You are on page 1of 68

‫ماستر القانون العام المعمق‬

‫وماستر المجتمع المدني والديمقراطية التشاركية‬

‫قراءة‬
‫في‬
‫القوانين التنظيمية للجماعات الترابية‬

‫تحت إشراف‪:‬‬
‫الدكتور‪ :‬نجيب حجيوي‬
‫من إعداد الطلبة‪:‬‬

‫محمد گريني‬ ‫‪‬‬


‫محمد معان‬ ‫‪‬‬
‫أحمد أگناو‬ ‫‪‬‬
‫غزالن أيت ابا‬ ‫‪‬‬
‫عبدالرحيم ماموني‬ ‫‪‬‬

‫السنة الجامعية ‪7102-7102:‬‬

‫‪1‬‬
‫مقدمة‬
‫أضحى البعد الترابي للمملكة المغربية‪ ،‬في سياق الصيرورة التاريخية لإلصالحات الدستورية والقانونية‪ ،‬بمثابة‬

‫امتحان للفاعلين المعنيين بتدبير أنماط التنظيم اإلداري وتكريسا للفعل الديمقراطي المحلي‪ ،‬سيما بعد تنصيص‬

‫دستور ‪ 1122‬على ال مركزية تنظيمها الترابي وانتخاب مجالس مستوياتها الثالثة باالقتراع العام المباشر‪ ،‬من أجل‬

‫تسيير شؤون مجالها الجغرافي بكيفية ديمقراطية وابراز فاعليتها في إعداد السياسات الترابية‪ ،‬إلى جانب مساهمتها‬

‫في تفعيل السياسة العامة للدولة‪.‬‬

‫وإن كانت المجالس الجهوية واإلقليمية والجماعية‪ ،‬تعد أشخاصا اعتبارية خاضعة للقانون العام‪ ،‬فإن تنظيمها‬

‫سيرتكز على مبادئ التدبير الحر والتعاون والتضامن‪ ،‬بما يتوافق والسير في اتجاه تأمين مشاركة السكان المعنيين‬

‫بتدبير شؤونهم محليا والرفع من مساهمتهم في التنمية البشريةالمندمجة والمستدامة‪ ،‬وذلك أثناء إعداد برامجها‬

‫وتتبعها عن طريق آليات تشاركية للحوار والتشاور‪ ،‬تتكلف المجالس الترابية بوضعها ضمن محاور مداوالتها‬

‫ومقرراتها التي تنفذ من طرف رؤسائها مساعدة الوالة والعمال‪ ،‬علىأساس عدم أحقية أية جماعة ترابية ممارسة‬

‫الوصاية على جماعة أخرى‪ ،‬بما في ذلك الجهة التي تتبوأ مكانة الصدارة في إعداد وتتبع البرامج التنموية‬

‫والتصاميم الجهوية إلعداد التراب‪.‬‬

‫ومن منطلق توفر كل جماعة ترابية على سلطة تنظيمية لممارسة صالحياتها في حدود دائرتها الترابية ووفقا‬

‫لمجاالت اختصاصاتها الذاتية والمشتركة مع الدولة والمنقولة اليها من المركز‪ ،‬استنادا على مبدأ التفريع‪ ،‬فإن‬

‫المشرع الدستوري ذهب في اتجاه اعتماد التناسق والتوزان في الصالحيات واإلمكانات‪ 1‬وتفادي تداخل‬

‫االختصاصات أو تضاربها‪ ،‬والعمل على ضمان توزيعها بما يتماشى واستحضار مستلزمات العقلنة واالنسجام‬

‫والتكامل‪ ،2‬في أفق مؤشرات الترسيخ القانوني الستقاللية التنظيم الالمركزي إداريا وماليا وتعزيز دور الهيئات‬

‫المنتخبة في اتخاذ قراراتها وتنفيذها‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫سيدي موالي احمد عيالل‪ ،‬النموذج الجهوي بالمغرب بين السياسة والقانون‪ ،‬مجلة مسالك في الفكر والسياسة واالقتصاد‪ ،‬العدد ‪ ،13/13‬السنة ‪ ،33‬مطبعة‬
‫النجاح الجديدة‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،3132 ،‬ص ‪96‬‬
‫‪2‬‬
‫محمد الماحي‪ ،‬المعيقات التي تحد من مفعولية التمويل بالمشاركة لدى المصارف اإلسالمية‪ ،‬مجلة المنارة للدراسات القانونية واإلدارية‪ ،‬العدد التاسع‪ ،‬دار السالم‬
‫للطباعة والنشر‪ ،‬الرباط‪ ،‬مارس ‪ ،3132‬ص ‪341‬‬

‫‪2‬‬
‫إن هذا التأسيس الدستوري ألهمية البعد الترابي في التنظيم اإلداري ومكانة الجماعات الترابية في ترسيخ‬

‫الديمقراطية المحلية ومستوى فاعلية المعنيين بتدبيرها‪ ،‬يدفع الباحث إلى دراسة إشكاليات التنظيم القانوني للتدبير‬

‫الترابي‪ ،‬سيما منها ما يتعلق بالصالحيات واالختصاصات‪.‬‬

‫ومن خالل القراءة المتفحصة لألحكام العامة‪ ،‬المدرجة في األقسام التمهيدية للقوانين التنظيمية الخاصة‬

‫بالجماعات الترابية‪ ،‬تطبيقا لمقتضيات الفصل ‪ 241‬من الدستور‪ ،‬يالحظ أن التأطير المؤسساتي والتنظيمي للتدبير‬

‫الترابي المحلي سيصطدم بمحددات التداخل والتطابق والتوازي‪ ،‬سيما في ظل تمتع الجهات والعماالت واألقاليم‬

‫والجماعات بالشخصية االعتبارية واالستقالل المالي واإلداري على حد السواء‪ ،‬إلى جانب خضوعها للقانون العام‪،‬‬

‫باعتبار كل منها تشكل مستوى مستقل عن اآلخر في التنظيم الترابي للمملكة‪ .‬األمر الذي ينافيه تبوأ الجهة مركز‬

‫الصدارة بالنسبة للجماعات الترابية األخرى في إعداد برامج التنمية والتصاميم الجهوية إلعداد التراب وتنفيذها‬

‫وتتبعها‪ ،‬بالرغم من التنصيص على األخذ بعين االعتبار االختصاصات الذاتية لباقي الوحدات الترابية‪ ،‬وكذلك هو‬

‫الشأن بالنسبة لمجلس العمالة أو اإلقليم الذي يعهد له‪ ،‬تطبيقا لمقتضيات البند التاسع من الفصل ‪ 241‬من الدستور‬

‫المتعلق بإحداث آليات لتكييف التنظيم الترابي‪ ،‬في إطار تعزيز التعاون بين الجماعات‪ ،‬بصالحية ممارسة بعض‬

‫االختصاصات بالوكالة عن كل أو بعض الجماعات الموجودة بترابها‪ ،‬إذا تبينت نجاعة ذلك‪ ،‬وفقا إلطار تعاقدي‬

‫يشترط موافقة المجالس الجماعية المعنية‪ ،‬والتي يرتكز تنظيمها على مبادئ التدبير الحر والتضامن والتعاون من‬

‫أجل بلوغ أهدافها‪ ،‬المتمثلة على وجه الخصوص‪ ،‬في إنجاز المشاريع المشتركة‪ ،‬مثلها في ذلك مثل باقي الوحدات‬

‫الترابية‪ ،‬التي لها أيضا‪ ،‬طبقا للفقرة الثانية من الفصل ‪ 241‬من الدستور‪ ،‬وبشكل منفرد‪ ،‬حق ممارسة‬

‫االختصاصات الذاتية والمشتركة مع الدولة والمنقولة إليها من طرفها‪ ،‬بالتوازي مع تحويل الموارد الالزمة لممارسة‬

‫هذه االختصاصات‪.‬‬

‫وبالنظر إلى مقتضيات القسم الثاني من كل قانون تنظيمي بعينه‪ ،‬يستجلي الباحث‪ ،‬مزيدا من االرتباك المنهجي‬

‫في الصياغة القانونية‪ ،‬بحيث تفرز فقرات الباب األول عدم الدقة في ضبط الحدود التقنية للغاية من تنويع وتعدد‬

‫مصادر االختصاصات الترابية‪ ،‬وذلك نتيجة لشمولية المفاهيم التي صيفت بها المهام المنوطة بالجهات والعماالت‬

‫واألقاليم والجماعات داخل دوائرها الترابية‪ ،‬مما يفسح المجال للمعنيين بالتدبير الترابي تفسير تلك المهام وفقا‬

‫‪3‬‬
‫النتمائهم السياسي أو تماشيا مع تكوينهم القانوني او ارتباطا بأهمية محيطهم المجالي اقتصاديا‪ ،‬أو ما إلى ذلك من‬

‫المؤشرات التي تنعكس سلبا على االلتزام الصريح والواضح للمقتضيات الدستورية‪.‬‬

‫كل ذلك يتضح بجالء‪ ،‬في ‪:‬‬

‫‪ -‬نهوض الجهة‪ ،‬داخل دائرتها الترابية‪ ،‬بالتنمية المندمجة والمستدامة وتنظيمها وتنسيقها وتتبعها‪ ،‬سيما فيما يتعلق‬

‫منها بتحسين جاذبية المجال الترابي للجهة وتقوية تنافسيتها االقتصادية‪ ،‬وتحقيق االستعمال األمثل للموارد الطبيعية‬

‫وتثمينها والحفاظ عليها‪ ،‬واعتماد التدابير واإلجراءات المشجعة للمقاولة ومحيطها‪ ،‬والعمل على تيسير توطين‬

‫األنشطة المنتجة للثروة والشغل‪ ،‬واإلسهام في تحقيق التنمية المستدامة‪ ،‬والعمل على تحسين القدرات التدبيرية‬

‫للموارد البشرية وتكوينها‪ ،‬على أساس أن ال تتجاوز الجهة مهامها المدرجة ضمن هذه المجاالت‪ ،‬والسياسات‬

‫واالستراتيجيات العامة والقطاعية للدولة‪.‬‬

‫‪ -‬نهوض العمالة أواإلقليم‪ ،‬داخل دائرتهما الترابية‪ ،‬بالتنمية االجتماعية‪ ،‬خاصة في الوسط القروي‪ ،‬وكذا في‬

‫المجاالت الحضرية‪ ،‬كما تتمثل مهامها‪ ،‬إلى جانب ذلك‪ ،‬في تعزيز النجاعة والتعاضد والتعاون بين الجماعات‬

‫المتواجدة بترابها‪ ،‬إذ تعمل على توفير التجهيزات والخدمات األساسية وبخاصة في الوسط القروي‪ ،‬تفعيل مبدأ‬

‫التعاضد بين الجماعات عن طريق القيام باألعمال وتوفير الخدمات وإنجاز المشاريع أو األنشطة التي تتعلق أساسا‬

‫بالتنمية االجتماعية في الوسط القروي‪ ،‬محاربة اإلقصاء والهشاشة في مختلف القطاعات االجتماعية‪ ،‬شرط أن ال‬

‫يتجاوز كل ذلك سياسات واستراتيجيات الدولة في هذه المجاالت‪.‬‬

‫‪ -‬تقديم الجماعة‪ ،‬داخل دائرتها الترابية خدمات للمواطنات والمواطنين‪ ،‬في إطار االختصاصات المسندة إليها‪،‬‬

‫بموجب قانونها التنظيمي‪ ،‬وذلك بتنظيمها وتنسيقها وتتبعها‪.‬‬

‫إن مهام النهوض بالتنمية المندمجة والمستدامة والتنمية االجتماعية وتقديم خدمات القرب‪ ،‬التي أنيطت بكل جماعة‬

‫ترابية على حدى‪ ،‬ال تخرج عن نطاق تبعية األدنى لألعلى في سياق التعارض مع منطق التساوي في االستقالل‬

‫المالي واإلداري‪ ،‬وال تحفز على اتخاذ زمام المبادرة ارتكازا على مبدئي التدبير الحر والتفريع‪ ،‬بل إنها ال تؤسس‬

‫لديمقراطية محلية‪ ،‬سيما في ظل عمومية االختصاصات وتداخلها بين الجماعات الترابية وتنازعها بين ممثلي‬

‫الحكومة ورؤساء المجالس الترابية‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫وفيما يتعلق بالمالحظات المتصلة بعالقة القوانين التنظيمية الترابية مع تلك المتعلقة باالنتخابات؛ فلقد صادق‬

‫مجلس النواب بأغلبية ‪ 241‬نائبا وامتناع ‪ 91‬نائبا عن التصويت‪ ،‬في جلسة عامة عقدها يوم األربعاء ‪ 29‬يونيو‬

‫‪ 1122‬على مشروع قانون تنظيمي رقم ‪ 54.22‬يقضي بتغيير وتتميم القانون التنظيمي رقم ‪ 21.22‬المتعلق‬

‫بانتخاب أعضاء مجالس الجماعات الترابية‪ ،‬وذلك في أفق تبسيط قواعد النظام االنتخابي للجهات واقتراح اعتماد‬

‫دائرة انتخابية واحدة على مستوى كل عمالة وإقليم وعمالة المقاطعات‪ ،‬مع تخصيص ثلث المقاعد على األقل للنساء‬

‫في كل دائرة انتخابية‪ ،3‬عوض نظام الدائرتين المنصوص عليه في القانون التنظيمي رقم ‪ ،22-21‬إلى جانب‬
‫‪4‬‬
‫اعتماد ورقة تصويت فريدة واحدة تستعمل في الوقت نفسه لالقتراعين الجماعي والجهوي‪.‬‬

‫في حين تنص القوانين التنظيمية للوحدات الترابية على تدبير شؤونها من طرف مجالس ينتخب أعضائها وفقا‬

‫ألحكام القانون التنظيمي رقم ‪ 22-21‬المتعلق بانتخاب أعضاء مجالس الجماعات الترابية الصادر بتنفيذه الظهير‬

‫الشريف رقم ‪ 2.22.295‬بتاريخ ‪ 14‬من ذي الحجة ‪ 12( 2415‬نوفمبر ‪ ،)1122‬وهو ما يؤدي إلى التشظي أو‬

‫التعارض القانوني‪ ،‬وبخاصة إذا لم ينتبه المجلس الدستوري لهذه اإلشكاالت التي يترتب عن عدم موائمة مقتضياتها‬

‫مع بعضها البعض‪ ،‬عدم دستورية االنتخابات المحلية بأصنافها الثالثة‪ ،‬األمر الذي ينجم عنه عدم تمكن المجالس‬

‫المنتخبة من أداء مهامها وممارسة اختصاصاتها تحت طائلة البطالن‪.‬‬

‫فكيف عالجت القوانين التنظيمية الترابية االختالالت المرتبطة بالمبادئ الدستورية المؤطرة لها‪ ،‬والمتعلقة‬

‫بتوزيع‪ ،‬تداخل وتنازع االختصاصات ؟‬

‫وفي سبيل ذلك‪ ،‬سنحاول اإلجابة عن أسئلة من قبيل ‪:‬‬

‫‪ -‬ما الجديد الذي جاءت به مبادئ الحكامة الجيدة في القوانين التنظيمية الترابية ؟‬

‫‪ -‬أين تكمن معالم االرتباك المنهجي في التفعيل الدستوري للقوانين التنظيمية الترابية ؟‬

‫‪ -‬ما انعكاساتها على توضيح االختصاصات الترابية ؟‬

‫‪ -‬وما حدود فاعلية توزيع هذه االختصاصات ؟‬

‫‪3‬‬
‫مجلس النواب يصادق باألغلبية على مشروع قانون تنظيمي يتعلق بانتخاب أعضاء مجالس الجماعات الترابية‪ 31 ،‬يونيو ‪ ،3132‬الموقع االلكتروني الرسمي‬
‫لمجلس النواب‪ ،‬المملكة المغربية‪ ،‬تم االطالع عليه بتاريخ ‪ 33‬يونيو ‪www.chambredesrepresentants.ma 3132‬‬
‫‪4‬‬
‫تقرير لجنة الداخلية والجماعات الترابية والسكنى وسياسة المدينة حول مشروع قانون تنظيمي رقم ‪ 14-32‬يقضي بتغيير تتميم القانون التنظيمي رقم ‪26-33‬‬
‫المتعلق بانتخاب أعضاء مجالس الجماعات الترابية‪ ،‬دورة أبريل ‪ ،3132‬مجلس النواب‪ ،‬المملكة المغربية‪ ،‬ص ‪8‬‬

‫‪5‬‬
‫المبحث األول ‪ :‬القوانين التنظيمية الترابية وإعادة بناء وتأهيل المجال الترابي‬
‫المطلب األول ‪ :‬محددات وسياق القانون التنظيمي للجماعات‬
‫الفقرة األولى ‪ :‬السياق المرجعي لصدور القانون التنظيمي للجماعات‬

‫لقد باتت الالمركزية الترابية األسلوب األمثل واألنجع واألكثر مالءمة لروح العصر ولمتطلبات التنمية المحلية‬

‫وتكريس الديمقراطية؛ فالوحدات الترابية ‪ -‬خاصة الجماعات ‪ -‬غدت أهم اآلليات الناجعة لتدبير المجال المحلي‬

‫وتحقيق التنمية‪ ،‬على مستوى أبعادها وجوانبها السياسية واالجتماعية واالقتصادية واإلدارية والثقافية‪ ...‬كما أنها‬

‫اإلطار المالئم للمساهمة في بلورة استراتيجيات جديدة وبديلة للتنمية حيث أن إشراك سكان الوحدة المحلية في تدبير‬

‫شؤونهم العامة‪ ،‬من شأنه تفج ير الطاقات الكامنة لديهم وتعزيز ثقتهم‪ ،‬في اتجاه العمل المنتج والبناء في سبيل تنمية‬

‫وحدتهم والرقي بها‪ .‬فالسكان المحليون يعتبرون هم األقدر من غيرهم على ذلك‪ ،‬بحكم معرفتهم بواقعهم وإمكانياتهم‬

‫ومشاكلهم؛ فاألشخاص الذين يتولون إدارة الشؤون المحلية هم في الغالب من أبناء الوحدة المحلية ولهم صالت‬

‫وروابط وثيقة مع سكانها‪ ،‬ومن ثم ‪ -‬إذا توفرت اإلرادة‪ -‬فإنهم األصلح للنهوض بالحكامة الترابية‪.‬‬

‫إن الجماعات الصغرى أو ما كان يسمى سابقا بالجماعات الحضرية والقروية أصبحت في اآلونة األخيرة ‪-‬‬

‫وبال منازع ‪ -‬إحدى المحددات الرئيسية للتدخالت العمومية في مختلف مظاهر تدبير الشؤون العامة الترابية‬

‫بالمغرب‪ .‬ولعل تلك األهمية لم تأت بمحض الصدفة وال من فراغ‪ ،‬بل كانت نتيجة طبيعية لتطورات وطنية ودولية‬

‫أملتها ظروف ومعطيات معينة حتمت هذا التغيير‪ ،‬وفرضت هذا الدور الطالئعي للجماعات ولإلدارة المحلية‬

‫عموما‪ ،5‬فتنمويا ‪ ،‬كانت الدولة الممركزة قد فشلت في تحقيق أهدافها‪ ،‬وسياسيا‪ ،‬لم تعد الدولة بمفهومها المركزي‬

‫قادرة على إرساء قواعد الديمقراطية التي تقتضي القرب من المواطن وإشراكه في تسيير شؤونه بنفسه‪.6‬‬

‫إن السياق المرجعي المتعلق بصدور القانون التنظيمي للجماعات إذا كان عامال أساسيا في فهم واستيعاب‬

‫مختلف المقتضيات والقواعد التي جاء بها في مواده واألهداف التي يرمي إلى تحقيقها‪ ،‬فإن الحصر الدقيق لمختلف‬

‫العوامل والمحددات المرجعية‪ ،‬مسألة جد صعبة ومعقدة‪ ،‬وذلك نظرا لتفاعل وتداخل عدة عوامل ومعطيات‪ ،‬بحيث‬

‫ال يمكن الفصل بين مختلف المجاالت والعوامل التي تدخل فيها‪ ،‬حتى ال يبخس لكل عنصر من تلك العناصر‬

‫‪5‬‬
‫سعيد الميري‪ ،‬التدبير االقتصادي للجماعات المحلية‪ ،‬أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية‪ ،‬جامعة محمد‬
‫الخامس السويسي الرباط‪ ،3111-3119 ،‬ص ‪3‬‬
‫‪6‬‬
‫العرابي الغمري‪ ،‬تحديث اإلدارة الترابية للدولة في المغرب‪ ،‬أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية‪ ،‬جامعة‬
‫محمد األول وجدة‪ ،3114-3111 ،‬ص ‪23‬‬

‫‪6‬‬
‫والمكونات دورها‪ .‬هذا من جهة‪ ،‬ومن جهة أخرى‪ ،‬حتى يفهم هذا السياق واألساس المرجعي فهما دقيقا وشامال‪.‬‬

‫ولما كان هذا السياق المرجعي‪ ،‬ونظرا لخصوصيات النموذج المغربي لإلدارة المحلية‪ ،‬قد يصبح غامضا‬

‫وفضفاضا‪ ،‬وتارة أخرى واضحا وظاهرا ‪ ،‬فإن تحديده بدقة أمر ليس هينا‪ ،‬كما قد يبدو‪ ،‬ذلك للبعض خطأ‪ ،‬فأي دور‬

‫محدد ألي عامل من العوامل في بلورة النص القانوني‪ ،‬كما خرج في صيغته الحالية شكال ومضمونا ؟ األمر يتعلق‬

‫هنا بثالث محددات وعوامل متحكمة أساسية ‪ -‬إلى جانب عوامل أخرى ثانوية‪ -‬وهي الخطاب والقانون والممارسة‪.‬‬

‫‪ -1‬على مستوى الخطاب السياسي‪،‬‬

‫لقد أخذ نظام الالمركزية اإلدارية الترابية حيزا هاما من اهتمام المؤسسات السياسية الرسمية وغير الرسمية‪،‬‬

‫خاصة بالنسبة للمؤسسة الملكية‪ - 7‬خاصة في اآلونة األخيرة ‪ ، -‬حيث ال يكاد أي خطاب ملكي أو برنامج حكومي‬

‫أو حتى تصريح سياسي لألحزاب حول التنمية‪ ،‬يخلو من الحديث على ضرورة "‪ ....‬ترسيخ الالمركزية في اتجاه‬

‫إفراز مجالس محلية وإقليمية وجهوية تجمع بين ديمقراطية التكوين وعقالنية التقطيع ونجاعة وشفافية وسالمة‬

‫التدبير‪ ،‬والتوفر على أوسع درجات الحكم الذاتي اإلداري والمالي‪ ،‬من شأنه جعلها تنهض بعملية التنمية االقتصادية‬

‫واالجتماعية‪." ....‬‬

‫والمؤسسة الملكية‪ ،‬بحكم مكانتها ومركزها في النظام السياسي المغربي‪ ،‬فهي ما فتئت تدعو إلى تغيير قوانين‬

‫اإلدارة المحلية باستمرار‪ ،‬من أجل تصور مجالي توافقي لمواجهة الرهانات والتحديات‪ ،‬حيث قال الملك في إحدى‬

‫خطاباته " وكل ذلك في إطار استحضار واع لما دعونا إليه‪ ،‬من تغيير في قوانين الالمركزية والالتمركز ووفق‬

‫مفهوم جديد‪ ،‬يجعل من السياسة التعاقدية أداة أساسية لبلورة تصور مجالي توافقي "‪ .‬كما يؤكد على ضرورة‬

‫اإلسراع بترسيخ الالمركزية والالتمركز‪ ،‬في اتجاه إفراز مجالس محلية وإقليمية وجهوية‪ ،‬تجمع بين ديمقراطية‬

‫التكوين وعقالنية التقطيع‪ ،‬ونجاعة وشفافية وسالمة التدبير"‪.‬‬

‫وإذا كان الملك محمد السادس‪ ،‬من خالل هذه األفكار الواردة في خطاباته األولى‪ ،‬بعد تولي قيادة البالد في ‪52‬‬

‫يوليوز ‪ ،2111‬يبدو مقتنعا ومتشبثا أن التنمية المستدامة والشاملة هدف أسمى في البالد‪ ،‬ال يمكن تحقيقه إال من‬

‫‪7‬‬
‫عبد الرحمان جمجامة‪ ،‬اإلدارة بالالمركزية مع الالتمركز وسياسة القرب في الخطاب والنشاط الملكي من محمد الخامس إلى محمد السادس‪ ،‬دار السالم للطباعة‬
‫والنشر والتوزيع ‪ ،‬الرباط‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،3114 ،‬ص ‪ 31‬وما بعدها‬

‫‪7‬‬
‫خالل النهوض بمستوى الحكامة الترابية‪ ،‬فإن هذا االقتناع سيزداد بالتدريج والتراكم مع كل مرحلة االقتناع سيرداد‬

‫و من المراحل‪ ،‬إلى أن يتم اإلعالن عن الجهوية المتقدمة‪ ،‬كورش جديد بنفس مستجد ومفتوح للحكامة الترابية‪.‬‬

‫ولقد شكل الخطاب الملکی بمناسبة الذكرى ‪ 55‬للمسيرة الخضراء‪ ،‬في هذا اإلطار‪ ،‬منعطفا تاريخيا ومهما في‬

‫المغرب‪ ،‬ونقطة حاسمة النطالق العمل في إطار مشروع الجهوية الموسعة‪ .‬حيث أكد الملك محمد السادس عزمه‬

‫على توطيد الجهوية المتقدمة بمنظور جديد للتنمية الجهوية المتوازنة‪ ،‬ال يختزلها في مجرد أهداف وأبعاد إدارية‬

‫ومؤسساتية وثقافية فقط‪ ،‬بل يعتبرها إصالحا هيكليا عميقا‪ ،‬يقتضى جهدا جماعيا لبلورته وإنضاجه وفضاء خصبا‬

‫للتنمية الشاملة والمتواصلة بالجهة ومن أجلها‪.‬‬

‫ويقول الملك في هذا السياق‪" :‬لذلك قررنا‪ ،‬بعون هللا‪ ،‬فتح صفحة جديدة في نهج اإلصالحات المتواصلة الشاملة‬

‫التي نقودها‪ ،‬بإطالق مسار جهوية متقدمة ومتدرجة‪ ،‬تشمل كل مناطق المملكة‪ ،‬وفي مقدمتها جهة الصحراء‬

‫المغربية‪ ،‬مؤكدين عزمنا الراسخ على تمكين كافة ساكنتها وأبنائها من التدبير الديمقراطي الشؤونهم المحلية ضمن‬

‫مغرب موحد "‪.‬‬

‫وتندرج الجهوية المتقدمة في إطار السياسة العامة للمغرب‪ ،‬التي وضع أسسها ومرتكزاتها الملك محمد السادس‬

‫منذ توليه العرش‪ ،‬وتدخل ضمن المفهوم الجديد للسلطة‪ ،‬كآلية لتفعيل الديمقراطية المحلية على المستوى الوطني‬

‫وذلك من خالل ترك الحرية في االختيارات االقتصادية واالجتماعية والتنموية للسكان المحليين حسب كل جهة‪،‬‬

‫يديرونها ويدبرونها حسب ما يرونه مناسبا لقدراتهم ومواردهم الذاتية‪ ،‬وفي إطار من التضامن والتكامل والتناغم مع‬

‫باقي الجهات األخرى‪.8‬‬

‫إن الخطب الملكية في المغرب‪ ،‬ونظرا ألهميتها القصوى المستمدة من المكانة التي يحظى بها الملك داخل‬

‫النظام السياسي المغربي‪ ،‬تشكل نوعا من التواصل الذي ال يحتمل أية وساطة بين الملك والشعب‪ .9‬وإذا كانت‬

‫الجهوية الموسعة أو المتقدمة قد أصبحت إحدى االهتمامات الكبرى في الخطب الملكية وطموحا شخصيا للملك‬

‫محمد السادس‪ ،‬فإن ذلك من منطلق االقتناع بأهمية االستراتيجية الجهوية في التنمية‪ .10‬كما أن ذلك فرض على‬

‫‪8‬‬
‫الشرقي نصرو وشحشي عبد الرحمان‪ ،‬الجهوية الموسعة في الخطب الملكية بين التحليل السميائي والتحليل السياسي‪ ،‬مقال منشور بسلسلة الالمركزية المحلية‪،‬‬
‫العدد ‪ ،9‬الطبعة األولى‪ ،3131 ،‬ص ‪43‬‬
‫‪9‬‬
‫عبد الكبير يحيا‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪449‬‬
‫‪10‬‬
‫محمد اليعكوبي‪ ،‬مفهوم الجهوية المتقدمة في الخطب الملكية‪ ،‬م م إ م ت‪ ،‬سلسلة مواضيع الساعة‪ ،‬مطبعة دار النشر المغربية الرباط‪ ،‬العدد ‪ ،3133 ،13‬ص‬
‫‪31‬‬

‫‪8‬‬
‫الحكومة وعلى باقي المؤسسات السياسية الرسمية وغير الرسمية هي األخرى االهتمام بهذا الورش اإلصالحي‬

‫الجديد‪.‬‬

‫وفي هذا اإلطار‪ ،‬فقد جاء في الخطاب الملكي ليوم ‪ ،1121‬بمناسبة تنصيب اللجنة االستشارية للجهوية‪" ،‬نتولى‬

‫اليوم‪ ،‬تنصيب اللجنة االستشارية للجهوية‪ .‬وهي لحظة قوية‪ ،‬نعتبرها انطالقة لورش هيكلي كبير‪ ،‬نريده تحوال‬

‫نوعيا في أنماط الحكامة‪ ،‬كما نتوخى أن يكون انبثاقا لدينامية جديدة‪ ،‬لإلصالح المؤسسي العميق "‪ .‬ولعله من هذا‬

‫المنظور‪ ،‬كان من بين أهم التوصيات والمقترحات التي تقدمت بها اللجنة االستشارية للجهوية‪ ،‬ما يتعلق بضرورة‬

‫التعديل الدستوري ومالءمة النصوص التشريعية والتنظيمية مع متطلبات الجهوية المتقدمة‪ .‬ومن منطلق التوجيهات‬

‫الملكية وعلى أساس توصيات اللجنة االستشارية الجهوية المتقدمة‪ ،‬تمت المراجعة الدستورية في فاتح‬

‫يوليوز‪ ،1122‬ليتم في ‪ 1122‬صدور القوانين التنظيمية للجماعات الترابية بمستوياتها الثالث‪ ،‬والتي من بينها طبعا‬

‫القانون التنظيمي للجماعات الذي نحن بصدد قراءته‪.‬‬

‫‪ - 2‬على مستوى المقتضيات القانونية‬

‫لقد عرف دور الجماعات في منظومة التدبير العمومي المغربي نموا قانونيا ملموسا‪ ،‬وتطورا تدريجيا‪ ،11‬فمع‬

