Professional Documents
Culture Documents
قراءة في القوانين التنظيمية الترابية-1
قراءة في القوانين التنظيمية الترابية-1
قراءة
في
القوانين التنظيمية للجماعات الترابية
تحت إشراف:
الدكتور :نجيب حجيوي
من إعداد الطلبة:
1
مقدمة
أضحى البعد الترابي للمملكة المغربية ،في سياق الصيرورة التاريخية لإلصالحات الدستورية والقانونية ،بمثابة
امتحان للفاعلين المعنيين بتدبير أنماط التنظيم اإلداري وتكريسا للفعل الديمقراطي المحلي ،سيما بعد تنصيص
دستور 1122على ال مركزية تنظيمها الترابي وانتخاب مجالس مستوياتها الثالثة باالقتراع العام المباشر ،من أجل
تسيير شؤون مجالها الجغرافي بكيفية ديمقراطية وابراز فاعليتها في إعداد السياسات الترابية ،إلى جانب مساهمتها
وإن كانت المجالس الجهوية واإلقليمية والجماعية ،تعد أشخاصا اعتبارية خاضعة للقانون العام ،فإن تنظيمها
سيرتكز على مبادئ التدبير الحر والتعاون والتضامن ،بما يتوافق والسير في اتجاه تأمين مشاركة السكان المعنيين
بتدبير شؤونهم محليا والرفع من مساهمتهم في التنمية البشريةالمندمجة والمستدامة ،وذلك أثناء إعداد برامجها
وتتبعها عن طريق آليات تشاركية للحوار والتشاور ،تتكلف المجالس الترابية بوضعها ضمن محاور مداوالتها
ومقرراتها التي تنفذ من طرف رؤسائها مساعدة الوالة والعمال ،علىأساس عدم أحقية أية جماعة ترابية ممارسة
الوصاية على جماعة أخرى ،بما في ذلك الجهة التي تتبوأ مكانة الصدارة في إعداد وتتبع البرامج التنموية
ومن منطلق توفر كل جماعة ترابية على سلطة تنظيمية لممارسة صالحياتها في حدود دائرتها الترابية ووفقا
لمجاالت اختصاصاتها الذاتية والمشتركة مع الدولة والمنقولة اليها من المركز ،استنادا على مبدأ التفريع ،فإن
المشرع الدستوري ذهب في اتجاه اعتماد التناسق والتوزان في الصالحيات واإلمكانات 1وتفادي تداخل
االختصاصات أو تضاربها ،والعمل على ضمان توزيعها بما يتماشى واستحضار مستلزمات العقلنة واالنسجام
والتكامل ،2في أفق مؤشرات الترسيخ القانوني الستقاللية التنظيم الالمركزي إداريا وماليا وتعزيز دور الهيئات
1
سيدي موالي احمد عيالل ،النموذج الجهوي بالمغرب بين السياسة والقانون ،مجلة مسالك في الفكر والسياسة واالقتصاد ،العدد ،13/13السنة ،33مطبعة
النجاح الجديدة ،الدار البيضاء ،3132 ،ص 96
2
محمد الماحي ،المعيقات التي تحد من مفعولية التمويل بالمشاركة لدى المصارف اإلسالمية ،مجلة المنارة للدراسات القانونية واإلدارية ،العدد التاسع ،دار السالم
للطباعة والنشر ،الرباط ،مارس ،3132ص 341
2
إن هذا التأسيس الدستوري ألهمية البعد الترابي في التنظيم اإلداري ومكانة الجماعات الترابية في ترسيخ
الديمقراطية المحلية ومستوى فاعلية المعنيين بتدبيرها ،يدفع الباحث إلى دراسة إشكاليات التنظيم القانوني للتدبير
ومن خالل القراءة المتفحصة لألحكام العامة ،المدرجة في األقسام التمهيدية للقوانين التنظيمية الخاصة
بالجماعات الترابية ،تطبيقا لمقتضيات الفصل 241من الدستور ،يالحظ أن التأطير المؤسساتي والتنظيمي للتدبير
الترابي المحلي سيصطدم بمحددات التداخل والتطابق والتوازي ،سيما في ظل تمتع الجهات والعماالت واألقاليم
والجماعات بالشخصية االعتبارية واالستقالل المالي واإلداري على حد السواء ،إلى جانب خضوعها للقانون العام،
باعتبار كل منها تشكل مستوى مستقل عن اآلخر في التنظيم الترابي للمملكة .األمر الذي ينافيه تبوأ الجهة مركز
الصدارة بالنسبة للجماعات الترابية األخرى في إعداد برامج التنمية والتصاميم الجهوية إلعداد التراب وتنفيذها
وتتبعها ،بالرغم من التنصيص على األخذ بعين االعتبار االختصاصات الذاتية لباقي الوحدات الترابية ،وكذلك هو
الشأن بالنسبة لمجلس العمالة أو اإلقليم الذي يعهد له ،تطبيقا لمقتضيات البند التاسع من الفصل 241من الدستور
المتعلق بإحداث آليات لتكييف التنظيم الترابي ،في إطار تعزيز التعاون بين الجماعات ،بصالحية ممارسة بعض
االختصاصات بالوكالة عن كل أو بعض الجماعات الموجودة بترابها ،إذا تبينت نجاعة ذلك ،وفقا إلطار تعاقدي
يشترط موافقة المجالس الجماعية المعنية ،والتي يرتكز تنظيمها على مبادئ التدبير الحر والتضامن والتعاون من
أجل بلوغ أهدافها ،المتمثلة على وجه الخصوص ،في إنجاز المشاريع المشتركة ،مثلها في ذلك مثل باقي الوحدات
الترابية ،التي لها أيضا ،طبقا للفقرة الثانية من الفصل 241من الدستور ،وبشكل منفرد ،حق ممارسة
االختصاصات الذاتية والمشتركة مع الدولة والمنقولة إليها من طرفها ،بالتوازي مع تحويل الموارد الالزمة لممارسة
هذه االختصاصات.
وبالنظر إلى مقتضيات القسم الثاني من كل قانون تنظيمي بعينه ،يستجلي الباحث ،مزيدا من االرتباك المنهجي
في الصياغة القانونية ،بحيث تفرز فقرات الباب األول عدم الدقة في ضبط الحدود التقنية للغاية من تنويع وتعدد
مصادر االختصاصات الترابية ،وذلك نتيجة لشمولية المفاهيم التي صيفت بها المهام المنوطة بالجهات والعماالت
واألقاليم والجماعات داخل دوائرها الترابية ،مما يفسح المجال للمعنيين بالتدبير الترابي تفسير تلك المهام وفقا
3
النتمائهم السياسي أو تماشيا مع تكوينهم القانوني او ارتباطا بأهمية محيطهم المجالي اقتصاديا ،أو ما إلى ذلك من
المؤشرات التي تنعكس سلبا على االلتزام الصريح والواضح للمقتضيات الدستورية.
-نهوض الجهة ،داخل دائرتها الترابية ،بالتنمية المندمجة والمستدامة وتنظيمها وتنسيقها وتتبعها ،سيما فيما يتعلق
منها بتحسين جاذبية المجال الترابي للجهة وتقوية تنافسيتها االقتصادية ،وتحقيق االستعمال األمثل للموارد الطبيعية
وتثمينها والحفاظ عليها ،واعتماد التدابير واإلجراءات المشجعة للمقاولة ومحيطها ،والعمل على تيسير توطين
األنشطة المنتجة للثروة والشغل ،واإلسهام في تحقيق التنمية المستدامة ،والعمل على تحسين القدرات التدبيرية
للموارد البشرية وتكوينها ،على أساس أن ال تتجاوز الجهة مهامها المدرجة ضمن هذه المجاالت ،والسياسات
-نهوض العمالة أواإلقليم ،داخل دائرتهما الترابية ،بالتنمية االجتماعية ،خاصة في الوسط القروي ،وكذا في
المجاالت الحضرية ،كما تتمثل مهامها ،إلى جانب ذلك ،في تعزيز النجاعة والتعاضد والتعاون بين الجماعات
المتواجدة بترابها ،إذ تعمل على توفير التجهيزات والخدمات األساسية وبخاصة في الوسط القروي ،تفعيل مبدأ
التعاضد بين الجماعات عن طريق القيام باألعمال وتوفير الخدمات وإنجاز المشاريع أو األنشطة التي تتعلق أساسا
بالتنمية االجتماعية في الوسط القروي ،محاربة اإلقصاء والهشاشة في مختلف القطاعات االجتماعية ،شرط أن ال
-تقديم الجماعة ،داخل دائرتها الترابية خدمات للمواطنات والمواطنين ،في إطار االختصاصات المسندة إليها،
إن مهام النهوض بالتنمية المندمجة والمستدامة والتنمية االجتماعية وتقديم خدمات القرب ،التي أنيطت بكل جماعة
ترابية على حدى ،ال تخرج عن نطاق تبعية األدنى لألعلى في سياق التعارض مع منطق التساوي في االستقالل
المالي واإلداري ،وال تحفز على اتخاذ زمام المبادرة ارتكازا على مبدئي التدبير الحر والتفريع ،بل إنها ال تؤسس
لديمقراطية محلية ،سيما في ظل عمومية االختصاصات وتداخلها بين الجماعات الترابية وتنازعها بين ممثلي
4
وفيما يتعلق بالمالحظات المتصلة بعالقة القوانين التنظيمية الترابية مع تلك المتعلقة باالنتخابات؛ فلقد صادق
مجلس النواب بأغلبية 241نائبا وامتناع 91نائبا عن التصويت ،في جلسة عامة عقدها يوم األربعاء 29يونيو
1122على مشروع قانون تنظيمي رقم 54.22يقضي بتغيير وتتميم القانون التنظيمي رقم 21.22المتعلق
بانتخاب أعضاء مجالس الجماعات الترابية ،وذلك في أفق تبسيط قواعد النظام االنتخابي للجهات واقتراح اعتماد
دائرة انتخابية واحدة على مستوى كل عمالة وإقليم وعمالة المقاطعات ،مع تخصيص ثلث المقاعد على األقل للنساء
في كل دائرة انتخابية ،3عوض نظام الدائرتين المنصوص عليه في القانون التنظيمي رقم ،22-21إلى جانب
4
اعتماد ورقة تصويت فريدة واحدة تستعمل في الوقت نفسه لالقتراعين الجماعي والجهوي.
في حين تنص القوانين التنظيمية للوحدات الترابية على تدبير شؤونها من طرف مجالس ينتخب أعضائها وفقا
ألحكام القانون التنظيمي رقم 22-21المتعلق بانتخاب أعضاء مجالس الجماعات الترابية الصادر بتنفيذه الظهير
الشريف رقم 2.22.295بتاريخ 14من ذي الحجة 12( 2415نوفمبر ،)1122وهو ما يؤدي إلى التشظي أو
التعارض القانوني ،وبخاصة إذا لم ينتبه المجلس الدستوري لهذه اإلشكاالت التي يترتب عن عدم موائمة مقتضياتها
مع بعضها البعض ،عدم دستورية االنتخابات المحلية بأصنافها الثالثة ،األمر الذي ينجم عنه عدم تمكن المجالس
فكيف عالجت القوانين التنظيمية الترابية االختالالت المرتبطة بالمبادئ الدستورية المؤطرة لها ،والمتعلقة
-ما الجديد الذي جاءت به مبادئ الحكامة الجيدة في القوانين التنظيمية الترابية ؟
-أين تكمن معالم االرتباك المنهجي في التفعيل الدستوري للقوانين التنظيمية الترابية ؟
3
مجلس النواب يصادق باألغلبية على مشروع قانون تنظيمي يتعلق بانتخاب أعضاء مجالس الجماعات الترابية 31 ،يونيو ،3132الموقع االلكتروني الرسمي
لمجلس النواب ،المملكة المغربية ،تم االطالع عليه بتاريخ 33يونيو www.chambredesrepresentants.ma 3132
4
تقرير لجنة الداخلية والجماعات الترابية والسكنى وسياسة المدينة حول مشروع قانون تنظيمي رقم 14-32يقضي بتغيير تتميم القانون التنظيمي رقم 26-33
المتعلق بانتخاب أعضاء مجالس الجماعات الترابية ،دورة أبريل ،3132مجلس النواب ،المملكة المغربية ،ص 8
5
المبحث األول :القوانين التنظيمية الترابية وإعادة بناء وتأهيل المجال الترابي
المطلب األول :محددات وسياق القانون التنظيمي للجماعات
الفقرة األولى :السياق المرجعي لصدور القانون التنظيمي للجماعات
لقد باتت الالمركزية الترابية األسلوب األمثل واألنجع واألكثر مالءمة لروح العصر ولمتطلبات التنمية المحلية
وتكريس الديمقراطية؛ فالوحدات الترابية -خاصة الجماعات -غدت أهم اآلليات الناجعة لتدبير المجال المحلي
وتحقيق التنمية ،على مستوى أبعادها وجوانبها السياسية واالجتماعية واالقتصادية واإلدارية والثقافية ...كما أنها
اإلطار المالئم للمساهمة في بلورة استراتيجيات جديدة وبديلة للتنمية حيث أن إشراك سكان الوحدة المحلية في تدبير
شؤونهم العامة ،من شأنه تفج ير الطاقات الكامنة لديهم وتعزيز ثقتهم ،في اتجاه العمل المنتج والبناء في سبيل تنمية
وحدتهم والرقي بها .فالسكان المحليون يعتبرون هم األقدر من غيرهم على ذلك ،بحكم معرفتهم بواقعهم وإمكانياتهم
ومشاكلهم؛ فاألشخاص الذين يتولون إدارة الشؤون المحلية هم في الغالب من أبناء الوحدة المحلية ولهم صالت
وروابط وثيقة مع سكانها ،ومن ثم -إذا توفرت اإلرادة -فإنهم األصلح للنهوض بالحكامة الترابية.
إن الجماعات الصغرى أو ما كان يسمى سابقا بالجماعات الحضرية والقروية أصبحت في اآلونة األخيرة -
وبال منازع -إحدى المحددات الرئيسية للتدخالت العمومية في مختلف مظاهر تدبير الشؤون العامة الترابية
بالمغرب .ولعل تلك األهمية لم تأت بمحض الصدفة وال من فراغ ،بل كانت نتيجة طبيعية لتطورات وطنية ودولية
أملتها ظروف ومعطيات معينة حتمت هذا التغيير ،وفرضت هذا الدور الطالئعي للجماعات ولإلدارة المحلية
عموما ،5فتنمويا ،كانت الدولة الممركزة قد فشلت في تحقيق أهدافها ،وسياسيا ،لم تعد الدولة بمفهومها المركزي
قادرة على إرساء قواعد الديمقراطية التي تقتضي القرب من المواطن وإشراكه في تسيير شؤونه بنفسه.6
إن السياق المرجعي المتعلق بصدور القانون التنظيمي للجماعات إذا كان عامال أساسيا في فهم واستيعاب
مختلف المقتضيات والقواعد التي جاء بها في مواده واألهداف التي يرمي إلى تحقيقها ،فإن الحصر الدقيق لمختلف
العوامل والمحددات المرجعية ،مسألة جد صعبة ومعقدة ،وذلك نظرا لتفاعل وتداخل عدة عوامل ومعطيات ،بحيث
ال يمكن الفصل بين مختلف المجاالت والعوامل التي تدخل فيها ،حتى ال يبخس لكل عنصر من تلك العناصر
5
سعيد الميري ،التدبير االقتصادي للجماعات المحلية ،أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام ،كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية ،جامعة محمد
الخامس السويسي الرباط ،3111-3119 ،ص 3
6
العرابي الغمري ،تحديث اإلدارة الترابية للدولة في المغرب ،أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام ،كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية ،جامعة
محمد األول وجدة ،3114-3111 ،ص 23
6
والمكونات دورها .هذا من جهة ،ومن جهة أخرى ،حتى يفهم هذا السياق واألساس المرجعي فهما دقيقا وشامال.
ولما كان هذا السياق المرجعي ،ونظرا لخصوصيات النموذج المغربي لإلدارة المحلية ،قد يصبح غامضا
وفضفاضا ،وتارة أخرى واضحا وظاهرا ،فإن تحديده بدقة أمر ليس هينا ،كما قد يبدو ،ذلك للبعض خطأ ،فأي دور
محدد ألي عامل من العوامل في بلورة النص القانوني ،كما خرج في صيغته الحالية شكال ومضمونا ؟ األمر يتعلق
هنا بثالث محددات وعوامل متحكمة أساسية -إلى جانب عوامل أخرى ثانوية -وهي الخطاب والقانون والممارسة.
لقد أخذ نظام الالمركزية اإلدارية الترابية حيزا هاما من اهتمام المؤسسات السياسية الرسمية وغير الرسمية،
خاصة بالنسبة للمؤسسة الملكية - 7خاصة في اآلونة األخيرة ، -حيث ال يكاد أي خطاب ملكي أو برنامج حكومي
أو حتى تصريح سياسي لألحزاب حول التنمية ،يخلو من الحديث على ضرورة " ....ترسيخ الالمركزية في اتجاه
إفراز مجالس محلية وإقليمية وجهوية تجمع بين ديمقراطية التكوين وعقالنية التقطيع ونجاعة وشفافية وسالمة
التدبير ،والتوفر على أوسع درجات الحكم الذاتي اإلداري والمالي ،من شأنه جعلها تنهض بعملية التنمية االقتصادية
واالجتماعية." ....
والمؤسسة الملكية ،بحكم مكانتها ومركزها في النظام السياسي المغربي ،فهي ما فتئت تدعو إلى تغيير قوانين
اإلدارة المحلية باستمرار ،من أجل تصور مجالي توافقي لمواجهة الرهانات والتحديات ،حيث قال الملك في إحدى
خطاباته " وكل ذلك في إطار استحضار واع لما دعونا إليه ،من تغيير في قوانين الالمركزية والالتمركز ووفق
مفهوم جديد ،يجعل من السياسة التعاقدية أداة أساسية لبلورة تصور مجالي توافقي " .كما يؤكد على ضرورة
اإلسراع بترسيخ الالمركزية والالتمركز ،في اتجاه إفراز مجالس محلية وإقليمية وجهوية ،تجمع بين ديمقراطية
وإذا كان الملك محمد السادس ،من خالل هذه األفكار الواردة في خطاباته األولى ،بعد تولي قيادة البالد في 52
يوليوز ،2111يبدو مقتنعا ومتشبثا أن التنمية المستدامة والشاملة هدف أسمى في البالد ،ال يمكن تحقيقه إال من
7
عبد الرحمان جمجامة ،اإلدارة بالالمركزية مع الالتمركز وسياسة القرب في الخطاب والنشاط الملكي من محمد الخامس إلى محمد السادس ،دار السالم للطباعة
والنشر والتوزيع ،الرباط ،الطبعة األولى ،3114 ،ص 31وما بعدها
7
خالل النهوض بمستوى الحكامة الترابية ،فإن هذا االقتناع سيزداد بالتدريج والتراكم مع كل مرحلة االقتناع سيرداد
و من المراحل ،إلى أن يتم اإلعالن عن الجهوية المتقدمة ،كورش جديد بنفس مستجد ومفتوح للحكامة الترابية.
ولقد شكل الخطاب الملکی بمناسبة الذكرى 55للمسيرة الخضراء ،في هذا اإلطار ،منعطفا تاريخيا ومهما في
المغرب ،ونقطة حاسمة النطالق العمل في إطار مشروع الجهوية الموسعة .حيث أكد الملك محمد السادس عزمه
على توطيد الجهوية المتقدمة بمنظور جديد للتنمية الجهوية المتوازنة ،ال يختزلها في مجرد أهداف وأبعاد إدارية
ومؤسساتية وثقافية فقط ،بل يعتبرها إصالحا هيكليا عميقا ،يقتضى جهدا جماعيا لبلورته وإنضاجه وفضاء خصبا
ويقول الملك في هذا السياق" :لذلك قررنا ،بعون هللا ،فتح صفحة جديدة في نهج اإلصالحات المتواصلة الشاملة
التي نقودها ،بإطالق مسار جهوية متقدمة ومتدرجة ،تشمل كل مناطق المملكة ،وفي مقدمتها جهة الصحراء
المغربية ،مؤكدين عزمنا الراسخ على تمكين كافة ساكنتها وأبنائها من التدبير الديمقراطي الشؤونهم المحلية ضمن
وتندرج الجهوية المتقدمة في إطار السياسة العامة للمغرب ،التي وضع أسسها ومرتكزاتها الملك محمد السادس
منذ توليه العرش ،وتدخل ضمن المفهوم الجديد للسلطة ،كآلية لتفعيل الديمقراطية المحلية على المستوى الوطني
وذلك من خالل ترك الحرية في االختيارات االقتصادية واالجتماعية والتنموية للسكان المحليين حسب كل جهة،
يديرونها ويدبرونها حسب ما يرونه مناسبا لقدراتهم ومواردهم الذاتية ،وفي إطار من التضامن والتكامل والتناغم مع
إن الخطب الملكية في المغرب ،ونظرا ألهميتها القصوى المستمدة من المكانة التي يحظى بها الملك داخل
النظام السياسي المغربي ،تشكل نوعا من التواصل الذي ال يحتمل أية وساطة بين الملك والشعب .9وإذا كانت
الجهوية الموسعة أو المتقدمة قد أصبحت إحدى االهتمامات الكبرى في الخطب الملكية وطموحا شخصيا للملك
محمد السادس ،فإن ذلك من منطلق االقتناع بأهمية االستراتيجية الجهوية في التنمية .10كما أن ذلك فرض على
8
الشرقي نصرو وشحشي عبد الرحمان ،الجهوية الموسعة في الخطب الملكية بين التحليل السميائي والتحليل السياسي ،مقال منشور بسلسلة الالمركزية المحلية،
العدد ،9الطبعة األولى ،3131 ،ص 43
9
عبد الكبير يحيا ،مرجع سابق ،ص 449
10
محمد اليعكوبي ،مفهوم الجهوية المتقدمة في الخطب الملكية ،م م إ م ت ،سلسلة مواضيع الساعة ،مطبعة دار النشر المغربية الرباط ،العدد ،3133 ،13ص
31
8
الحكومة وعلى باقي المؤسسات السياسية الرسمية وغير الرسمية هي األخرى االهتمام بهذا الورش اإلصالحي
الجديد.
