا‪[ ﴾...‬سورة النساء‪ ،‬اآلية ‪.]83‬‬

‫ون ِب ه ِ‬
‫اّلِل َو ْال َي ْو ِم‬ ‫ُول إِنْ ُكن ُت ْم ُت ْؤ ِم ُن َ‬ ‫ازعْ ُت ْم فِي َشيْ ٍء َف ُر ُّدوهُ إِلَى ه ِ‬
‫هللا َوالره س ِ‬ ‫﴿‪َ ...‬فإِنْ َت َن َ‬
‫ْاآلخ ِِر‪[ ﴾...‬سورة النساء‪ ،‬اآلية ‪.]54‬‬
‫﴿‪َ ...‬و َما آ َتا ُك ْم الره سُو ُل َف ُخ ُذوهُ َو َما َن َها ُك ْم َع ْن ُه َفا ْن َتهُوا‪[ ﴾...‬سورة الحشر‪ ،‬اآلية ‪.]2‬‬
‫ون لَ ُه ْم ْال ِخ َي َرةُ مِنْ أَم ِْر ِه ْم َو َمنْ‬
‫هللا ُ َو َرسُولُ ُه أَمْرً ا أَنْ َي ُك َ‬
‫ضى ه‬‫ِن َو َال م ُْؤ ِم َن ٍة إِ َذا َق َ‬ ‫﴿و َما َك َ‬
‫ان لِم ُْؤم ٍ‬ ‫َ‬
‫ض َال ًال ُم ِبي ًنا﴾ [سورة األحزاب‪ ،‬اآلية ‪.]33‬‬ ‫ض هل َ‬ ‫ص هَ‬
‫هللا َو َرسُولَ ُه َف َق ْد َ‬ ‫َيعْ ِ‬
‫ك فِي َما َش َج َر َب ْي َن ُه ْم ُث هم َال َي ِج ُدوا فِي أَنفُسِ ِه ْم َح َرجً ا ِممها‬
‫ون َح هتى ي َُح ِّكمُو َ‬
‫ك َال ي ُْؤ ِم ُن َ‬
‫﴿فال َو َر ِّب َ‬
‫ْت َو ُي َسلِّمُوا َتسْ لِيمًا﴾ [سورة النساء‪ ،‬اآلية ‪.]35‬‬ ‫ضي َ‬‫َق َ‬
‫اع ِبإِ ْذ ِن ه ِ‬
‫هللا‪[ ﴾...‬سورة النساء‪ ،‬اآلية ‪.]32‬‬ ‫﴿و َما أَرْ َس ْل َنا مِنْ َرس ٍ‬
‫ُول إِ هال لِ ُي َط َ‬ ‫َ‬

‫هللا َو ْال َي ْو َم ْاآلخ َِر َو َذ َك َر ه َ‬


‫هللا َك ِثيرً ا﴾‬ ‫هللا أُسْ َوةٌ َح َس َن ٌة ِل َمنْ َك َ‬
‫ان َيرْ جُو ه َ‬ ‫ُول ه ِ‬
‫ان لَ ُك ْم فِي َرس ِ‬
‫﴿لَ َق ْد َك َ‬
‫[سورة األحزاب‪ ،‬اآلية ‪.]21‬‬
‫هذه النصوص القرآنية ‪ -‬وغيرها كثير‪ -‬برهان ودليل قاطع على حجية السنة‪ ،‬واعتبارها‬
‫مصدرا من مصادر التشريع اإلسالمي‪ ،‬وأن أحكام السنة تشريع إلهي واجب اإلتباع‪.‬‬
‫ب‪ .‬أدلة من السنة على حجية السنة‪:‬‬
‫(تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما‪ :‬كتاب هللا و سنتي)‪.‬‬
‫(أال وإني أوتيت القرآن ومثله معه)‪.‬‬
‫(روى معاذ بن جبل أن رسول هللا صلى هللا عليه و سلم لما بعثه إلى اليمن‪ ،‬قال له‪ :‬كيف‬
‫تصنع إن عرض لك قضاء؟ قال‪ :‬أقضي بما في كتاب هللا‪ ،‬قال‪ :‬فإن لم يكن في كتاب هللا؟‬
‫قال‪ :‬فبسنة رسول هللا صلى هللا عليه و سلم‪ ،‬قال‪ :‬فإن لم يكن في سنة رسول هللا؟ قال‪:‬‬
‫أجتهد رأيي ال ألو‪ ،‬قال معاذ‪ :‬فضرب رسول هللا صدري‪ ،‬ثم قال‪ :‬الحمد ّلِل الذي وفق‬
‫رسول هللا لما يرضي هللا ورسوله)‪.‬‬
‫ج‪ .‬إجماع الصحابة‪:‬أجمع صحابة رسول هللا في حياته وبعد وفاته على وجوب إتباع سنته‬
‫والعمل بها‪ ،‬وااللتزام بما ورد فيها من أحكام‪ ،‬وتنفيذ ما فيها من أوامر‪ ،‬واالنتهاء عما فيها‬
‫من نواه‪.‬‬
‫‪ -3‬مرتبة السنة في االحتجاج بها‪:‬تأتي السنة النبوية ‪ -‬في االحتجاج بها ‪ -‬في المرتبة الثانية‬
‫بعد القرآن الكريم‪ ،‬فالمفتي والمجتهد يرجع إلى الكتاب أوال ثم إلى السنة ثانيا في كل ما‬
‫يطرح من سؤال أو يقع من قضية‪.‬‬
‫‪ -2‬تدوين السنة‪ :‬من الثابت المعلوم أن السنة لم تكتب في عهد الرسول عليه السالم كما‬
‫كتب القرآن‪ ،‬ألن الرسول نهاهم عن كتابتها خوف اختالطها بالقرآن‪ ،‬وتوفي عليه السالم‬
‫وهي محفوظة في صدور الصحابة كل على مقدار استعداده ومبلغ حضوره مجالس الرسول‬
‫عليه السالم‪ ،‬وفي خالفة أبي بكر رضي هللا عنه لم يفكر أحد في تدوينها للسبب السابق‪،‬‬
‫ولقصر خالفة الصديق‪ ،‬فلما وليها عمر رضي هللا عنه عرضت له فكرة التدوين‪ ،‬فشاور‬
‫الصحابة فيها‪ ،‬فأشاروا عليه بجمعها‪ ،‬ولكنه مكث شهرا يستخير هللا حتى انتهى إلى العدول‬
‫عن هذا األمر ألسباب منها‪:‬‬
‫أنه وجد هذا العمل يصعب تنفيذه‪ ،‬ألن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم توفي تاركا سنته‬
‫موزعة في صدور أصحابه وهم كثيرون تفرقوا في البلدان‪ ،‬كما كان يخشى اختالطها‬
‫بالقرآن وانشغال الناس بها عنه‪ ،‬ثم عرضت الفكرة للخليفة العادل عمر بن عبد العزيز في‬
‫أواخر حياته‪ ،‬ففي عام ‪133‬ه أمر أبا بكر بن حزم قاضي المدينة أن يجمع السنة فامتثل‪ ،‬و‬
‫لكن الخليفة توفي بعد عام في سنة ‪131‬ه‪ ،‬والعام الواحد ال يكفي لتحقيق هذا الطلب‬
‫حينذاك‪ ،‬ولم يعن من جاء بعده من خلفاء بني أمية بهذا األمر النشغالهم بالسياسة وإدارة‬
‫الحكم‪ ،‬إذا استثنينا ما روي عن هشام بن عبد الملك أنه لما تولى الحكم سنة ‪135‬ه حث ابن‬
‫شهاب الزهري على تدوين الحديث بل قيل أنه أكرهه على ذلك‪ ،‬وتوفي هشام سنة ‪125‬ه‪.‬‬
‫وفي عهد العباسيين جمعت السنة‪ ،‬وابتدأ تدوينها في منتصف القرن الثاني الهجري تقريبا‬
‫في مكة والمدينة والشام ومصر والكوفة والبصرة‪ ،‬وكل بلد إسالمي وجد به علماء دونوا‬
‫السنة‪ ،‬أمثال اإلمام مالك بالمدينة‪ ،‬واإلمام األوزاعي بالشام‪ ،‬واإلمام الليث بن سعد في‬
‫مصر‪ ،‬وسفيان الثوري في الكوفة‪ ،‬إال أن هذه المجموعات لم يصلنا منها إال القليل‪ ،‬مثل‪:‬‬
‫كتاب " الموطأ " لْلمام مالك بن أنس‪ ،‬وهو يعطينا صورة عن الكتب التي ألفت في السنة‬
‫حينذاك‪ ،‬وهي أنها كانت خليطا من األحاديث و أقوال الصحابة و فتاواهم‪ ،‬و لم يعن‬
‫أصحابها بالسنة عناية من جاء بعدهم ممن تخصص في جمع األحاديث وترتيبها‪.‬‬
‫تلك هي الخطوة األولى في جمع السنة ثم تلتها الخطوة الثانية‪ ،‬وفيها عني أصحابها بإفراد‬
‫أحاديث رسول هللا عن فتاوى الصحابة وأقوال التابعين‪ ،‬و كانت هذه الخطوة على رأس‬
‫المائتين للهجرة‪ ،‬و لكنها ابتدأت بطريقة المسانيد‪ ،‬وهي جمع أحاديث كل صحابي على حدا‬
‫في جميع األبواب‪ ،‬وهذه وإن كانت جردت األحاديث من غيرها إال أنها لم تفرد الصحيح‬
‫من غيره‪.‬‬
‫وفي القرن الثالث ظهرت طريقة جديدة‪ ،‬وهي تمييز األحاديث الصحيحة من غيرها‪،‬‬
‫والبحث عن الرواة‪ ،‬فكان هذا أزهى عصور الحديث‪ ،‬وفيه ألف البخاري المتوفى سنة‬
‫‪253‬ه‪ ،‬ومسلم بن الحجاج المتوفى سنة ‪231‬ه صحيحيهما‪ ،‬وأبو داود المتوفى سنة ‪225‬ه‪،‬‬
‫وابن ماجة المتوفى سنة ‪225‬ه‪ ،‬والنسائي المتوفى سنة ‪ 333‬سننهم‪ ،‬وكتب هؤالء هي‬
‫المعروفة بالكتب الستة‪ ،‬ويلحق بها مسند اإلمام أحمد المتوفى سنة ‪221‬ه‪.‬‬
‫‪ -5‬أقسام السنة‪:‬‬
‫أ‪ .‬من حيث ماهيتها تنقسم إلى ما يلي‪:‬‬
‫‪ .1‬سنة قولية‪ :‬وهي ما نقل عن الرسول من قول على سبيل التشريع‪ ،‬مثل (ال ضرر وال‬
‫ضرار)‪.‬‬
‫(إنما األعمال بالنيات‪ ،‬وإنما لكل امرئ ما نوى)‪.‬‬
‫‪ .2‬سنة فعلية‪ :‬و هي كل ما فعله الرسول صلى هللا عليه و سلم على سبيل التشريع‪ ،‬مثل‬
‫كيفية أدائه الصالة‪ ،‬و أدائه مناسك الحج‪.‬‬
‫‪ .3‬سنة تقريرية‪ :‬هي استحسان النبي صلى هللا عليه و سلم أو سكوته عن إنكار قول أو فعل‬
‫صدر عن الصحابة‪.‬‬
‫ب‪ .‬من حيث سندها‪ :‬وانقسم العلماء في ذلك إلى قسمين‪:‬‬
‫األول‪ :‬يمثله علماء الحديث وجمهور علماء األصول‪ ،‬ويقسمون السنة إلى‪ :‬سنة متواترة‬
‫وسنة آحاد‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬يمثله علماء الحنفية الذين زادوا السنة المشهورة‪.‬‬
‫‪ .1‬السنة المتواترة‪ :‬التواتر لغة التتابع‪ ،‬وفي االصطالح‪ :‬ما رواه جمع عن جمع يؤمن‬
‫تواطؤهم على الكذب‪ ،‬أي ينقله عن رسول هللا عليه السالم عدد كبير من الصحابة‪ ،‬ثم ينقله‬
‫عنهم عدد من التابعين‪ ،‬و هكذا حتى يصل العلماء الذين قاموا بتدوين السنة وتسجيلها في‬