‫كل نص قانوني جديد يصدر لتنظيم الجماعات‪ ،‬يتطور دورها التنموي ويتعاظم‪ .‬وإذا كانت هناك في كل مرحلة من‬

‫المراحل‪ ،‬ومع كل نص قانوني لتنظيم تلك الجماعات‪ ،‬مالحظات وعيوب وانتقادات موجهة إلى المقتضيات القانونية‬

‫التي تتضمنها‪ ،‬مقارنة مع ما هو رائج على المستوى الخطابي‪ ،‬فإنه على الرغم من ذلك‪ ،‬نجد أن تلك النصوص‬

‫القانونية حاولت إرساء أدوار تنموية مهمة للجماعات الترابية‪ ،‬السيما بالنسبة للجماعات الحضرية والقروية‪ .‬وهو‬

‫األمر الذي كان من شأنه ‪ -‬لوتم إيجاد الظروف والشروط المناسبة ‪ -‬أن يجعل الجماعات الترابية مؤسسات حقيقية‬

‫للتنمية االقتصادية واالجتماعية والثقافية وغيرها‪.‬‬

‫إنه وبمجرد الحصول على االستقالل‪ ،‬عمل المغرب على تشييد دولة جديدة‪ ،‬تقوم على أساس بناء مؤسسات‬

‫عصرية تساهم في خدمة المواطن‪ .‬ولتحقيق ذلك‪ ،‬بادر إلى إصدار أول نص قانوني ينظم الجماعات الحضرية‬

‫والقروية‪ ،‬ويتعلق األمر بظهير‪ 15‬يونيو ‪ 2111‬الذي أعطى للجماعات الحضرية والقروية الشخصية المعنوية‬

‫‪11‬‬
‫‪Amal Mechrafi. Autonomie et développement local dans la nouvelle charte communale.Publications La Revue Marocaine‬‬
‫‪d’Administration Locale et de Développement.Série Thèmes Actuelles.n° 44/3111/P 31‬‬

‫‪9‬‬
‫واالستقالل المالي‪ ،‬وقد شكل هذا القانون اللبنة األولى للتنظيم اإلداري الالمركزي بعد االستقالل‪ ،‬حيث نص على‬

‫نوعين من الجماعات ‪:‬‬

‫الجماعات الحضرية التي تتكون من البلديات والمراكز المستقلة‪ ،‬والجماعات القروية‪ .‬وقد قام بتحديد عام‬

‫وفضفاض الختصاصات كل من المجالس الجماعية المنتخبة والسلطة المحلية‪.12‬‬

‫وبعده‪ ،‬صدر دستور ‪ 24‬دجنبر ‪ 2111‬الذي نص على أن "الجماعات المحلية بالمغرب هي العماالت واألقاليم‬

‫والجماعات‪ ،‬ويكون إحداثها بقانون"‪ .‬ولعل أهم ما كان يميز التنظيم الجماعي في تلك المرحلة هو طابعها التسييري‬
‫‪13‬‬
‫أبرزها اإلشكال القانوني‪،‬‬ ‫فقط‪ .‬أما الطابع التنموي فقد كان ضعيفا‪ ،‬إن لم نقل منعدما‪ ،‬وذلك العتبارات متعددة‬

‫وهكذا‪ ،‬وفي ظل تلك الظروف‪ ،‬جاء ظهير ‪ 51‬شتنبر ‪ 2191‬ليتجاوز بعضا من االختالالت واإلشكاالت المسجلة‬

‫في السابق‪ ،‬حيث عمل على توسيع المهام التنموية والصالحيات التي أنيطت بالمجلس الجماعي‪ ،‬ومنحه‬

‫اختصاصات وصالحيات واسعة في مجال التنمية االقتصادية واالجتماعية‪ .‬كما تم تخويل رئيس المجلس الجزء‬

‫األكبر من االختصاصات التي كانت بيد السلطة المحلية‪.14‬‬

‫وبعد سنوات من التطبيق‪ ،‬تم توجيه عدة انتقادات لهذه التجربة‪ ،‬ال سيما وأن األمر يتعلق بنص قانونی عمر‬

‫أزيد من ربع قرن من الزمن فكانت المشاكل متعددة واالختالالت كثيرة‪ ،‬أبرزها غموض المقتضيات القانونية‬

‫وتشتتها‪ ،‬إضافة إلى إشكاليات الحساب اإلداري‪ ،‬الوصاية‪ ،‬الشرطة اإلدارية‪ ،‬المرافق العمومية‪ .‬وأمام هذه‬

‫الوضعية‪ ،‬ولتفادي االختالالت القانونية التي عرفها ظهير ‪ ،2191‬تم إصدار قانون جديد‪،‬عله يتجاوز ويصلح ما‬

‫أفسده السابق وهو قانون‪ 90.11‬المتعلق بالميثاق الجماعي‪ ،‬حيث جاء بعدة مستجدات على مستوى االختصاصات‬

‫والرقابة وعال قات الشراكة والتعاقد مع الدولة ومؤسساتها ومع القطاع الخاص‪ ،‬ومستجدا في قواعد ومبادئ التسيير‬

‫والتدبير والحكامة عموما‪.‬‬

‫إال أنه في المقابل‪ ،‬رغم تلك المستجدات اإليجابية التي جاء بها القانون‪ ،‬بالمقارنة مع ما سبق‪ ،‬ورغم التطور‬

‫الذي عرفته الجماعات الحضرية والقروية في خضمه‪ ،‬فإن تنامی وتزايد حاجيات الساكنة المحلية ومتطلباتها من‬

‫‪12‬‬
‫المهدي بنمير‪ ،‬الالمركزية والشأن العام المحلي‪ ،‬أية آفاق في ظل المفهوم الجديد للسلطة‪ ،‬سلسلة الالمركزية والجماعات المحلية‪ ،‬المطبعة والوراقة الوطنية‬
‫مراكش‪ ،‬بدون دار النشر‪ ،‬الطبعة األولى ‪ ،3111‬ص ‪44‬‬
‫‪13‬‬
‫‪Al Mouchtaray Mohammed. Le role des collectivités locales dans le développement économique et social au Maroc.‬‬
‫‪Publications La Revue Marocaine d’Administration Locale et de Développement.Série Thèmes Actuelles.n° 24/2000/P 57‬‬
‫‪14‬‬
‫ميشيل روسي‪ ،‬المؤسسات اإلدارية المغربية‪ ،‬الشركة المغربية للطباعة والنشر‪ ،‬الرباط‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،3668 ،‬ص ‪331‬‬

‫‪10‬‬
‫التنمية الشاملة والمستدامة‪ ،‬فرض تعديل هذا النص القانوني‪ ،‬بمقتضى القانون ‪ ،29.10‬والذي حاول أن يضفي‬

‫نوعا من الدينامية على الجماعات في العديد من جوانبها‪ .‬لكن ذلك وكما هو األمر في السابق كان دون جدوى‪،‬‬

‫فكثيرة هي االختالالت التي ظلت تعتري الجماعات الحضرية والقروية‪ ،‬وعديدة هي االنحرافات التي عرفها التنظيم‬

‫الجماعي منذ سنة ‪ ،1111‬تاريخ صدور ذلك القانون‪ .‬كان البد إذن من صدور القانون التنظيمي للجماعات‪ ،‬عسى‬

‫أن يتجاوز سلبيات المقتضيات القانونية السابقة‪.‬‬

‫‪ - 3‬على مستوى الممارسة‬

‫ال شك أن الدور التنموي الذي قامت به الجماعات الترابية على مستوى الممارسة وعلى أرض الواقع منذ‬

‫إحداثها‪ ،‬ال يرقى بأي حال من األحوال إلى ما هو موجود على مستوى الخطاب السياسي‪ ،‬بل لم يرق حتى إلى‬

‫مستوى النصوص والمقتضيات القانونية التي صدرت‪ ،‬تنظيما وتأطيرا لتلك الجماعات الترابية‪ ،‬حيث ظلت تلك‬

‫الفجوة العميقة والصارخة دائما قائمة بين ما هو كائن وما هو ممكن‪ .15‬وإذا كانت متعددة هي العوامل واألسباب‬

‫التي ساهمت في ضعف ما حققته الجماعات الترابية‪ ،‬في إطار دورها التنموي على مستوى الممارسة‪ ،‬فإن اإلشكال‬

‫القانوني يأتي في مقدمة تلك الصعوبات واإلكراهات‪.‬‬

‫إن المشرع المغربي‪ ،‬إذا كان قد منح اختصاصات واسعة للمجالس الجماعية ولرؤسائها‪ ،‬جعلتهما يمارسان‬

‫صالحيات مهمة في تدبير الشؤون المحلية‪ ،‬فإنه بالمقابل جعل أهم تلك االختصاصات مشروطة ومقيدة بالخضوع‬

‫للوصاية اإلدارية المشددة‪ ،‬وبنذرة الموارد المادية والبشرية‪ ،‬باإلضافة إلى مشكل تداخل االختصاصات بين‬

‫الجماعات ومختلف وحدات الالمركزية الترابية‪ ،‬أو بينها وبين الدولة‪ .‬وكل ذلك ال شك هو نتيجة منطقية لقصور‬

‫النص القانوني ومحدوديته‪ ،‬نتيجة الغموض والعمومية التي كانت تميز مختلف مقتضياته ومواده‪ .‬ومن هنا‪ ،‬كان‬

‫البد من إصدار نص قانوني جديد‪ ،‬على أمل أن يتجاوز االختالالت واالنحرافات المسجلة على صعيد الممارسة‬

‫لالختصاصات الجماعية‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫عماد أبركان‪ ،‬خصوصيات المقاربة الترابية للمسألة التنموية بالمغرب‪ ،‬مداخلة ضمن أشغال الندوة الدولية المقامة بشراكة بين كلية العلوم القانونية‬
‫واالقتصادية واالجتماعية ومركز األبحاث اإلنسانية واالجتماعية بوجدة تحت عنوان ‪ :‬المرافق العمومية المحلية والتنمية بالدول المغاربية‪ ،‬يومي ‪ 36‬و‪ 11‬أبريل‬
‫‪3132‬‬

‫‪11‬‬
‫الفقرة الثانية ‪ :‬المحددات البنيوية والشكلية في القانون التنظيمي للجماعات‬

‫لقد نص الفصل األول من الباب األول من الدستور المصادق عليه في فاتح يوليوز‪ ،1122‬على أن "التنظيم‬

‫الترابي للمملكة تنظيم ال مركزي‪ ،‬يقوم على الجهوية المتقدمة"‪ .‬وقد جاء في الباب التاسع منه وتحت عنوان الجهات‬

‫والجماعات الترابية األخرى‪ ،‬أن الجماعات الترابية للمملكة هي الجهات والعماالت واألقاليم والجماعات‪ .‬وبعد‬

‫التعريف بالجماعات الترابية وبالتنظيم الترابي وبعض مبادئه ومقتضياته ‪ ،‬نص الدستور على أن تحدد بقانون‬

‫تنظيمي بصفة خاصة ‪:‬‬

‫‪ -‬شروط تدبير الجهات والجماعات الترابية األخرى لشؤونها بكيفية ديمقراطية‪ ،‬وعدد أعضاء مجالسها‪ ،‬والقواعد‬

‫المتعلقة بأهلية الترشيح‪ ،‬وحاالت التنافي‪ ،‬وحاالت منع الجمع بين االنتدابات‪ ،‬وكذا النظام االنتخابي‪ ،‬وأحكام تحسين‬

‫تمثيلية النساء داخل المجالس المذكورة؛‬

‫‪ -‬شروط تنفيذ رؤساء مجالس الجهات ورؤساء مجالس الجماعات الترابية األخرى لمداوالت هذه المجالس‬

‫ومقرراتها‪ ،‬طبقا للفصل ‪250‬؛‬

‫‪ -‬شروط تقديم العرائض المنصوص عليها في الفصل ‪ ،251‬من قبل المواطنات والمواطنين والجمعيات؛‬

‫‪ -‬االختصاصات الذاتية لفائدة الجهات والجماعات الترابية األخرى‪ ،‬واالختصاصات المشتركة بينها وبين الدولة‬

‫واالختصاصات المنقولة إليها من هذه األخيرة طبقا للفصل ‪241‬؛‬

‫‪ -‬النظام المالي للجهات والجماعات الترابية األخرى؛‬

‫‪ -‬مصدر الموارد المالية للجهات وللجماعات الترابية األخرى‪ ،‬المنصوص عليها في الفصل ‪242‬؛‬

‫‪ -‬موارد وكيفيات تسيير كل من صندوق التأهيل االجتماعي وصندوق التضامن بين الجهات المنصوص عليها في‬

‫الفصل ‪241‬؛‬

‫‪ -‬شروط وكيفيات تأسيس المجموعات المشار إليها في الفصل ‪244‬؛‬

‫‪ -‬المقتضيات الهادفة إلى تشجيع تنمية التعاون بين الجماعات‪ ،‬وكذا اآلليات الرامية إلى ضمان تكييف تطور التنظيم‬

‫الترابي في هذا االتجاه؛‬

‫‪12‬‬
‫‪ -‬قواعد الحكامة المتعلقة بحسن تطبيق مبدأ التدبير الحر‪ ،‬وكذا مراقبة تدبير الصناديق والبرامج وتقييم األعمال‬

‫وإجراءات المحاسبة‪.‬‬

‫وتنفيذا لهذا المقتضى الدستوري‪ ،‬صدر القانون التنظيمي المتعلق بالجماعات‪ ،‬الذي نحن قيد قراءته ودراسته‬

‫وتحليله‪ ،‬إلى جانب القانون التنظيمي المتعلق بالجهات‪ ،‬والقانون التنظيمي المتعلق بالعماالت واألقاليم‪ .‬ولعل أول‬

‫مالحظة شكلية تفرض نفسها ودون الخوض في جوانبها الموضوعية لالعتبارات المنهجية‪ ،‬هو أن الدستور يتحدث‬

‫عن قانون تنظيمي واحد يتعلق بجميع الجماعات الترابية‪ ،‬في حين أصدر المشرع ثالث نصوص قانونية تنظيمية؛‬

‫فهل يتعلق األمر بخروج عن النص الدستوري‪ ،‬وهذا ال يمكن أن يكون‪ ،‬على اعتبار أن القوانين التنظيمية تحال قبل‬

‫إصدار األمر بتنفيذها إلى المحكمة الدستورية لتبث في مطابقتها للدستور‪ ،‬أم يتعلق األمر بتوسع في فهم وتفسير‬

‫النص الدستوري على هذا النحو‪ ،‬حيث تم إصدار ثالث قوانين تنظيمية متشابهة‪ .‬وهذا أمر مرفوض ويعتبر في غير‬

‫صالح الجماعات والالمركزية الترابية عموما‪ ،‬فلو تم تجميع المقتضيات المنظمة للجماعات الترابية في نص قانوني‬

‫واحد لكان األمر أحسن‪ ،‬حيث من شأنه أن يحقق العديد من األمور اإليجابية ولعل أبرزها ضمان االندماج والتناسق‬

‫وااللتقائية في التدخالت العمومية لتلك الجماعات‪.‬‬

‫إن الجماعات کوحدات ترابية صغرى في المغرب‪ ،‬إذا كانت منظمة منذ ‪ 2111‬بقوانين عادية ألزيد من نصف‬

‫قرن من الزمن‪ ،‬فإن المشرع الدستوري رأى من خالل دستور ‪ 1122‬أن يجعلها منظمة بقانون تنظيمي‪ .‬وليس‬

‫القانون التنظيمي كالقانون العادي‪ ،‬بل الفرق شاسع بينهما‪ ،‬على اعتبار أن القوانين التنظيمية تأتي في منزلة بين‬

‫منزلتي الدستور والقوانين العادية‪ ،‬فهي أقل مرتبة من الدستور الذي تكمله‪ ،‬بالنظر إلى اقتضاب بنوده‪ ،‬وأعلى درجة‬

‫من القوانين العادية‪ ،‬ولهذا فهي تخضع لمسطرة خاصة ويحدد الدستور مجاالتها‪ .‬وبالنظر إلى النموذج المغربي‪،‬‬

‫نجد أن القوانين التنظيمية تشكل جزءا أساسيا من منظومته التشريعية‪ ،‬وقد أسند المشرع الدستوري االختصاص في‬

‫سن هذا النوع من القوانين إلى البرلمان‪ ،‬في إطار صالحياته التشريعية‪ .‬والقوانين التنظيمية تتميز عن باقي‬

‫القوانين‪ ،‬من حيث المسطرة التي تتبع في سنها وإقرارها‪ ،‬ذلك أنها تخضع إلجراءات خاصة‪ ،‬من حيث مناقشتها‬

‫والتصويت عليها داخل البرلمان‪.‬‬

‫ولقد جاء القانون التنظيمي للجماعات ‪ -‬وعلى غرار كل من القانون المتعلق بالجهات والقانون المتعلق‬

‫بالعماالت واألقاليم ‪ -‬وفق هيكلة شكلية ونسقية تماثل منطق عموم النصوص القانونية‪ ،‬سواء التشريعية أو التنظيمية‪،‬‬

‫‪13‬‬
‫حيث اشتمل على تقسيمات كالسيكية تقليدية‪ ،‬تتجلى في األقسام واألبواب والمواد؛ فمن خالل قراءة متأنية لهذا‬

‫القانون التنظيمي‪ ،‬سنكتشف للوهلة األولى أن هذا القانون هو تقريبا نسخة طبق األصل للقانون التنظيمي للجهات‪،‬‬

‫وكذا القانون التنظيمي للعماالت‪ ،‬والفارق بينهما هو التسمية فقط‪ .‬ويتكون هذا القانون من ‪ 105‬مادة موزعة على‬

‫عدة أقسام وأبواب وفصول‪ ،‬منها مواد مأخوذة من الميثاق الجماعي السابق‪ ،‬ومنها ما هو مستمد من قانون التنظيم‬

‫المالي للجماعات المحلية‪ ،‬وأخرى من قانون الجبايات المحلية وقانون أمالك الجماعات المحلية‪ ...‬وعموما‪ ،‬يتضمن‬

‫هذا القانون مزيجا من القواعد والمقتضيات واإلجراءات والمساطر القانونية‪ ،‬والتي تستهدف تنظيم الجماعات‪ ،‬وفق‬

‫مبادئ الديمقراطية المحلية وقواعد الحكامة الجيدة في تدبير الشأن العام المحلي الواردة في الوثيقة الدستورية‪.‬‬

‫وبالمقارنة مع الميثاق الجماعي السابق‪ ،‬فإن من بين أهم المستجدات والمقتضيات واالختالفات التي أتى بها‬

‫القانون التنظيمي للجماعات من الناحية الشكلية‪ ،‬نذكر ما يلي ‪:‬‬

‫قانون رقم ‪ 00-87‬يتعلق بالميثاق الجماعي‬

‫يتكون من عشرة أبواب مقسمة على الشكل التالي ‪:‬‬

‫الباب األول‬
‫فصل فريد‪ :‬أحكام عامة‬
‫الباب الثاني‪ :‬أجهزة الجماعة‬
‫الفصل األول‪ :‬المجلس الجماعي‬
‫الفصل الثاني‪ :‬المكتب‬
‫الفصل الثالث‪ :‬األجهزة المساعدة‬
‫الباب الثالث‪ :‬النظام األساسي للمنتخب‬
‫الباب الرابع‪ :‬االختصاصات‬
‫الفصل األول‪ :‬اختصاصات المجلس الجماعي‬
‫الفقرة ‪ 2‬االختصاصات الذاتية‬
‫الفقرة‪ :1‬االختصاصات القابلة للنقل‬
‫الفقرة ‪ :5‬االختصاصات االستشارية‬
‫الفصل الثاني‪ :‬اختصاصات رئيس المجلس الجماعي‬
‫الباب الخامس‪ :‬تسيير المجلس الجماعي‬
‫فصل فريد‪ :‬نظام اجتماعات المجلس ومداوالته‬
‫الباب السادس‪ :‬الوصاية على األعمال‬
‫الفصل األول‪ :‬الوصاية على أعمال المجلس الجماعي‬

‫‪14‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬الوصاية على قرارات رئيس المجلس الجماعي‬
‫الباب السابع‪ :‬التعاون والشراكة ومجموعات الجماعات المحلية‬
‫الفصل األول‪ :‬التعاون والشراكة‬
‫الفصل الثاني‪ :‬مجموعة الجماعات‬
‫الفصل الثالث‪ :‬مجموعة التجمعات الحضرية‬
‫الفرع األول‪ :‬اإلحداث والمهام‬
‫الفرع الثاني‪ :‬التنظيم والتسيير‬
‫الفرع الثالث‪ :‬التنظيم المالي والمستخدمون والممتلكات‬
‫الفرع الرابع‪ :‬النظام القانوني المطبق والوصاية‬
‫الباب الثامن‪ :‬المقتضيات الخاصة بالجماعات الحضرية الخاضعة لنظام المقاطعات‬
‫الفصل األول‪ :‬مقتضيات عامة‬
‫الفصل الثاني‪ :‬نظام مستشاري المقاطعات‬
‫الفصل الثالث‪ :‬تنظيم وتسيير مجلس المقاطعة‬
‫الفصل الرابع‪ :‬اختصاصات مجلس المقاطعة ورئيسه‬
‫الفصل الخامس‪ :‬النظام المالي لمجالس المقاطعات‬
‫الفصل السادس‪ :‬نظام الموظفين المعينين بالمقاطعة‬
‫الفصل السابع‪ :‬نظام األمالك الموضوعة رهن إشارة المقاطعة‬
‫الفصل الثامن‪ :‬ندوة رؤساء مجالس المقاطعات‬
‫الباب التاسع‪ :‬األنظمة الخاصة‬
‫الفصل األول‪ :‬النظام الخاص بالجماعة الحضرية للرباط‬
‫الفصل الثاني‪ :‬النظام الخاص بجماعات المشور‬
‫الباب العاشر‪ :‬مقتضيات مختلفة‬
‫الفصل األول‪ :‬مقتضيات خاصة بالمرافق العمومية الجماعية‬
‫الفصل الثاني‪ :‬مقتضيات خاصة بشركات التنمية المحلية‬
‫الباب الحادي عشر‪ :‬مقتضيات ختامية‬

‫قانون تنظيمي رقم ‪ 11 -113‬يتعلق بالجماعات‬

‫يتكون من تسعة أقسام‪ ،‬موزعة على الشكل التالي ‪:‬‬

‫قسم تمهيدي‪ :‬أحكام عامة‬


‫القسم األول‪ :‬شروط تدبير الجماعة لشؤونها‬
‫الباب األول‪ :‬تنظيم مجلس الجماعة‬
‫الباب الثاني‪ :‬تسيير مجلس الجماعة‬
‫الباب الثالث‪ :‬النظام األساسي للمنتخب‬

‫‪15‬‬
‫القسم الثاني‪ :‬اختصاصات الجماعة‬
‫الباب األول‪ :‬مبادئ عامة‬
‫الباب الثاني‪ :‬االختصاصات الذاتية‬
‫الفصل األول‪ :‬برنامج عمل الجماعة‬
‫الفصل الثاني‪ :‬المرافق والتجهيزات العمومية الجماعية‬
‫الفصل الثالث‪ :‬التعمير وإعداد التراب‬
‫الفصل الرابع‪ :‬التعاون الدولي‬
‫الباب الثالث‪ :‬االختصاصات المشتركة‬
‫الباب الرابع‪ :‬االختصاصات المنقولة‬
‫القسم الثالث‪ :‬صالحيات مجلس الجماعة ورئيسه‬
‫الباب األول‪ :‬صالحيات مجلس الجماعة‬
‫الباب الثاني‪ :‬صالحيات رئيس مجلس الجماعة‬
‫الباب الثالث‪ :‬مقتضيات خاصة بمشاور القصر الملكي‬
‫الباب الرابع‪ :‬المراقبة اإلدارية‬
‫الباب الخامس‪ :‬اآلليات التشاركية للحوار والتشاور‬
‫الباب السادس‪ :‬شروط تقديم العرائض من قبل المواطنات والمواطنين والجمعيات‬
‫الفرع األول‪ :‬شروط تقديم العرائض من قبل المواطنات والمواطنين‬
‫الفرع الثاني‪ :‬شروط تقديم العرائض من قبل الجمعيات‬
‫الفرع الثالث‪ :‬كيفيات إيداع العرائض‬
‫القسم الرابع‪ :‬إدارة الجماعة وأجهزة تنفيذ المشاريع وآليات التعاون والشراكة‬
‫الباب األول‪ :‬إدارة الجماعة‬
‫الباب الثاني‪ :‬شركات التنمية المحلية‬
‫الباب الثالث‪ :‬مؤسسات التعاون بين الجماعات‬
‫الباب الرابع‪ :‬مجموعات الجماعات الترابية‬
‫الباب الخامس‪ :‬اتفاقيات التعاون والشراكة‬
‫القسم الخامس‪ :‬النظام المالي للجماعة ومصدر مواردها المالية‬
‫الباب األول‪ :‬ميزانية الجماعة‬
‫الفصل األول‪ :‬مبادئ عامة‬
‫الفصل الثاني‪ :‬موارد الجماعة‬
‫الفصل الثالث‪ :‬تكاليف الجماعة‬
‫الباب الثاني‪ :‬وضع الميزانية والتصويت عليها‬
‫الباب الثالث‪ :‬التأشير على الميزانية‬
‫الباب الرابع‪ :‬تنفيذ وتعديل الميزانية‬
‫الفصل األول‪ :‬تنفيذ الميزانية‬
‫الفصل الثاني‪ :‬تعديل الميزانية‬

‫‪16‬‬
‫الباب الخامس‪ :‬حصر الميزانية‬
‫الباب السادس‪ :‬النظام المالي لمؤسسة التعاون بين الجماعات‬
‫الباب السابع‪ :‬النظام المالي لمجموعة الجماعات الترابية‬
‫الباب الثامن‪ :‬األمالك العقارية للجماعة‬
‫الباب التاسع‪ :‬مقتضيات متفرقة‬
‫القسم السادس‪ :‬مقتضيات خاصة بالجماعات ذات نظام المقاطعات‬
‫الباب األول‪ :‬مقتضيات عامة‬
‫الباب الثاني‪ :‬نظام أعضاء مجلس المقاطعة‬
‫الباب الثالث‪ :‬تنظيم وتسيير مجلس المقاطعة‬
‫الباب الرابع‪ :‬صالحيات مجلس المقاطعة ورئيسه‬
‫الباب الخامس‪ :‬النظام المالي لمجالس المقاطعات‬
‫الباب السادس‪ :‬نظام الموظفين المعينين بالمقاطعة‬
‫الباب الثامن‪ :‬ندوة رؤساء مجالس المقاطعات‬
‫القسم السابع‪ :‬المنازعات‬
‫القسم الثامن‪ :‬قواعد الحكامة المتعلقة بحسن تطبيق مبدأ التدبير الحر‬
‫أحكام انتقالية وختامية‬

‫إنه ومن خالل هذا الجدول‪ ،‬تبرز أهم المستجدات الشكلية المتعلقة بهيكل النص القانوني الجديد‪ ،‬حيث يظهر أن‬

‫التقسيمات والعناوين تبدو أكثر وضوحا وجالء مما كان عليه األمر في السابق‪ .‬كما أن الترتيب والتسلسل التنظيمي‬

‫في هيكل النص يبدو أكثر تنسيقا وتناسقا بالمقارنة مع النص السابق‪ .‬وإلى جانب احتواء النص الجديد على قواعد‬

‫التنظيم المالي‪ ،‬والتي كانت في السابق مجموعة في قانون التنظيم المالي للجماعات المحلية‪ ،‬هناك العديد من الصيغ‬

‫والبنيات والمفردات والمقتضيات الجديدة التي تكشف عن توسيع اإلطار القانوني‪ ،‬ليشمل أفعاال وأعماال كثيرة في‬

‫التدبير العمو مي الترابي‪ ،‬حيث كانت تعتبر في السابق‪ ،‬إما أفعاال وأعماال تكرست على مستوى الممارسة‪ ،‬ولم يكن‬

‫لها سند قانوني محدد ودقيق يؤطرها‪ ،‬أو أفعاال أو تصرفات جديدة يسعى النص القانوني لخلقها وتكريسها على‬

‫المستوى المحلي في المستقبل‪ ،‬وفي إطار الجهوية المتقدمة والبحث عن الحكامة الترابية‪.‬‬

‫ولنذكر على سبيل المثال ال الحصر‪ ،‬ما يتعلق بالتنصيص على إحداث شركات التنمية المحلية‪ ،‬وكذا عقد‬

‫اتفاقيات التعاون والشراكة‪ ،‬حيث كانت الجماعات في السابق تنجز وتقوم بمثل هذه المعامالت التي كانت تندرج‬

‫ضمن الباب السابع المتعلق بالتعاون والشراكة ومجموعات الجماعات المحلية‪ .‬أما من اآلن فصاعدا‪ ،‬فإن هذه‬

‫التعامالت واآلليات التنموية قد تعرف تطورا وانتعاشا؛ فالنص القانوني الجديد أفرد لكل منها بابا خاصا‪ ،‬حيث‬

‫‪17‬‬
‫خصص الباب الثاني من القسم الرابع لشركات التنمية المحلية والباب الخامس من نفس القسم التفاقيات التعاون‬

‫والشراكة‪ .‬أما بخصوص األفعال والتصرفات الجديدة التي يسعى النص القانوني لخلقها وتكريسها على المستوى‬

‫المحلي في المستقبل‪ ،‬وفي إطار الجهوية المتقدمة والبحث عن الحكامة الترابية‪ ،‬فنجد منها على سبيل المثال‪ ،‬الباب‬

‫السادس من القسم الثالث الذي يتحدث عن شروط تقديم العرائض من قبل المواطنات والمواطنين والجمعيات‪ ،‬والقسم‬

‫الثامن الذي يتحدث عن قواعد الحكامة المتعلقة بحسن تطبيق مبدأ التدبير الحر‪.‬‬

‫ومن الجوانب والمستجدات الشكلية التي لها قيمة خاصة في هذا النص القانوني أيضا‪ ،‬هي المفاهيم والمفردات‬

‫والمصطلحات المستخدمة وغير المستخدمة أو باألحرى المتخلى عنها‪ ،‬فالقانون التنظيمي الجديد ألغي مفهوم‬

‫الوصاية وعوضه بمفهوم الرقابة اإلدارية‪ ،‬وهو أمر إيجابي‪ ،‬بالنظر إلى ما كان يثيره جانب من الفقه بخصوص هذا‬

‫المصطلح؛ فمفهوم الوصاية ونظرا لكونه يحمل معاني التبخيس والفوقية والعالقة العمودية‪ ،‬فهو ال يمكن أن يعبر‬

‫بشكل جيد ‪ -‬والمغرب يسعى نحو الالمركزية المتطورة والجهوية المتقدمة‪ -‬عن إشراف الدولة على الجماعات‬

