Professional Documents
Culture Documents
اد اشرف جابر285 340
اد اشرف جابر285 340
امللخص:
صدراملرسوم رقم 2016 /131في فرنسا بإجراء أهم وأوسع إصالحات
تشريعية عرفها القانون املدني الفرنسي منذ صدوره قبل ما يزيد على مائتي
عام ،وفي نظرية االلتزام حتديداً ،مستلهما ً مبادئ األمن القانوني والعدالة العقدية
واألمانة العقدية ،ومنسجما ً مع مبادئ القوانني األوروبية في مجال العقود ،هذا
باإلضافة إلى أنه استحدث العديد من املبادئ واألحكام استطاع من خاللها أن
يقيم سياجا ً حول االلتزام العقدي الرئيس حماية له في مواجهة أية شروط جترده
من ماهيته ،وأن يدعم حماية الطرف املذعن في مواجهة الشروط التعسفية ،وأن
يتيح للمتعاقدين – في بعض األحيان -إدارة العقد بعيدا ً عن سلطة القاضي ،في
مقابل أن يخ ِّول هذا األخير – في أحيان أخرى -سلطات لم تكن له من قبل.
وتتناول هذه الورقة بعض أوجه هذا اإلصالح التشريعي تعليقا ً وحتليالً ،نقدا ً
وتعقيباً ،وهي خطوة أولى في درب يستلزم جهودا ً واسعة في دراسة جوانب
هذا اإلصالح ،األمر الذي ينعكس حتما ً على دعم اإلصالح القانوني العربي
في مجال االلتزامات ،وال مراء في ذلك والقانون املدني الفرنسي هو املصدر
التاريخي للكثير منها.
285 ملحق خاص – العدد ( – )2الجزء الثاني – صفر /ربيع األول 1439هـ -نوفمبر 2017م
اإلصالح التشريعي الفرنسي لنظرية العقد :صنيعة قضائية وصياغة تشريعية
املقدمة:
-1اجتهادات القضاء الفرنسي بني تطبيق النصوص وابتداع احللول:
كما هو مسلَّم ،فقد متتع القانون املدني الفرنسي ،باعتباره منوذجا ً تاريخيا ً للنظام
الالتيني ،بنفوذ تاريخي في الكثير من بلدان العالم فبقي موردا ً للكثير من أحكامها
على مدار قرنني من الزمان ،غير أن الكثير من نصوصه التي وضعت قبل أكثر من
مائتي عام ،منذ صدوره عام ،1804قد باتت غير قادرة على مواكبة واقع جديد
تقاطعت فيه قواعد القانون مع االقتصاد والتجارة والتكنولوجيا ،فضالً عما
فرضته قواعد حماية املستهلك نفسها على كثير من املسلمات القانونية .من هنا
بدت احلاجة ملحة إلى إعادة النظر في العديد من قواعد هذا القانون حتت تأثير
تطور اجتماعي واقتصادي وصناعي فرض مشكالت مستحدثة خاصة في مجال
العقد ونظرية االلتزام بوجه عام وأحكام إثبات هذا االلتزام.
وقد استشعر القضاء الفرنسي مبكرا ً مقتضيات هذا التطور فكان سريع اخلطى
في االستجابة لها ،مكرسا ً في أحكامه املتعاقبة مبدأ األمن القانوني باعتباره
ركيزة أي نظام قانوني حديث ،فابتدع حلوالً ونظريات ملواجهة هذه املشكالت
مستهدفا ً حتقيق جملة مبادئ هي العدالة واألمانة والتوازن في نطاق العالقات
العقدية ،وااللتزامات بوجه عام ،ممهدا ً بذلك الطريق أمام املش ِّرع الفرنسي إلجراء
إصالحات تشريعية هي األهم واألوسع في هذا الصدد تضمنت وضع ثالث مائة
واثنتني وثالثني مادة لتحل محل ثالث مائة مادة سابقة ،دون أن ميس ذلك السياق
العام للقانون املدني.
وقد وضعت هذه اإلصالحات مبقتضى املرسوم رقم 2016/131بتاريخ 10فبراير
،2016والذي نشر باجلريدة الرسمية بتاريخ 11فبراير ،2016مستهدفة حتديث
النصوص محل اإلصالح وتقنني ما جرت به أحكام القضاء بشأن العديد من احللول
واملسائل في نطاق العقد وااللتزام بوجه عام(.)1
( )1وقد صدر هذا املرسوم بناء على القانون رقم 177لسنة 2015الصادر بتاريخ 16فبراير 2015
والذي ألزمت املادة ( )8منه احلكومة بأن تتخذ خالل عام ما يلزم ،بطريق املرسوم لتنقيح
القانون املدني محددا ً الهدف من هذا التنقيح بأنه «حتديث وتبسيط وحتسني وتأكيد إتاحة
التوصل إلى القانون ....وذلك لضمان حتقيق األمن القانوني وفقا لضوابط محددة».
Loi n°2015-177 du 16 février 2015, JORF n° 0040 du 17/02/2015, p.2961.
وجتدر اإلشارة إلى أن احلكومة كانت قد تقدمت مبشروع هذا القانون إلى مجلس الشيوخ =
أبحاث المؤتمر السنوي الرابع – «القانون أداة لإلصالح والتطوير» 10 / 9 -مايو 2017م 286
أ .د .أشرف جابر
ولهذا ال نبالغ إذا قلنا إن املش ِّرع الفرنسي لم يفعل في الكثير من النصوص التي
تضمنها هذا املرسوم سوى تكريسه حللول قضائية مبتدعة في ظل نقص تشريعي
في مواجهة العديد من املشكالت .وتعد األمثلة على ذلك كثيرة ،منها ما يتعلق مبرحلتي
ما قبل التعاقد وإبرام العقد ،وهما مرحلتان غاية في األهمية ،حيث استحدث املش ِّرع
هذه النصوص مقررا ما كان القضاء قد تبناه في أحكامه في ظل عدم وجود نصوص
تشريعية تنظم أحكام هاتني املرحلتني ،ومنها كذلك ما يتعلق بصحة العقد والشروط
املقترنة به ،وتنظيم املشكالت الناشئة عن عدم التنفيذ ،واألمثلة على ذلك عديدة كما
سترد الحقا.
وهكذا فقد كان للقضاء الفرنسي الفضل في متهيد الطريق أمام هذا اإلصالح
التشريعي ،بل إنه صنعه على عينه ،وذلك من خالل حلوله العملية التي جرت بها
أحكامه في ظل النصوص السابقة ،مكرسا بذلك مبدأ األمن القانوني في واحدة من
أهم نظريات القانون قاطبة.
وإذا كان القضاء هو من مهد الطريق على هذا النحو أمام املشرع إلجراء هذه
اإلصالحات ،إال أن الفقه بدوره كان حاضرا في هذا املضمار ،وبقوة ،منذ ما يزيد
على عشر سنوات عن طريق العديد من املشروعات واملبادرات التي قدمها أساتذة
الفرنسي ( )Sénatفي 27نوفمبر ،2013وعلى الرغم من طابع االستعجال لهذا املشروع ،إال =
أن إقراره استغرق خمسة عشر شهرا ً كامالً ،فصدر في 16فبراير 2015بشأن حتديث وتبسيط
القانون واجراءات التقاضي .وقد أثير خالف حاد بني اجلمعية الوطنية ومجلس الشيوخ حول آلية
إصدار قانون إصالح نظرية االلتزام والعقود بطريق املرسوم ،بني رفض من جانب مجلس الشيوخ
( )Sénatلهذا الطريق بدعوى عدم دستوريته النتفاء طابع االستعجال عن هذا القانون ،ومن ثم
ضرورة إصداره بالطريق التشريعي العادي ،أي عن طريق البرملان ،وتأييد من جانب اجلمعية
الوطنية (البرملان) التي متسكت بإصدار القانون بطريق املرسوم بسبب ما يتسم به هذا القانون
من طابع االستعجال والضرورة ،األمر الذي أفضى إلي عرض األمر على املجلس الدستوري الذي
أصدر قراره رقم 710في 12فبراير ، 2015رافضا االدعاء بعدم دستورية اللجوء إلى إصدار
القانون بطريق املرسوم مؤكدا طابع االستعجال والضرورة إلصدار هذا القانون.
راجع:
Philippe Simler, Commentaire de la réforme du droit des contrats et des
obligations, LexisNexis, 2016,n°1, p.1.
وراجع أيضا:
La Réforme Du Droit Des Contrats, Commentaire Article Par Article, Sous
La Direction De Thibault Douville, Lextenso Éditions 2016, P.9.
287 ملحق خاص – العدد ( – )2الجزء الثاني – صفر /ربيع األول 1439هـ -نوفمبر 2017م
اإلصالح التشريعي الفرنسي لنظرية العقد :صنيعة قضائية وصياغة تشريعية
( )2ولعل من أهم هذه املشروعات مشروع األستاذ ( Terréفي نسخته املنقحة) والذي أدخل
عليه الكثير من مقترحات األستاذ Catalaفي مشروعه ( ،)2005وعلى الرغم من أن كال
املشروعني قد متت صياغته بطريقة مختلفة ،إال أن كليهما يتميز باجلرأة في اإلقدام على
طرح بعض املقترحات والتي وجدت طريقها إلى املرسوم عند إصداره ،ومن أهم هذه
املقترحات إلغاء مفهوم السبب كركن في العقد ،وفسخ العقد بإرادة منفردة ،وحتديث أحكام
اإلثبات .انظر:
Philippe Simler, Commentaire de la réforme du droit, op. cit., p.2.
أبحاث المؤتمر السنوي الرابع – «القانون أداة لإلصالح والتطوير» 10 / 9 -مايو 2017م 288
أ .د .أشرف جابر
املبحث األول
فلسفة وركائز اإلصالح التشريعي الفرنسي لنظرية العقد
نعرض في مطلبني ألسس اإلصالح الذي تبناه املشرع الفرنسي لنظرية االلتزام
بوجه عام ،ثم ألهم ركائز هذا اإلصالح.
املطلب األول
أسس اإلصالح التشريعي الفرنسي
نستطيع تبني أسس هذا اإلصالح من خالل الوقوف على االعتبارات التي دعت
املشرع الفرنسي إلى إجرائه وكذلك التعرف على أهم مالمحه.
-4أوال ً – االعتبارات التي دعت املشرع الفرنسي إلى إجراء إصالحاته التشريعية
لنظرية االلتزام:
وضع املشرع الفرنسي نصب عينيه العديد من االعتبارات التي دفعته إلى إجراء
اإلصالحات التشريعية الواسعة واجلوهرية على نظرية االلتزام ،وهي اعتبارات
ليست قانونية فحسب ،وإمنا سياسية واقتصادية أيضاً ،بل إن األمر تعدى هذا إلى
أن ثمة ضرورات ثقافية وحضارية فرضت على املشرع الفرنسي أن يخطو هذه
اخلطوة ،التي وإن جاءت متأخرة ،إال أنها أعادت إلى القانون الفرنسي الكثير من
هيبته ومكانته التي كاد أن يفقدها .وتتمثل هذه االعتبارات فيما يلي:
1 )1تراجع القانون الفرنسي ،بأحكامه العتيقة ،في مواجهة قوانني العديد من
الدول التي كان هو موردها التاريخي ،فتجاوزته مبا استحدثته من تعديالت
وإصالحات جوهرية على مدار العقود الثالثة األخيرة ،ومن هذه الدول
البرتغال وهولندا وأملانيا وأسبانيا(.)3
(3) Rapport au Président de la République relatif à l’ordonnance n° 2016-
131 du 10 février 2016 portant réforme du droit des contrats, du régime
général et de la preuve des obligations. https://www.legifrance.gouv.fr/
eli/rapport/2016/2/11/JUSC1522466P/jo/article_snum1: «des pays qui
s’étaient autrefois grandement inspirés du code Napoléon ont réformé leur
propre code civil, en s’affranchissant du modèle français, trop ancien pour
demeurer source d’inspiration, comme le Portugal, les Pays-Bas, le Qué-
bec, l’Allemagne ou l’Espagne, et il est =apparu à cette occasion que le
rayonnement du code civil français passait par sa rénovation».
