You are on page 1of 394

‫التعليم المسيحي للكنيسة‬

‫الكاثوليكية‬

‫الجزء األول‬

‫طباعة الكنيسة الكلدانية في بريطانيا‬


‫بهمة الشماس جورج يلدا‬

‫(عذراً لبعض األخطاء المطبعية)‬


‫لندن ‪2102‬‬

‫‪www.chaldean.org.uk‬‬
‫تمهيد‬
‫“يا ابتاه الحياةُ االبدية‪ ،‬هي ان يعرفوك‪ ،‬أنت اإلله الحقيق َّي الوحيد‪ ،‬والذي‬
‫أن جمي ُع الناس‬‫ارسلتّه‪ ،‬يسوع المسيح”(يو ‪ .)3 :71‬هللا ُمخلِّصُنا “يريد َّ‬
‫يخلُصون ويبلغون الى معرفة الحق “(‪7‬تي ‪ .)4-3 :2‬ليس تحت السماء اس ٌم‬
‫آخر أُعطي في الناس‪ ،‬به ينبغي ان نخلُص “(أع ‪ )72 :4‬غي ُر ِ‬
‫اسم يسوع‪.‬‬

‫‪ -1‬حياة اإلنسان – معرفة هللا ومحبته‬

‫‪ -0‬أن هللا الالمتناهي الكمال والسَّعيد في ذاته خلق االنسان خلقا ً حرّ اً‪،‬‬
‫بتصميم من مجرَّد صالحه‪ ،‬لكي يُشركه في حياتِه السّعيدة‪ .‬ولهذا فهو في كل‬ ‫ٍ‬
‫زمان وكل مكان يعمل على ُمقارب ِة اإلنسان‪ .‬إنّه يدعوه‪ ،‬ويعضده في تطلّبه‬
‫تعالى‪ ،‬ومعرفته‪ ،‬ومحبّته بكلِّ ما لذلك اإلنسان من قوى‪ .‬أنّه يستدعي جميع‬
‫البشر الذين فرّ قتهم الخطيئة الى وحدة أُسرته‪ ،‬الكنيسة‪ .‬وفي سبيل ذلك أرسل‬
‫ابنَه‪ ،‬عندما آنت اآلونة‪ ،‬فاديا ً و ُمخلّصاً‪ .‬وفيه وبِه يدعو البشر الى أن‬
‫يُصبحوا‪ ،‬في الروح القدس‪ ،‬أبنا َءه بالتبني‪ ،‬ومن ث َّم ورثتَه في حياته السعيدة‪.‬‬
‫‪ -2‬ولكي تُدوّ ي هذه الدعوةُ في كل أنحاء األرض‪ ،‬أرسل المسي ُح الرّ س َُل‬
‫بشير باإلنجيل‪“ :‬إذهبوا وتلمذوا‬ ‫الذين كان قد اختارههم ُملقيا ً أليهم ُمه ّمةَ التّ ِ‬
‫جمي َع األمم‪ ،‬وع ّمدوهم باسم اآلب واالبن والروح القُدس‪ ،‬وعلّموهم أن‬
‫يحفظوا جميع ما أوصيت ُكم به‪ ،‬وها أناذا معكم ك َّل األيّام‪ ،‬إلى انقضاء‬
‫الدهر”(متى‪.)22-71 :22‬‬
‫وإذ أُسنِدت إليهم تلك الرسالة‪ ،‬انطلق الرسل “وكرزوا في ك ّل مكان‪،‬‬
‫ت التي تصحبها”(مر ‪.)22 :71‬‬ ‫والرّ بُّ يؤازرهم‪ ،‬ويُؤيّ ُد الكلمة باآليا ِ‬
‫‪ -3‬وأولئك الذين تقبّلوا بعون هللا دعوة المسيح واستجابوا لها بحريّة ش ّدتهم‬
‫الذخيرة التي‬ ‫محبّةُ المسيح إلى التبشير باإلنجيل في كل مكان من العالم‪ .‬وهذه ّ‬
‫خلّفها الرسل حافظ عليها خلفاؤهم بأمانة‪ .‬وجميع مؤمني المسيح مدعوّ ون الى‬
‫تداولها جيالً بعد جيل‪ ،‬مب ّشرين باإليمان وسالكين سلو َكهُ في الشركة األخوية‪،‬‬
‫ومحتفلين به في الليتروجيا والصالة‪.‬‬

‫‪ -2‬إبالغ اإليمان‪-‬الكرازة‬
‫‪2‬‬
‫‪ -4‬من ُذ الباكر الباكر أُطلق اسم الكرازة على ُمجمل الجهو ِد التي تُبذل في‬
‫ع ابنُ هللا‪ ،‬حتى‬ ‫الكنيسة لِصُنع تالميذ‪ ،‬ل ُمساعدة البشر على اإليمان َّ‬
‫بأن يسو ُ‬
‫باإليمان الحياةُ باسمه‪ ،‬فيُنَ ّشأوا ويُثقَّفوا في هذه الحياة‪ ،‬ويُقيموا هكذا‬
‫ِ‬ ‫تكون لهم‬
‫جس َد المسيح‪.‬‬
‫ٌ‬
‫‪ -5‬الكرازة هي تربية لإليمان عند األطفال‪ ،‬والشبّان‪ ،‬والكهول‪ ،‬تتض ّمن‬
‫على وج ٍه خاص درسا ً للعقيدة المسيحيّة‪ ،‬يُلقى عموما بطريق ٍة عضويّ ٍة‬
‫وتنسيقيّة‪ ،‬في سبيل التّعريف بمل ِء الحياة المسيحيّة‪.‬‬
‫عناصر رسال ِة الكنيسة الراعويّة‪ ،‬من غير ان‬ ‫ِ‬ ‫‪ -6‬ترتبطُ الكرازة بعدَد من‬
‫تختلط بها‪ ،‬عناصر ذات مالمح تعليميّة‪ ،‬تُمهِّد للكرازة أو تصدرُ عنها‪:‬‬
‫اإلعالن األوّ ل لإلنجيل أو العظة الرّسوليّة إليقاظ االيمان‪ ،‬البحث عن دوافع‬
‫اإليمان‪ ،‬خبرة الحياة المسيحية‪ ،‬االحتفال باألسرار‪ ،‬اندماج في الجماعة‬
‫الكنسية‪ ،‬الشهادة الرّ سوليّة واإلرساليّة‪.‬‬
‫‪" - 7‬الكرازة متعلّقة تعلّقا ً حميما ً بكل حياة الكنيسة‪ .‬يتعلّق بها تعلُّقا ً جوهريّاً‬
‫والتضخم العدديّ وحسب‪ ،‬ولكن‪ ،‬وأكثر من ذلك‬ ‫ُّ‬ ‫الجغرافي‬
‫ّ‬ ‫ليس االمتدا ُد‬
‫أيضاً‪ ،‬نموّ الكنيسة ال ّدخلي‪ ،‬وتجاوبها وتصميم هللا"‪.‬‬
‫ان مراحل التج ّدد في الكنيسة هي ايضا ً أزمان النشاط الشديد في‬ ‫‪ّ -8‬‬
‫الكرازة‪ .‬وهكذا فإننا نرى في عهد آباء الكنيسة العظام‪ ،‬أساقفة ق ّدسين‬
‫بقسم مه ٍّم من خدمتهم الرّاعويّة‪ ،‬من أمثال الق ّديس كيرلّس‬ ‫ٍ‬ ‫يخصّ ونها‬
‫األورشليمي‪ ،‬والق ّديس يوحنا ال َذهبي الفم‪ ،‬والقديس أمبروسيوس‪ ،‬والقديس‬ ‫ّ‬
‫أوغسطينوس‪ ،‬وآخرين كثيرين من اآلباء الذين ال تزال أعمالهم التعليميّة‬
‫نماذج تُحتذى‪.‬‬
‫‪ -9‬إن خدمة الكرازة تستم ّد من المجامع قوّ ى أبداً جديدة‪ .‬والمجمع‬
‫التريدنتي في هذا المجال مثا ٌل يُذكر‪ :‬لقد جعل للكرازة المحلّ االوّ ل في‬ ‫ّ‬
‫الروماني الذي يحمل ايضا‬
‫ّ‬ ‫دساتيره وقراراته‪ ،‬وهوفي اصل التعليم المسيحي‬
‫اسمه ويكوّ ن أثراً من الدرجة االولى في كونه خالصةً للعقيدة المسيحية‪ .‬لقد‬
‫وحمل على نشر عد ٍد من كتب التعليم‬ ‫َ‬ ‫بعث في الكنيسة تنظيما ً للكرازة رائعاً‪،‬‬
‫المسيحي‪ ،‬بفضل أساقف ٍة والهوتيين ق ّديسين من مثل القديس بطرس‬
‫كنيزيزس‪ ،‬والقديس شارل بورّ ومه‪ ،‬والقديس طوريبيو الموغروفيجي أو‬
‫القديس روبرت بلَّرمان‪.‬‬
‫‪ -01‬فليس من العجب إذاً أن تعود كرازة الكنيسة الى استمال ِة االهتمام في‬
‫الحركة التي عقبت المجمع الفاتيكاني الثاني الذي كان في نظر البابا بولس‬
‫الزمن الحاضر"‪ .‬يشهد على ذلك (دليل‬ ‫ي الكبير في ّ‬ ‫السادس “التعليم المسيح َّ‬
‫‪3‬‬
‫الكرازة العام) لسنة ‪ ،7117‬وجلسات سينودس األساقفة المكرّسة‬
‫للتبشير(‪)7114‬وللكرازة (‪ ،)7111‬والتحريضات الرّسولية المتّصلة يها‪:‬‬
‫"اعالن اإلنجيل”(‪ ،)7111‬و”نقل الكرازة “(‪ .)7111‬وقد طلبت دورة‬
‫ميسحي أو‬
‫ّ‬ ‫سينودس األساقفة غير العادية لسنة ‪“ 7121‬أن يُد َّون تعليم‬
‫ملخص لِ ُمجمل العقيدة الكاثوليكية سواء كان في االيمان أو في االخالق"‪.‬‬ ‫ّ‬
‫وتبنّى االب األقدس يوحنا بولس الثاني هذه الرغبة التي أعرب عنها‬
‫سينودس األساقفة‪ ،‬معترفا ً أن “هذه الرغبة تلبّي تلبيةً تا ّمةً الحاجة الحقيقية‬
‫للكنيسة الجامعة والكنائس الخاصّ ة"‪ .‬وقد حرّ ك كلّ شيء لتحقيق رغبة آباء‬
‫السينودس‪.‬‬

‫موجه‬
‫ّ‬ ‫‪ -3‬هدف هذا التعليم وألى من هو‬

‫‪ -00‬هدفُ هذا التعليم أن يقدِّم عرضا ً عضويّا ً ومر ّكبا ً لمضامين العقيدة‬
‫الكاثوليكية الجوهريّة وألساسية في ما ّدتي اإليمان واألخالق‪ ،‬وذلك في ضوء‬
‫المجمع الفاتيكاني الثاني ومجمل تقليد الكنيسة‪ .‬مصادرهُ الرئيسية هي الكتاب‬
‫المقدس‪ ،‬واآلباء الق ّديسون‪ ،‬والليتروجيّا وسلطة الكنيسة التعليميّة‪ .‬إنّه موجّ ه‬
‫إلى أن يكون “مرجعا ً للتعاليم المسيحية أو المختصرات الموضوعة في‬
‫البلدان المختلفة‪.‬‬

‫‪ -02‬هذا التعليم موجّ ه على وج ٍه خاصّ إلى المسؤولين عن الكرازة‪ :‬الى‬


‫األساقفة أوالً على أنّهم مالفنة اإليمان ورُعاة الكنيسة‪ .‬انه يتق ّدم اليهم بمثابة‬
‫أدا ٍة في القيام بمه ّمتهم أي بتعليم شعب هللا‪ .‬وهو يتوجّ ه‪ ،‬من خالل األساقفة‪،‬‬
‫إلى واضعي التعاليم المسيحية‪ ،‬والى الكهنة ومعلّمي التعليم المس ّ‬
‫يحي‪.‬‬
‫مجال قراء ٍة ُمفيدة‪.‬‬
‫َ‬ ‫وسيكون أيضا لسائر المؤمنين المسيحيّين‬

‫‪ -4‬هيكليّة هذا التعليم‬

‫‪ -03‬يستوحي تصمي ُم هذا التعليم التقلي َد العظي َم الوار َد في التعاليم التي‬


‫حور التعليم المسيحي حول أربعة “أعمدة”االعتراف بإيمان المعمودية‬ ‫تُ َم ِ‬
‫(قانون االيمان)‪ ،‬أسرار اإليمان‪ ،‬حياة االيمان (الوصايا)‪ ،‬صالة المؤمن‬
‫(أبانا)‪.‬‬

‫الجزء األول‪ :‬اإلعترف باإليمان‬


‫‪4‬‬
‫‪ -04‬على الذين انتموا الى المسيح باإليمان والمعمودية أن يعترفوا بإيمان‬
‫المسيحي يعرض أوالً ما يقوم به الوحي‬
‫ّ‬ ‫معموديّتهم أمام البشر‪ .‬ولهذا فالتعليم‬
‫الذي به يخاطبُ هللاُ اإلنسان ويق ّدم له ذاته‪ ،‬واإليمان الذي يجيبُ به االنسان‬
‫هللاَ (القسم االول)‪ .‬في قانون االيمان خالصة المواهب التي يتلقّاها اإلنسان‬
‫من هللا صانع كلّ خير‪ ،‬وفا ٍد‪ ،‬ومق ّدس‪ ،‬وهي فيه ثالثة فصول "‬
‫الكلي القدرة‪ ،‬الخالق‪ ،‬ويسوع المسيح‪،‬‬‫ّ‬ ‫معموديتنا اإليمان بإله واحد‪ :‬اآلب‬
‫ابنه‪ ،‬ربِّنا ومخلِّصنا‪ ،‬والروح القدس في الكنيسة المق ّدسة (القسم الثاني)‪.‬‬

‫الجزء الثاني‪ :‬أسرار اإليمان‬

‫‪ -05‬القسم الثاني من التعليم المسيحي يعرض كيف ان خالص هللا‪ ،‬الذي‬


‫حقّقه تحقيقاً نهائيّا ً المسي ُح يسوع والرو ُح القدس‪ ،‬قد أصبح حاضراً في أعمال‬
‫ليترجيّا الكنيسة المقدسة (القسم األول)‪ ،‬وخصوصا ً في االسرار السبعة‬
‫(القسم الثاني)‪.‬‬

‫الجزء الثالث‪ :‬حياة اإليمان‬

‫‪ -06‬القسم الثالث من التعليم المسيحي يق ّدم الغايّة القصوى لإلنسان‬


‫المخلوق على صورة هللا‪ :‬السّعادة‪ ،‬وسبُل بلوغها‪ :‬بعمل قويم وحرّ ‪ ،‬بمعونة‬
‫بعمل يحقّق وصيّة المحبّة المزدوجة‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫الشريع ِة ونعمة هللا (القسم األول)‪،‬‬
‫منتشرةً في وصايا هللا العشر (القسم الثاني)‪.‬‬

‫الجزء الرابع‪ :‬الصالة في حياة االيمان‬

‫‪ -07‬القسم االخير من التعليم المسيحي يعالج معنى الصّ الة وأهميتَها في‬
‫حياة المؤمنين‬
‫(القسم االول)‪ .‬وهو ينتهي بشرح وجيز لطلبات الصّ الة الربيّة السّبع (القسم‬
‫الخيور التي يجب أن نرتجيها والتي يريد أبونا‬ ‫الثاني)‪ .‬ففيها نجد ُمج َمل ُ‬
‫السّماوي أن يمنحناها‪.‬‬

‫‪ -5‬إرشادات عمليّة الستعمال هذا التعليم‬

‫‪5‬‬
‫صو َر هذا التعليم عَرضا ً عًضويّا ً للعقيدة الكاثوليكية كلّها‪ .‬فيجب من‬
‫‪ -08‬تُ ِّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ثَ َّم أن يُقرأ على أنه وحدة‪ .‬إحاالت كثيرة في هامش النص (أرقا ٌم بحرف مائل‬
‫ٌ‬
‫تعود الى ِفقَ ٍر أخرى تعال ُج الموضو َع نف َسه)‪ ،‬وفهرس المواد في آخر الكتاب‪،‬‬
‫كل ذلك يتي ُح الوقوع على كل مادة في عالقتها بمجمل العقيدة‪.‬‬

‫‪ -09‬النصوص الكتابية لم تورد بحرفيّتها في أكثر األحيان‪ ،‬وإنَما أُرفق‬


‫مرجعها في المحاشية باإلشارة “ َر “ولفهم مثل هذه المقاطع فهما ً عميقا ً‬
‫عمل في‬
‫ٍ‬ ‫يحسن الرجوع الى النصوص نفسها‪ .‬وان هذه المراجع الكتابية ألداة‬
‫التعليم الديني‪.‬‬

‫‪ -21‬استعمال الحروف الصغيرة في بعض المقاطع يدلّ على ان هناك‬


‫الدفاعي أو عروضا ً عقائدية تكميلية‪.‬‬
‫ّ‬ ‫مالحظات من النوع التاريخي‪ ،‬أو‬

‫‪ -20‬الشواه ُد الموردَة بحروف صغيرة من مصادر اآلباء‪ ،‬والليتروجيا‪،‬‬


‫ير القديسين‪ ،‬من شانها أن تُغني العرض‬
‫وسلطة الكنيسة التعليمية‪ ،‬أو من ِس َ‬
‫العقائدي‪ .‬كثيراً ما اختيرت هذه النّصوص في سبيل االستعمال التعليمي‬
‫ال ّديني المباشر‪.‬‬

‫‪ -22‬في آخر كل وحد ٍة من وحدات المادة‪ ،‬سلسلة نصوص وجيزة تُ ِّ‬


‫لخص‪،‬‬
‫بتعبير مرصوص‪ ،‬جوهر ما يلقى من تعليم‪ .‬هدف هذه الموجزات ان توحي‬
‫للتعليم المسيحي المحلّي بِ ِ‬
‫صيَ ٍغ تعبيرية تنسيقية واستذاكارية‪.‬‬

‫‪ -6‬التطبيقات الضرورية‬

‫‪ -23‬ي َش ِّد ُد هذا التعليم على العرض العقائدي‪ .‬فهو يرمي الى المساعدة في‬
‫استقصاء معرفة العقيدة‪ .‬وهو من ث ّم موجّ ه الى انضاج العقيدة‪ ،‬وترسيخها في‬
‫الحياة‪ ،‬وإشعائها في الشهادة‪.‬‬

‫‪ -24‬وليس من شأن هذا التعليم‪ ،‬باعتبار غايته نفسها‪ ،‬أن يحقّق تطبيقات‬
‫العرض والطوائف التعليمية الدينية التي تقتضيها تبايُنات الثقافات‪ ،‬واألعمار‪،‬‬
‫والنّضج الروحي‪ ،‬والحاالت اإلجتماعية والكنائسية‪ ،‬عند الذين يتوجّ ه اليهم‪.‬‬
‫إنما مرج ُع هذه التطبيقات الضرورية الى التعاليم المخصصة‪ ،‬وأكثر من ذلك‬
‫الى الذين يعلّمون المؤمنين‪" :‬على الذي يُعلّم أن “يصيركالًّ للكلّ “(‪2‬كور‪:1‬‬
‫‪6‬‬
‫بأن نوعا واحداً‬ ‫‪ ،)22‬لكي يربح الجميع ليسوع المسيح‪ .‬وأَ ِ‬
‫حر به ان ال يتوهّم ّ‬
‫من النفوس أوكل إليه‪, ،‬أنه والحالة هذه من الجائز له ان يعلّم ويُنشيء‬
‫بالتساوي جميع المؤمنين‬

‫وليحكم جيداً أن بعضهم‬


‫ْ‬ ‫"على التّقوى الحقيقية‪ ،‬بطريق ٍة واحدة ال تتغيّر أبداً!‬
‫في يسوع المسيح أطفا ٌل حديثو الوالدة‪ ،‬وأن آخرين ال يزالون كالمراهقين‪،‬‬
‫أن بعضا ً منهم كمن يمتلكون جميع قواهم‪ .‬وعلى المدعويين الى خدمة‬ ‫وأخيراً ّ‬
‫ُ‬
‫األسرار والعقيدة ونُظم األخالق‪ ،‬أن يجعلوا أقوالهم‬
‫ِ‬ ‫الكرازة‪ ،‬عند نقلهم تعلي َم‬
‫مستوى ذهنيّة ُمستمعيهم وعقلهم"‪.‬‬

‫‪ -25‬لختام هذه المقدمة يج ّدر بنا أن نُذ ّكر بها المبدأ الرّ اعوي الذي يتقدم به‬
‫التعليم المسيحي الروماني‪:‬‬
‫ً‬
‫“يجب ان تجعل غائية العقيدة والتعليم في المحبة التي ال تسقط أبدا‪ ،‬تلك‬
‫الطريق المثلى التي بيّنها الرسول بولس‪ .‬أذ إنّه من الممكن أن يُح َسنَ عرضُ‬
‫ما يجب اإليمان به‪ ،‬وارتجاؤه وعمله‪ ،‬ولكن وبنوع خاص يجب ابداً إظهار‬
‫مسيحي كامل‬
‫ّ‬ ‫عمل فضيلة‬
‫ِ‬ ‫محبة ربّنا حتى يُدرك كلُّ واح ٍد أن ليس أليّ‬
‫الصدور عن الحبّ واالنتهاء من الحب”‬ ‫المسيحية سوى ًّ‬

‫الجزء االول‬
‫االعتراف بااليمان‬
‫القسم االول ((أُؤمن)) – ((نُؤمنُ ))‬
‫‪ -26‬عندما نعترف بإيماننا نبدأ بالقول‪" :‬أؤمن”أو “نؤمن"‪ .‬فقبل ان‬
‫نعرض إيمان الكنيسة كما يُعترف به في قانون االيمان‪ ،‬ويُحتَفل به في‬
‫الليترجيا‪ ،‬ويُعاش في العمل بالوصايا والصالة‪ ،‬فلنتساءل ما معنى “آ َمنَ‬
‫“ اإليمان إجابة االنسان هلل الذي يكشف له عن ذاته ويهبها له‪ ،‬وهو في الوقت‬
‫نفسه يُؤتي االنسان نوراً فيّاضا ً في بحثه عن معنى الحياة األخير‪ .‬ونحن من‬
‫اإللهي الذي‬
‫ّ‬ ‫ث َّم ننظ ُر أوّ الً في بحث االنسان هذا (الفصل اآلول) ثم في الوحي‬
‫يُالقي فيه هللا اإلنسان (الفصل الثاني)‪ ،‬وأخيرا في جواب االيمان (الفصل‬
‫الثالث)‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫الفصل االول‬
‫اإلنسان “قاد ٌر”على (االتصال) باهلل‬
‫‪ -0‬تطلُّب هللا‬

‫‪ -27‬تطلّب هللا رغبةٌ منقوشةٌ في قلب االنسان‪ ،‬ألن االنسان خليقةٌ من هللا‬
‫وهللا‪ ،‬وهللا يجتذب االنسان إليه اجتذابا ً متواصالً‪ ،‬واالنسان لن يجد الحقيقة‬
‫والسعادة اللتين يسعى إليهما دائما ً إالّ في هللا‪:‬‬
‫“أن في دعوة االنسان هذه الى االتصال باهلل ألسمى مظهر من مظاهر‬
‫الكرامة البشرية‪ .‬ودعوة هللا هذه التي يُوجهها الى االنسان ليقيم معه حواراً‬
‫تبدأ مع بدء الوجود البشريّ ‪ .‬ذلك ان االنسان أذا ُوجد فأن هللا خلقه بمحبّ ٍة‪،‬‬
‫وهو بمحبّته يمنحه الكينونة على ال ّدوام‪ ،‬واالنسان ال يحيا حياة كاملة بحسب‬
‫الحق االّ اذا اعترف اعترافا ً حُ رّ اً بهذه المحبّة وسلّم أمره لخالقه"‪.‬‬
‫‪ -28‬عمد البشر على مدى تاريخهم والى اليوم‪ ،‬الى طرائق متعددة للتعبير‬
‫عن تطلّبهم هللا بعقائدهم وسولكهم الديني (صلوات‪ ،‬ذبائح‪ ،‬عبادات وطقوس‪،‬‬
‫تأ ُّمالت‪ ،‬ألخ‪ ).‬وعلى ما قد يكون في هذه الطرائق التّعبيريْة من مالبسات‪،‬‬
‫فإنّها عا ّمة الى ح ّد أننا نستطيع ان نس ّمي اإلنسان كائنا متديّناً‪.‬‬
‫إن هللا “صنع من واح ٍد ك َّل أ ّم ٍة من البشر‪ ،‬ليسكنوا على وجه االرض كلّها‪،‬‬ ‫ّ‬
‫ّ‬
‫مح ّددا (لهم) مدى األزمنة وتخوم مساكنهم‪ ،‬لكي يطلبوا هللا‪ ،‬لعلهم يجدونه‬ ‫ً‬
‫متل ّمسين‪ ،‬مع أنه غي ُر بعي ٍد من كلِّ واح ٍد منّا‪ ،‬أذ به نحيا ونتحرّ ك ونوجد”(أع‬
‫‪.)22-21 :71‬‬

‫‪ -29‬ولكن هذه “العالقة الحميمة والحيويّة التي تجمع بين االنسان وهللا”قد‬
‫ينساها اإلنسان ويتجاهلها أو قد يتوصّ ل الى رفضها رفضا ً صريحا ً‪ .‬وقد‬
‫يكون لمثل هذه المواقف أسبابٌ شديدة التنوّ ع‪ :‬الثّورة على الشرّ في العالم‪،‬‬
‫الجهل أو االّإكتِراث في ال ّدين‪ ،‬هموم العالم وهموم الغنى‪ ،‬سلوك المؤمنين‬
‫السيء‪ ،‬التيّارات الفكرية المعادية للدين‪ ،‬وأخيراً هذا الموقف الذي يقفه‬‫ّ‬
‫ً‬
‫االنسان الخاطئ فيختبئ‪ ،‬خوفا‪ ،‬من أمام وجه هللا‪ ،‬ويهرب من دعائه‪.‬‬

‫‪“ -31‬االبتهاج لقلوب ُملتميس هللا “(مز ‪ )3 :721‬اذا كان بإمكان اإلنسان‬
‫ان ينسي هللا أو يرفضه‪ّ ،‬‬
‫فأن هللا ال يفتأ يدعو كل انسان الى التماسه لكي يحيا‬
‫أن هذا اإللتماس يقتضي من االنسان َجه َد عقله الكامل‪،‬‬‫ويبلغ السعادة‪ .‬إالّ َّ‬

‫‪8‬‬
‫واستقامة إرادته‪ ،‬و”قلبا ً مستقيماً"‪ ،‬كما يقتضي أيضا ً شهادة اآلخرين الذين‬
‫يعلّمونه كيف يلتمسُ هللا‪.‬‬

‫“إنك عظيم يا رب‪ ،‬وأه ٌل ألسمى مديح‪ :‬عظيمةٌ قدرتك وليس لحكمتك ح ّد‪.‬‬
‫واإلنسان‪ ،‬هذا الجزء الصغير من خليقتك‪ ،‬ي ّدعي مدحك‪ ،‬هذا االنسان ذاته‪،‬‬
‫في تلبّس حاله القابلة للموت‪ ،‬يحمل في ذاته شهادة إثمه‪ ،‬وال ّشهادة على أنّك‬
‫تُقاو ُم المتكبّرين‪ .‬مع ذلك كلّه‪ ،‬يري ُد اإلنسان‪ ،‬هذا الجزء الصغير من خليقتك‪،‬‬
‫يريد ان يمدحك‪ .‬أنت نفسُك تحضّ ه على ذلك‪ ،‬إذ تجعله يجد متعةً في‬
‫تسبيحك‪ ،‬ألنك خلقتنا لك‪ ،‬وألن قلبنا ال يجد الرّاحة إالّ عندما يستقلرّ فيك"‪.‬‬

‫‪ 2‬المداخل الى معرفة هللا‬

‫‪ -30‬اإلنسان الذي ُخلق على صورة هللا‪ ،‬ودُعي الى معرفة هللا ومحبّته‪،‬‬
‫يجد عند التماسه هللا بعض "ال ُّسبُل”للدخول في معرفة هللا‪ ،‬وهي تُدعى أيضاً‬
‫“ شواهد على وجود هللا"‪ ،‬ال بمعنى البراهين التي تطلبها العلوم الطبيعية‪ ،‬بل‬
‫بمعنى "األدلّة المتالقية وال ُمقنعة”التي تتيح الوصول الى حقائق ثابتة‪.‬‬
‫هذه "ال ّسبُل”لمقاربة هللا تنطلق من الخليقة‪ :‬العالم الما ّدي وال ّشخص البشري‪.‬‬

‫‪ -32‬العالم‪ :‬إنطالقا ً من الحركة والصّيرورة‪ ،‬من إمكان الحدوث‪ ،‬من نظام‬


‫العالم وجماله‪ ،‬تصب ُح من الممكن معرفة هللا مبدأ وغاية للكون‪.‬‬

‫شأن األمم‪“ :‬ما قد يُعرف عن هللا واض ٌح لهم‪ ،‬إذ ّ‬


‫إن‬ ‫القديس بولس يثبت في ِ‬
‫فإن صفاته غير المنظورة‪ ،‬والسيّما قدرته‬ ‫هللا (هو نفسه) قد أوضحه لهم‪ّ .‬‬
‫ً‬
‫األزلية وألوهيته‪ ،‬تُبصر منذ خلق العالم‪ُ ،‬مدركة بمبروءاته”(رو ا‪.)22-71:‬‬
‫والقديس أغوسطينوس يقول‪“ :‬سائِل جمال األرض‪ ،‬سائل جمال البحر‪ ،‬سائل‬
‫جمال الهواء الذي يتم ّدد وينتشر‪ ،‬سائل جمال السماء‪ ،‬سائل هذه الحقائق كلّها‪.‬‬
‫فتُجيبك كلُّها‪ :‬أنظَر نحنُ جميالت‪ .‬وجمالها اعتراف‪ .‬هذه الجماالت القابلة‬
‫التغيُّر‪ ،‬هل صنعها إالّ الجميل الذي ال يقبل التّغيُّر"‪.‬‬

‫‪ -33‬اإلنسان‪ :‬مع انفتاح اإلنسان على الحق والجمال‪ ،‬ومع تحسّبه للخير‬
‫األدبي‪ ،‬وحرّ يته وصوت ضميره‪ ،‬ومع توقه إلى ما ال ينتهي وإلى السّعادة‪،‬‬
‫ت من نفسه‬ ‫فهو يتسا َءل عن وجود هللا‪ .‬وهو في كل ذلك يلم ُح إشارا ٍ‬

‫‪9‬‬
‫الروحانيّة‪“ .‬إن زر َع الخلود الذي حمله في ذاته والذي ال ينتهي في الما ّدة”إن‬
‫نفسه ال يمكن أن يكون مبدأُها في غير هللا وحده‪.‬‬

‫‪ -34‬العالَم واإلنسانُ يثبتان أن ليس لهما في ذاتهما مبدأُهما األول وال‬


‫غايتهما األخيرة‪ ،‬ولكنهما يشتركان في الكائن بذاته الذي ال مبدأ له وال نهاية‪.‬‬
‫وهكذا يستطيع اإلنسان بهذه "السبل”المختلفة في معرفة وجو ِد حقيق ٍة هي‬
‫المبدأ األول والغاية األخيرة لكل شيء‪ ،‬وهي‬
‫“التي يس ّميها الجميع هللا"‪.‬‬

‫شخصي‪ .‬ولكن‬
‫ّ‬ ‫‪ -35‬إن قوى اإلنسان تجعلُه قادراً على معرفة وجو ِد إل ٍه‬
‫لكي يتم ّكن اإلنسان من الدخول في ألف ِة هللا‪ ،‬أراد هللا أن يكشف له عن ذاته‪،‬‬
‫وأن يمنحه النعمة التي تم ّكنه من تقبّل هذا الوحي في اإليمان‪ .‬وعلى كل حال‪،‬‬
‫فاألدلّة على وجود هللا من شأنها ان تُع َّد لإليمان وأن تُساعد التثبُّت في أن ال‬
‫خالف بين االيمان والعقل البشري‪.‬‬

‫‪ -3‬معرفة هللا في رأي الكنيسة‬

‫علم أنه من الممكن أن يُعرف هللا‪،‬‬ ‫إن أُ ّمنا الكنيسة المقدسة ترى وتُ ّ‬
‫‪ّ “ -36‬‬
‫االنساني الطبيعي إنطالقاً‬
‫ّ‬ ‫مبدأ كل األشياء وغايتها‪ ،‬معرفة يقين بنور العقل‬
‫وحي‬
‫َ‬ ‫من األشياء المخلوقة "‪ .‬وبدون هذه المقدرة ال يستطيع االنسان أن يتقبّل‬
‫ق على صورة هللا”(تك ‪.)21 :7‬‬ ‫هللا‪ .‬وهو ينع ُم بهذه المقدرة ألنه مخلو ٌ‬

‫‪ -37‬واالنسان‪ ،‬في الحاالت التاريخية التي يوجد فيها‪ ،‬يُعاني صعوبات‬


‫كثيرة في اعتماده على نور العقل وحده لمعرفة هللا‪.‬‬

‫“وإن كان في استطاعة العقل البشري‪ -‬نقول ذلك في بساطة‪ -‬أن يتوصّ ل‪،‬‬
‫شخصي معرفةً حقيقيةً وثابتة‪،‬‬
‫ّ‬ ‫بقواه الطبيعية ونوره الطبيعي‪ ،‬الى معرفة إله‬
‫س طبيعي جعله الخاق‬ ‫إله يصون العالم ويَسوسه بعنايته‪ ،‬والى معرفة نامو ٍ‬
‫في نفوسنا‪ ،‬فهنال ك مع ذلك عقبات كثيرة تحول دون أن يستعمل هذا العقل‬
‫نفسُه طاقتهُ الطبيعية إستعماالً ناجعا وذا فائدة‪ ،‬ألن الحقائق التي تتعلّق باهلل‬
‫وبالبشر تفوق‪ ،‬على وج ٍه مطلق‪ ،‬نظام األشياء الحسية‪ ،‬وإذا كانت في سياق‬
‫ُّ‬
‫والزهد‪.‬‬ ‫بذل ّ‬
‫الذات‬ ‫أن تُترجم الى عمل وإلى أن تصبغ الحياة‪ ،‬فهي تقتضي َ‬
‫وفي سبيل الحصول على مثل هذه الحقائق تُعاني النّفسُ البشرية صعوبات‬
‫‪10‬‬
‫من قِبَل الحواس المخيِّلة‪ ،‬كما من قبل الميول الشرّيرة الناتجة عن الخطيئة‬
‫ع عند البشر‪ ،‬في مثل هذه المواد‪ ،‬بعدم صوابيّة‬ ‫األصلية‪ .‬من هنا يسهُل االقتنا ُ‬
‫األشياء التي يتمنّون لها عدم الصوابيّة‪ ،‬أو على األقل عدم ثباتها"‪.‬‬

‫‪ -38‬ولهذا فاإلنسان بحاجة الى أن ينيره وح ُي هللا‪ ،‬ليس في ما يفوق‬


‫إدرا َكه وحسبُ ‪ ،‬ولكن في أمر “الحقائق الدينية واألخالقية أيضا ً التي ال يعجز‬
‫العقل عن إدراكها‪ ،‬وذلك لكي تصبح‪ ،‬في الوضع الحالي للجنس البشري‪،‬‬
‫معروفةً لدى الجميع في غير عُسر‪ ،‬معروفةً معرفةً أكيدةً ثابتة وال يشوبها‬
‫ضالل"‪.‬‬

‫‪ -4‬كيف التكلّم على هللا‬

‫‪ -39‬مع الدفاع عن مقدرة القل البشري على معرفة هللا‪ ،‬تُعبّر الكنيسة عن‬
‫ثقتها في إمكان التكلّم على هللا لجميع البشر ومع جميع البشر‪ .‬وهذا األقتناع‬
‫ق حوارها مع سائر األديان‪ ،‬ومع الفلسفة والعلوم‪ ،‬وكذلك مع الكفرة‬ ‫هو منطل ُ‬
‫والملحدين‪.‬‬

‫‪ -41‬وأذ كانت معرفتنا هلل محدودة‪ ،‬فكالمنا على هللا محدود أيضاً‪ .‬إننا ال‬
‫نستطيع أن نس ّمي هللا إالّ انطالقا ً من المخلوقات‪ ،‬وعلى طريقتنا البشرية‬
‫المحدودة في المعرفة والتفكير‪.‬‬

‫‪ -40‬في جميع المخلوقات بعضُ الشبه باهلل‪ ،‬وال سيّما اإلنسان المخلوق‬
‫على صورة هللا ومثاله‪ ،‬فالكماالت المتعددة في الخالئق (حقيقتها‪ ،‬وصالحها‪،‬‬
‫وجمالها) تعكس إذن كمال هللا الالمتناهي‪ .‬ولنا من ث ّم أن نسمي هللا إنطالقاً‬
‫من كماالت خالئقه‪“ ،‬فإنّه بِ ِعظَم المبروءات وجمالها ي َ‬
‫ُبص ُر ناظرُها على‬
‫طريق المقايسة"‪( .‬حك ‪.)1 :73‬‬

‫‪ _42‬هللا يسمو على كل خليقة‪ .‬فيجب علينا من ث ّم وعلى الدوام تنقيةُ كالمنا‬
‫من كل ما فيه من محدود‪ ،‬و ُمتخيّل‪ ،‬وناقص‪ ،‬حتى ال نخلط هللا “الذي ال يفي‬
‫وصف‪ ،‬وال يح ُّده عقلٌ‪ ،‬وال يُرى وال يُدرك”بتصوراتنا البشرية إن أقوالنا‬ ‫ٌ‬ ‫به‬
‫البشرية تظلُّ أبداً دون سرّ هللا‪.‬‬
‫‪ -43‬عندما نتكلّم هكذا على هللا‪ ،‬يُعّبر كال ُمنا تعبيرا بشريّا‪ ،‬ولكنه في‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫الحقيقة يصل إلى هللا نفسه‪ ،‬وإن لم يتم ّكن مع ذلك من التعبير عنه في ال نهاية‬
‫‪11‬‬
‫بساطته‪ .‬ومن ثم يجب أن نتذ ّكر أنّه “مهما كان من شب ٍه بين الخالق‬
‫والمخلوق‪ ،‬فاإلختالف بينهما أعظ ُم أيضاً"‪ ،‬وأننا “ال نستطيع أن نعرف ِمن‬
‫هللا ما هو‪ ،‬بل ما ليس هو فقط‪ ،‬وكيف تق ُع الكائنات األخرى بالنسبة اليه"‪.‬‬

‫‪ _44‬االنسان بطبيعته وبدعوته كائن متديّن‪ .‬وإن كان االنسان آتي ًا من هللا‬
‫وذاهب ًا نحوه‪ ،‬فهو ال يحيا حيا ًة بشرية كاملة إ ّال إذا عاش حرّ ًا في صلته هللا‪.‬‬

‫‪ -45‬االنسان مصنوع لكي يعيش في شركة مع هللا وفيه يجد سعادته‪:‬‬


‫“عندما أصي ُر ب ُك ّليتي فيك ُأصبح أبد ًا في نجا ٍة من الغ ّم والش ّدة‪ ،‬وعندما تصير‬
‫حياتي مليئ ًة بك‪ ،‬تكون قد بلغت غايتها”‬

‫‪ -46‬عندما يُصغي االنسان الى شهادة المبروءات والى صوت ضميره‪،‬‬


‫يستطيع ان يبلغ الى اليقين في ما هو من وجود هللا‪ ،‬مصدر كل ّشيء وغايته‪.‬‬

‫ان هللا الواحد الحقيقي‪ ،‬خالقنا وربّنا‪ُ ،‬تمكن معرفته‬ ‫‪ -47‬الكنيسة ّ‬


‫تعلم ّ‬
‫معرف ًة أكيدة عن طريق صانعه بنور العقل البشري الطبيعي‪.‬‬

‫‪ -48‬نستطيع في الحقيقة أن نس ّمي هللا انطالق ًا من الكماالت المتع ّددة في‬


‫الخالئق‪ ،‬تلك المماثالت هلل في ال نهاية كماله‪ ،‬وإن قصّ َر تعبيرنا المحدود عن‬
‫إستيعاب سرّ ه‪.‬‬

‫‪“ -49‬الخليقة تتالشى بدون الخالق"‪ .‬ولهذا فالمؤمنون يستشعرون في‬


‫ذواتهم محبّ َة المسيح تحضّ هم على أن يحملوا نور هللا الحي الى الذين يجهلونه‬
‫أو يرفضونه‪.‬‬

‫الفصل الثاني‬
‫هللا في ُمالقاة االنسان‬

‫‪ – 51‬اإلنسان يستطيع بالعقل الطبيعي أن يعرف هللا معرفة يقينيّة إنطالقاً‬


‫أن هناك نظا َم معرف ٍة آخر يعجز االنسان عن بلوغه بقواه‬ ‫من صانعه‪ .‬إالّ َّ‬
‫الطبيعية‪ ،‬هو نظام الوحي االلهي‪ .‬فإن هللا‪ ،‬بقرار منه حُرٍّ تماماً‪ ،‬يكشف عن‬
‫‪12‬‬
‫ذاته ويهبها لالنسان‪ .‬أنه يقوم بذلك عندما يوحي بسرّ ه‪ ،‬بقصده العطوف الذي‬
‫عقده في المسيح منذ األزل لصالح جميع البشر‪ ،‬أنه يكشف عن قصده كشفاًًُ‬
‫كامالً بإرساله ابنَه الحبيب‪ ،‬سيدنا يسو َع المسيح‪ ،‬والروح القدس‪.‬‬

‫المقال األول‬
‫وح ُي هللا‬

‫‪ -0‬هللا يوحي ب "قصده العطوف "‬

‫‪“ -50‬لقد حُسن لدى هللا‪ ،‬لفرط حكمته ومحبته‪ ،‬أن يوحي بذاته ويُعلنَ س َّر‬
‫أن البشر يبلغون اآلب‪ ،‬في الروح القدس‪ ،‬بالمسيح‪ ،‬الكلمة‬ ‫مشيئته من َّ‬
‫المتجسّد‪ ،‬فيُصبحون شركاءه في الطبيعة اإللهية"‪.‬‬

‫إن هللا الذي “يسكن نوراً ال يُدنى منه”(‪7‬تي ‪ )71 :1‬يريد ان يُشرك‬ ‫‪ّ -52‬‬
‫البشر في حياته اإللهية الخاصّ ة‪ ،‬البشر الذين خلقهم بحريّة‪ ،‬لكي يجعل منهم‪،‬‬
‫في ابنه الوحيد‪ ،‬أبنا ًء بالتبنّي‪ .‬فعندما يكشف هللا عن ذاته يريد ان يجعل البشر‬
‫قادرين على االستجابة له‪ .‬وعلى ان يعرفوه ويُحبّوه أكثر من كلّ ما قد‬
‫يستطيعونه بقواهم الذاتيّة‪.‬‬

‫وأقوال‬
‫ٍ‬ ‫بأعمال‬
‫ٍ‬ ‫‪ -53‬إن قصد الوحي اإللهي يتحقق في الوقت نفسه “‬
‫وثيقة االرتباط في ما بينها‪ ،‬وموضح بعضها للبعض اآلخر"‪ .‬إنه يقدم على‬
‫الهي “خاص‪ :‬هللا يتّصل باالنسان تدريجيّاً‪ ،‬يُع ّده مرحليّا ً لتقبّل‬
‫ّ‬ ‫“نظام تربوي‬
‫ّ‬
‫الوحي الفائق الطبيعة الذي يكشف فيه عن ذاته والذي سيبلغ أوجه في شخص‬
‫الكلمة المتجسد‪ ،‬يسوع المسيح‪ ،‬وفي رسالته‪.‬‬

‫اإللهي‬
‫ّ‬ ‫كثيرا ما يتكلّم القديس ايريناوس أسقف ليون على هذا النظام التربويّ‬
‫في شكل تعوّد متبادل بين هللا واالنسان‪" :‬‬
‫كلمة هللا سكن في االنسان وصيّر ذاته إبنا ً لالنسان لكي يعوّد اإلنسان على‬
‫إدراك هللا‪ ،‬ويعوّ د هللا على الحلول في االنسان‪ ،‬وفاقا ً لما يرتضيه اآلب"‪.‬‬

‫‪ -2‬مراحل الوحي‬
‫عرف هللا بذاته‬
‫منذ البدء يُ ّ‬
‫‪13‬‬
‫‪“ -54‬هللا الذي خلق ويحفظُ بالكلمة جمي َع األشياء‪ ،‬يُق ّدم للبشر في‬
‫األشياء المخلوقة شهادةً على ذاته ال تنقطع‪ ،‬وإذ أراد فوق ذلك أن يفتح‬
‫الطريق نحو خالص أسمى‪ ،‬أظهر أيضا ً ذاته‪ ،‬منذ البدء‪ ،‬ألبَ َوينا األوّ لَين"‪ .‬لقد‬
‫دعاهما الى شركة حميمة مع ذاته ُملبسا ً إيّاهما نعمةً واستقامةً ُمتألّقتين‪.‬‬

‫‪ -55‬هذا الوحي لم ينقطع بسبب خطيئة أبَ َوينا األوّ لَين‪ّ ،‬‬
‫فإن هللا‪“ ،‬بعد‬
‫عثرتهما‪ ،‬وعدهما بفداء‪ ،‬وبعث فيها الشجاعة عندما أحيا فيهما أألمل‬
‫بالخالص‪ ،‬وبغير انقطاع أظهر اهتمامه بالجنس البشري‪ ،‬حتى يمنح الحياة‬
‫األبديّة لجميع الذين يلتمسون الخالص بثباتِهم في الصالح"‪.‬‬
‫“عندما خسر صداقتك بانحرافه عنك‪ ،‬لم تُسلمه الى سلطان الموت‪ .‬لقد ع ّددت‬
‫معهم العهود “‬

‫العهد مع نوح‬

‫تمزقت بالخطيئة وحدةُ الجنس البشري‪ ،‬سعى هللا أوالً في‬ ‫‪ -56‬بعدما ّ‬
‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬
‫تخليص البشريّة معالجا أجزاءها كال على حدتِه‪ .‬فالعهد مع نوح‪ ،‬بعد‬
‫الطوفان‪ ،‬تعبير عن مبدأ التّدبير اإللهي في شأن “األمم "‪ ،‬أي في شأن البشر‬
‫الذين عادوا الى التج ّمع “بحسب بلدانهم "‪ ،‬كلٌّ بحسب لغته وعشائره”(تك‬
‫‪.)1 :72‬‬

‫‪ -57‬هذا النظام الكوني واالجتماعي والديني معا ً في تعددية األمم‪ ،‬هو ُم َع ٌّد‬
‫للح ّد من كبرياء بشريّة عاثرة تو ُّد‪ ،‬وهي غارقة بمجملها في الفساد‪ ،‬لو تصنع‬
‫بنفسها وح َدتَها على طريقة بابل‪ .‬ولكن‪ ،‬بسبب الخطيئة‪ ،‬ال يفتأ ال ّشرك وت َعبّ ُد‬
‫ورئيسها لألصنام‪ ،‬يهدِّدان هذا التدبير الموقّت بفساد وثني‪.‬‬
‫ِ‬ ‫األم ِة‬

‫‪ -58‬العهد مع نوح قائم ما دام زمنُ األمم‪ ،‬إلى ان يع َّم اعالن اإلنجيل‪.‬‬
‫والتوراة تُشيد ببعض الشخصيّات العظيمة في (األمم) من أمثال (هابيل‬
‫الصديق)‪ ،‬والملك الكاهن ملكيصادق‪ ،‬صورة المسيح‪ ،‬أو الص ّديقين (نوح‬
‫ودانيال وأيّوب) (حز ‪.)74:74‬‬
‫وهكذا فالكتاب المق ّدس يُعبّر عن أيّ مستوى رفيع من القداسة يصلوا اليه من‬
‫يعيشون على حسب العهد مع نوح في انتظار أن (يجمع المسيح أبناء هللا‬
‫المتفرّ قين الى واحد)‬
‫‪14‬‬
‫(يو ‪.)12 :77‬‬

‫هللا يتتار ابراهيم‬

‫‪ -59‬إن هللا يختار أبرام لكي يجمع البشريّة المشتّتة‪ ،‬داعيا ً أيّاه “الى خارج‬
‫أرضه وعشيرته وبيت أبيه”(تك ‪ ،)7 :72‬حتى يجعل منه إبراهيم “أبا‬
‫جمهور أ َمم”(تك ‪:)1 :71‬‬
‫ِ‬
‫“يتبارك بك جميع عشائر األرض”(تك ‪.)3 :72‬‬

‫‪ – 61‬الشعب سلي ُل إبراهيم سيكون المؤتَمن على الوعد المقطوع لألجداد‪،‬‬


‫الشعب المختار‪ ،‬المدعوّ إلعداد تج ُّمع جميع أبناء هللا يوما ً في وحدة الكنيسة‪،‬‬
‫ُغرس فيه الوثنيون المهتدون‪.‬‬ ‫سيكون الجذر الذي ي َ‬

‫‪ -60‬األجداد واألنبياء وأشخاصٌ آخرون من العهد القديم كانوا وسيكونون‬


‫إجالل كق ّديسين في جميع تقاليد الكنيسة الليتٌرجيّة‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫أبداً موضوع‬

‫هللا ينشيء شعبه إسرائيل‬

‫خلصه من عبودية‬ ‫‪ -62‬هللا نشأَ‪ ،‬بعد األجداد‪ ،‬إسرائيل شعبا ً له عندما ّ‬


‫مصر‪ .‬فعقد معه عهد سيناء‪ ،‬وأعطاه على يد موسى‪ ،‬شريعةه‪ ،‬لكي يعرفه‬
‫ويخدمه إلها ً واحدا‪ ،‬حيّا ّ وحقيقيّاً‪ ،‬أبا ً ذا عناية وقاضيا ً عادالً‪ ،‬ولكي ينتظر‬
‫المخلّص الموعو َد به‪.‬‬

‫‪ _63‬إسرائيل هو شعب هللا الكهنوتي‪ ،‬الذي “ألقي عليه اس ُم الربّ ”(تث‬


‫‪ )72 :22‬إنه شعب أولئك الذين “تكلم هللا اليهم أوّ الً "‪ ،‬شعبُ “اإلخوة األبكار‬
‫“في إيمان إبراهيم‪.‬‬

‫‪ -64‬باألنبياء نشأ َ هللا شعبه على رجاء الخالص‪ ،‬على انتظار عهد جديد‬
‫وأبديّ ُم َع ٍّد لجميع البشر‪ ،‬ومكتوب على قلوبهم‪ .‬واألنبياء يُب ّشرون بفدا ٍء‬
‫جذريّ لشعب هللا‪ ،‬بتطهيره من جميع مخالفاته‪ ،‬بخالص يشمل جميع األمم‪.‬‬
‫وسيكون البؤساء وودعا ُء الرّ بّ أكثرمن يحملون هذا الرجاء‪ .‬النساء القديسات‬
‫من أمثال سارة‪ ،‬ورفقة‪ ،‬وراحيل‪ ،‬ومريام‪ ،‬ودبورة‪ ،‬وحنّة‪ ،‬ويهوديت‬

‫‪15‬‬
‫وإستير‪ ،‬هؤالء حافظن على رجاء خالص إسرائيل حيّاً‪ .‬ووجه مريم هو أش ّد‬
‫الوجوه نقا ًء‪.‬‬

‫ع “وسيط كل الوحي وكماله"‬ ‫المسيح يسو ُ‬


‫ُ‬ ‫‪3‬‬
‫هللا قال ك ّل شيء في كلمته‬

‫‪“ -65‬ان هللا بعد أن كلّم اآلباء قديما ً باألنبياء مراراً عديدةً وبشتّى الطرق‪،‬‬
‫كلّمنا نحن‪ ،‬في هذه األيام األخيرة‪ ،‬باالبن “(عب‪ .)2-7 :7‬فالمسيح‪ ،‬ابن هللا‬
‫الذي صار إنساناً‪ ،‬هو كلمة اآلب الوحيدة والكاملة والتي ال يمكن أن يفوقها‬
‫شيء‪ .‬فيه يقول كلّ شيء‪ ،‬ولن تكون كلمة أخرى غير هذه‪ .‬والقديس يوحنا‬
‫الصّليب‪ ،‬بعد كثيرين غيره‪ ،‬يُعبّر عن ذلك بطريقة نورانيّة وهو يفسّر عب‬
‫‪:2-7:7‬‬

‫ق لديه كلمةٌ أخرى يعطيناها‪ .‬لقد قال‬ ‫“إذ أعطانا هللا إبنه الذي هو كلمته‪ ،‬لم يب ّ‬
‫لنا كل شيء معا ً ودفعةً واحدة في هذه الكلمة الوحيدة‪ ،‬وليس له شيء آخر‬
‫ألن ما كان يقوله أجزا ًء في األنبياء قاله كامالً في ابنه‪ ،‬عندما أعطانا‬ ‫يقوله‪ّ ،‬‬
‫هذا الكلّ الذي هو ابنه‪ .‬ولهذا فمن يو ُّد اآلن أن يسأله‪ ،‬أو ير ُج رؤيا روحيا‪ً،‬‬
‫مركب جنون وحسب‪ ،‬بل يُهين هللا لكونه ال يُلقي بنظره على‬ ‫َ‬ ‫فإنه ال يركبُ‬
‫س أمراً آخر‪ ،‬أو أمراً جديداً "‪.‬‬
‫المسيح وحده‪ ،‬غير ملتم ٍ‬

‫لن يكون وح ٌي آخر‬

‫زائل‬
‫ٍ‬ ‫لمسيحي هو العهد الجديد والنهائي‪ ،‬فهو غير‬
‫ّ‬ ‫‪“ -66‬إذ كان التدبير ا‬
‫ّ‬
‫علني جديد‪ ،‬إلى أن يتجلى ربُّنا يسوع‬‫ٌّ‬ ‫أبداً‪ ،‬ولن يُرتقَب بعدَه وح ٌي آخر‬
‫المسيح في مجده "‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬وإن أتى الوحي على تمامه‪ ،‬فهو لم يت ّم‬
‫عبر‬ ‫َ‬ ‫المسيحي أن يُدرك‬
‫ّ‬ ‫االفصاح الكامل عن مضمونه‪ .‬فيبقى على اإليمان‬
‫األجيال وتدريجيّا ً ما ينطوي عليه من فحوى‪.‬‬

‫وحي دُعيت “خاصّ ة "‪ ،‬واعترفت سلطة‬ ‫ٍ‬ ‫ت‬


‫‪ -67‬شهدت األجيال حاال ِ‬
‫الكنيسة ببعض منها‪ ،‬إالّ أن هذا البعض ال يُع ُّد من وديعة اإليمان‪ .‬وليس من‬
‫شأنه أن “يُحسِّنَ “أو‬
‫وحي المسيح النهائي‪ ،‬بل أن يساعد على الحياة فيه بطريقة أوفى في‬ ‫“يُك ِّمل “ َ‬
‫من مرحل ٍة من مرحل التاريخ‪ .‬وبقيادة سلطة الكنيسة التعليميّة يعرف حسُّ‬
‫‪16‬‬
‫المؤمنين أن يميّز ويتقبّل ما يكون في حاالت الوحي هذه دعوةً صحيحة‬
‫للكنيسة من المسيح أو من ق ّديسيه‪.‬‬
‫إن اإليمان المسيحي ال يستطيع أن يتقبّل “وحيا ً “ي ّدعي أنه يفوق أو يصحّ ح‬ ‫ّ‬
‫الو حي الذي كان المسيح نهايته‪ .‬تلك حال بعض األديان غير المسيحية وكذلك‬
‫خال بعض البدع الحديثة التي تقوم على مثل هذا “الوحي "‪.‬‬

‫بإيجاز‬

‫‪ -68‬بدافع المحبّة كاشف هللا اإلنسان بنفسه وأعطاه ذاته‪ .‬وهو يق ّدم بذلك‬
‫جواب ًا نهائيّ ًا ومستفيض ًا عن األسئلة التي يطرحها اإلنسان على نفسه في‬
‫موضوع معنى حياته وغايتها‪.‬‬

‫‪ -69‬كاشف هللا اإلنسان بنفسه وهو يُلقي إليه بسرّه الخاص تدريجيّ ًا وذلك‬
‫بأعمال وأقوال‪.‬‬

‫‪ -71‬باإلضافة الى الشهادة التي يقدمها هللا عن ذاته في األشياء المخلوقة‪،‬‬


‫كاشف أب َوينا األو َّالين بنفسه‪ ،‬لقد خاطبهما‪ ،‬وبعد العثرة‪ ،‬وعدهما بالخالص‬
‫وق ّدم لهما عهده‪.‬‬

‫‪ -70‬أبرم هللا مع نوح ٍ عهد ًا أبديّ ًا ما بينه وبين كلّ نفس ح ّي‪ ،‬ولسوف يدوم‬
‫ما دام العالم‪.‬‬

‫‪ -72‬إخار هللا إبراهيم وقطع عهد ًا معه ومع نسله‪ ،‬ومن إبراهيم ونسله َ‬
‫أنشأ‬
‫شعبَه الذي أوحى إليه بشريعته بواسطة موسى‪ .‬فأع ّده باألنبياء لتقبُّل الخالص‬
‫الذي ُخصّ ت به البشريّة ّ‬
‫كلها جمعاء‪.‬‬

‫ي الكامل عندما أرسل ابنه الخاصّ الذي أقام‬‫‪ -73‬وقد أوحى هللا بنفسه الوح َ‬
‫ي آخر‪.‬‬
‫فيه عه َده ُ الى األبد‪ .‬وهو كلمة اآلب النهائيّة‪ ،‬بحيث ال يكون بعده وح ٌ‬

‫المقال الثاني‬
‫تناقل الوحي اإللهي‬
‫‪17‬‬
‫ق “(‪7‬تي‬ ‫أن جميع الناس يخلُصون ويبلغون الى معرفة الح ّ‬ ‫‪ -74‬هللا “يريد َّ‬
‫ب‬ ‫َّ‬
‫‪ )4 :2‬أي معرفة المسيح يسوع‪ .‬فيجب اذن أن يُبَش َر بالمسيح جمي ُع الشعو ِ‬
‫وجميع البشر‪ ،‬وأن يصل هكذا الوح ُي الى أقاصي العالم‪.‬‬
‫“إن هللا الذي كشف حقائق الوحي لتخلُص به جميع األمم‪ ،‬عاد َّ‬
‫فمن عليهم‬
‫ت مالئمة‪ ،‬لكي يحافظ هذا الوح ُي على عصمته حتى منتهى‬ ‫أيضا ً بترتيبا ٍ‬
‫الدهور‪ ،‬ويتم ّكن من الوصول‪ ،‬عبر تناقله‪ ،‬الى جميع األجيال "‪.‬‬

‫الرسولي‬
‫ّ‬ ‫‪ 7‬التقليد‬

‫العلي‪ ،‬بعد ان حقق في‬


‫ّ‬ ‫‪“ -75‬المسيح السيّد الذي فيه يكتمل كلّ وحي هللا‬
‫اإلنجيل الذي مهّد له األنبياء بمواعيدهم‪ ،‬أمر رسلَه أن‬
‫َ‬ ‫حياته وأعلن بلسانه‬
‫يبشروا الناس أجميعين بهذا االنجيل‪ ،‬منبعا لكل حقيقة خالصية‪ ،‬ومصدراً‬
‫لقي‪ ،‬ويسبغوا هكذا على الجميع المواهب اإللهيّة "‪.‬‬‫لكل نظام ُخ ّ‬

‫الكرازة الرسولية‬

‫‪ -76‬نق ُل اإلنجيل‪ ،‬وفقا ً ألمر الرّ ب‪ ،‬جرى على وجهين‪:‬‬


‫شفويّا ً‪“ :‬على لسان الرسل الذين نقلوا‪ ،‬عن طريق بشارتهم الشفويّة‪ ،‬أو‬
‫سيرتهم النموذجية‪ ،‬أو تنظيمهم القانوني‪ ،‬كلّ ما تسلّموه من المسيح من كالم‬
‫أعمال عاينوها‪ .‬كما نقلوا أيضا ً كلّ ما تلقّنوه من‬
‫ٍ‬ ‫سمعوه‪ ،‬أو عيش ألِفوه‪ ،‬أو‬
‫إيحاءات الروح القدس"‪.‬‬
‫كتابةً‪“ :‬على يد هؤالء الرسل ومعاونيهم الذين دوّنوا بشارة الخالص هذه‪،‬‬
‫بإلهام من الروح القدس عينه "‪.‬‬

‫سولي‬
‫ّ‬ ‫الر‬
‫مواصلة التعاقب ّ‬

‫‪“ -77‬لكي تحافظ بشارة اإلنجيل على نقاوتها وحيويّتها بال انقطاع‪،‬‬
‫استخلف الرسل أساقفة‪“ ،‬وقلّدوهم ما كانوا يضطلعون به من مسؤولية التعليم‬
‫"‪ .‬وهكذا‪ ،‬ترتّب على الكرازة الرسولية التي تعبّر عنها بنوع خاصّ األسفار‬
‫الملهمة‪ ،‬أن تُحفظ سالمة‪ ،‬بتعاقب غير منقطع حتى منتهى ال ّدهر‪.‬‬

‫الحي‪ ،‬الذي يت ُّم في الروح القدس‪ ،‬يُدعى التقليد في كونه‬


‫ّ‬ ‫‪ -78‬هذا النّقل‬
‫تواصل الكنيسة‬
‫ِ‬ ‫ُمتميّزاً من الكتاب المق ّدس وإن كان وثيق االرتباط به‪ .‬به”‬
‫‪18‬‬
‫أبداً‪ ،‬ف ي تعليمها وحياتها وعبادتها‪ ،‬وتنقل إلى كل جيل كل ما هو عليه‪ ،‬وكل‬
‫ما تؤمن به"‪“ .‬إن تعليم اآلباء القديسين يشهد على حضور هذا التقليد‬
‫عمل وحيا ٍة في الكنيسة‪ ،‬عند‬
‫ٍ‬ ‫حضوراً ُمحيياً‪ :‬فهو يتحوّ ل بثروته كلّها إلى‬
‫ممارستها اإليمان وإقامتها الصالة‪.‬‬
‫‪ -79‬وهكذا فالمكاشفة التي كشف فيها اآلب عن ذاته‪ ،‬بكلمته‪ ،‬في الروح‬
‫القدس‪ ،‬هذه المكاشفة ال تزال حاضرةً وفاعلةً في الكنيسة‪“ :‬إن هللا الذي أسمع‬
‫صوته قديما ما زال يتجاذب الحديث مع عروس ابنه الحبيب‪ ،‬والروح القدس‬
‫الذي جعل صوت اإلنجيل يدوّ ي في الكنيسة‪ ،‬ومنها في العالم كلّه‪ ،‬يُدخل‬
‫المؤمنين في الحقيقة كلّها‪ ،‬ويم ّكن كالم المسيح من االستقرار في قلوبهم‬
‫بوفرة "‪.‬‬

‫‪ .2‬العالقة بين التقليد والكتاب المقدّس‬

‫ينبوع واحد مشترك‬

‫‪“ -81‬التقليد المقدس والكتاب المق ّدس ُمرتبطان أحدها باآلخر‪ ،‬ومتصالن‬
‫هي واحد‪ ،‬وال يؤلّفان‪ ،‬اذا ص َّح‬
‫إتّصاالً وثيقاً‪ ،‬اذ انهما ينبجسان من ينبوع ال ّ‬
‫القول‪ ،‬إالّ ُكالًّ واحداً‪ ،‬ويسعيان الى غاية واحدة"‪ .‬هذا وذاك يجعالن سر‬
‫المسيح في الكنيسة حاضراً وخصباً‪ ،‬المسيح الذي وعد بأن يمكث مع خاصّ ته‬
‫“أبداً "‪ ،‬الى منتهى العالم “(متى ‪.)22 :22‬‬

‫طريقتان للنقل متميّزتان‬

‫‪“ -80‬الكتاب المقدس هو كلمة هللا من حيث إنها ُمدوّنةً كتابةً بإلهام من‬
‫الروح‬
‫القدس "‪.‬‬
‫“أما التقليد المقدس فإنه يحمل كلمةُ هللا التي ألقى بها المسيح السيّد والروح‬
‫القدس إلى الرّ سُل‪ ،‬وينقلها بحذافيرها إلى خلفائهم‪ ،‬حتى اذا كرزوا بها‪ ،‬وهم‬
‫في غمرة أنوار روح الحق‪ ،‬يحافظون عليها‪ ،‬ويعرضونها وينشرونها بأمانة‬
‫"‪.‬‬

‫‪19‬‬
‫‪ -82‬ينتج من ذلك أن الكنيسة التي أودعت نقل الوحي وتفسيره‪“ ،‬ال‬
‫تقتص ُر على الكتاب المقدس في الوصول الى يقينها في جميع نقاط الوحي‪.‬‬
‫ولهذا فمن الواجب تقبّلهما وتوقيرهما كليهما بنفس عاطفة المحبّة واالحارام‪.‬‬

‫تقليد رسولي وتقاليد كنسيّة‬

‫‪ -83‬التقليد الذي نتكلّم عليه هنا يصدر من الرسل‪ ،‬وينق ُل ما أُلقي إليهم من‬
‫تعليم يسوع و ُمثله وما لَقِّنوهُ من الروح القدس‪ .‬فلم يكن بعد لدى جيل‬
‫المسيحيّين األول عهد جديد مكتوب‪ ،‬والعهد الجديد نفسُه يُثبت نهج التّقليد‬
‫الحي‪.‬‬
‫ّ‬
‫يجب ان نميّز منه “التقاليد “الالهوتية‪ ،‬والتنظيمية‪ ،‬والليتروجيّة أو التعبّدية‬
‫صيغا ً خاصّ ة يستم ّد‬
‫عبر األزمان في الكنائس المحليّة‪ .‬انها تؤلِّفُ ِ‬
‫التي نشأت َ‬
‫ق األمكنة المختلفة والعصور المختلفة‪ .‬وهي‬ ‫منها التقليد الكبير تعبيرات تواف ُ‬
‫ال تستطيع ال ّديمومة إالّ في نوره‪ ،‬مبدلة أو مهملة في حكم سلطة الكنيسة‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ّ‬
‫التعليمية‪.‬‬

‫‪ .3‬تفسير وديعة اإليمان‬


‫وديعة اإليمان معهو ٌد فيها الى كامل الكنيسة‬

‫‪ -84‬وديعة االيمان المحتواة في ال ّتقليد المق ّدس وفي الكتاب المق ّدس َع ِهد‬
‫فيها الرّ سُل إلى مجمل الكنيسة‪“ .‬ان شعب هللا المقدس كلّه‪ ،‬بارتباطه به‪ ،‬في‬
‫اتّحاده برعاته‪ ،‬يظلّ شديد األمانة لتعليم الرسل وللشركة األخويّة‪ ،‬لكسر‬
‫الخبز وللصلوات‪ ،‬بحيث يقوم‪ ،‬بالحفاظ على االيمان المنقول وممارسته‬
‫باإلعتراف به‪ ،‬بين الرّ عاة والمؤمنين وحدة روح فريدة "‪.‬‬

‫سلطة الكنيسة التعليميّة‬

‫‪“ -85‬مهمة تفسير كلمة هللا‪ ،‬المكتوبة أو المنقولة‪ ،‬تفسيراً أصيالً‪ ،‬عُهد بها‬
‫فيها إلى سلطة الكنيسة التعليميّة الحيّة وحدها‪ ،‬تلك التي تُمارس سلطانها‬
‫بالسم يسوع المسيح"‪ ،‬أي الى األساقفة الذين هم في شركة مع خليفة بطرس‪،‬‬
‫أسقف رومة‪.‬‬
‫‪“ -86‬إالّ أن هذه السلطة التعليميّة ليست فوق كلمة هللا‪ ،‬ولكنها في خدمتها‪،‬‬
‫فال تُعلِّم إالّ ما نُقل‪ ،‬اذ انّها‪ ،‬بتفويض من هللا وبعون الروح القدس‪ ،‬تُصغي‬
‫‪20‬‬
‫لهذه الكلمة بمحبّة‪ ،‬وتُحافظ عليها بتقديس‪ ،‬وتعرضها أيضاً بأمانة‪ ،‬وتستقي‬
‫من هذه الوديعة االيمانيّة الوحيدة كلّ ما تق ّدم به لإليمان على أنه وحي هللا "‪.‬‬

‫‪ -87‬وإذ يذكر المؤمنون كلمة المسيح لرسُله‪" :‬من س ِمع منكم فقد س ِمع‬
‫بخضوع التعاليم والتوجيهات التي يُلقيها إليهم‬
‫ِ‬ ‫منّي”(لو ‪ )71 :72‬يتقبّلون‬
‫بصيغ مختلفة‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫رُعاتُهم‬

‫عقائد االيمان‬

‫‪ -88‬سلطة الكنيسة التعليميّة تستعمل ملى َء اإلستعمال السُّلطة التي تقبّلها‬


‫من المسيح‪ ،‬عندما تُح ّد ِد عقائد إيمانيّة‪ ،‬أي عندما تعرض‪ ،‬على وج ٍه يُلزم‬
‫االلهي‪ ،‬أو‬
‫ّ‬ ‫الشعب المسيحي باعتناق إيماني ُمبرم‪ ،‬لحقائق يحتويها الوحي‬
‫نهائي لحقائق لها بتلك الحقائق عالقةٌ جوهريّة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫عندما تعرض بوج ٍه‬

‫‪ -89‬توجد بين حياتنا الروحية والعقائد عالقة عضويّة‪ .‬العقائد‬


‫وتوطدُه‪ .‬وبعكس ذلك‪ ،‬إذا كانت حياتنا‬ ‫ّ‬ ‫أنوار في طريق إيماننا‪ ،‬وتنيره‬
‫مستقيمة كان عقلنا وقلبُنا على انفتاح لتقبّل نور العقائد اإليمانية‪.‬‬

‫‪ -91‬روابطُ العقائد المتباد َلة وتوافقها يمكن الوقوع عليها في ُمجمل وحي‬
‫أن التنوّ َع في عالقتها مع أسس اإليمان‬ ‫سرِّ المسيح‪ .‬إذ يجب التذ ُّكر “ َّ‬
‫نظام أو “هرميّة “في حقائق العقيدة الكاثوليكية "‪.‬‬‫ٍ‬ ‫المسيحي يدلّ على‬

‫‪ -90‬لجميع المؤمنين نصيبٌ في فهم الحقيقة الموحى بها ونقلِها‪ .‬لقد تقبّلوا‬
‫مسحةَ الروح القدس التي تعلّمهم وترشدهم “الى الحقيقة كلّها "‪ .‬يو ‪:71‬‬ ‫َ‬
‫‪.)73‬‬

‫‪“ -92‬من غير الممكن أن تض َّل مجموعةٌ المؤمنين في اإليمان‪ ،‬وهي‬


‫تُظه ُر هذه الصّفة بواسطة التحسّس الفائق الطبيعة لإليمان الذي هو حسُّ‬
‫الشعب بكامله عندما يولي كلُّه‪ ،‬من األساقفة الى آخر المؤمنين العلمانيّين‪،‬‬
‫الحقائق المتعلّقة باإليمان واألخالق‪ ،‬قبوالً شامالً "‪.‬‬

‫‪“ -93‬فبفضل حسّ اإليمان هذا الذي يوقظه ويدعمه روح الح ّ‬
‫ق‪ ،‬وبإرشاد‬
‫السلطة التعليمية المقدسة‪ ،‬يتمسّك شعبُ هللا تمسّكا ً ثابا ً بااليمان المنقول الى‬
‫‪21‬‬
‫القديسين نقالًًُ نهائيّاً‪ ،‬ويدخل الى أعماقه دخوالً أوفى‪ ،‬عامال على تفسيره‬
‫كما ينبغي‪ ،‬ويطبّقه في حياته تطبيقا ً أكمل"‪.‬‬

‫لنمو في فهم اإليمان‬


‫ا ّ‬
‫‪ -94‬من الممكن‪ ،‬بفضل رعاية الروح القدس‪ ،‬أن ينمو‪ ،‬في حياة الكنيسة‪،‬‬
‫اإليماني وأقواله‪:‬‬
‫ّ‬ ‫حقائق التّراث‬
‫ِ‬ ‫فه ُم‬
‫‪“ -‬بتأ ّمل المؤمنين وتبحُّ رهم اللذين يُجرونهما في قلبهم"‪ ،‬وال سيّما‬
‫“البحث الالهوتي الذي يُع ّمق معرفة الحقيقة الموحى بها "‪.‬‬
‫‪“ -‬باإلدراك ال ّداخلي لألمور الروحانية الذي يُعرض للمؤمنين "‪“ ،‬تنمو‬
‫األقوال اإللهية والذي يقرأها معا ً "‪.‬‬
‫‪ -‬بكراز ِة أولئك الذين نالوا‪ ،‬مع التعاقب األسفقي‪ ،‬موهبة الحقيقة على‬
‫وج ٍه ثابت "‪.‬‬

‫‪“ -95‬من الواضح إذن أن التقليد المق ّدس‪ ،‬والكتاب المقدس‪ ،‬وسلطة‬
‫الكنيسة التعليمية‪،‬‬
‫ترابط وتضا ُمن وثيقَين فيما بينهما‪ ،‬الى ح ّد‬
‫ٍ‬ ‫إلهي ج ّد حكيم‪ ،‬هي على‬
‫ّ‬ ‫بتدبير‬
‫ً‬ ‫ُ‬ ‫ً‬
‫أن واحدة من هذه الحقائق ال تثبت بدون األخرى‪ ،‬وأن جميعها معا‪ ،‬وك ّل‬ ‫َّ‬
‫واحدة على طريقتها‪ ،‬بفعل الروح القدس‪ ،‬تُسه ُم في خالص النفوس إسهاما ً‬
‫فعّاالً "‪.‬‬

