You are on page 1of 18

‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫الدكتورة أمينة رضوان‬


‫حاصلة على الدكتوراه يف احلقوق‬
‫قاضية باحملكمة االجتماعية بالدار البيضاء‬

‫مقدمة‪:‬‬

‫تنقسم عقود الشغل إلى تقسيمات متعددة‪ ،‬و حسب املدة الزمنية تنقسم إلى‬

‫عقود شغل محددة املدة و عقود شغل غير محددة املدة‪ .‬و تترتب على هذا التقسيم‬

‫نتيجة بالنسبة لوصف األجير‪ :‬األجيراملؤقت و األجيرالرسمي‪.‬‬

‫و قد كانت عقود الشغل محددة املدة هي املفضلة عند األجراء‪ ،‬لكونها تضمن‬

‫لهم و لو مؤقتا منصب شغل يقيهم من الفقر و الفاقة‪ ،‬بعيدا عن عقود الشغل غير‬

‫محددة املدة التي كانت تتعرض لإلنهاء باإلرادة املنفردة للمشغل‪ .‬إال أن التطورالذي‬

‫عرفه تشريع الشغل وما أضفاه من حماية كبيرة على عقود الشغل غيرمحددة املدة‪،‬‬

‫رئيس اجمللة – األستاذ حممد القامسي‬ ‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬
‫‪P 10‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫خاصة في إحاطتها بمجموعة من الضمانات التي ّ‬


‫تكبل يد املشغل في إنهائها بدون مبرر‬

‫جعلها تحظى بقبول كل األجراء‪.‬‬

‫و إذا كانت بصفة عامة تنتهي عقود الشغل املحددة املدة بانتهاء مدتها أو بانتهاء‬

‫العمل املخصص لها أو في الحاالت املحددة لها بمقتض ى مدونة الشغل‪ 1‬فإن عقود‬

‫الشغل غير محدد املدة ال تنتهي إال وفق ضوابط محددة تلزم الخارق لها بمجموعة‬

‫من التعويضات‪ ،‬و هذا إن دل على ش يء فإنما يدل على ضمان هذا النوع من العقود‬

‫الستقرارالتعاقد‪ .‬و في هذا الصدد نتساءل عن مدى استقرارهذه العقود رغم تغيير‬

‫املركزالقانوني للمشغل‪.‬‬

‫وعليه سنناول هذا املوضوع وفق التصميم اآلتي‪ :‬املبحث األول‪ :‬شروط‬

‫تطبيق قاعدة استقرار عقود الشغل في حالة تغيير املركز القانوني للمشغل‪ .‬املبحث‬

‫الثاني‪:‬بعض اإلشكاليات التي تطرح أثناء تغييراملركزالقانوني للمشغل‪.‬‬

‫‪ 1‬أنظر في هذا الصدد المادة ‪ 16‬وما يليها من م‪ .‬ش‪.‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 11‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫املبحث األول‪ :‬شروط تطبيق قاعدة استقرار عقود الشغل يف حالة‬


‫تغيري املركز القانوني للمشغل‬

‫إن قواعد القانون املدني لم تعد تخدم بتاتا مصلحة األجير‪ ،‬بل و تتعارض كليا‬

‫مع الطابع الحمائي لقانون الشغل‪ ،2‬لذا تدخل املشرع في جل التشريعات املقارنة‪ 3‬و‬

‫أقر مبدأ مواصلة عقود الشغل بالرغم من تغيير املركز القانوني للمشغل‪ ،‬و في هذا‬

‫تجاوز للمبادئ املنصوص عليها في القانون املدني التي تقر بحرية التعاقد التي تعني‬

‫أن لكل طرف من طرفي العالقة الشغلية كامل الحرية في اختيار الشخص الذي‬

‫سوف يعمل معه و في تحديد بنود العقد بكامل الحرية‪ ،‬و هو ما يصطلح عليه في‬

‫القانون املدني باالعتبار الشخص ي في التعاقد ‪ ،‬كما أن فيه تجاوز لألثر النسبي‬

‫للعقود الذي ينص عليه الفصل ‪4 228‬من قانون االلتزامات والعقود والذي مفاده‬

‫أن العقد ال يكون ملزما إال بالنسبة لألطراف التي أبرمته سواء بأشخاصهم أو بمن‬

‫يمثلونهم‪..‬‬

‫وبالرجوع إلى النص التشريعي املنظم للموضوع نجد املادة ‪ 19‬من مدونة‬

‫الشغل تنص على أنه‪ « :‬إذا طرأ تغيير على الوضعية القانونية للمشغل‪ ،‬أو على‬

‫‪ 2‬دنيا مباركة‪ ،‬ضمانات حقوق أجراء المقاولة المخوصصة‪ .‬مجلة رسالة الدفاع ‪ .‬ع‪ . 2‬س ‪ . 2001‬ص‪.42‬‬
‫‪ 3‬سواء التشريع الفرنسي أو المصري أو اللبناني أو األردني أو اإلماراتي‪.‬‬
‫‪ -‬و في هذا اإلطار تنص المادة ‪ 36‬من قانون العمل الفرنسي على ما يلي ‪«:‬أن عقود العمل سارية المفعول يوم تغيير‬
‫المركز القانوني للمشغل تظل قائمة بين رب العمل الجديد و العمال بالمؤسسة»‬
‫‪Article 36 (2) : « le transfert de l’entreprise résultant notamment d’une cession‬‬
‫‪conventionnelle ou d’une fusion ne constitue pas en lui-même un motif de licenciement‬‬
‫‪pour le crédit ou le cessionnaire. Si le contrat est résilié du fait que le transfert entraîne une‬‬
‫‪modification substantielle des conditions de travail au détriment du salaire, la résiliation du‬‬
‫» ‪contrat est considéré comme intervenue du fait de l’employeur‬‬
‫‪ 4‬ينص الفصل ‪ 288‬من ق ل ع على ما يلي‪ »:‬االلتزامات ال تلزم إال من كان طرفا في العقد فهي ال تضر الغير و ال‬
‫تنفعهم إال في الحاالت المذكورة في القانون‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 12‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫الطبيعة القانونية للمقاولة‪ ،‬و على األخص بسبب اإلرث‪ ،‬أو البيع‪ ،‬أو اإلدماج‪ ،‬أو‬