وفي هذا اإلطار ،فقد جاء في الخطاب الملكي ليوم ،1121بمناسبة تنصيب اللجنة االستشارية للجهوية" ،نتولى
اليوم ،تنصيب اللجنة االستشارية للجهوية .وهي لحظة قوية ،نعتبرها انطالقة لورش هيكلي كبير ،نريده تحوال
نوعيا في أنماط الحكامة ،كما نتوخى أن يكون انبثاقا لدينامية جديدة ،لإلصالح المؤسسي العميق " .ولعله من هذا
المنظور ،كان من بين أهم التوصيات والمقترحات التي تقدمت بها اللجنة االستشارية للجهوية ،ما يتعلق بضرورة
التعديل الدستوري ومالءمة النصوص التشريعية والتنظيمية مع متطلبات الجهوية المتقدمة .ومن منطلق التوجيهات
الملكية وعلى أساس توصيات اللجنة االستشارية الجهوية المتقدمة ،تمت المراجعة الدستورية في فاتح
يوليوز ،1122ليتم في 1122صدور القوانين التنظيمية للجماعات الترابية بمستوياتها الثالث ،والتي من بينها طبعا
لقد عرف دور الجماعات في منظومة التدبير العمومي المغربي نموا قانونيا ملموسا ،وتطورا تدريجيا ،11فمع
كل نص قانوني جديد يصدر لتنظيم الجماعات ،يتطور دورها التنموي ويتعاظم .وإذا كانت هناك في كل مرحلة من
المراحل ،ومع كل نص قانوني لتنظيم تلك الجماعات ،مالحظات وعيوب وانتقادات موجهة إلى المقتضيات القانونية
التي تتضمنها ،مقارنة مع ما هو رائج على المستوى الخطابي ،فإنه على الرغم من ذلك ،نجد أن تلك النصوص
القانونية حاولت إرساء أدوار تنموية مهمة للجماعات الترابية ،السيما بالنسبة للجماعات الحضرية والقروية .وهو
األمر الذي كان من شأنه -لوتم إيجاد الظروف والشروط المناسبة -أن يجعل الجماعات الترابية مؤسسات حقيقية
إنه وبمجرد الحصول على االستقالل ،عمل المغرب على تشييد دولة جديدة ،تقوم على أساس بناء مؤسسات
عصرية تساهم في خدمة المواطن .ولتحقيق ذلك ،بادر إلى إصدار أول نص قانوني ينظم الجماعات الحضرية
والقروية ،ويتعلق األمر بظهير 15يونيو 2111الذي أعطى للجماعات الحضرية والقروية الشخصية المعنوية
11
Amal Mechrafi. Autonomie et développement local dans la nouvelle charte communale.Publications La Revue Marocaine
d’Administration Locale et de Développement.Série Thèmes Actuelles.n° 44/3111/P 31
9
واالستقالل المالي ،وقد شكل هذا القانون اللبنة األولى للتنظيم اإلداري الالمركزي بعد االستقالل ،حيث نص على
الجماعات الحضرية التي تتكون من البلديات والمراكز المستقلة ،والجماعات القروية .وقد قام بتحديد عام
وبعده ،صدر دستور 24دجنبر 2111الذي نص على أن "الجماعات المحلية بالمغرب هي العماالت واألقاليم
والجماعات ،ويكون إحداثها بقانون" .ولعل أهم ما كان يميز التنظيم الجماعي في تلك المرحلة هو طابعها التسييري
13
أبرزها اإلشكال القانوني، فقط .أما الطابع التنموي فقد كان ضعيفا ،إن لم نقل منعدما ،وذلك العتبارات متعددة
وهكذا ،وفي ظل تلك الظروف ،جاء ظهير 51شتنبر 2191ليتجاوز بعضا من االختالالت واإلشكاالت المسجلة
في السابق ،حيث عمل على توسيع المهام التنموية والصالحيات التي أنيطت بالمجلس الجماعي ،ومنحه
اختصاصات وصالحيات واسعة في مجال التنمية االقتصادية واالجتماعية .كما تم تخويل رئيس المجلس الجزء
وبعد سنوات من التطبيق ،تم توجيه عدة انتقادات لهذه التجربة ،ال سيما وأن األمر يتعلق بنص قانونی عمر
أزيد من ربع قرن من الزمن فكانت المشاكل متعددة واالختالالت كثيرة ،أبرزها غموض المقتضيات القانونية
وتشتتها ،إضافة إلى إشكاليات الحساب اإلداري ،الوصاية ،الشرطة اإلدارية ،المرافق العمومية .وأمام هذه
الوضعية ،ولتفادي االختالالت القانونية التي عرفها ظهير ،2191تم إصدار قانون جديد،عله يتجاوز ويصلح ما
أفسده السابق وهو قانون 90.11المتعلق بالميثاق الجماعي ،حيث جاء بعدة مستجدات على مستوى االختصاصات
والرقابة وعال قات الشراكة والتعاقد مع الدولة ومؤسساتها ومع القطاع الخاص ،ومستجدا في قواعد ومبادئ التسيير
إال أنه في المقابل ،رغم تلك المستجدات اإليجابية التي جاء بها القانون ،بالمقارنة مع ما سبق ،ورغم التطور
الذي عرفته الجماعات الحضرية والقروية في خضمه ،فإن تنامی وتزايد حاجيات الساكنة المحلية ومتطلباتها من
12
المهدي بنمير ،الالمركزية والشأن العام المحلي ،أية آفاق في ظل المفهوم الجديد للسلطة ،سلسلة الالمركزية والجماعات المحلية ،المطبعة والوراقة الوطنية
مراكش ،بدون دار النشر ،الطبعة األولى ،3111ص 44
13
Al Mouchtaray Mohammed. Le role des collectivités locales dans le développement économique et social au Maroc.
Publications La Revue Marocaine d’Administration Locale et de Développement.Série Thèmes Actuelles.n° 24/2000/P 57
14
ميشيل روسي ،المؤسسات اإلدارية المغربية ،الشركة المغربية للطباعة والنشر ،الرباط ،الطبعة األولى ،3668 ،ص 331
10
التنمية الشاملة والمستدامة ،فرض تعديل هذا النص القانوني ،بمقتضى القانون ،29.10والذي حاول أن يضفي
نوعا من الدينامية على الجماعات في العديد من جوانبها .لكن ذلك وكما هو األمر في السابق كان دون جدوى،
فكثيرة هي االختالالت التي ظلت تعتري الجماعات الحضرية والقروية ،وعديدة هي االنحرافات التي عرفها التنظيم
الجماعي منذ سنة ،1111تاريخ صدور ذلك القانون .كان البد إذن من صدور القانون التنظيمي للجماعات ،عسى
ال شك أن الدور التنموي الذي قامت به الجماعات الترابية على مستوى الممارسة وعلى أرض الواقع منذ
إحداثها ،ال يرقى بأي حال من األحوال إلى ما هو موجود على مستوى الخطاب السياسي ،بل لم يرق حتى إلى
مستوى النصوص والمقتضيات القانونية التي صدرت ،تنظيما وتأطيرا لتلك الجماعات الترابية ،حيث ظلت تلك
الفجوة العميقة والصارخة دائما قائمة بين ما هو كائن وما هو ممكن .15وإذا كانت متعددة هي العوامل واألسباب
التي ساهمت في ضعف ما حققته الجماعات الترابية ،في إطار دورها التنموي على مستوى الممارسة ،فإن اإلشكال
إن المشرع المغربي ،إذا كان قد منح اختصاصات واسعة للمجالس الجماعية ولرؤسائها ،جعلتهما يمارسان
صالحيات مهمة في تدبير الشؤون المحلية ،فإنه بالمقابل جعل أهم تلك االختصاصات مشروطة ومقيدة بالخضوع
للوصاية اإلدارية المشددة ،وبنذرة الموارد المادية والبشرية ،باإلضافة إلى مشكل تداخل االختصاصات بين
الجماعات ومختلف وحدات الالمركزية الترابية ،أو بينها وبين الدولة .وكل ذلك ال شك هو نتيجة منطقية لقصور
النص القانوني ومحدوديته ،نتيجة الغموض والعمومية التي كانت تميز مختلف مقتضياته ومواده .ومن هنا ،كان
البد من إصدار نص قانوني جديد ،على أمل أن يتجاوز االختالالت واالنحرافات المسجلة على صعيد الممارسة
لالختصاصات الجماعية.
15
عماد أبركان ،خصوصيات المقاربة الترابية للمسألة التنموية بالمغرب ،مداخلة ضمن أشغال الندوة الدولية المقامة بشراكة بين كلية العلوم القانونية
واالقتصادية واالجتماعية ومركز األبحاث اإلنسانية واالجتماعية بوجدة تحت عنوان :المرافق العمومية المحلية والتنمية بالدول المغاربية ،يومي 36و 11أبريل
3132
11
الفقرة الثانية :المحددات البنيوية والشكلية في القانون التنظيمي للجماعات
لقد نص الفصل األول من الباب األول من الدستور المصادق عليه في فاتح يوليوز ،1122على أن "التنظيم
الترابي للمملكة تنظيم ال مركزي ،يقوم على الجهوية المتقدمة" .وقد جاء في الباب التاسع منه وتحت عنوان الجهات
والجماعات الترابية األخرى ،أن الجماعات الترابية للمملكة هي الجهات والعماالت واألقاليم والجماعات .وبعد
التعريف بالجماعات الترابية وبالتنظيم الترابي وبعض مبادئه ومقتضياته ،نص الدستور على أن تحدد بقانون
-شروط تدبير الجهات والجماعات الترابية األخرى لشؤونها بكيفية ديمقراطية ،وعدد أعضاء مجالسها ،والقواعد
المتعلقة بأهلية الترشيح ،وحاالت التنافي ،وحاالت منع الجمع بين االنتدابات ،وكذا النظام االنتخابي ،وأحكام تحسين
-شروط تنفيذ رؤساء مجالس الجهات ورؤساء مجالس الجماعات الترابية األخرى لمداوالت هذه المجالس
-شروط تقديم العرائض المنصوص عليها في الفصل ،251من قبل المواطنات والمواطنين والجمعيات؛
-االختصاصات الذاتية لفائدة الجهات والجماعات الترابية األخرى ،واالختصاصات المشتركة بينها وبين الدولة
-مصدر الموارد المالية للجهات وللجماعات الترابية األخرى ،المنصوص عليها في الفصل 242؛
-موارد وكيفيات تسيير كل من صندوق التأهيل االجتماعي وصندوق التضامن بين الجهات المنصوص عليها في
الفصل 241؛
-المقتضيات الهادفة إلى تشجيع تنمية التعاون بين الجماعات ،وكذا اآلليات الرامية إلى ضمان تكييف تطور التنظيم
12
-قواعد الحكامة المتعلقة بحسن تطبيق مبدأ التدبير الحر ،وكذا مراقبة تدبير الصناديق والبرامج وتقييم األعمال
وإجراءات المحاسبة.
وتنفيذا لهذا المقتضى الدستوري ،صدر القانون التنظيمي المتعلق بالجماعات ،الذي نحن قيد قراءته ودراسته
وتحليله ،إلى جانب القانون التنظيمي المتعلق بالجهات ،والقانون التنظيمي المتعلق بالعماالت واألقاليم .ولعل أول
مالحظة شكلية تفرض نفسها ودون الخوض في جوانبها الموضوعية لالعتبارات المنهجية ،هو أن الدستور يتحدث
عن قانون تنظيمي واحد يتعلق بجميع الجماعات الترابية ،في حين أصدر المشرع ثالث نصوص قانونية تنظيمية؛
فهل يتعلق األمر بخروج عن النص الدستوري ،وهذا ال يمكن أن يكون ،على اعتبار أن القوانين التنظيمية تحال قبل
إصدار األمر بتنفيذها إلى المحكمة الدستورية لتبث في مطابقتها للدستور ،أم يتعلق األمر بتوسع في فهم وتفسير
النص الدستوري على هذا النحو ،حيث تم إصدار ثالث قوانين تنظيمية متشابهة .وهذا أمر مرفوض ويعتبر في غير
صالح الجماعات والالمركزية الترابية عموما ،فلو تم تجميع المقتضيات المنظمة للجماعات الترابية في نص قانوني
واحد لكان األمر أحسن ،حيث من شأنه أن يحقق العديد من األمور اإليجابية ولعل أبرزها ضمان االندماج والتناسق
إن الجماعات کوحدات ترابية صغرى في المغرب ،إذا كانت منظمة منذ 2111بقوانين عادية ألزيد من نصف
قرن من الزمن ،فإن المشرع الدستوري رأى من خالل دستور 1122أن يجعلها منظمة بقانون تنظيمي .وليس
القانون التنظيمي كالقانون العادي ،بل الفرق شاسع بينهما ،على اعتبار أن القوانين التنظيمية تأتي في منزلة بين
منزلتي الدستور والقوانين العادية ،فهي أقل مرتبة من الدستور الذي تكمله ،بالنظر إلى اقتضاب بنوده ،وأعلى درجة
من القوانين العادية ،ولهذا فهي تخضع لمسطرة خاصة ويحدد الدستور مجاالتها .وبالنظر إلى النموذج المغربي،
نجد أن القوانين التنظيمية تشكل جزءا أساسيا من منظومته التشريعية ،وقد أسند المشرع الدستوري االختصاص في
سن هذا النوع من القوانين إلى البرلمان ،في إطار صالحياته التشريعية .والقوانين التنظيمية تتميز عن باقي
القوانين ،من حيث المسطرة التي تتبع في سنها وإقرارها ،ذلك أنها تخضع إلجراءات خاصة ،من حيث مناقشتها
ولقد جاء القانون التنظيمي للجماعات -وعلى غرار كل من القانون المتعلق بالجهات والقانون المتعلق
بالعماالت واألقاليم -وفق هيكلة شكلية ونسقية تماثل منطق عموم النصوص القانونية ،سواء التشريعية أو التنظيمية،
13
حيث اشتمل على تقسيمات كالسيكية تقليدية ،تتجلى في األقسام واألبواب والمواد؛ فمن خالل قراءة متأنية لهذا
القانون التنظيمي ،سنكتشف للوهلة األولى أن هذا القانون هو تقريبا نسخة طبق األصل للقانون التنظيمي للجهات،
وكذا القانون التنظيمي للعماالت ،والفارق بينهما هو التسمية فقط .ويتكون هذا القانون من 105مادة موزعة على
عدة أقسام وأبواب وفصول ،منها مواد مأخوذة من الميثاق الجماعي السابق ،ومنها ما هو مستمد من قانون التنظيم
المالي للجماعات المحلية ،وأخرى من قانون الجبايات المحلية وقانون أمالك الجماعات المحلية ...وعموما ،يتضمن
هذا القانون مزيجا من القواعد والمقتضيات واإلجراءات والمساطر القانونية ،والتي تستهدف تنظيم الجماعات ،وفق
مبادئ الديمقراطية المحلية وقواعد الحكامة الجيدة في تدبير الشأن العام المحلي الواردة في الوثيقة الدستورية.
وبالمقارنة مع الميثاق الجماعي السابق ،فإن من بين أهم المستجدات والمقتضيات واالختالفات التي أتى بها
الباب األول
فصل فريد :أحكام عامة
الباب الثاني :أجهزة الجماعة
الفصل األول :المجلس الجماعي
الفصل الثاني :المكتب
الفصل الثالث :األجهزة المساعدة
الباب الثالث :النظام األساسي للمنتخب
الباب الرابع :االختصاصات
الفصل األول :اختصاصات المجلس الجماعي
الفقرة 2االختصاصات الذاتية
الفقرة :1االختصاصات القابلة للنقل
الفقرة :5االختصاصات االستشارية
الفصل الثاني :اختصاصات رئيس المجلس الجماعي
الباب الخامس :تسيير المجلس الجماعي
فصل فريد :نظام اجتماعات المجلس ومداوالته
الباب السادس :الوصاية على األعمال
الفصل األول :الوصاية على أعمال المجلس الجماعي
14
الفصل الثاني :الوصاية على قرارات رئيس المجلس الجماعي
الباب السابع :التعاون والشراكة ومجموعات الجماعات المحلية
الفصل األول :التعاون والشراكة
الفصل الثاني :مجموعة الجماعات
الفصل الثالث :مجموعة التجمعات الحضرية
الفرع األول :اإلحداث والمهام
الفرع الثاني :التنظيم والتسيير
الفرع الثالث :التنظيم المالي والمستخدمون والممتلكات
الفرع الرابع :النظام القانوني المطبق والوصاية
الباب الثامن :المقتضيات الخاصة بالجماعات الحضرية الخاضعة لنظام المقاطعات
الفصل األول :مقتضيات عامة
الفصل الثاني :نظام مستشاري المقاطعات
الفصل الثالث :تنظيم وتسيير مجلس المقاطعة
الفصل الرابع :اختصاصات مجلس المقاطعة ورئيسه
الفصل الخامس :النظام المالي لمجالس المقاطعات
الفصل السادس :نظام الموظفين المعينين بالمقاطعة
الفصل السابع :نظام األمالك الموضوعة رهن إشارة المقاطعة
الفصل الثامن :ندوة رؤساء مجالس المقاطعات
الباب التاسع :األنظمة الخاصة
الفصل األول :النظام الخاص بالجماعة الحضرية للرباط
الفصل الثاني :النظام الخاص بجماعات المشور
الباب العاشر :مقتضيات مختلفة
الفصل األول :مقتضيات خاصة بالمرافق العمومية الجماعية
الفصل الثاني :مقتضيات خاصة بشركات التنمية المحلية
الباب الحادي عشر :مقتضيات ختامية
15
القسم الثاني :اختصاصات الجماعة
الباب األول :مبادئ عامة
الباب الثاني :االختصاصات الذاتية
الفصل األول :برنامج عمل الجماعة
الفصل الثاني :المرافق والتجهيزات العمومية الجماعية
الفصل الثالث :التعمير وإعداد التراب
الفصل الرابع :التعاون الدولي
الباب الثالث :االختصاصات المشتركة
الباب الرابع :االختصاصات المنقولة
القسم الثالث :صالحيات مجلس الجماعة ورئيسه
الباب األول :صالحيات مجلس الجماعة
الباب الثاني :صالحيات رئيس مجلس الجماعة
الباب الثالث :مقتضيات خاصة بمشاور القصر الملكي
الباب الرابع :المراقبة اإلدارية
الباب الخامس :اآلليات التشاركية للحوار والتشاور
الباب السادس :شروط تقديم العرائض من قبل المواطنات والمواطنين والجمعيات
الفرع األول :شروط تقديم العرائض من قبل المواطنات والمواطنين
الفرع الثاني :شروط تقديم العرائض من قبل الجمعيات
الفرع الثالث :كيفيات إيداع العرائض
القسم الرابع :إدارة الجماعة وأجهزة تنفيذ المشاريع وآليات التعاون والشراكة
الباب األول :إدارة الجماعة
الباب الثاني :شركات التنمية المحلية
الباب الثالث :مؤسسات التعاون بين الجماعات
الباب الرابع :مجموعات الجماعات الترابية
الباب الخامس :اتفاقيات التعاون والشراكة
القسم الخامس :النظام المالي للجماعة ومصدر مواردها المالية
الباب األول :ميزانية الجماعة
الفصل األول :مبادئ عامة
الفصل الثاني :موارد الجماعة
الفصل الثالث :تكاليف الجماعة
الباب الثاني :وضع الميزانية والتصويت عليها
الباب الثالث :التأشير على الميزانية
الباب الرابع :تنفيذ وتعديل الميزانية
الفصل األول :تنفيذ الميزانية
الفصل الثاني :تعديل الميزانية
16
الباب الخامس :حصر الميزانية
الباب السادس :النظام المالي لمؤسسة التعاون بين الجماعات
الباب السابع :النظام المالي لمجموعة الجماعات الترابية
الباب الثامن :األمالك العقارية للجماعة
الباب التاسع :مقتضيات متفرقة
القسم السادس :مقتضيات خاصة بالجماعات ذات نظام المقاطعات
الباب األول :مقتضيات عامة
الباب الثاني :نظام أعضاء مجلس المقاطعة
الباب الثالث :تنظيم وتسيير مجلس المقاطعة
الباب الرابع :صالحيات مجلس المقاطعة ورئيسه
الباب الخامس :النظام المالي لمجالس المقاطعات
الباب السادس :نظام الموظفين المعينين بالمقاطعة
الباب الثامن :ندوة رؤساء مجالس المقاطعات
القسم السابع :المنازعات
القسم الثامن :قواعد الحكامة المتعلقة بحسن تطبيق مبدأ التدبير الحر
أحكام انتقالية وختامية
إنه ومن خالل هذا الجدول ،تبرز أهم المستجدات الشكلية المتعلقة بهيكل النص القانوني الجديد ،حيث يظهر أن
التقسيمات والعناوين تبدو أكثر وضوحا وجالء مما كان عليه األمر في السابق .كما أن الترتيب والتسلسل التنظيمي
في هيكل النص يبدو أكثر تنسيقا وتناسقا بالمقارنة مع النص السابق .وإلى جانب احتواء النص الجديد على قواعد
التنظيم المالي ،والتي كانت في السابق مجموعة في قانون التنظيم المالي للجماعات المحلية ،هناك العديد من الصيغ
والبنيات والمفردات والمقتضيات الجديدة التي تكشف عن توسيع اإلطار القانوني ،ليشمل أفعاال وأعماال كثيرة في
التدبير العمو مي الترابي ،حيث كانت تعتبر في السابق ،إما أفعاال وأعماال تكرست على مستوى الممارسة ،ولم يكن
لها سند قانوني محدد ودقيق يؤطرها ،أو أفعاال أو تصرفات جديدة يسعى النص القانوني لخلقها وتكريسها على
المستوى المحلي في المستقبل ،وفي إطار الجهوية المتقدمة والبحث عن الحكامة الترابية.
ولنذكر على سبيل المثال ال الحصر ،ما يتعلق بالتنصيص على إحداث شركات التنمية المحلية ،وكذا عقد
اتفاقيات التعاون والشراكة ،حيث كانت الجماعات في السابق تنجز وتقوم بمثل هذه المعامالت التي كانت تندرج
ضمن الباب السابع المتعلق بالتعاون والشراكة ومجموعات الجماعات المحلية .أما من اآلن فصاعدا ،فإن هذه
التعامالت واآلليات التنموية قد تعرف تطورا وانتعاشا؛ فالنص القانوني الجديد أفرد لكل منها بابا خاصا ،حيث
17
خصص الباب الثاني من القسم الرابع لشركات التنمية المحلية والباب الخامس من نفس القسم التفاقيات التعاون
والشراكة .أما بخصوص األفعال والتصرفات الجديدة التي يسعى النص القانوني لخلقها وتكريسها على المستوى
المحلي في المستقبل ،وفي إطار الجهوية المتقدمة والبحث عن الحكامة الترابية ،فنجد منها على سبيل المثال ،الباب
السادس من القسم الثالث الذي يتحدث عن شروط تقديم العرائض من قبل المواطنات والمواطنين والجمعيات ،والقسم
الثامن الذي يتحدث عن قواعد الحكامة المتعلقة بحسن تطبيق مبدأ التدبير الحر.
ومن الجوانب والمستجدات الشكلية التي لها قيمة خاصة في هذا النص القانوني أيضا ،هي المفاهيم والمفردات
والمصطلحات المستخدمة وغير المستخدمة أو باألحرى المتخلى عنها ،فالقانون التنظيمي الجديد ألغي مفهوم
الوصاية وعوضه بمفهوم الرقابة اإلدارية ،وهو أمر إيجابي ،بالنظر إلى ما كان يثيره جانب من الفقه بخصوص هذا
المصطلح؛ فمفهوم الوصاية ونظرا لكونه يحمل معاني التبخيس والفوقية والعالقة العمودية ،فهو ال يمكن أن يعبر
بشكل جيد -والمغرب يسعى نحو الالمركزية المتطورة والجهوية المتقدمة -عن إشراف الدولة على الجماعات
الترابية ،وذلك نظرا لوجود اختالف بين المراد بالوصاية في القانون الخاص ،وبين الوصاية اإلدارية في القانون
العام؛ فاألولى تتعلق بحماية األفراد ناقصي األهلية ،أما اإلشراف اإلداري المعبر عنه بالوصاية ،فهو يتم على
الهيئات المحلية ،وتلك الهيئات تتمتع بأهلية كاملة بصفتها أشخاصا معنوية معتبرة .ومن هنا ،فإن "استحضار
مصطلح الوصاية من القانون المدني إلى القانون اإلداري كان خطأ كبيرا ،فالمجالين معا ليس لهما أي مشترك أو
تشابه بينهما".