‫القرنين الثاني والثالث الهجريين‪.‬‬
‫والسنة المتواترة تكثر في السنة العملية‪ ،‬وتقل في السنة القولية‪ .‬والسنة المتواترة حجة‬
‫كاملة‪ ،‬وتفيد العلم اليقيني القطعي في صحتها وثبوتها عن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪.‬‬
‫‪ .2‬السنة المشهورة‪ :‬وهي ما رواها عن النبي صلى هللا عليه وسلم واحد أو اثنان‪ ،‬أي عدد‬
‫ال يبلغ حد التواتر‪ ،‬ثم اشتهرت فنقلها جموع التواتر‪ ،‬ثم اشتهرت فنقلها جموع التواتر في‬
‫عصر التابعين وتابعي التابعين‪ ،‬مثل ما رواه عمر بن الخطاب عن رسول هللا أنه قال‪:‬‬
‫(إنما األعمال بالنيات‪ ،‬وإنما لكل امرئ ما نوى)‪.‬‬
‫‪ .3‬سنةاآلحاد‪ :‬وهي ما يرويها عن النبي عدد لم يبلغ حد التواتر‪ ،‬ثم يرويها عنهم مثلهم‬
‫وهكذا حتى تصل إلى عهد التدوين‪.‬‬
‫‪ -3‬السنة تشريع وغير تشريع‪:‬‬
‫تنقسم السنة باعتبارها تشريعا أو غير تشريع إلى قسمين‪:‬‬
‫األول‪ :‬ما صدر عن النبي صلى هللا عليه وسلم باعتباره نبيا ومبلغا عن هللا‪ ،‬فهذا يعتبر‬
‫تشريعا لألمة بال خالف‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬وال يعتبر تشريعا‪:‬‬
‫‪ .1‬ما صدر عن الرسول عليه السالم من األقوال واألفعال والتقريرات قبل البعثة‪.‬‬
‫‪ .2‬ما صدر عنه بمقتضى طبيعته البشرية‪ ،‬كاألكل والشرب والنوم والمشي والتزاور‪...‬‬
‫‪ .3‬ما صدر عنه بمقتضى الخبرة البشرية التي استقاها من تجاربه الخاصة في الحياة‪،‬‬
‫كالتجارة والزراعة وقيادة الجيش ووصف الدواء وغير ذلك‪...‬‬
‫‪ .2‬ما كان خاصا بالنبي صلى هللا عليه وسلم مثل وصاله في الصوم والتزوج بأكثر من‬
‫أربع زوجات والتهجد بالليل‪ ،‬واكتفائه في إثبات الدعوى بشهادة خزيمة وحده في مجال‬
‫إثبات الواقعة‪.‬‬
‫‪ -2‬قطعية السنة و ظنيتها‪:‬إن السنة النبوية قد تكون قطعية الثبوت إذا كانت متواترة‪ ،‬وقد‬
‫تكون ظنية الثبوت والنسبة إلى الرسول إذا كانت مشهورة أو كانت أحادية‪ .‬ثم هي بعد ذلك‬
‫‪ -‬سواء أكانت قطعية الثبوت أم ظنية الثبوت والورود ‪ -‬قد تكون قطعية الداللة على معناها‬
‫إذا لم تحتمل معنى غيره‪ ،‬وقد تكون ظنية الداللة إذا احتملت معنى آخر‪ ،‬فقوله ‪( :‬أطعموا‬
‫الجدة السدس) ظني في ثبوته‪ ،‬ألنه حديث أحادي قطعي في داللته على أن فرض الجدة‬
‫السدس‪ ،‬وقوله ‪( :‬ال صالة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب) ظني في ثبوته لكونه حديثا أحاديا‪،‬‬
‫وظني في داللته أيضا الحتمال توجه النفي إلى صحة الصالة‪ ،‬كما قال الشافعي‪ ،‬أي ال‬
‫صالة صحيحة‪ ،‬أو توجهه إلى كمال الصالة كما قال اإلمام أبو حنيفة أي ال صالة كاملة‪.‬‬
‫‪ -8‬أنواع األحكام التي جاءت بها السنة‬
‫النوع األول‪ :‬أحكام موافقة ألحكام القرآن ومؤكدة لها‪ ،‬مثل حديث‪( :‬ال يحل مال امرئ مسلم‬
‫ِين آ َم ُنوا َال َتأْ ُكلُوا أَم َْوالَ ُك ْم‬
‫إال بطيب من نفسه) فإنه موافق ومؤكد لقوله تعالى‪َ ﴿ :‬يا أَ ُّي َها الهذ َ‬
‫اض ِم ْن ُك ْم‪[ ﴾...‬سورة النساء‪ ،‬اآلية ‪ ،]24‬ومثله‬ ‫ار ًة َعنْ َت َر ٍ‬ ‫َب ْي َن ُك ْم ِب ْالبَاطِ ِل إِ هال أَنْ َت ُك َ‬
‫ون ت َِج َ‬
‫أيضا ما جاء في السنة من النهي عن عقوق الوالدين وشهادة الزور‪ ،‬وقتل النفس بغير حق‪،‬‬
‫ووجوب الصالة والزكاة والصوم والحج‪...‬‬
‫النوع الثاني‪ :‬أحكام مبينة لما جاء في القرآن‪:‬‬
‫أ‪ .‬بتفصيل مجمله‪ :‬كالسنة العملية في كيفية الصالة ومناسك الحج‪.‬‬
‫ب‪ .‬بتخصيص عامه‪ :‬كحديث‪( :‬نحن معاشر األنبياء ال نورث‪ ،‬ما تركنا صدقة)‪ ،‬الذي‬
‫ُ‬
‫هللا ُ فِي أَ ْو َال ِد ُك ْم ل هِلذ َك ِر م ِْث ُل َح ِّظ ْاألن َث َيي ِ‬
‫ْن﴾ [سورة النساء‪،‬‬ ‫خصص عموم قوله تعالى‪﴿ :‬يُوصِ ي ُك ْم ه‬
‫اآلية ‪ ،]11‬وجعله غير شامل لألنبياء‪.‬‬
‫ج‪ .‬بتقييد مطلقه‪ :‬كحديث سعد بن أبي وقاص في الوصية التي قال فيها الرسول ‪( :‬الثلث‬
‫صى ِب َها أَ ْو‬
‫والثلث كثير)‪ ،‬فقد قيد مطلق الوصية في قوله تعالى‪...﴿ :‬مِنْ َبعْ ِد َوصِ هي ٍة يُو َ‬
‫ْن‪[ ﴾...‬سورة النساء‪ ،‬اآلية ‪ ،]12‬بعدم الزيادة على ثلث التركة‪.‬‬ ‫َدي ٍ‬
‫النوع الثالث‪ :‬أحكام ج ديدة لم يذكرها القرآن ألن السنة مستقلة بتشريع األحكام‪ ،‬ولها كالقرآن‬
‫في ذلك‪ ،‬وقد ثبت عنه أنه قال‪( :‬أال وإني أوتيت القرآن ومثله معه)‪ ،‬ومن هذا النوع تحريم‬
‫الذهب والحرير على الرجال‪ ،‬وتوريث الجدة‪...‬‬
‫‪ -4‬تعريف بمشاهير أئمة الحديث‬
‫‪ .1‬اإلمام البخاري‪ :‬هو أبو عبد هللا بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن بردزبه الجعفي‬
‫البخاري‪ ،‬ولد يوم الجمعة الثالث عشر من شوال سنة ‪142‬ه في مدينة بخارى‪ ،‬و طلب‬
‫العلم صغيرا سنة ‪ 235‬ه‪ ،‬وقد حفظ تصانيف بعض األئمة وهو صغير‪ ،‬وسمع من شيوخ‬
‫بلده‪ ،‬ثم رحل مع أمه وأخيه إلى الحجاز سنة ‪213‬ه‪ ،‬وأقام في المدينة المنورة‪ ،‬فألف‬
‫كتابه "التاريخ الكبير"‪ ،‬وهو مجاور قبر الرسول‪ ...‬رحل إلى شيوخ الحديث وأئمته في‬
‫مختلف البالد‪ ،‬وكتب عن أكثر من ألف شيخ‪ ،‬و قد ساعده صبره وذكاؤه وحبه للعلم على‬
‫بلوغ مرتبة عالية في عصره‪ ،‬حتى أصبح إمام المسلمين في الحديث‪ ،‬و لقبه األئمة بأمير‬
‫المؤمنين في الحديث‪ ،‬توفي بقرية "خرتنك" في‪ 33‬رمضان سنة ‪253‬ه‪.‬‬
‫الجامع الصحيح‪ :‬ترك اإلمام البخاري نحوا من عشرين مؤلفا في الحديث وعلومه ورجاله‪،‬‬
‫وفي غيرها من علوم اإلسالم‪ ،‬وأشهرها الجامع الصحيح المشهور بصحيح البخاري‪ ،‬وقد‬
‫جمع فيه البخاري ‪ 4382‬حديثا‪ ،‬وهو أول الكتب الستة في الحديث وأفضلها عند الجمهور‬
‫على المذهب المختار‪ ،‬قال النووي في شرح صحيح مسلم‪[ :‬اتفق العلماء على أن أصح‬
‫الكتب بعد القرآن الكريم الصحيحان‪ ،‬صحيح البخاري صحيح مسلم]‪ ،‬وقد صح إن مسلما‬
‫كان ممن يستفيد منه ويعترف بأنه ليس له نظير في علم الحديث‪.‬‬
‫قال شيخ اإلسالم ابن تيمية‪[ :‬ليس تحت أديم السماء كتاب أصح من البخاري و مسلم بعد‬
‫القرآن]‪.‬‬
‫بعض شروح البخاري‪:‬‬
‫‪ -‬شرح اإلمام أبي سليمان أحمد بن محمد بن إبراهيم بن خطاب البتي الخطابي المتوفى سنة‬
‫‪338‬ه‪ ،‬سماه "أعالم السنن"‪.‬‬
‫‪ -‬شرح الشيخ برهان الدين إبراهيم بن محمد الحلبي المعروف بسبط ابن العجمي‪ ،‬المتوفى‬
‫سنة ‪821‬ه‪ ،‬وسماه "التلقيح لفهم قارئ الصحيح"‪.‬‬
‫‪ -‬شرح العالمة أبي الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقالني‪ ،‬المتوفى سنة ‪852‬ه‪ ،‬وسماه‬
‫"فتح الباري"‪.‬‬
‫‪ -‬شرح الحافظ جالل الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي‪ ،‬المتوفى سنة ‪411‬ه‪ ،‬وسماه‬
‫"التوشيح على الجامع الصحيح"‪.‬‬
‫‪ .2‬اإلمام مسلم‪ :‬هو أبو الحسين مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري‪ ،‬ولد سنة ‪232‬ه‪،‬‬
‫طلب العلم صغيرا من شيوخ بلده‪ ،‬ثم رحل في طلب العلم إلى بغداد مرارا وإلى الكوفة‬
‫والبصرة والحجاز والشام ومصر وغيرها‪ ،‬وسمع من أئمة الحديث‪ ،‬وتردد على البخاري‬
‫كثيرا عندما قدم البخاري نيسابور‪.‬‬
‫بلغ اإلمام مسلم منزلة رفيعة في العلم‪ ،‬وكان بعض األئمة يقدمه في معرفة الصحيح على‬