‫الخوصصة‪ ،‬فإن جميع العقود التي كانت سارية املفعول حتى تاريخ التغيير‪ ،‬تظل‬

‫قائمة بين األجراء و بين املشغل الجديد‪ ،‬الذي يخلف املشغل السابق في االلتزامات‬

‫الواجبة لألجراء‪ ،‬و خاصة فيما يتعلق بمبلغ األجور‪ ،‬و التعويضات عن الفصل من‬

‫الشغل‪ ،‬و العطلة املؤدى عنها‪.‬‬

‫يحتفظ األجير املرتبط بعقد شغل غير محدد املدة و الذي يتم نقله في إطار‬

‫الحركة الداخلية داخل املؤسسة أو املقاولة أو مجموعة املقاوالت كالشركات‬

‫القابضة‪ ،‬بنفس الحقوق و املكاسب الناشئة عن عقد شغله و ذلك بغض النظرعن‬

‫املصلحة أو الفرع أو املؤسسة التي يتم تعيينه بها ‪ ،‬و عن املهام املسندة إليه ما لم‬

‫يتفق الطرفان على مزايا أكثرفائدة لألجير »‬

‫و باالعتماد على هذا النص القانوني و ما أقره القضاء يمكن استخالص شروط‬

‫تطبيق مبدأ استقرارعقود الشغل رغم تغييراملركزالقانوني للمشغل‪.‬‬

‫الشرط األول‪ :‬حدوث تغيري يف املركز القانوني للمشغل‬

‫و مفاد هذا الشرط أنه كيفما كانت أسباب تغيير الوضعية القانونية للمشغل‬

‫أو للمؤسسة املشغلة‪ ،‬أي سواء تعلق األمر باإلرث أو التفويت أو اإلدماج أو‬

‫الخوصصة أو غيرها فإن جميع عقود الشغل التي كانت سارية املفعول حتى تاريخ‬

‫التغيير تظل قائمة بين األجراء واملشغل الجديد الذي يخلف املشغل السابق في‬

‫االلتزامات الواجبة لألجراء‪.‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 13‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫الشرط الثاني‪ :‬ضرورة سريان عقود الشغل وقت تغيري املشغل‬

‫يعتبرهذا الشرط عاما يسري على جميع عقود الشغل بغض النظرعن نوعها‪،‬‬

‫كما يسري على جميع النشاطات االقتصادية بحيث يكفي أن تكون عقود الشغل‬

‫سارية املفعول أثناء تغييراملركزالقانوني للمشغل‪.‬‬

‫الشرط الثالث‪ :‬ضرورة استمرار نشاط املؤسسة املشغلة‬

‫قد يوحي هذا الشرط بأن استمرار عقود الشغل مرتبط بضرورة احتفاظ‬

‫املشغل الجديد بنفس نشاط املقاولة و بعبارة أخرى فهل استمرار عقود الشغل‬

‫رهين بعدم تغييراملشغل الجديد لنشاط املقاولة؟‬

‫لقد تدخل القضاء لتفسير هذا الشرط‪ ،‬بحيث إن القضاء املغربي ممثال في‬

‫محكمة النقض يكتفي للتصريح بوحدة نشاط املقاولة وجود تماثل أو تشابه أو‬

‫ارتباط بين النشاط القديم و النشاط الجديد للمقاولة‪ ،‬و نسوق كمثال على ذلك‬

‫قرار محكمة النقض‪ 5‬الذي اعتبر أن ‪« :‬انتقال ملكية األصل التجاري الذي كان في‬

‫األصل يشتغل كمقهى و مرقص إلى مالك جديد استعمله كمقهى و مطعم‪ ،‬ال يعتبر‬

‫تغييرا وبالتالي فإن إثبات األجيراشتغاله لدى املشغل األصلي من خالل بطاقة العمل‬

‫الغيراملطعون فيها‪ ،‬يجعل استمراره لدى املشغل الجديد مبررا»‪.6‬‬

‫‪ - 5‬قرار محكمة النقض المغربية ع ‪ 168‬بتاريخ ‪.1988/02/06‬أورده عبد اللطيف خالفي في مؤلفه االجتهاد القضائي‬
‫في المادة االجتماعية (رصد لمبادئ ولقرارات المجلس األعلى ومحاكم االستئناف ‪ )1998-1968‬م س‪ .‬ص ‪ 251‬وما‬
‫يليها‪.‬‬
‫‪ 6‬وعلى غرار ذلك سارت الغرفة االجتماعية بمحكمة النقض في الملف رقم ‪ 2247‬بتاريخ ‪ 1990/09/24‬في الملف‬
‫االجتماعي ع ‪ .89/9750‬منشور بقضاء المجلس األعلى ع‪ 46.‬نونبر ‪ .1992‬ص‪.90‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 14‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫أما التشريع الفرنس ي فإنه لم يستقر على موقف واحد‪ .‬ففي البداية كانت‬

