You are on page 1of 25

-052 ‫ الصفحة‬،0502.:‫ السنة‬،58.:‫ العدد‬.

85 :‫المجلة الجزائرية للعلوم القانونية والسياسيةـــــــــ المجلد‬


002
‫ تجديد لمعقد أم تخفيف من حدة القواعد الكالسيكية‬:‫التحوالت الراهنة لمنظرية العامة لمعقد‬
The current transformations on the general theory of the decade: a renewal
of the contract or a softening of the classical rules
‫جربوعة منيرة‬/‫د‬ ‫د بن لعمى عبد النور‬/‫ط‬
1 ‫جامعة الجزائر‬-‫كمية الحقوؽ‬ 2‫جامعة الجزائر‬-‫كلية الحقوق‬
djarbouamounira@gmail.com
/benlala_16@outlook.fr

2021 ‫ ديسمبر‬:‫ تاريخ النشر‬2021/12/ 25‫ تاريخ القبول‬2020/12/11 :‫تاريخ االرسال‬

:‫ممخص‬
‫عمدت التطورات االقتصادية و التكنولوجية الكبرى التي شيدىا العالـ إلى فرض العديد مف التغيرات عمى‬
‫ و لعؿ أىـ ما يترجـ ىذه التحوالت تأثيرىا عمى‬، ‫المجتمع و بالخصوص عمى النظاـ القانوني لمعقود‬
‫ التي تقوـ عمى أساسيا العقود منذ أمد بعيد‬،‫النظرية العامة لمعقد بحيث مست مباشرة باألسس التقميدية‬
‫ وبذلؾ تـ ىجراف المذىب الفردي‬،‫مما خمؽ نوع مف التحديث الذي أضفي عمى األسس العتيقة في العقد‬
‫ طغت عمى النظرية‬،‫مما يترجـ مساىمة التحوالت االقتصادية و التكنولوجية في خمؽ تغيرات تدريجية‬
‫ و كانت سببا في إزدىار العقد و انتعاش العديد مف المبادئ العقدية الكالسيكية و الجامدة‬،‫العامة لمعقد‬
‫أف ىذه التفاعالت التكنولوجية و االقتصادية عمدت إلى إزالة الغبار عف العديد مف المبادئ فأحدث‬
ّ ‫بحيث‬
.‫ذلؾ ثورة عقدية حفزت و أنعشت بعض المبادئ و أصابت بالتقيقر مبادئ أخرى‬
‫ظيور‬، ،‫ تحديث مبادئ العقد‬،‫ العقد المدني التحوالت اإلقتصادية و التكنولوجية‬:‫الكممات المفتاحية‬
‫التشريعات الخاصة ىجراف المذىب الفردي‬
Abstract
The major economic and technological developments that the world has
witnessed have imposed many changes on society, especially on the legal
system of contracts, and perhaps the most important thing that translates these
transformations is their impact on the general theory of contract as it directly
affected the traditional foundations on which contracts are based long ago,
which created A kind of modernization that added to the old foundations of the
contract and thus abandoned the individual doctrine, which translates the
contribution of economic and technological transformations in creating gradual
changes that overshadowed the general theory of the contract and was the cause
of the flourishing of the contract and the revival of many classic and rigid
dogmatic principles so that these Technological and economic interactions
removed the dust from many principles, and this led to a creedal revolution that
stimulated and revived some principles and caused the regression of others.
203
‫بن لعمى عبد النور ‪/‬جربوعة منيرة‬

‫‪Key words the civil contract, the economic and technological transformations,‬‬
‫‪the modernization of the contract principles, the emergence of private‬‬
‫‪legislation, the abandonment of the individualist sect‬‬

‫مقدمة‬
‫يعتبر القانوف المدني الجزائري قانونا ىجينا بحيث يحمؿ في فحواه العديد مف النظريات القانونية التي تـ‬
‫إستقطابيا مف قوانيف مختمفة كالقانوف المدني المصري واأللماني و اإليطالي و الفرنسي بشكؿ كبير‪ ،‬مما‬
‫جعؿ ىذا القانوف يحمؿ تنوعا في األفكار و الفمسفات و النظريات‪، 1‬ويقوـ ىذا القانوف عمى أساس مبادئ‬
‫كالسيكية ثابتة ‪.‬‬
‫إف أىـ نظرية في القانوف المدني نظرية العقد‪ ،‬بحيث يحتؿ العقد مكانة مرموقة في كافة النظـ القانونية و‬
‫ّ‬
‫التشريعات المختمفة‪ ،‬بحيث يعتبر ىرما لكافة المعامالت سواءا عمى الصعيد المحمي أو الدولي فيو وسيمة‬
‫قانونية و اقتصادية تعتمد عمييا المجتمعات منذ زمف بعيد ‪ .‬فيعتبر العقد بناء قانوني يشيد عمى إثره‬
‫العالقات بيف األشخاص فيو المضمار الذي يضمف الوصوؿ إلى الغاية التي يرمي ليا األطراؼ مف‬
‫خالؿ التعاقد و المتمثمة في تحقيؽ الغاية اإلقتصادية و لذا تحضى النظرية العامة لمعقد بمكانة بارزة في‬
‫نطاؽ التشريعات المعاصرة ‪ ،‬فيمعب العقد دو ار ىاما في ترسيخ الحقوؽ و الواجبات و تداوؿ الثروات‪ ،‬و‬
‫لكف مع زيادة التطور التكنولوجي و العممي و الطفرة العممية التي رافقت ىذا التطور و التي مست كافة‬
‫المجاالت جعمت التحوالت تضرب في عمؽ الحياة القانونية و تمس بكافة الكيانات القانونية ‪.‬‬
‫فنتيجة لمتحوالت و التقدمات التي تشيدىا الحياة العممية في الحقبة الراىنة و التي مست الحياة القانونية‬
‫فقد بقي العقد صامدا عمى ما يحتويو مف أطر قانونية عتيقة و ركائز كالسيكية جامدة ‪ ،‬مما جعؿ العقد‬
‫الكثير مف األزمات أصطمح عمى تسميتيا بأزمة العقد‪ ،‬مما جعؿ اليوة القانونية تزداد و‬ ‫يصادؼ‬
‫الفراغات و الثغرات التشريعية تتباعد ‪ ،‬مما جعؿ المشرع يعيد النظر فيبعض جوانب النظرية العامة لمعقد‬
‫و تحيينيا وفؽ ترسانة قانونية تسمح ليا بالتماشي مع التطورات‪.‬‬
‫فكمما تقدـ الزمف و تطورت معو الحياة االقتصادية و االجتماعية و الصناعية ظير العجز و القصور‬
‫الذي تعاني منو النظرية العامة لمعقد ‪ ،‬و ظيرت معو سمبيات التشبث بالمذىب الفردي‪ ،‬األمر الذي فرض‬
‫عمى التشريعات المعاصرة مسايرة ىذه التحوالت مف خالؿ تحييف و عصرنة قوانينيا لتالءـ متطمبات‬
‫العصر‪ ،‬قصد تسييؿ المعامالت بيف األفراد و حماية الطرؼ الضعيؼ في العالقة العقدية تحقيقا لقواعد‬

‫‪1‬عقب نجاح الثورة الفرنسية عاـ ‪ 1789‬ظيرت العديد مف النظريات الفمسفية و األفكار التي تمجد حرية الفرد ‪ ،‬مما أدى‬
‫بذلؾ إلى ظيور المذىب الفردي الذي شيد عمى أساسو القانوف المدني الفرنسي الصادر بتاريخ ‪،1804‬ولقد إنتقمت بعض‬
‫المفاىيـ المتجدرة في القانوف المدني الفرنسي إلى القانوف المدني الجزائري نظ ار لكوف القانوف المدني الفرنسي يعتبر أبا‬
‫لممعظـ القوانيف و بالتالي انتقمت األسس الكالسيكية إلى تمؾ القوانيف‪.‬‬
‫‪204‬‬
‫التحوالت الراهنة لمنظرية العامة لمعقد‪ :‬تجديد لمعقد أم تخفيف من حدة القواعد الكالسيكية‬

‫العدالة و اإلنصاؼ ‪،‬و لعؿ ما فرض إعادة النظر في ىذه المبادئ العتيقة االنييار النسبي لممبادئ‬
‫العامة لمعقد التي ظمت صامدة لردح مف الزمف‪ ،‬إالّ أ ّف التقمبات التي تفرضيا العولمة أبت إالّ أف تجعؿ‬
‫ىذه المبادئ ترضخ لمستجدات العصر‪ ،‬و بالتالي جعمتيا مبادئ مرنة تخمت فييا عف ىيمنتيا المطمقة‬
‫و لعؿ اليدؼ مف التطرؽ لمموضوع اإلطالع عمى المالمح الحديثة لمنظرية العامة لمعقد وفؽ منيج‬
‫وصفي تحميمي لمتطرؽ لتحوالت الطارئة عمى النظرية العامة لمعقد ‪،‬و عميو تظير أىمية ىذا المقاؿ الذي‬
‫حاوؿ استعراض التأثيرات التي طرأت عمى النظرية العامة لمعقد و مف ىنا يمكننا طرح اإلشكالية التالية‪:‬‬
‫كيؼ ساىمت التغيرات اإلقتصادية و التكنولوجية في التأثير عمى النظرية العامة لمعقد؟ وىؿ ىذه‬
‫التحوالت قامت بتجديد العقد و تطويره أـ أضافت تحديثا لمقواعد الكالسيكية؟‬
‫ولإلجابة عف ىذه اإلشكالية سنستعرض التقسيـ التالي‪:‬‬
‫المبحث األول‪:‬أثر التحوالت الطارئة عمى نظرية العقد‪:‬بين التقدم و التراجع‬
‫المبحث الثاني‪ :‬تأثير التحوالت الراهنة عمى العقد‪ :‬بين ثبات النظرية العامة وتحولها‬

‫المبحث األول‪:‬أثر التحوالت الطارئة عمى نظرية العقد‪ :‬بين التقدم و التراجع‬
‫لقد أدى التسارع الذي شيدتو التحوالت التكنولوجية و اإلقتصادية إلى التأثير بشكؿ مباشر عمى النظرية‬
‫العامة لمعقد بحيث أدت إلى التقدـ في بعض جوانبيا و التراجع في قواعد أخرى و يظير ذلؾ جميا مف‬
‫خالؿ التطرؽ إلى القواعد الكالسكية التي شيدت عمى أساسيا النظرية العامة لمعقد مما يظير التحييف‬
‫الحاصؿ لألسس الكالسيكية لمعقد(المطمب األوؿ) و تراجع مبدأ سمطاف اإلرادة (المطمب الثاني)‬
‫المطمب األول‪ :‬تحيين األسس الكالسيكية في العقد‪ :‬إعادة النظر في قواعد العقد‬
‫إف القواعد و األسس العقدية التي ظمت جامدة و سارية المفعوؿ لوقت طويؿ وجدت نفسيا ممزمة بمواكبة‬
‫الواقع المعاش‪ ،‬و ذلؾ نتيجة ما فرضتو القفزات الباىرة في المجاالت اإلقتصادية و التكنولوجية و يظير‬
‫ذلؾ مف خالؿ التطرؽ لفكة تطوير المبادئ العقدية (الفرع األوؿ) انعكاسات التحوالت الحديثة عمى‬
‫المبادئ التقميدية(الفرع الثاني)‬
‫الفرع األول‪ :‬تطوير المبادئ العقدية‬
‫لقد عممت التحوالت عمى دفع المشرع الجزائري لمتعديؿ في العديد مف األسس التقميدية والعمؿ عمى‬
‫تحديثيا مما جعؿ نظرية العقد تشيد تطو ار مع التحديث الحاصؿ في مبادئيا مما جسد فكرة تطوير العقد‬
‫أوال‪ :‬مبدأ حسن النية بمفهوم جديد‪ :‬تجسيد إلمالءات التكافل العقدي‬
‫يشكؿ العقد رابطة عقدية تجمع بيف المتعاقديف فيعد أىـ أداة لمتداوؿ الحقوؽ و الثروات بيف األشخاص و‬
‫الدوؿ عمى حد سواء‪، 1‬و نظ ار ألىمية العقد فمقد شيد عمى قواعد أخالقية و مبادئ سامية و روابط‬

‫‪1‬عبد القادر العرعاري‪ ،‬مصادر اإللتزاـ ‪،‬نظرية العقد‪ ،‬دار األماف‪،‬المغرب‪،2013،‬ص‪.12‬‬


‫‪205‬‬
‫بن لعمى عبد النور ‪/‬جربوعة منيرة‬

‫أخالقية راقية‪ ،‬تضمف حسف سير العالقة التعاقدية و تضمف حقوؽ األطراؼ و تصوف مصمحة الطرؼ‬
‫الضعيؼ ‪ ،‬و يعتبر مبدأ حسف النية مف أسمى المبادئ المنبثقة عف األخالؽ و ىو يشكؿ في حد ذاتو‬
‫مبدأ كالسيكي الزـ العقود منذ نشأة النظرية العامة لمعقد ‪.‬‬
‫فمبدأ حسف النية باإلضافة إلى أنو مبدأ كالسيكي فيو كذلؾ أداة تضمف إستمرار العالقة العقدية بيف‬
‫الطرفيف ‪ ،‬و آلية لمحد مف طالقة مبدأ الحرية العقدية مف خالؿ نشر روح التعاوف و الثقة و النزاىة و‬
‫العدؿ و المساواة بيف أطراؼ العالقة العقدية‪ ،‬كما أف ىذا المبدأ األخالقي أدى إلى التخفيؼ مف صرامة‬
‫الحرية التعاقدية و التي قد يؤدي تطبيقيا المطمؽ و الحرفي إلى اإلضرار بأحد أطراؼ العالقة العقدية و‬
‫مخالفة العدالة العقدية‪ ،‬و لعؿ ذلؾ ما يمكف مالحظتو جميا في عقود اإلذعاف‪ ،1‬فمبدأ حسف النية مبدأ‬
‫أخالقي يسعى إلى تجسيد روح العدالة في العقد مما جعمو مبدأ أساسي في العقود ‪ ،‬فالعقد بإعتباره أداة‬
‫إقتصادية يسعى إلى تحقيؽ تطمعات األطراؼ المتعاقدة و تجسيد المنفعة‪ ,‬فقد أصبح يشكؿ في فحواه‬
‫معادلة إقتصادية غالبا ما تطغى عمييا الحرية التعاقدية و التي بدورىا تؤثر سمبا عمى العقد مما يخمؽ‬
‫تصادـ لمصالح المتعاقديف تحقيقا لممصمحة الخاصة و دوف إقامة أي اعتبار لممصالح الطرؼ المقابؿ‬
‫مما يشكؿ أزمة تعصؼ بالعقد‪ ،‬و التي قد تؤدي إلى قطع العالقة العقدية قبؿ تماـ اليدؼ منيا ‪ .‬فمـ تجد‬
‫التشريعات آلية و مبدأ أفضؿ مف حسف النية لمعالجة ىذه اإلشكاالت‪.‬‬
‫فمقد وضع المشرع الجزائري مبدأ حسف النية كمبدأ مف شأنو الحد مف التجاوزات التي قد تفرزىا مبدأ‬
‫الحرية العقدية و االلتجاء إلى تفعيؿ ىذا المبدأ‪ ،‬أفرز العديد مف الحموؿ اإليجابية و لعؿ أىميا إرساء‬
‫المنفعة المشتركة و المتساوية بيف األطراؼ المتعاقدة و تقريب المصالح ‪ ،‬و لعؿ ذلؾ ما أشار إليو‬
‫‪2‬‬
‫و لقد أتى إدراج المشرع لمبدأ حسف النية امتثاال‬ ‫المشرع الجزائري صراحة في نص المادة ‪1/107‬‬
‫لمرونة الواقع التي فرضتيا التحوالت االقتصادية و التكنولوجية و االجتماعية عمى النظرية العامة لمعقد ‪.‬‬
‫فالتغيرات الطارئة عمى النظرية العامة لمعقد و الحاصمة بفعؿ التحوالت االقتصادية و التكنولوجية أفرزت‬
‫العديد مف التغيرات التي مست أسس العقد‪ ،‬و التي أدت بدورىا إلى تحديث مبدأ حسف النية و تطويره فمـ‬
‫يعد يقتصر ىذا المبدأ عمى فكرة مراعاة المتعاقد معو و عدـ اإلضرار بالمصمحة المشروعة لمطرؼ‬
‫المقابؿ في العقد‪ ،‬بؿ يحمؿ أيضا مظاىر تتجمى في االلتزاـ بالنزاىة في التعاقد و يقصد بالنزاىة أف‬
‫يتجنب المتعاقد كؿ الحيؿ مف غش أو تدليس أو مناورات مف شأنيا أف تجعؿ اإللتزاـ عسي ار أو مرىقا أو‬
‫تجعؿ مف تنفيذه مستحيال و الذي بدوره قد يؤثر عمى إستمرار العالقة العقدية مما جعؿ المشرع يفرض‬
‫مبدأ حسف النية‪ ،‬و لعؿ ذلؾ ما ترجمتو نص المادة ‪ 01‬مف القانوف ‪ 02-04‬و التي تنص عمى أنو‬