‫بإيجاز‬

‫إن ما أود َع المسي ُح الرّ سل نقلوه بكرازتهم والبكتابة‪ ،‬بإلهام من‬ ‫‪ّ -96‬‬
‫الروح القدس إلى جميع األجيال‪ ،‬حتى عودة المسيح المجيدة‪.‬‬
‫يؤلف التقلي ُد المقدس والكتاب المق ّدس وديع ًة واحدة مقدسة لكلمة هللا‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫‪ّ “ -97‬‬
‫“تتأ ّمل فيها الكنيسة الرحّ الة‪ ،‬كما في مرآة‪ ،‬هللا ينبوع جميع الثروات‪.‬‬
‫‪ :-98‬كلّ ما تقوم عليه الكنيسة‪ ،‬وكلّ ما تؤمن به‪ ،‬تحتفظ به أبد ًا وتنقله‪،‬‬
‫في عقيدتها وحياتها وعبادتها‪ ،‬إلى كل جيل "‪.‬‬
‫كله‪ ،‬بفضل حسّه الفائق الطبيعة لإليمان يتقبّل هبة‬ ‫‪ -99‬ال يفتأ شعبُ هللا ّ‬
‫الوحي اإللهي‪ ،‬ويتع ّمق فيها على نحو أفضل‪ ،‬ويحيا على نحوٍ أوفى‪.‬‬
‫ال ُعهِد فيها إلى سلطة الكنيسة‬ ‫‪ُ -011‬مه ّمة تفسير كلمة هللا تفسير ًا اصي ً‬
‫التعليمية وحدها‪ ،‬إلى البابا وإلى األساقفة الذين في شركةٍ معه‪.‬‬

‫‪22‬‬
‫المقال الثالث‬
‫الكتاب المقدّس‬

‫‪ .0‬المسيح كلمةُ الكتاب المقدّس الوحيدة‬

‫‪ -010‬عندما يتنازل هللا في صالحه ويُكاشف البشر بنفس ِه يكلِّمهم بكلمات‬


‫فإن كالم هللا‪ ،‬وقد عبّرت عنه ْألسنةٌ بشريّة‪ ،‬صار شبيهاً‬ ‫بشريّة‪“ :‬وهكذا ّ‬
‫بوهن جسدنا صار شبياً‬ ‫ِ‬ ‫أن كلمة اآلب األزلي عندما تلبّس‬ ‫بكالم البشر‪ ،‬كما َّ‬
‫بالبشر "‪.‬‬
‫‪ -012‬في جميع أقوال الكتاب المقدس ال يقو ُل هللا إالّ كلمة واحدة‪ ،‬كلمته‬
‫الوحيد الذي يقول فيه ك َّل ما هو‪:‬‬
‫أن كلمة هللا الواحدة هي نفسها تنتشر في جميع الكتابات المقدسة‪،‬‬ ‫“أذكروا َّ‬
‫وإن كلمة هللا الواحد هو نفسه يدوّ ي على ألسنة جميع كتاب الوحي‪ .‬هو الذي‬ ‫ّ‬
‫كان في البدء هللا عند هللا‪ ،‬ولم يكن من ث َّم بحاجة الى مقاط َع تعبيريّة لكونه‬
‫غير خاضع للزمن "‪.‬‬
‫الكتب اإللهيّة باإلجالل الذي تحيط‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫‪ -013‬ولهذا فالكنيسة قد أحاطت دوما‬
‫به أيضاً جسد الرّ ب‪ .‬وهي ال تفتأ تق ّدم للمؤمنين خبزَ الحياة من على مائد ِة‬
‫كلم ِة هللا وجسد المسيح‪.‬‬
‫‪ -014‬في الكتاب المقدس تجد الكنيسة على ال ّدوام غذا َءها وقوّتها‪ ،‬إذ أنّها‬
‫ال تتلقّى فيه كلمة بشريّة وحسبُ ‪ ،‬بل تتلقّاه هو في حقيقته‪ ،‬أي كلمة هللا‪“ .‬ففي‬
‫بحنو عظيم‪ ،‬إلى لقاء أبنائه‬ ‫ٍّ‬ ‫الكتب المق ّدسة يُبادر اآلب الذي في السموات‪،‬‬
‫ث معهم‪.‬‬‫والتحا ُد ِ‬

‫‪ .2‬وحي الكتاب المقدس وحقيقته‬

‫‪ -015‬هللا هو واضع الكتاب المقدس‪“ .‬ان الحقيقة الموحى بها إلهيّاً‪ ،‬التي‬
‫تحتويها وتقدمها أسفار الكتاب المقدس قد دونت فيها بإلهام من الروح القدس‬
‫"‪.‬‬
‫“والكنيسة أ ّمنا المقدسة‪ ،‬من جرّاء إيمانها الرسولي‪ ،‬تع ُّد جميع األسفار في‬
‫كال العهدين القديم والجديد مقدسة وقانونية بجميع أجزائها‪ ،‬اذ انها دُوّنت‬
‫بإلهام من الروح القدس‪ ،‬وكان هللا من ثَ َّم واضعها‪ ،‬وعلى هذا نفسه نُقلت الى‬
‫الكنيسة نفسها "‪.‬‬
‫‪23‬‬
‫‪ -016‬لقد ألهم هللا كتّاب الكتب المقدسة البشريّين‪“ .‬ولكي يضع هللا هذه‬
‫الكتب المق ّدسة‪ ،‬اختار أُناسا ً استعان بهم‪ ،‬وهم في مل ِء عمل قواهم ووسائلهم‪،‬‬
‫ف َع ِم َل هو نفسه فيهم وبهم‪ ،‬لكي يُدوّنوا كتابةً‪ ،‬كمؤلّفين حقيقيّين‪ ،‬كل ما كان‬
‫متّفِقا ً ورغبته‪ ،‬وهذا فقط دون سواه‪.‬‬
‫‪ُ -017‬كتب الوحي تعلّم الحقيقة‪“ .‬وبما أن كلّ تأكيدات المؤلفين الملهمين‪،‬‬
‫اي كتّاب االمور المقدسة‪ ،‬يجب اعتبارها تأكيدات الروح القدس‪ ،‬فال ب ّد من‬
‫بأن أسفار الكتاب المقدس تعلّم الحقيقة التي أراد هللا ان يراها مدوّنةً‬ ‫اإلعالن ّ‬
‫ألجل خالصنا في الكتاب المقدس‪ ،‬تعليما ً ثابتا ً وأمينا ً ومعصوما ً من الخطأ ِ "‪.‬‬
‫المسيحي “دين الكتاب “إن المسيحية هي‬ ‫ّ‬ ‫‪ -018‬ومع ذلك فليس اإليمان‬
‫دين”الكلمة “هللا‪ ،‬ال دين كلمة مكتوبة وخرساء‪ ،‬بل دين الكلمة المتجسّد‬
‫والحي "‪ .‬ولكي ال يبقى الكتاب المق ّدس حرفا ً ميّتاً‪ ،‬الب ّد للمسيح‪ ،‬كلمة هللا‬
‫ّ‬
‫الحي األزليّة‪ ،‬من أن يفتح‪ ،‬بالروح القدس أذهاننا على فهم الكتاب‪.‬‬

‫مفسر الكتاب‬
‫‪ .3‬الروح القدس‪ِ ،‬‬
‫‪ -019‬في الكتاب المقدس يُكلّم هللا اإلنسان على طريقة البشر‪ .‬فلكي يفسَّر‬
‫الكتابُ تفسيراً جيّداً ال ب ّد من ت َدبُّر ما أراد الكتّاب البشريّون‪ ،‬في الحقيقة‪ ،‬أن‬
‫يثبتوه‪ ،‬وما حسُن لدى هللا أن يكشف لنا في كالمهم‪.‬‬
‫‪ -001‬ولكي يستخلص المر ُء نيّة الكتّاب اإلله َيين ال ب ّد له من النّظر الى‬
‫أحوال عصرهم وإلى ثقافتهم‪ ،‬والى “األساليب أألدبية “المتّبعة إذ ذاك‪ ،‬وإلى‬
‫طرائق الشعور والكالم ورواية األخبار الشائعة لذلك العهد‪“ .‬ألن هنالك‬
‫عرض بها الحقيقة ويُ َعبَّر عنها في نصوص تختلف‬ ‫طرقا ً ج َّد مختلفة تُ َ‬
‫تاريخيّاً‪ ،‬في نصوص نبويّة‪ ،‬أو شعريّة‪ ،‬أو حتى في أنواع تعبيرية أخرى‪.‬‬
‫‪ -000‬وإذ كان الكتاب المقدس كتاب وحي كان هنالك مبدأٌ آخر للتفسير‬
‫السابق أهميةً‪ ،‬وقد يبقى بدونه الكتاب حرفا ً ميّتا ً‪“ :‬يجب‬ ‫ِ‬ ‫الصحيح‪ ،‬ليس دون‬
‫أن يُقرأ الكتاب المقدس ويُفسَّر في نور الروح نفسه الذي َج َعله يُ َد َّون‪.‬‬
‫والمجمع الفاتيكاني الثاني يُشي ُر إلى ثالثة مقاييس لتفسير الكتاب المقدس‬
‫تفسيراً يتَّفق والروح الذي أوحى به‪.‬‬
‫ّ‬
‫‪ .7 -002‬أوالً التّنبّه الشّديد “لمضمون الكتاب كله ووحدته "‪ .‬ألنه مهما‬
‫اختلفت األسفار التي يتألّف منها الكتاب المق ّدس فهو واح ٌد بسبب وحدة قص ِد‬
‫المفتوح منذ فصحه‪.‬‬‫َ‬ ‫يكونُ المسي ُح يسو ُ‬
‫ع مركزَه‪ ،‬وقلبَه‬ ‫هللا الذي ِّ‬

‫“قلبُ المسيح يدلُّ على الكتاب المقدس الذي يُعرِّف بقلب المسيح‪ ،‬هذا القلب‬
‫كان ُمغلقا ً قبل اآلالم ألن الكتابة كانت غامضة‪ .‬ولكن الكتابة قد تفتّحت بعد‬
‫‪24‬‬
‫إن الذين فقهوا من بع ُد كنهَها يق ّدرون ويميّزون الطريقة التي يجب‬
‫اآلالم‪ ،‬إذ ّ‬
‫إتّباعها في تفسير النبوءات "‪.‬‬

‫الحي للكنيسة ّكها “وعلى ح ِّد قول‬


‫ّ‬ ‫‪ .2 -003‬ث ّم قراءة الكتاب في “التقليد‬
‫أآلباء المأثور‪ :‬يُقرأ الكتاب المق ّدس في قلب الكنيسة أكثر مما يُقرأ في مواد‬
‫تعبيره‪ .‬فالكنيسة تحمل في تقليدها مجموعة كلمة هللا الحيّة‪ ،‬والروح القدس‬
‫الروحي‬
‫ّ‬ ‫الروحي للكتاب المقدس “بحسب المعنى‬ ‫ّ‬ ‫هو الذي يعطيها التفسير‬
‫الذي يُنعم به الرو ُح على الكنيسة "‪.‬‬
‫‪ .3-004‬التّنبّه لمناسبة اإليمان‪ .‬ونفه ُم بـ “بمناسبة اإليمان “تالحُ م حقائق‬
‫اإليمان في ما بينها وفي ُمجمل تصميم الوحي‪.‬‬

‫معاني الكتاب المقدس‬

‫‪ -005‬في تقليد قديم أنّه من الممكن تمييز معنَيَين للكتاب المقدس‪ :‬المعنى‬
‫وحي‪ ،‬على أن يُقسم هذا األخير معنى مجازي‪ ،‬ومعنى‬ ‫ّ‬ ‫الحرفي‪ ،‬والمعنى الرّ‬
‫ّ‬
‫أدبي‪ ،‬ومعنى تفسيريّ ‪ .‬والتوافق العميق للمعاني األريعة يُثبّت كلّ غنى‬
‫القراءة الحيّة للكتاب المقدس في الكنيسة‪:‬‬
‫الحرفي‪ .‬هو المعنى الذي تدلّ عليه ألفاظ الكتاب‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫‪ -006‬المعنى‬
‫ويستخرجه الشرح الجاري على قواعد التّفسير الصحيح‪“ .‬جميع معاني‬
‫الكتاب المق ّدس تجد تأييدها في المعنى الحرفي"‪.‬‬
‫‪ -007‬المعنى الروحي‪ .‬بسبب الوحدة في قصد هللا‪ ،‬قد ال يكون نصُّ الكتاب‬
‫ت‪.‬‬ ‫ُ‬
‫واألحداث التي يوردها عالما ٍ‬ ‫وحده‪ ،‬بل قد تكون معه األمور‬
‫‪ -7‬المعنى المجازي‪ .‬تستطيع الحصول على معنى أعمق لألحداث إذا‬
‫وجدنا مدلولها في المسيح‪ ،‬وهكذا فاجتياز البحر األحمر أشارةً الى انتصار‬
‫المسيح‪ ،‬ومن ث ّم الى المعمدوديّة‪.‬‬
‫‪ -2‬المعنى األدبي‪ .‬يجب ان تقودنا األحداث الواردة في الكتاب المقدس الى‬
‫االستقامة في العمل‪ .‬لقد ُكتبت “لموعظتنا “(‪ 7‬كو ‪)77 :72‬‬
‫‪ -3‬المعنى التّفسيري‪ .‬إنه لَ ِمن الممكن أيضا ً أن نرى أمورا وأحداثا في‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ُ‬
‫رمز‬ ‫األزلي‪ ،‬تقودنا الى وطننا‪ .‬وهكذا فالكنيسة على األرض‬ ‫ّ‬ ‫مدلولها‬
‫أورسليم العلويّة‪.‬‬
‫‪ -008‬مقطوعة شعرية من القرن الوسيط تختصر مدلول المعاني األربعة‪:‬‬
‫“المعنى الحرفي يعلِّم ما يحدث وما حدث‪ ،‬والمجازيّ يعلّم ما‬
‫يجب اإليمان به‪،‬‬
‫‪25‬‬
‫واألدبي يعلّم ما يجب عمله‪ ،‬والتفسيريّ يعلّم إال َم يجبُ اإلتّجاه "‪.‬‬
‫‪“ -009‬في مه ّمة علماء التّفسير أن يبذلوا قُصارهم‪ ،‬على َسنَن هذه‬
‫المبادئ‪ ،‬فيتو ّغلوا أكثر فأكثر في تفهّم وعرض معنى الكتاب المقدس بحيث‬
‫تكون دراساتهم‪ ،‬التمهيدية نوعا ً ما‪ ،‬طريقا الى إنضاج حكم الكنيسة‪ .‬فكلّ ما‬
‫يتعلّق بطريقة تفسير الكتاب هو في النهاية خاضع لحكم الكنيسة التي تقوم‬
‫بالمه ّمة والرّسالة اللتّين أُلقيتا إليها إلهيّا ً في الحفاظ على كلمة هللا وفي‬
‫تفسيرها‪.‬‬

‫“ما كنت ألومن باإلنجيل لو لم تَحثّني على ذلك الكنيسة “‬


‫‪ .4‬قانون األسفار المقدسة‬

‫‪ -021‬التقليد الرسولي هو الذي أرشد الكنيسة الى تمييز الكتابات التي‬


‫يجب أن تع ّد في الئحة األسفار المقدسة‪ .‬هذه الالئحة الكاملة تس ّمى “قانون‬
‫“األسفار‪ .‬وهو يحتوي للعهد القديم ‪ 41‬سفراً (‪ 41‬أذا ُ‬
‫ض ّم إرميا الى‬
‫المرائي) وللعهد الجديد ‪.21‬‬
‫التكوين‪ ،‬الخروخ‪ ،‬األحبار‪ ،‬العدد‪ ،‬تثنية اإلشتراع‪ ،‬يشوع‪ ،‬القضاة‪ ،‬راعوت‪،‬‬
‫صموئيل األول‪ ،‬صموئيل الثاني‪ ،‬الملوك األول‪ ،‬الملوك الثاني‪ ،‬األخبار‬
‫األول‪ ،‬األخبار الثاني‪ ،‬عَزرا ونحميا‪ ،‬طوبيا‪ ،‬يهوديت‪ ،‬أستير‪ ،‬المكابيّين‬
‫األول‪ ،‬المكابيّين الثاني‪ ،‬أيّوب‪ ،‬المزامير‪ ،‬األمثال‪ ،‬الجامعة‪ ،‬نشيد األنشاد‪،‬‬
‫الحكمة‪ ،‬يشوع بن سيراخ‪ ،‬أشعيا‪ ،‬إرميا‪ ،‬المرائي‪ ،‬باروك‪ ،‬جزقيال‪ ،‬دانيال‪،‬‬
‫هوشع‪ ،‬يوئيل‪ ،‬عاموس‪ ،‬عوبديا‪ ،‬يونان‪ ،‬ميخا‪ ،‬نحوم‪ ،‬حبقوق‪ ،‬صفنيا‪،‬‬
‫حجّ اي‪ ،‬زكريا‪ ،‬مالخي‪ ،‬للعهد القديم‪.‬‬

‫أناجيل متى‪ ،‬ومرقس‪ ،‬ولوقا‪ ،‬ويوحنا‪ ،‬أعمال الرسل‪ ،‬رسائل بولس الى‬
‫الرومانيين‪ ،‬األولى والثانية الى أهل كورنتس‪ ،‬إلى أهل غالطية‪ ،‬الى أهل‬
‫أفسس‪ ،‬الى أهل فيليبي‪ ،‬الى أهل كولسّي‪ ،‬األولى والثانية الى أهل تسللونيكي‪،‬‬
‫األولى والثانية الى طيماثاوس‪ ،‬الى تيطس‪ ،‬الى فيلمون‪ ،‬الرسالة الى‬
‫العبرانيين‪ ،‬رسالة يعقوب‪ ،‬األولى والثانية لبطرس‪ ،‬رسائل يوحنا الثالثة‪،‬‬
‫رسالة يهوذا‪ ،‬والرّ ؤيا‪ ،‬للعهد الجديد‪.‬‬

‫العهد القديم‬

‫‪26‬‬
‫‪ -020‬العهد القديم جزء من الكتاب المقدس ال يناله زوال‪ .‬وأسفاره من‬
‫ألن العهد القديم لم يُنقّص قطّ‪.‬‬
‫الهي وهي تحتفظ بقيم ٍة ال تزول ّ‬
‫ّ‬ ‫وحي‬
‫ٍ‬
‫‪ -022‬وهكذا “كان الهدف الرئيسي لتدبير العهد القديم أن يُع َّد مجيء‬
‫المسيح مخلّص العالم “وأسفار العهد القديم “وإن احتوت أموراً ناقصة أو‬
‫صالحة الى حين"‪ ،‬تثبت كل النهج اإللهي الذي تنهجه محبّة هللا الخالصية‪:‬‬
‫“إنّها تحتوي تعالي َم سامية عن هللا‪ ،‬وحكمةً مفيدة في شأن الحياة البشرية‪،‬‬
‫وكنوزاً رائعة من الصالة‪ ،‬وفيها أخيراً يكمنُ سرُّ خالصنا "‪.‬‬
‫‪ -023‬المسيحيون يوقّرون العهد القديم على أنّه كلمة هللا الحقيقيّة‪ .‬والكنيسة‬
‫رفضت أبداً وبش ّدة فكرة التخلّي عن العهد القديم بحجّ ة ان العهد الجديد أبطله‬
‫(المرقيونيّة)‪.‬‬

‫العهد الجديد‬
‫إن كلمة هللا‪ ،‬التي هي قدرةٌ إلهيّة لخالص كل مؤمن‪ ،‬تمثُ ُل في‬ ‫‪ّ “ -024‬‬
‫إن هذه األسفار‬ ‫ّ‬
‫أسفار العهد الجديد‪ ،‬وقوّتها تتجلى فيها على وجه فريد “ ّ‬
‫اإللهي النهائيّة‪ .‬أ ّما موضوعها المركزيّ‬
‫ّ‬ ‫تجعل بين أيدينا حقيقة الوحي‬
‫فيسوع المسيح‪ ،‬ابن هللا المتجسّد‪ ،‬وأعمله‪ ،‬وتعاليمه‪ ،‬وآالمه‪ ،‬وتمجيده‪ ،‬فضالً‬
‫عن نشأة الكنيسة بفعل الروح القدس‪.‬‬
‫ّ‬
‫‪ -025‬األناجيل قلب األسفار المقدسة كلها “من حيث أنها الشهادةُ ال ُمثلى‬
‫على حياة الكلمة المتجسّد مخلّصنا وتعليمه "‪.‬‬

‫مراحل في نشأة األناجيل‪:‬‬


‫َ‬ ‫‪ -026‬يمكن تمييز ثالث‬
‫‪ .7‬حياة يسوع وتعليمه‪ .‬إن الكنيسة تؤكد بإصرار أن األناجيل األربعة‬
‫“التي تُثبت تاريخيّتَها في غير تر ّدد‪ ،‬تنقل بأمانة ما عمله في الحقيقة يسوع‬
‫ابنُ هللا‪ ،‬وما علّمه‪ ،‬سحابةَ حياته بين البشر‪ ،‬في سبيل خالصهم األبديّ‪ ،‬الى‬
‫اليوم الذي ُرفع فيه الى السماء "‪.‬‬
‫‪ .2‬التقليد ال ُمتناقل شفويّا ً‪“ .‬ما قاله الرّ ب وما عمله‪ ،‬نقله ارّ سل‪ ،‬بعد‬
‫فهم أعمق لألمور اكتسبوه من‬ ‫صعوده‪ ،‬إلى مستمعيهم‪ ،‬مع ما نعموا به من ٍ‬
‫أحداث المسيح المجيدة وعلى ضوء روح الح ّ‬
‫ق "‪.‬‬
‫المدونة‪“ .‬دوّ ن الكتّاب اإللهيّون األناجيل االربعة مختارين‬ ‫ّ‬ ‫‪ .3‬األناجيل‬
‫ّ‬
‫بعضا ً من العناصر الكثيرة التي بل َغ ْتهم عن طريق الراوية‪ ،‬أو عن طريق‬
‫كتابة سابقة‪ ،‬أو مدوّنين خالصةً لما تبقّى منها‪ ،‬أو مفسّرين لها تبْعا ً ألحوال‬

‫‪27‬‬
‫الكنائس‪ ،‬وناهجين أخيراً النهج اإلرشادي‪ ،‬بحيث يق ّدمون لنا أبداً عن يسوع‬
‫أموراً حقيقيّة وصادقة "‪.‬‬

‫‪ -027‬اإلنجيل الرباعي النصّ يحتلّ في الكنيسة مكانةً فريدة يثبتُها ما‬


‫توليه إيّاه الليتروجيا من توقير‪ ،‬واألثر العجيب الذي تركه في نفوس الق ّديسين‬
‫على َمرّ العصور‪.‬‬

‫“ما من عقيدة أجود وأثمن وأروع من نصّ اإلنجيل‪ .‬تأ َّمل واحفظ ما علّمه‬
‫لبمسيح سيدنا ومعلّمنا بأقواله‪ ،‬وما حقّقه بأعماله"‪.‬‬

‫“اإلنجيل هو الذي فوق كل شيء يُح ّدثُني في تأ ّمالتي‪ ،‬فيه أجد ك َّل ما نفسي‬
‫البائسة بحاجة إليه‪ .‬إني أكتشف فيه دائما ً أضوا ًء جديدة‪ ،‬معاني خفيّة وعجيبة‬
‫"‪.‬‬

‫وحدة العهدين القديم والجديد‬

‫‪ -028‬الكنيسة‪ ،‬في العهد الرسولي أوّ الً‪ ،‬ثم في تقليدها بطريقة مستمرّ ة‪،‬‬
‫أوضحت وحدة التّصميم اإللهي في العهدين عن طريق النموذجيّة‪ .‬فهذه‬
‫صوراً مسبقة لما حقّقه هللا‪،‬‬
‫َ‬ ‫النموذجية تلمح في أعمال هللا أبّانَ العهد القديم‬
‫عند اكتمال األزمان في شخص ابنه المتجسّد‪.‬‬
‫‪ -029‬فالمسيحيّون يقرأون إذاً العهد القديم على ضوء المسيح الذي مات‬
‫وقام‪ .‬هذه القراءة على الطريقة النموذجية تُظهر مضمون العهد القديم الذي ال‬
‫أن للعهد القديم قيمته الوحيّية الذاتيّة‬‫يُستنفد‪ .‬وهي ليس من شأنها أن تُنسي َّ‬
‫التي كرّ ر ربُّنا نفسه إثباتها‪.‬‬
‫ومن ناحية أخرى يتطلّب العه ُد الجديد أن يُقرأ على ضوء القديم أيضا‪ .‬كانت‬
‫ً‬
‫ق مأثور أن العهد‬ ‫قول عتي ٍ‬
‫الكرازة المسيحية األولى دائمة اللجوء إليه‪ .‬وفي ٍ‬
‫الجيدد ُمخبّأ في القديم‪ ،‬في حين يتك ّشف القدي ُم في الجديد‪“ :‬الجديد مختبئ في‬
‫القديم‪ ،‬وفي الجديد يتك ّشف القديم "‪.‬‬
‫‪ -031‬النموذجيّة تعني التحرّ ك نحو إتمام التصميم اإللهي عندما “يصير‬
‫هللا ُكالًّ في الكلّ “(‪7‬كو ‪ .)71:22‬وهكذا فدعوة اآلباء مثالً‪ ،‬والخروج من‬
‫مصر ال يفقدان قيمتهما الذاتية في تصميم هللا‪ ،‬إذ إنهما في الوقت نفسه‬
‫مراحل وسيطةٌ في ذلك التصميم‪.‬‬
‫‪ .1‬الكتاب المقدس في حياة الكنيسة‬
‫‪28‬‬
‫‪“ -030‬إن كلمة هللا تنطوي على قوّة ومقدرة عظيمتين الى ح ِّد أنهما‬
‫للكنيسة عمادها وحيويّتها‪ ،‬وألبناء الكنيسة منَ َعةُ إيمانهم‪ ،‬وغذاء نفسهم‪،‬‬
‫والينبوع الصافي الثرّ لحياتهم‬
‫ً‬
‫الروحيّة "‪ .‬يجب‪ :‬أن يُفتح المدخل الى الكتاب المقدس واسعا أمام المسيحيين‬
‫"‪.‬‬
‫‪“ -032‬لتكن دراسة الكتاب المقدس إذاً لعلم الالهوت المقدس بمثابة‬
‫روحه‪َ .‬و ْلتَجد خدمةُ الكلمة أيضا ً في كلمة الكتاب المقدس نفسها غذا ًء سليماً‪،‬‬
‫وحيويّة صحيحة‪ ،‬سواء أكانت موعظة راعويّة‪ ،‬أو تعليما ً دينيّا ً منتظماً‪ ،‬أو‬
‫المسيحي حيث ال ب َّد للموعظة الليترجية من أن تحتلّ‬ ‫ّ‬ ‫وجها ً من وجوه التّثقيف‬
‫محالًّ مختاراً “‬
‫‪ -033‬الكنيسة “تُحرّ ض بطريقة ملحّ ة وخاصّ ة‪ ،‬جميع المسيحيّين على‬
‫تحصيل “معرفة يسوع المسيح “(في ‪ )2 :3‬بالمثابرة على قراءة الكتب‬
‫إن في جهل الكتب المق ّدسة جهالً للمسيح "‪.‬‬ ‫المقدسة‪“ .‬إذ ّ‬

‫بإيجاز‬

‫‪ -034‬الكتابة اإللهية كلها كتاب واحد‪ ،‬وهذا الكتاب الواحد هو المسيح‪“ ،‬إذ‬
‫كلها ّ‬
‫تتكلم على المسيح‪ ،‬والكتابة اإللهية كلها تت ّم في المسيح‬ ‫ان الكتابة اإللهية ّ‬
‫"‪.‬‬
‫‪“ -035‬الكتب المقدسة تحتوي كلمة هللا‪ ،‬وإذ كانت هذه الكتب من وحي هللا‬
‫كانت في الحقيقة كلمة هللا “‬
‫‪ -036‬هللا هو واضع الكتاب المقدس لكونه ألقى الوحي إلى ك ّتابه البشريّين‪،‬‬
‫تعلم الحقيقة الخالصيّة بدون‬ ‫إنه يعم ُل فيهم وبهم‪ .‬وهكذا يُثبت أن كتاباتهم ّ‬
‫خطأ ٍ‪.‬‬
‫‪ -037‬تفسي ُر ُكتب الوحي يجب أن يتنبّه قبل كل شيء لما يريد هللا أن‬
‫ى به لخالصنا بواسطة الك ّتاب اإللهيّين‪“ .‬ما يأتي من الروح ال يُفهم فهم ًا‬ ‫يوح َ‬
‫ّ‬ ‫كام ً‬
‫ال إال بفعل الروح "‪.‬‬
‫‪ -038‬كتب الوحي المقبولة والمو ّقرة لدى الكنيسة هي الـ ‪ 41‬سفر ًا في‬
‫العهد القديم‪ ،‬والـ ‪ 21‬سفر ًا في العهد الجديد‪.‬‬
‫ع مركزها‪.‬‬ ‫ي ّ‬
‫ألن المسي َح يسو َ‬ ‫‪ -039‬لألناجيل األربعة مح ٌّل مركز ٌّ‬

‫‪29‬‬
‫‪ -041‬وحدة العهدين القديم والجديد من وحدة قصد هللا ووحيه‪ .‬العهد القديم‬
‫يهيّئ الجديد‪ ،‬فيما يُت ّم الجدي ُد القديم‪ ،‬في الواحد منهما إيضا ٌح لآلخر‪ ،‬وكالهما‬
‫كلمة هللا الحقيقيّة‪.‬‬
‫‪“ -040‬و ّقرت الكنيسة أبد ًا ال ُكتب اإللهية كما فعلت ذلك لجسد الربّ نفسه‬
‫"‪ .‬في هذين غذا ُء الحياة المسيحية ّ‬
‫كلها و َقيادُها‪“ .‬كلمتك مصبا ٌح لِق َد َم َّ‬
‫ي‪،‬‬
‫ونو ٌر لسبيلي "‪.‬‬
‫(مز ‪.)721 :771‬‬

‫الفصل الثالث‬
‫جواب اإلنسان هلل‬

‫‪ -042‬بالوحي “الصادر عن فرط المحبّة يُخاطب هللاُ الغي ُر المنظور‬


‫جماعة البشر وكأنّهم أحبّاؤه‪ ،‬ويتح ّدث إليهم ليدعوهم الى ال ّدخول في شركتِه‬
‫ويقبلهم في هذه الشركة “والجواب المالئم لهذه ال ّدعوة هو اإليمان‪.‬‬
‫‪ -043‬بااليمان يُخضع اإلنساُن عقلَه وإرادتَه هلل إخضاعا ً كامال‪ .‬وهو‬
‫ً‬
‫جواب اإلنسان‬
‫َ‬ ‫يوافق هللا صاحب الوحي موافقةً كاملة‪ .‬والكتاب المقدس يدعو‬
‫هلل ال ُموحي “طاعة اإليمان "‪.‬‬

‫المقال األول‬
‫أؤمن‬
‫‪ .0‬طاعة اإليمان‬

‫‪ -044‬الطاعةُ في االيمان هي الخضوع الحرّ للكلمة المسموعة‪ ،‬ألن‬


‫حقيقَتَها في كفالة هللا الذي هو الحقيقة ذاتها‪ .‬ابراهيم هو نمو ُذج هذه الطّاعة‬
‫ق هذه الطّاعة األش ُّد‬
‫الذي يق ّدمه لنا الكتاب المقدس‪ .‬والبتول مريم هي تحقي ُ‬
‫كماالً‪.‬‬

‫إبراهيم‪“ -‬أبو جميع المؤمنين "‬

‫‪ -045‬الرّسالة الى العبرانيين‪ ،‬في إشادتها بإيمان القُدامى‪ ،‬تُش ّدد بنوع‬
‫ُعي إلى أن يذهب‬‫خاص على إيمان إبراهيم‪“ :‬بااليمان أطاع إبراهيم ل ّما د َ‬
‫‪30‬‬
‫الى الموضع الذي كان مزمعا ً أن يتّخذه ميراثاً‪ ،‬فذهب ال يدري إلى أين يتوجّ ه‬
‫“(عب ‪ .)2 :77‬باإليمان عاش في ُغرب ٍة وفي حجّ في أرض الميعاد‪ .‬بااليمان‬
‫الوعد‪ .‬بااليمان أخيراً قرّ بّ إبراهيم وحيده ذبيحة‪.‬‬
‫بابن َ‬
‫تحبل ِ‬
‫َ‬ ‫سارةُ نالت أن‬
‫‪ -046‬وهكذا حقّق ابراهيم تحديد االيمان الذي اعطته الرسالة الى‬
‫العبرانيين‪“ :‬االيمان هو قيا ُم المرجوّ ات فينا‪ ،‬وبُرهان الغير المنظورات‬
‫“(عب ‪“ .)7 :77‬آمن ابراهيم باهلل‪ ،‬ف ُحسب له ذلك براًًَ “(رو ‪)3 :4‬‬
‫وبسبب هذه الش ّدة في االيمان “(رو ‪ )22 :4‬أصبح إبراهيم “أبا ً لجميع الذين‬
‫يؤمنون “(رو ‪.)72 :77‬‬
‫‪ -047‬والعهد القديم حاف ٌل بمثل شهادات اإليمان هذه‪ .‬فالرسالة الى‬
‫المثالي الذي “ ُشهد لهم بذلك “(عب ‪،2 :77‬‬‫ّ‬ ‫العبرانيين تُشيد بإيمان القُدامى‬
‫فإن هللا دبّر لنا تدبيراً أفضل "‪ .‬نعمة اإليمان بابنه يسوع‪،‬‬ ‫‪ .)31‬مع ذلك “ ّ‬
‫“ ُمبدئ إيماننا ومت ِّممه “(عب ‪.)2 :72 ،42 :77‬‬

‫مريم‪“ -‬طوبى للتي آمنت “‬

‫‪ -048‬مريم العذراء تُحقّق طاعة اإليمان على أكمل وجه‪ .‬في اإليمان‬
‫تقبّلت مري ُم البشارة والوع َد من المالك جبرائيل‪ ،‬معتقدةً أن “ليس أم ٌر غير‬
‫ممكن لدى هللا “(لو ‪ )31 :7‬و ُمعلنةًًً رضاها‪“ :‬أنا أمةُ الرّ ب فليكن لي‬
‫بحسب قولك “(لو ‪ .)32 :7‬واليصابات سلّمت عليها قائلة‪“ :‬طوبى للتي آمنت‬
‫بأنّه سيت ّم ما قيل لها من قِبَل الرّ ب “(لو ‪ .)41 :7‬ومن اجل هذا اإليمان‬
‫تُطوّبها جميع األجيال‪.‬‬
‫‪ -049‬م ّدة حياتها كلّها‪ ،‬وحتى محنتها األخيرة‪ ،‬عندما مات يسوع المسيح‬
‫ابنها على الصّ ليب‪ ،‬لم يتزعزع إيمانها‪ .‬لم تبرح مري ُم مؤمنةً بأن كالم هللا‬
‫“سيتم “ولهذا تُكرّم الكنيسة في مريم أصفى تحقيق لإليمان‪.‬‬

‫‪“ .2‬أنا عارف بمن آمنت “(‪2‬تي ‪)72 :7‬‬


‫اإليمان باهلل وحده‬

‫‪ -051‬اإليمان هو أوّ الً إلتصاق االنسان باهلل إلتصاقا شتصيّاً‪ ،‬إنه في‬
‫الحر لك ّل الحقيقة التي‬
‫ّ‬ ‫الوقت نفسه‪ ،‬وبطريقة غير قابلة االنفصال‪ ،‬القُبول‬
‫أوحى بها هللا‪ .‬في كون اإليمان المسيحي لصوقا ً شخصيّا ً باهلل وقبوالً للحقيقة‬
‫التي أوحى بها‪ ،‬فهو غير اإليمان بشخص بشريّ ‪ .‬إنه عاد ٌل وجيّد أن يثق‬

‫‪31‬‬
‫المر ُء باهلل ثقةً كاملة‪ ،‬وأن يؤمن بما يقول أيمانا ً مطلقاًًُ ‪ .‬وقد يكون من العبث‬
‫والخطإ ِ ان يجعل المر ُء مثل هذا اإليمان بإحدى الخالئق‪.‬‬

‫اإليمان بيسوع المسيح‪ ،‬ابن هللا‬


‫هو اإليمان بمن أرسله‪“ ،‬ابنه‬ ‫المسيحي اإليمان باهلل هو َ‬
‫ّ‬ ‫‪ -050‬لدى‬
‫الحبيب “الذي به ُس َّر “قال لنا هللا أن نس َمع له‪ .‬والربّ نفسه قال لتالميذه‪:‬‬
‫“أنتم تؤمنون باهلل قآمنوا بي أيضا ً “(يو ‪ .)7 :74‬نستطيع أن نؤمن بيسوع‬
‫يرهُ أح ٌد قط‪ .‬االبنُ الوحيد‬
‫المسيح ألنه هو نفسه هللا‪ ،‬الكلمة المتجسّد‪“ :‬هللا لم َ‬
‫الذي هو في حضن اآلب هو أخبر “(يو ‪ )72 :7‬وإذ قد “رأى اآلب “(يو ‪:1‬‬
‫‪ ،)41‬فهو وحده يعرفه وهو يقدر أن يكشفه‪.‬‬

‫اإليمان بالروح القدس‬

‫بمعزل عن روحه‪ .‬الروح القدس‬ ‫ٍ‬ ‫‪ -052‬ال يمكن اإليمان بيسوع المسيح‬
‫هو الذي يوحي للبشر بحقيقة يسوع‪“ .‬وال يستطيع أح ٌد أن يقول يسو ُ‬
‫ع ربٌّ‬
‫إالّ بالرّ وح القدس “(‪ 7‬كو ‪“ .)3 :72‬الروح القدس يفحصُ كل شيء حتى‬
‫أعماق هللا‪ .‬ال يعلم أح ٌد ما في هللا أالّ روح هللا “(‪ 7‬كو ‪ .)77-72 :2‬هللا وحده‬
‫يعرفُ هللا بكامله‪ .‬ونحن نؤمن بالروح القدس ألنّه هللا‪.‬‬

‫وروح قدس‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫وابن‬
‫ٍ‬ ‫ب‬
‫ال تبرح الكنيسة تُعلن إيمانها بإله واحد‪ ،‬آ ٍ‬

‫‪ .3‬ميّزات اإليمان‬
‫اإليمان نعمة‬

‫الحي‪،‬‬
‫ّ‬ ‫‪ -053‬عندما يعترف القديس بطرس بأن يسوع هو المسيح‪ ،‬ابن هللا‬
‫ودم بل من أبيه الذي في‬ ‫لحم ٍ‬
‫يُعلِن له يسوع بأن هذا الكشف لم يأته “من ٍ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫السموات “(متى ‪ )71 :71‬فاإليمان هبةٌ من هللا‪ ،‬فضيلةٌ فائقةٌ الطبيعة يبثها‬
‫هللا‪“ .‬ولكي يعق َد اإلنسان هذا اإليمان‪ ،‬يحتاج الى نعم ٍة من هللا تتداركه‬
‫داخلي من الروح القدس‪ .‬وهذا الروح يحرّ ك‬ ‫ّ‬ ‫عون‬
‫ٍ‬ ‫وتعضده‪ ،‬كما يحتاج الى‬
‫القلب ويوجّ هُه الى هللا‪ ،‬ويفتح عيني النفس ويمنح “الجميع عذوبة تقبّل الحقيقة‬
‫َ‬
‫واإليمان بها "‪.‬‬

‫إنساني‬
‫ّ‬ ‫اإليمان فع ٌل‬
‫‪32‬‬
‫اخلي‪ .‬ومن‬‫‪ -054‬ال يمكن اإليمان إالّ بنعمة الروح القدس وعونه ال ّد ّ‬
‫إنساني أصيل‪ .‬وال يُخالفُ حريّة اإلنسان وال‬ ‫ّ‬ ‫الثّابت أيضا ً أن اإليمان فع ٌل‬
‫عقلهُ أن يجعل في هللا ثقته وأن يعتنق الحقائق اتي يوحي بها‪ .‬وإننا إذا نظرنا‬
‫في العالقات بين البشر نجد أنه ليس مخالفا ً لكرامتنا الخاصّ ة أن نص ّدق ما‬
‫يقوله لنا اآلخرون عن أنفسهم وعن مقاصدهم‪ ،‬وأن نثق في عهودهم‬
‫(كما يجري ذلك مثالً عندما يتزوّ ج رجل إمرأة) لكي ندخل هكذا معا ً في‬
‫شركة متبادلة‪ .‬وإنّه من ث َّم أقلّ مخالفةً لكرامتنا أن “نق ّدم باإليمان خضوع‬
‫عقلنا وإرادتنا الكلّي هلل الموحي "‪ ،‬وأن ندخل هكذا معه في شركة حميمة‪.‬‬
‫‪ -055‬في اإليمان يُسهم العق ُل واإلرادة البشريّان مع النّعمة اإللهيّة‪:‬‬
‫عقل يعتنق الحقيقة اإللهيّة بأمر االرادة يُحرّ كها هللا بالنّعمة "‪.‬‬
‫“اإليمان فع ُل ٍ‬

‫اإليمان والعقل‬

‫‪ -056‬ليس الدافع الى اإليمان كونُ حقائق الوحي ظاهرة الصحّ ة‬


‫بيعي‪ .‬إننا نؤمن “بسبب سلطان هللا نفسه الذي‬ ‫والمعقوليّة على ضوء عقلنا الطّ ّ‬
‫يوحي والمعصوم عن الضالل والتضليل "‪“ .‬ومع ذلك فقد أراد هللا‪ ،‬لكي‬
‫الداخلي في‬
‫ّ‬ ‫يكون عم ُل إيماننا موافقا ً للعقل‪ ،‬أن يكون عون الروح القدس‬
‫وحيًَ ه الخارجيّة "‪ .‬وهكذا فمعجزات المسيح والقديسين‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫رفقة شواهد‬
‫والنّبوءات‪ ،‬وانتشار الكنيسة وقداستها‪ ،‬وخصبها وثباتها‪ ،‬كل ذلك “عالمات‬
‫للوحي ثابتة وعلى مستوى عقل الجميع "‪ ،‬دوافع إيمانيّة تُظهر أن “العقيدة‬
‫اإليمانية ليست حركةً للنفس عمياء "‪.‬‬
‫‪ -057‬اإليمان عقيدة ثابتة‪ ،‬وأش ُّد ثباتاً من كلّ معرفة بشريّة‪ ،‬ألنه قائ ٌم‬
‫على نفس كلمة هللا الذي ال يمكنه أن يكذب‪ .‬نعم قد تبدو حقائق الوحي‬
‫غامضةً لدى العقل واالختبار البشريَّين‪ ،‬ولكن “اليقين الصادر عن النّور‬
‫الطبيعي "‪.‬‬
‫ّ‬ ‫اإللهي أعظم من اليقين الصادر عن نور العقل‬
‫ّ‬
‫“ليس في عشرة آالف صعوبة ما يبعث على شكٍّ واحد "‪.‬‬
‫‪ -058‬اإليمان يسعى الى اإلدراك‪ ،‬إنه من لوازم اإليمان أن يرغب المؤمن‬
‫وإدراك أش ّد لما أوحى به‪ ،‬ومعرفةً‬ ‫ٍ‬ ‫جعل فيه إيمانه‪،‬‬
‫َ‬ ‫في معرف ِة أوفى لمن‬
‫أعمق تستدعي من جهتها إيمانا ً أعظم يضطر ُم بالحبّ أكثر فأكثر‪ .‬إن نعمة‬
‫اإليمان تفتح “عينَي القلب “(أف ‪ )72 :7‬لفهم مضمون الوحي فهما ً شديداً‪،‬‬
‫أي مجمل تصميم هللا وأسرار اإليمان‪ ،‬وارتباطها بعضها ببعض وبالمسيح‪،‬‬
‫مركز السرّ الموحى به‪ .‬ولكي “يجعل الروح القدس إدراك الوحي أعمق‬
‫‪33‬‬
‫فأعمق‪ ،‬فهو ال يبر ُح يُعال ُج اإليمان بمواهبه ليجعلهُ أكمل "‪ .‬وهكذا على ح ّد‬
‫قول القديس أوغسطينوس المأثور “إني أُؤمن لكي أدرك‪ ،‬وأدرك لكي أُؤمن‬
‫إيمانا ً أفضل "‪.‬‬
‫ض َل اإليمان العقل‪ ،‬فمن غير الممكن أبداً أن‬‫‪ – 059‬اإليمان والعلم‪“ .‬إن فَ َ‬
‫حقيقي‪ .‬ذلك أن هللا الواحد الذي يوحي باألسرار ويهب‬ ‫ّ‬ ‫يكون بينهما خالف‬
‫بعث في الروح البشريّ نور العقل‪ .‬فمن غير الممكن أن يُنكر هللا‬ ‫اإليمان هو َ‬
‫ذاتهُ‪ ،‬وأن تُناقض الحقيقة الحقيقة "‪“ .‬وهكذا فمن غير الممكن‪ ،‬في شتَى‬
‫المنهجي‪ ،‬إذا جرى هذا البحث‬
‫ّ‬ ‫ميادين المعرفة‪ ،‬أن يختلف اإليمان والبحث‬
‫مجرىً علميّا ً صحيحاً‪ ،‬وتتبّع النظم األخالقية‪ ،‬ألن لحقائق الدنيا مصدراً‬
‫واحداً هو هللا‪ .‬أضف الى ذلك أن اإلنسان الذي يسعى جاهداً‪ ،‬في ثبات‬
‫وتواضع‪ ،‬الختراق خفايا األشياء تكاد تقوده‪ ،‬وإن في غير وعي منه‪ ،‬ي ُد هللا‬
‫تحفظ األشياء كلّها وتعمل على أن تكون تلك األشياء على ما هي عليه"‪.‬‬

‫حرية اإليمان‬

‫‪ -061‬لكي يكون “جوابُ اإليمان الذي يق ّدمه اإلنسان هلل إنسانيّا ً يجب ان‬
‫يكون إراديّاً‪ ،‬ومن ث ّم ال يمكن إكراه أح ٍد على اعتناق اإليمان على رغم ِه‪.‬‬
‫ففِعل اإليمان من طبيعته ذاتها ذو طابع اراديّ "‪“ .‬وهللا يدعو اإلنسان لخدمته‬
‫ق‪ ،‬وإن ألزمت هذه الدعوةُ اإلنسانَ ضميريّا ً فهي ال تُكرهُه‪.‬‬ ‫في الروح والح ّ‬
‫وهذا ما ظهر في المسيح يسوع أجلى ظهور "‪ .‬فالمسيح دعا الى اإليمان‬
‫والى الهداية‪ ،‬ولكنّه لم يعمد فيها الى اإلكراه قطّ‪“ .‬لقد شهد للحقيقة‪ ،‬ولكنّه لم‬
‫يشأ فرضها على خصومه بلقوّة‪ .‬وملكوته يمت ّد بالمحبّة التي يجذب بها إليه‬
‫الصليب"‪.‬‬
‫جمي َع البشر عند ارتفاعه على َ‬

‫ضرورة اإليمان‬

‫‪ -060‬اإليمان بيسوع المسيح وبالذي أرسله ألجل خالصنا ضروريٌّ‬


‫للحصول على هذا الخالص‪“ .‬إذ إنّه “بدون اإليمان ال يستطيع أح ٌد أن‬
‫يصل إلى وضع أبنائه‪ ،‬وما من أح ٍد يُبَرَّر أبداً‬
‫َ‬ ‫يرضي هللا “(عب ‪ )1 :77‬وأن‬
‫بدون اإليمان‪ ،‬وما من أحد يحصل على الحياة األبدية إذا “لم يصبر فيه الى‬
‫المنتهى “(متى ‪." )73 :72:22،24‬‬

‫الثبات في اإليمان‬
‫‪34‬‬
‫‪ -062‬اإليمان هبةٌ مجّ انيّة يَهبها هللا لإلنسان‪ .‬باستطاعتنا أن نفقد هذه‬
‫يحذر تيماثاوس من ذلك‪“ :‬تجنّد‬ ‫الموهبة التي ال تق َّدر بثمن‪ ،‬والقديس بولس ّ‬
‫التجنّد الحميد‪ ،‬متمسّكا ً باإليمان والضمير الصالح الذي نب َذه قو ٌم فانكسرت‬
‫سفينتهم عن اإليمان “(‪ 7‬تي ‪ .)71-72 :7‬فلكي نحيا وننمو ونثبُت في‬
‫اإليمان الى المنتهى‪ ،‬يجب علينا أن ّ‬
‫نغذيه بكلمة هللا‪ ،‬يجب أن نتضرّ ع الى هللا‬
‫لكي يزيدنا إيمانا ً‪ ،‬يجب أن يعمل “بالمحبّة “(غل ‪ ،)1 :1‬ويُح َمل في الرجاء‪،‬‬
‫وي َُرسَّخ في إيمان الكنيسة‪.‬‬

‫اإليمان – بدء الحياة األبديّة‬

‫الطوباويّة التي هي‬‫ونور الرُّ ؤيا ّ‬


‫َ‬ ‫فرح‬
‫َ‬ ‫‪ -063‬كأنّي باإليمان يذيقنا ُم ّسبَّقا‬
‫ً‬
‫غاية مسيرتنا األرضيّة‪ .‬سنرى هللا عند ذلك “وجها الى وجه “(‪77‬كو ‪:73‬‬
‫‪“ )72‬كما هو “(‪ 7‬يو ‪ )2 :3‬وهكذا فاإليمان هو منذ اآلن بد ُء الحياة األبدية‪:‬‬
‫مباهج اإليمان وكأنّها إنعكاسات ضوئيّة في مرآة‪،‬‬ ‫َ‬ ‫“إذ كنّا منذ اآلن نشاهد‬
‫فكأنّنا نملك منذ اآلن األمور الرّائعة التي يؤ ّكد لنا إيماننا أنّا سنتمتّع بها يوماً‬
‫ما "‪.‬‬

‫‪ -064‬ومع ذلك فنحن اآلن “نسلُك باإليمان ال بالعيان “(‪ 2‬كو ‪،)1 :1‬‬
‫ونعرف هللا “كما في مرآ ٍة على سبيل اللُغز‪ ،‬معرفة ناقصة “(‪7‬كو ‪.)72 :73‬‬
‫واإليمان ال ُمستنير بمن يؤمن به‪ ،‬كثيراً ما يسلك في الظّلمة‪ .‬وقد ي َ‬
‫ُمتحن‪.‬‬
‫فالعالم الذي نعيش فيه كثيراً ما يبدو بعيداً ج ّداً ع ّما يؤ ّكده لنا اإليمان‪،‬‬
‫وتجارب ال ّشر واأللم‪ ،‬والمظالم والموت‪ ،‬تبدو مناقِضةً لإلنجيل‪ ،‬قد تستطيع‬
‫أن تُزعزع اإليمان‪ ،‬وأن تكون له موضو َع تجربة‪.‬‬
‫‪ -065‬في هذه الحال تقتضي منّا الضرورة أن نتوجّ ه الى شهود اإليمان‪:‬‬
‫إبراهيم الذي آمن‪“ ،‬راجيا ً على خالف كلّ رجاء “(رو ‪ )72 :4‬والعذراء‬
‫مريم التي “في رحلة اإليمان “انطلقت حتى “ليل اإليمان “مشتركة في آالم‬
‫ابنها وفي ليل قبره‪ ،‬وآخرون من شهود اإليمان‪“ :‬فنحنُ إذ يُحدق بنا هذا‬
‫ثقل وما يشتمل علينا من الخطيئة‪،‬‬ ‫لق عنّا كل ٍ‬ ‫السّحاب من الشهود‪ ،‬فلنُ ِ‬
‫ولنُسابق بالصّ بر في الجهاد الذي أمامنا‪ ،‬ولنجعّل نظرنا الى ُمبدئ اإليمان‬
‫ومت ّممه‪ ،‬إلى يسوع “(عب ‪.)2-7 :72‬‬

‫‪35‬‬
‫المقال الثاني‬
‫نؤمن‬

‫‪ -066‬اإليمان فع ٌل شخصي‪ :‬إنه جواب اإلنسان الحرّ على مبادرة هللا الذي‬
‫يكشف ذاته‪ .‬ولكن اإليمان ليس فعالً منعزالً‪ .‬فما من أح ٍد يستطيع أن يؤمن‬
‫منفرداً‪ ،‬كما أنه ال يستطيع أح ٌد أن يعيش منفرداً‪ .‬وما من أح ٍد أعطى نفسه‬
‫ُعط أح ٌد نف َسهُ الحياة‪ .‬فقد تقبّل المؤمن اإليمان من غيره‪ ،‬وهو‬
‫اإليمان كما لم ي ِ‬
‫من واجبه أن ينقله إلى غيره‪ .‬وإن محبّتنا ليسوع وللبشر تحملنا على أن‬
‫نُح ّدث غيرنا بإيماننا‪ .‬وهكذا فكلُّ مؤمن حلقةٌ في سلسلة المؤمنين الطويلة‪.‬‬
‫وال أستطيع أن أؤمن بدون أن أُح َمل في إيمان اآلخرين‪ ،‬وبإيماني أنا أُس ِهم‬
‫حمل إيمان اآلخرين‪.‬‬‫ِ‬ ‫في‬
‫مؤمن شخصيّا ً وال سيّما‬
‫ٍ‬ ‫‪“ -067‬أؤمن "‪ :‬إنّه أيمان الكنيسة يعترف به كل‬
‫أبّان المعمودية‪“ .‬نؤمن "‪ :‬إنّه إيمان الكنسية يعترفُ به األساقفة المجتمعون‬
‫في المجمع‪ ،‬أو‪ ،‬على وج ٍه أع ّم‪ ،‬يعترف به مجلس المؤمنين الليترجي‪“ .‬أؤمن‬
‫“إنّها أيضا الكنيسة‪ ،‬أ ُّمنا تجيب هللا بإيمانها وتعلّمنا أن نقول‪“ :‬أؤمن "‪،‬‬
‫“نؤمن "‪.‬‬

‫‪“ .7‬أُنظر‪ ،‬يا رب‪ ،‬إلى إيمان كنيستك "‬

‫‪ -068‬الكنيسة أوالً هي التي تؤمن‪ ،‬وهكذا تحمل أيمناي‪ ،‬وتغذيه‪،‬‬


‫وتدعمه‪ .‬الكنيسة أوالً هي التي تعترف بالرّ ب في كل مكان (ونحن نرنّم في‬
‫النشيد “أنت هللا "‪“ :‬أنت الذي تُعلن الكنيسة المق ّدسة في جميع أنحاء‬
‫المسكونة إنك سيّدها “)‪ ،‬ونحنُ معها وفيها َمحمولون على أن نعترف نحن‬
‫أيضاً‪“ :‬أؤمن "‪ .‬بالكنيسة وفي المعموديّة ننال اإليمان والحياة الجديدة في‬
‫المسيح‪ .‬في “كتاب الرّتب الروماني “يسأل خادم التعميد الموعوظَ‪“ :‬ماذا‬
‫تطلب الى كنيسة هللاو ؟ والجواب‪ :‬اإليمان‪ -‬وماذا يمنحك اإليمانو ؟ ‪ -‬الحياة‬
‫األبديّة "‪.‬‬
‫ّ‬
‫‪ -069‬الخالص يأتي من هللا وحده‪ ،‬ولكن بما أننا ننال حياة اإليمان عبر‬
‫الكنيسة‪ ،‬فالكنيسة ا ُّمنا‪“ :‬إننا نعتق ُد بالكنيسة أ ّما ً لوالدتنا الجديدة‪ ،‬وال نعتقد بها‬
‫كما لو كانت مصدر خالصنا "‪ .‬وإذ كانت لنا أُ ّما ً كانت أيضا ً مربيّة إيماننا‪.‬‬

‫‪ .2‬لغة اإليمان‬

‫‪36‬‬
‫‪ -071‬إننا لسنا نؤمن بالصّ يغ‪ ،‬بل بالحقائق التي تعبّر عنها‪ ،‬والتي يتي ُح لنا‬
‫اإليمانُ “ َمسّها"‪“ .‬وفعل اإليمان الذي يفوهُ به المؤمن ال يقفُ عند التّعبير بل‬
‫عند الحقيقة المعبّر عنها “ومع ذلك فإنّا نقارب هذه الحقائق بمساعدة‬
‫صياغات اإليمان‪ .‬فهي تسم ُح بالتعبير عن اإليمان وبتناقله‪ ،‬واالحتفال به‬
‫جماعيا ّ‪ ،‬واستيعابه‪ ،‬والحياة به أكثر فأكثر‪.‬‬
‫ق وقاعدته “(‪ 7‬تيم ‪ ،)71 :3‬تُحافظُ‬ ‫‪ -070‬الكنيسة‪ ،‬التي هي “عمو ُد الح ّ‬
‫بأمانة على “اإليمان الذي سُلّم دفعةً واحدةً للقديسين “إنّها هي التي تحتفظ‬
‫فعل إيمان الرّسل‪.‬‬
‫جيل الى جيل َ‬ ‫بمجموعة أقوال المسيح‪ ،‬وهي التي تنقل من ٍ‬
‫كأ ُ ّم تُلقِّن أبناءها النّطق‪ ،‬ومن ث ّم اإلدراكَ والتّعامل‪ ،‬تلقنُنا الكنيسة أ ّمنا لغة‬
‫ِّ‬
‫دخلَنا في فهم اإليمان وحياته‪.‬‬
‫اإليمان لتُ ِ‬

‫‪ .3‬إيمان واحد‬

‫ب وأمم كثيرة ال تبرح‬ ‫ت وشعو ٍ‬ ‫وعبر لُغات وثقافا ٍ‬‫َ‬ ‫‪ -072‬منذ قرون‪،‬‬
‫منقول في معموديّة واحدة‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫واحد‪،‬‬ ‫ربٍّ‬ ‫من‬ ‫ت‬
‫ٍ‬ ‫آ‬ ‫‪،‬‬‫د‬ ‫ٍ‬ ‫واح‬ ‫بإيمان‬ ‫الكنيسة تعترف‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫بأن لجميع البشر إلها واحدا وأبا واحدا‪ .‬والقديس‬ ‫س في االعتقاد ّ‬ ‫مغرو ٍ‬
‫أيريانوس‪ ،‬أسقف ليون‪ ،‬يشهد على هذا اإليمان ويُعلِن‪:‬‬
‫‪“ -073‬وإن كانت الكنيسة منتشرةً في العالم كلّه الى أقاصي األرض‪،‬‬
‫فهي‪ ،‬بعدما تلقّت االيمان من الرّ سُل ومن تالميذهم تحتفظ (بهذه الكرازة‬
‫وبهذا االيمان) بعناية كما لو كانت تسكن منزالً واحداً‪ ،‬وهي تؤمن بهما على‬
‫وج ٍه واحد‪ ،‬كما لو لم يكن لها إالّ رو ٌح واحدة وقلبٌ واحد‪ ،‬وهي تكرز بهما‬
‫نهج واحد كما لو لم تملك إال فما ً واحداً‪.‬‬ ‫وتُعلّمهما وتنقلهما على ٍ‬
‫‪“ -074‬فلِئن اختلفت اللُغات في العالم‪ ،‬فمضمون التقليد واح ٌد ال يختلف‪.‬‬
‫إيمان آخر‪ ،‬وال لتلك التي عند اإليبيريّين‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫وليس للكنائس القائمة في جرمانية‬
‫وال لتلك التي عند القلتيّين‪ ،‬وال لكنائس الشرق‪ ،‬ومصر‪ ،‬وليبية‪ ،‬وال لتلك‬
‫القائمة في وسط العالم"‪ .‬وهكذا فرسالة الكنيسة حقيقيّة وثابتة‪ ،‬إذ لديها طريق‬
‫خالص واحدة تظهر في العالم كلّه "‪.‬‬
‫‪“ -075‬هذا اإليمان الذي نلناه من الكنيسة‪ ،‬نُحافظ عليه بعناية‪ ،‬ألنّه ال‬
‫يبرح‪ ،‬بفعل الروح القدس‪ ،‬كالوديعة العظيمة الثّمن في إنا ٍء ثمين‪ ،‬يتج ّدد‬
‫ويجدِّد اإلناء الذي يحتويه"‪.‬‬

‫بإيجاز‬

‫‪37‬‬
‫‪ -076‬اإليمان التصا ٌق اإلنسان بكامله التصاق ًا شخصيّ ًا باهلل الذي يكشف‬
‫عن ذاته‪ .‬إ ّنه التصاق العقل واالرادة بالوحي الذي الي كشف فيه هللا عن ذاته‬
‫بأعماله وأقواله‪.‬‬
‫‪ -077‬لإليمان إذ ًا مرجعان‪ :‬الشخص والحقيقة‪ ،‬الحقيقة من خالل الثقة‬
‫بالشخص الذي يُثبتها‪.‬‬
‫‪ -078‬ليس لنا أن نؤمن بأح ٍد سوى هللا‪ ،‬االب واالبن والروح القدس‪.‬‬
‫‪ -079‬اإليمان هبة من هللا تفوق الطبيعة‪ .‬ولكي يؤمن اإلنسان يحتاج الى‬
‫معونة الروح القدس الداخليّة‪.‬‬
‫ّ‬
‫ي واع ٍ وحرّ يتفق وكرامة الشخص البشريّ ‪.‬‬ ‫‪ -081‬اإليمان فع ٌل إنسان ّ‬
‫الكنيسة يسبق إيماننا‪ ،‬ويبعثه‪ ،‬ويحمله‪،‬‬ ‫أيمانُ‬ ‫‪ -080‬اإليمان عم ٌل كنس ّي‪.‬‬
‫ويغ َذيه‪ .‬الكنيسة أ ّم جميع المؤمنين‪“ .‬ال أحد يكون هللا أباه وال تكون الكنيسة‬
‫أ ُّمه "‪.‬‬
‫‪“ -082‬نؤمن بكل ما تنطوي عليه كلمة هللا المكتوبة أو المنقولة‪ ،‬وتدعونا‬
‫وحي اله ّي"‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫الكنيسة الى االيمان به على أنه من‬
‫‪ -083‬االيمان ضروريّ للخالص‪ .‬الربُّ نفسُه يثبت ذلك‪“ :‬من آمن وآعتمد‬
‫يخلص ومن لم يُؤمن يُدان “(مو ‪.)71 :71‬‬
‫‪“ -084‬اإليمان هو تذوّق ُمسب ٌق للمعرفة التي ستجعلنا سعداء في الحياة‬
‫اآلتية "‪.‬‬

‫قانون اإليمان‬

‫قانون نيقيّة‪ -‬القسطنطينيّة‬ ‫قانون الرسل‬

‫الكلي القدرة‪،‬‬
‫ّ‬ ‫الكلي القدرة‪ ،‬خالق أؤمنُ بأل ٍه واح ٍد‪ ،‬الآلب‬
‫ّ‬ ‫أؤمن باهلل‪ ،‬اآلب‬
‫الكون‬
‫ِ‬ ‫خالق السماء واألرض‪،‬‬ ‫السماء‬
‫المرئي‪ .‬وبربٍّ واح ٍد‬
‫ّ‬ ‫وغير‬ ‫المرئي‬
‫يسو َع المسيح‪ ،‬آبن هللا الوحيد‪،‬‬
‫قبل كلّ ال ّدهور‪:‬‬
‫المولود من اآلب َ‬
‫هو هللا الصاد ٌر عن هللا‪ ،‬نور ٌو مولو ٌد‬
‫ق صاد ٌر عن هللا‬ ‫من النّور‪ ،‬إلهٌ ح ّ‬ ‫واألرض‪.‬‬
‫ق‪ ،‬مولود غيرمخلوق‪ ،‬هو‬ ‫الح ّ‬
‫صنِع ك ّل‬‫واآلب جوه ٌر واح ٌد وبه ُ‬ ‫وبيسوع المسيح‪ ،‬ابنه الوحيد ربّنا‪،‬‬
‫‪38‬‬
‫شيء‪ ،‬من أجلنا نحن البشر‪ ،‬وفي‬ ‫الذي كان الحبَ ُل به من الروح القدس‪،‬‬
‫سبيل خالصنا نزل من السماء‪،‬‬ ‫ُولد من البتول مريم‪ ،‬تألّم في عهد‬
‫بالروح القدس تجسّد من البتول‬ ‫بنطيّوس بيالطُس‪ ،‬وصُلب ومات‬
‫مريم وصار إنسانا ً‪.‬وإذ صُلب ألجلنا‬ ‫ودُفن‪ ،‬انحدر الى الجحيم‪ .‬في اليوم‬
‫في عهد بنطيوس بيالطُس‪ ،‬تألّم‬ ‫الثالِث قام من الموتى‪ ،‬ص ِعد الى‬
‫ودُفن‪ ،‬وقام في اليوم الثالث‪ ،‬وفاقا ً‬ ‫السماوات‪ ،‬وهو جالس إلى يمين هللا‬
‫للكتابات‪ ،‬وصعد الى السماء‪ ،‬وهو‬ ‫الكلي القدرة‪ ،‬من حيث سيأتي‬‫ّ‬ ‫أالب‬
‫جالس الى يمين اآلب‪ .‬أنّه سيرج ُع‬ ‫ُ‬
‫ليقاضي األَحيا َء واألموات‪ .‬أمنُ‬
‫َ‬
‫ُقاضي األحيا َء‬
‫َ‬ ‫في المجد‪ ،‬لي‬ ‫بالروح القدس”بالكنيسة المقدسة‬
‫واألموات‪ ،‬ولن يكون لملكوته‬ ‫الكاثوليكية‪ ،‬بشركة القديسين‪ ،‬بغفران‬
‫انقضاء‪ .‬وبالروح القدس‪ ،‬الربُّ‬ ‫الخطايا‪ ،‬بقيامة الجسد‪ ،‬بالحياة‬
‫وواهب الحياة‪ ،‬أنه ينبثق من اآلب‬ ‫أألَبديّة‪ .‬آمين‬
‫واالبن‪ ،‬مع اآلب واالبن‪ ،‬يُعبَ ُد‬
‫العبادة نفسها ويُمجَّد التمجيد نفسه‪،‬‬
‫لقد نطق باألنبياء‪.‬‬
‫أؤمن بالكنيسة‪ ،‬واحدة‪ ،‬مقدسة‪،‬‬
‫أعترف‬ ‫ورسوليّة‪.‬‬ ‫كاثوليكية‬
‫بمعمودي ٍة واحد ٍة لغفران الخطايا‪.‬‬
‫أرت ِقبُ قيامة الموتى وحياة العالم‬
‫اآلتي‪ .‬آمين‬

‫القسم الثاني‬
‫االعتراف باإليمان المسيحي‬

‫قوانين اإليمان‬

‫ق ما نؤمن به"‪ .‬الشركة في االيمان‬ ‫‪ -085‬من يقُل “أُؤمن “يقُل “أعتنف ُ‬


‫تفتضي لغةً لإليمان مشتركة‪ ،‬ينتظم بها الجميع ويتَحدون في االعتراف‬
‫الواحد باإليمان‪.‬‬
‫الخاص ونقلته في‬
‫َ‬ ‫‪ -086‬منذ البدء عبّرت الكنيسة الرسوليّة عن إيمانها‬
‫تعبيرات وجيزة وضابطة للجميع‪ .‬ولكن الكنيسة أرادت أيضا ً منذ أقدم أيّامها‬
‫أن تَجمع خالصة إيمانها في مختصرات عضويّة ومنسَّقة بوضوح‪ ،‬مع ّدة‬
‫بنوع خاص لطالبي المعمودية‪:‬‬
‫‪39‬‬
‫لخصات اإليمان هذه بحسب آراء البشر‪ ،‬ولكن جُمع من الكتاب‬ ‫“لم توضع ُم ّ‬
‫المق ّدس كلّه ما‬
‫أن بذار الخردل‬ ‫هو األه ّم فيه‪ ،‬لكي يُعطي تعليم اإليمان الوحيد كامالً‪ .‬وكما َّ‬
‫يحتوي في حبةً‬
‫صغيرة ج ّداً عددا كبيرا من األغصان‪ ،‬كذلك قانون اإليمان‪ ،‬فهو يحتوي في‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫كلمات قليلة‬
‫عل َم البرّ الحقيقي كلّه الذي ينطوي عليه العهدان القديم والجديد "‪.‬‬
‫تلخص‬ ‫ملخصات اإليمان هذه “أعترافات اإليمان “إذ أنها ّ‬ ‫‪ -087‬تُس ّمى ّ‬
‫ً‬
‫العقيدة التي يعترف بها المسيحيّون‪ ،‬وتُس ّمى “أؤمن “جريا مع الكلمة األولى‬
‫التي تبدأ بها عادةً‪ ،‬أي “أُؤمن “وتُس ّمى كذلك “قوانين اإليمان "‪.‬‬
‫‪ -088‬كانت الللفظة اليونانية (سينقلن) تعني نصف الشيء المكسور (كالخاتم‬
‫مثالً) الذي كان يُق ّدم عالمةَ تعرّف‪ .‬فكانت األقسام المكسورة تُقارب إلثبات‬
‫حقيقة حاملها‪ .‬وهكذا فقانون اإليمان عالمة التّعارف وال ّشركة بين المؤمنين‪.‬‬
‫“سينقولن “تعني الى ذلك مجموعة‪ ،‬جدوالً‪ ،‬أو موجزاً‪ .‬فقانون اإليمان هو‬
‫مجموعة حقائق اإليمان الرئيسيّة وهو من ث َّم المرجع األول واألساسي‬
‫للكرازة‪.‬‬
‫‪ -089‬أول “اعتراف باإليمان “يجري في المعمودية‪“ .‬قانون اإليمان “هو‬
‫أن المعمودية تُمنح “باسم اآلب واالبن والروح‬ ‫العمادي‪ ،‬وبما َّ‬
‫ّ‬ ‫أوّ الً القانون‬
‫القدس “(متى ‪ ،)71 :22‬فحقائق اإليمان ال ُمعترف بها إبّان المعمودية‬
‫مرجعها الى األقانيم الثالثة في الثالوث األقدس‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ -091‬وهكذا فقانون اإليمان يُقسّم الى ثالثة أقسام‪“ :‬أوّ ال كالم على األقنوم‬
‫اإللهي الثاني وعلى‬‫ّ‬ ‫اإللهي األول وعلى عمل الخلق الرائع‪ ،‬ثم على األقنوم‬ ‫َ‬
‫سرّ فداء البشر‪ ،‬وأخيراً على األقنوم اإللهي الثالث ينبوع تقديسنا و َمبدَإه "‪.‬‬
‫من هنا “فصول خاتم معموديّتنا الثالثة "‪.‬‬
‫‪“ -090‬وإن كانت هذه األقسام الثالثة مترابطة فهي متمايزة‪ .‬ونحن نس ّميها‬
‫أقساما ً عقائدية د‬
‫أن في أعضائنا بعض مفاصل‬ ‫جريا مع تشبي ٍه كثيراً ما استعمله اآلباء‪ .‬فكما َّ‬
‫ق اسم أقسام عقائديّة‬ ‫تُميّزها وتفصلها‪ ،‬كذلك في قانون اإليمان فقد أطلِق بح ٍّ‬
‫على الحقائق التي يجب أن نؤمن بها منفردةً ومتميّزة "‪ .‬وقد ورد في تقلي ٍد‬
‫قديم‪ ،‬سبق الق ّديس أمبروسيوس إلى أثباته‪ ،‬أن العادة جرت على أحصاء اثني‬
‫عشر قسما ً في قانون اإليمان‪ ،‬رمزاً بعد ِد الرّ سل الى مجمل العقيدة الرّسوليّة‪.‬‬
‫‪ -092‬لقد تع ّددت “على مرّ العصور‪ ،‬اعترافات اإليمان أو قوانينه‪ ،‬استجابةً‬
‫لحاجات العهود المختلفة‪ :‬قوانين الكنائس الرّسوليّة والقديمة المختلفة‪ ،‬القانون‬
‫‪40‬‬
‫“كل من “المنسوب الى القديس أثناسيوس‪ ،‬إعترافات اإليمان لبعض المجامع‬
‫(طُليطلة‪،‬التران‪ ،‬ليون‪،‬ترانت)أو لبعض البابوات‪ ،‬من مثل (إيمان داماسيوس‬
‫“أو “قانون أيمان شعب هللا “لبولس السادس (‪.)7112‬‬
‫‪ -093‬ما من قانون من قوانين اإليمان في شتّى مراحل حياة الكنيسة يمكن‬
‫ع ّده ساقطا ً بمرور الزمن‪ ،‬أو خاليا ً من الفائدة‪ .‬إنّها تُساعدنا على ان نبلغ اليوم‬
‫الملخصات المختلفة التي ًوضعت‬ ‫ّ‬ ‫وتُع ّمق إيمان األزمان المختلفة من خالل‬
‫لها‪.‬‬
‫ّ‬
‫بين جميع قوانين اإليمان قاونان يحتالّن محلين خاصّ ين في حياة انكنيسة‪.‬‬
‫الملخص األمين إليمان‬‫ّ‬ ‫الرسل‪ ،‬المدعوّ هكذا ألنّه يُ َع ُّد بح ٍّ‬
‫ق‬ ‫‪ -094‬قانون ّ‬
‫الرّسل‪ .‬إنّه القانون القديم للتعميد في الكنيسة الرومانية‪ .‬وسلطانه العظيم يأتيه‬
‫من كونه “القانون الذي تحتفظ به الكنيسة الرومانية‪ ،‬حيث جلس بطرس‪ ،‬أوّ ل‬
‫الرّسل‪ ،‬وحيث فاهَ بالحكم العام "‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ -095‬قانون نيقية‪-‬القسطنطينية يستم ّد قوّته من كونه صادرا عن المجمعين‬
‫المسكونيَّين األوّ لين‬
‫(‪ 321‬و ‪ .)327‬وهو ال يزال‪ ،‬الى اليوم‪ ،‬مشتركا ً بين جميع كنائس الشرق‬
‫والغرب الكبرى‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ -096‬سنتبع في عرضنا للعقيدة قانون الرّ سل الذي يتألف منه نوعا ما “أقدم‬
‫روماني “ومع ذلك َسنُ ِت َّم العرض برجوع متواصل الى قانون‬ ‫ّ‬ ‫مسيحي‬
‫ّ‬ ‫تعليم‬
‫نيقيّة‪ -‬قسطنطينيّة األكثر تصريحا ً وتفصيالً‪.‬‬
‫َ‬
‫‪ -097‬وكما فعلنا في يوم معموديّتنا‪ ،‬عندما أسْلمنا كل حياتنا “الى رسْم التعليم‬
‫“(رو ‪ )71 :1‬فلنتقبّل قانون إيماننا الذي يعطي الحياة‪ .‬فأن يُتلى قانون‬
‫اإليمان بإيمان‪ ،‬إنّما ذلك دخو ٌل في الشركة مع هللا اآلب‪ ،‬واالبن‪ ،‬والروح‬
‫القدس‪ ،‬ودخو ٌل أيضاً في الشركة مع الكنيسة كلّها التي تنقل الينا العقيدة‪،‬‬
‫والتي بين ظهرانيها نًؤمن‪.‬‬
‫“هذا القانون هو الخاتم الروحي ونجوى قلبنا‪ ،‬والحارس الذي ال يغيب‬
‫أبداً‪ ،‬وهو‪ ،‬وال شك‪ ،‬كنز نفسنا "‬