‫مشايخ ذلك العصر‪ ،‬وقد أثنى عليه معاصروه وجمهور أهل العلم من بعده‪ ،‬وترك نحو‬
‫عشرين مصنفا في الحديث وعلومه‪.‬‬
‫صحيح مسلم‪ :‬صنف اإلمام مسلم كتابه من ثالث مائة ألف حديث مسموعة‪ ،‬واستغرق في‬
‫تهذيبه وتنقيحه خمس عشرة سنة‪ ،‬قال اإلمام مسلم‪[ :‬ما وضعت شيئا في كتابي هذا إال‬
‫بحجة‪ ،‬وما أسقطت منه شيئا إال بحجة]‪.‬‬
‫وقال النووي‪[ :‬وسلك مسلم في صحيحه طرقا بالغة في االحتياط واإلتقان والورع‬
‫والمعرفة‪ ،‬وذلك مصرح بكمال ورعه وتمام معرفته وغزارة علومه وشدة تحقيقه]‪.‬‬
‫بعض شروح صحيح مسلم‪:‬‬
‫‪ -‬شرح اإلمام الحافظ أبي زكريا محيي الدين يحيى بن شرف الخرامي النووي الشافعي‪،‬‬
‫المتوفى سنة ‪323‬ه‪ ،‬وسماه "المنهاج في شرح صحيح مسلم بن الحجاج"‪.‬‬
‫‪ -‬شرح اإلمام أبي عبد هللا محمد بن خليفة الوشنالي اآلبي المالكي‪ ،‬المتوفى سنة ‪822‬ه‪.‬‬
‫‪ -‬شرح الشيخ جالل الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي‪ ،‬المتوفى سنة ‪411‬ه‪.‬‬
‫الموازنة بين الصحيحين‪ :‬لقد بذل الشيخان البخاري ومسلم ما بوسعهما في تصنيف‬
‫الصحيحين تصنيفا علميا دقيقا يقوم على شروط الصحة التي ال يختلف فيها أئمة هذا الشأن‪،‬‬
‫فتلقتهما األمة بالقبول‪ ،‬وأجمع أهل العلم على أنهما أصح كتابين بعد القرآن الكريم‪ ،‬قال شيخ‬
‫اإلسالم ابن تيمية‪[:‬ليس تحت أديم السماء أصح من البخاري ومسلم بعد القرآن]‪.‬‬
‫و لكل من "الصحيحين" خصائصه ومميزاته‪ ،‬فاإلمام البخاري ترجم ألبواب كتابه وكرر‬
‫بعض األحاديث في عدة مواضع من كتابه لفوائد حديثية وفقهية رآها‪ ،‬وقطع بعض‬
‫األحاديث وجعلها في مواضع عدة لبيان حكم أو زيادة فائدة‪ ،‬ولم يعمد اإلمام مسلم إلى ذلك‪،‬‬
‫بل جمع طرق الحديث في مكان واحد بأسانيده المتعددة‪ ،‬وألفاظه المختلفة بما يسهل على‬
‫الباحث تناوله‪.‬‬
‫واتفق الجمهور على تقديم "صحيح البخاري" على "صحيح مسلم"‪ ،‬إال أن بعض علماء‬
‫المغرب قدم " صحيح " مسلم عليه لحسن الترتيب وجمع طرق الحديث في مكان واحد‪،‬‬
‫وفي هذا يقول بعض العلماء‪:‬‬
‫لــدي وقالــوا‪ :‬أي ذين تقــدم‬ ‫تشاجر قوم في البخاري و مسلم‬
‫كما فاق في حـسن الصياغة مسـلم‬ ‫فقلت‪ :‬لقـد فاق البخاري صحة‬
‫‪ .3‬أبو داود السجستاني‪ :‬هو اإلمام الثبت سيد الحفاظ سليمان بن األشعث بن إسحاق األزدي‬
‫السجستاني‪ ،‬ولد سنة ‪232‬ه‪ ،‬و طلب العلم صغيرا ثم رحل إلى الشام والحجاز ومصر‬
‫والعراق والجزيرة وخراسان‪ ،‬ولقي كثيرا من األئمة كاإلمام أحمد‪ .‬وتوفي في البصرة سنة‬
‫‪225‬ه‪ ،‬ودفن إلى جانب قبر سفيان الثوري‪.‬‬
‫ألبي داود عدة مصنفات أشهرها كتابه "السنن"‪.‬‬
‫‪ .2‬اإلمام الترمذي‪ :‬هو الحافظ أبو عيسى بن سورة الترمذي‪ ،‬ولد بعد سنة مائتين في قرية‬
‫(بوج) من قرى ترمذ‪ ،‬وطلب العلم صغيرا‪ ،‬ورحل في طلبه إلى العراق والحجاز وخراسان‬
‫وغيرها‪ ،‬كان من أئمة الحفاظ الذين اشتهروا بالضبط واإلتقان‪ ،‬توفي سنة ‪ 224‬ه بترمذ‪.‬‬
‫ترك الترمذي عدة مؤلفات أشهرها كتابه "السنن"‪.‬‬
‫‪ .5‬اإلمام النسائي‪ :‬هو الحافظ شيخ اإلسالم أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب بن علي‬
‫الخرساني النسائي‪ ،‬نسبة إلى بلدة نساء بخراسان‪ ،‬ولد سنة ‪215‬ه‪ ،‬ورحل في طلب الحديث‬
‫وله خمس عشرة سنة‪ ،‬وسمع من كبار علماء عصره في بلده وفي الحجاز والعراق ومصر‬
‫والشام والجزيرة‪ ،‬ثم استوطن مصرن والراجح في وفاته أنه خرج من مصر في ذي القعدة‬
‫سنة ‪332‬ه‪ ،‬وتوفي بفلسطين بالرملة يوم االثنين ‪ 13‬صفر سنة ‪333‬ه‪ ،‬ودفن في بيت‬
‫المقدس‪ .‬صنف نحو خمسة عشر مؤلفا‪ ،‬جلها في الحديث وعلومه‪ ،‬وأشهرها كتابه "السنن"‪.‬‬
‫‪ .3‬اإلمام ابن ماجة‪ :‬هو اإلمام الحافظ أبو عبد هللا محمد بن يزيد القزويني‪ ،‬وماجة لقب‬
‫أبيه‪ ،‬ولد سنة ‪ 234‬ه‪ ،‬في قزوين‪ ،‬وطلب العلم في مطلع شبابه‪ ،‬ورحل إلى العراق‬
‫والحجاز ومصر والشام وغيرها‪ ،‬ولقي كثيرا من أئمة عصره‪.‬‬
‫البن ماجة مصنفات في التفسير والحديث والتاريخ‪ ،‬ومن أشهر كتبه "السنن"‪ .‬توفي ابن‬
‫ماجة في ‪ 22‬رمضان سنة ‪223‬ه‪.‬‬
‫‪ .2‬اإلمام مالك‪ :‬هو أبو عبد هللا مالك بن أنس بن مالك األصبحي الحميري المدني‪ ،‬أحد‬
‫أعالم اإلسالم وإمام دار الهجرة‪ ،‬ولد سنة ‪43‬ه في المدينة المنورة‪ ،‬ونشأ فيها‪ ،‬وطلب العلم‬
‫على أكابر علماء التابعين كاإلمام ابن شهاب الزهري‪.‬‬
‫ألف كتابه "الموطأ"‪ ،‬وقد توخى فيه القوي من أحاديث أهل الحجاز و أخرج فيه إلى جانب‬
‫الحديث النبوي آثار بعض الصحابة والتابعين‪ .‬توفي سنة ‪124‬ه بالمدينة‪.‬‬
‫‪ .8‬اإلمام أحمد‪ :‬هو أبو عبد هللا بن محمد بن حنبل الشيباني المروزي‪ ،‬خرجت أمه من‬
‫"مرو" وهي حامل به فولدته في بغداد سنة ‪132‬ه‪ ،‬وفي بغداد نشأ وطلب العلم‪ ،‬ورحل إلى‬
‫البصرة والكوفة ومكة والمدينة واليمن والشام وغيرها‪ ،‬لْلمام أحمد عدة مؤلفات أشهرها‬
‫كتابه "المسند"‪ .‬توفي ببغداد سنة ‪221‬ه‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬اإلجماع‬
‫‪ -1‬تعريفه‪:‬‬
‫أ‪ .‬لغة‪ :‬له معنيان‪:‬‬
‫أولهما‪ :‬العزم على الشيء والتصميم عليه‪ ،‬فيقال‪ :‬أجمع فالن على السفر إذا عزم عليه‪،‬‬
‫ومنه قوله تعالى‪َ ...﴿ :‬فأَجْ ِمعُوا أَ ْم َر ُك ْم َو ُ‬
‫ش َر َكا َء ُك ْم‪[ ﴾...‬سورة يونس‪ ،‬اآلية ‪ ،]21‬و قوله‪َ ﴿ :‬فلَمها‬
‫َذ َهبُوا ِب ِه َوأَجْ َمعُوا أَنْ َيجْ َعلُوهُ فِي َغ َيا َب ِة ْالجُبِّ ‪[ ﴾...‬سورة يوسف‪ ،‬اآلية ‪.]15‬‬
‫ومنه قول الرسول ‪( :‬من لم يجمع الصيام قبل الفجر فال صيام له)‪ ،‬أي من لم يعزم عليه من‬
‫الليل فينويه‪.‬‬
‫ثانيهما‪ :‬االتفاق على أي شيء‪ ،‬فيقال‪ :‬أجمع القوم على كذا‪ ،‬أي اتفقوا عليه‪ ،‬ومنه قول‬
‫الرسول ‪( :‬ال تجتمع أمتي على ضاللة) أي ال يتفقون عليها‪ ،‬وهذا المعنى هو األنسب‬
‫للمعنى االصطالحي‪.‬‬
‫ب‪ .‬اصطالحا‪ :‬في رأي جمهور العلماء هو اتفاق جميع المجتهدين من المسلمين في عصر‬
‫من العصور بعد وفاة الرسول صلى هللا عليه وسلم على حكم من األحكام الشرعية العملية‪.‬‬
‫‪ -2‬حجيته‪:‬‬

‫﴿و َمنْ ُي َشاق ِْق الره سُو َل مِنْ َبعْ ِد َما َت َبي َهن لَ ُه ْال ُهدَى َو َي هت ِبعْ َغي َْر َس ِب ِ‬
‫يل‬ ‫أ‪ .‬من القرآن‪ :‬قال تعالى‪َ :‬‬
‫ت مَصِ يرً ا﴾ [سورة النساء‪ ،‬اآلية ‪.]115‬‬ ‫ْالم ُْؤ ِمن َ‬
‫ِين ُن َولِّ ِه َما َت َولهى َو ُنصْ لِ ِه َج َه هن َم َو َسا َء ْ‬

‫و أول من استدل بهذه اآلية على حجية اإلجماع هو اإلمام الشافعي‪ ،‬كما ذكرت أمهات كتب‬
‫األصول و غيرها‪.‬‬
‫وجه االستدالل باآلية‪ :‬إن هللا جمع بين مشاقة الرسول و اتباع غير سبيل المؤمنين في‬
‫الوعيد‪ ،‬حيث قال‪ُ ﴿ :‬ن َولِّ ِه َما َت َولهى َو ُنصْ لِ ِه َج َه هن َم﴾‪ ،‬و هذا يستلزم أن يكون إتباع غير سبيل‬
‫المؤمنين محرما‪ ،‬وإذا حرم إتباع غير سبيل المؤمنين وجب تجنبه‪ ،‬وال يمكن تجنبه إال‬
‫بإتباع سبيلهم ألنه ال واسطة بينهما‪ ،‬ولزم من وجوب إتباع سبيلهم كون اإلجماع حجة‪.‬‬
‫هللا َوأَطِ يعُوا الره سُو َل َوأ ُ ْولِي ْاألَم ِْر ِم ْن ُك ْم َفإِنْ َت َن َ‬
‫ازعْ ُت ْم‬ ‫ِين آ َم ُنوا أَطِ يعُوا ه َ‬
‫قال تعالى‪َ ﴿ :‬يا أَ ُّي َها الهذ َ‬