‫الترابية‪ ،‬وذلك نظرا لوجود اختالف بين المراد بالوصاية في القانون الخاص‪ ،‬وبين الوصاية اإلدارية في القانون‬

‫العام؛ فاألولى تتعلق بحماية األفراد ناقصي األهلية‪ ،‬أما اإلشراف اإلداري المعبر عنه بالوصاية‪ ،‬فهو يتم على‬

‫الهيئات المحلية‪ ،‬وتلك الهيئات تتمتع بأهلية كاملة بصفتها أشخاصا معنوية معتبرة‪ .‬ومن هنا‪ ،‬فإن "استحضار‬

‫مصطلح الوصاية من القانون المدني إلى القانون اإلداري كان خطأ كبيرا‪ ،‬فالمجالين معا ليس لهما أي مشترك أو‬

‫تشابه بينهما"‪.‬‬

‫وإلى جانب مفهوم الوصاية‪ ،‬نجد أن المشرع قد ألغى مفهوم المصادقة وعوضه بمفهوم التأشير‪ ،‬وهو مفهوم‬

‫يعتبر أقل شدة وأخف واقعا من مفهوم المصادقة‪ ،‬على األقل من حيث المعنى والداللة والحمولة الشكلية‪ ،‬وإن كان‬

‫ذلك خالف ما هو موجود من حيث اآلثار والنتائج؛ فللمصادقة والتأشير نفس النتيجة‪ ،‬بحيث ال يمكن للقرار أن ينفذ‬

‫دونهما‪ ،‬ذلك باختصار شديد عن المفاهيم التي تم إلغاؤها واالستغناء عنها‪ ،‬أما بخصوص المنظومة المفاهيمية‬

‫الواردة بشكل مستجد في النص القانوني‪ ،‬فهي منظومة حديثة غنية ومتنوعة‪ ،‬بل يمكن القول أن هذا النص القانوني‬

‫الذي نحن بصدد قراءته جاء‪ ،‬وعلى غرار دستور ‪ ،1122‬متضخما من حيث المفاهيم والمصطلحات‪ ،‬والمرادفات‬

‫المستخدمة؛ فالحكامة والتدبير الحر‪ ،‬والتضامن والتشاركية‪ ،‬والتعاون والتفريع‪ ،‬والديمقراطية والمحاسبة‪ ،‬والحوار‬

‫‪18‬‬
‫والتواصل والمساواة‪ ،‬وتكافؤ الفرص‪ ،‬ومقاربة النوع والمناصفة والقرب والتخطيط والبرمجة‪ ،‬واإلنجاز والتدبير‪،‬‬

‫كلها مفاهيم ومصطلحات ومرادفات وثيمات يعج بها النص القانوني‪.‬‬

‫وبصرف النظر عن مضمون تلك المصطلحات والمفاهيم‪ ،‬فإن تواجدها وتكرارها من الناحية الشكلية يحمل‬

‫الكثير من المعاني والدالالت التي تكشف عن هاجس غياب أو ضعف تكريس هذه المنظومة القيمية والبنيوية التي‬

‫تحملها هذه المفاهيم في الممارسات الجماعية السائدة في السابق‪ .‬ويعتبر غنى النص القانوني للجماعات بهذه‬

‫المفردات ذات النفس والبعد اإلصالحي الكبير حصيلة لمجموعة من التحوالت والتغيرات وقعت في األنساق‬

‫الممارساتية والتطبيقية ومن ثم المعرفية‪ ،‬وفرضت نفسها على المشرع المغربي لبلورتها كمبادئ وقواعد في القانون‬

‫تارة‪ ،‬وتطعيم النص القانوني بها كمصطلحات ومرادفات ولبنات في الجمل والصيغ الشكلية المكونة لعدة مواد‬

‫قانونية في النص تارة أخرى‪ .‬ومن هنا‪ ،‬يمكن القول أن هذه المفاهيم تعتبر نتاجا لسيرورة جدلية وحوارية مع‬

‫المفاهيم المعرفية السابقة‪ ،‬مع محاوالت لتجاوز سلبياتها ونقائصها وثغراتها وعيوبها الشكلية قبل الموضوعية‪.‬‬

‫وفي ختام هذا المحور‪ ،‬البد من اإلشارة‪ ،‬إلى أن المشرع المغربي وهو يقوم بصياغة القانون التنظيمي‬

‫للجماعات‪ ،‬قا م بالتدقيق الشكلي في بعض المفاهيم والمصطلحات المستخدمة للتعبير بدقة عن حاالت واقعية أو‬

‫قانونية معينة‪ .‬ولنأخذ على سبيل المثال في هذا الصدد أنه وألول مرة يتم التمييز في النص القانوني بين مفهوم‬

‫الصالحيات ومفهوم االختصاصات على عكس ما كان عليه األمر في السابق‪ ،‬وهي مسألة إيجابية؛ فالصالحيات‬

‫ليست هي االختصاصات‪ ،‬فاألمر يتعلق بالكثير من السلطة التقديرية في األولى مقارنة مع الثانية التي تحمل معاني‬

‫أكثر تحديدا وضبطا ودقة‪ .‬وإذا كان النص ينطوي على كل تلك اإليجابيات من الناحية الشكلية‪ ،‬فذلك ال يعني أنه‬

‫سلم من بعض العبارات والمفاهيم السلبية‪ ،‬العتبارها قابلة للتأويل أو كاشفة عن رغبة الدولة باالستمرار في الهيمنة‬

‫والتحكم في الوحدات المحلية المنتخبة‪ .‬وهو ما نستشفه من خالل إيراد عبارة الرقابة على الشرعية القانونية عوض‬

‫المشروعية القانونية‪ ،‬والفرق شاسع بين الشرعية والمشروعية‪ ،‬من حيث إطار وهامش األجهزة اإلدارية في الرقابة‬

‫على الجماعات الترابية الذي تنطوي عليه كل منها‪ .‬ثم يستشف ذلك من خالل تعويض عبارة وزارة الداخلية بعبارة‬

‫السلطة الحكومية المكلفة بالداخلية‪ ،‬األمر الذي يعني أن هذه الوزارة مازالت مستمرة في الرقابة‪ ،‬رغم المطالبات‬

‫المتك ررة برفع يدها عن الجماعات الترابية وتعويضها بجهة أخرى‪ ،‬كإحداث وزارة خاصة للجماعات الترابية‪ ،‬على‬

‫غرار العديد من التجارب المقارنة الرائدة في هذا المجال‪.‬‬

‫‪19‬‬
‫الفقرة الثالثة ‪ :‬القانون التنظيمي للجماعات ورهان الحكامة الجيدة‬

‫لقد أصبحت الحكامة الجيدة في السنوات األخيرة‪ ،‬هدفا أساسيا للمغرب أو على األقل مفترضا‪ ،‬لكل سياسية‬

‫عمومية تبذلها الدولة؛ فمنذ بداية األلفية الثالثة‪ ،‬عرف المغرب تحوالت اقتصادية واجتماعية كبرى‪ ،‬مما أفرز‬

‫حركية ونشاطا وحراكا على جميع األصعدة والمستويات في المجتمع‪ .‬وقد كان من أبرزها ما عرفه المغرب في ‪11‬‬

‫فبراير ‪ ،1122‬في ظل ما سمي بالربيع العربي‪ .‬وهو األمر الذي فرض على الدولة مزيدا من التوجه نحو تكريس‬

‫الحكامة الجيدة عموما والحكامة الترابية بالخصوص‪ .‬ولقد توج هذا التوجه والحراك االجتماعي بتشريع دستوري‬

‫جديد‪ ،‬والباب الثاني عشر من دستور ‪ 1122‬يؤكد ذلك‪.‬‬

‫ومن أجل تنزيل الحكامة الجيدة على أرض الواقع‪ ،‬يأتي القانون التنظيمي للجماعات‪ ،‬كتشريع قانوني يهم‬

‫الجماعات الترابية التقليدية الصغرى‪ .‬ويعكس رغبة ومحاولة المغرب لترسيخ نهج الحكامة الجيدة‪ ،‬ونقلها من‬

‫المستوى المركزي إلى المستوى المحلي‪ ،‬أو باألحرى الترابي‪ ،‬والمالحظ اليوم أن هذا القانون التنظيمي للجماعات‪،‬‬

‫إلى جانب كل من القانون التنظيمي للعماالت واألقاليم والقانون التنظيمي للجهات‪ ،‬يعرف جدال واهتماما واسعا من‬

‫طرف القوى الحية في المجتمع‪ ،‬إذ بمجرد صدور القانون حتی توالت التعليقات والتحليالت‪ ،‬والتساؤالت حول‬

‫المستجدات التي جاء بها للنهوض بالحكامة الترابية وبالحكامة الجيدة عموما‪.‬‬

‫وفي خضم هذا النقاش والسياق‪ ،‬تطرح أو تناسل العديد من األسئلة المستكشفة والجوهرية العميقة حول آفاق‬

‫الحكامة الترابية والتنمية المحلية المستدامة والمنشودة‪ .‬ونظرا لكثرتها وتنوع مجاالتها‪ ،‬فإنه يجب حصرها وتجميعها‬

‫في سؤال جوهري واحد‪ ،‬وهو كالتالي‪ :‬ما هي منطلقات وممكنات وآفاق الحكامة الترابية في القانون التنظيمي‬

‫للجماعات؟‬

‫لقد جاء في القانون التنظيمي المتعلق بالجماعات الذي نحن بصدد قراءته‪ ،‬أن تدبير الجماعة لشؤونها يرتكز‬

‫على مبدأ التدبير الحر الذي يخول بمقتضاه لكل جماعة‪ ،‬في حدود اختصاصاتها‪ ،‬سلطة التداول بكيفية ديمقراطية‪،‬‬

‫وسلطة تنفيذ مداوالتها ومقرراتها‪ ،‬طبقا ألحكام هذا القانون التنظيمي والنصوص التشريعية والتنظيمية المتخذة‬

‫لتطبيقه‪ .‬وأن التنظيم الجماعي يرتكز على مبدأي التضامن والتعاون بين الجماعات وبينها وبين الجماعات الترابية‬

‫األخرى‪ ،‬من أجل بلوغ أهدافها‪ ،‬وخاصة إنجاز مشاريع مشتركة وفق اآلليات المنصوص عليها في هذا القانون‬

‫التنظيمي‪.‬‬

‫‪20‬‬
‫إ ذا كان مبدأ التدبير الحر الذي جاء به القانون التنظيمي الجديد إلى جانب ميدئي التضامن والتعاون بين‬

‫الجماعات وبينها وبين الجماعات الترابية األخرى‪ ،‬يعتبر من المبادئ المهمة واألساسية التي لطالما صدحت‬

‫األصوات مطالبة بها‪ ،‬من أجل تدبير ترابي أكثر جودة وعقلنة وحكامة‪ ،‬فإن تكريس هذا المبدأ على المستوى‬

‫الواقعي والممارساتي ليس بالمسألة السهلة وال باألمر الهين‪ .‬فهو يقتضي تجاوز مجموعة من اإلكراهات‬

‫والصعوبات البنيوية العميقة التي ظلت تقف وتحول دون نجاح عملية التنمية المحلية‪ .‬أو بعبارة أخرى فإن األمر‬

‫يتطلب توفير ظروف وشروط العمل المناسبة للجماعات‪ ،‬وتعبئة مكثفة لكافة الموارد والوسائل الضرورية واعتماد‬

‫التدبير المقاوالتي وقواعده من أجل النهوض بها‪ .‬كما يتطلب ضرورة توفرها على إدارة عصرية حديثة‪ ،‬وحكامة‬

‫إدارية محلية جيدة‪.‬‬

‫ولعل من أولى الشروط والمقومات األساسية التي ينبغي توفيرها هي تمكين الجماعات من موارد بشرية كفأة‬

‫ومؤهلة‪ ،‬إن على مستوى المنتخبين أو على مستوى الموظفين باإلدارات الجماعية‪ ،‬فتوفر الجماعات على إطار‬

‫قانوني يسمح بالتدبير الحر سيبقى غير كاف في غياب عنصر بشري كفء‪ ،‬يبلور هذا المبدأ على أرض الواقع‬

‫ويخرجه إلى حيز الوجود‪ .‬فمستوى الموارد البشرية يعتبر من بين المؤشرات المعتمدة في تقييم األمم وقياس‬

‫رخائها‪ ،‬كما تشكل حجر الزاوية والركن األساسي للتنمية الشاملة والمستديمة؛ إذ كثيرة هي الشعوب التي تتوفر على‬

‫كافة مقومات نجاح مؤسساتها من ثروات طبيعية وموقع جغرافي وإرث تاريخي وحضاري‪ ،‬غير أنها تصنف ضمن‬

‫الدول المتخلفة‪ ،‬والسبب في ذلك يرجع إلى تخلف مواردها البشرية‪.16‬‬

‫إن الديمقراطية المحلية تشكل ترابطا للعالقة الحديثة التي تجمع الدولة الحديثة بالمجتمع المعاصر‪ ،‬وهي تنبني‬

‫أساسا على أولوية السكان في تدبير شؤونهم المحلية‪ ،‬أو ما يسمى حديثا بالتدبير الحر‪ .‬ذلك أن مفهوم الديمقراطية ال‬

‫يمكن أن يتبلور إال من خالل االهتمام بالعنصر البشري وخاصة المنتخب ‪ -‬باعتباره محور تدبير الشؤون المحلية‪.‬‬

‫وهكذا‪ ،‬فإن تصور الديمقراطية المحلية بكل تجلياتها‪ ،‬يجب أن يرقى بالمنتخبين إلى موقع مركز متخذي القرار‬

‫التنموي‪ ،‬والفاعل السياسي النشيط في نمو الجماعة‪ ،‬وتدبير شؤونها ومواردها البشرية والمالية وخيراتها االقتصادية‬

‫واالجتماعية‪ .‬هذا التصور ينسجم مع روح ومنظور الالمركزية الترابية الحقيقية كقاعدة للديمقراطية المحلية‪ ،‬التي‬

‫تجعل من المنتخب المحلي مصدر سلطة وصاحب قرار وحامل اختصاص حقيقي‪ ،‬يمكنه من االستجابة لرغبات‬

‫‪16‬‬
‫سعيد الميري‪ ،‬التدبير االقتصادي للجماعات المحلية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪31‬‬

‫‪21‬‬
‫وطموحات وتطلعات السكان الذين قلدوه األمانة وحملوه مسؤولية تمثيلهم‪ ،17‬بدءا من رئيس المجلس الجماعي‬

‫كسلطة تنفيذية‪ ،‬ومرورا بالمستشارين الجماعيين‪ ،‬سواء كانوا في موقع األغلبية أم األقلية‪ ،‬حيث أصبح التدبير‬

‫المقاوالتي وسيلة ضرورية لقيادة العمل الجماعي وعنصرا أساسيا للتدبير العصري الحر‪.‬‬

‫وعلى هذا األساس‪ ،‬بات البد بداية‪ ،‬ومن أجل الوصول إلى تطبيق مفاهيم التدبير الحر‪ ،‬کالجماعات المبادرة‬

‫والتنافسية والتسويق الترابي والتدبير باألهداف وبلورة الحكامة الجيدة‪ ،‬البحث عن كفاءات من نوع خاص عادة ما‬

‫يفتقد إليها الكثير من المنتخبين المحليين‪ .‬وهنا‪ ،‬أصبح لزاما على األحزاب السياسية تزكية المرشحين ذوي الكفاءات‬

‫الجيدة واألخالق الحميدة والسلوك القويم‪ ،‬بعيدا عن سماسرة األصوات وتجار االنتخابات الذين سئم منهم المواطن‪.‬‬

‫صحيح أن القانون التنظيمي الجديد للجماعات عرف نوعا من التراجع واالنتكاس‪ ،‬عندما لم ينص على ضرورة‬

‫توفر شهادة معينة ال بالنسبة للرئيس وال مكتبه وال المستشارين غير أن ذلك ال يعفي األحزاب من مسؤوليتها في‬

‫اختيار األصلح واألكفأ‪.‬‬

‫إن االعتقاد بأن التنصيص على شرط التعليم أو عنصر الكفاءة من شأنه أن يمس بالمبادئ الديمقراطية‪ ،‬اعتقاد‬

‫خاطئ؛ إذ إن المصلحة العامة والتمثيلية الديمقراطية ال تتعارض مع عنصر التعليم والكفاءة‪ ،‬بل هي في حاجة إليها‪،‬‬

‫إن لم يكن شرطا لفعاليتها وصحتها‪ ،‬ومن غير المقبول‪ ،‬في ظل تعقيدات الشأن العام المحلي‪ ،‬أن يتولى قيادته‬

‫ومسؤوليته أشخاص ال يتوفرون على الحد األدنى من التعليم والكفاءة‪18‬؛ فمقاربة بسيطة تؤكد هذا الطرح‪ ،‬إذ إن‬

‫تنصيص المشرع على وضع الجماعة لبرنامجها التنموي‪ ،‬وكذا إعداد مخططها االستراتيجي ووضع الميزانية‬

‫وتدبيرها واالختصاصات األخرى‪ ،‬سواء الذاتية أو المحولة أو االستشارية‪ ،‬ال يمكن لمنتخب دون تعليم أو ذو تعليم‬

‫بسيط أن ينجزها‪ ،‬و خاصة في ظل الحديث عن الجودة والمردودية واإلدارة اإللكترونية والتواصل‪ ،‬إلى غير ذلك‬

‫من المفاهيم العصرية التي ال يستطيع مواكبتها إال أهل العلم والدراية‪.‬‬

‫وقد تزيد هذه اإلشكاليات عند الرئيس ‪،‬خاصة في الجماعات الكبرى‪ ،‬باعتباره المنفذ لمقررات المجلس المحلي‪،‬‬

‫واآلمر بالصرف‪ ،‬إذ كيف يمكنه ممارسة هذه االختصاصات إذا كان أميا أو ذو تكوين بسيط‪ .‬وهنا‪ ،‬قد يفتح المجال‬

‫‪17‬‬
‫مصطفى الكثيري‪ ،‬دور الجماعات المحلية في التنمية االقتصادية واالجتماعية محليا وجهويا‪ ،‬الحوليات المغربية لالقتصاد‪ ،‬عدد ‪ ،3661 ،1‬ص ‪1‬‬
‫‪18‬‬
‫شاكر الموساوي‪ ،‬اإلدارة المحلية المغربية وتحديات الحكامة (قراءة نقدية)‪ ،‬بحث لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون العام‪ ،‬جامعة عبد المالك‬
‫السعدي‪ ،‬طنجة‪ ،3112-3114 ،‬ص ‪24‬‬

‫‪22‬‬
‫الحتمالين‪ ،‬إما سوء تدبير الشأن العام المحلي‪ ،‬واما نقل ممارسة تلك االختصاصات إلى السلطة الوصائية‪ ،19‬وفي‬

‫كل الحاالت‪ ،‬هناك مساس بالديمقراطية المحلية وتطاول على مصالح الجماعة والمواطنين على السواء؛ فمبدأ‬

‫التدبير الحر يستلزم على الرئيس والمنتخبين بصفة عامة أن يكونوا أكثر استراتيجية وأعمق تحليال لواقعهم المحلي‪،‬‬

‫مع مراعاة طبيعة جغرافيتهم ونسبة سكانها ومواردها البشرية وطاقاتها االقتصادية‪ ،‬وتشخيص المشاكل والبحث عن‬

‫الحلول‪ ،‬إما بشكل أحادي أو الدخول في المنظومة التشاركية مع الفاعلين والهيآت األخرى‪.‬‬

‫إن المنتخب الجماعي أصبح ملزما بالتوفر على مؤهالت إدارية وتقنية تمكنه من مواجهة متطلبات المواطنين‬

‫المتنامية التي تتعقد يوما بعد يوم‪ .‬هذه المؤهالت التي ال يمكن أن يضمنها االنتخاب؛ فالناخب العادي ليس له إطالع‬

‫بخبايا المسؤوليات الملقاة على عاتق المنتخب وال بالمؤهالت الواجب توفرها فيه‪ ،‬حتى يتمكن من مواجهة التحديات‬

‫التي يطرحها العمل الجماعي‪ ،‬فغالبا ما يعطي صوته لمرشح تربطه به عالقات خاصة‪ ،‬وقليال ما تتحكم االعتبارات‬

‫الموضوعية في هذا االختيار‪ ،‬وهكذا‪ ،‬فإن آفة األمية يشكو منها جانب كبير من المنتخبين ال تسمح لهم بأخذ‬

‫المبادرة وضمان تطبيق مقتضيات القانون التنظيمي للجماعات‪ ،‬ووضع المشاريع اإلنمائية والوقوف على إنجازها‬

‫وفق ما يقتضيه مبدأ التدبير الحر‪ .‬ومن هنا‪ ،‬بات البد من رفع كفاءة المنتخب المحلي‪ ،‬من خالل التكوين‪ ،‬سواء من‬

‫داخل الجماعات نفسها‪ ،‬أو من خارجها عبر الهيآت األخرى‪.‬‬

‫هذا‪ ،‬ويعتبر التكوين إحدى البرامج األساسية التي أصبحت تسترعي اهتمام المنظمات في عصرنا الحالي‪ ،‬على‬

‫اعتبار أنه يؤدي إلى التصدي لكل المشاكل واالختالالت التي تعترض األداء اإلداري‪ .‬لدى‪ ،‬فتطور المنظمات‬

‫وتشعب مهامها‪ ،‬جعلها تنصرف عن التكوين الذي يقتصر على اإلجراءات أو التقنيات المتعلقة بالممارسة الوظيفية‪،‬‬

‫ليمتد إلى تكوين يهم تقويم السلوك واالتجاهات‪ ،‬حتى يستجيب الفرد العامل إلى األهداف األساسية للمنظمة‪ .‬وحسنا‬

‫فعل المشرع المغربي عندما نص بصريح العبارة في القانون التنظيمي للجماعات على مسألة التكوين المستمر‪.‬‬

‫وإذا كانت مفاهيم التكوين‪ ،‬متعددة رغم كونها تصب في مجرى واحد‪ ،‬يهدف أساسا إلى تنمية المهارات‬

‫والقدرات والسلوكات لدى األفراد‪ ،‬فإن الجماعات‪ ،‬وبصرف النظر عن ذلك‪ ،‬في حاجة إلى تكوين منتخبيها؛‬

‫فالتكوين هو صفة المنظمات الحديثة التي تحرص على مواكبة كل تغيير في المجاالت التكنولوجية واإلدارية؛ فبدون‬

‫قوة بشرية متطورة وقادرة على استيعاب التغيير لن تستطيع المنظمة تحقيق أهدافها‪ .‬كما أن أهميته كذلك تكمن في‬

‫‪19‬‬
‫عبد هللا اإلدريسي‪ ،‬إصالح التنظيم الجماعي‪ :‬التنصيص والحصيلة‪ ،‬مطبعة الجسور‪ ،3111 ،‬وجدة‪ ،‬ص ‪92‬‬

‫‪23‬‬
‫تحسين قدرات الفرد وتنمية مهاراته‪ ،‬وبالتالي المساهمة في تحسين المستوى االقتصادي واالجتماعي للفرد‪ ،‬وبالتالي‬

‫يزيد من درجة أمانه المؤهالتي والكفاءاتي‪ .‬لذلك‪ ،‬فهو ال يقتصر على شخص دون آخر أو مسؤولية دون أخرى؛‬

‫فالمنتخب الجديد يحتاج إليه لضمان إتقانه للمهام والوظائف الجديدة المكلف بها‪ ،‬ويحتاجه المنتخب القديم لزيادة‬

‫مهاراته وإدارة عمله بشكل أفضل‪ .‬باإلضافة إلى كونه يكمل دور الجامعات والمدارس؛ فإذا كان التعليم يوفر‬

‫األساس الذي يمكن أن ينطلق منه الفرد ‪ ،‬فإن التدريب (التكوين) يأتي ليستكمل ما بدأه التعليم‪.20‬‬

‫وعلى صعيد آخر‪ ،‬ال يمكن الحديث عن التدبير البشري الجيد الذي يعتبر العمود الفقري لتحقيق مسألة التدبير‬

‫الحر وتكريس الجماعة المبادرة‪ ،‬دون الحديث عن الموظف الجماعي؛ فاالعتمادية المتبادلة‪ ،‬تقتضي أن تقوم اإلدارة‬

‫بوظيفتها ارتكازا على خطط وبرامج المجلس الجماعي‪ ،‬وتحت مراقبة الرئيس التسلسلي للموظفين‪ ،‬مع وجود إدارة‬

‫جماعية مهيكلة ومنظمة وموظفين أكفاء‪ .21‬فال غرابة إذا قلنا أن نجاح الجماعة المحلية في تحقيق مهامها يتوقف‬

‫على مستوى العنصر البشري الم توفر لديها‪ ،‬إذ بواسطته يتم نقل تصورات واستراتيجيات ومداوالت المجالس‬

‫المنتخبة إلى حيز الوجود وإلى التطبيق الفعلي‪ ،‬ومن هنا تأتي أهمية الموظفين المحليين‪ ،‬فكلما كانت هذه الفئة مؤهلة‬

‫وذات خبرة وحنكة واسعة كلما كانت النتائج أحسن‪ .‬ومما يزيد من كفاءة الموظفين المحليين هو وضع استراتيجية‬

‫مبنية على أساس التكوين والتكوين المستمر‪ ،‬وذلك الستيعاب مختلف التقنيات الجديدة في التدبير وكذا مختلف‬

‫التحوالت الداخلية والخارجية المؤثرة على التوجه العام للبالد‪.‬‬

‫هذا‪ ،‬وإذا كان لإلطار القانوني أهميته في االعتراف بمبدأ التدبير الحر‪ ،‬وكان للموارد البشرية أهمية بالغة في‬

‫تكريس هذا المبدأ أو إعدامه من األساس‪ ،‬فإن الموارد المالية أو ما يسمى بالجانب المادي تعتبر هي المنطلق‬

‫والمرتكز؛ إذ كيف يعقل أن يسود التدبير الحر في الجماعات إذا كانت ال تتوفر على الموارد المالية الالزمة والكافية‬

‫لذلك ؟‬

‫وبعبارة أوضح‪ ،‬تعتبر الوسائل المالية حجر الزاوية لتكريس مبدأ التدبير الحر؛ فمهما تعددت االختصاصات‬

‫التي تعطي لجماعة محلية معينة‪ ،‬ومهما كانت صالحياتها التقريرية على مجاالت اختصاصاتها‪ ،‬فإن عدم توفرها‬

‫على الوسائل المالية الالزمة للنهوض بهذه االختصاصات يفرغ االستقالل المالي المعترف به لها من كل محتوى‪،‬‬

‫‪20‬‬
‫نادر أبو شيخة‪ ،‬إدارة الموارد البشرية‪ ،‬دار صفاء‪ ،‬عمان‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،3111 ،‬ص ‪394‬‬
‫‪21‬‬
‫المصطفى دليل‪ ،‬ا لمجالس الجماعية في المغرب على ضوء الميثاق الجماعي الجديد‪ ،‬منشورات م م إ م ت‪ ،‬سلسلة مواضيع الساعة‪ ،‬العدد ‪ ،3111 ،41‬ص‬
‫‪16‬‬

‫‪24‬‬
‫ويجردها من أي دور مستقل في مجال التنمية‪ .‬لذا‪ ،‬فالعبرة ليست بما تخوله النصوص القانونية من اختصاصات‬

‫وصالحيات للمؤسسات‪ ،‬بل إن مسألة التدبير الحر للجماعة الترابية مرهونة بمدى توفرها على الوسائل المادية‪ ،‬من‬

‫أجل ترجمة تلك االختصاصات على أرض الواقع‪.22‬‬

‫لقد أصبح التدبير المالي الجيد أو الحكامة المالية لشؤون الجماعات‪ ،‬في إطار السعي نحو التكريس الحقيقي لمبدأ‬

‫التدبير الحر الذي جاء به القانون التنظيمي الجديد‪ ،‬يفرض على الدولة تعزيز الموارد المالية لتلك الجماعات‪،‬‬

‫ويفرض على المسؤولين نهج أسلوب عقالني‪ ،‬يفضي إلى البحث الدائم في خلق موارد جديدة‪ ،‬من شأنها أن تساهم‬

‫في تنمية مالية الجماعات الترابية عموما والجماعات الصغرى (الحضرية والقروية) باألساس‪ .‬ولعل تجاوز‬

‫األسلوب الكالسيكي في التمويل وفي التمكين المادي‪ ،‬والذي رافق التجارب المحلية السابقة‪ ،‬والذي جعل التحصيل‬

‫واإلنفاق محكوما بهاجس االستهالك دون اإلنتاج‪ ،‬يعتبر مسألة أساسية وضرورية في هذه المرحلة بالذات‪.‬‬

‫وفي مقابل مسؤولية الدولة‪ ،‬فإن الجماعات ملزمة هي األخرى بعقلنة وترشيد الموارد المتوفرة والمتاحة لها‪،‬‬

‫ذلك أن جوهر إشكالية التسيير المالي بالنسبة للجماعات هو كيفية تدبير الموارد المتاحة‪ ،‬بالنظر إلى حجم هذه‬
‫‪23‬‬
‫وبالنظر إلى األولويات التي يجب تحديدها‪ ،‬انطالقا من دراسة واقعية ومعمقة للمعطيات االقتصادية‬ ‫الموارد‬

‫واالجتماعية والمالية‪ .‬وبالتالي‪ ،‬فحدوث أي خلل في التدبير سوف يحدث ضياع وهدر أموال وموارد هامة‪ ،‬األمر‬

‫الذي من شأنه تعطيل مسار التنمية االقتصادية المنشودة‪.‬‬

‫وهذا ما أثبته الواقع والممارسة العملية السابقة‪ .‬ذلك أن عددا من المجالس المنتدبة تعيش سنويا على إيقاعات‬

‫الطعن في ميزانيتها السنوية‪ ،‬نتيجة لسوء تدبيرها‪ ،‬مما يشكل دليال قاطعا على تفشي بعض الممارسات المشبوهة‪،‬‬

‫من قبيل أن بعض المبالغ المتضمنة في الميزانيات المحلية تكون صورية‪ ،‬ال تعكس مشاريع قد أنجزت بالفعل‪ ،‬أو‬

‫طبيعة بعض النفقات التي ال تعود على الجماعات الترابية بأية مردودية‪ ،‬مثل استهالك المحروقات المستعملة‬

‫ألغراض شخصية‪ ،‬المكالمات الهاتفية واإلنارة والماء‪ .24‬إضافة إلى عدة خروقات تتعلق بالصفقات العمومية‪.‬‬

‫وزيادة على هذا‪ ،‬هناك االرتجال في صرف المال العام نتيجة غياب التخطيط‪ ،‬إذ غالبا ما يخضع التدبير العتبارات‬