‫الفصل األول‬
‫أُؤمن باهلل اآلب‬

‫‪41‬‬
‫‪ -098‬إعترافُنا باإليمان يبدأ باهلل‪ ،‬ألن هللا هو “األول والآلخر “(أش ‪:44‬‬
‫‪ ،)1‬بدء كل شيء ونهايته‪ .‬وقانون اإليمان يبدأ باهلل اآلب‪ ،‬ألن اآلب هو‬
‫اإللهي األول من الثالوث األقدس‪ ،‬وقانونُنا يبدأ بخلق السماء‬‫ّ‬ ‫األقنوم‬
‫واألرض‪ ،‬ألن الخلق هو البداية واألساس في جميع أعمال هللا‪.‬‬

‫المقال األول‬
‫خالق السماء واألرض "‬
‫ِ‬ ‫الكلي القدرة‬
‫ّ‬ ‫“أؤمن باهلل اآلب‬

‫الفقرة ‪ -0‬أؤمن باهلل‬

‫أساسي‬
‫ٌّ‬ ‫‪“ -099‬أؤمن باهلل “هذا التأكيد األول من اإلعتراف باإليمان هو أيضا ً‬
‫أكثر من أيُّ شيء آخر‪ .‬القانون كلّه يتكلّم على هللا‪ ،‬وإن تكلّم أيضا ً على‬
‫اإلنسان والعالم‪ ،‬فذلك بالنسبة الى هللا‪ .‬فموا ّد قانون اإليمان تتعلّق كلّها الما ّدة‬
‫األولى‪ ،‬كما أن جميع الوصايا توضح الوصية األولى‪ .‬والموا ّد األخرى‬
‫تُعرّ فنا هللا تعريفا ً أوسع‪ ،‬كما كشف عن نفسه للبشر تدريحيّا ً‪.‬‬
‫“المؤمنون يعترفون أوالً باإليمان باهلل "‪.‬‬

‫‪ .7‬أؤمن بإله واحد‬

‫‪ -211‬بهذه الكلمات يبدأ قانون نيقية – القسطنطينيّة‪ .‬اإلعتراف بوحدانية هللا‬


‫اإللهي في العهد القديم‪ ،‬ال يمكن فصله عن اإلعتراف‬ ‫ّ‬ ‫ذات الجذور في الوحي‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫أساسي مثله أيضا‪ .‬هللا واحد‪ :‬ال يوجد إال إله واحد‪“ :‬اإليمان‬
‫ّ‬ ‫بوجود هللا‪ ،‬وهو‬
‫ّ‬ ‫ٌ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫يحي يعترف أنه ال يوجد إال إله واحد‪ ،‬واحد بطبيعته‪ ،‬وجوهره‪ ،‬وإِنيَّته‬ ‫المس ّ‬
‫"‪.‬‬
‫‪ -210‬هللا كشف عن نفسه إلسرائيل مختاره على أنه الوحيد “إسمع‪ ،‬يا‬
‫إن الربَّ إلهنا ربٌّ واحد‪ ،‬فأحبب الربَّ إلهك بكلّ قلبك وكلّ نفسك‬ ‫إسرائيل‪َّ ،‬‬
‫وكلّ قدرتك “(تث ‪ )1-4 :1‬باألنبياء دعى هللا إسرائيل وجميع األمم الى‬
‫ي فتخلُصوا يا جميع أقاصي األرض‬ ‫التوجُّ ه نحوه‪ ،‬هو الوحيد‪“ .‬توجّ هوا إل َّ‬
‫فإنّي أنا هللا وليس من إله آخر‪ .‬لي ستجثو كلُّ ركب ٍة وبي سيُقسم كل لسان‪،‬‬
‫يقول‪ :‬بالربّ وحده البرُّ والقوّة “(أش ‪.)24-22 :41‬‬

‫‪42‬‬
‫أن هللا هو “الربّ الوحيد “وأنه يجب أن يُحبّ “بكلّ‬ ‫ع نفسُه يُثبت ّ‬‫‪ -212‬يسو ُ‬
‫ّ‬
‫القلب وكل النفس وكل الذهن وكلّ القدرة "‪ .‬وهو يشير‪ ،‬في الوقت نفسه‪ ،‬إلى‬
‫بان “يسوع هو الربّ "‪ .‬هو خاصّ ة‬ ‫أنّه هو ذاته "الربّ "‪ .‬واإلعتراف ّ‬
‫المسيحي‪ .‬وهذا ال يخالف اإليمان باهلل الواحد‪ .‬واإليمان بالروح القدس‬
‫ّ‬ ‫اإليمان‬
‫“الربّ وواهب الحياة “ال يجعل في وحدانيّة هللا إنفصاما‪ً:‬‬
‫حقيقي‪ ،‬غير‬
‫ّ‬ ‫“نحن نؤمن إيمانا ً ثابتاً‪ ،‬ونُثبت ببساطة أنه يوجد إله واح ٌد‬
‫ٌ‬
‫وابن‬ ‫كلي القدرة‪ ،‬وفوق كل تعبير‪ ،‬آبٌ‬ ‫محدود وغير متغيّر‪ ،‬وغير ُمدرك‪ُّ ،‬‬
‫ورو ٌح قدس‪ :‬ثالثة أقانيم‪ ،‬ولكن إنّيَةٌ واحدة‪ ،‬وجوهر واح ٌد أو طبيعةٌ كليّة‬
‫البساطة "‪.‬‬

‫‪ .2‬هللا يكشف عن اسمه‬

‫‪ – 213‬لقد كشف هللا عن ذاته لشعبه إسرائيل‪ ،‬وعرّ فه اس َمهُ‪ .‬األسم تعبير عن‬
‫اإلنّيّة‪ ،‬هويّة الشخص ومعنى الحياة‪ .‬هلل اس ٌم‪ .‬وليس بقوّ ٍة ُغ ْف ٍل‪ .‬وتسليم االسم‬
‫هو تعريفُ اآلخرين بالذات‪ ،‬هو‪ ،‬على وج ٍه ما‪ ،‬تسليم الذات بجعلها ممكنة‬
‫المنال‪َ ،‬حريّةً بأن تُعرف معرفة أعمق‪ ،‬وأن تُدعى شخصيّا ً‪.‬‬
‫‪ -214‬هللا كشف عن ذاته لشعب ِه تدريجيّا ً وبأسماء مختلفة‪ ،‬إالّ أن الكشف عن‬
‫اإللهي لموسى في ظهور العلّيقى الملتهبة على عتَبة الخروج وعهد‬ ‫ّ‬ ‫االسم‬
‫األساسي للعهدين القديم والجديد‪.‬‬
‫ّ‬ ‫سيناء‪ ،‬هو الكشف الذي ثبت أنه‬

‫اإلله الحي‬

‫‪ -215‬هللا يدعو موسى من وسط عُلّيقى تلتهبُ وال تحترق‪ .‬ويقول هللا لموسى‬
‫“أنا إلهُ آبائك‪ ،‬اله إبراهيم‪ ،‬وإله إسحق‪ ،‬وإله يعقوب”(خرو ‪ )1 :3‬فاهلل هو‬
‫إله اآلباء الذي دعاهم وقادهم في تيههم‪ .‬إنّه اإلله األمين والعطوف الذي‬
‫يذكرهم ويذكر عهوده‪ ،‬وهو يأتي ليحرّ ر نسلهم من العبوديّة‪ .‬إنه اإلله الذي‪،‬‬
‫في كل مكان وزمان‪ ،‬يستطيع ذلك ويريده‪ ،‬والذي يجعل قدرته غير المحدودة‬
‫في طريق هذا التصميم‪.‬‬

‫“أنا هو الكائن "‬

‫قال موسى هلل “ها أنا سائ ٌر الى بني إسرائيل فأقول لهم‪ :‬إله آبائكم بعثني‬
‫إليكم‪ ،‬فإن قالوا لي ما اسمه‪ ،‬فماذا أقول لهمو ؟ “فقال هللا لموسى‪“ :‬أنا هو‬
‫‪43‬‬
‫الكائن “وقال‪“ :‬كذا قُل لبني إسرائيل‪ :‬الكائن أرسلني اليكم هذا اسمي إلى‬
‫ال ّدهر‪ ،‬وهذا ذكري الى جيل فجيل “(خرو ‪.)71-73 :3‬‬
‫‪ -216‬عندما يكشف هللا عن اسمه العجيب يهوه‪“ ،‬أنا الكائن‪ ،‬أو “أنا من هو‬
‫"‪ ،‬أو أيضا ً “أنا من أنا)‪ ،‬يقول من هو‪ ،‬وبأيّ اسم يجب أن ندعوه‪ .‬هذا االسم‬
‫أن هللا سرّ ‪ .‬إنه في الوقت نفسه اس ٌم موحى به وكرفض‬ ‫اإللهي سريّ كما ّ‬
‫ّ‬
‫لإلسم‪ ،‬وهو من ث َّم يعبّر أحسن تعبير عن هللا كما هو‪ ،‬أي على مستوى أسمى‬
‫من كل ما نستطيع إدراكه أو قوله‪ :‬إنه “اإلله المحجّ ب “(أش ‪)71 :41‬‬
‫واسمه عجيب‪ ،‬وهو اإلله الذي يتقرّ ب من البشر‪.‬‬
‫‪ -217‬عندما يكشف هللا عن اسمه يكشف في الوقت نفسه عن أمانته التي هي‬
‫من األبد والى األزل‪ ،‬سارية المفعول في الماضي (“أنا إلهُ آبائك “خرو ‪:3‬‬
‫‪ )1‬كما في المستقبل‪“( :‬وأنا أكون معك "‪( ،‬خرو ‪ .)72 :3‬هللا الذي يكشف‬
‫عن اسمه على أنه “الكائن “يكشف عن ذاته على أنه اإلله الحاضر على‬
‫ال ّدوام‪ ،‬الحاضر مع شعبه ليخلّصه‪.‬‬
‫صغارته‪ .‬أمام‬ ‫‪ -218‬أمام حضور هللا السّاحر والعجيب يكتشف اإلنسانُ َ‬
‫مقابل القداسة اإللهيّة‪ .‬أمام‬
‫َ‬ ‫العلّيقى الملتهبة يخلع موسى نعلّيه ويستر وجهه‬
‫مجد اإلله المثلّث القداسة يصيح أشعيا‪:‬‬
‫“ويل لي قد هلكت‪ ،‬ألني رج ٌل دنسُ ال َشفَتَيْن “(أش ‪ .)1 :1‬أمام األعمال‬
‫اإللهية التي يعملها يسوع يصيح بطرس‪“ :‬تباعد عني‪ ،‬يا ربّ ‪ ،‬فأنّي رجلٌ‬
‫أن هللا ق ّدوس‪ ،‬فهو يقدر أن يغفر لإلنسان الذي‬ ‫خاطئ”(لو ‪ .)2 :1‬ولكن بما ّ‬
‫ُ‬
‫يكشف عن نفسه أمامه أنه خاطئ‪“ :‬ال أنفِذ َو ْغر غضبي ألنّي انا هللا ال‬
‫إنسان‪ ،‬وفيك ق ّدوس “(هو ‪ .)1 :77‬وسيقول الرسول يوحنا كذلك “نُقنِع قلوبَنا‬
‫تطمئن أمامه‪ ،‬وإن كان قلبُنا يب ِّكتُنا‪َّ ،‬‬
‫فأن هللا أعظ ُم من قلبنا وعال ٌم بكل‬ ‫َّ‬ ‫بأن‬
‫شيء “(‪ 7‬يو ‪.)22-71 :3‬‬
‫‪ -219‬توقيراً لقداسة هللا ال يفوه الشعب اإلسرئيلي باسمه تعالى‪ .‬ففي قراءة‬
‫الكتاب المقدس يُستعاض عن اإلسم الموحى باللقب اإللهي “ربّ “(أدوناي‪،‬‬
‫وباليونانية كيريوس)‪ .‬وبهذا اللقب ستُعلَن ألوهة يسوع‪“ :‬يسوع ربّ "‪.‬‬

‫والرحمة "‬
‫الحنان ّ‬
‫“إله َ‬

‫هبي‪ ،‬يسمع‬ ‫‪ -201‬بعد خطيئة إسرائيل الذي مال عن هللا الى عبادة العجل ّ‬
‫الذ ّ‬
‫ث للعهد‪ ،‬مظهراً هكذا‬ ‫هللا تشفّ َع موسى ويقبل السّير في وسط شع ٍ‬
‫ب ناك ٍ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫محبّته‪ .‬وهو يُجيب موسى الذي يطلب أن يرى مجده ويقول‪“ :‬أنا أجيز جميع‬
‫جودتي أمامك وأنادي باسم الربّ يهوة ق ّدامك “(خرو ‪ .)71-72 :33‬ويمرّ‬
‫‪44‬‬
‫ٌ‬
‫ورؤوف‪ ،‬طويل األناة‬ ‫الربّ أمام موسى وينادي‪“ :‬يهوه "‪ ،‬يهوه إلهٌ رحي ٌم‬
‫كثي ُر المراحم والوفاء “(خرو ‪ .)1 ،34‬فيعترف موسى حينئ ٍذ َّ‬
‫أن الربَّ إلهٌ‬
‫غفور‪.‬‬
‫‪ -200‬األسم اإللهي “أنا الكائن “أو “الذي هو “يعبّر عن أمانة هللا الذي‬
‫اإلثم ومن‬
‫ِ‬ ‫“يحفظ الرحمة أللوف “(خرو ‪ ،)1 :34‬على ما للبشر من نكيثة‬
‫العقاب التي تستحقّه‪ .‬هللا يكشف عن كونه “غنيّا ً بالرّحمة “(أف ‪ )4 :2‬إلى‬
‫ع حياتَه ليحرّ رنا من الخطيئة‬ ‫ح ّد أنه بذل ابنه الخاصّ ‪ .‬وعندما يب ُذل يسو ُ‬
‫اإللهي‪“ :‬إذا ما رفعتم ابنَ البشر فعندئ ٍذ‬
‫ّ‬ ‫سيكتشف أنّه يحمل هو نفسه االسم‬
‫تعرفون أنّي أنا هو “(يو ‪.)22 :2‬‬

‫هللا وحده الكائن‬

‫‪ -202‬لقد استطاع إيمان إسرائيل‪ ،‬عبر القرون‪ ،‬أن ينشر ويتقصّ ى الكنوز‬
‫اإللهي‪ .‬هللا واح ٌد‪ ،‬وال إله سواه‪ .‬وهو فوق العالم‬
‫ّ‬ ‫المنطوية في وحي االسم‬
‫والتاريخ‪ .‬وهو الذي صنع السموات واألرض‪“ :‬هي تزول وأنت تبقى‪ ،‬و ُكلّها‬
‫تبلى كالثوب وأنت أنت وسنوك لن تفنى “(مز ‪ .)22-21 :722‬ليس فيه‬
‫“تحوّ ل وال ِظلُّ تَغيُّر “(يع ‪ .)71 :7‬إنه “الكائن “منذ األبد وإلى األزل‪ ،‬وهو‬
‫هكذا يبقى أبداً وفيّا ً لذاته ولوعوده‪.‬‬

‫‪ -203‬وهكذا فالكشفُ عن االسم العجيب “أنا الكائن “يتض ّمن الحقيقة ّ‬


‫أن هللا‬
‫اإللهي في الترجمة السبعينيّة وبعدَها في‬
‫ّ‬ ‫وحده كائن‪ .‬وبهذا المعنى فُهم االس ُم‬
‫تقليد الكنيسة‪ :‬هللا هو ملء الكينونة وملء ك َّل كمال‪ ،‬ال أولّ له وال آخر‪ .‬وفيما‬
‫نالت جمي ُع الخالئق منه كلّ كيانها وكل ما لها‪ ،‬فهو وحده كيان ذاته‪ ،‬وهو من‬
‫ذاته كلُّ ما هو‪.‬‬

‫‪ .3‬هللا “الكائن “حقيقة ومحبّة‬

‫‪ -204‬هللا‪“ ،‬الكائن “كشف عن نفسه إلسرائيل على أنّه الكائن “الكثير‬


‫المراحم والوفاء “‬
‫(خرو ‪ )1 :34‬هذه األلفاظ تعبّر تعبيراً مرصوصا ً عن كنوز االسم اإللهي‪.‬‬
‫هللا يُظهر في جميع أعماله عطفَه‪ ،‬وجودتَه‪ ،‬ونعمتَه‪ ،‬ومحبّتَه‪ ،‬كما يُظهر‬
‫أيضا ً وفا َءه‪ ،‬وثباتَه‪ ،‬وأمانته‪ ،‬وحقيقتَه‪.‬‬

‫‪45‬‬
‫ق‪ّ ،‬‬
‫ألن “هللا‬ ‫“أعترف السمك ألجل رحمتك وحقّك “(مز ‪ .)2 :732‬إنه الح ّ‬
‫نو ٌر وليس فيه ظُلمةً البتّة “(‪ 7‬يو ‪ ،)1 :7‬وهو “محبّة “على ح ّد ما يعلّم‬
‫يوحنا الرسول(‪ 7‬يو ‪.)2 :4‬‬

‫ق‬
‫هللا ح ّ‬

‫ق‪ ،‬وإلى األبد كلُّ حكم عدلك “(مز ‪.)712 :771‬‬ ‫‪“ – 205‬رأس كلمتك ح ّ‬
‫ق “(‪ 2‬صم ‪ )22 :1‬ولذلك‬ ‫“واآلن أيها الربّ اإلله أنت هو هللا وكالمك ح ّ‬
‫فوعود هللا تتحقّق دائما ً‪.‬‬
‫ق نفسُه وأقواله جلّت عن التضليل‪ .‬ولهذا يستطيع المر ُء أن يسلّم‬ ‫هللا هو الح ّ‬
‫وسقوطه كان‬
‫ِ‬ ‫بكل ثقة لحقيقة كلمته ووافائها في كل شيء‪ .‬بد ُء خطيئة اإلنسان‬
‫الشك في كلمة هللا وعطفه ووفائه‪.‬‬‫ّ‬ ‫كذبةً من المجرّ ب الذي حمل على‬
‫ق هللا هو حكمته التي تسوس كلّ نظام الخليقة ومسيرة العالم‪ .‬هللا‬ ‫‪ -206‬ح ّ‬
‫َ‬
‫الذي وحده خلق السماء واألرض‪ ،‬يستطيع هو وحده أن يعطي معرفة كل‬
‫ق في عالقته معه معرفةً حقيقيّة‪.‬‬ ‫شي ٍء مخلو ٍ‬
‫ق أيضا عندما يكشف عن ذاته‪ :‬التعليم الذي يأتي من هللا “تعليم‬ ‫ً‬ ‫‪ -207‬هللا ح ٌّ‬
‫يرسل ابنه الى العالم إنما يكون ذلك “ليشهد للح ّ‬
‫ق‬ ‫ق “(مال ‪ .)1 :2‬عندما ِ‬ ‫ح ٍّ‬
‫الحقيقي‬
‫ّ‬ ‫اإلله‬ ‫نعرف‬ ‫لكي‬ ‫ُ‬ ‫ة‬‫بصير‬ ‫أتانا‬ ‫قد‬ ‫هللا‬ ‫ابن‬ ‫ّ‬
‫أن‬ ‫نعلم‬ ‫“‬ ‫‪:‬‬‫)‬ ‫‪31‬‬ ‫‪:‬‬ ‫‪72‬‬ ‫يو‬ ‫“(‬
‫“(‪ 7‬يو ‪.)22 :1‬‬

‫هللا محبّة‬

‫‪ -208‬لقد استطاع إسرائيل‪ ،‬على مرِّ تاريخه‪ ،‬أن يكتشف أنّه لم يكن هلل إ ّ‬
‫ال‬
‫داع واح ٌد حمله على الكشف عن ذاته له‪ ،‬وعلى اختياره له‪ ،‬بين سائر‬ ‫ٍ‬
‫الشعوب‪ ،‬ليكون شعبه الخاص‪ :‬هو حبُّه المجاني‪ .‬وقد فقهّ إسرائيل‪ ،‬بفضل‬
‫يكف هللا عن تخليصه‪ ،‬وعن مغفرة نكيثته‬ ‫ُّ‬ ‫أنبيائه‪ ،‬أنّه بدافع الحب أيضا ً لم‬
‫وآثامه‪.‬‬
‫ب إلبنه‪ .‬وهذا الحبّ أقوى من حبّ أ ٍّم‬‫‪ -209‬يُشبهُ حبُّ هللا إلسرائيل بحبّ أ ٍ‬
‫ّ‬ ‫ٌ‬
‫ألبنائها‪ .‬هللا يحبّ شعبه أكثر م ّما يحبّ زوجًُ حبيبته‪ ،‬وهذا الحب يتغلب‬
‫حتى على أقبح الحيوانات‪ ،‬وهو يذهب الى درج ِة بذل األغلى‪“ :‬هكذا أحبّ‬
‫هللا العالم حتى أنه بذل ابنَه الوحيد (يو ‪.)71 :3‬‬

‫‪46‬‬
‫إن الجبال تزول والتالل تتزعزع‬ ‫‪ -221‬وحبّ هللا “أبدي “(أش ‪ّ “ :)2 :14‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫أحببتك حبّا أبديّا فلذلك‬
‫ِ‬ ‫عنك “(أش ‪ .)72 :14‬إني‬ ‫ِ‬ ‫أ ّما رأفتي فال تزول‬
‫اجتذبتك برحم ٍة‪( :‬إر ‪)3 :37‬‬
‫ِ‬
‫‪ -220‬القديس يوحنّا يذهب أيضا ً الى أبعد من ذلك عندما يعلن ّ‬
‫أن “هللا محبّة‬
‫“(‪ 7‬يو ‪ :)71 ،2 :4‬فكيان هللا ذاته محبّة‪ .‬وعندما يرسل هللا‪ ،‬بحلول مل ِء‬
‫األزمنة‪ ،‬ابنه الوحيد ورو ُح محبّته يكشف عن أخصّ سرّ له‪ :‬إنه هو نفسه أبداً‬
‫وابن ورو ٌح قدس‪ ،‬وقد ق ّدر لنا أن نكون شركاء فيه‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫تبادل محبّة‪ :‬آبٌ‬
‫َ‬

‫‪ .4‬مدى اإليمان باهلل الواحد‬

‫‪ -222‬لإليمان باهلل والواحد‪ ،‬ومحبّتنا له بكلّ كياننا‪ ،‬عواقبُ ال ح ّد لها في‬


‫حياتنا كلّها‪:‬‬
‫إن هللا عظي ٌم فوق ما نعلم‬ ‫‪ -223‬فذلك يقتضي معرفةَ عظم ِة هللا وجاللِه‪ّ “ :‬‬
‫“(أيوب ‪ .)21 :31‬ولهذا وجب أن يكون هللا “المخدوم األوّ ل "‪.‬‬
‫‪ -224‬ويقتضي أن نعيش في الشّكران‪ :‬إذ كان هللا هو الواحد الوحيد فكلّ ما‬
‫تنلهُ “(‪ 7‬كو ‪“ .)1 :4‬ماذا‬ ‫نحن وكلّ ما نملك يأتي من ل ُد ْنهُ‪“ :‬أيُّ شي ٍء لك لم ْ‬
‫أر ُّد الى الرّ ب عن جميع ما كافأني به “(مز ‪.)72 :771‬‬
‫‪ -225‬ويقتضي معرفةَ وحد ِة البشر وكرامتِهم الحقيقيّة‪ :‬جميعهم مصنوعون‬
‫على صورة هللا ومثاله “(تك ‪.)21 :7‬‬
‫‪ -226‬ويقتضي حسنَ استعمال األشياء المتلوقة‪ :‬اإليمانُ باهلل الواحد يقودنا‬
‫الى استعمال كلّ ما ليس هللا بقدر ما يقرّ بنا ذلك من هللا‪ ،‬وإلى التجرّ د منه بقدر‬
‫ما يميل بنا ذلك عن هللا‪:‬‬
‫“ربّي وإلهي‪ ،‬انزع منّي كلّ ما يبعدني عنك "‪.‬‬
‫“ربّي وإلهي‪ ،‬هبني كلّ ما يقرّ بني منك “‬
‫ّ‬
‫“ربّي وإلهي‪ ،‬جرّ دني من ذاتي لكي أكون كلي لك "‪.‬‬
‫‪ -227‬ويقتضي الثقةُ باهلل في كل حال‪ ،‬حتى في الش ّدة‪ .‬صالةٌ للقديسة تريزا‬
‫يسوع تعبّر عن ذلك تعبيراً رائعا ً‪:‬‬
‫“ال يُ ْقلقنك شي ٌء‪ ،‬ال يخيفنّك شيء‪،‬‬
‫كلّ شيء يزول‪ ،‬هللا ال يتغيّر‪،‬‬
‫الصب ٌر يحصل على كل شيء‪،‬‬
‫من معه هللا فال ينقصه شيء‪،‬‬
‫هللا وحده يكفي "‪.‬‬

‫‪47‬‬
‫بإيجاز‬
‫أن الربّ إلهنا ربٌّ واحد “(تث ‪ ،4 :1‬مر ‪:72‬‬ ‫‪“ -228‬إسمع‪ ،‬يا إسرائيل‪ّ ،‬‬
‫‪.)21‬‬
‫“من الضروري أن يكون الكائن األعلى واحد ًا‪ ،‬أي بغير شريك‪ ،‬أذا لم يكن‬
‫هللا واحد ًا لم يكن هللا "‪.‬‬
‫‪ -229‬اإليمان باهلل يقودنا إلى أن نتوجّ ه إليه وحده على أ ّنه ُ‬
‫مبدأنا األول‬
‫ؤثر عليه شيئ ًا أو أن نستبدله بشيء‪.‬‬‫وغاي ُتنا القصوى‪ ،‬وأن ال ُن ّ‬
‫‪ -231‬هللا‪ ،‬إذا كشف عن ذاته‪ ،‬يبقى سرّ ًا عجيب ًا‪“ .‬لو كنتَ تفهمه لما كان هللا‬
‫"‪.‬‬
‫‪ -230‬إله إيماننا كشف عن ذاته على أ ّنه الكائن‪ ،‬لقد عرّ ف بنفسه على أ ّنه‬
‫“كثير المراحم والوفاء “(خرو ‪ .)1 :34‬كيا ُنه نفسُه ح ٌّق ومحبّة‪.‬‬

‫الفقرة ‪ -2‬اآلب‬

‫‪“ .0‬باسم اآلب واالبن والروح القدس "‬

‫‪ -232‬المسيحيّون يع ّمدون “باسم اآلب واالبن والروح القدس “(متى ‪:22‬‬


‫‪ .)71‬وقبل ذلك يجيبون بقولهم “أؤمن “عن السؤال المثلّث الذي يطلب منهم‬
‫اإلعتراف بإيمانهم باآلب واالبن والروح القدس‪“ ،‬إيمان جميع المسيحيين‬
‫يقوم على الثالوث "‪.‬‬
‫‪ -233‬المسيحيّون يع ّمدون “باسم “اآلب واالبن والروح القدس‪ ،‬ال “بأسماء‪:‬‬
‫الكلي القدرة‪ ،‬وابنه الوحيد والروح‬
‫ّ‬ ‫هؤالء ألنّه ال يوجد إالّ إله واح ٌد‪ ،‬اآلب‬
‫القدس‪ :‬الثالوث الق ّدوس‪.‬‬
‫ّ‬
‫‪ -234‬سرّ الثالوث القدوس هو الس َّر المركزيّ في اإليمان وفي الحياة‬
‫المسيحية‪ .‬أنه سرُّ هللا في ذاته‪ .‬وهو من ثّ ّم أص ُل سائر أسرار اإليمان‪ ،‬النّور‬
‫الذي ينيرها‪ .‬إنه العقيدة األساسيّة والجوهريّة األكثر أهميةً في “هرميّة حقائق‬
‫اإليمان "‪“ .‬ليس تاريخ الخالص كلّه سوى تارخ الطريقة والوسائل التي‬
‫ق والواحد‪ ،‬اآلب واالبن والروح القدس‪ ،‬ليكشف عن ذاته‬ ‫اعتمدها هللا الح ُّ‬
‫ويتصالح هو والبشر الذين يتحوّلون عن الخطيئة‪ ،‬ويض ّمهم إليه "‪.‬‬
‫‪ -235‬ستُعرض بإيجاز‪ ،‬في هذه الفقرة‪ ،‬الطريقة التي جرى بها الكشفُ عن‬
‫سرّ الثالوث األقدس (‪ ،)7‬وكيف صاغت الكنيسة عقيدة اإليمان في موضوع‬

‫‪48‬‬
‫هذا السرّ (‪ ،)2‬وأخيراً كيف حقّق هللا اآلب “تصميمه العطوف “في الخلق‬
‫والفداء والتقديس بواسطة رسالتَي االبن والروح القدس اإللهيّتين (‪.)3‬‬
‫‪ -236‬يميّز آباء الكنيسة ما بين الالهوت والتدبير دالّين باللفظة األولى على‬
‫سرّ الحياة الحميمة عند هللا‪-‬الثالوث‪ ،‬وباللفظة الثانية على جميع أعمال هللا‬
‫ويبث حياته‪ .‬فبالتدبير أوحى لنا بالالهوت‪ ،‬وبعكس‬ ‫ّ‬ ‫التي بها يكشف عن ذاته‬
‫ذلك‪ ،‬فالالهوت يجلو التدبير كله‪ .‬أعمال هلل تكشف ع ّما هو في ذاته‪ ،‬وبعكس‬
‫ذلك‪ ،‬فسرُّ كيانه الصّ ميم يُنير معرفة جميع أعماله‪ .‬وهذا ما نجده‪ ،‬على وجه‬
‫الشبه‪ ،‬بين األشخاص البشريّين‪ .‬فال ّشخص يظهر في فعله‪ ،‬وكلّما أحسنّا‬
‫معرفة الشخص‪ ،‬أحسنّا معرفة فعلِه‪.‬‬
‫‪ -237‬الثالوث سرّ إيمان بالمعنى ال ّدقيق‪ ،‬أح ُد “األسرار الخفيّة في هللا‪ ،‬والتي‬
‫ُوح بها من فَوق "‪ .‬والحقيقة أن هللا ترك آثاراً لكيانه‬ ‫ال يمكن أن تُعرف إذا لم ي َ‬
‫ولكن صميم كيانه‪،‬‬‫ّ‬ ‫ي العهد القديم‪.‬‬
‫قي‪ ،‬وفي وحيِه ط َّ‬ ‫الثالوثي في عمله الخَ ْل ّ‬
‫ّ‬
‫ثالوثا ً مق ّدسا‪ ،‬هو سرٌّ ال يستطيع أن يدركه العقل البشريّ المجرّد‪ ،‬وال أيمان‬
‫ً‬
‫إسرائيل نفسُه قبل تجسّد ابن هللا وإرسال الروح القدس‪.‬‬

‫‪ .2‬الوحي باهلل ثالوثاً‬


‫اآلب يكشف عن االبن‬

‫‪ -238‬دعوة هللا على أنه “أبٌ “معروفة في ديانات كثيرة‪ .‬فكثيراً ما تُع ُّد‬
‫األُلوهية “أبا اآللهة والبشر"‪ .‬في إسرائيل يُدعى هللا أبا ً في كونه خالق العالم‪.‬‬
‫وأكثر من ذلك فاهلل أبٌ أيضاً بسبب العهد وإعطاء ال ّشريعة إلسرائيل “ابنه‬
‫البكر “(خرو ‪ .)22 :4‬وقد دُعي أيضا ً أبا ملك إسرائيل‪ .‬وهو بنوع خاص‬
‫“ابو المساكين”واليتيم واألرملة الذين هم في حمى محبّته‪.‬‬
‫‪ -239‬إذا دُعي هللا باسم “أب “فلغةُ اإليمان تدلُّ بنوع خاص على وجهين‪:‬‬
‫على أن هللا هو المصد ُر األوّ ل لكلّ سلطة عُليا‪ ،‬وأنه في الوقت نفسه جودةٌ‬
‫وعنايةٌ ُمحبّة لجميع أبنائه‪ .‬حنانُ القربى هذا في هللا يمكن التعبير عنه أيضاً‬
‫بصورة األمومة التي تدلّ داللة أوفى على المالزمة في هللا‪ ،‬على العالقة‬
‫الحميمة بين هللا وخليقته‪ .‬وهكذا فلغة اإليمان تستقي من تجربة الوالدين‬
‫البشريّة الذين هم‪ ،‬على وج ٍه ما أوّ ل الممثّلين هلل عند االنسان‪ .‬ولكن هذه‬
‫إن الوالدين البشريّين غير معصومين عن الخطإِ‪ .‬وإنهم‬ ‫التجربة تقول أيضا ً ّ‬
‫ّ‬
‫قد يشوّ هون صفحة األبوّة واألمومة‪ .‬فمن الموافق التذكير بأن هللا فوق التمييز‬
‫البشري للجن َسين‪ .‬فهو ليس رجال وال امرأة‪ ،‬إنه هللا‪ .‬إنه أيضا ً فوق األبوّ ة‬

‫‪49‬‬
‫المصدر والمقياس‪ :‬ما من أحد يعد ُل هللا‬
‫َ‬ ‫واألمومة البشريَّين‪ ،‬في حين كونه‬
‫في األبوّة‪.‬‬
‫ع عن هللا أنه “أبٌ “بمعنى ال مثيل له‪ :‬فال تنحصر‬ ‫‪ -241‬لقد كشف يسو ُ‬
‫أُبوّ تُه في كونه خالقاً‪ ،‬إنه أبٌ أزليّا في عالقته بابنه الوحيد‪ ،‬الذي ال يكون‪،‬‬
‫منذ األزل‪ ،‬ابنا ً إالّ في عالقته باآلب‪“ :‬ليس أح ٌد يعرف االبنَ إالّ اآلب‪ ،‬وال‬
‫أحد يعرف اآلب إالّ اإلبن‪ ،‬ومن يريد االبنُ أن يكشف له “(متى ‪.)21 :77‬‬
‫‪ -240‬ولهذا فالرّسل يعترفون بيسوع على أنه “الكلمة الذي كان في البدء‬
‫لّدى هللا وكان هللا “(يو‪ ،)7 :7‬على أنه “صورة هللا الغير المنظور “(كول ‪:7‬‬
‫‪ ،)71‬على أنه “ضيا ُء مجده وصورة جوهره “(عب ‪.)3 :7‬‬
‫‪ -242‬على إثر الرّ سُل وجربا ً على التقليد الرّ سولي‪ ،‬أعترفت الكنيسة سنة‬
‫‪ ،321‬في مجمع نيقية المسكوني األوّ ل‪ ،‬أن االبن “واح ٌد في الجوهر “مع‬
‫اآلب‪ ،‬أي إنه هو واآلب اله واحد‪ .‬والمجمع المسكوني الثاني‪ ،‬المنعقد في‬
‫القسطنطينية سنة ‪ ،327‬احتفظ بهذا التعبير في صياغة قانون أيمان نيقية‪،‬‬
‫واعترفت بقوله “ابن هللا الوحيد‪ ،‬المولود من اآلب قبل جميع الدهور‪ ،‬نور‬
‫ق‪ ،‬مولود غير مخلوق‪ ،‬هو واآلب‬ ‫ق صادر عن هللا الح ّ‬‫مولود من انور‪ ،‬إله ح ّ‬
‫جوهر واحد "‪.‬‬

‫اآلب واالبن يكشف عنهما الروح القدس‬

‫بارقليط آخر “( ُمحام)‪،‬‬


‫ٍ‬ ‫‪ -243‬إن يسوع يعلن‪ ،‬قبل فصحه‪‘ ،‬ن إرسال “‬
‫ق باألنبياء "‪ ،‬وهو‬ ‫الروح القُدس‪ .‬إنه في ال َعمل منذ خلق العالم‪ ،‬وقديما ً “نط َ‬
‫اآلن الى جانب التالميذ وفيهم‪ ،‬لكي يُعلّمهم ويرشدهم “الى الحقيقة كلّها “(يو‬
‫إلهي آخر‬
‫ّ‬ ‫‪ .)73 :71‬وهكذا فقد ُكشف عن الروح القدس على أنه أقنو ٌم‬
‫بالنسبة الى يسوع واآلب‪.‬‬
‫ّ‬
‫األزلي للروح القدس تكشف في رسالته الزمنيّة‪ .‬فالروح‬ ‫ّ‬ ‫‪ -244‬األصل‬
‫القدس ُمر ُس ٌل إلى الرسل وإلى الكنيسة من لدُن اآلب باسم االبن كما هو‬
‫وإن في إرسال أقنوم‬ ‫ُمرس ٌل من لدُن االبن شخصيّاً بعد عودته الى اآلب‪ّ .‬‬
‫الروح القدس بعد تمجيد يسوع لكشفا ً كامالً عن سرّ الثالوث األقدس‪.‬‬
‫‪ -245‬اإليمان الرسولي في شأن الروح القدس اعتُرف به في المجمع‬
‫المسكوني الثاني‪ ،‬سنة ‪ ،327‬في القسطنطينية‪“ :‬نؤمن بالروح القدس الربّ‬
‫المحيي المنبثق من اآلب "‪.‬‬
‫ّ‬
‫وهكذا ترى الكنيسة في اآلب “ينبوع األلوهية كلها ومصدَرها "‪ .‬ومع ذلك‬
‫فليس المصدر األزلي للروح القدس بغير رابط بمصدر االبن‪“ :‬الروح‬
‫‪50‬‬
‫القدس‪ ،‬األقنوم الثالث من الثالوث‪ ،‬هو هللا‪ ،‬واح ٌد و ُمسا ٍو لآلب واالبن‪ ،‬جوهرٌ‬
‫واح ٌد وطبيعةٌ واحدة‪ .‬ومع ذلك ال نقول إنه روح اآلب فقط‪ ،‬بل روح اآلب‬
‫المسكوني‬
‫ّ‬ ‫واالبن معا ً "‪ .‬قانون إيمان الكنيسة الصادر من مجمع القسطنطينية‬
‫يعترف قائالً‪“ :‬مع اآلب واالبن يُعبد العبادة نفسها ويُمجَّد التمجي َد نفسه "‪.‬‬
‫‪ -246‬إن التقليد الالتيني لقانون اإليمان يعترف بأن الروح “ينبثق من اآلب‬
‫بأن “الروح القدس يستم ّد‬ ‫واالبن‪ .‬ومجمع فلورنسة‪ ،‬سنة ‪ ،7432‬يصرّ ح ّ‬
‫ذاتيته وكيانه معا ً من اآلب واالبن وينبثق أزليّا ً من هذا وذاك كما من مبد ٍإ‬
‫واحد وبانبثاق واحد‪ .‬وبما أن كلّ ما لآلب أعطاه اآلبُ ذاته البنه الوحيد‬
‫عندما ولده‪ ،‬ما عدا كونه أباً‪ ،‬فإن انبثاق الروح القدس ذاته عن طريق االبن‬
‫يستم ّده أزليّا ً من أبيه الذي ولده أزليّا ً "‪.‬‬
‫‪-247‬القول بـ “واالبن “لم يكن موجوداً في القانون المعترف به سنة ‪327‬‬
‫في القسطنطينية‪ .‬ولكن جرياً مع تقليد التيني واسكندراني قديم اعترف به‬
‫عقائديّا ً البابا القديس الون سنة ‪ ،441‬قبل أن تعرف رومة وتتقبّل‪ ،‬سنة‬
‫‪ ،417‬في مجمع خلقيدونية‪ ،‬قانون إيمان سنة ‪.327‬‬
‫ٌري عليه شيئا ً فشيئا ً في الليترجيا‬‫واستعمال الصيغة في قانون اإليمان ج َ‬
‫الالتينية (ما بين القرن الثامن والحادي عشر)‪ .‬وإن إدخال الليترجيا الالتينية‬
‫لـ “واالبن “في قانون نيقية – القسطنطينية كان وال يزال اليوم مبعث خالف‬
‫مع الكنائس األرثوذكسية‪.‬‬
‫‪ -248‬يعبّر التقليد الشرقي أوّ الً عن ميزة اآلب كمصدر أوّ ل بالنسبة الى‬
‫الروح القدس‪ ،‬فعندما يعترف بأن الروح “ينبثق من اآلب “(يو ‪،)21 :71‬‬
‫يُثبت أن هذا الروح منبثق من اآلب واالبن‪ .‬أما التقليد الغربي فهو يعبّر أوالً‬
‫عن الشركة في وحدة الجوهر بين اآلب واالبن بقوله إن الروح ينبثق من‬
‫شرعي ومعقول “ ّ‬
‫ألن الرّتبة األزليّة لدى‬ ‫ّ‬ ‫اآلب واالبن‪ .‬يقول ذلك “على وجه‬
‫األقانيم اإللهيّة في شركتهم األحديّة الجوهر تتض ّمن أن يكون اآلب هو‬
‫المصدر األوّ ل للروح القدس لكونه “المبدأ الذي ال مبدأ له "‪ ،‬ولكنّها تتض ّمن‬
‫أيضاً‪ ،‬واآلب أبو ابنه الوحيد‪ ،‬أن يكون معه “المبدأ الوحيد الذي ينبثق منه‬
‫الروح القدس "‪ .‬هذا االكتمال المشروع‪ ،‬إذا لم يُحجَّر ال ينال من وحدة‬
‫اإليمان في حقيقة السرِّ عينه المعترف به‪.‬‬

‫‪ .3‬الثالوث األقدس في عقيدة اإليمان‬


‫تكون العقيدة الثالوثيّة‬
‫ّ‬

‫‪51‬‬
‫‪ -249‬حقيقة الثالوث األقدس الموحى بها كانت منذ البدء في أصل إيمان‬
‫الحي‪ ،‬وال سيّما عن طريق المعموديّة‪ .‬وهي تجد عبارتها في نظام‬ ‫ّ‬ ‫الكنيسة‬
‫اإليمان العماديّ ‪ ،‬مصوغةً في الكرازة‪ ،‬والتعليم المسيحي‪ ،‬وصالة الكنيسة‪.‬‬
‫مثل هذه الصّ ياغات موجودةٌ قبالً في الكتابات الرّسولية‪ ،‬كما تشهد بذلك هذه‬
‫التحيّة التي تنقلها الليترجيا اإلفخارستة‪“ :‬نعمة الربّ يسوع المسيح‪ ،‬ومحبّة‬
‫هللا‪ ،‬وشركة الروح القدس معكم أجمعين “(‪ 2‬كو ‪.)73 :73‬‬
‫‪ -251‬في أثناء القرون األولى‪ ،‬عملت الكنيسة على صياغة عقيدتها الثالوثية‬
‫صياغة أصرح‪ ،‬لتعميق فهمها الذاتي للعقيدة‪ ،‬ثم للدفاع عنها في وجه‬
‫األضاليل التي كانت تُشوّ هها‪ .‬ذلك كان عمل المجامع القديمة يساعدها البحث‬
‫الالهوتي عند آباء الكنيسة‪ ،‬ويُساندها حسُّ اإليمان عند الشعب المسيحي‪.‬‬
‫‪ -250‬لصياغة عقيدة الثالوث اضطرّ ت الكنيسة إلى أن تتوسّع في‬
‫بأفكار من أصل فلسفي‪“ :‬جوهر "‪“ ،‬شخص‬ ‫ٍ‬ ‫مصطلحات خاصّ ة‪ُ ،‬مستعينةً‬
‫ُ‬
‫"‪“ ،‬أو “أقنوم "‪“ ،‬عالقة "‪ ،‬الخ‪ .‬وفي عملها هذا لم تخضع اإليمان لحكم ٍة‬
‫معنى جديداً لم يُعهد من قبل لهذه األلفاظ المدعوّ ة أن‬ ‫ً‬ ‫بشريّة‪ ،‬ولكنها أعطت‬
‫تعني أيضاً‪ ،‬من اآلن فصاعداً‪ ،‬سرّ اً عجيبا ً “يسمو سموّ اً ال نهائيّا ً على كل ما‬
‫نستطيع تصوّ ره في الحدود البشريّة "‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ -252‬الكنيسة تستعمل اللفظة “جوهر “(يعبّر عنها أخيانا بالـ “إنيّة “أو‬
‫اإللهي في وحدته‪ ،‬واللفظة “شخص “أو‬ ‫ّ‬ ‫“الطبيعة “) للداللة على الكائن‬
‫الحقيقي في ما‬
‫ّ‬ ‫“أقنوم “للداللة على اآلب‪ ،‬واالبن‪ ،‬والروح القدس في التميّز‬
‫أن تميّزهم يقوم في مرجعيةِّ‬ ‫واقع َّ‬
‫ِ‬ ‫بينهم‪ ،‬واللفظة “عالقة “للدَاللة على‬
‫بعض ِهم الى بعض‪.‬‬

‫عقيدة الثالوث األقدس‬

‫‪ -253‬الثالوث واحد‪ .‬إننا ال نعترف بثالثة آلهة‪ ،‬بل بإله واح ٍد بثالثة أقانيم‪:‬‬
‫“الثالوث األحديّ الجوهر "‪ .‬فاألقانيم اإللهية ال يتقاسمون األلوهية الواحدة‪،‬‬
‫ذات ما هو األبن‪ ،‬واالبن هو‬ ‫ولكن كلّ واحد منهم هو هللا كامالً‪“ :‬اآلب هو ُ‬
‫ذات ما هو اآلب‪ ،‬واآلب واالبن هما ذات ما هو الروح القدس‪ ،‬أي إلهٌ واحد‬ ‫ُ‬
‫ّ‬
‫بالطبيعة "‪ “ .‬كل أقنوم من األقانيم الثالثة هو هذه الحقيقة أي الجوهر‪ ،‬واإلنيّة‬
‫أو الطبيعة اإللهيّة "‪.‬‬
‫‪ -254‬األقانيم اإللهية متميّزون حقيقيّا في ما بينهم‪“ .‬هللا واح ٌد ولكنّه غير‬
‫متوحِّد‪" .‬آب "‪“ ،‬ابن "‪ ،‬روح قدس “ليسوا مجرد أسماء دالّة على كيفيّات‬
‫اإللهي‪ ،‬إذ إنّهم متميّزون تميّزا حقيقيّاً في ما بينهم‪“ :‬الذي هو االبن‬
‫ّ‬ ‫للكائن‬
‫‪52‬‬
‫ليس اآلب‪ ،‬والذي هو اآلب ليس االبن‪ ،‬وال الروح القدس هو اآلب واالبن "‪.‬‬
‫انهم متميّزون فيما بينهم بعالقات مصدرهم‪“ :‬اآلب هو الذي يلد‪ ،‬واالبن هو‬
‫المولود‪ ،‬والروح القدس هو الذي ينبثق "‪ .‬الوحدة اإللية ثالث ّية‪.‬‬
‫الحقيقي القائم بين‬
‫ّ‬ ‫‪ -255‬األقانيم اإلليهة ذوو عالقة بعضهم ببعض‪ .‬فالتميّز‬
‫األقانيم وال يقسّم الوحدة اإللهية‪ ،‬يقوم فقط في العالقات التي تُرج ُع بعضهم‬
‫الى بعض‪“ :‬في أسماء األقانيم النسبيّة‪ ،‬يُرج ُع اآلبُ الى االبن‪ ،‬واالبن الى‬
‫اآلب‪ ،‬والروح القدس اليهما كليهما‪ ،‬عندما يجري الكالم على هؤالء األقانيم‬
‫الثالثة باعتبار العالقات‪ ،‬فاإليمان مع ذلك يبقى اعترافا ً بطبيعة واحدة أو‬
‫جوهر واحد "‪ .‬وهكذا “فكلُّ شيء واحد (فيهم) حيثما ال يوجد اعتراضٌ‬
‫للعالقة "‪.‬‬
‫“بسبب هذه الوحدة‪ ،‬اآلب كلّه في االبن‪ ،‬وكلّه في الروح القدس‪ ،‬االبن كلّه‬
‫في اآلب‪ ،‬وكلّه في الروح القدس‪ ،‬الروح القدس كلّه في اآلب واالبن "‪.‬‬
‫‪ -256‬لموعوظي القسطنطينية يُودع القديس غريغوريوس النزينزي‪ ،‬الذي‬
‫يُدعى أيضا ً‬
‫“الالهوتي “خالصة اإليمان الثالوثي هذا‪.‬‬

‫“حافظوا قبل كل شيء على هذه الوديعة الصالحة‪ ،‬التي لها أحيا وأُقارع‪،‬‬
‫ومعها أريد أن أموت‪ ،‬التي تجعلني أتح ّمل جميع الشرور وأزدري جميع‬
‫ال ُمتَع‪ :‬أعني أعتراف اإليمان باآلب واالبن والروح القدس‪ .‬إنّي أودعكم إيّاه‬
‫اليوم‪ .‬وبه سأع َم ُد بعد حين الى تغطيسكم في الماء ثم رفعكم منه‪ .‬إني أهبكم‬
‫إياه رفيقا ً وشفيعا ً لحياتكم كلّها‪ .‬أهَبُكم ألوهةً واحدة وقدرةً واحدة‪ ،‬موجودةً‬
‫اختالف‬
‫ٍ‬ ‫واحدةً في الثالثة‪ ،‬وحاويةً الثالثة على وجه التميُّز‪ .‬أُلوهةٌ في غير‬
‫في الجوهر أو الطبيعة‪ ،‬في غير درجة عُليا تُعلى‪ ،‬أو درجة سُفلى تُدني‪ .‬إنها‬
‫الوحدة الالمتناهية في الطليعة لثالثة ال متناهين‪ .‬هللا كلّه كامالً في كلّ واح ٍد‬
‫في ذاته‪ .‬وهللا الثالثة في الثالثة معاً‪ .‬ما إن آخذ في التفكير بالوحدة حتى‬
‫يغرقني الثالوث في ألقِه‪ .‬وما إن آخذ في التفكير بالثالوث حتى تش ّدني الوحدة‬
‫"‪.‬‬

‫‪ .4‬األعمال اإللهية والرساالت الثالوثية‬

‫‪“ -257‬أيّها الثالوث النّور السّعيد‪ ،‬أيّها الوحدةٌ األوّ لية "‪ .‬هللا هو السعادة‬
‫األزليّة‪ ،‬الحياة التي ال تموت‪ ،‬النور الذي ال يخبو‪ .‬هللا محبّة‪ :‬اآلب واالبن‬
‫ك إشراكا ً حُرّ اً في مجد حياته السّعيدة‪ .‬هذا‬
‫ُشر ُ‬
‫والروح القدس‪ .‬وهللا يريد أن ي ِ‬
‫‪53‬‬
‫هو “تصميم العطف “(أف ‪ )1 :7‬الذي صممه منذ قبل خلق العالم في ابنه‬
‫الحبيب‪“ ،‬مح ّدداً أن نكون له أبناء بيسوع المسيح هذا “(أف ‪ ،)1 :7‬أي أن‬
‫نكون “مشابهين لصورة ابنه”(رو ‪ )21 :2‬بفضل “روح التّبنّي”(رو ‪:2‬‬
‫‪ .)71‬هذا التصميم “نعمةٌ أعطيت قبل جميع ال ّدهور “(‪ 2‬تيم ‪ ،)1 :7‬صادرة‬
‫مباشرة عن المحبّة الثالوثية‪ .‬وهو شائع في عمل الخلق‪ ،‬في تاريخ الخالص‬
‫كلّه بعد الخطيئة‪ ،‬في رسالتّي االبن والروح اللتين تمت ّدان برسالة الكنيسة‪.‬‬
‫‪ -258‬التدبير اإللهي كلّه َمشترك بين األقانيم الثالثة إللهية‪ .‬فكما أنه ليس‬
‫للثالوث إالّ الطبيعة الواحدة ذاتها‪ ،‬فليس له إالّ العمل الواحد ذاته‪“ .‬ليس اآلب‬
‫واالبن والروح القدس ثالثة مبادئ للخالئق بل مبدأ واحد "‪ .‬ومع ذلك فكلّ‬
‫إلهي يعمل العمل المشترك وفقا ً لميزته ال ّشخصية‪ .‬وهكذا فالكنيسة‬ ‫ّ‬ ‫أقنوم‬
‫تعترف‪ ،‬في عقب العهد الجديد‪“ ،‬باهلل اآلب الذي منه كل شيء "‪ ،‬وبالرّ ب‬
‫يسوع المسيح الذي له كل شيء‪ ،‬وبالروح القدس الذي فيه كل شيء "‪َّ .‬‬
‫وإن‬
‫رسالتَي تجسّد االبن وموهبة الروح القدس اإللهيّتين هما اللتان تُظهران‬
‫خصوصا ً ميزات األقانيم اإللهية‪.‬‬
‫‪ -259‬التدبير اإللهي كلّه‪ ،‬في كونه عمالً مشتركا ً وشخصيّاً في الوقت نفسه‪،‬‬
‫يُظهر ميزة األقانيم اإللهية ووحدة طبيعتهم‪ .‬لذلك الحياة المسيحية كلّها شركة‬
‫مع كلٍّ من األقانيم اإللهية‪ ،‬من دون أن تفصلهم البتّة‪ .‬من يمجّد اآلب يمجّ ده‬
‫باالبن في الروح القدس‪ ،‬ومن يتبع المسيح يتبعه ألن اآلب يجذب والروح‬
‫يحرّ كه‪.‬‬
‫ّ‬
‫‪-261‬غاية التدبير اإللهي كله القصوى هي أن تدخل الخالئق في وحدة‬
‫الثالوث المجيد الكاملة‪ .‬إالّ أننا مدعوّ ون منذ اآلن الى أن يسكن الثالوث‬
‫القدوس فينا‪ .‬فالربّ يقول‪“ :‬إن احبّني أحد يحفظ كلمتي‪ ،‬وأبي يُحبّه‪ ،‬وإليه‬
‫نأتي‪ ،‬وعنده نجعل مقامنا “يو ‪.)23 ،74‬‬

‫“إلهي‪ ،‬الثالوث الذي أعبده‪ ،‬ساعدني على أن أنسى ذاتي نسياناً كامالً فأقيم‬
‫فيك في سكون وهدوء كما لو كانت نفسي منذ اآلن في األبديّة‪ ،‬ال لشي ٍء من‬
‫شأنه أن يتم ّكن من إقالق سالمي‪ ،‬أو أن يُخرجني منك‪ ،‬يا من ال يقبل التغيّر‪،‬‬
‫بل فلتذهبْ بي كلّ دقيقة الى أبعد في عمق سرّ ك! ه ّدئْ نفسي‪ .‬اجعلها‬
‫سما َءك‪ ،‬مسكنَك المحبوب ومقرّ راحتك‪ .‬هب أن ال أدعك فيها أبدا وحدكَ ‪ ،‬بل‬
‫أن أكون هناك بكل كياني‪ ،‬يقظةً في إيماني‪ ،‬عابدةً عبادةً كاملة‪ ،‬مستسلمةً‬
‫استسالما ً كامالً لعملك الخالّق "‪.‬‬

‫بإيجاز‬
‫‪54‬‬
‫‪ -260‬سر الثالوث األقدس هو السرّ الرّئيسي لإليمان وللحياة المسيحية‪ .‬هللا‬
‫وحده يستطيع أن يُعطينا معرفته بالكشف عن ذاته أب ًا وابن ًا ورو َح قدس‪.‬‬
‫‪ -262‬تجسّد ابن هللا يكشف أن هللا هو اآلب األزلي‪ ،‬وأن االبن هو واآلب‬
‫جوهر واحد‪ ،‬أي أنه فيه ومعه اإلله الواحد األحد‪.‬‬
‫‪ -263‬رسالة الروح القدس‪ ،‬الذي أرسله اآلب باسم االبن وباالبن “من لدن‬
‫اآلب “(يو ‪ ،)21 :71‬تكشف أنه معهما اإلله الواحد األحد‪“ .‬مع اآلب واالبن‬
‫يُعبد العبادة نفسها ويُمجّد التمجيد نفسه "‪.‬‬
‫‪“ -264‬الروح القدس ينبثق من اآلب على أنه الينبوع األول‪ ،‬وبالموهبة‬
‫األزليّة التي من هذا لالبن‪ ،‬ينبثق من االب واالبن و ّتحدين في الشركة "‪.‬‬
‫‪ -265‬بنعمة المعمودية “باسم اآلب واالبن والروح القدس”(متى ‪،)71 :22‬‬
‫نحن مدعوّون الى اإلشتراك في حياة الثالوث السعيدة‪ ،‬ههنا في ظلمة‬
‫اإليمان‪ ،‬وهنالك بعد الموت في ال ّنور األزلي‪.‬‬
‫‪ -266‬اإليمان الكاثوليكي يقوم بما يلي‪ :‬عبادة إله واحد في الثالوث‪ ،‬والثالوث‬
‫إن لآلب اقنومه‪،‬‬ ‫في الوحدة‪ ،‬بغير خلط لألقانيم‪ ،‬وبغير تقسيم للجوهر‪ :‬إذ ّ‬
‫ولكن لآلب واالبن والروح القدس‬ ‫ْ‬ ‫ولالبن أقنومه‪ ،‬وللروح القدس أقنومه‪،‬‬
‫األلوهة واحدة‪ ،‬والمجد الواحد والسيادة واحدة في أزليّتها"‪.‬‬
‫‪ -267‬األقانيم اإللهية غير منقسمة في ما هي عليه‪ ،‬غير منقسمة أيض ًا في ما‬
‫تعمل‪ .‬ولكن في العمل اإللهي الواحد كل أقنوم يُظهر ما يختصُّ به الثالوث‪،‬‬
‫والسيّما في رسالة تجسّد االبن ورسالة موهبة الروح القدس اإللهيّتين‪.‬‬

‫الفقرة ‪ – 3‬الكلّي القدرة‬

‫‪ -268‬من جميع الصّفات اإللهية لم يُذكر في قانون اإليمان إالّ صفةٌ واحدةٌ‬
‫هي القدرة الكلّية‪ :‬ولألعتراف بها مدىً بعي ٌد لحياتنا‪ .‬نؤمن بأنها شاملة‪ ،‬ألن‬
‫هللا خلق كل شيء يسوسُ كل شيء‪ ،‬ويقدر على كل شيء‪ ،‬و ُمحبّة‪ ،‬ألن هللا‬
‫أبٌ ‪ ،‬وسريّة‪ ،‬ألن اإليمان وحده يستطيع أن يكشفها عندما‪“ :‬يبدو كمالها في‬
‫الوهن “(‪2‬كو ‪.)1 :72‬‬

‫ك ّل ما شاء صنع (مز ‪)3 :005‬‬

‫‪55‬‬
‫‪ -269‬األسفار المق ّدسة كثيراً ما تعترف بقدرة هللا الشاملة‪ .‬فهو يُدعى “عزيز‬
‫يعقوب “(تك ‪ ،24 :41‬أش ‪ 24 :7‬وغ) “ربّ الجنود "‪ ،‬العزيز الجبّار‬
‫“(مز ‪ .)72-2 :24‬فإذا كان هللا الكلّي القدرة “في السموات وعلى األرض‬
‫أمر يستحيل عليه إذاً‪ ،‬وهو‬ ‫ٍ‬ ‫"(مز ‪ )1 :731‬فذلك أنه صنعها‪ .‬فما من‬
‫رب الكون الذي أقام له نظاما ً يبقى خاضعاً‬
‫يتصرّف بصنيعته كما يشاء‪ ،‬إنه ًّ‬
‫له خضوعا ً تا ّما ً وطَو َع إرادته‪ .‬وهو سيّد التاريخ‪ :‬يسوسُ القلوب واألحداث‬
‫وفق ما يشاء‪:‬‬
‫“عندك قدرةٌ عظيمة في كل حين‪ ،‬فمن يقاوم قوّة ذراعكو ؟ “(حك ‪.)22 :77‬‬

‫“ترح ُم الجميع ألنك قاد ٌر على كل شيء “(حك ‪)23 :00‬‬

‫‪ -271‬هللا هو األب الكلي القدرة‪ .‬أبوّته وقدرته تجلو إحداهما األُخرى‪ .‬وهكذا‬
‫فهو يُظهر قدرته الكلّية األبويّة بالطريقة التي يهتم فيها لحاجاتنا‪ ،‬بالتّبنّي الذي‬
‫ت يقول الربّ القدير”‪ 2‬كو ‪:1‬‬ ‫يعطيناه (“أكون لكم أبا ً وتكونون لي بنينَ وبنا ٍ‬
‫‪ ،)72‬وأخيراً برحمته الغير المتناهية‪ ،‬إذ أنه يُظهر قدرته الى أقصى حدعندما‬
‫يغفر خطايانا غفرانا ً ُحرّ اً‪.‬‬
‫‪ -270‬القدرة اإللهية الكلّية ليست تعسُّفية البتّة‪“ :‬في هللا القدرة واإلنّيّة‪،‬‬
‫اإلرادة والعقل‪ ،‬الحكمة والعدل‪ ،‬حقيقة واحدة‪ ،‬بحيث ال شيء يمكن أن يكون‬
‫في القدرة اإللهية وال يمكن أن يكون في إرادة هللا العادلة أو في عقله الحكيم‬
‫"‪.‬‬

‫سر عجز هللا الظاهر‬


‫ّ‬

‫لكلي القدرة قد يوضع على محك االمتحان بتجربة‬ ‫‪ -272‬اإليمان باهلل اآلب ا ّ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫الشرّ واأللم‪ .‬فقد يبدو هللا في بعض األحيان غائبا وعاجزا عن منع الشرّ ‪.‬‬
‫والحال أن هللا اآلب قد أظهر قدرته الكليّة على أعجب صورة بتنازل ابنه‬
‫الطّوعي وبقيامته اللَّذين غلّب بهما على الشرّ ‪ .‬وهكذا فالمسيح المصلوب هو‬
‫ٌ‬
‫ضعف‬ ‫ألن ما هو جهالةٌ عند هللا أحك ُم من الناس‪ ،‬وما هو‬‫“قدرة هللا وحكمته‪ّ ،‬‬
‫عند هللا أقوى من الناس “(‪7‬كو ‪ .)21 :7‬في قيامة المسيح وتمجيده “ب َسط‬
‫ط عظمة قدرته لنا نحن المؤمنين “(أف ‪-71 :7‬‬ ‫عزة قوّته “وأظهر “فر َ‬
‫اآلب ّ‬
‫‪.)22‬‬
‫‪ -273‬اإليمان وحده يستطيع أن يلزَ م السُّبل العجيبة لقدرة هللا الكليّة‪ .‬وهذا‬
‫اإليمان يفخر بضعفه الجتذاب قدرة المسيح إليه‪ .‬والعذراء مريم‪ ،‬أسمى‬
‫‪56‬‬
‫نموذج لهذا اإليمان‪ ،‬هي التي آمنت بأن “ال شيء يستحيل على هللا “(لو ‪:7‬‬
‫‪ ،)31‬والتي استطاعت أن تمجّد الربّ ‪“ :‬القدير صنع بي عظائم‪ ،‬فاسمه‬
‫ق ّدوس “(لو ‪.)41 :7‬‬
‫‪“ -274‬ال شيء من شأنه أن يثبّت إيماننا ورجاءنا مثل اليقين المحفور في‬
‫نفوسنا بأن ال شيء يستحيل على هللا‪ .‬فكلّ ما يعرضه قانون اإليمان بعد ذلك‬
‫إليماننا‪ :‬أعظم األمور وأغلقها‪ ،‬وكذلك أش ّد األمور تعاليا ً على نواميس‬
‫الطبيعة العاديّة‪ ،‬فحالما تخطر لعقلنا مجرّ د فكرة القدرة اإللهيّة الكليّة‪ ،‬يُبادر‬
‫الى تقبّلها بسهولة وبدون اي تر ّدد‪.‬‬

‫بإيجاز‬

‫علمت أ ّنك قادر على كل أمر فال ّ‬


‫يتعذر‬ ‫ُ‬ ‫‪ -275‬مع أيّوب الص ّديق نعترف‪“ :‬‬
‫عليك ُمراد “(أي ‪.)2 :42‬‬
‫توجّ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬
‫‪ -276‬في أمانةٍ لشهادةِ الكتاب المقدس‪ ،‬كثيرا ما ه الكنيسة صالتها الى‬
‫“هللا الكل ّي القدرة واألزل ّي "‪ ،‬معتقد ًة إعتقاد ًا راسخ َا أن “ال شيء يستحيل‬
‫على هللا “(لو ‪.)31 :7‬‬
‫‪ -277‬يُظهر هللا قدرته الكليّة بتحويلنا عن آثامنا وبإنابتنا الى صداقته بالنعمة‪:‬‬
‫“يا هللا‪ ،‬الذي تعطي البرهان األعلى على قدرتك عندما تصبر وترحم "‪.‬‬
‫كلي القدرة‪ ،‬كيف نؤمن ّ‬
‫بأن اآلب استطاع ان‬ ‫بأن حبَّ هللا ال ّ‬
‫‪ -278‬ما لم نؤمن َّ‬
‫صنا‪ ،‬واالبن أن يفتدينا‪ ،‬والرو َح القدس يق ّدسنا "‪.‬‬ ‫ي ّ‬
‫ُخل َ‬

‫الفقرة ‪ -4‬التالق‬

‫وألرض “(تك ‪ )7 :7‬هذه الكلمات‬ ‫َ‬ ‫‪“ -279‬في البدء خلق هللا السما َء‬
‫االحتفالية تتص ّدر الكتاب المق ّدس‪ .‬وقانون اإليمان يكرّ ر هذه الكلمات معترفاً‬
‫والكي القدرة على أنه‬
‫ّ‬ ‫باهلل االب‬
‫ّ‬
‫“خالق السماء واألرض "‪“ ،‬الكون المرئي وغير المرئي "‪ .‬فسنتكلم اذاً على‬
‫الخالق أوالً‪ ،‬ثم على خلقه‪ ،‬وأخيراً على عثرة الخطيئة التي أتى يسوع ابنُ هللا‬
‫ليخلّصنا منها‪.‬‬
‫‪ -281‬الخلق هو أساس “جميع تصاميم هللا الخالصيّة "‪“ ،‬بد ُء تارخ‬
‫فسرّ المسيح هو النّور‬
‫الخالص “الذي بلغ ذروته في المسيح‪ .‬وبعكس ذلك‪ِ ،‬‬
‫الحاسم على ِسرّ الخلق‪ ،‬إنّه يكشف عن الهدف الذي من أجله “في البدء خلق‬

‫‪57‬‬
‫هللا السماء واألرض “(تك ‪ :)7 :7‬منذ البدء كان في نظر هللا مج ُد الخلق‬
‫الجديد في المسيح‪.‬‬
‫‪ -280‬ولهذا تبدأ القاراءات الليليّة الفصحيّة‪ .‬أي بالخلق الجديد في المسيح‪،‬‬
‫بقصّ ة الخلق‪ ،‬وقصّ ة الخلق هذه تقوم بها دائماً‪ ،‬في الليترجيا البيزنطية‪ ،‬القراء‬
‫األولى من قراءات عشيّة األعياد السيّديّة الكبرى‪ .‬وكان تعليم الموعوظين‬
‫للمعموديّة‪ ،‬على ح ّد ما يُرويه األقدمون‪ ،‬ينه ُج النّ َ‬
‫هج نفسه‪.‬‬

‫‪ .0‬التعليم المسيحي في موضوع التلق‬

‫‪ -282‬للتعليم المسيحي في موضوع الخلق اهمية رئيسية‪ .‬إنه يُعي بأُسُس‬


‫المسيحي عن‬
‫ّ‬ ‫الحياة البشرية والمسيحية نفسها‪ :‬إذ إنه يصرّ ح بجواب اإليمان‬
‫السؤال البدائي الذي تسا َءله البشر في جميع العصور‪“ :‬من أين نأتي و ؟ "‪،‬‬
‫“الى أين نذهبو ؟ "‪“ ،‬ما هو مصدرناو ؟ "‪“ ،‬ما هي غايتناو ؟ "‪“ ،‬من أين أتى‬
‫وأين ينتهي كلُّ موجودو ؟‪ .:‬السؤاالن‪ ،‬السؤال عن المصدر والسّؤال عن‬
‫الغاية‪ ،‬ال ينفصل أحدهما عن اآلخر‪ .‬إنّهما تقريريّان بالنسبة الى معنى حياتنا‬
‫وسلوكنا وتوجيههما‪.‬‬
‫ث علميّة كثيرة أغنت إغنا ًء‬
‫‪ -283‬كانت مبادئ العالم واإلنسان موضوع أبحا ٍ‬
‫عظيما ً معارفنا بالنسبة الى عمر الكون وأحجامه‪ ،‬وصيرورة األنواع الحيّة‪،‬‬
‫وظهور اإلنسان‪ .‬هذه اإلكتشافات تدعونا الى زيادة في النظر الى عظمة‬
‫الخالق بإعجاب‪ ،‬والى حمده من أجل صنائعه ومن أجل ما يمنح العلماء‬
‫والباحثين من الفهم والحكمة‪ .‬هؤالء يستطيعون أن يقولوا مع سليمان‪:‬‬
‫“وهبّني علما ً يقينا ً بالكائنات حتى أعرف نظام العالم وفاعليّة العناصر ألن‬
‫الحكمة ُمهندسةً كل شيء هي علّمتني “(حك ‪.)27 -71 :1‬‬
‫‪ -284‬إن الفائدة الكبرى المعلّقة على هذه األبحاث يزيد الحاجة الى تطلّبها‪،‬‬
‫نظام آخر يفوق مجال العلوم الطبيعيّة الخاصّ ‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫زيادة شديدة‪ ،‬سؤا ٌل من‬
‫فالموضوع ال ينحصر في معرفة متى وكيف ظهر الكون ماديّاً‪ ،‬وال متى‬
‫ظهر اإلنسان‪ ،‬بل باألحرى في اكتشاف معنى مثل هذا الصدور‪ :‬هل تتح ّكم‬
‫به الصُّ دفة‪ ،‬ق َد ٌر أعمى‪ ،‬ضرورة ُغ ْفل‪ ،‬أو كائن أعلى‪ ،‬عاق ٌل وصالِح‪ ،‬يُدعى‬
‫هللا‪ .‬وإذل كان العالم صادراً عن حكمة هللا وصالحه‪ ،‬ففيم الشرّ ”و ؟ ما‬
‫مصدره”من المسؤول عنهو ؟ وهل من تحرُّ ر منهو ؟‪.‬‬
‫‪ -285‬اإليمان المسيحي قوبل منذ ظهوره بأجوبة تُخالف جوابه في موضوع‬
‫المبادئ‪ .‬وهكذا فإنّنا نجد في األديان والثقافات القديمة أساطير كثيرة في‬
‫بأن العالم هو‬‫بأن الكلّ هو هللا‪ّ ،‬‬‫موضوع المبادئ‪ .‬فقد قال بعض الفالسفة ّ‬
‫‪58‬‬
‫هللا‪ ،‬أو بأن صيرورة العالم هي صيرورة هللا (حيلوليّته)‪ ،‬وقال آخرون بأن‬
‫جار من هذا الينبوع وعائ ٌد إليه‪ ،‬وأثبت آخرون‬ ‫ٍ‬ ‫حتمي من هللا‪،‬‬
‫ّ‬ ‫العالم فيضٌ‬
‫وجود مبدأيْن خال َديْن‪ ،‬الخير والشرّ ‪ ،‬النور والظلمة‪ ،‬في صراع دائم (ثنائية‪،‬‬
‫مانويّة) وفي بعض هذه التصورات أن العالم (على األقل العالم الماديّ ) قد‬
‫يكون شرّيراً‪ ،‬ثمرةَ سقط ٍة‪ ،‬ويجب من ث ّم نب ُذه والتّرفّع عليه (غنوصيّة)‪،‬‬
‫الساعاتي الذي جعل‬
‫ّ‬ ‫ويسلّم آخرون بأن العالم من صنع هللا‪ ،‬ولكن على طريقة‬
‫َحبْله على غاربه بعد إذ صنعه (تأليه طبيعي)‪ ،‬ورفض أخيراً آخرون أيّ مبد ٍإ‬
‫متسام للعالم‪ ،‬ويرون فيه مجرّد تفاعل لِما ّد ٍة ُوجدت على ال ّدوام (ماديّة)‬ ‫ٍ‬
‫جميع هذه المحاوالت تشه ُد بتواصل مسألة المبادئ وشمولها‪ .‬وهذا التحرّ ي‬
‫هو من خواصّ اإلنسان‪.‬‬
‫شك فيه أن العقل البشري يستطيع أن يجد جوابا ً عن مسألة‬ ‫‪ -286‬مما ال ّ‬
‫يقين عن طريق‬ ‫ٍ‬ ‫ُعرف وجو ُد هللا الخالق معرفةَ‬‫المبادئ‪ .‬فمن الممكن أن ي َ‬
‫أحيان‬
‫ٍ‬ ‫جعل الضاللُ هذه المعرفة‪ ،‬في‬‫َ‬ ‫أعماله بفضل نور العقل البشريّ‪ ،‬وإن‬
‫ُنيره في تفهّم هذه‬
‫كثيرة‪ ،‬غامضة مشوّ هة‪ .‬ولهذا يُبادر اإليمان ليثبّت العقل وي َ‬
‫أن العالم قد أُنشئ بكلمة هللا بحيث إن ما‬ ‫الحقيقة تفهّما ً صحيحاً‪“ :‬باإليمان نعلم ّ‬
‫يُرى صدرّ عما ال يُرى “(عب ‪.)3 :77‬‬
‫ّ‬
‫‪ -287‬إن حقيقة الخالق هي بهذه األهمية للحياة البشريّة كلها بحيث ّ‬
‫إن هللا‬
‫أراد‪ ،‬في عطفه‪ ،‬أن يكشف لشعبه عن كلّ ما معرفتُه خالصيّةٌ في الموضوع‪.‬‬
‫وعالوةً على المعرفة الطبيعيّة التي يستطيع كل إنسان أن يعرف بها الخالق‪،‬‬
‫كشف هللا مرحليّا ً إلسرائل عن سرّ الخلق‪ ،‬هو الذي اختار اآلباء‪ ،‬وأخرج‬
‫إسرائيل من مصر‪ ،‬والذي‪ ،‬باختياره إسرائيل‪ ،‬خلقّه ونشأَه‪ ،‬وهو يكشف عن‬
‫نفسه على أنّه يملك جميع شعوب األرض‪ ،‬واألرض كلّها‪ ،‬على أنه هو وحده‬
‫الذي صنع السماء واألرض‬
‫(مز ‪.)3 :734 ،2 :724 ،71 :771‬‬
‫‪ -288‬وهكذا فالوحي بالخلق ال ينفصل عن الوحي بعهد هللا الواحد لشعبه‬
‫وتحقيق ذلك العهد‪ .‬لقد أوحى بالخلق وكأنّه الخطوة األولى نحو هذا العهد‪،‬‬
‫وكأنه الشهادة األولى الشاملة لمحبّة هللا الكليّة القدرة‪ .‬ولهذا فحقيقة الخلق‬
‫يُعبَّر عنها بش ّدة متصاعدة في رسالة األنبياء‪ ،‬في صالة المزامير والليترجيا‪،‬‬
‫في تأ ّمالت حكمة الشعب المختار‪.‬‬
‫‪ -289‬بين جميع أقوال الكتاب المق ّدس في الخلق تحتلّ فصول سفر التكوين‬
‫الثالثة األولى محالًّ فريداً‪ .‬من الناحية األدبيّة قد يكون لهذه النصوص‬
‫مصادر مختلفة‪ .‬وقد جعلها الكتّاب الملهمون في فاتحة الكتاب المق ّدس بحيث‬
‫أنها تعبّر‪ ،‬بلغتها االحتفاليّة‪ ،‬عن حقائق الخلق‪ ،‬عن مصدره وانتهائه في هللا‪.‬‬
‫‪59‬‬
‫عن نظامه وجودته‪ ،‬عن دعوة االنسان‪ ،‬وأخيراً عن مأساة الخطيئة ورجاء‬
‫الخالص‪ .‬عندما تُقرأ هذه األقوال على ضوء المسيح‪ ،‬في وحدة الكتاب‬
‫الحي‪ ،‬تظلّ الينبوع الرئيس َّ‬
‫ي لتعليم أسرار “البداية‬ ‫ّ‬ ‫المقدس وفي تقليد الكنيسة‬
‫"‪ :‬الخلق والسقوط والوعد‬
‫بالخالص‪.‬‬

