Professional Documents
Culture Documents
الكاثوليكية
الجزء األول
www.chaldean.org.uk
تمهيد
“يا ابتاه الحياةُ االبدية ،هي ان يعرفوك ،أنت اإلله الحقيق َّي الوحيد ،والذي
أن جمي ُع الناسارسلتّه ،يسوع المسيح”(يو .)3 :71هللا ُمخلِّصُنا “يريد َّ
يخلُصون ويبلغون الى معرفة الحق “(7تي .)4-3 :2ليس تحت السماء اس ٌم
آخر أُعطي في الناس ،به ينبغي ان نخلُص “(أع )72 :4غي ُر ِ
اسم يسوع.
-0أن هللا الالمتناهي الكمال والسَّعيد في ذاته خلق االنسان خلقا ً حرّ اً،
بتصميم من مجرَّد صالحه ،لكي يُشركه في حياتِه السّعيدة .ولهذا فهو في كل ٍ
زمان وكل مكان يعمل على ُمقارب ِة اإلنسان .إنّه يدعوه ،ويعضده في تطلّبه
تعالى ،ومعرفته ،ومحبّته بكلِّ ما لذلك اإلنسان من قوى .أنّه يستدعي جميع
البشر الذين فرّ قتهم الخطيئة الى وحدة أُسرته ،الكنيسة .وفي سبيل ذلك أرسل
ابنَه ،عندما آنت اآلونة ،فاديا ً و ُمخلّصاً .وفيه وبِه يدعو البشر الى أن
يُصبحوا ،في الروح القدس ،أبنا َءه بالتبني ،ومن ث َّم ورثتَه في حياته السعيدة.
-2ولكي تُدوّ ي هذه الدعوةُ في كل أنحاء األرض ،أرسل المسي ُح الرّ س َُل
بشير باإلنجيل“ :إذهبوا وتلمذوا الذين كان قد اختارههم ُملقيا ً أليهم ُمه ّمةَ التّ ِ
جمي َع األمم ،وع ّمدوهم باسم اآلب واالبن والروح القُدس ،وعلّموهم أن
يحفظوا جميع ما أوصيت ُكم به ،وها أناذا معكم ك َّل األيّام ،إلى انقضاء
الدهر”(متى.)22-71 :22
وإذ أُسنِدت إليهم تلك الرسالة ،انطلق الرسل “وكرزوا في ك ّل مكان،
ت التي تصحبها”(مر .)22 :71 والرّ بُّ يؤازرهم ،ويُؤيّ ُد الكلمة باآليا ِ
-3وأولئك الذين تقبّلوا بعون هللا دعوة المسيح واستجابوا لها بحريّة ش ّدتهم
الذخيرة التي محبّةُ المسيح إلى التبشير باإلنجيل في كل مكان من العالم .وهذه ّ
خلّفها الرسل حافظ عليها خلفاؤهم بأمانة .وجميع مؤمني المسيح مدعوّ ون الى
تداولها جيالً بعد جيل ،مب ّشرين باإليمان وسالكين سلو َكهُ في الشركة األخوية،
ومحتفلين به في الليتروجيا والصالة.
-2إبالغ اإليمان-الكرازة
2
-4من ُذ الباكر الباكر أُطلق اسم الكرازة على ُمجمل الجهو ِد التي تُبذل في
ع ابنُ هللا ،حتى الكنيسة لِصُنع تالميذ ،ل ُمساعدة البشر على اإليمان َّ
بأن يسو ُ
باإليمان الحياةُ باسمه ،فيُنَ ّشأوا ويُثقَّفوا في هذه الحياة ،ويُقيموا هكذا
ِ تكون لهم
جس َد المسيح.
ٌ
-5الكرازة هي تربية لإليمان عند األطفال ،والشبّان ،والكهول ،تتض ّمن
على وج ٍه خاص درسا ً للعقيدة المسيحيّة ،يُلقى عموما بطريق ٍة عضويّ ٍة
وتنسيقيّة ،في سبيل التّعريف بمل ِء الحياة المسيحيّة.
عناصر رسال ِة الكنيسة الراعويّة ،من غير ان ِ -6ترتبطُ الكرازة بعدَد من
تختلط بها ،عناصر ذات مالمح تعليميّة ،تُمهِّد للكرازة أو تصدرُ عنها:
اإلعالن األوّ ل لإلنجيل أو العظة الرّسوليّة إليقاظ االيمان ،البحث عن دوافع
اإليمان ،خبرة الحياة المسيحية ،االحتفال باألسرار ،اندماج في الجماعة
الكنسية ،الشهادة الرّ سوليّة واإلرساليّة.
" - 7الكرازة متعلّقة تعلّقا ً حميما ً بكل حياة الكنيسة .يتعلّق بها تعلُّقا ً جوهريّاً
والتضخم العدديّ وحسب ،ولكن ،وأكثر من ذلك ُّ الجغرافي
ّ ليس االمتدا ُد
أيضاً ،نموّ الكنيسة ال ّدخلي ،وتجاوبها وتصميم هللا".
ان مراحل التج ّدد في الكنيسة هي ايضا ً أزمان النشاط الشديد في ّ -8
الكرازة .وهكذا فإننا نرى في عهد آباء الكنيسة العظام ،أساقفة ق ّدسين
بقسم مه ٍّم من خدمتهم الرّاعويّة ،من أمثال الق ّديس كيرلّس ٍ يخصّ ونها
األورشليمي ،والق ّديس يوحنا ال َذهبي الفم ،والقديس أمبروسيوس ،والقديس ّ
أوغسطينوس ،وآخرين كثيرين من اآلباء الذين ال تزال أعمالهم التعليميّة
نماذج تُحتذى.
-9إن خدمة الكرازة تستم ّد من المجامع قوّ ى أبداً جديدة .والمجمع
التريدنتي في هذا المجال مثا ٌل يُذكر :لقد جعل للكرازة المحلّ االوّ ل في ّ
الروماني الذي يحمل ايضا
ّ دساتيره وقراراته ،وهوفي اصل التعليم المسيحي
اسمه ويكوّ ن أثراً من الدرجة االولى في كونه خالصةً للعقيدة المسيحية .لقد
وحمل على نشر عد ٍد من كتب التعليم َ بعث في الكنيسة تنظيما ً للكرازة رائعاً،
المسيحي ،بفضل أساقف ٍة والهوتيين ق ّديسين من مثل القديس بطرس
كنيزيزس ،والقديس شارل بورّ ومه ،والقديس طوريبيو الموغروفيجي أو
القديس روبرت بلَّرمان.
-01فليس من العجب إذاً أن تعود كرازة الكنيسة الى استمال ِة االهتمام في
الحركة التي عقبت المجمع الفاتيكاني الثاني الذي كان في نظر البابا بولس
الزمن الحاضر" .يشهد على ذلك (دليل ي الكبير في ّ السادس “التعليم المسيح َّ
3
الكرازة العام) لسنة ،7117وجلسات سينودس األساقفة المكرّسة
للتبشير()7114وللكرازة ( ،)7111والتحريضات الرّسولية المتّصلة يها:
"اعالن اإلنجيل”( ،)7111و”نقل الكرازة “( .)7111وقد طلبت دورة
ميسحي أو
ّ سينودس األساقفة غير العادية لسنة “ 7121أن يُد َّون تعليم
ملخص لِ ُمجمل العقيدة الكاثوليكية سواء كان في االيمان أو في االخالق". ّ
وتبنّى االب األقدس يوحنا بولس الثاني هذه الرغبة التي أعرب عنها
سينودس األساقفة ،معترفا ً أن “هذه الرغبة تلبّي تلبيةً تا ّمةً الحاجة الحقيقية
للكنيسة الجامعة والكنائس الخاصّ ة" .وقد حرّ ك كلّ شيء لتحقيق رغبة آباء
السينودس.
موجه
ّ -3هدف هذا التعليم وألى من هو
-00هدفُ هذا التعليم أن يقدِّم عرضا ً عضويّا ً ومر ّكبا ً لمضامين العقيدة
الكاثوليكية الجوهريّة وألساسية في ما ّدتي اإليمان واألخالق ،وذلك في ضوء
المجمع الفاتيكاني الثاني ومجمل تقليد الكنيسة .مصادرهُ الرئيسية هي الكتاب
المقدس ،واآلباء الق ّديسون ،والليتروجيّا وسلطة الكنيسة التعليميّة .إنّه موجّ ه
إلى أن يكون “مرجعا ً للتعاليم المسيحية أو المختصرات الموضوعة في
البلدان المختلفة.
-07القسم االخير من التعليم المسيحي يعالج معنى الصّ الة وأهميتَها في
حياة المؤمنين
(القسم االول) .وهو ينتهي بشرح وجيز لطلبات الصّ الة الربيّة السّبع (القسم
الخيور التي يجب أن نرتجيها والتي يريد أبونا الثاني) .ففيها نجد ُمج َمل ُ
السّماوي أن يمنحناها.
5
صو َر هذا التعليم عَرضا ً عًضويّا ً للعقيدة الكاثوليكية كلّها .فيجب من
-08تُ ِّ
ّ ّ
ثَ َّم أن يُقرأ على أنه وحدة .إحاالت كثيرة في هامش النص (أرقا ٌم بحرف مائل
ٌ
تعود الى ِفقَ ٍر أخرى تعال ُج الموضو َع نف َسه) ،وفهرس المواد في آخر الكتاب،
كل ذلك يتي ُح الوقوع على كل مادة في عالقتها بمجمل العقيدة.
-6التطبيقات الضرورية
-23ي َش ِّد ُد هذا التعليم على العرض العقائدي .فهو يرمي الى المساعدة في
استقصاء معرفة العقيدة .وهو من ث ّم موجّ ه الى انضاج العقيدة ،وترسيخها في
الحياة ،وإشعائها في الشهادة.
-24وليس من شأن هذا التعليم ،باعتبار غايته نفسها ،أن يحقّق تطبيقات
العرض والطوائف التعليمية الدينية التي تقتضيها تبايُنات الثقافات ،واألعمار،
والنّضج الروحي ،والحاالت اإلجتماعية والكنائسية ،عند الذين يتوجّ ه اليهم.
إنما مرج ُع هذه التطبيقات الضرورية الى التعاليم المخصصة ،وأكثر من ذلك
الى الذين يعلّمون المؤمنين" :على الذي يُعلّم أن “يصيركالًّ للكلّ “(2كور:1
6
بأن نوعا واحداً ،)22لكي يربح الجميع ليسوع المسيح .وأَ ِ
حر به ان ال يتوهّم ّ
من النفوس أوكل إليه, ،أنه والحالة هذه من الجائز له ان يعلّم ويُنشيء
بالتساوي جميع المؤمنين
-25لختام هذه المقدمة يج ّدر بنا أن نُذ ّكر بها المبدأ الرّ اعوي الذي يتقدم به
التعليم المسيحي الروماني:
ً
“يجب ان تجعل غائية العقيدة والتعليم في المحبة التي ال تسقط أبدا ،تلك
الطريق المثلى التي بيّنها الرسول بولس .أذ إنّه من الممكن أن يُح َسنَ عرضُ
ما يجب اإليمان به ،وارتجاؤه وعمله ،ولكن وبنوع خاص يجب ابداً إظهار
مسيحي كامل
ّ عمل فضيلة
ِ محبة ربّنا حتى يُدرك كلُّ واح ٍد أن ليس أليّ
الصدور عن الحبّ واالنتهاء من الحب” المسيحية سوى ًّ
الجزء االول
االعتراف بااليمان
القسم االول ((أُؤمن)) – ((نُؤمنُ ))
-26عندما نعترف بإيماننا نبدأ بالقول" :أؤمن”أو “نؤمن" .فقبل ان
نعرض إيمان الكنيسة كما يُعترف به في قانون االيمان ،ويُحتَفل به في
الليترجيا ،ويُعاش في العمل بالوصايا والصالة ،فلنتساءل ما معنى “آ َمنَ
“ اإليمان إجابة االنسان هلل الذي يكشف له عن ذاته ويهبها له ،وهو في الوقت
نفسه يُؤتي االنسان نوراً فيّاضا ً في بحثه عن معنى الحياة األخير .ونحن من
اإللهي الذي
ّ ث َّم ننظ ُر أوّ الً في بحث االنسان هذا (الفصل اآلول) ثم في الوحي
يُالقي فيه هللا اإلنسان (الفصل الثاني) ،وأخيرا في جواب االيمان (الفصل
الثالث).
7
الفصل االول
اإلنسان “قاد ٌر”على (االتصال) باهلل
-0تطلُّب هللا
-27تطلّب هللا رغبةٌ منقوشةٌ في قلب االنسان ،ألن االنسان خليقةٌ من هللا
وهللا ،وهللا يجتذب االنسان إليه اجتذابا ً متواصالً ،واالنسان لن يجد الحقيقة
والسعادة اللتين يسعى إليهما دائما ً إالّ في هللا:
“أن في دعوة االنسان هذه الى االتصال باهلل ألسمى مظهر من مظاهر
الكرامة البشرية .ودعوة هللا هذه التي يُوجهها الى االنسان ليقيم معه حواراً
تبدأ مع بدء الوجود البشريّ .ذلك ان االنسان أذا ُوجد فأن هللا خلقه بمحبّ ٍة،
وهو بمحبّته يمنحه الكينونة على ال ّدوام ،واالنسان ال يحيا حياة كاملة بحسب
الحق االّ اذا اعترف اعترافا ً حُ رّ اً بهذه المحبّة وسلّم أمره لخالقه".
-28عمد البشر على مدى تاريخهم والى اليوم ،الى طرائق متعددة للتعبير
عن تطلّبهم هللا بعقائدهم وسولكهم الديني (صلوات ،ذبائح ،عبادات وطقوس،
تأ ُّمالت ،ألخ ).وعلى ما قد يكون في هذه الطرائق التّعبيريْة من مالبسات،
فإنّها عا ّمة الى ح ّد أننا نستطيع ان نس ّمي اإلنسان كائنا متديّناً.
إن هللا “صنع من واح ٍد ك َّل أ ّم ٍة من البشر ،ليسكنوا على وجه االرض كلّها، ّ
ّ
مح ّددا (لهم) مدى األزمنة وتخوم مساكنهم ،لكي يطلبوا هللا ،لعلهم يجدونه ً
متل ّمسين ،مع أنه غي ُر بعي ٍد من كلِّ واح ٍد منّا ،أذ به نحيا ونتحرّ ك ونوجد”(أع
.)22-21 :71
-29ولكن هذه “العالقة الحميمة والحيويّة التي تجمع بين االنسان وهللا”قد
ينساها اإلنسان ويتجاهلها أو قد يتوصّ ل الى رفضها رفضا ً صريحا ً .وقد
يكون لمثل هذه المواقف أسبابٌ شديدة التنوّ ع :الثّورة على الشرّ في العالم،
الجهل أو االّإكتِراث في ال ّدين ،هموم العالم وهموم الغنى ،سلوك المؤمنين
السيء ،التيّارات الفكرية المعادية للدين ،وأخيراً هذا الموقف الذي يقفهّ
ً
االنسان الخاطئ فيختبئ ،خوفا ،من أمام وجه هللا ،ويهرب من دعائه.
“ -31االبتهاج لقلوب ُملتميس هللا “(مز )3 :721اذا كان بإمكان اإلنسان
ان ينسي هللا أو يرفضهّ ،
فأن هللا ال يفتأ يدعو كل انسان الى التماسه لكي يحيا
أن هذا اإللتماس يقتضي من االنسان َجه َد عقله الكامل،ويبلغ السعادة .إالّ َّ
8
واستقامة إرادته ،و”قلبا ً مستقيماً" ،كما يقتضي أيضا ً شهادة اآلخرين الذين
يعلّمونه كيف يلتمسُ هللا.
“إنك عظيم يا رب ،وأه ٌل ألسمى مديح :عظيمةٌ قدرتك وليس لحكمتك ح ّد.
واإلنسان ،هذا الجزء الصغير من خليقتك ،ي ّدعي مدحك ،هذا االنسان ذاته،
في تلبّس حاله القابلة للموت ،يحمل في ذاته شهادة إثمه ،وال ّشهادة على أنّك
تُقاو ُم المتكبّرين .مع ذلك كلّه ،يري ُد اإلنسان ،هذا الجزء الصغير من خليقتك،
يريد ان يمدحك .أنت نفسُك تحضّ ه على ذلك ،إذ تجعله يجد متعةً في
تسبيحك ،ألنك خلقتنا لك ،وألن قلبنا ال يجد الرّاحة إالّ عندما يستقلرّ فيك".
-30اإلنسان الذي ُخلق على صورة هللا ،ودُعي الى معرفة هللا ومحبّته،
يجد عند التماسه هللا بعض "ال ُّسبُل”للدخول في معرفة هللا ،وهي تُدعى أيضاً
“ شواهد على وجود هللا" ،ال بمعنى البراهين التي تطلبها العلوم الطبيعية ،بل
بمعنى "األدلّة المتالقية وال ُمقنعة”التي تتيح الوصول الى حقائق ثابتة.
هذه "ال ّسبُل”لمقاربة هللا تنطلق من الخليقة :العالم الما ّدي وال ّشخص البشري.
-33اإلنسان :مع انفتاح اإلنسان على الحق والجمال ،ومع تحسّبه للخير
األدبي ،وحرّ يته وصوت ضميره ،ومع توقه إلى ما ال ينتهي وإلى السّعادة،
ت من نفسه فهو يتسا َءل عن وجود هللا .وهو في كل ذلك يلم ُح إشارا ٍ
9
الروحانيّة“ .إن زر َع الخلود الذي حمله في ذاته والذي ال ينتهي في الما ّدة”إن
نفسه ال يمكن أن يكون مبدأُها في غير هللا وحده.
شخصي .ولكن
ّ -35إن قوى اإلنسان تجعلُه قادراً على معرفة وجو ِد إل ٍه
لكي يتم ّكن اإلنسان من الدخول في ألف ِة هللا ،أراد هللا أن يكشف له عن ذاته،
وأن يمنحه النعمة التي تم ّكنه من تقبّل هذا الوحي في اإليمان .وعلى كل حال،
فاألدلّة على وجود هللا من شأنها ان تُع َّد لإليمان وأن تُساعد التثبُّت في أن ال
خالف بين االيمان والعقل البشري.
علم أنه من الممكن أن يُعرف هللا، إن أُ ّمنا الكنيسة المقدسة ترى وتُ ّ
ّ “ -36
االنساني الطبيعي إنطالقاً
ّ مبدأ كل األشياء وغايتها ،معرفة يقين بنور العقل
وحي
َ من األشياء المخلوقة " .وبدون هذه المقدرة ال يستطيع االنسان أن يتقبّل
ق على صورة هللا”(تك .)21 :7 هللا .وهو ينع ُم بهذه المقدرة ألنه مخلو ٌ
“وإن كان في استطاعة العقل البشري -نقول ذلك في بساطة -أن يتوصّ ل،
شخصي معرفةً حقيقيةً وثابتة،
ّ بقواه الطبيعية ونوره الطبيعي ،الى معرفة إله
س طبيعي جعله الخاق إله يصون العالم ويَسوسه بعنايته ،والى معرفة نامو ٍ
في نفوسنا ،فهنال ك مع ذلك عقبات كثيرة تحول دون أن يستعمل هذا العقل
نفسُه طاقتهُ الطبيعية إستعماالً ناجعا وذا فائدة ،ألن الحقائق التي تتعلّق باهلل
وبالبشر تفوق ،على وج ٍه مطلق ،نظام األشياء الحسية ،وإذا كانت في سياق
ُّ
والزهد. بذل ّ
الذات أن تُترجم الى عمل وإلى أن تصبغ الحياة ،فهي تقتضي َ
وفي سبيل الحصول على مثل هذه الحقائق تُعاني النّفسُ البشرية صعوبات
10
من قِبَل الحواس المخيِّلة ،كما من قبل الميول الشرّيرة الناتجة عن الخطيئة
ع عند البشر ،في مثل هذه المواد ،بعدم صوابيّة األصلية .من هنا يسهُل االقتنا ُ
األشياء التي يتمنّون لها عدم الصوابيّة ،أو على األقل عدم ثباتها".
-39مع الدفاع عن مقدرة القل البشري على معرفة هللا ،تُعبّر الكنيسة عن
ثقتها في إمكان التكلّم على هللا لجميع البشر ومع جميع البشر .وهذا األقتناع
ق حوارها مع سائر األديان ،ومع الفلسفة والعلوم ،وكذلك مع الكفرة هو منطل ُ
والملحدين.
-41وأذ كانت معرفتنا هلل محدودة ،فكالمنا على هللا محدود أيضاً .إننا ال
نستطيع أن نس ّمي هللا إالّ انطالقا ً من المخلوقات ،وعلى طريقتنا البشرية
المحدودة في المعرفة والتفكير.
-40في جميع المخلوقات بعضُ الشبه باهلل ،وال سيّما اإلنسان المخلوق
على صورة هللا ومثاله ،فالكماالت المتعددة في الخالئق (حقيقتها ،وصالحها،
وجمالها) تعكس إذن كمال هللا الالمتناهي .ولنا من ث ّم أن نسمي هللا إنطالقاً
من كماالت خالئقه“ ،فإنّه بِ ِعظَم المبروءات وجمالها ي َ
ُبص ُر ناظرُها على
طريق المقايسة"( .حك .)1 :73
_42هللا يسمو على كل خليقة .فيجب علينا من ث ّم وعلى الدوام تنقيةُ كالمنا
من كل ما فيه من محدود ،و ُمتخيّل ،وناقص ،حتى ال نخلط هللا “الذي ال يفي
وصف ،وال يح ُّده عقلٌ ،وال يُرى وال يُدرك”بتصوراتنا البشرية إن أقوالنا ٌ به
البشرية تظلُّ أبداً دون سرّ هللا.
-43عندما نتكلّم هكذا على هللا ،يُعّبر كال ُمنا تعبيرا بشريّا ،ولكنه في
ً ً
الحقيقة يصل إلى هللا نفسه ،وإن لم يتم ّكن مع ذلك من التعبير عنه في ال نهاية
11
بساطته .ومن ثم يجب أن نتذ ّكر أنّه “مهما كان من شب ٍه بين الخالق
والمخلوق ،فاإلختالف بينهما أعظ ُم أيضاً" ،وأننا “ال نستطيع أن نعرف ِمن
هللا ما هو ،بل ما ليس هو فقط ،وكيف تق ُع الكائنات األخرى بالنسبة اليه".
_44االنسان بطبيعته وبدعوته كائن متديّن .وإن كان االنسان آتي ًا من هللا
وذاهب ًا نحوه ،فهو ال يحيا حيا ًة بشرية كاملة إ ّال إذا عاش حرّ ًا في صلته هللا.
الفصل الثاني
هللا في ُمالقاة االنسان
المقال األول
وح ُي هللا
“ -50لقد حُسن لدى هللا ،لفرط حكمته ومحبته ،أن يوحي بذاته ويُعلنَ س َّر
أن البشر يبلغون اآلب ،في الروح القدس ،بالمسيح ،الكلمة مشيئته من َّ
المتجسّد ،فيُصبحون شركاءه في الطبيعة اإللهية".
إن هللا الذي “يسكن نوراً ال يُدنى منه”(7تي )71 :1يريد ان يُشرك ّ -52
البشر في حياته اإللهية الخاصّ ة ،البشر الذين خلقهم بحريّة ،لكي يجعل منهم،
في ابنه الوحيد ،أبنا ًء بالتبنّي .فعندما يكشف هللا عن ذاته يريد ان يجعل البشر
قادرين على االستجابة له .وعلى ان يعرفوه ويُحبّوه أكثر من كلّ ما قد
يستطيعونه بقواهم الذاتيّة.
وأقوال
ٍ بأعمال
ٍ -53إن قصد الوحي اإللهي يتحقق في الوقت نفسه “
وثيقة االرتباط في ما بينها ،وموضح بعضها للبعض اآلخر" .إنه يقدم على
الهي “خاص :هللا يتّصل باالنسان تدريجيّاً ،يُع ّده مرحليّا ً لتقبّل
ّ “نظام تربوي
ّ
الوحي الفائق الطبيعة الذي يكشف فيه عن ذاته والذي سيبلغ أوجه في شخص
الكلمة المتجسد ،يسوع المسيح ،وفي رسالته.
اإللهي
ّ كثيرا ما يتكلّم القديس ايريناوس أسقف ليون على هذا النظام التربويّ
في شكل تعوّد متبادل بين هللا واالنسان" :
كلمة هللا سكن في االنسان وصيّر ذاته إبنا ً لالنسان لكي يعوّد اإلنسان على
إدراك هللا ،ويعوّ د هللا على الحلول في االنسان ،وفاقا ً لما يرتضيه اآلب".
-2مراحل الوحي
عرف هللا بذاته
منذ البدء يُ ّ
13
“ -54هللا الذي خلق ويحفظُ بالكلمة جمي َع األشياء ،يُق ّدم للبشر في
األشياء المخلوقة شهادةً على ذاته ال تنقطع ،وإذ أراد فوق ذلك أن يفتح
الطريق نحو خالص أسمى ،أظهر أيضا ً ذاته ،منذ البدء ،ألبَ َوينا األوّ لَين" .لقد
دعاهما الى شركة حميمة مع ذاته ُملبسا ً إيّاهما نعمةً واستقامةً ُمتألّقتين.
-55هذا الوحي لم ينقطع بسبب خطيئة أبَ َوينا األوّ لَينّ ،
فإن هللا“ ،بعد
عثرتهما ،وعدهما بفداء ،وبعث فيها الشجاعة عندما أحيا فيهما أألمل
بالخالص ،وبغير انقطاع أظهر اهتمامه بالجنس البشري ،حتى يمنح الحياة
األبديّة لجميع الذين يلتمسون الخالص بثباتِهم في الصالح".
“عندما خسر صداقتك بانحرافه عنك ،لم تُسلمه الى سلطان الموت .لقد ع ّددت
معهم العهود “
العهد مع نوح
تمزقت بالخطيئة وحدةُ الجنس البشري ،سعى هللا أوالً في -56بعدما ّ
ً ّ ُ ً
تخليص البشريّة معالجا أجزاءها كال على حدتِه .فالعهد مع نوح ،بعد
الطوفان ،تعبير عن مبدأ التّدبير اإللهي في شأن “األمم " ،أي في شأن البشر
الذين عادوا الى التج ّمع “بحسب بلدانهم " ،كلٌّ بحسب لغته وعشائره”(تك
.)1 :72
-57هذا النظام الكوني واالجتماعي والديني معا ً في تعددية األمم ،هو ُم َع ٌّد
للح ّد من كبرياء بشريّة عاثرة تو ُّد ،وهي غارقة بمجملها في الفساد ،لو تصنع
بنفسها وح َدتَها على طريقة بابل .ولكن ،بسبب الخطيئة ،ال يفتأ ال ّشرك وت َعبّ ُد
ورئيسها لألصنام ،يهدِّدان هذا التدبير الموقّت بفساد وثني.
ِ األم ِة
-58العهد مع نوح قائم ما دام زمنُ األمم ،إلى ان يع َّم اعالن اإلنجيل.
والتوراة تُشيد ببعض الشخصيّات العظيمة في (األمم) من أمثال (هابيل
الصديق) ،والملك الكاهن ملكيصادق ،صورة المسيح ،أو الص ّديقين (نوح
ودانيال وأيّوب) (حز .)74:74
وهكذا فالكتاب المق ّدس يُعبّر عن أيّ مستوى رفيع من القداسة يصلوا اليه من
يعيشون على حسب العهد مع نوح في انتظار أن (يجمع المسيح أبناء هللا
المتفرّ قين الى واحد)
14
(يو .)12 :77
-59إن هللا يختار أبرام لكي يجمع البشريّة المشتّتة ،داعيا ً أيّاه “الى خارج
أرضه وعشيرته وبيت أبيه”(تك ،)7 :72حتى يجعل منه إبراهيم “أبا
جمهور أ َمم”(تك :)1 :71
ِ
“يتبارك بك جميع عشائر األرض”(تك .)3 :72
-64باألنبياء نشأ َ هللا شعبه على رجاء الخالص ،على انتظار عهد جديد
وأبديّ ُم َع ٍّد لجميع البشر ،ومكتوب على قلوبهم .واألنبياء يُب ّشرون بفدا ٍء
جذريّ لشعب هللا ،بتطهيره من جميع مخالفاته ،بخالص يشمل جميع األمم.
وسيكون البؤساء وودعا ُء الرّ بّ أكثرمن يحملون هذا الرجاء .النساء القديسات
من أمثال سارة ،ورفقة ،وراحيل ،ومريام ،ودبورة ،وحنّة ،ويهوديت
15
وإستير ،هؤالء حافظن على رجاء خالص إسرائيل حيّاً .ووجه مريم هو أش ّد
الوجوه نقا ًء.
“ -65ان هللا بعد أن كلّم اآلباء قديما ً باألنبياء مراراً عديدةً وبشتّى الطرق،
كلّمنا نحن ،في هذه األيام األخيرة ،باالبن “(عب .)2-7 :7فالمسيح ،ابن هللا
الذي صار إنساناً ،هو كلمة اآلب الوحيدة والكاملة والتي ال يمكن أن يفوقها
شيء .فيه يقول كلّ شيء ،ولن تكون كلمة أخرى غير هذه .والقديس يوحنا
الصّليب ،بعد كثيرين غيره ،يُعبّر عن ذلك بطريقة نورانيّة وهو يفسّر عب
:2-7:7
ق لديه كلمةٌ أخرى يعطيناها .لقد قال “إذ أعطانا هللا إبنه الذي هو كلمته ،لم يب ّ
لنا كل شيء معا ً ودفعةً واحدة في هذه الكلمة الوحيدة ،وليس له شيء آخر
ألن ما كان يقوله أجزا ًء في األنبياء قاله كامالً في ابنه ،عندما أعطانا يقولهّ ،
هذا الكلّ الذي هو ابنه .ولهذا فمن يو ُّد اآلن أن يسأله ،أو ير ُج رؤيا روحياً،
مركب جنون وحسب ،بل يُهين هللا لكونه ال يُلقي بنظره على َ فإنه ال يركبُ
س أمراً آخر ،أو أمراً جديداً ".
المسيح وحده ،غير ملتم ٍ
زائل
ٍ لمسيحي هو العهد الجديد والنهائي ،فهو غير
ّ “ -66إذ كان التدبير ا
ّ
علني جديد ،إلى أن يتجلى ربُّنا يسوعٌّ أبداً ،ولن يُرتقَب بعدَه وح ٌي آخر
المسيح في مجده " .ومع ذلك ،وإن أتى الوحي على تمامه ،فهو لم يت ّم
عبر َ المسيحي أن يُدرك
ّ االفصاح الكامل عن مضمونه .فيبقى على اإليمان
األجيال وتدريجيّا ً ما ينطوي عليه من فحوى.
بإيجاز
-68بدافع المحبّة كاشف هللا اإلنسان بنفسه وأعطاه ذاته .وهو يق ّدم بذلك
جواب ًا نهائيّ ًا ومستفيض ًا عن األسئلة التي يطرحها اإلنسان على نفسه في
موضوع معنى حياته وغايتها.
-69كاشف هللا اإلنسان بنفسه وهو يُلقي إليه بسرّه الخاص تدريجيّ ًا وذلك
بأعمال وأقوال.
-70أبرم هللا مع نوح ٍ عهد ًا أبديّ ًا ما بينه وبين كلّ نفس ح ّي ،ولسوف يدوم
ما دام العالم.
-72إخار هللا إبراهيم وقطع عهد ًا معه ومع نسله ،ومن إبراهيم ونسله َ
أنشأ
شعبَه الذي أوحى إليه بشريعته بواسطة موسى .فأع ّده باألنبياء لتقبُّل الخالص
الذي ُخصّ ت به البشريّة ّ
كلها جمعاء.
ي الكامل عندما أرسل ابنه الخاصّ الذي أقام -73وقد أوحى هللا بنفسه الوح َ
ي آخر.
فيه عه َده ُ الى األبد .وهو كلمة اآلب النهائيّة ،بحيث ال يكون بعده وح ٌ
المقال الثاني
تناقل الوحي اإللهي
17
ق “(7تي أن جميع الناس يخلُصون ويبلغون الى معرفة الح ّ -74هللا “يريد َّ
ب َّ
)4 :2أي معرفة المسيح يسوع .فيجب اذن أن يُبَش َر بالمسيح جمي ُع الشعو ِ
وجميع البشر ،وأن يصل هكذا الوح ُي الى أقاصي العالم.
“إن هللا الذي كشف حقائق الوحي لتخلُص به جميع األمم ،عاد َّ
فمن عليهم
ت مالئمة ،لكي يحافظ هذا الوح ُي على عصمته حتى منتهى أيضا ً بترتيبا ٍ
الدهور ،ويتم ّكن من الوصول ،عبر تناقله ،الى جميع األجيال ".
الرسولي
ّ 7التقليد
الكرازة الرسولية
سولي
ّ الر
مواصلة التعاقب ّ
“ -77لكي تحافظ بشارة اإلنجيل على نقاوتها وحيويّتها بال انقطاع،
استخلف الرسل أساقفة“ ،وقلّدوهم ما كانوا يضطلعون به من مسؤولية التعليم
" .وهكذا ،ترتّب على الكرازة الرسولية التي تعبّر عنها بنوع خاصّ األسفار
الملهمة ،أن تُحفظ سالمة ،بتعاقب غير منقطع حتى منتهى ال ّدهر.
“ -81التقليد المقدس والكتاب المق ّدس ُمرتبطان أحدها باآلخر ،ومتصالن
هي واحد ،وال يؤلّفان ،اذا ص َّح
إتّصاالً وثيقاً ،اذ انهما ينبجسان من ينبوع ال ّ
القول ،إالّ ُكالًّ واحداً ،ويسعيان الى غاية واحدة" .هذا وذاك يجعالن سر
المسيح في الكنيسة حاضراً وخصباً ،المسيح الذي وعد بأن يمكث مع خاصّ ته
“أبداً " ،الى منتهى العالم “(متى .)22 :22
“ -80الكتاب المقدس هو كلمة هللا من حيث إنها ُمدوّنةً كتابةً بإلهام من
الروح
القدس ".
“أما التقليد المقدس فإنه يحمل كلمةُ هللا التي ألقى بها المسيح السيّد والروح
القدس إلى الرّ سُل ،وينقلها بحذافيرها إلى خلفائهم ،حتى اذا كرزوا بها ،وهم
في غمرة أنوار روح الحق ،يحافظون عليها ،ويعرضونها وينشرونها بأمانة
".
19
-82ينتج من ذلك أن الكنيسة التي أودعت نقل الوحي وتفسيره“ ،ال
تقتص ُر على الكتاب المقدس في الوصول الى يقينها في جميع نقاط الوحي.
ولهذا فمن الواجب تقبّلهما وتوقيرهما كليهما بنفس عاطفة المحبّة واالحارام.
-83التقليد الذي نتكلّم عليه هنا يصدر من الرسل ،وينق ُل ما أُلقي إليهم من
تعليم يسوع و ُمثله وما لَقِّنوهُ من الروح القدس .فلم يكن بعد لدى جيل
المسيحيّين األول عهد جديد مكتوب ،والعهد الجديد نفسُه يُثبت نهج التّقليد
الحي.
ّ
يجب ان نميّز منه “التقاليد “الالهوتية ،والتنظيمية ،والليتروجيّة أو التعبّدية
صيغا ً خاصّ ة يستم ّد
عبر األزمان في الكنائس المحليّة .انها تؤلِّفُ ِ
التي نشأت َ
ق األمكنة المختلفة والعصور المختلفة .وهي منها التقليد الكبير تعبيرات تواف ُ
ال تستطيع ال ّديمومة إالّ في نوره ،مبدلة أو مهملة في حكم سلطة الكنيسة
ً ً ّ
التعليمية.
-84وديعة االيمان المحتواة في ال ّتقليد المق ّدس وفي الكتاب المق ّدس َع ِهد
فيها الرّ سُل إلى مجمل الكنيسة“ .ان شعب هللا المقدس كلّه ،بارتباطه به ،في
اتّحاده برعاته ،يظلّ شديد األمانة لتعليم الرسل وللشركة األخويّة ،لكسر
الخبز وللصلوات ،بحيث يقوم ،بالحفاظ على االيمان المنقول وممارسته
باإلعتراف به ،بين الرّ عاة والمؤمنين وحدة روح فريدة ".
“ -85مهمة تفسير كلمة هللا ،المكتوبة أو المنقولة ،تفسيراً أصيالً ،عُهد بها
فيها إلى سلطة الكنيسة التعليميّة الحيّة وحدها ،تلك التي تُمارس سلطانها
بالسم يسوع المسيح" ،أي الى األساقفة الذين هم في شركة مع خليفة بطرس،
أسقف رومة.
“ -86إالّ أن هذه السلطة التعليميّة ليست فوق كلمة هللا ،ولكنها في خدمتها،
فال تُعلِّم إالّ ما نُقل ،اذ انّها ،بتفويض من هللا وبعون الروح القدس ،تُصغي
20
لهذه الكلمة بمحبّة ،وتُحافظ عليها بتقديس ،وتعرضها أيضاً بأمانة ،وتستقي
من هذه الوديعة االيمانيّة الوحيدة كلّ ما تق ّدم به لإليمان على أنه وحي هللا ".
-87وإذ يذكر المؤمنون كلمة المسيح لرسُله" :من س ِمع منكم فقد س ِمع
بخضوع التعاليم والتوجيهات التي يُلقيها إليهم
ِ منّي”(لو )71 :72يتقبّلون
بصيغ مختلفة.
ٍ رُعاتُهم
عقائد االيمان
-91روابطُ العقائد المتباد َلة وتوافقها يمكن الوقوع عليها في ُمجمل وحي
أن التنوّ َع في عالقتها مع أسس اإليمان سرِّ المسيح .إذ يجب التذ ُّكر “ َّ
نظام أو “هرميّة “في حقائق العقيدة الكاثوليكية ".ٍ المسيحي يدلّ على
-90لجميع المؤمنين نصيبٌ في فهم الحقيقة الموحى بها ونقلِها .لقد تقبّلوا
مسحةَ الروح القدس التي تعلّمهم وترشدهم “الى الحقيقة كلّها " .يو :71 َ
.)73
“ -93فبفضل حسّ اإليمان هذا الذي يوقظه ويدعمه روح الح ّ
ق ،وبإرشاد
السلطة التعليمية المقدسة ،يتمسّك شعبُ هللا تمسّكا ً ثابا ً بااليمان المنقول الى
21
القديسين نقالًًُ نهائيّاً ،ويدخل الى أعماقه دخوالً أوفى ،عامال على تفسيره
كما ينبغي ،ويطبّقه في حياته تطبيقا ً أكمل".
“ -95من الواضح إذن أن التقليد المق ّدس ،والكتاب المقدس ،وسلطة
الكنيسة التعليمية،
ترابط وتضا ُمن وثيقَين فيما بينهما ،الى ح ّد
ٍ إلهي ج ّد حكيم ،هي على
ّ بتدبير
ً ُ ً
أن واحدة من هذه الحقائق ال تثبت بدون األخرى ،وأن جميعها معا ،وك ّل َّ
واحدة على طريقتها ،بفعل الروح القدس ،تُسه ُم في خالص النفوس إسهاما ً
فعّاالً ".
بإيجاز
إن ما أود َع المسي ُح الرّ سل نقلوه بكرازتهم والبكتابة ،بإلهام من ّ -96
الروح القدس إلى جميع األجيال ،حتى عودة المسيح المجيدة.
يؤلف التقلي ُد المقدس والكتاب المق ّدس وديع ًة واحدة مقدسة لكلمة هللا
ً ً ّ “ -97
“تتأ ّمل فيها الكنيسة الرحّ الة ،كما في مرآة ،هللا ينبوع جميع الثروات.
:-98كلّ ما تقوم عليه الكنيسة ،وكلّ ما تؤمن به ،تحتفظ به أبد ًا وتنقله،
في عقيدتها وحياتها وعبادتها ،إلى كل جيل ".
كله ،بفضل حسّه الفائق الطبيعة لإليمان يتقبّل هبة -99ال يفتأ شعبُ هللا ّ
الوحي اإللهي ،ويتع ّمق فيها على نحو أفضل ،ويحيا على نحوٍ أوفى.
ال ُعهِد فيها إلى سلطة الكنيسة ُ -011مه ّمة تفسير كلمة هللا تفسير ًا اصي ً
التعليمية وحدها ،إلى البابا وإلى األساقفة الذين في شركةٍ معه.
22
المقال الثالث
الكتاب المقدّس
-015هللا هو واضع الكتاب المقدس“ .ان الحقيقة الموحى بها إلهيّاً ،التي
تحتويها وتقدمها أسفار الكتاب المقدس قد دونت فيها بإلهام من الروح القدس
".
“والكنيسة أ ّمنا المقدسة ،من جرّاء إيمانها الرسولي ،تع ُّد جميع األسفار في
كال العهدين القديم والجديد مقدسة وقانونية بجميع أجزائها ،اذ انها دُوّنت
بإلهام من الروح القدس ،وكان هللا من ثَ َّم واضعها ،وعلى هذا نفسه نُقلت الى
الكنيسة نفسها ".
23
-016لقد ألهم هللا كتّاب الكتب المقدسة البشريّين“ .ولكي يضع هللا هذه
الكتب المق ّدسة ،اختار أُناسا ً استعان بهم ،وهم في مل ِء عمل قواهم ووسائلهم،
ف َع ِم َل هو نفسه فيهم وبهم ،لكي يُدوّنوا كتابةً ،كمؤلّفين حقيقيّين ،كل ما كان
متّفِقا ً ورغبته ،وهذا فقط دون سواه.
ُ -017كتب الوحي تعلّم الحقيقة“ .وبما أن كلّ تأكيدات المؤلفين الملهمين،
اي كتّاب االمور المقدسة ،يجب اعتبارها تأكيدات الروح القدس ،فال ب ّد من
بأن أسفار الكتاب المقدس تعلّم الحقيقة التي أراد هللا ان يراها مدوّنةً اإلعالن ّ
ألجل خالصنا في الكتاب المقدس ،تعليما ً ثابتا ً وأمينا ً ومعصوما ً من الخطأ ِ ".
المسيحي “دين الكتاب “إن المسيحية هي ّ -018ومع ذلك فليس اإليمان
دين”الكلمة “هللا ،ال دين كلمة مكتوبة وخرساء ،بل دين الكلمة المتجسّد
والحي " .ولكي ال يبقى الكتاب المق ّدس حرفا ً ميّتاً ،الب ّد للمسيح ،كلمة هللا
ّ
الحي األزليّة ،من أن يفتح ،بالروح القدس أذهاننا على فهم الكتاب.
مفسر الكتاب
.3الروح القدسِ ،
-019في الكتاب المقدس يُكلّم هللا اإلنسان على طريقة البشر .فلكي يفسَّر
الكتابُ تفسيراً جيّداً ال ب ّد من ت َدبُّر ما أراد الكتّاب البشريّون ،في الحقيقة ،أن
يثبتوه ،وما حسُن لدى هللا أن يكشف لنا في كالمهم.
-001ولكي يستخلص المر ُء نيّة الكتّاب اإلله َيين ال ب ّد له من النّظر الى
أحوال عصرهم وإلى ثقافتهم ،والى “األساليب أألدبية “المتّبعة إذ ذاك ،وإلى
طرائق الشعور والكالم ورواية األخبار الشائعة لذلك العهد“ .ألن هنالك
عرض بها الحقيقة ويُ َعبَّر عنها في نصوص تختلف طرقا ً ج َّد مختلفة تُ َ
تاريخيّاً ،في نصوص نبويّة ،أو شعريّة ،أو حتى في أنواع تعبيرية أخرى.
-000وإذ كان الكتاب المقدس كتاب وحي كان هنالك مبدأٌ آخر للتفسير
السابق أهميةً ،وقد يبقى بدونه الكتاب حرفا ً ميّتا ً“ :يجب ِ الصحيح ،ليس دون
أن يُقرأ الكتاب المقدس ويُفسَّر في نور الروح نفسه الذي َج َعله يُ َد َّون.
والمجمع الفاتيكاني الثاني يُشي ُر إلى ثالثة مقاييس لتفسير الكتاب المقدس
تفسيراً يتَّفق والروح الذي أوحى به.
ّ
.7 -002أوالً التّنبّه الشّديد “لمضمون الكتاب كله ووحدته " .ألنه مهما
اختلفت األسفار التي يتألّف منها الكتاب المق ّدس فهو واح ٌد بسبب وحدة قص ِد
المفتوح منذ فصحه.َ يكونُ المسي ُح يسو ُ
ع مركزَه ،وقلبَه هللا الذي ِّ
“قلبُ المسيح يدلُّ على الكتاب المقدس الذي يُعرِّف بقلب المسيح ،هذا القلب
كان ُمغلقا ً قبل اآلالم ألن الكتابة كانت غامضة .ولكن الكتابة قد تفتّحت بعد
24
إن الذين فقهوا من بع ُد كنهَها يق ّدرون ويميّزون الطريقة التي يجب
اآلالم ،إذ ّ
إتّباعها في تفسير النبوءات ".
-005في تقليد قديم أنّه من الممكن تمييز معنَيَين للكتاب المقدس :المعنى
وحي ،على أن يُقسم هذا األخير معنى مجازي ،ومعنى ّ الحرفي ،والمعنى الرّ
ّ
أدبي ،ومعنى تفسيريّ .والتوافق العميق للمعاني األريعة يُثبّت كلّ غنى
القراءة الحيّة للكتاب المقدس في الكنيسة:
الحرفي .هو المعنى الذي تدلّ عليه ألفاظ الكتاب، ّ -006المعنى
ويستخرجه الشرح الجاري على قواعد التّفسير الصحيح“ .جميع معاني
الكتاب المق ّدس تجد تأييدها في المعنى الحرفي".
-007المعنى الروحي .بسبب الوحدة في قصد هللا ،قد ال يكون نصُّ الكتاب
ت. ُ
واألحداث التي يوردها عالما ٍ وحده ،بل قد تكون معه األمور
-7المعنى المجازي .تستطيع الحصول على معنى أعمق لألحداث إذا
وجدنا مدلولها في المسيح ،وهكذا فاجتياز البحر األحمر أشارةً الى انتصار
المسيح ،ومن ث ّم الى المعمدوديّة.
-2المعنى األدبي .يجب ان تقودنا األحداث الواردة في الكتاب المقدس الى
االستقامة في العمل .لقد ُكتبت “لموعظتنا “( 7كو )77 :72
-3المعنى التّفسيري .إنه لَ ِمن الممكن أيضا ً أن نرى أمورا وأحداثا في
ً ً
ُ
رمز األزلي ،تقودنا الى وطننا .وهكذا فالكنيسة على األرض ّ مدلولها
أورسليم العلويّة.
-008مقطوعة شعرية من القرن الوسيط تختصر مدلول المعاني األربعة:
“المعنى الحرفي يعلِّم ما يحدث وما حدث ،والمجازيّ يعلّم ما
يجب اإليمان به،
25
واألدبي يعلّم ما يجب عمله ،والتفسيريّ يعلّم إال َم يجبُ اإلتّجاه ".
“ -009في مه ّمة علماء التّفسير أن يبذلوا قُصارهم ،على َسنَن هذه
المبادئ ،فيتو ّغلوا أكثر فأكثر في تفهّم وعرض معنى الكتاب المقدس بحيث
تكون دراساتهم ،التمهيدية نوعا ً ما ،طريقا الى إنضاج حكم الكنيسة .فكلّ ما
يتعلّق بطريقة تفسير الكتاب هو في النهاية خاضع لحكم الكنيسة التي تقوم
بالمه ّمة والرّسالة اللتّين أُلقيتا إليها إلهيّا ً في الحفاظ على كلمة هللا وفي
تفسيرها.
أناجيل متى ،ومرقس ،ولوقا ،ويوحنا ،أعمال الرسل ،رسائل بولس الى
الرومانيين ،األولى والثانية الى أهل كورنتس ،إلى أهل غالطية ،الى أهل
أفسس ،الى أهل فيليبي ،الى أهل كولسّي ،األولى والثانية الى أهل تسللونيكي،
األولى والثانية الى طيماثاوس ،الى تيطس ،الى فيلمون ،الرسالة الى
العبرانيين ،رسالة يعقوب ،األولى والثانية لبطرس ،رسائل يوحنا الثالثة،
رسالة يهوذا ،والرّ ؤيا ،للعهد الجديد.
العهد القديم
26
-020العهد القديم جزء من الكتاب المقدس ال يناله زوال .وأسفاره من
ألن العهد القديم لم يُنقّص قطّ.
الهي وهي تحتفظ بقيم ٍة ال تزول ّ
ّ وحي
ٍ
-022وهكذا “كان الهدف الرئيسي لتدبير العهد القديم أن يُع َّد مجيء
المسيح مخلّص العالم “وأسفار العهد القديم “وإن احتوت أموراً ناقصة أو
صالحة الى حين" ،تثبت كل النهج اإللهي الذي تنهجه محبّة هللا الخالصية:
“إنّها تحتوي تعالي َم سامية عن هللا ،وحكمةً مفيدة في شأن الحياة البشرية،
وكنوزاً رائعة من الصالة ،وفيها أخيراً يكمنُ سرُّ خالصنا ".
-023المسيحيون يوقّرون العهد القديم على أنّه كلمة هللا الحقيقيّة .والكنيسة
رفضت أبداً وبش ّدة فكرة التخلّي عن العهد القديم بحجّ ة ان العهد الجديد أبطله
(المرقيونيّة).
العهد الجديد
إن كلمة هللا ،التي هي قدرةٌ إلهيّة لخالص كل مؤمن ،تمثُ ُل في ّ “ -024
إن هذه األسفار ّ
أسفار العهد الجديد ،وقوّتها تتجلى فيها على وجه فريد “ ّ
اإللهي النهائيّة .أ ّما موضوعها المركزيّ
ّ تجعل بين أيدينا حقيقة الوحي
فيسوع المسيح ،ابن هللا المتجسّد ،وأعمله ،وتعاليمه ،وآالمه ،وتمجيده ،فضالً
عن نشأة الكنيسة بفعل الروح القدس.
ّ
-025األناجيل قلب األسفار المقدسة كلها “من حيث أنها الشهادةُ ال ُمثلى
على حياة الكلمة المتجسّد مخلّصنا وتعليمه ".
27
الكنائس ،وناهجين أخيراً النهج اإلرشادي ،بحيث يق ّدمون لنا أبداً عن يسوع
أموراً حقيقيّة وصادقة ".
“ما من عقيدة أجود وأثمن وأروع من نصّ اإلنجيل .تأ َّمل واحفظ ما علّمه
لبمسيح سيدنا ومعلّمنا بأقواله ،وما حقّقه بأعماله".
“اإلنجيل هو الذي فوق كل شيء يُح ّدثُني في تأ ّمالتي ،فيه أجد ك َّل ما نفسي
البائسة بحاجة إليه .إني أكتشف فيه دائما ً أضوا ًء جديدة ،معاني خفيّة وعجيبة
".
-028الكنيسة ،في العهد الرسولي أوّ الً ،ثم في تقليدها بطريقة مستمرّ ة،
أوضحت وحدة التّصميم اإللهي في العهدين عن طريق النموذجيّة .فهذه
صوراً مسبقة لما حقّقه هللا،
َ النموذجية تلمح في أعمال هللا أبّانَ العهد القديم
عند اكتمال األزمان في شخص ابنه المتجسّد.
-029فالمسيحيّون يقرأون إذاً العهد القديم على ضوء المسيح الذي مات
وقام .هذه القراءة على الطريقة النموذجية تُظهر مضمون العهد القديم الذي ال
أن للعهد القديم قيمته الوحيّية الذاتيّةيُستنفد .وهي ليس من شأنها أن تُنسي َّ
التي كرّ ر ربُّنا نفسه إثباتها.
ومن ناحية أخرى يتطلّب العه ُد الجديد أن يُقرأ على ضوء القديم أيضا .كانت
ً
ق مأثور أن العهد قول عتي ٍ
الكرازة المسيحية األولى دائمة اللجوء إليه .وفي ٍ
الجيدد ُمخبّأ في القديم ،في حين يتك ّشف القدي ُم في الجديد“ :الجديد مختبئ في
القديم ،وفي الجديد يتك ّشف القديم ".
-031النموذجيّة تعني التحرّ ك نحو إتمام التصميم اإللهي عندما “يصير
هللا ُكالًّ في الكلّ “(7كو .)71:22وهكذا فدعوة اآلباء مثالً ،والخروج من
مصر ال يفقدان قيمتهما الذاتية في تصميم هللا ،إذ إنهما في الوقت نفسه
مراحل وسيطةٌ في ذلك التصميم.
.1الكتاب المقدس في حياة الكنيسة
28
“ -030إن كلمة هللا تنطوي على قوّة ومقدرة عظيمتين الى ح ِّد أنهما
للكنيسة عمادها وحيويّتها ،وألبناء الكنيسة منَ َعةُ إيمانهم ،وغذاء نفسهم،
والينبوع الصافي الثرّ لحياتهم
ً
الروحيّة " .يجب :أن يُفتح المدخل الى الكتاب المقدس واسعا أمام المسيحيين
".
“ -032لتكن دراسة الكتاب المقدس إذاً لعلم الالهوت المقدس بمثابة
روحهَ .و ْلتَجد خدمةُ الكلمة أيضا ً في كلمة الكتاب المقدس نفسها غذا ًء سليماً،
وحيويّة صحيحة ،سواء أكانت موعظة راعويّة ،أو تعليما ً دينيّا ً منتظماً ،أو
المسيحي حيث ال ب َّد للموعظة الليترجية من أن تحتلّ ّ وجها ً من وجوه التّثقيف
محالًّ مختاراً “
-033الكنيسة “تُحرّ ض بطريقة ملحّ ة وخاصّ ة ،جميع المسيحيّين على
تحصيل “معرفة يسوع المسيح “(في )2 :3بالمثابرة على قراءة الكتب
إن في جهل الكتب المق ّدسة جهالً للمسيح ". المقدسة“ .إذ ّ
بإيجاز
-034الكتابة اإللهية كلها كتاب واحد ،وهذا الكتاب الواحد هو المسيح“ ،إذ
كلها ّ
تتكلم على المسيح ،والكتابة اإللهية كلها تت ّم في المسيح ان الكتابة اإللهية ّ
".
“ -035الكتب المقدسة تحتوي كلمة هللا ،وإذ كانت هذه الكتب من وحي هللا
كانت في الحقيقة كلمة هللا “
-036هللا هو واضع الكتاب المقدس لكونه ألقى الوحي إلى ك ّتابه البشريّين،
تعلم الحقيقة الخالصيّة بدون إنه يعم ُل فيهم وبهم .وهكذا يُثبت أن كتاباتهم ّ
خطأ ٍ.
-037تفسي ُر ُكتب الوحي يجب أن يتنبّه قبل كل شيء لما يريد هللا أن
ى به لخالصنا بواسطة الك ّتاب اإللهيّين“ .ما يأتي من الروح ال يُفهم فهم ًا يوح َ
ّ كام ً
ال إال بفعل الروح ".
-038كتب الوحي المقبولة والمو ّقرة لدى الكنيسة هي الـ 41سفر ًا في
العهد القديم ،والـ 21سفر ًا في العهد الجديد.
ع مركزها. ي ّ
ألن المسي َح يسو َ -039لألناجيل األربعة مح ٌّل مركز ٌّ
29
-041وحدة العهدين القديم والجديد من وحدة قصد هللا ووحيه .العهد القديم
يهيّئ الجديد ،فيما يُت ّم الجدي ُد القديم ،في الواحد منهما إيضا ٌح لآلخر ،وكالهما
كلمة هللا الحقيقيّة.
“ -040و ّقرت الكنيسة أبد ًا ال ُكتب اإللهية كما فعلت ذلك لجسد الربّ نفسه
" .في هذين غذا ُء الحياة المسيحية ّ
كلها و َقيادُها“ .كلمتك مصبا ٌح لِق َد َم َّ
ي،
ونو ٌر لسبيلي ".
(مز .)721 :771
الفصل الثالث
جواب اإلنسان هلل
المقال األول
أؤمن
.0طاعة اإليمان
-045الرّسالة الى العبرانيين ،في إشادتها بإيمان القُدامى ،تُش ّدد بنوع
ُعي إلى أن يذهبخاص على إيمان إبراهيم“ :بااليمان أطاع إبراهيم ل ّما د َ
30
الى الموضع الذي كان مزمعا ً أن يتّخذه ميراثاً ،فذهب ال يدري إلى أين يتوجّ ه
“(عب .)2 :77باإليمان عاش في ُغرب ٍة وفي حجّ في أرض الميعاد .بااليمان
الوعد .بااليمان أخيراً قرّ بّ إبراهيم وحيده ذبيحة.
بابن َ
تحبل ِ
َ سارةُ نالت أن
-046وهكذا حقّق ابراهيم تحديد االيمان الذي اعطته الرسالة الى
العبرانيين“ :االيمان هو قيا ُم المرجوّ ات فينا ،وبُرهان الغير المنظورات
“(عب “ .)7 :77آمن ابراهيم باهلل ،ف ُحسب له ذلك براًًَ “(رو )3 :4
وبسبب هذه الش ّدة في االيمان “(رو )22 :4أصبح إبراهيم “أبا ً لجميع الذين
يؤمنون “(رو .)72 :77
-047والعهد القديم حاف ٌل بمثل شهادات اإليمان هذه .فالرسالة الى
المثالي الذي “ ُشهد لهم بذلك “(عب ،2 :77ّ العبرانيين تُشيد بإيمان القُدامى
فإن هللا دبّر لنا تدبيراً أفضل " .نعمة اإليمان بابنه يسوع، .)31مع ذلك “ ّ
“ ُمبدئ إيماننا ومت ِّممه “(عب .)2 :72 ،42 :77
-048مريم العذراء تُحقّق طاعة اإليمان على أكمل وجه .في اإليمان
تقبّلت مري ُم البشارة والوع َد من المالك جبرائيل ،معتقدةً أن “ليس أم ٌر غير
ممكن لدى هللا “(لو )31 :7و ُمعلنةًًً رضاها“ :أنا أمةُ الرّ ب فليكن لي
بحسب قولك “(لو .)32 :7واليصابات سلّمت عليها قائلة“ :طوبى للتي آمنت
بأنّه سيت ّم ما قيل لها من قِبَل الرّ ب “(لو .)41 :7ومن اجل هذا اإليمان
تُطوّبها جميع األجيال.
-049م ّدة حياتها كلّها ،وحتى محنتها األخيرة ،عندما مات يسوع المسيح
ابنها على الصّ ليب ،لم يتزعزع إيمانها .لم تبرح مري ُم مؤمنةً بأن كالم هللا
“سيتم “ولهذا تُكرّم الكنيسة في مريم أصفى تحقيق لإليمان.
-051اإليمان هو أوّ الً إلتصاق االنسان باهلل إلتصاقا شتصيّاً ،إنه في
الحر لك ّل الحقيقة التي
ّ الوقت نفسه ،وبطريقة غير قابلة االنفصال ،القُبول
أوحى بها هللا .في كون اإليمان المسيحي لصوقا ً شخصيّا ً باهلل وقبوالً للحقيقة
التي أوحى بها ،فهو غير اإليمان بشخص بشريّ .إنه عاد ٌل وجيّد أن يثق
31
المر ُء باهلل ثقةً كاملة ،وأن يؤمن بما يقول أيمانا ً مطلقاًًُ .وقد يكون من العبث
والخطإ ِ ان يجعل المر ُء مثل هذا اإليمان بإحدى الخالئق.
بمعزل عن روحه .الروح القدس ٍ -052ال يمكن اإليمان بيسوع المسيح
هو الذي يوحي للبشر بحقيقة يسوع“ .وال يستطيع أح ٌد أن يقول يسو ُ
ع ربٌّ
إالّ بالرّ وح القدس “( 7كو “ .)3 :72الروح القدس يفحصُ كل شيء حتى
أعماق هللا .ال يعلم أح ٌد ما في هللا أالّ روح هللا “( 7كو .)77-72 :2هللا وحده
يعرفُ هللا بكامله .ونحن نؤمن بالروح القدس ألنّه هللا.
وروح قدس.
ٍ وابن
ٍ ب
ال تبرح الكنيسة تُعلن إيمانها بإله واحد ،آ ٍ
.3ميّزات اإليمان
اإليمان نعمة
الحي،
ّ -053عندما يعترف القديس بطرس بأن يسوع هو المسيح ،ابن هللا
ودم بل من أبيه الذي في لحم ٍ
يُعلِن له يسوع بأن هذا الكشف لم يأته “من ٍ
ّ ّ
السموات “(متى )71 :71فاإليمان هبةٌ من هللا ،فضيلةٌ فائقةٌ الطبيعة يبثها
هللا“ .ولكي يعق َد اإلنسان هذا اإليمان ،يحتاج الى نعم ٍة من هللا تتداركه
داخلي من الروح القدس .وهذا الروح يحرّ ك ّ عون
ٍ وتعضده ،كما يحتاج الى
القلب ويوجّ هُه الى هللا ،ويفتح عيني النفس ويمنح “الجميع عذوبة تقبّل الحقيقة
َ
واإليمان بها ".
إنساني
ّ اإليمان فع ٌل
32
اخلي .ومن -054ال يمكن اإليمان إالّ بنعمة الروح القدس وعونه ال ّد ّ
إنساني أصيل .وال يُخالفُ حريّة اإلنسان وال ّ الثّابت أيضا ً أن اإليمان فع ٌل
عقلهُ أن يجعل في هللا ثقته وأن يعتنق الحقائق اتي يوحي بها .وإننا إذا نظرنا
في العالقات بين البشر نجد أنه ليس مخالفا ً لكرامتنا الخاصّ ة أن نص ّدق ما
يقوله لنا اآلخرون عن أنفسهم وعن مقاصدهم ،وأن نثق في عهودهم
(كما يجري ذلك مثالً عندما يتزوّ ج رجل إمرأة) لكي ندخل هكذا معا ً في
شركة متبادلة .وإنّه من ث َّم أقلّ مخالفةً لكرامتنا أن “نق ّدم باإليمان خضوع
عقلنا وإرادتنا الكلّي هلل الموحي " ،وأن ندخل هكذا معه في شركة حميمة.
-055في اإليمان يُسهم العق ُل واإلرادة البشريّان مع النّعمة اإللهيّة:
عقل يعتنق الحقيقة اإللهيّة بأمر االرادة يُحرّ كها هللا بالنّعمة ".
“اإليمان فع ُل ٍ
اإليمان والعقل
حرية اإليمان
-061لكي يكون “جوابُ اإليمان الذي يق ّدمه اإلنسان هلل إنسانيّا ً يجب ان
يكون إراديّاً ،ومن ث ّم ال يمكن إكراه أح ٍد على اعتناق اإليمان على رغم ِه.
ففِعل اإليمان من طبيعته ذاتها ذو طابع اراديّ "“ .وهللا يدعو اإلنسان لخدمته
ق ،وإن ألزمت هذه الدعوةُ اإلنسانَ ضميريّا ً فهي ال تُكرهُه. في الروح والح ّ
وهذا ما ظهر في المسيح يسوع أجلى ظهور " .فالمسيح دعا الى اإليمان
والى الهداية ،ولكنّه لم يعمد فيها الى اإلكراه قطّ“ .لقد شهد للحقيقة ،ولكنّه لم
يشأ فرضها على خصومه بلقوّة .وملكوته يمت ّد بالمحبّة التي يجذب بها إليه
الصليب".
جمي َع البشر عند ارتفاعه على َ
ضرورة اإليمان
الثبات في اإليمان
34
-062اإليمان هبةٌ مجّ انيّة يَهبها هللا لإلنسان .باستطاعتنا أن نفقد هذه
يحذر تيماثاوس من ذلك“ :تجنّد الموهبة التي ال تق َّدر بثمن ،والقديس بولس ّ
التجنّد الحميد ،متمسّكا ً باإليمان والضمير الصالح الذي نب َذه قو ٌم فانكسرت
سفينتهم عن اإليمان “( 7تي .)71-72 :7فلكي نحيا وننمو ونثبُت في
اإليمان الى المنتهى ،يجب علينا أن ّ
نغذيه بكلمة هللا ،يجب أن نتضرّ ع الى هللا
لكي يزيدنا إيمانا ً ،يجب أن يعمل “بالمحبّة “(غل ،)1 :1ويُح َمل في الرجاء،
وي َُرسَّخ في إيمان الكنيسة.
-064ومع ذلك فنحن اآلن “نسلُك باإليمان ال بالعيان “( 2كو ،)1 :1
ونعرف هللا “كما في مرآ ٍة على سبيل اللُغز ،معرفة ناقصة “(7كو .)72 :73
واإليمان ال ُمستنير بمن يؤمن به ،كثيراً ما يسلك في الظّلمة .وقد ي َ
ُمتحن.
فالعالم الذي نعيش فيه كثيراً ما يبدو بعيداً ج ّداً ع ّما يؤ ّكده لنا اإليمان،
وتجارب ال ّشر واأللم ،والمظالم والموت ،تبدو مناقِضةً لإلنجيل ،قد تستطيع
أن تُزعزع اإليمان ،وأن تكون له موضو َع تجربة.
-065في هذه الحال تقتضي منّا الضرورة أن نتوجّ ه الى شهود اإليمان:
إبراهيم الذي آمن“ ،راجيا ً على خالف كلّ رجاء “(رو )72 :4والعذراء
مريم التي “في رحلة اإليمان “انطلقت حتى “ليل اإليمان “مشتركة في آالم
ابنها وفي ليل قبره ،وآخرون من شهود اإليمان“ :فنحنُ إذ يُحدق بنا هذا
ثقل وما يشتمل علينا من الخطيئة، لق عنّا كل ٍ السّحاب من الشهود ،فلنُ ِ
ولنُسابق بالصّ بر في الجهاد الذي أمامنا ،ولنجعّل نظرنا الى ُمبدئ اإليمان
ومت ّممه ،إلى يسوع “(عب .)2-7 :72
35
المقال الثاني
نؤمن
-066اإليمان فع ٌل شخصي :إنه جواب اإلنسان الحرّ على مبادرة هللا الذي
يكشف ذاته .ولكن اإليمان ليس فعالً منعزالً .فما من أح ٍد يستطيع أن يؤمن
منفرداً ،كما أنه ال يستطيع أح ٌد أن يعيش منفرداً .وما من أح ٍد أعطى نفسه
ُعط أح ٌد نف َسهُ الحياة .فقد تقبّل المؤمن اإليمان من غيره ،وهو
اإليمان كما لم ي ِ
من واجبه أن ينقله إلى غيره .وإن محبّتنا ليسوع وللبشر تحملنا على أن
نُح ّدث غيرنا بإيماننا .وهكذا فكلُّ مؤمن حلقةٌ في سلسلة المؤمنين الطويلة.
وال أستطيع أن أؤمن بدون أن أُح َمل في إيمان اآلخرين ،وبإيماني أنا أُس ِهم
حمل إيمان اآلخرين.ِ في
مؤمن شخصيّا ً وال سيّما
ٍ “ -067أؤمن " :إنّه أيمان الكنيسة يعترف به كل
أبّان المعمودية“ .نؤمن " :إنّه إيمان الكنسية يعترفُ به األساقفة المجتمعون
في المجمع ،أو ،على وج ٍه أع ّم ،يعترف به مجلس المؤمنين الليترجي“ .أؤمن
“إنّها أيضا الكنيسة ،أ ُّمنا تجيب هللا بإيمانها وتعلّمنا أن نقول“ :أؤمن "،
“نؤمن ".
.2لغة اإليمان
36
-071إننا لسنا نؤمن بالصّ يغ ،بل بالحقائق التي تعبّر عنها ،والتي يتي ُح لنا
اإليمانُ “ َمسّها"“ .وفعل اإليمان الذي يفوهُ به المؤمن ال يقفُ عند التّعبير بل
عند الحقيقة المعبّر عنها “ومع ذلك فإنّا نقارب هذه الحقائق بمساعدة
صياغات اإليمان .فهي تسم ُح بالتعبير عن اإليمان وبتناقله ،واالحتفال به
جماعيا ّ ،واستيعابه ،والحياة به أكثر فأكثر.
ق وقاعدته “( 7تيم ،)71 :3تُحافظُ -070الكنيسة ،التي هي “عمو ُد الح ّ
بأمانة على “اإليمان الذي سُلّم دفعةً واحدةً للقديسين “إنّها هي التي تحتفظ
فعل إيمان الرّسل.
جيل الى جيل َ بمجموعة أقوال المسيح ،وهي التي تنقل من ٍ
كأ ُ ّم تُلقِّن أبناءها النّطق ،ومن ث ّم اإلدراكَ والتّعامل ،تلقنُنا الكنيسة أ ّمنا لغة
ِّ
دخلَنا في فهم اإليمان وحياته.
اإليمان لتُ ِ
.3إيمان واحد
ب وأمم كثيرة ال تبرح ت وشعو ٍ وعبر لُغات وثقافا ٍَ -072منذ قرون،
منقول في معموديّة واحدة،
ٍ واحد، ربٍّ من ت
ٍ آ ،د ٍ واح بإيمان الكنيسة تعترف
ً ً ً ً
بأن لجميع البشر إلها واحدا وأبا واحدا .والقديس س في االعتقاد ّ مغرو ٍ
أيريانوس ،أسقف ليون ،يشهد على هذا اإليمان ويُعلِن:
“ -073وإن كانت الكنيسة منتشرةً في العالم كلّه الى أقاصي األرض،
فهي ،بعدما تلقّت االيمان من الرّ سُل ومن تالميذهم تحتفظ (بهذه الكرازة
وبهذا االيمان) بعناية كما لو كانت تسكن منزالً واحداً ،وهي تؤمن بهما على
وج ٍه واحد ،كما لو لم يكن لها إالّ رو ٌح واحدة وقلبٌ واحد ،وهي تكرز بهما
نهج واحد كما لو لم تملك إال فما ً واحداً. وتُعلّمهما وتنقلهما على ٍ
“ -074فلِئن اختلفت اللُغات في العالم ،فمضمون التقليد واح ٌد ال يختلف.
إيمان آخر ،وال لتلك التي عند اإليبيريّين، ٌ وليس للكنائس القائمة في جرمانية
وال لتلك التي عند القلتيّين ،وال لكنائس الشرق ،ومصر ،وليبية ،وال لتلك
القائمة في وسط العالم" .وهكذا فرسالة الكنيسة حقيقيّة وثابتة ،إذ لديها طريق
خالص واحدة تظهر في العالم كلّه ".
“ -075هذا اإليمان الذي نلناه من الكنيسة ،نُحافظ عليه بعناية ،ألنّه ال
يبرح ،بفعل الروح القدس ،كالوديعة العظيمة الثّمن في إنا ٍء ثمين ،يتج ّدد
ويجدِّد اإلناء الذي يحتويه".
بإيجاز
37
-076اإليمان التصا ٌق اإلنسان بكامله التصاق ًا شخصيّ ًا باهلل الذي يكشف
عن ذاته .إ ّنه التصاق العقل واالرادة بالوحي الذي الي كشف فيه هللا عن ذاته
بأعماله وأقواله.
-077لإليمان إذ ًا مرجعان :الشخص والحقيقة ،الحقيقة من خالل الثقة
بالشخص الذي يُثبتها.
-078ليس لنا أن نؤمن بأح ٍد سوى هللا ،االب واالبن والروح القدس.
-079اإليمان هبة من هللا تفوق الطبيعة .ولكي يؤمن اإلنسان يحتاج الى
معونة الروح القدس الداخليّة.
ّ
ي واع ٍ وحرّ يتفق وكرامة الشخص البشريّ . -081اإليمان فع ٌل إنسان ّ
الكنيسة يسبق إيماننا ،ويبعثه ،ويحمله، أيمانُ -080اإليمان عم ٌل كنس ّي.
ويغ َذيه .الكنيسة أ ّم جميع المؤمنين“ .ال أحد يكون هللا أباه وال تكون الكنيسة
أ ُّمه ".
“ -082نؤمن بكل ما تنطوي عليه كلمة هللا المكتوبة أو المنقولة ،وتدعونا
وحي اله ّي".
ٍ الكنيسة الى االيمان به على أنه من
-083االيمان ضروريّ للخالص .الربُّ نفسُه يثبت ذلك“ :من آمن وآعتمد
يخلص ومن لم يُؤمن يُدان “(مو .)71 :71
“ -084اإليمان هو تذوّق ُمسب ٌق للمعرفة التي ستجعلنا سعداء في الحياة
اآلتية ".
قانون اإليمان
الكلي القدرة،
ّ الكلي القدرة ،خالق أؤمنُ بأل ٍه واح ٍد ،الآلب
ّ أؤمن باهلل ،اآلب
الكون
ِ خالق السماء واألرض، السماء
المرئي .وبربٍّ واح ٍد
ّ وغير المرئي
يسو َع المسيح ،آبن هللا الوحيد،
قبل كلّ ال ّدهور:
المولود من اآلب َ
هو هللا الصاد ٌر عن هللا ،نور ٌو مولو ٌد
ق صاد ٌر عن هللا من النّور ،إلهٌ ح ّ واألرض.
ق ،مولود غيرمخلوق ،هو الح ّ
صنِع ك ّلواآلب جوه ٌر واح ٌد وبه ُ وبيسوع المسيح ،ابنه الوحيد ربّنا،
38
شيء ،من أجلنا نحن البشر ،وفي الذي كان الحبَ ُل به من الروح القدس،
سبيل خالصنا نزل من السماء، ُولد من البتول مريم ،تألّم في عهد
بالروح القدس تجسّد من البتول بنطيّوس بيالطُس ،وصُلب ومات
مريم وصار إنسانا ً.وإذ صُلب ألجلنا ودُفن ،انحدر الى الجحيم .في اليوم
في عهد بنطيوس بيالطُس ،تألّم الثالِث قام من الموتى ،ص ِعد الى
ودُفن ،وقام في اليوم الثالث ،وفاقا ً السماوات ،وهو جالس إلى يمين هللا
للكتابات ،وصعد الى السماء ،وهو الكلي القدرة ،من حيث سيأتيّ أالب
جالس الى يمين اآلب .أنّه سيرج ُع ُ
ليقاضي األَحيا َء واألموات .أمنُ
َ
ُقاضي األحيا َء
َ في المجد ،لي بالروح القدس”بالكنيسة المقدسة
واألموات ،ولن يكون لملكوته الكاثوليكية ،بشركة القديسين ،بغفران
انقضاء .وبالروح القدس ،الربُّ الخطايا ،بقيامة الجسد ،بالحياة
وواهب الحياة ،أنه ينبثق من اآلب أألَبديّة .آمين
واالبن ،مع اآلب واالبن ،يُعبَ ُد
العبادة نفسها ويُمجَّد التمجيد نفسه،
لقد نطق باألنبياء.
أؤمن بالكنيسة ،واحدة ،مقدسة،
أعترف ورسوليّة. كاثوليكية
بمعمودي ٍة واحد ٍة لغفران الخطايا.
أرت ِقبُ قيامة الموتى وحياة العالم
اآلتي .آمين
القسم الثاني
االعتراف باإليمان المسيحي
قوانين اإليمان
الفصل األول
أُؤمن باهلل اآلب
41
-098إعترافُنا باإليمان يبدأ باهلل ،ألن هللا هو “األول والآلخر “(أش :44
،)1بدء كل شيء ونهايته .وقانون اإليمان يبدأ باهلل اآلب ،ألن اآلب هو
اإللهي األول من الثالوث األقدس ،وقانونُنا يبدأ بخلق السماءّ األقنوم
واألرض ،ألن الخلق هو البداية واألساس في جميع أعمال هللا.
المقال األول
خالق السماء واألرض "
ِ الكلي القدرة
ّ “أؤمن باهلل اآلب
أساسي
ٌّ “ -099أؤمن باهلل “هذا التأكيد األول من اإلعتراف باإليمان هو أيضا ً
أكثر من أيُّ شيء آخر .القانون كلّه يتكلّم على هللا ،وإن تكلّم أيضا ً على
اإلنسان والعالم ،فذلك بالنسبة الى هللا .فموا ّد قانون اإليمان تتعلّق كلّها الما ّدة
األولى ،كما أن جميع الوصايا توضح الوصية األولى .والموا ّد األخرى
تُعرّ فنا هللا تعريفا ً أوسع ،كما كشف عن نفسه للبشر تدريحيّا ً.
“المؤمنون يعترفون أوالً باإليمان باهلل ".
42
أن هللا هو “الربّ الوحيد “وأنه يجب أن يُحبّ “بكلّ ع نفسُه يُثبت ّ -212يسو ُ
ّ
القلب وكل النفس وكل الذهن وكلّ القدرة " .وهو يشير ،في الوقت نفسه ،إلى
بان “يسوع هو الربّ " .هو خاصّ ة أنّه هو ذاته "الربّ " .واإلعتراف ّ
المسيحي .وهذا ال يخالف اإليمان باهلل الواحد .واإليمان بالروح القدس
ّ اإليمان
“الربّ وواهب الحياة “ال يجعل في وحدانيّة هللا إنفصاماً:
حقيقي ،غير
ّ “نحن نؤمن إيمانا ً ثابتاً ،ونُثبت ببساطة أنه يوجد إله واح ٌد
ٌ
وابن كلي القدرة ،وفوق كل تعبير ،آبٌ محدود وغير متغيّر ،وغير ُمدركُّ ،
ورو ٌح قدس :ثالثة أقانيم ،ولكن إنّيَةٌ واحدة ،وجوهر واح ٌد أو طبيعةٌ كليّة
البساطة ".
– 213لقد كشف هللا عن ذاته لشعبه إسرائيل ،وعرّ فه اس َمهُ .األسم تعبير عن
اإلنّيّة ،هويّة الشخص ومعنى الحياة .هلل اس ٌم .وليس بقوّ ٍة ُغ ْف ٍل .وتسليم االسم
هو تعريفُ اآلخرين بالذات ،هو ،على وج ٍه ما ،تسليم الذات بجعلها ممكنة
المنالَ ،حريّةً بأن تُعرف معرفة أعمق ،وأن تُدعى شخصيّا ً.
-214هللا كشف عن ذاته لشعب ِه تدريجيّا ً وبأسماء مختلفة ،إالّ أن الكشف عن
اإللهي لموسى في ظهور العلّيقى الملتهبة على عتَبة الخروج وعهد ّ االسم
األساسي للعهدين القديم والجديد.
ّ سيناء ،هو الكشف الذي ثبت أنه
اإلله الحي
-215هللا يدعو موسى من وسط عُلّيقى تلتهبُ وال تحترق .ويقول هللا لموسى
“أنا إلهُ آبائك ،اله إبراهيم ،وإله إسحق ،وإله يعقوب”(خرو )1 :3فاهلل هو
إله اآلباء الذي دعاهم وقادهم في تيههم .إنّه اإلله األمين والعطوف الذي
يذكرهم ويذكر عهوده ،وهو يأتي ليحرّ ر نسلهم من العبوديّة .إنه اإلله الذي،
في كل مكان وزمان ،يستطيع ذلك ويريده ،والذي يجعل قدرته غير المحدودة
في طريق هذا التصميم.
قال موسى هلل “ها أنا سائ ٌر الى بني إسرائيل فأقول لهم :إله آبائكم بعثني
إليكم ،فإن قالوا لي ما اسمه ،فماذا أقول لهمو ؟ “فقال هللا لموسى“ :أنا هو
43
الكائن “وقال“ :كذا قُل لبني إسرائيل :الكائن أرسلني اليكم هذا اسمي إلى
ال ّدهر ،وهذا ذكري الى جيل فجيل “(خرو .)71-73 :3
-216عندما يكشف هللا عن اسمه العجيب يهوه“ ،أنا الكائن ،أو “أنا من هو
" ،أو أيضا ً “أنا من أنا) ،يقول من هو ،وبأيّ اسم يجب أن ندعوه .هذا االسم
أن هللا سرّ .إنه في الوقت نفسه اس ٌم موحى به وكرفض اإللهي سريّ كما ّ
ّ
لإلسم ،وهو من ث َّم يعبّر أحسن تعبير عن هللا كما هو ،أي على مستوى أسمى
من كل ما نستطيع إدراكه أو قوله :إنه “اإلله المحجّ ب “(أش )71 :41
واسمه عجيب ،وهو اإلله الذي يتقرّ ب من البشر.
-217عندما يكشف هللا عن اسمه يكشف في الوقت نفسه عن أمانته التي هي
من األبد والى األزل ،سارية المفعول في الماضي (“أنا إلهُ آبائك “خرو :3
)1كما في المستقبل“( :وأنا أكون معك "( ،خرو .)72 :3هللا الذي يكشف
عن اسمه على أنه “الكائن “يكشف عن ذاته على أنه اإلله الحاضر على
ال ّدوام ،الحاضر مع شعبه ليخلّصه.
صغارته .أمام -218أمام حضور هللا السّاحر والعجيب يكتشف اإلنسانُ َ
مقابل القداسة اإللهيّة .أمام
َ العلّيقى الملتهبة يخلع موسى نعلّيه ويستر وجهه
مجد اإلله المثلّث القداسة يصيح أشعيا:
“ويل لي قد هلكت ،ألني رج ٌل دنسُ ال َشفَتَيْن “(أش .)1 :1أمام األعمال
اإللهية التي يعملها يسوع يصيح بطرس“ :تباعد عني ،يا ربّ ،فأنّي رجلٌ
أن هللا ق ّدوس ،فهو يقدر أن يغفر لإلنسان الذي خاطئ”(لو .)2 :1ولكن بما ّ
ُ
يكشف عن نفسه أمامه أنه خاطئ“ :ال أنفِذ َو ْغر غضبي ألنّي انا هللا ال
إنسان ،وفيك ق ّدوس “(هو .)1 :77وسيقول الرسول يوحنا كذلك “نُقنِع قلوبَنا
تطمئن أمامه ،وإن كان قلبُنا يب ِّكتُناَّ ،
فأن هللا أعظ ُم من قلبنا وعال ٌم بكل َّ بأن
شيء “( 7يو .)22-71 :3
-219توقيراً لقداسة هللا ال يفوه الشعب اإلسرئيلي باسمه تعالى .ففي قراءة
الكتاب المقدس يُستعاض عن اإلسم الموحى باللقب اإللهي “ربّ “(أدوناي،
وباليونانية كيريوس) .وبهذا اللقب ستُعلَن ألوهة يسوع“ :يسوع ربّ ".
والرحمة "
الحنان ّ
“إله َ
هبي ،يسمع -201بعد خطيئة إسرائيل الذي مال عن هللا الى عبادة العجل ّ
الذ ّ
ث للعهد ،مظهراً هكذا هللا تشفّ َع موسى ويقبل السّير في وسط شع ٍ
ب ناك ٍ
ُ ُ
محبّته .وهو يُجيب موسى الذي يطلب أن يرى مجده ويقول“ :أنا أجيز جميع
جودتي أمامك وأنادي باسم الربّ يهوة ق ّدامك “(خرو .)71-72 :33ويمرّ
44
ٌ
ورؤوف ،طويل األناة الربّ أمام موسى وينادي“ :يهوه " ،يهوه إلهٌ رحي ٌم
كثي ُر المراحم والوفاء “(خرو .)1 ،34فيعترف موسى حينئ ٍذ َّ
أن الربَّ إلهٌ
غفور.
-200األسم اإللهي “أنا الكائن “أو “الذي هو “يعبّر عن أمانة هللا الذي
اإلثم ومن
ِ “يحفظ الرحمة أللوف “(خرو ،)1 :34على ما للبشر من نكيثة
العقاب التي تستحقّه .هللا يكشف عن كونه “غنيّا ً بالرّحمة “(أف )4 :2إلى
ع حياتَه ليحرّ رنا من الخطيئة ح ّد أنه بذل ابنه الخاصّ .وعندما يب ُذل يسو ُ
اإللهي“ :إذا ما رفعتم ابنَ البشر فعندئ ٍذ
ّ سيكتشف أنّه يحمل هو نفسه االسم
تعرفون أنّي أنا هو “(يو .)22 :2
-202لقد استطاع إيمان إسرائيل ،عبر القرون ،أن ينشر ويتقصّ ى الكنوز
اإللهي .هللا واح ٌد ،وال إله سواه .وهو فوق العالم
ّ المنطوية في وحي االسم
والتاريخ .وهو الذي صنع السموات واألرض“ :هي تزول وأنت تبقى ،و ُكلّها
تبلى كالثوب وأنت أنت وسنوك لن تفنى “(مز .)22-21 :722ليس فيه
“تحوّ ل وال ِظلُّ تَغيُّر “(يع .)71 :7إنه “الكائن “منذ األبد وإلى األزل ،وهو
هكذا يبقى أبداً وفيّا ً لذاته ولوعوده.
45
قّ ،
ألن “هللا “أعترف السمك ألجل رحمتك وحقّك “(مز .)2 :732إنه الح ّ
نو ٌر وليس فيه ظُلمةً البتّة “( 7يو ،)1 :7وهو “محبّة “على ح ّد ما يعلّم
يوحنا الرسول( 7يو .)2 :4
ق
هللا ح ّ
ق ،وإلى األبد كلُّ حكم عدلك “(مز .)712 :771 “ – 205رأس كلمتك ح ّ
ق “( 2صم )22 :1ولذلك “واآلن أيها الربّ اإلله أنت هو هللا وكالمك ح ّ
فوعود هللا تتحقّق دائما ً.
ق نفسُه وأقواله جلّت عن التضليل .ولهذا يستطيع المر ُء أن يسلّم هللا هو الح ّ
وسقوطه كان
ِ بكل ثقة لحقيقة كلمته ووافائها في كل شيء .بد ُء خطيئة اإلنسان
الشك في كلمة هللا وعطفه ووفائه.ّ كذبةً من المجرّ ب الذي حمل على
ق هللا هو حكمته التي تسوس كلّ نظام الخليقة ومسيرة العالم .هللا -206ح ّ
َ
الذي وحده خلق السماء واألرض ،يستطيع هو وحده أن يعطي معرفة كل
ق في عالقته معه معرفةً حقيقيّة. شي ٍء مخلو ٍ
ق أيضا عندما يكشف عن ذاته :التعليم الذي يأتي من هللا “تعليم ً -207هللا ح ٌّ
يرسل ابنه الى العالم إنما يكون ذلك “ليشهد للح ّ
ق ق “(مال .)1 :2عندما ِ ح ٍّ
الحقيقي
ّ اإلله نعرف لكي ُ ةبصير أتانا قد هللا ابن ّ
أن نعلم “ :) 31 : 72 يو “(
“( 7يو .)22 :1
هللا محبّة
-208لقد استطاع إسرائيل ،على مرِّ تاريخه ،أن يكتشف أنّه لم يكن هلل إ ّ
ال
داع واح ٌد حمله على الكشف عن ذاته له ،وعلى اختياره له ،بين سائر ٍ
الشعوب ،ليكون شعبه الخاص :هو حبُّه المجاني .وقد فقهّ إسرائيل ،بفضل
يكف هللا عن تخليصه ،وعن مغفرة نكيثته ُّ أنبيائه ،أنّه بدافع الحب أيضا ً لم
وآثامه.
ب إلبنه .وهذا الحبّ أقوى من حبّ أ ٍّم -209يُشبهُ حبُّ هللا إلسرائيل بحبّ أ ٍ
ّ ٌ
ألبنائها .هللا يحبّ شعبه أكثر م ّما يحبّ زوجًُ حبيبته ،وهذا الحب يتغلب
حتى على أقبح الحيوانات ،وهو يذهب الى درج ِة بذل األغلى“ :هكذا أحبّ
هللا العالم حتى أنه بذل ابنَه الوحيد (يو .)71 :3
46
إن الجبال تزول والتالل تتزعزع -221وحبّ هللا “أبدي “(أش ّ “ :)2 :14
ً ً
أحببتك حبّا أبديّا فلذلك
ِ عنك “(أش .)72 :14إني ِ أ ّما رأفتي فال تزول
اجتذبتك برحم ٍة( :إر )3 :37
ِ
-220القديس يوحنّا يذهب أيضا ً الى أبعد من ذلك عندما يعلن ّ
أن “هللا محبّة
“( 7يو :)71 ،2 :4فكيان هللا ذاته محبّة .وعندما يرسل هللا ،بحلول مل ِء
األزمنة ،ابنه الوحيد ورو ُح محبّته يكشف عن أخصّ سرّ له :إنه هو نفسه أبداً
وابن ورو ٌح قدس ،وقد ق ّدر لنا أن نكون شركاء فيه.
ٌ تبادل محبّة :آبٌ
َ
47
بإيجاز
أن الربّ إلهنا ربٌّ واحد “(تث ،4 :1مر :72 “ -228إسمع ،يا إسرائيلّ ،
.)21
“من الضروري أن يكون الكائن األعلى واحد ًا ،أي بغير شريك ،أذا لم يكن
هللا واحد ًا لم يكن هللا ".
-229اإليمان باهلل يقودنا إلى أن نتوجّ ه إليه وحده على أ ّنه ُ
مبدأنا األول
ؤثر عليه شيئ ًا أو أن نستبدله بشيء.وغاي ُتنا القصوى ،وأن ال ُن ّ
-231هللا ،إذا كشف عن ذاته ،يبقى سرّ ًا عجيب ًا“ .لو كنتَ تفهمه لما كان هللا
".
-230إله إيماننا كشف عن ذاته على أ ّنه الكائن ،لقد عرّ ف بنفسه على أ ّنه
“كثير المراحم والوفاء “(خرو .)1 :34كيا ُنه نفسُه ح ٌّق ومحبّة.
الفقرة -2اآلب
48
هذا السرّ ( ،)2وأخيراً كيف حقّق هللا اآلب “تصميمه العطوف “في الخلق
والفداء والتقديس بواسطة رسالتَي االبن والروح القدس اإللهيّتين (.)3
-236يميّز آباء الكنيسة ما بين الالهوت والتدبير دالّين باللفظة األولى على
سرّ الحياة الحميمة عند هللا-الثالوث ،وباللفظة الثانية على جميع أعمال هللا
ويبث حياته .فبالتدبير أوحى لنا بالالهوت ،وبعكس ّ التي بها يكشف عن ذاته
ذلك ،فالالهوت يجلو التدبير كله .أعمال هلل تكشف ع ّما هو في ذاته ،وبعكس
ذلك ،فسرُّ كيانه الصّ ميم يُنير معرفة جميع أعماله .وهذا ما نجده ،على وجه
الشبه ،بين األشخاص البشريّين .فال ّشخص يظهر في فعله ،وكلّما أحسنّا
معرفة الشخص ،أحسنّا معرفة فعلِه.
-237الثالوث سرّ إيمان بالمعنى ال ّدقيق ،أح ُد “األسرار الخفيّة في هللا ،والتي
ُوح بها من فَوق " .والحقيقة أن هللا ترك آثاراً لكيانه ال يمكن أن تُعرف إذا لم ي َ
ولكن صميم كيانه،ّ ي العهد القديم.
قي ،وفي وحيِه ط َّ الثالوثي في عمله الخَ ْل ّ
ّ
ثالوثا ً مق ّدسا ،هو سرٌّ ال يستطيع أن يدركه العقل البشريّ المجرّد ،وال أيمان
ً
إسرائيل نفسُه قبل تجسّد ابن هللا وإرسال الروح القدس.
-238دعوة هللا على أنه “أبٌ “معروفة في ديانات كثيرة .فكثيراً ما تُع ُّد
األُلوهية “أبا اآللهة والبشر" .في إسرائيل يُدعى هللا أبا ً في كونه خالق العالم.
وأكثر من ذلك فاهلل أبٌ أيضاً بسبب العهد وإعطاء ال ّشريعة إلسرائيل “ابنه
البكر “(خرو .)22 :4وقد دُعي أيضا ً أبا ملك إسرائيل .وهو بنوع خاص
“ابو المساكين”واليتيم واألرملة الذين هم في حمى محبّته.
-239إذا دُعي هللا باسم “أب “فلغةُ اإليمان تدلُّ بنوع خاص على وجهين:
على أن هللا هو المصد ُر األوّ ل لكلّ سلطة عُليا ،وأنه في الوقت نفسه جودةٌ
وعنايةٌ ُمحبّة لجميع أبنائه .حنانُ القربى هذا في هللا يمكن التعبير عنه أيضاً
بصورة األمومة التي تدلّ داللة أوفى على المالزمة في هللا ،على العالقة
الحميمة بين هللا وخليقته .وهكذا فلغة اإليمان تستقي من تجربة الوالدين
البشريّة الذين هم ،على وج ٍه ما أوّ ل الممثّلين هلل عند االنسان .ولكن هذه
إن الوالدين البشريّين غير معصومين عن الخطإِ .وإنهم التجربة تقول أيضا ً ّ
ّ
قد يشوّ هون صفحة األبوّة واألمومة .فمن الموافق التذكير بأن هللا فوق التمييز
البشري للجن َسين .فهو ليس رجال وال امرأة ،إنه هللا .إنه أيضا ً فوق األبوّ ة
49
المصدر والمقياس :ما من أحد يعد ُل هللا
َ واألمومة البشريَّين ،في حين كونه
في األبوّة.
ع عن هللا أنه “أبٌ “بمعنى ال مثيل له :فال تنحصر -241لقد كشف يسو ُ
أُبوّ تُه في كونه خالقاً ،إنه أبٌ أزليّا في عالقته بابنه الوحيد ،الذي ال يكون،
منذ األزل ،ابنا ً إالّ في عالقته باآلب“ :ليس أح ٌد يعرف االبنَ إالّ اآلب ،وال
أحد يعرف اآلب إالّ اإلبن ،ومن يريد االبنُ أن يكشف له “(متى .)21 :77
-240ولهذا فالرّسل يعترفون بيسوع على أنه “الكلمة الذي كان في البدء
لّدى هللا وكان هللا “(يو ،)7 :7على أنه “صورة هللا الغير المنظور “(كول :7
،)71على أنه “ضيا ُء مجده وصورة جوهره “(عب .)3 :7
-242على إثر الرّ سُل وجربا ً على التقليد الرّ سولي ،أعترفت الكنيسة سنة
،321في مجمع نيقية المسكوني األوّ ل ،أن االبن “واح ٌد في الجوهر “مع
اآلب ،أي إنه هو واآلب اله واحد .والمجمع المسكوني الثاني ،المنعقد في
القسطنطينية سنة ،327احتفظ بهذا التعبير في صياغة قانون أيمان نيقية،
واعترفت بقوله “ابن هللا الوحيد ،المولود من اآلب قبل جميع الدهور ،نور
ق ،مولود غير مخلوق ،هو واآلب ق صادر عن هللا الح ّمولود من انور ،إله ح ّ
جوهر واحد ".
51
-249حقيقة الثالوث األقدس الموحى بها كانت منذ البدء في أصل إيمان
الحي ،وال سيّما عن طريق المعموديّة .وهي تجد عبارتها في نظام ّ الكنيسة
اإليمان العماديّ ،مصوغةً في الكرازة ،والتعليم المسيحي ،وصالة الكنيسة.
مثل هذه الصّ ياغات موجودةٌ قبالً في الكتابات الرّسولية ،كما تشهد بذلك هذه
التحيّة التي تنقلها الليترجيا اإلفخارستة“ :نعمة الربّ يسوع المسيح ،ومحبّة
هللا ،وشركة الروح القدس معكم أجمعين “( 2كو .)73 :73
-251في أثناء القرون األولى ،عملت الكنيسة على صياغة عقيدتها الثالوثية
صياغة أصرح ،لتعميق فهمها الذاتي للعقيدة ،ثم للدفاع عنها في وجه
األضاليل التي كانت تُشوّ هها .ذلك كان عمل المجامع القديمة يساعدها البحث
الالهوتي عند آباء الكنيسة ،ويُساندها حسُّ اإليمان عند الشعب المسيحي.
-250لصياغة عقيدة الثالوث اضطرّ ت الكنيسة إلى أن تتوسّع في
بأفكار من أصل فلسفي“ :جوهر "“ ،شخص ٍ مصطلحات خاصّ ةُ ،مستعينةً
ُ
"“ ،أو “أقنوم "“ ،عالقة " ،الخ .وفي عملها هذا لم تخضع اإليمان لحكم ٍة
معنى جديداً لم يُعهد من قبل لهذه األلفاظ المدعوّ ة أن ً بشريّة ،ولكنها أعطت
تعني أيضاً ،من اآلن فصاعداً ،سرّ اً عجيبا ً “يسمو سموّ اً ال نهائيّا ً على كل ما
نستطيع تصوّ ره في الحدود البشريّة ".
ً
-252الكنيسة تستعمل اللفظة “جوهر “(يعبّر عنها أخيانا بالـ “إنيّة “أو
اإللهي في وحدته ،واللفظة “شخص “أو ّ “الطبيعة “) للداللة على الكائن
الحقيقي في ما
ّ “أقنوم “للداللة على اآلب ،واالبن ،والروح القدس في التميّز
أن تميّزهم يقوم في مرجعيةِّ واقع َّ
ِ بينهم ،واللفظة “عالقة “للدَاللة على
بعض ِهم الى بعض.
-253الثالوث واحد .إننا ال نعترف بثالثة آلهة ،بل بإله واح ٍد بثالثة أقانيم:
“الثالوث األحديّ الجوهر " .فاألقانيم اإللهية ال يتقاسمون األلوهية الواحدة،
ذات ما هو األبن ،واالبن هو ولكن كلّ واحد منهم هو هللا كامالً“ :اآلب هو ُ
ذات ما هو اآلب ،واآلب واالبن هما ذات ما هو الروح القدس ،أي إلهٌ واحد ُ
ّ
بالطبيعة " “ .كل أقنوم من األقانيم الثالثة هو هذه الحقيقة أي الجوهر ،واإلنيّة
أو الطبيعة اإللهيّة ".
-254األقانيم اإللهية متميّزون حقيقيّا في ما بينهم“ .هللا واح ٌد ولكنّه غير
متوحِّد" .آب "“ ،ابن " ،روح قدس “ليسوا مجرد أسماء دالّة على كيفيّات
اإللهي ،إذ إنّهم متميّزون تميّزا حقيقيّاً في ما بينهم“ :الذي هو االبن
ّ للكائن
52
ليس اآلب ،والذي هو اآلب ليس االبن ،وال الروح القدس هو اآلب واالبن ".
انهم متميّزون فيما بينهم بعالقات مصدرهم“ :اآلب هو الذي يلد ،واالبن هو
المولود ،والروح القدس هو الذي ينبثق " .الوحدة اإللية ثالث ّية.
الحقيقي القائم بين
ّ -255األقانيم اإلليهة ذوو عالقة بعضهم ببعض .فالتميّز
األقانيم وال يقسّم الوحدة اإللهية ،يقوم فقط في العالقات التي تُرج ُع بعضهم
الى بعض“ :في أسماء األقانيم النسبيّة ،يُرج ُع اآلبُ الى االبن ،واالبن الى
اآلب ،والروح القدس اليهما كليهما ،عندما يجري الكالم على هؤالء األقانيم
الثالثة باعتبار العالقات ،فاإليمان مع ذلك يبقى اعترافا ً بطبيعة واحدة أو
جوهر واحد " .وهكذا “فكلُّ شيء واحد (فيهم) حيثما ال يوجد اعتراضٌ
للعالقة ".
“بسبب هذه الوحدة ،اآلب كلّه في االبن ،وكلّه في الروح القدس ،االبن كلّه
في اآلب ،وكلّه في الروح القدس ،الروح القدس كلّه في اآلب واالبن ".
-256لموعوظي القسطنطينية يُودع القديس غريغوريوس النزينزي ،الذي
يُدعى أيضا ً
“الالهوتي “خالصة اإليمان الثالوثي هذا.
“حافظوا قبل كل شيء على هذه الوديعة الصالحة ،التي لها أحيا وأُقارع،
ومعها أريد أن أموت ،التي تجعلني أتح ّمل جميع الشرور وأزدري جميع
ال ُمتَع :أعني أعتراف اإليمان باآلب واالبن والروح القدس .إنّي أودعكم إيّاه
اليوم .وبه سأع َم ُد بعد حين الى تغطيسكم في الماء ثم رفعكم منه .إني أهبكم
إياه رفيقا ً وشفيعا ً لحياتكم كلّها .أهَبُكم ألوهةً واحدة وقدرةً واحدة ،موجودةً
اختالف
ٍ واحدةً في الثالثة ،وحاويةً الثالثة على وجه التميُّز .أُلوهةٌ في غير
في الجوهر أو الطبيعة ،في غير درجة عُليا تُعلى ،أو درجة سُفلى تُدني .إنها
الوحدة الالمتناهية في الطليعة لثالثة ال متناهين .هللا كلّه كامالً في كلّ واح ٍد
في ذاته .وهللا الثالثة في الثالثة معاً .ما إن آخذ في التفكير بالوحدة حتى
يغرقني الثالوث في ألقِه .وما إن آخذ في التفكير بالثالوث حتى تش ّدني الوحدة
".
“ -257أيّها الثالوث النّور السّعيد ،أيّها الوحدةٌ األوّ لية " .هللا هو السعادة
األزليّة ،الحياة التي ال تموت ،النور الذي ال يخبو .هللا محبّة :اآلب واالبن
ك إشراكا ً حُرّ اً في مجد حياته السّعيدة .هذا
ُشر ُ
والروح القدس .وهللا يريد أن ي ِ
53
هو “تصميم العطف “(أف )1 :7الذي صممه منذ قبل خلق العالم في ابنه
الحبيب“ ،مح ّدداً أن نكون له أبناء بيسوع المسيح هذا “(أف ،)1 :7أي أن
نكون “مشابهين لصورة ابنه”(رو )21 :2بفضل “روح التّبنّي”(رو :2
.)71هذا التصميم “نعمةٌ أعطيت قبل جميع ال ّدهور “( 2تيم ،)1 :7صادرة
مباشرة عن المحبّة الثالوثية .وهو شائع في عمل الخلق ،في تاريخ الخالص
كلّه بعد الخطيئة ،في رسالتّي االبن والروح اللتين تمت ّدان برسالة الكنيسة.
-258التدبير اإللهي كلّه َمشترك بين األقانيم الثالثة إللهية .فكما أنه ليس
للثالوث إالّ الطبيعة الواحدة ذاتها ،فليس له إالّ العمل الواحد ذاته“ .ليس اآلب
واالبن والروح القدس ثالثة مبادئ للخالئق بل مبدأ واحد " .ومع ذلك فكلّ
إلهي يعمل العمل المشترك وفقا ً لميزته ال ّشخصية .وهكذا فالكنيسة ّ أقنوم
تعترف ،في عقب العهد الجديد“ ،باهلل اآلب الذي منه كل شيء " ،وبالرّ ب
يسوع المسيح الذي له كل شيء ،وبالروح القدس الذي فيه كل شيء "َّ .
وإن
رسالتَي تجسّد االبن وموهبة الروح القدس اإللهيّتين هما اللتان تُظهران
خصوصا ً ميزات األقانيم اإللهية.
-259التدبير اإللهي كلّه ،في كونه عمالً مشتركا ً وشخصيّاً في الوقت نفسه،
يُظهر ميزة األقانيم اإللهية ووحدة طبيعتهم .لذلك الحياة المسيحية كلّها شركة
مع كلٍّ من األقانيم اإللهية ،من دون أن تفصلهم البتّة .من يمجّد اآلب يمجّ ده
باالبن في الروح القدس ،ومن يتبع المسيح يتبعه ألن اآلب يجذب والروح
يحرّ كه.
ّ
-261غاية التدبير اإللهي كله القصوى هي أن تدخل الخالئق في وحدة
الثالوث المجيد الكاملة .إالّ أننا مدعوّ ون منذ اآلن الى أن يسكن الثالوث
القدوس فينا .فالربّ يقول“ :إن احبّني أحد يحفظ كلمتي ،وأبي يُحبّه ،وإليه
نأتي ،وعنده نجعل مقامنا “يو .)23 ،74
“إلهي ،الثالوث الذي أعبده ،ساعدني على أن أنسى ذاتي نسياناً كامالً فأقيم
فيك في سكون وهدوء كما لو كانت نفسي منذ اآلن في األبديّة ،ال لشي ٍء من
شأنه أن يتم ّكن من إقالق سالمي ،أو أن يُخرجني منك ،يا من ال يقبل التغيّر،
بل فلتذهبْ بي كلّ دقيقة الى أبعد في عمق سرّ ك! ه ّدئْ نفسي .اجعلها
سما َءك ،مسكنَك المحبوب ومقرّ راحتك .هب أن ال أدعك فيها أبدا وحدكَ ،بل
أن أكون هناك بكل كياني ،يقظةً في إيماني ،عابدةً عبادةً كاملة ،مستسلمةً
استسالما ً كامالً لعملك الخالّق ".
بإيجاز
54
-260سر الثالوث األقدس هو السرّ الرّئيسي لإليمان وللحياة المسيحية .هللا
وحده يستطيع أن يُعطينا معرفته بالكشف عن ذاته أب ًا وابن ًا ورو َح قدس.
-262تجسّد ابن هللا يكشف أن هللا هو اآلب األزلي ،وأن االبن هو واآلب
جوهر واحد ،أي أنه فيه ومعه اإلله الواحد األحد.
-263رسالة الروح القدس ،الذي أرسله اآلب باسم االبن وباالبن “من لدن
اآلب “(يو ،)21 :71تكشف أنه معهما اإلله الواحد األحد“ .مع اآلب واالبن
يُعبد العبادة نفسها ويُمجّد التمجيد نفسه ".
“ -264الروح القدس ينبثق من اآلب على أنه الينبوع األول ،وبالموهبة
األزليّة التي من هذا لالبن ،ينبثق من االب واالبن و ّتحدين في الشركة ".
-265بنعمة المعمودية “باسم اآلب واالبن والروح القدس”(متى ،)71 :22
نحن مدعوّون الى اإلشتراك في حياة الثالوث السعيدة ،ههنا في ظلمة
اإليمان ،وهنالك بعد الموت في ال ّنور األزلي.
-266اإليمان الكاثوليكي يقوم بما يلي :عبادة إله واحد في الثالوث ،والثالوث
إن لآلب اقنومه، في الوحدة ،بغير خلط لألقانيم ،وبغير تقسيم للجوهر :إذ ّ
ولكن لآلب واالبن والروح القدس ْ ولالبن أقنومه ،وللروح القدس أقنومه،
األلوهة واحدة ،والمجد الواحد والسيادة واحدة في أزليّتها".
-267األقانيم اإللهية غير منقسمة في ما هي عليه ،غير منقسمة أيض ًا في ما
تعمل .ولكن في العمل اإللهي الواحد كل أقنوم يُظهر ما يختصُّ به الثالوث،
والسيّما في رسالة تجسّد االبن ورسالة موهبة الروح القدس اإللهيّتين.
-268من جميع الصّفات اإللهية لم يُذكر في قانون اإليمان إالّ صفةٌ واحدةٌ
هي القدرة الكلّية :ولألعتراف بها مدىً بعي ٌد لحياتنا .نؤمن بأنها شاملة ،ألن
هللا خلق كل شيء يسوسُ كل شيء ،ويقدر على كل شيء ،و ُمحبّة ،ألن هللا
أبٌ ،وسريّة ،ألن اإليمان وحده يستطيع أن يكشفها عندما“ :يبدو كمالها في
الوهن “(2كو .)1 :72
55
-269األسفار المق ّدسة كثيراً ما تعترف بقدرة هللا الشاملة .فهو يُدعى “عزيز
يعقوب “(تك ،24 :41أش 24 :7وغ) “ربّ الجنود " ،العزيز الجبّار
“(مز .)72-2 :24فإذا كان هللا الكلّي القدرة “في السموات وعلى األرض
أمر يستحيل عليه إذاً ،وهو ٍ "(مز )1 :731فذلك أنه صنعها .فما من
رب الكون الذي أقام له نظاما ً يبقى خاضعاً
يتصرّف بصنيعته كما يشاء ،إنه ًّ
له خضوعا ً تا ّما ً وطَو َع إرادته .وهو سيّد التاريخ :يسوسُ القلوب واألحداث
وفق ما يشاء:
“عندك قدرةٌ عظيمة في كل حين ،فمن يقاوم قوّة ذراعكو ؟ “(حك .)22 :77
-271هللا هو األب الكلي القدرة .أبوّته وقدرته تجلو إحداهما األُخرى .وهكذا
فهو يُظهر قدرته الكلّية األبويّة بالطريقة التي يهتم فيها لحاجاتنا ،بالتّبنّي الذي
ت يقول الربّ القدير” 2كو :1 يعطيناه (“أكون لكم أبا ً وتكونون لي بنينَ وبنا ٍ
،)72وأخيراً برحمته الغير المتناهية ،إذ أنه يُظهر قدرته الى أقصى حدعندما
يغفر خطايانا غفرانا ً ُحرّ اً.
-270القدرة اإللهية الكلّية ليست تعسُّفية البتّة“ :في هللا القدرة واإلنّيّة،
اإلرادة والعقل ،الحكمة والعدل ،حقيقة واحدة ،بحيث ال شيء يمكن أن يكون
في القدرة اإللهية وال يمكن أن يكون في إرادة هللا العادلة أو في عقله الحكيم
".
لكلي القدرة قد يوضع على محك االمتحان بتجربة -272اإليمان باهلل اآلب ا ّ
ً ً
الشرّ واأللم .فقد يبدو هللا في بعض األحيان غائبا وعاجزا عن منع الشرّ .
والحال أن هللا اآلب قد أظهر قدرته الكليّة على أعجب صورة بتنازل ابنه
الطّوعي وبقيامته اللَّذين غلّب بهما على الشرّ .وهكذا فالمسيح المصلوب هو
ٌ
ضعف ألن ما هو جهالةٌ عند هللا أحك ُم من الناس ،وما هو“قدرة هللا وحكمتهّ ،
عند هللا أقوى من الناس “(7كو .)21 :7في قيامة المسيح وتمجيده “ب َسط
ط عظمة قدرته لنا نحن المؤمنين “(أف -71 :7 عزة قوّته “وأظهر “فر َ
اآلب ّ
.)22
-273اإليمان وحده يستطيع أن يلزَ م السُّبل العجيبة لقدرة هللا الكليّة .وهذا
اإليمان يفخر بضعفه الجتذاب قدرة المسيح إليه .والعذراء مريم ،أسمى
56
نموذج لهذا اإليمان ،هي التي آمنت بأن “ال شيء يستحيل على هللا “(لو :7
،)31والتي استطاعت أن تمجّد الربّ “ :القدير صنع بي عظائم ،فاسمه
ق ّدوس “(لو .)41 :7
“ -274ال شيء من شأنه أن يثبّت إيماننا ورجاءنا مثل اليقين المحفور في
نفوسنا بأن ال شيء يستحيل على هللا .فكلّ ما يعرضه قانون اإليمان بعد ذلك
إليماننا :أعظم األمور وأغلقها ،وكذلك أش ّد األمور تعاليا ً على نواميس
الطبيعة العاديّة ،فحالما تخطر لعقلنا مجرّ د فكرة القدرة اإللهيّة الكليّة ،يُبادر
الى تقبّلها بسهولة وبدون اي تر ّدد.
بإيجاز
الفقرة -4التالق
وألرض “(تك )7 :7هذه الكلمات َ “ -279في البدء خلق هللا السما َء
االحتفالية تتص ّدر الكتاب المق ّدس .وقانون اإليمان يكرّ ر هذه الكلمات معترفاً
والكي القدرة على أنه
ّ باهلل االب
ّ
“خالق السماء واألرض "“ ،الكون المرئي وغير المرئي " .فسنتكلم اذاً على
الخالق أوالً ،ثم على خلقه ،وأخيراً على عثرة الخطيئة التي أتى يسوع ابنُ هللا
ليخلّصنا منها.
-281الخلق هو أساس “جميع تصاميم هللا الخالصيّة "“ ،بد ُء تارخ
فسرّ المسيح هو النّور
الخالص “الذي بلغ ذروته في المسيح .وبعكس ذلكِ ،
الحاسم على ِسرّ الخلق ،إنّه يكشف عن الهدف الذي من أجله “في البدء خلق
57
هللا السماء واألرض “(تك :)7 :7منذ البدء كان في نظر هللا مج ُد الخلق
الجديد في المسيح.
-280ولهذا تبدأ القاراءات الليليّة الفصحيّة .أي بالخلق الجديد في المسيح،
بقصّ ة الخلق ،وقصّ ة الخلق هذه تقوم بها دائماً ،في الليترجيا البيزنطية ،القراء
األولى من قراءات عشيّة األعياد السيّديّة الكبرى .وكان تعليم الموعوظين
للمعموديّة ،على ح ّد ما يُرويه األقدمون ،ينه ُج النّ َ
هج نفسه.
“ -291في البدء خلق هللا السّماء واألرض" :ثالثة أمور أُعلنت في هذه
األزلي جعل بدءاً لكلّ ما يوج ُد خارجا ً عنه.
ّ الكلمات األولى من الكتاب :هللا
ق " ،وبالعبرانية “برا “فاعلهُ هللا دائما ً) .كل ما هو وحده خالق (الفعل “خل َ
ّ
يوجد (المعبّر عنه بالقول “السماء واألرض “) يتعلق بالذي يمنحه الوجود.
“ -290في البدء كان الكلمة ...وكان الكلمة هللا ...به ُكوّ ن كل شيء وبدونه لم
أن هللا خلق كل يكن شي ٌء مما كوّ ن “(يو .)3-7 :7فالعهد الجديد يكشف عن ّ
شيء بالكلمة األزليّة ،ابنه الحبيب“ :ففيه ُخلق جمي ُع ما في السموات وعلى
األرض ...به وله ُخلق كلّ شيء .إنه قبل كل شيء وفيه يثبت كل شيء
“(كول .)71-71 :7
وإيمان الكنيسة يُثبت أيضا ً عمل الروح القدس الخالّق :إنه “واهب الحياة "،
ع كل خير ". “الروح الخالق “(“هل ّم أيّها الروح الخالق “)“ ،ينبو ُ
قي ،الذي أُشير إليه في العهد القديم ،و َكشفَ -292إن عمل االبن والروح ْ
الخل ّ
عنه في العهد الجديد ،الواح َد مع عمل اآلب في غير انفصال ،قد أثبتَ ْته
بوضوح قاعدةُ إيمان الكنيسة“ :ال يوجد إالّ إله واحد ....هو اآلب ،هو هللا،
ظم .صنع كلّ شيء بنفسه ،أي بكلمته هو الخالق ،هو الصانع ،هو المن ِّ
وبحكمته "“ ،باالبن والروح “اللذين هما بمثابة “يدَيه " .الخلق عمل الثالوث
األقدس المشترك.
ّ
يكف الكتاب والتقليد عن تعليمها واالحتفال بها: -293إنّها حقيقة أساسيّة ال
“ ُخلق العالم لمجد هللا " .ويُفسِّر ذلك القديس بونَفينتوره بقوله :لقد خلق هللا كل
شيء “ ال لزيادة مجده ،بل إلظهار ذلك المجد واإلشتراك فيه " .فما من داع
60
يدعو هللا إلى الخلق سوى محبّته وجودته“ :مفتاح المحبّة هو الذي فتح كفّه
إلنشاء الخالئق " .المجمع الفاتيكاني األول يشرح:
“هذا اإلله الواحد الحقيقي ،في صالحه وبقوّته الكليّة القدرة ،ال لزيادة سعادته
وال لتحصيل كماله ،بل إلظهاره بالخيرات التي يوفّرها لخالئقه ،وفي
التّصميم األكثر حريّة أيضاً ،خلق ،منذ بدء الزمان ،كلتا الخليقتين ،الرّ وحانية
والجسدانية ".
-294مج ُد هللا هو في أن يتحقّق هذا الظهور لصالحه وهذه المشاركة فيه
اللذين من أجلهما ُخلق العالم .فأن يجعلنا “أبناء بالتّبني بيسوع المسيح :هذا ما
إن مجدكان تصميم إرادته العطوف لتسبحة مجد نعمته “(أف “ :)1-1 :7إذ ّ
الحي ،وحياة اإلنسان ،هي رؤية هللا :فإذا كان الكشف عن هللا ّ هللا هو اإلنسان
بالخلق وفّر الحياة لجميع الكائنات التي تعيش على األرض ،فكم باألحرى
يوفّر ظهور اآلب بالكلمة الحياة للذين يرون هللا ".
ق جميع الكائنات " ،أخيراً إن غاية الخلق القصوى هي في أن يصبح هللا “خال ُ ّ
ً ً ّ
“( 7كو ،)22 :71موقفرا مجده وسعادتنا معا ". الكلّ ً ُ
“كال في
.4سر التلق
هللا يتلق بحكمة ومحبّة
-295نحن نؤمن أن هللا خلق العالم بحسب حكمته .فالعالم ليس صن ّع إحدى
الحتميّات ،صن َع ق ّد ٍر أعمى أو صدفة .نحن نؤمن أنه يصدر عن إرادة حرّ ة هلل
الذي أراد يُشرك الخالئق في كينونته وحكمته وجودته“ :ألنّك أنت خلقتَ
جميع األشياء ،وبمشيئتك كانت و ُخلقت “(رؤ “ .)77 :4ما أعظم أعمالك ،يا
رب ،لقد صنعت جميعها بالحكمة “(مز “ .)24 :724الرب صالح للجميع
ومراحمه على كلّ صنائعه "( .مز .)1 :741
أن هللا ليس بحاجة الى شيء سابق الوجود ،وال الى عَون -296نحن نؤمن ّ
لكي يَ ْخلق .والخلق كذلك ليس انبثاقا ً حتميّا من جوهر هللا .هللا يخلق خلقا ً حرّ اً
“من العدم ":
61
“هل يكون األم ٌر عجيبا ً لو أخرج هللا العالم من ما ّدة موجودةو ؟ عندما يُعطى
صان ُع بَشريّ ما ّدةً ما فإنه يصن ُع بها ما يشاء .أما قدرة هللا فإنّها تظهر
بوضوح عندما ينطلق من العدم لكي يصنع كل ما يريد ".
“إنّي لست أعلم كيف نشأتم في أحشائي ،وال أنا منحتُكم الروح والحياة ،وال
أحكمت تركيب أعضائكم ،على أن خالق العالم الذي جبل تكوين اإلنسان ُ
ّ
وأبدَع لكلّ شيء تكوينه سيُعيد إليكم برحمته الروح والحياة ،ألنكم اآلن
تب ُذلون أنفسكم في سبيل شريعته ....أنظُر ،يا ولدي ،الى السماء واألرض
وإذا رأيت كلّ ما فيها فآعلم أن هللا صنع الجمي َع من العدم ،وكذلك ُوج َد جنس
البشر (2مك .)22 ،23-22 :1
ً
-298بما أن هللا يستطيع أن يخلق من العدم ،فهو يستطيع أيضا ،بالروح
القدس ،أن يمنح الخطأة حياة النفس خالقا ً فيهم قلبا ً طاهراً ،واألموات حياةَ
الجس ِد بالقيامة ،هو الذي “يُحيي األموات ويدعو ما هو غير كائن إلى ان
يكون “(رو .)71 :4بما أنه استطاع بكلمته أن يُطلع النّور من الظّلمات ،فهو
يستطيع أيضا ً أن يمنح نور اإليمان لمن يجهلونه.
بمقدار
ٍ -299إذا كان هللا يخلق بحكمة ،فخلقُه يكون ُمنظماً“ :رتّبتَ كل شيء
وعد ٍد ووزن “
األزلي “صورة ّ األزلي وبالكلمة
ّ (حك .)27 :77وإذ جرى الخل ُ
ق في الكلمة
ّ ٌّ
هللا غير المنظور “( )71 :7فهو ُمعد لإلنسان و ُموجّ ه إليه على أنه صورة
ومدعو هو نفسُه الى عالقة شخصيّة باهلل .وإذ كان عقلنا مشتركا ً في نور ٌّ هللا،
اإللهي ،فهو يستطيع أن يُدرك ما يقوله هللا لنا بخلقه ،ولو بجه ٍد غيرّ العقل
يسير ،وبروح اتّضاع واحترام أمام الخالق وصنيعه .وإذ كان الخلق صادراً
عن الصالح اإللهي فهو يشترك في هذا الصالح (“ورأى هللا ذلك أنه
حسن جداً "( :تك .)37 ،27 ،72 ،72 ،72 ،4 :7ذلك أن هللا أراد حسن)ٌ ،
ُ
ث ُخصَّ به وأو ِدعَه .وقد اضطرّ ت ق هبةً موجهةً ألى اإلنسان ،بمثابة إر ٍ
الخل َ
ت ع ّدة ،إلى ان تدافع ،عن جودة الخلق ،وفيه العالم الماديّ .
الكنيسة ،مرا ٍ
62
هللا يسمو بالتليقة ويحضر فيها
–311هللا أعظم من صنائعه على وجه غير محدود“ :عظمتُه فوق السّموات
“(مز ،)2 :2
ّ
“ليس لعظمت ِه استقصاء “(مز .)3 :741ولكن بما أنه الخالق المطلق والحرّ ،
والعلّةُ األولى لكلّ موجود ،فهو حاض ٌر في خالئقه حضوراً حميما ً جداً“ :به
نحيا ونتحرّ ك ونوجد “
(أع .)22 :71وهو ،على ح ّد قول أوغسطينوس“ ،أعلى من كل ما هو أعلى
في ،وأعمق م ّما هو أعمق ".
ّ
-310يخلُق هللا وال يترك خليقته على ذاتها .إنّه ال يكتفي بمنحها الكينونة
والوجود ،فيصونها في الكينونة كلّ حين ،ويَهبها أن تعمل ،ويقودها الى
نهايتها .واإلقرار بذه التبعيّة الكاملة بالنسبة الى الخالق هو ينبو ُع حكم ٍة
وحريّة ،وفرح وثقة:
ّ ً
“أجل أنّك تُحبّ جميع الكائنات ،وال تمقت شيئا مما صنعتَ ،فإنك لو أبغضتَ
ُ
شيئا ً لم تكوّنه .وكيف يبقى شي ٌء لم تُ ِر ْدهُ ،أم كيف يُحفظُ ما لست أنت داعياً
له .إنّك تشفق على جميع الكائنات ألنها لك ،أيها الربّ المحبّ الحياة “(حك
.)21-24 :77
“هللا يصونُ ويسوسُ بعنايته ك َّل ما خلق“ ،بالغةً من غاية الى غاي ٍة بالقوّ ة،
ومدبّرة كل شيء بالرّ فق “(حك “ .)7 :2فلذلك ما من خليقة مستترةٌ عنها ،بل
63
عار لعينيها “(عب ،)73 :4حتى األشياء التي يأتي بها عمل
ٍ كلّ شيء
الخليقة الحُر ".
واقعي
ٌّ -313شهادة الكتاب المق ّدس إجماعيّة“ :اهتمام العناية اإللهية
وري ،فهي تُعني بك ّل شيء ،من أحقر األمور الصّ غيرة الى أحداث العالم وف َ ّ
والتاريخ العظيمة .واألسفار المق ّدسة تشدِّد على سيطرة هللا المطلقة على
مجرى األحداث“ :إلهنا في السّماء وعلى األرض ،ك ّل ما شاء صنع “(مز
ق أح ٌد ،ويُغلِ ُ
ق فال يفت ُح أحد “ .)3 :771وعن المسيح قيل“ :يفتح فال يُغلِ ُ
ولكن مشورة الربّ هي تثبت ّ (رؤ “ ،)1 :3في قلب اإلنسان افكا ٌر كثيرة،
“(أم .)27 :71
-314هكذا نرى الروح القدس ،وهو مؤلِّف الكتاب المق ّدس الرّ ئيسي ،كثيراً
ما ينسب الى هللا أعماالً ،بدون أن يذكر لها علالً ثانية .ليس ذلك “أسلوبا ً في
التح ّدث “بدائيّاً ،ولكنه نه ٌج عميق في التذكير بأولويّة هللا وسيادته المطلقة
على التاريخ والعالم ،ويَبْعث الثقة فيه .وصالة المزامير هي المدرسة الكبرى
لهذه الثّقة.
-315يسوع يطلب استسالما ً بنويّا ً لعناية اآلب ال ّسماوي الذي يُعني بأصغر
حاجات أبنائه “ :ال تقلقوا إذن قائلين ماذا نأكل أو ماذا نشرب" .....ابوكم
السماويّ عال ٌم بأنّكم تحتاجون إلى هذا كلّه .بل آطلبوا أوالً ملكوت هللا وبرّ ه
وهذا كلّه يُزاد لكم “(متى .)33-37 :1
الشر
ّ العناية اإللهية ومشكلة
65
مباشرةً وال بوج ٍه غير مباشر .ولكنه يسمح به ،مراعيا ً حريّة خليقته،
ويعرفُ ،بطريقة سريّة ،كيف يستخرج منه الخير.
الكلي القدرة ...في صالحه المطلق ،ال يدَع أبداً أيّ شرّ يكون في
ّ “فاهلل
صنائعه لو لم يكن له من القدرة والجودة ما يكفي الستخراج الخير من الشرّ
نفسه ".
أن هللا ،في عنايته الكليّة القدرة، -302وهكذا ،مع الوقت ،يمكن إكتشاف ّ
يستطيع أن يستخرج خيراً من عواقب شرٍّ ،ولو أدبيّا ،سبّبته خالئقه ،قال
ً
علي شرّ اً وهللا
ّ يوسف ألخوته“ :ال أنتم بعثتموني الى ههنا بل هللا ،أنتم نويتم
نوى خيراً لكي يُحيي شعبا ً كثيراً ".
أدبي أقتُرف على الدهر ،أي نبذ ابن ّ (تك .)22 :12 ،2 :41ومن أعظم شرٍّ
هللا وقتله ،بسبب خطيئة جميع البشر ،استخرج هللا ،في فيض نعمته ،أعظم
الخيور :تمجيد المسيح
وفدا َءنا .والشرّ ال يتحوّ ل مع ذلك إلى خير.
“ -303وكلّ شيء يَسعى لخير الذين يحبّون هللا “(رو .)22 :2وفي شهادة
القديسين المتواصلة ما يُثبت هذه الحقيقة.
وهكذا فالقديسة كاترينا السيينية تقول “للذين يشككون ويثورون من جرّاء ما
يُصيبهم ":
“كلّ شيء يصدُر عن المحبّة ،كلّ شي ٍء موجّ ه لخالص اإلنسان .هللا ال يعمل
شيئا ً إالّ لهذه الغاية " .والقديس توما مور ،قُبيل استشهاده ،يقول معزيّا ابنته:
“ال شيء يمكن أن يحصل بغير إرادة هللا .ومن ث ّم فكلّ ما يريده ،مهما ظهر
لنا سيّئاً ،هو مع ذلك افض ُل ما يكون لنا ".
أدركت ،بنعمة هللا ،أنه من الواجب ُ وتقول الليدي جوليان دي نورويتش“ :لقد
أن أتشبّث باإليمان تشبّثا شديداً ،وأن أعتقد اعتقادا ليس دونه ثباتا ،أن األمور
ً ً
األمور كلّها ستكون حسنة ".
َ كلّها ستكون حسنة ....وسترى أن
-304نحن نؤمن إيمانا ً ثابتا ً أن هللا سيّد العالم والتاريخ .ولكن سبُل عنايته
كثيراً ما تخفى عنّا .ففي النهاية فقط ،عندما تنتهي معرفتنا الجزئية ،عندما
نرى هللا “وجها ً لوجه “( 7كو )72 :73ستتّضح لنا السبُل اتّضاحا ً كامالً،
السُّبل التي ،حتى في ما بين مآسي الشرّ والخطيئة ،يقود هللا خليقته ِعبْرها
ق ألجله السماء واألرض.إلى راحة السبت النهائي ،الذي خل ّ
66
بإيجاز
-305في خلق العالم واإلنسان أرسى هللا الشهادة األولى وال ّشاملة لمحبّته
الكليّة القدرة وحكمته ،اإلعالن األول لـِ “تصميمه العطوف “الذي ينتهي
بالخليقة الجديدة في المسيح.
-306وإن كان عمل الخلق منسوب ًا ،على وجه خاصّ ،الى أآلب ،فمن حقيقة
اإليمان أيض ًا أن اآلب واالبن والروح القدس هم المبدأ الواحد والغير
المنفصل للخَ لق.
-307هللا وحده خلق الكون باختياره ،مباشر ًة ،ومن دون أيّة معونة.
-309هللا خل ّق العالم ليُظهر مجده ويُشرِك فيه .أن تشترك خالئقه في حقيقته،
وجودته ،وجماله ،هذا هو المجد الذي خل ّقها ألجله.
-321هللا الذي خلق الكون يبقيه في الوجود بكلمته“ ،هذا االبن الذي يضبط
كلّ شيء بقدرة كلمته “(عب )3 :7بروحه الخالق المحيي.
-320العناية اإللهية ،هذه هي التدابير التي يقود به هللا جميع الخالئق ،بحكمةٍ
ومحبّةٍ ،إلى غايتها القصوى.
-323العناية اإللهية تعمل أيض ًا بعمل الخالئق .هللا يعطي الكائنات البشريّة
أن تشترك في تصاميمه باختيارها.
67
-324سما ُح هللا بالشرّ الطبيعي والشرّ األدبي ِس ٌّر يجلوه هللا بابنه يسوع
المسيح الذي مات وقام ّ
للتغلب على الشرّ .اإليمان يُثبت لنا أن هللا ال يسمح
بالشرّ لو لم يكن يستخرج الخي َر من الشرّ نفسه ،بسُب ٍل لن نعرفها معرف ًة
كاملة.
سماء واآلرض
الفقرة - 5ال ّ
-325قانون إيمان الرسل يعترف بأن هللا “خالُق السماء واألرض " ،وقانون
إيمان نيقية -القسطنطينية يصرّ ح " ....الكون المرئي وغير المرئي ".
-326في الكتاب المقدس يعني التّعبير “سماء وأرض " :ك َّل ما يوجد ،الخليقة
كلّها .وهو يدلّ أيضا ً العالقة ،في داخل الخليقة ،التي ،في الوقت نفسه ،تربط
وتميّز السماء واألرض :و “األرض “هي عالم البشر ،و “السماء “أو
“السموات “يمكن أن تدلّ على الجّ لد ،وأن تدلّ أيضا ً على “المكان “الخاص
باهلل ::أبانا الذي في السموات”(متى ،)71 :1ومن ثّ ّم أيضا ً “السماء “التي
اإلسخاتولوجي .وأخيراً تدلّ “السماء “على “مكان “الخالئق
ّ هي المجد
الروحانية – المالئكة -التي تحيط باهلل.
إن اعتراف المجمع الالتراني الرابع اإليماني يُثبت ّ
أن هللا “منذ بدء ّ -327
الزمان جم َع معا ً الخلق من العدم لهذه وتلك الخليقة ،الروحانية والجسدية ،أي
ّ
الملئكة والعالم األرضي ،ثم الخليقة البشرية التي تشارك الطرفين ،ألنّها
مر ّكبة من روح وجسد ".
.0المالئكة
وجود المالئكة – حقيقة إيمانيّة
درج الكتاب المق ّدسَ -328وجود الكائنات الروحانيّة ،غير الجسدية ،التي
على تسميتها المالئكة ،حقيقة إيمانيّة ،شهادة الكتاب المقدس واضحة وكذلك
إجماع التقليد.
من هم؟
– 329يقول القديس أوغسطينوس في شأنهم“ :مالك يدلّ على ال ُمه ّمة ال
على الطبيعة .تسأل عما تسمى هذه الطبيعة و ؟ -روح .تسأل عن المه ّمة و ؟ -
مالك .هو من حيث هو ،روح ،ومن حيث عملِه ،مالك " .المالئكة ،في ذات
كيانهم كلّه ،خدّام هللا ورسلُه ،ألنهم يشاهدون “بال انقطاع وجه أبي الذي في
68
السموات “(متى ،)72 :72إنّهم “العاملون بكلمته عند سماع صوت كالمه
“(مز .)22 :723
-331في كونهم خالئق روحانية مجرّ دة ،هم عقل وإرادة :أنهم خالئق
شخصيّة ،وغير مائتة .ويتفوّ قون على جميع الخالئق المرئيّة كماالً .وألَ ُ
ق
مجدهم يشهد بذلك.
.2العالم المرئي
-337هللا نفسه هو الذي خلق العالم المرئي في كلّ غناه ،وتنو ّعه ،ونظامه.
الكتاب المقدس يعرض لنا مشروع الخالق بطريقة رمزية يتسلسل على مدى
اإللهي ،تنتهي “باستراحة “اليوم السابع .النصّ الملهم
ّ ستّة أيام من “العمل “
يعلّم ،في موضوع الخلق ،حقائق أوحى بها هللا ألجل خالصنا ،من شأنها أن
تساعد على “معرفة طبيعة الخلق العميقة ،وقيمته ،وهدفه الذي هو مج ُد هللا
".
-338ال شيء موجود إالّ ووجودُه من هللا التالق .لقد إبتدأَ العالم عندما
خرج من العدم بكلمة هللا ،جمي ُع الكائنات الموجودة ،كلّ الطبيعة ،كلّ استُ َ
تاريخ البشر ،تتأصّ ل في هذا الحدث الرّئيسي :إنّه التكوين ذاته الذي تكوّ ن به
العالم ،وابتدأَ الزمن.
صنائع “األيام -339كل خليق ٍة تمتلك جودتها وكمالها الذاتيّين .ولكلٍّ من َ
الخلق نفسه تنتظم السّتة “قيل“ :ورأى هللاُ ذلك انّه حسن "“ .فبواقع عمل ّ
األشيا ُء كلّها في شتّى مقوّ ماتها وحقيقتها وصلالحيّتها ونواميسها وأنظمتها
الخاصّ ة " .الخالئق المختلفة ،وقد أرادها هللا في كيانها الخاص ،تعكس ،كلٌّ
وجب على َ على طريقتها ،شعاعا ً من حكمته وجودته الغير المتناهيتين .ولهذا
اإلنسان أن يحترم لكلّ خليقة جودتها الخاصّ ة ،لكي يتجنّب استعمال األشياء
استعماالً فوضويّا ً يزدري الخالق ويجرُّ على البشر وعلى بيئتهم عواقب
وخيمة.
70
-341ترابط التالئق .أراده هللا .فالشمس والقمر ،واألرزة والزهرة
الصغيرة ،والنسر والدوريّ :مشه ُد تنوّ عها وتباينها غير المحدودين يعني أن
ذاتي .أنها ال توجد إالّ مرتبطة بعضُ ها ببعض ،لكي ّ ليس أليّ خليقة اكتفا ٌء
تتكامل ،في خدمة بعضها البعض.
ُ
-340جمال الكون .نظام العالم المخلوق وتناسقه هما نتيجة تنوّ ع الكائنات
والعالقات القائمة بينها .واإلنسان يكتشفهما شيئا ً فشيئا ً على أنّهما من نواميس
الطبيعة .إنّهما موض ُع إعجاب العلماء .إن جمال الخليقة يعكس جمال الخالق
الغير المتناهي .فيجب أن تستدعي االحترام والخضوع لدى عقل اإلنسان
وإرادته.
ّ
-342هرميّة التالئق .يعبّر عنها نظام “األيام الستة " ،الذي يذهب من األقلّ
كماالً الى األكثر كماالً .هللا يحبّ جميع خالئقه ،ويعتني بكل واحدة منها ،حتى
أصغر العصافير .ومع ذلك فيسوع يقول“ :أنتم أفض ُل من عصافير كثير
“(لو ،)1 :72أو أيضا ً“ :واإلنسان كم أفضل من الخروف “(متى .)72 :72
-343اإلنسان ق ّمة عمل الخالق .والراوية ال ُملهمة تعبّر عن ذلك مميّزة
بوضوح خلق اإلنسان من خلق سائر المخلوقات.
ً ً
إن لجميعها خالقا واحدا ،وإنها -344بين جميع التالئق تكافُ ٌل من حيث َّ
جميعا ُ موجّ هةٌ في سبيل مجده:
“لك المديحُ ،يا رب ،في جميع خالئقك،
وال سيّما السيّدة أُختِنا الشمس،
التي تمنحنا بها ،في النهار ،النّور،
ع شديد التألُّق، إنّها جميلة ولها إشعا ٌ
العلي ،تقدم لنا الرمز... ّ وهي عنك ،أيها
لك المديح ،يا رب ،ألجل أخينا الماء،
ذي النفع العظيم والتواضع الشديد،
الثّمين والطاهر "
لك المديح ،يا رب ،من أجل األخت أُ ّمنا األرض،
التي تحملنا وتقوتنا،
التي تؤتي الثّمار المتنوّ عة
مع األزهار المختلفة األلوان واألعشاب....
سبّحوا وباركوا ربّي،
وآحمدوه وآخدموهُ
في كلّ تواضع".
71
-345السبت هو نهاية عمل “األيام الستّة ".الكتابة المقدسة تقول إن “هللا
فرغ من عمله في اليوم السابع “و “اُكملت هكذا السما ُء واألرض " ،وإن هللا
“استراح “في اليوم السابع ،وبارك وق ّدس ذلك اليوم (تك .)3-7 :2في هذه
األقوال الملهمة ج ٌّم من التعاليم الخالصية:
-346في الخلق أرسى هللا أساسا ً وأنظمة ثابتة ال تتغير ،يستطيع المؤمن أن
ً
يستند إليها بثقة ،وتكون له عالمةَ وضمانَ أمان ِة عهد هللا التي ال تتزعزع.
وعلى اإلنسان ،من جهته ،أن يظ َّل وفيّا ً لهذا األساس ،ويتقيّد بألنظمة التي
نقشها فيه الخالق.
-347عُمل عم ُل الخلق من أجل السبت ومن ث َّم من أجل عبادة هللا .العبادة
الخلق .وقد ورد في قانون القديس بندكتس أنه “ال يُفضّ ل مسجّلة في نظام ّ
شي ٌء على عبادة هللا " .مشيراً هكذا الى النظام الصّ حيح في االهتمامات
البشريّة.
ُ
وحفظ الوصايا هو التلبية لحكمة ّ
-348السبت هو في قلب شريعة إسرائيلِ .
هللا ومشيئته اللتين يعبّر عنهما عمل الخَلق.
-341اليوم الثامن .ولكن بالنسبة إلينا قد طلع يو ٌم جديد :يوم قيامة المسيح.
اليوم السّابع يتُ ُّم الخلق األوّ ل .اليوم الثامن يفتتح الخلق الجديد .وهكذا فعمل
عمل أعظم هو الفداء .الخلق األول يجد معناه وق ّمته في ٍ الخلق يرقى الى
ق الخلق األول.ُ َ َ لَ أ هَ قَ ل أ يفوق الذي المسيح الخلق الجديد في
بإيجاز
“ -355خلق هللا اإلنسانَ على صورته ،على صورة هللا خلقه ،ذكراً وأنثى
خلقهم “(تك .)21 :7فلإلنسان محلٌّ فري ٌد في الخليقة :إنه “على صورة هللا
“( ،)7في طبيعته الخاصّ ة يجمع ما بين العالم الروحاني والعالم الماديّ (،)2
ُخلق “ذكراً وأُنثى “( ،)3اختصّ ه هللا بصداقته (.)4
73
أن رجُلين اثنين هما أساس الجنس البشريّ :آدم “القديس بولس يعلّمنا َّ
إن آدم األول ُخلق كائناً بشرياً نال الحياة ،وا ّما اآلخروالمسيح ...وهو يقولّ :
روحاني يعطي الحياة .أألوّ ل خلقه اآلخر ومنه نال النفس التي تُحييه...
ّ فكائن
ُ
آدم الثاني جعل صورته في آدم األول عندما كان يَجبلُه .من هُنا ألقيت عليه
مه ّمتُه واس ُمه وذلك لكي ال يُعرِّ ض من صّ نَعه على صورته للضياع .آدم
إن األخير هو األول األول ،آد ُم األخير :األول ابتدأ ،واألخير لن ينتهي ،إذ ّ
في الحقيقة ،على ح ّد ما قال هو نفسه“ :أنا األول واألخير ".
أن -361أذ كان الجنس البشري من أصل مشترك فهو يؤلف وحدةً ،ذلك ّ
هللا "صنع من واح ٍد كلُّ أ ّمة من البشر (أع :)21 :71
“إنها لرؤيا عجيبة تلك التي تجعلنا نتا ّمل الجنس البشريّ في وحدة أصله في
هللا ،في وحدة طبيعته ،المر ّكبة عند الجميع تركيبا ً واحداً من جسم ما ّديّ
ونفس روحانيّة ،في وحدة غايته الفوريّة ورسالته في العالم ،في وحدة
طبيعي ،أن يستعملواّ قمسكن ِه :األرض التي يستطيع جميع البشر ،بح ّ
خيراتها لكي يحافظوا على الحياة ويُن ّموها ،في وحدة غايته العليا :هللا نفسه
الذي يجب على الجميع أن يتوجّ هوا إليه ،في وحدة الوسائل لبلوغ هذه الغاية.،
في وحدة االفتداء الذي قام به المسيح ألجل الجميع ".
“ -360نظام التضامن البشريّ والمحبّة هذا " ،فضالً عن و ْفرة تنوّ ع
األشخاص ،والثقافات وال ّشعوب ،يؤ ّكد لنا ان جميع البشر إخوة في الحقيقة.
س"
واح ٌد من جس ٍد ونف ٍ
ِ “ .2
وروحاني
ٌّ ق على صورة هللا ،كائن جسديّ -362الشخص البشريّ ،المخلو ُ
أن “هللامعاً .والرواية الكتابيّة تعبّر عن هذه الحقيقة بكالم رمزي عندما تثبت ّ
فصار اإلنسان نفساًَ جبل اإلنسان ترابا ً من األرض ونفخَ في أنفه نَسمةَ حياةَ
حيّة “(تك .)1 :2فاإلنسان بكامله كان في إرادة هللا.
-363كثيراً ما تر ُد اللفظة نفس في الكتاب المق ّدس بمعنى الحياة البشريّة ،أو
كامل الشتص البشري .ولكنها تدلّ أيضا ً على أعمق ما في اإلنسان وأثمن ما
فيه ،أي ما يجعله على وج ٍه أخصّ صورة هللا“ :نفس “تعني مبدأ اإلنسان
الروحاني.
ّ
ألن -364يشترك جسد اإلنسان في كرامة “صورة هللا " :إنّه جس ٌد بشريٌّ ّ
تبث فيه الحياة ،والشخص البشريّ بكامله ُمع ٌّد ألن يصبح، النفس الروحانية ُّ
في جسد المسيح ،هيكل الروح.
74
“اإلنسان واح ٌد بجسده ونفسه ،وهو بوضع ِه الجّ سدي نفسه يجمع في ذاته
عناصر العالم الماديّ ،بحيث تبلغ فيه قِ ّمتها ،وترفع بحريّة الى الخالق صوت
حمدها .فال يجوز لإلنسان إذن أن يحْ تقِ َر الحياة الجسديّة ،بل عليه أن يعامل
جسدَه باإلحسان واإلكرام ألنّه خليقة هللا و ُمع ٌّد للقيامة في اليوم األخير ".
صورة
َ -365وحدة النفس والجسد هي من العمق بحيث أن تُع َّد النفس “
“الجسد ،أي أن الجسد المر ّكب من ما ّدة يصبح بالنفس الروحانية ،جسداً
وحيّاً ،الروح والمادة ،في اإلنسان ،ليسا طبيعتين اثنتين ُمتّحدتين، إنسانيّا ً َ
ً
ولكن اتّحادهما يكوّ ن طبيعة واحدة.
-366الكنيسة تعل ُم أن كلّ نفس روحانيّة يخلُقها هللا مباشرةً - ،إنها ليست من:
صُنع :الوالدين ،-وهي تُعلّمنا أيضا ً أنّها غير مائتة ،إنّها ال تتالشى عندما
تُفارق الجسد بالموت ،وهي تعود الى اإلتّحاد بالجسد في القيامة األخيرة.
ّ
-367يحصُل أحيانا ً أن تُ َميَّز النفس من الروح .وهكذا فالق ّديس بولس يصلي.
قائالً“ :وليَحفظ ك َّل ما فيكم أرواحكم ،ونفوسكم ،وأجسادكم ،بغير لوم عند
أن هذا التّمييز ال يُدخل في مجيء ربّنا “( 7تس .)23 :1والكنيسة تعلّم ّ
النفس ازدواجية“ .الروح “يعني ان اإلنسان موجَّه منذ خلقه الى غايتِه الفائقة
وأن نف َسه قادرةٌ على ان تُرقّى مجّ انا ً الى ال ّشركة مع هللا.
الطبيعةّ ،
الكتابي لـ “عُمق الكيان
ّ بالمعنى القلب على ددّ ُش ي الروحي
ّ الكنيسة -368تقليد
“(إر )33 :37حيث يُقرّ ر الشخص أنّه هلل أو ال.
-369الرّ جُل والمرأة ُخلِقا أي إنّ هللا ارادهما :في مساواة كاملة ،لكونهما
شخصين بشريَّين من جهة ،ومن جه ٍة أخرى بكيانهما الخاصّ رجالً وامرأة. َ
أن يكون “رجالً “وأن تكون
“امرأة “تلك حقيقة حسنة وقد أرادها هللا :للرّ جل والمرأة كرامةٌ ثابتةٌ تأتيهما
مباشرةً من هللا خالقهما .الرّ جل والمرأة هما ،في الكرامة الواحدة ،على
صورة هللا .وهما يعكسان حكمة الخالق وجودته في “كيان الرجولة “وفي
“كيان األنوثة ".
-371ليس هللا على صورة اإلنسان البتّة .فهو ليس رجالً وال امرأة .هللا روحٌ
ولكن “كماالت “الرجل والمرأة ّ محضّ ليس فيه مكان الختالف الجن َسين,.
75
تعكس شيئا ً من كمال هللا غير المتناهي :كماالت األم ،وكماالت األب
ّ
والزوج.
-370الرجل والمرأة ُخلقا معا ً ،وقد أرادهما هللا الواحد لآلخر ،وكالم هللا
يُس ِمعُنا ذلك بتلميحات مختلفة في النّص المق ّدس“ .ال يحسُن أن يكون اإلنسانُ
وحدهُ فأصنع له عونا ً بإزائه “
(تك .)72 :2وما من حيوان يمكن أن يكون هذا الـ “بإزاء “اإلنسان.
المرأة التي “بناها “هللا من الضلع التي أخذها من الرّجل ،والتي أتى بها
صراخَ إعجاب ،صراخَ محبّ ٍة وشركة“ :هوذا هذه الرّجل ،تبعث من الرجل ُ
المرأة عظ ٌم من عظامي ولح ٌم من لحمي “(تك .)32 :2الرجل يكتشف في
المرأة “أنا “آخر ،من البشريّة نفسها.
ّ
-372الرجل والمرأة صُنعا “الواحد لآلخر " :ال أن هللا صنعهما “نصفين
“و “غير كاملين “إنّه خلقهما لشركة شخصين يستطيع فيها كلُّ واحد أن
يكون “عونا ً “لآلخر ،ألنهما في الوقت نفسه متساويان لكونهما شخصين
(“عظ ٌم من عظامي “) ومتكاملين لكونهما ذكراً وأنثى .وفي الزواج يجمعهما
بحيث ،وهما “جس ٌد واحد “(تك ،)24 :2يستطيعان أن يُعطيا الحياة ُ هللا
البشريّة““ :انموا واكثروا وامألوا األرض “(تك .)22 :7والرّجل والمرأة،
وجين ووالدَين “عندما يُعطيان نسلهما الحياة البشرية يُسهمان إسهاما ً فريداً زَ َ
في عمل الخالق.
-373الرجل والمرأة مدعوّ ان ،في تصميم هللا“ ،إلخضاع “األرض على
أنهما “وكالء “هللا .وهذه السيطرة يجب أن ال تكون تسلّطاً تعسُّقيا ً وه ّداما ً.
فالرجل والمرأة مدعوّ ان ،على صورة الخالق الذي “يحبّ جميع الكائنات
“(حك ،)21 :77إلى االشتراك في “العناية اإللهية “تجاه جميع المخلوقات.