‫محكمة النقض الفرنسية تشترط لتطبيق املادة ‪ 36‬من قانون العمل‪ ،‬وجوب‬

‫استمرارنفس نشاط املؤسسة‪ ،‬وطبقا لنفس الشروط التي كان يمارس فيها من قبل‪،‬‬

‫بل إن محكمة النقض مددت تطبيق املادة املذكورة حتى في الحالة التي تنتفي فيها‬

‫أية رابطة قانونية مباشرة بين املشغلين املتعاقبين‪ .7‬لكن محكمة النقض الفرنسية‬

‫تخلت عن هذا املوقف حيث أكدت أن املادة ‪( L122-12AL2‬التي تقابلها املادة ‪36‬‬

‫من قانون العمل)‪« :‬تفترض وجود رابطة قانونية بين أرباب العمل املتعاقبين»‪،8‬‬

‫ونظرا لعدم انسجام هذا القرارمع التوجهات األوربية‪ ،‬عدلت هذه املحكمة عن هذا‬

‫القرار فأصدرت أيضا بهيآتها مجتمعة أن‪« :‬املادة ‪ L122-12AL2‬تطبق في غياب أية‬

‫رابطة قانونية تجمع أصحاب األعمال املتعاقبين‪ ،‬و أن نطاق تطبيقها يمتد إلى كل‬

‫تنازل عن وحدة اقتصادية‪ 9‬متى ظلت محتفظة بذاتيتها‪ 10‬في مزاولة نشاطها أو‬

‫استأنفته»‪.11‬‬

‫‪ 7‬ومثال ذلك‪ :‬إذا تعهدت مؤسسة ما بمهام التنظيف إلى مقاولة متخصصة‪ ،‬غير أنها لم ترق الخدمة إلى المستوى‬
‫المطلوب‪ ،‬فتخلت عن خدماتها وعهدت بها إلى مقاولة أخرى‪ ،‬فإن هذه األخيرة تكون مجبرة على االحتفاظ بأجراء هذه‬
‫األخيرة‪.‬‬
‫أوردته فاطمة حداد‪ .‬اإلعفاء ألسباب تكنولوجية أو هيكلية أو اقتصادية وإغالق المقاوالت‪ .‬أطروحة لنيل الدكتوراه في‬
‫ق‪ .‬خ‪ .‬جامعة الحسن الثاني عين الشق‪/‬كلية العلوم القانونية و االقتصادية و االجتماعية الدار‬
‫البيضاء‪.‬س‪.‬ج‪.2005/2004‬ص ‪ 81‬و ما يليها‪.‬‬
‫‪ 8‬هذا القرار الذي تبنته محكمة النقض الفرنسية‪ ،‬يتعارض مع التوجهات الصادرة في ‪ 1977/02/14‬عن مجلس‬
‫المجموعة االقتصادية األوربية‪ ،‬كما أن محكمة العدل األوربية ‪ C.J.C.E‬أصبحت منذ العام ‪ ،1988‬تنص على ضرورة‬
‫اإلبقاء على العقود حتى في حالة غياب أية رابطة قانونية بين أرباب العمل المتعاقبين‪ .‬أشارت إلى ذلك فاطمة حداد ‪ .‬م‬
‫س ‪ .‬ص ‪.83-82‬‬
‫‪ 9‬إن مفهوم الوحدة االقتصادية يعني‪ :‬أن يتعلق األمر بقطاع يستعمل وسائله الخاصة‪ ،‬ويهدف إلى تحقيق نتائج محددة‬
‫تندرج ضمن األهداف االقتصادية للمؤسسة‪.‬‬
‫‪ )4( 10‬نشاط يحتفظ بذاتيته يعني‪« :‬أن الوحدة االقتصادية المتنازل عنها قد احتفظت بذاتيتها واستمرت في مزاولة‬
‫نشاطها‪ .‬و في هذا ورد قرار محكمة النقض الفرنسية اآلتي‪« :‬بالرغم من التغييرات الشكلية التي قد وقعت‪ ،‬فإن المؤسسة‬
‫استمرت في مزاولة نفس النشاط السابق بنفس العمال‪ ،‬نفس الزبائن‪ ،‬و كذا نفس اإلنتاج»‪ .‬فاطمة حداد ‪ .‬م‪.‬س‪ .‬ص‪.84‬‬
‫‪ 11‬لتطبيق قاعدة استمرارية عقود الشغل‪ ،‬يجب أن تستمر المؤسسة أو المقاولة‪ ،‬وأن تباشر نفس النشاط السابق‪ ،‬ومن‬
‫تم فإن تغيير المؤسسة لنشاطها يوقف تطبيق هذه القاعدة‪ ،‬وكذا الحماية القانونية المصاحبة لها‪.‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 15‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫و بهذا القرارال تكون محكمة النقض الفرنسية أعطت القرارالحاسم و الوجيه‬

‫لهذه املسألة‪ ،‬أي استمرار عقود الشــغل بالرغم من عدم وجود أية عالقة و رابطة‬

‫بين املشغلين املتعاقبين‪ ،‬و لكنها أيضا تكون أعطت معايير تطبيق املادة ‪L122-‬‬

‫‪ 12AL2‬من قانون العمل‪ ،‬و هي اآلتية ‪:‬‬

‫‪ -‬إنتقال وحدة اقتصادية ‪La transfert d’une entité économique‬‬

‫‪ -‬نشاط يحتفظ بذاتيته ‪Une activité conservant son identité‬‬

‫‪ -‬استمرارالنشاط أو استئنافه ‪Une activité poursuivie ou reprise‬‬

‫و بمفهوم املخالفة لهذا القرار‪ ،‬فإنه إذا تغيرت طبيعة النشاط‪ ،‬فإن هذا يكون‬

‫موجبا إلنهاء عالقة الشغل بين املشغل الجديد و أجراء املقاولة السابقين‪.‬‬

‫كما حاول القضاء الفرنس ي‪ ،‬توضيح مفهوم هذه القاعدة و إزالة الغموض‬

‫عنها‪ ،‬هكذا أكد أن مقتضيات املادة ‪ 36‬من قانون العمل من النظام العام ‪ .‬و عليه‬

‫فأي اتفاق يقع بين املشغلين املتعاقدين ال يمكن أن يؤثرعلى استمرارية عقود شغل‬

‫األجراء‪ ،‬و من تم فإن العقود الجارية تنتقل بمقتض ى القانون إلى املشغل الجديد‪،‬‬

‫سواء أكانت محددة املدة أو غيرمحددة املدة‪.‬‬

‫و إذا كانت هذه القاعدة جذابة بالنسبة لألجراء لكونها ال تعيرأي اهتمام لذاتية‬

‫املشغل‪ ،‬إال أنها قد تصطدم بالو اقع العملي النابع من التقلبات االقتصادية التي‬

‫تعرفها املؤسسة أحيانا‪ .‬وهذا النص القانوني لم يلزم املشغل باالحتفاظ بنفس‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 16‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫نشاط املقاولة‪ ،‬و بالتالي فإن التغيير الجوهري لنشاطها التجاري أو الصناعي يعني‬

‫تغيير املركز القانوني للمشغل والفصل في هذه الحالة يعتبر مبررا يخول لألجير‬

‫املفصول التعويض عن اإلخطار والضرر فقط‪ ،‬دون التعويض عن الفصل‬

‫التعسفي‪ ،‬باعتبار أن التعويضين األوليين يمنحان في كل الحاالت‪ ،‬إال عند ارتكاب‬