‫‪ .2‬التلق ‪-‬عمل الثالوث األقدس‬

‫‪“ -291‬في البدء خلق هللا السّماء واألرض"‪ :‬ثالثة أمور أُعلنت في هذه‬
‫األزلي جعل بدءاً لكلّ ما يوج ُد خارجا ً عنه‪.‬‬
‫ّ‬ ‫الكلمات األولى من الكتاب‪ :‬هللا‬
‫ق "‪ ،‬وبالعبرانية “برا “فاعلهُ هللا دائما ً)‪ .‬كل ما‬ ‫هو وحده خالق (الفعل “خل َ‬
‫ّ‬
‫يوجد (المعبّر عنه بالقول “السماء واألرض “) يتعلق بالذي يمنحه الوجود‪.‬‬
‫‪“ -290‬في البدء كان الكلمة‪ ...‬وكان الكلمة هللا‪ ...‬به ُكوّ ن كل شيء وبدونه لم‬
‫أن هللا خلق كل‬ ‫يكن شي ٌء مما كوّ ن “(يو ‪ .)3-7 :7‬فالعهد الجديد يكشف عن ّ‬
‫شيء بالكلمة األزليّة‪ ،‬ابنه الحبيب‪“ :‬ففيه ُخلق جمي ُع ما في السموات وعلى‬
‫األرض‪ ...‬به وله ُخلق كلّ شيء‪ .‬إنه قبل كل شيء وفيه يثبت كل شيء‬
‫“(كول ‪.)71-71 :7‬‬
‫وإيمان الكنيسة يُثبت أيضا ً عمل الروح القدس الخالّق‪ :‬إنه “واهب الحياة "‪،‬‬
‫ع كل خير "‪.‬‬ ‫“الروح الخالق “(“هل ّم أيّها الروح الخالق “)‪“ ،‬ينبو ُ‬
‫قي‪ ،‬الذي أُشير إليه في العهد القديم‪ ،‬و َكشفَ‬ ‫‪ -292‬إن عمل االبن والروح ْ‬
‫الخل ّ‬
‫عنه في العهد الجديد‪ ،‬الواح َد مع عمل اآلب في غير انفصال‪ ،‬قد أثبتَ ْته‬
‫بوضوح قاعدةُ إيمان الكنيسة‪“ :‬ال يوجد إالّ إله واحد‪ ....‬هو اآلب‪ ،‬هو هللا‪،‬‬
‫ظم‪ .‬صنع كلّ شيء بنفسه‪ ،‬أي بكلمته‬ ‫هو الخالق‪ ،‬هو الصانع‪ ،‬هو المن ِّ‬
‫وبحكمته "‪“ ،‬باالبن والروح “اللذين هما بمثابة “يدَيه "‪ .‬الخلق عمل الثالوث‬
‫األقدس المشترك‪.‬‬

‫‪“ .3‬العالم ُخلق لمجد هللا "‬

‫ّ‬
‫يكف الكتاب والتقليد عن تعليمها واالحتفال بها‪:‬‬ ‫‪ -293‬إنّها حقيقة أساسيّة ال‬
‫“ ُخلق العالم لمجد هللا "‪ .‬ويُفسِّر ذلك القديس بونَفينتوره بقوله‪ :‬لقد خلق هللا كل‬
‫شيء “ ال لزيادة مجده‪ ،‬بل إلظهار ذلك المجد واإلشتراك فيه "‪ .‬فما من داع‬

‫‪60‬‬
‫يدعو هللا إلى الخلق سوى محبّته وجودته‪“ :‬مفتاح المحبّة هو الذي فتح كفّه‬
‫إلنشاء الخالئق "‪ .‬المجمع الفاتيكاني األول يشرح‪:‬‬
‫“هذا اإلله الواحد الحقيقي‪ ،‬في صالحه وبقوّته الكليّة القدرة‪ ،‬ال لزيادة سعادته‬
‫وال لتحصيل كماله‪ ،‬بل إلظهاره بالخيرات التي يوفّرها لخالئقه‪ ،‬وفي‬
‫التّصميم األكثر حريّة أيضاً‪ ،‬خلق‪ ،‬منذ بدء الزمان‪ ،‬كلتا الخليقتين‪ ،‬الرّ وحانية‬
‫والجسدانية "‪.‬‬
‫‪ -294‬مج ُد هللا هو في أن يتحقّق هذا الظهور لصالحه وهذه المشاركة فيه‬
‫اللذين من أجلهما ُخلق العالم‪ .‬فأن يجعلنا “أبناء بالتّبني بيسوع المسيح‪ :‬هذا ما‬
‫إن مجد‬‫كان تصميم إرادته العطوف لتسبحة مجد نعمته “(أف ‪“ :)1-1 :7‬إذ ّ‬
‫الحي‪ ،‬وحياة اإلنسان‪ ،‬هي رؤية هللا‪ :‬فإذا كان الكشف عن هللا‬ ‫ّ‬ ‫هللا هو اإلنسان‬
‫بالخلق وفّر الحياة لجميع الكائنات التي تعيش على األرض‪ ،‬فكم باألحرى‬
‫يوفّر ظهور اآلب بالكلمة الحياة للذين يرون هللا "‪.‬‬
‫ق جميع الكائنات "‪ ،‬أخيراً‬ ‫إن غاية الخلق القصوى هي في أن يصبح هللا “خال ُ‬ ‫ّ‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ّ‬
‫“(‪ 7‬كو ‪ ،)22 :71‬موقفرا مجده وسعادتنا معا "‪.‬‬ ‫الكلّ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬
‫“كال في‬

‫‪ .4‬سر التلق‬
‫هللا يتلق بحكمة ومحبّة‬

‫‪ -295‬نحن نؤمن أن هللا خلق العالم بحسب حكمته‪ .‬فالعالم ليس صن ّع إحدى‬
‫الحتميّات‪ ،‬صن َع ق ّد ٍر أعمى أو صدفة‪ .‬نحن نؤمن أنه يصدر عن إرادة حرّ ة هلل‬
‫الذي أراد يُشرك الخالئق في كينونته وحكمته وجودته‪“ :‬ألنّك أنت خلقتَ‬
‫جميع األشياء‪ ،‬وبمشيئتك كانت و ُخلقت “(رؤ ‪“ .)77 :4‬ما أعظم أعمالك‪ ،‬يا‬
‫رب‪ ،‬لقد صنعت جميعها بالحكمة “(مز ‪“ .)24 :724‬الرب صالح للجميع‬
‫ومراحمه على كلّ صنائعه "‪( .‬مز ‪.)1 :741‬‬

‫هللا يتلق “من العدم “‬

‫أن هللا ليس بحاجة الى شيء سابق الوجود‪ ،‬وال الى عَون‬ ‫‪ -296‬نحن نؤمن ّ‬
‫لكي يَ ْخلق‪ .‬والخلق كذلك ليس انبثاقا ً حتميّا من جوهر هللا‪ .‬هللا يخلق خلقا ً حرّ اً‬
‫“من العدم "‪:‬‬

‫‪61‬‬
‫“هل يكون األم ٌر عجيبا ً لو أخرج هللا العالم من ما ّدة موجودةو ؟ عندما يُعطى‬
‫صان ُع بَشريّ ما ّدةً ما فإنه يصن ُع بها ما يشاء‪ .‬أما قدرة هللا فإنّها تظهر‬
‫بوضوح عندما ينطلق من العدم لكي يصنع كل ما يريد "‪.‬‬

‫‪ -297‬اإليمان بالخلق “من العدم “مثب ٌ‬


‫ّت في الكتاب كحقيقة مليئة بالوعد‬
‫والرجاء‪ .‬وهكذا فأ ّم األبناء السّبعة تحثّهم على اإلستشهاد‪:‬‬

‫“إنّي لست أعلم كيف نشأتم في أحشائي‪ ،‬وال أنا منحتُكم الروح والحياة‪ ،‬وال‬
‫أحكمت تركيب أعضائكم‪ ،‬على أن خالق العالم الذي جبل تكوين اإلنسان‬ ‫ُ‬
‫ّ‬
‫وأبدَع لكلّ شيء تكوينه سيُعيد إليكم برحمته الروح والحياة‪ ،‬ألنكم اآلن‬
‫تب ُذلون أنفسكم في سبيل شريعته‪ ....‬أنظُر‪ ،‬يا ولدي‪ ،‬الى السماء واألرض‬
‫وإذا رأيت كلّ ما فيها فآعلم أن هللا صنع الجمي َع من العدم‪ ،‬وكذلك ُوج َد جنس‬
‫البشر (‪2‬مك ‪.)22 ،23-22 :1‬‬
‫ً‬
‫‪ -298‬بما أن هللا يستطيع أن يخلق من العدم‪ ،‬فهو يستطيع أيضا‪ ،‬بالروح‬
‫القدس‪ ،‬أن يمنح الخطأة حياة النفس خالقا ً فيهم قلبا ً طاهراً‪ ،‬واألموات حياةَ‬
‫الجس ِد بالقيامة‪ ،‬هو الذي “يُحيي األموات ويدعو ما هو غير كائن إلى ان‬
‫يكون “(رو ‪ .)71 :4‬بما أنه استطاع بكلمته أن يُطلع النّور من الظّلمات‪ ،‬فهو‬
‫يستطيع أيضا ً أن يمنح نور اإليمان لمن يجهلونه‪.‬‬

‫هللا يتلق عالما ً منظَّما ً َ‬


‫وحسنا ً‬

‫بمقدار‬
‫ٍ‬ ‫‪ -299‬إذا كان هللا يخلق بحكمة‪ ،‬فخلقُه يكون ُمنظماً‪“ :‬رتّبتَ كل شيء‬
‫وعد ٍد ووزن “‬
‫األزلي “صورة‬ ‫ّ‬ ‫األزلي وبالكلمة‬
‫ّ‬ ‫(حك ‪ .)27 :77‬وإذ جرى الخل ُ‬
‫ق في الكلمة‬
‫ّ‬ ‫ٌّ‬
‫هللا غير المنظور “(‪ )71 :7‬فهو ُمعد لإلنسان و ُموجّ ه إليه على أنه صورة‬
‫ومدعو هو نفسُه الى عالقة شخصيّة باهلل‪ .‬وإذ كان عقلنا مشتركا ً في نور‬ ‫ٌّ‬ ‫هللا‪،‬‬
‫اإللهي‪ ،‬فهو يستطيع أن يُدرك ما يقوله هللا لنا بخلقه‪ ،‬ولو بجه ٍد غير‬‫ّ‬ ‫العقل‬
‫يسير‪ ،‬وبروح اتّضاع واحترام أمام الخالق وصنيعه‪ .‬وإذ كان الخلق صادراً‬
‫عن الصالح اإللهي فهو يشترك في هذا الصالح (“ورأى هللا ذلك أنه‬
‫حسن جداً "‪( :‬تك ‪ .)37 ،27 ،72 ،72 ،72 ،4 :7‬ذلك أن هللا أراد‬ ‫حسن)‪ٌ ،‬‬
‫ُ‬
‫ث ُخصَّ به وأو ِدعَه‪ .‬وقد اضطرّ ت‬ ‫ق هبةً موجهةً ألى اإلنسان‪ ،‬بمثابة إر ٍ‬
‫الخل َ‬
‫ت ع ّدة‪ ،‬إلى ان تدافع‪ ،‬عن جودة الخلق‪ ،‬وفيه العالم الماديّ ‪.‬‬
‫الكنيسة‪ ،‬مرا ٍ‬

‫‪62‬‬
‫هللا يسمو بالتليقة ويحضر فيها‬

‫‪ –311‬هللا أعظم من صنائعه على وجه غير محدود‪“ :‬عظمتُه فوق السّموات‬
‫“(مز ‪،)2 :2‬‬
‫ّ‬
‫“ليس لعظمت ِه استقصاء “(مز ‪ .)3 :741‬ولكن بما أنه الخالق المطلق والحرّ ‪،‬‬
‫والعلّةُ األولى لكلّ موجود‪ ،‬فهو حاض ٌر في خالئقه حضوراً حميما ً جداً‪“ :‬به‬
‫نحيا ونتحرّ ك ونوجد “‬
‫(أع ‪ .)22 :71‬وهو‪ ،‬على ح ّد قول أوغسطينوس‪“ ،‬أعلى من كل ما هو أعلى‬
‫في‪ ،‬وأعمق م ّما هو أعمق "‪.‬‬
‫ّ‬

‫هللا يصون التليقة ويحملُها‬

‫‪ -310‬يخلُق هللا وال يترك خليقته على ذاتها‪ .‬إنّه ال يكتفي بمنحها الكينونة‬
‫والوجود‪ ،‬فيصونها في الكينونة كلّ حين‪ ،‬ويَهبها أن تعمل‪ ،‬ويقودها الى‬
‫نهايتها‪ .‬واإلقرار بذه التبعيّة الكاملة بالنسبة الى الخالق هو ينبو ُع حكم ٍة‬
‫وحريّة‪ ،‬وفرح وثقة‪:‬‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫“أجل أنّك تُحبّ جميع الكائنات‪ ،‬وال تمقت شيئا مما صنعتَ ‪ ،‬فإنك لو أبغضتَ‬
‫ُ‬
‫شيئا ً لم تكوّنه‪ .‬وكيف يبقى شي ٌء لم تُ ِر ْدهُ‪ ،‬أم كيف يُحفظُ ما لست أنت داعياً‬
‫له‪ .‬إنّك تشفق على جميع الكائنات ألنها لك‪ ،‬أيها الربّ المحبّ الحياة “(حك‬
‫‪.)21-24 :77‬‬

‫‪ .5‬هللا يحقّق تصميمه‪ :‬العناية اإللهية‬

‫‪ -312‬للخليقة جودتُها وكمالُها الخاصّ ان‪ ،‬ولكنها ال تخرج من يدَي الخالق‬


‫كمال أقصى عليها أن تبلغه‬ ‫ٍ‬ ‫كاملةَ الكمال‪ .‬إنها مخلوقةً في حال ِة مسير ٍة إلى‬
‫كمال أع َّدها هللاُ له‪ .‬ونحن ندعو عنايةً إلهيّة التدابير التي يقود هللا خليقتُه‬
‫ّ‬ ‫ٍ‬ ‫بعد‪،‬‬
‫الى كمالها‪.‬‬

‫“هللا يصونُ ويسوسُ بعنايته ك َّل ما خلق‪“ ،‬بالغةً من غاية الى غاي ٍة بالقوّ ة‪،‬‬
‫ومدبّرة كل شيء بالرّ فق “(حك ‪“ .)7 :2‬فلذلك ما من خليقة مستترةٌ عنها‪ ،‬بل‬

‫‪63‬‬
‫عار لعينيها “(عب ‪ ،)73 :4‬حتى األشياء التي يأتي بها عمل‬
‫ٍ‬ ‫كلّ شيء‬
‫الخليقة الحُر "‪.‬‬

‫واقعي‬
‫ٌّ‬ ‫‪ -313‬شهادة الكتاب المق ّدس إجماعيّة‪“ :‬اهتمام العناية اإللهية‬
‫وري‪ ،‬فهي تُعني بك ّل شيء‪ ،‬من أحقر األمور الصّ غيرة الى أحداث العالم‬ ‫وف َ ّ‬
‫والتاريخ العظيمة‪ .‬واألسفار المق ّدسة تشدِّد على سيطرة هللا المطلقة على‬
‫مجرى األحداث‪“ :‬إلهنا في السّماء وعلى األرض‪ ،‬ك ّل ما شاء صنع “(مز‬
‫ق أح ٌد‪ ،‬ويُغلِ ُ‬
‫ق فال يفت ُح أحد “‬ ‫‪ .)3 :771‬وعن المسيح قيل‪“ :‬يفتح فال يُغلِ ُ‬
‫ولكن مشورة الربّ هي تثبت‬ ‫ّ‬ ‫(رؤ ‪“ ،)1 :3‬في قلب اإلنسان افكا ٌر كثيرة‪،‬‬
‫“(أم ‪.)27 :71‬‬
‫‪ -314‬هكذا نرى الروح القدس‪ ،‬وهو مؤلِّف الكتاب المق ّدس الرّ ئيسي‪ ،‬كثيراً‬
‫ما ينسب الى هللا أعماالً‪ ،‬بدون أن يذكر لها علالً ثانية‪ .‬ليس ذلك “أسلوبا ً في‬
‫التح ّدث “بدائيّاً‪ ،‬ولكنه نه ٌج عميق في التذكير بأولويّة هللا وسيادته المطلقة‬
‫على التاريخ والعالم‪ ،‬ويَبْعث الثقة فيه‪ .‬وصالة المزامير هي المدرسة الكبرى‬
‫لهذه الثّقة‪.‬‬

‫‪ -315‬يسوع يطلب استسالما ً بنويّا ً لعناية اآلب ال ّسماوي الذي يُعني بأصغر‬
‫حاجات أبنائه‪ “ :‬ال تقلقوا إذن قائلين ماذا نأكل أو ماذا نشرب"‪ .....‬ابوكم‬
‫السماويّ عال ٌم بأنّكم تحتاجون إلى هذا كلّه‪ .‬بل آطلبوا أوالً ملكوت هللا وبرّ ه‬
‫وهذا كلّه يُزاد لكم “(متى ‪.)33-37 :1‬‬

‫العناية والعلل الثانية‬

‫‪ -316‬هللا هو س ّي ُد تصميمه ال ُمطلق‪ .‬ولكنّه يستعين أيضاً‪ ،‬في تحقيقه‪ ،‬بعمل‬


‫الكلي القدرة‬
‫ّ‬ ‫ضعف‪ ،‬ولكنّه دلي ُل عظمة هللا‬
‫ٍ‬ ‫خالئقه‪ .‬وليس ذلك عالمة‬
‫وجودته‪ ،‬ألن هللا ال يمنح خالئقه أن يوجدوا وحسبُ ‪ ،‬بل يمنحهم أيضا ً كرامة‬
‫الذاتي‪ ،‬وأن يكون بعضهم ِعلَ َل البعض اآلخر ومبادئه‪ ،‬ويشتركوا هكذا‬ ‫ّ‬ ‫العمل‬
‫في إتمام تصميمه‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ -317‬وهللا يمنح البشر أيضا المقدرة على اإلشتراك الحُرّ في عنايته بأن يُلقى‬
‫إليهم بمسؤوليّة‬
‫البشر أن يكونوا علالً‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫“إخضاع “األرض والتسلط عليها‪ .‬وهكذا يُعطي هللاُ‬
‫عاقلةً وحرّة إلتمام عمل الخَ ْلق‪ ،‬وتحقيق التنا ُغم لصالحهم وصالح قريبهم‪.‬‬
‫وإن كان البش ُر في كثير من األحيان شركاء غير واعين في إرادة هللا‪ ،‬فإنّهم‬
‫‪64‬‬
‫اإللهي‪ ،‬بأعمالهم‪ ،‬وصلواتهم‪ ،‬ثم‬
‫ّ‬ ‫يستطيعون أن يدخلوا اختياريّاً في التّصميم‬
‫بآالمهم أيضا ً‪ .‬وهم يصبحون إذ ذاك كليّا ً “علملين مع هللا “(‪ 7‬كو ‪)1 :3‬‬
‫وملكوته‪.‬‬
‫عمل‬
‫ٍ‬ ‫أن هللا يعمل في كل‬ ‫‪ -318‬حقيقة ال تنفصل عن اإليمان باهلل الخالق‪َّ :‬‬
‫لخالئقه‪ .‬إنّه العلّة األولى التي تعمل في ال ِعلل الثانية وبها‪“ :‬هللا هو الذي يفعل‬
‫والعمل نفسه على حسب مرضاته “(فيل ‪ .)73 :2‬وهذه الحقيقة‬ ‫َ‬ ‫فيكم اإلرادةَ‬
‫بعيدة عن أن تحطَّ من كرامة الخليقة‪ ،‬فهي تُعليها‪ .‬فالخليقة التي أنشأًََ تها من‬
‫العدم قدرةُ هللا وحكمتهُ وجودته‪ ،‬ال تستطيع شيئا ً إذا اجتُثّت من أصلها‪ ،‬ألن‬
‫“الخليقة تتالشى بدون الخالق "‪ ،‬وهي الى ذلك ال تستطيع أن تبلغ غايتها‬
‫القصوى بدون معونة النّعمة‪.‬‬

‫الشر‬
‫ّ‬ ‫العناية اإللهية ومشكلة‬

‫الكلي القدرة‪ ،‬خالق العالم منظّما ً وحسناً‪ ،‬يعتني‬


‫ّ‬ ‫‪ -319‬إذا كان هللا اآلب‬
‫بجيمع مخلوقاته‪ ،‬فلماذا الشرُّ موجودو ؟ عن هذه المسألة ال ٌملحّ ة بقدر ما هي‬
‫حتميّة‪ ،‬واألليمة بقدر ما هي سريّة‪ ،‬ما من جواب سريع يكفيها‪ .‬الجواب هو‬
‫في مجموعة اإليمان المسيحي‪ :‬جودة الخلق‪ ،،‬مأساة الخطيئة‪ ،‬أناةُ محبّة هللا‬
‫الخالصي‪ ،‬بموهبة الروح‪،‬‬
‫ّ‬ ‫الذي يسعى الى مالقاة البشر بعهوده‪ ،‬بتجسّد ابنه‬
‫بتجميع الكنيسة‪ ،‬بقوّة األسرار‪ ،‬بال ّدعوة الى حيا ٍة سعيدة والمخلوقات الحرّ ة‬
‫مدعوّ ةً الى قبولها‪ ،‬كما هي قادرة أيضا ً مسبقاً‪ ،‬وبسرٍّ رهيب‪ ،‬أن تتجنّبها‪ .‬ما‬
‫الشر‪.‬‬
‫ّ‬ ‫حرف في الرسالة المسيحية ال يدخل في الجواب عن مسألة‬ ‫ٍ‬ ‫من‬
‫‪ -301‬لماذا لم يخلق هللا عالما ً من الكمال ال يتم ّكن أيّ شرّ من الوجود فيهو ؟‬
‫هللا‪ ،‬في قدرته غير المتناهية‪ ،‬يستطيع دائما ً أن يخلق شيئا ً أفضل‪ .‬ومع ذلك‬
‫فقد أراد هللا‪ ،‬في حكمته وجودته‪ ،‬واختياره أن يخلق عالما ً “في حال ٍة مسير ٍة‬
‫“إلى كماله األقصى‪ .‬وهذه الصيرورة تقتضي‪ ،‬في تصميم هللا‪ ،‬مع ظهور‬
‫انقراض غيرها‪ ،‬مع األكمل واألقل كماالً أيضاً‪ ،‬مع أعمال‬ ‫َ‬ ‫بعض الكائنات‬
‫الشر‬
‫َ‬ ‫الطبيعي يوجد أيضا ً‬
‫ّ‬ ‫بناء الطبيعة أعمال هدمها أيضاً‪ .‬فمع الخير‬
‫الطبيعي ما دام لم يبلغ بعد كماله‪.‬‬
‫‪ -300‬المالئكة والبشر‪ ،‬بكونهم مخلوقات عاقلة وحُرّ ة‪ ،‬يجب أن يسيروا نحو‬
‫باختيار حرّ ومحبّة لألفضل‪ .‬فبإمكانهم أن يضلّوا‪ .‬وقد‬ ‫ٍ‬ ‫غايتهم القصوى‬
‫الشر األدبي العالم‪ ،‬وهو‪ ،‬وإن لم يكن له وللشرّ‬
‫ّ‬ ‫خطئوا فعالً‪ .‬وهكذا دخل‬ ‫ِ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الطبيعي قياسٌ مشترك‪ ،‬يفوقه خطورة‪ .‬وهللا ليس البتة علةَ الشرّ األدبي‪ ،‬وال‬ ‫ّ‬

‫‪65‬‬
‫مباشرةً وال بوج ٍه غير مباشر‪ .‬ولكنه يسمح به‪ ،‬مراعيا ً حريّة خليقته‪،‬‬
‫ويعرفُ ‪ ،‬بطريقة سريّة‪ ،‬كيف يستخرج منه الخير‪.‬‬

‫الكلي القدرة‪ ...‬في صالحه المطلق‪ ،‬ال يدَع أبداً أيّ شرّ يكون في‬
‫ّ‬ ‫“فاهلل‬
‫صنائعه لو لم يكن له من القدرة والجودة ما يكفي الستخراج الخير من الشرّ‬
‫نفسه "‪.‬‬

‫أن هللا‪ ،‬في عنايته الكليّة القدرة‪،‬‬ ‫‪ -302‬وهكذا‪ ،‬مع الوقت‪ ،‬يمكن إكتشاف ّ‬
‫يستطيع أن يستخرج خيراً من عواقب شرٍّ‪ ،‬ولو أدبيّا‪ ،‬سبّبته خالئقه‪ ،‬قال‬
‫ً‬
‫علي شرّ اً وهللا‬
‫ّ‬ ‫يوسف ألخوته‪“ :‬ال أنتم بعثتموني الى ههنا بل هللا‪ ،‬أنتم نويتم‬
‫نوى خيراً لكي يُحيي شعبا ً كثيراً "‪.‬‬
‫أدبي أقتُرف على الدهر‪ ،‬أي نبذ ابن‬ ‫ّ‬ ‫(تك ‪ .)22 :12 ،2 :41‬ومن أعظم شرٍّ‬
‫هللا وقتله‪ ،‬بسبب خطيئة جميع البشر‪ ،‬استخرج هللا‪ ،‬في فيض نعمته‪ ،‬أعظم‬
‫الخيور‪ :‬تمجيد المسيح‬
‫وفدا َءنا‪ .‬والشرّ ال يتحوّ ل مع ذلك إلى خير‪.‬‬
‫‪“ -303‬وكلّ شيء يَسعى لخير الذين يحبّون هللا “(رو ‪ .)22 :2‬وفي شهادة‬
‫القديسين المتواصلة ما يُثبت هذه الحقيقة‪.‬‬
‫وهكذا فالقديسة كاترينا السيينية تقول “للذين يشككون ويثورون من جرّاء ما‬
‫يُصيبهم "‪:‬‬
‫“كلّ شيء يصدُر عن المحبّة‪ ،‬كلّ شي ٍء موجّ ه لخالص اإلنسان‪ .‬هللا ال يعمل‬
‫شيئا ً إالّ لهذه الغاية "‪ .‬والقديس توما مور‪ ،‬قُبيل استشهاده‪ ،‬يقول معزيّا ابنته‪:‬‬
‫“ال شيء يمكن أن يحصل بغير إرادة هللا‪ .‬ومن ث ّم فكلّ ما يريده‪ ،‬مهما ظهر‬
‫لنا سيّئاً‪ ،‬هو مع ذلك افض ُل ما يكون لنا "‪.‬‬
‫أدركت‪ ،‬بنعمة هللا‪ ،‬أنه من الواجب‬ ‫ُ‬ ‫وتقول الليدي جوليان دي نورويتش‪“ :‬لقد‬
‫أن أتشبّث باإليمان تشبّثا شديداً‪ ،‬وأن أعتقد اعتقادا ليس دونه ثباتا‪ ،‬أن األمور‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫األمور كلّها ستكون حسنة "‪.‬‬
‫َ‬ ‫كلّها ستكون حسنة‪ ....‬وسترى أن‬

‫‪ -304‬نحن نؤمن إيمانا ً ثابتا ً أن هللا سيّد العالم والتاريخ‪ .‬ولكن سبُل عنايته‬
‫كثيراً ما تخفى عنّا‪ .‬ففي النهاية فقط‪ ،‬عندما تنتهي معرفتنا الجزئية‪ ،‬عندما‬
‫نرى هللا “وجها ً لوجه “(‪ 7‬كو ‪ )72 :73‬ستتّضح لنا السبُل اتّضاحا ً كامالً‪،‬‬
‫السُّبل التي‪ ،‬حتى في ما بين مآسي الشرّ والخطيئة‪ ،‬يقود هللا خليقته ِعبْرها‬
‫ق ألجله السماء واألرض‪.‬‬‫إلى راحة السبت النهائي‪ ،‬الذي خل ّ‬

‫‪66‬‬
‫بإيجاز‬

‫‪ -305‬في خلق العالم واإلنسان أرسى هللا الشهادة األولى وال ّشاملة لمحبّته‬
‫الكليّة القدرة وحكمته‪ ،‬اإلعالن األول لـِ “تصميمه العطوف “الذي ينتهي‬
‫بالخليقة الجديدة في المسيح‪.‬‬

‫‪ -306‬وإن كان عمل الخلق منسوب ًا‪ ،‬على وجه خاصّ ‪ ،‬الى أآلب‪ ،‬فمن حقيقة‬
‫اإليمان أيض ًا أن اآلب واالبن والروح القدس هم المبدأ الواحد والغير‬
‫المنفصل للخَ لق‪.‬‬

‫‪ -307‬هللا وحده خلق الكون باختياره‪ ،‬مباشر ًة‪ ،‬ومن دون أيّة معونة‪.‬‬

‫‪ -308‬ما من خليقة تملك القدرة الغير المتناهية الضروريّة “للخلق “بمعناه‬


‫الدقيق‪ ،‬أي إحداث الوجود وإعطائه لما لم يكن له قط (الدعوة الى الوجود‬
‫“من العدم “)‪.‬‬

‫‪ -309‬هللا خل ّق العالم ليُظهر مجده ويُشرِك فيه‪ .‬أن تشترك خالئقه في حقيقته‪،‬‬
‫وجودته‪ ،‬وجماله‪ ،‬هذا هو المجد الذي خل ّقها ألجله‪.‬‬

‫‪ -321‬هللا الذي خلق الكون يبقيه في الوجود بكلمته‪“ ،‬هذا االبن الذي يضبط‬
‫كلّ شيء بقدرة كلمته “(عب ‪ )3 :7‬بروحه الخالق المحيي‪.‬‬

‫‪ -320‬العناية اإللهية‪ ،‬هذه هي التدابير التي يقود به هللا جميع الخالئق‪ ،‬بحكمةٍ‬
‫ومحبّةٍ‪ ،‬إلى غايتها القصوى‪.‬‬

‫‪ -322‬المسي ُح يدعونا إلى اإلستسالم البنويّ لعناية أبينا السّماويّ ‪ ،‬والرسول‬


‫القديس بطرس يعيد القول‪“ :‬ألقوا عليه ه ّمكم ك ُّله‪ ،‬فإ ّنه يعتني بكم “(‪7‬بط ‪:1‬‬
‫‪.)1‬‬

‫‪ -323‬العناية اإللهية تعمل أيض ًا بعمل الخالئق‪ .‬هللا يعطي الكائنات البشريّة‬
‫أن تشترك في تصاميمه باختيارها‪.‬‬

‫‪67‬‬
‫‪ -324‬سما ُح هللا بالشرّ الطبيعي والشرّ األدبي ِس ٌّر يجلوه هللا بابنه يسوع‬
‫المسيح الذي مات وقام ّ‬
‫للتغلب على الشرّ ‪ .‬اإليمان يُثبت لنا أن هللا ال يسمح‬
‫بالشرّ لو لم يكن يستخرج الخي َر من الشرّ نفسه‪ ،‬بسُب ٍل لن نعرفها معرف ًة‬
‫كاملة‪.‬‬

‫سماء واآلرض‬
‫الفقرة ‪ - 5‬ال ّ‬

‫‪ -325‬قانون إيمان الرسل يعترف بأن هللا “خالُق السماء واألرض "‪ ،‬وقانون‬
‫إيمان نيقية‪ -‬القسطنطينية يصرّ ح "‪ ....‬الكون المرئي وغير المرئي "‪.‬‬
‫‪-326‬في الكتاب المقدس يعني التّعبير “سماء وأرض "‪ :‬ك َّل ما يوجد‪ ،‬الخليقة‬
‫كلّها‪ .‬وهو يدلّ أيضا ً العالقة‪ ،‬في داخل الخليقة‪ ،‬التي‪ ،‬في الوقت نفسه‪ ،‬تربط‬
‫وتميّز السماء واألرض‪ :‬و “األرض “هي عالم البشر‪ ،‬و “السماء “أو‬
‫“السموات “يمكن أن تدلّ على الجّ لد‪ ،‬وأن تدلّ أيضا ً على “المكان “الخاص‬
‫باهلل‪ ::‬أبانا الذي في السموات”(متى ‪ ،)71 :1‬ومن ثّ ّم أيضا ً “السماء “التي‬
‫اإلسخاتولوجي‪ .‬وأخيراً تدلّ “السماء “على “مكان “الخالئق‬
‫ّ‬ ‫هي المجد‬
‫الروحانية – المالئكة ‪ -‬التي تحيط باهلل‪.‬‬
‫إن اعتراف المجمع الالتراني الرابع اإليماني يُثبت ّ‬
‫أن هللا “منذ بدء‬ ‫‪ّ -327‬‬
‫الزمان جم َع معا ً الخلق من العدم لهذه وتلك الخليقة‪ ،‬الروحانية والجسدية‪ ،‬أي‬
‫ّ‬
‫الملئكة والعالم األرضي‪ ،‬ثم الخليقة البشرية التي تشارك الطرفين‪ ،‬ألنّها‬
‫مر ّكبة من روح وجسد "‪.‬‬

‫‪ .0‬المالئكة‬
‫وجود المالئكة – حقيقة إيمانيّة‬

‫درج الكتاب المق ّدس‬‫َ‬ ‫‪ -328‬وجود الكائنات الروحانيّة‪ ،‬غير الجسدية‪ ،‬التي‬
‫على تسميتها المالئكة‪ ،‬حقيقة إيمانيّة‪ ،‬شهادة الكتاب المقدس واضحة وكذلك‬
‫إجماع التقليد‪.‬‬
‫من هم؟‬
‫‪ – 329‬يقول القديس أوغسطينوس في شأنهم‪“ :‬مالك يدلّ على ال ُمه ّمة ال‬
‫على الطبيعة‪ .‬تسأل عما تسمى هذه الطبيعة و ؟‪ -‬روح‪ .‬تسأل عن المه ّمة و ؟ ‪-‬‬
‫مالك‪ .‬هو من حيث هو‪ ،‬روح‪ ،‬ومن حيث عملِه‪ ،‬مالك "‪ .‬المالئكة‪ ،‬في ذات‬
‫كيانهم كلّه‪ ،‬خدّام هللا ورسلُه‪ ،‬ألنهم يشاهدون “بال انقطاع وجه أبي الذي في‬

‫‪68‬‬
‫السموات “(متى ‪ ،)72 :72‬إنّهم “العاملون بكلمته عند سماع صوت كالمه‬
‫“(مز ‪.)22 :723‬‬
‫‪ -331‬في كونهم خالئق روحانية مجرّ دة‪ ،‬هم عقل وإرادة‪ :‬أنهم خالئق‬
‫شخصيّة‪ ،‬وغير مائتة‪ .‬ويتفوّ قون على جميع الخالئق المرئيّة كماالً‪ .‬وألَ ُ‬
‫ق‬
‫مجدهم يشهد بذلك‪.‬‬

‫المسيح “مع جميع المالئكة‬

‫المالئكي‪ ،‬إنّهم مالئكته‪“ :‬متى جاء ابن البشر بمجده‬


‫ّ‬ ‫‪ -330‬المسي ُح قلب العالم‬
‫وجميع مالئكتُه معه‪(“ ...‬متى ‪ .)37 :21‬هم له ألنه هو الذي خلقهم وله‬
‫ق جمي ُع ما في السموات وعلى األرض‪ ،‬ما يُرى وما ال‬ ‫خلقهم‪“ :‬إذ فيه ُخل ّ‬
‫يُرى‪ ،‬عروشا ً كان أم سيادات أم رئاسات أم سالطين‪ .‬به وإليه ُخلق كل شيء‬
‫أولَيسوا‬
‫رسل قصده الخالصي‪َ “ :‬‬ ‫َ‬ ‫“(كو ‪ .)71 :7‬وهم له فوق ذلك ألنه جعلهم‬
‫جميعهم أرواحا ً خادمةً‪ ،‬تُر َسل للخدمة من أجل ال ُمزمعين أن يرثوا الخالص‬
‫“(عب ‪.)74 :7‬‬
‫‪ -332‬إنهم ههنا منذ بد ِء الخليقة‪ ،‬وعلى مدى تارخ الخالص‪ ،‬مب ّشرين‪ ،‬من‬
‫بعي ٍد أو قريب‪ ،‬بهذا الخالص‪ ،‬وخادمين القصد اإللهي في تحقيقه‪ :‬يُغلقون‬
‫األرضي‪ ،‬يُحامون عن لوط‪ ،‬ينقذون هاجر وابنها‪ ،‬يوقفون يد‬ ‫ّ‬ ‫الفردوس‬
‫ت‬‫إبراهيم‪ ،‬يُسلّم الناموس على يدهم‪ ،‬يقودون شعب هللا‪ ،‬يب ّشرون بوالدا ٍ‬
‫ودعوات‪ ،‬يواكبون األنبياء‪ ،‬هذا إذا اقتصرنا على إيراد بعض األمثلة‪ .‬وأخيراً‬
‫هذا المالك جبرائيل الذي يب ّشرُ بوالدة السابق ووالدة يسوع نفسه‪.‬‬
‫‪ -333‬من التجسّد الى الصّ عود كانت حياة الكلمة المتجسّد تكتنفها عبادةُ‬
‫المالئكة وخدمتهم‪.‬‬
‫البكر الى العالم يقول‪ :‬لتسجد له جميع مالئكة هللا “(عب ‪:7‬‬
‫َ‬ ‫“عندما يُدخل هللا‬
‫‪ .)1‬ونشي ُد تسبحتهم عند ميالد المسيح ال يزال يدوّ ي في تسبيح الكنيسة‪:‬‬
‫“المجد هلل‪(“ ...‬لو ‪.)74 :2‬‬
‫إنّهم يحرسون طفولة يسوع‪ ،‬ويخدمونه في البريّة‪ ،‬ويش ّددونه في النّزاع‪،‬‬
‫عندما كان بإمكانه أن ينجو على يدهم من أيدي أعدائه‪ ،‬كما جرى ذلك‬
‫إلسرائيل قديماً‪ .‬والمالئكة هم الذين "يبشرون”مذيعين بشرى التجسّد‪،‬‬
‫وبشرى قيامة المسيح‪ .‬وسيكونون ههنا عند عودة المسيح التي يبشرون بها‪،‬‬
‫في خدمة دينونته‪.‬‬

‫المالئكة في حياة الكنيسة‬


‫‪69‬‬
‫‪ -334‬الى ذلك الموعد تنعم حياة الكنيسة كلّها بمساعدة المالئكة السريّة‬
‫والقديرة‪.‬‬
‫‪ -335‬والكنيسة‪ ،‬في طقوسها‪ ،‬تنض ّم الى المالئكة في السجود هلل الثالثي‬
‫القداسة‪ ،‬وهي تطلب معونتهم (كما في الصالة‪ :‬يقودُك المالئكة في‬
‫الفردوس‪ ....‬في ليترجيّا األموات‪ ،‬أو أيضا ً في “النشيد ال ّشيروبيمي “في‬
‫الليترجيا البيزنطية)‪ ،‬وهي تحتفل بنوع أخصّ بذكرى بعض المالئكة‬
‫(القديس ميخائيل‪ ،‬والقديس جبرائيل‪ ،‬والقديس رافائيل‪ ،‬والمالئكة الحرّ اس)‪.‬‬
‫‪ -336‬من المولد إلى الوفاة يكتنفون الحياة البشريّة بحراستهم وشفعاتهم‪.‬‬
‫“لكل مؤمن مالك يُرافقه حارسا ً وراعيا ً لكي يقوده إلى الحياة "‪ .‬منذ الوجود‬
‫األرضي تشترك الحياة المسيحيّة بإليمان في المجتمع السعيد للمالئكة والبشر‬‫ّ‬
‫المتّحدين باهلل‪.‬‬

‫‪ .2‬العالم المرئي‬

‫‪ -337‬هللا نفسه هو الذي خلق العالم المرئي في كلّ غناه‪ ،‬وتنو ّعه‪ ،‬ونظامه‪.‬‬
‫الكتاب المقدس يعرض لنا مشروع الخالق بطريقة رمزية يتسلسل على مدى‬
‫اإللهي‪ ،‬تنتهي “باستراحة “اليوم السابع‪ .‬النصّ الملهم‬
‫ّ‬ ‫ستّة أيام من “العمل “‬
‫يعلّم‪ ،‬في موضوع الخلق‪ ،‬حقائق أوحى بها هللا ألجل خالصنا‪ ،‬من شأنها أن‬
‫تساعد على “معرفة طبيعة الخلق العميقة‪ ،‬وقيمته‪ ،‬وهدفه الذي هو مج ُد هللا‬
‫"‪.‬‬
‫‪ -338‬ال شيء موجود إالّ ووجودُه من هللا التالق‪ .‬لقد إبتدأَ العالم عندما‬
‫خرج من العدم بكلمة هللا‪ ،‬جمي ُع الكائنات الموجودة‪ ،‬كلّ الطبيعة‪ ،‬كلّ‬ ‫استُ َ‬
‫تاريخ البشر‪ ،‬تتأصّ ل في هذا الحدث الرّئيسي‪ :‬إنّه التكوين ذاته الذي تكوّ ن به‬
‫العالم‪ ،‬وابتدأَ الزمن‪.‬‬
‫صنائع “األيام‬‫‪ -339‬كل خليق ٍة تمتلك جودتها وكمالها الذاتيّين‪ .‬ولكلٍّ من َ‬
‫الخلق نفسه تنتظم‬ ‫السّتة “قيل‪“ :‬ورأى هللاُ ذلك انّه حسن "‪“ .‬فبواقع عمل ّ‬
‫األشيا ُء كلّها في شتّى مقوّ ماتها وحقيقتها وصلالحيّتها ونواميسها وأنظمتها‬
‫الخاصّ ة "‪ .‬الخالئق المختلفة‪ ،‬وقد أرادها هللا في كيانها الخاص‪ ،‬تعكس‪ ،‬كلٌّ‬
‫وجب على‬ ‫َ‬ ‫على طريقتها‪ ،‬شعاعا ً من حكمته وجودته الغير المتناهيتين‪ .‬ولهذا‬
‫اإلنسان أن يحترم لكلّ خليقة جودتها الخاصّ ة‪ ،‬لكي يتجنّب استعمال األشياء‬
‫استعماالً فوضويّا ً يزدري الخالق ويجرُّ على البشر وعلى بيئتهم عواقب‬
‫وخيمة‪.‬‬
‫‪70‬‬
‫‪ -341‬ترابط التالئق‪ .‬أراده هللا‪ .‬فالشمس والقمر‪ ،‬واألرزة والزهرة‬
‫الصغيرة‪ ،‬والنسر والدوريّ ‪ :‬مشه ُد تنوّ عها وتباينها غير المحدودين يعني أن‬
‫ذاتي‪ .‬أنها ال توجد إالّ مرتبطة بعضُ ها ببعض‪ ،‬لكي‬ ‫ّ‬ ‫ليس أليّ خليقة اكتفا ٌء‬
‫تتكامل‪ ،‬في خدمة بعضها البعض‪.‬‬
‫ُ‬
‫‪ -340‬جمال الكون‪ .‬نظام العالم المخلوق وتناسقه هما نتيجة تنوّ ع الكائنات‬
‫والعالقات القائمة بينها‪ .‬واإلنسان يكتشفهما شيئا ً فشيئا ً على أنّهما من نواميس‬
‫الطبيعة‪ .‬إنّهما موض ُع إعجاب العلماء‪ .‬إن جمال الخليقة يعكس جمال الخالق‬
‫الغير المتناهي‪ .‬فيجب أن تستدعي االحترام والخضوع لدى عقل اإلنسان‬
‫وإرادته‪.‬‬
‫ّ‬
‫‪ -342‬هرميّة التالئق‪ .‬يعبّر عنها نظام “األيام الستة "‪ ،‬الذي يذهب من األقلّ‬
‫كماالً الى األكثر كماالً‪ .‬هللا يحبّ جميع خالئقه‪ ،‬ويعتني بكل واحدة منها‪ ،‬حتى‬
‫أصغر العصافير‪ .‬ومع ذلك فيسوع يقول‪“ :‬أنتم أفض ُل من عصافير كثير‬
‫“(لو ‪ ،)1 :72‬أو أيضا ً‪“ :‬واإلنسان كم أفضل من الخروف “(متى ‪.)72 :72‬‬
‫‪ -343‬اإلنسان ق ّمة عمل الخالق‪ .‬والراوية ال ُملهمة تعبّر عن ذلك مميّزة‬
‫بوضوح خلق اإلنسان من خلق سائر المخلوقات‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫إن لجميعها خالقا واحدا‪ ،‬وإنها‬ ‫‪ -344‬بين جميع التالئق تكافُ ٌل من حيث َّ‬
‫جميعا ُ موجّ هةٌ في سبيل مجده‪:‬‬
‫“لك المديحُ‪ ،‬يا رب‪ ،‬في جميع خالئقك‪،‬‬
‫وال سيّما السيّدة أُختِنا الشمس‪،‬‬
‫التي تمنحنا بها‪ ،‬في النهار‪ ،‬النّور‪،‬‬
‫ع شديد التألُّق‪،‬‬ ‫إنّها جميلة ولها إشعا ٌ‬
‫العلي‪ ،‬تقدم لنا الرمز‪...‬‬ ‫ّ‬ ‫وهي عنك‪ ،‬أيها‬
‫لك المديح‪ ،‬يا رب‪ ،‬ألجل أخينا الماء‪،‬‬
‫ذي النفع العظيم والتواضع الشديد‪،‬‬
‫الثّمين والطاهر "‬
‫لك المديح‪ ،‬يا رب‪ ،‬من أجل األخت أُ ّمنا األرض‪،‬‬
‫التي تحملنا وتقوتنا‪،‬‬
‫التي تؤتي الثّمار المتنوّ عة‬
‫مع األزهار المختلفة األلوان واألعشاب‪....‬‬
‫سبّحوا وباركوا ربّي‪،‬‬
‫وآحمدوه وآخدموهُ‬
‫في كلّ تواضع"‪.‬‬

‫‪71‬‬
‫‪ -345‬السبت هو نهاية عمل “األيام الستّة "‪.‬الكتابة المقدسة تقول إن “هللا‬
‫فرغ من عمله في اليوم السابع “و “اُكملت هكذا السما ُء واألرض "‪ ،‬وإن هللا‬
‫“استراح “في اليوم السابع‪ ،‬وبارك وق ّدس ذلك اليوم (تك ‪ .)3-7 :2‬في هذه‬
‫األقوال الملهمة ج ٌّم من التعاليم الخالصية‪:‬‬
‫‪ -346‬في الخلق أرسى هللا أساسا ً وأنظمة ثابتة ال تتغير‪ ،‬يستطيع المؤمن أن‬
‫ً‬
‫يستند إليها بثقة‪ ،‬وتكون له عالمةَ وضمانَ أمان ِة عهد هللا التي ال تتزعزع‪.‬‬
‫وعلى اإلنسان‪ ،‬من جهته‪ ،‬أن يظ َّل وفيّا ً لهذا األساس‪ ،‬ويتقيّد بألنظمة التي‬
‫نقشها فيه الخالق‪.‬‬
‫‪ -347‬عُمل عم ُل الخلق من أجل السبت ومن ث َّم من أجل عبادة هللا‪ .‬العبادة‬
‫الخلق‪ .‬وقد ورد في قانون القديس بندكتس أنه “ال يُفضّ ل‬ ‫مسجّلة في نظام ّ‬
‫شي ٌء على عبادة هللا "‪ .‬مشيراً هكذا الى النظام الصّ حيح في االهتمامات‬
‫البشريّة‪.‬‬
‫ُ‬
‫وحفظ الوصايا هو التلبية لحكمة‬ ‫ّ‬
‫‪ -348‬السبت هو في قلب شريعة إسرائيل‪ِ .‬‬
‫هللا ومشيئته اللتين يعبّر عنهما عمل الخَلق‪.‬‬
‫‪ -341‬اليوم الثامن‪ .‬ولكن بالنسبة إلينا قد طلع يو ٌم جديد‪ :‬يوم قيامة المسيح‪.‬‬
‫اليوم السّابع يتُ ُّم الخلق األوّ ل‪ .‬اليوم الثامن يفتتح الخلق الجديد‪ .‬وهكذا فعمل‬
‫عمل أعظم هو الفداء‪ .‬الخلق األول يجد معناه وق ّمته في‬ ‫ٍ‬ ‫الخلق يرقى الى‬
‫ق الخلق األول‪.‬‬‫ُ َ‬ ‫َ‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫أ‬ ‫ه‬‫َ‬ ‫ق‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫أ‬ ‫يفوق‬ ‫الذي‬ ‫المسيح‬ ‫الخلق الجديد في‬

‫بإيجاز‬

‫‪ -351‬المالئكة مخلوقات روحانية تمجد هللا بال انقطاع‪ ،‬وتخدم مقاصده‬


‫الخالصيّة بالنسبة الى سائر المخلوقات‪“ :‬المالئكة يتضافرون على كلّ ما هو‬
‫صالح لنا "‪.‬‬
‫ّ‬
‫‪ -350‬المالئكة يحيطون بالمسيح‪ ،‬ربّهم‪ .‬إنهم يخدمونه على وجهٍ خاصّ في‬
‫قيامه برسالته الخالصيّة تجاه البشر‪.‬‬
‫‪ -352‬الكنيسة ُتكرم المالئكة الذين يُساعدونها في مسيرتها األرضية‪ ،‬والذين‬
‫يحرسون كل كائن بشريّ ‪.‬‬
‫‪ -353‬هللا أراد تنوّع خالئقه‪ ،‬وجودتها الخاصة‪ ،‬وترابطها‪ ،‬ونظامها‪ .‬وقد‬
‫وجّ ه جميع المخلوقات الما ّدية الى ما هو في صالح الجنس البشريّ ‪ .‬اإلنسان‪،‬‬
‫ط مجد هللا‪.‬‬ ‫ومن خالله كل الخليقة‪ ،‬يسير في خ ِّ‬
‫‪ -354‬إحترام الشرائع المكتوبة في الخليقة والعالقات التي تصدر عن طبيعة‬
‫األشياء هو ُ‬
‫مبدأ حكمةٍ وأساسٌ لألخالقيّات‪.‬‬
‫‪72‬‬
‫الفقرة ‪ – 6‬اإلنسان‬

‫‪“ -355‬خلق هللا اإلنسانَ على صورته‪ ،‬على صورة هللا خلقه‪ ،‬ذكراً وأنثى‬
‫خلقهم “(تك ‪ .)21 :7‬فلإلنسان محلٌّ فري ٌد في الخليقة‪ :‬إنه “على صورة هللا‬
‫“(‪ ،)7‬في طبيعته الخاصّ ة يجمع ما بين العالم الروحاني والعالم الماديّ (‪،)2‬‬
‫ُخلق “ذكراً وأُنثى “(‪ ،)3‬اختصّ ه هللا بصداقته (‪.)4‬‬

‫‪“ .0‬على صورة هللا "‬

‫‪ -356‬بين جميع الخالئق المرئيّة‪ ،‬اإلنسان وحده “يستطيع أن يعرف خالقه‬


‫ويحبّه "‪ .‬إنه على األرض الخليقة الوحيدة التي أرادها هللا لذاتها "‪ .‬إنه وح ّده‬
‫المدعوّ الى المشاركة في حياة هللا بالمعرفة والمحبّة‪ .‬لقد ٌخلق لهذه الغاية‪،‬‬
‫الرئسي‪:‬‬
‫ّ‬ ‫وهذا هو سبب كرامته‬
‫“ما الداعي الذي جعلك تكوّ ن اإلنسان على مثل هذه العظمةو ؟ المحبّة العظمى‬
‫التي نظرت بها الى خليقتك في ذات نفسك‪ ،‬وقد ُش ِغفت بها‪ ،‬إذ إنّك خلقتها‬
‫بمحبّة‪ ،‬وبمحبّ ٍة أعطيتها كيانا ً قادراً أن يتذوّ ق خيرك األزلي "‪.‬‬
‫‪ -357‬بما أن الفرد البشريّ على صورة هللا فمقامه مقا ُم شتص‪ :‬فهو ليس‬
‫شيئا ً ما وحسب‪ ،‬بل هو شخصٌ ما‪ .‬إنه قادر على أن يعرف نفسه‪ ،‬وأن‬
‫يضبطها‪ ،‬وأن يبذل ذاته باختياره‪ ،‬وأن يدخل في شركة غيره من األشخاص‪،‬‬
‫إيمان ومحبّ ٍة ال‬
‫ٍ‬ ‫وهو مدعوّ‪ ،‬بالنعمة‪ ،‬الى معاهدة مع خالقه‪ ،‬وإلى تلبيته تلبيةَ‬
‫يستطيع أح ٌد غيره أن يقوم مقامه فيها‪.‬‬
‫‪ -358‬هللا خلق كلّ شيء لإلنسان‪ ،‬ولكن اإلنسان ُخلق لخدمة هللا ومحبّته‪،‬‬
‫لكي يق ّدم له الخليقة كلّها‪:‬‬
‫“ فمن هو الكائن الذي سيأتي الى الوجود في مثل هذه الهالة من التّقدير”إنّه‬
‫الحي العظي ُم العجيب‪ ،‬األكر ُم في عينّي هللا من الخليقة كلّها‬ ‫ُّ‬ ‫اإلنسان‪ ،‬الوجهُ‬
‫جمعاء‪ :‬إنه اإلنسان‪ ،‬وألجله ُوجدت السماء واألرض والبحرٌ وسائر الخليقة‪،‬‬
‫وخالصُه هو الذي علّق عليه هللا مثل هذه األهمية حتى إنه لم يوفّر ابنه‬
‫ّعي كلّه لكي يرقى باإلنسان‬ ‫انفك يسعى الس َ‬ ‫الوحيد نف َسه في سبيله‪ .‬وإن هللا ما ّ‬
‫إليه ويُجلسه الى يمينه "‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫‪“ -359‬إن سرّ اإلنسان ال يُفسّره تفسيرا حقيقيّا إال سرُّ الكلمة المتجسّد‪.‬‬

‫‪73‬‬
‫أن رجُلين اثنين هما أساس الجنس البشريّ ‪ :‬آدم‬ ‫“القديس بولس يعلّمنا َّ‬
‫إن آدم األول ُخلق كائناً بشرياً نال الحياة‪ ،‬وا ّما اآلخر‬‫والمسيح‪ ...‬وهو يقول‪ّ :‬‬
‫روحاني يعطي الحياة‪ .‬أألوّ ل خلقه اآلخر ومنه نال النفس التي تُحييه‪...‬‬
‫ّ‬ ‫فكائن‬
‫ُ‬
‫آدم الثاني جعل صورته في آدم األول عندما كان يَجبلُه‪ .‬من هُنا ألقيت عليه‬
‫مه ّمتُه واس ُمه وذلك لكي ال يُعرِّ ض من صّ نَعه على صورته للضياع‪ .‬آدم‬
‫إن األخير هو األول‬ ‫األول‪ ،‬آد ُم األخير‪ :‬األول ابتدأ‪ ،‬واألخير لن ينتهي‪ ،‬إذ ّ‬
‫في الحقيقة‪ ،‬على ح ّد ما قال هو نفسه‪“ :‬أنا األول واألخير "‪.‬‬

‫أن‬‫‪ -361‬أذ كان الجنس البشري من أصل مشترك فهو يؤلف وحدةً‪ ،‬ذلك ّ‬
‫هللا "صنع من واح ٍد كلُّ أ ّمة من البشر (أع ‪:)21 :71‬‬
‫“إنها لرؤيا عجيبة تلك التي تجعلنا نتا ّمل الجنس البشريّ في وحدة أصله في‬
‫هللا‪ ،‬في وحدة طبيعته‪ ،‬المر ّكبة عند الجميع تركيبا ً واحداً من جسم ما ّديّ‬
‫ونفس روحانيّة‪ ،‬في وحدة غايته الفوريّة ورسالته في العالم‪ ،‬في وحدة‬
‫طبيعي‪ ،‬أن يستعملوا‬‫ّ‬ ‫ق‬‫مسكن ِه‪ :‬األرض التي يستطيع جميع البشر‪ ،‬بح ّ‬
‫خيراتها لكي يحافظوا على الحياة ويُن ّموها‪ ،‬في وحدة غايته العليا‪ :‬هللا نفسه‬
‫الذي يجب على الجميع أن يتوجّ هوا إليه‪ ،‬في وحدة الوسائل لبلوغ هذه الغاية‪.،‬‬
‫في وحدة االفتداء الذي قام به المسيح ألجل الجميع "‪.‬‬
‫‪“ -360‬نظام التضامن البشريّ والمحبّة هذا "‪ ،‬فضالً عن و ْفرة تنوّ ع‬
‫األشخاص‪ ،‬والثقافات وال ّشعوب‪ ،‬يؤ ّكد لنا ان جميع البشر إخوة في الحقيقة‪.‬‬

‫س"‬
‫واح ٌد من جس ٍد ونف ٍ‬
‫‪ِ “ .2‬‬

‫وروحاني‬
‫ٌّ‬ ‫ق على صورة هللا‪ ،‬كائن جسديّ‬ ‫‪ -362‬الشخص البشريّ ‪ ،‬المخلو ُ‬
‫أن “هللا‬‫معاً‪ .‬والرواية الكتابيّة تعبّر عن هذه الحقيقة بكالم رمزي عندما تثبت ّ‬
‫فصار اإلنسان نفساً‬‫َ‬ ‫جبل اإلنسان ترابا ً من األرض ونفخَ في أنفه نَسمةَ حياةَ‬
‫حيّة “(تك ‪ .)1 :2‬فاإلنسان بكامله كان في إرادة هللا‪.‬‬
‫‪ -363‬كثيراً ما تر ُد اللفظة نفس في الكتاب المق ّدس بمعنى الحياة البشريّة‪ ،‬أو‬
‫كامل الشتص البشري‪ .‬ولكنها تدلّ أيضا ً على أعمق ما في اإلنسان وأثمن ما‬
‫فيه‪ ،‬أي ما يجعله على وج ٍه أخصّ صورة هللا‪“ :‬نفس “تعني مبدأ اإلنسان‬
‫الروحاني‪.‬‬
‫ّ‬
‫ألن‬ ‫‪ -364‬يشترك جسد اإلنسان في كرامة “صورة هللا "‪ :‬إنّه جس ٌد بشريٌّ ّ‬
‫تبث فيه الحياة‪ ،‬والشخص البشريّ بكامله ُمع ٌّد ألن يصبح‪،‬‬ ‫النفس الروحانية ُّ‬
‫في جسد المسيح‪ ،‬هيكل الروح‪.‬‬
‫‪74‬‬
‫“اإلنسان واح ٌد بجسده ونفسه‪ ،‬وهو بوضع ِه الجّ سدي نفسه يجمع في ذاته‬
‫عناصر العالم الماديّ ‪ ،‬بحيث تبلغ فيه قِ ّمتها‪ ،‬وترفع بحريّة الى الخالق صوت‬
‫حمدها‪ .‬فال يجوز لإلنسان إذن أن يحْ تقِ َر الحياة الجسديّة‪ ،‬بل عليه أن يعامل‬
‫جسدَه باإلحسان واإلكرام ألنّه خليقة هللا و ُمع ٌّد للقيامة في اليوم األخير "‪.‬‬
‫صورة‬
‫َ‬ ‫‪ -365‬وحدة النفس والجسد هي من العمق بحيث أن تُع َّد النفس “‬
‫“الجسد‪ ،‬أي أن الجسد المر ّكب من ما ّدة يصبح بالنفس الروحانية‪ ،‬جسداً‬
‫وحيّاً‪ ،‬الروح والمادة‪ ،‬في اإلنسان‪ ،‬ليسا طبيعتين اثنتين ُمتّحدتين‪،‬‬ ‫إنسانيّا ً َ‬
‫ً‬
‫ولكن اتّحادهما يكوّ ن طبيعة واحدة‪.‬‬
‫‪ -366‬الكنيسة تعل ُم أن كلّ نفس روحانيّة يخلُقها هللا مباشرةً‪ - ،‬إنها ليست من‪:‬‬
‫صُنع‪ :‬الوالدين‪ ،-‬وهي تُعلّمنا أيضا ً أنّها غير مائتة‪ ،‬إنّها ال تتالشى عندما‬
‫تُفارق الجسد بالموت‪ ،‬وهي تعود الى اإلتّحاد بالجسد في القيامة األخيرة‪.‬‬
‫ّ‬
‫‪ -367‬يحصُل أحيانا ً أن تُ َميَّز النفس من الروح‪ .‬وهكذا فالق ّديس بولس يصلي‪.‬‬
‫قائالً‪“ :‬وليَحفظ ك َّل ما فيكم أرواحكم‪ ،‬ونفوسكم‪ ،‬وأجسادكم‪ ،‬بغير لوم عند‬
‫أن هذا التّمييز ال يُدخل في‬ ‫مجيء ربّنا “(‪ 7‬تس ‪ .)23 :1‬والكنيسة تعلّم ّ‬
‫النفس ازدواجية‪“ .‬الروح “يعني ان اإلنسان موجَّه منذ خلقه الى غايتِه الفائقة‬
‫وأن نف َسه قادرةٌ على ان تُرقّى مجّ انا ً الى ال ّشركة مع هللا‪.‬‬
‫الطبيعة‪ّ ،‬‬
‫الكتابي لـ “عُمق الكيان‬
‫ّ‬ ‫بالمعنى‬ ‫القلب‬ ‫على‬ ‫د‬‫د‬‫ّ‬ ‫ُش‬ ‫ي‬ ‫الروحي‬
‫ّ‬ ‫الكنيسة‬ ‫‪ -368‬تقليد‬
‫“(إر ‪ )33 :37‬حيث يُقرّ ر الشخص أنّه هلل أو ال‪.‬‬

‫‪“ .3‬ذكراً وأنثى خلقهم "‬


‫ُمساواة واختالف أرادهما هللا‬

‫‪ -369‬الرّ جُل والمرأة ُخلِقا أي إنّ هللا ارادهما‪ :‬في مساواة كاملة‪ ،‬لكونهما‬
‫شخصين بشريَّين من جهة‪ ،‬ومن جه ٍة أخرى بكيانهما الخاصّ رجالً وامرأة‪.‬‬ ‫َ‬
‫أن يكون “رجالً “وأن تكون‬
‫“امرأة “تلك حقيقة حسنة وقد أرادها هللا‪ :‬للرّ جل والمرأة كرامةٌ ثابتةٌ تأتيهما‬
‫مباشرةً من هللا خالقهما‪ .‬الرّ جل والمرأة هما‪ ،‬في الكرامة الواحدة‪ ،‬على‬
‫صورة هللا‪ .‬وهما يعكسان حكمة الخالق وجودته في “كيان الرجولة “وفي‬
‫“كيان األنوثة "‪.‬‬
‫‪ -371‬ليس هللا على صورة اإلنسان البتّة‪ .‬فهو ليس رجالً وال امرأة‪ .‬هللا روحٌ‬
‫ولكن “كماالت “الرجل والمرأة‬ ‫ّ‬ ‫محضّ ليس فيه مكان الختالف الجن َسين‪,.‬‬

‫‪75‬‬
‫تعكس شيئا ً من كمال هللا غير المتناهي‪ :‬كماالت األم‪ ،‬وكماالت األب‬
‫ّ‬
‫والزوج‪.‬‬

‫“الواحد لآلخر”– “وحدة اثنين "‬

‫‪ -370‬الرجل والمرأة ُخلقا معا ً‪ ،‬وقد أرادهما هللا الواحد لآلخر‪ ،‬وكالم هللا‬
‫يُس ِمعُنا ذلك بتلميحات مختلفة في النّص المق ّدس‪“ .‬ال يحسُن أن يكون اإلنسانُ‬
‫وحدهُ فأصنع له عونا ً بإزائه “‬
‫(تك ‪ .)72 :2‬وما من حيوان يمكن أن يكون هذا الـ “بإزاء “اإلنسان‪.‬‬
‫المرأة التي “بناها “هللا من الضلع التي أخذها من الرّجل‪ ،‬والتي أتى بها‬
‫صراخَ إعجاب‪ ،‬صراخَ محبّ ٍة وشركة‪“ :‬هوذا هذه‬ ‫الرّجل‪ ،‬تبعث من الرجل ُ‬
‫المرأة عظ ٌم من عظامي ولح ٌم من لحمي “(تك ‪ .)32 :2‬الرجل يكتشف في‬
‫المرأة “أنا “آخر‪ ،‬من البشريّة نفسها‪.‬‬
‫ّ‬
‫‪ -372‬الرجل والمرأة صُنعا “الواحد لآلخر "‪ :‬ال أن هللا صنعهما “نصفين‬
‫“و “غير كاملين “إنّه خلقهما لشركة شخصين يستطيع فيها كلُّ واحد أن‬
‫يكون “عونا ً “لآلخر‪ ،‬ألنهما في الوقت نفسه متساويان لكونهما شخصين‬
‫(“عظ ٌم من عظامي “) ومتكاملين لكونهما ذكراً وأنثى‪ .‬وفي الزواج يجمعهما‬
‫بحيث‪ ،‬وهما “جس ٌد واحد “(تك ‪ ،)24 :2‬يستطيعان أن يُعطيا الحياة‬ ‫ُ‬ ‫هللا‬
‫البشريّة‪““ :‬انموا واكثروا وامألوا األرض “(تك ‪ .)22 :7‬والرّجل والمرأة‪،‬‬
‫وجين ووالدَين “عندما يُعطيان نسلهما الحياة البشرية يُسهمان إسهاما ً فريداً‬ ‫زَ َ‬
‫في عمل الخالق‪.‬‬
‫‪ -373‬الرجل والمرأة مدعوّ ان‪ ،‬في تصميم هللا‪“ ،‬إلخضاع “األرض على‬
‫أنهما “وكالء “هللا‪ .‬وهذه السيطرة يجب أن ال تكون تسلّطاً تعسُّقيا ً وه ّداما ً‪.‬‬
‫فالرجل والمرأة مدعوّ ان‪ ،‬على صورة الخالق الذي “يحبّ جميع الكائنات‬
‫“(حك ‪ ،)21 :77‬إلى االشتراك في “العناية اإللهية “تجاه جميع المخلوقات‪.‬‬
‫من هنا مسؤوليّتهُما عن العالم الذي عهد هللا فيه إليهما‪.‬‬

‫‪ .4‬اإلنسان في الفردوس‬

‫‪ -374‬اإلنسان األول لم يُخلق صالحا ً وحسب‪ ،‬ولكنّه أقيم في صداق ٍة مع‬


‫خالقه‪ ،‬وفي تناغم مع ذاته ومع الخليقة التي حوله والتي ال يفوقها إالّ مج ُد‬
‫الخليقة الجديدة في المسيح‪.‬‬

‫‪76‬‬
‫الكتابي على نور العهد الجديد‬
‫ّ‬ ‫‪ -375‬الكنيسة‪ ،‬عندما تفسّر رمزيّ الكالم‬
‫ُ‬
‫أن أبوينا األولين‪ ،‬آدم وحوّاء‪ ،‬أقيما في حالة‬ ‫والتقليد تفسيراً أصيالً‪ .‬تعلّم ّ‬
‫“قداسة وبرٍّ أصلي "‪ .‬ونعمة القداسة األصليّة هذه كانت اشتراكا ً في الحياة‬
‫اإللهية‪.‬‬
‫ّ‬
‫‪ -376‬بإشعاع هذه النعمة تقوّ ت جمي ُع أبعاد الحياة البشرية‪ .‬فما دام اإلنسان‬
‫في صداق ٍة مع هللا كان في منجى من الموت ومن األلم‪ .‬فالتناغم في داخل‬
‫ال ّشخص البشريّ ‪ ،‬والتناغم بين الرجل والمرأة‪ ،‬وأخيراً التناغم بين ّ‬
‫الزوجين‬
‫األوّلين وجميع الخليقة‪ ،‬كانت تؤلّف الحالة المدعوّ ة‬
‫“برارةً أصليّة "‪.‬‬
‫ّ‬
‫‪“ -377‬إخضاع “العالم الذي ألقى به هللا إلى اإلنسان منذ البدء كان يتحقق‬
‫الذاتي‪ .‬كان اإلنسان في كامل ذاته‬
‫ّ‬ ‫قبل كل شيء في اإلنسان نفسه باإلنضباط‬
‫كامالُ ومنظَّماً‪ ،‬إذ كان محرّ راً من الشهوات الثالثة التي كانت تُخضعه لمتع‬
‫الحواسّ ‪ ،‬للتج ّشع في الخيرات األرضية‪ ،‬وأثبات الذات في وجه أوامر العقل‪.‬‬
‫أن جعلّهُ هللا في َ‬
‫الجنّة‪ .‬فعاش فيها “يحرُث‬ ‫‪ -378‬وكانت عالمة أُلفته مع هللا ْ‬
‫األرض‬
‫ّ‬
‫ويحرسُها “(تك ‪ ،)71 :2‬ليس العمل مشقة‪ ،‬ولكنّه إسهام الرجل والمرأة مع‬
‫هللا في إكمال الخليقة المرئيّة‪.‬‬
‫‪ -379‬هذا التناغم كلُّه في البرارة األصليّة‪ ،‬الذي هيّئ لإلنسان في تصميم‬
‫هللا‪ ،‬سيُفق ُد بخطيئة أبوينا األوّلين‪.‬‬

‫بإيجاز‬

‫‪“ -381‬لقد صنعت اإلنسان على صورتك‪ ،‬يا هللا‪ ،‬وجعلت الكون بين يديه‪،‬‬
‫حتى إذا خد َمك‪ ،‬أنت خال َقهُ‪ ،‬كان سيّد الخليقة "‪.‬‬
‫ألن يَن ُقل صورة ابن هللا المتأنس – “صورة هللا غير‬
‫ّ‬ ‫‪ -380‬اإلنسان ُمهيّ ٌا ْ‬
‫المنظور “(كو ‪ – )71 :7‬حتى يكون المسيح بكر ًا ما بين َج ٍّم غفير من إخو ٍة‬
‫وأخوات‪.‬‬
‫ّ‬
‫‪ -382‬اإلنسان “واح ٌد من جس ٍد ونفس “عقيدة اإليمان ُتبت أن النفس‬
‫الروحانيّة والغير المائتة يخلقها هللا مباشرة‪.‬‬
‫وأنثى خلقهم “(تك ‪:7‬‬ ‫‪“ -383‬وهللا يخلق اإلنسان وحيد ًا‪ :‬منذ البدء”ذكر ًا ُ‬
‫‪ ،)21‬وهذا الجمع بين الرجل والمرأة هو الصورة األولى لتشارُك األشخاص‬
‫"‪.‬‬

‫‪77‬‬
‫‪ -384‬الوحي يُطلعنا على حالة القداسة والبرارة األصليّتين عند الرجل‬
‫والمرأة قبل الخطيئة‪ :‬كانت صداقتهما مع هللا في أصل سعادة وجودهما في‬
‫الفردوس‪.‬‬

‫سقوط‬
‫الفقرة ‪ – 7‬ال ّ‬

‫‪ -385‬هللا غير متناهي الجودة وجميع أعماله حسنة‪ .‬ولكن ال أحد ينجو من‬
‫تَجربة األلم‪ ،‬من تجربة شرور الطبيعة – التي تبدو شبه مرتبطة بحدود‬
‫األدبي‪ .‬من اين يأتي الشرّ و ؟ يقول‬
‫ّ‬ ‫الخالئق الخاصّ ة‪ -‬والسيّما من مسألة الشرّ‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫َشت من أين يأتي الشرّ فلم أجد حال "‪ ،‬ولن يجد‬ ‫الق ّديس أوغسطينوس‪“ :‬لقد فت ُ‬
‫فإن “سرّ اإلثم “(‪2‬‬ ‫الحي‪ّ .‬‬
‫ّ‬ ‫بَحثُه الخاصّ األليم مخرجا ً إالّ في اهتدائه الى هللا‬
‫تس ‪ )1 :2‬لن يتَضح إالّ على نور سرّ التقوى‪ .‬إن كشفَ المحبّة اإللهية في‬
‫المسيح أظهر مدى الشرّ وفيض النعمة معا ً‪ .‬يجب أن نعرض إذن لمسألة‬
‫ّت على من هو‪ ،‬وحده‪ ،‬غالبُ الشرّ ‪.‬‬ ‫مصدر الشرّ ونظ ُر إيماننا مثب ٌ‬