من هنا مسؤوليّتهُما عن العالم الذي عهد هللا فيه إليهما.
.4اإلنسان في الفردوس
76
الكتابي على نور العهد الجديد
ّ -375الكنيسة ،عندما تفسّر رمزيّ الكالم
ُ
أن أبوينا األولين ،آدم وحوّاء ،أقيما في حالة والتقليد تفسيراً أصيالً .تعلّم ّ
“قداسة وبرٍّ أصلي " .ونعمة القداسة األصليّة هذه كانت اشتراكا ً في الحياة
اإللهية.
ّ
-376بإشعاع هذه النعمة تقوّ ت جمي ُع أبعاد الحياة البشرية .فما دام اإلنسان
في صداق ٍة مع هللا كان في منجى من الموت ومن األلم .فالتناغم في داخل
ال ّشخص البشريّ ،والتناغم بين الرجل والمرأة ،وأخيراً التناغم بين ّ
الزوجين
األوّلين وجميع الخليقة ،كانت تؤلّف الحالة المدعوّ ة
“برارةً أصليّة ".
ّ
“ -377إخضاع “العالم الذي ألقى به هللا إلى اإلنسان منذ البدء كان يتحقق
الذاتي .كان اإلنسان في كامل ذاته
ّ قبل كل شيء في اإلنسان نفسه باإلنضباط
كامالُ ومنظَّماً ،إذ كان محرّ راً من الشهوات الثالثة التي كانت تُخضعه لمتع
الحواسّ ،للتج ّشع في الخيرات األرضية ،وأثبات الذات في وجه أوامر العقل.
أن جعلّهُ هللا في َ
الجنّة .فعاش فيها “يحرُث -378وكانت عالمة أُلفته مع هللا ْ
األرض
ّ
ويحرسُها “(تك ،)71 :2ليس العمل مشقة ،ولكنّه إسهام الرجل والمرأة مع
هللا في إكمال الخليقة المرئيّة.
-379هذا التناغم كلُّه في البرارة األصليّة ،الذي هيّئ لإلنسان في تصميم
هللا ،سيُفق ُد بخطيئة أبوينا األوّلين.
بإيجاز
“ -381لقد صنعت اإلنسان على صورتك ،يا هللا ،وجعلت الكون بين يديه،
حتى إذا خد َمك ،أنت خال َقهُ ،كان سيّد الخليقة ".
ألن يَن ُقل صورة ابن هللا المتأنس – “صورة هللا غير
ّ -380اإلنسان ُمهيّ ٌا ْ
المنظور “(كو – )71 :7حتى يكون المسيح بكر ًا ما بين َج ٍّم غفير من إخو ٍة
وأخوات.
ّ
-382اإلنسان “واح ٌد من جس ٍد ونفس “عقيدة اإليمان ُتبت أن النفس
الروحانيّة والغير المائتة يخلقها هللا مباشرة.
وأنثى خلقهم “(تك :7 “ -383وهللا يخلق اإلنسان وحيد ًا :منذ البدء”ذكر ًا ُ
،)21وهذا الجمع بين الرجل والمرأة هو الصورة األولى لتشارُك األشخاص
".
77
-384الوحي يُطلعنا على حالة القداسة والبرارة األصليّتين عند الرجل
والمرأة قبل الخطيئة :كانت صداقتهما مع هللا في أصل سعادة وجودهما في
الفردوس.
سقوط
الفقرة – 7ال ّ
-385هللا غير متناهي الجودة وجميع أعماله حسنة .ولكن ال أحد ينجو من
تَجربة األلم ،من تجربة شرور الطبيعة – التي تبدو شبه مرتبطة بحدود
األدبي .من اين يأتي الشرّ و ؟ يقول
ّ الخالئق الخاصّ ة -والسيّما من مسألة الشرّ
ً ّ
َشت من أين يأتي الشرّ فلم أجد حال " ،ولن يجد الق ّديس أوغسطينوس“ :لقد فت ُ
فإن “سرّ اإلثم “(2 الحيّ .
ّ بَحثُه الخاصّ األليم مخرجا ً إالّ في اهتدائه الى هللا
تس )1 :2لن يتَضح إالّ على نور سرّ التقوى .إن كشفَ المحبّة اإللهية في
المسيح أظهر مدى الشرّ وفيض النعمة معا ً .يجب أن نعرض إذن لمسألة
ّت على من هو ،وحده ،غالبُ الشرّ . مصدر الشرّ ونظ ُر إيماننا مثب ٌ
حقيقة التطيئة
-386الخطيئة موجودة في تاريخ اإلنسان :قد تكون من العبث محاولةُ
تجاهلها ،أو إلقاء أسماء أخرى على هذه الحقيقة الغامضة .ولكي نحاول فهم
ما هي الخطيئة ،يجب أوالً معرفة صلة اإلنسان العميقة باهلل ،إذ إنه خارج
هذه العالقة ،ال يُكشف عن شرّ الخطيئة في حقيقة كونه رفضا ً ومقاومةً في
وجه هللا ،مع بقائه عبئا ً ثقيالً على حياة اإلنسان وعلى التاريخ.
ّ
-387حقيقة الخطيئة ،وال سيّما خطيئة األصول ،ال تتضح إال على نور
اإللهي .فبدون المعرفة التي يُعطيناها عن هللا ال تمكن معرفة الخطيئةّ الوحي
معرفةً واضحة ،فنكون معرّضين لتفسيرها على أنّها نقصٌ في النموّ فقط،
ضعف نفسي ،ضاللٌ ،نتيجةٌ حتميةٌ لبُني ٍة إجتماعية غيرمالئمة الخ .ففي ٌ
استعمال
ٍ ّ
معرفة قصد هللا بالنسبة الى اإلنسان فقط تُفهم الخطيئة على أنها سو ُء
للحريّة التي يمنحها هللا لألشخاص المخلوقين ،لكي يتم ّكنوا من محبّته ومن
محبّة بعضهم البعض.
78
اإللهي ا ّتضحت أيضا ً حقيقة الخطيئة .وإن عَرض شعبُ ّ -388لنموّ الوحي
هللا في العهد القديم آلالم الوضع البشري على نور تاريخ السّقوط الوارد في
سفر التكوين ،فإنه لم يكن ياستطاعته الوصول الى المعنى البعيد لهذا التاريخ،
الذي ينجلي فقط على نور موت يسوع المسيح وقيامته .يجب معرفة المسيح
ينبوعا ً للنعمة لمعرفة آدم ينبوعا ً للخطيئة .الروح -البارقليط الذي ارسله
المسيح المنبعث ،وهو الذي جاء لكي “يُفحم العالم بشأن الخطيئة “(يو :71
،)2إذ كشف عن الذي افتدى من الخطيئة.
-389عقيدة الخطيئة األصليّة هي على نح ٍو ما “الوجه المناقض “للبشرى
وبأن الجميع بحاجة الىَّ الصالحة بأن يسوع المسيح هو مخلّص جميع البشر،
الخالص مق ّد ٌم للجميع بفضل المسيح .والكنيسة التي عندهاَ الخالص ،وبأن
فكر المسيح تعل ُم أنه ال يمكن ال َمساس بوحي الخطيئة األصليّة بدون اإلساءة
إلى سرّ المسيح.
ً ّ ّ ً ً
صص السّقوط (تك )3يعتمد أسلوبا خياليّا ،ولكنه يؤكد حدثا ذا أهمية -391قَ َ
ً
كبيرة ،حدثا جرى في بدء تاريخ اإلنسان .والوحي يُعطينا اليقين اإليماني،
بأن تاريخ البشر كلّه مرسو ٌم بالخطيئة األصليّة التي اقترفها أبوانا األوّ النّ
باختيارهما.
.2سقوط المالئكة
79
-394الكتاب المقدس يُثبت األثر المشؤوم للذي يدعوه يسو ُع “من البدء قتّ َ
ال
الناس “(يو )44 :2والذي حاول أن يحوّ ل يسوع نفسه عن الرسالة التي
تقبّلها من اآلب“ .ولهذا ظهر ابن
لينتقض أعمال إبليس “( 7يو .)2 :3وأفضع نتائج أعماله كان اإلغراء َ هللا:
الكاذب الذي جرّ اإلنسان الى عصيان هللا.
ّ
ولكن مقدرة االبليس ليست غير متناهية .إنه مجرّد خليقة ،قديرة ّ -395
لكونها روحا ً محضاً ،ولكنه ال يخرج عن كونه خليقة :ال يستطيع أن يمنع
بناء ملكوت هللاْ ,
وإن ع ِم َل إبليسُ في العالم بعامل الحقد على هللا وملكوته في
وإن كان لعمله أضرا ٌر جسيمة – على المستوى الروحي يسوع المسيحْ ،
انسان
ٍ الطبيعي نفسه – لكلّ
ّ وأحياناً ،وبطريقة غير مباشرة ،على المستوى
وللمجتمع ،فهذا العم ُل تسمحُ به العناية اإلليهة الي توجّ ه تاريخ اإلنسان
والعالم بقوّة ولين ،والسّماح اإللهي بهذا العمل الشيطاني سرٌّ عظيم ،ولكننا
“نعلم أن هللا في كل شيء يسعى لخير الذين يُحبونه “(رو .)22 :2
.3التظيئة األصلية
تجربة الحريّة
-396هللا خلق اإلنسان على صورته وأقامه في صداقته .وإذ كان اإلنسان
خليقةً روحانية ،فهو ال يستطيع أن يعيش في هذه الصداقة إالّ عن طريق
الخضوع الحُرّ هلل .وهذا ما يعبّر عنه منع اإلنسان من أن يأكل من شجرة
معرفة الخير والشرّ“ ،فإنك يو َم تأك ُل منها تموت موتا ً “(تك .)71 :2
“شجرة معرفة الخير والشرّ “(تك )71 :2توحي رمزيّا ً بالح ّد الذي ال يمكن
تجاوزه والذي يجب على اإلنسان ،في كونه مخلوقاً ،أن يعترف به اختياريّاً
وأن يقف عنده بثقة .اإلنسان متعلّق بالخالق ،وهو خاض ٌع لنواميس الخليقة،
وللنُظُم األخالقيّة التي تُنظِّم استعمال الحريّة.
-412جمي ُع البشر متورّ طون في خطيئة آدم .القديس بولس يُثبت ذلكُ “ :ج ِعل
الكثيرون (أي جميع البشر) خطأةً بمعصية إنسان واحد “(رو “ :)71 :1كما
بإنسان واحد دخلت الخطيئة الى العالم ،وبالخطيئة الموت ،وهكذا اجتازٍ أنّها
خطئوا(“ ...رو .)72 :1وقد قابل ألن جميعهم قد ِالموت إلى جميع الناس ُّ
الرسول شموليّة الخطيئة والموت بشموليّة الخالص بالمسيح“ :كما أنه بزل ٍةّ
81
واح ٍد كان القضا ُء على جميع الناس ،كذلك ببرِّ واح ٍد (برّ المسيح) يكون
لجميع الناس تبري ُر الحياة “(رو .)72 :1
أن الشقاء العارم الذي -413لقد اتَّبعت الكنيسة القديس بولس ،فعلّمت دائما ً ّ
يَبْهط البشر ،وميلَهم الى الشرّ وإلى الموت ال يُفهمان بمعزل عن عالقتهم
بخطيئة آدم ،وبواقع أنه أورثنا خطيئةً نُولد حاملين وزرها وهي “موت النفس
“وانطالقا ً من هذا اليقين العقائدي تمنح الكنيسة المعموديّة لمغفرة الخطايا،
حتى لألطفال الصّ غار الذين لم يرتكبوا خطيئة شخصيّة.
ّ
-414كيف أصبحت خطيئة آدم خطيئة ذرّ يته كلِّهاو ؟ الجنس البشري كله في
ان واحد " .وبسبب “وحدة الجنس البشريّ هذه آدم “كأنّه الجسد الواحد إلنس ٍ
“جمي ُع البشر داخلون في خطيئة آدم ،كما أنّهم داخلون جميعا ً في تبرير
المسيح .ومع ذلك فأن انتقال الخطيئة األصليّة سرٌّ ال نستطيع إدراكه إدراكا ً
تا ّماً .إالّ إننا نعلم عن طريق الوحي أن آدم نال القداسة والبرارة األصليّتين،
ال له وحده ،بل للطبيعة البشريّة كلّها :وبانقياد آدم وحوّاء للمجرّ ب ،ارتكبا
خطيئة شتصية ،ولكن هذه الخطيئة انتقل أثرها الى الطبيعة البشريّة التي
سينقالنها وهما في حالة سقوط .إنّها خطيئة ستنتقل الى جميع البشر عن
طريق التف ّشي ،أي بنقل طبيعة بشرية مجردة من القداسة والبرارة األصليّتين.
ولهذا فالخطيئة األصليّة مدعوّة “خطيئة “على سبيل المشابه :إنها خطيئة
“موروثة “ال ُمرت ّكبة " ،حالة ال فعْل.
-415وإن كان كل إنسان مخصوصا ً بالخطيئة األصليّة ،فإنّها ليست ذات
شخصي عند أيّ من أبناء آدم .إنها حرمان من القداسة والبرارة ّ طابع
ً ً
األصليّتين ،ولكن الطبيعة البشريّة ليست منفسدة انفسادا كامال :لقد جُرحت
وأخضعت للجهل واأللم وسلطان الموت ،ومالت ِ في قواها الطبيعيّة الخاصّ ة،
الى الخطيئة (وهذا الميل الى الشرّ يُسمى “شهوة “) .والمعموديّة بمنحها حياة
نعمة المسيح ،تمحو الخطيئة األصليّة وتر ُّد اإلنسان إلى هللا ،ولكن العواقب
في الطبيعة ال ُمضْ َعفَة والميّالة الى الشرّ ،تبقى في اإلنسان وتدعوه الى الجهاد
الروحي.
ّ
-416إن عقيدة الكنيسة في موضوع انتقال الخطيئة األصليّة اكتسبت دقّةً
خصوصا ً في القرن الخامس ،والسيّما مع القديس أوغسطينوس في دف ِ
ق
تأ ّمالته ض ّد البالجيّة ،وفي القرن السادس عشر في مناهضة البروتستانتية.
كان بالجيوس يعتقد أن اإلنسان يستطيع ،بقوّ ة إرادته الطبيعية الحرّ ة ،بدون
معونة نعمة هللا الضروريّة ،أن يسلك سلوكا ً صالحا ً أدبيّاً ،كان بذلك يحوّ ل
تأثير خطيئة آدم الى تأثير مثال سيّئ .وبعكس ذلك كان دعاة اإلصالح
أن ًّ اإلنسان قد أصبح في عمقه فاسداً ّ
وأن البروتستاني األوّلون يُعلّمون ّ
ّ
82
حريّته أصبحت ،بخطيئة األوّ لينُ ،معطَّلة .وكانوا يوحّ دون ما بين الخطيئة
التي َو ِرثها كل إنسان والميل الى الشرّ (الشهوة) الذي ال يمكن التغلّب عليه.
وقد أثبتت الكنيسة موقفها في معنى الوحي المتعلّق بالخطيئة األصليّة في
مجمع أورانج الثاني ،سنة ،121وفي المجمع التريدنتيني ،سنة .7141
صراع عنيف
خو ُل نظرة -417عقيدة الخطيئة األصليّة – مقرونةً بعقيدة فداء المسيح – تُ ِّ
تمييز واضح في شأن موقع اإلنسان وعمله في العالم .بخطيئة األبوين األوّ لين
اكتسب الشيطان شبه سيطرة على اإلنسان ،وإن لبث هذا ٌحرّ اً .الخطيئة
األصليّة تجرُّ “العبودية تحت سلطان ذاك الذي كان بيده سلطان الموت،
أعني إبليس " .تجاهُل كون اإلنسان ذا طبيعة مجروحة ،ميّالة الى الشرّ ،
يُفسح المجال ألضاليل جسيمة في موضوع التّربية ،والسّياسة ،والعمل
اإلجتماعي ،واألخالق.
َص ُم العالم،ِ ت ّة، يالشخص البشر خطايا وجميع ّة، ي األصل -418عواقب الخطيئة
في مجمله ،بوصمة الخطيئة ،التي يمكن أن يُطلق عليها تعبير القديس يوحنا:
السلبي الذي
ّ “خطيئة العالم “(يو .)21 :7بهذا التّعبير يُشار أيضاً الى التأثير
تُلحقه باألشخاص األحوال المجتمعيّة ،والبُنى االجتماعية ،التي هي ثمرة آثام
البشر.
ّ
-419الحالة المأسويّة هذه التي يقيم فيها العالم “كله تحت سلطان ال ّشرير
“( 7يو )71 :1تجعل حياة اإلنسان صراعا ً:
الظلمة ،وقد بدأ وجود عنيف تُقاوم به قوى ُّ ٌ ع“يتخلّل تاريخ البشر العام صرا ٌ
العالم وسيبقى ،على ح ّد قول الربّ ،الى اليوم األخير .فعلى اإلنسان وقد
دخل المعركة ،أن يُناضل أبداً لكي يَلزم الخير ،وهو لن يستطيع تحقيق أُ ِ
وحدته الذاتيّة إالّ بعد جهو ٍد شديدة ،وبمؤازرة النّعمـة اإللهية ".
-401هللا لم يتخلّ عن اإلنسان بعد سقوطه .فهو ،بعكس ذلك ،يدعوه ويبشره،
بطريقة سريْة ،بالتغلّب على الشرّ وبإقالته من عثرته .هذا المقطع من سفر
التكوين ُس ّمي “مقدمة اإلنجيل “ألنّه البشرى األولى بالمسيح الفادي ،البشرى
بصراع بين الحيّة والمرأة ،وبالنتصار النهائي لنسل هذه المرأة.
ٍ
83
-400التقليد المسيحي يرى في هذا المقطع البشرى بـ “آدم الجديد “الذي،
“بطاعته حتى الموت موت الصليب “(في )2 :2يُعوّ ض تعويضا ً ال يُقاس
فإن كثيرين من آباء الكنيسة ومالفنتها يرون في عن معصية آدم .وإلى ذلك ّ
المرأة التي ورد ذكرها في “مق ّدمة اإلنجيل “أ َّم المسيح ،مريم ،على أنّها
“حوّاء الجديدة “إنّها تلك التي كانت األولى ،وبطريقة فريدة ،استفادةً من
صينَت من دنس الخطيئة اإلنتصار على الخطيئة الذي حقّقه المسيح :لقد ِ
األصليّة كلّه ،وعلى مدى حياتها األرضيّة كلّها لم ترتكب أيّ نوع من
الخطيئة ،وذلك بنعم ٍة خاصة من هللا.
-402ولكن لماذا لم يمنع هللا اإلنسان األول من أن يتطأ؟ يجيب عن ذلك
القديس الون الكبير:
“نعمة المسيح التي ال توصف وهبتنا خيرات أعظم من تلك التي كان حس ُد
إبليس قد انتزعها منّا " .والقديس توما األكويني يقول“ :ال شيء يمنع من أن
تكون الطبيعة البشريّة قد أٌع ّدت لغاية أرفع من الخطيئةّ .
فإن هللا يسمح بأن
تحصُل الشرور لكي يستخرج منها خيراً أعظم .من هنا قول القديس بولس:
“حيث كثرت الخطيئة طفحت النعمة “(رو .)22 :1ومن هنا يُقال في بركة
شمعة الفصح “يا للخطيئة السعيدة التي استحقّت هكذا فاديا ً وبمثل هذه
العظمة".
بإيجاز
“ -403ليس الموت من صُنع هللا ،وال هالك األحياء يَسرُّ ه ...بحسد أبليس
دخل الموت الى العالم “(حك .)24 :2 ،73 :7
-404الشيطان أو إبليس وسائر الشياطين هم مالئكة ساقطون ألنهم رفضوا
باختيارهم أن يخدموا هللا و َقصدَه .واختيارهم ض ّد هللا نهائ ّي .وهم يعملون
على إشراك اإلنسان في ثورتهم على هللا.
ولكن ال ّشرير أغواه من ُذ بدء التاريخ،
ّ “ -405أقام هللا اإلنسان في حالة برارة.
فأسا َء استعمال حريّتهُ ،منتصب ًا في وجه هللا ،وراغب ًا في أن يبلغ غايته من
دون هللا ".
-406في كون آدم اإلنسان األول ،أضا َع بخطيئته القداسة والبرارة
األصليّتين اللتين كان قد نالهما من هللا ،ليس فقط لنفسه ،بل لجميع البشر.
-407لقد أورث آدم وحوّاء ذرّيتهُما الطبيعة البشريّة مجروح ًة بخطيئتهما
األولى ،ومن ث ّم مجرَّدة من القداسة والبرارة األصليّتين .وهذا الحرمان يُس ّمى
“خطيئة أصليّة ".
84
أن الطبيعة البشرية ُأض ِعفت في قواها، -408ن َت َج عن الخطيئة األصلية ّ
ضعت للجهل ،واأللم وسيطرة الموت ،ومالت الى الخطيئة (وهذا الميل وأخ ُِ
يُس ّمى “شهوة “).
“ -409فنحن نعتقد ،مع المجمع التريدنتيني ،أن الخطيئة األصليّة تنتقل مع
الطبيعة البشرية،
“ال تقليد ًا بل انتشارا “وهي هكذا “خاصة بكل واحد ".
ً
-421اإلنتصار على الخطيئة الذي ح ّققه المسيح أعطى خيرات أفضل من
تلك التي أفقدتها الخطيئة“ :حيث كثرت الخطيئة طفحت النعمة “(رو :1
.)22
ُ ّ
“ -420في إيمان المسيحيين أن هذا العالم هو وليد محبّة هللا وحفيظها ،سقط
في عبوديّة الخطيئة ،ولكن المسيح قد ّ
حطم بالصّ ليب والقيامة شوكة الشرّ ير
وحرّ ره." ...
الفصل الثاني
أؤمن بيسوع المسيح آبن هللا الوحيد
الزمان ،أرسل هللا ابنه مولوداً من إمرأة ،مولوداً “ -422ولكن لما بلغ ملء ّ
ّ
تحت الناموس ،ليفتدي الذين تحت الناموس ،وننال التبني “(غل .)1-4 :4
هوذا “بد ُء إنجيل يسو َع المسيح ،ابن هللا" :هللا افتقد شعبه .لقد أت َّم الوعود التي
قطعها إلبراهيم ونسله .لقد صنع ذلك فوق كلّ انتظار :إنه أرسّل “ابنه
الحبيب ".
-423نؤمن ونعترف بأن يسوع الناصريّ ،المولود من فتا ٍة من إسرائيل ،في
بيت لحم ،في عهد الملك هيرودس الكبير واإلمبراطور أوغسطس قيصر
األول ،نجّ ار الصنعة ،الذي مات مصلوباً في أورشليم إبّانَ حكم الوالي
األزلي المتأنَس،
ّ لك اإلمبراطور تيباريوس ،هو ابنُ هللا بُنطيس بيالطس ،و ُم ِ
وبأنّه “خرج من هللا “(يو ،)3 :73و “نزل من السماء “(يو :1 ،73 :3
،)33وأتى في الجسد ،ألن “الكلمة صار جسداً وسكن في ما بيننا ،وقد
شاهدنا مجده ،مجداً من اآلب البنه الوحيد ،الممتلئ نعمةً وحقّاً ....اجل ومن
إمتالئه نحن كلّنا قد أخذنا ونعمة فوق نعمة (ثيو .)71 ،74 :7
85
ب من اآلب نؤمن ونعترف في بدافع من نعمة الروح القدس ،وبجاذ ٍ ٍ -424
شأن يسوع:
الحي “(متى .)71 :71فعلى صخرة هذا اإليمان الذي
ّ هللا ابنُ المسيح “أنت
أعلنه القديس بطرس ،بنى المسيح كنيسته.
-425نق ُل العقيدة المسيحية هو أوّ الً التّبشير بيسوع المسيح في سبيل اإليمان
به .منذ البد ِء اضطرم التال ِمذة األوّلون رغبةً في التبشير بالمسيح“ :أ ّما نحن،
فإنّا ال نقد ُر أن ال نتكلّم بما عاينّا و َس ِمعنا “(أع .)22 :4وهم يدعون البشر مم
كل زمان الى الدخول في فرح شركتهم مع المسيح:
“ما سمعناه ،وما رأيناه بأعيننا”وما تأ ّملناه وما لمسته أيدينا في شأن “كلمة
الحياة “– ألن الحياة قد ظهرت ،لقد رأيناها ونشهد لها ،ونب ّشركم بهذه الحياة
األبديّة التي كانت لدى اآلب وظهرت لنا – إن ما رأيناه وسمعناه به نُب ّشركم
وشر َكتُنا نحن إنّما هي معبه أنتم أيضا ً لتكون لكم أنتم أيضا ً شركةٌ معناِ .
اآلب ومع يسوع المسيح ابنه .ونكتُب اليكم بهذه األمور ليكون فرحُنا ُمكتمالً
“( 7يو .)4-7 :7
المقال الثاني
“وبيسوع المسيح ،آبنه الوحيد،ربّنا "
.0يسوع
“ – 431يسوع “في العبرانيّة يعني “هللا يخلّص " .وإبّان البشارة أطلق عليه
المالك جبرائيل اس َم يسوع ،اسما ً علماً ،يُعبّر عن هُويّته ورسالته معاً .وبما
ان “هللا وحدَه يستطيع أن يغفر الخطايا”(مر )1 :2فهو َمن ،بيسوع ،ابنه ّ
األزلي المتجسّد“ ،يخلّص شعبه من خطاياهم” ّ
الخالصي في سبيل ّ (متى .)27 :7وهكذا فبيسوع يُلَ ِّخصُ هللا كل تاريخه
البشر.
-437لم يكتف هللا ،في تاريخ الخالص ،بأن ينقذ إسرائيل “من دار العبوديّة
“(تث )1 :1بإخراجه من مصر .إنّه يخلّصه أيضا ً من خطيئته .وإذ كانت
الخطيئة دائما ً إهانةً هلل فهو وحده يستطيع أن يغفرها .ولهذا فإسرائيل ،هو
طلب الخالص إالّ َ يعي أكثر فأكثر شموليّة الخطيئة ،لن يستطيع من بع ُد
باستدعاء اسم هللا الفادي.
أن اسم يسوع يعني أن اسم هللا نفسّه حاضرٌ في شخص ابنه الذي صار َّ -432
اإللهي الذي
ّ انسانا ً الفتداء البشر افتدا ًء شامال ونهائيّا من الخطايا .إنه االس ُم
ً ً
وحده يجلب الخالص ،وبوسع كل إنسان من اآلن فصاعداً أن يدع َُوه ألنه
عطي في
َ اتّحد بجميع البشر بالتجسّد ،بحيث إنّه “ليس تحت السماء اس ٌم آخر أُ
الناس به ينبغي أن نخلص “(أع .)73 :4
ص يدعوه الكاهن األكب ُر مرّ ةً واحدةً في السّنة لتكفير -433كان اس ُم هللاِ المخلّ ِ
دم الذبيحة.معاصي إسرائيل ،عندما كان ينضح على غشاء قدس األقداس من ِ
87
أن هللا وكان الغشا ُء مكانَ حضور هللا .وعندما قال القديس بولس عن يسوع َّ
صالح هللا
َ تكفير بدمه “(رو )21 :3أراد أن ،في بشريّة هذا“ ،ٍ “أقامه “أداة
في المسيح ،العال َم مع نفسه “( 2كو .)71 :1
-434قيامة يسوع تُمجّ د اسم هللا المخلّص ،إذ أنّهُ ،من اآلن فصاعداً ،سيُظهر
اس ُم يسوع ،إظهاراً كامالً ،القدرة السامية التي “لالسم الذي يفوق كلّ اسم
إن األرواح ال ّشرّيرة تخشى اسمه ،وباسمه يصنع تالمي ُد “(فيل ّ .)72 – 1 :2
أن كلّ ما يسألون اآلب باسمه يُعطيهموه. يسوع معجزات ،إذ ّ
-435اس ُم يسوع هو في قلب الصالة المسيحيّة .جمي ُع ابتهاالت الليترجيّا
تُختَم بهذه العبارة
“بِربِّنا يسوع المسيح " .وصالة “السالم عليك ،يا مريم “تبلغ الذروة في
الشرقي المدعوّ
َ القلبي
ّ أحشائكُ ،مبارك " .واالبتها ُل
ِ القول “ويسوع ،ثمرة
“صالة يسوع “يقول“ :يا يسوع المسيح ،ابن هللا ،ربّي ،ارحمني أنا الخاطئ
" .عدد كبير من المسيحيين يموتون كالقديسة جان دارك ،وعلى لسانهم
الكلمة الوحيدة “يسوع ".
.2المسيح
88
(متى ،)22 :7حتى يول َد يسوع “الذي يُدعى المسيح “من إمرأة يوسف في
ساللة داود المسيحانيّة (متى .)71 :7
المسيحاني يظهر رسالته اإللهيّة“ .وهذا ما يدُلُّ عليه ّ عإن تكريس يسو ُ ّ -438
إن في اسم المسيح يُض َمر من َم َسح ،ومن ُم ِسح ،وال ّدهن الذي اسمهُ نفسُه ،إذ َّ
الماسح هو اآلب ،والممسوح هو االبن ،وقد ُمسح بالروح الذي هو ِ به ُمسح:
األزلي في حياته األرضيّة في أثناء ّ المسيحاني
ّ َّ
ال ّدهن " .وقد تَكشف تكريسُه
تعميد يوحنا له عندما “ َم َسحه هللا بالروح القدس والقدرة “
ُظهر إلسرائيل “(يو )37 :7على أنه مسيحه .وأعماله (أع “ )32 :72لكي ي َ
وأقواله ستُعلنه “ق ّدوس هللا ".
ّ
-439عد ٌد كبي ٌر من اليهود وحتى بعض الوثنيّين الذين كانوا يشاركونهم في
الرجاء ،هؤالء جميعا ً رأوا في يسوع العالمات األساسيّة “البن داود
ع لقب المسيح الذي كان المسيحاني الذي وعد هللا به إسرائيل .لقد قَبِل يسو ُّ “
ً
من حقه ،ولكن ،على سبيل اإلطالق ،ألن فئة من ُمعاصريه كانوا ينظرون ّ
جوهرها.
ِ إليه نظرةً ج ّد بشريّة ،نظرةً سياسيّة في
-441تقبّل يسوع اعتراف إيمان بطرس الذي أعلن عنه أنَّه المسيح ،مخبراً
المسيحاني في
ّ بآالم ابن البشر القريبة .لقد كشف المضمون األصيل ل ُمل ِكه
الهُويّة السامية البن اإلنسان “الذي نزل من السماء “(يو ،)73 :3وفي
رسالته الفدائيّة كخادم متألِّم“ :لم يأت ابن اإلنسان ليُخدَم ال ِل َيخدم ويبذل نفسه
الحقيقي لِ ُمل ِكه لم يظهر
ّ فإن المعنى فِ ْديةً عن كثيرين”(متى .)22 :22ولهذا َّ
المسيحاني أن يعلنه
ّ إالّ من على الصليب .وهكذا فبعد قيامته فقط يمكن ل ُمل ِكه
أن هللا قد جعل يسو َع بطرُس أمام شعب هللا “ ْفليَعلَم يقيناًًَ جمي ُع بيت إسرائيل َّ
هذا الذي صلبتموه أنتم ،رّ بّا ً ومسيحا ً “(أع .)31 :2
-440ابن هللا ،لقبٌ كان يُعطى في العهد القديم للمالئكة ،لل ّشعب المختار،
ألبناء إسرائيل ،ولملو ِكهم .إتّه يعني ،في ذلك العهد ،بنوّ ةً بالتبنّي تجعل بين
هللا وخليقته عالقات أُلف ِة خاصة .عندما كان يُقال للملك المسيح ال ُمنتظَر “ابن
الحرفي لتلك
ّ هللا “لم يكن ذلك يتض ّمن بالضرورة – على حسب المعنى
النصوص – أنّه أكثرُ من َب َشر .وأولئك الذين دَعوا يسوع هكذا على أنّه مسيح
إسرائيل ربّما يقصدوا أكثر من ذلك.
بأن يسوع -442ليس األمر كذلك بالنسبة الى بطرس عندما يعترف َّ
إن يسوع يُجيبه جواباً احتفاليّا ً “ليس اللحم
لحي" ،إذ ّ
هو”المسيح ،ابن هللا ا ّ
89
وال ّد ُم كشفـا لك هذا ،بل أبي الذي في السموات “(متى .)71 :71وكذلك
سيقول بولس في شأن اهتدائه على طريق دمشق“ :لما آرتضى هللا ،الذي
في ألبَ ِّش َر به بين األممفرزني من جوف أ ّمي ودعاني بنعمته ،أن يُعلن ابنه ّ
بأن يسوع هو ابن هللا “(غل “ .)71-71 :7أخذ للحال يكرز في المجامع َّ
الرسولي الذي أعلنه
ّ “(أع )22 :1وهكذا سيكون منذ البدء ركيزة اإليمان
أوّ الً بطرس أساسا ً للكنيسة.
-443قد يكون بطرس عرف الميزة السامية للبنوّ ة اإللهيّة في يسوع المسيح،
لكون هذا قد ألمح إليها بصراحة .فأمام المجلس ،وبطلب من الم ّدعين عليه
بقولهم “أفأنت إذن ابن هللاو ؟ " ،أجاب يسوع“ :أنتم تقولون ،أنا هو “(لو :22
.)12وقبل ذلك أشار إلى نفسه بأنّه “االبنُ “الذي يعرف اآلب ،والذي هو
غي ُر “الخ ّدام “ الذين سبق هللا وأرسلهم الى شعبه ،وفوق المالئكة أنفسهم .لقد
ميّز بنوّ تَهُ من بنوّ ة تالميذه فلم يقل قط “أبونا “إالّ عندما أمرهم قائالً“ :فأنتم
إذن صلوا هكذا :أبانا “(متى ،)1 :1وقد ش ّدد على هذا التمييز بقوله “أبي
وأبيكم “
(يو .)71 :22
-444األناجيل تروي ،في فترتين احتفاليّتينِ ،عما ِد المسيح وتَجلّيه ،عن
صوت اآلب يعلنه
“ابنا ً محبوبا ً " .المسيح يُعلن عن نفسه أنّه “ابن هللا الوحيد”(يو ،)71 :3
ويؤ ّكد بهذه الصفة كينونته األبديّة .وهو يطلب اإليمان “باسم ابن هللا الوحيد
المسيحي يظهر في تعجّ ب قائد المئة أمام يسوع ّ “(يو .)72 :3هذا اإلعتراف
المصلوب“ :في الحقيقة كان هذا الرجل ابن هللا “(مر .)31 :71في السرّ
صحي فقط يستطيع المؤمن أن يُعطي بُعده األسمى لالسم “ابن هللا ". ّ ال ِف
-445بعد قيامته تظهر بنوّته اإللهية في قوّ ِة بشريّته الممجّ دة “ال ُمقام بحسب
روح القداسة ،في قُدرة ابن هللا ،بقيامته من بين األموات “(رو .)4 :7
وسيستطيع الرّ سُل أن يعترفوا“ :وقد شاهدنا مجده ،مجداً من اآلب البنه
الوحيد الممتلئ نعمةً وحقّا ً “(يو .)74 :7
ب
َ .4ر ّ
ق الوصف -446في الترجمة اليونانية ألسفار العهد القديم ،تُرج َم االس ُم الفائ ُ
الذي كشف به هللا نفسه لموسى أي يهوة ،باسم “كيريوس " ،أي “ربّ ".
رب أكثر ما يُستعمل للداللة على أأللوهة نفسها إلله وقد أصبح ُمذ ذاك االسم ّ
إسرائيل .والعهد الجديد يعمد إلى هذا المعنى القويّ لالسم “ربّ “ويطلقه ال
90
على اآلب وحسبُ ،ولكن – وهنا األمر الجديد – على يسوع أيضا ً معترفا ً به
إلها ً.
ع نفسه يتس ّمى بهذا االسم بطريقة خفيّة عندما يناقش الفرّ يسّين في -447يسو ُ
معنى المزمور ،772ولكنه يُصرّ ح أيضا ً بذلك في كالمه لِ ُر ُسلِ ِه .وعلى مدى
حياته كلّها كانت مواقف هيمنته على الطبيعة ،واألمراض ،والشياطين،
والموت ،والخطيئة ،تظهر سيادته اإللهيّة.
-448كثيراً ما كان الذين ،في اإلنجيل ،يُخاطبون يسوع يَدعونه “ربّا ً “وهذا
وبدافع
ِ االسم يتض ّمن احتراما ً وثقةً من قِبَ ِل الذين يترقّبون منه عوناً أو شفا ًء.
اإللهي .وهو
ّ من الروح القدس كان هذا االسم يعبّر عن اإلعتراف بسرّ يسوع
يصبح في اللقاء مع يسوع الممجّد عبادةً“ :ربّي وإلهي “(يو .)22 :22
ويصطب ُغ مذ ذاك بصبغة المحبّة والعطف التي ستبقى ميزة التقليد المسيحي:
“هو الربّ “(يو .)1 :27
-449بإطالق اللقب اإللهي “ربّ “على يسوع تثبت اعترافات اإليمان األول
أن السلطة ،والكرامة ،والمجد الواجبة هلل اآلب واجبةٌ في الكنيسة منذ البدء ّ
وأن اآلب أظهر سيادة أيضا ً ليسوع “القائم في صورة هللا “(فيل َّ ،)1 :2
يسو َع هذه ببعثه من بين األموات وبرفعه إليه في
مجده.
المسيحي واالعترافُ بسيادة يسوع على العالم وعلى ّ التاريخ بدء منذ - 451
ُخضع حريّته التاريخ يعني أيضا ً االعتراف بأنّه ال يجوز لإلنسان أن ي ِ
أرضي ،بل هلل اآلب وحده ،وللربّّ الشخصيّة ،إخضاعا ُ ُمطلقاً ،أليّ سلطان
يسو َع المسيح :قيص ٌر ليس “الربّ “والكنيسة “تؤمن بأن مفتاح تاريخ البشر،
ومركزه ،وغايَته هي في ربّها ومعلّمها "
-450الصالة المسيحيّة موسومةٌ باسم “الربّ " ،سوا ٌء كان ذلك في الدعوة
الى الصالة “ليكن الربّ معكم " ،أو في ختام اصالة “بيسوع ربّنا " ،أو
أيضا ً في الهتاف المملوء ثقةً ورجاء “ماران أتى “(“الربّ يأتي “) أو
“ماراناتا “( :تعال يا ربّ !”) ( 7كو ،)22 :71
“آمين ،تعال أيها الربّ يسوع “(رؤ .)22 :22
بإيجاز
91
سيخلص شعبه من خطاياه "(متى “ :)27 :7ليس تحت ّ “أل ّنه هو الذي
ُ
السماء اس ٌم أخ ُر أعطي في الناس ،به ينبغي أن نخلص ".
-453االسم “المسيح “يعني “الممسوح "“ ،الماسيا " .يسو ُع هو المسيح ألن
“هللا مسحهُ بالروح القدس والقدرة “(اع .)32 :72وكان “ذاك الذي يأتي
“(يو ،)71 :1موضوع “رجاء إسرائيل “(أع .)22 :22
-454االسم “ابن هللا “يعني العالقة الوحيدة واألزليّة بين يسوع المسيح وهللا
أبيه :انه ابن اآلب الوحيد ،وهللا ذاته .اإلعتراف بأن يسو َع المسيح هو ابن هللا
ي لكي يكون اإلنسان مسيحيّ َا.
أم ٌر ضرور ٌّ
ً
-455االسم “ربّ “يعني السيادة اإللهيّة .االعتراف بيسوع ربّا ،أو االبتهال
إيمان بألوهته”.ال أحد يستطيع أن يقول “يسوع ربّ ٌ إليه بهذه الصفة ،هما
ال بالروح القدس “ 7كو .)3 :72“إ ّ
المقال الثالث
“كان الحب ُل بيسو َع المسيح من الروح القدس
ُولِ َد من البتول مريم "
-456مع قانون إيمان نيقية – القُسطنطينية ،نجيب معترفين“ :من أجلنا نحن
سماء ،بالروح القدس تجسّد من مريم الشر وفي سبيل خالصنا ،نزل من ال ّ
البتول وصار إنسانا ً.
ً
-457صار الكلمة جسدا ليُتلِّصنا ب ُمصالحتنا مع هللا :هللا “هو نفسع أحبّنا
ظهر ليرفعَ أن ذاك قد وأرسل ابنه كفّارةً عن خطايانا “( 7يو َّ “ .)74 :4 َ
الخطايا “( 7يو :)1 :3
“مريضةٌ كانت طبيعتنا تطلب الشفاء ،وساقطةً ،أن تُقال عثرتُها ،وميّتةً ،أن
تُبعث حيّةُ .كلّنا فقدنا امتالك الخير ،فكان ال ب ّد ما إعادته إلينا .و ُكنّا غارقين
في الظُلمات فكان ال ب ّد من َر ْف ِعنا الى النورُ ،كنّا أسرى ننتظر ُمخلّصاً،
وسُجناء ننتظر عوناً ،وعبيداً ننتظر ُمحّ رِّ راً .هل كانت هذه ال ّدواعي بدون
نزلُه حتى طبيعتنا أهميةو ؟ ألم تكن تستحق أن تُحرّ ك عطف هللا إلى ح ّد أن تُ ِ
ُ
إن البشريّة كانت في حال ٍة ج ٍّد بائسة وج ّد ت ِعسة و ؟ ".
البشريّة فيعودها ،إذ ّ
92
-458الكلمةُ صار جسداً لكي نعرف هكذا محبّة هللا“ .بهذا ظهرت محبّة هللا
بأن هللا أرسل ابنه الوحيد الى العالم لنحيا به “( 7يو ،)1 :4إذ في ما بينناّ ،
إن هللا “أحبَّ العالم هكذا حتى إنّه بذل ابنه الوحيد لكي ال يهلك كلُّ من يؤمن
به بل تكون له الحياةُ األبديّة “(يو .)71 :3
-459لقد صار الكلمة جسداً لكي يكون مثاالً لنا في القداسة“ :احملوا نيري
ق والحياة ،ال يأتي عليكم وتعّلموا مني “(متى “ .)21 :77أنا الطريق والح ّ
أح ٌد الى اآلب إالّ بي”(يو .)1 :74واآلب ،على جبل التجلّي يأمر“ :اسمعوا
له “(مر . )1 :1فهو في الحقيقة مثال التطويبات وقاعدة الناموس الجديد:
“أحبّوا بعضكم بعضا ً كما أحببتكم أنا”(يو .)72 :71هذه المحبّة تتض ّمن
تقدمة الذات الفعليّة في إثره.
-461صار الكلمة جسداً لكي يجعلنا “شركاء في الطبيعة اإلليهة “( 2بط
:)4 :7
ً
“فهذا هو السبب الذي من أجله صار الكلمة بشرا ،وابن هللا ابن اإلنسان :لكي
يصير اإلنسان ابن هللا بدخوله بشركة مع الكلمة وبِنَ ْيلِه هكذا البنوّ ة اإللهيّة ".
إن ابنَ هللا صار إنسانا ً لكي يُصيّرنا إلهاً"“ .ابن هللا الوحيد ،إذ أرا َد أن “إذ ّ
ً
نُشاركه في ألوهته ،تلبّس بطبيعتنا حتى إذا صار هو بشرا يُصيّر البشر آلهة
".
سد
.2التج ّ
-460تُعيد الكنيسة تعبير القديس يوحنا( :الكلمة صار جسداً " :يو )74 :7
وتدعو “تجسّداً “كون ابن هللا إتّخذ طبيعةُ بشريّة لكي يُحقّق فيها خالصنا .في
نشي ٍد يُثبته القديس بولس ،تتغنّى الكنيسة بسرّ التجسّد:
“لي ُك ْن فيكم من االستعدادات ما هو في المسيح يسوع :فإنّه هو القائم في
صورة هللا ،لم يعتَ َّد مساواته (حالة) مختلسة ،بل الشى ذاته ،آخذاً صورة
ووض َع نف َسه ،وصار َ عب ٍد ،صائراً شبيها ً بالبشر ،ف ُوجد كإنسان في الهيئة.
طائعا ً حتى الموت( ،بل) موت الصليب! “(في .)2-1 :2
-462والرسالة إلى العبارنيين تتح ّدث عن السرّ نفسه:
“فلذلك يقول المسيح عند دخوله العالم :ذبيحةً وقُربانا ً لم تشأ ،غير أنَّكَ هَيّاتَ
قلت :ها َءنذا آتي ذبائح خطيئة ،حينئ ٍذ ُ َ ت واللي جسداً .لم ترتض ُمحرقا ٍ
ألعمل بمشيئتك “(عب 1 – 1 :72مورداً مز 1-1 :42حسب السبعينيّة).
الحقيقي البن هللا هو العالمة المميّزة لإليمان ّ -463اإليمان بالتجسّد
المسيحي“ :بهذا تعرفون روح هللا :إن ك َّل روح يعترف بأن يسوع المسيح قد ّ
93
أتى في الجسد هو من هللا "( 7يو .)2 :4ذلك هو يقينُ الكنيسة البهيج منذ
البدء ،عندما تتغنّى “بسرّ “التقوى العظيم “لقد أُظ ِهر في الجسد “( 7تي :3
.)71
ق وإنسانٌ حق
.3إلهٌ ح ٌّ
المسيح
َ -464إن الحادث الوحيد والفريد ج ّداً لتجسّد ابن هللا ال يعني أن يسو َع
للعنصريْن
َ قسم آخر ،وال أنه نتيجةُ المزيج ال ُمبهم ٌ
وإنسان في ٍ قسم منهإلهٌ في ٍ
ع المسي ُح هو إلهٌ ً ّ
وبقي إلها حقا ,يسو ُ ً ّ ً ّ ً
واإلنساني .لقد صار إنسانا حقا
ّ اإللهي
ّ
ُ ُ
ق وإنسان حق .هذه الحقيقة اإليمانية اضطرّ ت الكنيسة إلى أن تدافع عنها ّ ٌ ح ٌّ
وتوضحها خالل القرون األولى في وجه هرطقات كانت تزوّ رها.
حقيقي أكثر م ّما أنكرت ّ -465الهرطقات األولى أنكرت ناسوت المسيح ال
الرسولي ش ّددت العقيدة المسيحية ّ الهوته (الظّاهريّة الغنوصيّة) .ومنذ العهد
الحقيقي البن هللا“ ،اآلتي بالجسد " .ولكن منذ القرن الثالث ّ على التجسُّد
اضطُرّ ت الكنيسة إلى أن تناهض بولس السُميساطي ،وتُث ِبت ،في مجمع عُقد
في أنطاكية ،أن يسو َع المسيح هو ابن هللا بالطبيعة ال بالتبنّي .ومجمع نيقية
أن ابن هللا “مولود ال المسكوني األوّ ل ،سنة ،321اعترف في قانون إيمانه ّ ُّ
ان “ابن هللا مخلوق ،وهو واآلب جوه ٌر واحد “وأدان آريوس الذي ذهب الى ّ
خرج من العدم " ،وأنه من
جوهر غير جوهر اآلب ". ِ “
-466كانت البدعة النسطورية ترى في المسيح شخصا ً إنسانيّا ً مقترناً
اإللهي.
ّ بشخص ابن هللا
في وجهها اعترف القديس كيرلس اإلسكندريّ ،والمجمع المسكوني الثالث ّ
أن “الكلمة “باتّخاذه في شخصه جسداً تُحييه المعقود في أفسس ،سنة ّ ،437
نفسٌ عاقلة ،صار إنسانا ً " .ليس لناسوت المسيح شأن إال في شخص ابن هللا
ّ ٌ
اإللهي ،الذي اتّخذه وخصّ به ذاته منذ الحبل به .ولهذا أعلن مجمع أفسس، ّ
سنة ،437أن مريم أصبحت في الحقيقة والدةَ اإلله بالحبَل البشريّ بابن هللا
في أحشائها“ :والدة اإلله ،ال لكون كلمة هللا اتّخذ منها طبيعته اإللهية ،ولكن
لكونه اتَخذ منها الجسد المق ّدس مقرونا ً بنفس عاقلة ،والذي اتّحد به الكلمةُ
شخصيّاً ،فكان أنّه ُولد بحسب الجسد".
أن الطبيعة البشريّة توقّف -467أصحاب الطبيعة الواحدة يذهبون إلى َّ
اإللهي كابن هللا.
ّ وجودها في المسيح كطبيعة بشريّة عندما تلبّس بها شخصه
المسكوني الرابع ،في سنة :417 ّ وتجاه هذه البدعة اعترف مجمع خلقيدونية
94
“على أثر اآلباء الق ّديسين نُعلِّم باإلجماع االعتراف بابن واح ٍد هو هو ،سيدنا
ع المسيح .هو هو الكام ُل في الالهوت ،والكام ُل في الناسوت ،هو هو إلهٌ يسو ُ
ق ،المر ّكب من نفس عاقلة ومن جسد ،الذي جوهره جوهر ق وإنسان ح ّ ح ٌّ
حيث الناسوت ،الذي “يشبهنا ُ اآلب من حيث الالهوت ،وجوهره جوهرنا من
في كلّ شيء ما عدا الخطيئة " ،الذي ولده اآلب قبل جميع الدهور من حيث
ُ
حيث األلوهة ،وفي هذه األيام األخيرة ُولِ َد من مريم البتول ،والدة اإلله ،من
الناسوت ،ألجلنا وألجل خالصنا.
واح ٌد هو ،وهو نفسهُ المسي ُح والربُّ واالبنُ الوحيد ،الذي يجب أن نعترف به
في طبيعتين ،غير مختلطتَين ،وغير متغيّرتَين وال منقسمتَين ،وال ُمنفصلتَين.
إن اختالف الطبيتين لم يُل ِغه اتحادهما ،بل بالحريّ احتفظت كلّ واحدة
شخص واحد وأقنوم واحد ". ٍ بميزاتها ،واجتمعت كلّها في
الخلقيدوني ،جعل البعضُ من الطبيعة البشرية في ّ -468من بعد المجمع
شخصي .وقد ن ّدد بهم المجمع المسكوني الخامس، ّ المسيح نوعا ً من كيان
والمنعقد في القسطنطينية ،سنة ،113واعترف“ :ليس هنالك إالّ شخصٌ
ع المسيح ،أح ُد الثالوث " .فكلُّ ما في ناسوت المسيح واح ٌد ،هو سيّدُنا يسو ُ
اإللهي على أنه من عمله الخاصّ ،ليس ّ يجب أن يُن َسب الى الشخص
إن الذي صُلب بالجسد، ً
المعجزات وحسبُ ،ولكن اآلالم أيضا ،حتى الموتَّ “ :
ق ،ربُّ المجد وواح ٌد من الثالوث األقدس ". ع المسيح ،هو إلهٌ ح ٌّ سيّدُنا يسو ُ
وإنسان حقّاً بغير انفصال .إنه
ٌ -469الكنيسة تعترف هكذا أن المسيح إلهٌ حقّا ُ
حّقا ً ابن هللا الذي صار إنساناً ،أخا ً لنا ،وذلك من غير أن يتوقف من أن يكون
ّ
إلهاً ،ربَّنا:
“لقد ظّ َّل ما كان ،واّخذ ما لم يُ ُك ْنهُ " ،على ح ّد نشيد الليترجيا الرومانية.
نشد“ :يا كلمة هللا االبن الوحيد، وليترجيا القديس يوحنا الذهبي الفم تُعلن وتُ ِ
الذي ال يموت ،لقد رضيت من أجل خالصنا ،أن تتجسّد من والدة اإلله
القديسة مريم الدائم ِة البتوليّة ،فتأنّست بغير استحالة ،وصُ لبتَ أيّها المسيح
اإلله ،وبالموت وطئتَ الموت ،أنت أح ُد الثالوث القدوس ،الممجَّد مع اآلب
والروح القدس ،خلّصنا ".
96
المسكوني السادس بأن
ّ -475بموازرة ذلك اعترفت الكنيسة في المجمع
تعارضين ،بل متعاونَين،
َ إلهي ويشريّ ،ال ُم
ّ للمسيح إرادتين وفعلين طبيعيّين،
إن الكلمة المتجسّد أراد بشريّا ً ،في طاعة أبيه ،كلّ ما أقرّه إلهيّا ً مع ُ
بحيث ّ
اآلب والروح القدس من أجل خالصنا .إن إرادة المسيح البشريّة “تتب ُع إرادته
اإللهيّة ،بدون أن تكون ُمعيقة وال معارضة لها ،بل بالحريّ بخضوعها لهذه
اإلرادة الكليّى القدرة ".
التقيقي
ّ جسد المسيح
فإن جسد المسيح كان أن اكلمة صار جسداً ُمتّخذاً ناسوتا ً حقيقيّا ً ّ
-476بما ّ
مح َّدداً .ولهذا كان باإلمكان “رس ُم “وجه يسوع البشريّ .وفي المجمع
صور مق ّدسة.
ٍ الشرعي رس ُمه في
ّ المسكوني السابع ،اعترفت الكنيسة بأنه من
ّ
بأن في جسد يسوع “أصبح ُ
-477وفي الوقت نفسه اعترفت الكنيسة دائما ّ
أصبح هللا غي ُر المنظور بطبيعته منظوراً لعيوننا " .وهكذا فإن ميزات جسد
ّ
اإللهي .وهكذا اتخذ لذاته مالمحّ المسيح الفرديّة تُعبّر عن شخص ابن هللا
جسده البشريّ إلى حد أنها إذا رُسمت في صورة مق ّدسة ،يمكن إكرامها ،إذ
ُس َم فيها ". ّ
إن المؤمن الذي يُكرم صورته “يُكرم الذي ر ِ
سد
قلب الكلمة المتج ّ
عرفَنا وأحبّنا جميعا ً كما عرفَ وأحبَّ كلُّ واح ٍد بمفرده ،في ع َ -478يسو ُ
أجل كلُّ واح ٍد ِمنّا“ :أحبّني ابن هللا
ِ من ذاته م
َ وأسل وآالمه، نزاعه حياته ،وفي
وبذل نفسه عنّي “(غل )22 :2
ُ
ب بشريّ .لهذا السبب فقلبُ يسو َع األقدس ،الذي ط ِعن لقد أحبّنا جميعا ً ًُ بقل ٍ
بآثامنا وألجل خالصنا“ ،يُ َع ّد العالمة والرَّمز الجليلين ...لهذه المحبّة التي
اإللهي ،محبّةً
ّ يُحبُّ بها الفادي
األزلي وجمي َع البشر في غير استثناء ".
ّ ال تنقطع ،اآلبُ
بإيجاز
-479في الزمن الذي ح ّدده هللا تجسّد ابنُ اآلب الوحيد ،الكالم األزلي ،أي
كلمة اآلب وصورته الجوهريّة :بدون أن يفقد الطبيعة اإللهيّة ا ّتخذ الطبيعة
البشريّة.
97
-481يسو ُع المسي ُح إلهٌ حقيق ّي وإنسان حقيق ّي ،في وحدة شخصه اإلله ّي،
ولهذا فهو الوسيط الوحيد بين هللا والبشر.
-480في يسو َع المسيح طبيعتان ،الطبيع ُة اإللهيّة والطبيع ُة البشريّة ،غير
ُملتبستين ،بل ُم ّتحدتين في شخص اب ِن هللا الوحيد.
-482إذ كان المسي ُح إله ًا ح ّق ًا وإنسان ًا ح ّق ًا فهو يملك عق ً
ال وإراد ًة بشريَّين،
ُم ّتف َقين ك َّل اإل ّتفاق ،وخاض َعين لعقله وإرادته اإللهيَّين الل َذين يشترك فيهما مع
اآلب والروح القدس.
-483التجسّد إذن سرُّ اال ّتحاد العجيب للطبيعة اإللهيّة بالطبيعة البشريّة في
شخص الكلمة الوحيد.
-484بشارة مريم تفتتح “ ِملء الزمان “(غل ،)4 :4أي إنجاز الوعود
والتّهيئات .لقد دُعيت مريم إلى الحبل بمن “سيحلُّ فيه ِملئ الالهوت جسديّاً
اإللهي عن سؤالها“ :كيف يكون ذلك وأنا ال أعرف ّ “(كول .)1 :2الجواب
رجالًو ؟ “أعطته قُدرة الروح“ :الروح القدس يأتي عليك “(لو .)31 :7
ُ
-485رسالة روح القدس ترافق دائما ً رسالة االبن وتواكبُها .فقد أرسل
الروح القدس لكي يق ّدس حشا العذراء مريم ويُخصبه إلهيّاً ،هو “الربُّ الذي
ت ُمت َّخ ٍذ من ناسوتها.
األزلي في ناسو ٍ
ّ يُحيي " ،فتَحبل بابن اآلب
أن ابن اآلب الوحيد قد حُبل به إنسانا ً في حشا العذراء مريم فهو -486وبما ّ
“مسي ٌح :أي ممسوح من قِبَل الروح القدس ،منذ بدء وجوده البشريّ ،وإن لم
يَظهر إالّ تدريجيّا ً :للرعاة ،للمجوس ،ليوحنا المعمدان ،للتالميذ .كلّ حياة
يسوع المسيح ستُظهر إذن “كيف َم َسحه هللا بالروح القدس والقدرة “(أع :72
.)32
-487ما تُؤمن به العقيدة الكاثوليكيّة بالنسبة إلى مريم يرتكز على ما تؤمن
ولكن ما تُعلِّمه في ما يتعلّق بمريم يُنير بدوره إيمانها
ّ به بالنسبة إلى المسيح،
بالمسيح.
98
اختيار مريم
“ -488هللا أرسل ابنه “(غل ،)4 :4لكنه هيّا َ له جسداً .فقد أراد اإلسها َم الحرّ
من إحدى خالئقه .ولهذا ،فمنذ األزل ،اختار هللا أُ ّما ً البنه ،إحدى بنات
إسرائيل ،فتاةً من ناصرة الجليل،
لرجل اسمه يوسف ،من بيت داود ،واسم العذراء مريم ٍ “عذراء مخطوبة
“(لو )21-21 :7
“لقد أراد أبو المراحم أن يسبق التجسّد قبو ٌل من قِبَل مريم المختارة ،بحيث
إنّه كما أسهمت امرأةٌ في عمل الموت تُسهم امرأةٌ في عمل الحياة ".
-489على مدى العهد القديم هيّأت رسالة مريم رسالةُ نسا ٍء ق ّديسات .فأوّ الَ
بنسل يتغلّب على ٍ كانت حواء .فإنّها ،وإن خالفت الوصيّة ،نالت الوع َد
الماكر ،وبأنها ستكون أُ ّما ً لجميع األحياء .وبنا ًء على هذا الوعد حبلت سارة
بابن على تق ّدمها في السن .وخالفا ً لكلّ أنتظار بشريّ ،اختار هللا ما كان يُع ّد ٍ
عاجزاً وضعيفا ً لكي يُظهر أمانته لوع ِده :حنّة ،أ َّم صاموئيل ،دبورة،
راعوت ،يهوديت ،أستير ،ونسا ًء أُخر كثيرات .مريم “تحتلّ المكان األول
بين أولئك المتواضعين وفقرا ِء الربّ الذين يرتجون منه الخالص بثقة
وينالونه .ومعها ،هي ابنةَ صهيون ال ُمثلى ،تتم األزمنة ،بانتظار الموعد
طويالً ،ويبدأ التدبير الجديد ".
نفحها هللا من المواهب بما يتناسب مثل ِّ
-491لكي تكون مري ُم أ َّم المخلص “ َ
هذه المه ّمة العظيمة " .فالمالك جبرائيل يُحيّيها إبّان البشارة على أنّها
“ممتلئة نعمة " .ولكي تستطيع أن توافق موافقةَ إيمانها الحُ رّة على البشارة
بالدعوة التي دُعيت اليها ،كان ال ب َّد لها أن تكون محمولةً على نعمة هللا.
ت الكنيسة أن مريم“ ،التي غمرتها نعمة هللا "، -490على مرّ العصور َو َع ِ
قد آفتُديت من ُذ حُبل بها .هذا ما تعترف به عقيدة الحّ بل بال دنس ،التي أعلنها
البابا بيوس التاسع ،سنة :7214
إن الطوباوية العذراء مريم قد صينَت ،منذ اللحظة األولى للحبل بها ،سليمةً “ ّ
الكلي القدرة
ّ من كلّ لطخة من لطخات الخطيئة األصلية ،وذلك بنعم ِة من هللا
المسيح ُمخلِّص الجنس البشريّ ". ِ وبإنعام منه ،نظراً الى استحقاقات يسو َع
ُ ُ
-492هذه “القداسة الرّائعة والفريدة “التي “أغنيت بها منذ اللحظة األولى
سام ،باعتبار ت بوج ٍه ٍ من الحبَل بها “تأتيها كلُّها من المسيح :لقد “افتُ ِديَ ْ
استحقاقات ابنها " .فوق كل شخص آخر مخلوق“ ،باركها اآلبُ بكلّ انواع
99
البركات الروحيّة في السّموات ،في المسيح “(أف .)3 :7إنّه “اختارها فيه
قبل إنشاء العالم ،لتكون ق ّديسة وبغير عيب أمامه “
عن محبّ ٍة ،من ِ
أف .)4 :7
الشرقي يدعون والدة اإلله “بالكليّة القداسة " ،ويحتفلون بها
ّ -493آباء التقليد
على أنّها
ألن الروح القدس عَجنها وكوّنها خليقةً “معصومة من كلِّ وصمة خطيئةّ ،
طوال حياتها بريئةً ،بنعمة هللا ،من كلِّ خطيئ ٍة
َ جديدةً " .لقد لبثت مري ُم
شخصيَة.
العلي “من غير أن تعرف ّ -494عندما بُ ّشرت مري ُم بأنّها ستلد “ابن هللا
ً
رجالً ،بقوّة الروح القدس ،أجابت “بطاعة اإليمان “(رو )1 :7موقِنة بأن
“ال شيء ُمستحي ٌل عند هللا "“ :أنا أمة الربّ " ،فليكن لي بحسب قولك “(لو
.)32-31 :7وهكذا بإذعان مري َم لكالم هللا أصبحت أ ّما ً ليسوع ،وإذ اعتنقت
إثم ،اإلرادة اإللهيّة الخالصيّة ،بذلت ذاتها
ق ٍ بكلّ رضى ،وبمعزل عن كلّ عائ ٍ
كليّا ً لشخص ابنها وعمله ،لتخدم سرّ الفداء بنعمة هللا ،في رعاية هذا االبن
ومعه.
“لقد صارت بطاعتها-على ح ّد قول القديس إيريانوس -علّة الخالص ،لها هي
نفسها وللجنس البشريّ كلّه " .ومعه يقول كثيرون من اآلباء األقدمين“ :أن
العقدة التي نجمت عن معصية حوّاء قد انحلّت بطاعة مريم ،وما عقّدته حوّاء
بعدم إيمانها ،حلّته مريم العذراء بإيمانها" .وبمقارنتهم مريم بحوّاء ،يدعون
مريم “أ َّم األحياء “وكثيراً ما يعلنون“ :بحوّاء كان الموت وبمريم كانت
الحياة ".
100
بتُولية مريم
أن يسو َع -496منذ إعالن الصيَغ األولى لقانون اإليمان ،اعترفت الكنيسة ّ
جرى الحب ُل به بقوة الروح القدس وحدها ،في حشا العذراء مريم ،مثبتة أيضاً
حُبل به “من الروح القدس بدون زرع ع َ الناحية الجسدية في هذا الحدث :يَسو ُ
ً ّ ً
الحبل البتولي عالمة ألن هذا هو حقا ابنُ هللا الذي رجُل " .واآلباء يرون في َ
ت كناسوتنا: أتى في ناسو ٍ
قال في هذا المعنى القديس إغناطيوس األنطاكي (أوائل القرن الثاني):
“اتّضح لي أنّكم عل أش ّد اليقين في ما يتعلّق بربّنا الذي هو في الحقيقة من
ذرّية داود بحسب الجسد ،وابنُ هللا بحسب إرادة هللا وقدرته ،ومولو ٌد حقّا ً من
عذراء ...وقد ُس ِّم َر حقّاً من أجلنا في جسده في عهد بنطيوس بيالطس فتألّم
حقّاً ،وحقّا ً قام أيضا ً ".
إدراك
ٍ ً ً
-497الروايات اإلنجيليّة ترى في َحبَل العذراء عمال إلهيّا يفوق ك َّل
إنساني وك َّل قدر ٍة بشريّة“ :الذي حُ بِ َل به فيها إنّما هو من الروح القدس "، ّ
هكذا قال المالك ليوسف في شأن مريم خطيبته (متى .)22 :7والكنيسة ترى
إن العذراء النبي إشعيا قائالً“ :ها َّ ُّ اإللهي الذي نطق به
ّ في ذلك إنجازَ الوعد
تحبل وتلد آبنا ً “(أش ،)74 :1على ما جاء في الترجمة اليونانيّة لمتى :7
.23
مرقس ورسائل العهد الجديد أحيانا ً القلق في شأن َ -498أثار صمت إنجيل
البتولي.
ّ حبَل مريم
خرافات أو تركيباتٌ ٌ وكان من الممكن أن يتساءل المر ُء هل في األمر
قي َ َ ل بقد الجواب: يكون الهوتيّة خالية من النّوايا التّأريخيّة .فعن ذلك يجب أن
البتولي بيسو َع ُمعارضةً حا ّدة ،وهُزءاً أو سوء فهم من قِبَل ّ اإليمان بالحبَ ِل
ً َّ
غير المؤمنين ،اليهود والوثنيّين :لم تكن هذه العقيدة معللة بالميثولوجيا الوثنيّة
أو بأيّ مطابقة آلراء العصر .لم يكن إدراك معنى هذا الحادث ممكنا ً إالّ
لإليمان الذي يراه في هذه “العالقة التي تربط ما بين األسرار " ،في
مجموعة أسرار المسيح ،من تجسّده إلى فصحه .والقديس أغناطيوس
جهل سلطانُ هذا العالم بتوليّة َ األنطاكي يُعربُ عن هذه العالقة ويقول“ :لقد
ت
أسرار باهرة ت َّمًَ ت في صم ِ ٍ مريم ووالدتَها ،كما جهل َموتَ الربّ :ثالثةُ
هللا ".
101
-499تُع ّمق الكنيسة في إيمانها باألمومة البتوليّة قادها الى االعتراف ببتوليّة
مريم الحقيقيّة والدائمة ،حتى في والدتها ابن هللاُ المتأنِّس .فميالد المسيح “لم
يُنقِص بتوليّة أُ ّمه ،ولكنّه كرّ س كمال تلك البتوليّة ،وليترجيا الكنيسة تُشيد
بمريم على أنها دائمة البتولية.
ت بأن الكتاب المق ّدس يذكر إخوةَ وأخوا ٍ ً
-511يُعترض على هذا أحيانا ّ
ليسوع .والكنيسة رأت دائما ً أن هذه المقاطع ال تشير للعذراء مريم اوالداً
آخرين”وهكذا فيعقوب ويوسى“ ،إخوة يسوع “(متى )11 :73هم أبناء
امرأ ٍة اسمها مريم كانت تلميذةً للمسيح ،أُشير إليها بطريق ٍة ُمعبّرة على أنّها
“مريم األُخرى “(متى .)7 :22فالكالم كان على أقرباء ليسو َع أدنَيْن ،على
طريق ٍة تعبيريّ ٍة معهودة في العهد القديم.
ع هو ابن مريم الوحيد .ولكن أمومة مريم الروحيّة تشمل جميع -510يسو ُ
البشر الذين أتى ليخلِّصهمَ “ :ولَدت ابنَها الذي جعله هللا “بكراً ما بين إخو ٍة
كثيرين “(رو ،)21 :2أي مؤمنين تُسهم محبّتُها األموميّة في والدتهم
وتنشأتهم ".
102
-515يسوع ،آدم الجديد ،يفتتح ،بالحبّل البتولي به ،الوالدة الجديدة ألبناء هللا
بالتبنّي في الروح القدس باإليمان“ .كيف يكون ذلكو ؟ “(لو .)34 :7
االشتراك في الحياة اإللهيّة ال يأتي “من دم ،وال من مشيئة جس ٍد ،وال من
ألن الحياةتولي ّ
رجل بل من هللا “(يو .)73 :7فتقبُّل هذه الحياة بَ ٌّ ٍ مشيئة
ّ
بكاملها عطيّة لإلنسان من الروح القدس .والمعنى الزواجي في الدعوة
البشريّة بالنسبة إلى هللا يكتمل اكتماالً وافيا ً في أمومة مريم البتوليّة.
ّ
شك ألن بتوليّتها عالمة إيمانها الذي “ال يشوبُه ّ -516مري ُم بتو ٌل
“واستسالمها الكامل لمشيئة هللا .فإيمانها هو الذي يخوّلها أن تصير أ ّماً
للمخلِّص“ :مغبوطةٌ مريم لكونها نالت إيمان المسيح ،أكثر م ّما ألنّها حبلت
بجسد المسيح ".
-517مري ُم بتولٌ وأ ٌّم معاً ،إذ أنّها صورة الكنيسة وأكم ُل تحقيق لها:
“الكنيسة ...تصير هي أيضا ً أ ّما ً بكالم هللا الذي تتقبّله بإيمان :فبالكرازة
والمعموديّة تلد ،لحيا ٍة جديدةً خالدة ،أوالداً يُحبَ ُل بهم من الروح القدس،
ويولدون من هللا .وهي أيضا ً عذراء ،إذ قطعت لعريسها عهداً تحفظه كامالً ال
تَشوبُه شائبة ".
بإيجاز
-518في نسل حواء اختار هللا العذراء مريم لتكون أ ّم ًا البنه .وإذ كانت
“ممتلئة نعم ًة “فهي “خي ٌر ثمار الفداء " .فهي منذ لحظة الحبّل بها األولى،
صينت على وجهٍ كام ٍل من وصمة الخطيئة األصليّة ،ولبثت طولّ حياتها ِ
بريئ ًة من كلّ خطيئة شخصيّة.
-519مريم هي ح ّق ًا “والدة اإلله “أ ّنها والدة ابن هللا األزلي المتجسّد ،الذي
هو نفسه إله.
ً ً ً
-501مريم “لبثت بتوال في الحبّ ِل بابنِها ،وبتوال في والدتها له ،وبتوال في
حملِها له ،وبتو ًال في إرضاعه ،بتو ُال أبد ًا " .كانت بمل ِء كيانها “أم ُة الربّ
“(لو .)32 :7
“ -500أسهمت العذراء مريم في خالص البشر ،بإيمانها وخضوعها
كلها جمعاء ". اإلختياريّين" .لقد فاهت بـ “ب َن َع ِمها "“ ،باسم الطبيعة البشريّة ّ
بطاعتها صارت حوّاء الجديدة ُأ َّم األحياء.
103
104
التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية
الجزء الثاني
" يسوع صعِد الى السماوات ،وهو جالس الى يمين هللا
الكلي القدرة "
ّ اآلب
" -956ومن بعد ما كلّمهم الربّ يسوع ارتفع إلى السماء وجلس عن يمين هللا "(مر .)21 : 21
فجسد المسيح مُجّ د منذ اللحظة األولى لقيامته كما تشهد بذلك الميزات الجديدة والفائقة الطبيعة
التي يتم َّتع بها جسدهُ منذ اآلن فصاعداً وبغير انقطاع .ولكن في م ّدة األربعين يوما ً التي سيأكل
ويشربُ فيها مع تالميذه ببساطة األلفة ،ويُعلّمهم فيها شؤون الملكوت ،سيبقى مجده مستوراً ِبستار
يسوع األخي ُر ينتهي بدخول ناسوته دخوالً نهائ ّيا ً في المجد اإللهيّ الذي
َ اإلنسانيّة العاديّة .ظهو ُر
حيث سيجلس من اآلن فصاعداً عن يمين هللا .وإ ّنه سيترا َءى بطريقة ُ ترمز إليه السّحابة والسماء
ج ّد استثنائيّة ووحيدة لبولس " كأ ّنما للسِّقط "( 2كو )8 : 21ترائيا ً أخيراً يجعل منه رسوالً.
-996ان ميزة المجد المحجوب لدى القائم من الموت في هذه الم ّدة تظه ُر في كالمه العجيب
لمريم المجدليّة " :لم أصعد بعد إلى أبي ،بل آمضي إلى إخوتي وقولي لهم إ ّني صاع ٌد إلى أبي
وأبيكم ،إلهى إلهي وإلهكم "(يو .)21 : 11فهذا يد ُّل على اختالف في الظهور ما بين مجد
المسيح القائم من الموت ومجد المسيح الجالس عن يمين اآلب .وحادث الصعود التاريخيّ
.والسامي معا ً يد ُّل على االنتقال من الواحد إلى اآلخر
-996هذه المرحلة األخيرة تبقى شديدة اإلرتباط باألولى ،أي االنحدار من السّماء الذي تحقّق في
التجسّد .والذي " خرج من اآلب " يستطيع وحده " العودة إلى اآلب " :أي المسيح " .لم يصعد
أحد إلى السماء إال ّ الذي نزل من السماء ،ابن البشر "(يو .)23 : 3فإذا ُتركت اإلنسانيّة لقواها
الطبيعيّة لم تستطع الدخول إلى " بيت اآلب " ،إلى حياة هللا وسعادته .المسي ُح وحدَه استطاع أن
حيث سبقنا وهوُ يفتح لإلنسان هذا الباب ،بحيث يكون لنا ،نحن األعضاء ،أم ُل اللحاق به إلى
.رأسُنا ومبدأنا "
ُ
اجتذبت إل ّي الجميع "(يو .)31 : 21فاالرتفاع على ُفعت عن األرض " -996وأنا متى ر ُ
الصليب يعني ارتفاع الصعود إلى السماء واإلنباء به .إنه بدء الصعود .ويسوع المسيح ،الكاهن
الوحي ُد للعهد الجديد واألزليّ ،لم " يدخل َم ْقدِسا ً صنعته األيدي بل دخل السماء بعينها ليظهر اآلن
أمام وجه هللا ألجلنا "(عب .)12 : 1وفي السماء يمارس المسيح كهنو َته بغير انقطاع
" إذ إ ّنه على الدوام حيٌّ ليشفع في " من " يتقرّ بون به إلى هللا "(عب .)11 : 1وبما أ ّنه " حب ٌر
للخيرات اآلتية "(عب )22 : 1فهو قلبُ الليترجيّا والفاع ُل الرئيسي فيها ،هي التي تكرم اآلب في
السماوات ؟.
-996المسي ُح يجلس منذ اآلن فصاعدا إلى يمين اآلب " :ونحن نعني بيمين اآلب مجد األلوهة
وشرفها حيث جلس من كان ابنا ً هلل قبل جميع الدهور ،إلها ً واح َد الجوهر مع اآلب ،من بعدما
.تجسّد ومن بعدما تمجّ د جسده "
-996الجلوس إلى يمين اآلب يعني افتتاح مُلك المسّيا ،أي تحقيق رؤيا دانيال النبي في شأن ابن
اإلنسان " :أوتي سُلطا ًنا ومجداً و ُملكاً ،فجميع الشعوب واألمم واأللسنة يعبدونه ،وسلطانه سلطانٌ
أبديّ ال يزول ومُلكه ال ينقرض "(دا .)22 : 1فمنذ هذه اللحظة ،أصبح الرسُل شهو َد " ال ُملك
.الذي ليس له انقضاء "
بإيجاز
ي من حيث -995صعود المسيح يُشير إلى الدخول النهائ ّي لناسوت يسوع إلى مق ّر هللا السماو ّ
.سيعود ،المق ّر الذي يخفيه في هذا الوقت عن عيون البشر
-999يسوع المسيح ،رأسُ الكنيسة ،يسبقنا إلى ملكوت اآلب المجيد حتى نحيا نحن ،أعضاء
.جسده ،في رجا ٍء أن نكون يوم ًا معه إلى األبد
-996يسو ُع المسيح ،الذي دخل م ّر ًة واحد ًة مق ّدس السماء ،يشفع فينا أبد ًا ،على أ ّنه الوسيط الذي
.يضمن لنا أبد ًا فيض الروح القدس
المقال السابع
" -996مات المسيح وعاد ح ّيا ً ليسود األموات واألحياء "(رو .)1 : 22فصعو ُد المسيح إلى
السماء يعني اشتراكه بناسوته في قدرة هللا نفسه وفي سلطانه .يسو ُع المسي ُح ربٌّ :بيده كل سلطة
في السموات وعلى األرض .وهو " فوق كل رئاسة وسلطان وقوّ ة وسيادة " ألنّ اآلب أخضع ك ّل
شيء تحت قدميه"(اف .)11-11 : 2المسيح هو سيّد الكون والتاريخ .فيه يجد تاري ُخ اإلنسان
.وك ّل الخليقة " خالصهما " ،ونهايتهما السامية
-996والمسيح ،بصفته ر ّباً ،هو أيضا ً رأس الكنيسة التي هي جسده .وبعد أن رُفع إلى السماء
ومُجّ د ،مُتمّما ً هكذا رسالته إتماما ً كامالً ،فهو يبقى على األرض في كنيسته .فالفداء هو مصد ُر
السّلطة التي يمارسها المسي ُح على الكنيسة ،بقوّ ة الروح القدس " .فملك المسيح هو اآلن حاض ٌر
.سرّ يا ً في الكنيسة " " ،نوا ِة وبد ِء هذا الملكوت على األرض "
-966منذ الصعود أخذ تصميم هللا يتحقق .فنحن اآلن في " الساعة األخيرة "( 2يو " .)28 : 1
فاألزمنة األخيرة إذن قد أتت بالنسبة إلينا ،وتجدي ُد العالم قد حصل على غير تراجع ،ووقع بك ّل
حقيقة ،في األيام الحاضرة ،ذلك بأن الكنيسة مزدانة اآلن على األرض بقداسة حقيقيّة وإن غير
حضوره باآليات العجائبيّة التي ُترافق إعالنه عن طريق
َ ك المسيح يُظهر اآلن
كاملة" .ومُل ُ
.الكنيسة
-966منذ الصعود أصبح مجيء المسيح في المجد قريباً ،وإن لم يكن لنا " أن نعرف األوقات
ي يمكنه أن يت ّم في واألزمنة التي أقرّ ها اآلب بسلطانه الخاصّ "(اع .)1 : 2هذا المجي ُء المعاد ّ
.أي وقت ،وإن كان مق ّيداً " ،هو واالمتحان األخير الذي سيسبقه
ت من أوقات التاريخ ،إلى أن يعترف به " ك ّل إسرائيل -966مجيء الماسّيا المجيد معلّ ٌق بك ّل وق ٍ
" الذي تصلّب قس ٌم منه في " عدم اإليمان "(رو )11 : 22بيسوع ،والقديس بطرس يقول ذلك
ُ
أوقات الراحة من ِق َب ِل ليهود أورشليم بعد العنصرة " :اندموا وتوبوا لكي ُتمحى خطاياكم ،فتأتي
الربّ ،ويُرسل الذي أ ُع َّد لكم من قبل ،المسيح يسوع الذي ينبغي أن تقبله السماء ،إلى عهد تجديد
كل شيء ،الذي تكلّم عنه هللا منذ القديم على أفواه أنبيائه القديسين "(أع .)12-21 : 3والقديس
ً
مصالحة للعالم ،فماذا يكون قبولهم إال ّ حيا ًة لألموات؟ ُ
آنتباذهم بولس يُر ّدد صداه قائالً " :إن كان
"(رو .)21 : 22فدخول جمهرة اليهود في الخالص المسّياني ،في عقب جمهرة األمم يتيح
لشعب هللا أن " يحقق ملء اكتمال المسيح "(أف ،)23 : 2الذي يكون فيه " هللا كالًّ في الك ّل "(2
.كو )18 : 21
بإيجاز
-966المسي ُح الربُّ يملك منذ اآلن بالكنيسة ،ولكن لم يُخضع له بعد ك ُّل شيء في هذا العالم .ولن
يتح ّقق انتصار ملكوت المسيح بدون أن يالقي هجوم ًا أخير ًا من ّقوات الش ّر.
االنتصار النهائ ّي للخير
َ -966في يوم الدينونة ،عند انتهاء العالم ،سيأتي المسي ُح في المجد ليح ّقق
.على الشرّ ،للذين ،مثل حبّة القمح والزؤان ،ينموان مع ًا على م ّر التاريخ
-966عندما يأتي المسي ُح الممجّد في آخر األزمان ليقاضي األحياء واألموات سيكشف عن
.استعدادات القلوب السريّة ،ويُنيل ك َّل إنسان ما استح ّقته أعماله ،وقبوله أو رفضه للنعمة
الفصل الثالث
أؤمن بالروح القدس
" -966ما من أح ٍد يستطيع أن يقول " يسوع ربّ " إال ّ بالروح القدس "( 2كو " .)3: 21أرسل
هللا إلى قلوبنا رو َح ابنه ليصرخ :ابّا ،أيها اآلب "(غل .)1 : 2فهذه المعرفة اإليمانيّة غي ُر ممكنة
إال ّ بالروح القدس .ولكي نكون على اتصال بالمسيح يجب أن نكون أوالً تحت تأثير الروح
القدس .فهو الذي يأتي إلينا ،ويبعث فينا اإليمان .وبفضل المعموديّة ،السرّ األول من أسرار
اإليمان ،فالحياة ،النابعة من اآلب ،والمق َّدمة لنا في االبن ،تصل إلينا ،بطريق ٍة حميم ٍة وشخصيّة،
بالروح القدس في الكنيسة :
المعموديّة " تمنحنا نعمة الوالدة الجديدة في هللا اآلب بوساطة ابنه في الروح القدس .فالذين يحملون روح هللا هم
َمقودون إلى الكلمة ،أي االبن ،ولكن االبن يق ّدمهم إلى اآلب ،واآلب يُكسبهم عد َم الفساد .فبدون الروح القدس إذن
ال تمكن رؤية ابن هللا ،وبدون االبن ال يستطيع أح ٌد أن يقارب اآلب ،ألنّ معرفة اآلب هي االبن ،ومعرفة ابن هللا
.تجري بالروح القدس "
-966الروح القدس هو األول ،بنعمته ،في يقظة إيماننا ،وفي الحياة الجديدة التي هي معرفة
يسوع المسيح .ومع ذلك فهو األخير في الكشف عن أقانيم الثالوث األقدس.َ اآلب والذي أرسله،
والقديس غريغوريوس النزينزي " الالهوتي " يشرح هذا التدرّ ج في نظام " التنازل " اإللهيّ :
االبن ،وألمع بألوهة
َ " العهد القديم أعلن اآلب في وضوح ،واالبن في غموض .العه ُد الجديد أعلن
الروح .وهكذا أصبح للروح القدس مقرٌّ في ما بيننا ،وهو يُنير طريقنا إليه .وهكذا لم يكن من الحكمة،
قبل االعتراف بألوهة اآلب ،أن يُنادى علنا ً باالبن ،وقبل التسليم بألوهة االبن ،أن يُقحم الروح القدس عبثا ً
إضاف ّيا ً – ولوكان التعبير جريئا ً – وهكذا فبخطى متعاقبة ،وباإلنتقال " من مج ٍد إلى مج ٍد " يتألأل نور
.الثالوث أكثر فأكثر "
-965اإليمان بالروح القدس هو إذن االعترافُ بأنّ الروح القدسّ هو أح ُد أقانيم الثالوث األقدس،
الواحد الجوهر مع اآلب واالبن " ،المعبود والممجّ د مع اآلب واالبن " ولهذا السبب عُرض لسرّ
الروح القدس اإلله ّي في " الالهوت " الثالوثيّ .وهكذا فموضوع الروح القدس هنا يندرج في "
.التدبير " اإلله ّي
-969الروح القدس يعمل مع االب واالبن منذ بدء تصميم خالصنا حتى نهايته .ولكنه لم يُكشف،
ولم يو َهب ،ولم يُعترف به ولم يُع ّد أقنوماً ،إال ّ في " األزمنة األخيرة " التي افتتحها تجسّد االبن
الفدائيّ .وهكذا فهذا التصميم اإللهيّ ،المح َّقق في المسيح " ،بكر " الخليقة الجديدة ورأسِ ها،
يستطيع أن يتجسّد في البشريّة بفيض الروح القدس :الكنيسة ،شركة القديسين ،غفران الخطايا،
.قيامة الجسد ،الحياة األبديّة
المقال الثامن
" أؤمن بالروح القدس "
" -966ليس أح ٌد يعرف ما في هللا إال ّ الروح هللا "( 2كو ،)22 : 1والحال أنّ روحه الذي يكشفه
يجعلنا نعرف المسيح ،كلمته ،كالمه الحيّ ،ولكنه ال يقول عن نفسه ما هو .فالذي " نطق باألنبياء
" يُسمعنا كالم اآلب .وأمّا هو فال نسمعه .وال نعرفه إال ّ بالحركة التي يكشف لنا فيها الكلمة ويُع ّدنا
الحق الذي " يكشف " لنا المسيح " ال يتكلّم من عند نفسه " .مثل هذا ّ الستقباله في اإليمان .ورو ُح
اإلحتجاب ،ذي الميزة اإللهيّة الخاصّة ،يُفسّر لماذا " ال يستطيع العال ُم أن يقبلّه أل ّنه ال يراه وال
.يعرفه " ،فيما أنّ الذين يؤمنون بالمسيح يعرفونه ،أل ّنه يقيم معهم(يو )21 : 22
-966وإذ كانت الكنيسة هي الشركة الحيّة إليمان الرسل الذي تنقله ،فهي موضع معرفتنا للروح
القدس:
-في الكتب التي أوحى بها،
-في التقليد ،وآبا ُء الكنيسة له شهو ٌد أبداً حاليّون،
-في سلطة الكنيسة التعليميّة التي يرافقها،
-في ليترجيا األسرار ،من خالل أقوالها ورموزها ،حيث يجعلنا الروح القدس في شركة مع
المسيح.
-في الصالة التي يشفع لنا فيها،
-في المواهب والخدمات التي ُتبنى بها الكنيسة،
-في عالمات الحياة الرسوليّة واإلرساليّة،
-.في شهادة القديسين حيث يُظهر قداسته ويواصل عمل الخالص
-966هذا الذي أرسله اآلب إلى قلوبنا ،روح ابنه ،هو في الحقيقة إله .واحد الجوهر مع اآلب
واالبن ،ال ينفصل عنهما سواء كان ذلك في حياة الثالوث الحميمة ،أو في موهبة مح ّبته للعالم.
ولكن وإن عبدت الكنيسة الثالوث األقدس ،المحيي ،الواحد الجوهر ،وغير المنقسم ،فإيمانها
يعترف بتميّز األقانيم .وعندما يرسل اآلب كلمته يرسل أبداً روحه :رسالة مشتركة حيث االبن
والروح القدس متم ّيزان ولكن غير منفصلين .أجل أن المسيح هو الذي يظهر ،هو الصورة
.المنظورة هلل غير المنظور ،ولكن الروح القدس هو الذي يكشفه
القدس هو ال ُّدهن ،وك ّل ما يجري انطالقا ً من
َ -966يسو ُع هو مسي ٌح " ممسو ٌح " ألنّ الروح
التجسّد هو من هذا االمتالء .وأخيراً عندما تمجّ د المسيح صار بإمكانه هو أيضا ً أن يرسل الروح،
من عند اآلب ،إلى الذين يؤمنون به :فهو َيشركهم في مجده ،أي بالروح القدس الذي يُمجّ ده.
ُ
رسالة روح فالرسالة المشتركة سينتشر عملها في األبناء الذين تب ّناهم االبُ في جسد ابنه :ستقوم
التب ّني بأن تضمّهم إلى المسيح وأن ُتحييهم فيه :
" فكرة المسحة توحي بأن ليس هنالك أيُّ بُعد بين االبن والروح القدس .فكما أ ّنه بين سطح الجسد ومسحة الزيت
ال يعرف العق ُل وال الحسّ إيَّ وسيط ،هكذا يكون مباشراً اتصا ُل االبن بالروح ،بحيث إ ّنه ال ب ّد لمن سي ّتصل
عار من الروح القدس .ولهذا فاإلعتراف الزيت باللمس .وهكذا فما من جز ٍء ٍ باالبن باإليمان من أن َيلقى أوالً ّ
بسيادة االبن تجري في الروح القدس للذين يتقبّلونها ،إذ يأتي الروح القدس من ك ّل جهة إلى أمام الذين يقتربون
.باإليمان "
" -966رو ٌح قدس " ،هذا اسم علم َمن َنعبده ونمجّ ده مع اآلب واالبن .الكنيسة تقبّلته من الربّ
.وتعترف به في معموديّة أبنائها الجُدد
اللفظة "روح" ترجمة اللفظة العبرانية "روح" ومعناها األول نفس ،هواء ،ريح ،ويسوع يستعمل صورة الريح
الحسية هذه لكي يوحي لنيقوديمس بالج ّدة السامية في الذي هو شخص ّيا ً نفسُ هللا ،الروح اإللهيّ .وإلى ذلك فرو ٌح
وق ُدسٌ صفتان إلهيّتان يشترك فيهما األقانيم الثالثة .ولكن بجمع هاتين الفظتين يد ّل الكتاب المقدس والليترجيا
ممكن بالمدلوالت األخرى للفظتين
ٍ التباس
ٍ واللغة الالهوتية على أقنوم الروح القدس الذي ال يوصف ،من غير
".روح" و "قدس"
تسميات الروح القدس
-966يسوع ،عندما يُعلن مجي َء الروح القدس و َي ِع ُد به ،يُسمّيه " البارقليط " .ومعناه حرف ّيا ً "
الذي يُدعى إلى قرب "(يو .)21 : 21 ،11 : 21 ،11 ،21 : 22و " بارقليط " تترجم عاد ًة بـ "
ّ
الحق ". المعزي األول .والربُّ نفس ُه يسمّي الروح القدس " روح ّ يسوع هو
َ معز " ،إذ إنّ
ً َ
-966وفضال عن اسم علمِه األكثر استعماال في أعمال الرّ سُل والرسائل ،نجد عند القديس بولس ً
التسميات التالية :رو َح الموعد(غل ،22 : 3أف ،)،23 : 2وروح التب ّني(رو ،21 : 8غل : 2
،)1وروح المسيح(رو ،)22 : 8وروح الربّ (1كو ،21 : 3ورو َح هللا(رو : 21 ،22 ،1 : 8
2 ،21كو ،)21 : 1 ،22 : 1وعند القديس بطرس ،رو َح المجد( 2بط .)22 : 2
-966الماء ،رمز الماء يعبّر عن عمل الروح القدس في المعموديّة ،إذ إ ّنه يصبح ،بعد استدعاء الروح
القدس ،العالمة السريّة الفاعلة في الوالدة الجديدة :فكما أن َحبل والدتنا األولى جرى في الماء ،كذلك
يعني ما ُء المعمود ّية في الحقيقة أن والدتنا للحياة اإللهيّة ُنعطاها في الروح القدس .ولكن إذ " ًك ّنا معمّدين
في روح واحد " فنحن " مسقيّون من روح واحد "( 2كو : )23 : 21فالروح هو إذن شخص ّيا ً الما ُء
.الحيّ الذي يتفجر من المسيح المصلوب كما من ينبوعه ،والذي ينفجر فينا حيا ًة أبديّة
-965المسحة ،رمز المسح بالزيت يعني أيضا ً الروح القدس ،إلى ح ّد أنه يصبح مرادفا ً له.
بحق كنائس الشرق وهو ،في التنشئة المسيحيّة ،العالمة األسراريّة لسرّ التثبيت ،الذي تدعوه ّ
" سرّ الميرون " .ولكن ،لكي ندرك ك ّل قوة تلك المسحة ،يجب الرجوع إلى المسحة األولى التي
قام بها الروح القدس :مسح ِة يسوع .فالمسيح(واللفظة مشتقّة من العبريّة " ماسّيا ") يعني "
الممسوح " من روح هللا .هناك أناس " ممسوحون " من قبل الرب في العهد القديم ،وبنوع خاص
بشكل فريد :فالبشريّة التي ا ّتخذها االبنُ هي بكاملها
ٍ يسوع هو الممسوح من هللا
َ الملك داود .ولكنّ
ً
" ممسوحة من الروح القدس " .فيسوع قد أقيم " مسيحا "بالروح القدس .وبالروح القدس حبلت
يسوع مسيحا ً عند والدته ،وحمل سمعان َ أعلن
َ مريم العذراء بيسوع ،وهو الذي بواسطة المالك
على المجيء إلى الهيكل ليُشاهد مسي َح الربّ .وهو الذي مألَ المسيح ،وقدر ُته هي التي كانت
يسوع من بين
َ تخرج من المسيح لدى قيامه بأعمال شفاء وخالص .وهو الذي أخيراً أقام
األموات .ويسوع إذ ذاك ،وقد أقيم بشكل كامل " مسيحا ً " في بشريّته المنتصرة على الموت،
يُفيضُ بسخا ٍء الروح القدس ،إلى أن يُكوّ ن الق ّديسون ،في اتحادهم ببشريّة ابن هللا " ،هذا اإلنسان
الكامل الذي يحقّق ملء المسيح "(أف " :)23 : 2المسيح الكلّي " بحسب تعبير القديس
.أوغسطينوس
ُ
ترمز النا ُر إلى قدرة -969النار ،فيما الماء تعني الوالدة وخصب الحياة التي يهبها الروح القدس،
أعمال الروح القدس المحوّ لة .فالنبي إيليا ،الذي " قام كالنار ،وكان كالمه يتو ّقد كالمشعل
نار السماء ،وهي صورةٌ لنار الروح القدس الذي يحوّ ل ( سير ،)2 : 28انزل على ذبيحة جبل الكرمل َ
ما يلمسه .ويوح ّنا المعمدان " ،الذي سار أمام الربّ بروح إيليا وقدرته "(لو ،)21 :2
ب ّشر بالمسيح معلنا ً أنه هو الذي " سيعمّد بالروح القدس والنار "(لو ،)21 : 3هذا الروح الذي سوف
جئت أللقي على األرض ناراً ،كم أو ُّد لو تكون قد اضطرمت " ُ يقول عنه يسوع " :لقد
لو .)21 : 21وبهيئة ألسنة " كأنها من نار " ح ّل الروح القدس على التالميذ في صباح العنصرة( ،
تعبير عن عمل الروح القدس " :ال ُتطفئوا ٍ ومألهم منه ولقد حفظ التقليد الرّ وحي رمز النار هذا كأفصح
.الروح "( 2تس )2 1 : 1
-966السحابة والنور .هذان الرمزان ال ينفصالن في تجلّيات الروح القدس .فالسحابة منذ ظهورات
هللا في العهد القديم ،تارةٌ مظلمة وتارة منيرة تكشف هللا الحيّ والمخلّص ،وهي تحجب سموّ مجده :مع
موسى على جبل سيناء ،وفي خيمة الموعد ،وفي أثناء المسيرة في الصحراء ،ومع سليمان لدى تكريس
الصور قد أتمّها المسي ُح في الروح القدس .فالروح القدسُ هو الذي ح ّل على مريم العذراء َ الهيكل .فهذه
وظلّلها لتحبل بيسوع وتلده .وهو الذي على جبل التجلي " ،أتى في السحابة التي ظللت " يسوع وموسى
ّ ّ
صوت يقول :هذا هو ابني ،مختاري ،فاسمعوا له ٌ وإيليا ،وبطرس ويعقوب ويوحنا .وانطلق من السحابة
"(لو ،)31 :1والسحابة عينها هي أخيراً التي " أخذت يسوع عن عيون " التالميذ في يوم صعوده إلى
.السماء ،والتي سوف تكشف أنه ابنُ البشر في مجده في يوم مجيئه الثاني
-966الختم ،هو رم ٌز قريبٌ من رمز المسحة ,فالمسيح هو " الذي ختمه هللا نفسُه "(يو ،)11 : 1وفيه
يختمنا اآلب نحن أيضاً .وإن صورة الختم ،لكونها تد ّل على مفعول مسحة الروح القدس الذي ال يُمحى
في أسرار المعموديّة والميرون والكهنوت ،قد استعملتها بعض التراثات الالهوتيّة لتعبّر عن " الوسم "
.الذي ال يُمحى الذي تطبعه تلك األسرار التي ال يجوز تكرارها للشخص الواحد
-966اليد ،أن يسوع ،بوضع يديه ،شفي المرضى وبارك األوالد الصغار .وكما فعل هو ،فعل الرسُل
على مثاله وباسمه .وأفضل من ذلك ،فالروح القدس إ ّنما يُعطى بوضع أيدي الرسُل.
وتورد الرسالة إلى العبارنيّين وضع األيدي في عداد " األمور األساس ّية " من تعليمها .وتلك العالمة
.لسكب الروح القدس بكامل قدرته ،قد حفظتها الكنيسة في صلوات استدعاء اروح القدس في األسرار
-666األصبع .كان يسوع " باصبع هللا يخرج الشياطين .وإن كانت شريعة هللا قد ُكتبت على ألواح من
الحجر " بإصبع هللا "(خر .)28 : 32فإنّ " رسالة المسيح "التي فُوّ ضت إلى الرسل " ،قد ُكتبت بروح
هللا الحيّ ال في ألواح من الحجر ،بل في ألواح من لحم ،في القلوب "( 1كو .)3 : 3والنشيد " تعا َل أيها
.الروح الخالق " يبتهل إلى الروح القدس داعيا ً إيّاه " إصبع يمين اآلب "
-666الحمامة .في نهاية الطوفان(الذي يتعلّق رمزه بالمعموديّة) عادت الحمامة التي أطلقها نوح ،وفي
داللة على أنّ األرض صارت من جديد قابلة للسكنى .وعندما خرج المسي ُح ً فمها ورقة زيتون خضراء،
من ما ِء معموديّته ،نزل الرو ُح القدسُ بهيئة حمامة وح ّل عليه .والروح ينزل ويحل في قلب المعتمدين
حفظ القربان المق ّدس ،الزاد اإلفخارستيّ ،في وعا ٍء من معدن بهيئة حمامة المطهّر .وفي بعض الكنائس ُي ُ
معلّ ٍق فوق الهيكل .إن رمز الحمامة لإلشارة إلى الروح القدس هو تقليديّ ّّ ٌّ في الفن اإليقونوغرافيّ
المسيحيّ .
في الخلق
روح الوعد
-665اإلنسان ،وإن شوّ هته الخطيئة والموت ،يبقى " على صورة هللا " ،على صورة االبن،
ولك ّنه " يعوزه مجد هللا " ،ويعوزه " المثال " .إن الوعد الذي أعطي إلبراهيم قد افتتح تدبير
الخالص ،الذي في نهايته إ ّتخذ اإلبن " الصورة " ،وأعاد إليها " المثال " مع اآلب ،واهبا ً لها من
.جديد المجد ،الروح "المعطي الحياة"
بنسل يكون ثمر َة اإليمان وقدرة الروح
ٍ -669لقد وعد هللا إبراهيم ،على خالف ك ّل رجا ٍء بشريّ ،
القدس ،وفيه تتبارك جميع أمم األرض .وهنا النس ُل هو المسيح ،الذي حقّق فيض الروح القدس
فيه وحدةُ أبناء هللا المش ّتتين .إن هللا ،بالتزامه بق َسم ،التزم في الوقت عينه بأن يهب لنا ابنه
.الحبيب ،ورو َح الموعد الق ّدوس لفداء الشعب الذي اقتناه هللا
في الظهورات اإلله ّية والناموس
-666إن الظهورات اإللهيّة(تجليّات هللا) قد أنارت طريق الوعد ،من اآلباء إلى موسى ويشوع
حتى الرؤى التي افتتحت رسالة األنبياء الكبار .وقد إعترف التقليد المسيح ّي على الدوام أنّ كلمة
هللا هو الذي كان يُسمع ويُرى في تلك الظهورات اإللهيّة .إنه الكلمة الموحى به ،والذي في الوقت
ُ
سحابة الروح القدس. عينه "تظللهُ"
ُ
-666هذا النهج التربويّ اإللهيّ ظهر بنوع خاص في عط ّية الناموس .فقد أعطي الناموس
"كمؤ ِّدب" يُرشد الشعب إلى المسيح .ولكنّ عجزه عن خالص اإلنسان الفاقد "المثال" اإللهيّ
روح القدس .وتشهد على ذلك ومعرفة الخطيئة التي أكسبه إيّاها بازدياد ،إيقضا فيه رغبة ال ِ
.تنهّدات المزامير
-666كان على الناموس ،وهو عالمة الوعد والعهد ،أن يسوس قلب الشعب الذي تكوّ ن من إيمان
إبراهيم ،ويسوس مؤسّساته " :إن سمع ُتم لصوتي وحفظ ُتم عهدي ...تكونون لي مملكة من الكهنة
وأم ًّة مق ّدسة "(خر .)1-1 : 21ولكن بعد داود ،سقط إسرائيل في تجربة أن يصير مملكة كسائر
األمم .بيد أنّ المملكة ،موضوع الوعد الذي و َعد به هللا داود ،ستكون عم ّل الروح القدس ،وهي
.الملكوت الذي يحصل عليه الفقراء بالروح
-666إن نسيان الناموس وعدم األمانة للعهد قادا إلى الموت :فكان السبي ،الذي هو في الظاهر
ٌ
أمانة في السرّ من قبل هللا المخلّص ،وبد ُء تجديد موعود به، ٌ
إخفاق للمواعيد ،ولكنه في الواقع
ولكنْ بحسب الروح .كان الب ّد من أن يخضع شعبُ هللا لتلك التنقية .فالسبي ،منذ حدوثه ،يحمل في
صور الكنيسة األكثر
تصميم هللا ظ َّل الصليب ،والبقيّة من الفقراء التي تعود منه هي إحدى َ
.شفافيّة
" -666كان إنسانٌ مرس ٌل من هللا اسمه يوح ّنا "(يو .)1: 2إن يوحنا قد " امتأل من الروح القدس
وهو بع ُد في بطن امه "(لو ،)21 : 2بوساطة المسيح نفسه الذي كانت مري ُم العذرا ُء منذ فتر ٍة
وجيز ٍة قد حبلت به من الروح القدس .و " زيارة " مريم ألليصابات صارت هكذا زيارة هللا نفسِ ه
.التي بها افتقد شعبه
ّ
-666يوحنا هو "إيليا المزمع أن يأتي" :إن نار الروح القدس قد حلت فيه وجعلته " كسابق"
يسير امام الربّ الذي كان آتياً .في يوحنا السابق ،أت ّم الروح القدس عملَه بأن " يهيي ِء للربّ شعبا ً
.مُستع ّداً "(لو )21 : 2
َ
"النطق باألنبياء" .لقد ختم يوحنا -666يوحنا "أفض ُل من نبيّ " .فيه أكمل الرو ُح القدسُ ًّ
المعزي الذي كان ّ ُ
"صوت" شر بقرب تعزية إسرائيل ،أنه مجموعة األنبياء التي افتتحها إيليا .فب ّ
آتيا ً(يو .)13 : 2وعلى غرار روح الحق" ،فقد جاء للشهادة ،ليشهد للنور "(يو .)1 : 2في نظر
يوحنا ،الرو ُح يُت ّم هكذا " بحث األنبياء " و " اشتهاء " المالئكة " :إن الذي ترى الروح ينزل
عاينت ،وأشهد أن هذا هو ابن هللا .هذا ُ ويستقرّ عليه ،هو الذي يعمّد بالروح القدس .فذلك ما قد
.هو حمل هللا "(يو )31-33 : 2
-666وأخيراً يوحنا مع المعمدان يفتتح الروح القدس ،بصورة مسبّقة ،ما سوف يحققه مع المسيح
وفيه :أي أن يعيد لإلنسان "المثال" اإللهيّ .معموديّة يوحنا كانت للتوبة ،أما المعموديّة في الماء
.والروح فستكون والدة جديدة
-666مريم ،والدة اإلله الكليّة القداسة والدائمة البتوليّة ،هي أرو ُع عمل أنجزته رسالة االبن
سكنى حيث يستطيع ابنه والروح في ملء الزمان .للمرّ ة األولى في قصد الخالص ،وجد اآلب ال ُّ
وروحُه أن يُقيما بين البشر ،ذلك أن روحه هو الذي هيّأ َ تلك السُّكنى .وفي هذا المعنى رأى مراراً
عالقة بين تلك النصوص ومريم. ً تقليد الكنيسة ،في قراءته أجمل النصوص في الحكمة،
ّ
وتتمثلها كأ ّنها "عرش الحكمة"". فالليترجيا تر ّنم لمريم
فيها تجلّت أوّ الً "عظائم هللا" التي سوف يحقّقها الرو ُح في المسيح والكنيسة :
-666فالروح القدس ه ّيأ مريم بنعمته .فقد كان يليق بأن تكون "ممتلئة نعمة" أ ُّم الذي فيه
"يح ّل ك ُّل ملء الالهوت جسد ّياً"(كو .)1 : 1فبمحض نعمته ،حُب َل بها دون خطيئة كأوضع
الخالئق واألكثر قدر ًة على تقبّل عطيّة هللا القدير التي تفوق الوصف .وبحق حيّاها المالك
جبرائيل تحيّة "ابنة صهيون" " :افرحي" .وما رفعته إلى اآلب في الروح القدس في نشيدها،
االبن األزليّ ،إ ّنما هو شك ُر شعب هللا كله ،أي الكنيسة
َ .وهي تحمل في حشاها
-666وفي مريم ،ح َّقق الرو ُح القدسُ قصد هللا العطوف .فبالروح القدس ،حبلت مريم بابن هللا
.وولدته .وقد صارت بتوليّتها الفريدة خصبا ً بقدرة الروح واإليمان
ابن العذراء .إ ّنها ال ُعلَّيقى الم ّتقدة
ابن اآلب الذي صار َ -666وفي مريم ،أظهر الروح القدس َ
للظهور اإللهيّ النهائيّ :لقد مألها الرو ُح القدس ،فأظهرت الكلمة في تواضع جسده وعرّفته
.للفقراء ولبواكير األمم
-665وفي مريم أخيراً ،بدأ الروح القدس ُيشرك بالمسيح الناس ،موضوع حبّ هللا العطوف
" مسرّ ة " هللا) ،وقد كان على الدوام المتواضعون أول الذين قبلوه :الرعاة ،المجوس ،سمعان (
.وح ّنة ،عروسا قانا ،والتالميذ األوّ لون
-669في ختام رسالة الروح هذه ،صارت مري ُم "المرأة" ،حواء الجديدة "أ َّم األحياء" ،أ َّم
" المسيح الكلّي " .وبتلك الصفة هي حاضرة مع االثني عشر" ،المواظبين على الصالة بنفس
واحدة "(أع ،)22 : 2في فجر " األزمنة األخيرة " التي افتتحها الروح القدس في صباح
.العنصرة مع تجلّي الكنيسة
المسيح يسوع
ً
-666ك ُّل رسالة االبن والروح القدس في ملء الزمان متضمّنة في أنّ االبن هو الممسوح من
.روح اآلب منذ تجسّده :يسو ُع هو المسيح ماسّيا
ُ
رسالة االبن على هذا الضوء يجب أن يُقرأ ك ّل الفصل الثاني من قانون اإليمان .إنّ عمل المسيح بمجمله هو
يسوع وبمنح ُه إيّاه من
َ والروح القدس المشتركة .وسنقتصر هنا على ذكر ما يتعلّق بوعد الروح القدس من ِق َبل
.قبل الربّ الممجّ د
-666إنّ يسوع لم يكشفْ كشفا ً تا ّما ً الروح القدس طالما هو نفسه لم يُمجَّ د بموته وقيامته .ولكنه
أشار إليه شيئا ً فشيئاً ،حتى في تعليمه الجماهير ،عندما كشف أنّ جسده سيكون غذا ًء ألجل حياة
وأشار إليه أيضا ً في حديثه مع نيقوديموس ،والسامريّة ،وك ّل الذين كانوا َيشاركون في عيد َ العالم.
المظالّ .وقد كلّم تالميذه عنه بصراحة في معرض الصالة ،والشهادة التي سوف يتوجّ ب عليهم
.أن يُؤ ّدوهما
-666إال ّ أنّ يسوع لم يعِد بمجيء الروح القدس إال ّ عندما حانت الساعة التي سوف يُمجَّ د فيها ،إذ
ّ
المعزي اآلخر، ّ
الحق، أعطي لآلباء : .إنّ رو َح
َ إنّ مو َته وقيام َته سيكونان تحقيق الوعد الذي
سيهبُه اآلبُ جوابا ً عن صالة يسوع ،سيرسله اآلب باسم يسوع ،سيرسله يسوع من لدن اآلب،
ألنه ينبثق من اآلب .الروح القدس سيأتي ،سنعرفه ،وسيكون معنا على الدوام ،ويقيم معنا،
سيعلّمنا ك َّل شيء ،ويُذ ّكرنا بك ّل ما قاله لنا يسوع ،وسيشهد له ،سيُرشدنا إلى الحقيقة كلّها وسيمجَّ د
.يسوع .أما العالم ،فسيُفحمه الروح القدس بشأن الخطيئة والبرّ والدينونة
روحه بين يدي اآلب في اللحظة التي انتصر فيها َ -666وأخيراً أتت ساعة يسوع :استودع يسوع
على الموت بموته ،بحيث إ ّنه " بعد أن أُقيم من بين األموات بمجد اآلب "(رو ،)2 : 1أعطى
رسالة المسيح والروح ُ على الفور الروح القدس ،إذ "نفخ" في تالميذه .ومنذ تلك الساعة ،صارت
.القدس رسالة الكنيسة " :كما أنّ اآلب أرسلني ،كذلك أنا أرسلكم "(يو )12 : 11
الروح القدس – ُ
هبة هللا
" -666هللا محبّة"( 2يو ،)21،8 : 2والمحبّة هي الهبة األولى ،وهي تتضمّن ك َّل الهبات
.األخرى .وهذه المحبّة " قد أفاضها هللا في قلوبنا بالروح القدس الذي أعطيناه"(رو )1 : 1
-666ألننا مائتون ،أو على األقل مجروحون بالخطيئة ،المفعو ُل األو ُل لعطيّة المحبّة هو غفران
الخطايا .إنّ شركة الروح القدس( 1كو )23 : 23هي التي ،في الكنيسةُ ،تعيد إلى
.المعمّدين المثال اإللهيّ المفقود بالخطيئة
-665وهو يعطي إذ ذاك "عربون" أو "بواكير" ميراثنا :أعني حيا َة الثالوث الق ّدوس نف َسها ،التي
تقوم على أن نحبَّ "كما أحبّنا" ،هذه المحبّة(راجع المحبّة في 2كو )23هي مبدأ الحياة الجديدة
في المسيح التي صارت ممكنة ألننا "نلنا قوّ ًة ،هي قوّ ةُ الروح القدس"(اع .)8 : 2
-669بقدرة الروح هذه ،يستطيع أوال ُد هللا أن يحملوا ثمراً .إن الذي طعّمنا على الكرمة الحقيقيّة،
يعطينا أن نحمل "ثمر الروح ،وهو المحبّة والفرح والسالم ،وطول األناة واللطف والصالح
واألمانة ،والوداعة والعفاف"(غل .)13-11 : 1الرو ُح هو حياتنا ،وبقدر ما ننكر ذواتنا ،نسلك
.أيضا ً بحسب الروح
" من ي ّتحد بالروح القدس ،يجعله الرو ُح القدسُ روح ّياً ،ويُعيده إلى الفردوس ،وير ّده إلى ملكوت السموات وإلى
التب ّني اإللهي ،ويهبه الثقة ليدعو هللا أباً ،ويشترك في نعمة المسيح ،ويُدعى ابنا ً للنور ،ويصير له نصيبٌ في
.المجد األبدي "
-666أنّ رسالة المسيح والروح القدس تتحقّق في الكنيسة ،جسد المسيح وهيكل الروح القدس.
هذه الرسالة المشتركة تض ّم من اآلن فصاعداً المؤمنين بالمسيح إلى شركتها مع اآلب في الروح
يهي ُء الناس ،ويستدركهم بنعمته ،ليجتذبهم إلى المسيح .إنه ُيظهر لهم الربَّ القدس :فالروح ّ
القائم ،ويذ ّكرهم كالمه ،ويفتح ذهنهم لفهم موته وقيامته .يجعل حاضرا لديهم سرّ المسيح ،وبنوع
.خاص في اإلفخارستيّا ،ليصالحهم و ُيدخلهم في الشركة مع هللا ،لكي يجعلهم يأتون بثمر كثير"
-666هكذا ال تضاف رسالة الكنيسة إلى رسالة المسيح والروح القدس ،بل هي سرُّ ها :إ ّنها
شر بسرّ شركة الثالوث الق ّدوس ،وتشهد له ،وتح ِّققه، مرسلة ،بك ّل كيانها وفي جميع أعضائها ،لتب ّ
.وتنشره(هذا سيكون موضوع المقال التالي)
الروح الواحدَ نفسه ،أي الروح القدس ،قد انصهرنا في ما بيننا ومع هللا .ذلك أ َنه ،مع
َ " نحن جميعنا الذين نالوا
كوننا ،ك ّل بمفرده ،كثيرين ،ومع كون المسيح يجعل روح اآلب وروحه الخاصّ يسكن في ك ّل م ّنا ،هذا الرو ُح
جميع الذين هم متميّزون في ما بينهم ،ويجعلهم َيظ َهرون واحداَ
َ الواح ُد وغي ُر المنقسم يعيد بذاته إلى الوحدة
توجد فيهم يكوّ نون جسداً واحداً ،بالطريقة عينها
َ الذين ل
ّ ك تجعل سة بالذات .وكما أنّ قدرة بشر ّي ِة المسيح المق ّد
أعتقد أنَّ روح هللا الذي يسكن فينا ،الواحد وغير المنقسم ،يعيدهم جميعا ً إلى الوحدة الروحيّة ".
مسحة المسيح ،فالمسيحُ ،رأس الجسد ،هو الذي يُفيضه في أعضائه ُ -666ألنّ الروح القدس هو
ّ
وينظ َمهم في وظائفهم المتبادلة ،ويحييهم ،ويُرسلهم للشهادة ،وي ٌ
ضمّهم إلى ل ّ
يغذيهم ،ويشفيهم،
تقدمة ذاته إلى اآلب وإلى شفاعته من أجل العالم كلِّه.بأسرار الكنيسة يمنح المسي ُح أعضاء جسده
روحه الق ّدوس والمق ِّدس(هذا سيكون موضوع الجزء الثاني من التعليم)
َ .
-666إنّ " عظائم هللا" هذه ،المق ّدمة للمؤمنين في أسرار الكنيسة ،تحمل ثمارها في الحياة
.الجديدة ،في المسيح ،بحسب الروح(هذا سيكون موضوع الجزء الثالث من التعليم)
" -666الروح يعض ُد ضُعفنا ،أل ّنا ال نعرف كيف ًنصلّي كما ينبغي ،لكنّ الروح نفسه يشفع فينا
ت تفوق الوصف "(رو .)11 : 8الرو ُح القدس ،صانع أعمال هللا ،هو مُعلّم الصالة(هذا بأنا ٍ
.سيكون موضوع الجزء الرابع من التعليم)
بإيجاز
" -666الدليل على انكم ابناء ،كونُ هللا أرسل إلى قلوبنا روح ابنه ،ليصرخ فيها :أبّأ ،أيها
.اآلب"(غل )6 : 4
-666من البدء وحتى انقضاء الزمن ،عندما يُرسل هللا ابنه ،يُرسل دوم ًا رحه :رسالتهما
.مشتركة وغي ُر منفصلة
-666في مل ِء الزمان ،أكمل الرو ُح القدسُ في مريم ك َّل التحضيرات لمجيء المسيح في شعب
.هللا .بعمل الروح القدس فيها ،أعطى اآلبُ العالم عمانوئيل " :هللا معنا"(متى )32 :1
-665.ابن هللا ُكرّس مسيح ًا(ماسّيا) بمسحة الروح القدس في تجسّده
القدس
َ -669إنّ يسوع ،بموته وقيامته ،قد ُأقيم ر ّب ًا ومسيح ًا في المجد .ومن ملئه أفاض الرو َح
.على الرسل والكنيسة
-666الرو ُح القدس ،الذي يُفيضه المسيحُ ،الرأسُ ،في أعضائه ،يبني الكنيسة ،ويُحييها ،ويُق ّدسها.
.إ ّنها سرُّ اتحاد الثالوث الق ّدوس بالبشر
المقال التاسع
ً
رغبة حارّ ة " -666المسيح نو ُر الشعوب :لذلك يرغب المجم ُع المق ّدس المُلتئِم في الروح القدس،
في أن يستنير جمي ُع الناس بنور المسيح المتألِّق على وجه الكنيسة ،بإعتالن اإلنجيل للخليقة كلّها
" .بهذه األقوال اف ُتتِح " الدستور العقائدي عن الكنيسة " في المجمع الفاتيكاني الثاني .وبهذا يُظهر
المجم ُع أن العقيدة اإليمانية في شان الكنيسة تتعلّق كلّيا ً بالعقائد المتعلّقة بالمسيح يسوع .فليس
نور المسيح .إ ّنها ،على ح ِّد ما جاء في الصّورة المحبّبة إلى آباء الكنيسة،
للكنيسة نو ٌر آخر غير ِ
.أشبه بالقمر الذي ك ُّل نوره انعكاسٌ لنور الشمس
-666الما ّدة في شأن الكنيسة تتعلّق ُكلّيا ً بالما ّدة في شأن الروح القدس التي تسبقها " .فبعد أن
أظهرنا أن الروح القدس هو ينبو ٌع ومصد ُر ك ّل قداسة نعترف اآلن أنه هو الذي َم َهر الكنيسة
.بالقداسة " .فالكنيسة ،على ح ّد تعبير اآلباء ،هي المكان "الذي يُزهر فيه الروح"
-656اإليمان بأن الكنيسة "مق ّدسة" و "كاثوليكيّة" ،وأنها "واحدة" و "رسوليّة"(كما يُضيفُ ذلك
قانون نيقية – القسطنطينيّة) ،ال ينفصل عن اإليمان باهلل اآلب واالبن والروح القدس .وفي قانون
الرسل نعترف بأننا نؤمن بكنيسة مق ّدسة ،ال بالكنيسة ،لكي ال نخلط بين هللا وأعماله ،ولكي ُن َ
رجع
جميع المواهب التي جعلها في كنيسته َ بوضوح إلى الصالح اإللهيّ
ٍ .
-656اللفظة "كنيسة" باليونانيّة معناها دعا ،ونادى ،تعني "دعوة إلى اجتماع" ،إنها تعني
كثر استعمالها في العهد اجتماعات الشعب ،والسيّما ما كان منها ذا طابع ديني .إ ّنها اللفظة التي ُ
القديم اليوناني للداللة على اجتماع الشعب المختار لدى هللا ،والسيّما اجتماع سيناء حيث تلقّى
إسرائي ُل الشريعة ،وحيث أقام ُه هللا شعبا ً له مق ّدساً .وجماعة المؤمنين بالمسيح األولى عندما دعت
نفسها "كنيسة" اعتبرت أنها وريثة لهذه المجموعة المختارة .وفيها " يدعو" هللا شعبه من جميع
أنحاء األرض.
-656في التعبير المسيحيّ ،اللفظة "كنيسة" تد ّل على المجموعة الليترجية ،كما تد ُّل على
الجماعة المحلّيّة ،أو على ك ّل جماعة المؤمنين العامّة .وهذه المعاني الثالثة هي في الواقع غي ُر
منفصلة" .فالكنيسة" هي الشعب الذي يجمعه هللا في العالم كلّه .إ ّنها موجودة في الجماعات
المحلّيّة ،وهي تتحقّ ُق كمجموعة ليترجيّة ،خصوصا ُ إفخارستيّة .وهي تحيا بكلمة المسيح وجسده،
هي نفسها وتصي ُر هي نفسها هكذا جسد المسيح.
رموز الكنيسة
-656ن ِجد في الكتاب المقدس عدداً كبيراً من الصُّور والرموز المترابطة التي يتكلّم بها الوح ُي
على سرّ الكنيسة الذي ال يُستقصى .فالصُّور المأخوذة من العهد القديم تؤلّف تنوّ عات لفكرة
جد جميع هذه الصّور مركزاً جديداً من حيث أن أساسيّة هي فكرة "شعب هللا" .وفي العهد الجديد ت ِ
المسيح يصبح "الرأس" لهذا الشعب والذي أصبح جسده .وقد تج َمعت حول هذا المركز صو ٌر
"مأخوذة من حياة الرعاة أو الزراعة ،أو مأخوذة من عمل البناء أو من الحياة العيليّة أو الزواج
".
" -656فالكنيسة هي الحظيرة التي إ ّنما المسيح بابُها الذي ال باب سواه والب ّد منه .وهي القطيع
ُغذيها – وإن يكن على رأسها الذي أعلن هللا من قبل أنه سيكون هو راعيه ،والذي يتعهّد نعاجه وي ّ
.رعاةٌ بشر – هو المسي ُح بالذات ،الراعي الصالح ورأس الرعاة الذي بذل نفسه عن نعاجه"
" -655الكنيسة هي األرض التي يزرعها هللا ،وحقله ،وفي هذا الحقل تنمو الزيتونة القديمة التي كان
جرت وس ُتجرى المصالحة بين اليهود واألمم ،وقد زرعها الكرّ ام اآلباء أصلها المبارك ،والتي بها َ
كرمة مختارة ،والكرمة الحقيقيّة هي المسي ُح الذي يُعطي الحياة والخصب لألغصان ،أي لنا ً السماويّ
نثبت فيه ،وبدونه ال نستطيع شيئا ً " ُ .نحن الذين بالكنيسة
نفسه بالحجر الذي رذله البناؤون " -659وكثيراً ما ُتنعت الكنيسة بأنها بناء هللا ،والربُّ نفسُه شبّه َ
أس الزاوية(متى ،21 :12أع 2 ،22 : 2بط ،1 : 1مز .)11 : 228وعلى هذا األساس ولك ّنه صار َر َ
ت متنوّ عة :فهو بيت هللا الذي ً
بنى الرس ُل الكنيسة ،ومنه ثبا ُتها وتالحُ مها .وقد ُخصَّ هذا البنا ُء بتسميا ٍ
ص ٍة الهيكل ُ المق ّدس ،الم َّ
ُمثل هللا في الناس ،وهو بخا ّ تسكنُ فيه اسر ُته ،وهو َمسكن هللا في الروح ،وخبا ُء ِ
بالمعابد من حجارة ،الذي أشاد به اآلباء ،و ُتشبّهه الليترجيّا بحق المدينة المُق ّدسة ،أورشليم الجديدة .ذلك
بأننا كالحجار ِة الح ّي ِة في بنائِها على األرض .وهي تلك المدينة المقدسة التي شاهدها يوحنا ،في ساعة
كالعروس المُز ّي َنة لِعريسها "(رؤ ." )1-2 : 12
ِ تجديد الكون ،نازلة من السماء ،من عند هللا" ،مُهيّأ ًة
-656و ُسمّيت الكنيسة أيضا ً "أورشليم العُليا" و"أمّنا"(غل ،)11 : 2و ُنعِتت بالعروس التي ال
للحمل الذي ال عيب فيه ،التي "أحبّها المسي ُح وأسل َم ذا َته ألجلها لكي يق ّدسها"(أف : 1
ِ عيب فيها
ِّ
،)11-11.واقترن بها بعه ٍد ال ينفصم ،و "يُغذيها ،ويعتني بها"(أف )11 : 1
-656لتقصّي سرّ الكنيسة يجدر بنا أن نتتبّع أصلها أوّ الً في قصد الثالوث الق ّدوس ،وتحقيقّها
.المرحليّ في التاريخ
ُ "-696خلق العالم في سبيل الكنيسة " ،على ح ّد قول مسيحيّي العصور األولى .فقد خلق هللا
العالم لكي يُشرك في حياته اإللهية ،إشراكا ً يت ّم "بدعوة" البشر إلى اإلجتماع في المسيح ،وهذه
غاية ك ّل شيء ،واألحداث األليمة نفسُها،كسقوط ُ ُ
الكنيسة هي "الدعوة إلى اإلجتماع" هي الكنيسة.
المالئكة ،وخطيئة اإلنسان ،لم يس َمح بها هللا إال ّ بمثابة ِحال ٍة أو وسيل ٍة لكي يبسط ك ّل قدرة ذراعه،
ك َّل مدى الحبّ الذي أراد أن يشمل به العالم.
"كما أنّ إرادة هللا هي عم ٌل وإ ّنها ُتسمّى العالم،
كذلك قصده فإ ّنه خالصُ البشر ،ويُسمّى الكنيسة "
الكنيسة – ُمه ّيأة في العهد القديم
-696تجمّع شعبُ هللا يبدأ عندما تهدم الخطيئة شرك َة البشر مع هللا ،وشركة الناس في ما بينهم.
فتجمّع الكنيسة هو نوعا ً ما ر ُّد فعل هللا على الفوضى التي أحدثتها الخطيئة .وإعادة التوحيد هذه
تت ّم سرّ يا ً في داخل جميع الشعوب" :في كل أ ّم ٍة َمن ا ّتقى هللا وعم ّل البرّ يكون مقبوالً عنده"(أع
)31 : 21.
-696اإلعداد البعيد لتجميع شعب هللا يبدأ مع دعوة إبراهيم الذي وعده هللا بأ ّنه سيكون أبا ً لشع ٍ
ب
عظيم .واإلعداد المباشر يبدأ مع اختيار إسرائيل شعبا ً هلل .وسيكون إسرائيل ،بهذا اإلختيار،
عالمة تجمّع جميع األمم في المستقبل .ولكن األنبياء ي ّتهمون إسرائيل بنقض العهد وبسلوك مسلكِ
.البغيّ .وهم يُب ّ
شرون بعه ٍد جدي ٍد وأبديّ " .هذا العهد الجديد أنشأهُ المسيح"
" -696لمّا اُنجز العم ُل الذي كلّف اآلب ابن ُه تحقي َق ُه على األرض ،أُرس َل الرو ُح القدس ،في يوم
العنصرة ،لكي يُق ّدس الكنيسة باستمرار" .عند ذلك " ظهرت الكنيسة ظهوراً علن ّيا ً أمام الجماهير
وابتدأَ نش ُر اإلنجيل مع الكرازة" .وبما أنّ الكنيسة هي "دعوة" جميع الناس إلى الخالص ،فهي
.من طبيعتها مُرسلة ،وقد أرسلها المسيح إلى جميع األمم لتجعل منهم تالميذ
-696لكي يحقّق الروح القدس رسالته " يُجهّز الكنيسة ويقودها بمختلف مواهب السُّلطة
والم ِّنة".و " الكنيسة ،وقد ُجهِّزت بمواهب مؤسّسها ،وتسلك بأمانة في حفظ وصاياه في المحبّة
والتواضع والكفر بالذات ،تسلّمت رسالة الدعوة بملكوت المسيح وهللا ،وإنشائه في جميع األمم،
.فكانت على األرض َبذرة هذا الملكوت وبدأَه"
" -696الكنيسة لن تبلغ تمامها إال ّ في المجد السماويّ " ،عند عودة المسيح المجيدة .وإلى هذا
اليوم "تتق ّدم الكنيسة في مسيرتها بين اضطهادات العالم وتعزيات هللا" ،وهي ههنا ترى نفسها في
منفى ،بعيد ًة عن الربّ ،وتصبو إلى مجيء الملكوت الكامل" ،في الساعة التي ستكون فيها م ّتحدة
بملكها في المجد" .وتما ُم الكنيسة ،ومن خاللها تما ُم العالم في المجد لن يحصال بغير محن كبيرة.
عند ذلك فقط يجتمع عند اآلب ،في الكنيسة الجامعة ،جمي ُع الص ّديقين منذ آدم ،من هابيل البا ّر إلى
.آخر "مختار"
سر الكنيسة
ُّ -ً6
-666الكنيسة في التاريخ ،ولك ّنها في الوقت نفسه تتعالى فوق التاريخ .إننا ال نستطيع ،إال ّ
ً
حاملة حيا ًة إلهيّة ً
حقيقة روحانيّة ".بعيون اإليمان " ،أن نرى في حقيقتها المرئيّة
" -666إن المسيح ،الوسيط الوحيد ،يقيم على هذه األرض ويُساند أبداً كنيس َته المق ّدسة ،شركة
إيمان ورجا ٍء ومحبّة ،كالُّ مرئ ّيا ً يُفيض به على الجميع الحقيقة والنعمة " .فالكنيسة هي في الوقت
نفسه :
" -جمعيّة مجهّزة بأعضاء ذوي سلطات ،وجسد المسيح السرّ ي"، ٌ
ٌ
وشركة روحيّة "، ٌ
جماعة منظورة "-
ٌ
" -.كنيسة أرضيّة وكنيسة غنيّة بنعم السماء "ٌ
بة ذات عنصرين بشريّ وإلهيّ " حقيقة واحد ًة مر ّك ً
ً .هذه األبعاد تؤلِّف معا ً "
" إ ّنه من ميزات الكنيسة الخاصّة أن تكون بشريّة وإلهيّة معاً ،منظرو ًة وغني ًّة بحقائق غير منظورة ،حارّ ًة في
ً
ومنشغلة بالتأمُّل ،حاضر ًة في العالم على كونها غريبة ،بحيث إنّ ما هو بشريّ فيها موجّ ه إلى ما هو إلهيّ العمل
وخاض ٌع له ،وما هو منظو ٌر لغير المنظور وما هو من العمل للتأمُّل ،وما هو حاض ٌر للمدينة اآلتية التي نسعى
إليها ".
صلصال وقص ٌر ملكيّ ،جس ٌد ار وهيكل هللا ،مسكنٌ أرضيّ وقص ٌر سماويّ ! ٌ
بيت من َ " تواضع! ّ
سمو! خبا ُء قيد َ
ّ ّ ً
قاب ُل الموت وهيك ٌل من نور ،موضو ُع ازدرا ٍء أخيرا في نظر المتكبّرين وعروسُ المسيح! إنها سودا ُء ولكنها
أنحلها التعب وأل ُم الغربة الطويلة ،والتي تزدان مع ذلك بزينة
جميلة ،يا بنات أورشليم ،تلك التي َ
.العالء "
ُ
غاية تدبير هللا " :تلخيصُ ك َّل شيء -666في الكنيسة يت ّم ُم المسي ُح ويكشفُ سرَّ ه الخاصّ على أ ّنه
فيه "(أف .)21 : 2القديس بولس يسمّي اتحاد المسيح بالكنيسة " السرّ العظيم "
أف .)31 : 1والكنيسة با ّتحادها بالمسيح على أ ّنه عروسُها تصبح هي نفسها سرّ اً .والق ّديس (
.بولس ،وقد تأمّل سرّ ها ،يصيح قائالً" :المسي ُح فيكم رجا ُء المجد"(كو )11 : 2
-666هذه الشركة للبشر مع هللا في الكنيسة" ،بالمحبّة التي ال تسقط أبداً"( 2كو ،)8 : 23هي
الغاية التي توجّ ه ك ّل ما فيها من وسائل سرّ ية متعلّقة بهذا العالم الزائل" .إن هيكليّتها موجّ ٌ
هة
توجيها ً كامالً إلى تقديس أعضاء المسيح .والقداسة ُتقوّ م بموجب "السرّ العظيم" الذي ُتجيب فيه
العروس بهبة حبّها مقابل هبة العريس" .ومريم تتق ّدمنا جميعا ً في القداسة التي هي سرّ الكنيسة
ف فيها وال َغض َن" .ولهذا "فمستوى الكنيسة المريميّ يسبق مستواها البطرسي" ".كعروس ال كلَ َ
-666المسيح نفسه هو سرّ الخالص " :فالمسيح وحده هو السرّ " .والعمل الخالصيّ لناسوته المق ّدس
والمُق ِّدس هو سرُّ الخالص الذي يظهر ويعمل في أسرار الكنيسة(التي تدعوها الكنائس الشرقية أيضا ً "
األسرار المق ّدسة") .فاألسرار السبعة هي العالمات والوسائل التي يُفيضُ بها الروح القدس نعمة المسيح،
الذي هو الرأس ،في الكنيسة التي هي جسده .وهكذا فالكنيسة تحوي وتمنح النعمة الغير المنظورة التي
.تعنيها .وبهذا المعنى التشبيهيّ ُسمِّيت "سرّ اًّ "
" -665الكنيسة هي في المسيح بمثابة السرّ ،أي العالمة واألداة في اال ّتحاد الصميم باهلل ووحدة الجنس
البشريّ برمّته " :غاية الكنيسة األولى هي أن تكون سرّ االتحاد الصميم بين البشر وهللا .ذلك أن
الشركة بين البشر تتأصّل في اال ّتحاد باهلل .والكنيسة هي أيضا ً سرُّ وحدة الجنس البشري .وفيها ابتدأت
هذه الوحدة إذ إ ّنها تجمع بشراً "من جميع األمم واألعراق والشعوب واللغات"(رؤ ،)1 : 1والكنيسة في
"عالمة وأداة " لتحقيق هذه الوحدة الكامل ،تللك الوحدة التي من شأنها أن تأتي أيضا ً. ٌ الوقت نفسه
"سر الخالص َ -669وإذ كانت الكنيسة سرّ اً فهي أداةُ المسيح " .إ ّنها بين يديه أداة فدا ِء جميع البشر "،
الشامل" ،الذي به "يُظهر المسيح ويُفعّل محبّة هللا للبشر" .إ ّنها "تصميم محبّة هللا للبشريّة المنظور"،
الذي يريد "أن يؤلّف الجنس البشريّ كلُّه شعبا ً واحداً هلل ،وأن يجتمع في جس ِد المسيح الواحد ،وأن ُيبْنى
.هيكالً واحداً للروح القدس "
بإيجاز
-666اللفظة "كنيسة" تعني " دعوة " .إ ّنها تد ُّل على مجموعة الذين تدعوهم ُ
كلمة هللا ليؤ ّلفوا
شعب هللا،ة والذين إذا اغتذوا بجسد المسيح يصبحون هم أنفسهم جسد المسيح.
-666الكنيسة هي طريق تصميم هللا وغايته مع ًا :لقد رُمز إليها في الخليقة ،و ُهيّئت في العهد
وأسّست بأقوال يسوع المسيح وأعماله ،و ُح ّققت بصليبه الفدائ ّي وقيامته ،فظهرت سرَّ القديمُ ،
خالص بفيض الروح القدس .وإ ّنها ستبلغ تمامها في المجد السماوي لمجموعة لجميع المُق َتدين
على األرض.
ذات سلطات وجسد المسيح الس ّريّ .إ ّنها واحدة -666الكنيسة منظورة وروحانيّة مع ًا ،جمعي ٌّة ُ
بعنصرين بشري وإلهي .وفي هذا سرُّ ها الذي ال يتقبّله إ ّ
ال اإليمان.
-666.الكنيسة في هذا العالم سرُّ الخالص ،والعالمة واألداة لشركة هللا والبشر
" -666إنّ من ي ّتقي هللا ويعمل البرّ ،في ك ّل زمان وفي ك ّل أمّة ،لَ َمقبو ٌل عند هللا .وإ ّنما شاء هللا أن
يق ّدس الناس يُخلّصهم ،ال متفرّ قين بدون ما ترابطٍ في ما بينهم ،بل أراد أن يجعلهم شعبا ً يعرفه في
شعب إسرائيل شعباً ،وقطع معه عهداً ،و َن ّشأه شيئا ً فشيئاً، َ الحقيقة ويخدمه في القداسة .فاختار لنفسه
ّ
نفسه ومقاصدَه في غضون تاريخه ،ومق ّدسا ً إيّاه لفسه .بيدَ أنَّ هذا كله كان على سبيل التهيئة مظهراً له َ
والرمز للعهد الجديد الكامل الذي سيُبرم في المسيح .فهذا العهد الجديد هو العهد الذي أبرمه المسيح،
العه ُد الجدي ُد بدمه ،داعيا ً اليهود واألُمم ليجعل منهم شعبا ً يجتمع في الوحدة ،ال بحسب الجسد بل بحسب
.الروح "
-666لشعب هللا خصائص ُتميّزه تمييزاً دقيقا ً ممّا في التاريخ من مجتمعات دينيّة ،وعرقيّة،
وسياسيّة ،وثقافيّة :
صا ً أليّ شعب ،ولكنه اقتنى شعبا ً ِممّن لم يكونوا قبالً شعباً: ً
-إ ّنه شعب هللا :ليس هللا مِلكا خا ّ
ٌ
وكهنوت ملوكيّ ،وأمّة مق ّدسة "( 2بط )1 : 1 " .جي ٌل مختار،
-يصير اإلنسان عضوا في هذا الشعب ال بالوالدة الطبيعيّة ،ولكنّ "بالوالدة من فوق "،
" .بالماء والروح"(يو ،)1-3 : 3أي باإليمان بالمسيح وبالمعموديّة
رئيس(رأسٌ ) هو يسوع المسيح(الممسوح ماسّيا) :ألن المسحة الواحدة، ٌ -لهذا الشعب
.الروح القدس ،تأتي من الرأس في الجسد ،إنه "الشعب المسّياني"
" -حال هذا الشعب حا ٌل الكرامة وحرّ ية ابناء هللا :في قلوبهم يسكن الرو ُح القدس سكناه في
.هيكله "
" -شريعته الوصيّة الجديدة أن يُحبَّ كما أحبّنا المسيح نفسُه" .إ ّنها شريعة الروح القدس
" .الجديدة"
-رسالته أن يكون ملح األرض ونور العالم " .وهو للجنس البشريّة كلّه نواةُ وحد ٍة ورجا ٍء
وخالص بال ُغ الفعّالية ".
ٌ
ملكوت يجب أن يمت ّد -مصيره أخيراً هو " ملكوت هللا الذي بدأه هللا نفسُه على األرض،
.أكثر فأكثر ،إلى أن ُي ِتمَّه هللا نفسُه في آخر األزمان "
وملكي
ّ نبوي
ّ كهنوتي،
ّ شعب
-666يسوع المسيح هو الذي مسحه اآلب بالروح القدس وأقامه " كاهنا ً ونب ّيا ً وملكا ً " وشعب هللا
.كلُّه يشترك في وظائف المسيح الثالثة هذه ،ويتحمّل مسؤوليّات الرسالة والخدمة التي تنشأ عنها
-666بدخول اإلنسان في شعب هللا باإليمان والمعموديّة يصبح شريكا ً في دعوة هذا الشعب
الواحدة :في دعوته الكهنوت ّية" :أنّ المسيح الربّ ،الحبرّ المأخو َذ من بين الناس ،قد جعل من
تكرسوا بالميالد الثاني ومسحةوكهنة إللهه وأبيه" .ذلك أن المُعمَّدين قد َّ ً الشعب الجديد "ملكوتا ً
.الروح القدس لكي يكونوا مسكنا ً روح ّيا ً وكهنوتا ً مُق ّدسا ً "
" -665وإنّ شعب هللا المق ّدس يشترك أيضا ً في وظيفة المسيح النبو ّية " .وهو هكذا على وج ٍه
خاصّ بحسِّ اإليمان الفائق الطبيعة الذي هو حسّ الشعب بكامله ،علمانيّين وذوي سُلطة ،عندما
دفعة واحدة" .ويتعمّق في فهمه ،ويصبح شاهداً ً "يتمسّك تمسُّكا ً ثابتا ً باإليمان الذي ُسلّم للق ّديسين
.للمسيح في وسط هذا العالم
-669وشعب هللا يشترك أخيراً في وظيفة المسيح الملك ّية .فالمسيح يُمارس سلطانه الملكيّ عندما
جميع البشر بموته وقيامته .المسيح ملك العالم وربّه ،جعل نفسه خادما ً للجميع ،إذ إ ّنه َ يجتذب إليه
ت لكي يُخ َدم ،بل ل َيخ ُدم ويبذ َل نفسه فدا ًء عن الكثيرين"(متى : 11 "لم يأ ِ
.)18في عرْ ف المسيحيّ" ،الم ُْلك" هو "خدمة" المسيح ،والسيّما في "الفقراء والمتألّمين الذين
ترى فيهم الكنيسة صورة مؤسسها الفقير المتألّم" .وشعب هللا يحقّق "كرامته الملكيّة" عندما يحيا
وفقا ً لهذه الدعوة أعني الخدمة مع المسيح.
ً
كهنة ،بحيث إنّ " إنّ إشارة الصليب تجعل المتج ّددي الوالدة في المسيح ملوكاً ،ومسح َة الروح القدس تكرّ سهم
أنفسهم أعضاء هذا الجيل الملوكي ومشاركين جميع المسيحيّين الروحيّين والسالكين على سنن عقولهم ،يُع ّدون َ
في وظيفة الكهنوت ،باستثناء خدمة وظيفتنا الخاصّة .فأيُّ شي ٍء بهذه الملوكيّة للنفس عندما تحكم جسدها في
الخضوع هلل" وأيُّ شي ٍء بهذه الكهنوتيّة عندما تكرّ س للربّ ضميراً طاهراً ،وتق ّدم على هيكل قلبها ذبائح البرّ
.الخالية من الدنس ؟ "
-666منذ البداية أشرك يسوع تالمي َذه في حياته ،لقد كشف لهم عن سرّ الملكوت ،وجعل لهم
نصيبا ً في رسالته ،وفرحه ،وآالمه .ويسوع يتح ّدث عن شركة حميمة اعمق بينه وبين من
شر بشركة سيتبعونه" :اُثبتوا فيّ وأنا فيكم ...أنا الكرمة وأنتم األغصان"(يو .)1-2 : 21وهو يب ّ
سرّ ية وحقيقيّة بين جسده وجسدنا" :من يأكل جسدي ويشرب دمي يثبت ف ّي وأنا فيه "
.يو ()11 : 1 :
-666عندما حُرم التالميذ من حضور يسوع المنظور لم يدَعهم يسوع أيتاماً ،فقد وعدهم بأن
يبقى معهم إلى آخر األزمان ،وأرسل لهم روحه ،وقد أصبحت الشركة مع يسوع بسبب ذلك أش ّد
.وأعمق ،نوعا ً ما " :أح َّل روحه على اخوته الذين دعاهم من جميع األمم ،فجعلهم جسداً سرّ يا ً له"
-666تشبيه الكنيسة بالجسد يُلقي ضوءًا على العالقة الحميمة بين الكنيسة والمسيح .فليست هي
مجمّعة حوله وحسب ،إ ّنها موحّ دة فيه ،في جسده .فثالثة وجو ٍه للكنيسة – جسد المسيح يجب
تميي ُزها :وحدة جميع األعضاء في ما بينهم عن طريق ا ّتحادهم بالمسيح ،المسيح رأس الجسد،
.الكنيسة عروسُ المسيح
-666المؤمنون الذين يستجيبون لكلمة هللا ويصبحون أعضاء جسد المسيح ،يصبحون م ّتحدين
بالمسيح ا ّتحاداً وثيقاً" :في هذا الجسد تنتش ُر حياةُ المسيح في المؤمنين الذين باألسرار ي ّتحدون
ا ّتحاداً سرّ يا ً وحقيق ّيا ً بالمسيح المتألّم والممجَّ د" .وهذا يص ّح بنوع خاصّ في المعموديّة التي بها
ن ّتحد بموت المسيح وقيامته .وفي اإلفخارستيّا التي بها "نشترك اشتراكا ً حقيق ّيا ً في جسد المسيح،
ونرتفع إلى الشركة معه وفي ما بيننا".
-666وحدة الجسد ال ُتلغي تنوّ ع األعضاء" :ففي عمل بناء جسد المسيح تتنوّ ع األعضاء
يوزع مواهبه ،بحسب غناه ومستلزمات ال ِخدَم ،لفائدة الكنيسة" والوظائف ،فإ ّنه واح ٌد الرو ُح الذي ّ
شطها بين المؤمنين" :وهكذا فإنَّ تألّم عضوٌ تألّمت ُ
تبعث المحبّة وتن ّ ووحدة الجسد السّريّ
ً ّ ُ
األعضا ُء كلّها معه ،وإذا أكر َم عضوٌ فرحت األعضا ُء كلها معه" .وأخيرا فوحدة الجسد السّريّ
تتغلّب على جميع انقسامات البشر" :فأنتم الذين بالمسيح اعتمدتم قد لبستم المسيح ،فليس يهوديٌّ
وال يونانيٌّ ،وليس عب ٌد وال حرّ ،ليس ذك ٌر وال أنثى ،أل ّنكم جميعكم واح ٌد في المسيح يسوع"(غل
)18-11 : 3.
-666المسي ُح "رأسُ الجسد الذي هو الكنيسة"(كو .)28 : 2إنه مبدأ ُ الخليقة والفداء .وإذ رُفع في
مجد االب فهو "األوّ ل في ك ّل شيء"(كو ،)28 : 2والسيّما في الكنيسة التي سيبسط بها ملكوته
.على كل شيء
-666إ ّنه يض ّمنا إلى فصحه :على جميع األعضاء أن يعملوا على التشبّه به "إلى أن يتصوّ ر
المسيح فيهم"(غل " .)21 : 2من أجل ذلك أ ْش َركنا في أسرار حياته ...وإننا نشترك في آالمه
.اشتراك الجسد في الرأس ،متألّمين معه لنتمجّ د معه "
نمونا :فلكي يُنم َينا ر ْاسُنا المسيح إليه ،يُع ُّد في جسده الكنيس ِة المواهب وال ِخدَم
-666وهو يتد ّبر ّ
.التي يُساعد بها بعضنا بعضا ً في طريق الخالص
ك -665المسيح والكنيسة هما إذن "المسيح بكامله" .فالكنيسة واحدةٌ مع المسيح .وللق ّديسين إدرا ٌ
عميق لهذه الوحدة :
المسيح نفسه .هل تدركون ،يا اخوتي،
َ غبط أنفسنا إذن ونرفع الشكر لكوننا صرنا ،ال مسيحيّين وحسبُ ،بل " لِ َن ِ
المسيح رأساً؟ تعجّ بوا وابتهجوا ،فقد أصبحنا المسيح .وهكذا فيما أ ّنه
َ ال ّنعمة التي َمنحنا إياها هللا عندما منحنا
الرأس ونحن األعضاء ،فاإلنسان الكامل هو ونحن .مل ُء المسيح هو الرأس واألعضاء ،وما معنى :الرأس
.واألعضاء؟ -المسيح والكنيسة "
".إنّ فادينا أظهر ذاته شخصا ً واحداً هو والكنيسة التي ا ّتخذها "
".رأسٌ وأعضاء ،شخصٌ واح ٌد سرّ يّ إن ص َّح التعبير"
تلخص عقيدة المالفنة الق ّديسين وتعبّر عن فكر المؤمن البسيط : كلمة للقديسة جان دارك موجّ هة إلى القُضاة ّ
"يسوع المسيح والكنيسةَ ،رأيي أ ّنها واحد ،وما من صعوبة في ذلك ".
عروس المسيح
ُ الكنيسة هي
-669وحدةُ المسيح والكنيسة ،الرأسُ وأعضاء الجسد ،تتضمّن أيضا ً تميُّز األثنين في عالقة
شخصيّة .وكثيراً ما يُعبَّر عن هذا الوجه بصورة الزوج والزوجة .وموضو ُع المسيح عريس
شر به يوحنا المعمدان .والسيّد نفسه د َّل على ذاته بلفظة "العريس"(مر : 1 الكنيسة هيّأه األنبياء وب ّ
.)21والرسول يق ّدم الكنيسة وك َّل مؤمن ،عضو جسده ،على أنها عروس "مخطوبة" للمسيح
الربّ بحيث ال تكون معه إال ّ روحا ً واحداً .إ ّنها العروس الطاهر للحمل الطاهر التي أح ّبها
ً
شريكة له بعه ٍد أبديّ ، المسيح ،والتي ألجلها سلّم نفسه "لكي يق ّدسها"(أف ،)11 : 1وإ ّتخذها
والتي ال ي ُكفُّ عن العناية بها كجس ٍد له خاص :
"هذا هو المسيح بكامله ،رأسا ً وجسداً ،واحداً مؤلّفا ً من كِثرة .سوا ٌء كان الرأس متكلّماً ،أو كانت األعضاء،
فالمسي ُح هو المتكلّم .يتكلّم رأسا ً أو جسداً .بحسب ما ُكتب " :يصيران كالهما جسداً واحداً .إن هذا لسرٌّ عظيم.