‫اّلِل َو ْال َي ْو ِم ْاآلخ ِِر‪[ ﴾...‬سورة النساء‪ ،‬اآلية‬ ‫ون ِب ه ِ‬
‫ُول إِنْ ُكن ُت ْم ُت ْؤ ِم ُن َ‬ ‫فِي َشيْ ٍء َف ُر ُّدوهُ إِلَى ه ِ‬
‫هللا َوالره س ِ‬
‫‪.]54‬‬
‫وجه الداللة من اآلية‪:‬شرط هللا تبارك وتعالى التنازع لوجوب الرد إلى الكتاب والسنة فدل‬
‫ذلك على أنهم إذا لم يتنازعوا لم يجب عليهم الرد‪ ،‬و أن االتفاق منهم حينئذ كاف عن الرد‬
‫إلى الكتاب والسنة‪ ،‬وال معنى لكون اإلجماع حجة إال هذا‪.‬‬
‫ب‪ .‬من السنة النبوية‪ :‬روي عن رسول هللا الكثير من األحاديث التي تواتر معناها‪ ،‬وإن لم‬
‫يتواتر لفظها لورودها بألفاظ مختلفة‪:‬‬
‫‪( .1‬ال تجتمع أمتي على ضاللة)‪.‬‬
‫‪( .2‬ال تجتمع أمتي على خطأ)‪.‬‬
‫‪( .3‬ما رآه المسلمون حسنا فهو عند هللا حسن)‪.‬‬
‫‪( .2‬يد هللا مع الجماعة)‪.‬‬
‫‪( .5‬من فارق الجماعة و مات فميتته جاهلية)‪.‬‬
‫‪( .3‬من خرج عن الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة اإلسالم من عنقه)‪.‬‬
‫وجه االستدالل بهذه األحاديث‪ :‬هذه األحاديث ونحوها وإن لم يتواتر كل واحد منها لفظا إال‬
‫أن القدر المشترك بينها و هو عصمة األمة متواتر فيها لوجوده في كل منها‪ ،‬وإذا ثبت‬
‫عصمة األمة تواترا كان اإلجماع حجة‪.‬‬
‫أن هذه األحاديث لم تزل مشهورة بين الصحابة و التابعين يتمسكون بها في إثبات اإلجماع‪.‬‬
‫‪ -3‬أنواعه‪:‬‬
‫أ‪ .‬اإلجماع الصريح‪ :‬و هو اإلجماع الذي يبدي فيه كل واحد من المجتهدين برأيه‬
‫صراحة في مسألة فقهية‪ ،‬و هو اإلجماع المعتد عند جمهور العلماء‪.‬‬
‫ب‪ .‬اإلجماع السكوتي‪ :‬هو الذي يعلن فيه أحد المجتهدين عن رأيه في مسألة فقهية‪ ،‬ويسكت‬
‫باقي المجتهدين دون إنكار عليه‬
‫* موقف العلماء من اإلجماع السكوتي‪:‬‬
‫ذهب الشافعي و بعض الحنفية إلى عدم االحتجاج به‪ ،‬و دليلهم على ذلك ما يأتي‪:‬‬
‫‪ .1‬إنه ال ينسب لساكت قول كما يقول الشافعي‪.‬‬
‫‪ .2‬إن السكوت تحيط به احتماالت نفسية باطنة ال يمكن الجزم معها بأن باقي المجتهدين‬
‫سكتوا موافقة ورضى‪ ،‬وذلك بأن السكوت قد يكون مهابة للقائل أو لعدم االنتهاء إلى رأي‬
‫في موضوع الفتوى‪ ،‬أو لسبب آخر ال نعلمه‪.‬‬
‫وذهب اإلمام أحمد وأكثر الحنفية و بعض أصحاب الشافعي إال أنه يحتج باإلجماع‬
‫السكوتي‪ ،‬ودليلهم على ذلك ما يأتي‪:‬‬
‫‪ .1‬إن العادة قد جرت بتصدر األكبر للفتوى و سكوت غيرهم عند موافقة رأيهم لرأي‬
‫كبارهم‪ ،‬فالسكوت محمول على الرضا والموافقة بمقتضى العرف والعادة‪.‬‬
‫‪ .2‬إن عمل المجتهدين هو بيان الحكم الشرعي‪ ،‬وسكوتهم عن بيانه في موضع البيان‬
‫ووقته‪ ،‬حيث أعلن أحدهم رأيه يعد بيانا وموافقة على هذا الرأي‪ ،‬ألن السكوت في موضع‬
‫البيان بيان‪.‬‬
‫‪ .3‬إن السكوت ال يحمل على الرضا إال إذا كان مجردا من الداللة على اإلنكار والمخالفة‪،‬‬
‫وإال إذا مضت مدة كافية للتروية تكوين الرأي‪ ،‬و القول بأن السكوت قد يكون مهابة للقائل‬
‫وخوفا منه أو نحو ذلك ال يليق في جانب المجتهدين الذين بلغوا أعلى المراتب الفقهية‬
‫والدينية‪ ،‬والساكت عن الحق شيطان أخرس‪.‬‬
‫* أمثلة عن اإلجماع‪:‬اإلجماع على تحريم الزواج بالجدة استنادا إلى قول تعالى‪﴿ :‬حُرِّ َم ْ‬
‫ت‬
‫َعلَ ْي ُك ْم أ ُ هم َها ُت ُك ْم﴾ [سورة النساء‪ ،‬اآلية ‪ ]22‬أي أصولكم‪ ،‬إذن فالجدة أم‪.‬‬
‫إجماع الصحابة على توريث الجدة السدس‪ ،‬استنادا إلى ما رواه المغيرة بن شعبة عن‬
‫رسول هللا صلى هللا عليه و سلم‪.‬‬
‫إجماع الصحابة على جمع القرآن في مصحف واحد‪.‬‬
‫‪ -2‬مرتبته‪:‬‬
‫يأتي اإلجماع في المرتبة الثالثة بعد القرآن والسنة‪ ،‬قال ابن مسعود‪[ :‬إذا سئل أحدكم فلينظر‬
‫في كتاب هللا‪ ،‬فإن لم يجد ففي سنة رسول هللا‪ ،‬فإن لم يجد فلينظر في ما اجتمع عليه‬
‫المسلمون وإال فليجتهد]‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬القياس‬
‫‪ -1‬تعريفه‪:‬‬
‫لغة‪ :‬التقدير‪ ،‬مثل‪ :‬قست الثوب بالذراع‪ ،‬أي عرفت مقداره‪ ،‬يتعدى بالباء وبـ على‪ ،‬فيقال‪:‬‬
‫قاسه على الشيء‪ ،‬و قاسه بالشيء‪ ،‬و يكثر في األصول تعديه ب على‪.‬‬
‫اصطالحا‪ :‬هو مساواة أمر ألمر آخر في الحكم الثابت له الشتراكهما في علة الحكم‪.‬‬
‫‪ -2‬أركانه‪ :‬يرتكز القياس على أربعة أركان هي‪:‬‬
‫األصل‪ :‬و هو المقيس عليه أو المشبه به‪.‬‬
‫الفرع‪ :‬و هو المقيس أو المشبه ( الواقعة أو الحادثة التي نريد معرفة حكمها‪) .‬‬
‫حكم األصل‪ :‬و هو الحكم الشرعي الذي يراد بيان مساواة الفرع لألصل فيه‪.‬‬
‫العلة‪ :‬التي انبنى عليها تشريع الحكم في األصل‪ ،‬و يتساوى معه الفرع فيها‪ ،‬و تسمى‬
‫جامعا‪.‬‬
‫‪ -3‬حجيته‪:‬‬
‫ار﴾ [سورة الحشر‪ ،‬اآلية ‪ ،]2‬فاالعتبار هو‬
‫ص ِ‬‫أ‪ .‬قال تعالى‪َ ...﴿ :‬فاعْ َت ِبرُوا َيا أُولِي ْاألَ ْب َ‬
‫القياس‪ ،‬و اآلية أمرت باالعتبار‪ ،‬و األمر يفيد الوجوب‪ ،‬فيكون القياس واجبا على المجتهد‪.‬‬
‫قال الشوكاني‪[ :‬االعتبار مشتق من العبور‪ ،‬و القياس عبور من حكم األصل إلى حكم‬
‫الفرع‪ ،‬فكان داخال تحت األمر]‪.‬‬
‫ب‪ .‬إن القرآن يستعمل القياس في اإلقناع و إلزام الحجة‪ ،‬فقد رد القرآن على منكري البعث‬
‫الذين قالوا‪َ ...﴿ :‬منْ يُحْ يِ ْال ِع َظا َم َوه َ‬
‫ِي َرمِي ٌم﴾ [سورة يس‪ ،‬اآلية ‪ ،]28‬بقوله تعالى‪﴿ :‬قُ ْل‬
‫يُحْ ِيي َها الهذِي أَن َشأ َ َها أَ هو َل َمره ٍة‪[ ﴾...‬سورة يس‪ ،‬اآلية ‪ ،]24‬فقاس سبحانه إعادة المخلوقات‬
‫وبعثها بعد فنائها على النشأة األولى وبدء الخلقة‪ ،‬وبين أن من قدر على بدء الخلق قادر‬
‫على إعادته‪ ،‬بل هو أهون عليه‪.‬‬
‫ج‪ .‬وقد اعتمدت السنة على القياس أيضا‪ ،‬ومن ذلك أن امرأة خثعمية جاءت إلى‬
‫الرسول وقالت له‪:‬‬
‫(إن أبي أدركته فريضة الحج‪ ،‬أفأحج عنه؟ فقال لها‪ :‬أرأيت لو كان على أبيك دين فقضيته‬
‫أكان ينفعه ذلك؟ قالت‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪ :‬فدين هللا أحق بالقضاء)‪ .‬فكان هذا قياسا لدين هللا على دين‬
‫العباد‪.‬‬
‫د‪( .‬روي أن النبي صلى هللا عليه و سلم بعث معاذا وأبا موسى األشعري إلى اليمن‬
‫قاضيين‪ ،‬كل واحد منهما في ناحية‪ ،‬و أنهما لما سئال قاال‪ :‬إذا لم نجد في القرآن وال في‬
‫السنة نقيس األمر باألمر‪ ،‬فما كان أقرب إلى الحق عملنا به‪ ،‬فقال صلى هللا عليه و سلم‪:‬‬
‫أصبتما)‪.‬‬
‫‪ -2‬شروط صحة القياس‪:‬‬
‫أ‪ .‬شروط حكم األصل‪:‬‬
‫‪ .1‬أن يكون حكم األصل ثابتا بالكتاب كحرمة الخمر الثابتة بالقرآن‪ ،‬أو ثابتا بالسنة‪ ،‬أو‬
‫باإلجماع (في رأي كثير من العلماء)‪.‬‬
‫‪ .2‬أن يكون الحكم معقول المعنى‪ ،‬يعني أن يستطيع العقل إدراك علته كتحريم الخمر‪ ،‬فإن‬
‫الخمر تدرك علته و هي اإلسكار‪.‬‬
‫‪ .3‬أن ال يكون حكم األصل مختصا به‪ ،‬ألن الدليل الدال على هذا االختصاص يمنع تعدي‬
‫هذا الحكم إلى الفرع بطريق القياس‪.‬‬
‫ب‪ .‬شروط الفرع‪:‬‬
‫‪ .1‬أال يكون قد ورد نص أو إجماع بحكم في الفرع يخالف القياس‪.‬‬
‫‪ .2‬أن يتساوى الفرع مع األصل في علة الحكم دون فارق جوهري بينهما‪ ،‬حتى ال يكون‬
‫القياس قياسا مع الفارق‪.‬‬
‫ج‪ .‬شروط العلة‪:‬‬
‫تتضح شروط العلة من خالل تعريفها‪ ،‬فالعلة هي الوصف الظاهر المنضبط المتعدي‬