‫حيث كثُرت التطيئة طفحت النعمة‬


‫ُ‬ ‫‪.0‬‬

‫حقيقة التطيئة‬
‫‪ -386‬الخطيئة موجودة في تاريخ اإلنسان‪ :‬قد تكون من العبث محاولةُ‬
‫تجاهلها‪ ،‬أو إلقاء أسماء أخرى على هذه الحقيقة الغامضة‪ .‬ولكي نحاول فهم‬
‫ما هي الخطيئة‪ ،‬يجب أوالً معرفة صلة اإلنسان العميقة باهلل‪ ،‬إذ إنه خارج‬
‫هذه العالقة‪ ،‬ال يُكشف عن شرّ الخطيئة في حقيقة كونه رفضا ً ومقاومةً في‬
‫وجه هللا‪ ،‬مع بقائه عبئا ً ثقيالً على حياة اإلنسان وعلى التاريخ‪.‬‬
‫ّ‬
‫‪ -387‬حقيقة الخطيئة‪ ،‬وال سيّما خطيئة األصول‪ ،‬ال تتضح إال على نور‬
‫اإللهي‪ .‬فبدون المعرفة التي يُعطيناها عن هللا ال تمكن معرفة الخطيئة‬‫ّ‬ ‫الوحي‬
‫معرفةً واضحة‪ ،‬فنكون معرّضين لتفسيرها على أنّها نقصٌ في النموّ فقط‪،‬‬
‫ضعف نفسي‪ ،‬ضاللٌ‪ ،‬نتيجةٌ حتميةٌ لبُني ٍة إجتماعية غيرمالئمة الخ‪ .‬ففي‬ ‫ٌ‬
‫استعمال‬
‫ٍ‬ ‫ّ‬
‫معرفة قصد هللا بالنسبة الى اإلنسان فقط تُفهم الخطيئة على أنها سو ُء‬
‫للحريّة التي يمنحها هللا لألشخاص المخلوقين‪ ،‬لكي يتم ّكنوا من محبّته ومن‬
‫محبّة بعضهم البعض‪.‬‬

‫التطيئة األصلية – حقيقة جوهرية من حقائق اإليمان‬

‫‪78‬‬
‫اإللهي ا ّتضحت أيضا ً حقيقة الخطيئة‪ .‬وإن عَرض شعبُ‬ ‫ّ‬ ‫‪ -388‬لنموّ الوحي‬
‫هللا في العهد القديم آلالم الوضع البشري على نور تاريخ السّقوط الوارد في‬
‫سفر التكوين‪ ،‬فإنه لم يكن ياستطاعته الوصول الى المعنى البعيد لهذا التاريخ‪،‬‬
‫الذي ينجلي فقط على نور موت يسوع المسيح وقيامته‪ .‬يجب معرفة المسيح‬
‫ينبوعا ً للنعمة لمعرفة آدم ينبوعا ً للخطيئة‪ .‬الروح‪ -‬البارقليط الذي ارسله‬
‫المسيح المنبعث‪ ،‬وهو الذي جاء لكي “يُفحم العالم بشأن الخطيئة “(يو ‪:71‬‬
‫‪ ،)2‬إذ كشف عن الذي افتدى من الخطيئة‪.‬‬
‫‪ -389‬عقيدة الخطيئة األصليّة هي على نح ٍو ما “الوجه المناقض “للبشرى‬
‫وبأن الجميع بحاجة الى‬‫َّ‬ ‫الصالحة بأن يسوع المسيح هو مخلّص جميع البشر‪،‬‬
‫الخالص مق ّد ٌم للجميع بفضل المسيح‪ .‬والكنيسة التي عندها‬‫َ‬ ‫الخالص‪ ،‬وبأن‬
‫فكر المسيح تعل ُم أنه ال يمكن ال َمساس بوحي الخطيئة األصليّة بدون اإلساءة‬
‫إلى سرّ المسيح‪.‬‬
‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫صص السّقوط (تك ‪ )3‬يعتمد أسلوبا خياليّا‪ ،‬ولكنه يؤكد حدثا ذا أهمية‬ ‫‪ -391‬قَ َ‬
‫ً‬
‫كبيرة‪ ،‬حدثا جرى في بدء تاريخ اإلنسان‪ .‬والوحي يُعطينا اليقين اإليماني‪،‬‬
‫بأن تاريخ البشر كلّه مرسو ٌم بالخطيئة األصليّة التي اقترفها أبوانا األوّ الن‬‫ّ‬
‫باختيارهما‪.‬‬

‫‪ .2‬سقوط المالئكة‬

‫غر معارضٌ هلل يح ُملهما‪،‬‬ ‫ٌ‬


‫صوت ُم ٍ‬ ‫‪ -390‬وراء اختيار أبوينا األوّ لين ال َمعصية‬
‫حسداً‪ ،‬على السّقوط في الموت‪ .‬الكتاب المقدس وتقليد الكنيسة يريان في هذا‬
‫الكائن مالكا ً ساقطا ً يُدعى شيطانًا أو إبليس‪ .‬الكنيسة تعلّم أنه كان أوالً مالكا ً‬
‫صالحا ً من صُنع هللا‪“ .‬ال ّشيطان وسائر األبالسة خلقهم هللا صالحين في‬
‫طبيعتهم‪ ،‬ولكنهم هم بأنفسهم انقلبوا أشراراً "‪.‬‬
‫‪ -392‬الكتاب المقدس يذكر لهؤالء المالئكة خطيئة‪ .‬وهذا “السقوط “يقوم‬
‫باختيار حُرٍّ لهؤالء األرواح المخلوقة‪ ،‬الذين رفضوا رفضا ً باتّا ً وثابتا ً هللا‬
‫ٍ‬
‫وملكوتَه‪ .‬وإننا نجد إشارةً الى هذا العصيان في أقوال المجرّ ب ألبَ َوينا‬
‫األوّلين‪“ :‬تصيران كآلهة “(تك ‪.)1 :3‬‬
‫الشيطان “خاطئ من البدء “(‪ 7‬يو ‪“ ،)2 :3‬وأبو الكذب “(يو ‪.)44 :2‬‬
‫أن ميزة االختيار الثابت للمالئكة‪ ،‬ال تقصيرٌ من الرّ حمة األلهية غير‬ ‫‪ّ -393‬‬
‫المتناهية‪ ،‬هي التي جعلت خطيئتهم غير قابلة الغفران‪“ .‬ال ندامة لهم بعد‬
‫السقوط‪ ،‬كما أنه ال ندامة للبشر بعد الموت "‪.‬‬

‫‪79‬‬
‫‪ -394‬الكتاب المقدس يُثبت األثر المشؤوم للذي يدعوه يسو ُع “من البدء قتّ َ‬
‫ال‬
‫الناس “(يو ‪ )44 :2‬والذي حاول أن يحوّ ل يسوع نفسه عن الرسالة التي‬
‫تقبّلها من اآلب‪“ .‬ولهذا ظهر ابن‬
‫لينتقض أعمال إبليس “(‪ 7‬يو ‪ .)2 :3‬وأفضع نتائج أعماله كان اإلغراء‬ ‫َ‬ ‫هللا‪:‬‬
‫الكاذب الذي جرّ اإلنسان الى عصيان هللا‪.‬‬
‫ّ‬
‫ولكن مقدرة االبليس ليست غير متناهية‪ .‬إنه مجرّد خليقة‪ ،‬قديرة‬ ‫ّ‬ ‫‪-395‬‬
‫لكونها روحا ً محضاً‪ ،‬ولكنه ال يخرج عن كونه خليقة‪ :‬ال يستطيع أن يمنع‬
‫بناء ملكوت هللا‪ْ ,‬‬
‫وإن ع ِم َل إبليسُ في العالم بعامل الحقد على هللا وملكوته في‬
‫وإن كان لعمله أضرا ٌر جسيمة – على المستوى الروحي‬ ‫يسوع المسيح‪ْ ،‬‬
‫انسان‬
‫ٍ‬ ‫الطبيعي نفسه – لكلّ‬
‫ّ‬ ‫وأحياناً‪ ،‬وبطريقة غير مباشرة‪ ،‬على المستوى‬
‫وللمجتمع‪ ،‬فهذا العم ُل تسمحُ به العناية اإلليهة الي توجّ ه تاريخ اإلنسان‬
‫والعالم بقوّة ولين‪ ،‬والسّماح اإللهي بهذا العمل الشيطاني سرٌّ عظيم‪ ،‬ولكننا‬
‫“نعلم أن هللا في كل شيء يسعى لخير الذين يُحبونه “(رو ‪.)22 :2‬‬

‫‪ .3‬التظيئة األصلية‬
‫تجربة الحريّة‬

‫‪ -396‬هللا خلق اإلنسان على صورته وأقامه في صداقته‪ .‬وإذ كان اإلنسان‬
‫خليقةً روحانية‪ ،‬فهو ال يستطيع أن يعيش في هذه الصداقة إالّ عن طريق‬
‫الخضوع الحُرّ هلل‪ .‬وهذا ما يعبّر عنه منع اإلنسان من أن يأكل من شجرة‬
‫معرفة الخير والشرّ‪“ ،‬فإنك يو َم تأك ُل منها تموت موتا ً “(تك ‪.)71 :2‬‬
‫“شجرة معرفة الخير والشرّ “(تك ‪ )71 :2‬توحي رمزيّا ً بالح ّد الذي ال يمكن‬
‫تجاوزه والذي يجب على اإلنسان‪ ،‬في كونه مخلوقاً‪ ،‬أن يعترف به اختياريّاً‬
‫وأن يقف عنده بثقة‪ .‬اإلنسان متعلّق بالخالق‪ ،‬وهو خاض ٌع لنواميس الخليقة‪،‬‬
‫وللنُظُم األخالقيّة التي تُنظِّم استعمال الحريّة‪.‬‬

‫خطيئة اإلنسان األولى‬

‫‪ – 397‬اإلنسان عندما جرّ به الشيطان‪ ،‬قضى في قلبه على الثقة بخالقه‪.‬‬


‫وعندما أساء استعمال حرّ يته‪ ،‬عصى وصيّة هللا‪ .‬في هذا قامت خطيئة اإلنسان‬
‫األولى‪ .‬وكلُّ خطيئة‪ ،‬في ما بعد‪ ،‬ستكون عصيانا ً هلل‪ ،‬وعدم ثقة في صالحه‪.‬‬
‫فضل اإلنسان نفسه على هللا‪ ،‬بذلك عينه َحقَ َر هللا‪:‬‬
‫‪ -398‬في هذه الخطيئة ّ‬
‫َ‬
‫اختار ذاته على هللا‪ ،‬على مقتضيات كونه خليقة‪ ،‬ومن ث َّم على صالحه‬
‫‪80‬‬
‫الخاصّ ‪ .‬وإذ كان اإلنسان مخلوقا ً في حالة قداسة‪ ،‬فقد كان ُمع ّداً ألن “يؤلّهه‬
‫“تأليها ً كامالً في المجد‪ .‬وبإغرا ٍء من إبليس أراد أن “يكون مثل هللا "‪ ،‬ولكن‪،‬‬
‫“بدون هللا‪ ،‬وليس بحسب هللا "‪.‬‬
‫‪ -399‬الكتاب المقدس يبيّن عواقب هذه المعصية األولى المأسويّة‪ .‬فقد فَقَ َد آدم‬
‫وحوّاء حاال حالة البرارة األصلية‪ .‬لقد خافا من هذا اإلله الذي تصوّ راه على‬
‫غير صورته‪ ،‬على صورة إل ٍه غيور على كل امتيازاته‪.‬‬
‫‪ -411‬التناسق الذي كانا عليه‪ ،‬والذي أَولَ ْتتهما إيّاه حالة البرارة األصلية‪ ،‬قد‬
‫ته ّدم‪ ،‬وسيطرةُ قُوى النفس الروحانية على الجسد تحطّمت‪ ،‬اتحاد الرجل‬
‫والمرأة أصبح تحت تأثير المشا ّدات‪ ،‬وعالقاتهما ستكون موسومة بِ ِسمة‬
‫الشهوة والسيطرة‪ .‬التناسق مع الخليقة نُقِض‪ :‬الخليقة المنظورة اصبحت‬
‫بالنسبة إلى اإلنسان غريبةً و ُمعادية‪ ،‬وبسبب اإلنسان أُخضعت الخليقة‬
‫نبئ بها بصراحة لمعصية اإلنسان‬ ‫أن العاقبة التي أٌ َ‬ ‫لعبوديّة الفساد‪ .‬واخيراً ف ّ‬
‫ُ‬
‫ستتحقّق‪“ :‬سيعود اإلنسان إلى األرض التي منها أخذ "‪ .‬وهكذا دخل الموت‬
‫في تاريخ البشرية‪.‬‬
‫حقيقي‪ :‬قتلُ‬
‫ّ‬ ‫للخطيئة‬ ‫“‬ ‫اجتياح‬ ‫“‬ ‫العالم‬ ‫غمر‬ ‫األولى‪،‬‬ ‫الخطيئة‬ ‫‪ -410‬منذ هذه‬
‫قاين أخاه هابيل‪ ،‬الفساد الشامل في َعقِب الخطيئة‪ ،‬كذلك في تاريخ إسرائيل‪،‬‬
‫كعصيان خاصّ إلله العهد‪ ،‬وكمخالفة لشريعة‬ ‫ٍ‬ ‫فكثيراً ما تب ُر ُز الخطيئة‬
‫موسى‪ ،‬وبعد فداء المسيح أيضاً‪ ،‬تبرز الخطيئة بين المسيحيين على وجوه‬
‫متع ّددة‪ .‬والكتاب المق ّدس وتقليد الكنيسة ال يزاالن يذ ّكران بوجود التطيئة‬
‫وشمولها في تاريخ اإلنسان‪:‬‬
‫ق ومعطيات خبرتنا‪ .‬فإن تفحّ ص اإلنسان قلبَهُ‬ ‫ّ‬
‫“ما يكشفه لنا الوحي اإللهي يتف ُ‬
‫َمرة من ال ّشرور ال يمكن أن‬ ‫ٍ‬ ‫غ‬ ‫في‬ ‫ٌ‬
‫ق‬ ‫غار‬ ‫وأنه‬ ‫وجد أنّه ميّال الى الشرّ أيضاً‪،‬‬
‫تصدر عن خالقه الصالح‪ .‬فكثيراً ما يرفض اإلنسان أن يرى في هللا مبدأه‪،‬‬
‫فينقضُ النّظام الذي يتوجّ ه به الى غايته القصوى‪ ،‬وينقض في الوقت نفسه‬
‫تناغم في ذاته أو بالنسبة إلى سائر البشر وإلى الخليقة كلّها "‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫كلّ‬

‫عواقب خطيئة آدم في البشريّة‬

‫‪ -412‬جمي ُع البشر متورّ طون في خطيئة آدم‪ .‬القديس بولس يُثبت ذلك‪ُ “ :‬ج ِعل‬
‫الكثيرون (أي جميع البشر) خطأةً بمعصية إنسان واحد “(رو ‪“ :)71 :1‬كما‬
‫بإنسان واحد دخلت الخطيئة الى العالم‪ ،‬وبالخطيئة الموت‪ ،‬وهكذا اجتاز‬‫ٍ‬ ‫أنّها‬
‫خطئوا‪(“ ...‬رو ‪ .)72 :1‬وقد قابل‬ ‫ألن جميعهم قد ِ‬‫الموت إلى جميع الناس ّ‬‫ُ‬
‫الرسول شموليّة الخطيئة والموت بشموليّة الخالص بالمسيح‪“ :‬كما أنه بزل ٍةّ‬
‫‪81‬‬
‫واح ٍد كان القضا ُء على جميع الناس‪ ،‬كذلك ببرِّ واح ٍد (برّ المسيح) يكون‬
‫لجميع الناس تبري ُر الحياة “(رو ‪.)72 :1‬‬
‫أن الشقاء العارم الذي‬ ‫‪ -413‬لقد اتَّبعت الكنيسة القديس بولس‪ ،‬فعلّمت دائما ً ّ‬
‫يَبْهط البشر‪ ،‬وميلَهم الى الشرّ وإلى الموت ال يُفهمان بمعزل عن عالقتهم‬
‫بخطيئة آدم‪ ،‬وبواقع أنه أورثنا خطيئةً نُولد حاملين وزرها وهي “موت النفس‬
‫“وانطالقا ً من هذا اليقين العقائدي تمنح الكنيسة المعموديّة لمغفرة الخطايا‪،‬‬
‫حتى لألطفال الصّ غار الذين لم يرتكبوا خطيئة شخصيّة‪.‬‬
‫ّ‬
‫‪ -414‬كيف أصبحت خطيئة آدم خطيئة ذرّ يته كلِّهاو ؟ الجنس البشري كله في‬
‫ان واحد "‪ .‬وبسبب “وحدة الجنس البشريّ هذه‬ ‫آدم “كأنّه الجسد الواحد إلنس ٍ‬
‫“جمي ُع البشر داخلون في خطيئة آدم‪ ،‬كما أنّهم داخلون جميعا ً في تبرير‬
‫المسيح‪ .‬ومع ذلك فأن انتقال الخطيئة األصليّة سرٌّ ال نستطيع إدراكه إدراكا ً‬
‫تا ّماً‪ .‬إالّ إننا نعلم عن طريق الوحي أن آدم نال القداسة والبرارة األصليّتين‪،‬‬
‫ال له وحده‪ ،‬بل للطبيعة البشريّة كلّها‪ :‬وبانقياد آدم وحوّاء للمجرّ ب‪ ،‬ارتكبا‬
‫خطيئة شتصية‪ ،‬ولكن هذه الخطيئة انتقل أثرها الى الطبيعة البشريّة التي‬
‫سينقالنها وهما في حالة سقوط‪ .‬إنّها خطيئة ستنتقل الى جميع البشر عن‬
‫طريق التف ّشي‪ ،‬أي بنقل طبيعة بشرية مجردة من القداسة والبرارة األصليّتين‪.‬‬
‫ولهذا فالخطيئة األصليّة مدعوّة “خطيئة “على سبيل المشابه‪ :‬إنها خطيئة‬
‫“موروثة “ال ُمرت ّكبة "‪ ،‬حالة ال فعْل‪.‬‬
‫‪ -415‬وإن كان كل إنسان مخصوصا ً بالخطيئة األصليّة‪ ،‬فإنّها ليست ذات‬
‫شخصي عند أيّ من أبناء آدم‪ .‬إنها حرمان من القداسة والبرارة‬ ‫ّ‬ ‫طابع‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫األصليّتين‪ ،‬ولكن الطبيعة البشريّة ليست منفسدة انفسادا كامال‪ :‬لقد جُرحت‬
‫وأخضعت للجهل واأللم وسلطان الموت‪ ،‬ومالت‬ ‫ِ‬ ‫في قواها الطبيعيّة الخاصّ ة‪،‬‬
‫الى الخطيئة (وهذا الميل الى الشرّ يُسمى “شهوة “)‪ .‬والمعموديّة بمنحها حياة‬
‫نعمة المسيح‪ ،‬تمحو الخطيئة األصليّة وتر ُّد اإلنسان إلى هللا‪ ،‬ولكن العواقب‬
‫في الطبيعة ال ُمضْ َعفَة والميّالة الى الشرّ ‪ ،‬تبقى في اإلنسان وتدعوه الى الجهاد‬
‫الروحي‪.‬‬
‫ّ‬
‫‪ -416‬إن عقيدة الكنيسة في موضوع انتقال الخطيئة األصليّة اكتسبت دقّةً‬
‫خصوصا ً في القرن الخامس‪ ،‬والسيّما مع القديس أوغسطينوس في دف ِ‬
‫ق‬
‫تأ ّمالته ض ّد البالجيّة‪ ،‬وفي القرن السادس عشر في مناهضة البروتستانتية‪.‬‬
‫كان بالجيوس يعتقد أن اإلنسان يستطيع‪ ،‬بقوّ ة إرادته الطبيعية الحرّ ة‪ ،‬بدون‬
‫معونة نعمة هللا الضروريّة‪ ،‬أن يسلك سلوكا ً صالحا ً أدبيّاً‪ ،‬كان بذلك يحوّ ل‬
‫تأثير خطيئة آدم الى تأثير مثال سيّئ‪ .‬وبعكس ذلك كان دعاة اإلصالح‬
‫أن ًّ اإلنسان قد أصبح في عمقه فاسداً ّ‬
‫وأن‬ ‫البروتستاني األوّلون يُعلّمون ّ‬
‫ّ‬
‫‪82‬‬
‫حريّته أصبحت‪ ،‬بخطيئة األوّ لين‪ُ ،‬معطَّلة‪ .‬وكانوا يوحّ دون ما بين الخطيئة‬
‫التي َو ِرثها كل إنسان والميل الى الشرّ (الشهوة) الذي ال يمكن التغلّب عليه‪.‬‬
‫وقد أثبتت الكنيسة موقفها في معنى الوحي المتعلّق بالخطيئة األصليّة في‬
‫مجمع أورانج الثاني‪ ،‬سنة ‪ ،121‬وفي المجمع التريدنتيني‪ ،‬سنة ‪.7141‬‬

‫صراع عنيف‬

‫خو ُل نظرة‬ ‫‪ -417‬عقيدة الخطيئة األصليّة – مقرونةً بعقيدة فداء المسيح – تُ ِّ‬
‫تمييز واضح في شأن موقع اإلنسان وعمله في العالم‪ .‬بخطيئة األبوين األوّ لين‬
‫اكتسب الشيطان شبه سيطرة على اإلنسان‪ ،‬وإن لبث هذا ٌحرّ اً‪ .‬الخطيئة‬
‫األصليّة تجرُّ “العبودية تحت سلطان ذاك الذي كان بيده سلطان الموت‪،‬‬
‫أعني إبليس "‪ .‬تجاهُل كون اإلنسان ذا طبيعة مجروحة‪ ،‬ميّالة الى الشرّ ‪،‬‬
‫يُفسح المجال ألضاليل جسيمة في موضوع التّربية‪ ،‬والسّياسة‪ ،‬والعمل‬
‫اإلجتماعي‪ ،‬واألخالق‪.‬‬
‫َص ُم العالم‪،‬‬‫ِ‬ ‫ت‬ ‫ّة‪،‬‬ ‫ي‬‫الشخص‬ ‫البشر‬ ‫خطايا‬ ‫وجميع‬ ‫ّة‪،‬‬ ‫ي‬ ‫األصل‬ ‫‪ -418‬عواقب الخطيئة‬
‫في مجمله‪ ،‬بوصمة الخطيئة‪ ،‬التي يمكن أن يُطلق عليها تعبير القديس يوحنا‪:‬‬
‫السلبي الذي‬
‫ّ‬ ‫“خطيئة العالم “(يو ‪ .)21 :7‬بهذا التّعبير يُشار أيضاً الى التأثير‬
‫تُلحقه باألشخاص األحوال المجتمعيّة‪ ،‬والبُنى االجتماعية‪ ،‬التي هي ثمرة آثام‬
‫البشر‪.‬‬
‫ّ‬
‫‪ -419‬الحالة المأسويّة هذه التي يقيم فيها العالم “كله تحت سلطان ال ّشرير‬
‫“(‪ 7‬يو ‪ )71 :1‬تجعل حياة اإلنسان صراعا ً‪:‬‬
‫الظلمة‪ ،‬وقد بدأ وجود‬ ‫عنيف تُقاوم به قوى ُّ‬ ‫ٌ‬ ‫ع‬‫“يتخلّل تاريخ البشر العام صرا ٌ‬
‫العالم وسيبقى‪ ،‬على ح ّد قول الربّ ‪ ،‬الى اليوم األخير‪ .‬فعلى اإلنسان وقد‬
‫دخل المعركة‪ ،‬أن يُناضل أبداً لكي يَلزم الخير‪ ،‬وهو لن يستطيع تحقيق‬ ‫أُ ِ‬
‫وحدته الذاتيّة إالّ بعد جهو ٍد شديدة‪ ،‬وبمؤازرة النّعمـة اإللهية "‪.‬‬

‫‪“ .4‬أنّك لم تُسلِمه لسلطان الموت “‬

‫‪ -401‬هللا لم يتخلّ عن اإلنسان بعد سقوطه‪ .‬فهو‪ ،‬بعكس ذلك‪ ،‬يدعوه ويبشره‪،‬‬
‫بطريقة سريْة‪ ،‬بالتغلّب على الشرّ وبإقالته من عثرته‪ .‬هذا المقطع من سفر‬
‫التكوين ُس ّمي “مقدمة اإلنجيل “ألنّه البشرى األولى بالمسيح الفادي‪ ،‬البشرى‬
‫بصراع بين الحيّة والمرأة‪ ،‬وبالنتصار النهائي لنسل هذه المرأة‪.‬‬
‫ٍ‬

‫‪83‬‬
‫‪ -400‬التقليد المسيحي يرى في هذا المقطع البشرى بـ “آدم الجديد “الذي‪،‬‬
‫“بطاعته حتى الموت موت الصليب “(في ‪ )2 :2‬يُعوّ ض تعويضا ً ال يُقاس‬
‫فإن كثيرين من آباء الكنيسة ومالفنتها يرون في‬ ‫عن معصية آدم‪ .‬وإلى ذلك ّ‬
‫المرأة التي ورد ذكرها في “مق ّدمة اإلنجيل “أ َّم المسيح‪ ،‬مريم‪ ،‬على أنّها‬
‫“حوّاء الجديدة “إنّها تلك التي كانت األولى‪ ،‬وبطريقة فريدة‪ ،‬استفادةً من‬
‫صينَت من دنس الخطيئة‬ ‫اإلنتصار على الخطيئة الذي حقّقه المسيح‪ :‬لقد ِ‬
‫األصليّة كلّه‪ ،‬وعلى مدى حياتها األرضيّة كلّها لم ترتكب أيّ نوع من‬
‫الخطيئة‪ ،‬وذلك بنعم ٍة خاصة من هللا‪.‬‬
‫‪ -402‬ولكن لماذا لم يمنع هللا اإلنسان األول من أن يتطأ؟ يجيب عن ذلك‬
‫القديس الون الكبير‪:‬‬
‫“نعمة المسيح التي ال توصف وهبتنا خيرات أعظم من تلك التي كان حس ُد‬
‫إبليس قد انتزعها منّا "‪ .‬والقديس توما األكويني يقول‪“ :‬ال شيء يمنع من أن‬
‫تكون الطبيعة البشريّة قد أٌع ّدت لغاية أرفع من الخطيئة‪ّ .‬‬
‫فإن هللا يسمح بأن‬
‫تحصُل الشرور لكي يستخرج منها خيراً أعظم‪ .‬من هنا قول القديس بولس‪:‬‬
‫“حيث كثرت الخطيئة طفحت النعمة “(رو ‪ .)22 :1‬ومن هنا يُقال في بركة‬
‫شمعة الفصح “يا للخطيئة السعيدة التي استحقّت هكذا فاديا ً وبمثل هذه‬
‫العظمة"‪.‬‬

‫بإيجاز‬

‫‪“ -403‬ليس الموت من صُنع هللا‪ ،‬وال هالك األحياء يَسرُّ ه‪ ...‬بحسد أبليس‬
‫دخل الموت الى العالم “(حك ‪.)24 :2 ،73 :7‬‬
‫‪ -404‬الشيطان أو إبليس وسائر الشياطين هم مالئكة ساقطون ألنهم رفضوا‬
‫باختيارهم أن يخدموا هللا و َقصدَه‪ .‬واختيارهم ض ّد هللا نهائ ّي‪ .‬وهم يعملون‬
‫على إشراك اإلنسان في ثورتهم على هللا‪.‬‬
‫ولكن ال ّشرير أغواه من ُذ بدء التاريخ‪،‬‬
‫ّ‬ ‫‪“ -405‬أقام هللا اإلنسان في حالة برارة‪.‬‬
‫فأسا َء استعمال حريّته‪ُ ،‬منتصب ًا في وجه هللا‪ ،‬وراغب ًا في أن يبلغ غايته من‬
‫دون هللا "‪.‬‬
‫‪ -406‬في كون آدم اإلنسان األول‪ ،‬أضا َع بخطيئته القداسة والبرارة‬
‫األصليّتين اللتين كان قد نالهما من هللا‪ ،‬ليس فقط لنفسه‪ ،‬بل لجميع البشر‪.‬‬
‫‪ -407‬لقد أورث آدم وحوّاء ذرّيتهُما الطبيعة البشريّة مجروح ًة بخطيئتهما‬
‫األولى‪ ،‬ومن ث ّم مجرَّدة من القداسة والبرارة األصليّتين‪ .‬وهذا الحرمان يُس ّمى‬
‫“خطيئة أصليّة "‪.‬‬
‫‪84‬‬
‫أن الطبيعة البشرية ُأض ِعفت في قواها‪،‬‬ ‫‪ -408‬ن َت َج عن الخطيئة األصلية ّ‬
‫ضعت للجهل‪ ،‬واأللم وسيطرة الموت‪ ،‬ومالت الى الخطيئة (وهذا الميل‬ ‫وأخ ِ‬‫ُ‬
‫يُس ّمى “شهوة “)‪.‬‬
‫‪“ -409‬فنحن نعتقد‪ ،‬مع المجمع التريدنتيني‪ ،‬أن الخطيئة األصليّة تنتقل مع‬
‫الطبيعة البشرية‪،‬‬
‫“ال تقليد ًا بل انتشارا “وهي هكذا “خاصة بكل واحد "‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ -421‬اإلنتصار على الخطيئة الذي ح ّققه المسيح أعطى خيرات أفضل من‬
‫تلك التي أفقدتها الخطيئة‪“ :‬حيث كثرت الخطيئة طفحت النعمة “(رو ‪:1‬‬
‫‪.)22‬‬
‫ُ‬ ‫ّ‬
‫‪“ -420‬في إيمان المسيحيين أن هذا العالم هو وليد محبّة هللا وحفيظها‪ ،‬سقط‬
‫في عبوديّة الخطيئة‪ ،‬ولكن المسيح قد ّ‬
‫حطم بالصّ ليب والقيامة شوكة الشرّ ير‬
‫وحرّ ره‪." ...‬‬

‫الفصل الثاني‬
‫أؤمن بيسوع المسيح آبن هللا الوحيد‬

‫البُشرى‪ :‬هللا أرسل ابنه‬

‫الزمان‪ ،‬أرسل هللا ابنه مولوداً من إمرأة‪ ،‬مولوداً‬ ‫‪“ -422‬ولكن لما بلغ ملء ّ‬
‫ّ‬
‫تحت الناموس‪ ،‬ليفتدي الذين تحت الناموس‪ ،‬وننال التبني “(غل ‪.)1-4 :4‬‬
‫هوذا “بد ُء إنجيل يسو َع المسيح‪ ،‬ابن هللا"‪ :‬هللا افتقد شعبه‪ .‬لقد أت َّم الوعود التي‬
‫قطعها إلبراهيم ونسله‪ .‬لقد صنع ذلك فوق كلّ انتظار‪ :‬إنه أرسّل “ابنه‬
‫الحبيب "‪.‬‬
‫‪ -423‬نؤمن ونعترف بأن يسوع الناصريّ‪ ،‬المولود من فتا ٍة من إسرائيل‪ ،‬في‬
‫بيت لحم‪ ،‬في عهد الملك هيرودس الكبير واإلمبراطور أوغسطس قيصر‬
‫األول‪ ،‬نجّ ار الصنعة‪ ،‬الذي مات مصلوباً في أورشليم إبّانَ حكم الوالي‬
‫األزلي المتأنَس‪،‬‬
‫ّ‬ ‫لك اإلمبراطور تيباريوس‪ ،‬هو ابنُ هللا‬ ‫بُنطيس بيالطس‪ ،‬و ُم ِ‬
‫وبأنّه “خرج من هللا “(يو ‪ ،)3 :73‬و “نزل من السماء “(يو ‪:1 ،73 :3‬‬
‫‪ ،)33‬وأتى في الجسد‪ ،‬ألن “الكلمة صار جسداً وسكن في ما بيننا‪ ،‬وقد‬
‫شاهدنا مجده‪ ،‬مجداً من اآلب البنه الوحيد‪ ،‬الممتلئ نعمةً وحقّاً‪ ....‬اجل ومن‬
‫إمتالئه نحن كلّنا قد أخذنا ونعمة فوق نعمة (ثيو ‪.)71 ،74 :7‬‬

‫‪85‬‬
‫ب من اآلب نؤمن ونعترف في‬ ‫بدافع من نعمة الروح القدس‪ ،‬وبجاذ ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫‪-424‬‬
‫شأن يسوع‪:‬‬
‫الحي “(متى ‪ .)71 :71‬فعلى صخرة هذا اإليمان الذي‬
‫ّ‬ ‫هللا‬ ‫ابنُ‬ ‫المسيح‬ ‫“أنت‬
‫أعلنه القديس بطرس‪ ،‬بنى المسيح كنيسته‪.‬‬

‫“أن أبشّر بغنى المسيح الذي ال يُستقصى “(أف ‪)8 :3‬‬

‫‪ -425‬نق ُل العقيدة المسيحية هو أوّ الً التّبشير بيسوع المسيح في سبيل اإليمان‬
‫به‪ .‬منذ البد ِء اضطرم التال ِمذة األوّلون رغبةً في التبشير بالمسيح‪“ :‬أ ّما نحن‪،‬‬
‫فإنّا ال نقد ُر أن ال نتكلّم بما عاينّا و َس ِمعنا “(أع ‪ .)22 :4‬وهم يدعون البشر مم‬
‫كل زمان الى الدخول في فرح شركتهم مع المسيح‪:‬‬
‫“ما سمعناه‪ ،‬وما رأيناه بأعيننا”وما تأ ّملناه وما لمسته أيدينا في شأن “كلمة‬
‫الحياة “– ألن الحياة قد ظهرت‪ ،‬لقد رأيناها ونشهد لها‪ ،‬ونب ّشركم بهذه الحياة‬
‫األبديّة التي كانت لدى اآلب وظهرت لنا – إن ما رأيناه وسمعناه به نُب ّشركم‬
‫وشر َكتُنا نحن إنّما هي مع‬‫به أنتم أيضا ً لتكون لكم أنتم أيضا ً شركةٌ معنا‪ِ .‬‬
‫اآلب ومع يسوع المسيح ابنه‪ .‬ونكتُب اليكم بهذه األمور ليكون فرحُنا ُمكتمالً‬
‫“(‪ 7‬يو ‪.)4-7 :7‬‬

‫في قلب الكرازة‪ :‬المسيح‬

‫شخص يسوع الناصريّ ‪ِ “ ،‬‬


‫ابن‬ ‫َ‬ ‫‪“ -426‬في صميم قلب الكرازة نجد شخصاً‪،‬‬
‫اآلب الوحيد "‪ ...‬الذي تألّ َم وماتَ من إجلِنا‪ ،‬والذي‪ ،‬وقد قام اآلن‪ ،‬يعيش معنا‬
‫األزلي كلّه في شخص المسيح‪ .‬هو‬ ‫ّ‬ ‫إلى األبد‪ .‬نقل الكرازة هو كشفُ قصد هللا‬
‫ّ‬
‫محاولة اكتناه مدلول حركات المسيح وأقواله‪ ،‬والعالمات التي حققها "‪ .‬هدف‬
‫الكرازة‪“ :‬اإلدخال في الشركة مع يسوع المسيح‪ :‬هو وحدَه يستطيع أن يقود‬
‫إلى محبّة اآلب في الروح‪ ،‬وإلى َجعلِنا نشترك في حياة الثالوث األقدس"‪.‬‬
‫‪ -427‬في الكرازة‪ ،‬المسيحُ‪ ،‬الكلمةُ المتجسّد وابنُ هللا‪ ،‬هو ال ُمعلَّم – كلُّ ما‬
‫سواه يُعلَّم بالرجوع إليه‪ ،‬والمسي ُح وحده يُعلِّم‪ ،‬وكل من يفع ُل ذلك سواه إنّما‬
‫يُعلِّم بمقدار ما هو ينقل كالمه‪ ،‬تاركا ً للمسيح أن يُعلّم بلسانه‪ .‬من شأن كل‬
‫إن تعليمي‬‫معلّم التعلي َم المسيحي أن يُطبّق على نفسه كلمة يسوع العجيبة‪َّ “ :‬‬
‫ليس منّي بَل م َّمن أرسلني “(يو ‪.)71 :1‬‬
‫ً‬
‫‪ -428‬يجب على كلِّ من دُعي إلى “تعليم المسيح “يبحث أوّ ال عن “هذا‬
‫الرّبح الذي يفوق كل ربح‪ ،‬اعني معرفة المسيح "‪ ،‬يجب “القبول بخسران‬
‫‪86‬‬
‫كل شيء في سبيل ربح المسيح وفي سبيل أن يُوج َد اإلنسان فيه “و “أن‬
‫أعرفه هو مع قُدرة قيامته‪ ،‬والشركة في آالمه‪ ،‬فأصير على صورته في‬
‫الموت‪ ،‬على أمل البلوغ الى القيامة من بين األموات “(فيل ‪.)77 -2 :3‬‬
‫ث عنه‪ ،‬في‬ ‫‪ -429‬من هذه المعرفة ال ُحبّيّة للمسيح تتفجّ ر الرّ غبةُ في التح ّد ِ‬
‫“التبشير "‪ ،‬وحمل اآلخرين على الـ “نَ َع ْم “لإليمان بيسوع المسيح‪ .‬ولكن في‬
‫أفضل على الدوام‪.‬‬
‫َ‬ ‫الوقت نفسه تستيقظ الحاجةُ الى معرفة هذه العقيدة معرفةً‬
‫َعرضُ أوّ الً ألقاب يسوع‬‫وفي هذا الهدف‪ ،‬إذا اتّبعنا نظام قانون اإليمان‪ ،‬تُست َ‬
‫الرئيسيّة‪ :‬المسيح‪ ،‬ابن هللا‪ ،‬الربّ (المقال ‪ )2‬وقانون اإليمان يعترف بعد ذلك‬
‫بأسرار حياة المسيح الرئيسيّة‪ :‬أسرار تجسّده (المقال ‪ )3‬وأسرار فصحه‬
‫(المقاالن ‪4‬و‪ ،)1‬وأخيراً أسرار تمجيده (المقاالن ‪1‬و‪.)1‬‬

‫المقال الثاني‬
‫“وبيسوع المسيح‪ ،‬آبنه الوحيد‪،‬ربّنا "‬
‫‪ .0‬يسوع‬

‫‪“ – 431‬يسوع “في العبرانيّة يعني “هللا يخلّص "‪ .‬وإبّان البشارة أطلق عليه‬
‫المالك جبرائيل اس َم يسوع‪ ،‬اسما ً علماً‪ ،‬يُعبّر عن هُويّته ورسالته معاً‪ .‬وبما‬
‫ان “هللا وحدَه يستطيع أن يغفر الخطايا”(مر ‪ )1 :2‬فهو َمن‪ ،‬بيسوع‪ ،‬ابنه‬ ‫ّ‬
‫األزلي المتجسّد‪“ ،‬يخلّص شعبه من خطاياهم”‬ ‫ّ‬
‫الخالصي في سبيل‬ ‫ّ‬ ‫(متى ‪ .)27 :7‬وهكذا فبيسوع يُلَ ِّخصُ هللا كل تاريخه‬
‫البشر‪.‬‬
‫‪ -437‬لم يكتف هللا‪ ،‬في تاريخ الخالص‪ ،‬بأن ينقذ إسرائيل “من دار العبوديّة‬
‫“(تث ‪ )1 :1‬بإخراجه من مصر‪ .‬إنّه يخلّصه أيضا ً من خطيئته‪ .‬وإذ كانت‬
‫الخطيئة دائما ً إهانةً هلل فهو وحده يستطيع أن يغفرها‪ .‬ولهذا فإسرائيل‪ ،‬هو‬
‫طلب الخالص إالّ‬ ‫َ‬ ‫يعي أكثر فأكثر شموليّة الخطيئة‪ ،‬لن يستطيع من بع ُد‬
‫باستدعاء اسم هللا الفادي‪.‬‬
‫أن اسم يسوع يعني أن اسم هللا نفسّه حاضرٌ في شخص ابنه الذي صار‬ ‫‪َّ -432‬‬
‫اإللهي الذي‬
‫ّ‬ ‫انسانا ً الفتداء البشر افتدا ًء شامال ونهائيّا من الخطايا‪ .‬إنه االس ُم‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وحده يجلب الخالص‪ ،‬وبوسع كل إنسان من اآلن فصاعداً أن يدع َُوه ألنه‬
‫عطي في‬
‫َ‬ ‫اتّحد بجميع البشر بالتجسّد‪ ،‬بحيث إنّه “ليس تحت السماء اس ٌم آخر أُ‬
‫الناس به ينبغي أن نخلص “(أع ‪.)73 :4‬‬
‫ص يدعوه الكاهن األكب ُر مرّ ةً واحدةً في السّنة لتكفير‬ ‫‪ -433‬كان اس ُم هللاِ المخلّ ِ‬
‫دم الذبيحة‪.‬‬‫معاصي إسرائيل‪ ،‬عندما كان ينضح على غشاء قدس األقداس من ِ‬
‫‪87‬‬
‫أن هللا‬ ‫وكان الغشا ُء مكانَ حضور هللا‪ .‬وعندما قال القديس بولس عن يسوع َّ‬
‫صالح هللا‬
‫َ‬ ‫تكفير بدمه “(رو ‪ )21 :3‬أراد أن‪ ،‬في بشريّة هذا‪“ ،‬‬‫ٍ‬ ‫“أقامه “أداة‬
‫في المسيح‪ ،‬العال َم مع نفسه “(‪ 2‬كو ‪.)71 :1‬‬
‫‪ -434‬قيامة يسوع تُمجّ د اسم هللا المخلّص‪ ،‬إذ أنّهُ‪ ،‬من اآلن فصاعداً‪ ،‬سيُظهر‬
‫اس ُم يسوع‪ ،‬إظهاراً كامالً‪ ،‬القدرة السامية التي “لالسم الذي يفوق كلّ اسم‬
‫إن األرواح ال ّشرّيرة تخشى اسمه‪ ،‬وباسمه يصنع تالمي ُد‬ ‫“(فيل ‪ّ .)72 – 1 :2‬‬
‫أن كلّ ما يسألون اآلب باسمه يُعطيهموه‪.‬‬ ‫يسوع معجزات‪ ،‬إذ ّ‬
‫‪ -435‬اس ُم يسوع هو في قلب الصالة المسيحيّة‪ .‬جمي ُع ابتهاالت الليترجيّا‬
‫تُختَم بهذه العبارة‬
‫“بِربِّنا يسوع المسيح "‪ .‬وصالة “السالم عليك‪ ،‬يا مريم “تبلغ الذروة في‬
‫الشرقي المدعوّ‬
‫َ‬ ‫القلبي‬
‫ّ‬ ‫أحشائك‪ُ ،‬مبارك "‪ .‬واالبتها ُل‬
‫ِ‬ ‫القول “ويسوع‪ ،‬ثمرة‬
‫“صالة يسوع “يقول‪“ :‬يا يسوع المسيح‪ ،‬ابن هللا‪ ،‬ربّي‪ ،‬ارحمني أنا الخاطئ‬
‫"‪ .‬عدد كبير من المسيحيين يموتون كالقديسة جان دارك‪ ،‬وعلى لسانهم‬
‫الكلمة الوحيدة “يسوع "‪.‬‬

‫‪ .2‬المسيح‬

‫‪“ -436‬المسيح “لفظة “مشتقّة من اللفظة العبرانية “ماسيّا “التي تعني‬


‫“ممسوح و ؟ "‪.‬‬
‫ألن يسوع يت ُّم الرسالة اإللهيّة التي‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫وهي ال تُصبح اسما علما ليسوع إال َّ‬
‫تَعنيها إتماما ً كامالً‪ .‬ففي إسرائيل كان يُمسح باسم هللا أولئك الذين كرِّسوا له‬
‫ُ‬
‫في سبيل رسالة آتية من لَ ُد ْنهُ‪ .‬تلك كانت حالة الملوك (‪ 7‬مل ‪،)31 :7‬‬
‫والكهنة‪ ،‬وفي بعض الحاالت النادرة‪ ،‬األنبياء‪ .‬فكان ال بُ َّد من أن تكون هذه‪،‬‬
‫نهائي‪.‬‬
‫ّ‬ ‫سام‪ ،‬حا ُل المسيح الذي سيرسله هللا ليُقيم ملكوته على وجه‬ ‫على وجه ٍ‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫كان ال بُ َّد للمسيح من أن يم َسحه رو ُح الربّ ملكا وكاهنا معا‪ ،‬ولكن بإلضافة‬
‫المسيحاني‪ ،‬في ُمه ّمته الثُّالثيّة‬
‫ّ‬ ‫ع رجا َء إسرائيل‬ ‫الى ذلك نبيّاً‪ .‬لقد أت َّم يسو ُ‬
‫كاهناً‪ ،‬ونبيّاً‪ ،‬وملكا ً‪.‬‬
‫ّ‬
‫ك الرّ عاة بميالد يسوع على أنه ماسيّا الذي ُو ِع َد به‬ ‫‪ -437‬لقد ب ّشر المال ُ‬
‫إسرائيل‪“ :‬اليوم في مدينة داود ُولِد لكم مخلِّص هو المسيح الربّ “(لو ‪:2‬‬
‫‪ .)77‬إنّه منذ البدء ذاك الذي “ق ّدسهُ اآلب وأرسله إلى العالم “(يو ‪،)31 :72‬‬
‫ولي‪ .‬وقد دعا هللا يوسف “ليأخذ الى بيته‬ ‫و ُحبِل به “ق ّدوساً “في حشا مريم البت ّ‬
‫مريم زوجته “الحامل “للذي حُ بِ َل به فيها من الروح القدس “‬

‫‪88‬‬
‫(متى ‪ ،)22 :7‬حتى يول َد يسوع “الذي يُدعى المسيح “من إمرأة يوسف في‬
‫ساللة داود المسيحانيّة (متى ‪.)71 :7‬‬
‫المسيحاني يظهر رسالته اإللهيّة‪“ .‬وهذا ما يدُلُّ عليه‬ ‫ّ‬ ‫ع‬‫إن تكريس يسو ُ‬ ‫‪ّ -438‬‬
‫إن في اسم المسيح يُض َمر من َم َسح‪ ،‬ومن ُم ِسح‪ ،‬وال ّدهن الذي‬ ‫اسمهُ نفسُه‪ ،‬إذ َّ‬
‫الماسح هو اآلب‪ ،‬والممسوح هو االبن‪ ،‬وقد ُمسح بالروح الذي هو‬ ‫ِ‬ ‫به ُمسح‪:‬‬
‫األزلي في حياته األرضيّة في أثناء‬ ‫ّ‬ ‫المسيحاني‬
‫ّ‬ ‫َّ‬
‫ال ّدهن "‪ .‬وقد تَكشف تكريسُه‬
‫تعميد يوحنا له عندما “ َم َسحه هللا بالروح القدس والقدرة “‬
‫ُظهر إلسرائيل “(يو ‪ )37 :7‬على أنه مسيحه‪ .‬وأعماله‬ ‫(أع ‪“ )32 :72‬لكي ي َ‬
‫وأقواله ستُعلنه “ق ّدوس هللا "‪.‬‬
‫ّ‬
‫‪ -439‬عد ٌد كبي ٌر من اليهود وحتى بعض الوثنيّين الذين كانوا يشاركونهم في‬
‫الرجاء‪ ،‬هؤالء جميعا ً رأوا في يسوع العالمات األساسيّة “البن داود‬
‫ع لقب المسيح الذي كان‬ ‫المسيحاني الذي وعد هللا به إسرائيل‪ .‬لقد قَبِل يسو ُ‬‫ّ‬ ‫“‬
‫ً‬
‫من حقه‪ ،‬ولكن‪ ،‬على سبيل اإلطالق‪ ،‬ألن فئة من ُمعاصريه كانوا ينظرون‬ ‫ّ‬
‫جوهرها‪.‬‬
‫ِ‬ ‫إليه نظرةً ج ّد بشريّة‪ ،‬نظرةً سياسيّة في‬
‫‪ -441‬تقبّل يسوع اعتراف إيمان بطرس الذي أعلن عنه أنَّه المسيح‪ ،‬مخبراً‬
‫المسيحاني في‬
‫ّ‬ ‫بآالم ابن البشر القريبة‪ .‬لقد كشف المضمون األصيل ل ُمل ِكه‬
‫الهُويّة السامية البن اإلنسان “الذي نزل من السماء “(يو ‪ ،)73 :3‬وفي‬
‫رسالته الفدائيّة كخادم متألِّم‪“ :‬لم يأت ابن اإلنسان ليُخدَم ال ِل َيخدم ويبذل نفسه‬
‫الحقيقي لِ ُمل ِكه لم يظهر‬
‫ّ‬ ‫فإن المعنى‬ ‫فِ ْديةً عن كثيرين”(متى ‪ .)22 :22‬ولهذا َّ‬
‫المسيحاني أن يعلنه‬
‫ّ‬ ‫إالّ من على الصليب‪ .‬وهكذا فبعد قيامته فقط يمكن ل ُمل ِكه‬
‫أن هللا قد جعل يسو َع‬ ‫بطرُس أمام شعب هللا “ ْفليَعلَم يقيناًًَ جمي ُع بيت إسرائيل َّ‬
‫هذا الذي صلبتموه أنتم‪ ،‬رّ بّا ً ومسيحا ً “(أع ‪.)31 :2‬‬

‫‪ .3‬ابن اله الوحيد‬

‫‪ -440‬ابن هللا‪ ،‬لقبٌ كان يُعطى في العهد القديم للمالئكة‪ ،‬لل ّشعب المختار‪،‬‬
‫ألبناء إسرائيل‪ ،‬ولملو ِكهم‪ .‬إتّه يعني‪ ،‬في ذلك العهد‪ ،‬بنوّ ةً بالتبنّي تجعل بين‬
‫هللا وخليقته عالقات أُلف ِة خاصة‪ .‬عندما كان يُقال للملك المسيح ال ُمنتظَر “ابن‬
‫الحرفي لتلك‬
‫ّ‬ ‫هللا “لم يكن ذلك يتض ّمن بالضرورة – على حسب المعنى‬
‫النصوص – أنّه أكثرُ من َب َشر‪ .‬وأولئك الذين دَعوا يسوع هكذا على أنّه مسيح‬
‫إسرائيل ربّما يقصدوا أكثر من ذلك‪.‬‬
‫بأن يسوع‬‫‪ -442‬ليس األمر كذلك بالنسبة الى بطرس عندما يعترف َّ‬
‫إن يسوع يُجيبه جواباً احتفاليّا ً “ليس اللحم‬
‫لحي"‪ ،‬إذ ّ‬
‫هو”المسيح‪ ،‬ابن هللا ا ّ‬
‫‪89‬‬
‫وال ّد ُم كشفـا لك هذا‪ ،‬بل أبي الذي في السموات “(متى ‪ .)71 :71‬وكذلك‬
‫سيقول بولس في شأن اهتدائه على طريق دمشق‪“ :‬لما آرتضى هللا‪ ،‬الذي‬
‫في ألبَ ِّش َر به بين األمم‬‫فرزني من جوف أ ّمي ودعاني بنعمته‪ ،‬أن يُعلن ابنه ّ‬
‫بأن يسوع هو ابن هللا‬ ‫“(غل ‪“ .)71-71 :7‬أخذ للحال يكرز في المجامع َّ‬
‫الرسولي الذي أعلنه‬
‫ّ‬ ‫“(أع ‪ )22 :1‬وهكذا سيكون منذ البدء ركيزة اإليمان‬
‫أوّ الً بطرس أساسا ً للكنيسة‪.‬‬
‫‪ -443‬قد يكون بطرس عرف الميزة السامية للبنوّ ة اإللهيّة في يسوع المسيح‪،‬‬
‫لكون هذا قد ألمح إليها بصراحة‪ .‬فأمام المجلس‪ ،‬وبطلب من الم ّدعين عليه‬
‫بقولهم “أفأنت إذن ابن هللاو ؟ "‪ ،‬أجاب يسوع‪“ :‬أنتم تقولون‪ ،‬أنا هو “(لو ‪:22‬‬
‫‪ .)12‬وقبل ذلك أشار إلى نفسه بأنّه “االبنُ “الذي يعرف اآلب‪ ،‬والذي هو‬
‫غي ُر “الخ ّدام “ الذين سبق هللا وأرسلهم الى شعبه‪ ،‬وفوق المالئكة أنفسهم‪ .‬لقد‬
‫ميّز بنوّ تَهُ من بنوّ ة تالميذه فلم يقل قط “أبونا “إالّ عندما أمرهم قائالً‪“ :‬فأنتم‬
‫إذن صلوا هكذا‪ :‬أبانا “(متى ‪ ،)1 :1‬وقد ش ّدد على هذا التمييز بقوله “أبي‬
‫وأبيكم “‬
‫(يو ‪.)71 :22‬‬
‫‪ -444‬األناجيل تروي‪ ،‬في فترتين احتفاليّتين‪ِ ،‬عما ِد المسيح وتَجلّيه‪ ،‬عن‬
‫صوت اآلب يعلنه‬
‫“ابنا ً محبوبا ً "‪ .‬المسيح يُعلن عن نفسه أنّه “ابن هللا الوحيد”(يو ‪،)71 :3‬‬
‫ويؤ ّكد بهذه الصفة كينونته األبديّة‪ .‬وهو يطلب اإليمان “باسم ابن هللا الوحيد‬
‫المسيحي يظهر في تعجّ ب قائد المئة أمام يسوع‬ ‫ّ‬ ‫“(يو ‪ .)72 :3‬هذا اإلعتراف‬
‫المصلوب‪“ :‬في الحقيقة كان هذا الرجل ابن هللا “(مر ‪ .)31 :71‬في السرّ‬
‫صحي فقط يستطيع المؤمن أن يُعطي بُعده األسمى لالسم “ابن هللا "‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ال ِف‬
‫‪ -445‬بعد قيامته تظهر بنوّته اإللهية في قوّ ِة بشريّته الممجّ دة “ال ُمقام بحسب‬
‫روح القداسة‪ ،‬في قُدرة ابن هللا‪ ،‬بقيامته من بين األموات “(رو ‪.)4 :7‬‬
‫وسيستطيع الرّ سُل أن يعترفوا‪“ :‬وقد شاهدنا مجده‪ ،‬مجداً من اآلب البنه‬
‫الوحيد الممتلئ نعمةً وحقّا ً “(يو ‪.)74 :7‬‬

‫ب‬
‫‪َ .4‬ر ّ‬

‫ق الوصف‬ ‫‪ -446‬في الترجمة اليونانية ألسفار العهد القديم‪ ،‬تُرج َم االس ُم الفائ ُ‬
‫الذي كشف به هللا نفسه لموسى أي يهوة‪ ،‬باسم “كيريوس "‪ ،‬أي “ربّ "‪.‬‬
‫رب أكثر ما يُستعمل للداللة على أأللوهة نفسها إلله‬ ‫وقد أصبح ُمذ ذاك االسم ّ‬
‫إسرائيل‪ .‬والعهد الجديد يعمد إلى هذا المعنى القويّ لالسم “ربّ “ويطلقه ال‬
‫‪90‬‬
‫على اآلب وحسبُ ‪ ،‬ولكن – وهنا األمر الجديد – على يسوع أيضا ً معترفا ً به‬
‫إلها ً‪.‬‬
‫ع نفسه يتس ّمى بهذا االسم بطريقة خفيّة عندما يناقش الفرّ يسّين في‬ ‫‪ -447‬يسو ُ‬
‫معنى المزمور ‪ ،772‬ولكنه يُصرّ ح أيضا ً بذلك في كالمه لِ ُر ُسلِ ِه‪ .‬وعلى مدى‬
‫حياته كلّها كانت مواقف هيمنته على الطبيعة‪ ،‬واألمراض‪ ،‬والشياطين‪،‬‬
‫والموت‪ ،‬والخطيئة‪ ،‬تظهر سيادته اإللهيّة‪.‬‬
‫‪ -448‬كثيراً ما كان الذين‪ ،‬في اإلنجيل‪ ،‬يُخاطبون يسوع يَدعونه “ربّا ً “وهذا‬
‫وبدافع‬
‫ِ‬ ‫االسم يتض ّمن احتراما ً وثقةً من قِبَ ِل الذين يترقّبون منه عوناً أو شفا ًء‪.‬‬
‫اإللهي‪ .‬وهو‬
‫ّ‬ ‫من الروح القدس كان هذا االسم يعبّر عن اإلعتراف بسرّ يسوع‬
‫يصبح في اللقاء مع يسوع الممجّد عبادةً‪“ :‬ربّي وإلهي “(يو ‪.)22 :22‬‬
‫ويصطب ُغ مذ ذاك بصبغة المحبّة والعطف التي ستبقى ميزة التقليد المسيحي‪:‬‬
‫“هو الربّ “(يو ‪.)1 :27‬‬
‫‪ -449‬بإطالق اللقب اإللهي “ربّ “على يسوع تثبت اعترافات اإليمان األول‬
‫أن السلطة‪ ،‬والكرامة‪ ،‬والمجد الواجبة هلل اآلب واجبةٌ‬ ‫في الكنيسة منذ البدء ّ‬
‫وأن اآلب أظهر سيادة‬ ‫أيضا ً ليسوع “القائم في صورة هللا “(فيل ‪َّ ،)1 :2‬‬
‫يسو َع هذه ببعثه من بين األموات وبرفعه إليه في‬
‫مجده‪.‬‬
‫المسيحي واالعترافُ بسيادة يسوع على العالم وعلى‬ ‫ّ‬ ‫التاريخ‬ ‫بدء‬ ‫منذ‬ ‫‪-‬‬ ‫‪451‬‬
‫ُخضع حريّته‬ ‫التاريخ يعني أيضا ً االعتراف بأنّه ال يجوز لإلنسان أن ي ِ‬
‫أرضي‪ ،‬بل هلل اآلب وحده‪ ،‬وللربّ‬‫ّ‬ ‫الشخصيّة‪ ،‬إخضاعا ُ ُمطلقاً‪ ،‬أليّ سلطان‬
‫يسو َع المسيح‪ :‬قيص ٌر ليس “الربّ “والكنيسة “تؤمن بأن مفتاح تاريخ البشر‪،‬‬
‫ومركزه‪ ،‬وغايَته هي في ربّها ومعلّمها "‬
‫‪ -450‬الصالة المسيحيّة موسومةٌ باسم “الربّ "‪ ،‬سوا ٌء كان ذلك في الدعوة‬
‫الى الصالة “ليكن الربّ معكم "‪ ،‬أو في ختام اصالة “بيسوع ربّنا "‪ ،‬أو‬
‫أيضا ً في الهتاف المملوء ثقةً ورجاء “ماران أتى “(“الربّ يأتي “) أو‬
‫“ماراناتا “(‪ :‬تعال يا ربّ !”) (‪ 7‬كو ‪،)22 :71‬‬
‫“آمين‪ ،‬تعال أيها الربّ يسوع “(رؤ ‪.)22 :22‬‬

‫بإيجاز‬

‫‪ -452‬اسم يسوع يعني “هللا ّ‬


‫يخلص "‪ .‬الطفل الذي ولدته مري ُم البتول دُعي‬
‫“يسوع "‪:‬‬

‫‪91‬‬
‫سيخلص شعبه من خطاياه "(متى ‪“ :)27 :7‬ليس تحت‬ ‫ّ‬ ‫“أل ّنه هو الذي‬
‫ُ‬
‫السماء اس ٌم أخ ُر أعطي في الناس‪ ،‬به ينبغي أن نخلص "‪.‬‬
‫‪ -453‬االسم “المسيح “يعني “الممسوح "‪“ ،‬الماسيا "‪ .‬يسو ُع هو المسيح ألن‬
‫“هللا مسحهُ بالروح القدس والقدرة “(اع ‪ .)32 :72‬وكان “ذاك الذي يأتي‬
‫“(يو ‪ ،)71 :1‬موضوع “رجاء إسرائيل “(أع ‪.)22 :22‬‬
‫‪ -454‬االسم “ابن هللا “يعني العالقة الوحيدة واألزليّة بين يسوع المسيح وهللا‬
‫أبيه‪ :‬انه ابن اآلب الوحيد‪ ،‬وهللا ذاته‪ .‬اإلعتراف بأن يسو َع المسيح هو ابن هللا‬
‫ي لكي يكون اإلنسان مسيحيّ َا‪.‬‬
‫أم ٌر ضرور ٌّ‬
‫ً‬
‫‪ -455‬االسم “ربّ “يعني السيادة اإللهيّة‪ .‬االعتراف بيسوع ربّا‪ ،‬أو االبتهال‬
‫إيمان بألوهته‪”.‬ال أحد يستطيع أن يقول “يسوع ربّ‬ ‫ٌ‬ ‫إليه بهذه الصفة‪ ،‬هما‬
‫ال بالروح القدس “‪ 7‬كو ‪.)3 :72‬‬‫“إ ّ‬

‫المقال الثالث‬
‫“كان الحب ُل بيسو َع المسيح من الروح القدس‬
‫ُولِ َد من البتول مريم "‬

‫الفقرة ‪ -0‬ابن هللا صار إنساناً‬

‫‪ .0‬لماذا صار الكلمة جسداً ؟‬

‫‪ -456‬مع قانون إيمان نيقية – القُسطنطينية‪ ،‬نجيب معترفين‪“ :‬من أجلنا نحن‬
‫سماء‪ ،‬بالروح القدس تجسّد من مريم‬ ‫الشر وفي سبيل خالصنا‪ ،‬نزل من ال ّ‬
‫البتول وصار إنسانا ً‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ -457‬صار الكلمة جسدا ليُتلِّصنا ب ُمصالحتنا مع هللا‪ :‬هللا “هو نفسع أحبّنا‬
‫ظهر ليرفع‬‫َ‬ ‫أن ذاك قد‬ ‫وأرسل ابنه كفّارةً عن خطايانا “(‪ 7‬يو ‪َّ “ .)74 :4‬‬ ‫َ‬
‫الخطايا “(‪ 7‬يو ‪:)1 :3‬‬
‫“مريضةٌ كانت طبيعتنا تطلب الشفاء‪ ،‬وساقطةً‪ ،‬أن تُقال عثرتُها‪ ،‬وميّتةً‪ ،‬أن‬
‫تُبعث حيّة‪ُ .‬كلّنا فقدنا امتالك الخير‪ ،‬فكان ال ب ّد ما إعادته إلينا‪ .‬و ُكنّا غارقين‬
‫في الظُلمات فكان ال ب ّد من َر ْف ِعنا الى النور‪ُ ،‬كنّا أسرى ننتظر ُمخلّصاً‪،‬‬
‫وسُجناء ننتظر عوناً‪ ،‬وعبيداً ننتظر ُمحّ رِّ راً‪ .‬هل كانت هذه ال ّدواعي بدون‬
‫نزلُه حتى طبيعتنا‬ ‫أهميةو ؟ ألم تكن تستحق أن تُحرّ ك عطف هللا إلى ح ّد أن تُ ِ‬
‫ُ‬
‫إن البشريّة كانت في حال ٍة ج ٍّد بائسة وج ّد ت ِعسة و ؟ "‪.‬‬
‫البشريّة فيعودها‪ ،‬إذ ّ‬

‫‪92‬‬
‫‪ -458‬الكلمةُ صار جسداً لكي نعرف هكذا محبّة هللا‪“ .‬بهذا ظهرت محبّة هللا‬
‫بأن هللا أرسل ابنه الوحيد الى العالم لنحيا به “(‪ 7‬يو ‪ ،)1 :4‬إذ‬ ‫في ما بيننا‪ّ ،‬‬
‫إن هللا “أحبَّ العالم هكذا حتى إنّه بذل ابنه الوحيد لكي ال يهلك كلُّ من يؤمن‬
‫به بل تكون له الحياةُ األبديّة “(يو ‪.)71 :3‬‬
‫‪ -459‬لقد صار الكلمة جسداً لكي يكون مثاالً لنا في القداسة‪“ :‬احملوا نيري‬
‫ق والحياة‪ ،‬ال يأتي‬ ‫عليكم وتعّلموا مني “(متى ‪“ .)21 :77‬أنا الطريق والح ّ‬
‫أح ٌد الى اآلب إالّ بي”(يو ‪ .)1 :74‬واآلب‪ ،‬على جبل التجلّي يأمر‪“ :‬اسمعوا‬
‫له “(مر ‪ . )1 :1‬فهو في الحقيقة مثال التطويبات وقاعدة الناموس الجديد‪:‬‬
‫“أحبّوا بعضكم بعضا ً كما أحببتكم أنا”(يو ‪ .)72 :71‬هذه المحبّة تتض ّمن‬
‫تقدمة الذات الفعليّة في إثره‪.‬‬
‫‪ -461‬صار الكلمة جسداً لكي يجعلنا “شركاء في الطبيعة اإلليهة “(‪ 2‬بط‬
‫‪:)4 :7‬‬
‫ً‬
‫“فهذا هو السبب الذي من أجله صار الكلمة بشرا‪ ،‬وابن هللا ابن اإلنسان‪ :‬لكي‬
‫يصير اإلنسان ابن هللا بدخوله بشركة مع الكلمة وبِنَ ْيلِه هكذا البنوّ ة اإللهيّة "‪.‬‬
‫إن ابنَ هللا صار إنسانا ً لكي يُصيّرنا إلهاً"‪“ .‬ابن هللا الوحيد‪ ،‬إذ أرا َد أن‬ ‫“إذ ّ‬
‫ً‬
‫نُشاركه في ألوهته‪ ،‬تلبّس بطبيعتنا حتى إذا صار هو بشرا يُصيّر البشر آلهة‬
‫"‪.‬‬

‫سد‬
‫‪ .2‬التج ّ‬

‫‪ -460‬تُعيد الكنيسة تعبير القديس يوحنا(‪ :‬الكلمة صار جسداً "‪ :‬يو ‪)74 :7‬‬
‫وتدعو “تجسّداً “كون ابن هللا إتّخذ طبيعةُ بشريّة لكي يُحقّق فيها خالصنا‪ .‬في‬
‫نشي ٍد يُثبته القديس بولس‪ ،‬تتغنّى الكنيسة بسرّ التجسّد‪:‬‬
‫“لي ُك ْن فيكم من االستعدادات ما هو في المسيح يسوع‪ :‬فإنّه هو القائم في‬
‫صورة هللا‪ ،‬لم يعتَ َّد مساواته (حالة) مختلسة‪ ،‬بل الشى ذاته‪ ،‬آخذاً صورة‬
‫ووض َع نف َسه‪ ،‬وصار‬ ‫َ‬ ‫عب ٍد‪ ،‬صائراً شبيها ً بالبشر‪ ،‬ف ُوجد كإنسان في الهيئة‪.‬‬
‫طائعا ً حتى الموت‪( ،‬بل) موت الصليب! “(في ‪.)2-1 :2‬‬
‫‪ -462‬والرسالة إلى العبارنيين تتح ّدث عن السرّ نفسه‪:‬‬
‫“فلذلك يقول المسيح عند دخوله العالم‪ :‬ذبيحةً وقُربانا ً لم تشأ‪ ،‬غير أنَّكَ هَيّاتَ‬
‫قلت‪ :‬ها َءنذا آتي‬ ‫ذبائح خطيئة‪ ،‬حينئ ٍذ ُ‬ ‫َ‬ ‫ت وال‬‫لي جسداً‪ .‬لم ترتض ُمحرقا ٍ‬
‫ألعمل بمشيئتك “(عب ‪ 1 – 1 :72‬مورداً مز ‪ 1-1 :42‬حسب السبعينيّة)‪.‬‬
‫الحقيقي البن هللا هو العالمة المميّزة لإليمان‬ ‫ّ‬ ‫‪ -463‬اإليمان بالتجسّد‬
‫المسيحي‪“ :‬بهذا تعرفون روح هللا‪ :‬إن ك َّل روح يعترف بأن يسوع المسيح قد‬ ‫ّ‬
‫‪93‬‬
‫أتى في الجسد هو من هللا "(‪ 7‬يو ‪ .)2 :4‬ذلك هو يقينُ الكنيسة البهيج منذ‬
‫البدء‪ ،‬عندما تتغنّى “بسرّ “التقوى العظيم “لقد أُظ ِهر في الجسد “(‪ 7‬تي ‪:3‬‬
‫‪.)71‬‬

‫ق وإنسانٌ حق‬
‫‪ .3‬إلهٌ ح ٌّ‬

‫المسيح‬
‫َ‬ ‫‪ -464‬إن الحادث الوحيد والفريد ج ّداً لتجسّد ابن هللا ال يعني أن يسو َع‬
‫للعنصريْن‬
‫َ‬ ‫قسم آخر‪ ،‬وال أنه نتيجةُ المزيج ال ُمبهم‬ ‫ٌ‬
‫وإنسان في ٍ‬ ‫قسم منه‬‫إلهٌ في ٍ‬
‫ع المسي ُح هو إلهٌ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬
‫وبقي إلها حقا‪ ,‬يسو ُ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ً‬
‫واإلنساني‪ .‬لقد صار إنسانا حقا‬
‫ّ‬ ‫اإللهي‬
‫ّ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ق وإنسان حق‪ .‬هذه الحقيقة اإليمانية اضطرّ ت الكنيسة إلى أن تدافع عنها‬ ‫ّ‬ ‫ٌ‬ ‫ح ٌّ‬
‫وتوضحها خالل القرون األولى في وجه هرطقات كانت تزوّ رها‪.‬‬
‫حقيقي أكثر م ّما أنكرت‬ ‫ّ‬ ‫‪ -465‬الهرطقات األولى أنكرت ناسوت المسيح ال‬
‫الرسولي ش ّددت العقيدة المسيحية‬ ‫ّ‬ ‫الهوته (الظّاهريّة الغنوصيّة)‪ .‬ومنذ العهد‬
‫الحقيقي البن هللا‪“ ،‬اآلتي بالجسد "‪ .‬ولكن منذ القرن الثالث‬ ‫ّ‬ ‫على التجسُّد‬
‫اضطُرّ ت الكنيسة إلى أن تناهض بولس السُميساطي‪ ،‬وتُث ِبت‪ ،‬في مجمع عُقد‬
‫في أنطاكية‪ ،‬أن يسو َع المسيح هو ابن هللا بالطبيعة ال بالتبنّي‪ .‬ومجمع نيقية‬
‫أن ابن هللا “مولود ال‬ ‫المسكوني األوّ ل‪ ،‬سنة ‪ ،321‬اعترف في قانون إيمانه ّ‬ ‫ُّ‬
‫ان “ابن هللا‬ ‫مخلوق‪ ،‬وهو واآلب جوه ٌر واحد “وأدان آريوس الذي ذهب الى ّ‬
‫خرج من العدم "‪ ،‬وأنه من‬
‫جوهر غير جوهر اآلب "‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫“‬
‫‪ -466‬كانت البدعة النسطورية ترى في المسيح شخصا ً إنسانيّا ً مقترناً‬
‫اإللهي‪.‬‬
‫ّ‬ ‫بشخص ابن هللا‬
‫في وجهها اعترف القديس كيرلس اإلسكندريّ ‪ ،‬والمجمع المسكوني الثالث‬ ‫ّ‬
‫أن “الكلمة “باتّخاذه في شخصه جسداً تُحييه‬ ‫المعقود في أفسس‪ ،‬سنة ‪ّ ،437‬‬
‫نفسٌ عاقلة‪ ،‬صار إنسانا ً "‪ .‬ليس لناسوت المسيح شأن إال في شخص ابن هللا‬
‫ّ‬ ‫ٌ‬
‫اإللهي‪ ،‬الذي اتّخذه وخصّ به ذاته منذ الحبل به‪ .‬ولهذا أعلن مجمع أفسس‪،‬‬ ‫ّ‬
‫سنة ‪ ،437‬أن مريم أصبحت في الحقيقة والدةَ اإلله بالحبَل البشريّ بابن هللا‬
‫في أحشائها‪“ :‬والدة اإلله‪ ،‬ال لكون كلمة هللا اتّخذ منها طبيعته اإللهية‪ ،‬ولكن‬
‫لكونه اتَخذ منها الجسد المق ّدس مقرونا ً بنفس عاقلة‪ ،‬والذي اتّحد به الكلمةُ‬
‫شخصيّاً‪ ،‬فكان أنّه ُولد بحسب الجسد"‪.‬‬
‫أن الطبيعة البشريّة توقّف‬ ‫‪ -467‬أصحاب الطبيعة الواحدة يذهبون إلى َّ‬
‫اإللهي كابن هللا‪.‬‬
‫ّ‬ ‫وجودها في المسيح كطبيعة بشريّة عندما تلبّس بها شخصه‬
‫المسكوني الرابع‪ ،‬في سنة ‪:417‬‬ ‫ّ‬ ‫وتجاه هذه البدعة اعترف مجمع خلقيدونية‬
‫‪94‬‬
‫“على أثر اآلباء الق ّديسين نُعلِّم باإلجماع االعتراف بابن واح ٍد هو هو‪ ،‬سيدنا‬
‫ع المسيح‪ .‬هو هو الكام ُل في الالهوت‪ ،‬والكام ُل في الناسوت‪ ،‬هو هو إلهٌ‬ ‫يسو ُ‬
‫ق‪ ،‬المر ّكب من نفس عاقلة ومن جسد‪ ،‬الذي جوهره جوهر‬ ‫ق وإنسان ح ّ‬ ‫ح ٌّ‬
‫حيث الناسوت‪ ،‬الذي “يشبهنا‬ ‫ُ‬ ‫اآلب من حيث الالهوت‪ ،‬وجوهره جوهرنا من‬
‫في كلّ شيء ما عدا الخطيئة "‪ ،‬الذي ولده اآلب قبل جميع الدهور من حيث‬
‫ُ‬
‫حيث‬ ‫األلوهة‪ ،‬وفي هذه األيام األخيرة ُولِ َد من مريم البتول‪ ،‬والدة اإلله‪ ،‬من‬
‫الناسوت‪ ،‬ألجلنا وألجل خالصنا‪.‬‬
‫واح ٌد هو‪ ،‬وهو نفسهُ المسي ُح والربُّ واالبنُ الوحيد‪ ،‬الذي يجب أن نعترف به‬
‫في طبيعتين‪ ،‬غير مختلطتَين‪ ،‬وغير متغيّرتَين وال منقسمتَين‪ ،‬وال ُمنفصلتَين‪.‬‬
‫إن اختالف الطبيتين لم يُل ِغه اتحادهما‪ ،‬بل بالحريّ احتفظت كلّ واحدة‬
‫شخص واحد وأقنوم واحد "‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫بميزاتها‪ ،‬واجتمعت كلّها في‬
‫الخلقيدوني‪ ،‬جعل البعضُ من الطبيعة البشرية في‬ ‫ّ‬ ‫‪ -468‬من بعد المجمع‬
‫شخصي‪ .‬وقد ن ّدد بهم المجمع المسكوني الخامس‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫المسيح نوعا ً من كيان‬
‫والمنعقد في القسطنطينية‪ ،‬سنة ‪ ،113‬واعترف‪“ :‬ليس هنالك إالّ شخصٌ‬
‫ع المسيح‪ ،‬أح ُد الثالوث "‪ .‬فكلُّ ما في ناسوت المسيح‬ ‫واح ٌد‪ ،‬هو سيّدُنا يسو ُ‬
‫اإللهي على أنه من عمله الخاصّ ‪ ،‬ليس‬ ‫ّ‬ ‫يجب أن يُن َسب الى الشخص‬
‫إن الذي صُلب بالجسد‪،‬‬ ‫ً‬
‫المعجزات وحسبُ ‪ ،‬ولكن اآلالم أيضا‪ ،‬حتى الموت‪َّ “ :‬‬
‫ق‪ ،‬ربُّ المجد وواح ٌد من الثالوث األقدس "‪.‬‬ ‫ع المسيح‪ ،‬هو إلهٌ ح ٌّ‬ ‫سيّدُنا يسو ُ‬
‫وإنسان حقّاً بغير انفصال‪ .‬إنه‬
‫ٌ‬ ‫‪ -469‬الكنيسة تعترف هكذا أن المسيح إلهٌ حقّا ُ‬
‫حّقا ً ابن هللا الذي صار إنساناً‪ ،‬أخا ً لنا‪ ،‬وذلك من غير أن يتوقف من أن يكون‬
‫ّ‬
‫إلهاً‪ ،‬ربَّنا‪:‬‬
‫“لقد ظّ َّل ما كان‪ ،‬واّخذ ما لم يُ ُك ْنهُ "‪ ،‬على ح ّد نشيد الليترجيا الرومانية‪.‬‬
‫نشد‪“ :‬يا كلمة هللا االبن الوحيد‪،‬‬ ‫وليترجيا القديس يوحنا الذهبي الفم تُعلن وتُ ِ‬
‫الذي ال يموت‪ ،‬لقد رضيت من أجل خالصنا‪ ،‬أن تتجسّد من والدة اإلله‬
‫القديسة مريم الدائم ِة البتوليّة‪ ،‬فتأنّست بغير استحالة‪ ،‬وصُ لبتَ أيّها المسيح‬
‫اإلله‪ ،‬وبالموت وطئتَ الموت‪ ،‬أنت أح ُد الثالوث القدوس‪ ،‬الممجَّد مع اآلب‬
‫والروح القدس‪ ،‬خلّصنا "‪.‬‬