وإلى جانب مفهوم الوصاية ،نجد أن المشرع قد ألغى مفهوم المصادقة وعوضه بمفهوم التأشير ،وهو مفهوم
يعتبر أقل شدة وأخف واقعا من مفهوم المصادقة ،على األقل من حيث المعنى والداللة والحمولة الشكلية ،وإن كان
ذلك خالف ما هو موجود من حيث اآلثار والنتائج؛ فللمصادقة والتأشير نفس النتيجة ،بحيث ال يمكن للقرار أن ينفذ
دونهما ،ذلك باختصار شديد عن المفاهيم التي تم إلغاؤها واالستغناء عنها ،أما بخصوص المنظومة المفاهيمية
الواردة بشكل مستجد في النص القانوني ،فهي منظومة حديثة غنية ومتنوعة ،بل يمكن القول أن هذا النص القانوني
الذي نحن بصدد قراءته جاء ،وعلى غرار دستور ،1122متضخما من حيث المفاهيم والمصطلحات ،والمرادفات
المستخدمة؛ فالحكامة والتدبير الحر ،والتضامن والتشاركية ،والتعاون والتفريع ،والديمقراطية والمحاسبة ،والحوار
18
والتواصل والمساواة ،وتكافؤ الفرص ،ومقاربة النوع والمناصفة والقرب والتخطيط والبرمجة ،واإلنجاز والتدبير،
وبصرف النظر عن مضمون تلك المصطلحات والمفاهيم ،فإن تواجدها وتكرارها من الناحية الشكلية يحمل
الكثير من المعاني والدالالت التي تكشف عن هاجس غياب أو ضعف تكريس هذه المنظومة القيمية والبنيوية التي
تحملها هذه المفاهيم في الممارسات الجماعية السائدة في السابق .ويعتبر غنى النص القانوني للجماعات بهذه
المفردات ذات النفس والبعد اإلصالحي الكبير حصيلة لمجموعة من التحوالت والتغيرات وقعت في األنساق
الممارساتية والتطبيقية ومن ثم المعرفية ،وفرضت نفسها على المشرع المغربي لبلورتها كمبادئ وقواعد في القانون
تارة ،وتطعيم النص القانوني بها كمصطلحات ومرادفات ولبنات في الجمل والصيغ الشكلية المكونة لعدة مواد
قانونية في النص تارة أخرى .ومن هنا ،يمكن القول أن هذه المفاهيم تعتبر نتاجا لسيرورة جدلية وحوارية مع
المفاهيم المعرفية السابقة ،مع محاوالت لتجاوز سلبياتها ونقائصها وثغراتها وعيوبها الشكلية قبل الموضوعية.
وفي ختام هذا المحور ،البد من اإلشارة ،إلى أن المشرع المغربي وهو يقوم بصياغة القانون التنظيمي
للجماعات ،قا م بالتدقيق الشكلي في بعض المفاهيم والمصطلحات المستخدمة للتعبير بدقة عن حاالت واقعية أو
قانونية معينة .ولنأخذ على سبيل المثال في هذا الصدد أنه وألول مرة يتم التمييز في النص القانوني بين مفهوم
الصالحيات ومفهوم االختصاصات على عكس ما كان عليه األمر في السابق ،وهي مسألة إيجابية؛ فالصالحيات
ليست هي االختصاصات ،فاألمر يتعلق بالكثير من السلطة التقديرية في األولى مقارنة مع الثانية التي تحمل معاني
أكثر تحديدا وضبطا ودقة .وإذا كان النص ينطوي على كل تلك اإليجابيات من الناحية الشكلية ،فذلك ال يعني أنه
سلم من بعض العبارات والمفاهيم السلبية ،العتبارها قابلة للتأويل أو كاشفة عن رغبة الدولة باالستمرار في الهيمنة
والتحكم في الوحدات المحلية المنتخبة .وهو ما نستشفه من خالل إيراد عبارة الرقابة على الشرعية القانونية عوض
المشروعية القانونية ،والفرق شاسع بين الشرعية والمشروعية ،من حيث إطار وهامش األجهزة اإلدارية في الرقابة
على الجماعات الترابية الذي تنطوي عليه كل منها .ثم يستشف ذلك من خالل تعويض عبارة وزارة الداخلية بعبارة
السلطة الحكومية المكلفة بالداخلية ،األمر الذي يعني أن هذه الوزارة مازالت مستمرة في الرقابة ،رغم المطالبات
المتك ررة برفع يدها عن الجماعات الترابية وتعويضها بجهة أخرى ،كإحداث وزارة خاصة للجماعات الترابية ،على
19
الفقرة الثالثة :القانون التنظيمي للجماعات ورهان الحكامة الجيدة
لقد أصبحت الحكامة الجيدة في السنوات األخيرة ،هدفا أساسيا للمغرب أو على األقل مفترضا ،لكل سياسية
عمومية تبذلها الدولة؛ فمنذ بداية األلفية الثالثة ،عرف المغرب تحوالت اقتصادية واجتماعية كبرى ،مما أفرز
حركية ونشاطا وحراكا على جميع األصعدة والمستويات في المجتمع .وقد كان من أبرزها ما عرفه المغرب في 11
فبراير ،1122في ظل ما سمي بالربيع العربي .وهو األمر الذي فرض على الدولة مزيدا من التوجه نحو تكريس
الحكامة الجيدة عموما والحكامة الترابية بالخصوص .ولقد توج هذا التوجه والحراك االجتماعي بتشريع دستوري
ومن أجل تنزيل الحكامة الجيدة على أرض الواقع ،يأتي القانون التنظيمي للجماعات ،كتشريع قانوني يهم
الجماعات الترابية التقليدية الصغرى .ويعكس رغبة ومحاولة المغرب لترسيخ نهج الحكامة الجيدة ،ونقلها من
المستوى المركزي إلى المستوى المحلي ،أو باألحرى الترابي ،والمالحظ اليوم أن هذا القانون التنظيمي للجماعات،
إلى جانب كل من القانون التنظيمي للعماالت واألقاليم والقانون التنظيمي للجهات ،يعرف جدال واهتماما واسعا من
طرف القوى الحية في المجتمع ،إذ بمجرد صدور القانون حتی توالت التعليقات والتحليالت ،والتساؤالت حول
المستجدات التي جاء بها للنهوض بالحكامة الترابية وبالحكامة الجيدة عموما.
وفي خضم هذا النقاش والسياق ،تطرح أو تناسل العديد من األسئلة المستكشفة والجوهرية العميقة حول آفاق
الحكامة الترابية والتنمية المحلية المستدامة والمنشودة .ونظرا لكثرتها وتنوع مجاالتها ،فإنه يجب حصرها وتجميعها
في سؤال جوهري واحد ،وهو كالتالي :ما هي منطلقات وممكنات وآفاق الحكامة الترابية في القانون التنظيمي
للجماعات؟
لقد جاء في القانون التنظيمي المتعلق بالجماعات الذي نحن بصدد قراءته ،أن تدبير الجماعة لشؤونها يرتكز
على مبدأ التدبير الحر الذي يخول بمقتضاه لكل جماعة ،في حدود اختصاصاتها ،سلطة التداول بكيفية ديمقراطية،
وسلطة تنفيذ مداوالتها ومقرراتها ،طبقا ألحكام هذا القانون التنظيمي والنصوص التشريعية والتنظيمية المتخذة
لتطبيقه .وأن التنظيم الجماعي يرتكز على مبدأي التضامن والتعاون بين الجماعات وبينها وبين الجماعات الترابية
األخرى ،من أجل بلوغ أهدافها ،وخاصة إنجاز مشاريع مشتركة وفق اآلليات المنصوص عليها في هذا القانون
التنظيمي.
20
إ ذا كان مبدأ التدبير الحر الذي جاء به القانون التنظيمي الجديد إلى جانب ميدئي التضامن والتعاون بين
الجماعات وبينها وبين الجماعات الترابية األخرى ،يعتبر من المبادئ المهمة واألساسية التي لطالما صدحت
األصوات مطالبة بها ،من أجل تدبير ترابي أكثر جودة وعقلنة وحكامة ،فإن تكريس هذا المبدأ على المستوى
الواقعي والممارساتي ليس بالمسألة السهلة وال باألمر الهين .فهو يقتضي تجاوز مجموعة من اإلكراهات
والصعوبات البنيوية العميقة التي ظلت تقف وتحول دون نجاح عملية التنمية المحلية .أو بعبارة أخرى فإن األمر
يتطلب توفير ظروف وشروط العمل المناسبة للجماعات ،وتعبئة مكثفة لكافة الموارد والوسائل الضرورية واعتماد
التدبير المقاوالتي وقواعده من أجل النهوض بها .كما يتطلب ضرورة توفرها على إدارة عصرية حديثة ،وحكامة
ولعل من أولى الشروط والمقومات األساسية التي ينبغي توفيرها هي تمكين الجماعات من موارد بشرية كفأة
ومؤهلة ،إن على مستوى المنتخبين أو على مستوى الموظفين باإلدارات الجماعية ،فتوفر الجماعات على إطار
قانوني يسمح بالتدبير الحر سيبقى غير كاف في غياب عنصر بشري كفء ،يبلور هذا المبدأ على أرض الواقع
ويخرجه إلى حيز الوجود .فمستوى الموارد البشرية يعتبر من بين المؤشرات المعتمدة في تقييم األمم وقياس
رخائها ،كما تشكل حجر الزاوية والركن األساسي للتنمية الشاملة والمستديمة؛ إذ كثيرة هي الشعوب التي تتوفر على
كافة مقومات نجاح مؤسساتها من ثروات طبيعية وموقع جغرافي وإرث تاريخي وحضاري ،غير أنها تصنف ضمن
إن الديمقراطية المحلية تشكل ترابطا للعالقة الحديثة التي تجمع الدولة الحديثة بالمجتمع المعاصر ،وهي تنبني
أساسا على أولوية السكان في تدبير شؤونهم المحلية ،أو ما يسمى حديثا بالتدبير الحر .ذلك أن مفهوم الديمقراطية ال
يمكن أن يتبلور إال من خالل االهتمام بالعنصر البشري وخاصة المنتخب -باعتباره محور تدبير الشؤون المحلية.
وهكذا ،فإن تصور الديمقراطية المحلية بكل تجلياتها ،يجب أن يرقى بالمنتخبين إلى موقع مركز متخذي القرار
التنموي ،والفاعل السياسي النشيط في نمو الجماعة ،وتدبير شؤونها ومواردها البشرية والمالية وخيراتها االقتصادية
واالجتماعية .هذا التصور ينسجم مع روح ومنظور الالمركزية الترابية الحقيقية كقاعدة للديمقراطية المحلية ،التي
تجعل من المنتخب المحلي مصدر سلطة وصاحب قرار وحامل اختصاص حقيقي ،يمكنه من االستجابة لرغبات
16
سعيد الميري ،التدبير االقتصادي للجماعات المحلية ،مرجع سابق ،ص 31
21
وطموحات وتطلعات السكان الذين قلدوه األمانة وحملوه مسؤولية تمثيلهم ،17بدءا من رئيس المجلس الجماعي
كسلطة تنفيذية ،ومرورا بالمستشارين الجماعيين ،سواء كانوا في موقع األغلبية أم األقلية ،حيث أصبح التدبير
المقاوالتي وسيلة ضرورية لقيادة العمل الجماعي وعنصرا أساسيا للتدبير العصري الحر.
وعلى هذا األساس ،بات البد بداية ،ومن أجل الوصول إلى تطبيق مفاهيم التدبير الحر ،کالجماعات المبادرة
والتنافسية والتسويق الترابي والتدبير باألهداف وبلورة الحكامة الجيدة ،البحث عن كفاءات من نوع خاص عادة ما
يفتقد إليها الكثير من المنتخبين المحليين .وهنا ،أصبح لزاما على األحزاب السياسية تزكية المرشحين ذوي الكفاءات
الجيدة واألخالق الحميدة والسلوك القويم ،بعيدا عن سماسرة األصوات وتجار االنتخابات الذين سئم منهم المواطن.
صحيح أن القانون التنظيمي الجديد للجماعات عرف نوعا من التراجع واالنتكاس ،عندما لم ينص على ضرورة
توفر شهادة معينة ال بالنسبة للرئيس وال مكتبه وال المستشارين غير أن ذلك ال يعفي األحزاب من مسؤوليتها في
إن االعتقاد بأن التنصيص على شرط التعليم أو عنصر الكفاءة من شأنه أن يمس بالمبادئ الديمقراطية ،اعتقاد
خاطئ؛ إذ إن المصلحة العامة والتمثيلية الديمقراطية ال تتعارض مع عنصر التعليم والكفاءة ،بل هي في حاجة إليها،
إن لم يكن شرطا لفعاليتها وصحتها ،ومن غير المقبول ،في ظل تعقيدات الشأن العام المحلي ،أن يتولى قيادته
ومسؤوليته أشخاص ال يتوفرون على الحد األدنى من التعليم والكفاءة18؛ فمقاربة بسيطة تؤكد هذا الطرح ،إذ إن
تنصيص المشرع على وضع الجماعة لبرنامجها التنموي ،وكذا إعداد مخططها االستراتيجي ووضع الميزانية
وتدبيرها واالختصاصات األخرى ،سواء الذاتية أو المحولة أو االستشارية ،ال يمكن لمنتخب دون تعليم أو ذو تعليم
بسيط أن ينجزها ،و خاصة في ظل الحديث عن الجودة والمردودية واإلدارة اإللكترونية والتواصل ،إلى غير ذلك
من المفاهيم العصرية التي ال يستطيع مواكبتها إال أهل العلم والدراية.
وقد تزيد هذه اإلشكاليات عند الرئيس ،خاصة في الجماعات الكبرى ،باعتباره المنفذ لمقررات المجلس المحلي،
واآلمر بالصرف ،إذ كيف يمكنه ممارسة هذه االختصاصات إذا كان أميا أو ذو تكوين بسيط .وهنا ،قد يفتح المجال
17
مصطفى الكثيري ،دور الجماعات المحلية في التنمية االقتصادية واالجتماعية محليا وجهويا ،الحوليات المغربية لالقتصاد ،عدد ،3661 ،1ص 1
18
شاكر الموساوي ،اإلدارة المحلية المغربية وتحديات الحكامة (قراءة نقدية) ،بحث لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون العام ،جامعة عبد المالك
السعدي ،طنجة ،3112-3114 ،ص 24
22
الحتمالين ،إما سوء تدبير الشأن العام المحلي ،واما نقل ممارسة تلك االختصاصات إلى السلطة الوصائية ،19وفي
كل الحاالت ،هناك مساس بالديمقراطية المحلية وتطاول على مصالح الجماعة والمواطنين على السواء؛ فمبدأ
التدبير الحر يستلزم على الرئيس والمنتخبين بصفة عامة أن يكونوا أكثر استراتيجية وأعمق تحليال لواقعهم المحلي،
مع مراعاة طبيعة جغرافيتهم ونسبة سكانها ومواردها البشرية وطاقاتها االقتصادية ،وتشخيص المشاكل والبحث عن
الحلول ،إما بشكل أحادي أو الدخول في المنظومة التشاركية مع الفاعلين والهيآت األخرى.
إن المنتخب الجماعي أصبح ملزما بالتوفر على مؤهالت إدارية وتقنية تمكنه من مواجهة متطلبات المواطنين
المتنامية التي تتعقد يوما بعد يوم .هذه المؤهالت التي ال يمكن أن يضمنها االنتخاب؛ فالناخب العادي ليس له إطالع
بخبايا المسؤوليات الملقاة على عاتق المنتخب وال بالمؤهالت الواجب توفرها فيه ،حتى يتمكن من مواجهة التحديات
التي يطرحها العمل الجماعي ،فغالبا ما يعطي صوته لمرشح تربطه به عالقات خاصة ،وقليال ما تتحكم االعتبارات
الموضوعية في هذا االختيار ،وهكذا ،فإن آفة األمية يشكو منها جانب كبير من المنتخبين ال تسمح لهم بأخذ
المبادرة وضمان تطبيق مقتضيات القانون التنظيمي للجماعات ،ووضع المشاريع اإلنمائية والوقوف على إنجازها
وفق ما يقتضيه مبدأ التدبير الحر .ومن هنا ،بات البد من رفع كفاءة المنتخب المحلي ،من خالل التكوين ،سواء من
هذا ،ويعتبر التكوين إحدى البرامج األساسية التي أصبحت تسترعي اهتمام المنظمات في عصرنا الحالي ،على
اعتبار أنه يؤدي إلى التصدي لكل المشاكل واالختالالت التي تعترض األداء اإلداري .لدى ،فتطور المنظمات
وتشعب مهامها ،جعلها تنصرف عن التكوين الذي يقتصر على اإلجراءات أو التقنيات المتعلقة بالممارسة الوظيفية،
ليمتد إلى تكوين يهم تقويم السلوك واالتجاهات ،حتى يستجيب الفرد العامل إلى األهداف األساسية للمنظمة .وحسنا
فعل المشرع المغربي عندما نص بصريح العبارة في القانون التنظيمي للجماعات على مسألة التكوين المستمر.
وإذا كانت مفاهيم التكوين ،متعددة رغم كونها تصب في مجرى واحد ،يهدف أساسا إلى تنمية المهارات
والقدرات والسلوكات لدى األفراد ،فإن الجماعات ،وبصرف النظر عن ذلك ،في حاجة إلى تكوين منتخبيها؛
فالتكوين هو صفة المنظمات الحديثة التي تحرص على مواكبة كل تغيير في المجاالت التكنولوجية واإلدارية؛ فبدون
قوة بشرية متطورة وقادرة على استيعاب التغيير لن تستطيع المنظمة تحقيق أهدافها .كما أن أهميته كذلك تكمن في
19
عبد هللا اإلدريسي ،إصالح التنظيم الجماعي :التنصيص والحصيلة ،مطبعة الجسور ،3111 ،وجدة ،ص 92
23
تحسين قدرات الفرد وتنمية مهاراته ،وبالتالي المساهمة في تحسين المستوى االقتصادي واالجتماعي للفرد ،وبالتالي
يزيد من درجة أمانه المؤهالتي والكفاءاتي .لذلك ،فهو ال يقتصر على شخص دون آخر أو مسؤولية دون أخرى؛
فالمنتخب الجديد يحتاج إليه لضمان إتقانه للمهام والوظائف الجديدة المكلف بها ،ويحتاجه المنتخب القديم لزيادة
مهاراته وإدارة عمله بشكل أفضل .باإلضافة إلى كونه يكمل دور الجامعات والمدارس؛ فإذا كان التعليم يوفر
األساس الذي يمكن أن ينطلق منه الفرد ،فإن التدريب (التكوين) يأتي ليستكمل ما بدأه التعليم.20
وعلى صعيد آخر ،ال يمكن الحديث عن التدبير البشري الجيد الذي يعتبر العمود الفقري لتحقيق مسألة التدبير
الحر وتكريس الجماعة المبادرة ،دون الحديث عن الموظف الجماعي؛ فاالعتمادية المتبادلة ،تقتضي أن تقوم اإلدارة
بوظيفتها ارتكازا على خطط وبرامج المجلس الجماعي ،وتحت مراقبة الرئيس التسلسلي للموظفين ،مع وجود إدارة
جماعية مهيكلة ومنظمة وموظفين أكفاء .21فال غرابة إذا قلنا أن نجاح الجماعة المحلية في تحقيق مهامها يتوقف
على مستوى العنصر البشري الم توفر لديها ،إذ بواسطته يتم نقل تصورات واستراتيجيات ومداوالت المجالس
المنتخبة إلى حيز الوجود وإلى التطبيق الفعلي ،ومن هنا تأتي أهمية الموظفين المحليين ،فكلما كانت هذه الفئة مؤهلة
وذات خبرة وحنكة واسعة كلما كانت النتائج أحسن .ومما يزيد من كفاءة الموظفين المحليين هو وضع استراتيجية
مبنية على أساس التكوين والتكوين المستمر ،وذلك الستيعاب مختلف التقنيات الجديدة في التدبير وكذا مختلف
هذا ،وإذا كان لإلطار القانوني أهميته في االعتراف بمبدأ التدبير الحر ،وكان للموارد البشرية أهمية بالغة في
تكريس هذا المبدأ أو إعدامه من األساس ،فإن الموارد المالية أو ما يسمى بالجانب المادي تعتبر هي المنطلق
والمرتكز؛ إذ كيف يعقل أن يسود التدبير الحر في الجماعات إذا كانت ال تتوفر على الموارد المالية الالزمة والكافية
لذلك ؟
وبعبارة أوضح ،تعتبر الوسائل المالية حجر الزاوية لتكريس مبدأ التدبير الحر؛ فمهما تعددت االختصاصات
التي تعطي لجماعة محلية معينة ،ومهما كانت صالحياتها التقريرية على مجاالت اختصاصاتها ،فإن عدم توفرها
على الوسائل المالية الالزمة للنهوض بهذه االختصاصات يفرغ االستقالل المالي المعترف به لها من كل محتوى،
20
نادر أبو شيخة ،إدارة الموارد البشرية ،دار صفاء ،عمان ،الطبعة األولى ،3111 ،ص 394
21
المصطفى دليل ،ا لمجالس الجماعية في المغرب على ضوء الميثاق الجماعي الجديد ،منشورات م م إ م ت ،سلسلة مواضيع الساعة ،العدد ،3111 ،41ص
16
24
ويجردها من أي دور مستقل في مجال التنمية .لذا ،فالعبرة ليست بما تخوله النصوص القانونية من اختصاصات
وصالحيات للمؤسسات ،بل إن مسألة التدبير الحر للجماعة الترابية مرهونة بمدى توفرها على الوسائل المادية ،من
لقد أصبح التدبير المالي الجيد أو الحكامة المالية لشؤون الجماعات ،في إطار السعي نحو التكريس الحقيقي لمبدأ
التدبير الحر الذي جاء به القانون التنظيمي الجديد ،يفرض على الدولة تعزيز الموارد المالية لتلك الجماعات،
ويفرض على المسؤولين نهج أسلوب عقالني ،يفضي إلى البحث الدائم في خلق موارد جديدة ،من شأنها أن تساهم
في تنمية مالية الجماعات الترابية عموما والجماعات الصغرى (الحضرية والقروية) باألساس .ولعل تجاوز
األسلوب الكالسيكي في التمويل وفي التمكين المادي ،والذي رافق التجارب المحلية السابقة ،والذي جعل التحصيل
واإلنفاق محكوما بهاجس االستهالك دون اإلنتاج ،يعتبر مسألة أساسية وضرورية في هذه المرحلة بالذات.
وفي مقابل مسؤولية الدولة ،فإن الجماعات ملزمة هي األخرى بعقلنة وترشيد الموارد المتوفرة والمتاحة لها،
ذلك أن جوهر إشكالية التسيير المالي بالنسبة للجماعات هو كيفية تدبير الموارد المتاحة ،بالنظر إلى حجم هذه
23
وبالنظر إلى األولويات التي يجب تحديدها ،انطالقا من دراسة واقعية ومعمقة للمعطيات االقتصادية الموارد
واالجتماعية والمالية .وبالتالي ،فحدوث أي خلل في التدبير سوف يحدث ضياع وهدر أموال وموارد هامة ،األمر
وهذا ما أثبته الواقع والممارسة العملية السابقة .ذلك أن عددا من المجالس المنتدبة تعيش سنويا على إيقاعات
الطعن في ميزانيتها السنوية ،نتيجة لسوء تدبيرها ،مما يشكل دليال قاطعا على تفشي بعض الممارسات المشبوهة،
من قبيل أن بعض المبالغ المتضمنة في الميزانيات المحلية تكون صورية ،ال تعكس مشاريع قد أنجزت بالفعل ،أو
طبيعة بعض النفقات التي ال تعود على الجماعات الترابية بأية مردودية ،مثل استهالك المحروقات المستعملة
ألغراض شخصية ،المكالمات الهاتفية واإلنارة والماء .24إضافة إلى عدة خروقات تتعلق بالصفقات العمومية.