‫المناسب للحكم‪ ،‬فيشترط في الوصف الذي يعلل به الحكم ما يأتي‪:‬‬
‫‪ .1‬أن يكون وصفا ظاهرا يمكن التحقق من وجوده و عدمه كاإلسكار‪.‬‬
‫‪ .2‬أن يكون وصفا منضبطا‪ ،‬له حدود معينة‪.‬‬
‫‪ .3‬أن يكون وصفا متعديا غير قاصر‪ ،‬يعني يمكن وجوده في غير األمر األصلي المقيس‬
‫عليه‪.‬‬
‫‪ .2‬أن يكون وصفا مناسبا مالئما لتشريع الحكم‪ ،‬أي أن ربط الحكم به وجودا و عدما من‬
‫شأنه أن يحقق مصلحة للناس أو أن يدفع عنهم مفسدة‪.‬‬
‫ب‪ -‬المصادر المختلف فيها‬
‫أوال‪ :‬المصالح المرسلة‬
‫‪ -1‬أنواع المصالح التي تقوم عليها الشريعة‪:‬‬
‫أ‪ .‬المصالح الضرورية‪( :‬وهي التي تكون األمة بمجموعها وآحادها في ضرورة إلى‬
‫تحصيلها‪ ،‬بحيث ال يستقيم النظام باختاللها‪ ،‬بحيث إذا انخرمت تؤول حالة األمة إلى فساد‬
‫وتالش)‪.‬‬
‫وتتمثل هذه المصالح فيما يلي‪:‬‬
‫‪ .1‬الدين‪.‬‬
‫‪ .2‬النفس‪.‬‬
‫‪ .3‬النسل‬
‫‪ .2‬العقل‬
‫‪ .5‬المال‬
‫ولقد شرع للمحافظة على الدين وجوب الجهاد في سبيل هللا للذود عن الدين‪ ،‬كما شرع‬
‫للمحافظة على النفس وجوب تناول القدر الضروري لبقائها من طعام وشراب‪ ،‬ووجوب‬
‫ارتداء القدر الالزم لرفع الضرر عنها‪ ،‬ومما شرع للمحافظة على النسل تحريم الزنا‬
‫والقذف وإقامة الحد على مرتكبي هاتين الفاحشتين‪ ،‬ومما شرع للمحافظة على العقل تحريم‬
‫الخمر وسائر المسكرات‪ ،‬ألنها مدعاة لحدوث خلل في العقل‪( ،‬فدخول الخلل على عقل‬
‫الفرد مفض إلى فساد جزئي‪ ،‬ودخوله على عقول الجماعات وعموم األمة أعظم‪ ،‬ولذلك‬
‫يجب منع الشخص من السكر‪ ،‬ومنع األمة من تفشي السكر بين أفرادها)‪ .‬ومما شرع‬
‫للمحافظة على المال تحريم السرقة‪ ،‬وتحريم أكل المال بالباطل‪.‬‬
‫ب‪ .‬المصالح الحاجية‪ :‬ويراد بها األمور التي يحتاج الناس إليها لرفع الحرج عنهم‪ ،‬وبدونها‬
‫ال يختل نظام حياتهم ولكنهم يحسون بالضيق والحرج‪ .‬ومن أحكام رفع الحرج إباحة الفطر‬
‫في رمضان للمسافر والمريض‪ ،‬وقصر الصالة الرباعية في السفر‪ ،‬والتيمم عند فقد الماء‬
‫أو عدم القدرة على استعماله‪.‬‬
‫ج‪ .‬المصالح التحسينية‪ :‬وهي ما يتعلق بمكارم األخالق‪ ،‬ومحاسن العادات كالطهارة‪ ،‬ولبس‬
‫الجديد من اللباس‪ ،‬وكل ما يرتقي بحياة الناس إلى مستوى أفضل‪.‬‬
‫‪ -2‬أقسام المصالح من حيث اعتبار الشريعة أو عدم اعتبارها لها‪:‬‬
‫أ‪ .‬المصالح المعتبرة‪ :‬وهي المصالح التي وردت نصوص لتحقيقها‪ ،‬فهي معتبرة بذلك في‬
‫نظر الشريعة كالمصالح المذكورة آنفا‪.‬‬
‫ب‪ .‬المصالح الملغاة‪ :‬وهي المصالح التي وردت نصوص دالة على إلغائها مثل‪ :‬دعوى‬
‫هللا ُ فِي أَ ْو َال ِد ُك ْم‬
‫مساواة االبن والبنت في الميراث‪ ،‬فتلك مصلحة ملغاة بقوله تعالى‪﴿ :‬يُوصِ ي ُك ْم ه‬
‫ُ‬
‫ل هِلذ َك ِر م ِْث ُل َح ِّظ ْاألن َث َيي ِ‬
‫ْن‪[ ﴾...‬سورة النساء‪ ،‬اآلية ‪.]13‬‬
‫ج‪ .‬المصلحة المرسلة‪ :‬وهي المصلحة المطلقة التي لم يرد نص يعتبرها أو يلغيها‪ .‬كما‬
‫تعرف بأنها‪( :‬المعاني التي يحصل من ربط الحكم بها وبنائه عليها جلب منفعة أو رفع‬
‫مفسدة‪ ،‬ولم يقم دليل معين يدل على اعتبارها أو إلغائها)‪.‬‬
‫‪ -3‬أدلة المعت ًدين بالمصلحة المرسلة‪:‬‬
‫من األدلة التي استدل بها المعت ًدون بالمصلحة المرسلة ما يلي‪:‬‬
‫‪ .1‬أن المعروف أن مصالح الناس في تجدد مستمر‪ ،‬وأن الشريعة اإلسالمية جاءت لتحقيق‬
‫مصالح العباد‪ ،‬فإذا ما استجد أمر في حياة الناس‪ ،‬وال يوجد نص يتناول ذلك‪ ،‬فإن القول‬
‫باعتبار المصلحة ينسجم مع بقاء الشريعة وخلودها‪( ،‬فأينما وجدت المصلحة فثم شرع هللا)‪.‬‬
‫‪ .2‬حصول إجماع الصحابة على االحتجاج بالمصلحة المرسلة‪ ،‬ويتجلى ذلك في تشريعهم‬
‫لكثير من األحكام تحقيقا لمصالح مطلقة‪ ،‬ومن ذلك ما يلي‪:‬‬
‫أ‪ .‬تم جمع القرآن الكريم في مصحف واحد في عهد أبي بكر الصديق‪.‬‬
‫ب‪ .‬لقد ثبت أن الرسول صلى هللا عليه وسلم لم يستخلف أحدا بعده‪ ،‬ولما رأى أبو بكر‬
‫الصديق رضي هللا عنه أن مصلحة األمة تقتضي استخالف عمر بن الخطاب رضي هللا‬
‫عنه صنع ذلك تحقيقا لتلك المصلحة‪،‬‬
‫ج‪ .‬وضع عمر بن الخطاب للخراج وتدوينه تحقيقا للمصلحة‪.‬‬
‫د‪ .‬حكم عثمان بن عفان رضي هللا عنه بتوريث المرأة التي طلقها زوجها في مرض موته‬
‫بغية حرمانها من الميراث‪ ،‬وذلك معاملة بعكس مقصوده‪.‬‬
‫‪ .2‬أهمية العمل بالمصلحة المرسلة‪ :‬إن العمل بالمصلحة المرسلة يخدم مصالح األمة‪ ،‬إذ أن‬
‫الراسخين في العلم ووالة األمور في إمكانهم تشريع ما يحقق مصالح الناس في إطار معالم‬
‫الشريعة وروحها‪ ،‬وال شك أن استجابة الشريعة لمصالح الناس المتجددة مظهر من مظاهر‬
‫كمال الشريعة وصالحيتها كل زمان ومكان‪.‬‬
‫‪ .5‬شروط العمل بالمصلحة المرسلة‪ :‬تشير كثير من المراجع إلى شروط الزمة للعمل‬
‫بالمصلحة المرسلة تتمثل فيما يلي‪:‬‬
‫أوال‪ :‬أن تكون المصلحة كلية‪ ،‬بمعنى أن تكون شاملة للكثير من الناس فإذا كانت خاصة فال‬
‫يعتمد عليها تشريع في الحكم‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬أن تكون المصلحة حقيقية‪ ،‬بمعنى أن يكون تشريع حكم بناءا على تلك المصلحة من‬
‫شأنه جلب النفع أو دفع الضرر‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬أن تكون المصلحة مالئمة لمقاصد الشريعة‪ ،‬فإذا لم تكن كذلك ال يعتمد عليها في‬
‫تشريع األحكام‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬أال تكون مصلحة ملغاة‪ ،‬فإذا ورد نص يلغي مصلحة معينة فال مجال لتشريع حكم‬
‫بنا ًء عليه‪.‬‬
‫‪ .3‬مجال العمل بالمصلحة المرسلة‪:‬إن إدراك المصلحة يتحقق في المعامالت دون العبادات‪،‬‬
‫لذلك فإن مجال العمل بالمصلحة المرسلة هو مجال المعامالت‪.‬‬
‫أمثلة لبعض األحكام الصادرة بناءا على مصلحة‪:‬‬
‫أ‪ .‬فرض الضرائب عند عدم وجود ما يكفي من المال لتحقيق مصالح الناس العامة‪.‬‬
‫ب‪ .‬توثيق عقد الزواج تحديدا للمسؤوليات وحفظا للحقوق‪.‬‬
‫ج‪ .‬النص على أن نقل الملكية من البائع إلى المشتري في عقد البيع يتم بعد تسجيله‪.‬‬
‫د‪ .‬وضع قواعد المرور واإللزام بتطبيقها‪.‬‬
‫‪ .2‬المصلحة المفسدة من حيث تعلق الخطاب بها شرعا‪:‬‬
‫يقول اإلمام الشاطبي‪ ( :‬فالمصلحة إذا كانت هي الغالبة عند مناظرتها مع المفسدة في حكم‬
‫االعتياد فهي المقصودة شرعا‪ ،‬ولتحصيلها وقع الطلب على العباد ليجري قانونها على أقوم‬
‫طريق وأهدى سبيل‪ ...‬وكذلك المفسدة إذا كانت هي الغالبة بالنظر إلى المصلحة في حكم‬
‫االعتياد‪ ،‬فرفعها هو المقصود شرعا وألجله وقع النهي)‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬العرف‬
‫‪ -1‬تعريفه‪ :‬هو ما تعارف الناس واستقامت عليه أمورهم من قول أو فعل‪.‬‬
‫والعرف والعادة أمران مختلفان‪ ،‬إذ العادة بمعنى التكرار‪ ،‬وكما يكون تعود الشيء من فرد‬
‫يكون من جماعة‪ ،‬واألولى تسمى عادة فردية والثانية عادة جماعية‪ ،‬أما العرف فال يصدق‬
‫إال على الجماعية‪ ،‬فما يعتاده بعض الناس ال يكون عرفا‪ :‬ألنه ال بد في تحقق العرف من‬
‫اعتياد األغلب أو الكل‪.‬‬
‫‪ -2‬حجيته‪ :‬ذكر العلماء جملة من األدلة لالستدالل بها على حجية العرف أذكر منها‪:‬‬