289 ملحق خاص – العدد ( – )2الجزء الثاني – صفر /ربيع األول 1439هـ -نوفمبر 2017م
اإلصالح التشريعي الفرنسي لنظرية العقد :صنيعة قضائية وصياغة تشريعية
2 )2عدم مسايرة القانون الفرنسي – وخالفا لقواعد القانون العام -ملقتضيات
التجارة الدولية وجذب االستثمارات األجنبية ،األمر الذي استوجب إصالح
قواعد هذا القانون وتطوير صياغته على نحو أكثر حداثة ووضوحا ،ومبا
يشجع املستثمرين على إخضاع عقودهم ألحكامه (.)4
3 )3تزايد مشروعات توحيد مبادئ العقود على املستويني األوروبي والدولي
خالل العقدين األخيرين ،ونذكر منها( :أ) قواعد توحيد مبادئ عقود
التجارة الدولية الصادرة عن املعهد الدولي لتوحيد مبادئ القانون اخلاص
( ،)Unidroitوذلك في عام ،1994ثم استكملت في عام ( .)5( 2004ب) مبادئ
قانون العقود األوروبي ()6()PDECالصادرة عن مجلس قانون العقود
األوربي ( )Landoفي الفترة من 1995حتي ( .2003ج) مشروع القانون
األوروبي للعقود ،أو ما يعرف بقانون ( ،)Gandolfiواملنشور في عام
، 2000مشتمال على كافة مبادئ القانون اخلاص ( ،)DCFRوقدم رسميا
إلى البرملان األوروبي بتاريخ 21يناير ( .2008د) األعمال التي قام عليها
كل من جمعية التشريع املقارن وجمعية الفقيه الفرنسي Henri Capitant
ألصدقاء الفكر القانوني الفرنسي بشأن إعادة صياغة املبادئ العامة للعقود
( ،)7( )PCCوالتي مت نشرها في فبراير من عام .)8( 2008
-5ثانيا ً – مالمح اإلصالح التشريعي:
لم يكتف املش ِّرع الفرنسي مبجرد استحداث أحكام موضوعية لم يكن منصوصا
عليها من قبل عن طريق تكريس احللول القضائية التي عالج بها القضاء القصور
التشريعي في غير ما مسألة ،وإمنا عمد كذلك إلى إعادة بناء خطته لنظرية االلتزام.
وعليه ميكن القول إن حتديث هذه النظرية له وجهان :شكلي وموضوعي.
(أ) التحديث الشكلي (إعادة تبويب وبناء خطة نظرية االلتزام):
أعاد املش ِّرع هيكلة الكتاب الثالث من القانون املدني مختزال بعض تقسيماته،
أبحاث المؤتمر السنوي الرابع – «القانون أداة لإلصالح والتطوير» 10 / 9 -مايو 2017م 290
أ .د .أشرف جابر
حيث أخضع هذا الكتاب لتعديالت جوهرية ،وذلك في األبواب الثالث والرابع
والرابع مكرر منه .وبترتيب هذه األبواب ،فقد كانت تتناول قبل اإلصالح العقود
وااللتزامات االتفاقية بوجه عام (الباب الثالث) ،ثم التعهدات غير االتفاقية (الباب
الرابع) ،وأخيرا ً املسؤولية عن فعل املنتجات املعيبة (الباب الرابع مكرر) .أما بعد
اإلصالح ،فقد باتت موزعة كالتالي :الباب الثالث :مصادر االلتزام (املواد من 1100
إلى ،)4/1303الباب الرابع :أحكام االلتزام (املواد من 1304إلى .)9/1352الباب
الرابع مكرر :إثبات االلتزامات (املواد من 1353إلى .)1/1386وتتميز خطة املش ِّرع
في إعادة هيكلة هذا الكتاب بالوضوح واملنطق ،حيث قسمه كالتالي:
•اختزل الباب الثالث واملخصص ملصادر االلتزام في ثالثة فصول
خصص كال منها ملصدر من مصادر االلتزام ،وهي على التوالي :العقد،
واملسؤولية غير العقدية ،واملصادر األخرى لاللتزام.
•أما الباب الرابع واملخصص ألحكام االلتزام ،فقد مت تقسيمه إلى أربعة
فصول ،تناولت صور االلتزام ،والتصرفات التي ترد على االلتزام،
والدعاوى القانونية املخولة للدائن ،وأخيرا انقضاء االلتزام.
•وأخيراً ،فقد جاء الباب الرابع مكرر واملخصص إلثبات االلتزام موزعا ً على
ثالثة فصول تناولت بالترتيب األحكام العامة ،القابلية لإلثبات ،وأخيرا
طرق اإلثبات.
(ب) التحديث املوضوعي:
استحدث املش ِّرع العديد من األحكام ،وهي:
1 )1تكريس مبادئ احلرية التعاقدية la liberté contractuelle
(لكل شخص احلرية في أن يتعاقد أو أال يتعاقد م ،)1102واألمانة التعاقدية
( la loyauté contractuelleوجوب توافر حسن النية في كافة مراحل العقد
بدءا من التفاوض عليه إلى تكوينه إلى تنفيذه م .)9()1104
( )9وهو ما أشار إليه البعض منذ وقت ليس بالقريب من أن العقود باتت تقوم أكثر من ذي قبل على
أساس خلقي قوامه ثالث قيم هي :األمانة ،التضامن واألخوة.
D. Mazeaud, Mélanges F. Terré 1999 p. 603, cité par Denis PHILIPPE,La réforme
du droit des contrats en droit français, Congrès de l’IDEF, 22 avril 2016.
291 ملحق خاص – العدد ( – )2الجزء الثاني – صفر /ربيع األول 1439هـ -نوفمبر 2017م
اإلصالح التشريعي الفرنسي لنظرية العقد :صنيعة قضائية وصياغة تشريعية
2 )2التقريب بني القانون الفرنسي وغيره من القوانني األوروبية في العديد من
املواضع:
لعل أهمها موضعني خرج فيهما املش ِّرع خروجا صريحا على مسلمات قانون
نابليون ،وهي إلغاء فكرتي محل العقد وسببه ،واستبدالهما بفكرة مضمون
العقد (م ،)1128واستحداث نظرية الظروف (أو احلوادث) الطارئة (م .)1195
3 )3تدعيم سلطة القاضي في ظل القواعد املستحدثة في نظرية العقد:
من أهم مالمح اإلصالح التشريعي التي تظهر بجالء هو تزايد سلطة القضاء
إزاء العقد ليس فحسب منذ إبرامه ،بل من املرحلة السابقة عليه ،األمر الذي
حدا بالبعض إلى أن يذهب إلى أن القاضي قد أصبح طرفا ثالثا في العقد(،)10
حيث أصبح من سلطة القاضي أن يتحقق من مدى توافر حسن نية طرفي
العقد قبل وعند إبرام العقد ،ومدى تنفيذ االلتزام باإلعالم قبل العقدي ،وأن
يراقب ما إذا كان هناك غلط في القانون أو إساءة في استغالل حالة التبعية أو
مدى وجود شروط تخل إخالال جسيما بالتوازن العقدي بني املتعاقدين ،وأن
يراجع شروط العقد عند تغير الظروف خالل تنفيذه ،وكذلك الثمن الذي يتم
حتديده باإلرادة املنفردة في العقود النموذجية.
4 )4البطالن االتفاقي:
إذ خول املش ِّرع املتعاقدين االتفاق على إبطال العقد دون حاجة إلى استصدار
حكم من القضاء بذلك (م .)1178
5 )5الفسخ باإلرادة املنفردة:
إذ خول املش ِّرع للدائن – بشرط إعذار املدين وإمهاله أجالً معقوالً للتنفيذ -أن
يفسخ العقد بإرادته املنفردة (م .)1226
(10) Joseph Vogel, Réforme du droit des contrats: «Le juge devient une
troisième partie au contrat», http://www.actuel-direction-juridique.fr/
content/reforme-droit-des-contrats-force-de-vouloir-faire-lequilibredu-
contrat-aboutit-en-realite.
أبحاث المؤتمر السنوي الرابع – «القانون أداة لإلصالح والتطوير» 10 / 9 -مايو 2017م 292
أ .د .أشرف جابر
املطلب الثاني
ركائز اإلصالح التشريعي الفرنسي
ميكن القول إن اإلصالح التشريعي الفرنسي لنظرية االلتزام قد استند إلى ثالث
ركائز هي تكريس مبدأ األمن القانوني ،وتعزيز القوة امللزمة للعقد ،وتأكيد مبدأ
العدالة التعاقدية( ،)11ونبني ذلك على الشكل التالي:
ً 6 )6
أوال – تكريس مبدأ األمن القانوني:
يأتي تكريس مبدأ األمن القانوني la sécurité juridiqueعلى رأس ركائز
اإلصالح الذي قام به املش ِّرع الفرنسي لنظرية االلتزام عامة ،والعقد خاصة.
ويقوم هذا املبدأ -تقليديا– على تأكيد أمرين :أولهما ،هو وضوح وحتديد
القاعدة القانونية ،بحيث يتوافر لكل شخص العلم املسبق مبا تتضمنه هذه
القاعدة من أعباء ،وثانيهما ،هو ضرورة احترام القاعدة القانونية ،ليس
فحسب من جانب األفراد ،بل كذلك من الدولة ممثلة في سلطاتها ( ،)12غير أن
هذا املفهوم قد بات أكثر اتساعا في ظل تطور متسارع تقاطعت فيه بقوة دوائر
القانون واالقتصاد والسياسة والتجارة والتقنية ،األمر الذي لم يعد فيه بد
أمام املش ِّرع ،في أي نظام قانوني ،من أن يعيد صياغة تشريعاته مبا يتجاوب
مع مقتضيات هذا التطور ،نافضا عنها كل ما يصمها باجلمود وعدم املرونة
واضطراب األمن القانوني.
وفي سبيل تكريس مبدأ األمن القانوني مبفهومه احلديث ،فقد عمد املش ِّرع إلى
حتقيق بعض األهداف ،منها:
1 )1تأكيد املبادئ العامة للعقد :كمبدأ حسن النية ،وحرية التعاقد ،ورضائية العقد،
وحتديد قواعد إبرام العقد اإللكتروني ،وتنظيم القواعد التي تهيمن على مرحلة
املفاوضات وتلك التي تتعلق باإليجاب والقبول ،وكذلك قواعد الوعد بالتعاقد
والوعد بالتفضيل.
(11) La réforme du droit des contrats, Commentaire article par article, préc.
p.13 et s.
(12) D. SOULAS DE RUSSEL et P. RAIMBAULT, « Nature et racine du principe
de sécurité juridique : une mise au point », RID comp., 1-2003, p. 96.
293 ملحق خاص – العدد ( – )2الجزء الثاني – صفر /ربيع األول 1439هـ -نوفمبر 2017م
اإلصالح التشريعي الفرنسي لنظرية العقد :صنيعة قضائية وصياغة تشريعية
2 )2تبسيط القواعد املتعلقة بصحة العقد :كتلك املتعلقة بالرضا واألهلية والنيابة
في التعاقد ومضمون العقد ،وذلك كله من خالل تنظيم وتفصيل أحكام العديد
من املسائل كااللتزام باإلعالم والشرط التعسفي ،وذلك بالنص على جزاءات
تتيح مساءلة الطرف الذي يسيئ استغالل املوقف الضعيف الذي قد يوجد فيه
الطرف اآلخر.
3 )3حتديد القواعد التي حتكم آثار العقد عند تغير الظروف أثناء التنفيذ.
4 )4استحداث أحكام لتنظيم مدة العقد.
7 )7ثانيًا -تعزيز القوة امللزمة للعقد:
وهو ما يظهر من خالل تناول املش ِّرع لبعض املسائل أهمها تنظيم البطالن
االتفاقي وكذلك الفسخ باإلرادة املنفردة ،وكالهما سبقت اإلشارة إليه.
8 )8ثال ًثا -تأكيد العدالة التعاقدية:
ويدخل في ذلك -1 :جعل االلتزام بحسن النية التزاما عاما -2 .إبطال العقد
لإلكراه االقتصادي -3 .تعميم إهدار الشروط التعسفية في عقود اإلذعان
.
أبحاث المؤتمر السنوي الرابع – «القانون أداة لإلصالح والتطوير» 10 / 9 -مايو 2017م 294
أ .د .أشرف جابر
املبحث الثاني
قراءة في بعض أوجه اإلصالح التشريعي
الفرنسي لنظرية العقد
9 )9متهيد وتقسيم:
جنتزئ فيما يلي – ومبا يناسب املقام -بعض األمثلة التي تبرز التوجهات احلديثة
للمشرع الفرنسي في نطاق نظرية العقد ،وذلك في ضوء ركائز اإلصالح التي
تبناها ،والتي سبق أن عرضنا لها ،وهي تكريس مبدأ األمن القانوني ،وتعزيز
القوة امللزمة للعقد ،وتأكيد العدالة التعاقدية.