‫‪1‬وليد بسيـ عبود العنكز‪،‬تجديد العقد‪،‬منشورات الحمبي الحقوقية‪،‬بيروت‪،‬لبناف‪،2018،‬ص‪.60‬‬


‫‪ 2‬حفيظة عطوي‪،‬أثر الظروؼ اإلقتصادية عمى العقد المدني‪،‬مجمة األستاذ الباحث لمدراسات القانونية و السياسية‪ ،‬جامعة‬
‫محمد بوضياؼ‪،‬المسيمة‪،‬المجمد‪،5‬العدد‪،1،2020‬ص‪.616،617‬‬
‫‪206‬‬
‫التحوالت الراهنة لمنظرية العامة لمعقد‪ :‬تجديد لمعقد أم تخفيف من حدة القواعد الكالسيكية‬

‫يفرض مبدأ الشفافية و النزاىة في الممارسات التجارية القائمة بيف األعواف اإلقتصادييف و المستيمكيف‪،1‬‬
‫كما أف مبدأ حسف النية يقوـ عمى مبدأ ثاني يتمثؿ في اإللتزاـ بالتعاوف و الذي يعد إلتزاما إيجابيا بحيث‬
‫يمتزـ المتعاقد بمساعدة المتعاقد معو و إعالمو و إشعاره بكافة األحداث و الوقائع التي تخص تنفيذ العقد‬
‫و تسييؿ الوصوؿ إلى تجسيد العالقة العقدية‪ ،‬و لقد استنبط ىذا اإللتزاـ مف التطورات الجديدة التي لحقت‬
‫بالعالقة العقدية و ما تمميو متطمبات التكافؿ العقدي فالعقد عالقة تعاوف و مأزرة و ليس عالقة تنافس و‬
‫مجابية و اصطداـ المصالح‪ ، 2‬و لعؿ ىذا التحييف الطارئ الذي لحؽ مبدأ حسف النية يرجع أساسو إلى‬
‫التخفيؼ مف االعتداد بالنزعة الفردية و المفيوـ الفردي مما جعؿ العقد يحمؿ طابعا اجتماعيا‪ ،‬ييدؼ‬
‫تحقيؽ مصمحة الجماعة ال الفرد‪ 3‬كما أف المبادئ الكثيرة المقحمة عمى النظرية العامة لمعقد و التي‬
‫فرضتيا التطورات اإلقتصادية و التي أسماىا التوازف العقدي و المعرفي و العدالة العقدية ألحت عمى‬
‫‪4‬‬
‫تجسيد مبدأ حسف النية و تحديثو‬
‫ثانيا‪:‬تقييد مبدأ الحرية التعاقدية‪:‬‬
‫جعؿ المشرع الجزائري مف الحرية العقدية مبدأ عاما ترضخ لو كافة العقود بإعتبار أف الحرية العقدية‬
‫أساس التعاقد ‪،‬و يشكؿ ىذا المبدأ مظير مف مظاىر مبدأ سمطاف اإلرادة و الذي كاف يشكؿ جوىر‬
‫القانوف المدني منذ نشأة العقد و يضمف ىذا المبدأ حقوقا لممتعاقد و ىي حؽ الشخص في إبراـ العقد مف‬
‫عدمو ثـ حقو في اختيار الطرؼ المتعاقد معو بإضافة إلى حقو في إختيار مضموف العقد و شروطو و‬
‫ىذه الحرية المخولة لمشخص في التعاقد تجسد حتما العدالة العقدية و التوازف العقدي و المذاف يعتبراف مف‬
‫مستمزمات العدالة ‪،‬فيعتبر مبدأ الحرية العقدية مف أعتؽ المبادئ العقدية التي شيدت عمى أساسو النظرية‬
‫العامة لمعقد‪.‬‬
‫فيشكؿ مبدأ الحرية العقدية و دوف منازع رم از مف رموز التعاقد و الذي يرافؽ العالقة العقدية في جؿ‬
‫إف وجود ىذا المبدأ القانوني‬
‫مراحميا مف مرحمة االتفاؽ مرو ار بمرحمة التكويف ووصوال إلى مرحمة التنفيذ و ّ‬
‫و فرضو لييمنتو عمى المنظومة العقدية‪ ،‬ما ىو إال نتيجة لتأثر القانوف باألفكار الفمسفية و اإلقتصادية و‬
‫التحررية التي برزت في أوروبا عقب الثورة الفرنسية ‪ ،‬بحيث جاء القانوف المدني الفرنسي الصادر في‬
‫‪ 1804‬مستجيبا ل تمؾ األوضاع ومترجما لتمؾ األفكار و الذي كاف يقدس األفكار الفردية بشكؿ ممموس‪،‬‬
‫مما جعؿ مبدأ سمطاف اإلرادة يظير كتجسيد لتمؾ األفكار و ىو األمر الذي نممسو في القانوف المدني‬
‫الجزائري بإعتباره أخذ بنفس الفكرة ‪.‬‬

‫‪1‬القانوف رقـ ‪ 02-04‬الصادر بتاريخ ‪ 23‬يونيو سنة ‪ 2004‬المحدد لمقواعد المطبقة عمى الممارسات التجارية‬
‫‪2‬حفيظة عطوي‪ ،‬المرجع السابؽ‪،‬ص‪617‬‬
‫‪3‬فطيمة نساخ‪،‬الوظيفة اإلجتماعية لمعقد‪،‬رسالة دكتوراه‪،‬كمية الحقوؽ‪،‬جامعة الجزائر‪،1‬الجزائر‪،2013،‬ص‪.12‬‬
‫‪4‬جمعة زماـ‪،‬تحديث النظرية العامة لمعقد في ضوء ظاىرة التخصص التشريعي‪،‬مجمة البحوث و الدراسات القانونية و‬
‫العفروف‪،‬المجمد‪،6‬العدد‪،2،2017‬ص‪.226‬‬ ‫السياسية‪،‬جامعة البميدة‪2‬‬
‫‪207‬‬
‫بن لعمى عبد النور ‪/‬جربوعة منيرة‬

‫لكف ىذا المبدأ و رغـ عراقتو أتبث قصو ار في مواكبة التطورات اإلقتصادية و اإلجتماعية و التكنولوجية‬
‫الحديثة مما جعؿ المشرع الجزائري يعمؿ عمى إضافة تحديثات عمى ىذا المبدأ الكالسيكي‪ ،‬بحيث فرضت‬
‫التحوالت اإلقتصادية ضرورة التحديث في مبدأ الحرية العقدية‪ ،‬مما جعؿ المشرع الجزائري يعدؿ في المبدأ‬
‫بفرض جممة مف اإلستتناءات التي مف شأنيا جعؿ ىذا المبدأ الكالسيكي مبدأ حديثا في بعض جوانبو‪.‬‬
‫و لعؿ نظرية الظروؼ اإلستثناية التي إستحدثيا المشرع في القانوف المدني ‪ 1975‬أحسف مثاؿ عف‬
‫‪1‬‬
‫التحديث التي تـ إضفائو عمى ىذا المبدأ و يعتبر ذلؾ تراجع واضح عف طالقة مبدأ الحرية العقدية‬
‫بحيث أف التحديث الطارئ عمى مبدأ الحرية العقدية يسمح سواءا لمقاضي أو المشرع التدخؿ في العقد و‬
‫ضبط ىذه الحرية العقدية تجسيدا لفكرة العدالة العقدية و اإلبقاء عمى العقد ‪،‬و لعؿ ذلؾ ما جسدتو نص‬
‫المادة ‪ 3/107‬بحيث ييدؼ المشرع في ىذه المادة لحماية الطرؼ الضعيؼ إقتصاديا و الذي أترث عميو‬
‫التحوالت االقتصادية الطارئة ‪ ،‬ففي ىذه المادة يتضح أف المشرع قد آثر إعماؿ نظرية الظروؼ الطارئة‬
‫بدال مف اإلستناد إلى مبدأ الحرية العقدية مما جعؿ ىذه المادة قيدا يخنؽ مبدأ الحرية العقدية‪.‬‬
‫كما نجد أف المشرع الجزائري قد تطرؽ إلى استثناء أخر نصت عميو المادة ‪ 110‬مف القانوف المدني‬
‫بحيث تضمنت المادة استثناءا عمى مبدأ الحرية العقدية بحيث أنو في عقود اإلذعاف‪ 2‬إذا تجاوزت الحرية‬
‫العقدية ألحد األطراؼ المتعاقدة عمى الحرية األخرى و تسمطت عمييا نشأ بذلؾ عقد اإلذعاف الذي يخؿ‬
‫بأصؿ العدالة العقدية‪ ،‬مما أوجب تدخؿ القاضي لمعصؼ بالشروط التعسفية التي أنشأتيا الحرية العقدية‬
‫بحيث أف الحرية العقدية التي مف شأنيا زعزعة العالقة العقدية‪، 3‬و التأثير عمى المعادلة اإلقتصادية في‬
‫العقد وجب ضبطيا مف خالؿ تدخؿ القاضي و الحد مف الحرية العقدية و لـ يعد التقديس فقط ساري‬
‫عمى الحرية العقدية ‪،‬و إنما أصبحت تقدس إعتبارات أخرى ‪ .‬كما أف التحديث في مبدأ الحرية العقدية‬
‫أفرزت عنو العديد مف المبادئ لعؿ أىميا مبدأ حرية األسعار و الذي انبثؽ عنو مبدأ ميـ متمثؿ في‬
‫اإللتزاـ باإلعالـ باألسعار‪ ،‬بفعؿ التقمبات اإلقتصادية التي قد تط أر عمى العالقة العقدية و الذي نجد أف‬
‫المشرع الجزائري نص عميو في نص المادة ‪ 17‬مف قانوف ‪ 03-09‬المتعمؽ بحماية المستيمؾ ‪4‬و كذلؾ‬
‫المادة ‪ 04‬مف القانوف ‪.502-04‬‬

‫‪ 1‬عمي فياللي‪ ،‬الحرية العقدية مفيوـ قديـ وواقع متجدد‪ ،‬مجمة البحوث في العقود وقانوف األعماؿ‪ ،‬جامعة قسنطينة ‪،‬العدد‬
‫الخامس‪،‬ديسمبر‪،2018‬ص‪.18،19‬‬
‫‪ 2‬خديجة فاضؿ‪ ،‬عقد اإلذعاف في القانوف المدني و التشريعات الخاصة‪ ،‬حوليات مجمة حوليات‪ ،‬القانوف المدني بعد‬
‫أربعيف سنة‪،‬جامعة الجزائر‪،‬العدد‪، 5،2016‬ص ‪.309‬‬
‫‪ 3‬بيالمي سارة ‪،‬نطاؽ حرية التعاقد في ظؿ تطور قانوف العقود‪،‬مجمة البحوث في العقود و قانوف األعماؿ‪ ،‬جامعة منتوري‬
‫‪،‬كمية الحقوؽ ‪،‬قسنطينة ‪،‬العدد ‪،5‬ديسمبر‪،2018‬ص‪.68‬‬
‫‪4‬القانوف ‪ 03-09‬المتعمؽ بحماية المستيمؾ المعدؿ بموجب األمر رقـ ‪ 09-18‬العدد ‪35‬‬
‫‪5‬القانوف ‪02-04‬المحددلمقواعد المطبقة عمى الممارسات التجارية العدد‪.41‬‬
‫‪208‬‬
‫التحوالت الراهنة لمنظرية العامة لمعقد‪ :‬تجديد لمعقد أم تخفيف من حدة القواعد الكالسيكية‬

‫الفرع الثاني‪ :‬إنعكاسات التحوالت الحديثة عمى المبادئ التقميدية‪ :‬تجديد لألسس العتيقة‬
‫لقد انعكست التحوالت الحديثة عمى النظرية العامة لمعقد بحيث قامت بالتجديد في األسس العتيقة في‬
‫العقد لعؿ أىميا مبدأ المساواة و مبدأ التوازف العقدي مما جعؿ ذلؾ تحديث في األسس التقميدية في العقد‪.‬‬

‫أوال‪ :‬التخمي عن المساواة المجردة و تجسيد المساواة الفعمية‬


‫يسعى العقد منذ نشأتو إلى تجسيد مبدأ المساواة بيف أطراؼ العقد مما يضمف الحماية الفعمية لمطرؼ‬
‫الضعيؼ ‪،‬غير أف ىذه المساواة في كثير مف األحياف تبقى فكرة مجردة ‪1‬ال تتصؿ بالواقع العممي بحيث‬
‫تشيد في العقود وطأ اإلرادة القوية لإلرادة األقؿ تأثي ار منيا‪ ،‬مما خمؽ نوع مف عدـ المساواة في العقود‪.‬‬
‫إف التحوالت اإلقتصادية و التكنولوجية فرضت عمى المشرع التحديث في أقدـ األسس العقدية بيدؼ إقامة‬
‫فكرة المساواة العقدية بيف المتعاقديف‪ ،‬و ذلؾ مف خالؿ السعي إلى التقميص مف ىيمنة مبدأ سمطاف اإلرادة‬
‫و الحد مف إمتداد نفوذىا‪ ،‬و ذلؾ مف خالؿ التوسيع في نظرية عيوب الرضا التي تيدؼ إلى إبطاؿ‬
‫العقود التي اختؿ فييا عنصر المساواة ‪ ،‬فيي نظرية تقميدية أضفي عمييا بعض التحديثات بيدؼ تجسيد‬
‫مبدأ المساواة الفعمية بيف المتعاقديف‪ .‬فمع التطور اإلقتصادي و التكنولوجي تطورت العديد مف المشاكؿ‬
‫بحيث أصبح الطرؼ المتعاقد يستعمؿ كافة الحيؿ و التقدمات التكنولوجية لمتحايؿ عمى المتعاقد معو‬
‫لتحقيؽ مصمحتو و المنفعة الشخصية‪ ،‬عمى حساب اإلضرار بالمتعاقد معو مما جعؿ المشرع يقوـ بتطوير‬
‫نظرية اإلبطاؿ العتيقة لحماية رضا الطرؼ الضعيؼ اقتصاديا و تكنولوجيا‪.‬‬
‫و بالرجوع إلى عيب الغمط نالحظ أف المشرع الجزائري قد طور مف مفيومو‪ ،‬و قاـ بتوسيعو فمـ يعد‬
‫المشرع يأخذ بفكرة الغمط في نطاقيا التقميدي‪ ،‬فبعدما كاف يستند فقط إلى الغمط في مادة الشيء طور مف‬
‫ىذا المفيوـ و أصبح يأخذ بالغمط الذي يقع في الصفة الجوىرية لمشيء ‪.2‬‬
‫كما أنو أضاؼ تحينا أخر عمى ىذه النظرية فبعدما كاف المشرع الجزائري يستند إلى المعيار الذاتي في‬
‫تقدير الصفة الجوىرية لمشيء في عيب الغمط‪ ،‬و التي تقاـ عمى أساس إرادة المتعاقد الذي وقع في الغمط‬
‫‪،‬ليتوجو بعد ذلؾ المشرع إلى اعتناؽ المعيار الموضوعي كنوع مف التحديث و الذي يقوـ عمى تقدير‬
‫الصفة الجوىرية التي تستشؼ مف الظروؼ المحيطة بالعقد‪ ،‬و رصد المناخ الذي أنشأ العقد في ظمو‪.‬‬
‫كما أنو المشرع قد ثار و تمرد عمى النزعة الفردية‪ ،‬و تمرد عمى أفكار و فمسفة المذىب الفردي ليثبت‬
‫التغيرات الطارئة عمى نظرية العقد‪ ،‬بحيث أقاـ تحوال جذريا عمى فكرة التدليس فمـ يعد يأخذ بالفكرة الضيقة‬
‫لمتدليس ‪،‬و التي تقوـ فقط عمى أساس السكوت العمدي لمطرؼ المدلس‪ ،‬و الذي يعتبر موقفا سمبيا و إنما‬