‫أ‪ .‬قوله تعالى‪ُ ﴿ :‬خ ْذ ْال َع ْف َو َو ْأمُرْ ِب ْالعُرْ فِ َوأَعْ ِرضْ َعنْ ْال َجا ِهل َ‬
‫ِين﴾ [سورة األعراف‪ ،‬اآلية‬
‫‪.]144‬‬
‫قال القرافي‪[ :‬فكل ما شهدت به العادة قضي به لظاهر اآلية]‪.‬‬
‫ب‪ .‬قول الرسول ‪( :‬ما رآه المسلمون حسنا فهو عند هللا حسن)‪ ،‬فهذا الحديث يوحي بحجية‬
‫العرف‪.‬‬
‫ج‪ .‬ما ثبت أن الرسول قال لهند زوج أبي سفيان حينما اشتكت إليه بخل زوجها عليها‬
‫بالنفقة‪ ،‬قال لها‪( :‬خذي من مال أبي سفيان ما يكفيك وولدك بالمعروف)‪ .‬قال القرطبي‪[ :‬في‬
‫هذا الحديث اعتبار العرف في الشرعيات]‪.‬‬
‫د‪ .‬إن تعارف الناس على قول أو فعلما لدليل على أن في ذلك تحقيقا لمصلحة أو رفعا‬
‫لحرج‪ ،‬وتحقيق المصالح ورفع الحرج مما جاءت الشريعة لتقريره‪.‬‬
‫وقد ذهب جمهور الفقهاء إلى االحتجاج بالعرف‪ ،‬ومع أنه قد اشتهر األخذ به عند الحنفية‬
‫والمالكية‪ ،‬فقد قيل أن الشافعي قد بنى أحكام مذهبه الجديد على عرف أهل مصر‪ ،‬وقد كان‬
‫في مذهبه القديم ما بناه على عرف أهل العراق‪ .‬يقول القرافي‪[ :‬أما العرف فمشترك بين‬
‫المذاهب‪ ،‬ومن استقرأها وجدهم يصرحون بذلك]‪.‬‬
‫‪ -3‬أقسامه‪:‬‬
‫أ‪ .‬تقسيم العرف إلى قولي وعملي‪:‬‬
‫‪ .1‬العرف القولي‪ :‬مثل تعارف الناس على إطالق لفظ "الولد" على الذكر دون األنثى مع أن‬
‫هللا ُ فِي أَ ْو َال ِد ُك ْم ل هِلذ َك ِر‬
‫لفظ "الولد" ينطبق على الذكر واألنثى معا‪ ،‬يقول تعالى‪﴿ :‬يُوصِ ي ُك ْم ه‬
‫ُ‬
‫م ِْث ُل َح ِّظ ْاألن َث َيي ِ‬
‫ْن‪[ ﴾...‬سورة النساء‪ ،‬اآلية ‪.]11‬‬
‫وتعارفهم على إطالق لفظ "الدابة" على ذوات األربع‪ ،‬مع أن كل ما يدب على األرض‬
‫هللا ِر ْزقُ َها‪[ ﴾...‬سورة هود‪،‬‬ ‫﴿و َما مِنْ َدا هب ٍة فِي ْاألَرْ ِ‬
‫ض إِ هال َعلَى ه ِ‬ ‫يسمى "دابة"‪ ،‬قال تعالى‪َ :‬‬
‫اآلية ‪.]3‬‬
‫كما تعارف سكان بعض البالد المصرية على إطالق "الدابة" على الحمار فقط‪ ،‬في حين‬
‫يطلق سكان بعض البالد العراقية والسودانية لفظ "الدابة" على الفرس فقط‪.‬‬
‫كما تعارف الناس أيضا على إطالق لفظ " اللحم" على ما عدا السمك من اللحوم‪ ،‬مع أن‬
‫﴿وه َُو الهذِي َس هخ َر ْال َبحْ َر ِل َتأْ ُكلُوا ِم ْن ُه لَحْ مًا‬
‫القرآن سماه "لحما" في قوله تعالى‪َ :‬‬
‫َط ِر ًيا‪[ ﴾...‬سورة النحل‪ ،‬اآلية ‪.]12‬‬
‫‪ .2‬العرف العملي‪ :‬مثل تعارف الناس على البيع بالتعاطي في بعض السلع دون إيجاب و‬
‫قبول‪ ،‬وتقسيم المهر إلى معجل ومؤجل‪ ،‬ودخول الحمامات واألندية والمقاهي دون تحديد‬
‫لمدة المكث فيها‪.‬‬
‫ب‪ .‬تقسيم العرف إلى عام وعام‪:‬‬
‫‪ .1‬العرف العام‪ :‬هو ما تعارف عليه الناس جميعا في عصر من العصور‪.‬‬
‫‪ .2‬العرف الخاص‪ :‬هو ما تعارف عليه الناس في طائفة معينة أو بلد معين‪ ،‬وهذا ما نجده‬
‫في الواقع‪ ،‬حيث تختلف األعراف من طائفة إلى أخرى‪ ،‬ومن بلد إلى آخر‪.‬‬
‫‪ -2‬شروط العمل بالعرف‪:‬‬
‫أوال‪ :‬أال يناقض العرف نصا قطعيا‪ ،‬فال عبرة لما تعارف عليه الناس من أكل الربا‪ ،‬ألنه‬
‫عرف فاسد‪ ،‬لمصادمته قوله تعالى‪َ ...﴿ :‬وأَ َح هل ه‬
‫هللاُ ْال َبي َْع َو َحره َم الرِّ َبا‪[ ﴾...‬سورة البقرة‪ ،‬اآلية‬
‫‪.]225‬‬
‫ثانيا‪ :‬أن يكون العرف مطردا‪ ،‬أي في جميع الحوادث أو أغلبها‪ ،‬فال عبرة بالعرف غير‬
‫الغالب‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬أن يكون العرف المراد تحكيمه في التصرفات موجودا عند إنشائها وذلك بأن يقارن‬
‫الفعل دون تأخير عنه‪ ،‬فلو كان العرف طارئا فال عبرة به‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬أال يعارض العرف تصريح بخالفه‪ ،‬فمثال إذا كان العرف الجاري تعجيل نصف‬
‫المهر وتأخير النصف لكن اشترطت المرأة تعجيل كل المهر وقبل الزوج بذلك‪ ،‬فإن العرف‬
‫ال يحكم في هذه الحالة ألنه ال يلجأ إليه إال إذا لم يوجد ما يفيد مقصود العاقدين صراحة‪،‬‬
‫فحيث علم المقصود صراحة من الشرط ال يصار إلى العرف‪.‬‬
‫‪ .5‬اختالف األحكام باختالف العرف‪:‬وردت أحكام كثيرة مبنية على العرف‪ ،‬وكان اختالف‬
‫األعراف سببا الختالف تلك األحكام‪ ،‬وهذا االختالف يقال عنه‪ :‬أنه اختالف عصر وزمان‪،‬‬
‫ال اختالف حجة وبرهان‪ ،‬ومن أمثلة هذا االختالف ما يأتي‪:‬‬
‫‪ .1‬أن اإلمام أبا حنيفة كان يرى االكتفاء في الشهود بالعدالة الظاهرة فيما عدا الحدود‬
‫والقصاص‪ ،‬ولم يشترط التزكية لقوله ‪( :‬المسلمون عدول بعضهم على بعض)‪ ،‬وكان هذا‬
‫الحكم مناسبا لزمان أبي حنيفة لغلبة الصالح فيه‪ ،‬ولما تغير حال الناس وفشا فيهم الكذب‬
‫رأى الصاحبان أن األخذ بظاهر العدالة كما يقول أبو حنيفة يؤدي إلى مفسدة‪ ،‬وهي ضياع‬
‫كثير من الحقوق‪ ،‬فدعا فساد الزمان وتغيره أن يقوال بتزكية جميع الشهود دفعا لهذه‬
‫المفسدة‪.‬‬
‫‪ .2‬أن أبا حنيفة قال‪[:‬ال يتحقق اإلكراه من غير السلطان]‪ ،‬وقال الصاحبان‪[ :‬إن اإلكراه‬
‫يتحقق من غير السلطان]‪ ،‬فهذا القول من أبي حنيفة مبني على ما شاهده في عصره من أن‬
‫القدرة والمنفعة لم تكن إال لسلطان‪ ،‬وهذا الحال تغير في زمن الصاحبين‪ ،‬وصار لكل ظالم‬
‫القدرة على إيقاع ما هدد به من األذى والمكروه‪ ،‬فقاال‪[ :‬إن اإلكراه يتحقق أيضا من غير‬
‫السلطان]‪.‬‬
‫‪ .3‬اختلف أبو حنيفة وصاحباه فيما لو غصب شخص ثوبا وصبغه بلون أسود‪ ،‬فقال أبو‬
‫حنيفة‪ :‬إنه نقصان في قيمته‪ ،‬وقال الصاحبان‪ :‬إنه زيادة فيها كما لو صبغه بلون أصفر أو‬
‫أحمر‪ .‬ومرجع هذا االختالف إلى العرف‪ ،‬فإن بني أمية في زمن أبي حنيفة كانوا يمتنعون‬
‫عن لبس السواد‪ ،‬فكان مذموما‪ ،‬وفي زمن الصاحبين كان بنو العباس يلبسون السواد‪ ،‬فكان‬
‫ممدوحا‪ ،‬فأجاب كل منهم على ما شاهد من عادة أهل عصره‪.‬‬
‫‪ .2‬روي عن اإلمام مالك أنه إذا تنازع الزوجان في قبض الصداق بعد الدخول فالقول قول‬
‫الزوج‪ ،‬مع أن الظاهر أن القول يكون للزوجة ألن األصل عدم القبض‪ ،‬فداء بعض فقهاء‬
‫المالكية فقالوا‪ :‬هذه كانت عادتهم بالمدينة أن الرجل ال يدخل بامرأته حتى تقبض صداقها‪،‬‬
‫واليوم عادتهم على خالف ذلك‪ ،‬فالقول قول الزوجة مع يمينها جريا على عادات الناس‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬قول الصحابي‬
‫‪ -1‬التعريف بالصحابي‪ :‬الصحابي عند جمهور علماء األصول هو من لقي النبي صلى هللا‬
‫عليه و سلم و آمن به و الزمه مدة كافية إلطالق وصف الصحبة عرفا‪.‬‬
‫‪ -2‬حجية قول الصحابي‬
‫أ‪ .‬إشارة القرآن عن فضل الصحابة‪ ،‬و إعالن الرضا عمن تبعهم‪ ،‬واألخذ بأقوالهم و سنتهم‬
‫ان َرضِ َي‬ ‫ار َوالهذ َ‬
‫ِين ا هت َبعُو ُه ْم ِبإِحْ َس ٍ‬ ‫ص ِ‬ ‫ين َو ْاألَن َ‬ ‫ون مِنْ ْال ُم َها ِج ِر َ‬ ‫ون ْاألَ هول ُ َ‬ ‫هابقُ َ‬‫﴿والس ِ‬
‫هو إتباعهم‪َ .‬‬
‫ك ْال َف ْو ُز‬ ‫ت َتجْ ِري َتحْ َت َها ْاألَ ْن َها ُر َخالِد َ‬
‫ِين فِي َها أَ َب ًدا َذلِ َ‬ ‫هللا ُ َع ْن ُه ْم َو َرضُوا َع ْن ُه َوأَ َع هد لَ ُه ْم َج هنا ٍ‬
‫ه‬
‫ْالعَظِ ي ُم﴾ [سورة التوبة‪ ،‬اآلية ‪.]133‬‬
‫ب‪ .‬وردت أحاديث تجعل سنة الخلفاء الراشدين المهديين مع سنة رسول هللا ‪:‬‬
‫(فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ)‪.‬‬
‫(أنا أمان ألصحابي وأصحابي أمان ألمتي)‪.‬‬