وزيادة على هذا ،هناك االرتجال في صرف المال العام نتيجة غياب التخطيط ،إذ غالبا ما يخضع التدبير العتبارات
22
علي أمجد ،الجهة والممارسة الجهوية بالمغرب :جهة كلميم السمارة نموذجا ،أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام ،كلية الحقوق الدار البيضاء ،عين الشق،
،3112-3114ص 392
23
مفتاح عزيزي ،الالمركزية :من التسيير اإلداري إلى تدبير التنمية ،أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام ،كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية،
جامعة محمد الخامس الرباط ،3113-3111 ،ص 333
24
بهيجة هسكر ،الجماعة المقاولة بالمغرب (األسس ،المقومات والرهانات) ،سلسلة الالمركزية واإلدارة المحلية ،عدد ،3131 ،2الطبعة األولى ،ص 391
25
آنية دون االستناد إلى برامج تحدد فيها األولويات وترام في تنفيذها تطلعات الساكنة المحلية وحاجياتها
الضرورية.25
إن النصوص القانونية مهما كانت جودتها والموارد البشرية مهما كانت مؤهالتها وكفاءاتها والموارد المالية
مهما كان توفرها ،ال ولن تؤدي إلى تكريس حقيقي لمبدأ التدبير الحر إذا استمرت الرقابة اإلدارية تمارس بنفس
المنطق الوصائي المتشدد .صحيح أن القانون التنظيمي للجماعات جاء بإصالحات مهمة في ميدان الرقابة اإلدارية،
كالتخفيف من الرقابة البعدية وتقليص مشموالتها ،ثم إدخال القضاء اإلداري كمشرف على الرقابة الوصائية،
وصحيح أن الجماعات منحت لها اختصاصات وصالحيات أكثر تمفصال وتدقيقا مما كانت عليه في السابق ،وذلك
دعما وترسيخ ا لالستقاللية اإلدارية والمالية من الناحية المبدئية المفترضة ،لكن األصح هو أن الكلمة النهائية والقول
الفصل في الرقابة اإلدارية يعود للعمل والتطبيق وللممارسة الفعلية على أرض الواقع.
لقد أجمع كل من تعرف على النظام الرقابي والوصائي الممارس المعتمد أو باألحرى "المسلط" على
الجماعات ،أنه البد ومن الضروري تخفيف التدخالت الرقابية ذات الصبغة اإلدارية في شؤون تلك الجماعات؛
فالرقابة التي تمارسها الوزارة المكلفة بالمالية على الميزانية والشؤون المالية المحلية ،صارمة وشديدة ومبالغ فيها ،
وهي بذلك ال شك معرقلة ومعيقة الختصاصات وأنشطة الجماعات ولمسألة التدبير الحر ،المبني أساسا على مبدأ
المبادرة .األمر الذي يستدعي بل يستلزم تخفيفها وتقليصها ومالءمتها مع متطلبات التنمية المحلية المستدامة
أما الرقابة اإلدارية أو باألحرى الوصاية اإلدارية التي تمارسها وزارة الداخلية ،فهي أشد وطأة في هذا الصدد،
بل هي السيف المسلط بقوة على االستقاللية اإلدارية والمالية للجماعات الترابية بالمغرب .ومن هنا ،ال يقتضي
األمر بالنسبة لتلك الرقابة تخفيفا وتقليصا ومالءمة -كما هو األمر بالنسبة للرقابة التي تمارسها الوزارة المكلفة
بالمالية فقط -بل يستلزم الواقع المحلي تغيير وتجديد فلسفتها ومنطق ممارستها جذريا .كما أنه البد في هذا اإلطار
من إلغاء وحدف العديد من االختصاصات والممارسات الرقابية المعرقلة التي باتت غير مرغوب فيها" ،26السيما
25
محمد الحياني ،مظاهر التنمية المحلية وعوائقها :الجماعات الحضرية والقروية نموذجا ،مطبعة بنميمون ،الطبعة األولى ،وجدة ،3668 ،ص 333
26
Hassan Ouazzani Chahdi. La décentralisation provinciale et communale : bilan sommaire d’une politique. REMALD.
Numéro double 20-21/juillet-décembre/1997/p 51
26
وأن المغرب مقبل على الجهوية المتقدمة والالمركزية المتطورة التي لن تقوم لها قائمة إذا بقيت الرقابة اإلدارية
على حالها.
إن متطلبات الحكامة الترابية ومستلزمات التنمية المحلية أصبحت تفرض تجاوز مرحلة الوصاية اإلدارية،
بمفهومها الضيق التقليدي ،والمتجلي في الرقابة الوصائية من أجل الرقابة ،ومن أجل تكريس المقاربة الضبطية
وتحكم الدولة في تالبيب الديمقراطية الترابية ،حيث كانت وما تزال حجر عثرة تقف في طريق التنمية المحلية وتتم
ممارستها وفق منظور أمني احترازي ضيق ،وكأن الغرض منها هو عرقلة وتعطيل أعمال الهيآت المنتخبة ،وليس
األخذ بيد المنتخبين والذود عن المصلحة العامة .لكن في المقابل ،هذا الطرح ال يقوم على إنكار وإلغاء الوصاية وال
يعني بأي حال من األحوال المطالبة باستقالة الدولة من مهام مراقبة المجال الترابي ،بقدر ما يذهب في اتجاه
ضرورة تقليص وترشيد وعقلنة أو حوكمة اختصاصات سلطات الوصاية ،مع تخويل الهيآت المنتخبة مزيدا من
الحرية ومن القدرة على المبادرة؛ فالرقابة اإلدارية على الجماعات تظل خيارا ال محيد عنه .وفي نفس الوقت ،تعد
مالءمة الوصاية والرقابة مع متطلبات الحكامة المحلية ومستلزمات التنمية الشاملة المستدامة والمنشودة مطلبا ال
بديل عنه ،سواء تعلق األمر برقابة وزارة الداخلية أو إلى حدما بالرقابة التي تمارسها الوزارة المكلفة المالية.
27
المطلب الثاني :القانون التنظيمي للجهات وإعادة تأهيل التراب الوطني
تهدف األوراش اإلصالحية اليوم إلى تنزيل وتكملة ما تضمنته الوثيقة الدستورية لسنة ،1122وهي تتزامن مع
مجموعة من األوراش الكبرى التي أعلن المغرب عن فتحها ،في سياق بلورة تصوره الحداثي والمتطور للبناء
الجهوي وتطوير نموذجه المجتمعي الذي يرتكز على العمل على التأسيس لتوزيع يضمن تأهيل التراب الوطني
ككل ،من منطلق التضامن الفعلي بين الجهات ،واستيفاء شروط العيش واالرتقاء االجتماعي داخلها.
يعتبر مشروع الجهوية المتقدمة ،المعلن في خطاب التنصيب يناير 1121أحد المحاور األساسية في عملية
اإلصالح الجارية بالمغرب؛ فقد افتتح خطاب 1مارس بتأكيد أهمية الجهوية المتقدمة في المعمار الدستوري الجديد،
حيث شدد من جهة ،على تكريس الجهوية بمقتضى الدستور وليس بقانون ،حيث نص في الفقرة األخيرة من الفصل
األول من الدستور على أن "التنظيم الترابي للمملكة تنظيم المركزي ،يقوم على الجهوية المتقدمة" .وهو ما يعني
إعطاء المشروع الجديد قيمة إستراتيجية جديرة به في منظومة اإلصالحات الدستورية والسياسية ،وبالتالي إعطاء
داللة قوية على مستوى البناء الدستوري الجديد .وهذا يبرهن على "جدية تبني الدولة لهذا اإلصالح ،من حيث
االختصاصات الممنوحة للجهة ،وبمقومات ومبادئ تراعي الخصوصية المحلية وتنفتح على التجارب المقارنة"،
وعلى جعل الجهوية المتقدمة -بحسبها آلية إلعادة توزيع السلطة بين الدولة ومختلف الجماعات الترابية -قاطرة
إلدخال تحويرات عميقة على الوثيقة الدستورية .وهكذا ،جاءت رسالة الخطاب واضحة في دعوتها إلى أن تكون
الجهوية المتقدمة مؤسسة على مبادئ الحكامة الترابية الجيدة ،سواء على صعيد انتخاب المجالس الجهوية وتدبيرها
ديمقراطيا ،أو على صعيد تخويل رؤساء المجالس الجهوية سلطة فعلية لتنفيذ مقررات هيئاتهم ،عوض ممثلي
ويستتبع أن ر غبة المشرع الدستوري المغربي كانت واضحة ،عندما أحاطت المشروع الجهوي بما يلزم من
الشروط والمبادئ الديمقراطية إلنجاحه ،وذلك من حيث دعم قدرات المؤسسات المحلية وتعزيز دور رؤساء
الجهات ،بإعطائهم صالحيات تقريرية واسعة وهكذا ،فقد خصص المشرع الدستوري الباب التاسع من الدستور
للجهات والجماعات الترابية األخرى ،والذي من خالله أصبح مجلس الجهة ينتخب باالقتراع العام المباشر ،ومن
28
المرتقب أن يولد االقتراع المباشر جوا من الديمقراطية التداولية ،من خالل االستشعار بأهمية المواطن ،وبالتالي
السعي لتحسين سبل استفادته من الخدمة العمومية والبحث عن كيفية إدماجه في تنمية ترابه المحلي.
تكمن ،إذن ،العالقة التالزمية بين الجهوية واإلصالح الدستوري في كون الجهة وفق االستراتيجة الجديدة
إلعادة بناء المجال الترابي ،ستصبح فاعال مهما في المعمار المؤسسي المزمع تشييده؛ فالمنتظر ليس إعادة توزيع
االخ تصاصات بين الدولة وباقي الجماعات الترابية ،وفي مقدمتها الجهة ،بل إعادة توزيع الخيرات واإلمكانات أيضا
بين مختلف مكونات التراب الوطني المغربي ،وهو ما يعني اعتماد فلسفة جديدة في تدبير السلطة والثروة على
صعيد الواليات واألقاليم المغربية .لذلك تستلزم الجهوية المتقدمة ،وفق هذا المنظور ،تصورا جديدا ،للعالقة بين
الدولة وباقي مكوناتها الترابية؛ أي تحتاج في الواقع إلى تعاقد جديد من شأنه جعل الجهات مشاركة في تمثيل
المواطنين مشاركة فعلية ،وإشراكهم في تدبير شؤونهم إلى جانب الدولة وممثليها على الصعيد الترابي .والحال ،يعد
الدستور الوثيقة األسمى لتكريس الفلسفة الجديدة لعالقة الدولة بباقي مكوناتها الترابية.
أسس الدستور المغربي الجديد لحق الجماعات الترابية في الوجود ،باعتبارها أجزاء غير قابلة للفصل فيما
بينها ،والمتمثلة أساسا في الجهات والعماالت واألقاليم والجماعات ،ومن المؤكد أن البعض منها يرجع ظهوره إلى
زمن بعيد كالجماعة ،إال أنها لم تصبح كوحدة ترابية قائمة الذات بالنسبة للقانون المغربي ،إال بعد أن قام الدستور
بتكريسها وتأسيسها بالنص عليها صراحة في مقتضياته .لكنه رغم الوحدة في التأسيس الدستوري ،إال أن هذه
الوحدات ،ال تتوفر بالضرورة على نفس النظام القانوني ،والتمييز بينها هو من العمل المباشر للسلطة الدستورية.
وعلى أساس ذلك ،عمل المشرع الدستوري ،من خالل الفصل 252على تكريس مجموعتين من الجماعات
الترابية ،األولى تم التنصيص عليها بصريح المباشرة في النص الدستوري وهي الجهات والعماالت واألقاليم
والجماعات ،أما المجموعة الثانية ،فال يمكن إنشاؤها إال بقانون ،ويمكن أن تحل عند االقتضاء ،محل جماعة ترابية
أو أكثر .ذلك أن المجموعة األخيرة على عكس المجموعة األولى ،ال تتوفر على نفس النظام الدستوري ،نظرا
للتفاوت على مستوى ضمانة الوجود ،وحيث أن الجهات والعماالت واألقاليم والجماعات الحضرية والقروية تم
29
إن المجموعة الثانية التي يمكن للمشرع أن ينشئها ،تشكل دائرة أخرى -إن صح التعبير من الجماعات الترابية-
ما دام أنها تنشأ بقانون ،ويمكن بطبيعة الحال ،أن تحذف بقانون ،فهي جماعات ترابية ذات نظام تشريعي ،ألن
ضمانة وجود الجماعات الترابية ،في ظل الدستور المغربي الجديد ،ال تهم كل جماعة ترابية على حدة؛ فحذف
الجماعات أو تحويل فئة من الجماعات إلى فئة أخرى يبقى ممكنا نظريا وعمليا ،والمراجعات المختلفة للتقطيع
الترابي تؤكد ذلك ،إذ يمكن تجميع عدد من الجماعات لخلق عمالة أو إقليم ،ويمكن فصل جماعة أو جماعات ترابية
ألقلمتها ،مع توسع المدن ،كما يمكن دائما تغيير حدود الجماعات الترابية ألقلمتها مع توسع المدن والتطور
كما أن النص الدستوري ( الفصل ،)252کرس رسميا البعد الديمقراطي على مستوى الوحدات الالمركزية،
باعتبار أن الجماعات الترابية أشخاص معنوية -خاضعة للقانون العام -وتسير شؤونها بكيفية ديمقراطية ،ألن التدبير
الديمقراطي يقتضي وجود الجماعة الترابية وإدراجها في النظام القانوني ،بواسطة الشخصية المعنوية التي أصبحت
تتوفر عليها كشخص قانوني ،والدليل على ذلك أن كل المواد األولى من القوانين المنظمة لالمركزية تنص على أن
وهو األمر الذي سار عليه القانون التنظيمي للجهات ،حين اعتبر الجهة في المادة الثالثة جماعة ترابية،
خاضعة للقانون العام ،وتتمتع بالشخصية المعنوية االعتبارية واالستقالل اإلداري والمالي ،مما يعني أنه يجب أن
يكون االستقالل هو المبدأ ،إذ سيغيب التدبير الديمقراطي الترابي في الحالة التي يمتلك فيها األعوان ،خارج الجماعة
الترابية سلطات تهم شؤون هذه الوحدات وتكون أقوى من تلك التي يتوفر عليها ممثلوها ،ومن شأن التدبير
الديمقراطي الترابي أن يختفي أيضا في الحالة التي يكون فيها عدد القرارات القابلة للتعديل من لدن سلطة خارجية
وفي سياق آخر ،عمل المشرع الدستوري بموجب الفصل ،250على إقرار مبدأ المساواة بين الجماعات
الترابية (الجهات ،العماالت واألقاليم والجماعات الحضرية والقروية) ،جاعال بذلك سلطة تنفيذ مداوالت و مقررات
مجالسها المنتخبة بيد رؤسائها ،بحيث لم يبق للعمال صفة األمر بالصرف وال صفة السلطة التنفيذية لمجالس الجهات
والعماالت واألقاليم ،حيث رئيس مجلس الجهة ورئيس مجلس العمالة أو اإلقليم المنتخب هو الذي سيصبح آمرا
بالصرف وممثال للسلطة التنفيذية .وفي هذا السياق ،نص القانون التنظيمي في مادته 212على أن " ...رئيس
30
المجلس يعتبر اآلمر بقبض مداخيل الجهة وصرف نفقاتها ،ويرأس مجلسها ويمثلها بصفة رسمية في جميع أعمال
الحياة المدنية واإلدارية والقضائية ويسهر على مصالحها ،طبقا ألحكام هذا القانون التنظيمي والقوانين واألنظمة
كما يهدف المشرع الدستوري ،من وراء إقرار هذه المساواة ،إلى تحقيق جملة من األهداف ،تتمثل في بلورة
فكرة الجهوية المتقدمة التي تقتضي إسناد صالحيات التدبير المحلي لألجهزة المنتخبة ،ومواكبة الشرعية الجديدة
الناتجة عن انتخاب مجالس الجهات والجماعات باالقتراع العام المباشر ،ثم العمل على تطابق الوضع القانوني
لرئيس المجلس الجهوي مع نفس الغايات؛ فكان ال بد وأن تناط برئيس المجلس الجهوي سلطة تنفيذ مداوالت
• يضطلع بالتنفيذ المباشر لقرارات المجلس ذات الطابع اإلداري ،الفردي أو الجماعي ،أو ذات الطابع المعياري.
• توضع رهن إشارته وكالة لتنفيذ مشاريع االستثمار التي يقررها المجلس الجهوي.
أكد الباب التاسع من الدستور على الجهات والجماعات الترابية األخرى؛ أي العماالت واألقاليم والجماعات،
حيث يستنتج من هذا األمر أن مصطلح "المحلية" تغير ب "الترابية" ،وذلك انسجاما مع مصطلح التنظيم الترابي.
وكون الجهة ذكرت مستقلة في الفصل ،245رغم أنها من فصيلة الجماعات الترابية ،فألنها أصبحت تتبوأ مكانة
الصدارة بالنسبة للجماعات الترابية األخرى .وفي إطار هذه المكانة الجديدة ،عمل المشرع الدستوري ،من خالل
الفصل ،244على منح الجهات والجماعات الترابية الحق في تأسيس مجموعات فيما بينها ،من أجل التعاضد في
البرامج والوسائل ،هذا باإلضافة إلى أنها أصبحت مساهما رئيسيا في تفعيل السياسة العامة للدولة ،وفي إعداد
السياسات الترابية.
31
أوال :نحو مكانة دستورية جديدة للجهة
إذا كان المشرع الدستوري في الفصل 245قد اعتبر عدم جواز ممارسة أية جماعة ترابية وصايتها على
جماعة أخرى أحد المبادئ الدستورية المهمة إلقرار التعاون والتعاضد بينهما ،فإنه بوأ الجهة -تحت إشراف رئيس
مجلسها -مكانة الصادرة دستوريا بالنسبة للجماعات األخرى في مجال التنمية المندمجة.
وفي انسجام مع هذا المعطى الدستوري الجديد ،عمل المشرع التنظيمي على التذكير بهذه المكانة الجديدة للجهة،
حيث ألزم السلطات العمومية المعنية أخذ صدارة الجهة بعين االعتبار في عمليات إعداد برامج التنمية الجهوية
ونحو اعتماد توجهات الدولة واستراتيجيتها ،وبعد التشاور مع السلطة التي تمثل الدولة في الجهة ،وبعد استشارة
باقي المجالس ال ترابية وإدارات الدولة الالممركزة والمؤسسات الالمركزية والمنظمات الممثلة لألوساط االقتصادية
والمأجورين والمجتمع المدني ،فقد نص القانون التنظيمي للجهات أيضا في الفصل الثاني (التنمية الجهوية) من
الباب الثاني ( االختصاصات الذاتية) ضمن القسم الثاني(اختصاصات الجهة) ،خصوصا في المادة 02منه على أن
تمارس الجهة اختصاصات ذاتية في مجال التنمية الجهوية ،كما تقوم بإعداد وتتبع تنفيذ برنامج التنمية الجهوية
والتصميم الجهوي إلعداد التراب ،وتبعا لذلك يضع ويتبنى المجلس الجهوي تصور الجهة ومخطط تنميتها في
المجاالت االقتصادية واالجتماعية والثقافية :والبيئية والتصميم الجهوي إلعداد التراب تنزيال للمادة 01من القانون
التنظيمية.
كما يتصدر المجلس الجهوي الجماعات الترابية األخرى في حدود اختصاصه "بتجميع وتنسيق المقترحات مع
الجماعات الترابية األخرى واإلدارات والمؤسسات العمومية ،وممثلي القطاع الخاص المعنيين بتراب الجهة) وجعلها
بالتالي تنسجم وتندمج في تصور التنمية الجهوي ،وذلك مع احترام االختصاصات المخولة لتلك الجماعات .وهو ما
يجعل مجالس العماالت واألقاليم ومجالس الجماعات تعد مخططاتها وبرامجها ومشاريع تنميتها الذاتية في انسجام
وفي انسجام مع توجهات الدولة وبعد االستشارات والمشاورات والمصادقات المنصوص عليها في القانون يقوم
المجلس الجهوي – في حدود اختصاصاته ووسائله -بإعداد وتبني وإنجاز خطط العمل وبرامج التجهيز الخاصة به
32
في مجاالت االستثمار والتشغيل وقطاعات الماء والطاقة والبيئة والتربية والتكوين والثقافة والصحة .أضف إلى ذلك
أن المجلس الجهوي يساهم ،بشراكة مع الدولة وباقي الجماعات الترابية ،في إنجاز برامج ،في أشغال البنيات التحتية
والتجهيز ،من أجل تقوية الجاذبية االقتصادية للجهة ،والسكن االجتماعي ،ثم النهوض بالمستوى االقتصادي
واالجتماعي للعالم القروي ودعم الساكنة في وضع هش من جهة ،ويسهر المجلس الجهوي ،بعد مصادقة الدولة،
على تكثيف التعاون الدولي الالمركزي مع الجهات والمؤسسات التي يتقاسم معها مصالح مشتركة ،وذلك لفائدة
التنمية االقتصادية واالجتماعية والثقافية والبيئية للجهة .ثم بشراكة مع الجامعة ،يشجع المجلس الجهوي أشكال تنمية
البحث العلمي والتكنولوجي وانفتاح الجامعة على محيطها الجهوي واإلشعاع الثقافي للجهة والنهوض بمجتمع العالم
ويستتبع أن الحكومة والسلطات العمومية تكون بموجب الدستور وبموجب المادة 211من القانون التنظيمي
للجهات ملزمة باستشارة المجلس الجهوي بشأن كل مشروع كبير تعتزم الدولة إنجازه في الجهة ،أو كلما كان األمر
• االستراتيجيات الوطنية والجهوية في مجاالت النهوض باالستثمارات والتشغيل والماء والطاقة والبيئة والتربية
• إذا ما رفضت الحكومة كليا أو جزئيا مقترحات للمجلس الجهوي تعني جهته ،فال بد من تعليل الرفض.
إن التحوالت التي عرفها مفهوم الدولة في النظام السياسي المغربي ،ساهمت بشكل كبير في إعادة صياغة
دورها الذي لم يعد ينحصر في إشباع الحاجات األساسية للمجموعات االجتماعية فقط ،بقدر ما أصبح نشاطها
الرئيسي يتجه أيضا نحو تحقيق تنمية شاملة ومستديمة لهذه المجموعات -مكانة متقدمة في استراتيجيتها التنموية -
وبالتالي لم يعد من المقبول اليوم أن تقوم الدولة المركزية بإدارة كل شيء بنفسها ،بما في ذلك تدبير السياسات
33
العمومية ،بل لقد بات خيار الالمركزية الترابية وتحرير قدرة المبادرة اإلدارية لدى مجالس الجهات والجماعات
الترابية المنتخبة مدخال ال غنى عنه لتحقيق أهداف التنمية ،وذلك من خالل إعادة تحديد دور السلطات المركزية ،في
اتجاه انتقال مزيد من الصالحيات واالختصاصات لفائدة الجماعات الترابية والهيئات الالمركزية.
وفي نفس السياق ،لم يكن البعد التشاركي حاضرا في صيرورة إعداد وتنفيذ السياسات العمومية بالمغرب ،وذلك
أن عدم إشراك السكان واستشارتهم في المشاريع التنموية التي تعنيهم بالدرجة األولى جعل كثيرا من هذه المشاريع
إنجازات غير مكتملة ،أو اتضح فيما بعد أنها ،ال تناسب الحاجيات الحقيقية للمعنيين بها ،ألن التدبير الجيد للسياسات
العمومية ينبغي أن يرتكز أساسا على الدعم الذي يمكن أن تحظى به من طرف الفئات االجتماعية المعنية بها ومدى
قابليتها للمساهمة في تنفيذها ،األمر الذي حدا بالمشرع الدستوري إلى الدفع ب "الجهات والجماعات الترابية األخرى
للمساهمة في تفعيل السياسة العامة للدولة ،وفي إعداد السياسات الترابية ،من خالل ممثليها في مه المستشارين ".