‫‪1‬ذىبية حامؽ‪ ،‬النظرية العامة لمعقد تصور جديد‪ ،‬مجمة حوليات‪،‬القانوف المدني بعد أربعيف سنة‪ ،‬جامعة الجزائر‪ ،‬العدد‬
‫‪،2016 ،5،‬ص ‪90.‬‬
‫‪2‬المرجع السابؽ‪،‬ص‪،91،92‬وأيضا زماـ جمعة‪ ،‬المرجع السابؽ ‪،‬ص ‪.230‬‬
‫‪209‬‬
‫بن لعمى عبد النور ‪/‬جربوعة منيرة‬

‫انتقؿ إلى إلزاـ المتعاقد بتحمؿ مسؤولية إيصاؿ كافة المعمومات الضرورية لممتعاقد معو بيدؼ إبراـ العقد‬
‫و إف ىذه الخطوة التي وضعيا المشرع يكوف مف خالليا‪ ،‬قد قفز قفزة قطع بيا أشواطا كبيرة بحيث أف‬
‫تكريس مبدأ االلتزاـ باإلعالـ يرجح كفة المساواة الحقيقية بيف المتعاقديف‪ ،‬و يقمع فكرة المساواة المجردة‬
‫التي كانت في أغمب األحياف مجرد وىـ و خياؿ‪ .‬فنجد أف المشرع قد عمد إلى تحديث عيوب الرضا‬
‫لجعميا نظريات توافؽ التقدـ اإلقتصادي و التكنولوجي ‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬مبدأ التوازن العقدي‪ :‬إرساء لقواعد العدالة التبادلية‬
‫األصؿ في العقود أف يحدد مضمونيا بكؿ حرية مف طرؼ المتعاقديف ‪،‬بإعتبارىا ثمرة ناتجة عف توافؽ‬
‫إرادتيف ‪ ،‬و باعتبار أف العقد نتاج حرية األطراؼ المتعاقدة ففي الوقت الماضي كاف التوازف العقدي ال‬
‫يعتبر مبدأ عاما في العقد‪ ،‬كما أف التوازف الموضوعي الذي يكوف أساس تكويف العالقة العقدية ال يعد‬
‫جوى ار في العقد مما أفرز العديد مف العقود التي يتخمميا عدـ التوازف العقدي ‪.‬‬
‫لكف مع التحوؿ اإلقتصادي و التكنولوجي و الطفرة التي أنتجيا ىذا التطور في الحياة القانونية وجد‬
‫المشرع نفسو ممزما لمتدخؿ و إعادة اإلعتبار لمتوازف العقدي في العقود‪ ،‬و إعادة إرساء المعادلة العقدية‬
‫بيف المتعاقديف بحيث يتـ التوفيؽ في العقد بيف الحقوؽ و اإللتزامات و بيف كافة البنود المدرجة في العقد‬
‫بحيث تكوف نوع مف العدالة فيما يمنحو المتعاقد‪ ،‬و ما يحصؿ عميو و ما يترتب عمى عاتقو في إطار‬
‫تجسيد التوازف اإلجمالي في العقد‪.‬‬
‫لقد أدخؿ المشرع عمى قانوف العقود جممة مف التعديالت الجديدة جعمتو قانونا ييدؼ إلى مكافحة جؿ‬
‫اإلختالالت التي قد تط أر عمى العقد و تزلزؿ التوازف العقدي ‪ ،‬و إف كاف ىذا التوازف يوصؼ بأنو توازف‬
‫نسبي لـ يرتقي إلى الكماؿ المطمؽ لتحقيؽ التوازف العقدي الحقيقي ‪، 1‬فمقد أعطى المشرع لمقاضي حؽ‬
‫الولوج في العقد و إعادة فرض التوازف العقدي إذا ظير في مالمح العقد عدـ تكافؤ بارز في اإللتزامات‪،‬‬
‫فبطمب مف أحد المتعاقديف يمكف لمقاضي التدخؿ في العقد‪ ،‬و فرض التوازف العقدي و إعادة التوازف الذي‬
‫أصابو إضطراب و خمؿ ‪ ،‬و ذلؾ بيدؼ إعادة إرساء أسس العدالة التبادلية والقائمة عمى أساس المساواة‬
‫المفترضة بيف المتعاقديف بحيث يفترض في العقد المساواة بيف حقوؽ و واجبات المتعاقديف‪ ،‬بحيث يكوف‬
‫بذلؾ التوازف العقدي مفترضا في العقد و باختاللو وجب عمى القاضي معالجة ىذا الوضع‪ .‬و يظير جميا‬
‫التحديثات التي قاـ بيا المشرع الجزائري إلعادة فرض التوازف العقدي في العقود في نص المادة ‪ 358‬مف‬
‫القانوف المدني و الذي فرض فيو المشرع ضرورة إعادة التوازف في عقد بيع العقار الذي وقع فيو غبف ‪،‬و‬
‫يكوف بإ عادة التوازف في ىذه الحالة مف خالؿ مطالبة البائع مف القاضي بتكممة الثمف ليعاد التوازف إلى‬
‫العقد و يبقى قائما‪ ،‬و كذلؾ الحاؿ في عقد القسمة و الذي نصت عميو نص المادة ‪732‬مف القانوف‬
‫المدني ‪،‬و كذلؾ عقد المقايضة ‪،‬و الذي سرت أحكامو في نص المادة‪ 414‬مف القانوف المدني‪ ، 2‬ففي‬

‫‪ 1‬ذىبية حامؽ‪،‬المرجع السابؽ‪،‬ص‪.95‬‬


‫‪ 2‬راجع نص المادة ‪358،732،414‬مف القانوف المدني‪.‬‬
‫‪210‬‬
‫التحوالت الراهنة لمنظرية العامة لمعقد‪ :‬تجديد لمعقد أم تخفيف من حدة القواعد الكالسيكية‬

‫نص المواد السالفة الذكر نجد أف المشرع الجزائري قد سمح لمقاضي الولوج في العقد و إعادة فرض‬
‫التوازف العقدي مف خالؿ ضبط أو تكممة الثمف‪ ،‬و ذلؾ بغرض فرض التكافؤ بيف أداءات المتعاقديف‪. 1‬‬
‫المطمب الثاني‪:‬تعارض مبدأ سمطان اإلرادة مع مقتضيات التعامل الحديث‬
‫باعتبار مبدأ سمطاف اإلرادة أىـ المبادئ الكالسيكية التي شيدت عمى إثرىا النظرية العامة لمعقد فإف‬
‫التحوالت الحديثة أثرت عمييا بشدة مما جعميا تصطدـ مع ىذه األخيرة‬
‫الفرع األول‪ :‬قصور مبدأ سمطان اإلرادة في أعقاب التحوالت الراهنة‬
‫لقد أدى التقدـ اإلقتصادي إلى إنكماش مبدأ سمطاف اإلرادة و قصوره‪ ،‬فمـ يعد ذلؾ المبدأ الذي يسيطر‬
‫عمى العقود و يييمف عمى العالقة التعاقدية بؿ أصبح ىذا المبدأ قاص ار و عاج از أماـ التطورات اليائمة‪.‬‬
‫أوال‪ :‬قصور مبدأ سمطان اإلرادة‪ :‬إصطدام بالمستجدات الحديثة‬
‫إف التحوالت اإلقتصادية و التكنولوجية الطارئة عمى المجتمع ساىمت بشكؿ واضح في التقميص مف‬
‫األسس العتيقة التي بنيت عمى إثرىا نظرية العقد‪ ،‬فالتطورات التي فرضتيا التحوالت اإلقتصادية خمقت‬
‫منعطفا تشريعيا أماـ العقد عرقؿ تقدمو‪ ،‬و ىو مثقؿ بذلؾ الكـ مف األسس الكالسيكية مما جعؿ المشرع‬
‫يعيد النظر في األسس العتيقة‪ ،‬و يقوـ بتحديثيا وفؽ ترسانة قانونية حديثة لجعؿ العقد يواكب التطورات‬
‫الحاصمة‪.‬‬
‫و باعتبار أف مبدأ سمطاف اإلرادة مبدأ يتسـ بطابع الصرامة و التعقيد‪ ،‬فإنو غالبا ما يصطدـ مع التطورات‬
‫التي فرضتيا التحوالت االقتصادية و التكنولوجية‪ ،‬مما يثبت أف ىذا المبدأ أصبح يعاني القصور في‬
‫التماشي مع التطورات الراىنة و التحديثات الحاصمة‪.‬‬
‫اإلردة ىي المناط‬
‫فيقصد بمبدأ سمطاف اإلرادة أف الشخص حر و لو الحرية المطمقة في التعاقد و أف ا‬
‫األساسي لتكويف العقد و إخراجو مف حيز التفكير و العالـ اإلفتراضي إلى تجسيده عمى أرض الواقع و‬
‫ىذا المبدأ جامدا مما دعت الضرورة إلى إضفاء بعض التخفيؼ عميو و لعؿ أكبر دليؿ عمى التراجع‬
‫النسبي ليذا المبدأ تراجع مبدأ الرضائية في العقود بشكؿ كبيرو تفاقـ ظاىرة الشكمية في العقود مما يدؿ‬
‫بشكؿ واضح عمى إنتكاسة المبدأ و تراجعو‪،‬كما يظير تراجع مبدأ سمطاف اإلرادة مف خالؿ تزايد تدخؿ‬
‫القاضي في العقد‪ 2‬والتعديؿ فيو و إعادة التوازف لمعالقة العقدية ‪،‬مما يشكؿ حمقة قيدت مبدأ سمطاف‬
‫اإلرادة و قمصت مف بسط نفوذه و لـ يقتصر ظيور قصور ىذا المبدأ في ىذا السياؽ‪ ،‬و إنما يظير جميا‬
‫في تقزيـ مبدأ سمطاف اإلرادة أماـ سمو فكرة النظاـ العاـ كما يظير إنتكاسة المبدأ مف خالؿ تدخؿ الدولة‬
‫في توجيو العقد‪.‬‬

‫‪1‬ذىبية حامؽ‪،‬المرجع السابؽ‪،‬ص‪.97‬‬


‫‪2‬لخضر حميس‪،‬مكانة اإلرادة في ظؿ تطور العقد‪،‬رسالة دكتوراه‪،‬جامعة أبي بكر بمقايد‪،‬كمية‬
‫الحقوؽ‪،‬تممساف‪،2016،‬ص‪.227‬‬
‫‪211‬‬
‫بن لعمى عبد النور ‪/‬جربوعة منيرة‬

‫أوال‪ :‬تراجع مبدأ سمطان اإلرادة ‪:‬بين تضخم مبدأ النظام العام وانتكاسة المبدأ‬
‫لقد تغوؿ مبدأ سمطاف اإلرادة في القرف الماضي و بسط سيطرتو عمى كافة العقود حتى أضحى ال يمكف‬
‫تخيؿ عقد قائـ و صحيح دوف إستناده إلى ذلؾ المبدأ ‪،‬و مع إزدىار ىذا المبدأ زاد مف تطرفو حتى خمقت‬
‫في ظاللو كيانات عقدية شادة عرفت بعقود اإلذعاف‪ ،1‬و التي قامت في فحواىا عمى تحقيؽ المنفعة‬
‫الخاصة و التفاوت الصارخ بيف المنفعة التي يستفيد منيا المتعاقديف ‪،‬مما خمؽ شقا أثر عمى الوظيفة‬
‫اإلقتصادية لمعقد ‪ ،‬و لكف مع تطور اإلقتصادي وما أنتجو مف نتائج خالقة نجد أف التشريعات عموما‬
‫عممت عمى ىجراف المذىب الفردي‪ .‬و بتزايد اإللتفاؼ حوؿ فكرة المنفعة الجماعية و ظيور فكرة العدالة‬
‫اإلجتماعية و الوظيفة النفعية لمعقد‪ ،‬نجد أف المشرع قد قمص مف مبدأ سمطاف اإلرادة و ذلؾ مف خالؿ‬
‫فرض النظاـ العاـ و اآلداب العامة كقيد عمى مبدأ سمطاف اإلرادة‪ ،‬و إخضاع ىذا المبدأ لمقواعد النظاـ‬
‫العاـ‪ ،‬بحيث مكف المشرع لمقاضي ألية التحقؽ مف العقد إف كاف يتطابؽ مع المصمحة العامة و إف كانت‬
‫الشروط و األركاف التي يتضمنيا متماشية مع فكرة النظاـ العاـ ‪.‬‬
‫بحيث يفرض النظاـ العاـ قواعد سامية عف مبدأ سمطاف اإلرادة ‪2‬و ذلؾ مف خالؿ رسـ أطر قانونية تكوف‬
‫بمثابة إطار تدور فيو اإلرادة و ال تتعداه‪ ،‬و ذلؾ بيدؼ الحد مف األنانية و كبح الفوضى التي قد تعصؼ‬
‫بالعقد ‪،‬و المحافظة عمى المصمحة العامة بحيث أف باالستناد إلى المعنى الحقيقي لمبدأ سمطاف اإلرادة‬
‫يتبيف أنو ال توجد حقوؽ مطمقة لمشخص‪ ،‬و إنما تبقى الحقوؽ رىينة النظاـ العاـ االجتماعي الذي تمارس‬
‫فيو‪،‬و بذلؾ يكوف مبدأ سمطاف اإلرادة مقيدا بضوابط النظاـ العاـ ‪.‬‬
‫لقد دعت الضرورة إلى تدخؿ الدولة لفرض رقابة عمى العقود و فرض التوجيو عمى العقد‪ ،‬و ذلؾ مف‬
‫خالؿ المجوء إلى قواعد النظاـ العاـ ‪،3‬و الذي يعرؼ بالنظاـ العاـ اإلقتصادي و الذي ازدىر بتزايد تدخؿ‬
‫الدولة في النشاط اإلقتصادي ‪ ،‬مما سمح لمدوؿ لعب دور الحارس عمى العقود ‪،‬بحيث أصبحت الدولة‬
‫مف خالؿ قواعد النظاـ العاـ اإلقتصادي تمج في العقود و تعمؿ عمى إعادة ترتيب العالقات اإلقتصادية‬
‫مف إنتاج توزيعى و تبادؿ مما أثر ىذا التوجو عمى النظرية العامة لمعقد بشكؿ مباشر مما جعؿ مف‬
‫المشرع يستحدث أنماط جديدة و صيغ حديثة لمشكمية التعاقدية كالرخصة و شيادة المصادقة تكريسا لفكرة‬
‫النظاـ العاـ التوجييي‪. 4‬‬
‫فمـ يقؼ تدخؿ الدولة في العقود عند ىذا الحد بؿ ذىبت إلى أبعد مف ذلؾ بحيث عمدت الدولة إلى خمؽ‬
‫أجيزة و سمطات إدارية مستقمة تيدؼ مف خالليا إلى ضبط اإلقتصاد و تقييد السوؽ و العقود المتداولة‬