املطلب األول
مسألة أولية :فرض التزام عام بحسن النية في العقود
)10االلـتزام مبراعــاة حسـن النية بـدءا من التفاوض على العقـد إلى إبرامـه
حتى تنفيذه ،واعتبار ذلك من النظام العام (م :)1104
كرس املش ِّرع في املادة ( 1104مستحدثة) ،مبدأ حسن النية في املرحلة السابقة
على العقد ،وهي مرحلة التفاوض ،وكذلك عند إبرام العقد ،فضال عن تنفيذه ،وهو
ما يعني أن التقيد بهذا املبدأ قد بات التزاما قانونيا يشمل كافة مراحل العقد بدءا
من التمهيد له إلى إبرامه إلى تنفيذه ،وهو ما عبر عنه نص املادة 1104بأنه« :يجب
أن يتم بحسن نية كل من التفاوض على العقود وإبرامها وتنفيذها» ( .)13وقد حل
هذا النص محل املادة 3/1134مدني والتي كانت تقصر حدود مبدأ حسن النية
على مرحلة تنفيذ العقد ،على أن التقيد بحسن النية في املرحلة قبل العقدية ال
يعني بالضرورة وجوب التفاوض قبل إبرام أي عقد ،بل وجوب االلتزام بحسن
النية حال التفاوض على العقد .وهذا ما يتضح بجالء من نص املادة ( )1112مدني
والتي تقضي صراحة بأنه« :يعد جائزا كل من الدعوة إلى التفاوض قبل التعاقدي
ومباشرته وقطعه ،مع مراعاة مقتضيات حسن النية» (.)14
(13) Art. 1104:« contrats doivent être négociés, formés et exécutés de bonne foi ».
(14) Art. 1112: « l’initiative, le déroulement et la rupture des négociations précontractuelles
sont libres. Ils doivent impérativement satisfaire aux exigences de la bonne foi ».
295 ملحق خاص – العدد ( – )2الجزء الثاني – صفر /ربيع األول 1439هـ -نوفمبر 2017م
اإلصالح التشريعي الفرنسي لنظرية العقد :صنيعة قضائية وصياغة تشريعية
ويتعلق حكم املادة ( )1104سالف الذكر بالنظام العام ،ولهذا فقد رتب املش ِّرع جزاء
البطالن على عدم مراعاة مبدأ حسن النية في أي من مراحل العقد إمعانا منه في
حماية الطرف الضعيف ،وتعزيزا لفكرة قيام العقد على مبدأ الثقة بني طرفي العقد
بصرف النظر عن كون أحدهما محترفا أم ال.
وانسجاما مع فرض مثل هذا االلتزام العام بحسن النية ،فقد كرس املش ِّرع العديد
من احللول القضائية املستقرة في هذا الصدد والتي طبقت مبدأ حسن النية على
املرحلة قبل التعاقدية ،فلكل شخص حرية الدعوة إلى التعاقد والتفاوض وقطع
التفاوض ،شريطة التقيد ،وبصورة مطلقة ( ،)15مببدأ حسن النية في كل ذلك (م
1112مدني) ،ومن ثم فال مسؤولية – أخذا مبا استقر عليه القضاء -عن قطع
التفاوض إال إذا انطوى على سوء نية (.)16
املطلب الثاني
بعض املبادئ واألحكام املستحدثة في إبرام العقود
)11تقسيم:
زخر مرسوم 10فبراير 2016بالكثير من املبادئ واألحكام املستحدثة في مرحلة
إبرام العقد بدءا من مرحلة التفاوض إلى اإليجاب والقبول إلى بعض صور
التراضي اخلاصة كالوعد بالتفضيل والوعد بالتعاقد باإلرادة املنفردة فضال عن
أحكام إبرام العقد بالوسائل اإللكترونية ،وهي من الكثرة بحيث يصعب تناولها
جميعا على النحو املناسب ،ولهذا جنتزئ منها ثالث مسائل نتناولها في ثالثة
فروع متتالية ،وذلك على الشكل التالي:
( )15وقد الحظ بعض الفقه – بحق -أن استخدام املشرع للفظ impérativementقاطع في الداللة
على التقيد المطلق بمبدأ بحسن النية ،حتي في حالة ما لو اتفق المتفاوضان على إبرام عقد ينظم عملية
تفاوض ،فهذا العقد يخضع بالضرورة لمبدأ حسن النية .انظر :
Clément François, « Présentation des articles 1112 à 1112-2 de la nouvelle
sous-section 1 “Les négociations” », La réforme du droit des contrats
présentée par l’IEJ de Paris 1, https://iej.univ-paris1.fr/openaccess/
reforme-contrats/titre3/stitre1/chap2/sect1/ssect1-negociations/[consulté
le 20/02/2017].
(16) Cass. com., 7 janv. 1997, n° 94-21.561 ; 7 avr. 1998, n° 95-20.361.
أبحاث المؤتمر السنوي الرابع – «القانون أداة لإلصالح والتطوير» 10 / 9 -مايو 2017م 296
أ .د .أشرف جابر
الفرع األول
فرض التزام باإلعالم في مرحلة التفاوض على العقد
)12تقنني االلتزام باإلعالم تتويج الجتهادات القضاء:
يعد االلتزام باإلعالم في مرحلة التفاوض أحد مقتضيات مبدأ حسن النية الذي بات
التزاما عاما ،ويعد اعتناء املش ِّرع بالنص عليه تتويجا الجتهادات قضائية عديدة
سعت نحو تكريسه في املرحلة قبل التعاقدية لعل أبرز تطبيقاتها هي حالة الكتمان
التدليسي .وبهذه االجتهادات رسمت محكمة النقض للمشرع نطاق هذا االلتزام
كالتزام قانوني عام في املرحلة قبل التعاقدية ،وهو ما قننه املش ِّرع بالفعل في املادة
1/1112التي نصت على أنه« :يجب على من يكون لديه من األطراف معلومات
جوهرية ومحددة ومحل اعتبار لرضاء الطرف اآلخر ،أن يقوم بإعالمه بها ،متى
كان هذا األخير يجهلها ،على نحو سائغ قانونا ،أو كان قد أودعه ثقته» (.)17
)13شروط قيام االلتزام باإلعالم في مرحلة التفاوض:
يتبني من نص املادة 1/1112السابق أنه يجب توافر ثالثة شروط لقيام هذا
االلتزام :فيجب أن تكون املعلومات محل االلتزام باإلعالم جوهرية ،وهي تكون
كذلك متى كانت محل اعتبار لرضاء الطرف اآلخر .كما يجب أن يكون أحد الطرفني
عاملا بها بينما يجهلها الطرف اآلخر ،ومن ثم فليس ثمة إخالل إذا تبني أن هذا األخير
كان عاملا ً بها من قبل ( .)18وأخيرا ً يجب أال يكون جهل الطرف اآلخر ،أو ثقته التي
أوالها للمتفاوض معه ،راجعا إلى تقصير منه ،ولهذا ال يجوز التمسك بحصول
(17) Art. 1112-1 : «Celle des parties qui connaît une information dont l’impor-
tance est déterminante pour le consentement de l’autre doit l’en informer
dès lors que, légitimement, cette dernière ignore cette information ou fait
confiance à son cocontractant».
( )18على أن هذا االلتزام العام قبل التعاقدي باإلعالم ال يجوز – بداهة – أن يخل مبا تقتضيه بعض صور
خاصة لاللتزام باإلعالم والتي تفرضها محكمة النقض في بعض العقود بوجه خاص ،على عاتق الطرف
احملترف ملصلحة الطرف اآلخر سواء كان غير محترف أو كان محترفا في غير موضوع العقد .ولهذا ال
يكون سائغا تطبيق حكم املادة 1/1112بشأن االلتزام القانوني العام قبل التعاقدي باإلعالم في نطاق
هذه العقود ،وإال ألفضي ذلك إلي نتيجة غير مقبولة ،وهي أن يكون بإمكان البائع احملترف أن يتخلص
من هذا االلتزام مبجرد أن يدعي عدم علمه بحالة املبيع وباحتياجات املشتري .وانظر :
Cass. civ. 1re, 30 mai 2006, n° 03‑14.275.
297 ملحق خاص – العدد ( – )2الجزء الثاني – صفر /ربيع األول 1439هـ -نوفمبر 2017م
اإلصالح التشريعي الفرنسي لنظرية العقد :صنيعة قضائية وصياغة تشريعية
إخالل بهذا االلتزام ممن يجهل معلومات جوهرية بشأن العقد محل التفاوض،
متى كان يتعني عليه أن يعلم بهذه املعلومات ،وكذلك إذا كان قد أودع املتفاوض معه
ثقة مفرطة .وقد عبر املش ِّرع عن هذا الشرط بأن يكون جهل الطرف اآلخر على
نحو سائغ قانونا ً ،légitimementوهي صياغة حتتفظ للقضاء بقدر كبير من
سلطة التقديرية في املوازنة بني التزامني متقابلني هما التزام أحد الطرفني باإلعالم
والتزام الطرف اآلخر باالستعالم.
)14نطاق وضوابط االلتزام باإلعالم في مرحلة التفاوض:
ميكن إيجاز أهم أحكام االلتزام قبل التعاقدي باإلعالم ،وفقا ملا نص عليه املش ِّرع،
فيما يلي:
1 )1عدم جواز االتفاق على احلد أو اإلعفاء من االلتزام باإلعالم (م .)1/1112
2 )2يترتب على اإلخالل بااللتزام باإلعالم جواز إبطال العقد تأسيسا على املادة
1130مدني وما يليها (م .)1/1112
3 )3نطاق التعويض :قصر التعويض في حال قطع املفاوضات بسوء نية على ما حلق
من خسارة دون ما فات من كسب نتيجـة ع ــدم إبــرام العقـد محـل التفاوض
()19
(م 2/1112مدني).
4 )4طبيعة املسؤولية عن قطع التفاوض :املسؤولية الناشئة عن قطع املفاوضات
مسؤولية تقصيرية تتأسس على املادة (1240جديد) والتي حلت محل املادة
(1382قدمي) ،وذلك باعتبارها قد حتققت في الفترة السابقة على إبرام العقد.
( )19فيعد ضررا واجب التعويض ما تكبده املفاوض من نفقات كتلك التي تنفق للسفر أو لدراسة
وثائق العقد أو تنظيم عملية التفاوض ،بينما ال يعد ضررا ،ومن ثم ال يكون واجب التعويض،
فوات فرصة حتقيق مكاسب من إبرام العقد .انظر حكم النقض التالي:
Cass. com., 26 nov. 2003, n° 00-10.243, arrêt Manoukian.
أبحاث المؤتمر السنوي الرابع – «القانون أداة لإلصالح والتطوير» 10 / 9 -مايو 2017م 298
أ .د .أشرف جابر
الفرع الثاني
سقوط اإليجاب مبوت املوجب أو فقده أهليته
)15عدول تشريعي عن مسلك قضائي مستقر بشأن أثر موت املوجب
أو فقده أهليته ( م :)2/1117
عادة ما يثور التساؤل حول أثر وفاة املوجب ،أو فقده أهليته على بقاء اإليجاب من
عدمه .وقد كان القضاء يجري ،قبل صدور مرسوم 10فبراير ،2016على التمييز
بني ما إذا كان اإليجاب مصحوبا مبيعاد أم ال ( ،)20فكان يقضي ببقاء اإليجاب
املصحوب مبيعاد رغم موت املوجب أو فقد أهليته أثناء هذا امليعاد ،ما لم يتبني أن
شخصيته محل اعتبار فإن اإليجاب يسقط حينئذ.
وعلى النقيض مما جرى عليه القضاء ،فقد تبنى املش ِّرع الفرنسي ،في إصالحات
10فبراير ،2016حال مغايرا ً ف ُع َّد موت املوجب أو فقده أهليته من بني أسباب
سقوط اإليجاب ( )21في جميع األحوال ،أي سواء كان اإليجاب مصحوبا ً مبيعاد
من عدمه ،وسواء كانت شخصية املوجب محل اعتبار أم ال ،وهذا ما نصت عليه
صراحة املادة ( 2/1117مدني) من أن اإليجاب يسقط في حالة فقد املوجب أهليته
فسر البعض( )23ذلك بأن املش ِّرع قد انحاز إلى إعالء أو موته ( .)22وبحق ،فقد َّ
مبدأ احلرية التعاقدية لورثة املوجب حال موته ،أو لنائبه حال فقده األهلية ،على
حساب مصلحة من وجه إليه اإليجاب.
(20) Cass. civ. 3re, 10 déc. 1997,Bull. civ.III, n° 223; Cass. civ. 1re, 25 juin 2014,
,Bull. civ. I, n° 117.
( )21وجتدر اإلشارة إلى أن املشرع الفرنسي في الفقرة األولى من املادة 1117من مرسوم /131
، 2016قد أورد سببني آخرين لسقوط اإليجاب مقتفيا ً في ذلك أثر القضاء فيما استقر عليه من
سقوط اإليجاب وهما -1 :انقضاء امليعاد املعني للقبول -2 .انقضاء امليعاد املعقول ،إذا لم يكن
هناك حتديد مليعاد ،وهو ما نصت عليه صراحة املادة 1/1117سالفة اإلشارة:
L’offre est caduque à l’expiration du délai fixé par son auteur ou, à défaut,
à l’issue d’un délai raisonnable.
وراجع أيضاCass. civ. 3e, 20 mai 2009, n° 08-13.230 :
(22) Art. 1117, al. 2 : «Elle(L’offre) l’est également en cas d’incapacité ou de
décès de son auteur.