‫‪22‬‬
‫علي أمجد‪ ،‬الجهة والممارسة الجهوية بالمغرب‪ :‬جهة كلميم السمارة نموذجا‪ ،‬أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام‪ ،‬كلية الحقوق الدار البيضاء‪ ،‬عين الشق‪،‬‬
‫‪ ،3112-3114‬ص ‪392‬‬
‫‪23‬‬
‫مفتاح عزيزي‪ ،‬الالمركزية‪ :‬من التسيير اإلداري إلى تدبير التنمية‪ ،‬أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية‪،‬‬
‫جامعة محمد الخامس الرباط‪ ،3113-3111 ،‬ص ‪333‬‬
‫‪24‬‬
‫بهيجة هسكر‪ ،‬الجماعة المقاولة بالمغرب (األسس‪ ،‬المقومات والرهانات)‪ ،‬سلسلة الالمركزية واإلدارة المحلية‪ ،‬عدد ‪ ،3131 ،2‬الطبعة األولى‪ ،‬ص ‪391‬‬

‫‪25‬‬
‫آنية دون االستناد إلى برامج تحدد فيها األولويات وترام في تنفيذها تطلعات الساكنة المحلية وحاجياتها‬

‫الضرورية‪.25‬‬

‫إن النصوص القانونية مهما كانت جودتها والموارد البشرية مهما كانت مؤهالتها وكفاءاتها والموارد المالية‬

‫مهما كان توفرها‪ ،‬ال ولن تؤدي إلى تكريس حقيقي لمبدأ التدبير الحر إذا استمرت الرقابة اإلدارية تمارس بنفس‬

‫المنطق الوصائي المتشدد‪ .‬صحيح أن القانون التنظيمي للجماعات جاء بإصالحات مهمة في ميدان الرقابة اإلدارية‪،‬‬

‫كالتخفيف من الرقابة البعدية وتقليص مشموالتها‪ ،‬ثم إدخال القضاء اإلداري كمشرف على الرقابة الوصائية‪،‬‬

‫وصحيح أن الجماعات منحت لها اختصاصات وصالحيات أكثر تمفصال وتدقيقا مما كانت عليه في السابق‪ ،‬وذلك‬

‫دعما وترسيخ ا لالستقاللية اإلدارية والمالية من الناحية المبدئية المفترضة‪ ،‬لكن األصح هو أن الكلمة النهائية والقول‬

‫الفصل في الرقابة اإلدارية يعود للعمل والتطبيق وللممارسة الفعلية على أرض الواقع‪.‬‬

‫لقد أجمع كل من تعرف على النظام الرقابي والوصائي الممارس المعتمد أو باألحرى "المسلط" على‬

‫الجماعات‪ ،‬أنه البد ومن الضروري تخفيف التدخالت الرقابية ذات الصبغة اإلدارية في شؤون تلك الجماعات؛‬

‫فالرقابة التي تمارسها الوزارة المكلفة بالمالية على الميزانية والشؤون المالية المحلية‪ ،‬صارمة وشديدة ومبالغ فيها ‪،‬‬

‫وهي بذلك ال شك معرقلة ومعيقة الختصاصات وأنشطة الجماعات ولمسألة التدبير الحر‪ ،‬المبني أساسا على مبدأ‬

‫المبادرة‪ .‬األمر الذي يستدعي بل يستلزم تخفيفها وتقليصها ومالءمتها مع متطلبات التنمية المحلية المستدامة‬

‫والحكامة الترابية ومقتضيات القانون التنظيمي للجماعات‪.‬‬

‫أما الرقابة اإلدارية أو باألحرى الوصاية اإلدارية التي تمارسها وزارة الداخلية‪ ،‬فهي أشد وطأة في هذا الصدد‪،‬‬

‫بل هي السيف المسلط بقوة على االستقاللية اإلدارية والمالية للجماعات الترابية بالمغرب‪ .‬ومن هنا‪ ،‬ال يقتضي‬

‫األمر بالنسبة لتلك الرقابة تخفيفا وتقليصا ومالءمة ‪-‬كما هو األمر بالنسبة للرقابة التي تمارسها الوزارة المكلفة‬

‫بالمالية فقط‪ -‬بل يستلزم الواقع المحلي تغيير وتجديد فلسفتها ومنطق ممارستها جذريا‪ .‬كما أنه البد في هذا اإلطار‬

‫من إلغاء وحدف العديد من االختصاصات والممارسات الرقابية المعرقلة التي باتت غير مرغوب فيها"‪ ،26‬السيما‬

‫‪25‬‬
‫محمد الحياني‪ ،‬مظاهر التنمية المحلية وعوائقها‪ :‬الجماعات الحضرية والقروية نموذجا‪ ،‬مطبعة بنميمون‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬وجدة‪ ،3668 ،‬ص ‪333‬‬
‫‪26‬‬
‫‪Hassan Ouazzani Chahdi. La décentralisation provinciale et communale : bilan sommaire d’une politique. REMALD.‬‬
‫‪Numéro double 20-21/juillet-décembre/1997/p 51‬‬

‫‪26‬‬
‫وأن المغرب مقبل على الجهوية المتقدمة والالمركزية المتطورة التي لن تقوم لها قائمة إذا بقيت الرقابة اإلدارية‬

‫على حالها‪.‬‬

‫إن متطلبات الحكامة الترابية ومستلزمات التنمية المحلية أصبحت تفرض تجاوز مرحلة الوصاية اإلدارية‪،‬‬

‫بمفهومها الضيق التقليدي‪ ،‬والمتجلي في الرقابة الوصائية من أجل الرقابة‪ ،‬ومن أجل تكريس المقاربة الضبطية‬

‫وتحكم الدولة في تالبيب الديمقراطية الترابية‪ ،‬حيث كانت وما تزال حجر عثرة تقف في طريق التنمية المحلية وتتم‬

‫ممارستها وفق منظور أمني احترازي ضيق‪ ،‬وكأن الغرض منها هو عرقلة وتعطيل أعمال الهيآت المنتخبة‪ ،‬وليس‬

‫األخذ بيد المنتخبين والذود عن المصلحة العامة‪ .‬لكن في المقابل‪ ،‬هذا الطرح ال يقوم على إنكار وإلغاء الوصاية وال‬

‫يعني بأي حال من األحوال المطالبة باستقالة الدولة من مهام مراقبة المجال الترابي‪ ،‬بقدر ما يذهب في اتجاه‬

‫ضرورة تقليص وترشيد وعقلنة أو حوكمة اختصاصات سلطات الوصاية‪ ،‬مع تخويل الهيآت المنتخبة مزيدا من‬

‫الحرية ومن القدرة على المبادرة؛ فالرقابة اإلدارية على الجماعات تظل خيارا ال محيد عنه‪ .‬وفي نفس الوقت‪ ،‬تعد‬

‫مالءمة الوصاية والرقابة مع متطلبات الحكامة المحلية ومستلزمات التنمية الشاملة المستدامة والمنشودة مطلبا ال‬

‫بديل عنه‪ ،‬سواء تعلق األمر برقابة وزارة الداخلية أو إلى حدما بالرقابة التي تمارسها الوزارة المكلفة المالية‪.‬‬

‫‪27‬‬
‫المطلب الثاني ‪ :‬القانون التنظيمي للجهات وإعادة تأهيل التراب الوطني‬
‫تهدف األوراش اإلصالحية اليوم إلى تنزيل وتكملة ما تضمنته الوثيقة الدستورية لسنة ‪ ،1122‬وهي تتزامن مع‬

‫مجموعة من األوراش الكبرى التي أعلن المغرب عن فتحها‪ ،‬في سياق بلورة تصوره الحداثي والمتطور للبناء‬

‫الجهوي وتطوير نموذجه المجتمعي الذي يرتكز على العمل على التأسيس لتوزيع يضمن تأهيل التراب الوطني‬

‫ككل‪ ،‬من منطلق التضامن الفعلي بين الجهات‪ ،‬واستيفاء شروط العيش واالرتقاء االجتماعي داخلها‪.‬‬

‫الفقرة األولى ‪ :‬الجهوية وإعادة تأهيل التراب الوطني‬

‫أوال ‪ :‬العالقة التالزمية بين الجهوية واإلصالح الدستوري‬

‫يعتبر مشروع الجهوية المتقدمة‪ ،‬المعلن في خطاب التنصيب يناير ‪ 1121‬أحد المحاور األساسية في عملية‬

‫اإلصالح الجارية بالمغرب؛ فقد افتتح خطاب ‪ 1‬مارس بتأكيد أهمية الجهوية المتقدمة في المعمار الدستوري الجديد‪،‬‬

‫حيث شدد من جهة‪ ،‬على تكريس الجهوية بمقتضى الدستور وليس بقانون‪ ،‬حيث نص في الفقرة األخيرة من الفصل‬

‫األول من الدستور على أن "التنظيم الترابي للمملكة تنظيم المركزي‪ ،‬يقوم على الجهوية المتقدمة"‪ .‬وهو ما يعني‬

‫إعطاء المشروع الجديد قيمة إستراتيجية جديرة به في منظومة اإلصالحات الدستورية والسياسية‪ ،‬وبالتالي إعطاء‬

‫داللة قوية على مستوى البناء الدستوري الجديد‪ .‬وهذا يبرهن على "جدية تبني الدولة لهذا اإلصالح‪ ،‬من حيث‬

‫االختصاصات الممنوحة للجهة‪ ،‬وبمقومات ومبادئ تراعي الخصوصية المحلية وتنفتح على التجارب المقارنة"‪،‬‬

‫وعلى جعل الجهوية المتقدمة ‪ -‬بحسبها آلية إلعادة توزيع السلطة بين الدولة ومختلف الجماعات الترابية ‪ -‬قاطرة‬

‫إلدخال تحويرات عميقة على الوثيقة الدستورية‪ .‬وهكذا‪ ،‬جاءت رسالة الخطاب واضحة في دعوتها إلى أن تكون‬

‫الجهوية المتقدمة مؤسسة على مبادئ الحكامة الترابية الجيدة‪ ،‬سواء على صعيد انتخاب المجالس الجهوية وتدبيرها‬

‫ديمقراطيا‪ ،‬أو على صعيد تخويل رؤساء المجالس الجهوية سلطة فعلية لتنفيذ مقررات هيئاتهم‪ ،‬عوض ممثلي‬

‫السلطة المركزية من عمال ووالة‪.‬‬

‫ويستتبع أن ر غبة المشرع الدستوري المغربي كانت واضحة‪ ،‬عندما أحاطت المشروع الجهوي بما يلزم من‬

‫الشروط والمبادئ الديمقراطية إلنجاحه‪ ،‬وذلك من حيث دعم قدرات المؤسسات المحلية وتعزيز دور رؤساء‬

‫الجهات‪ ،‬بإعطائهم صالحيات تقريرية واسعة وهكذا‪ ،‬فقد خصص المشرع الدستوري الباب التاسع من الدستور‬

‫للجهات والجماعات الترابية األخرى‪ ،‬والذي من خالله أصبح مجلس الجهة ينتخب باالقتراع العام المباشر‪ ،‬ومن‬

‫‪28‬‬
‫المرتقب أن يولد االقتراع المباشر جوا من الديمقراطية التداولية‪ ،‬من خالل االستشعار بأهمية المواطن‪ ،‬وبالتالي‬

‫السعي لتحسين سبل استفادته من الخدمة العمومية والبحث عن كيفية إدماجه في تنمية ترابه المحلي‪.‬‬

‫تكمن‪ ،‬إذن‪ ،‬العالقة التالزمية بين الجهوية واإلصالح الدستوري في كون الجهة وفق االستراتيجة الجديدة‬

‫إلعادة بناء المجال الترابي‪ ،‬ستصبح فاعال مهما في المعمار المؤسسي المزمع تشييده؛ فالمنتظر ليس إعادة توزيع‬

‫االخ تصاصات بين الدولة وباقي الجماعات الترابية‪ ،‬وفي مقدمتها الجهة‪ ،‬بل إعادة توزيع الخيرات واإلمكانات أيضا‬

‫بين مختلف مكونات التراب الوطني المغربي‪ ،‬وهو ما يعني اعتماد فلسفة جديدة في تدبير السلطة والثروة على‬

‫صعيد الواليات واألقاليم المغربية‪ .‬لذلك تستلزم الجهوية المتقدمة‪ ،‬وفق هذا المنظور‪ ،‬تصورا جديدا‪ ،‬للعالقة بين‬

‫الدولة وباقي مكوناتها الترابية؛ أي تحتاج في الواقع إلى تعاقد جديد من شأنه جعل الجهات مشاركة في تمثيل‬

‫المواطنين مشاركة فعلية‪ ،‬وإشراكهم في تدبير شؤونهم إلى جانب الدولة وممثليها على الصعيد الترابي‪ .‬والحال‪ ،‬يعد‬

‫الدستور الوثيقة األسمى لتكريس الفلسفة الجديدة لعالقة الدولة بباقي مكوناتها الترابية‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬التأسيس الدستوري والتنظيمي للجهات وللجماعات الترابية‬

‫أسس الدستور المغربي الجديد لحق الجماعات الترابية في الوجود‪ ،‬باعتبارها أجزاء غير قابلة للفصل فيما‬

‫بينها‪ ،‬والمتمثلة أساسا في الجهات والعماالت واألقاليم والجماعات‪ ،‬ومن المؤكد أن البعض منها يرجع ظهوره إلى‬

‫زمن بعيد كالجماعة‪ ،‬إال أنها لم تصبح كوحدة ترابية قائمة الذات بالنسبة للقانون المغربي‪ ،‬إال بعد أن قام الدستور‬

‫بتكريسها وتأسيسها بالنص عليها صراحة في مقتضياته‪ .‬لكنه رغم الوحدة في التأسيس الدستوري‪ ،‬إال أن هذه‬

‫الوحدات‪ ،‬ال تتوفر بالضرورة على نفس النظام القانوني‪ ،‬والتمييز بينها هو من العمل المباشر للسلطة الدستورية‪.‬‬

‫وعلى أساس ذلك‪ ،‬عمل المشرع الدستوري‪ ،‬من خالل الفصل ‪ 252‬على تكريس مجموعتين من الجماعات‬

‫الترابية‪ ،‬األولى تم التنصيص عليها بصريح المباشرة في النص الدستوري وهي الجهات والعماالت واألقاليم‬

‫والجماعات‪ ،‬أما المجموعة الثانية‪ ،‬فال يمكن إنشاؤها إال بقانون‪ ،‬ويمكن أن تحل عند االقتضاء‪ ،‬محل جماعة ترابية‬

‫أو أكثر‪ .‬ذلك أن المجموعة األخيرة على عكس المجموعة األولى‪ ،‬ال تتوفر على نفس النظام الدستوري‪ ،‬نظرا‬

‫للتفاوت على مستوى ضمانة الوجود‪ ،‬وحيث أن الجهات والعماالت واألقاليم والجماعات الحضرية والقروية تم‬

‫التنصيص عليها في الدستور‪ ،‬فال يمكن حذفها كفئات من الجماعات الترابية‪.‬‬

‫‪29‬‬
‫إن المجموعة الثانية التي يمكن للمشرع أن ينشئها‪ ،‬تشكل دائرة أخرى‪ -‬إن صح التعبير من الجماعات الترابية‪-‬‬

‫ما دام أنها تنشأ بقانون‪ ،‬ويمكن بطبيعة الحال‪ ،‬أن تحذف بقانون‪ ،‬فهي جماعات ترابية ذات نظام تشريعي‪ ،‬ألن‬

‫ضمانة وجود الجماعات الترابية‪ ،‬في ظل الدستور المغربي الجديد‪ ،‬ال تهم كل جماعة ترابية على حدة؛ فحذف‬

‫الجماعات أو تحويل فئة من الجماعات إلى فئة أخرى يبقى ممكنا نظريا وعمليا‪ ،‬والمراجعات المختلفة للتقطيع‬

‫الترابي تؤكد ذلك‪ ،‬إذ يمكن تجميع عدد من الجماعات لخلق عمالة أو إقليم‪ ،‬ويمكن فصل جماعة أو جماعات ترابية‬

‫ألقلمتها‪ ،‬مع توسع المدن‪ ،‬كما يمكن دائما تغيير حدود الجماعات الترابية ألقلمتها مع توسع المدن والتطور‬

‫االقتصادي واالجتماعي للتجمعات البشرية المختلفة‪.‬‬

‫كما أن النص الدستوري ( الفصل ‪ ،)252‬کرس رسميا البعد الديمقراطي على مستوى الوحدات الالمركزية‪،‬‬

‫باعتبار أن الجماعات الترابية أشخاص معنوية‪ -‬خاضعة للقانون العام‪ -‬وتسير شؤونها بكيفية ديمقراطية‪ ،‬ألن التدبير‬

‫الديمقراطي يقتضي وجود الجماعة الترابية وإدراجها في النظام القانوني‪ ،‬بواسطة الشخصية المعنوية التي أصبحت‬

‫تتوفر عليها كشخص قانوني‪ ،‬والدليل على ذلك أن كل المواد األولى من القوانين المنظمة لالمركزية تنص على أن‬

‫الجهات والعماالت واألقاليم والجماعات تتمتع بالشخصية المعنوية واالستقالل المالي‪.‬‬

‫وهو األمر الذي سار عليه القانون التنظيمي للجهات‪ ،‬حين اعتبر الجهة في المادة الثالثة جماعة ترابية‪،‬‬

‫خاضعة للقانون العام‪ ،‬وتتمتع بالشخصية المعنوية االعتبارية واالستقالل اإلداري والمالي‪ ،‬مما يعني أنه يجب أن‬

‫يكون االستقالل هو المبدأ‪ ،‬إذ سيغيب التدبير الديمقراطي الترابي في الحالة التي يمتلك فيها األعوان‪ ،‬خارج الجماعة‬

‫الترابية سلطات تهم شؤون هذه الوحدات وتكون أقوى من تلك التي يتوفر عليها ممثلوها‪ ،‬ومن شأن التدبير‬

‫الديمقراطي الترابي أن يختفي أيضا في الحالة التي يكون فيها عدد القرارات القابلة للتعديل من لدن سلطة خارجية‬

‫أكبر من عدد تلك التي ال يمكن تعديلها "‪.‬‬

‫وفي سياق آخر‪ ،‬عمل المشرع الدستوري بموجب الفصل ‪ ،250‬على إقرار مبدأ المساواة بين الجماعات‬

‫الترابية (الجهات‪ ،‬العماالت واألقاليم والجماعات الحضرية والقروية)‪ ،‬جاعال بذلك سلطة تنفيذ مداوالت و مقررات‬

‫مجالسها المنتخبة بيد رؤسائها‪ ،‬بحيث لم يبق للعمال صفة األمر بالصرف وال صفة السلطة التنفيذية لمجالس الجهات‬

‫والعماالت واألقاليم‪ ،‬حيث رئيس مجلس الجهة ورئيس مجلس العمالة أو اإلقليم المنتخب هو الذي سيصبح آمرا‬

‫بالصرف وممثال للسلطة التنفيذية‪ .‬وفي هذا السياق‪ ،‬نص القانون التنظيمي في مادته ‪ 212‬على أن "‪ ...‬رئيس‬

‫‪30‬‬
‫المجلس يعتبر اآلمر بقبض مداخيل الجهة وصرف نفقاتها‪ ،‬ويرأس مجلسها ويمثلها بصفة رسمية في جميع أعمال‬

‫الحياة المدنية واإلدارية والقضائية ويسهر على مصالحها‪ ،‬طبقا ألحكام هذا القانون التنظيمي والقوانين واألنظمة‬

‫الجاري بها العمل‪."...‬‬

‫كما يهدف المشرع الدستوري‪ ،‬من وراء إقرار هذه المساواة‪ ،‬إلى تحقيق جملة من األهداف‪ ،‬تتمثل في بلورة‬

‫فكرة الجهوية المتقدمة التي تقتضي إسناد صالحيات التدبير المحلي لألجهزة المنتخبة‪ ،‬ومواكبة الشرعية الجديدة‬

‫الناتجة عن انتخاب مجالس الجهات والجماعات باالقتراع العام المباشر‪ ،‬ثم العمل على تطابق الوضع القانوني‬

‫لرئيس المجلس الجهوي مع نفس الغايات؛ فكان ال بد وأن تناط برئيس المجلس الجهوي سلطة تنفيذ مداوالت‬

‫المجلس على النحو التالي ‪:‬‬

‫• يضطلع بصرف المداخيل والنفقات المتعلقة بتسيير المجلس الجهوي‪.‬‬

‫• يضطلع بالتنفيذ المباشر لقرارات المجلس ذات الطابع اإلداري‪ ،‬الفردي أو الجماعي‪ ،‬أو ذات الطابع المعياري‪.‬‬

‫• توضع رهن إشارته وكالة لتنفيذ مشاريع االستثمار التي يقررها المجلس الجهوي‪.‬‬

‫الفقرة الثانية ‪ :‬نحو إستراتيجية جديدة إلعادة بناء المجال الترابي‬

‫أكد الباب التاسع من الدستور على الجهات والجماعات الترابية األخرى؛ أي العماالت واألقاليم والجماعات‪،‬‬

‫حيث يستنتج من هذا األمر أن مصطلح "المحلية" تغير ب "الترابية"‪ ،‬وذلك انسجاما مع مصطلح التنظيم الترابي‪.‬‬

‫وكون الجهة ذكرت مستقلة في الفصل ‪ ،245‬رغم أنها من فصيلة الجماعات الترابية‪ ،‬فألنها أصبحت تتبوأ مكانة‬

‫الصدارة بالنسبة للجماعات الترابية األخرى‪ .‬وفي إطار هذه المكانة الجديدة‪ ،‬عمل المشرع الدستوري‪ ،‬من خالل‬

‫الفصل ‪ ،244‬على منح الجهات والجماعات الترابية الحق في تأسيس مجموعات فيما بينها‪ ،‬من أجل التعاضد في‬

‫البرامج والوسائل‪ ،‬هذا باإلضافة إلى أنها أصبحت مساهما رئيسيا في تفعيل السياسة العامة للدولة‪ ،‬وفي إعداد‬

‫السياسات الترابية‪.‬‬

‫‪31‬‬
‫أوال ‪ :‬نحو مكانة دستورية جديدة للجهة‬

‫إذا كان المشرع الدستوري في الفصل ‪ 245‬قد اعتبر عدم جواز ممارسة أية جماعة ترابية وصايتها على‬

‫جماعة أخرى أحد المبادئ الدستورية المهمة إلقرار التعاون والتعاضد بينهما‪ ،‬فإنه بوأ الجهة ‪ -‬تحت إشراف رئيس‬

‫مجلسها ‪ -‬مكانة الصادرة دستوريا بالنسبة للجماعات األخرى في مجال التنمية المندمجة‪.‬‬

‫وفي انسجام مع هذا المعطى الدستوري الجديد‪ ،‬عمل المشرع التنظيمي على التذكير بهذه المكانة الجديدة للجهة‪،‬‬

‫حيث ألزم السلطات العمومية المعنية أخذ صدارة الجهة بعين االعتبار في عمليات إعداد برامج التنمية الجهوية‬

‫والتصاميم الجهوية إلعداد التراب‪.‬‬

‫ونحو اعتماد توجهات الدولة واستراتيجيتها‪ ،‬وبعد التشاور مع السلطة التي تمثل الدولة في الجهة‪ ،‬وبعد استشارة‬

‫باقي المجالس ال ترابية وإدارات الدولة الالممركزة والمؤسسات الالمركزية والمنظمات الممثلة لألوساط االقتصادية‬

‫والمأجورين والمجتمع المدني‪ ،‬فقد نص القانون التنظيمي للجهات أيضا في الفصل الثاني (التنمية الجهوية) من‬

‫الباب الثاني ( االختصاصات الذاتية) ضمن القسم الثاني(اختصاصات الجهة)‪ ،‬خصوصا في المادة ‪ 02‬منه على أن‬

‫تمارس الجهة اختصاصات ذاتية في مجال التنمية الجهوية‪ ،‬كما تقوم بإعداد وتتبع تنفيذ برنامج التنمية الجهوية‬

‫والتصميم الجهوي إلعداد التراب‪ ،‬وتبعا لذلك يضع ويتبنى المجلس الجهوي تصور الجهة ومخطط تنميتها في‬

‫المجاالت االقتصادية واالجتماعية والثقافية ‪ :‬والبيئية والتصميم الجهوي إلعداد التراب تنزيال للمادة ‪ 01‬من القانون‬

‫التنظيمية‪.‬‬

‫كما يتصدر المجلس الجهوي الجماعات الترابية األخرى في حدود اختصاصه "بتجميع وتنسيق المقترحات مع‬

‫الجماعات الترابية األخرى واإلدارات والمؤسسات العمومية‪ ،‬وممثلي القطاع الخاص المعنيين بتراب الجهة) وجعلها‬

‫بالتالي تنسجم وتندمج في تصور التنمية الجهوي‪ ،‬وذلك مع احترام االختصاصات المخولة لتلك الجماعات‪ .‬وهو ما‬

‫يجعل مجالس العماالت واألقاليم ومجالس الجماعات تعد مخططاتها وبرامجها ومشاريع تنميتها الذاتية في انسجام‬

‫مع التصور الذي يتبناه مجلس الجهة وتصادق عليه الدولة‪.‬‬

‫وفي انسجام مع توجهات الدولة وبعد االستشارات والمشاورات والمصادقات المنصوص عليها في القانون يقوم‬

‫المجلس الجهوي – في حدود اختصاصاته ووسائله ‪ -‬بإعداد وتبني وإنجاز خطط العمل وبرامج التجهيز الخاصة به‬

‫‪32‬‬
‫في مجاالت االستثمار والتشغيل وقطاعات الماء والطاقة والبيئة والتربية والتكوين والثقافة والصحة‪ .‬أضف إلى ذلك‬

‫أن المجلس الجهوي يساهم‪ ،‬بشراكة مع الدولة وباقي الجماعات الترابية‪ ،‬في إنجاز برامج‪ ،‬في أشغال البنيات التحتية‬

‫والتجهيز‪ ،‬من أجل تقوية الجاذبية االقتصادية للجهة‪ ،‬والسكن االجتماعي‪ ،‬ثم النهوض بالمستوى االقتصادي‬

‫واالجتماعي للعالم القروي ودعم الساكنة في وضع هش من جهة‪ ،‬ويسهر المجلس الجهوي‪ ،‬بعد مصادقة الدولة‪،‬‬

‫على تكثيف التعاون الدولي الالمركزي مع الجهات والمؤسسات التي يتقاسم معها مصالح مشتركة‪ ،‬وذلك لفائدة‬

‫التنمية االقتصادية واالجتماعية والثقافية والبيئية للجهة‪ .‬ثم بشراكة مع الجامعة‪ ،‬يشجع المجلس الجهوي أشكال تنمية‬

‫البحث العلمي والتكنولوجي وانفتاح الجامعة على محيطها الجهوي واإلشعاع الثقافي للجهة والنهوض بمجتمع العالم‬

‫والمعرفة من جهة أخرى‪.‬‬

‫ويستتبع أن الحكومة والسلطات العمومية تكون بموجب الدستور وبموجب المادة ‪ 211‬من القانون التنظيمي‬

‫للجهات ملزمة باستشارة المجلس الجهوي بشأن كل مشروع كبير تعتزم الدولة إنجازه في الجهة‪ ،‬أو كلما كان األمر‬

‫يعنيه‪ ،‬عند إعداد المهام التالية ‪:‬‬

‫• االستراتيجية الوطنية للتنمية االقتصادية واالجتماعية‪.‬‬

‫• المخططات القطاعية الوطنية والجهوية‪.‬‬

‫• التصميم الوطني إلعداد التراب والتصميم الجهوي للتنمية الحضرية‪.‬‬

‫• االستراتيجيات الوطنية والجهوية في مجاالت النهوض باالستثمارات والتشغيل والماء والطاقة والبيئة والتربية‬

‫والتكوين المهني والثقافة والصحة‪.‬‬

‫• إذا ما رفضت الحكومة كليا أو جزئيا مقترحات للمجلس الجهوي تعني جهته‪ ،‬فال بد من تعليل الرفض‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬تعزيز المساهمة في تفعيل السياسات العامة للدولة‬

‫إن التحوالت التي عرفها مفهوم الدولة في النظام السياسي المغربي‪ ،‬ساهمت بشكل كبير في إعادة صياغة‬

‫دورها الذي لم يعد ينحصر في إشباع الحاجات األساسية للمجموعات االجتماعية فقط‪ ،‬بقدر ما أصبح نشاطها‬

‫الرئيسي يتجه أيضا نحو تحقيق تنمية شاملة ومستديمة لهذه المجموعات ‪ -‬مكانة متقدمة في استراتيجيتها التنموية ‪-‬‬

‫وبالتالي لم يعد من المقبول اليوم أن تقوم الدولة المركزية بإدارة كل شيء بنفسها‪ ،‬بما في ذلك تدبير السياسات‬

‫‪33‬‬
‫العمومية‪ ،‬بل لقد بات خيار الالمركزية الترابية وتحرير قدرة المبادرة اإلدارية لدى مجالس الجهات والجماعات‬

‫الترابية المنتخبة مدخال ال غنى عنه لتحقيق أهداف التنمية‪ ،‬وذلك من خالل إعادة تحديد دور السلطات المركزية‪ ،‬في‬

‫اتجاه انتقال مزيد من الصالحيات واالختصاصات لفائدة الجماعات الترابية والهيئات الالمركزية‪.‬‬

‫وفي نفس السياق‪ ،‬لم يكن البعد التشاركي حاضرا في صيرورة إعداد وتنفيذ السياسات العمومية بالمغرب‪ ،‬وذلك‬

‫أن عدم إشراك السكان واستشارتهم في المشاريع التنموية التي تعنيهم بالدرجة األولى جعل كثيرا من هذه المشاريع‬

‫إنجازات غير مكتملة‪ ،‬أو اتضح فيما بعد أنها‪ ،‬ال تناسب الحاجيات الحقيقية للمعنيين بها‪ ،‬ألن التدبير الجيد للسياسات‬

‫العمومية ينبغي أن يرتكز أساسا على الدعم الذي يمكن أن تحظى به من طرف الفئات االجتماعية المعنية بها ومدى‬

‫قابليتها للمساهمة في تنفيذها‪ ،‬األمر الذي حدا بالمشرع الدستوري إلى الدفع ب "الجهات والجماعات الترابية األخرى‬

‫للمساهمة في تفعيل السياسة العامة للدولة‪ ،‬وفي إعداد السياسات الترابية‪ ،‬من خالل ممثليها في مه المستشارين "‪.‬‬

‫وهو األمر الذي سار عليه المشرع التنظيمي‪ ،‬حيث اشترط من جهة‪ ،‬على الجهة في المادة ‪ ،00‬األخذ بعين‬

‫االعتبار السياسة العامة إلعداد التراب المعتمدة على المستوى الوطني والتشاور مع اإلدارات والمؤسسات العمومية‪،‬‬