‫األجيرللخطإ الجسيم‪.‬‬

‫وفي نظرنا فتغييراملركزالقانوني للمشغل هوأمرو اقع‪ ،‬وأن التشريعات تصدت‬

‫لهذه الو اقعة و أوجدت لها الحلول القانونية املالئمة‪ ،‬و أن االجتهاد القضائي بدوره‬

‫أبلى البالء الحسن في إيجاد التقنيات القانونية الالزمة لحل كافة املعضالت‬

‫واإلشكاليات التي تطرح أمامه‪ ،‬وأن الفقه قد أيد هذه الحلول التشريعية‬
‫والقضائية‪.12‬‬

‫املبحث الثاني‪ :‬بعض اإلشكاليات التي تطرح أثناء تغيري املركز‬


‫القانوني للمشغل‬

‫إذا كان ال تأثيرعلى عقود شغل األجراء إثرانتقال املؤسسة أواملقاولة إلى الغير‪،‬‬

‫فإن بعض العناصر قد تؤدي إلى إبراز املشكل عند انتقال املؤسسة‪« ،‬كأجل‬

‫اإلخطار»‪ ،‬الذي يبدؤه األجير في ظل املشغل القديم و ينهيه في ظل املشغل الجديد‪.‬‬

‫نفس األمريسري على «املنح» التي تؤدى بنسبة الجزء من السنة في نهاية السنة‪ .‬لهذا‬

‫فالتدخل لصالح املبدأ و تليينه حسب الحاالت‪ ،‬قد يطرح أزمة الثقة في هذا النص‬

‫‪ 12‬أنظر في هذا الصدد‪:‬‬


‫أحمد شكري السباعي‪ .‬الوسيط في مساطر الوقاية من الصعوبات التي تعترض المقاولة ومساطر معالجتها‪ .‬ج ‪ . 2‬م‪.‬س ‪ .‬ص‪.499‬‬
‫عبد الرحيم السلماني وضعية األجراء في ظل نظام صعوبات المقاولة ‪ .‬مجلة كتابة الضبط ع‪ . 8‬س ‪ . 2001‬ص‪ 154‬و ما يليها‪.‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 17‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫القانوني (أي املادة ‪ 1/19‬من مدونة الشغل)‪ ،‬بل وضد القضاء نفسه‪ ،‬ألن مبدأ‬

‫استقرارالشغل الذي توخاه املشرع سيكون استقرارا وهميا أوظاهريا فقط ‪ ،‬ال يرمي‬

‫إلى الحل الذي يضمن الشغل القار‪ .‬و في هذا اإلطار يجب على القضاء أن ينتبه إلى‬

‫التحايل و التدليس الذي يمكن أن يتم بين املشغل القديم و املشغل الجديد على‬

‫حساب األجراء‪ ،‬و ذلك بفصلهم قبل انتقال املؤسسة أو املقاولة إلى املشغل الجديد‪،‬‬

‫حتى يتخلص هذا األخير من األعباء املالية الناتجة عن أقدمية األجراء في الشغل‪،‬‬

‫فالقضاء يجب أن يكون واعيا باإلشكالية و الحلول الواجبة كــلها‪ ،‬رعيــا للمرونة التي‬

‫ينبغي أن تؤخذ بعين االعتبار لتكييف هذا النص القانوني‪ ،‬كما يجب عليه أن يأخذ‬

‫بعين االعتبار وضعية املؤسسة في التكيف مع ضرورات التدبير الجديد الذي يؤدي‬

‫إلى التقليل من عدد األجراء و إدماجهم وفق شروط جديدة تتطلب مهارات كبيرة من‬

‫األجراء‪.‬‬

‫كذلك يطرح التساؤل حول إشكالية «تنازع القوانين» على إثر تفويت املقاولة‬

‫إلى الغير و أثره على األجراء السابقين‪ .‬و بعبارة أكثر وضوحا‪ ،‬ما الحكم في حالة تغيير‬

‫القانون الواجب التطبيق على األجير الذي انتقل على إثر تفويت أو بيع املقاولة من‬

‫أحكام القانون الخاص إلى القانون العام أو العكس؟ هل سيطبق عليه القانون‬

‫العام أوالخاص؟ أم ستسري عليه أحكام أخرى مشتركة باعتبارها األصلح لوضعية‬

‫األجير ‪13‬؟‪.‬‬

‫‪ 13‬محمد سعيد بناني‪ .‬اإلعفاءات االقتصادية ووسائل اإلبراء‪ .‬الندوة الثانية للقضاء االجتماعي‪ .‬منشورات جمعية تنمية‬
‫البحوت والدراسات القضائية‪ .‬الرباط ‪ 26-25‬فبراير ‪ 1992‬الموافق ل‪ 21-20‬شعبان ‪ .1412‬ص‪.27-26‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 18‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫في نظرنا أنه انطالقا من الوضعية الجديدة التي أصبح يخضع لها األجيرإثرتغيير‬

‫املركز القانوني للمشغل‪ ،‬فإن القانون الواجب التطبيق عليه هو القانون الجديد‪،‬‬

‫الذي أصبحت تخضع له املقاولة بعد التفويت‪ .‬فمثال لو انتقلت املقاولة من إطار‬

‫القانون الخاص إلى العام‪ ،‬فمقتضيات القانون العام هي الواجبة التطبيق‪،‬‬

‫والعكس صحيح‪ ،‬أما إذا لم يحدث تغييرفي القانون‪ ،‬أي بقاء املقاولة خاضعة لنفس‬

‫القانون‪ ،‬فال إشكال‪.‬‬

‫أيضا نتساءل عن مدى مشروعية الفصل الحاصل قبل تفويت املؤسسة أو‬

‫املقاولة؟‪.‬‬

‫في هذا الصدد أقرت محكمة النقض الفرنسية‪ 14‬شرعية الفصل الو اقع قبل‬

‫تفويت املقاولة أو املؤسسة‪ ،‬حيث ورد في قرارها ما يلي‪« :‬بأن الفصل ‪L122-12AL2‬‬