‫‪1‬خديجة فاضؿ‪،‬المرجع السابؽ ‪،‬ص‪.306،307‬‬


‫‪2‬منصؼ بوعريوة‪ ،‬الحرية العقدية في ظؿ النظاـ العاـ اإلقتصادي ‪،‬مجمة البحوث في العقود و قانوف األعماؿ ‪،‬جامعة‬
‫منتوري‪،‬قسنطينة‪،‬العدد‪،5‬ديسمبر‪.2018‬‬
‫‪3‬مصطفى بف أمينة‪ ،‬النظاـ العاـ اإلقتصادي و تطبيقاتو في قانوف حماية المستيمؾ ‪،‬مقاربة تشريعية ‪،‬مجمة األستاذ‬
‫الباحث لمدراسات القانونية و السياسية‪،‬جامعة محمد بوضياؼ‪،‬المسيمة‪،‬المجمد‪،5‬العدد‪،1،2020‬ص‪.1184‬‬
‫‪4‬نجيب عبد اهلل نجيب الجبشو ‪،‬مفيوـ فكرة النظاـ العاـ و تطبيقاتيا‪ ،‬جامعة النجاح الوطنية‪،‬فمسطيف‪،2017،‬ص‪.82‬‬
‫‪212‬‬
‫التحوالت الراهنة لمنظرية العامة لمعقد‪ :‬تجديد لمعقد أم تخفيف من حدة القواعد الكالسيكية‬

‫فيو ‪،‬مما جعؿ طوائؼ جديدة مف العقود و صيغ حديثة لمتعاقد تظير و تحتؿ الصدارة لعؿ أىميا عقدي‬
‫بيع البناية التي في طور اإلنجاز و الذي يكوف أساسو التعامؿ في محؿ مستقبمي‪ ،‬و كذلؾ عقد حفظ‬
‫الحؽ و البيع عمى التصاميـ وفقا لما تضمنتو أحكاـ القانوف رقـ‪.104-11‬‬
‫ثانيا‪ :‬القاضي كطرف جديد في العقد‪ :‬هتك لقواعد مبدأ سمطان اإلرادة‬
‫أدت التحوالت اإلقتصادية و االجتماعية إلى تراجع واضح و ممموس في المبادئ التقميدية لمعقد وأثرت‬
‫عميو بشكؿ ممحوظ مما أدى إلى تقيقر و تراجع في مبدأ سمطاف اإلرادة‪ ،‬مما خمؽ ليذا التراجع ثغرة‬
‫قانونية يمكف مف خالليا لمقاضي التدخؿ في العقد‪ ،‬وفرض نوع مف الرقابة القضائية كمما دعت الضرورة‬
‫و مصمحة المتعاقديف بيدؼ المحافظة عمى العقد ‪ ،‬مما أصبح يشكؿ ذلؾ خروجا صارخا عمى مبدأ‬
‫سمطاف اإلرادة مما جعؿ مف القاضي يعتبر كطرؼ جديد خارج عف العالقة العقدية‪.‬‬
‫فقد يتدخؿ القاضي في مرحمة إبراـ العقد مف أجؿ مراقبة السموكيات الصادرة عمى األطراؼ المتعاقدة و‬
‫ذلؾ بيدؼ حماية الثقة المشروعة مف جية‪ ،‬و مف جية أخرى فرض قيـ النزاىة و اإللتزاـ بالعالقة‬
‫التعاقدية بيف المتعاقديف‪ ،‬و فرض الجزاء المناسب عند االنحراؼ عمى ىذا السموؾ‪ .‬و رغـ أف مبدأ‬
‫سمطاف اإلرادة و القوة الممزمة لمعقد كانت تحوؿ دوف تدخؿ القاضي نسبيا في العقد في وقت مضى إال‬
‫أنو في الوقت الحالي تبرر مقتضيات المصمحة العامة‪ ،‬وتراجع المبادئ الكالسيكية لمعقد جعمت مف‬
‫النظرية العامة لمعقد نظرية منفتحة تسمح لمقاضي الولوج لمعالقة العقدية‪ ،‬فيتدخؿ القاضي إما بدور‬
‫إنشائي بحيث ينشأ مراكز قانونية أو شروط جديدة وفقا لما نصت عميو المادة ‪ 214‬مف القانوف المدني و‬
‫المتعمؽ بنظرة الميسرة‪،‬كما يمكف أف يتدخؿ مف أجؿ تحقيؽ التوازف العقدي ‪.‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬التخفيف من حدة القوة الممزمة‬


‫يعتبر التخفيؼ مف صرامة و حدة القوة الممزمة أىـ مظير يعبر عف تراجع المبدأ التقميدي المتمثؿ في‬
‫مبدأ سمطاف اإلرادة ألف القوة الممزمة تشكؿ أىـ جزء مف مبدأ سمطاف اإلرادة‪.‬‬
‫أوال‪ :‬الحق في التراجع‪:‬بين إضعاف القوة الممزمة و انتهاك لممبادئ المقدسة‬
‫يعتبر مبدأ القوة الممزمة مف أىـ المبادئ التقميدية التي تمخضت عمى مبدأ سمطاف اإلرادة ‪ ،‬و ىو ركيزة‬
‫أساسية لمنظرية العامة لمعقد و الذي وضعت أحكامو في نص المادة ‪ 106‬مف القانوف المدني الجزائري و‬
‫المستوحاة مف نص المادة ‪ 1103‬مف القانوف المدني الفرنسي بحيث أنو إذا أنشأ العقد صحيحا و كامؿ‬
‫األركاف و مستوفي الشروط‪ ،‬يكوف بمثابة القانوف لمطرفيف و القاضي عمى حد سواء‪ ،‬فال يجوز المساس‬
‫بو أو التعديؿ فيو أو نقضو بإرادة منفردة‪ ،‬و يأخذ ىذا العقد قدسيتو و حمايتو مف المبدأ الكالسيكي‬
‫المعروؼ بمبدأ القوة الممزمة لمعقد‪ ،‬فيذا المبدأ يعطي حماية و حصانة فائقة لمعقد المبرـ‪ .‬باعتباره ثمرة‬

‫‪1‬فتيحة قريقر ‪،‬حدود سمطاف اإلرادة في نطاؽ النظاـ العاـ‪،‬مجمة الحقوؽ و العموـ اإلنسانية‪،‬جامعة عاشور‬
‫زياف‪،‬الجمفة‪،‬المجمد العاشر‪،‬العدد األوؿ‪،‬ص‪.279‬‬
‫‪213‬‬
‫بن لعمى عبد النور ‪/‬جربوعة منيرة‬

‫اتفاؽ الطرفيف‪ ،‬وذلؾ كتجسيد لمفكرة مبدأ سمطاف اإلرادة و مبدأ إستقرار المعامالت‪ .1‬لكف عمى الرغـ مف‬
‫أىمية مبدأ القوة الممزمة و ما يفرضو مف قيود تحوؿ دوف المساس بالعقد ‪،‬إال أنو أصبح مف الصعب في‬
‫وقتنا الراىف تطبيؽ مبدأ القوة الممزمة عمى طالقتو و بنفس الشكؿ الذي نشأ فيو وذلؾ لتغير العديد مف‬
‫المفاىيـ ‪.‬‬
‫لقد أدى التطور التكنولوجي و التحوؿ اإلقتصادي إلى تنوع في السمع و الخدمات كما أدى ىذا التطور‬
‫إلى خمؽ وسائؿ عديدة لمدعاية و التسويؽ و التي أخمت بشكؿ مباشر في كثير مف األحياف بالتوازف‬
‫المعرفي لممتعاقديف ‪ ،‬بحيث جعمت مف إرادة أحد الطرفيف ضعيفة أماـ إرادة المتعاقد معو إلفتقاده لمخبرة و‬
‫الممارسة مما أفرز ظاىرة إختالؿ التوازف العقدي‪ ،‬و الذي دفع بالمشرع إلى خمؽ آلية حديثة تيدؼ إلى‬
‫حماية الطرؼ الضعيؼ‪.‬‬
‫تعرؼ ىذه اآللية الحمائية بحؽ التراجع بحيث يمكف لمطرؼ الضعيؼ التراجع عف العقد‪،‬و بالرغـ مف أف‬
‫حؽ التراجع آلية خالقة تيدؼ إلى حماية الطرؼ الضعيؼ و صوف حقو‪ ،‬إال أنيا تبقى آلية تصطدـ مع‬
‫المبادئ الكالسيكية لمعقد ‪،‬بحيث أنيا آلية تخالؼ ما نظمتو القواعد التقميدية لمعقد ‪،‬و في مقدمتيا القوة‬
‫الممزمة لمعقد‪ .‬فحؽ التراجع ىو عبارة عف آلية قانونية فرضيا المشرع ليستفيد منيا أحد األطراؼ المتعاقدة‬
‫لمعدوؿ عف العقد‪ ،‬مما جعؿ ىذه اآللية تضعؼ مف ىيمنة القوة الممزمة لمعقد ‪،‬و تقمص مف حيز ىيمنتيا‬
‫مما جعميا آلية مستحدثة فرضتيا الظروؼ اإلقتصادية و التكنولوجية و تؤثر بشكؿ مباشر عمى القواعد‬
‫العامة في مقدمتيا مبدأ القوة الممزمة‪ ،‬مما جعؿ مف مبدأ سمطاف اإلرادة يتراجع و ربما يتالشى بشكؿ‬
‫كمي في المستقبؿ‪.‬‬
‫و لقد تطرؽ المشرع إلى فكرة التراجع في مواد متفرقة تظير أف المشرع أعطى لمشخص الحؽ في العدوؿ‬
‫ليس عف العقد فقط بؿ العدوؿ عف مبدأ القوة الممزمة بطريقة غير مباشرة فنص عميو في القانوف ‪-18‬‬
‫‪ 09‬في نص المادة ‪ ،2 4-3-2/19‬مما يظير أف المشرع قد أورد العديد مف النصوص التي تؤثر عمى‬
‫المبادئ العامة الكالسيكية و التي قيدت مبدأ سمطاف اإلرادة و خففت بشكؿ واضح مف حدة مبدأ القوة‬
‫الممزمة لمعقد و أضعفتو‪.‬‬
‫ثانيا‪:‬نظرية إنقاذ العقد‪:‬تخفيف من صرامة القوة الممزمة‬
‫لقد أدت التحوالت اإلقتصادية و التكنولوجية إلى فرض العديد مف التحديثات التي مست بشكؿ مباشر‬
‫األسس التقميدية في العقد و في مقدمتيا أعرؽ مبدأيف مبدأ القوة الممزمة ‪،‬و مبدأ سمطاف اإلرادة ‪،‬فيذه‬
‫التطورات أدت إلى حياكة نظـ قانونية جديدة أثرت بشكؿ مباشر‪ ،‬أو غير مباشر عمى مبدأ القوة الممزمة‬

‫‪1‬شوقي بناسي‪ ،‬أثر تشريعات االستيالؾ عمى المبادئ الكالسيكية لمعقد‪ ،‬أطروحة دكتوراه‪،‬كمية الحقوؽ ‪،‬جامعة‬
‫الجزائر‪،1‬الجزائر‪2016،‬ص‪.359،360‬‬
‫‪2‬راجع نص المادة ‪ 19‬ؼ ‪،1،2،3‬مف القانوف رقـ ‪ 09-18‬المؤرخ في ‪10‬يونيو‪2018‬يعدؿ و يتمـ القانوف رقـ‪-09‬‬
‫‪03‬المؤرخ في ‪ 25‬فبراير‪ 2009‬المتعمؽ بحماية المستيمؾ و قمع الغش‬
‫‪214‬‬
‫التحوالت الراهنة لمنظرية العامة لمعقد‪ :‬تجديد لمعقد أم تخفيف من حدة القواعد الكالسيكية‬

‫بحيث أدت إلى التخفيؼ مف حدة ىذا المبدأ و قمصت بشكؿ واضح مف صرامتو ‪،‬و الذي ظمت‬
‫التشريعات عاجزة أمامو لوقت طويؿ‪ .‬بحيث ظيرت نظريات تؤثر بشكؿ كبير عمى أثار ىذا المبدأ لعؿ‬
‫أىـ ىذه النظريات نظرية إنقاذ العقد‪ ،‬و الذي ظيرت في التشريع و الفقو األلماني و التي تنادي بإستعماؿ‬
‫كافة الطرؽ المتاحة و المشروعة بيدؼ إنقاذ العقد‪ ،‬و تسمح لمطرفيف و الغير و القاضي و المشرع عمى‬
‫حد سواء التعديؿ في العقد بيدؼ إنقاذه و اإلبقاء عميو‪ ،‬وىو الشيء المخالؼ لممبادئ القوة الممزمة و التي‬
‫ال ترضى بأي تدخؿ يكوف خارجا عف نطاؽ أطراؼ العالقة التعاقدية و تحظر المساس بالعقد و التعدي‬
‫عمى قدسيتو‪.‬‬
‫فتحمؿ نظرية اإلنقاذ العديد مف القواعد القانونية و المبادئ التي تفرض المساس بالعقد بيدؼ إنقاذه و ىو‬
‫الشيء الذي يدؿ عمى أف المشرع قد شرع التخمي عمى مبدأ القوة الممزمة بيدؼ المحافظة عمى العقد‪ ،‬و‬
‫ىو الشيء الذي نمتمسو جميا في نص المادة ‪ 104‬مف القانوف المدني‪ ،‬و التي تنص عمى فكرة إنقاص‬
‫العقد و التي تشكؿ جزءا ىاما مف نظرية اإلنقاذ ‪،‬و التي تمكف القاضي مف بتر جزء مف العقد بيدؼ‬
‫المحافظة عمى العقد قائما ‪،‬و المادة ‪ 105‬مف القانوف المدني التي عالجت فكرة التحوؿ بحيث يمكف‬
‫تحوؿ العقد مف شكؿ إلى شكؿ أخر بيدؼ الحفاظ عميو‪ ،‬و الذي يشكؿ في حد ذاتو خروجا صارخا عمى‬
‫مبدأ القوة الممزمة و إصطداما بيذا المبدأ الكالسيكي‪.‬‬
‫و ما يمكف مالحظتو أف مبدأ القوة الممزمة و نظرية اإلنقاذ تتحد في نفس اليدؼ و ىو الوصوؿ بالعقد‬
‫إلى التنفيذ و المحافظة ع ميو إال أنيما نظريتاف تصدـ مف خالؿ شروط التطبيؽ ‪ ،‬و ما يمكنو قولو في‬
‫ىذا السياؽ أف نظرية اإلنقاذ نظرية فرضتيا التحوالت اإلقتصادية و التكنولوجية لممحافظة عمى العقد و‬
‫حماية الطرؼ الضعيؼ‪ ،‬و ىي نظرية تحد مف طالقة مبدأ سمطاف اإلرادة‪.‬‬
‫لقد أدى التحوؿ الجدري في األوضاع اإلقتصادية و التكنولوجية إلى التخمي التدريجي عف النظريات التي‬
‫أفرزتيا مبدأ سمطاف اإلرادة و النابعة مف القانوف الروماني و الذي ىيكميا عمى أسس دينية و فمسفية و‬
‫إقتصادية و إجتماعية عتيقة و كاف أساسيا الحرية الفردية المطمقة‪، 1‬و لكف مع التطورات الراىنة يظير‬
‫أف التشريعات و في مقدمتيا المشرع الجزائري قد بدأ في إضفاء تغيرات عمى مواد القانوف المدني‪ ،‬تظير‬
‫بتخميو عف التشبت بمبدأ النزعة الفردية ومحاولة تقميصو مف طالقة القوة الممزمة و مبدأ سمطاف اإلرادة‪ ،‬و‬
‫لعؿ إدراجو لنظرية إنقاذ العقد و حؽ التراجع أكبر دليؿ عمى ذلؾ‪ .‬فتجدر اإلشارة إلى أف مبدأ القوة‬
‫الممزمة يحمؿ في طياتو شقيف شؽ سمبي يتمثؿ في االمتناع عف المساس بالعقد بشتى الطرؽ و الوسائؿ‬
‫مالـ تكف نابعة عف الطرفيف ‪،‬و شؽ إيجابي يتمثؿ في المحافظة عمى العقد قائما و الوصوؿ بو إلى‬
‫تنفيذه‪ .‬وما يمكف مالحظتو أف التطورات اإلقتصادية و التكنولوجية دفعت بالمشرع إلى التعديؿ في مبدأ‬