(23) La réforme du droit des contrats, commentaire article par article, sous la
direction de Thibault DOUVILLE, p.60.
299 ملحق خاص – العدد ( – )2الجزء الثاني – صفر /ربيع األول 1439هـ -نوفمبر 2017م
اإلصالح التشريعي الفرنسي لنظرية العقد :صنيعة قضائية وصياغة تشريعية
الفرع الثالث
معاجلة القصور التشريعي بشأن بعض صور التراضي
)16استحداث تنظيم كل من الوعد بالتفضيل والوعد بالتعاقد بإرادة منفردة:
استحدث املرسوم املادتني 1123و 1124بشأن كل من الوعد بالتفضيلle pacte
،de préférenceوالوعد بالتعاقد بإرادة منفردة ،la promesse unilatérale
وكالهما صورة خاصة للتعبير عن التراضي في املرحلة السابقة على العقد ،لم
يكن القانون املدني يعالج أيا منهما من قبل ،بل كان القضاء يطبق في شأنهما
حلوال عملية ،فتدارك املش ِّرع هذا القصور وقنن ما جرت عليه أحكام القضاء في
هذا الشأن.
وإذا كان الوعد بالتعاقد من جانب واحد يصدر عن شخص اجتهت إرادته إلى
التعاقد ،فيعد مبقتضاه املوعود له بإبرام العقد حال أبدى هذا األخير رغبته في
التعاقد خالل مدة معينة ،فإن الوعد بالتفضيل يصدر عن شخص لم تتجه إرادته
بعد إلى التعاقد ،وإمنا فحسب إلى تفضيل املوعود له إذا ما اجتهت إرادته (أي
الواعد) إلى التعاقد الحقا.
وتعد مشكلة إخالل الواعد بالتزامه ،سواء في الوعد بالتفضيل أو الوعد بالتعاقد
من جانب واحد ،وتقرير جزاء لها ،هي أدق ما يثور في هذا الصدد ،وهو ما كان
القانون املدني يغفل تنظيمه ،فاستحدثه املرسوم.
)17أوال ً -الوعد بالتفضيل(م :)1123
خ َّولت املادة 1123مدني املوعود له دعويني في مواجهة الواعد هما التعويض
واإلبطال ،كما خ َّولت غير املتعاقد مع الواعد دعوى في مواجهة املوعود له تعرف
بالدعوى االستفهامية.
(أ) دعوى املوعود له بالتعويض:
يجوز للموعود له أن يرفع ،في جميع األحوال ،دعوى تعويض في مواجهة الواعد
le promettantإذا تعاقد هذا األخير مع الغير إخالال بالوعد الصادر منه .وتقوم
هذه الدعوى على أساس اإلخالل العقدي من جانب الواعد بالتزامه بالتفضيل في
مواجهة املوعود له .ويستوي في رفعها أن يكون الغير عاملا ً أو غير عالم بوجود
أبحاث المؤتمر السنوي الرابع – «القانون أداة لإلصالح والتطوير» 10 / 9 -مايو 2017م 300
أ .د .أشرف جابر
وعد بالتفضيل ملصلحة املوعود له ،إذ يجوز لهذا األخير طلب التعويض في مواجهة
الواعد في جميع األحوال (م .)2/1123
(ب) دعوى املوعود له بالبطالن أو احللول محل الغير في العقد:
يجوز للموعود له أيضاً ،فيما لو أثبت علم الغير بوجود الوعد بالتفضيل ،وبنيته
في اإلفادة منه ،أن يطلب إبطال العقد املبرم بني الواعد والغير ،أو أن يحل محل
هذا األخير في العقد ( ،)24وهو ما يعد تنفيذيا عينيا جبريا للوعد بالتفضيل (م
.)2/1123ويالحظ أن املش ِّرع وإن أخذ ،في هذا اخلصوص ،مبا جرت عليه
محكمة النقض من تخويل املستفيد من الوعد بالتفضيل مباشرة هاتني الدعويني،
إال أنه كان أكثر دقة في صياغة النص مما ذهبت إليه احملكمة حني قضت بأن:
«للمستفيد من الوعد بالتفضيل احلق في أن يطلب إبطال العقد املبرم مع الغير
باإلخالل بحقوقه وأن يحل محله»( .)25وهذه صياغة معيبة وال ريب ،إذ إنه
ال يستقيم اجلمع –كما الحظ الفقه بحق -بني بطالن العقد واحللول فيه محل
الغير ،إذ لم تعد ثمة حقوق ،وقد قضى ببطالن العقد ،يرد عليها احللول .وهذا
ما انتبه إليه املش ِّرع عند صياغة املادة 2/1123حيث أجاز للمستفيد من الوعد
أن يطلب إبطال العقد أو احللول محل الغير فيه ،وفي هذا إشارة إلى أن مباشرة
هاتني الدعويني إمنا هو على سبيل التخيير أو البدل ال اجلمع.
(ج) دعوى الغير االستفهامية:
وعلى جانب آخر فإن للغير أن يرفع دعوى استفهامية (استفسارية) Une action
interrogatoireفي مواجهة املوعود له يستفسر منه كتابة عما إذا كان هناك وعد
بالتفضيل لصاحله ،وما إذا كان ينتوي اإلفادة منه أم ال ،ويجب أن يحدد الغير
للموعود له مدة معينة معقولة للرد على هذا االستفسار (م .)3/1123وتبدو أهمية
اشتراط االستفهام كتابة في أنه في حال عدم رد املوعود له خالل املدة احملددة
لذلك ،فإنه ال يستطيع أن يطلب إحالله محل الغير في العقد أو أن يطلب إبطال هذا
العقد (م .)4/1123ويفترض لرفع هذه الدعوى أن يكون الغير عاملا ،أو على األقل
(24) Cass. ch. mixte, 26 mai 2006, n° 03-19.376.
(25) Cass. civ. 3e, 14 févr. 2007, n° 05-21.814.« le bénéficiaire d’un pacte de pré-
férence est en droit d’exiger l’annulation du contrat passé avec un tiers en
méconnaissance de ses droits et d’obtenir sa substitution à l’acquéreur».
301 ملحق خاص – العدد ( – )2الجزء الثاني – صفر /ربيع األول 1439هـ -نوفمبر 2017م
اإلصالح التشريعي الفرنسي لنظرية العقد :صنيعة قضائية وصياغة تشريعية
قامت لديه دالئل ،على وجود وعد بالتفضيل .فإذا لم يكن لديه شيء من ذلك فال
يتصور – بطبيعة احلال – مباشرته لهذه الدعوى .ولهذا يرى البعض ( –)26بحق
-أن مباشرة الغير هذه الدعوى ،إذا توافر لديه العلم ،أو مجرد الظن ،في وجود
وعد بالتفضيل من عدمه ،قد يكون غير مجد بالنسبة له ،بل وقد يهدد مصلحته،
إذ قد يكون من مصلحته أن يبرم عقده دون اخلوض في أمر التحقق من وجود
وعد بالتفضيل من عدمه ،وحينئذ يستطيع في حالة ادعاء شخص بوجود وعد
بالتفضيل لصاحله أن يتمسك بأنه لم يكن «يعلم» بوجود مثل هذا الوعد ،وإمنا كان
لديه مجرد اعتقاد أو «شك» ،تفاديا لدعوى البطالن من جانب املوعود له.
وجتدر اإلشارة إلى أنه استثناء من التاريخ املنصوص عليه لنفاذ أحكام تعديالت
هذا املرسوم على العقود التي تبرم اعتبارا من أول أكتوبر ،2016وأن تظل العقود
املبرمة في الفترة من صدور املرسوم حتى هذا التاريخ خاضعة ألحكام القانون
القدمي (املادة 9من املرسوم في فقرتيها األولى والثانية)( ،)27فإن حكم هذا
النص يكون نافذا نفاذا فوريا ،أي من تاريخ صدور هذا املرسوم في 10فبراير
،2016بحيث يسري على العقود املبرمة اعتبارا من هذا قبل صدوره (م 3/9من
املرسوم(.)28
)18ثانيًا -الوعد بالتعاقد بإرادة منفردة (م :)1124
كما هو احلال بالنسبة للوعد بالتفضيل ،استحدث املش ِّرع املادة 1124متناوال فيها
الوعد بالتعاقد باإلرادة املنفردة ،وذلك في ثالث فقرات تناول فيها تباعا تعريفه،
وأثر نكول الواعد عن وعده أثناء مدة الوعد ،وحكم العقد املبرم باملخالفة بالوعد.
(أ) ففيما يتعلق بالتعريف :فليس هناك جديد في تعريف املش ِّرع للوعد بالتعاقد
(26) Clément François,op.cit., https://iej.univ-paris1.fr/openaccess/reforme-
contrats/titre3/stitre1/chap2/sect1/ssect3-pacte-preference-promesse/
( )27إذ نصت صراحة على أن :
«1-Les dispositions de la présente ordonnance entreront en vigueur le 1er
octobre 2016. 2- Les contrats conclus avant cette date demeurent soumis
à la loi ancienne».
( )28إذ نصت صراحة على أن :
«Toutefois, les dispositions des troisième et quatrième alinéas de l’article
1123 et celles des articles 1158 et 1183 sont applicables dès l’entrée en
vigueur de la présente ordonnance».
أبحاث المؤتمر السنوي الرابع – «القانون أداة لإلصالح والتطوير» 10 / 9 -مايو 2017م 302
أ .د .أشرف جابر
باإلرادة املنفردة ،فقد ردد ما استقر عليه الفقه من أنه عقد مبقتضاه يعد طرف،
وهو الواعد ،طرفا آخر ،وهو املوعود له ،بإبرام عقد ،تكون عناصره اجلوهرية
محددة ( ،)29مبجرد إبداء األخير رغبته في ذلك (م 1/1124مدني).
(ب) أثر نكول الواعد عن وعده( :عدم االعتداد بنكول الواعد) ،إذ لم يرتب
املش ِّرع أي أثر لنكول الواعد على حق املوعود له في إبداء رغبته في التعاقد،
ومن ثم إبرام العقد املوعود به ،وبهذا يكون املش ِّرع قد خرج عما استقر عليه
القضاء فيما يتعلق بأثر نكول الواعد عن الوعد أثناء مدة الوعد ،وحكم العقد
املبرم باملخالفة للوعد ،حيث كان يترتب على هذا النكول ،وفقا ألحكام القضاء،
حرمان املوعود له من إبداء رغبته في التعاقد ،وال يكون له سوى الرجوع
بالتعويض على الواعد نتيجة إخالله بالوعد ،وكذلك الرجوع بالتعويض في
مواجهة الغير إذا ثبت أنه قد أبرم العقد مع الواعد عاملا بوجود الوعد( .)30وقد
كان هذا احلل منتقدا من جانب الفقه ،ولهذا فقد عزف املش ِّرع عنه مهدرا كل أثر
لنكول الواعد عن وعده أثناء مدة الوعد ،حيث نص صراحة على أن هذا النكول
ال يترتب عليه حرمان املوعود له من إبرام العقد املوعود به متى أبدي رغبته
في التعاقد أثناء مدة الوعد (م .)2/1124
(ج) حكم العقد املبرم باملخالفة للوعد :بطالن العقد في حال علم الغير بالوعد
اتساقا مبا قرره املش ِّرع من إهدار كل أثر لنكول الواعد عن وعده ،وعدم تأثيره
على استعمال املوعود له خيار التعاقد ،فقد قرر بطالن العقد الذي يبرمه الواعد
مع الغير باملخالفة للوعد متى ثبت علم الغير بوجود الوعد (.)31()3/1124
وبوجه عام ،يالحظ على معاجلة املش ِّرع للتعاقد من جانب واحد أنه قد ميز -بغير
مبرر -بينه وبني الوعد بالتفضيل من ناحيتني:
األولى – أنه لم يخول املوعود له في الوعد بالتعاقد باإلرادة املنفردة دعوى
تعويض في مواجهة كل من الواعد والغير ،وهي الدعوى التي تقوم
( )29وهذا مما مييز الوعد بالتعاقد من جانب واحد عن الوعد بالتفضيل الذي ال يلزم فيه – بل وال
يتصور -حتديد العناصر اجلوهرية للعقد .
(30) Cass. civ. 3 , 15 déc. 1993, n° 91-10.199.
e
(31) Art. 1124, al. 3 : «Le contrat conclu en violation de la promesse unila-
térale avec un tiers qui en connaissait l’existence est nul ».
