You are on page 1of 27

‫درا�سـات‬

‫ﺍﻟﺠﻬﻮﻳﺔ ﺍﻟﻤﺘﻘﺪﻣﺔ ﺑﻲ ﺇﺷﻜﺎﻟﻴﺔ ﺗﻮﺯﻳﻊ ﺍﻻﺧﺘﺼﺎﺻﺎﺕ ﻭﺭﻫﺎﻥ ﺍﻟﺘﻮﺍﺯﻥ‬ ‫ﺍﻟﻌﻨﻮﺍﻥ‪:‬‬

‫الجهوية المتقدمة بين �إ�شكالية‬


‫ﺍﻟﻤﺠﻠﺔ ﺍﻟﻤﻐﺮﺑﻴﺔ ﻟﻺﺩﺍﺭﺓ ﺍﻟﻤﺤﻠﻴﺔ ﻭﺍﻟﺘﻨﻤﻴﺔ‬ ‫ﺍﻟﻤﺼﺪﺭ‪:‬‬

‫االخت�صا�صات ورهان التوازن‬ ‫توزيع‬


‫ﺃﺣﻤﺪ ﺑﻮﻋﺸﻴﻖ‬
‫ﺗﻤﻴﻢ‪ ،‬ﻋﺎﺩﻝ‬
‫ﺍﻟﻨﺎﺷﺮ‪:‬‬
‫ﺍﻟﻤؤﻟﻒ ﺍﻟﺮﺋﻴﺴﻲ‪:‬‬

‫د‪ .‬عادل تميم‬ ‫ﻉ ‪111‬‬ ‫ﺍﻟﻤﺠﻠﺪ‪/‬ﺍﻟﻌﺪﺩ‪:‬‬

‫باحث في القانون العام‬ ‫ﻧﻌﻢ‬ ‫ﻣﺤﻜﻤﺔ‪:‬‬


‫‪2013‬‬ ‫ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ﺍﻟﻤﻴﻼﺩﻱ‪:‬‬
‫ﺃﻏﺴﻄﺲ‬ ‫ﺍﻟﺸﻬﺮ‪:‬‬
‫ترابية‪97‬وف�ضاء يعم��ل على �إعادة توزيع ال�سلط في �إط��ار الدولة الموحدة‪،‬‬
‫‪- 122‬‬‫ﺍﻟﺼﻔﺤﺎﺕ‪ :‬باعتباره��ا جماعة‬
‫�إن الجه��ة‬
‫االخت�صا�ص��ات وكيفية تحديدها وتوزيعها‪ ،‬وذلك لعدة اعتبارات من بينها‬
‫بالدرجة الأولى بم�س�ألة‪514772‬‬‫ﺭﻗﻢ ‪:MD‬‬‫معني��ة‬
‫ما �أ�ضحت تمثله الجهوية من اختيار ا�ستراتيجي ت�أخذ به الدول الديمقراطية الحديثة‪ ،‬بغية تخفيف العبء‬
‫ﺑﺤﻮﺙ ﻭﻣﻘﺎﻻﺕ‬ ‫ﻧﻮﻉ ﺍﻟﻤﺤﺘﻮﻯ‪:‬‬
‫عل��ى المركز عب��ر نقل جزء من �صالحيات واخت�صا�صات الحكومة المركزي��ة �إلى الجهة‪ ،‬في �إطار عالقة‬
‫‪EcoLink, IslamicInfo‬‬ ‫ﻗﻮﺍﻋﺪ ﺍﻟﻤﻌﻠﻮﻣﺎﺕ‪:‬‬
‫تتح��دد وترتبط بم�ستوى تط��ور الالمركزية في كل بلد وبمدى ما تود ال�سلط��ة المركزية منحه للجهة من‬
‫في تدبير �ش�ؤونها‪ .‬ﺍﻟﺴﻠﻄﺔ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ‪ ،‬ﺍﻟﺠﻬﻮﻳﺔ ‪ ،‬ﺍﻟﻘﻮﺍﻧﻴﻦ ﻭ ﺍﻟﺘﺸﺮﻳﻌﺎﺕ‪ ،‬ﺍﻟﻤﻐﺮﺏ‬ ‫ﻣﻮﺍﺿﻴﻊ‪:‬‬
‫ا�ستقاللية‬
‫‪�http://search.mandumah.com/Record/514772‬أبرزها م�شكل‬
‫أم��ام ما يعرفه الواقع ال�سيا�س��ي المغربي في الآونة الأخيرة من تحدي��ات و�إكراهات‪،‬‬ ‫و�‬
‫ﺭﺍﺑﻂ‪:‬‬
‫ال�صح��راء ال��ذي يه��دد الوحدة الترابية للوطن‪� ،‬إل��ى جانب رهان تحقيق التنمية ف��ي �سائر مختلف مناطق‬
‫المملك��ة والق�ضاء على الفوارق واالختالالت االقت�صادية واالجتماعي��ة بين الجهات‪ .‬دفع ذلك المغرب‬
‫�إلى التعامل مع الجهوية باهتمام ووعي كبيرين وتغيير نظرته �إلى الجهة من مجرد كونها �إطار ترابي �إداري‪،‬‬
‫�إل��ى جه��ة كف�ضاء قادر على تحقيق الرهانات الكبرى للدولة‪ .‬وهذا م��ا بلورته الخطابات الملكية لجاللة‬
‫المل��ك محمد ال�ساد�س في عزمه على �إطالق جهوية متقدم��ة ذات اخت�صا�صات و�صالحيات تمكنها من‬
‫تفعي��ل التنمية الجهوية المندمجة وتر�سيخ الحكام��ة المحلية الجيدة‪ ،‬على �أ�سا�س مبادئ الوحدة والتوازن‬
‫والت�ضامن‪.‬‬
‫�إن �إع��ادة توزيع ال�سل��ط بين الجهة والدولة‪ ،‬كفيل بجعل الجهة قن��اة للتوا�صل بين الدولة والمجتمع‪،‬‬
‫ﻣﺤﻔﻮﻇﺔ‪.‬و�صالحيات مح��ددة ودقيقة‪ ،‬ووعيا ب�أهمية التحديد الدقيق‬
‫ﺍﻟﺤﻘﻮﻕب�سلطات‬
‫الجهات‬‫ﺟﻤﻴﻊ‬‫بتزويد‬ ‫ذلك �إال‬
‫ﺍﻟﻤﻨﻈﻮﻣﺔ‪.‬‬ ‫وال يت©�أت��ى‬
‫‪ 2021‬ﺩﺍﺭ‬
‫ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺎﺩﺓ ﻣﺘﺎﺣﺔ ﺑﻨﺎﺀ ﻋﻠﻰ ﺍﻹﺗﻔﺎﻕ ﺍﻟﻤﻮﻗﻊ ﻣﻊ ﺃﺻﺤﺎﺏ ﺣﻘﻮﻕ ﺍﻟﻨﺸﺮ‪ ،‬ﻋﻠﻤﺎ ﺃﻥ ﺟﻤﻴﻊ ﺣﻘﻮﻕ ﺍﻟﻨﺸﺮ ﻣﺤﻔﻮﻇﺔ‪ .‬ﻳﻤﻜﻨﻚ‬
‫فقدﻣﻮﺍﻗﻊ‬ ‫والدولة‬
‫)ﻣﺜﻞ‬ ‫الجهةﻭﺳﻴﻠﺔ‬
‫بينﻋﺒﺮ ﺃﻱ‬ ‫االخت�صا�صات‬
‫ﺍﻟﻨﺸﺮ‬ ‫في ﺃﻭ ﺍﻟﺘﺤﻮﻳﻞ ﺃﻭ‬ ‫توازن‬
‫ﺍﻟﻨﺴﺦ‬ ‫ﻓﻘﻂ‪،‬من‬
‫ﻭﻳﻤﻨﻊ‬ ‫ﺍﻟﺸﺨﺼﻲذلك‬
‫ﻟﻼﺳﺘﺨﺪﺍﻡأن يحققه‬
‫ﺍﻟﻤﺎﺩﺓوما يمكن �‬
‫لل�صالحيات‪،‬‬
‫والح�ص��ري ﻃﺒﺎﻋﺔ ﻫﺬﻩ‬
‫ﺗﺤﻤﻴﻞ ﺃﻭ‬
‫ﺍﻻﻧﺘﺮﻧﺖ ﺃﻭ ﺍﻟﺒﺮﻳﺪ ﺍﻻﻟﻜﺘﺮﻭﻧﻲ( ﺩﻭﻥ ﺗﺼﺮﻳﺢ ﺧﻄﻲ ﻣﻦ ﺃﺻﺤﺎﺏ ﺣﻘﻮﻕ ﺍﻟﻨﺸﺮ ﺃﻭ ﺩﺍﺭ ﺍﻟﻤﻨﻈﻮﻣﺔ‪.‬‬
‫درا�سـات‬

‫الجهوية المتقدمة بين �إ�شكالية‬


‫توزيع االخت�صا�صات ورهان التوازن‬
‫د‪ .‬عادل تميم‬
‫باحث في القانون العام‬

‫�إن الجه��ة باعتباره��ا جماعة ترابية وف�ضاء يعم��ل على �إعادة توزيع ال�سلط في �إط��ار الدولة الموحدة‪،‬‬
‫معني��ة بالدرجة الأولى بم�س�ألة االخت�صا�ص��ات وكيفية تحديدها وتوزيعها‪ ،‬وذلك لعدة اعتبارات من بينها‬
‫ما �أ�ضحت تمثله الجهوية من اختيار ا�ستراتيجي ت�أخذ به الدول الديمقراطية الحديثة‪ ،‬بغية تخفيف العبء‬
‫عل��ى المركز عب��ر نقل جزء من �صالحيات واخت�صا�صات الحكومة المركزي��ة �إلى الجهة‪ ،‬في �إطار عالقة‬
‫تتح��دد وترتبط بم�ستوى تط��ور الالمركزية في كل بلد وبمدى ما تود ال�سلط��ة المركزية منحه للجهة من‬
‫ا�ستقاللية في تدبير �ش�ؤونها‪.‬‬
‫و�أم��ام ما يعرفه الواقع ال�سيا�س��ي المغربي في الآونة الأخيرة من تحدي��ات و�إكراهات‪� ،‬أبرزها م�شكل‬
‫ال�صح��راء ال��ذي يه��دد الوحدة الترابية للوطن‪� ،‬إل��ى جانب رهان تحقيق التنمية ف��ي �سائر مختلف مناطق‬
‫المملك��ة والق�ضاء على الفوارق واالختالالت االقت�صادية واالجتماعي��ة بين الجهات‪ .‬دفع ذلك المغرب‬
‫�إلى التعامل مع الجهوية باهتمام ووعي كبيرين وتغيير نظرته �إلى الجهة من مجرد كونها �إطار ترابي �إداري‪،‬‬
‫�إل��ى جه��ة كف�ضاء قادر على تحقيق الرهانات الكبرى للدولة‪ .‬وهذا م��ا بلورته الخطابات الملكية لجاللة‬
‫المل��ك محمد ال�ساد�س في عزمه على �إطالق جهوية متقدم��ة ذات اخت�صا�صات و�صالحيات تمكنها من‬
‫تفعي��ل التنمية الجهوية المندمجة وتر�سيخ الحكام��ة المحلية الجيدة‪ ،‬على �أ�سا�س مبادئ الوحدة والتوازن‬
‫والت�ضامن‪.‬‬
‫�إن �إع��ادة توزيع ال�سل��ط بين الجهة والدولة‪ ،‬كفيل بجعل الجهة قن��اة للتوا�صل بين الدولة والمجتمع‪،‬‬
‫وال يت�أت��ى ذلك �إال بتزويد الجهات ب�سلطات و�صالحيات مح��ددة ودقيقة‪ ،‬ووعيا ب�أهمية التحديد الدقيق‬
‫والح�ص��ري لل�صالحيات‪ ،‬وما يمكن �أن يحققه ذلك من توازن في االخت�صا�صات بين الجهة والدولة فقد‬
‫عادل تميم‬ ‫‪98‬‬

‫ت��م التركي��ز عليه في الت�صور الملكي حيث ربط تحقيق التوازن بعملية التحديد الح�صري لالخت�صا�صات‪،‬‬
‫�إذ ج��اء ف��ي خطاب المل��ك محمد ال�ساد���س بمنا�سبة الذك��رى الثالثة والثالثي��ن للم�سي��رة الخ�ضراء يوم‬
‫‪ 6‬نونب��ر ‪ 2008‬عل��ى �أن‪...« :‬الت��وازن‪ ،‬فينبغ��ي �أن يقوم على تحدي��د االخت�صا�ص��ات الح�صرية المنوطة‬
‫بالدولة‪ ،‬مع تمكين الم�ؤ�س�سات الجهوية من ال�صالحيات ال�ضرورية للنهو�ض بمهامها التنموية‪ ،‬في مراعاة‬
‫لم�ستلزمات العقلنة واالن�سجام والتكامل‪.»...‬‬
‫غي��ر �أن تحقيق التوازن بين الجهة المتقدمة وما يفتر�ض فيها من تمتعها باخت�صا�صات و�أجهزة تقريرية‬
‫ذاتي��ة مهم��ة‪ ،‬وبي��ن الدولة وما تمثله من مركزي��ة وتجميع لل�سلط يقت�ضي ذلك تحدي��د العالقة بين الدولة‬
‫والجهة بطريقة ت�سمح ب�إبراز ا�ستقاللية هذه الأخيرة‪.‬‬
‫وم��ن هنا تبرز الإ�شكالية الرئي�سية حول م��دى �إمكانية تحقيق التوازن في الأدوار واالخت�صا�صات بين‬
‫الجه��ة والدول��ة ؟ ف�إذا كانت هذه الإ�شكالية تبلور في عمقها عوائ��ق و�إكراهات تنتظر الجهوية المتقدمة‪،‬‬
‫ف���إن ه��ذه الأخيرة تجعل الت�سا�ؤل قائم حول‪� :‬إلى �أي حد هذه الجهوية هي متقدمة ؟ وما هي حدود و�أفق‬
‫اخت�صا�صاتها ؟ وما هي �ضوابط وتوزيع هذه االخت�صا�صات؟‬

‫المطلب الأول‪ :‬تقييم العالقة بين الجهة والدولة على �ضوء القانون ‪((( 47-96‬‬

‫�إن الق��راءة الأولي��ة للد�ست��ور وللقانون المنظ��م للجهات تظهر بج�لاء هيمنة ال�سلط��ة المركزية على‬
‫المج��االت ال�سيا�سي��ة واالقت�صادي��ة واالجتماعية‪ ،‬ويتجلى ذلك ف��ي كون العمال يتول��ون تنفيذ قرارات‬
‫العماالت والأقاليم والجهات طبق �شروط يحددها القانون‪ ،‬كما �أنهم يمثلون ال�سلطة المركزية في الجهات‬
‫والعم��االت والأقاليم‪ ،‬وي�سهرون على تنفيذ القوانين وه��م م�س�ؤولون على تطبيق قرارات الحكومة‪ ،‬كما‬
‫�أنهم م�س�ؤولون لهذه الغاية عن تدبير الم�صالح المحلية التابعة للإدارات المركزية‪.‬‬
‫وعليه فالمقارنة الب�سيطة بين نوع وحجم ما يتمتع به والي الجهة من �صالحيات باعتباره �سلطة معينة‪،‬‬
‫�أم��ام ما يتوفر عليه رئي�س المجل�س الجه��وي والذي يعد �سلطة منتخبة‪ ،‬تخل�ص‪ -‬المقارنة‪� -‬إلى عالقة غير‬
‫متوازنة تتميز باختالالت كبيرة على م�ستوى توزيع ال�سلطة بين الجهة والدولة‪.‬‬
‫ويزي��د من اختالل ت��وازن االخت�صا�صات بين الجه��ة والدولة �أ�سلوب توزي��ع االخت�صا�صات وطريقة‬
‫تحدي��ده وتن�صي�ص��ه لل�صالحي��ات‪ ،‬وتتعمق ه��ذه الظاهرة ا�ستفح��اال بفعل الواق��ع والممار�س��ة الإدارية‬
‫والمالية‪.‬‬

‫((( ظهير �شريف رقم ‪� 1.97.84‬صادر في ‪ 23‬من ذي القعدة ‪� 2( 1417‬أبريل ‪ )1997‬بتنفيذ القانون رقم ‪ 47.96‬المتعلق بتنظيم‬
‫الجهات‪ ،‬ال�صادر بالجريدة الر�سمية عدد ‪ 4470‬بتاريخ ‪ 24‬ذي القعدة ‪� 3( 1417‬أبريل ‪� ،)1997‬ص‪.556 .‬‬

‫المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية‪ ،‬عدد ‪ ،111‬يوليوز‪ -‬غ�شت ‪2013‬‬