وهو األمر الذي سار عليه المشرع التنظيمي ،حيث اشترط من جهة ،على الجهة في المادة ،00األخذ بعين
االعتبار السياسة العامة إلعداد التراب المعتمدة على المستوى الوطني والتشاور مع اإلدارات والمؤسسات العمومية،
من أجل وضع التصميم الجهوي إلعداد التراب .ومن جهة أخرى وبالمقابل ،اشترط على اإلدارات والجماعات
الترابية والمؤسسات العمومية ،في المادة ،11األخذ بعين االعتبار للتصميم الجهوي ،وبالتالي ضرورة حصول
توافق بين الدولة والجهة حول تدابير تهيئة المجال وتأهيله وفق رؤية إستراتيجية واستشرافية بما يسمح بتحديد
توجهات واختيارات التنمية الجهوية ،كما هو مبين في المادة 01من القانون التنظيمي.
كما أن التأطير الدستوري للجهات والجماعات الترابية األخرى ذهب إلى حد االعتراف لهذه الوحدات بتمثيلية
خاصة في مؤسسات التمثيلية بالمملكة المغربية ،وعلى رأسها مجلس المستشارين الذي يتكون حسب الدستور من
11عضوا على األقل ،و 211عضوا على األكثر ،ثالثة أخماس األعضاء ممثلين للجماعات الترابية ،يتوزعون
بين جهات المملكة بالتناسب مع عدد سكانها ،ومع مراعاة اإلنصاف بين الجهات.
ينتخب المجلس الجهوي على مستوى كل جهة ،من بين أعضائه الثلث المخصص للجهة من هذا العدد.
ينتخب الثلثان المتبقيان من قبل هيئة ناخبة تتكون على مستوى الجهة ،من أعضاء المجالس الجماعية
34
إن الدستور المغربي الجديد جعل من الجهات والجماعات الترابية األخرى شريكا أساسيا في تفعيل السياسة
العامة للدولة ،وعنصرا مهما في إعداد السياسات الترابية ،من خالل دعم تمثيليتها داخل مجلس المستشارين ،الذي
ينتخب لمدة ست سنوات -وهي نفس مدة انتداب أعضاء مجالس الجهات ومجالس المعاالت واألقاليم والجماعات
والمقاطعات -بتقوية عدد األعضاء الممثلين لها داخله ،حيث أصبح عدد أعضاء مجلس المستشارين محددا في
211عضوا -وهو الحد األقصى المنصوص عليه في الفصل 15من الدستور -منهم 210ينتخبون على صعيد
الجهات من طرف هيئة ناخبة جهوية تمثل فيها الجماعات الترابية ب 91عضوا ،والغرف المهنة ب 14عضوا
والمنظمات المهنية للمشغلين األكثر تمثيلية ب 21عضوا ،باإلضافة إلى 21عضوا عن ممثلي هيئة المأجورين
الفقرة الثالثة :التعاون والشراكة والتضامن بين الجهات (مبدأ التعاضد الدستوري)
سمح الدستور المغربي الجديد للجماعات الترابية تأسيس مجموعات فيما بينها ،من أجل التعاضد في البرامج
والوسائل ،وتعتبر مجموعة الجماعات في هذا السياق -مؤسسة عمومية تتمتع بالشخصية المعنوية واالستقالل المالي
وتطبق عليها النصوص التشريعية والتنظيمية المتعلقة بالوصاية على الجماعات الترابية ،كما تطبق القواعد المالية
ويتميز هذا النوع من التعاون بسهولة تأسيس المجموعة وببساطة اإلجراءات القانونية واإلدارية الخاصة
بإحداثها ،كما أنها وسيلة مهمة إلنجاز مشاريع مشتركة بين الجماعات المتعاونة ووسيلة فعالة لتحقيق التضامن
والتوازن بين الجماعات الفقيرة ونظيراتها الغنية ،على مستوى معالجة نقص الموارد المالية أو نقص التجهيزات،
خاصة على مستوى توزيع الماء والكهرباء وقطاع النقل وتدبير النفقات المنزلية.27...
إن تنظيم هذا النمط من التعاون بين الجماعات الترابية يتطلب توافر العديد من اإلجراءات القانونية المنظمة لها
كإسم المجموعة موضوع المجموعة ،مدة صالحية المجموعة ،مقر المجموعة ،طبيعة أو مبلغ مساهمة كل جماعة
والمصادقة على المجموعة .أضف إلى ذلك إلى أنه يقوم بتسيير شؤون المجموعة مجلس ومكتب ،وتطبق عليهم
27
كريم لحرش ،الدستور الجديد للمملكة المغربية :شرح وتحليل ،سلسلة العمل التشريعي واالجتهاد القضائي ،العدد ،3133 ،1ص 383
35
نفس القوانين والشكليات المعمول بها في تشكيل أجهزة الجماعات وتسييرها ،والمتمثلة في مجالس المجموعة ثم
وتكملة وتوضيحا لمبدأ التعاضد الدستوري -بين مجموعة الجماعات الترابية ،بتأسيس مجموعة الجماعات -
نص القانون التنظيمي للجهات ،في مادته - 11الخاصة بالتعاون والشراكة -على أن مجلس الجهة له الحق في
التداول في مجموعة من الميادين على رأسها "المساهمة في إحداث مجموعات الجهات ومجموعات الجماعات
وفي نفس السياق ،نص القانون التنظيمي للجهات من جهة ،في مواده (من 241إلى )225على إمكانية
الجهات تأسيس فيما بينها ،بموجب اتفاقيات يصادق عليها من قبل مجالس الجهات المعنية ،مجموعات للجهات تتمتع
بالشخصية ا لمعنوية على أن يعلن على تكوينها بقرار للسلطة المكلفة بالداخلية ،هذا مع تحديد كيفية انتخاب وتسيير
مجموعة الجهات .ومن جهة أخرى ،خصص القانون التنظيمي للجهات أيضا في المادة 224إمكانية تأسيس
مجموعات الجماعات الترابية ،والتي خصها هي األخرى بالشخصية االعتبارية و باالستقالل اإلداري والمالي،
بهدف إنجاز عمل مشترك أو تدبير مرفق ذو مصلحة عامة للمجموعة ،كما نصت المواد (من 222إلى )212
تشكل قاعدة التضامن أو التضامن في ما بين الجهات أو التضامن الوطني وكلها مسميات لمبدأ مقابل وهو مبدأ
تضامن الدولة ،28األساس المرجعي إلقرار التعاون الجهوي ،إذ أن التنوع في اإلمكانات والوسائل ،يلزم أن يتوحد
على مستوى دعم شروط تنمية الدولة الواحدة اقتصاديا واجتماعيا ،وهذا ما يستدعي استثمار كل جهة لمؤهالتها
على الوجه األمثل ،مع إيجاد آليات ناجعة للتضامن المجسد للتكامل والتالحم بين المناطق في مغرب موحد،
واستثمارا لهن القاعدة ،استجاب المشرع الدستوري بالتنصيص على أنه "يحدث لفترة معينة ولفائدة الجهات صندوق
للتأهيل االجتماعي " ،يهدف إلى سد العجز في مجاالت التنمية البشرية ،والبنيات التحتية األساسية والتجهيزات.
28
كريم لحرش ،مرجع سابق ،ص 318
36
وفي هذا السياق ،عمل القانون التنظيمي للجهات على تنزيل وتوضيح كيفية االستفادة من صندوق التأهيل
االجتماعي حين خصص الباب األول من القسم السادس من القانون التنظيمي لصندوق التأهيل االجتماعي ،حيث
نص في المادة 111على األهداف المتوخاة من إحداث هذا الصندوق التابع لرئيس الحكومة حسب المادة 151
ويهدف هذا التأهيل -بحسب تقرير اللجنة االستشارية حول الجهوية المتقدمة الذي تندرج فيه البرامج المعتمدة
من قبل القطاعات الوزارية ،إلى اإلسراع بسد مظاهر العجز الكبرى -كما جاء في المواد ( )111و( )151من
القانون التنظيمي -في الجوانب المرتبطة مباشرة بالتنمية البشرية ،والتي تتقاطع بشكل واسع مع مجاالت اختصاص
• تعميم التزويد بالماء الصالح للشرب والكهرباء ،محو مدن الصفيح والسكن غير الالئق.
• االر تقاء بالجهات ،من حيث الصحة والتربية وشبكة الطرق ،إلى المعدل الوطني أو إلى مستوى المعايير الوطنية
والدولية.
وتفاديا لترسيخ منطق االتكال على برنامج لإلعانة الدائمة ،وسعيا لتمكين الجهات من معالجة أوجه عجزها
بنفسها ،فإن هذا التأهيل المقترح ليس دائما وإنما يمتد لفترة معينة حسب الدستور ،والتي حددتها اللجنة االستشارية
حول الجهوية في واليتين .29ويبدو هذا األفق الزمني قريبا بما يكفي إلنجازه بوثيرة مالئمة ،ولتعزيز ثقة السكان
بالجهوية المتقدمة منذ بداية انطالقها ،كما أنه كاف لتجنب ضغط مالي ال تحمله موارد الدولة ،ولتمكين كل من
البنيات الجهوية الجديدة من بناء قدراتها الذاتية على الفعل والمواكبة اعتبارا لخصوصياتها.
ويستبع أن الدستور المغربي الجديد لم يقف عند هذا الحد بل تعداه إلى النص على أنه يحدث أيضا صندوق
للتضامن بين الجهات ،بحسب تقرير اللجنة االستشارية حول الجهوية المتقدمة ،بهدف التوزيع المتكافئ للموارد،
قصد التقليص من التفاوتات بينها ،ألن الوضع الحالي للمغرب سيجعل بعض الجهات تستمر في تحمل تكاليف تفوق
بكثير المتوسط الوطني ،وهذا ينطبق على الجهات الفقيرة ،أو المعزولة (الجبلية ،أو الجافة أو شبه الجافة) و/أو ذات
الطابع الخاص (من الناحية الجيواستراتيجية على سبيل المثال) ،والتي يقتضي توفير خدمات او إنشاء بنيات تحتية
29
التقرير حول الجهوية المتقدمة ،الكتاب األول ،التصور العام ،اللجنة االستشارية حول الجهوية ،المملكة المغربية3133 ،
37
أساسية بها موارد تتجاوز الموارد الموضوعة رهن إشارتها .وهو ما يستوجب إحداث صندوق للتضامن كفيل بتقديم
الدعم لهذه الجهات وضمان حد أدنى من العدالة والكرامة على امتداد التراب الوطني لجميع المواطنين ،أينما كان
محل إقامتهم.
وهو األمر الذي سار عليه المشرع التنظيمي ،حيث نص في المادة 154على أن يحدث صندوق للتضامن بين
الجهات ،من أجل ضمان التوزيع المتكافئ للموارد والتابع لوزير الداخلية كآمر بقبض مداخيله وصرف نفقاته.
كما ينبغي أن يكون هذا الهدف التضامني -من وراء إنشاء هذا الصندوق -موجها باألساس لفائدة الجهات
األكثر خصاصا ،وأن تعطى فيه األولوية لتوفير الخدمات والبنيات التحتية ذات الطابع االقتصادي ،وإن كانت
عائداتها متدنية على المدى القصير .وستمكن هذه اآللية بذلك -حسب التصور العام للجنة االستشارية حول الجهوية
-من تعزيز القدرات االقتصادية للمناطق ،مع مراعاة الخيارات المحلية الهادفة إلى تثمين الثروات الطبيعية
واالقتصادية والتاريخية الخاصة بها من جهة .كما أن موارد صندوق التضامن ستعتمد بطبيعة الحال على مساهمة
عمودية من الدولة لفائدة الجهات المعنية باقتطاع %21من الموارد اإلضافية المخصصة للجهات ،لتمثل بذلك
الميزانية األولية ،وهو ما يستوجب وضع طرق ومعايير مضبوطة لتوزيع هذه الموارد بين الجهات المستفيدة ،تفاديا
لتحويل هذا الصندوق إلى صندوق خيري أو للمساعدة الدائمة؛ يتطلب األمر ضرورة وضع نظام ديناميكي ،بحيث
تتماشى طرق تخصيص موارده باستمرار مع تغير الفوارق الجهوية زمنيا من جهة ثانية.30
30
التقرير حول الجهوية المتقدمة ،الكتاب األول ،التصور العام ،اللجنة االستشارية حول الجهوية ،المملكة المغربية3133 ،
38
المبحث الثاني :تكريس المبادئ الدستورية في القوانين التنظيمية الترابية
المطلب األول :القوانين التنظيمية الترابية ومبدأ التدبير الحر
يشكل دستور 1122نقلة في مجال التدبير الترابي ،من خالل ما تضمنه من مقتضيات تسمح بتعزيز دور
الجماعات الترابية في النهوض بالتنمية الشاملة ،واالضطالع السليم والقويم بمهامها اإلدارية والتدبيرية ،واالرتقاء
بأدائها ،وفق الرهانات الملقاة عليها ،بما تتمتع به من اختصاصات .وقد حافظ دستور 1122على التطور الذي
شهدته الالمركزية اإلدارية بالمغرب ،منذ الميثاق الجماعي لسنة ،2111مرورا بما عقبها من تجارب ،مکرسا
بذلك التراكم المحقق في ظل هذه التجارب التي ساهمت في االرتقاء بالوضع القانوني واإلجرائي لها.
لقد أسس دستور 1122ألول مرة ،وبصورة واضحة لمبادئ الحكامة الجيدة ،ومنها تلك المرتبطة بالجماعات
الترابية ،انسجاما مع طبيعة التنظيم الترابي للمملكة والمرتكز على التنظيم الالمركزي ،القائم على الجهوية المتقدمة،
31
بغية االسترسال في تشييد مؤسسات دولة حديثة ،مرتكزاتها ،المشاركة والتعددية ،والحكامة الجيدة.
يمكن التمييز في هذا الشأن بين شقين من المظاهر ،مظاهر عامة ( أوال ) وأخرى خاصة ( ثانيا ).
تتوزع المظاهر العامة لمبدأ التدبير الحر إلى مظهرين أساسيين ،يمثل إحداها التدبير الديمقراطي للشؤون
المحلية ،والذي ينبني على بلورة المجالس المنتخبة بعد تشكيلها الختياراتها ولتوجهاتها التنموية والتدبيرية بكيفية
مستقلة دون تدخل ممثلي السلطة المركزية في الجماعات الترابية ،إال في الحدود التي يسمح بها القانون (أوال) ،في
حين يمثل إقرار ممارسة السلطة التنظيمية المحلية المظهر الثاني لها ،من خالل العمل على اتخاذ القرارات والقيام
باإلجراءات التي يتطلبها حسن سير المرافق العامة ،وبغية الحفاظ على النظام العام (ثانيا).
نص الفصل ( )252من الباب التاسع من الدستور على أن" :الجماعات الترابية أشخاص اعتبارية ،خاضعة
للقانون العام ،تسير شؤونها بكيفية ديمقراطية" .وتمثل هذه الصفة ضمانة أساسية النخراط المجالس المنتخبة في
31
أحمد حضراني ،مبادئ الحكامة الجيدة المحلية في الدستور الجديد ،جريدة الوطن اآلن ،عدد ،211ص 32
39
اعتماد مبادئ سيادة القانون والديمقراطية كأساس لتدبير شؤونها ،و الشروع في تبني اختياراتها وتنزيل
االختصاصات التي خولتها النصوص القانونية المنظمة للشؤون الجهوية والمحلية .ويفيد هذا النوع من التدبير
احترام اختيارات ممثلي الساكنة في اعتماد البرامج والمشاريع التنموية ،بما يتوافق مع انتظارات الساكنة من جهة،
أحدهما سابق للتدبير ،يتمثل في االنتخاب المباشر ألعضاء المجالس الجهوية ،التي ستتولى تدبير الشأن الجهوي
والمحلي ،من طرف الساكنة المحلية بالنسبة للجماعات (الحضرية /القروية) ،وانتخاب المجالس الجهوية من طرف
الساكنة ذات االر تباط بالنفوذ الترابي للجهة ،وذلك لتمكين الساكنة من مراقبة ممثلي المجالس الجهوية والمحلية
ومستوى تدبيرهم للشأن الجهوي ،ومدى مسايرته لبرامجهم االنتخابية وانتظارات الساكنة .وهي مقاربة تختلف عما
كان معموال به في التجربة السابقة للتنظيم الجهوي ،والتي انبنت على االنتخاب غير المباشر للمجالس المنتخبة
(الجهوية واإلقليمية) ،حيث يتم انتخاب أعضاء المجالس الجهوية من قبل أعضاء مجالس الجماعات (الحضرية –
القروية) وأعضاء مجالس العماالت واألقاليم ،إذ يتمتع المنتخب بسلطة مطلقة في اختيار أعضاء هذه المجالس
أما المستوى الثاني ،فهو الحق للعملية االنتخابية ،و يتمثل في بلورة المجالس المنتخبة مباشرة بعد تشكيلها
الختياراتها ولتوجهاتها التنموية والتدبيرية والشروع في إعمالها ،من خالل المشاركة في إعداد السياسات الترابية
من طرف ممثلي الجماعات الترابية في مجلس المستشارين ،والعمل على تنفيذها بما يتوافق والخصوصيات المحلية
لها .وذلك وفق منهجية يغلب عليها احترام المبادئ الديمقراطية التي تتنافى واالنفراد باتخاذ القرار الجهوي،
وبالمقابل العمل على إشراك المعارضة في تحديد الخطط التنموية وفي صناعة القرار الجهوي ،باعتبارها تمثل
جزءا من الساكنة الجهوية والحرص على تبني ثقافة المشاركة واإلشراك للفاعلين الجهويين وذوي االختصاص،
أثناء مراحل دراسة ومناقشة القضايا الجهوية التي تندرج ضمن اختصاصهم.
ذلك أن الدستور الجديد حمل تصورا جديدا للتنظيم الترابي بالمغرب ،يسعى لالستجابة لمسلسل اإلصالحات
التي مرت منها التجربة الالمركزية بالمغرب ،ولضرورة توسيع سلطة الوحدات الترابية في تدبير القضايا
40
االقتصادية واالجتماعية والثقافية والبيئية .32وهذا يعني أن المجالس الجهوية لها كامل الصالحية والحرية في تحديد
وبلورة اختياراتها وبرامجها ،في احترام تام للمقتضيات القانونية والتنظيمية ،ومراعاة لإلمكانيات التمويلية
المتاحة ،33خصوصا وأن الجماعات الترابية أصبحت تتمتع بقدرة حقيقية على اتخاذ القرارات التي تمكنها من تدبير
مصالحها الخاصة بشكل يعزز قيم الديمقراطية وسيادة القانون ،ويضمن التدبير الجيد للقضايا التي تندرج ضمن
اختصاصهم.
تشكل السلطة التنظيمية المحلية ذلك االمتداد الطبيعي لممارستها في بعدها الوطني ،والتي تنصب على اتخاذ
القرارات والقيام باإلجراءات التي يتطلبها حسن سير المرافق العمومية بكيفية منتظمة ومضطردة ،وبغية الحفاظ
على النظام العام بمدلوالته الثالث ،األمن العام والصحة العامة والسكينة العامة ،من طرف رؤساء المجالس
المنتخبة .وقد شكل دستور 1122تطورا هاما بمنحه هذه الصالحية للوحدات الترابية ،والتي لم تكن تمارسها
بالكيفية التي أطرت بها في الدستور الحالي ،الشيء الذي سيمكن الجماعات الترابية ،بما تتمتع به من اختصاصات
ذاتية ومشتركة مع الدولة ومنقولة من هذه األخيرة لها ،من تنظيم مجالها الترابي ،بما يتوافق مع جوهر هذا العنصر
(السلطة التنظيمية) ،والتي لم يقيد المشرع ممارستها بشروط في الفصل ( )241من الدستور ،مما يشكل ضمانة
أساسية للجماعات الترابية ،باتخاذ التدابير الالزمة التي يتطلبها الحفاظ على النظام العام داخل النفوذ الترابي لها.
لقد مرت ممارسة السلطة التنظيمية من مراحل عدة عرفت خاللها فترة من الشد والجذب بين المؤسسة الملكية
ورئاسة الحكومة خالل الدساتير المتعاقبة ،وبإسناد المشرع في دستور 1122هذه الصالحية لرؤساء الوحدات
الترابية في مستواها المحلى ،فقد آذن باالنخراط في مرحلة جديدة من التدبير وفق مستويين :
)2القطع مع احتكار السلطة التنظيمية من قبل الوزراء (وزير الداخلية) ،واالكتفاء بتفويضها للوالة /العمال.
)1االنخراط في مرحلة تتمتع من خاللها الجماعات الترابية بصالحيات كبيرة ،تضمن تكريس التدبير الحر
والمستقل للشؤون المحلية والجهوية ،واتخاذ القرارات التي تمكن من الحفاظ على حسن سير المرافق العمومية
32
رفيقة اليحياوي ،دور الحكامة الجيدة في تدبير الشأن المحلي :جهة العيون بوجدور الساقية الحمراء نموذجا ،أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام ،كلية
الحقوق أكدال ،3131-3133 ،ص 361
33
علي قاسمي التمسماني ،الدولة والجهات على ضوء الدستور الجديد ،مجلة مسالك في الفكر والسياسة واالقتصاد ،عدد مزدوج 33/33لسنة ،3133ص 83
41
وإن كانت التجربة الفارطة قد أوضحت أن ممارسة السلطة التنظيمية المحلية قد خولت لرؤساء الجماعات،
باعتبارهم جهازا تنفيذيا وسلطة إدارية ،حيث أسندت للرئيس بمقتضى الميثاق الجماعي 90.11مجموعة من
االختصاصات ،باعتباره جهازا تنفيذيا ،وكذلك مجموعة من المسؤوليات الواردة في الفصل الثاني ( المواد 42إلى
،)21والتي يمكن إجمالها في األدوار المسندة إليه بصفته الرئاسية التي تخوله صالحية رئاسة المجلس وجلساته
وتمثيليته للجماعة بصفة رسمية في جميع الحياة المدنية واإلدارية والقضائية ،كما أنه يعمل على التسيير اإلداري
للجماعة ويسهر على مصالحها طبقا للقوانين واألنظمة المعمول بها ،كما أنه يمارس اختصاصات الشرطة اإلدارية
ويعتبر ضابطا للحالة المدنية ،وبصفته رئيسا يملك سلطة التنظيم في مجاالت معينة ،وباعتباره مسؤوال عن المصالح
اإلدارية للجماعة التي يعمل بها ،فيعتبر رئيسا تسلسليا للموظفين الجماعيين.34
أما مما رسة السلطة التنظيمية في بعدها اإلقليمي والجهوي ،فقد أثبتت التجربة الفارطة أن ممارستها تتم من قبل
العمال والوالة ،باعتبارهم من جهة ،السلطة التنفيذية لمقررات المجالس اإلقليمية والجهوية ،ومن جهة ثانية ممثلي
فبالنسبة للعماالت واألقال يم ،فإن السلطة التنظيمية تمارس من قبل العامل ،باعتباره الجهاز التنفيذي لمقررات
المجلس ،ويتولى ممارسة السلطة التنظيمية ،من خالل االختصاصات الموكولة له بموجب القانون ،وذلك بمقتضى
المواد من ( )42إلى ( )49من القانون المنظم لمجالس العماالت واألقاليم ،91.11وأهم ما يالحظ على هذه
االختصاصات هي نفسها الممنوحة بالنسبة لرئيس المجلس الجماعي ،لكن هنا نجدها مسندة للعامل ،رغم وجود
رئيس مجلس العمالة أو اإلقليم؛ فدوره كرئيس وليس كجهاز تنفيذي (دور شكلي) .وبهذه الصفة ،يمكن للعامل أن
يمارس السلطة التنظيمية بمقتضى تفويض من وزير الداخلية في المجاالت المحددة في المواد السابق ذكرها.35
وبالنسبة لممارسة السلطة التنظيمية على مستوى الجهات ،نرى أهمية عامل العمالة أو اإلقليم مركز الجهة،
وباختصاصاته الموسعة في مجال تمثيلها ومراقبة أجهزتها ،مما يطبع دوره بازدواج وظيفي في مواجهة كل من
الدولة والمؤسسة الجهوية ،36هذا ما يؤكد طبيعة العمق أو الفارق المركزي على مستوى التنظيم المحلي الجهوي،
ويتجسد هذا من خالل الفصل 212دستور ،2111إذ ينص في فقرته الثانية" :يتولى العمال تنفيذ قرارات مجلس
34
مليكة الصروخ ،القانون اإلداري دراسة مقارنة ،مطبعة فضالة ،الطبعة السادسة ،3119 ،ص 334
35
مليكة الصروخ ،مرجع سابق ،ص 346
36
نفس المرجع ،ص 338
42
العماالت واألقاليم والجهات طبقا لشروط يحددها القانون" وهذه الشروط قد تضمنتها المادة 24من القانون المنظم
-إنجاز أعمال الكراء والبيع والشراء وإبرام الصفقات واألشغال والتوريدات وتقديم الخدمات.