303 ملحق خاص – العدد ( – )2الجزء الثاني – صفر /ربيع األول 1439هـ -نوفمبر 2017م
اإلصالح التشريعي الفرنسي لنظرية العقد :صنيعة قضائية وصياغة تشريعية
وفقا للمادة 1108مدني فرنسي (ملغاة) ،فقد كان يلزم النعقاد العقد صحيحا توافر
أربعة شروط هي :توافر رضاء املتعاقد امللتزم ،وتوافر األهلية الالزمة له للتعاقد،
توافر محل محدد لاللتزام ،وأخيرا وجود سبب لاللتزام ،إال أن مرسوم 10فبراير
2016قد أحدث تغييرا جوهريا في هذا الصدد ،فقد اكتفت املادة 1128منه (والتي حلت
محل املادة )1108بضرورة توافر ثالثة شروط ،مع التعديل في صياغتها ،وهي:
رضاء طرفي العقد ،وتوافر األهلية الالزمة للتعاقد بالنسبة لهما ،وأخيرا أن يكون
أبحاث المؤتمر السنوي الرابع – «القانون أداة لإلصالح والتطوير» 10 / 9 -مايو 2017م 304
أ .د .أشرف جابر
(32) Art. 1128:«Sont nécessaires à la validité d’un contrat: «1o Le consentement des
parties; «2o Leur capacité de contracter; «3o Un contenu licite et certain».
(33) Aurélien Bamdé, La licéité du contenu du contrat ou la conformité de
ses stipulations et de son but à l’ordre public,https://aurelienbamde.
com/2017/02/28/la-liceite-du-contenu-du-contrat-ou-la-conformite-de-
ses-stipulations-et-de-son-but-a-lordre-public/
( )34وهو ما كانت تنص عليه املادة 1131مدني فرنسي (ملغاة) من أن «االلتزام ال ينتج أي أثر إذا لم يكن
مبنيا على سبب ، sans causeأو كان مبنيا على سبب غير صحيح .» ...une fausse cause
305 ملحق خاص – العدد ( – )2الجزء الثاني – صفر /ربيع األول 1439هـ -نوفمبر 2017م
اإلصالح التشريعي الفرنسي لنظرية العقد :صنيعة قضائية وصياغة تشريعية
أبحاث المؤتمر السنوي الرابع – «القانون أداة لإلصالح والتطوير» 10 / 9 -مايو 2017م 306
أ .د .أشرف جابر
العقدي( .)37ومن أمثلة ذلك ما نصت عليه املادة 1162مدني من بطالن العقد حال
مخالفة شروطه أو الغرض منه للنظام للعام .وكذلك ما نصت عليه املادة 1170من
بطالن الشروط العقدية التي جترد االلتزام الرئيس من ماهيته .وكذلك ما نصت
عليه املادة 1178من بطالن العقد الذي ال يستجمع شروط صحته ،وتطبيقا لذلك
فإن العقد يقع باطال متي كان مضمونه غير مشروع أو غير محدد وفقا ملا نصت
عليه املادة .1128
املطلب الرابع
صحة العقد وتأكيد مبدأ العدالة العقدية
)20ثالث مسائل:
تناول املش ِّرع في مرسوم 10فبراير 2016مسائل عدة تتعلق بصحة العقد كالرضا
وعيوبه واألهلية والنيابة في التعاقد وشروط انعقاد العقد صحيحا ،وجزاء انتفاء
أحد شروط صحة العقد ،وهي كثيرة يضيق بها املقام ،ولهذا جنتزئ منها أربعا
هي من أبرز اإلصالحات التي أدخلها املش ِّرع في هذا السياق ،فنعرض ملا استحدثه
بشأن عيب اإلكراه كأحد عيوب اإلرادة ،ثم للمبدأ العام بشأن الشروط التي جترد
االلتزام الرئيس من ماهيته ،ثم احلماية العامة التي قررها في عقود اإلذعان
مبواجهة الشروط التعسفية ،وأخيرا بطالن العقد والذي تبنى فيه املش ِّرع مفهوما
حديثا للبطالن ،ونتناول كال منها في فرع مستقل فيما يلي:
الفرع األول
تطور املفهوم التشريعي لإلكراه كعيب في اإلرادة
)21تنقيح تشريعي مزدوج ألحكام اإلكراه (املواد من 1140إلى :)1143
يعد اإلكراه ،كأحد عيوب اإلرادة ،منوذجا بارزا لتأثير القضاء على ما تضمنه
مرسوم 10فبراير 2016من حلول مستحدثة ،وقد تناوله املش ِّرع في املواد من
1140إلى 1143منقحا لبعض أحكامه ومستحدثا له صورة جديدة .وقد بدا ذلك
من ناحيتني:
307 ملحق خاص – العدد ( – )2الجزء الثاني – صفر /ربيع األول 1439هـ -نوفمبر 2017م
اإلصالح التشريعي الفرنسي لنظرية العقد :صنيعة قضائية وصياغة تشريعية
أبحاث المؤتمر السنوي الرابع – «القانون أداة لإلصالح والتطوير» 10 / 9 -مايو 2017م 308
أ .د .أشرف جابر
وكانت محكمة النقض قد قضت ،في غير مناسبة ،بأنه ليس هناك ما يحول
دون إبطال العقد لإلكراه االقتصادي ( ،)40كما أكدت على أن مجرد وجود تبعية
اقتصادية ليس كافيا في هذا الصدد ،وإمنا يجب كذلك أن يكون هناك إساءة
استغالل لهذه التبعية من املتعاقد اآلخر( ،)41على أن أهمية اعتراف املش ِّرع بفكرة
«اإلكراه االقتصادي» ال تقتصر فحسب على كونها تطورا تشريعيا بشأن اإلكراه
املعيب لإلرادة ،بل من كونها فتحت الباب واسعا أمام القضاء لتأسيس أحكامه على
فكرة قلما كان يلجأ إليها في ظل غياب تشريعي.
ولعل تطبيق هذه الفكرة يجد رواجا خاصا في نطاق عقد العمل الذي متثل خشية
العامل من فقد عمله رهبة يستغلها صاحب العمل للضغط عليه بغرض حتقيق
مزية فاحشة فيه لصاحله ( .)42كما تظهر أهمية تطبيق هذه الفكرة في نطاق عقود
التوريد التي قد تتوافر فيها حالة «التبعية االقتصادية» التي يكون عليها املوزع في
عالقته باملورد الذي قد يسيئ استغاللها لتحقيق مزية فاحشة ملصلحته .كذلك
جتد هذه الفكرة تطبيقا مه ًما لها في نطاق عقود األوراق املالية التي تخضع فيها
عمليات البيع والشراء -في كثير من األحيان -ملا ميكن أن يطلق عليه الهيمنة
املالية للمساهمني .la domination financière d’un actionnaire
ويالحظ أن املش ِّرع قد ميز بني هذه الفكرة ،أي اساءة استغالل التبعية االقتصادية
من ناحية ،واختالل التوازن العقدي (اجلسيم) من ناحية أخرى :فحالة إساءة
استغالل التبعية االقتصادية ،تنظمها املادة 1143مدني ،وجزاؤها إبطال العقد
(40) Cass. civ. 1re, 30 mai 2000, n° 98-15.242 .
(41) Cass. civ. 1re, 3 avr. 2002, n° 00-12.932: « seule l’exploitation abusive d’une
situation de dépendance économique, faite pour tirer profit de la crainte d’un
mal menaçant directement les intérêts légitimes de la personne, peut vicier
de violence son consentement » (rendu au visa de l’ancien article 1112).
وفي التعليق على هذا احلكم :
Durand-Pasquier Gwénaëlle. Précisions sur la notion de violence économi-
que [Commentaire de la décision de la Première chambre civile de la Cour de
cassation, du 3 avril 2002 ]. In: Revue juridique de lʼOuest, 2002-4. pp. 447-
465; http://www.persee.fr/doc/juro_0990-1027_2002_num_15_4_2690.
(42) Cathie-Sophie Pinat , LA VIOLENCE, dans Le nouveau droit français des
contrats, du régime général et de la preuve des obligations (après l’ordonnan-
ce du 10 février 2016), Sous la direction scientifique de Daniel Mainguy P.91
309 ملحق خاص – العدد ( – )2الجزء الثاني – صفر /ربيع األول 1439هـ -نوفمبر 2017م
اإلصالح التشريعي الفرنسي لنظرية العقد :صنيعة قضائية وصياغة تشريعية
لعيب اإلكراه ،بشرط أن تتحقق للطرف اآلخر نتيجة هذه اإلساءة «مزية فاحشة
،»avantagemanifestement excessifوهذا جزاء عام ينطبق في كافة العقود.
أما اختالل التوازن العقدي (اجلسيم) ،فتنظمه املادة 1171مدني وهذا جزاؤه إبطال
الشروط التعسفية فحسب – وليس العقد -التي تخل بالتوازن بني املتعاقدين(،)43
وهو جزاء خاص ينحصر في نطاق عقود اإلذعان كما سيلي بيانه(.)44
وإذا كان الفضل يرجع إلى القضاء في إلهام املش ِّرع هذه الفكرة ،إال أنه تبنى مفهوما
أوسع لها ،فعد أن اإلكراه في هذه الصورة ميكن أن يتحقق في أي حالة من حاالت
التبعية » à tout «état de dépendanceدون أن يقصر ذلك على حالة التبعية
االقتصادية .ولهذا فقد جاءت عبارة املادة 1143مدني (مستحدثة) عامة حني نصت
على أن« :عيب اإلكراه يتوافر كذلك متى أساء أحد املتعاقدين استغالل حالة التبعية
التي يوجد فيها املتعاقد اآلخر.»...
غير أن املش ِّرع لم يخرج ،بوجه عام ،عند حتديد شروط اإلكراه املعيب لإلرادة
في هذه احلالة ،عما قضت به محكمة النقض من ضرورة اجتماع ثالثة شروط
هي :توافر حالة التبعية لدى أحد املتعاقدين ،واستغالل املتعاقد اآلخر لهذه احلالة،
واستهداف حتقيق مزية فاحشة.
وبحسب صياغة النص ،فإن هذه الشروط تتسم بقدر كبير من العمومية األمر
يثير العديد من التساؤالت نكتفي باثنني منها(:)45
األول هو ما املقصود بالتبعية؟ ذلك أن النص حتدث عن «حالة التبعية» دون حتديد
صورة معينة لها ،وهو ما قد يشير إلى أنها ال تقتصر على التبعية االقتصادية التي
استقرت عليها محكمة النقض ،بل ميكن أن تتسع لتشمل صورا أخرى من التبعية،
كالتبعية الفنية .ونعتقد مع البعض ( ،)46أن هذا التوسع من شأنه أن يقوض – من
حيث ال يقصد املش ِّرع -من استقرار العقود حيث يفتح الباب على مصراعيه أمام
كل من طرفي العقد للطعن في صحته ألي سبب ،مبررا ً كان أم غير مبرر ،بدعوى
توافر حالة تبعية لديه أيا كانت هذه التبعية واستغالل الطرف اآلخر لها.
(43) Hugo Barbier, La Violence Par Abus De Dépendance, La Semaine Juridi-
que - Édition Générale - N° 15 - 11 Avril 2016.
( )44انظر ما يلي بند .23
( )45راجع في ذلك تفصيال Hugo Barbier,op.cit. :
(46) Joseph Vogel, op. cit., p.3.
أبحاث المؤتمر السنوي الرابع – «القانون أداة لإلصالح والتطوير» 10 / 9 -مايو 2017م 310
أ .د .أشرف جابر
أما الثاني ففي مواجهة من تكون هذه التبعية؟ ذلك أن النص حتدث عن
حالة التبعية»التي يكون عليها املتعاقد اآلخر» ،وهو ما قد يفهم منه أن هذه التبعية
ال يلزم بالضرورة أن تكون للمتعاقد الذي يستغلها ،بل ميكن أن تكون أيضا ً للغير،
فالعبرة هي بتحقيق املتعاقد مزية فاحشة سواء كانت هذه التبعية له أم للغير .وال
شك في أن محكمة النقض ستؤدي مجددا دورا ً مهما ً في فتح الباب إلبطال العقد
في حالة استغالل أحد املتعاقدين حالة التبعية التي يكون عليها املتعاقد اآلخر في
مواجهة الغير.
الفرع الثاني
حماية االلتزام الرئيس
في مواجهة الشروط العقدية التي جترده من ماهيته
)22مبدأ حمائي عام لاللتزام الرئيس:
وضع املش ِّرع مبدأ عاما في املادة 1170نص فيها على أن« :كل شرط يجرد االلتزام
الرئيس للمدين من ماهيته يعتبر كأن لم يكن»( .)47ويعد هذا النص من النصوص
احلمائية التي كرس بها املش ِّرع مبدأ العدالة العقدية .وميكن أن يالحظ على هذا
النص ما يلي:
)1من حيث نطاق الشروط التي يسري النص في مواجهتها:
أول ما يالحظ على هذا النص هو عموم صياغته حني أهدر «كل» شرط من شأنه
أن يجرد االلتزام الرئيس من ماهيته ،دون أن يقصر ذلك على شروط التخفيف أو
اإلعفاء من املسؤولية ،متجاوزا بذلك ما جرى عليه القضاء من قصر هذا احلكم
على هذين النوعني من الشروط .وعلى هذا ،فإن حكم املادة 1170يكرس حماية
أوسع لاللتزام الرئيس في مواجهة أية شروط عقدية جترده من ماهيته ،ومن
بينها – بداهة -الشروط املخففة أو املعفية من املسؤولية والتي يكون لها هذا األثر،
وذلك عوضا عن نص املادة 1131مدني ملغى ،والتي كان القضاء يؤسس أحكامه
بالبطالن في هذه احلالة عليها استنادا إلى تخلف السبب (.)48
(47) «Art. 1170. – Toute clause qui prive de sa substance l’obligation essentielle
du débiteur est réputée non écrite».