‫‪99‬‬ ‫الجهوية المتقدمة بين �إ�شكالية توزيع االخت�صا�صات ورهان التوازن‬

‫الفقرة الأولى‪� :‬ضعف وعدم توازن االخت�صا�صات بين الجهة والدولة‬


‫تج�س��د الجهوية في كل البلدان العالقات ال�سو�سيو�سيا�سي��ة التي تربط المركز بالمحيط‪� ،‬أي بمختلف‬
‫مكون��ات المجال الترابي الممتد في حدود الدولة‪ ،‬حي��ث ت�صنف ك�إحدى قنوات االت�صال داخل الن�سق‬
‫ال�سيا�س��ي‪ ،‬ويه��دف من خاللها تركي��ز وتدعيم النظام عن طريق تحقيق تالح��م وتما�سك حقيقي هيكلي‬
‫وظيف��ي بين المركز والمحي��ط (((‪ .‬ويتج�سد ذلك عبر منح اخت�صا�صات مهمة ووا�سعة‪ ،‬تجعل من الجهة‬
‫كيان قائم بذاته لكن تحت �سيادة الدولة‪.‬‬
‫�إال �أن التجربة المغربية في مجال الجهوية‪ ،‬حافظت على نف�س الميكانيزمات في عالقة الجهة بالدولة‪،‬‬
‫حيث تكون هذه الأخيرة هي الطرف الأكبر في المعادلة‪ ،‬من حيث حجم االخت�صا�صات ونوعها وكذلك‬
‫من خالل و�سائل ح�ضور الدولة في الجهة و�آليات مراقبتها لها‪.‬‬
‫وتت�سم عالقة الجهة بالدولة بالالتوازن على م�ستوى االخت�صا�صات منذ �أول تجربة �سنة ‪ 1971‬في �إطار‬
‫جهوي��ة �أطلق عليها بالجهوية االقت�صادي��ة‪ .‬حيث لم يمنح للجهة �سلطات تقريرية تمكنها من اتخاذ تدابير‬
‫وقرارات ملمو�سة وواقعية‪ ،‬بل كانت مجرد �إطار ا�ست�شاري يتولى مهمة المتابعة والمراقبة وبالتالي التدخل‬
‫فق��ط لإبداء ال��ر�أي في ما يخ�ص التنمي��ة االقت�صادية (((‪ .‬وعلي��ه تميزت اخت�صا�صات الجه��ة االقت�صادية‬
‫بال�ضعف نظرا لما يغلب عليها من طابع ا�ست�شاري (((‪.‬‬
‫ورغ��م ما عرفته الجهة من �إ�صالح��ات مهمة �سواء د�ستورية من خالل الرقي بها �إلى جماعة محلية في‬
‫د�ست��ور �سن��ة ‪ 1992‬وتعزيزها ف��ي د�ستور �سنة ‪ 1996‬ثم �إلى جماعة ترابية ف��ي د�ستور ‪� ،2011‬أو �إ�صالحات‬
‫قانونية من خالل القانون المنظم لها رقم ‪ ،47-96‬ف�إن عالقة الجهة بالدولة مازالت تطبعها اختالالت على‬
‫م�ستوى توزيع ال�سلط‪ ،‬ويظهر ذلك بو�ضوح في قلة و�ضعف ما يملكه المجل�س الجهوي من اخت�صا�صات‬
‫وموارد ذاتية مهمة وبين �ضخامة نفوذ الوالي داخل الجهة‪.‬‬

‫�أوال‪� :‬ضعف اخت�صا�صات الجهة‪.‬‬


‫�أن��اط القانون رق��م ‪ 47-96‬المتعلق بتنظيم الجه��ات اخت�صا�صات تقريرية خول �أم��ر الح�سم فيها �إلى‬
‫المجال���س الجهوي��ة‪ ،‬وبذلك تقوم الجهة باخت�صا�ص��ات متعددة تهم عدة قطاع��ات تنموية على ال�صعيد‬
‫االقت�ص��ادي واالجتماع��ي‪ ،‬دون �أن يط��ال ذلك المج��ال ال�سيا�سي‪ .‬وبناء على ذل��ك فالمجل�س الجهوي‬

‫((( عبد الواحد مبعوث‪« ،‬التنمية الجهوية بين عدم التركيز الإداري والالمركزية»‪� ،‬أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام‪،‬‬
‫جامعة محمد الخام�س‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالقت�صادية واالجتماعية‪ ،‬الرباط ‪� -‬أكدال‪� ،2000-1999 ،‬ص‪.343 .‬‬
‫((( �سارة الخمال‪�« ،‬آفاق الجهة بالمغرب»‪ ،‬ر�سالة لنيل دبلوم الدرا�سات العليا في القانون العام‪ ،‬جامعة عبد المالك ال�سعدي‪،‬‬
‫كلية العلوم القانونية واالقت�صادية واالجتماعية‪ ،‬طنجة‪� ،‬ص‪.15 .‬‬
‫((( �أنظر الف�صل الخام�س من ظهير رقم ‪ 1-71-77‬ال�صادر في ‪ 16‬يونيو ‪ 1971‬والمتعلق بالجهات االقت�صادية‪.‬‬

‫المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية‪ ،‬عدد ‪ ،111‬يوليوز‪ -‬غ�شت ‪2013‬‬


‫عادل تميم‬ ‫‪100‬‬

‫يمار�س اخت�صا�صاته على ثالث م�ستويات‪ :‬اخت�صا�صات خا�صة (((‪ ،‬واخت�صا�صات تنقلها الدولة �إليه (((‪،‬‬
‫واخت�صا�ص��ات ا�ست�شاري��ة (((‪ .‬كم��ا مك��ن القانون المذكور الجه��ة ب�أجهزة منتخبة تتمث��ل في المجل�س‬
‫الجه��وي المنتخب باالقتراع الع��ام غير المبا�شر‪ ،‬والمكتب المكون من رئي���س ونواب منتخبين من قبل‬
‫المجل�س‪ ،‬ولجان منتخبة تتولى الق�ضايا الجهوية قبل البث فيها من قبل الجهاز التداولي (((‪.‬‬
‫غي��ر �أن��ه‪ ،‬وبالنظر �إلى طبيعة االخت�صا�ص��ات الموكولة لرئي�س المجل�س الجه��وي‪ ،‬ف�إنه يحتل المرتبة‬
‫الثاني��ة بع��د الوالي‪ ،‬الذي تع��ززت مكانته على م�ستوى الجه��ة ب�شكل كبير مع الف�ص��ل ‪ 145‬من الد�ستور‬
‫الجدي��د ل�سن��ة ‪ ،2011‬حي��ث �أ�صبح يعتب��ر ممثال لل�سلط��ة الحكومية عل��ى الم�ستوى الجه��وي‪ ،‬ومنفذا‬
‫لق��رارات المجال���س المنتخب��ة‪ ،‬وتم تقوي��ة دوره �أكثر من خ�لال القانون المنظم للجه��ة (‪ )47-96‬الذي‬
‫ح��دد اخت�صا�صات حيوي��ة بالن�سبة للوالي‪ ،‬ف�أ�صبح يقوم ب�إعداد الح�س��اب الإداري‪ ،‬وينفذ الميزانية ويبرم‬
‫ال�صفقات ويمثل الجهة �أمام الق�ضاء (((‪.‬‬
‫فتوزيع ال�سلط بين الجهة والدولة ظل محكوم بهاج�س �أمني يهدف �إلى ت�أمين و�سمو المركزية بعيدا عن‬
‫�أي �ش��كل من �أ�شكال المناف�سة‪ ،‬بحيث احتفظت ال�سلطة المركزية لنف�سها في هذا النظام بمكان محوري‬
‫�سمح لها باحتكار ال�سلطة التقريرية في مجاالت تعد من المجاالت الطبيعية للممار�سة المجل�س الجهوي‬
‫مهام��ه فيها (‪ .((1‬هذا م��ن جهة ومن جهة �أخرى‪ ،‬فالم�شرع كما �سبق الذك��ر �أعطى اخت�صا�صات للجهة‬
‫تمار�سه��ا في المي��دان االقت�صادي واالجتماعي والثقاف��ي‪ ،‬دون �أن ي�صل �إلى الم�ست��وى ال�سيا�سي بحكم‬
‫م��ا ن�ص��ت عليه المادة الأولى ف��ي فقرتها الأخيرة من من��ع الجهات من التداول ف��ي الق�ضايا ذات الطابع‬
‫ال�سيا�سي (‪.((1‬‬
‫�إال �أن هذه المادة ي�سودها الغمو�ض والتناق�ض في نف�س الوقت‪ ،‬فالم�شرع منع الجهات من التداول في‬
‫الق�ضاي��ا ذات الطاب��ع ال�سيا�سي وا�ستثنى من ذلك الق�ضايا التي تهم م�صلحة الجهة‪ ،‬وهنا قد تكون م�صلحة‬
‫الجهة في الق�ضايا ذات طابع �سيا�سي كعقد اتفاقيات مع دولة �أجنبية تهم الميدان االقت�صادي واالجتماعي‬
‫وبالتال��ي وم��ع اال�ستناد �إلى تلك المادة المذكورة تمنع مثل هذه الق�ضايا‪ .‬فهذا الغمو�ض والتناق�ض يرد �إلى‬

‫((( المادة ‪ 7‬من القانون ‪ 47-96‬المتعلق بتنظيم الجهات‪.‬‬


‫((( المادة ‪ 8‬من القانون ‪ 47-96‬المتعلق بتنظيم الجهات‪.‬‬
‫((( المادة ‪ 9‬من القانون ‪ 47-96‬المتعلق بتنظيم الجهات‪.‬‬
‫‪� ،‬ص‪. .‬‬
‫‪4‬‬ ‫‪2000‬‬ ‫((( محمد بوجيدة‪ ،‬التنظيم الجهوي الالمركزي بالمغرب‪ ،‬مطبعة دار القلم‪ ،‬الرباط‪ ،‬الطبعة الأولى‪ ،‬ماي‬
‫((( المادة ‪ 54‬و‪ 55‬و‪ 56‬من قانون (‪ )47-96‬المنظم للجهة‪.‬‬
‫(‪ ((1‬الم�صطفى معمر‪�« ،‬إكراهات النظام المالي للجهة بالمغرب»‪ ،‬المجلة المغربية للأنظمة القانونية وال�سيا�سية‪ ،‬عدد خا�ص‪،‬‬
‫ال�سنة الرابعة‪ ،‬يونيو ‪� ،2005‬ص‪.174 .‬‬
‫(‪ ((1‬تن�ص المادة الأولى من قانون ‪ 47-96‬على �أنه ‪:‬‬
‫«‪....‬‬
‫ال يجوز للمجل�س الجهوي �أن يتداول في ق�ضايا ذات طابع �سيا�سي �أو خارج عن نطاق الم�سائل التي تهم م�صلحة الجهة‪».‬‬

‫المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية‪ ،‬عدد ‪ ،111‬يوليوز‪ -‬غ�شت ‪2013‬‬


‫‪101‬‬ ‫الجهوية المتقدمة بين �إ�شكالية توزيع االخت�صا�صات ورهان التوازن‬

‫ا�ستعمال الم�شرع عبارة «ذات طابع �سيا�سي» دون �أن يحدد ماذا يق�صد بهذه العبارة في �إطار بع�ض الأمثلة‬
‫�أو تحديد ب�شكل ح�صري الق�ضايا التي يراها ذات طابع �سيا�سي‪ .‬فللخروج من هذا الإ�شكال على الم�شرع‬
‫ا�ستعمال عبارة «ق�ضايا ذات عالقة ب�سيادة الدولة» عو�ض العبارة المذكورة �سابقا‪.‬‬
‫بالإ�ضاف��ة �إلى ذل��ك وفي �إطار الحديث عن �ضع��ف اخت�صا�صات الجهة‪ ،‬ف�إن ه��ذه الأخيرة لم تمنح‬
‫له��ا �صالحية البث في مج��ال القطاع الفالحي والعالم القروي الذي يعتبر م��ن الميادين الأ�سا�سية للتنمية‬
‫الجهوية (‪ .((1‬حيث يتم تبرير ذلك ب�أن هذه المجاالت �إ�ستراتيجية في االقت�صاد الوطني‪ ،‬من ال�سابق لأوانه‬
‫من��ح �صالحي��ة البث فيها للجه��ة‪ ،‬نظرا لقلة تجربتها وعدم توفرها على �أجه��زة خا�صة قادرة على الت�سيير‬
‫والتدبير ب�شكل عقالني (‪.((1‬‬
‫وفي نف�س ال�سياق نجد �أن بع�ض االخت�صا�صات التي يمكن �أن تنقلها الدولة �إلى المجل�س الجهوي ك�إقامة‬
‫و�صيان��ة الم�ست�شفي��ات والثانويات والم�ؤ�س�س��ات الجامعية وتوزيع المنح الدرا�سي��ة وتكوين موظفي و�أطر‬
‫الجماعات الترابية‪ ،‬ثم نقلها بدون تحويل الموارد لذلك االخت�صا�ص‪ ،‬رغم �أن المادة ‪ 8‬مـن القانون ‪47-96‬‬
‫في فقرتها ما قبل الأخيرة تن�ص على �ضرورة وجوب اقتران نقل كل اخت�صا�ص بتحويل موارد له‪.‬‬
‫زي��ادة عل��ى �أنه حتى في المجال المال��ي للجهة نجد �أن بع�ض االخت�صا�ص��ات المتعلقة بتحديد كيفية‬
‫و�ض��ع الر�س��وم �أو الأت��اوى وقواعد تح�صيلها وه��ي اخت�صا�صات جهوي��ة قد تم تقلي�صه��ا ب�شكل كبير‪.‬‬
‫كذل��ك ينطب��ق الأمر على دور الجهة في �إعداد مخطط التنمية االقت�صادية واالجتماعية‪ ،‬حيث نجد دورها‬
‫اال�ست�شاري بدون جدوى نظرا لل�ضعف الحا�صل على م�ستوى م�صالح الإح�صاء الجهوي‪ ،‬ثم غياب الأطر‬
‫المتخ�ص�صة في التخطيط (‪.((1‬‬
‫�أم��ا مج��ال العالقات الدولية الذي ال يبرز فيه �ضعف االخت�صا�ص��ات و�إنما انعدامها‪ ،‬حيث �أنه لم يتم‬
‫التن�صي���ص على �إمكانية التعاون الخارج��ي بين جهات مغربية و�أخرى �أجنبية �أو مع هيئات ومنظمات غير‬
‫حكومية خارجية �سواء تعلق الأمر ب�إبرام عقود �أو اتفاقيات �أو بروتوكوالت �أو تو�أمات (‪.((1‬‬
‫ويطال �ضعف اخت�صا�صات الجهة دور رئي�س المجل�س الجهوي حتى في �أب�سط الأمور‪ ،‬كاال�ضطالع‬
‫بانتظ��ام عل��ى تنفيذ ق��رارات مجل�سه‪ ،‬حيث ي�صعب �إطالع��ه با�ستمرار وجمع المكت��ب لإخباره من قبل‬
‫العام��ل (‪ ،((1‬نظرا للحجم الذي �سيتخ��ذه العمل التنفيذي الذي �سيقوم به ممثل الدولة من جهة وال�سرعة‬
‫التي قد تتطلبها بع�ض الظروف من جهة �أخرى‪.‬‬

‫(‪ ((1‬محمد التكراني‪« ،‬التنظيم الجهوي» ر�سالة لنيل دبلوم الدرا�سات العليا المعمقة في القانون العام‪ ،‬جامعة محمد الخام�س‬
‫كلية العلوم القانونية واالقت�صادية واالجتماعية‪ ،‬الرباط‪�-‬أكدال‪� ،2001-2000 ،‬ص‪.79 .‬‬
‫(‪ ((1‬بنعي�سى �شاكور‪« ،‬ال�سيا�سة الجهوية بالمغرب»‪ ،‬ر�سالة لنيل دبلوم الدرا�سات العليا المعمقة في القانون العام‪ ،‬جامعة‬
‫محمد الخام�س الرباط‪�-‬أكدال‪� ،1999 ،‬ص‪.61.‬‬
‫(‪ ((1‬عبد اهلل الطالبي‪« ،‬ال�سيا�سة الجهوية بالمغرب نموذج ‪ :‬جهة العيون بوجدور» بحث لنيل دبلوم الدرا�سات العليا المعمقة‬
‫جامعة محمد الخام�س كلية العلوم القانونية واالقت�صادية واالجتماعية‪ ،‬الرباط‪�-‬أكدال‪� ،2006-2005 ،‬ص‪.65 .‬‬
‫(‪ ((1‬محمد بوجيدة‪ ،‬التنظيم الجهوي الالمركزي بالمغرب‪ ،‬مرجع �سابق‪� ،‬ص‪.35 .‬‬
‫(‪ ((1‬المادة ‪ 45‬من قانون ‪.47-96‬‬

‫المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية‪ ،‬عدد ‪ ،111‬يوليوز‪ -‬غ�شت ‪2013‬‬