‫(الذي تقابله املادة ‪ 36‬من قانون العمل) ال يتعارض مع الفصل ‪( L22-4‬الذي يعطي‬

‫الحرية لألطراف في إنهاء عقد العمل غيرمحدد املدة) فاملشغل الذي يفوت مؤسسته‬

‫ال يفقد حق إعفاء أجرائه – هذا الحق الذي يبقى يتمتع به إلى أن يتم التفويت‬

‫الفعلي للمؤسسة – إذ يمكنه أن يدفع بالخطأ‪ ،‬أو السبب االقتصادي كمبرر‬

‫للفصل‪ ،‬لكن كل ذلك مشروط بانتفاء إرادة التحايل على الفصل ‪»L122-12AL2‬‬

‫‪ 14‬باستثناء قرارين فريدين لمحكمة النقض الفرنسية تقر فيهما بعدم شرعية الفصل قبل التفويت وهما الصادران‬
‫سنة ‪.1974‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 19‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫و ما يستنتج من هذا القرار‪ ،‬أن الفصل قبل التفويت‪ ،‬ليس في حد ذاته غير‬

‫مشروع‪ ،‬و إنما يصبح كذلك بالنظـر إلى بعض املالبسات التي تكون مصاحبة له‪،15‬‬

‫كسوء نية املشغل‪ ،16‬و الفصل املبرربإعادة تنظيم املؤسسة أو املقاولة‪.17‬‬

‫و إذا كنا قد تجاوزنا اإلشكال حول مدى مشروعية الفصل الناتج قبل تفويت‬

‫املقاولة أواملؤسسة‪ .‬فإن التساؤل ما يزال عالقا حول مشروعية الفصل الو اقع بعد‬

‫تفويت املقاولة أواملؤسسة؟‪.‬‬

‫إنه من حق املشغل الجديد إعادة تنظيم مؤسسته أو مقاولته‪ ،‬و إن انعكس‬

‫ذلك بشكل سلبي على عقود شغل األجراء‪ ،‬فاستمرارعالقات الشغل في حالة تعديل‬

‫الهيكل القانوني للمؤسسة ال يزيل سلطة املشغل في إنهاء عقود الشغل غيـرمـحددة‬

‫املدة‪ 18‬كإجراء تقتضيه‪.‬‬

‫ففي املرحلة األولى‪ ،‬و قبل التأثر بالتوجهات األروبية‪ ،‬كانت محكمة النقض‬

‫الفرنسية تعتبر بأنه يمكن اللجوء إلى الفصل قبل تفويت املقاولة‪ ،‬إذ كانت ترتكز‬

‫على أسباب اقتصادية أو تقنية تؤدي إلى حذف بعض الوظائف‪ ،‬على أال يكون‬

‫‪ 15‬فاطمة حداد ‪ .‬م‪.‬س ‪ .‬ص ‪.266‬‬


‫‪ 16‬اشترط القضاء الفرنسي شرعية الفصل قبل التفويت بانعدام سوء نية المشغل السابق ألسباب نقابية أو غيرها‪.‬‬
‫‪ 17‬في هذا الصدد اعتبرت محكمة النقض الفرنسية بأن المشغل الذي يفوت مؤسسته أو مقاولته‪ ،‬له كامل الحرية‪ ،‬في‬
‫القيام بإعادته تنطيم مؤسسته‪ ،‬من غير تحريض من المفوت له‪ ،‬حتى يتسلم المؤسسة خالية من األعباء‪ ،‬و في هذا الصدد‬
‫يمكن القول بأن موقف محكمة النقض الفرنسية مر بمرحلتين هما‪ :‬مرحلة ما قبل ‪ 1990‬و مرحلة ما بعد ‪.1990‬‬
‫فاطمة حداد ‪ .‬م‪.‬س ‪ .‬ص‪ 88‬و ما يليها‪.‬‬
‫‪ 18‬فاطمة حداد ‪ .‬م‪.‬س ‪ .‬ص‪.90‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 20‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫الغرض من الفصل التحايل على الفصل ‪( L122-12AL2‬املقابل للمادة ‪ 36‬من‬

‫قانون العمل)‪ .‬و مثال ذلك إعادة تنظيم مصالح املؤسسة مما يضمن حسن سيرها‪.‬‬

‫أما في املرحلة الثانية أي بعد سنة ‪ ،1990‬فقد حاولت محكمة النقض‬

‫الفرنسية أن تكون قراراتها منسجمة مع التوجهات األوربية‪ ،‬هكذا أصبحت تلزم‬

‫املشغل بإقامة الدليل على كون الفصل الذي أقدم عليه هو ضروري لحسن سير‬

‫املؤسسة‪.‬‬

‫عملية إعادة التنظيم أو الصعوبات االقتصادية التي تعترض نشاطهم‪ ،19‬و لكن‬

‫وفق إجراءات قانونية محددة في مدونة الشغل‪.20‬‬

‫و من اإلشكاليات التي تطرح كذلك في هذا الصدد تلك التي تتعلق بتحديد نطاق‬

‫الحقوق التي ستنتقل أوتستمربها عقود الشغل إثرتغييراملركزالقانوني للمشغل‪،21‬‬

‫هل تنتقل وفق الشروط التي تعاقد بها األجراء مع املشغل القديم‪ ،‬أم وفق الشروط‬

‫التي يلتزم بها املشغل الجديد؟‪.‬‬

‫نرى أن األجراء سيستفيدون من الحقوق التي تعطيهم مزايا أفضل‪ ،‬بحيث إنه‬

‫إذا كانت الحقوق التي يعطيها املشغل الجديد هي األفضل بالنسبة لألجراء فتستمر‬

‫‪ 19‬صدر في قرار لمحكمة النقض الفرنسية‪« :‬أن إعفاء أجير – احتفظ بعقد عمله أثناء التفويت – يمكن أن يجد تبريرا‬
‫له في إعادة الهيكلة التي قام المؤاجر الجديد و ليس من الضروري أن يكون اإلعفاء في هذه الحالة تعسفيا»‬
‫أوردته فاطمة حداد ‪ .‬م‪.‬س ‪ .‬ص‪.90‬‬
‫‪ 20‬كذلك من اإلشكاليات التي يمكن طرحها في هذا المجال‪ ،‬نتساءل عن حاالت إثارة المسؤولية التضامنية للمشغلين‬
‫المتعاقبين عند القيام بالفصل قبل التفويت؟‪.‬‬
‫إن هذه المسؤولية يمكن إثارتها في حالتين اثنتين‪ :‬أولهما‪ ،‬عند التواطؤ بين المشغل األول والمشغل الثاني‪ .‬وثانيهما‪،‬‬
‫عند انتماء المشغلين لنفس المجموعة‪.‬‬
‫‪21‬عبد الرحمان اللمتوني ‪ .‬حماية األجراء من آثار اندماج الشركات في ظل مدونة الشغل‪ .‬المجلة المغربية لقانون األعمال‬
‫و المقاوالت ع‪.5‬س‪ .2005‬ص‪.73‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 21‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫في السريان و العكس صحيح‪ ،‬أي إذا كانت الحقوق التي التزم بها املشغل القديم هي‬