أقول هذا بالنسبة إلى المسيح والكنيسة"(اف .)31-32 :1والربُّ نفسُه يقول في اإلنجيلَ " :فلَيْسا هما اثنين بع ُد
ولك ّنهما جس ٌد واحد"(متى .)1 : 21وهكذ نرى شخصين مُختلفين ،إالّ أنهما واح ٌد في عِ نا ِقهما ّ
الزوجيّ .أنه
ج" من حيث الرأس، "زو ٌ
.و "زوجة من حيث الجسد"
بإيجاز
ص ًا"
إثم ويطهّر لنفسه شعب ًا خا ّ
" -666يسوع المسيح بذل نفسه ألجلنا ليفتدينا من ك ِّل ٍ
(تي .)14 : 3
سة وشعبٌ مُفتنى "(1بط )9 : 3 وكهنوت ملوكيٌّ وأم ٌّة مق ّد ٌ
ٌ " -666.أما أنتم فجي ٌل مُختا ٌر
-666يدخ ُل اإلنسان في شعب هللا باإليمان والمعموديّة" .جمي ُع الناس مدعوّ ون ألن يكونو امن
وشعب هللا الواحد "
َ .شعب هللا الجديد" ،حتى " يصبح البشر ،في المسيح ،أسر ًة واحدة
-665الكنيسة جس ُد المسيح .بالروح وعمله في األسرار ،والسيّما اإلفخارستيّا ،يؤ ّلف المسيح،
الذي مات وقام ،أسرة المؤمنين على أنها جسده.
-669في وحدة هذا الجسد أعضا ٌء ووظائف مختلفة .واألعضاء جميعهم مُترابطون في ما بينهم،
.وهم مرتبطون على وج ٍه خاصّ بالمتأ ّلمين ،والفقرا ِء المضطهدين
والكنيسة هي هذا الجسد الذي رأسُه المسيح :إ ّنها تحيا منه ،وفيه ،وألجله ،وهو يحيا معها ُ -666
.وفيها
ً
خصبة -666الكنيسة عروسُ المسيح" :أحبّها وبذل نف َسه ألجلها .وطهّرها بدمه ،وجع َل منها أ ّم ًا
.لجميع أبناء هللا
لكنيسة هيكل الروح القدس .الرو ُح هو بمثابة روح الجسد السّريّ ،ومبدأ حياته ،ووحد ُته ُ -666ا
في التنوّ ع ،وغنى عطاياه ومواهبه.
ب يستم ُّد وحد َته من وحدة اآلب واالبن والروح " -666هكذا تبدو الكنيسة الجامعة" ،كشع ٍ
القدس".
" -666تلك هي كنيسة المسيح ،التي نعترف في قانون اإليمان بأ ّنها واحدة ،مق ّدسة ،كاثوليكيّة
ورسوليّة" .هذه الصفات األربع ،المترابطة ترابطا ً غير قابل االنفصام تد ّل على خصائص
جوهريّة في الكنيسة وفي رسالتها .والكنيسة لم تحصل عليها من ذاتها ،فالمسيح هو الذي ،بالروح
القدس ،يهب كنيسته أن تكون واحدة ،مق ّدسة كاثوليكية ورسوليّة ،وهو الذي يدعوها إلى تحقيق
ك ّل واحد ٍة من هذه الصفات.
-666اإليمان وحده يستطيع أن يعرف أنّ الكنيسة تستقي هذه الخصائص من ينبوعها اإللهيّ .إال ّ
أنّ الظهورات التاريخيّة لهذه الخصائص هي عالمات تخاطب أيضا ً العقل البشري بوضوح.
والمجمع الفاتيكاني األول يذ ّكر "أن الكنيسة ،بسبب قداستها ،ووحدتها الكاثوليكيّة ،وثباتها
تصديق عظي ٌم ومتواصل ،وبرهان دام ٌغ على رسالتها اإللهيّة"
ٍ .الغالّب ،هي نفسها عام ُل
.ً6الكنيسة واحدة
سر وحدة الكنيسة المقدّس "
" ّ
-666الكنيسة واحدةٌ من ينبوعها " مثال هذا السّر األسمى ومبدأُه في وحدة اإلله الواحد ،اآلب
واالبن والروح القدس ،في ثالوثيّة األقانيم " .والكنيسة واحدة من مؤسسها " :ألن االبن المتجسد
ب واح ٍد وجس ٍد واحد ". نفسه قد أصلح بصليبه ما بين جميع البشر ،وأعاد وحدة الجميع من شع ٍ
والكنيسة واحدة من " روحها " " :فالروح القدس الذي يسكن في المؤمنين ،والذي يمأل ويسوس
ويوحّ دهم جميعهم توحيداً حميما ً في المسيح، الكنيسة كلّها ،يحقّق شركة المؤمنين هذه العجيبةَ ،
بحيث يكون مبدأ وحدة الكنيسة " .فمن جوهر الكنيسة إذن أن تكون واحدة :
ٌ
وكلمة واح ٌد للكون ،وكذلك رو ٌح قدسٌ واحد ،هوهو في ك ّل مكان. " يا له من سر عجيب! آبٌ واح ٌد للكون،
وعذراء واحدةٌ صارت أ ّماً ،ويطيب لي أن أسمّيها الكنيسة ".
التنوع الذي يأتيها من تنوّ ع مواهب هللا ّ -666منذ البدء تظهر هذه الكنيسة الواحدة في كثير من
ومن تع ّدد األشخاص الذين يتقبّلون تلك المواهب .في وحدة شعب هللا تتجمّع الشعوب والثقافات
المختلفة .يوجد بين أعضاء الكنيسة تنوّ ع في المواهب ،والوظائف ،والحاالت ،وطرائق العيش" ،
ففي داخل شركة الكنيسة توجد شرعا ً كنائس خاصّة تتم ّتع بتقاليد خاصّة " .وهذا الغنى في التنوّ ع
ال يُعارض وحدة الكنيسة .إال ّ أن الخطيئة واعبا َء عواقبها ته ّدد موهبة الوحدة تهديداً متواصالً.
ولهذا يحرّ ض الرسول على " حفظ وحدة الروح برباط السالم "
أف .)3 : 2
-665ما هي روابط الوحدة هذه؟ " فوق جميع هذه البسوا المحبّة التي هي رباط الكمال"
روابط شركة منظورة : ُ (كو .)22 : 3ولكنّ وحدة الكنيسة في مسيرتها تحافظ عليها أيضا ً
منقول عن الرّ سل،
ٍ بإيمان واح ٍد
ٍ -االعتراف
-االحتفال المش َترك بالعبادة اإللهيّة ،والسيّما األسرار،
-.التعاقب الرّ سولي بسرّ الكهنوت ،محافظا ً على الوفاق األخويّ في أسرة هللا
" -669كنيسة المسيح الواحدة ...هي تلك التي سلّمها مخلّصُنا بعد قيامته إلى بطرس لكي يكون
لها راعياً ،والتي أناط ببطرس وسائر الرسُل أمر نشرها وقيادتها ...هذه الكنيسة التي أنشئت
ظمت كمجتمع في هذا العالم إ ّنما تستمرّ في الكنيسة الكاثوليكيّة التي يسوسها خليفة بطرس و ُن ّ
واألساقفة الذين على الشركة معه " :
قرار المجمع الفاتيكاني الثاني في موضوع الحركة المسكونيّة يُصرّ ح أ ّنه " بكنيسة المسيح الكاثوليكيّة وحدها،
التي هي وسيلة عامّة للخالص ،يمكن الحصول على ملء وسائل الخالص ،فإنّ الهيئة الرّ سوليّة التي بطرس
رأسها ،هي وحدها ،بحسب إيماننا ،قد أؤ ُتمنت على جميع غنى العهد الجديد ،لتكوّ َن على األرض جسداً واحداً
.للمسيح الذي ينبغي أن يندمج به ملء االندماج جمي ُع الذين أمسوا من شعب هللا "
جراح الوحدة
" -666في كنيسة هللا هذه الواحدة ظهر منذ البدء بعضُ انقسامات استنكرها الرسول بش ّدة كشيء
يستوجب الشجب ،وفي غضون القرون الالحقة وقعت انشقاقات أش ُّد خطورة ،وانفصلت طوائف
بال عن شركة الكنيسة الكاثوليكيّة التامة بذنب أفراد أحيانا ً من هذا الفريق وهذا الفريق ذات ٍ
اآلخر .واالنفصاالت التي تجرح وحدة جسد المسيح(ومرجعها إلى الهرطقة ،الجحود ،واالنشقاق)
ال تجري إال ّ بخطيئة البشر :
" وحيث توجد الخطيئة يوجد التع ّدد ،واالنشقاق ،والهرطقة ،والنزاع ،ولكن حيث توجد الفضيلة توجد الوحدة،
.واال ّتحاد الذي كان يجعل من جميع المؤمنين جسداً واحداً وروحا ً واحدة "
-666إن الذين يولدون اليوم في الطوائف الناشئة من االنشقاقات و " يحيون من اإليمان بالمسيح
ال يمكن أن يُطالبوا بخطيئة انفصال ،لذلك تشملهم الكنيسة الكاثوليكية باإلحترام األخوي والمحبّة.
ولمّا كانوا قد بُرِّ روا باإليمان الذي نالوه في المعموديّة ،وصاروا به أعضا ًء لجسد المسيح ،فإ ّنهم
.بحق يحملون االسم المسيحيّ ،وبحق يرى فيهم أبنا ُء الكنيسة الكاثوليكية إخو ًة في الربّ "
-666وإلى ذلك " فعناص ُر قداس ٍة وحقيق ٍة كثيرةٌ " توجد خارج الحدود المنظورة للكنيسة
الكاثوليكية" :كلمة هللا المكتوبة ،وحياة النعمة ،واإليمان ،والرجاء ،والمحبّة ،ومواهب أخرى
داخليّة للروح القدس ،وعناصر أخرى منظورة" .وروح المسيح يستخدم هذه الكنائس والجماعات
الكنسية كوسائل خالص تأتي قوّ تها من ملء النعمة والحقيقة الذي آئ َت َمن المسي ُح الكنيسة
الكاثوليكية عليه .ك ُّل هذه الخيرات تأتي من المسيح وتقود إليه ،وتدعو في ذاتها إلى "الوحدة
.الكاثوليكية"
نحو الوحدة
-666الوحدة " آتاها المسي ُح كنيس َت ُه منذ البدء .نؤمن أ ّنها قائمة في الكنيسة الكاثوليكية وال يمكن
أن تزول ،ونأمل أنها ستظ ّل فيها في نمو ّ
مطرد يوما ً بعد يوم إلى منتهى الدهر " .المسي ُح يمنح
دائما ً كنيسته موهبة الوحدة ،ولكن على الكنيسة أن تصلّي دائما ً وتعم َل بال انقطاع للحفاظ على
الوحدة التي يريدها لها المسيح ،وأن ُتقوّ يها و ُتكمّلها ,ولهذا صلّى يسوع نفسُه في ساعة آالمه،
وهو ال يتوقّف عن الصالة إلى اآلب ألجل وحدة تالميذه " :ليكونوا بأجمعهم واحداً كما أ ّنك انت
أيّها اآلب فيّ وأنا فيك ،ليكونوا هم أيضا ً واحداً فينا حتى يؤمن العالم أ ّنك أنت أرسلتني "(يو : 21
ً
موهبة من المسيح ودعو ًة من الروح .)12إن الرغبة في العودة إلى وحدة جميع المسيحيّين هي
القدس.
-666لإلجابة الصحيحة عن تلك الدعوة الب ّد من :
-تج ُّد ٍد متواصل للكنيسة في أمان ٍة أكبر لدعوتها .وهذا التج ّدد هو من اختصاص الحركة نحو الوحدة،
-توبة القلب " في سبيل الحياة حيا ًة أنقى بحسب اإلنجيل " ،إذا إنَّ خيانة األعضاء لموهبة المسيح هي
التي تسبّب االنقسامات،
ّ
-الصالة المشتركة " إذ إنّ التج ّدد في الباطن والقداسة في السيرة ،متحِدين بالصّلوات الجمهوريّة
والفردية ألجل الوحدة بين المسيحيّين ،يجب أن ي َُع ّدا بمثابة الروح لك ّل حركة مسكونيّة ،وأن يُسمَّيا بحق
" المسكونية الروحية "،
-التعارف األخوي ال ُمتبادل،
-التنشئة المسكونية للمؤمنين ،والسيّما الكهنة،
-الحوار بين الالهوتيّين ،واللقاءات بين المسيحيّين من مختلف الكنائس والجماعات الكنسيّة،
-.التعاون بين المسيحيّين في ش ّتى مجاالت خدمة البشر
-666االهتمام بتحقيق الوحدة " يعني الكنيسة كلّها ،مؤمنين ورعاة " .ولكن يجب أن " نعي أن
هذا المشروع المق ّدس ،أي مصالحة جميع المسيحيّين في وحدة كنيس ٍة واحد ٍة ووحيد ٍة للمسيح،
تفوق قوى البشر وطاقاتهم " .ولهذا نجعل رجا َءنا كلّه " في صالة المسيح ألجل الكنيسة ،وفي
.محبّة اآلب لنا ،وفي قدرة الروح القدس "
.ً6الكنيسة مقدّسة
" -666الكنيسة في نظر اإليمان مق ّدسة على ّ
الزمن ،ذلك بأنّ المسيح ،ابن هللا ،الذي هو مع اآلب
كعروس له ،وأسلم نفسه ألجلها ليق ّدسها ،وا ّتحد بها
ٍ والروح " وحده الق ّدوس " ،قد أحبّ الكنيسة
جسداً له ،وغمرها بموهبة الروح القدس لمجد هللا " .فالكنيسة إذن هي " شعب هللا المقدس "
.وأعضاؤها يُدعون ق ّديسين "
-666الكنيسة ،با ّتحادها بالمسيح ،يق ّدسها المسيح ،به وفيه تصبح الكنيسة أيضا ً ُمقدّسة " .جميع أعمال
الكنيسة موجّ هة إلى تقديس البشر في المسيح وإلى تمجيد هللا ،وكأن ذلك هو غايتها وهدفها " .في الكنيسة
.جُعل " ملء وسائل الخالص " .وفيها " نكتسب القداسة بنعمة هللا "
" -665تتم ّتع الكنيسة على األرض بقداس ٍة حقيقيّة ،وإن غير كاملة " .وال ُب َّد ألعضائها من السعي أيضا ً
إلى اكتساب القداسة الكاملة " :إن جميع المؤمنين،و ولهم مثل هذا القدر من وسائل الخالص العظيمة،
.يدعوهم الربّ ،أ ّيا ً كانت حالهم ووضعهم ،وكالًّ في طريقته ،إلى كمال القداسة التي مِثالها كما ُل االب "
عي إليها الجميع " :إنها توجّ ه جميع وسائل القداسة و ُتعطيها
-669المح ّبة روح القداسة التي ُد َ
.روحها ،وتقودها إلى غايتها "
ت أنه لو كان للكنيسة جسد ،مؤلّف من ع ّدة أعضاء ،لما كان ينقصها األه ّم ،واألنبل، " أدرك ُ
أدركت أن الحب وحده هو الذي كان يحرّ كُ ُ
أدركت أن الكنيسة تملك قلبا ،وأن هذا القلب يضطر ُم ح ّبا.
أعضاء الكنيسة ،وأنه لو خمد الحب لتو ّقف الرسُل عن التبشير باإلنجيل ،وتم ّنع الشهداء عن بذل دمهم.
الحبًّ ً هو كل ّ شيء ،وأنه يشمل جميع األزمان ّ الحب يحتوي جميع الدعوات ،وأن ّ ُ
ادركت أن
أزلي ".
ّ وجميع األمكنة ..أنه
" -666فيما كان المسيح ،الق ّدوس ،البري ُء والذي ال عيب فيه ،لم يعرف الخطيئة ،بل أتى ليكفّر
آن واحد ،مق ّدسة عن خطايا الشعب فقط ،فإنّ الكنيسة التي تضم في حضنها الخطأة ،هي ،في ٍ
ً
عاكفة على ال ّتوبة والتج ّدد " .جميع أعضاء الكنيسة ،بما فيهم ومفتقرة دائما ً إلى التطهير ،والتني
من َخدَم ٍة مرسومين ،يجب أن يعرفوا أ ّنهم ُخطأة .في الجميع ،زؤانُ الخطيئة يخالط بذور اإلنجيل
الصالحة إلى آخر األزمان .فالكنيسة تض ُّم إذن خطأة شملَهم خالصُ المسيح ،ولك ّنهم أبداً في
.طريق القداسة
" الكنيسة مق ّدسة وهي تض ّم في حضنها الخطأة ،ألن ليس لها هي نفسها حيا ًةٌّ سوى حياة النعمة :إنها
حين تحيا حياتها يتق ّدس أعضاؤها ،وهي عندما تحيد عن حياتها يسقطون في الخطيئة وفي االنحرافات
سلطان شفا ِء أبنائها
ِ التي تحول دون تأللؤ قداستها .ولهذا فهي تتألّم وتك ّفر عن هذه الخطايا التي أعطيت
منها بدم المسيح وموهبة الروح القدس ".
تطوب الكنيسة بعض المؤمنين ،إي عندما تعلن أنّ هؤالء المؤمنين مارسوا الفضائل -666عندما ّ
على وجه بطوليّ ،وساروا في األمانة لنعمة هللا ،فهي تعترف بقدرة روح القداسة الذي فيها،
وتعضد رجا َء المؤمنين عندما تق ّدم لهم أوالئك نماذ َج وشفعاء " .فالق ّديسون والق ّديسات كانوا أبداً
ومصدر تج ّد ٍد في أصعب أوقات تاريخ الكنيسة " .وهكذا " فالقداسة هي الينبوع الخفيَُّ ينبوع
.والمعيا ُر الذي ال يخطئ لعملها الرسوليّ والندفاعها إلى الرسالة "
ف وال غضن .ومؤمنو -666قد بلغت الكنيسة في شخص العذراء الطوباويّة الكمال في غير كل ٍ
المسيح أيضا ً يج ّدون بنشاطٍ في طريق النموّ في القداسة بالتغلّب على الخطيئة ،كذلك يشخصون
بأبصارهم إلى مريم " :ففيها الكنيسة هي الكلّية القداسة.
.ً6الكنيسة الكاثوليكية
ما معنى " كاثوليكية " ؟
-666.اللفظة " كاثوليكية " تعني " جامعة " أي " بحسب الكلّيّة " أو " بحسب ال ّتماميّة "
فالكنيسة الكاثوليكية بمعنى مُزدوج :
إ ّنها كاثوليكية ألن المسي ُح حاض ٌر فيها " .حيث يكون المسيح يسوع ،تكون الكنيسة الكاثوليكية ".
ففيها مل ُء جسد المسيح م ّتحداً برأسه ،وهذا يعني أنها تنال منه " مل َء وسائل الخالص " التي
أرادها لها :االعتراف باإليمان القويم والكامل ،وحياة األسرار التامّة ،وخدمة مرسومة في الخالفة
الرسوليّة .وهكذا كانت الكنيسة ،بهذا المعنى األساسيّ ،كاثوليكية في يوم العنصرة ،وستكون
.كذلك إلى يوم مجي ِء المسيح
-666وهي كاثوليكية ألنّ المسيح أرسلها في رسالة إلى الجنس البشريّ بكامله :
"إنّ جميع الناس مدعوّ ون ألن يكونوا من شعب هللا الجديد .لذلك يجب أن يمت َّد ذلك الشعب ،مع بقائه واحداً
وحيداً ،على العالم بأسره ،وعلى جميع األزمان ،لكي تت ُّم مقاص ُد إرادة هللا الذي خلق في البدء الطبيعة البشريّة
واحد ًة ،ويريد أن يجمع أخيراً في الوحدة ابنا َءها المتفرّ قين .وإنّ هذا الطابع ،طابع الشمول ،الذي يلقي النور على
شعب هللا هو عطيّة من الربّ نفسه ،تسعى بقوّ تها الكنيسة الكاثوليكية سعيا ً فعّاالً مستمرّ اً إلى جمع البشريّة
.بأسرها ،مع كل ما تنطوي عليه من خير ،تحت رأسها الذي هو المسيح في وحدة الروح القدس "
صة هي كاثوليكية
كل ّ كنيسة خا ّ
" -666كنيسة المسيح حاضرة حقّا ً في ك ّل جماعات المؤمنين المحليّة الشرعيّة ،التي باتحادها
برُعاتها يسمُّنونها ايضاً ،في العهد الجديد ،كنائس .فيها يتجمّع المؤمنون بالدعوة بإنجيل المسيح،
وفيها يُحتفل بسرّ عشا ِء الربّ .وهذه الجماعات ،مهما كانت في الغالب صغيرة أو فقيرة أو
سة كاثوليك َي ًة رسوليّة "
.مش ّتتة ،فإنّ المسيح حاض ٌر فيها ،وبقوّ ته تقوم الكنيسة واحد ًة مق ّد ً
-666يُراد بكنيسة خاصّة ،وهي أوالً األبرشية ،مجموعة مؤمنين مسيحيّين في شركة اإليمان
واألسرار مع أسقفهم المرسوم في الخالفة الرسولية .وهذه الكنائس الخاصّة " مكوّ نة على صورة
الكنيسة الجامعة ،وفيها وبها تقوم الكنيسة الكاثوليكية واحد ًة وحيدة ".
-666الكنائس الخاصّة كاملة في كاثوليكيّتها بالشركة مع إحداها ،أي كنيسة رومة التي " لها
صدارة المحبّة " " .فمع هذه الكنيسة ،وبسبب أصلها األسمى ،يجب أن ت ّتفق ك ّل كنيسة ،أي
مؤمنو ك ّل مكان " .فمنذ نزول الكلمة المتجسّد إلينا جمي ُع الكنائس المسيحيّة في ك ّل مكان رأت
وترى في الكنيسة العظمى التي هنا(في رومة) ركنا ً وأساسا ً فريداً ،ألنّ أبواب الجحيم ،على ح ّد
تقو عليها ّ
قط " .وعود المخلّص نفسها ،لم َ
" -665يجب أن ال ُتعد الكنيسة الجامعة مجرّد مجموع ٍة أو آ ّتحاد كنائس خاصة .لكنها أكثر من ذلك الكنيسة،
الجامعة بدعوتها ورسالتها ،التي تتأصّل في حقول ثقافيّة واجتماعيّة وإنسانيّة مختلفةُ ،م ّتخذ ًة في كل ناحية من
العالم وجوها ً وأشكاالً تعبيريّة مختلفة ".إنّ التنوع الغنيّ في األنظمة الكنسيّة ،والطقوس الليترجية ،والتراث
الالهوتي والروحيّ الذي تنفرد به الكنائس المحليّة " يُظهر بوضوح أكثر ،وبما تتالقى به تلك الكنائس في
.الوحدة ،كاثوليكية الكنيسة غير القابلة التجزؤ "
" -669جميع الناس مدعوّ ون إلى وحدة شعب هللا الكاثوليكية ،ويرتبط بها على وجوه مختلفة ،أو
هم في السبيل إليها ،المؤمنون الكاثوليك ،وسائر المؤمنين بالمسيح ،وأخيراً سائر الناس ،بدون ما
.استثناء ،المدعوّ ين بنعمة هللا إلى الخالص "
" -666ينتمي إلى مجتمع الكنيسة انتما ًء تامّا أولئك الذين بعد إذ حصلوا على روح المسيح
يتقبّلون تق ّبالً كل ّيا ً نظامها وجميع وسائل الخالص التي أُنشئت فيها ،وي ّتحدون ،في مجتمعها
المنظور ،بالمسيح الذي يقودها بواسطة الحبر األعظم واألساقفة الم ّتحدين في ما بينهم برُبط
االعتراف باإليمان واألسرار والحُكم الكنسيّ والشركة .بيد أ ّنه ال يخلص ،على كونه منتميا ً إلى
الكنيسة ،ذاك الذي ال يثبت في المحبّة ،فيُقيم في حضن الكنيسة " بالجسم " ال "بالقلب ".
" -666أولئك الذين باعتمادهم نالوا كرامة االسم المسيحيّ ،ولك ّنهم ال يعترفون باإليمان كامالً،
أو ال يحتفظون بوحدة الشركة مع خليفة بطرس ،تعلّم الكنيسة أ ّنها م ّتحدة بهم ألسباب متع ّددة ".
"وإنَّ الذين يؤمنون بالمسيح وقد قبلوا المعموديّة قبوالً صحيحا ً هم على الشركة ،وإن غير كاملة،
مع الكنيسة الكاثوليكية " .وهذه الشركة مع الكنائس األرثوذكس ّية هي بهذا المقدار من العمق "
حتى إنه ينقصها شي ٌء قليل لكي تبلغ الكمال الذي يُبي ُح االشتراك في إقامة ذبيحة إفخارستيا الربّ
".
-669كيف يجب علينا أن نفهم هذه العبارة التي طالما ر ّددها آباء الكنيسة؟ إذا صيغت بطريقة
إيجابيّة فإ ّنها تعني أنّ كل خالص يأتي من المسيح الرأس عن طريق الكنيسة التي هي جسده :
سفر على " أن المجمع المقدس ،استناداً إلى الكتاب المقدس ،والتقليد ،يعلّم أن هذه الكنيسة التي هي في حال ٍ
وسيط الخالص وطريقه :وهو يصير حاضراً ألجلنا في ُ األرض ضروريّة للخالص .ذلك بأن المسيح وحده
جسده الذي هو الكنيسة ،فإنه إذ يعلّم بصريح العبارة ضرورة اإليمان والمعموديّة ،قد أكد في الوقت نفسه
ّ
ضرورة الكنيسة التي يلج فيها الناس بالمعموديّة كما من باب .ومن ث َّم فإنَّ الذين ال يجهلون أنَّ هللا قد أنشأ َ بيسوع
المسيح الكنيسة الكاثوليكية أدا ًة ضروريّة ثم يرفضون الدخول إليها أو الثبات فيها ،ال يستطيعون سبيالً إلى
الخالص ".
ب منهم :
-666هذا الكالم غير موجّ ه إلى الذين يجهلون المسيح وكنيسته على غير ذن ٍ
" إن الذين ،على غير ذنب منهم ،يجهلون إنجيل المسيح وكنيسته ،ويطلبون مع ذلك هللا بقلب صادق،
ويجتهدون ،بنعمته ،أن يتمّموا في أعمالهم إرادته كما يُمليها عليهم ضميرهم ،فهؤالء يمكنهم أن ينالوا الخالص
األبديّ ".
بطرق يعرفها
ٍ " -666وإن كان بإمكان هللا أن يقود إلى اإليمان ،الذي يستحيل إرضا ُء هللا بدونه،
هو وحده ،أُناسا ً يجهلون اإلنجيل عن غير خط ٍأ منهم ،فعلى الكنيسة تقع ضرورة تبشير جميع
البشر باإلنجيل ،وهو أيضا ً ٌّ
حق مق ّدس".
اإلرسالي " .إن الكنيسة التي أرسلها هللا إلى األمم لكي تكون السرّ الجامع
ّ -666التفويض
للخالص ،هي مشدودة إلى تبشير جميع البشر باإلنجيل ،تش ّدها المقتضيات العميقة في كاثوليكيتها
الخاصة ،والعمل بأمر مؤسّسها " " :فآذهبوا وتلمذوا ك َّل األمم وعمّدوهم باسم اآلب واالبن
والروح القدس ،وعلّموهم أن يحفظوا جميع ما أوصيتكم به ،وها أنا معكم ك ّل األيام إلى منتهى
الدهر "(متى .)11-21 : 18
-656مصدر الرسالة وغايتها .المصدر األعلى لتكليف الربّ اإلرساليّ هو في محبّة الثالوث
األقدس األزليّة " :الكنيسة في طبيعتها المتجوّ لة رسولي ٌّة ،ألنها تصدر عن رسالة االبن ،وعن
رسالة الروح القدس ،وفاقا ً لقصد هللا اآلب " .وليس هدف الرسالة األخير إال ّ في إشراك البشر
في الشركة التي بين اآلب واالبن في روح محبَّتهما.
واجب االندفاع الرساليّ
َ سبب الرسالة .من محبة هللا لجميع البشر استخرجت الكنيسة أبداً ُ -656
تحثنا "( 1كو .)22 : 1و " هللا يريد أنّ جميع الناس يخلصون ويبلغون وقُوّ ته " :ألن المحبّة ُّ
ّ
الحق، خالص الجميع بمعرفةَ ّ
الحق "( 2في .)2 : 1هللا يريد إلى معرفة
الحق هم في طريق الخالص ،ولكنّ الكنيسة التي ّ ّ
الحق .فالذين ينقادون لدافع روح فالخالص في
الحق .وإذ كانت تؤمن بقصد ّ ّ
الحق يجب عليها أن تالقي رغباتهم لكي تق ّدم لهم هذا اودعت هذا
ً
رسولة .الخالص الشامل فمن واجبها أن تكون
-656طرق الرسالة " .الروح القدس محرّ ك الرسالة الكنسيّة كلّها " .إ ّنه هو الذي يقود الكنيسة
على دروب الرسالة .وهذه الرسالة " تواصِ ل وتكمّل عبر التاريخ رسالة المسيح نفسه ،الذي
وبدفع من
ٍ أُرسل ليحمل البشرى إلى المساكين .فعلى هذه الطريق نفسها التي سلكها المسيح نفسه،
روح المسيح ،يجب على الكنيسة أن تسير ،أي على طريق الفقر ،والطاعة ،وبذل الذات إلى ح ّد
الموت الذي خرج منه بقيامته منتصراً " .وهكذا " فدم الشهداء ُزرعة مسيحيّين ".
-656ولكن الكنيسة في مسيرتها تختبر " المسافة بين الرسالة التي تكشف عنها والضعف البشريّ عند
من أؤتمنوا على هذا اإلنجيل " .فبالسير على طريق " التوبة والتج ّدد "وحده ،ومن " باب الصليب
الضيّق " ،يستطيع شعب هللا َبس َط ملكوت المسيح " .ولما كان المسيح قد تمّم عمله الفدائيّ في الفقر
واالضطهاد ،فإن الكنيسة قد ُدعيت هي أيضا ً إلى انتهاج هذه الطريق عينها ،لكي ُتشرك الناس في ثمار
الخالص ".
-656والكنيسة في ذات رسالتها " تسير مع البشريّة كلّها ،وتنال قسطها من مصير العالم األرضيّ ،
وهي بمثابة خميرة ،وكروح للمجتمع البشريّ الذي يجب أن يتج ّدد في المسيح ويتحوَّ ل إلى أسرة هللا ".
وهكذا فالعمل الرسوليّ يقتضي الصبر .إنه يبدأ بنقل اإلنجيل إلى الشعوب والجماعات التي ال تزال غير
مؤمنة بالمسيح ،وهو يواصل طريقه بإقامة جماعات مسيحيّة تكون " عالمات حضور هللا في العالم "،
وبإنشاء كنائس محليّة ،وهو يقتضي أسلوب انثقافٍ لتجسيد اإلنجيل في ثقافات الشعوب ،وقد ال تخلو
طريقه من الفشل " .فالكنيسة ،وفي ما يتعلّق بالناس والجماعات والشعوب ،ال تغزوها وتخترق صفوفها
إالّ شيئا ً فشيئاً ،وهكذا ُتلقي بها في ملء الكثلكة ".
-655رسالة الكنيسة تستدعي السعي لوحدة المسيحيين .فاالنقسامات بين المسيحيّين تمنع الكنيسة من
تحقيق ملء الكثلكة الخاصّة بها في بنيها الذين أصبحوا أبناءها بالمعموديّة ،ولك ّنهم منفصلون عن
شركتها الكاملة .أضف إلى ذلك أ ّنه يصير من األصعب على الكنيسة نفسها أن تعبّر تعبيراً استيعاب ّيا ً عن
.ملء كثلكتها في واقع حياتها "
-659المهمّة اإلرساليّة تقتضي حوارا يحترم أولئك الذين لم يتقبّلوا بعد اإلنجيل .ويستطيع المؤمنون أن
اطالعا ً أوسع على " كل ما لدى تلك األمم من حقيقة يطلعون ّيُفيدوا من هذا الحوار نفعا ً ألنفسهم ،عندما َّ
ونعمة كما لو كان ذلك بحضور خفيّ هلل " .ولئِن ب ّشروا باإلنجيل من يجهله ،فما ذلك إالّ لتقوية وإكمال
ورفع الحقيقة والصالح اللذين أفاضهما هللا على البشر والشعوب ،وتطهيرهم من الضالل والشرّ "لمجد
هللا ،وخزي الشيطان ،وسعادة اإلنسان".
-656الكنيسة رسوليّة أل ّنها مؤسسة على الرسُل وذلك بمعاني ثالثة :
-لقد بُنيت وال تزال مبنيّة على " أساس الرّ سُل "(أف )11 : 1وهم شهو ٌد مختارون ومُرسلون
من قِبل المسيح نفسه،
-وهي تحفظ وتنقل ،بمساعدة الروح القدس السّاكن فيها ،التعليم ،الوديعة الخيّرة ،األقوال
السليمة التي سمعهتا من الرّ سُل،
-وهي ال تزال يعلّمها الرّ سل ويق ّدسونها ويسوسونها إلى عودة المسيح بفضل من يخلِفونهم في
مهمّتهم الراعويّة :هيئة األساقفة " ،يساعدهم الكهنة ،باالتحاد مع خليفة بطرس ،راعي الكنيسة
األعلى " :
ُ ّ
" ايها االب األزلي ،إنك ال تهمل قطيعك ،بل تحافظ عليه ِبرُ سُلك الطوباويّين في ظ ّل حمايتك الدائمة.
.إ ّنك تسوسه أيضا ً بهؤالء الرّ عاة أنفسهم الذين يواصلون اليوم عمل ابنك "
سل
الر ُ
رسالة ّ
-656يسو ُع هو رسول اآلب .ومنذ بدء رسالته " دعا الذين أرادهم فأقبلوا إليه وعيّن منهم اثني عشر
ليكونوا معه ولكي يرسلهم للكرازة "(مر .)22-23 : 3وقد أصبحوا من ذلك الحين " رً سُله " .وبهم
ُتتابع رسالته الخاصّة " :كما أرسلني اآلب كذلك أنا أرسلكم "(يو .)12 : 11وهكذا فعملهم م ٌ
ُتابعة
لرسالته الخاصّة " :من َق ِبل ُكم فقد َق ِبلني" ،هكذا قال لالثني عشر(متى .)21 : 21
-656لقد ضمّهم يسو ُع إلى الرسالة التي قبلها من أبيه :فكما " أن االبن ال يستطيع أن يفعل شيئا ً
من ذاته "(يو ،)31-21 : 1بل يقبل كل شيء من اآلب الذي أرسله ،كذلك أولئك الذين يرسلُهم
يسو ُع ال يستطيعون أن يفعلوا شيئا ً بدونه ،هو الذي ينالون منه تفويض الرسالة وسلطان القيام
بها .ف ُرسُل المسيح يعلمون أنّ هللا أقامهم " َخدَمة عه ٍد جدي ٍد "( 1كو َ " ،)1 : 3خدمة هللا "( 1كو
" ،)2: 1سُفراء المسيح "( 1كو ُ " ،)11 : 1خ ّدام المسيح ووكال َء أسرار هللا "
2كو ( .)2 : 2
ناحية ال يمكن أن تكون في غيرهم :وهي أ ّنهم الشهو ُد المُختارون لقيامةٌ -696في مهمّة الرسُل
الربّ وأركان الكنيسة .ولكنّ هنالك وجها ً لمهمّتهم ثابتاً .فقد وعدهم المسيح بأن يبقى معهم حتى
منتهى الدهر " .إنّ هذه المهمّة اإللهيّة التي أناطها المسيح بالرسُل يجب أن تستمرّ حتى منتهى
العالم ،بما أن اإلنجيل الذي يجب أن يُسلّموه هو للكنيسة ،في ك ّل زمان ،مبدأ الحياة كلّها .لذلك
.اهت ّم الرسل بأن يقيموا لهم خلفاء "
الرسالة
-696الكنيسة رسوليّة كلُّها من حيث إ ّنها تظلّ ،من خالل خلفاء بطرس والرّ سُل ،في شركة
إيمان وحيا ٍة مع مصدرها .والكنيسة رسوليّة كلُّها من حيث إ ّنها " مر َسلة " في العالم كلّه ،وجميع
ٍ
أعضاء الكنيسة مشتركون في هذه الرسالة ،وإن على وجوه مختلفة " ،والدعوة المسيحيّة هي
أيضا ً بطبيعتها دعوة إلى الرسالة " .ويسمّون " رسالة " " ك ّل نشاط للجسد السريّ " يسعى إلى "
.بسط مُلك المسيح على األرض "
" -696وبما أنَّ المسيح الذي أرسله اآلب هو ينبو ُع ومصد ُر ك ّل إرساليّة الكنيسة ،فمن الثابت أنّ
للخ َد َمة المرسومين أو للعلمانيّين " ،تتعلّق با ّتحادهم الحيويّ
خصب الرسالة " ،سوا ٌء كانت َ
بالمسيح" .والرسالة ت ّتخذ أشكاالً مختلفة وفقا ً للدعوات ومقتضيات الزمن ومواهب الروح القدس
المتنوّ عة .إال ّ أن المحبّة ،المُسْ تقاةُ بنوع خاص من اإلفخارستيا " ،هي بمثابة الروح لك ّل
.رسالة "
-695الكنيسة واحدة ،مقدّسة ،كاثوليكية ،رسولية في جوهرها العميق واألخير ،إذ منها يوجد
اآلن وسيتم في آخر األزمان " ملكوت السماوات " " ،م ُْلك هللا " ،الذي أتى في شخص المسيح
انضووا إليه ،إلى يوم ظهوره ال َم َعاديّ الكامل .عند ذلك يجتمع َ والذي ينمو سرّ يا ً في قلب من
جميع البشر الذين افتداهم ،وصاروا به مقدَّسين وأطهاراً أمام هللا في المح ّبة " ،على أنهم شعب
هللا الوحيد " ،عروسُ الحمل " " ،المدينة المق ّدسة النازلة من السماء ،من عند هللا ،ولها مجد هللا"
سل الحمل األثني عشر "(رؤ )22 : 12 .و " لسور المدينة اثنا عشر أساسا ً فيها أسماء ر ُ
بإيجاز
-699الكنيسة واحدة :لها ربٌّ واحد ،وتعترف بإيما ٍن واحد ،وتو ّلد بمعمود ّي ٍة واحدة ،وال تكون
.إ ّال جسد ًا واحد ًا ،يحييه رو ٌح واحد ،ألجل رجاء وحيد ،ينتهي بالتغ ّلب على جميع اإلنقسامات
-696الكنيسة مقدّسة :هللا الق ّدوس منشئها ،والمسي ُح عروسها ،أسلم ذاته من أجلها لكي يق ّدسها،
المكونة من خطأة " .تتأ ّلق قداستها في
ّ وروح القداسة يُحييها .وإن احتوت خطأة فهي " الالخاطئة
.الق ّديسين ،وبمريم هي منذ اآلن كليّة القداسة
-696الكنيسة كاثوليكية :إ ّنها تب ّشر بكامل اإليمان ،وتحمل فيها وتمنح ملء وسائل الخالص،
وهي مرسلة إلى جميع الشعوب ،و ُتخاطب جميع البشر ،وتشمل جميع األزمان " ،وهي في ذات
.طبيعتها مُر َس َلة "
-696الكنيسة رسول ّية إ ّنها مبنيّة على ًأسس ثابتة " :رسُل الحمل االثني عشر " ،وهي ال
وسائر الرسُل،
ِ قائمة في الحقيقة على عصمة :المسيح يسوسها ببطرس ٌ تتزعزع ،وهي
.الحاضرين في ُخلفائهم ،البابا وهيئة األساقفة
" -666كنيسة المسيح الوحيدة ،التي نعترف بها في قانون اإليمان بأنها واحدة ،مق ّدسة،
كاثوليكية ،رسوليّة ،تستمرُّ في الكنيسة الكاثوليكيّة ،التي يسوسها خليفة بطرس واألساقفة الذين
ً
قائمة خارج هيكلها " .معه في الشركة ،وإن تكن عناص ُر كثير ٌة للتقديس والحقيقة ال تزال
" -666مؤمنو المسيح هم الذين ،لكونهم انضمّوا إلى المسيح بالمعموديّة ،أصبحوا شعبا ً هلل،
والذين بسبب ذلك ُدعُوا ،وهم مشتركون على طريقتهم في وظيفة المسيح الكهنوتيّة والنبويّة
والملكيّةُ ،دعُوا إلى أن يُمارسوا ،ك ّل واحد بحسب حاله الخاصّة الرسالة التي أناطها هللا بالكنيسة
.لكي تقوم بها في العالم "
" -666بين جميع مؤمني المسيح ،لِواقع تج ّددهم في المسيح ،توجد ،بالنظر إلى المرتبة والعمل،
مساواة حقيقيّة يتعاونون جميعا ً بمقتضاها ،على بناء جسد المسيح ،وذلك بحسب حالة كل واحد
.منهم ووظيفته الخاصّة "
-666التباينات نف ُسها التي أراد الربُّ أن يجعلها بين أعضاء جسده تفيد وحدته ورسالته .ذلك
" أنّ في الكنيسة اختالفا ً في الخدم ،على وحدة في الرسالة .فالمسيح أناط ِب ُر ُسلِه وخلفائهم مهمة
التعليم ،والتقديس ،والسياسة باسمه وبسلطانه .ولكن العلمانيّين ،الذين أصبحوا شركاء في مهمّة
المسيح الكهنوتيّة والنبويّة والملكيّة ،يتحمّلون ،في الكنيسة وفي العالم ،قسطهم ما هو من رسالة
شعب هللا كلّه " .وأخيراً هناك " مؤمنون يلتحقون بهذه الفئة أو تلك(ذوي سلطة وعلمانيين) ،وقد
تكرّ سوا هلل باعتناقهم المشورات اإلنجيليّة ،فيُسهمون بطريقتهم الخاصّة ،في رسالة الكنيسة
الخالصيّة ".
سلطة في الكنيسة
.ً6هيكل ّية ال ُّ
لماذا الوظيفة في الكنيسة
-666المسيح هو نفسه أصل الوظيفة في الكنيسة .إ ّنه أنشأها ،وأعطاها السّلطة والرسالة
والتوجيه والهدف:
" إن المسيح الربّ قد أنشأ في كنيسته ،لكي يرعى شعب هللا وينميه في غير انقطاع ،خدما ً متنوعة تهدف إلى
خير الجسم كلّه .فالرّ عاة ،وقد قُلِّدوا سلطانا ً مق ّدساً ،هم في خدمة أخوتهم لكي يتم ّكن جميع المنتمين إلى شعب هللا
.أن ينالوا الخالص "
" -665كيف يؤمنون بمن لم يسمعوا به؟ وكيف يسمعون بال مب ّشر؟ وكيف يُب ّشرون ان لم يُرسلوا؟
"(رو .)22 : 21فما من إنسان وال جماعة يستطيعون أن يب ّشروا أنفسهم باإلنجيل " .فاإليمان من
السّماع "(رو .)21: 21فما من أحد يستطيع ان يعطي نفسه التفويض والرسالة للتبشير باإلنجيل.
المُرسل من قِبل الربّ يتكلّم ويعمل ،ال بسلطانه الخاص ،بل بقوّ ة سلطان المسيح ،ال كعضو في
الجماعة ،بل كمخاطب للجماعة باسم المسيح .ال أحد يستطيع أن يمنح نفسه النعمة ،فهي ُتعطى و ُتوهب.
وذلك يقتضي ُخ ّداما ً للنعمة ،سلطتهم وأهليّتهم من المسيح .منه ينال األساقفة والكهنة رسالة
وقدرة(السلطة المق ّدسة) العمل في شخص المسيح الرأس ،والشمامسة القوة ليخدموا شعب هللا في
خدمة(دياكونيّة) الليترجيا وكلمة هللا والمحبّة ،باالشتراك مع األسقف وكهنته .وهذه الخدمة ،التي فيها
يعمل رُ سُل المسيح ويُعطون ،بموهبة من هللا ،ما ال يستطيعون أن يعملوا ويعطوا من ذات أنفسهم،
يسمّيه تقليد الكنيسة " سرّ اً " فخِدمة الكنيسة ُتعطى بسر خاص.
-669طابع خدمتها مرتبط ارتباطا ً جوهر ّيا ً بالطبيعة األسراريّة للخدمة الكنسيّة .وهكذا فال ُخ ّدام
المتعلّقون تعلّقا ً ُكلّيا ً بالمسيح الذي يعطي الرسالة والسُلطة ،هم في الحقيقة " عبيد المسيح" ،على
صورة المسيح الذي ا ّتخذ طوعا ً ألجلنا " صورة عبد "(في .)1 : 1فبما أن الكلمة والنعمة اللتين
هم ُخ ّدامهما ،واللتين ليستا لهم ،بل للمسيح الذي ائتمنهم عليها ألجل اآلخرين ،فسيكونون طوعا ً
.عبيداً للجميع
-666وهكذا فالخدمة األسراريّة في الكنيسة ُتمارس باسم المسيح ،ولها طاب ٌع شخصيّ وشكل
جماعيّ .وهذا يتحقق في العالقات بين الهيئة األسقف ّية ورئيسها ،خليفة بطرس ،وفي العالقة بين
مسؤول ّية األسقف الراعويّة بالنظر إلى كنيسته الخاصّة ،واالهتمام العام ،للهيئة األسقفيّة بالكنيسة
.الجامعة
صحابة له ،ألي هيئة ثابتة ،وأقام على رأسهم ً -666عندما أقام المسيح االثني عشر " ،جعلهم
ومن بينهم بطرس " " .وكما أن الق ّديس بطرس وسائر الرّ سُل يؤلّفون ،بتدبير الربّ بالذات ،هيئة
رسوليّة واحدة ،كذلك أيضاً ،وعلى النحو نفسه يؤلّف الحبر الروماني خليفة بطرس ،واألساقفة
ُ .خلفاء الرّ سُل وحد ًة فيما بينهم "
-666ان الربّ جعل من سمعان وحده ،الذي أعطاه اسم بطرس ،صخرة كنيسته .لقد سلّمه
مفاتيحها ،وجعله راعيا ً للقطيع كلّه " .بيد أن مهمة الحل والربط التي أعطيت لبطرس قد أعطيت
أيضاً ،وال شك ،لهيئة الرسل متحدين برئيسهم " .ومهمة بطرس وسائر الرسُل الراعويّة هذه هي
.في أسُس الكنيسة ،وهي ُتواص ُل على أيدي األساقفة برئاسة البابا
-666البابا ،أسقف رومة وخليفة القديس بطرس ،هو " المبدأ الدائم المنظور ،واألساس للوحدة
التي تربط بين األساقفة ،وتربط بين جمهور المؤمنين " " .فأن الحبر الرّ وماني ،بحكم مهمّته
كنائب للمسيح وراع للكنيسة كلّها ،يملك في الكنيسة السلطان الكامل األعلى والشامل ،الذي
يستطيع أن يمارسه بحريّة على الدوام ".
" -666الهيئة األسقف ّية أو الجسم األسقفي ،ال سلطان لها ما لم نتصوّ رها م ّتحدة بالحبر
الروماني خليفة بطرس ا ّتحادها برأسها " .وهي بهذه الصفة " تملك أيضا ً السلطان األعلى
.والكامل على الكنيسة كلّها ،وإ ّنما ال يمكنها أن تزاوله اال ّ بموافقة الحبر الروماني "
" -666هيئة األساقفة تزاول السلطان على الكنيسة كلّها بصورة رسميّة في المجمع
المسكوني " " .وال يكون الب ّتة مجمع مسكوني ان لم يثبّته أو على االقل يقبله خليفة بطرس على
.أنه بهذه الصفة "
ّ
" -665هذه الهيئة المؤلفة من كثيرين تعبّر عن التنوُّ ع والشمول في شعب هللا ،وهي في تجمّعها
.تحت رأس واحد تعبّر عن الوحدة في قطيع المسيح "
" -669وك ُّل من األساقفة مبدأ وحدة كنيسته الخاصة وأساسها" .وهم ،والحالة هذه،
"يزاولون سلطتهم الراعويّة على الفئة من شعب هللا التي ائتمنوا عليها" ،يساعدهم كهنة وشمامسة
انجيليون .ولكن بما أنهم أعضا ٌء في الهيئة األسقفيّة ،فلك ّل واحد منهم قسطه في رعاية جميع
الكنائس ،يقوم به أوالً " بحسن سياسة كنيسته الخاصة على أنها قسم من الكنيسة الجامعة" فيُسهم
هكذا بما هو " خي ٌر للجسد السّري كله الذي هو أيضا ً جسد الكنائس " .وهذا األهتمام يمت ّد على
وجه خاص إلى الفقراء ،وإلى المضطهدين من أجل اإليمان ،كما يمت ّد إلى المرسلين الذي يعملون
.في شتى أنحاء األرض
-666الكنائس الخاصة المتجاورة والمتماثلة في الثقافة تؤلّف أقاليم كنسيّة ،أو مُجمّعات أوسع
ُتسمّى باطريركيّات أو نواحي .فيستطيع أساقفة هذه المجمّعات ان يجتمعوا في سينودسات أو في
بطرق متعددة ومثمرة في أنٍ مجامع إقليميّة " .وكذلك تستطيع المجالس األسقفيّة اليوم أن تسهم
.يتحقّق الروح الجماعي بطريقة ملموسة "
شروا جميع البشر بإنجيل هللا " ،كما -666األساقفة والكهنة ومساعدوهم " مهمّتهم األولى أن يُب ّ
أمرّ الربّ .إنهم " رسُل اإليمان الذين يجلبون للمسيح أتباعا ً ُج ُدداً ،وهم المعلّمون األصليّون "
.لإليمان الرسولي " الذين قُلّدوا سلطة المسيح "
-666لحفظ الكنيسة في صفاء اإليمان الذي نقله الرسل ،أراد المسيح ،الذي هو الحق ،أن يمنح
كنيسته اشتراكا ً في عصمته الخاصة" .وبالمعنى الفائق الطبيعة لإليمان" "يتمسّك" شعب هللا
".باإليمان تمسّكا ً ثابتا ً" بقيادة سلطة الكنيسة التعليميّة الحيّة
-666رسالة السلطة التعليميّة مرتبطة بالطابع النهائيّ للعهد الذي عقده هللا في المسيح مع شعبه،
فهو من شأنه أن يق َي ُه االنحرافات والعثرات ،وأن يضمن له االمكانيّة الواقعيّة لالعتراف باإليمان
األصيل في غير ضاللة .وهكذا ف ُمهمّة السلطة التعليميّة الراعويّة موجّ هة الى السّهر على أن يظ ّل
شعب هللا في الحق الذي يُحرّ ر .ولكي يقوم بهذه المهمّة مه َّر المسيح الرعاة موهبة العصمة في ما
.هو شأن اإليمان واآلداب .وقد ت َّتخذ ممارسة هذه الموهبة ع ّدة أشكال
بالذات ،عندما، " -666هذه العصمة يتم ّتع بها الحبر الروماني ،رئيس هيئة األساقفة ،بحكم مهمّته ّ
بصفة كونه راعيا ً ومعلّما ً أعلى لجميع المؤمنين ومكلّفا ً تثبيت إخوته في اإليمان ،يعلن ،بتصميم
مُطلق ،ما ّدة عقائديّة تتعلّق باإليمان واآلداب .والعصمة التي وُ عدت بها الكنيسة مستقرّ ة أيضا ً في
هيئة األساقفة عندما ُتمارس سلطانها التعليمي األعلى باالتحاد مع خليفة بطرس" والسيّما في
مجمع مسكوني .فعندما تعرض الكنيسة ،بواسطة سلطتها التعليميّة العليا ،شيئاً،
"لإليمان به على أ ّنه موحىً به من عند هللا" وعلى أنه من تعليم المسيح" ،يجب قبول مثل هذه
.التحديدات بطاعة اإليمان" .وهذه العصمة "تمت ّد بامتداد وديعة الوحي اإلله ّي نفسها"
-666العون اإللهيّ يرافق أيضا ً خلفاء الرسُل عندما يُعلّمون في شركة خليفة بطرس ،ويرافق
بنوع خاص أسقف رومة ،راعي الكنيسة جمعاء ،عندما ،من غير أن يصلوا إلى تحديد معصوم
ومن غير أن يتفوّ هوا "بطريقة نهائيّة" ،يق ّدمون ،في ممارسة السلطة التعليميّة العاديّة ،تعليما ً يقود
إلى فهم أفضل للوحي في موضو َعي اإليمان واآلداب .وعلى المؤمنين أن يُولوا هذا التعليم
العاديّ "من ذهنهم القبول في شعور دينيّ " ،وهو ،وإن تميّز من قبول اإليمان ،فإ ّنه مع ذلك امتدا ٌد
.له
مه ّمة التقديس
-666إنّ األسقف يحمل أيضا ً "مسؤوليّة توزيع نعمة الكهنوت األعلى" وخصوصا ً في
االفخارستيا التي يق ّدمها بنفسه أو يعمل على ان يق ّدمها الكهنة معاونوه ،إذ إنّ االفخارستيا مركز
حياة الكنيسة الخاصّة .واألسقف والكهنة يُق ّدسون الكنيسة بصالتهم وعملهم ،بخدمة الكلمة
واألسرار .ويق ّدسونها ِب َم َثلِهم" ،ال كمن يتسلّط على ميراث هللا بل كمن يكون مثاالً للرعيّة"(2بط
.)3 : 1.وهكذا "يبلغون بقطيعهم الذي آ ُتمِنوا عليه إلى الحياة األبدية"
" -666األساقفة يسوسون الكنائس الخاصة كنوّ اب ومُنتدبين للمسيح ،فإ ّنهم يتدبّرون امرها
بإرشاداتهم وتشجيعاتهم و َم َثلهم ،ولكن بسلطتهم أيضاً ،وبمُزاولة سلطانهم المق ّدس ،الذي يجب أن
.يزاولوه للبنيان ،بروح الخدمة الذي هو روح معلّمهم"
" -665وهذا السلطان الذي يُمارسونه شخص ّيا ً باسم المسيح هو سلطان خاصّ ،عاديّ ،مباشر ،إال ّ
نظمته السلطة الكنسيّة العليا" .ولكن يجب أن ال يُع ّد أ ّنه خاضع في مارسته للتنظيم األخير الذي ّ
األساقفة نوّ ابا ً للبابا ذي السلطة العاديّة والمباشرة على الكنيسة كلّها ،والتي ال ُتبطل سلط َتهم بل
بالحريّ تؤيّدها وتدافع عنها .وسلطتهم هذه يجب أن تمارس في شركة الكنيسة كلها بإشراف
.البابا
-669ليكن الراعي الصالح مثال مهمة األسقف الراعويّة و "صورتها" .وإذ يكون األسققف
واعيا ً لضعفه" ،يكون حليما ً تجاه أهل الجهل والضالّين ،وال يستكفنَّ من اإلصغاء إلى مرؤوسيه،
محوّ طا ً إيّاهم كأبناء حقيقيّين .أمّا المؤمنون فعليهم أن يتعلّقوا بأسقفهم تعلّق الكنيسة بيسوع المسيح
.وتعلّق يسوع المسيح بأبيه"
" اتبعوا األسقف جميعكم كما يتبع يسوع المسيح اآلب ،والكهنة كالرّ سُل ،أمّا الشمامسة اإلنجيليّون فاحترموهم
.كشريعة هللا .وال يعلمنَّ أح ٌد شيئا ً ممّا هو من شأن الكنيسة بمعزل عن األسقف"
" -666يُفهم هنا بمن يُسمّون علمانيين مجموع المسيح ّيين الذين ليسوا أعضا ًء في الدرجات
المق ّدسة ،وال في حالة الرهبانية التي أقرّ تها الكنيسة ،أي المسيحيين الذين إذ انظمّوا الى جسد
المسيح بالمعمودية ،واندمجوا في شعب هللا ،وجُعلوا شركاء ،على طريتهم ،في وظيفة المسيح
الكهنوتية والنويّة والملوكيّة ،يمارسون ،ك ٌّل بما عليه ،في الكنيسة وفي العالم ،الرسالة التي هي
رسالة الشعب المسيحي بأجمعه".
دعوة العلمانيين
" -666دعوة العلمانيّين الخاصّة هي أن يطلبوا ملكوت هللا ،من خالل إدارة الشؤون الزمنيّة التي
ط بهم بوج ٍه خاص أن يُنيروا ويوجّ هوا جميع الحقائق الزمنية التيينظمونها بحسب هللا .ومنو ٌ ّ
اطراد بحسب المسيح ،وتكون لمجد الخالق يرتبطون بها ارتباطا ً وثيقا ً بحيث ُت ّتمّم وتنمو في ّ
.والفادي"
-666مبادرة المسيحيّين العلمانيّين ضروريّة بوجه خاص عند محاولة اكتشاف الوسائل
وابتكارها لتطعيم الحقائق االجتماعية ،والسياسيّة ،واالقتصاديّة ،بمقتضيات العقيدة والحياة
المسيحيّتين .وهذه المبادرة عنص ٌر طبيعيّ من عناصر حياة الكنيسة :
"المؤمنون العلمانيّون هم في المق ّدمة القصوى من حياة الكنيسة ،والكنيسة هي بهم مبدأ الحياة في المجتمع .ولهذا
عليهم بوجه خاصّ أن يعوا دائما ً وعيا ً أكثر وضوحاً ،ال أنهم للكنيسة وحسب ،بل أ ّنهم الكنيسة ،أي مجموعة
.المؤمنين على األرض بإشراف الرئيس العام ،البابا ،واألساقفة الذين هم في الشركة معه .إ ّنهم الكنيسة "
-666إذ كان العلمانيّون ،كسائر المؤمنين ،قد ألقى إليهم هللا مهمّة التبشير بفعل المعموديّة
والتثبيت ،فمن واجبهم وحقّهم ،سواء كانوا منفردين أو مجتمعين في جمعيّات ،أن يعملوا على أن
تكون رسالة الخالص اإللهيّة معروفة ومقبولة لدى جميع البشر وفي ك ّل األرض ،وهذا الواجب
يصبح أكثر إلزاما ً عندما ال يستطيع البشر أن يسمعوا اإلنجيل ويعرفوا المسيح إال ّ بهم .في
الجماعات الكنسية يكون عملهم ضرور ّيا ً إلى ح ّد انه بدونه يمتنع على رسالة الرُّ عاة ،في أكثر
األحيان ،ان تبلغ ملئ فعاليّتها.
" -666ينال العلمانيّون ،بفعل تكريسهم للمسيح ومسحة الروح القدس ،الدعوة العجيبة والوسائل
التي تتيح للروح القدس أن يُثمر فيهم ثماراً متزايدة على الدوام .ذلك بأنّ جميع نشاطاتهم
وصلواتهم ومشاريعهم الرسوليّة وحياتهم الزوجيّة والعيليّة ،وأعمالهم اليوميّة ،وتسلياتهم العقليّة
والجسديّة ،إذا هم عاشوها بروح هللا ،بل حتى م َِحن الحياة إذا تحمّلوها بطول أناة ،ك ّل هذا
يستحيل " قرابين روحيّة مُرْ ضية هلل بيسوع المسيح"( 2بط .)1 : 1وهذه القرابين تنض ّم ،في
إقامة اإلفخارستيّا ،إلى قربان جسد الربّ ل ُترفعْ بكل تقوى إلى اآلب .على هذا النحو يكرّ س
.العلمانيون هلل العالم بالذات ،مؤ ّدين هلل في كل مكان ،بقداسة سيرتهم ،فع َل عبادة "
-666األهل ،بوجه خاص يشتركون في مهمّة التقديس "عندما يسلكون في حياتهم الزوجيّة َ
وفق الروح
.المسيحيّ ويو ّفرون ألبنائهم تربية مسيحيّة"
-666من الممكن أن يُقبل العلمانيون ،إذا تم ّتعوا بالصفات المطلوبة ،في درجة القرّ اء وخ ّدام المذبح.
"حيث تقضي حاجة الكنيسة باالستعانة بالعلمانيّين ،وذلك عند نقص الخدام المرسومين ،يستطيع
العلمانيون أيضاً ،وإن لم يكونوا قرّ ا ًء وال خ ّدام المذبح ،أن يقوموا ببعض أعمالهم ،أي بممارسة خدمة
الكلمة ،وترؤّ س الصلوات الطقسيّة ،ومنح المعموديّة وتوزيع القربان المق ّدس ،وفقا ً لنظام الحق
.القانونيّ "
" -666المسيح يقوم بمهمّته النبويّة ليس بواسطة السلطة الكنسيّة وحسب بل بواسطة العلمانيّين
أيضا ً الذين يجعلهم ،من أجل ذلك نفسه ،شهوداً بما ُيوليهم من حاسّة اإليمان ونعمة الكلمة " :
".تعليم أحد الناس لحمله على اإليمان إ ّنما هو مهمّة ك ّل واعظ بل ك ّل مؤمن"
-665العلمانيّون يقومون بمهمّتهم النبويّة أيضا ً بالتبشير "أي بالدعوة بالمسيح بشهادة السيرة والكلمة".
و "هذا العمل التبشيري ،عند العلمانيّين ،ي ّتسم بطابع مميّز وفعاليّة خاصّة ،بكونه يُت َّمم في أوضاع العالم
.المألوفة"
"هذه الدعوة ال تقوم بشهادة السيرة وحدها :فالرسول الحقيقي يقتنص الظروف لكي يُب ّ
شر بالمسيح غير المؤمنين
.والمؤمنين بكلمة الكرازة "
-669يستطيع المؤمنون العلمانيّون ،إذا كانوا من ذوي األهليّة والعلم الديني ،أن يسهموا في التنشئة
.التعليميّة الدينيّة .وفي تعليم العلوم المق ّدسة ،في تعاطي وسائل االتصال االجتماعي
يحق لهم بل يجب عليهم أحيانا ً -666بحسب ما يقتضيهم الواجب وما يم ّتعون به من ٍ
علم ومقامّ ،
ان يُدلوا برأيهم لرعاة الكنيسة في ما يتعلّق بخير الكنيسة ،وأن يُطلعوا عليه سائر المؤمنين ،مع
الحفاظ على سالمة اإليمان واآلداب ،واالحترام الواجب للرعاة ،ومراعاة الفائدة العامة ،وكرامة
.االشخاص"
-666ان المسيح ،بطاعته حتى الموت ،آتى تالميذه موهبة الحريّة الملك ّية" ،لكي ينتزعوا بكفرهم
.بأنفسهم وقداسة حياتهم ،سلطان الخطيئة فيهم "
ً
" ان الذي يُخضع جسده ويحكم نفسه ،بدون ان يغرق في األهواء ،هو سلطان نفسه :يمكن ان يُدعى ملكا ألنه
.قادر ان يضبط ذاته ،انه حرّ ومُستقل وال تقيّده عبوديّة أثيمة"
" -666على العلمانيين ان يستجمعوا قواهم ليُدخلوا على المؤسّسات ،وعلى أوضاع الحياة في
العالم عندما تستهوي إلى الخطيئة ،التطيهرات المالئمة ،لكي تتجاوب كلها مع سُنن البرّ،
ً
عقبة في طريقهاَ .فب َعملهم هذا يُشيعون القيم وتساعده على مارسة الفضائل بدالً من أن يكون
.الروح ّية في الثقافة واألعمال البشريّة"
" -666ومن الممكن أيضا ً أن يشعر العلمانيّون أ ّنهم مدعوّ ون أو أن يكونوا مدعوّ ين إلى اإلسهام
مع الرعاة في خدمة الشركة الكنسيّة ،من أجل نموّ ها وحياتها ،مزاولين ِخدَما ً مختلفة وفقا ً للنعمة
.والمواهب التي يشاء الربّ ان يجعلها فيهم"
-666.في الكنيسة "يستطيع المؤمنون ان يُسهموا ،وفقا ً للشرع ،في ممارسة سلطة الحكم"
وذلك بحضورهم في المجالس الخاصة ،وسينودسات األبرشيّة ،والمجالس الراعويّة .وفي
ممارسة المهمّة الراعويّة في رعيّة ما ،واالشتراك في مجالس األمور االقتصاديّة ،واالشتراك في
المحاكم الكنسيّة ،الخ.
" -666وعلى المؤمنين أن يُميّزوا بدقّة بين ما عليهم من واجبات وما لهم من حقوق كأعضاء
للكنيسة ،وكأعضاء في المجتمع اإلنساني ،ويجتهدوا أن يو َفقوا بين هذه وتلك بتناغم ،ذاكرين أنّ
الضمير المسيحي هو دليلهم في جميع الميادين الزمنيّة ألنه ما من نشاطٍ إنساني ،وإن زمن ّيا ً،
.يمكن عزله عن سلطان هللا "
" -666وهكذا فك ّل علمانيّ هو ،بما أوتي من المواهب ،شاه ٌد وأداةٌ حيّة معا ً لرسالة الكنيسة
.بالذات "على مقدار موهبة المسيح"(أف )1 : 2
المكرسة
ّ .ً6الحياة
" -666حالة الحياة القائمة على المشورات اإلنجيليّة ،وإن لم تتعلّق بهيكليّة السلطة الكنسيّة ،فإ ّنها
مع ذلك ت ّتصل ا ّتصاالً ثابتا ً بحياة الكنيسة وقداستها".
المكرسة
ّ المشورات اإلنجيل ّية والحياة
-665المشورات اإلنجيليّة ،في تع ّددها ،معروضة على كل واحد من تالميذ المسيح .فكمال
المحبّة الذي ُدعي إليه جميع المؤمنين يتضمّن ،بالنسبة إلى الذين لبّوا الدعوة برضاهم إلى الحياة
المكرّ سة ،واجب التقيُّد بالعفّة في حياة العزوبة ألجل ملكوت هللا ،والفقر والطاعة .فنذر هذه
.المشورات ،في حالة حياة ثابتة تعترف بها الكنيسة ،يميّز "الحياة المكرّ سة" هلل
الطرائق للوصول إلى تكرُّ س " أش ّد عمقا ً" -669تظهر من ث َّم حالة الحياة المكرّ سة كإحدى ّ
يتأصّل في المعموديّة ويكرّ س تكريسا ً كامالً هلل .وفي الحياة المكرّ سة ينوي المؤمنون بالمسيح،
بدافع من الروح القدس ،أن يتبعوا المسيح عن قرب ،وأن يهبوا هللا أنفسهم على أنه المحبوب فوق
شرةكل شيء ،وأن يكونوا ،في ا ّتباعهم كمال المحبّة في خدمة الملكوت ،أصوات الكنيسة المب ّ
.بمجد العالم اآلتي
المكرسات
ّ العذارى واالرامل
-666منذ عهد الرسل ،دعى الربّ عذارى وأرامل مسيحيّات إلى التعلّق به تعلّقا ً كامالً ،فقرّ َ
رن،
في حريّة قلب وجسد وروح وافقت عليها الكنيسة ،أن يع ْش َن في حال البتوليّة أو العفّة الدائمة "
.ألجل ملكوت السماوات "(متى )21 : 21
ّرن عن رغبتهنَّ المق ّدسة في ا ّتباع المسيح على وجه أش ّد قُرباً،
-666هنالك عذارى " عب َ
فكرّ سهنّ أسقف األبرشيّة بحسب الطقس الليترجي المقرَّ ر ،واق َت َرن بهنَّ المسيح ابن هللا سرّ ياً،
ونذرن أنفسهنَّ لخدمة الكنيسة" .بهذا الطقس االحتفالي(تكريس العذارى) تصبح " العذراء شخصا ً َ
مُكرّ سا ً " .وفي هذا العالمة العليا لمحبّة الكنيسة للمسيح ،والصورة المعاديّة لعروس السماء هذه
.وللحياة المستقبليّة "
-666درجة العذارى " القريبة من سائر صور الحياة المكرّ سة " تثبّت المرأة العائشة في
العالم(،أو المحصّنة) في الصالة ،والتوبة ،وخدمة اآلخرين ،والعمل الرسولي ،بحسب حال كل
يعشن في جمعيّات ليحافظن على
َ واحدة والمواهب المعطاة لها .والعذارى المكرّ سات يستطعن أن
.قصدهنَّ على وجه أش ّد أمانة
الحياة الرهبانية
-665إذ ظهرت الحياة الرهبانية في الشرق في عصور المسيحيّة األولى ،ومُورست في
المؤسسات التي أنشأتها الكنيسة قانون ّياً ،فهي تمتاز عن سائر صور الحياة المكرّ سة بمظهر
العبادة ،ونذر المشورات اإلنجيليّة العلنيّ ،والحياة األخويّة التي ُتحيا جماع ّيا ً والشهادة على ا ّتحاد
المسيح بالكنيسة.
ّ
-669الحياة الرهبانيّة تتعلق بسرّ الكنيسة ،إنها هبة تنالها الكنيسة من سيّدها وتقدمها كحال حيا ٍة
ثابت ٍة للمؤمن الذي يدعوه هللا في نذر المشورات اإلنجيليّة .وهكذا تستطيع الكنيسة أن ُتظهر
المسيح وأن ُتظهر نفسها عروسا ً للمخلّص .الحياة الرهبانية مدعوّ ة إلى التعبير ،بصورها
المختلفة ،عن محبّة هللا بالذات ،بلغة زماننا.
-666جميع الرهبان ،سواء كانوا معصومين أو غير معصومين ،يُع ُّدون في جملة مساعدي
األسقف األبرشي في مهمّته الراعويّة ،وإنشاء الكنيسة ونموّ ها الرسولي يقتضيان وجود الحياة
الرهبانية في شتى صورها منذ بداية التبشير " .والتاريخ يشهد على أفضال األ َسر الرهبانية في
نشر اإليمان ،وفي إنشاء كنائس جديدة ،وذلك منذ قيام المؤسسات ال ّنسكية القديمة ،والجمعيّات
.المتوسطيّة ،إلى الرهبانيّات الحديثة "
مؤسسة حيا ٍة مكرّ سة لمؤمنين يعيشون في العالم ويطلبون كمالُ " -666المؤسسة العلمانيّة
.المحبّة ،ويسعون إلى االسهام ،خصوصا ً من الداخل ،في تقديس العالم "
" -666بحيا ٍة مكرّ سة تكريسا ً كامالً وكل ّيا ً لهذا التقديس " ،يشترك أعضاء هذه المؤسسات " في
عمل الكنيسة التبشيريّ ،في العالم وابتدا ًء من العالم " ،حيث يعمل حضورهم في عمل الخمير.
وشهادة حياتهم المسيحيّة تهدف إلى تنظيم الحقائق الزمنيّة في ّ
خط هللا ،واختراق العالم بقوّ ة
اإلنجيل .إنهم يتقيّدون ب ُربُطٍ مق ّدسة بالمشورات اإلنجيليّة ،ويحافظون في ما بينهم على الشركة
واألخوّ ة المتعلّقتين بطريقة حياتهم العلمانيّة.
-669بعد اإلعترف "بالكنيسة المق ّدسة الكاثوليكيّة "يضيف قانون الرّ سُل " شركة القديسين " .هذا
البند هو على وج ٍه ما ،إيضاح للسابق" :أفليست الكنيسة سوى مجموعة جميع الق ّديسن" ؟ وشركة
.الق ّديسين هي الكنيسة
ُشرك فيه البعضُ اآلخر .ومن ث ّم " -666بما أنّ جميع المؤمنين جس ٌد واحد ،فما للبعض من خير ي َ
يجب االعتقاد بأّنَّ في الكنيسة شركة خيور .ولكنّ العضو األهم هو المسيح ،لكونه الرأس .وهكذا
فخير المسيح يمت ُّد إلى جيمع األعضاء ،وهذه المشاركة تت ُّم بأسرار الكنيسة"" .وبما أنّ هذه
الكنيسة يسوسها رو ٌح قدسٌ واحد ،فجميع الخيور التي نالتها تصبح بالضرورة ملكا ً عا ّما ً".
-666للتعبير "شركة الق ّديسين" من َث َّم مدلوالن شديدا الترابط " :شركة في األشياء المق ّدسة
.المق ّدسات)" ،و "شركة بين األشخاص الق ّديسين(الق ّديسون)"(
"المق ّدسات للق ّديسين" :هذا ما يُعلنه المحتفل في أكثر الطقوس الشرقيّة عند رفع القرابين المق ّدسة قبل
خدمة المناولة .فالمؤمنون(القديسون) يغتذون بجسد المسيح ودمه(المق ّدسات) لكي ينموا في شركة الروح
.القدس وينقلوها إلى العالم
-656حاالت الكنيسة الثالث" .في انتظار مجيء الربّ في َجالله وموكب المالئكة جميعاً،
ويكون الموت قد مات وك ُّل شيء قد أُخضع للربّ ،يواصل بعضٌ من تالميذه رحلتهم على
األرض ،ويكون بعضهم ،وقد أنهوا حياتهم ،على مواصلة التطهُّر ،ويكون بعضهم أخيراً في
المجد يشاهدون ،في كمال النور ،هللا كما هو ،واحداًُّ في أقانيم ثالثة".
"ومع ذلك ،فجميعنا ،على درجات وصور مختلفة ،نشترك في المحبّة الواحدة هلل وللقريب ،مر ّنمين هلل بنشيد
المجد الواحد .وهكذا فجميع الذين من المسيح ويمتلكون روحه ،يؤلّفون كنيسة واحدة ،ويتماسكون بعضهم مع
.بعض َك ُك ّل في المسيح"
" -655اال ّتحاد بين الذين ال ينف ّكون على األرض واخوتهم الذين رقدوا في سالم المسيح ال يغشاه
يتوثق بتبا ُدل الخيرات الروحيّة".أيُّ انفصام ،بل إ ّنه ،على ح ّد عقيدة الكنيسة غير المنقطعةّ ،
-659شفاعة القدّيسين" .وإذ كان س ّكان السماء يرتبطون بالمسيح ارتباطا ً في الصميم أوثق،
يُسهمون في توطيد الكنيسة في القداسة .وال يكفّون عن الشفاعة فينا لدى اآلب ،مقرّ بين ثوابهم
الذي استحقّوه على األرض بالوسيط الوحيد بين هللا والناس ،المسيح يسوع .فاهتمامهم األخويُّ
.هو لضعفنا عونٌ عظيم"
".ال تبكوا فأني سأكون أكثر فائدة بعد موتي ،وسأساعدكم على وجه أفع َل مما كان ذلك في حياتي"
".سأقضي وقتي في السماء بفعل الخير على األرض"
شد ذكر س ّكان السماء لمجرّ د مثالهم ال غير ،وإ ّنما َنن ُ -656الشركة مع القديسين " .أننا ال ُنكرم َ
من وراء ذلك توثيق عُرى اال ّتحاد في الروح للكنيسة كلّها جمعاء ،بممارسة المحبّة األخويّة .فإ ّنه
كما أنَّ الشركة بين المسيحيّين على األرض تجعلنا أقرب إلى المسيح ،كذلك اشتراكنا مع الق ّديسين
.يربطنا بالمسيح الذي منه تفيض ك ُّل نعمة وحياةُ شعب هللا بالذات ،كما من نبعها ورأسها"
"المسيح نعبده ،أل ّنه ابن هللا ،أمّا سائر الشهداء فنحبّهم على أ ّنهم تالميذ الربّ وسائرون على خطاه ،وهم
.جديرون بذلك بسبب تعبّدهم الفريد لملكهم ومعلّمهم ،عسانا أن نكون نحن أيضا ً معهم في المسيرة والتلمذة"
-656الشركة مع األموات" .الكنيسة إذ تعترف بهذه الشركة القائمة في داخل جسد يسوع المسح
كلّه ،فإ ّنها ،بأعضائها الذين ال يزالون في الطريق على األرض ،قد حوّ طت ذكر األموات ،منذ
األزمنة المسيحيّة أألولى ،بكثير من التقوى ،إذ قرّبت أيضا ً ألجلهم قرابين العبادة ،ألنَّ "فكرة
الصالة ألجل األموات لِيُحلّوا من خطاياهم ،فكرة مق ّدسة تقويّة"( 1مك .)21 ،21
.فصالتنا ألجلهم من شانها ،ال أن تساعدهم وحسب ،بل أن تجعل شفاعتهم فينا مستجابة
-656في أسرة هللا الوحيدة" .عندما تجعلنا المحبّة المتبادلة واالجتماع على حمد الثالوث األقدس
ن ّتحد بعضنا مع بعض -نحن جميعا ً أبناء هللا الذين ال يؤلّفون في المسيح إال ّ أسرة واحدة –
.نستجيب لدعوة الكنيسة في الصّميم"
بإيجاز
-696الكنيسة هي "شركة الق ّديسين" :وهذا التعبير يُشير أو ًال إلى "األشياء المق ّدسة"
المق ّدسات) وقبل ك ّل شيء االفخارستيّا التي " ُت ّ
مثل و ُتح ّقق وحدة المؤمنين الذين يؤ ّلفون ،في (
المسيح ،جسد ًا واحد ًا ".
-696وهذا التعبير يشير أيض ًا إلى "األشخاص الق ّديسين"(القديسون) في المسيح الذي
"مات ألجل الجميع " ،بحيث إنّ ما يعمله ك ّل واحد أو يتحمّله في المسيح ومن أجل المسيح،
.يحمل ثمر ًا للجميع
" -696نؤمن بشركة جميع المؤمنين في المسيح ،الراحلين على األرض ،واألموات الذين يُتمّون
تطهيرهم ،والطوباويّين في السّماء ،ك ّلهم مع ًا وهم يؤ ّلفون كنيسة واحدة ،ونؤمن بأنّ في هذه
.الشركة ،تظ ُّل محبّة هللا والق ّديسين الرحيمة في حالة استماع دائم لصلواتنا"
-696بعد إذ تكلّمنا عن دور العذراء مريم في سرّ المسيح والروح القدس ،يجدر بنا اآلن ان نهت َّم
ً
وحقيقة ،والدة اإلله الفادي. لمركزها في سرّ الكنيسة" ،فالعذراء مريم يُعترف بها و ُتكرَّ م ،حقّا ً
وهي أيضا ً وحقّا ً" أم "اعضاء المسيح الشتراكها بمحبّتها في ميالد المؤمنين في الكنيسة الذين هم
.أعضاء هذا الرأس"" .مريم ام المسيح ،وام الكنيسة"
-696دور مريم بالنسبة إلى الكنيسة ال ينفصل ان ا ّتحادها بالمسح ،فهو يصدر عن ذلك اإل ّتحاد
مباشر ًة" .واالرتباط بين مريم وابنها في عمل الخالص يتجلّى منذ َح َبلها البتولي بالمسيح حتى
موته" .وهو يتجلّى بوج ٍه خاص إبّان اآلالم :
ً
منتصبة ال لغير ً
محافظة على اال ّتحاد مع ابنها حتى الصليب حيث وقفت "سلكت العذراء الطوباوية سبيل اإليمان
ً
مولية ذبح الضحيّة المولود ً
مشتركة في ذبيحته بقلب والديّ ، تدبير إلهي ،متألّمة مع ابنها الوحيد آالما ً مبرّحة،
من دمها رضى ُحبّها ،لكي يُعطيها المسي ُح يسو ُع أخيراً ،وهو يموت على الصليب ،أ ّما ً لتلميذه ،يقول لها :يا
امرأة هوذا ابنك"(يو ." )11-11 : 21
ً
مجتمعة مع -695ومريم ،بعد صعود ابنها "كانت عونا ً للكنيسة في نشأتها" .وإذ كانت مريم
ً
موهبة الروح الذي كان ،في البشارة قد ال ُر ُسل وبعض النساء كانت " ُترى تستنزل أيضا ً بصلواتها
.بسط عليها ظلّه"
كذلك في انتقالها....
" -699أخيراً فإنَّ العذراء الطاهرة ،بعد إذ عصمها هللا من ك ّل صلة بالخطيئة األصليّة ،وطوت
شوط حياتها األرضيّةُ ،نقلت جسداً وروحا ً إلى مجد السّماء ،وأعلنها الربُّ سلطانة الكون لتكون
بذلك أكثر ما يكون الشبه بابنها ،ربّ األرباب ،وقاهر الخطيئة والموت" .فانتقال القديسة العذراء
اشتراك فريد في قيامة ابنها ،واستباق لقيامة المسيحيّين اآلخرين :
"في والدتك حفظت البتوليّة ،وفي رقادك ما تركت العالم ،يا والدة اإلله ،فإ ّنك انتقلت إلى الحياة ،بما أ ّنك أ ّم
الحياة ،وبشفاعتك تنقذين من الموت نفوسنا ".
" -666تط ّوبني جميع األجيال "(لو" )28 : 2تكريس الكنيسة للعذراء الق ّديسة هو من ضمن
صاً .والواقع ان
الشعائر الدينيّة المسيحيّة" .والعذراء الق ّديسة "تكرمها الكنيسة بحق إكراما ً خا ّ
العذراء الطوباوية قد ا ُكرمت ،منذ أبعد األزمنة ،بلقب "والدة اإلله" ،والمؤمنون يلوذون بحمايتها
مبتهلين إليها جميع مخاطرهم وحاجاتهم .وهذا التكريم وإن كان ذا طابع فريد على االطالق غير
أ ّنه يختلف اختالفا ً جوهر ّيا ً عن العبادة التي يُعبد بها الكلمة المتجسّد واآلب والروح القدس ،وهو
ُعززها" .وهو يجد التعبير عنه في األعياد الطقسيّة التي ُخصَّت بها والدة اإلله، خليق جداً بأن ي ّ
.وفي الصالة المريميّة ،كالورديّة المقّدسة "خالصة اإلنجيل كلّه"
-666بعد كالمنا عن الكنيسة في أصلها ،ورسالتها ،ومصيرها ،لم يبقى لنا لختام الكالم أفضل
من أن نوجّ ه نظرنا إلى مريم لكي نتأمّل فيها ما هي الكنيسة في سرّ ها ،وفي "رحلتها
اإليمانيّة" ،وفي ما ستكون في الوطن األخير الذي تسير نحوه ،حيث تنتظرها "في مجد الثالوث
األقدس غير المنقسم" ،و "في شركة جميع القديسين" ،تلك التي تكرمها الكنيسة أمّا لربّها أو لها
خاصة :
"كما أنّ ا ّم يسوع في السماء حيث هي ممجّ دة جسداً وروحاًُ ،ت ّ
مثل وتفتتح الكنيسة في اكتمالها في الدهر اآلتي،
كذلك هي على هذه أألرض ،إلى يأتي يوم الربّ ،تشع اآلن ُ
آية ليقين الرجاء والتعزية أمام شعب هللا في
.مسيرته"
بإيجاز
-666منذ قول مريم " ل َي ُكنْ " في يوم البشارة ،وقبولها سر التجسد ،أسهمت في العمل ك ّله الذي
.كان ابنها مزمع ًا أن يقوم به .إ ّنها أمّ حيثما كان هو مخ ّلص ًا ورأس ًا للجسد السرّي
-666بعدما أتمّت مريم العذراء الكليّة القداسة حياتها أألرضية ُنقل جسدها ونفسها إلى مجد
مستبقة قيامة جميع أعضاء جسده ً .السماء ،حيث تشترك في مجد قيامة ابنها،
" -665إننا نعترف بأنَّ والدة اإلله الكليّة القداسة ،حوّ اء الجديدة ،أمّ الكنيسةُ ،تواصل في السماء
.دورها االموم ّي في شأن أعضاء المسيح"
المقال العاشر
" اؤمن بمغفرة الخطايا "
-669يربط قانون الرسل اإليمان بمغفرة الخطايا باإليمان بالروح القدس ،ولكنه يربطه أيضا ً
باإليمان بالكنيسة وبشركة القديسين .فالمسيح القائم من الموت ،بمنحه الروح القدس لرسله،
وهبهم سلطانه اإللهي لمغفرة الخطايا" :خذوا الروح القدس .فمن غفرتم خطاياهم ُغفرت لهم،
ومن أمسكتم خطاياهم أُمسكت"(يو .)13-11 :11
القسم الثاني من هذا التعليم سيعالج مباشرة مغفرة الخطايا بالمعموديّة ،وسر التوبة وسائر األسرار والسيّما (
اإلفخارستيّا .يكفي إذن هنا االشارة بإيجاز إلى بعض المعطيات األساسيّة).
-666لقد ربط السيد المسيح مغفرة الخطايا باإليمان بالمعموديّة" :إذهبوا في العالم أجمع،
.واكرزوا باإلنجيل للخليقة كلّها .فمن آمن واعتمد يخلص"(مر )21-21 : 21
المعوديّة هي السرّ األول والرئيسي لمغفرة الخطايا ،ألنه يوحّ دنا بالمسيح الذي مات ألجل
.خطايانا ،وقام ألجل تبريرنا ،حتى "نسلك نحن أيضا ً في حيا ٍة جديدة"(رو )2 : 1
" -666في اللحظة التي نعلن فيها اعتراف إيماننا األول ،ونحن ننال المعموديّة المق ّدسة التي
ُتنقّينا ،فالمغفرة التي نحصل عليها هي تامة وكاملة إلى ح ّد أنه ال يبقى على االطالق أيّ شيء
فينا يجب أن يمحى ،ال من الذنب األصلي ،وال من الذنوب المقترفة بإرادتنا الخاصة ،وال أيّ
عقاب نخضع له للتكفير عنها .ومع ذلك فإن نعمة المعموديّة ال ُتنجّ ي أحداً من مختلف أسقام
الطبيعة .بل على العكس من ذلك ،علينا أن نقاوم تحركات الشهوة التي ال تني تحملنا على
.الشرّ "
-666في هذا الجهاد ض ّد الميل إلى الشرّ ،من يستطيع ان يكون على هذا القدر من الشجاعة
والسهر بحيث يجتنب ك ّل جراحات الخطيئة؟ "فإن كان من الضروري ان تحصل الكنيسة على
سلطان مسامحة الخطايا ،كان ينبغي اال ّ تكون المعموديّة الوسيلة الوحيدة لديها في استخدام مفاتيح
ملكوت السماوات التي نالتها من يسوع المسيح ،كان ينبغي ان تكون قادرةُ على ان تغفر لجميع
.التائبين خطاياهم ،ولوخطئوا حتى اللحظة األخيرة من حياتهم"
-666بسر التوبة يستطيع المعمَّد ان يتصالح مع هللا والكنيسة:
حق عندما دعوا التوبة "معمودية شاقة" .سر التوبة هذا هو ،للذين سقطوا بعد المعموديّة،"لقد كان اآلباء على ّ
ضروريّ للخالص ،كما هي ضرورية المعموديّة نفسها للذين لم يولدوا بعد والد ًة جديدة".
. ًُ6سلطان المفاتيح
-666ان المسيح من بعد قيامته قد أرسل رسله "ليكرزوا باسمه بالتوبة لمغفرة الخطايا في جميع
األمم"(لو " .)21 : 12سرّ المصالحة"( 1كو )28 : 1هذا ،ال يقيمه الرسل وخلفائهم فقط
بالكرازة بين الناس بغفران هللا الذي استحقّه لنا المسيح بدعوتهم إلى التوبة واإليمان ،بل أيضا ً
بمنحهم مسامحة الخطايا بالمعموديّة وبمصالحتهم مع هللا ومع الكنيسة بفضل سلطان المفاتيح الذي
نالوه من المسيح :
"لقد نالت الكنيسة مفاتيح ملكوت السماوات ،حتى تت ّم فيها مسامحة الخطايا بدم المسيح وفعل الروح القدس .وفي
.هذه الكنيسة ،النفس التي أماتتها الخطايا تعود إلى الحياة لتحيا مع المسيح الذي خلصتنا نعمته"
-666ما من خطيئة ،مهما كانت ثقيلة إال ّ وتستطيع الكنيسة مسامحتها" :ما من أحد ،مهما كان
شريراً ومذنباً ،إال ّ ويجب عليه ان يرجو بثبات غفرانه ،شرط ان تكون ندامته صادقة" .ان
المسيح الذي مات ألجل جميع البشر يريد أن تكون أبواب المغفرة مفتوحة على الدوام في كنيسته
.لكل من يعود عن خطيئته
وتغذي فيهم اإليمان بالعظمة التي ال ّ -666على الكرازة ان تسعى في ان توقظ لدى المؤمنين
مثيل لها ،عظمة العطيّة التي منحها المسيح القائم من بين األموات لكنيسته :أعني رسالة وسلطان
مغفرة الخطايا مغفرة حقيقيّة ،بواسطة خدمة الرسل وخلفائهم :
"يريد الرب ان يكون لتالميذه سلطا ن عظيم ،يريد ان يصنع خدامه الوضعاء باسمه كل ما صنعه عندما كان
.على األرض"
"لقد نال الكهنة سلطانا ً لم يعطه هللا ال للمالئكة وال لرؤساء المالئكة .هللا يؤيّد في العلى ما يصنعه الكهنة ههنا
.على األرض"
"لو لم يكن في الكنيسة مسامحة للخطايا ،لما وُ جد أيّ أمل وأيّ رجاء بحياة أبدية وبتحرير أبدي .لنشكر هللا أنه
.منح كنيسته عطيّة كهذه"
بإيجاز
-666يربط قانون اإليمان "مغفرة الخطايا" باعتراف اإليمان بالروح القدس .فالمسيح القائم من
.بين األموات قد وهب الرس ُل سلطان مغفرة الخطايا عندما منحهم الروح القدس
-665المعمودية هي السر األول والرئيسي لغفران الخطايا ،انها توحّدنا بالمسيح الذي مات وقام
.ويمنحنا الروح القدس
-669بإرادة المسيح تملك الكنيسة سلطان مغفرة خطايا المعمّدين ،وتمارسه عن يد األساقفة
.والكهنة بطريقة اعتياديّة في س ّر التوبة
" -666في مسامحة الخطايا ،الكهنة واألسرار هم مجرّد أدوات ،ارتضى سيدنا يسوع المسيح،
ّ
وموزعه ،أن يستخدمها ليمحو آثامنا ويمنحنا نعمة التبرير" .الذي هو وحده صانع خالصنا
-666قانون اإليمان المسيحي – وهواعتراف إيماننا باهلل اآلب ،واالبن والروح القدس ،وبعمله
الخالق والمخلِّص والمق ِّدس -يصل إلى قمته في اعالن قيامة األموات في نهاية األزمنة ،وفي
الحياة األبدية
ً ّ ً ً
-666نؤمن إيمانا ثابتا ،وبالتالي نرجو ،أنه كما أن المسيح قام حقا من بين األموات ،وأنه يحيا
على الدوام ،كذاك الصديقون من بعد موتهم سيحيون على الدوام مع المسيح القائم ،وأنه سيُقيمهم
في اليوم األخير .وقيامتنا ،على غرار قيامته ،ستكون عمل الثالوث الق ّدوس :
"إنْ كان روح الذي أقام يسوع من بين األموات ساكنا ً فيكم ،فالذي أقام المسيح يسوع من بين األموات يُحيي
.أيضا ً أجسادكم المائتة ،بروحه الساكن فيكم "(رو )22 : 8
حيث وضع ُه الضعيف المائت .و "قيامة الجسد" تعني انه بعد ُ -666لفظة "الجسد" تعني اإلنسان من
.الموت لن يكون فقط حياة للنفس الخالدة ،ولكن حتى "أجسادنا المائتة"(رو .)22 : 8ستعود إليها الحياة
-666االعتقاد بقيامة األموات كان احد عناصر اإليمان المسيحي األساسيّة منذ بدايته" :هناك
اقتناع لدى المسيحيّين :قيامة األموات .وهذا اإلعتقاد يُحيينا" :
" كيف يقول قوم بينكم بعدم قيامة األموات؟ فإن لم تكن قيامة أموات ،فالمسيح إذن لم يقم .وإن كان المسيح لم
يقم ،فكرازتنا إذن باطلة ،وإيمانكم أيضا ً باطل .ولكن ،ال ،فإنّ المسيح قد قام من بين األموات ،باكورة
للراقدين"( 2كو .)11 ،22-21 :21
-665الشاهد للمسيح هو "الشاهد لقيامته"(اع ،)11 : 2الذي أكل وشرب "معه بعد قيامته من
بين األموات"(اع .)22 : 21الرجاء المسيحي بالقيامة يحمل في جملته آثار اللقاءات مع المسيح
.القائم .سنقوم على مثاله ،ومعه ،وبه
-669منذ البدء اصطدم اإليمان بالقيامة بكثير من عدم التفهّم والمقاومة" .لم يلق اإليمان
المسيحي مجابهة على أي نقطة كما لقي على قيامة الجسد .إذ إ ّنه لمن المقبول بنوع عام ان
تستمرّ حياة الشخص بعد الموت بشكل روحي .ولكن كيف السبيل إلى اإليمان بأنَّ هذا الجسد
المائت ،وموته ظاهر للعيان بكل جالء ،يقدر أن يقوم الى الحياة األبديّة؟.
كيف يقوم األموات
-666ما معنى "القيامة" ؟ في الموت ،الذي هو انفصال النفس عن الجسد ،يسقط جسد اإلنسان
في الفساد ،فيما تذهب نفسه لمالقاة هللا ،على أ ّنها تبقى في انتظار ا ّتحادها من جديد بجسدها
الممجّ د .فاهلل ،في قدرته الكليّة ،سوف يعيد الحياة غير الفاسدة ألجسادنا موحّ داً إيّاها بنفوسنا،
.بفضل قيامة يسوع
-666من سيقوم؟ جميع الناس الذين ماتوا" :فالذين عملوا الصالحات يقومون للحياة ،والذين
.عملوا السّيئات يقومون للدينونة "(يو )11 : 1
-666كيف؟ لقد قام المسيح في جسده الخاص " :أنظروا يديّ ورجليّ ،فإ ّني أناهو"(لو : 12
.)31لك ّنه لم يعد إلى حيا ٍة أرضيّة .على هذا النحو ،فيه" ،سيقوم الجميع ،ك ٌّل بجسده الخاص الذي
له اآلن" ،غير أن هذا الجسد سيتحوّ ل إلى جس ٍد على صورة جسد مجد المسيح ،إلى "جسد
.روحاني"( 2كو )22 : 21
"ولكن قد يقول قائل" :كيف يقوم األموات؟ وبأيّ جسد يرجعون؟ يا جاهل! إنّ ما تزرعه ،أنت ،ال يحيا إالّ إذا
مات .وما تزرعه ليس هو الجسم الذي سيكون ،بل مجرّ د حبّة .....يُزرع(الجسد) بفساد ويقوم بال فساد ،فينهض
األموات بغير فساد .إذ الب ّد لهذا الكائن الفاسد أن يلبس عدم الفساد ،ولهذا الكائن المائت أن يلبس عدم الموت"(2
.كو )13 ،11 ،21 ،31-31 : 21
تتخطى تصوّ رنا وتفكيرنا .وال يمكن الوصول إليها إال ّ ّ -6666هذه "الكيفية التي بها تت ُّم القيامة "
باإليمان .بيد أنّ اشتراكنا في اإلفخارستيّا يعطينا منذ اآلن تذوّ قا ً مسبَّقا ً لتجلّي جسدنا بالمسيح:
"كما ان الخبز الذي يأتي من األرض ،من بعد تقبُّله استدعاء هللا ،ال يعود خبزاً اعتياد ّياً ،بل يصير إفخارستيّا
مكوّ نة من عنصرين ،أحدهما أرضيّ واآلخر سماوي ،كذلك أجسادنا التي تشترك في اإلفخارستيّا ال تعود فاسدة
.كما كانت ،إذ إنّ لها رجاء القيامة"
-6666متى؟ بوج ٍه نهائ ّي "في اليوم األخير"(يو " ،)12 :22 ،12 ،22 ،21-31 : 1في نهاية
العالم" .فقيامة األموات مرتبطة ارتباطا ً وثيقا ً بالمجيء الثاني للمسيح :
" ألن الربّ نفسه ،عند إصدار األمر ،وعند صوت رئيس المالئكة وهتاف بوق هللا ،سينزل من السماء ،فيقوم
.الراقدون في المسيح أوالً"( 2تس )21 : 2
قائمون مع المسيح
-6666إن ص ّح أنَّ المسيح سيقيمنا "في اليوم األخير" ،فصحيح أيضا ً أ ّننا ،منذ االن ،على نحو
ما ،قائمون مع المسيح .فالحياة المسيحيّة هي ،بفضل الروح القدس ،منذ اآلن على األرض،
اشتراك في موت المسيح وقيامته :
" ُتدفنون مع المسيح في المعموديّة ،وتقومون أيضا ً معه ،أل ّنكم آمنتم بقدرة هللا الذي أقامه من بين األموات .لقد
قمتم مع المسيح ،فاطلبوا إذن ما هو فوق حيث يقيم المسيح جالسا ً عن يمين هللا"(كو .)2 : 3 ،21 :1
-6666المؤمنون ،وقد ا ّتحدوا بالمسيح بالمعمودية ،يشتركون منذ اآلن اشتراكا ً حقيق ّيا ً في حياة
المسيح القائم السماويّة ،ولكنّ تلك الحياة تبقى"مستترة مع المسيح في هللا"(كو " .)3 : 3معه
ُ
خاصة جسد أقامنا ،ومعه أجلسنا في السماوات ،في المسيح يسوع"(أف .)1 : 1نحن منذ اآلن
تغذينا من جسده في اإلفخاترستيّا .وعندما سنقوم في اليوم األخير " ،فحينئ ٍد نظهر المسيح ،إذ قد ّ
.نحن أيضا ً معه في المجد"(كو )2 : 3
-6666في انتظار ذلك اليوم ،جس ُد المؤمن ونفسُه يشتركان في كرامة من يكون "في المسيح"
مما يقتضي أن يحتر َم اإلنسانُ جسده الخاص ،ويحتر َم أيضا ً جسد اآلخر ،والسيّما عندما يتألم :
"الجسد للربّ ،كما أن الربّ للجسد .وهللا ،الذي أقام الربّ ،سيقيمنا نحن أيضا ً بقدرته .أما تعلمون أن أجسادكم
هي أعضاء المسيح؟ وأنكم لستم بعد ألنفسكم .فمجّدوا هللا إذن في أجسادكم"( 2كو .)11-21 ،21-23 : 1
الموت
نحو ما،
" -6669أمام الموت يبلغ لغز الوضع البشري ذروته" .الموت الجسدي هو ،على ٍ
طبيعي ،ولكنه ،في نظر اإليمان" ،أجرة الخطيئة"(رو .)13 : 1وهو ،للذين يموتون في نعمة
.المسيح ،اشتراك في موت الرب ،للتم ّكن من اإلشتراك أيضا ً في قيامته
-6666الموت خاتمة الحياة األرض ّية .حياتنا تقاس ّ
بالزمن ،الذي في مداه نتغيّر ونشيخ .وكما
عند ك ّل الكائنات الحية على األرض ،يبدو الموت انتهاء الحياة الطبيعي .هذا الوجه من الموت
يسم حياتنا بطابع ملحّ :فعندما نتذ ّكر أننا مائتون ،نتذ ّكر أيضا ً أنه ليس لنا سوى وقت محدود
لتحقيق حياتنا :
" أذكر خالقك في أيام شبابك ،قبل أن يعود التراب إلى األرض حيث كان ،ويعود ال ّنفس إلى هللا الذي وهبـه
(".جا )1 ،2 : 21
-6666الموت عاقبة الخطيئة :ان السلطة التعليمية في الكنيسة ،بصفتها المفسّرة األصليّة لما
يؤ ّكده الكتاب المقدس والتقليدُ ،تعلِّم أن الموت دخ َل العالم بسبب خطيئة اإلنسان .وإن كان
ً
طبيعة مائتة ،فاهلل كان يُع ُّده لعدم الموت .فالموت إذن كان مناقضا ً لمقاصد اإلنسان يملك
هللا الخالق ،وقد دخل العالم كعاقب ٍة للخطيئة" .فالموت الجسدي ،الذي لوال الخطيئة لنجا
منه االنسان" ،هو إذن "عدو االنسان األخير"(2كو .)11 : 21الذي يجب االنتصار
.عليه
حول الموت .ان يسوع ،ابن هللا ،قد خضع هو أيضا ً للموت ،الذي هو خاصٌّ -6666المسيح ّ
بالوضع البشري .ولكنه ،وعلى الرغم من جزعه إزاءهَ ،قبله في فعل استسالم كلّي وحرّ
.لمشيئة أبيه .ان طاعة يسوع قد حوّ لت لعنة الموت إلى بركة
-6666في الموت يدعو هللا اإلنسان إليه .لذلك يستطيع المسيحي ان يشعر إزاء الموت برغبة
مماثلة لرغبة القديس بولس" :أرغب في االنطالق فأكون مع المسيح"(في ،)13 : 2
ويستطيع ان يحوّ ل موته إلى فعل طاعة ومحبّة نحو اآلب ،على مثال المسيح :
".ان رغبتي األرضيّة قد صُلبت ،إنّ بين أضلعي ينبوع ماء حيّ يهدر في داخلي قائال " :تعال إلى اآلب"
-6666الرؤية المسيحية للموت تعبّر عنها تعبيراً مميَّزاً ليترجيا الكنيسة :
"لك ّل الذين يؤمنون بك ،يا رب ،الحياة ال تته ّدم بل تتحوّ ل ،وعندما تنتهي سكناهم على هذه األرض ،لهم منذئذ
.منزل أبدي في السموات"
-6666الموت هو لإلنسان نهاية رحلته على األرض ،نهاية زمن النعمة والرأفة الذي يق ّدمه له
هللا ليحقّق حياته األرضيّة وفاقا ً للقصد اإللهي ،ويقرّر مصيره األخير .ومتى انسلخ "مجرى حياتنا
األرضية الوحيد" ،لن نعود مرة أخرى إلى حياة األرض" .فالناس ال يموتون إال ّ مرة
.واحدة"(عب .)11 : 1ال "تقمص" بعد الموت
-6666تشجّ عنا الكنيسة على ان نهيّئ أنفسنا لساعة موتنا("نجّ نا يا رب من الموت المفاجئ وغير
المتو ّقع" :طلبة الق ّديسين القديمة) ،وان نطلب إلى والدة اإلله ان تتش ّفع فينا "في ساعة موتنا"(صالة
"السالم عليك يا مريم") ،وان نودع ذواتنا القديس يوسف ،شفيع الميتة الصالحة :
"فما كان أحراك أن تسلك ،في كل عمل وفكر ،سلوك من كان موشكا ً ان يموت اليوم .لو كان ضميرك صالحا ً
غير متأهّب ،فغداً
لما كنت تخاف الموت كثيراً .تج ّنب الخطايا خي ٌر من محاولة الهرب من الموت .ان كنت اليوم َ
كيف تكون مستع ّداً؟ "
"الحمد لك ،ربِّ ،ألجل أخينا الموت الجسدي ،الذي ال يستطيع أيّ انسان حيّ أن ينجو منه .الويل للذين يموتون
.في الخطايا المميتة ،طوبى للذين يلقاهم في إرادته الق ّدوسة ،فالموت الثاني لن يضرّ هم"
بإيجاز
" -6665الجسد هو محور الخالص" .نؤمن باهلل خالق الجسد ،نؤمن بالكلمة الذي صار جسد ًا
.ليفتدي الجسد ،ونؤمن بقيامة الجسد ،التي هي اكتمال الخليقة واكتمال فداء الجسد
-6669بالموت تنفصل النفس عن الجسد ،ولكن هللا ،في القيامة ،سوف يعيد الحياة غير الفاسدة
لجسدنا المحوَّ ل ،إذ ُي َّتحِده من جديد بنفسنا .فكما أنّ المسيح قام ويحيا على الدوام ،كذلك سنقوم
ك ّلنا في اليوم األخير.
" -6666نؤمن بقيامة حقيقيّة لهذا الجسد الذي لنا اآلن" .ولكن يُزرع في القبر جسد فاسد ،فيقوم
.غير فاسد ،جسد "روحاني"( 1كو )44 : 11
-2128نتيجة للخطيئة األصلية ،على االنسان ان يحضع "للموت الجسدي" ،الذي لو لم يخطأ لنجا منه".
-2121يسوع ،ابن هللا ،خضع بحرّ ية للموت ألجلنا ،في االستسالم التام الحرّ لمشيئة هللا ،أبيه ،وبموته
انتصر على الموت ،مفسحا ً هكذا في المجال لخالص جميع الناس.
-2111المسيحي الذي يض ّم موته الخاص إلى موت المسيح يرى في الموت انطالقا ً إليه ودخوالً في
الحياة األبدية .والكنيسة ،بعد أن تقول على المسيحي المنازع للمرّ ة األخيرة كلمات المغفرة التي بها يحلّه
المسيح من خطاياه ،وتختمه للمرة األخيرة بالمسحة المش ّددة ،وتهبه المسيح في الزاد األخير غذاء للسفر،
وتخاطبه بثقة هادئة :
"أيتها النفس المسيحية ،غادري هذا العالم ،باسم اآلب القدير الذي خلقك ،وباسم يسوع المسيح ،ابن هللا
الحيّ ،الذي تألم ألجلك ،وباسم الروح القدس الذي أ ُ َ
فيض فيك .خذي مكانك اليوم بسالم ،ولتستقرّ سكناك
مع هللا في صهيون المقدسة ،مع مريم العذراء والدة اإلله ،والقديس يوسف ،والمالئكة ،وجيمع قديسي
هللا .عودي إلى خالقك الذي كوّ نك من تراب األرض .وفي ساعة خروج نفسك من جسدك ،فلتسارع
مريم العذراء والمالئكة ،وجميع القديسين لمالقاتك .ول ُي َتحْ لك ان تشاهدي فاديّك وجها ً لوجه الى دهر
.الداهرين"
. ًّ2الدينونة الخاصة
ّ
-2112الموت يضع ح ّداً لحياة اإلنسان كزمن منفتح على تقبّل النعمة اإللهية التي تجلت في المسيح أو
رفضها .يتكلّم العهد الجديد على الدينونة بنوع خاص في إطار اللقاء األخير مع المسيح في مجيئه
الثاني ،ولكنه يؤ ّكد أيضا ً مرات عديدة الجزاء المباشر بعد الموت لكل انسان تبعا ً ألعماله وإيمانه .فمثل
لعازر المسكين ،وكالم المسيح هو على الصليب للص التائب ،ونصوص أخرى من العهد الجديد ،تتكلّم
.على مصير أخير للنفس ،يمكن أن يكون مختلفا ً لهؤالء وألولئك
-6666كل إنسان ينال في نفسه الخالدة جزاءه األبدي ،منذ موته ،في دينونة خاصة ُتحال فيها
حياته إلى المسيح ،إمّا عبر تطهير ،وإمّا للدخول مباشرة في سعادة السماء ،وإمّا للهالك الفوري
.والدائم
" .في مساء حياتنا ،سوف ندان على المحبّة"
.ً6السماء
-6666الذين يموتون في نعمة هللا وصداقته ،وقد تطهّروا كليّا ،على الدوام مع المسيح .انهم
سيكونون على الدوام أمثاله ،ألنهم سيُعاينونه "كما هو"( 2يو ،)1 : 3وجها ً لوجه( 2كو : 23
)21.
"بسلطاننا الرسولي نح ّدد أنّ نفوس جميع القديسين وك ّل المؤمنين اآلخرين الذين ماتوا بعد أن نالوا معموديّة
المسيح المق ّدسة ،ولم يكن فيهم لدى موتهم ما يتطلّب التطهير ،وكذلك الذين ،وإن بقي فيهم ما يتطلّب التطهير ،قد
أتمّوا ذلك بعد موتهم ،هؤالء جميعاً ،بحسب تدبير هللا العام ،حتى قبل قيامة جسدهم والدينونة العامة ،وذلك منذ
صعود ربّنا ومخلّصنا يسوع المسيح إلى السماء ،كانوا ويكونون وسيكونون في السماء ،في ملكوت السموات
وفي الفردوس السماوي مع المسيح ،مقبولين في شركة المالئكة القديسين .أنهم ،منذ آالم ربّنا يسوع المسيح
وموته ،قد رأوا الجوهر اإللهي ويرونه رؤية مباشرة ذاتية وحتى وجها ً لوجه ،دون وساطة أية خليقة".
-6666تلك الحياة الكاملة مع الثالوث القدوس ،ملك الشركة في الحياة والمحبّة معه ،ومع مريم
العذراء والمالئكة والطوباويين تدعى "السماء" .السماء هي غاية اإلنسان القصوى وتحقيق أعمق
.رغباته ،وحالة السعادة الفائقة والنهائية
-6665أن نحيا في السماء يعني "أن نكون مع المسيح" .المختارون يحيون "في المسيح" ،ولك ّنهم
يحفظون بل يجدون ،فيه هويتهم الحقيقية ،اسمهم الخاص :
"فالحياة هي ان نكون مع المسيح ،حيث المسيح ،هناك الحياة ،هناك الملكوت".
-6669ان يسوع المسيح ،بموته وقيامته ،قد "فتح" لنا السماء .حياة الطوباويين تقوم في االمتالك
الكامل لثمار الفداء الذي حقّقه المسيح ،الذي يُشرك في تمجيده السماوي ك ّل من آمن به وبقي أمينا ً
.لمشيئته .السماء هي الجماعة السعيدة المكوَّ نة من جميع الذين انضمّوا إليه إنضماما ً كامالً
-6666إن سرّ الشركة السعيدة هذا مع هللا ومع جميع الذين هم للمسيح يفوق ك ّل فهم وكل
تصوّ ر .والكتاب المقدس يُكلّمنا عليه في صور :الحياة ،النور ،وليمة العرس ،خمر الملكوت،
بيت اآلب ،أورشليم السماوية ،الفردوس" :أنّ ما لم تره عين ،وال سمعت به أذن ،وال خطر على
.قلب بشر ،ما أع ّده هللا للذين يحبّونه"( 2كو )1 : 1
-6666هللا ،بسبب سموّ ه ،ال تمكن رؤيته كما هو إال ّ متى كشف هو نفسه سرّ ه لمشاهدة االنسان
المباشرة وم َّكنه منها .هذه المشاهدة هلل في مجده السماوي تدعوها الكنيسة "الرؤية الطوباويّة" :
"كم سيكون مج ُدك وسعاد ُتك :ان ُتق َبل لرؤية هللا ،ان تحظى بشرف االشتراك في افراح الخالص والنور األبدي
في صحبة المسيح الربّ إلهك ،أن تنعم في ملكوت السماوات في صحبة الصديقين وأصدقاء هللا ،بأفراح الخلود
.المعطى"
-6666في مجد السماء ال يني الطوباويون يتمّون بفرح ارادة هللا بالنسبة إلى سائر الناس وإلى
الخليقة كلّها .إ ّنهم من االن يملكون مع المسيح" ،وسيملكون معه إلى دهر الداهرين"(رؤ : 11
)1.
.ً6جه ّنم
-6666ال نستطيع أن ن ّتحد باهلل ما لم نختر بحريّة أن ُنحبّه ،ولكننا ال نستطيع ان نحب هللا ونحن
نرتكب خطايا ثقيلة ضد هللا أو ض ّد قريبنا أو ض ّد أنفسنا" :من ال يحبّ يثبت في الموت .ك ّل من
يُبغض أخاه فهو قاتل ،وتعلمون أنّ ك ّل قاتل ليست له الحياة األبديّة ثابتة فيه"( 2يو .)21-22 : 3
ُحذرُنا الربّ أ ّننا سننفصل عنه إن أهملنا لقاء االحتياجات الخطيرة لدى الفقراء واألصاغر الذين وي ّ
هم اخوته .الموت في الخطيئة المميتة دون التوبة عنها ودون تقبّل محبّة هللا الرحيمة ،يعني البقاء
منقصالً عنه على الدوام بإختيارنا الحرّ .وتلك الحالة من اإلقصاء الذاتي عن الشركة مع هللا ومع
الطوباويين هي ما ُي َد ّل عليه بلفظة "جه ّنم".
-6666يتكلّم يسوع مراراً على "جه ّنم" النار التي ال ُتطفأ ،المع ّدة للذين يرفضون حتى نهاية
حياتهم أن يؤمنوا ويرت ّدوا ،وحيث يمكن أن يهلك النفس والجسد معاً .ويُنبئ يسوع بألفاظ خطيرة
أنه سوف "يرسل مالئكته ،فيجمعون ك ّل فاعلي األثم ،ويلقونهم في أ ّتون النار"(متى -22 : 23
،)21.وأ ّنه سيعلن الحكم " :اذهبوا ع ّني ،يا مالعين ،إلى النار األبديّة"(متى )22 : 11
-6665يؤ ّكد تعليم الكنيسة وجود جه ّنم وأبديّتها .إنّ نفوس الذين يموتون في حالة الخطيئة المميتة
تهبط على الفور بعد موتها إلى الجحيم ،حيث تقاسي عذابات جه ّنم "النار األبدية" .ويقوم عذاب
جه ّنم الرئيسي في االنفصال األبديّ عن هللا الذي فيه وحده يستطيع االنسان الحصول على الحياة
والسعادة اللذين ُخلق ألجلهما وإليهما يتوق.
-6669ان تأكيدات الكتاب المقدس وتعاليم الكنيسة في موضوع جه ّنم هي دعوة إلى المسؤولية
التي يتوجب على االنسان ان يستخدم فيها حرّيته في سبيل مصيره األبدي .وهي في الوقت عينه
ٌ
ورحبة الطريق التي تؤ ّدي إلى دعوة إلى التوبة " :أدخلوا من الباب الضيق ،فإ ّنه واس ٌع الباب
الهالك ،وكثيرون هم الذين ينتهجونها .ما أضيق الباب وما أحرج الطريق التي تؤ ّدي إلى الحياة،
.وقليلون هم الذين يجدونها"(متى )22-23 : 1
"إذ نجهل اليوم والساعة ،ينبغي ،عمالً بوصيّة الرب ،أن نظ َّل دوما ً متي ّقضين لكي يُتاح لنا ،إذا ما انسلخ مجرى
حياتنا األرضيّة على غير رجعة ،أن ُنق َبل معه في العرس ،فنكون في عداد مباركي هللا ،ال كالعبيد األشرار
الكسولين ،المفصولين عن هللا للنار األبديّة والظلمة في الخارج حيث يكون البكاء وصريف األسنان".
-6666ال يح ّدد هللا مس َبقا ً مصير أحد في جه ّنم ،بل هي لمن يكره هللا بملء ارادته(الخطيئة
المميتة) ويثبت في هذا الكره حتى النهاية .والكنيسة ،في الليرجيا االفخارستيّة وصلوات مؤمنيها
اليومية ،تلتمس رحمة هللا الذي "ال يريد أن يهلك أحد ،بل أن يقبل الجميع إلى التوبة"
1بط ( : )1 : 3
" هذه هي التقدمة التي نقرّ بها لك نحن عبيدك وعائلتك كلها :فاقبلها بعطفك .اجعل السالم في حياتنا ،وانتشلنا
من الهالك األبديّ ،واقبلنا في عداد مختاريك".
.ً5الدينونة العامة
-6666ان قيامة جميع األموات "األبرار واألثمة"(اع )21 : 12سوف تسبق الدينونة العامة.
وستكون "الساعة التي يسمع فيها جميع من في القبور صوت(ابن البشر) ،فيخرجون منها :
فالذين عملوا الصالحات يقومون للحياة ،والذين عملوا السيئات يقومون للدينونة"(يو -18 : 1
.)11حينئذ يأتي المسيح "في مجده ،وجميع المالئكة معه .و ُتحشد لديه جميع األمم ،فيفصل
بعضهم عن بعض ،كما يفصل الراعي الخراف عن الجداء .ويقيم الخراف عن يمينه والجداء عن
.يساره .ويذهب هؤالء إلى عذاب أبدي ،والصديقون إلى حياة أبدية"(متى )21 ،33-32 : 11
-6666أمام المسيح الذي هو الحق ،سوف ُتعلن بصراحة وبشكل نهائيّ حقيقة عالقة كل انسان
باهلل .فتكشف الدينونة العامة ما فعله كل واحد من خير أو أهمل فعله في أثناء حياته على
األرض ،وذلك حتى في أقصى عواقبه :
"كل شر يفعله األشرار يسجّ ل – وهم ال يعلمون ،في اليوم الذي"ال يصمت هللا"(مز )3 : 11فيه سيلتفت نحو
وضعت على األرض فقرائي الصغار ألجلكم .أنا ،رأسهم ،كنت جالسا ً على العرش في ُ األشرار ويقول لهم :لقد
السماء عن يمين أبي ،ولكن على األرض كان أعضائي يعملون ،على األرض كان أعضائي يجوعون .لو
وضعت فقرائي الصغار على أألرض، ُ أعطيتم أعضائي شيئاً ،لوصل الى الرأس ما كنتم أعطيتموه .وعندما
.أقمتهم وكالئي ليحملوا إلى كنزي أعمالكم الصالحة :لم تضعوا شيئا ً في أيديهم ،لذلك لن تجدوا لديَّ شيئاً"
-6666ستقع الدينونة لدى عودة المسيح المجيدة .اآلب وحده يعرف الساعة واليوم ،وهو وحده
يقرّ ر حدوثها .سيعلن بابنه يسوع المسيح كلمته األخيرة على التاريخ كلّه .سنعرف المعنى األخير
لك ّل تاريخ الخليقة وكل تدبير الخالص ،وسنفهم السبل العجيبة التي قادت بها عنايته ك ّل شيء
نحو غايته القصوى .وستكشف الدينونة األخيرة أنّ برّ هللا ينتصر على ك ّل المظالم التي ترتكبها
خالئقه ،وان محبّته أقوى من الموت.
-6666تدعو رسالة الدينونة العامة إلى التوبة ما دام هللا يعطي البشر "الوقت المرضيّ ،وقت
ّ
تحث على مخافة هللا المقدسة .وتدعو إلى االلتزام من أجل برّ الخالص"( 1كو .)1 : 1انها
ملكوت هللا ،وتبشر "بالرجاء السعيد"(تي ،)23 : 1رجاء عودة الرب ،الذي سوف "يأتي ليتمجّ د
.في قديسيه ويظهر عجيبا ً في جميع الذين آمنوا"( 1تس )21 : 2
بإيجاز
-6656كل إنسان ينال في نفسه الخالدة جزاءه األبدي منذ موته في دينونة خاصة من قبل
.المسيح ،ديّان األحياء واألموات
" -6656نؤمن أنّ نفوس جميع الذين يموتون في نعمة المسيح هي شعب هللا ،في ما وراء
حيث ُتعاد إلى تلك النفوس وحدتها بأجسادها" .الموت ،الذي سيُغلب نهائ ّي ًا في يوم القيامةُ ،
" -6656نؤمن أنّ جماعة النفوس الملتئمة في الفردوس حول يسوع ومريم تكوّ ن كنيسة السماء،
حيث تشاهد هللا كما هو في السعادة األبدية ،وحيث تشارك هي أيض ًا ،بدرجات مختلفة ،المالئكة
القديسين في الحكم اإللهي الذي يمارسه المسيح في المجد ،فتتش ّفع فينا وتعضد ضعفنا بعنايتها
.إللهيّة"
ً
-6656الذين يموتون في نعمة هللا وصداقته ،ولم يتطهّروا بعد تطهير ًا كامال ،وإن كانوا على ثق ٍة
من خالصهم األبدي ،يخضعون من بعد موتهم لتطهير ،يحصلون به على القداسة الضروريّة
.للدخول إلى فرح هللا
-6655بمقتضى "شركة القديسين" تكل الكنيسة الراقدين إلى رحمة هللا ،وتق ّدم ألجلهم صلوات،
.وبنوع خاص الذبيحة اإلفخارستيّة
تحذر الكنيسة المؤمنين من تلك الحقيقة المحزنة والمؤسفة ،حقيقة -6659تتبّع ًا لمثل المسيحّ ،
.الموت األبدي ،المدعو أيض ًا "جه ّنم"
-6656يقوم عذاب جه ّنم الرئيسي في االنفصال األبدي عن هللا الذي فيه وحده يستطيع االنسان
.الحصول على الحياة والسعادة اللذين ُخلق ألجلهما وإليهما يتوق
-6656تص ّلي الكنيسة لكي ال يهلك أحد" :يا رب ،ال تسمح أن أنفصل أبد ًا عنك" .إن ص ّح أنّ
أحد ًا ال يستطيع ان يخلص بنفسه ،فصحيح أيض ًا أنّ "هللا يريد أنّ جميع الناس يخلصون" 1(.تي
.)4 : 3.وأنّ "ك ّل شيء ممكن"(متى )36 : 19لديه
" -6656تؤمن الكنيسة المق ّدسة الرومانية وتعترف اعتراف ًا ثابت ًا أن جميع الناس سوف يظهرون
في يوم الدينونة باجسادهم الخاصة أمام منبر المسيح ،ليؤ ّدوا حساب ًا عن أعمالهم".
-6696في نهاية األزمنة سيصل ملكوت هللا إلى ملئه ،حينئذ يملك الصديقون مع المسيح على
الدوام ،ممجّدين جسد ًا ونفس ًا ،والكون المادي نفسه سيتحوّ ل .حينئذ يصير هللا "ك ُّ
ال في الكلّ"
1.كو ،)32 : 11في الحياة األبدية(
-6696ينتهي قانون اإليمان ،كما ينتهي ايضا ً السفر األخير من الكتاب المقدس بالكلمة العبرية
آمين .وتوجد مراراً تلك الكلمة في صلوات العهد الجديد .كذلك تنهي الكنيسة صلواتها بكلمة
" آمين ".
-6696في العبرية ترتبط كلمة آمين بالجذر نفسه الذي ترتبط به كلمة "آمن" .ويعبّر هذا الجذر
عن الثبات والثقة واألمانة ،فنفهم بالتالي لماذا يمكن استعمال كلمة "آمين" بالنسبة إلى امانة هللا
.نحونا وإلى ثقتنا نحن به
-6696نجد في أشعيا النبي عبارة "إله الحق" وحرف ّيا ً "إله آمين" ،أي اإلله األمين لمواعده :
"فالذي يتبارك على األرض يتبارك بإله آمين"(أش .)21 : 11ويستعمل السيد المسيح مراراً كلمة
"آمين" ،وفي بعض األحيان بشكل مكرَّ ر ،ليؤ ّكد أنّ تعليمه يمكن الوثوق به ،وأنّ سلطته ترتكز
.على حقيقة هللا
" -6696آمين" التي تختم قانون اإليمان تعيد إذن كلمته األولى "أؤمن" وتؤ ّكدها .فاإليمان هو أن
نقول "آمين" لكلمات هللا ووعوده ووصاياه ،هو أن نثق ثقة تامة بالذي هو "آمين" المحبّة
الالمتناهية واألمانة الكاملة .حينئ ٍذ تصير حياتنا المسيحية في كل يوم جواب "آمين" عن اعتراف
.إيمان معموديّتنا" :آمين"
"ليكن َ
لك قانون اإليمان بمثابة مرآة .أنظر نفسك فيه ،لترى هل تؤمن بك ّل ما تعلن اإليمان به ،وافرح ك ّل يوم
.بإيمانك"
-6695يسوع المسيح هو نفسه "آمين"(رؤ .)22 : 3هو "آمين" النهائية لمحبة اآلب لنا .وهو
الذي اعتنق جوا َبنا لآلب " آمين " وأتمَّه" :فإنّ مواعد هللا كلّها وجدت فيه "نعم" فلذلك فيه ايضا ً
.نقول "آمين" لمجد هللا"( 1كو )11 : 2
"به ومعه وفيه،
لك أيها اإلله اآلب القدير،
في وحدة الروح القدس،
ك ّل إكرام وك ّل مجد،
إلى دهر الداهرين،
.آمين"
الجزء الثاني
بالسر المسيحي
االحتف ال ّ
-6699في قانون اإليمان ،تعترف الكنيسة بسرّ الثالوث األقدس "وقصد محبّته"(أف )1 : 2في
شأن الخليقة كلّها :فاآلب يح ِّقق "سرّ مشيئته" بإرساله اب َنه الحبيب وروحه القدوس لخالص العالم
ومجد اسمه .ذاك هو سرّ المسيح الذي ُكشف و ُحقّق في التاريخ ،بمقتضى ّ
خطة ورسم مُح َكم
التنسيق ،يسمّيه القديس بولس "تدبير السرّ "(أف ،)1 : 3وسوف يسمّيه التقليد األبوي
"تدبير الكلمة المتجسد" أو "تدبير الخالص".
" -6696وهذا العمل الذي كان به الفداء للبشر والتمجيد األكمل هلل ،والذي مهّدت له العظائم
اإللهيّة في شعب العهد القديم ،أتمّه السيد المسيح خصوصا ً بالسرّ الفصحيّ ،سرّ آالمه الحميدة،
وقيامته من مثوى األموات وصعوده المجيد ،بالسرّ الفصحي الذي "قضى فيه على موتنا بموته،
وبعث الحياة في حياتنا بقيامته" إذ إ ّنه من جنب المسيح الراقد على الصليب تفجّر السرُّ العجيب،
سرّ الكنيسة بأسرها" .ولذا فالكنيسة ،في الليترجيّا ،تحتفل خصوصا ً بالسرّ الفصحي الذي أت َّم به
.المسيح عمل خالصنا
-6696سرّ المسيح هذا ،تب ّشر به الكنيسة وتحتفل به في الليترجيّا ،ليحيا به المؤمنون ويشهدوا له في
العالم :
"فالليترجيا ،والسيّما ذبيحة االفخارستيّا اإللهيّة ،التي بها " َيت ُّم عمل فدائنا" تساعد المؤمنين إلى أبعد ح ّد في أن
.يُبيّنوا ويُعلنوا لآلخرين ،بسيرتهم ،سرّ المسيح وهويّة الكنيسة الحقيقيّة ومفهومها الصحيح"
ظه َرت الكنيسة للعالم بفيض من الروح القدس .عطيّة الروح هذه افتتحت عهداً ُ
-6669يوم العنصرة أ ِ
ّ
ويوزعُه ،من خالل جديداً "لتعميم السرّ " إ ّنه زمن الكنيسة ،فيه يُعلِن المسيح عمله الخالصي ويُفعِّله
ليترجيا كنيسته" ،إلى ان يأتي"( 2كو .)11 : 22على امتداد زمن الكنيسة هذا ،يحيا المسيح ويعمل في
الزمن الجديد .إ ّنه يعمل بواسطة األسرار ،وهذا ما يُسمّيه
كنيسته ومع كنيسته بوج ٍه جديد يُالئم هذا ّ
التقليد المشترك ،في الشرق والغرب" ،التدبير األسراريّ " ،وقوامه "توزيع" ثمار سرّ المسيح الفصحيّ
في االحتفال الكنسي بالليترجيّا
".األسراريّة"
من األهميّة اذن ان نوضّح أوالً "توزيع األسرار" هذا(الفصل األول) .وهكذا ت ّتضح ،بأكثر جالء ،طبيعة
االحتفال الليترجي ومالمحه الجوهرية(الفصل الثاني).
المقال األول
الليترج ّيا – عمل الثالوث األقدس
.ً6اآلب ،مصدر الليترج ّيا وغايتها
" -6666تبارك إله ربّنا يسوع المسيح ،وأبوه .باركنا في المسيح ك ّل برك ٍة روحيّة في السموات.
ذلك بأ ّنه اختارنا قبل انشاء العالم ،لنكون عنده ق ّديسين بال عيب في المحبّة ،وق ّدر لنا أن يتب ّنانا
بيسوع المسيح على ما ارتضته مشيئته ،لحمد نعمته السنيّة التي أنعم بها علينا في الحبيب "(أف
.)1-3 : 2
ٌ ٌ
-6666.البركة عم ٌل إله ّي يُفيض الحياة ويصدر من اآلب .بركته كلمة وعطيّة معا ً
)( bene – dictio
طبِّقت هذه اللفظة على اإلنسان فمعناها العبادة والتسليم للخالق في الشكر .فإذا ُ
-6666من البداية وحتى نهاية األزمان ،عم ُل هللا كلُّه بركة :إبتدا ًء من ال ّنشيد الليترج ّي في مطلع
الخليقة وحتى أناشيد أورشليم السماويّة ،نرى ال ُك ّتاب الملهمين يُعلنون قصد الخالص بركة إلهي ًّة
.ال ح ّد لها
-6666منذ البدء ،بارك هللا األحياء ،وبخاصة الرجل والمرأة .عهد هللا مع نوح ومع جميع
الكائنات الحيّة ج ّدد هذه البركة المخصبة ،بالرغم ممّا ارتكبه اإلنسان من خطيئة أمست بها
األرض "لعنة" .بيد أنَّ هذه البركة اإللهية بدأت من إبراهيم تتغلغل في التاريخ البشري الزاحف
نحو الموت ،لتعيده ثانية إلى الحياة ،وإلى ينبوعه األوّ ل :وهكذا بزغ تاريخ الخالص بقوّ ة إيمان "
أبي المؤمنين " الذي تقبّل البركة.
ِّ
-6666تجلّت البركة اإللهيّة عبر أحداث عجيبة ومخلصة :مولد اسحق ،النزوح من مصر
الفصح والخروج) ،موهبة أرض الميعاد ،اختيار داود ،حضور هللا في الهيكل ،المنفى المطهّر (
وعودة "البقيّة الباقية" .إنّ الناموس واألنبياء والمزامير التي تحبك ليترجيّا الشعب المصطفى
ُتذ ّكر بهذه البركات اإللهيّة أ ّنها ُتصدى لها بتبريكات حمد وشكر.
وتوزع على المؤمنين :فاآلب يُعْ لَن
ّ -6666في ليترجيّا الكنيسة ،تتجلّى البركة اإللهية تجل ّيا ً كامالً
وغاية لك ّل بركات الخليقة والخالص .إ ّنه يغمرنا ببركاته ،بكلمته الذي تجسّد ً فيها بوصفه مصدراً
.ومات وقام ألجلنا ،وبه يُفيض في قلوبنا العطيّة التي تحتوي ك ّل العطايا :أي الروح القدس
إيمان وحب "للبركات
ٍ -6666بتنا نفهم ،اآلن ،الليترجيّا المسيحية في بع َديْها :فهي استجابة
الروحيّة" التي يمنُّ بها اآلب علينا .فمن جهة ،نرى الكنيسة ،م ّتحدة بربّها ،وبدافع من الروح
القدسُ ،تبارك اآلب "على هبته التي ال توصف"( 1كو ،)21 : 1عابدة حامدة شاكرة .ومن جهة
اخرى ،وحتى انقضاء قصد هللا ،ال تني الكنيسة تقرّب لآلب "قربان عطاياها" وتتضرّع إليه
ليرسل الروح القدس على هذا القربان وعليها وعلى المؤمنين وعلى العالم أجمع ،لكي تؤتي هذه
البركات اإللهيّة ،باالشتراك في موت المسيح – الكاهن وقيامته ،وبقدرة الروح ،ثمار حياة
".لحمد نعمته السنيّة "(أف )1 : 2
" -6669كما أنّ المسيح أرسله اآلب ،أرسل هو تالميذه وقد مألهم الروح القدس ،كارزين
شروا فقط بأنَّ ابن هللا قد حرّ رنا بموته وبقيامته ،من سلطان إبليسباإلنجيل للخليقة كلّها ،ال ليب ّ
شروا به ،وذلك ومن الموت ونقلنا إلى ملكوت أبيه ،بل ل َين َهضوا بهذا العمل الخالصيّ الذي ب ّ
.بالذبيحة واألسرار التي تدور حولها الحياة الليرجيّة بكاملها"
-6666هكذا عندما وهب المسيح القائم من القبر الروح القدس لتالميذه ،وكل إليهم سلطان
التقديس :فأصبحوا عالمات المسيح السرّ يّة ،وبقدرة هذا الروح القدس عينه ،فوّ ضوا هذا السلطان
إلى خلفائهم .هذه "الخالفة الرسوليّة" هي قوا ُم ك ِّل الحياة الليترجية في الكنيسة ،وهي نفسها تحمل
.الطابع األسراري ،أل ّنها تنتقل بواسطة سرّ الكهنوت
" -6666في الليتريجيّا األرضية ،يكون اشتراكنا استعجاالً لتذوّ ق الليترجيّا السماويّة التي نسعى
إليها في ترحالنا ،والتي يُحتفل بها في أورشليم المدينة المق ّدسة حيث يجلس المسيح إلى يمين هللا
ي – ننشد للربّ نشيد خادما ً لألقداس والمسكن الحقيقي ،وحيث – مع جميع أجناد الجيش العلو ّ
المجد .وإننا بتكريمنا ذكر القديسين ،نأمل أن يكون لنا نصيب في مجتمعهم ،كما أننا ننتظر سيّدنا
يسوع المسيح مخلّصا ُ لنا ،إلى أن يتجلّى ،هو حياتنا ،ونتجلّى نحن معه في المجد"
-6666الروح القدس ،في اللي ُترجيا ،هو الذي يُثقّف إيمان شعب هللا وهو الذي يصنع "روائع
هللا" ،أعني بها أسرار العهد الجديد .إنّ رغبة الروح القدس وعمله في قلب الكنيسة هما أن نحيا
ُ
باعثهَ ،يت ُّم تعاون حقيقي ،به حياة المسيح الناهض .وعندما َيلقى فينا جواب اإليمان الذي هو
.تصبح الليترجيّا عمالً مشتركا ً بين الروح القدس والكنيسة
-6666في هذه الطريقة التي ي ُت ُّم فيها توزيع سرّ المسيح عبر األسرار ،يعمل الروح القدس نفس
عمله في سائر أزمنة التدبير الخالصي :فهو يُع ُّد الكنيسة للقاء سيّدها ،ويُعيد ذكرى المسيح ويُعلنه
إليمان الجماعة ،ويجعل سرّ المسيح ،بقدرته المحوّ لة ،حاضراً لدينا ومُزامنا ً لنا .وبما أ ّنه روح
ض ُّم الكنيسة إلى حياة المسيح ورسالته
.الشركة فهو ي ُ
-6666إنَّ الروح القدس يحقّق ،من خالل التدبيراألسراري ،رموز العهد القديم .فالكنيسة قد
" ُهيّئت بوجه عجيب ،بتاريخ شعب اسرائيل وفي العهد القديم" .ومن ث ّم فليترجيا الكنيسة تحتفظ
بعناصر من شعائر العهد القديم ،وتتب ّناها جز َءا مك ّمالً ال بديل منه :
-أهمّها قراءة العهد القديم
-صالة المزامير
سر المسيح(الوعد -وخصوصا ً ذكرى األحداث المخلّصة والحقائق المغزويّة التي تحقّقت في َ
.والعهد ،الخروج والفصح ،الملكوت والهيكل ،المنفى والعودة)
-6666هذا التناغم بين العهدين هو المحور الذي تدور حوله كرازة الرب الفصحيّة ثم كرازة
الرسل واآلباء من بعده .هذه الكرازة تكشف ما كان مطو ّيا ً في حرفيّة العهد القديم ،أعني به سرّ
المسيح ،و ُتعرّ ف بالكرازة "اإليمائيّة" ألنها تكشف ج ّدة المسيح انطالقا ً من "النماذج" التي أومأت
إليها في األحداث واألقوال والرموز المتضمّنة في العهد األول .هذه القراءة الجديدة للعهد القديم
في روح الحقيقة ،ومن منطلق المسيح ،تكشف القناع عن الرموز .فالطوفان وفلك نوح هما رمز
الخالص بالمعموديّة ،وكذلك الغمامة واجتياز البحر األحمر ،والماء المتفجّ ر من الصخرة ،كلّها
ترمز إلى مواهب المسيح الروحية ،كما يرمز منُّ الصحراء إلى اإلفخارستيا "الخبز الحقيقي
.النازل من السماء"(يو )31 : 1
-6665ولذا ،فالكنيسة والسيّما في الزمن اإلعدادي للميالد ،وفي فترة الصوم ،وخصوصا ً في
ليلة الفصح ،تقرأ وتعيش ثانية هذه األحداث الكبرى في تاريخ الخالص في "آنية" ليترجيتها.
ولكن في ذلك ما يوجب على الكارز أن يساعد المؤمنين في االنفتاح على هذا الفهم "الروحي"
.للتدبير الخالصي كما تعلنه ليترجيا الكنيسة وتم ّكننا من ان نعيشه
-6669الليترجيا اليهودية والليترجيا المسيحية .وقوفنا بوج ٍه أفضل على إيمان الشعب اليهوديّ وحياته
الدينية ،كما يعلنهما ويمارسهما حتى اليوم ،قد يساعدنا في فهم بعض مالمح الليترجيا المسيحية .ففي نظر اليهود
كما في نظر المسيحيّين ،الكتاب المق ّدس هو جزء جوهريّ في ليترجياتهم ،إلعالن كلمة هللا وامتثال هذه الكلمة
ولتأدية صالة التسبيح واالستشفاع لالحياء واألموات ،واللجوء إلى رحمة هللا .ليترجيا الكلمة ،في هيكليتها
الذاتية ،تمتد جذورها إلى صالة اليهوديّة .صالة الساعات وغيرها من النصوص والصيغ الليترجية لها ما
يوازيها في الصالة اليهودية ،وكذلك التعابير التي يعتمدها أج ّل ما لدينا من صلوات ومنها صالة "األبانا".
الصلوات اإلفخارستية تستوحي ،هي أيضاً ،نماذج من التقليد اليهودي .العالقة بين الليترجيا اليهودية والليترجيا
المسيحية ،وكذلك الفرق بين محتواهما ،نالحظهما خصوصا ً في أعياد السنة الليترجيا الكبرى ،كعيد الفصح
مثالً .فالمسيحيّون واليهود يحتفلون بالفصح :فصح التاريخ ،المشدود إلى المستقبل عند اليهود ،والفصح الناجز
بموت المسيح وقيامته عند المسيحيين ،مع التر ّقب الدائم النقضائه الحاسم.
-6666في لي ُترجيا العهد الجديد ،ك ّل عمل لي ُترجيّ ،والسيّما االحتفال باإلفخارستيا واألسرار،
هو لقاء بين المسيح والكنيسة .وتستم ّد الجماعة الليترجية وحدتها من " شركة الروح القدس" الذي
متخطية الوشائج البشريّة والعرقيّة والثقافيّة واالجتماعيّة ّ .يجمع أبناء هللا في جسد المسيح الواحد،
-6666على الجماعة أن تتهيأ للقاء ربّها ،وتكون " شعبا ً مُستع ّداً" .إستعداد القلوب هذا هو العمل
الذي يشترك فيه الروح القدس والجماعة ،والسيّما َخدَمتها .نعمة الروح القدس تعمل على إيقاظ
اإليمان وتوبة القلب وامتثال إرادة اآلب .هذه االستعدادات يُفترض قيامُها تمهيداً لتقبُّل ال ّنعم
.األُخرى المعطاة في االحتفال نفسه ،ولثمار الحياة الجديدة التي ستؤتيها الحقا ً
-6666هدفُ رسالة الروح القدس ،في ك ّل عمل ليترجيّ ،هو إدخالنا في شركة مع المسيح لبناء
ثمرها .في الليترجيا جسده .فالروح القدس هو بمثابة الماويّة في كرمة اآلب التي تؤتي األغصان َ
يتحقّق التعاون األوثق بين الروح القدس والكنيسة .فهو بوصفه روح الشركة ،يلبث في الكنيسة ال
يفارقها ،من ث ّم فالكنيسة هي السرّ العظيم ،سرّ الشركة اإللهيّة الذي يجمع شمل أبناء هللا المش ّتتين.
ٌ
وشركة أخويّة. آن واحد شركة مع الثالوث األقدس ثمر الروح في الليترجيا هو ،في ٍ
-6666صالة استدعاء الروح القدس من أهدافها أيضا ً تحقيق ملء اشتراك الجماعة في سرّ
المسيح" :نعمة ربّنا يسوع المسيح ،ومحبّة اآلب وشركة الروح القدس"( 1كو ،)23 : 23يجب
ان تظ ّل دائما ً معنا وتؤتي ثماراً حتى من بعد االحتفال اإلفخارستي .الكنيسة تصلّي إلى اآلب إذن
ليرسل الروح القدس فيجعل من حياة المؤمنين تقدمة حيّة هلل ويحوّ لهم إلى صورة المسيح،
.ويجعلهم يهتمّون بوحدة الكنيسة ويشتركون في رسالتها بشهادة السيرة وخدمة المحبّة
بإيجاز
مصدر ك ّل بركات الخليقة والخالص، َ -6666في لي ُترجيا الكنيسة نبارك هللا اآلب ونعبده بوصفه
.التي باركنا بها في ابنه ،ليهبنا روح التب ّني
-6666عمل المسيح في الليترجيا َيتمّ من خالل األسرار ،ألن س ّر خالصه يتح ّقق فيها بقدرة
روحه القدوس ،وألنَّ جسده ،أي الكنيسة ،هو بمثابة س ّر(عالمة وأداة) به يُعمّم الروح القدس على
الناس ثمار س ّر الخالص ،وألنّ الكنيسة المترحِّ لة ،من خالل أعمالها اللي ُترجيّة ،تستبق ،منذ اآلن،
.طعم االشتراك في الليترجيا السماويّة
-666رسالة الروح القدس في لي ُترجيا الكنيسة أن يُه ّي َئ للقاء المسيح ،وأن يُعلن المسي َح ويعيد
ذكره الى الجماعة المؤمنة ،وأن يجعل من عمل المسيح الخالص ّي حدث ًا حال ّي ًا وآن ّي ًا بقدرته الباعثة
.على التحوّ ل ،وأن يثمّر عطيّة الشركة في الكنيسة
المقال الثاني
السر الفصحي في أسرار الكنيسة
ّ
-666الحياة الليترجيا في الكنيسة تدور كلّها حول الذبيحة االفخارستيّة واالسرار .في الكنيسة
أسرار سبعة :المعموديّة والتثبيت أو الميرون ،االفخارستيّا ،التوبة ،مسحة المرضى ،الكهنوت،
الزواج .في هذا المقال نعالج ما هو مشترك بين أسرار الكنيسة السبعة من الناحية العقائديّة .وأمّا
ما هو مشترك بينها من ناحية االحتفال بها ،فسيُعرض في الفصل الثاني ،وأمّا ما يخصّ كالًّ منها
.فسيُعالج في القسم الثاني
.ً6أسرار المسيح
" -6666في تقيُّدنا بعقيدة الكتب المق ّدسة والتقاليد الرسولية واجماع رأي اآلباء" ،نعترف "بأن
.اسرار العهد الجديد قد أنشأها كلّها ربُّنا يسوع المسيح"
-6665إنّ أقوال يسوع وأعماله م ّدة حياته المستترة ورسالته العلنيّة ،بات لها ،مذ ذاك ،فعلُها
الخالصيّ .وكانت بمثابة استباق لقدرة سرّ ه الفصحيّ ،وبمثابة إنباء وتمهيد لما كان مزمعا ً أن
يمنَّ به على الكنيسة عندما يت ّم ك ّل شيء .إنّ مكنونات حياة المسيح هي مرتكزات النعم التي بات
يوزعها في األسرار ،على يد َخدَمة الكنيسة ،ألنَّ "ما كان مرئ ّيا ً في مخلّصنا أصبح كامنا ً
المسيح ّ
.في أسراره"
-6669األسرار هي "القوى التي تخرج" من جسد المسيح ،الحيّ أبداً والمُحيي ،وهي أيضا ً أفعال
الروح القدس العامل في جسد المسيح أي اكنيسة ،وهي أخيرا ُ "روائع هللا" في العهد الجديد
ي.األبد ّ
.ً6أسرار الكنيسة
الحق كلّه"(يو )3 : 21هذا ّ -6666لقد كشفت الكنيسة شيئا ً فشيئاً ،بالروح الذي "يُرشدها إلى
الكنز الذي نالته من المسيح ،وأوضحت طريقة "توزيعه" ،كما فعلت ذلك في تحديد الئحة الكتب
المق ّدسة وعقيدة اإليمان ،بصفتها وكيل َة أسرار هللا .وهكذا ميّزت الكنيسة ،على مدى األجيال ،من
.بين االحتفاالت الليترجية التي تحتفل بها ،سبعة أسرار ،بالمعنى الحصري ،أنشأها الرب
-6666األسرار هي "من الكنيسة" بهذا المعنى المزدوج أ ّنها "بها" و "لها" .فاألسرار هي
"بالكنيسة" ,ألنّ الكنيسة هي سرّ عمل المسيح الذي يعمل فيها بالروح القدس المبعوث إليها.
وهي "للكنيسة" ألنَّ "األسرار هي التي تصنع الكنيسة" :وال بدع ،فهي ُتعلن للناس و ُتبلّغهم،
.والسيّما في اإلفخارستيا ،سرّ الشركة مع هللا المحبّة الواحد في ثالثة أقانيم
-6666الكنيسة التي تؤلّف مع المسيح الرأس "شبه شخص واحد سرّ ي" ،تعمل ،بواسطة
األسرار ،عمل "أسرة كهنوتية"" ،مر ّكبة تركيبا ُ عضو ّياً" :فبالمعمودية والتثبيت يصبح الشعب
الكهنوتيّ أهالً ألن يحتفل بالليترجيا .وهناك ،من جهة أخرى ،مؤمنون "قد اتشحوا بكرامة
.الكهنوت المقدس ،وأُقيموا ليرعوا الكنيسة ،باسم المسيح ،بالكلمة ونعمة هللا"
-6666الخدمة المرسومة أو "كهنوت الخدمة" هي في خدمة الكهنوت العمادي ،وهي كفيلة بأنّ
المسيح ،في األسرار ،هو الذي يعمل بالروح القدس لخير الكنيسة .رسالة الخالص التي وكلها
اآلب إلى ابنه المتجسّد ،وُ كلت إلى الرسل وبهم إلى خلفائهم :فهم يتلقّون روح يسوع ليعملوا
باسمه وفي شخصه .وهكذا فالخادم المرسوم هو الصلة التي تربط ،من خالل األسرار ،العمل
الليترج ّي بما قال الرسل وعملوه ،وبواسطتهم بما قاله وعمله المسيح منبع األسرار ومرتكزها.
-6666األسرار الثالثة :المعمودية والتثبيت والكهنوت تولي المؤمن ،مع النعمة" ،طابعا"
أسرار ّيا ً أو "خاتماً" يُشركه في كهنوت المسيح ويجعله جزءاً من الكنيسة وفقا ً ألحوال ووظائف
متنوّ عة .هذا التطبّع بطابع المسيح والكنيسة الذي يُحقّقه الروح ،له أث ٌر ال ُيمّحى ،ويرسخ أبداً في
المسيحي بمثابة استعداد إيجابي للنعمة ،ووعد وضمانة للحماية اإللهيّة ودعوة إلى ممارسة العبادة
.اإللهيّة وخدمة الكنيسة .ومن ث ّم فهذه األسرار ال ُتكرَّ ر أبداً
.ً6أسرار اإليمان
.ً6أسرار الخالص
-6666إنّ األسرار ،إذا اح ُتفل بها في اإليمان احتفاالً الئقاً ،فهي تولي النعمة التي تومئ إليها.
وهي أسرار فاعلة ألنّ المسيح نفسه يعمل من خاللها :فهو الذي يعمّد ،وهو الذي يفعّل األسرار
ويمنح بها النعمة التي تد ّل عليها .ويستجيب اآلب دائما ً لصالة كنيسة ابنه التي ُتعرب عن إيمانها
بقدرة الروح ،في استدعاء الروح القدس الذي يُرافق كالًّ من األسرار .فكما تحوّ ل النار ك ّل ما
.تمسّه ،يحوّ ل الروح القدس إلى حياة إلهيّة ك ّل من يسلس لقدرته
-6666وهذا ما تؤ ّكده الكنيسة بقولها :إنّ األسرار تعمل تلقائ ّيا(أي بمجرّ د القيام بها) ،أعني بقوّ ة
عمل المسيح الخالصي الذي حقّقه دفعة واحدة .ويتبع ذلك أنّ "السرّ ال يتحقّق ببرّ من يمنحه أو
يناله ،بل بقدرة هللا" .فك ّل مرّ ة يُحتفل بالسرّ وفقا ً لنيّة الكنيسة ،فإنّ قدرة المسيح وروحه يعمالن
فيه بمعزل عن قداسة القائم به .بيد أنّ ثمار األسرار رهنٌ باستعدادات من
ينالها.