‫عادل تميم‬ ‫‪102‬‬

‫ثانيا‪ :‬مكانة الوالي مظهر لعدم توازن االخت�صا�صات بين الجهة والدولة‬
‫تتمي��ز «م�ؤ�س�سة الوالي» بمكانة متميزة حيث نال��ت اهتمام د�ستوري بينما تُرك تنظيم الجهة للم�شرع‬
‫العادي رغم �أهميتها‪ ،‬وذلك ما يظهر من خالل‪:‬‬
‫�أ ‪ -‬ثقل ح�ضور الوالي في الجهة‬
‫�إذا كان المجل�س الجهوي يملك �سلطات تقريرية‪ ،‬ف�إنه يجب الت�أكيد على �أن ممار�سة هذه ال�صالحيات‬
‫تت��م تحت �إ�شراف مبا�شر وتدخل قوي من طرف �سلطة الو�صاية تمار�س ب�أدوات و�أ�ساليب متعددة‪ ،‬ت�ؤدي‬
‫�إلى �إ�ضعاف قدرة المجل�س الجهوي‪ ،‬والإبقاء عليه في تبعية دائمة لل�سلطة الإدارية (‪.((1‬‬
‫ف�ضال عن ذلك فالم�شرع تجنب مبد�أ اال�ستقاللية الذي يجب �أن تتمتع به الجهات على م�ستوى الهيئة‬
‫التنفيذي��ة‪ ،‬واختار بذال من ذلك مب��د�أ «ثنائية الر�أ�س» ‪ ((1( Bicéphalisme‬حيث �أنه جعل الجهاز التنفيذي‬
‫للجهة يتقا�سمه رئي�س الجهة والوالي (‪ ((1‬ف�إقرار االزدواجية التنفيذية للجهة ب�إ�شراك الوالي (ممثل ال�سلطة‬
‫المركزية) في العمل التنفيذي لالخت�صا�صات الجهة �إلى جانب رئي�س المجل�س الجهوي (‪ ،((2‬يطرح عدة‬
‫�إ�شكاليات كبرى‪ ،‬خ�صو�صا فيما يتعلق بتنفيذ القرارات ال�صادرة عن المجل�س الجهوي بعد الموافقة عليها‬
‫من طرف �سلطة الو�صاية‪� ،‬إذ ال يتوفر المجل�س على و�سائل ي�ستعملها من �أجل ال�ضغط على الوالي لت�سريع‬
‫من تنفيذ تلك المداوالت الم�صادق عليها (‪ .((2‬ويزداد نفوذ الوالي في عدة مجاالت حيوية في ظل افتقار‬
‫الإدارة الجهوية �إلى �آليات و�إمكانيات تحد من ذلك النفوذ‪.‬‬
‫كم��ا منح القانون الوالي رئا�س��ة اللجنة الم�شتركة بين الجهات ب�صفة الآم��ر بال�صرف بالن�سبة لميزانية‬
‫ه��ذه الهيئ��ة‪ ،‬مع �أن من الطبيع��ي �أن يكون رئي�س مجل�س جه��وي هو الرئي�س لتلك الهيئ��ة‪ ،‬ف�ضال عن �أن‬

‫(‪ ((1‬الم�صطفى معمر‪ ،‬مرجع �سابق‪� ،‬ص‪.172 .‬‬


‫(‪ ((1‬محمد اليعكوبي‪« ،‬العالقة بين الجهة والدولة على �ضوء القانون رقم ‪« ،»47-96‬ت�أمالت حول الديمقراطية المحلية‬
‫بالمغرب»‪ ،‬مطبعة المعارف الجديدة الرباط‪ ،‬الطبعة الثانية‪� ،2008 ،‬ص‪.115 .‬‬
‫(‪ ((1‬محمد يحيا‪« ،‬المغرب الإداري»‪ ،‬مطبعة ا�سبارطيل طنجة‪ ،‬الطبعة الثالثة‪� ،2004-2003 ،‬ص‪.248 .‬‬
‫(‪ ((2‬ين�ص الف�صل ‪ 145‬من الد�ستور الجديد ل�سنة ‪ 2011‬على �أنه‪:‬‬
‫«يمثل والة الجهات وعمال الأقاليم والعماالت‪ ،‬ال�سلطة المركزية في الجماعات الترابية‪.‬‬
‫يعمل الوالة والعمال‪ ،‬با�سم الحكومة على ت�أمين تطبيق القانون‪ ،‬وتنفيذ الن�صو�ص التنظيمية للحكومة ومقرراتها‪ ،‬كما‬
‫يمار�سون المراقبة الإدارية‪.‬‬
‫ي�ساعد الوالة والعمال ر�ؤ�ساء الجماعات الترابية‪ ،‬وخا�صة ر�ؤ�ساء المجال�س الجهوية‪ ،‬على تنفيذ المخططات والبرامج‬
‫التنموية‪.‬‬
‫يقوم الوالة والعمال‪ ،‬تحت �سلطة الوزراء المعنيين‪ ،‬بتن�سيق �أن�شطة الم�صالح الالممركزة للإدارة المركزية‪ ،‬وي�سهرون على‬
‫ح�سن �سيرها»‪.‬‬
‫(‪ ((2‬محمد اليعكوبي‪ ،‬مرجع �سابق‪� ،‬ص‪.117.‬‬

‫المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية‪ ،‬عدد ‪ ،111‬يوليوز‪ -‬غ�شت ‪2013‬‬


‫‪103‬‬ ‫الجهوية المتقدمة بين �إ�شكالية توزيع االخت�صا�صات ورهان التوازن‬

‫الق��رارات الت��ي يخول �أمر الت�صويت عليه��ا �إلى الإدارة الجهوية المنتخبة �إنم��ا يجري �إعدادها من طرف‬
‫�سلطة الوالي‪.‬‬
‫وي��زداد و�ض��وح هذا الالتكاف�ؤ والالتوازن في هذه العالقة عن��د مقارنتها حتى بدول يتم اعتبارها غير‬
‫متقدم��ة ف��ي ال�ش�أن الجهوي كفرن�سا مثال حيث تتميز فيها طبيعة تواجد الدولة داخل الجهـة ب�سمو تنظيـم‬
‫هذه الأخيرة‪ ،‬عبر ما قامت به حكومة ‪ Rocard‬لإعطاء نف�س جديد لالمركزية‪ ،‬حيث تمت الم�صادقة على‬
‫قانون ‪ 6‬فبراير ‪ 1992‬الذي بموجبه تم ح�صر وظائف ممثل الدولة ‪ Le Préfet‬في ‪:‬‬
‫‪ -‬تطبيق ال�سيا�سة الوطنية الأوربية على ال�صعيد الجهوي‪.‬‬
‫‪� -‬إنعا�ش �سيا�سة التن�شيط والتن�سيق مع باقي الفاعلين في المجال البيئي والثقافي‪.‬‬
‫‪ -‬قرارات ممثل الدولة ‪ Le Préfet‬يجب �أن تكون متطابقة مع التوجهات الجهوية (‪.((2‬‬
‫فالعالقة في المغرب بين الوالي ب�صفته ممثل الدولة والجهة‪ ،‬ما زالت تعرف اختالال في توزيع ال�سلطة‬
‫ل�صالح الوالي‪ ،‬وتزداد هذه العالقة اختالال بممار�سة و�صاية �صارمة على الجهات‪.‬‬
‫ب ‪� -‬صرامة الو�صاية‬
‫�إن الهدف الأ�سا�سي والحقيقي من رقابة ال�سلطة المركزية على الجماعات الترابية في نظام الالمركزية‪،‬‬
‫�إنم��ا هو �ضمان ح�سن �إدارة المرافق والم�شروع��ات العامة والمحلية والعمل على وحدة االتجاه الإداري‬
‫للدول��ة‪ .‬و�أما حماي��ة الوحدة ال�سيا�سية للدولة فلي���س �إال تبريرا من الحكومة المركزي��ة لتو�سيع ال�سلطات‬
‫الرقابي��ة‪ ،‬وزي��ادة تدخلها في ال�ش�ؤون المحلي��ة وت�ضييق ا�ستقالل الهيئات المحلي��ة‪ ،‬وبالتالي يفقد النظام‬
‫الالمركزي الجهوي معناه الحقيقي وغر�ض وجوده (‪.((2‬‬
‫فالإ�شكالي��ة ال تنح�ص��ر في وج��ود الو�صاية في حد ذاتها ك�أداة للمراقب��ة والتتبع‪ ،‬بل تتعداها �إلى مدى‬
‫وكيفي��ة تطبي��ق ه��ذه الو�صاية التي تتجلى ف��ي مظهرين بارزي��ن‪ ،‬المظهر الأول يمار�س عل��ى الأ�شخا�ص‬
‫والأجه��زة م��ن حيث الع��زل والتوقيف‪� ،‬أما المظهر الثان��ي فيمار�س على الأعمال ال�ص��ادرة عن الأجهزة‬
‫الالمركزية (‪.((2‬‬
‫وبالتال��ي تك��ون الو�صاي��ة على الأعمال تن�ص��ب �أوال على م�شروعي��ة التدبير المتخ��ذ على الم�ستوى‬
‫المحل��ي ومطابقتها للقواني��ن التنظيمية‪ ،‬وثانيا على مالءمة هذه التدابي��ر ال�سيا�سة المركزية‪ ،‬وهو ما يمنح‬
‫لممثلي الدولة �سلطة تقديرية وا�سعة تقلل من ا�ستقاللية الجماعات الترابية‪.‬‬

‫(‪ ((2‬خالد الغازي‪« ،‬التنظيم الجهوي بفرن�سا»‪ ،‬المجلة المغربية للأنظمة القانونية وال�سيا�سية‪ ،‬عدد خا�ص‪ ،‬ال�سنة الرابعة‪،‬‬
‫يونيو ‪� ،2005‬ص‪.8 .‬‬
‫(‪ ((2‬محمد الهماوندي‪ ،‬الحكم الذاتي والنظم الالمركزية الإدارية وال�سيا�سية‪ :‬درا�سة مقارنة‪ ،‬مطبعة دار الم�ستقبل العربي‪،‬‬
‫الطبعة الأولى‪� ،‬ص‪.134 .‬‬
‫(‪ ((2‬مليكة ال�صروخ‪ ،‬القانون الإداري‪ :‬درا�سة مقارنة‪ ،‬مطبعة النجاح الجديدة‪ ،‬الدار البي�ضاء‪ ،‬الطبعة الثانية �سنة ‪،1996‬‬
‫�ص‪.183 .‬‬

‫المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية‪ ،‬عدد ‪ ،111‬يوليوز‪ -‬غ�شت ‪2013‬‬


‫عادل تميم‬ ‫‪104‬‬

‫وبخ�صو���ص الجه��ة وبموجب المادة ‪ 41‬م��ن قانون (‪ )47-96‬فكل �أعمال ومق��ررات المجل�س ذات‬
‫الطابع المالي ال تقبل التنفيذ �إال بعد الم�صادقة ال�صريحة عليها من طرف �سلطة الو�صاية (‪ ،((2‬داخل �أجل‬
‫‪ 30‬يوم��ا من تاريخ �إحالتها عليه��ا‪ ،‬وفي حالة الرف�ض يحيل المجل�س الجهوي داخل �أجل ‪� 8‬أيام من تاريخ‬
‫التبليغ الأمر �إلى المحكمة الإدارية (‪.((2‬‬
‫فم��ن خالل هذه المادة ُي�ست�شف مدى ثق��ل الو�صاية على المجل�س الجهوي‪ ،‬زيادة على عدم التوازن‬
‫حتى في مدة الرد على‪� /‬أو الطعن في المقررات المالية الجهوية‪� ،‬إذ المدة المخولة ل�سلطة الو�صاية في الرد‬
‫على تلك المقررات تفوق المدة القانونية للمجل�س الجهوي في الطعن فيها‪.‬‬
‫كم��ا �أن ل�سلطة الو�صاية الحق في �أن تعتر�ض عل��ى تطبيق مقررات المجل�س الجهوي وت�ؤخر دخولها‬
‫حي��ز التنفي��ذ‪ ،‬وذلك باللجوء �إلى م�سطرة القراءة الثانية (‪ ((2‬التي يتم اللجوء �إليها غالبا في المجال المالي‪،‬‬
‫خا�ص��ة فيم��ا يتعلق بالم�صادقة على الح�ساب‪ ،‬حيث يترتب عن الرف�ض الثاني عقب القراءة الجديدة �إحالة‬
‫الح�ساب على المجل�س الجهوي للح�سابات‪ .‬وهذا ما ي�شكل امتيازا �إ�ضافيا تتمتع به �سلطة الو�صاية خا�صة‬
‫و�أن �سلطتها التقديرية وا�سعة في هذا المجال‪.‬‬
‫وتتجل��ى �أق�ص��ى �صورة للو�صاية المركزية في حالة �إجراء الحلول والتي بموجبها يحق ل�سلطة الو�صاية‬
‫القي��ام ب�أعمال ومهام المجل���س الجهوي‪ ،‬كما ويزيد من ثقل الو�صاية الغمو�ض الذي يكتنف المقت�ضيات‬
‫المتعلقة بها على الأ�شخا�ص في قانون الجهة‪ ،‬ذلك �أنه لم يو�ضح �أ�سباب �أو �ضوابط ممار�سة �سلطة التوقيف‬
‫�س��واء بالن�سبة لأع�ضاء المكتب �أو الم�ست�شارين �أو المجل���س ككل‪ .‬ونف�س ال�شيء بالن�سبة لحل المجل�س‪،‬‬
‫مم��ا يت��رك �سلطة تقديرية وا�سع��ة ل�سلطة الو�صاية لتحدي��د الأفعال التي يمكن �أن تب��رر كل �إجراء و�صائي‬
‫ت�أديب��ي (‪ ،((2‬فالو�صاي��ة بال�شكل المعمول به حالي��ا تطرح الت�سا�ؤل عن الجدوى م��ن الإقرار الد�ستوري‬
‫بالف�صل ‪ 135‬على التدبير الديمقراطي لل�ش�ؤون المحلية من قبل مجال�س منتخبة (‪.((2‬‬
‫ه��ذا الت�سا�ؤل يطرح ت�سا�ؤال �أعمق منه وهو‪ ،‬ه��ل �آن الأوان فعال لال�ستغناء عن نظام الو�صاية واالرتقاء‬
‫�إلى م�ستوى ا�ستبداله بالرقابة الق�ضائية ال�صرفة؟‬
‫ففي فرن�سا وكما تمت الإ�شارة �إلى رغم �أن الجهوية فيها ال ترقى �إلى الجهوية ال�سيا�سية كما هو ال�ش�أن‬
‫ب�إ�سبانيا و�إيطاليا قد �ألغت نظام الو�صاية الإدارية بعد م�سيرة تاريخية‪ ،‬حيث تم اعتبار الرقابة الق�ضائية رقابة‬
‫محكمة ودقيقة (‪.((3‬‬

‫(‪ ((2‬المادة ‪ 41‬من القانون ‪.47-96‬‬


‫(‪ ((2‬المادة ‪ 43‬من القانون ‪.47-96‬‬
‫(‪ ((2‬المادة ‪ 42‬من نف�س القانون ال�سابق‪.‬‬
‫(‪ ((2‬محمد بوجيدة‪ ،‬التنظيم الجهوي الالمركزي بالمغرب‪ ،‬مرجع �سابق‪� ،‬ص‪.40 .‬‬
‫(‪ ((2‬محمد اليعكوبي‪« ،‬الالمركزية الجماعية و�إ�شكالية و�صاية المالءمة في المغرب»‪ ،‬مجلة القانون والإقت�صاد‪ ،‬كلية‬
‫الحقوق‪ ،‬فا�س‪ ،‬العدد ‪� ،5‬ص‪.127 .‬‬
‫(‪ ((3‬عالي لمجد‪« ،‬تطور تنظيم الجهة بالمغرب من الإطار االقت�صادي �إلى المدلول ال�سيا�سي «ر�سالة لنيل دبلوم الدرا�سات العليا‬
‫في القانون العام‪ ،‬جامعة الح�سن الثاني‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالقت�صادية واالجتماعية‪ ،‬البي�ضاء‪� ،1999-1998 ،‬ص‪.267.‬‬

‫المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية‪ ،‬عدد ‪ ،111‬يوليوز‪ -‬غ�شت ‪2013‬‬


‫‪105‬‬ ‫الجهوية المتقدمة بين �إ�شكالية توزيع االخت�صا�صات ورهان التوازن‬

‫فالم�ش��رع الفرن�س��ي عمل على �إلغ��اء الو�صاية القبلية على مق��ررات المجال�س الجهوي��ة‪ ،‬وتعوي�ضها‬
‫بالرقاب��ة البعدي��ة المتمثلة في الرقابة الق�ضائية‪ .‬وبذلك تك��ون فرن�سا قد خطت خطوات مهمة نحو تحرير‬
‫الجهة من القيود القانونية (‪.((3‬‬
‫�إال �أن عالق��ة الدول��ة بالجهة في المغرب ات�سمت ومازالت تت�سم بالمبالغة في �أ�شكال الرقابة والو�صاية‬
‫وتع��دد �أنماطها وط��رق ممار�ستها وكثرة المتدخلين ف��ي القيام بها ورجاحة الرقاب��ة ذات الطابع القبلي‪،‬‬
‫ال�شيء الذي يجعل من اخت�صا�صات المجال�س الجهوية اخت�صا�صات �شكلية و�صورية‪ ،‬خ�صو�صا و�أن هذه‬
‫االخت�صا�صات تتميز بالغمو�ض وال�ضبابية‪ ،‬الأمر الذي ي�ؤدي �إلى تنازع وتداخل تلك االخت�صا�صات‪ ،‬مما‬
‫يزيد من اختالل العالقة بين الجهة والدولة‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬تداخل وتنازع االخت�صا�صات بين الجهة والدولة‬