‫األفضل فهي الواجبة التطبيق على األجراء‪ ،‬خاصة إذا كانت متضمنة في اتفاقية‬

‫جماعية‪ ،‬حيث ال يخفى ما ألهمية ‪.‬‬

‫هذه األخيرة في حياة الشركة‪ ،‬ليس فقط فيما يخص حياتها االجتماعية التي تهم‬

‫أساسا األجراء‪ ،‬و إنما أيضا في حياتها االقتصادية املرتبطة بسياستها اإلنتاجية و‬

‫مستوى مردوديتها‪ .‬لذلك يبقى التساؤل مطروحا حول مآل االلتزامات املتبادلة‬

‫املقررة في االتفاقيات الجماعية؟ ‪.‬‬

‫بالنسبة للمشرع املغربي فإنه لم يقيد مفعول االتفاقية املبرمة في ظل املشرع‬

‫القديم بأجل ما استنادا على املادة ‪ 131‬من مدونة الشغل‪.‬‬

‫أما املشرع الفرنس ي فقد نص في املادة ‪ L132-8‬على مايلي‪ « :‬إذا لم يكن املشغل‬

‫الجديد مرتبطا باتفاقية جماعية فإن األجراء سيستمرون في التمتع بحقوقهم‬

‫املقررة في االتفاقية الجماعية التي كانت تربطهم باملشغل السابق‪ ،‬و ذلك ملدة ال‬

‫تتجاوز سنة و ثالثة أشهر على األكثر على أساس التفاوض من جديد مع املشغل‬

‫الجديد بمجرد انتهاء املدة املذكورة‪ ،‬و ذلك قصد إبرام اتفاقية جديدة‪ ،‬و إذا لــم تبرم‬

‫اتفاقية جديدة يحتفظ األجراء بنفس االمتيازات املكتسبة بمقتض ى االتفاقية‬

‫الجماعية املنتهية»‪.‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 22‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫وبخصوص القضاء الفرنس ي‪ ،‬فهويرفض استمرارية االتفاقيات الجماعية بعد‬

‫تغيير املركز القانوني للمشغل امللتزم ببنودها‪ ،‬حيث يعفي املشغل الجديد من‬

‫التحمل باتفاقية جماعية لم يكن طرفا فيها‪.‬‬

‫و نرى في هذا اإلطار‪ ،‬أن املادة ‪ 131‬من مدونة الشغل املغربية كانت أكثرحمائية‬

‫من املادة ‪ 8/123‬من قانون العمل الفرنسية‪ ،‬حينما لم تقيد مفعول سريان‬

‫االتفاقية املبرمة في ظل املشغل القديم بأجل ما‪.‬‬

‫وفي األخير نتساءل عن أثر عدم تنفيذ املفوت إليه لاللتزامات الناشئة عن‬

‫مخطط التفويت؟‬

‫هناك أثران‪ :‬أثرخاص‪ ،‬يكون نتيجة عدم أداء مقابل التفويت فقط ‪ ،‬و في هذه‬

‫الحالة تعين املحكمة تلقائيا أو بطلب من السنديك أو من كل ذي مصلحة متصرفا‬

‫خاصا ‪ ،un Administrateur Spécial‬و تقوم بتحديد مهمة و مدة هذا األخير‪ ،‬التي‬

‫ال يجوز أن تتجاوز ثالثة أشهر‪ .‬و هناك أيضا أثر عام‪ ،‬يترتب عند اإلخالل بالتزامات‬

‫مخطط التفويت املالية و غيراملالية‪ ،‬و ال يهمنا إال هذا األثراألخير‪.‬‬

‫و في هذا اإلطار تنص املادة ‪( 89‬املعدلة بموجب القانون املؤرخ في‬

‫‪ )1994/06/10‬فرنسية إلى أنه يترتب عن تنفيذ املفوت إليه اللتزاماته فسخ مخطط‬

‫التفويت ‪ ،La résolution du plan‬من قبل املحكمة و وكيل مر اقب التنفيذ‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 23‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫‪ ،Commissaire à l’exécution du plan‬و كل دائن و وكيل الجمهورية (النيابة‬

‫العامة)‪ .‬فما هو نطاق تطبيق املادة أعاله؟‬

‫لقد أثيرالتساؤل حول ما إذا كان الفسخ يترتب عن اإلخالل بااللتزام بأداء الثمن‬

‫أم يشمل سائر االلتزامات املالية و غير املالية‪ ،‬كااللتزام باستقرار الشغل و الحفاظ‬