-6666تؤ ّكد الكنيسة أنّ أسرار العهد الجديد ضرور ّية لخالص المؤمنين" .فنعمة السر" هي نعمة
الروح القدس يمنحها المسيح خصيصا ً لك ّل سرّ .فالروح يشفي ويغيّر الذين ينالونه ويصوّ رهم
على صورة ابن هللا ،وثمرة الحياة التي نستم ّدها من األسرار هي أنَّ روح االتب ّني يؤلّه المؤمنين
.ويضمّهم ض ّما ً مُحييا ً إلى االبن الوحيد المخلّص
-6666تحتفل الكنيسة بسرّ ربّها "إلى أن يأتي" وإلى أن يصير هللا "ك ًّل في الكلّ"( 2كو : 22
.)18 : 21 ،11منذ عهد الرسل نرى الليترجيا مشدودة إلى غايتها بأنين الروح في الكنيسة:
ُ
اشتهيت شهوة شديدة أن "مارانا تا" 2(،كو .)11 : 21وتشاطر الليترجيا هكذا رغبة يسوع" :
آكل هذا الفصح معكم إلى أن يت ّم في ملكوت هللا"(لو .)21-21 : 11في أسرار المسيح ،تحظى
الكنيسة منذ اآلن بعربون ميراثها ،وتشترك منذ اآلن في الحياة األبديّة" ،منتظرة السعادة المرجوّ ة
وتجلّي مجد إلهنا العظيم ومخلّصنا يسوع المسيح"(تي .)23 : 1
يقول الروح والعروس" :تعا َل! تعال ،أيّها الربّ يسوع"(رؤ .)11-21 : 11
"يلخص القديس توما ،في ما يلي ،مختلف أبعاد عالمة السرّ " :السرّ هو العالمة التي تذ ّكر بما سبق ،أي بآالم
.المسيح ،وتبيّن بوضوح ما يت ّم فينا بفعل آالم المسيح،أي النعمة ،وتستشرف أي تؤذن بالمجد اآلتي"
بإيجاز
-6666األسرار هي عالمات تح ّقق النعمة ،وضعها المسيح ووكلها إلى الكنيسة وبها ُتسبغ علينا
الحياة اإللهية .الطقوس المرئيّة التي يتمّ بها االحتفال باألسرار ،تبيّن وتح ّقق النعم التي يتميّز بها
كل سرّ ،وهي تؤتي ثمر ًا في الذين ينالونها باالستعدادات المفروضة.
-6666تحتفل الكنيسة باألسرار بوصفها أسر ًة كهنوتيّة تستم ّد هيكليّتها من الكهنوت العمادي
وكهنوت َ
الخدَمة المرسومين.
-6666الروح القدس ي ِع ُّد(المؤمنين) لتقبّل األسرار بكلمة هللا وباإليمان الذي يستقبل الكلمة في
.قلوب مستع ّدة .إذ ذاك تصبح األسرار أداة قوّ ٍة وتعبيرْ عن اإليمان
-6666ثمرة الحياة المستم ّدة من األسرار فرديّة وكنسيّة .هذه الثمرة ُتخوِّ ل من جهة ك ّل مؤمن أن
يحيا في المسيح يسوع .وهي ،من جهة أخرى ،للكنيسة سبب نمو في المحبّة وفي رسالتها
.الشاهدة
الفصل الثاني
االحتفال أسرار ّيا بالسر الفصحي
الخطة اإللهيّة في استعمال األسرار(الفصل األول). ّ -6665التثقيف الليترجيُّ يفترض أوّ الً فهم
في هذا الضوء تنكشف ِج ّدةُ االحتفال بها .ويتناول هذا الفصل االحتفال بأسرار الكنيسة ،واعتبار
ما هو مشترك في طريقة االحتفال باألسرار السبعة ،عبر التقاليد الليترجية المتنوّ عة .وأمّا ما
يختصّ به ك ّل سرّ فيأتي عرضُه الحقا ً .هذا التعليم األساسي في شأن االحتفال باألسرار ،يجيب
على األسئلة التي يطرحها المؤمنون في هذا المجال :
-من يحتفل بالسرّ؟
-كيف نحتفل به؟
-متى نحتفل به؟
-أين نحتفل به؟
المقال األول
االحتفال بليترج ّيا الكنيسة
-6666المحتفلون هم الجماعة كلّها ،جسد المسيح الم ّتحد برأسه" .األعمال الليترجية ليست
أعماالً فرديّة ولك ّنها احتفاالت الكنيسة ،التي هي "سر الوحدة" ،أي الشعب المقدس مجتمعا ً
ِّ
وتؤثر فيه .إال ّ أ َّنها ومنتظما ً تحت سلطة األساقفة .فهي من ث َّم أعمال جسد الكنيسة كلّه ُتظهره
ُتدرك ك ّل واحد من أعضائه بطريقة تختلف باختالف الدرجات والوظائف واالشتراك الفعلي".
ولذا "فك ّل مرّ ة تتطلّب الطقوس ،ك ُّل وفقا ً لطبيعته ،احتفاالً مشتركاً ،مع إقبال المؤمنين عليه
واشتراكهم الفعليّ فيه ،ال ب ّد من التنويه ،قدر االمكان ،بأفضلية االحتفال الجمهوريّ على االحتفال
.الفرديّ وشبه الخاص"
-6666الجماعة المختلفة هي أسرة المعمّدين الذين "تق ّدسوا بالوالدة الجديدة ومسحة الروح
القدس ،ليصيروا بيتا ً روح ّيا ً وكهنوتا ً مقدسا ً ويقرّ بوا بك ّل أعمال المسيحيّ ذبائح روحيّة" .هذا
"الكهنوت العام" هو كهنوت المسيح ،الكاهن األوحد ،الذي يشترك فيه ك ّل أعضائه.
" إنّ الكنيسة األم ترغب أش ّد الرغبة في ان يُشجّ ع المؤمنون جميعهم على المشاركة الكاملة والواعية والفاعلة
في احتفاالت الليترجيا هذه التي تقتضيها طبيعة الليترجيا نفسها ،والتي أصبحت من ّ
حق الشعب المسيحي
.وواجبه ،بفعل المعمودية ،وأل ّنه "جي ٌل مختار وكهنوت ملكيّ وأمّة مقدسة وشعب مفتدى"( : 2بط )1 : 1
-6666ولكن "ليس لجميع األعضاء عمل واحد"(رو , )2 : 21ثمّة أعضاء يدعوهم هللا ،في
ً
خدمة خاصة في الجماعة .هؤالء الخ ّدام يُختارون الكنيسة وبواسطة الكنيسة ،إلى أن يمارسوا
ويُكرّ سون بسرّ الكهنوت الذي به يجعلهم الروح القدس أهالً ألن يسعوا في شخص المسيح
الرأس ،إلى خدمة جميع أعضاء الكنيسة .الخادم المرسوم هو شبه "أيقونة" المسيح الكاهن .وبما
سر الكنيسة يعتلن اعتالنا ً كامالً في االفخارستيّا ،فخدمة األسقف َتظهر أوّ الً في ترؤُ س حفلة
أنّ َ
.االفخارستيا ،باالشتراك مع الكهنة والشمامسة
صة أخرى ،غير مكرّ سة بسرّ -6666لالضطالع بوظائف كهنوت المؤمنين العام ،هناك خد ٌم خا ّ
الكهنوت ،يحدد األساقفة مهامّها وفاقا ً للتقاليد الليترجيّة والحاجات الرعائيّة" .حتى الخ ّدام والقرّاء
.والشرّ اح والمنضوون إلى جماعة المرتلين ،جميعهم يقومون بخدمة ليترجية حقيقيّة"
-6666هكذا ،في االحتفال باألسرار ،الجماعة كلّها "تقيم الليترجيا" ك ٌّل بحسب وظيفته ،ولكن في
"وحدة الروح" الذي يعمل في الجميع" .في احتفاالت الليترجية يُطلب من ك ّل شخص ،سوا ٌء أكان
خادما ً للسرّ أم علمان ّياً ،أن يعمل ،لدى قيامه بوظيفته ،العمل كلّه الذي يقع عليه من جرّ اء طبيعة
.األمور ومن جرّ اء األنظمة الليترجية ،وأن ال يتعدّاه إلى سواه من األعمال"
بالسر
ّ .ً6كيف نحتفل
عالمات ورموز
-6665ك ّل احتفال باألسرار هو نسج من عالمات ورموز .هذه العالمات والرموز تتجذر
لخطة هللا الخالصيّة وطريقته التربويّة ،في عمل الخلق والثقافة البشريّة ،وتتضح معانيها ،وفاقا ً ّ
كاملة في شخص المسيح وعمله ً .في أحداث العهد القديم ،وتتجلّى
-6669عالمات من عالم البشر .في حياة البشر ،تش ّكل العالمات والرمزو حيّزاً الفتاً .فاإلنسان،
بوصفه كائنا ً جسد ّيا ً وروح ّياً ،يعبّر عن الحقائق الروحيّة ويدركها عبر عالمات ورموز ما ّدية.
وبوصفه كائنا ً اجتماع ّيا ً يحتاج إلى عالمات ورموز تواصليّة ،عبر اللغة والحركات واألعمال.
وهذا دأبه أيضا ً في عالقته باهلل.
-6666إنّ هللا يخاطب االنسان بواسطة الخليقة المرئيّة .فالعالم الما ّدي يتراءى للذهن البشري
ليقرأ فيه آثار خالقه .فالنور والظلمة ،والريح والنار ،والماء والتراب ،والشجر وثمارها ،تتح ّدث
.عن هللا ،وترمز ،في آن واحد ،إلى عظمته وقربه
-6666هذه األشياء الحسّية المخلوقة ،يمكن أن تصبح أداة للتعبير عن عمل هللا الذي يق ّدس البشر
وعمل البشر الذين يؤ ّدون هلل عباداتهم .على هذا المنوال أيضا ً نفهم عالمات الحياة االجتماعية
ورموزها :فالغسل والمسح ،وكسر الخبز وتقاسم الكأس ،كلّها تعبّر عن حضور هللا المق ِّدس
.وشكر االنسان لخالقه
مؤثرة غالباً ،على هذا الطابع الكوني والرمزي -6666الديانات البشرية الكبرى تشهد ،بطريقة ّ
الكامن في الطقوس الدينية .وأمّا ليترجيا الكنائس فهي تفترض وتض ّم وتق ّدس عناصر الخليقة
والثقافة البشرية ،وتضفي عليها من الكرامة ما هو من آيات النعمة والخليقة الجديدة في المسيح
.يسوع
-6656عالمات العهد .لقد تلقّى الشعب المصطفى من هللا عالمات ورموزاً فارقة تميّز حياته
الليترجية :فلم يعد ثمّة فقط احتفاالت مرتبطة بالمدارات الكونية واألحوال االجتماعية ،بل
عالمات العهد ،ورموز عظائم هللا لشعبه .من هذه العالمات الليترجيّة في العهد القديم ،نذكر
الختان والمسح وتكريس الملوك والكهنة ،ووضع األيدي ،والذبائح ،وخصوصا ً الفصح ،وترى
.الكنيسة في هذه العالمات إيذانا ً بأسرار العهد الجديد
-6656عالمات تب ّناها المسيح .لقد استعمل الرب يسوع غالباً ،في كرازته ،عالمات مستوحاة
من الخليقة ليعرّ ف الناس بأسرار ملكوت هللا ،وحقق شفاءاته وأيّد كرازته بعالمات ما ّدية وأفعال
رمزية ،وأضفى معنى جديداً على أحداث العهد القديم ورموزه ،والسيّما الخروج من مصر
.والفصح ،وال غرو فالمسيح هو نفسه لُبّ جميع هذه الرموز ومغزاها
-6656عالمات أسرار ّية .منذ العنصرة يُجري الروح القدس نعمة القداسة عبر العالمات
األسرارية في الكنيسة .أسرار الكنيسة ال تلغي بل تطهّر وتجبي كل ثروة اآليات والرموز الكامنة
في الكون وفي الحياة االجتماعية .وهي إلى ذلك تتمّم رموز العهد القديم ورسومه وتفسّر معنى
الخالص الذي صنعه المسيح وتحققه ،وتؤذن بمجد السماء وتستبقه.
أقوال وأعمال
ُترجم هذا
-6656االحتفال باألسرار هو لقاء بين ابناء هللا وأبيهم ،في المسيح والروح القدس ،وي َ
ك أنَّ األعمال الرمزية هي ،بحد ذاتها ،لغة ،ولكن الب ّد أن اللقاء حواراً عبر أعمال وأقوال .ال ش َّ
يؤتي زر ُع الملكوت ثمرّ ه في َ يواكب هذه األعمال ويُنعشها كال ُم هللا وجوابُ االيمان ،لكي
االرض الطيّبة .األعمال الليترجيّة ترمز إلى ما يعبّر عنه كالم هللا :أي ما يصدر عن هللا من
آن واحد
.ابتدار مجّانيّ وعن شعبه من جواب إيماني ،في ٍ
-6656ليترجيا الكلمة جزء ال يتجزأ من الحفالت األسراريّة .فالب ّد ،لتغذية إيمان المؤمنين ،من
التنويه بالعالمات التي ترافق كالم هللا :كتاب الكلمة(كتاب الرسائل أو االنجيل) ،تعابير اإلجالل
الموجّ ه إليه(التطواف ،البخور ،الشموع) ،مكان إعالنه(المنبر) تالوته بطريقة مسموعة
ومفهومة ،العظة التي يلقيها المحتفل بعد التالوة ،أجوبة الجماعة(الهتفات والمزامير التأمليّة،
.والطلبات ،واعالن اإليمان)
-6655القول والعمل في الليترجيا ال يفترقان من حيث هما عالمات وتعليم ،كما أ َنهما ال يفترقان
ُفه َمنا كالم هللا ،باعثا ً فينا نفحة
لكونهما يُحقّقان ما يرمزان إليه .فالروح القدس ال يكتفي بأن ي ِ
اإليمان ،بل يحقّق أيضا ً باألسرار "عظائم" هللا المعلنة في الكلمة :إ ّنه يجعل عمل اآلب الذي
وموزعا ً على الجميع
ّ .أنجزه االبن الحبيب آن ّيا ً
الترنيم والموسيقى
" -6659التراث الموسيقي في الكنيسة الجامعة كن ٌز ال ُتق ّدر له قيمة ،وال يسمو إليه تعبي ٌر فنيّ
آخر ،وذلك خصوصا ً بأنَّ الترنيم المق ّدس مقترن بالكالم وأ ّنه ،من ث ّم ،قس ٌم ضروريّ من الليترجيا
االحتفاليّة ومت ّم ٌم لها" .تلحين المزامير المل َهمة وترتيل ُها ،وما يرافقهما غالبا ً من آالت موسيقيّة
مرتبطان ارتباطا ً وثيقا ً باالحتفاالت الليترجية في العهد القديم .فالكنيسة تواصل هذا التراث
وتنميه" .ر ّتلوا فيما بينكم مزامير وتسابح وأناشيد روحانيّة .ر ّتلوا وسبّحوا للرب من صميم
القلب"(أف " :)21 :1من ير ّنم يص ّل مرّ تين".
-6656الترنيم والموسيقى "مرتبطان ارتباطا ً وثيقا ً بالعمل الليترجيّ " ،وهذا ما يجعلهما من
العالمات المميّزة ،انطالقا ً من مقاييس رئيسة ثالثة :روعة الصالة التعبيريّة ،اشتراك الجماعة
باالجماع في األوقات الملحوظة ،والطابع االحتفالي للصالة :وهكذا يُساهمان في تحقيق الغاية
متوخاة من األقوال واألفعال الليترجيّة :وهي تمجيد هللا وتقديس المؤمنين. ّ ال
تأث ُ
رت لذلك! بكيت لدى سماعي أناشيدكم وتسابيحكم واالصوات الرخيمة التي مأل صداها كنيستكم .ولَك ْم ّ
ُ "لَ َكم
عظيم من التقوى يشجعني ،وبالدموع تسيل بتيار
ٍ ُ
شعرت ّ
وتقط ُر الحقيقة في قلبي .لقد لقد كانت تنساب في أذنيَّ
ٍ
.على وجنتي ،و ُتصلح أمري"
-6656تنا ُغم العالمات(الترانيم والموسيقى ،واألقوال واألعمال) يشت ّد هنا تعبيراً ويزداد خصبا ً
بمقدار ما يعتمد الثروة الثقافية التي يختصّ بها شعب هللا المحتفل ،أدا ًة للتعبير .ولذا" ،ال ب ّد من
ُ
بحيث يُتاح ألصوات المؤمنين" طبقا ً لقوانين يعزز الترنيم الدينيّ الشعبيّ تعزيزاً بصيراً،
أن ّ
الكنيسة" ،من أن ُتسمع في الممارسات التقويّة المق ّدسة وفي األعمال الليترجيّة نفسها" ولكنّ
ً
مطابقة للعقيدة الكاثوليكيّة ،ومستقاة باألحرى "النصوص المع ّدة للترنيم الكنسي ،يجب أن تكون
.من الكتاب المق ّدس ومن الينابيع الليترجيّة"
الرسوم المقدّسة
ّ ّ
-6656الصورة المقدسة ،واإليقونة الليترجية تمثل المسيح خصوصاُ ،وال يجوز أن تمثل هللا
الذي ال يُرى وال يُدرك .إنَّ ابن هللا هو الذي افتتح بتجسّده "نهجاً" جديداً في استعمال الصور :
ّ
المنزه عن الجسد والشكل .ولكن وقد ظهر لنا اليوم في "لم يكن ممكنا ً على االطالق قديما ً ان ّ
يمث َل بالصورة هللا
الجسد وعاش مع الناس ،يجوز لي أن ارسم صورة ما رأيت من هللا .فنحن نعاين مجد الرب بوجهه المكشوف".
-6696االيقونوغرافيّة المسيحية تنقل ،بالصورة ،الرسالة االنجيلية التي ينقلها الكتاب المق ّدس
بالكلمة .الصورة والكلمة تستنير أحداهما باألخرى :
المدونة التي سُلِّمت إلينا بال تحوير .منها
ّ صاً ،نحتفظ بك ّل تقاليد الكنيسة المدوّ نة وغير
"لكي نعلن إيماننا ملخ ّ
تمثيل الصور بالرسم ،وهو يتماشى مع كرازة التاريخ اإلنجيلي .ونعتقد أنّ هللا الكلمة قد تأ ّنس ح ّقا ،ال في
الظاهر ،وهذا يعود علينا بذات النفع وذات الفائدة ،ألنّ األشياء التي يستنير بعضها ببعض لها ،بال مراء ،مغزى
.متبادل"
-6696جميع عالمات االحتفال الليترجيّ لها صلة بالمسيح :كذلك الصور المق ّدسة لوالدة اإلله
القديسة وصور القديسين لها هي أيضا ً عالقة به ،وترمز إلى المسيح الممجّ د فيهم .بها تتجلّى
"سحابة الشهود"(عب )2 : 21الذين ال يزالون يشتركون في خالص العالم ،ونحن م ّتحدون بها
والسيّما في االحتفال باألسرار .هو اإلنسان يتجلّى إليماننا من خالل األيقونة ،اإلنسان المخلوق
"على مثاله" ،بل هم المالئكة أيضا ً وقد تج ّددوا هم أيضا ً في المسيح :
"بموجب العقيدة الموحاة إله ّيا ً لدى آبائنا الق ّديسين وتقليد الكنيسة الكاثوليكية الذي نعرف أنه تقليد الروح القدس
الساكن فيها ،لقد ح ّددنا بك ّل يقين وحق ،أنَّ الصور المق ّدسة وكذلك رسوم الصليب الكريم المحيي ،أ ّيا ً كانت
طريقة رسمها ،بالفسيفساء أو بأيّ مادة أخرى ،يجب أن توضع في كنائس هللا المق ّدسة ،وعلى األواني والحلل
المق ّدسة ،وعلى الجدران واللوحات ،في البيوت وفي الطريق ،سواء صورة ربّنا وإلهنا ومخلّصنا يسوع المسيح،
أم صور سيّدتنا الفائقة الطهارة والقداسة والدة اإلله وصور جميع األبرار والق ّديسين".
" -6696جمال الصور وألوانها تحفز صالتي .إ ّنها عيد لِعيْنيَّ كما أنّ مشهد الريف يدفع قلبي إلى
تسبيح هللا" .مشاهدة األيقونات المق ّدسة ،المقرونة بتأمّل كلمة هللا وترنيم األناشيد الليترجيّة ،تنسجم
مع رموز االحتفال فينطبع السرّ المحت َفل به في ذاكرة القلب وينعكس بعدئذ في حياة المؤمنين
.الجديدة
" -6696إنّ أمّنا الكنيسة المق ّدسة تحسب من صالحيّتها االحتفال بالعمل الخالصيّ الذي أجراه
عروسها اإللهي ،وذلك في ذكرى مُق ّدسة ُتحييها في أيام معيّنة على م ّد السنة وطولها .فك ّل
اسبوع ،في اليوم الذي دعته "يوم الربّ " ،تحيي ذكرى قيامة الرب التي تحتفل به أيضا ً مرّ ة في
السنة ،كما تحتفل بذكرى آالمه المحيية في االحتفال الفصحي األعظم .وهي تبسط سرّ المسيح كلّه
على مدار السنة .وفيما تحتفل هكذا بأسرار الفداء ،تفتح للمؤمنين كنوز فضائل ربّها واستحقاقاته،
.فكأنّ تلك األسرار قد أصبحت أبداً حاضرة لديهم يحت ّكون بها ويمتلئون من نعمة الخالص"
-6696لقد عرف شعب هللا ،منذ عهد الشريعة الموسويّة ،أعياداً ثابتة تبدأ من الفصح إلحياء
ذكرى عجائب هللا المخلّص ،وتأدية الشكر عليها ،وتخليد ذكرها ،وتدريب األجيال الصاعدة على
أن يسلكوا بموجبها .في زمن الكنيسة ،الممت ّد بين فصح المسيح الذي ت ّم مرّ ة واحدة وانقضائه في
.ملكوت هللا ،تحمل الليترحيّا التي يُحتفل بها في أيام معيّنة طابع الج ّدة النابعة من سرّ المسيح
-6695عندما تحتفل الكنيسة بسرّ المسيح تستعمل لفظة تتر ّدد دوما ً في صالتها " :اليوم"،
"وما ذلك سوى صدى" للصالة التي َتعلّ َم ْتها من سيّدها ،ولنداء الروح القدس .هذا "اليوم" ،يوم
اإلله الحيّ الذي يدعى االنسان إلى ولوجه ،هي "ساعة" فصح يسوع التي تخترق التاريخ كلّه
وتحمله :
"الحياة شملت جميع الكائنات وقد امتألت كلّها نوراً عميماًَ .مشرق المشارق يجتاح البسيطة ،ومن هو "قبل
كوكب الصبح" وقبل النيّرات ،الخالد الذي ال ح ّد له ،المسيح األكبر يشرق على جميع الكائنات أكثر من الشمس.
ولذا فنحن المؤمنين به يبزغ علينا نهار من النور ،طويل وأبدي ال يغرب أبداً :إ ّنه الفصح
.السرّ ي"
يوم الرب
شيا ً مع تقليد رسولي يرتقي بجذوره إلى اليوم نفسه الذي قام فيه المسيح ،تحتفل " -6699تم ّ
بحق يوم الرب أو اليوم الربّاني(يوم األحد). الكنيسة بالسرّ الفصحي في كل يوم ثامن وهو يُسمّى ّ
آن واحد" ،أوّ ل يوم من االسبوع" وهو تذكار اليوم األول من الخليقة، يوم قيامة المسيح هو ،في ٍ
و "اليوم الثامن" الذي فيه بدأ المسيح ،من بعد أن استراح راح َة السبت العظيم ،اليو َم "الذي صنعه
الرب" و "النهار الذي ال مساء له"" .مائدة الرب" هي محور هذا النهار ،فيه تلتقي جماعة
.المؤمنين كلّها الربّ القائم من بين األموات الذي يدعوهم إلى وليمته"
"يوم الرب أو يوم القيامة ،أو يوم المسيحيين ،هو يومنا .ولذا دعي يو َم الرب :ألنّ السيد في ذلك اليوم ،صعد
ظافراً إلى أبيه .فإذا كان الوثنيّون يدعونه يوم الشمس ،فنحن أيضا ً نعترف بذلك بملء الرضى ،ألنه اليوم بزغ
ً
حاملة لنا الخالص بأشعّتها". نور العالم ،اليو َم طلعت شمس البرّ
-6696يوم األحد هو اليوم المشهود لإلجتماع الليترجي ،فيه يلتئم المؤمونون " ليسمعوا كلمة هللا
ويشتركوا في اإلفخارستيّا ،ويستعيدوا ذكرى آالم الربّ يسوع وقيامته ومجده ،ويؤ ّكدوا الشكر هلل
الذي ،على حسب رحمته الكثيرة ،ولَدَهم ثانية لرجاء حيّ بقيامة يسوع المسيح من بين
األموات"( 2بط : )3 : 2
"أيها المسيح ،عندما نتأمّل العجائب التي صنعتها في يوم األحد هذا ،يوم قيامتك المق ّدسة ،نقول :تبارك يوم
األحد ،ففيه كان بدء الخليقة وخالص العالم وتجديد الجنس البشري .فيه جذلت السماء واألرض معاً ،والخليقة
.امتألت نوراً .تبارك يوم األحد ،ففيه انفتحت أبواب الفردوس ليدخله آدم بال خوف ،وجميع المنفيّين معه"
-6696إنطالقا ً من الثالثية الفصحية ،كما من نبع نوراني ،يمأل الزمن القيامي الجديد ك ّل السنة
ليترجيّة بأضوائه .وتتجلّى السنة الليترجيّا ،شيئا ً فشيئاً ،انطالقا ً من هذا الينبوع .إ ّنها حقّا ً
ك أنّ تدبير الخالص يعمل في إطار الزمن ،ولكن منذ أن تحقّق "سنة نعمة عند الرب" .ال ش ّ
الخالص بفصح يسوع وحلول الروح القدس ،بلغنا انقضاء الدهر قبل أوانه ،واستبقنا مذاقه ،وولج
.ملكوت هللا في زماننا
-6696ليس الفصح ،من ث ّم ،عيداً بين أعياد :إ ّنه "عيد األعياد" و "موسم المواسم" ،كما أنّ
االفخارستيا هي سرّ األسرار(السر األعظم) .ويدعوه القديس أثناسيوس "األحد الكبير" ،كما أنّ
االسبوع المق ّدس يدعى ،في الشرق" ،االسبوع العظيم" .إنّ سرّ القيامة الذي به داس المسيح
.الموتُ ،يدخل في مطاوي زمننا العتيق قوّ ته المقتدرة ،إلى أن يُخضع له كل شيء
-6666في مجمع نيقيّة(سنة )311أجمعت الكنائس كلّها ان يُحتفل بالفصح المسيحي نهار األحد
بعد البدر( 22نيسان) الذي يلي االعتدال الربيعي .بسبب الطرق المختلفة المستعملة لحساب يو
22نيسان ،ال يقع تاريخ الفصح في الكنائس الغربيّة والشرقيّة دوما ً في اليوم عينه ،لذلك تسعى
هذه الكنائس اليوم إلى ا ّتفاق للتوصّل ثانية إلى االحتفال بعيد قيامة الرب في تاريخ
.موحّ د
-6666السنة الليترجية هي امتداد السرّ الفصحي في مختلف وجوهه .ويص ّح هذا على األخصّ
في دورة األعياد التي تكتنف سرّ التجسّد(البشارة ،الميالد ،الظهور) والتي تحيي ذكرى بدء
.خالصنا ،وتزوّ دنا ببواكير سرّ الفصح
" -6666إذ تحتفل الكنيسة المق ّدسة بأسرار المسيح في هذا المدار السنوي ،تكرّ م بمحبّة خاصّة
الطوباوية مريم والدة اإلله الم ّتحدة بابنها في عمل الخالص ا ّتحاداً وثيقاً .ففيها ترى الكنيسة
بإعجاب وتعظيم ثمرة الفداء السامية ،وتتأمّل بغبطة ،كما في صورة نقيّة ج ّداً ،ما تشتهي وتأمل
أن تحقّقه في كامل ذاتها".
-6666عندما تحيي الكنيسة ،في المدار السنوي ،ذكرى الشهداء وسائر الق ّديسين ،فهي "تعلن
السرّ الفصحي" في الذين واللواتي "تألموا مع المسيح ونالوا المجد معه ،وتق ّدمهم للمؤمنين م ُُثالً
.تجذبهم جميعا ً إلى اآلب بالمسيح ،وتنال باستحقاقاتهم مواهب هللا"
ليترجيا الساعات
-6666إنّ سرّ المسيح ،سرّ تجسّده وفصحه ،الذي نحتفل به في االفخارستيا ،وال سيّما في محفل
األحد ،يداخل الزمن اليومي ويحوّ له بإقامة ليترجيا الساعات ،أي "الفرض اإللهي" .هذا االحتفال
الذي نقيمه امتثاالً لتوصيات الرّ سل بأن"نصلّي بال ملل"" ،قد ًوضع وضعا ً يتكرّ س معه مجرى
النهار والليل كلّه لمديح هللا" .الفرض اإللهي هو "صالة الكنيسة العامة" ،فيها يُمارس
المؤمنون(إكليروسا ً ورهبانا ً وعلمانيّين) الكهنوت الملكيّ النابع من معموديّتهم .ليترجيا الساعات،
حقيقة صوت العروس نفسها ً إذا ت ّم االحتفال بها في "الصفة التي وافقت" عليها الكنيسة" ،هي
تخاطب عريسها ،بل هي ،إلى ذلك ،صالة المسيح مع جسده إلى اآلب"
-6665ليترجيا الساعات تهدف إلى أن تصير صالة شعب هللا برمّته .بها "يواصل المسيح نفسه ممارسة
وظيفته الكهنوتيّة بواسطة كنيسته" :ك ّل واحد يشارك فيها بحسب مكانته الخاصة في الكنيسة ،وظروف حياته:
الكهنة على أ ّنهم متفرّ غون للخدمة الراعوية ،ومدعوون إلى ان يظلّوا مثابرين على الصالة وخدمة الكلمة،
والرهبان والراهبات من منطلق موهبة حياتهم المكرّسة ،والمؤمنون كلّهم بحسب امكاناتهم" :ليحرص الرعاة
الروحيّون على أن يُح َتفل في الكنيسة بالساعات الرئيسة وال سيّما صالة المساء بطريقة مشتركة ،وذلك في أيّام
اآلحاد واألعياد االحتفالية .ويُحرّ ض العلمانيّون أنفسهم على تالوة الفرض اإللهي مع الكهنة ،أو في اجتماعاتهم
.الخاصة ،أو كالًّ على انفراد"
-6669االحتفال بليترجيا الساعات يقتضي ال تناغم الصوت والقلب المصلّي وحسب ،بل
".تحصيل معرفة أوسع لليترجيا وللكتاب المق ّدس ،والسيّما المزامير"
-6666تسابيح صالة الساعات وطلباتها ُتدخل صالة المزامير في زمن الكنيسة ،معبّرة عن
رمزية لحظة النهار ،والزمن الليترجي أو العيد المُحت َفل به .أضف إلى ذلك ان تالوة كلمة هللا في
ك ّل ساعة(مع الر ّدات والطروباريات التي تليها) وتالوة نصوص من اآلباء والمعلّمين الروحيّين،
في بعض الساعات ،تجلوان ،بطريقة أعمق ،معنى السرّ المحتفل به ،وتساعدان في فهم المزامير،
وتمهّدان للتأمل الصامت .التالوة اإللهية ،حيث نقرأ كلمة هللا ونتمعّن فيها لتصبح صالة ،تتأصّل
.هكذا في االحتفال الليترجيّ
-6666ليترجيا الساعات التي هي شبه امتداد لالحتفال االفخارستيّ ،ال تنفي بل تستدعي ،على
سبيل التكامل ،ما يقوم به شعب هللا من أعمال تقويّة متنوّ عة والسيّما السجود والتعبّد للقربان
.المقدس
بالسر ؟
ّ .ً6أين يت ّم االحتفال
بمكان دون آخر .فاألرض ٍ -6666العبادة "بالروح والحق"(يو )12 : 2في العهد الجديد ،ال تتقيّد
كلّها مق ّدسة وموكولة إلى ابناء البشر .فما هو أوّ ل ،عندما يجتمع المؤمنون في مكان واحد ،إ ّنما
هو "الحجارة الحيّة" الملتئمة "لبناء بيت روحاني"(2بط .)1 : 1جسد المسيح الناهض هو الهيكل
الروحي ،منه ينبجس ينبوع الماء الحي .وبما أ ّننا مندمجون في المسيح بالروح القدس فإ ّنما نحن
".هيكل هللا الحي"(1كو )21 : 1
-6666حيث ممارسة الحرية الدينية ال قيود لها ،يشيّد المسيحيون أبنية مُع ّدة للعبادة اإللهية .هذه
الكنائس المرئيّة ليست فقط مجرّ د أمكنة للتجمّع بل هي رمز الكنيسة القاطنة في هذا المكان،
والموحدين في المسيح.
َ وتظهرها مسكنا ً هلل مع الناس المصالحين
" -6666إن بيت الصالة الذي يُحتفل فيه باالفخارستيا وفيه ُتح َفظ ،ويجتمع المؤمنون فيه ،ويكرّ م
صنا ،المقرّب ألجلنا على المذبح ،الحاضر سنداً للمسيحيّين ومشجّ عاً ،يجب أن فيه ابن هللا مخلّ ُ
يكون جميالً وأهالً للصالة واالحتفاالت االفخارستية" .في "بيت هللا" هذا ،يجب أن يظهر المسيح
.الحاضر والعامل فيه ،من خالل العالمات الحسّية في حقيقتها وتناغمها
-6666مذبح العهد الجديد هو صليب الربّ الذي منه تنبع أسرار السرّ الفصحي .على المذبح ،وهو
النقطة المركزية في الكنيسة ،يُح َّق ُق حضور ذبيحة الصليب تحت العالمات السرّ ية .وهو أيضا ً مائدة
الربّ التي يُدعى إليها شعب هللا .وفي بعض الليترجيّات الشرقيّة يُعتبر المذبح رمزاً للقبر(المسيح الذي
.مات ح ّقا ً ونهض ح ّقا ً من بين األموات)
-6666بيت القربان يجب أن يوضع "في أليق مكان في الكنائس ،محاطا ً بأعظم اإلكرام" .كرامة
بيت القربان ووضعه وأمانه يجب أن ُتشجِّ ع المؤمنين على عبادة الربّ الحاضر حقّا ً في سرّ
.المذبح المق ّدس
زيت التثبيت(أو الميرون) الذي ترمز المسحة به إلى ختم موهبة الروح القدس ،يُحفظ تقليد ّيا ً مع
شعائر االجالل في موضع أمين في المقدس ،ويمكن أن يُض ّم إليه زيت الموعوظين وزيت
المرضى.
-6666كرسي األسقف(الكاتدرا) أو الكاهن "يجب أن يشعر بوظيفة من يرئس االجتماع ويؤ ّم
.الصالة"
المنبر " :كرامة كلمة هللا تقضي بأن يُقام في اكنيسة موضع يساعد في أعالن هذه الكلمة ،وإليه
.ي ّتجه عفو ّيا ً انتباه المؤمنين ،أثناء ليترجيا الكلمة"
-6665تجمّع شعب هللا يبدأ بالمعموديّة .يجب أن يُقام إذن في الكنيسة مقام لالحتفال بالمعمودية(جرن
.المعمودية) ويشجَّ ع المؤمنون على أن يتذ ّكروا وعود المعموديّة(الماء المق ّدس)
تجديد الحياة بالمعمودية يتطلّب التوبة .فعلى الكنيسة أن تشجّ ع المؤمنين على التعبير عن توبتهم و َت َقبُّل الغفران،
.وهذا يستلزم مكان الستقبال التائبين
-6669وتنطوي الكنيسة أخيراً على معنى أخرويّ .فدخول بيت هللا يفترض اجتياز عتب ٍة هي
َّ
المثخن بالخطيئة إلى عالم الحياة األبدية التي ُدعي إليها الناس أجمعون. رمز العبور من العالم
فالكنيسة المرئية ترمز إلى البيت األبوي الذي يشخص إليه شعب هللا .وحيث "يم َسح اآلب ك ّل
دمعة من عيوونهم"(رؤ .)2 : 12من هنا أنّ الكنيسة هي أيضا ً بيت أبناء هللا كلّهمُ ،تفتح لهم على
.مصراعيها وترحّ ب بهم
بإيجاز
-6666الليترجيا هي عمل المسيح ك ّله برأسه وجسده .حبرنا األعظم ال يكفّ عن االحتفال بها
في الليترجيا السماويّة بمعيّة والدة اإلله الق ّديسة والرّسل وجميع القديسين وحشد الناس الذين دخلوا
الملكوت.
-6666في كل احتفال ليترجي ،الجماعة ك ّلها "تقيم الليترجيا" ك ّل بحسب وظيفته .الكهنوت
ُمثلوا المسيحالعمادي يشمل جسد المسيح بأجمعه .ولكنّ بعض المؤمنين يُمنحون س ّر الكهنوت لي ّ
بصفته رأس الجسد.
ُت إلى الخليقة(النور ،الماء ،النار) ،وإلى -6666يتضمن االحتفال الليترج ّي عالمات ورموز ًا تم ّ
الحياة البشريّة(الغسل ،المسح بالزيت ،كسر الخبز) وإلى تاريخ الخالص(شعائر الفصح) .هذه
العناصر الكونيّة ،وهذه الطقوس البشريّة ،وهذه المآثر التي ُتذ ّكرنا باهلل ،إذا اندمجت في عالم
.اإليمان ،وتب ّنتها قوة الروح القدس ،أصبحت آنيّة تحمل عمل المسيح المخ ّلص والمق ِّدس
-6666ليترجيا الكلمة جزء ال يتجزأ من االحتفال .معنى االحتفال يعبّر عنه إعالن كلمة هللا من
.جهة والتزام المؤمنين لها من جهة أخرى
-6666الترنيم والموسيقى مرتبطان ارتباط ًا وثيق ًا بالعمل الليترج ّي :مقاييس حسن استعمالها هي
:.جمال الصالة التعبيري ،واشتراك الجماعة بأجمعها ،وقدسيّة الطابع االحتفال ّي
-6666الصور المق ّدسة في كنائسنا وبيوتنا تهدف إلى إيقاظ إيماننا بس ّر المسيح وتغذيته .فنحن
إ ّنما نعبد المسيح من خالل إيقونته وأعماله الخالصيّة .ومن خالل الصور المق ّدسة التي ّ
تمثل
.والدة اإلله القديسة والمالئكة والق ّديسين ُنج ِ ّل األشخاص الذين ّ
تمثلهم
-6666يوم األحد" ،يوم الرب" هو اليوم األهم لالحتفال باإلفخارستيا أل ّنه يوم القيامة .وهو يوم
المحفل الليترج ّي المميّز ،يوم األسرة المسيحية ،يوم الفرح واالستراحة من العمل .إ ّنه "ركيزة
.السنة الليترجية ك ّلها ونواتها"
-6666الكنيسة "تبسط س ّر المسيح ك ّله على مدار السنة ،من التجسّد والميالد إلى الصعود إلى
.يوم العنصرة وإلى انتظار الرجاء الصالح ومجيء الرب"
-6665إنّ الكنيسة األرضيّة ،إذ تحيي ذكرى القديسين وفي طليعتهم والدة اإلله الق ّديسة ثمّ الرسل
والشهداء وسائر القديسين ،في أيّام معيّنة من السنة الليترجيةُ ،تعلن أ ّنها م ّتحدة بالليترجيا السماويّة
:إ ّنها تمجد المسيح الذي أجرى خالصه في أعضائه الممجّدة وهم يحثونها بمثالهم ،في طريقها
.إلى هللا
-6669المؤمنون الذين يحتفلون بليترجيا الساعات ي ّتحدون بالمسيح َحبْرنا األعظم ،بصالة
المزامير وتأمّل كلمة هللا ،واألناشيد والتسابيح ،لكي يشتركوا في صالته الدائمة الشاملة التي ترف ُع
المجد إلى اآلب وتستنزل موهبة الروح القدس على العالم بأسره.
-6666المسيح هو هيكل هللا الحقيقي" ،والموضع الذي يستق ّر فيه مجده" ،بنعمة هللا يصير
.المسيحيون ،هم أيض ًا ،هياكل الروح القدس والحجارة الحيّة التي ُتبنى بها الكنيسة
-6666الكنيسة ،في حالتها األرضية ،بحاجة إلى أمكنة تلتئم فيها الجماعة .وهي كنائسنا المرئيّة:
.أماكن مق ّدسة ،رموز المدينة المق ّدسة ،أورشليم السماويّة التي نشخص إليها ُح ّجاجً ا
-6666في هذه الكنائس تقيم الكنيسة شعائر العبادة العامّة ،لمجد الثالوث الق ّدوس ،وفيها ُتسمع
كلمة هللا وتتر ّنم بتسابيحه وترفع صالتها وتقرّب ذبيحة المسيح الحاضر سرّي ًا وسط الجماعة .هذه
الكنائس هي أيض ًا أمكنة للتخ ّشع والصالة الشخصيّة.
المقال الثاني
السر
ّ ليترجي ووحدة في
ّ تنوع
ّ
-6666منذ عهد جماعة اورشليم األولى وإلى أن يأتي المسيح ،تحتفل كنائس هللا الوفيّة لإليمان
الرسولي بذات السرّ الفصحي ،في ك ّل مكان .فالسرّ الذي تحتفل به اللي ُترجيّا واحد ،ولكنّ طرق
.االحتفال به متنوعة
ُسبر غورها وال يستطيع أيّ تقليد ليترجي أن يستنفد مؤ ّداها. -6666إنّ ثروة سرّ المسيح ال ي َ
تاريخ هذه الطقوس ،في نشاتها وتطوّ رها ،دليل تكامل مدهش .وعندما مارست الكنائس هذه
ضها بعضاً ،ونمت في األمانة لما التقاليد الليترجية في شركة اإليمان وأسرار اإليمان ،أغنت بع ُ
.هو مشترك للكنيسة جمعاء من تراث ورسالة
-6666التقاليد الليترجية على أنواعها نشأت بدافع من الرسالة الكنسيّة نفسها .فالكنائس القائمة
على نفس الرقعة الجغرافية والثقافية توصّلت إلى االحتفال بسرّ المسيح من خالل تعابير خاصّة،
لها طابعها الثقافي ،في تراث "وديعة اإليمان" ،في الرمزية الليترجية ،في تنظيم الشركة األخويّة،
في اإلطالع الالهوتي على األسرار ،وفي نماذج قداسة .هكذا ،يتجلّى المسيح ،وهو نور الشعوب
طرّ اً وخالصها ،عبر الحياة الليترجية في كنيسة ما ،للشعب وللثقافة اللذين أُرسلت إليهما وفيهما
تجذرت .فالكنيسة كنيسة جامعة ،بإمكانها أن تستوعب ،ضمن وحدتها ،ك ّل الثروات الثقافية ّ
الحقيقيّة ،وتطهّرها.
-6666التقاليد الليترجية أو الطقوس المستعملة اليوم في الكنيسة هي الطقس الالتيني(خصوصا ً الروماني،
يُضاف إليه طقوس بعض الكنائس المحلّية ،كالطقس األمبروسي أو بعض المؤسسات الرهبانية) ،والطقس
البيزنطي االسكندريّ أو القبطي ،والسرياني ،واالرمني ،والماروني ،والكلداني" .إن المجمع المق ّدس ،في
مراعاته للتقليد بأمانة ،يعلن أنّ الكنيسة األم المق ّدسة تعتبر جميع الطقوس المعترف بها شرعا ً متساوية في
وتعزز شأنها بجميع الطرائق".
ّ الحقوق والكرامة ،وتريد للمقبل من األيام ان تحافظ عليها
-6666يُستحسن السعي ،في االحتفال الليترجي ،إلى استعمال ثقافة الشعب الذي ُتقيم فيه الكنيسة،
ً
وسيلة للتعبير بدون التقيّد بهذه الثقافة .والليترجيا ،من جهة اخرى ،هي نفسها مو ّلدة ثقافا ٍ
ت
َ
ومهذبتها.
-6666التقاليد الليترجية أو الطقوس ،على اختالفها ،إذا حظيت باعتراف شرعيُّ ،تظه ُر شموليّة
الكنيسة من حيث أ ّنها تعبّر عن س ّر المسيح الواحد وتب ّلغه.
-6666القاعدة التي تكفل للتقاليد اللي ُترجية وحدتها ضمن التنوعيّة هي األمانة للتقليد الرسول ّي أي
الشركة في اإليمان واألسرار الموروثة من الرسل ،تلك الشركة التي تعبّر عنها الخالفة الرسوليّة
وتضمنها.
القسم الثاني
أسرار الكنيسة السبعة
-6666أسرار العهد الجديد سبعة وهي من وضع المسيح :المعمودية والتثبيت واإلفخارستيا
والتوبة ومسحة المرضى والكهنوت والزواج .وتتصل هذه األسرار السبعة بك ّل المراحل وك ّل
الظروف الهامّة في حياة المسيحيّ :فهي تهب الوالدة والنموّ والشفاء واالستعداد لرسالة
المسيحيين في حياتهم اإليمانية .ففي هذا المجال نلحظ بعض ال ّ
شبه بين مراحل الحياة الطبيعية
.ومراحل الحياة الروحيّة
-6666بموجب هذه المقارنة سنعرض أوالً أسرار التنشئة المسيحية الثالثة(الفصل األول) ثم
أسرار الشفاء(الفصل الثاني) وأخيراً األسرار الموضوعة لخدمة شركة المؤمنين
ك أن هذا التسلسل ليس هو التسلسل الممكن الوحيد ،ولك ّنه يُرينا ورسالتهم(الفصل الثالث) .ال ش ّ
أن األسرار تكوّ ن جهازاً يشغل فيه ك ّل سرّ مكانته الحيويّة .في هذا الجهاز تحت ّل االفخارستيا
.مكانا ً فريداً من حيث هي "سرّ األسرار" " :فك ّل األسرار األخرى تشخص إليها كما إلى غايتها"
الفصل األول
أسرار التنشئة المسيحية
-6666أسرار التنشئة المسيحية :المعمودية والتثبيت واالفخارستيا ُترسي ركائز ك ِّل حياة
مسيحية" .االشتراك في الطبيعة اإللهية الذي هو عطيّة من عطايا نعمة المسيح على البشر ،فيه
بعض الشبه مع مصدر الحياة الطبيعية ونموّ ها ودعمها .فالمؤمنون يولَدون بالمعموديّة والدة
ثانية ،ويتقوّ ون بسرّ التثبيت ،ويتناولون ،في االفخارستيا ،خبز الحياة األبديّة .وهكذا بواسطة هذه
األسرار التي ُتدخل إلى الحياة المسيحيّة يحظى المؤمنون ،أكثر فأكثر ،بثروات الحياة اإللهية
.ويتق ّدمون نحو كمال المحبّة"
المقال األول
سر المعمود ّية
ّ
-6666المعمودية المقدسة هي ركيزة الحياة المسيحية كلّها ورتاج الحياة في الروح ،والباب الذي
يوصل إلى األسرار األخرى .فبالمعمودية ُنع َتق من الخطيئة ونولد ثانية ميالد أبناء هللا ،ونصير
أعضاء للمسيح ،ونندمج في الكنيسة ونصبح شركاء في رسالتها" .المعمودية هي سرّ الوالدة
.الجديدة بالماء والكلمة"
-6666يُسمى "معمودية" نظراً إلى الطقس األساسي الذي يتحقق به :فالتعميد هو "التغطيس"
أو "التغويص" في الماء "فالتغطيس" في الماء يرمز إلى دفن الموعوظ في موت المسيح
.وخروجه ،بالقيامة معه" ،خليقة جديدة"( 1كو ،21 : 1غل )21: 1
-6665ويدعى هذا السرّ أيضا ً "غسل الميالد الثاني والتجديد بالروح القدس"(تي )1: 3ألنه
يلهم ويحقّق هذا الميالد من الماء والروح الذي بدونه "ال يستطيع أحد أن يدخل ملكوت هللا"(يو 3
)1 :.
" -6669هذا الغسل يُسمى أيضا ً استنارة ،ألن الذين يتلقّون هذا التعليم(في الكرازة) يستنير به
ذه ُنهم" .فعندما يتلقّى المُعمَّد الكلمة "النور الحقيقي المنير ك ّل إنسان"(يو )1 : 2يصبح،
"بعدما أنير"" ،ابنا ً للنور" ،بل يصبح هو نفسه "نوراً"(أف .)8 : 1
" المعمودية هي "أجمل وأبهى عطيّة من عطايا هللا نسمّيها عطيّة ونعمة ومسحة واستنارة وثوب عدم الفساد
وغسل الميالد الثاني ،وختما ً وك ّل ما هو أنفس النفائس .فهي عط ّية أل ّنها ُتمنح للذين ال يأتون بشيء ،وهي نعمة
ألنها ُتعطى حتى للمذنبين ،وتغطيس ألنّ الخطيئة ُتدفن في الماء ،ومسحة ألنها مقدسة وملكية(على غرار
المسحاء) ،واستنارة أل ّنها ضياء سنيّ ،وثوب ،ألنها تستر خزيناً ،وغسل ألنها تطهّر ،وختم ألنها تحمينا وألنها
.عالمة سيادة هللا"
-6666في ليترجيا ليلة الفصح ،عندما تبارك الكنيسة ماء المعمود ّية تذكر بأبّهة االحداث العظام
التي باتت ،في تاريخ الخالص ،إيذانا ً بسرّ المعمودية :
"بقدرتك ،أيها الرب ،ح ّققت العجائب في أسرارك ،وعبر تاريخ الخالص ،استعملت الماء الذي خلقته لتوقفنا
على نعمة المعموديّة".
-6666منذ فجر العالم ،والماء -تلك الخليقة المتواضعة العجيبة – هو نبع الحياة والخصب.
.ويرى الكتاب المقدس روح هللا "يرفرف" عليه
".منذ بدء العالم كان روحك يرفرف على المياه لتحظى ببذار ّ
القوة المق ّدسة"
ْ
-6666وقد توسّمت الكنيسة في فُلكِ نوح رمزاً مسبّقا ً للخالص ،بواسطة المعمودية .فبالفُلكْ "نجا
.بالماء عدد قليل ،أي ثمانية أشخاص"( 2بط )11 : 3
"لقد أنبأت ،بأمطار الطوفان ،عن المعمودية المحيية ،إذ كان الماء يرمز أيضا ً إلى موت الخطيئة ووالدة ك ّل
.برّ "
-6666إذا كان الماء الينبوع يرمز إلى الحياة ،فماء البحر يرمز إلى الموت .ولذا فهو رمز سرّ
الصليب .من خالل هذه الصورة الرمزيّة تعبّر المعموديّة عن اإلشتراك في موت المسيح.
-6666بيد أنّ عبور البحر األحمر الذي به تحرّ ر إسرائيل حقّا ً من عبودية مصر ،هو الذي يب ّ
شر
بالعتق الذي تحقّقه المعمودية :
أتحت ألبناء إبراهيم أن يعبروا البحر األحمر على أقدامهم لكي يكون الشعب المُع ّتق من العبوديّة رمزاً
َ "لقد
.لشعب المعمّدين"
-6666ونجد أخيراً للمعموديّة صورة مسبّقة في عبور األردنّ الذي نال به شعب هللا عطيّة
األرض الموعود ِة لنسل إبراهيم ،وهو صورة الحياة األبديّة .ويتحقّق الوعد بهذا الميراث السعيد
.في العهد الجديد
-6666جميع رموز العهد القديم تنتهي في المسيح يسوع .فقد بدأ حياته العلنيّة من بعد أن تعمّد
على يد يوحنا المعمدان في األردنّ .ومن بعد قيامته َو ّك َل إلى تالميذه هذه الرسالة" :اذهبوا
وتلمذوا جميع األمم ،وعمّدوهم باسم اآلب واالبن والروح القدس ،وعلّموهم أن يحفظوا ك ّل ما
.أوصيت ُكم به"(متى )11-21 : 18
-6666لقد حضع ربّنا بملء رضاه لمعموديّة القديس يوحنا المُع َّدة لل ُخطاة ،وذلك لكي يُت ّم ك ّل برّ .
فجاء صنيع يسوع هذا دليالً على "تالشيه" .وإذا بالروح الذي كان يرفّ على وجه المياه ،في
بدء الخليقة األولى ،يهبط على المسيح ،إيذانا ً بالخليقة الجديدة ،وإذا باآلب يُعلن يسوع ابنه
.الحبيب
-6665بفصحه ،فجّ ر المسيح لجميع الناس ينابيع المعموديّة .والواقع أ ّنه عندما تح ّدث عن آالمه
التي كان مزمعا ً أن يكابدها في أورشليم ،إ ّنما تح ّدث عن "معموديّة" كان عليه أن يقبلها .وما الدم
والماء اللذان خرجا من جنب يسوع المطعون ،وهو على الصليب ،سوى رمزين للمعموديّة
واالفخارستيا ،سرَّ ي الحياة الجديدة .فأصبح ،من ث ّم ،ممكنا ً أن "يولد اإلنسان من الماء والروح"
.ليدخل ملكوت هللا"(يو )1 : 3
"أنظر أين تتعمّد ،ومن أين المعمودية ،إن هي إالّ من صليب المسيح ،ومن موت المسيح .هنا يكمن السرّ كلّه :
تعذب من أجلك ،وفيه نلت الفداء ،وحظيت بالخالص" .إ ّنه ّ
المعمودية في الكنيسة
-6669منذ يوم العنصرة ،احتفلت الكنيسة بالمعمودية المقدسة ومنحتها .فقد أعلن القديس بطرس
ّ
المتأثر بكالمه " :توبوا ،وليعتم ِْد ك ٌّل منكم باسم يسوع المسيح لغفران خطاياكم ،فتنالوا للجمع
موهبة الروح القدس"(أع .)38 ،1وقد تق ّدم الرسل ومعاونوهم بالمعمودية إلى ك ّل من آمن
بيسوع :اليهود والتقاة والوثنيين .ونالحظ أنّ المعمودية قد ارتبطت دائما ً باإليمان شرطا ً :
تنل الخالص َ
أنت وأه ُل بيتك" :هذا ما قاله القديس بولس للسجّ ان في مدينة "آمنْ بالرب يسوع ِ
فيلبي .وجاء في سياق الرواية " :واعتمد السجّ ان من وقته ،واعتمد ذووه جميعاً"(أع -32 : 1
.)33
-6666المؤمن –على حد قول القديس بولس -يشترك بالمعمودية في موت المسيح ،ويُدفن
وينهض معه.
"إ ّنا ،إذ اعتمدنا في يسوع المسيح ،إ ّنما اعتمدنا في موته .فلقد ُد ِف ّنا معه بالمعمودية للموت ،حتى إ ّنا ،كما أُقيم
.المسي ُح من بين األموات بمجد اآلب ،كذلك نسلك نحن ايضا ً في حياة جديدة"(رو)2-3: 1
.المعمّدون "قد لبسوا المسيح" .وبالروح القدس تصير المعموديّة غسالً ينقّي ويق ّدس ويُبرّ ر
-6666المعمودية هي اذن غسل بالماء ،فيه َ
"زرْ ُع كلمة هللا غير الفاسد" يُنتج ثمره المحيي.
ي ويصير ذلكويقول القديس أوغسطينوس في المعمودية" :تنض ّم الكلمة إلى العنصر الماد ّ
.سرّ اً"
بسر المعمودية؟
.ً6كيف نحتفل ّ
النتشئة المسيحية
-6666كان اإلنسان ،منذ عهد الرسل ،يصبح مسيح ّياً ،عبر مسيرة وتنشئة تستغرق ع ّدة مراحل.
هذه الطريق يمكن اجتيازها بسرعة أو ببطء ،ويجب أن تتضمّن بعض العناصر الجوهرية:
إعالن الكلمة ،قبول اإلنجيل وما يستتبعه من توبة ،االعتراف باإليمان ،المعمودية ،فيض الروح
.القدس ،االقبال على الشركة االفخارستيّة
-6666هذه النتشئة قد تب ّدلت كثيراً عبر األجيال وتبعا ً للظروف .في القرون األولى من تاريخ
الكنيسة َع َرفت هذه المرحلة التفقيهيّة امتداداً واسعا ً مع فترة طويلة من الموعوظ ّية وسلسلة من الطقوس
.اإلعدادية التي كانت تواكب لي ُترج ّيا ً طريق الموعوظية ،وتنتهي في االحتفال بأسرار التنشئة المسيحيّة
-6666حيث معمودية األطفال أصبحت هي الطريقة الشائعة والمألوفة لالحتفال بهذا السرّ ،انحصر هذا
عمل فر ٍد يدمج ،بطريقة مختصرة جداً ،المراحل التي تسبق التنشئة المسيحية .فمعمودية األطفال ٍ االحتفال في
تفرض ،بذات طبيعتها ،تفقيها في الدين يعقب المعمودية .ولسنا هنا فقط في صدد الحاجة إلى تثقيف دينيّ يعقب
المعمودية ،بل إلى التف ّتح الضروري لنعمة المعمودية في نموّ االنسان .وهذا هو الحيّز المميّز الذي يت ّم فيه
التعليم المسيحي.
موزعة على ع ّدة مراحل" وذلك في إطار -6666لقد أمر المجمع الفاتيكاني الثاني بإحياء "الموعوظية للبالغين ّ
الكنيسة الالتينية .ونجد طقوس هذه الموعوظيّة في "كتاب التفقيه المسيحي للبالغين"( .)2111وقد أذن المجمع
أيضاً ،بأن ُتع َت َمد ،في بالد "اإلرساليات" ،إلى جانب العناصر التفقيهيّة "التي ينطوي عليها التقليد المسيحي،
المواد التعليميّة األخرى التي يُلحظ استعمالها عند ك ّل شعب من الشعوب ،على أن يكون من الممكن تكييفها مع
الطقس المسيحيّ ".
-6666تفقيه البالغين في اإليمان المسيحي يبدأ اليوم إذن ،في جميع الطقوس الالتينيّة والشرقيّة ،منذ دخولهم
الموعوظيّة ،ويبلغ ذروته في احتفال واحد باألسرار الثالثة :المعمودية والتثبيت واإلفخارستيا .في الطقوس
الشرقيّة يلج األطفال الحياة المسيحية بالمعموديّة يليها حاالً سرّ التثبيت وسر اإلفخارستيا .وأمّا في الطقس
الروماني فيتواصل تفقيه األوالد في الدين خالل سنوات وينتهي الحقا ً بالتثبيت واإلفخارستيا وهي ذروة التفقيه
.في الدين المسيحي
-6666معنى سرّ المعمودية ونعمته َيظهران ظهوراً جل ّيا ً في طقوس االحتفال .ويستطيع
المؤمنون ،إذا تتبّعوا بانتباه ما يجري في الحفلة من أقوال وأفعال ،وشاركوا فيها ،أن يدركوا
.الكنوز التي يعنيها هذا السرّ ويحقّقها في ك ّل معتمد جديد
-6665إشارة الصليب ،في مطلع االحتفال ،تشير إلى وسم المسيح على المزمع ان ينتسب إليه،
.ويرمز إلى نعمة الفداء التي استحقّها لنا المسيح بصليبه
شحين للمعمودية وعلى الجماعة، -6669إعالن كلمة هللا يشرق بنور الحقيقة الموحاة على المر ّ
ويوقظ جواب اإليمان الذي ال ينفصل عن المعمودية .وال غرو ،فالمعمودية هي ،بطريقة خاصّة،
".سرّ اإليمان" أل ّنها بمثابة المدخل األسراري إلى حياة اإليمان
-6666نظراً إلى أنّ المعمودية تؤ ّدي معنى االنعتاق من الخطيئة ومن المحرّ ض عليها أي
الشيطانُ ،تتلى بعض التقاسيم على المرشح للمعمودية ،ويُمسح بزيت الموعوظين ،أو يضع
المحتفل يده عليه ،ويكفر صراحة بالشيطان .فمع هذا االستعداد ،يمكنه أن يعترف بإيمان الكنيسة
.التي "يو ّكل إليها بالمعموديّة"
-6666ماء المعمودية يُق ّدس عندئذ بصالة استدعاء للروح القدس(في اللحظة ذاتها أو في ليلة
الفصح) ،تطلب فيها الكنيسة إلى هللا أن تح ّل على هذا الماء ،بواسطة ابنه ،قوة الروح القدس،
.فيولد المعمّدون فيها "من الماء والروح"(يو)1: 3
-6666ثم يلي ذلك الطقس األساسي في المعمودية ،أي التعميد نفسه الذي يعني ويحقّق موت
اإلنسان دون الخطيئة وولوجه في حياة الثالوث األقدس ،متصوّ راً بصورة المسيح في سرّ ه
الفصحيّ .وتت ّم المعمودية بأعمق معانيها بالتغطيس ثالثا ً في ماء المعموديّة .ولكنّ المعمودية
.يمكن أن ُتمنح ،تبعا ً لتقليد عريق ،بصبّ الماء ثالثا على رأس المعتمد
-6666في الكنيسة الالتينية ،يقول المعمِّد ،وهو يصبّ الماء ثالثا ً على المعتمد" :يا فالن ،أعمّدك
باسم اآلب واالبن والروح القدس" .في الليترجيات الشرقية َيوجّ ه المعتمد جهة الشرق ،ويتلو عليه
الكاهن عبارة التعميد " :يُعمّد عبد هللا(فالن) باسم اآلب واالبن والروح القدس" ،وعند ذكر ك ّل
يغطسه في الماء وينتشله .من األقانيم الثالثة ّ
معطر يق ّدسه األسقف ،ويرمز إلى موهبة الروح َّ -6666المسحة بالزيت المقدس ،وهو زيت
القدس للمعمَّد الجديد .لقد أصبح مسيح ّيا ً أي "ممسوحا" بمسحة الروح القدس ،وم ّتحداً بالمسيح
.الممسوح كاهنا ً ونب ّيا ً وملكا ً
-6666.في ليترجيا الكنائس الشرقية ،المسحة التي تلي المعمودية هي سرّ الميرون(التثبيت)
في الليترجيا الرومانية تؤذن بمسح ٍة أخرى بالزيت المقدس سوف يمنحها األسقف :وهي سرّ
.التثبيت الذي " ُيث ّبت" ،نوعا ً ما ،مسحة المعمودية ويك ّملها
-6666الثوب األبيض يرمز إلى أنّ المعمّد قد لبس المسيح ،ونهض مع المسيح .والشمعة
المسرجة من شمعة الفصح ،ترمز إلى انّ المسيح قد أنار المعتمد جديداً .فالمعمّدون في المسيح
.هم "نور العالم"(متى )22 : 1
.المع َّمد جديداً قد أصبح اآلن ابن هللا في االبن الوحيد .وبإمكانه أن يتلو صالة أبناء هللا :األبانا
-6666المناولة اإلفخارستيا األولى .يُقبل المعمّد وقد صار ابنا ً هلل ،وارتدى ُحلّة العرس" ،في
وليمة عرس الحمل" ،ويتناول قوت الحياة األبدية ،أي جسد المسيح ودمه .إنّ الكنائس الشرقية ال
تزال على وعي رهيف لوحدة األسرار المولجة إلى الحياة المسيحيّة ،فتمنح المناولة المق ّدسة لك ّل
المعمّدين والمثبّتين جديداً ،وحتى لألوالد الصغار ،متذكرة قول الرب" :دعوا األطفال يأتون إل ّي
وال تمنعوهم"(مر .)22 :21واما الكنيسة الالتينية فهي تقصر التقرّ ب من المناولة المق ّدسة على
الذين بلغوا سن الرشد ،وتعبّر عن التواصل القائم بين المعمودية واإلفخارستيا ،بتقريب الطفل
.المعمّد جديداً من المذبح ،لتالوة صالة "األبانا"
-6665البركة االحتفالية تختتم حفلة المعمودية .وفي حال تعميد المولودين جديداً ،تحظى األ ّم
.ببركة خاصّة
معمودية البالغين
-6666معمودية البالغين ،منذ مطالع الكنيسة ،هي الحالة الشائعة في األماكن الحديثة العهد
ببشارة اإلنجيل .فالموعوظية(وهي فترة االستعداد للمعمودية) تشغل ،والحالة هذه ،مكانا ً ملحوظا ً
:فهي المدخل إلى اإليمان والحياة المسيحية ،ويجب أن ُتع َّد الناس لتلقّي عطيّة هللا في المعمودية
والتثبيت واإلفخارستيا.
-6666الموعوظية ،أي تثقيف الموعوظين ،هدفها أن تتيح لهؤالء تلبية البادرة اإللهيّة ،ضمن
جماعة كنسيّة ،والعمل على إنضاج توبتهم وإيمانهم .فالموعوظية "هي تنشئة في الحياة المسيحيّة
من ك ّل جوانبها ي ّتحد فيها التالميذ بالمسيح معلّمهم .وعلى الموعوظين أن يُف َّقهوا في معرفة أسرار
الخالص وممارسة الحياة االنجيليّة ،وأن ُيدخلوا ،عبر طقوس مق ّدسة يُحت َفل بها في فترات
.متتالية ،حياة اإليمان واللي ُترجيا والمحبّة القائمة في شعب هللا"
-6666الموعوظون "أصبحوا م ّتحدين بالكنيسة ،وأصبحوا من بيت المسيح ،وليس من النادر أن
.يحيوا حياة إيمان ورجاء ومحبّة"" .والكنيسة األم تحوّ طهم بالمحبّة والعناية كما تحوّ ط أبناءها"
معمودية األطفال
وملطخة بالخطيئة األصلية ،ويحتاجون ،من ثم ،إلى ّ -6656يولَد األطفال بطبيعة بشرية ساقطة
ان يولدوا ،هم أيضا ً والدة جديدة في المعموديّة ،ويُع َتقوا من سلطان الظالم ،ويُنقّلوا إلى رحاب
حرّ ية أبناء هللا ،التي دعي إليها الناس بأجمعهم .مجّ اني ُّة نعمة الخالص َتظ َهر ،في ك ّل نصاعتها،
ً
نعمة ال ُتق ّدر ،وهي أن يصير ابنا ُ في معموديّة األطفال .ومن ث ّم فالكنيسة واألهل َيحرمون ولدهم
.هلل ،إذا لم يمنحوه المعمودية وقتا ً قصيراً بعد مولده
-6656وعلى الوالدين المسيحيين أن يُقرّ وا بأنّ هذه الطريقة في التصرّ ف تتجاوب أيضا ً مع
.المهمّة التي و ّكلها هللا إليهم ،بأن يوفّروا ألبنائهم غذاء الحياة
-6656تعميد األطفال تقليد عريق في الكنيسة ،نجد له ،منذ القرن الثاني ،إثباتات صريحة .بيد
أ ّنه من الممكن أيضا ً أن تكون المعموديّة قد مُنحت لألطفال منذ مطلع الكرازة الرسولية ،عندما
.كانت"بيوت" بجميع أفرادها تقبل المعمودية
اإليمان بالمعمودية
-6656المعمودية سرّ اإليمان .ولكن اإليمان بحاجة إلى جماعة المؤمنين .وال يستطيع أحد من
المؤمنين أن يؤمن إال ّ في إطار إيمان الكنيسة .اإليمان الذي تقتضيه المعمودية ليس إيمانا ً كامالً
وناضجاً ،بل هو بداية إيمان بحاجة إلى أن يتطوّ ر .والدليل على ذلك هو السؤال المطروح على
.الموعوظ أو على عرّابه " :ماذا تطلب من كنيسة هللا" ؟ ويجيب " :اإليمان!"
-6656ال ب ّد لإليمان من ان ينمو بعد المعمودية ،لدى جميع المعمّدين ،أطفاالً كانوا أم بالغين.
ولذا تحتفل الكنيسة ،ك ّل عام ،في ليلة الفصح ،بتجديد وعود المعمودية .التأهّب للمعمودية ال يقود
إال ّ إلى عتبة الحياة الجديدة .المعمودية هي نبع الحياة الجديدة في المسيح ومنها تنبجس الحياة
المسيحية كلّها.
-6655من األهمة بمكان أن يُساعد األه ُل في تف ّتح نعمة المعموديّة .وهذه هي أيضا ً مهمّة ّ
العراب
أو العرابة ،اللذين يجب أن يكونا من المؤمنين الرّاسخين ،المؤهّلين والمستع ّدين لمعاضدة المعتمد
جديداً ،طفالً كان أم بالغاً ،في طريقه إلى الحياة المسيحيّة .مهمّتهما وظيفة كنسية حقيقيّة ،على أن
.تتحمّل الجماعة الكنسيّة كلّها نصيبا ً من المسؤوليّة في تنمية نعمة المعموديّة وصونها
.ً9ضرورة المعمودية
-6656يؤ ّكد السيد نفسه ضرورة المعموديّة للخالص .ولذا أمر تالميذه أن يعلنوا البشارة
ويعمّدوا جميع األمم .المعمودية ضروريّة لخالص الذين ُب ِّشروا وتم ّكنوا من طلب هذا السرّ .وال
وسيلة أخرى تكفل لإلنسان أن يدخل السعادة األبديّة .ولذا تحترزً تعرف الكنيسة غير المعمودية
ً ّ ّ
الكنيسة من إهمال الرسالة التي تلقتها من السيّد :وهي أن تعمل على أن "يولد جديدا من الماء
بسر المعمودية ،ولكنه هو نفسه والروح" ك ّل الذين يمكنهم أن يتعمّدوا .إنّ هللا قد ربط الخالص ّ
.غي ُر مرتبط باألسرار التي وضعها
-6656لقد اعتقدت الكنيسة منذ القدم اعتقاداً ثابتاً ،بأن الذين يموتون في سبيل هللا ،ولم ينالوا
المعموديّة ،إ ّنما يعتمدون بموتهم ألجل المسيح ومع المسيح .هذه المعمودية بالدم ،كالمعمودية
.بالشوق ،تحمل ثمار المعمودية من غير ان تكون سرّ اً
-6656وأمّا الموعوظون الذين يموتون قبل أن يعتمدوا ،فرغبتهم الصريحة في قبول المعمودية،
.مقرونة بالتوبة عن خطاياهم وبالمحبّة ،تكفل لهم الخالص الذي لم ينالوه بسرّ المعموديّة
" -6696بما أن المسيح مات من أجل الجميع ،وبما أنّ دعوة اإلنسان األخيرة هي في الحقيقة
واحدة ،وهي دعوة إلهيّة ،فمن الواجب علينا أن نكون على يقين من أنّ الروح القدس يم ّكننا،
بطرقة يعرفها هللا ،من االشتراك في السرّ الفصحيّ" .فك ّل إنسان يجهل إنجيل المسيح وكنيسته،
ويسعى إلى الحقيقة ويمتثل إرادة هللا ،كما يعرفها ،يستطيع أن يخلص .ويمكن أن نفترض أنّ مثل
تشوقوها صراحة .هؤالء الناس ،لو عرفوا ضرورة المعمودية ،لكانوا ّ
-6696وأما األطفال الذين يموتون بال معمودية ،فالكنيسة ال تقدر إال ّ أن تكل أمرهم إلى الرحمة
ص جميع ك أنّ واسع رحمة هللا "الذي يريد أن َيخل ُ َ اإللهيّة ،كما هو دأبها في الجناز ألجلهم .وال ش ّ
الناس"( 2تي ،)2 : 1وان محبة يسوع لألطفال وهو القائل " :دعوا األطفال يأتون إليّ ،ال
تمنعوهم"(مر .)2 : 21يتيحان لنا األمل بأنّ يجد األطفا ُل الذين يموتون ،بال معمودية ،طريقا ً
إلى الخالص .ولهذا تنادي الكنيسة بإلحاح اال ّ يُمنعْ األطفال من أن يأتوا إلى المسيح بواسطة
.موهبة المعمودية المق ّدسة
.ً6نعمة المعمودية
-6696أنّ ما تؤتيه المعمودية من ثمار متنوّ عة ،ترمز إليه العناصر الحسّية المستعملة في شعائر
هذا السر .فالتغطيس في الماء يستلهم رموز الموت والتنقية ،كما يستلهم أيضا ً الوالدة الثانية
والتج ّدد .المفعوالن األساسيّان هما إذن التنقية من الخطايا والوالدة الجديدة في الروح القدس.
...لمغفرة الخطايا
-6696بالمعمودية ُتغفر الخطايا ك ّلها :الخطيئة األصلية ،وجميع الخطايا الفردية وجميع عواقب
الخطيئة .فالذين وُ لدوا ثانية ال يبقى فيهم ما يحجب عن دخول ملكوت هللا :ال خطيئة آدم ،وال
.الخطيئة الفردية ،وال ذيول الخطيئة ،وأخطرها االنفصال عن هللا
-6696بيد أنّ المعمّد يلبث عرضة لبعض مفاعيل الخطيئة الزمنيّة ،كاآلالم والمرض والموت
والشوائب الداخلة في صميم الحياة ،كاألوهان والمزاجية...الخ .والميل إلى الخطيئة أو الشهوة
كما يسمّيها التقليد أو "بؤرة الخطيئة" على سبيل المجاز" .لقد ُت ِر َكت لنا الشهوة لصراعاتنا،
ولك ّنها أعجز من أن ُتلحق األذى بالذين ال ينقادون لها بل يتص ّدون لها بشجاعة ،بنعمة المسيح.
.أضف إلى ذلك "أنّ الذي يصارع صراعا ً شرع ّيا ً ينال اإلكليل"( 1تي )1 : 1
"الخليقة الجديدة"
-6695المعمودية ال تطهّر من ك ّل الخطايا وحسب ،بل تصيّر المعتمد الجديد "خلقا ً جديداً" ،وابنا ً
هلل بالتب ّني" ،وشريكا ً في الطبيعة اإللهية" وعضواً في جسد المسيح ووارثا ً معه ،وهيكالً للروح
.القدس
المبررة ،وهي :
ِّ -6699إنّ الثالوث الق ّدوس يهب المعتمد النعمة المقدّسة ،النعمة
-تم ّكن المعتمد من أن يتوجّ ه إلى هللا باإليمان والرجاء والمحبّة ،وذلك عن طريق الفضائل
اإللهية.
-و ُتقوّ يه ليحيا ويعمل بحفز من الروح القدس ،عن طريق مواهب الروح القدس.
-.وتتيح له أن ينمو في الخير بواسطة الفضائل األدب ّية
وهكذا نرى أنّ ك ّل بنية الحياة الفائقة الطبيعة لدى المسيحي لها جذورها في المعمودية
المق ّدسة.
ي بين المسيحيين
المعمودية رباط الوحدة األسرار ّ
-6666المعمودية هي االساس الذي تقوم عليه الشركة بين جميع المسيحيين ،وأيضا ً مع الذين
ليسوا بعد في شركة كاملة مع الكنيسة الكاثوليكية" :إنّ الذين يؤمنون بالمسيح وقبلوا المعمودية
قبوالً صحيحاً ،هم على الشركة ،وإن غير كاملة ،مع الكنيسة الكاثوليكية .وبما أ ّنهم بُرّ روا
بحق يحملون باإليمان الذي نالوه في المعمودية ،وصاروا به أعضاء في جسد المسيح ،فإ ّنهم ّ
وبحق يرى فيهم أبناء الكنيسة الكاثوليكية إخوة في الربّ "" .المعمودية هي إذن ّ االسم المسيحي،
الرباط األسراري للوحدة القائمة بين الذين وُ لدوا بها ثانية".
ّ
-6666المعمّد الذي اندمج ،بالمعمودية ،في جسد المسيح ،قد صار على مثال صورة المسيح.
فالمعمودية تختم المسيحي بختم روحي ال ُيمّحى(الوسم) ،يكرّ س انتما َءه إلى المسيح .هذا الختم ال
مار الخالص التي تؤتيها المعمودية .ومن ث ّم، تمحوه خطيئة أ ّيا ً كانت ،حتى وإن حجبت الخطيئة ث َ
.فالمعموديّة ُتمنح مرّ ة واحدة وال تتكرّر
-6666إنّ المؤمنين ،باندماجهم بالمعمودية في جسد الكنيسة ،قد نالوا ،بواسطة هذا السرّ ،سمة
التكرّ س للقيام بالعبادة الدينية المسيحية .هذه السّمة تم ّكن المسيحيين من التج ّند لخدمة هللا في
مشاركة حيّة في لي ُترجيا الكنيسة المق ّدسة ومن ممارسة كهنوتهم العماديّ بشهادة سيرة مق ّدسة
.ومحبّة وفاعلة
" -6666ختم الرب" هو السمة التي َو َس َمنا بها الروح القدس "ليوم الفداء"(أف .)31 : 2
"فالمعمودية هي ختم الحياة األبدية" ،والمؤمن الذي "يحفظ الختم" سالما ً حتى النهاية ،أي الذي
يظ ّل وف ّيا ً لمقتضيات معموديّته ،بوسعه أن يحيا" ،موسوما ً بوسم اإليمان" .أي بإيمان معموديته،
.بانتظار رؤية هللا السعيدة – وهي خاتمة اإليمان – وفي رجاء القيامة
بإيجاز
-6665المدخل إلى الحياة المسيحية يتمّ بمجموع األسرار الثالثة :المعمودية وهي بدء الحياة
تغذي التلميذ من جسد المسيح ودمه لكي الجديدة ،والتثبيت وهو دعامتها ،واإلفخارستيا التي ّ
.يتحوّ ل إليه
" -6669اذهبوا وتلمذوا جميع األمم وعمّدوهم باسم اآلب واالبن والروح القدس ،وع ّلموهم أن
.يحفظوا ك ّل ما أوصيتكم به"(متى )32-19 : 32
-6666المعمودية هي الوالدة للحياة الجديدة في المسيح ،وهي ،بمقتضى إرادة الرب ،ضرورية
.للخالص ،كالكنيسة نفسها التي مدخلها المعمودية
-6666الطقس األساسي في المعمودية هو تغطيس المعتمد في الماء أو صبّ الماء على رأسه،
.مع استدعاء الثالوث األقدس ،اآلب واالبن والروح القدس
-6666ثمرة المعمودية أو نعمة المعمودية هي حقيقة غنيّة ،من مفاعيلها :محوُ الخطيئة األصلية
وك ّل الخطايا الفردية ،الوالدة للحياة الجديدة التي تصيّر االنسان ابن ًا هلل بالتب ّني ،وعضو ًا في جسد
ال للروح القدس .وبالفعل نفسه يصبح المعمَّد عضو ًا في الكنيسة ،جسد الكنيسة، المسيح ،وهيك ً
.وشريك ًا في كهنوت المسيح
-6666المعمودية تختم النفس بختم روح ّي ال يبلى ،ووسم يكرّس المعمّد للقيام بشعائر العبادة
.المسيحية .وبسبب هذا الموسم ،ال يجوز تكرار المعمودية
-6666الذين يموتون في سبيل اإليمان ،والموعوظون وك ّل الذين بدافع النعمة ،يلتمسون هللا
بإخالص َو َيج ّدون في تحقيق إرادته ،من غير أن يعرفوا الكنيسة ،يمكن أن يخلصوا وإنْ لم
.يحظوا بالمعمودية
-6666منذ أقدم العهودُ ،تم َنح المعمودية لألطفال ،ألنّ المعمودية نعمة وعطيّة من هللا ال
تفترضان استحقاقات بشريّة ،األطفال يعمّدون في إيمان الكنيسة .ودخول الحياة المسيحية يجعل
.الحريّة الحقيقية في متناول االنسان
-6666وأمّا في شأن األوالد الذين يموتون بال معمودية ،فلي ُترجيا الكنيسة تدعونا إلى الثقة
بالرحمة اإللهية ،وإلى الصالة ألجل خالصهم.
-6666في حال الضرورة يجوز لكل إنسان أن يمنح المعموديّة ،بشرط أن ينوي القيام بما تقوم
ال :أعمّدك باسم اآلب وابن والروح القدس" .به الكنيسة ،ويصبّ الماء على رأس المعتمد ،قائ ً
المقال الثاني
سر التثبيت
ّ
-6666في القرون األولى كان التثبيت يُمنح عاد ًة ،مع المعمودية ،في حفلة واحدة ،مكوّ نا ً معها ،على ح ّد تعبير
القديس كيريانوس" ،سرّ اً مزدوجاً" .من جملة األسباب التي منعت حضور األسقف في ك ّل حفالت المعمودية،
ّ
تضخم األبرشيات. تكاثر عدد معموديات األطفال ،في ك ّل أوقات السنة ،وتكاثر عدد الرّ عايا(الريفية) ،ومن ث ّم
فلة تتويج المعمودية بالتثبيت ،بدأت عادة الفصل بين ص َر في األسقف ح ُفي الغرب ،بسبب الرغبة في أن ُتح ّ
السرّ ين بمسافة زمنية .وأمّا الشرق فقد ظ َّل على إقامة السرّ ين م ّتحدين ،بحيث بات الكاهن المعمِّد هو الذي يمنح
سرّ التثبيت .ولكن ال يجوز لهذا الكاهن أن يمسح إالّ "بالميرون" الذي يق ّدسه األسقف.
-6666لقد سهّلت كنيسة روما ،جريا ً على عادة لديها ،تطوّ ر الممارسة الغربيّة باعتماد مسحة مزدوجة بالزيت
المقدس بعد المعمودية ،يمنحها الكاهن للمعتمد جديداً بعد غسل المعمودية ،ويكمّلها األسقف بمسحة ثانية على
جبهة ك ّل م َِن المعتمدين الجدد .فالمسحة األولى بالزيت المق ّدس التي يمنحها الكاهن ظلّت مرتبطة بالطقس
العمادي ،وترمز إلى اشتراك المعتمد في وظائف المسيح الثالث :النبويّة والكهنوتية والملكية .أمّا إذا منحت
.المعمودية لبالغ فليس ثمة سوى مسحة واحدة بعد المعمودية ،هي مسحة التثبيت
-6666الطريقة الم ّتبعة في الكنائس الشرقية ت ّنوه بوحدة األسرار المُدخلة إلى الحياة المسيحية .وأمّا الطريقة
الالتينية فتعبّر بوضوح أكثر عن الشركة القائمة بين المعتمد حديثا ً وأسقفه ،كفيل وخادم وحدة كنيسته وشموليتها
.ورسوليّتها ،ومن ث ّم فهي تعبّر عن الرباط الذي يصلها بكنيسة المسيح وجذورها الرسولية
سر التثبيت ورتبته
.ً6عالمات ّ
عالمة حسّية ،وما ترمز إليه المسحة وتطبعه فيً -6666رتبة سرّ التثبيت تتضمّن المسحة
.النفس ،هو الختم الروحي
المسحة ،في الرموزيّة الكتابية والغابرة ،مشحونة بالمعاني :فالزيت هو رمز الوفرة والبهجة،
ووسيلة تنقي ٍة(المسحة قبل الغسل وبعده) ومرونة(مسحة الرياضيّين والمصارعين) ،وهو عالمة
.شفاء ،بدليل أنّ يخفّف اللدَمات والجروح ،ويضفي على الجسد جماالً وصحّ ة وقوّ ة
-6666كل هذه المعاني المرتبطة بمسحة الزيت نجدها في الحياة األسرارية .فالمسحة قبل
المعمودية بزيت الموعوظين ترمز إلى التنقية والتقوية ،مسحة المرضى ُت ْشعِر بالبُرء واالبالل
من المرض .والمسحة بالزيت المق ّدس بعد المعمودية في سرّ التثبيت ،والرسام ِة الكهنوتية ،هي
عالمة التكريس .بالتثبيت يشترك الميسحيون ،أي المسحاء ،اشتراكا ً أفعّل في رسالة يسوع
.المسيح وامتالئه من الروح القدس الفائض فيه ،فيفوح من حياتهم "أريجْ طيب المسيح"
-6665بهذه المسحة ينال طالب التثبيت "سمة" الروح القدس "وختمه" فالختم هو رمز الشخص
لمتاع ما – فهكذا يَسِ مون قديما ً الجنود بوسم زعيمهم ،والعبيد بوسمٍ وعالمة سلطته وامتالكه
فعل قانوني ،أو وثيق ٍة يُضفي عليهما طابع السريّة
.سيّدهم ،-وهو مصداق ٍ
-6669المسيح نفسه يعلن ذاته مثبِّتا ً بختم أبيه .والمسيحيّ هو أيضا ً ممهوراً بختم " :إنّ الذي
يثبِّتنا وإيّاكم للمسيح والذي مسحنا هو هللا ،وهو الذي ختمنا بخاتمه وجعل في قلوبنا عربون
روحه"( 1كو .)11-12:خت ُم الروح القدس هذا هو ع ُ
المة االنتماء الكامل إلى المسيح والتطلوّ ِع
.لخدمته على الدوام ،ولك ّنه وع ٌد لنا أيضا ً برعايته تعالى في محنة األزمنة األخيرة
بسر اللتثبيت
االحتفال ّ
ّ
يتجزأ : -6666هناك لحظة هامة تسبق االحتفال بسرّ التثبيت ،وإن كانت ،نوعا ً ما ،جزءًا منه ال
وهي لحظة تكريس الزيت المقدس .األسقف هو الذي يكرّ س الزيت المق ّدس لك ّل أبرشيّته ،يوم
الخميس المق ّدس ،أثناء القداس الميروني .في كنائس الشرق ،هذا التكريس محفوظ للبطريرك :
اللي ُترجيا األنطاكية تعبّر على النحو التالي عن استدعاء الروح القدس لتكريس الزيت المق ّدس(الميرون) : :أيها
اآلب ارسل روحك القدوس علينا وعلى هذا الزيت الذي بين أيدينا وق ّدسه ليكون لجميع الذين يُمسحون ويُخ َتمون
وثوب النور ،وحلّة الخالص ،والعطيّة الروحية،
َ به ،ميرونا ً مق ّدساً ،ميرونا ً كهنوت ّياً ،ميرونا ً ملك ّياً ،مسح َة بهجةٍ،
ودرع اإليمان والخوذة الرهيبة لص ّد
َ وتقديسا ً للنفوس واألجساد ،والسعادة التي ال تبلى ،والختم الذي ال يمّحي،
.ك ّل غزوات العدوّ "
-6666عندما يُحتفل بسرّ التثبيت مفصوالً عن المعموديّة ،كما هي الحال في الطقس الالتيني ،تبدأ ليترجيا
التثبيت بتجديد وعود المعمودية وإعالن إيمان المزمعين أن ينالوا السرّ .وي َتضح هكذا أنَّ التثبيت يظ ّل في خط
.المعمودية .وأمّا تعمّد أحد البالغين فينال حاالً سرّ التثبيت ويشترك في اإلفخارستيا
-6666في الطقس الروماني ،يبسط األسقف يديه على مجموع المستع ّدين للتثبيت ،وذلك ،من
عهد الرسل ،عالمة موهبة الروح .ويلتمس األسقف إفاضة الروح بهذا الدعاء :
"أيها اآلب الفائق الصالح ،أبو ربّنا يسوع المسيح ،أُنظر إلى هؤالء المعمّدين الذين نضع أيدينا عليهم :لقد
أفض اآلن عليهم روحك الق ّدوس،أعْ تق َتهم من الخطيئة بالمعمودية ووهب َتهم أن يولدوا ثانية من الماء والروحِ .
حسب وعدك .أعطهم ملء الروح الذي نزل على ابنك يسوع :روح الحكمة والفهم ،روح المشورة والقوّ ة ،روح
المعرفة والمحبة البنوية .امألهم من روح مخافة هللا ،بيسوع ربّنا".
-6666ويلي الجزء الجوهري في رتبة سرّ التثبيت .في الطقس الالتيني "يُمنح سرّ التثبيت بمسح
الجبهة بالزيت المق ّدس ووضع اليد مع هذه الكلمات " :فل ُتخ َت ْم بختم الروح القدس ،موهب ِة هللا" .في
الكنائس الشرقية ،تت ّم المسحة بالميرون ،بعد صالة االستدعاء ،على األجزاء المميزة في الجسم :
الجبهة والعينين واألنف واألذنين والشفتين والصدر والظهر واليدين والرجلين .وترافق كل مسحة
الروح القدس"
ِ .العبارة التالية " :خت ُم موهب ِة
-6666قبلة السالم التي تأتي في ختام الحفلة ترمز إلى الشركة الكنسية بين األسقف وجميع
.المؤمنين و ُتظهرها
.6مفاعيل التثبيت
-6666نستنتج من حفلة التثبيت أنّ مفعول السرّ هو إفاضة الروح القدس الخاصة ،كما أُفيض
.قديما ً على الرسل يوم العنصرة
-6666من هذا الملحظ ،يعمل سرّ التثبيت على إنماء نعمة المعمودية وترسيخها:
-يُرسّخنا ترسيخا ً أعمق في البنوّ ة اإللهية التي تتيح لنا القول " "أبّا ،يا أبتاه"(رو ،)21 : 8
-يزيدنا ثباتا ً في ا ّتحادنا بالمسيح،
-يزيد مواهب الروح القدس فينا،
-يجعل ارتباطنا بالكنيسة أكمل ،
-يمنحنا قوة خاصة من الروح القدس لنشر اإليمان ونذود عنه بالكالم والعمل ،فِع َل شهو ٍد للمسيح
حقيقيّين ،ونعترف باسم المسيح بشجاعة وال نستحي أبداً بصليبه :
"تذ ّكر إذن أ َنك نلت الختم الروحي ،روح الحكمة والفهم ،وروح المشورة والقوّ ة ،روح المعرفة والتقوى ،روح
المخافة المق ّدسة ،وحافظ على ما نلته .لقد ختمك هللا اآلبُ بختمه ،وث ّب َتك المسيح الربّ ووضع في قلبك عربون
.الروح"
-6666سرّ التثبيت ،كالمعمودية التي يكمّلها ،ال يُمنح إال ّ مرة واحدة .فالتثبيت يَسِ ُم النفس
بسم ٍة روح ّية ال تبلى ،أي "الختم" .وهو الدليل على أنّ يسوع المسيح قد ختم المسيحيّ بختم
.روحه ،والبسه قوّ ة من العالء ليكون له شاهداً
-6665إنّ "الختم" يُكمّل كهنوت المؤمنين العا ّم الذي نالوه في المعموديّة" .ويتلقّى المثب ُ
َّت قوّ ة
.االعتراف بإيمان المسيح جهاراً :تلك مهمّة أُلقيت على عاتقه"
بإيجاز
" -6665وسمع الرسل في أورشليم أنّ السامرة قبلت كلمة هللا ،فأرسلوا إليها بطرس ويوحنا،
فنزال إليها وصليا من أجلهم لينالوا الروح القدس ،أل ّنه لم يكن قد نزل بعد على أحد منهم ،إ ّنما
كانوا قد اعتمدوا فقط باسم يسوع .فوضعا أيديهما عليهم ،فنالوا الروح القدس"
(.اع)11-14: 2
-6669التثبيت يكمّل نعمة المعمودية .إ ّنه السر الذي يهب الروح القدس ليرسّخنا ترسيخ ًا أعمق
في البنوّ ة اإللهية ،ويُدمجنا ،بوجه أثبت ،في جسد المسيح ،ويُم ِّتن ارتباطنا بالكنيسة ،وب ِشركنا أكثر
.في رسالتها ،ويساعدنا في أداء شهادة اإليمان المسيح ّي قو ًال وعم ً
ال
-6666التثبيت كالمعمودية يطبع النفس المسيحية بطابع روحيّ ،أي بختم ال يبلى .وال يجوز ،من
.ثم ،قبول هذا الس ّر إ ّال مرّة واحدة في الحياة
-6666في الشرق ،يُمنح هذا الس ّر فور ًا بعد المعمودية ،ويليه االشتراك في االفخارستيا ،وهو
تقليد يُنوّ ه بوحدة األسرار الثالثة المُدخلة إلى الحياة المسيحية .في الكنيسة الالتينية يُمنح هذا السر
عندما يبلغ الولد سنّ الرشد ،ويُحصر االحتفال به عادة في األسقف لإلشارة إلى أنّ هذا السر يُم ّتن
.الرباط الكنسي
ويكون في حال البرارة وينوي َ -6666طالب التثبيت الذي يبلغ سنّ الرشد يجب أن يُعلِن اإليمان،
قبول الس ّر ويكون مستع ّد ًا لإلضطالع بدوره تلميذ ًا وشاهد ًا للمسيح ،ضمن الجماعة الكنسيّّّ ة
.وفي الشؤون الزمنية
-6666الطقس األساسي في التثبيت هو مسحة جبهة المعتمد بالزيت المقدس(،وفي الشرق َتمسح
أعضاء أخرى من الحواس) ،مع وضع يد خادم السر ،مصحوب ًا بالكلمات التالية " :خذ موهبة
الروح القدس" ،في الطقس الروماني :
“ “ Signaculm doni Spiritus Sancti
.و "ختم موهبة الروح القدس" في الطقس البييزنطي
-6666عندما يُحتفل بس ّر التثبيت مفصو ُ
الًّ عن المعموديّة ،فارتباطه بالمعمودية يتبيّن في أمور
ع ّدة ،والسيّما في تجديد وعود المعمودية .االحتفال بس ّر التثبيت خالل االفخارستيا يساعد في
.التنويه بوحدة األسرار المُدخلة إلى الحياة المسيحية
المقال الثالث
سر اإلفخارستيا
-6666االفخارستيا المق ّدسة تختتم مرحلة التنشئة المسيحية .فالذين أُكرموا بالكهنوت الملكيّ
بالمعمودية ،وتصوّ روا ،بالتثبيت ،بصورة المسيح بوجه اعمق ،يشتركون ،مع كل الجماعة ،في
.ذبيحة السيد نفسه ،بواسطة االفخارستيا
" -6666إنّ مخلّصنا وضع ،في العشاء األخير ،ليلة أُسلِم ،ذبيحة جسده ودمه االفخارستية ،لكي
تستمرّ بها ذبيحة الصليب على مرّ األجيال ،إلى أن يجيء ،ولكي يود َِع الكنيسة عروسه الحبيبة،
ذكرى موته وقيامته :إ ّنه سرّ تقوى ،وعالمة وحدة ،ورباط محبة ،ووليمة فصحيّة ،فيها نتناول
المسيح غذاء ،وتمتلئ النفس بالنعمة ،و ُنعْ طى عربون المجد اآلتي".
-6666االفخارستيا هي " منبع الحياة المسيحية وقمّتها"" .فاألسرار وجميع الخِدم الكنسية
والمهام الرسولية مرتبطة كلّها باالفخارستيا ومتر ّتبة عليها .ذلك بأَنَّ االفخارستيا تحتوي على كنز
.الكنيسة اللرّ وحي بأجمعه ،أي على المسيح بالذات فصحنا"
" -6665شركة الحياة مع هللا ووحدة شعب هللا هما قوام الكنيسة ،وإليهما ترمز االفخارستيا وبها
تتحقّقان .واالفخارستيا هي قمّة العمل الذي به يُق ِّدس هللا العالم في المسيح ،كما أ ّنها ذروة العبادات
.التي يرفعها الناس إلى المسيح ،وبه إلى اآلب في الروح القدس"
-6669باالحتفال الليترجي ،ن ّتحد أخيراً ومنذ اآلن بليترجيّا السماء ونستبق الحياة األبدية حيث
"يكون هللا كالًّ في الكل"( 2كو .)28 : 21
-6666وقصارى القول إنّ االفخارستيا هي موجز إيماننا وخالصته" :فطريقة تفكيرنا تنطبق
.على االفخارستيا ،واالفخارستيا ،في المقابلُ ،تثبت طريقة تفكيرنا"
السر
ّ .ً6تسميات هذا
-6666يملك هذا السرّ من غزارة المعاني ما يحمل على تسميته بتعابير متنوّ عة ،يوحي ك ٌّل منها
ببعض من وجوهه .فهو يُسمّى :
.اإلفخارستيا :أل ّنه أداء شكر هلل(.لو 2 ،21 : 11كو )12 :22
-6666مائدة الرب :فاالفخارستيا تذ ّكر بالعشاء الذي تناوله الرب بصحبة تالميذه عشية آالمه
.وهي أيضا ً استباق لمائدة عرس الحمل في أورشليم السماوية
كسر الخبز :هذه العادة المرعيّة في الموائد اليهودية ،كان يسوع يعمد إليها ،عند َبركة الخبز
وتوزيعه ،بصفته المتق ّدم في المائدة ،وقد عمد إليها خصوصا ً في العشاء األخير و "بكسر الخبز"
عرفه التالميذ بعد القيامة .وهي العبارة التي استعملها المسيحيون األوّ لون للداللة على اجتماعاتهم
االفخارستية ،وهو يعبّرون بذلك عن أنَّ جميع الذين يتناولون من هذا الخبز الواحد المكسور ،أي
.المسيح ،يدخلون في الشركة معه وال يعودون يؤلّفون سوى جسد واحد معه
المحفل االفخارستي :وذلك بأنّ االفخارستيا يُحتفل بها في جماعة المؤمنين وهي التعبير المرئي
للكنيسة.
-6666تذكار آالم الرب وقيامته
الذبيحة المقدّسة :ألنّ االفخارستيا تجسّد في الحاضر الذبيحة الوحيدة ،ذبيحة المسيح المخلّص،
وتتضمّن تقدمة الكنيسة :و ُتسمّى أيضا ً ذبيحة القداس المقدّسة" ،ذبيحة التسبيح"(عب : 23
،)21الذبيحة الروحية ،الذبيحة الطاهرة والمقدّسة ،أل ّنها تكمّل وتفوق ذبائح العهد القديم
.كلّها
الليترجيا اإللهية المقدسة ،ألن ليترجيا الكنيسة كلّها تجد محورها وعبارتها األبلغ في االحتفال
السر
ّ بهذا السر .وبهذا المعنى أيضا ً نسمّيها االحتفال باألسرار المقدسة .وثمة أيضا ً عبارة
األقدس ،ألنّ االفخارستيا هي سرّ األسرار .وتسمّى بهذا األسم االعراضُ االفخارستية المحفوظة
.في بيت القربان
-6666الشركة :ألننا ،بهذا السرّ ،ن ّتحد بالمسيح الذي يصيّرنا شركاء في جسده وفي دمه لنكون
جسداً واحداً .ونسميها أيضا ً األقداس – وهذا ما تشير إليه أوالًًّ عبارة "شركة القديسين" الواردة
في قانون الرسل -وخبز المالئكة ،وخبز السماء ،ودواء الخلود ،والزاد األخير...
-6666القداس :ألنّ الليترجيا التي يت ّم فيها سرّ الخالص تنتهي(في الطقس الالتيني) بإرسال
المؤمنين ليحققوا إرادته تعالى في حياتهم اليومية.
-6666في صُلب االحتفال باالفخارستيا ،نجد الخبز والخمر اللذين يتحوّ الن ،بكلمات المسيح
واستدعاء الروح القدس ،إلى جسد المسيح ودمه .وتستمرّ الكنيسة ،في طاعتها ألمر الربّ ،في
تجديد ما صنعه في عشيّة آالمه ،تذكاراً له ،إلى ان يعود في مجده" :وأخذ خبزاً" " ...أخذ الكأس
المملوءة خمراً "....عندما يصير الخبز والخمر سر ّيا ً جسد المسيح ودمه ،فهما ال ينف ّكان يرمزان،
في الوقت نفسه ،إلى جودة الخليقة .وهكذا في صالة التقدمة ،نشكر للخالق عطية الخبز والخمر،
ثمرة "جهود االنسان" ولكننا نشكر له أوالً "ثمرة االرض"" ،وثمرة الكرمة" ،وهما من عطايا
الخالق .وترى الكنيسة في قربان ملكيصادق ،الملك والكاهن ،الذي "ق ّدم خبزاً وخمراً"(تك : 22
)28.صورة مسبّقة لقربانها
-6666في العهد القديم كان الخبز والخمر يق َّدمان قربانا ً من بواكير األرض ،عالمة اعتراف
بالخالق .ولك ّنهما اكتسبا ،في قرائن سفر الخروج ،مغزىً جديداً :فالخبز الفطير الذي يتناوله بنو
اسرائيل ك ّل سنة في عيد الفصح يذ ّكرهم بخروجهم ،على عجل ،من عبوديّة أرض مصر .وأمّا
ذكرى المنّ في البرية فهي تعيد إلى أذهان بني اسرائيل دائما ً أ ّنهم َيح َي ْون من خبز كالم هللا.
وهناك أخيراً الخبز اليومي وهو ثمرة أرض الميعاد وعربون صدق هللا في مواعيده" .كأس
البركة"( 2كو )21 : 21التي َي ْختت ُم بها اليهود الوليمة الفصحيّة تضفي على فرح العيد ونشوة
الخمر ،معنى أُُّ خرو ّيا ً نابعا ً من ذلك الترقّب الماسيوي ألورشليم الجديدة .لقد أضفى يسوع،
.بإقامته االفخارستيا ،معنى جديداً وحاسما ً على بركة الخبز والكأس
ووزعها بواسطة تالميذه إلطعام ّ -6665معجزات تكثير الخبزات ،يوم باركها الرب وكسرها
الجمع ،تنبئ بتوافر هذا الخبز اإلفخارستيّ الوحيد .والماء المحوّ ل خمراً في قانا يرمز إلى الساعة
التي يتمجّ د فيها يسوع ،ويعلن اكتمال وليمة العرس في ملكوت اآلب ،حيث يشرب المؤمنون
.الخمر الجديد صائراً دم المسيح
-6669أوّ ل إنباء باالفخارستيا قسم التالميذ بعضهم على بعض ،كما أنّ اإلنباء باآلالم ش ّككهم:
"هذا الكالم عسير من يطيق سماعه ؟"(يو .)11 : 1االفخارستيا والصليب كالهما حجر عثار،
وال يزال هذا السرّ نفسه سبب شقاق" :أفال تريدون أن تذهبوا ،أنتم أيضا ً ؟"(يو : )11 : 1سؤال
الربّ هذا يدوّ ي عبر األجيال ندا َء حب إلى التثبّت من أ ّنه هو وحده يملك "كلمات الحياة
.األبدية"(يو ،)18 : 1وأنّ من يقبل في اإليمان عطيّة االفخارستيا إ ّنما يقبله هو نف َسه
تأسيس االفخارستيا
-6666إنّ الربّ ،إذ أحب خاصته ،أحبّهم غاية الحبّ .وإذ عرف أنّ ساعته قد حانت ليمضي من
هذا العالم ويعود إلى أبيه ،قام عن الطعام وغسل أقدام تالميذه وأعطاهم وصيّة الحب .ولكي
يورّ ثهم عربون هذا الحب ،ويظ ّل أبداً معهم ،ويشركهم في فصحه ،وضع االفخارستيا تذكاراً
.لموته وقيامته ،وأمر رسله بأن يقيموها إلى يوم رجعته" ،جاعالً إيّاهم كهنة العهد الجديد"
-6666األناجيل اإلزائية الثالثة والقديس بولس نقلوا إلينا خبر إقامة االفخارستيا .والقديس يوحنا
يسرد لنا ،من جهته ،أقوال يسوع في مجمع كفرناحوم ،وهي أقوال تؤذن بإقامة االفخارستيا،
.وفيها يعلن المسيح نفسه خبز الحياة النازل من السماء
-6666لقد اختار يسوع زمن الفصح ليحقّق ما أنبأ به في كفرناحوم :أن يعطي تالميذه جسده
ودمه :
"وجاء يوم الفطير وفيه يجب ذبح حمل الفصح فأرسل(يسوع) بطرس ويوحنا وقال لهما" :إذهبا فأع ّدا لنا الفصح
لنأكله" .فذهبا فأع ّدا الفصح .فلمّا أتت الساعة جلس هو والرسل للطعام ،فقال لهم" :اشتهيت شهوة شديدة أن آكل
هذا الفصح معكم قبل أن أتألّم .فإ ّني أقول لكم :ال آكله بعد اليوم حتى يت ّم في ملكوت هللا" .ثم أخذ خبزاً وشكر
وكسره وناولهم أيّاه وقال" :هذا هو جسدي يُبذل من أجلكم .اصنعوا هذا لذكري" .وصنع مثل ذلك على الكأس
.بعد العشاء فقال" :هذه الكأس هي العهد الجديد بدمي الذي يُراق من أجلكم"(لو )11- 1: 11
-6666عندما احتفل يسوع بالعشاء األخير مع رسله أثناء الطعام الفصحيّ ،أضفى على الفصح
اليهوديّ معناه النهائي .فانتقال يسوع إلى أبيه ،بموته وقيامته ،وهو الفصح الجديد ،قد ت ّم قبل
أوانه في العشاء ،ونحتفل به في االفخارستيا التي ُتكمل الفصح اليهوديّ وتستبق فصح الكنيسة
.األخير ،في مجد الملكوت
-6666وصيّة يسوع بأن نكرّ ر أفعاله واقواله "إلى أن يجيء" ،ال تقتصر على أن نتذ ّكره ونتذ ّكر
ما قام به ،بل تهدف إلى أن يتولّى الرسل وخلفاؤهم االحتفال الليترجي بتذكار المسيح :حياته
وموته وقيامته وتشفّعه إلى اآلب.
-6666لقد ظلّت الكنيسة ،منذ البدء ،وفيّة لوصيّة الرب .فقد قيل في كنيسة أورشليم :
" كانوا يواظبون على تعليم الرسل والشركة األخوية وكسر الخبز والصلوات وكانوا يالزمون الهيكل ك ّل يوم
بقلب واحد ويكسرون الخبز في البيوت ويتناولون الطعام بابتهاج وسالمة قلب"(اع .)21 ،21 : 1
-6666وكان المسيحيون يجتمعون خصوصا ً "في أوّ ل االسبوع" أي يوم األحد ،اليوم الذي قام
فيه يسوع" ،ليكسروا الخبز"(أع .)1 : 11ومن ذلك الوقت حتى أيّامنا نواصل االحتفال
بالليترجيا ،بحيث نلقاها اليوم ،في ك ّل أنحاء الكنيسة ،بنفس الهيكليّة األساسية ،وتظ ّل هي محور
.حياة الكنيسة
شراً بسرّ يسوع
-6666وهكذا من احتفال إلى احتفال ،يتق ّدم شعب هللا في طريق حجّ ه ،مب ّ
الفصحي "إلى أن يجيء"( 2كو " ،)11 : 22وداخالً من باب الصليب الضيّق" إلى الوليمة
.السماويّة ،حيث يجلس جميع المختارين إلى مائدة الملكوت
" في اليوم المسمّى يوم الشمس ،يجتمع كل الساكنين في المدينة أو في الريف ،في مكان واحد(.في هذا االجتماع)
ُتتلى مذ ِّكرات الرسل وكتابات األنبياء ،بقدر ما ي ّتسع الوقت لذلك .عندما ينتهي القارئ من قراءته يتناول المتق ّدم
َّ
ليحث الناس ويشجّ عهم بهذه الحسنات. الكالم
ثم ننهض كلّنا معاً ،ونرفع الصلوات ألجلنا وألجل جميع اآلخرين ،أينما كانوا ،لنكون في نظر هللا أبراراً بسيرتنا
وأعمالنا ،وأوفياء للوصايا ،فننال بذلك الخالص األبديّ .
.في نهاية الصلوات ُنقبّل بعضنا بعضا ً
.ث ّم نق ّدم لرئيس اإلخوة خبزاً وكأسا ً من مزيج الخمر والماء
فيأخذهما ويرفع الحمد والتمجيد إلى اآلب خالق المسكونة ،باسم ابنه والروح القدس ،ويرفع الشكر طويالً ألننا
.حُسِ بْنا أهالً لهذه المواهب
.في نهاية هذه الصلوات وعبارات الشكر ،يهتف الشعب الحاضر كلّه قائالً :آمين
ويوزعون على جميع الحاضرين خبزاً ّ في نهاية صالة الشكر ،وبعد هتاف الشعب ،يتق ّدم الذين ُنسمّيهم شمامسة
.وخمراً وماء "إفخارستية" ويحملون منها للغائبين"
ت عبر القرون حتى أيامنا ،وتنقسم -6669الليترجيا االفخارستية تجري طبقا ً لهيكليّة أساسيّة َث َب َت ْ
إلى قسمين كبيرين يؤلّفان وحدة صميمة :
-التجمع ،وليترجيا الكلمة مع القراءات والعظة والصالة الجامعة،
-.الليترجيا االفخارستية ،مع تقدمة الخبز والخمر ،وصالة الشكر والتقديس والمناولة
ليترجيا الكلمة والليترجيا االفخارستية تؤلّفان معا ً "عمل عبادة واحداً" .وال غرو ،فالمائدة المهيّأة
آن واحد ،مائدة كلمة هللا ومائدة جسد الرب .لنا في االفخارستيا هي ،في ٍ
-6666اوليست هذه هي العالقة نفسها بين الوليمة الفصحية ،وليمة يسوع الناهض من بين
االموات ،وتلميذي عماوص؟ فإذ كان معهما في الطريق كان يفسّر لهما الكتب ،ثم جلس معهما
للطعام" ،فأخذ الخبز ،وبارك ،ثم كسره وناولهما".
سياق االحتفال
-6666يجتمعون كلّهم .فالمسيحيون يتواردون إلى مكان واحد لإلجتماع االفخارستيّ ،وعلى
رأسهم المسيح نفسه ،وهو يؤ ّدي الدور األول في االفخارستيا .إ ّنه الحبر األعظم للعهد الجديد،
وهو نفسه يرئس ،بطريقة خفيّة ،ك ّل احتفال افخارستيّ .وعندما يرئس األسقف أو الكاهن
الجماعة(باسم المسيح – الرأس) ،ويتكلّم بعد القراءات ،ويتقبّل التقادم ،ويتلو الصالة
االفخارستية ،فهو إ ّنما ّ
يمثل المسيح نفسه .كلّهم يشتركون فعل ّيا ً في االحتفال ،وك ٌّل على طريقته:
وموزعو االفخارستيا ،والشعب كلّه الذي يُعرب عن اشتراكه بهتاف : ّ القرّ اء ،ومق ّدمو التقادم،
.آمين
-6666ليترجيا الكلمة تتضمّن "نصوص األنبياء" أي العهدالقديم ،و "مذ ّكرات الرسل" ،أي
الرسائل واألناجيل .بعد العظة التي تحضّ الشعب على أن يقبلوا هذه الكلمة على ما هي حقّاً ،أي
كلمة هللا ،ويضعوها موضع التنفيذ ،تأتي الطلبات ألجل جميع الناس ،على ح ّد قول الرسول:
شكر من أجل جميع الناس ومن ٍ "أسأل قبل ك ّل شيء أن تقام أدعية وصلوات وابتهاالت وأفعال
.أجل الملوك وسائر ذوي السلطة"( 2تي )1-2 : 1
-6656تقديم القرابين(التقدمة) :ويؤتي إلى المذبح حينئذ ،في موكب أحياناً ،بالخبز والخمر
اللذين سيقرّبهما الكاهن باسم المسيح ،في الذبيحة االفخارسية ،فيتحوّ الن إلى جسد المسيح ودمه.
وهذا بالذات ما صنعه المسيح في العشاء األخير "آخذاً الخبز والكأس"" .هذه التقدمة تقرّ بها
الكنيسة وحدها إلى الخالق ،طاهرة ،وترفع له شاكرة نتاج الخليقة" .تقديم القرابين إلى المذبح
يحقّق ما صنعه ملكيصادق ،ويضع بين يدي المسيح عطايا الخالق .فهو الذي ،في ذبيحته ،يكلّل
.ك ّل الذبائح التي يسعى البشر إلى تقريبها
-6656لقد اعتاد المسيحيون ،منذ البدء ،أن يق ّدموا مع الخبز والخمر المع ّدين لالفخارستيا،
تقادمهم األخرى يوزعونها على ذوي الفاقة .هذه العادة في جمع التبرعات ال تزال قائمة حتى
.اليوم ،وتستوحي مثال المسيح الذي افتقر ليجعلنا أغنياء
"االغنياء الذين يرغبون في العطاء يعطون ك ٌّل بمقدار ما فرضه على ذاته ،وك ّل ما يُجمع يُسلّم إلى المتق ّدم
ليغيث اليتامى واأليامي والذين جرّدهم المرض أو أي علّة أخرى من الموارد ،والسجناء والمهاجرين ،وينجد،
.باختصار ،كل ذي حاجة"
-6656األنافورة :مع الصالة االفخارستية وصالة الشكر والتكريس نصل إلى قلب االحتفال
وقمّته :
في المقدّ مة تشكر الكنيسة لآلب ،بالمسيح وفي الروح القدس ،ك ّل صنائعه :الخلق والفداء والتقديس .وتنض ّم
الجماعة كلّها إلى الكنيس ة السماوية ،المالئكة وجميع القديسن ،الذين يرفعون إلى هللا المثلث القداسة نشيد حمد
.متواصل
-6656في صالة االستدعاء تطلب الكنيسة إلى اآلب أن يرسل روحه القدوس(أو قوّ ة بركته)
على الخبز والخمر ،ليتحوّ ال ،بقدرته ،إلى جسد يسوع المسيح ودمه ،وليصير المشتركون في
االفخارستيا جسداً واحداً وروحا ً واحداً(هناك تقاليد ليترجية تضع صالة استدعاء الروح القدس
.بعد صالة االستذكار)
في رواية الحدث التأسيسي لالفخارستيا ،ت ّتحد قوّ ة كلمات المسيح وعمله وقدرة الروح القدس
لتجعال من جسد المسيح ودمه ،ومن الذبيحة التي قرّ ب فيها المسيح ذاته على الصليب دفعة
.واحدة ،حقيقة سرّ ية ماثلة في أشكال الخبز والخمر
-6656في صالة االستذكار التالية تتذ ّكر الكنيسة آالم يسوع المسيح وقيامته وعودته المجيدة،
.وتقرب إلى اآلب تقدمة ابنه التي بها نتصالح مع هللا
في صلوات االستشفاع ،تبيّن الكنيسة أ ّننا نحتفل باالفخارستيا باالشتراك مع الكنيسة كلّها ،كنيسة
اسماء وكنيسة االرض ،كنيسة األحياء واألموات ،وفي الشركة مع الرعاة :البابا وأسقف
.األبرشية ،ومصف الكهنة والشمامسة وك ّل أساقفة العالم وكنائسهم
-6655في المناولة التي تسبقها صالة الرب وكسر الخبز ،يتناول المؤمنون "خبز السماء" و
".كأس الخالص" ،جسد ود َم المسيح الذي أسلم ذاته "ألجل حياة العالم"(يو )12 : 1
نظراً إلى أنَّ هذا الخبز والخمر قد تحوّ ال إلى افخارستيا ،على ح ّد التعبير القديم" ،فنحن نسمّي هذا الطعام
َ
يحظ بال ُغسل لمغفرة الخطايا افخارستيا وال يجوز ألحد أن يشترك فيه ما لم يؤمن بحقيقة ما يُعلّم عندنا ،وما لم
.والحياة الجديدة ،وما لم يتقيّد ،بوصايا المسيح"
-6656االفخارستيا هي سرّ خالصنا الذي حقّقه المسيح على الصليب .وهي أيضا ً ذبيحة حم ٍد
نشكر فيها هلل عمل الخلق .في الذبيحة االفخارستية ،ك ّل الخليقة التي يحبّها هللا ُتقرَّ ب إلى اآلب
عبر موت المسيح وقيامته .بالمسيح تستطيع الكنيسة أن تقرّ ب ذبيحة الحمد والشكر هلل على ك ّل ما
.صنعه من خير وجمال وبرّ في الخليقة وفي البشريّة
-6696االفخارستيا هي ذبيحة شكر لآلب ،وبركة بها ُتعرب الكنيسة عن امتنانها لك ّل أفضاله
وك ّل ما حقّقه لنا بالخلق والفداء والتقديس .االفخارستيا ،في مفهومها األول هي "شكر".
-6696واالفخارستيا هي أيضا ً ذبيحة حمد ،بها تشيد الكنيسة بمجد هللا باسم الخليقة كلّها .ذبيحة
الحمد هذه ال تسوغ إال ّ من خالل المسيح :فهو الذي يض ّم المؤمنين إلى ذاته ،ويشركهم في حمده
ذبيحة الحمد لآلب إال بالمسيح ومع المسيح وال تقبل إال ّ فيه ُ .وشفاعته ،فال ُتقرّ ب
-6696االفخارستيا هي تذكار فصح المسيح ،بها تصبح ذبيح ُته الوحيدة فعالً حاضراً وتقدمة
سرّ ية في ليترجيا الكنيسة التي هي جسده .وإ ّننا نجد في ك ّل الصلوات االفخارستية بعد كلمات
.التقديس ،ما يُسمّى بصالة االستذكار أو التذكار
-6696في مفهوم الكتاب المق ّدس ،ليس التذكار مجرّ د استعادة ألحداث الماضي ،بل هو االشادة
بالعجائب التي صنعها هللا لألنام .ففي االحتفال الليترجي بهذه األحداث ،تكتسي هذه االحداث،
نوعا ً ما ،طابع الحاليّة والواقعيّة :بهذه الطريقة يدرك الشعب االسرائيلي انعتاقه من أرض مصر:
فك ّل مرة يُحتفل بالفصحَ ،ت ْم ُثل أحداث خروجه من تلك األرض في ذاكرة المؤمنين ليطبّقوا حياتهم
.عليها
-6696واما في العهد الجديد فالتذكار يكتسب معنى جديداً .فعندما تحتفل الكنيسة باالفخارستيا،
تتذكر فصح المسيح ،ويصبح الفصح حقيقة ماثلة في الحاضر :ال غرو ،فالذبيحة التي قرّ بها
المسيح مرّ ة واحدة على الصليب تظ ّل أبداً ماثلة في الواقع" :ك ّل مرّ ة تقام على المذبح ذبيحة
الصليب التي ُذب َح بها المسي ُح فصحُنا"(2كو )1: 1يتم عمل افتدائنا".
-6695وألن االفخارستيا هي تذكار فصح المسيح فهي ذبيحة أيضا .هذا الطابع القربانيّ ،في
االفخارستيا ،يظهر في كلمات التأسيس نفسها " :هذا هو جسدي يُبذل ألجلكم" و "هذه الكأس هي
العهد الجديد بدمي الذي يُراق ألجلكم"(لو .)11-21: 11في االفخارستيا يعطينا المسيح هذا
الجسد عينه الذي بذله ألجلنا على الصليب ،وهذا الدم عينه "الذي أراقه من أجل جماعة الناس
.لغفران الخطايا"(متى )18 : 11
-6699االفخارستيا هي إذن ذبيحة ألنها تم ّثل ذبيحة الصليب(أي تجعلها ماثلة لدينا) وأل ّنها
تذكارها ،وتؤتينا ثمرها :
(إن المسيح) "إلهنا وربّنا قرّ ب ذاته هلل اآلب مرّة واحدة ،ومات شفيعا ً لنا على مذبح الصليب ،ليح ّقق(للناس) فداء
أبد ّياً .ولكن ،ما دام موته لم يضع ح ّداً لكهنوته(عب ،)11،12 : 1فقد أراد ،في العشاء األخير ،في "الليلة التي
أُسلم فيها"(2كو )13: 22أن يورث كنيسته ،عروسه الحبيبة ،ذبيحة مرئيّة(كما تتطلّبها الطبيعة البشرية) ،حيث
ّ
تتمثل الذبيحة الدمويّة التي كان ال ب ّد أن تت ّم مرّ ة واحدة على الصليب ،والتي سوف تظ ّل ذكراها مستمرّة حتى
.نهاية الدهور(2كو ،)13 :22ومفعولها الخالصي جاريا لفداء الخطايا التي نقترفها كل يوم"
-6696ذبيحة المسيح وذبيحة االفخارستيا هما ذبيحة واحدة " :إ ّنها نفس الضحيّة .والذي يقرّ ب
اآلن ذاته بواسطة الكهنة ،هو نفسه الذي قرّ ب ذاته يوما ً على الصليب .طريقة التقريب وحدها
تختلف" " :وبما أ ّنه ،في هذه الذبيحة اإللهية التي تت ّم في الق ّداس ،هذا المسيح نفسه الذي
"ق ّدم ذاته مرة ،بطريقة دمويّة" ،على مذبح الصليب ،هو نفسه المتضمّن والمقرَّ ب ضحيّة غير
.دمويّة .فهذه الذبيحة هي حقّا ً ذبيحة تكفير عن الخطايا"
-6696االفخارستيا هي أيضا ذبيحة الكنيسة .فالكنيسة ،جسد المسيح ،تشترك في تقدمة هامتها،
وتقرّ ب ذاتها معه كاملة ،وتنض ّم إلى المسيح شفيعا ً إلى اآلب ألجل جميع الناس .في االفخارستيا،
تصبح ذبيحة المسيح ذبيحة أعضاء جسده .حياة المؤمنين وحمدهم وعذابهم وصالتهم وشغلهم،
هذا كلّه ينض ّم إلى المسيح وإلى تقدمته الكاملة ويكتسب هكذا قيمة جديدة .ذبيحة المسيح الماثلة
.على الهيكل تم ّكن جميع األجيال المسيحية من أن تنض ّم إلى تقدمته
مثل الكنيسة بشكل إمرأة تصلّي وذراعاها منبسطتان انبساطة عريضة وضارعة .فكما بسط في الدياميسُ ،ت ّ
ً
شافعة في جميع الناس .المسيح ذراعيه على الصليب ،تقرّ ب الكنيسة ذاتها به ومعه وفيه
-6696الكنيسة كلّها تنض ّم إلى تقدمة المسيح وشفاعته .ويشترك البابا الذي وُ كلَت إليه مهمّة
بطرس في الكنيسة ،في ك ّل احتفال بالليترجيا حيث يُذكر بصفته خادم وحدة الكنيسة الجامعة.
األسقف المحلّي هو الذي يرعى دائما ً االفخارستيا ،حتى وإن ترأسها كاهن ،ويُذكر فيها اسمُه
إشارة إلى ترؤسه الكنيسة الخاصة ،وسط المصف الكهنوتي وبمعاونة الشمامسة .وتصلّي
الخ َد َمة الذي يقرّبون الذبيحة االفخارستية ألجلها ومعها : الجماعة أيضا ً من أجل جميع َ
ً
شرعية إالّ االفخارستيا التي يرئسها األسقف أو من َو َك َل إليه ذلك"، "ال تعتبر
"إنّ ذبيحة المسيحيين الروحية تت ّم بعمل الكهنة ،م ّتحدة بذبيحة المسيح ،الوسيط الوحيد ،و ُتقرَّ ب ،سرّ يا ً ال دمو ّياً،
.في االفخارستيا ،على يد الكهنة ،باسم الكنيسة كلها جمعاء ،إلى يوم مجيء الرب"
-6666وال ينض ّم إلى تقدمة المسيح األعضاء الذين ال يزالون في هذه الدنيا وحسب ،بل الذين
دخلوا أيضا مجد السماء :فالكنيسة تقرّ ب الذبيحة االفخارستية م ّتحدة بالعذراء مريم الفائقة
القداسة ومنوّ هة بذكرها ،ومنضمّة إلى جميع القديسين والق ّديسات .في االفخارستيا ،كما عند قدم
.الصليب ،تتحد الكنيسة مع مريم ،في تقدمة المسيح وشفاعته
-6666تقرّ ب الذبيحة االفخارستية أيضا ً من أجل الموتى المؤمنين "الذين رقدوا في المسيح ولم
يحظوا بعد بملء الطهارة" ليستطيعوا الولوج في نور المسيح وسالمه.
"أُدفنوا هذا الجثمان أينما شئتم! وال يُع ّكر ّنكم ،في شأنه ،أيّ ه ّم! وك ّل ما أسألكم أن تذكروني عند مذبح الرب،
.أينما كنتم"
"ثم إننا نصلّي( في اآلنافورة) من أجل اآلباء واألساقفة القديسين الراقدين ،وبعامّة من أجل جميع الذين رقدوا
قبلنا ،معتقدين أنّ ذلك يعود بجزيل الفائدة على النفوس التي نرفع االبتهال ألجلها ،بينما َت ُ
مثل أمامنا الضحية
المقدسة والرهيبة .عندما نرفع إلى هللا ابتهاالتنا من أجل الذين رقدوا ،وإن خطأة ،إ ّنما نقرّ ب المسيح المذبوح
بسبب خطايانا ،ونستعطف هللا المحبّ البشر ألجلهم وألجلنا".
تحثنا على أن نشترك لخص القديس أوغسطينوس ،بطريقة رائعة ،هذه العقيدة التي ّ -6666لقد ّ
اشتراكا ً أكمل في ذبيحة فادينا التي نحتفل بها في االفخارستيا :
ً
شاملة الكاهنُ األعظم الذي "هذه المدينة المفتداة برمّتها ،أي جماعة القديسين ومجتمعهم ،يقرّبها إلى هللا ذبيحة
ا ّتخذ صورة عبد وذهب إلى ح ّد تقدمة ذاته في آالمه ألجلنا ،ليجعلنا جسداً ألعظم رأس .تلك هي ذبيحة
المسيحيين" :أن يكونوا ،في كثرتهم ،جسداً واحداً في المسيح"(رو .)1: 21وهذه الذبيحة ال تني الكنيسة تج ّددها
حق المعرفة ،وحيث يتبيّن لها أ ّنها هي نفسها مقرّبة في شخص الذي
في سرّ المذبح الذي يعرفه المؤمنون ّ
.تقرّبه"
ك
" -6666المسيح يسوع الذي مات ،ثم قام ،وهو إلى يمين هللا يشفع لنا"(رو ،)32: 8ال ينف ّ
حاضراً في كنيسته بوجوه كثيرة :في كالمه ،وفي صالة كنيسته" ،ألنه حيثما اجتمع اثنان أو ثالثة
باسمي ،فأنا أكون هناك في َوسْ طهم"(متى ،)11: 28وفي الفقراء والمرضى والمساجين وفي
أسراره التي وضعها ،وفي ذبيحة القداس ،وفي شخص خادم السرّ " ،وبأعلى درجة ،في األشكال
.االفخارستية"
-6666طريقة حضور المسيح في األشكال االفخارستية طريقة فريدة ،ترفع االفخارستيا فوق
.جميع األسرار ،وتجعل منها "كمال الحياة الروحية والغاية التي تهدف إليها جميع األسرار"
فسرّ االفخارستيا األقدس يحتوي ح ّقا وحقيق ّيا وجوهر ّيا جسد ربّنا يسوع المسيح ودمه مع نفسه
وألوهيته ،من ث ّم ،فهو يحتوي المسيح كلّه كامال" .هذا الحضور يسمّى "حقيق ّياً" ،ال بمعنى
المنافاة ،كما لو كانت سائر أشكال حضوره غير "حقيقيّة" ،بل بمعنى التفوّ ق ،ألنّ حضور المسيح
في االفخارستيا حضور جوهري ،وبه يكون المسيح اإلله واإلنسان حاضراً كلّه كامالً".
بتحول الخبز والخمر إلى جسد المسيح ودمه .وقد ّ -6665ويكون المسيح حاضراً في هذا السر،
أ ّكد آباء الكنيسة تاكيداً حازما ً إيمان الكنيسة بفعل كالم المسيح وعمل الروح القدس ،في عمليّة
التحويل هذه .وقد صرّ ح القديس يوحنا الذهب ّي الفم بقوله:
"ليس االنسان هو الذي يحوّ ل القرابين إلى جسد المسيح ودمه ،بل المسيح نفسه الذي صلب ألجلنا .الكاهن،
صورة المسيح ،ينطق بهذه الكلمات ولكنّ الفعل والنعمة هما من هللا .يقول :
".هذا هو جسدي" .وهذه الكلمة تحوّ ل القرابين"
ويقول القديس أمبروسيوس في شأن هذا التحوّ ل :
تتفوق على الطبيعة ،ألنّ
لنقتنع من أنَّ "هذا ليس من فعل الطبيعة بل من فعل التقديس بالبركة ،وأنَّ قوة البركة ّ
الطبيعة نفسها تتحوّ ل بالبركة"" .كلمة المسيح التي خلقت األشياء من ال شيء أال تقدر أن تحوّ ل الموجودات إلى
ك أنَّ منح األشياء طبيعتها األولى ليس بأق ّل من تحويلها" .ما لم تكنه من قبل؟ وال ش ّ
ّ -6669
يلخص المجمع التريدنتيني االيمان الكاثوليكي بقوله" :بما أنّ المسيح فادينا قال لنا إنّ ما
يقرّ به تحت شكل الخبز هو حقّا ً جسده ،فقد أيقنت الكنيسة دوما ً هذه العقيدة التي يعلنها المجمع
ثانية :بتكريس الخبز والخمر يتحوّ ل ك ُّل جوهر الخبز إلى جوهر جسد المسيح ربّنا ،وك ّل جوهر
الخمر إلى جوهر دمه .هذا التغيّر ،قد أصابت الكنيسة بتسميته التحول
.الجوهري"
-6666حضور المسيح االفخارستيّ يبدأ لحظة التكريس ويستمر ما دامت األشكال االفخارستية
ّ
يتجزأ المسيح صامدة .المسيح حاضر كلّه في ك ّل من األشكال وفي كل جزء منها بحيث ال
.بتجزيء الخبز
-6666العبادة االفخارستية :في ليترجيا القداس نعبّرعن إيماننا بحضور المسيح الحقيقي تحت
أشكال الخبز والخمر بطرق مختلفة ،منها احناء الركب أو االنحناء العميق إعرابا ً عن تعبّدنا
للرب" .إنّ الكنيسة كانت وال تزال تؤ ّدي عبادة السجود هذه التي يجب أن تؤ ّديها لسرّ
االفخارستيا ،ليس فقط وقت القداس ،بل خارج االحتفال به أيضاً :وذلك بحفظ األجزاء المكرّ سة
.بأعظم العناية وعرضها على المؤمنين ليُجلّوها باحتفاء ،ويطوفوا بها"
-6666الذخيرة المقدسة(بيت القربان) كانت مع ّدة قبالً لحفظ االفخارستيا حفظا ً الئقا ً ل ُتح َمل إلى المرضى
والمتغيّبين عن القداس .ومع تعمّق االيمان في حضور المسيح الحقيقي في االفخارستيا ،أدركت الكنيسة معنى
التعبّد الصامت للربّ الحاضر تحت أشكال االفخارستية .وال ب ّد من ث ّم ،من أن يوضع بيت القربان في مكان من
الكنيسة على جانب من اللياقة .ويجب ان يُص َنع بحيث ُيظهر بوضوح حقيقة حضور المسيح الراهن في السرّ
.المقدس
-6666من المفيد جداً أنّ المسيح أراد البقاء إلى جانب كنيسته بهذا الشكل الفريد .فإذ كان الب ّد
للمسيح من أن يغادر ذويه في شكله الظاهر أراد أن يهب لنا حضوره السرّ يّ .وإذ كان مزمعا ً أن
يق ّدم ذاته على الصليب لخالصنا ،اراد أن يترك لنا تذكار الحبّ الذي به أحبّنا "إلى أقصى
الحدود"(يو )2: 23ببذل حياته .فهو ،بحضوره االفخارستيّ ،يبقى سر ّيا ً بيننا ،بقاء من أحبّنا وبذل
.ذاته ألجلنا ،وذلك تحت األشكال التي تعبّر عن هذا الحب ّ
وتبثه
"إنّ الكنيسة والعالم بحاجة شديدة إلى العبادة االفخارستية .يسوع ينتظرنا في سرّ المحبّة هذا ،فال نبخل عليه
بأوقات نذهب فيها للقائه ،في جوّ من السجود والتأمّل المفعم باإليمان واألهبة للتكفير عن معصي العالم
.وجرائمه .وال نك ّفنَّ أبداً عن عبادته"
" -6666وجود جسد المسيح الحقيقيّ ودم المسيح الحقيقيّ في هذا السرّ " ،ال ندركه الب ّتة بالحواس
– يقول القديس توما – بل باإليمان وحده المرتكز على سلطة هللا" .من هنا أنّ القديس كيرلّس،
عندما يفسّر نص القديس لوقا" : 21 : 11 ،هذا هو جسدي الذي يُبذل ألجلكم"
يصرّ ح قائالً" :ال تتساء ْل هل هذا صحيح ،بل تقبّل بإيمان كلمات الربّ ،أل ّنه هو ،الحق ،ال
.يكذب"
"إني أعبدكِ عبادة عميقة أيتها االلوهة المستترة
والماثلة حقّا ً تحت هذه الظواهر،
لكِ يُذعنُ قلبي كلُّه
أل ّنه يذوب كلّه في تأمّلكِ
ال البصر يُدرككِ وال الذوق وال اللمس
وإ ّنما نثق فقط بما يُقال لنا
أؤمن بما قاله ابن هللا
.وال شيء أص ّح من كالم الحقيقة هذا"
.ً9الوليمة الفصحية
آن واحد وبغير انفصال ،التذكار القرباني الذي تستمرّ به ذبيحة الصليب،
-6666القداس هو ،في ٍ
والوليمة المق ّدسة التي فيها نشترك في جسد الرب ودمه .بيد أنَّ االحتفال بالذبيحة االفخارستية
يهدف كلّه إلى ا ّتحاد المؤمنين بالمسيح ا ّتحاداً حميما ً بواسطة المناولة .فالمناولة إ ّنما هي قبول
.المسيح نفسه الذي ق ّدم ذاته ألجلنا
يمثل سرّ اً واحداً بوجهيه :مذبح -6666المذبح الذي تلتئم الكنيسة حوله في االحتفال باالفخارستيا ّ
الذبيحة ومائدة الرب .ويص ّح هذا بمقدار ما يرمز المذبح المسيحي إلى المسيح نفسه ،الحاضر
آن واحد ،الضحيّة المقرّ بة لمصالحتنا مع هللا ،وخبزاً سماو ّيا ً وسط جماعة المؤمنين بصفته ،في ٍ
يُق ّدم لنا" :ما هو مذبح المسيح إال ّ صورة جسد المسيح؟" ،يقول القديس امبروسيوس .وفي موضع
يمثل جسد المسيح ،وجس ُد المسيح موضو ٌع على المذبح" .و ُتعبّر الليترجيا عن هذه آخر " :المذبح ّ
الوحدة القائمة بين الذبيحة والمناولة في صلوات كثيرة" .هكذا ،تصلّي كنيسة روما األنافورة :
"إننا نتضرع إليك أيّها اإلله القدير :فليحمل مالكك(هذه التقدمة) ،في ظ ّل مجدك ،إلى مذبحك السماوي ،حتى إذا
.ما تق ّبلنا ههنا ،بتناولنا من المذبح ،جسد ابنك ودمه ،نمتلئ من نعمتك وبركتك"
ّ
الحق أقول لكم :إذا ّ
"الحق -6666إنّ الربّ يوجّ ه إلينا دعوة ملحّ ة لتناوله في سرّ االفخارستيا :
.لم تأكلوا جسد ابن االنسان وتشربوا دمه ،فلن تكون فيكم الحياة"(يو )13 : 1
ويحثنا القديس بولس ّ -6665لكي نلبّي هذه الدعوة ،علينا أن نته ّيأ لهذه اللحظة العظيمة المق ّدسة.
على محاسبة ضمير " :من أكل خبز الرب أو شرب كأسه ،ولم يكن أهالً لهما فقد جنى على جسد
الرب دمه .فليحاسب االنسان نفسه ،قبل أن يأكل من هذا الخبز ويشرب من هذه الكأس .فمن أكل
وشرب ،وهو ال يرى فيه جسد الرب ،أكل وشرب الحكم على نفسه"(2كو .)11-11 :22فمن
.عرف نفسه في خطيئة ثقيلة ،عليه أن ينال سرّ المصالحة قبل أن يُقدِم على المناولة
-6669أمام عظمة هذا السرّ ،ال يسع إال ّ أن يستعيد ،بتواضع وإيمان الهب ،كالم قائد المئة :
"يارب لست أهالً ألن تدخل تحت سقفي .ولكن يكفي أن تقول كلمة فتبرأ نفسي" .وفي الليترجيا
اإللهية ،للق ّديس يوح ّنا الذهبيّ الفم ،يصلّي المؤمنون في نفس هذه النفحة :
"إقبلني اليوم شريكا ً في عشائك السرّ ي يا ابن هللا ،فإ ّني ال أقول سرّ ك ألعدائك ،وال أقبّلك مثل يهوذا .بل كاللص
أعترف لك :أذكرني يا رب في ملكوتك".
-6666على المؤمنين أن يراعوا الصوم المفروض في كنيستهم ليُحسنوا االستعدا َد لقبول هذا
السر .ويجب أن يعبّر الجسم(بلياقة هندامه وتصرّ فاته) عمّا تك ّنه هذه اللحظة التي يصبح فيها
.المسيح ضيفنا ،من معاني االحترام والحفاوة والبهجة
-6666وينطبق على معنى االفخارستيا بالذات أن يتناول المؤمنون عندما يشتركون فيها في
القداس ،بشرط أن يتحلّوا باالستعادات المطلوبة" :يُحرّ ض المؤمنون بش ّدة على أن يشتركوا في
.القداس بوجه أكمل ،فيتناولوا ،بعد تناول الكاهن ،من نفس ذبيحة جسد الرب"
-6666و ُتلزم الكنيسة المؤمنين بأن "يشتركوا في الليترجيا اإللهيّة أيام اآلحاد واألعياد" وأن
يتناولوا االفخارستيا أقلّه مرّ ة في السنة ،في زمن الفصحي إذا أمكن ذلك ،ويستع ّدوا لها بسرّ
تحث المؤمنين بش ّدة على ان يتناولوا االفخارستيا المق ّدسة أيام اآلحاد ُّ المصالحة .بيد أنّ الكنيسة
واألعياد ،بل أكثر من ذلك أيضاً ،وحتى كل يوم.
-6666نظراً إلى حضور المسيح السرّ ي في كال الشكلين ،فالتناول تحت شكل الخبز فقط يُتيح
اإلفادة من ك ّل ثمار نعمة االفخارستيا .هذه الطريقة في المناولة قد رسخت شرع ّيا ً في الطقس
الالتيني ،فأضحت ،ألسباب رعائية ،هي الطريقة األكثر شيوعاً" .المناولة المق ّدسة تحقّق ،بطريقة
أكمل ،ووجهها الرمزيّ عندما تت ّم تحت الشكلين .فبهذا الوجه يظهر ،بطريقة أكمل ،رمز المائدة
.االفخارستية" .وهذه هي الطريقة الم ّتبعة عادة للمناولة في الطقوس الشرقية
ثمار المناولة
-6666المناولة تن ّمي ا ّتحادنا بالمسيح .قبول االفخارستيا في المناولة ،ثمرته األولى اال ّتحاد
الحميم بيسوع المسيح .فالربّ يقول لنا" :من يأكل جسدي ويشرب دمي يثبت فيّ وأنا فيه"(يو :1
.)11والحياة في المسيح ركيزتها الوليمة االفخارستية " :كما ان اآلب الح ّي أرسلني وأ ّني أحيا
.باآلب ،فكذلك الذي يأكلني سيحيا بي"(يو )11 : 1
ُ
شر بعضهم بعضا ً بأنّ عربون الحياة قد أعطي ،كما
"عندما يتناول المؤمنون جسد االبن ،في أعياد الرب ،يب ّ
جرى ذلك عندما قال المالك لمريم المجدلية" :قام المسيح" .هكذا اآلن أيضً ا يُعطى ك ّل من يتناول المسيح الحياة
.والقيامة"
-6666مفعول الطعام في حياتنا الجسدية ،تحقّقه المناولة بطريقة عجيبة في حياتنا الروحية.
االشتراك في جسد المسيح القائم "الذي يحييه الروح القدس ويفيض فينا الحياة" ،يصون حياة
النعمة التي تلقّيناها في المعمودية ،وينمّيها ويج ّددها .هذا ال ّنمو في الحياة المسيحية يحتاج إلى
ساعة الموت ف ُنعطاهُ خبز حجِّ نا(في هذه الحياة) إلى أن َتحين
غذاء المناولة االفخارستيةِ ،
.زاداً(للحياة األبدية)
-6666المناولة تفصلنا عن الخطيئة .جسد المسيح الذي نأخذه في المناولة قد " ُب ِذ َل ألجلنا"،
والدم الذي نشربه قد "سفك عن الكثيرين لمغفرة الخطايا" .وبالتالي ،فاالفخارستيا ال تستطيع أن
.تضمّنا إلى المسيح ،من دون أن تطهّرنا من الخطايا السالفة وتحفظنا من الخطايا اآلتية
شر بمغفرة الخطايا .وإذا كان كل مرّة يراق "كل مرّة نتناوله ،نخبر بموت الرب .فعندما نب ّ
شر بموت الرب ،نب ّ
دمه ،إ ّنما يُراق لمغفرة الخطايا ،فعليّ أن اتناوله دائما ً لكي يصفح دائما ً عن خطاياي .فأنا الذي يرتكب الخطيئة
.دائما ً ،أحتاج إلى عالج"
-6666كما أنّ الطعام الجسدي يعيد القوى المفقودة ،كذلك االفخارستيا تقوّ ي المحبّة التي تنزع
إلى التناقص في الحياة اليومية .هذه المحبة ،إذا انتعشت ،تمحو الخطايا العرضية .عندما يبذل لنا
المسيح ذاته ،يُنعش محبّتنا ويم ّكننا من أن نصرم ما يقيّدنا بالخالئق من عالئق مشوشة ،ونتأصل
فيه :
ب لنا المحب ُّة بحلول الروح القدس .إننا
"لقد مات المسيح ح ّبا ً بنا .فعندما نتذكر موته وقت الذبيحة ،نسأله أن تو َه َ
ندعوه بتواضع أن نتل ّقى ،نحن أيضاً ،نعمة الروح القدس ،بفعل هذه المحبّة التي دفعت المسيح إلى أن يموت
ألجلنا ،ويصبح العالم مصلوبا ً عندنا ونصبح نحن مصلوبين عند العالم ،لقد تل ّقينا موهبة المحبّة ْفل َنم ْ
ُت عن
ولنحي هلل"
َ .الخطيئة
-6665المحبّة التي توقدها االفخارستيا فينا تحرزنا من الخطايا المميتة اآلتية .فبمقدار ما نشترك
في حياة المسيح ونتق ّدم في صداقته ،يمسي أصعب علينا أن ننفصل عنه بالخطيئة المميتة.
االفخارستيا ال تهدف إلى محو الخطايا المميتة ،فذلك من خصائص سرّ المصالحة .وأمّا
.االفخارستيا فتتميّز بأ ّنها سرّ الذين ينعمون بملء الشركة مع الكنيسة
السري :االفخارستيا تصنع الكنيسة .فالذين ينالون االفخارستيا ي ّتحدونّ -6669وحدة الجسد
بالمسيح ا ّتحاداً أوثق .ومن ث ّم ،فالمسيح يجعلهم م ّتحدين بجميع المؤمنين في جسد واحد :أي
الكنيسة .المناولة تج ّدد وتقوّ ي وتعمّق هذا االندماج في الكنيسة الذي تحقّق لنا بالمعموديّة.
بالمعمودية ُدعينا إلى أن نكون جسداً واحداً وباالفخارستيا تتحقّق هذه الدعوة" :كأس البركة التي
شركة في دم المسيح؟ والخبز الذي نكسره اليس هو شركة في جسد المسيح؟ ً نباركها أليست هي
فبما أنّ الخبز واحد فنحن الكثيرين جسد واحد ،ألننا جميعا ً نشترك في الخبز الواحد"(2كو : 21
)21-21.
"إذا كنتم جسد المسيح وأعضاءه ،فسرُّ كم هو الموضو ُع على مائدة الرب ،وتتناولون سرَّ كم .تجيبون "آمين"(نعم،
هذا حق) على ما تتناولون ،وتصادقون عليه بجوابكم .إ ّنك تسمع هذه الكلمة" :جسد المسيح" .وتجيب "آمين".
كن إذن عضواً في المسيح لتكون "اآلمين" عندك صحيحة".
الحق ،جسد المسيح ودمهّ -6666االفخارستيا تج ّندنا في خدمة الفقراء :لكي نقبل ،في
المبذولين ألجلنا ،علينا أن نتوسّم المسيح في إخوته األش َّد فقراً :
"لقد ُذقت دم الرب وأنت ال تعرف حتى بأخيك .إ ّنك تد ّنس هذه المائدة ذاتها ،عندما َت َ
حسبُ غير أهل لمقاسمة
طعامك ذاك الذي حُسب أهالً ليشترك في هذه المائدة .لقد حرّ رك هللا من ك ّل ذنوبك ودعاك إلى هذه المائدة،
.وأنت ،حتى في هذه المناسبة ،لم تزدد فيك الشفقة"
-6666االفخارستيا ووحدة المسيحيين .أمام عظمة هذا السرّ ،يهتف القديس أوغسطينوس:
لسر التقوى! ياال لعالمة الوحدة! يا لرباط المح ّبة!" كلّما تفاقم شعورنا بألم االنقسامات التي "يا ّ
تفسّخ الكنيسة وتص ّدع اشتراكنا في مائدة الرب ،ازدادت أدعيتنا إلى هللا لجاجة لتعود أيام الوحدة
الكاملة بين جميع المؤمنين به.
-6666الكنائس الشرقية التي ليست على ملء الشركة مع الكنيسة الكاثوليكية تحتفل باالفخارستيا احتفاالً مفعما ً
بالحب" :هذه الكنائس ،على انفصالها ،تملك أسراراً حقيقيّة ،وال سيّما بفعل الخالفة الرسولية :الكهنوت
واالفخارستيا اللذين يضمّانها إلينا ض ّما ً وثيقاً" .لذلك "ان بعض االشتراك في االقداس ،وبالتالي في االفخارستيا،
في اآلحوال المؤاتية ،وبموافقة السلطة الكنسية ،ليس هو فقط في حكم الممكن ،بل في حكم المحبّذ أيضاً".
-6666إنّ الجماعات الكنسية المنبثقة عن حركة االصالح والمنفصلة عن الكنيسة الكاثوليكية
"لم تحتفظ بجوهر السرّ االفخارستيّ كامالً ،وخصوصا ً بسبب فقدان سرّ الكهنوت عندها" .ومن ث ّم ،ال يجوز ،في
نظر الكنيسة الكاثوليكية ،إقامة الشركة االفخارستيا مع هذه الجماعات .ولكنّ هذه الجماعات الكنسية "عندما
تحتفل بذكرى موت الرب وقيامته في العشاء المقدس ،تشهد بأنّ الحياة قوامُها االتحاد بالمسيح ،وتنتظر رجعته
.المجيدة"
الخ ّدمّة الكاثوليك ،في حال الضرورة الخطيرة والملحّ ة ،وامتثاالً لحكم الرئيس المحلّي ،ان
-6666يستطيع ّ
يمنحوا األسرار( االفخارستيا والتوبة ومسحة المرضى) للمسيحيين اآلخرين الذين ليسوا على ملء الشركة مع
الكنيسة الكاثوليكية ،بشرط أن يطلبوها ب ملء ارادتهم .وعليهم ،عندئذ ،أن يعلنوا اإليمان الكاثوليكي في شأن هذه
.اآلسرار ،ويتحلّوا باالستعدادات المطلوبة
-6666في صالة قديمة ،تهتف الكنيسة مهللة لسرّ االفخارستيا" :يا أيها الوليمة المق ّدسة التي
ُتص ّير المسيح طعامناً ،و َتحيي ذكرى آالمه ،و ُتفعم بالنعمة نفسنا و ُتعطينا عربون الحياة األتية".