‫من أجل وضع التصميم الجهوي إلعداد التراب‪ .‬ومن جهة أخرى وبالمقابل‪ ،‬اشترط على اإلدارات والجماعات‬

‫الترابية والمؤسسات العمومية‪ ،‬في المادة ‪ ،11‬األخذ بعين االعتبار للتصميم الجهوي‪ ،‬وبالتالي ضرورة حصول‬

‫توافق بين الدولة والجهة حول تدابير تهيئة المجال وتأهيله وفق رؤية إستراتيجية واستشرافية بما يسمح بتحديد‬

‫توجهات واختيارات التنمية الجهوية‪ ،‬كما هو مبين في المادة ‪ 01‬من القانون التنظيمي‪.‬‬

‫كما أن التأطير الدستوري للجهات والجماعات الترابية األخرى ذهب إلى حد االعتراف لهذه الوحدات بتمثيلية‬

‫خاصة في مؤسسات التمثيلية بالمملكة المغربية‪ ،‬وعلى رأسها مجلس المستشارين الذي يتكون حسب الدستور من‬

‫‪ 11‬عضوا على األقل‪ ،‬و‪ 211‬عضوا على األكثر‪ ،‬ثالثة أخماس األعضاء ممثلين للجماعات الترابية‪ ،‬يتوزعون‬

‫بين جهات المملكة بالتناسب مع عدد سكانها‪ ،‬ومع مراعاة اإلنصاف بين الجهات‪.‬‬

‫‪ ‬ينتخب المجلس الجهوي على مستوى كل جهة‪ ،‬من بين أعضائه الثلث المخصص للجهة من هذا العدد‪.‬‬

‫‪ ‬ينتخب الثلثان المتبقيان من قبل هيئة ناخبة تتكون على مستوى الجهة‪ ،‬من أعضاء المجالس الجماعية‬

‫ومجالس العماالت واألقاليم‪.‬‬

‫‪34‬‬
‫إن الدستور المغربي الجديد جعل من الجهات والجماعات الترابية األخرى شريكا أساسيا في تفعيل السياسة‬

‫العامة للدولة‪ ،‬وعنصرا مهما في إعداد السياسات الترابية‪ ،‬من خالل دعم تمثيليتها داخل مجلس المستشارين‪ ،‬الذي‬

‫ينتخب لمدة ست سنوات ‪ -‬وهي نفس مدة انتداب أعضاء مجالس الجهات ومجالس المعاالت واألقاليم والجماعات‬

‫والمقاطعات ‪ -‬بتقوية عدد األعضاء الممثلين لها داخله‪ ،‬حيث أصبح عدد أعضاء مجلس المستشارين محددا في‬

‫‪ 211‬عضوا ‪ -‬وهو الحد األقصى المنصوص عليه في الفصل ‪ 15‬من الدستور ‪ -‬منهم ‪ 210‬ينتخبون على صعيد‬

‫الجهات من طرف هيئة ناخبة جهوية تمثل فيها الجماعات الترابية ب ‪ 91‬عضوا‪ ،‬والغرف المهنة ب ‪ 14‬عضوا‬

‫والمنظمات المهنية للمشغلين األكثر تمثيلية ب ‪ 21‬عضوا‪ ،‬باإلضافة إلى ‪ 21‬عضوا عن ممثلي هيئة المأجورين‬

‫ينتخبون على الصعيد الوطني‪.‬‬

‫الفقرة الثالثة ‪ :‬التعاون والشراكة والتضامن بين الجهات (مبدأ التعاضد الدستوري)‬

‫أوال ‪ :‬في إمكانية تأسيس "مجموعات الجهات"‬

‫سمح الدستور المغربي الجديد للجماعات الترابية تأسيس مجموعات فيما بينها‪ ،‬من أجل التعاضد في البرامج‬

‫والوسائل‪ ،‬وتعتبر مجموعة الجماعات في هذا السياق‪ -‬مؤسسة عمومية تتمتع بالشخصية المعنوية واالستقالل المالي‬

‫وتطبق عليها النصوص التشريعية والتنظيمية المتعلقة بالوصاية على الجماعات الترابية‪ ،‬كما تطبق القواعد المالية‬

‫والمحاسبية للجماعات الترابية على ميزانية المجموعة ومحاسبتها‪.‬‬

‫ويتميز هذا النوع من التعاون بسهولة تأسيس المجموعة وببساطة اإلجراءات القانونية واإلدارية الخاصة‬

‫بإحداثها‪ ،‬كما أنها وسيلة مهمة إلنجاز مشاريع مشتركة بين الجماعات المتعاونة ووسيلة فعالة لتحقيق التضامن‬

‫والتوازن بين الجماعات الفقيرة ونظيراتها الغنية‪ ،‬على مستوى معالجة نقص الموارد المالية أو نقص التجهيزات‪،‬‬

‫خاصة على مستوى توزيع الماء والكهرباء وقطاع النقل وتدبير النفقات المنزلية‪.27...‬‬

‫إن تنظيم هذا النمط من التعاون بين الجماعات الترابية يتطلب توافر العديد من اإلجراءات القانونية المنظمة لها‬

‫كإسم المجموعة موضوع المجموعة‪ ،‬مدة صالحية المجموعة‪ ،‬مقر المجموعة‪ ،‬طبيعة أو مبلغ مساهمة كل جماعة‬

‫والمصادقة على المجموعة‪ .‬أضف إلى ذلك إلى أنه يقوم بتسيير شؤون المجموعة مجلس ومكتب‪ ،‬وتطبق عليهم‬

‫‪27‬‬
‫كريم لحرش‪ ،‬الدستور الجديد للمملكة المغربية‪ :‬شرح وتحليل‪ ،‬سلسلة العمل التشريعي واالجتهاد القضائي‪ ،‬العدد ‪ ،3133 ،1‬ص ‪383‬‬

‫‪35‬‬
‫نفس القوانين والشكليات المعمول بها في تشكيل أجهزة الجماعات وتسييرها‪ ،‬والمتمثلة في مجالس المجموعة ثم‬

‫قواعد االنضمام واالنسحاب والحل‪.‬‬

‫وتكملة وتوضيحا لمبدأ التعاضد الدستوري ‪ -‬بين مجموعة الجماعات الترابية‪ ،‬بتأسيس مجموعة الجماعات ‪-‬‬

‫نص القانون التنظيمي للجهات‪ ،‬في مادته ‪ - 11‬الخاصة بالتعاون والشراكة ‪ -‬على أن مجلس الجهة له الحق في‬

‫التداول في مجموعة من الميادين على رأسها "المساهمة في إحداث مجموعات الجهات ومجموعات الجماعات‬

‫الترابية أو االنضمام إليها أو االنسحاب منها‪." ..‬‬

‫وفي نفس السياق‪ ،‬نص القانون التنظيمي للجهات من جهة‪ ،‬في مواده (من ‪ 241‬إلى ‪ )225‬على إمكانية‬

‫الجهات تأسيس فيما بينها‪ ،‬بموجب اتفاقيات يصادق عليها من قبل مجالس الجهات المعنية‪ ،‬مجموعات للجهات تتمتع‬

‫بالشخصية ا لمعنوية على أن يعلن على تكوينها بقرار للسلطة المكلفة بالداخلية‪ ،‬هذا مع تحديد كيفية انتخاب وتسيير‬

‫مجموعة الجهات‪ .‬ومن جهة أخرى‪ ،‬خصص القانون التنظيمي للجهات أيضا في المادة ‪ 224‬إمكانية تأسيس‬

‫مجموعات الجماعات الترابية‪ ،‬والتي خصها هي األخرى بالشخصية االعتبارية و باالستقالل اإلداري والمالي‪،‬‬

‫بهدف إنجاز عمل مشترك أو تدبير مرفق ذو مصلحة عامة للمجموعة‪ ،‬كما نصت المواد (من ‪ 222‬إلى ‪)212‬‬

‫على كيفية تسيير مجموعات الجماعات الترابية‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬في مبدأ تضامن الدولة‬

‫تشكل قاعدة التضامن أو التضامن في ما بين الجهات أو التضامن الوطني وكلها مسميات لمبدأ مقابل وهو مبدأ‬

‫تضامن الدولة‪ ،28‬األساس المرجعي إلقرار التعاون الجهوي‪ ،‬إذ أن التنوع في اإلمكانات والوسائل‪ ،‬يلزم أن يتوحد‬

‫على مستوى دعم شروط تنمية الدولة الواحدة اقتصاديا واجتماعيا‪ ،‬وهذا ما يستدعي استثمار كل جهة لمؤهالتها‬

‫على الوجه األمثل‪ ،‬مع إيجاد آليات ناجعة للتضامن المجسد للتكامل والتالحم بين المناطق في مغرب موحد‪،‬‬

‫واستثمارا لهن القاعدة‪ ،‬استجاب المشرع الدستوري بالتنصيص على أنه "يحدث لفترة معينة ولفائدة الجهات صندوق‬

‫للتأهيل االجتماعي "‪ ،‬يهدف إلى سد العجز في مجاالت التنمية البشرية‪ ،‬والبنيات التحتية األساسية والتجهيزات‪.‬‬

‫‪28‬‬
‫كريم لحرش‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪318‬‬

‫‪36‬‬
‫وفي هذا السياق‪ ،‬عمل القانون التنظيمي للجهات على تنزيل وتوضيح كيفية االستفادة من صندوق التأهيل‬

‫االجتماعي حين خصص الباب األول من القسم السادس من القانون التنظيمي لصندوق التأهيل االجتماعي‪ ،‬حيث‬

‫نص في المادة ‪ 111‬على األهداف المتوخاة من إحداث هذا الصندوق التابع لرئيس الحكومة حسب المادة ‪151‬‬

‫كآمر بقبض مداخيله وصرف نفقاته‪.‬‬

‫ويهدف هذا التأهيل ‪ -‬بحسب تقرير اللجنة االستشارية حول الجهوية المتقدمة الذي تندرج فيه البرامج المعتمدة‬

‫من قبل القطاعات الوزارية‪ ،‬إلى اإلسراع بسد مظاهر العجز الكبرى ‪ -‬كما جاء في المواد (‪ )111‬و(‪ )151‬من‬

‫القانون التنظيمي ‪ -‬في الجوانب المرتبطة مباشرة بالتنمية البشرية‪ ،‬والتي تتقاطع بشكل واسع مع مجاالت اختصاص‬

‫الجهات‪ ،‬ويتعلق األمر ب‪:‬‬

‫• تعميم التزويد بالماء الصالح للشرب والكهرباء‪ ،‬محو مدن الصفيح والسكن غير الالئق‪.‬‬

‫• االر تقاء بالجهات‪ ،‬من حيث الصحة والتربية وشبكة الطرق‪ ،‬إلى المعدل الوطني أو إلى مستوى المعايير الوطنية‬

‫والدولية‪.‬‬

‫وتفاديا لترسيخ منطق االتكال على برنامج لإلعانة الدائمة‪ ،‬وسعيا لتمكين الجهات من معالجة أوجه عجزها‬

‫بنفسها‪ ،‬فإن هذا التأهيل المقترح ليس دائما وإنما يمتد لفترة معينة حسب الدستور‪ ،‬والتي حددتها اللجنة االستشارية‬

‫حول الجهوية في واليتين‪ .29‬ويبدو هذا األفق الزمني قريبا بما يكفي إلنجازه بوثيرة مالئمة‪ ،‬ولتعزيز ثقة السكان‬

‫بالجهوية المتقدمة منذ بداية انطالقها‪ ،‬كما أنه كاف لتجنب ضغط مالي ال تحمله موارد الدولة‪ ،‬ولتمكين كل من‬

‫البنيات الجهوية الجديدة من بناء قدراتها الذاتية على الفعل والمواكبة اعتبارا لخصوصياتها‪.‬‬

‫ويستبع أن الدستور المغربي الجديد لم يقف عند هذا الحد بل تعداه إلى النص على أنه يحدث أيضا صندوق‬

‫للتضامن بين الجهات‪ ،‬بحسب تقرير اللجنة االستشارية حول الجهوية المتقدمة‪ ،‬بهدف التوزيع المتكافئ للموارد‪،‬‬

‫قصد التقليص من التفاوتات بينها‪ ،‬ألن الوضع الحالي للمغرب سيجعل بعض الجهات تستمر في تحمل تكاليف تفوق‬

‫بكثير المتوسط الوطني‪ ،‬وهذا ينطبق على الجهات الفقيرة‪ ،‬أو المعزولة (الجبلية‪ ،‬أو الجافة أو شبه الجافة) و‪/‬أو ذات‬

‫الطابع الخاص (من الناحية الجيواستراتيجية على سبيل المثال) ‪ ،‬والتي يقتضي توفير خدمات او إنشاء بنيات تحتية‬

‫‪29‬‬
‫التقرير حول الجهوية المتقدمة‪ ،‬الكتاب األول‪ ،‬التصور العام‪ ،‬اللجنة االستشارية حول الجهوية‪ ،‬المملكة المغربية‪3133 ،‬‬

‫‪37‬‬
‫أساسية بها موارد تتجاوز الموارد الموضوعة رهن إشارتها‪ .‬وهو ما يستوجب إحداث صندوق للتضامن كفيل بتقديم‬

‫الدعم لهذه الجهات وضمان حد أدنى من العدالة والكرامة على امتداد التراب الوطني لجميع المواطنين‪ ،‬أينما كان‬

‫محل إقامتهم‪.‬‬

‫وهو األمر الذي سار عليه المشرع التنظيمي‪ ،‬حيث نص في المادة ‪ 154‬على أن يحدث صندوق للتضامن بين‬

‫الجهات‪ ،‬من أجل ضمان التوزيع المتكافئ للموارد والتابع لوزير الداخلية كآمر بقبض مداخيله وصرف نفقاته‪.‬‬

‫كما ينبغي أن يكون هذا الهدف التضامني ‪ -‬من وراء إنشاء هذا الصندوق ‪ -‬موجها باألساس لفائدة الجهات‬

‫األكثر خصاصا‪ ،‬وأن تعطى فيه األولوية لتوفير الخدمات والبنيات التحتية ذات الطابع االقتصادي‪ ،‬وإن كانت‬

‫عائداتها متدنية على المدى القصير‪ .‬وستمكن هذه اآللية بذلك ‪ -‬حسب التصور العام للجنة االستشارية حول الجهوية‬

‫‪ -‬من تعزيز القدرات االقتصادية للمناطق‪ ،‬مع مراعاة الخيارات المحلية الهادفة إلى تثمين الثروات الطبيعية‬

‫واالقتصادية والتاريخية الخاصة بها من جهة‪ .‬كما أن موارد صندوق التضامن ستعتمد بطبيعة الحال على مساهمة‬

‫عمودية من الدولة لفائدة الجهات المعنية باقتطاع ‪ %21‬من الموارد اإلضافية المخصصة للجهات‪ ،‬لتمثل بذلك‬

‫الميزانية األولية‪ ،‬وهو ما يستوجب وضع طرق ومعايير مضبوطة لتوزيع هذه الموارد بين الجهات المستفيدة‪ ،‬تفاديا‬

‫لتحويل هذا الصندوق إلى صندوق خيري أو للمساعدة الدائمة؛ يتطلب األمر ضرورة وضع نظام ديناميكي‪ ،‬بحيث‬

‫تتماشى طرق تخصيص موارده باستمرار مع تغير الفوارق الجهوية زمنيا من جهة ثانية‪.30‬‬

‫‪30‬‬
‫التقرير حول الجهوية المتقدمة‪ ،‬الكتاب األول‪ ،‬التصور العام‪ ،‬اللجنة االستشارية حول الجهوية‪ ،‬المملكة المغربية‪3133 ،‬‬

‫‪38‬‬
‫المبحث الثاني ‪ :‬تكريس المبادئ الدستورية في القوانين التنظيمية الترابية‬
‫المطلب األول ‪ :‬القوانين التنظيمية الترابية ومبدأ التدبير الحر‬
‫يشكل دستور ‪ 1122‬نقلة في مجال التدبير الترابي‪ ،‬من خالل ما تضمنه من مقتضيات تسمح بتعزيز دور‬

‫الجماعات الترابية في النهوض بالتنمية الشاملة‪ ،‬واالضطالع السليم والقويم بمهامها اإلدارية والتدبيرية‪ ،‬واالرتقاء‬

‫بأدائها‪ ،‬وفق الرهانات الملقاة عليها‪ ،‬بما تتمتع به من اختصاصات‪ .‬وقد حافظ دستور ‪ 1122‬على التطور الذي‬

‫شهدته الالمركزية اإلدارية بالمغرب‪ ،‬منذ الميثاق الجماعي لسنة ‪ ،2111‬مرورا بما عقبها من تجارب‪ ،‬مکرسا‬

‫بذلك التراكم المحقق في ظل هذه التجارب التي ساهمت في االرتقاء بالوضع القانوني واإلجرائي لها‪.‬‬

‫لقد أسس دستور ‪ 1122‬ألول مرة‪ ،‬وبصورة واضحة لمبادئ الحكامة الجيدة‪ ،‬ومنها تلك المرتبطة بالجماعات‬

‫الترابية‪ ،‬انسجاما مع طبيعة التنظيم الترابي للمملكة والمرتكز على التنظيم الالمركزي‪ ،‬القائم على الجهوية المتقدمة‪،‬‬
‫‪31‬‬
‫بغية االسترسال في تشييد مؤسسات دولة حديثة‪ ،‬مرتكزاتها‪ ،‬المشاركة والتعددية ‪ ،‬والحكامة الجيدة‪.‬‬

‫الفقرة األولى ‪ :‬مظاهر التدبير الحر بالجماعات الترابية‬

‫يمكن التمييز في هذا الشأن بين شقين من المظاهر‪ ،‬مظاهر عامة ( أوال ) وأخرى خاصة ( ثانيا )‪.‬‬

‫أوال ‪ :‬المظاهر العامة لمبدأ التدبير الحر‬

‫تتوزع المظاهر العامة لمبدأ التدبير الحر إلى مظهرين أساسيين‪ ،‬يمثل إحداها التدبير الديمقراطي للشؤون‬

‫المحلية‪ ،‬والذي ينبني على بلورة المجالس المنتخبة بعد تشكيلها الختياراتها ولتوجهاتها التنموية والتدبيرية بكيفية‬

‫مستقلة دون تدخل ممثلي السلطة المركزية في الجماعات الترابية‪ ،‬إال في الحدود التي يسمح بها القانون (أوال)‪ ،‬في‬

‫حين يمثل إقرار ممارسة السلطة التنظيمية المحلية المظهر الثاني لها‪ ،‬من خالل العمل على اتخاذ القرارات والقيام‬

‫باإلجراءات التي يتطلبها حسن سير المرافق العامة‪ ،‬وبغية الحفاظ على النظام العام (ثانيا)‪.‬‬

‫‪ - 1‬تجسيد التدبير الديمقراطي للشؤون المحلية‬

‫نص الفصل (‪ )252‬من الباب التاسع من الدستور على أن‪" :‬الجماعات الترابية أشخاص اعتبارية‪ ،‬خاضعة‬

‫للقانون العام‪ ،‬تسير شؤونها بكيفية ديمقراطية"‪ .‬وتمثل هذه الصفة ضمانة أساسية النخراط المجالس المنتخبة في‬

‫‪31‬‬
‫أحمد حضراني‪ ،‬مبادئ الحكامة الجيدة المحلية في الدستور الجديد‪ ،‬جريدة الوطن اآلن‪ ،‬عدد ‪ ،211‬ص ‪32‬‬

‫‪39‬‬
‫اعتماد مبادئ سيادة القانون والديمقراطية كأساس لتدبير شؤونها‪ ،‬و الشروع في تبني اختياراتها وتنزيل‬

‫االختصاصات التي خولتها النصوص القانونية المنظمة للشؤون الجهوية والمحلية‪ .‬ويفيد هذا النوع من التدبير‬

‫احترام اختيارات ممثلي الساكنة في اعتماد البرامج والمشاريع التنموية‪ ،‬بما يتوافق مع انتظارات الساكنة من جهة‪،‬‬

‫وفي احترام کامل للنصوص القانونية‪.‬‬

‫ويتأسس تنزيل هذا المقتضی الهام‪ ،‬وفق مستويين ‪:‬‬

‫أحدهما سابق للتدبير‪ ،‬يتمثل في االنتخاب المباشر ألعضاء المجالس الجهوية‪ ،‬التي ستتولى تدبير الشأن الجهوي‬

‫والمحلي‪ ،‬من طرف الساكنة المحلية بالنسبة للجماعات (الحضرية‪ /‬القروية)‪ ،‬وانتخاب المجالس الجهوية من طرف‬

‫الساكنة ذات االر تباط بالنفوذ الترابي للجهة‪ ،‬وذلك لتمكين الساكنة من مراقبة ممثلي المجالس الجهوية والمحلية‬

‫ومستوى تدبيرهم للشأن الجهوي‪ ،‬ومدى مسايرته لبرامجهم االنتخابية وانتظارات الساكنة‪ .‬وهي مقاربة تختلف عما‬

‫كان معموال به في التجربة السابقة للتنظيم الجهوي‪ ،‬والتي انبنت على االنتخاب غير المباشر للمجالس المنتخبة‬

‫(الجهوية واإلقليمية)‪ ،‬حيث يتم انتخاب أعضاء المجالس الجهوية من قبل أعضاء مجالس الجماعات (الحضرية –‬

‫القروية) وأعضاء مجالس العماالت واألقاليم‪ ،‬إذ يتمتع المنتخب بسلطة مطلقة في اختيار أعضاء هذه المجالس‬

‫وتشكيلها‪ ،‬مما قد ال يعبر في حقيقته عن االختيار الحقيقي للمواطن ورهاناته‪.‬‬

‫أما المستوى الثاني‪ ،‬فهو الحق للعملية االنتخابية‪ ،‬و يتمثل في بلورة المجالس المنتخبة مباشرة بعد تشكيلها‬

‫الختياراتها ولتوجهاتها التنموية والتدبيرية والشروع في إعمالها‪ ،‬من خالل المشاركة في إعداد السياسات الترابية‬

‫من طرف ممثلي الجماعات الترابية في مجلس المستشارين‪ ،‬والعمل على تنفيذها بما يتوافق والخصوصيات المحلية‬

‫لها‪ .‬وذلك وفق منهجية يغلب عليها احترام المبادئ الديمقراطية التي تتنافى واالنفراد باتخاذ القرار الجهوي‪،‬‬

‫وبالمقابل العمل على إشراك المعارضة في تحديد الخطط التنموية وفي صناعة القرار الجهوي‪ ،‬باعتبارها تمثل‬

‫جزءا من الساكنة الجهوية والحرص على تبني ثقافة المشاركة واإلشراك للفاعلين الجهويين وذوي االختصاص‪،‬‬

‫أثناء مراحل دراسة ومناقشة القضايا الجهوية التي تندرج ضمن اختصاصهم‪.‬‬

‫ذلك أن الدستور الجديد حمل تصورا جديدا للتنظيم الترابي بالمغرب‪ ،‬يسعى لالستجابة لمسلسل اإلصالحات‬

‫التي مرت منها التجربة الالمركزية بالمغرب‪ ،‬ولضرورة توسيع سلطة الوحدات الترابية في تدبير القضايا‬

‫‪40‬‬
‫االقتصادية واالجتماعية والثقافية والبيئية‪ .32‬وهذا يعني أن المجالس الجهوية لها كامل الصالحية والحرية في تحديد‬

‫وبلورة اختياراتها وبرامجها‪ ،‬في احترام تام للمقتضيات القانونية والتنظيمية‪ ،‬ومراعاة لإلمكانيات التمويلية‬

‫المتاحة‪ ،33‬خصوصا وأن الجماعات الترابية أصبحت تتمتع بقدرة حقيقية على اتخاذ القرارات التي تمكنها من تدبير‬

‫مصالحها الخاصة بشكل يعزز قيم الديمقراطية وسيادة القانون‪ ،‬ويضمن التدبير الجيد للقضايا التي تندرج ضمن‬

‫اختصاصهم‪.‬‬

‫‪ - 2‬إقرار ممارسة السلطة التنظيمية المحلية‬

‫تشكل السلطة التنظيمية المحلية ذلك االمتداد الطبيعي لممارستها في بعدها الوطني‪ ،‬والتي تنصب على اتخاذ‬

‫القرارات والقيام باإلجراءات التي يتطلبها حسن سير المرافق العمومية بكيفية منتظمة ومضطردة‪ ،‬وبغية الحفاظ‬

‫على النظام العام بمدلوالته الثالث‪ ،‬األمن العام والصحة العامة والسكينة العامة‪ ،‬من طرف رؤساء المجالس‬

‫المنتخبة‪ .‬وقد شكل دستور ‪ 1122‬تطورا هاما بمنحه هذه الصالحية للوحدات الترابية‪ ،‬والتي لم تكن تمارسها‬

‫بالكيفية التي أطرت بها في الدستور الحالي‪ ،‬الشيء الذي سيمكن الجماعات الترابية‪ ،‬بما تتمتع به من اختصاصات‬

‫ذاتية ومشتركة مع الدولة ومنقولة من هذه األخيرة لها‪ ،‬من تنظيم مجالها الترابي‪ ،‬بما يتوافق مع جوهر هذا العنصر‬

‫(السلطة التنظيمية)‪ ،‬والتي لم يقيد المشرع ممارستها بشروط في الفصل (‪ )241‬من الدستور‪ ،‬مما يشكل ضمانة‬

‫أساسية للجماعات الترابية‪ ،‬باتخاذ التدابير الالزمة التي يتطلبها الحفاظ على النظام العام داخل النفوذ الترابي لها‪.‬‬

‫لقد مرت ممارسة السلطة التنظيمية من مراحل عدة عرفت خاللها فترة من الشد والجذب بين المؤسسة الملكية‬

‫ورئاسة الحكومة خالل الدساتير المتعاقبة‪ ،‬وبإسناد المشرع في دستور ‪ 1122‬هذه الصالحية لرؤساء الوحدات‬

‫الترابية في مستواها المحلى‪ ،‬فقد آذن باالنخراط في مرحلة جديدة من التدبير وفق مستويين ‪:‬‬

‫‪ )2‬القطع مع احتكار السلطة التنظيمية من قبل الوزراء (وزير الداخلية)‪ ،‬واالكتفاء بتفويضها للوالة‪ /‬العمال‪.‬‬

‫‪ )1‬االنخراط في مرحلة تتمتع من خاللها الجماعات الترابية بصالحيات كبيرة‪ ،‬تضمن تكريس التدبير الحر‬

‫والمستقل للشؤون المحلية والجهوية‪ ،‬واتخاذ القرارات التي تمكن من الحفاظ على حسن سير المرافق العمومية‬

‫بكيفية منتظمة ومضطردة‪.‬‬

‫‪32‬‬
‫رفيقة اليحياوي‪ ،‬دور الحكامة الجيدة في تدبير الشأن المحلي‪ :‬جهة العيون بوجدور الساقية الحمراء نموذجا‪ ،‬أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام‪ ،‬كلية‬
‫الحقوق أكدال‪ ،3131-3133 ،‬ص ‪361‬‬
‫‪33‬‬
‫علي قاسمي التمسماني‪ ،‬الدولة والجهات على ضوء الدستور الجديد‪ ،‬مجلة مسالك في الفكر والسياسة واالقتصاد‪ ،‬عدد مزدوج ‪ 33/33‬لسنة ‪ ،3133‬ص ‪83‬‬

‫‪41‬‬
‫وإن كانت التجربة الفارطة قد أوضحت أن ممارسة السلطة التنظيمية المحلية قد خولت لرؤساء الجماعات‪،‬‬

‫باعتبارهم جهازا تنفيذيا وسلطة إدارية‪ ،‬حيث أسندت للرئيس بمقتضى الميثاق الجماعي ‪ 90.11‬مجموعة من‬

‫االختصاصات‪ ،‬باعتباره جهازا تنفيذيا‪ ،‬وكذلك مجموعة من المسؤوليات الواردة في الفصل الثاني ( المواد ‪ 42‬إلى‬

‫‪ ،)21‬والتي يمكن إجمالها في األدوار المسندة إليه بصفته الرئاسية التي تخوله صالحية رئاسة المجلس وجلساته‬

‫وتمثيليته للجماعة بصفة رسمية في جميع الحياة المدنية واإلدارية والقضائية‪ ،‬كما أنه يعمل على التسيير اإلداري‬

‫للجماعة ويسهر على مصالحها طبقا للقوانين واألنظمة المعمول بها‪ ،‬كما أنه يمارس اختصاصات الشرطة اإلدارية‬

‫ويعتبر ضابطا للحالة المدنية‪ ،‬وبصفته رئيسا يملك سلطة التنظيم في مجاالت معينة‪ ،‬وباعتباره مسؤوال عن المصالح‬

‫اإلدارية للجماعة التي يعمل بها‪ ،‬فيعتبر رئيسا تسلسليا للموظفين الجماعيين‪.34‬‬

‫أما مما رسة السلطة التنظيمية في بعدها اإلقليمي والجهوي‪ ،‬فقد أثبتت التجربة الفارطة أن ممارستها تتم من قبل‬

‫العمال والوالة‪ ،‬باعتبارهم من جهة‪ ،‬السلطة التنفيذية لمقررات المجالس اإلقليمية والجهوية‪ ،‬ومن جهة ثانية ممثلي‬

‫الحكومة في نفوذهم الترابي‪.‬‬

‫فبالنسبة للعماالت واألقال يم‪ ،‬فإن السلطة التنظيمية تمارس من قبل العامل‪ ،‬باعتباره الجهاز التنفيذي لمقررات‬

‫المجلس‪ ،‬ويتولى ممارسة السلطة التنظيمية‪ ،‬من خالل االختصاصات الموكولة له بموجب القانون‪ ،‬وذلك بمقتضى‬

‫المواد من (‪ )42‬إلى (‪ )49‬من القانون المنظم لمجالس العماالت واألقاليم ‪ ،91.11‬وأهم ما يالحظ على هذه‬

‫االختصاصات هي نفسها الممنوحة بالنسبة لرئيس المجلس الجماعي‪ ،‬لكن هنا نجدها مسندة للعامل‪ ،‬رغم وجود‬

‫رئيس مجلس العمالة أو اإلقليم؛ فدوره كرئيس وليس كجهاز تنفيذي (دور شكلي)‪ .‬وبهذه الصفة‪ ،‬يمكن للعامل أن‬

‫يمارس السلطة التنظيمية بمقتضى تفويض من وزير الداخلية في المجاالت المحددة في المواد السابق ذكرها‪.35‬‬

‫وبالنسبة لممارسة السلطة التنظيمية على مستوى الجهات‪ ،‬نرى أهمية عامل العمالة أو اإلقليم مركز الجهة‪،‬‬

‫وباختصاصاته الموسعة في مجال تمثيلها ومراقبة أجهزتها‪ ،‬مما يطبع دوره بازدواج وظيفي في مواجهة كل من‬