‫‪ 1‬أحمد بعجي‪،‬تأثير التوجيو التشريعي عمى النظرية العامة لمعقد‪،‬أطروحة دكتوراه‪،‬كمية الحقوؽ ‪،‬جامعة‬
‫الجزائر‪،1‬الجزائر‪،2019،‬ص‪.129‬‬
‫‪215‬‬
‫بن لعمى عبد النور ‪/‬جربوعة منيرة‬

‫القوة الممزمة في شقيا السمبي بحيث سمح ىذا التعديؿ لمقاضي أو األطراؼ المساس بالعقد إنقاذا لو و ىو‬
‫الشيء الذي كاف محظو ار في وقت ماضي‪.‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬تأثير التحوالت الراهنة عمى العقد ‪ :‬بين ثبات النظرية العامة و تحولها‬
‫لقد أثرت التحوالت الراىنة عمى النظرية العامة لمعقد و عمى المبادئ الكالسيكية المشكمة ليذا الكياف مما‬
‫جعؿ العقد يتأرجح بيف الثبات عمى المبادئ القديمة و تحوليا مما خمؽ معضمة قانونية سعت التشريعات‬
‫لحؿ شفراتيا‬

‫المطمب األول‪ :‬مآل النظرية العامة لمعقد في ظل التحوالت اإلقتصادية‬


‫لقد أدت التحوالت اإلقتصادية إلى التأثير عمى النظرية العامة لمعقد بشكؿ كبير بحيث قامت بإنعاش‬
‫بعض المبادئ التقميدية و أصابت بالفتور مبادئ أخرى‬
‫الفرع األول‪:‬تأثير التشريعات الخاصة عمى النظرية العامة لمعقد‪:‬إرهاق لمنصوص العامة‬
‫عممت التطورات الراىنة عمى خمؽ العديد مف التشريعات الخاصة و التي بظيورىا أدت إلى التقميص نوعا‬
‫ما مف أعباء النظرية العامة لمعقد مما سبب نوع مف اإلرىاؽ و اإلرتباؾ في النصوص العامة‪.‬‬
‫أوال قانون المنافسة‪:‬تالزم بين تكميل النصوص العامة وحماية الطرف الضعيف‬
‫أثبتت النصوص العامة في النظرية العامة لمعقد قصورىا في مواكبة التطورات التي يشيدىا المجتمع‬
‫بشكؿ يومي و متسارع‪ ،‬مما جعؿ مف النصوص العامة قاصرة و مرىقة عمى مسايرة الواقع ‪ ،‬مما جعؿ‬
‫المشرع يخمؽ قوانيف خاصة واكبت التحوالت االقتصادية‪ ،‬و أتمت الفراغات التي تركتيا الشريعة العامة‬
‫لمعقود فمقد صدر قانوف المنافسة لفرض الحماية لممتعامميف اإلقتصاديف‪ ،‬و المستيمكيف عمى حد سواء و‬
‫ذلؾ بيدؼ فرض الحماية لمطرؼ الضعيؼ ‪،‬و التي تعد قاصرة نوعا ما في النظرية الكالسيكية لمعقد‬
‫وتدارؾ اليفوات و الفراغات القانونية التي سقط فيو المشرع في العقد المدني ‪ ،‬بحيث تضمنت قواعد‬
‫قانوف المنافسة العديد مف المواد المستحدثة و اليادفة بشكؿ واضح ‪،‬و لعؿ ذلؾ ما يظير جميا في المادة‬
‫‪ 01‬مف األمر‪ 03-03‬و المعدؿ و المتمـ بقانوف ‪.112-08‬‬
‫و المالحظ في نصوص قانوف المنافسة أنيا نصوص قانونية ذات إعتبارات إقتصادية قد منحت المتعاقد‬
‫حماية اقتصادية قصوى‪ ،‬و العديد مف النصوص المتضمنة في ىذا القانوف جاءت كردة فعؿ عمى‬
‫‪2‬‬
‫الفراغات القانونية و اليفوات التي تضمنتيا النظرية العامة لمعقد ‪،‬فمثال نص المادة ‪ 11‬مف نفس األمر‬
‫أتت كحماية لمطرؼ الضعيؼ اقتصاديا و عقديا ‪،‬و لقد صدرت ىذه المادة نتيجة قصور المادة ‪124‬‬
‫مكرر مف القانوف المدني عف توفير ىذه الحماية‪ . 3‬كما يالحظ أف المشرع قد إستحدث فكرة اإلستعماؿ‬

‫‪1‬نص المادة ‪ 01‬مف األمر‪03-03‬المؤرخ في ‪ 19‬جويمية‪2003‬المعدؿ و المتمـ المتعمؽ بالمنافسة‪.‬‬


‫‪2‬راجع نص المادة ‪ 11‬مف األمر السالؼ الذكر‬
‫‪3‬راجع نص المادة ‪ 124‬مكرر مف القانوف المدني‬
‫‪216‬‬
‫التحوالت الراهنة لمنظرية العامة لمعقد‪ :‬تجديد لمعقد أم تخفيف من حدة القواعد الكالسيكية‬

‫التعسفي لوضعية التبعية في نص المادة ‪ 11‬مف نفس األمر‪ ،‬و المستوحاة مف فكرة التعسؼ في إستعماؿ‬
‫الحؽ المنصوص عمييا في نص المادة ‪124‬مكرر مف القانوف المدني ‪،‬و أف تفعيؿ ىذه المادة في قانوف‬
‫المنافسة قد أعطى المتعامميف االقتصادييف و كذا المستيمكيف عمى حد سواء الحماية المطموبة‪ ،‬و قد‬
‫أرست ىذه المادة العديد مف األسس لعؿ أىميا ضماف حسف سير المعامالت‪ ،‬و ضبط السوؽ مف كافة‬
‫التداعيات و نشر الشفافية في الممارسات‪ ،‬و عمى الرغـ مف االيجابيات الخالقة التي فرضتيا ىذه المادة‬
‫إالّ أنيا أدت بشكؿ مباشر إلى التخمي عف المادة ‪ 124‬مكرر و ىجرانيا ألنيا أصبحت مادة جامدة ال‬
‫توفر الحماية المنشودة و لع ّؿ ىذه المادة أبسط مثاؿ يدؿ عمى أف قانوف المنافسة أدى إلى التقميص مف‬
‫التشبث بالمبادئ التقميدية مع المالحظة أف المادة ‪ 124‬تطبؽ في المسؤولية التقصيرية و بقيت كصماـ‬
‫األماف الذي يدعـ ىذه المواد المستحدثة‪.‬‬
‫كما يظير أف ىذا القانوف تضمف العديد مف المبادئ التي ال نجد ليا صدى في النظرية العامة لمعقد و‬
‫لعؿ أىميا رفض البيع بدوف مبرر شرعي التي تضمنتيا المادة ‪ ،1/11‬و كذلؾ فكرة البيع التمييزي التي‬
‫أشارت إلييا المادة ‪ ،2/11‬و البيع المشروط باقتناء كمية دنيا التي أشارت ليا المادة ‪ 3/11‬فنص المادة‬
‫‪ 11‬و في فقرات متتالية وضعت العديد مف المبادئ المفقودة في النظرية العامة ‪،‬إالّ أف ىذا القانوف و إف‬
‫كاف كتكممة لمنظرية العامة ‪،‬فإنو أتبث بجدارة قصور المبادئ الكالسيكية عف مواكبة الواقع اإلقتصادي‬
‫المعاش و ذلؾ إلنتماء المبادئ المتضمنة في النظرية العامة لمقرف الماضي‪ ،‬و ما يبدو جميا أف تفاقـ‬
‫التشريعات الخاصة و في مقدمتيا قانوف المنافسة و الذي أصبح قانونا مييمنا بفعؿ التحوالت االقتصادية‬
‫و االجتماعية و التكنولوجية‪ ،‬قد مس بشكؿ مباشر بالمبادئ الكالسيكية لمعقد و في مقدمتيا مبدأ الحرية‬
‫العقدية و القواعد التقميدية بحيث أف ىذا القانوف المستحدث قد فرض بشكؿ واسع المساواة الفعمية و قد‬
‫جسد بشكؿ واضح العدالة العقدية‪.‬‬
‫ثانيا قانون حماية المستهمك‪:‬حماية لمطرف الضعيف أم تجسيد لمنظام العام اإلقتصادي؟‬
‫لقد أثرت تشريعات اإلستيالؾ عمى النظرية العامة لمعقود بشكؿ محسوس فمقد أضحت ىذه التشريعات‬
‫تشكؿ مصادر جديدة تحكـ العالقة العقدية بدؿ القواعد الكالسيكية‪ ،‬التي تضمنتيا النظرية العامة لمعقد و‬
‫التي أضحت تعاني قصو ار واضحا في ضبط العالقات التعاقدية و مواكبة الواقع و توفير الحماية لمطرؼ‬
‫الضعيؼ ‪ ،‬فمقد أصبح قانوف حماية المستيمؾ بمثابة قانوف يجسد فكرة النظاـ العاـ اإلقتصادي و يعمؿ‬
‫عمى تحقيؽ الحماية لمطرؼ الضعيؼ ‪،‬و إرساء أسس الحياد و المساواة بيف أطراؼ العالقة التعاقدية مما‬
‫جعؿ مف ىذا القانوف يطغى عمى القواعد العامة ‪،‬و يقوـ بسد كافة الثغرات و اليفوات القانونية الموجودة‬
‫في القانوف المدني مما جعؿ مف ىذا القانوف قانونا يواكب التحوالت الراىنة و الطارئة عمى النظرية العامة‬
‫لمعقد ‪ ،‬حتى أضحى بعض الفقياء يطمقوف عمى قانوف حماية المستيمؾ إسـ الفرع الخارج عف النظرية‬

‫‪217‬‬
‫بن لعمى عبد النور ‪/‬جربوعة منيرة‬

‫العامة لمعقد‪ .1‬فقانوف حماية المستيمؾ جاء بمجموعة مف القواعد التي لـ نممسيا في النظرية العامة لمعقد‬
‫بحيث جاءت فيو العديد مف المبادئ المستحدثة‪ ،‬ولعؿ أىميا تحسيف رضا المستيمؾ مف خالؿ تفعيؿ‬
‫إلزامية اإلعالـ و التفكير و إستبعاد كافة مؤثرات الالتوازف مف خالؿ مكافحة الشروط التعسفية ‪2‬التي قد‬
‫تط أر عمى العقد فضال عف دعـ االلتزامات المينية‪ ،‬و لعؿ ذلؾ ما نممسو في العديد مف النصوص‬
‫المستحدثة‪ .‬فمقد استحدث المشرع فكرة االلتزاـ باإلعالـ في نص المادة ‪ 17‬مف القانوف ‪ 303-09‬و الذي‬
‫يسعى إلى حماية المستيمؾ مف كافة المناورات التي يستخدميا البائع ‪،‬و ذلؾ تعزي از لمقواعد العامة التي‬
‫تفتقد إلى ىذا النوع مف التخصيص و الحماية ‪ ،‬كما يالحظ في قانوف حماية المستيمؾ قد استحدث آلية‬
‫حؽ التراجع كمكنة حديثة لحماية رضا المتعاقد‪ ،‬و لفرض الحماية عمى المتعاقد بحيث يمكنو النكوؿ عما‬
‫قدمو مف قبوؿ في أي مرحمة مف التعاقد كمما أحس بأنو يتعرض إلى االستغفاؿ و اإلستغالؿ مف طرؼ‬
‫المتعاقد معو ‪،‬و لعؿ ذلؾ ما نصت عميو المادة ‪ 4/119‬مكرر‪ 1‬مف األمر ‪ 04-10‬المعدؿ و المتمـ‬
‫ألمر رقـ ‪ 11-03‬المتعمؽ بالنقد و القرض‪ .4‬و ما يظير جميا أف المشرع قد وضع آليات و قواعد في‬
‫تشريعات اإلستيالؾ و أف ىذه المواد مف جية قد سدت الثغرات القانونية التي تركت في القانوف المدني‬
‫و مف جية أخرى يظير أف ىذه المواد المستحدثة قد قمصت بشكؿ واضح مف واقع تغوؿ المبادئ‬
‫الكالسيكية لمنظرية العامة لمعقد‪ ،‬بحيث أف ىذه اإلحداثيات قد طوقت مبدأ سمطاف اإلرادة و قد حدت‬
‫بشكؿ مباشر مف طالقتو ‪ ،‬كما أف ىذه التحديثات التي صاغيا المشرع أكسبت الطرؼ المتعاقد نوع مف‬
‫الحماية المفروضة ‪ ،‬و التي ألحت عمييا التقدمات اإلقتصادية و فرضتيا عمى الواقع المعاش‪ ،‬و لعؿ ىذا‬
‫اإلنتقاؿ الممحوظ في نص المواد‪ ،‬راجع إلى اإلنتقاؿ الفكري لممشرع‪ ،‬بحيث تخمى عف المذىب المميـ‬
‫المتمثؿ في المذىب الفردي و الذي ظؿ متشبثا بو لردح مف الزمف ‪،‬و ما يمكف مالحظتو أف التطورات‬
‫اإلقتصادية و التكنولوجية فرضت عمى المشرع أيضا اإلنتقاؿ مف التوجو الفردي مما أفرز جؿ ىذه‬
‫التطورات الحاصمة ‪،‬و قد وصمت إلى تحقيؽ المساواة الفعمية عمى أرض الواقع بعدما كانت في وقت‬
‫ماضي مجرد أفكار و تصورات و ضرب مف الخياؿ ‪،‬بحيث يرى األستاذ فياللي أف تشريعات اإلستيالؾ‬
‫قد كرست و بشكؿ واضح اإلنتقاؿ مف المساواة المجردة إلى المساواة الفعمية ‪ ،‬و قد انتقمت مف فكرة‬