فاالفخارستيا هي ،وال شكّ ،تذكار فصح الرب ،وباشتراكنا في المذبح نمتلئ "من ك ّل بركة
.سماوية ونعمة" .ولكنّ االفخارستيا هي أيضا ً استباق للمجد السماوي
ت الربّ نفسُه ن َظ َر تالميذه إلى اكتمال الفصح في ملكوت هللا: -6666في العشاء األخير ،ل َف َ
"أقول لكم :لن أشرب بعد اآلن من عصير الكرمة هذا حتى ذلك اليوم الذي فيه أشربه معكم جديداً
في ملكوت أبي"(متى .)11 : 11ك ّل مرّ ة تحتفل الكنيسة باالفخارستيا ،تتذ ّكر هذا الوعد ،وترنو
بنظرها إلى "من سيأتي"(رؤ .)2 : 2وفي صالتها تلتمس مجيئه" :ماراناثا"
ت نعمتك وليعبر هذا العالم!" 2(.كو " ،)11 : 21تعال أيّها الرب يسوع"(رؤ" ،)11 : 11لتأ ِ
-6666وتعْ لّم الكنيسة أن الرب ،منذ اآلن ،يأتي في االفخارستيا ،وأنه ههنا فيما بيننا .ولكنّ هذا
الحضور محجوب عن األنظار .ولهاذ نحتفل باالفخارستيا "منتظرين الرجاء السعيد ،ومجيء
مخلّصنا يسوع المسيح" ،وطالبين "أن نمتلئ من مجدك في ملكوتك ،كلّنا معا ً وإلى األبد ،يوم
ُتم َسح ك ّل دمعة من عيوننا .يوم نراك ،أنت إلهنا ،كما أنت ،سوف نصير شبيهين بك إلى األبد.
.ونسبّحك بال انقطاع ،بالمسيح ربّنا"
-6665هذا الرجاء العظيم ،رجاء سماوات جديدة وأرض جديدة يقُيم فيها البرّ ،ليس لدينا عليه
عربونٌ أوثق وآية أوضح من االفخارستيا .وال غرو ،فك ّل مرّ ة نحتفل بهذا السرّ " ،يت ُّم عمل
ُ
والترياق الذي يحول دون موتنا ،بل فدائنا"" ،ونكسر خبزاً واحداً هو الدواء الذي يكفل لنا الخلود
.يتيح لنا أن نحيا في يسوع المسيح دائماً"
بإيجاز
يحي إلى األبد. -6669قال يسوع" :أنا الخبز الحي الذي نزل من السماء .من يأكل من هذا الخبز َ
من يأكل جسدي ويشرب دمي فله الحياة األبدية ....يثبُت ف ّي وأنا فيه"(يو .)16: 14،11: 6
ُشرك المسيح كنيسته وك ّل أعضائها في -6666االفخارستيا هي قلبُ حياة الكنيسة وقمّتها ،بها ي ِ
ذبيحة الحمد والشكر التي ُقرّبت ألبيه مرّة واحدة على الصليب .بهذه الذبيحة يُفيض المسيح نِ َعمَ
.الخالص على جسده ،أي الكنيسة
-6666االحتفال االفخارست ّي يتضمّن دائم ًا :إعالن كلمة هللا ،شك ّر هللا اآلب لك ّل أفضاله وال
ك في الوليمة الليترجية ،بتناول جسد الرب سيّما عطيّة ابنه ،ثمّ تقديس الخبز والخمر واالشترا َ
.ودمه .هذه العناصر تؤلف عمل عبادة واحد ًا
-6666االفخارستيا هي تذكار فصح المسيح :أي تذكار عمل الخالص الذي ح ّققه المسيح بحياته
ال في واقع العمل الليترجي .وموته وقيامته والذي يغدو ماث ً
ي األعظم للعهد الجديد ،هو الذي يقرّب الذبيحة االفخارستية، -6666أنّ المسيح ،الكاهن األبد ّ
بواسطة الكهنة .والمسيح هو نفسه أيض ًا المقرَّ ب في الذبيحة الليترجية ،حاضر ًا حضور ًا حقيق ّي ًا
.تحت أشكال الخبز والخمر
-6666الكهنة الذين نالوا س ّر الكهنوت بطريقة صحيحة هم وحدهم مخوّ لون أن يرئسوا
.االفخارستيا ويق ّدسوا الخبز والخمر ليصيرا جسد الرب ودمه
-6666خبز الحنطة وخمر الكرمة هما الشكالن الجوهريان في س ّر االفخارستيا .عليهما ُتستدعى
بركة الروح القدس ،ويلفظ الكاهن كلمات التقديس التي نطق بها يسوع في العشاء األخير" :هذا ُ
هو جسدي الذي يُكسر ألجلكم ....وهذه هي كأس دمي."....
-6666بالتقديس يتم تحوّ ل الخبز والخمر جوهر ّي ًا إلى جسد المسيح ودمه .وتحت أشكال الخبز
والخمر التي جرى عليها التقديس ،يحضر المسيح نفسه ،ح ّي ًا وممجّد ًا ،حضور ًا حقيق ّي ًا وواقع ّي ًا
.وجوهر ّي ًا ،بجسده ودمه ونفسه وألوهيّته
-6666إنّ االفخارستيا ،بوصفها ذبيحةُ ،تقرّب أيض ًا تكفير ًا عن خطايا األحياء واألموات
.والتماس ًا ألفضال هللا الروحية والزمنيّة
-6665من أراد أن يقبل المسيح في المناولة االفخارستية عليه أن يكون في حالة النعمة .فإذا تنبّه
أح ٌد إلى ا ّنه ارتكب خطأ مميت ًا ،فعليه أ ّال يتناول االفخارستيا قبل أن ينال الح ّل من ذنوبه في س ّر
.التوبة
-6669االشتراك المقدس في جسد المسيح ودمه ينمّي ا ّتحاد المؤمن مع الرب ،ويغفر له ذنوبه
ال َعرضيّة ،ويحفظه من الخطايا المميتة .وبما أنّ عُرى المحبة بين المشترك في االفخارستيا
.والمسيح تزداد متانة ،ف ّت ّقّّ بل هذا الس ّر يقوّ ي وحدة الكنيسة ،جسد المسيح السرّي
-6666إنّ الكنيسة تشجّع المؤمنين بش ّدة على تقبّل المناولة المق ّدسة ،عندما يشتركون في
.االحتفال باالفخارستيا ،وتلزمهم بذلك أق ّله مرّة في السنة
-6666بما أنّ المسيح حاضر في س ّر المذبح ،فعلينا أن نحوّ طه باإلكرام والعبادة" .زيارة القربان
اآلقدس هي دليل معرفة جميل ،وعالمة حبّ ،وواجب عبادة تجاه المسيح ربّنا".
-6666عندما انتقل المسيح من هذا العالم إلى ابيه ،ترك لنا االفخارستيا عربون المجد لديه:
فاالشتراك في الذبيحة المق ّدسة يجعلنا في شبه قلبه ،ويسند قوانا في دروب هذه الحياة ،ويشوّ قنا
.إلى الحياة األبدية ،ويضمّنا منذ اآلن إلى كنيسة السماء والق ّديسة العذراء مريم وجميع القديسين
الجزء الثالث
1
الفصل الثاني
اسرار الشفاء
-0241أسرار التنشئة المسيحية تمنح االنسان حياة المسيح الجديدة .ولكنّ هذه الحياة إ ّنما نحملها
في "آنية من خزف" (1كو .)7 :4إ ّنها ال تزال اآلن "مستتر ًة مع المسيح في هللا"
(كو ،)3 :3وال نزال في مسكننا األرضي المعرّ ض للعذاب والمرض والموت .هذه الحياة
.الجديدة التي تجعلنا أبناء هللا يمكن أن َتضعُف بل أن َتتلَف بالخطيئة
-0240إنّ الرب يسوع المسيح ،طبيب نفوسنا وأجسادنا الذي غفر للمقعد خطاياه وأعاد إليه
صحّ ة البدن ،أراد لكنيسته أن تواصل ،في قوّ ة الروح القدس ،عمل الشفاء والخالص حتى
.ألعضائها أنفسهم .وهذا ما يهدف إليه سرّ ا الشفاء " سرّ التوبة وسرّ مسحة المرضى
المقال الرابع
س ّر التوبة والمصالحة
ُقبلون إلى سرّ التوبة يصيبون من رحمة هللا مغفرة االهانة اتي ألحقوها به،
" -0244إنّ الذين ي ِ
ويتصالحون في الوقت نفسه مع الكنيسة التي جرحوها بخطيئتهم ،والتي تسعى بمح ّبتها ومثالها
وصالتها في سبيل توبتهم".
السر
ّ .ً0األسماء التي ُتطلق على هذا
سر الهداية أل ّنه يحقّق سرّيا ً دعوة يسوع إلى االرتداد ،أي العودة إلى اآلب
-0241إنه يسمّى ّ
.الذي ابتعدنا عنه بالخطيئة
سر التوبة ألنه يكرّ س مسعىً شخص ّيا ً وكنس ّياً ،مسعى اهتداء وتوبة وتكفير يقوم به
و َيسمّى ّ
المسيحي الخاطئ.
سر االعتراف ،ألن اإلقرار واإلعتراف بالخطايا أمام الكاهن هو عنصر -0242ويسمّى ّ
جوهري من عناصر هذا السر .وهذا السرّ ،بمفهومه العميق ،هو أيضا ً "اعتراف" أي تسبيح حمد
.لقداسة هللا وشفقته على اإلنسان الخاطئ
سر الغفران ،ألن هللا يمنّ على الخاطئ "بالغفران والسالم" بواسطة الحل السرّ ي الذي ويسمّى ّ
يمنحه الكاهن.
سر المصالحة ألنه يمنح الخاطئ حبّ هللا إله المصالحة" :تصالحوا مع هللا" (1كو :5 ويسمّى ّ
.)11وك ّل من يحيا بحبّ هللا الرحيم ،بوسعه أن يلبّي نداء الرب" :إذهب أوّ الً وصالح أخاك"
(.متى )14 :5
-0241لقد ُغسِ لتم بل قُدِستم ،بل بُررِّ رتم باسم ربنا يسوع المسيح وبروح إلهنا"
2
(2كو .)6:22ال ب ّد من أن ندرك عظمة عطية هللا التي أنعم بها علينا عبر أسرار التنشئة
المسيحية ،لكي ندرك إلى ايّ مدى يجب على المسيحي الذي لبس المسيح أن ينفض الخطيئة عنه.
ولكن الرسول القديس يوحنا يقول أيضاً" :إذا زعمنا أ ّننا بال خطيئة خدعنا أنفسنا ولم نكن على
الحق" (2يو .)2:8والرب نفسه علّمنا أن نصلّي" :إغفر لنا ذنوبنا" (لو ،)4 :22وقد جعل صفح
.هللا عن خطايانا رهنا ً بتبادل الصفح بيننا وبين اآلخرين
-0241االرتداد إلى المسيح والوالدة الجدية بالمعمودية موهبة الروح القدس وجسد المسيح ودمه
اللذان نتناولهما طعاماً ،ك ّل هذا قد جعلنا "قديسين وبال عيب عنده" (اف .)2:4على غرار الكنيسة
نفسها ،عروس المسيح "المقدسة والبريئة من العيب" (أف .)5:17بيد أن الحياة الجديدة التي
تلقيناها في فترة التنشئة المسيحية لم ُتلغ هشاشة الطبيعة البشرية وضعفها ،وال النزوع إلى
الخطيئة الذي يسمّيه التقليد شهوة ،والذي يلبث في المعمّدين ليؤ ّدوا الدليل ،بمعونة نعمة المسيح،
على أمانتهم في الجهاد الذي تتطلّبه الحياة المسحية .هذا الجهاد هو جهاد االرتداد إلى هللا ،بغية
.القداسة والحياة األبدية التي ال يني الربّ يدعونا إليها
-0241يسوع يدعونا إلى االرتداد إليه .هذا النداء هو جزء جوهريّ في بشرى الملكوت" :لقد ت ّم
الزمان واقترب ملكوت هللا ،فتوبوا وآمنوا باالنجيل" (مر .)25 :2في كرازة الكنيسة ،يتوجّ ه هذا
النداء أوّ الً إلى الذين لم يعرفوا بعد المسيح وإنجيله .ولذا فالمعمودية هي الموقع الرئيسي لالرتداد
األوّ ل واألساسي .فباإليمان بالبشرى السعيدة وبالمعمودية يُعرض االنسانُ عن الشرّ وينال
الخالص ،إي مغفرة كل الخطايا وموهبة الحياة الجديدة.
-0241والواقع أنّ نداء المسيح إلى االرتداد ال يزال يدوّ ي في حياة المسيحيين .هذا االرتداد
الثاني مهمّة مستمرّ ة ال تنقطع في الكنيسة كلّها التي "تض َّم خطأة في حضنها"" ،وهي ،في آن
واحد ،مق ّدسة ومفتقرة دائما ً إلى التطهير وال تني عاكفة على التوبة والتج ّدد" .هذا السعي إلى
االرتداد ليس عمالً بشر ّيا ً وحسب ،بل هو من وحي "القلب المنسحق" ،تجذبه النعمة وتحرّ ُكه
.ليستجيب لحب هللا الشفوق الذي أحبّنا أوّ الً
-0241ودليل ذلك ارتداد القديس بطرس ،بعد أن أنكر معلّمه ثالثاً .لقد نظر إليه يسوع بعين
ملؤها الرأفة ،ففاضت دموعه توبة ،وبعد قيامة الرب ،أ ّكد له حبّه ثالثاً .هذا االرتداد الثاني
يكتسي طابعا ً جماع ّيا ،يظهر في نداء الرب إلى كنيسته بأجمعها" :توبوا!" (رؤ.)26 ،5 :1
" في شأن هذين االرتدادين ،يؤكد القديس أمبروسيوس أنّ في الكنيسة "الماء والدموع :ماء المعمودية ودموع
التوبة".
.ً2التوبة الباطنة
-0211دعوة يسوع إلى االرتداد والتوبة ،على غرار دعوة االنبياء ،ال تتو ّخى أوّ الً األعمال
الظاهرة"" :المسيح والرماد" ،واألصوام والتقسشفات ،بل ارتداد القلب والتوبة الباطنة .بدون
هذه التوبة الباطنة ،تبقى أعمال التوبة الظاهرة عقيمة زائفة ،بينما االرتداد الباطن يهيب باالنسان
.إلى أن يعبّر عن توبته بأدلّة حسّية وأفعال توبة وأعمال
-0210التوبة الباطنة هي إعادة توجيه جذريّة للحياة كلّها .إ ّنها عودة وارتداد إلى هللا من صميم
قلبنا ،وإمساك عن الخطيئة وبغض الشرّ ،وكره لما اقترفناه من أعمال ذميمة .وهي تنطوي ،في
3
الوقت نفسه ،على الرغبة والقصد في أن نج ّدد حياتنا معتصمين برجاء رحمة هللا ،والثقة بمعونة
.نعمته .ارتداد القلب هذا يرافقه توجّ ع وحزن خالصيّان سمّاها االباء غ ّم الروح ،وانسحاق القلب
-0214قلب االنسان باهض ومتصلّب ،وال ب ّد لالنسان من قلب جديد ينفحه به هللا .واالرتداد إ ّنما
هو أوالً عمل نعمة هللا الذي ير ّد قلوبنا إليه" :أعدنا يا ربّ إليك فنعود" (مرا .)12 :5ويؤتينا هللا
يتفطر قلبنا من هول الخطيئة وثقلها ،ويدبّ فيه ّ قوّ ة لنبدأ جديداً .وعندما نكتشف عظمة محبّة هللا،
الخوف من أن يهين هللا وينفصل عنه .القلب البشري يرت ّد إلى هللا عندما يشخص إلى ذاك الذي
:طعنته معاصينا
ريق ألجل خالصنا ،فأسبغ على ُ
"لنجعل عيوننا شاخصة إلى دم المسيح ولنفهم كم هو نفيس في نظر أبيه ،أل ّنه أ َ
العالم كلّه نعمة التوبة".
-0211منذ الفصح ،والروح القدس يُفحم العالم بشأن الخطيئة وذلك بأنَّ العالم لم يؤمن بمن
المعزي الذي يُلقي في قلب االنسان ّ أرسله اآلب .ولكنّ هذا الروح عينه الذي يفضح الخطيئة هو
.نعم َة التوبة واالرتداد
ً
غاية في التنوع .ويل ّح الكتاب المقدس واآلباء على -0212توبة االنسان الباطنة قد تتخذ تعابير
ثالثة أشكال لها :الصوم ،والصالة ،والصدقة ،وهي تعبّر عن االرتداد في عالقته مع الذات ،ومع
هللا ومع اآلخرين .فإلى جانب التنقية الجذرية التي تتم بالمعمودية أو باالستشهاد ،يذكرون من بين
الوسائل المع َتمدة لنيل مغفرة الخطايا :الجهود المبذولة للتصالح مع القريب ،ودموع التوبة،
واالهتمام بخالص القريب ،وشفاعة القديسين وممارسة المحبة التي "تستر ج ّما ً من الخطايا" (2
.بط )8 :4
-0211في الحياة اليومية يت ّم االرتداد عبر أفعال مصالحة ،واالهتمام بالمعوزين ،وممارسة
العدالة والحق والدفاع عنهما ،واإلقرار بالذنوب أمام اآلخرين ،والتأديب األخوي ،ومراجعة
الحياة ،ومحاسبة الضمير ،واإلرشاد الروحي ،واحتمال األوجاع والصبر على االضطهاد من
.أجل البرّ .أن نحمل الصليب كل يوم ونتبع يسوع هو الطريق اآلمن إلى التوبة
-0211االفخارستيا والتوبة :االرتداد والتوبة ،كل يوم ،منبعها وغذاؤهما االفخارستيا ،ففيها
يتغذى ويتقوّ ى الذين يحيون حياة المسيح، تتج ّدد ذبيحة المسيح الذي صالحنا مع هللا .باالفخارستيا ّ
"وهي الترياق الذي يُعتقُنا من أخطائنا اليومية ويصوننا من الخطايا المميتة".
-0211قراءة الكتاب المقدس وليترجيا الساعات وصالة األبانا وك ّل عمل خالص من أعمال
شط فينا روح الهداية والتوبة ويساهم في غفران خطايانا .العبادة والتقوى ين ّ
-0211أوقات االتوبة وايّامها على مدار السنة الليترجية (زمن الصوم وك ّل جمعة تذكاراً لموت
مكثفة لممارسة التوبة في الكنيسة .هذه األوقات تناسب ،بطريقة خاصة، المسيح) ،كلّها أوقات ّ
الرياضات الروحية وليترجيات التوبة ،والحج في سبيل التوبة والتضحيات الطوعية كالصوم
.والصدقة ،والمشاركة األخوية (واألعمال الخيرية الرسولية)
-0211حركة االرتداد والتوبة وصفها يسوع وصفا ً رائعا ً في المثل المعروف بمثل "االبن
الشاطر" ،ومحوره" :األب الرحيم" :جاذبية الحرية الزائفة ،النزوح عن البيت األبويّ ،البؤس
المدقع الذي آل إليه بعد أن ب ّدد ثروته ،الخزي العميق بسبب ما اُجبر عليه من رعاية الخنازير،
التأمّل في الخيرات المفقودة ،التوبة وقراره االفضاء إلى أبيه بذنبه ،طريق العودة ،حفاوة الوالد به
حفاوة سخيّة ،فرح األب :هذه كلّها مالمح ترسم مسار االرتداد .وأمّا الحفلة الفاخرة والخاتم
4
ووليمة العيد فهي رموز هذه الحياة الجديدة النقيّة الكريمة الزاخرة بالفرح ،حياة االنسان الذي
يرجع إلى هللا وإلى حضن أسرته أي الكنيسة .قلب المسيح الذي يسبر وحده أعماق حبّ أبيه،
.استطاع أن يكشف لنا عميق رحمته ،كشفا ً مشبّعا ً بالبساطة والروعة
-0221الخطيئة هي أوّ الً إهانة هلل و َق عطع للشركة معه .وهي ،في الوقت نفسه ،مساس بالشركة
مع الكنيسة ،ومن ث ّم فاالرتداد يستنزل عليه صفح هللا ،ويحقق المصالحة مع الكنيسة ،في آن
.واحد .وهذا ما يوحيه ويحقّقه ،ليترج ّياً ،سرّ التوبة والمصالحة
-0220هللا وحده يغفر الخطايا .وألنَّ يسوع هو ابن هللا ،فهو يقول عن نفسه" :إنّ ابن البشر له
سلطان يغفر به الخطايا في األرض" (مر ،)21 :1ويمارس هذا السلطان اإللهيّ " :مغفورة لك
خطاياك" (مر .)5 :1وهو إلى ذلك ،بفعل سلطته اإللهيّة ،يفوّ ض إلى الناس هذا السلطان،
.يمارسونه باسمه
عالمة ووسيلةً
ً -0224لقد أراد المسيح أن تكون كنيسته بكاملها ،في حياتها وصالتها وتصرّفها،
للمغفرة والمصالحة اللتين استحقّهما لنا بثمن دمه .بيد أ ّنه َو َك َل إلى خالفائه في الخدمة الرسولية
ممارسة سلطان الحل ،وفوّ ض إليهم "خدمة المصالحة" ( 1كو .)28 :5فالرسول مبعوث "باسم
يحث ويناشد" :صالحوا هللا" ُّ المسيح"" ،وهللا نفسه" هو الذي ،من خالله،
1(.كو )11 :5
المصالحة مع الكنيسة
-0221إنّ يسوع ،م ّدة حياته العلنية ،لم يغفر الخطايا وحسب ،بل أظهر أيضا ً مفعول هذا
الغفران :لقد أعاد الخطأة الذين غفر لهم خطاياهم إلى حضن جماعة شعب هللا ،وكانت الخطيئة قد
أقصتهم عنها بل َن َف عتهُم منها .وهناك دليل ساطع على هذا :وهو أنّ يسوع قد َق ِبل الخطأة إلى
مؤثرة وفي آن واحد، مائدته ،بل جلس هو نفسه إلى مائدتهم ،وقد أعرب بتصرّفه هذا ،بطريقة ّ
.عن صفح هللا وعودة الخاطئ إلى حضن شعب هللا
-0222لقد أعطى الربّ الرسل ما له من سلطان خاصّ على مغفرة الخطايا ،وأعطاهم أيضا ً
السلطة إلجراء مصالحة الخطأة مع الكنيسة .هذا الطابع الكنسي في مهمّتهم ينعكس خصوصا ً في
الكلمة التي وجّ هها يسوع رسم ّيا ً إلى سمعان بطرس" :سأعطيك مفاتيح ملكوت السماوات .فما
َربطته في األرض ر ُِبط في السماوات ،وما حللته في األرض ُح َّل في السماوات" (متى :26
" .)21مهمّة الربط والحل هذه التي أُعطيت لبطرس ،قد أُعطيت أيضا ً لهيئة الرسل م ّتحدين
برئيسهم" (متى .)11-26 :18 ،28 :28
ُعزل من شركتِه مع هللا ،وأنّ -0221وتعني لفظتا الحل والربط :أنّ من تعزلونه من شركتكم ي َ
ثانية في شركتكم ،يقبله هللا أيضا ً في شركته .فالمصالحة مع الكنيسة ال تنفصل عن ً من تقبلونه
.المصالحة مع هللا
5
سر الغفران
ّ
-0221لقد وضع المسيح سرّ التوبة لجميع األعضاء الخطأة في الكنيسة ،وفي طليعتهم أولئك
الذين ،بعد المعمودية ،سقطوا في الخطيئة الثقيلة وخسروا هكذا نعمة المعموديّة ،وجرحوا الشركة
الكنسيّة .هؤالء يجدون في سرّ التوبة فرصة جديدة لالرتداد إلى هللا واستعادة نعمة البرارة .ويرى
.آباء الكنيسة في هذا السرّ "خشبة (خالص) جديدة بعد الغرق الذي يحدثه فقدان النعمة"
-0221الصيغة العمليّة التي اعتمدتها الكنيسة ،عبر األجيال ،في ممارسة هذا السلطان الذي تل ّقته من الربّ ،قد
تب ّدلت كثيراً .ففي األجيال األولى ،كانت مصالحة المسيحيين الذين اقترفوا الكبائر بعد معموديّتهم (كعبادة الوثن
والقتل والزنى) ،مرتبطة بنظام تاديبيّ شديد ج ّداً يلزم التائبين بالتكفير العلني عن خطاياهم ،وذلك ،غالباً ،مدة
سنين طويلة قبل أن يحظوا بالمصالحة" .هيئة التائبين" هذه( ،المحصورة في بعض الخطايا الثقيلة) لم يكن
لينتمي إليها إالّ قلّة من الناس ،وفي بعض المناطق ،مرّ ة واحدة في الحياة .وفي غضون القرن السابع ،أدخل
بعض المرسلين االيرلنديين إلى اوروبا القاريّة ،بوحي من التقليد الرهباني في الشرق ،الطريقة "الفردية" في
ممارسة التوبة ،معفاة من ك ّل قيام علنيّ ولم ّدة طويلة بأعمال التوبة قبل نيل المصالحة مع الكنيسة .وأمسى
السرّ ،منذئذ ،يت ّم بطريقة فردية بين التائب والكاهن .هذا النمط الجديد بما بات يفترضه من إمكان التكرار ،أفسح
الطريق إلى ممارسة سرّ التوبة ممارسة متواترة ،وأتاح للكاهن أن يمنح الصفح ،في احتفال واحد ،عن الخطايا
الثقيلة والخطايا العرضيّة .هذه الصيغة في ممارسة سرّ التوبة هي ،في خطوطها الكبرى ،الصيغة المرعية حتى
.اليوم في الكنيسة
-0221وإننا لنالحظ ذات البنية األساسية عبر التطورات التي تقلّب فيها هذا السرّ ،في نظامه
وطريقة االحتفال به ،على مرّ األجيال .فهناك عنصران جوهر ّيان متساويان في األهمية :من جهة
أعمال اإلنسان المرت ّد بفعل الروح القدس ،وهي التوبة واإلقرار بالخطايا ،والكفّارة ،من جهة
أخرى ،عمل هللا بواسطة الكنيسة .فالكنيسة التي تغفر الخطايا وتح ّدد طريقة التكفير عنها،
بواسطة األسقف وكهنته ،وباسم يسوع المسيح ،تصلّي ،هي أيضاً ،ألجل الخاطئ وتشترك معه
في عمل التكفير .وهكذا ،يحظى الخاطئ بالشفاء ويعود إلى حضن الشركة الكنسية.
-0221صيغة الح ّل المستعملة في الكنيسة الالتينية تعبّر عن مقوّ مات هذا الس ّر الجوهرية :أبو
المراحم هو ينبوع ك ّل غفران ،ويحقّق مصالحة الخطأة بفصح ابنه وموهبة روحه عبر صالة
:الكنيسة وخدمتها
" فليظهر لك هللا أبونا رحمته ،هو الذي صالح العالم بموت ابنه وقيامته وأرسل الروح القدس لمغفرة الخطايا.
وخدمها .وأنا أغفر لك خطاياك كلّها باسم اآلب واالبن والروح
وليهب لك الصفح والسالم بواسطة الكنيسة َ
.القدس"
.ً1أعمال التائب
" -0211إنّ التوبة تلزم الخاطئ بأن يتقبّل بسرور هذه العناصر كلّها :الندم في قلبه ،واإلقرار
بلسانه ،وفي تصرّ فه تواضعا ً كامالً أو تكفيراً مثمراً".
الندامة
-0210تتصدر الندامة أفعال التائب كلّها .والندامة هي "ألم في النفس وكره للخطيئة وعزم على
أال ّ نعود إليها من بعد".
6
-0214عنما تصدر الندامة عن حبّ هلل يفوق ك ّل شيء ،تسمّى "كاملة" (ندامة المحبّة) .هذه
الندامة تغفر الخطايا العرضية ،وتحظى أيضا ً بمغفرة الخطايا المميتة إذا رافقها العزم الثابت على
.اللجوء إلى سرّ االعتراف في أقرب فرصة
-0211الندامة المسماة "ناقصة" هي أيضا ً عطيّة من هللا وحفز من الروح القدس ،يولّدها اعتبار
بشاعة الخطيئة والخوف من العقاب األبدي وسائر العواقب التي ته ّدد الخاطئ (ندامة الخوف).
الهزة الضميرية قد ُتحدِث بد َء تطوّ ر باطن يكتمل بالحلّة السرّية ،بفعل الروح القدس .ولكن هذه ّ
.الندامة الناقصة ،بح ّد ذاتها ،ال تفوز بمغفرة الخطايا الثقيلة بل تمهّد لنيلها في سرّ التوبة
-0212يحسن االستعداد لقبول هذا السرّ لمحاسبة الضمير ،نقوم بها في ضوء كلمة هللا .أنسب النصوص لهذا
الغرض نجده في وصايا هللا العشر وفي التعليم األخالقي المتضمّن في األناجيل ورسائل الرسل :عظة الجبل،
والتعاليم الرسولية.
اإلقرار بالخطايا
-0211اإلعتراف بالخطايا (أو اإلقرار) ،حتى من الناحية البشرية البحتة ،يحرّ رنا ويسهّل
مصالحتنا مع اآلخرين .اإلقرار يتيح لإلنسان أن يواجه األخطاء التي اقترفها ،ويتحمّل
.مسؤوليّتها ،ويعود من ث ّم ثانية إلى هللا وإلى شركة الكنس ّية ليُع َّد لذاته مستقبالً جديداً
-0211اإلقرار بالخطايا للكاهن هو جزء جوهريّ في سرّ التوبة" :على التائبين أن يع ّددوا ،في
اإلعتراف ،ك ّل الخطايا المميتة التي يتذ ّكرونها ،بعد محاسة للنفس متقنة ،حتى وإن كانت هذه
الخطايا حميمة جداً ،واقتصرت على مخالفة الوصيّتين األخرتين في الئحة الوصايا العشر ،فهذه
.الخطايا تجرح النفس أحيانا ً بجرح أبلغ من الخطايا التي ُتر َتكب بمشهد من الجميع"
ك بأنهم يكشفونها كلّها"عندما يُحاول المؤمنون بالمسيح أن يقرّ وا بك ّل الذنوب التي يتذ ّكرونها ،ال يمكن أن نش ّ
أمام صفح هللا ورحمته .وأما الذين يتصرّ فون بعكس ذلك ،ويُخفون عمداً بعضا ً منها ،فهم ال يُق ِّدمون للرحمة
اإللهية شيئا ً تصفح عنه بواسطة الكاهن ،ألنه ،إذا خجل المريض من كشف جرحه للطبيب ،فالطبّ ال يداوي ما
يخفى عليه".
ّ
-0211تأمر الكنيسة "ك ّل مؤمن بلغ سنّ الرشد بأن يعترف ،اقله مرّة في السنة ،بالخطايا الثقيلة التي
يتذ َكرها" .من يتذ ّكر خطيئة مميتة ارتكبها ،عليه االّ يتناول القربان المق ّدس ،قبل أن ينال الحلّة السرّية ،حتى وإن
أوجس ندامة كبيرة ،ما لم يكن له سبب خطير للتناول ،وامتنع عليه الوصول إلى كاهن معرّف .وعلى األوالد ان
ُ .يقبلوا على سرّ التوبة قبل المناولة األولى
-0211االعتراف بالخطايا اليومية (العرضية) ليس ملزما ً حصراً ،ولكنّ الكنيسة تحبّذه بش ّدة.
وال غرو ،فاالعتراف المنتظم بخطايانا العرضيّة يساعدنا في تهذيب ضميرنا ،ومكافحة ميولنا
ك إ ّننا إذا نلنا ،بهذا السرّ ، الرديئة ،والتماس البُرء من المسيح ،والتق ّدم في حياة الروح .وال ش ّ
.موهبة رحمة اآلب ،بطريقة متواترة ،فذلك يدفعنا إلى أن نكون رحماء على مثاله
"من يعترف بخطاياه يعمل بمعيّة هللا .فاهلل يشكو ذنوبك .فإذا شكوتها أنت أيضاً ،فإ ّنك تنظ ّم إلى هللا .هللا والخاطئ
هما اثنان نوعا ً ما :فعندما يُح ّدثونك عن االنسان ،فاالنسان من صنع هللا .وعندما يح ّدثونك عن الخاطئ،
َ
صنعت، فالخطيئة من صنع االنسان نفسهَ .فدمّر ما صنع َته أنت لكي ينقذ هللا ما صنعه هو .فعندما تبدأ َت َم ُّج ما
حينئذ تبدأ حسناتك ،أل ّنك ُتقرّ بأعمالك السيّئة .بداية الحسنات هي االقرار بالسيئات .تصنع الحقيقة و ُتقب ُل إلى
النور".
التكفير
-0211ثمة خطايا كثيرة تسيء إلى القريب ،فال ب ّد من أن نبذل المستطاع للتكفير عن االساءة
7
(ر ّد المسروقات مثالً ،إعادة حسن الصيت لمن افترينا عليه ،التعويض عن الجروح) .ذاك
مقتضى من أبسط مقتضيات العدل .ولكن الخطيئة ،عالوة على ذلك ،تجرح الخاطئ نفسُه
و ُتضعفه ،كما تجرح و ُتضعف عالقته باهلل وبالقريب .إنّ الحلّة تلغي الخطيئة ولك ّنها ال تداوي كل
البلبالت التي أحدثتها الخطيئة .على الخاطئ ،بعد أن ينهض من كبوته ،أن يسعى إلى استرداد
كامل عافيته الروحية .عليه إذن أن يضيف على توبته ما يعوّ ض به عن ذنوبه :عليه أن "يكفّر"
.عن ذنوبه بما يتناسب وإيّاها .هذه الكفّارة تسمّى "العقوبة"
" -0211الك ّفارة" التي يفرضها المعرّ ف يجب أن ُتراعي وضع التائب وتتو ّخى مصلحته
الروحيّة ،وتتناسب ،قدر االمكان مع خطورة الخطايا المرتكبة وطبيعتها .قد تكون الكفّارة صالة،
شفات طوعية أو تضحيات .وأه ّم من ذلك أو تقدمة ،أو قياما ً بأعمال رحمة ،أو خدمة للقريب أو تق ّ
ُّ
التمثل بالمسيح الذي كفّر وحده كلّه الصبر في احتمال صليبنا كل يوم .هذه الكفّارات تساعدنا في
عن خطايانا مرّ ة واحدة ،وتتيح لنا أن نكون وارثين مع المسيح القائم من القبر
":ما دمنا نتألّم معه" (رو )27 :8
"إالّ أنّ ك ّفارتنا التي نق ّدمها عن خطايانا ،ال تت ّم إالّ بيسوع المسيح :فنحن ،من تلقاء أنفسنا ،وبح ّد ذاتنا ال نقوى
على شيء .ولكن" ،بمعونة من يقوّ ينا ،نستطيع ك ّل شيء" .فليس لالنسان ما يفاخر به ،ولكنّ "فخرنا" هو المسيح
الذي به نك ّفر عن خطايانا "مثمرين ثمار توبة" ،تستمد منها قوّ تها ،وبه نقرّ بها إلى اآلب ،وبفضله يرضى اآلب
.عنها"
سر التوبة
.ً1خادم ّ
-0210بما أن المسيح قد وكل إلى رسله خدمة المصالحة ،فاألساقفة خلفاؤهم والكهنة ،معاونو
اآلساقفة ،يواصلون القيام بهذه الخدمة .فاألساقفة والكهنة هم الذين يملكون ،بقوّ ة سرّ الكهنوت،
.سلطان مغفرة الخطايا كلّها" ،باسم اآلب واالبن والروح القدس"
-0214مغفرة الخطايا تصالحنا مع هللا ،ولك ّنها تصالحنا أيضا ً مع الكنيسة .فاألسقف ،الرأس
بحق ،منذ األزمنة الغابرة ،صاحب السلطان األوّ ل في المنظور في الكنيسة الخاصة ،يُعتبر إذن ّ
خدمة المصالحة ،والقيّم على نظام التوبة .وأمّا الكهنة الذين يعاونوه ،فيُمارسون هذا السلطان
ّ
الحق الكنسي. بمقدار ما ينتدبهم لهذه المهمة أسقفُهم (أو رئيس رهبنة) أو البابا ،بقوّ ة
-0211ثمّة خطايا على جانب كبير من الخطورة يقع عليها الحرم ،وهو أش ّد عقوبة كنسيّة تنزل
بالخاطئ و ُتحرّ م عليه قبول األسرار وممارسة األعمال الكنسيّة .وال يح ّل من هذا الحرم ،بموجب
الحق الكنسي ،إال ّ البابا واألسقف المحلّي ،ومن ينتدبانه من الكهنة .في حال خطر الموت يجوز
لكل كاهن ،وإن لم يُفوّ ض إليه سما ُع االعترافات ،أن يح ّل من كل خطيئة ومن ك ّل حرم.
-0212على الكهنة أن يح ُّثوا المؤمنين على اإلقبال إلى سرّ التوبة ،وعليهم أن يتفرّ غوا لهذا السرّ
.ك ّل مرّ ة يطلبه المسيحيون بطريقة معقولة
-0211عندما يقوم الكاهن بخدمة سرّ التوبة ،إ ّنما يقوم بخدمة الراعي الصالح الذي يبحث عن
الخروف الضال ،وخدمة السامريّ الرحيم الذي يضمّد الجروح ،واألب الذي ينتظر االبن الشاطر
ويرحّ ب به عند عودته ،والقاضي الذي ال يحابي أحداً ،ويُصدر حكما ً عادالً ورحيماً .وقصارى
.القول أنّ الكاهن هو عالمة محبّة هللا ورأفته بالخاطئ وأدا ُتهما
-0211ليس المعرّ ف سيّد الصفح اإللهي بل خادمه .خادم هذا السرّ يجب أن ي َتحد بنيّة المسيح
ومحبّته .وعليه أن يكون على معرفة وخبرة بطريقة التصرّف المسيحي ،وإلمام بالشؤون
ورقّة في معاملة االنسان الساقط .وعليه أن يهوى الحقيقة ويتمسّك بالتعليم االنسانية ،واحترام ِ
8
الكنسي ويقود التائب برفق إلى الشفاء والنضج الكامل .وعليه أن يصلّي ويكفّر عنه ويكل أمره
.إلى رحمة الرب
-0211نظراً إلى دقّة هذه الخدمة وعظمتها ،وإلى االحترام الواجب لالشخاصُ ،تعلن الكنيسة أنّ
ك ّل كاهن يسمع اعترافات ملزم بحفظ السر المطلق في شأن الخطايا التي يعترف بها التائبون،
وذلك تحت طائلة العقوبات الشديدة .وال يجوز له أيضا ً أن يستخدم ما يستقيه من االعتراف من
معلومات تتعلّق بحياة التائبين .هذا السر الذي ال يحتمل أيّ استثناء يسمّى "الختم السرّ ي" ألنّ ما
يكشفه التائب للكاهن يبقى "مختوماً" بالسرّ .
السر
ّ .ً1مفاعيل هذا
" -0211كل مفعول سرّ التوبة أن ُيعيدنا إلى نعمة هللا ويضمّنا إليه في صداقة قصوى" .هدف
هذا السرّ ومفعوله هو إذن أن نتصالح مع هللا .إنّ الذين يُقبلون إلى سرّ التوبة بقلب منسحق،
واستعداد ورع" ،يشعرون من بعده بسالم الضمير وراحته ،ترافقهما تعزية روحية قويّة" .وذلك
بأنّ سرّ المصالحة مع هللا يجلب لنا "قيامة روحيّة" حقيقيّة ،واسترداداً لما يملكه أبناء هللا ،في
.حياتهم ،من كرامة وخيرات أثمنها صداقتنا مع هللا
تحطمها ،وسرّ التوبة ّ -0211هذا السر يصالحنا مع الكنيسة .فالخطيئة تثلم الشركة األخوية أو
يُصلحها ويُرمّمها .وهو ،في هذا الصدد ،ال يشفي فقط مّن أُعيد إلى الشركة الكنسية ،بل يُحدِث
أثراً محييا ً في حياة الكنيسة التي ألَمّت بها خطيئة أحد أعضائها .فإذا ارت ّد الخاطئ إلى شركة
القديسين وثبت فيها ،فهو يتقوّ ى بتبادل الخيرات الروحية بين جميع اعضاء جسد المسيح الحيّة،
.سواء الذين ال يزالون في دروب هذه الحياة أم الذين سبقونا إلى الوطن السماوي
"ال ب ّد من التذكير بأنّ المصالحة مع هللا تستتبع ،نوعا ً ما ،مصالحات أخرىُ ،تصلح ما تؤ ّدي إليه الخطيئة من
صدوع أخرى :فالتائب الذي شمله الصفح يصالح ذاته في عمق كيانه ،حيث يستعيد حقيقته الباطنة ،ويصالح
وجرحهم ،ويصالح الكنيسة ،بل الخليقة كلّها"
َ .اخوته الذين أهانهم ،نوعا ً ما،
-0211في هذا السرّ يستبق الخاطئ ،نوعا ً ما ،بوضع ذاته تحت حكم هللا الشفوق ،الحكم الذي
سوف يخضع له في ختام حياته الدنيوية .ألننا اآلن ،ونحن في قيد هذه الحياة ،يُترك لنا الخيار بين
الحياة والموت ،وليس لنا إال ّ التوبة بابا ً لدخول الملكوت الذي تنفينا منه الخطيئة الثقيلة .فعندما
يرت ّد الخاطئ إلى المسيح بالتوبة واإليمان ،ينتقل من الموت إلى الحياة "وال يخضع للدينونة" (يو
)14 :5.
.ً01الغفرانات
-0210.قضية الغفرانات في الكنيسة ،عقيدة وممارسة ،مرتبطة ارتباطا ً وثيقا ً بسرّ التوبة
ما هو الغفران؟
" الغفران هو أن يترك لنا هللا العقاب الزمني الذي تستتبعه الخطايا المغفورة غلطتها .وترك العقاب هذا يحظى به
ّ
فتوزعها بسلطانها ،وتطبّق على المؤمن بشروط معيّنة ،بفعل الكنيسة التي جعلها هللا قيّمة على ثمار الفداء
المؤمنين استحقاقات المسيح والقديسين".
"يكون الغفران جزئ ّيا ً أو كامالً ،حسبما يُعفى الخاطئ جزئ ّيا ً أو كل ّيا ً من العقاب الزمني الذي تجرّ ه الخطيئة".
".ك ّل مؤمن باستطاعته أن يحصل على غفرانات لنفسه أو يُط ّب َقها على الراقدين"
عقوبات الخطيئة
9
-0114لكي نفهم هذه العقيدة وهذه الممارسة في الكنيسة ،ال بد من النظر إلى الخطيئة في مفهومها
المزدوج .فالخطيئة الثقيلة تحرمنا الشركة مع هللا ،وتجعلنا ،من ث ّم ،غير أهل للحياة األبدية ،وهذا ما
يسمّى "بالعقاب األبديّ " للخطيئة .ومن جهة أخرى ،ك ّل خطيئة ،حتى الخطيئة العرضية ،تجعلنا نتعلّق
تعلّقا ً مريضا ً بالخالئق ،يحتاج إلى تنقية ،سواء في هذا العالم أم بعد الموت ،في الحالة المعروفة
"بالمطهر" .هذه التنقية تعفينا ممّا يسمّى "بالعقاب الزمني" للخطيئة .هاتان العقوبتان ،يجب اال ّ نعتبرهما
شبه انتقام ينزله هللا بنا من الخارج ،بل نتيجة نابعة من طبيعة الخطيئة نفسها .التوبة الصادرة عن محبّة
.م ّتقدة قد تؤ ّدي بالخاطئ إلى تنقية كاملة تعفي صاحبها من ك ّل عقاب
-0211مغفرة الخطيئة واستعادة الشركة مع هللا يستتبعان محو العقوبات األبدية الناجمة عن
الخطيئة .وإ ّنما تبقى هناك عقوبات زمنية .وعلى المسيحيّ أن يسعى إلى أن يتحمّل في الصبر
عذابات الحياة ومحنها المتنوّ عة ،ومتى حانت الساعة ،أن يواجه الموت راضياً ،وبحسب هذه
العقوبات الزمنيّة نعمة من هللا .وعليه أن يدأب ،بأعمال الرحمة والمحبّة ،وكذلك بالصالة
.ومختلف أعمال التوبة ،في أن يخلع عنه كل ّيا ً "االنسان القديم" ويلبس "اإلنسان الجديد"
-0212المسيحي الساعي إلى تنقية ذاته من الخطيئة وتقديس ذاته بمعونة النعمة اإللهية ،ليس
وحيداً في مسعاه هذا" :حياة ك ّل من أبناء هللا مرتبطة ارتباطا ً عجيباً ،في المسيح وبالمسيح ،بحياة
جميع إخوته المسيحين ،في وحدة تفوق الطبيعة ،وحدة جسد المسيح السرّ ي ،كما في شخص
.سرّ ي"
-0211في شركة القديسن" ،يقوم بين المؤمنين -الذين بلغوا الوطن السماوي والذين قُبلوا في
المطهر للتكفير عن ذنوبهم ،والذين ال يزالون حُجاجا ً في األرض -رباط محبّة دائم ،وتبادل
ّ
تتخطى، فائض لجميع الخيور" .في هذا التبادل العجيب ،قداسة الفرد تعود على اآلخرين بفائدة
إلى ح ّد بعيد ،األذى الذي ُتلحقه باآلخرين خطيئة الفرد .وهكذا يجد الخاطئ التائب ،في الركون
إلى شركة القديسين ،وسيلة أسرع وأفعل ،ليتنقّى من عقوبات الخطيئة.
-0211هذه الخيور الروحية النابعة من شركة القديسين ،نسيمّيها أيضا ً كنز الكنيسة" .وليس هذا
مجموع خيور ،على شاكلة الثروات الما ّدية المك ّدسة على م ّد األجيال ،بل هو الثمن
َ الكنز
الالنهائي الفيّاض الذي احرزته ،عند هللا ،كفّارات المسيح ربنا واستحقاقاته المقرّ بة ل ُتع َتق البشريّة
ارات فدائه واستحقاقات هذا ُ من الخطيئة وتنال الشركة مع اآلب .ففي المسيح فادينا تفيض كفّ
.الفداء"
" -0211وينضاف إلى هذا الكنز أيضا ً صلوات الطوباوية العذراء مريم وأعمال ُها الصالحة،
ولها ،في نظر هللا ،ثمن دائم التجدد ال ح ّد له وال قياس ،وكذلك صلوات جميع القديسين وأعمالهم،
وقد تق ّدسوا بنعمة المسيح ،وساروا في خطاه ،وأرضوا الرب بسيرتهم ،وساهموا ،وهم يعملون
لخالصهم ،في خالص إخوتهم أيضاً ،في وحدة الجسد السرّ ي".
-0211تحظى "بالغفران" بواسطة الكنيسة التي نالت من المسيح يسوع سلطان الح ّل والرّ بط.
فبقوّ ة هذا السطان ،تتوسط الكنيسة للمسيحي ،وتفتح له كنز استحقاقات المسيح والقديسين ،وتنال
10
له ،من لدن أبي المراحم ،ترك العقوبات الزمنية الناجمة عن خطاياه .وهكذا ،ال تبغي الكنيسة أن
ّ
تستحثه على القيام بأعمال تقوى وتوبة ومحبّة. تغيث هذا المسيحي فحسب ،بل أن
-0211نظراً إلى أنّ المؤمنين الراقدين الذي ال يزالون في طور التطهر هم اعضاء أيضا ً في
شركة القديسين عينها ،بوسعنا أن نسعفهم بطرق متنوّ عة ،كأن ننال لهم من الغفرانات ما يعفيهم
.من العقوبات الزمنيّة التي جرّ تها عليهم ذنوبهم
بسر التوبة
.ً00االحتفال ّ
-0211سرّ التوبة ،أسوة بباقي االسرار ،هو عمل ليترجيّ .وهذه هي عاد ًة عناصر االحتفال به:
ّ
والحث على التوبة، تحيّة الكاهن وبرك ُته ،قراءة كلمة هللا إلنارة الضمير وتحريك الندامة
االعترافُ الذي به يُقرّ التائب بخطاياه ويكشفها للكاهن ،فرضُ القصاص وقبوله ،الح ّل من
.الخطايا على يد كاهن ،الحمد والشك ُر وصرفُ التائب مُزوَّ داً ببركة الكاهن
-0210نجد في الليترجيا البيزنطية للح ّل ع ّدة صيغ ابتهالية تعبّر تعبيراً رائعا ً عن سرّ الغفران:
"اإلله الذي ،بواسطة ناتان النبي ،غفر لداود خطاياه التي اعترف بها ،ولبطرس الذي بكى بكاء
مرّ اً ،وللزانية التي أفاضت الدموع على قدميه ،وللعشار واالبن الشاطر ،هذا اإلله عينه يصفح
عنك ،بواسطتي أنا الخاطئ ،في هذه الحياة وفي اآلخرة ،ويظهرك بال دينونة أمام منبره الرهيب،
.هو المبارك إلى دهر الداهرين .آمين"
-0214سرّ التوبة ،يجوز إقامته أيضا ً في إطار احتفال جماعي ،نستع ّد فيه معا ً لالعتراف،
ونشكر هللا معا ً ما جاد به علينا من الصفح .في هذا اإلطار يُفسح مجال لالعتراف الفردي
بالخطايا ،وللحل الفردي ،في تضاعيف ليترجيا كلمة هللا ،مع ما يرافق ذلك من قراءات وعظة
ومحاسبة ضمير مشتركة ،والتماس جماع ّي للصفح وصالة األبانا والشكر المشترك .هذا االحتفال
الجماعي يعبّر ،بطريقة أبلغ ،عن التوبة في طابعها الكنسي .ولكن ،أ ّيا ً كانت طريقة االحتفال به،
َ .فسِ رّ التوبة هو دائماً ،في طبيعته ذاتها ،عمل ليترجيّ وبالتالي كنسيّ وعلن ّي
سر المصالحة في احتفال جماعي يتض ّمن -0211في حال الضرورة الماسّة يجوز اللجوء إلى ّ
االعتراف العمومي والحلّ العمومي .مثل هذه الحاجة قد يطرأ في حال خطر موت داهِم ال يتيح
للكاهن أو للكهنة ما يكفي من الوقت لالستماع إلى اعتراف كل تائب بمفرده .وقد تطرأ الضرورة
الماسّة أيضا ً عندما ال يتوفّر عدد المعرّ فين لتلبية جمهور التائبين ،واالستماع ،بالطريقة
المفروضة ،إلى اعترافاتهم الفردية في وقت معقول ،فيُحرم التائبون ،م ّدة طويلة ،عن غير ذنب
منهم ،نعمة السرّ أو التناول المقدس .في هذه الحال ،يجب على المؤمنين ،لينالوا حالًّ صحيحا ً
لذنوبهم ،أن يعقدوا العزم على االعتراف الفردي بخطاياهم الثقيلة ،في الوقت المطلوب .وإ ّنه لمن
صالحيّات األسقف األبرشي أن ينظر في الشروط المطلوبة للحل الجماعي .أمّا توافد المؤمنين
.في مناسبة األعياد الكبرى أو في مناسبات الحجّ ،فال يش ّكل حالة من أحوال هذا الخطر الماسّ
" -0212االعتراف الفرديّ الكامل والح ّل الذي يعقبه هما الطريقة العادية الوحيدة لتحقيق
المصالحة مع هللا والكنيسة ،إال ّ إذا أعفى من مثل هذا االعتراف مانع طبيعيّ أو أدبيّ " .هذه
القاعدة ال تخلو من أسباب عميقة .فالمسيح يعمل من خالل ك ّل من األسرار ،ويتوجّ ه شخص ّيا ً إلى
ك خطاياك" (مر .)1:5إ ّنه الطبيب الحادب على ك ّل من ك ّل من الخطأة" :يا بنيّ ،مغفورة ل َ
المرضى المحتاجين إليه ليبرأوا :يُقيلُهم من عثرتهم ويعيدهم إلى الشركة األخوية .االعتراف
.الفرديّ هو الصيغة األمثل لعقد المصالحة مع هللا والكنيسة
11
بإيجاز
" -0211في مساء الفصح ظهر الرب يسوع لرسله وقال لهم" :خذوا الروح القدس .فمن غفرتم
.خطاياهم ُغفرت لهم ،ومن أمسكتم ُأمس ّكت" (يو )02-00 :02
-0211مغفرة الخطايا المقترفة بعد المعمودية ُتمنح بواسطة س ّر خاص يُعرف بس ّر االرتداد ،أو
االعتراف ،أو التوبة ،أو المصالحة.
-0211من يخطأ يجرح هللا في كرامته ومحبّته ،ويجرح كرامة االنسان الذاتيّة بصفته كائن ًا
مدعوّ ًا إلى أن يكون ابن هللا ،ويبلبل راحة الكنيسة الروحيّة ،تلك الكنيسة التي يجب على ك ّل
.مسيحي أن يكون فيها حجر ًا ح ّي ًا
-0211في نظر اإليمان ،ال شرَّ أعظم من ش ّر الخطيئة وال شيء يج ّر على الخطأة أنفسهم وعلى
.الكنيسة وعلى العالم بأسره عواقب أوخم
-0211العودة إلى الشركة مع هللا التي نفقدها بالخطيئة هي حركة تو ّلدها نعمة هللا الرحيم
والمعن ّي بخالص البشر .وال ب ّد أن نلتمس هذه العطيّة النفيسة لذواتنا وللغير.
-0211حركة العودة إلى هللا ُتدعى ارتداداً وتوبة تفترض توجّ عا ً وكرها ً للخطايا المق َترفة والعزم
الثابت على أال ّ نعود نخطأ من بعد .االرتداد ي ّتصل اذن بالماضي وبالمستقبل ،ويتقوّ ى باال ّتكال
.على رحمة هللا
-0210س ّر التوبة قوامه األعمال الثالثة التي يقوم بها التائب ،والح ّل الذي يعطيه الكاهن .أعمال
التائب هي التوبة واالعتراف أي كشف الخطايا للكاهن ،والعزم على التكفير عنها والقيام بأعمال
.التكفير
-0214التوبة (أو الندامة) يجب ان ترتكز على أسباب تتصل باإليمان .فإذا صدرت التوبة عن
محبة خالصة هلل ،فهي "التوبة الكاملة" .وأمّا إذا ارتكزت على أسباب أخرى ،فهي "التوبة
.الناقصة"
-0211من رام المصالحة مع هللا ومع الكنيسة ،عليه أن يعترف للكاهن بجميع الخطايا الثقيلة
التي لم يعترف بعد بها والتي يتذ ّكرها بعد محاسبة دقيقة لضميره .وأمّا االعتراف بالخطايا
.العرضيّة ،وإن لم يكن ملزم ًا ،فالكنيسة تحبّذه ،مع ذلك ،وتش ّدد عليه
-0212يعرض المعرّف على التائب القيام ببعض أعمال "التكفير" أو "التعويض" ،إلصالح
.الضرر الناتج عن الخطيئة ،واستعادة الخصال التي يتميّز بها تلميذ المسيح
-0211ال يجوز إ ّال للكهنة الذين تفوِّ ض إليهم الكنيسة سلطان الحلّ ،أن يغفروا الخطايا باسم
المسيح.
-0211:المفاعيل الروحية لس ّر التوبة هي
-المصالحة مع هللا التي بها يستعيد التائب النعمة اإللهية،
-المصالحة مع الكنيسة،
-محو العقاب األبدي الذي تستوجبه الخطايا الثقيلة،
-محو العقوبات الزمنية – ولو جزئ ّي ًا – الناجمة عن الخطايا،
-السالم وطمأنينة الضمير والتعزية الروحية،
-تنامي القوى الروحية ،في سبيل الجهاد المسيحي الروحي.
-0211االعتراف الفردي والكامل بالخطايا الثقيلة والح ّل الذي يعقبها هما الوسيلة العادية الوحيدة
.للمصالحة مع هللا ومع الكنيسة
12
-0211يستطيع المؤمنون ،بواسطة الغفرانات ،أن ينالوا لذواتهم وللنفوس المطهرية أيض ًا محو
.العقوبات الزمنيّة الناجمة عن الخطايا
المقال الخامس
مسحة المرضى
" -0211بالمسحة المق ّدسة المقرونة بصالة الكهنة ،الكنيسة كلّها تشفع بالمرضى لدى الرب الذي
ّ
وتحثهم على أفضل من ذلك :أن يشتركوا اشتراكا ً طوعيا ً في آالم المسيح ليعزيهم ويخلّصهم،ّ تألّم
.وموته ،فيؤ ّدوا بذلك قسطهم في ما يعود على شعب هللا بالخير"
المرض في حضرة هللا :يسكب أمامه شكواه من مرضه ،ومنه، َ -0114إنسان العهد القديم عاش
وهو سيّد الحياة والموت ،يلتمس الشفاء .ويصبح المرض سبيالً إلى االرتداد ،وصف ُح هللا بدءاً
للشفاء .ويختبر اسرائيل المرض ،بطريقة سرّ ية ،مرتبطا ً بالخطيئة والشر ،واالخالص هلل
طريق عودة إلى الحياة" :أنا الرب معافيك" (خروج .)16 :25ويتراءى للنبي أنّ َ ولشريعته
ً ً ً
العذاب قد يكسب أيضا معنى فدائ ّيا لذنوب اآلخرين .ويتنبأ أشعيا أخيرا بأنّ هللا سوف يؤتي
.صهيون زمنا ً ينزع فيه ك ّل إثم ويشفي ك ّل مرض
المسيح الشافي
-0111شفقة المسيح على المرضى وشفاؤه كثيرين بعلل من ك ّل نوع هما الدليل الساطع على أنّ
"هللا قد افتقد شعبه" ،وأنّ ملكوت هللا قد أضحى قريبا ً ج ّداً .ولم يكن يسوع ليملك سلطان الشفاء
وحسب ،بل سلطان مغفرة الخطايا أيضاً .لقد جاء ليبرئ االنسان كلّه ،جسداً وروحاً .إ ّنه الطبيب
ّ
المعذبين إلى ح ّد التماهي وإيّاهم: الذي يحتاجه المرضى .وقد إوغلت به شفقته على كل
"كنت مريضا ً فعُد ُتموني" (متى .)36 :15هذه المحبّة التي آثر بها السّقماء ما زالت توقظ لدى
المعذبين جسما ً وروحاً ،وهي مصدر الجهود ّ المسيحيين ،عبر األجيال ،تنبّها ً خاصا ً لجميع
.المتواصلة للتخفيف عنهم
13
-0112كثيراً ما كان يسوع يطلب اإليمان من المرضى ،ويستعين بوسائل حسّية للشفاء :الريق
ووضع اليدين والطين والغسل .وكان المرضى يحاولون أن يلمسوه "ألنّ قوّ ة كانت تخرج منه
وتبرئ الجميع" (لو .)21 :6وهكذا ال يزال المسيح "يمسّنا" بواسطة األسرار ليشفينا.
"إشفوا المرضى"...
-0111يدعو المسيح تالميذه إلى ا ّتباعه حاملين ،هم أيضا ً ،صليبهم ،وبا ّتباعه يكتسبون نظرة
جديدة إلى المرض وإلى المرضى .ويشركهم يسوع في حياته الفقيرة الخادمة ،ويدعهم يساهمون
في رسالة الشفقة والشفاء التي يقوم بها" :مضوا يدعون الناس إلى التوبة ،وطردوا كثيراً من
.الشياطين ودهنوا بالزيت كثيراً من المرضى فشفوهم" (مر )23-21 :6
-0111وينتدبهم الرب ثانية ،من بعد قيامته ،لهذه الرسالة" :والذين يؤمنون تصحبهم هذه اآليات:
فباسمي يضعون أيديهم على المرضى فيتعافون" (مر ،)28-27 :26ويثبتها باآليات التي
تصنعها الكنيسة باستدعاء اسمه .هذه اآليات تعلن ،بطريقة خاصة ،أنّ يسوع هو حقّا ً "اإلله الذي
.يخلِّص"
-0111ان الروح القدس يجود على البعض بموهبة شفاء خاصة ،ليعلن قوّ ة النعمة الصادرة عن
القائم من بين األموات .ولكنّ أحرً الصلوات قد ال تؤ ّدي أحيانا ً إلى شفاء ك ّل األمراض .وهكذا
َتعلّ َم القديس بولس من الرب أنّ " :حسبك نعمتي ،ففي الضعف يبدو كمال قدرتي" ( 1كو :21
،)1وأنّ احتمال اآلالم قد يعني أ ّني "أُت ُّم في جسدي ما ينقص من آالم المسيح في سبيل جسده
.الذي هو الكنيسة" (كو )14 :2
" -0111اشفوا المرضى" (متى .)21:8هذه المهمّة ،تلقّتها الكنيسة من الربّ وتسعى إلى تحقيقها
بك ّل ما توفّ ّّ ره للمرضى من وسائل العناية ،وما ترافقهم به من أدعية وتشفّعات .إ ّنها تؤمن
بحضور المسيح الحيّ ،طبيب النفوس واألجساد .هذا الحضور يفعل فعله بطريقة خاصة عبر
األسرار ،وخصوصا ً عبر االفخارستيا ،وهي الخبز الذي يعطي الحياة األبدية والذي يُلمح القديس
.بولس إلى عالقته بالصحة البدنيّة
-0101إال ّ أنّ الكنيسة الرسوليّة مارست طريقة طقسيّة خاصّة لفائدة المرضى ،يشير إليها
القديس يعقوب" :هل فيكم مريض؟ فليدع كهنة الكنيسة ليصلّوا عليه بعد أن يمسحوه بالزيت باسم
الربّ .إنّ الصالة مع اإليمان تخلّص المريض ،والربّ ينهضه .وإن كان قد اقترف خطايا ُتغفر
له" (يع .)25-24 :5وقد اعتبر التقليد الطقس واحداً من أسرار الكنيسة السبعة.
-0101األساقفة والكهنة هم وحدهم َخدَ مة سرّ مسحة المرضى .وواجب الرعاة أن يحيطوا
ث المؤمنون المرضى على أن يستدعوا الكاهن ليقبلوا هذا المؤمنين علما ً بفوائد هذا السر .ول ُيحّ َّ
السرّ .وليستع ّد المرضى لقبوله بحسن التأهّب لمعاونة رعاتهم وك ّل الجماعة الكنسيّة المدعوّ ة إلى
.أن تحيط المرضى إحاطة خاصّة ج ّداً بصلواتها والتفاتاتها األخويّة
السر؟
ّ . ًُ1كيف ُيحتفل بهذا
ُ
-0101مسحة المرضى ،كك ّل األسرار ،يُحتفل ليترجيا وجماع ّياً ،سواء أفي األسرة أقيمت أم في
المستشفى أم في الكنيسة ،لمريض واحد أو لمجموعة من السقماء .ومن المناسب ج ّداً أن يُحتفل
بها في إطار االفخارستيا ،تذكار فصح الرب .ويمكن أن يسبق المسحة سرّ التوبة ويعقبها سرّ
االفخارستيا إذا دعت الظروف إلى ذلك .وال غرو فاالفخارستيا ،باعتبارها سرّ فصح المسيح،
يجب أن يكون آخر سرّ نقبله في ختام رحلتنا األرضية ،والزاد الذي يتيح لنا "العبور" إلى الحياة
األبدية.
-0101الكلمة والسرّ يؤلّفان حقيقة ال تنفصم .ليترجيا الكلمة تفتتح االحتفال ،مسبوقة بفعل التوبة.
.فأقوال المسيح وشهادة الرسل توقظ إيمان المريض والجماعة ،فيلتمسان من الربّ قوّ ة روحه
-0101ويتضمّن االحتفال بهذا السرّ ،بصورة رئيسيّة ،العناصر التالية" :فكهنة الكنيسة" يضعون
أيديهم –في الصمت -على المرضى ،ويصلّون عليهم بإيمان الكنيسة ،وهذه هي صالة
"االستدعاء" التي يختصّ بها هذا السرّ .ث ّم يمنحون المسحة بالزيت الذي يُباركه األسقف إذا
.أمكن .هذه األعمال لليترجية ترمز إلى النعمة التي ينالها المرضى من هذا السرّ
السر
ّ . ًُ2مفاعيل االحتفال بهذا
-0141موهبة الروح القدس .أولى نعم هذا السرّ هي نعمة تعزية وسالم وصبر للتغلّب على
الصعاب التي تالزم حالة المرض الثقيل أو وهن الشيخوخة .هذه النعمة هي عطيّة من الروح
15
القدس ،تج ّدد الثقة واإليمان باهلل وتقوّ ي النفس في مواجهة وساوس الشيطان واجتذاب النفس إلى
اليأس والجزع من الموت .معونة الرب هذه ،بقوة روحه ،تهدف ،وال شك ،إلى شفاء نفس
المريض ،ولكن إلى شفاء جسده أيضاً ،إذا كانت تلك مشيئة هللا" .وإن كان قد اقترف خطاياُ ،تغفر
.له" (يع )25 :5
-0140اال ّتحاد بآالم المسيح .بنعمة هذا السرّ يتلقّى المريض من القوّ ة والموهبة ما يم ّكنه من
كرس ،نوعا ً ما ،ليؤتي ثمراً يتشبّهه بآالم المخلص اال ّتحاد بآالم المسيح ا ّتحاداً أوثق :فهو ُم َّ
الفادية .فالعذاب الذي ينجم عن الخطيئة األصلية يكتسب معنى جديداً ،ويصبح اشتراكا ُ في عمل
يسوع الخالصيّ .
نعمة الكنيسة .المرضى الذين يقبلون هذا السرّ " ،باشتراكهم الطوعيّ في آالم المسيح ُ -0144
وموته" ،يؤ ّدون "قسطهم ،في ما يعود على شعب هللا بالخير" .إنّ الكنيسة ،باحتفالها بهذا السرّ ،
في شركة القديسين ،تشفع إلى هللا لخير المريض ،كما أنَّ المريض يساهم هو أيضاً ،بنعمة هذا
السرّ ،في تقديس الكنيسة وخير ك ّل الذين تتألّم الكنيسة ألجلهم ،وتقرّ ب ذاتها ،بالمسيح ،إلى هللا
.اآلب
-0141تأهب للعبور األخير :لئن كان سرّ مسحة المرضى يُمنح لجميع الذين يُعانون من أمراض
وأسقام ثقيلة ،فهو يُم َنح ،بأولى حجة ،للمشرفين على النزوح من هذه الحياة ،مما دفع إلى تسميته
أيضا ً "بسر المنتقلين" .إنّ مسحة المرضى ُتت ّم َش َبهنا بموت المسيح وقيامته ،كما ابتدأت المعمودية
بذلك ،و ُتتوّ ج المسحات المق ّدسة التي تتخلّل مختلف مراحل الحياة المسيحية :فمسحة المعمودية
تثبّت فينا الحياة الجديدة ،ومسحة التثبيت أو الميرون ُتقوّ ينا في جهاد هذه الحياة .وأمّا المسحة
األخيرة فتحصّن نهاية حياتنا األرضيّة بسور متين ،تأهّبا ً للصراعات األخيرة قبل دخولنا بيت
.اآلب
-0142إ َن الكنيسة تق ّدم االفخارستيا زاداً للمشرفين على مغادرة هذه الحياة ،باإلضافة إلى مسحة
المرضى .االشتراك في جسد المسيح ودمه في هذه اللحظة ،لحظة العبور إلى اآلب ،يكتسب
معنىً الفتا ً وأهمّية خاصة .فهو بذار حياة أبديّة وقوةُ قيامة ،على ح ّد قول الربّ " :من أكل جسدي
وشرب دمي ،فله الحياة األبدية ،وأنا أُقيمه في اليوم األخير" (يو .)6:54فاالفخارستيا ،باالضافة
إلى كونها سرّ موت المسيح وقيامته ،هي هنا سرّ االنتقال من الموت إلى الحياة ،ومن هذا العالم
إلى اآلب.
-0141فكما انّ أسرار المعمودية والتثبيت واالفخارستيا تؤلّف وحدة متكاملة هي "أسرار التنشئة
المسيحية" ،كذلك أسرار التوبة والمسحة المق ّدسة واالفخارستيا ،يمكن اعتبارها زاداً أخيراً ،في
أجلَها" .هذه األسرار ُتع ّد لالنطالق إلى الوطن" و ُتنهي
اللحظة التي تبلغ فيها الحياة المسيحية َ
ِرحلتنا األرضية.
بإيجاز
16
" -0141هل فيكم مريض؟ فليد ُع كهنة الكنيسة ليص ّلوا عليه بعد أن يمسحوه بالزيت باسم الربّ .
إنّ الصالة مع اإليمان تخ ّلص المريض والربّ ينهضه .وأن كان قد اقترف خطايا ُتغ ّفر له" (يع
)45-41 :5.
-0141الهدف من س ّر مسحة المرضى تزويد المسيحي بنعمة خاصة عندما يُعاني من الصّعاب
.ما يالزم حالة المرض الثقيل أو الشيخوخة
-0141الوقت المناسب لنيل المسحة المق ّدسة هو ،في الحقيقة ،الوقت الذي يجد فيه المؤمن نفسه
.في خطر الموت بسبب مرض أو شيخوخة
-0141ك ّل مرّة يصاب المؤمن بمرض خطير ،يستطيع أن يقبل المسحة المق ّدسة ،ويستطيع أن
يقبلها مرّة ثانية ،عند تفاقم المرض.
-0111يجوز لألساقفة وللكهنة وحدهم أن يمنحوا سرّ مسحة المرضى ،ويستعملون ،في منحه،
الزيت الذي يُباركه األسقف أو ،عند الحاجة ،الكاهن الذي يحتفل به.
-0110قوام االحتفال بهذا الس ّر دهن جبهة المريض ويديه بالزيت (في الطقس الروماني)
وأجزاء أخرى من الجسم (في الشرق) .ويرافق المسحة صالة ليترجية يتلوها الكاهن المحتفل
ر.ويلتمس فيها النعمة الخاصة المرتبطة بهذا الس ّ
-0114:النعمة الخاصة التي ترافق س ّر مسحة المرضى لها عادة مفاعيل
-أ ّتحاد المريض بآالم المسيح ،لخيره وخير الكنيسة ك ّلها،
-التعزية والسالم والصبر في تحمّل المرض أو الشيخوخة ،تح ّم ً
ال مسيح ّي ًا،
-مغفرة الخطايا التي لم يستطع المريض أن ينالها بواسطة س ّر التوبة،
-استرداد العافية إذا توافق ذلك مع الخالص الروحي،
-.التأهّب للعبور إلى الحياة األبدية
الفصل الثالث
أسرار خدمة الشركة
-0111المعمودية والتثبيت واالفخارستيا هي من أسرار التنشئة المسيحية ،وهي مرتكز الدعوة
المشتركة بين جميع اتباع المسيح ،أي الدعوة إلى القداسة وإلى رسالة التبشير باإلنجيل في العالم.
وهي تزوّ د االنسان بالنعم الضروريّة ليحيا بمقتضى الروح في هذه الحياة المترحّ لة والذاهبة شطر
.الوطن
ك أنهما يساهمان -0112ثمّة سرّ ان آخران :الكهنوت والزواج ،هدفهما خالص اآلخرين .ال ش ّ
أيضا ً في خالص الفرد ،ولكن من خالل خدمة اآلخرين ،ويخوّ الن المؤمنين رسالة خاصة في
.الكنيسة ،ويساعدان في بناء شعب هللا
تكرسوا بالمعمودية والتثبيت للكهنوت المشترك بين -0111بفضل هذين السرّ ين ،يستطيع الذين ّ
جميع المؤمنين ،أن ينالوا مسحات أخرى .فالذين يقبلون سرّ الكهنوت يُكرَّ سون ليكونوا ،باسم
كرسون، المسيح" ،وبكلمته ونعمته ،رعاة للكنيسة"" .واألزواج المسيحيون ،من جهتهم ،يُقوّ ون و ُي َّ
نوعا ُ ما بسرّ خاص ،ليضطلعوا بواجبات حالتهم ،اضطالعا ً الئقاً".
المقال السادس
سر "الكهنوت"
ّ
17
ً
ناشطة -0111سرّ الكهنوت هو السرّ الذي يكفل استمرار الرسالة التي وكلها المسيح إلى تالميذه
:في الكنيسة حتى منتهى األزمنة :هو إذن سرّ الخدمة الرسولية ،ويتضمّن ثالث رُتب
.األسقفية ،والكهنوت ،والشماسيّة
(في شأن الخدمة الرسولية ،من ناحية تأسيسها ورسالتها من قبل المسيح ،أنظر الفقرات .816 -874وأمّا هنا
فال نعالج إالّ الطريقة األسرارية التي يت ّم بها تراث هذه الخدمة).
18
ً
حكمة وأفرغت عليم الروح الذي أعطيته لموسى ،وأشركت أبناء هارون في بركة اخترت سبعين رجالً مملوئين
التكريس التي نالها أبوهم".
-0121في صالة التكريس الملحوظة في رسامة الشمامسة تعترف الكنيسة قائلة:
أقمت ،لبناء هذا الهيكل الجديد (الكنيسة) َخدَ ً
مة ينتمون إلى ثالث رتب مختلفة، َ "ايها اآلب القدوس ....لقد
األساقفة والكهنة والشمامسة ،ومهمّتهم جميعا ً أن يخدموك ،على غرار أبناء سبط الوي الذين فرز َتهم لخدمة
.بيتك ،في العهد القديم ،وجعلت ذاتك ميراثا ً لهم"
-0122كل رموز الكهنوت في العهد القديم تكتمل في المسيح يسوع "الوسيط األوحد بين هللا
وبين الناس" (2تي )5 :1إنّ التقليد المسيحي يعتبر ملكيصادق "كاهن هللا العلي" (تك)24:28
رمزاً لكهنوت المسيح الذي دعاه هللا وحده "حبراً على رتبة ملكيصادق" (عب،)6:11،5:21
حبراً "ق ّدوسا ً بريئا ً ال عيب فيه" (عب " ,)16 :7أجعل الذين ق ّدسهم كاملين أبداً ،بقربان واحد"
(.عب )24 :21أي بذبيحة صليبه الواحدة
-0121ذبيحة المسيح الفادية واحدة ال غير .لقد تمّت مرّ ة واحدة ،ولك ّنها ماثلة في ذبيحة الكنيسة
االفخارستية .كذلك كهنوت المسيح الواحد يغدو حاضراً في كهنوت الخدمة من غير أن تنقص
وحدانية كهنوت المسيح" :ومن ث ّم ،فالمسيح هو الكاهن الحقيقي األوحد ،وما اآلخرون سوى
َخ ّدمّته".
ً
"مملكة من الكهنة إللهه -0121إنّ المسيح الكاهن األعظم والوسيط األوحد ،قد جعل من الكنيسة
وابيه" (رؤ .)6 :2ومن ث ّم فجماعة المؤمنين كلّها كهنوتيّة في ح ّد ذاتها .ويمارس المؤمنون
كهنوتهم العماديّ عبر مساهمة كل واحد بحسب دعوته الخاصة ،في رسالة المسيح الكاهن،
.والنبيّ والملك .ويتكرّس المؤمنون ليكونوا ...كهنوتا ً مق ّدسا ً "بواسطة سرّ ي المعمودية والتثبيت"
-0121كهنوت الخدمة الراعويّة أو الكهنوت اإليروخي (التراتبي) الذي يمارسه األساقفة
والكهنة ،والكهنوت المشترك بين جميع المؤمنين" ،وإن اشتركا ،ك ّل على طريقته الخاصة،
في كهنوت المسيح الواحد" ،إال ّ أ ّنهما يختلفان اختالفا ً جوهرياّ ،أحدهما عن اآلخر ،وإن "كانا على
تناسق بينهما" .وذلك بأنّ كهنوت المؤمنين المشترك يتحقّق في نماء نعمة المعمودية و ُتحوّ لها إلى
حياة إيمان ورجاء ومحبّة وحياة في الروح ،واما كهنوت الخدمة الراعوية فهو في خدمة الكهنوت
المشترك ،ويُع َنى بتنمية نعمة المعموديّة لدى جميع المسيحيين .إ ّنه وسيلة من الوسائل التي ال
يكفُّ المسيح عن استعمالها ليبني كنيسته ويقودها .ولذا ينتقل في الكنيسة بواسطة سرّ خاص ،هو
سرّ الكهنوت.
-0121من خالل الخدمة الكنسيّة التي يقوم بها الخادم المرسوم ،يحضر المسيح نفسه في كنيسته،
ّ
الحق .وهذا ما وراعي قطيعه ،والكاهن األعظم لذبيحة الفداء ،ومعلّم
َ بصفته رأس جسده السرّي،
:تعبّر عنه الكنيسة بقولها :أنّ الكاهن ،بقوة سرّ الكهنوت يعمل في شخص المسيح الرأس
19
"ذاك الكاهن عينه ،يسوع المسيح ،يقوم الكاهن ح ّقا ً مقامه .فإذا ص ّح أنَّ هذا الكاهن بتكريسه الكهنوتي ،قد أصبح
.شبيها ً بالكاهن األعظم ،فهو يتم ّتع بالقدرة على العمل بقوّ ة المسيح نفسه الذي ّ
يمثله"
"المسيح مصدر ك ّل كهنوت :فكاهن العهد القديم كان رمزاً للمسيح ،وكاهن العهد الجديد يعمل بشخص
المسيح".
-0121بالخدمة الكهنوتية التي يقوم بها خصوصا ً األساقفة والكهنة ،يصبح حضور المسيح،
بصفته رأس الكنيسة ،حضوراً مرئ ّيا ً وسط جماعة المؤمنين .فاألسقف ،على ح ّد ما جاء في تعبير
.بليغ للقديس إغناطيوس األنطاكي ،إ ّنما هو صورة حيّة هلل اآلب
-0111حضور المسيح هذا في الكاهن يجب أال ّ يُف َهم على أ ّنه حِرز له من كل وهن بشريّ :
كروح التسلّط واألخطاء وحتى الخطيئة .فقوّ ة الروح القدس ال تضمن ك ّل أعمال الكاهن بذات
ك في األسرار ،بحيث إنّ خطيئة الكاهن ذاتها ال تحجب ثمرة الطريقة .هذه الضمانة مكفولة وال ش ّ
النعمة ،ولكنّ ثمّة أعماالً أُخرى كثيرة تحمل بصمات الكاهن البشريّة وتترك فيها آثاراً ال تد ّل
حق ضرراً بالكنيسة وخصبها الرسول ّي .دائما ً على أمانته لإلنجيل ،وتستطيع ،من ث ّم ،أن ُتل ِ
-0110هذا الكهنوت هو كهنوت خدمة" .هذه المهمّة التي أناطها الربّ برعاة شعبه هي خدمة
حقيقيّة" ،مرتبطة ارتباطا ً كلّيا ً بالمسيح وبالبشر .فهي منوطة كلّيا ً بالمسيح وبكهنوته الواحد،
ولك ّنها أُقيمت للناس ولجماعة الكنيسة .إنّ سرّ الكهنوت يؤتي "سلطانا ً مق ّدساً" ،ما هو إال ّ سلطان
المسيح بالذات .وال ب ّد ،في ممارسة هذا السلطان ،من ا ّتخاذ المسيح مقياسا ً ونموذجاً ،هو الذي،
صراحة إن عنايتنا بقطيعه هي دليل ً بدافع محبّته ،صار آخر الك ّل وخادما ً للكل" .وقد قال المسيح
محبّتنا له".
سر الكهنوت
.ً1الدرجات الثالث في ّ
موزعة على درجات متنوّ عة بين من " -0112إن ممارسة الخدمة الكنسية التي أقامها هللا ّ
يسمّونهم ،منذ القدم ،أساقفة وكهنة وشمامسة" .وتق ّر العقيدة الكاثوليكية التي تعبّر عنها الليترجيا
والسلطة التعليمية والعُرف الثابت في الكنيسة أنّ ثمّة درجتين اثنتين تشاركان في خدمة كهنوت
المسيح :األسقفية والكهنوت .وأمّا الرتبة الشماسية فتهدف إلى مساعدتهما وخدمتهما .ولذا فلفظة
الكهنوت ال تنطبق ،في االستعمال الراهن ،إال ّ على األساقفة والكهنة ،ال على الشمامسة .إال ّ َ
أن
العقيدة الكاثوليكية تعلّم أن درجتي المشاركة الكهنوتية (األسقفية والكهنوت) ودرجة الخدمة
(.الذياكونية) ُتمنح كلّها بواسطة سرّ واحد هو "سرّ الرسامة" أو سرّ الرتبة
20
"على الجميع أن يُجلّوا الشمامسة إجاللهم للمسيح يسوع ،وكذلك األسقف أيضا ً الذي هو صورة اآلب ،والكهنة
على أ ّنهم محفل هللا ومجمع الرسل :بدونهم ّ
يتعذر الكالم عن الكنيسة".
" -0111بين ال ِخدَم المختلفة التي ُتمارس في الكنيسة ،منذ أيامها األولى ،تحتفل المح ّل األوّ ل
بشهادة التقليد ،وظيفة أولئك الذين أُقيموا في األسقفية وكأ ّنهم ،بتسلسلهم في خالفة م ّتصلة منذ
البدءَ ،فسائ ُل ينتقل بها الزرع الرسوليّ ".
-0111للقيام بهذه المهمّة السامية" ،أغنى المسيح رسله بفيض خاص من الروح القدس نازالً
عليهم ،وبوضع األيدي َسلّموا هم أنفسهم إلى مُعاونيهم موهب َة الروح القدس التي انتقلت إلينا حتى
.يومنا هذا بطريق السيامة األسقفية
-0111يعلّم المجمع الفاتيكاني الثاني "أنّ السيامة األسقفية تعطي ملء سر الكهنوت الذي يسمّيه
.التقليد الكنسي الليترجي واآلباء القديسون الكهنوت األعظم وذروة الخدمة المق ّدسة"
" -0111تولي السيامة األسقفية ،مع مهمّة التقديس ،مهمّتي التعليم والقيادة .فوضع األيدي
وكلمات السيامة تعطي نعمة الروح القدس وتطبع األسقف بطابع مق ّدس ،بحيث أن األساقفة
يقومون ،بطريقة سامية ومرئيّة ،مقام المسيح نفسه المعلّم والراعي والحبر ،ويقومون بمهمّته.
نزل عليهم ،معلّمين في اإليمان حقيقيّين وأصيلين، "وهكذا ،أقيم األساقفة ،بالروح القدس الذي أ ِ
كما أُقيموا أحباراً ورعاة".
" -0111بقوّ ة السيامة األسقفية وبالشركة التسلسليّة مع رئيس الجسم األسقفي واعضائه ،يصير
المرء عضواً في هذا الجسم" .هذه الهيئة األسقفية يظهر طابعها وطبيعتها الجماعية في
ممارسات ع ّدة ،منها العُرف العريق في الكنيسة والقاضي بأن يشترك أكثر من أسقف في سيامة
تدخل أسقف روما تدخالً أسقف جديد .ولكي تكون السيامة األسقفية شرعيّة ال ب ّد ،اليوم ،من أن ي ّ
خاصاً ،نظراً إلى أ ّنه هو الرباط الحسّي األعلى في شركة الكنائس الخاصة ضمن الكنيسة
الواحدة ،وضمان حريتها.
-0111كل أسقف ،بصفته نائبا ً للمسيح ،يتولّى رعاية الكنيسة الخاصة التي وُ كِلت إليه .ولك ّنه
ك أنّ ك ّل يحمل أيضاً ،بطريقة جماعية مع جميع إخوته في األسقفية ،ه َّم جميع الكنائس" :ال ش ّ
ً
خليفة شرع ّيا ً للرسل بفعل أسقف يرعى من القطيع القسم الموكل إلى عنايته ،ولكنه ،بصفته
.تنصيب إلهي ،يصبح متضامنا ً في المسؤولية عن الرسالة الرسولية في الكنيسة"
-0110ك ّل ما أتينا على ذكره يفسّر لماذا االفخارستيا التي يحتفل بها األسقف تكتسب معنى
يمثل ،بطريقة مرئيّة ،المسيح الراعي صا ً يعبّر عن اجتماع الكنيسة حول المذبح برئاسة من ّ خا ّ
.الصالح ورأس كنيسته
-0114إنّ المسيح الذي ق ّدسه اآلب وأرسله إلى العالم ،قد جعل خلفا َء الرسل ،أي األساقفة،
وبواسطتهم ،شركا َء في قداسة المسيح ورسالته .ث ّم إنّ األساقفة قد سلّموا بعضا ً من أعضاء
الكنيسة ،بوجه شرعي وتفاوت في الدرجة ،مها َّم خدمتهم"" ،وقد انتقلت وظيفة األساقفة الرعائية
إلى الكهنة وإ ّنما بدرجة أدنى .فقد أُقيم هؤالء في الكهنوت أعوانا لألساقفة في تأدية الرسالة التي
.سلّمها المسيح إليهم"
21
" -0111إنّ وظيفة الكهنة ُتشركهم ،بحكم ا ّتحادها بالدرجة األسقفية ،في السلطة التي يبني المسيح
بها جسده ويق ّدسه ويسوسه .ومن ث ّم فكهنوت الكهنة ،الذي يفترض أسرار التنشئة المسيحيّة،
يُعطى بواسطة سرٍّ خاص يَسِ مُهم َبوسم مميّز ،بمسحة الروح القدس ،ويصيّرهم على شبه المسيح
.الكاهن فيُم ِّكنهم من العمل باسم المسيح الراس بالذات"
" -0112إنّ الكهنة ،مع أ ّنهم ال يملكون مهمّة الحبريّة العليا ،ويخضعون لألساقفة في ممارسة
سلطتهم ،فإ ّنهم م ّتحدون معهم في الكرامة الكهنوتيّة .وهم ،بقوّ ة سرّ الكهنوت مكرّ سون على
شروا باإلنجيل ،ويكونوا رعاة للمؤمنين ،ويقيموا صوررة المسيح الكاهن األعظم األبدي ،ليب ّ
كهنة حقيقيّين للعهد الجديد"ُ .الشعائر الدينية ،بحكم كونهم
-0111بقوّ ة سرّ الكهنوت يشترك الكهنة في الرسالة التي وكلها المسيح إلى تالميذه ،في أبعادها
الجامعة .فالموهبة الروحيّة التي نالوها بالرسامة ُتع ّدهم ال لرسالة محدودة وضيّقة ،بل لرسالة
خالص جامعة ،تمت ّد "حتى أقاصي األرض"" ،وفي نفسهم استعداد للكرازة باإلنجيل في ك ّل
.مكان"
" -0111ويمارس الكهنة خدمتهم المق ّدسة على الوجه األكمل في تأدية فرائض العبادة في المحفل
اإلفخارستيّ :ففيه ينوبون مناب المسيح ،ويُعلنون سرّ ه ،ويضمّون طلبات المؤمنين إلى ذبيحة
المسيح رأسِ هم ،ويجعلون ذبيحة العهد الجديد الواحدة ،ذبيحة المسيح مقرِّ با ً نف َسه ألبيه مرّ ة واحدة
قربانا ً ال عيب فيه ،حاضر ًة ومنفّذ ًة في ذبيحة القداس ،إلى أن يأتي الرب" .من هذه الذبيحة
.الواحدة تستم ّد خدم ُتهم الكهنوتية ك ّل قوّ تها"
" -0111ولما كان الكهنة معاونين أه َل فطنة للدرجة األسقفية ،وكانوا لها العون واألداة ،وكانوا
مدعوّ ين لخدمة شعب هللا ،فإ ّنهم مع أسقفهم يؤلّفون أسرة كهنوتية واحدة ،متنوّ عة الوظائف .وفي
ك ّل مكان فيه جماعة من المؤمنين ،يجعلون األسقف حاضراً ،من بعض الوجوه ،الرتباطهم بقلب
واثق وسخيّ ،آخذين على عاتقهم نصيبهم من مهامّه وعنايته ،وعاملين بها في اهتمامهم اليوميّ
بالمؤمنين" .وهكذا ،ال يستطيع الكهنة أن يمارسوا خدمتهم إال ّ بالخضوع لألسقف وفي الشركة
معه .وع ُد الطاعة الذي يقطعونه لألسقف في حفلة الرسامة ،وقبلة السالم التي يعطيها األسقف في
ختام ليترج ّيا الرسامة ،مفادهما أنّ األسقف يعتبرهم أعوانه وأبناءه وإخوته وأصدقاءه وأ ّنهم
ملتزمون بأن ير ّدوا له ذلك محب ًّة وطاعة
-0111إن الكهنة ،بفعل رسامتهم التي أولتهم درجة الكهنوت ،هم كلُّهم م ّتحدون ا ّتحاداً صميما ً
فيما بينهم برباط األخوّ ة السرّ ية ،ولك ّنهم ،بفعل انسالكهم في خدمة أبرشية يقوم عليها أسقف
محلّي ،يؤلفون ،بصفة خاصة ،على هذا المستوى ،أسرة كهنوتية واحدة" .وحدة هذه االسرة
الكهنوتية تجد لها تعبيراً ليترج ّيا ً في العرف القاضي بأن يضع الكهنة ،هم أيضاً ،على المرتسمين،
أيديهم بعد األسقف أثناء حفلة الرسامة.
22
وأن يحضروا عقد الزواج ويباركوه ،ويُعلنوا اإلنجيل ويعظوا ،ويرئسوا صالة الجناز ويتفرّ غوا
.لمختلف أعمال المحبّة
-0110منذ المجمع الفاتيكاني الثاني أعادت الكنيسة الالتينية الشماسيّة "بمثابة درجة خاصة
ودائمة من درجات الرتب المق ّدسة" ،بينما كنائس الشرق كانت ال تزال محتفظة بها .هذه
الشماسيّة الدائمة التي يمكن أن ُتمنح للمتزوّ جين تزوّ د الكنيسة بثروة الفتة ،للقيام برسالتها .فالذين
يضطلعون في الكنيسة بأعباء خدمة حقيقيّة ،سواء في الحياة الليترجية والرعائية أم في األعمال
االجتماعية واإلنسانية ،يناسبهم ويفيدهم أن يتقوّ وا بوضع األيدي الذي تناقلته الكنيسة منذ عهد
الرسل ،وي ّتحدوا بالمذبح أ ّتحاداً أوثق ،فينهضوا بخدمتهم بوجه أفعل ،بقوّ ة النعمة التي ينالونها
.بالرسامة الشماسية
السر
ّ .ً2االحتفال بهذا
-0114االحتفال بسيامة أسقف أو كهنة أو شمامسة ،نظراً إلى أهميته في حياة الكنيسة الخاصة،
يقتضي توافر أكبر عدد ممكن من المؤمنين .من األفضل أن يقام نهار األحد وفي الكاتدرائية،
بالحفاوة المناسبة لهذا الظرف .الرسامات الثالث لألسقف والكاهن والشماس تسير في ذات
.السياق ،وتأخذ مكانها في إطار الليترجيا االفخارستيا
-0111الطقس الجوهري في سرّ الكهنوت قوامه ،في الدرجات الثالثة ،أن يضع األسقف يده
على رأس المرتسم ويتلو صالة التكريس الخاصة التي يطلب فيها إلى هللا أن يفيض الروح القدس
.عليه ويجود بالمواهب المنوطة بالخدمة التي يُنتدب لها المرتسم
-0112ثمّة طقوس ملحقّة تحيط بحفلة الرسامة كما في سائر األسرار .هذه الطقوس تتنوّ ع تنوّ عا ً
عميقا ً في مختلف التقاليد الليترجيا ،ولك ّنها تشترك كلّها في التعبير عن مختلف وجوه النعمة
شح للرسامة واختيا ُره ،وكلمة السرّ ية .فالطقوس التمهيدية ،في الطقس الالتيني – تقدي ُم المر ّ
شحاألسقف ،وطر ُح األسئلة على المرشح للرسامة ،وطلبات القديسينُ -تثبت أنّ اختيار المر ّ
للرسامة قد ت ّم بمقتضى األعراف المعهودة في الكنيسة ،وتم ّهد للقيام رسم ّيا ً بعمل الرسامة .وتعقب
الرسامة مجموعة من الطقوس تعبّر ،بطريقة رمزية ،عن السر الذي تحقّق وتكمّله :مس ُح األسقف
والكاهن بالزيت المق ّدس ،رمز المسحة الخاصة التي يجود بها الروح القدس ويُخصب بها
خدمتهما ،تسلي ُم األسقف كتاب األناجيل ،والخاتم والتاج والعصا رمز مسؤوليته الرسولية في
التبشير بكلمة هللا ،وأمانته للكنيسة عروس المسيح ،ومهمّته في رعاية قطيع الربّ ،تسليم الكاهن
الصينية والكأس ،وهما تقدمة الشعب المقدس التي يجب على الكاهن أن يقرّ بها هلل ،تسليم الشماس
.كتاب األناجيل ،وقد انتدب للبشارة بإنجيل المسيح
السر ؟
ّ . ًُ1من الذي يمنح هذا
-0111المسيح هو الذي اصطفى الرُّ سل وجعل لهم نصيبا ً في رسالته وسلطته .وعندما ارتفع
وجلس إلى يمين االب ،لم يتخ ّل عن قطيعه بل حفظه ،بواسطة الرسل ،في ظ ّل حمايته ،وال يزال
يوجّ ه حتى اآلن بواسطة الرعاة الذين يواصلون اليوم رسالته .فالمسيح هو الذي "يولي" بعضهم
.أن يكونوا رسالً وبعضهم رعاة ،ويواصل عمله بواسطة األساقفة
-0111لمّا كان سرّ الكهنوت هو سرّ الخدمة الرسوليّة ،فإ ّنه يعود إلى األساقفة ،بصفتهم خلفاء
الرسل ،أن ينقلوا "الموهبة الروحية" و "البذار الرسولي" .فاألساقفة الذين سيموا سيامة صحيحة،
أي في خط الخالفة الرسوليّةَ ،يمنحون ،بوجه صحيح ،سرّ الكهنوت في درجاته الثالث.
23
السر ؟
ّ .ً1من الذي يحظى بهذا
" -0111يجوز للرجل المعمّد وحده أن ينال الرسامة المق ّدسة بوجه صحيح .فقد اختار الرب
يسوع رجاالً ليؤلّفوا هيئة الرسل األثني عشر ،وقد جرى الرّ سل على منواله عندما اختاروا
معاونيهم ،الذين سيخلوفونهم في مهمّتهم .ومن خالل هيئة األساقفة والكهنة الذين ي ّتحدون بهم في
سرّ الكهنوت ،تظ ّل هيئة األثني عشر حاضرة ،بطريقة واقعيّة ،إلى أن يعود المسيح .وترى
الكنيسة ذاتها مرتبطة بهذا االختيار الذي ح ّدده الربّ نفسه ،وتعتبر ،من ث ّم رسامة النساء غير
.ممكنة
-0111ما من إنسان يملك حق المطالبة بسرّ الكهنوت .فما من أحد ي ّدعي لنفسه هذه المهمّة إال ّ
إذا دعاه هللا إليها .فمن يتوسّم في ذاته مخايل دعوة هللا إلى الخدمة الكهنوتية ،عليه أن يطرح
رغبته بتواضع على السلطة الكنسيّة التي تتولّى وحدها المسؤولية والحق في الدعوة إلى قبول
الدرجات الكهنوتية .فهذا السرّ ،كأيّ نعمة أخرى ال ُيقبل إال ّ بمثابة عطية مجانيّة.
-0111ك ّل َ
الخ َد َمة المرسومين في الكنيسة الالتينية ،باستثناء الشمامسة الدائمين ،يت ّم اختيارهم
عادة من بين الرجال المؤمنين الذين يعيشون في حالة العزوبة ويرغبون في المحافظة عليها
"ألجل ملكوت السماوات" (متى .)21 :21وبما أ ّنهم مدعوّ ون إلى التكرّس للرب وألموره بال
توزع في القلب ،فهم يبذلون أنفسهم هلل وللناس بذالً كامالً .العزوبة هي عالمة الحياة الجديدة التي ّ
شر بملكوت هللا بطريقة يتكرّ س لها خادم الكنيسة ،فإذا قبلها بقلب مشرق بالفرح استطاع أن يب ّ
مشعّة.
-0111الكنائس الشرقية تطبّق منذ قرون ،نظاما ً مختلفاً :فبينما األساقفة ال يُختارون إال ّ من
المتب ّتلين ،يجوز لرجال متوزوّ جين أن يُرسموا شمامسة وكهنة .هذه العادة ُتعتبر شرعيّة منذ عهد
قديم ،وهؤالء الكهنة يؤ ّدون خدمة مثمرة في جماعتهم .وعلى ك ّل فبتولية الكهنة هي موضوع
إجالل عظيم في الكنائس الشرقيّة ،وكثيرون هم الكهنة الذين آثروها طوعاً ،ألجل ملكوت هللا.
.ولكن في الشرق كما في الغرب ال يجوز لمن قبل سرّ الكهنوت أن يتزوج
سر الكهنوت
.ً1مفاعيل ّ
الو ْسم الذي ال يبلى
ّ
-0110إنّ هذا السرّ يجعل الكاهن على صورة المسيح ،بنعمة خاصة من الروح القدس ،ليصير
يمثل المسيح رأس الكنيسة في وظائفه أداة للمسيح ألجل كنيسته .بالرسامة يصبح الكاهن أهالً ألن ّ
.الثالث :بصفته كاهنا ً ونب ّيا ً وملكا ً
-0114هذا االشتراك في وظيفة المسيح ال يُمنح إال ّ مرّ ة واحدة ،كما هي الحال في المعمودية
والتثبيت ،وذلك بانّ سرّ الكهنوت يولي صاحبه ،هو أيضاًَ ،و ْسما روح ّيا ال يبلى ،وال يمكن ،من
.ث ّم ،أن يتكرّ ر وال أن يُمنح بطريقة وقتيّة
-0111يجوز إلنسان حظي برسامة صحيحة أن يُعفى ،ألسباب باهظة ،من الواجبات والوظائف المرتبطة
بالرسامة أو أن ُتحرّ م عليه ممارستها .ولك ّنه ال يستطيع أن يرت ّد إلى الحالة العلمانية بالمعنى الدقيق ،ألنّ الوسم
.الذي وُ سم به بالرسامة يبقى إلى األبد .فالدعوة والرسالة التي تل ّقاهما يوم رسامته تطبعانه بطابع دائم
-0112ولما كان المسيح ،في النهاية ،هو الذي يعمل ويحقّق الخالص عبر الخادم المرسوم،
فالالجدارة التي تسوم هذا الخادم ال تحول دون عمل المسيح .وهذا ما يؤ ّكده القديس أوغسطينوس
بقوّ ة:
24
"وأمّا الخادم المتكبّر فيجب أن يُصفَّ مع الشيطان .ولكن موهبة المسيح ال ُتن َتهّك بسبب ذلك .فك ّل ما يسيل من
قوة السرّ الروحية هي أشبه بالنور:خالله يظ ُّل نق ّياً ،وك ّل ما يمرّ به يبقى صافيا ً وينزل على األرض الخصبةّ .
.المدعوّ ون إلى االستنارة يتل ّقونها نقيّة ،وإذا اجتازت كائنات مد ّنسة فهي ال تتد ّنس"
بإجاز
25
-0111يقول القديس بولس لتلميذه تيماثاوس"ُ :أنبّهك على أن تحيي الهبة التي جعل هللا لك
بوضع يديّ" ( 0تي ،)6 :4و:من رغب في األسقفية تم ّنى أمر ًا عظيم ًا (4تي .)4 :2وقال
كهنة في ك ّل بلدة كما أوصيتك" (تي :4 لتيطس" :تركتك في كريت لتتمّ فيها تنظيم األمور وتقيم ً
)5.
-0110الكنيسة ك ّلها شعب كهنوتي .المؤمنون ك ّلهم ،بنعمة المعمودية ،يشتركون في كهنوت
المسيح .هذا االشتراك نسمّيه "كهنوت المؤمنين العام" .على أساسه وفي خدمته يقوم اشتراك آخر
في رسالة المسيح ،ينبع من س ّر الكهنوت ،ومهمّة الخدمة الكهنوتية ،يؤ ّديها الكاهن وسط الجماعة
باسم المسيح الراس وبشخصه.
-0114كهنوت الخدمة يختلف اختالف ًا جوهر ّي ًا عن كهنوت المؤمنين العام أل ّنه يولي صاحبه
الخ َد َمة المرسومون يمارسون خدمتهم لشعب هللا بالتعليم (مهمة سلطان ًا مق ّدس ًا لخدمة المؤمنينَ .
التعليم) وإقامة الشعائر اإللهية (المهمة الليترجية) والوالية الرعائية (مهمة اإلدارة).
-0111منذ العهود األولى مُنح الكهنوت ومورس على درجات ثالث :األساقفة والكهنة
والشمامسة .هذه ال ِخدَم التي تتمّ بالرسامة الكهنوتية ال بديل منها للكنيسة في تكوينها البُنيوي:
.فبدون األساقفة والكهنة والشمامسة ،ال وجود للكنيسة
-0112ينال األسقف ملء س ّر الكهنوت الذي يولجه في الهيئة األسقفية ويجعل منه الرئيس
المنظور للكنيسة الخاصة التي وُ كلت إليه .إنّ األساقفة بصفتهم خلفاء الرسل واعضاء الهيئة
األسقفية ،لهم نصيب في المسؤولية الرسولية والرسالة التي تضطلع بها الكنيسة ك ّلها ،بإمرة البابا
خليفة القديس بطرس.
-0111إنّ الكهنة ي ّتحدون باألساقفة في الكرامة الكهنوتية ،ولك ّنهم يخضعون لهم ،في الوقت
نفسه ،في ممارسة مهامّهم الرعائيّة .إ ّنهم مدعوّ ون إلى أن يكونوا لألساقفة معاونين فطنين،
ويؤ ّلفون حول اسقفهم أسرة أسقفية ،تحمل معه مسؤولية الكنيسة الخاصة .ويتس ّلمون من األسقف
.مهمّة العناية بجماعة رعويّة أو بوظيفة كنسيّة معيّنة
-0111الشمامسة هم َخ ّدمة مرسومون للقيام بأعباء الخدمة في الكنيسة .إ ّنهم ال يُمنحون كهنوت
الخدمة ،ولكنّ الرسامة توليهم وظائف هامّة في خدمة الكلمة والشعائر اإللهية ،واالدارة الراعوية،
.وخدمة المحبّة ،وهي مهام يضطلعون بها تحت سلطة أسقفهم الراعويّة
-0111يُمنح س ّر الكهنوت بوضع األيدي تليه صالة تكريس احتفالية تلتمس من هللا للمرتسم ما
.يلزمه من نعم الروح القدس للقيام بخدمته .وتترك الرسامة في المرتسم َوسع م ًا سرّي ًا ال يّبلى
-0111ال تمنح الكنيسة س ّر الكهنوت إ ّال رجا ًال معمّدين ،يملكون من المؤهّالت للقيام بخدمتهم ما
تمّ التثبُّت منه بطريقة قانونية .وللسلطة الكنسية وحدها ترجع المسؤولية والحق في الدعوة إلى
.الكهنوت
-0111في الكنيسة الالتينية ال يُمنح سرّ الكهنوت عاد ًة إال ّ رجاالً مستع ّدين العتناق البتوليّة
محبة بملكوت هللا وخدمة الناس. ً طوعا ً ويعلنون نيّتهم في المحافظة عليها
-0111.يرجع لألساقفة أن يمنحوا س ّر الكهنوت في درجاته الثالث
المقال السابع
سر الزواج
ّ
26
" -0110إنّ عهد الزواج الذي به تقوم بين رجل وامرأة شركة تشمل الحياة كلّها ،وتهدف ،من
طبيعتها ،إلى خير الزوجين وإلى إنجاب البنين وتربيتهم ،قد رقّاه المسيح الربّ ،بين المعمّدين،
.إلى كرامة سرّ "
-0114إنّ الكتاب المقدس يبدأ برواية خلق الرجل والمرأة على صورة هللا ومثاله ،وينتهي برؤيا
"عروس الحمل" (رؤ .)1 :21ويتح ّدث الكتاب المقدس ،على مدى صفحاته ،عن الزواج
"وسرّ ه" ،وتأسيسه والمعنى الذي أفرغه هللا عليه ،ومصدره وغايته ،وتطبيقاته المتنوّ عة على
مدى تاريخ الخالص ،وصعوباته الناجمة عن الخطيئة ،وتج ّدده "في الرب" ( 2كو ،)31 :7في
.العهد الجديد ،عهد المسيح والكنيسة
-0111ال ب ّد لك ّل إنسان أن يختبر الشرّ حوله أو في ذاته .هذا االختبار نقع عليه أيضا ً في
عرضة للخالف ،وروح التسلّط ،والخيانة،ً العالقات ما بين الرجل والمرأة .فقرانهما بات دائما ً
والغيرة ،ولصراعات قد تصل إلى ح ّد الكراهية والقطيعة .هذه الفوضى قد تظهر بقليل أو كثير
27
من الح ّدة ،وقد نتغلّب عليها قليالً أو كثيراً ،بحسب الثقافات واألزمنة واألفراد ،إال ّ أ ّنها تبدو
.ممهورة بطابع شامل
-0111ويُعلّمنا اإليمان أنَّ هذه البلبلة التي نلمسها لمسا ً أليما ً ،ال تأتي من طبيعة الرجل والمرأة،
وال من طبيعة عالقتهما ،بل من الخطيئة .فالخطيئة األولى هي مقاطعة هلل ،أُولى نتائجها تص ُّد ُع
الشركة األصلية بين الرجل والمرأة .عالقتهما تشوّ هت باتهامات متبا َدلة ،ومي ُل أحدهما إلى
الهبة التي حباهما هللا نفسه ،تحوّ ل إلى عالقات تسلّط وشهوة ،ودعوتهما الجميلة إلى ُ اآلخر ،وهو
بأوجاع الوالدة وكسب الرزق ً
مرهقة .الخصب والتكاثر وإخضاع األرض أمست
ِ
-0111بيد أنّ نظام الخلق ال يزال قائماً ،وإن تع ّكر تع ُّكراً ذريعاً .فالرجل والمرأة بحاجة إلى
معرفة نعمة هللا لشفاء جروح الخطيئة .وهللا ،في رحمته الالمتناهية ،لم يبخل بها عليهما الب ّتة.
بدون هذه المعونة يعجز الرجل والمرأة عن تحقيق وحدة حياتهما التي ألجلها خلقهما هللا "منذ
.البدء"
-0111إنّ هللا ،في رحمته ،لم يتخ َّل عن االنسان الخاطئ .فما ُتعا َقبُ به الخطيئة من أوجاع
الوالدة ،والعمل "بعرق جبينك" (تك ،)21 :3إ ّنما هو من قبيل العالجات التي تح ُّد من شرور
الخطيئة .بعد السقطة ،يساعد الزواج في التغلّب على االنطواء على الذات "واألنانية" والبحث
.عن اللذة ،كما يساعد في االنفتاح على الغير والتعاون وبذل الذات
-0101الوعي األدبي لمقتضى وحدة الزواج وديمومته قد تطوّ ر وفاقا ً للنهج التربوي الذي ساد
ك أنّ تعدد الزوجات عند قدامى اآلباء والملوك لم ينحسر بطريقة صريحة. الشريعة القديمة .ال ش ّ
توخت حماية المرأة من مِزاجية تسلّط الرجل ،وإن كانت بيد أنّ الشريعة التي أُنزلت على موسى ّ
تحمل ،على ح ّد قول الرب ،آثار "قسوة قلب" االنسان التي دفعت بموسى إلى السماح بتطليق
.المرأة
-0100لقد توسّم األنبياء في العهد الذي قطعه هللا مع إسرائيل صورة حبٍّ زوجيّ مقصور على
الزوج والزوجة وقائم على األمانة ،فمهّدوا بذلك لضمير الشعب المصطفى أن يتفهّم بعمق
فري راعوت وطوبيّا إثباتات ّ
مؤثرة لسموّ معنى وحدانية الزواج وديمومته .وإننا لنجد في سِ َ
ً ً ً
الزواج واألمانة والتوا ّد بين الزوجين .وقد آنس التقليد دوما في "نشيد األناشيد" تعبيرا فريدا عن
الحبّ البشري ،من حيث إ ّنه انعكاس لحبّ هللا ،الحبّ "القويّ كالموت" والذي "ال تستطيع المياه
.الغزيرة أن تطفئه" (نش )7-8:6
الرب
ّ الزواج في ظل ّ
-0104الميثاق الزوجي بين هللا وشعبه إسرائيل مهّد للعهد الجديد واألبديّ الذي أراد به ابن هللا،
.بالتجسّد وبذل الذات ،أن يض ّم إليه ك ّل البشرية التي خلّصها ،مهيّئا ً بذلك "عرس الحمل"
-0101لقد صنع يسوع ،عند عتبة حياته العلنيّة ،أوّ ل آية له – عن طلب من أمه – بمناسبة حفلة
زواج .وتولي الكنيسة أهمية كبرى لحضور يسوع في عرس قانا ،وترى فيه تثبيتا ً لجودة الزواج
.وإيذانا ً بأنَّ الزواج سوف يكون آية فعّالة من آيات حضور المسيح
-0102وقد علّم المسيح ،بال مواربة ،في كرازته ،المعنى األصيل ال ّتحاد الرجل والمرأة ،كما
أراده الخالق منذ البدء :فالسّماح بتطليق المرأة ،في شريعة موسى ،ما كان سوى تساهل أ عملَته
28
"قساوة القلب" .فا ّتحاد الرجل والمرأة في الزواج ال يقبل االنفصام ،ألنَّ هللا نفسه قد أقرّ ه" :فال
.يفرّ ق اإلنسان ما جمعه هللا" (متى )6 :21
-0101هذا التشديد الصريح على ديمومة الوثاق الزوجي قد يُذهل العقل ويبدو من المقتضيات
التي ال يمكن تحقيقها .ومع ذلك فيسوع لم يُرهق األزواج بعبء باهظ ال يمكن حمله ،وأثقل مما
جاء في الشريعة الموسويّة .فالمسيح إ ّنما جاء ليعيد الخليقة إلى نظامها األول الذي بلبلته الخطيئة،
وهو يؤتينا من القوّ ة والنعمة من يُم ّكننا من أن نعيش الزواج في ملكوت هللا وبُعده الجديد.
فاألزواج لن "يدركوا" معنى الزواج ،في معناه األصيل ،ولن يتم ّكنوا من أن يعيشوه بمعونة
المسيح ،إال ّ إذا تبعوا المسيح وزهدوا في أنفسهم ،وحملوا صليبهم .نعمة الزواج هذه إ ّنما هي ثمرة
.صليب المسيح ،ومصدر كل حياة مسيحية
-0101وهذا ما يعلّمه الرسول بولس بقوله" :أيّها الرجال ،أحبّوا نساءكم كما أحبّ المسيح كنيسته
وضحّ ى من أجلها ليق ّدسها (أف .)16-15 :5ويضيف فوراً "ولذلك يترك الرجل أباه وأمّه ويلزم
امرأته فيصير االثنان جسداً واحداً .إنّ هذا السرّ لعظيم ،وأعني به سرّ المسيح والكنيسة" (أف :5
)31-32.
-0101الحياة المسيحية كلّها تحمل طابع الحبّ الزوجي القائم بين المسيح والكنيسة .فالمعموديّة
– هي المدخل إلى شعب هللا – هي أيضا ً سرّ عرسي .إ ّنها ،نوعا ً ما" ،ماء االستحمام" الذي يسبق
وليمة العرس ،أي االفخارستيا .ويصبح الزواج المسيحيّ ،هو أيضاً ،عالمة فاعلة ،وسرّ العهد
المُبرم بين المسيح والكنيسة .وبما انّ الزواج بين المعمّدين هو عبارة هذا العهد ووسيلة نعمته،
.فهو سرّ حقيقيّ من أسرار العهد الجديد
.ً4االحتفال بالزواج
-0140في الطقس الالتيني االحتفال بالزواج بين مؤمن عين كاثوليكيّين يت ُّم عادة في غضون
القداس ،بداعي الصلة القائمة بين جميع األسرار وسرّ المسيح الفصحي .ففي االفخارستيا نحيي
29
ذكرى العهد الجديد الذي فيه ا ّتحد المسيح إلى األبد بالكنيسة عروسه الحبيبة التي ضحّ ى بذاته
ألجلها .فيجدر إذن أن يرسّخا توافقهما على تواهب الذات والحياة با ّتحادهما بالمسيح في تقديم ذاته
ألجل الكنيسة ،تقدمة "ماثلة" في الذبيحة االفخارستية .ويجدر بهما أن يناال االفخارستيا ،فيشتركا
.في جسد المسيح ودمه فيصيرا ،من ث ّم ،جسداً واحداً" في المسيح
سريا يهدف إلى التقديس ،يجب أن يكون، " -0144إنّ االحتفال الليترجي بالزواج بصفته عمال ّ
في ح ّد ذاته ،عمالً صحيحا ً الئقا ً ومثمراً" .فيجدر إذن بالعروسين أن يستع ّدا لالحتفال لزفافهما
.بقبول سرّ التوبة
-0141بحسب التقليد الالتيني ،الزوجان هما خادما نعمة المسيح ،يمنحان احدهما اآلخر سرّ
الزواج ،باإلعراب عن رضاهما أمام الكنيسة .أمّا في تقاليد الكنيسة الشرقية ،فالمحتفلون –
أساقفةأو كهنة -هم شهود على رضى المتبادل بين الزوجين ،ولكنّ بركتهم ضرورية أيضا ً لصحّة
.السرّ
-0142الليترجيات ،على أنواعها ،حافلة بصلوات البركة والدعاء ،تتوجّ ه إلى هللا بطلب نعمته
وبركته للزوجين ،وال سيّما للزوجة .في صالة االستدعاء الملحوظة في حفلة الزفاف ،ينال
الزوجان الروح القدس عربون شركة الحبّ بين المسيح والكنيسة .فالمسيح هو خاتم ميثاقهما
ومصدر حبّهما على مدى الزمن ،والقوّ ة التي بها تتج ّدد أمانتهما.
الزوجي
ّ الرضى
ّ .ً1
-0141طرفا الميثاق الزوجيّ هما رجل وامرأة معمّدان ،طليقان من ك ّل قيد زوجيّ ،يُعربان
بحرّ ية عن رضاهما :وتقوم "الحرية" هنا على ما يلي:
-أن ال يمارس أيُّ ضغط على طالب (أوطالبة) الزواج،
-.أال ّ يحول دون زواجهما أيّ شرع طبيعيّ أو كنس ّي
-0141تعتبر الكنيسة تبادل الرِّ ضى بين الزوجين عنصراً أساس ّيا ً "مُكوِّ نا ً للزواج" .فإذا انتفى
.تبادل الرِّ ضى ليس ثمّة من زواج
-0141قوا ُم الرِّ ضى "فعل إنسانيّ فيه يت ّم بين الزوجين موهبة ذا َتيهما أحدهما لآلخر"" :أق َبلكُِ
ك زوجا ً لي "...هذا التراضي الذي يربط الزوجين أحدهما باآلخر يبلغ مداه ً
زوجة لي" ،"...أقبل َ
.في أن اإلثنين يصيران "جسداً واحداً"
-0141يجب أن يكون الرضى فعل أراد ِة ك ٍّل من المتعاقدَين ،بريئا ً من كل عنف أو خوف
خارجيّ خطير .وليس ثمّة من سلطة بشرية بإمكانها أن تقوم مقام هذا الرضى .فإذا انتفت هذه
.الحرّ ية كان الزواج باطالً
-0141لهذا السبب (أو ألسباب أُخرى تجعل الزواج باطالً وغير قائم) ،تستطيع الكنيسة بعد أن
تنظر في الوضع عبر المحكمة الكنسية المختصّة ،أن تعلن "بطالن الزواج" ،أي أنّ الزواج لم يت ّم
يحق للمتعاقدَين أن يعقدا زواجا ً آخر ،على أن يتقيّدا بالواجبات منذ األصل .في هذه الحال ّ
.الطبيعية الناجمة عن قران سابق
-0111الكاهن (أو الشماس) الذي يحضر حفلة الزواج ،يتقبّل رضى الزوجين باسم الكنيسة،
ويمنحما بركة الكنيسة .إنّ حضور الخادم الكنسي (والشاهدين) يعبّر بطريقة مرئيّة عن أنّ
.الزواج هو حقيقة كنسيّة
-0110لهذا السبب تطلب الكنيسة عادة للمؤمنين من أبنائها الصيغة الكنسية إلجراء الزواج .ثمّة
:أسباب كثيرة تساعد في تعليل هذا القرار
30
ليترجي .فيجدر ،من ث ّم ،أن يُحتفل به في الكنيسة في إطار ليترجي
ّ -الزواج األسراريّ عمل
علنيّ،
-يندرج الزواج في نظام كنسي ،ويُنشئ في الكنيسة حقوقا ً وواجبات بين األزواج وتجاه األوالد،
-لمّا كان الزواج حالة حياة ضمن الكنيسة ،كان ال ب ّد من أن يحظى باليقين (من هنا لزوم
.الشاهدين)
-.إنّ الطابع العلني في رضى الزوجين يحمي ميثاقهما ويُساعدهما في الوفاء به
-0114لكي يكون وعد الزوجين عمالً حرّ اً ومسؤوالً ،ولكي يقوم الميثاق الزوجيّ على أسس
بشريّة ومسيحية راسخة ودائمة ،ال ب ّد من أعتبار التأهب للزواج واجبا ً في غاية األهمية.
.إنّ ما يق ّدمه األهل والعيل من أمثلة ودروس هو الطريقة المثلى لمثل هذا التأهيل
مهمّة الرعاة والجماعة المسيحية ،بصفتها "اسرة هللا" ،ال ب ّد منها لتوريث القيم اإلنسانية والمسيحية النابعة من
ّ
المحطمة التي لم الزواج واألسرة ،وال سيّما في هذا الزمن الذي نرى فيه الكثير من الشبّان يعانون خبرة البيوت
.تعد تؤمّن بكفاية هذه التربية
"يجب تثقيف الشبّان تثقيفا ً مالئما في الزمان والطريقة ،يحيط بكرامة الحبّ الزوجي ومهمّته وممارسته .وأفضل
ً
ما يكون هذا التثقيف في حضن العائلة :فإذا نشأوا على الطهارة استطاعوا ،في الوقت المناسب ،أن ينتقلوا إلى
الزواج بعد فترة من الخطبة يقضونها في الكرامة واللياقة".
-0111الزواج المختلط (بين كاثوليكي ومعمّد غير كاثوليكي) ،ليس الحالة النادرة في بلدان
صا ً .وأمّا الزواجات في حالة اختالف الدين (بين كثيرة ،يقتضي ،من األزواج والرعاة ،تنبّها ً خا ّ
.كاثوليكي وغير معمّد) فتتطلّب الحيطة أكبر
ث ك ٌّل -0112اختالف المذاهب بين الزوجين ال يقوم عائقا ً مستعصيا ً دون الزواج ،إذا توصّال إلى وضع ما َو َر َ
منهما من جماعته موضع الفائدة المشتركة ،وإذا تعلّم ك ٌّل من اآلخر الطريقة التي يح ِّقق فيها أمانته للمسيح .بيد
أنّ مشاكل الزواجات المختلطة يجب أالّ نقدرها دون قدرها .وسبب هذه المشاكل أنّ المسيحيين لم يُوّ ّفقوا بعد في
تذليل انقسامهم .ويُخشى على األزواج أن يكابدوا ،في عقر بيتهم ،مأساة انقسام المسيحيين .وقد يكون اختالف
الدين سببا ً الستفحال هذه المشاكل .االختالفات في شأن اإليمان ،والنظرة إلى الزواج ،وحتى الذهنيّات الدينية
المختلفة قد تمسي مصدر توترات في الزواج ،وال سيّما في شأن تربية البنين .وقد ينجم عن ذلك كلّه خطر
.الالمباالت الدينية
-0111في نظر الشرع المرعيّ في الكنيسة الالتينيّة ،ال ب ّد،إلقامة الزواج المختلط بوجه شرعيّ ،
من ترخيص صريح من السلطة الكنسيّة .عند اختالف الدين ،ال ب ّد من تفسيح صريح من المانع
ليكون الزواج صحيحاً .هذا الترخيص أو هذا التفسيح يفترضان أنّ الطرفين يعلمان أهداف
الزواج وخصائصه الجوهرية وال يرفضانها ،وكذلك أنّ الطرف الكاثوليكي يُثبت التزامه ،التي
يُعلم الطرف غير الكاثوليكي بها ،بالحفاظ على إيمانه وتعميد األوالد وتربيتهم في الكنيسة
الكاثوليكية.
-0111في كثير من المناطق ،توصّلت الجماعات المسيحية المعيّنة ،بفضل الحوار المسكوني،
إلى أن تضع نهجا رعائ ّيا مشتركا للزواجات المختلطة ،يهدف إلى مساعدة األزواج في أن
يعيشوا وضعهم الخاص في ضوء اإليمان .وهو يهدف أيضا ً إلى مساعدتهم في التغلّب على
التو ّترات القائمة بين واجبات الزوجين أحدهما تجاه اآلخر ،وواجباتهما تجاه جماعاتهما الكنسية.
وال ب ّد لهذا النهج الرعائيّ من أن يشجّ ع على تنمية ما هو مشترك بينهما في اإليمان واحترام ما
.يفرّ ق بينهما
31
-0111في الزواجات المعقودة في حالة اختالف الدين يضطلع الزوج الكاثوليكيّ بمهمّة خاصة:
"ألنّ الزوج غير المؤمن يتق ّدس بإمرأته ،والمرأة غير المؤمنة تتق ّدس بالزوج المؤمن"
(2كو .)7:24وكم يكون فرح الزوج المؤمن وفرح الكنيسة عظيماً ،إذا أ ّدى هذا "التقديس" إلى
اهتداء الزوج اآلخر إلى اإليمان المسيحي ،اهتدا ًء حرّ اً .إنّ الحبّ الزوجيّ الخالص ،مع ممارسة
الفضائل العائلية في التواضع والصبر ،والمثابرة على الصالة ،قد يُع ّد الزوج غير المؤمن لقبول
نعمة االهتداء.
سر الزواج
. ًُ2مفاعيل ّ
" -0111من الزواج الصحيح ينشأ بين الزوجين وثاق ،هو من طبيعته دائم ومقصور على اثنين.
سر خاص ،للواجبات والكرامةثم إنّ الزواج المسيحي يولي الزوجين قوّ ة وشبه تكرّس ،بواسطة ّ
.المرتبطة بحالتهما"
الوثاق الزوجي
-0111إنّ الرضى الذي يتبادله الزوجان عطا ًء ذات ّيا ً وقبوالً ،يختمه هللا نفسه .من هذا الميثاق
"تنشأ مؤسّسة يثبّتها الشر ُع اإللهيّ ،حتى في نظر المجتمع البشري نفسه" .ميثاق الزوجين يندمج
.في الميثاق القائم بين هللا والبشر" :والحبّ الزوجي الصحيح تحتضنه المحبّة اإللهية"
-0121الوثاق الزوجي يقيمه إذن هللا نفسه ،فينجم عن ذلك أنّ الزواج المعقود والمكتمل بين
معمّدين ال يجوز أبداً حلّه .هذا الوثاق المنبثق عن الزوجين بفعل إنساني حرّ ،وزواج مكتمل ،هو
واقع ال يقبل ال ّنقص من بعد ،ويُنشئ ميثاقا ً يكفله الوفاء اإللهيّ .وليس في مقدور الكنيسة أن
تتص ّدى لهذا الترتيب الذي شاءته الحكمة اإللهيّة.
سر الزواج
نعمة ّ
-0120إنّ لألزواج المسيحيين" ،في وضعهم الحياتي وحالهم ،مواه َبهم الخاصة في شعب هللا".
هذه النعمة التي يختصّ بها سر الزواج تهدف إلى رفع الحب بين الزوجين إلى درجة الكمال،
وتمتين وحدتهما غير المنفصمة .بهذه النعمة "يتعاون الزوجان في تقديس ذاتهما في الحياة
.الزوجية ،وفي انجاب البنين وتربيتهم"
-0124المسيح مصدر هذه النعمة" .فكما أنّ هللا قطع مع شعبه قديما ً عهد محبة وأمانة ،هكذا
أراد اآلن مخلّص البشر ،عروس الكنيسة ،أن يالقي المسيحيين في سرّ الزواج" .فهو يالزمهم
ويؤتيهم القوّ ة ليتبعوه ،حاملين صليبهم ،وينهضوا من كبواتهم ،ويتبادلوا الصفح ،ويحم َل بعضهم
أثقال بعض ،ويخضع بعضهم لبعض بتقوى المسيح" (أف )12 :5ويُحبّ بعضهم بعضا ً محب ًّة
تفوق الطبيعة ،رقيقة وخصبة .وفي مباهج حبّهم وحياتهم العائلية ،يؤتيهم المسيح أن يتذوّ قوا ،منذ
:اآلن ،طعم وليمة عرس الحمل
"من أين لي أن استم ّد القوة ألن اصف وصفا ً وافيا سعادة الزواج الذي تهيئه الكنيسة ،وتثبّته التقدمة وثمهره
البركة ،المالئكة يعلنونه ،واآلب السماوي يصادق عليه .ما أروعهما زوجين مسيحيَّين يوح ّدهما رجاء واحد،
ورغبة واحدة ،وخدمة واحدة! كالهما ابنان ألب واحد ،وخادمان لمعلّم واحد .ال شيء يفرّ قهما ،ال في الروح وال
.في الجسد ،بل هما ،في الحقيقة ،اثنان في جسد واحد .وحيث الجسد واحد ،فالروح واحد أيضاً"
32
-0121الحبّ الزوجي ك ٌّل متكامل يتألّف من ك ّل مقوّ مات الشخص :ندا ِء الجسد والغريزة ،قوّ ة
ّ
تتخطى اال ّتحاد توق الروح واالرادة ،وهو يهدف إلى وحدة شخصية عميقة االحساس والمو ّدةِ ،
في جسد واحد ،وتم ّكن االثنين من أن يكونا قلبا ً واحداً ونفسا ً واحدة .ويقتضي الديمومة واألمانة
في عطاء متبادل حتى النهاية ،ويتوق إلى الخصب .تلك ،وال شكّ ،مزايا ك ّل حبّ زوجي طبيعيّ ،
إ ّنما ينضاف إليها معنى جديد ،ال ينقّيها ويرسّخها وحسب ،بل يرتفع بها إلى مرتبة تجعلها تعبيراً
عن قيم مسيحيّة مميّزة".
متعذراً أن نرتبط بإنسان آخر مدى الحياة .ولك ّنه من األهمية بمكان أن ِّ -0121قد يبدو صعبا ً بل
ننشر البشرى السعيدة أنّ هللا يُحبّنا ح ّبا ً نهائ ّيا ً ال عودة منه ،وأنّ للزوجين قسطا ً في هذا الحب
الذي يحملهما ويساندهما ،وأ ّنهما يستطيعان بأمانتهما أن يقوما شاهدين هلل في ح ّبه الوفيّ .إن
األزواج الذين ،بنعمة هللا ،يؤ ّدون هذه الشهادة ،في ظروف صعبة ج ّداً أحيانا ً كثيرة ،يستحقّون
.شكر الجماعة الكنسية ودعمها
-0121هناك ،مع ذلك ،أوضاع تمسي فيها المساكنة الزوجية ،من الوجهة العمليّة ،عبئا ً ال يُطاق
ألسباب متنوّ عة ج ّداً .في مثل هذه األحوال تقبل الكنيسة بأن يفترق الزجان افتراقا جسد ّيا ً وتنتهي
يحق لهما أن يعقدا زواجا ً جديداً .فيالمساكنة .إال ّ أنّ الزوجين يلبثان أمام هللا ،زوجا ً وزوجة ،وال ّ
هذا الوضع الصعب ،قد تكون المصالحة أحسن الحلول ،إذا أمكن .الجماعة المسيحية مدعوّ ة إلى
مساعدة هؤالء األشخاص ليعيشوا وضعهم بطريقة مسيحية ،في األمانة لوثاق زواجهم الذي يبقى
.غير قابل لالنفصام
-0111كثيرون هم اليوم ،في بالد كثيرة ،الكاثوليك الذين يركنون إلى الطالق طبقا ً للقوانين
المدنية ،ويعقدون مدن ّيا ً زواجا ً جديداً .ولكنّ الكنيسة تتمسّك بأ ّنها ال تستطيع أن تعترف بصحّ ة
33
أمانة لكالم يسوع المسيح ("من طلّق امرأته ً زواج جديد ،إذا ثبتت صحّة الزواج األول ،ولذلك
وتزوّ ج غيرها زنى عليها .وإن طلّقت امرأة زوجها وتزوّ جت غيره زنت" مر -22 :21
.)21المُطلّقون الذين يعقدون مدن ّيا ً زواجا ً آخر يجعلون أنفسهم في وضع يناقض موضوع ّيا ً
شريعة هللا .وال يجوز لهم ،من ث ّم ،يُقبلوا للمناولة االفخارستية ،ما دام هذا الوضع قائماً .وال
يجوز لهم ،لهذا السبب عينه ،أن يمارسوا بعض المها ّم الكنسية .وأمّا المصالحة ،بواسطة سرّ
التوبة ،فال يُنع ُم بها إال ّ الذين تابوا عمّا فرط منهم من انتهاك عالمة العهد واألمانة للمسيح
.وتعهّدوا أن يعيشوا في العفّة الكاملة
-0110على الكهنة والجماعة كلّها أن يعاملوا بالحسنى والرعاية المسيحيين الذين يعيشون في
هذه الحالة والذين يحفظون اإليمان غالبا ً ويرغبون في تربية أبنائهم تربية مسيحية ،لئال ّ َيحع َسبوا
أنفسهم معزولين عن الكنيسة التي بإمكانهم ومن واجبهم ،بصفتهم معمّدين ،أن يشتركوا في
حياتها:
"ويجب أن ي َ
ُدعوا إلى سماع كالم هللا وحضور ذبيحة القداس والمثابرة على الصالة والمساهمة في أعمال
المحبّة ،وفي مبادرات الجماعة ألجل العدالة ،وتربية أوالدهم في اإليمان المسيحي ،والعكوف على روح التوبة
.وأعمالها ،لكي يلتمسوا ،يوما ً بعد يوم ،نعمة هللا"
" -0114في طبيعة المؤسسة الزوجيّة والحبّ الزوجيّ إنجاب األوالد وتربي ُتهم وهم لهما بمثابة
.اإلكليل على الهامة"
"األوالد هم أسمى عطايا الزواج ،وبهم أعظم الخير للوالدين أنفسهم .وهللا نفسه الذي قال" :ال
يحسن أن يكون اإلنسان وحده" (تك )1:28والذي "منذ البدء خلق رجالً وامرأة" (متى،)21:4
أراد أن َيشركه إشراكا ً مميّزاً في عمله الخالّق .ولذا بارك الرجل والمرأة قائالً" :أُنموا واكثروا"
(تك .)18 :2ومن ث ّم ،فك ّل حبٍّ زوجيّ خالص ومفهوم على حقيقته .وما يصدر عنه من بُنية
تشمل الحياة العيلية كلّها ،ومن غير أن نقلّل من أهمية أهداف الزواج األخرى ،ك ّل ذلك يُتيح
لألزواج أن يساهموا ،بنفس شجاعة ،في محبّة الخالق والمخلّص الذي يريد أن يعمل بواسطتهم
.بال كلل ،على توسيع نطاق أسرته وتنمية طاقتها"
-0111خصب الحب الزوجيّ يشمل ثمار الحياة األدبيّة والروحيّة والفائقة الطبيعة التي يرثها
وأولهم .من هنا أنّ المهمّة
األبناء من والديهم بالتربية .فالوالدون هم ألبنائهم أه ّم المربّين ّ
.األساسية النابعة من الزواج واألسرة ،هي التج ّند لخدمة الحياة
-0112وأمّا األزواج الذين لم يرزقهم هللا بنين ،فبإمكانهم ،مع ذلك ،أن يمارسوا حياة زوجية
حافلة بالقيم ،بشريّا ومسيح ّيا ً .وبوسعهم أن يجعلوا من زواجهم إشعاعا ً خصيبا ً بالمحبّة والضيافة
.والتضحية
34
-0111في أ ّيامنا ،وفي عالم بات ،في معظم األحوال ،غريبا ً عن اإليمان بل مناوئا ً له ،أصبحت
العيل المسيحية على جانب كبير من األهمية ،بصفتها مواقد إيمان حيّ ومشعّ .وهذا ما حمل
المجمع الفاتيكاني الثاني على تسمية األسرة بالكنيسة البيت ّية ،على ح ّد تعبير قديم" .فعلى
الوالدين ،في نطاق األسرة ،أن يكونوا ألبنائهم ،في شؤون اإليمان ،أوّ ل المعلّمين بالقول والمثال،
.وأن يُعع َنوا بدعوة ك َلّ منهم وال سيّما الدعوة المق ّدسة"
مارس بطريقة مميّزة الكهنوت العمادي ،كهنوت ربّ األسرة واألم واألوالد وسائر -0111هنا ُي َ
أعضاء األسرة ،وذلك "بقبول األسرار ،ثم بالصالة والحمد وشهادة السيرة المق ّدسة ،ثم بالكفر
بالذات والمحبّة الفعّالة" .وهكذا يصبح البيت أوّ ل مدرسة للحياة المسيحية ُتكسبُ البنين
"ثروة إنسانية" .في البيت يتعلّم الولد الصبر وبهجة العمل ،والمحبّة األخوية ،والسخاء في الصفح
وإن تكرّ ر ،خصوصا ً العبادة اإللهية بالصالة وتقدمة الحياة.
-0111وال ب ّد من أن نذكر هنا أيضا ً بعض األشخاص المقرّ بين جدا من قلب يسوع ،بسبب
الظروف الواقعيّة التي يعيشون فيها – على غير إرادتهم ،في معظم األحيان – ويستحقّون بالتالي
أن تسارع الكنيسة ،وال سيّما الرعاة ،في إحاطتهم بالمحبّة واالهتمام :إ ّنهم العازبون بإعدادهم
الكبيرة .كثيرون منهم ال ينتمون إلى اسرة بشر ّية ،وذلك ،أحيانا ً كثيرة ،بسبب
عّوزهم .هناك من يعيشون هذه الحالة في روح التطويبات وأهبة مثاليّة لخدمة هللا والقريب.
هؤالء كلّهم يجب أن نفتح لهم أبواب المنازل" ،الكنائس البيتية" ،وأبواب األسرة الكبرى أي
الكنيسة" .فما من أحد بال أسرة في هذا العالم :فالكنيسة هي بيت الجميع وأسرة الجميع ،وال س َيما
".المت َعبين والرازحين تحت أعبائهم" (متى)18 :22
بإيجاز
-0111يقول القديس بولس" :أيّها الرجال أحبّوا نساءكم كما أحبّ المسيح الكنيسة .إنّ هذا الس ّر
.لعظيم أي س ّر المسيح والكنيسة" (أف)20-05 :5
-0111الميثاق الزوج ّي الذي به يُنشئ رجل وامراة بينهما شركة حياة وحبّ حميمة ،قد أسّسه
الخالق ووضع له قوانين خاصة .هذا الميثاق يهدف ،من طبيعته ،إلى خير الزوجين ،وإلى إنجاب
.األوالد وتربيتهم .وقد رفعه المسيح الربّ ،بين المعمّدين ،إلى كرامة الس ّر
-0110س ّر الزواج يرمز إلى ا ّتحاد المسيح والكنيسة ويولي الزوجين أن يحبّ احدهما اآلخر كما
ي القائم بين الزوجين وترسّخ وحدتهما أحبّ المسيح كنيسته .نعمة الس ّر ُتكمِّل هكذا الحب البشر ّ
.التي ال تنفصم ،وتق ّدسهما في طريق الحياة األبدية
-0114يقوم الزواج على رضى المتعاقدَين ،أي على إرادة الزوجين أن يتبادال عطاء الذات
.بطريقة نهائيّة ليح ّققا عهد حبّ وف ّي وخصيب
-0111الزواج يقيم الزوجين ،في الكنيسة ،في حالة علنيّة ،فيحسُن ،من ثمّ ،أن يُحتفل به علن ًا،
يمثل الكنيسة) والشاهدين وجماعة المؤمنين. في إطار ليترجيّ ،أمام الكاهن (أو شاهد ّ
-0112والوحدة والديمومة واالنفتاح على الخصوبة هي مقوّ مات الزواج األساسيّة .تعدد
الزوجات ينافي وحدته .والطالق يفرّق ما جمعه هللا .ورفض الخصوبة يصرف الحياة الزوجيّة
.عن "أسمى عطيّة" فيه ،أي الولد
-0111الزواج الثاني الذي يعقده األزواج المط ّلقون ،في حال وجود الزوج الشرعي في قيد
الحياة ،ينافي قصد هللا وشريعته اللذين تع ّلمناهما من المسيح .هؤالء األزواج ال يُفصلون عن
الكنيسة ولك ّنهم ال يستطيعون أن ينعموا بالمناولة االفخارستية .ويمارسون حياتهم المسيحية ،بنوع
.خاص ،بتربية أوالدهم في اإليمان
35
-0111البيت المسيحي هو المكان الذي يتل ّقى فيه األوالد أولى بشائر اإليمان .ولذا يُدعى البيت
العيليّ ،
بحق" ،الكنيسة البيتية" ،وهي بمثابة أسر ِة نعمة وصالة ومدرسة للفضائل اإلنسانية
.والمحبّة المسيحيّة
الفصل الرابع
ااالحتفاالت الليترجية األخرى
المقال األول
أشباه األسرار
" -0111لقد وضعت الكنيسة المق ّدسة أشباه أسرار ،وهي عالمات مق ّدسة ُتشبه األسرار ولها
مفعوالت روحية في معظم األحوال ،و ُتنال بتوسّالت الكنيسة ،وبها يتهيّأ المؤمنون لتقبّل األسرار
.واالستفادة من مفعولها الرئيسيّ ،وبها تتق ّدس ش ّتى أحوال الحياة"
-0110من بين أشباه األسرار نلحظ أوّ الً البركات (لالشخاص والمائدة واألمكنة) .ك ّل بركة هي
بمثابة حمد هلل وصالة لنيل مواهبه .في المسيح ،ينال المسيحيون من هللا اآلب "ك ّل بركة روحية"
(أف ،)3 :2ولذا تمنح الكنيسة البركة مستدعية اسم يسوع وراسمة عاد ًة إشارة صليب المسيح
.المق ّدسة
-0114ثمّة بركات لها مفعول دائم ،وتهدف إلى تقديس أشخاص هلل وتكريس أوان وأمكنة
لالستعمال الليترجي .من بين البركات الموجّ هة إلى األشخاص – ويجب أن نميّزها من الرسامة
36
الكهنوتية -نذكر البركة الممنوحة لرئيس أو رئيسة دير ،وتكريس العذارى واألرامل ،وحفلة النذر
الرهبانيّ والبركات الممنوحة لبعض الخِدم الكنسية (القرّ اء ،والمعاونين ،ومعلّمي ال ّدين....،الخ).
وأمّا بركات األشياء واألماكن فنذكر منها تدشين كنيسة أو مذبح ،وبركة الزيت واألواني
.والمالبس واألجراس..،الخ
-0111عندما تلتمس الكنيسة علنا ً وبقوّ ة السلطة ،باسم يسوع المسيح ،حماية األشخاص أو األشياء من قبضة
المحتال ونفوذه ،فهي ُتمارس ما يُسمّى "بالتعزيم" .وقد مارسه يسوع ،ومنه تستم ّد الكنيسة القدرة على التعزيم
ومهمّة القيام به .ويُمارّ س التعزيم ،في شكل بسيط ،عندما يُح َتفل بسرّ المعمودية .وأما التعزيم االحتفالي أو
"التعزيم الكبير" فال يقوم به إالّ كاهن بترخيص من األسقف ،وال ب ّد من أدائه بفطنة ،وبالتقيّد بالقواعد التي
تضعها الكنيسة .ويهدف"التعزيم" إلى طرد الشياطين أو إعتناق النفس من استحواذ الشيطان وذلك بالسلطة
الروحية التي وكلها يسوع إلى كنيسته .ولكن الفرق الكبير بين االستحواذ الشيطانيّ والحاالت المرضيّة ،وال
سيّما األمراض النفسانية التي يعود عالجها إلى العالم الطبّي .من األهمية إذن بمكان ،أن نميّز ،قبل قيام التعزيم،
.بين االستحواذ الشيطانيّ وحالة المرض
بإيجاز
-0111أشباه األسرار كناية عن عالمات مق ّدسة وضعتها الكنيسة بهدف إعداد المؤمنين لقبول
.ثمرة األسرار وتقديس مختلف ظروف الحياة
ُ
البركة اإلشادة بأعمال هللا -0111تحت ّل البركات مكان ًا ها ّم ًا بين أشباه األسرار .وتتضمّن
.وعطاياه ،وشفاعة الكنيسة ليتم ّكن الناس من أن يستعملوا مواهب هللا بحسب روح اإلنجيل
37
-0111الحياة المسيحية ال ّ
تتغذى فقط بالليترجيا بل بأشكال متنوّ عة من التقوى الشعبية تضرب
جذورها في مختلف الحضارات .وتسعى الكنيسة ،مع السهر على تنويرها بنور اإليمان ،إلى
تشجيع ما يعبّر عن حسّ إنجيل ّي وحكمة بشرية ويغني الحياة المسيحية من أشكال التقوى الشعبية.
المقال الثاني
الج ّناز المسيحي
-0111ك ُّل األسرار وال سيّما أسرار التنشئة المسيحية ،هدفها البلوغ باإلنسان المُتب ّنى إلى الفصح
األخير الذي يولجه ،عن طريق الموت ،في حياة الملكوت .إذ ذاك يت ّم ما كان يُعترف به في
.اإليمان والرجاء" :أترجّ ى قيامة الموتى والحياة في ال ّدهر اآلتي"
-0110الموت ،بمعناه المسيحي ،ينكشف لنا في نور السرّ الفصحي ،سرِّ موت المسيح
وقيامته ،الذي عليه يرتكز رجاؤنا الوحيد .فالمسيحيّ الذي يموت في المسيح يسوع يهجر هذا
الجسم ليقيم في جوار الرب.
-0114في اليوم الذي يموت المسيحيّ ،تنتهي حياته األسرارية ،ويت ّم ميالده الجديد الذي ابتدأ
بالمعمودية ،ويتحقّق " َش َبهه النهائي "بصورة االبن" ،ال َش َبه الذي نال بمسحة من الروح القدس،
واشتراكه في وليمة الملكوت التي استبقها في االفخارستيا ،حتى وإن بقيت عليه تنقيات ال ب ّد منها
.ليلبس حلّة العرس
-0111إنّ الكنيسة التي حملت المسيحي سرّ يا ً كاأل ّم في أحشائها ،طوال مسيرته األرضية،
ترافقه في نهاية طريقه ،لتستودعه بين يدي اآلب .وإ ّنها تقرّ ب لآلب ،في المسيح ،ابن نعمته،
و َتدفن ،برجاء ،في الترابَ ،
بذار الجسد الذي يقوم في المجد .هذه التقدمة تحتفل بها الكنيسة تمام
االحتفال في الذبيحة االفخارستيا .وأمّا البركات التي تسبقها فهي من قبل أشباه األسرار.
.ً4االحتفال بالجناز
-0112الج ّناز المسيحي هو احتفال ليترجيّ كنسيّ .وهدف الكنيسة ،في إقامة هذه الخدمة ،أن تعبّر عمّا يقوم
شرها بالحياةمن شركة حقيقيّة بينها وبين الميت ،وأن تشترك أيضا ً في الج ّناز الجماعة الملتئمة حول الميت ،وتب ّ
.األبدية
فصحي ،وتلبّي ظروف ّ -0111الطقوس الجنائزيّة على اختالفها تعبّر عمّا يتميّز به الموت المسيحي من طابع
.ك ّل منطقة وتقاليدها ،حتى في ما يتعلّق باللون الليترجي
-0111تقترح رتبة الج ّنازات في الليترجيا الرومانية صيغا ً ثالثا ً لالحتفال بالجناز ،طبقا ً لألمكنة الثالثة التي
يمكن أن تجري فيها المراسيم الجنائزية (البيت أو الكنيسة أو المقبرة) ،وفقا ً لألهمية التي تنيطها به األسرة
والعادات المحليّة والتقوى الشعبية .هذا االحتفال له قاعدة مشتركة بين جميع التقاليد الليترجية ويتضمّن أربع
مراحل رئيسيّة.
-0111استقبال الجماعة ،يُفتتح االحتفال بتحيّة إيمان .ث ّم يُستق َبل ذوو الفقيد بكلمة تعزية (والتعزية ،بمفهومها
في العهد الجديد ،هي قوّ ة الروح القدس في الرجاء) .وتنتظر الجماعة المصلّية على الفقيد ،هي أيضاَ" ،كلمات
في الحياة األبدية" .موت أحد أعضاء الجماعة (أو تذكاره السابع أو الثالثون) إ ّنما هو من األحداث التي يجب أن
تتخطى بنا آفاق "هذه الدنيا" وتجتذب المؤمنين إلى آفاق اإليمان الحقيقي بالمسيح الناهض. ّ
38
-0111ليترجيا الكلمة ،وقت الجناز ،تقتضي استعداداً دقيقا ً باعتبار أنّ الجماعة الحاضرة قد تض ّم من
المؤمنين من ال يتر ّددون كثيرا على الليترحيا ،أو من أصدقاء الفقيد ليسوا على دينه .وال ب ّد ،في العظة
خصوصاً" ،من تج ّنب األسلوب التقريظي" ،واإلطاللة على سرّ الموت المسيحيّ ،بشعاع المسيح الناهض من
.بين األموات
-0111الذبيحة االفخارستية .عندما يُحت َفل بالج ّناز في الكنيسة ،تكون االفخارستيا هي قلب الحقيقة الفصحيّة
الكامنة في واقع الموت المسيحيّ .إذ ذاك تعبّر الكنيسة عن ارتباطها الفاعل بالفقيد :فهي تقرّ ب إلى اآلب ،في
الروح القدس ،ذبيحة موت المسيح وقيامته ،وتطلب البنه المسيحي التنقية من خطاياه وتبعاتها ،وقبوله إلى مائدة
الملكوت ،في ملء الحقيقة الفصحية .بواسطة االفخارستيا المح َت َفل بها على هذا الوجه ،تتعلّم جماعة المؤمنين،
وال سيّما أسرة الفقيد ،أن تعيش في الشركة مع "من رقد في الربّ " ،وذلك باالشتراك في جسد المسيح الذي هو
.فيه عضو حيّ ،ث ّم بالصالة ألجله ومعه
-0111عندما تودّع الكنيسة الفقيد" ،تستوعه هللا"" .إ ّنه الوداع األخير الذي به تحيّي الجماعة المسيحية أحد
:أعضائها ،قبل أن يوارى جسده القبر" .ويعبّر التقليد البيزنطي عن ذلك بقبلة الوداع للفقيد
بهذه التحية األخيرة " ُننشد لنزوحه عن هذه الحياة ولفراقه ،ولك ّننا ُننشد أيضا ً لما هناك من شركة ورباط .فنحن
ال نفترق بعضنا عن بعض ،أل ّننا كلّنا نسير في طريق واحد وسنتالقى في موضع واحد .لن نفترق أبداً أل ّننا نحيا
.في المسيح ،ونحن اآلن م ّتحدون بالمسيح ،ذاهبون إليه وسنكون كلّنا معا ً في المسيح
الجزء الثالث
الحياة في المسيح
ّ
تنحط بعودتك " -0110أيها المسيحي ،إعرف كرامتك .وبما أ ّنك شريك في الطبيعة اإللهية ،فال
إلى دناءة حياتك الماضية .تذ ّكر إلى أيّ رأس أنت تنتمي وفي أيّ جسم أنت عضو .تذ ّكر أ ّنك
زععت من سلطان الظلمات لِ ُتن َقل إلى النور وملكوت هللا"
َ .ان ُت
-0114لقد أعلن قانون اإليمان عظمة عطايا هللا لإلنسان في عمل خلقه ،وأكثر أيضا ً بالفداء
والتقديس .وما يُعلنه اإليمان توليه األسرار :إنّ المسيحيّين "باألسرار التي ج َّددت والدتهم" قد
أصبحوا "أبناء هللا" ( 2يو " ،)2 :3شركاء في الطبيعة اإللهية" (1بط .)4 :2وإذ يعلم
المسيحيّيون بإيمانهم كرامتهم الجديدة ،فهم مدعوّ ون إلى أن يحيوا بعد ذلك حيا ًة تليق بإنجيل
ومواهب روحه التي تؤهّلهم لها
َ .المسيح .وهم يقبلون ،باألسرار والصالة ،نعمة المسيح
-0111لقد عمل المسيح يسوع دوما ً ما يرضي اآلب .وعاش دوما ً با ّتحاد كامل معه .وتالميذه هم
كذلك مدعوّ ون إلى أن يعيشوا تحت نظر اآلب "الذي يرى في ال ُخفية" (متى )6 :6حتى يصيروا
".كاملين كما أنّ اآلب السماويّ هو كامل" (متى)5:47
ضمّوا بالمعمودية إلى جسد المسيح ،هم أموات للخطيئة ،وأحياء هلل -0112إنّ المسيحيين ،ووقد ُ
في المسيح يسوع ،مشاركون هكذا في حياة القائم من الموت .ويستطيع المسيحيون ،على آثار
المسيح واإل ّتحاد معه ،أن َيس َعوا إلى االقتداء باهلل كأوالد أحّ باء ،وأن يسلكوا في المحبّة ،مطابقين
.أفكارهم وأقوالهم وأفعالهم على ما في المسيح يسوع من أخالق ومقتفين آثاره
-0111والمسيحيون قد أصبحوا "هيكل الروح القدس" (2كو ،)21 :6بعد أن "بُرِّ روا باسم
الربّ يسوع المسيح وبروح إلهنا" (2كو ،)22 :6وقُ ّدسوا و ُدعوا ليكونوا ق ّديسين .و "روح
االبن" هذا يُعلّمهم أن ُيصلّوا إلى اآلب ،ويحملهم ،بعد إن أصبح حيا َتهم ،على أن َيس َعوا ليثمروا
ثمار الروح بالمحبّة الفاعلة .والروح القدس الشافي من جروح الخطيئة يُج ّددنا قي الصميم بتغيير
39
ّ
والحق" في ك ّل روحيّ ،ويُنيرنا ويُقوّ ينا لنحيا حياة "أبناء النور" (أف " )8 :5بالصالح والب ّر
.شيء (أف )5:1
-0111طريق المسيح"تؤ ّدي إلى الحياة" (متى ،)7:24والطريق المخالفة "تؤ ّدي إلى الهالك"
(متى .)7:23إنّ َمث َل الطري َقين الوارد في اإلنجيل ما زال قائما ً في تعليم الكنيسة .وهو يعني
أهمية القرارات األخالقية لخالصنا" .هناك طريقان ،أحدهما طريق الحياة واآلخر طريق الموت.