‫الدولة والمؤسسة الجهوية‪ ،36‬هذا ما يؤكد طبيعة العمق أو الفارق المركزي على مستوى التنظيم المحلي الجهوي‪،‬‬

‫ويتجسد هذا من خالل الفصل ‪ 212‬دستور ‪ ،2111‬إذ ينص في فقرته الثانية‪" :‬يتولى العمال تنفيذ قرارات مجلس‬

‫‪34‬‬
‫مليكة الصروخ‪ ،‬القانون اإلداري دراسة مقارنة‪ ،‬مطبعة فضالة‪ ،‬الطبعة السادسة‪ ،3119 ،‬ص ‪334‬‬
‫‪35‬‬
‫مليكة الصروخ‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪346‬‬
‫‪36‬‬
‫نفس المرجع‪ ،‬ص ‪338‬‬

‫‪42‬‬
‫العماالت واألقاليم والجهات طبقا لشروط يحددها القانون" وهذه الشروط قد تضمنتها المادة ‪ 24‬من القانون المنظم‬

‫للجهة ‪ ، 11.49‬والمتمثلة في ‪:‬‬

‫‪ -‬إنجاز أعمال الكراء والبيع والشراء وإبرام الصفقات واألشغال والتوريدات وتقديم الخدمات‪.‬‬

‫‪ -‬تنفيذ الميزانية وإعداد الحساب اإلداري واألتاوی‪.‬‬

‫‪ -‬اتخاذ القرارات ألجل فرض الضرائب والرسوم واألتاوى ومختلف الحقوق وفقا للنصوص التشريعية الجاري بها‬

‫العمل في هذا المجال‪.‬‬

‫وبالنظر لما جاء به دستور ‪ 1122‬من مقتضيات هامة تذكي ممارسة الصالحيات التنفيذية لرؤساء الجماعات‬

‫الترابية‪ ،‬ستمكن هذه األخيرة من االضطالع بدورها في ممارسة سلطاتها التنظيمية بالكيفيات التي حددتها القوانين‬

‫التنظيمية للجماعات الترابية‪ ،‬وإن كانت خالل هذه المرحلة األولى من تنزيل الجهوية المتقدمة ستعرف نوعا من‬

‫التحديد والتوزيع في مجاالت ممارستها مع ممثلي السلطة المركزية في الجماعات الترابية (الوالة‪ /‬العمال)‪ ،‬وستتسع‬

‫مجاالتها مع تطور مستوى التدبير الترابي للوحدات الالمركزية‪ ،‬خصوصا وأن توزيع االختصاصات بين الدولة‬

‫والجماعات الترابية وتوضيحها بشكل يمكن من تحديد المهام الخاصة بالجماعات الترابية وتلك المشتركة مع الدولة‬

‫والمهام المنقولة من الدولة للجماعات الترابية سيوضح مستوى التعاطي مع الوظيفة التنظيمية‪ ،‬حيث سيلعب مبدأ‬

‫التفريع دورا كبيرا في تحديد مجاالت السلطة التنظيمية الخاصة بالجماعات الترابية‪ ،‬وتلك المخولة لممثلي السلطة‬

‫المركزية في الجماعات الترابية (الوالة‪/‬العمل)‪.‬‬

‫غير أن ورود اصطالح (السلطة التنظيمية) للجماعات الترابية في صلب الوثيقة الدستورية‪ ،‬وإن كان يضع حدا‬

‫للجدل حول وجودها‪ ،‬فإنه ال يرسم حدودها بدقة‪ ،‬وال يشفي الغليل حول طبيعتها‪ ،‬بل إن المتمعن في المقتضيات‬

‫الدستورية‪ ،‬ودراسة الدستور کبنية‪ ،‬يقود إلى القول بأن األمر يتعلق بسلطة تنظيمية محلية مشتقة وتابعة وثانوية‪،‬‬

‫وفي جميع األحوال غير أصلية‪.37‬‬

‫إن ما يتوجب أن ترتكز عليها بنية القوانين التنظيمية الترابية أن تكون المسؤوليات واضحة ومحددة‪ ،‬حتى ال‬

‫نكون أمام تنازع اختصاصات بين رؤساء الجماعات الترابية وبين ممثلي السلطة المركزية بها (الوالة‪/‬العمال)‪،‬‬

‫‪37‬‬
‫بوعزاوي بوجمعة‪ ،‬السلطة التنظيمية المحلية‪ ،‬المجلة المغربية لإلدارة المحلية والتنمية‪ ،‬سلسلة دراسات‪ ،‬عدد ‪ ،313‬ص ‪333/331‬‬

‫‪43‬‬
‫وحتي نكون أمام إمكانية حقيقية تقرن ممارسة كل اختصاص وكل سلطة بالمسؤولية والمحاسبة الالزمة‪ .38‬غير أن‬

‫واقع الحال أثبت أن المنظومة القانونية المؤطرة للجماعات الترابية الزالت تعرف تداخال في االختصاصات بين‬

‫الهيئات الترابية نفسها‪ ،‬وعمومية على مستوى صياغة النصوص المرتبطة باالختصاصات األصلية والمنقولة‪،‬‬

‫وغموضا يرتبط بطبيعتها ومداها ( التفعيل‪ /‬األجرأة‪/‬الحدود)‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬المظاهر الخاصة لمبدأ التدبير الحر‬

‫الغرو في القول بأن دستور ‪ 1122‬خطى خطوة كبيرة فيما يخص مكانة الهيئات الترابية‪ ،‬إذ خصها بمبادئ‬

‫تدعم التدبير الحر لشؤونها‪ ،‬فإلى جانب المظاهر العامة خصها بمظاهر خاصة تميزها عن سابقاتها‪ ،‬ومن أهمها‬

‫ضمانة تنفيذ مقررات المجالس الترابية (أوال)‪ ،‬وكذا تحديث منظومة المراقبة اإلدارية من طرف ممثلي السلطة‬

‫المركزية "الوالة‪ /‬العمال" على الهيئات الترابية (ثانيا)‪.‬‬

‫‪ - 1‬تكريس تنفيذ مقررات المجالس الترابية‬

‫بخالف ما تميزت به التجربة الجهوية في ظل القانون ‪ 11.49‬من ازدواج وظيفي لعامل العمالة أو اإلقليم‬

‫مركز الجهة‪ ،‬باعتباره من جهة ممثال للدولة‪ ،‬ومن جهة ثانية أمرا بالصرف ومنفذا لمقررات المجالس الجهوية‪،39‬‬

‫عمل دستور‪ 1122‬على منح صالحيات تنفيذ مداوالت ومقررات المجالس الترابية لرؤسائها‪ ،‬وتمثل هذه السلطة‬

‫إحدى أهم الركائز ال تي ينبني عليها التدبير الحر للشؤون الجهوية‪ ،‬وأحد أبرز خصائص الالمركزية اإلدارية في‬

‫بعدها المتقدم‪.‬‬

‫ويفيد تنفيذ مقررات ومداوالت المجالس الجهوية من قبل رؤساء المجالس الجهوية منح األجهزة التداولية‬

‫للمجلس الصالحيات التقريرية في بلورة االختيارات التنموية التي يتطلبها االرتقاء بالوضع التنموي للجهة‪ ،‬والعمل‬

‫على تنفيذها‪ ،‬بما يتوفر عليه المجلس الجهوي من ضمانات قانونية وتنظيمية وموارد مالية‪ .‬وذلك من خالل العمل‬

‫على إعداد وتتبع برامج التنمية الجهوية والتصاميم الجهوية إلعداد التراب و الوطني‪ ،‬بما يتوافق مع المعالم‬

‫والتوجهات العامة المحددة في المستوى الوطني‪.‬‬

‫‪38‬‬
‫عبد الواحد القريشي‪ ،‬السلطة التنظيمية بين الثبات والتغير على ضوء الخطاب الملكي لتاسع مارس ‪ ،3133‬مجلة المنارة للدراسات القانونية واإلدارية‪ ،‬عدد‬
‫‪ ،13‬يناير ‪ ،3133‬ص ‪38‬‬
‫‪39‬‬
‫اليعكوبي محمد‪ ،‬تأمالت حول الديمقراطية المحلية بالمغرب‪ ،‬مطبعة المعارف الجديدة‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،3118 ،‬ص ‪311‬‬

‫‪44‬‬
‫وقد خول الفصل (‪ )242‬من الدستور في الفقرة الثالثة منه‪ ،‬الصالحية للوالة‪/‬العمال لتقديم المساعدة الالزمة‬

‫لرؤساء مجالس الجماعات الترابية‪ ،‬وخاصة الجهوية منها‪ ،‬إلنجاز المخططات والبرامج التنموية التي تمت برمجتها‬

‫من قبل هذه المجالس للنهوض بالوضع التنموي للجهة‪ ،‬ويتخذ شكل المساعدة المقدمة من طرف ممثل السلطة‬

‫المركزية في الجماعات التربية إتاحة استخدام الموارد البشرية أو المادية والتقنية التي يتطلبها تنفيذ هذه البرامج‪،‬‬

‫خصوصا وأن الجهات ال تتوفر على إدارة جهوية خاصة بها تمكنها من االضطالع بمهامها بمعزل عن تدخل‬

‫الوالة‪ /‬العمال‪ ،‬كما يتخذ شكل المساعدة تقديم اآلراء والخبرات والتوجيهات التي يتطلبها التنزيل السليم للمشاريع‬

‫والمخططات التنموية‪ ،‬انطالقا مما يتوفر عليه الوالة‪ /‬العمال من اختصاصات تنظيمية في تنسيق استثمارات وأنشطة‬

‫اإلدارات الالممركزة فيما بينها‪ ،‬أو في عالقتها مع الوحدات الترابية‪ ،‬خصوصا وأن الوالة يرأسون المراكز الجهوية‬

‫لالستثمار‪.‬‬

‫ويتيح تمتيع رؤساء الوحدات الترابية بهذه الضمانة (تنفيذ مقررات ومداوالت المجالس)‪ ،‬اعتراف المشرع‬

‫الصريح باستقاللية المجالس المنتخبة في القيام بالوظائف والمهام المنوطة بها‪ ،‬دون أي تدخل من قبل ممثل السلطة‬

‫المركزية في الجماعات الترابية إال في الحدود التي يسمح بها القانون‪ .‬ذلك أن تعزيز استقاللية الجماعات الترابية‬

‫تمثل التنزيل األصح لمبدأ التدبير الحر في االضطالع السليم بالشؤون الجهوية والمحلية‪ ،‬كما يكرس القواعد التي‬

‫تؤسسها الالمركزية اإلدارية‪ .‬ومن شأن تحصين هذه االستقاللية من قبل المشرع والقضاء الدستوري والفقه‪ ،‬أن‬

‫يضمن االنخراط في مرحلة تسمح للجماعات الترابية أن تتبوأ مكانتها الحقيقية في تدبير فعال للمجال الترابي‪ ،‬بما‬

‫ينسجم والمقومات اإلجرائية للحكامة الترابية‪.‬‬

‫وإن كان المبدأ العام واألساسي الذي يضبط الالمركزية اإلدارية عن غيرها من نماذج التدبير األخرى‪ ،‬هو‬

‫تمتيعها بضمانة االستقالل غير الكلي في تدبير شؤونها؛ فإلى إي حد يتماشى التأطير الدستوري الحالي مع جوهر‬

‫الالمركزية؟ ومع تجاوز سلبيات التجربة الفارطة؟‬

‫‪ - 2‬تحديث المراقبة اإلدارية‬

‫الشك أن اإلصالح الدستوري الذي تمخض عنه إصدار دستور ‪ ،1122‬قد ارتقى بالجماعات الترابية‪ ،‬ال على‬

‫مستوى االختصاصات فقط وإنما أيضا على مستوى عالقتها بممثل السلطة المركزية‪ .‬وإن كانت العهدة السابقة‬

‫‪45‬‬
‫تميزت بفرض وصاية ثقيلة من قبل الوالة‪ /‬العمال‪ ،‬باعتبارهم من جهة الجهاز التنفيذي لمقرارات المجالس اإلقليمية‬

‫والجهوية‪ ،‬والجهة الوصية على الجماعات الترابية من جهة ثانية‪ ،‬فإن هذا الوضع قد حد من إبراز وتفعيل األدوار‬

‫المنوطة بها والرهانات المرجاة منها‪ ،‬كما عرقل مسيرة اإلصالح الرصين الذي انطلق منذ سنة ‪ ،2111‬الشيء‬

‫الذي ع مق من واقع الجماعات الترابية وقدرتها على فرض وجودها أمام الهيمنة الشبه كلية من قبل الوالة والعمال‬

‫على مجاالت تدخلها واالختصاصات المخولة لها‪ ،‬وهو ما أفرغ نظام الالمركزية اإلدارية من محتواه‪ ،‬نظير اختالل‬

‫أحد أبرز مقوماتها المتمثل في االستقاللية عن السلطة المحلية‪.‬‬

‫وإن كانت الوصاية اإلدارية كآلية لمراقبة عمل الهيئات الالمركزية‪ ،‬تمثل تركيز مجموعة من السلطات التي‬

‫منحها المشرع للسلطة اإلدارية المحلية لمراقبة أعمال المجالس المحلية‪ ،‬بغية تحقيق مشروعية أعمالها وعدم‬

‫تعارضها مع المصلحة العامة وتأمين انسجامها مع القوانين المنظمة لها‪ ،‬والتي تنصب على سلطتي التقرير واألمر‬

‫بالصرف‪ .40‬فإن المراقبة اإلدارية التي منح المشرع ‪ -‬في الفقرة الثانية من الفصل ‪ 242‬من دستور‪ -‬صالحية‬

‫ممارستها للوالة والعمال على أنشطة الوحدات الترابية‪ ،‬سواء الالمركزية أو الالممركزة‪ ،‬تنطوي على التأكد من أن‬

‫اله يئات المحلية تسير وفق النمط الذي تحدده االختصاصات المخولة لها والخطط المعتمدة من قبل مجالسها المنتخبة‪،‬‬

‫مع مسايرتها للتوجهات العامة للدولة‪ .‬وبمعنى آخر‪ ،‬هي بذلك مجموعة التصرفات القانونية التي يقوم بها ممثلو‬

‫السلطة المركزية بعد إساءة الجماعات الترابية الستعمال االختصاصات المقررة لهم‪ ،‬تسمح للهيئة المكلفة بالمراقبة‬

‫اإلدارية بتصحيح الوضعية القانونية غير السليمة وفق ما يحدده القانون‪.‬‬

‫سيتم وفق هذه المقاربة الحديثة لمراقبة عمل الجماعات الترابية‪ ،‬التخلي التدريجي عن المراقبة القبلية ومراقبة‬

‫المالئمة‪ ،‬خصوصا في المجاالت التي تهم األعمال المنصوص عليها صراحة في القوانين واألنظمة التي سيتم‬

‫إصدارها في هذا الشأن‪ ،‬باإلضافة إلى تقليص آجال جواب السلطة المختصة‪ ،‬ثم حصر القرارات واألعمال التي‬

‫تخضع لها هذه المراقبة‪ ،‬على جدول أعمال االجتماعات والميزانيات والحاالت القصوى التي تمس النظام العام‬

‫والمصلحة الوطنية والتوازن المالي للجماعات الترابية‪ ،‬الذي يقترن بجودة التنظيم ونظام المعلومات المعتمدين في‬

‫كل جماعة ترابية وبأدائها وإقامة نظام للمراقبة الداخلية وتقييم المخاطر واحترام المعايير المعمول بها في التدبير‬

‫‪40‬‬
‫أحمد البخاري‪ ،‬القانون اإلداري العملي‪ ،‬مكتبة دار السالم للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،3113 ،‬ص ‪333‬‬

‫‪46‬‬
‫المالي الجيد‪ .41‬وفي مقابل ذلك‪ ،‬سيتم تعزيز هذا الدور باللجوء إلى المراقبة اإلدارية المواكبة والبعدية على األعمال‬

‫واألنشطة التي تقوم بها الوحدات اإلدارية الالمركزية نظير ما تتوفر عليه من اختصاصات و ما تمتلكه من موارد‬

‫تستمد هذه المقاربة الحديثة في مراقبة الجماعات الترابية من قبل ممثلي السلطة المركزية سندها من عدة أسباب‪،‬‬

‫منها أسباب قانونية وأخرى ترتبط بمقومات التوجه الالمركزي ‪:‬‬

‫فبخصوص األسباب القانونية‪ ،‬فإنها تتجلى من خالل إقرار مبدأ التدبير الحر ضمن الفصل ‪ 251‬من دستور‬

‫‪ ،1122‬الذي يشكل منعطفا هاما في مسار تعزيز الالمركزية اإلدارية بالمغرب‪ ،‬باعتباره يمكن الجماعات الترابية‬

‫من تدبير شؤونها وتحديد وبلورة اختياراتها وبرامجها التنموية بكيفية مستقلة‪ ،‬وال يسمح بتدخل ممثلي السلطة‬

‫المركزية في أنشطتها ومهامها إال في الحدود التي يتيحها القانون‪.‬‬

‫أما بالنسبة لألسباب المتعلقة بمقومات الالمركزية‪ ،‬فإنها ترتبط بذلك المرتكز ‪ -‬االستقالل عن السلطة المحلية ‪-‬‬

‫الذي يميز الالمركزية عن أي أسلوب آخر للتدبير الترابي‪ ،‬سواء من حيث منطلقاته أو طبيعته أو حدوده؛ فمبدأ‬

‫االستقالل بتدبير الشؤون المحلية يجب أن يكرس في الممارسة الفعلية لمختلف االختصاصات المخولة للهيئات‬

‫الترابية‪ ،‬باع تباره يمثل روح الالمركزية في بعدها اإلداري‪ ،‬مع ضرورة اقترانه بتوفير الموارد "المادية ‪ -‬البشرية‬

‫– التقنية" التي تشكل أحد أوجه وتجليات هذا االستقالل؛ بمعنی حتمية تالزم استقاللية الجماعات الترابية في تدبير‬

‫شؤونها المحلية مع طبيعة االختصاصات المخولة لها‪ .‬أما بالنسبة للسبب الثاني‪ ،‬فإنه يتجلى في التحوالت العميقة‬

‫التي طالت المنظومة القانونية لالمركزية منذ سنة ‪ ،2111‬وما رافقها من تمتع للوحدات الترابية باختصاصات‬

‫واستقاللية جزئية في تدبير الشؤون المحلية‪ ،‬وإن لم ترق بعد إلى المستوى المطلوب‪ ،‬إال أنها أسست لمراحل مقبلة‬

‫تنضج معها تجربة الالمركزية وتتقوى البنية الجهوية من هشاشتها‪ .‬ولعل تجربة الجهوية المتقدمة إحدى تجلياتها‪.‬‬

‫إن من شأن احترام جوهر مبدأ التدبير الحر من طرف الوالة والعمال‪ ،‬أن يساهم في تعزيز استكمال الصرح‬

‫المؤسساتي لالمركزية اإلدارية‪ ،‬خصوصا الجهوية منها‪ ،‬كما من شأنه أن يعمق من التكريس الفعلي للديمقراطية‬

‫المحلية‪.‬‬

‫‪41‬‬
‫تقرير حول الجهوية المتقدمة‪ ،‬اللجنة االستشارية للجهوية‪ ،‬المملكة المغربية‪ ،‬الكتاب األول التصور العام‪ ،‬ص ‪41‬‬

‫‪47‬‬
‫الفقرة الثانية ‪ :‬تداعيات رقابة ممثلي السلطة المركزية على مبدأ التدبير الحر‬

‫يتحمل والة الجهات وعمال األقاليم والعماالت‪ ،‬بصفتهم ممثلي السلطة المركزية في الجماعات الترابية‪،‬‬

‫مسؤولية العمل باسم الحكومة على تأمين تطبيق القانون وتنفيذ نصوصها التنظيمية ومقرراتها‪ .‬ويساعدون رؤساء‬

‫الجماعات الترابية‪ ،‬وخاصة رؤساء المجالس الجهوية‪ ،‬على تنفيذ المخططات والبرامج التنموية‪ ،‬باإلضافة إلى‬

‫تنسيقهم‪ ،‬تحت سلطة الوزراء المعنيين‪ ،‬أنشطة المصالح الالممركزة لإلدارة المركزية وسهرهم على حسن سيرها‪،‬‬

‫وذلك في إطار ال ينفصل عن دورهم المنوط بهم في ممارسة المراقبة اإلدارية داخل داخل مجال اختصاصاتهم‬

‫الترابية‪.‬‬

‫وقد سار المشرع الدستوري في اتجاه األخذ بمقترحات اللجنة االستشارية المكلفة بالجهوية المتقدمة التي طالبت‬

‫بإعادة النظر في المفهوم التقليدي للوص اية والعمل على تقوية وتقييم المراقبة البعدية‪ ،‬مقابل الحد من المراقبة القبلية‬

‫والمراقبة المالئمة‪ ،‬في إطار يتسم بالحفاظ على المراقبة القضائية للشرعية‪ ،‬شريطة أال يترتب على اللجوء إلى‬

‫القضاء توقيف التنفيذ‪ ،‬إال بقرار من المحكمة المختصة‪ ،42‬في أفق تكريس النظرة الحداثية للمراقبة اإلدارية‬
‫‪43‬‬
‫ومرونتها‪.‬‬

‫لكن‪ ،‬بالعودة إلى مقتضيات القوانين التنظيمية الترابية‪ ،‬وبخاصة منها ما يرتبط بالحضور الرقابي لممثلي‬

‫السلطة الحكومية على مجالس الجماعات الترابية ونظامها الداخلي وسير عملها‪ ،‬يستخلص أن امتياز تدخالت ممثلي‬

‫الوالة والعمال على مستوى الجماعات الترابية بالمشروعية في بعض المجاالت‪ ،‬يؤدي بالممارسات‪ ،‬التي ال زالت‬

‫تفرضها سلطات المراقبة‪ ،‬إلى الحد وبكيفيات متعددة من قدرة المجالس الترابية على القيام بواجباتها وانعكاس ذلك‬

‫سلبا على تفعيل ما تناط به من اختصاصات يفترض فيها التوافق مع الجوهر الحقيقي لمبدأ التدبير الحر الذي أقره‬
‫‪44‬‬
‫الفصل ‪ 251‬من الدستور‪.‬‬

‫وهو ما يمكن استجالئه بشكل واضح من خالل ضرورة موافقة الوالي أو العامل في ظرف ‪ 0‬أيام على األنظمة‬

‫الداخلية للمجالس الترابية بعد إحالتها رفقة مقرر تداولها‪ ،‬إلى المسؤول منهما عن دائرته الترابية‪ ،‬وجوبا من طرف‬

‫رئيس المجلس المعني‪ ،‬الذي يتلقى تعليال عن تعرض الوالي أو العامل على كل نقطة مدرجة في جدول أعمال‬

‫‪42‬‬
‫سيدي موالي أحمد عيالل‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪13‬‬
‫‪43‬‬
‫محمد الماحي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪316‬‬
‫‪44‬‬
‫سيدي موالي أحمد عيالل‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪11‬‬

‫‪48‬‬
‫دوراته الذي يتوجب تبليغه به ‪ 11‬يوما على األقل قبل انعقاد الدورة‪ ،‬بحيث يتأتى له بحكم القانون‪ ،‬إدراج نقط‬

‫إضافية إما ذات طابع اقتراحي أو ذات طابع استعجالي‪ ،‬يشعر بها رئيسا مجلسي الجهة والعمالة أو اإلقليم‪ ،‬وكذلك‬

‫هو الحال لرئيس مجلس الجماعة الذي يشعر أيضا من طرف من ينوب عن العامل‪ ،‬وذلك داخل أجل ‪ 0‬أيام‪ ،‬ابتداء‬

‫من تاريخ توصل ممثل السلطة الحكومية بجدول األعمال‪ ،‬والذي له‪ ،‬عند االقتضاء‪ ،‬حق إحالة تعرضه إلى القضاء‬

‫االستعجالي بالمحكمة اإلدارية للبت فيه‪ ،‬بموجب حكم قضائي ونهائي داخل أجل ‪ 40‬ساعة‪ ،‬ابتداء من تاريخ‬

‫التوصل به‪ ،‬بل ويكفي إحالته دون البت فيه لمنع المجالس الترابية‪ ،‬تحت طائلة البطالن‪ ،‬من التداول في النقط‬

‫موضوع التعرض‪ ،‬على أساس تطبيق اإلجراءات التأديبية‪ ،‬من عزل لألعضاء أو توقيف أو حل المجلس حسب‬

‫الحالة‪ ،‬بحق كل من تعمد اإلخالل بأحكام مواد باب النظام األساسي للمنتخب المدرج في هذه القوانين التنظيمية التي‬

‫تفرض على رؤساء المجالس في حالة رغبتهم التخلي عن مهامهم الرئاسية‪ ،‬تقديم استقالتهم وجوبا إلى الوالة أو‬

‫العمال أو من ينوب عنهم‪ ،‬بالنسبة الستقالة رؤساء مجالس الجماعات‪ ،‬ليسري أثرها بعد انصرام أجل ‪ 22‬يوما‪،‬‬

‫ابتداء من تاريخ توصلهم بها‪.‬‬

‫فضال عن ذلك‪ ،‬تجيز القوانين التنظيمية الترابية‪ ،‬أيضا للوالي والعامل‪ ،‬تكريسا لسلطاتهما التقديرية‪ ،‬إمكانية‬

‫طلب انعقاد اجتماعات المجالس المحلية الثالثة بشكل ال يسمح للعموم بحضوره‪ ،‬طالما تبين لهما أن هذا اإلجراء‬

‫سيحافظ على النظام العام‪ ،‬األمر الذي يتعزز في حالة إذا كانت مصالح مجالهما الترابي مهددة ألسباب تمس بحسن‬

‫سير المجلس‪ ،‬بحيث يجوز لهما إحالة األمر إلى المحكمة اإلدارية من أجل حل المجلس‪ ،‬سواء في هذه الحالة أو في‬

‫حالة رفض المجلس االمتثال إلعذار الوالي أو العامل الموجه بناء على طلب رؤساء المجالس المتضمن ل ‪:‬‬

‫‪ -‬رفض مجالسهم الترابية القيام باألعمال المنوطة بهم بمقتضى هذه القوانين التنظيمية والقوانين واألنظمة الجاري‬

‫بها العمل‪،‬‬

‫‪ -‬رفضهم التداول واتخاذ المقرر المتعلق بالميزانية أو بتدبير المرافق العمومية التابعة لكل مجلس على حدى‪،‬‬

‫‪ -‬وقوع اختالل في سير المجالس من شأنه تهديد سيرها الطبيعي‪ ،‬وذلك بعد مرور شهر على استمرار االختالل‪،‬‬

‫ابتداء من تاريخ توجيههم اإلعذار‪ ،‬أو إذا استمرت المجالس في رفضها القيام بالمتعين‪.‬‬

‫‪49‬‬
‫وللوال ي والعامل أيضا‪ ،‬في إطار الحفاظ على السير العادي لمجالهما الترابي‪ ،‬الحق في الحلول محل رؤساء‬

‫المجالس الممتنعين عن القيام باألعمال المنوطة بهم‪ ،‬وذلك بموجب حکم قضائي نهائي يقر حالة االمتناع داخل أجل‬

‫‪ 40‬ساعة من تاريخ تسجيل السلطة الحكومية المكلفة بالداخلية داخل دائرة اختصاصها بالجهة والعامل في العمالة‬

‫أو اإلقليم والجماعة‪ ،‬طلب اإلحالة على كتابة ضبط القضاء االستعجالي بالمحكمة اإلدارية‪ ،‬على أساس عدم اإلحالة‬

‫القضائية قبل مرور ‪ 9‬أيام بالنسبة للجماعات و‪ 21‬أيام بالنسبة للعماالت واألقاليم و‪ 22‬يوما بالنسبة للجهات‪ ،‬من‬

‫تاريخ مطالبة رؤساء المجالس الممتنعين بمزاولة مهامهم المنصوص عليها قانونا‪.‬‬

‫وفيما يتعلق بالرقابة المالية للجماعات الترابية‪ ،‬فإنه بالرغم من اعتبار رؤساء المجالس الترابية آمرين بقبض‬

‫مداخيل حيزهم الترابي وصرف نفقاته‪ ،‬إال أن ذلك يقتضي من السلطة الحكومية المكلفة بالداخلية بالنسبة للجهة‬

‫والعامل بالنسبة للعمالة أو اإلقليم والجماعة‪ ،‬مع مراعاة أحكام الفقرة األخيرة من المادة ‪ 211‬من القانون التنظيمي‬

‫الخاص بالعماالت واألقاليم والمادة ‪ 220‬من القانون التنظيمي الخاص بالجماعات والمادة ‪ 222‬من القانون‬

‫التنظيمي المتعلق بالجهات‪ ،‬أن يؤشروا على الميزانية في تاريخ أقصاه ‪ 11‬نوفمبر‪ ،‬وإال تقوم السلطة الحكومية‬

‫المكلفة بالداخلية قبل فاتح يناير بوضع ميزانية التسيير للوحدات الترابية على أساس آخر ميزانية مؤشر عليها‪ ،‬آخذة‬

‫في عين االعتبار تطور تكاليف وموارد الجماعة والعمالة أو اإلقليم والجهة‪ ،‬وذلك بعد طلب استفسارات من رؤساء‬

‫مجالسهم‪.‬‬

‫ودائما‪ ،‬في سياق السلطة التقديرية للسلطة الحكومية المكلفة بالداخلية في الجهة والعامل في الجماعة والعمالة أو‬

‫اإلقليم‪ ،‬تحت طائلة وجود أسباب ترتبط ‪:‬‬

‫‪ -‬باحترام أحكام القوانين التنظيمية الترابية واألنظمة الجاري بها العمل‪،‬‬

‫‪ -‬وتوازن الميزانية على أساس صدقية تقديرات المداخيل والنفقات‪،‬‬

‫‪ -‬وتسجيل النفقات المشار إليها في المادة ‪ 202‬من القانون التنظيمي الخاص بالجماعات والمادة ‪ 294‬من القانون‬

‫التنظيمي المتعلق بالعماالت أو األقاليم والمادة ‪ 211‬من القانون التنظيمي للجهات‪.‬‬

‫‪50‬‬
‫فإن القوانين التنظيمية للوحدات الترابية منحتهم حق رفض التأشير على الميزانية‪ ،‬بغض النظر عن وجوب‬

‫إبالغهم أسباب الرفض لرؤساء المجالس المعنية‪ ،‬في أجل ال يتعدى ‪ 22‬يوما‪ ،‬ابتداء من تاريخ توصل ممثلي‬

‫الحكومة في الوحدات الترابية بالميزانية‪.‬‬

‫‪45‬‬
‫الفقرة الثالثة ‪ :‬أثر التداخل القانوني لالختصاصات الترابية على المبادئ الدستورية‬