‫(خير القرون قرني‪ ،‬ثم الذين يلونهم)‪.‬‬
‫ج‪ .‬قال ابن قيم عن الفتوى التي يفتي بها الصحابة أنها ( ال تخرج عن ستة أوجه‪:‬‬
‫األول‪ :‬أن يكون سمعها من النبي صلى هللا عليه وسلم‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬أن يكون سمعها ممن سمعها منه‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬أن يكون فهمها من آية من كتاب هللا فهما خفي علينا‪.‬‬
‫الرابع‪ :‬أن يكون قد اتفق عليها مألهم‪ ،‬ولم ينقل إلينا إال قول المفتي بها وحده‪.‬‬
‫الخامس‪ :‬أن يكون لكمال علمه باللغة وداللة اللفظ على الوجه الذي انفرد به عنا‪ ،‬أو لقرائن‬
‫حالية اقترنت بالخطاب‪ ،‬أو لمجموع أمور فهموها على طول الزمان من رؤية النبي صلى‬
‫هللا عليه وسلم ومشاهدة أفعاله وأحواله وسيرته وسماع كالمه‪ ،‬والعلم بمقاصده‪ ،‬وشهود‬
‫تنزيل الوحي‪ ،‬ومشاهدة تأويله بالفعل فيكون فهم ما ال نفهمه نحن‪.‬‬
‫وعلى هذه التقادير الخمسة تكون فتواه حجة يجب إتباعها‪.‬‬
‫السادس‪ :‬أن يكون فهم ما لم يرده الرسول صلى هللا عليه وسلم واخطأ في فهمه‪ ،‬والمراد‬
‫غير ما فهمه‪.‬‬
‫وعلى هذا التقدير ال يكون قوله حجة‪ ،‬ومعلوم قطعا أن وقوع احتمال من خمسة أغلب على‬
‫الظن من وقوع احتمال واحد معين‪ ،‬هذا ما ال يشك فيه عاقل‪ ،‬وذلك يفيد ظنا غالبا قويا على‬
‫أن الصواب في قوله دون ما خالفه من أقوال من بعده وليس المطلوب إال الظن الغالب‪،‬‬
‫والعمل به متعين )‪.‬‬
‫وقد ذهب بعض العلماء إلى أن قول الصحابي ليس حجة اعتمادا على أدلة منها‪:‬‬
‫‪ .1‬الصحابة غير معصومين من الخطأ‪ ،‬ومن ال عصمة له ال حجة لرأيه‪.‬‬
‫‪ .2‬الصحابة سمحوا بمخالفتهم في الرأي‪.‬‬
‫‪ .3‬رأي الصحابي ليس حتما أكثر امتيازا من غيره‪.‬‬
‫ويرى األستاذ زكريا البري أن أراء الصحابة االجتهادية ينبغي أال تكون حجة ملزمة‬
‫كالقرآن والسنة‪ ،‬وإنما يستأنس بها في استنباط األحكام من النصوص‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬االستصحاب‬
‫‪ 1‬تعريفه‪:‬‬
‫أ‪ -‬لغة‪ :‬يقصد به استمرار الصحبة‪.‬‬
‫ب‪ -‬اصطالحا‪ :‬معناه استبقاء األمر الثابت في الزمن الماضي إلى أن يقوم الدليل على‬
‫تغييره‪.‬‬
‫‪ -2‬حجيته‪ :‬من األدلة التي احتج بها القائلون بحجية االستصحاب ما يأتي‪:‬‬
‫أوال‪ :‬أن استقراء األحكام الشرعية يظهر أن الشارع يحكم ببقائها حتى يحدث ما يغيرها‪،‬‬
‫فعصير العنب حالل إلى أن يصير خمرا‪ ،‬والعشرة الزوجية حالل بين الزوجين إلى أن‬
‫يزول عقد الزواج‪ ،‬والمفقود يكون حيا باالستصحاب إلى أن يقوم الدليل على وفاته‪ ،‬وله كل‬
‫أحكام األحياء‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬إن مما فطر هللا الناس عليه‪ ،‬وجرى به عرفهم في معامالتهم وسائر عقودهم‬
‫وتصرفاتهم أنهم إذا تحققوا من وجود أمر في الماضي غلب على ظنهم بقاؤه واستمراره ما‬
‫دام لم يثبت ما ينافيه‪ ،‬كما أنهم إذا تحققوا من عدم وجود أمر غلب على ظنهم استمرار‬
‫عدمه حتى يثبت لهم وجوده‪.‬‬
‫‪ -3‬أنواعه‪ :‬يقسم االستصحاب إلى األنواع اآلتية‪:‬‬
‫األول‪ :‬استصحاب الحكم األصلي لألشياء وهو اإلباحة‪ :‬يقرر جمهور الفقهاء أن األصل في‬
‫األشياء اإلباحة استنادا إلى األدلة التالية‪:‬‬
‫ض َجمِي ًعا‪[ ﴾...‬سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪،]24‬‬ ‫قوله تعالى‪﴿ :‬ه َُو الهذِي َخ َل َق لَ ُك ْم َما فِي ْاألَرْ ِ‬
‫ض َجمِي ًعا ِم ْن ُه‪[ ﴾...‬سورة الجاثية‪ ،‬اآلية‬ ‫ت َو َما فِي ْاألَرْ ِ‬ ‫﴿و َس هخ َر َل ُك ْم َما فِي ال هس َم َاوا ِ‬
‫وقوله‪َ :‬‬
‫ت مِنْ الرِّ ْز ِق‪﴾...‬‬ ‫هللا الهتِي أَ ْخ َر َج لِ ِع َبا ِد ِه َو ه‬
‫الط ِّي َبا ِ‬ ‫‪ ،]13‬وقوله تعالى‪﴿ :‬قُ ْل َمنْ َحره َم ِزي َن َة ه ِ‬
‫[سورة األعراف‪ ،‬اآلية ‪.]32‬‬
‫فإذا كان هللا قد سخر لنا ما في السموات واألرض‪ ،‬فإن ذلك دليل اإلذن واإلباحة‪ ،‬ونفي‬
‫الحرمة في اآلية األخيرة يعني إثبات اإلباحة‪.‬‬
‫كما استدلوا بقول الرسول ‪( :‬إن أعظم المسلمين في المسلمين جرما من سأل عن شيء‬
‫فحرم من أجل مسألته)‪ ،‬وبقوله‪( :‬الحالل ما أحله هللا في كتابه‪ ،‬والحرام ما حرمه هللا في‬
‫كتابه‪ ،‬وما سكت عنه فهو مما عفا عنه)‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬استصحاب العدم األصلي أو البراءة األصلية‪ ،‬كالحكم ببراءة الذمة من التكاليف‬
‫الشرعية والحقوق حتى يوجد الدليل الدال على ما يشغلها‪.‬‬
‫وعن هذا النوع قال ابن قيم الجوزية‪[ :‬فقد تنازع الناس فيه‪ ،‬فقالت طائفة من الفقهاء‬
‫واألصوليين أنه يصلح للدفع ال لْلبقاء كما قاله بعض الحنفية‪ ،‬ومعنى ذلك أنه يصلح ألن‬
‫يدفع به من ادعى تغيير الحال لبقاء األمر على ما كان‪ ،‬فإن بقاءه على ما كان إنما مستند‬
‫إلى موجب الحكم ال إلى عدم المغير له‪ ،‬فإذا لم نجد دليال نافيا وال مثبتا أمسكنا ال نثبت‬
‫الحكم وال ننفيه‪ ،‬بل ندفع باالستصحاب دعوى من أثبته‪ ،‬فيكون حال المتمسك باالستصحاب‬
‫كحال المعترض مع المستدل‪ ،‬فهو يمنعه الداللة حتى يثبته ال إن يقيم دليال على نفي ما‬
‫ادعاه‪ ،‬وهذا غير حال المعارض‪ :‬فالمعارض لون والمعترض لون‪ ،‬فالمعترض يمنع داللة‬
‫الدليل‪ ،‬والمعارض يسلم داللته ويقيم دليال على نقيضه‪ .‬وذهب األكثرون من أصحاب مالك‬
‫والشافعي وأحمد وغيرهم على أنه يصلح إلبقاء األمر على ما كان عليه‪ ،‬قالوا‪ :‬ألنه إذا‬
‫غلب على الظن انتفاء الناقل غلب على الظن بقاء المر على ما كان عليه]‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬استصحاب ما دل العقل أو الشرع على ثبوته‪ ،‬فإذا استدان شخص من آخر مبلغا من‬
‫المال فقد ثبتت مديونيته‪ ،‬وتبقى ذمته مشغولة بهذا الدين حتى يقوم الدليل على براءتها بسداد‬
‫الدين أو اإلبراء‪ .‬وإذا ثبت الملك لشخص بسبب من أسباب الملك‪ :‬كالبيع أو اإلرث مهما‬
‫طال الزمان اعتبر قائما حتى يقوم الدليل انتفائه بسبب طارئ‪ ،‬وإذا تزوج شخص امرأة‬
‫وثبت ذلك فإنه يحكم ببقاء الزوجية ما لم يقم عنده دليل على الفرقة‪.‬‬
‫* قواعد شرعية مبنية على االستصحاب‪:‬من القواعد الشرعية المبنية على االستصحاب ما‬
‫يلي‪:‬‬
‫‪ .1‬األصل في األشياء اإلباحة‪.‬‬
‫‪ ..2‬األصل في اإلنسان البراءة‪.‬‬
‫‪ .3‬اليقين ال يزول بالشك‪.‬‬
‫‪ .2‬األصل بقاء ما كان على ما كان حتى يثبت ما يغيره‪.‬‬
‫خامسا‪ :‬االستحسان‬
‫‪ -1‬تعريفه‪ :‬عرفه الفقيه الحنفي أبو الحسن الكرخي بقوله‪[ :‬هو أن يعدل المجتهد عن أن‬
‫يحكم في المسالة بمثل ما حكم في نظائرها إلى خالفه لوجه أقوى يقتضي العدول عن‬
‫األول]‪.‬‬
‫‪.2‬أنواعه‪:‬‬
‫النوع األول‪ :‬ترجيح قياس خفي على قياس ظاهر جلي لقوة تأثير القياس الخفي‪ ،‬ومثاله‪ :‬ما‬
‫قرره الفقهاء أن الشخص إذا وقف أرضا زراعية على جهة بر‪ ،‬فإن حقوقها من الشرب‬
‫والمسيل والمرور تدخل في الوقف‪ ،‬ولو لم ينص في وقفه على ذلك‪ ،‬مع أن مقتضى القياس‬
‫عدم دخولها إال بالنص عليها كما في بيع األرض‪ ،‬حيث ال تدخل في المبيع إال بالنص‬
‫عليها‪ ،‬ووجه االستحسان أن الوقف ال يفيد ملك الموقوف عليه للمال الموقوف‪ ،‬وإنما يثبت‬
‫له ملك المنفعة فقط‪ ،‬واألرض ال يمكن االنتفاع بها بدون حقوق االرتفاق‪ ،‬كما في عقد‬