.ولكنّ بين األثنين فارقا ً كبيراً"
-0111من المه ّم في التعليم الديني أن ُنظهر بك ّل وضوح ما في طريق المسيح من فرح وما له
:من تطلّبات .فالتعليم الدينيّ في شأن "الحياة الجديدة" (رو )6:4في المسيح يكون
-تعليما في شأن الروح القدس ،المعلّم الداخلي للحياة بحسب المسيح ،والضيف والصديق
اللطيف الذي يُلهم تلك الحياة ويقودها ،ويُصلحها ،ويوّ يها
-تعليما في شأن النعمة ،ألننا بالنعمة َنخلُص ،وبالنعمة أيضا يمكن أعمالنا أن تؤتي ثمارا للحياة
ً ّ ً
األبدية،
-تعليما في شأن التطويبات ،ألنّ طريق المسيح تختصرها التطويبات ،وهي السبيل الوحيد إلى
السعادة األبدية التي يصبو إليها قلب اإلنسان،
-تعليما في شأن الخطيئة والمغفرة ،ألنّ اإلنسان ،ما لم يعترف بأ ّنه خاطئ ،ال يستطيع أن
يعرف الحقيقة عن ذاته ،وهي شرط للسلوك الصحيح ،وما لم يُع َط المغفرة ال يستطيع احتمال تلك
الحقيقة.
-تعليما في شأن الفضائل اإلنسانية ،يم ّكن من إدراك ما في االستعدادت الصحيحة للخير من
جمال وإغراء.
-وتعليما في شأن الفضائل المسيحية ،اإليمان والرجاء والمحبّة ،مستوحىً بعظمة من مثال
.القديسين
-.تعليما في شأن وص ّية المح ّبة المزدوجة المنتشرة في تضاعيف الوصايا العشر
-وتعليما كنس ّيا ،فالحياة المسيحية إ ّنما تستطيع أن تنمو وتنتشر وتمت ّد في التبادالت المتعددة
".للخيور الروحيّة" في "شركة القديسين"
-0111المرجع األول واألخير لهذا التعليم الديني سيكون على الدوام يسوع المسيح نفسه الذي
هو "الطريق والحق والحياة" (يو .)24:6فإلقاء النظر عليه ،يستطيع المؤمنون بالمسيح أن يرجوا
أ ّنه سيحقّ ُق هو نفسه مواعيده فيهم ،وأ ّنهم سيح َبونه بالمحبّة التي أحبّهم هو بها ،بحيث يصنعون
:األعمال المناسبة لكرامتهم
"ارجوك أن تعتبر أنّ سيدنا يسوع المسيح هو رأسك الحقيقي ،وأ ّنك أحد أعضائه .إ ّنه بالنسبة إليك كالرأس
بالنسبة إلى األعضاء ،كل ما هو له هو لك ،روحه ،قلبه ،جسده ،نفسه ،وك ّل قواه ،وينبغي لك أن تستخدمه
كأمور خاصّة لتخدم هللا وتس ّبحه وتمجّ ده .وأنت له كما أنّ األعضاء هي لرأسها .لذلك منيته الحارّ ة أن يستخدم ما
.هو فيك ،كأشياء خاصة به ،لخدمة أبيه ومجده"
".الحياة لي هي المسيح" (في)2:12
القسم األول
دعوة اإلنسان :الحياة في الروح
-0111الحياة في الروح القدس تكمّل دعوة اإلنسان (الفصل األول) وهي تقوم على المحبّة اإللهية والتضامن
البشري (الفصل الثاني) .وهي ممنوحة مجانا ً بمثابة خالص (الفصل الثالث).
40
الفصل األول
كرامة الشخص البشري
خلقِه على صورة هللا ومثاله (المقال األول) .وهي -0111كرامة الشخص البشري متأصّلة في ع
تكتمل في دعوته إلى السعادة اإللهية (المقال الثاني) .ويعود إلى اإلنسان أم ُر حمل نفسه بحرّ ية
على هذا االكتمال (المقال الثالث) .والشخص البشري ،بأفعاله الحرّ ة (المقال الرابع) ،يقبل أو
يرفض االمتثال للخير الذي َيعِد به هللا ويشه ُد به الضمير األخالقي (المقال الخامس) .والكائنات
البشريّة تبني نفسها وتكبُر من الداخل ،وتجعل حياتها كلّها ،الحسيّة والروحية ،ما ّدة نموّ ها
(الفصل السادس) .فتنمو بمؤازرة النعمة ،في الفضيلة (المقال السابع) .وتتج ّنب الخطيئة ،وإذا ما
ارتكبها فوّ ضت أمرها ،كاالبن الشاطر ،إلى رحمة أبينا الذي في السماوات
(المقال الثامن) .فتبلغ هكذا إلى كمال المحبّة.
المقال األول
اإلنسان على صورة هللا
" -0110إنّ المسيح في كشفه عن سرّ اآلب ومح ّبته يبيّن لإلنسان حقيقة اإلنسان في وضوح،
ويكشف له عن سموّ دعوته" .ففي المسيح "صورة هللا غير المنظور" (كوُ ،)25 :2خلق اإلنسان
على "صورة" الخالق و "مثاله" .وفي المسيح الفادي والمخلّص ،أُعيدت الصورة اإللهية التي
شوّ هت في اإلنسان بالخطيئة األولى ،إلى جمالها األول و ُ
شرِّ فت بنعمة هللا ُ .
-0114صورة هللا حاضرة في ك ّل انسان .وهي تتألّق في وحدة األشخاص على مثال وحدة
.األقانيم اإللهية في ما بينها (راجع الفصل الثاني)
-0111الشخص البشريّ ،الذي مُنح نفسا ً "روحانيّة خالدة" ،هو "الخليقة الوحيدة التي أرادها هللا
.لذاتها في األرض" .وهو منذ الحبل به مُع ٌّد للسعادة األبدية
-0112يشترك الشخص البشري في نور روح القدس اإللهيّ وقوّ ته .وهو قادر بعقله أن يفهم
نظام األشياء الذي أقامه الخالق .وهو قادر بإرادته أن يحمل نفسه نحو خيره الحقيقيّ .وهو يجد
الحق والخير وحبّهما"ّ .كماله في "السعي إلى
ً
-0111لقد مُنح االنسان بمقتضى نفسه وقواه الروحيّة والعقليّة واإلراديّة ،الحرّ ية "عالمة مميّز ًة
لصورة هللا".
-0111يدرك االنسان بعقله صوت هللا الذي يحضّه "على فعل الخير وتج ّنب الشرّ " .وعلى ك ّل
واحد أن يتبع هذه الشريعة التي ُتس ِم ُع صوتها في الضمير ،وتكتمل في محبّة هللا والقريب.
وممارسة الحياة األخالقية تد ّل على كرامة الشخص.
" -0111أغوى الشرير اإلنسان منذ بدء التاريخ فأساء استعمال حرّ يته" .وسقط في التجربة
وارتكب الشرّ .انه يحتفظ بالرغبة في الخير ،ولكنّ طبيعته مجروحة بجرح الخطيئة الصليّة،
:فاصبح ميّاالً إلى الشرّ ،ومعرّ ضا ً للضالل
"فاالنسان يعاني من انقسام في ذاته ،ولهذا فحياةُ البشر كلّها سواء كانت فردية أو جماعيّة ،تبدو صراعاً،
.وصراعا ً مأسو ّياً ،بين الخير والشرّ ،بين النور والظلمات"
ّ
واستحق لنا الحياة الجديدة في الروح القدس .وج ّددت -0111لقد أنقذنا المسيح بآالمه من الشيطان والخطيئة،
.نعمته ما أفسدته الخطيئة فينا
41
-0111من يؤمن بالمسيح يصبح ابنا ً هلل .وهذا التب ّني يغيّره بتمكينه من االقتداء بمثل المسيح،
ويجعله قادراً على االستقامة في الفعل وعلى ممارسة الخير .ويبلغ التلميد في اتحاده بمخلّصه
.كمال المحبّة أي القداسة .فتنضج الحياة األخالقيّة في النعمة وتتفتح حياة أبديّة في مجد السماء
بإيجاز
" -0101.ان المسيح يبيّن لإلنسان حقيقة اإلنسان في وضوح ،ويكشف له عن سموّ دعوته"
ي الذي مُنح نفس ًا روحانيّة وعق ً
ال وإراد ًة هو منذ الحبل به مهيّأ هلل ومُع ٌّد -0100الشخص البشر ّ
ّ
الحق والخير وفي حبّهما" .للسعادة األبدية .وهو ينطلق إلى كماله في "السعي إلى
-0104.الحريّة الحقيقيّة هي ،في االنسان" ،العالمة المميّزة لصورة هللا"
-0101اإلنسان مُلزم با ّتباع الشريعة األخالقية التي تحضه على "فعل الخير وتج ّنب الشرّ".
.وهذه الشريعة ُتس ِم ُع صوتها في الضمير
-0102اإلنسان الذي جرحته الخطيئة األصليّة بجرح في طبيعته ،مُعرَّ ض للضالل وميّال إلى
الش ّر في ممارسة حرّيته.
-0101من يؤمن بالمسيح له الحياة الجديدة في الروح القدس .والحياة األخالقية التي تكبر
.وتنضج في النعمة ال ب ّد من أن تكتمل في مجد السماء
المقال الثاني
دعوتنا الى السعادة
.ً0التطويبات
-0101التطويبات هي في القلب من كرازة يسوع .وإعال ُنها يعيد ما قُطع من مواعيد للشعب هللا
المختار منذ إبراهيم ،ويكمّلها بتوجيهها ال إلى التم ّتع باالرض فحسب بل إلى ملكوت
:السماوات
".طوبى للمساكين بالروح ،فإنّ لهم ملكوت السماوات
.طوبى للودعاء ،فإ ّنهم يرثون األرض
.طوبى للحزانى ،فإ ّنهم ي ّ
ُعزون
.طوبى للجياع والعطاش إلى البرّ ،فإ ّنهم يُشبعون
.طوبى للرحماء ،فإ ّنهم ي َ
ُرحمون
طوبى ألنقياء القلوب ،فإ ّنهم يُعاينون هللا.
.طوبى لفاعلي السالم ،فإ ّنهم يُدعون أبناء هللا
.طوبى للمضطهدين من أجل البرّ ،فإنّ لهم ملكوت السماوات
طوبى لكم ،ذا عيّروكم واضطهدوكم ،وافتروا عليكم بك ّل سوء ،من أجلي.
.افرحوا وابتهجوا ،فإنّ أجركم عظيم في السماوات" (متى)21-3 :5
-0101ان التطويبات ترسم وجه يسوع المسيح وتصف محبّته ،وتعبّر عن دعوة المؤمنين
المشتركين في مجد آالمه وقيامته .وتنير األفعال والمواقف التي تميّز الحياة المسيحية .إ ّنها
المواعيد البادية التناقض التي تدعم الرجاء في المضايق .وهي ُتعلن ما يحصل عليه التالميذ من
اآلن بصورة غامضة من البركات والمكافآت .وهي قد بدأت في حياة العذراء مريم وجميع
.الق ّديسين
42
.ً4الرغبة في السعادة
-0101التطويبات تلبّي الرغبة الطبيعية في السعادة .وهذه الرغبة هي من أصل إلهي ،وضعها
هللا في قلب اإلنسان ليجتذبه إليه ،هو القادر وحده على إشباعها.
"كلّنا نريد بال ريب أن نعيش سعداء ،وليس في الجنس البشري من ال يوافق على هذه العبارة حتى قبل أن
ُ .تقال"
"فكيف إذن أسعى إليك ،يا رب؟ وبما أ ّنني في سعيي إليك ،يا إلهي ،أسعى إلى الحياة السعيدة ،فأعمل على أن
.أسعى إليك حتى تحيا نفسي ،ألنّ جسدي يحيا من نفسي ونفسي تحيا معك"
".هللا وحده يُشبع"
-0101التطويبات تكشف عن هدف الوجود اإلنساني ،عن الغاية القصوى لألعمال اإلنسانية،
وهي أنّ هللا يدعونا إلى سعادته الخاصة .وهذه الدعوة موجّ هة إلى ك ّل واحد شخص ّياً ،ولكن أيضا ً
.إلى الكنيسة في مجموعها ،الشعب الجديد المؤلّف من الذين تقبّلوا الوعد ويحيون به في اإليمان
.ً1السعادة المسيحية
-0141يستعمل العهد الجديد تعابير ع ّدة إلعطاء السعادة ،التي يدعو هللا اإلنسان إليها ،طا َبعها
المميّز :مجيء ملكوت هللا ،معاينة هللا" :طوبى ألنقياء القلوب فإ ّنهم يعاينون هللا" (متى،)5:8
الدخول في فرح الرب ،الدخول في راحة هللا:
"هناك نسترح و ُنعاين ،نعاين ونحب ،نحب ونسبّح ،ذلك ما سيكون في النهاية بال نهاية .وأيّة غاية أخرى تكون
.لنا سوى البلوغ إلى الملكوت الذي ال نهاية له؟"
-0140فاهلل قد وضعنا في العالم لنعرفه ،ونخدمه ،ونحبّه ،ونبلغ هكذا الفردوس .والسعادة
"تجعلنا مشاركين في الطبيعة اإللهية" (1بط )4 :2وفي الحياة األبدية .بها يدخل اإلنسان في مجد
المسيح والتم ّتع بحياة الثالوث.
-0144إنّ سعادة كهذه لممّا يفوق اإلدراك والطاقات البشرية وحدها .وهي ناجمة عن عطيّة
مجانيّة من هللا .ولذا يقال عنها إ ّنها فائقة الطبيعة ،كالنعمة التي تهيّئ اإلنسان للدخول في التم ّتع
.باهلل
"طوبى ألنقياء القلوب فإ ّنهم يُعاينون هللا" .أجل ،إنّ هللا بحسب عظمته ومجده الذي ال يوصف" ،ال يراه أحد
ويحيا" ،ألنّ اآلب ال يمكن إدراكه ،ولكنّ بحسب محبّته ورحمته للبشر وبحسب قدرته ،يصل إلى ح ّد منح ُمحبّيه
.مز ّي َة معاينة هللا "ألنّ ما هو مستحيل عند الناس ممكن عند هللا"
-0141إنّ السعادة الموعودة تضعنا أمام خيارات أخالقيّة حاسمة .فهي تدعونا إلى تنقية قلبنا من
الغرائز الشرّ يرة ،والتماس محبّة هللا فوق كل شيء .وهي تعلّمنا أنّ السعادة الحقيقيّة ليست في
الغنى أو الرفاهية أو المجد البشري أو السلطة ،وليست في أيّ عمل بشريّ مهما كان مفيداً ،من
مثل العلوم والتقنيات والفنون ،وليست في أيّة خليقة ،وإ ّنما هي في هللا وحده ينبوع ك ّل خير وك ّل
:حب
"إنّ الغنى في يومنا هو اإلله األكبر ،،وله يؤ ّدي الجمهور بل ك ّل الجماعة البشريّة إكراما ً عفو ّياً .إ ّنهم يقيسون
السعادة بمقياس الغنى ،وبمقياس الغنى أيضا ً يقيسون الكرامة .ويتأ ّتى ذلك كلّه من اعتقاد أنّ اإلنسان الحاصل
على الغنى يقدر على كل شيء .فالغنى إذن هو صنم من أصنام اليوم ،والشهرة صنم آخر .أن يشتهراإلنسان،
فيصبح معروفاً ،ويحدث صجيجا ً في العالم (أي يمكن تسميته صيتا ً صحف ّياً) أمر صار يُع ّد خيراً في ذاته ،خيراً
.أعظم ،وموضوع إجالل حقيقيّ هو أيضا ً"
43
-0142تصف لنا الوصايا العشر ،والعظة على الجبل ،وتعليم الرسل ،السبل التي تؤ ّدي إلى ملكوت السماوات.
ونسير عليها خطو ًة خطو ًة بأعمال يومية ،تساندنا نعمة الروح القدس .و ُتخصبنا كلمة المسيح ،فنؤ ّدي بتؤدة ثماراً
في الكنيسة لمجد هللا.
بإيجاز
-0141التطويبات تستعيد وتكمّل وعود هللا منذ إبراهيم ،وتوجّهها نحو ملكوت السماوات .وهي
.تلبّي الرغبة في السعادة التي وضعها هللا في قلب اإلنسان
-0141التطويبات تع ّلمنا الغاية القصوى التي يدعونا هللا إليها أي الملكوت ورؤية هللا،
.والمشاركة في الطبيعة اإللهية ،والحياة األبدية ،والبنوّ ة ،والراحة في هللا
-0141سعادة الحياة األبدية عطيّة من هللا مجانيّة وهي تفوق الطبيعة ،كالنعمة التي تؤ ّدي إليها.
-0141تضعنا التطويبات أمام خيارات حاسمة في شأن الخيرات األرضيّة .وتن ّقي قلبنا لتع ّلمنا أن
.نحبّ هللا أكثر من ك ّل شيء
-0141.سعادة السماء تح ّدد مقاييس التمييز في استعمال الخيور األرضية بحسب شريعة هللا
المقال الثالث
حرية اإلنسان
ّ
-0111خلق هللا اإلنسان عاقالً ،ومنحه كرامة شخص يمتلك المبادرة وله السيطرة على أفعاله،
"ترك هللا اإلنسان في يد اختياره" (سي " ،)24 :25فيتم ّكن من أن يبحث هو بذاته عن خالقه،
.حتى إذا التصق به يبلغ بحريته كماله مليئا ً وسعيداً"
"اإلنسان عاقل ،وبذلك هو شبيه باهللُ ،خلق حرّ اً وسيّد أفعاله".
-0110الحرّ ية هي القدرة ،المتأصّلة في العقل واإلرادة ،على الفعل أو عدمه ،على فعل هذا أو
ذاك ،وعلى القيام هكذا ،من تلقاء الذات ،بإفعال صادرة عن رؤية .وباإلرادة الحرّ ة يُسيّر ك ُّل
واحد نف َسه .فالحرّ ية في اإلنسان هي قدرة على النموّ والنضج في الحقيقة وفي الخير .وهي تبلغ
.كمالها عندما تتوجّ ه شطر هللا ،سعادتنا
-0114طالما لم تلتصق الحرّ ية نهائ ّيا ً بخيرها األقصى الذي هو هللا ،فهي تنطوي على إمكان
الخ َور والخطأ .وهي من والشر .وبالتالي إمكان النموّ في الكمال ،أو َ
ّ االختيار بين الخير
ً
خصائص األفعال البشرية حقّا ،فتصبح مصدر مدح أو ذ َم ،ثواب أو عقاب.
-0111كلّما فعل اإلنسان خيراً ازداد حرّ ية .وليس من حرّ ية حقيقيّة إال ّ في خدمة الخير والعدالة.
واختيار المعصية والشرّ هو شطط في الحرّ ية يعود إلى عبوديّة الخطيئة.
-0112الحرّ ية تجعل اإلنسان مسؤوال عن أفعاله ما دامت بإرادته .ويُنمي التق ّدم في الفضيلة،
ُ
.ومعرفة الخير ،والجهاد الروحيّ ،سيطرة اإلرادة على أفعالها
-0111قد تنقص أو تبطل َتبِ َع ُة الفعل والمسؤولية عنه بسبب الجهل ،والغفلّة ،والعنف ،والخوف،
.والعادات ،والتعلّق المفرط ،وعوامل نفسيّة أو اجتماعية أخرى
44
-0111:ك ّل عمل يُراد لنفسه يُسأ ُل عنه صاحبُه
هكذا سأل الربّ آدم بعد الخطيئة في الفردوس" :ماذا فعلت؟" (تك .)3:23وكذلك سأل قايين .وكذلك النبيّ ناتان
.سأل داود بعد أن زنى بإمرأة أوريّا وقتله
ويمكن أن يكون الفعل إراد ّيا ً بوجه غير مباشر ،عندما ينتج من إهمال في شأن ما كان يجب أن يُعرف أو يُصنع،
.كمثل حادث يجري بسبب جهل قانون السير
-0111قد يسمح الفاعل بحصول نتيجة ال يريدها ،من مثل اإلعياء الذي يصيب المرأة الساهرة
على ابنها المريض .وليس هناك مسؤولية عن النتيجة السيّئة إذا لم يردها اإلنسان في فعله غاية
أو وسيلة ،كمثل من يح ّل به الموت وهو ينجد شخصا ً في خطر .لكي يكون الفاعل مسؤوالًُّ عن
النتيجة السيّئة ،ال ب ّد أن تكون هذه متوقّعة ،وأن يكون قادراً على تج ّنبها .كما هي الحال عندما
يرتكبُ جريم َة قتل إنسان سائق وهو سكران.
تمارس الحرّ ية في العالئق بين الكائنات البشرية .فك ّل شخص بشريّ مخلوق على َ -0111
ُعترف به كائنا ً حرّ اً ومسؤوالً .وواجب االحترام هذا واجب
َ ّ
الحق الطبيعيّ في أن ي صورة هللا له
الحرية مطلب مالزم لكرامة الشخص البشريّ ، ّ على الجميع لك ّل إنسان .والحق في ممارسة
خصوصا ً في الشأنين األخالقيّ والدينيّ .وال ب ّد للقانون المدن ّي من االعتراف به ومن صيانته في
.نطاق الخير العا ّم والنظام العا ّم
للزلل .وفي الواقع ز ّل اإلنسان الحرية والخطيئة .حرّ ية اإلنسان محدودة ومعرّ ضة ّ ّ -0111
ّ
وخطئ حرّ اً .وعندما رفض مشروع محبّة هللا ،خدع نفسه وأصبح عبداً للخطيئة .وولد هذا
االستالبُ أألوّ ل استالبات أخرى كثيرة .ألنّ تاريخ البشرية منذ بدايته ،شاهد على ما أنتجه قلب
اإلنسان من مصائب ومضايقات نجمت عن سوء استعمال الحرّ ية.
الحق في أن نقول ونفعل ك ّل شيء .ومن ّ الحرية .ممارسة الحرّ ية ال تتضمّن
ّ -0121ما يهدّد
الخط ِأ اال ّدعاء أنّ "اإلنسان الحائز الحرّ ية يكتفي بذاته إذ تكون غايته ابتغاء مصلحته الذاتية في
التم ّتع بالخيرات األرضيّة" .ومن جهة أخرى ،هناك ،مراراً كثيرة ،تجاهل و َتع ٍّد للشروط
االقتصاديّة واالجتماعيّة ،والسياسيّة والثقافيّة ،المطلوبة لممارسة الحرّ ية ممارسة صحيحة.
والجور ُتنهك الحياة األخالقيّة ،وتضع األقوياء والضعفاء على السّواء في تجربة ع ُ
وحاالت العمى
الخطيئة ،باإلساءة إلى المحبّة .وباالبتعاد عن الشريعة األخالقيّة يُضرّ اإلنسان بحرّيته ،ويتقيّد
.بذاته ،ويقطع ما بينه وبين ُنظرائه من عالئق األخوّ ة ،ويعصى الحقيقة اإللهيّة
-0120التحرر والخالص .لقد نال المسيح بصليبه المجيد الخالص لك ّل البشر .وفداهم من
الخطيئة التي كانت تستعبدهم" .حرّ رنا المسيح لكي ننعم بالحرّ ية" (غل .)5:2فيه نشترك في
الحقيقة التي تجعلنا أحراراً .لقد أُعطينا الروح القدس ،وكما يعلّم الرسول "حيث يكون الروح
.فهناك الحرّ ية" (1كو .)3:27ونحن منذ اآلن نفتخر بحرّ ية أبناء هللا
الحرية والنعمة .ان نعمة المسيح ليست على االطالق منافسة لحرّ يتنا ،عندما تتوافق هذه ّ -0124
مع حسّ الحقيقة والخير الذي وضعه هللا في قلب أإلنسان .وعلى العكس ،كما تشهد بذلك الخبرة
المسيحية في الصالة على الخصوص ،كلّما طاوعنا حوافز النعمة ،تعاظمت حرّ يتنا الداخلية،
وثبا ُتنا في المحن وأمام ضغوط العالم الخارجيّ ومضايقاته .وبفعل النعمة ،يربّينا الروح القدس
على الحرّية الروحية ،ليصيّرنا مساعدين له أحراراً ،في عمله في الكنيسة وفي العالم:
".أيّها اإلله الصالح والقدير ،أَ ع
بعد ع ّنا ما يُعيقنا لنكون أحراراً في إتمام مشيئتك دون قيد من الروح أوالجسد"
45
بإيجاز
" -0121ترك هللا اإلنسان في يد اختياره" (سي ،)45:41ليستطيع أن يلتصق بخالقه بحرّية،
ويبلغ هكذا الكمال السعيد.
-0122الحرّية هي القدرة على الفعل أو عدمه ،وعلى قيام اإلنسان من تلقاء ذاته بأفعال عن
.رؤية .وهي تبلغ كمال فعلها عندما تتوجّه إلى هللا الخير األعظم
ي مسؤو ًال عن األفعال -0121الحرّية من خصائص األفعال البشريّة ح ّق ًا .فتجعل الكائن البشر ّ
.التي يفعلها بإرادته .والفعل الذي يفعله عن رؤية يخصّه هو
-0121قد تنقص أو تبطل َتب ِ َع ُة الفعل والمسؤولية عنه بسبب الجهل ،والعنف ،والخوف ،وعوامل
.نفسية أو اجتماعية أخرى
-0121الحق في ممارسة الحرّية مطلب مالزم لكرامة اإلنسان خصوص ًا في الشأنين الديني
.واألخالقي .ولكن ممارسة الحرّية ال تتضمَّن الحق المزعوم في أن نقول ك ّل شيء
" -0121.لقد حرّرنا المسيح لكي ننعم بالحرّية" (غل)5:4
المقال الرابع
أخالقية األفعال البشرية
-0121ان الحرّ ية تجعل من اإلنسان كائنا ً أخالق ّياً .وعندما يفعل اإلنسان فعالً عن رؤية يكون
كاألب ألفعاله .واألفعال البشرية ،أي تلك التي يختارها اإلنسان بحرّ ية ،بعد أن يح ُك َم فيها
.الضمير ،وهي ذات صفة أخالقية .إ ّنها صالحة أو سيّئة
.ً0مصادر األخالقية
-0111:أخالقيّة األفعال البشرية منوطة
-بالموضوع المختار
-بالعناية المقصودة أو النيّة
-.بظرف الفعل
فالموضوع والنيّة والظروف هي "المصادر" أو العناصر التي تتألّف منها أخالقية األفعال
.البشرية
-0110الموضوع المختار هو خير تبتغيه اإلرادة عن رؤية .إنه ما ّدة الفعل البشري .والموضوع
المختار يح ّدد نوع الفعل اإلرادي من الناحية األخالقية ،بحسب معرفة العقل ورؤيته له مطابقا ً
للخير الحقيقي أو مخالفا ً له .إنّ قواعد األخالقية الموضوعية ُتعلن النظام العقليّ للخير والشر،
الذي يشهد به الضمير.
-0114تقع الن ّية ،في مواجهة الموضوع ،ناحي َة َمنع يفعل الفعل .وأل ّنها تقوم في مصدر الفعل
اإلراديّ ،وتح ّدده بغايته ،فهي عنصر أساسيٌّ في صفة الفعل األخالقية ،والغاية هي المقصد األول
للنيّة ،وهي تعني الهدف الذي يرمي إليه اإلنسان في فعله .النيّة نزوع اإلرادة إلى الغاية ،وهي
تطلُّع إلى م عقصد الفعل .إ ّنها مطمّح الخير المرت َقب من القيام بالفعل .إ ّنها ال تقف عند حدود توجيه
أفعالنا الفرديّة ،بل بإمكانها توجيه أفعال متعددة إلى هدف واحد ،وبإمكانها توجيه الحياة بكاملّها
46
نحو الغاية القصوى .وعلى سبيل المثال إنّ الخدمة التي يؤ ّديها اإلنسانُ غاي ُتها مساعدة القريب،
ولكن من الممكن أن يكون الحافز عليها ،في الوقت عينه ،محبّة هللا ،الغاية القصوى من جميع
أفعالنا .ويمكن كذلك أن يصدر فعل واحد عن نيّات متع ّددة ،من مثل تأدية خدمة للحصول على
.حظوة أو للتباهي بها
-0111النيّة الصالحة (كمساعدة القريب ،مثالً) ال تجعل صالحا ً أو قويما ً سلوكا ً هو بح ّد ذاته
قبيح (كالكذب واالفتراء) .إنّ الغاية ال تبرّ ر الوسيلة .وهكذا ال يمكن تبري ُر الحكم على بريء
وسيلة شرعي ًّة لخالص الشعب .وفي المقابل ،إنّ النيّة السيّئة المضافة (كالمجد الباطل) ً بكونه
تجعل سيّئا ً العمل الذي بح ّد ذاته صالحا ً (كاإلحسان).
-0112الظروف ،وبضمنها النتائج ،هي العناصر الثانوية في الفعل األخالقيّ .ولها أثرها في
جعل أخالقيّة األفعال البشرية تزداد أو تنقص صالحا ً أو سوءاً (مثالً مبلغ السرقة) .وبإمكانها
كذلك إنقاصُ مسؤولية الفاعل أو زياد ُتها (كمن يأتي فعالً خوفا ً من الموت) .وال تستطيع الظروف
بح ّد ذاتها تغيير الصفة األخالقية المالزمة لألفعال البشرية نفسها .فال يمكنها أن تجعل من فعل
سيّ ء بح ّد ذاته فعالً صالحا ً أو قويما ً.
بإيجاز
-0111الموضوع والنيّة والظروف هي التي تكوّ ن "مصادر" األخالقية الثالثة في األفعال
.البشرية
ي بحسب معرفة العقل -0111يُح ّدد الموضو ُع المختار من الناحية األخالقية َ
نوع الفعل اإلراد ّ
.ورؤيته له صالح ًا أو سيّئ ًا
" -0111.ال يمكن تبري ُر فعل سيّئ يصدر عن نيّة صالحة" .ألنّ الغاية ال تبرّر الوسيلة
-0111.يقتضي الفعل الصالح أخالق ّي ًا أن يكون موضوعُه وغاي ُته وظرو ُفه صالحة
-0110هناك أنماط من السلوك الواقع ّي يكون اختيارها دائم ًا خاطئ ًا ،ألنّ اختيارها ينطوي على
.انحراف في اإلرادة أي على ش ّر أخالقيّ .فال يجوز فعل الش ّر لكي ينتج منه خير
المقال الخامس
أخالق ّية األهواء
47
-0114يتوجّ ه الشخص البشريّ نحو السعادة بأفعاله الصادرة عن رؤية .وبإمكان ما يشعر به من
.أهواء أو عواطف أن يهيّئه لذلك ويساعده فيه
.ً0األهواء
-0111كلمة "األهواء" هي من التراث المسيحيّ .والعواطف واألهواء تد ّل على االنفعاالت أو
حركات االحساس التي تجعل االنسان يميل إلى الفعل أو يُحجم عنه في سبيل ما يُحسّه أو يتخيّله
.صالحا ً أو سيّئا ً
-0112تؤلّف األهوا ُء العناصر الطبيعية للنفسية اإلنسانية ،وهي مكان العبور والروابط بين
.الحياة الحسّية وحياة الروح .ويشير ربّنا إلى أنّ قلب اإلنسان هو مصدر حركة األهواء
-0111أهواء كثيرة .واألعمق أصالًُّ بينها هو الحبّ الناتج من جاذبية الخير .الحبّ يولّد
الرغبة في الخير الغائب ،وأمل الحصول عليه .وتكون نهاية تلك الحركة في اللذة والفرح
بالحصول على الخير .التخوّ ف من الشرّ يسبّب البغض والكراهية ،وخشية الشرّ اآلتي .وتنتهي
هذه الحركة في الحزن الناتج من الشرّ الحاضر أو الغضب الذي يقاومه.
" -0111محبّة شخص ما ،تعني أ ّننا نريد له الخير" .وك ّل النوازع األخرى إ ّنما مصدرها حركةُ
القلب البشريّ األصليّة هذه نحو الخير" .فالخير وحده يُحّ بّ "" .األهواء سيّئة إذا كان الحبّ سيّئا ً
وهي صالحة إذا كان صالحاً".
بإيجاز
-0110تد ّل كلمة "األهواء" على االنفعاالت والعواطف .ويستطيع اإلنسان من خاللها أن
يستشعر الخير ويستشفّ الش ّر.
-0114األهواء الرئيسة هي الحبّ والبغض ،والرغبة والخوف ،والفرح والحزن والغضب.
-3771ليس في األهواء ،بكونها حركات حسيّة ،خير أو ش ّر أخالقي .ولك ّنها ،بارتباطها أو
انفصالها عن العقل واالرادة ،يكون فيها خير أو شرٌّ أخالق ّي.
48
-0112.يمكن أن تكون االنفعاالت والعواطف مؤاتية في الفضائل ،أو فاسدة في الرذائل
-0111كما ُل الصالح األخالق ّي أن ال يتحرّك اإلنسان نحو الخير بإرادته وحدها ولكن أيض ًا
"بقلبه".
المقال السادس
األخالقي
ّ الضمير
ُلزم بطاعته ،وصو ُته " -0111يكتشف اإلنسان في ذات ضميره ناموسا ً لم يصدر عنه ،ولك ّنه م َ
يدعو ابداً ذلك اإلنسان إلى حبّ الخير وعمله ،وإلى تج ّنب الشر ،ويدوّ ي ابداً في آذان قلبه إ ّنه
ناموس حفره هللا في قلب اإلنسان .والضمير هو المركز األش ّد عمقا ً وسّرية في اإلنسان ،والهيكل
.الذي ينفرد فيه إلى هللا ،ويسمع فيه صوت هللا"
.ً0حكم الضمير
-0111ان الضمير األخالقي ،الموجود في قلب الشخص ،يوعز إليه في الوقت المناسب أن يفعل
الخير ويتج ّنب الشرّ .وهو يحكم أيضا ً في شأن االختيارات الواقعية ،فيستحسن الصالح منها
وينكر السيء .ويؤ ّكد سلطان الحقيقة بالرجوع إلى الخير األعظم الذي إليه ينجذب الشخص
البشريّ ومنه يتقبّل الوصايا .وعندما يصغي اإلنسان الفطن إلى الضمير األخالقيّ ،يصبح بإمكانه
.سماع هللا الذي يتكلّم
-0111الضمير األخالقي حُكم صادر عن العقل يعرف به الشخص البشريّ الصفة األخالقية
للفعل الواقعي الذي سيفعله ،أو يفعله اآلن ،أو قد فعله .وعلى اإلنسان ،في ك ّل ما يقول أو يفعل أن
وحق .واإلنسان بما يُدرك ويعرف رسوم الشريعة اإللهية بحكم ّ يتبع بأمانة ما يعلم أ ّنه قويم
:ضميره
الضمير "شريعة من روحنا ولك ّنه يتجاوز روحنا ،ويُصدِر إلينا أوامر ،ويشعر بالمسؤولية والواجب ،والخوف
والرجاء إ ّنه رسول ذلك الذي يُكلّمنا من وراء الستار ،في عالم الطبيعة كما في عالم النعمة ،ويعلّمنا ويحكمنا.
.الضمير هو األول بين جميع نوّ اب المسيح"
-0111ينبغي لك ّل واحد أن يكون له من الحضور في ذاته ما يجعله يسمع صوت ضميره
ويتبعه .ومطلب الحضور الداخلي هذا تشت ّد ضرورته بسبب ما ُتع ِّرضُنا له الحياة مراراً ،من
:تج ّنب التفكير والمحاسبة ،أو الرجوع إلى الذات
".عُد إلى ضميرك وسائله عودوا ،أيها االخوة ،إلى الداخل ،انظروا في ك ّل ما تفعلون ،إلى الشاهد ،إلى هللا"
األخالقي .والضمير األخالقيّ
ّ -0111كرامة الشخص البشريّ تتضمّن وتقضي استقامة الضمير
ينطوي على إدراك المبادئ األخالقيّة ،وتطبيقها في ظروف معيّنة ،بالتمييز العمليّ لألسباب
والخيور ،وبالنتيجة ،على الحكم الصادر على أفعال واقعية فُعلت أو س ُتفعل .والحقيقة في شأن
عرف عمل ّيا ً وواقعيا ً بالحكم الفطن الذي يُصدره ُ
المعلنة في شريعة العقلُ ،ت َ الخير األخالقيّ ،
ً
.الضمير .ويدعى فطنا اإلنسان الذي يختار ما يتوافق مع ذلك الحكم
-0110يُتيح الضمير تحمُّل مسؤولية ما يؤتى من األفعال .فإذا صنع اإلنسانُ الشرّ ،يستطيع حُك ُم
الضمير القويم أن يبقى فيه الشاهد لحقيقة الخير العامّة ،وفي الوقت ذاته ل ُخبث اختياره الفرديّ.
وقرار حكم الضمير يبقى عربون رجاء ورحمة .وهو ،إذ يؤ ّكد الذنب الذي ار ُتكب ،يذ ّكر
49
بالغفران الذي يجب أن ُيطلب ،والخير الذي يجب أن يُمارس أيضاً ،والفضيلة التي يجب أن ِ
توخى بال انقطاع وبنعمة هللا: ُت ّ
" ُنس ّكن قلوبنا أمامه ،إذا ما ب َّكتنا قلبُنا ،بأنّ هللا أعظ ُم من قلبنا ،وعالم بكل شيء" (2يو.)11-3:21
الحق في أن يسلك بضمير وحريّة لي ّتخذ هو شخص ّيا ً القرارات األخالقية. ّ -0114إنّ اإلنسان له
ُكره اإلنسان على ما ال يُبيحه ضميره .وليس من الجائز أن يُمنع من عمل "ليس من الجائز أن ي َ
.ما يقتضيه ضميرهُ وال سيّما في أمور ال ّدين"
.ً4تنشئة الضمير
مطلعاً ،والحك ُم األخالقيّ مستنيراً .فالضمير الذي أُحسِ نت -0111ال ب ّد من أن يكون الضمير ّ
ومتوافقة مع الخير الحقيقيّ الذي أرادتهً تنشئته يكون قويما ً وصادقاً .فيُصدر أحكامه وفاقا ً للعقل،
لمؤثراتّ حكمة الخالق .وال ب ّد من تربية الضمير عندما يتعلّق األمر بكائنات بشريّة خاضعة
ورفض التعاليم الصحيحة.
ِ سلبيّة ،ومجرّ بة بخطيئ ِة تفضيل حكمِها الخاص،
ُ
-0112تربية الضمير هي عمل الحياة كلّها .فتوقظ الولد منذ السنوات األولى ،لمعرفة الشريعة
الداخلية التي يعترف بها الضمير األخالقيّ ،ولممارستها ،التربية ال َفطِ نة ُتعلّم الفضيلة ،وهي
تصون وتشفي مما ينجم عن الضعف والذنوب البشرية ،من الخوف واألنانيّة والكبرياء،
والتضايق الناتج من الذنب ،ونزوات الرضى عن الذات .إنّ تربية الضمير تكفل الحرية وتولّد
.سالم القلب
-0111في تنشئة الضمير يكون كالم هللا النور الذي يضيء طريقنا .وال ب ّد لنا من تق ُّبلِه في
اإليمان والصالة ،وممارسته عمل ّياً .وعلينا أيضا ً امتحان ضميرنا بالنسبة إلى صليب الربّ ،
تؤازرنا مواهبُ الروح القدس ،و ُتساعدنا شهادةُ اآلخرين وإرشاداتهم ،ويكون لنا دليالً تعلي ُم
الكنيسة الصحيح.
.ً2الحكم الخاطئ
50
-0111إنّ الكائن البشري مُلزم دوما ً بالخضوع لحُكم ضميره األكيد ،وإذا خالفه عن رؤية فهو
يحكم على نفسه بنفسه .وقد يحدث أن يكون الضمي ُر األخالقيّ في حالة جهل ،فيُصدر أحكاما ً
خاطئة على أفعال س ُتفعل أو فُعلت.
-0110يمكن أن يُنسب هذا الجهل مراراً إلى المسؤول ّية الشخصيّة .تلك هي الحال "عندما
الحق والخير ،وعندما تكاد الخطيئة ُتعمي ضميره شيئا ً فشيئا ً". ّ اإلنسان قلّما يُعنى بالبحث عن
.وفي هذه الحالة يكون الشخص ُمّع ذ ِنبا ً بالشرّ الذي صنعه
-0114جه ُل المسيح وإنجيله ،وما يصدر عن اآلخرين من أمثلة سيّئة ،وعبوديّة األهواء ،وا ّدعاء
استقالل ذاتيّ خاطئ للضمير ،ورفضُ سلطة الكنيسة وتعليمها ،وفقدان التوبة والمحبّة ،تلك أمور
.يمكن أن تكون مصدر انحرافات الحكم في السلوك األخالقيّ
-0111إذا كان الجهل ،على العكس ،م ع
ُط ِبقاً ،أو كان الحكم خاطئا ً دون أن يتحمّل اإلنسان
مسؤول ّية أخالقيّة ،ال يمكن أن يُنسب إلى الشخص ما صنع من شرّ .ولكنّ ذلك يبقى شرّ اً،
وحرماناً ،وانحرافاً .فال ب ّد من السعي إلى اصالح ضالالت الضمير األخالقيّ .
-0112الضمير الصالح ال ّنقي ينيره اإليمان الحقيقيّ ،ألنّ المحبّة َتص ُد ُر في الوقت ذاته "عن قلب
.طاهر وضمير صالح وإيمان ال رئاء فيه" (2تي )5 :2
"بقدر ما يتغلّب الضمير القويم ،يبتعد األفراد كما تبتعد الجماعات عن القرار األعمى ،ويعملون على تطبيق
.ال ُّن ُظم اآلخالقيّة الموضوعيّة"
بإيجاز
" -0111الضمير هو المركز األش ّد عمق ًا وسرّية في اإلنسان ،والهيكل الذي ينفرد فيه إلى هللا
.ويسمع صوت هللا"
ي الصفة األخالقيّة -0111الضمير األخالق ّي هو حكم صادر عن العقل يعرف به الشخصُ البشر ّ
.للفعل الواقع ّي
-0111بالنسبة إلى اإلنسان الذي صنع الشرّ ،يبقى قرا ُر الضمير عربون توبة ورجاء.
-0111يكون الضمير الذي ُأحسِ نت تنشئته قويم ًا وصادق ًا .فيُصدر أحكا َمه متطابقة مع العقل
ومتواف ًقة مع الخير الحقيق ّي الذي أرادته حكمة هللا .وعلى ك ّل إنسان ان ي ّتخذ الوسائل لتنشئة
.ضميره
-0111يستطيع الضمير ،في مواجهة اختيار أخالقيّ ،أن يُصدر حُكم ًا يكون إمّا مستقيم ًا متوافق ًا
مع العقل والشريعة اإللهية ،وإمّا ،على العكس ،حُكم ًا خاطئ ًا يبتعد عنهما.
-0111.إنّ الكائن البشري مُلزم بالخضوع لحكم ضميره األكيد
-0110يمكن أن يبقى الضمي ُر األخالق ّي في حالة الجهل ،أو أن يُصدر أحكام ًا خاطئة .وهذان
.الجهل والخطأ ليسا دائم ًا خاليين من المسؤوليّة
-0114كالم هللا هو نور لخطواتنا .وال ب ّد لنا من تقبّله في اإليمان والصالة ،ومن ممارسته
عمل ّي ًا .وهكذا ينشأ الضمير األخالق ّي.
المقال السابع
الفضائل
51
حق وكرامة ،وعدل ونقاوة ،ولطف وشرف ،وك ُّل ما هو فضيلة وك ُل ما :-0111ك ُّل ما هو ٌّ
محط أفكاركم" (في.)8 :4 َّ يُمتدح ،ك ُّل هذا فليكن
الفضيلة هي استعداد عاديٌّ وثابت لفعل الخير .وهي ُتتيح للشخص ليس فقط أن يفعل أفعاالً
صالحة وإ ّنما أن يعطي أفضل ما فيه .والشخصُ الفاضل يسعى بك ّل قواه الحسّية والروحية إلى ً
.الخير ،ويمضي وراءه ويختاره في أفعال واقعيّة
"وهدف الحياة الفاضلة هو في أن نصير مثل هللا".
52
"الرب قوّ تي وتسبيحي" (مز " .)24 :228في العالم ستكونون في ش ّدة ،ولكن ،لِتطبع نفوسُكم،
.إ ّني قد غلبت العالم" (يو)33 :26
الملذات وتمنح اال ّتزان في استعمال ّ -0111القناعة هي الفضيلة األخالقية التي تكبح ِجماح شهوة
الخيرات المخلوقة .وهي تؤمّن سيطرة اإلرادة على الغرائز ،وتحفظ الرغائب في حدود
االستقامة .ان الرجل القنوع يوجّ ه نحو الخير شهواته الحسّية ،ويحافظ على اعتدال مق ّدس ،و"ال
يتتبّع هواه ليسير في شهوات قلبه" .القناعة يمتدحها مراراً العهد القديم" :ال تكن دائما ً تابعا ً
صحواً" .يجب عاص أهوائك" (سي .)28:3وهي تدعى في العهد اجديد "تعقّالً" أو " َ ِ لشهواتك بل
.أن "نحيا في الدهر الحاضر على مقتضى التعقّل والعدل والتقوى"(.تي )21 :1
"الحياة الصالحة ليست سوى محبّة هللا بك ّل القلب وبك ّل النفس وك ّل الفعل .ونحتفظ له بمحبّة كاملة (بالقناعة) ال
يزعزعها سوء (وهذا ما يتعلّق بالقوة) وال تخضع إالّ له (وهذا هو العدل) وتسهر للتمييز بين ك ّل األشياء حتى ال
.يفاجئها مكر أو كذب (وهذه هي الفطنة)
الفضائل والنعمة
-0101إنّ الفضائل البشريّة المكتسبة بالتربية ،وباألفعال الصادرة عن رو ّية ،وبالثبات المتج ّدد
ُ
نعمة هللا وتسمو بها .وهي بعون هللا تش ّدد ال ُخلق ،و ُتسهّل ممارسة الخير. دائماً ،على الجهد ،تنقّيها
.واإلنسان الفاضل يكون سعيداً بممارستها
-0100ليس من السهل على اإلنسان الذي َجرح عته الخطيئة أن يحتفظ باال ّتزان األخالقي .وعطيّة
للثبات في السعي إلى الفضائل .على ك ّل واحد أنالخالص بالمسيح تمنحنا النعمة الضرورية ّ
يلتمس دائما ً نعمة النور والقوة هذه ،وأن يلجأ إلى األسرار ،ويتعاون مع الروح القدس ،وأن يلبّي
.دعواته إلى حبّ الخير واالحتراز من الشرّ
.ً4الفضائل اإللهية
ً
الئمة -0104تتأصّل الفضائل اإلنسانية في الفضائل اإللهية ،التي تجعل القوى اإلنسانية م
للمشاركة في الطبيعة اإللهية .ألنّ الفضائل اإللهية تستند مباشرة إلى هللا .وهي تهيّئ المسيحيين
.ألن يحيوا في عالقة مع الثالوث األقدس .فمصدرها وعلّتها وموضوعها هللا الواحد والثالوت
-0101الفضائل اإللهية هي في أساس الفعل األخالقي المسيحي ،وهي ُتنعشه وتميّزه .وهي التي
تعطي الفضائل األخالقية صور َتها وتحييها .ينفح هللا بها نفس المؤمنين ليجعلهم قادرين أن يسلكوا
حضور الروح وفعل ِه في قُوى الكائن البشري.
ِ كأبنائه ،وأن يستأهلوا الحياة األبدية .إ ّنها عربونُ
والفضائل اإللهية ثالث :اإليمان والرجاء والمحبّة.
اإليمان
ّ
-0102اإليمان هو الفضيلة اإللهية التي بها نعتقد وجود هللا ،وك ّل ما كلمنا به وأوحى ،وتعرضُه
الحق ذاته .باإليمان "يسلّم اإلنسان أمره كلَّه هلل" .لذلك
ّ الكنيسة المق ّدسة علينا لنعتقده ،ألنّ هللا هو
يسعى المؤمن إلى معرفة إرادة هللا وإلى فعلها" .البا ّر باإليمان يحيا" (رو .)27 :2واإليمان الحيّ
".يعمل بالمحبّة" (غل )6 :5
-0101عطيّة اإليمان تبقى في من لم يخطئ إليها .ولكن "بدون األعمال يكون اإليمان ميّتاً"
(يع .)16 :1وإذا فقد اإليمان الرجاء والمحبّة فهو ال يجعل المؤمن م ّتحداً ا ّتحاداً كامالً بالمسيح،
.وال يجعله عضواً ح ّيا ً في جسده
53
-0101تلميذ المسيح مُلزم ال بأن يحافظ على اإليمان ويحيا به فقط ،وإنما أيضا ً بأن يعترف به،
ويشهد له باطمئنان ،وينشره" :على الجميع ألن يكونوا مستع ّدين لالعتراف بالمسيح أمام الناس،
وأن يتبعوه على درب الصليب ،وسط اضطهادات التي ال تفارق الكنسية ابداً" .خدمة اإليمان
والشهادة له الب ّد منها للخالص" :ك ّل من يعترف بي ق ّدام الناس ،أعترف أنا أيضا ً به ق ّدام أبي
الذي في السماوات .وأمّا من ينكرني ق ّدام الناس ،فإ ّني أنكره ،أنا أيضاً ،ق ّدام أبي الذي في
السماوات" (متى.)33-31 :21
الرجاء
-0101الرجاء هو الفضيلة اإللهية التي بها نرغب في ملكوت السماوات ،والحياة األبدية ،رغب َتنا
في سعادتنا ،واضعين ثقتنا بمواعيد المسيح ،ومستندين ال إلى قوانا بل إلى عون نعمة الروح
القدس" .ولنتمسّك باعتراف الرجاء على غير انحراف ،ألنّ الذي وعد أمين" (عب .)13 :21
هذا الروح "أفاضه علينا بوفرة ،يسوع المسيح مخلّصنا ،حتى إذا تبرَّ رنا بنعمة المسيح نصير
ورثة على حسب رجاء الحياة األبدية" (تي .)7-6 :3
-0101إن فضيلة الرجاء تلبّي التوق إلى السعادة الذي وضعه هللا في قلب ك ّل إنسان ،وتضطلع
باآلمال التي تبعث الناس على العمل ،وتنقّيها لتوجّ هها نحو ملكوت السماوات .إ ّنها تصون من
النفس في ترقّب السعادة األبدية .إنّ حافز الرجاء يمنع َ تخاذل العزم ،وتساند حين التخلّي ،وتطيّب
.األنانية ،ويقود إلى سعادة المحبّة
-0101الرجاء المسيحي يُعيد ويكمّل رجاء الشعب المختار الذي أصله ومثاله رجا ُء إبراهيم،
محنة المحرقة" .لقد آمن على خالف ك ّل رجاء ُ أوفت به في اسحق مواعيد هللا وطهّرته ع وقد
ُ
.فصار أبا ً ألُّ مم كثيرة" (رو )28 :4
-0141ينبسط الرجاء المسيحي منذ بدء كرازة يسوع في إعالن التطويبات .فالتطويبات تسمو
برجائنا إلى السماء كما إلى أرض الميعاد الجديدة ،وترسم طريقها عبعر ما ينتظر تالمي َذ يسوع من
يخذل" (رو :5 محن .ولكنّ هللا يحفظنا ،باستحقاقات يسوع المسيح وآالمه في "الرجاء الذي ال ُ
.)5إنّ الرجاء هو "مرساة النفس" األمينة والراسخة "التي تنفذ إلى حيث دخل يسوع ألجلنا
"فل عنلبس اإليمان
كسابق" (عب .)11-21 :6وهو ايضا ً سالح يحرسنا في معركة الخالص :ع
والمحبّة درعاً ،ورجاء الخالص خوذة" (2تس .)8 :5وهو يعطينا الفرح في المحنة نفسها:
ُغذى في"وليكن فيكم فر ُح الرجاء ،كونوا صابرين في الضيق" (رو .)21:21وهو يُعبّر عنه وي ّ
الصالة ،وخصوصا ً صالة "األبانا" ،موج ُز ك ّل ما يحملنا الرجاء على أن نرغب فيه.
-0140نستطيع إذن أن نرجو مجد السماء ،الذي وعد به هللا محبّيه والعاملين مشيئته .ويجب
على كل واحد في ك ّل ظرف ،أن يرجو ،بنعمة هللا" ،الثبات إلى المنتهى" ،والحصول على فرح
السماء ،كمكافأة من هللا ابديّة ،على األعمال الصالحة المعمولة بنعمة المسيح ،والكنيسة ،في
الرجاء ،تصلّي لكي "يخلُص جميع الناس" ( 2تي ,)4 :1وهي تتوق إلى أن تكون ،في مجد
السماء ،م ّتحدة بالمسيح عريسها:
" َت َرجَّ يع ،يا نفسيَ ،ت َرجَّ ي .تجهلين اليوم والساعة .إسهري بد ّقة ،فك ّل شيء يمرّ بسرعة ،على كون نفاد صبرك
والقصير ج ّداً من الوقت طويالًَ .ف ِّكري أ ّنك كلّما ازدد ِ
ت انخراطا ً في المعركة َ يجعل األكيد موضوع ارتياب،
حبيبكِ ،في سعادة ونشوة ليس لهما من
ِ مع يوم ذات تكِ مسرّ وتزداد ، حبّ من عندك َيقوى برها ُنك على ما إللهك
.نهاية"
المح ّبة
54
القريب كنفسنا
َ -0144المحبّة هي الفضيلة اإللهية بها نو ّد هللا فوق ك ّل شيء ألجل ذاته ،ونو ّد
ألجل هللا.
-0141جعل يسوع من المحبّة وص ّية جديدة .ولقد أظهر محبة اآلب التي يتقبّلها ،بمحبته الخاصة
"حتى النهاية" (يو .)2 :23والتالميذ يقتدون بمحبّة يسوع التي يتقبّلونها هم أيضا ً في ذواتهم
بمح ّبتهم بعضهم لبعض .لذلك قال يسوع" :كما أحبّني اآلب أنا أيضا ً أحببتكم ،فاثبتوا في محبتي"
(يو .)25:1وأيضاً" :هذه وصيّتي :أن يحبّ بعضكم بعضا ً كما أحببتكم أنا" (يو .)25:21
-0142إنّ المحبّة هي ثمرةُ الروح وكما ُل الناموس تحفظ وصايا هللا ومسيحه" :اثبتوا في محبّتي.
.إن حفظتم وصاياي تثبتون في محبّتي" (يو )21-:25
-0141لقد مات المسيح محب ًّة لنا عندما ُك ّنا "أعداء" (رؤ .)21 :5والربُّ يطلب م ّنا أن نحبَّ مثله
حتى أعدا َءنا .وأن نكون القريب لألبعّد ،وأن نحبَّ األوالد والفقراء مثله.
ً
لوحة فريدة للمحبّة" :المحبّة تتأ ّنى وترفق ،المحبّة ال تحسد ،المحبّة ال تتباهى ،وال اتنتفخ. لقد رسم القديس بولس
ال تأتي قباحة ،وال تطلب ما هو لنفسها .ال تحت ّد وال تظنّ السوء .ال تفرح بالظلم بل تفرح بالحق .تتغاضى عن
كل شيء ،وتص ّدق ك ّل شيء ،وترجو كل شيء ،وتصبر على كل شيء" (2كو .)7-4 :23
لست بشيء "...وكل امتياز وخدمة حتى الفضيلة"... ُ -0141ويقول الرسول أيضاً" :بدون محبّة
بدون محبّة ال تنفعني بشيء" .المحبّة تسمو على الفضائل كلّها ،هي الفضيلة اإللهية األولى" :اآلن
.يثبت اإليمان والرجاء والمحبّة ،هذه الثالثة .لكنَّ أعظمهنَّ هي المح ّبة" (2كو )23 :23
-0141المحبّة هي التي ُتحيي و ُتلهم ممارسة جميع الفضائل .إ ّنها "رباط الكمال" (كو،)24 :3
هي صورة الفضائل ،تربطها و ُتنسّق بعضها مع بعض .إ ّنها مصدر ممارستها المسيحية ومنتهاها.
المحبّة تثبت وتنقّي قوة حبّنا اإلنسانية ،وتسمو بها إلى كمال محبّة هللا الفائقة
.الطبيعة
-0141ممارسة الحياة األخالقية التي ُتنعشها المحبّة تعطي المسيحيّ حريّة أبناء هللا الروحية .فال
يقف أمام هللا كعبد ،يخاف خوف العبد ،وال كمرتزق يسعى إلى اجر ،ولكن كإبن يبادل بحبِّه حبّ
"من أحبّنا أوّ الً" (2يو .)4:21
"إننا إمّا نحيد عن الشرّ خوفا ً من العقاب فنكون مثل العبيد ،وإمّا نجري وراء إغرا ِء المكافأة فنكون مثل
.المرتزقة .وإمّا أخيراً نخضع ألجل الخير ذاته ومحب ًّة لصاحب األمر ...فنكون عندئذ مثل األبناء"
االحسان وإصال َح القريب ،إ ّنها ُتريد
َ -0141ثم ُر المحبّة الفرح والسالم والرحمة ،وهي تقتضي
الخير ،وتحمل على المعاملة بالمثل ،نزيهة سمحاء ،هي صداقة ومشاركة:
" منتهى جميع أعمالنا هو المحبّة .هنا الخاتمة ،فإذا كنا نعدو فللحصول عليها ،إننا نعدو إليها ،وعندما نصل ،فيها
.نجد راحتنا"
-0111مواهب الروح القدس هي التي تساند حياة المسيحيين األخالقيّة .وهذه المواهب هي
استعدادات دائمة تجعل اإلنسان يتبع حوافز الروح القدس بطواعية.
-0110مواهب الروح القدس السبع هي الحكمة ،والفهم ،والمشورة ،والقوّ ة ،والعلم ،والتقوى،
ومخافة هللا .إ ّنها بكمالها تخصّ المسيح ابن داود .وهي ُتتمّم فضائل من يتقبّلوها وتقودها إلى
.الكمال ،وتجعل المؤمنين يخضعون بطواعيّة وسرعة لإللهامات اإللهية
".ليهدني روحك الصالح في أرض مستقيمة" (مز )243:21
55
ُ
ورثة هللا ،ووارثون مع المسيح" (رو :8 "إنّ جميع الذين يقتادهم روح هللا هم أبناء هللا ...أبناء فإذن ورثة أيضاً،
.)27 ،24
-0114ثمار الروح هي كماالت يُنشئها فينا الروح القدس كبواكير المجد األبدي .والتقليد الكنسي
يعدد منها أثني عشرة" :المحبة والفرح والسالم ،والصبر وطول االناة واللطف والصالح،
والمسامحة واألمانة والوداعة والعفاف ،والطهارة" (غل.)13-11 :5
بإيجاز
المقال الثامن
الخطيئة
.ً0الرحمة والخطيئة
-0121اإلنجيل هو الكشف ،بيسوع المسيح ،عن رحمة هللا للخطأة .وقد أعلن ذلك المالك
ليوسف" :تسمّيه يسوع ،أل ّنه هو الذي يخلّص شعبه من خطاياهم" (متى .)12 :2وكذلك بالنسبة
إلى االفخارستيا سرّ الفداء" :هذا هو دمي ،دم العهد الجديد الذي يُهراق عن كثيرين لمغفرة
الخطايا" (متى .)16:18
56
" -0121لقد خلقنا هللا بدوننا ،وال يريد أن يُخلّصنا بدوننا"َ .و َتقّبُّل رحمته يقتضينا االقرار بذنوبنا.
الحق فينا .وإن اعترفنا بخطايانا فهو أمين ّ "إن نحن قلنا :إ ّنا بغير خطيئة ،فإ ّنما ُنظ ُّل أنفسنا ،وليس
وعادل :فإ ّنه يغفر خطايانا ،ويطهّرنا من كل إثم" (2يو .)1-8 :2
-0121كما يقول القديس بولس" :حيث كثرت الخطيئة طفحت النعمة" (رو .)11 :5ولكن على
النعمة ،لكي تقوم بعملها ،أن تكشف الخطيئة لتر ّد قلبنا وتمنحنا "البرّ للحياة األبدية ،بيسوع
المسيح ربّنا" (رو .)12 :5ومثل الطبيب الذي َيس ُب ُر الجر َح قبل أن يألمه هكذا يُلقي الربّ بكلمته
.وروحه ضوءاً شديداً على الخطيئة
"التوبة تقتضي وضع الخطيئة في النور ،وتحوي في ذاتها حُكم الضمير الداخلي .ويمكن أن نرى فيها الدليل
ّ
الحق في أقصى أعماق االنسان ،ويصير ذلك في الوقت عينه بد َء عطية جديدة من النعمة على فعل روح
والمحبّة" :خذوا الروح القدس" .وهكذا نكتشف ،في وضع "الخطيئة في النور" هذا ،عطية مضاعفة :عطية
ّ
المعزي" .حقيقة الضمير ،وعطية صحة الفداء .رو ُح الحق هو
.ً4تحديد الخطيئة
-0121الخطيئة إساءة إلى العقل والحقيقة والضمير المستقيم .وهي إجحاف بالمحبّة الحقيقية هلل
والقريب ،بسبب تعلّق أثيم ببعض الخيور .إ ّنها تجرح طبيعة االنسان وتؤذي التضامن البشري.
.وقد ُح ِّددت بأ ّنها "كلمة أو فعل أو شهوة تخالف الشريعة األزليّة"
-0111الخطيئة إهانة هلل" :إليك وحدك خطئت والشرّ أمامك صنعت" (مز .)6 :52وهي تقف
في وجه محبّة هللا لنا ،و ُتبعد عنها قلوبنا .وهي كالخطيئة األولى معصية وثورة على هللا ،بإرادة
أن نصير "كآلهة" (تك )3:5نعرفُ ونح ّد ُد الخير والشرّ .وهكذا فهي "محبّة الذات حتى احتقار
ً
مخالفة تماما ً خضوع يسوع الذي حقق هللا" .وبتعظيم الذات المتعجرف هذا تكون الخطيئة
الخالص.
ُ
رحمة هللا على الخطيئةُ ،تظهر هذه على أفضل وجه -0110ففي اآلالم تحديداً ،حيث تتغلّب
عن َفها وكثرتها :من عدم إيمان ،وحقد قاتل ،ورفض ،واستهزاءات من قبل رؤساء الشعب ،وجبانة
بيالطس ،وقساوة الجنود ،وخيانة يهوذا الشديدة الوطأة على يسوع ،وإنكار بطرس ،وتخلّي
الرسل .ولكنّ تضحية يسوع قد صارت ،على وجه خفيّ ،في ساعة الظلمة ورئيس هذا العالم
نفسها ،ينبوعا ً دائما ً يتفجّر منه غفرانُ خطايانا.
.ً1أنواع الخطايا
-0114تنوّ ُع الخطايا كبير .والكتاب المق ّدس يذكر منها سالسل متع ّددة .فالرسالة إلى الغالطيين
تقابل أعمال الجسد بثمار الروح" :أعمال الجسد بيّنة :الفجور والنجاسة وال َع َهر ،وعبادة األوثان
والسّحر ،والعداوات والخصومات واألطماع ،والمغاضبات والمنازعات والمشاقّات والبدع،
والمحاسدات والسّكر والقصوف ،وما أشبه ذالك .وعنها أقول لكم ،كما قلت سابقاً ،إن الذين
يفعلون أمثال هذه ال يرثون ملكوت هللا" (غل.)12-21 :5
-0111يمكن تمييز الخطايا بالنسبة إلى موضوعها ،كما هي الحال في شأن ك ّل فعل بشريّ ،أو بالنسبة إلى
الفضائل التي ُتخالفها زياد ًة أو نقصاناً ،أو بالنسبة إلى الوصايا التي تتع ّداها .ويمكن تنسيقُها أيضا بحسب ما لها
من عالقة باهلل أو القريب أو بالذات .ويمكن تقسيمُها إلى خطايا روحيّة وخطايا جسديّة ،أو خطايا بالفكر أو القول
أو االهمال .أصل الخطيئة هو في قلب االنسان ،في إرادته الحرّ ة ،بحسب تعليم الربّ " :فمن القلب تخرج األفكار
الشريرة ،والقتل ،والزنى ،والفسق ،والسرقة ،وشهادة الزور ،والتجديف .وذلك هو ما ينجّ س اإلنسان" (متى
.)11-21 :25وفي القلب أيضا ً ُتقيم المحبّة ،مبدأ األفعال الصالحة والنقية ،التي تجرحها الخطيئة.
57
. ًُ2جسامة الخطيئة :الخطيئة المميتة والعرض ّية
-0112ينبغي تقدي ُر الخطيئة بحسب جسامتها .والتمييز بين الخطيئة المميتة والخطيئة العرضية
.الذي ي عُل َم ُح في الكتاب المقدس قد استتبَّ في التقليد الكنسي .وخبرة الناس تدعمه
-0111الخطيئة المميتة تقضي على المحبّة في قلب اإلنسان بتع ٍّد كبير لشريعة هللا .و َت ِ
صرفُ
اإلنسان عن هللا الذي هو غايته القصوى وسعاد ُته بتفضيل خير أدنى عليه.
الخطيئة العرض ّية ُتبقي المحبّة ،وإن أساءت إليها وجرحتها.
ي الذي هو المحبّة ،فتقتضي مبادر ًة جديد ًة من -0111الخطيئة المميتة تهاجم فينا المبدأ الحيو ّ
ي في إطار سرّ المصالحة. رحمة هللا ،وتوب َة قلب َت ِن ُّم بوجه اعتياد ّ
"عندما تعع َم ُد اإلدارة إلى شيء بح ّد ذاته مناف للمحبّة التي توجّ هنا نحو الغاية القصوى ،تكون الخطيئة
ع
والحنث...أو لمحبّة القريب كالقتل والزنى... بموضوعها ذاتِه مميتة سواء كان مخالفا ً لمحبّة هللا ،كالتجديف
وبالمقابل عندما َتعع َمد إرادة الخاطئ أحيانا ً إلى شيء فيه انحراف ولك ّنه ليس مضاداً لمحبة هللا ومحبة القريب،
َك علغ ِو الكالم وفضول الضحك ....مثل هذه الخطايا هي عرضيّة".
ً
مميتة ك ُّل ُ
الخطيئة مميتة ال ب ّد من ثالثة شروط متالزمة" :تكون خطيئة -0111حتى تكون
خطيئة ما ّدتها ثقيلة ،ويرتكبها اإلنسان بكامل وعيه ،وبقصد صادر عن رؤية".
-0111المادة الثقيلة توضحها الوصايا العشر ،بحسب جواب يسوع للشاب الغني" :ال تقتل ،ال
تزن ،ال تشهد بالزور ،ال تتع َّد على أحد ،أكرم أباك وأمّك" (مر .)21 :21والخطيئة متفاوتة في ِ
جسامتها :فالقتل أعظم من السرقة .وصفة األشخاص الذين لحق بهم األذى ُتحسبُ أيضاً:
.فممارسة العنف على األقرباء هي بح ّد ذاتها جسيمة أكثر منها على الغرباء
ً ً
-0111تقتضي الخطيئة المميتة معرفة كاملة ورضى تا ّما .وتفترض معرفة سابقة أنَّ في الفعل
خطيئة ،وأ ّنه مخالف لشريعة هللا .وتتضمّن أيضا ً رضىً فيه من الرّ ؤية ما يكفي ليكون اختياراً
شحص ّياً .والجهل المتص ّنع وتصلّب القلب ال يُنقصان بل يزيدان السِّمة اإلرادية في الخطيئة.
-0111يمكن الجهل الذي ال يتأ ّتى عن اإلرادة أن يُنقص المسؤوليّة عن إثم جسيم ،إن لم يعذِر
مبادئ الشريعة األخالقية المكتوبة في ضمير كل َ عليها .ولكن ال يُفترض أن يكون أحد جاهالً
إنسان .كذلك يمكن نزوات الحسّ واألهواء أن ُتنقص ما في اإلثم من سمةإرادية وحرّ ة ،وكذلك
الضغوط الخارجيّة واالضطرابات المرّضيّة .والخطيئة عن خبث ،باختيار ُم َتروٍّ للشرّ ،هي
األعظم.
-0110الخطيئة المميتة هي إمكانيّة أصلية للحريّة اإلنسانيّة كما المحبّة نفسها .وهي تؤ ّدي إلى
خسارة المحبة والحرمان من النعمة المقدسة ،أي من حال النعمة .وإذا لم ُتف َد بالندامة وغفران هللا
فهي تسبِّب االقصا َء من ملكوت المسيح ،والموت األبديّ في جه ّنم ،بما أنّ حريتنا تستطيع القيام
باختيارات أبديّة ال رجوع عنها .ولكن إذا كان باستطاعتنا أن نحكم بأنّ فعالً ما هو بذاته إثم
كبير ،علينا ،في الحكم على األشخاص ،أن نترك ذلك لعدالة هللا ورحمته.
-0114يخطأ اإلنسان خطيئة عرض ّية عندما ال يُحافظ في ما ّدة خفيفة على القدر الذي تفرضه
الشريعة األخالقية ،أو عندما يخالف الشريعة األخالقيّة في ما ّدة ثقيلة ولكن بدون معرفة كاملة أو
رضىً تا ّم.
-0111الخطيئة العرضية ُتضعف المحبّة ،إ ّنها تعني تعلّقا ً منحرفا ً بالخيرات المخلوقة ،وتمنع
تق ّدم النفس في ممارسة الفضائل والصالح األخالقي ،فتستأهل عقوبات زمنية .والخطيئة
العرضية المتأتيّة عن َتروٍّ ولم َتحع َظ بالندامة ُتهيّئنا رويداً رويدا الرتكاب الخطيئة المميتة .ولكنّ
58
الخطيئة العرضية ال تقطع العهد مع هللا .وهي قابلة لألصالح بنعمة هللا" .إ ّنها ال تحرم من النعمة
.المق ِّدسة أوالمُؤلِّهة ،ومن المحبّة اإللهية ،وبالتالي من السعادة األبديّة"
"ال يستطيع اإلنسان ،ما دام في الجسد ،أن يتج ّنب ك ّل خطيئة ،وعلى األق ّل الخطايا الخفيفة ،ولكن هذه الخطايا
خسبعها بال أهمية" فإن كنت تحسبُها بال أهمية عندما َت ِزنها ،فارتعد عندما تع ّدها.
التي ندعوها خفيفة ،ال َت َ
كتلة كبيرة ،مجموعة من القطرات تمأل نهراً .مجموعة من الحبّات تعمل مجموعة من األشياء الصغيرة تصن ُع ً
.كومة .فما هو عندئذ رجاؤنا؟ إ ّنه قبل ك ّل شيء االعتراف"
" -0112ك ّل خطيئة وتجديف يُغفر للناس ،أما التجديف على الروح القدس فلن يُغفر"
(متى .)21:32إلنّ رحمة هللا ال ح ّد لها ،ولكن من يرفض عن رؤية تقبُّل رحم ِة هللا بالندامة يأبى
والخالص الذي يُق ّدمه الروح القدس .ويمكن أن يقود مث ُل هذا التصلّب إلى إنتفاء
َ غفران خطاياه
التوبة األخيرة وإلى الخسارة األبدية.
.ً1تكاثر الخطايا
-0111الخطيئة تست ِجرُّ إلى الخطيئة ،و ُتولّد الرذيلة بتكرار األفعال ذاتها .فينتج من ذلك أميال
أثيمة ُتظلم الضمير ،و ُتفسد التقويم العمليّ للخير والشرّ .وهكذا تسعى الخطيئة إلى التكاثر
واالستقواء ،ولك ّنها ال تستطيع استئصال الحسّ األخالقي من جذوره.
ُ
ربطها بالخطايا الرئيسة التي -0111يمكن تقسيم الرذائل بحسب الفضائل التي ُتضا ُّدها ،أو
ميّزتها الخبرة المسيحية في أثر القديس يوحنا كاسيان والقديس غريغوريوس الكبير .و ُتدعى
رئيسة أل ّنها ُتولّد خطايا أخرى ورذائل أخرى .وهي الكبرياء ،والبخل ،والحسد ،والغضب،
والنجاسة ،والشراهة ،والكسل (أو االسيديا).
ي أيضا ً أن هناك "خطايا تصرخ إلى السماء" .فيصرخ إلى -0111يذك ُر التعليم الديني التقليد ّ
السماء :دم هابيل ،وخطيئة السّدوميين ،وهتاف الشعب المظلوم في مصر ،وشكوى الغريب
واألرملة واليتيم ،وظلم األُجراء.
-0111الخطيئة فعل شخصيّ .وعالو ًة على ذلك نتحمّل مسؤولية عن خطايا اآلخرين عندما
نشارك فيها:
-بالمشاركة المباشرة والطوعيّة،
-باألمر أو المشورة بها ،أو ّ
الثناء أو الموافقة عليها،
-بعدم الكشف عنها أو منع حدوثها ،عندما يكون ذلك لزاما ً علينا،
-.بحماية من يصنعون الشرّ
ُ
-0111هكذا تجع ُل الخطيئة الناس متواطئين بعضهم مع بعض ،و ُتسلُّط بينهم الشهوة والعنف
حدث الخطايا أوضاعا ً اجتماعية ومؤسّسات مخالفة للجودة اإللهية. والظلم ،و ُت ً
"وهيكليات الخطيئة" هي التعبير عن الخطايا الشخصيّة ونتيجتها .إ ّنها تحمل ضحاياها على أن
يصنعوا هم أيضا ً الشرّ .وهي ،على سبيل التشبيهُ ،تكوِّ ن "خطيئة اجتماعية".
بإيجاز
-0111.إنّ هللا قد أغلق على الجميع في المعصية لكي يرحم الجميع( ،رو)20 :44
-0110الخطيئة هي "كلمة أو فعل أو شهوة تخالف الشريعة األزلية" .إ ّنها إهانة هلل ،وهي تقف
في وجهه في عصيان يخالف خضوع المسيح.
ي.
-0114الخطيئة فعل يخالف العقل ،ويجرح الطبيعة البشريّة ،ويسيء إلى التضامن البشر ّ
59
-0111أصل كل الخطايا هي في قلب اإلنسان .و ُتقاس أنواعُها وجسام ُتها خصوص ًا بالنسبة إلى
موضوعها.
ً
-0112االختيار الصادر عن رؤية ،أي عن معرفة وإرادة ،لشيء يخالفُ مخالفة كبير ًة شريعة
هللا والغاية القصوى لإلنسان ،هو خطيئة مميتة .وهذه تقضي فينا على المحبّة التي بدونها تكون
السعادة األبدية مستحيلة .وهي ،بدون الندامة ،تسبّب الموت األبدي.
-0111الخطيئة العرضيّة هي انحرف أخالق ّي يمكن أن ُتصلِحه المحبّة التي ُتبقيها فينا تلك
.الخطيئة
-0111.تكرار الخطايا ،حتى العرضيّة ،يو ّلد الرذائل التي نميّز بينها الخطايا الرئيسة
الفصل الثاني
الجماعة البشرية
-0111إنّ دعوة البشرية هي في إظهار صورة هللا والتحوّ ل للتصوّ ر بصورة االبن والوحيد
لآلب .وهذه الدعوة لها طابع شخصيّ ،ألنّ ك ّل واحد مدعوٌّ إلى الدخول في السعادة األبدية .وهي
أيضا ً ذات عالقة بالجماعة البشرية بأكملها.
المقال األول
الشخص والمجتمع
60
تتجاوز اإلمكانات الفردية .وهو ينمّي صفات الشخص ،وعلى الخصوص ،حسّ المبادرة
والمسؤولية عنده .وهو يساعد على كفالة حقوقه.
فتدخل الدولة المُفرط يمكن أن يُه ّدد الحرّ ية والمبادرة الشخصيّتين. ّ -0111للتجمع أيضا ً أخطار.
ّ
يتدخ َل وقد أع َّدت الكنيسة في عقيدتها مبدأ ُدعي "بالتسلسل ّية" .ومؤ ّداه "أن ليس لمجتمع أعلى أن
في الحياة الداخليّة لمجتمع أدنى بحرمانه من صالحيّاته ،بل عليه باألحرى ان يسانده عند
الضرورة وأن يساعده على تنسيق عمله مع عمل العناصر األخرى التي تؤلف المجتمع في سبيل
الخير العام".
-0112لم يشإِ هللا أن يحتفظ لنفسه بممارسة ك ّل السلطات .فهو يعطي ك ّل خليقة الوظائف التي
ط الحكم هذا يجب أن يُقتدى به في يمكنها ان ُتمار َسها بحسب إمكانات طبيعتها الخاصّة .و َن َم ُ
الحياة االجتماعية .وتصرُّ فُ هللا في ُح عكم العالم ،الذي يُظهر الكثير من المراعاة للحرّ ية البشريّة،
ُلهم حكم َة من يحكمون الجماعات البشريّة .فعليهم أن يتصرّفوا كمُع َتمدين للعناية يجب أن ي ِ
اإللهية.
تدخل الدولة ،قاصداً انسجام -0111يقاوم مبدأ التسلسلية كل أشكال الجماعية ،ويضع حدو َد ُّ
العالئق بين األفراد والمجتمعات وساعيا ً إلى إقامة نظام دوليّ حقيقيّ.
.ً4التوبة والمجتمع
-0111ال ب ّد من المجتمع لتحقيق الدعوة البشريّة .ولبلوغ هذا الهدف ال ب ّد من احترام التراتبية
الصحيحة بين القيم التي " ُتخضع األبعاد الطبيعية والغريزيّة لألبعاد الداخليّة والروحيّة".
عارف في ضوء
َ "يجب أن يُنظر إلى الحياة في المجتمع ،قبل كل شيئ ،كحقيقة من نمط روحيّ .فهي تبا ُدل َم
وممارسة حقوق واضطالع بواجبات ،وتنافس في السعي إلى الخير األخالقيّ ،ومشاركة في التم ّتع ُ الحقيقة،
ٌّ ّ
الكريم بالجمال في ك ّل تجلياته المشروعة ،واستعداد دائم اليصال أفضل ما في الذات إلى اآلخرين ،وتوق عا ٌّم
إلى إثراء روحيّ مستمرّ .تلك هي القيم التي يجب ان ُتنعش وتوجّ ه الحركة الثقافية ،والحياة اإلقتصادية ،والتنظيم
.االجتماعي ،والحركات واألنظمة السياسية ،والتشريع ،وك ّل تجلّيات الحياة االجتماعية في تطوّ رها ال ّدائم"
ب الوسائل والغايات الذي يبلغ ح ّد إيال ِء قيمة الغاية القصوى إلى ما ليس سوى -0111إنّ عقل َ
وسيلة إليها ،أو النظر إلى األشخاص كوسائل فقط إلى هدف ،يولّد هيكليّات ظالمة "تجعل السلوك
.المسيحي الموافق لوصايا المشترع اإللهي شاقّا ً ومستحيالً عمل ّياً"
-0111فيجب عندئذ استنهاض االمكانات الروحيّة واألخالقيّة للشخص ،والمقتضيات الدائمة
لتوبته الداخل ّية ،للحصول على تغييرات اجتماعية تكون حقيق ًة في خدمته .واألولويّة المع َترفُ
فرض ،واجب إجراء االصالحات المناسبة بها لتوبة القلب ال ُتلغي إطالقاً ،بل هي على العكس َت ِ
وتعزز الخير عوضا ً من ّ على المؤسّسات ،وعلى أوضاع الحياة ،حتى تتوافق مع قواعد العدل،
إعاقته.
-0111بدون اللجوء إلى النعمة ال يستطيع الناس "كشف السبيل الضيق مراراً كثيرة بين ال ُجبعن
الذي يستسلم للشرّ والعنف الذي يجعله يتفاقم وهو يظنّ أنه يقاتله" .إ ّنه سبيل المحبّة ،أي محبّة هللا
والقريب .فالمحبّة هي أعظم الوصايا االجتماعية .إ ّنها تحترم اآلخرين وحقوقهم ،وتقتضي
ممارسة العدل ،وهي وحدها تجعلنا قادرين على ذلك .إ ّنها ُتلهم حيا ًة ملؤها بذل الذات" :من طلب
أنع يخلّص نفسه يُهلكها ،ومن أهلكها حفظها"( .لو .)33 :27
بإيجاز
-0111هناك بعض الشبه بين وحدة األقانيم اإللهيّة واألخوّ ة التي يجبّ على الناس أن يقيموها
فيما بينهم.
61
ي إلى الحياة االجتماعية لينمو نموّ ًا يتوافق مع طبيعته .بعض -0110يحتاج ال ّشخص البشر ّ
المجتمعات ،من مثل األسرة والمدينة ،هي أكثر تناسب ًا مع الطبيعة البشريّة.
ي هو ،ويجب أن يكون ،مبدأ جميع المؤسسات االجتماعية ومر ّدها " -0114الشخص البشر ّ
.وغايتها"
-0111.يجب التشجيع على مشاركة واسعة في تجمّعات ومؤسسات مختارة
ي مجتمع أوسع مقام مبادرة األشخاص -0112بحسب مبدإ ِ التسلسلية أن ال تقوم الدولة وال أ ّ
والتجمّعات الوسيطة ومسؤوليّتهم.
يعزز ممارسة الفضائل ال أن يعيقها .ويجب أن يستلهم تراتبيّة صحيحة -0111على المجتمع أن ّ
للقيم.
ّ
المناخ االجتماعيّ ،ال ب ّد من اللجوء إلى توبة القلوب وإلى نعمة هللا. ُ
الخطيئة ُ -0111
حيث ُتفسد
المحبّة تحمل على إجراء إصالحات صحيحة .وليس من ح ّل للمسألة االجتماعية خارج اإلنجيل.
المقال الثاني
المشاركة في الحياة االجتماعية
سلطة
.ً0ال ُّ
ّ
" -0111إنّ الحياة في المجتمع سينقُصُها النظام وال ِخصع ب إن افتقدت وجود أناس يتولون السلطة
.على وجه شرعيّ ،ويؤمّنون حفظ المؤسسات ،ويصرفون العناية ،بقدر كاف ،إلى الخير العام"
شرائع وإعطاء أوامر للناس، َ ُ
الصفة التي ُتخوّ ل أشخاصا ً أو مؤسسات إقرار ً
"سلطة" ُتدعى
ب الخضوع من قبلهم. وتر ُّق َ
-0111ك ُّل جماعة بشريّة هي في حاجة إلى سلطة تسوسها .واساس هذه السلطة موجود في
الطبيعة البشريّة .فهي ضروريّة لوحدة المدينة .ومهمّتها االضطالع قدر اإلمكان بخير المجتمع
العام.
ُ
-0111السلطة التي يقتضيها النظا ُم األخالقيّ هي من هللا" :ليخضعع ك ّل واحد للسلطات الم َنصَّبة،
فإ ّنه ال سلطان إال ّ من هللا .والسلطات الكائنة إ ّنما ر ّتبها هللا .فمن يقاوم السلطان إذن فإ ّنما يُعاند
ترتيب هللا ،والمعاندون يجلبون الدينونة على أنفسهم" (رو.)1-2 :3
-0111واجب الطاعة يفرض على الجميع أن يؤ ّدوا للسلطة اإلكرام الواجب لها ،وان يحوّ طوا
باالحترام األشخاص الذين يُمارسون مهامّها ،وكذلك ،حسب استحقاقهم ،بالشكران والمحاسنة.
نجد بقلم بابا روما القديس إكليمنضوس ،أقدم صالة كنسيّة ألجل السلطة السياسية:
"إمنحهم يا رب ،الصحة والسالم والوفاق واالستقرار ،حتى يُمارسوا ،دون مضايقة ،الرئاسة التي أولي َتهم إيّاها.
فأنت أيّها السيّد ،ملك األجيال السماويّ ،من يعطي أبناء البشر المجد والشرف والسلطان على شؤون االرض.
مشورتهم إلى ما هو خير ،وما هو مرضيٌّ لديك ،حتى إذا ما مارسوا بتقوى في السالم والحلم،
َ س ّدد يا رب
.السلطان الذي أولي َتهم إيّاه ،يُحرزون رضاك"
-0110إذا كانت السلطة ُترجع إلى نظام وضعه هللا" ،فتحدي ُد االنظمة السياسية ،وتعيينُ الح ّكام،
.يجب أن يُتركا إلردة المواطنين الحرّ ة"
تنوّ ع االنظمة السياسية من الوجهة األخالقيّة بشرط أن تؤ ّدي إلى الخير المشروع للجماعة التي
ترتضيها .واألنظمة المخالفة بطبيعتها للشريعة الطبيعية ،وللنظام العام ،ولحقوق األشخاص
الخير العا َّم لالمم التي َفرضت نفسها عليها.
َ األساسية ،ال يمكنها أن توفّر
62
السلطة من ذاتها شرعيّتها األخالقية .وعليها أن ال تسلك سلوك االستبداد ،بل أن ُ -0114ال تستم ّد
تعم َل ألجل الخير العام "كقوّ ة معنويّة مؤسسة على الحرّ ية وحسّ المسؤوليّة".
ُ
سمة الشريعة إالّ بنسبة موافقته للعقل السليم ،ومن هنا يظهر أنه يستم ّد قوّ ته من "ال يكون للتشريع البشري
الشريعة األزليّة .وبمقدار انحرافه عن العقل يجب إعالنه جائراً أل ّنه ال يح ّقق مفهوم الشريعة .إ ّنما يصبح شكالً
من أشكال العنف".
-0111ال تكون ممارسة السلطة شرعية إال ّ إذا سعت هذه إلى الخير العا ّم للمجموعة ذات
العالقة ،وإال ّ إذا استعملت ،في سبيل ذلك ،وسائل جائرة .أمّا إذا ا ّتفق للقادة ان يُصدروا شرائع
جائرة وي ّتخذوا قرارات مخالفة للنظام األخالقيّ ،فليس لهذه اإلجراءات أيّ قوّ ة إلزاميّة بالنسبة
ً
سلطة وإ ّنما تتحوّ ل إلى تعسّف". إلى الضمير" .وفي مثل هذه الحال ال تبقى السلطة
" -0112من األفضل أن يوازن ك َّل سلطة سلطات أخرى ،وصالحيات أخرى ُتبقيها ضمن
الحدود الصحيحة .وهذا هو مبدأ "دولة القانون" التي تكون فيها الرئاسة للشريعة ال إلرادات
.البشر العشوائيّة"
.ً4الخير العام
-0111خي ُر ك ّل واحد ،وفقا ً لطبيعة اإلنسان االجتماعية ،هو بالضرورة على عالقة بالخير العا ّم.
وال يمكن تحدي ُد الخير العا ّم إال بالنسبة إلى الشخص البشريّ :
"ال تعيشوا منعزلين ،منقبضين في ذواتكم ،كما لو أ ّنكم أصبحتم مبرّ رين ،ولكن تجمّعوا لتسعوا معا ُ إلى ما فيه
الخير العا ّم".
-0111بالخير العا ّم يجب أن نفهم "مجموعة األوضاع االجتماعية التي تسمح للجماعات
ولألفراد من أعضائها أن يبلغوا كمالهم بوجه أت ّم وأسهل" .فالخي ُر العا ّم يه ّم حياة جميع الناس.
وهو يقتضي الفطنة من ك ّل واحد ،وفي األكثر ممن يضطلعون بمهمّة السلطة .وهو يتضمّن ثالثة
عناصر أساس ّية:
-0111إ ّنه يفترض أوالً احترام الشخص بصفته هذه .فالسلطات العموميّة مُلزمة ،باسم الخير
العام ،باحترام حقوق الشخص البشريّ األساسيّة والتي ال يمكن التخلّي عنها .وعلى المجتمع أن
يُم ِّكن ك ّل عضو فيه من تحقيق دعوته .والخير العا ّم يقوم خصوصا ً على توفير الشروط لممارسة
حق التصرّف وفاقا ً لقاعدة الحرّ يات الطبيعية التي ال ب ّد منها لتف ّتح الدعوة اإلنسانية" :هكذاّ :
وحق صيانة الحياة الخاصّة والحرّية الصحيحة الممت ّدة إلى األمور الدينية ّ الضمير القويمة،
.أيضاً"
َ
والتنمية للمجموعة ذاتها.والتنمية هي -0111الخير العا ّم يتطلّب ثانيا ً الرفاه ّية االجتماعية
خالصة جميع الواجبات االجتماعية .أجل ،يعود إلى السلطة أن تح ُكم ،باسم الخير العا ّم ،بين
ً
عيشة المصالح الفردية المتنوّ عة .ولكنّ عليها أن ُتم ِّكن ك ّل إنسان مما يحتاج إليه لكي يعيش
إنسانيّة حقيقيّة :من غذاء ،ولباس ،وصحّ ة ،وعمل ،وتربية ،وثقافة ،وإعالم الئق ،وحق تأسيس
العائلة.
-0111والخير العا ّم يتضمّن أخيراً السالم ،اي دوا َم نظام عادل وأمانه .فيفترض إذن قيام
الحق في الدفاع المشروع ّ السلطة بتوفير األمان للمجتمع وألعضائه بوسائل قويمة .وهو أساس
الشخصيّ واالجتماعيّ .
-0101إذا كان لك ِّل جماعة بشريّة خير عا ٌّم يم ِّكنها من أن تعرف نفسها بتلك الصفة ،ففي
عزز الخير العا ّم للمجتمع الجماعة السياسية تجد تحقيقه األكمل .ويعود إلى الدولة أن تصون و ُت ّ
المدنيّ للمواطنين وللهيئات الوسيطة.
63
-0100إنّ العالئق البشرية ّ
تتوثق عُراها .وهي تع ّم رويداً رويداً األرض كلّها .ووحدة األسرة
ع
بكرامة إنسانيّة متساوية ،تنطوي على خيرّ عا ّم شامل .وهذا البشرية التي تض ُّم كائنات تتم ّتع
يتطلّب تنظيما ً لجماعة األمم قادراً على "توفير األمور المختلفة التي يحتاج إليها الناس ،سواء كان
ذلك في نطاق الحياة االجتماعية (من مثال الغذاء والصحية والتربية ).....أو كان ذلك في سبيل
التص ّدي ألوضاع خاصّة قد تطرأ هنا وهناك (من مثل كشف الش ّدة عن الالجئين ،أو م ّد يد
المعونة إلى المتغربّين وعيالهم).
-0104الخي ُر العا ّم يُوجَّ ه دائما ً نحو تق ّدم األشخاص" :فنظام األشياء يجب أن يخضع لنظام
األشخاص ،وال يعكس ذلك" .واساس هذا النظام الحقيقة ،وهو يبنى في العدل ،ويحيا بالمحبّة.
.ً1المسؤولية والمشاركة
-0101المشاركة في إلتزام الشخص التزاما ً إراد ّيا ً وكريما ً بالتبادالت االجتماعية .فمن
الضروريّ أن يشارك الجميع ،ك ّل بحسب الموقع الذي هو فيه والدور الذي يقوم به ،في تعزيز
الخير العا ّم .وهذا الواجب مالزم للطبيعة البشرية.
-0102تت ّم هذه المشاركة أوّ الً باضطالع اإلنسان بمها ّم القطاعات التي هو مسؤول عنها
شخص ّيا .فهو باعتناقه بتربية أسرته ،وبتقيّده بالضمير في عمله ،يشارك في خير اآلخرين
والمجتمع.
ّالة في الحياة العامة .ويمكن أنكة فع ً -0101على المواطنين أن يشاركوا ،قدر المستطاع ،مشار ً
تتنوّ ع أساليب هذه المشاركة بتنوّ ع البلد والثقافات" .و ِنعع َم ال َمسلك الذي تسل ُكه الدول التي يشترك
.فيها أكبر عدد ممكن من المواطنين في شؤونها العامّة"
-0101مشاركة الجميع في قيام الخير العام تقتضي ،ككل واجب أخالقي ،اهتداء الشركاء
االجتماعيين بوجه ال يني يتج ّدد .فمن الواجب القضا ُء بقوّ ة على الغشّ وأساليب االحتيال األخرى
التي يستخدمها بعضهم لإلفالت من قيد الشريعة وفرائض الواجب االجتماعي ،أل ّنها تتنافى
ومقتضيات العدل .ويجب االهتمام بنموّ المؤسسات التي ُتحسِّن أوضاع الحياة البشرية.
تثبيت الق َيم التي تجتذب ثقة أعضاء المجموعة ُ -0101يعود إلى من يضطلعون بالسلطة
ّ
ليحق التفكير وتحضّهم على أن يكونوا في خدمة اآلخرين .وتبدأ المشاركة بالتربية والثقافة" :إنه
في أنّ مصير االنسانية هو في أيدي أوالئك الذين استطاعوا أن يُق ّدموا لألجيال اآلتية أسباب
.الحياة واألمل"
بإيجاز
64
-0142الخير العام ينطوي على "مجموعة األوضاع االجتماعية التي تسمح للجماعات واألفراد
أن يبلغوا كمالهم بوجه أتمّ وأسهل".
-0141الخير العام يتضمّن ثالثة عناصر أساسية :احترام حقوق الشخص األساسية وتعزيزها،
االزدهار أو النموّ في خيور المجتمع الروحية والزمنية ،السالم واألمان للمجموعة وأعضائها.
ي تقتضي السعي إلى الخير العام .وعلى ك ّل واحد أن يهتمّ بإنشاء -0141كرامة الشخص البشر ّ
أوضاع الحياة البشرية وبمساندها.
َ مؤسسات ُتحسِّن
-0141يعود إلى الدولة أمر صيانة الخير العامّ في المجتمع المدن ّي وتعزيزه .والخير العام
لألسرة البشرية جمعاء يتط ّلب تنظيم المجتمع الدوليّّ .
الفصل الثالث
العدالة االجتماع ّية
-0141يؤمِّن المجتم ُع العدالة اإلجتماعية عندما يوفّر الشروط التي تسمح للجماعات ولك ّل فرد
يحق لهم وفاقا ً لطبيعتهم ولدعوتهم .والعدالة االجتماعية على صلة بالخير العا ّم
بالحصول على ما ُّ
وبممارسة السلطة.
65
.ً4المساواة واالختالفات بين البشر
-0112بما أن جميع البشر قد ُخلقوا على صورة هللا األوحد ،و ُخصّوا بنفس عاقلة واحدة ،فهم
ذوو طبيعة واحدة وأصل واحد .وبما انّ المسيح قد افتداهم بذبيحته ،فهم مدعوّ ون إلى المشاركة
في السعادة اإللهية نفسها :وهم يتم ّتعون إذن بكرامة متساوية.
-0111المساواة بين البشر تقوم ،في جوهرها ،على كرامتهم الشخصيّة والحقوق الناجمة عنها:
"ك ّل نوع من أنواع التمييز في حقوق الشخص األساسية ،سواء كان قائما ً على الجنس أو العرق ،أو لون البشرة،
أو الوضع االجتماعي أو اللغة أو الدين ،يجب تجاوزه على أ ّنه مخالف لتصميم هللا".
-0111ال يتم ّتع اإلنسان ،عندما يأتي إلى العالم ،بك ّل ما هو ضروريٌّ لنموّ حياته الجسدية و
الروحية .إ ّنه بحاجة إلى اآلخرين .فتظهر االختالفات المرتبطة بالسنّ ،واإلمكانات الطبيعية،
واإلمكانات الذهنية أو األخالقية ،والتبادالت التي قد استفاد منها ك ّل واحد ،وتوزيع الثروات.
توزع بالتساوي. "فالوزنات" لم ّ
خطة هللا ،الذي يريد أن يتقبّل ك ُّل واحد من اآلخرين ما يحتاج -0111هذه االختالفات داخلة في ّ
إليه ،وأن يُشارك َمنع عندهم "وزنات" خاصة في فوائدها مّنع هم في حاجة إليها .فاالختالفات
لزمُهم بها .وهي تحفّز تشجّ ع األشخاص على األريحيّة والمحاسنة والمشاركة وأحيانا ً كثيرة ُت ِ
الثقافات على أن تغتني بعضها ببعض:
ً ً
وزعها بطريقة ما ،حينا على أحدهم وحينا على ُ
"ال أعطي ك ّل الفضائل لك ّل واحد بالمساواة ...فمنها جملة أ ّ
اآلخر ...للواحد المحبة ،ولآلخر العدل ،ولهذا التواضع ،ولذلك لإليمان الحي....وأما الخيرات الزمنية ،واألشياء
ك ك ّل واحد ك ّل ما هو ضروريّ له حتى وزع ُتها بأكبر ال مساواة .ولم أُ ِرد أن يمتل ّ
الضرورية لحياة اإلنسان ،فقد ّ
ُ
واردت أن يكونوا في حاجة يكون هكذا للناس فرصة ،بالضرورة ،لكي يمارسوا المحبة بعضهم تجاه بعض.
ضهم إلى بعض ،وأن يكونوا وكالئي لتوزيع النعم والحسنات التي تقبّلوها م ّني". بع ُ
-0111هناك أيضا ً أكثر من ال مساواة جائرة ُتصيبُ ماليين من الرجال والنساء .وهي على
تناقض فاضح مع اإلنجيل:
"إنّ مساواة األشخاص في الكرامة يقتضي أن يتوصّل المجتم ُع إلى وضع حياتيّ أكثر عد ً
الة وأكثر إنسانية.
فالتفاوت االقتصاديّ واالجتماعيّ المُفرط بين أعضاء األسرة البشرية الواحدة أو بين شعوبها باعث على العثار
والشكّ .وعقبة في طريق العدالة اإلجتماعية ،واإلنصاف ،وكرامة الشخص اإلنسانيّ والسالم االجتماعي
وال ّدوليّ ".
اإلنساني
ّ .ً1التضامن
-0111إنّ مبدأ التضامن ،والذي يُدعى أحيانا ً باسم "الصداقة" أو "المحبّة االجتماعية" هو من
المقتضيات المباشرة لألُخوّ ة االنسانية والمسيحية:
هناك خطأ "واسع االنتشار اليوم ،هو نسيان شريعة التضامن اإلنساني والمحبّة ،التي يُمليها و َيفرضها األصل
المشترك والمساواةُ في الطبيعة العاقلة بين الناس ،ومهما كان الشعب الذي ينتمون إليه ،كما ُتمليها وتفرضها
أيضا ً ذبيحة الفداء ،التي ق ّدمها يسوع المسيح على مذبح الصليب ألبيه السماوي ،ألجل البشرية الخاطئة".
َ -0121يظهر التضامن أوّ الً في توزيع الخيرات وأجع ر العمل .وهو يفترضُ أيضا ً بذل الجهد في
سبيل نظام اجتماعي أكثر عدالة ،يمكن فيه استيعاب التوترات بوجه أفضل ،و ُتج ُد فيه النزاعات،
بوجه أسهل ،حالًّ تفاوض ّياً.
-0120ال يمكن إيجاد حلول للمشاكل االجتماعية االقتصادية إال ّ بمساندة جميع صيغ التضامن:
تضامن الفقراء فيما بينهم ،واألغنياء والفقراء ،والعمّال فيما بينهم ،والعمّال وأصحاب العمل في
المؤسسة ،والتضامن بين األمم والشعوب .والتضامن ال ّدولي من مقتضيات النظام األخالقي ،ألنّ
ُ
يرتبط به جزئ ّياً. السالم في العالم
66
-0124إنّ فضيلة التضامن تمت ُّد إلى أبع َد من الخيرات الماديّة .والكنيسة عندما نشرت خيور
عززت باالضافة نموّ الخيور المادية ،إذ فتحت أمامها مراراً ُس ُبالً جديدة. اإليمان الروحيّة ،قد ّ
وهكذا تحقّقت على مدى القرون كلمة السيّد" :أُطلبوا أوّ الً ملكوت هللا وبرّ ه ،وهذا كلّه يُزاد لكم"
(متى.)33 :6
"منذ ألفي سنة ،تعيشُ و تستمرُّ روح الكنيسة تلك العاطفة التي دفعت وما زالت تدفع النفوس إلى بطولة المحبّة،
عند الرهبان الزرّاع ،ومحرّ ري العبيد ،وشافي المرضى ،ورسل اإليمان والتم ّدن والعلم إلى كل األجيال وك ّل
.الشعوب ،حتى يو ِجدوا أوضاعا ً اجتماعيّة ُتم ِّكنُ الجميع من أن يحيوا حياة الئقة باإلنسان المسيحي"
بإيجاز
-0121يؤمّن المجتم ُع العدالة االجتماعية بتحقيق الشروط التي تسمح للجماعات ولألفراد
بالحصول على ما هو ٌّ
حق لهم.
ي َيعتب ُر اآلخر" ،كذات أخرى له" ويفترضُ احترام الحقوق -3411احترام الشخص البشر ّ
األساسية الناجمة عن الكرامة المالزمة للشخص بذاته.
-0121المساواة بين الناس تقوم على الكرامة الشخصيّة وعلى الحقوق الناجمة عنها.
-0121االختالفات بين األشخاص هي بتدبير من هللا الذي يريد أن يحتاج بعضنا إلى بعض،
وعليها ان ُتشجَّ ع المحبّة.
-0121المساواة في الكرامة بين األشخاص ،اإلنسانية تقتضي بذل الجهد لتقليص الالمساواة
االجتماعيّة واالقتصاديّة المُفرطة .وهي تحمل على إزالة ما هناك من ال مساواة جائرة.
ً
مشاركة -0121التضامن فضيلة مسيحيّة بامتياز .وهو يمارس المشاركة في الخيرات الروحيّة
تفوق أيض ًا تلك التي في الخيرات الما ّدية.
الفصل الثالث
خالص هللا :الشريعة والنعمة
-0121إنّ اإلنسان الذي ُدعي إلى السعادة وجرحته الخطيئة هو بحاجة إلى خالص هللا .ويأتيه
العون اإللهيّ في المسيح بالشريعة التي توجّ هه وبالنعمة التي تعضده:
"إعملوا لخالصكم في خوف ورعدة ،ألنّ هللا هو الذي يفعل فيكم اإلرادة والعمل نفسه على حسب مرضاته" (في
.)23-21 :1
المقال األول
الشريعة األخالق ّية
-0111الشريعة األخالقيّة هي من عمل الحكمة اإللهيّة .ويمكن تحديدها ،بالمعنى الكتابي ،بأ ّنها
تعليم أبويّ وتربية من هللا .إ ّنها ترسم لإلنسان ُس ُب َل السلوك وقواعدَه التي تقود إلى السعادة
الموعودة ،وتحظر ُس ُب َل الشرّ التي تصرف عن هللا ومحبّته .إ ّنها في آن واحد ،متش ّددة في
أوامرها وطيبة في وعودها.
-0110الشريعة قاعدةُ سلوك تضعها السلطة الصّالحة ألجل الخير العا ّم .وتفترض الشريعة
األخالقيّة نظاما ً عقل ّيا ً قائما ً بين الخالئق ألجل خيرهم ،وفي سبيل غايتهم ،بقدرة الخالق وحكمته
وجودته .وك ُّل شريعة تجد في الشريعة األزلية حقيقتها األولى والقصوى .والشريعة يُعلنها
67
ويُنشئها العقل كمشاركة في عناية هللا الح ّي خالق الجميع وفاديهم" .إنّ َت َو ُّجه العقل هذا هو ما
يًسمّى بالشريعة".
"يستطيع اإلنسان وحده ،بين جميع الكائنات الحيّة ،بأ ّنه كان جديراً بتقب ُِّل شريعة من هللا .وبما أ ّنه اخ ًتصَّ بالعقل،
ينظ ُم سلو َكه مستعينا ً بالحرّية والعقل ،خاضعا ً لمن سلّمه ك ّل شيء". وكان قادراً على الفهم والتمييز ،فهو ِّ
-0114تتنوع التعابير عن الشريعة األخالقيّة ،وهي كلُّها تتناسق بعضها مع بعض :الشريعة
المنزلة التي تض ّم ّ األزليّة ،هي ،في هللا ،ومصد ُر جميع الشرائع ،الشريعة الطبيعية ،والشريعة
الشريعة القديمة والشريعة الجديدة أو اإلنجيلية ،وأخيراً الشرائع المدن ّية والكنسيّة.
الشريعة األخالقيّة في المسيح كمالَها ووح َد ّتها .ويسوع المسيح هو بشخصه طريق ُ -0111تجد
الكمال .هو غاية الشريعة ،أل ّنه وحده يُعلِّم ويعطي برّ هللا" :ألنّ غاية الناموس هي المسيح الذي
يبرّ ر كل من يؤمن" (رو.)4 :21
.ً0الشريعة الطبيعية
والخالق يمنحه التسلّط على أعماله ،والقدرة
ُ ك اإلنسانُ الخالق في حكمته وجودته. -0112يشار ُ
ُ
الشريعة الطبيعية عن الحسّ األخالقيّ على التح ّكم بذاته في سبيل الحقيقة والخير .و ُتعبّر
األصليّ ،الذي يسمح لإلنسان أن يميّز بالعقل ما هو الخير والشرّ ،والحقيقة والكذب:
"إنّ الشريعة مكتوبة ومحفورة في نفس ك ّل الناس وك ّل إنسان ،أل ّنها العقل البشريّ الذي يأمر بالعمل الصالح
ً
وترجمة وينهي عن الخطيئة .ولكنّ ما يرسمه العقل البشريّ ال يمكن أن تكون له قوّ ةُ الشريعة ،ما لم يكن صوتا ً
لعقل أعلى ال ب ّد أن يخضع له عقلنا وحرّ يتنا".
-0111إنّ الشريعة "اإللهيّة والطبييعية" تبيّن لإلنسان السبيل الذي عليه أن يسلكه لممارسة الخير
وبلوغ غايته .والشريعة الطبيعية ُتعلن الوصايا األولى واألساسيّة التي تهيمن على الحياة
األخالقيّة .ومحورها التوق إلى هللا والخضوع له ،هو مصدر كل خير وديّانه ،وكذلك اإلحساس
باآلخر مساويا ً للذات .وهي معروضة في فرائضها األساسية في الوصايا العشر .و ُتدعى هذه
الشريعة طبيعية ال بالنسبة إلى الكائنات غير العاقلة ،وإ ّنما ألنَّ العقل الذي يأمر بها هو من
خصائص الطبيعة البشريّة:
"أين ُكتبت هذه القواعد ما لم تكن في كتاب ذلك النور الذي نس ّميه الحقيقة؟ فك ُّل شريعة عادلة مكتوبة هناك،
و َتعبُر من هناك إلى قلب اإلنسان الذي يُت ِّم ُم العدل .فال ُتهاج ُر إليه ،ولكن َتض ُع عليه طابعها مثل الختم الذي
ينتقل من الخاتم إلى الشمع ،ولكن دون أن يبارح الخاتم".
ليست الشريعة الطبيعية "سوى نور الذهن الذي وضعه هللا فينا ،بها نعلم ما يجب عمله وما يجب تج ّنبه ،وهللا هو
الذي أعطى الخليقة هذا النور أو تلك الشريعة".
-0111إنّ الشريعة الطبيعية ،بما أ ّنها موجودة في قلب ك ِّل إنسان ،وقد أقامها العقل ،فهي شاملة
في رسومها ،وتمت ّد سلطتها إلى ك ّل إنسان .إ ّنها ُتعبّر عن كرامة الشخص و ُتح ِّدد القاعدة التي تقوم
عليها حقوقه وواجباته األساسيّة:
ً
شريعة ح ّقة هي العقل المستقيم ،إ ّنها مطابقة للطبيعة ،منتشرة عند جميع الناس ،إ ّنها أبديّة ال تتغيّر، "أجل ،هناك
الزلل .استبدالها بشريعة مخالفة هو تع ٍّد على القدسيّات .ممنوعأوامرها تدعو إلى الواجب ،ونواهيها ُتحيد عن ّ
.تجاوز أيّ رسم من رسومها ،أما إلغاؤها إلغا ًء تا ّما ً فليس في مقدور أيّ إنسان"
-0111تطبيق الشريعة الطبيعية يتغيّر كثيراً ،فقد تقتضي تفكيراً متناسبا ً مع تع ّدد األوضاع
الحياتية ،بحسب األماكن ،والظروف .ومع ذلك ،تبقى الشريعة الطبيعية ،في تنوّ ع الثقافات ،قاعدة
مبادئ
َ تربط بين الناس ،وتفرض عليهم ،في ما هو أبعد من الخالفات التي ال مناص منها،
مشتركة.
68
-0111الشريعة الطبيعية ال تتغ ّير وتستمرّ في تقلّبات التاريخ ،إ ّنها تبقى تحت م ّد األفكار
قائمة في جوهرها .حتى وإن أنكر اإلنسان ً واألخالق وتساند تق ّدمها .القواعد التي ُتعبّر عنها تبقى
مباد َئها ذاتها ،فال يمكن تدميرها وال إزالتها من قلب اإلنسان .فهي تنبعث دوما ً في حياة األفراد
والمجتمعات:
"أجل السرقة تعاقبها شريعتك ،أيّها السيّد ،والشريعة المكتوبة في قلب اإلنسان ،والتي ال يمحوها الشرّ نفسه".
-0111إن الشريعة الطبيعية ،التي هي عمل جيد ج ّداً صنعه الخالق ،وتوفّر األساس الصلب،
الذي يستطيع اإلنسان أن يُقيم عليه بنا َء القواعد األخالقيّة ،التي ُترشد اختياراته .وهي تضع أيضا ً
األساس األخالقيّ الذي ال ب ّد منه لبناء جماعة البشر .وهي توفّر أخيراً األساس الضروريَّ
للشريعة المدنيّة التي ترتبط بها إمّا بتفكير يستخلص النتائج من مبادئها ،وإمّا بإِضافات ذات
طبيعة إيجابيّة وحقوقيّة.
مبادئ الشريعة الطبيعية بوجه واضح ومباشر ،وفي الوضع الحال ّي ال ب ّد َ -0111ال يرى الجميع
لإلنسان الخاطئ من النعمة والوحي حتى يتم ّكن من معرفة الحقائق الدينيّة واألخالقيّة "جميع
الناس بدون صعوبةَ ،وبِ َيقين راسخ ال يمازجُه خطأ" .إنّ الشريعة الطبيعية توفّر للشريعة اإللهية
ً
متناسقة مع عمل الروح. وللنعمة قاعدة أع ّدها هللا
.ً4الشريعة القديمة
صاً ،وأوحى إليه بشريعته مُهيِّئا ً هكذا -0110لقد اختار هللا خالقُنا وفادينا لنفسه إسرائيل شعبا ً خا ّ
مجيء المسيح .و ُتعبِّر شريعة موسى عن حقائق ع ّدة يمكن العقل أن يبلغها بوجه طبيعيّ ،وهي
مُعلنة ومُث ّبة داخل عهد الخالص.
الموحى بها في حالتها األولى .وفرائضها األخالقيّة َ -0114الشريعة القديمة هي الشريعة
تختصرها الوصايا العشر .إنّ أموامر الوصايا العشر تضع أساس دعوة اإلنسان ،الذي صُنع على
صورة هللاَ ،فت عنهى عمّا هو مخالف لمحبّة هللا والقريب ،وتأمر بما هو أساسيٌّ لها .إنّ الوصايا
وط ُرقّه ،وليصونه من الشرّ : العشر هي نور مُلقّىً على ضمير ك ّل إنسان ليكشف له دعوة هللا ُ
"لقد كتب هللا على الواح الشريعة ما لم يكن الناس يقرأونه في قلوبهم".
-0111إنّ الشريعة ،وفاقا ً للتقليد المسيحيّ ،مق ّدسة ،وروحيّة ،وصالحة ولكنها ما تزال ناقصة.
إ ّنها ،كالمُربّيُ ،تظهر ما يجب عمله ،ولك ّنها ال تعطي بذاتها القوّ ة وال نعمة الروح القدس لفعله.
وهي تبقى بسبب الخطيئة التي ال تستطيع إزالتها ،شريعة عبوديّة .ومُه َّم ُتها ،بحسب القديس
بولس ،هي على الخصوص ،أن ُتعلن و ُتظهر الخطيئة التي هي "شريعة شهوة" في قلب اإلنسان.
ولكنَّ الشريعة تبقى المرحلة األولى على طريق الملكوت .وهي ُتهيّئ و ُتع ُّد الشعب المختار وك ّل
مسيحيّ للتوبة ولإليمان باهلل المخلّص .وهي تمنح تعليما ً يبقى أبداً ،مثل كالم هللا.
-0112الشريعة القديمة هي تهيئة لإلنجيل" .إنّ الشريعة هي نبوءة عن الحقائق اآلتية وتربية
عليها" .فهي إنباء بعمل التحرير من الخطيئة الذي س ُي ِتمُّه المسيح وإيماء إليه ،وهي تعطي العهد
ُ
الشريعة أخيراً بتعليم الجديد الصُّور و"الم ُُثل" والرموز للتعبير عن الحياة بحسب الروح .وتكتمل
الكتب ال ِح َكميّة واألنبياء الذين يوجّ هونها نحو العهد الجديد وملكوت السماوات.
"لقد كان هناك في ظ ّل العهد القديم أُناس يملكون المحبّة ونعمة الروح القدس ،ويتوقون قبل كل شيء إلى
المواعيد الروحية واألبديّة ،فهم بذاك كانوا مرتبطين بالشريعة الجديدة .وبالعكس ،هناك في ظ ِّل العهد الجديد
أناس جسديّون ،ال يزالون بعيدين عن كمال الشريعة الجديدة :فكان الخوفُ من العقاب ،وبعضُ المواعيد الزمنيّة
لحثهم على األعمال الصالحة حتى في ظ ّل العهد الجديد .وفي ك ّل حال ،وإن كانت الشريعة القديمة ضرور َّيين ِّ
تفرض المحبّة ،فهي لم تكن لتعطيّ الروح القدس الذي به "أُفيضت المحبّة في قلوبنا" (رو.)5 :5
69
.ً1الشريعة الجديدة أو الشريعة اإلنجيلية
-0111الشريعة الجديدة أو الشريعة اإلنجيلية هي على األرض كمال الشريعة اإللهية ،الطبيعية
الموحّ ى بها .إ ّنها من عمل المسيح وتتبيّن على الخصوص في العظة على الجبل .وهي أيضا ً
عمل الروح القدس ،وبه تصبح شريعة المحبّة في الداخل" :أَقط ُع مع بيت إسرائيل عهداً جديداً.
أُح ّل شرائعي في بصيرتهم ،وأكت ُبها على قلبهم ،وأكون لهم إلهاً ،وهم يكونون لي شعباً"
(عب8 :8و.)21
-0111الشريعة الجديدة هي نعمة الروح القدس المعطاة للمؤمنين ،باإليمان بالمسيح .وهي
فاعلة بالمحبّة ،تستخدم عظة الربّ لتعلّمنا ما يجب عمله ،واألسرار لتمنحنا النعمة لفعل ذلك:
"من أراد أ ن يتأمّل بتقوى وتبصُّر في العظة التي ألقاها على الجبل ،كما نقرأها في إنجيل القديس متى ،يجد
فيها ،بدون أيّ شكّ ،المحبّة الكاملة في الحياة المسيحية .هذه العظة تتضمّن جميع الرسوم الهادية إلى الحياة
المسيحيّة".
-0111الشريعة اإلنجيلية " ُتت ّمم" وتشحذ ،وتتجاوز ،وتقود إلى الكمال الشريعة القديمة .وهي في
التطويبات ُتت ِّم ُم المواعيد اإللهية وتسمو بها وتوجّ هها نحو "ملكوت السماوات" .إ ّنها ألولئك الذين
فيهم االستعداد لتقبّل هذا الرجاء الجديد بإيمان :الفقراء ،والمتواضعين ،والحزانى ،والقلوب
الطاهرة ،والمضطهدين ألجل المسيح ،فترسم هكذا ال ُسبُل العجيبة إلى الملكوت.
-0111الشريعة اإلنجيلية ُتت ِّمم وصايا الشريعة .وعظ ُة الرب ال تلغي أو ُتسقط من قيمة الفرائض
األخالقية الموجودة في الشريعة القديمة ،بل تستخرج إمكاناتها الخفيّة وتبعث منها مقتضيات
جديدة :إ ّنها ُتظهر ك ّل حقيقتها اإللهية اإلنسانية .وهي ال تزيد فرائض خارجية جديدة ،ولك ّنها
تذهب إلى حد إصالح أصل األعمال ،أي القلب ،حيث يختار اإلنسان بين ما هو طاهر وما هو
دنس ،وحيث يتكوّ ن اإليمان والرجاء والمحبّة ،ومع هذه الفضائل األخرى .ويقود اإلنجيل
الشريعة هكذا إلى كمالها باالقتداء بكمال اآلب السماويّ ،والمغفرة لألعداء ،والصالة ألجل
المضطهدين ،على مثال كرم هللا.
ِ
ً
-0111الشريعة الجديدة تمارس أفعال الديانة إي اإلحسان ،والصالة ،والصوم ،موجّ هة إيّاها
نحو "اآلب الذي يرى في ال ُخفية" بخالف الرغبة في "أن يرانا الناس" .وصالتها هي" :أبانا."...
-0111الشريعة اإلنجيلية تقتضي االختيار الحاسم بين "الطريقين" وممارسة كالم الرب ،وهي
صر بالقاعدة الذهبية" :ك ّل ما تريدون أن يفعل الناس بكم فافعلوه أنتم أيضا ً بهم ،فذلك هو ُتخت َ
الناموس واألنبياء" (متى.)21 :7
ضنا بعضا ً كما أحبّنا.
الشريعة اإلنجيلية كلها موجودة في وص ّية يسوع الجديدة أن ُنحبّ بع ُ
-0110ينبغي أن يُضاف إلى عظة الرب "التعليم الديني األخالقي في التعاليم الرسولية" ،كما
في رو 2 ،25-21كو ،23-21كو ،4-3أف ،6-4هذه العقيدة تنقل تعليم الرب ُم َّ
وثقا ً بسلطة
ُ
موهبة الرسل ،خصوصا ً في عرض الفضائل الناجمة عن اإليمان بالمسيح ،والتي تحييها المحبّة،
الروح القدس الرئيسة" .لتكن المحبّة بال رئاء .أحبّوا بعضكم بعضا ً ح ّبا ً أخو ّياً ،وليكن فيكم فرح
الرجاء ،كونوا صابرين في الضيق ،مواضبين على الصالة أبذلوا للق ّديسين في حاجاتهم ،واعكفوا
على ضيافة الغرباء" (رو .)23-1 :21وهذا التعليم ال ّديني يُل ِّقننا أيضا ً أن نعالج حادث الضمير
في ضوء عالقتنا بالمسيح وبالكنيسة.
شريعة مح ّبة أل ّنها تحمل على تفضيل التصرّف بفعل المح َبة التي َ ُ -0114تدعى الشريعة الجديدة
َي ُّبثها الروح القدس على التصرّ ف بالخوف ،و ُتدعى شريعة نعمة أل ّنها تمنح قوّ ة النعمة للتصرّ ف
حرية ،أل ّنها ُتحرّ رنا ممّا في الشريعة القديمة من رسوم بواسطة اإليمان واألسرار وتدعى شريعة ّ
طقوسيّة وقانونيّة ،وتميل بنا إلى التصرف تلقائ ّيا ً بدافع المحبّة ،وتجعلنا أخيراً ننتقل من حالة العبد
70
ُ
سمعت من "الذي ال عِ عل َم له بما صنعه سيّده" إلى حالة صديق المسيح" ،أل ّني أطلعتكم على كل ما
أبي" (يو ،)25 :25أو إلى حالة االبن الوارث أيضاً.
-0111تحتوي الشريعة الجديدة ،فضالً عن فرائضها ،على المشورات اإلنجيلية .والتميي ُز
التقليديّ ّّ بين وصايا هللا والمشورات اإلنجيلية قائم بالنسبة إلى المحبّة ،كمال الحياة المسيحية.
فالفرائض وُ ضعت إلقصاء ما ال يتوافق مع المحبّة .والمشورات غايتها إقصاء ما يمكمنه أن
يُعيق نموّ المحبّة ،وإن لم يناقضها.
-0112المشورات اإلنجيلية ُتظهر المحبّة الكاملة الحيّة الجازعة أبداً من أ ّنها ال تعطي أكثر.
وهي تؤ ّكد اندفاعها وتستدعي َتح ُّفزنا الروحيّ .كما ُل الشريعة الجديدة هو بوجه أساسيّ في
أقوم ،ووسائل أسهل ،ويمارسها ُ
المشورات فتد ّل على ُسبُل َ ض َتي محبّة هللا ومحبّة القريب .أمّا فري َ
ك ّل إنسان بحسب دعوته:
"ال يريد هللا من ك ّل إنسان أن يعمل بك ّل المشورات ،وإنما فقط بتلك المالئمة بحسب تنوّ ع األشخاص ،واألوقات،
ّ
والظروف ،والقوى ،كما تقتضي المحبّة ،ألنّ هذه ،بكونها َم ِل َك َة ك ّل الفضائل وك ّل الوصايا ،وك ّل المشورات،
وباالختصار ،كل الشرائع وك ّل األفعال المسيحية ،هي التي تمنحها جميعا ً المنزلة والمرتبة والوقت والقيمة".
بإيجاز
-0111ان الشريعة ،وفاق ًا للكتاب ،هي تعليم أبويٌّ من هللا يرسم لإلنسان ال ُّسبُل التي تعود إلى
السعادة الموعودة وينهي عن سبل الش ّر.
" -0111.الشريعة هي توجيه العقل نحو الخير العام ،يُصدره من هو مسؤول عن الجماعة"
-0111المسيح هو غاية الشريعة ،وهو وحده يع ّلم ويمنح ب ّر هللا.
-0111الشريعة الطبيعية هي مشاركة اإلنسان في حكمة هللا وصالحه ،اإلنسان الذي صُنع على
صورة خالقه .هي ُتعبّر عن كرامة الشخص البشريّ ،وهي قاعدة حقوقه وواجباته األساسية.
-0111الشريعة الطبيعية ال تتغيّر وهي مستمرّة في التاريخ .والقواعد التي تع ّبر عنها تبقى قائمة
في جوهرها .وهي أساس ضروريٌّ لبناء القواعد األخالقية والشريعة المدنيّة.
-0111الشريعة القديمة هي الشريعة المُوحى بها في حالتها األولى .وفرائضها األخالقية
تختصرها الوصايا العشر.
ي بلوغها .وقد أعلنها هللا ألنّ -0110تحتوي شريعة موسى على حقائق ع ّدة يستطيع العقل البشر ّ
الناس ما كانوا يقرأونها في قلوبهم.
-0114الشريعة القديمة هي تهيئة لإلنجيل.
ُ
والفاعلة بالمحبّة .وهي -0111الشريعة الجديدة هي نعمة الروح القدس المُعطاة باإليمان بالمسيح
تتبيّن على الخصوص في عظة الربّ على الجبل ،وتستخدم األسرار لتمنحنا النعمة.
-0112الشريعة اإلنجيلية تتمِّم الشريعة القديمة ،وتتجاوزها ،وتقودها إلى كمالها :كما ِل مواعيدها
بتطويبات ملكوت السماوات ،وكمل وصاياها باصالح أصل األفعال أي القلب.
-0111الشريعة الجديدة هي شريعة محبّة ،وشريعة نعمة وشريعة حرّية.
ال عن فرائضها ،على المشورات اإلنجيلية" .قداسة الكنبيسة -0111تحتوي الشريعة الجديدة ،فض ً
غذي بوجه خاصٍّ بالمشورات العديدة التي عرضها الربُّ على تالميذه في اإلنجيل لكي ُت ّ
.يُمارسوها"
71
المقال الثاني
النعمة والتبرير
.ً0التبرير
-0111إنّ نعمة الروح القدس قادرة على تبريرنا ،أي غسلنا من خطايانا وإعطائنا "برّ هللا
باإليمان بيسوع المسيح" وبالمعموديّة:
"إن ك ّنا قد مُتنا مع المسيح ،نؤمن أ ّنا سنحيا أيضا ً معه ،عالمين أنّ المسيح ،بعدما أقيم من بين
األموات ،ال يموت أيضاً .فالموت ال يسود عليه من بعد .فإ ّنه بموته قد مات للخطيئة إلى األبد،
وبحياته يحيا هلل .فكذلك أنتم أيضاً ،احسبوا انفسكم أمواتا ً للخطيئة ،أحياء هلل في المسيح يسوع"
(رو.)22-8 :6
-0111بقوة الروح القدس يكون لنا نصيب في آالم المسيح بالموت عن الخطيئة ،وفي قيامته
بالوالدة لحياة جديدة .اننا أعضاء جسده الذي هو الكنيسة ،واألغصان المطعّمة مع الكرمة التي
هو إيّاها.
"إننا بالروح لنا نصيب في هللا ،وبالمشاركة في الروح نصبح مشاركين في الطبيعة اإللهية .لذلك فأوالئك الذين
.يسكن فيهم الروح هو مؤلّهون"
التوبة التي تصنع التبرير ،بحسب ما أعلنه يسوع في ُ -0111إنّ أول أعمال نعمة الروح القدس
مطلع اإلنجيل" :توبوا ،فإنّ ملكوت السماوات قريب" (متى .)27 :4فاإلنسان ،بدافع من النعمة،
ي ّتجه نحو هللا ،ويحيد عن الخطيئة ،متق ّبالً هكذا المغفرة والبرّ من العالء" .فالتبرير يحتوي إذن
مغفر َة الخطايا والتقديس وتجديد اإلنسان الداخليّ ".
-0111التبرير يفصل اإلنسان عن الخطيئة التي تناقض محبّة هللا ،ويطهّر منها قلبه .والتبرير
يتبع مبادرة رحمة هللا التي تق ّدم المغفرة .فيُصالح اإلنسان مع هللا ،ويُحرّ ر من عبوديّة الخطيئة
ويشفى.
بر هللا باإليمان بيسوع المسيح .ويد ّل البرُّ هنا على -0110التبرير هو في الوقت ذاته تق ّبل ّ
ُ
الطاعة استقامة محبّة هللا .ومع التبرير يُفاض في قلوبنا اإليمان والرجاء والمحبّة ،و ُتمنح لنا
لمشيئة هللا.
سة مرضي ًّة ذبيحة حي ًّة مق ّد ً
ً -0114استح ّقت لنا التبرير آالم المسيح الذي ق ّدم ذا َته على الصليب
هلل ،والذي صار دمُه أداة تكفير عن خطايا جميع البشر .ويُم َنح التبري ُر بالمعمود ّية ،سرّ اإليمان.
ُ
وموهبة الحياة فيجعلنا نشابه برّ هللا الذي يُبرّ رنا داخل ّيا ً بقوّ ة رحمته .وغاي ُته مجد هللا والمسيح
األبدية.
ً
"أما اآلن فقد اعتلن برّ هللا بمعزل عن الناموس ،مشهودا له من الناموس واألنبياء ،برُّ هللا باإليمان بيسوع
المسيح إلى جميع الذين يؤمنون ،إذ ليس من فوق :فالجميع قد خطئوا فأعوزهم مجد هللا .والجميع بنعمته يُبرَّ رون
مجاناً ،بالفداء الذي بالمسيح يسوع ،الذي سبق هللا فأقامه أدا َة تكفير باإليمان بدمه ،إلظهار برّ ه ،بعد إذ تغاضى
عن الخطايا السالفة في عهد صبره اإللهي ،إلظهار برّ ه ،إذن ،في الزمان الحاضر باعتالنه بارّ اً ،ومُبرّ راً من
آمن بيسوع" (رو.)16-12 :3
وحرية اإلنسان .و َيظ َه ُر من جهة اإلنسان في القبول
ّ -0111التبرير ينشئ التعاون بين نعمة هللا
اإليماني لكالم هللا الذي يدعوه إلى التوبة ،وفي المحبّة المتعاونة مع حافز الروح القدس الذي
ينبّهه ويحفظه:
"عندما يلمس هللاُ قلب اإلنسان بإنارة الروح القدس ،ال يكون اإلنسان بال عمل ،وهو يتقبّل ذلك الوحي ،الذي
رفضه .وفي الوقت ذاته ال يستطيع أيضا ً بدون نعمة هللا أن ي ِ
ُقبل بإرادته الحرّ ة البرِّ أمامه" َ .يستطيع في ك ّل حال
72
-0112ان التبرير هو العمل األسمى الذي تقوم به مح ّبة هللا المعتلنة في المسيح يسوع ،والتي
يهبها الروح القدس .ويرى القديس أوغسطينوس "أنّ تبرير المنافق عمل أعظم من خلق السماء
واألرض تزوالن بينما خالصُ المختارين وتبريرهم َيبقيان" بل هو يرى َ واألرض" .ألنّ "السما َء
ً
أنّ تبرير الخطأ يفوق خلق المالئكة في البر بكونه يؤ ّكد رحمة أعظم.
-0111الروح القدس هو المعلّم في الداخل .وعندما يجعل التبري ُر "اإلنسان الباطنيّ " يولّد ،فهو
يتضمّن تقديس الكائن كلّه:
"فكما أنكم قد جعلتم أعضائكم عبيداً للنجاسة واإلثم ،لإلثم ،إجعلوا اآلن أعضاءكم عبيداً للبرّ ،للقداسة .أما اآلن،
ُ
والعاقبة حياة أبديّة" (رو .)11-21 :6 وقد أُعتنقتم من الخطيئة ،فصرتم عبيداً هلل ،فإ ّنكم تحوزون ثمراً للقداسة،
.ً4الندامة
اني يعطينا هللا إيّاهما لتلبية ندائه مج ٌّ
-0111يأتي تبريرُنا من نعمة هللا .والنعمة هي جميل وعون ّ
بأن نصير أبناء هللا ،أبنا ًء بالتب ّني ،مشاركين في الطبيعة اإللهية ،وفي الحياة األبديّة.
-0111النعمة مشاركة في حياة هللاُ ،تدخلنا في صميم الحياة الثالوثيّة :فبالمعموديّة يشترك
المسيحيّ في نعمة المسيح رأس جسده .وبكونه "ابنا ً بالتب ّني" يستطيع أن يدعو هللا "أ ًبا" باالتحاد
مع االبن الوحيد .وهو يتقبّل حياة الروح الذي ينفخ فيه المحبّة والذي يكوّ ن الكنيسة.
-0111هذه الدعوة إلى الحياة األبدية تفوق الطبيعة .وهي خاضعة تماما ً لمبادرة هللا المجّ انية،
أل ّنه وحده يستطيع إظهار ذاته وإعطاءها .وهي تسمو على ما عند البشر ،بل ك ِّل خليقة ،من
إمكانات اإلدراك وقوى اإلرادة.
-0111نعمة المسيح هي الموهبة المجّ انية التي يمنحنا بها هللا حياته ،فيسكبها الروح القدس في
المبررة أو المؤلّهة ،المقبولة في المعموديّة. ّ نفسنا لشفائها من الخطيئة ،ولتقديسها :إ ّنها النعمة
إ ّنها فينا ينبوع عمل التقديس.
"إذن إن كان أحد في المسيح ،فهو خليقة جديدة ،فالقديم قد اضمح ّل وك ُّل شيء قد تج ّدد .والك ّل من هللا الذي
صالحنا مع نفسه بالمسيح" (1كو .28-27 :5
-4111النعمة المبرّ رة هي موهبة عاديّة ،استعداد ثابت وفائق الطبيعة .يكمّل النفس ذاتها ليجعلها
أهالً لتعيش مع هللا وتعمل بمحبّته .وتتميّز النعمة العاد ّية ،أي االستعداد الدائم للعيش والعمل وفاقا ً
لنداء هللا ،من النعم الحال ّية التي ُتطلق على المداخالت اإللهية إمّا في أساس التوبة وإمّا في
مجرى عمل التقديس.
-4110إعداد اإلنسان لتقبّل النعمة هو أيضا ً من عمل النعمة .فهذه ضرورية لكي ُتنير و ُتساند
مساهمتنا في التبرير باإليمان والتقديس بالمحبّة .وهللا يُنهي فينا ما بدأه" ،فهو يبدأ بحيث يجعلنا
ع
تابت". بعمله ُنريد :وينهي بالتعاون مع إرادتنا وقد
"أجل نعمل نحن أيضاً ،ولكننا ال نقوم إالّ بالعمل مع هللا الذي يعمل .ألنّ رحمته قد سبقتنا حتى نبعرأ ،وأل ّنها
شفينا َتنت ِعش فينا الحياة ،إ ّنها تسبقنا لنكون مدعوّ ين ،وهي تتبعنا لنكون ممجّدين ،إ ّنهاتتبعُنا أيضا ً حتى إذا ما ُ
تسبقنا لنحيا حياة التقوى ،وتتبعُنا لنحيا أبداً مع هللا ألننا بدونه ال نستطيع شيئا ً".
الحر ،ألن هللا خلق اإلنسان على صورته ،إذ ّ -4114مبادرة هللا الحرّ ة تستدعي جواب اإلنسان
منحه مع الحرّ ية القدرة على معرفة محبّته .والنفسُ ال تدخل إال ّ بحرّيتها في وحدة المحبّة .فاهلل
يلمس مباشر ًة ويحرِّ ك مباشر ًة قلب اإلنسان .لقد جعل في اإلنسان توقا ً إلى الحق والخير ال يشبعُه
ً
استجابة ال يدانيها رجاء: سواه .ومواعيد "الحياة األبديّة" تستجيب لهذا التوق
أنت ،في نهاية أعكمالك الحسنة ج ّداً ،قد استرحت في اليوم السابع ،فذلك لكي تسبق وتقول لنا بصوت "إذا َ
كنت َ
كتابك إ ّننا في نهاية أعمالنا "الحسنة ج ّداً" إذ إ ّنك أنت من أعطانا إيّاها ،ونحن أيضا ً في سبت الحياة األبديّة
سنستريح فيك".
73
-4111النعمة هي أوّ الً واساسا ً موهبة الروح الذي يبرّ رنا ويق ّدسنا .ولكن النعمة تحتوي أيضا ً
على المواهب التي يمنحنا إيّاها الروح ليُشركنا في عمله ،ويجعلنا قادرين على المساهمة في
خالص اآلخرين ،وعلى إنماء جسد المسيح أي الكنيسة .إ ّنها النعمة األسرارية ،أي المواهب
الخاصة بمختلف األسرار .إنها ،فضالً عن ذلك ،النعم الخصوصية المسمّاة "مواهب" بحسب
التعبير اليوناني الذي استعمله القديس بولس ،والذي يعني الجميل ،العطيّة المجّانية ،اإلنعام.
و"المواهبُ " هذه ،مهما تكن خصائصها أحيانا ً غير عاد ّية ،من مثل موهبة العجائب أوالتكلّم
بلغات ،فهي ُم َع ّدة للنعمة المبرِّ رة ،وغاي ُتها خي ُر الكنيسة العام .إ ّنها في خدمة المحبّة التي تبني
الكنيسة.
-4112ينبغي أن نذكر بين النعم الخصوصية نِ َعم الحالة التي ترافق ممارسة مسؤوليات الحياة
المسيحيّة وال ِخدَم في الكنيسة:
ّ
أوتي النبوّ ة فليتكلم بحسب قاعدة اإليمان ،ومن أوتي
َ "وإذ لنا مواهب مختلفة بحسب النعمة المعطا ِة لنا ،ف َمن
الخدمة فليالزم الخدمة ،والمعلّم التعليم ،والواعظ الوعظ ،والمتص ّد ُق سالمة النيّة ،والمدبّر االجتها ّد والراحم
البشاشة" (رو.)8-21:6
-4111بما أنّ النعمة هي فوق الطبيعة ،فال تقع تحت االختبار وال نستطيع معرفتها إال ّ باإليمان.
فال نستطيع إذن االعتماد على عواطفنا أو أعمالنا لنستنتج أننا مبرّ رون أو مخلّصون .ومع ذلك،
فبحسب كالم الرب" :من ثمارهم تعرفونهم" (متى .)11 :7يعطينا تبصّر إحسانات هللا في حياتنا
ً
كفالة بأنَّ النعمة تعمل فينا ،ويحفزنا على إيمان يعظم دوما ً وموقف َمسع كنة واثقة. وحياة القديسين
نجد أحد أفضل التمثيل لهذا الموقف في جواب القديسة جان دارك عن سؤال ّ
مفخخ من قضاتها الكنسيّين" :سُئلت
هل تعرف أنها في حالة نعمة هللا ،فأجابت :أذا لم أكن فيها أرجو من فضل هللا أن يجعلني فيها .وإذا كنت فيها
أرجو من فضل هللا أن يحفظني فيها".
.ً1االستحقاق
" -4111إ ّنك ممجّ د في جماعة القديسين ،فعندما تكلّل استحقاقاتهم ُتكلِّل مواهبك أنت".
كلمة "إستحقاق" تعني على العموم الجزاء الواجب على جماعة أو مجتمع لعمل أحد األعضاء،
بكونه إحسا ًنا أو إساءة ،أهال للمكافأة أو العقاب .واالستحقاق يرجع إلى فضيلة العدالة بحسب مبدإِ
المساواة الذي يسودها.
حق بالمعنى الحصريّ .فالتفاوت بينه -4111ليس من استحقاق لإلنسان تجاه الربّ بمقتضى ٍّ
وبيننا ال قياس له ،أل ّننا قد نلنا كل شيء منه ،هو خالقنا.
الحر أن يشركّ -4111استحقاق االنسان عند هللا ،في الحياة المسيحية ،يتأ ّتى من تدبير هللا
اإلنسان في عمل النعمة .فعمل هللا األبويّ هو األول ب َد عفعِه ،وعم ُل اإلنسان الحرّ هو ثان
بمساهمته .بحيث يجب أن ُتنسب استحقاقات األعمال الصالحة إلى نعمة هللا أوالً ،وإلى المؤمن
استحقاق اإلنسان نفسه إلى هللا ،ألنّ أعماله الصالحة تصدر في ُ بعد ذلك .ومن ناحية أخرى ،يعود
المسيح عن مبادرات ومساعدات من الروح القدس.
-4111إنّ بنوّ تنا بالتب ّني ،إذ تجعلنا مشاركين بالنعمة في الطبيعة اإللهية ،تستطيع أن تولينا،
حق المحبّة ،الذي يجعلناحق بالنعمة .ومل ُء ِّ بحسب عدالة هللا المجانيّة ،استحقاقا حقيق ّيا .وهذا ٌّ
"وارثين مع" المسيح ،وأهالً للحصول على "ميراث الحياة األبدية" الموعود .انّ استحقاقات
أعمالنا الصالحة هي عطايا من جودة هللا" .لقد سبقت النعمة ،واآلن ُنعيد ما يجب علينا.
االستحقاقات هي عطايا من هللا".
74
ّ
يستحق النعمة األولى -4101بما أنّ المبادرة في مجال النعمة ،هي هللا ،فليس بإمكان أح ٍد أن
التي في أصل التوبة والمغفرة والتبرير .ونستطيع بعد ذلك ،بدافع من الروح القدس والمحبة ،أن
نستحق ألنفسنا ولغيرنا النع َم المفيدة لتقديسنا ،ولنموّ ال ّنعمة والمحبة ،وللحصول على الحياة
َّ
األبديّة .ويمكن أيضاً ،بحسب حكمة هللا ،استحقاق الخيرات الزمنيّة ذاتها ،من مثل الصحّ ة،
احتياجنا إلى
َ والصداقة .هذه النعم وهذه الخيرات هي موضوع الصالة المسيحية .وهذه تلبّي
النعمة في سبيل األفعال ذات االستحقاق.
-4100محبة المسيح هي فينا ينبوع استحقاقاتنا جميعها أمام هللا .فالنعمة ،إذ تجعلنا م ّتحدين
بالمسيح بمحبّة فاعلةُ ،تؤّ مِّن ألفعالنا الصفة الفائقة الطبيعة ،وبالتالي ،ما لها من استحقاق أمام هللا
وأمام البشر .والق ّديسون كانوا دوما ً َي ُعون شديداً أنّ استحقاقاتهم هي نعمة محض.
"عندما ينتهي زمن منفاي على األرض ،رجائي أن أذهب وأنعم بك في الوطن .ولكني ال أريد أن أك ّدس
ّ
صفر اليدين ،ألني ال
َ االستحقاقات للسماء ،أريد أن أعمل ألجل ح ّبك وحده .في مساء هذه الحياة سأظهر أمامك
برك أنتَّ ّس بأتل أن أسألك ،يا رب ،أن تحسُب اعمالي .فك ّل برٍّ فينا ال يخلو من العيب في عينيك ،أريد إذن
الخاصّ ،وأن أتقبّل من ُح ّبك امتالكك أنت إلى األبد".
.ً2القداسة المسيحية
-4104إنّ هللا في ك ّل شيء يسعى لخير الذين يحبّونه .ألنّ الذين سبق فعرفهم سبق أيضا ً فح ّدد
أن يكونوا مشابهين لصورة ابنه ،فيكون هكذا بكراً ما بين إخوة كثيرين .فالذين سبق فح ّددهم إياهم
دعا أيضاً ،والذين دعاهم إيّاهم برّ ر أيضاً ،والذين برّرهم أياهم مجّ د أيضاً"
(رو.)31-8:18
" -4101إنّ الدعوة إلى مل ِء الحياة المسيحية وكمال المحبّة موجّ هة إلى جميع المؤمنين بالمسيح
إ ّيا ً كانت رتب ُتهم وحال ُتهم" .كلّهم مدعوّ ون إلى القداسة" :كونوا كاملين كما انّ أباكم السماويّ هو
كامل" (متى .)48 :5
"على المؤمنين أن يسعوا بك ّل قواهم ،بمقدار موهبة المسيح ،للحصول على هذا الكمال ،حتى إذا ن َّفذوا في كل
شيء مشيئة هللا يقفون ذواتهم ،بك ّل نفوسهم ،على مجد هللا وخدمة القريب".
وهكذ ت َت َف ّتق قداسة شعب هللا عن ثمار وافرة ،كما يشهد بذلك بوجه ساطع تاري ُخ الكنيسة من خالل سيرة
القديسين.
-4102يسعى التقدم الروحي إلى ا ّتحاد بالمسيح يزداد أبداً أُلفة .هذا اإل ّتحاد يُدعى "سرّ ّياً" ،أل ّنه
يشارك في سرّ المسيح بوساطة األسرار "األسرار المق ّدسة" وفي المسيح يُشارك في سرّ الثالوث
األقدس .فاهلل يدعونا جميعا ً إلى هذه الوحدة األليفة معه ،وإن لم ُتم َنح نعم خاصّة بهذه الحياة
السرّ ية ،أو عالمات خارقة لها ،إال ّ لبعض الناس إلظهار العطيّة الممنوحة للكل.
-4101يمرّ طريق القداسة عبر الصليب .وليس من قداسة تخلو من التجرّ د ومن الجهاد الروحي.
والتق ّدم الروحي يتضمّن الجهاد واإلماتة اللذين يؤ ّديا تدريجا ً إلى العيش في سالم التطويبات
وفرحها.
"من يصعد ال يتو ّقف أبداً عن االنطالق من بداية إلى بداية ،ببدايات ليس لها نهاية .من يصعد ال يتو ّقف أبداً عن
التوق إلى ما يعرفه من قبل".
حق نعمة الثبات األخير ،ومكافأة هللا أبيهم ،عن -4101إنّ أوالد اكنيسة المق ّدسة أمّنا يرجون عن ٍّ
األعمال الصالحة التي صنعوها بنعمته ،وباال ّتحاد مع يسوع .والمؤمنون إذ يحافظون على قاعدة
الحياة نفسها ،يشاركون في "الرجاء السعيد" أولئك الذين تجمعهم رحمة هللا في "المدينة
المق ّدسة" ،أورشليم الجديدة النازلة من السماء من عند هللا مهيّاة كالعروس المزيّنة لعريسها"
(رؤ.)1 :12
75
بإيجاز
-4101نعمة الروح القدس تمنحنا ب ّر هللا .والروح ،إذ يجعلنا ن ّتحد باإليمان والمعمودية بآالم
المسيح وقيامته ،ويجعلنا نشترك في حياته.
-4101التبرير كالتوبة له وجهان .فبدافع من النعمة يتوجّه اإلنسان نحو هللا ويحيد عن الخطيئة،
فيتقبّل هكذا المغفرة والب ّر من العالء.
-4101التبرير ينطوي على مغفرة الخطايا ،وعلى التقديس ،وعلى تجديد اإلنسان الباطن.
-4141آالم المسيح استح ّقت لنا التبرير .وقد مُنح لنا عبر المعمودية .وهو يصوّ رنا على صورة
ب ّر هللا الذي يجعلنا أبرار ًا .غايته مجد هللا والمسيح ،وعطيّة الحياة األبدية .إ ّنه أسمى أفعال رحمة
هللا.
-4140النعمة هي المساعدة التي يمنحها هللا إيّاها لالستجابة لدعوتنا أي أن نصير أبناءه بالتب ّني.
إ ّنها تدخل في مُؤالفة الحياة الثالوثية.