‫تتأسس الجماعات الترابية في حدودها الجغرافية‪ ،‬تبعا العتبارات تاريخية وسوسيو قبلية وثقافية ومؤسساتية أو‬

‫سعيا لتحقيق تعاون وتكامل بين مكونات المنطقة‪ ،‬وبذلك فهي تتمتع باختصاصات ذاتية وأخرى مشتركة مع الدولة‬

‫وثالثة تنقل إليها من لدنها‪ ،‬وذلك في حدود توفرها على موارد مالية ذاتية وأخرى ترصدها لها الدولة‪ ،‬من أجل بلوغ‬

‫أهدافها الدستورية في تحقيق النهوض بالتنمية المندمجة والمستدامة والتنمية االجتماعية وتقديم خدمات القرب التي‬

‫أنيطت بكل جماعة ترابية وفق صالحياتها وإمكاناتها‪ ،‬ارتكازا على مبدئي التدبير الحر والتفريع‪.‬‬

‫‪ -1‬االختصاصات الذاتية ‪:‬‬

‫لقد سلكت القوانين التنظيمية للجماعات الترابية هذا النهج في تبيان االختصاصات الممنوحة لكل منها‪ ،‬بحيث‬

‫تمارس الجهة اختصاصاتها الذاتية في مجال التنمية الجهوية؛ وتعد برنامجها التنموي وتتابع تنفيذه إلى جانب‬

‫التصميم الجهوي إلعداد التراب‪ .‬وذلك بعد وضعه تحت إشراف رئيس مجلسها‪ ،‬خالل السنة األولى من مدة‬

‫االنتداب‪ ،‬يتضمن تحديد األعمال التنموية المقرر برمجتها أو إنجازها بمجالها الترابي لمدة ‪ 1‬سنوات‪ ،‬يخضع‬

‫بالتزامن معها برنامج التنمية الجهوية للتحيين والتقييم‪ ،‬اعتبارا لنوعية هذه األعمال وتوطينها وكلفتها الرامية لتحقيق‬

‫تنمية مستدامة وفق منهج تشارکی يأخذ بعين االعتبار ضرورة التنسيق مع والي الجهة‪ ،‬ويواكب التوجهات‬

‫االستراتيجية لسياسة الدولة ويعمل على بلورتها جهويا‪ ،‬ويراعي إدماج التوجهات الواردة في التصميم الجهوي‬

‫إلعدا د التراب‪ ،‬وااللتزامات المتفق بشأنها بين الجهة والمقاوالت العمومية والقطاعات االقتصادية واالجتماعية‬

‫الجهوية والجماعات الترابية األخرى‪ ،‬والتي تتبع نفس الخطوات كل في مجال اختصاصها وفي نفس المدة الزمنية‬

‫لالنتداب‪ ،‬وبناء على نفس االعتبارات‪ ،‬تحت إشراف رئيسي مجلسيهما‪ ،‬بالنسبة للعمالة أو اإلقليم التي يضع مجلسها‬

‫برنامج تنميتها لتحقيق استدامتها وفق نفس المنهج المتبع أثناء التقرير والتتبع والتقييم وبتنسيق مع عامل العمالة أو‬

‫اإلقليم على مستواها ومستوى الجماعة التي يحق لمن ينوب عنه أيضا‪ ،‬القيام بمهمته في التنسيق بشأن برنامج عملها‬
‫‪45‬‬
‫سيدي موالي أحمد عيالل‪ ،‬مقاربة نقدية للقوانين التنظيمية الترابية‪ ،‬مجلة مسالك في الفكر والسياسة واالقتصاد‪ ،‬العدد ‪ ،14-11‬السنة ‪ ،33‬مطبعة النجاح‬
‫الجديدة‪ ،‬ص ‪ 13‬وما بعدها‬

‫‪51‬‬
‫الذي يضعه مجلسها‪ ،‬والمتضمن لتحديد األعمال التنموية المقرر إنجازها خالل نفس المدة المحددة بست سنوات لدى‬

‫الجماعات الترابية األخرى‪ ،‬أو المساهمة فيها بترابها‪ ،‬انسجاما مع توجهات برنامج التنمية الجهوية‪ ،‬على أساس‬

‫إلزامية تضمين برنامج العمل تشخيصا لحاجيات وإمكانيات الجماعة وتحديد أولوياتها وتقييمها لمواردها ونفقاتها‬

‫التقديرية الخاصة بالسنوات الثالث األولى‪ ،‬مع األخذ بعين االعتبار مقاربة النوع‪ ،‬مثلها في ذلك مثل العماالت أو‬

‫األقاليم والجهة التي يتكلف مجلسها تحت إشراف رئيسها‪ ،‬بوضع التصميم الجهوي إلعداد التراب‪ ،‬وفق القوانين‬

‫المعتمدة على المستوى الوطني وبتشاور مع الجماعات الترابية األخرى واإلدارات والمؤسسات العمومية وممثلي‬

‫القطاع الخاص المعنيين بتراب الجهة‪ ،‬وبمساعدة الوالي في تنفيذه‪ ،‬سيما وأنه يعتبر وثيقة مرجعية للتهيئة المجالية‬

‫لمجموع التراب الجهوي‪ ،‬تحدد مسطرة إعداده وتحيينه وتقييمه بنص تنظيمي‪.‬‬

‫ويهدف التصميم الجهوي‪ ،‬على وجه الخصوص‪ ،‬إلى تحقيق التوافق بين الدولة والجهة حول تدابير تهيئة‬

‫المجال وتأهيله وفق رؤية استراتيجية واستشرافية تسمح بتحديد توجهات واختيارات التنمية الجهوية‪ ،‬تأسيسا على‬

‫وضعه إطارا عاما للتنمية الجهوية المستدامة والمنسجمة بالمجاالت الحضرية والقروية‪ ،‬وتحديده لالختيارات‬

‫المتعلقة بالتجهيزات والمرافق العمومية الكبرى المهيكلة على مستوى الجهة‪ ،‬فضال عن تحديده لمجاالت المشاريع‬

‫الجهوية وبرمجة إجراءات تثمينها وكذا مشاريعها الكبرى‪.‬‬

‫وعلى هذا األساس‪ ،‬تشمل االختصاصات الذاتية للجهة‪ ،‬التنمية االقتصادية والتكوين المهني والتكوين المستمر‬

‫والشغل والتنمية القروية والنقل والثقافة والبيئة‪ ،‬في حين تختص العمالة أو اإلقليم داخل نفوذها الترابي بحق ممارسة‬

‫اختصاصاتها في ميادين النقل المدرسي في المجال القروي وانجاز وصيانة المسالك القروية ووضع وتنفيذ برامج‬

‫للحد من الفقر والهشاشة وتشخيص الحاجيات في مجاالت الصحة والسكن والتعليم والوقاية وحفظ الصحة وتشخيص‬

‫الحاجيات في مجال الثقافة والرياضة‪.‬‬

‫وبغية إعداد الجماعة لبرنامج عملها‪ ،‬تمدها اإلدارة والجماعات الترابية األخرى والمؤسسات والمقاوالت‬

‫العمومية بالوثائق المتوفرة والمتعلقة بمشاريع التجهيز المراد إنجازها في حيزها الجغرافي‪ ،‬والذي تقوم على مستواه‬

‫بإحداث المرافق والتجهيزات العمومية في إطار ال يخرج عن مهامها المحصورة في تقديم خدمات القرب التي ال‬

‫تتجاوز توزيع الماء الصالح للشرب والكهرباء‪ ،‬النقل العمومي والحضري‪ ،‬اإلنارة العمومية‪ ،‬التطهير السائل‬

‫والصلب ومحطات معالجة المياه العامة‪ ،‬تنظيف الطرقات والساحات العمومية وجمع النفايات المنزلية والمشابهة لها‬

‫‪52‬‬
‫ونقلها إلى المطارح ومعالجتها وتثمينها‪ ،‬السير والجوالن وتشوير الطرق العمومية ووقوف العربات‪ ،‬حفظ الصحة‪،‬‬

‫نقل المرضى والجرحى‪ ،‬نقل األموات والدفن‪ ،‬إحداث وصيانة المقابر‪ ،‬األسواق الجماعية‪ ،‬معارض الصناعة‬

‫التقليدية وتثمين المنتوج المحلي‪ ،‬أماكن بيع الحبوب‪ ،‬المحطات الطرقية لنقل المسافرين‪ ،‬محطات االستراحة‪ ،‬إحداث‬

‫وصيانة المنتزهات الطبيعية داخل النفوذ الترابي للجماعة ومراكز التخييم واالصطياف‪ : .‬كما تقوم الجماعة‪ ،‬دائما‬

‫في إطار اختصاصاتها الذاتية‪ ،‬بموازاة مع فاعلين آخرين من القطاع العام أو الخاص بإحداث أسواق البيع بالجملة‪،‬‬

‫المجازر والمذابح ونقل اللحوم‪ ،‬وأسواق بيع السمك‪.‬‬

‫وفي مجال التعمير تختص الجماعة‪ ،‬ب ‪:‬‬

‫‪ -‬السهر على احترام االختيارات والضوابط المقررة في مخططات التهيئة العمرانية وتصاميم التهيئة والتنمية وكل‬

‫الوثائق األخرى المتعلقة بإعداد التراب والتعمير‪،‬‬

‫‪ -‬الدراسة والمصادقة على ضوابط البناء الجماعية‪ ،‬طبقا للقوانين واألنظمة الجاري بها العمل‪،‬‬

‫‪ -‬تنفيذ مقتضيات تصميم التهيئة ومخطط التنمية القروية بخصوص فتح مناطق جديدة للتعمير وفقا لكيفيات وشروط‬

‫تحدد بقانون‪،‬‬

‫‪ -‬وضع نظام العنونة المتعلق بالجماعة‪ ،‬يحدد مضمونه وكيفية إعداده وتحيينه بموجب مرسوم يتخذ باقتراح من‬

‫السلطة الحكومية المكلفة بالداخلية‪.‬‬

‫‪ - 2‬االختصاصات المشتركة مع الدولة ‪:‬‬

‫تنص القوانين التنظيمية الترابية مجتمعة‪ ،‬على أن هذا الصنف من االختصاصات يمارس من طرف الوحدات‬

‫الترابية بشكل تعاقدي‪ ،‬إما بمبادرة من الدولة أو بطلب من الجهة والعمالة أو اإلقليم والجماعة‪ ،‬كما يمكنها‪ ،‬وفق‬

‫ذات األسلوب التعاقدي بمبادرة من كل وحدة ترابية واعتمادا على مواردها الذاتية أن تتولى كل واحدة تمويل أو‬

‫تشارك في تمويل إنجاز مرفق أو تجهيز أو تقديم خدمة عمومية ال تدخل ضمن اختصاصاتها الذاتية‪ ،‬إذا تبين أن هذا‬

‫التمويل يساهم في بلوغ أهدافها‪.‬‬

‫وتنصب اختصاصات الجهة‪ ،‬ضمن هذا المستوى‪ ،‬على التنمية االقتصادية والتنمية القروية والتنمية االجتماعية‬

‫والمحافظة على البيئة وحماية كل ما يتعلق بها‪ ،‬من موارد طبيعية ومائية ومنظومة غابوية واالعتناء بالثقافة المحلية‬

‫‪53‬‬
‫والتراث الجهوي وصيانة آثارها وإنعاش السياحة‪ ،‬في حين تمارس العمالة أو اإلقليم اختصاصاتها المشتركة بينها‬

‫وبين والدولة في مجاالت تأهيل العالم القروي على مستوى الصحة والتكوين والبنيات التحتية والتجهيزات الالزمة‪،‬‬

‫تنمية المناطق الجبلية والواحات‪ ،‬اإلسهام في تزويد العالم القروي بالماء الصالح للشرب والكهرباء‪ ،‬برامج فك‬

‫العزلة عن العالم القروي‪ ،‬المساهمة في إنجاز وصيانة الطرق اإلقليمية‪ ،‬التأهيل االجتماعي في الميادين التربوية‬

‫والصحية واالجتماعية والرياضية‪.‬‬

‫بينما تمارس الجماعة اختصاصاتها وفقا للشراكة القائمة بينها وبين الدولة‪ ،‬في مجاالت تنمية االقتصاد المحلي‬

‫وإنعاش الشغل‪ ،‬المحافظة على خصوصيات التراث الثقافي المحلي وتنميته‪ ،‬القيام باألعمال الالزمة إلنعاش وتشجيع‬

‫االستثمارات الخاصة‪ ،‬وال سيما إنجاز البنيات التحتية والتجهيزات والمساهمة في إقامة مناطق لألنشطة االقتصادية‬

‫وتحسين ظروف عمل المقاوالت‪ ،‬وذلك في حدود إمكانياتها‪ ،‬المساهمة في إنجاز واحداث دور للشباب والحضانة‬

‫ورياض األطفال والمراكز النسوية ودور العمل الخيري ومأوى العجزة والمراكز االجتماعية لإليواء والترفيه‬

‫والمركبات الثقافية والمكتبات الجماعية والمتاحف والمسارح والمعاهد الفنية والموسيقية والمعاهد والمركبات‬

‫والميادين والمالعب الرياضية والقاعات المغطاة وإحداث المسابح ومالعب سباق الدراجات والخيل والهجن‬

‫والمحافظة على البيئة‪ ،‬وتدبير ساحل نفوذها الترابي‪ ،‬طبقا للقوانين واألنظمة الجاري بها العمل وتهيئة الشواطئ‬

‫والممرات الساحلية والبحيرات وضفاف أنهار حيزها الترابي وصيانة مدارس التعليم األساسي وصيانة‬

‫المستوصفات الصحية التابعة لنفوذها وصيانة الطرقات الوطنية العابرة لمركزها ومجالها الحضري وبناء وصيانة‬

‫الطرق والمسالك الجماعية‪ ،‬والتأهيل والتثمين السياحي للمدن العتيقة والمعالم السياحية والمواقع التاريخية‪.‬‬

‫‪ -3‬االختصاصات المنقولة من الدولة للجماعات الترابية ‪:‬‬

‫يقتضي هذا النوع من االختصاصات وفقا لمنطوق القوانين التنظيمية الترابية الثالثة‪ ،‬مراعاة مبدأ التدرج‬

‫والتمايز بين كل الوحدات الترابية عند نقل االختصاصات إليها بأصنافها الثالثة من لدن الدولة‪ ،‬وتحدد مجاالتها‬

‫اعتمادا على مبدأ التفريع الذي يمنح الجهة بصفة خاصة‪ ،‬االختصاص في مجاالت التجهيزات والبنيات التحتية ذات‬

‫البعد الجهوي والمرتبطة بالصناعة والصحة والتجارة والتعليم والثقافة والرياضة والطاقة والماء والبيئة"‪ .‬ويمنح‬

‫كذلك للجماعة اختصاصات تشمل حماية وترسيم المآثر التاريخية والتراث الثقافي والحفاظ على المواقع الطبيعية‬

‫وإحداث وصيانة المنشآت والتجهيزات المائية الصغيرة والمتوسطة‪ .‬في مقابل ذلك‪ ،‬تمارس العمالة أو اإلقليم‬

‫‪54‬‬
‫االختصاصات ذاتها في مجال التنمية االجتماعية وإحداث وصيانة المنشآت المائية الصغرى والمتوسطة‪ ،‬خاصة‬

‫بالوسط القروي‪.‬‬

‫إن الهدف من دسترة الجهات والجماعات الترابية األخرى‪ ،‬يؤشر على أهمية البعد الترابي في التنظيم اإلداري‬

‫المغربي لدى المشرع الدستوري‪ ،‬سيما وأنه يسعى لتوطيد أسس ديمقراطية محلية تمنح صالحيات واسعة للنظام‬

‫الالمركزي بعيدا عن الوصاية المركزية‪ ،‬إال أن تحقيق ذلك الهدف وما يرتبط به من مؤهالت إصالحية ال زالت‬

‫تعتريهما بعض الشوائب التي اتصل بطريقة أو أخرى بالتوجهات العامة التي ستحکم مسار العمل المحلي‪ ،‬من حيث‬

‫السبل واإلمكانيات واألهداف‪ ،‬في ظل قوانين تنظيمية‪ ،‬تتسم بعض مقتضياتها بنوع من الغموض والعمومية في‬

‫الطرح المتعلق بالتنمية المحلية والمجالية‪ ،‬األمر الذي يبرز معه عمق التداخل في الحدود الجغرافية للجماعات‬

‫الترابية التي تخضع المستوى األدنى للمستوى األعلى منه‪ ،‬بالرغم من التنصيص الدستوري على استقاللية كل وحدة‬

‫ترابية ماليا وإداريا عن األخرى مع عدم السماح لممارسة الوصاية على بعضها البعض‪ ،‬مما سيؤدي إلى انخراط‬

‫الجماعات الترابية بمستوياتها الثالثة في مسلسل المنازعات المجالية واألحقية في ممارسة االختصاصات‬

‫والصالحيات والتي ستجد سندها في الفصل ‪ 252‬و‪ 251‬من الدستور‪.‬‬

‫أضف إلى ذلك‪ ،‬إشكالية عدم تطابق إحالة القوانين التنظيمية المتعلقة بالجهات والجماعات الترابية األخرى على‬

‫القانون التنظيمي رقم ‪ 22-21‬المتعلق بانتخاب أعضاء مجالس الجماعات الترابية‪ ،‬سيما بعد موافقة مجلس النواب‬

‫مؤخرا على قانون تنظيمي رقم ‪ 22.54‬قضى بتتميمه وتغييره‪ ،‬مما يستوجب من باب االجتهاد‪ ،‬انتباه المجلس‬

‫الدستوري إلى ما سيترتب عن ذلك من إشكاالت قد تمس من دستورية االنتخابات المحلية بأصنافها الثالثة ومن ثم‬

‫عدم تمكن المجالس المنتخبة من أداء مهامها وممارسة اختصاصاتها تحت طائلة البطالن‪.‬‬

‫وعلى هذا األساس‪ ،‬فإن أهمية البعد الترابي في التنظيم اإلداري المغربي يتطلب بذل المزيد من الجهد لتفسير‬

‫المقتضيات القانونية الترابية بما يتوافق وروح الدستور وتبويبها ضمن منظومة جامعة وموحدة‪ ،‬تلتزم بتوضيح‬

‫ا الختصاصات والصالحيات شكال ومضمونا وتضبط حدود المتدخلين في التدبير الترابي‪ ،‬ضمانا لسير المجالس‬

‫المنتخبة بشكل عادي واعتيادي‪ ،‬مع مراعاة الدور الريادي للقضاء االستعجالي في حل المنازعات الترابية وعقلنة‬

‫تدخل سلطات الرقابة اإلدارية‪.‬‬

‫‪55‬‬
‫المطلب الثاني ‪ :‬تقوية الديمقراطية التمثيلية وضمان مبدأ التشاركية‬
‫اعتمد الدستور المغربي على تقنية االقتراع المباشر كمستجد جاء به ونص عليه في الفصل ‪ ،252‬بتأكيده على‬

‫االقتراع العام المباشر النتخاب مجالس الجهات كآلية ديمقراطية في تدبير الشأن الجهوي‪ ،‬وهي نفس التوصية التي‬

‫كان خرج بها تقرير اللجنة االستشارية للجهوية من خالل تبني نمط اقتراع يضمن أكثر ما يمكن من الشفافية ودرجة‬

‫معقولة من قرب المنتخبين الجهويين من الناخبين‪ ،‬وهو مقترح يرمي إلى تقوية التمثيلية وضمان الديمقراطية‬

‫التشاركية للمجالس الجهوية‪ ،46‬حسب ما جاء في توصيات اللجنة المذكورة‪.‬‬

‫الفقرة األولى ‪ :‬االقتراع العام المباشر كآلية لتكريس الشرعية الديمقراطية‬

‫أصبحت اليوم الضرورات التنموية تلح على إيجاد مؤسسة جهوية فاعلة تتحرك في مجال ترابي متجانس ثقافيا‬

‫واجتماعيا واقتصاديا‪ ،‬كما أن وجود أجهزة ومؤسسات جهوية فاعلة وديمقراطية تخدم الشأن الجهوي بحيوية‬

‫وحماسة تنموية‪ ،‬مرهون إلى حد كبير بطبيعة اآلليات التي تشكل روافد المؤسسات الجهوية‪.47‬‬

‫في هذا اإلطار‪ ،‬تعد آلية االنتخاب هي اآللية الديمقراطية التي تضمن تمثيلية السكان ومشاركتهم وتحيط‬

‫مؤسسات الجهوية بالشرعية‪ .‬وهكذا‪ ،‬وحتى تكون بالفعل قطبا لالمركزية وتجسيدا للديمقراطية المحلية‪ ،‬يكون لزاما‬

‫االعتماد على االقتراع العام المباشر‪.‬‬

‫في هذا السياق‪ ،‬هدف كل من المشرع الدستوري والمشرع التنظيمي من اعتماد أسلوب االقتراع العام المباشر‬

‫في اختيار أعضاء مجالس الجهات والجماعات إلى تحقيق الديمقراطية المحلية‪ ،‬ألنه أسلوب يسمح لساكنة الجهات‬

‫والجماعات الترابية في تقرير وحسم مختلف قضاياهم بنفسهم وبدون وسائط‪ ،‬ويحقق هذا النوع من الديمقراطية مبدأ‬

‫السيادة الشعبية التي تعتبر الشعب مصدر السلطة‪ .‬كما سيساعد اعتماد أسلوب االقتراع العام المباشر في تدبير الشأن‬

‫االنتخابي للجهات والجماعات الترابية على االرتقاء بإحساس المواطن بقيمة نفسه ورأيه ومدى تأثيره في تفعيل‬

‫السياسة العامة للدولة‪ ،‬وفي إعداد السياسات الترابية‪.48‬‬

‫إن اعتماد أسلوب االنتخاب المباشر الذي طالبت به غالبية األحزاب السياسية‪ ،‬وأوصى به الفاعلون السياسيون‬

‫ونص عليه تقرير اللجنة االستشارية الجهو ية‪ ،‬والذي استجاب له الدستور‪ ،‬ال يعد مسألة تقنية فقط‪ ،‬بل يؤدي‪ ،‬من‬
‫‪46‬‬
‫فيصل بيجي‪ ،‬أي مستجدات على ضوء مشروع القانون التنظيمي للجهات بالمغرب‪ ،‬المجلة االلكترونية‪ ،‬المفكرة القانونية‪ ،‬أبريل ‪،3132‬‬
‫‪www.legalagenda.com à 19h22min‬‬
‫‪47‬‬
‫محمد األعرج‪ ،‬الجهوية المتقدمة‪ :‬اآلليات األولية‪ ،‬المجلة المغربية للسياسات العمومية‪ ،‬العدد ‪ ،3131 ،9‬ص ‪31‬‬
‫‪48‬‬
‫كريم لحرش‪ ،‬الدستور الجديد للمملكة المغربية‪ :‬شرح وتحليل‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪391‬‬

‫‪56‬‬
‫جهة‪ ،‬إلى "منح مصداقية للرهانات السياسية الجهوية وتكريس سلطة جهوية أصلية‪ ،‬وبالتالي إلى تقوية شرعية‬

‫الممثلين السياسيين الجهويين "‪ .49‬ومن جهة أخرى‪ ،‬سيدفع إلى تعلق السكان بالمؤسسة الجهوية‪ ،‬عبر التظاهرات‬

‫التي تحيط بانتخاب المستشارين الجهويين والرهانات التي تمثلها‪،‬وسيسمح بأن يكون للجهة وظيفة خاصة ورؤية‬

‫جهوية لمواجهة مشاكلها‪ ،‬وسيمنعها من أن تكون مجرد فيدرالية للمصالح اإلقليمية‪ ،‬مما يعد معطی جديدا لتكريس‬

‫الشرعية الديمقراطية‪.‬‬

‫وبتبني هذا القانون التنظيمي لمبدأ االقتراع العام المباشر‪ ،‬من خالل المادة التاسعة‪ ،‬يكون قد سار في منحى‬

‫تكملة وتنزيل المقتضيات الدستورية‪ ،‬ومن جهة أخرى‪ ،‬أعاد النظر في تركيبة المجالس الجهوية التي كان ينظر إليها‬

‫على أنها كتل غير متجانسة وغير متضامنة‪ ،‬بالنظر لتركيبتها المتنوعة التي تتكون من أعضاء تختلف مصادر‬

‫انتخابهم‪.‬‬

‫لكن‪ ،‬وبالمقابل‪ ،‬إذا كان المشرع الدستوري لم يكن صريحا في مسألة اختيار رئاسة الجهة‪ ،‬حيث اقتصر فقط‬

‫على كيفية انتخاب مجالس الجهات والجماعات "تنتخب مجالس الجهات والجماعات باالقتراع العام المباشر "‪،‬‬

‫وترك األمر للقانون التنظيمي‪ ،‬باعتباره مكمال للدستور‪ ،‬فإن المشرع التنظيمي‪ ،‬في هذا األمر‪ ،‬تبنى طريقة الترشيح‬

‫لرئاسة الجهة من بين األعضاء المرتبين على رأس لوائح المترشحين‪ ،‬والتي فازت بمقاعد داخل المجلس المعني‪،‬‬

‫وذلك خالل الخمسة عشر يوم من انتخاب أعضاء المجلس"‪.‬‬

‫ويستتبع أنه إذا كانت المادة ‪ 1‬من القانون التنظيمي منسجمة مع الفصل ‪ 252‬من الدستور‪ ،‬فقد كان من‬

‫األجدر‪ ،‬أيضا‪ ،‬للمشرع التنظيمي أن يأخذ بمبدا تكاملية الفصول الدستورية‪.‬‬

‫ومبدأ وحدة النص الدستوري في هذه المسألة‪ ،‬خصوصا وأن المشرع التنظيمي أخذ بهذا المبدأ فعال عندما نص‬

‫على المادة ‪ ،51‬حيث خصص رئاسة إحدى اللجان الدائمة في المجلس للمعارضة‪ ،‬تماشيا مع الفصل العاشر من‬

‫الدستور‪ ،‬والذي يعطي للمعارضة حق رئاسة اللجنة المكلفة بالتشريع‪.‬‬

‫وبالتالي‪ ،‬كان عليه أيضا أن يخطو منحى الفصل ‪ 49‬من الدستور الذي ينص على أن الملك يعين رئيس‬

‫الحكومة من الحزب السياسي الذي تصدر االنتخابات‪ .‬وعليه‪ ،‬وتماشيا مع هذا المبدأ‪ ،‬يتم اختيار رئاسة الجهة من‬

‫‪49‬‬
‫فيصل بيجي‪ ،‬أي مستجدات على ضوء مشروع القانون التنظيمي للجهات بالمغرب‪ ،‬المجلة االلكترونية‪ ،‬المفكرة القانونية‪ ،‬أبريل ‪،3132‬‬
‫‪www.legalagenda.com à 19h22min‬‬

‫‪57‬‬
‫الالئحة التي حصلت على الرتبة األولى‪ ،‬مما سيضفي على هذه االنتخابات مبدأ طالما ردده مجموعة من المهتمين‪،‬‬

‫في إطار احترام الشرعية الشعبية التي فوض لها الدستور حق االقتراع المباشر ألعضاء مجلس الجهة‪ .‬بهذا‬

‫المقتضى "سنتجاوز ذلك المسلسل االنتخابي الذي يستغرقه انتخاب الرئيس ويؤدي إلى اضطرابات بالنسبة للوائح‪،‬‬

‫خاصة التي ستقصى من السباق‪ ،‬نظرا لعدم توفرها على األصوات المرشحة لذلك‪ ،‬السيما وأن المرحلة األخيرة‬

‫ستحسم باألغلبية النسبية‪ ،‬إذا تعلق األمر بمرشحين فقط بعد إبعاد اآلخرين‪ ،‬وهذا استهتار باختيار الشعب‪ ،‬وغير‬

‫متناغم مع مبدأ االقتراع العام المباشر "‪.50‬‬

‫الفقرة ثانية ‪ :‬الديمقراطية التشاركية كآلية للحد من مركزية السلطة‬

‫كانت السلطة المركزية خالل مختلف العقود السالفة هي المستأثرة بمسلسل إعداد السياسات العامة وتنفيذها‪.‬‬

‫وعليه‪ ،‬أثبتت "الديمقراطية التمثيلية‪ ،‬من خالل النخب البرلمان وفي المجالس الترابية محدوديتها في اإلجابة عن‬

‫مختلف توقعات المواطنين والمواطنات وتطلعاتهم"‪ .51‬وقد حاول الدستور الحالي معالجة هذه اإلشكالية‪ ،‬بهدف الحد‬

‫من المخاطر على التوازن المؤسساتي‪ ،‬والحد من الفجوة المتسعة بين السياسيين والمواطنين‪ ،‬من خالل تبني‬

‫نصوص دستورية صريحة تجعل من الديمقراطية التشاركية منهجا جديدا إلعادة ترتيب العالقة بين الدولة‬

‫والمواطنين‪ ،‬ومدخال أساسيا لضمان مشاركة فاعلة للمواطنين والمواطنات والناس في السياسات العمومية‪ ،‬وهو ما‬

‫يدخل بدوره في إطار الديمقراطية المحلية‪.‬‬

‫‪52‬‬
‫أوال ‪ :‬الديمقراطية التشاركية؛ منهج استراتيجي إلعادة بناء المجال الترابي‬

‫نصت ديباجة دستور‪ 1122‬على أن الهدف يكمن في تأسيس دولة حديثة‪ ،‬مرتكزاتها‪ ،‬المشاركة والتعددية‬

‫والحكامة الجيدة‪ ،‬ونصت الفقرة الثانية من الفصل األول على أن النظام الدستوري للمملكة يقوم على أساس فصل‬

‫السلطات وتوازنها وتعاونها والديمقراطية المواطنة والتشاركية وعلى مبادئ الحكامة الجيدة وربط المسؤولية‬

‫بالمحاسبة‪.‬‬

‫‪50‬‬
‫فيصل بيجي‪ ،‬أي مستجدات على ضوء مشروع القانون التنظيمي للجهات بالمغرب‪ ،‬مرجع سابق‬
‫‪51‬‬
‫محمد الغالي‪ ،‬دستور المملكة المغربية لسنة ‪ 3133‬في ضوء الربيع العربي‪ :‬جدلية الثابت والمتحول‪،‬قضايا راهنة في الفكر العربي الحديث‪ ،‬العدد ‪،3131 ،4‬‬
‫ص ‪333‬‬
‫‪52‬‬
‫عبد الحق بلفقيه‪ ،‬قراءة دستورية في القانون التنظيمي للجهات‪ ،‬مجلة مسالك فب الفكر والسياسة واالقتصاد‪ ،‬مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء‪ ،‬السنة ‪،33‬‬
‫العدد ‪،14-11‬‬

‫‪58‬‬
‫في هذا السياق‪ ،‬ألزم النص الدستوري مجالس الجهات والجماعات الترابية األخرى‪ ،‬من خالل الفصل ‪ 251‬من‬