-اتخاذ القرارات ألجل فرض الضرائب والرسوم واألتاوى ومختلف الحقوق وفقا للنصوص التشريعية الجاري بها
وبالنظر لما جاء به دستور 1122من مقتضيات هامة تذكي ممارسة الصالحيات التنفيذية لرؤساء الجماعات
الترابية ،ستمكن هذه األخيرة من االضطالع بدورها في ممارسة سلطاتها التنظيمية بالكيفيات التي حددتها القوانين
التنظيمية للجماعات الترابية ،وإن كانت خالل هذه المرحلة األولى من تنزيل الجهوية المتقدمة ستعرف نوعا من
التحديد والتوزيع في مجاالت ممارستها مع ممثلي السلطة المركزية في الجماعات الترابية (الوالة /العمال) ،وستتسع
مجاالتها مع تطور مستوى التدبير الترابي للوحدات الالمركزية ،خصوصا وأن توزيع االختصاصات بين الدولة
والجماعات الترابية وتوضيحها بشكل يمكن من تحديد المهام الخاصة بالجماعات الترابية وتلك المشتركة مع الدولة
والمهام المنقولة من الدولة للجماعات الترابية سيوضح مستوى التعاطي مع الوظيفة التنظيمية ،حيث سيلعب مبدأ
التفريع دورا كبيرا في تحديد مجاالت السلطة التنظيمية الخاصة بالجماعات الترابية ،وتلك المخولة لممثلي السلطة
غير أن ورود اصطالح (السلطة التنظيمية) للجماعات الترابية في صلب الوثيقة الدستورية ،وإن كان يضع حدا
للجدل حول وجودها ،فإنه ال يرسم حدودها بدقة ،وال يشفي الغليل حول طبيعتها ،بل إن المتمعن في المقتضيات
الدستورية ،ودراسة الدستور کبنية ،يقود إلى القول بأن األمر يتعلق بسلطة تنظيمية محلية مشتقة وتابعة وثانوية،
إن ما يتوجب أن ترتكز عليها بنية القوانين التنظيمية الترابية أن تكون المسؤوليات واضحة ومحددة ،حتى ال
نكون أمام تنازع اختصاصات بين رؤساء الجماعات الترابية وبين ممثلي السلطة المركزية بها (الوالة/العمال)،
37
بوعزاوي بوجمعة ،السلطة التنظيمية المحلية ،المجلة المغربية لإلدارة المحلية والتنمية ،سلسلة دراسات ،عدد ،313ص 333/331
43
وحتي نكون أمام إمكانية حقيقية تقرن ممارسة كل اختصاص وكل سلطة بالمسؤولية والمحاسبة الالزمة .38غير أن
واقع الحال أثبت أن المنظومة القانونية المؤطرة للجماعات الترابية الزالت تعرف تداخال في االختصاصات بين
الهيئات الترابية نفسها ،وعمومية على مستوى صياغة النصوص المرتبطة باالختصاصات األصلية والمنقولة،
الغرو في القول بأن دستور 1122خطى خطوة كبيرة فيما يخص مكانة الهيئات الترابية ،إذ خصها بمبادئ
تدعم التدبير الحر لشؤونها ،فإلى جانب المظاهر العامة خصها بمظاهر خاصة تميزها عن سابقاتها ،ومن أهمها
ضمانة تنفيذ مقررات المجالس الترابية (أوال) ،وكذا تحديث منظومة المراقبة اإلدارية من طرف ممثلي السلطة
بخالف ما تميزت به التجربة الجهوية في ظل القانون 11.49من ازدواج وظيفي لعامل العمالة أو اإلقليم
مركز الجهة ،باعتباره من جهة ممثال للدولة ،ومن جهة ثانية أمرا بالصرف ومنفذا لمقررات المجالس الجهوية،39
عمل دستور 1122على منح صالحيات تنفيذ مداوالت ومقررات المجالس الترابية لرؤسائها ،وتمثل هذه السلطة
إحدى أهم الركائز ال تي ينبني عليها التدبير الحر للشؤون الجهوية ،وأحد أبرز خصائص الالمركزية اإلدارية في
بعدها المتقدم.
ويفيد تنفيذ مقررات ومداوالت المجالس الجهوية من قبل رؤساء المجالس الجهوية منح األجهزة التداولية
للمجلس الصالحيات التقريرية في بلورة االختيارات التنموية التي يتطلبها االرتقاء بالوضع التنموي للجهة ،والعمل
على تنفيذها ،بما يتوفر عليه المجلس الجهوي من ضمانات قانونية وتنظيمية وموارد مالية .وذلك من خالل العمل
على إعداد وتتبع برامج التنمية الجهوية والتصاميم الجهوية إلعداد التراب و الوطني ،بما يتوافق مع المعالم
38
عبد الواحد القريشي ،السلطة التنظيمية بين الثبات والتغير على ضوء الخطاب الملكي لتاسع مارس ،3133مجلة المنارة للدراسات القانونية واإلدارية ،عدد
،13يناير ،3133ص 38
39
اليعكوبي محمد ،تأمالت حول الديمقراطية المحلية بالمغرب ،مطبعة المعارف الجديدة ،الطبعة الثانية ،3118 ،ص 311
44
وقد خول الفصل ( )242من الدستور في الفقرة الثالثة منه ،الصالحية للوالة/العمال لتقديم المساعدة الالزمة
لرؤساء مجالس الجماعات الترابية ،وخاصة الجهوية منها ،إلنجاز المخططات والبرامج التنموية التي تمت برمجتها
من قبل هذه المجالس للنهوض بالوضع التنموي للجهة ،ويتخذ شكل المساعدة المقدمة من طرف ممثل السلطة
المركزية في الجماعات التربية إتاحة استخدام الموارد البشرية أو المادية والتقنية التي يتطلبها تنفيذ هذه البرامج،
خصوصا وأن الجهات ال تتوفر على إدارة جهوية خاصة بها تمكنها من االضطالع بمهامها بمعزل عن تدخل
الوالة /العمال ،كما يتخذ شكل المساعدة تقديم اآلراء والخبرات والتوجيهات التي يتطلبها التنزيل السليم للمشاريع
والمخططات التنموية ،انطالقا مما يتوفر عليه الوالة /العمال من اختصاصات تنظيمية في تنسيق استثمارات وأنشطة
اإلدارات الالممركزة فيما بينها ،أو في عالقتها مع الوحدات الترابية ،خصوصا وأن الوالة يرأسون المراكز الجهوية
لالستثمار.
ويتيح تمتيع رؤساء الوحدات الترابية بهذه الضمانة (تنفيذ مقررات ومداوالت المجالس) ،اعتراف المشرع
الصريح باستقاللية المجالس المنتخبة في القيام بالوظائف والمهام المنوطة بها ،دون أي تدخل من قبل ممثل السلطة
المركزية في الجماعات الترابية إال في الحدود التي يسمح بها القانون .ذلك أن تعزيز استقاللية الجماعات الترابية
تمثل التنزيل األصح لمبدأ التدبير الحر في االضطالع السليم بالشؤون الجهوية والمحلية ،كما يكرس القواعد التي
تؤسسها الالمركزية اإلدارية .ومن شأن تحصين هذه االستقاللية من قبل المشرع والقضاء الدستوري والفقه ،أن
يضمن االنخراط في مرحلة تسمح للجماعات الترابية أن تتبوأ مكانتها الحقيقية في تدبير فعال للمجال الترابي ،بما
وإن كان المبدأ العام واألساسي الذي يضبط الالمركزية اإلدارية عن غيرها من نماذج التدبير األخرى ،هو
تمتيعها بضمانة االستقالل غير الكلي في تدبير شؤونها؛ فإلى إي حد يتماشى التأطير الدستوري الحالي مع جوهر
الشك أن اإلصالح الدستوري الذي تمخض عنه إصدار دستور ،1122قد ارتقى بالجماعات الترابية ،ال على
مستوى االختصاصات فقط وإنما أيضا على مستوى عالقتها بممثل السلطة المركزية .وإن كانت العهدة السابقة
45
تميزت بفرض وصاية ثقيلة من قبل الوالة /العمال ،باعتبارهم من جهة الجهاز التنفيذي لمقرارات المجالس اإلقليمية
والجهوية ،والجهة الوصية على الجماعات الترابية من جهة ثانية ،فإن هذا الوضع قد حد من إبراز وتفعيل األدوار
المنوطة بها والرهانات المرجاة منها ،كما عرقل مسيرة اإلصالح الرصين الذي انطلق منذ سنة ،2111الشيء
الذي ع مق من واقع الجماعات الترابية وقدرتها على فرض وجودها أمام الهيمنة الشبه كلية من قبل الوالة والعمال
على مجاالت تدخلها واالختصاصات المخولة لها ،وهو ما أفرغ نظام الالمركزية اإلدارية من محتواه ،نظير اختالل
وإن كانت الوصاية اإلدارية كآلية لمراقبة عمل الهيئات الالمركزية ،تمثل تركيز مجموعة من السلطات التي
منحها المشرع للسلطة اإلدارية المحلية لمراقبة أعمال المجالس المحلية ،بغية تحقيق مشروعية أعمالها وعدم
تعارضها مع المصلحة العامة وتأمين انسجامها مع القوانين المنظمة لها ،والتي تنصب على سلطتي التقرير واألمر
بالصرف .40فإن المراقبة اإلدارية التي منح المشرع -في الفقرة الثانية من الفصل 242من دستور -صالحية
ممارستها للوالة والعمال على أنشطة الوحدات الترابية ،سواء الالمركزية أو الالممركزة ،تنطوي على التأكد من أن
اله يئات المحلية تسير وفق النمط الذي تحدده االختصاصات المخولة لها والخطط المعتمدة من قبل مجالسها المنتخبة،
مع مسايرتها للتوجهات العامة للدولة .وبمعنى آخر ،هي بذلك مجموعة التصرفات القانونية التي يقوم بها ممثلو
السلطة المركزية بعد إساءة الجماعات الترابية الستعمال االختصاصات المقررة لهم ،تسمح للهيئة المكلفة بالمراقبة
سيتم وفق هذه المقاربة الحديثة لمراقبة عمل الجماعات الترابية ،التخلي التدريجي عن المراقبة القبلية ومراقبة
المالئمة ،خصوصا في المجاالت التي تهم األعمال المنصوص عليها صراحة في القوانين واألنظمة التي سيتم
إصدارها في هذا الشأن ،باإلضافة إلى تقليص آجال جواب السلطة المختصة ،ثم حصر القرارات واألعمال التي
تخضع لها هذه المراقبة ،على جدول أعمال االجتماعات والميزانيات والحاالت القصوى التي تمس النظام العام
والمصلحة الوطنية والتوازن المالي للجماعات الترابية ،الذي يقترن بجودة التنظيم ونظام المعلومات المعتمدين في
كل جماعة ترابية وبأدائها وإقامة نظام للمراقبة الداخلية وتقييم المخاطر واحترام المعايير المعمول بها في التدبير
40
أحمد البخاري ،القانون اإلداري العملي ،مكتبة دار السالم للطباعة والنشر والتوزيع ،3113 ،ص 333
46
المالي الجيد .41وفي مقابل ذلك ،سيتم تعزيز هذا الدور باللجوء إلى المراقبة اإلدارية المواكبة والبعدية على األعمال
واألنشطة التي تقوم بها الوحدات اإلدارية الالمركزية نظير ما تتوفر عليه من اختصاصات و ما تمتلكه من موارد
تستمد هذه المقاربة الحديثة في مراقبة الجماعات الترابية من قبل ممثلي السلطة المركزية سندها من عدة أسباب،
فبخصوص األسباب القانونية ،فإنها تتجلى من خالل إقرار مبدأ التدبير الحر ضمن الفصل 251من دستور
،1122الذي يشكل منعطفا هاما في مسار تعزيز الالمركزية اإلدارية بالمغرب ،باعتباره يمكن الجماعات الترابية
من تدبير شؤونها وتحديد وبلورة اختياراتها وبرامجها التنموية بكيفية مستقلة ،وال يسمح بتدخل ممثلي السلطة
أما بالنسبة لألسباب المتعلقة بمقومات الالمركزية ،فإنها ترتبط بذلك المرتكز -االستقالل عن السلطة المحلية -
الذي يميز الالمركزية عن أي أسلوب آخر للتدبير الترابي ،سواء من حيث منطلقاته أو طبيعته أو حدوده؛ فمبدأ
االستقالل بتدبير الشؤون المحلية يجب أن يكرس في الممارسة الفعلية لمختلف االختصاصات المخولة للهيئات
الترابية ،باع تباره يمثل روح الالمركزية في بعدها اإلداري ،مع ضرورة اقترانه بتوفير الموارد "المادية -البشرية
– التقنية" التي تشكل أحد أوجه وتجليات هذا االستقالل؛ بمعنی حتمية تالزم استقاللية الجماعات الترابية في تدبير
شؤونها المحلية مع طبيعة االختصاصات المخولة لها .أما بالنسبة للسبب الثاني ،فإنه يتجلى في التحوالت العميقة
التي طالت المنظومة القانونية لالمركزية منذ سنة ،2111وما رافقها من تمتع للوحدات الترابية باختصاصات
واستقاللية جزئية في تدبير الشؤون المحلية ،وإن لم ترق بعد إلى المستوى المطلوب ،إال أنها أسست لمراحل مقبلة
تنضج معها تجربة الالمركزية وتتقوى البنية الجهوية من هشاشتها .ولعل تجربة الجهوية المتقدمة إحدى تجلياتها.
إن من شأن احترام جوهر مبدأ التدبير الحر من طرف الوالة والعمال ،أن يساهم في تعزيز استكمال الصرح
المؤسساتي لالمركزية اإلدارية ،خصوصا الجهوية منها ،كما من شأنه أن يعمق من التكريس الفعلي للديمقراطية
المحلية.
41
تقرير حول الجهوية المتقدمة ،اللجنة االستشارية للجهوية ،المملكة المغربية ،الكتاب األول التصور العام ،ص 41
47
الفقرة الثانية :تداعيات رقابة ممثلي السلطة المركزية على مبدأ التدبير الحر
يتحمل والة الجهات وعمال األقاليم والعماالت ،بصفتهم ممثلي السلطة المركزية في الجماعات الترابية،
مسؤولية العمل باسم الحكومة على تأمين تطبيق القانون وتنفيذ نصوصها التنظيمية ومقرراتها .ويساعدون رؤساء
الجماعات الترابية ،وخاصة رؤساء المجالس الجهوية ،على تنفيذ المخططات والبرامج التنموية ،باإلضافة إلى
تنسيقهم ،تحت سلطة الوزراء المعنيين ،أنشطة المصالح الالممركزة لإلدارة المركزية وسهرهم على حسن سيرها،
وذلك في إطار ال ينفصل عن دورهم المنوط بهم في ممارسة المراقبة اإلدارية داخل داخل مجال اختصاصاتهم
الترابية.
وقد سار المشرع الدستوري في اتجاه األخذ بمقترحات اللجنة االستشارية المكلفة بالجهوية المتقدمة التي طالبت
بإعادة النظر في المفهوم التقليدي للوص اية والعمل على تقوية وتقييم المراقبة البعدية ،مقابل الحد من المراقبة القبلية
والمراقبة المالئمة ،في إطار يتسم بالحفاظ على المراقبة القضائية للشرعية ،شريطة أال يترتب على اللجوء إلى
القضاء توقيف التنفيذ ،إال بقرار من المحكمة المختصة ،42في أفق تكريس النظرة الحداثية للمراقبة اإلدارية
43
ومرونتها.
لكن ،بالعودة إلى مقتضيات القوانين التنظيمية الترابية ،وبخاصة منها ما يرتبط بالحضور الرقابي لممثلي
السلطة الحكومية على مجالس الجماعات الترابية ونظامها الداخلي وسير عملها ،يستخلص أن امتياز تدخالت ممثلي
الوالة والعمال على مستوى الجماعات الترابية بالمشروعية في بعض المجاالت ،يؤدي بالممارسات ،التي ال زالت
تفرضها سلطات المراقبة ،إلى الحد وبكيفيات متعددة من قدرة المجالس الترابية على القيام بواجباتها وانعكاس ذلك
سلبا على تفعيل ما تناط به من اختصاصات يفترض فيها التوافق مع الجوهر الحقيقي لمبدأ التدبير الحر الذي أقره
44
الفصل 251من الدستور.
وهو ما يمكن استجالئه بشكل واضح من خالل ضرورة موافقة الوالي أو العامل في ظرف 0أيام على األنظمة
الداخلية للمجالس الترابية بعد إحالتها رفقة مقرر تداولها ،إلى المسؤول منهما عن دائرته الترابية ،وجوبا من طرف
رئيس المجلس المعني ،الذي يتلقى تعليال عن تعرض الوالي أو العامل على كل نقطة مدرجة في جدول أعمال
42
سيدي موالي أحمد عيالل ،مرجع سابق ،ص 13
43
محمد الماحي ،مرجع سابق ،ص 316
44
سيدي موالي أحمد عيالل ،مرجع سابق ،ص 11
48
دوراته الذي يتوجب تبليغه به 11يوما على األقل قبل انعقاد الدورة ،بحيث يتأتى له بحكم القانون ،إدراج نقط
إضافية إما ذات طابع اقتراحي أو ذات طابع استعجالي ،يشعر بها رئيسا مجلسي الجهة والعمالة أو اإلقليم ،وكذلك
هو الحال لرئيس مجلس الجماعة الذي يشعر أيضا من طرف من ينوب عن العامل ،وذلك داخل أجل 0أيام ،ابتداء
من تاريخ توصل ممثل السلطة الحكومية بجدول األعمال ،والذي له ،عند االقتضاء ،حق إحالة تعرضه إلى القضاء
االستعجالي بالمحكمة اإلدارية للبت فيه ،بموجب حكم قضائي ونهائي داخل أجل 40ساعة ،ابتداء من تاريخ
التوصل به ،بل ويكفي إحالته دون البت فيه لمنع المجالس الترابية ،تحت طائلة البطالن ،من التداول في النقط
موضوع التعرض ،على أساس تطبيق اإلجراءات التأديبية ،من عزل لألعضاء أو توقيف أو حل المجلس حسب
الحالة ،بحق كل من تعمد اإلخالل بأحكام مواد باب النظام األساسي للمنتخب المدرج في هذه القوانين التنظيمية التي
تفرض على رؤساء المجالس في حالة رغبتهم التخلي عن مهامهم الرئاسية ،تقديم استقالتهم وجوبا إلى الوالة أو
العمال أو من ينوب عنهم ،بالنسبة الستقالة رؤساء مجالس الجماعات ،ليسري أثرها بعد انصرام أجل 22يوما،
فضال عن ذلك ،تجيز القوانين التنظيمية الترابية ،أيضا للوالي والعامل ،تكريسا لسلطاتهما التقديرية ،إمكانية
طلب انعقاد اجتماعات المجالس المحلية الثالثة بشكل ال يسمح للعموم بحضوره ،طالما تبين لهما أن هذا اإلجراء
سيحافظ على النظام العام ،األمر الذي يتعزز في حالة إذا كانت مصالح مجالهما الترابي مهددة ألسباب تمس بحسن
سير المجلس ،بحيث يجوز لهما إحالة األمر إلى المحكمة اإلدارية من أجل حل المجلس ،سواء في هذه الحالة أو في
حالة رفض المجلس االمتثال إلعذار الوالي أو العامل الموجه بناء على طلب رؤساء المجالس المتضمن ل :
-رفض مجالسهم الترابية القيام باألعمال المنوطة بهم بمقتضى هذه القوانين التنظيمية والقوانين واألنظمة الجاري
بها العمل،
-رفضهم التداول واتخاذ المقرر المتعلق بالميزانية أو بتدبير المرافق العمومية التابعة لكل مجلس على حدى،
-وقوع اختالل في سير المجالس من شأنه تهديد سيرها الطبيعي ،وذلك بعد مرور شهر على استمرار االختالل،
ابتداء من تاريخ توجيههم اإلعذار ،أو إذا استمرت المجالس في رفضها القيام بالمتعين.
49
وللوال ي والعامل أيضا ،في إطار الحفاظ على السير العادي لمجالهما الترابي ،الحق في الحلول محل رؤساء
المجالس الممتنعين عن القيام باألعمال المنوطة بهم ،وذلك بموجب حکم قضائي نهائي يقر حالة االمتناع داخل أجل
40ساعة من تاريخ تسجيل السلطة الحكومية المكلفة بالداخلية داخل دائرة اختصاصها بالجهة والعامل في العمالة
أو اإلقليم والجماعة ،طلب اإلحالة على كتابة ضبط القضاء االستعجالي بالمحكمة اإلدارية ،على أساس عدم اإلحالة
القضائية قبل مرور 9أيام بالنسبة للجماعات و 21أيام بالنسبة للعماالت واألقاليم و 22يوما بالنسبة للجهات ،من
تاريخ مطالبة رؤساء المجالس الممتنعين بمزاولة مهامهم المنصوص عليها قانونا.
وفيما يتعلق بالرقابة المالية للجماعات الترابية ،فإنه بالرغم من اعتبار رؤساء المجالس الترابية آمرين بقبض
مداخيل حيزهم الترابي وصرف نفقاته ،إال أن ذلك يقتضي من السلطة الحكومية المكلفة بالداخلية بالنسبة للجهة
والعامل بالنسبة للعمالة أو اإلقليم والجماعة ،مع مراعاة أحكام الفقرة األخيرة من المادة 211من القانون التنظيمي
الخاص بالعماالت واألقاليم والمادة 220من القانون التنظيمي الخاص بالجماعات والمادة 222من القانون
التنظيمي المتعلق بالجهات ،أن يؤشروا على الميزانية في تاريخ أقصاه 11نوفمبر ،وإال تقوم السلطة الحكومية
المكلفة بالداخلية قبل فاتح يناير بوضع ميزانية التسيير للوحدات الترابية على أساس آخر ميزانية مؤشر عليها ،آخذة
في عين االعتبار تطور تكاليف وموارد الجماعة والعمالة أو اإلقليم والجهة ،وذلك بعد طلب استفسارات من رؤساء
مجالسهم.