‫اإلجارة‪ ،‬فهنا قيا سان‪ :‬قياس ظاهر وهو إلحاق الوقف بالبيع من جهة أن كال منهما يفيد‬
‫إخراج المال من مالكه‪ ،‬وقياس خفي وهو إلحاقه باإلجارة من ناحية أن كال منهما مقصود‬
‫االنتفاع‪ ،‬فرجحوا الثاني‪.‬‬
‫النوع الثاني‪ :‬استثناء مسألة جزئية من قاعدة عامة لوجه اقتضى هذا االستثناء‪.‬‬
‫ومثاله أن المحجور عليه للسفه يصح وقفه على نفسه مدة حياته استحسانا استثناء من‬
‫القاعدة العامة وهي عدم صحة تبرعاته‪ ،‬ووجه االستحسان أن وقفه على نفسه يحفظ العقار‬
‫الموقوف من الضياع للزوم الوقف‪ ،‬وعدم قبوله للبيع والشراء‪ ،‬فيتحقق الغرض الذي حجر‬
‫عليه من أجله‪ ،‬وهو المحافظة على أمواله فهو استحسان يستند إلى المصلحة‪.‬‬
‫‪ -3‬موقف العلماء من االستحسان‪ :‬ذهب الشافعي والظاهرية والشيعة إلى إنكار االستحسان‪،‬‬
‫بينما ذهب الجمهور إلى االحتجاج به‪.‬‬
‫أدلة المنكرين‪:‬‬

‫ُول إِنْ ُكن ُت ْم ُت ْؤ ِم ُن َ‬


‫ون‬ ‫ازعْ ُت ْم فِي َشيْ ٍء َف ُر ُّدوهُ إِلَى ه ِ‬
‫هللا َوالره س ِ‬ ‫‪ .1‬قوله سبحانه وتعالى‪َ ...﴿ :‬فإِنْ َت َن َ‬
‫ِب ه ِ‬
‫اّلِل َو ْال َي ْو ِم ْاآلخ ِِر‪[ ﴾...‬سورة النساء‪ ،‬اآلية ‪.]54‬‬
‫فاّلِل سبحانه وتعالى في هذه اآلية قد ردنا إلى حكمه وحكم رسوله عليه السالم كما جاء في‬
‫الكتاب والسنة عند حصول النزاع أو االختالف‪ ،‬ولم يقل فردوه إلى ما تستحسنونه بعقولكم‪.‬‬
‫‪ .2‬ما روي عن سعيد بن المسيب عن علي بن أبي طالب كرم هللا وجهه قال‪( :‬قلت‪ :‬يا‬
‫رسول هللا األمر ينزل بنا لم ينزل فيه قرآن ولم تمض فيه منك سنة؟ قال‪ :‬أجمعوا له‬
‫العالمين‪ ،‬أو قال‪ :‬العابدين من المؤمنين فاجعلوه شورى بينهم وال تقضوا فيه برأي واحد)‪.‬‬
‫‪ .3‬إن الرسول ال يعمل برأيه واستحسانه في مجال التشريع‪ ،‬فيمنع ذلك ‪ -‬من باب أولى ‪-‬‬
‫على غيره‪.‬‬
‫أدلة المؤيدين‪:‬‬

‫هللا ُ َوأ ُ ْولَ ِئ َ‬


‫ك ُه ْم‬ ‫ِين َه َدا ُه ْم ه‬ ‫ُون أَحْ َس َن ُه أ ُ ْولَ ِئ َ‬
‫ك الهذ َ‬ ‫ُون ْال َق ْو َل َف َي هت ِبع َ‬ ‫‪ .1‬قوله تعالى‪﴿ :‬الهذ َ‬
‫ِين َيسْ َت ِمع َ‬
‫أ ُ ْولُوا ْاألَ ْل َبابِ﴾ [سورة الزمر‪ ،‬اآلية ‪.]18‬‬
‫فاّلِل سبحانه يمدح الذين يتبعون أحسن ما يستمعون من القول‪ ،‬والمدح ال يكون إال عند فعل‬
‫األولى والمطلوب‪ ،‬ومن ثم لم يكن االستحسان محظورا‪ ،‬وال القول به ممنوعا‪.‬‬
‫﴿وا هت ِبعُوا أَحْ َس َن َما أ ُ ْن ِز َل إِلَ ْي ُك ْم مِنْ َر ِّب ُك ْم‪[ ﴾...‬سورة الزمر‪ ،‬اآلية ‪.]23‬‬
‫‪ .2‬قوله تعالى‪َ :‬‬
‫ك َيأْ ُخ ُذوا ِبأَحْ َس ِن َها‪[ ﴾...‬سورة األعراف‪ ،‬اآلية‬
‫‪ .3‬قوله تعالى‪َ ...﴿ :‬ف ُخ ْذ َها ِبقُ هو ٍة َو ْأمُرْ َق ْو َم َ‬
‫‪.]125‬‬
‫‪ .2‬قوله ‪( :‬ما رآه المسلمون حسنا فهو عند هللا حسن)‪.‬‬
‫سادسا‪ :‬شرائع من قبلنا‬
‫ليس المقصود بشرع من قبلنا ما أقره شرعنا‪ ،‬فليس في هذا خالف‪ ،‬وليس المقصود بشرع‬
‫من قبلنا ما ألغاه شرعنا‪ ،‬فليس في هذا خالف كذلك‪ ،‬إنما المقصود بشرع من قبلنا ما لم‬
‫يقره ولم يلغه شرعنا أيكون شرعا لنا؟‬
‫ذهب جمهور الحنفية والمالكية والشافعية إلى العمل به‪ ،‬في حين ذهب بعض العلماء ‪-‬‬
‫ومنهم المعتزلة واإلمام أحمد في رواية عنه ‪ -‬إلى أن شرع من قبلنا ليس شرعا لنا‪.‬‬
‫أدلة المؤيدين‪:‬‬
‫ين َما َوصهى ِب ِه ُنوحً ا َوالهذِي أَ ْو َح ْي َنا‬ ‫‪ .1‬وحدة الشرائع السابقة‪ ،‬قال تعالى‪َ ﴿ :‬ش َر َع لَ ُك ْم مِنْ ال ِّد ِ‬
‫ُوسى َوعِ ي َسى أَنْ أَقِيمُوا ال ِّد َ‬
‫ين َو َال َت َت َفره قُوا فِي ِه‪[ ﴾...‬سورة‬ ‫ص ْي َنا ِب ِه إِب َْراهِي َم َوم َ‬ ‫إِلَ ْي َ‬
‫ك َو َما َو ه‬
‫الشورى‪ ،‬اآلية ‪ ،]13‬فهذه اآلية يفهم منها وحدة الشرائع‪ ،‬لذلك ينبغي العمل بمقتضى أحكام‬
‫الشرائع السابقة‪ ،‬إال إذا ورد الدليل على نسخها أو كونها خاصة بأمة من األمم‪.‬‬
‫‪ .2‬أن هللا تعالى أمر رسوله عليه السالم بإتباع األنبياء والرسل السابقين‪ ،‬واإلقتداء بهم‪ ،‬كما‬
‫هللا ُ َف ِب ُه َدا ُه ْم ا ْق َت ِد ِه‪[ ﴾...‬سورة األنعام‪ ،‬اآلية ‪ ،]43‬وكما في‬ ‫ِين َهدَى ه‬ ‫ك الهذ َ‬ ‫في قوله تعالى‪﴿ :‬أ ُ ْولَ ِئ َ‬
‫ِين﴾ [سورة‬ ‫ك أَنْ ا هت ِبعْ ِمله َة إِب َْراهِي َم َحنِي ًفا َو َما َك َ‬
‫ان مِنْ ْال ُم ْش ِرك َ‬ ‫﴿ث هم أَ ْو َح ْي َنا إِلَ ْي َ‬
‫قوله تعالى‪ُ :‬‬
‫النحل‪ ،‬اآلية ‪.]123‬‬
‫ِين َها ُدوا‬ ‫ِين أَسْ لَمُوا لِلهذ َ‬ ‫‪ .3‬قوله تعالى‪﴿ :‬إِ هنا أَ َ‬
‫نز ْل َنا ال هت ْو َرا َة فِي َها ُه ًدى َو ُنو ٌر َيحْ ُك ُم ِب َها ال هن ِبي َ‬
‫ُّون الهذ َ‬
‫َوالره بها ِنيُّو َن َو ْاألَحْ َبا ُر‪[ ﴾...‬سورة المائدة‪ ،‬اآلية ‪ ،]22‬وقوله‪َ ...﴿ :‬وفِي ُنسْ َخ ِت َها ُه ًدى َو َرحْ َم ٌة‬
‫ُون﴾ [سورة األعراف‪ ،‬اآلية ‪.]152‬‬ ‫لِلهذ َ‬
‫ِين ُه ْم ل َِرب ِِّه ْم َيرْ َهب َ‬
‫وفي هاتين اآليتين داللة على أن التوراة فيها هدى ونور ورحمة‪ ،‬لذا فكل حكم ورد فيها ولم‬
‫يصرح بنسخه يجب العمل به‪.‬‬
‫‪ .2‬صح عن الرسول أنه صام يوم عاشوراء‪ ،‬فعن ابن عباس رضي هللا عنهما قال‪( :‬قدم‬
‫النبي صلى هللا عليه وسلم المدينة‪ ،‬فرأى اليهود تصوم عاشوراء‪ ،‬فقال‪ :‬ما هذا؟ قالوا‪ :‬يوم‬
‫صالح‪ ،‬نجى هللا فيه موسى وبني إسرائيل من عدوهم فصامه موسى‪ ،‬فقال صلى هللا عليه و‬
‫سلم‪ :‬أنا أحق الناس بموسى منكم فصامه وأمر بصيامه)‪.‬‬
‫أدلة المخالفين‪:‬‬
‫‪ .1‬إن الشرائع السابقة كانت مؤقتة بزمن محدد‪ ،‬و بأمم معينة و الشريعة اإلسالمية نسخت‬
‫كل من عداها من الشرائع ألنها جاءت عامة و شاملة‪ .‬قال الرسول ‪( :‬كان النبي يبعث إلى‬
‫قومه خاصة ويبعث إلى الناس عامة)‪.‬‬
‫‪ .2‬إن النبي لما بعث معاذا إلى اليمن قال له‪( :‬كيف تقضي إذا عرض عليك قضاء ؟ قال‬
‫بكتاب هللا تعالى ‪،‬قال ‪ :‬فإن لم تجد ؟ فبسنة رسول هللا صلى هللا عليه و سلم‪ ،‬قال فإن لم تجد‬
‫؟ قال‪ :‬اجتهد رأيي وال ألو‪.‬فقال له الرسول صلى هللا عليه و سلم‪ :‬الحمد ّلِل الذي وفق‬
‫رسول رسول هللا لما يرضي هللا ورسوله)‪ ،‬فلو كان العمل بالشرائع السابقة واجبا لذكره‬
‫معاذ أو ذكره له الرسول عليه السالم‪ ،‬ولما جاز االجتهاد بالرأي إال عند عدم وجود الحكم‬
‫فيها‪.‬‬
‫س‬ ‫﴿و َك َت ْب َنا َعلَي ِْه ْم فِي َها أَنه ال هن ْف َ‬
‫س ِبال هن ْف ِ‬ ‫والراجح هو ما ذهب أليه جمهور الفقهاء‪ ،‬فقوله تعالى‪َ :‬‬
‫ِصاصٌ ‪[ ﴾...‬سورة‬ ‫نف ِب ْاألَنفِ َو ْاأل ُ ُذ َن ِب ْاأل ُ ُذ ِن َوالسِّنه ِبالسِّنِّ َو ْال ُجرُو َح ق َ‬‫ْن َو ْاألَ َ‬
‫َو ْال َعي َْن ِب ْال َعي ِ‬
‫المائدة‪ ،‬اآلية ‪ .]25‬استدل به األحناف على قتل المسلم بالذمي والرجل بالمرأة أخذا من‬
‫س﴾ الذي يروي به ما كان مكتوبا في التوراة‪ ،‬كما استدل‬ ‫س ِبال هن ْف ِ‬‫عموم قوله تعالى‪﴿ :‬أَنه ال هن ْف َ‬
‫ِير َوأَ َنا‬
‫بعض العلماء على جواز عقد الجعالة أخذا من قوله تعالى‪َ ...﴿ :‬ولِ َمنْ َجا َء ِب ِه ِح ْم ُل َبع ٍ‬
‫ِب ِه َزعِ ي ٌم﴾ [سورة يوسف‪ ،‬اآلية ‪ ،]22‬فقد جعل لمن يأتي بصواع الملك جعال مقداره حمل‬
‫بعير‪ ،‬وقد رواه القرآن عن شريعة يوسف عليه السالم‪.‬‬

You might also like