(48) Cass.com., 22 oct. 1996, n° 93-18.632. , Cass. com., 29 juin 2010, n° 09-11.841.
311 ملحق خاص – العدد ( – )2الجزء الثاني – صفر /ربيع األول 1439هـ -نوفمبر 2017م
اإلصالح التشريعي الفرنسي لنظرية العقد :صنيعة قضائية وصياغة تشريعية
أبحاث المؤتمر السنوي الرابع – «القانون أداة لإلصالح والتطوير» 10 / 9 -مايو 2017م 312
أ .د .أشرف جابر
اجلسيم» بني حقوق والتزامات أطراف العقد ،ومعيار حتديد مفهوم الشرط
التعسفي ،ونطاق تطبيق نص املادة 1171مدني ،وأهمية تضمني القانون املدني
نص املادة ،1171وأخيرا معيار تقدير «االختالل اجلسيم» بني حقوق والتزامات
أطراف العقد.
ونعرض لهذه املسائل بإيجاز فيما يلي:
)24أوال ً -االستعانة بفكرة «اإلخالل اجلسيم»بني حقوق والتزامات
أطراف العقد:
لم تأت املادة 1171مدني بجديد فيما يتعلق بفكرة «اإلخالل اجلسيم»
le déséquilibre significatifبني حقوق والتزامات أطراف العقد كمعيار للشرط
التعسفي ،إذ تناولت هذه الفكرة سلفا نصوصا تشريعية خاصة ،ونعني بها املادة
1/212من تقنني االستهالك ،واملادة 6/442فقرة 1من قانون التجارة.
فاملادة 1/212من تقنني االستهالك عرفت الشرط التعسفي بقولها« :في العقود
املبرمة بني احملترفني (املهنيني) واملستهلكني ،يعد تعسفيا كل شرط ينطوي ،سواء
من حيث موضوعه أو أثره ،وفي غير مصلحة املستهلكني ،على إخالل جسيم
بحقوق والتزامات أطراف العقد» (.)51
كما أن املادة ( 6/442في فقرتيها األولى والثانية) من قانون التجارة حظرت في
نطاق العقود املبرمة بني طرفني كالهما مهني (أو محترف) أن يحقق أي منهما
ميزة تنطوي على إخالل جسيم بحقوق والتزامات أطراف العقد ،ورتبت على ذلك
مسؤوليته والتزامه بالتعويض .وفي ذلك نصت على أن« :يعد مسؤوال وملتزما
بتعويض الضرر الناشئ عن فعله كل منتج أو تاجر أو صانع-1 :حصل أو سعى
(51) Art. 212-1 code de la Consommation: « Dans les contrats conclus entre
professionnels et consommateurs, sont abusives les clauses qui ont pour
objet ou pour effet de créer, au détriment du consommateur, un déséqui-
libre significatif entre les droits et obligations des parties au contrat».
وقد حل هذا النص محل املادة 1/132من تقنني االستهالك ،وذلك اعتبارا من أول يوليو 2016مبقتضى
املرسوم رقم 301لسنة 2016الصادر بتاريخ 14مارس . 2016كما عدل مبقتضى املرسوم رقم
131لسنة 2016والصادر بتاريخ 10فبراير . 2016وأصل النص منقول عن التوجيه األوروبي
رقم 13لسنة 1993بشأن الشروط التعسفية .
313 ملحق خاص – العدد ( – )2الجزء الثاني – صفر /ربيع األول 1439هـ -نوفمبر 2017م
اإلصالح التشريعي الفرنسي لنظرية العقد :صنيعة قضائية وصياغة تشريعية
إلى أن يحصل من الطرف اآلخر التاجر على ميزة أيا كانت متى كانت ال تتناسب
البتة مع اخلدمة التجارية املقابلة لهذه امليزة – 2 .وضع أو حاول أن يضع على
عاتق الطرف اآلخر التاجر التزامات تنطوي على إخالل جسيم بحقوق والتزامات
األطراف(.)52
ويالحظ أن العبرة في تقدير وجود اختالل جسيم في التوازن العقدي بني
املتعاقدين إمنا تكون بالنظر في التوازن االقتصادي في العقد بوجه عام ،وليس
بالنظر في كل شرط على حدة .كذلك ال عبرة في تقدير وجود هذا االختالل من
عدمه مبضمون العقد الرئيس ،أو مبدى مالءمة األداء املقابل.
وهكذا ،فإنه على الرغم من أن املادة 1171مدني قد استلهمت فكرة «اإلخالل اجلسيم
بني حقوق والتزامات أطراف العقد» كمعيار للشرط التعسفي عن املادة 6/422
من قانون التجارة ،إال أن لكل منهما نظاما ً مستقالً؛ إذ بينما ال تخضع الشروط
املتعلقة بالثمن أو باملقابل ملفهوم الشرط التعسفي بحسب صريح نص املادة 1171
مدني ،أي وفقا للقواعد العامة في العقد ،جند أنها تندرج حتت هذا املفهوم وفقا
لقانون التجارة ( ،)53وهو ما ميكن معه القول إن املش ِّرع املدني – وكذلك احلال في
قانون االستهالك – أكثر حرصا على احترام مبدأ القوة امللزمة للعقد من املش ِّرع
التجاري.
)25ثانيا ً -معيار حتديد مفهوم «الشرط التعسفي»:
العبرة في حتديد مفهوم «الشرط التعسفي» إمنا تكون بالرجوع إلى تقنني
االستهالك ،ذلك أن املادة 1171مدني لم ُتعرف الشرط التعسفي ،وإمنا اكتفت
(52) Art. 442-6 code de Commerce : «Engage la responsabilité de son
auteur et l’oblige à réparer le préjudice causé le fait, par tout producteur,
commerçant, industriel ou personne immatriculée au répertoire des
métiers:
1° D’obtenir ou de tenter d’obtenir d’un partenaire commercial un avantage
quelconque ne correspondant à aucun service commercial effectivement
rendu ou manifestement disproportionné au regard de la valeur du service
rendu.
2° De soumettre ou de tenter de soumettre un partenaire commercial à des
obligations créant un déséquilibre significatif dans les droits et obligations
des parties».
(53) Joseph Vogel,op.cit,p.2.
أبحاث المؤتمر السنوي الرابع – «القانون أداة لإلصالح والتطوير» 10 / 9 -مايو 2017م 314
أ .د .أشرف جابر
بترتيب اجلزاء على وروده بالعقد ،بينما حددت املادة 1/212من تقنني االستهالك
سالفة الذكر املقصود به بأنه كل شرط «ينطوي على إخالل جسيم بحقوق
والتزامات أطراف العقد».
)26ثال ًثا – أهمية مواجهة الشروط التعسفية في عقود اإلذعان في نطاق
القانون املدني:
قد يثور التساؤل عن أهمية تضمني القانون املدني نص املادة 1171مدني في ظل
وجود نصوص خاصة تناولت حكم الشروط التعسفية سواء في نطاق تقنني
االستهالك أو في نطاق قانون التجارة .واحلقيقة أن أهمية وجود مثل هذا النص
بني القواعد العامة في القانون املدني تظهر من نواح عدة:
)أ( من حيث نطاق التطبيق:
خالفا ملا قد يبدو من تداخل بني املادة ( 1171مدني) وغيرها من هذه
النصوص اخلاصة ،فإن للمادة ( 1171مدني) نطاق تطبيق يتناول
كل العالقات العقدية التي تخرج عن نطاق كل من قانوني االستهالك
والتجارة ،وهو ما يتضح مما يلي:
- --قصر تطبيق املادة 1171على عقود اإلذعان(:)54
وبهذا فإن نطاق تطبيق هذا النص يختلف عن نطاق تطبيق املادتني
1/212من قانون االستهالك ،و 6/442من قانون التجارة:
-فاملادة 1/212من تقنني االستهالك تنطبق في خصوص أي عقد
ال يندرج حتت عقود اإلذعان ،متى أبرم بني طرفني أحدهما مهني
واآلخر غير مهني أو مستهلك ،بينما يخرج من نطاق تطبيق هذا
القانون العقود املبرمة بني طرفني كالهما مهني .بعبارة أخرى ،يشمل
نطاق تطبيق تقنني االستهالك نوعني من العقود يكون أحد طرفيها
دائما مهنيا أما الطرف اآلخر فقد يكون غير مهني أو مستهلكا .بينما
ال يخضع لهذا القانون العقود املبرمة بني طرفني كالهما مهني (.)55
وقد عرفت مادة اإلصدار في تقنني االستهالك -واملعدلة بالقانون
( )54بالتحديد الوارد لعقود اإلذعان في املادة .1110
(55) Cass. civ. 1ere, 11 décembre 2008, n° du pourvoi : 07-18128).
315 ملحق خاص – العدد ( – )2الجزء الثاني – صفر /ربيع األول 1439هـ -نوفمبر 2017م
اإلصالح التشريعي الفرنسي لنظرية العقد :صنيعة قضائية وصياغة تشريعية
(56) Article liminaire : «Pour l’application du présent code, on entend par :
= consommateur : toute personne physique qui agit à des fins qui n’entrent
pas dans le cadre de son activité commerciale, industrielle, artisanale, libérale
; ou agricole
- non-professionnel : toute personne morale qui n’agit pas à des fins profes-
; sionnelles
- professionnel : toute personne physique ou morale, publique ou privée, qui
agit à des fins entrant dans le cadre de son activité commerciale, industrielle,
artisanale, libérale ou agricole, y compris lorsqu’elle agit au nom ou pour le
compte d’un autre professionnel». LOI n°2017-203 du 21 février 2017 - art. 3
www.legifrance.gouv.fr/affichCode.do;jsessionid.
أبحاث المؤتمر السنوي الرابع – «القانون أداة لإلصالح والتطوير» 10 / 9 -مايو 2017م 316
أ .د .أشرف جابر
سبيل املثال ،إذا كان املهني الذي يبرم عقدا من عقود اإلذعان ال يفيد
من احلماية املقررة في تقنني االستهالك كونها ال تنطبق على هذه
العقود وتقتصر على غير املهني واملستهلك ،إال أنه يستطيع أن يفيد
من احلماية املقررة في القانون املدني مبقتضي املادة .1171كالعقد
املبرم بني طبيب وبني مستشفي أو مركز طبي خاص.
)ب(من حيث اجلزاء:
يتفق اجلزاء الذي تقرره املادة ( 1171مدني) مع اجلزاء املقرر في
تقنني االستهالك ،وهو «اعتبار الشرط التعسفي كأن لم يكن est
.»réputée non écriteومؤدى هذا اجلزاء هو غل يد القضاء
عن تعديل هذا الشرط مبا يعيد التوازن بني املتعاقدين ،إال أنه يختلف
عن اجلزاء الذي تقرره املادة 6/442من قانون التجارة ،حيث تقرر
هذه األخيرة «بطالن الشرط »la nullitéومسؤولية املتعاقد الذي
أخل لصاحله بحقوق والتزامات املتعاقد اآلخر والتزامه بتعويض
الضرر الناشيء عن فعله .ويتفرع عن ذلك نتيجة مهمة تتعلق بتقادم
الدعوى الناشئة عن كل منهما ،فبينما تخضع دعوى البطالن املقررة
في قانون التجارة للتقادم ،فإن القضاء لم يتخذ بعد مسلكا حاسما
بشأن خضوع دعوى اعتبار الشرط كأن لم يكن للتقادم (.)57
الفرع الرابع
النظرية احلديثة في البطالن
ميَّز املش ِّرع الفرنسي بني جزائني النتفاء أحد شروط صحة العقد ،هما البطالن
la nullitéوالسقوط ،la caducitéحيث جعل األول جزاء انتفاء أحد شروط
الصحة عند إبرام العقد ،بينما جعل الثاني جزاء النتفاء أحد هذه الشروط بعد
إبرام العقد .ونقتصر -لضيق املقام -في هذه الدراسة على تناول البطالن دون
السقوط ،كما سنقتصر أيضا ً على إلقاء الضوء على بعض ما استحدثه املش ِّرع
بشأن البطالن.