-4144المبادرة اإللهية في عمل النعمة تسبق وتهيّئ جواب اإلنسان الحرّ .والنعمة تستجيب ل َت عوق
الحرّية البشرية العميق .وتدعوها للتعاون معها وتكمّلها.
ّ
-4141النعمة المبرّرة هي حياة هللا التي يمنحنا إياها بعطيّة م ّجانيّة ،ويبثها الروح القدس في
نفسنا ليُبرئها من الخطيئة ويق ّدسها.
-4142النعمة المبرّرة تجعلنا "مرضيّين لدى هللا"" .والمواهب" التي هي نعم خصوصيّة من
الروح القدسُ ،م َع َّدة للنعمة المُبرّرة ،وغايتها خير الكنيسة العام .ويعمل هللا أيض ًا بالنعم الحاليّة
المتع ّددة المميّزة من النعم العاديّة الدائمة فينا.
-4141ليس لنا من استحقاق أمام هللا إال بقصد هللا الح ّر ان يُشرك اإلنسان في عمل نعمته.
واالستحقاق يعود أوّ ًال إلى نعمة هللا ،وثاني ًا إلى تعاون اإلنسان .إنّ استحقاق اإلنسان يعود إلى هللا.
-4141تستطيع نعمة الروح القدس ،بفعل بنوّ تنا بالتب ّني ،أن تولينا استحقاق ًا حقيق ّي ًا وفاق ًا لعدالة هللا
المجانيّة .والمحبّة هي فينا الينبوع الرئيس لإلستحقاق أمام هللا.
يستحق النعمة األولى التي هي في أصل التوبة .ونستطيع ،بدافع من ّ -4141ليس بإمكان أحد أن
نستحق ألنفسنا ولغيرنا جميع النعم المفيدة لبلوغ الحياة األبدية ،وكذلك ّ الروح القدسي ،ان
الخيرات الزمنية الضرورية.
" -4141إنّ الدعوة إلى ملء الحياة المسيحية وكمال المحبّة موجّهة إلى جميع المؤمنين
بالمسيح"" .والكمال المسيح ّي ليس له سوى ح ٍّد واحد وهو أن ال يكون له ح ّد".
" -4141من أراد أن يتبعني ،فليكفر بنفسه ،وليحمل صليبه ،ويتبعني"(متى .)01 :46
المقال الثالث
الكنيسة أ ٌّم ومعلّمة
-4111المسيحي إ ّنما يحقّق دعوته في الكنيسة ،باال ّتحاد مع جميع المعمّدين .فمن الكنيسة يتقبّل
كالم هللا الذي يحوي تعاليم "شريعة هللا" .ومن الكنيسة يتقبّل نعمة األسرار التي تحفظه في
"الطريق" .من الكنيسة يتعلّم مثل القداسة ،فيعرف وجهها ومصدرها في العذراء مريم الكاملة
القداسة ،ويتبيّنها في من يعيشها بشهادة أصيلة ،ويكتشفها في التقليد الروحي ،وفي التاريخ الطويل
لمن سبقه من الق ّديسين الذين تحتفل بهم الليترجيا في إيقاعها اليومي.
76
مقدسة ،مرضي ًّة هلل"،
ً ً
ذبيحة حيّة، -4110الحياة األخالق ّية هي عبادة روح ّية .إذ "نقرّ ب أجسادنا
ضمن جسد المسيح الذي نؤلّفه ،وباال ّتحاد بتقدمة االفخارستيّا .ففي الليترجيا واالحتفال باألسرار،
تمتزج الصالة والتعليم بنعمة المسيح إلنارة السلوك المسيحيّ وتغذيته .وتجد الحياة األخالقية،
مِثل مجموع الحياة المسيحية ،مصدرها وذروتها في ذبيحة االفخارستيّا.
77
في الشريعة األخالقيّة ،الطبيعيّة الموحى بها ،وبالتالي في شريعة الكنيسة وفي تعليم السلطة
الرسميّ عن المسائل األخالقية .ال ينبغي أن يكون هناك تعارض بين الضمير الشخصيّ والعقل
من جهة ،والشريعة األخالقيّة أو السلطة التعليميّة من جهة أخرى.
ُّ ّ
-4121هكذا يمكن أن تنمو بين المسحيّين روح نبو ّية حقيق ّية تجاه الكنيسة .إنها التفتق الطبيعيّ
لنعمة المعمودية التي َولَد عتنا في حضن الكنيسة ،وصيّرتنا أعضاء جسد المسيح .والكنيسة تمنحنا،
فاعلة بوجه خاص في سرّ ً في عناية األم ،رحمة هللا التي تتغلّب على جميع خطايانا ،وتكون
المصالحة .وهي توفّر لنا أيضا ً في ليترجيّاها ،يوما ً بعد يوم ،غذاء كالم الربّ وإفخارستيّاه.
.ً4وصايا الكنيسة
-4120تقع وصايا الكنيسة في هذا السياق من الحياة األخالقية المرتبطة بالحياة الليترجيّة
المتغذية بها .والصفة اإللزامية لهذه الشرائع الوضعية الصادرة عن السلطات الرعائيّة غايتها أن ّ
تكفل للمؤمنين الح ّد األدنى الذي ال ب ّد منه في روح الصالة ،وفي الجهد األخالقي ،وفي نموّ محبة
هللا والقريب.
-4124الوصيّة األولى ("احضر القداس أيام اآلحاد وسائر األعياد المأمور بها ،وامتنع عن األعمال
المأجورة") تطلب من المؤمنين أن يُق ّدسوا يوم تذكار قيامة الربّ وأهم األعياد الليترجية التي تكرّم أسرار الربّ
والعذراء الطوباوية والق ّديسين ،وذلك بالمشاركة أوالً في االحتفال اإلفخارستيّ الذي تجتمع فيه الجماعة
المسيحية ،وتطلب منهم أيضا ً االمتناع عن األشغال واألعمال التجارية التي يمكنها ان تمنعهم من تقديس تلك
األيام.
ّ
الوصية الثانية ("اعترف بخطاياك كلها على األقل مرّة في السنة") تؤ ّمن االستعداد لإلفارستيا بتقبّل سر
المصالحة ،الذي يتابع عمل المعمودية في التوبة والمغفرة.
الوصية الثالثة ("تناول سرّ اإلفارستيا على األقل في الفصح") تكفل الح ّد األدنى لتناول جسد الرب ودمه على
صلة باألعياد الفصحية أصل الليتريا المسيحية وقلبها.
-4121الوصية الرابعة ("انقطع عن أكل اللحم وصُم الصوم في األيام التي تقرُّ ها الكنيسة") تؤمّن أوقات
الجهاد والتوبة التي ُتهيّئنا لألعياد اللي ُترجيّة ،و ُتم ّكننا من التسلّط على غرائزنا من حريّة القلب.
الوصيّة الخامسة ("ساعد الكنيسة في احتياجاتها") تذ ّكر المؤمنين بواجب تأمين احتياجات الكنيسة الماديّة ،ك ّل
بحسب إمكاناته.
بإيجاز
78
-4121الحياة األخالقية هي عبادة روحيّة .والتصرّف المسيح ّي يجد غذا َءه في الليترجيا وإقامة
األسرار.
ّ ّ ّ
-4121وصايا الكنيسة تتعلق بالحياة األخالقية والمسيحية المتحدة بالليترجيا والمتغذية بها.
-4121سلطة رعاة الكنيسة التعليميّة في المجال األخالقي ُت َ
مارس عاد ًة في التعليم الدين ّي الوعظ،
على قاعدة الوصايا العشر ،التي ُتعلن مبادئ الحياة األخالقية الصالحة لجميع الناس.
-4111الحبر الروماني واألساقفة ،وهم المع ّلمون األصيلون ،يعلنون لشعب هللا اإليمان الذي
يجب اعتقاده والسلوك بموجبه .ولهم أيض ًا أن يبدوا الرأي في المسائل األخالقية الم ّتصلة
بالشريعة الطبيعيّة وبالعقل.
-4110عصمة سلطة الرعاة التعليميّة تمت ّد إلى جميع عناصر العقيدة ،ومنها األخالقيّة ،التي
.بدونها ال يمكن حقائق اإليمان الخالصيّة أن ُتصان أو ُتعرض أو ُتحفظ
الوصايا العشر
ال يكن لك إله غيري ال يكن لك آلهة أخرى ُتجاهي ال يكن لك آلهة أخرى تجاهي.
ال تصنع لك منحوتا ً وال صورة
شيء مما في السماء من فوق
وال مما في األرض من أسفل
وال مما في المياة من تحت األرض.
ال تسجد لهنّ وال تعبدهنّ أل ّني
أنا الربّ إلهك إله غيور أفتقد
ذنوب اآلباء في البنين إلى الجيل
الثالث والرابع من مبغضيّ.
وأصنع رحمة إلى ألوف من محبّيَّ
وحافظي وصاياي.
-1ال تحلف باسم هللا بالباطل ال تنطق باسم الرب إلهك ال تحلف باسم الرب إلهك
باطالً باطالً ،ألن الرب ال يز ّكي من
يحلف باسمه باطالً.
-3احفظ يوم الرب احفظ يوم السبت وق ّدسه اذكر يوم السبت لتق ّدسه .في
ستة أيام تعمل وتصنع جميع
أعمالك ،واليوم السابع سبت
للربّ إلهك .ال تصنع فيه
عمالً لك أنت وابنك وابنتك
وعبدك وأمتك وبهيمتك
ونزيلك الذي في داخل أبوابك.
79
ألن الرب في س ّتة أيام خلق
السماوات واألرض والبحر
وجميع ما فيها ،وفي اليوم
السابع استراح ،ولذلك بارك
الرب يوم السبت وق ّدسه.
-4أكرم أباك وأمّك أكرم أباك وأمك أكرم أباك وأمك لكي يطول
عمرك في األرض .التي
يعطيك الرب إلهك.
-5ال تقت عل ال تقت عل ال تقتلع.
تزن
-6ال ِ تزن
ال ِ تزن.
ال ِ
ع
تسرق -7ال ع
تسرق ال ع
تسرق. ال
ال تشهد على صاحبك -8ال تشهد بالزور ال تشهد على قريبك شهادة
شهادة زور زور.
ال تشت ِه امرأة قريبك -1ال تشته امرأة قريبك. ال تشت ِه بيت قريبك وال تشته
امرأة قريبك.
-21ال تشته مقتنى غيرك ال تشت ِه شيئا ً مما وال عبده ،وال أمته ،وال ثوره
لصاحبك وال حماره وال شيئا ً مما
.لقريبك
القسم الثاني
الوصايا العشر
علي أن أفعل..؟"
ّ "يا معلم ماذا
" -4114يا معلّم ،ماذا عليّ أن أفعل من الصالح ألحرز الحياة األبديّة؟" أجاب يسوع الشابَّ
الذي طرح عليه هذا السؤال ،أوّ الً بالتذكير بضرورة االعتراف باهلل أ ّنه "الصالح وحده" ،أ ّنه
ئت أن تدخل الحياة فاحفظ الوصايا". الخير األسمى ،وينبوع ك ّل خير .ثم قال له يسوع" :إن ش َ
وذكر لمُح ِّدثه الوصايا المتعلّقة بمحبة القريب" .ال تقتل،التزن ،ال تسرق،ال تشهد بالزور ،أكرم
لخص يسوع تلك الوصايا على نحو إيجابي" :أحبب قريبك كنفسك"(متى:21 أباك وأمك" ،واخيراً ّ
.)21-26
-4111إلى هذا الجواب األول أضاف جوابا ً ثانياً" :إن شئت ان تكون كامالً ،فاذهب وبعع ما لك،
واعطه للمعوزين ،فيكون لك كنز في السماوات ،ثم تعا َل اتبعني" (متى .)12 :21وهو اليُلغي
الجواب األول .فا ّتباع يسوع المسيح يقتضي حف َظ الوصايا .والشريعة لم ُتبطل ،ولكنّ اإلنسان
مدعوٌّ إلى أن يجدها في شخص معلّمه الذي هو تحقيقُها الكامل .في األناجيل الثالثة اإلزائية،
ُتقارب دعوة يسوع الشابَّ الغنيّ إلى ا ّتباعه في طاعة التلميذ وحفظ الفرائض ،الدعوة إلى الفقر
والطهارة .فالمشورات االنجيلية ال تنفصل عن الوصايا.
-4112لقد أعاد يسوع الوصايا العشر ،ولك ّنه أظهر قوّ َة الروح القدس العامِلة في حّ رع فها .لقد
كرز بالبرّ الذي يزيد على ما للكتبة والفريسين وما للوثتنيّين .وبسط ك ّل ما تقتضيه الوصايا:
"سمعتم أ ّنه قيل لألقدمين :ال تقتل ....أما أنا فأقول لكم :إنّ ك ّل من غضب على أخيه يستوجب
المحاكمة" (متى.)11-12 :5
80
-4111عندما يُطرح عليه السؤال" :ما أعظم الوصايا في الناموس؟" (متى ،)36 :11يجيب
يسوع" :أحبب الربّ إلهك بك ِّل قلبك ،وك ّل نفسك ،وك ّل ذهنك ،هذه هي الوصيّة الكبرى واألولى.
والثانية تشبهها :أحبب قريبك كنفسك .بهاتين الوصيّتين يتعلّق الناموس كلّه واألنبياء" (متى:11
.)41-37فالوصايا العشر يجب أن ُتشرح في ضوء هذه الوصيّة المزدوجة الواحدة ،وصية
المحبة ،كمال الشريعة:
"إن هذه الوصايا" :ال تزن ،ال تقتل ،ال تسرق ،ال تشهد بالزور ،ال تشته" ،وك ّل وصية أخرى ُت ّ
لخص في هذه
الكلمة" :أحبب قريبك كنفسك" .ان المحبّة ال تصنع بالقريب شرّ اً ،فالمحبّة إذن هي تمام الناموس" (رو-1 :23
.)21
81
"بما أنه كان هناك لمعاقبة الخطيئة مرور من فردوس الحرّ ية إلى عبودية هذا العالم ،لذلك أوّ ُل عبارة من
الوصايا العشر ،أوّ ل كلمة من وصايا هللا ،تتناول الحرّ ية" :أنا الربّ إلهك الذي أخرجك من أرض مصر ،من
دار العبوديّة" (خروج ،1 :11تث.)6 :5
-4114الوصايا بالمعنى الدقيق تأتي في المرتبة الثانية .وتعبّر عن مقتضيات انتمائنا الذي أقامه
العهد إلى هللا .والوجود األخالقي هو جواب عن مبادرة الرب ال ُم ِحبّة .إ ّنها حمد وإجالل هلل،
وعبادة ُشكر ،إ ّنها مساهمة في ما هلل من تدبير في التاريخ.
نة بصيغة المتكلّموالحوار بين هللا واإلنسان كونُ جميع الواجبات معلَ ً َ -4111يُثبت أيضا ً العهد
هة إلى شخص آخر "أنت" .في جميع وصايا هللا يُعيّن ضمير ُمفرد َمن ُتوجّ ه "أنا الربّ "...موجّ ً
إليه .فاهلل يعلم بإرادته في آن واحد جميع الشعب وك ّل واحد خصوصاً:
"لقد فرض الربُّ المحبّة تجاه هللا ،وعلّم العد َل تجاه القريب ،حتى ال يكون اإلنسانُ ظالما ً أو غير أهل هلل .وهكذا
كان هللا بالوصايا العشر يهيّئ اإلنسان ليصير صديقه ،ولكي يكون له مع القريب قلب واحد .وكلمات الوصايا
العشر باقية كذلك عندنا (نحن المسيحيين) .وهي ليس فقط لم ُتبطل بل إ ّنها كبُرت ونمت من جراء مجيء الربّ
في الجسد".
-4112إنّ تقليد الكنيسة األمين للكتاب وال ُم َّتبع م َثل يسوع قد اعترف للوصايا العشر بأهمية
ومدلول أساسيّين.
-4111فمنذ القديس أوغسطينوس كان "للوصايا العشر" مكانة راجحة في التعليم الدينيّ الذي يُلقى على من
سيُعمّد وعلى المؤمنين .في القرن الخامس عشر درج الناس على التعبير عن فرائض الوصايا العشر بصيغ
مسجّ عة ،سهلة الحفظ وإيجابيّة .وال تزال قيد االستعمال اليوم .و ُك ُتب التعليم الدينيّ في الكنيسة كثيراً ما بسطت
األخالقيّة المسيحية بحسب ترتيب "الوصايا العشر".
-4111تقسيم الوصايا وترقيمها تغيّر في خالل التاريخ .وكتاب التعليم الديني هذا ي ّتبع تقسيم الوصايا التي
وضعه القديس أوغسطينوس ،واصبح تقليد ّيا ً في الكنيسة الكاثوليكية .وهو نفسه قائم في الجماعات اللوثرية .وقد
جرى اآلباء اليونانيّون تقسيما ً يختلف بعض االختالف ،وهو قائم في الكنائس األرثوذكسيّة وجماعات االصالح.
-4111تعلِن الوصايا العشر مطالب محبّة هللا والقريب .الثالث األولى أكثر تعلّقا ً بمحبة هللا،
والسبع األخرى بمحبّة القريب.
"بما أنّ المحبّة تتضمّن فريضتين يتعلّق بهما الناموس كلّه واألنبياء ،فهكذا ُتقسّم الفرائض العشر نفسها إلى
لوحينُ ،كتبت ثالث على الواحد وسبع على أالخر".
-4111يعلّم المجمع التريدنتيني أنّ الوصايا العشر ُتلزم المسيحين وأنّ اإلنسان ال ُمبّرَّ ر مُلزم
بحفظها .ويؤ ّكد المجمع الفاتيكاني الثاني" :انّ األساقفة خلفاء الرسل تسلّموا من الرب الرسالة بأن
شروا باإلنجيل ك َّل خليقة ،لكي ينال جمي ُع الناس ،باإليمان والمعموديّة يُعلّموا جميع األمم ،ويب ّ
صهم". والعمل بالوصايا ،خال َ
82
الوصايا العشر والشريعة الطبيع ّية
-4111الوصايا العشر هي من وحي هللا .وهي تعلّمنا ،في الوقت ذاته ،إنسانيّة اإلنسان الحقيقيّة.
إ ّنها توضح الواجبات األساسيّة ،وبالتالي ،بوجه غير مباشر ،الحقوق األساسيّة الم ّتصلة بطبيعة
الشخص البشريّ .فالوصايا العشر تحوي تعبيراً مميّزا عن "الشريعة
الطبيعية":
" وكان هللا منذ البدء قد غرس في قلب البشر فرائض الشريعة الطبيعية .واكتفى بادئ األمر بتذكيرهم بها .فكانت
الوصايا العشر – التي إن لم يعمل بها اإلنسان ال ينال الخالص ،-ولم يطلب شيء آخر منهم".
-4110الوصايا العشر ،وإن كانت في متناول العقل ،قد أوحى هللا بها ،فالبشريّة الخاطئة كانت
ً
كاملة وأكيد ًة لمقتضيات الشريعة الطبيعيّة: ً
معرفة بحاجة إلى هذا الوحي لتبليغ
"إنّ شرحا ً وافيا ً للوصايا العشر كان قد أضحى ضرور ّيا ً في حالة الخطيئة ،بسبب إظالم نور العقل وانحراف
اإلرادة.
نعرف وصايا هللا بالوحي اإللهيّ الذي تعرضه علينا الكنيسة ،وبصوت الضمير األخالقيّ .
بإيجاز
" -4111ماذا عليّ أن أعمل من الصالح ألحرز الحياة األبديّة؟ -إن شئت أن تدخل الحياة فاحفظ
الوصايا" (متى.)27-26 :21
-4111لقد أثبت يسوع ،بسلوكه ووعظه ،دوام الوصايا العشر.
ً -4111تمنح عطيّة الوصايا العشر في صميم العهد الذي قطعه هللا مع شعبه .وت ّتخذ وصايا هللا
معناها الحقيق ّي في هذا العهد وبه.
مثل يسوع ،قد اعترف للوصايا العشر بأهّمية -4111إنّ تقليد الكنيسة ،األمين للكتاب ،الم ّتبع َ
ومدلول أساسيّين.
83
-4111تؤ ّلف الوصايا العشر وحد ًة عضويّةُ ،ترجع فيها ك ُّل "كلمة" ،أو "وصيّة" إلى مجموعها.
ي وصيّة مخالفة لها ك ّلها.
ومخالفة أ ّ
ً ً
-4111الوصايا العشر تحوي تعبيرا مميّزا عن "الشريعة الطبيعية" .ونحن نعرفها بالوحي
اإلله ّي والعقل البشري.
ُ -4110تعلنُ الوصايا العشر ،في مضمونها األساسيّ ،واجبات خطيرة .بيد أنّ إطاعة هذه
الفرائض تتضمن أيض ًا واجبات ما ّد ُتها في ذاتها خفيفة.
-4114ما يأمر به الربُّ يجعله بنعمته مُمكِن ًا.
-4111لقد اختصر يسوع واجبات اإلنسان تجاه هللا بهذا الكالم" :أحبب الربَّ إلهك بك ّل قلبك
وك ّل نفسك وك ّل ذهنِك" (متى .)37 :11وهذا الكالم ص ًدى مباشر للدعوة العظيمة" :إسمع يا
إسرائيل :إنّ الربّ إلهنا ربٌّ واحد" (تث.)4 :6
هللا أحبّ أوّ الً .ومحبّة هللا الواحد تذ ّكر بها أولى "الكلمات العشرة" .والوصايا تشرح في ما بعد
جواب المحبّة المطلوب من اإلنسان تأدي ُتة إللهه.
المقال األول
الوص ّية األولى
"أنا الرب إلهك الذي أخرجك من أرض مصر ،من دار العبوديّة .ال ي ُكن لك آلهة أخرى تجاهي .ال تصنع لك
منحوتا ً وال صورة شيء مما في السماء من فوق وال مّما في األرض من أسفل وال مما في المياه من تحت
األرض .ال تسجد لهنّ وال تعبدهنّ " (خروج.)5-1 :11
"إنه مكتوب للربّ إلهك تسجد .وإيّاه وحده تعبُد" (متى.)21 :4
84
ووضع إيمان وثقة كاملين فيه .و َمن يستطيع أن ال يعلّق عليه كل آماله؟ ومن يستطيع أن ال يُحبّه َ
عندما يشاهد كنوز الجودة والحنان التي أفاضها علينا؟ من هنا العبارة التي يستعملها هللا في
.الكتاب المق ّدس ،إ ّما في بدء وصاياه وإمّا في ختامها" :أنا الربّ "
اإليمان
-4111تجد حيا ُتنا األخالقيّة ينبوعها في اإليمان باهلل الذي يكشف لنا محبّته .ويتكلّم الق ّديس بولس
عن "طاعة اإليمان" كالواجب األوّ ل .ويبيّن أنّ "عدم معرفة هللا" هو مبدأ ك ّل االنحرافات
األخالقية وشرحُها.إنّ واجبنا تجاه الربّ هو أن نؤمن به وأن نشهد له.
قصي ك ّل ماَ غذي إيماننا ونحفظه بفطنة وعناية ،وأن ُن -4111تتطلّب م ّنا الوصية األولى أن ُن ّ
ُ
طرائق متنوّ عة الرتكاب خطايا مخالفة لإليمان: يعارضه .هناك
اإلرادي في اإليمان يُهمل أو يرفض االعتقاد بحقيقة ما أوحى به هللا وتعرضُه الكنيسة ّ ًُ الشك ّك
ّ
لنؤمن به .الش ّك غير اإلرادي يعني التر ّدد في االعتقاد ،وصعوبة التغلب على االعتراضات على
ك عن عمد فهو قادر على أن يقود اإليمان ،أو أيضا ً الجزع المتأ ّتي من غموضه .وإذا ُغ ّذي الش ّ
إلى عمى البصيرة.
-4111عدم اإليمان هو إهمال الحقيقة الموحى بها أو الرفضُ عمداً القبول بها" .البدعة
(الهرطقة) هي االنكار باصرار ،بعد قبول المعمودية ،لحقيقة يجب اإليمان بها إيما ًنا إلهيّا
وكاثوليك ّياً ،أو هي الشك بإصرار بتلك الحقيقة( .والجحود أو انكار اإليمان) هو الرفض الكامل
لإليمان المسيحي .واالنشقاق هو رفض الخضوع للحبر األعظم أو الشركة مع أعضاء الكنيسة
الخاضعين له"
الرجاء
ً
استجابة كاملة لمحبّة -4111عندما يكشف هللا عن ذاته ويدعو اإلنسان ،ال يستطيع هذا االستجابة
هللا بقواه الذاتيّة .وعليه أن يرجو هللا منحه القدرة على محبّته بالمقابل ،وعلى السلوك بحسب
وصايا المحبّة .والرجاء هو الترقّب الواثق للبركة اإللهية ولرؤية هللا السعيدة .وهو أيضا ً خشية
إهان ِة محبّة هللا ،ونيل العقاب.
-4110والوصية األولى تقصد أيضا ً الخطايا المخالفة للرجاء وهي اليأس واالعتداد المفرط
بالنفس:
باليأس ينقطع اإلنسان عن أن يترجّ ى من هللا خالصه الشخصيّ ،والعون لبلوغه ،أو المغفرة
لخطاياه .واليأس يتعارض مع جودة هللا وعدالته -ألن هللا أمين لعهوده -ورحمته.
-4114وهناك نوعان من االعتداد المفرط بالنفس :فإمّا أن يعت ّد اإلنسان بإمكاناته (آمالً أن
يستطيع الخالص بدون العون من العالء) ،أو يعت ّد بقدرة هللا ورحمته (آمالً الحصول على مغفرة
بدون توبة ،وعلى المجد بدون استحقاق).
المح ّبة
-4111اإليمان بمحبّة هللا يتضمّن الدعوة إلى االستجابة للمحبّة اإللهية بمحبّة صادقة ،ووجوب
ذلك .فالوصية األولى تأمرنا بأن نحبّ هللا أكثر من ك ّل شيء ،والخالئق جميعا ً ألجله وبسببه.
-4112مخالفة محبّة هللا ممكنة بخطايا متنوّ عة :الالمباالة تهمل أو ترفض تبصّر المحبّة اإللهيّة،
وتتجاهل مبادرّتها وتنكر قوّ تها.نكران الجميل يُهمل أو يرفض االعتراف بالمحبّة اإللهيّة ومبادلة
المحبة بالمحبّة .الفتور هو تر ّدد أو إهمال في االستجابة للمحبّة اإللهيّة ،وقد يتضمّن رفض
85
مسايرة حركة المحبّة .السأم (أسيديا) أو الكسل الروحيّ يبلغ به األمر إلى ح ّد رفض الفرح اآلتي
من هللا ،وكراهيّة الخير اإللهيّ .الحقد على هللا ينت ُج من الكبرياء .إ ّنه يعارض محبّة هللا وينكر
جودته وي ّدعي إلحاق اللعنة به ،لكونه يحرّ م الخطايا ويُنزل العقوبات.
الصالة
-4111أفعال اإليمان والرجاء والمحبّة التي تأمر بها الوصيّة األولى َت ِت ُّم في الصالة .ورف ُع
الروح إلى هللا هو تعبير عن عبادتنا هلل بصالة التسبيح والشكر واالستشفاع والطلب .والصالة
شرط ال ب ّد منه للتم ّكن من طاعة وصايا هللا" .ينبغي ان نصلّي في ك ّل حين وال نملّ" (لو.)2 :28
الذبيحة
حق أن نق ّدم هلل ذبائح تعبراً عن العبادة والشكر والطلب والشركة" :ك ّل فعل يُعمل -4111إ ّنه لَ ّ
لاللتصاق باهلل في الشركة المق ّدسة ،وللتم ّكن من السعادة إ ّنما هو ذبيحة حقيقيّة".
-4011ال ب ّد للذبيحة الخارجيّة ،كي تكون صادقة ،من أن تكون تعبيراً عن الذبيحة الروحيّة:
"إ ّنما الذبيحة هلل روح منسحق" (مز .)21 :52لقد عاب مراراً أنبيا ُء العهد القديم الذبائح التي
ُتصنع دون مشاركة داخليّة ،أو دون عالقة بمحبّة القريب .يسوع ذ ّكر بكالم النبي هوشع" :أريد
الرحمة ال الذبيحة" (متى ،)7 :21 ،23 :1الذبيحة الوحيدة الكاملة هي تلك التي ق ّدمها المسيح
تقدمة كلي ًّة لمحبّة اآلب ولخالصنا .ونستطيع با ّتحادنا بذبيحته أن نصنع من حياتناً على الصليب،
ذبيحة هلل.
وعود ونذور
ً
-4010المسيحيّ مدعوّ في ظروف ع ّدة إلى أن َيعِد هللا وعودا ،تتضمّنها دائما المعموديّة والمسح
ُ
والرسامة الكهنوتيّة .ويستطيع المسيحيّ ،بداعي العبادة الشخصيّة ،ان َيعِد بالميرون ،والزواجُ،
هللا بعمل ما ،أو صالة ،أو صدقة أو حجّ .....واألمانة لما ن ِع ُد به هللا هي إبانة لالحترام والواجب
ّ
للعزة اإللهيّة ،والمحبّة هلل األمين.
" -4014النذر" ،أي الوعد المعقود هلل عن قصد واختيار بأمر ممكن ،وأصل ّ َح ،يجب أن يُقضى
على أ ّنه من موجبات الدين" .فالنذر عمل عباد ٍة به يُق ِّدم المسيحي ذاته هلل أو َيعِده بعمل صالح.
86
النذور يُعيد إلى هللا إذن ما وعده به وكرّ سه له .وأعمال الرسل تبيّن لنا أن القديس
َ وهو بإتمامه
بولس كان حريصا ً على إتمام نذوره.
-4011تعترف الكنيسة بقيمة مثاليّة للنذور القائمة على ممارسة المشورات اإلنجيل ّية.
"تغتبط الكنيسة أمُّنا بأن يوجد في حضنها عدد كبير من الرجال والنساء ممّن يريدون أن يقتفوا عن ك َثب آثار
المخلّص في تالشيه ،ويُعلنوا هذا التالشي بجالء أوفى ،باعتناقهم ،في حرّية أبناء هللاُ ،س ّنة الفقر ،وتخلّيهم عن
إرادتهم الذاتية :أي أ ّنهم ،رجاالً ونساء ،يخضعون لمخلوق بشريّ ،من أجل هللا ،في شؤون الكمال إلى أبعد ممّا
تقتضيه الوصيّة ،ليكونوا أكثر تشبّها ً بالمسيح الطائع.
في بعض األحوال تستطيع الكنيسة ألسباب وافية االعفاء من النذور والوعود.
الحرية الدينية
ّ ّ
والحق في واجب التد ّين األجتماعي،
" -4012على جميع الناس ان يطلبوا الحقيقة ،وال سيّما في ما يتعلّق باهلل وكنيسته ،حتى إذا ما
عرفوها اعتنقوها وكانوا عليها محافظين" .هذا الواجب ناتج من "طبيعة البشر نفسها" .وهو ال
يناقض "احتراما ً صادقاً" للديانات المتنوّ عة التي "تحمل غير مرّ ة قبسا ً من شعاء الحقيقة التي ُتنير
جميع الناس" .وال مقتضى المحبّة التي تحضّ المسيحيين على "التحلّي بالمحبّة والفطنة والصبر
في معاملة البشر الذين يعمهون في الضالل ،أو في جهل الحقيقة اإليمانية".
ً
وجماعة" .هذا هو التعليم الكاثوليكي -4011واجب تأدية عبادة حقيقيّة هلل يُلزم اإلنسان فرداً
التقليديّ في موضوع ما يقع على األفراد والجماعات من واجب أدب ّي تجاه الديانة الحقيقيّة وكنيسة
المسيح الواحدة" .والكنيسة ،بتبشيرها البشر دون انقطاع ،تعمل على أن يتم ّكنوا من "تلقيح
الذهنيّة واألخالقيّة والتشريع وبُنى الجماعة التي يعيش فيها المرء ،بلقاح الروح المسيحيّ .
وواجب المسيحيين االجتماعيّ هو أن يحترموا في ك ّل إنسان ويوقظوا فيه محبّة الحقيقة والخير.
وهو يتطلّب منهم أن يُعرّ فوا عبادة الدين الحقيقيّ الوحيد القائم في الكنيسة الكاثوليكية الرسوليّة.
المسيحيّون مدعوّ ون إلى أن يكونوا نور العالم .وهكذا ُتظهر الكنيسة
َملَكيّة المسيح على كل الخليقة وخصوصا على المجتمعات البشريّة.
ُكره على عمل يخالف ضميره ،وال أن يُن َمع من " 4011في أمور الدين ال يجوز ألحد أن ي َ
العمل ،في نطاق المعقول ،وفاقا ً لضميره ،سواء كان عمله في السرّ أو في العالنية ،وسواء كان
طبيعة الشخص البشريّ نفسُها ،إذ تحمله كرامته على أن ُ ّ
الحق أساسه فرد ّيا ً أو جماع ّياً" .هذا
يعتنق بحرّ ية الحقيق َة اإللهية التي تسمو على النظام الزمنيّ.
ب تطلّب الحقيق ِة واعتناقها".
لذلك "فهو باق حتى عند أوالئك الذين ال يقومون بواج ِ
ُعترف ،في النظام التشريعيّ المدنيّ ،بإحدى الجماعات " -4011إذا قضت أحوا ُل بعض الشعوب الخاصة بأن ي َ
ّ
بالحق صاً ،فال ب ّد إذ ذاك من االعتراف أيضا ً لجميع المواطنين وجميع الجماعات الدينية
الدينية ،اعترافا ً مدن ّيا ً خا ّ
الحق".
ّ والحرّية الدينية واحترام ذلك
الحق المف َترض في
ّ حق في الحرّ ية الدينية ليس اإلباحة األدبية باعتناق الضالل ،وال -4011ال ّ
حق طبيعيٌّ للشخص البشريّ في الحرّ ية المدنيّة ،أي الحصانة من اإلكراه الضالل ،وإ ّنما هو ٌّ
الخارجيّ ،ضمن حدود صحيحة ،في الموضوع الدينيّ ،من ِق َبل ال ُّسلطة السياسيّة .ويجب أن
الحق الطبيع ّي في النظام القانونيّ للمجتمع بحيث يكوّ ن حقّا ً مدن ّياً.
ّ ُعترف بهذا
ي َ
الحق في الحرّ ية الدينية ال يمكن أن يكون في ذاته بال حدود ،وال محدوداً فقط "بنظام عام" ذي مفهوم
ّ -4101
ُ
الفطنة السياسية وضعيّ أو طبيعيّ .و "الحدود الصحيحة" المالزمة له يجب أن تح ّددها في ك ّل وضع اجتماعيّ
بحسب مقتضيات الخير العام ،وأن ُتثبَّتها السُّلطة المدنية "على ُس َنن القواعد القانونيّة الموفقة للنظام األدبيّ
الموضوعيّ ".
87
" .ً1ال ي ُكنْ ل َك آلهة أخرى تجاهي"
-4001الوصيّة األولى تمنع إكرا َم آلهة أخرى غير الربّ الواحد الذي أظهر ذاته لشعبه .وهي
ُ
والخرافة تكوّ ن نوعا ً من المغاالة الخبيثة في الدين ،وإنكا ُر الدين ُتحرّ م الخرافات وإنكار الدين.
عيب يتعارض وفضيل َة الدين بانتقاصها.
الخرافة
-4000الخرافة هي انحرافُ العاطفة الدينية والممارسات التي تفرضُها .وقد تصيب أيضا ً العباد َة
التي نؤ ّديها لإلله الحقيق ّي مثالً عندما ُتعلَّق أهمية تكاد تكون سحري ًّة على بعض الممارسات التي
هي ،من جهة أخرى ،شرعيّة أو ضروريّة .فنحن نقع في الخرافة عندما نعلّق الفاعليّة على الوجه
الما ّدي في الصالة أو في العالقات األسراريّة ،دون االستعدادات الداخليّة التي تقتضيها.
عبادة األوثان
-4004الوصيّة األول تحرّ م تعدد اآللهة .وهي تقتضي من اإلنسان أن ال يؤمن بآلهة أخرى غير
آلهة غير اإلله األوحد .يذ ّكر الكتاب المق ّدس دائما ً بنبذ "األوثان من ذهبهللا ،وأن ال يُكرم ً
وفضّة ،صُنع أيدي الناس" ،هي التي "لها أفواه وال تتكلّم ولها عيون وال ُتبصر "....هذه األوثان
الباطلة تؤ ّدي إلى البطالن" :مثلها ليكن صانعوها ،وجميع الم ّتكلين عليها" (مز.)8 ،5-4 :225
ويتدخل في التاريخ. ّ أمّا هللا فهو على العكس "اإلله الحيّ " (يش )21 :3والذي يُحيي
تجربة دائمةً
ً ً
مرتبطة فقط بالعبادات الوثنيّة الكاذبة .بل هي تبقى -4001عبادة األوثان ليست
ً
خليقة عوضا ً لإليمان .وتقوم على تأليه ما ليس بإله .فهناك عبادةُ أوثان عندما يُكرم اإلنسان ويُج ُّل
من هللا ،سواء تعلّق األمر باآللهة أو بالشياطين (مثل عبادة الشياطين) ،بالسلطة أو باللذة ،أو
بال ِعرع ق ،أو باألجداد ،أو بالدولة ،أو بالمال .....،قال يسوع" :ال تقدرون أن تعبدوا هللا والمال"
(متى .)14 :6وهناك شهداء كثيرون ماتوا لكي ال يعبدوا "الوحش" ،ورفضوا حتى التظاهر
بعبادته .فعبادة الوثن تأبى سيادة الربّ الوحيدة ،فهي إذن تتنافى واإل ّتحاد باهلل.
-4002تتوحّ د الحياة البشريّة في عبادة هللا األوحد .ووصيّة عبادة الربّ وحده تبسّط اإلنسان
وتخلّصه من تش ّتت ال حدود له .عبادة الوثن إفساد للحسّ الدينيّ الموجود في اإلنسان .عابد الوثن
ي شيء ،سوى هللا ،ما هو متأصّل فيه من مفهوم هللا". هو من "يُرجع إلى أ ّ
والسحر
ّ العرافة
-4001يستطيع هللا أن يكشف المستقبل ألنبيائه أو لغيرهم من الق ّديسين .إال ّ أنّ الموقف المسيحيّ
الصحيح يقوم على تسليم الذات بثقة بين يدي العناية اإللهية في ما يتعلّق بالمستقبل ،وتركِ ك ّل
فضول فاسد من هذا القبيل .وعدم التبصّر قد يكوّ ن عدَما ً للمسؤوليّة.
-4001يجب َنبع ُّ ُذ جميع أنواع ال ِعرافة :اللجوء إلى الشيطان أو األبالسة ،استحضار األموات
أو الممارسات األخرى المف ّترض خطأ ً أ ّنها "تكشف" عن المستقبل .استشارة مستطلعي األبراج
ُ
وظاهرات الرائين واللجوء إلى ّ
الحظ، والمنجّ مين وقارئي الكفّ ،وشارحي الفأل أو الشؤم أو
الوسطاء ،أُمور تختبي ُء إرادة التسلّط على الوقت ،وعلى التاريخ وأخيرا على البشر ،وفي الوقت
ً
عينه الرغب َة في استرضاء القوى الخفيّة.إ ّنها على تناقض مع ما هلل وحده علينا من واجب اإلكرام
واالحترام الممزوج بالخشية وال ُم ِحبّة.
88
رويض القوى الخفيّة لجعلها في َ سحر أو العِرافة التي يزعمون بها ت -4001جميع ممارسات ال ِّ
خدمة اإلنسان ،والحصول على سلطة فائقة الطبيعة على القريب -حتى وإن قُصد بها توفي ُر
ً
جسيمة لفضيلة الدين .ويكون الحك ُم أقسى على هذه ً
مخالفة الصحة له -إ ّنما هي مخالِفة
الممارسات عندما تصحبها نيّة إيذاء اآلخرين ،أو تلجأ إلى مداخالت شيطانيّة .وح عم ُل التعاويذ هو
ُ
الكنيسة أيضا ً مُالم .ومناجاةُ األرواح تنطوي مراراً على ممارسات عِ رافة أو سحر .ولذا ُتنبّه
المؤمنين إلى تج ّنبها .واللجو ُء إلى أنواع الطبّ المدعوّ ة تقليدي ًّة ال يسوغ استدعاء القوى الشرّ يرة
استثمار ما عند اآلخرين من سرعة تصديق. َ وال
مخالفة الدين
-4001ت نبذ وصيّة هللا األولى الخطايا الرئيسة المخالفة للدين ،من تجربة هللا بالكالم واألفعال ،وانتهاك
القدسيّات والسيمونيّة.
ضع موضع االمتحان ،بالقول أو الفعل ،جود ُته وقدر ُته. -4001القيام بتجربة هللا يكون بأن تو َ
هكذا أراد الشيطان أن يجعل يسوع يُلقي بنفسه من الهيكل ،وان يُرغم هللا ،بهذا الفعل ،على أن
يعمل .وقد جابهه يسوع بكالم هللا" :ال تجرّ ب الربّ إلهك" (تث .)26 :6إنّ التح ّدي الذي تنطوي
عليه تجربة هللا هذه يُسيء إلى ما لخالِقنا وربّنا علينا من االحترام والثقة .وهو يتضمّن دوما ً ش ّكا ً
في محبّته وعنايته وقدرته.
-4041يكون انتهاك القدسيات بأن يُد ّنس اإلنسانُ أو يُسيء استعمال األسرار ،واألفعال
الليترجية األخرى ،واألشخاص واألشياء واألماكن المكرّ سة هلل .وهذا االنتهاك خطيئة جسيمة
خصوصا ً إذا أصاب االفخارستيا ،بما أنّ جسد المسيح نفسه في هذا السرّ يصبح حاضراً لنا
بجوهره.
ّ
-4040تح َّدد السيمونية بأنها بمثابة شراء األمور وبيعها .ولقد أجاب القديس بطرس سيمون ُ
ك معك إلى ض ُت َ
الساحر الذي أراد شراء القدرة الروحيّة التي رآها تعمل في الرسل" :لتصِ ر ف ّ
الهالك ،أل ّنك توهّمت أنّ موهبة هللا ُتقتنى بالنقدود" (أع )11 :8وكان يمتثل هكذا لكالم يسوع:
"مجّ انا ً أخذتم ،مجّ انا ً أعطوا" (متى .)8 :21فمن المستحيل تملّك الخيرات الروحيّة والتصرّ ف بها
كما يتصرّف المالك أو السيّد ،ألنّ َمصدرّ ها هو في هللا .فال يمكن إال ّ قبولها منه مجّ اناً.
" -4044ال يُطلب الخادم شيئا ً لالحتفال باألسرار ،ممّا لم تح ّدده السلطة ذات الصالحيّة ،وعليه أن يسهر على
ُحرم المعوزون من عون األسرار بسبب فقرهم" .وتح ّدد السلطة ذات الصالح ّية هذه التقادم استناداً إلى أن ال ي َ
يستحق طعامه" (متى.21 :21 ّ هذا المبدإِ :أنّ الشعب المسيحي عليه أن يؤمّن إعالة خ ّدام الكنيسة" .فالفاعل
اإللحاد
" -4041الكثيرون من معاصرينا ال يُعيرون اال ّتحا َد الحميم والحيويّ باهلل أيّ انتباه بل إ ّنهم
يرفضونه رفضا ً صريحاً ،بحيث إنّ اإللحاد ُي َع ُّد من أخطر ظاهرات هذ ايام".
-4042واسم اإللحاد يُطلق على ظاهرات كثيرة التنوّ ع .هناك صيغة شائعة هي الما ّدية العمليّة
التي َتقصُر حاجاتها وطموحاتها على المكان والزمان .والنزعة اإلنسانية الملحدة َتع َتبر ،وهي
على ضالل ،أنّ اإلنسان "غاية في نفسه ولنفسه ،وهو صان ُع تاريخه األوحد وب َطل ُه" .وصيغة
أخرى من االلحاد المعاصر تتوقّع تحرير االنسان من تحرير اقتصاديّ واجتماعيّ " ُي َظنُّ أنّ الدين
عقبة في طريقه ،بمقدار ما يُقي ُم رجا َء اإلنسان على سراب حياة آتية ،فيُحوّ ل ً يقف بطبيعته
اهتمامه عن بناء المدينة األرضيّة".
89
-4041االلحاد خطيئة مخالفة لفضيلة الدين بكونه ينبذ أو يرفض وجود هللا .والمسؤولية عن ها
الذنب يمكن أن تتضا َءل كثيراً بسبب النيّات والظروف .وفي نشوء اإللحاد وانتشاره" ،قد يكون
للمؤمنين يد كبيرة من حيث تهاملهم في التنشئة اإليمانية ،أو من حيث العرضُ المضلّل للعقيدة ،أو
من حيث الضعف في حياتهم الدينية واألخالقية واالجتماعية ،حتى ليص ُّح القول فيهم :إنهم
يحجّ بون الوج َه األصيل هلل والديانة أكثر ممّا يُعلنونهُ.
-4041يستند اإللحاد مراراً كثير ًة إلى مفهوم خاطئ لالستقالل الذاتيّ عند اإلنسان ،يصل إلى حد
رفض إيّ ارتباط باهلل .ولكنّ "االعتراف باهلل ال يباين كرامة اإلنسان ،في شيء ،إذا إنّ الكرامة
تجد في هللا ما يؤسّسها وما يتمّمها" .والكنيسة َتعع لم "أنّ رسالتها ت ّتفق وأعمق رغبات القلب
البشريّ ".
االأدر ّية
ي إنكار هللا .بل على العكس يُعلن
-4041لالأدريّة أشكال كثيرة .ففي بعض األحوال ،يأبى االأدر ّ
وجود كائن سام ال يستطيع الكشف عن ذاته وال يستطيع أحد أن يقول عنه شيئاً .وفي أحوال
أخرى ،ال يُبدي الالأدريّ رأيا ً في وجود هللا ،ويقول إ ّنه من المستحيل البرهان عليه بل تأكيده أو
نفيه.
-4041قد تنطوي االأدريّة أحيانا ً على شيء من تطلّب هللا ،وقد يكون أيضا ً من الالمباالت أو
هروبا ً من السؤال القصيّ عن الوجود ،أو كسالً من الضمير األخالقي .وكثيراً ما تتساوى
االأدريّة واإللحاد العمليّ.
بإيجاز
90
" -4011أحبب الربّ إلهك من ك ّل قلبك وك ّل نفسك وك ّل قدرتك" (تث.)5 :6
-4012الوصيّة أألولى تدعو اإلنسان إلى اإليمان باهلل ،ورجائه ،ومحبّته فوق كل شيء.
" -4011للربّ إلهك تسجد" (متى .)42 :1فالسجود هلل ،وتأدية العبادة التي ّ
تحق له ،وتتميم
الوعود والنذور المقطوعة له ،هي أفعال من فضيلة الدين مرتبطة بطاعة الوصية األولى.
-4011واجب تأدية عبادة حقيقية هلل يُلزم اإلنسان فرد ًا وجماعة.
" -4011يجب ان يستطيع اإلنسان االعتراف بالدين بحريّة سواء كان عمله في الس ّر أو في
العالنيّة".
-4011الخرافة هي انحراف في العبادة التي نؤ ّديها هلل الحقيقيّ .وهي تظهر في عبادة الوثن وفي
أشكال مختلفة من العِرافة والسحر.
ال ،وانتهاك القدسيّات ،والسيمونيّة هي خطايا تخالف الدين -4011القيام بتجريب هللا قو ًال وعم ً
وتنهي عنها الوصيّة األولى.
-4021اإللحاد خطيئة تخالف الوصيّة األولى عندما يُنبّذ أو يُر َفض وجود هللا.
-4020إكرام الصور المق ّدسة يستند إلى س ّر تجسّد كلمة هللا .وليس هو مخالف ًا للوصيّة األولى.
91
التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية
الجزء الرابع
الرب قدّوس
ّ .ً1اسم
الرب .وهي ،كالوصية األولى ،مرتبطة بفضيلة الدين، ّ -2112تأمر الوصية الثانية باحترام اسم
نظم على الخصوص استعمالَنا الكالم في األمور المقدسة. و ُت ِّ
-2112بين جميع كلمات الوحي هناك كلمة فريدة هي الكشف عن اسمه .لقد أودع هللا اسمه من
آمنوا به .إنه يظه ُر لهم في سره الشخصي .وإعطاء االسم يندرج في سياق المُسارة واأللفة
الحميمة" .اسم الرب قدوس" .ولذاك ال يستطيع اإلنسان اساء َة استعماله .وعليه ان يحتفظ به في
ذاكرته ،في صمت العبادة والحب .وال يُدخله في كالمه إال ليباركه ويسبحه ويُمجده.
-2111احترام اسم هللا يعبر عن االحترام الواجب لسر هللا ذاته ،ولكل الحقيقة القدسية التي يوحى
بها .واالحساس بالقدس ّيات ترتبط بفضيلة الدين:
"هل اإلحساس بالخوف وبالقدسيات هو إحساس مسيحي ،أوال؟ ال يستطيع حد أن يشك بذلك بوجه معقول .وذلك
ما كنا نشعر به بشدة ،لو نلنا رؤية هللا السيد .وذلك ما كنا نشعر به لو "تحققنا" حضوره .ويجب أن يكون فينا
حضوره وال نؤمن به".
َ ذلك اإلحساس بمقدار إيماننا بحضوره .والفراغ من ذلك االحساس يعني أننا ال نعي
-2112على المؤمن أن يشهد السم الرب باالعتراف بإيمانه دون االستسالم للخوف .يجب أن
يكون عمل الوعظ وعمل التعليم الديني مم َتزجين بالعبادة واالحترام السم ربنا يسوع المسح.
-2112تنهي الوصية الثانية عن سوء استعمال اسم هللا أي عن كل استعمال ال يليق باسم هللا،
ويسوع المسيح ،ومريم العذراء وجميع القديسين.
-2112الوعود المقطوعة لآلخرين باسم الرب ُتلزم شرف هللا وأمانته وصدقه وسلطته .فيجب
ث فيها سو ُء استعمال السم هللا ،وهو ،بوجه من الوجوه ،جع ُل هللا احترامها من باب العدالة .والحِن ُ
كاذبا.
-2112التجديف يعارض مباشرة الوصية الثانية .وقوامه أن يُقال على هللا ،في الباطن أو في
الظاهر ،كال ُم بُغض ،ولَوم ،وتحدٍّ ،وأن يُقال فيه سوء ،وأن يُخل باالحترام له بالكالم ،وأن يُساء
استعما ُل اسم هللا .فالقديس يعقوب َيز ُج ُر "من يجدفون على االسم الجميل (اسم يسوع) الذي به
ُدعوا" (يع .)7 :1وتحريم التجديف يتناول أيضا الكال َم المُسيء لكنيسة المسيح ،وللقديسين،
واألشياء المقدسة .ومن التجديف أيضا اللجوء إلى اسم هللا لستر ممارسات إجرامية ،واستِعباد
الشعوب ،أو التعذيب والقتل .ان سوء استعمال اسم هللا الرتكاب جريمة يُسبب رفض الدين.
التجديف يتعارض مع االحترام الواجب هلل والسمه القدوس .وهو في حد ذاته خطيئة جسيمة.
-2112والكالم النابي الذي يستعمل اسم هللا دون نية تجديف هو انتقاص الحترام هللا .وتمنع
الوصية الثانية أيضا استعمال اسم هللا بطريقة سحر ّية.
"اسم هللا عظيم حيث يُل َتقظ به باالحترام الواجب لعظمته وجالله .واسم هللا قدوس حيث يُدعى بتوقير وخشية
إهانته".
2
.ً2التل ُّفظ باسم هللا بالباطل
الحلف أو الق َسم هو اتخاذ هللا شاهدا على ما يؤكده سم الباطلَ . -2122تنهي الوصية الثانية عن ال َق َ
اإلنسان .إنه اعتماد صدق هللا عربونا للصدق الذاتي .والقسم يُلزم اسم هللا" .الرب إلهك تتقي،
وإياه تعبد وباسمه تحلِف" (تث.)23 :6
-2121نبذ الحلف الباطل واجب تجاه هللا .فاهلل الخالق والرب هو قاعدة كل حقيقة .والكالم
البشري يكون موافقا أو معارضا هلل الذي هو الحقيقة بذاتها .والقسم عندما يكون صادقا وشرعيا،
يُظهر ارتباط الكالم البشري بالحقيقة اإللهية .وال َق َسم الباطل يدعو هللا إلى الشهادة للكذب.
ث -2122يكون حانثا َمن يُقسم واعدا بما ال يريد فعله ،أو من ال يفعل ما وعد به بقسم .والحن ُ
مخالفة جسيمة الحترام رب كل كالم .وااللتزام بقسم بفعل سيِّ يتعارض وقداسة اسم هللا.
-2122لقد عرض يسوع الوصية الثانية في العظة على الجبل" :سمعتم أنه قيل لألقدمين :ال
تح َنث بل أوفِ للرب بأيمانك .أما أنا فأقول لكم :ال تحلفوا البتة ...فليكن كالمكم :نعم نعم ،ال ال،
وما يُزاد على ذلك فهو من الشرير" (متى .)37 ، 33-33 :5ويعلم يسوع أن كل قسم يتضمن
ُكرم في كل كالم .والرصانة في اللجوء إلى هللا هللا وحقيقتِه يجب أن ي َ ارتباطا باهلل ،وأن حضور ِ
في الكالم تتوافق واالنتباه إلى حضوره باحترام ،ذلك الحضور الذي يؤكد أو يُح َت َقر في كل ما
ننطق به .
-2121لقد أدرك التقليد الكنسي ،على أثر القديس بولس ،أن كالم يسوع ال يتعارض والقسم
عندما يتم هذا لسبب خطير وصوابي (مثال أمام المحاكمة)" .القسم ،أي استدعاء االسم اإللهي
للشهادة على الحقيقة ،ال يمكن تأديته إال في الحقيقة ،وبتمييز وصواب".
-2122تقتضي قداسة االسم اإللهي أن ال يُلجأ إليه في األمور التافهة ،وأن ال يُجرى القسم في
ظروف يمكن أن يؤوَّ ل فيها أنه موافقة لسلطة تقتضيه بدون حق .وعندما تقتضي القس َم سلطات
مدنية غي ُر شرعية ،يمكن رفضه .ويجب رفضه عندما يُقتضى لغايات تتعارض وكرامة
األشخاص أو الشركة الكنسية.
المسيحي
ّ .ً2االسم
-2122يُمنح سر المعمودية "باسم اآلب واالبن والروح القدس" (متى .)21 :12وفي المعمودية
يُق ِّدس اس ُم الرب اإلنسان ،ويحصل المسيحي على اسمه في الكنيسة .ويمكن أن يكون اس َم قديس،
أي تلميذ قضى حياة في أمانة مثالية لربه .ورعاية القديس ُتقدم مثاال للمحبة وتؤكد شفاعته.
ويمكن أن يُعبِّر "اس ُم المعمودية" عن سر من األسرار أو فضيلة من الفضائل المسيحية" .ويجب
أن يسهر األهل والعرابون والخوري على أن ال يُعطى اسم غريب عن الحس المسيحي".
-2122يبدأ المسيحي نهاره وصلواته وأعامالَه بإشارة الصليب" .باسم اآلب واالبن والروح
القدس .آمين" .ويُكرس المعمَّد نهاره لمجد هللا ،ويستدعي نعمة المخلص التي تمكنه من أن
يتصرف في الروح كابن لآلب .وإشارة الصليب تقوينا في التجارب والمصائب.
-2122يدعو هللا كال باسمه .واسم كل إنسان مقدس .فاالسم هو أيقونة الشخص .وهو يقتضي
االحترام ،داللة على كرامة من يحمله.
ُ
-2122االسم المتخذ هو اسم أبدي .ففي الملكوت ستسطع في نور باهر السمة الشخصية
والوحيدة لكل شخص عليه اسم هللا" .من غلب ...فإني أعطيه حصاة بيضاء ،مكتوبا عليها اسم
ُ
ورأيت فإذا بالحمل قائم على جبل صهيون ومعه جديد ،ال يعرفه أحد سوى اآلخذ" (رؤ" .)27 :1
مئة ألف وأربعة وأربعون ألفا عليهم اسمُه واس ُم أبيه مكتوبا على جباههم" (رؤ.)2 :23
3
بإيجاز
" -2122أيها الرب إلهنا ،ما أعظم اسمك في كل األرض" (مز.)2 :8
-2121تأمر الوصية الثانية باحترام اسم الرب .فاسم الرب قدوس.
-2122تنهى الوصية الثانية عن كل استعمال السم هللا غير الئق .والتجديف يعني استعمال اسم
هللا ،ويسوع المسيح ،والعذراء مريم والقديسين بوحه مسيء.
-2122ال َق َسم الباطل يستدعي هللا إلى الشهادة للكذب .والحِنثث مخالفة جسيمة للرب األمين أبدا
لوعوده.
" -2121ال تحلف ال بالخالق وال بالخليقة إال في الحقيقة والضرورة واإلجالل".
-2122بالمعمودية يتقبل المسيحي اس َمه في الكنيسة .ويجب أن يسهر األهل والعرابون والخوري
صال َته.
على أن يُعطى له اسم مسيحي .ورعاية القديس توفر مثال محبة وتؤكد َ
-2122يبدأ المسيحي صلواته وأعما َله بإشارة الصليب "باسم اآلب واالبن والروح القدس.
آمين".
-2122هللا يدعو كل انسان باسمه.
المقال الثالث
الوص ّية الثالثة
"اذ ُكر يوم السبت ل ُتق ِّدسه .في ستة أيام تعمل وتصنع جميع أعمالك ،واليوم السابع سبت للرب إلهك ،ال تصنع فيه
عمال" (خروج.)21-2 :11
"السبت جُعل ألجل اإلنسان ،ال اإلنسان ألجل السبت ،ثم إن ابن البشر هو رب السبت أيضا" (مر.)12-17 :1
سبت
.ً1يوم ال ّ
سبت عطلة مقدس للرب" ُ ُ -2122تذكر الوصية الثالثة بقداسة يوم السبت" :اليوم السابع
(خروج.)25 :32
-2122والكتاب ،من هذا القبيل ،يذ ّكربالخلق" :ألن الربَّ إلهك في ستة أيام خلق السماوات
واألرض والبحر وجميع ما فيها ،وفي اليوم السابع استراح .ولذاك بارك الرب يو َم السَّبت
وقدسه" (خروج .)22 :11
-2122ويُبدي الكتاب في يوم الرب أيضا تذكارا لتحرير اسرائيل من عبودية مصر" :أذكر أنك
كنت عبدا في أرض مصر ،فأخرجك الرب إلهك من هناك بيد قديرة وذراع مبسوطة .ولذلك َ
أمرك الرب إلهك بأن تحفظ يوم السبت" (تث.)25 :5
-2121لقد أودع هللا إسرائيل السبت لكي يحفظه عالمة للعهد األبدي .والسبت بالنسبة إلى الرب،
محفوظ ومقدس لتسبيح هللا ،وتسبيح عمل خلقه وأفعاله الخالصية لمصلحة إسرائيل.
-2122تصرف هللا هو مثا ُل تصرف البشر .فإذا كان هللا قد "استراح" في اليوم السابع
(خروج ،)27 :32فعلى اإلنسان أن "يتعطل" ويجعل اآلخرين ،وال سيما الفقراء "يتروحون" .
السبت يوقف األعمال اليومية ويُنيل راحة .إنه يو ُم احتجاج على عبودية العمل وعبادة المال.
4
-2122يروي اإلنجيل أحداثا كثيرة اتهم فيها يسوع بمخالفة شريعة السبت .ولكن يسوع لم يتع َّد
بت ألجل اإلنسان، أبدا قداسة هذا النهار .وقد شرح بما له من سلطة معناها الحقيقي" :لقد جُعل الس ُ
ال اإلنسان ألجل السبت" (مر .)17 :1وبدافع الشفقة يستبيح المسيح في يوم السبت ،أن يُفع َل
ص نفس ال أن ُتقتل .السبت هو يوم رب المراحم وشرف هللا" .ابن الخي ُر ال الشر ،وأن ُتخلَّ َ
اإلنسان هو رب السبت" (مر.)12 :1
الرب
ّ .ً2يوم
"هذا هو اليوم الذي صنعه الرب ،فلنبتهج ونتهلل فيه" (مز.)13 :222
سبتاألحد – تتميم ال ّ
-2122يتميز األحد بوضوح من السبت وهو يتبعه زمنيا في كل أسبوع ،ويقوم مقامه عند
المسيحيين بالنسبة إلى فريضته الطقسية .إنه يُتمِّم في فصح المسيح حقيقة السبت اليهودي
الروحية ،ويُعلن راحة اإلنسان األبدية في هللا .فإن عبادات الشريعة كانت تهي ُء سرِّ المسيح ،وما
يمارس فيها كان يمثل بعض المالمح العائدة إلى المسيح. َ كان
"إن الذين كانوا يحيون بحسب نظام األشياء القديم ،جاؤوا إلى الرجاء الجديد ،فال يحافظون على السبت بل على
يوم الرب الذي فيه ُتبارك حيا ُتنا به وبموته".
-2122االحتفال بيوم األحد يتمم الفريضة األخالقية المحفورة طبيعيا في قلب اإلنسان "أن يعبد
هللا عبادة خارجية ،منظورة ،علنية ومنتظمة تحت شعار إحسانه الشامل للبشر" .وعبادة يوم األحد
وروحها باالحتفال كل أسبوع بخالق شعبه َ تتمِّم فريضة العهد القديم األخالقية ،ف ُتعيد إيقا َعها
وفاديه.
واجب األحد
ُلزمون بواجب المشاركة -2122وصية الكنيسة تجدد شريعة الرب وتوضحها" :إن المؤمنين م َ
في القداس ،يوم األحد وأيام األعياد األخرى المفروضة"" .يتمِّم إلزام المشاركة في القداس كل
نهار العيد نفسه أو مساء اليوم السابق".
َ من يحضر القداس المُقام بحسب الطقس الكاثوليكي
-2121إن إفخارستيا يوم األحد هي األساس والتثبيت لكل الممارسة المسيحية .لذلك يُلزم
المؤمنون بالمشاركة في االفخارستيا في األيام المفروضة ،وما لم يعذرهم في ذلك سبب ج ِّدي
(من مثل المرض ،والعناية باالطفال) ،أو يفسح لهم راعيهم الخاص .والذين يخالفون عن قصد
ذلك الواجب يرتكبون خطيئة جسيمة.
-2122إن المشاركة في االحتفال العام في االفخارستيا يوم األحد هي شهادة على االنتماء إلى
المسيح وكنيسته واألمانة لها .ويؤكد المؤمنون بذلك شركتهم في اإليمان والمحبة .ويشهدون معا
لقداسة هللا ورجائهم الخالص .ويتقوون بعضهم مع البعض بإرشاد الروح القدس.
" -2122إذا استحالت المشاركة في االحتفال االفخارستي ،لعدم توفر الخدام المكرسين ،أو ألي سبب آخر
خطير ،يوصى المؤمنون بشدة بأن يشاركوا في ليترجيا الكلمة ،إذا وجدت ،في الكنيسة الرعائية أو في مكان
مقدس آخر ،تلك الليترجيا المُقامة بحسب الترتيبات التي وضعها األسقف األبرشي .أو يقيمون الصالة مدة الئقة
من الزمن ،إنفراديا أو مع األسرة ،أو ،بحسب الظروف ،مع جماعة من األسر".
6
-2122على المسيحيين الذين تتوفر لهم أسباب الراحة أن يتذكروا إخوتهم الذين لهم االحتياجات
نفسها والحقوق نفسها ،ولكنهم ال يستطيعون االستراحة بسبب الفقر والعوز .وقد درجت التقوى
المسيحية تقليديا على تخصيص يوم األحد باألعمال الصالحة ،والخدمات المتواضعة للمرضى،
وذوي العاهات والمسنين .ويقدس المسيحيون أيضا يوم األحد بإعطاء أسرتهم وأقاربهم من الوقت
والعناية ما يصعب توفره في أيام األسبوع األخرى .يوم األحد يوم تفكير وصمت ،وثقافة وتأمل،
وهي أمور ُتساعد على نمو الحياة الداخلية والمسيحية.
-2122تقديس أيام اآلحاد واألعياد يقتضي جهدا مشتركا .وعلى كل مسيحي أن يتحاشى أن يفرض على
اآلخرين ،دون اضطرار ،ما يمنعهم من حفظ يوم الرب .وعندما تقتضي العادة
(رياضة ،مطاعم ..ألخ) والضرورات االجتماعية (الخدمات العامة ،الخ) من البعض عمال يوم األحد ،تقع على
كل واحد المسؤولية عن وقت كاف للراحة .وليُع َن المؤمنون بأن يتحاشوا برصانة ومحبة ما تولده العُطل
الجماعية من إفراط وعنف .وعلى السلطات العامة ،أن تسهر ،رغما عن الضغوط االقتصادية ،على أن تو ِّفر
للمواطنين وقتا للراحة ولعبادة هللا .على أصحاب العمل واجب مماثل تجاه عمالهم.
-2122على المسيحيين ان يسعوا إلى أن يُعترف بأيام اآلحاد واألعياد الكنسية أيام عطل رسمية،
مع احترام الحرية الدينية والخير العام للجميع .وعليهم أن يُعطوا للجميع مثال علنيا على الصالة،
واالحترام ،والفرح ،وأن يدافعوا عن تقاليدهم ،فيساهموا هكذا مساهمة ثمينة في الحياة الروحية
للمجتمع اإلنساني .وإذا كانت شرائع البلد أو أسباب أخرى ُتلز ُم بالعمل يوم األحد ،فلي َ
ُقض هذا
النهار ،مع ذلك ،كيوم خالصنا الذي يجعلنا نشترك في "محفل العيد" هذا .وفي "جماعة األبكار
المكتوبين في السماوات" (عب.)13-11 :21
بإيجاز
سبت راحة مقدس للرب"ُ " -2122إحفظ يوم السبت وقدسه" (تث" .)22 :5في اليوم السابع
(خروج.)25 :12
ُ -2122إن السبت الذي كان يمثل انتهاء َ
الخلق األول أبدل باألحد الذي يذكر بالخلق الجديد الذي
بدأ بقيامة المسيح.
-2121تحتفل الكنيسة بيوم قيامة المسيح في اليوم الثامن ،وهو يسمى ٍّ
بحق يوم الرب أو األحد.
" -2122يجب أن يُح َفظ األحد في الكنيسة جمعاء بكونه يوم العيد المفروض الرئيس"" .إن
ُلزمون بواجب المشاركة في القداس يوم األحد وأيام األعياد األخرى المفروضة". المؤمنين م َ
-2122لِي َمتنع المؤمنون في أيام اآلحاد واألعياد األخرى المفروضة عن األشغال واألعمال
التجارية ،التي من شأنها أن تحول دون تقديم العبادة الواجبة هلل ،والفرح المالزم ليوم الرب أو
الراحة الواجبة للنفس والجسد".
-2121إن إنشاء يوم األحد يُساهم في "ان َين َعمَ الجميع بما يكفي من الراحة والفراغ للقيام
بمقتضيات الحياة العيلية ،والثقافية ،واالجتماعية والدينية".
-2122على كل مسيحي أن يتحاشى أن يفرض على اآلخرين دون اضطرار ما يمنعهم من حفظ
يوم الرب.
الفصل الثالث
"أحبب قري َب َك كنفسِ َك"
قال يسوع لتالميذه" :أحبوا بعضكم بعضا كما أحببتكم أنا" (يو.)33 :23
7
-2122أجاب يسوع عن السؤال عن الوصية األولى بقوله" :األولى هي :إسمع يا إسرائيل،
الرب إلهنا هو الرب الوحيد .فأحبب الرب إلهك بكل قلبك ،وكل نفسك ،وكل ذهنك ،وكل قوتك".
ك" .وليس من وصية أخرى أعظم من هاتين( .مر.)32-11 :21 والثانية هي" :أحبب قريبك كنفس َ
ويذكر القديس بولس بذلك" :إن من أحب القريب قد أتم الناموس .فإن هذه الوصايا :ال تزن ،ال
تٌلخص في هذه الكلمة" :أحبب تقتل ،ال تسرق ،ال تشهد بالزور ،ال تشته ،وكل وصية أخرى ُ
قريبك كنفسك" .إن المحبة ال تصن ُع بالقريب شرا.
"فالمحبة إذن هي تمام الناموس" (رو.)21-2 :23
المقال الرابع
الوص ّية الرابعة
"أكرم اباك وأمَّك لكي يطول عُمرُك في األرض التي يعطيك الرب إلهك" (خروج" .)21 :11وكن خاضعا
لهما" (لو.)52 :1
ولقد ذكر الرب يسوع نفسه بقوة "وصية هللا هذه" .والرسول يعلم قائال" :أنتم أيها األوالد ،أطيعوا والديكم في
صيب خيرا ،وتطول
َ الرب ،فإن ذلك عدل .أكرم أباك وأ ّمك .تلك هي الوصية األولى التي أُنيط بها َوعد" :لكي ن
أيامك على األرض" (أف.)3-2: 6
-2122الوصية الرابعة تفتتح اللوحة الثانية .إنها تدل على نظام المحبة .فلقد أراد هللا أن ُنكرم
بعده والدينا الذين أعطونا الحياة والذين نقلوا إلينا معرفة هللا .فنحن ملزمون باإلكرام واالحترام
لجميع أولئك الذين أوالهم هللا سلطته ألجل خيرنا.
خبر بالوصاياُ -2122تع ِّب ُر هذه الفريضة بصيغة إيجابية عن واجبات ال بد من القيام بها .وهي ت ِ
ُ
الالحقة المعنية باحترام خاصٍّ بالحياة ،والزواج وخيرات األرض والكالم .وهي من أركان عقيدة
الكنيسة االجتماعية.
-2122تتوجه الوصية الرابعة بوضوح إلى األوالد في عالقتهم بأبيهم وأمهم ،ألن هذه العالقة
هي األعم .و ُتعنى أيضا بعالئق القرابة مع أعضاء الجماعة العائلية .وتقضي بتأدية اإلكرام،
والمحبة ،واالعتراف بالجميل للجدود واألقدمين .وتمتد أخيرا إلى واجبات التالميذ تجاه المعلم،
والعاملين تجاه رب العمل ،والمرؤوسين تجاه رؤسائهم ،والمواطنين تجاه وطنهم ومن يديرونه
ويحكمونه.
وتقتضي هذه الوصية وتتناول ضمنا واجبات الوالدين واألوصياء ،والمعلمين ،والرؤساء،
والقضاة ،والحكام ،وكل الذين يمارسون سلطة على اآلخرين أو على جماعة من األشخاص.
-2222يتضمن حفظ الوصية الرابعة مكافأة" :أكرم أباك وأمك لكي يطول عمرك في األرض
التي يعطيك الرب إلهك" (خروج .)21 :11إن احترام هذه الوصية يوفر ،مع الخيور الروحية،
خيورا زمنية من سالم وازدهار .وعلى العكس تؤدي مخالفتها إلى أضرار جسيمة تصيب
الجماعات واألشخاص البشرية.
طبيعة األسرة
8
-2221تقوم الشراكة الزوجية على رضى الزوجين .والزواج واألسرة يهدفان إلى خير الزوجين
وإنجاب البنين وتنشئتهم .ويكون حب الزوجين وإنجاب األوالد بين أعضاء األسرة الواحدة عالئق
شخصية ومسؤوليات أولية.
-2222يؤلف الرجل والمرأة المتحدان بالزواج مع أوالدهما أسرة .وهذا الواقع سابق لكل
اعتراف من ِق َبل السلطة العامة ،ويفرض نفسه عليها .ويجب اعتبارها المرجع الشرعي الذي
بموجبه ُتقدر صيغ القرابة بأنواعها.
-2222لقد أنشأ هللا األسرة البشرية بخلقه الرجل والمرأة ،وخصها بنظامها األساسي .أعضاؤها
أشخاص متساوون في الكرامة .وتقتضي األسرة ،في سبيل الخير العام ألعضائها وللمجتمع،
تنوعا في المسؤوليات والحقوق والواجبات.
األسرة المسيحية
" -2221األسرة المسيحية هي كشف وتحقيق على نحو خاص للشركة الكنسية ،لهذا السبب يجب
شركة إيمان ورجاء ومحبة .ولها في الكنيسة أهمية خاصة ُ أن ُتدعى بمثابة كنيسة منزل ّية" .إنها
كما يبدو ذلك في العهد الجديد.
-2222األسرة المسيحية هي اتحاد أشخاص ،هي أثر وصورة التحاد اآلب واالبن في الروح
القدس .وعملها في اإلنجاب والتنشئة هو انعكاس عمل اآلب الخالق .إنها مدعوة للمشاركة في
صالة المسيح وذبيحته .والصالة اليومية وقراءة كالم هللا يقويان فيها المحبة .واألسرة المسيحية
هي مب ِّشرة وإرسالية.
-2222العالئق ضمن األسرة تستتبع تقاربا في العواطف والود والمصالح يتأتى خصوصا من
االحترام المتبادل بين األشخاص .األسرة شركة مم ّيزة مدعوة إلى "اتفاق في الرأي عند األزواج
واشتراك للوالدين في تربية األبناء".
.ً2األسرة والمجتمع
-2222األسرة هي الخل ّية األصل ّية للحياة االجتماعية .إنها المجتمع الطبيعي حيث الرجل
والمرأة مدعوان إلى عطاء الذات في الحب وفي عطاء الحياة .إن السلطة واالستقرار وحياة
العالئق ضمن األسرة تكون أركان الحرية واألمن واألخوة في المجتمع .األسرة هي الجماعة التي
يمكن فيها منذ الطفولة َت َعلُم القيم األخالقية ،والشروع في إكرام هللا ،وحسن استعمال الحرية.
والحياة في األسرة هي تنشئة على الحياة في المجتمع.
-2222يجب أن تعيش األسرة بحيث يتعلم أعضاؤها االهتمام واالضطالع بالصغار والشيوخ.
والمرضى والمعاقين والفقراء .وهناك أسر كثيرة تجد نفسها عاجزة أحيانا عن تقديم هذا العون.
فيعود حينئذ لغيرهم ،وألُسر أُخرى ،وبالتالي للمجتمع أن يلبوا احتياجاتهم" :إن الديانة الطاهرة
الزكية ،في نظر هللا اآلب ،هي افتقاد اليتامى واألرامل في ضيقهم ،وصيانة النفس من دنس
العالم" (يع.)17 :2
-2222يجب مساعدة األسرة والدفاع عنها بإجراءات اجتماعية مناسبة .فحيث ال تستطيع األ ُ َسر
القيام بمهماتها ،يتوجب على الهيئات اإلجتماعية األخرى أن تساعدها وتساند المؤسسة العيلية.
وبحسب قانون التسلسلية ،تتورع الجماعات اكبرى من اغتصاب صالحياتها أو التدخل في شؤون
حياتها.
9
-2212إن أهمية األسرة بالنسبة إلى حياة المجتمع ورخائه تقتضيه مسؤولية خاصة عن مساندة
الزواج واألسرة وترسيخهما .وعلى السلطة المدنية أن تعتبر من واجبها الخطير "االعتراف
بطبيعتهما الحقيقية ،وحمايتهما ،والدفاع عن اآلداب العامة ،وتشجيع االزدهار العيلي".
-2211على الجماعة السياسية واجب إكرام األسرة ومساعدتها .وعليها أن توفر لها:
-حرية إنشاء بيت ،وإنجاب أوالد ،وتنشئتهم بحسب معتقداتها األخالقية والدينية.
-صيانة استقرار الرباط الزوجي والمؤسسة العيلية.
-حرية االعتراف بالدين ،ونقله ،وتنشئة األبناء عليه ،بالوسائل والمؤسسات الضرورية لذلك.
-الحق في الملكية الخاصة ،وحرية السعي والحصول على عمل وعلى مسكن ،والحق في الهجرة .
-والحق ،بحسب قوانين البالد ،في العناية الطبية ،وإعانة المسنين ،والمساعدات العيلية.
-صيانة األمن واألجواء الصحية ،خصوصا بالنسبة إلى أخطار مثل المخدرات واإلباحية الجنسية ،والمشروبات
الكحولية.
-حرية تكوين تكتالت مع أسر أخرى ،والحصول هكذا على تمثيل لدى السلطات المدنية.
-2212الوصية الرابعة توضح العالئق األخرى في المجتمع .فنرى في إخوتنا وأخواتنا أبناء
والدينا ،وفي أبناء العم والخال ونس ُل أجدادنا ،وفي مواطنينا أبنا َء وطننا ،وفي المعمدين أبناء أمنا
الكنيسة ،وفي كل شخص بشري أبنا أو ابنتا لذاك الذي يريد أن ندعوه "أبانا" .وبذلك تصير
عالئقنا بالقريب من نمط شخصي .فال يكون القريب "فردا" من المجموعة البشرية ،وإنما هو
"شخص" يستحق ،بأصوله المعروفة ،انتباها واحتراما خصوصيين.
-2212تتألّف الجماعات البشرية من اشخاص .وحكمهم الصالح ال يقف عند حدود تأمين
الحقوق ،وتتميم الواجبات ،واألمانة للعهود .والعالئق القويمة بين أرباب العمل والعمال ،والحكام
والمواطنين ،تفترض المحاسنة الطبيعية الموافقة لكرامة األشخاص البشرية ،والمعنية بالعدالة
واألخوة.
10
ويبقى األوالد عندما يكبرون على احترام والديهم .ويبادرون إلى تحقيق رغباتهم ،ويرتاحون إلى طلب
نصائحهم ،ويتقبلون تأنيباتهم المُصيبة .والطاعة للوالدين تنتهي بتحرر األوالد ،ويبقى االحترام الواجب إلى
ُ
مخافة هللا ،التي هي مواهب الروح القدس. األبد .وهذا أساسه
-2112و ُتذكر الوصية الرابعة األوالد ،عندما يكبرون ،بمسؤوليتهم تجاه والديهم .فعليهم ،قدر
ي والمعنوي ،في سنوات شيخوختهم ،وإبان المرض استطاعتهم ،أن يؤدوا لهم العون الماد َ
والوحدة والشدة .ويسوع يذكر بواجب العرفان بالجميل هذا.
َ
وأثبت حُكم األم في البنين .من أكرم أباه فإنه يكفر خطاياه ويمتنع عنها "إن الرب قد أكرم األب في األوالد
صالته
ويُستجاب له في صالة كل يوم .ومن احترم أمه فهو كمدخر الكنوز .من أكرم أباه سُر بأوالده وفي يوم َ
يُستجاب له .من احترم أباه طالت أيامه ومن أطاع أباه أراح أمه" (سي.)6-1 :3
ضعُف عقله فاعذر ،وال ُتهن ُه وأنت في وفور قوتك.
"يا بني أعن أباك في شيخوخته وال َتح ُزنه في حياته .وإن َ
من خذل أباه فهو بمنزلة المُجدف ،ومن غاظ أمه فهو ملعون من الرب" (سي. )22 ، 25-23 :3
-2112االحترام البنوي يعزز انسجام الحياة العيلية كلها ،ويعني أيضا العالئق بين األخوة
واألخوات .فاحترام األهل يُنير كل الجو العائلي" .إكليل الشيوخ بنو البنين وفخر البنين وآباؤهم"
(أم" .)6 :27احتملوا بعضكم بعضا بمحبة ،بكل تواضع ووداعة وصبر" (أف.)1 :3
-2222على المسيحيين واجب شكر خاص لمن تقبلوا منهم عطية اإليمان ،ونعم َة المعمودية
والحياة في الكنيسة .وقد يتعلق األمر بالوالدين ،أو باآلخرين من أعضاء األسرة ،أو بالجدود ،أو
بالرعاة ،أو بمعلمي الدين أو بمعلمين آخرين وأصدقاء" .أ ُ َحيي َ
ذكر إيمانك الذي ال رئاء فيه،
الذي استقر أوال في جدتك لوئيس وفي أمك إيفنيكي ،وأعتقد أنه مستقر فيك أيضا" (1تي.)5 :2
واجبات الوالدين
-2221خصب الحب الزوجي ال يقتصر على إنجاب األوالد فحسب ،ولكن يجب أن يمتد إلى
لذات شأن كبير بحيث إذا فُقدت ُ تنشئتهم الخلقية وتربيتهم الروحية" .إنّ مه ّمة الوالدين في التربية
ال ُتعوَّ ض إال بعُسر" .الحق في التربية وواجبها هما بالنسبة إلى الوالدين من األوليات ومما ال
يمكن التنازل عنه.
-2222على الوالدين أن ينظروا إلى أوالدهم نظرتهم إلى أوالد هللا ،وأن يحترموهم كأشخاص
بشر ّية .وهم يربون أوالدهم على تتميم شريعة هللا بأن يكونوا هم أنفسهم مطيعين لمشيئة اآلب
السماوي.
-2222الوالدون هم المسؤولون األولون عن تربية أوالدهم .ويُظهرون هذه المسؤولية أوال
بتأسيس بيت ،حيث القاعدة هي الحنان والمسامحة واالحترام واألمانة والخدمة النزيهة .البيت هو
مكان مالئم لتربية الفضائل .وهذه تقتضي تعلم إنكار الذات ،والحكم السليم ،السيطرة على الذات،
وهي الشروط الضرورية لكل حرية حقيقية .وعلى الوالدين أن يعلموا أوالدهم إخضاع "األبعاد
الطبيعية والغريزية لألبعاد الداخلية والروحية" .على عاتق الوالدين مسؤولية جسيمة عن إعطاء
األمثال الصالحة ألوالدهم .وإذا ارتضوا باالعتراف أمامهم بنقائصهم الخاصة ،كانوا أكثر جدارة
بإرشادهم وتأديبهم:
"من أحب ابنه أكثر من ضربه ،من أدب ابنه يجتني ثمر تأديبه" (متى" .)1-2 :31وأنتم أيها اآلباء ال ُتحنقوا
أوالدكم ،بل ربوهم بالتأديب والموعظة" (أف.)3 :6
-2221البيت هو المحيط الطبيعي لتنشئة الكائن البشري على التضامن والمسؤوليات الجماعية.
وعلى الوالدين أن يعلموا األوالد التحرز من المشاركة في التسويات والرديات التي تهدد
المجتمعات البشرية.
11
-2222لقد تقبل الوالدون ،بنعمة سر الزواج ،المسؤولية واالمتياز لتبشير أوالدهم .وعليهم أن
ينشئوهم منذ نعومة أطافرهم على أسرار اإليمان ،وهو فيه ألوالدهم "أول المعلمين" .وعليهم أن
يجعلوهم يشتركون منذ الطفولة في حياة الكنيسة .إن نمط العيش العيلي يستطيع أن يغذي
استعدادات عاطفية تبقى مدى الحياة مداخ َل أصيلة وأسنادا أليمان حي.
-2222يجب أن تبدأ تربية الوالدين ألبنائهم على اإليمان منذ الطفولة األولى .وهي ُتعطي منذ أن
يساعد أعضاء األسرة بعضُهم بعضا على النمو في اإليمان بشهادة حياة مسيحية منسجمة مع
اإلنجيل .التعليم الديني في األسرة يسبق ويصحب ويُغني أشكال تعليم اإليمان األخرى .وللوالدين
رسالة تعليم أوالدهم الصالة واكتشاف دعوتهم أبناء هلل .والرعية هي الجماعة االفخارستية ،وقلبُ
الحياة الليترجية لألسر المسيحية .إنها المكان المميز للتعليم الديني بالنسبة إلى األوالد والوالدين.
نمو والديهم في القداسة .وعليهم جميعا ،وعلى كل واحد -2222يساهم األوالد بدورهم في ّ
بمفرده ،أن يصفحوا صفحا كريما ومتواصال ،بعضُهم لبعض عن اإلهانات والخصومات،
والمظالم وصنوف االهمال ،وذلك ما يوحي به الحب المتبادل وما تقتضيه محبة المسيح.
-2222يبين احترام الوالدين محب ُتهم ،إبان الطفولة ،أوال بما يبذلون من عناية وانتباه لتنشئة
أوالدهم ،وتلبية احتياجاتهم الطبيعية والروح ّية .وإبان النمو ،يقود ذلك االحترام واالخالص
الوالدين إلى تربية أوالدهم على أن يُحسنوا استعمال عقلهم وحريتهم.
-2222بما أن الوالدين هم المسؤولون األولون عن تربية أوالدهم ،فلهم الحق في أن يختاروا
لهم المدرسة التي تتوافق ومعتقاداتهم الشخصية .وهذا الحق أساسي ألن على الوالدين الواجب
أن يختاروا’ قدر المستطاع ،المدارس التي تساعدهم بوجه أفضل على االضطالع بمهمتهم بصفة
كونهم مربين مسيحيين .وعلى السلطات المدنية أن تتكفل للوالدين بهذا الحق ،وأن تؤمن الشروط
الحقيقية لممارسته.
-2222عندما يصبح األوالد كبارا ،عليهم الواجب بأن يختاروا مهنتهم وحالتهم في الحياة،
وذلك حق لهم .ويقومون بهذه المسؤوليات الجديدة في عالق ِة ثقة بوالديهم ،فيطلبوه منهم ويتقبلوه
بارتياح اآلراء والنصائح .ويعني الوالدون بأن ال يُكرهوا أوالدهم ال على اختيار مهنة وال على
اختيار زوج .وواجب التحفظ هذا ال يمنعهم بل ،على العكس ،يحملهم على مساعدتهم بآراء
حصيفة ،خصوصا عندما يعزم هؤالء على تأسيس أسرة.
-2221يمتنع البعض عن الزواج في سبيل االعتناء بوالديهم ،أو بإخوتهم وأخواتهم ،أو لحصر
اهتمامهم بمهنة أو ألسباب أخرى شريفة .هؤالء بإمكانهم أن يساهموا مساهمة كبرى في خير
األسرة البشرية.
.ً1األسرة والملكوت
-2222ان العالئق في األسرة على أهميتها ليست مطلقة .فكما أن الولد يتنامى نحو النضج
واالستقالل الذاتي بشريا وروحيا ،كذلك دعوته الخاصة اآلتية من هللا تتأكد بوضوح وقوة أكبر.
وعلى الوالدين أن يحترموا هذا النداء ويساندوا أوالدهم في االستجابة له .وال بد من االعتقاد بأن
دعوة المسيحي األولى هي في ا ّتباع يسوع" :من أحب أباه أو أمه أكثر مني فال يستحقني ،ومن
أحب ابنه أو بن َته أكثر مني فال يستحقني" (متى.)37 :21
-2222أن يصير االنسان تلميذا ليسوع ،ذلك يعني قبول الدعوة إلى االنتماء إلى أسرة هللا ،وإلى
العيش وفاقا لنمط حياته" :كل من يعم ُل مشيئة أبي الذي في السماوات هو أخي وأختي وأمي"
(متى.)51 :21
12
على الوالدين أن يتقبلواويحترموا بفرح وشكر نداء من الرب ألحد أوالدهم أن يتبعه في البتولية
ألجل الملكوت ،أو في الحياة المكرسة ،أو الخدمة الكهنوتية.
واجبات المواطنين
-2222على من يخضعون للسلطة أن يروا في رؤسائهم ممثلين هلل الذي جعلهم خدام عطاياه.
"اخضعوا من أجل الرب لكل هيئة سلطان بشري .تصرفوا كأحرار .ال كمن يتخذ من الحرية
ستارا للخبث ،بل كعبيد هللا" (2بط .)26-23 :1ومساهمتهم النزيهة تتضمن الحق وأحيانا
الواجب ،في أن يُنحوا باللوم على ما يبدو لهم مُسيئا إلى كرامة األشخاص وخير الجماعة.
-2222واجب المواطنين أن يساهموا مع السلطات المدنية في خير المجتمع بروح الحقيقة
والعدالة والتضامن والحرية .و َيرتبط حب الوطن وخدمته بواجب االعتراف بالجميل وبنظام
وخدمة الخير العام من المواطنين أن يقوموا ُ المحبة .ويقتضي الخضو ُع للسلطات الشرعية
بدورهم في حياة الجماعة السياسية.
ُشاركة في المسؤولية عن الخير العام ،من الوجهة ُ -2212يقتضي الخضوع للسلطة والم
األخالقية ،تسديد الضرائب ،وممارسة حق االقتراع ،والدفاع عن البلد:
"أدوا إذن للجميع حقوقهم :الجزية لمن له الجزية ،والجباية لمن له الجباية ،والمهاب َة لمن له المهابة ،والكرامة
لمن له الكرامة" (رو.)7 :23
13
"يقيم المسيحيون في وطنهم الخاص ،ولكن كغرباء فيه .يتممون جميع واجباتهم كمواطنين
ويتحملون جميع أعبائهم كغرباء .يخضعون للشرائع المقررة ،ونمط عيشهم يتغلب على الشرائع.
والمكانة التي أوالهم إياها هللا هي من النبل بحيث ال يُس َمح لهم بأن يهجروا".
يُحرضنا الرسول على أن نقيم صلوات وتشكرات ألجل الملوك وجميع ذوي السلطات "لنقضي حياة مطمئنة
هادئة في كل تقوى ووقار"(2تي.)1 :1
-2211على األمم التي تنعم بوفر أكبر ان تستقبل قدر المستطاع الغريب الباحث عن السالمة
وعن المنافع الحيوية التي ال يستطيع أن يجدها في بلده األصلي .وتسهر السلطات العامة على
احترام الحق الطبيعي الذي يجعل الضيف تحت حماية من يتقبلونه.
تستطيع السلطات السياسية ألجل الخير العام الذي تضطلع به ان ُتخضع ممارسة حق الهجرة لشروط قانونية
متعددة ،وخصوصا الحترام المهاجرين واجباتهم تجاه البلد الذي تبناهم .وعلى المهاجر أن يحترم شاكرا اإلرث
المادي والروحي للبلد الذي استقبله ،وأن يخضع لشرائعه وان يساهم أعبائه.
-2212على المواطن واجبُ ضمير بأن ال يخضع ألوامر السلطات المدنية عندما تفرض ما
يتعارض ومقتضيات النظام الخلقي ،والحقوق األساسية لألشخاص وتعاليم اإلنجيل .ورفض
الطاعة للسلطات المدنية ،عندما تكون متطلباتها متعارضة مع الضمير المستقيم ،يجد تبريره في
التمييز بين خدمة هللا وخدمة الجماعة السياسية" .أعطوا ما لقيصر لقيصر ،وما هلل هلل" (متى :11
" .)12ان هللا أحق من الناس بالطاعة" (أع.)11 :5
"حيثما تتجاوز السلطة حدود صالحياتها ،وتجور على المواطنين ،ليس ألولئك المواطنين ان يرفضوا ما يقتضيه
الخير العام عمليا .إال أنه يحق لهم ان يدافعوا عن حقوقهم وحقوق مواطنيهم ،ويقاوموا تجاوزات هذه السلطة،
على أن يُراعوا الحدود التي رسمتها الشريعة الطبيعية والشريعة اإلنجيلية".
-2212مقاومة ضغط السلطة السياسية ال تلجأ شرعيا إلى السالح إال إذا اجتمعت لها الشروط
اآلتية:
-2في حالة وجود تجاوزات أكيدة وجسيمة ومتمادية للحقوق األساسية.
-1وبعد استفاد جميع المراجعات اآلخرى.
-3ودون إحداث اضطرابات شرها أكبر.
-3وأن يكون أمل في النجاح راسخ.
-5وإذا استحال التكهن على وجه معقول بوجود حلول أفضل.
بإيجاز
المقال الخامس
الوص ّية الخامسة
-2222قد يكون الدفاع المشروع ليس فقط حقا بل واجبا خطيرا بالنسبة إلى من هو مسؤول عن
حياة اآلخرين.الدفاع عن الخير العام يقتضي جعل المعتدي الظالم عاجزا عن اإليذاء .واستنادا
إلى ذلك ،يحق ألصحاب السلطة الشرعية اللجوء حتى إلى األسلحة لرد المعتدين على الجماعة
المدنية الموكولة إلى مسؤوليتهم.
ُ
الحفاظ على خير المجتمع العام يقتضي أن تبذ َل الدولة جهدا لمنع انتشار التصرفات التي -2222
تضر بحقوق اإلنسان وبالقواعد األساسية للعيش معا في المجتمع .من حق السلطة الشرعية ومن
واجبها إنزال العقوبات المناسبة لجسامة الجرم .إن هدف العقوبة األول هو التعويضُ عن اإلساءة
16
ُ
قيمة التكفير .والعقوبة ،عالوة الناتجة عن المذنب .وإذا تقبل المذنب هذه العقوبة طوعا تكون لها
على كونها تحافظ على النظام العام وعلى أمن األشخاص ،لها هدف عالجي ،وعليها ،قدر
المستطاع ،أن تسهم في إصالح المذنب.
-2222إن تعليم الكنيسة التقليدي ال يقصي اللجوء إلى عقوبة الموت ،متى تحددت تماما هوية
المذنب ومسؤوليته ،وكانت هذا العقوبة الوسيلة الوحيدة لحماية الحياة البشرية حماية فعالة من
أذى المعتدي الظالم.
ولكن إن كانت ثمة وسائل غير دموية كافية لرد المعتدي ،وحماية أمن األشخاص ،فعلى السلطة
وأوضاع الخير العام الواقعية،
َ أن تتمسك بهذه الوسائل ،ألن هذه الوسائل تتناسب بوجه افضل
وتتوافق أكثر وكرامة الشخص البشري.
ففي أيامنا ،بفضل القدرات التي تملكها الدولة على قمع اإلجرام قمعا فعاال تجعل مُرتك َبه عاجزا
عن اإلساءة ،من دون أن تنزع منه نهائيا إمكانية التوبة ،فإن حاالت الضرورة المطلقة إلزالة
المذنب "هي من اآلن فصاعدا نادرة جدا إن لم نقل ال وجود لها البتة في الواقع".
االجهاض
-2222ال بد من احترام الحياة البشرية وصيانتها على وجه مُطلق منذ وقت الحبل .وال بد من
اإلعتراف للكائن البشري ،منذ أول لحظة من حياته ،بحقوق الشخص ،ومنها الحق في الحياة
الذي ال يمكن تخطيه ،والعائد لكل كائن بريء .
حم َّقدس ُت َك" (إر .)5 :2 ُ
"قبل أن أصوِّ رك في البطن عرف ُتك وقبل أن تخرج من الرَّ ِ
ُنعت تحت حجاب ورُقمت في أسافل األرض" (مز.)25 :231 تخف ذاتي عليك ،مع أني ص ُ َ "لم
-2221لقد اكدت الكنيسة منذ القرن األول شر كل إجهاض مفتعل على الصعيد األخالقي .وهذا
التعليم لم يتغير .وهو باق دون تعديل .اإلجهاض المباشر ،أي الذي يريده اإلنسان غاية ووسيلة،
يتعارض بوجه خطير مع الشريعة األخالقية:
"ال تقتل الجنين باإلجهاض ،وال ُتهلك المولود الجديد".
17
"إن هللا سيد الحياة والموت قد َع ِهد إلى البشر في م ُِهم ِة الحفاظِ على الحياة ،وهي مُهمة شريفة يجدر باإلنسان أن
يقوم بها قياما يليق به .فالحياة منذ وجودها بالحبل ،يجب الحفاظ عليها بكل عناية .اإلجهاصُ وقت ُل األجنة هما
جريمتان منكرتان".
-2222المساعدة الفعلية على اإلجهاض هي ذنب جسيم .والكنيسة تعاقب بعقوبة الحُرم القانونية
هذا اإلجرام إلى الحياة البشرية" .من يفعل اإلجهاض يُصبه ،إذا حصلت النتيجة ،الحر ُم حكما"،
"بذات فعل ارتكب الجُرم" وبالشروط التي وضعها الحق الكنسي .والكنيسة ال تريد هكذا تضييق
الجرم المُر َتكب ،واألذى الذي ال يمكن تعويضه الالحق
ِ تظه ُر جسامة
مجال الرحمة .وإنما ِ
بالبريء المقتول ،وبوالديه وبالمجتمع كله.
-2222حق كل فرد بشري بريء في الحياة ،الذي ال يمكن التنازل عنه ،هو عنصر من العناصر
المدني وتشريعه:
ّ المكونة للمجتمع
ِّ
"يجب أن يعترف المجتم ُع المدني والسلطة السياسية وأن يحترما حقوق الشخص التي ال يمكنُ
التناز ُل عنها .وحقوق اإلنسان ليست متعلقة باألفراد ،أو الوالدين ،وليست تنازال من المجتمع أو
الدولة ،إنها ت ُخص الطبيعة البشرية وهي مالزمة للشخص بفعل الخلق الذي منها تستمد أصلها.
وبين هذه الحقوق األساسية ،ال بد من تسمية الحق في الحياة والطبيعة المكتملة لكل كائن بشري
منذ الحبل حتى الموت".
"عندما تحرم شريعة وضعي َةٌ فريقا من الكائنات البشرية من الحماية التي يجب أن يُوفرها لهم
التشريع المدني ،تبلغ الدولة حد إنكار مساواة الجميع أمام الشريعة .وعندما تمتنع الدولة عن
وضع قوتها في خدمة حقوق جميع المواطنين ،وال سيما األضعف بينهم ،تصبح أركان دول ِة الحق
ذاتها مهدَدة .وعلى الشريعة ،بنتيجة االحترام والحماية الواجب تأمي ُنها للولد منذ الحبل به ،أن ُتع َّد
عقوبات جزائية مناسبة على كل مخالفة متعمدة لهذه الحقوق".
-2221بما أنه من الواجب معاملة الجنين منذ الحبل به كشخص ،فال بد من الدفاع عن سالمته
الجسدية ،ورعايته وشفائه قدر المستطاع ،مثل أي كائن بشريٍّ آخر.
من الجائز أخالقيا إجراء الفحص الذي يسبق الوالدة" ،إذا احترم حياة الجنين البشري وكماله الطبيعي ،وإذا
كان يهدف إلى حمايته أو شفائه الفردي .ويكون متعارضا على وجه خطير مع الشريعة األخالقية ،عندما يُتوقع
استنادا إلى النتائج ،إمكان إحداث إجهاض .يجب أن ال يكون الفحص معادال لحكم موت".
" -2222يجب اعتبار اإلجراءات على الجنين البشري جائزة ،شرط أن ُتحتر َم حياة الجنين
وسالمته الجسدية ،وأن ال تسبب له أخطارا أكبر ،بل أن تهدف إلى شفائه أو إلى تحسن أوضاعه
الصحية ،أو إلى إبقائه على قيد الحياة" .
"إنتاج أجنة بشرية مهيأة لالستثمار كمادة حيوية جاهزة عمل يتعارض واألخالق".
التناسلي ليست للعالج ،وإنما تسعى إلى استحداث كائنات
ّ ّ
التدخل في االرث الكروموزومي أو "بعض محاوالت
بشرية مختارة بحسب الجنس أو صفات أخرى مقررة سابقا .ان هذا التالعب يتعارض وكرامة الكائن البشري
الشخصية ،وكمالَه وهوي َته" الفريدة والتي ال يمكن أن تتكرر.
18
الموت للقضاء على األلم ،هو قتل يتعارض بوجه َ وهكذا فكل عمل أو إهمال من شأنه يسبب بذاته وبنية صاحبه
خطير وكرام َة الشخص البشري ،واحترام هللا الحي ،خالقه ،والخطأ في التفكير الذي قد يقع فيه اإلنسان عن
حسن نية ،ال يغير طبيعة فعل القتل هذا ،الذي يجب أبدا حظره وإقصاؤه.
-2222التوقف عن اإلجراءات الطبية المُكلفة والخطرة وغير العادية ،أو التي ال تتناسب والنتائج المرتقبة،
يمكن أن يكون شرعيا .إنه رفض "التعنت العالجي" .فليست النية عندئذ التسبب بالموت ،وإنما القبول بالعجز
عن الحؤول دونه .ويجب أن يتخذ المريض القرار إذا كانت له الصالحية والقدرة ،وإن ال فمن لهم الصالحية
ُ
المعقولة ومصالحُه المشروعة. القانونية ،على أن ُتح َت َرم أبدا إراد ُة المريض
-2222ال يمكن بوجه شرعي التوقف عن إعطاء المساعدات الواجبة عادة لشخص مريض ،وإن حُسب مشرفا
على الموت .واستعما ُل المسكنات لتخفيف آالم المُشرف على الموت ،وإن كان فيها خطر تقصير أيام ،يمكن أن
يكون متوافقا مع الكرامة البشرية ،إذا لم يكن الموت مقصودا ،كغاية أو وسيلة ،وإنما متوقعا ومحتمال بكونه ال
مهرب منه .العالجات المسكنة هي صيغة مميزة للمحبة النزيهة .وبناء على ذلك يجب تشجيعها.
االنتحار
-2222كل انسان مسؤول عن حياته امام هللا الذي منحه إياها ،ويبقى هو سيدها األعظم .ونحن
ملزمون بتقبلها بالشكر ،وبصونها إكرام له ،وألجل خالص نفوسنا .فنحن الوكالء ولسنا أصحاب
المِلك بالنسبة إلى الحياة التي أودعنا هللا إياها .وليس لنا حق التصرف بها.
-2221يتعارض االنتحار ومي َل الكائن البشري الطبيعي إلى الحفاظ على حياته واستمراريتها.
إنه يتعارض بوجه خطير ومحبة الذات الصحيحة .وهو أيضا يسيء إلى محبة القريب ،ألنه يقطع
دون حق ُربط التضامن مع المجتمعات العيلية والوطنية واإلنسانية ،التي لها علينا واجبات.
واالنتحار يتعارض مع محبة هللا الحي.
-2222إذا ارتكب االنتحا ُر بنية إعطاء المثل ،خصوصا للصغار ،فهو يتلبس أيضا خطورة
المعثرة .والمساعدةُ المقصودةُ على االنتحار تتعارض والشريعة األخالقية.
يمكن االضطرابات النفسية الخطيرة ،والقلق والخوف الشديد من المحنة ،واأللم أو التعذيب ،ان
تخفف مسؤولية المنتحر.
-2222يجب أن ال نيأس من خالص األشخاص األبدي ،إذا ما انتحروا ،فاهلل يستطيع ان يهيء
لهم ،بالطرق التي يعلمها ،الظرف المالئم لندامة تخلصهم .والكنيسة تصلي ألجل األشخاص الذين
اعتدوا على حياتهم الخاصة.
الصحة
ّ احترام
-2222الحياة والصحة الطبيعية خيران ثمينان ووديعة من هللا .فعلينا أن نعتني بهما على وجه
معقول ،مع االعتداد بضرورات اآلخرين والخير العام.
تقتضي العناية بالصحة مساعدة المجتمع للحصول على أوضاع حياتية تم ِّكن من النمو وبلوغ
النضج :من غذاء وكساء وسكن ،وعناية صح َية ،وتعليم أساسي ،وعمل ،ومساعدة اجتماعية.
-2222إذا كانت األخالق تدعو إلى احترام الحياة الجسدية ،فهي ال تجعل منها قيمة مطلقة .إنها
تعارض مفهوما ُ وثنيا جديدا يرمي إلى تعزيز عبادة الجسد ،والتضحية بكل كل شيء في سبيله،
وعبادة الكمال الجسماني والنجاح الرياضي .إن هذا المفهوم ،باختياره المميز بين األقوياء
والضعفاء ،يمكن أن يؤدي إل فساد العالقات اإلنسانية.
-2222فضيلة القناعة تهيئ لتج ّنب كل أنواع اإلفراط ،وسوء استعمال الطعام ،والكحول ،والتبغ
واألدوية .إن الذين في حالة السكر ،أو لرغبتهم المفرطة في السرعة ،يجعلون سالمة اآلخرين،
وسالمتهم هم ،في خطر على الطرقات ،أو في البحر أو في الجو ،يرتكبون ذنبا جسيما.
-2221استعمال المخدّرات يُنزل بالصحة والحياة البشرية خرابا جسيما جدا .وهو ذنب خطير ما
لم يكن موصوفا كعالج فحسب .وانتاج المخدرات خفية ،والمتاجرة بها هما من الممارسات
الشائنة .إنهما تواطؤ مباشر على ممارسات تتعارض تعارضا جسيما والشريعة األخالقية ،إذ
تحضان على تلك الممارسات.
20
-2222ال يمكن األبحاث والتجارب التي ُتجرى على الكائن البشري أن تسوغ أفعاال هي ،بحد
ذاتها ،منافية لكرامة األشخاص وللشريعة الطبيعية .ورضى األشخاص الذي قد يحصل ال يُبرر
مثل هذه األفعال .إن التجارب المجراة على الكائن البشري ليست مشروعة أخالقيا ،إذا عرضت
حياة الشخص ،أو كماله الطبيعي والنفسي ،ألخطار غير متناسبة أو يمكن تحاشيها .وال يتوافق
إجراء التجارب على الكائنات البشرية مع كرامة الشخص ،خصوصا إذا تم ،عالوة على ذلك،
دون رضى واع من الشخص أو ممن يتولون أمره.
-2222نقل األعضاء يكون متوافقا والشريعة األخالقية ،إذا كانت األخطار والمجازفات الطبيعية
والنفسية الحاصلة للمعطي تتناسب والخير المطلوب للمستفيد .وإعطاء األعضاء بعد الموت عمل
نبيل وجدير بالثواب ويجب تشجيعه على أنه عالم َة تضامن سخي .ولكنه غير مقبول أخالقيا إذا
كان المُعطي ،أو من يتولون أمره من أقربائه ،لم يرضوا به رضى صريحا .واليمكن القبول ،من
الدرجة األخالقية ،بالتسبب المباشر بالتشويه المولٌد العجز ،أو بالموت للكائن البشري ،في
سبيل تأخير موت أشخاص خرين.
احترام األموات
-2222يجب توفير االنتباه والعناية للمشرفين على الموت لمساعدتهم على أن يعيشوا أوقاتهم
ُعن هؤالء بأن يتقبل المرضى ،في الوقت األخيرة في كرامة وسالمُ ،تعاونهم صالة أقاربهم .ولي َ
المناسب ،األسرار التي تهيئ لمالقاة اإلله الحي.
-2222يجب معاملة أجساد الموتى باحترام ومحبة ،في اإليمان ورجاء القيامة .ودفنُ الموتى من
أعمال الرحمة الجسدية ،إلكرام أوالد هللا ،هياكل الروح القدس.
-2221يمكن أن يكون تشريح الجثث مقبوال أخالقيا لمقتضيات التحقيق الشرعي أو البحث
العلمي .وإعطاء األعضاء بعد الموت أمر شرعي ويمكن أن يكون جديرا بالثواب.
تسمح الكنيسة بحرق الجثث إذا لم يكن ذلك تعبير عن إنكار اإليمان بقيامة األجساد.
21
.ً2المحافظة على السالم
السالم
-2222عندما يُذ ِّكر ربنا بالوصية" :ال تقتل" (متى )12 :5فهو يطلب سالم القلب ويُنكر ما في
الغضب القاتل والبغض من تعارض مع األخالق الحميدة:
ُ
الغضب رغبة في الثأر" .والرغبة في الثأر ألذية من يجب معاقبته غير جائزة" ،ولكن من
المستحسن فرض تعويض "ألصالح النقائص والحفاظ على العدالة" .وإذا بلغ الغضب حد
الرغبة ،عن عمد ،في قتل القريب ،أو جرحه جرحا خطيرا ،فهو يتعارض تعارضا جسيما مع
المحبة ،إنه خطيئة مميتة .قال الرب" :كل من غضب على أخيه يستوجب المحاكمة"( .متى :5
.)11
-2222البغض المقصود يتعارض والمحبة .إن بغض القريب يكون خطيئة عندما يريد له
اإلنسان الشر عن عمد .وبُغض القريب خطيئة جسيمة عندما يشتهي له اإلنسان عن عمد أذى
كبيرا" .أما أنا فأقول لكم :أحبوا أعداءكم وصلوا ألجل الذين يضطهدونكم ،لكي تكونوا أبناء أبيكم
الذي في السموات" (متى.)35-33 :5
-2221ان احترام الحياة البشرية ونموها يقتضيان السالم .والسالم ليس غياب الحرب فقط ،وال
هو يقف عند حدود توازن القوى المتخاصمة .وال يمكن الحصول على السالم ،على األرض،
دون الحفاظ على أموال األشخاص ،والتواصل الحر بين الكائنات البشرية ،واحترام كرامة
األشخاص والشعوب .والممارسة المثابرة لألخوة .إنه "سكينة النظام" .وهو عمل العدالة (أش:31
،)27ونتيجة المحبة.
-2222السالم األرضي صورة وثمرة لسالم المسيح" ،رئيس السالم" الماسيوي (أش.)5 :1
فهو بدم صليبه "قتل العداوة في جسده" ،وصالح الناس مع هللا ،وجعل من كنيسته سر وحدة
الجنس البشري واتحاده باهلل" ،إنه سالمنا" (أف .)23 :1وهو الذي قال" :طوبى لفاعلي السالم"
(متى.)1 :5
-2222إن من يتخلون عن الفعل العنيف والدموي ،يلجأون ،في سبيل الحفاظ على حقوق
اإلنسان ،إلى وسائل دفاعية في متناول أضعف الناس ،يشهدون للمحبة اإلنجيلية ،شرط أن يتم
ذلك دون إيذاء ما للناس اآلخرين وللمجتمعات من حقوق وما عليهم من واجبات .إنهم يؤكدون
بوجه شرعي خطورة المجازفات الطبيعية والمعنوية المالزمة للجوء إلى العنف ،وما يتأتى عنه
من دمار وموت.
23
-2212ما زالت المظالم ،والتفاوت المفرط على الصعيد االقتصادي أو االجتماعي ،والحسد،
وانعدام الثقة ،والكبرياء التي تجتاح الناس واالمم ،تهدد السالم وتسبب الحروب .وكل ما يُع َمل
للتغلب على هذه المساوئ يساهم في بناء السالم وتجنب الحرب.
خطر الحرب يهدد الناس بمقدار ما يكونون خطأة ،وسيبقى األمر كذلك إلى عودة المسيح .ولكن بمقدار ما يتغلب
الناس على الخطيئة ،وهم متحدون في المحبة ،يتغلبون أيضا على العنف حتى يتم هذا الكالم" :يضربون سيوفهم
سككا وأسنتهم مناجل ،فال ترفع أمة على أمة سيفا وال يتعلمون الحرب من بعد" (أش.)3 :1
بإيجاز
" -2212هللا بيده َنفسُ كل حي وأروا ُح البشر أجمعين" (أي.)21 :22
-2212كل حياة بشرية مقدسة منذ الحبل حتى الموت ،ألن هللا أراد الشخص البشري لذاته ،على
صورة هللا الحي والقدوس وعلى مثاله.
-2222قت ُل كائن بشري يتعارض بوجه خطير مع كرامة الشخص وقداسة الخالق.
-2221تحريمُ القتل ال يُبطل الحق في منع المتعدي الظالم من اإليذاء .والدفاع المشروع واجب
خطير على من هو المسؤول عن حياة اآلخرين أو الخير العام.
-2222للولد الحق في الحياة منذ الحبل به .واإلجهاض المباشر ،أي المقصود كغاية أو وسيلة
هو "ممارسة خبيثة" تتعارض بوجه خطير والشريعة الطبيعية .والكنيسة تقاصص بعقوبة الحُرم
القانونية هذا اإلجرام إلى الحياة البشرية.
-2222بما أنه من الواجب معاملة الجنين كشخص منذ الحبل به ،فال بد من الدفاع عن سالمته،
ومن االعتناء به وشفائه ،مثل كل كائن بشري آخر.
-2221األوتانازيا المقصودة ،مهما كانت أشكالها وأسبابها ،هي قتل .وهي تتعارض بوجه خطير
وكرامة الشخص البشري واحترام هللا الحي خالقه.
-2222االنتحار يتعارض بوجه خطير مع العدالة والرجاء والمحبة .والوصية الخامسة تحرمه.
-2222المعثرة خطيئة ثقيلة عندما تقود اآلخرين ،عمدا ،بالفعل أو اإلهمال ،إلى الخطيئة الثقيلة.
-2222بسبب الشرور والمظالم الناتجة من الحروب كلها ،علينا ان نفعل كل ما هو معقول
وممكن لتجنبها .والكنيسة ُتصلي قائلة" :من المجاعة ،والطاعون والحرب نجنا يارب".
-2222الكنيسة والعقل البشري يعلنان استمرارية قيام الشريعة الطبيعية إبان الصراعات
المسلحة .إن الممارسات المقصودة المتعارضة مع حق الشعوب ومبادئه العامة هي جرائم.
" -2222السباق إلى التسلح آفة اإلنسانية الفتاكة وهي تنال الفقراء بطريقة ال تطاق".
" -2222طوبى لفاعلي السالم ،فإنهم أبناء هللا يدعون" (متى .)2 :5
المقال السادس
الوص ّية السادسة
كمال الشخص
-2222يحافظ الشخص الطاهر على كمال ما أُودع فيه من قوى الحياة والحب .وهذا الكمال
يؤمِّن وحدة الشخص ،ويقاوم كل سلوك قد يؤذيه .وهو ال يطيق ال ازدواجية الحياة ،وال ازدواجية
الكالم.
25
-2222تتضمن الطهارة تعلّما للسيطرة على الذات ،التي هي َتدرب على الحرية اإلنسانية.
والخيار واضح :فأما ان يسيطر اإلنسان على أهوائه وينال السالم ،وإما ان يرضي بأن تستعبده
ويصبح تعسا" .إن كرامة اإلنسان تقتضي ان يعمل باختياره الواعي والحر ،أي أن يكون عملُه
شخصيا وبدافع ومحرك من داخل ذاته ،ال أن يكون بدافع غريزي ،أو بدافع خارجي قسري.
واإلنسان يحصل على هذه الكرامة عندما يتحرر من كل عبودية للشهوات ،ويختار بحريته الخير
في طريق هدفه الذي يسعى إليه بكل ما تق ِّدمه له مهارته من وسائل".
-2212من أراد البقاء أمينا لمواعيد معموديته ،ومقاومة التجارب ،عليه ان يتخذ الوسائل:
معرفة الذات ،ممارسة تقشف مالئم لما يصادَف من حاالت ،الطاعة لوصايا هللا ،وتفعيل الفضائل
األخالقية ،واألمان َة للصالة" .الطهارة ُتعيد تكويننا .إنها ُترجعنا إلى تلك الوحدة التي أضعناها
بتشتتنا".
-2211تتعلق فضيلة الطهارة بفضيلة القناعة الرئيسة ،التي تهدف إلى سيطرة العقل على ما في
اإلنسان من أهواء وشهوات.
-2212السيطرة على الذات عمل يقتضي جهدا طويال .ويجب ان ال ُتعد ابدا حاصلة نهائيا .إنها
تفترض جهدا يتكرر في كل مراحل الحياة .ويمكن أن يكون الجهد المطلوب أش َّد في بعض
المراحل ،كما هي الحال عندما تتكون الشخصية ،وفي زمن الطفولة والمراهقة.
-2212للطهارة قوانين نمو تمر بدرجات موسومة بالنقص ،ومرارا كثيرة جدا بالخطيئة" .إن
اإلنسان الفاضل والطاهر يبني نفسه يوما بعد يوم ،باختيارات كثيرة وحرة .وهكذاَ ،يعرف الخير
األخالقي ويحبه ويُتممه ،م َّتبعا مراحل نمو".
-2211الطهارة مهمة شخصية بدرجة عالية ،وهي تتضمن أيضا جهدا ثقاف ّيا ،ألن هناك "ترابطا
بين نمو الشخص وتطور المجتمع نفسه" .وتفترض الطهارة احترام حقوق اإلنسان ،وال سيما
الحق في الحصول على إعالم وتربية يحترمان األبعاد األخالقية والروحية للحياة البشرية.
-2212الطهارة فضيلة أخالق ّية ،وهي أيضا عطية من هللا ،ونعمة ،وثمرة العمل الروحي.
والروح القدس يولي االقتداء بطهارة المسيح لمن أعاد ما ُء المعمودية والدته.
المتنوعة
ّ أنماط الطهارة
-2212كل معمد مدعو إلى الطهارة .فالمسيحي "قد لبس المسيح" ،ومثا َل كل طهارة .وجميع
المؤمنين بالمسيح مدعوون ألن يحيوا حياة طاهرة بحسب حالة حياتهم الخاصة .وقد التزم
المسيحي ،في المعمودية ،بأن يُسير عواطفه في الطهارة.
26
" -2212يجب أن يتصف األشخاص بالطهارة بحسب حاالت حياتهم المختلفة :البعضُ في
العذرية أو البتولية المكرسة ،وهي طريقة سامية لتسليم الذات هلل بسهولة أكبر ،وبقلب ليس فيه
انقسام .واآلخرون بالطريقة التي تقررها الشريعة الطبيعية للجميع ،بحسب كونهم متزوجين أو
متبتلين" .األشخاص المتزوجون مدعوون إلى أن يحيوا حياة الطهارة الزوجية .واآلخرون
يمارسون الطهارة في العفة:
"هناك ثالث صيغ لفضيلة الطهارة :الواجدة للزوجات ،واألخرى للترمل ،والثالثة للعذرية .وال نمدح أيضا منها
دون األخريين .وبذلك نظا ُم الكنيسة غني".
-2222الخ ّطيبون مدعوون إلى أن يحيوا حياة الطهارة في العفة .وعليهم أن يروا في هذا
االمتحان اكتشافا لالحترام المتبادَل ،وتعلما لألمانة ،ولرجاء أن يتقبل الواحد اآلخر من هللا.
وعليهم أن يحتفظوا لوقت الزواج بمظاهر الحنان المختصة بالحب الزوجي .وعليهم أن يتساعدوا
على النمو في الطهارة.
الطهارة واللواط
-2222اللواط يعني العالئق بين رجال أو نساء يحسون انجذابا جنسيا ،حصريا أو غالبا ،إلى
أشخاص من الجنس نفسه .وله أشكال متنوعة جدا على مدى العصور والثقافات .تكوينه النفسي
ال يزال في معظمه غير واضح .والتقليد ،استندا إلى الكتاب المقدس الذي يعتبره بمثابة فساد
خطير ،أعلن دائما أن "األفعال اللواطية هي منحرفة في حد ذاتها" .إنها تتعارض والشريعة
الطبيعية .إنها ُتغلق الفعل الجنسي على عطاء الحياة .فهي ال تتأتى من تكامل حقيقي في الحب
والجنس .وال يمكن الموافقة عليها في أي حال من األحوال.
-2222هناك عدد ال يُستهان به من الرجال والنساء ،الذين عندهم ميول لواطية عميقة .هذه
النزعة ،المنحرفة موضوعيا ،هي بالنسبة إلى معظمعم محنة .فيجب تقبلهم باحترام وشفقة
ولطف .ويجب تحاشي كل عالمة من عالمات التمييز الظالم بالنسبة إليهم .هؤالء األشخاص
مدعوون إلى تحقيق مشيئة هللا في حياتهم ،وإذا كانوا مسيحيين ،أن يضموا إلى ذبيحة صليب
الرب التي قد يالقونها بسبب وضعهم.
-2222األشخاص اللواطيون مدعوون إلى الطهارة .وهم قادرون على التقرب تدريجا وبعزم
إلى الكمال المسيحي ،ومُلزمون بذلك ،مستعينين بفضائل السيطرة على الذات التي تربي على
الحرية الداخلية ،وأحيانا بمساعدة صداقة نزيهة ،وبالصالة والنعمة األسرارية.
28
" -2222ان األعمال التي يتحد بها األزواج اتحادا حميما وعفيفا هي أعمال نزيهة وال شائبة
فيها .وهي إذا مُورست ممارسة إنسانية حقيقية تدل على العطاء الذاتي المتبادل ،وتعمل على
فر َحين شاكرين" .فالجنس هو ينبوع فرح ولذة: ترسيخه ،فيغني به الزوجان ِ
"لقد أراد الخالق نفسه أن يجد الرج ُل والمرأ ُة في هذه الوظيفة (اإلنجاب) لذة و ُمتعة للجسد والروح .فالزوجان
إذن ال يصنعان شرا عندما يسعيان إلى هذه اللذة .إنهما يتقبالن ما أعده الخالق لهما .ومع ذلك فعلى الزوجين أن
يُدركا ضرورة البقاء ضمن حدود اعتدال قويم".
-2222باالتصال الجنسي بين الزوجين تتحقق غاية الزواج المزدوجة :خي ُر الزوجين نفسيهما،
ونق ُل الحياة ،وال يمكن فص ُل هذين المدلولين أو القيمتين في الزواج دون تشوي ِه حياة الزوجين
تعريض خيور الزواج ومستقبل األسرة للخطر.ِ الروحية ،أو
وهكذا يكون الحب الزوجي بين الرجل والمرأة له مقتضيان :األمانة والخصب.
خصب الزواج
-2222الخصب هو عطية وغاية للزواج ،ألن الحب الزوجي يسعى طبيعيا إلى ان يكون
خصيبا .إن الولد ال يأتي من الخارج لينضاف إلى حب الزوجين المتبادل ،إنه ينبعث في الصميم
من هذا العطاء المتبادل ،إذ هو ثمرته و َت ِت َّمتِه .لذلك ،فالكنيسة التي "هي مع الحياة" تعلم "أن على
زواجي أن يبقى من ذاته منفتحا على نقل الحياة"" .هذه العقيدة ،التي عرضتها مرارا ّ كل ّ فعل
السلطة التعليمية في الكنيسة ،مؤسسة على الرباط غير القابل الحل الذي أراده هللا ،والذي ال ُ
يستطيع اإلنسان قط َعه بمبادرة منه ،بين معنيي الفعل الزوجي :االتحاد واالنجاب".
-2222إن الزوجين ،في دعوتهما إلى إعطاء الحياة ،يشاركون في قدرة هللا الخالقة ،وفي أبوته.
"في واجب نقل الحياة البشرية والتدبير ،الذي يقع على الزوجين (والذي يجب اعتباره رسالتهما
الخاصة) ،يعرف هذان أنهما مشاركان هللا الخالق ،وأنهما بمثابة معبرين عن إرادته .وعليهما من
ثم ان يضطلعا بروح المسؤولية اإلنسانية والمسيحية".
-2222وجه خاص من وجوه هذه المسؤولية يتعلق بتنظيم ال ّنسل .فاألزواج يستطيعون ،ألسباب
صوابية ،أن يبغوا إطالة الفارق الزمني بين والدات أبنائهم .ولهم أن يتثبتوا من أن رغبتهم ليست
29
وليدة حب الذات األعمى (وليدة "األنانية") ،بل هي متوافقة والسخاء الصحيح ألبوة مسؤولة.
وفضال عن ذلك ،عليهم أن يُنظموا سلوكهم بحسب المقاييس األخالقية الموضوعية:
"عندما يُطلبُ التوفيق بين الحب الزوجي والنقل المسؤول للحياة ،ال يجوز االقتصار في أخالقية التصرف على
خلوص النية وتقدير البواعث ،بل يجب أن تقام على مقاييس موضوعية ُتستخرج من طبيعة الشخص ومن
وتحرص ،في إطار من الحب الحقيقي ،على كامل معنى العطاء المتبادل والتناسل البشري .وهذا أمر ال
َ أعماله،
يكون إذا لم تمارس فضيلة الطهارة الزوجية بروح مُخلِصة".
" -2222ان الفعل الزوجي ،بحفاظه على هذين الوجهين األساسيين ،االتحاد واإلنجاب ،يُبقي
بطريقة كاملة على معنى الحب المتبادل والصحيح ،وعلى توجهه نحو دعوة اإلنسان السامية جدا
إلى األبوة".
-2222ان العفة من حين إلى آخر ،وأساليب تنظيم النسل المرتكزة على المراقبة الذاتية واللجوء
إلى أوقات العقم هي متوافقة والمقاييس األخالقية الموضوعية .هذه األساليب تحترم جسد
الزوجين وتشجع الحنان بينهما ،وتعزز تربية حرية صحيحة .وبخالف ذلك يكون سيأ في حد ذاته
"كل فعل يَقصِ د ،كغاية أو وسيلة ،أن يجعل اإلنجاب مستحيال ،سواء كان ذلك استعدادا للفعل
الزوجي ،أو في وقت القيام به ،أو في تطور نتائجه الطبيعية".
"إن منع َ
الحمل يناقض الكالم المعبر طبيعيا عن عطاء الزوجين المتبادل الكامل ،بكالم مُعارض موضوعيا ،إذ
أمر عطاء متبادَ ل وكامل وينتج من ذلك ال الرفض الفعلي لالنفتاح على الحياة وحسب ،بل أيضا
ال يعود األمر َ
تزوير الحقيقة الداخلية للحب الزوجي ،المدعو إلى أن يكون عطاء الشخص بكامله .وهذا الخالف
األنثروبولوجي واألخالقي بين منع الحمل واللجوء إلى اإليقاعات المؤقتة ينطوي على مفهومين للشخص
واللحالة الجنسية البشرية ال يمكن أن يتالقيا".
" -2221إلى ذلك ،فليعلم الجميع أن حياة البشر ومُهمة نقلها غي ُر محصورتين في هذا الدهر ،وال
يمكن قياسهما وفهمهما به ،ومن ثم فال بد فيها من التطلع الدائم إلى مصير البشر األبدي".
-2222الدولة مسؤولة عن رفاهية المواطنين .وانطالقا من ذلك ،فمن المشروع أن تتدخل لتوجيه ديمغرافية
الشعب ،ويمكن أن تفعل ذلك بطريقة اإلعالم المرتكز على الموضوعية واالحترام ،ال بطريقة التسلط واإلكراه،
وهي ال تستطيع بوجه شرعي أن تقوم مقام مبادرة األزواج ،الذين هم المسؤولون األولون عن إنجاب أوالدهم
وتربيتهم .وال سلطة لها في هذا المجال للتدخل بوسائل تتعارض والشريعة األخالقية.
30
-2222إذا مورست هذه التقنيات بين الزوجين ( الزرع واإلخصاب الصناعيان بين الزوجين) ،فيمكن أن
تكون أقل ضررا ،ولكنها تبقى غير مقبولة أخالقيا .فهي تفصل الفعل الجنسي عن فعل اإلنجاب .والفعل الذي
يؤسس وجود الولد ال يعود فعال يعطي فيه شخصان أحدهما لآلخر ،إنه "يضع حياة الجنين وهويته بين يدي
ُ
وعالقة سيادة كهذه تتعارض، األطباء وعلماء الحياة ،ويُوجد سيادة التقنية على أصل الشخص البشري ومصيره.
في حد ذاتها ،مع ما يجب أن يكون مشتركا بين الوالدين واألوالد من كرامة ومساواة"" .يُحرم اإلنجاب من
كماله الخاص ،عندما ال يُقصد كثمرة الفعل الزوجي ،أي الفعل الخاص باتحاد الزوجين .ان احترام الرابط القائم
بين معاني الفعل الزوجي ،واحترام وحدة الكائن البشري ،يمكن وحده من اإلنجاب بطريقة تتوافق وكرامة
الشخص".
حق أحد وإنما هو عط ّية" .وعطية الزواج الفضلى" هي شخص بشري. -2222الولد ليس من ّ
فال يمكن اعتبار الولد موضوع تملك ،وهذا ما يؤدي إليه االعتراف بما يُزعم من "حق في الولد".
وفي هذا المجال للولد وحده حقوق صحيحة" :أن يكون ثمرة الفعل الخاص بحب والديه الزوجي،
والحق في أن يُحتر َم كشخص منذ لحظة الحبل به".
-2222يُظهر اإلنجيل أن العقم الطبيعي ليس شرا مطلقا .وعلى األزواج الذين ،بعد استنفادهم كل
لجوء مشروع إلى الطب ،يعانون من العقم ،أن يشتركوا في صليب الرب ،ينبوع كل خصب
روحي .وبإمكانهم أن يُثبتوا سخاءهم بتبنيهم أوالدا مهملين ،أو بقيامهم بخدمات متطلبة تجاه
اآلخرين.
الطالق
غير قابل للحل .وأبطل ما
-2222لقد ألح الرب يسوع على نية الخالق األصلية ،إذ أراد الزوا َج َ
تسلل من احتماالت إلى الشريعة القديمة.
بين المعمدين" ،الزواج المعقود والمكتمل ال تستطيع حله سلطة بشرية ،وال أي سبب من
األسباب ،إال الموت".
-2222افتراق الزوجين ،مع بقاء وثاق الزواج ،يمكن أن يكون مشروعا في بعض الحاالت التي
يلحظها الحق القانوني.
إذا كان الطالق المدني الطريقة الوحيدة الممكنة لتأمين بعض الحقوق المشروعة ،والعناية باألطفال ،أو الدفاع
عن اإلنسان ،فيمكن احتماله دون ذنب أخالقي.
-2221الطالق إهانة جسيمة للشريعة الطبيعية .فهو يزعم فصم العقد الذي ارتضاه الزوجان
بحرية ،ألن يعيشا معا حتى الموت .والطالق إهانة لعهد الخالص الذي يكون الزواج السري
عالمته .وعقد زواج جديد ،وإن اعترفت به الشريعة المدنية ،يزيد جسامة القطيعة :فالزوج الذي
تزوج زواجا جديدا يكون عندئذ في حالة زنى علني ودائم:
31
"إذا اقترب الزوج ،بعد افتراقه عن زوجته ،من زوجة أخرى ،يكون هو زانيا ألنه يجعل هذه المرأة ترتكب
الزنى ،والمرأة التي تساكنه هي زانية ألنها استدرجت إليها زوج أخرى".
-2222يتخذ الطالق الصفة الالأخالقية أيضا من البلبلة التي يدخلها في الخلية العيلية وفي
ُ
افتراق المجتمع .وهذه البلبلة تستتبع أضرارا جسيمة :للزوج الذي يُهمل ،ولألوالد الذي يؤذيهم
والديهم وتأرجحهم غالبا بينهما ،وبسبب تأثيره الذي يجعل منه عدوى وآفة اجتماعية حقيقية.
-2222قد يكون أحد الزوجين الضحية البريئة للطالق الذي تقضي به الشريعة المدنية ،فال يكون
عندئذ مخالفا للفريضة األخالقية .فهناك فرق كبير بين الزوج الذي سعى بإخالص ليكون أمينا
لسر الزواج ،ويرى نفسه مه َمال من غير حق ،وذاك الذي يهدم ،بذنب ثقيل من قبله ،زواجا
صحيحا في القانون الكنسي.
32
شراكة في الحياة نهائية بين الرجل والمرأة .إن الحبَّ البشري ال يحتمل "التجريب" .فهو يقتضي
عطاء كليا ونهائيا بين األشخاص.
بإيجاز
" -2222الحب هو الدعوة األساسية والفطرية لكل كائن بشري".
-2222إن هللا ،بخلقه الكائن البشري رجال وامرأة ،منح الكرامة الشخصية على حد سواء لكل
منهما .ويعود إلى كلٌ واحد ،رجال كان أو إمرأة ،ان يعترف بهويته الجنسية ويتقبلها.
-2221المسيح هو مثال الطهارة .وكل معمد مدعو أن يحيا حياة طاهرة ،بحسب الحالة التي
يعيشها.
-2222الطهارة تعني استيعاب الشخص للطاقة الجنسية .وتقتضي تعلم السيطرة على الذات.
-2222يجب أن نذكر بين الخطايا المخالفة مخالفة جسيمة للطهارة ،االستمناء ،والفِسق،
واإلباحية ،والممارسات اللوطية.
-2222إن العهد الذي يعقده الزوجان بحرية يقتضي الحب األمين .وهو يلزمهما بالمحافظة على
دون حل.
زواجهما َ
-2222الخصب خير وعطية وغاية للزواج .والزوجان بإعطائهما الحياة يشتركان في أبوة هللا.
-2222تنظيم النسل هو وجه من وجوه األبوة واألمومة المسؤولتين .وشرعية نية الزوجين ال
تبرر اللجوء إلى وسائل تأباها األخالق (مثل التعقيم المباشر أو منع الحمل).
-2122الزنى والطالق وتعدد الزوجات واالتحاد الحر هي انتهاكات جسيمة لكرامة الزواج.
المقال السابع
الوص ّية السابعة
تسرق" (خروج.)25 :11
"ال ِ
"ال تسرق" (متى .)22 :21
-2121الوصية السابعة تنهي عن أخذ مال القريب أو حفظه دون حق ،وعن إلحاق الضرر
بالقريب في أمواله بأي وجه من الوجوه .إنها تفرض العدالة والمحبة في إدارة األموال األرضية
وثمار عمل الناس .وهي تقتضي ،في سبيل الخير العام ،احترام كون الخيرات معدة للجميع،
واحترام حق الملكية الخاصة .والحياة المسيحية تسعى إلى توجيه خيرات هذا العالم نحو هللا
والمحبة األخوية.
صة
.ً1إعداد الخيرات للجميع والملك ّية الخا ّ
-2122في البدء أوكل هللا األرض ومواردها إلى إدارة مشتركة تضطلع بها البشرية ،لتعتني بها،
وتسيطر عليها بعملها ،وتنعم بثمارها .وخيرات الخليقة مُعدة لكل الجنس البشري .ولكن األرض
موزعة بين البشر لتأمين سالمة حياتهم ،المعرضة للعوز والمهددة بالعُنف .تملك الخيور مشروع
في سبيل ضمان حرية األشخاص وكرامتهم ،ولمساعدة كل واحد على تأمين احتياجاته األساسية
واحتياجات من يعولهم .وعليه أن يمكن من ظهور تضامن طبيعي بين الناس.
33
الحق في الملك ّية الخاصة المقتناة ،أو المقبولة من اآلخرين بطريقة عادلة ،ال يُبطل ّ -2122ان
إعطاء األرض في األصل للبشرية جمعاء .فكون الخيور معدّة للجميع يبقى أوليا ،وإن كان
تعزيز الخير العام يقتضي احترام الملكية الخاصة ،وحقها وممارستها.
" -2121عندما يستعمل اإلنسان هذه الخيور يجب أن ال يرى في ما يملكه من األشياء الخارجية
بطريقة شرعية مِلكا خاصا وكأنه وحده ،بل أن يرى فيه ما يشبه المِلك المشترك :بمعنى أنه يمكن
أن يعود بالفائدة ال عليه فحسب وإنما على اآلخرين أيضا" .إن ملكية خير ما تجعل ممن يحوزه
مُديرا من قبل العناية اإللهية الستثماره وإيصال حسناته إلى الغير ،وأوال إلى األقارب.
-2122ان الخيور المنتِجة _ المادية وغير المادية – كاألراضي والمعامل ،أو المؤهالت أو الفنون ،تقتضي
ان يعتني بها أصحابها حتى يُفيد إنتاجها العدد األكبر من الناس .ومن يحوزون خيورا لالستعمال ولالستهالك
عليهم ان يستعملوها بقناعة ،حافظين النصيب األفضل للضيف وللمريض وللفقير.
-2122للسلطة السياس ّية ،ويجب عليها أن تنظم ،بالنظر إلى الخير العام ،ممارسة حق الملكية
بوجه شرعي.
37
-2122يكون االضراب مشروعا من الوجهة األخالقية عندما يصبح المالذ الذي ال بد منه ،إن لم
يكن الضروري ،في سبيل فائدة مناسبة .وهو يُصبح غير مقبول أخالقيا عندما يصحبه العنف ،أو
ُتح َّدد له أهداف ال ترتبط مباشرة بظروف العمل أو تتعارض والخير العام.
-2122ليس من العدل اإلمتناع عن دفع االشتراكات التي تحددها السلطات الشرعية ألجهزة
الضمان االجتماعي.
لحق بكرامته
الحرمان من العمل بسبب البطالة يكاد يكون دائما ،بالنسبة إلى ضحيته ،ضررا َي َ
وتهديدا ُ لتوازن حياته .وتنتج منه ،عالوة على الضرر الشخصي ،أخطار كثيرة لبيته وأسرته.
38
ويرذل من يُعرضون عنهم" :من سألك فأعطه ،ومن ُ -2112يبارك هللا من يساعدون الفقراء،
أراد أن يقترض منك فال تحول وجهك عنه" (متى " .)31 :5مجانا أخذتم ،مجانا أعطوا"( .متى
.)2 :21وسيعرف يسوع المسيح مختاريه بما يكونون قد فعلوه ألجل الفقراء .وعندما "يبشر
المساكين" (متى ،)5 :22تكون عالمة حضور المسيح.
" -2111ان محبة الكنيسة للفقراء جزء من تقليدها المستمر" .وهي من وحي إنجيل التطويبات،
وفقر يسوع ،والتفاته إلى الفقراء .ال بل إن محبة الفقراء هي أحد البواعث على واجب العمل،
حتى يكون لإلنسان ما يُشرك فيه المحتاج .وهي ال تمتد إلى الفقر المادي فحسب وإنما أيضا إلى
ما للفقر الثقافي والديني من أشكال عديدة.
-2112التتوافق محبة الفقراء والمغاالة في مح ّبة األموال أو استعمالها األناني:
"هلم اآلن أيها األغنياء .إبكوا َو َول ِولوا للشقاوات التي ستنتابكم .إن ثراءكم قد َعفِن ،وثيابكم أكلها العُث .ذهبُكم
صدِئا ،وصدأهما سيشهد عليكم ويأكل لحومكم كالنار .لقد ادخرتم لأليام األخيرة! وها إن أُجرة َ
العملة وفض ُتكم قد َ
الذين حصدوا حقولكم ،تلك التي قد بخستموهم إياها ،تصرخ ،وصراخ إولئك الحصادين قد بلغ إلى أذني رب
الصبؤوت .لقد تنعمتم على األرض وترف ُتم ،وأشبع ُتم قلوب ُكم ليوم الذبح .لقد حكمتم على البار وقتلتموه وهو ال
يُقاومكم" (يع.)6-2 :5
-2112يذكر بذلك القديس يوحنا الذهبي الفم بشدة قائال" :إن االمتناع عن جعل الفقراء يشاركون
في خيراتنا الخاصة ،هو سرقة لهم واستالب لحياتهم .والخيرات التي نحوزها ليست لنا وإنما هي
لهم"" .ال بد أوال من تلبية مقتضيات العدل ،خوفا ُ من أن نهب كعطية محبة ما هو واجب من باب
العدل".
"عندما نعطي الفقراء األشياء التي ال غنى عنها ،فنحن ال نجود عليهم بهبات ،ولكن نعيد إليهم ما هو لهم .إننا
نقوم بواجب عدالة أكثر مما نقوم بفعل محبة".
-2112أعمال الرحمة هي أعمال المحبة التي نساعد بها القريب في ضروراته الجسدية
والروحية .التعليم ،والنصح ،والتعزية ،وتقوية العزم هي أعمال رحمة روحية مثل المغفرة
واالحتمال بصبر .وتقوم أعمال الرحمة الجسدية خصوصا على إطعام الجياع ،وإيواء من ليس
لهم منزل ،وإكساء ذوي الثياب الرثة ،وعيادة المرضى وزيارة السجناء ودفن الموتى .بين هذه
األعمال اإلحسان إلى الفقراء هو من الدالالت الرئيسة على المحبة األخوية :وهو ممارسة للعدالة
ُترضي هللا.
"من له ثوبان فليُعطِ من ليس له ،ومن له طعام فليفعل كذلك" (لو " .)22 :3تصدقوا بالحري بما في وسعكم،
وكل شيء يكون طاهرا لكم" (لو " .)32 :22إن كان أخ أو أخت عريانين وهما في عوز إلى قوتهما اليومي،
فقال لهما أح ُدكم" :إذهبا في سالم ،استدفئا واشبعا" ،ولم تعطوهما مما هو من حاجة الجسد ،فما المنفعة؟" (يع :1
.)26-25
" -2112إن الضيقة البشرية ،في أشكالها المتعددة :ال َعوز المادي ،والضغط الجائر ،واألسقام
الجسدية والنفسية ،وأخيرا الموت ،هي الداللة الواضحة على وضع الضعف المالزم لإلنسان منذ
مولده ،والذي يرافقه منذ الخطيئة األولى ،وعلى حاجته للخالص .لذلك اجتذبت شفق َة المسيح
المخلص ،الذي أراد أن يأخذها على عاتقه ،ويتماهى مع "األصاغر من بين اخوته" (متى 3 :15
حب وتفضيل من قبل الكنيسة التي ما برحت منذ .)35 ،لذلك فالذين يُعانونها هم موضوع ّ
بدايتها ،ورغما عن أوهان الكثيرين من أعضائها ،تعمل على مساعدتهم والدفاع عنهم وتحريرهم.
وقد فعلت ذلك بأعمال خيرية ال ُتحصى وباقية ضرورية في كل زمان ومكان".
-2112منذ العهد القديم ،أنواع كثيرة من االجراءات القانونية (مثل سنة اإلبراء ،وحظر
اإلقراض بالفائدة ،وأخذ الرهن ،وواجب العُشر ،وإيفاء العامل المُياوم أجرته يوميا ،والحق في
39
الخصاصة ولقط نثار الحصيد) تلبي تحريض تثنية االشتراع" :إن األرض ال تخلو من فقير،
ولذلك أنا آمرك اليوم قائال :أُبسط َيدك ألخيك المسكين والفقير الذي في أرضك" (تث.)22 :25
ويسوع يجعل هذا الكالم كالمه قائال" :الفقراء في كل حين عندكم ،أما أنا فلست على الدوام
معكم" (يو .)2 :21وهو بذلك ال يُبطل عُنف النبؤات القديمة" :ألنهم يشترون الضعفاء بالفضة
والفقير ب َنعلَين" (عا ،)6 :2ولكنه يدعونا إلى االعتراف بوجود الفقراء الذين هم إخوته.
قالت القديسة روز الليماوية ألمها ،عندما المتها على أنها ُتعيل في البيت فقراء وسقماء" :ما دمنا نخدم
المرضى ،فنحن رائحة المسيح الطيبة".
بإيجاز
" -2122ال تسرق" (تث " .22 :5ال السارقون وال الطماعون وال الخطفة يرثون ملكوت هللا"
(2كو .)21 :1
-2121تامر الوصية السابعة بممارسة العدالة والمحبة في إدارة الخيرات األرضية وثمار عمل
الناس.
-2122إن خيرات الخليقة مُعدة للجنس البشري بأجمعه .والحق في الملكية الخاصة ال يُبطل كون
الخيرات مع َّدة للجميع.
-2122تنهي الوصية السابعة عن السرقة .والسرقة هي اغتصاب مال القريب خالفا إلرادة
المالك المعقولة.
-2121كل طريقة ألخذ مال القريب واستعماله دون وجه حق هي مخالفة للوصية السابعة.
والظلم الذي ار ُتكب يقتضي التعويض .والعدالة التبادلية تقتضي إعادة المال الذي سُلب.
-2122تحظر الشريعة األخالقية األفعال التي تؤدي ،لغايات تجارية أو توليتارية ،إلى استعبا ِد
الكائنات البشرية وشرائها وبيعها ومقايضتها كبضاعة.
-2122إن السيادة التي أوالها الخالق على الموارد المعدنية والنباتية والحيوانية في العالم ال
يمكن فص ُلها عن احترام الواجبات األخالقية ،وبضمنها الواجبات تجاه األجيال القادمة.
-2122لقد وُ كلت الحيوانات إلى إدارة اإلنسان وهو مُلزم بمحاسنتها .ويمكن أن تخدم تلبية
احتياجات اإلنسان الصوابية.
ُ
حقوق ُ -2122تصدر الكنيسة حُكما في الشأن اإلقتصادي واالجتماعي عندما تقتضي ذلك
الشخص األساسية أو خالص النفوس .وهي ُتعني بالخير العام الزمني للناس بداعي كونهم ُم َعدين
للخير األسمى ،غايتنا القصوى.
ُ
مركزها وغايتها. -2122إن اإلنسان هو نفسه صان ُع كل حياة إقتصادية واجتماعية ،وهو
والنقطة الحاسمة في المسألة االجتماعية هي أن تصل الخيرات التي خلقها هللا ألجل الجميع فِعال
إلى الجميع ،وفاقا للعدل وبمساعدة المحبة.
-2122ترتبط قيمة العمل األساسية باإلنسان نفسه ،الذي هو صانع العمل وغايته .ويشترك
اإلنسان بعمله في عمل الخلق .وباالتحاد بالمسيح يمكن أن يصبح العمل فدائيا.
ُ
تنمية اإلنسان بكامله .والمطلوب هو زيادة إمكانية ك ِّل شخص أن ُ
التنمية الحقيقية هي -2121
يلبي دعوته أي نداء هللا.
-2122إن اإلحسان إلى الفقراء دليل على المحبة األخوية .وهو أيضا ممارسة للعدالة ترضي
هللا.
40
-2122كيف يمكن أن ال يُعرف ،في جمهور الكائنات البشرية المفتقرة إلى الخبز والسقف
والمكان ،لعازر المستعطي الجائع ،المذكور في المثل؟ وكيف ال يُس َمع يسوع قائال" :إل َى أيضا لم
تصنعوه" (متى .)55 :25
المقال الثامن
الوص ّية الثامنة
.ً1العيش في الحق
حق .وكالمه حق .وشريع ُته حق" .أمان ُته إلى جيل -2122يؤكد العهد القديم أنّ هللا هو مصدر كل ّ ّ
فجيل" (مز .)11 :221بما أن هللا هو "الصادق" (رو ،)3 :3فأعضا ُء شعبه مدعوون إلى أن
يعيشوا في الحق.
ُ
حقيقة هللا كاملة .إنه الممتل ُئ نعمة وحقا ،إنه "نور العالم" (يو -2122في يسوع المسيح ظهرت
الحق .كل من يؤمن به ال يمكث في الظالم .وتلميذ يسوع يلبث في كالمه ليعرف ّ ،)21 :2إ ّنه
الحق الذي يحرر ويقدس .اتباع يسوع هو العيش بروح الحق الذي يرسله اآلب باسمه ،والذي َّ
يقود إلى "الحقيقة كلها" (يو .)23 :26وقد علم يسوع تالميذه محبة الحقيقة على اإلطالق" :ليكن
كالم ُكم :نعم؟ نعم ،ال؟ ال" (متى .)37 :5
ُلزم بإكرامها وإثباتها" :جميع الناس ،بمقتضى -2122اإلنسان يتوجه طبيعيا نحو الحقيقة .وهو م َ
كرامتهم ،ألنهم أشخاص ،محمولون بطبيعتهم نفسها على السعي إلى الحقيقة ،وأوال ُ تلك التي
ُلزمون أيضا باعتناق الحقيقة حالما ُلزمون بذلك بواجب أخالقي .إنهم م َتتعلق بالدين ،وهم م َ
يعرفونها ،وأن يُنظموا حياتهم كلها وفاقا لمقتضيات الحقيقة".
-2122تدعى الحقيقة ،من حيث هي استقامة في األفعال واألقوال البشرية ،صدقا ،وإخالصا،
يبدو اإلنسان صادقا في أفعالهوصراحة .الحقيقة أو الصدق هي الفضيلة التي تقوم على أن َ
وصادقا في أقواله ،حاذرا االزدواجية والتظاهر والمراءاة.
" -2122ال يستطيع الناس ان يتعايشوا إذا لم يكن بينهم ثقة متبادلة ،أي إذا لم يتكاشفوا بالحقيقة".
إن فضيلة الحقيقة تعيد لآلخر ما له فيه حق .والصدق يقيم في الوسط بين ما يجب قوله والسر
الذي يجب الحفاظ عليه :إنه يتضمن النزاهة والرصافة .ومن باب العدل" ،اإلنسان مُلزم بكشف
الحقيقة لآلخر بإخالص".