‫م��ن خالل تفح���ص االخت�صا�صات الجهوية تت�ضح طبيع��ة ال�صالحيات التي منحه��ا الم�شرع العادي‬
‫لفائ��دة الهيئ��ة التقريري��ة الجهوية‪ ،‬حيث يبرز غمو�ض وع��دم و�ضوح هذه المقت�ضي��ات‪ ،‬التي المفرو�ض‬
‫فيه��ا �أن تحف��ز العمل الجهوي و�أن ت�شكل الأدوات القانونية لتحقيق هدف الق�ضاء على الفوارق الجهوية‬
‫وتحقيق التنمية االقت�صادية واالجتماعية مندمجة ومتوازنة بجميع الجهات (‪.((3‬‬
‫ف�إ�شكالي��ة تداخ��ل االخت�صا�ص��ات بين الجه��ة والدولة ظاهرة لي�س��ت حديثة العهد ب��ل يمكن اعتبار‬
‫ظهوره��ا من��ذ �صدور ظهير ‪ 16‬يوني��و ‪ 1971‬الخا�ص بالجهات االقت�صادية‪ ،‬غي��ر �أن حجم التداخل عرف‬
‫ات�ساعا و�أبعادا �أو�سع بعد تطبيق قانون ‪ 47-96‬المتعلق بتنظيم الجهات حيث عرفت ظاهرة التداخل ات�ساعا‬
‫وتعقي��دا كبيرين �أ�ضحى ي�ستدعي اعتم��اد تدابير و�إ�صالحات وا�سعة من �أجل �أن يكون للجهة والدولة كل‬
‫واحد منها توجه وا�ضح في المجاالت المختلفة‪ ،‬بحيث ُيعرف بال�ضبط دور الجهة وق�ضاياها‪ .‬ومع تو�ضيح‬
‫هذا التوجه ي�صبح من ال�سهل م�ساءلتها على مدى تحقيقها للأهداف التي �أحدثت من �أجلها‪.((3( ‬‬
‫فال�ضبابي��ة والغمو���ض ف��ي التن�صي���ص القانون��ي �أدى ف��ي واق��ع الأم��ر �إل��ى تداخ��ل االخت�صا�صات‬
‫والأدوار (‪ ،((3‬بين الجهة والدولة‪ ،‬بمختلف �أجهزتها وبالتالي عدم تحديد الم�س�ؤوليات وت�شتيت جهود‬
‫التنمية‪ ،‬وال �شك �أن ثمة عوامل متعددة لتف�سير تداخل االخت�صا�صات بين الجهة والدولة‪.‬‬

‫(‪ ((3‬خالد الغازي‪ ،‬التنظيم الجهوي بفرن�سا‪ ،‬مرجع �سابق‪� ،‬ص‪.88 .‬‬
‫(‪ ((3‬عبد الواحد مبعوث‪ ،‬مرجع �سابق‪� ،‬ص‪.351.‬‬
‫(‪ ((3‬محمد بوجيدة‪« ،‬تداخل االخت�صا�صات بين الدولة والجماعات المحلية بين القانون والممار�سة»‪ ،‬من�شورات المجلة‬
‫المغربية للإدارة المحلية والتنمية‪� ،‬سل�سلة “م�ؤلفات و�أعمال جامعية”‪ ،‬عدد ‪� ،78‬ص‪.23 .‬‬
‫(‪ ((3‬عبد اهلل الطالبي‪ ،‬مرجع �سابق‪� ،‬ص‪.67 .‬‬

‫المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية‪ ،‬عدد ‪ ،111‬يوليوز‪ -‬غ�شت ‪2013‬‬


‫عادل تميم‬ ‫‪106‬‬

‫�أوال‪� :‬أ�سباب تداخل االخت�صا�صات بين الجهة والدولة‬


‫تع��د الطريقة المعتمدة في تحديد وتوزيع االخت�صا�ص��ات في الت�شريعات الأ�سا�سية بين الجهة والدولة‬
‫م��ن �أه��م الأ�سباب الكامنة وراء ه��ذا التداخل‪ ،‬فالم�ش��رع المغربي يعتمد �أ�سلوب توزي��ع االخت�صا�صات‬
‫وتحديده��ا يقوم على ال�صيغة العامة في التن�صي�ص على اخت�صا�ص كل جماعة عمومية على حدة والمتمثلة‬
‫في ال�سماح لها بالتداول في عدة ق�ضايا‪.‬‬
‫فه��ذه الت�شريع��ات الأ�سا�سية المنظمة للجه��ة ي�سودها نوع من ال�ضبابية‪ ،‬وذل��ك ال�ستعمال �صيغ عامة‬
‫وف�ضفا�ض��ة للتعبي��ر ع��ن اخت�صا�صاتها م��ع �ضرب �أمثلة ع��ن بع�ضها‪ ،‬والت��ي وردت متفرقة ف��ي كثير من‬
‫المقت�ضيات القانونية والتنظيمية‪.‬‬
‫فقانون الجهة ي�ستعمل عبارات ف�ضفا�ضة مثل «الم�ساهمة في التنمية االقت�صادية واالجتماعية»‪ ،‬وعبارة‬
‫«البث في ق�ضايا الجهة» (‪ .((3‬ومعنى ذلك �أن المجل�س الجهوي يمكنه �أن يعتبر كل �ش�أن �أو ق�ضية داخلة‬
‫ف��ي نط��اق اخت�صا�صات��ه وال ي�سوغ بتاتا ت�صغير دائ��رة تدخله في حقول التنمي��ة المختلفة لأي �سبب كان‬
‫ما‪ ‬عدا في حالة الن�ص ال�صريح المانع لذلك‪.‬‬
‫وبالتالي تبقى الجهة ا�ستنادا �إلى المقت�ضى العام لالخت�صا�ص يمكنها �أن ت�ضطلع بكل �شيء وتف�صل في‬
‫كل �ش��يء مما يعني تداخل اخت�صا�صاتها وت�شابكها مع اخت�صا�صات الدولة والم�ؤ�س�سات العمومية ناهيك‬
‫ع��ن تدخل ال��وزارات المختلفة والمندوبيات التابعة لها في مختلف المج��االت التي تعود �إلى الجهات‪،‬‬
‫ال�شيء الذي ي�ؤدي �إلى ازدواجية وت�ضارب في االخت�صا�صات (‪.((3‬‬
‫فبالرجوع �إلى المادة ‪ 7‬من قانون ‪ 47-96‬نالحظ عدة عبارات ف�ضفا�ضة مثل‪:‬‬
‫‪ -‬القيام بجميع الأعمال الالزمة والكفيلة بتحفيز و�إنعا�ش وت�شجيع اال�ستثمارات‪.‬‬
‫‪ -‬اعتماد جميع التدابير المتعلقة بالتكوين المهني‪.‬‬
‫‪ -‬القيام بالأعمال الالزمة لإنعا�ش الت�شغيل‪.‬‬
‫‪ -‬اعتماد التدابير الرامية �إلى حماية البيئة‪.‬‬
‫‪ -‬القيام بجميع الأعمال الالزمة لإنعا�ش الريا�ضة والثقافة والعمل ذي الطابع �إن�ساني‪.‬‬
‫وهكذا يتبين من خالل هذه التعبيرات مدى عموميتها و�شموليتها‪ ،‬حيث تعني القيام بكل �شيء في كل‬
‫ميدان تعلقت به‪ .‬و�إلى جانب هذه العمومية في التن�صي�ص (‪ ،((3‬هناك ت�شابكا كبيرا في هذه االخت�صا�صات‬
‫مع ما تتمتع به باقي الأ�صناف الأخرى من الجماعات الترابية‪ .‬وهذا الت�شابه يبرره وزير الداخلية في �إحدى‬
‫دورياته �إلى والة الجهات �أنه ال يعد عائقا في حد ذاته ما دامت العملية التنموية ال�شاملة والمندمجة تقت�ضي‬

‫(‪ ((3‬محمد اليعكوبي‪ ،‬مرجع �سابق‪� ،‬ص‪.106 .‬‬


‫(‪ ((3‬عبد اهلل الطالبي‪ ،‬مرجع �سابق‪� ،‬ص‪.68 .‬‬
‫(‪ ((3‬عبد الواحد مبعوث‪ ،‬مرجع �سابق‪� ،‬ص‪.353 .‬‬

‫المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية‪ ،‬عدد ‪ ،111‬يوليوز‪ -‬غ�شت ‪2013‬‬


‫‪107‬‬ ‫الجهوية المتقدمة بين �إ�شكالية توزيع االخت�صا�صات ورهان التوازن‬

‫تدخ��ل الوح��دات الترابية في كل مجاالت ه��ذه التنمية‪ ،‬و�إنما ي�صبح عائقا عند ع��دم تن�سيق وتكامل في‬
‫الر�ؤى والتدخالت (‪.((3‬‬
‫والخال�ص��ة �أن المقت�ض��ى الع��ام لالخت�صا���ص م�ؤ�س���س على فكرة الق�ضاي��ا المحلية الت��ي تقوم عليها‬
‫الالمركزي��ة الإداري��ة الترابية‪ ،‬وهي فكرة ف�ضفا�ضة وعامة ي�صعب تحدي��د مدلولها بالن�سبة لكل �صنف من‬
‫الجماعات الترابية‪.‬‬
‫ف�ضال عن عمومية االخت�صا�صات هناك عامل تق�صير الم�شرع الذي لم يقم ب�إ�صدار القوانين التي تو�ضح‬
‫بج�لاء ح��دود تدخل وم�س�ؤوليات كل طرف وذلك للحد من �سلطة الو�صاية في تف�سيراتها الخت�صا�صات‬
‫الهيئات الجهوية لفائدة ممثلي الدولة‪.‬‬
‫كم��ا �أن ال�سلط��ة التنظيمي��ة بدورها لم تنه���ض بما عليها ب�إ�ص��دار الن�صو�ص التنظيمي��ة الالزمة‪� ،‬سواء‬
‫المتعلق��ة بتنفيذ القوانين �أو غيرها‪ ،‬بالإ�ضافة �إلى عدم �إلم��ام المنتخب بالن�صو�ص القانونية الخا�صة بتدبير‬
‫ال�ش�ؤون المحلية نظرا ل�ضعف تكوينه من جهة وت�شتت تلك الن�صو�ص القانونية من جهة �أخرى‪.‬‬
‫�إن هذه الأ�سباب مجتمعة ت�ؤدي �إلى ت�أثيرات �سلبية على عدة مجاالت مرتبطة بعالقة الجهة بالدولة مما‬
‫ي�شكل عائقا �أمام توازن هذه العالقة‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬نتائج تداخل وتنازع االخت�صا�ص بين الجهة والدولة‬


‫م��ن النتائ��ج ال�سلبية لتداخل االخت�صا�ص��ات بين الجهة والدول��ة‪� ،‬صعوبة تحديد الم�س���ؤول ومن تم‬
‫الم�س�ؤولي��ة عن �إنجاز معي��ن‪ .‬فغياب تحديد الم�س�ؤول وبالتالي الم�س�ؤولية يعن��ي تغييب �أكبر دعامة تنبني‬
‫عليها الديمقراطية‪� ،‬أال وهي الم�ساءلة والمحا�سبة في جو من ال�شفافية والو�ضوح‪.‬‬
‫وت��زداد الأم��ور �صعوبة في تحديد الم�س�ؤولية في بع�ض الحاالت الت��ي يتم فيها �إنجاز م�شاريع من قبل‬
‫ع��دة جهات (تمويالت مختلطة)‪ ،‬الأمر الذي ي���ؤدي �إلى �ضياع حقوق كثيرة قد ت�ضيع في غياب تحديد‬
‫الجه��ة المخت�ص��ة‪ .‬فقد ينج��ز م�شروع‪ ،‬تتدخل فيه ع��دة جهات ثم في حالة نزاع حول��ه ي�صعب تحميل‬
‫الم�س�ؤولية للطرف المخت�ص‪.‬‬
‫كم��ا يترت��ب على ذل��ك �صعوبة معرف��ة الجهة التي تمل��ك البناي��ات والتجهيزات بالن�سب��ة للم�شاريع‬
‫المختلفة التي تنجزه��ا كالمدار�س والم�ستو�صفات والقناطر والمن�ش�آت المختلفة‪ .‬وتزداد الم�س�ألة تعقيدا‬
‫ف��ي حالة التموي�لات المختلطة ‪ Financements mixtes‬التي ت�ساهم فيه��ا مختلف الوحدات وربما الدولة‬
‫دون تحدي��د الجه��ة المالكة‪ ،‬حيث يتم ع��ادة انجاز الم�شروعات الممولة ب��دون �إطار قانوني تو�ضح فيه‬

‫(‪ ((3‬دورية من وزير الداخلية �إلى والة الجهات وعمال العماالت و�أقاليم المملكة حول تو�ضيح وتدقيق االخت�صا�صات الذاتية‬
‫المخولة للجماعات المحلية بتاريخ ‪� 18‬أكتوبر ‪ ،2004‬رقم ‪.134‬م‪.‬‬

‫المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية‪ ،‬عدد ‪ ،111‬يوليوز‪ -‬غ�شت ‪2013‬‬


‫عادل تميم‬ ‫‪108‬‬

‫ملكية التجهيزات والعقارات‪ .‬ويترتب عن ذلك �ضياع ممتلكات كثيرة وترك عقارات وغيرها في و�ضعية‬
‫مبهمة غير م�صنفة في دائرة �أمالك �أي طرف‪.‬‬
‫�إال �أن��ه تبقى �أكبر الت�أثيرات لم�س�ألة تداخ��ل وت�ضارب االخت�صا�صات تلك التي تعك�س �سلبا على تنمية‬
‫قطاعات معين��ة‪ ،‬وبالتالي على التنمية االقت�صادية واالجتماعية عامة‪ .‬فعدم و�ضوح االخت�صا�صات يت�سبب‬
‫في هدر الطاقات المادية والمالية ومعاودة �إنجاز نف�س الم�شاريع من قبل الجماعات الترابية والم�ؤ�س�سات‬
‫العمومية المختلفة‪.‬‬
‫فالتنمية ت�ستلزم تو�ضيح كافة االخت�صا�صات والإمكانيات المر�صودة لها وعالقات التعاون بين الجهة‬
‫والدولة‪ ،‬لأنه في غياب تو�ضيح االخت�صا�صات ي�صعب بل ي�ستحيل تقييم مجهودات الجهة (‪.((3‬‬
‫بالإ�ضاف��ة �إل��ى ذلك ي���ؤدي الغمو�ض والإبهام ف��ي بع�ض الن�صو���ص القانونية �إلى �إ�شكالي��ات قانونية‬
‫كالمادة ‪ 15‬من قانون الجهة (‪ ((4‬والتي تعرف تناق�ضا‪� ،‬إذ تلزم هذه المادة رئي�س المجل�س ونوابه بموا�صلة‬
‫مزاولة مهامهم حتى بعد قبول ا�ستقالتهم االختيارية �إلى �أن يتم تن�صيب خلفهم‪ .‬والنتيجة لذلك �أن القرارات‬
‫التي �سيتخذونها بعد ذلك غير �شرعية لإخاللها بقاعدة االخت�صا�ص الزمني (‪.((4‬‬
‫ف�ض�لا ع��ن �أن ممار�س��ة الو�صاية على �أعم��ال الهيئات المنتخب��ة وخا�صة البطالن والحل��ول تعد �شبه‬
‫م�ستحيل��ة ويظه��ر ذلك جليا من خ�لال المادتين ‪ 45‬و‪ 47‬من القانون المنظم للجه��ة‪� ،‬إذ �أن المادة ‪ 45‬من‬
‫القان��ون المنظ��م للجهة تعتب��ر �أن القرارات المتعلق��ة بمو�ضوع خارج عن نط��اق اخت�صا�صات المجل�س‬
‫الجهوي �أو المتخذة خالفا للن�صو�ص الت�شريعية �أو التنظيمية الجاري بها العمل‪ ،‬تعد باطلة بحكم القانون‬
‫وبالتال��ي في ظل عدم و�ضوح الح��دود الفا�صلة والمبررة الخت�صا�صات الجهة ي�صعب تطبيق المقت�ضيات‬
‫ال�سالفة ذكرها‪.‬‬
‫نف�س الأمر بالن�سبة لو�صاية الحلول (‪� ،((4‬إذ ي�صعب ممار�ستها في الوقت الذي تتميز فيه اخت�صا�صات‬
‫رئي�س الجهة بعدم التحديد الدقيق والو�ضوح الكافي‪.‬‬

‫(‪ ((3‬محمد اليعكوبي‪ ،‬مرجع �سابق‪� ،‬ص‪.119 .‬‬


‫(‪ ((4‬تن�ص المادة ‪ 15‬من قانون ‪ 47-96‬المنظم للجهات على �أنه ‪:‬‬
‫«يوجه الرئي�س �أو نواب الرئي�س ا�ستقالتهم االختيارية �إلى وزير الداخلية بوا�سطة عامل العمالة �أو الإقليم مركز الجهة وي�سري �أثرها‬
‫ابتداء من �إعالن وزير الداخلية عن قبولها �أو – عدم القبول – بعد مرور �شهر واحد على توجيه اال�ستقالة من جديد في ر�سالة م�ضمونة‬
‫الو�صول‪.‬‬
‫يوا�صل الرئي�س ونواب الرئي�س الم�ستقيلون مزاولة مهامهم �إلى �أن يتم تن�صيب خلفهم»‪.‬‬
‫(‪ ((4‬محمد بوجيدة‪« ،‬التنظيم الجهوي الالمركزي بالمغرب»‪ ،‬مرجع �سابق‪� ،‬ص‪.40 .‬‬
‫(‪ ((4‬تن�ص المادة ‪ 57‬من قانون ‪ 47-96‬المنظم للجهات على �أنه ‪�« :‬إذا رف�ض رئي�س المجل�س الجهوي القيام بالأعمال الواجبة‬
‫عليه بمقت�ضى القانون �أو امتنع عن القيام بها جاز لعامل العمالة �أو الإقليم مركز الجهة‪ ،‬بعد التما�سه منه الوفاء بواجبه‪ ،‬القيام‬
‫بها ب�صفة تلقائية”‪.‬‬

‫المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية‪ ،‬عدد ‪ ،111‬يوليوز‪ -‬غ�شت ‪2013‬‬