‫‪ .4‬كيف يكون ابنُ هللا إنساناً"‬

‫ي “الطبيعة البشريّة متّخذة ال ممتصّ ة‬


‫‪ -471‬بما انّه في اتّحاد التجسّد السرّ ًّ َ‬
‫نفس المسيح‬
‫ِ‬ ‫"‪ ،‬فقد أُلجئت الكنيسة عبر القرون الى اإلعتراف بملء حقيق ِة‬
‫البشريّة‪ ،‬مع أعمال عقلها وإرادتها‪ ،‬وبجسده البشريّ ‪ .‬ولكن بإزاء ذلك كان‬
‫‪95‬‬
‫عليها ك َّل مرّة أن تُذ ِّكر بأن طبيعة المسيح البشريّة هي خاصّ ةُ شخص ابن هللا‬
‫اإللهي الذي اتّخذها‪ .‬فكلُّ ما هو عليه‪ ،‬وكلّ ما يعمل فيها مرجعه “إلى أحد‬ ‫ّ‬
‫يبث ناسوته الطريقة الخاصة لوجوده الشخصي‬ ‫الثالوث "‪ .‬ومن ث َّم فابنُ هللا ّ‬
‫في الثالوث‪ .‬وهكذا فالمسيح يعبّر بشريا ً‪ ،‬في نفسه وفي جسده‪ ،‬عن السلوك‬
‫اإللهي للثالوث‪.‬‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫“اشتغل ابن هللا بيدين بشريّتين‪ ،‬وفكر بعقل بشريّ ‪ ،‬وعمل بإراد ٍة بشريّة‪،‬‬
‫ب بشريّ ‪ ،‬وإنّه ُولد من العذراء مريم‪ ،‬وصار في الحقيقة واحداً‬ ‫وأحبَّ بقل ٍ‬
‫منّا‪ ،‬شبيها ً بنا في كلّ شيء ما عدا الخطيئة "‪.‬‬

‫نفس مريم ومعرفته البشرية‬

‫‪ -470‬ذهب أبوليناريوس الالذقاني إلى أن الكلمة في المسيح قام مقام النفس‬


‫أو الروح‪ .‬وض َّد‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ّ‬
‫األزلي اتخذ أيضا نفسا بشريّة عاقلة‪.‬‬‫ّ‬ ‫هذا الضالل اعترفت الكنيسة بأن االبن‬
‫‪ -472‬هذه النفس البشريّة التي اتّخذها ابن هللا هي ُ‬
‫ذات معرف ٍة بشريّة حقيقيّة‪.‬‬
‫ومعرفةٌ بهذه الصّفة لم تكن في ذاتها غير محدودة‪ :‬كانت تُستَعمل في األحوال‬
‫التاريخيّة لوجودها في المكان والزمان‪ .‬ولهذا ارتضى ابن هللا‪ ،‬إذ صار‬
‫إنساناً‪ ،‬أن “ينمو في الحكمة والقامة والنعمة “(لو ‪ ،)12 :2‬وحتى أن يكون‬
‫في حاجة الى تتبّع ما يقتضيه الواقع البشري من تعلّم عن طريق األختبار‪.‬‬
‫وهكذا كان يتم ّشى وحقيقة تنازله اإلختياريّ في صورة عبد‪.‬‬
‫‪ -473‬لكن في الوقت نفسه كانت معرفةُ ابن هللا البشريّة الحقيقيّة هذه تعبّر‬
‫ابن هللا البشريّة‪ ،‬ال بذاتها بل‬ ‫عن حياة شخصه اإللهيّة‪“ .‬كانت طبيعةٌ ِ‬
‫باتّحادها بالكلمة‪ ،‬تعلم وتًظهر في ذاتها كلّ ما يليق باهلل "‪ .‬من ذلك أوالً‬
‫المعرفة الحميمةُ والمباشرة التي كانت البن هللا المتجسّد عن أبيه‪ .‬وكان االبن‬
‫إلهي الى األفكار السريّة في‬
‫ّ‬ ‫يًظهر أيضا ً في عمله البشريّ ما كان له من نفا ٍذ‬
‫قلب البشر‪.‬‬
‫‪ -474‬وكانت معرفةُ المسيح البشريّة‪ ،‬بفضل اتّحادها بالحكمة اإللهيّة في‬
‫شخص الكلمة المتجسّد‪ ،‬تتمتّع تمتّعا ً كامالً بعلم المقاصد األزليّة التي جاء‬
‫موضع آخر أن‬
‫ٍ‬ ‫ليكشف عنها‪ .‬وما يعترفُ بجهله في هذا المجال‪ ،‬يُعلِن في‬
‫ليس له أن يكشف عنه‪.‬‬

‫إرادة المسيح البشريّة‬

‫‪96‬‬
‫المسكوني السادس بأن‬
‫ّ‬ ‫‪ -475‬بموازرة ذلك اعترفت الكنيسة في المجمع‬
‫تعارضين‪ ،‬بل متعاونَين‪،‬‬
‫َ‬ ‫إلهي ويشريّ ‪ ،‬ال ُم‬
‫ّ‬ ‫للمسيح إرادتين وفعلين طبيعيّين‪،‬‬
‫إن الكلمة المتجسّد أراد بشريّا ً‪ ،‬في طاعة أبيه‪ ،‬كلّ ما أقرّه إلهيّا ً مع‬ ‫ُ‬
‫بحيث ّ‬
‫اآلب والروح القدس من أجل خالصنا‪ .‬إن إرادة المسيح البشريّة “تتب ُع إرادته‬
‫اإللهيّة‪ ،‬بدون أن تكون ُمعيقة وال معارضة لها‪ ،‬بل بالحريّ بخضوعها لهذه‬
‫اإلرادة الكليّى القدرة "‪.‬‬

‫التقيقي‬
‫ّ‬ ‫جسد المسيح‬

‫فإن جسد المسيح كان‬ ‫أن اكلمة صار جسداً ُمتّخذاً ناسوتا ً حقيقيّا ً ّ‬
‫‪ -476‬بما ّ‬
‫مح َّدداً‪ .‬ولهذا كان باإلمكان “رس ُم “وجه يسوع البشريّ ‪ .‬وفي المجمع‬
‫صور مق ّدسة‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫الشرعي رس ُمه في‬
‫ّ‬ ‫المسكوني السابع‪ ،‬اعترفت الكنيسة بأنه من‬
‫ّ‬
‫بأن في جسد يسوع “أصبح‬ ‫ُ‬
‫‪ -477‬وفي الوقت نفسه اعترفت الكنيسة دائما ّ‬
‫أصبح هللا غي ُر المنظور بطبيعته منظوراً لعيوننا "‪ .‬وهكذا فإن ميزات جسد‬
‫ّ‬
‫اإللهي‪ .‬وهكذا اتخذ لذاته مالمح‬‫ّ‬ ‫المسيح الفرديّة تُعبّر عن شخص ابن هللا‬
‫جسده البشريّ إلى حد أنها إذا رُسمت في صورة مق ّدسة‪ ،‬يمكن إكرامها‪ ،‬إذ‬
‫ُس َم فيها "‪.‬‬ ‫ّ‬
‫إن المؤمن الذي يُكرم صورته “يُكرم الذي ر ِ‬

‫سد‬
‫قلب الكلمة المتج ّ‬

‫عرفَنا وأحبّنا جميعا ً كما عرفَ وأحبَّ كلُّ واح ٍد بمفرده‪ ،‬في‬ ‫ع َ‬ ‫‪ -478‬يسو ُ‬
‫أجل كلُّ واح ٍد ِمنّا‪“ :‬أحبّني ابن هللا‬
‫ِ‬ ‫من‬ ‫ذاته‬ ‫م‬
‫َ‬ ‫وأسل‬ ‫وآالمه‪،‬‬ ‫نزاعه‬ ‫حياته‪ ،‬وفي‬
‫وبذل نفسه عنّي “(غل ‪)22 :2‬‬
‫ُ‬
‫ب بشريّ ‪ .‬لهذا السبب فقلبُ يسو َع األقدس‪ ،‬الذي ط ِعن‬ ‫لقد أحبّنا جميعا ً ًُ بقل ٍ‬
‫بآثامنا وألجل خالصنا‪“ ،‬يُ َع ّد العالمة والرَّمز الجليلين‪ ...‬لهذه المحبّة التي‬
‫اإللهي‪ ،‬محبّةً‬
‫ّ‬ ‫يُحبُّ بها الفادي‬
‫األزلي وجمي َع البشر في غير استثناء "‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ال تنقطع‪ ،‬اآلبُ‬

‫بإيجاز‬

‫‪ -479‬في الزمن الذي ح ّدده هللا تجسّد ابنُ اآلب الوحيد‪ ،‬الكالم األزلي‪ ،‬أي‬
‫كلمة اآلب وصورته الجوهريّة‪ :‬بدون أن يفقد الطبيعة اإللهيّة ا ّتخذ الطبيعة‬
‫البشريّة‪.‬‬
‫‪97‬‬
‫‪ -481‬يسو ُع المسي ُح إلهٌ حقيق ّي وإنسان حقيق ّي‪ ،‬في وحدة شخصه اإلله ّي‪،‬‬
‫ولهذا فهو الوسيط الوحيد بين هللا والبشر‪.‬‬
‫‪ -480‬في يسو َع المسيح طبيعتان‪ ،‬الطبيع ُة اإللهيّة والطبيع ُة البشريّة‪ ،‬غير‬
‫ُملتبستين‪ ،‬بل ُم ّتحدتين في شخص اب ِن هللا الوحيد‪.‬‬
‫‪ -482‬إذ كان المسي ُح إله ًا ح ّق ًا وإنسان ًا ح ّق ًا فهو يملك عق ً‬
‫ال وإراد ًة بشريَّين‪،‬‬
‫ُم ّتف َقين ك َّل اإل ّتفاق‪ ،‬وخاض َعين لعقله وإرادته اإللهيَّين الل َذين يشترك فيهما مع‬
‫اآلب والروح القدس‪.‬‬
‫‪ -483‬التجسّد إذن سرُّ اال ّتحاد العجيب للطبيعة اإللهيّة بالطبيعة البشريّة في‬
‫شخص الكلمة الوحيد‪.‬‬

‫الفقرة ‪“ 2‬كان الحب ُل به من الروح القدس‪،‬‬


‫ُولد من اليتول مريم "‬

‫‪ .0‬كان الحبل به من الروح القدس‪...‬‬

‫‪ -484‬بشارة مريم تفتتح “ ِملء الزمان “(غل ‪ ،)4 :4‬أي إنجاز الوعود‬
‫والتّهيئات‪ .‬لقد دُعيت مريم إلى الحبل بمن “سيحلُّ فيه ِملئ الالهوت جسديّاً‬
‫اإللهي عن سؤالها‪“ :‬كيف يكون ذلك وأنا ال أعرف‬ ‫ّ‬ ‫“(كول ‪ .)1 :2‬الجواب‬
‫رجالًو ؟ “أعطته قُدرة الروح‪“ :‬الروح القدس يأتي عليك “(لو ‪.)31 :7‬‬
‫ُ‬
‫‪ -485‬رسالة روح القدس ترافق دائما ً رسالة االبن وتواكبُها‪ .‬فقد أرسل‬
‫الروح القدس لكي يق ّدس حشا العذراء مريم ويُخصبه إلهيّاً‪ ،‬هو “الربُّ الذي‬
‫ت ُمت َّخ ٍذ من ناسوتها‪.‬‬
‫األزلي في ناسو ٍ‬
‫ّ‬ ‫يُحيي "‪ ،‬فتَحبل بابن اآلب‬
‫أن ابن اآلب الوحيد قد حُبل به إنسانا ً في حشا العذراء مريم فهو‬ ‫‪ -486‬وبما ّ‬
‫“مسي ٌح‪ :‬أي ممسوح من قِبَل الروح القدس‪ ،‬منذ بدء وجوده البشريّ‪ ،‬وإن لم‬
‫يَظهر إالّ تدريجيّا ً‪ :‬للرعاة‪ ،‬للمجوس‪ ،‬ليوحنا المعمدان‪ ،‬للتالميذ‪ .‬كلّ حياة‬
‫يسوع المسيح ستُظهر إذن “كيف َم َسحه هللا بالروح القدس والقدرة “(أع ‪:72‬‬
‫‪.)32‬‬

‫‪ُ .2‬ولد من البتول مريم‬

‫‪ -487‬ما تُؤمن به العقيدة الكاثوليكيّة بالنسبة إلى مريم يرتكز على ما تؤمن‬
‫ولكن ما تُعلِّمه في ما يتعلّق بمريم يُنير بدوره إيمانها‬
‫ّ‬ ‫به بالنسبة إلى المسيح‪،‬‬
‫بالمسيح‪.‬‬
‫‪98‬‬
‫اختيار مريم‬

‫‪“ -488‬هللا أرسل ابنه “(غل ‪ ،)4 :4‬لكنه هيّا َ له جسداً‪ .‬فقد أراد اإلسها َم الحرّ‬
‫من إحدى خالئقه‪ .‬ولهذا‪ ،‬فمنذ األزل‪ ،‬اختار هللا أُ ّما ً البنه‪ ،‬إحدى بنات‬
‫إسرائيل‪ ،‬فتاةً من ناصرة الجليل‪،‬‬
‫لرجل اسمه يوسف‪ ،‬من بيت داود‪ ،‬واسم العذراء مريم‬ ‫ٍ‬ ‫“عذراء مخطوبة‬
‫“(لو ‪)21-21 :7‬‬
‫“لقد أراد أبو المراحم أن يسبق التجسّد قبو ٌل من قِبَل مريم المختارة‪ ،‬بحيث‬
‫إنّه كما أسهمت امرأةٌ في عمل الموت تُسهم امرأةٌ في عمل الحياة "‪.‬‬

‫‪ -489‬على مدى العهد القديم هيّأت رسالة مريم رسالةُ نسا ٍء ق ّديسات‪ .‬فأوّ الَ‬
‫بنسل يتغلّب على‬ ‫ٍ‬ ‫كانت حواء‪ .‬فإنّها‪ ،‬وإن خالفت الوصيّة‪ ،‬نالت الوع َد‬
‫الماكر‪ ،‬وبأنها ستكون أُ ّما ً لجميع األحياء‪ .‬وبنا ًء على هذا الوعد حبلت سارة‬
‫بابن على تق ّدمها في السن‪ .‬وخالفا ً لكلّ أنتظار بشريّ‪ ،‬اختار هللا ما كان يُع ّد‬ ‫ٍ‬
‫عاجزاً وضعيفا ً لكي يُظهر أمانته لوع ِده‪ :‬حنّة‪ ،‬أ َّم صاموئيل‪ ،‬دبورة‪،‬‬
‫راعوت‪ ،‬يهوديت‪ ،‬أستير‪ ،‬ونسا ًء أُخر كثيرات‪ .‬مريم “تحتلّ المكان األول‬
‫بين أولئك المتواضعين وفقرا ِء الربّ الذين يرتجون منه الخالص بثقة‬
‫وينالونه‪ .‬ومعها‪ ،‬هي ابنةَ صهيون ال ُمثلى‪ ،‬تتم األزمنة‪ ،‬بانتظار الموعد‬
‫طويالً‪ ،‬ويبدأ التدبير الجديد "‪.‬‬
‫نفحها هللا من المواهب بما يتناسب مثل‬ ‫ِّ‬
‫‪ -491‬لكي تكون مري ُم أ َّم المخلص “ َ‬
‫هذه المه ّمة العظيمة "‪ .‬فالمالك جبرائيل يُحيّيها إبّان البشارة على أنّها‬
‫“ممتلئة نعمة "‪ .‬ولكي تستطيع أن توافق موافقةَ إيمانها الحُ رّة على البشارة‬
‫بالدعوة التي دُعيت اليها‪ ،‬كان ال ب َّد لها أن تكون محمولةً على نعمة هللا‪.‬‬
‫ت الكنيسة أن مريم‪“ ،‬التي غمرتها نعمة هللا "‪،‬‬ ‫‪ -490‬على مرّ العصور َو َع ِ‬
‫قد آفتُديت من ُذ حُبل بها‪ .‬هذا ما تعترف به عقيدة الحّ بل بال دنس‪ ،‬التي أعلنها‬
‫البابا بيوس التاسع‪ ،‬سنة ‪:7214‬‬
‫إن الطوباوية العذراء مريم قد صينَت‪ ،‬منذ اللحظة األولى للحبل بها‪ ،‬سليمةً‬ ‫“ ّ‬
‫الكلي القدرة‬
‫ّ‬ ‫من كلّ لطخة من لطخات الخطيئة األصلية‪ ،‬وذلك بنعم ِة من هللا‬
‫المسيح ُمخلِّص الجنس البشريّ "‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫وبإنعام منه‪ ،‬نظراً الى استحقاقات يسو َع‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫‪ -492‬هذه “القداسة الرّائعة والفريدة “التي “أغنيت بها منذ اللحظة األولى‬
‫سام‪ ،‬باعتبار‬ ‫ت بوج ٍه ٍ‬ ‫من الحبَل بها “تأتيها كلُّها من المسيح‪ :‬لقد “افتُ ِديَ ْ‬
‫استحقاقات ابنها "‪ .‬فوق كل شخص آخر مخلوق‪“ ،‬باركها اآلبُ بكلّ انواع‬
‫‪99‬‬
‫البركات الروحيّة في السّموات‪ ،‬في المسيح “(أف ‪ .)3 :7‬إنّه “اختارها فيه‬
‫قبل إنشاء العالم‪ ،‬لتكون ق ّديسة وبغير عيب أمامه “‬
‫عن محبّ ٍة‪ ،‬من ِ‬
‫أف ‪.)4 :7‬‬
‫الشرقي يدعون والدة اإلله “بالكليّة القداسة "‪ ،‬ويحتفلون بها‬
‫ّ‬ ‫‪ -493‬آباء التقليد‬
‫على أنّها‬
‫ألن الروح القدس عَجنها وكوّنها خليقةً‬ ‫“معصومة من كلِّ وصمة خطيئة‪ّ ،‬‬
‫طوال حياتها بريئةً‪ ،‬بنعمة هللا‪ ،‬من كلِّ خطيئ ٍة‬
‫َ‬ ‫جديدةً "‪ .‬لقد لبثت مري ُم‬
‫شخصيَة‪.‬‬

‫“فليكن لي بحسب قولك‪" ..‬‬

‫العلي “من غير أن تعرف‬ ‫ّ‬ ‫‪ -494‬عندما بُ ّشرت مري ُم بأنّها ستلد “ابن هللا‬
‫ً‬
‫رجالً‪ ،‬بقوّة الروح القدس‪ ،‬أجابت “بطاعة اإليمان “(رو ‪ )1 :7‬موقِنة بأن‬
‫“ال شيء ُمستحي ٌل عند هللا "‪“ :‬أنا أمة الربّ "‪ ،‬فليكن لي بحسب قولك “(لو‬
‫‪ .)32-31 :7‬وهكذا بإذعان مري َم لكالم هللا أصبحت أ ّما ً ليسوع‪ ،‬وإذ اعتنقت‬
‫إثم‪ ،‬اإلرادة اإللهيّة الخالصيّة‪ ،‬بذلت ذاتها‬
‫ق ٍ‬ ‫بكلّ رضى‪ ،‬وبمعزل عن كلّ عائ ٍ‬
‫كليّا ً لشخص ابنها وعمله‪ ،‬لتخدم سرّ الفداء بنعمة هللا‪ ،‬في رعاية هذا االبن‬
‫ومعه‪.‬‬

‫“لقد صارت بطاعتها‪-‬على ح ّد قول القديس إيريانوس‪ -‬علّة الخالص‪ ،‬لها هي‬
‫نفسها وللجنس البشريّ كلّه "‪ .‬ومعه يقول كثيرون من اآلباء األقدمين‪“ :‬أن‬
‫العقدة التي نجمت عن معصية حوّاء قد انحلّت بطاعة مريم‪ ،‬وما عقّدته حوّاء‬
‫بعدم إيمانها‪ ،‬حلّته مريم العذراء بإيمانها"‪ .‬وبمقارنتهم مريم بحوّاء‪ ،‬يدعون‬
‫مريم “أ َّم األحياء “وكثيراً ما يعلنون‪“ :‬بحوّاء كان الموت وبمريم كانت‬
‫الحياة "‪.‬‬

‫أمومة مريم اإللهيّة‬


‫‪ -495‬مريم التي دُعيت في اإلنجيل “أ ّم يسوع “(يو ‪ )21 :71 ،7 :2‬نُ َ‬
‫ودي‬
‫بها بدافع من الروح القدس‪ ،‬ومن قبل أن تل َد آبنها “أ َّم ربّي “(لو ‪.)43 :7‬‬
‫فهذا الذي حبِلت به إنساناً بالروح القدس والذي صار حقّا ً ابنها في الجسد ليس‬
‫األزلي‪ ،‬األقنوم الثاني من الثالوث األقدس‪ .‬والكنيسة تعترف‬
‫َ‬ ‫سوى ابن اآلب‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫بأن مريم هي حقا والدة اإلله "‪.‬‬‫ّ‬

‫‪100‬‬
‫بتُولية مريم‬

‫أن يسو َع‬ ‫‪ -496‬منذ إعالن الصيَغ األولى لقانون اإليمان‪ ،‬اعترفت الكنيسة ّ‬
‫جرى الحب ُل به بقوة الروح القدس وحدها‪ ،‬في حشا العذراء مريم‪ ،‬مثبتة أيضاً‬
‫حُبل به “من الروح القدس بدون زرع‬ ‫ع َ‬ ‫الناحية الجسدية في هذا الحدث‪ :‬يَسو ُ‬
‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ً‬
‫الحبل البتولي عالمة ألن هذا هو حقا ابنُ هللا الذي‬ ‫رجُل "‪ .‬واآلباء يرون في َ‬
‫ت كناسوتنا‪:‬‬ ‫أتى في ناسو ٍ‬
‫قال في هذا المعنى القديس إغناطيوس األنطاكي (أوائل القرن الثاني)‪:‬‬
‫“اتّضح لي أنّكم عل أش ّد اليقين في ما يتعلّق بربّنا الذي هو في الحقيقة من‬
‫ذرّية داود بحسب الجسد‪ ،‬وابنُ هللا بحسب إرادة هللا وقدرته‪ ،‬ومولو ٌد حقّا ً من‬
‫عذراء‪ ...‬وقد ُس ِّم َر حقّاً من أجلنا في جسده في عهد بنطيوس بيالطس فتألّم‬
‫حقّاً‪ ،‬وحقّا ً قام أيضا ً "‪.‬‬
‫إدراك‬
‫ٍ‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫‪ -497‬الروايات اإلنجيليّة ترى في َحبَل العذراء عمال إلهيّا يفوق ك َّل‬
‫إنساني وك َّل قدر ٍة بشريّة‪“ :‬الذي حُ بِ َل به فيها إنّما هو من الروح القدس "‪،‬‬ ‫ّ‬
‫هكذا قال المالك ليوسف في شأن مريم خطيبته (متى ‪ .)22 :7‬والكنيسة ترى‬
‫إن العذراء‬ ‫النبي إشعيا قائالً‪“ :‬ها َّ‬ ‫ُّ‬ ‫اإللهي الذي نطق به‬
‫ّ‬ ‫في ذلك إنجازَ الوعد‬
‫تحبل وتلد آبنا ً “(أش ‪ ،)74 :1‬على ما جاء في الترجمة اليونانيّة لمتى ‪:7‬‬
‫‪.23‬‬
‫مرقس ورسائل العهد الجديد أحيانا ً القلق في شأن‬ ‫َ‬ ‫‪ -498‬أثار صمت إنجيل‬
‫البتولي‪.‬‬
‫ّ‬ ‫حبَل مريم‬
‫خرافات أو تركيباتٌ‬ ‫ٌ‬ ‫وكان من الممكن أن يتساءل المر ُء هل في األمر‬
‫قي‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫بقد‬ ‫الجواب‪:‬‬ ‫يكون‬ ‫الهوتيّة خالية من النّوايا التّأريخيّة‪ .‬فعن ذلك يجب أن‬
‫البتولي بيسو َع ُمعارضةً حا ّدة‪ ،‬وهُزءاً أو سوء فهم من قِبَل‬ ‫ّ‬ ‫اإليمان بالحبَ ِل‬
‫ً‬ ‫َّ‬
‫غير المؤمنين‪ ،‬اليهود والوثنيّين‪ :‬لم تكن هذه العقيدة معللة بالميثولوجيا الوثنيّة‬
‫أو بأيّ مطابقة آلراء العصر‪ .‬لم يكن إدراك معنى هذا الحادث ممكنا ً إالّ‬
‫لإليمان الذي يراه في هذه “العالقة التي تربط ما بين األسرار "‪ ،‬في‬
‫مجموعة أسرار المسيح‪ ،‬من تجسّده إلى فصحه‪ .‬والقديس أغناطيوس‬
‫جهل سلطانُ هذا العالم بتوليّة‬ ‫َ‬ ‫األنطاكي يُعربُ عن هذه العالقة ويقول‪“ :‬لقد‬
‫ت‬
‫أسرار باهرة ت َّمًَ ت في صم ِ‬ ‫ٍ‬ ‫مريم ووالدتَها‪ ،‬كما جهل َموتَ الربّ ‪ :‬ثالثةُ‬
‫هللا "‪.‬‬

‫مريم – دائمة البتوليّة‬

‫‪101‬‬
‫‪ -499‬تُع ّمق الكنيسة في إيمانها باألمومة البتوليّة قادها الى االعتراف ببتوليّة‬
‫مريم الحقيقيّة والدائمة‪ ،‬حتى في والدتها ابن هللاُ المتأنِّس‪ .‬فميالد المسيح “لم‬
‫يُنقِص بتوليّة أُ ّمه‪ ،‬ولكنّه كرّ س كمال تلك البتوليّة‪ ،‬وليترجيا الكنيسة تُشيد‬
‫بمريم على أنها دائمة البتولية‪.‬‬
‫ت‬ ‫بأن الكتاب المق ّدس يذكر إخوةَ وأخوا ٍ‬ ‫ً‬
‫‪ -511‬يُعترض على هذا أحيانا ّ‬
‫ليسوع‪ .‬والكنيسة رأت دائما ً أن هذه المقاطع ال تشير للعذراء مريم اوالداً‬
‫آخرين”وهكذا فيعقوب ويوسى‪“ ،‬إخوة يسوع “(متى ‪ )11 :73‬هم أبناء‬
‫امرأ ٍة اسمها مريم كانت تلميذةً للمسيح‪ ،‬أُشير إليها بطريق ٍة ُمعبّرة على أنّها‬
‫“مريم األُخرى “(متى ‪ .)7 :22‬فالكالم كان على أقرباء ليسو َع أدنَيْن‪ ،‬على‬
‫طريق ٍة تعبيريّ ٍة معهودة في العهد القديم‪.‬‬
‫ع هو ابن مريم الوحيد‪ .‬ولكن أمومة مريم الروحيّة تشمل جميع‬ ‫‪ -510‬يسو ُ‬
‫البشر الذين أتى ليخلِّصهم‪َ “ :‬ولَدت ابنَها الذي جعله هللا “بكراً ما بين إخو ٍة‬
‫كثيرين “(رو ‪ ،)21 :2‬أي مؤمنين تُسهم محبّتُها األموميّة في والدتهم‬
‫وتنشأتهم "‪.‬‬

‫أمومة مريم البتوليّة في تصميم هللا‬

‫ظ ُر اإليمان‪ ،‬مرتبطا ً بِ ُمجمل الوحي‪ ،‬أن يكشف األسباب‬ ‫‪ -512‬يستطيع ن َ‬


‫الخالصي‪ ،‬أن يولّد ابنُه من بتول‪ .‬هذه‬
‫ّ‬ ‫الخفيّة التي ألجلها أراد هللا‪ ،‬في قصده‬
‫األسباب تتعلّق بشخص المسيح ورسالته الفدائيّة كما تتعلق بتقبَل مريم لهذه‬
‫ّ‬
‫الرسالة من أجل جميع البشر‪.‬‬
‫‪ -513‬إن بتولية مريم تُظهر مبادرة هللا المطلقة في التجسّد‪ .‬فأبو يسوع الوحيد‬
‫هو هللا‪.‬‬
‫ً‬
‫“والطبيعة البشريّة التي إتّخذها لم تُبعده قط عن اآلب‪ ...‬فهو طبيعيّا ابنُ‬
‫اآلب بالهوته‪ ،‬وطبيعيّا ً ابنُ والدته بناسوته‪ ،‬وهو خصوصا ً ابن هللا في‬
‫طبيعته "‪.‬‬
‫‪ -514‬يسوع حُبل به من الروح القدس في حشا مريم العذراء ألنه آدم الجديد‬
‫الذي يفتتح الخليقة الجديدة‪“ :‬اإلنسان األول من األرض من التراب‪،‬‬
‫واإلنسان الثاني من السماء “(‪ 7‬كو ‪ .)41 :71‬فناسوت المسيح‪ ،‬منذ الحبّل‬
‫الروح بغير حساب “(يو ‪:3‬‬ ‫َ‬ ‫به‪ ،‬مملوءةٌ بالروح القدس‪ ،‬ألن هللا “يعطيه‬
‫‪ .)43‬فمن “ملئه "‪ ،‬هو رأس البشريّة المفتداة‪“ ،‬أخذنا نعمةً فو ّ‬
‫ق‬
‫نعمة “(يو ‪.)71 :7‬‬

‫‪102‬‬
‫‪ -515‬يسوع‪ ،‬آدم الجديد‪ ،‬يفتتح‪ ،‬بالحبّل البتولي به‪ ،‬الوالدة الجديدة ألبناء هللا‬
‫بالتبنّي في الروح القدس باإليمان‪“ .‬كيف يكون ذلكو ؟ “(لو ‪.)34 :7‬‬
‫االشتراك في الحياة اإللهيّة ال يأتي “من دم‪ ،‬وال من مشيئة جس ٍد‪ ،‬وال من‬
‫ألن الحياة‬‫تولي ّ‬
‫رجل بل من هللا “(يو ‪ .)73 :7‬فتقبُّل هذه الحياة بَ ٌّ‬ ‫ٍ‬ ‫مشيئة‬
‫ّ‬
‫بكاملها عطيّة لإلنسان من الروح القدس‪ .‬والمعنى الزواجي في الدعوة‬
‫البشريّة بالنسبة إلى هللا يكتمل اكتماالً وافيا ً في أمومة مريم البتوليّة‪.‬‬
‫ّ‬
‫شك‬ ‫ألن بتوليّتها عالمة إيمانها الذي “ال يشوبُه‬ ‫ّ‬ ‫‪ -516‬مري ُم بتو ٌل‬
‫“واستسالمها الكامل لمشيئة هللا‪ .‬فإيمانها هو الذي يخوّلها أن تصير أ ّماً‬
‫للمخلِّص‪“ :‬مغبوطةٌ مريم لكونها نالت إيمان المسيح‪ ،‬أكثر م ّما ألنّها حبلت‬
‫بجسد المسيح "‪.‬‬
‫‪ -517‬مري ُم بتولٌ وأ ٌّم معاً‪ ،‬إذ أنّها صورة الكنيسة وأكم ُل تحقيق لها‪:‬‬
‫“الكنيسة‪ ...‬تصير هي أيضا ً أ ّما ً بكالم هللا الذي تتقبّله بإيمان‪ :‬فبالكرازة‬
‫والمعموديّة تلد‪ ،‬لحيا ٍة جديدةً خالدة‪ ،‬أوالداً يُحبَ ُل بهم من الروح القدس‪،‬‬
‫ويولدون من هللا‪ .‬وهي أيضا ً عذراء‪ ،‬إذ قطعت لعريسها عهداً تحفظه كامالً ال‬
‫تَشوبُه شائبة "‪.‬‬

‫بإيجاز‬

‫‪ -518‬في نسل حواء اختار هللا العذراء مريم لتكون أ ّم ًا البنه‪ .‬وإذ كانت‬
‫“ممتلئة نعم ًة “فهي “خي ٌر ثمار الفداء "‪ .‬فهي منذ لحظة الحبّل بها األولى‪،‬‬
‫صينت على وجهٍ كام ٍل من وصمة الخطيئة األصليّة‪ ،‬ولبثت طولّ حياتها‬ ‫ِ‬
‫بريئ ًة من كلّ خطيئة شخصيّة‪.‬‬
‫‪ -519‬مريم هي ح ّق ًا “والدة اإلله “أ ّنها والدة ابن هللا األزلي المتجسّد‪ ،‬الذي‬
‫هو نفسه إله‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫‪ -501‬مريم “لبثت بتوال في الحبّ ِل بابنِها‪ ،‬وبتوال في والدتها له‪ ،‬وبتوال في‬
‫حملِها له‪ ،‬وبتو ًال في إرضاعه‪ ،‬بتو ُال أبد ًا "‪ .‬كانت بمل ِء كيانها “أم ُة الربّ‬
‫“(لو ‪.)32 :7‬‬
‫‪“ -500‬أسهمت العذراء مريم في خالص البشر‪ ،‬بإيمانها وخضوعها‬
‫كلها جمعاء "‪.‬‬ ‫اإلختياريّين"‪ .‬لقد فاهت بـ “ب َن َع ِمها "‪“ ،‬باسم الطبيعة البشريّة ّ‬
‫بطاعتها صارت حوّاء الجديدة ُأ َّم األحياء‪.‬‬

‫‪103‬‬
104
‫التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية‬

‫الجزء الثاني‬

‫طباعة الشماس جورج يلدا‬


‫الكنيسة الكلدانية في بريطانيا‬
‫لندن ‪1122‬‬
‫‪www.chaldean.org.uk‬‬
‫المقال السادس‬

‫" يسوع صعِد الى السماوات‪ ،‬وهو جالس الى يمين هللا‬
‫الكلي القدرة "‬
‫ّ‬ ‫اآلب‬

‫‪ " -956‬ومن بعد ما كلّمهم الربّ يسوع ارتفع إلى السماء وجلس عن يمين هللا "(مر ‪.)21 : 21‬‬
‫فجسد المسيح مُجّ د منذ اللحظة األولى لقيامته كما تشهد بذلك الميزات الجديدة والفائقة الطبيعة‬
‫التي يتم َّتع بها جسدهُ منذ اآلن فصاعداً وبغير انقطاع‪ .‬ولكن في م ّدة األربعين يوما ً التي سيأكل‬
‫ويشربُ فيها مع تالميذه ببساطة األلفة‪ ،‬ويُعلّمهم فيها شؤون الملكوت‪ ،‬سيبقى مجده مستوراً ِبستار‬
‫يسوع األخي ُر ينتهي بدخول ناسوته دخوالً نهائ ّيا ً في المجد اإللهيّ الذي‬
‫َ‬ ‫اإلنسانيّة العاديّة‪ .‬ظهو ُر‬
‫حيث سيجلس من اآلن فصاعداً عن يمين هللا‪ .‬وإ ّنه سيترا َءى بطريقة‬ ‫ُ‬ ‫ترمز إليه السّحابة والسماء‬
‫ج ّد استثنائيّة ووحيدة لبولس " كأ ّنما للسِّقط "(‪ 2‬كو ‪ )8 : 21‬ترائيا ً أخيراً يجعل منه رسوالً‪.‬‬
‫‪ -996‬ان ميزة المجد المحجوب لدى القائم من الموت في هذه الم ّدة تظه ُر في كالمه العجيب‬
‫لمريم المجدليّة‪ " :‬لم أصعد بعد إلى أبي‪ ،‬بل آمضي إلى إخوتي وقولي لهم إ ّني صاع ٌد إلى أبي‬
‫وأبيكم‪ ،‬إلهى إلهي وإلهكم "(يو ‪ .)21 : 11‬فهذا يد ُّل على اختالف في الظهور ما بين مجد‬
‫المسيح القائم من الموت ومجد المسيح الجالس عن يمين اآلب‪ .‬وحادث الصعود التاريخيّ‬
‫‪.‬والسامي معا ً يد ُّل على االنتقال من الواحد إلى اآلخر‬
‫‪ -996‬هذه المرحلة األخيرة تبقى شديدة اإلرتباط باألولى‪ ،‬أي االنحدار من السّماء الذي تحقّق في‬
‫التجسّد‪ .‬والذي " خرج من اآلب " يستطيع وحده " العودة إلى اآلب " ‪ :‬أي المسيح‪ " .‬لم يصعد‬
‫أحد إلى السماء إال ّ الذي نزل من السماء‪ ،‬ابن البشر "(يو ‪ .)23 : 3‬فإذا ُتركت اإلنسانيّة لقواها‬
‫الطبيعيّة لم تستطع الدخول إلى " بيت اآلب "‪ ،‬إلى حياة هللا وسعادته‪ .‬المسي ُح وحدَه استطاع أن‬
‫حيث سبقنا وهو‬‫ُ‬ ‫يفتح لإلنسان هذا الباب‪ ،‬بحيث يكون لنا‪ ،‬نحن األعضاء‪ ،‬أم ُل اللحاق به إلى‬
‫‪.‬رأسُنا ومبدأنا "‬
‫ُ‬
‫اجتذبت إل ّي الجميع "(يو ‪ .)31 : 21‬فاالرتفاع على‬ ‫ُفعت عن األرض‬ ‫‪ " -996‬وأنا متى ر ُ‬
‫الصليب يعني ارتفاع الصعود إلى السماء واإلنباء به‪ .‬إنه بدء الصعود‪ .‬ويسوع المسيح‪ ،‬الكاهن‬
‫الوحي ُد للعهد الجديد واألزليّ ‪ ،‬لم " يدخل َم ْقدِسا ً صنعته األيدي بل دخل السماء بعينها ليظهر اآلن‬
‫أمام وجه هللا ألجلنا "(عب ‪ .)12 : 1‬وفي السماء يمارس المسيح كهنو َته بغير انقطاع‬
‫" إذ إ ّنه على الدوام حيٌّ ليشفع في " من " يتقرّ بون به إلى هللا "(عب ‪ .)11 : 1‬وبما أ ّنه " حب ٌر‬
‫للخيرات اآلتية "(عب ‪ )22 : 1‬فهو قلبُ الليترجيّا والفاع ُل الرئيسي فيها‪ ،‬هي التي تكرم اآلب في‬
‫السماوات ؟‪.‬‬
‫‪ -996‬المسي ُح يجلس منذ اآلن فصاعدا إلى يمين اآلب‪ " :‬ونحن نعني بيمين اآلب مجد األلوهة‬
‫وشرفها حيث جلس من كان ابنا ً هلل قبل جميع الدهور‪ ،‬إلها ً واح َد الجوهر مع اآلب‪ ،‬من بعدما‬
‫‪.‬تجسّد ومن بعدما تمجّ د جسده "‬
‫‪ -996‬الجلوس إلى يمين اآلب يعني افتتاح مُلك المسّيا‪ ،‬أي تحقيق رؤيا دانيال النبي في شأن ابن‬
‫اإلنسان‪ " :‬أوتي سُلطا ًنا ومجداً و ُملكاً‪ ،‬فجميع الشعوب واألمم واأللسنة يعبدونه‪ ،‬وسلطانه سلطانٌ‬
‫أبديّ ال يزول ومُلكه ال ينقرض "(دا ‪ .)22 : 1‬فمنذ هذه اللحظة‪ ،‬أصبح الرسُل شهو َد " ال ُملك‬
‫‪.‬الذي ليس له انقضاء "‬

‫بإيجاز‬
‫ي من حيث‬ ‫‪ -995‬صعود المسيح يُشير إلى الدخول النهائ ّي لناسوت يسوع إلى مق ّر هللا السماو ّ‬
‫‪.‬سيعود‪ ،‬المق ّر الذي يخفيه في هذا الوقت عن عيون البشر‬
‫‪ -999‬يسوع المسيح‪ ،‬رأسُ الكنيسة‪ ،‬يسبقنا إلى ملكوت اآلب المجيد حتى نحيا نحن‪ ،‬أعضاء‬
‫‪.‬جسده‪ ،‬في رجا ٍء أن نكون يوم ًا معه إلى األبد‬
‫‪ -996‬يسو ُع المسيح‪ ،‬الذي دخل م ّر ًة واحد ًة مق ّدس السماء‪ ،‬يشفع فينا أبد ًا‪ ،‬على أ ّنه الوسيط الذي‬
‫‪.‬يضمن لنا أبد ًا فيض الروح القدس‬

‫المقال السابع‬

‫" من حيث سيأتي‬


‫ليقاضي األحياء واألموات "‬

‫‪ " .ً6‬سيعود في المجد "‬


‫المسيح يملك منذ اآلن بالكنيسة‬

‫‪ " -996‬مات المسيح وعاد ح ّيا ً ليسود األموات واألحياء "(رو ‪ .)1 : 22‬فصعو ُد المسيح إلى‬
‫السماء يعني اشتراكه بناسوته في قدرة هللا نفسه وفي سلطانه‪ .‬يسو ُع المسي ُح ربٌّ ‪ :‬بيده كل سلطة‬
‫في السموات وعلى األرض‪ .‬وهو " فوق كل رئاسة وسلطان وقوّ ة وسيادة " ألنّ اآلب أخضع ك ّل‬
‫شيء تحت قدميه"(اف ‪ .)11-11 : 2‬المسيح هو سيّد الكون والتاريخ‪ .‬فيه يجد تاري ُخ اإلنسان‬
‫‪.‬وك ّل الخليقة " خالصهما "‪ ،‬ونهايتهما السامية‬
‫‪ -996‬والمسيح‪ ،‬بصفته ر ّباً‪ ،‬هو أيضا ً رأس الكنيسة التي هي جسده‪ .‬وبعد أن رُفع إلى السماء‬
‫ومُجّ د‪ ،‬مُتمّما ً هكذا رسالته إتماما ً كامالً‪ ،‬فهو يبقى على األرض في كنيسته‪ .‬فالفداء هو مصد ُر‬
‫السّلطة التي يمارسها المسي ُح على الكنيسة‪ ،‬بقوّ ة الروح القدس‪ " .‬فملك المسيح هو اآلن حاض ٌر‬
‫‪.‬سرّ يا ً في الكنيسة "‪ " ،‬نوا ِة وبد ِء هذا الملكوت على األرض "‬
‫‪ -966‬منذ الصعود أخذ تصميم هللا يتحقق‪ .‬فنحن اآلن في " الساعة األخيرة "(‪ 2‬يو ‪" .)28 : 1‬‬
‫فاألزمنة األخيرة إذن قد أتت بالنسبة إلينا‪ ،‬وتجدي ُد العالم قد حصل على غير تراجع‪ ،‬ووقع بك ّل‬
‫حقيقة‪ ،‬في األيام الحاضرة‪ ،‬ذلك بأن الكنيسة مزدانة اآلن على األرض بقداسة حقيقيّة وإن غير‬
‫حضوره باآليات العجائبيّة التي ُترافق إعالنه عن طريق‬
‫َ‬ ‫ك المسيح يُظهر اآلن‬
‫كاملة"‪ .‬ومُل ُ‬
‫‪.‬الكنيسة‬

‫بانتظار أن ُيخضع له كل ّ شيء‬


‫‪ -966‬مُلك المسيح‪ ،‬الحاض ُر اآلن في كنيسته‪ ،‬لم يت ّم بعد " في قدرة ومج ٍد عظيم "(لو ‪،)11 : 12‬‬
‫بمجيء الملك إلى األرض‪ .‬وهذا الم ٌْلك ُتقاومه قوى الشرّ ‪ ،‬وإن كانت قد ُغلبت في األساس بفصح‬
‫ضع له ك ّل شيء‪ " ،‬إلى أن تتحقّق السماوات الجديدة واألرض الجديدة حيث‬ ‫المسيح‪ .‬فإلى أن يُخ َ‬
‫يسكن البرّ ‪ ،‬تحمل الكنيسة إبّان رحلتها‪ ،‬في أسرارها ومؤسساتها المرتبطة بهذا الزمن‪ ،‬صورة‬
‫ال ّدهر الزائل‪ ،‬وتعيش هي نفسُها وسط الخالئق التي ال تني تئنّ اآلن في أوجاع المخاض‪ ،‬وتنتظر‬
‫تجلّي أبناء هللا "‪ .‬ولهذا يُصلي المسيحيون‪ ،‬والسيّما في اإلفخارستيّا‪ ،‬لتسريع عودة المسيح‪ ،‬قائلين‬
‫‪.‬له " تعال يا رب "(رؤ ‪)11 :11‬‬
‫ت بعد ساعة إقامة الملكوت المسّياني المجيد الذي ينتظره‬ ‫‪ -966‬المسيح أ ّكد قبل صعوده أنه لم تأ ِ‬
‫إسرائيل‪ ،‬والذي كان من شأنه أن يجلب للبشر‪ ،‬على ح ّد قول األنبياء‪ ،‬نظا َم البرّ النهائيّ والمح ّب ِة‬
‫فالزمنُ الحاض ُر هو‪ ،‬بحسب الربّ ‪ ،‬زمن الروح والشهادة‪ ،‬ولكنه زمنٌ أيضا ً موسو ٌم‬ ‫والسالم‪ّ .‬‬
‫ِبسِ مة الضيق(‪ 2‬كو ‪ )11 : 1‬وامتحان الشرّ الذي ال يحيد عن الكنيسة‪ ،‬والذي يفتح صراعات‬
‫‪.‬األيّام األخيرة‪ .‬إنه زمنُ تر ُّقب و َس َهر‬

‫مجيء المسيح المجيد‪ ،‬رجاء إسرائيل‬

‫‪ -966‬منذ الصعود أصبح مجيء المسيح في المجد قريباً‪ ،‬وإن لم يكن لنا " أن نعرف األوقات‬
‫ي يمكنه أن يت ّم في‬ ‫واألزمنة التي أقرّ ها اآلب بسلطانه الخاصّ "(اع ‪ .)1 : 2‬هذا المجي ُء المعاد ّ‬
‫‪.‬أي وقت‪ ،‬وإن كان مق ّيداً "‪ ،‬هو واالمتحان األخير الذي سيسبقه‬
‫ت من أوقات التاريخ‪ ،‬إلى أن يعترف به " ك ّل إسرائيل‬ ‫‪ -966‬مجيء الماسّيا المجيد معلّ ٌق بك ّل وق ٍ‬
‫" الذي تصلّب قس ٌم منه في " عدم اإليمان "(رو ‪ )11 : 22‬بيسوع‪ ،‬والقديس بطرس يقول ذلك‬
‫ُ‬
‫أوقات الراحة من ِق َب ِل‬ ‫ليهود أورشليم بعد العنصرة‪ " :‬اندموا وتوبوا لكي ُتمحى خطاياكم‪ ،‬فتأتي‬
‫الربّ ‪ ،‬ويُرسل الذي أ ُع َّد لكم من قبل‪ ،‬المسيح يسوع الذي ينبغي أن تقبله السماء‪ ،‬إلى عهد تجديد‬
‫كل شيء‪ ،‬الذي تكلّم عنه هللا منذ القديم على أفواه أنبيائه القديسين "(أع ‪ .)12-21 : 3‬والقديس‬
‫ً‬
‫مصالحة للعالم‪ ،‬فماذا يكون قبولهم إال ّ حيا ًة لألموات؟‬ ‫ُ‬
‫آنتباذهم‬ ‫بولس يُر ّدد صداه قائالً ‪ " :‬إن كان‬
‫"(رو ‪ .)21 : 22‬فدخول جمهرة اليهود في الخالص المسّياني‪ ،‬في عقب جمهرة األمم يتيح‬
‫لشعب هللا أن " يحقق ملء اكتمال المسيح "(أف ‪ ،)23 : 2‬الذي يكون فيه " هللا كالًّ في الك ّل "(‪2‬‬
‫‪.‬كو ‪)18 : 21‬‬

‫امتحان الكنيسة األخير‬


‫ً‬ ‫ً‬
‫‪ -965‬الب ّد للكنيسة‪ ،‬قبل مجيء المسيح‪ ،‬من أن تجتاز امتحانا أخيرا يزعزع إيمان كثير من‬
‫يل دين ّي‬‫الج ْور " في شكل تدج ٍ‬ ‫المؤمنين‪ .‬واإلضطهاد الذي يُرافق زيارته لألرض يكشف " سرّ َ‬
‫يق ّدم للبشر حالًّ ظاهراً لقضاياهم ثم ُنه جحود الحقيقة‪ .‬والتدجي ُل الدينيّ األعظم هو تدجي ُل المسيح‬
‫حيث يمجّ د اإلنسان نفسه في مكان هللا ومسيحه المتجسّد‬ ‫ُ‬ ‫‪.‬الدجّ ال‪ ،‬أي تدجيل المسّيانية الكاذبة‬
‫‪ -969‬هذا التدجيل المناهض للمسيح يرتسم في العالم كلّما ا ّدعى الناس ان يح ّققوا في التاريخ الرجا َء‬
‫المسّياني الذي ال يمكن أن يت ّم إالّ بعده في الدينونة المعادية‪ ،‬والكنيسة نبذت هذا التزوير للملكوت اآلتي‬
‫حتى في صيغته المُخ َّففة المعروفة باأللفيّة‪ ،‬والسيّما صيغتها السياسية كمسيانيّة علمانيّة " فاسدة في‬
‫‪.‬جوهرها "‬
‫‪ -966‬الكنيسة لن تدخل في مجد الملكوت إال ّ من خالل هذا الفصح األخير حيث تتبع ربّها في‬
‫بانتصار تاريخيّ للكنيسة يكون في تطوّ ر صاعد بل‬
‫ٍ‬ ‫موته وقيامته‪ .‬فالملكوت لن يتحقّق إذن‬
‫بانتصار هلل على جماح الشرّ األخير الذي سيُنزل عروسها من السماء‪ .‬وانتصار هللا على ثورة‬
‫‪.‬الشرّ سيتخذ شكل الدينونة األخيرة بعد الزلزال الكونيّ األخير لهذا العالم المتالشي‬

‫‪ .ً6‬ليقاضي األحياء واألموات‬


‫‪ -966‬بعد األنبياء ويوحنا المعمدان‪ ،‬أعلن يسو ُع في كرازته دينونة اليوم اآلخر‪ .‬حينذاك يُك َشف‬
‫ك ك ّل واحد‪ ،‬وسرُّ القلوب‪ .‬عند ذلك يُقضى على عدم اإليمان األثيم‪ ،‬الذي استخفَّ بالنعمة‬ ‫سلو ُ‬
‫التي وهبها هللا‪ ،‬وموقف اإلنسان بالنسبة إلى القريب س َيكشف عن حسن استقبال النعمة والمحبّة‬
‫اإللهيّة أو رفضها‪ .‬سيقول يسوع في اليوم األخير‪ " :‬إنَّ ك َّل ما صنعتموه إلى واحد من إخوتي‬
‫‪.‬هؤالء‪ ،‬إلى واحد من األصاغر‪ ،‬فإليَّ قد صنعتموه "(متى ‪)21 : 11‬‬
‫الحق الكامل في أن يحكم نهائ ّيا ً على أعمال البشر وقلوبهم‬
‫ّ‬ ‫‪ -966‬المسيح سيد الحياة األبديّة‪ .‬وله‬
‫بكونه فادي العالم‪ .‬لقد " اكتسب " هذا الحق بصليبه‪ .‬ولهذا فاآلبُ " فوّ ض إلى األبن ك ّل دينونة‬
‫ت ليدين‪ ،‬بل ليخلّص‪ ،‬ولكي يعطي الحياة التي فيه‪ .‬وبرفض النعمة‬ ‫"(يو ‪ .)11 : 1‬واالبنُ لم يأ ِ‬
‫في هذه الحياة يدين كل واح ٍد ذاته‪ ،‬فينال ما تستحقّه أعماله‪ ،‬ويستطيع حتى أن يُهلك نفسه إلى‬
‫‪.‬األبد برفضه روح المحبّة‬

‫بإيجاز‬
‫‪ -966‬المسي ُح الربُّ يملك منذ اآلن بالكنيسة‪ ،‬ولكن لم يُخضع له بعد ك ُّل شيء في هذا العالم‪ .‬ولن‬
‫يتح ّقق انتصار ملكوت المسيح بدون أن يالقي هجوم ًا أخير ًا من ّقوات الش ّر‪.‬‬
‫االنتصار النهائ ّي للخير‬
‫َ‬ ‫‪ -966‬في يوم الدينونة‪ ،‬عند انتهاء العالم‪ ،‬سيأتي المسي ُح في المجد ليح ّقق‬
‫‪.‬على الشرّ‪ ،‬للذين‪ ،‬مثل حبّة القمح والزؤان‪ ،‬ينموان مع ًا على م ّر التاريخ‬
‫‪ -966‬عندما يأتي المسي ُح الممجّد في آخر األزمان ليقاضي األحياء واألموات سيكشف عن‬
‫‪.‬استعدادات القلوب السريّة‪ ،‬ويُنيل ك َّل إنسان ما استح ّقته أعماله‪ ،‬وقبوله أو رفضه للنعمة‬

‫الفصل الثالث‬
‫أؤمن بالروح القدس‬

‫‪ " -966‬ما من أح ٍد يستطيع أن يقول " يسوع ربّ " إال ّ بالروح القدس "(‪ 2‬كو ‪ " .)3: 21‬أرسل‬
‫هللا إلى قلوبنا رو َح ابنه ليصرخ‪ :‬ابّا‪ ،‬أيها اآلب "(غل ‪ .)1 : 2‬فهذه المعرفة اإليمانيّة غي ُر ممكنة‬
‫إال ّ بالروح القدس‪ .‬ولكي نكون على اتصال بالمسيح يجب أن نكون أوالً تحت تأثير الروح‬
‫القدس‪ .‬فهو الذي يأتي إلينا‪ ،‬ويبعث فينا اإليمان‪ .‬وبفضل المعموديّة‪ ،‬السرّ األول من أسرار‬
‫اإليمان‪ ،‬فالحياة‪ ،‬النابعة من اآلب‪ ،‬والمق َّدمة لنا في االبن‪ ،‬تصل إلينا‪ ،‬بطريق ٍة حميم ٍة وشخصيّة‪،‬‬
‫بالروح القدس في الكنيسة ‪:‬‬
‫المعموديّة " تمنحنا نعمة الوالدة الجديدة في هللا اآلب بوساطة ابنه في الروح القدس‪ .‬فالذين يحملون روح هللا هم‬
‫َمقودون إلى الكلمة‪ ،‬أي االبن‪ ،‬ولكن االبن يق ّدمهم إلى اآلب‪ ،‬واآلب يُكسبهم عد َم الفساد‪ .‬فبدون الروح القدس إذن‬
‫ال تمكن رؤية ابن هللا‪ ،‬وبدون االبن ال يستطيع أح ٌد أن يقارب اآلب‪ ،‬ألنّ معرفة اآلب هي االبن‪ ،‬ومعرفة ابن هللا‬
‫‪.‬تجري بالروح القدس "‬
‫‪ -966‬الروح القدس هو األول‪ ،‬بنعمته‪ ،‬في يقظة إيماننا‪ ،‬وفي الحياة الجديدة التي هي معرفة‬
‫يسوع المسيح‪ .‬ومع ذلك فهو األخير في الكشف عن أقانيم الثالوث األقدس‪.‬‬‫َ‬ ‫اآلب والذي أرسله‪،‬‬
‫والقديس غريغوريوس النزينزي " الالهوتي " يشرح هذا التدرّ ج في نظام " التنازل " اإللهيّ ‪:‬‬
‫االبن‪ ،‬وألمع بألوهة‬
‫َ‬ ‫" العهد القديم أعلن اآلب في وضوح‪ ،‬واالبن في غموض‪ .‬العه ُد الجديد أعلن‬
‫الروح‪ .‬وهكذا أصبح للروح القدس مقرٌّ في ما بيننا‪ ،‬وهو يُنير طريقنا إليه‪ .‬وهكذا لم يكن من الحكمة‪،‬‬
‫قبل االعتراف بألوهة اآلب‪ ،‬أن يُنادى علنا ً باالبن‪ ،‬وقبل التسليم بألوهة االبن‪ ،‬أن يُقحم الروح القدس عبثا ً‬
‫إضاف ّيا ً – ولوكان التعبير جريئا ً – وهكذا فبخطى متعاقبة‪ ،‬وباإلنتقال " من مج ٍد إلى مج ٍد " يتألأل نور‬
‫‪.‬الثالوث أكثر فأكثر "‬
‫‪ -965‬اإليمان بالروح القدس هو إذن االعترافُ بأنّ الروح القدسّ هو أح ُد أقانيم الثالوث األقدس‪،‬‬
‫الواحد الجوهر مع اآلب واالبن‪ " ،‬المعبود والممجّ د مع اآلب واالبن " ولهذا السبب عُرض لسرّ‬
‫الروح القدس اإلله ّي في " الالهوت " الثالوثيّ‪ .‬وهكذا فموضوع الروح القدس هنا يندرج في "‬
‫‪.‬التدبير " اإلله ّي‬
‫‪ -969‬الروح القدس يعمل مع االب واالبن منذ بدء تصميم خالصنا حتى نهايته‪ .‬ولكنه لم يُكشف‪،‬‬
‫ولم يو َهب‪ ،‬ولم يُعترف به ولم يُع ّد أقنوماً‪ ،‬إال ّ في " األزمنة األخيرة " التي افتتحها تجسّد االبن‬
‫الفدائيّ‪ .‬وهكذا فهذا التصميم اإللهيّ ‪ ،‬المح َّقق في المسيح‪ " ،‬بكر " الخليقة الجديدة ورأسِ ها‪،‬‬
‫يستطيع أن يتجسّد في البشريّة بفيض الروح القدس‪ :‬الكنيسة‪ ،‬شركة القديسين‪ ،‬غفران الخطايا‪،‬‬
‫‪.‬قيامة الجسد‪ ،‬الحياة األبديّة‬

‫المقال الثامن‬
‫" أؤمن بالروح القدس "‬

‫‪ " -966‬ليس أح ٌد يعرف ما في هللا إال ّ الروح هللا "(‪ 2‬كو ‪ ،)22 : 1‬والحال أنّ روحه الذي يكشفه‬
‫يجعلنا نعرف المسيح‪ ،‬كلمته‪ ،‬كالمه الحيّ‪ ،‬ولكنه ال يقول عن نفسه ما هو‪ .‬فالذي " نطق باألنبياء‬
‫" يُسمعنا كالم اآلب‪ .‬وأمّا هو فال نسمعه‪ .‬وال نعرفه إال ّ بالحركة التي يكشف لنا فيها الكلمة ويُع ّدنا‬
‫الحق الذي " يكشف " لنا المسيح " ال يتكلّم من عند نفسه "‪ .‬مثل هذا‬ ‫ّ‬ ‫الستقباله في اإليمان‪ .‬ورو ُح‬
‫اإلحتجاب‪ ،‬ذي الميزة اإللهيّة الخاصّة‪ ،‬يُفسّر لماذا " ال يستطيع العال ُم أن يقبلّه أل ّنه ال يراه وال‬
‫‪.‬يعرفه "‪ ،‬فيما أنّ الذين يؤمنون بالمسيح يعرفونه‪ ،‬أل ّنه يقيم معهم(يو ‪)21 : 22‬‬
‫‪ -966‬وإذ كانت الكنيسة هي الشركة الحيّة إليمان الرسل الذي تنقله‪ ،‬فهي موضع معرفتنا للروح‬
‫القدس‪:‬‬
‫‪ -‬في الكتب التي أوحى بها‪،‬‬
‫‪ -‬في التقليد‪ ،‬وآبا ُء الكنيسة له شهو ٌد أبداً حاليّون‪،‬‬
‫‪ -‬في سلطة الكنيسة التعليميّة التي يرافقها‪،‬‬
‫‪ -‬في ليترجيا األسرار‪ ،‬من خالل أقوالها ورموزها‪ ،‬حيث يجعلنا الروح القدس في شركة مع‬
‫المسيح‪.‬‬
‫‪ -‬في الصالة التي يشفع لنا فيها‪،‬‬
‫‪ -‬في المواهب والخدمات التي ُتبنى بها الكنيسة‪،‬‬
‫‪ -‬في عالمات الحياة الرسوليّة واإلرساليّة‪،‬‬
‫‪ -.‬في شهادة القديسين حيث يُظهر قداسته ويواصل عمل الخالص‬

‫‪ .ً6‬الرسالة المشتركة بين االبن والروح القدس‬

‫‪ -966‬هذا الذي أرسله اآلب إلى قلوبنا‪ ،‬روح ابنه‪ ،‬هو في الحقيقة إله‪ .‬واحد الجوهر مع اآلب‬
‫واالبن‪ ،‬ال ينفصل عنهما سواء كان ذلك في حياة الثالوث الحميمة‪ ،‬أو في موهبة مح ّبته للعالم‪.‬‬
‫ولكن وإن عبدت الكنيسة الثالوث األقدس‪ ،‬المحيي‪ ،‬الواحد الجوهر‪ ،‬وغير المنقسم‪ ،‬فإيمانها‬
‫يعترف بتميّز األقانيم‪ .‬وعندما يرسل اآلب كلمته يرسل أبداً روحه ‪ :‬رسالة مشتركة حيث االبن‬
‫والروح القدس متم ّيزان ولكن غير منفصلين‪ .‬أجل أن المسيح هو الذي يظهر‪ ،‬هو الصورة‬
‫‪.‬المنظورة هلل غير المنظور‪ ،‬ولكن الروح القدس هو الذي يكشفه‬
‫القدس هو ال ُّدهن‪ ،‬وك ّل ما يجري انطالقا ً من‬
‫َ‬ ‫‪ -966‬يسو ُع هو مسي ٌح " ممسو ٌح " ألنّ الروح‬
‫التجسّد هو من هذا االمتالء‪ .‬وأخيراً عندما تمجّ د المسيح صار بإمكانه هو أيضا ً أن يرسل الروح‪،‬‬
‫من عند اآلب‪ ،‬إلى الذين يؤمنون به ‪ :‬فهو َيشركهم في مجده‪ ،‬أي بالروح القدس الذي يُمجّ ده‪.‬‬
‫ُ‬
‫رسالة روح‬ ‫فالرسالة المشتركة سينتشر عملها في األبناء الذين تب ّناهم االبُ في جسد ابنه‪ :‬ستقوم‬
‫التب ّني بأن تضمّهم إلى المسيح وأن ُتحييهم فيه ‪:‬‬
‫" فكرة المسحة توحي بأن ليس هنالك أيُّ بُعد بين االبن والروح القدس‪ .‬فكما أ ّنه بين سطح الجسد ومسحة الزيت‬
‫ال يعرف العق ُل وال الحسّ إيَّ وسيط‪ ،‬هكذا يكون مباشراً اتصا ُل االبن بالروح‪ ،‬بحيث إ ّنه ال ب ّد لمن سي ّتصل‬
‫عار من الروح القدس‪ .‬ولهذا فاإلعتراف‬ ‫الزيت باللمس‪ .‬وهكذا فما من جز ٍء ٍ‬ ‫باالبن باإليمان من أن َيلقى أوالً ّ‬
‫بسيادة االبن تجري في الروح القدس للذين يتقبّلونها‪ ،‬إذ يأتي الروح القدس من ك ّل جهة إلى أمام الذين يقتربون‬
‫‪.‬باإليمان "‬

‫‪ .ً6‬اسم الروح القدس وتسمياته ورموزه‬


‫اسم علم الروح القدس‬

‫‪" -966‬رو ٌح قدس "‪ ،‬هذا اسم علم َمن َنعبده ونمجّ ده مع اآلب واالبن‪ .‬الكنيسة تقبّلته من الربّ‬
‫‪.‬وتعترف به في معموديّة أبنائها الجُدد‬
‫اللفظة "روح" ترجمة اللفظة العبرانية "روح" ومعناها األول نفس‪ ،‬هواء‪ ،‬ريح‪ ،‬ويسوع يستعمل صورة الريح‬
‫الحسية هذه لكي يوحي لنيقوديمس بالج ّدة السامية في الذي هو شخص ّيا ً نفسُ هللا‪ ،‬الروح اإللهيّ ‪ .‬وإلى ذلك فرو ٌح‬
‫وق ُدسٌ صفتان إلهيّتان يشترك فيهما األقانيم الثالثة‪ .‬ولكن بجمع هاتين الفظتين يد ّل الكتاب المقدس والليترجيا‬
‫ممكن بالمدلوالت األخرى للفظتين‬
‫ٍ‬ ‫التباس‬
‫ٍ‬ ‫واللغة الالهوتية على أقنوم الروح القدس الذي ال يوصف‪ ،‬من غير‬
‫‪".‬روح" و "قدس"‬
‫تسميات الروح القدس‬
‫‪ -966‬يسوع‪ ،‬عندما يُعلن مجي َء الروح القدس و َي ِع ُد به‪ ،‬يُسمّيه " البارقليط "‪ .‬ومعناه حرف ّيا ً "‬
‫الذي يُدعى إلى قرب "(يو ‪ .)21 : 21 ،11 : 21 ،11 ،21 : 22‬و " بارقليط " تترجم عاد ًة بـ "‬
‫ّ‬
‫الحق "‪.‬‬ ‫المعزي األول‪ .‬والربُّ نفس ُه يسمّي الروح القدس " روح‬ ‫ّ‬ ‫يسوع هو‬
‫َ‬ ‫معز "‪ ،‬إذ إنّ‬
‫ً‬ ‫َ‬
‫‪ -966‬وفضال عن اسم علمِه األكثر استعماال في أعمال الرّ سُل والرسائل‪ ،‬نجد عند القديس بولس‬ ‫ً‬
‫التسميات التالية‪ :‬رو َح الموعد(غل ‪ ،22 : 3‬أف ‪ ،)،23 : 2‬وروح التب ّني(رو ‪ ،21 : 8‬غل ‪: 2‬‬
‫‪ ،)1‬وروح المسيح(رو ‪ ،)22 : 8‬وروح الربّ (‪1‬كو ‪ ،21 : 3‬ورو َح هللا(رو ‪: 21 ،22 ،1 : 8‬‬
‫‪ 2 ،21‬كو ‪ ،)21 : 1 ،22 : 1‬وعند القديس بطرس‪ ،‬رو َح المجد(‪ 2‬بط ‪.)22 : 2‬‬

‫رموز روح القدس‬

‫‪ -966‬الماء‪ ،‬رمز الماء يعبّر عن عمل الروح القدس في المعموديّة‪ ،‬إذ إ ّنه يصبح‪ ،‬بعد استدعاء الروح‬
‫القدس‪ ،‬العالمة السريّة الفاعلة في الوالدة الجديدة‪ :‬فكما أن َحبل والدتنا األولى جرى في الماء‪ ،‬كذلك‬
‫يعني ما ُء المعمود ّية في الحقيقة أن والدتنا للحياة اإللهيّة ُنعطاها في الروح القدس‪ .‬ولكن إذ " ًك ّنا معمّدين‬
‫في روح واحد " فنحن " مسقيّون من روح واحد "(‪ 2‬كو ‪ : )23 : 21‬فالروح هو إذن شخص ّيا ً الما ُء‬
‫‪.‬الحيّ الذي يتفجر من المسيح المصلوب كما من ينبوعه‪ ،‬والذي ينفجر فينا حيا ًة أبديّة‬
‫‪ -965‬المسحة‪ ،‬رمز المسح بالزيت يعني أيضا ً الروح القدس‪ ،‬إلى ح ّد أنه يصبح مرادفا ً له‪.‬‬
‫بحق كنائس الشرق‬ ‫وهو‪ ،‬في التنشئة المسيحيّة‪ ،‬العالمة األسراريّة لسرّ التثبيت‪ ،‬الذي تدعوه ّ‬
‫" سرّ الميرون "‪ .‬ولكن‪ ،‬لكي ندرك ك ّل قوة تلك المسحة‪ ،‬يجب الرجوع إلى المسحة األولى التي‬
‫قام بها الروح القدس‪ :‬مسح ِة يسوع‪ .‬فالمسيح(واللفظة مشتقّة من العبريّة " ماسّيا ") يعني "‬
‫الممسوح " من روح هللا‪ .‬هناك أناس " ممسوحون " من قبل الرب في العهد القديم‪ ،‬وبنوع خاص‬
‫بشكل فريد‪ :‬فالبشريّة التي ا ّتخذها االبنُ هي بكاملها‬
‫ٍ‬ ‫يسوع هو الممسوح من هللا‬
‫َ‬ ‫الملك داود‪ .‬ولكنّ‬
‫ً‬
‫" ممسوحة من الروح القدس "‪ .‬فيسوع قد أقيم " مسيحا "بالروح القدس‪ .‬وبالروح القدس حبلت‬
‫يسوع مسيحا ً عند والدته‪ ،‬وحمل سمعان‬ ‫َ‬ ‫أعلن‬
‫َ‬ ‫مريم العذراء بيسوع‪ ،‬وهو الذي بواسطة المالك‬
‫على المجيء إلى الهيكل ليُشاهد مسي َح الربّ ‪ .‬وهو الذي مألَ المسيح‪ ،‬وقدر ُته هي التي كانت‬
‫يسوع من بين‬
‫َ‬ ‫تخرج من المسيح لدى قيامه بأعمال شفاء وخالص‪ .‬وهو الذي أخيراً أقام‬
‫األموات‪ .‬ويسوع إذ ذاك‪ ،‬وقد أقيم بشكل كامل " مسيحا ً " في بشريّته المنتصرة على الموت‪،‬‬
‫يُفيضُ بسخا ٍء الروح القدس‪ ،‬إلى أن يُكوّ ن الق ّديسون‪ ،‬في اتحادهم ببشريّة ابن هللا‪ " ،‬هذا اإلنسان‬
‫الكامل الذي يحقّق ملء المسيح "(أف ‪ " :)23 : 2‬المسيح الكلّي " بحسب تعبير القديس‬
‫‪.‬أوغسطينوس‬
‫ُ‬
‫ترمز النا ُر إلى قدرة‬ ‫‪ -969‬النار‪ ،‬فيما الماء تعني الوالدة وخصب الحياة التي يهبها الروح القدس‪،‬‬
‫أعمال الروح القدس المحوّ لة‪ .‬فالنبي إيليا‪ ،‬الذي " قام كالنار‪ ،‬وكان كالمه يتو ّقد كالمشعل‬
‫نار السماء‪ ،‬وهي صورةٌ لنار الروح القدس الذي يحوّ ل (‬ ‫سير ‪ ،)2 : 28‬انزل على ذبيحة جبل الكرمل َ‬
‫ما يلمسه‪ .‬ويوح ّنا المعمدان‪ " ،‬الذي سار أمام الربّ بروح إيليا وقدرته "(لو ‪،)21 :2‬‬
‫ب ّشر بالمسيح معلنا ً أنه هو الذي " سيعمّد بالروح القدس والنار "(لو ‪ ،)21 : 3‬هذا الروح الذي سوف‬
‫جئت أللقي على األرض ناراً‪ ،‬كم أو ُّد لو تكون قد اضطرمت "‬ ‫ُ‬ ‫يقول عنه يسوع‪ " :‬لقد‬
‫لو ‪ .)21 : 21‬وبهيئة ألسنة " كأنها من نار " ح ّل الروح القدس على التالميذ في صباح العنصرة‪( ،‬‬
‫تعبير عن عمل الروح القدس‪ " :‬ال ُتطفئوا‬ ‫ٍ‬ ‫ومألهم منه ولقد حفظ التقليد الرّ وحي رمز النار هذا كأفصح‬
‫‪.‬الروح "(‪ 2‬تس ‪)2 1 : 1‬‬
‫‪ -966‬السحابة والنور‪ .‬هذان الرمزان ال ينفصالن في تجلّيات الروح القدس‪ .‬فالسحابة منذ ظهورات‬
‫هللا في العهد القديم‪ ،‬تارةٌ مظلمة وتارة منيرة تكشف هللا الحيّ والمخلّص‪ ،‬وهي تحجب سموّ مجده‪ :‬مع‬
‫موسى على جبل سيناء‪ ،‬وفي خيمة الموعد‪ ،‬وفي أثناء المسيرة في الصحراء‪ ،‬ومع سليمان لدى تكريس‬
‫الصور قد أتمّها المسي ُح في الروح القدس‪ .‬فالروح القدسُ هو الذي ح ّل على مريم العذراء‬ ‫َ‬ ‫الهيكل‪ .‬فهذه‬
‫وظلّلها لتحبل بيسوع وتلده‪ .‬وهو الذي على جبل التجلي‪ " ،‬أتى في السحابة التي ظللت " يسوع وموسى‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫صوت يقول‪ :‬هذا هو ابني‪ ،‬مختاري‪ ،‬فاسمعوا له‬ ‫ٌ‬ ‫وإيليا‪ ،‬وبطرس ويعقوب ويوحنا‪ .‬وانطلق من السحابة‬
‫"(لو ‪ ،)31 :1‬والسحابة عينها هي أخيراً التي " أخذت يسوع عن عيون " التالميذ في يوم صعوده إلى‬
‫‪.‬السماء‪ ،‬والتي سوف تكشف أنه ابنُ البشر في مجده في يوم مجيئه الثاني‬
‫‪ -966‬الختم‪ ،‬هو رم ٌز قريبٌ من رمز المسحة‪ ,‬فالمسيح هو " الذي ختمه هللا نفسُه "(يو ‪ ،)11 : 1‬وفيه‬
‫يختمنا اآلب نحن أيضاً‪ .‬وإن صورة الختم‪ ،‬لكونها تد ّل على مفعول مسحة الروح القدس الذي ال يُمحى‬
‫في أسرار المعموديّة والميرون والكهنوت‪ ،‬قد استعملتها بعض التراثات الالهوتيّة لتعبّر عن " الوسم "‬
‫‪.‬الذي ال يُمحى الذي تطبعه تلك األسرار التي ال يجوز تكرارها للشخص الواحد‬
‫‪ -966‬اليد‪ ،‬أن يسوع‪ ،‬بوضع يديه‪ ،‬شفي المرضى وبارك األوالد الصغار‪ .‬وكما فعل هو‪ ،‬فعل الرسُل‬
‫على مثاله وباسمه‪ .‬وأفضل من ذلك‪ ،‬فالروح القدس إ ّنما يُعطى بوضع أيدي الرسُل‪.‬‬
‫وتورد الرسالة إلى العبارنيّين وضع األيدي في عداد " األمور األساس ّية " من تعليمها‪ .‬وتلك العالمة‬
‫‪.‬لسكب الروح القدس بكامل قدرته‪ ،‬قد حفظتها الكنيسة في صلوات استدعاء اروح القدس في األسرار‬
‫‪ -666‬األصبع‪ .‬كان يسوع " باصبع هللا يخرج الشياطين‪ .‬وإن كانت شريعة هللا قد ُكتبت على ألواح من‬
‫الحجر " بإصبع هللا "(خر ‪ .)28 : 32‬فإنّ " رسالة المسيح "التي فُوّ ضت إلى الرسل‪ " ،‬قد ُكتبت بروح‬
‫هللا الحيّ ال في ألواح من الحجر‪ ،‬بل في ألواح من لحم‪ ،‬في القلوب "(‪ 1‬كو ‪ .)3 : 3‬والنشيد " تعا َل أيها‬
‫‪.‬الروح الخالق " يبتهل إلى الروح القدس داعيا ً إيّاه " إصبع يمين اآلب "‬
‫‪ -666‬الحمامة‪ .‬في نهاية الطوفان(الذي يتعلّق رمزه بالمعموديّة) عادت الحمامة التي أطلقها نوح‪ ،‬وفي‬
‫داللة على أنّ األرض صارت من جديد قابلة للسكنى‪ .‬وعندما خرج المسي ُح‬ ‫ً‬ ‫فمها ورقة زيتون خضراء‪،‬‬
‫من ما ِء معموديّته‪ ،‬نزل الرو ُح القدسُ بهيئة حمامة وح ّل عليه‪ .‬والروح ينزل ويحل في قلب المعتمدين‬
‫حفظ القربان المق ّدس‪ ،‬الزاد اإلفخارستيّ ‪ ،‬في وعا ٍء من معدن بهيئة حمامة‬ ‫المطهّر‪ .‬وفي بعض الكنائس ُي ُ‬
‫معلّ ٍق فوق الهيكل‪ .‬إن رمز الحمامة لإلشارة إلى الروح القدس هو تقليديّ ّّ ٌّ في الفن اإليقونوغرافيّ‬
‫المسيحيّ ‪.‬‬