317 ملحق خاص – العدد ( – )2الجزء الثاني – صفر /ربيع األول 1439هـ -نوفمبر 2017م
اإلصالح التشريعي الفرنسي لنظرية العقد :صنيعة قضائية وصياغة تشريعية
أبحاث المؤتمر السنوي الرابع – «القانون أداة لإلصالح والتطوير» 10 / 9 -مايو 2017م 318
أ .د .أشرف جابر
319 ملحق خاص – العدد ( – )2الجزء الثاني – صفر /ربيع األول 1439هـ -نوفمبر 2017م
اإلصالح التشريعي الفرنسي لنظرية العقد :صنيعة قضائية وصياغة تشريعية
( )63وذلك ما لم يكن أحد الطرفني قد قام بتنفيذ التزامه الناشئ عن العقد الباطل ،وأراد أن يسترد
ما أوفى به ،فال يكون أمامه – حينئذ -سوى رفع دعوى لتقرير بطالن العقد .
( )64إذ أن العقد القابل لإلبطال يبقى صحيحا إلي أن يحكم ببطالنه .
65 ()Art. 1180-1: « La nullité absolue peut être demandée par toute personne
justifiant d’un intérêt, ainsi que par le ministère public».
66 ()Thibault DOUVILLE, op. cit., p.152.
67 ()Art. 1181-1 : «La nullité relative ne peut être demandée que par la partie
que la loi entend protéger».
أبحاث المؤتمر السنوي الرابع – «القانون أداة لإلصالح والتطوير» 10 / 9 -مايو 2017م 320
أ .د .أشرف جابر
تلك إرادة املش ِّرع لذكر ذلك صراحة ،وإمنا يجب أن يفهم املقصود «بالطرف الذي
قصد القانون حمايته» في ضوء معيار التمييز بني نوعي البطالن ،وهو طبيعة
املصلحة احملمية ،فالبطالن النسبي يتقرر حني تكون املصلحة احملمية التي مت
اإلخالل بها «مصلحة خاصة» ،وهذه األخيرة ال يلزم بالضرورة أن تكون مصلحة
أحد «املتعاقدين» ،وإمنا ميكن أن تكون مصلحة شخص من الغير ،ولهذا فإن
مفهوم «الطرف» الوارد في املادة 1181مدني يجب أن يحمل على مدلول «إجرائي
»processuelأكثر منه «عقدي . )68(»contractuel
)ج(من حيث اإلجازة:
يقصد بإجازة العقد تنازل صاحب املصلحة «احملمية»عن احلق في التمسك ببطالنه
(م .)1182وعلى هذا األساس ميكن فهم احلل الذي تبناه املش ِّرع رغم أنه حل
تقليدي :فالعقد الباطل بطالنا مطلقا ال ترد عليه اإلجازة ألن املصلحة احملمية في
هذا العقد هي «املصلحة العامة» ،ومن ثم فليس ألحد أن ينزل عن التمسك بعقد أخل
بهذه املصلحة .وباملقابل ،ترد اإلجازة على العقد الباطل بطالنا ً نسبيا ً ألن املصلحة
احملمية في هذا العقد هي «مصلحة خاصة» ،ومن ثم فليس هناك ما يحول دون
نزول صاحب احلق عن التمسك ببطالن العقد الذي أخل بهذه املصلحة .يضاف إلى
ذلك أنه من املتصور أن تتعلق املصلحة احملمية «اخلاصة» بأكثر من شخص وفي
هذه احلالة ،فإن اإلجازة التي تصدر من أحدهم لهذا العقد ال حتول دون متسك
اآلخرين ببطالنه.
)د(من حيث مدة تقادم دعوى البطالن:
تتقادم دعوى البطالن ،سواء كان مطلقا أو نسبيا ،مبضي خمس سنوات من وقت
العقد (.)69
321 ملحق خاص – العدد ( – )2الجزء الثاني – صفر /ربيع األول 1439هـ -نوفمبر 2017م
اإلصالح التشريعي الفرنسي لنظرية العقد :صنيعة قضائية وصياغة تشريعية
املطلب الرابع
بعض املسائل املستحدثة في نطاق آثار العقد
)28تقسيم:
عرض املش ِّرع في مرسوم 10فبراير 2016ملسائل عديدة تتعلق بآثار العقد سواء
ما تعلق منها بآثاره بني طرفيه أو بالنسبة للغير ،وكذلك ما يتعلق مبدة العقد،
وحوالته ،وبعض املسائل املرتبطة بعدم تنفيذه .وسنجتزئ اثنتني من هذه املسائل
– بحسب ما اتسع املقام -هما نظرية الظروف الطارئة ،ومدة العقد ،وكالهما من
األحكام املستحدثة في نظرية العقد ،على أن نخصص لكل منهما فرعا مستقال.
الفرع األول
إقرار املش ِّرع نظرية الظروف الطارئة
(تخويل املتعاقدين إعادة التفاوض على شروط العقد عند تغير الظروف)
)29الوضع قبل مرسوم 10فبراير –2016فراغ تشريعي وحتول
قضائي من التشدد إلى املرونة:
لم يكن املش ِّرع املدني الفرنسي يعرف نظرية الظروف الطارئة حتى صدور
مرسوم 10فبراير ،2016كما كان القضاء الفرنسي مناوئا ً لها ،منذ صدور حكم
محكمة النقض الشهير في دعوى ،)70(Canal de Craponneفحظر على
القاضي أن يتدخل في إعادة التوازن بني طرفي العقد عند حصول ظروف غير
متوقعة ،إميانا منه بأن ضمان األمن العقدي أولى من حتقيق العدالة( ،)71إذ ال يجوز
للقاضي أن يدخل على العقد شروطا جديدة ويحلها محل الشروط التي سبق أن
ارتضاها طرفاه.
وفي تطور هام ملسلك محكمة النقض أبدت قدرا من املرونة نحو إعادة النظر في
شروط العقد عند تغير الظروف ،ففرضت في حكم لها بتاريخ 3نوفمبر - 1992
وللمرة األولى – التزاما بإعادة التفاوض بحسن النية في العقود التي يعتريها حالة
أبحاث المؤتمر السنوي الرابع – «القانون أداة لإلصالح والتطوير» 10 / 9 -مايو 2017م 322
أ .د .أشرف جابر
323 ملحق خاص – العدد ( – )2الجزء الثاني – صفر /ربيع األول 1439هـ -نوفمبر 2017م
اإلصالح التشريعي الفرنسي لنظرية العقد :صنيعة قضائية وصياغة تشريعية
سياسية) .كما يجب أن يترتب على هذا احلادث أن يصبح تنفيذ االلتزام مرهقا
بدرجة كبيرة ،وأخيرا يجب أال يكون املتعاقد الذي أصبح تنفيذ التزامه مرهقا قد
قبل مسبقا حتمل مخاطر التنفيذ املرهق حال تغير ظروف العقد .ويتفرع عن هذا
الشرط نتيجة هامة ،وهي أن نص املادة 1195مدني ليس آمرا ،وبالتالي فهو ال
يتعلق بالنظام العام ،إذ ميكن للمتعاقدين مخالفته ،باالتفاق على قبول حتمل ما قد
ينشأ عن تغير ظروف العقد من مخاطر التنفيذ املرهق.
)32أثر تغير ظروف العقد على حتديد مصيره (ثالث مراحل إلدارة العقد):
إن أهم ما يعنينا في هذا املقام هو ما قرره النص بشأن أثر تغير ظروف العقد،
وكيفية إدارة العقد أثناء هذه الفترة ،حيث ميكن التمييز بني ثالث مراحل في هذا
الصدد ،تتدرج فيها إدارة العقد من مرحلة يتمتع فيها املتعاقدان بحرية كاملة في
استبعاد تدخل القاضي في عالقتهما العقدية ،إلى مرحلة تتقلص فيها هذه احلرية
باتفاقهما معا على اللجوء إلى القاضي لتحديد مصير العقد ،إلى مرحلة يفقد
فيها املتعاقدان متاما كل دور في حتديد مصير العقد ،وذلك حني يطلب أحدهما
من القاضي – حال عدم اتفاقهما – أن يتولى بنفسه حتديد مصير العقد .ونشير
بإيجاز إلى هذه املراحل الثالث فيما يلي:
)أ(املرحلة األولي (اتفاقية) -طلب املتعاقد الذي بات تنفيذ التزامه مرهقا
له إعادة التفاوض من املتعاقد اآلخر:
وتتميز هذه املرحلة بأنها اتفاقية ووجوبية :فهي اتفاقية ألن كل ما يتم خاللها
يكون بإرادة املتعاقدين معا ،فال يجوز ألي منهما اتخاذ أي إجراء منفردا ،كما
ال شأن للقضاء بأي اتفاق يتوصل إليه املتعاقدان في هذه املرحلة ،وهي كذلك
وجوبية إذ يتعني على املتعاقد الذي أصبح تنفيذ التزامه مرهقا بدرجة كبيرة
نتيجة تغير ظروف العقد أن يبدأ بها ،فال يجوز لهذا املتعاقد اللجوء إلى القاضي
مباشرة أن يطلب من املتعاقد اآلخر إعادة التفاوض على العقد.
وإذا طلب من أصبح تنفيذ التزامه مرهقا إعادة التفاوض على هذا النحو تعني
عليه أن يستمر في تنفيذ التزاماته (م .)1/1195فإذا قبل املتعاقد اآلخر إعادة
التفاوض ،جاز للطرفني االتفاق على تعديل العقد أو إنهاؤه (م .)2/1195
أبحاث المؤتمر السنوي الرابع – «القانون أداة لإلصالح والتطوير» 10 / 9 -مايو 2017م 324
أ .د .أشرف جابر
325 ملحق خاص – العدد ( – )2الجزء الثاني – صفر /ربيع األول 1439هـ -نوفمبر 2017م
اإلصالح التشريعي الفرنسي لنظرية العقد :صنيعة قضائية وصياغة تشريعية
الفرع الثاني
استحداث تنظيم أحكام مدة العقد
)33اهتمام تشريعي بتنظيم أحكام مدة العقد:
لم يكن القانون املدني الفرنسي ،قبل صدور مرسوم 10فبراير ،2016يتضمن أي
تنظيم ملدة العقد ،اللهم فيما يتعلق بأجل االلتزام .ومع صدور هذا املرسوم عني
املش ِّرع بتنظيمه حيث خصص له املبحث الثالث من الفصل الرابع اخلاص آلثار
العقد ،وذلك في ست مواد من املادة 1210إلى املادة .1215وثمة مالحظة أولية
على االستخدام اللغوي للمش ِّرع لبعض املصطلحات عند تنظيم أحكام مدة العقد،
إذ هو لم يستخدم لفظ » « résiliation للتعبير عن إنهاء العقد ،مفضال استخدام
لفظ » « mettre fin au contrat للداللة على ذات املعنى ،بينما هو يستخدم
لفظي » « résiliation و» « résolution عند التعرض ألحكام عدم تنفيذ العقد
(م ،)3/1229وهو ذات االستخدام القضائي لهما للتمييز بني إنهاء العقد للمستقبل
وإنهائه للماضي.
وميكن أن نوجز أهم األحكام التي تضمنتها هذه النصوص فيما يلي:
- --حظر أي التزام مؤبد (م :)1/1210
لم يكتف املش ِّرع املدني الفرنسي بوجود العديد من التطبيقات
ملبدأ حظر تأبيد االلتزام في خصوص العديد من العقود كاإليجار
والوديعة والشركة -وهي تطبيقات جرت بها أحكام القضاء -فعمد
إلى النص على هذا املبدأ ضمن القواعد العامة للعقد في املادة 1/1210
والتي نصت صراحة على حظر أي التزام مؤبد ( ،)74ومبقتضى هذا
النص يحظر كل التزام مؤبد دون احلاجة في ذلك إلى نص خاص،
ولكن ما هو ضابط التأبيد؟ لم يحدد النص معيارا لذلك ،ولهذا يظل
للقضاء سلطة التقدير في هذا الشأن ،وقد قضى في أكثر من مناسبة
بأن االلتزام يكون مؤبدا إذا لم يرد بالعقد أي حتديد ملدته ،أو إذا ورد
أبحاث المؤتمر السنوي الرابع – «القانون أداة لإلصالح والتطوير» 10 / 9 -مايو 2017م 326
أ .د .أشرف جابر
فيه حظر إلنهاء العقد باإلرادة املنفردة ( ،)75أو إذا ورد بالعقد حتديد
للمدة لكنها كانت أطول من املعتاد ( ،)76وهو ما يدخل بطبيعة احلال
في نطاق سلطة احملكمة.