‫على عقود الشغل و استمرارالنشاط؟‬

‫واإلجابة عن هذا اإلشكال أوالتساؤل تقتض ي التمييزبين مرحلتين‪ :‬مرحلة قبل‬

‫التعديل الفرنس ي (‪ )1994/06/10‬و مرحلة ما بعد هذا التعديل‪.22‬‬

‫ففي املرحلة األولى‪ ،‬ساراالجتهاد القضائي الفرنس ي في اتجاه شمول الفسخ عدم‬

‫االلتزام بأداء الثمن فقط دون غيره من االلتزامات األخرى و سواء كانت ذات طبيعة‬

‫مالية أو غير مالية‪ ،‬مما يستشف منه استثناء عقود الشغل‪ ،‬و هكذا ورد في حكم‬

‫املحكمة التجارية بباريس‪ 23‬ما يلي‪« :‬ال يمكن التصريح بفسخ املخطط لإلخالل‬

‫بالتعهدات غيرتلك املتعلقة بعدم أداء الثمن لعدم وجود مقتضيات قانونية صريحة‬

‫في املوضوع»‪.24‬‬

‫أما الفقه الفرنس ي فقد سارعلى صدى هذه األحكام القضائية‬

‫‪ 22‬أحمد شكري السباعي‪ .‬الوسيط في مساطر الوقاية من الصعوبات التي تعترض المقاولة و مساطر معالجتها ‪ .‬ج‪.2‬‬
‫نشر دار المعرفة الرباط‪ .1998.‬ص ‪ 500‬و ما يليها‪.‬‬
‫‪ 23‬قرار مؤرخ في ‪ . 1987/07/30‬أشار إلى ذلك أحمد شكري السباعي ‪ .‬الوسيط في مساطر الوقاية من الصعوبات التي‬
‫تعترض المقاولة ومساطر معالجتها ‪ .‬ج ‪ . 2‬م‪.‬س ‪ .‬ص ‪.502‬‬
‫‪ 24‬و قد أكدت نفس المحكمة على ذلك المقتضى في الحكم المؤرخ في ‪ 1988/12/19‬الذي ورد فيه ‪ « :‬و ال يشكل في‬
‫أي حال من األحوال تسريح العمال إخالال بعدم أداء الثمن المنصوص عليه في المادة ‪ . »90‬وارد في مؤلف أحمد شكري‬
‫السباعي ‪ .‬الوسيط في مساطر الوقاية من الصعوبات التي تعترض المقاولة و مساطر معالجتها ‪ .‬ج ‪ . 2‬م‪.‬س ‪ .‬ص ‪340‬‬
‫وما يليها‪.‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 24‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫و في هذا الصدد يذهب األستاذ «إيف شارتيي»‪ ...« :25‬إلى أن عدم أداء ثمن‬

‫التفويت يرتب فسخ املخطط و التصريح بالتصفية القضائية» و تساءل أيضا حول‬

‫ما إذا كان جزاء الفسخ يقع كذلك عند إخالل املفوت إليه باحترام تعهداته املتعلقة‬

‫باستمرارالشغل ومناصبه؟ فكان جوابه بالنفي‪ ،‬ألن هذه التعهدات أو االلتزامات في‬

‫رأيه غيرتعاقدية ‪ ،26‬حيث تقررها املحكمة استجابة للصالح العام‪ .‬إضافة إلى ذلك‪،‬‬

‫فاإلخالل بهذه املقتضيات و فصل األجراء يحمل املفوت إليه بأداء التعويضات‬

‫لألجراء‪ .‬و نفس اإلتجاه سارعليه األستاذ «ميشيل جانتان»‪ 27‬الذي ذهب إلى القول‪:‬‬

‫«أن املادة ‪ 90‬من قانون ‪ 1985-01-25‬ال تطبق‪ 28‬عندما يتعلق عدم التنفيذ‬

‫بالتعهدات أوااللتزامات غير تلك املتعلقة بالثمن‪ ،‬أي أن هذه املادة ال تسري على‬

‫فصل األجراء الذي يتم خرقا ملخطط التفويت‪ ،‬إال أن املفوت إليه يسأل طبقا‬

‫لقواعد القانون العادي (أي قانون الشغل و القانون املدني)‪ ،‬عن األهداف الناشئة‬

‫تجاه األغيارعند عدم تنفيذ االلتزامات‪.»...‬‬

‫‪ 25‬أشار إلى ذلك أحمد شكري السباعي ‪ .‬الوسيط في مساطر الوقاية من الصعوبات التي تعترض المقاولة و مساطر‬
‫معالجتها ‪ .‬ج ‪ . 2‬م‪.‬س ‪ .‬ص ‪.502‬‬
‫‪ 26‬خالفا لاللتزام بأداء الثمن‪.‬‬
‫‪ 27‬أشار إليه األستاذ أحمد شكري السباعي ‪ .‬الوسيط في مساطر الوقاية من الصعوبات التي تعترض المقاولة ومساطر‬
‫معالجتها ‪ .‬ج ‪ . 2‬م‪.‬س ص ‪.503‬‬
‫‪ 28‬كان هذا قبل إضافة الفقرة األخيرة من المادة ‪ 89‬بمقتضى تعديل ‪.1994/06/10‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 25‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫أما في املرحلة الثانية‪ ،‬أي بعد تعديل ‪ ،1994/06/10‬فاعتبراألستاذان «ديلبيك‬

‫وبرمان»‪ 29‬أن ‪« :‬الفقرة ‪ 4‬الجديدة من املادة ‪ 89‬تعني "‪ "Vise‬أي عدم تنفيذ سائر‬

‫تعهدات التزامات املفوت إليه‪ ،30‬و ليس فقط االلتزامات املتعلقة بأداء الثمن»‪.‬‬

‫وبخصوص املغرب‪ ،‬فإنه لم يعرف مثل ذلك الخالف الفقهي الذي ساد في نظيره‬

‫الفرنس ي‪ ،‬فهو تبنى تعديل ‪ 1994/06/10‬في الفقرة األولى من املادة ‪ 613‬من مدونة‬

‫التجارة‪ ،‬حيث تنص هذه املادة األخيرة على ما يلي‪ ...« :‬و إن لم يف املفوت إليه‬