‫‪109‬‬ ‫الجهوية المتقدمة بين �إ�شكالية توزيع االخت�صا�صات ورهان التوازن‬

‫وعلي��ه‪ ،‬ف���إن الجهة تعاني من �ضعف في االخت�صا�صات التي تزداد حدتها نتيجة عدة معيقات في �إطار‬
‫عالقاتها بالدولة‪ ،‬حيث تمتلك هذه الأخيرة من الو�سائل الرقابية والتدخلية �سواء الت�أثير على �أع�ضاء �أجهزتها‬
‫�أو مقرراته��ا‪ ،‬ما يجعل الجهة في و�ضعية تبعية واختالل دائم لتوازن االخت�صا�صات بينهما‪ .‬اختالل يعمقه‬
‫غمو�ض و�ضبابية االخت�صا�صات الناتجة عن �أ�سلوب التوزيع الذي يعتمد العمومية في التن�صي�ص‪.‬‬
‫ف�إلى متى �سي�ستمر هذا الالتوازن والالتكاف ؤ� بين الجهة والدولة؟ خ�صو�صا و�أن المغرب دخل في ور�ش‬
‫تحديث وتطوير الجهوية‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬الجهوية المتقدمة و�إعادة ر�سم عالقة جديدة مع الدولة‬


‫�إن عملي��ة البح��ث عن عالقة متوازنة ف��ي االخت�صا�صات بين الجهة والدولة‪ ،‬عملي��ة دقيقة‪� .‬إذ �أنه من‬
‫العب��ث االن�سي��اق والت�س��رع في من��ح االخت�صا�ص��ات للجهة‪ ،‬بغية تحقي��ق الت��وازن دون �أن تكون هناك‬
‫�إ�ستراتيجي��ة وا�ضح��ة المعالم ت�ستند على مرتكزات قوية‪ ،‬ت�ضمن تفعي��ل جهوية م�ستقبلية �أكثر اتزانا و�أكثر‬
‫تر�سخ��ا‪� ،‬آخذة بعين االعتبار الظروف الراهنة بنظرة ت�شخي�صية مع اعتماد ر�ؤية ا�ست�شرافية رغبة في تحقيق‬
‫الرهانات التنموية الكبرى للدولة‪.‬‬
‫بالإ�ضاف��ة �إل��ى �أن القي��ام ب�إ�صالحات وتعدي�لات تروم خلق الت��وازن في االخت�صا�ص��ات بين الجهة‬
‫والدول��ة‪ ،‬ل��ن تكون ذات جدوى �إذا لم يتم ر�صد دعائم �أ�سا�سي��ة ت�سهر على �ضمان ا�ستمرار ذلك التوازن‬
‫والحيلولة دون اختالله مرة �أخرى‪.‬‬

‫الفقرة الأولى‪ :‬محددات توازن العالقة الجديدة بين الجهة والدولة‬


‫�إن محددات دور واخت�صا�صات الجهوية المتقدمة ال يجب طرحها وتنفيذها �إال عن طريق ا�ستراتيجية‬
‫قادرة على تحقيق التوازن والتكامل بين دور الجهة والدولة‪ ،‬والعمل على تحديد م�س�ؤولية كل طرف في‬
‫مجاالته‪ ،‬عبر نظرة �شمولية تقوم على �أ�سا�س درا�سة معقمة لتحديد ما يمكن �أن تقوم به الجهة والدولة من‬
‫�أدوار ووظائف‪� ،‬آخذة في الح�سبان الأو�ضاع ال�سيا�سية واالقت�صادية للدولة‪.‬‬

‫�أوال‪ :‬الآليات الد�ستورية والقانونية لتوزيع االخت�صا�صات‪.‬‬


‫تختلف �أ�ساليب توزيع االخت�صا�صات ح�سب اختالف فل�سفة و�إيديولوجية كل دولة على حدة‪ ،‬وتنوع‬
‫الثقافة ال�سائدة فيها‪ .‬غير �أن �أ�سلوب تحديد اخت�صا�صات الجماعات العمومية في قائمة على �سبيل الح�صر‪،‬‬
‫و�أ�سل��وب المقت�ض��ى العام في االخت�صا���ص ‪ ،La clause générale de compétences‬والذي يقوم بالتن�صي�ص‬
‫على االخت�صا�صات ب�صيغة عمومية هما الأ�سلوبين الأكثر ا�ستعماال في توزيع االخت�صا�صات‪.‬‬
‫وتبل��ور ه��ذه الأ�ساليب رغبة الدولة في الق�ضايا التي تراها منا�سبة للجماعات الترابية �أو �إبقائها ح�صرية‬
‫عليها‪.‬‬

‫المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية‪ ،‬عدد ‪ ،111‬يوليوز‪ -‬غ�شت ‪2013‬‬


‫عادل تميم‬ ‫‪110‬‬

‫�أ – التفريع مبد أ� د�ستوري جديد لتوزيع االخت�صا�صات‬


‫يقوم مبد أ� التفريع على فكرة منح كل �صنف من �أ�صناف التنظيم الإداري الترابي‪ ،‬اخت�صا�صات وا�ضحة‬
‫تح��دد وت��وزع بتراتبية‪ .‬في�سند لم�ستوى ترابي معي��ن ما يعجز عنه الم�ستوى التراب��ي الأدنى منه‪ ،‬وهكذا‬
‫دواليك‪ .‬وقد ن�ص الد�ستور الجديد ل�سنة ‪ 2011‬في ف�صله ‪ 140‬على هذا المبد�أ وجعله كفل�سفة م�ؤطرة لعملية‬
‫توزي��ع االخت�صا�ص��ات (‪ .((4‬ويتطلب تج�سيد هات��ه الفل�سفة التي تقوم عليه��ا الالمركزية‪� ،‬أ�سلوب توزيع‬
‫يعمل على تحديد وتو�ضيح ال�صالحيات واالخت�صا�صات بين الم�ستوى الوطني والم�ستوى المحلي‪.‬‬
‫فم�س�أل��ة توزي��ع االخت�صا�صات تت�سم بالتعقيد وهي خا�صية تتقا�سمه��ا كافة نظم الالمركزية الترابية‪� ،‬إذ‬
‫تكمن ال�صعوبة‪ ،‬في مدى تحقيق توافق دقيق بين مبد�أين متكاملين‪ ،‬رغم �أنهما في الظاهر متعاك�سين‪ ،‬مبد أ�‬
‫ال�سيادة ومبد�أ اال�ستقالل (‪.((4‬‬
‫لذل��ك يتميز عموم��ا ت�صنيف االخت�صا�صات في الدول المتقدمة في مج��ال الالمركزية الترابية بثالث‬
‫م�ستوي��ات من االخت�صا�صات‪ ،‬الم�ستوى الأول يعط��ي االخت�صا�صات الخا�صة �أو الح�صرية للدولة كتلك‬
‫المتعلق��ة بمظاهر ال�سيادة كالدفاع والأمن والدبلوما�سي��ة‪� ،..‬أما الم�ستوى الثاني فيعبر عن االخت�صا�صات‬
‫الخا�ص��ة بالجماعات الترابية الم�ستقلة تتمحور حول كل ما يتعلق بال�ش�ؤون التنموية واالجتماعية‪ .‬وهناك‬
‫م�ستوى ثالث معقد وهو الم�ستوى المرتبط باالخت�صا�صات المقت�سمة‪� ،‬إال �أن هذا الم�ستوى غالبا ما يفرز‬
‫فجوات في الممار�سة (‪ ،((4‬مما ي�ستدعي االجتهاد الدائم في �إيجاد حل لملء تلك الفجوات‪.‬‬
‫وانطالق��ا لم��ا �سبق‪ ،‬ف�إن م�س�أل��ة االخت�صا�صات تثير عدة �إ�شكاالت كبيرة ف��ي تحديدها وتوزيعها بين‬
‫الجهة والدولة‪� ،‬إذ ال توجد �أ�س�س ومحددات قوية ووا�ضحة لذلك التوزيع والتحديد مما ي�ؤدي �إلى تداخل‬
‫االخت�صا�صات بين الجهة والدولة‪ ،‬وبناء على ذلك فالجهوية‪ ،‬التي تعتبر مك�سب ديمقراطي ل�صالح التنظيم‬
‫التراب��ي بالمغرب‪� ،‬أ�صبح��ت في حاجة �إلى �أن تتوفر عل��ى �سبل تقوية الآلي��ات والميكانيزمات الأ�سا�سية‬
‫والجوهرية المتعارف عليها‪ ،‬لتوزيع االخت�صا�صات بين الجهة والدولة في �إطار عالقة متوازنة‪.‬‬
‫فالو�ص��ول �إل��ى هذا ال�شكل من الت��وازن في العالقة بي��ن الجهة والدولة‪ ،‬يقت�ض��ي توافر مجموعة من‬
‫ال�ش��روط ال�ضروري��ة والتي ال غنى عنها‪ ،‬و�أه��م هذه ال�شروط والذي ن�ص عليه د�ست��ور ‪ ،2011‬هو الإقرار‬
‫الد�ستوري ب�صدارة الجهوية والذي يعتبر �ضمانة �أ�سا�سية لإعطاء الجهة مكانة متميزة داخل التنظيم الإداري‬

‫(‪ ((4‬ين�ص الف�صل ‪ 140‬من د�ستور ‪ 2011‬على �أنه‪:‬‬


‫«للجماعات الترابية‪ ،‬وبناء على مبد�أ التفريع‪ ،‬اخت�صا�صات ذاتية واخت�صا�صات م�شتركة مع الدولة واخت�صا�صات منقولة �إليها‬
‫من هذه الأخيرة‪.‬‬
‫تتوفر الجهات والجماعات الترابية الأخرى في مجاالت اخت�صا�صاتها‪ ،‬وداخل دائرتها الترابية‪ ،‬على �سلطة تنظيمية لممار�سة‬
‫�صالحيتها»‪.‬‬
‫‪(44) Abdallah Harsi, « Le statut d’autonomie Régionale et ses implications aux niveaux constitutionnel et administratif au‬‬
‫‪Maroc», REMALD, série “Thèmes actuels”, n° 63, 2009, p. 33.‬‬
‫(‪ ((4‬محمد بوبو�ش‪« ،‬ق�ضية ال�صحراء ومفهوم اال�ستقالل الذاتي»‪ ،‬مجلة وجهة نظر‪ ،‬عدد ‪� ،27‬شتاء ‪� ،2005‬ص‪.60 .‬‬

‫المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية‪ ،‬عدد ‪ ،111‬يوليوز‪ -‬غ�شت ‪2013‬‬


‫‪111‬‬ ‫الجهوية المتقدمة بين �إ�شكالية توزيع االخت�صا�صات ورهان التوازن‬

‫وال�سيا�س��ي المغرب��ي واالرتقاء بها �إلى �أق�صى درجة ممكنة من الالمركزية (‪ .((4‬عبر توزيع االخت�صا�صات‬
‫عل��ى �أ�سا�س مبادئ محددة ي�ساهم اعتماده��ا في تجلية الغمو�ض عن كثير من جوانبها والحد من التداخل‬
‫الذي ينتاب كل من الدولة والجهة‪.‬‬
‫وتتمث��ل تلك المبادئ في البحث عن الم�ستوى المالئم لممار�سة اخت�صا�صات معينة بحيث ال يتدخل‬
‫الم�ست��وى الأعل��ى �إال في الحاالت التي ال ت�ستطي��ع فيها الم�ستويات الدنيا ممار�س��ة تلك االخت�صا�صات‬
‫بنف�سه��ا‪ ،‬وهو ما يعني �أن الدولة يج��ب �أن تتخلى للجماعات الترابية عن كل االخت�صا�صات التي ت�ستطيع‬
‫اال�ضطالع بها‪ ،‬ونف�س ال�شئ فيما بين �أ�صناف الجماعات الترابية الأخرى‪.‬‬
‫ب – الأ�سلوب الح�صري ك�أ�سلوب لتوزيع االخت�صا�صات بين الجهة والدولة‬
‫بن��اء عل��ى الإ�شكاالت التي تنجم عن تحدي��د وتوزيع االخت�صا�صات في بين الجه��ة والدولة‪ ،‬والذي‬
‫�ساهم فيها �أ�سلوب التوزيع الذي يرتكز على ال�صيغ العامة لالخت�صا�صات ب�شكل مبا�شر‪ ،‬يتعين العدول عن‬
‫اعتم��اد هذا الأ�سلوب ‪ ،‬وح��ل محله الأ�سلوب الح�صري الذي يو�ضح بدقة قائمة االخت�صا�صات الم�سندة‬
‫للدولة وتلك المخولة للجهة وباقي الجماعات الترابية الأخرى‪.‬‬
‫فبالرغ��م م��ن ت�سليط ال�ضوء على الم�ضمون الحقيقي الخت�صا�ص��ات الجهة والتو�ضيحات والت�أويالت‬
‫الت��ي �أعطته��ا �سلطة الو�صاية‪ ،‬ف�إن اخت�صا�صات الهيئات الالمركزية �ضلت غام�ضة ب�سبب اعتماد المقت�ضى‬
‫الع��ام وال�صي��غ العامة له��ا‪ ،‬وعدم تحديد محت��وى كاف��ة اخت�صا�صاتها من طرف تل��ك الن�صو�ص‪ ،‬لذلك‬
‫يج��ب �إزال��ة الإبهام الذي يكتنف تلك االخت�صا�صات الجهوية والذي يعت��ري �أي�ضا اخت�صا�صات الدولة‪،‬‬
‫والبحث عن معايير جديدة لتوزيع االخت�صا�صات بين الجهة والدولة‪ ،‬وتحديد المدلول الحقيقي للق�ضايا‬
‫الوطنية والق�ضايا الجهوية لتفادي الغمو�ض ال�سائد والت�أويالت المت�ضاربة وم�شكلة تداخل االخت�صا�صات‬
‫وت�شابكها‪ ،‬وما ينتج عنها من �آثار �سلبية على �أكثر من م�ستوى‪.‬‬
‫فوظيف��ة توزيع االخت�صا�صات اتخذت في التجارب التي �أخذت بالالمركزية ال�سيا�سية �أبعادا د�ستورية‬
‫�ضمن��ت بذل��ك من جهة ا�ستقاللي��ة الوحدات الترابية‪ ،‬ومن جهة �أخرى تحدي��د �صالحيات هذه الأخيرة‬
‫ب�شكل دقيق يزيل الغمو�ض الذي غالبا ما ي�شوب �إ�شكالية تحديد ال�ش�ؤون المحلية ونظيرتها الوطنية (‪.((4‬‬
‫�إال �أن ذلك لم يحد من م�شاكل توزيع االخت�صا�صات بين الجهة والدولة‪ .‬ففي �إ�سبانيا التي اعتمدت التوزيع‬
‫الح�ص��ري لالخت�صا�ص��ات‪ ،‬عبر ما يت�ضمنه الد�ستور من مادت��ه ‪ 148‬و‪ 149‬نوعين من القوائم‪ ،‬تظم الأولى‬
‫االخت�صا�ص��ات المحفوظة للدولة‪ ،‬والثانية لما يمك��ن �أن ت�ضطلع به المجموعات الم�ستقلة‪ ،‬ف�إن ذلك لم‬
‫يقف �أمام �إ�شكالية �ضبط وتدقيق محتوى تلك االخت�صا�صات‪.‬‬

‫(‪� ((4‬سارة الخمال‪ ،‬مرجع �سابق‪� ،‬ص‪.6 .‬‬


‫(‪ ((4‬عبد الواحد مبعوث‪ ،‬مرجع �سابق‪� ،‬ص‪.345 .‬‬

‫المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية‪ ،‬عدد ‪ ،111‬يوليوز‪ -‬غ�شت ‪2013‬‬