تلميذ المسيح "بالعيش في الحق" ،أي في بساطة حياة ،تتوافق ومثل الرب ،وتبقى ُ -2122يقبل
في حقيقته" :فإن نحن قلنا :إن لنا شركة معه وسلكنا في الظلمة ،فإنا نكذب وال نعمل بالحق" (2
يو .)6 :2
41
ّ
للحق" " .ً2الشهادة
-2121أعلن المسيح أمام بيالطس أنه جاء إلى العالم ألجل أن يشهد للحق .وليس للمسيحي "أن
يخجل بتأدية الشهادة للرب" (1تي .)2 :2وعلى المسيحي ،في الظروف التي تستدعي تأكيد
اإليمان ،أن يُعل َنه دون التباس ،على مثال بولس أمام قضائه .عليه أن يحتفظ "بضمير بال عيب،
أمام هللا والناس" (أع .)26 :13
-2122إن واجب المسيحيين في المساهمة في حياة الكنيسة يُدخلهم إلى السلوك كشهود لإلنجيل
ولاللتزامات التي تنتج من ذلك .وهذه الشهادة هي نقل اإليمان باألقوال واألفعال .والشهادة هي
فعل عدالة يُنشيء الحقيقة أو يُعرِّ ف بها.
َ
"جميع المسيحيين أينما كانوا ملزمون بأن يُظهروا بمثل حياتهم وشهادة كالمهم ،اإلنسان الجديد الذي لبسوه
بالمعمودية ،وقوة الروح القدس الذي شددهم بالمسيح بالميرون".
-2122االستشهاد هو الشهادة السميا لحقيقة اإليمان ،إنه يعني شهادة تصل حتى الموت .والشهيد
يؤدي شهادة للمسيح الذي مات وقام ،والذي هو متحد به بالمحبة .إنه يؤدي شهادة لحقيقة اإليمان
والعقيدة المسيحية .وهو يحتمل الموت بفعل قوة" .دعوني أصير طعاما للوحوش .فيها سأُع َطى
البلوغ إلى هللا".
-2121لقد جمعت الكنيسة بعناية كبيرة تذكارات أولئك الذين بلغوا إلى النهاية ليؤكدوا إيمانهم.
ُ
محفوظات الحقيقة المكتوبة بحروف من دم: فكانت أعمال الشهداء .إنها
أملك
َ "ال شيء يفيدني من مفاتن العالم وممالك هذا الدهرَ .
أفض ُل لي أن أموت (ألتحد) بالمسيح يسوع ،من أن
على أقاصي األرض .هو الذي ألتمسه ،من مات ألجلنا .هو الذي اريده من قام ألجلنا .والدتي تقترب".
َ
حفظت وعدك يا إله "أباركك ألنك رأيتني أهال لهذا النهار وهذه الساعة ،أهال ألن أُحصى في عداد شهدائك .لقد
األمانة والحقيقة .ألجل هذه النعمة وألجل كل شيء أسبحُك وأباركك وأمجدك برئيس الكهنة األبدي السماوي
يسوع المسيح ابنك الحبيب .به هو الكائن معك ومع الروح ،فلي َ
ُعط لك المج ُد اآلن وفي األجيال اآلتية آمين".
.ً2انتهاكات الحقيقة
-2122إن تالميد المسيح "قد لبسوا اإلنسان الجديد الذي ُخلق على مثال هللا في البر وقداسة
يطرحوا كل خبث وك َّل مكر، الحق" (أف " .)13 :3لقد نبذوا الكذب" (أف ،)15 :3وعليهم أن َّ
وكل أشكال الرئاء والحسد واالغتياب" ( 2بط .)2 :1
-2122شهادة الزور والحِنث .يلتبس الكال ُم المخالف للحقيقة ،عندما يصدر علنا ،خطورة
خاصة .وهو يصبح أمام المحكمة شهادة زور .وعندما يُسن ُد بقسم يصبح حِنثا .وهذه األنماط في
السلوك تساهم إما في الحُكم على البريء ،وإما في تبرئة مذنب ،وإما في زيادة العقوبة التي تقع
على المتهم .إنها ُتعرِّ ض لخطر جسيم ممارس َة العدالة واإلنصاف في الحُكم الذي يُصدره القضاة.
-2122احترام سمعة األشخاص يمنع من كل موقف وكل كالم يمكن أن يسبب لهم ضررا دون
حق .يكون مذنبا:
-بحكم جائر من يرضى ولو صامتا بحقيقة وجود نقيضة أخالقية عند القريب دون أساس كاف.
-بالنميمة من يكشف عيوب الغير وذنو َبه ألشخاص يجهلونها ،دون سبب قائم موضوعيا.
-باإلفتراء ،من يسيء إلى سمعة اآلخرين ،بكالم مخالف للحقيقة ،ويُفسح في المجال ألحكام
كاذبة عليهم.
42
يحرص كل واحد على أن يُفسر أفكار قريبه وأقواله َ -2122لتجنب الحُكم الجائر يجب أن
وأفعاله ،تفسيرا يكون لمصلحته ،على قدر المستطاع:
"كل مسيحي صالح مُلزم بأن يكون أسرع إلى إنقاذ كالم القريب منه إلى القضاء عليه .وإذا لم يكن سبيل إلى
اإلنقاذ فليُسأَل كيف يفهمه .وإذا كان يُسيء فه َمه فليُصلح بمحبة .وإذا لم يكفِ ذلك فيجب السعي إلى كل وسيلة
مناسبة حتى إذا فهمه جيدا يكون له الخالص".
-2122النميمة واالفتراء يهدمان سمعة القريب وشرفه .والشرف هو الشهادة االجتماعية التي
تؤدي للكرامة البشرية ،وكل إنسان له حق طبيعي في شرف اسمه ،وفي سُمعته ،وفي االحترام.
وهكذا تسيء النميمة واالفتراء إلى فضيلتي العدل والمحبة.
-2122يجب نبذ كل كلمة أو موقف يشجعان أو يُثبتان الغير في شر أعماله وخبث سلوكه ،وكانا
على سبيل اإلطراء أو التملّق أو المجاملة .والتملق يكون ذنبا كبيرا أذا كان تواطؤا ُ على الرذائل
والخطايا الجسيمة .وال ُتبرر الرغبة في الخدمة أو الصداقة االزدواجية في الكالم .والتملق خطيئة
خفيفة ،إذا كان القصد منه فقط المحاسنة ،أو تجنب شر ،أو لسبب اضطراري ،أو الحصول على
منفعة مشروعة.
التبجح أو التباهي ذنب يخالف الحقيقة .وكذلك االستهزاء الهادف إلى انتقاص إنسان ّ -2121
بتشويه هذا أو ذاك من أنماط سلوكه ،وبطريقة مسيئة.
" -2122الكذب هو قول ما ليس صحيحا بنية الخداع" .والرب يشجب في الكذب عمال من أعمال
الشيطان" :إن أباكم إبليس .إنه ال حق فيه :فإذا ما نطق بالكذب ،فإنما يتكلم بما عنده ،ألنه كذوب
وأبو الكذب" (يو .)33 :2
-2122الكذب هو انتهاك الحقيقة بالوجه األشد مباشرة .والكذب هو القول أو الفعل خالفا للحقيقة
ك عالقة اإلنسان وكالمه للتضليل .والكذب ،بإساءته إلى عالقة اإلنسان بالحقيقة والقريب ،ينته ُ
األساسية بالرب.
-2121تقاس جسامة الكذب بطبيعة الحقيقة التي يشوهها ،وظروف من يرتكبه ونياته،
واألضرار الالحقة بضحاياه .وإذا كان الكذب في حد ذاته خطيئة خفيفة ،فهو يصبح مميتا عندما
يُلحق أذى كبيرا بفضيلتي العدل والمحبة.
-2122يستدعي الكذب بطبيعته الحُكم عليه .فهو تدنيس للكالم الذي مهم ُته إبالغ اآلخرين الحقيقة
المعروفة .والقصد المتعم ُد لتضليل القريب بأقوال مخالفة للحقيقة هو إساءة إلى العدل والمحبة.
وتكون المسؤولية أكبر عندما يكون هناك خطر في أن نية الخِداع تؤدي إلى نتائج وخيمة بالنسبة
ُصرفون عن الحقيقة.إلى من ي َ
-2122الكذب (بكونه انتهاكا لفضيلة الصدق) ،هو عنف حقيقي على الغير .إنه يصيبه في
العقول وكل بذار انقسام ُ َ
ِ بلوغ المعرفة التي هي شرط ك ِّل حُكم وكل قرار .وهو يحتوي ِ إمكانية
الشرور التي يسببُها .والكذب مضر بكل مجتمع .فهو يهدم الثقة بين الناس ،ويمزق نسيج العالئق
االجتماعية.
-2122كل ذنب يُرتكب ويكون مخالفا للعدل والحقيقة يستدعي واجب التعويض ،وإن نال
صاحبه الغفران .وعندما يستحيل التعويض علنا من أذى ،فيجب التعويض في السر .وإذا كان من
غير الممكن تعويض المتضرر مباشرة ،فيجب تعويضه معنويا ،باسم المحبة .وواجب التعويض
هذا يُلزم أيضا بالنسبة إلى الذنوب التي تنتهك سمعة الغير .ويجب قياس هذا التعويض المعنوي،
وأحيانا المادي ،بمقدار األذى الالحق .وهو ملزم ضميريا.
.ً1احترام الحقيقة
43
الحق في إبالغ الحقيقة ليس بال شروط .وعلى كل واحد أن يجعل حياته منسجمة ّ -2122
ينظر اإلنسان في كشف َ وفريض َة المحبة األخوية اإلنجيلية .وهذه تقتضي في الحاالت الواقعية أن
الحقيقة لطالبها :هل ينبغي ذلك أو ال .
الجواب عن كل طلب استعالم وإبالغ .فخي ُر
َ -2122يجب أن ُت َ
ملي المحبة واحترام الحقيقة
اآلخرين وسالمتهم ،واحترام الحياة الخاصة ،والخي ُر العام ،هي أسباب كافية للصمت عما يجب
ان ال يُعلم ،أو الستعمال كالم متحفظ .وواجب تجنب المعثرة يوصي مرارا كثيرة بتحفظ دقيق.
وليس من إلزام ألحد بكشف الحقيقة لمن ليس له حق في معرفتها.
سر المصالحة األسرار ّية مقدس وال يمكن افشاؤه ألي سبب" .إن السر األسراريَّ من ّ -2122
المحظورات ،لذلك يُم َنع المعرف منعا باتا من أن يُفشي بأي أمر من األمور سر المعترف،
بالكالم أو بطريقة أخرى ،وأيا كان السبب".
-2121أسرار المهنة – وأصحابها ،على سبيل المثال ،رجا ُل السياسة ،والعسكريون ،واألطباء،
ورجال القانون -والمطارحات الموسومة بختم السر ،يجب كتمانها ،إال في الحاالت االستثنائية
التي يسبب فيها اخفا ُء السر لمن استودعه ،ومن تقبله أو لشخص آخر ،أضرارا كبيرة جدا ،ال
يمكن تداركها إال بإفشاء الحقيقة .والمعلومات الخاصة التي ُتضر باآلخرين ،وإن لم ُتع َط تحت
ختم السر ،يجب أن ال يُباح بها إال لسبب خطير ومناسب.
-2122على كل واحد أن يتقيد بالتحفظ الصحيح في شأن حياة الناس الخاصة .والمسؤولون عن
ُلزمون بالمحافظة على نسبة صحيحة من مقتضيات الخير العام واحترام حقوق الخاصة. اإلبالغ م َ
وتدخثل اإلعالم في الحياة الخاصة لألشخاص العاملين في المجال السياسي أو العام يستدعي
الحك َم عليه بمقدار ما يُسي ُء إلى خصوصية حياتهم وإلى حريتهم.
45
" -2222لذلك يجب على األساقفة أن يسهروا بأنفسهم أو بمن ينتدبون على تعزيز الفن المقدس ،القديم والجديد،
في كل أشكاله ،وأن يُبعدوا ،باالهتمام المق َّدس نفسه ،عن الليترجيا ومباني العبادة كل ما ال يتالءم مع حقيقة
اإليمان وجمال الفن المق َّدس األصيل.
بإيجاز
" -2221ال تشهد على قريبك شهادة زور" (خروج .)21 :21تالميذ المسيح قد "لبسوا اإلنسان
الجديد الذي ُخلق على مثال هللا في البرِّ وقداسة الحق" (أف .)25 :5
يبدو اإلنسان صادقا في أفعاله وصادقا -2222الحقيقة أو الصدق هي الفضيلة التي تقوم على أن َ
في أقواله ،حاذرا االزدواجية ،والتظاهر والمراءة.
-2222ليس للمسيحي "ان يخجل بتأدية الشهادة للرب" ( 2تي )8 :2بالفعل والقول .واالستشهاد
هو الشهادة السميا لحقيقة اإليمان .
-2222احترام سمعة األشخاص وشرفِهم يمنع من أي موقف أو كالم فيه نميمة أو افتراء.
-2222الكذب هو قول ما ليس صحيحا بنية خداع القريب.
-2222ارتكاب ذنب بمخالفة الحقيقة يقتضي التعويض.
-2212القاعدة الذهبية تساعد على التمييز ،في الحاالت الواقعية ،لمعرفة هل ينبغي أوال الكشفُ
عن الحقيقة لمن يطلبها.
" -2211السر األسراري من المحظورات" .واألسرار المهنية يجب كتمانها .وال يجب إذاعة
المُسارات التي ُتلحق ضررا بالغير.
-2212للمجتمع الحق في إعالم مبني على الحقيقة والحرية والعدالة .وينبغي أن يفرض اإلنسان
على ذاته االعتدال والنظام في استعمال وسائل االتصال االجتماعي.
-2212الفنون الجميلة وال سيما الفن المقدس "تهدف بطبيعتها إلى نوع من التعبير ،في األعمال
البشرية ،عن الجمال اإللهي الالمحدود ،وقد انقطعت إلى حمد هللا وتمجيده بقدر ما انحصر همها
في أن تؤدي بأعمالها إلى توجيه نفوس البشر إلى هللا على أوسع وجه".
المقال التاسع
الوص ّية التاسعة
"ال تشتهي بيت قيبك .ال تشتهي امرأة قري َبك وال خاد َمه ،وال خادمته ،وال ثوره ،وال حماره ،وال شيئا مما
لقريبك" (خروج .)27 :11
" إن كل من نظر إلى امرأة حتى ليشته َيها فقد زنى بها في قلبه" (متى.)12 :5
-2211يميز القديس يوحنا ثالثة أنواع من الشهوات أو الرغائب :شهوة الجسد ،وشهوة العين
ف الحياة .بحسب التقليد في التعليم الديني الكاثوليكيُ ،تحظر الوصية التاسعة شهوة الجسد،
صلَ َ
و َ
والعاشرة تنهي عن شهوة مال الغير.
-2212يمكن أن تعني كلمة "شهوة" في معناها األصلي كل نزعة شديدة من نوازع الرغبة
البشرية .وقد أعطاها الالهوت المسيحي هذا المعنى الخاص أنها حركة الرغبة الحسية التي
ُتعارض عمل العقل البشري .ويجعلها القديس بولس متماهية "والثورة" التي يقودها "الجسد" على
46
"الروح" .وهي تتأتى من معصية الخطيئة األولى .وهي تشوش نظام الملكات األخالقية البشرية،
وتجعل اإلنسان يميل إلى ارتكاب الخطايا ،وإن لم تكن هي ذنبا في حد ذاتها.
-2212ففي اإلنسان من قبل ،بما أ ّنه مر ّكب من روح وجسد ،نوع من التوتر ،وفيه يقوم نوع من
الصراع بين ميول "الروح" و "الجسد" .ولكن هذا الصراع يعود في الواقع إلى إرث الخطيئة،
وهو نتيجته ،وفي الوقت ذاته ،تأكيد له .وهو جزء من االختبار اليومي للجهاد الروحي.
"األمر بالنسبة إلى الرسول ليس احتقار الجسد والقضاء عليه .فهو مع النفس الروحية يؤلف طبيعة اإلنسان
وشخصيته ،والرسول ،بالمقابل ،يعالج األعمال أو بالحري االستعدادات الثابتة ،من فضائل ورذائل ،الصالحة
والس ّيئة اخالقيا ،والتي هي ثمرة الخضوع (في الحالة األولى) أو بالعكس المقاومة (في الحالة الثانية) لعمل
الخالصي .لذلك يكتب الرسول" :إن كنا نحيا بالروح ،فلنسكن أيضا بحسب الروح" (غل .)15 :5
ّ الروح القدس
.ً1تنقية القلب
-2212القلب هو مركز الشخصية األخالقية" .فمن القلب تخرج األفكار الشريرة" ،والقتل
والزنى والسلوك السيء" (متى .)21 :25ومحاربة الشهوة الجسدية تمر من خالل تنقية القلب
وممارسة القناعة:
فتكون كاألوالد الصغار الذين يجهلون الشر هادم حياة الناس".
َ "احفظ نفسك في البساطة والبراءة،
ُ -2212تعلن التطويبة السادسة" :طوبى ألنقياء القلوب ،فإنهم يعاينون هللا" (متى" .)2 :5أنقياء
القلوب" يعنون من جعلوا عقلهم وإرادتهم في انسجام مع مقتضيات قداسة هللا ،خصوصا ُ في
مجاالت ثالثة" المحبة ،والطهارة أو االستقامة الجنسية ،وحب الحقيقة واستقامة اإليمان .وهناك
رابط بين نقاوة القلب والجسد واإليمان.
يجب أن يؤمن المؤمنون ببنود قانون اإليمان" ،حتى يطيعوا هللا بإيمانهم ،وبطاعتهم يعيشوا حياة صالحة،
وبحياتهم الصالحة ينقوا قلبهم ،وبتنقية قلبهم يفهموا ما يؤمنون به".
" -2212أنقياء القلوب" موعودون بمعاينة هللا وجها لوجه ،وبأن يكونوا مشابهين له .فنقاوة القلب
ال بد ان تكون سابقة للمعاينة .وهي منذ اليوم ،تعطينا أن نرى بحسب هللا ،ونتقبل الغير
"كقريب" ،وتمكننا من أن نرى الجسد البشري ،جسدنا وجسد القريب ،مثل هيكل للروح القدس،
ومظهر للجمال اإللهي.
بإيجاز
" -2222إن كل من نظر إلى امرأة حتى ليشتهيها فقد زنى بها في قلبه" (متى .)28 :5
-2222تحذر الوصية التاسعة من الشهوة أو الرغبة الجنسية.
-2222تمر محاربة الشهوة الجسدية من خالل تنقية القلب وممارسة القناعة.
-2221تعطينا نقاوة القلب أن نرى هللا :وتعطينا منذ اآلن أن نرى كل شيء بحسب هللا.
-2222تقتضي ُ
تنقية القلب الصالة ،وممارسة الطهارة ،ونقاوة النية والنظر.
ُ
والحشمة تصون ما في -2222تقتضي نقاوة القلب الحشمة التي هي صبر وتواضع ورصانة.
الشخص من شأن حميم.
المقال العاشر
48
الوص ّية العاشرة
"ال تشته ...شيئا مما لقريبك" (خروج" .)27 :11ال تشته بي َته وال حقله وال خاد َمه وال خادم َته وال ثوره وال
حماره وال شيئا مما لقريبك" (تث.)12 :5
َ
"حيث يكون كنزك ،هناك يكون قلبُك" (متى.)12 :6
-2221الوصية العاشرة تشطر وتكمل التاسعة التي تتناول شهوة الجسد .وهي تنهي عن شهوة
مال القريب ،أصل السرقة والنهب والغش التي تحرمها الوصية السابعة .إن "شهوة العيون" (2يو
)26 :1تقود إلى العنف والظلم اللذين تحظرهما الوصية الخامسة .وأصل الجشع كالزنى هو في
عبادة األصنام التي تنهي عنها الوصايا الثالث األولى من الشريعة .والوصية العاشرة تقصد نية
القلب .وتختصر مع التاسعة جميع فرائض الشريعة.
ً2فقر القلب
-2211يُوعِ ز يسوع إلى تالميذه أن يفضلوه على كل شيء وكل إنسان ،ويعرض عليهم "ان
يزهدوا في جميع أموالهم" ألجله وألجل اإلنجيل .وأعطاهم قبيل آالمه كمثال أرملة القدس
الفقيرة ،التي من عوزها أعطت كل ما كان لمعيشتها ,فريضة التجرد من الغنى واجبة لدخول
ملكوت السماوات.
-2212على كل الؤمنين بالمسيح "ان يُعنوا بتنظيم نوازعهم على ما ينبغي لئال ينحرف بهم
استخدا ُم أشياء العالم والتمسك بالغنى تمسكا يُخالف روح الفقر االنجيلي ،عن مواصلة السعي إلى
كمال المحبة" .
" -2212طوبى للمساكين بالروح" (متى .)3 :5ان التطويبات تكشف عن نظام سعادة ونعمة،
وجمال وسالم .ويسوع يشيد بفرح الفقراء الذين لهم منذ اآلن الملكوت:
فقر هللا
تواضع الروح البشري الطوعي وتجرده .ويعطينا الرسول كمثال ََ "ان الكلمة يدعو "فقرا بالروح" ثم
عندما يقول :هو الغني ،قد افتقر ألجلنا ( 1كو .)1 :2
-2212ينوح الرب على األغنياء ألنهم يجدون تعزيتهم في كثرة األموال" .المتكبر يسعى إلى
السلطة البشرية ،بينما الفقير بالروح يسعى إلى ملكوت السماوات" .واالستسالم إلى عناية اآلب
القلق بالغد .والثقة باهلل تهيئ لطوبى الفقراء .إنهم يعاينون هللا.
ِ السماوي يحرر من االهتمام
50
" .ً1أريد ان أعاين هللا"
-2212ان الرغبة في السعادة الحقيقية تنقذ اإلنسان من التعلق الجامح بخيرات هذا العالم ،لتكتمل
في رؤية هللا وسعادته" .الوعد (بمعاينة هللا) يفوق كل سعادة .ورؤية هللا في الكتاب هي الحصول
عليه .من رأى هللا فقد حصل على كل الخيرات التي نستطيع ان نتصورها".
-2212يبقى ان يحارب الشعب المقدس ،بنعمة هللا ،للحصول على الخيرات التي وعد هللا بها.
وعلى المؤمنين بالمسيح ،للحصول على هللا ومعاينته ،أن يُميتوا شهواتهم ،وينتصروا بنعمة هللا
على إغراءات اللذة والسلطة.
-2222على طريق الكمال ينادي الرو ُح والعروسُ َمن يسمعهما إلى االتحاد التام باهلل:
"هناك يكون المجد الحقيقي .وال أحد يُمدَ ح خطأ أو تملقا ،وال يُرفضُ اإلجالل الحقيقي لمن يستحقونه ،وال يُعطى
ُ
حيث ال يُق َبل إال المستحقون .هناك يسود السال ُم ٍّ
مستحق لغير مستحقيه ،وعلى كل حال لن يسعى إلى ذلك غي ُر
الحقيقي حيث ال يشعر أحد بمقاومة من ذاته أو من الغير .وهللا نفسه يكون جزاء الفضيلة ،هو الذي منح
الفضيلة ،ووعد بأنه سيكون هو نفسُه جزا َءها األفضل واألكبر في الوجود" .أكون لهم إلها ويكونون لي شعبا"
(أح )21 :16وهذا هو أيضا معنى كلمات الرسول" :ليكون هللا كال في الكل" (2كو .)12 :25ويكون هو نفسه
غاية ما نشتهي ،هو الذي نعاينه بال نهاية ،ونحبه بال ارتواء ،ونسبحه بال ملل .ويكون هذا العطاء ،وهذا الحب،
وهذا االشتغال ،بال ريب كالحياة األبدية .مشتركين بين الجميع.
بإيجاز
" -2221حيث يكون كنزكم ،هناك يكون قلبُكم" (متى .)22 :1
-2222تنهي الوصية العاشرة من الجشع المنفلت ،الناتج من الهوى المفرط للغنى وسلطته.
ُ
الجامحة في امتالكه. ُ
والرغبة -2222الحس ُد هو معانا ُة الحزن حيا َل مال الغير
والتواضع واالستسالم لعناية هللا.
ِ -2221يحارب المعمَّد الحسد بالمحاسنة،
صلبوا الجسد مع أهوائه وشهواته" (غل .)25 :5فيقتادهم الروح -2222المؤمنون بالمسيح " َ
القدس ويتبعون رغائبه.
-2222التجرد من الغنى ضروري لدخول ملكوت السموات" .طوبى للمساكين بالروح".
-2222إنسان الرغبة يقول" :أريد معاينة هللا" .والظمأ إلى هللا يرويه ماء الحياة األبدية".
الجزء الرابع
الصالة المسيح ّية
المسيح يتوجه بالصالة إلى اآلب .وهو يصلي وحده في موضع قفر .وتالميذه ينظرون إليه من مسافة تدل على
االحترام .القديس بطرس ،رئيس الرسل ،يستدير نحو االخرين ويدلهم على ذلك الذي هو معلم الصالة المسيحية
والطريق إليها" :يا رب علمنا أن نصلي"( لو .)2 :22
القسم األول
الصالة في الحياة المسيحية
51
" -2222عظيم هو سر اإليمان" .والكنيسة ُتعلنه في قانون الرسل (القسم األول) وتحتفل به في
الليترجيا األسرارية (القسم الثاني) ،حتى تكون حياة المؤمنين متوافقة مع المسيح في الروح
القدس لمجد هللا اآلب (القسم الثالث) .فيقتضي هذا السر إذن أن يؤمن به المؤمنون ،ويحتفلوا به
ويعيشوه في عالقة حية وشخصية باهلل الحي والحقيقي .هذه العالقة هي الصالة.
ما هي الصالة؟
"الصالة" بالنسبة إلي ،هي توثب القلب ،نظرة بسيطة تلقيها إلى السماء ،هتاف شكر وحب في المحنة كما في
الفرح".
" -2222الصالة هي رفع النفس نحو هللا أو التماس الخيرات الصالحة من هللا" من أين نتكلم
عندما نصلي؟ من علو كبريائنا وإرادتنا الشخصية أو من "األعماق" (مز ،)2 :231من قلب
متواضع ونادم؟ إن الذي َيضع نفسه يُر َفع .فالتواضع أساس الصالة" :إننا ال نعرف كيف نصلي
كما ينبغي" (رو .)16 :2والتواضع هو االستعداد لتقبل عطية الصالة مجانا :فاإلنسان مستجد
هلل.
ت تعرفين عطية هللا" (يو )21 :3إن اعجوبة الصالة تتكشف هنا ،على جانب " -2222لو كن ِ
البئر حيث نأتي لنلتمس ماءنا :هناك يأتي المسيح إلى لقاء كل كائن بشري .يسوع عطشان ،وطلبه
صادر من أعماق هللا الذي يريدنا .والصالة ،أ َعرفنا ذلك أم لم نعرفه ،هي التقاء ظمإِ هللا وظمئنا.
فاهلل ظامئ إلى ان نكون ظامئين إليه.
ت تسألينه فيعطيكِ ماء حيا" (يو .)21 : 3إن الصالة التي نطلب فيها هي ،وذلك " -2221لكنت أن ِ
مفارقة ،جواب .جواب عن شكوى هللا الحي" :تركوني أنا ينبوع المياه الحية وحفروا ألنفسهم
آبارا مشققة" (إر ،)23 :1جواب إيمان عن وعد مجاني بالخالص ،جواب محبة عن ظمإ االبن
الوحيد.
الصالة كعهد
-2222من أين تأتي صالة اإلنسان؟ مهما تكن لغة الصالة (حركات أو كلمات) ،فاإلنسان كله
هو الذي يصلي .ولكن للداللة على الموضع الذي تنبع منه الصالة ،تتحدث الكتب المقدسة أحيانا
عن النفس والذهن ،وفي الغالب عن القلب (أكثر من ألف مرة) .القلب هو الذي يصلي .وإذا كان
بعيدا عن هللا فالصالة باطلة،
-2222القلب هو المنزل الذي أس ُكنه (بحسب التعبير السامي أو الكتابي :حيث "أنزل") .إنه
مركزنا المخفي ،المستعصي إدراكه على عقلنا وعلى اآلخرين .روح هللا وحده يستطيع ان يسبر
غوره ويعرفه .إنه موضع القرار ،في العمق من ميولنا النفسية .إنه موضع الحقيقة ،حيث نختار
الحياة أو الموت .إنه موضع اللقاء ،بما أننا على مثال هللا ،نعيش في عالقة :إنه موضع العهد.
-2221الصالة المسيحية عالقة عهد بين هللا واإلنسان في المسيح .إنها فعل هللا واإلنسان .وهي
تنبع من الروح القدس ومنا ،موجهة كلها إلى اآلب باالتحاد مع اإلرادة البشرية البن هللا المتأنس.
الصالة كمشاركة
52
-2222الصالة في العهد الجديد هي العالقة الحية بين أوالد هللا وأبيهم الذي ال حد لصالحه،
وابنه يسوع المسيح ،والروح القدس .ونعمة الملكوت هي "اتحاد الثالوث األقدس بكامله مع الروح
بكامله" .وحياة الصالة هي هكذا أن يكون بوجه عادي في حضور هللا المثلث التقديس ،وفي
مشاركة معه .وهذه المشاركة الحياتية هي دائما ممكنة ،ألننا بالمعمودية قد صرنا كائنا واحدا مع
المسيح .الصالة مسيحية بكونها مشاركة في المسيح وتمتد إلى الكنيسة التي هي جسده .وأبعادها
هي أبعاد محبة المسيح.
الفصل األول
الكشف عن الصالة
المقال األول
في العهد القديم
-2222إن الكشف عن الصالة في العهد القديم يندرج بين سقطة اإلنسان ونهوضه ،بين نداء هللا
األليم ألوالده األول" :أين أنت؟ ماذا فعلت؟ " (تك ،23 ، 1 :3وجواب االبن الوحيد عند دخوله
العالم" :ها أنذا آتي ألعمل يا أهلل بمشيئتك" (عب .)7-5 :21وهكذا فالصالة مرتبطة بتاريخ
البشر ،إنها العالقة باهلل في أحداث التاريخ.
54
كالم إلهه ويرشده" .وهو على كل بيتي مؤتمن ،فما إلى فم أخاطبه ال بألغاز" (عد ،)2-7 :21ألن
"موسى كان رجال متواضعا جدا أكثر من جميع الناس الذين على وجه األرض" (عد.)3 :21
-2222من هذه العالقة الحميمة باهلل األمين ،الطويل األناة والكثير المحبة استمد موسى القوة
واإلصرار في شفاعته .إنه ال يُصلي ألجل نفسه وإنما ألجل الشعب الذي اقتناه هللا .وقد توسل
موسى من قبل ،إبان المعركة مع العمالقة ،أو للحصول على شفاء مريم .ولكنه "وقف في الثلمة"
أمام الرب (مز )13 :216خصوصا بعد جحود الشعب لكي يخلص الشعب .وس ُتلهم براهينُ
صالته (ألن الشفاعة هي أيضا معركة غامضة) جرأة المصلين الكبار من الشعب اليهودي ومن
الكنيسة ،هللا محبة ،فهو إذن عادل وامين .ومن المستحيل أن يناقض نفسه ،وال بد من أن يتذكر
أعماله العجيبة ،ألن األمر يتعلق بمجده .فال يستطيع أن يترك الشعب الذي يحمل اسمه.
-2221كان من الواجب أن يكون الهيكل لشعب هللا موضع تربية على الصالة :فالحِجات،
واألعياد ،والذبائح ،وتقادم المساء ،والبخور ،وخبز "التقدمة" ،كل هذه األدلة على قداسة هللا العلي
والقريب جدا ،كانت نداءاتٌِ و ُسبُال إلى الصالة .ولكن التقيد بمظهر الشعائر كان يجر الشعب
مرارا إلى عبادة خارجية جدا .وكان ال بد لها من تربية اإليمان وتوبة القلب .وتلك كانت رسالة
األنبياء قبل المنفى وبعده.
-2222إيليا هو أبو األنبياء من جيل من يطلبون من هللا ،من يلتمسون وجهه .اسمه "الرب
إلهي" ،يعلن صراخ الشعب جوابا عن صالته على جبل الكرمل .ويعقوب يعيدنا إليه ليحضنا
على الصالة" :إن صالة البار الحارة لها قوة عظيمة" (يع .)22-26 :5
55
صر َفت اإليمان بكالم هللا ،وذلك
-2222بعدما تعلم الرحمة في خلوته عند نهر كريت ،علم أرملة َ
اإليمان الذي يؤكده بصالته الملحة :فيعيد هللا ابن األرملة إلى الحياة.
وفي وقت الذبيحة على جبل الكرمل ،ذلك االمتحان الحاسم إليمان شعب هللا ،إنما أكلت نا ُر الرب
المُحرق َة بصالة إيليا" ،حين تقدمة ذبيحة المساء"" :أجبني يا رب ،أجبني!" .وهي الكلمات نفسُها
التي تستعيدها الليترجيات الشرقية في استدعاء الروح القدس في االفخارستيا.
أخيرا ،بعد أن مضى إيليا فرجع في طريق البرية إلى المكان الذي فيه كشف هللا الحي والحقيقي
عن نفسه لشعبه ،اختبأ مثل موسى "في نقرة الصخرة" حتى " َيمُرَّ " حضور هللا الغامض .ولكن
ُ
معرفة مجد هللا هي على وجه ذلك الذي يلتمسون وجهه لن يكشف عن ذاته إال على جبل التجلي:
المسيح المصلوب القائم.
النور والقوة لرسالتهم في وجودهم "وحدهم مع هللا وحده" .وليستَ -2221يستمد األنبيا ُء
صالتهم هروبا من العالم الذي ال يرعى عهدا وإنما إصغاء إلى كلمة هللا ،وأحيانا جدال وشكوى،
ودائما شفاعة تترقب وتهيئ تدخل هللا المخلص رب التاريخ.
"ما هو األفضل من مزمور؟ لذلك يقول داود جيدا" :سبحوا الرب ألن المزمور شيء صالح :إللهنا التسبي ُح
الحلو والجميل"! وهذا صحيح .ألن المزمور بركة ينطق بها الشعب ،وتسبيح هلل من الجماعة ،وتصفيق من ِق َبل
الجميع ،وكالم يقوله الكون ،وصوت الكنيسة ،وإعالن إيمان بالنغم".
بإيجاز
" -2222الصالة هي رفع النفس نحو هللا أو التماس الخيرات الصالحة من هللا".
-2221هللا ال يني يدعو كل شخص إلى المالقاة السرية معه .والصالة ترافق كل تاريخ الخالص
كنداء متبادل بين هللا واإلنسان.
االنتصار
ِ -2222صالة إبراهيم ويعقوب تبدو كمعركة اإليمان ،في الثقة بأمانة هللا ويقين
الموعود به الثبات.
-2222صالة موسى تجيب عن مبادرة هللا الحي ألجل خالص شعبه .وهي صورة سابقة لصالة
التوسل ،صالة الوسيط الوحيد يسوع المسيح.
-2221صالة شعب هللا تزدهر في ظ ِّل مسكن هللا ،تابوت العهد والهيكل ،بقيادة الرعاة ،وال سيما
الملك داود ،واألنبياء.
-2222األنبياء يدعون إلى توبة القلب ،ويتشفعون للشعب ،بينما هم يلتمسون بحرارة وجه هللا.
-2222المزامير هي تحفة الصالة في العهد القديم .وهي تتكون من عنصرين ال ينفصالن:
شخصي وجماعي .وهي تمتد إلى جميع أبعاد التاريخ مذكرة بمواعيد هللا التي تحققت وآملة مجيئ
الماسيا.
-2222المزامير المُصالة والمتمَّمة في المسيح هي عنصر أساسي ودائم في صالة الكنيسة .إنها
تتالءم مع الناس من كل طبقة وكل زمان.
المقال الثاني
ملء األزمِنة
في ِ
-2222في الكلمة الذي صار جسدا والذي يقيم بيننا ُكشف لنا كشفا ُ كامال عن مأساة الصالة.
والسع ُي إلى فهم صالته من خالل ما أعلنه لنا عنها شهودهُ في اإلنجيل ،هو لنا اقتراب من الرب
القدوس يسوع ،كما من العليقة المتقدة :فنعاينه في ذاته أوال وهو يصلي ،ثم نصغي إليه كيف
يعلمنا الصالة ،لنعرف أخيرا كيف يستجيب لصالتنا.
يسوع يصلّي
-2222لقد تعلم ابن هللا ،الذي صار ابن البتول ،الصالة بحسب قلبه البشري .تعلم صيغ الصالة
من أمه التي كانت تحفظ كل "عظائم" القدير وتتأمل فيها في قلبها .وهو نفسه صلى في الكلمات
واإليقاعات التي كانت لصالة شعبه ،في مجمع الناصرة وفي الهيكل .ولكن صالته كانت تنبع من
57
َمعين سري آخر ،كما ألمح إلى ذلك ،وهو في الثانية عشرة ،قائال" :يجب أن أكون في ما هو
ألبي" (لو .)31 :1وهنا تبدأ بالتكشف جدةُ الصالة في ملء األزمنة :فالصالة البنوية ،التي كان
اآلب يترقبها من أوالده سيعيشها أخيرا االبن الوحيد نفسه ،في بشريته ،ألجل الناس ومعهم.
-2222يبين اإلنجيل بحسب القديس لوقا فعل الروح القدس ومعنى الصالة في خدمة يسوع.
فيسوع يصلي قبل األوقات الحاسمة من رسالته :قبل أن يشهد له اآلب في معموديته وفي تجليه،
وقبل أن يُتم يآالمه قصد محبة اآلب .ويصلي أيضا قبل األوقات الحاسمة التي س ُتطلِق رسال َة
رسله :قبل أن يختار ويدعو األثني عشر ،قبل ان يعترف به بطرس "كمسيح هللا" ،ولكي ال
يضعف إيمانُ الرسل في التجربة .وصالة يسوع قبل األحداث الخالصية ،التي يطلب منه اآلب
القيام بها ،هي تسليم متواضع وواثق إلرادته البشرية إلى مشيئة هللا المحبة.
" -2221وكان يسوع ذات يوم يصلي في موضع ما .فلما فرغ قال له واحد من تالميذه" :يا رب
تلميذ المسيح معلمه يصلي يرغب هو في أن ُ علمنا أن نصلي" (لو .)2 :22أَ َو َ
ليس حين يعاين
يصلي؟ فيستطيع عندئذ أن يتعلم ذلك من معلم الصالة .إن األوالد ،بمعاينتهم االبن واإلصغاء
إليه ،يتعلمون أن يصلوا إلى اآلب.
-2222يعتزل يسوع مرارا في الخلوة ،على الجبل ،وال سيما في الليل ،لكي يصلي .وهو يحمل
الناس في صالته ،إذ إنه يأخذ على عاتقه البشرية في تجسده ،ويقدمهم لآلب بتقديم ذاته .هو،
الكلمة الذي "أخذ على عاتقه الجسد" يشارك ،في صالته البشرية ،في كل ما يعيشه "إخو ُته".
يرثو ألسقامهم لكي ينقذهم منها .وألجل هذا أرسله اآلب .فتبدو عندئذ أقواله وأفعاله كالتجلي
المرئي لصالته "في الخفية".
-2222احتفظ اإلنجيليون من المسيح في أثناء خدمته صالتين أكثر صراحة .وكل واحدة فيهما
تبدأ بالشكر .في األول ،يحمد يسوع اآلب ،ويعترف به ،ويباركه ألنه أخفى أسرار الملكوت عمن
شه "نعم ،يا أبت!" يحسبون أنفسهم علماء ،وكشف عنها "لألطفال" (أطفال التطويبات) .وارتعا ُ
يُعبر عن أعماق قلبه ،وعن مطابقته "ما َحسُن" لدى اآلب ،مُصديا لقول أمه عند الحبل به "ليكن
لي بحسب قولك" ،وممهدا لما سيقوله لآلب وقت نزاعه .كل صالة يسوع هي في اعتناق قلبه
البشري المُحب "لسر مشيئة" اآلب.
ت
-2221الصالة الثانية يوردها القديس يوحنا قبل قيامة لعازر .والشكر يسبق الحدث" :يا أب ِ
أشكر لك أنك سمعت لي" ،وهذا يقتضي أن اآلب يسمع دائما طلبه .ويُضيف يسوع حاال" :لقد
كنت أنا عالما بأنك تسمع لي على الدوام" .وهذا يقتضي أن يسوع من جهته يطلب بطريقة ثابتة. ُ
وهكذا ،فصالة يسوع ،التي يحملها الشكر ،تكشف لنا عن كيفية الطلب :فقبل أن ُتعطى العطية
يلتصق يسوع بمن يُعطي ،ويُعطي ذاته في عطاياه .فالمعطي أنفس من العطية الموهوبة .إنه
"الكنز" ،وفيه يوجد قلب االبن ،والعطية مُعطاة "بزيادة".
صالة يسوع "الكهنوتية" لها مكان وحيد في تدبير الخالص .وستكون موضوع تأمل في ختام القسم األول .فهي
تكشف عن صالة كاهننا األعظم اآلنية دائما ،وتحتوي ،في الوقت نفسه ما يعلمنا إياه في صالتنا إلى اآلب التي
سنتوسع فيها في القسم الثاني.
-2222عندما أتت الساعة التي فيها يتمم يسوع قصد محبة اآلب ،أبدى عمق صالته البنوية الذي
ال يُستقصى ،ليس فقط قبل ان يسلم ذاته بحرية"( ،يا أبتاه ...ال تكن مشيئتي بل مشيئتك")،
(لو .)31 :11ولكن حتى في كلماته األخيرة على الصليب ،حيث الصالة وعطا ُء الذات أمر
واحد" :يا أبتاه ،إغفر لهم فإنهم ال يدرون ما يعملون" (لو " ،)33 :13الحق اقول لك :إنك اليوم
تكون معي في الفردوس (لو " ،)33 :13يا امرأة ،هوذا ابنك .هي ذي أمك (يو " ،)12 :21أنا
عطشان" (يو " ،)12 :21إلهي ،لماذا تركتني" (مز " ،)33 :25كل شيء قد تم" (لو ،)31 :21
58
يا أبتاه ،في يديك أستودع روحي" (لو ،)36 :13حتى ذلك "الصراخ العظيم" عندما زفر وأسلم
الروح.
عبدة للخطيئة وللموت في كل أزمنتها ،وكل الطلبات -2222جميع مضايق البشرية ،المُس َت ِ
والشفاعات في تاريخ الخالص مجموعة في صراخ الكلمة المتجسد هذا .وها هوذا هللا يتقبلها،
وخالفا لكل رجاء ،يستجيب لها بإقامة ابنه .وهكذا تتحقق وتنتهي مأساةُ الصالة في تدبير الخلق
والخالص .وكتاب المزامير يعطينا مفتاح ذلك في المسيح .ففي "اآلن" من القيامة يقول الرب:
سلني فأعطيك األمم ميراثا وأقاصي األرض ملكا"(مز .)2-7 :1 "أنت ابني وأنا اليوم ولدتكَ ،
تعبر الرسالة إلى العبرانيين بألفاظ مأساوية عن كيفية إحراز صالة يسوع انتصار الخالص" :إنه هو الذي في
أيام بشريته قرب تضرعات وابتهاالت في صراخ شديد ودموع إلى القادر أن يخلصه من الموت ،وإذ اس ُتجيب
له بسبب َو َرعه ،ومع كونه ابنا ،تعلم مما تألمه أن يكون طائعا .ولما بلغ الكمال صار لجميع الذين يطيعونه عِ لة
خالص أبدي" (عب .)1-7 :5
-2222عندما يصلي يسوع يعلمنا الصالة .وطريق صالتنا نحو هللا هو صالته ألبيه .ولكن
اإلنجيل يعطينا تعليما صريحا منه للصالة .فهو كمُربٍّ يأخذنا حيث نحن ،ويقودنا تدريجيا نحو
اآلب .وبما أن يسوع كان يتكلم مع الجموع التي تتبعه ،فهو ينطلق مما تعرفه سابقا من الصالة،
بحسب العهد القديم ويفتحها على جدة الملكوت اآلتي .ثم يكشف لها باألمثال تلك الجدة .ويتكلم
أخيرا بصراحة على اآلب والروح القدس ،لتالميذه الواجب عليهم أن يكونوا المربين على الصالة
في كنيسته.
-2222منذ العظة على الجبل يُلح يسوع على توبة القلب :المصالحة مع األخ قبل تقديم القربان
على المذبح ،ومحبة القريب والصالة ألجل المضطهدين ،والصالة لآلب "في الخفية" (متى :6
،)6وعدم تكرار الكالم عبثا ،والمغفرة من أعماق القلب في الصالة ،ونقاوة القلب ،وطلب
ملكوت هللا .وهذه التوبة كلها استقطاب هلل ،فهي بنوية.
-2222القلب الذي اعتزم هكذا التوبة يتعلم أن يصلي في اإليمان .واإليمان مطابقة بنوية هلل إلى
أبعد مما ُنحس أو ُندرك .وقد أصبحت ممكنة ألن االبن الحبيب قد مهد لنا الوصول إلى اآلب.
ويستطيع أن يسألنا أن "نطلب" وأن "نقرع" بما أنه هو نفسه الباب والطريق.
-2212كما أن يسوع يصلي إلى اآلب ويشكر قبل أن يتقبل عطاياه ،فهو يعلمنا هذه الجرأة
البنو ّية" :كل ما تسألونه في الصالة ،فآمنوا أنكم قد نلتموه" (مر .)13 :22هذه قدرة الصالة" ،كل
شيء ممكن لمن يؤمن" ( )13 :1بإيمان "ال يتردد" .وبمقدار ما يُحزن يسوع "عدم إيمان" أقاربه
(مر ،)6 :6و "قلة إيمان" تالميذه ،يأخذه ال َع َجب من "اإليمان العظيم" عند قائد المئة الروماني
والكنعانية.
-2211صالة اإليمان ال تكون فقط بأن يقول اإلنسان "يا رب ،يا رب" ،وإنما بمطابقة القلب
على عمل إرادة اآلب .وهذا االهتمام بالمساهمة في القصد اإللهي ،يدعو يسوع تالميذه إلى
االضطالع به في الصالة.
-2212في يسوع "اقترب ملكوت هللا" (مر .)25 :2إنه يدعو إلى التوبة وإلى اإليمان ولكن
كذلك إلى السهر .ففي الصالة يسهر التلميذ متيقظا لذاك الذي هو كائن ،والذي سيأتي ،في تذكر
59
ض َعة الجسد ،وفي ترجي مجيئه الثاني في المجد ،وصالة التالميذ ،باالتحاد مع مجيئه األول في َ
معلمهم ،هي جهاد ،وبالسهر في الصالة ال يدخل اإلنسان في التجربة.
-2212ثالثة أمثال رئيسية عن الصالة نقلها إلينا القديس لوقا:
األول عن "الصديق المُزعج" يدعو إلى صالة مُلحة" :إقرعوا فيُفتح لكم" .ولمن يصلي هكذا "يُعطي اآلبُ
السماوي كل ما يحتاج إليه" ،وخصوصا الروح القدس الحاوي جميع العطايا.
الثاني عن "األرملة المزعجة" ،ويتركز على صفة من صفات الصالة وهي أنه يجب ان نصلي دائما دون كالل
بصبر اإليمان" .ولكن متى جاء ابن البشر ،فهل يجد اإليمان على األرض؟".
المثل الثالث عن "الفريسي والعشار" ،يُعنى بتواضع من يُصلي" .يا هللا اغفر لي أنا الخاطئ" .وهذه الصالة ما
برحت الكنيسة تجعلها صالتها" :كيريه ليسون".
-2211عندما أودع يسو ُع علنا الرسل سر الصالة إلى اآلب ،كشف لهم عما يجب أن تكون
صالتهم وصالتنا ،عندما يكون قد رجع ،في بشريته الممجدة ،إلى قرب اآلب ،ما هو جديد اآلن
أن "نسأل باسمه" .اإليمان به يُدخل التالميذ في معرفة اآلب ،ألن يسوع هو "الطريق والحق
َ
والمكوث معه والحياة" (يو .)6 :23واإليمان يؤتي ث َمره في المحبة أي حفظ كالمه ووصاياه،
في اآلب الذي يحبنا فيه حتى اإلقامة فينا .وفي هذا العهد الجديد يرتكز يقيننا أننا سنستجاب على
أساس صالة يسوع.
-2212وأكثر من ذلك ،إن ما يُعطيناه اآلب عندما تكون صالتنا متحدة بصالة يسوع هو
"المعزي اآلخر ،ليقيم معكم إلى األبد ،رو ُح الحق" (يو .)27-26 :23وهذه الجدة في الصالة
وشروطِ ها تظهر من خالل خطاب الوداع .في الروح القدس تكون الصالة المسيحية مشارك َة
محبة مع اآلب ،ليس فقط بالمسيح وإنما أيضا فيه" :حتى اآلن لم تطلبوا باسمي شيئا ،اطلبوا
فتنالوا ،لكي يكون فرحكم كامال" (يو .)13 :26
بإيجاز
-2222في العهد الجديد ،المِثال الكامل للصالة هي في صالة يسوع البنوية .وصالة يسوع التي
يؤديها مرارا في الخلوة ،سرا ،تقتضي مطابقة مُحبة لمشيئة اآلب حتى الصليب ،وثقة مطلقة
باالستجابة لها.
-2221يُل ِّقن يسوع تالميذه في تعليمه أن يصلوا بقلب نقي ،وإيمان حي مثابر ،وجرأة بنوية .وهو
يدعوهم إلى السهر ،وإلى أن يقدموا هلل طلباتهم باسمه .ويسوع يستجيب هو نفسُه الصلوات التي
توجه إليه.
-2222صالة العذراء مريم في "ليكن لي بحسب قولك" ،وفي "تعظيمها" ،تتميز بتقدمة سخية
لكيانها كله في اإليمان.
المقال الثالث
في زمان الكنيسة
-2222في يوم العنصرة أُفيض روح الوعد على التالميذ الذين "كانوا كلهم في مكان واحد" (أع
" ،)23 :2ينتظرونه بقلب واحد مواظبين على الصالة" (أع .)23 :2والروح الذي يُعلم الكنيسة
ويذكرها بكل ما قال يسوع ،سيُنش ُئها أيضا على حياة الصالة.
-2221في جماعة أورشليم األولى ،كان المؤمنون "مواظبين على تعليم الرسل ،والشركة
األخوية ،وكسر ال ُخبز والصلوات" (أع .)31 :1هذا المقطع هو نموذجي بالنسبة إلى صالة
الكنيسة :فهي مؤسسة على إيمان الرسل ،ومؤصلة في المحبة ،وغذاؤها في االفخارستيا.
-2222هذه الصلوات هي أوال تلك التي يسمعها ويقرأها المؤمنون في الكتب ،ولكنهم يجعلونها،
وال سيما المزامير ،آنية بالنسبة إليهم ،انطالقا من تحققها في المسيح .والروح القدس ،الذي يُذكر
هكذا بالمسيح كنيسته المُصلية ،يقودها أيضا إلى الحقيقة كلها ،ويو ِجد صِ َيغا أخرى ُتعبر عن السر
الذي ال يُستقصى ،سرِّ المسيح العامل في الحياة وفي األسرار وفي رسالة الكنيسة .وستنمو هذه
61
الصيغ في التقاليد الليترجية والروحية الكبرى .إلن أنماط الصالة ،كما تكشف عنها الكتب
الرسولية القانونية ،ستبقى معيارا للصالة المسيحية.
.ً1المباركة والعبادة
-2222المباركة ُتعبر عن الحركة العميقة للصالة المسيحية :أنها لقاء بين هللا واإلنسان .فيها
يتنادى ويتحد عطاء هللا وقبو ُل اإلنسان .وصالة المباركة هي جواب اإلنسان عن عطايا هللا :فألن
هللا يبارك ،يقدر قلبُ اإلنسان أن يرد بمباركة من هو أص ُل كل بركة.
ُ -2222تعبر عن هذه الحركة صيغتان أساسيتان :فحينا ترتفع يحملها المسي ُح في الروح القدس
نحو اآلب (فنباركه ألنه يباركنا) ،وحينا ُ تلتمس نعمة الروح القدس الذي بالمسيح ينزل من عند
اآلب (فهو الذي يباركنا).
-2222العبادة هي الموقف األول لإلنسان المعترف بأنه خليقة أمام خالقه .إنها تشيد بعظمة
الرب الذي صنعنا ،وبقدرة المخلص الذي يحررنا من الشر .إنها سجو ُد الروح أمام "ملك المجد"
وصمت االحترام أمام هللا "األعظم على الدوام" .إن عبادة هللا المثلث التقديس ،والمحبوب فوقُ
كل شيءُ ،تخزينا بالتواضع ،وترسخ ابتهاالتنا.
.ً2صالة الطلب
ب ،وطالب ،ونادى بإلحاح، -2222مفردات االبتهال غنية بالتفاصيل الدقيقة في العهد الجديد :طلَ َ
ودعا ،وصرخ ،وهتف ،بل "جاهد في الصالة" .ولكن صيغتها العادية أكثر ،ألنها األكثر تلقائية،
هي الطلب .فبصالة الطلب ،نعبر عن وعينا عالق َتنا باهلل :فبكوننا خالئق لسنا أص َل أنفسنا ،وال
عرض عن أسيا َد الشدائد ،وال غا َيتنا القصوى ،ولكن أيضا بكوننا خطأة نعلن ،كمسيحيين ،أننا ُن ِ
أبينا .والطلب يعني أننا قد عُدنا إليه.
-2222ال يحتوي العهد الجديد صلوات النحيب التي تتردد كثيرا في الهد القديم .فمنذ اآلن فصاعدا طلب
الكنيسة ،في المسيح القائم ،يحمله الرجاء ،وإن كنا ما زلنا في ترقب ،وكان علينا أن نتوب كل يوم .ان الطلب
المسيحي ينبع من عمق آخر ،من الذي يسميه القديس بولس األنين :أنين الخليقة "التي تتمخض" (رو ،)11 :2
وأنيننا نحن أيضا "في انتظار افتداء جسدنا ،ألنا بالرجاء ُخلصنا" (رو ،)13-13 :2وأخيرا أنات الروح القدس
نفسه التي فوق الوصف ،ذلك الروح الذي "يعض ُد ضعفنا ألنا ال نعرف كيف نصلي كما ينبغي" (رو .)16 :2
-2221إن طلب المغفرة هو أول حركات صالة الطلب (راجع العشار" :ارحمني أنا الخاطئ"،
(لو .)23 :22إنها التمهيد للصالة المستقيمة والنقية .فالتواضع الواثق يجعلنا من جديد في نور
المشاركة مع اآلب وابنه يسوع المسيح ،وبعضنا مع بعض .وعندئذ "مهما سألنا فإننا نناله منه"
( 2يو .)11 :3طلب المغفرة هو التمهيد للي ُترجيا االفخارستية كما للصالة الشخصية.
-2222الطلب المسيحي مرتكز على الرغبة في الملكوت اآلتي والسعي إليه ،بحسب تعليم
يسوع .فهناك تراتبية في الطلب :أوال الملكوت ،وبعده ما هو ضروري لقبوله وللمساهمة في
رسالة الكنيسة ،هيُ ُ
المساهمة في رسالة المسيح والروح القدس ،التي هي اآلن مجيئه .وهذه
موضوع صالة الجماعة الرسولية .إنها صالة بولس الرسول بامتياز ،الذي أعلن لنا كيف أنه من
الواجب أن يُنعش الصالة المسيحية االعتنا ُء اإللهي بك ِّل الكنائس .بالصالة يعمل كل معمد على
مجيء الملكوت.
-2222عندما يشارك اإلنسان هكذا في محبة هللا المُخلصة ،يدرك أن كل حاجة يمكن ان تكون
موضوع طلب .والمسيح الذي أخذ كل شيء على عاتقه ،لكي يفتدي كل شيء يُمجَّ د بالطلبات التي
نقدمها لآلب باسمه .ففي هذا االطمئنان يحرضنا يعقوب وبولس على الصالة في كل ّ
62
ظرف.
.ً2صالة الشفاعة
-2221الشفاعة صالة طلب تجعلنا شديدي المطابقة لصالة يسوع .إنه هو الشفيع الوحيد عن
اآلب في كل البشر ،وخصوصا الخطأة" .إنه قادر أن يخلص تماما الذين به يتقربون إلى هللا ،إذ
أنه على الدوام حي ليشفع فيهم" (عب .)15 :7والروح القدس نفسه "يشفع فينا ألنه بحسب هللا
يشفع في القديسين" (رو .)17-16 :2
-2222الشفاعة ،أي الطلب ألجل آخر ،هي منذ إبراهيم ،من خاصة قلب مطابق لرحمة هللا .في
زمن الكنيسة تشارك الشفاعة المسيحية في شفاعة المسيح :إنها التعبير عن شركة القديسين .وفي
الشفاعة ،من يصلي "ال يسعى إلى ما هو لنفسه بل بالحري إلى ما هو لغيره" (في ،)3 :1حتى
إنه يصلي ألجل من يصيبونه بشر.
-2222عاشت الجماعات المسيحية األولى بقوة هذه الصيغة من صيغ المشاركة .وهكذا يجعلها
القديس بولس تشاركه ،في خدمة اإلنجيل ،ولكنه يشفع فيها أيضا .وشفاعة المسيحيين ال تعرف
حدودا "ألجل جميع الناس ،وجميع الذين في منصب" ( ،)2 :1 2وألجل المضطهدين ،وألجل
خالص من يرفضون اإلنجيل.
.ً1صالة الشكر
-2222الشكر يميز صالة الكنيسة التي بإقامتها االفخارستيا ُتظهر وتصير أكثر ماهيتها .ففي
عمل الخالص يحرر المسيح الخليقة من الخطيئة والموت ليعيد تكريسها ،وإرجاعها إلى اآلب،
ألجل مجده .وشك ُر أعضاء الجسد يشارك في شكر الرأس.
-2222يمكن أن يصير كل َحدَث وكل احتياج ،كما في صالة الطلب ،تقدمة شكر .ورسائل
ئ وتنتهي مرارا بالشكر ،والرب يسوع حاضر فيها دائما" .أشكروا على كل القديس بولس تبتد ُ
شيء ،فذلك ما يشاء هللا منكم في المسيح يسوع" ( 2تس " .)22 :5واظبوا على الصالة ،إسهروا
فيها بالشكر" (كو .)1 :3
.ً2صالة المسيح
-2222صالة المسيح هي نمط الصالة الذي يعبر بالطريقة األكثر مباشرة عن أنَّ هللا هو هللا.
إنها تتغنى به ألجل ذاته ،وتمجده ،إلى ما هو أبعد من أفعاله ،أنه كائن .وهي تشارك في طوبى
القلوب النقية التي تحبه في اإليمان قبل ان تعاينه في المجد .بها ينضم الروح إلى روحنا ليشهد
بأننا أوالد هللا ،ويشهد لإلبن الوحيد الذي به حصل تبنينا ،والذي به نمجد اآلب .والتسبيح يجمع
في ذاته صيغ الصالة األخرى ،ويحملها إلى من هو بدايتها وخاتمتها" :اإلله الواحد ،اآلب ،الذي
منه كل شيء ،ونحن إليه" (2كو .)6 :2
-2212يذكر القديس لوقا مرارا في إنجيله التعجب والتسبيح إزاء عجائب المسيح ،ويُبرزهما كذلك بالنسبة إلى
أفعال الروح القدس التي هي أعمال الرسل" جماعة أورشليم ،والمُقعد الذي شفاه بطرس ويوحنا ،والجمهور
الذي يمجد هللا لذلك ،ووثنيو بيسيذية الذين "فرحوا ومجدوا كلمة الرب" (أع .)32 :23
" -2211تحاوروا في ما بينكم بمزامير وتسابيح وأنشايد روحية .رنموا وأشيدوا للرب بكل
قلوبكم" (أف .)21 :5ومِث َل الكتاب الملهمين ،تعيد الجماعات المسيحية األولى قراءة كتاب
المزامير ،متغنية فيه بسر المسيح .وهي أيضا ،في جدة الروح ،تؤلف أناشيد وتسابيح انطالقا من
63
الحدث الغريب الذي اتمه هللا في ابنه :تجسده ،موتِه المنتصر على الموت ،قيامته وصعوده إلى
يمينه .فمن "عجائب" كل تدبير الخالص هذه ترتفع المجدلة وتسبيح هللا.
-2212الكشف "عما سيكون عن قريب" أو الرؤيا ،تحمله تسابيح الليترجيا السماوية ،ولكن كذلك
شفاعة "الشهود" (الشهداء) .إن األنبياء والقديسين ،جميع الذين ُذبحوا على األرض ليشهدوا
ليسوع ،والجمع الكثير من الذين جاؤوا من المحنة الكبرى ،قد سبقونا إلى الملكوت وهم يتغنون
بتسبحة مج ِد َمن يجلس على عرش الح َمل .وباالشتراك معهم تتغنى كنيسة األرض أيضا بهذه
التسابيح في اإليمان والمحنة .واإليمان في الطلب والشفاعة ،يرجو على خالف كل رجاء ،ويشكر
" أبا األنوار ،الذي من لدنه تهبط كل عطية صالحة" .اإليمان هو هكذا تسبيح محض.
-2212تحوي االفخارستيا كل صيغ الصالة وتعبر عنها .إنها "التقدمة الزكية" لكل جسد المسيح
"لمجد اسمه" .إنها ،بحسب تقليدي الشرق والغرب "ذبيحة التسبيح".
بإيجاز
-2211ان الروح القدس الذي يعلم الكنيسة ويذكرها بكل ما قاله يسوع يربيها أيضاٌ على حياة
الصالة ،بإيجاد تعابير تتجدد ضمن أنماط باقية :المباركة ،والطلب ،والشفاعة ،والشكر ،والتسبيح.
-2212إذا كان قلب اإلنسان يستطيع أن يرد بمباركة من هو ينبوع كل بركة ،فألن هللا قد باركه.
-2212صالة الطلب موضوعها المغفرة ،والسعي إلى الملكوت ،وكل احتياج حقيقي.
-2212صالة الشفاعة هي طلب ألجل آخر ،وهي ليس لها حدود وتمتد إلى األعداء.
-2212كل فرح وكل مشقة ،وكل حدث وكل احتياج يمكن أن يكونوا موضوع الشكر الذي،
باالشتراك مع شكر المسيح ،يجب أن يمأل الحياة كلها" :أشكروا على كل شيء" ( 2تس .)28 :5
-2212صالة التسبيح ،المنزهة عن المصلحة ،تتوجه نحو هللا .فتتغنى به ،وألجله ،وتمجده إلى
ما هو أبعد من أفعاله ،ألجل ذاته.
الفصل الثاني
تقليد الصالة
-2222ال تقتصر الصالة على أن تكون تفجرا تلقائيا لدافع داخلي :ال بد أن نريد الصالة لكي
نصلي .وال يكفي كذلك أن نعلم ما يكشفه الكتاب عن الصالة ،يجب أيضا أن نتعلم الصالة .وفي
الواقع إن الروح القدسِ ،ب َنقل حي (التقليد المقدس) ،في الكنيسة المؤمنة والمصلية يعلم أوالد هللا
أن يصلوأ.
-2221تقليد الصالة المسيحية هو وجه من وجوه نمو تقليد اإليمان ،خصوصا بالتأمل والبحث
لدى المؤمنين الذي يحفظون في قلوبهم األحداث وكالم تدبير الخالص ،وبتعمقهم في الحقائق
الروحية التي يختبرونها.
المقال األول
ينابيع الصالة
64
-2222الروح القدس هو "الماء الحي" الذي ،في قلب من يصلي "يتفجر حياة أبدية" .وهو الذي
يعلمنا أن نتقبله من الينبوع نفسه أي المسيح .وهناك في الحياة المسيحية أماكن فيها ينابيع ينتظرنا
عندها المسيح ليُروينا من الروح القدس.
كالم هللا
-2222الكنيسة "تحرض تحريضا ملحاحا خصوصا جميع المسيحين على ان يُدركوا بالمواظبة
على قراءة الكتب اإللهية" ،معرفة يسوع المسيح السامية" (في .)2 :3ولكن يجب أن َيقرنوا
الصالة بقراءة الكتب المقدسة ،لينشأ حوار بين هللا والناس" ،فإلى هللا نتحدث عندما نصلي ،وإليه
نستمع عندما نقرأ آيات الوحي اإللهي".
-2221لقد علق اآلباء الروحيون على متى ،7 :7فلخصوا هكذا استعدادات القلب المغتذي بكالم
هللا في الصالة" :أطلبوا وأنتم تقرأون فتجدوا وأنتم تتأملون .إقرعوا وأنتم تصلون فيُفتح لكم
بالتأمل".
"اليوم"
65
-2222نتعلم الصالة أحيانا باالستماع لكالم الرب ،وباالشتراك في سره الفصحي .ولكن روحه
يُعطى لنا لِي ُِنب َع فينا الصالة ،في كل وقت ،وفي أحداث كل ّ يوم .وتعليم يسوع عن الصالة إلى أبينا
هو في ذات سياق تعليمه عن العناية اإللهية .الزمان هو بين يدَي اآلب .ونحن نلتقيه في الحاضر،
ال البارحة ،وال غدا وإنما اليوم" :اليوم إذا سمعتم صوته فال ُت َقسوا قلوبكم"( .مز .)2 :15
-2222الصالة وسط أحداث كل يوم ،وكل لحظة ،هي واحد من أسرار الملكوت المعلنة
"للصغار" ،لخدام المسيح ،لمساكين التطويبات .من القويم والصالح أن نصلي لكي يؤثر في
مجرى التاريخ مجيء ملكوت العدالة والسالم .ولكن من المهم أيضا أن نعجن بالصالة عجينة
األحوال اليومية الوضيعة .ويمكن أن تكون جميع صِ َيغ الصالة تلك الخميرة التي يشبه بها الرب
الملكوت.
بإيجاز
-2221إن الروح القدس يعلم أبناء هللا الصالة في الكنيسة بنقل حي هو التقليد.
-2222كالم هللا ،وليترجيا الكنيسة ،وفضائل اإليمان والرجاء والمحبة هي ينابيع الصالة.
المقال الثاني
طريق الصالة
-2222كل كنيسة ،في تقليد الصالة الحي ،تعرض على مؤمنيها ،بحسب القرينة التاريخية
واالجتماعية والثقافية ،لغة صالتهم :من كالم ،وأنغام ،وحركات وأيقونات .ويعود إلى السلطة
التعليمية أن تميز األمانة ،في طريق الصالة هذه ،لتقليد اإليمان الرسولي ،ويعود إلى الرعاة
ومعلمي الدين شرح معانيها المرتبطة دائما بالمسيح.
"إذا لم يكن من الواجب أن يُع َبد الروح ،فكيف يؤلهنا بالمعمودية؟ وإذا كان من الواجب أن يُعبد ،أفليس من
الواجب أن يكون موضوع عبادة خاصة؟".
-2221الصيغة التقليدية لطلب الروح هي الدعاء إلى اآلب بالمسيح ربنا لكي يعطينا الروح
المعزي .وقد ألح يسوع على هذا الطلب باسمه في الوقت ذاته الذي وعد فيه بإعطاء روح الحق.
ولكن الصالة األبسط والمباشرة باألكثر هي أيضا تقليدية: :هلم ،أيها الروح القدس" ،وكل تقليد
ليترجي طورها في ترانيم وأناشيد:
"هلم أيها الروح القدس ،وامأل قلوب المؤمنين بك ،وأشعل فيهم نار محبتك".
"ايها الملك السماوي الروح المعزي ،روح الحق ،الحاضر في كل مكان والمالئ الكل ،كنز الصالحات وواهب
الحياة ،هلم واسكن فينا ،وطهرنا من كل دنس ،وخلص ،أيها الصالح نفوسنا".
-2222اإن الروح القدس الذي ُتضمخ مسح ُته كل كياننا هو المعلم الداخلي للصالة المسيحية .إنه
صانع تقليد الصالة الحي .أجل،هناك مسيرات للصالة بعدد المصلين ،ولكن الروح عينه هو
الفاعل في الجميع ومع الجميع .وبالمشاركة مع الروح القدس تصير الصالة المسيحية صالة في
الكنيسة.
في مشاركة والدة االله القديسة
-2222إن الروح القدس يجعلنا في الصالة متحدين بشخص االبن الوحيد في بشريته الممجدة.
فيه وفيه تشترك صالتنا البنوية في الكنيسة مع والدة يسوع.
-2221منذ الرضى الذي أظهرته مريم باإليمان ،في يوم البشارة ،والذي احتفظت به على ثباته
ُ
شوطهم بعد ،وإنما يعانون قرب الصليب ،تمتد أمومتها إلى إخوة ابنها وأخواته "الذين لم َينت ِه
وطأة المشاق والمحن" .إن يسوع ،الوسيط الوحيد ،هو طريق صالتنا .ومريم ،أمه وأمنا ،هي
67
شفافة أمامه :إنها "تدل على الطريق" (الهادية أو المرشدة) ،إنها "آيته" ،بحسب رسم االيقونات
التقليدي في الشرق والغرب.
-2222فباالنطالق من مساهمة مريم هذه الفريدة في عمل الروح القدس طورت الكنائس الصالة
إلى والدة اإلله القديسة ،بتركيزها على شخص المسيح البادي في أسراره ،وتتعاقب عادة على
األناشيد والترانيم المُرددة الكثيرة ،التي تعبر عن هذه الصالة ،حركتان :إحداهما "تعظم" الرب
ألجل "العظائم" التي صنعها ألجل أمته المتواضعة ،وبها ألجل البشر جميعهم ،والثانية ُتودِع أ َّم
يسوع تضرعات أوالد هللا وتسابيحهم ،إذ أنها تعرف اآلن اإلنسانية التي تزوجها ابن هللا فيها.
-2222هذه الحركة المزدوجة في الصالة الى مريم وجدت تعبيرا عنها ممتازا في صالة "السالم
عليك يا مريم:
"السالم عليك (افرحي) يا مريم" .تحية المالك جبرائيل تفتح صالم "السالم".إنه هللا نفسه َمن
ي َُحيي مريم بلسان مالكه .وصالتنا تتجرأ على ترديد تحية مريم بالنظرة التي نظر بها هللا أمته
المتواضعة ،وعلى االبتهاج الذي يجده فيها.
"الممتلئة نعمة ،الرب معك" .هاتان العبارتان من السالم المالئكي توضح إحداهما األخرى.
فمريم هي ممتلئة نعمة ألن الرب معها .والنعمة التي مألها هي حضور من هو ينبوع كل نعمة.
"افرحي يا ابنة أورشليم في وسطك الرب إلهك" (صف 27 ،23 :3أ) ,إن مريم ،التي جاء الرب
عينه ليسكن فيها ،هي بذاتها ابنة صهيون ،تابوت العهد ،الموض ُع الذي يُقيم فيه مجد الرب" :إنها
مسكن هللا مع الناس" (رؤ .)3 :12إنها ،وهي الممتلئة نعمة ،موهوبة كلها لذاك الذي جاء ليسكن
فيها والذي ستعطيه للعالم.
مباركة أنت في النساء ،ومباركة ثمرة بطنك يسوع" .بعد تحية المالك ،نجعل من تحية
أليصابات تحيتنا" :إن اليصابات الممتلئة من الروح القدس" (لو )32 :2هي األولى في تعاقب
األجيال التي ُتعلنُ مريم ذات طوبى" :طوبى للتي آمنت" (لو ،)35 :2ومريم هي "المباركة في
النساء" ،ألنها آمنت بتحقق كالم الرب .إن إبراهيم قد صار بإيمانه بركة "لجميع أمم األرض"
(تك .)3 :21ومريم بإيمانها صارت أما للمؤمنين ،بها تتقبل جميع أمم األرض َمن هو بركة هللا
عي ُنها" :يسوع ،ثمرة بطنك المباركة".
" -2222يا قديسة مريم ،يا والدة هللا ،صلّي ألجلنا "...إننا نتعجب مع أليصابات" :من أين لي أن
تأتي أم ربي إلي؟" (لو .)33 :2وألن مريم تعطينا ابنها يسوع فهي والدة اإلله وأمنا ،وبإمكاننا
أن نو َد َعها كل همومنا وطلباتنا .فهي تصلي ألجلنا ما صلت ألجلها هي" :لي ُكن بحسب قولك" (لو
.)32: 2فاتكالنا على صلواتها نوكِل أنفسنا معها مشيئة هللا" :لتكن مشيئتك".
"صلّي ألجلنا نحن الخطأة ،اآلن وفي ساعة موتنا" .عندما نسأل مريم أن تصلي ألجلنا ،نعترف
بأننا خطأة مساكين ونتوجه إلى "أم الرحمة" ،الكاملة القداسة .نستودعها ذواتنا "اآلن" في
الحاضر من حياتنا .ويتسع مجال ثقتنا لنكل إليها منذ اآلن "ساعة موتنا" .لتكون حاضرة فيها كما
في موت ابنها على الصليب ،ولتقبلنا مثل أمنا في ساعة عبورنا لتقودَنا إلى ابنها يسوع في
الفردوس.
-2222لقد طورت تقوى الغرب في القرون الوسطى صالة الوردية ،كبديل شعبي لصالة
الساعات .وفي الشرق ،بقيت صيغة صالة االبتهالية في "األكاثستوس" و "الباركليسي" أقرب إلى
الفرض الجماعي ،في الكنائس البيزنطية .أما التقاليد األرمنية والقبطية والسريانية فقد فضلت
األناشيد والترانيم الشعبية لوالدة اإلله .ولكن في "السالم عليك يا مريم" والمقطوعات الخاصة
68
بوالدة اإلله (ثاوتوكيا) وأناشيد القديس أفرام أو القديس غريغوريوس النيركي ،تقليد صالة هو هو
في أساسه.
-2222مريم هي المُصلِّية الكاملة رم ُز الكنيسة .وعندما نصلي إليها ،نعتنق معها قصد اآلب
الذي يرسل ابنه ليخلص جميع البشر .وكالتلميذ الحبيب ،نقبل عندنا أم يسوع التي صارت أ َّم
جميع األحياء .فنستطيع أن نصلي معها وإليها .وصالة الكنيسة كأنها محمولة بصالة مريم .وهي
تتحد بها في الرجاء.
بإيجاز
-2222الصالة توجه بطريقة رئيسة إلى اآلب ،وهي كذلك تتجه نحو يسوع ،خصوصا بالدعاء
باسمه القدوس" :يا يسوع ،المسيح ،ابن هللا ،الرب ،ارحمنا نحن الخطأة".
" -2221ال أحد يستطيع أن يقول" :يسوع رب" إال بالروح ال ُقدس" ( 2كو .)1 :22والكنيسة
تدعونا إلى إلتماس الروح القدس كمعلم للصالة المسيحية في الداخل.
ُ -2222تحب الكنيسة أن تصلي باالشتراك مع العذراء مريم ،لمساهمتها الفريدة في عمل الروح
ت والتسابيح. القدس ،ل ِّ
ِتعظم معها "العظائم" التي صنعها فيها ،ولتودعها التضرعا ِ
المقال الثالث
أ ِدالّء لل ّ
صالة
سحابة شهود
-2222إن الشهود الذين سبقونا إلى الملكوت ،والسيما أولئك الذين تعترف بهم الكنيسة
"كقديسين" ،يساهمون في تقليد الصالة الحي ،بمثال حياتهم ،وبنقل كتاباتهم ،وبصلواتهم في يومنا
هذا .إنهم يُعاينون هللا ،ويسبحونه وال ينقطعون عن االهتمام ب َمن تركوهم على األرض .وهم عند
دخولهم في "فرح" معلمهم "قد أقيموا على الكثير" .وشفاعتهم هي أسمى خدمة لقصد هللا.
فنستطيع ال بل علينا أن نصلي إليهم لكي يشفعوا فينا وفي العالم كله.
-2221في شركة القديسين َنمت على مدى تاريخ الكنائس روحان ّيات متنوعة .وقد أمكن نقل
الموهبة الشخصية لدى أحد شهود محبة هللا للبشر ،من مثل "روح" إيليا إلى أليشع ،وإلى يوحنا
المعمدان ،لكي يكون لتالميذ لهم نصيب في هذا الروح .والروحانية كذلك تقوم على ملتقى تيارات
أخرى ،ليترجية والهوتية ،وتشهد باندماج اإليمان في ثقافة محيط بشري وتاريخه .والروحانيات
المسيحية تساهم في تقليد الصالة الحي ،وهي بمثابة أدالء ال يُستغنى عنهم للمؤمنين .وهي
تعكس ،في غنى تنوعها ،نور الروح القدس الصافي والوحيد.
"الروح هو حقا مكان القديسين ،والقديس هو للروح مكان خاص ،ألنه يقدم ذاته ليسكن مع هللا وهو يُدعى
هيكله".
خدّام الصالة
-2222االسرة المسيحية هي المكان األول للتربية على الصالة .وبكونها مؤسسة على سر
الزواج ،فهي "الكنيسة المنزلية" حيث يتعلم اوالد هللا الصالة "كنسيا" والمواظبة على الصالة.
والصالة العائلية اليومية هي ،بالنسبة إلى األوالد األحداث خصوصا ،الشاه ُد األول على ذاكرة
الكنيسة الحية التي يوقظها الروح القدس بصبر.
69
-2222الخدّام الذين نالوا الرسامة هم أيضا مسؤولون عن تنشئة إخوتهم وأخواتهم في المسيح
على الصالة .وبما أنهم خدام الراعي الصالح ،فهم مرسومون لكي يدلوا شعب هللا على ينابيع
الصالة الحية :كالم هللا ،والليترجيا ،والحياة الالهوتية ،وآني ِة هللا في األوضاع الواقعية.
-2222لقد كرس كثيرون من الرهبان حياتهم كلها للصالة .فمنذ صحراء مصر ،وقف نساك
ومتوحدون ومتوحدات وقتهم على تسبيح هللا والشفاعة لشعبه .والحياة المكرسة ال تبقى وال تنتشر
دون الصالة ،فهذه هي أحد الينابيع الحية للتأمل وللحياة الروحية في الكنيسة.
ّيني لالوالد واألحداث والراشدين يهدف إلى جعل كالم هللا موضوع تأمل -2222إنّ التعليم الد ّ
في الصالة الشخصية ،وآنيا في الصالة الليترجية ،وداخليا في كل وقت ليحمل ثمره في حياة
جديدة .والتعليم الديني هو أيضا األوان الذي يُمكن فيه تمييز التقوى الشعبية وترتيبها .واستظهار
الصلوات األساسية يكون دعامة ال غنى عنها لحياة الصالة ،ولكن من المهم أن نجعل اإلنسان
يتذوق معناها.
-2222جماعات الصالة بل "مدارس الصالة" هي اليوم واحدة من الدالالت على تجدد الصالة
في الكنيسة ،وأحد المنشطات له ،إذا ما ارتوت من الينابيع الصحيحة للصالة المسيحية .والعناية
بالمشاركة هي داللة على صالة الكنيسة الحقيقية.
-2222يولي الروح القدس بعض المؤمنين مواهب حكمة وإيمان وتمييز في سبيل هذا الخير
العام ،الذي هو الصالة (اإلرشاد الروحي) .والرجال والنساء الذين كانت لهم تلك المواهب خدام
حقيقيون لتقليد الصالة الحي:
لذلك ،على النفس التي تريد التقدم في الكمال ،بحسب مشورة القديس يوحنا الصليب" ،أن تتبصر
جيدا في أية أيد تضع نفسها ،ألنه كما يكون المعلم يكون التلميذ ،وكما يكون األب يكون األبن".
أيضا" ،على المرشد أن يكون ال عالما وفطينا فحسب ،وإنما صاحب خبرة كذلك .وإذا أَعوزت
الدلي َل الروحي خبرةُ الحياة الروحية ،فهو عاجز عن أن يوصل إليها تلك النفوس التي يدعوها
هللا ،بل هو يعجز عن فهمها".
بإيجاز
70
-2222الكنيسة المترحلة على األرض تشترك في صالتها مع كنيسة القديسين الذين تلتمس
شفاعتهم.
-2222تساهم الروحانيات المسيحية المختلفة في تقليد الصالة الحي ،وهي بمثابة أدِالء ممتازين
على الحياة الروحية.
-2221األسرة المسيحية هي المكان األول للتربية على الصالة.
-2222الخدام المرسومون ،والحياة المكرسة ،والتعليم الديني ،وجماعات الصالة ،و "اإلرشاد
الروحي" تؤمن في الكنيسة عونا على الصالة.
-2222األماكن األكثر صالحا للصالة هي المعبد الشخصي والعائلي ،واألديار ،ومعابد الحج،
وخصوصا الكنيسة التي هي المكان الخاص بالصالة الليترجية لجماعة الرعية ،والمكان المتميز
للعبادة االفخارستية.
الفصل الثالث
حياة الصالة
-2222الصالة هي حياة القلب الجديد .وال بد من أن ُتنعشنا في كل لحظة .وفي الواقع نحن ننسى
َمن هو حيا ُتنا وكل شيء لنا ،لذلك يُلح اآلباء الروحيون ،في سياق تثنية االشتراع واالنبياء ،في
الصالة "كذكر هلل" ،وإيقاظ متكرر "لذاكرة القلب"" :يجب أن نتذكر هللا تكرارا أكثر مما نتنفس".
ولكن ال يستطيع اإلنسان أن يصلي "في كل وقت" ،إن لم يص ِّل في بعض األحيان ،بإرادته" إنها
أوقات الصالة المسيحية القوية بشدتها ومدتها.
-2222يعرض التقليد الكنسي على المؤمنين إيقاعات صالة مُع َّدة لتغذية الصالة المتواصلة.
بعضها يومي :صالة الصبح والمساء ،والتي قبل تناول الطعام وبعده ،وليترجيا الساعات .ويو ُم
األحد المرتكز على االفخارستيا ،تقدسه خصوصا الصالة .ثم إن دورة السنة الليترجية وأعيادها
الكبيرة هي إيقاعات أساسية في حياة الصالة المسيحية.
-2222يقود الرب كل إنسان في السبل وبالطريقة التي ترضيه .وكل مؤمن يُجيبه أيضا بحسب
عزم قلبه وتعابير صالته الشخصية .ومع ذلك فقد حفظ التقليد المسيحي ثالثة تعابير كبرى عن
حياة الصالة :الصالة الشفوية ،والتأمل ،والصالة العقلية .وبينها رابط أساسي مشترك هو خشوع
القلب .وهذا التيقظ للحفاظ على كالم هللا والمكوث في حضرته يجعل من هذه التعابير أوقاتا مكثفة
لحياة الصالة.
المقال األول
تعابير الصالة
.ً1الصالة الشفوية
-2222يخاطب هللا اإلنسان بكالمه .وبالكالم الذهني أو الصوتي تتخذ صالتنا كينونة لها .ولكن
األهم هو حضور القلب لذلك الذي نكلمه بالصالة" .االستجابة لصالتنا تتعلق ال بكمية الكالم وإنما
بحرارة نفوسنا".
71
-2221الصالة الشفوية هي مُعطى ال بد منه للحياة المسيحية .إن التالميذ الذين اجتذبتهم صالة
معلمهم الصامتة قد لقنهم هو صالة شفوية هي "األبانا" .ويسوع لم يص ِّل الصلوات الليترجية في
المجمع فحسب ،وإنما نراه في األناجيل يرفع صوته ليعبر عن صالته الشخصية ،من مباركة
اآلب بابتهاج ،إلى ضيقة الجسمانية.
-2222إن الحاجة إلى إشراك الحواس في الصالة الداخلية تتوافق وما تقتضيه طبيعتنا البشرية.
فنحن جسد وروح ،ونشعر بالحاجة إلى التعبير عن عوطفنا تعبيرا خارجيا .ويجب أن نصلي بكل
كياننا لندعم ابتهالنا بكل القوة الممكنة.
-2222هذه الحاجة تتوافق أيضا وما يقتضيه هللا .فاهلل يطلب عبادا بالروح والحق ،وبالتالي
صالة ترتفع حية من أعماق النفس .وهو يريد أيضا التعبير الخارجي الذي يُشرك الجسد في
الصالة الداخلية ،ألنه يحمل إليه ذلك اإلكرام الكامل من كل ما له حق فيه.
-2221بما أن الصالة الشفوية خارجية ومتجذرة في الطبيعة البشرية ،فهي صالة الجماهير
بامتياز .ولكن حتى الصالة األكثر عمقا في النفس ال تستطيع إهمال الصالة الشفوية .وتصبح
الصالة داخلية بمقدار وعينا لذاك "الذي نخاطبه" .وعندئذ تصبح الصالة الشفوية صيغة أولى
للصالة التأملية.
.ً2التأ ّمل
-2222التأمل هو على الخصوص سعي .فيسعى الذهن إلى إدراك الحياة المسيحية :لماذا هي،
وكيف هي ،حتى يعتنق ما يطلبه الرب ويستجيب له .ويجب لذلك انتباه ليس من السهل ضبطه.
ويستعين اإلنسان عادة بكتاب ،والكتب متوفرة للمسيحيين :من الكتب المقدسة ،إلى اإلنجيل بنوع
خاص ،إلى أإليقونات المقدسة ،والنصوص الليتورجية اليومية أو الموسمية ،وكتابات اآلباء
الروحيين ،والمؤلفات الروحية ،وكتاب الخلق الكبير والتاريخ ،وصفحة "حاضر" هللا.
-2222التأمل في ما نقرأ يقود إلى تملكه بمقابلته مع الذات .وهنا كتاب آخر مفتوح ،إنه كتاب
الحياة .فنعبر من الفكر إلى الواقع .فنكتشف فيه بمقياس التواضع واإليمان والحركات التي تختلج
من القلب ونستطيع تمييزها .والمقصود أن نعمل الحقيقة لنبلغ النور" :يا رب ،ماذا تريد أن
أفعل؟".
-2222طرائق التأمل متنوعة بعدد المعلمين الروحيين .ومن واجب المسيحي أن يريد التأمل
بانتظام ،وإال فهو يُشبه أنواع األرض الثالثة األولى في مثل الزارع .ولكن الطريقة ليست سوى
دليل .المهم هو التقدم ،مع الروح القدس ،على طريق الصالة الوحيد ،يسوع المسيح.
-2222التأمل يحرك الفكر والمخيلة واالنفعال والرغبة .وهذا التجييش ضروري لتعميق اليقين
اإليماني ،وبعث توبة القلب ودعم إرادة اقتفاء المسيح .والصالة المسيحية تؤثر العكوف على تامل
"أسرار المسيح" ،كما في "القراءة اإللهية" أو الوردية .وهذه الصيغة من التفكير المُصلي هي
ذات قيمة كبيرة ،ولكن على الصالة المسيحية أن تقصد ما هو أبعد ،أي المعرفة المُحبة للرب
يسوع واالتحاد به.
72
الصالة العقلية تسعى إلى "ذاك الذي يُحبه قلبي" (نش .)7: 2إنه يسوع ،وفيه اآلب .نسعى إليه
ألن الرغبة فيه هي دائما بدء المحبة ،والسعي يكون في اإليمان المحض ،الذي يجعلنا نولد منه
ونعيش فيه .وباإلمكان التأم ُل أيضا في الصالة العقلية ،إال أن النظر يحدق إلى الرب.
-2212يتعلق اختيار وقت الصالة العقل ّية وم ّدتِها بإرادة محددة ،تكشف أسرار القلب .ال يقوم
اإلنسان بهذه الصالة عندما يتوفر له الوقت ،وإنما يتخذ اإلنسان الوقت ليكون للرب ،مع التصميم
الثابت على عدم استرجاعه في خالل المسيرة ،مهما كانت الم َِحن ويبوسة اللقاء .ال يستطيع
اإلنسان أن يتأمل دائما ،ولكنه يستطيع أن يصلي دائما صالة عقلية ،بمعزل عن أوضاع الصحة،
والعمل والنوازع النفسية .فالقلب هو مكان السعي واللقاء ،في الفقر وفي اإليمان.
-2211الدخول في الصالة العقل ّية يشبه الدخول في الليترجيا االفخارستية" :تجميع" القلب،
وحشد كل كياننا في الخضوع للروح القدس ،واإلقامة في مسكن الرب الذي هو نحن ،وإيقاظ َ
اإليمان للدخول في حضرة ذاك الذي ينتظرنا ،وإسقاط أقنعتنا ،وإعادة قلبنا إلى الرب الذي يُحبنا
لنسلم له ذاتنا كتقدمة ليُنقيها ويُغيرها.
-2212الصالة العقلية هي صالة ابن هللا ،والخاطئ الذي حصل على المغفرة ووافق على قبول
المحبة التي أُحبَّ بها ،وأراد أن يُجيب عنها بأن يُحب أكثر أيضا .ولكنه يعلم أن حبه بالمقابل هو
الذي يُضيفه الروح القدس في قلبه ،ألن كل شيء نعمة من لدن هللا .الصالة العقلية هي التسليم
المتواض ُع والمسكين إلرادة اآلب ال ُمحِبة ،باتحاد يزداد عمقا بابنه الحبيب.
التعبير األبسط عن سر الصالة .إنها موهبة ونعمة ،وال َ -2212وهكذا تكون الصالة العقلية
يمكن قبولها إال في التواضع والفقر .الصالة العقلية عالقة عهد بقيمه هللا في أعماق كياننا .إنها
مشاركة ،فيها يُطابق الثالوث األقدس اإلنسان ،صورة هللا" ،على مثاله".
-2211والصالة العقلية هي أيضا زمن الصالة المك ّثف بامتياز .وفيها اآلب يؤيدنا بقوة روحه
في اإلنسان الباطن ،ليح َّل المسيح باإليمان في قلوبنا حتى نتأصل في المحبة ونتأسس عليها.
-2212المشاهدة نظرة إيمان ،إلى يسوع" .أنظر إليه وينظر إلي" ،هذا ما كان يقوله في زمن
خوريه القديس فالح أرس المصلي أمام بيت القربان .وهذا االنتباه إليه هو تخ ِّل عن "األنا".
نظرته تنقي القلب .ونور نظرة يسوع يضيء عيون قلبنا ،ويعلمنا أن نرى كل شيء في نور
حقيقته وإشفاقه على جميع الناس .والمشاهدة ُتحدق أيضا إلى أسرار حياة يسوع ،فتعلم هكذا
"المعرفة الداخلية للرب" لنزداد حبا واقتفاء له.
-2212الصالة العقلية هي إصغاء إلى كالم هللا .وليس هذا االصغاء سلبيا ،إنما هو طاعة
اإليمان ،وقبول العبد الغير المشروط ،والتصاق االبن المحب .إنه يشارك في "نعم" االبن الذي
صار عبدا ،وفي "ليكن لي" التي قالتها األ َمة المتواضعة.
-2212والصالة العقلية هي صمت ،هذا "الرمز للعالم اآلتي" أو هي "محبة صامتة" .والكالم في
الصالة العقلية ليس خطابا وإنما ُغصينات تغذي نار المحبة .ففي هذا الصمت ،الذي ال يطيقه
اإلنسان "الخارجي" ،يقول لنا اآلب كلم َته المتجسد في آالمه وموته وقيامته ،ويجعلنا الرو ُح
البنوي نشارك في صالة يسوع.
-2212الصالة العقلية هي اتحاد بصالة المسيح بمقدار ما تجعلنا نشترك في سره .وسر المسيح
تحتفل به الكنيسة في االفخارستيا ،والروح القدس يُحييه في الصالة العقلية حتى تظهره المحبة
الفاعلة.
-2212الصالة العقلية هي شراكة محبة تحمل الحياة للكثيرين ،بمقدار ما هي موافقة على البقاء
في ليل اإليمان .فلي ُل القيامة الفصحية َيمر بليل النزاع والقبر .فهذه األوقات الثالثة المكثفة في
73
ساعة يسوع هي التي يُحييها روحه (وليس الجسد الذي هو ضعيف) في الصالة العقلية .ويجب
أن نوافق على "السهر ساعة معه".
بإيجاز
-2222تدعو الكنيسة المؤمنين إلى صالة منتظمة :صلوات يومية ،ليترجيا الساعات،
االفخارستيا في اآلحاد ،وأعياد السنة الليترجية.
-2221التقليد المسيحي يحوي ثالثة تعابير كبرى عن حياة الصالة :الصالة الشفوية ،والتأمل،
والصالة العقلية .ويجمع بينهما خشوع القلب.
-2222الصالة الشفوية المؤسسة على اتحاد الجسد والروح في الطبيعة البشرية تجعل الجسد
يشترك في صالة القلب الداخلية ،على مثال المسيح الذي صلى إلى أبيه وعلم تالميذه "األبانا".
-2222التأمل سعي تصحبه الصالة يحرك الفكر والمخيلة واالنفعال والرغبة .وغايته التملك في
اإليمان لموضوع التفكير بالمقابلة مع واقع حياتنا.
-2221الصالة العقلية هي التعبير البسيط عن سر الصالة .إنها نظرة إيمان تحدق إلى يسوع،
وإصغاء إلى كالم هللا ،ومحبة صامتة .إنها تحقق االتحاد بصالة يسوع بمقدار ما تجعلنا نشترك
في سره.
المقال الثاني
جهاد الصالة
-2222الصالة موهبة من النعمة وجواب ثابت من ِق َبلِنا .إنها تفترض دائما َجهدا .وذلك ما يُعلمنا
إياه المصلون الكبار في العهد القديم قبل المسيح ،وكذلك أم هللا ،والقديسون" أن الصالة جهاد.
ضد من؟ ضد أنفسنا ،وحيل المجرب الذي يعمل كل ما في وسعه ليصرف االنسان عن الصالة،
واالتحاد بإلهه .يصلي اإلنسان كما يعيش ،ألنه يعيش كما يصلي .فإذا لم يُرد اإلنسان أن يعمل
عادة بحسب روح المسيح ،فلن يستطيع أن يصلي عادة باسمه" .الجهاد الروحي" في حياة
المسيحي الجديدة ال تنفصل عن جهاد الصالة.
74
الحقيقي) ،وفي ردة فعل على الفعالنية ُتبدى الصالة كهروب من العالم (والصالة المسيحية ليست
خروجا من التاريخ وال طالقا من الحياة).
-2222على جهادنا أخيرا أن يجابه ما نشعر به كأنه إخفاقات في الصالة :من فتور الهمة أمام ما
ينتابنا من يبوسة ،وحزن ألننا ال نعطي كل شيء للرب ،إذ لدينا "خيرات كثيرة" ،وخيبة لعدم
االستجابة لنا بحسب إرادتنا الخاصة ،وجرح كبريائنا التي تتأبى ُذل كونِنا خطأة ،وحساسية
بالنسبة إلى مجانية الصالة ،الخ .والنتيجة هي هي دائما :ما الفائدة من الصالة؟ وال بد ،للتغلب
على هذه العراقيل ،من المجاهدة للحصول على التواضع والثقة والثبات.
75
.ً2الثقة البنو ّية
-2221الثقة البنوية ُتم َت َحن –و ُتبرهن عن ذاتها -في الشدة .والصعوبة الكبرى هي في صالة
الطلب ألجل الذات أو ألجل اآلخرين في الشفاعة .وبعضهم يتوقف حتى عن الصالة ألنهم
يحسبون أن سُؤلهم لم يُستجب .وهنا يُطرح سؤاالن :لماذا نحسب أن سؤلنا لم يستجب" وكيف
ُتستجاب صالتنا وتكون "فاعلة" ؟.
ستجب؟
لماذا نشتكي من أننا لم ن َ
-2222هناك أمر يدعو أوال إلى العجب .عندما نسبح هللا أو نشكره ألجل إحساناته عموما ،ال
نقلق لمعرفة هل صالتنا مرضية لديه .وبإزاء ذلك نقتضي أن نرى نتيجة طلبنا .فما هي إذن
صورة هللا التي تحملنا على الصالة؟ وسيلة نستعملها أو أبو ربنا يسوع المسيح".
-2222هل نحن متيقنون "أننا ال نعرف كيف نصلي كما ينبغي" (رو )16 :2؟ هل نسأل هللا
"الخيرات الموافقة"؟ وأبونا يعلم جيدا بما نحتاج إليه ،قبل أن نسأله ،ولكنه ينتظر سؤالنا ألن
كرامة أوالده هي في حريتهم .ومن الواجب أن نصلي مع روحه ،روح الحرية لكي نستطيع أن
نعرف في الحقيقة رغبته.
" -2222ليس لكم شيء ألنكم ال تطلبون .تطلبون وال تنالون ألنكم تسيئون الطلب،إذ تبتغون
اإلنفاق في ملذاتكم" (يع .)3-1 :3فإذا سألنا بلقب مُقسم "فاجر" ،ال يستطيع هللا االستجابة لنا،
ألنه يريد خيرنا ،وحيا َتنا" .أو تظنون أن الكتاب يقول عبثا :إن هللا يُحب ،حتى الغيرةِ ،الرو َح
الذي أحله فيكم؟" (يع .)5: 3إلهنا "غيور" علينا ،وهذا هو الدليل على صدق محبته .لندخل في
رغبة روحه فيُستجاب لنا:
تتلق من هللا على الفور ما تسأله ،فهو يريد أن يزيدك خيرا بمواظبتك على البقاء معه في"ال تجزع إذا لم َّ
الصالة".
إنه يريد "أن ُتمتحن رغب ُتنا في الصالة .إنه يهيئنا لتقبل ما هو مستعد لمنحنا".
76
.ً1الثبات في المح ّبة
ُ
-2212صلوا بال انقطاع" ( 2تس " ،)27 :5في كل وقت وعلى ك ِّل حال أشكروا هللا اآلب ،باسم
ربنا يسوع المسيح" (أف .)11 :5صلوا في ك ِّل حين في الروح ك َّل دعاء .اسهروا لهذا في
مواظبة ال َتني ،وصلوا ألجل جميع القديسين" (أف " .)22 :6لم يُفرض علينا أن نعمل ونسهر
ونصوم دائما ،بينما أُلزمنا بشريعة الصالة بال انقطاع" .وهذا النشاط الذي ال يكل ال يمكن أن
يأتي إال من المحبة .وجهاد الصالة ضد ثِقلَنا و َكسلنا هو جهاد المح ّبة المتواضعة ،الواثقة،
المثابرة .وهذه المحبة تفتح قلوبنا على ثالث بينات مُنيرة ومحيية:
-2212الصالة هي ممكنة دائما :فزمن المسيحي هو زمن المسيح القائم الذي هو "معنا ك َّل
األيام" (متى ،)11 :12مهما كانت العواصف .زمننا هو بيد هللا:
"من الممكن حتى في السوق أو في نزهة منفردة أن تصلي صالة كثيرة وحارة ،وأنت جالس في حانوتك سواء
للشراء أو للبيع ،أو حتى للطبخ".
-2211الصالة ضرورة حيات ّية .والبرهان بالعكس ال يقل إثباتا لذلك :فنحن إن لم نن َقد للروح
فسنقع تحت عبودية الخطيئة .كيف يستطيع الروح أن يكون "حياتنا" إذا كان قلبُنا بعيدا عنه".
"ال شيء يساوي الصالة قيمة ،إنها تجعل المستحيل ممكنا ،والصعب سهال .من المستحيل على اإلنسان الذي
يصلي أن يخطأ".
"من يُصلي يخلص بالتأكيد :ومن ال يصلي يهلك بالتأكيد".
-2212ال يمكن الفصل بين الحياة المسيحية والصالة ألن موضوعهما هو المحبة ذاتها والتجرد
ذاته ناتج عن المحبة ،والمطابقة البنوية ال ُمحِبة ذاتها لقصد محبة اآلب ،والتحاد ذاته الذي يحولنا
في الروح القدس ،والذي يجعلنا نزداد دوما تطابُقا مع المسيح يسوع ،والمحبة ذاتها لجميع البشر،
وهي من تلك المحبة التي أحبنا بها يسوع" .يعطيكم اآلب جميع ما تسألونه باسمي .فما أوصيكم
به إذن هو أن يحب بعضكم بعضا" (يو .)27-26 :25
"ذاك يصلي بال انقطاع من يقرن الصالة باألعمال واألعمال بالصالة .هكذا فقط نسطيع أن نرى مبدأ الصالة بال
انقطاع قابال للتطبيق".
بإيجاز
-2222تفترض الصال ُة جهدا وجهادا ألنفسنا ولحيل المجرب .وجهاد الصالة ال يمكن فصله عن
"الجهاد الروحي" الضروري لسلوك عادة بحسب روح المسيح :يصلي اإلنسان كما يعيش ألنه
يعيش كما يصلي.
-2222في جهاد الصالة علينا أن نجابه مفاهيم خاطئة ،وتيارات متنوعة من العقليات ،واختبار
إخفاقاتنا .فينبغي أن نجيب بالتواضع والثقة والثبات عن هذه التجارب التي تلقي الشك في فائدة
الصالة بل في إمكانها ذاته.
-2221المصاعب الكبرى في ممارسة الصالة هي التشتت واليبوسة .والعالج هو في اإليمان
والتوبة وتيقظ القلب.
-2222هناك تجربتان ته ِّددان مرارا كثيرة الصالة :قلة اإليمان والسأم ،الذي هو شكل من أشكال
سقوط الهمة ناتج عن التراخي في الرياضة الروحية ودافع إلى فتور العزم.
-2222توضع الثقة البنوية موضع االمتحان عندما نشعر بأننا لم ُنستجب دائما .فيدعونا اإلنجيل
إلى أن نتساءل عن تطابق صالتنا ورغبة الروح.
" -2222صلوا بال انقطاع" ( 2تس .)27 :5إن الصالة ممكنة دائما ،بل هي ضرورة حياتية وال
يمكن فصل الصالة عن الحياة المسيحية.
-2222إن صالة "ساعة" يسوع ،المسمات بحق صالة كهنوتية" ،تستعيد وتختصر كل تدبير
ت "األبانا" الكبرى.
الخلق والخالص .وهي توحي بطلبا ِ
القسم الثاني
صالة الرب" :أبانا"
" -2222وكان ،ذات يوم ،يصلي في موضع ما .فلما فرغ ،قال له واحد من تالميذه " :يا رب
علمنا أن نصلي كما علم يوحنا تالميذه" (لو .)2 :22فجوابا عن هذا السؤال أودع الرب تالميذه
وكنيسته الصالة المسيحية األساسية .وقد ذكر القديس لوقا نصا لها مختصرا (من خمس طلبات)،
ومتى نصا أطول (سبع طلبات) .والتقليد الكنسي الليترجي حفظ نص القديس متى( .23-1 :6
أبانا الذي في السماوات،
ليتقدس اسمُك،
ليأت ملكو ُتك،
لتكن مشيئ ُتك كما في السماء كذلك على األرض.
خبزنا كفاف يومنا أعطنا اليوم،
واغفر لنا ذنوبنا كما نغفر نحن أيضا لمن أساء إلينا،
78
وال ُتدخلنا في تجربة،
لكن نجنا من الشرير.
-2222ختم استعمال الليترجي باكرا جدا صالة الرب بمجدلة ،من الذيذخيا" :ألنه لك ينبغي القدرة والمجد إلى
الدهور" .وتضيف قوانين الرسل في البدء ،وهذه هي الصيغة التي حُفظت في أيامنا في الصالة المسكونية .أما
التقليد البيزنطي فيضيف بعد المجد "أيها اآلب واالبن والروح القدس" .ويطور كتاب القداس الروماني الطبعة
األخيرة ،في وجهة نظر واضحة "النتظار الرجاء السعيد" والمجيء الثاني ليسوع المسيح ربنا ،ثم يأتي هتاف
المجلس أو استعادة مجدلة قوانين الرسل.
المقال األول
ّ
خالصة اإلنجيل كله"
" -2221الصالة الربية هي حقا خالصة اإلنجيل كله"" .وعندما أورثنا الرب صيغة الصالة هذه،
أضاف" :أطلبوا فتنالوا" (يو .)13 :26فيستطيع إذن كل واحد أن يصلي إلى السماء صلوات
متنوعة بحسب احتياجاته على أن يبدأ دائما بالصالة الربية التي تبقى الصالة األساسية".
.ً2صالة الكنيسة
-2222إن هذه العطية التي تجمع ،على غير إمكانية فصل ،بين كالم الرب والروح القدس الذي
يمنحه الحيا َة في قلب المؤمنين ،قد تقبلتها الكنيسة وعاشتها منذ بدايتها .فالجماعات األولى تصلي
صالة الرب "ثالث مرات في النهار" .عوضا عن "البركات الثماني عشرة" الدارجة في العبادة
اليهودية.
-2222صالة الرب ،بحسب التقليد الرسولي ،متأصلة أساسا في الصالة الليترجية" .يعلمنا الرب
ت" الذي في السماوات ،بل "أبانا"، أن نؤدي صالتنا معا ألجل إخوتنا جميعهم .فهو ال يقول" :أب ِ
حتى تكون صال ُتنا بنفس واحدة ألجل جسد المسيح كله".
في جميع التقاليد الليترجية ُتكون الصالة الربية جزءا الزما من ساعات الفرض اإللهي .ولكن
طابعها الكنسي يبدو بوضوح خصوصا في أسرار التنشئة الثالثة:
-2222في المعمود ّية والتثبيت يعني تسلي ُم الصالة الربية الميالد الجديد للحياة اإللهية .وبما أن
الصالة المسيحية هي أن نكلم هللا بكالم هللا نفسه ،فالذين "وُ لِدوا ثانية بكلمة هللا الحي" ( 2بط :2
)13يتعلمون أن يدعوا أباهم (السماوي) بالكالم الوحيد الذي يستجيب له دائما .ويستطيعون ذلك
من اآلن فصاعدا ،ألن حتم مسحة الروح القدس الذي ال يُمحى قد وُ ضع في قلبهم ،وآذانهم،
وشفاههم ،وعلى كل كيانهم البنوي .لذلك ُتوجه مُعظ ُم تعليقات اآلباء على "األبانا" إلى
الموعوظين والحديثي العهد في اإليمان .وعندما تصلي الكنيسة الصالة الربية ،فالذي يصلي
وينال الرحمة هو دائما شعب " َمن وُ لدوا حديثا".
-2222في الليترج ّيا االفخارست ّيا تبدو الصالة الربية كأنها صالةُ كل الكنيسة .هنا ينكشف معناها
الكامل ومفعولها .فهي بموقعها بين الصالة االفخارستية (األنافورة) وليترجيا المناولة ،تستعيد
وتختصر من جهة الطلبات واالبتهاالت التي تعبر عنها حركة استدعاء الروح القدس ،ومن جهة
أخرى تقرع باب وليمة الملكوت التي تستبقها المناولة األسرارية.
ادي .إنها الصالة الخاصة -2221في اإفخارستيا ُتبدي الصالةُ الربية أيضا طابع طلباتها ال َم َع ّ
"باألزمنة األخيرة" ،بأزمنة الخالص التي بدأت بإضافة الروح القدس وتنتهي بعودة الرب.
والطلبات إلى "أبينا" السماوي ،بخالف صلوات العهد القديم ،تستند إلى سر الخالص الذي تحقق
دفعة واحدة في المسيح المصلوب والقائم.
-2222من هذا اإليمان الذي ال يتزعزع يتفجر الرجاء الذي ينهض بك ِّل من طلباتها الثماني.
وهذه تعبر عن تنهدات الزمن الحاضر ،زمن الصبر والترقب ،الذي فيه "لم يتبين بعد ماذا
سنكون" ( 2يو .)1 :3إن االفخارستيا و "األبانا" متجهتان نحو مجيء الرب" ،إلى أن يأتي" (2
كو .)16 :22
بإيجاز
80
-2222أودع يسو ُع تالميذه ،جوابا عن طلبهم ("يا رب ،علمنا أن نصلي" :لو ،)2 :22الصالة
المسيحية األساسية "األبانا".
ُ
-2221الصالة الربية هي حقا خالصة اإلنجيل كله"" ،أكمل الصلوات" .إنها في القلب من
الكتاب.
-2222تسمى "الصالة الربية" ألنها من الرب يسوع ،معلم صالتنا ومثالها.
-2222الصالة الربية هي صالة الكنيسة بامتياز .وهي جزء الزم من ساعات الفرض اإللهي
الكبرى ،ومن أسرار التنشئة المسيحية :المعمودية والتثبيت واالفخارستيا .وهي ،بإدخالها في
االفخارستياُ ،تبين طابع طلباتها "ال َمعادي" ،في رجاء الرب" ،إلى أن يأتي" (2كو .)21 :22
المقال الثاني
"أبانا الذي في السماوات"
" .ً2أب"
-2222من المفيد ،قبل أن نتخذ ألنفسنا هذه االنطالقة األولى من الصالة الربية أن ُتطهر قلبنا
بتواضع من بعض التصورات الخاطئة من "هذا العالم" .والتواضع يجعلنا نعترف بأنه "ليس أحد
اآلب إال االبن ومن يريد االبنُ أن يكشف له" إي لالطفال (متى .)17-15 :22وتطهير َ يعرف
الشخصي والثقافي والتي تؤثر في
َ القلب يتعلق بتصورات األبوة واألمومة المأخوذة من تاريخنا
عالقتنا باهلل .فاهلل أبونا يسمو على كل تصنيفات العالم المخلوق .وسنكون صانعي أصنام نعبدها
أفكارنا في هذا المجال لنكون معه أو عليه .الصالة إلى اآلب هي الدخول َ أو نحطمها إذا ألبسناه
في سِ ره ،كما هو ،وكما كشفه االبن:
"إن تعبير هللا اآلب لم يُك َشف قط ألحد .وعندما سأل موسى نفسُه هللا من هو ،سمع اسما آخر .ولنا ُكشف هذا
االسم في االبن ،ألن هذا االسم يقتضي اسم اآلب الجديد.
-2222نستطيع أن ندعو هللا "أبا" ألنه كشف لنا بابنه الذي صار إنسانا ،وألن روحه يجعلنا
ُ
عالقة االبن نعرفه .فما يفوق إدراك اإلنسان ،ويستحي ُل على السلطات المالئكية استشفافه ،أي
81
الشخصية باآلب ،قد جعلنا روح االبن نشترك فيه ،نحن المؤمنين بأن يسوع هو المسيح ،وبأننا
من هللا وُ لدنا.
-2221عندما نصلي إلى اآلب فنحن في شركة معه ومع ابنه ،يسوع المسيح .وعندئذ نعرفه
ونعترف به في تعجب يتجد ُد على الدوام .فالكلمة األولى من الصالة الربية هي بركة عبادة قبل
أن تكون ابتهاال .فمج ُد هللا هو أن نعترف به "أبا" وإلها حقيقيا .نشكر له أنه َكشف لنا اسمه،
ومنحنا أن نؤمن به وأن يسكن فينا حضورُه.
-2222نستطيع أن نعبد اآلب ألنه جعلنا نولد والدة جديدة لحياته إذ تب ّنانا كأوالده في ابنه
الوحيد :فبالمعمودية ،يُشركنا في جسد مسيحه ،وبمسحة روحه الذي يفيض من الرأس على
األعضاء يجعل منا "مُسحاء":
"إن هللا الذي سبق فأعدنا لنكون أبناء بالتبني ،قد جعلنا مشابهين لجسد مسيحه ال ُم َمجد .فأنتم ،من اآلن فصاعدا،
باشتراككم في المسيحُ ،تدعون بحق م َُسحاء".
"إن اإلنسان الجديد ،الذي وُ لد والدة جديدة وأعيد إلى هللا بالنعمة ،يقول أوال "أيها اآلب!" ألنه أصبح ابنا".
شف ألنفسنا ويُكشف لنا اآلبُ في الوقت عينه: -2222وهكذا ،بالصالة الربية ،نك َ
"أيها اإلنسان ،ما كنت تتجاسر على رفع وجهك نحو السماء ،وكنت تخشع بصرك إلى األرض ،وفجأة تقبلت
كنت عبدا صرت ابنا صالحا .إرفع نظرك إلى أبيك الذي افتداكنعمة المسيح :فكل خطاياك ُغفرت لك .وبعد أن َ
بابنه ،وقُل :أبانا .ولكن ال تدعي أي امتياز .فليس هو أبا ،بنوع خاص ،إال للمسيح وحده ،بينما نحن مِن خلقِه.
فقُل أيضا أنت بالنعمة :أبانا ،لتستحق أن تكون ابنا له".
-2221إن عطية التبني تقتضينا توبة دائمة .وحياة جديدة .ويجب أن ُتنمي فينا الصالة إلى أبينا
استعدادَين أساسيين:
ُ
الرغبة في التش ّبه به وإرادة ذلك .لقد خلقنا على صورته وبالنعمة يُعاد إلينا مِثاله ،وعلينا أن
نجيب عنها.
"علينا أن نتذكر ،عندما ندعو هللا "أبانا" ،أنه من واجبنا أن نسلك سلوك أبناء هللا".
"ال تستطيعون أن تدعوا أباكم إله كل صالح ،إذا احتفظتم بقلب قاس وغير إنساني .ألنكم في هذه الحالة ال تكون
فيكم عالمة صالح األب السماوي"" .يجب أن نتأمل بال انقطاع جمال اآلب و ُن ِ
شرب به أنفسنا".
-2222قلبا متواضعا وواثقا يجعلنا " َنرجع إلى حالة األطفال" (متى :)3 :22ألن اآلب يكشف
ذاته "لألطفال" (متى .)15: 22
"إنها نظرة إلى هللا وحده ،ونا ُر حب عظيمة .فتذوب النفس وتغوص في المحبة المقدسة ،وتحادِث هللا كأبيها
الخاص ،بدالة ،في حنان وتقوى متميزين".
"ابانا :هذا االسم يبعث فينا في آن واحد الحب والتعلق في الصالة ،وايضا رجا َء الحصول على ما سنطلبه .فماذا
يستطيع أن يرفض لصلوات أوالده بعدما سبق وسمح بهم أن يكونوا أوالده؟".
.ً2أبا "نا"
" -2222األنا" في أبانا تعني هللا .وهذه الصفة ال تعبر من وجهتنا عن التملك ولكن عن عالقة
جديدة جدا باهلل.
-2222عندما نقول أبا "نا" ،نعترف أوال بأن وعود محبته جميعها التي أعلنها األنبياء قد تمت
واألبدي مع مسيحه :لقد صرنا شعبـ "ـه" وهو صار منذ اآلن فصاعدا أبا "نا".
ّ في العهد الجديد
وهذه العالقة الجديدة هي انتماء متبادل ومُعطى مجانا :وعلينا أن نجيب بالمحبة واألمانة عن
"النعمة والحق" للذين أُعطيا لنا بيسوع المسيح.
82
-2222بما أن صالة الرب هي صالةُ شعبه في "األزمة األخيرة" ،فال "نا" تعبر أيضا عن
رجائنا األكيد لوعد هللا األخير :في أورشليم الجديدة ،سيقول للذي غلب" :أكون له إلها وهو يكون
لي ابنا" (رؤ .)7 :12
-2222عندما نصلي إلى أبيـ "نا" ،فإننا نتوجه إلى أبي يسوع المسيح شخصيا .ونحن ال نقسم
األلوهة ،بما أن اآلب هو لها "المصدر واألصل" ،بل نعترف بذلك أنه منذ األزل يلد االبن وينبثق
منه الروح القدس .وال نقيم اختالطا بين األقانيم ،بما أننا نعترف بان شركتنا هي مع اآلب وابنه
إن الثالوث األقدس ذو جوهر واحد وغير منقسم. يسوع المسيح ،في روحهما القدوس الوحيدَ .
وعندما نصلي إلى اآلب نعبده ونمجده مع االبن والروح القدس.
-2222من حيث القواعد اللغوية أل "نا" تصف حقيقة مشتركة بين جملة أشخاص .فال إله إال
واحد ويعترف به أبا أولئك الذين ،باإليمان بابنه الوحيد ،قد وُ لدوا منه والدةُ جديدة بالماء والروح.
والكنيسة هي هذه الشركة الجديدة بين هللا والناس .وباتحادها باالبن الوحيد الذي صار "بكرا" ما
بين إخوة كثيرن" (رو ،)11 :2تكون مشتركة مع اآلب الواحد نفسه ،في الروح القدس الواحد
نفسه .وعندما يصلي كل معمد إلى أبيـ"نا" فهو يصلي في هذه الشركة" :كان لجمهور المؤمنين
قلب واحد ونفس واحدة" (أع .)31 :3
-2221لذلك فالصالة إلى أبيـ"نا" تبقى ،على ما بين المسيحيين من انقسامات ،خيرا مشتركا
ودعوة ملحة لجميع المعمدين .فبمشاركتهم القائمة على اإليمان بالمسيح وعلى المعمودية ،عليهم
أن يشتركوا في صالة يسوع ألجل وحدة تالميذه.
-2222اخيرا ،إذا صلينا في الحقيقة "ابانا" ،نخرج من الفردية ،أنَّ المحبة التي نتقبلها ُتحررنا
منها .فال"نا" في أول الصالة الربية ،مثل ال"نا" في الطلبات األربع األخيرة ،ال ُتقصي أحدا.
وحتى ُتقال في الحقيقة ،يجب أن نتغلب على انقساماتنا وخالفاتنا.
-2222ال يستطيع المعمدون أن يصلوا األبا"نا" دون أن يحملوا إليه جميع الذين أعطى ألجلهم
ابنه الحبيب .فمحبة هللا ال حدود لها ويجب أن تكون صالتنا كذلك .صالة األبا"نا" تجعلنا ننفتح
على أبعاد محبته التي ظهرت في المسيح ،أي الصالة مع جميع الناس الذين ما زالوا ال يعرفونه
وألجلهم ،حتى يُج َمعوا في الوحدة .وهذا االهتمام اإللهي بكل الناس وبكل الخليقة قد عاش في
صلين .فيجب أن ي َُوسِّع صالتنا بوسع المحبة عندما نتجاسر على أن نقول أبا"نا". نفس كبار ال ُم َ
83
-2222عندما تصلي الكنيسة "أبانا الذي في السماوات" ،تعترف بأننا شعب هللا ،وقد جلسنا في
السماوات في المسيح يسوع واستترنا مع المسيح في هللا ،وفي الوقت ذاته "نئن في وضعنا
متشوقين أن نلبس بي َتنا السماوي فوق اآلخر" (1كو .)1 :5
المسيحيون "هم في الجسد ،ولكنهم يعيشون بحسب الجسد .يقضون حياتهم على األرض .ولكنهم مواطنو
السماء".
بإيجاز
-2222الثقة البسيطة األمينة ،واالطمئنان المتواضع الف ِرح هما االستعدادان اللذان يليقان بمن
يصلي األبانا.
-2222نستطيع أن ندعو هللا "كأب" ،ألن ابن هللا الذي صار إنسانا كشف لنا ذلك ،وفيه
بالمعمودية نشترك و ُنتبنى أبناء هلل.
-2222الصالة الربية تجعلنا في شركة مع اآلب ومع ابنه يسوع المسيح .وهي في الوقت عينه
تكشف لنا أنفسنا.
-2222يجب أن ُتنمي فينا صال ُتنا إلى أبينا إرادة التشبه به ،وقلبا متواضعا وواثقا.
-2221عندما نقول أبا"نا" نلتمس العهد الجديد في يسوع المسيح ،والشركة مع الثالوث األقدس
والمحبة اإللهية التي تمتد بالكنيسة إلى مدى العالم.
" -2222الذي في السماوات" ال تدل على مكان بل على جاللة هللا وحضوره في قلب األبرار.
والسماءُ ،بيت اآلب ،هي الوطن الحقيقي الذي نسعى إليه ،والذي منذ اآلن ننتمي إليه.
الفصل الثالث
الطلبات السبعة
ضعنا في حضرة هللا أبينا لنعبده ونحبه ونبار ُكه ،يُصعِّد من -2222إن الروح البنوي ،بعد أن و َ
قلوبنا سبع طلبات ،سبع بركات .الثالث األولى هي أكثر تعلقا باهلل ،تجذبنا إلى مجد اآلب.
واألربع األخيرة ،وهي بمثابة ُسبُل إليه ،تقدم بؤسنا لنعمته" .لجة تنادي لجة" (مز .)2 :31
ك .فمن خصائص الحب ك ،مشيئ ُت َ
ك ،ملكو ُت َ
-2221الموجة األولى تحملنا نحوه وألجله" :اس ُم َ
التفكير أوال بمن ُنحب .وفي كل من هذه الطلبات الثالث ،ال نسمي أنفسنا ،إنما تأ ُخذنا "الرغبة
الشديدة" ،و "القلق" ،اللذان لدى االبن الحبيب في سبيل مجد أبيه" .ليتقدس ....ليأت ....لتكن."..
هذه االبتهاالت الثالثة قد اس ُتجيبت في ذبيحة المسيح المخلص .ولكنها توجَّ ه ،من اآلن فصاعدا،
في الرجاء ،نحو إتمامها النهائي ،ما دام هللا لم يصر بعد كل في الكل.
-2222تجري الموجة الثانية من الطلبات في حركة بعض استدعاءات الروح القدس
االفخارستية :إنها تقدمة ما نترقبه ،وهي تسترعي نظر أبي المراحم .إنها تص َعد منا وتعنينا منذ
اآلن ،في هذا العالم" :أعطنا .....أغفر لنا ....ال تدخلنا ...نجنا ."...والطلبتان الرابعة والخامسة
تعنيان حياتنا في ذاتها ،إما لتغذيتها وإما لشفائها من الخطيئة .والطلبتان األخيرتان تعنيان جهادنا
في سبيل انتصار الحياة ،جهاد الصالة بذاته.
َّت في اإليمان ،وقد مألنا الرجاء وأضرمتنا المحبة .وبما أننا -2222بالطلبات الثالث األولى ُنثب ُ
خالئق وخطأة أيضا ،فعلينا أن نسأل ألنفسنا ،هذه "النا" على مقياس العالم والتاريخ ،التي نقدمها ُ
84
إلى محبة إلهنا الالمحدودة .ألن أبانا إنما يُتمِّم تصميم خالصه لنا وللعالم كله باسم مسيحه ومُلك
روحه القدوس.
-2222يجب أن ال ُتفهم كلمة "التقديس" هنا أوال بمعناها السببي (فاهلل وحده يُق ِّدس ،يجعل
قديسا) ،ولكن خصوصا بمعناها التقديري أي االعتراف به قدوسا ،ومعاملته بطريقة مقدسة.
وهكذا يُفهم هذا الدعاء أحيانا في العبادة بمثابة تسبيح وشكر .ولكن يسوع علمنا هذا الطلب بمعنى
التمني :سؤال ،رغبة وانتظار يدخل فيها هللا واإلنسان .فمنذ الطلب األول إلى أبينا نغوص في
صميم سر ألوهته ،ومأساة خالص بشريتنا .فطلبُنا إليه أن يتقدس اسمُه يُدخلنا في "التصميم
اللطيف الذي سبق فقصده" (أف " ) 1: 2لنكون قديسين وبغير عيب أمامه في المحبة" (أف :2
.)3
-2222في األوقات الحاسمة من تدبير هللا ،يكشف هو اس َمه ،ولكنه يكشفه بإتمام عمله .وال
يتحقق هذا العمل ألجلنا وفينا إال إذا قُ ِّدس اسمُه بنا وفينا.
-2222قداسة هللا هي مكان سره األبدي الذي ال يُدرك .وما يظهر منه بالخلق والتاريخ يسميه
الكتاب المجد ،إشعاع جاللته .وهللا عندما صنع اإلنسان "على صورته كمثاله" (تك ،)16 :2كلله
بالمجد ،ولكن اإلنسان بخطيئته قد "أعوزه مج ُد هللا" .ومنذئذ سيُظهر هللا قداسته بكشف اسمه
وإعطائه حتى يجدد اإلنسان "على صورة خالقه" (كو .)21 :3
-2212إن هللا ،بالوعد الذي وعده إلبراهيم والقسم المصاحب له ،التزم هو بذاته ولكنه لم يكشف
اسمه .وإنما بدأ بكشفه لموسى ،وأظهره أمام عيون الشعب كله بإنقاذه من المصريين" :ف َت َع َّظم
بالمجد" (خروخ .)2: 25ومنذ عهد سيناء ،صار هذا الشعبُ "شع َبه" ووجب عليه أن يكون "أُمة
مقدسة (أو مكرسة ،فالكلمة هي نفسها بالعبرانية) .ألن اسم هللا يسكن فيه.
-2211ولكن الشعب ،رغما عن الشريعة المقدسة التي أعطاه إياها اإلله القدوس ،وكرر
إعطاءها ،ورغما عن الصبر الذي تحلى به الرب "ألجل اسمه" ،قد أعرض عن قدوس إسرائيل
و "دنس اسمه بين األمم" .لذلك اشت َعلت بهوى االسم قلوبُ األبرار في العهد القديم .والمساكين
الذين عادوا من المنفى ،واألنبياء.
ِّ
-2212أخيرا كشف لنا يسوع اسم هللا القدوس وأعطي في الجسد كمخلص .كشف بما هو،
وبكالمه وذبيحته .وذلك هو قلب الصالة الكهنوتية :أيها اآلب القدوس" ،أنا اُق ِّدس ذاتي ألجلهم،
لكي يكونوا هم أيضا مقدسين بالحق" (يو ،)21 :27وألن يسوع "يقدس" هو نفسُه اس َم أالب،
"اعلن" لنا اس َمه .وفي ختام الفصح أعطاه هللا االسم الذي يفوق كل اسم :يسو ُع رب المجد هللا
اآلب.
-2212في ماء المعمودية قد " ُغسِ لنا ،وقُ ِّدسنا ،وبُرِّ رنا باسم الرب يسوع المسيح وبروح إلهنا"
(2كو .)22 :6وفي حياتنا كلِّها ،أبونا "يدعونا إلى القداسة" ( 2تس ،)7 :3وبما أننا "به صرنا
في المسيح يسوع الذي صار لنا قداسة"(2كو ،)31 :2فمِن مصلحة مجده وحياتنا أن يُق َّدس اسمه
فينا وبنا .ذلك هو األمر المُلح من الطلب األول.
"من يستطيع تقديس هللا ما دام هو الذي يق ِّدس؟ ولكننا نستوحي هذا الكالم "كونوا قديسين ألني أنا قدوس" (أح
نزل كل َ
الثبات على ما بدأنا أن نكونه .وهذا نطلبه كل يوم ألننا ِ ،)33 :22ونطلب بعد إذ بُررنا بالمعمودية،
يوم ،وعلينا أن نطهِّر خطايانا بقداسة ُتستعا ُد بال انقطاع .فنحن نلجأ إذن إلى الصالة حتى تبقى فينا هذه القداسة".
85
-2211يتعلق تقديسُ اسمه بين األمم بحياتنا وصالتنا دون انفصال"
"نطلب إلى هللا أن يقدس اس َمه ،ألنه بالقداسة يخلص كل الخليقة ويقدسها .والمقصود هو االسم الذي يمنح
ُبارك االسم
الخالص للعالم الهالك .ولكننا نطلب أن يُقدس اس ُم هللا هذا فينا بحياتنا .ألننا إذا عشنا عيشة حسنة ي َ
اإللهي .ولكن إذا عشنا عيشة سيئة جُدف عليه بحسب كالم الرسول" :إن األمم يجدفون على اسم الرب بسببكم"
(رو ،)13 :1فنحن نصلي لنستحق أن يكون في نفوسنا من القداسة بمقدار ما هو اسم إلهنا قدوس".
"عندما نقول" :ليتقدس اسمك" فنحن نطلب أن يُقدس فينا ،نحن الذين فيه ،ولكن أيضا في اآلخرين الذين ما زالت
نعمة هللا تنتظرهم ،حتى نتطابق مع الفريضة التي ُتلزمنا بالصالة ألجل الجميع ،حتى ألجل أعدائنا .لذلك ال نقول
بصراحة :ليتقدس اسمك "فينا" ،ألننا نطلب أن يكون ذلك في كل الناس".
-2212هذا الطلب الذي يحوي الكل قد اس ُتجيب بصالة المسيح ،كالستة الطلبات األخرى
الالحقة .إن الصالة إلى أبينا هي صالتنا إذا صُليت في اسم يسوع .لقد طلب يسوع في صالته
الكهنوتية" :أيها اآلب القدوس ،احفظ باسمك الذين أعطيتهم لي" (يو .)22 :27
86
-2221هذا الطلب محمول ومستجاب في صالة يسوع الحاضرة والفاعلة في االفخارستيا ،وهو
يحمل ثمره في الحياة الجديدة بحسب التطويبات.
" .ً2لتكن مشيئت َك كما في السماء كذلك على األرض"
-2222إنها مشيئة أبينا "أن جميع الناس يخلصون ويبلغون إلى معرفة الحق" (2تي .)3-3 :1
"وهو يُطيل أناته ،إذ ال يريد أن يهلك أحد" ( 1بط .)1 :3ووصيته التي تلخص األخرى كلها
والتي تعبر لنا عن إرادته كلها ،هي "أن نحب بعضنا بعضا كما أحبنا هو".
" -2222لقد اعلن لنا حسب مرضاته سر مشيئته الذي سبق فقصده في نفسه أي ان يجمع كل
اصطفينا من قبلُ ،بمقتضى قصد من يعمل كل شيء ُ شيء تحت راس واحد في المسيح .وفيه قد
على حسب مرضاته" (أف .)22-1 :2إننا نطلب بإلحاح أن يتحقق هذا القصد اللطيف على
األرض كما تحقق في السماء.
-2221إن مشيئة اآلب قد أ ُ ِتمَّت بكمالها ومرة واحدة نهائيا في المسيح وبإرادته البشرية .لقد قال
يسوع وهو يدخل العالم" :ها أناذا آتي ألعمل بمشيئتك" (عب .)7 :21يسوع وحده يستطيع أن
يقول" :إني أفعل دائما ما يرضيه" (يو .)11: 2وهو في صالة نزاعه يرضى تماما بتلك االرادة:
"ال تكن مشيئتي بل مشيئتك" (لو .)31 :11لذلك يسوع "بذل نفسه من أجل خطايانا ،على حسب
مشيئة هللا" (غل" .)3 : 2وبقوة هذه المشيئة قُ ِّدسنا نحن بتقدمة جسد يسوع" (عب.)21 : 21
-2222ويسوع "مع كونه ابنا ،تعلم مما تألمه أن يكون طائعا" (عب .)2 :5فكم باألحرى نحن
الخالئق والخطأة الذين صاروا فيه أوالدا بالتبني .إننا نطلب إلى أبينا أن يضم إرادتنا إلى إرادة
ابنه لتتميم مشيئته ،أي تصميمه الخالصي لحياة العالم .نحن عاجزون عن ذلك كل العجز ،ولكننا
باتحادنا بيسوع ،وبقوة روحه القدوس ،نستطيع أن نسلمه إرادتنا ،وأن نقرر اختيار ما اختاره
دوما ابنه :أن نفعل ما يرضي اآلب:
"بالتصاقنا بالمسيح نستطيع أن نصير معه روحا واحدا ،وبذلك أن نتمِّم إرادته .وهكذا تكون كاملة على اآلرض
كما في السماء".
"أنظروا كيف يُعلمنا يسوع المسيح أن نكون متواضعين ،إذ يجعلنا نرى أن فضيلتنا ال تتعلق بعملنا وحده وإنما
بنعمة هللا .فهو يأمر هنا كل من يصلي أن يفعل ذلك عموما ألجل األرض كلها .فهو ال يقول" :لتكن مشيئتك" في
أو فيك ،وإنما في األرض كلها" :حتى يُقصى عنها الضالل ،وتسود فيها الحقيقة ،و ُتدمَّر فيها الرذيلة ،وتعود
ف ُتزدهر فيها الفضيلة ،وال تكون األرض من بعد مختلفة عن السماء".
-2222إننا بالصالة نستطيع أن نميز ما مشيئة هللا ونحصل على الثبات حتى نعمل بها .ويسوع
يعلمنا أن دخول ملكوت السماوات ليس بالكالم وإنما "بأن يُع َمل بإرادة أبي الذي في السماوات"
(متى .)12 :7
" -2222من يعمل مشيئة هللا فذلك من يستجيب له هلل" (يو .)32 :1تلك هي قوة صالة الكنيسة
في اسم "ربها" ،خصوصا في االفخارستيا ،إنها شركة شفاعة مع الكلية القداسة والدة اإلله وجميع
القديسين الذي "أرضوا" الرب ألنهم لم يُريدوا سوى مشيئته:
"نستطيع أيضا دون اإلساءة إلى الحقيقة أن نترجم هذه الكلمات" :لتكن مشيئتك كما في السماء كذلك على
األرض" بهذه :في الكنيسة كما في الرب يسوع المسيح ،في العروس التي ُخطبت له ،كما في الزوج الذي أتم
مشيئة اآلب".
87
" -2222أعطنا" :جميلة هي ثقة األوالد الذين ينتظرون كل شيء من أبيهم" .إنه يُطلع شم َسه
على األشرار والصالحين ويُمطر على األبرار واألثمة" (متى .)35 :5وهو يعطي جميع األحياء
"الطعام في أوانه" (مز .)17 :21يُعلمنا يسوع هذا الطلب :إنه يمجد أبانا ألنه يعترف بأنه صالح
أبعد من أي صالح.
" -2222أعطنا" هي أيضا التعبير عن العهد :فنحن له وهو لنا ،وألجلنا ،ولكن هذه الـ"نا" تعترف
به أيضا كأب لجميع الناس ،ونحن نصلي إليه ألجلهم جميعا ،بالتضامن مع احتياجاتهم وآالمهم.
خبزنا" ان اآلب الذي يعطينا الحياة ال يستطيع أن ال يعطينا الغذاء الضروري للحياة، َ : -2222
وكل الخيرات "المُوافِقة" ،المادية والروحية .وقد الح يسوع ،في العظة على الجبل ،على الثقة
البنوية التي تتعاون مع عناية أبينا .وهو ال يحملنا على أي تكاسل بل يريد أن يحرِّ رنا مل كل قلق
نستسلم له وكل هم .ذلك هو االطمئنان البنوي لدى أوالد هللا:
"إن هللا َيعِد من يطلبون ملكو َته وبره بإعطائهم كل شيء زيادة .فكل شيء هو هلل .و َمن له هللا ال ينقصه شيء إذا
لم يبتعد هو عن هللا".
-2221ولكن حضور من هم جياع لعوزهم إلى الخبز يكشف بُعدا آخر لهذا الطلب .فمأساة
الجوع في العالم تدعو المسيحيين الذين يصلون في الحق إلى مسؤولية فعلية عن إخوتهم ،سواء
كان ذلك في سلوكهم الشخصي أو في تضامنهم مع األسرة البشرية .إن هذا الطلب ،في الصالة
الربية ،ال يمكن عزلُه عن َمثلي لعازر الفقير والدينونة األخيرة.
-2222على ِجدة الملكوت أن ترفع األرض بروح المسيح ،كما تفعل الخميرة في العجين .وال بد
أن تظهر بإعادة إحالل العدالة في العالئق الشخصية واالجتماعية واالقتصادية والدولية ،دون أن
تنسى أبدا انه ال هيكليات عادلة دون أُناس يريدون أن يكونوا عادلين.
نة التطويبات هي فضيلة التقاسم :إنها -2222المقصود خبز"نا"" ،الواحد" ألجل "عِ دة" .ف َمس َك ُ
تدعو إلى المشاركة في الخيرات المادية والروحية وقسمتها ال باإلكراه وإنما بالمحبة ،حتى تسد
ُ
ضالة البعض َع َوز اآلخرين. فُ
" -2221ص ِّل واعمل"" .صلوا لو كان كل شيء متعلقا باهلل واعملوا كما لو كان كل شيء متعلقا
بكم" .وعندما نقوم بعملنا يبقى الطعام عطية من أبينا .وحسن أن نطلبه إليه مع الشكر .هذا هو
معنى بركة المائدة في األسرة المسيحية.
لجوع اآلخر يتضور منه الناس" :ليس ِ -2222يصلح أيضا هاذا الطلب والمسؤولية التي يُلزم بها
بالخبز وحده يحيا اإلنسان ،بل بكل كلمة تخرج من فم هللا" (متى )3: 3أي كلمته وروحه .وعلى
المسيحيين أن يُجيِّشوا كل جهودهم "إلعالن اإلنجيل للمساكين" .هناك جوع على األرض "ال
الجوع الى الخبز وال العطش إلى الماء بل إلى استماع كلمة هللا" (عا .)22 :2
خبز الحياة :أي كلمة هللا ُتق َبل في اإليمان،لذلك فالمعنى المسيحي الخاص لهذا الطلب الرابع يعني َ
ُتناول في االفخارستيا.
وجس َد المسيح ي َ
-2222كلمة "اليوم" تعبر أيضا عن ثقة .والرب يُعلمنا ذلك .وادعاؤنا ما كان بوسعه أن
يخترعه .وبما أن األمر يتعلق خصوصا بكلمته وبجسد ابنه ،فهذا "اليوم" ليس هو يوم زمننا
المائت وحسب :إنه يو ُم الرب.
كنت تتناول الخبز كل يوم ،فكل يوم لك هو اليوم .إذا كان المسيح لك اليوم ،فكل يوم يقوم ألجلك .وكيف "إذا َ
ذلك؟ "أنت ابني ،أنا ،اليوم ألدك" (مز .)7 :1اليوم يعني :عندما يقوم المسيح".
" -2222كفافنا" .كلمة "إبيوسيوس" ليس لها استعمال آخر في العهد الجديد .فإذا أخذناها
بمعناها الزمني فهي تكرار على سبيل التربية لكلمة "اليوم" لتثبيتنا في ثقة "بال تحفظ" .وإذا
88
أُخِذت بمعناها الوضعي ،فهي تعني ما هو ضروري للحياة ،وبمعنى أوسع كل خير كاف للعيش.
وإذا أُخذت حرفيا (إبيوسيوس :الجوهري جدا) فهي تدل مباشرة على خبز الحياة ،جسد المسيح،
"دواء الخلود" الذي دونه ال حياة لنا في أنفسنا .وإذا وصلناها بما سبق يكون المعنى السماوي
واضحا" :هذا اليوم" هو يوم الرب ،يوم وليمة الملكوت التي تسبقها وتمثلها االفخارستيا ،وهي
المق ِّدمة لتذوق الملكوت اآلتي .لذلك ينبغي أن ُتقام الليترجيا االفخارستية "كل يوم".
"االفخارستيا هي خبزنا اليومي .والفاعلية الخاصة بهذا الطعام اإللهي هي قوة توحيد :توحدنا مع جسد المخلص
نصير ما نتناوله .وهذا الخبز اليومي هو أيضا في القراءات التي تسمعونها كل يوم في َ وتجعلنا أعضا َءه حتى
الكنيسة ،وفي األناشيد التي يترنمون وتترنمون بها .هذا كله ضروري لزمن عبورنا".
يحرضنا اآلب السماوي على طلب خبز السماء كأوالد السماء .والمسح "هو نفسه الخبز الذي ُزرع في العذراء
واختمر في الجسد ،وعُجن في اآلالم ،و ُخ ِبز في أتون القبر ،وادخِر في الكنيسة ،و ُنقِل إلى المذبحَ ،فوُ ِّف َر كل يوم
للمؤمنين غذاء سماويا".
" .ً2إغفر لنا ذنوبنا كما نغفر نحن أيضا لمن أساء إلينا"
-2222هذا الطلب عجيب .فلو لم َيحو سوى الجزء األول من العبارة " -إغفر لنا ذنوبنا" – لكان
موجودا ضمنيا في الطلبات األولى الثالث من الصالة الربية ،ألن ذبيحة المسيح هي "لمغفرة
الخطايا" .ولكن السؤل ،بحسب الجزء الثاني من العبارة ،لن يُستجاب إال إذا لبينا مطلبا .فسؤالنا
مُوجَّ ه إلى المستقبل ،وال بد أن يسبقه جوابنا .وكلمة تربطهما" :كما".
90
يُصِ بكم من التجارب إال ما هو بشري .فإن هللا أمين ،فال يدعكم ُتجربون فوق طاقتكم ،بل يجعل
أيضا مع التجربة مخرجا ،لتستطيعوا أن تحتملوا" ( 2كو .)23 :21
-2212ولكن جهادا كهذا وانتصارا كهذا ليسا ممكنين إال في الصالة .فبالصالة يغلبُ يسوع
المجرب منذ البداية ،وفي جهاد نزاعه األخير .والمسيح في هذا الطلب إلى أبينا يضمنا إلى جهاده
وإلى نزاعه .ويُذكر بتي ّقظ القلب بإلحاح باالشتراك مع تيقظه .والتيقظ هو "حفظ القلب" ويسوع
يطلب من اآلب "أن يحفظنا باسمه" .إن الروح القدس يسعى دائما إلى تنبيهنا إلى ذلك التيقظ.
ويتخذ هذا الطلب كل معناه المأسوي بالنسبة إلى التجربة األخيرة في جهادنا على األرض .فهو
يسأل الثبات األخير" .ها أنا آتي كاللص ،فطوبى لمن يسهر!" (رؤ .)25: 26
الشرير"
ّ نجنا من
" .ً2لكن ّ
-2222الطلب األخير إلى أبينا موجود أيضا في صالة يسوع" :ال أطلب أن ُتخرجهم من العالم
بل أن تحفظهم من الشر" (يو .)25 :27إن يعنينا ،يعني كل واحد شخصيا ،ولكننا "نحن" دائما
من يصلون ،باالشتراك مع كل الكنيسة ،وألجل خالص كل األسرة البشرية .وما زالت صالة
الرب تجعلنا ننفتح على أبعاد تدبير الخالص .وينقلب تعلقنا بعضا ببعض في مأساة الخطيئة
والموت تضامنا في جسد المسيح ،و "شركة قديسين".
-2221في هذا الطلب ،الشر ليس شيئا مجردا ،بل هو يدل على شخص :الشيطان ،الشرير،
المالك الذي يقاوم هللا .إبليس (في اليونانية ذيافولوس) يعني من "يُلقي بذاته ليُعيق" قصد هللا
و "عمله الخالصي" الذي أتمه في المسيح.
" -2222إنه من البدء قتال الناس ،كذوب وأبو الكذب" (يو ،)33 :2إنه "الشيطان الذي يُضل
المسكونة كلها" (رؤ .)1 :21به دخلت الخطيئة والموت العال َم ،وبالغلبة النهائية عليه " ُتحرر من
الخطيئة والموت" الخليقة كلها" .نعلم أنَّ كل مولود من هللا ال يخطأ ،إنما الذي وُ لد من هللا
يصونه ،والشرير ال يمسه .ونعلم أنا من هللا ،وأن العال َم كله تحت سلطان الشرير" (يو -22 :5
.)21
"إن هللا ،الذي أزال خطيئتك وغفر ذنوبك قادر على أن يصونك وأن يحفظك من حيل إبليس ،الذي يحاربك،
حتى ال يفاجئك العدو الذي من عادته أن يلد الخطيئة .من توكل على هللا ال يخشى الشيطان" .إذا كان هللا معنا
فمن علينا"" (رو .)32 :2
-2222لقد تم االنتصار على "رئيس هذا العالم" مرة واحدة ،في الساعة التي أسلم فيها يسوع
ذاته بحرية إلى الموت ،ليعطينا حيا َته .إنها دينونة هذا العالم ،ورئيس هذا العالم "يُلقى خارجا".
"إنه يلحق بالمرأة" (رؤ ،)23 :21ولكن ال سلطان له عليها :فحواء الجديدة" ،الممتلئة نعمة" من
الروح القدس ،قد حُفظت من الخطيئة ومن فساد الموت (الحبل الطاهر بوالدة اإلله الفائقة القداسة
مريم الدائمة البتولية ،وانتقالها)" .فغضب على المرأة وذهب ليحارب باقي نسلها" (رؤ .)27 :21
لذلك يصلي الرو ُح والكنيسة" :هل َّم ،أيها الرب يسوع" (رؤ ،)11-27 :11بما أن مجيئه يُنقذنا
من الشرير.
-2221عندما نطلب النجاة من الشرير ،نصلي أيضا للتحرر من كل الشرور الحاضرة والماضية
والمستقبلية ،التي هو صاحبهُا أو الدافع إليها .وفي هذا الطلب األخير تحمل الكنيسة إلى أمام اآلب
كل بؤس العالم .وهي تلتمس ،مع الخالص من الشرور التي ُتثقل البشرية ،عطية السالم النفسية،
ونعمة االنتظار الثابت لمجيء المسيح .وهي ،إذ تصلي هكذا ،تسبق في تواضع اإليمان استعادة
91
كل البشر وكل شيء في َمن "بيده مفاتي ُح الموت والجحيم" (رؤ" ،)22 :2الكائن ،والذي كان،
والذي يأتي ،القدير" (رؤ .)2 :2
"نجنا من كل شر أيها الرب ،وامنح السالم لزماننا ،وبرحمتك حررنا من الخطيئة ،وشددنا إزاء المِحن في هذه
الحياة حيث نرجو السعادة التي َوعدَ ت بها مجيء يسوع المسيح مخلصنا".
المجدلة الكبرى
-2222إن المجدلة األخيرة "ألن لك الملك والمجد والقدرة" تكرِّ ر باالحتواء الطلبات الثالث
األولى إلى أبينا :تمجيد اسمه ،إتيان ملكوته ،وقدرة مشيئته المخلصة .ولكن هذا التكرار هو في
صيغة عبادة وشكر ،كما في الليترجيا السماوية .كان رئيس هذا العالم قد نسب إلى نفسه كاذبا تلك
الحقوق الثالثة في المُلك والقدرة والمجد ،والمسيح الرب يُعيدها إلى أبيه وأبينا ،إلى يوم يُسلمه
الملكوت عندما َيتم نهائيا سر الخالص ويصي ُر هللا كال في الكل.
" -2222وعندما تكتمل الصالة .تقول "آمين" ،مُصدقا بهذا اآلمين الذي يعني "ليكن األمر كذلك"
ما تحويه الصالة التي علمنا إياها الرب".
بإيجاز
ُ
الطلبات الثالث األولى موضوعها مجد اآلب :تقديس االسم ،إتيان ملكوت -2222في "األبانا"،
وتتميم المشيئة اإللهية ،واألربع األخرى تقدم له رغباتنا :وهذه الطلبات تتعلق بحياتنا لتغذيتها أو
لشفائها من الخطيئة ،وتتعلق بجهادنا في سبيل غلبة الخير على الشر.
ُ
-2222عندما نطلب أن "يتقدس اسمك" ،ندخل في تصميم هللا أي تقديس اسمه –الذي كشف
لموسى ثم في يسوع -بنا وفينا ،كما في كل أمة وفي كل إنسان.
-2222بالطلب الثاني تقصد الكنيسة بوجه رئيس عودة المسيح والمجيء األخير لملكوت هللا.
ونصلي أيضا ألجل نمو ملكوت هللا في "اليوم" من حياتنا.
-2222في الطلب الثالث نصلي إلى أبينا أن يض َّم إرادتنا إلى إرادة ابنه لتتميم تصميمه الخالصي
في حياة العالم.
-2221في الطلب الرابع ،عندما نقول "أعطنا" نعبر باالشتراك مع اخوتنا ،عن ثقتنا البنوية بأبينا
السماوي" .خبزنا" يعني الغذاء األرضي الضروري لمعيشتنا جميعا ،ويعني أيضا خبز الحياة أي
كلمة هللا وجسد المسيح .وهو يُتناول في "يوم" الرب .كالغذاء الذي ال يستغنى عنه ،والجوهري
في وليمة الملكوت التي تسبقها وتمثلها اإلفخارستيا.
َ
رحمة هللا التي ال تستطيع دخول قلبنا ما لم نغفر ألعدائنا -2222الطلب الخامس يلتمس إلساءاتنا
على مثال المسيح وبمعونته.
-2222بقولنا" :ال ُتدخلنا في التجربة" نطلب إلى هللا ان ال يسمح بأن نسير في الطريق الذي
يؤدي إلى الخطيئة .وهذا الطلب يلتمس روح التمييز والقوة ،والنعمة والتيقظ والثبات األخير.
-2221في الطلب األخير "لكن نجنا من الشرير" ،يصلي المسيحي إلى هللا مع الكنيسة بأن يُظهر
الغلبة ،التي قد نالها المسيح ،على "رئيس هذا العالم" ،على ابليس ،المالك الذي يُقاوم شخصيا هللا
وتصميمه الخالصي.
-2222بالـ "آمين" األخيرة تعبر عن دعائنا بالنسبة إلى الطلبات السبع أن "ليكن األمر هكذا".