‫‪ .ً6‬الروح وكلمة هللا في زمن المواعيد‬


‫‪ -666‬منذ البدء حتى " ملء الزمان"‪ ،‬ظلّت في الخفاء رسالة االبن وروح اآلب المشتركة‪،‬‬
‫ولكنها كانت تعمل‪ .‬ففيها هيّأ َ روح هللا زمن الماسّيا‪ ،‬وكالهما‪ ،‬ولم ينكشفا بع ُد تماماً‪ ،‬كانا‬
‫موضع الوعد‪ ،‬لكي ينتظرهما الناس ويقبلوهما لدى تجلّيهما‪ .‬لذلك عندما تقرأ الكنيسة العهد‬
‫‪.‬القديم‪ ،‬تبحث فيه ما يريد الروح " الناطق باألنبياء " أن يقوله لنا عن المسيح‬
‫بلفظة " األنبياء " يعني إيمان الكنيسة ك ّل الذين ألهمهم الروح القدس في الكرازة الحيّة وفي تدوين األسفار‬
‫المق ّدسة‪ ،‬سوا ٌء كان ذلك في العهد القديم أو في العهد الجديد‪ .‬أما التقليد اليهوديّ ف ُيميّز الناموس(األسفار الخمسة‬
‫‪.‬األولى)‪ ،‬واألنبياء(األسفار التي ندعوها تاريخيّة ونبويّة)‪ ،‬والكتب(والسيّما الحكميّة‪ ،‬وبنوع خاص المزامير)‬

‫في الخلق‬

‫أصل كيان وحياة ك ّل خليقة ‪:‬‬


‫ِ‬ ‫ُ‬
‫كلمة هللا وروح ُه هما في‬ ‫‪-666‬‬
‫" للروح القدس أن يملك على الخليقة ويق ّدسها يحييها‪ ،‬أل ّنه إل ٌه واح ٌد في الجوهر مع اآلب والكلمة‪ .‬إنّ الروح‬
‫‪.‬القدس هو مبدأ الحياة وله الكرامة‪ ،‬فإ ّنه كإله يًؤيّد البرايا كلّها ويصو ُنها في اآلب واالبن "‬
‫‪ " -666‬أمّا اإلنسان فقد صنعه هللا بكلتا يديه(أي االبن والروح القدس) ورسم على الجسد‬
‫‪.‬المصنوع صور َته الخاصة‪ ،‬بحيث إنّ حتى ما هو مرئيٌّ يحمل الهيئة اإللهية "‬

‫روح الوعد‬
‫‪ -665‬اإلنسان‪ ،‬وإن شوّ هته الخطيئة والموت‪ ،‬يبقى " على صورة هللا "‪ ،‬على صورة االبن‪،‬‬
‫ولك ّنه " يعوزه مجد هللا "‪ ،‬ويعوزه " المثال "‪ .‬إن الوعد الذي أعطي إلبراهيم قد افتتح تدبير‬
‫الخالص‪ ،‬الذي في نهايته إ ّتخذ اإلبن " الصورة "‪ ،‬وأعاد إليها " المثال " مع اآلب‪ ،‬واهبا ً لها من‬
‫‪.‬جديد المجد‪ ،‬الروح "المعطي الحياة"‬
‫بنسل يكون ثمر َة اإليمان وقدرة الروح‬
‫ٍ‬ ‫‪ -669‬لقد وعد هللا إبراهيم‪ ،‬على خالف ك ّل رجا ٍء بشريّ ‪،‬‬
‫القدس‪ ،‬وفيه تتبارك جميع أمم األرض‪ .‬وهنا النس ُل هو المسيح‪ ،‬الذي حقّق فيض الروح القدس‬
‫فيه وحدةُ أبناء هللا المش ّتتين‪ .‬إن هللا‪ ،‬بالتزامه بق َسم‪ ،‬التزم في الوقت عينه بأن يهب لنا ابنه‬
‫‪.‬الحبيب‪ ،‬ورو َح الموعد الق ّدوس لفداء الشعب الذي اقتناه هللا‬
‫في الظهورات اإلله ّية والناموس‬

‫‪ -666‬إن الظهورات اإللهيّة(تجليّات هللا) قد أنارت طريق الوعد‪ ،‬من اآلباء إلى موسى ويشوع‬
‫حتى الرؤى التي افتتحت رسالة األنبياء الكبار‪ .‬وقد إعترف التقليد المسيح ّي على الدوام أنّ كلمة‬
‫هللا هو الذي كان يُسمع ويُرى في تلك الظهورات اإللهيّة‪ .‬إنه الكلمة الموحى به‪ ،‬والذي في الوقت‬
‫ُ‬
‫سحابة الروح القدس‪.‬‬ ‫عينه "تظللهُ"‬
‫ُ‬
‫‪-666‬هذا النهج التربويّ اإللهيّ ظهر بنوع خاص في عط ّية الناموس‪ .‬فقد أعطي الناموس‬
‫"كمؤ ِّدب" يُرشد الشعب إلى المسيح‪ .‬ولكنّ عجزه عن خالص اإلنسان الفاقد "المثال" اإللهيّ‬
‫روح القدس‪ .‬وتشهد على ذلك‬ ‫ومعرفة الخطيئة التي أكسبه إيّاها بازدياد‪ ،‬إيقضا فيه رغبة ال ِ‬
‫‪.‬تنهّدات المزامير‬

‫في المملكة والسبي‬

‫‪ -666‬كان على الناموس‪ ،‬وهو عالمة الوعد والعهد‪ ،‬أن يسوس قلب الشعب الذي تكوّ ن من إيمان‬
‫إبراهيم‪ ،‬ويسوس مؤسّساته‪ " :‬إن سمع ُتم لصوتي وحفظ ُتم عهدي‪ ...‬تكونون لي مملكة من الكهنة‬
‫وأم ًّة مق ّدسة "(خر ‪ .)1-1 : 21‬ولكن بعد داود‪ ،‬سقط إسرائيل في تجربة أن يصير مملكة كسائر‬
‫األمم‪ .‬بيد أنّ المملكة‪ ،‬موضوع الوعد الذي و َعد به هللا داود‪ ،‬ستكون عم ّل الروح القدس‪ ،‬وهي‬
‫‪.‬الملكوت الذي يحصل عليه الفقراء بالروح‬
‫‪ -666‬إن نسيان الناموس وعدم األمانة للعهد قادا إلى الموت‪ :‬فكان السبي‪ ،‬الذي هو في الظاهر‬
‫ٌ‬
‫أمانة في السرّ من قبل هللا المخلّص‪ ،‬وبد ُء تجديد موعود به‪،‬‬ ‫ٌ‬
‫إخفاق للمواعيد‪ ،‬ولكنه في الواقع‬
‫ولكنْ بحسب الروح‪ .‬كان الب ّد من أن يخضع شعبُ هللا لتلك التنقية‪ .‬فالسبي‪ ،‬منذ حدوثه‪ ،‬يحمل في‬
‫صور الكنيسة األكثر‬
‫تصميم هللا ظ َّل الصليب‪ ،‬والبقيّة من الفقراء التي تعود منه هي إحدى َ‬
‫‪.‬شفافيّة‬

‫تر ّقب الما ّ‬


‫سيا وروحه‬

‫‪ " -666‬ها أناذا آتي بالجديد "(أش ‪ :)21 : 23‬هناك ّ‬


‫خطان نبويّان يرتسمان‪ ،‬يتعلّق أحدهما‬
‫بترقّب الماسّيا‪ ،‬واآلخر بالتبشير بروح جديد‪ ،‬ويتالقيان في "البقيّة" الضئيلة‪ ،‬شعب الفقراء‪ ،‬الذي‬
‫‪.‬ينتظر في الرجاء "تعزية إسرائيل" و "فدا َء أورشليم"(لو ‪)38 ،11 : 1‬‬
‫ُ‬
‫االرتباط بين الماسّيا‬ ‫رأينا سابقا ً كيف أت ّم يسو ُع النبوءات المتعلّقة به‪ .‬لذلك نقتصر هنا على تلك التي يظهر فيها‬
‫‪.‬وروحه‬
‫سيا المنتظر تظهر أوالً في كتاب عمانوئيل("عندما شاهد أشعيا في‬
‫‪ -666‬إن تقاسيم وجه الما ّ‬
‫الرؤيا مجد " المسيح‪ :‬يو ‪ ،)22 : 21‬والسيّما في أش ‪: 1-2 : 22‬‬
‫" ويخرج غصن من جذع يسّى‪،‬‬
‫وينمي فرعٌ من أصوله ‪:‬‬
‫عليه يح ّل رو ُح الربّ ‪:‬‬
‫روح الحكمة والفهم‪،‬‬
‫رو ُح المشورة والقوّ ة‪،‬‬
‫رو ُح العلم ومخافة الربّ "‬
‫‪ -666‬تقاسيم الماسّيا كشفتها بنوع خاص أناشيد عبد هللا‪ .‬وقد أنبأت تلك األناشيد عن معنى آالم‬
‫يسوع‪ ،‬ودلّت هكذا على الطريقة التي سوف يُفيض فيها الروح القدس إلحياء الكثيرين‪ :‬ليس من‬
‫الخارج‪ ،‬بل با ّتخاذه "صورة عبد"(في ‪ .)1 : 1‬أنه باتخاذه مو ّتنا‪ ،‬استطاع أن يهبنا روح الحياة‪،‬‬
‫‪.‬الذي هو روحه الخاصّ‬
‫‪ -666‬لذلك استه ّل المسيح إعالن البشرى السعيدة بتطبيق المقطع التالي من أشعيا على نفسه‬
‫لو ‪(: )21-28: 2‬‬
‫" روح الربّ عليّ ‪،‬‬
‫أل ّنه مسحني‪،‬‬
‫ألب ّشر الفقراء‪،‬‬
‫وأرسلني ألنادي للمأسورين بالتخلية‪،‬‬
‫وللعميان بالبصر‪،‬‬
‫طلق المر َهقين أحراراً‪،‬‬‫وأل ُ َ‬
‫قبول عند الرب "‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫وأنادي بسن ٍة‬
‫َ‬
‫‪ -665‬النصوص النبويّة المتعلّقة مباشرة بإرسال الروح القدس هي نبؤات يخاطب فيها هللا قلب‬
‫شعبه بلغة الوعد‪ ،‬مع نبرات الحب واألمانة‪ ،‬التي أعلن القديس بطرس تحقيقها في صباح‬
‫قلوب الناس‪ ،‬إذ يحفر‬ ‫َ‬ ‫العنصرة‪ .‬فبحسب تلك الوعود‪ ،‬سيج ّدد رو ُح الربّ في "األزمنة األخيرة"‬
‫فيها شريعته الجديدة‪ ،‬فيجمع الشعوب المش ّتتة والمنقسمة ويصالحها‪ ،‬ويحوّ ل الخليقة األولى‪ ،‬ويقيم‬
‫هللا فيها سكناه مع البشر في السالم‪.‬‬
‫‪ -669‬إن شعب " الفقراء"‪ ،‬أولئك المتواضعين والودعاء‪ ،‬المستسلمين كل ّيا ً لمقاصد هللا السريّة‪،‬‬
‫الذين ينتظرون العدل‪ ،‬ال من الناس‪ ،‬بل من الماسّيا‪ ،‬هو في النهاية العمل األكبر لرسالة الروح‬
‫تهيئة لمجيء المسيح‪ .‬وجودة قلبهم‪ ،‬المنقّى والمستنير بالروح‪،‬‬ ‫ً‬ ‫القدس الخفيّة في زمن المواعيد‬
‫‪.‬هي التي تعبّر عنها المزامير‪ .‬في أولئك الفقراء‪ ،‬هيّأ الروح للرب "شعبا ً مستع ّدا"ً‬

‫‪ -ً6‬روح المسيح في ملء الزمان‬


‫يوحنا السابق وال ّنبي والمعمدان‬

‫‪ " -666‬كان إنسانٌ مرس ٌل من هللا اسمه يوح ّنا "(يو ‪ .)1: 2‬إن يوحنا قد " امتأل من الروح القدس‬
‫وهو بع ُد في بطن امه "(لو ‪ ،)21 : 2‬بوساطة المسيح نفسه الذي كانت مري ُم العذرا ُء منذ فتر ٍة‬
‫وجيز ٍة قد حبلت به من الروح القدس‪ .‬و " زيارة " مريم ألليصابات صارت هكذا زيارة هللا نفسِ ه‬
‫‪.‬التي بها افتقد شعبه‬
‫ّ‬
‫‪ -666‬يوحنا هو "إيليا المزمع أن يأتي" ‪ :‬إن نار الروح القدس قد حلت فيه وجعلته " كسابق"‬
‫يسير امام الربّ الذي كان آتياً‪ .‬في يوحنا السابق‪ ،‬أت ّم الروح القدس عملَه بأن " يهيي ِء للربّ شعبا ً‬
‫‪.‬مُستع ّداً "(لو ‪)21 : 2‬‬
‫َ‬
‫"النطق باألنبياء"‪ .‬لقد ختم يوحنا‬ ‫‪ -666‬يوحنا "أفض ُل من نبيّ "‪ .‬فيه أكمل الرو ُح القدسُ ًّ‬
‫المعزي الذي كان‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬
‫"صوت"‬ ‫شر بقرب تعزية إسرائيل‪ ،‬أنه‬ ‫مجموعة األنبياء التي افتتحها إيليا‪ .‬فب ّ‬
‫آتيا ً(يو ‪ .)13 : 2‬وعلى غرار روح الحق‪" ،‬فقد جاء للشهادة‪ ،‬ليشهد للنور "(يو ‪ .)1 : 2‬في نظر‬
‫يوحنا‪ ،‬الرو ُح يُت ّم هكذا " بحث األنبياء " و " اشتهاء " المالئكة ‪ " :‬إن الذي ترى الروح ينزل‬
‫عاينت‪ ،‬وأشهد أن هذا هو ابن هللا‪ .‬هذا‬ ‫ُ‬ ‫ويستقرّ عليه‪ ،‬هو الذي يعمّد بالروح القدس‪ .‬فذلك ما قد‬
‫‪.‬هو حمل هللا "(يو ‪)31-33 : 2‬‬
‫‪ -666‬وأخيراً يوحنا مع المعمدان يفتتح الروح القدس‪ ،‬بصورة مسبّقة‪ ،‬ما سوف يحققه مع المسيح‬
‫وفيه‪ :‬أي أن يعيد لإلنسان "المثال" اإللهيّ ‪ .‬معموديّة يوحنا كانت للتوبة‪ ،‬أما المعموديّة في الماء‬
‫‪.‬والروح فستكون والدة جديدة‬

‫" افرحي يا ممتلئة نعمة "‬

‫‪ -666‬مريم‪ ،‬والدة اإلله الكليّة القداسة والدائمة البتوليّة‪ ،‬هي أرو ُع عمل أنجزته رسالة االبن‬
‫سكنى حيث يستطيع ابنه‬ ‫والروح في ملء الزمان‪ .‬للمرّ ة األولى في قصد الخالص‪ ،‬وجد اآلب ال ُّ‬
‫وروحُه أن يُقيما بين البشر‪ ،‬ذلك أن روحه هو الذي هيّأ َ تلك السُّكنى‪ .‬وفي هذا المعنى رأى مراراً‬
‫عالقة بين تلك النصوص ومريم‪.‬‬ ‫ً‬ ‫تقليد الكنيسة‪ ،‬في قراءته أجمل النصوص في الحكمة‪،‬‬
‫ّ‬
‫وتتمثلها كأ ّنها "عرش الحكمة""‪.‬‬ ‫فالليترجيا تر ّنم لمريم‬
‫فيها تجلّت أوّ الً "عظائم هللا" التي سوف يحقّقها الرو ُح في المسيح والكنيسة ‪:‬‬
‫‪ -666‬فالروح القدس ه ّيأ مريم بنعمته‪ .‬فقد كان يليق بأن تكون "ممتلئة نعمة" أ ُّم الذي فيه‬
‫"يح ّل ك ُّل ملء الالهوت جسد ّياً"(كو ‪ .)1 : 1‬فبمحض نعمته‪ ،‬حُب َل بها دون خطيئة كأوضع‬
‫الخالئق واألكثر قدر ًة على تقبّل عطيّة هللا القدير التي تفوق الوصف‪ .‬وبحق حيّاها المالك‬
‫جبرائيل تحيّة "ابنة صهيون" ‪" :‬افرحي"‪ .‬وما رفعته إلى اآلب في الروح القدس في نشيدها‪،‬‬
‫االبن األزليّ ‪ ،‬إ ّنما هو شك ُر شعب هللا كله‪ ،‬أي الكنيسة‬
‫َ‬ ‫‪.‬وهي تحمل في حشاها‬
‫‪ -666‬وفي مريم‪ ،‬ح َّقق الرو ُح القدسُ قصد هللا العطوف‪ .‬فبالروح القدس‪ ،‬حبلت مريم بابن هللا‬
‫‪.‬وولدته‪ .‬وقد صارت بتوليّتها الفريدة خصبا ً بقدرة الروح واإليمان‬
‫ابن العذراء‪ .‬إ ّنها ال ُعلَّيقى الم ّتقدة‬
‫ابن اآلب الذي صار َ‬ ‫‪ -666‬وفي مريم‪ ،‬أظهر الروح القدس َ‬
‫للظهور اإللهيّ النهائيّ ‪ :‬لقد مألها الرو ُح القدس‪ ،‬فأظهرت الكلمة في تواضع جسده وعرّفته‬
‫‪.‬للفقراء ولبواكير األمم‬
‫‪ -665‬وفي مريم أخيراً‪ ،‬بدأ الروح القدس ُيشرك بالمسيح الناس‪ ،‬موضوع حبّ هللا العطوف‬
‫" مسرّ ة " هللا)‪ ،‬وقد كان على الدوام المتواضعون أول الذين قبلوه‪ :‬الرعاة‪ ،‬المجوس‪ ،‬سمعان (‬
‫‪.‬وح ّنة‪ ،‬عروسا قانا‪ ،‬والتالميذ األوّ لون‬
‫‪ -669‬في ختام رسالة الروح هذه‪ ،‬صارت مري ُم "المرأة"‪ ،‬حواء الجديدة "أ َّم األحياء"‪ ،‬أ َّم‬
‫" المسيح الكلّي "‪ .‬وبتلك الصفة هي حاضرة مع االثني عشر‪" ،‬المواظبين على الصالة بنفس‬
‫واحدة "(أع ‪ ،)22 : 2‬في فجر " األزمنة األخيرة " التي افتتحها الروح القدس في صباح‬
‫‪.‬العنصرة مع تجلّي الكنيسة‬

‫المسيح يسوع‬
‫ً‬
‫‪ -666‬ك ُّل رسالة االبن والروح القدس في ملء الزمان متضمّنة في أنّ االبن هو الممسوح من‬
‫‪.‬روح اآلب منذ تجسّده‪ :‬يسو ُع هو المسيح ماسّيا‬
‫ُ‬
‫رسالة االبن‬ ‫على هذا الضوء يجب أن يُقرأ ك ّل الفصل الثاني من قانون اإليمان‪ .‬إنّ عمل المسيح بمجمله هو‬
‫يسوع وبمنح ُه إيّاه من‬
‫َ‬ ‫والروح القدس المشتركة‪ .‬وسنقتصر هنا على ذكر ما يتعلّق بوعد الروح القدس من ِق َبل‬
‫‪.‬قبل الربّ الممجّ د‬
‫‪ -666‬إنّ يسوع لم يكشفْ كشفا ً تا ّما ً الروح القدس طالما هو نفسه لم يُمجَّ د بموته وقيامته‪ .‬ولكنه‬
‫أشار إليه شيئا ً فشيئاً‪ ،‬حتى في تعليمه الجماهير‪ ،‬عندما كشف أنّ جسده سيكون غذا ًء ألجل حياة‬
‫وأشار إليه أيضا ً في حديثه مع نيقوديموس‪ ،‬والسامريّة‪ ،‬وك ّل الذين كانوا َيشاركون في عيد‬ ‫َ‬ ‫العالم‪.‬‬
‫المظالّ‪ .‬وقد كلّم تالميذه عنه بصراحة في معرض الصالة‪ ،‬والشهادة التي سوف يتوجّ ب عليهم‬
‫‪.‬أن يُؤ ّدوهما‬
‫‪ -666‬إال ّ أنّ يسوع لم يعِد بمجيء الروح القدس إال ّ عندما حانت الساعة التي سوف يُمجَّ د فيها‪ ،‬إذ‬
‫ّ‬
‫المعزي اآلخر‪،‬‬ ‫ّ‬
‫الحق‪،‬‬ ‫أعطي لآلباء‪ : .‬إنّ رو َح‬
‫َ‬ ‫إنّ مو َته وقيام َته سيكونان تحقيق الوعد الذي‬
‫سيهبُه اآلبُ جوابا ً عن صالة يسوع‪ ،‬سيرسله اآلب باسم يسوع‪ ،‬سيرسله يسوع من لدن اآلب‪،‬‬
‫ألنه ينبثق من اآلب‪ .‬الروح القدس سيأتي‪ ،‬سنعرفه‪ ،‬وسيكون معنا على الدوام‪ ،‬ويقيم معنا‪،‬‬
‫سيعلّمنا ك َّل شيء‪ ،‬ويُذ ّكرنا بك ّل ما قاله لنا يسوع‪ ،‬وسيشهد له‪ ،‬سيُرشدنا إلى الحقيقة كلّها وسيمجَّ د‬
‫‪.‬يسوع‪ .‬أما العالم‪ ،‬فسيُفحمه الروح القدس بشأن الخطيئة والبرّ والدينونة‬
‫روحه بين يدي اآلب في اللحظة التي انتصر فيها‬ ‫َ‬ ‫‪ -666‬وأخيراً أتت ساعة يسوع‪ :‬استودع يسوع‬
‫على الموت بموته‪ ،‬بحيث إ ّنه " بعد أن أُقيم من بين األموات بمجد اآلب "(رو ‪ ،)2 : 1‬أعطى‬
‫رسالة المسيح والروح‬ ‫ُ‬ ‫على الفور الروح القدس‪ ،‬إذ "نفخ" في تالميذه‪ .‬ومنذ تلك الساعة‪ ،‬صارت‬
‫‪.‬القدس رسالة الكنيسة‪ " :‬كما أنّ اآلب أرسلني‪ ،‬كذلك أنا أرسلكم "(يو ‪)12 : 11‬‬

‫‪ -ً5‬الروح والكنيسة في األزمنة األخيرة‬


‫العنصرة‬
‫‪ -666‬في يوم العنصرة(في نهاية األسابيع الفصحيّة السبعة)‪ ،‬اكتمل فصح المسيح في انسكاب‬
‫الروح القدس الذي أُظهر ووُ هِب و ُمنِح كأقنوم إلهيّ‪ :‬إنّ المسيح الربّ ‪ ،‬من ملئِه‪ ،‬قد أفاض الروح‬
‫‪.‬بسخاء‬
‫شر به‬ ‫‪ -666‬في ذلك اليوم‪ ،‬اكتمل وح ُي الثالوث الق ّدوس‪ .‬ومنذ ذلك اليوم صار الملكوت الذي ب ّ‬
‫المسي ُح مفتوحا ً أمام الذين يؤمنون به‪ :‬في وضاعة الجسد وفي اإليمان‪ ،‬يدخلون منذ اآلن في‬
‫شركة الثالوث الق ّدوس‪ ،‬إنّ الروح القدس‪ ،‬بمجيئه‪ ،‬وهو ال يزال يأتي‪ ،‬يُدخل العالم في "األزمنة‬
‫ت الذي صار ميراثنا منذ اآلن ول ّما يكتمل بعد‪:‬‬ ‫زمان الكنيسة‪ ،‬الملكو ِ‬ ‫ِ‬ ‫األخيرة"‪،‬‬
‫الحق‪ :‬فنسجد للثالوث غير المنقسم‪ ،‬أل ّنه‬
‫ّ‬ ‫" لقد نظرنا النور الحقيقيّ ‪ ،‬وأخذنا الروح السماويّ ‪ ،‬ووجدنا اإليمان‬
‫‪.‬خلّصنا "‬

‫الروح القدس – ُ‬
‫هبة هللا‬

‫‪" -666‬هللا محبّة"(‪ 2‬يو ‪ ،)21،8 : 2‬والمحبّة هي الهبة األولى‪ ،‬وهي تتضمّن ك َّل الهبات‬
‫‪.‬األخرى‪ .‬وهذه المحبّة " قد أفاضها هللا في قلوبنا بالروح القدس الذي أعطيناه"(رو ‪)1 : 1‬‬
‫‪ -666‬ألننا مائتون‪ ،‬أو على األقل مجروحون بالخطيئة‪ ،‬المفعو ُل األو ُل لعطيّة المحبّة هو غفران‬
‫الخطايا‪ .‬إنّ شركة الروح القدس(‪ 1‬كو ‪ )23 : 23‬هي التي‪ ،‬في الكنيسة‪ُ ،‬تعيد إلى‬
‫‪.‬المعمّدين المثال اإللهيّ المفقود بالخطيئة‬
‫‪ -665‬وهو يعطي إذ ذاك "عربون" أو "بواكير" ميراثنا‪ :‬أعني حيا َة الثالوث الق ّدوس نف َسها‪ ،‬التي‬
‫تقوم على أن نحبَّ "كما أحبّنا"‪ ،‬هذه المحبّة(راجع المحبّة في ‪ 2‬كو ‪ )23‬هي مبدأ الحياة الجديدة‬
‫في المسيح التي صارت ممكنة ألننا "نلنا قوّ ًة‪ ،‬هي قوّ ةُ الروح القدس"(اع ‪.)8 : 2‬‬
‫‪ -669‬بقدرة الروح هذه‪ ،‬يستطيع أوال ُد هللا أن يحملوا ثمراً‪ .‬إن الذي طعّمنا على الكرمة الحقيقيّة‪،‬‬
‫يعطينا أن نحمل "ثمر الروح‪ ،‬وهو المحبّة والفرح والسالم‪ ،‬وطول األناة واللطف والصالح‬
‫واألمانة‪ ،‬والوداعة والعفاف"(غل ‪ .)13-11 : 1‬الرو ُح هو حياتنا‪ ،‬وبقدر ما ننكر ذواتنا‪ ،‬نسلك‬
‫‪.‬أيضا ً بحسب الروح‬
‫" من ي ّتحد بالروح القدس‪ ،‬يجعله الرو ُح القدسُ روح ّياً‪ ،‬ويُعيده إلى الفردوس‪ ،‬وير ّده إلى ملكوت السموات وإلى‬
‫التب ّني اإللهي‪ ،‬ويهبه الثقة ليدعو هللا أباً‪ ،‬ويشترك في نعمة المسيح‪ ،‬ويُدعى ابنا ً للنور‪ ،‬ويصير له نصيبٌ في‬
‫‪.‬المجد األبدي "‬

‫الروح القدس والكنيسة‬

‫‪ -666‬أنّ رسالة المسيح والروح القدس تتحقّق في الكنيسة‪ ،‬جسد المسيح وهيكل الروح القدس‪.‬‬
‫هذه الرسالة المشتركة تض ّم من اآلن فصاعداً المؤمنين بالمسيح إلى شركتها مع اآلب في الروح‬
‫يهي ُء الناس‪ ،‬ويستدركهم بنعمته‪ ،‬ليجتذبهم إلى المسيح‪ .‬إنه ُيظهر لهم الربَّ‬ ‫القدس‪ :‬فالروح ّ‬
‫القائم‪ ،‬ويذ ّكرهم كالمه‪ ،‬ويفتح ذهنهم لفهم موته وقيامته‪ .‬يجعل حاضرا لديهم سرّ المسيح‪ ،‬وبنوع‬
‫‪.‬خاص في اإلفخارستيّا‪ ،‬ليصالحهم و ُيدخلهم في الشركة مع هللا‪ ،‬لكي يجعلهم يأتون بثمر كثير"‬
‫‪ -666‬هكذا ال تضاف رسالة الكنيسة إلى رسالة المسيح والروح القدس‪ ،‬بل هي سرُّ ها‪ :‬إ ّنها‬
‫شر بسرّ شركة الثالوث الق ّدوس‪ ،‬وتشهد له‪ ،‬وتح ِّققه‪،‬‬ ‫مرسلة‪ ،‬بك ّل كيانها وفي جميع أعضائها‪ ،‬لتب ّ‬
‫‪.‬وتنشره(هذا سيكون موضوع المقال التالي)‬
‫الروح الواحدَ نفسه‪ ،‬أي الروح القدس‪ ،‬قد انصهرنا في ما بيننا ومع هللا‪ .‬ذلك أ َنه‪ ،‬مع‬
‫َ‬ ‫" نحن جميعنا الذين نالوا‬
‫كوننا‪ ،‬ك ّل بمفرده‪ ،‬كثيرين‪ ،‬ومع كون المسيح يجعل روح اآلب وروحه الخاصّ يسكن في ك ّل م ّنا‪ ،‬هذا الرو ُح‬
‫جميع الذين هم متميّزون في ما بينهم‪ ،‬ويجعلهم َيظ َهرون واحداَ‬
‫َ‬ ‫الواح ُد وغي ُر المنقسم يعيد بذاته إلى الوحدة‬
‫توجد فيهم يكوّ نون جسداً واحداً‪ ،‬بالطريقة عينها‬
‫َ‬ ‫الذين‬ ‫ل‬
‫ّ‬ ‫ك‬ ‫تجعل‬ ‫سة‬ ‫بالذات‪ .‬وكما أنّ قدرة بشر ّي ِة المسيح المق ّد‬
‫أعتقد أنَّ روح هللا الذي يسكن فينا‪ ،‬الواحد وغير المنقسم‪ ،‬يعيدهم جميعا ً إلى الوحدة الروحيّة "‪.‬‬
‫مسحة المسيح‪ ،‬فالمسيحُ‪ ،‬رأس الجسد‪ ،‬هو الذي يُفيضه في أعضائه‬ ‫ُ‬ ‫‪ -666‬ألنّ الروح القدس هو‬
‫ّ‬
‫وينظ َمهم في وظائفهم المتبادلة‪ ،‬ويحييهم‪ ،‬ويُرسلهم للشهادة‪ ،‬وي ٌ‬
‫ضمّهم إلى‬ ‫ل ّ‬
‫يغذيهم‪ ،‬ويشفيهم‪،‬‬
‫تقدمة ذاته إلى اآلب وإلى شفاعته من أجل العالم كلِّه‪.‬بأسرار الكنيسة يمنح المسي ُح أعضاء جسده‬
‫روحه الق ّدوس والمق ِّدس(هذا سيكون موضوع الجزء الثاني من التعليم)‬
‫‪َ .‬‬
‫‪ -666‬إنّ " عظائم هللا" هذه‪ ،‬المق ّدمة للمؤمنين في أسرار الكنيسة‪ ،‬تحمل ثمارها في الحياة‬
‫‪.‬الجديدة‪ ،‬في المسيح‪ ،‬بحسب الروح(هذا سيكون موضوع الجزء الثالث من التعليم)‬
‫‪ " -666‬الروح يعض ُد ضُعفنا‪ ،‬أل ّنا ال نعرف كيف ًنصلّي كما ينبغي‪ ،‬لكنّ الروح نفسه يشفع فينا‬
‫ت تفوق الوصف "(رو ‪ .)11 : 8‬الرو ُح القدس‪ ،‬صانع أعمال هللا‪ ،‬هو مُعلّم الصالة(هذا‬ ‫بأنا ٍ‬
‫‪.‬سيكون موضوع الجزء الرابع من التعليم)‬

‫بإيجاز‬

‫‪ " -666‬الدليل على انكم ابناء‪ ،‬كونُ هللا أرسل إلى قلوبنا روح ابنه‪ ،‬ليصرخ فيها‪ :‬أبّأ‪ ،‬أيها‬
‫‪.‬اآلب"(غل ‪)6 : 4‬‬
‫‪ -666‬من البدء وحتى انقضاء الزمن‪ ،‬عندما يُرسل هللا ابنه‪ ،‬يُرسل دوم ًا رحه ‪ :‬رسالتهما‬
‫‪.‬مشتركة وغي ُر منفصلة‬
‫‪ -666‬في مل ِء الزمان‪ ،‬أكمل الرو ُح القدسُ في مريم ك َّل التحضيرات لمجيء المسيح في شعب‬
‫‪.‬هللا‪ .‬بعمل الروح القدس فيها‪ ،‬أعطى اآلبُ العالم عمانوئيل ‪" :‬هللا معنا"(متى ‪)32 :1‬‬
‫‪ -665.‬ابن هللا ُكرّس مسيح ًا(ماسّيا) بمسحة الروح القدس في تجسّده‬
‫القدس‬
‫َ‬ ‫‪ -669‬إنّ يسوع‪ ،‬بموته وقيامته‪ ،‬قد ُأقيم ر ّب ًا ومسيح ًا في المجد‪ .‬ومن ملئه أفاض الرو َح‬
‫‪.‬على الرسل والكنيسة‬
‫‪ -666‬الرو ُح القدس‪ ،‬الذي يُفيضه المسيحُ‪ ،‬الرأسُ ‪ ،‬في أعضائه‪ ،‬يبني الكنيسة‪ ،‬ويُحييها‪ ،‬ويُق ّدسها‪.‬‬
‫‪.‬إ ّنها سرُّ اتحاد الثالوث الق ّدوس بالبشر‬

‫المقال التاسع‬

‫" أؤمن بالكنيسة المقدّسة الكاثوليك ّية "‬

‫ً‬
‫رغبة حارّ ة‬ ‫‪ " -666‬المسيح نو ُر الشعوب ‪ :‬لذلك يرغب المجم ُع المق ّدس المُلتئِم في الروح القدس‪،‬‬
‫في أن يستنير جمي ُع الناس بنور المسيح المتألِّق على وجه الكنيسة‪ ،‬بإعتالن اإلنجيل للخليقة كلّها‬
‫"‪ .‬بهذه األقوال اف ُتتِح " الدستور العقائدي عن الكنيسة " في المجمع الفاتيكاني الثاني‪ .‬وبهذا يُظهر‬
‫المجم ُع أن العقيدة اإليمانية في شان الكنيسة تتعلّق كلّيا ً بالعقائد المتعلّقة بالمسيح يسوع‪ .‬فليس‬
‫نور المسيح‪ .‬إ ّنها‪ ،‬على ح ِّد ما جاء في الصّورة المحبّبة إلى آباء الكنيسة‪،‬‬
‫للكنيسة نو ٌر آخر غير ِ‬
‫‪.‬أشبه بالقمر الذي ك ُّل نوره انعكاسٌ لنور الشمس‬
‫‪ -666‬الما ّدة في شأن الكنيسة تتعلّق ُكلّيا ً بالما ّدة في شأن الروح القدس التي تسبقها‪ " .‬فبعد أن‬
‫أظهرنا أن الروح القدس هو ينبو ٌع ومصد ُر ك ّل قداسة نعترف اآلن أنه هو الذي َم َهر الكنيسة‬
‫‪.‬بالقداسة "‪ .‬فالكنيسة‪ ،‬على ح ّد تعبير اآلباء‪ ،‬هي المكان "الذي يُزهر فيه الروح"‬
‫‪ -656‬اإليمان بأن الكنيسة "مق ّدسة" و "كاثوليكيّة"‪ ،‬وأنها "واحدة" و "رسوليّة"(كما يُضيفُ ذلك‬
‫قانون نيقية – القسطنطينيّة)‪ ،‬ال ينفصل عن اإليمان باهلل اآلب واالبن والروح القدس‪ .‬وفي قانون‬
‫الرسل نعترف بأننا نؤمن بكنيسة مق ّدسة‪ ،‬ال بالكنيسة‪ ،‬لكي ال نخلط بين هللا وأعماله‪ ،‬ولكي ُن َ‬
‫رجع‬
‫جميع المواهب التي جعلها في كنيسته‬ ‫َ‬ ‫بوضوح إلى الصالح اإللهيّ‬
‫ٍ‬ ‫‪.‬‬

‫الفقرة ‪ -6‬الكنيسة في قصد هللا‬


‫صو ُرها‬
‫‪ .ً6‬أسماء الكنيسة و ُ‬

‫‪ -656‬اللفظة "كنيسة" باليونانيّة معناها دعا‪ ،‬ونادى‪ ،‬تعني "دعوة إلى اجتماع"‪ ،‬إنها تعني‬
‫كثر استعمالها في العهد‬ ‫اجتماعات الشعب‪ ،‬والسيّما ما كان منها ذا طابع ديني‪ .‬إ ّنها اللفظة التي ُ‬
‫القديم اليوناني للداللة على اجتماع الشعب المختار لدى هللا‪ ،‬والسيّما اجتماع سيناء حيث تلقّى‬
‫إسرائي ُل الشريعة‪ ،‬وحيث أقام ُه هللا شعبا ً له مق ّدساً‪ .‬وجماعة المؤمنين بالمسيح األولى عندما دعت‬
‫نفسها "كنيسة" اعتبرت أنها وريثة لهذه المجموعة المختارة‪ .‬وفيها " يدعو" هللا شعبه من جميع‬
‫أنحاء األرض‪.‬‬
‫‪ -656‬في التعبير المسيحيّ ‪ ،‬اللفظة "كنيسة" تد ّل على المجموعة الليترجية‪ ،‬كما تد ُّل على‬
‫الجماعة المحلّيّة‪ ،‬أو على ك ّل جماعة المؤمنين العامّة‪ .‬وهذه المعاني الثالثة هي في الواقع غي ُر‬
‫منفصلة‪" .‬فالكنيسة" هي الشعب الذي يجمعه هللا في العالم كلّه‪ .‬إ ّنها موجودة في الجماعات‬
‫المحلّيّة‪ ،‬وهي تتحقّ ُق كمجموعة ليترجيّة‪ ،‬خصوصا ُ إفخارستيّة‪ .‬وهي تحيا بكلمة المسيح وجسده‪،‬‬
‫هي نفسها وتصي ُر هي نفسها هكذا جسد المسيح‪.‬‬
‫رموز الكنيسة‬

‫‪ -656‬ن ِجد في الكتاب المقدس عدداً كبيراً من الصُّور والرموز المترابطة التي يتكلّم بها الوح ُي‬
‫على سرّ الكنيسة الذي ال يُستقصى‪ .‬فالصُّور المأخوذة من العهد القديم تؤلّف تنوّ عات لفكرة‬
‫جد جميع هذه الصّور مركزاً جديداً من حيث أن‬ ‫أساسيّة هي فكرة "شعب هللا"‪ .‬وفي العهد الجديد ت ِ‬
‫المسيح يصبح "الرأس" لهذا الشعب والذي أصبح جسده‪ .‬وقد تج َمعت حول هذا المركز صو ٌر‬
‫"مأخوذة من حياة الرعاة أو الزراعة‪ ،‬أو مأخوذة من عمل البناء أو من الحياة العيليّة أو الزواج‬
‫"‪.‬‬
‫‪ " -656‬فالكنيسة هي الحظيرة التي إ ّنما المسيح بابُها الذي ال باب سواه والب ّد منه‪ .‬وهي القطيع‬
‫ُغذيها – وإن يكن على رأسها‬ ‫الذي أعلن هللا من قبل أنه سيكون هو راعيه‪ ،‬والذي يتعهّد نعاجه وي ّ‬
‫‪.‬رعاةٌ بشر – هو المسي ُح بالذات‪ ،‬الراعي الصالح ورأس الرعاة الذي بذل نفسه عن نعاجه"‬
‫‪ " -655‬الكنيسة هي األرض التي يزرعها هللا‪ ،‬وحقله‪ ،‬وفي هذا الحقل تنمو الزيتونة القديمة التي كان‬
‫جرت وس ُتجرى المصالحة بين اليهود واألمم‪ ،‬وقد زرعها الكرّ ام‬ ‫اآلباء أصلها المبارك‪ ،‬والتي بها َ‬
‫كرمة مختارة‪ ،‬والكرمة الحقيقيّة هي المسي ُح الذي يُعطي الحياة والخصب لألغصان‪ ،‬أي لنا‬ ‫ً‬ ‫السماويّ‬
‫نثبت فيه‪ ،‬وبدونه ال نستطيع شيئا ً "‬ ‫ُ‬ ‫‪.‬نحن الذين بالكنيسة‬
‫نفسه بالحجر الذي رذله البناؤون‬ ‫‪" -659‬وكثيراً ما ُتنعت الكنيسة بأنها بناء هللا‪ ،‬والربُّ نفسُه شبّه َ‬
‫أس الزاوية(متى ‪ ،21 :12‬أع ‪ 2 ،22 : 2‬بط ‪ ،1 : 1‬مز ‪ .)11 : 228‬وعلى هذا األساس‬ ‫ولك ّنه صار َر َ‬
‫ت متنوّ عة‪ :‬فهو بيت هللا الذي‬ ‫ً‬
‫بنى الرس ُل الكنيسة‪ ،‬ومنه ثبا ُتها وتالحُ مها‪ .‬وقد ُخصَّ هذا البنا ُء بتسميا ٍ‬
‫ص ٍة الهيكل ُ المق ّدس‪ ،‬الم َّ‬
‫ُمثل‬ ‫هللا في الناس‪ ،‬وهو بخا ّ‬ ‫تسكنُ فيه اسر ُته‪ ،‬وهو َمسكن هللا في الروح‪ ،‬وخبا ُء ِ‬
‫بالمعابد من حجارة‪ ،‬الذي أشاد به اآلباء‪ ،‬و ُتشبّهه الليترجيّا بحق المدينة المُق ّدسة‪ ،‬أورشليم الجديدة‪ .‬ذلك‬
‫بأننا كالحجار ِة الح ّي ِة في بنائِها على األرض‪ .‬وهي تلك المدينة المقدسة التي شاهدها يوحنا‪ ،‬في ساعة‬
‫كالعروس المُز ّي َنة لِعريسها "(رؤ ‪." )1-2 : 12‬‬
‫ِ‬ ‫تجديد الكون‪ ،‬نازلة من السماء‪ ،‬من عند هللا‪" ،‬مُهيّأ ًة‬
‫‪ -656‬و ُسمّيت الكنيسة أيضا ً "أورشليم العُليا" و"أمّنا"(غل ‪ ،)11 : 2‬و ُنعِتت بالعروس التي ال‬
‫للحمل الذي ال عيب فيه‪ ،‬التي "أحبّها المسي ُح وأسل َم ذا َته ألجلها لكي يق ّدسها"(أف ‪: 1‬‬
‫ِ‬ ‫عيب فيها‬
‫ِّ‬
‫‪ ،)11-11.‬واقترن بها بعه ٍد ال ينفصم‪ ،‬و "يُغذيها‪ ،‬ويعتني بها"(أف ‪)11 : 1‬‬

‫‪ .ً6‬أصل الكنيسة‪ ،‬وإنشاؤها ورسالتها‬

‫‪ -656‬لتقصّي سرّ الكنيسة يجدر بنا أن نتتبّع أصلها أوّ الً في قصد الثالوث الق ّدوس‪ ،‬وتحقيقّها‬
‫‪.‬المرحليّ في التاريخ‬

‫قص ٌد ُولِد في قلب اآلب‬

‫بأسره‪ ،‬وقضى بان‬ ‫ِ‬ ‫الكون‬


‫َ‬ ‫‪ " -656‬إن اآلب األزليّ ‪ ،‬بتدبير حكمته وجودته الحرّ الخفيّ ‪ ،‬قد أبدع‬
‫يرفع الناس إلى مستوى الشركة في حياته اإللهيّة" التي يدعو إليها جميع الناس في ابنه ‪" :‬جمي ُع‬
‫يدعوهم لتأليف الكنيسة المق ّدسة" و "أسرة هللا" هذه تتألّف‬‫َ‬ ‫الذين يؤمنون بالمسيح‪ ،‬أراد اآلب أن‬
‫شر‬ ‫وتتحقّق مرحل ّيا ً على مدى مراحل التاريخ البشريّ‪ ،‬بحسب تدبير اآلب‪ :‬وهكذا فالكنيسة قد " َب ّ‬
‫بها بالرموز منذ بدء العالم‪ ،‬و ُهيِّئت على وج ٍه عجيب بتاريخ شعب إسرائيل والعهد القديم‪ ،‬أُنشئت‬
‫في األزمنة األخيرة‪ ،‬وأُعلنت بحلول الروح القدس‪ ،‬وس َتت ُّم في المجد في اليوم اآلخر"‪.‬‬
‫الكنيسة – أُشير إليها بالرموز منذ بدء العالم‬

‫‪ُ "-696‬خلق العالم في سبيل الكنيسة "‪ ،‬على ح ّد قول مسيحيّي العصور األولى‪ .‬فقد خلق هللا‬
‫العالم لكي يُشرك في حياته اإللهية‪ ،‬إشراكا ً يت ّم "بدعوة" البشر إلى اإلجتماع في المسيح‪ ،‬وهذه‬
‫غاية ك ّل شيء‪ ،‬واألحداث األليمة نفسُها‪،‬كسقوط‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫الكنيسة هي‬ ‫"الدعوة إلى اإلجتماع" هي الكنيسة‪.‬‬
‫المالئكة‪ ،‬وخطيئة اإلنسان‪ ،‬لم يس َمح بها هللا إال ّ بمثابة ِحال ٍة أو وسيل ٍة لكي يبسط ك ّل قدرة ذراعه‪،‬‬
‫ك َّل مدى الحبّ الذي أراد أن يشمل به العالم‪.‬‬
‫"كما أنّ إرادة هللا هي عم ٌل وإ ّنها ُتسمّى العالم‪،‬‬
‫كذلك قصده فإ ّنه خالصُ البشر‪ ،‬ويُسمّى الكنيسة "‬
‫الكنيسة – ُمه ّيأة في العهد القديم‬

‫‪ -696‬تجمّع شعبُ هللا يبدأ عندما تهدم الخطيئة شرك َة البشر مع هللا‪ ،‬وشركة الناس في ما بينهم‪.‬‬
‫فتجمّع الكنيسة هو نوعا ً ما ر ُّد فعل هللا على الفوضى التي أحدثتها الخطيئة‪ .‬وإعادة التوحيد هذه‬
‫تت ّم سرّ يا ً في داخل جميع الشعوب‪" :‬في كل أ ّم ٍة َمن ا ّتقى هللا وعم ّل البرّ يكون مقبوالً عنده"(أع‬
‫‪)31 : 21.‬‬
‫‪ -696‬اإلعداد البعيد لتجميع شعب هللا يبدأ مع دعوة إبراهيم الذي وعده هللا بأ ّنه سيكون أبا ً لشع ٍ‬
‫ب‬
‫عظيم‪ .‬واإلعداد المباشر يبدأ مع اختيار إسرائيل شعبا ً هلل‪ .‬وسيكون إسرائيل‪ ،‬بهذا اإلختيار‪،‬‬
‫عالمة تجمّع جميع األمم في المستقبل‪ .‬ولكن األنبياء ي ّتهمون إسرائيل بنقض العهد وبسلوك مسلكِ‬
‫‪.‬البغيّ ‪ .‬وهم يُب ّ‬
‫شرون بعه ٍد جدي ٍد وأبديّ ‪ " .‬هذا العهد الجديد أنشأهُ المسيح"‬

‫الكنيسة – أنشأها المسي ُح يسوع‬


‫‪ -696‬كان على االبن أن يُح ٌّقق تصميم ابيه الخالصيّ في ملء األزمنة‪ ،‬وهذا هو داعي‬
‫"رسالته"‪ " .‬فالربُّ يسوع أنشأ َ الكنيسة بإعالنه البُشرى السعيدة‪ ،‬أي مجيء هللا الموعود به في‬
‫األسفار المق ّدسة منذ ال ّدهور‪ .‬فلكي يُت ُّم المسي ُح مشيئ َة اآلب أنشأ َ على األرض ملكوت السماوات‪.‬‬
‫فالكنيسة هي "ملكوت المسيح حاضراً منذ اآلن على وج ٍه سرِّ يّ "‪.‬‬
‫‪" -696‬يتجلّى هذا الملكوت على عيون الناس في كالم المسيح وأعماله وحضوره"‪ .‬وتقبُّل كلمة‬
‫يسوع هو "تقبُّل للملكوت نفسه"‪ .‬و َبذر الملكوت وبدايته هما "القطيع الصغير"(لو ‪ )31 : 21‬من‬
‫الذين جاء يسوع يدعوهم إليه والذين كان هو نفسه راع َيهم‪ .‬إ ّنهم يؤلّفون أسرة يسوع الحقيقيّة‪.‬‬
‫وهؤالء الذين جمعهم هكذا حواليه علّمهم " طريق َة سلوكٍ " جديدة‪ ،‬ولكن علّمهم أيضا ً صال ًة‬
‫‪.‬خاصّة‬
‫ً‬
‫‪ -695‬الربُّ يسوع َمهر جماعته بهيكل ّي ٍة سوف تستمرُّ إلى أن يت ّم ملء ملكوته‪ .‬هنالك أوال اختيار‬
‫يمثلون أسباط إسرائيل االثني عشر‪ ،‬فهم حجارة‬ ‫االثني عشر وعلى رأسهم بطرس‪ .‬وإذ كانوا ّ‬
‫األساس ألورشليم الجديدة‪ .‬االثنا عشر والتالمذة اآلخرون يشتركون في رسالة المسيح‪ ،‬وسلطانه‪،‬‬
‫‪.‬ولكن في مصيره أيضاً‪ .‬المسيح‪ ،‬في جميع أعماله‪ ،‬يهيّئ كنيس ُته ويبنيها‬
‫‪ -699‬ولكن الكنيسة وُ لدت بنوع خاصّ من بذل المسيح الكامل لذاته في سبيل خالصنا‪ُ ،‬م َسبَّقا ً في‬
‫إقامة سرّ اإلفخارستيّا‪ ،‬ومُتمّما ً على الصليب‪" .‬ابتدا ُء الكنيسة ونموُّ ها يرم ُز إليهما ال ّدم والماء‬
‫الخارجان من جنب يسوع المصلوب"‪ " .‬إذ إ ّنه من جنب يسوع الراقد على الصليب وُ لِ َد سرُّ ًّ‬
‫الكنيسة العجيب"‪ .‬وكما أن حوّ اء ُكوّ نت من ضلع آدم النائم كذلك الكنيسة نشأت من قلب المسيح‬
‫‪.‬المائت على الصليب مطعونا ً بحربة‬

‫الكنيسة – ظاهرةٌ بالروح القدس‬

‫‪ " -696‬لمّا اُنجز العم ُل الذي كلّف اآلب ابن ُه تحقي َق ُه على األرض‪ ،‬أُرس َل الرو ُح القدس‪ ،‬في يوم‬
‫العنصرة‪ ،‬لكي يُق ّدس الكنيسة باستمرار"‪ .‬عند ذلك " ظهرت الكنيسة ظهوراً علن ّيا ً أمام الجماهير‬
‫وابتدأَ نش ُر اإلنجيل مع الكرازة"‪ .‬وبما أنّ الكنيسة هي "دعوة" جميع الناس إلى الخالص‪ ،‬فهي‬
‫‪.‬من طبيعتها مُرسلة‪ ،‬وقد أرسلها المسيح إلى جميع األمم لتجعل منهم تالميذ‬
‫‪ -696‬لكي يحقّق الروح القدس رسالته " يُجهّز الكنيسة ويقودها بمختلف مواهب السُّلطة‬
‫والم ِّنة"‪.‬و " الكنيسة‪ ،‬وقد ُجهِّزت بمواهب مؤسّسها‪ ،‬وتسلك بأمانة في حفظ وصاياه في المحبّة‬
‫والتواضع والكفر بالذات‪ ،‬تسلّمت رسالة الدعوة بملكوت المسيح وهللا‪ ،‬وإنشائه في جميع األمم‪،‬‬
‫‪.‬فكانت على األرض َبذرة هذا الملكوت وبدأَه"‬

‫الكنيسة – ُمت ّممة في المجد‬

‫‪ " -696‬الكنيسة لن تبلغ تمامها إال ّ في المجد السماويّ "‪ ،‬عند عودة المسيح المجيدة‪ .‬وإلى هذا‬
‫اليوم "تتق ّدم الكنيسة في مسيرتها بين اضطهادات العالم وتعزيات هللا"‪ ،‬وهي ههنا ترى نفسها في‬
‫منفى‪ ،‬بعيد ًة عن الربّ ‪ ،‬وتصبو إلى مجيء الملكوت الكامل‪" ،‬في الساعة التي ستكون فيها م ّتحدة‬
‫بملكها في المجد"‪ .‬وتما ُم الكنيسة‪ ،‬ومن خاللها تما ُم العالم في المجد لن يحصال بغير محن كبيرة‪.‬‬
‫عند ذلك فقط يجتمع عند اآلب‪ ،‬في الكنيسة الجامعة‪ ،‬جمي ُع الص ّديقين منذ آدم‪ ،‬من هابيل البا ّر إلى‬
‫‪.‬آخر "مختار"‬

‫سر الكنيسة‬
‫‪ُّ -ً6‬‬

‫‪ -666‬الكنيسة في التاريخ‪ ،‬ولك ّنها في الوقت نفسه تتعالى فوق التاريخ‪ .‬إننا ال نستطيع‪ ،‬إال ّ‬
‫ً‬
‫حاملة حيا ًة إلهيّة‬ ‫ً‬
‫حقيقة روحانيّة‬ ‫‪ ".‬بعيون اإليمان "‪ ،‬أن نرى في حقيقتها المرئيّة‬

‫الكنيسة – مرئ ّية وروحان ّية معا‬

‫‪ " -666‬إن المسيح‪ ،‬الوسيط الوحيد‪ ،‬يقيم على هذه األرض ويُساند أبداً كنيس َته المق ّدسة‪ ،‬شركة‬
‫إيمان ورجا ٍء ومحبّة‪ ،‬كالُّ مرئ ّيا ً يُفيض به على الجميع الحقيقة والنعمة "‪ .‬فالكنيسة هي في الوقت‬
‫نفسه ‪:‬‬
‫‪ " -‬جمعيّة مجهّزة بأعضاء ذوي سلطات‪ ،‬وجسد المسيح السرّ ي"‪،‬‬ ‫ٌ‬
‫ٌ‬
‫وشركة روحيّة "‪،‬‬ ‫ٌ‬
‫جماعة منظورة‬ ‫‪"-‬‬
‫ٌ‬
‫‪ " -.‬كنيسة أرضيّة وكنيسة غنيّة بنعم السماء "‬‫ٌ‬
‫بة ذات عنصرين بشريّ وإلهيّ "‬ ‫حقيقة واحد ًة مر ّك ً‬
‫ً‬ ‫‪.‬هذه األبعاد تؤلِّف معا ً "‬
‫" إ ّنه من ميزات الكنيسة الخاصّة أن تكون بشريّة وإلهيّة معاً‪ ،‬منظرو ًة وغني ًّة بحقائق غير منظورة‪ ،‬حارّ ًة في‬
‫ً‬
‫ومنشغلة بالتأمُّل‪ ،‬حاضر ًة في العالم على كونها غريبة‪ ،‬بحيث إنّ ما هو بشريّ فيها موجّ ه إلى ما هو إلهيّ‬ ‫العمل‬
‫وخاض ٌع له‪ ،‬وما هو منظو ٌر لغير المنظور وما هو من العمل للتأمُّل‪ ،‬وما هو حاض ٌر للمدينة اآلتية التي نسعى‬
‫إليها "‪.‬‬
‫صلصال وقص ٌر ملكيّ ‪ ،‬جس ٌد‬ ‫ار وهيكل هللا‪ ،‬مسكنٌ أرضيّ وقص ٌر سماويّ ! ٌ‬
‫بيت من َ‬ ‫" تواضع! ّ‬
‫سمو! خبا ُء قيد َ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬
‫قاب ُل الموت وهيك ٌل من نور‪ ،‬موضو ُع ازدرا ٍء أخيرا في نظر المتكبّرين وعروسُ المسيح! إنها سودا ُء ولكنها‬
‫أنحلها التعب وأل ُم الغربة الطويلة‪ ،‬والتي تزدان مع ذلك بزينة‬
‫جميلة‪ ،‬يا بنات أورشليم‪ ،‬تلك التي َ‬
‫‪.‬العالء "‬

‫سر اتحاد البشر باهلل‬


‫الكنيسة – ُّ‬

‫ُ‬
‫غاية تدبير هللا‪ " :‬تلخيصُ ك َّل شيء‬ ‫‪ -666‬في الكنيسة يت ّم ُم المسي ُح ويكشفُ سرَّ ه الخاصّ على أ ّنه‬
‫فيه "(أف ‪ .)21 : 2‬القديس بولس يسمّي اتحاد المسيح بالكنيسة " السرّ العظيم "‬
‫أف ‪ .)31 : 1‬والكنيسة با ّتحادها بالمسيح على أ ّنه عروسُها تصبح هي نفسها سرّ اً‪ .‬والق ّديس (‬
‫‪.‬بولس‪ ،‬وقد تأمّل سرّ ها‪ ،‬يصيح قائالً‪" :‬المسي ُح فيكم رجا ُء المجد"(كو ‪)11 : 2‬‬
‫‪ -666‬هذه الشركة للبشر مع هللا في الكنيسة‪" ،‬بالمحبّة التي ال تسقط أبداً"(‪ 2‬كو ‪ ،)8 : 23‬هي‬
‫الغاية التي توجّ ه ك ّل ما فيها من وسائل سرّ ية متعلّقة بهذا العالم الزائل‪" .‬إن هيكليّتها موجّ ٌ‬
‫هة‬
‫توجيها ً كامالً إلى تقديس أعضاء المسيح‪ .‬والقداسة ُتقوّ م بموجب "السرّ العظيم" الذي ُتجيب فيه‬
‫العروس بهبة حبّها مقابل هبة العريس"‪ .‬ومريم تتق ّدمنا جميعا ً في القداسة التي هي سرّ الكنيسة‬
‫ف فيها وال َغض َن"‪ .‬ولهذا "فمستوى الكنيسة المريميّ يسبق مستواها البطرسي"‬ ‫‪".‬كعروس ال كلَ َ‬

‫سر الخالص الشامل‬


‫الكنيسة – ّ‬

‫‪ -666‬المسيح نفسه هو سرّ الخالص‪ " :‬فالمسيح وحده هو السرّ "‪ .‬والعمل الخالصيّ لناسوته المق ّدس‬
‫والمُق ِّدس هو سرُّ الخالص الذي يظهر ويعمل في أسرار الكنيسة(التي تدعوها الكنائس الشرقية أيضا ً "‬
‫األسرار المق ّدسة")‪ .‬فاألسرار السبعة هي العالمات والوسائل التي يُفيضُ بها الروح القدس نعمة المسيح‪،‬‬
‫الذي هو الرأس‪ ،‬في الكنيسة التي هي جسده‪ .‬وهكذا فالكنيسة تحوي وتمنح النعمة الغير المنظورة التي‬
‫‪.‬تعنيها‪ .‬وبهذا المعنى التشبيهيّ ُسمِّيت "سرّ اًّ "‬
‫‪ " -665‬الكنيسة هي في المسيح بمثابة السرّ ‪ ،‬أي العالمة واألداة في اال ّتحاد الصميم باهلل ووحدة الجنس‬
‫البشريّ برمّته " ‪ :‬غاية الكنيسة األولى هي أن تكون سرّ االتحاد الصميم بين البشر وهللا‪ .‬ذلك أن‬
‫الشركة بين البشر تتأصّل في اال ّتحاد باهلل‪ .‬والكنيسة هي أيضا ً سرُّ وحدة الجنس البشري‪ .‬وفيها ابتدأت‬
‫هذه الوحدة إذ إ ّنها تجمع بشراً "من جميع األمم واألعراق والشعوب واللغات"(رؤ ‪ ،)1 : 1‬والكنيسة في‬
‫"عالمة وأداة " لتحقيق هذه الوحدة الكامل‪ ،‬تللك الوحدة التي من شأنها أن تأتي أيضا ً‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫الوقت نفسه‬
‫"سر الخالص‬ ‫َ‬ ‫‪ -669‬وإذ كانت الكنيسة سرّ اً فهي أداةُ المسيح‪ " .‬إ ّنها بين يديه أداة فدا ِء جميع البشر "‪،‬‬
‫الشامل"‪ ،‬الذي به "يُظهر المسيح ويُفعّل محبّة هللا للبشر"‪ .‬إ ّنها "تصميم محبّة هللا للبشريّة المنظور"‪،‬‬
‫الذي يريد "أن يؤلّف الجنس البشريّ كلُّه شعبا ً واحداً هلل‪ ،‬وأن يجتمع في جس ِد المسيح الواحد‪ ،‬وأن ُيبْنى‬
‫‪.‬هيكالً واحداً للروح القدس "‬

‫بإيجاز‬

‫‪ -666‬اللفظة "كنيسة" تعني " دعوة "‪ .‬إ ّنها تد ُّل على مجموعة الذين تدعوهم ُ‬
‫كلمة هللا ليؤ ّلفوا‬
‫شعب هللا‪،‬ة والذين إذا اغتذوا بجسد المسيح يصبحون هم أنفسهم جسد المسيح‪.‬‬
‫‪ -666‬الكنيسة هي طريق تصميم هللا وغايته مع ًا‪ :‬لقد رُمز إليها في الخليقة‪ ،‬و ُهيّئت في العهد‬
‫وأسّست بأقوال يسوع المسيح وأعماله‪ ،‬و ُح ّققت بصليبه الفدائ ّي وقيامته‪ ،‬فظهرت سرَّ‬ ‫القديم‪ُ ،‬‬
‫خالص بفيض الروح القدس‪ .‬وإ ّنها ستبلغ تمامها في المجد السماوي لمجموعة لجميع المُق َتدين‬
‫على األرض‪.‬‬
‫ذات سلطات وجسد المسيح الس ّريّ‪ .‬إ ّنها واحدة‬ ‫‪ -666‬الكنيسة منظورة وروحانيّة مع ًا‪ ،‬جمعي ٌّة ُ‬
‫بعنصرين بشري وإلهي‪ .‬وفي هذا سرُّ ها الذي ال يتقبّله إ ّ‬
‫ال اإليمان‪.‬‬
‫‪ -666.‬الكنيسة في هذا العالم سرُّ الخالص‪ ،‬والعالمة واألداة لشركة هللا والبشر‬

‫الفقرة ‪ – 6‬الكنيسة – شعب هللا‬


‫جسد المسيح‪ ،‬هيكل الروح القدس‬

‫‪ .ً6‬الكنيسة – شعب هللا‬

‫‪ " -666‬إنّ من ي ّتقي هللا ويعمل البرّ ‪ ،‬في ك ّل زمان وفي ك ّل أمّة‪ ،‬لَ َمقبو ٌل عند هللا‪ .‬وإ ّنما شاء هللا أن‬
‫يق ّدس الناس يُخلّصهم‪ ،‬ال متفرّ قين بدون ما ترابطٍ في ما بينهم‪ ،‬بل أراد أن يجعلهم شعبا ً يعرفه في‬
‫شعب إسرائيل شعباً‪ ،‬وقطع معه عهداً‪ ،‬و َن ّشأه شيئا ً فشيئاً‪،‬‬ ‫َ‬ ‫الحقيقة ويخدمه في القداسة‪ .‬فاختار لنفسه‬
‫ّ‬
‫نفسه ومقاصدَه في غضون تاريخه‪ ،‬ومق ّدسا ً إيّاه لفسه‪ .‬بيدَ أنَّ هذا كله كان على سبيل التهيئة‬ ‫مظهراً له َ‬
‫والرمز للعهد الجديد الكامل الذي سيُبرم في المسيح‪ .‬فهذا العهد الجديد هو العهد الذي أبرمه المسيح‪،‬‬
‫العه ُد الجدي ُد بدمه‪ ،‬داعيا ً اليهود واألُمم ليجعل منهم شعبا ً يجتمع في الوحدة‪ ،‬ال بحسب الجسد بل بحسب‬
‫‪.‬الروح "‬

‫خصائص شعب هللا‬

‫‪ -666‬لشعب هللا خصائص ُتميّزه تمييزاً دقيقا ً ممّا في التاريخ من مجتمعات دينيّة‪ ،‬وعرقيّة‪،‬‬
‫وسياسيّة‪ ،‬وثقافيّة ‪:‬‬
‫صا ً أليّ شعب‪ ،‬ولكنه اقتنى شعبا ً ِممّن لم يكونوا قبالً شعبا‪ً:‬‬ ‫ً‬
‫‪ -‬إ ّنه شعب هللا‪ :‬ليس هللا مِلكا خا ّ‬
‫ٌ‬
‫وكهنوت ملوكيّ ‪ ،‬وأمّة مق ّدسة "(‪ 2‬بط ‪)1 : 1‬‬ ‫‪ " .‬جي ٌل مختار‪،‬‬
‫‪ -‬يصير اإلنسان عضوا في هذا الشعب ال بالوالدة الطبيعيّة‪ ،‬ولكنّ "بالوالدة من فوق "‪،‬‬
‫‪" .‬بالماء والروح"(يو ‪ ،)1-3 : 3‬أي باإليمان بالمسيح وبالمعموديّة‬
‫رئيس(رأسٌ ) هو يسوع المسيح(الممسوح ماسّيا)‪ :‬ألن المسحة الواحدة‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫‪ -‬لهذا الشعب‬
‫‪ .‬الروح القدس‪ ،‬تأتي من الرأس في الجسد‪ ،‬إنه "الشعب المسّياني"‬
‫‪ " -‬حال هذا الشعب حا ٌل الكرامة وحرّ ية ابناء هللا‪ :‬في قلوبهم يسكن الرو ُح القدس سكناه في‬
‫‪ .‬هيكله "‬
‫‪" -‬شريعته الوصيّة الجديدة أن يُحبَّ كما أحبّنا المسيح نفسُه"‪ .‬إ ّنها شريعة الروح القدس‬
‫‪" .‬الجديدة"‬
‫‪ -‬رسالته أن يكون ملح األرض ونور العالم‪ " .‬وهو للجنس البشريّة كلّه نواةُ وحد ٍة ورجا ٍء‬
‫وخالص بال ُغ الفعّالية "‪.‬‬
‫ٌ‬
‫ملكوت يجب أن يمت ّد‬ ‫‪ -‬مصيره أخيراً هو " ملكوت هللا الذي بدأه هللا نفسُه على األرض‪،‬‬
‫‪ .‬أكثر فأكثر‪ ،‬إلى أن ُي ِتمَّه هللا نفسُه في آخر األزمان "‬

‫وملكي‬
‫ّ‬ ‫نبوي‬
‫ّ‬ ‫كهنوتي‪،‬‬
‫ّ‬ ‫شعب‬

‫‪ -666‬يسوع المسيح هو الذي مسحه اآلب بالروح القدس وأقامه " كاهنا ً ونب ّيا ً وملكا ً " وشعب هللا‬
‫‪.‬كلُّه يشترك في وظائف المسيح الثالثة هذه‪ ،‬ويتحمّل مسؤوليّات الرسالة والخدمة التي تنشأ عنها‬
‫‪ -666‬بدخول اإلنسان في شعب هللا باإليمان والمعموديّة يصبح شريكا ً في دعوة هذا الشعب‬
‫الواحدة‪ :‬في دعوته الكهنوت ّية‪" :‬أنّ المسيح الربّ ‪ ،‬الحبرّ المأخو َذ من بين الناس‪ ،‬قد جعل من‬
‫تكرسوا بالميالد الثاني ومسحة‬‫وكهنة إللهه وأبيه"‪ .‬ذلك أن المُعمَّدين قد َّ‬ ‫ً‬ ‫الشعب الجديد "ملكوتا ً‬
‫‪.‬الروح القدس لكي يكونوا مسكنا ً روح ّيا ً وكهنوتا ً مُق ّدسا ً "‬
‫‪ " -665‬وإنّ شعب هللا المق ّدس يشترك أيضا ً في وظيفة المسيح النبو ّية "‪ .‬وهو هكذا على وج ٍه‬
‫خاصّ بحسِّ اإليمان الفائق الطبيعة الذي هو حسّ الشعب بكامله‪ ،‬علمانيّين وذوي سُلطة‪ ،‬عندما‬
‫دفعة واحدة"‪ .‬ويتعمّق في فهمه‪ ،‬ويصبح شاهداً‬ ‫ً‬ ‫"يتمسّك تمسُّكا ً ثابتا ً باإليمان الذي ُسلّم للق ّديسين‬
‫‪.‬للمسيح في وسط هذا العالم‬
‫‪ -669‬وشعب هللا يشترك أخيراً في وظيفة المسيح الملك ّية‪ .‬فالمسيح يُمارس سلطانه الملكيّ عندما‬
‫جميع البشر بموته وقيامته‪ .‬المسيح ملك العالم وربّه‪ ،‬جعل نفسه خادما ً للجميع‪ ،‬إذ إ ّنه‬ ‫َ‬ ‫يجتذب إليه‬
‫ت لكي يُخ َدم‪ ،‬بل ل َيخ ُدم ويبذ َل نفسه فدا ًء عن الكثيرين"(متى ‪: 11‬‬ ‫"لم يأ ِ‬
‫‪ .)18‬في عرْ ف المسيحيّ‪" ،‬الم ُْلك" هو "خدمة" المسيح‪ ،‬والسيّما في "الفقراء والمتألّمين الذين‬
‫ترى فيهم الكنيسة صورة مؤسسها الفقير المتألّم"‪ .‬وشعب هللا يحقّق "كرامته الملكيّة" عندما يحيا‬
‫وفقا ً لهذه الدعوة أعني الخدمة مع المسيح‪.‬‬
‫ً‬
‫كهنة‪ ،‬بحيث إنّ‬ ‫" إنّ إشارة الصليب تجعل المتج ّددي الوالدة في المسيح ملوكاً‪ ،‬ومسح َة الروح القدس تكرّ سهم‬
‫أنفسهم أعضاء هذا الجيل الملوكي ومشاركين‬ ‫جميع المسيحيّين الروحيّين والسالكين على سنن عقولهم‪ ،‬يُع ّدون َ‬
‫في وظيفة الكهنوت‪ ،‬باستثناء خدمة وظيفتنا الخاصّة‪ .‬فأيُّ شي ٍء بهذه الملوكيّة للنفس عندما تحكم جسدها في‬
‫الخضوع هلل" وأيُّ شي ٍء بهذه الكهنوتيّة عندما تكرّ س للربّ ضميراً طاهراً‪ ،‬وتق ّدم على هيكل قلبها ذبائح البرّ‬
‫‪.‬الخالية من الدنس ؟ "‬

‫‪ .ً6‬الكنيسة – جسد المسيح‬


‫الكنيسة شركة مع يسوع‬

‫‪ -666‬منذ البداية أشرك يسوع تالمي َذه في حياته‪ ،‬لقد كشف لهم عن سرّ الملكوت‪ ،‬وجعل لهم‬
‫نصيبا ً في رسالته‪ ،‬وفرحه‪ ،‬وآالمه‪ .‬ويسوع يتح ّدث عن شركة حميمة اعمق بينه وبين من‬
‫شر بشركة‬ ‫سيتبعونه‪" :‬اُثبتوا فيّ وأنا فيكم‪ ...‬أنا الكرمة وأنتم األغصان"(يو ‪ .)1-2 : 21‬وهو يب ّ‬
‫سرّ ية وحقيقيّة بين جسده وجسدنا‪" :‬من يأكل جسدي ويشرب دمي يثبت ف ّي وأنا فيه "‬
‫‪.‬يو ‪()11 : 1 :‬‬
‫‪ -666‬عندما حُرم التالميذ من حضور يسوع المنظور لم يدَعهم يسوع أيتاماً‪ ،‬فقد وعدهم بأن‬
‫يبقى معهم إلى آخر األزمان‪ ،‬وأرسل لهم روحه‪ ،‬وقد أصبحت الشركة مع يسوع بسبب ذلك أش ّد‬
‫‪.‬وأعمق‪ ،‬نوعا ً ما ‪" :‬أح َّل روحه على اخوته الذين دعاهم من جميع األمم‪ ،‬فجعلهم جسداً سرّ يا ً له"‬
‫‪ -666‬تشبيه الكنيسة بالجسد يُلقي ضوءًا على العالقة الحميمة بين الكنيسة والمسيح‪ .‬فليست هي‬
‫مجمّعة حوله وحسب‪ ،‬إ ّنها موحّ دة فيه‪ ،‬في جسده‪ .‬فثالثة وجو ٍه للكنيسة – جسد المسيح يجب‬
‫تميي ُزها ‪ :‬وحدة جميع األعضاء في ما بينهم عن طريق ا ّتحادهم بالمسيح‪ ،‬المسيح رأس الجسد‪،‬‬
‫‪.‬الكنيسة عروسُ المسيح‬