‫‪ 1‬عيسى بخيت‪،‬أثر تشريعات االستيالؾ عمى مبادئ النظرية التقميدية لمعقد‪،‬األكاديمية لمدراسات االجتماعية و‬
‫اإلنسانية‪،‬جامعة حسيبة بف بوعمي‪،‬الشمؼ‪،‬العدد ‪،20‬جواف‪،2018‬ص‪.111‬‬
‫‪2‬بيالمي سارة‪،‬نطاؽ حرية التعاقد في ظؿ تطور قانوف العقود‪،‬مجمة البحوث في العقود و قانوف االعماؿ‪،‬جامعة‬
‫منتوري‪،‬كمية الحقوؽ‪،‬قسنطينة‪،‬العدد ‪،5‬ديسمبر‪،2018‬ص‪.71‬‬
‫‪3‬القانوف رقـ ‪ 03-09‬مؤرخ في ‪ 25‬فبراير سنة ‪،2009‬يتعمؽ بحماية المستيمؾ و قمع الغش الجريدة رقـ ‪ 15‬المؤرخة‬
‫في ‪ 08‬مارس‪2009‬‬
‫‪4‬راجع نص المادة ‪119‬ؼ‪4‬مكرر‪ 1‬مف األمر‪04-10‬المعدؿ و المتمـ ألمر رقـ‪11-03‬المتعمؽ بالنقذ و القرض‪.‬‬
‫‪218‬‬
‫التحوالت الراهنة لمنظرية العامة لمعقد‪ :‬تجديد لمعقد أم تخفيف من حدة القواعد الكالسيكية‬

‫العدالة التبادلية إلى العدالة التوزيعية ‪ ،‬و أف قانوف حماية المستيمؾ قد جاءت كنتيجة إلنعداـ المساواة‬
‫فقانوف حماية المستيمؾ جاء كتكريس لفكرة المساواة الفعمية و العدالة العقدية‪.1‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬ظهور زمرة العقود المعاصرة‪:‬عقود مستحدثة تفرض عمى الواقع‬
‫فمقد أظيرت التحوالت اإلقتصادية و التكنولوجية النقائص الرىيبة التي تضمنيا المذىب الفردي و تداعياتو‬
‫عمى النظرية العامة لمعقد ‪ ،‬و لقد أدى التخمي عف المذىب الفردي إلى التغير مف وظيفة الدولة بحيث‬
‫انتقمت الدولة مف كونيا تقوـ بوظيفة الحارسة إلى الدولة المتدخمة ‪،‬و التي تتحكـ في المجاؿ اإلقتصادي‬
‫و التطور المشيود في دور الدولة أدى إلى بزوغ أنواع جديدة مف العقود‪ ،‬و التي لـ تكف متداولة مف قبؿ‬
‫لعؿ أىميا العقود الجماعية و عقود اإلدماج‪.‬‬

‫أوال‪ :‬العقود الجماعية‪:‬تقنية قانونية ذات بعد إقتصادي‬


‫لقد أدى التشبث بالمذىب الفردي االعتداد المطمؽ بالمبادئ الكالسيكية في مقدمتيا مبدأ القوة الممزمة و‬
‫مبدأ الحرية العقدية‪،‬و لكف الغمو في تقديس المذىب الفردي أدى إلى ظيور طوائؼ جديدة تنادي بالتغيير‬
‫مف الفمسفة التقميدية لمعقود و المجوء إلى فمسفة جديدة تقوـ عمى أساس المذىب اإلجتماعي‪ . 2‬إال أف‬
‫انتياج المذىب اإلجتماعي أفرز العديد مف التحديثات التي أقحمت عمى النظرية العامة لمعقد ‪،‬و لعؿ‬
‫أىميا التخمي عف اإلعتداد بالعقود الفردية و ىو ما جعؿ أنصار المذىب الفردي يعتبروف ذلؾ أزمة‬
‫أصابت العقد‪ .‬ففكرة عقود اإلذعاف و التي كاف مناط انتشارىا المذىب الفردي و ما خمقتو مف مشاكؿ‬
‫عديد عصفت بالنظرية العامة لمعقد‪ .‬ف نجد أف الدولة تدخمت لمحد مف ىيمنة المتعاقد في العقد مف خالؿ‬
‫فرضيا نوع جديد مف العقود تتمثؿ في العقود الجماعية ‪،‬و التي تعتبر عصارة إنتياج المذىب اإلجتماعي‬
‫و إضفاء الطابع اإلجتماعي عمى العقود‪ ،‬فالعقود الجماعية ىي نوع مف العقود التي تجسد فكرة الوظيفة‬
‫اإلجتماعية لمعقد و إضفاء الصفة اإلجتماعية عمى العقد‪،‬و تعتبر عالقات العمؿ المجاؿ الخصب لتطبيؽ‬
‫ىذا النوع مف العقود ‪ ،‬مما جعميا تضمف تحقيؽ المساواة الفعمية في المراكز التعاقدية رغـ التبايف و‬
‫االختالؼ بيف الثروات التي يممكيا كؿ متعاقد‪ .‬فيذا النوع مف العقود تحمي الطرؼ األكثر ضعفا و‬
‫تخفؼ مف قوة الطرؼ القوي في التعاقد بحيث تساوي بيف األطراؼ المتعاقدة عمى أساس مبدأ العدالة‬
‫التوزيعية و مبدأ العدالة اإلقتصادية‪ ،‬و لعؿ ذلؾ ما كانت تصبو إليو الدولة مف خالؿ إنشائيا لمعقود‬
‫الجماعية‪ ، 3‬و ذلؾ كنتيجة حتمية عف عدـ قدرة المذىب الفردي إستيعاب التطورات الحاصمة و ضماف‬
‫التوازف العقدي مما جعؿ الدولة تتعمؽ بالمذىب اإلجتماعي المساير لمتطورات و الضامف لتحقيؽ التوازف‬

‫‪1‬نسريف حسيف ناصر الديف‪ ،‬القوة الممزمة لمعقد في ظؿ قانوف حماية المستيمؾ‪ ،‬منشو ارت زيف الحقوقية‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبناف‪،‬‬
‫‪2018‬ص‪.394‬‬
‫‪2‬عمي فياللي‪،‬اإللتزامات‪،‬النظرية العامة لمعقد‪،‬ط‪،3‬موفـ لمنشر‪،‬الجزائر‪، 2013،‬ص‪.90،92‬‬
‫‪3‬المرجع السابؽ‪ ،‬ص ‪.92‬‬
‫‪219‬‬
‫بن لعمى عبد النور ‪/‬جربوعة منيرة‬

‫العقدي و القضاء عمى كافة اإلختالالت التي قد تط أر عمى إلتزامات المتعاقديف‪ .‬و ما ظيور العقود‬
‫الجماعية إال نتيجة لتطور العقد و الذي كاف بسبب التحوالت العميقة في الحياة اإلقتصادية و اإلجتماعية‬
‫و التكنولوجية عمى حد سواء مما جعؿ الدولة تفرض ىذا النوع مف العقود و تدخميا إطار التنفيذ ‪،‬و ما‬
‫يمكف مالحظتو أف ىذه العقود قد قدمت العديد مف اإليجابيات لعؿ أىميا خمؽ المساواة الفعمية في العقود‬
‫وتحقيؽ مبدأ التوازف العقد و التقميص مف دائرة عقود اإلذعاف ‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬عقود اإلدماج ‪ :‬عقود هجينة في صيغة قوالب جاهزة‬


‫تعتبر عقود اإلدماج مف العقود المستحدثة و التي لـ تكف معروفة في الوقت الماضي ‪،‬فمع التطورات‬
‫اإلقتصادية و التكنولوجية التي أثرت بشكؿ مباشر عمى المجتمع‪ ،‬وجدت الدولة الجزائرية نفسيا في‬
‫مواجية أزمة حقيقية وىي شبح البطالة فعمدت الدولة إلى معالجة الوضع المعاش عف طريؽ إنشاء صيغة‬
‫جديدة مف العقود و التي اكتسحت الواقع بشكؿ متزايد حتى غطت بشكؿ مبالغ فيو مما أدى بذلؾ إلى‬
‫تراجع عقود العمؿ تحؿ محميا عقود التشغيؿ و اإلدماج ‪.‬و تعتبر عقود اإلدماج أفضؿ مثاؿ عف العقود‬
‫النموذجية بحيث تشكؿ قوالب جاىزة لمتعاقد‪ ،‬و ال يكوف فيو لممتعاقد دور سوى اإلمضاء أو الرفض دوف‬
‫أف تتسنى لو الفرصة لممناقشة شروط العقد مما جعؿ الكثير مف الدراسات تعتبره مزيج بيف العقود‬
‫النموذجية و عقود اإلذعاف‪ ،‬و تكوف ىذه العقود محددة المدة ‪،‬و مع ذلؾ تختمؼ إختالفا جوىريا عف‬
‫عقود العمؿ المنصوص عمييا في قانوف العمؿ الخاضع لمقانوف رقـ ‪ 11-90‬المتعمؽ بعالقات العمؿ‪.‬و‬
‫تخضع عقود اإلدماج إلى مرسوـ تنظيمي‪ 1‬و تكوف ىذه العقود مقصورة عمى فئة محددة و ىي فئة حاممي‬
‫الشيادات و التكويف الميني‪ ،‬و تكوف ىذه العقود ثالثية العالقة بحيث يكوف فييا العقد مرتبطا بيف ثالثة‬
‫أطراؼ المستخدـ و المستفيد و الوسيط ممثال في الوكالة الوطنية لمتشغيؿ كما أف األجر في ىذه العقود‬
‫يكوف جزئيا بحيث جزء يدفعو المستخدـ و المتمثؿ في ‪ % 70‬مف األجر و ‪ % 30‬تدفعو الوكالة الوطنية‬
‫لمتشغيؿ‪،‬و ىنا يظير الخالؼ الواضح بيف ىذا العقد و عقود العمؿ التي تكوف واسعة يتصؿ بيا كؿ‬
‫شخص طالب لمعمؿ و تكوف ثنائية العالقة و يكوف األجر مف جية المستخدـ فقط ‪،‬و ما يظير جميا أف‬
‫الدولة قد استحدثت ىذا النوع مف العقود بيدؼ التقميص مف شبح البطالة الذي فرضتو التحوالت‬
‫اإلقتصادية عمى المجتمع مما جعؿ مف الدولة تتقصى نوع جديد مف العقود يسمح ليا بخمؽ وظائؼ و لو‬
‫بصورة مؤقتة‪.‬‬
‫فعقود اإلدماج ىي نوع مف العقود المستحدثة مف قبؿ الدولة ‪2‬و التي إعتبرت كنوع مف العقود اليجينة‬
‫تضمف العديد مف الخصائص المستقطبة مف فئات مختمفة مف العقود ‪ ،‬و أف ىذه النوع مف العقود قد‬

‫‪1‬راجع نص المادة ‪ 4‬مف المرسوـ التنفيذي رقـ‪ 126-08‬المؤرخ في ‪ 19‬أفريؿ ‪ 2008‬المتعمؽ بجياز المساعدة عمى‬
‫اإلدماج الميني‪.‬‬
‫‪2‬راجع المرسوـ التنفيذي رقـ ‪105-11‬المؤرخ في ‪ 06‬مارس ‪ 2011‬الذي يعدؿ و يتمـ المرسوـ التنفيذي رقـ ‪126-08‬‬
‫المؤرخ في ‪ 19‬أفريؿ ‪ 2008‬المتعمؽ بجياز المساعدة عمى اإلدماج الميني‪.‬‬
‫‪220‬‬
‫التحوالت الراهنة لمنظرية العامة لمعقد‪ :‬تجديد لمعقد أم تخفيف من حدة القواعد الكالسيكية‬

‫لجأت إلييا الدولة الجزائرية بيدؼ إمتصاص البطالة و تحقيقا لمواكبة التطورات اإلقتصادية و اإلجتماعية‬
‫مما جعؿ الدولة تتدخؿ بصفة مباشرة لخمؽ طائفة جديدة مف العقود و توجيييا إال أف ىذا التدخؿ الصادر‬
‫عف الدولة خمؽ نوع مف الييمنة اإلجتماعية عمى العقود ‪،‬بحيث فرض العديد مف اإللتزامات القانونية و‬
‫التنظيمية إال أف ىذه المتغيرات قد أثرت بشكؿ واضح و مباشر عمى النظرية العامة لمعقد بحيث أف ىذا‬
‫التغير قد اثر بشكؿ مباشر عمى مبدأ الحرية العقدية بحيث أصبح منعدما في ىذا النوع مف العقود بحيث‬
‫أصبح المتعاقد ممزما بما تحتويو ىذه العقود دوف أف يتسنى لو مناقشة بنود العقد أو األجر‪.‬‬
‫المطمب الثاني‪:‬مستقبل النظرية العامة لمعقد في ظل التحوالت التكنولوجية‬
‫إف التغير الذي لحؽ بالقواعد التقميدية لمنظرية العامة لمعقد ينبع أساسا مف تأثر ىذه األخيرة بالتحوالت‬
‫التكنولوجية التي عرفيا العالـ في العقديف األخيريف نتيجة لممؤثرات الخارجية التي تصب في نطاؽ‬
‫العولمة اإلقتصادية‪ ،‬مما خمؽ تحديثات قانونية واسعة تتمثؿ في استخداـ الوسائؿ اإللكترونية في مجاؿ‬
‫التعاقد‪.‬‬

‫الفرع األول‪:‬ظهور العقود اإللكترونية‪:‬تراجع عن العقود الورقية‬


‫لقد أدى التطور اليائؿ لمتكنولوجيا الحديثة إلى تطوير كافة وسائؿ اإلتصاؿ مما أدى إلى فضح القصور‬
‫الذي تعاني منو النظرية العامة لمعقد و العقود بصفة عامة في حمتيا الكالسكية ‪،‬و مع التطور اليائؿ‬
‫الذي خمقو التقدـ التكنولوجي و ما أفرزه مف تقدـ في وسائؿ اإلتصاؿ قاطبة ظيرت مع ىذا التقدـ حمة‬
‫جديدة في العقود تسمى بالعقود اإللكترونية و الذي يعتبر ركيزة حقيقية في المعامالت الحديثة و دعامة‬
‫أساسية في التجارة اإللكترونية نظ ار لسيولة و سرعة إبرامو‪ ،‬و لقد عرؼ الفقو الفرنسي العقد اإللكتروني‬
‫عمى أنو ‪":‬اتفاؽ يتالقى فيو اإليجاب و القبوؿ بشأف األمواؿ و الخدمات عبر شبكة دولة لإلتصاؿ عف‬
‫بعد‪ ،‬و ذلؾ بوسيمة مسموعة و مرئية ‪،‬تنتج التفاعؿ الحواري بيف الموجب و القابؿ"‪ ،1‬كما عرؼ أيضا‬
‫عمى أنو"اتفاؽ يتالقى فيو اإليجاب و القبوؿ بشأف األمواؿ و الخدمات عبر شبكة دولية لإلتصاؿ عف‬
‫بعد‪،‬وذلؾ بوسيمة مسموعة و مرئية‪،‬تنتج التفاعؿ الحواري بيف الموجب و القابؿ"‪، 2‬و لقد نظـ المشرع‬
‫الجزائري ىذا النوع مف التعاقد بموجب القانوف رقـ ‪ 05-18‬المتعمؽ بالتجارة اإللكترونية‪ 3‬فمقد قاـ المشرع‬
‫بتطوير النظرية العامة لمعقد بحيث أنشأ نوعا جديدا مف العقود و التي يمكف لممتعاقديف إبرامو دوف المجوء‬
‫إلى الحضور الفعمي في مجمس العقد و اإلكتفاء بالتعاقد اإلفتراضي‪ ،‬و يبرـ العقد عف طريؽ وسيمة مف‬
‫الوسائؿ اإللكترونية و أف ىذا العقد ظير نتيجة عصارة التطور التكنولوجي و االقتصادي‪.‬‬
‫أوال‪ :‬المحل اإللكتروني‪ :‬مفهوم جديد فرضته التطورات‬