- --جزاء االلتزام املؤبد– إهدار الشروط املؤبدة لاللتزام
(م :)2/ 1210
لم يرتب املش ِّرع جزاء البطالن على االلتزام املؤبد ،وإمنا أجاز ألي
من املتعاقدين إنهاء العقد بذات الشروط والضوابط التي تطبق على
العقود غير محدد املدة (م .)77()2/1210وبهذا يكون املش ِّرع قد عزف
عن احللول التي كان يتبناها القضاء في مواجهة االلتزامات املؤبدة،
والتي كانت تتردد بني البطالن املطلق للعقد( ،)78والبطالن اجلزئي
للشرط الذي يؤبد االلتزام إعماال لنظرية انتقاص العقد ( .)79وخالفا
لفكرة البطالن التي كان القضاء قد استقر عليها ،يتميز احلل الذي
تبناه املش ِّرع ،وهو اعتبار الشروط التي تؤبد االلتزام كأن لم تكن،
بأنه يتيح إهدار هذه الشروط في أي وقت مهما مضى عليها من زمن،
وبالتالي فهي ال تخضع للتقادم الذي تخضع له دعوى البطالن (.)80
- --أحكام العقد غير محدد املدة (م :)1211
استقر القضاء قبل صدور مرسوم 10فبراير 2016على أن لكل
( )80والقاعدة العامة في مدة التقادم ،في القانون الفرنسي ،هي خمس سنوات (م 2224مدني)،
وذلك مبقتضي القانون رقم 2008/561الصادر في 17يونيو ،2008وقد كانت قبل ذلك ثالثني
عاما (م 2262ملغاة) .راجع:
LOI n° 2008-561 du 17 juin 2008 portant réforme de la prescription en
matière civile
327 ملحق خاص – العدد ( – )2الجزء الثاني – صفر /ربيع األول 1439هـ -نوفمبر 2017م
اإلصالح التشريعي الفرنسي لنظرية العقد :صنيعة قضائية وصياغة تشريعية
متعاقد إنهاء العقد غير محدد املدة بإرادته املنفردة بشرط تنبيه
املتعاقد اآلخر باإلنهاء قبل االنهاء مبدة معقولة أو باملدة املتفق عليها
في العقد ( ،)81وهو ذات املبدأ الذي سبق أن أكده املجلس الدستوري
الفرنسي ،مع التزام املتعاقد الذي يقوم بإنهاء العقد بتعويض املتعاقد
اآلخر عما يلحق به من ضرر جراء هذا اإلنهاء (.)82
وقد تبنى املش ِّرع الفرنسي ما استقر عليه القضاء في هذا الصدد
فنص في املادة 1211مدني على أن «لكل متعاقد إنهاء العقد غير
محدد املدة بإرادته املنفردة مع مراعاة التقيد مبدة التنبيه املتفق عليها
في العقد ،فإن لم يكن ثمة اتفاق فتراعي في ذلك املدة املعقولة»(.)83
وإذا كان املش ِّرع قد خ َّول كال املتعاقدين إنهاء العقد غير محدد املدة
باإلرادة املنفردة على هذا النحو ،إال أنه سكت عن بيان حكم إساءة
استعمال هذا احلق ،وهو ما ميكن تصوره فيما لو جلأ إليه أحد
املتعاقدين بقصد الكيد للمتعاقد اآلخر ،وهو ما كانت محكمة النقض
قد واجهته مؤكدة صراحة أنه ليس هناك ما يحول دون إنهاء العقد
غير محدد املدة بشرط أال ينطوي استعمال هذا احلق على تعسف
( .)84ونعتقد أن حكم هذا الفرض ميكن أن يؤسس على املادة 1104
التي فرضت التزاما عاما بحسن النية في العقود.
أبحاث المؤتمر السنوي الرابع – «القانون أداة لإلصالح والتطوير» 10 / 9 -مايو 2017م 328
أ .د .أشرف جابر
(85) Art. 1212:«Lorsque le contrat est conclu pour une durée déterminée,
chaque partie doit l’exécuter jusqu’à son terme. «Nul ne peut exiger le
renouvellement du contrat».
( )86وبطبيعة احلال ،وكأثر للقوة امللزمة للعقد ،فإن للمتعاقدين إنهاء العقد محدد املدة بإرادتيهما
معا في أي وقت قبل انقضاء مدته (م .)1193
(87) Art. 1213: «Le contrat peut être prorogé si les contractants en manifestent
la volonté avant son expiration».
329 ملحق خاص – العدد ( – )2الجزء الثاني – صفر /ربيع األول 1439هـ -نوفمبر 2017م
اإلصالح التشريعي الفرنسي لنظرية العقد :صنيعة قضائية وصياغة تشريعية
وال ينشأ عن متديد العقد وجود عقد جديد ،بل نكون بصدد ذات
العقد ،وبنفس شروطه .كما ال يجوز أن يترتب عليه مساس بحقوق
الغير (م .)1213
-بأما جتديد العقد ،وعلى العكس من متديده ،ال يتم إال بعد انقضاء
مدة العقد ،فينشأ عنه عقد جديد يتميز عن العقد السابق الذي انقضت
مدته (م .)2/1214ولهذا الفارق أهمية عملية فيما يتعلق مبصير
التأمينات والتي تتبع – كما هو ثابت – االلتزام األصلي.
كما تظهر أهميته أيضا ً فيما يتعلق بتحديد القانون واجب التطبيق
على العقد ،ولهذا فإن القانون الذي يطبق على عقد أبرم قبل أول
أكتوبر – 2016وهو تاريخ بدء سريان أحكام املرسوم -وتنتهي
مدته بعد هذا التاريخ يختلف بحسب ما إذا كان هذا العقد قد مت متديده
أو جتديده ،إذ يخضع في احلالة األولى للقانون السابق وهو النافذ
وقت إبرامه باعتباره ذات العقد املبرم قبل نفاذ القانون اجلديد ،في
حني أنه يخضع ،باعتباره عقدا جديدا ،للقانون اجلديد الذي أصبح
نافذا من أول أكتوبر 2016في احلالة الثانية .ويكون للعقد اجلديد
ذات مضمون العقد السابق عدا ما يتعلق مبدته ،إذ يعد العقد اجلديد
عقدا غير محدد املدة.
-جوأخيراً ،فإن التجديد الضمني للعقد يعني استمرار املتعاقدين في
تنفيذ التزاماتهما العقدية رغم انتهاء مدة العقد .وال تختلف هذه
الصورة عن الصورة السابقة ،فينشأ عنها أيضا ً عقد جديد بذات
شروط العقد األول عدا املدة ،حيث يعد عقدا غير محدد املدة (م
.)88()1215
أبحاث المؤتمر السنوي الرابع – «القانون أداة لإلصالح والتطوير» 10 / 9 -مايو 2017م 330
أ .د .أشرف جابر
اخلامتة:
تناولنا في هذه الدراسة بعض أوجه اإلصالح التشريعي لنظرية العقد في القانون
الفرنسي ،والذي صدر به املرسوم رقم 2016/131بتاريخ 10فبراير . 2016
وميكن أن نوجز أهم ما انتهينا إليه في هذه الورقة فيما يلي:
أوال ً -اإلصالحات الفرنسية لنظرية العقد وثبة تاريخية:
متثل اإلصالحات التي تبناها املش ِّرع املدني الفرنسي في نطاق نظرية االلتزام،
وفي الصميم منها نظرية العقد ،إعادة بناء وهيكلة لهذه النظرية بعثت فيها روحا
جديدة قوامها احلداثة والبساطة والوضوح واالنسجام مع السياسة التشريعية
في مجال العقود على املستويني األوروبي والدولي ،استعاد بها القانون املدني
الفرنسي مكانته الرائدة بني التشريعات احلديثة.
ثانيًا -وعي املش ِّرع بدوافع اإلصالح امللحة:
فثمة دوافع دعت املش ِّرع الفرنسي إلى املضي قدما في إجراء هذه اإلصالحات
أهمها :تراجع القانون الفرنسي في مواجهة قوانني العديد من الدول التي كان
بالنسبة لها مصدر استلهامها ،وعدم مسايرته ملقتضيات التجارة الدولية وجذب
االستثمارات األجنبية ،باإلضافة إلى تزايد مشروعات توحيد مبادئ العقود على
املستويني األوروبي والدولي خالل العقدين األخيرين.
ثال ًثا -ركائز اإلصالح التشريعي لنظرية العقد:
ارتكز املش ِّرع الفرنسي على ثالث ركائز أقام عليها إصالحاته لنظرية العقد
مستهدفا تعزيزها ،وهي األمن القانوني والعدالة العقدية والقوة امللزمة للعقد.
ويأتي األمن القانوني في صدارة هذه املرتكزات ،والذي يعكس عزم املش ِّرع
نحو حتقيق أمرين :األول ،هو وضوح وحتديد القاعدة القانونية ،بحيث يتوافر
لكل شخص العلم املسبق مبا تتضمنه هذه القاعدة من أعباء ،والثاني هو ضرورة
احترام القاعدة القانونية من السلطة العامة على قدم املساواة مع األفراد.
رابعًا -مالمح اإلصالح التشريعي واجتاهاته العامة:
سلك املش ِّرع الفرنسي اجتاهني في إصالحاته ،أولهما شكلي ،وثانيهما
موضوعي:
331 ملحق خاص – العدد ( – )2الجزء الثاني – صفر /ربيع األول 1439هـ -نوفمبر 2017م
اإلصالح التشريعي الفرنسي لنظرية العقد :صنيعة قضائية وصياغة تشريعية
أبحاث المؤتمر السنوي الرابع – «القانون أداة لإلصالح والتطوير» 10 / 9 -مايو 2017م 332
أ .د .أشرف جابر
333 ملحق خاص – العدد ( – )2الجزء الثاني – صفر /ربيع األول 1439هـ -نوفمبر 2017م
اإلصالح التشريعي الفرنسي لنظرية العقد :صنيعة قضائية وصياغة تشريعية
أبحاث المؤتمر السنوي الرابع – «القانون أداة لإلصالح والتطوير» 10 / 9 -مايو 2017م 334
أ .د .أشرف جابر
335 ملحق خاص – العدد ( – )2الجزء الثاني – صفر /ربيع األول 1439هـ -نوفمبر 2017م
اإلصالح التشريعي الفرنسي لنظرية العقد :صنيعة قضائية وصياغة تشريعية
أبحاث المؤتمر السنوي الرابع – «القانون أداة لإلصالح والتطوير» 10 / 9 -مايو 2017م 336
أشرف جابر. د.أ
:قائمة املراجع
–– Aurélien Bamdé, La Licéité Du Contenu Du Contrat Ou La Conformité
De Ses Stipulations Et De Son But À L’ordre public,Https://
Aurelienbamde.Com/2017/02/28/La-Liceite-Du-Contenu-Du-
Contrat-Ou-La-Conformite-De-Ses-Stipulations-Et-De-Son-But-A-
Lordre-Public/
337 م2017 نوفمبر- هـ1439 ربيع األول/) – الجزء الثاني – صفر2( ملحق خاص – العدد
صنيعة قضائية وصياغة تشريعية:اإلصالح التشريعي الفرنسي لنظرية العقد
م2017 مايو10 / 9 -»أبحاث المؤتمر السنوي الرابع – «القانون أداة لإلصالح والتطوير 338
أ .د .أشرف جابر
احملتوى:
الصفحة املوضوع
285 امللخص
286 املقدمة
289 املبحث األول -فلسفة وركائز اإلصالح التشريعي الفرنسي لنظرية العقد
289 املطلب األول -أسس اإلصالح التشريعي الفرنسي
293 املطلب الثاني -ركائز اإلصالح التشريعي الفرنسي
295 املبحث الثاني -قراءة في بعض اوجه اإلصالح التشريعي الفرنسي لنظرية العقد
295 املطلب األول -مسألة اولية :فرض التزام عام بحسن النية في العقود
296 املطلب الثاني -بعض املبادئ واالحكام املستحدثة في إبرام العقود
297 الفرع األول -فرض التزام باإلعالم في مرحلة التفاوض على العقد
299 الفرع الثاني -سقوط اإليجاب مبوت املوجب أو فقده أهليته
300 الفرع الثالث -معاجلة القصور التشريعي بشأن بعض صور التراضي
304 املطلب الثالث -نظرية مضمون العقد وزوال فكرتي احملل والسبب
307 املطلب الرابع -صحة العقد وتأكيد مبدأ العدالة العقدية
307 الفرع األول -تطور املفهوم التشريعي لإلكراه كعيب في اإلرادة
الفرع الثاني -حماية االلتزام الرئيس في مواجهة الشروط العقدية التي جترده
311
من ماهيته
الفرع الثالث -حماية الطرف املذعن في مواجهة الشروط التعسفية في عقود
312
اإلذعان
317 الفرع الرابع -النظرية احلديثة في البطالن
322 املطلب الرابع -بعض املسائل املستحدثة في نطاق آثار العقد
322 الفرع األول -إقرار املش ِّرع نظرية الظروف الطارئة
326 الفرع الثاني -استحداث تنظيم أحكام مدة العقد
331 اخلامتة
337 املراجع
339 ملحق خاص – العدد ( – )2الجزء الثاني – صفر /ربيع األول 1439هـ -نوفمبر 2017م