‫عادل تميم‬ ‫‪112‬‬

‫نف���س الأم��ر بالن�سب��ة لإيطالي��ا‪ ،‬حيث لج�أ الم�ش��رع االيطالي �إلى ع��دة و�سائل لحل م�ش��كل ت�شابك‬
‫االخت�صا�صات بين الدولة والمجال�س الجهوية من جهة‪ ،‬وبين هذه الأخيرة والمجال�س المحلية الأدنى من‬
‫جهة �أخرى‪ ،‬والحر�ص على منح ممثلي الدولة �سلطة التن�سيق بين هذه االخت�صا�صات‪ .‬فالبرغم من ذلك‪،‬‬
‫فق��د لج���أت المجال�س الجهوية تحت �ستار الإعالنات التي تمنحه��ا للمجال�س الإقليمية‪ ،‬والبلدية‪ ،‬تحت‬
‫ذريع��ة الرقاب��ة التي يخولها لها الد�ستور عليها‪� ،‬إلى �سن الت�شريع��ات الم�سماة بت�شريعات التدخل الجهوي‬
‫لت�ضطل��ع بالم�سائل التي تندرج �ضم��ن اخت�صا�صات تلك المجال�س كالحلول محلها لإدارة بع�ض المرافق‬
‫العامة المحلية‪ ،‬التي تمول عن طريق الم�ساعدات‪ ،‬مما ا�ضطر الحكومة في بع�ض الأحيان �إلى منع �صدور‬
‫تلك الت�شريعات (‪.((4‬‬
‫وعلي��ه فتجاوز �إ�شكاالت التوزي��ع يقت�ضي اعتماد الأ�سلوب الح�صري لالخت�صا�صات وذلك لما يوفره‬
‫م��ن و�ض��وح وتدقيق في ال�صي��غ القانونية لالخت�صا�صات‪ ،‬فرغم �أن هذا الأ�سل��وب لم يف�ضي �إلى حل جل‬
‫م�ش��اكل التوزيع في الدولة الت��ي اعتمدته‪� ،‬إال �أنه يبقى الأن�سب مقارنة مع الأ�سلوب الذي يعتمد المقت�ضى‬
‫العام لالخت�صا�ص وما ي�شكله من غمو�ض و�إبهام في االخت�صا�صات‪.‬‬
‫ورغ��م �أهمي��ة الأ�سلوب الح�صري لتوزيع االخت�صا�صات ف�إن الد�ستور الجديد لم يتطرق �إليه بل اكتفى‬
‫�إل��ى �إحالة م�س�أل��ة االخت�صا�صات �إلى القانون التنظيمي دون توجيهه �إل��ى اعتماد هذا اال�سلوب في توزيع‬
‫ال�صالحي��ات‪ ،‬فبالإ�ضاف��ة �إل��ى ذلك فالد�ست��ور المغربي ‪ 2011‬عمل عل��ى �إبقاء نوعين م��ن اخت�صا�صات‬
‫الجماع��ات الترابي��ة والمتمثلة ف��ي اخت�صا�صات ذاتية واخت�صا�ص��ات منقولة �إليها م��ن الدولة‪ ،‬وا�ستبدال‬
‫االخت�صا�صات اال�ست�شارية والتي هي مدرجة حاليا في القانون المنظم للجهات باالخت�صا�صات الم�شتركة‬
‫مع الدولة‪.‬‬
‫غير �أن الأمر يتطلب المزيد من التقنيات في تحديد �أنواع االخت�صا�صات‪ ،‬فبالرجوع �إلى ا�سبانيا مثال‪،‬‬
‫يمكن ت�صنيف االخت�صا�صات من خالل قائمتيها في الد�ستور �إلى خم�سة �أنواع وهي‪:‬‬
‫‪ -‬االخت�صا�صات المحتكرة من قبل الدولة‪.‬‬
‫‪ -‬االخت�صا�صات الخا�صة بالمجموعات الم�ستقلة‪.‬‬
‫‪ -‬االخت�صا�صات الم�شتركة (�أو الموزعة) بين الدولة والمجموعات الم�ستقلة‪.‬‬
‫‪ -‬االخت�صا�صات المتناف�س عليها من قبل الدولة والمجموعات الم�ستقلة‪.‬‬
‫‪ -‬االخت�صا�صات التي يمكن للدولة تفوي�ضها للمجموعات الم�ستقلة‪.‬‬
‫و�إل��ى جان��ب ه��ذا التوزيع‪ ،‬فالم�ش��رع �أقر ميكانيزم��ات تزيد م��ن مرونته ك�أن �سم��ح للمجموعات‬
‫الم�ستقل��ة �أن تتفادى اال�ضطالع ببع�ض االخت�صا�صات في حالة وجود �صعوبة بالنهو�ض بها (‪ .((4‬فتوزيع‬

‫(‪ ((4‬محمد بوجيدة‪« ،‬تداخل االخت�صا�صات بين الدولة والجماعات المحلية بين القانون والممار�سة»‪ ،‬مرجع �سابق‪،‬‬
‫�ص‪.385 .‬‬
‫(‪ ((4‬محمد بوجيدة‪ ،‬نف�س المرجع ال�سابق‪� ،‬ص‪.408 .‬‬

‫المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية‪ ،‬عدد ‪ ،111‬يوليوز‪ -‬غ�شت ‪2013‬‬


‫‪113‬‬ ‫الجهوية المتقدمة بين �إ�شكالية توزيع االخت�صا�صات ورهان التوازن‬

‫االخت�صا�صات على عدة م�ستويات ي�ساهم من تفادي تنازع وتداخل االخت�صا�صات‪ ،‬وذلك للمرونة التي‬
‫يت�سم بها الأ�سلوب‪� ،‬إذ ت�صنف المجاالت التي ي�صعب تموقعها بين الجهة والدولة في �إطار االخت�صا�صات‬
‫الم�شتركة �أو المتناف�س عليها‪.‬‬
‫وبذل��ك فالت�صنيف الذي يعتمده الم�شرع المغربي ف��ي االخت�صا�صات بالتمييز في االخت�صا�صات بين‬
‫االخت�صا�صات الخا�صة والمنقولة واال�ست�شارية‪� ،‬أو الذي �سيتم اعتماده من خالل القوانين التنظيمية للجهة‬
‫م��ع ا�ستب��دال االخت�صا�صات اال�ست�شاري��ة بالم�شتركة مع الدولة‪ ،‬ال ي�ستطي��ع �أن يواكب ما تتطلبه الجهوية‬
‫المتقدمة‪� ،‬إذ يتعين اعتماد مقاربة جديدة وذلك بت�صنيف االخت�صا�صات �إلى اخت�صا�صات ح�صرية للدولة‪،‬‬
‫وتتعل��ق بالمجاالت التي لها عالقة بال�سيادة كالدفاع والأمن والدبلوما�سية‪ ،‬واخت�صا�صات خا�صة بالجهة‬
‫ف��ي المج��ال التنموي‪ ،‬واخت�صا�صات متناف�س عليها والم�شتركة بي��ن الجهة والدولة في �إطار لوائح تحدد‬
‫ال�صالحيات ب�شكل ح�صري ودقيق‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬تقوية اخت�صا�صات الجهة‬


‫تع��د التنمية والديمقراطي��ة المحلية من الرهانات الكبرى والمعول عل��ى الجهوية المتقدمة تحقيقها‪.‬‬
‫فبالن�سب��ة للتنمية‪ ،‬ف�إن الجهة تعد �أداة �أ�سا�سي��ة لخو�ض معركة التنمية و�شرطا جوهريا لتنظيم و�إعداد مجال‬
‫تراب��ي قادر على توفير م�ستلزمات التنمية االقت�صادية واالجتماعي��ة على م�ستوى المجال المحلي‪ ،‬وذلك‬
‫عب��ر �إ�ستراتيجي��ة جهوية تنموي��ة‪ ،‬تتوخى الحد من الفق��ر ومحاربة الفوارق االجتماعي��ة والتوزيع العادل‬
‫للثروات والوقاية من الإق�صاء االجتماعي (‪ .((5‬وذلك عبر �سيا�سات مكرواقت�صادية قائمة على �سيا�سة النمو‬
‫االقت�ص��ادي للق�ضاء على الفوارق االجتماعية مع مراعاة معايير النمو االقت�صادي والحفاظ على التوازنات‬
‫االقت�صادي��ة‪ ،‬وتح�سي��ن المناخ اال�ستثم��اري بال�شكل الذي يف��ي بتطلعات الجهة‪ ،‬ق�ص��د الرفع من وثيرة‬
‫ا�ستقطابها لال�ستثمارات الوطنية والأجنبية الخا�صة (‪.((5‬‬
‫ف���إذا كان��ت التنمية على ال�صعيد الوطني ته��دف �إلى تحقيق التنمية االقت�صادي��ة واالجتماعية والثقافية‬
‫للمجتم��ع ككل‪ ،‬بوا�سط��ة مبادرات تخلق تعا�ضدا بين الهيئ��ات والم�ؤ�س�سات الجهوية وجهود ال�سلطات‬
‫الحكومي��ة‪� ،‬سعيا وراء تحقيق تقدم الدولة وتوفير حياة �أف�ض��ل للمواطنين‪ ،‬ف�إن هدف التنمية على ال�صعيد‬
‫الجه��وي هو العمل على �إ�صالح الأو�ضاع االقت�صادي��ة واالجتماعية والثقافية للمجتمع الجهوي بوا�سطة‬
‫مب��ادرات تخلق تعا�ضد بين جهود �سكان الجهة وجهود ال�سلطات الإدارية في �إطار التعاون والتكامل من‬
‫�أجل حياة �أف�ضل للمواطن‪.‬‬

‫‪(50) Driss Basri, La Décentralisation au Maroc, de la commune à la région, Editions Nathan, Paris, 1994, p. 250.‬‬
‫(‪ ((5‬رجاء التازي‪« ،‬المراكز الجهوية بالمغرب‪ :‬درا�سات ووثائق مختارة»‪ ،‬من�شورات المجلة المغربية للإدارة المحلية‬
‫والتنمية‪� ،‬سل�سلة «موا�ضيع ال�ساعة»‪ ،‬الطبعة الأولى‪ ،‬عدد ‪� ،2006 ،52‬ص‪.57.‬‬

‫المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية‪ ،‬عدد ‪ ،111‬يوليوز‪ -‬غ�شت ‪2013‬‬


‫عادل تميم‬ ‫‪114‬‬

‫والنتيج��ة �أن��ه رغم تحقيق العديد من المنج��زات الهامة االقت�صادية واالجتماعي��ة‪ ،‬ف�إن الفوارق مابين‬
‫الجه��ات في مجال النم��و االقت�صادي والتنمية الب�شرية واال�ستفادة من الخدم��ات التزال قائمة �إلى اليوم‪،‬‬
‫وتظه��ر الم�ؤ�ش��رات تباينا في النمو ما بين الجهات وتمركز للث��روة الوطنية على ال�شريط ال�ساحلي الممتد‬
‫من طنجة �إلى �أكادير‪.‬‬
‫فغي��اب توزي��ع عادل لال�ستثمارات االقت�صادية �ساهم في خلق و�ضعية الالتوازن على عدة �أ�صعدة‪ ،‬ف�إذا‬
‫ت��م �أخذ بع�ض الم�ؤ�شرات االقت�صادية واالجتماعية كمع��دل توزيع الم�ؤ�س�سات االقت�صادية‪ ،‬توزيع البنيات‬
‫التحتية‪ ،‬االرتباط ب�شبكة الماء والكهرباء‪ )...‬يالحظ وجود فوارق واختالالت بين الجهات بل وفي �إطار‬
‫الجهة الواحدة بين المجالين القروي والح�ضري‪.‬‬
‫وم��ا يبرز عمق و�إ�شكالية الإخت�لاالت المجالية والتفاوتات التنموية تواجده��ا في كل الجهات �سواء‬
‫تل��ك الت��ي ا�ستفادت اقت�صاديا‪� ،‬أو تلك الت��ي لم تنل نف�س الأهمية‪ ،‬وهذا ما يجع��ل ح�صيلة بع�ض المراكز‬
‫والم�ؤ�س�سات التنموية واال�ستثمارية ال تعك�س بالفعل �إمكانيات وم�ؤهالت الجهة‪ ،‬مما يت�أكد معه �أن فل�سفة‬
‫البعد الجهوي في تدبير التنمية االقت�صادية واالجتماعية لم تتج�سد فعال على �أر�ض الواقع‪.‬‬
‫�أما في مجال الديمقراطية ف�إن للجهة القدرة في التعبير عن االختالف والتعددية بجميع �أنواعها‪ ،‬بف�ضل‬
‫تمكنه��ا من تحوي��ل المنظومة المحلية من مجال يت�سم بالت�شتت على م�ست��وى المجهودات والمبادرات‬
‫�إلى وحدة متكاملة ومن�سجمة �أ�سا�سها الحوار والم�شاركة بين جميع الفاعلين‪ ،‬وتر�سيخ الفعل الديمقراطي‬
‫ال�شيء الذي ي�ؤدي �إلى تحويل م�صدر الحكم �إلى ال�ساكنة المحلية‪.‬‬
‫وبالتال��ي‪ ،‬فم��ن االعتبارات التي تحدد دور الجهة وتوجه لها‪ ،‬ه��و �أن ت�صبح الجهة نواة للديمقراطية‬
‫المحلية من جهة‪ ،‬و�أ�سا�سا للديمقراطية الوطنية من جهة �أخرى‪ ،‬على اعتبار �أن البوادر الأولى للديمقراطية‬
‫تت�شكل مع الم�ؤ�س�سات المحلية التي تن�ضوي تحت لواء الالمركزية (‪.((5‬‬
‫�إال �أن تر�سي��خ ه��ذه الديمقراطي��ة وتعزيزها ال يمكن �أن يتج�س��د �إال في ح�ضور الأح��زاب ال�سيا�سية‪،‬‬
‫فح�ض��ور الأحزاب ال�سيا�سي��ة هو في المقابل ح�ضور للديمقراطية في �أ�سمى تجلياتها‪ ،‬فهناك عالقة جدلية‬
‫بين المفهومين (الحزب‪ /‬الديمقراطية) (‪.((5‬‬
‫فا�ستمرار هذه العالقة وا�ستمرار عمق الديمقراطية من الم�ستوى الوطني �إلى الم�ستوى الجهوي (‪،((5‬‬
‫ال ب��د للأح��زاب ال�سيا�سي��ة �أن تجدد نف�سها من خالل التخل��ي عن مركزيتها وفتح المج��ال �أمام ال�شباب‬

‫‪(52) Michel Rousset, « Politique et développement au Maroc : 1956-2004», publication de Revue Marocaine d’Administration‬‬
‫‪local et de Développement, n° 56، mai-juin 2004, p. 151.‬‬
‫(‪ ((5‬محمد زين الدين‪« ،‬الفعل الحزبي بالمغرب و�س�ؤال الديمقراطية»‪ ،‬مجلة م�سالك الفكر وال�سيا�سة واالقت�صاد‪ ،‬مطبعة‬
‫النجاح الجديدة‪ ،‬الدار البي�ضاء‪ ،‬عدد ‪� ،2005 ،3‬ص‪.49 .‬‬
‫‪(54) Aboulmajid Abdeljalil, « La décentralisation et déconcentration au Maroc : quelle complemntarité? », Revue Marocaine des‬‬
‫‪Régimes Juridiques et Politiques, n° double 3-4 octobre 2003, p. 9.‬‬

‫المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية‪ ،‬عدد ‪ ،111‬يوليوز‪ -‬غ�شت ‪2013‬‬


‫‪115‬‬ ‫الجهوية المتقدمة بين �إ�شكالية توزيع االخت�صا�صات ورهان التوازن‬

‫وان�شغاالته (‪ ((5‬هذا من جهة‪� ،‬أما من جهة �أخرى‪ ،‬فالبد من �إعادة النظر في قانون الأحزاب لي�سمح بقيام‬
‫�أحزاب على �أ�سا�س جهوي وذلك ما من �ش�أنه �أن يخلق وعي �سيا�سي جهوي لدى المواطنين‪.‬‬
‫ولتقوية التمثيلية والم�شروعية الديمقراطية للمجال�س الجهوية �أ�صبح الزما انتخاب هذه المجال�س عن‬
‫طري��ق االقتراع العام المبا�شر (‪ ،((5‬فكون المغرب يعتم��د على االنتخاب الغير المبا�شر للهيئات الجهوية‬
‫ف�إن ذلك ال يخلق ذلك التوا�صل بين المنتخب الجهوي وانتمائه الحقيقي للجهة التي يمثلها في ظل غياب‬
‫ال�شرعية ال�سيا�سية الم�ستمدة من الناخب الجهوي (‪.((5‬‬
‫ف�ض�لا عن ذل��ك‪ ،‬فاالقتراع الغير المبا�شر ال يوفر �أية و�سيلة من و�سائل المراقبة المبا�شرة للمواطن على‬
‫المنتخب‪ ،‬فالجزاء الديمقراطي الوحيد والفعال المو�ضوع رهن �إ�شارة المواطنين هو �إمكانية عدم انتخاب‬
‫الم�ست�شاري��ن‪ ،‬وما يزي��د من �إفراغ هذا الجزاء الديموقراطي هو طول الم��دة النتداب المجال�س المنتخبة‬
‫وهي ‪� 6‬سنوات (‪.((5‬‬
‫فانبث��اق نخ��ب جهوية ع��ن �صناديق االقتراع‪� ،‬سيمكن م��ن تحقيق تطبيق �صحي��ح لمفهوم الجهوية‪،‬‬
‫ويعم��ل على �إنتاج الفكر الديمقراطي على الم�ستوى الجهوي‪ ،‬يحفز على ممار�سة �إدارة ال�ش�أن العام على‬
‫م�ستوى الجهة ويدعم تطور وا�ستمرار الدولة (‪.((5‬‬
‫وي�ؤكد الفقيه كارلو الفانيا «‪ »Carlo Lavagna‬في هذا الإطار على الترابط بين الحكم الذاتي والديمقراطية‬
‫بقوله‪�«:‬إن الحكم الذاتي في الواقع هو مظهر و�أداة من �أدوات الديمقراطية‪ ،‬ويجب �أن يكون كذلك‪ ،‬وهو‬
‫يكم��ل ويعمل على تنفيذ مهام القنوات الديمقراطية»‪ .‬ويقرر الأ�ستاذ ماهان «‪� »Mahajan‬أن «ديمقراطيتنا‬
‫ت�ؤدي ب�صدق وجزم �إلى تنمية الحكم الذاتي»‪ .‬كما يقول في نف�س الإطار الأ�ستاذ «دين�سوف» «‪»Densov‬‬
‫�إن «الحكم الذاتي ينبع مبا�شرة من مبد�أ الحكومة المركزية الديمقراطية» (‪.((6‬‬
‫فبداية التجربة باالقتراع العام المبا�شر للمجال�س الجهوية في المغرب �سيعمل على تقريب ال�سيا�سة من‬
‫الجمهور وتر�سخ في ذاكرة العمل الجهوي مفاهيم حديثة من قبيل الم�ساواة والتكاف ؤ� وروح الديمقراطية‬
‫وتعك�سه��ا عل��ى �أر�ض الواقع‪ ،‬كما �أنها �ستوفق بين الم�صال��ح المحلية والموارد الحكومية وتزيد من قدرة‬