‫‪1‬يمينة حوحو‪،‬عقد البيع اإللكتروني‪،‬دراسة مقارنة‪،‬جامعة الجزائر‪،1‬كمية الحقوؽ‪،‬بف عكنوف‪،‬الجزائر‪،2012،‬ص‪.6،7‬‬


‫‪2‬المرجع السابؽ‪،‬ص‪.8‬‬
‫‪3‬القانوف رقـ‪ 05-18‬المؤرخ في ‪ 10‬ماي ‪ 2018‬المتعمؽ بالتجارة اإللكترونية‪.‬‬
‫‪221‬‬
‫بن لعمى عبد النور ‪/‬جربوعة منيرة‬

‫لقد كانت العقود التقميدية تقوـ عمى أساس ركف المحؿ التقميدي‪ ،‬و الذي قد يكوف عقا ار أو منقوؿ أو‬
‫سمعة و التي كانت توصؼ عمى أنيا ركف مادي ‪ ،‬لكف مع التطور التكنولوجي و ظيور العقود‬
‫اإللكترونية ظير مع ىذه العقود بعض األركاف العقدية المستحدثة لعؿ أىميا المحؿ‪، 1‬بحيث بعدما كاف‬
‫المحؿ في العقود الورقية محؿ مادي يخضع لمشروط معينة عالجت أحكامو النظرية العامة لمعقد التقميدية‬
‫فإف العقد اإللكتروني بظيوره فرض نوع جديد مف المحؿ المستحدث المتمثؿ في المحؿ اإللكتروني‪ ،‬الذي‬
‫يضـ السمع اإللكترونية و الخدمات الرقمية و التي توصؼ بأنيا عبارة عف محؿ غير مادي ‪ .‬بحيث‬
‫يكوف المحؿ منتوج رقمي‪ ،‬و المنتجات الرقمية في عموميا تكوف منتجات غير مادية و ىو األمر الذي‬
‫كاف غير منطقيا و غير مقبوؿ في النظرية العامة لمعقد التقميدية ‪ ،‬مما يبيف أف التطور التكنولوجي قد أثر‬
‫عمى النظرية العامة لمعقد بفرضو عقود جديدة و بأركاف مستحدثة ‪ ،‬فأصبح المحؿ في شكؿ معمومة‬
‫رقمية تعبر عبر شبكة االنترنت‪ ،‬و لعؿ مثاليا بيع الكتب االلكترونية‪ ،‬و األفالـ ‪،‬و البرامج اآللية ‪،‬و‬
‫الصحؼ ‪ ،‬و المؤلفات و التي تكوف في شكؿ بيانات رقمية و تصبح في شكؿ حروؼ و رموز و أشكاؿ‬
‫ترسؿ مف البائع لممشتري في شكؿ معمومة رقمية ‪ ،‬و ىذا الشيء الذي كاف يصعب تصوره في وقت قد‬
‫مضى‪ ،‬كما يمكف أف يكوف المحؿ في شكؿ خدمة رقمية يمكف خدمتيا عف بعد عبر الوسائط اإللكترونية‬
‫أو شبكة األنترنت ‪ ،‬و ىي تختمؼ عف الخدمات التقميدية المباشرة التي كانت تتـ في شكؿ خدمات مباشرة‬
‫و حضورية في أغمب األحياف ‪ ،‬فمقد سيمت التكنولوجية تقديـ الخدمات الرقمية عف بعد لممتعامميف و‬
‫دوف اإلنتقاؿ كخدمة الدفع عف بعد و خدمة التصديؽ االلكتروني‪ ،‬و الصيانة عف بعد الخاصة ببرامج‬
‫الكمبيوتر و غيرىا‪ .‬و ما يمكف مالحظتو أف التطور التكنولوجي قد أدى بصفة مباشرة إلى إنشاء عقود‬
‫جديدة تعرؼ بالعقود اإللكترونية تتميز بخصائصيا الحديثة عف العقود الورقية التقميدية كما أف ىذه العقود‬
‫يكوف فييا ركف المحؿ مستحدثا ومختمفا عف ركف المحؿ التقميدي‪.‬‬
‫ثانيا الحق في العدول في العقد اإللكتروني‪:‬حماية لرضى المتعاقد أم نكول عن العقد؟‬
‫األصؿ في العقود عموما أنيا إذا قامت صحيحة مستوفية لجميع شروط اإلنعقاد و كاممة األركاف فإنيا‬
‫تصبح بمثابة قانوف بيف الطرفيف فال يجوز نقضيا ‪،‬و ال تعديميا‪ ،‬و ال إلغاؤىا إال باتفاؽ الطرفيف أو‬
‫لألسباب التي يقررىا القانوف و ذلؾ طبقا لما نصت عميو المادة ‪ 106‬مف القانوف المدني‪.‬‬
‫و لكف بإعتبار أف العقد اإللكتروني مف العقود المستحدثة فإف المشرع قد خصيا بخصائص ال نجدىا في‬
‫العقود الكالسيكية ‪،‬بحيث أف المتعاقد في العقد اإللكتروني ليس لو السمطة الواسعة في معاينة محؿ‬
‫التعاقد و السمعة نظ ار لكوف التعاقد يصدر عف بعد و بالتالي‪ ،‬فإنو يفتقد لمعاينة المحؿ و عدـ اإللماـ‬
‫بتفاصيؿ السمعة قبؿ التعاقد فإف التشريعات المنظمة لمتعاقد عف بعد‪ ،‬و التشريعات المتعمقة بالمعامالت‬
‫اإللكترونية أجازت لممتعاقد‪ ،‬الذي صدر عنو القبوؿ العدوؿ و الرجوع عف العقد بعد صدور قبولو و بعد‬
‫تنفيذ العقد‪ ،‬إذا تبيف لو أنو قد تسرع في التعبير عف إرادتو و إصدار قبولو ‪ .‬فالحؽ في التراجع عبارة عف‬

‫‪1‬ماجد محمد سميماف أبا الخيؿ‪،‬العقد اإللكتروني‪،‬مكتبة الناشروف‪،‬الطبعة األولى‪،2009،‬الرياض‪،‬ص‪.100‬‬


‫‪222‬‬
‫التحوالت الراهنة لمنظرية العامة لمعقد‪ :‬تجديد لمعقد أم تخفيف من حدة القواعد الكالسيكية‬

‫آلية خص بيا المشرع العقود اإللكترونية و جعميا صفة مالزمة لمعقود اإللكترونية ‪،‬و ىي وسيمة لحماية‬
‫رضى المتعاقد مف كافة األخطاء و التسرع في إصدار القبوؿ‪ ،‬كما أنو عبارة عف ضماف لصد كافة‬
‫التحايالت و المناورات‪ ،‬التي قد يستخدميا المتعاقد المالؾ لمسمعة أو الخدمة فيتالعب بالتقنيات و‬
‫المعمومات فيؤدي إلى إغراء المتعاقد معو و السيطرة عميو و إضعافو لدفعو إلى إبراـ العقد‪ ،‬فالحؽ في‬
‫التراجع عبارة عف آلية تشريعية إضافية أضافيا المشرع لمعقود االلكترونية كضماف لتوفير الحماية‬
‫القصوى لمطرؼ الضعيؼ‪ ،‬فالحؽ في التراجع مظير مف مظاىر الحماية التي كرسيا المشرع لممتعاقديف‬
‫في العقود اإللكترونية‪ ،‬و التي أثرت بدورىا عمى العديد مف المبادئ التقميدية التي تحكـ النظرية العامة‬
‫لمعقد‪ ،‬و ما تقرير ىذا الحؽ إال بيدؼ حماية المتعاقد و إعادة التوازف لمعالقة العقدية ‪.‬‬

‫الفرع الثاني‪:‬إنعكاسات التقدم التكنولوجي عمى ظاهرة إثبات العقود‪:‬إزدهار ظاهرة اإل ثبات‬
‫لع ّؿ أىـ انعكاس يثبت تأثير التقدـ التكنولوجي عمى العقود‪ ،‬إكتساح ظاىرة اإلثبات اإللكتروني الواقع‬
‫القانوني و تطويره مف شكمية اإلثبات وتغييره مف صيغ اإلثبات التقميدية و إعطائيا صيغ حديثة تتماشى‬
‫مع التطورات الراىنة‪.‬‬

‫أوال‪ :‬التوقيع االلكتروني كنموذج لظاهرة اإلثبات االلكتروني‬


‫لـ يقتصر التقدـ التكنولوجي فقط عمى التغيير في صيغة العقود و فرض العقود االلكترونية كواقع متجدد‬
‫بؿ أف التقدـ التكنولوجي قد فرض أيضا وسيمة حديثة لإلثبات الحقوؽ و المعامالت و العقود‪ ،‬تتجسد في‬
‫التوقيع االلكتروني مما أضفى إزدىا ار واضحا عمى عممية اإلثبات‪ ،‬فمقد كاف يقتصر اإلثبات في النظرية‬
‫العامة لمعقد عمى اإلثبات بالكتابة‪ ،‬و اإلثبات عف طريؽ الشيود‪ ،‬أو القرائف ‪،‬أو اإلقرار‪ ،‬أو اليميف و ذلؾ‬
‫ما رسخو المشرع في المواد مف ‪ 323‬إلى ‪ 350‬مف القانوف المدني‪ ،1‬غير أف ىذه الوسائؿ عبارة عف‬
‫وسائؿ تقميدية ال تواكب العقود اإللكترونية‪ ،‬و ال يمكف إثباتيا مما جعؿ التطور التكنولوجي يفرض التوقيع‬
‫اإللكتروني كمصطمح جديد نشأ نتيجة الستخداـ الحاسوب في المعامالت بيف األفراد والمؤسسات‪ ،‬وكذلؾ‬
‫نتيجة الستخداـ التعاقد عف طريؽ الوسائؿ السمعية البصرية واالنترنت‪ ،‬مما يترتب عنو التبادؿ‬
‫االلكتروني لمبيانات والمعطيات‪ ،‬وبالتالي كنتيجة حتمية لذلؾ‪ ،‬االتجاه نحو التوقيع االلكتروني و البصمة‬
‫اإللكتروني كوسائؿ حديثة تعمؿ عال إثبات العقد اإللكتروني‪ ،‬فالتوقيع االلكتروني ىو عبارة عف إشارة و‬
‫تعبير عف اإلرادة في شكؿ مكتوب و قد يكوف عبارة عف رموز‪ ،‬أو أرقاـ ‪،‬أو في شكؿ اسـ صريح و الذي‬
‫يتـ في شكؿ رموز تستخدـ فييا تقنية تكنولوجية‪ ،‬و يكوف التوقيع في أشكاؿ متعددة فقد يكوف التوقيع‬
‫اإللكتروني عف طريؽ استخداـ القمـ اإللكتروني يكوف متصال بالحاسوب ينقؿ التوقيع الصادر مف‬
‫الشخص إلى العالـ االفتراضي‪ ،‬و يوثؽ كآلية إثبات ‪،‬أو يكوف التوقيع في شكؿ توقيع رقمي يحمؿ دالالت‬

‫‪1‬راجع نص المواد ‪ 323‬إلى ‪ 350‬مف القانوف المدني‬


‫‪223‬‬
‫بن لعمى عبد النور ‪/‬جربوعة منيرة‬

‫رياضية أو حسابية يقوـ عمى أساس التشفير ‪،‬كما يمكف أف يرد التوقيع في شكؿ الضغط عمى مربع‬
‫الموافقة و القبوؿ مما يجعؿ ىذه التوقيعات تعبر بصفة واضحة عف إرادة المتعاقد و كدليؿ إلثبات إلتزامو‬
‫التعاقدي و ىي توازي التوقيع الكتابي‪ ،‬و اإلمضاء بخط اليد مف حيث الحجية‪،‬فمقد أواله المشرع أىمية‬
‫بالغة مف حيث إعتباره أداة لإلثبات و لعؿ ذلؾ ما نص عميو المشرع في المرسوـ التنفيذي‪162-07‬‬
‫المنظـ لنشاط التصديؽ اإللكتروني في نص المادة ‪ 76‬منو‪ 1‬و كذلؾ نص المادة ‪ 39‬مف القانوف‬
‫‪ 03-2000‬المحدد لمقواعد العامة المتعمقة بالبريد و االتصاالت السمكية و الالسمكية‪.2‬‬
‫ثانيا البصمة اإللكترونية كبديل عن البصمة التقميدية‬
‫لقد كانت العقود الورقية و الكالسيكية عموما تقوـ عمى أساس البصمة التي يضعيا المتعاقد عف طريؽ‬
‫إدخاؿ السبابة في الحبر‪ ،‬و لقد لجأ المشرع قديما إلى ىذه اآللية لشيوع األمية و عدـ معرفة الكتابة في‬
‫طبقات المجتمع القديـ ‪،‬فكانت ىذه الوسيمة تعد وسيمة لإلثبات وضعيا المشرع لحماية فئة مف المتعاقديف‬
‫لكف مع التطور التكنولوجي و التغير في طبيعة العقود و ظيور طائفة العقود اإللكترونية ‪،‬لـ تضمحؿ‬
‫فكرة البصمة و إنما تطورت لتساير التقدمات الحديثة‪ ،‬كما أنيا أصبحت وسيمة لإلثبات تزداد أىميتيا عف‬
‫التوقيع لكونيا آلية مزدوجة تثبت الصفة لممتعاقد مف جية ‪،‬و مف جية أخرى آلية لإلثبات العقد و كأداة‬
‫حجية بحيث أصبحت البصمة تشكؿ نوع مف أدوات اإلثبات البيومترية مثميا مثؿ بصمة العيف أو القزحية‬
‫‪3‬‬
‫و نبرة الصوت و الحمض النووي ‪ ،‬و ما يمكف مالحظتو أف التقدـ لـ يمغي فكرة البصمة رغـ قدميا إالّ‬
‫أنو أعطاىا نوع مف التحديث‪،‬و جعميا تواكب العقود اإللكترونية حتى أضحت كأداة إلثباتيا بحيث يمكف‬
‫لممتعاقد التيرب مف اإلمضاء و الدفع بالتزوير إال أنو ال يمكنو ذلؾ مع البصمة فيي أداة حجية ووسيمة‬
‫إثبات حقيقية‪.‬‬
‫الخاتمة‪:‬‬
‫ما يمكف استخالصو أف التحوالت اإلقتصادية و التكنولوجية أثرت عمى النظرية العامة لمعقد بشكؿ واسع‬
‫و أف ىذا التأثير مف جية ّبيف قصور المبادئ العتيقة التي تضمنتيا النظرية منذ نشأتيا‪ ،‬إال أف ىذه‬
‫التحوالت قد أفرزت العديد مف اإليجابيات مف جية أخرى ‪،‬لعؿ أىميا المساىمة في تطوير العقد و‬
‫إزدىاره مما جعمو يواكب التطورات الحديثة فمـ تكتفي التحوالت بالتقميص مف دور المبادئ القديمة بؿ‬
‫قامت بالتجديد في العقد و ازدىاره و مف خالؿ دراستنا توصمنا إلى النتائج التالية‪:‬‬