‫بالتزاماته أمكن للمحكمة تلقائيا أن تقض ي بفسخ املخطط أو بناء على طلب‬

‫السنديك أو أحد الدائنين‪.»...‬‬

‫و في هذا يرى األستاذ أحمد شكري السباعي‪ «: 31‬أن املشرع املغربي أعطى أهمية‬

‫بالغة الستمرار الشغل ومناصب العمل‪ ،‬تفوق األهمية املعطاة لتصفية الخصوم و‬

‫أداء مستحقات الدائنين املرتبطة بثمن التفويت‪ ،‬الذي قد يكون في ظروف سيئة‪،‬‬

‫زهيدا أو غيركاف ألداء ديون الدائنين‪»...‬‬

‫و على العموم فإنه إذا ما تم فسخ مخطط التفويت‪ ،‬فالتشريع املغربي نص على‬

‫بيع أموال املقاولة‪ ،‬وفقا ألشكال التصفية القضائية حيث يخصص عائدها لدفع‬

‫مستحقات الدائنين املقبولين‪.32‬‬

‫‪ 29‬أحمد شكري السباعي ‪ .‬الوسيط في مساطر الوقاية من الصعوبات التي تعترض المقاولة و مساطر معالجتها ‪ .‬ج‪.2‬‬
‫م‪.‬س ‪ .‬ص ‪.503‬‬
‫‪ 30‬بما فيها االلتزام بالحفاظ على استمرارية عقود الشغل‪.‬‬
‫‪ 31‬أحمد شكري السباعي ‪ .‬الوسيط في مساطر الوقاية من الصعوبات التي تعترض المقاولة و مساطر معالجتها ‪ .‬ج‪.2‬‬
‫م‪.‬س ‪ .‬ص ‪.504‬‬
‫‪ 32‬المادة ‪ 2/613‬من م‪.‬ت‪.‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 26‬‬
‫العدد ‪ 23‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر أكتوبر ‪2020‬م‬

‫أما القضاء الفرنس ي‪ ،‬فإنه يجيز التصريح بالتصحيح القضائي أو التصفية‬

‫القضائية ضد املفوت إليه املخل بالتزاماته‪ ،‬بمجرد فسخ املخطط لعدم أداء ثمن‬

‫التفويت‪ ،‬باعتباره متوقفا عن الدفع‪.33‬‬

‫ومجمل القول نرى أن التشريع املغربي – كما هو الشأن بالنسبة ألغلب‬

‫التشريعات املقارنة – ألزم املفوت إليه‪ ،‬أي املشغل الجديد‪ ،‬بتنفيذ التزامات‬

‫مخطط التفويت ‪ ،‬بما فيها االلتزام بالحفاظ على استمرارية عقود الشغل‪ ،‬إال في‬

‫حاالت استثنائية اقتضتها الضرورات العملية‪ ،‬و منها «تغيير طبيعية نشاط املقاولة‬

‫أو املؤسسة»‪ ،‬حيث في هذه الحالة األخيرة يأتي مسلسل فصل األجراء أو بعضهم و‬

‫بالتالي انتهاء عقود شغلهم‪ ،‬إذا كان تكوينهم ال يتالءم والنشاط الجديد للمقاولة‪،‬‬

‫ولكن وفق إجراءات قانونية مسطرة في مدونة الشغل‪.35-34‬‬

‫‪ 33‬ورد في حكم المحكمة التجارية ألورليان‪« :‬إذا أدى عدم أداء الثمن إلى فسخ المخطط و العدول عن تفويت المقاولة‬
‫من طرف المحكمة‪ ،‬فإن إعداد مخطط جديد للتفويت لفائدة شخص آخر‪ ،‬ال يمكن استبعاده » حكم مؤرخ في ‪.1987/02/11‬‬
‫و قضت محكمة النقض الفرنسية في ‪1993/06/22‬بأن ‪ «:‬فسخ مخطط التفويت ال يرتب بقوة القانون فسخ العقود‬
‫والتصرفات التي تم إبرامها إلنجازه»‪.‬‬
‫أشار إلى ذلك أحمد شكري السباعي ‪ .‬الوسيط في مساطر الوقاية من الصعوبات التي تعترض المقاولة و مساطر معالجتها‬
‫‪ .‬ج‪ . 2.‬م‪.‬س ‪ .‬ص ‪.504‬‬
‫= و الحظ أن إبرام عقود الشغل بعد فتح مسطرة التسوية القضائية يعد باطال في مدونة التجارة تطبيقا لنص المادة ‪682‬‬
‫من م‪.‬ت‪ ،‬حيث يمارس السنديك دعوى البطالن طبقا للمادة ‪ 685‬من م‪.‬ت‪ ،‬و إن تقرير البطالن مرده إلى منع إلحاق‬
‫الضرر بالدائنين‪ ،‬فيكون إبرام تلك العقود بدافع المحاباة ليس إال‪ ،‬لهذا يجب الحكم ببطالنه‪ ،‬و هو ما قررته محكمة النقض‬
‫الفرنسية‪ ،‬لما الحظت عدم توازن التزامات الطرفين كما حددها عقد الشغل التي صرحت ببطالنه‪ ،‬و ذلك بناء على نص‬
‫المادة ‪ 107‬من القانون الفرنسي المؤرخ في ‪ 1985/01/25‬المتعلق بالتسوية و التصفية القضائية‪.‬‬
‫إدريس فجر ‪ .‬بطالن عقد العمل في ضوء القانون التجاري ‪ .‬الحدث القانوني ‪ .‬ع ‪ . 1‬س دجنبر ‪ . 1997‬ص ‪.6-5‬‬
‫‪ 34‬أي الفقرة األخيرة من المادة ‪ 592‬من م‪.‬ت التي تنص على ما يلي‪ ...«:‬إن هذه القرارات المصاحبة لالستمرارية‬
‫المذكورة أعاله‪ ،‬إذا كانت ستؤدي إلى فسخ عقود العمل‪ ،‬فإنه يجب تطبيق القواعد المنصوص عليها في مدونة الشغل»‬
‫‪ 35‬وإحالة المادة ‪ 592‬من م ت على مدونة الشغل يعد إفراغا للدور العالجي للمحكمة من أي محتوى‪ ،‬حيث يسند لجهاز‬
‫إداري خارج أجهزة مسطرة المعالجة سلطة منح اإلذن باإلعفاءات من عدمه‪ ،‬وبذلك تبقى المحكمة مكتوفة األيد طيلة مدة‬
‫قد تصل إلى ثالثة أشهر لتتخذ بعدها القرار المصاحب لالستمرارية في ضوء ما ينبئ به إذن السلطة اإلدارية‪.‬‬
‫محمد منعزل‪ .‬أثر التسوية القضائية على إنهاء عقود العمل (مقارنة بين القانون الفرنسي والقانون المغربي) مجلة‬
‫المنتدى‪ .‬ع ‪.3‬س‪ . 2002‬ص ‪.156‬‬

‫جملة قانونية علمية فصلية حمكمة‬


‫‪P 27‬‬

You might also like