‫(‪ ((5‬المهدي المنجرة‪ ،‬انتفا�ضات في زمن الذلقراطية‪ ،‬مطبعة النجاح الجديدة‪ ،‬الدار البي�ضاء‪ ،‬الطبعة الثالثة‪،2006 ،‬‬
‫�ص‪.208 .‬‬
‫على �أن مجال�س الجهات تنتخب باالقتراع‬ ‫‪135‬‬ ‫وذلك بت�أكيده في الف�صل‬ ‫‪2011‬‬ ‫(‪ ((5‬وهو ما جاء به الد�ستور الجديد ل�سنة‬
‫العام المبا�شر‪.‬‬
‫(‪ ((5‬عبد الواحد مبعوث‪ ،‬مرجع �سابق‪� ،‬ص‪.362 .‬‬
‫(‪ ((5‬محمد اليعكوبي‪« ،‬الديمقراطية الإدارية بالمغرب»‪ ،‬المجلة المغربية للأنظمة القانونية وال�سيا�سية‪ ،‬العدد ‪ ،5‬دجنبر ‪.2004‬‬
‫�ص‪.79 .‬‬
‫(‪ ((5‬عبد الواحد مبعوث‪ ،‬مرجع �سابق‪� ،‬ص‪.362 .‬‬
‫(‪ ((6‬محمد الهماوندي‪ ،‬مرجع �سابق‪� ،‬ص‪.101 .‬‬

‫المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية‪ ،‬عدد ‪ ،111‬يوليوز‪ -‬غ�شت ‪2013‬‬


‫عادل تميم‬ ‫‪116‬‬

‫الت�ش��اور وتحديد االختي��ارات المحلية الكبرى �ضمن ا�ستراتيجيات وطني��ة (‪ ،((6‬على اعتبار �أن ت�سيي�س‬
‫المجتم��ع وم�س�أل��ة تطلعات��ه في تنظيم��ات منتخبة كتنظي��م الم�ؤ�س�س��ة الجهوية‪ ،‬هو في ح��د ذاته م�صدر‬
‫لتما�سكه‪ .‬وهذا هو المطلوب حاليا وم�ستقبال (‪ ،((6‬من �أجل احتواء الم�شاكل الوطنية وم�شاكل المجتمع‬
‫المحلية والحد من التدمرات االجتماعية وتجنب �أي انتكا�سة وطنية‪ ،‬خ�صو�صا ما يعرفه العالم العربي من‬
‫انتفا�ضات �شعبية عرفت با�سم الربيع العربي‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬دعائم �أ�سا�سية لحفظ التوازن بين الجهة والدولة‬


‫يبقى توزيع االخت�صا�صات عبر ميكانيزمات د�ستورية وقانونية ل�ضبط حدود و�صالحيات المخولة لكل‬
‫من الجهة والدولة‪ ،‬من المقومات ال�ضرورية لخلق التوازن بين الجهة والدولة‪ ،‬غير �أن هذا التوازن يمكن‬
‫�أن يخت��ل ف��ي �أي ظرف من الظروف ال�سيا�سي��ة �إذا لم يتم تعزيزه بدعائم �أ�سا�سية ت�سهر على حمايته من �أي‬
‫�إكراهات �أو عوائق تفرغه من محتواه‪.‬‬
‫وتتمث��ل ه��ذه الدعائم الأ�سا�سية ف��ي الموارد المالي��ة والب�شرية التي يتعين توزيعها بي��ن الجهة والدولة‬
‫ح�س��ب طبيعة االخت�صا�صات‪ ،‬بالإ�ضافة �إلى الرقابة عل��ى حدود االخت�صا�صات‪ ،‬تفاديا لما يمكن �أن ينتج‬
‫عن تداخل �أو تنازع �أو تطاول طرف على اخت�صا�صات طرف �آخر‪.‬‬

‫�أوال‪ :‬الموارد الب�شرية والمالية‬


‫في �إطار تدعيم الالمركزية واغتناء التجربة الجهوية م�ستقبال‪ ،‬و�إعطائها م�ضمونها الحقيقي في مختلف‬
‫القطاع��ات الحيوي��ة‪ ،‬الب��د لها من موارد مالي��ة وب�شرية حتى تكون ق��ادرة على مبا�شرة م��ا �أوكل لها من‬
‫اخت�صا�صات‪ .‬فالتو�سيع المنظم الخت�صا�صات الهيئات الجهوية يجب م�صاحبته بموارد مالية وب�شرية التي‬
‫تعد من �أ�سا�سيات الالمركزية وو�سائل تطويرها‪ ،‬ونظرا لأهميتها فكل �ضعف يلحقها ينعك�س ب�شكل �سلبي‬
‫على التدبير الجهوي عامة ويفرغه من محتواه و�أهميته‪.‬‬
‫لذل��ك‪ ،‬ف���إن �أي عملية لإعادة توزي��ع االخت�صا�صات بين الجهة والدولة بدون تقوي��ة الموارد و�إعادة‬
‫توزي��ع الإمكان��ات المختلفة وب�شكل متوازن‪� ،‬سي�ؤدي �إلى نقل اخت�صا�ص��ات �صورية تبقى موجودة فقط‬
‫عل��ى الم�ستوى النظري‪ ،‬مما يترتب عنه �آثار �سلبية للغاية‪ ،‬كالعزوف عن �أداء ومبا�شرة هذه االخت�صا�صات‬
‫�أو فتح المجال للعديد من المتدخلين للقيام بها‪ .‬فهناك تالزم بين الموارد المالية والعن�صر الب�شري حيث �أنه‬

‫(‪� ((6‬أحمد درداري‪« ،‬دواعي و�أبعاد النظام الجهوي في المغرب»‪ ،‬المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية‪ ،‬عدد ‪،27‬‬
‫�أبريل‪-‬يونيو ‪� ،1999‬ص‪.105 .‬‬
‫(‪� ((6‬أحمد العي�ساوي‪ ،‬تطور نظام الجهوية بالمغرب ‪ :‬درا�سة قانونية �سو�سيو�سيا�سية‪ :‬درا�سة مقارنة»‪ ،‬ر�سالة لنيل دبلوم‬
‫الدرا�سات العليا في القانون العام‪ ،‬جامعة عبد المالك ال�سعدي‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالقت�صادية واالجتماعية‪ ،‬طنجة‪،‬‬
‫‪� ،2007-2006‬ص‪.111 .‬‬

‫المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية‪ ،‬عدد ‪ ،111‬يوليوز‪ -‬غ�شت ‪2013‬‬


‫‪117‬‬ ‫الجهوية المتقدمة بين �إ�شكالية توزيع االخت�صا�صات ورهان التوازن‬

‫�إذا تعثر �أحدهما تعثر الآخر‪ .‬فهذه العنا�صر يتعين تحديدها بناء على االخت�صا�صات وال�صالحيات المتوفرة‬
‫للجهة المعنية (‪.((6‬‬
‫فالو�ضعية الحالية التي توجد عليها الهيكلة الإدارية للجهة ونظامها المالي‪ ،‬ت�ستدعي �إعادة النظر فيها‪،‬‬
‫بتقوي��ة هذه الم��وارد والإمكانيات لتحقيق �أه��داف الجهة المتقدمة بالمغرب‪ .‬لذل��ك يجب �إقرار �سلطة‬
‫جبائية للجهات‪ ،‬في �إطار نظام مالي متطور ب�شكل يالئم متطلبات العمل الجهوي وطبيعة االخت�صا�صات‬
‫المخولة للجهات‪ ،‬حيث بموجب هذه ال�سلطة الجبائية �ستتمكن من تعزيز وتقوية مواردها‪.‬‬
‫وف��ي م�س�أل��ة �إعادة توزيع الموارد الجبائية والم�ساعدات يمكنن��ا اال�ستئنا�س بالتجربة اال�سبانية في هذا‬
‫المج��ال‪ ،‬فالد�ست��ور اال�سباني ي�ضمن مبد أ� اال�ستقالل المالي للمجموعات الم�ستقلة‪ ،‬لكن في �إطار احترام‬
‫الت�ضامن بين كل الإ�سبانيين‪.‬‬
‫وف��ي ه��ذا الإطار ن�صت الفق��رة الثانية للمادة ‪ 158‬من د�ستور ‪ 1978‬على �إح��داث �صندوق للتعوي�ض‪،‬‬
‫لت�صحيح الالتوازن االقت�صادي وتفعيل مبد أ� الت�ضامن‪ .‬فهذا ال�صندوق خ�ص�ص لتمويل النفقات اال�ستثمارية‬
‫وتقلي���ص الف��وارق الجهوية‪ ،‬حيث حدد القان��ون التنظيمي ل�سنة ‪ 1980‬مداخيله ف��ي ‪ %30‬من اعتمادات‬
‫الميزاني��ة العام��ة الم�ص��ادق عليها والمخ�ص�صة لال�ستثم��ارات العمومية‪ .‬وقد عرفت ح�صت��ه نموا متزايدا‬
‫بـ‪� %25 ‬سنة ‪ 1992‬مع الزيادة في م�ساهمة الدولة �إلى ‪ %35‬على الأقل من ا�ستثمارات الجديدة لدولة‪ ،‬خالل‬
‫مدة مابين ‪.1996-1992‬‬
‫�أما بخ�صو�ص توزيع اعتمادات هذا ال�صندوق فتقوم بها ال�سلطة المركزية وفق بع�ض المعايير بحيث �أن‬
‫كل ن�سبة مئوية من اعتماداته توزع على معيار محدد على ال�شكل التالي‪:‬‬
‫‪ % 70 -‬من االعتمادات توزع بناءا على الدخل الفردي داخل المجموعة الم�ستقلة‪.‬‬
‫‪ % 20 -‬من االعتمادات توزع بناءا على معدل البطالة‪.‬‬
‫‪ % 5 -‬من االعتمادات توزع بناءا على معدل الهجرة‪.‬‬
‫‪ % 5 -‬من االعتمادات توزع بناءا على الم�ساحة (‪.((6‬‬
‫كما يقوم ال�صندوق �أي�ضا بتمويل اال�ستثمارات الجديدة‪ ،‬المرتبطة بالمرافق المخولة من الدولة‪.‬‬
‫ونظ��را ل�ض��رورة تطوير النظام المال��ي المحلي بالمغرب‪ ،‬ف���إن المناظرة ال�سابع��ة للجماعات الترابية‬
‫�أو�ص��ت بالحد من تعقي��دات الم�شاكل التي ترتبط بالقرو�ض وم�ساطرها وتحول دون ا�ستفادة الجماعات‬
‫المحلية من هذه التمويالت لتغطية ا�ستثماراتها‪ ،‬وذلك عبر‪:‬‬

‫(‪ ((6‬محمد بوجيدة‪« ،‬تداخل االخت�صا�صات بين الدولة والجماعات المحلية بين القانون والممار�سة»‪ ،‬مرجع �سابق‪،‬‬
‫�ص‪.421.‬‬
‫(‪ ((6‬عبد الحق المرجاني‪ ،‬الجهوية ونظام تمويلها‪ ،‬ر�سالة لنيل دبلوم ال�سلك العالي‪ ،‬المدر�سة الوطنية للإدارة‪ ،‬الرباط‪،1993 ،‬‬
‫�ص‪.175 .‬‬

‫المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية‪ ،‬عدد ‪ ،111‬يوليوز‪ -‬غ�شت ‪2013‬‬


‫عادل تميم‬ ‫‪118‬‬

‫‪-‬تب�سيط الإجراءات الم�سطرية المتعلقة بطلب القرو�ض من �صندوق التجهيز الجماعي‪ ،‬والإفراج عن‬
‫الأموال في حينها‪ ،‬والتخفي�ض من �سعر الفائدة ومراجعة �سقف المديونية ال�سيما بالن�سبة للجماعات‬
‫القروية‪.‬‬
‫‪�-‬إتاح��ة �إمكانية انفتاح الجماعات الترابية على ال�سوق المالي‪ ،‬حتى تتمكن من اال�ستفادة من قرو�ض‬
‫الم�ؤ�س�سات البنكية الوطنية والدولية‪.‬‬
‫‪-‬دعم موارد �صندوق التجهيز الجماعي ق�صد تمكينه من تخفي�ض ن�سبة الفائدة المطبقة على القرو�ض‬
‫التي يمنحها‪.‬‬
‫‪-‬اعتماد �أ�سلوب ال�شراكة ما بين الجماعات والقطاعين العام والخا�ص‪ ،‬والم�ؤ�س�سات البنكية من �أجل‬
‫تمويل م�شاريع تنموية محلية‪.‬‬
‫‪-‬اعتم��اد نظام خا�ص لدف��ع التجهيز المحلي‪ ،‬ي�ستند على الجمع بين الإم��دادات والقرو�ض‪ ،‬وتعزيز‬
‫القدرة على التمويل وتوجيه اال�ستثمارات نحو القطاعات الحيوية والمنتجة‪.‬‬
‫وبن��اء على ذلك‪ ،‬تتطلب الجه��ة في �أفق الجهوية المتقدمة‪ ،‬تعبئة الموارد المالية والحر�ص على و�ضع‬
‫�إدارة جبائي��ة م�ستقل��ة‪ ،‬قادرة على ا�ستخال�ص مداخيل و�إي��رادات ال�ضرائب والر�سوم الجهوية‪ ،‬وذلك عبر‬
‫ع��دة �إ�صالحات‪� ،‬أولها �إعادة النظر في توزيع ح�ص��ة ال�ضريبة على القيمة الم�ضافة‪ ،‬وذلك بجعلها تحتكم‬
‫لمعايير قانونية ت�ضعها ال�سلطة الت�شريعية‪ ،‬حيث يتم من خاللها مراعاة نوع وحجم االخت�صا�صات المخولة‬
‫للجهة‪ ،‬ولي�س توزيعها ب�شكل اعتباطي‪ ،‬وتوجيه ق�سط هام منها لتمويل م�شاريع و�أعمال الدولة (‪.((6‬‬
‫�أما بالن�سبة لالقترا�ض‪ ،‬فيجب على البنوك �إقرا�ض الجهات لتمويل م�شاريعها التنموية‪ ،‬و�أن ال ت�أخذ القدرة‬
‫الت�سديدي��ة للجه��ة كمعيار لمنح القرو�ض‪ ،‬بل يجب �أن ت�أخذ الإمكانيات المتاحة للجهة فيما يتعلق بمجاالت‬
‫اال�ستثمار‪ ،‬والتي تعد و�سائل لإنتاج الثروة ف�ضال عن دورها اال�ستراتيجي في التنمية االقت�صادية الحديثة (‪.((6‬‬
‫ولتحقي��ق الت�ضام��ن المالي بين الجهات يتعين الت�سري��ع ب�إ�صدار الن�صو�ص المتعلق��ة ب�إحداث وتنظيم‬
‫�صن��دوق الت�أهي��ل االجتماع��ي و�صندوق الت�ضام��ن بين الجه��ات المن�صو�ص عليها ف��ي الف�صل ‪ 142‬من‬
‫د�ستور ‪.2011‬‬
‫غي��ر �أن الممار�س��ة الجهوية ال تتطل��ب فقط موارد مالية‪ ،‬و�إنما �إلى العن�ص��ر الب�شري الديناميكي الذي‬
‫يع��د مكم�لا رئي�سيا للإمكانات المالية الجهوية‪ ،‬بحيث يعمل عل��ى ح�سن تدبير وعقلنة هذه الإمكانات‪.‬‬
‫وال يت�أتى ذلك �إال بتكوين هاته الموار الب�شرية‪.‬‬
‫غي��ر �أنه ورغم الوع��ي ب�أهمية التكوين بالن�سبة للعن�صر الب�شري �س��واء المنتخبين �أوموظفي الجماعات‬
‫الترابي��ة‪ ،‬ف�إن الم�ش��رع المغربي لم يج�سد ذلك عبر قوانينه‪ ،‬رغم تكرار التو�صيات في المناظرات الوطنية‬

‫(‪ ((6‬محمد بوجيدة‪ ،‬تداخل االخت�صا�صات بين الدولة والجماعات المحلية بين القانون والممار�سة‪ ،‬مرجع �سابق‪،‬‬
‫�ص‪.428 .‬‬
‫(‪ ((6‬علي �أمجد‪ ،‬مرجع �سابق‪� ،‬ص‪.113 .‬‬

‫المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية‪ ،‬عدد ‪ ،111‬يوليوز‪ -‬غ�شت ‪2013‬‬


‫‪119‬‬ ‫الجهوية المتقدمة بين �إ�شكالية توزيع االخت�صا�صات ورهان التوازن‬

‫للجماع��ات الترابي��ة ب�ش���أن �ضرورة م�أ�س�س��ة وتقنيين التكوين لفائ��دة المنتخبين المحليي��ن (‪ ،((6‬خا�صة‬
‫المناظ��رة الوطنية ال�ساد�سة للجماع��ات الترابية بتطوان المنعقدة تحت �شعار «�إعالم وتكوين المنتخبين»‪،‬‬
‫حي��ث ن�ص��ت عبر لجنة الإعالم وتكوي��ن المنتخبين ‪ -‬المنبثقة عن المناظرة ال�سالف��ة الذكر‪ -‬على �إ�صدار‬
‫قان��ون ينظ��م تكوين المنتخبي��ن ويحدد م�ضامين��ه و�أهدافه» (‪ .((6‬كم��ا �أو�صت كذلك بفر���ض �إجبارية‬
‫التكوي��ن لفائدة المنتخبين المحليين‪ ،‬يتمرن من خالله على الت�سيير الإداري والمالي‪ ،‬وكذا على الحقوق‬
‫والواجبات التي �أناطها الم�شرع للم�ست�شارين‪ ،‬لتدبير ال�ش�ؤون المحلية (‪.((6‬‬
‫و�إل��ى جانب م�س�ألة التكوين وهي م�س�ؤولي��ة م�شتركة بين الدولة والمنتخب والأحزاب والإعالم‪ ،‬ف�إن‬
‫التحفي��ز �أ�صبح �آلية مهمة بالدفع بالمنتخبين لتدبير ال�ش�أن العام المحلي ب�شكل جيد‪ ،‬حيث �أنه كلما زادت‬
‫درجة تحفيز المنتخب ليتقن عمله زادت قدرته وفعاليته وذلك الرتباط التحفيز بالعمل‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬الرقابة الق�ضائية‬