‫‪1‬المرسوـ التنفيذي ‪ 162-07‬المنظـ لنشاط التصديؽ اإللكتروني‪.‬‬


‫‪3‬القانوف ‪ 03-2000‬المحدد لمقواعد العامة المتعمقة بالبريد و اإلتصاالت السمكية و الالسمكية‬
‫‪3‬نورة جبارة‪،‬أثر التحوالت التكنولوجيا عمى النظرية العامة لمعقد العقد االلكتروني‪،‬بحوث جامعة‬
‫الجزائر‪،‬العدد‪،14،2020‬ص‪،174‬و أيضا حبيب بمقنيشي‪،‬إثبات التعاقد عبر األنترنت‪،‬رسالة دكتوراه‪،‬جمعة‬
‫السانيا‪،‬وىراف‪،2011،‬ص‪.172،171‬‬
‫‪224‬‬
‫التحوالت الراهنة لمنظرية العامة لمعقد‪ :‬تجديد لمعقد أم تخفيف من حدة القواعد الكالسيكية‬

‫لقد أدت التحوالت الراىنة إلى فرض تحديثات في المبادئ العقدية الكالسيكية لعؿ أىميا مبدأ الحرية‬
‫العقدية و حسف النية‪،‬كما أف ىذه التطورات عمدت إلى التجديد في األسس العتيقة كتكريس مبدأ المساواة‬
‫في العقد و إرساء أسس التوازف العقدي‪.‬‬
‫لقد أد ت التطورات الراىنة إلى التأثير عمى أىـ مبدأ المتمثؿ في مبدأ سمطاف اإلرادة بحيث تراجع بفعؿ‬
‫اصطدامو بالمعطيات الحديثة و لعؿ أكبر دليؿ عمى ذلؾ خضوع ىذا المبدأ لمنظاـ العاـ و تراجع مبدأ‬
‫سمطاف اإلرادة و تزايد دور القاضي في العقد بحيث أصبح يشكؿ طرفا جديد في العقد مما أثر ذلؾ بشكؿ‬
‫مباشر عمى قواعد مبدأ سمطاف اإلرادة‪.‬‬
‫كما أدت التحوالت الراىنة إلى التخفيؼ مف صرامة القواعد الكالسيكية و يظير ذلؾ مف خالؿ التخفيؼ‬
‫مف حدة القوة الممزمة و ذلؾ عف طريؽ تزايد فكرة التراجع عف العقد‪ ،‬و ظيور فكرة إنقاذ العقد و التي‬
‫قمصت مف طالقة مبدأ القوة الممزمة‪.‬‬
‫لقد أثرت التحوالت اإلقتصادية بشكؿ مبالغ فيو عمى العقد مما جعؿ القوانيف الخاصة كقانوف حماية‬
‫المستيمؾ و قانوف المنافسة تطغى عمى القانوف المدني‪ ،‬وقد أدى ىذا التسارع إلى ظيور عقود جديدة‬
‫في الواقع كالعقود الجماعية و عقود اإلدماج ‪.‬‬

‫كما أنو أثرت التحوالت التكنولوجية عمى العقد بحيث ظيرت العقود اإللكترونية و التي أصبحت تنافس‬
‫العقود الورقية و ما أنتجت مف مفاىيـ جديدة تسايرىا كالمحؿ اإللكتروني ‪،‬وظيور تغير واضح في قواعد‬
‫اإلثبات و ذلؾ عف طريؽ ظيور التوقيع اإللكتروني و البصمة اإللكترونية‪.‬‬

‫قائمة المراجع و المصادر‪:‬‬


‫نصوص قانونية‪:‬‬
‫‪ .1‬القانوف ‪ 03-09‬المتعمؽ بحماية المستيمؾ المعدؿ بموجب األمر رقـ ‪ 09-18‬العدد ‪ 35‬مؤرخ في ‪ 25‬فبراير سنة‬
‫‪، 2009‬يتعمؽ بحماية المستيمؾ و قمع الغش الجريدة رقـ ‪ 15‬المؤرخة في ‪ 08‬مارس‪2009‬‬
‫‪ .2‬القانوف رقـ ‪ 02-04‬الصادر بتاريخ ‪ 23‬يونيو سنة ‪ 2004‬المحدد لمقواعد المطبقة عمى الممارسات التجارية‪.‬‬
‫ج ر رقـ ‪48‬‬ ‫القانوف ‪ 03-2000‬المحدد لمقواعد العامة المتعمقة بالبريد و اإلتصاالت السمكية و الالسمكية‬ ‫‪.3‬‬
‫المؤرخة في ‪ 06‬اوت ‪.2000‬‬
‫‪ .4‬القانوف ‪ 03-09‬المتعمؽ بحماية المستيمؾ المعدؿ بموجب األمر رقـ ‪ 09-18‬العدد ‪ 35‬مؤرخ في ‪ 25‬فبراير سنة‬
‫‪، 2009‬يتعمؽ بحماية المستيمؾ و قمع الغش الجريدة رقـ ‪ 15‬المؤرخة في ‪ 08‬مارس‪2009‬‬
‫‪ .5‬القانوف رقـ ‪ 09-18‬المؤرخ في ‪10‬يونيو‪2018‬يعدؿ و يتمـ القانوف رقـ‪03-09‬المؤرخ في ‪ 25‬فبراير‪2009‬‬
‫المتعمؽ بحماية المستيمؾ و قمع الغش‪.‬‬
‫‪ .6‬القانوف رقـ‪ 05-18‬المؤرخ في ‪ 10‬ماي ‪ 2018‬المتعمؽ بالتجارة اإللكترونية‪ .‬مؤرخ في ‪ 24‬شعباف ع ػػاـ ‪1439‬‬
‫الم ػوافػػؽ ‪ 10‬مػػايػػو س ػنػة ‪.2018‬‬
‫‪ .7‬المرسوـ التنفيذي رقـ‪ 126-08‬المؤرخ في ‪ 19‬أفريؿ ‪ 2008‬المتعمؽ بجياز المساعدة عمى اإلدماج الميني‬

‫‪225‬‬
‫بن لعمى عبد النور ‪/‬جربوعة منيرة‬

‫‪ .8‬المرسوـ التنفيذي ‪ 162-07‬المنظـ لنشاط التصديؽ اإللكتروني‬


‫‪ . .9‬المرسوـ التنفيذي رقـ ‪105-11‬المؤرخ في ‪ 06‬مارس‪ 2011‬الذي يعدؿ و يتمـ المرسوـ التنفيذي رقـ ‪126-08‬‬
‫المؤرخ في ‪ 19‬أفريؿ ‪ 2008‬المتعمؽ بجياز المساعدة عمى اإلدماج الميني‬
‫‪ .10‬المرسوـ التنفيذي ‪ 162-07‬المنظـ لنشاط التصديؽ اإللكتروني المؤرخ في ‪.2007/05/30‬‬
‫‪ .11‬األمر‪04-10‬المعدؿ و المتمـ ألمر رقـ‪11-03‬المتعمؽ بالنقذ و القرض المؤرخ في ‪.2010/08/26‬‬
‫‪ .12‬األمر‪03-03‬المؤرخ في ‪ 19‬جويمية‪2003‬المعدؿ و المتمـ المتعمؽ بالمنافسة‪.‬‬
‫الكتب‬
‫‪ .1‬بمحاج العربي‪،‬مصادر اإللتزاـ في القانوف المدني الجزائري‪،‬الجزء األوؿ‪ ،‬دار اليومة‪،‬الجزائر‪.2016،‬‬
‫‪ .2‬عبد القادر العرعاري‪،‬مصادر اإللتزاـ‪،‬نظرية العقد‪،‬دار األماف‪،‬المغرب‪.2013،‬‬
‫‪ .3‬عمي فياللي‪،‬النظرية العامة لمعقد‪،‬موفـ لمنشر‪،‬الجزائر‪.2013،‬‬
‫‪ .4‬ماجد محمد سميماف أبا الخيؿ‪،‬العقد اإللكتروني‪،‬مكتبة الناشروف‪،‬الطبعة األولى‪،‬الرياض‪.2009،‬‬
‫زيف‬ ‫المستيمؾ‪،‬منشورات‬ ‫حماية‬ ‫ظؿ‬ ‫في‬ ‫لمعقد‬ ‫الممزمة‬ ‫الديف‪،‬القوة‬ ‫ناصر‬ ‫حسيف‬ ‫‪ .5‬نسريف‬
‫الحقوقية‪،‬بيروت‪،‬لبناف‪.2018،‬‬
‫‪ .6‬وليد بسيـ عبود العنكز‪،‬تجديد العقد‪،‬منشورات الحمبي الحقوقية‪،‬بيروت‪،‬لبناف‪.2018،‬‬
‫‪ .7‬يوسؼ محمد قاسـ عبيدات‪،‬مصادر اإللتزاـ‪،‬دار الميسرة‪،‬األردف‪.2008،‬‬
‫الرسائل‬
‫‪ .1‬أحمد بعجي‪،‬تأثير التوجيو التشريعي عمى النظرية العامة لمعقد‪ ،‬أطروحة دكتوراه ‪،‬كمية الحقوؽ ‪،‬جامعة‬
‫الجزائر‪،1‬الجزائر‪.2019،‬‬
‫‪ .2‬حبيب بمقنيشي ‪،‬إثبات التعاقد عبر األنترنت ‪،‬البريد المرئي‪ ،‬رسالة دكتوراه ‪،‬كمية الحقوؽ ‪،‬جامعة‬
‫السانيا‪،‬وىراف‪.2011،‬‬
‫‪ .3‬شوقي بناسي ‪،‬أثر تشريعات االستيالؾ عمى المبادئ الكالسيكية لمعقد ‪،‬أطروحة دكتوراه‪ ،‬جامعة الجزائر‪،1‬كمية‬
‫الحقوؽ‪.2016،‬‬
‫‪ .4‬عبد الحميد بف شنيتي‪،‬سمطة القاضي في تعديؿ العقد‪ ،‬رسالة دكتوراه ‪،‬معيد الحقوؽ و العموـ اإلدارية ‪،‬جامعة‬
‫الجزائر‪،‬دت‪.‬‬
‫‪ .5‬لخضر حميس‪،‬مكانة اإلرادة في ظؿ تطور العقد‪ ،‬رسالة دكتوراه‪ ،‬جامعة إبي بكر بمقايد‪،‬كمية‬
‫الحقوؽ‪،‬تممساف‪.2016،‬‬
‫‪ .6‬فايزة طبيب ‪،‬سمطة القاضي في تعديؿ العقد في مرحمتي التكويف و التنفيذ‪ ،‬رسالة دكتوراه‪ ،‬كمية الحقوؽ ‪،‬جامعة‬
‫عبد الحميد بف باديس‪،‬مستغانـ‪.2019،‬‬
‫‪ .7‬فطيمة نساخ ‪،‬الوظيفة اإلجتماعية لمعقد‪ ،‬رسالة دكتوراه ‪،‬كمية الحقوؽ‪ ،‬جامعة الجزائر‪،1‬الجزائر‪.2013،‬‬
‫‪ .8‬نجيب عبد اهلل نجيب الجبشو ‪،‬مفيوـ فكرة النظاـ العاـ و تطبيقاتيا‪ ،‬جامعة النجاح الوطنية‪،‬فمسطيف‪.2017،‬‬
‫‪ .9‬يمينة حوحو ‪،‬عقد البيع اإللكتوني ‪،‬دراسة مقارنة ‪،‬جامعة الجزائر‪،1‬كمية الحقوؽ ‪،‬بف عكنوف‪،‬الجزائر‪. 2012،‬‬
‫‪ .10‬يسيف سعدوف ‪،‬أثر الظروؼ اإلقتصادية عمى العقد‪ ،‬رسالة دكتوراه‪ ،‬القانوف الخاص ‪،‬جامعة مولود معمري تيزي‬
‫وزو‪.2018،‬‬
‫المقاالت‬

‫‪226‬‬
‫التحوالت الراهنة لمنظرية العامة لمعقد‪ :‬تجديد لمعقد أم تخفيف من حدة القواعد الكالسيكية‬

‫‪ .1‬بيالمي سارة‪ ،‬نطاؽ حرية التعاقد في ظؿ تطور قانوف العقود‪ ،‬مجمة البحوث في العقود و قانوف االعماؿ ‪،‬جامعة‬
‫منتوري‪ ،‬كمية الحقوؽ‪ ،‬قسنطينة ‪،‬العدد ‪،5‬ديسمبر‪.2018‬‬
‫‪ .2‬جمعة زماـ ‪،‬تحديث النظرية العامة لمعقد في ضوء ظاىرة التخصص التشريعي‪ ،‬مجمة البحوث و الدراسات‬
‫القانونية و السياسية‪ ،‬جامعة البميدة‪ 2‬العفروف‪،‬المجمد‪،6‬العدد‪.2017،2‬‬
‫‪ .3‬حفيظة عطوي‪ ،‬أثر الظروؼ اإلقتصادية عمى العقد المدني‪ ،‬مجمة األستاذ الباحث لمدراسات القانونية و السياسية‬
‫‪،‬جامعة محمد بوضياؼ‪،‬المسيمة‪،‬المجمد‪،5‬العدد‪.2020،‬‬
‫‪ .4‬خديجة فاضؿ‪ ،‬عقد اإلذعاف في القانوف المدني و التشريعات الخاصة ‪،‬حوليات مجمة حوليات ‪،‬القانوف المدني‬
‫بعد أربعيف سنة‪ ،‬جامعة الجزائر‪،‬العدد‪.5،2016‬‬
‫‪ .5‬ذىبية حامؽ‪،‬النظرية العامة لمعقد تصور جديد‪،‬مجمة حوليات‪ ،‬القانوف المدني بعد أربعيف سنة‪ ،‬جامعة‬
‫الجزائر‪،‬العدد‪.5،2016‬‬
‫‪ .6‬عيسى بخيت‪،‬أثر تشريعات االستيالؾ عمى مبادئ النظرية التقميدية لمعقد‪ ،‬األكاديمية لمدراسات األجتماعية و‬
‫اإلنسانية‪،‬جامعة حسيبة بف بوعمي‪،‬الشمؼ‪،‬العدد ‪،20‬جواف‪2018‬‬
‫‪ .7‬عمي فياللي‪،‬الحرية العقدية مفيوـ قديـ وواقع متجدد مجمة البحوث في العقود و قانوف األعماؿ‪ ،‬جامعة‬
‫قسنطينة‪،‬العدد الخامس‪،‬ديسمبر‪.2018‬‬
‫‪ .8‬فتيحة قريقر ‪،‬حدود سمطاف اإلرادة في نطاؽ النظاـ العاـ‪ ،‬مجمة القوؽ و العموـ اإلنسانية‪،‬جامعة عاشور‬
‫زياف‪،‬الجمفة‪،‬المجمد العاشر‪،‬العدد األوؿ‬
‫‪ .9‬منصؼ بوعريوة‪،‬الحرية العقدية في ظؿ النظاـ العاـ اإلقتصادي ‪،‬مجمة البحوث في العقود و قانوف‬
‫األعماؿ‪،‬جامعة منتوري‪،‬قسنطينة‪،‬العدد‪،5‬ديسمبر‪2018.‬‬
‫‪ .10‬مصطفى بف أمينة‪ ،‬النظاـ العاـ اإلقتصادي و تطبيقاتو في قانوف حماية المستيمؾ ‪،‬مقاربة تشريعية ‪،‬مجمة‬
‫محمد‬ ‫جامعة‬ ‫السياسية‪،‬‬ ‫و‬ ‫القانونية‬ ‫لمدراسات‬ ‫الباحث‬ ‫األستاذ‬
‫بوضياؼ‪،‬المسيمة‪،‬المجمد‪،5‬العدد‪،1،2020‬ص‪.1184‬‬
‫‪ .11‬نورة جبارة‪،‬أثر التحوالت التكنولوجيا عمى النظرية العامة لمعقد العقد االلكتروني ‪،‬بحوث جامعة‬
‫الجزائر‪،‬العدد‪.14،2020‬‬

‫‪227‬‬

You might also like