ودائما ،في سياق السلطة التقديرية للسلطة الحكومية المكلفة بالداخلية في الجهة والعامل في الجماعة والعمالة أو
-وتسجيل النفقات المشار إليها في المادة 202من القانون التنظيمي الخاص بالجماعات والمادة 294من القانون
50
فإن القوانين التنظيمية للوحدات الترابية منحتهم حق رفض التأشير على الميزانية ،بغض النظر عن وجوب
إبالغهم أسباب الرفض لرؤساء المجالس المعنية ،في أجل ال يتعدى 22يوما ،ابتداء من تاريخ توصل ممثلي
45
الفقرة الثالثة :أثر التداخل القانوني لالختصاصات الترابية على المبادئ الدستورية
تتأسس الجماعات الترابية في حدودها الجغرافية ،تبعا العتبارات تاريخية وسوسيو قبلية وثقافية ومؤسساتية أو
سعيا لتحقيق تعاون وتكامل بين مكونات المنطقة ،وبذلك فهي تتمتع باختصاصات ذاتية وأخرى مشتركة مع الدولة
وثالثة تنقل إليها من لدنها ،وذلك في حدود توفرها على موارد مالية ذاتية وأخرى ترصدها لها الدولة ،من أجل بلوغ
أهدافها الدستورية في تحقيق النهوض بالتنمية المندمجة والمستدامة والتنمية االجتماعية وتقديم خدمات القرب التي
أنيطت بكل جماعة ترابية وفق صالحياتها وإمكاناتها ،ارتكازا على مبدئي التدبير الحر والتفريع.
لقد سلكت القوانين التنظيمية للجماعات الترابية هذا النهج في تبيان االختصاصات الممنوحة لكل منها ،بحيث
تمارس الجهة اختصاصاتها الذاتية في مجال التنمية الجهوية؛ وتعد برنامجها التنموي وتتابع تنفيذه إلى جانب
التصميم الجهوي إلعداد التراب .وذلك بعد وضعه تحت إشراف رئيس مجلسها ،خالل السنة األولى من مدة
االنتداب ،يتضمن تحديد األعمال التنموية المقرر برمجتها أو إنجازها بمجالها الترابي لمدة 1سنوات ،يخضع
بالتزامن معها برنامج التنمية الجهوية للتحيين والتقييم ،اعتبارا لنوعية هذه األعمال وتوطينها وكلفتها الرامية لتحقيق
تنمية مستدامة وفق منهج تشارکی يأخذ بعين االعتبار ضرورة التنسيق مع والي الجهة ،ويواكب التوجهات
االستراتيجية لسياسة الدولة ويعمل على بلورتها جهويا ،ويراعي إدماج التوجهات الواردة في التصميم الجهوي
إلعدا د التراب ،وااللتزامات المتفق بشأنها بين الجهة والمقاوالت العمومية والقطاعات االقتصادية واالجتماعية
الجهوية والجماعات الترابية األخرى ،والتي تتبع نفس الخطوات كل في مجال اختصاصها وفي نفس المدة الزمنية
لالنتداب ،وبناء على نفس االعتبارات ،تحت إشراف رئيسي مجلسيهما ،بالنسبة للعمالة أو اإلقليم التي يضع مجلسها
برنامج تنميتها لتحقيق استدامتها وفق نفس المنهج المتبع أثناء التقرير والتتبع والتقييم وبتنسيق مع عامل العمالة أو
اإلقليم على مستواها ومستوى الجماعة التي يحق لمن ينوب عنه أيضا ،القيام بمهمته في التنسيق بشأن برنامج عملها
45
سيدي موالي أحمد عيالل ،مقاربة نقدية للقوانين التنظيمية الترابية ،مجلة مسالك في الفكر والسياسة واالقتصاد ،العدد ،14-11السنة ،33مطبعة النجاح
الجديدة ،ص 13وما بعدها
51
الذي يضعه مجلسها ،والمتضمن لتحديد األعمال التنموية المقرر إنجازها خالل نفس المدة المحددة بست سنوات لدى
الجماعات الترابية األخرى ،أو المساهمة فيها بترابها ،انسجاما مع توجهات برنامج التنمية الجهوية ،على أساس
إلزامية تضمين برنامج العمل تشخيصا لحاجيات وإمكانيات الجماعة وتحديد أولوياتها وتقييمها لمواردها ونفقاتها
التقديرية الخاصة بالسنوات الثالث األولى ،مع األخذ بعين االعتبار مقاربة النوع ،مثلها في ذلك مثل العماالت أو
األقاليم والجهة التي يتكلف مجلسها تحت إشراف رئيسها ،بوضع التصميم الجهوي إلعداد التراب ،وفق القوانين
المعتمدة على المستوى الوطني وبتشاور مع الجماعات الترابية األخرى واإلدارات والمؤسسات العمومية وممثلي
القطاع الخاص المعنيين بتراب الجهة ،وبمساعدة الوالي في تنفيذه ،سيما وأنه يعتبر وثيقة مرجعية للتهيئة المجالية
لمجموع التراب الجهوي ،تحدد مسطرة إعداده وتحيينه وتقييمه بنص تنظيمي.
ويهدف التصميم الجهوي ،على وجه الخصوص ،إلى تحقيق التوافق بين الدولة والجهة حول تدابير تهيئة
المجال وتأهيله وفق رؤية استراتيجية واستشرافية تسمح بتحديد توجهات واختيارات التنمية الجهوية ،تأسيسا على
وضعه إطارا عاما للتنمية الجهوية المستدامة والمنسجمة بالمجاالت الحضرية والقروية ،وتحديده لالختيارات
المتعلقة بالتجهيزات والمرافق العمومية الكبرى المهيكلة على مستوى الجهة ،فضال عن تحديده لمجاالت المشاريع
وعلى هذا األساس ،تشمل االختصاصات الذاتية للجهة ،التنمية االقتصادية والتكوين المهني والتكوين المستمر
والشغل والتنمية القروية والنقل والثقافة والبيئة ،في حين تختص العمالة أو اإلقليم داخل نفوذها الترابي بحق ممارسة
اختصاصاتها في ميادين النقل المدرسي في المجال القروي وانجاز وصيانة المسالك القروية ووضع وتنفيذ برامج
للحد من الفقر والهشاشة وتشخيص الحاجيات في مجاالت الصحة والسكن والتعليم والوقاية وحفظ الصحة وتشخيص
وبغية إعداد الجماعة لبرنامج عملها ،تمدها اإلدارة والجماعات الترابية األخرى والمؤسسات والمقاوالت
العمومية بالوثائق المتوفرة والمتعلقة بمشاريع التجهيز المراد إنجازها في حيزها الجغرافي ،والذي تقوم على مستواه
بإحداث المرافق والتجهيزات العمومية في إطار ال يخرج عن مهامها المحصورة في تقديم خدمات القرب التي ال
تتجاوز توزيع الماء الصالح للشرب والكهرباء ،النقل العمومي والحضري ،اإلنارة العمومية ،التطهير السائل
والصلب ومحطات معالجة المياه العامة ،تنظيف الطرقات والساحات العمومية وجمع النفايات المنزلية والمشابهة لها
52
ونقلها إلى المطارح ومعالجتها وتثمينها ،السير والجوالن وتشوير الطرق العمومية ووقوف العربات ،حفظ الصحة،
نقل المرضى والجرحى ،نقل األموات والدفن ،إحداث وصيانة المقابر ،األسواق الجماعية ،معارض الصناعة
التقليدية وتثمين المنتوج المحلي ،أماكن بيع الحبوب ،المحطات الطرقية لنقل المسافرين ،محطات االستراحة ،إحداث
وصيانة المنتزهات الطبيعية داخل النفوذ الترابي للجماعة ومراكز التخييم واالصطياف : .كما تقوم الجماعة ،دائما
في إطار اختصاصاتها الذاتية ،بموازاة مع فاعلين آخرين من القطاع العام أو الخاص بإحداث أسواق البيع بالجملة،
-السهر على احترام االختيارات والضوابط المقررة في مخططات التهيئة العمرانية وتصاميم التهيئة والتنمية وكل
-الدراسة والمصادقة على ضوابط البناء الجماعية ،طبقا للقوانين واألنظمة الجاري بها العمل،
-تنفيذ مقتضيات تصميم التهيئة ومخطط التنمية القروية بخصوص فتح مناطق جديدة للتعمير وفقا لكيفيات وشروط
تحدد بقانون،
-وضع نظام العنونة المتعلق بالجماعة ،يحدد مضمونه وكيفية إعداده وتحيينه بموجب مرسوم يتخذ باقتراح من
تنص القوانين التنظيمية الترابية مجتمعة ،على أن هذا الصنف من االختصاصات يمارس من طرف الوحدات
الترابية بشكل تعاقدي ،إما بمبادرة من الدولة أو بطلب من الجهة والعمالة أو اإلقليم والجماعة ،كما يمكنها ،وفق
ذات األسلوب التعاقدي بمبادرة من كل وحدة ترابية واعتمادا على مواردها الذاتية أن تتولى كل واحدة تمويل أو
تشارك في تمويل إنجاز مرفق أو تجهيز أو تقديم خدمة عمومية ال تدخل ضمن اختصاصاتها الذاتية ،إذا تبين أن هذا
وتنصب اختصاصات الجهة ،ضمن هذا المستوى ،على التنمية االقتصادية والتنمية القروية والتنمية االجتماعية
والمحافظة على البيئة وحماية كل ما يتعلق بها ،من موارد طبيعية ومائية ومنظومة غابوية واالعتناء بالثقافة المحلية
53
والتراث الجهوي وصيانة آثارها وإنعاش السياحة ،في حين تمارس العمالة أو اإلقليم اختصاصاتها المشتركة بينها
وبين والدولة في مجاالت تأهيل العالم القروي على مستوى الصحة والتكوين والبنيات التحتية والتجهيزات الالزمة،
تنمية المناطق الجبلية والواحات ،اإلسهام في تزويد العالم القروي بالماء الصالح للشرب والكهرباء ،برامج فك
العزلة عن العالم القروي ،المساهمة في إنجاز وصيانة الطرق اإلقليمية ،التأهيل االجتماعي في الميادين التربوية
بينما تمارس الجماعة اختصاصاتها وفقا للشراكة القائمة بينها وبين الدولة ،في مجاالت تنمية االقتصاد المحلي
وإنعاش الشغل ،المحافظة على خصوصيات التراث الثقافي المحلي وتنميته ،القيام باألعمال الالزمة إلنعاش وتشجيع
االستثمارات الخاصة ،وال سيما إنجاز البنيات التحتية والتجهيزات والمساهمة في إقامة مناطق لألنشطة االقتصادية
وتحسين ظروف عمل المقاوالت ،وذلك في حدود إمكانياتها ،المساهمة في إنجاز واحداث دور للشباب والحضانة
ورياض األطفال والمراكز النسوية ودور العمل الخيري ومأوى العجزة والمراكز االجتماعية لإليواء والترفيه
والمركبات الثقافية والمكتبات الجماعية والمتاحف والمسارح والمعاهد الفنية والموسيقية والمعاهد والمركبات
والميادين والمالعب الرياضية والقاعات المغطاة وإحداث المسابح ومالعب سباق الدراجات والخيل والهجن
والمحافظة على البيئة ،وتدبير ساحل نفوذها الترابي ،طبقا للقوانين واألنظمة الجاري بها العمل وتهيئة الشواطئ
والممرات الساحلية والبحيرات وضفاف أنهار حيزها الترابي وصيانة مدارس التعليم األساسي وصيانة
المستوصفات الصحية التابعة لنفوذها وصيانة الطرقات الوطنية العابرة لمركزها ومجالها الحضري وبناء وصيانة
الطرق والمسالك الجماعية ،والتأهيل والتثمين السياحي للمدن العتيقة والمعالم السياحية والمواقع التاريخية.
يقتضي هذا النوع من االختصاصات وفقا لمنطوق القوانين التنظيمية الترابية الثالثة ،مراعاة مبدأ التدرج
والتمايز بين كل الوحدات الترابية عند نقل االختصاصات إليها بأصنافها الثالثة من لدن الدولة ،وتحدد مجاالتها
اعتمادا على مبدأ التفريع الذي يمنح الجهة بصفة خاصة ،االختصاص في مجاالت التجهيزات والبنيات التحتية ذات
البعد الجهوي والمرتبطة بالصناعة والصحة والتجارة والتعليم والثقافة والرياضة والطاقة والماء والبيئة" .ويمنح
كذلك للجماعة اختصاصات تشمل حماية وترسيم المآثر التاريخية والتراث الثقافي والحفاظ على المواقع الطبيعية
وإحداث وصيانة المنشآت والتجهيزات المائية الصغيرة والمتوسطة .في مقابل ذلك ،تمارس العمالة أو اإلقليم
54
االختصاصات ذاتها في مجال التنمية االجتماعية وإحداث وصيانة المنشآت المائية الصغرى والمتوسطة ،خاصة
بالوسط القروي.
إن الهدف من دسترة الجهات والجماعات الترابية األخرى ،يؤشر على أهمية البعد الترابي في التنظيم اإلداري
المغربي لدى المشرع الدستوري ،سيما وأنه يسعى لتوطيد أسس ديمقراطية محلية تمنح صالحيات واسعة للنظام
الالمركزي بعيدا عن الوصاية المركزية ،إال أن تحقيق ذلك الهدف وما يرتبط به من مؤهالت إصالحية ال زالت
تعتريهما بعض الشوائب التي اتصل بطريقة أو أخرى بالتوجهات العامة التي ستحکم مسار العمل المحلي ،من حيث
السبل واإلمكانيات واألهداف ،في ظل قوانين تنظيمية ،تتسم بعض مقتضياتها بنوع من الغموض والعمومية في
الطرح المتعلق بالتنمية المحلية والمجالية ،األمر الذي يبرز معه عمق التداخل في الحدود الجغرافية للجماعات
الترابية التي تخضع المستوى األدنى للمستوى األعلى منه ،بالرغم من التنصيص الدستوري على استقاللية كل وحدة
ترابية ماليا وإداريا عن األخرى مع عدم السماح لممارسة الوصاية على بعضها البعض ،مما سيؤدي إلى انخراط
الجماعات الترابية بمستوياتها الثالثة في مسلسل المنازعات المجالية واألحقية في ممارسة االختصاصات
أضف إلى ذلك ،إشكالية عدم تطابق إحالة القوانين التنظيمية المتعلقة بالجهات والجماعات الترابية األخرى على
القانون التنظيمي رقم 22-21المتعلق بانتخاب أعضاء مجالس الجماعات الترابية ،سيما بعد موافقة مجلس النواب
مؤخرا على قانون تنظيمي رقم 22.54قضى بتتميمه وتغييره ،مما يستوجب من باب االجتهاد ،انتباه المجلس
الدستوري إلى ما سيترتب عن ذلك من إشكاالت قد تمس من دستورية االنتخابات المحلية بأصنافها الثالثة ومن ثم
عدم تمكن المجالس المنتخبة من أداء مهامها وممارسة اختصاصاتها تحت طائلة البطالن.
وعلى هذا األساس ،فإن أهمية البعد الترابي في التنظيم اإلداري المغربي يتطلب بذل المزيد من الجهد لتفسير
المقتضيات القانونية الترابية بما يتوافق وروح الدستور وتبويبها ضمن منظومة جامعة وموحدة ،تلتزم بتوضيح
ا الختصاصات والصالحيات شكال ومضمونا وتضبط حدود المتدخلين في التدبير الترابي ،ضمانا لسير المجالس
المنتخبة بشكل عادي واعتيادي ،مع مراعاة الدور الريادي للقضاء االستعجالي في حل المنازعات الترابية وعقلنة
55
المطلب الثاني :تقوية الديمقراطية التمثيلية وضمان مبدأ التشاركية
اعتمد الدستور المغربي على تقنية االقتراع المباشر كمستجد جاء به ونص عليه في الفصل ،252بتأكيده على
االقتراع العام المباشر النتخاب مجالس الجهات كآلية ديمقراطية في تدبير الشأن الجهوي ،وهي نفس التوصية التي
كان خرج بها تقرير اللجنة االستشارية للجهوية من خالل تبني نمط اقتراع يضمن أكثر ما يمكن من الشفافية ودرجة
معقولة من قرب المنتخبين الجهويين من الناخبين ،وهو مقترح يرمي إلى تقوية التمثيلية وضمان الديمقراطية
أصبحت اليوم الضرورات التنموية تلح على إيجاد مؤسسة جهوية فاعلة تتحرك في مجال ترابي متجانس ثقافيا
واجتماعيا واقتصاديا ،كما أن وجود أجهزة ومؤسسات جهوية فاعلة وديمقراطية تخدم الشأن الجهوي بحيوية
وحماسة تنموية ،مرهون إلى حد كبير بطبيعة اآلليات التي تشكل روافد المؤسسات الجهوية.47
في هذا اإلطار ،تعد آلية االنتخاب هي اآللية الديمقراطية التي تضمن تمثيلية السكان ومشاركتهم وتحيط
مؤسسات الجهوية بالشرعية .وهكذا ،وحتى تكون بالفعل قطبا لالمركزية وتجسيدا للديمقراطية المحلية ،يكون لزاما
في هذا السياق ،هدف كل من المشرع الدستوري والمشرع التنظيمي من اعتماد أسلوب االقتراع العام المباشر
في اختيار أعضاء مجالس الجهات والجماعات إلى تحقيق الديمقراطية المحلية ،ألنه أسلوب يسمح لساكنة الجهات
والجماعات الترابية في تقرير وحسم مختلف قضاياهم بنفسهم وبدون وسائط ،ويحقق هذا النوع من الديمقراطية مبدأ
السيادة الشعبية التي تعتبر الشعب مصدر السلطة .كما سيساعد اعتماد أسلوب االقتراع العام المباشر في تدبير الشأن
االنتخابي للجهات والجماعات الترابية على االرتقاء بإحساس المواطن بقيمة نفسه ورأيه ومدى تأثيره في تفعيل
إن اعتماد أسلوب االنتخاب المباشر الذي طالبت به غالبية األحزاب السياسية ،وأوصى به الفاعلون السياسيون
ونص عليه تقرير اللجنة االستشارية الجهو ية ،والذي استجاب له الدستور ،ال يعد مسألة تقنية فقط ،بل يؤدي ،من
46
فيصل بيجي ،أي مستجدات على ضوء مشروع القانون التنظيمي للجهات بالمغرب ،المجلة االلكترونية ،المفكرة القانونية ،أبريل ،3132
www.legalagenda.com à 19h22min
47
محمد األعرج ،الجهوية المتقدمة :اآلليات األولية ،المجلة المغربية للسياسات العمومية ،العدد ،3131 ،9ص 31
48
كريم لحرش ،الدستور الجديد للمملكة المغربية :شرح وتحليل ،مرجع سابق ،ص 391
56
جهة ،إلى "منح مصداقية للرهانات السياسية الجهوية وتكريس سلطة جهوية أصلية ،وبالتالي إلى تقوية شرعية
الممثلين السياسيين الجهويين " .49ومن جهة أخرى ،سيدفع إلى تعلق السكان بالمؤسسة الجهوية ،عبر التظاهرات
التي تحيط بانتخاب المستشارين الجهويين والرهانات التي تمثلها،وسيسمح بأن يكون للجهة وظيفة خاصة ورؤية
جهوية لمواجهة مشاكلها ،وسيمنعها من أن تكون مجرد فيدرالية للمصالح اإلقليمية ،مما يعد معطی جديدا لتكريس
الشرعية الديمقراطية.
وبتبني هذا القانون التنظيمي لمبدأ االقتراع العام المباشر ،من خالل المادة التاسعة ،يكون قد سار في منحى
تكملة وتنزيل المقتضيات الدستورية ،ومن جهة أخرى ،أعاد النظر في تركيبة المجالس الجهوية التي كان ينظر إليها
على أنها كتل غير متجانسة وغير متضامنة ،بالنظر لتركيبتها المتنوعة التي تتكون من أعضاء تختلف مصادر
انتخابهم.
لكن ،وبالمقابل ،إذا كان المشرع الدستوري لم يكن صريحا في مسألة اختيار رئاسة الجهة ،حيث اقتصر فقط
على كيفية انتخاب مجالس الجهات والجماعات "تنتخب مجالس الجهات والجماعات باالقتراع العام المباشر "،
وترك األمر للقانون التنظيمي ،باعتباره مكمال للدستور ،فإن المشرع التنظيمي ،في هذا األمر ،تبنى طريقة الترشيح
لرئاسة الجهة من بين األعضاء المرتبين على رأس لوائح المترشحين ،والتي فازت بمقاعد داخل المجلس المعني،
ويستتبع أنه إذا كانت المادة 1من القانون التنظيمي منسجمة مع الفصل 252من الدستور ،فقد كان من
ومبدأ وحدة النص الدستوري في هذه المسألة ،خصوصا وأن المشرع التنظيمي أخذ بهذا المبدأ فعال عندما نص
على المادة ،51حيث خصص رئاسة إحدى اللجان الدائمة في المجلس للمعارضة ،تماشيا مع الفصل العاشر من
وبالتالي ،كان عليه أيضا أن يخطو منحى الفصل 49من الدستور الذي ينص على أن الملك يعين رئيس
الحكومة من الحزب السياسي الذي تصدر االنتخابات .وعليه ،وتماشيا مع هذا المبدأ ،يتم اختيار رئاسة الجهة من
49
فيصل بيجي ،أي مستجدات على ضوء مشروع القانون التنظيمي للجهات بالمغرب ،المجلة االلكترونية ،المفكرة القانونية ،أبريل ،3132
www.legalagenda.com à 19h22min
57
الالئحة التي حصلت على الرتبة األولى ،مما سيضفي على هذه االنتخابات مبدأ طالما ردده مجموعة من المهتمين،
في إطار احترام الشرعية الشعبية التي فوض لها الدستور حق االقتراع المباشر ألعضاء مجلس الجهة .بهذا
المقتضى "سنتجاوز ذلك المسلسل االنتخابي الذي يستغرقه انتخاب الرئيس ويؤدي إلى اضطرابات بالنسبة للوائح،
خاصة التي ستقصى من السباق ،نظرا لعدم توفرها على األصوات المرشحة لذلك ،السيما وأن المرحلة األخيرة
ستحسم باألغلبية النسبية ،إذا تعلق األمر بمرشحين فقط بعد إبعاد اآلخرين ،وهذا استهتار باختيار الشعب ،وغير
كانت السلطة المركزية خالل مختلف العقود السالفة هي المستأثرة بمسلسل إعداد السياسات العامة وتنفيذها.
وعليه ،أثبتت "الديمقراطية التمثيلية ،من خالل النخب البرلمان وفي المجالس الترابية محدوديتها في اإلجابة عن
مختلف توقعات المواطنين والمواطنات وتطلعاتهم" .51وقد حاول الدستور الحالي معالجة هذه اإلشكالية ،بهدف الحد
من المخاطر على التوازن المؤسساتي ،والحد من الفجوة المتسعة بين السياسيين والمواطنين ،من خالل تبني
نصوص دستورية صريحة تجعل من الديمقراطية التشاركية منهجا جديدا إلعادة ترتيب العالقة بين الدولة
والمواطنين ،ومدخال أساسيا لضمان مشاركة فاعلة للمواطنين والمواطنات والناس في السياسات العمومية ،وهو ما
52
أوال :الديمقراطية التشاركية؛ منهج استراتيجي إلعادة بناء المجال الترابي
نصت ديباجة دستور 1122على أن الهدف يكمن في تأسيس دولة حديثة ،مرتكزاتها ،المشاركة والتعددية
والحكامة الجيدة ،ونصت الفقرة الثانية من الفصل األول على أن النظام الدستوري للمملكة يقوم على أساس فصل
السلطات وتوازنها وتعاونها والديمقراطية المواطنة والتشاركية وعلى مبادئ الحكامة الجيدة وربط المسؤولية
بالمحاسبة.