‫نظ��را للإ�ش��كاالت المترتب��ة عن توزي��ع االخت�صا�صات بي��ن الجهة والدول��ة‪ ،‬ف�إن الق�ض��اء يمكنه �أن‬
‫يلع��ب دورا هام��ا في الف�ص��ل بين حدود تدخالت كل ط��رف‪ ،‬فالقا�ضي الإداري ف��ي المغرب‪ ،‬ب�إمكانه‬
‫�أن ي�ساه��م عب��ر �أحكامه وقراراته التخفيف م��ن وط�أة التخلف الإداري‪ ،‬ال��ذي يتج�سد عبر عدة مظاهر‪،‬‬
‫كظاه��رة التف��كك �أو التنافر الذي يعتبر �آفة متف�شية في الإدارات العمومي��ة‪ ،‬في ظل التوزيع ال�سيئ للمهام‬
‫واالخت�صا�ص��ات‪ ،‬والمركزية المفرطة والمتع�سفة ف�ضال عن غي��اب التن�سيق‪ ،‬والأدوات القانونية الخا�صة‬
‫بالجماعات الترابية التي ت�سودها ال�ضبابية‪.‬‬
‫كل هذه الظواهر تجعل النظام الإداري المحلي يت�سم بمجموعة من التفككات والتنافرات التي يمكن‬
‫للقا�ض��ي الإداري �أن يواجهه��ا باجته��ادات جريئة وذكية (‪ ((7‬فالق�ضاء ي�شكل �إح��دى ال�سلط التي ترتكز‬
‫عليها الدولة الديمقراطية والتي ال يمكنها �أن تتقدم �إال بوجوده (‪.((7‬‬
‫وق��د ج��اء في خطاب الملك المرحوم الح�سن الثاني في ‪ 8‬ماي ‪�« :1990‬إذا �أردنا حقيقة �أن نـبني دولة‬
‫القانون فعلينا كذلك �أن ن�أخذ بعين االعتبار حقوق المواطنين بالن�سبة لل�سلط وللإدارة وللدولة»‪.‬‬

‫(‪� ((6‬شاكر الم�ساوي‪« ،‬الإدارة المحلية المغربية وتحديات الحكامة (قراءة نقدية)»‪ ،‬بحث لنيل دبلوم الدرا�سات المعمقة في‬
‫القانون العام‪ ،‬جامعة عبد المالك ال�سعدي‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالقت�صادية واالجتماعية‪ ،‬طنجة‪� ،2005-2004 ،‬ص‪.48.‬‬
‫(‪ ((6‬محمد بوجيدة وميلود بوخال‪« ،‬نظام المنتخب الجماعي»‪ ،‬مطبعة النجاح الجديدة‪ ،‬الدار البي�ضاء‪ ،‬الطبعة الأولى‪،‬‬
‫‪� ،1999‬ص‪.96 .‬‬
‫(‪ ((6‬زكرياء �أوميمون‪« ،‬الأداء ال�سيا�سي والإداري للمنتخب الجماعي بالمغرب»‪ ،‬ر�سالة لنيل دبلوم الدرا�سات العليا في‬
‫القانون العام‪ ،‬جامعة محمد الخام�س‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالقت�صادية واالجتماعية الرباط‪� ،2008-2007 ،‬ص‪.20 .‬‬
‫(‪ ((7‬محمد اليعكوبي‪« ،‬دور المحاكم الإدارية في التنمية المحلية»‪ ،‬ت�أمالت حول الديمقراطية المحلية بالمغرب‪ ،‬مرجع‬
‫�سابق‪� ،‬ص‪.136-135 .‬‬
‫(‪ ((7‬عبد اهلل حداد‪« ،‬تطبيقات الدعوى الإدارية في القانون المغربي»‪ ،‬من�شورات عكاظ‪ ،‬الرباط‪� ،2005 ،‬ص‪.3.‬‬

‫المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية‪ ،‬عدد ‪ ،111‬يوليوز‪ -‬غ�شت ‪2013‬‬


‫عادل تميم‬ ‫‪120‬‬

‫وانطالقا من هذا الخطاب تم ت�أ�سي�س محاكم �إدارية في الجهات المغربية‪ ،‬و�صدور القانون رقم ‪41-90‬‬
‫المتعل��ق ب�إح��داث المحاكم الإدارية (‪ ،((7‬وبذلك يكون المغرب قد قطع �أ�شواطا في مجال تكري�س دولة‬
‫القان��ون‪ .‬فه��ذا الإ�صالح الق�ضائي عمل على المركزية الق�ض��اء الإداري عبر �إحداث �سبعة محاكم �إدارية‪،‬‬
‫حيث كانت الغرفة الإدارية بالمجل�س الأعلى تخت�ص بالنظر في جميع دعاوى الإلغاء على �صعيد مجموع‬
‫المملك��ة (‪ .((7‬فتم بذلك تكري�س مبد�أ المركزية المنازع��ات الإدارية بموازاة التطور الحا�صل في مجال‬
‫الالمركزية‪.‬‬
‫فالمحاك��م الإداري��ة له��ا دور مهم عل��ى م�ستوى الجهة ف��ي مراقبة العمل الجه��وي (‪ ،((7‬حيث �سن‬
‫الم�ش��رع مجموعة من ال�ضمانات م��ن �أجل �إنجاح الجهة كجماعة ترابية‪ ،‬فخول للقا�ضي الإداري الت�أكد‬
‫من احترام هذه ال�ضمانات‪ .‬وهو ما يمكن اعتباره م�ؤ�شرا نحو تقوية و�ضمان ا�ستقاللية الجهة (‪.((7‬‬
‫�إن القا�ض��ي الإداري يمك��ن له �أن يعمل على التخفيف ثق��ل و�صاية المالءمة‪ ،‬ذلك �أن �إقحام المحاكم‬
‫الإدارية في العالقات الو�صائية من طرف الم�شرع‪ ،‬م�ؤ�شر ذو داللة على �ضرورة موازنة �سلطة الدولة (‪.((7‬‬
‫خا�ص��ة‪ ،‬م��ا ينطوي عليه قانون الجهة م��ن �إ�شكالية تتج�سد في الطبيعة المزدوج��ة لالخت�صا�صات‪ ،‬حيث‬
‫�أنه��ا اخت�صا�صات محلية واخت�صا�صات �شبه وطني��ة في نف�س الوقت‪ .‬لذا فالمطلوب من القا�ضي الإداري‬
‫�أن يعم��ل على تو�ضيح وتدقيق معايير التميي��ز بين م�ستوى تدخل الدولة وتدخل الجهة‪ .‬و�إال �ست�صبح هذه‬
‫الأخيرة مجرد عن�صر ملحق �أو على الأرجح �شخ�ص متعاون مع الدولة (‪.((7‬‬
‫�إن الق�ض��اء الإداري ف��ي الدول المتقدم��ة يلعب دور كبيرا وحا�سما في الف�صل بي��ن �أدوار وم�ستويات‬
‫الجماع��ات الترابي��ة‪ ،‬والوقوف �إلى جانب الجماعات الترابية منه �إلى الدولة‪ .‬وذلك رغم تطور الن�صو�ص‬
‫القانونية والتنظيمية والو�ضوح الكبير الخت�صا�صات كل من الدولة والجماعات الترابية‪.‬‬
‫ف��ي �إ�سباني��ا يعمل الق�ض��اء على تحديد تو�ضي��ح اخت�صا�ص��ات المجموعات الم�ستقل��ة و�ضبط معنى‬
‫ا�ستقاللها واالعتراف لها بمجموعة من ال�صالحيات في مختلف المجاالت (‪.((7‬‬

‫(‪ ((7‬الظهير ال�شريف رقم ‪ 1-91-225‬ال�صادر في ربيع الأول ‪ 1414‬موافق �شتنبر ‪ 1993‬بتنفيذ القانون رقم ‪ 41-90‬المحدث‬
‫بموجبه محاكم �إدارية‪ ،‬الجريدة الر�سمية‪ ،‬عدد ‪ 4229‬بتاريخ ‪ 17‬نوفمبر ‪.1993‬‬
‫(‪� ((7‬إدري�س بن ال�ساهل‪« ،‬تطور و�آفاق الجهة بالمغرب»‪ ،‬ر�سالة لنيل دبلوم الدرا�سات العليا في القانون العام‪ ،‬جامعة محمد‬
‫الخام�س كلية العلوم القانونية واالقت�صادية واالجتماعية‪ ،‬الرباط‪�-‬أكدال‪� ،1996-1995 ،‬ص‪.269 .‬‬
‫(‪ ((7‬ر�شيد ال�سعيد‪« ،‬دور الالمركزية والالتمركز في دعم الجهوية بالمغرب»‪� ،‬أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام‪,‬‬
‫جامعة محمد الخام�س‪ ,‬كلية العلوم القانونية واالقت�صادية واالجتماعية‪ ,‬الرباط �أكدال‪� ،2000 ،‬ص‪.178 .‬‬
‫(‪ ((7‬امحمد العي�ساوي‪« ،‬تطور نظام الجهوية بالمغرب‪ :‬درا�سة قانونية �سو�سيو�سيا�سية (درا�سة مقارنة)»‪ ،‬مرجع �سابق‪،‬‬
‫�ص‪.95 .‬‬
‫(‪ ((7‬محمد اليعكوبي‪« ،‬دور المحاكم الإدارية في التنمية المحلية»‪ ،‬مرجع �سابق‪� ،‬ص‪.136 .‬‬
‫(‪ ((7‬نف�س المرجع ال�سابق‪� ،‬ص‪.141 .‬‬
‫(‪ ((7‬محمد بوجيدة‪« ،‬تداخل االخت�صا�صات بين الدولة والجماعات المحلية بين القانون والممار�سة»‪ ،‬مرجع �سابق‪،‬‬
‫�ص‪.158 .‬‬

‫المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية‪ ،‬عدد ‪ ،111‬يوليوز‪ -‬غ�شت ‪2013‬‬


‫‪121‬‬ ‫الجهوية المتقدمة بين �إ�شكالية توزيع االخت�صا�صات ورهان التوازن‬

‫نف���س ال��دور يلعبه الق�ضاء ف��ي فرن�سا‪ ،‬حيث كان له دور كبير في تحدي��د اخت�صا�صات كل من الدولة‬
‫والجماع��ات الترابية بمختلف �أ�صنافها (الجهات ‪ -‬المحافظ��ات ‪ -‬الجماعات) كاجتهاد مجل�س الدولة‬
‫بتاريخ ‪ 26‬دجنبر ‪ 1908‬و‪ 19‬يوليوز ‪ 1929‬القا�ضيان بعدم ال�سماح للجماعات بالتطاول على اخت�صا�صات‬
‫الم�ؤ�س�س��ات العمومية‪ ،‬واجتهاده بمنعها من التدخ��ل في المجالين ال�صناعي والتجاري‪� ،‬إال �إذا كان هناك‬
‫نق�ص �أو عجز في المبادرة الخا�صة وذلك تطبيقا لمبد�أ حرية التجارة وال�صناعة‪ ،‬واعتباره بع�ض الأمور غير‬
‫مكت�سبة �صبغة الم�صلحة العامة المحلية‪.‬‬
‫�إال �أن الق�ضاء الإداري المغربي يت�سم محدودية تدخله وترجع غالبية الأ�سباب �إلى عدم �إلمام المنتخبين‬
‫ب�ش�ؤونه��م وم�س�ؤولياته��م‪� ،‬إذ �أن �ضع��ف تكوينه��م و�ض�آل��ة م�ؤهالته��م العلمي��ة وقلة تجربته��م العلمية‪،‬‬
‫تجعله��م غير قادرين على �ضبط حاالت تن��ازع وتداخل االخت�صا�صات‪ .‬ف�ضال عن ذلك هناك التراكمات‬
‫ال�سو�سيولوجية التي تجعل المنتخب يت�سم بعدم الجر�أة على الوقوف �أمام وجه الدولة ومقا�ضاتها‪ ،‬وبذلك‬
‫تبقى ثقافة الطعن في القرارات الإدارية غير منت�شرة في المغرب‪.‬‬
‫�إن ع��زم المغرب على بلورة جهوية متقدم��ة ومو�سعة ي�ستدعي تظافر الجهود من طرف كل الفاعلين‪،‬‬
‫وخا�صة الق�ضاء لحل الإ�شكاالت الناجمة عن ما يثيره تطبيق االخت�صا�صات من غمو�ض (‪ .((7‬وللقيام بهذا‬
‫الدور على �أح�سن وجه‪ ،‬يتعين فتح الآفاق لتحتل الم�ؤ�س�سة الق�ضائية مكانتها بين نماذج الق�ضاء عبر العالم‪،‬‬
‫وت�ستفيد من المناهج واالجتهادات (‪ ((8‬التي كر�ستها هذه الم�ؤ�س�سات في البالد الديمقراطية العريقة‪ ،‬غير‬
‫�أن ع��بء ه��ذا التطور ال يقع على هذه الم�ؤ�س�سة بمفردها‪ ،‬فهو رهين بن�ضج كافة الفاعلين ال�سيا�سيين �سواء‬
‫على م�ستوى الدولة �أو على م�ستوى المجتمع ال�سيا�سي (‪.((8‬‬
‫وكتجمي��ع لم��ا �سبق‪ ،‬ف�إن م�س�ألة الت��وازن في االخت�صا�صات بين الجهة والدول��ة عملية �صعبة ومعقدة‬
‫لك��ن غي��ر م�ستحيلة تفر�ض اعتماد نظرة �شمولية وعميقة للأم��ور‪ .‬فتحقيق التوازن في االخت�صا�صات بين‬
‫الجهة والدولة يقت�ضي تمتيع الجهة باالخت�صا�صات وال�صالحيات المهمة‪� ،‬ضمن �إ�ستراتيجية وا�ضحة ذات‬
‫حلقات مت�سل�سلة‪ ،‬تبتدئ كل حلقة فيها‪ ،‬من ما انتهت �إليه �سابقتها‪.‬‬
‫وعلي��ه فمنح ه��ذه ال�صالحيات يكون بناء على ال��دور الذي يجب �أن تلعبه الجه��ة‪ ،‬وهو دور يتحدد‬
‫انطالق��ا من ع��دة اعتبارات ومح��ددات‪� ،‬أهمها �ض��رورة تر�سي��خ الديمقراطية المحلية وتحقي��ق التنمية‬
‫االقت�صادية واالجتماعية‪ ،‬وبناء على ذلك يتم منح الجهة اخت�صا�صات مو�سعة ومحددة ب�شكل دقيق تمار�س‬

‫(‪ ((7‬محمد يحيا‪« ،‬الوجيز في القانون الد�ستوري للمملكة المغربية»‪ ،‬مطبعة ا�سبارطيل‪ ،‬طنجة‪ ,‬الطبعة الثالثة‪،2004-2003 ،‬‬
‫�ص ‪.66‬‬
‫(‪ ((8‬محمد حركات‪« ،‬الو�صايا الع�شر الكفيلة ب�ضمان نجاح تجربة المحاكم المالية بالمغرب»‪ ،‬من�شورات المجلة المغربية‬
‫للتدقيق والتنمية‪� ،‬سل�سلة «التدبير اال�ستراتيجي»‪ ،‬عدد ‪� ،2002 ،3‬ص‪.10 .‬‬
‫(‪ ((8‬عبد العزيز النوي�ضي‪« ،‬المجل�س الد�ستوري بالمغرب»‪ ،‬من�شورات المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية‪� ،‬سل�سلة‬
‫«م�ؤلفات و�أعمال جامعية»‪ ،‬عدد ‪� ،2001 ،29‬ص‪.41.‬‬

‫المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية‪ ،‬عدد ‪ ،111‬يوليوز‪ -‬غ�شت ‪2013‬‬


‫عادل تميم‬ ‫‪122‬‬

‫عب��ر �أجهزة م�ستقل��ة ومنتخبة من طرف ال�ساكنة المحلي��ة باالقتراع العام المبا�ش��ر‪ ،‬وذلك لما يوفره هذا‬
‫الأ�سلوب من تمثيل ديمقراطي و�شرعية مبا�شرة من القاعدة‪.‬‬
‫ول�ضم��ان فاعلي��ة ه��ذه االخت�صا�صات‪ ،‬يتعي��ن �إعادة توزيع الم��وارد بين الجهة والدول��ة‪ ،‬ويهم ذلك‬
‫بالدرجة الأولى‪ ،‬العن�صر الب�شري الذي يعد رافعة لكل رهان تنموي كبير ف�ضال عن الموارد المالية ومدى‬
‫�أهميتهما في تج�سيد ذلك على �أر�ض الواقع‪.‬‬
‫بالإ�ضافة �إلى �آليات ال�شراكة والتخطيط وما ت�شكله من دعائم في تحقيق التكامل الوظيفي والم�ؤ�س�ساتي‬
‫بين الجهة والدولة‪.‬‬

‫المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية‪ ،‬عدد ‪ ،111‬يوليوز‪ -‬غ�شت ‪2013‬‬

‫)‪Powered by TCPDF (www.tcpdf.org‬‬

You might also like