‫الدستور ا لمغربي بوضع آليات تشاركية للحوار والتشاور‪ ،‬لتيسير مساهمة المواطنات والمواطنين والجمعيات في‬

‫إعداد برامج التنمية وتتبعها‪ ،‬وهو األمر الذي سار عليه القانون التنظيمي للجهات تكملة وتنزيال للدستور‪ ،‬حيث نص‬

‫في بابه الرابع على "اآلليات التشاركية للحوار والتشاور" من القسم الثالث في المادة ‪ 221‬على إحداث مجالس‬

‫الجهات آليات تشاركية للحوار والتشاور‪ ،‬وفي المادة ‪ 229‬حين نص على إحداث ثالث هيئات استشارية لدى‬

‫مجلس الجهة‪ ،‬مما يجعل من األمر مبتغى "يجعل من الحكامة التشاركية في التدبير التنموي للجماعات الترابية أحد‬

‫ركائز التأهيل المؤسساتي للشأن الجهوي والترابي بالمغرب‪ ،‬إذ تنشد وضع حد للسمة االنغالقية التي ظلت تطبع‬

‫عمل تصريف الشأن المحلى‪ ،‬والدعوة لمقومات التدبير التشاركي القائم على ميكانيزمات االنفتاح والتواصل‬

‫واإلسهام الفعلي لمجموعة من القوى الحية تتصدرهم الساكنة ( المواطنات والمواطنين والجمعيات) كشريك أساسي‬

‫ال محيد عنه"‪.53‬‬

‫وتكريسا لهذا التوجه‪ ،‬جعل المشرع الدستوري الحق في تقديم العرائض مكسبا دستوريا‪ ،‬باعتباره مظهرا من‬

‫مظاهر حرية الرأي والتعبير‪ ،‬وهو عمل يتم على أساسه توجيه االلتماس إلى السلطة العمومية أمال في الحصول‬

‫على اإلجابة‪ ،‬أو مطالبة األفراد السلطات العمومية إبداء رأي حول موضوع معين أو تقديم مالحظات في األمور‬

‫التي تتعلق بهم بشكل فردي أو تلك التي لها عالقة بالشؤون العامة‪ .‬كما يعتبر حق تقديم العرائض من بين أهم‬

‫الوسائل القانونية التي تتيح للمواطنين والمجتمع المدني من التواصل المباشر مع السلطات العمومية‪ ،‬وذلك من أجل‬

‫إبداء تظلماتهم‪ ،‬وهو معطى يجعل من ممارسة هذا الحق من بين أهم مظاهر الديمقراطية التشاركية‪ ،‬التي ترتكز عل‬
‫‪54‬‬
‫في تدبير الشأن العام‪ ،‬وانخراطهم الفعلي في الحياة السياسية‪.‬‬

‫وإذا كان حق تقديم العرائض ذو أهمية بالغة‪ ،‬سواء في إشراك المواطنين في تدبير الشأن العام أو في الحياة‬

‫السياسية‪ ،‬فإن "التجربة المغربية لم تعرف تراكما كبيرا في هذا المجال"‪ ،‬بحيث أنه وألول مرة تمت دسترة هذا‬

‫الحق بشكل صريح مع الدستور المغربي الجديد لسنة ‪ ،1122‬حيث نصت الفقرة الثانية من فصله ‪ 251‬على أنه‬

‫يمكن للمواطنات والمواطنين والجمعيات تقديم عرائض‪ ،‬الهدف منها مطالبة المجلس بإدراج نقطة تدخل في‬

‫‪53‬‬
‫كريم لحرش‪ ،‬الدستور الجديد للمملكة المغربية‪ :‬شرح وتحليل‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪313‬‬
‫‪54‬‬
‫كريم لحرش‪ ،‬الدستور الجديد للمملكة المغربية‪ :‬شرح وتحليل‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪313‬‬

‫‪59‬‬
‫اختصاصه ضمن جدول أعماله"‪ ،‬وهو األمر نفسه الذي سعى القانون التنظيمي لتكملته وتوضيح شروط ممارسته‪،‬‬

‫حين نص في الباب الخامس من القسم الثالث على "شروط تقديم العرائض من قبل المواطنين والمواطنات‬

‫والجمعيات"‪ ،‬حيث نصت المواد ‪ ،211 ،212، 211، 221، 220‬على تعريف العريضة المخصصة في هذا‬

‫المجال‪ ،‬مع تقديم التوضيحات والشروط الالزم توفرها لتقديمها بشكل سليم وقانوني‪.‬‬

‫ويتطلب ممارسة هذا الحق على مستوى الممارسة العملية توافر نوعين من الشروط ‪ ،‬األول شكلي والثاني‬

‫موضوعي‪.‬‬

‫أ ‪ -‬الشروط الشكلية‬

‫إن من بين أهم الشروط الشكلية التي يجب أن تتوفر في العريضة من أجل قبولها‪ ،‬والتي عرفها القانون‬

‫التنظيمي‪ ،‬من خالل المادة ‪ 221‬ب "كل محرر يطالب بموجبه المواطنات والمواطنون والجمعيات مجلس الجهة‬

‫بإدراج نقطة تدخل في صالحياته ضمن جدول أعماله"‪ ،‬أن يتم توجيهها من قبل من خول له الدستور الحق في‬

‫تقديمها‪ ،‬وهم المواطنات والمواطنين والجمعيات‪ ،‬لكن هذا التحديد يبقى على إطالقه في حاجة إلى تحديد‪ ،‬بواسطة‬

‫مجموعة من اإلجراءات ک ‪:‬‬

‫‪ ‬أن توجه العريضة من المواطنات والمواطنين الذين يتمتعون بالحقوق الوطنية فقط‪ ،‬والبالغين سن الرشد‪ ،‬أو‬

‫من قبل الجمعيات؛‬

‫• أن يكونوا من ساكنة الجهة المعنية أو يمارسوا بها نشاطا اقتصاديا أو تجاريا أومهنيا؛‬

‫• أن يكونوا مسجلين في اللوائح االنتخابية العامة؛‬

‫• أن تكون لهم مصلحة مباشرة مشتركة في تقديم العريضة؛‬

‫• تحديد عدد ال توقيعات التي يمكن أن تتضمنها كل عريضة‪ ،‬حيث حددها المشرع التنظيمي في ‪ 1111‬ناخب‬

‫بالجهة‪ ،‬موزعين بحسب مقرات إقامتهم الفعلية على عماالت وأقاليم الجهة‪ ،‬شرط أن ال يقل عددهم في كل عمالة أو‬

‫إقليم تابع للجهة عن خمسة في المائة من العدد المطلوب‪.‬‬

‫بالنسبة للجمعيات‪ ،‬يجب أن تقدم العريضة مع استيفاء الشروط التالية‪:‬‬

‫‪60‬‬
‫‪ ‬أن تكون الجمعية معترفا بها ومؤسسة بالمغرب‪ ،‬طبقا للتشريع الجاري بها العمل لمدة تزيد على ثالث‬

‫سنوات‪ ،‬وتعمل طبقا للمبادئ الديمقراطية وألنظمتها األساسية؛‬

‫‪ ‬أن تكون في وضعية سليمة إزاء القوانين واألنظمة الجاري بها العمل؛‬

‫‪ ‬أن يكون مقرها أو أحد فروعها واقعا بتراب الجهة المعنية بالعريضة؛‬

‫‪ ‬أن يكون نشاطها مرتبطا بموضوع العريضة‪.‬‬

‫أما شروط تقديم العريضة‪ ،‬فهي ‪:‬‬

‫‪ ‬أن تكون العريضة خطية "كتابية"؛‬

‫‪ ‬أن تحمل العريضة إسم ونسب وعنوان ورقم التسجيل في اللوائح االنتخابية‪ ،‬لكل موقع على العريضة‪ ،‬مع‬

‫إمكانية إضافة شرط تضمين العريضة لرقم البطاقة الوطنية ومكان اإلقامة‪55‬؛‬

‫‪ ‬تودع العريضة لدى رئيس مجلس الجهة مرفقة بالوثائق المثبتة للشروط المنصوص عليها أعاله مقابل‬

‫وصل يسلم فورا؛‬

‫‪ ‬تحال العريضة من قبل رئيس المجلس إلى مكتب المجلس الذي يتحقق من استيفاءها للشروط الواردة في‬

‫المادتين ‪ 211‬أو ‪ 212‬أعاله‪ ،‬حسب الحالة‪ .‬في حالة قبول العريضة‪ ،‬تسجل في جدول أعمال المجلس في‬

‫الدورة العادية الموالية‪ ،‬وتحال إلى اللجنة أو اللجان الدائمة المختصة لدراستها؛‬

‫‪ ‬قبل عرضها على المجلس للتداول في شأنها‪ .‬يخبر رئيس المجلس الوكيل أو الممثل القانوني للجمعية‪،‬‬

‫حسب الحالة‪ ،‬بقبول العريضة؛‬

‫‪ ‬في حالة عدم قبول العريضة من قبل مكتب المجلس‪ ،‬يتعين على الرئيس تبليغ الوكيل أو الممثل القانوني‬

‫للجمعية‪ ،‬حسب الحالة‪ ،‬بقرار الرفض معلال داخل أجل ثالثة أشهر‪ ،‬ابتداءا من تاريخ توصله بالعريضة‪.‬‬

‫يحدد بنص تنظيمي شكل العريضة والوثائق المثبتة التي يتعين إرفاقها بها‪ ،‬حسب الحالة‪.‬‬

‫‪55‬‬
‫كريم لحرش‪ ،‬الدستور الجديد للمملكة المغربية‪ :‬شرح وتحليل‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪313‬‬

‫‪61‬‬
‫ب ‪ -‬الشروط الموضوعية‬

‫فيما يخص الجانب المتعلق بالشروط الموضوعية لتقديم العريضة‪ ،‬فإن المشرعين الدستوري والتنظيمي حددوا‬

‫ثالثة شروط موضوعية رئيسية‪:‬‬

‫‪ ‬أن ال يمس موضوع العريضة بالثوابت المنصوص عليها في الفصل األول من الدستور؛‬

‫‪ ‬الهدف من العرائض ‪ -‬المحدد دستوريا ‪ -‬هو طلب إدراج نقطة في جدول أعمال المجلس‬

‫من أجل مناقشتها؛‬

‫‪ . ‬يدخل موضوع العريضة في اختصاصه‪.‬‬

‫ف " األصل أن جدول أعمال المجلس يعده الرئيس بتعاون مع أعضاء المكتب‪ ،‬كما يتم إبالغه إلى السلطة‬

‫اإلدارية المحلية ال مختصة التي يمكنها أيضا إدراج مسائل تعتزم عرضها على المجلس‪ ،‬وهنا يتضح أن العرائض‬

‫يمكن إرسالها إلى رئيس المجلس أو إلى السلطات المحلية "‪ .56‬باإلضافة إلى أن الهدف من هذه العرائض محدد في‬

‫مطالبة المجلس بإدراج نقطة في جدول أعماله‪ ،‬فإن موضوعها محدد بشكل أدق‪ ،‬حيث أن تقديم العريضة ال يجب‬

‫أن يكون موضوعها خارج اختصاص هذه المجالس‪ ،‬وإال سيكون مصيرها الرفض‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬في مزايا الديمقراطية التشاركية‬

‫ما يعنيه تبني الديمقراطية التشاركية كمنهج جديد في اإلدارة والحكم‪ ،‬من خالل دستور ‪ ،1122‬هو االستفادة‬

‫من مزاياها التي تتمثل في االعتبارات التالية‪:57‬‬

‫‪ ‬تعتبر الديمقراطية التشاركية نظاما منهجيا في مجال التنمية‪ ،‬يمكن األفراد والجماعات‪ ،‬عبر مسلسل‬

‫مؤسساتي تواصلي من تحديد حاجاتهم وأهدافهم والتزاماتهم على المستوى المحلي أو المجالي‪ .‬ويؤدي هذا‬

‫المسلسل إلى قرارات مركزة تأخذ بعين االعتبار‪ ،‬وبحسب اإلمكان‪ ،‬آراء وتطلعات المجموعات واألطراف‬

‫المعنية كافة‪.‬‬

‫‪56‬‬
‫كريم لحرش‪ ،‬الدستور الجديد للمملكة المغربية‪ :‬شرح وتحليل‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪311‬‬
‫‪57‬‬
‫محمد الغالي‪ ،‬دستور المملكة المغربية لسنة ‪ 3133‬في ضوء الربيع العربي‪ :‬جدلية الثابت والمتحول‪،‬قضايا راهنة في الفكر العربي الحديث‪ ،‬العدد ‪،3131 ،4‬‬
‫ص ‪333‬‬

‫‪62‬‬
‫‪ ‬تعتبر الديمقراطية التشاركية نظاما يعمل على تثمين دور الوسطاء االجتماعيين وتفعيله في مسلسل‬

‫السياسات العامة‪.‬‬

‫‪ ‬تعتبر الديمقراطية التشاركية مجموعة من اإلجراءات والوسائل واآلليات الكفيلة بتحقيق مشاركة فعالة‬

‫للم واطنين والمواطنات‪ ،‬بصفتهم المباشرة‪ ،‬في القرارات العامة التي تهم شؤون حياتهم‪ ،‬وكانت بزغت إلى‬

‫جانب الديمقراطية التمثيلية‪ ،‬بهدف مصاحبتها وتجاوز بعض النقائص التي أفرزتها تطبيقاتها العملية‪ ،‬من‬

‫أجل تصحيح انحرافاتها وتقويمها‪ ،‬إذ يكمن الهدف في تعزيز أسس الحكم الصالح (الحكامة) ووسائله‪.‬‬

‫‪ ‬تعتبر الديمقراطية التشاركية إطارا المساهمة السكان في عملية صنع السياسة على نحو يعزز الثقة بين‬

‫الدولة ومختلف مؤسساتها والمواطن‪ ،‬من أجل التعاون على إعطاء الحلول المناسبة للمشكالت المطروحة‬

‫في مختلف مراحل صنع القرار‪ ،‬حتى تدقيق تدبيره وتقييم نتائجه‪.‬‬

‫وعليه‪ ،‬ومن أجل تحقيق مختلف هذه المقاصد‪ ،‬أعطى دستور ‪ 1122‬مكانة أساسية للمجتمع المدني في مسلسل‬

‫السياسات العامة؛ فالفصل ‪ 21‬من دستور ‪ 1122‬نص مباشرة على أن الجمعيات والمنظمات غير الحكومية تساهم‬

‫في إطار الديمقراطية التشاركية في إعداد قرارات ومشاريع لدى المؤسسات المنتخبة والسلطات العمومية‪ ،‬وكذا في‬

‫تفعيلها وتقييمها‪ .‬والسلطات العمومية ملزمة بإحداث هيئات التشاور الكفيلة بتحقيق ذلك الدور‪ .‬وفي السياق ذاته‪،‬‬

‫نص الفصل ‪ 55‬على إحداث مجلس استشاري للشباب والعمل الجمعوي‪ .‬يعمل على تحقيق األهداف التالية‪:‬‬

‫• توسيع مشاركة الشباب وتعميمها في التنمية االجتماعية واالقتصادية والثقافية والسياسية للبالد‪.‬‬

‫• مساعدة الشباب على االندماج في الحياة النشيطة والجمعوية‪ ،‬وتقديم المساعدة إلى أولئك الذين تعترضهم صعوبة‬

‫في التكيف المدرسي أو االجتماعي أو المهني‪.‬‬

‫• تيسير ولوج الشباب إلى الثقافة والعلم والتكنولوجيا والفن والرياضة والنشاط الترفيهي‪،‬‬

‫مع توفير الظروف المواتية لتفتق طاقاتهم الخالقة واإلبداعية في جميع هذه المجاالت‬

‫فالفصل ‪ 24‬الجديد اعترف أول مرة صراحة بحق المواطنين والمواطنات بتقديم اقتراحات في مجال التشريع‪،‬‬

‫ونص الفصل ‪ 22‬الجديد كذلك على حقهم في تقديم عرائض إلى السلطات العمومية كآلية أساسية للتواصل‬

‫المؤسساتي بين اإلدارة والمواطنين‪ ،‬من أجل تحقيق سياسات عامة مندمجة ومتكاملة‪.‬‬

‫‪63‬‬
‫وبالتالي‪ ،‬يتضح من خالل هذه الترسانة القانونية الدستورية أن هناك إرادة قوية‪ ،‬من حيث إنتاج النصوص التي‬

‫تعبر عن المنهجية الجديدة التي تم اعتمادها في الحكم‪ ،‬لتبني سياسات عامة تنطلق من المواطن وألجله‪ ،‬وهو ما يتيح‬

‫االعتقاد بأن التدبير الجديد العام ينبني على التحرر من المركزية الشديدة في القرارات المتخذة التي تعني المواطنين‬

‫والمواطنات‪ .‬ويكمن التحول إذا‪ ،‬في المزاوجة النصية بين الديمقراطية التشاركية والتمثيلية في هندسة السياسات‬

‫العمومية‪ ،‬لكن الثابت يكمن في طبيعة الوضع القائم الذي يعكس الثقافة النسقية المحافظة السائدة‪ ،‬التي تقود بقوة‬

‫الواقع إلى تهميش المؤسسات المعاصرة‪ ،‬السياسية أو المدنية‪ ،‬وإفراغها من محتواها‪.‬‬

‫الفقرة الثالثة ‪ :‬اآلليات التشاركية وإشكالية الرقابة اإلدارية‬

‫‪ -‬لقد نص القانون على ضرورة إحداث مجالس الجماعات آليات تشاركية للحوار والتشاور لتيسير مساهمة‬

‫المواطنات والمواطنين والجمعيات في إعداد برامج العمل وتتبعها طبق الكيفيات المحددة في النظام الداخلي‬

‫للجماعة‪ ،‬أبرزها إحداث المجالس الجماعية هيئات استشارية‪ ،‬بشراكة مع فعاليات المجتمع المدني‪ ،‬تختص بدراسة‬

‫القضايا المتعلقة بتفعيل مبادئ المساواة وتكافؤ الفرص ومقاربة النوع تسمى "هيئة المساواة وتكافؤ الفرص ومقاربة‬

‫النوع"‪.‬‬

‫‪ -‬لقد أصبح من حق كل المواطنات والمواطنين والجمعيات أن يتقدموا‪ ،‬وفق الشروط المحددة‪ ،‬بعرائض يكون‬

‫الهدف منها مطالبة المجلس بإدراج نقطة تدخل في صالحياته ضمن جدول أعماله‪ .‬وتسجل وجوبا في جدول‬

‫األعمال‪ ،‬العرائض المقدمة من قبل المواطنات والمواطنين والجمعيات التي تم قبولها‪ ،‬وفقا ألحكام القانون التنظيمي‪،‬‬

‫وذلك في الدورة العادية الموالية لتاريخ البت فيها من لدن مکتب المجلس‪.‬‬

‫وبعد أن تم تحديد أبرز المستجدات الموضوعية األساسية للقانون التنظيمي للجماعات المتفرقة هنا وهناك‪ ،‬البد‬

‫من بعض المالحظات في شكل خالصات على عموم القانون التنظيمي‪ ،‬وهي كالتالي ‪:‬‬

‫لقد أغرق المشرع المغربي معظم المواد األساسية للقانون التنظيمي للجماعات‪ ،‬بعبارات تعلق تزيل مقتضياتها إلى‬

‫إشعار غير مسمى‪ .‬وهي مقتضيات كثيرة تم ربطها بصدور مراسيم وقرارات وقوانين في هذا القانون‪ .‬ومن ثم‪،‬‬

‫كان باألحرى أن تربط بآجال محددة بدقة‪ ،‬حتى ال تبقى أحكاما وتدابير هامة منه مجرد حبر على ورق‪ .‬وقد تمر‬

‫سنوات بل عقود دون أن ترى النور تلك المراسيم والقرارات والقوانين‪ .‬وعالوة على ذلك‪ ،‬هناك مواد بحاجة إلى‬

‫توضيح وتدقيق إلزالة ما يكتنفها من لبس وغموض؛ فمثال تنص المادة ‪ 91‬على أنه "إذا كانت مصالح الجماعة‬

‫‪64‬‬
‫مهددة ألسباب تمس بحسن سير مجلس الجماعة جاز لعامل العمالة أو اإلقليم إحالة األمر إلى المحكمة اإلدارية من‬

‫أجل حل المجلس"‪ .‬فما المقصود بمصالح الجماعة؟ وما المقصود بمهددة ألسباب تمس بحسن سير المجلس؟ فمثل‬

‫هذه العبارات العامة والفضفاضة كان ال داعي الستعمالها ‪ -‬ال سيما في مجال تدخل سلطات الوصاية في شؤون‬

‫الجماعات‪ -‬فإما أن تكون العبارة واضحة أو ال تكون‪.‬‬

‫هذا‪ ،‬وإذا كان القانون التنظيمي للجماعات قد أتى بمستجدات متقدمة نسبيا‪ ،‬فإنه يشتمل على نقائص وعيوب‬

‫وثغرات بالجملة‪ ،‬ال سيما ما يتعلق منها بالرقابة اإلدارية أو الوصائية كما كانت تسمى سابقا‪ .‬فمن خالل قراءة‬

‫متأنية لهذا القانون التنظيمي‪ ،‬نجد أن المشرع المغربي ورغم إدخاله للقاضي اإلداري مشرفا على سلطات الوصاية‪-‬‬

‫قد حافظ على نفوذ العمال والوالة‪ ،‬حيث خول لهم صالحيات واسعة في التدبير المالي لشؤون الجماعة‪ ،‬وإمكانيات‬

‫كبيرة للتحكم في مصير ميزانيات الجماعات‪ ،‬عبر آلية الرقابة القبلية‪ ،‬من خالل اشتراط ضرورة التأشير عليها من‬

‫جانبهم قبل أن تدخل حيز التنفيذ‪ .‬وكذا آلية المراقبة القبلية لشرعية قرارات الرئيس ومقررات المجلس‪ ،‬فضال عن‬

‫إمكانية إدراجهم كل مسألة يريدونها بجداول أعمال دورات مجالس الجماعات التابعة لهم‪ ،‬وحقهم في االعتراض‬

‫على كل مسألة أدرجت بتلك الجداول‪ ،‬سواء من قبل الرؤساء أو أعضاء المكاتب أو أعضاء المجالس‪.‬‬

‫إن القارئ لهذه القوانين يجد صعوبة في فهم مقتضياتها ومحتواها وأبعادها‪ ،‬والسبب في ذلك كونها جاءت‬

‫بصيغ فضفاضة وعمومية‪ ،‬تضفي نوعا من الصعوبة في تحديد المقصود‪ ،‬مما يفتح الباب لكثرة التأويالت واختالف‬

‫االجتهادات‪ ،‬بحيث قد يحمل االعتقاد أن لكل جماعة محلية إمكانية التدخل بال حدود في كل المجاالت والميادين‪،‬‬

‫وهو ما سيؤدي إلى تشابك وتداخل واختالف األدوار والى ازدواجيات في إنجاز مختلف المشاريع واالستثمارات‬

‫واألشغال وقد يحدث العكس‪ ،‬بحيث تتقاعس الجماعات عن القيام بوظائفها وممارسة اختصاصاتها‪ ،‬معتقدة في ذلك‬

‫أنها من اختصاصات جماعات أخرى أو هيآت عمومية أخرى‪ .‬فهذه الصيغة في تحديد االختصاص العام‪ ،‬كثيرا ما‬

‫كانت سببا في سوء تدبير الشأن العام المحلي‪ ،‬إذ أضاعت فرص حقيقية لالستثمار والتدخل االقتصادي والعمل‬

‫التنموي‪ ،‬كما أن الغموض في االختصاصات الذاتية لمجلس الجماعة قد يؤدي إلى تداخل في االختصاصات مع‬

‫الجماعات الترابية األخرى‪.‬‬

‫وفي الوقت الذي كان الكثيرون ينتظرون من القانون التنظيمي للجماعات أن يشترط ضرورة التوفر على‬

‫مستوى تعليمي عالي‪ ،‬في كل من يتولى منصب الرئيس‪ ،‬من أجل قطع الطريق على األميين والجهلة‪ ،‬تجاهل‬

‫‪65‬‬
‫القانون التنظيمي للجماعات بالمرة اإلشارة إلى الموضوع‪ ،‬فاتحا بذلك باب الرئاسة على مصراعيه في وجه كل من‬

‫هب ودب‪ .‬ومن هنا‪ ،‬فإن واقع الحال سيفرض ال محالة إذا تم اإلبقاء على هذا الفراغ القانوني وبشكل أكبر حدة‬

‫الحاجة إلى الوصاية الموجهة المشاريع ميزانيات الجماعات الترابية‪.‬‬

‫وتأسيسا على ما سبق‪ ،‬يمكن القول أن القانون التنظيمي للجماعات إذا كان قد جاء بمستجدات متقدمة نسبيا‪،‬‬

‫مقارنة مع الميثاق الجماعي السابق‪ ،‬فإنه في المقابل يشتمل ولألسف الشديد على نقائص وثغرات وعيوب دقيقة‬

‫وعميقة‪ ،‬وبالتالي قد تفرغ تلك العيوب نظام الالمركزية الترابية من معناه الحقيقي‪.‬‬

‫‪66‬‬
‫خاتمة‬
‫إن المقتضيات القانونية التي جاءت بها القوانين التنظيمية للجماعات الترابية ‪ -‬ورغم السلبيات التي تنطوي عليها ‪-‬‬

‫فهي ال يمكن القول أنها سلبية بشكل مطلق‪ ،‬وإنما هي محاولة لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت‪ ،‬وهي عرضة‬

‫الختبار الممارسة العملية‪ ،‬ومفتوحة على كل االحتماالت في المستقبل‪ .‬بل يمكن القول تفاؤال أن القانون التنظيمي‬

‫للجماعات‪ ،‬وإلى جانبه كل من القانون التنظيمي للعماالت واألقاليم والقانون التنظيمي اللجهات‪ ،‬ال يمكن أن يكون إال‬

‫عمال تنمويا‪ ،‬يتوخى بلوغ الحكامة الترابية في كل أبعادها ومستوياتها‪ ،‬كمدخل لإلصالح بمفهومه الشامل‪ ،‬وهو ما‬

‫يمكن أن يساهم في خلق شروط حقيقية للخروج من التخلف واألزمة المحلية‪ ،‬ولمواجهة اإلكراهات ومجابهة‬

‫التحديات المحلية والوطنية‪ .‬إال أن ذلك وفي المقابل يتوقف بالدرجة األولى على التطبيق والممارسة‪ ،‬وما يمكن أن‬

‫تفرزه من مشاريع وخطط جدية وتفان في بلوغ األهداف المسطرة في النص القانوني‪ ،‬والتي قد يمكن من خاللها‬

‫الوصول إلى بر األمان‪ ،‬حيث للجماعات بالخصوص والجماعات الترابية عموما أن تكون مستقبال في المستوى‬
‫‪58‬‬
‫المطلوب‪ ،‬خطابا وقانونا وممارسة‪.‬‬

‫‪58‬‬
‫عماد أبركان‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪348-341‬‬

‫‪67‬‬
‫الفهرس‬

‫‪..........‬‬
‫‪...........................‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪................................................................................................‬‬ ‫مقدمة‬

‫‪..........‬‬
‫‪................................‬‬
‫‪6‬‬ ‫المبحث األول ‪ :‬القوانين التنظيمية الترابية وإعادة بناء وتأهيل المجال الترابي‬

‫‪..........‬‬
‫‪.........................‬‬
‫‪6‬‬ ‫‪................................‬‬ ‫المطلب األول ‪ :‬محددات وسياق القانون التنظيمي للجماعات‬

‫‪...........‬‬
‫‪6. ................................‬‬ ‫الفقرة األولى ‪ :‬السياق المرجعي لصدور القانون التنظيمي للجماعات‬

‫‪............‬‬
‫‪................................‬‬
‫‪22‬‬ ‫الفقرة الثانية ‪ :‬المحددات البنيوية والشكلية في القانون التنظيمي للجماعات‬

‫‪............‬‬
‫‪22 ................................‬‬ ‫المطلب الثاني ‪ :‬القانون التنظيمي للجهات وإعادة تأهيل التراب الوطني‬

‫‪.............................‬‬
‫‪............‬‬
‫‪22‬‬ ‫‪................................‬‬ ‫الفقرة األولى ‪ :‬الجهوية وإعادة تأهيل التراب الوطني‬

‫‪...............‬‬
‫‪12‬‬
‫‪... ................................‬‬ ‫الفقرة الثانية ‪ :‬نحو إستراتيجية جديدة إلعادة بناء المجال الترابي‬

‫‪............‬‬
‫‪...........................‬‬
‫‪13‬‬ ‫الفقرة الثالثة ‪ :‬التعاون والشراكة والتضامن بين الجهات (مبدأ التعاضد الدستوري)‬

‫‪............‬‬
‫‪13 ................................‬‬ ‫المبحث الثاني ‪ :‬تكريس المبادئ الدستورية في القوانين التنظيمية الترابية‬

‫‪.......................‬‬
‫‪...........‬‬
‫‪13‬‬ ‫‪................................‬‬ ‫المطلب األول ‪ :‬القوانين التنظيمية الترابية ومبدأ التدبير الحر‬

‫‪............‬‬
‫‪............................‬‬
‫‪13‬‬ ‫‪................................‬‬ ‫الفقرة األولى ‪ :‬مظاهر التدبير الحر بالجماعات الترابية‬

‫‪............‬‬
‫‪................................‬‬
‫‪82‬‬ ‫الفقرة الثانية ‪ :‬تداعيات رقابة ممثلي السلطة المركزية على مبدأ التدبير الحر‬

‫‪............‬‬
‫‪...........................‬‬
‫‪32‬‬ ‫الفقرة الثالثة ‪ :‬أثر التداخل القانوني لالختصاصات الترابية على المبادئ الدستورية‬

‫‪................‬‬
‫‪36‬‬
‫‪.... ................................‬‬ ‫المطلب الثاني ‪ :‬تقوية الديمقراطية التمثيلية وضمان مبدأ التشاركية‬

‫‪............‬‬
‫‪................................‬‬
‫‪36‬‬ ‫الفقرة األولى ‪ :‬االقتراع العام المباشر كآلية لتكريس الشرعية الديمقراطية‬

‫‪.............‬‬
‫‪32. ................................‬‬ ‫الفقرة ثانية ‪ :‬الديمقراطية التشاركية كآلية للحد من مركزية السلطة‬

‫‪.......................‬‬
‫‪...........‬‬
‫‪68‬‬ ‫‪................................‬‬ ‫الفقرة الثالثة ‪ :‬اآلليات التشاركية وإشكالية الرقابة اإلدارية‬

‫‪............‬‬
‫‪.........................‬‬
‫‪62‬‬ ‫‪................................................................................................‬‬ ‫الفهرس‬

‫‪68‬‬

You might also like