50
فيصل بيجي ،أي مستجدات على ضوء مشروع القانون التنظيمي للجهات بالمغرب ،مرجع سابق
51
محمد الغالي ،دستور المملكة المغربية لسنة 3133في ضوء الربيع العربي :جدلية الثابت والمتحول،قضايا راهنة في الفكر العربي الحديث ،العدد ،3131 ،4
ص 333
52
عبد الحق بلفقيه ،قراءة دستورية في القانون التنظيمي للجهات ،مجلة مسالك فب الفكر والسياسة واالقتصاد ،مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء ،السنة ،33
العدد ،14-11
58
في هذا السياق ،ألزم النص الدستوري مجالس الجهات والجماعات الترابية األخرى ،من خالل الفصل 251من
الدستور ا لمغربي بوضع آليات تشاركية للحوار والتشاور ،لتيسير مساهمة المواطنات والمواطنين والجمعيات في
إعداد برامج التنمية وتتبعها ،وهو األمر الذي سار عليه القانون التنظيمي للجهات تكملة وتنزيال للدستور ،حيث نص
في بابه الرابع على "اآلليات التشاركية للحوار والتشاور" من القسم الثالث في المادة 221على إحداث مجالس
الجهات آليات تشاركية للحوار والتشاور ،وفي المادة 229حين نص على إحداث ثالث هيئات استشارية لدى
مجلس الجهة ،مما يجعل من األمر مبتغى "يجعل من الحكامة التشاركية في التدبير التنموي للجماعات الترابية أحد
ركائز التأهيل المؤسساتي للشأن الجهوي والترابي بالمغرب ،إذ تنشد وضع حد للسمة االنغالقية التي ظلت تطبع
عمل تصريف الشأن المحلى ،والدعوة لمقومات التدبير التشاركي القائم على ميكانيزمات االنفتاح والتواصل
واإلسهام الفعلي لمجموعة من القوى الحية تتصدرهم الساكنة ( المواطنات والمواطنين والجمعيات) كشريك أساسي
وتكريسا لهذا التوجه ،جعل المشرع الدستوري الحق في تقديم العرائض مكسبا دستوريا ،باعتباره مظهرا من
مظاهر حرية الرأي والتعبير ،وهو عمل يتم على أساسه توجيه االلتماس إلى السلطة العمومية أمال في الحصول
على اإلجابة ،أو مطالبة األفراد السلطات العمومية إبداء رأي حول موضوع معين أو تقديم مالحظات في األمور
التي تتعلق بهم بشكل فردي أو تلك التي لها عالقة بالشؤون العامة .كما يعتبر حق تقديم العرائض من بين أهم
الوسائل القانونية التي تتيح للمواطنين والمجتمع المدني من التواصل المباشر مع السلطات العمومية ،وذلك من أجل
إبداء تظلماتهم ،وهو معطى يجعل من ممارسة هذا الحق من بين أهم مظاهر الديمقراطية التشاركية ،التي ترتكز عل
54
في تدبير الشأن العام ،وانخراطهم الفعلي في الحياة السياسية.
وإذا كان حق تقديم العرائض ذو أهمية بالغة ،سواء في إشراك المواطنين في تدبير الشأن العام أو في الحياة
السياسية ،فإن "التجربة المغربية لم تعرف تراكما كبيرا في هذا المجال" ،بحيث أنه وألول مرة تمت دسترة هذا
الحق بشكل صريح مع الدستور المغربي الجديد لسنة ،1122حيث نصت الفقرة الثانية من فصله 251على أنه
يمكن للمواطنات والمواطنين والجمعيات تقديم عرائض ،الهدف منها مطالبة المجلس بإدراج نقطة تدخل في
53
كريم لحرش ،الدستور الجديد للمملكة المغربية :شرح وتحليل ،مرجع سابق ،ص 313
54
كريم لحرش ،الدستور الجديد للمملكة المغربية :شرح وتحليل ،مرجع سابق ،ص 313
59
اختصاصه ضمن جدول أعماله" ،وهو األمر نفسه الذي سعى القانون التنظيمي لتكملته وتوضيح شروط ممارسته،
حين نص في الباب الخامس من القسم الثالث على "شروط تقديم العرائض من قبل المواطنين والمواطنات
والجمعيات" ،حيث نصت المواد ،211 ،212، 211، 221، 220على تعريف العريضة المخصصة في هذا
المجال ،مع تقديم التوضيحات والشروط الالزم توفرها لتقديمها بشكل سليم وقانوني.
ويتطلب ممارسة هذا الحق على مستوى الممارسة العملية توافر نوعين من الشروط ،األول شكلي والثاني
موضوعي.
أ -الشروط الشكلية
إن من بين أهم الشروط الشكلية التي يجب أن تتوفر في العريضة من أجل قبولها ،والتي عرفها القانون
التنظيمي ،من خالل المادة 221ب "كل محرر يطالب بموجبه المواطنات والمواطنون والجمعيات مجلس الجهة
بإدراج نقطة تدخل في صالحياته ضمن جدول أعماله" ،أن يتم توجيهها من قبل من خول له الدستور الحق في
تقديمها ،وهم المواطنات والمواطنين والجمعيات ،لكن هذا التحديد يبقى على إطالقه في حاجة إلى تحديد ،بواسطة
أن توجه العريضة من المواطنات والمواطنين الذين يتمتعون بالحقوق الوطنية فقط ،والبالغين سن الرشد ،أو
• أن يكونوا من ساكنة الجهة المعنية أو يمارسوا بها نشاطا اقتصاديا أو تجاريا أومهنيا؛
• تحديد عدد ال توقيعات التي يمكن أن تتضمنها كل عريضة ،حيث حددها المشرع التنظيمي في 1111ناخب
بالجهة ،موزعين بحسب مقرات إقامتهم الفعلية على عماالت وأقاليم الجهة ،شرط أن ال يقل عددهم في كل عمالة أو
60
أن تكون الجمعية معترفا بها ومؤسسة بالمغرب ،طبقا للتشريع الجاري بها العمل لمدة تزيد على ثالث
أن تكون في وضعية سليمة إزاء القوانين واألنظمة الجاري بها العمل؛
أن يكون مقرها أو أحد فروعها واقعا بتراب الجهة المعنية بالعريضة؛
أن تحمل العريضة إسم ونسب وعنوان ورقم التسجيل في اللوائح االنتخابية ،لكل موقع على العريضة ،مع
إمكانية إضافة شرط تضمين العريضة لرقم البطاقة الوطنية ومكان اإلقامة55؛
تودع العريضة لدى رئيس مجلس الجهة مرفقة بالوثائق المثبتة للشروط المنصوص عليها أعاله مقابل
تحال العريضة من قبل رئيس المجلس إلى مكتب المجلس الذي يتحقق من استيفاءها للشروط الواردة في
المادتين 211أو 212أعاله ،حسب الحالة .في حالة قبول العريضة ،تسجل في جدول أعمال المجلس في
الدورة العادية الموالية ،وتحال إلى اللجنة أو اللجان الدائمة المختصة لدراستها؛
قبل عرضها على المجلس للتداول في شأنها .يخبر رئيس المجلس الوكيل أو الممثل القانوني للجمعية،
في حالة عدم قبول العريضة من قبل مكتب المجلس ،يتعين على الرئيس تبليغ الوكيل أو الممثل القانوني
للجمعية ،حسب الحالة ،بقرار الرفض معلال داخل أجل ثالثة أشهر ،ابتداءا من تاريخ توصله بالعريضة.
يحدد بنص تنظيمي شكل العريضة والوثائق المثبتة التي يتعين إرفاقها بها ،حسب الحالة.
55
كريم لحرش ،الدستور الجديد للمملكة المغربية :شرح وتحليل ،مرجع سابق ،ص 313
61
ب -الشروط الموضوعية
فيما يخص الجانب المتعلق بالشروط الموضوعية لتقديم العريضة ،فإن المشرعين الدستوري والتنظيمي حددوا
أن ال يمس موضوع العريضة بالثوابت المنصوص عليها في الفصل األول من الدستور؛
الهدف من العرائض -المحدد دستوريا -هو طلب إدراج نقطة في جدول أعمال المجلس
ف " األصل أن جدول أعمال المجلس يعده الرئيس بتعاون مع أعضاء المكتب ،كما يتم إبالغه إلى السلطة
اإلدارية المحلية ال مختصة التي يمكنها أيضا إدراج مسائل تعتزم عرضها على المجلس ،وهنا يتضح أن العرائض
يمكن إرسالها إلى رئيس المجلس أو إلى السلطات المحلية " .56باإلضافة إلى أن الهدف من هذه العرائض محدد في
مطالبة المجلس بإدراج نقطة في جدول أعماله ،فإن موضوعها محدد بشكل أدق ،حيث أن تقديم العريضة ال يجب
أن يكون موضوعها خارج اختصاص هذه المجالس ،وإال سيكون مصيرها الرفض.
ما يعنيه تبني الديمقراطية التشاركية كمنهج جديد في اإلدارة والحكم ،من خالل دستور ،1122هو االستفادة
تعتبر الديمقراطية التشاركية نظاما منهجيا في مجال التنمية ،يمكن األفراد والجماعات ،عبر مسلسل
مؤسساتي تواصلي من تحديد حاجاتهم وأهدافهم والتزاماتهم على المستوى المحلي أو المجالي .ويؤدي هذا
المسلسل إلى قرارات مركزة تأخذ بعين االعتبار ،وبحسب اإلمكان ،آراء وتطلعات المجموعات واألطراف
المعنية كافة.
56
كريم لحرش ،الدستور الجديد للمملكة المغربية :شرح وتحليل ،مرجع سابق ،ص 311
57
محمد الغالي ،دستور المملكة المغربية لسنة 3133في ضوء الربيع العربي :جدلية الثابت والمتحول،قضايا راهنة في الفكر العربي الحديث ،العدد ،3131 ،4
ص 333
62
تعتبر الديمقراطية التشاركية نظاما يعمل على تثمين دور الوسطاء االجتماعيين وتفعيله في مسلسل
السياسات العامة.
تعتبر الديمقراطية التشاركية مجموعة من اإلجراءات والوسائل واآلليات الكفيلة بتحقيق مشاركة فعالة
للم واطنين والمواطنات ،بصفتهم المباشرة ،في القرارات العامة التي تهم شؤون حياتهم ،وكانت بزغت إلى
جانب الديمقراطية التمثيلية ،بهدف مصاحبتها وتجاوز بعض النقائص التي أفرزتها تطبيقاتها العملية ،من
أجل تصحيح انحرافاتها وتقويمها ،إذ يكمن الهدف في تعزيز أسس الحكم الصالح (الحكامة) ووسائله.
تعتبر الديمقراطية التشاركية إطارا المساهمة السكان في عملية صنع السياسة على نحو يعزز الثقة بين
الدولة ومختلف مؤسساتها والمواطن ،من أجل التعاون على إعطاء الحلول المناسبة للمشكالت المطروحة
في مختلف مراحل صنع القرار ،حتى تدقيق تدبيره وتقييم نتائجه.
وعليه ،ومن أجل تحقيق مختلف هذه المقاصد ،أعطى دستور 1122مكانة أساسية للمجتمع المدني في مسلسل
السياسات العامة؛ فالفصل 21من دستور 1122نص مباشرة على أن الجمعيات والمنظمات غير الحكومية تساهم
في إطار الديمقراطية التشاركية في إعداد قرارات ومشاريع لدى المؤسسات المنتخبة والسلطات العمومية ،وكذا في
تفعيلها وتقييمها .والسلطات العمومية ملزمة بإحداث هيئات التشاور الكفيلة بتحقيق ذلك الدور .وفي السياق ذاته،
نص الفصل 55على إحداث مجلس استشاري للشباب والعمل الجمعوي .يعمل على تحقيق األهداف التالية:
• توسيع مشاركة الشباب وتعميمها في التنمية االجتماعية واالقتصادية والثقافية والسياسية للبالد.
• مساعدة الشباب على االندماج في الحياة النشيطة والجمعوية ،وتقديم المساعدة إلى أولئك الذين تعترضهم صعوبة
• تيسير ولوج الشباب إلى الثقافة والعلم والتكنولوجيا والفن والرياضة والنشاط الترفيهي،
مع توفير الظروف المواتية لتفتق طاقاتهم الخالقة واإلبداعية في جميع هذه المجاالت
فالفصل 24الجديد اعترف أول مرة صراحة بحق المواطنين والمواطنات بتقديم اقتراحات في مجال التشريع،
ونص الفصل 22الجديد كذلك على حقهم في تقديم عرائض إلى السلطات العمومية كآلية أساسية للتواصل
المؤسساتي بين اإلدارة والمواطنين ،من أجل تحقيق سياسات عامة مندمجة ومتكاملة.
63
وبالتالي ،يتضح من خالل هذه الترسانة القانونية الدستورية أن هناك إرادة قوية ،من حيث إنتاج النصوص التي
تعبر عن المنهجية الجديدة التي تم اعتمادها في الحكم ،لتبني سياسات عامة تنطلق من المواطن وألجله ،وهو ما يتيح
االعتقاد بأن التدبير الجديد العام ينبني على التحرر من المركزية الشديدة في القرارات المتخذة التي تعني المواطنين
والمواطنات .ويكمن التحول إذا ،في المزاوجة النصية بين الديمقراطية التشاركية والتمثيلية في هندسة السياسات
العمومية ،لكن الثابت يكمن في طبيعة الوضع القائم الذي يعكس الثقافة النسقية المحافظة السائدة ،التي تقود بقوة
-لقد نص القانون على ضرورة إحداث مجالس الجماعات آليات تشاركية للحوار والتشاور لتيسير مساهمة
المواطنات والمواطنين والجمعيات في إعداد برامج العمل وتتبعها طبق الكيفيات المحددة في النظام الداخلي
للجماعة ،أبرزها إحداث المجالس الجماعية هيئات استشارية ،بشراكة مع فعاليات المجتمع المدني ،تختص بدراسة
القضايا المتعلقة بتفعيل مبادئ المساواة وتكافؤ الفرص ومقاربة النوع تسمى "هيئة المساواة وتكافؤ الفرص ومقاربة
النوع".
-لقد أصبح من حق كل المواطنات والمواطنين والجمعيات أن يتقدموا ،وفق الشروط المحددة ،بعرائض يكون
الهدف منها مطالبة المجلس بإدراج نقطة تدخل في صالحياته ضمن جدول أعماله .وتسجل وجوبا في جدول
األعمال ،العرائض المقدمة من قبل المواطنات والمواطنين والجمعيات التي تم قبولها ،وفقا ألحكام القانون التنظيمي،
وذلك في الدورة العادية الموالية لتاريخ البت فيها من لدن مکتب المجلس.
وبعد أن تم تحديد أبرز المستجدات الموضوعية األساسية للقانون التنظيمي للجماعات المتفرقة هنا وهناك ،البد
من بعض المالحظات في شكل خالصات على عموم القانون التنظيمي ،وهي كالتالي :
لقد أغرق المشرع المغربي معظم المواد األساسية للقانون التنظيمي للجماعات ،بعبارات تعلق تزيل مقتضياتها إلى
إشعار غير مسمى .وهي مقتضيات كثيرة تم ربطها بصدور مراسيم وقرارات وقوانين في هذا القانون .ومن ثم،
كان باألحرى أن تربط بآجال محددة بدقة ،حتى ال تبقى أحكاما وتدابير هامة منه مجرد حبر على ورق .وقد تمر
سنوات بل عقود دون أن ترى النور تلك المراسيم والقرارات والقوانين .وعالوة على ذلك ،هناك مواد بحاجة إلى
توضيح وتدقيق إلزالة ما يكتنفها من لبس وغموض؛ فمثال تنص المادة 91على أنه "إذا كانت مصالح الجماعة
64
مهددة ألسباب تمس بحسن سير مجلس الجماعة جاز لعامل العمالة أو اإلقليم إحالة األمر إلى المحكمة اإلدارية من
أجل حل المجلس" .فما المقصود بمصالح الجماعة؟ وما المقصود بمهددة ألسباب تمس بحسن سير المجلس؟ فمثل
هذه العبارات العامة والفضفاضة كان ال داعي الستعمالها -ال سيما في مجال تدخل سلطات الوصاية في شؤون
هذا ،وإذا كان القانون التنظيمي للجماعات قد أتى بمستجدات متقدمة نسبيا ،فإنه يشتمل على نقائص وعيوب
وثغرات بالجملة ،ال سيما ما يتعلق منها بالرقابة اإلدارية أو الوصائية كما كانت تسمى سابقا .فمن خالل قراءة
متأنية لهذا القانون التنظيمي ،نجد أن المشرع المغربي ورغم إدخاله للقاضي اإلداري مشرفا على سلطات الوصاية-
قد حافظ على نفوذ العمال والوالة ،حيث خول لهم صالحيات واسعة في التدبير المالي لشؤون الجماعة ،وإمكانيات
كبيرة للتحكم في مصير ميزانيات الجماعات ،عبر آلية الرقابة القبلية ،من خالل اشتراط ضرورة التأشير عليها من
جانبهم قبل أن تدخل حيز التنفيذ .وكذا آلية المراقبة القبلية لشرعية قرارات الرئيس ومقررات المجلس ،فضال عن
إمكانية إدراجهم كل مسألة يريدونها بجداول أعمال دورات مجالس الجماعات التابعة لهم ،وحقهم في االعتراض
على كل مسألة أدرجت بتلك الجداول ،سواء من قبل الرؤساء أو أعضاء المكاتب أو أعضاء المجالس.
إن القارئ لهذه القوانين يجد صعوبة في فهم مقتضياتها ومحتواها وأبعادها ،والسبب في ذلك كونها جاءت
بصيغ فضفاضة وعمومية ،تضفي نوعا من الصعوبة في تحديد المقصود ،مما يفتح الباب لكثرة التأويالت واختالف
االجتهادات ،بحيث قد يحمل االعتقاد أن لكل جماعة محلية إمكانية التدخل بال حدود في كل المجاالت والميادين،
وهو ما سيؤدي إلى تشابك وتداخل واختالف األدوار والى ازدواجيات في إنجاز مختلف المشاريع واالستثمارات
واألشغال وقد يحدث العكس ،بحيث تتقاعس الجماعات عن القيام بوظائفها وممارسة اختصاصاتها ،معتقدة في ذلك
أنها من اختصاصات جماعات أخرى أو هيآت عمومية أخرى .فهذه الصيغة في تحديد االختصاص العام ،كثيرا ما
كانت سببا في سوء تدبير الشأن العام المحلي ،إذ أضاعت فرص حقيقية لالستثمار والتدخل االقتصادي والعمل
التنموي ،كما أن الغموض في االختصاصات الذاتية لمجلس الجماعة قد يؤدي إلى تداخل في االختصاصات مع
وفي الوقت الذي كان الكثيرون ينتظرون من القانون التنظيمي للجماعات أن يشترط ضرورة التوفر على
مستوى تعليمي عالي ،في كل من يتولى منصب الرئيس ،من أجل قطع الطريق على األميين والجهلة ،تجاهل
65
القانون التنظيمي للجماعات بالمرة اإلشارة إلى الموضوع ،فاتحا بذلك باب الرئاسة على مصراعيه في وجه كل من
هب ودب .ومن هنا ،فإن واقع الحال سيفرض ال محالة إذا تم اإلبقاء على هذا الفراغ القانوني وبشكل أكبر حدة
وتأسيسا على ما سبق ،يمكن القول أن القانون التنظيمي للجماعات إذا كان قد جاء بمستجدات متقدمة نسبيا،
مقارنة مع الميثاق الجماعي السابق ،فإنه في المقابل يشتمل ولألسف الشديد على نقائص وثغرات وعيوب دقيقة
وعميقة ،وبالتالي قد تفرغ تلك العيوب نظام الالمركزية الترابية من معناه الحقيقي.
66
خاتمة
إن المقتضيات القانونية التي جاءت بها القوانين التنظيمية للجماعات الترابية -ورغم السلبيات التي تنطوي عليها -
فهي ال يمكن القول أنها سلبية بشكل مطلق ،وإنما هي محاولة لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ،وهي عرضة
الختبار الممارسة العملية ،ومفتوحة على كل االحتماالت في المستقبل .بل يمكن القول تفاؤال أن القانون التنظيمي
للجماعات ،وإلى جانبه كل من القانون التنظيمي للعماالت واألقاليم والقانون التنظيمي اللجهات ،ال يمكن أن يكون إال
عمال تنمويا ،يتوخى بلوغ الحكامة الترابية في كل أبعادها ومستوياتها ،كمدخل لإلصالح بمفهومه الشامل ،وهو ما
يمكن أن يساهم في خلق شروط حقيقية للخروج من التخلف واألزمة المحلية ،ولمواجهة اإلكراهات ومجابهة
التحديات المحلية والوطنية .إال أن ذلك وفي المقابل يتوقف بالدرجة األولى على التطبيق والممارسة ،وما يمكن أن
تفرزه من مشاريع وخطط جدية وتفان في بلوغ األهداف المسطرة في النص القانوني ،والتي قد يمكن من خاللها
الوصول إلى بر األمان ،حيث للجماعات بالخصوص والجماعات الترابية عموما أن تكون مستقبال في المستوى
58
المطلوب ،خطابا وقانونا وممارسة.
58
عماد أبركان ،مرجع سابق ،ص 348-341
67
الفهرس
..........
...........................
2 ................................................................................................ مقدمة
..........
................................
6 المبحث األول :القوانين التنظيمية الترابية وإعادة بناء وتأهيل المجال الترابي
..........
.........................
6 ................................ المطلب األول :محددات وسياق القانون التنظيمي للجماعات
...........
6. ................................ الفقرة األولى :السياق المرجعي لصدور القانون التنظيمي للجماعات
............
................................
22 الفقرة الثانية :المحددات البنيوية والشكلية في القانون التنظيمي للجماعات
............
22 ................................ المطلب الثاني :القانون التنظيمي للجهات وإعادة تأهيل التراب الوطني
.............................
............
22 ................................ الفقرة األولى :الجهوية وإعادة تأهيل التراب الوطني
...............
12
... ................................ الفقرة الثانية :نحو إستراتيجية جديدة إلعادة بناء المجال الترابي
............
...........................
13 الفقرة الثالثة :التعاون والشراكة والتضامن بين الجهات (مبدأ التعاضد الدستوري)
............
13 ................................ المبحث الثاني :تكريس المبادئ الدستورية في القوانين التنظيمية الترابية
.......................
...........
13 ................................ المطلب األول :القوانين التنظيمية الترابية ومبدأ التدبير الحر
............
............................
13 ................................ الفقرة األولى :مظاهر التدبير الحر بالجماعات الترابية
............
................................
82 الفقرة الثانية :تداعيات رقابة ممثلي السلطة المركزية على مبدأ التدبير الحر
............
...........................
32 الفقرة الثالثة :أثر التداخل القانوني لالختصاصات الترابية على المبادئ الدستورية
................
36
.... ................................ المطلب الثاني :تقوية الديمقراطية التمثيلية وضمان مبدأ التشاركية
............
................................
36 الفقرة األولى :االقتراع العام المباشر كآلية لتكريس الشرعية الديمقراطية
.............
32. ................................ الفقرة ثانية :الديمقراطية التشاركية كآلية للحد من مركزية السلطة
.......................
...........
68 ................................ الفقرة الثالثة :اآلليات التشاركية وإشكالية الرقابة اإلدارية
............
.........................
62 ................................................................................................ الفهرس
68