‫" جس ٌد واحد "‬

‫‪ -666‬المؤمنون الذين يستجيبون لكلمة هللا ويصبحون أعضاء جسد المسيح‪ ،‬يصبحون م ّتحدين‬
‫بالمسيح ا ّتحاداً وثيقاً‪" :‬في هذا الجسد تنتش ُر حياةُ المسيح في المؤمنين الذين باألسرار ي ّتحدون‬
‫ا ّتحاداً سرّ يا ً وحقيق ّيا ً بالمسيح المتألّم والممجَّ د"‪ .‬وهذا يص ّح بنوع خاصّ في المعموديّة التي بها‬
‫ن ّتحد بموت المسيح وقيامته‪ .‬وفي اإلفخارستيّا التي بها "نشترك اشتراكا ً حقيق ّيا ً في جسد المسيح‪،‬‬
‫ونرتفع إلى الشركة معه وفي ما بيننا"‪.‬‬
‫‪ -666‬وحدة الجسد ال ُتلغي تنوّ ع األعضاء‪" :‬ففي عمل بناء جسد المسيح تتنوّ ع األعضاء‬
‫يوزع مواهبه‪ ،‬بحسب غناه ومستلزمات ال ِخدَم‪ ،‬لفائدة الكنيسة"‬ ‫والوظائف‪ ،‬فإ ّنه واح ٌد الرو ُح الذي ّ‬
‫شطها بين المؤمنين‪" :‬وهكذا فإنَّ تألّم عضوٌ تألّمت‬ ‫ُ‬
‫تبعث المحبّة وتن ّ‬ ‫ووحدة الجسد السّريّ‬
‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬
‫األعضا ُء كلّها معه‪ ،‬وإذا أكر َم عضوٌ فرحت األعضا ُء كلها معه"‪ .‬وأخيرا فوحدة الجسد السّريّ‬
‫تتغلّب على جميع انقسامات البشر‪" :‬فأنتم الذين بالمسيح اعتمدتم قد لبستم المسيح‪ ،‬فليس يهوديٌّ‬
‫وال يونانيٌّ ‪ ،‬وليس عب ٌد وال حرّ ‪ ،‬ليس ذك ٌر وال أنثى‪ ،‬أل ّنكم جميعكم واح ٌد في المسيح يسوع"(غل‬
‫‪)18-11 : 3.‬‬

‫راس هذا الجسد"‬


‫ُ‬ ‫"المسي ُح‬

‫‪ -666‬المسي ُح "رأسُ الجسد الذي هو الكنيسة"(كو ‪ .)28 : 2‬إنه مبدأ ُ الخليقة والفداء‪ .‬وإذ رُفع في‬
‫مجد االب فهو "األوّ ل في ك ّل شيء"(كو ‪ ،)28 : 2‬والسيّما في الكنيسة التي سيبسط بها ملكوته‬
‫‪.‬على كل شيء‬
‫‪ -666‬إ ّنه يض ّمنا إلى فصحه ‪ :‬على جميع األعضاء أن يعملوا على التشبّه به "إلى أن يتصوّ ر‬
‫المسيح فيهم"(غل ‪ " .)21 : 2‬من أجل ذلك أ ْش َركنا في أسرار حياته‪ ...‬وإننا نشترك في آالمه‬
‫‪.‬اشتراك الجسد في الرأس‪ ،‬متألّمين معه لنتمجّ د معه "‬
‫نمونا ‪ :‬فلكي يُنم َينا ر ْاسُنا المسيح إليه‪ ،‬يُع ُّد في جسده الكنيس ِة المواهب وال ِخدَم‬
‫‪ -666‬وهو يتد ّبر ّ‬
‫‪.‬التي يُساعد بها بعضنا بعضا ً في طريق الخالص‬
‫ك‬‫‪ -665‬المسيح والكنيسة هما إذن "المسيح بكامله"‪ .‬فالكنيسة واحدةٌ مع المسيح‪ .‬وللق ّديسين إدرا ٌ‬
‫عميق لهذه الوحدة ‪:‬‬
‫المسيح نفسه‪ .‬هل تدركون‪ ،‬يا اخوتي‪،‬‬
‫َ‬ ‫غبط أنفسنا إذن ونرفع الشكر لكوننا صرنا‪ ،‬ال مسيحيّين وحسبُ ‪ ،‬بل‬ ‫" لِ َن ِ‬
‫المسيح رأساً؟ تعجّ بوا وابتهجوا‪ ،‬فقد أصبحنا المسيح‪ .‬وهكذا فيما أ ّنه‬
‫َ‬ ‫ال ّنعمة التي َمنحنا إياها هللا عندما منحنا‬
‫الرأس ونحن األعضاء‪ ،‬فاإلنسان الكامل هو ونحن‪ .‬مل ُء المسيح هو الرأس واألعضاء‪ ،‬وما معنى‪ :‬الرأس‬
‫‪.‬واألعضاء؟ ‪ -‬المسيح والكنيسة "‬
‫‪ ".‬إنّ فادينا أظهر ذاته شخصا ً واحداً هو والكنيسة التي ا ّتخذها "‬
‫‪ ".‬رأسٌ وأعضاء‪ ،‬شخصٌ واح ٌد سرّ يّ إن ص َّح التعبير"‬
‫تلخص عقيدة المالفنة الق ّديسين وتعبّر عن فكر المؤمن البسيط ‪:‬‬ ‫كلمة للقديسة جان دارك موجّ هة إلى القُضاة ّ‬
‫"يسوع المسيح والكنيسة‪َ ،‬رأيي أ ّنها واحد‪ ،‬وما من صعوبة في ذلك "‪.‬‬

‫عروس المسيح‬
‫ُ‬ ‫الكنيسة هي‬
‫‪ -669‬وحدةُ المسيح والكنيسة‪ ،‬الرأسُ وأعضاء الجسد‪ ،‬تتضمّن أيضا ً تميُّز األثنين في عالقة‬
‫شخصيّة‪ .‬وكثيراً ما يُعبَّر عن هذا الوجه بصورة الزوج والزوجة‪ .‬وموضو ُع المسيح عريس‬
‫شر به يوحنا المعمدان‪ .‬والسيّد نفسه د َّل على ذاته بلفظة "العريس"(مر ‪: 1‬‬ ‫الكنيسة هيّأه األنبياء وب ّ‬
‫‪ .)21‬والرسول يق ّدم الكنيسة وك َّل مؤمن‪ ،‬عضو جسده‪ ،‬على أنها عروس "مخطوبة" للمسيح‬
‫الربّ بحيث ال تكون معه إال ّ روحا ً واحداً‪ .‬إ ّنها العروس الطاهر للحمل الطاهر التي أح ّبها‬
‫ً‬
‫شريكة له بعه ٍد أبديّ ‪،‬‬ ‫المسيح‪ ،‬والتي ألجلها سلّم نفسه "لكي يق ّدسها"(أف ‪ ،)11 : 1‬وإ ّتخذها‬
‫والتي ال ي ُكفُّ عن العناية بها كجس ٍد له خاص ‪:‬‬
‫"هذا هو المسيح بكامله‪ ،‬رأسا ً وجسداً‪ ،‬واحداً مؤلّفا ً من كِثرة‪ .‬سوا ٌء كان الرأس متكلّماً‪ ،‬أو كانت األعضاء‪،‬‬
‫فالمسي ُح هو المتكلّم‪ .‬يتكلّم رأسا ً أو جسداً‪ .‬بحسب ما ُكتب ‪" :‬يصيران كالهما جسداً واحداً‪ .‬إن هذا لسرٌّ عظيم‪.‬‬
‫أقول هذا بالنسبة إلى المسيح والكنيسة"(اف ‪ .)31-32 :1‬والربُّ نفسُه يقول في اإلنجيل‪َ " :‬فلَيْسا هما اثنين بع ُد‬
‫ولك ّنهما جس ٌد واحد"(متى ‪.)1 : 21‬وهكذ نرى شخصين مُختلفين‪ ،‬إالّ أنهما واح ٌد في عِ نا ِقهما ّ‬
‫الزوجيّ ‪ .‬أنه‬
‫ج" من حيث الرأس‪،‬‬ ‫"زو ٌ‬
‫‪.‬و "زوجة من حيث الجسد"‬

‫‪ .ً6‬الكنيسة – هيكل الروح القدس‬


‫‪ " -666‬الروح القدس هو ألعضاء المسيح‪ ،‬لجسد المسيح‪ ،‬أي الكنيسة‪ ،‬ما هي روحُنا أي نفسنا‬
‫ألعضائنا"‪ " .‬فإلى روح المسيح‪ ،‬كمبدإِ خفيّ ‪ ،‬يجب إرجاع ترابط جميع أقسام الجسد في ما بينها‪،‬‬
‫وفي ما بينها وبين رأسها األعلى‪ ،‬إذ إن هذا الروح يقيم كامالً في الرأس‪ ،‬وكامالً في الجسد‪،‬‬
‫وكامالً في ك ّل عضو من أعضائه"‪ .‬الرو ُح القدسُ يجعل من الكنيسة "هيكل هللا الحيّ "‬
‫‪ 1.‬كو ‪()21 : 1‬‬
‫عربون عدم الفساد‪،‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫الشركة مع المسيح‪ ،‬أي الروح القدس‪،‬‬ ‫ُ‬
‫الكنيسة نفسُها موهبة هللا‪ .‬وفيها جُعلت‬ ‫" لقد أودعت‬
‫ورسوخ إيماننا‪ ،‬وسلّم ارتقائنا إلى هللا‪ .‬فبحيث تكون الكنيسة يكون روح هللا‪ ،‬وحيث يكون روح هللا تكون الكنيسة‬
‫َ‬
‫‪.‬وك ّل نعمة "‬
‫‪ -666‬الروح القدس هو "مبدأ ُ ك ّل عمل حيويّ وخالصيّ في ك ّل جزء من أجزاء الجسد"‪ .‬إنه‬
‫يعمل بطرائق متع ّددة على بناء الجسد كلّه في المحبّة‪ .‬بكلمة هللا "القادرة أن تبني البناء"(أع ‪: 11‬‬
‫‪ ،)31‬بالمعموديّة التي يكوّ ن بها جسد المسيح‪ ،‬وباألسرار التي ُتنمّي أعضاء المسيح وتق ّدم لهم‬
‫الشفاء‪ ،‬وبالنعمة الموهوبة للرسُل والتي لها مح ُّل الصدارة بين مواهبه‪ ،‬وبالفضائل التي تحمل‬
‫على سلوك طريق الصالح‪ ،‬وأخيراً بال ِّنعم الخاصّة المتع ّددة(المدعوّ ة "مواهب ل ُدنيّة") التي يجعل‬
‫بها المؤمنين " قادرين على تحمّل المسؤوليّات والوظائف المختلفة التي تساعد على تجديد الكنيسة‬
‫‪.‬وزيادة بنائها "‬

‫المواهب اللَّ ُدنية‬


‫ً‬
‫بسيطة ومتواضعة‪ ،‬هي ن َع ٌم من الروح‬ ‫‪ -666‬المواهب اللدنيّة‪ ،‬سوا ٌء كانت خارقة العادة أو‬
‫ذات فائد ًة كنسيّة مباشرة أو غير مباشرة‪ ،‬وموجّ هة إلى بناء الكنيسة‪ ،‬وإلى خير البشر وس ّد‬ ‫القدس ُ‬
‫‪.‬حاجات العالم‬
‫‪ -666‬يجب على من ينال المواهب اللدنيّة وعلى جميع أعضاء الكنيسة أن يتقبّلوها بشكر‪ .‬إ ّنها‬
‫ثرةُ نِع َم عجيبة للحيويّة الرّ سوليّة‪ ،‬ولقداسة جسد المسيح كلّه‪ ،‬على أن تكون تلك المواهب صادرة‬
‫في الحقيقة عن الروح القدس‪ ،‬وأن يكون العم ُل بها موافقا ً تمام الموافقة لدوافع هذا الروح نفسِ ه‬
‫الحقيقيّة‪ ،‬أي بحسب المحبّة‪ ،‬المقياس الحقيقي لهذه المواهب‪.‬‬
‫‪ -666‬بهذا المعنى تظهر الحاجة الدائمة إلى تمييز المواهب‪ .‬ما من موهبة ُتعفي من الرجوع إلى‬
‫رعاة الكنيسة والخضوع لهم‪" .‬فإليهم بنوع خاصّ يعود‪ ،‬ال إطفاء الروح‪ ،‬بل اختبا ُر ك ّل شيء‬
‫الختيار ما هو صالح"‪ ،‬لكي تتضافر جميع المواهب‪ ،‬في تنوّ عها وتكاملها‪ ،‬في سبيل "الخير‬
‫‪.‬العا ّم"(‪ 2‬كو ‪)1 : 21‬‬

‫بإيجاز‬

‫ص ًا"‬
‫إثم ويطهّر لنفسه شعب ًا خا ّ‬
‫‪ " -666‬يسوع المسيح بذل نفسه ألجلنا ليفتدينا من ك ِّل ٍ‬
‫(تي ‪.)14 : 3‬‬
‫سة وشعبٌ مُفتنى "(‪1‬بط ‪)9 : 3‬‬ ‫وكهنوت ملوكيٌّ وأم ٌّة مق ّد ٌ‬
‫ٌ‬ ‫‪ " -666.‬أما أنتم فجي ٌل مُختا ٌر‬
‫‪ -666‬يدخ ُل اإلنسان في شعب هللا باإليمان والمعموديّة‪" .‬جمي ُع الناس مدعوّ ون ألن يكونو امن‬
‫وشعب هللا الواحد "‬
‫َ‬ ‫‪.‬شعب هللا الجديد"‪ ،‬حتى " يصبح البشر‪ ،‬في المسيح‪ ،‬أسر ًة واحدة‬
‫‪ -665‬الكنيسة جس ُد المسيح‪ .‬بالروح وعمله في األسرار‪ ،‬والسيّما اإلفخارستيّا‪ ،‬يؤ ّلف المسيح‪،‬‬
‫الذي مات وقام‪ ،‬أسرة المؤمنين على أنها جسده‪.‬‬
‫‪ -669‬في وحدة هذا الجسد أعضا ٌء ووظائف مختلفة‪ .‬واألعضاء جميعهم مُترابطون في ما بينهم‪،‬‬
‫‪.‬وهم مرتبطون على وج ٍه خاصّ بالمتأ ّلمين‪ ،‬والفقرا ِء المضطهدين‬
‫والكنيسة هي هذا الجسد الذي رأسُه المسيح‪ :‬إ ّنها تحيا منه‪ ،‬وفيه‪ ،‬وألجله‪ ،‬وهو يحيا معها‬ ‫ُ‬ ‫‪-666‬‬
‫‪.‬وفيها‬
‫ً‬
‫خصبة‬ ‫‪ -666‬الكنيسة عروسُ المسيح‪" :‬أحبّها وبذل نف َسه ألجلها‪ .‬وطهّرها بدمه‪ ،‬وجع َل منها أ ّم ًا‬
‫‪.‬لجميع أبناء هللا‬
‫لكنيسة هيكل الروح القدس‪ .‬الرو ُح هو بمثابة روح الجسد السّريّ‪ ،‬ومبدأ حياته‪ ،‬ووحد ُته‬ ‫ُ‬ ‫‪ -666‬ا‬
‫في التنوّ ع‪ ،‬وغنى عطاياه ومواهبه‪.‬‬
‫ب يستم ُّد وحد َته من وحدة اآلب واالبن والروح‬ ‫‪" -666‬هكذا تبدو الكنيسة الجامعة‪" ،‬كشع ٍ‬
‫القدس"‪.‬‬

‫الفقرة ‪ -6‬الكنيسة واحدة‬


‫مقدّسة‪ ،‬كاثوليك ّية‪ ،‬ورسول ّية‬

‫‪ " -666‬تلك هي كنيسة المسيح‪ ،‬التي نعترف في قانون اإليمان بأ ّنها واحدة‪ ،‬مق ّدسة‪ ،‬كاثوليكيّة‬
‫ورسوليّة"‪ .‬هذه الصفات األربع‪ ،‬المترابطة ترابطا ً غير قابل االنفصام تد ّل على خصائص‬
‫جوهريّة في الكنيسة وفي رسالتها‪ .‬والكنيسة لم تحصل عليها من ذاتها‪ ،‬فالمسيح هو الذي‪ ،‬بالروح‬
‫القدس‪ ،‬يهب كنيسته أن تكون واحدة‪ ،‬مق ّدسة كاثوليكية ورسوليّة‪ ،‬وهو الذي يدعوها إلى تحقيق‬
‫ك ّل واحد ٍة من هذه الصفات‪.‬‬
‫‪ -666‬اإليمان وحده يستطيع أن يعرف أنّ الكنيسة تستقي هذه الخصائص من ينبوعها اإللهيّ ‪ .‬إال ّ‬
‫أنّ الظهورات التاريخيّة لهذه الخصائص هي عالمات تخاطب أيضا ً العقل البشري بوضوح‪.‬‬
‫والمجمع الفاتيكاني األول يذ ّكر "أن الكنيسة‪ ،‬بسبب قداستها‪ ،‬ووحدتها الكاثوليكيّة‪ ،‬وثباتها‬
‫تصديق عظي ٌم ومتواصل‪ ،‬وبرهان دام ٌغ على رسالتها اإللهيّة"‬
‫ٍ‬ ‫‪.‬الغالّب‪ ،‬هي نفسها عام ُل‬
‫‪ .ً6‬الكنيسة واحدة‬
‫سر وحدة الكنيسة المقدّس "‬
‫" ّ‬

‫‪ -666‬الكنيسة واحدةٌ من ينبوعها " مثال هذا السّر األسمى ومبدأُه في وحدة اإلله الواحد‪ ،‬اآلب‬
‫واالبن والروح القدس‪ ،‬في ثالوثيّة األقانيم "‪ .‬والكنيسة واحدة من مؤسسها‪ " :‬ألن االبن المتجسد‬
‫ب واح ٍد وجس ٍد واحد "‪.‬‬ ‫نفسه قد أصلح بصليبه ما بين جميع البشر‪ ،‬وأعاد وحدة الجميع من شع ٍ‬
‫والكنيسة واحدة من " روحها " ‪ " :‬فالروح القدس الذي يسكن في المؤمنين‪ ،‬والذي يمأل ويسوس‬
‫ويوحّ دهم جميعهم توحيداً حميما ً في المسيح‪،‬‬ ‫الكنيسة كلّها‪ ،‬يحقّق شركة المؤمنين هذه العجيبة‪َ ،‬‬
‫بحيث يكون مبدأ وحدة الكنيسة "‪ .‬فمن جوهر الكنيسة إذن أن تكون واحدة ‪:‬‬
‫ٌ‬
‫وكلمة واح ٌد للكون‪ ،‬وكذلك رو ٌح قدسٌ واحد‪ ،‬هوهو في ك ّل مكان‪.‬‬ ‫" يا له من سر عجيب! آبٌ واح ٌد للكون‪،‬‬
‫وعذراء واحدةٌ صارت أ ّماً‪ ،‬ويطيب لي أن أسمّيها الكنيسة "‪.‬‬
‫التنوع الذي يأتيها من تنوّ ع مواهب هللا‬ ‫ّ‬ ‫‪ -666‬منذ البدء تظهر هذه الكنيسة الواحدة في كثير من‬
‫ومن تع ّدد األشخاص الذين يتقبّلون تلك المواهب‪ .‬في وحدة شعب هللا تتجمّع الشعوب والثقافات‬
‫المختلفة‪ .‬يوجد بين أعضاء الكنيسة تنوّ ع في المواهب‪ ،‬والوظائف‪ ،‬والحاالت‪ ،‬وطرائق العيش‪" ،‬‬
‫ففي داخل شركة الكنيسة توجد شرعا ً كنائس خاصّة تتم ّتع بتقاليد خاصّة "‪ .‬وهذا الغنى في التنوّ ع‬
‫ال يُعارض وحدة الكنيسة‪ .‬إال ّ أن الخطيئة واعبا َء عواقبها ته ّدد موهبة الوحدة تهديداً متواصالً‪.‬‬
‫ولهذا يحرّ ض الرسول على " حفظ وحدة الروح برباط السالم "‬
‫أف ‪.)3 : 2‬‬
‫‪ -665‬ما هي روابط الوحدة هذه؟ " فوق جميع هذه البسوا المحبّة التي هي رباط الكمال"‬
‫روابط شركة منظورة ‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫(كو ‪ .)22 : 3‬ولكنّ وحدة الكنيسة في مسيرتها تحافظ عليها أيضا ً‬
‫منقول عن الرّ سل‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫بإيمان واح ٍد‬
‫ٍ‬ ‫‪ -‬االعتراف‬
‫‪ -‬االحتفال المش َترك بالعبادة اإللهيّة‪ ،‬والسيّما األسرار‪،‬‬
‫‪ -.‬التعاقب الرّ سولي بسرّ الكهنوت‪ ،‬محافظا ً على الوفاق األخويّ في أسرة هللا‬
‫‪ " -669‬كنيسة المسيح الواحدة‪ ...‬هي تلك التي سلّمها مخلّصُنا بعد قيامته إلى بطرس لكي يكون‬
‫لها راعياً‪ ،‬والتي أناط ببطرس وسائر الرسُل أمر نشرها وقيادتها‪ ...‬هذه الكنيسة التي أنشئت‬
‫ظمت كمجتمع في هذا العالم إ ّنما تستمرّ في الكنيسة الكاثوليكيّة التي يسوسها خليفة بطرس‬ ‫و ُن ّ‬
‫واألساقفة الذين على الشركة معه " ‪:‬‬
‫قرار المجمع الفاتيكاني الثاني في موضوع الحركة المسكونيّة يُصرّ ح أ ّنه " بكنيسة المسيح الكاثوليكيّة وحدها‪،‬‬
‫التي هي وسيلة عامّة للخالص‪ ،‬يمكن الحصول على ملء وسائل الخالص‪ ،‬فإنّ الهيئة الرّ سوليّة التي بطرس‬
‫رأسها‪ ،‬هي وحدها‪ ،‬بحسب إيماننا‪ ،‬قد أؤ ُتمنت على جميع غنى العهد الجديد‪ ،‬لتكوّ َن على األرض جسداً واحداً‬
‫‪.‬للمسيح الذي ينبغي أن يندمج به ملء االندماج جمي ُع الذين أمسوا من شعب هللا "‬

‫جراح الوحدة‬

‫‪ " -666‬في كنيسة هللا هذه الواحدة ظهر منذ البدء بعضُ انقسامات استنكرها الرسول بش ّدة كشيء‬
‫يستوجب الشجب‪ ،‬وفي غضون القرون الالحقة وقعت انشقاقات أش ُّد خطورة‪ ،‬وانفصلت طوائف‬
‫بال عن شركة الكنيسة الكاثوليكيّة التامة بذنب أفراد أحيانا ً من هذا الفريق وهذا الفريق‬ ‫ذات ٍ‬
‫اآلخر‪ .‬واالنفصاالت التي تجرح وحدة جسد المسيح(ومرجعها إلى الهرطقة‪ ،‬الجحود‪ ،‬واالنشقاق)‬
‫ال تجري إال ّ بخطيئة البشر ‪:‬‬
‫" وحيث توجد الخطيئة يوجد التع ّدد‪ ،‬واالنشقاق‪ ،‬والهرطقة‪ ،‬والنزاع‪ ،‬ولكن حيث توجد الفضيلة توجد الوحدة‪،‬‬
‫‪.‬واال ّتحاد الذي كان يجعل من جميع المؤمنين جسداً واحداً وروحا ً واحدة "‬
‫‪ -666‬إن الذين يولدون اليوم في الطوائف الناشئة من االنشقاقات و " يحيون من اإليمان بالمسيح‬
‫ال يمكن أن يُطالبوا بخطيئة انفصال‪ ،‬لذلك تشملهم الكنيسة الكاثوليكية باإلحترام األخوي والمحبّة‪.‬‬
‫ولمّا كانوا قد بُرِّ روا باإليمان الذي نالوه في المعموديّة‪ ،‬وصاروا به أعضا ًء لجسد المسيح‪ ،‬فإ ّنهم‬
‫‪.‬بحق يحملون االسم المسيحيّ ‪ ،‬وبحق يرى فيهم أبنا ُء الكنيسة الكاثوليكية إخو ًة في الربّ "‬
‫‪ -666‬وإلى ذلك " فعناص ُر قداس ٍة وحقيق ٍة كثيرةٌ " توجد خارج الحدود المنظورة للكنيسة‬
‫الكاثوليكية‪" :‬كلمة هللا المكتوبة‪ ،‬وحياة النعمة‪ ،‬واإليمان‪ ،‬والرجاء‪ ،‬والمحبّة‪ ،‬ومواهب أخرى‬
‫داخليّة للروح القدس‪ ،‬وعناصر أخرى منظورة"‪ .‬وروح المسيح يستخدم هذه الكنائس والجماعات‬
‫الكنسية كوسائل خالص تأتي قوّ تها من ملء النعمة والحقيقة الذي آئ َت َمن المسي ُح الكنيسة‬
‫الكاثوليكية عليه‪ .‬ك ُّل هذه الخيرات تأتي من المسيح وتقود إليه‪ ،‬وتدعو في ذاتها إلى "الوحدة‬
‫‪.‬الكاثوليكية"‬

‫نحو الوحدة‬

‫‪ -666‬الوحدة " آتاها المسي ُح كنيس َت ُه منذ البدء‪ .‬نؤمن أ ّنها قائمة في الكنيسة الكاثوليكية وال يمكن‬
‫أن تزول‪ ،‬ونأمل أنها ستظ ّل فيها في نمو ّ‬
‫مطرد يوما ً بعد يوم إلى منتهى الدهر "‪ .‬المسي ُح يمنح‬
‫دائما ً كنيسته موهبة الوحدة‪ ،‬ولكن على الكنيسة أن تصلّي دائما ً وتعم َل بال انقطاع للحفاظ على‬
‫الوحدة التي يريدها لها المسيح‪ ،‬وأن ُتقوّ يها و ُتكمّلها‪ ,‬ولهذا صلّى يسوع نفسُه في ساعة آالمه‪،‬‬
‫وهو ال يتوقّف عن الصالة إلى اآلب ألجل وحدة تالميذه‪ " :‬ليكونوا بأجمعهم واحداً كما أ ّنك انت‬
‫أيّها اآلب فيّ وأنا فيك‪ ،‬ليكونوا هم أيضا ً واحداً فينا حتى يؤمن العالم أ ّنك أنت أرسلتني "(يو ‪: 21‬‬
‫ً‬
‫موهبة من المسيح ودعو ًة من الروح‬ ‫‪ .)12‬إن الرغبة في العودة إلى وحدة جميع المسيحيّين هي‬
‫القدس‪.‬‬
‫‪ -666‬لإلجابة الصحيحة عن تلك الدعوة الب ّد من ‪:‬‬
‫‪ -‬تج ُّد ٍد متواصل للكنيسة في أمان ٍة أكبر لدعوتها‪ .‬وهذا التج ّدد هو من اختصاص الحركة نحو الوحدة‪،‬‬
‫‪ -‬توبة القلب " في سبيل الحياة حيا ًة أنقى بحسب اإلنجيل "‪ ،‬إذا إنَّ خيانة األعضاء لموهبة المسيح هي‬
‫التي تسبّب االنقسامات‪،‬‬
‫ّ‬
‫‪ -‬الصالة المشتركة " إذ إنّ التج ّدد في الباطن والقداسة في السيرة‪ ،‬متحِدين بالصّلوات الجمهوريّة‬
‫والفردية ألجل الوحدة بين المسيحيّين‪ ،‬يجب أن ي َُع ّدا بمثابة الروح لك ّل حركة مسكونيّة‪ ،‬وأن يُسمَّيا بحق‬
‫" المسكونية الروحية "‪،‬‬
‫‪ -‬التعارف األخوي ال ُمتبادل‪،‬‬
‫‪ -‬التنشئة المسكونية للمؤمنين‪ ،‬والسيّما الكهنة‪،‬‬
‫‪ -‬الحوار بين الالهوتيّين‪ ،‬واللقاءات بين المسيحيّين من مختلف الكنائس والجماعات الكنسيّة‪،‬‬
‫‪ -.‬التعاون بين المسيحيّين في ش ّتى مجاالت خدمة البشر‬
‫‪ -666‬االهتمام بتحقيق الوحدة " يعني الكنيسة كلّها‪ ،‬مؤمنين ورعاة "‪ .‬ولكن يجب أن " نعي أن‬
‫هذا المشروع المق ّدس‪ ،‬أي مصالحة جميع المسيحيّين في وحدة كنيس ٍة واحد ٍة ووحيد ٍة للمسيح‪،‬‬
‫تفوق قوى البشر وطاقاتهم "‪ .‬ولهذا نجعل رجا َءنا كلّه " في صالة المسيح ألجل الكنيسة‪ ،‬وفي‬
‫‪.‬محبّة اآلب لنا‪ ،‬وفي قدرة الروح القدس "‬

‫‪ .ً6‬الكنيسة مقدّسة‬
‫‪ " -666‬الكنيسة في نظر اإليمان مق ّدسة على ّ‬
‫الزمن‪ ،‬ذلك بأنّ المسيح‪ ،‬ابن هللا‪ ،‬الذي هو مع اآلب‬
‫كعروس له‪ ،‬وأسلم نفسه ألجلها ليق ّدسها‪ ،‬وا ّتحد بها‬
‫ٍ‬ ‫والروح " وحده الق ّدوس "‪ ،‬قد أحبّ الكنيسة‬
‫جسداً له‪ ،‬وغمرها بموهبة الروح القدس لمجد هللا "‪ .‬فالكنيسة إذن هي " شعب هللا المقدس "‬
‫‪.‬وأعضاؤها يُدعون ق ّديسين "‬
‫‪ -666‬الكنيسة‪ ،‬با ّتحادها بالمسيح‪ ،‬يق ّدسها المسيح‪ ،‬به وفيه تصبح الكنيسة أيضا ً ُمقدّسة‪ " .‬جميع أعمال‬
‫الكنيسة موجّ هة إلى تقديس البشر في المسيح وإلى تمجيد هللا‪ ،‬وكأن ذلك هو غايتها وهدفها "‪ .‬في الكنيسة‬
‫‪.‬جُعل " ملء وسائل الخالص "‪ .‬وفيها " نكتسب القداسة بنعمة هللا "‬
‫‪ " -665‬تتم ّتع الكنيسة على األرض بقداس ٍة حقيقيّة‪ ،‬وإن غير كاملة "‪ .‬وال ُب َّد ألعضائها من السعي أيضا ً‬
‫إلى اكتساب القداسة الكاملة‪ " :‬إن جميع المؤمنين‪،‬و ولهم مثل هذا القدر من وسائل الخالص العظيمة‪،‬‬
‫‪.‬يدعوهم الربّ ‪ ،‬أ ّيا ً كانت حالهم ووضعهم‪ ،‬وكالًّ في طريقته‪ ،‬إلى كمال القداسة التي مِثالها كما ُل االب "‬
‫عي إليها الجميع‪ " :‬إنها توجّ ه جميع وسائل القداسة و ُتعطيها‬
‫‪ -669‬المح ّبة روح القداسة التي ُد َ‬
‫‪.‬روحها‪ ،‬وتقودها إلى غايتها "‬
‫ت أنه لو كان للكنيسة جسد‪ ،‬مؤلّف من ع ّدة أعضاء‪ ،‬لما كان ينقصها األه ّم‪ ،‬واألنبل‪،‬‬ ‫" أدرك ُ‬
‫أدركت أن الحب وحده هو الذي كان يحرّ ك‬‫ُ‬ ‫ُ‬
‫أدركت أن الكنيسة تملك قلبا‪ ،‬وأن هذا القلب يضطر ُم ح ّبا‪.‬‬
‫أعضاء الكنيسة‪ ،‬وأنه لو خمد الحب لتو ّقف الرسُل عن التبشير باإلنجيل‪ ،‬وتم ّنع الشهداء عن بذل دمهم‪.‬‬
‫الحبًّ ً هو كل ّ شيء‪ ،‬وأنه يشمل جميع األزمان‬ ‫ّ‬ ‫الحب يحتوي جميع الدعوات‪ ،‬وأن‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬
‫ادركت أن‬
‫أزلي "‪.‬‬
‫ّ‬ ‫وجميع األمكنة‪ ..‬أنه‬
‫‪ " -666‬فيما كان المسيح‪ ،‬الق ّدوس‪ ،‬البري ُء والذي ال عيب فيه‪ ،‬لم يعرف الخطيئة‪ ،‬بل أتى ليكفّر‬
‫آن واحد‪ ،‬مق ّدسة‬ ‫عن خطايا الشعب فقط‪ ،‬فإنّ الكنيسة التي تضم في حضنها الخطأة‪ ،‬هي‪ ،‬في ٍ‬
‫ً‬
‫عاكفة على ال ّتوبة والتج ّدد "‪ .‬جميع أعضاء الكنيسة‪ ،‬بما فيهم‬ ‫ومفتقرة دائما ً إلى التطهير‪ ،‬والتني‬
‫من َخدَم ٍة مرسومين‪ ،‬يجب أن يعرفوا أ ّنهم ُخطأة‪ .‬في الجميع‪ ،‬زؤانُ الخطيئة يخالط بذور اإلنجيل‬
‫الصالحة إلى آخر األزمان‪ .‬فالكنيسة تض ُّم إذن خطأة شملَهم خالصُ المسيح‪ ،‬ولك ّنهم أبداً في‬
‫‪.‬طريق القداسة‬
‫" الكنيسة مق ّدسة وهي تض ّم في حضنها الخطأة‪ ،‬ألن ليس لها هي نفسها حيا ًةٌّ سوى حياة النعمة‪ :‬إنها‬
‫حين تحيا حياتها يتق ّدس أعضاؤها‪ ،‬وهي عندما تحيد عن حياتها يسقطون في الخطيئة وفي االنحرافات‬
‫سلطان شفا ِء أبنائها‬
‫ِ‬ ‫التي تحول دون تأللؤ قداستها‪ .‬ولهذا فهي تتألّم وتك ّفر عن هذه الخطايا التي أعطيت‬
‫منها بدم المسيح وموهبة الروح القدس "‪.‬‬
‫تطوب الكنيسة بعض المؤمنين‪ ،‬إي عندما تعلن أنّ هؤالء المؤمنين مارسوا الفضائل‬ ‫‪ -666‬عندما ّ‬
‫على وجه بطوليّ ‪ ،‬وساروا في األمانة لنعمة هللا‪ ،‬فهي تعترف بقدرة روح القداسة الذي فيها‪،‬‬
‫وتعضد رجا َء المؤمنين عندما تق ّدم لهم أوالئك نماذ َج وشفعاء‪ " .‬فالق ّديسون والق ّديسات كانوا أبداً‬
‫ومصدر تج ّد ٍد في أصعب أوقات تاريخ الكنيسة "‪ .‬وهكذا " فالقداسة هي الينبوع الخفيُّ‬‫َ‬ ‫ينبوع‬
‫‪.‬والمعيا ُر الذي ال يخطئ لعملها الرسوليّ والندفاعها إلى الرسالة "‬
‫ف وال غضن‪ .‬ومؤمنو‬ ‫‪ -666‬قد بلغت الكنيسة في شخص العذراء الطوباويّة الكمال في غير كل ٍ‬
‫المسيح أيضا ً يج ّدون بنشاطٍ في طريق النموّ في القداسة بالتغلّب على الخطيئة‪ ،‬كذلك يشخصون‬
‫بأبصارهم إلى مريم " ‪ :‬ففيها الكنيسة هي الكلّية القداسة‪.‬‬

‫‪ .ً6‬الكنيسة الكاثوليكية‬
‫ما معنى " كاثوليكية " ؟‬
‫‪ -666.‬اللفظة " كاثوليكية " تعني " جامعة " أي " بحسب الكلّيّة " أو " بحسب ال ّتماميّة "‬
‫فالكنيسة الكاثوليكية بمعنى مُزدوج ‪:‬‬
‫إ ّنها كاثوليكية ألن المسي ُح حاض ٌر فيها‪ " .‬حيث يكون المسيح يسوع‪ ،‬تكون الكنيسة الكاثوليكية "‪.‬‬
‫ففيها مل ُء جسد المسيح م ّتحداً برأسه‪ ،‬وهذا يعني أنها تنال منه " مل َء وسائل الخالص " التي‬
‫أرادها لها‪ :‬االعتراف باإليمان القويم والكامل‪ ،‬وحياة األسرار التامّة‪ ،‬وخدمة مرسومة في الخالفة‬
‫الرسوليّة‪ .‬وهكذا كانت الكنيسة‪ ،‬بهذا المعنى األساسيّ ‪ ،‬كاثوليكية في يوم العنصرة‪ ،‬وستكون‬
‫‪.‬كذلك إلى يوم مجي ِء المسيح‬
‫‪ -666‬وهي كاثوليكية ألنّ المسيح أرسلها في رسالة إلى الجنس البشريّ بكامله ‪:‬‬
‫"إنّ جميع الناس مدعوّ ون ألن يكونوا من شعب هللا الجديد‪ .‬لذلك يجب أن يمت َّد ذلك الشعب‪ ،‬مع بقائه واحداً‬
‫وحيداً‪ ،‬على العالم بأسره‪ ،‬وعلى جميع األزمان‪ ،‬لكي تت ُّم مقاص ُد إرادة هللا الذي خلق في البدء الطبيعة البشريّة‬
‫واحد ًة‪ ،‬ويريد أن يجمع أخيراً في الوحدة ابنا َءها المتفرّ قين‪ .‬وإنّ هذا الطابع‪ ،‬طابع الشمول‪ ،‬الذي يلقي النور على‬
‫شعب هللا هو عطيّة من الربّ نفسه‪ ،‬تسعى بقوّ تها الكنيسة الكاثوليكية سعيا ً فعّاالً مستمرّ اً إلى جمع البشريّة‬
‫‪.‬بأسرها‪ ،‬مع كل ما تنطوي عليه من خير‪ ،‬تحت رأسها الذي هو المسيح في وحدة الروح القدس "‬

‫صة هي كاثوليكية‬
‫كل ّ كنيسة خا ّ‬

‫‪ " -666‬كنيسة المسيح حاضرة حقّا ً في ك ّل جماعات المؤمنين المحليّة الشرعيّة‪ ،‬التي باتحادها‬
‫برُعاتها يسمُّنونها ايضاً‪ ،‬في العهد الجديد‪ ،‬كنائس‪ .‬فيها يتجمّع المؤمنون بالدعوة بإنجيل المسيح‪،‬‬
‫وفيها يُحتفل بسرّ عشا ِء الربّ ‪ .‬وهذه الجماعات‪ ،‬مهما كانت في الغالب صغيرة أو فقيرة أو‬
‫سة كاثوليك َي ًة رسوليّة "‬
‫‪.‬مش ّتتة‪ ،‬فإنّ المسيح حاض ٌر فيها‪ ،‬وبقوّ ته تقوم الكنيسة واحد ًة مق ّد ً‬
‫‪ -666‬يُراد بكنيسة خاصّة‪ ،‬وهي أوالً األبرشية‪ ،‬مجموعة مؤمنين مسيحيّين في شركة اإليمان‬
‫واألسرار مع أسقفهم المرسوم في الخالفة الرسولية‪ .‬وهذه الكنائس الخاصّة " مكوّ نة على صورة‬
‫الكنيسة الجامعة‪ ،‬وفيها وبها تقوم الكنيسة الكاثوليكية واحد ًة وحيدة "‪.‬‬
‫‪ -666‬الكنائس الخاصّة كاملة في كاثوليكيّتها بالشركة مع إحداها‪ ،‬أي كنيسة رومة التي " لها‬
‫صدارة المحبّة "‪ " .‬فمع هذه الكنيسة‪ ،‬وبسبب أصلها األسمى‪ ،‬يجب أن ت ّتفق ك ّل كنيسة‪ ،‬أي‬
‫مؤمنو ك ّل مكان "‪ .‬فمنذ نزول الكلمة المتجسّد إلينا جمي ُع الكنائس المسيحيّة في ك ّل مكان رأت‬
‫وترى في الكنيسة العظمى التي هنا(في رومة) ركنا ً وأساسا ً فريداً‪ ،‬ألنّ أبواب الجحيم‪ ،‬على ح ّد‬
‫تقو عليها ّ‬
‫قط "‬ ‫‪.‬وعود المخلّص نفسها‪ ،‬لم َ‬
‫‪ " -665‬يجب أن ال ُتعد الكنيسة الجامعة مجرّد مجموع ٍة أو آ ّتحاد كنائس خاصة‪ .‬لكنها أكثر من ذلك الكنيسة‪،‬‬
‫الجامعة بدعوتها ورسالتها‪ ،‬التي تتأصّل في حقول ثقافيّة واجتماعيّة وإنسانيّة مختلفة‪ُ ،‬م ّتخذ ًة في كل ناحية من‬
‫العالم وجوها ً وأشكاالً تعبيريّة مختلفة "‪.‬إنّ التنوع الغنيّ في األنظمة الكنسيّة‪ ،‬والطقوس الليترجية‪ ،‬والتراث‬
‫الالهوتي والروحيّ الذي تنفرد به الكنائس المحليّة " يُظهر بوضوح أكثر‪ ،‬وبما تتالقى به تلك الكنائس في‬
‫‪.‬الوحدة‪ ،‬كاثوليكية الكنيسة غير القابلة التجزؤ "‬

‫من ينتمي الى الكنيسة الكاثوليك ّية‬

‫‪ " -669‬جميع الناس مدعوّ ون إلى وحدة شعب هللا الكاثوليكية‪ ،‬ويرتبط بها على وجوه مختلفة‪ ،‬أو‬
‫هم في السبيل إليها‪ ،‬المؤمنون الكاثوليك‪ ،‬وسائر المؤمنين بالمسيح‪ ،‬وأخيراً سائر الناس‪ ،‬بدون ما‬
‫‪.‬استثناء‪ ،‬المدعوّ ين بنعمة هللا إلى الخالص "‬
‫‪ " -666‬ينتمي إلى مجتمع الكنيسة انتما ًء تامّا أولئك الذين بعد إذ حصلوا على روح المسيح‬
‫يتقبّلون تق ّبالً كل ّيا ً نظامها وجميع وسائل الخالص التي أُنشئت فيها‪ ،‬وي ّتحدون‪ ،‬في مجتمعها‬
‫المنظور‪ ،‬بالمسيح الذي يقودها بواسطة الحبر األعظم واألساقفة الم ّتحدين في ما بينهم برُبط‬
‫االعتراف باإليمان واألسرار والحُكم الكنسيّ والشركة‪ .‬بيد أ ّنه ال يخلص‪ ،‬على كونه منتميا ً إلى‬
‫الكنيسة‪ ،‬ذاك الذي ال يثبت في المحبّة‪ ،‬فيُقيم في حضن الكنيسة " بالجسم " ال "بالقلب "‪.‬‬
‫‪ " -666‬أولئك الذين باعتمادهم نالوا كرامة االسم المسيحيّ ‪ ،‬ولك ّنهم ال يعترفون باإليمان كامال‪ً،‬‬
‫أو ال يحتفظون بوحدة الشركة مع خليفة بطرس‪ ،‬تعلّم الكنيسة أ ّنها م ّتحدة بهم ألسباب متع ّددة "‪.‬‬
‫"وإنَّ الذين يؤمنون بالمسيح وقد قبلوا المعموديّة قبوالً صحيحا ً هم على الشركة‪ ،‬وإن غير كاملة‪،‬‬
‫مع الكنيسة الكاثوليكية "‪ .‬وهذه الشركة مع الكنائس األرثوذكس ّية هي بهذا المقدار من العمق "‬
‫حتى إنه ينقصها شي ٌء قليل لكي تبلغ الكمال الذي يُبي ُح االشتراك في إقامة ذبيحة إفخارستيا الربّ‬
‫‪".‬‬

‫الكنيسة وغير المسيح ّيين‬

‫بطرق مختلفة إلى شعب هللا "‬


‫ٍ‬ ‫‪ " -666.‬وأما الذين لم يقبلوا اإلنجيل بع ُد فهم أيضا ً مدعوّ ون‬

‫اليهودي‪ .‬الكنيسة‪ ،‬شعب هللا في العهد الجديد‪ ،‬تكتشف‪ ،‬وهي تتقصّى‬


‫ّ‬ ‫عالقة الكنيسة بالشعب‬
‫سرّ ها الخاصّ ‪ ،‬عالقتها بالشعب اليهوديّ ‪ " ،‬الذي كلّمه هللا أوالًًّ "‪ .‬فبعكس الديانات األخرى غير‬
‫المسيحيّة‪ ،‬اإليمان اليهودي هو جوابٌ على وحي هللا في العهد القديم‪ .‬فللشعب اليهوديّ " التب ّني‬
‫والمجد والعهود والتشريع والعبادة والوعود واألجداد‪ ،‬هو الذي وُ لد منه المسيح بحسب الجسد‬
‫‪(".‬رو ‪ ،)1-2 : 1‬إذ إنَّ " مواهب هللا ودعوته هي بال ندامة "(رو ‪)11 : 22‬‬
‫‪ -666‬وإلى ذلك فعندما ننظر إلى المستقبل نرى أن شعب هللا في العهد القديم وشعب هللا الجديد يتوجهان‬
‫إلى اهداف متشابهة‪ :‬انتظار مجيء(أو عودة) الما ّسيا‪ .‬ولكن االنتظار هو من جهة لعودة ماسّيا‪ ،‬الذي‬
‫مات وقام واع ُترف به ر ّبا ً وابن هللا‪ ،‬ومن جهة اخرى لمجيء الماسّيا‪ ،‬الباقي على خفاء العالم‪ ،‬في آخر‬
‫األزمان‪ ،‬انتظار مقرون بمأساة الجهل أو عدم االعتراف بالمسيح يسوع‪.‬‬
‫‪ -666‬عالقة الكنيسة بالمسلمين‪ " .‬إن تدبير الخالص يشمل أيضا ً أوالئك الذين يؤمنون بالخالق‪ ،‬وأوّ لهم‬
‫المسلمون الذين يُعلنون أ ّنهم على إيمان إبراهيم‪ ،‬ويعبدون معنا هللا الواحد‪ ،‬الرحمن الرحيم‪ ،‬الذي يدين‬
‫‪.‬الناس في اليوم اآلخر "‬
‫‪ -666‬عالقة الكنيسة بالديانات األخرى غير المسيح ّية هي أوالً عالقة أصل الجنس البشري‬
‫وغايته ‪:‬‬
‫ّ‬
‫" جميع الشعوب يؤلفون أسرة واحدة‪ ،‬فهم جميعهم من أصل واحد‪ ،‬إذ أسكن هللا الجنس البشريّ ّّ كله على وجه‬
‫هذه األرض‪ ،‬ولهم جميعا ً غاية قصوى واحدة‪ ،‬وهي هللا الذي يبسط على الجميع كن َ‬
‫ف عنايته‪ ،‬وآيات لطفه‪،‬‬
‫‪.‬ومقاصده الخالصيّة‪ ،‬إلى أن يجتمع مختاروه في المدينة المقدسة "‬
‫‪ " -666‬الكنيسة ترى في األديان األخرى تلمُّسها‪" ،‬الذي ال يزال في الظ ّل وفي خفاء الصُّور "‬
‫هلل المجهول والقريب الذي يعطي الجميع الحياة والنفس وك ّل شيء‪ ،‬والذي يريد أن يخلصّ جمي ُع‬
‫والحق في الديانات هو " تمهيد‬‫ّ‬ ‫البشر‪ .‬وهكذا ترى الكنيسة أنّ ك ّل من يمكن أن يوجد من الصالح‬
‫‪.‬لإلنجيل وموهبة من ذاك الذي ينير ك ّل إنسان لكي تكون له الحياةُ أخيراً "‬
‫‪ -666‬ولكن البشر يُظهرون أيضاً‪ ،‬في سلوكهم الدينيّ ‪ ،‬حدوداً وأضاليل تشوّ ه فيهم صورة هللا ‪:‬‬
‫" كثيراً ما يخدع الشيطان الناسّ فيضلّون سوا َء السّبيل في أفكارهم‪ ،‬ويستبدلون بحقيقة هللا الب ُْطل‪ ،‬عابدين‬
‫المخلوق دون الخالق‪ ،‬أو أنهم يحيون ويموتون بدون هللا في هذا العالم‪ ،‬فيعرّ ضون أنفسهم لليأس الذي ما بعده‬
‫‪.‬يأس "‬
‫‪ -665‬لقد أراد اآلب ان يدعو جميع البشر في كنيسة ابنه ليجمع مج ّدداً جميع أبنائه الذين ش ّتتتهم‬
‫الخطيئة واضلّتهم‪ .‬الكنيسة هي المكان الذي يجب أن تجد فيه البشريّة وحدتها وخالصها‪ .‬أ ّنها "‬
‫العال ُم مُصالحا ً "‪ .‬إ ّنها تلك السفينة التي " تمخر في هذا العالم على هبوب الروح القدس تحت‬
‫ك نوح الذي وحده ينجّي‬ ‫الشراع الكامل لصليب الربّ "‪ ،‬وهي‪ ،‬على ح ّد تصوّ ر آباء الكنيسة‪ ،‬فُ ْل ُ‬
‫‪.‬من الطوفان‬

‫" ال خالص خارج الكنيسة "‬

‫‪ -669‬كيف يجب علينا أن نفهم هذه العبارة التي طالما ر ّددها آباء الكنيسة؟ إذا صيغت بطريقة‬
‫إيجابيّة فإ ّنها تعني أنّ كل خالص يأتي من المسيح الرأس عن طريق الكنيسة التي هي جسده ‪:‬‬
‫سفر على‬ ‫" أن المجمع المقدس‪ ،‬استناداً إلى الكتاب المقدس‪ ،‬والتقليد‪ ،‬يعلّم أن هذه الكنيسة التي هي في حال ٍ‬
‫وسيط الخالص وطريقه‪ :‬وهو يصير حاضراً ألجلنا في‬ ‫ُ‬ ‫األرض ضروريّة للخالص‪ .‬ذلك بأن المسيح وحده‬
‫جسده الذي هو الكنيسة‪ ،‬فإنه إذ يعلّم بصريح العبارة ضرورة اإليمان والمعموديّة‪ ،‬قد أكد في الوقت نفسه‬
‫ّ‬
‫ضرورة الكنيسة التي يلج فيها الناس بالمعموديّة كما من باب‪ .‬ومن ث َّم فإنَّ الذين ال يجهلون أنَّ هللا قد أنشأ َ بيسوع‬
‫المسيح الكنيسة الكاثوليكية أدا ًة ضروريّة ثم يرفضون الدخول إليها أو الثبات فيها‪ ،‬ال يستطيعون سبيالً إلى‬
‫الخالص "‪.‬‬
‫ب منهم ‪:‬‬
‫‪ -666‬هذا الكالم غير موجّ ه إلى الذين يجهلون المسيح وكنيسته على غير ذن ٍ‬
‫" إن الذين‪ ،‬على غير ذنب منهم‪ ،‬يجهلون إنجيل المسيح وكنيسته‪ ،‬ويطلبون مع ذلك هللا بقلب صادق‪،‬‬
‫ويجتهدون‪ ،‬بنعمته‪ ،‬أن يتمّموا في أعمالهم إرادته كما يُمليها عليهم ضميرهم‪ ،‬فهؤالء يمكنهم أن ينالوا الخالص‬
‫األبديّ "‪.‬‬
‫بطرق يعرفها‬
‫ٍ‬ ‫‪" -666‬وإن كان بإمكان هللا أن يقود إلى اإليمان‪ ،‬الذي يستحيل إرضا ُء هللا بدونه‪،‬‬
‫هو وحده‪ ،‬أُناسا ً يجهلون اإلنجيل عن غير خط ٍأ منهم‪ ،‬فعلى الكنيسة تقع ضرورة تبشير جميع‬
‫البشر باإلنجيل‪ ،‬وهو أيضا ً ٌّ‬
‫حق مق ّدس"‪.‬‬

‫الرسالة – من مقتضيات كاثوليكية الكنيسة‬

‫اإلرسالي‪ " .‬إن الكنيسة التي أرسلها هللا إلى األمم لكي تكون السرّ الجامع‬
‫ّ‬ ‫‪ -666‬التفويض‬
‫للخالص‪ ،‬هي مشدودة إلى تبشير جميع البشر باإلنجيل‪ ،‬تش ّدها المقتضيات العميقة في كاثوليكيتها‬
‫الخاصة‪ ،‬والعمل بأمر مؤسّسها " ‪ " :‬فآذهبوا وتلمذوا ك َّل األمم وعمّدوهم باسم اآلب واالبن‬
‫والروح القدس‪ ،‬وعلّموهم أن يحفظوا جميع ما أوصيتكم به‪ ،‬وها أنا معكم ك ّل األيام إلى منتهى‬
‫الدهر "(متى ‪.)11-21 : 18‬‬
‫‪ -656‬مصدر الرسالة وغايتها‪ .‬المصدر األعلى لتكليف الربّ اإلرساليّ هو في محبّة الثالوث‬
‫األقدس األزليّة‪ " :‬الكنيسة في طبيعتها المتجوّ لة رسولي ٌّة‪ ،‬ألنها تصدر عن رسالة االبن‪ ،‬وعن‬
‫رسالة الروح القدس‪ ،‬وفاقا ً لقصد هللا اآلب "‪ .‬وليس هدف الرسالة األخير إال ّ في إشراك البشر‬
‫في الشركة التي بين اآلب واالبن في روح محبَّتهما‪.‬‬
‫واجب االندفاع الرساليّ‬
‫َ‬ ‫سبب الرسالة‪ .‬من محبة هللا لجميع البشر استخرجت الكنيسة أبداً‬ ‫ُ‬ ‫‪-656‬‬
‫تحثنا "(‪ 1‬كو ‪ .)22 : 1‬و " هللا يريد أنّ جميع الناس يخلصون ويبلغون‬ ‫وقُوّ ته ‪ " :‬ألن المحبّة ُّ‬
‫ّ‬
‫الحق‪،‬‬ ‫خالص الجميع بمعرفة‬‫َ‬ ‫ّ‬
‫الحق "(‪ 2‬في ‪ .)2 : 1‬هللا يريد‬ ‫إلى معرفة‬
‫الحق هم في طريق الخالص‪ ،‬ولكنّ الكنيسة التي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الحق‪ .‬فالذين ينقادون لدافع روح‬ ‫فالخالص في‬
‫الحق‪ .‬وإذ كانت تؤمن بقصد‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الحق يجب عليها أن تالقي رغباتهم لكي تق ّدم لهم هذا‬ ‫اودعت هذا‬
‫ً‬
‫رسولة‬ ‫‪.‬الخالص الشامل فمن واجبها أن تكون‬
‫‪ -656‬طرق الرسالة‪ " .‬الروح القدس محرّ ك الرسالة الكنسيّة كلّها "‪ .‬إ ّنه هو الذي يقود الكنيسة‬
‫على دروب الرسالة‪ .‬وهذه الرسالة " تواصِ ل وتكمّل عبر التاريخ رسالة المسيح نفسه‪ ،‬الذي‬
‫وبدفع من‬
‫ٍ‬ ‫أُرسل ليحمل البشرى إلى المساكين‪ .‬فعلى هذه الطريق نفسها التي سلكها المسيح نفسه‪،‬‬
‫روح المسيح‪ ،‬يجب على الكنيسة أن تسير‪ ،‬أي على طريق الفقر‪ ،‬والطاعة‪ ،‬وبذل الذات إلى ح ّد‬
‫الموت الذي خرج منه بقيامته منتصراً "‪ .‬وهكذا " فدم الشهداء ُزرعة مسيحيّين "‪.‬‬
‫‪ -656‬ولكن الكنيسة في مسيرتها تختبر " المسافة بين الرسالة التي تكشف عنها والضعف البشريّ عند‬
‫من أؤتمنوا على هذا اإلنجيل "‪ .‬فبالسير على طريق " التوبة والتج ّدد "وحده‪ ،‬ومن " باب الصليب‬
‫الضيّق "‪ ،‬يستطيع شعب هللا َبس َط ملكوت المسيح‪ " .‬ولما كان المسيح قد تمّم عمله الفدائيّ في الفقر‬
‫واالضطهاد‪ ،‬فإن الكنيسة قد ُدعيت هي أيضا ً إلى انتهاج هذه الطريق عينها‪ ،‬لكي ُتشرك الناس في ثمار‬
‫الخالص "‪.‬‬
‫‪ -656‬والكنيسة في ذات رسالتها " تسير مع البشريّة كلّها‪ ،‬وتنال قسطها من مصير العالم األرضيّ ‪،‬‬
‫وهي بمثابة خميرة‪ ،‬وكروح للمجتمع البشريّ الذي يجب أن يتج ّدد في المسيح ويتحوَّ ل إلى أسرة هللا "‪.‬‬
‫وهكذا فالعمل الرسوليّ يقتضي الصبر‪ .‬إنه يبدأ بنقل اإلنجيل إلى الشعوب والجماعات التي ال تزال غير‬
‫مؤمنة بالمسيح‪ ،‬وهو يواصل طريقه بإقامة جماعات مسيحيّة تكون " عالمات حضور هللا في العالم "‪،‬‬
‫وبإنشاء كنائس محليّة‪ ،‬وهو يقتضي أسلوب انثقافٍ لتجسيد اإلنجيل في ثقافات الشعوب‪ ،‬وقد ال تخلو‬
‫طريقه من الفشل‪ " .‬فالكنيسة‪ ،‬وفي ما يتعلّق بالناس والجماعات والشعوب‪ ،‬ال تغزوها وتخترق صفوفها‬
‫إالّ شيئا ً فشيئاً‪ ،‬وهكذا ُتلقي بها في ملء الكثلكة "‪.‬‬
‫‪ -655‬رسالة الكنيسة تستدعي السعي لوحدة المسيحيين‪ .‬فاالنقسامات بين المسيحيّين تمنع الكنيسة من‬
‫تحقيق ملء الكثلكة الخاصّة بها في بنيها الذين أصبحوا أبناءها بالمعموديّة‪ ،‬ولك ّنهم منفصلون عن‬
‫شركتها الكاملة‪ .‬أضف إلى ذلك أ ّنه يصير من األصعب على الكنيسة نفسها أن تعبّر تعبيراً استيعاب ّيا ً عن‬
‫‪.‬ملء كثلكتها في واقع حياتها "‬
‫‪ -659‬المهمّة اإلرساليّة تقتضي حوارا يحترم أولئك الذين لم يتقبّلوا بعد اإلنجيل‪ .‬ويستطيع المؤمنون أن‬
‫اطالعا ً أوسع على " كل ما لدى تلك األمم من حقيقة‬ ‫يطلعون ّ‬‫يُفيدوا من هذا الحوار نفعا ً ألنفسهم‪ ،‬عندما َّ‬
‫ونعمة كما لو كان ذلك بحضور خفيّ هلل "‪ .‬ولئِن ب ّشروا باإلنجيل من يجهله‪ ،‬فما ذلك إالّ لتقوية وإكمال‬
‫ورفع الحقيقة والصالح اللذين أفاضهما هللا على البشر والشعوب‪ ،‬وتطهيرهم من الضالل والشرّ "لمجد‬
‫هللا‪ ،‬وخزي الشيطان‪ ،‬وسعادة اإلنسان"‪.‬‬

‫‪ .ً6‬الكنيسة رسول ّية‬

‫‪ -656‬الكنيسة رسوليّة أل ّنها مؤسسة على الرسُل وذلك بمعاني ثالثة ‪:‬‬
‫‪ -‬لقد بُنيت وال تزال مبنيّة على " أساس الرّ سُل "(أف ‪ )11 : 1‬وهم شهو ٌد مختارون ومُرسلون‬
‫من قِبل المسيح نفسه‪،‬‬
‫‪ -‬وهي تحفظ وتنقل‪ ،‬بمساعدة الروح القدس السّاكن فيها‪ ،‬التعليم‪ ،‬الوديعة الخيّرة‪ ،‬األقوال‬
‫السليمة التي سمعهتا من الرّ سُل‪،‬‬
‫‪ -‬وهي ال تزال يعلّمها الرّ سل ويق ّدسونها ويسوسونها إلى عودة المسيح بفضل من يخلِفونهم في‬
‫مهمّتهم الراعويّة‪ :‬هيئة األساقفة‪ " ،‬يساعدهم الكهنة‪ ،‬باالتحاد مع خليفة بطرس‪ ،‬راعي الكنيسة‬
‫األعلى " ‪:‬‬
‫ُ‬ ‫ّ‬
‫" ايها االب األزلي‪ ،‬إنك ال تهمل قطيعك‪ ،‬بل تحافظ عليه ِبرُ سُلك الطوباويّين في ظ ّل حمايتك الدائمة‪.‬‬
‫‪.‬إ ّنك تسوسه أيضا ً بهؤالء الرّ عاة أنفسهم الذين يواصلون اليوم عمل ابنك "‬

‫سل‬
‫الر ُ‬
‫رسالة ّ‬

‫‪ -656‬يسو ُع هو رسول اآلب‪ .‬ومنذ بدء رسالته " دعا الذين أرادهم فأقبلوا إليه وعيّن منهم اثني عشر‬
‫ليكونوا معه ولكي يرسلهم للكرازة "(مر ‪ .)22-23 : 3‬وقد أصبحوا من ذلك الحين " رً سُله "‪ .‬وبهم‬
‫ُتتابع رسالته الخاصّة‪ " :‬كما أرسلني اآلب كذلك أنا أرسلكم "(يو ‪ .)12 : 11‬وهكذا فعملهم م ٌ‬
‫ُتابعة‬
‫لرسالته الخاصّة‪ " :‬من َق ِبل ُكم فقد َق ِبلني"‪ ،‬هكذا قال لالثني عشر(متى ‪.)21 : 21‬‬
‫‪ -656‬لقد ضمّهم يسو ُع إلى الرسالة التي قبلها من أبيه‪ :‬فكما " أن االبن ال يستطيع أن يفعل شيئا ً‬
‫من ذاته "(يو ‪ ،)31-21 : 1‬بل يقبل كل شيء من اآلب الذي أرسله‪ ،‬كذلك أولئك الذين يرسلُهم‬
‫يسو ُع ال يستطيعون أن يفعلوا شيئا ً بدونه‪ ،‬هو الذي ينالون منه تفويض الرسالة وسلطان القيام‬
‫بها‪ .‬ف ُرسُل المسيح يعلمون أنّ هللا أقامهم " َخدَمة عه ٍد جدي ٍد "(‪ 1‬كو ‪َ " ،)1 : 3‬خدمة هللا "(‪ 1‬كو‬
‫‪ " ،)2: 1‬سُفراء المسيح "(‪ 1‬كو ‪ُ " ،)11 : 1‬خ ّدام المسيح ووكال َء أسرار هللا "‬
‫‪ 2‬كو ‪( .)2 : 2‬‬
‫ناحية ال يمكن أن تكون في غيرهم‪ :‬وهي أ ّنهم الشهو ُد المُختارون لقيامة‬‫ٌ‬ ‫‪ -696‬في مهمّة الرسُل‬
‫الربّ وأركان الكنيسة‪ .‬ولكنّ هنالك وجها ً لمهمّتهم ثابتاً‪ .‬فقد وعدهم المسيح بأن يبقى معهم حتى‬
‫منتهى الدهر‪ " .‬إنّ هذه المهمّة اإللهيّة التي أناطها المسيح بالرسُل يجب أن تستمرّ حتى منتهى‬
‫العالم‪ ،‬بما أن اإلنجيل الذي يجب أن يُسلّموه هو للكنيسة‪ ،‬في ك ّل زمان‪ ،‬مبدأ الحياة كلّها‪ .‬لذلك‬
‫‪.‬اهت ّم الرسل بأن يقيموا لهم خلفاء "‬

‫سل‬‫األساقفة ُخلفاء الر ُ‬


‫‪ " -696‬لكي تظ ّل الرسالة التي أؤتمن عليها الرسل مستمرّ ة بعد موتهم سلّموا إلى معاونيهم‬
‫األد َنين‪ ،‬تسلي َم وصيّة‪ ،‬مهم َة إنجاز العمل الذي بدأوه وترسيخه‪ ،‬وأوصوهم بالسهر على القطيع‬
‫الذي أقامهم فيه الروح القدس ليرعوا كنيسة هللا‪ .‬فأقاموا هؤالء الرجال‪ ،‬ورسموا لهم للمستقبل أن‬
‫‪.‬يتسلّم زما َم خدمتهم بعد مماتهم رجا ٌل آخرون مخت َبرون "‬
‫‪ " -696‬كما أن المهمّة التي أناطها الربّ ببطرس‪ ،‬أول الرسل‪ ،‬منفرداً‪ ،‬ويجب ان تنتقل إلى‬
‫ُخلفائه‪ ،‬تدوم باستمرار‪ ،‬كذلك أيضا ً مهمّة رعاية الكنيسة التي تسلّمها الرسُل والتي يجب أن‬
‫ُ‬
‫هيئة األساقفة المق ّدسة تدوم باستمرار "‪ .‬فلذلك ُتعلّم الكنيسة " أنّ األساقفة يخلفون الرسُل‪،‬‬ ‫تزاولها‬
‫بوضع إلهيّ‪ ،‬على رعاية الكنيسة‪ ،‬فمن سمع منهم سمع من المسيح‪ ،‬ومن احتقرهم احتقر المسيح‬
‫‪.‬والذي أرسل المسيح "‬

‫الرسالة‬

‫‪ -696‬الكنيسة رسوليّة كلُّها من حيث إ ّنها تظلّ‪ ،‬من خالل خلفاء بطرس والرّ سُل‪ ،‬في شركة‬
‫إيمان وحيا ٍة مع مصدرها‪ .‬والكنيسة رسوليّة كلُّها من حيث إ ّنها " مر َسلة " في العالم كلّه‪ ،‬وجميع‬
‫ٍ‬
‫أعضاء الكنيسة مشتركون في هذه الرسالة‪ ،‬وإن على وجوه مختلفة‪ " ،‬والدعوة المسيحيّة هي‬
‫أيضا ً بطبيعتها دعوة إلى الرسالة "‪ .‬ويسمّون " رسالة " " ك ّل نشاط للجسد السريّ " يسعى إلى "‬
‫‪.‬بسط مُلك المسيح على األرض "‬
‫‪ " -696‬وبما أنَّ المسيح الذي أرسله اآلب هو ينبو ُع ومصد ُر ك ّل إرساليّة الكنيسة‪ ،‬فمن الثابت أنّ‬
‫للخ َد َمة المرسومين أو للعلمانيّين‪ " ،‬تتعلّق با ّتحادهم الحيويّ‬
‫خصب الرسالة "‪ ،‬سوا ٌء كانت َ‬
‫بالمسيح"‪ .‬والرسالة ت ّتخذ أشكاالً مختلفة وفقا ً للدعوات ومقتضيات الزمن ومواهب الروح القدس‬
‫المتنوّ عة‪ .‬إال ّ أن المحبّة‪ ،‬المُسْ تقاةُ بنوع خاص من اإلفخارستيا‪ " ،‬هي بمثابة الروح لك ّل‬
‫‪.‬رسالة "‬
‫‪ -695‬الكنيسة واحدة‪ ،‬مقدّسة‪ ،‬كاثوليكية‪ ،‬رسولية في جوهرها العميق واألخير‪ ،‬إذ منها يوجد‬
‫اآلن وسيتم في آخر األزمان " ملكوت السماوات "‪ " ،‬م ُْلك هللا "‪ ،‬الذي أتى في شخص المسيح‬
‫انضووا إليه‪ ،‬إلى يوم ظهوره ال َم َعاديّ الكامل‪ .‬عند ذلك يجتمع‬ ‫َ‬ ‫والذي ينمو سرّ يا ً في قلب من‬
‫جميع البشر الذين افتداهم‪ ،‬وصاروا به مقدَّسين وأطهاراً أمام هللا في المح ّبة "‪ ،‬على أنهم شعب‬
‫هللا الوحيد‪ " ،‬عروسُ الحمل "‪ " ،‬المدينة المق ّدسة النازلة من السماء‪ ،‬من عند هللا‪ ،‬ولها مجد هللا"‬
‫سل الحمل األثني عشر "(رؤ ‪)22 : 12‬‬ ‫‪.‬و " لسور المدينة اثنا عشر أساسا ً فيها أسماء ر ُ‬

‫بإيجاز‬

‫‪ -699‬الكنيسة واحدة‪ :‬لها ربٌّ واحد‪ ،‬وتعترف بإيما ٍن واحد‪ ،‬وتو ّلد بمعمود ّي ٍة واحدة‪ ،‬وال تكون‬
‫‪.‬إ ّال جسد ًا واحد ًا‪ ،‬يحييه رو ٌح واحد‪ ،‬ألجل رجاء وحيد‪ ،‬ينتهي بالتغ ّلب على جميع اإلنقسامات‬
‫‪ -696‬الكنيسة مقدّسة‪ :‬هللا الق ّدوس منشئها‪ ،‬والمسي ُح عروسها‪ ،‬أسلم ذاته من أجلها لكي يق ّدسها‪،‬‬
‫المكونة من خطأة "‪ .‬تتأ ّلق قداستها في‬
‫ّ‬ ‫وروح القداسة يُحييها‪ .‬وإن احتوت خطأة فهي " الالخاطئة‬
‫‪.‬الق ّديسين‪ ،‬وبمريم هي منذ اآلن كليّة القداسة‬
‫‪ -696‬الكنيسة كاثوليكية ‪ :‬إ ّنها تب ّشر بكامل اإليمان‪ ،‬وتحمل فيها وتمنح ملء وسائل الخالص‪،‬‬
‫وهي مرسلة إلى جميع الشعوب‪ ،‬و ُتخاطب جميع البشر‪ ،‬وتشمل جميع األزمان‪ " ،‬وهي في ذات‬
‫‪.‬طبيعتها مُر َس َلة "‬
‫‪ -696‬الكنيسة رسول ّية إ ّنها مبنيّة على ًأسس ثابتة‪ " :‬رسُل الحمل االثني عشر "‪ ،‬وهي ال‬
‫وسائر الرسُل‪،‬‬
‫ِ‬ ‫قائمة في الحقيقة على عصمة ‪ :‬المسيح يسوسها ببطرس‬ ‫ٌ‬ ‫تتزعزع‪ ،‬وهي‬
‫‪.‬الحاضرين في ُخلفائهم‪ ،‬البابا وهيئة األساقفة‬
‫‪ " -666‬كنيسة المسيح الوحيدة‪ ،‬التي نعترف بها في قانون اإليمان بأنها واحدة‪ ،‬مق ّدسة‪،‬‬
‫كاثوليكية‪ ،‬رسوليّة‪ ،‬تستمرُّ في الكنيسة الكاثوليكيّة‪ ،‬التي يسوسها خليفة بطرس واألساقفة الذين‬
‫ً‬
‫قائمة خارج هيكلها "‬ ‫‪.‬معه في الشركة‪ ،‬وإن تكن عناص ُر كثير ٌة للتقديس والحقيقة ال تزال‬

‫الفقرة ‪ -6‬مؤمنو المسيح‬


‫كرسة‬
‫ذوو السلطة المقدّسة والعلمان ّييون‪ ،‬والحياة الم ّ‬

‫‪ " -666‬مؤمنو المسيح هم الذين‪ ،‬لكونهم انضمّوا إلى المسيح بالمعموديّة‪ ،‬أصبحوا شعبا ً هلل‪،‬‬
‫والذين بسبب ذلك ُدعُوا‪ ،‬وهم مشتركون على طريقتهم في وظيفة المسيح الكهنوتيّة والنبويّة‬
‫والملكيّة‪ُ ،‬دعُوا إلى أن يُمارسوا‪ ،‬ك ّل واحد بحسب حاله الخاصّة الرسالة التي أناطها هللا بالكنيسة‬
‫‪.‬لكي تقوم بها في العالم "‬
‫‪ " -666‬بين جميع مؤمني المسيح‪ ،‬لِواقع تج ّددهم في المسيح‪ ،‬توجد‪ ،‬بالنظر إلى المرتبة والعمل‪،‬‬
‫مساواة حقيقيّة يتعاونون جميعا ً بمقتضاها‪ ،‬على بناء جسد المسيح‪ ،‬وذلك بحسب حالة كل واحد‬
‫‪.‬منهم ووظيفته الخاصّة "‬
‫‪ -666‬التباينات نف ُسها التي أراد الربُّ أن يجعلها بين أعضاء جسده تفيد وحدته ورسالته‪ .‬ذلك‬
‫" أنّ في الكنيسة اختالفا ً في الخدم‪ ،‬على وحدة في الرسالة‪ .‬فالمسيح أناط ِب ُر ُسلِه وخلفائهم مهمة‬
‫التعليم‪ ،‬والتقديس‪ ،‬والسياسة باسمه وبسلطانه‪ .‬ولكن العلمانيّين‪ ،‬الذين أصبحوا شركاء في مهمّة‬
‫المسيح الكهنوتيّة والنبويّة والملكيّة‪ ،‬يتحمّلون‪ ،‬في الكنيسة وفي العالم‪ ،‬قسطهم ما هو من رسالة‬
‫شعب هللا كلّه "‪ .‬وأخيراً هناك " مؤمنون يلتحقون بهذه الفئة أو تلك(ذوي سلطة وعلمانيين)‪ ،‬وقد‬
‫تكرّ سوا هلل باعتناقهم المشورات اإلنجيليّة‪ ،‬فيُسهمون بطريقتهم الخاصّة‪ ،‬في رسالة الكنيسة‬
‫الخالصيّة "‪.‬‬

‫سلطة في الكنيسة‬
‫‪ .ً6‬هيكل ّية ال ُّ‬
‫لماذا الوظيفة في الكنيسة‬

‫‪ -666‬المسيح هو نفسه أصل الوظيفة في الكنيسة‪ .‬إ ّنه أنشأها‪ ،‬وأعطاها السّلطة والرسالة‬
‫والتوجيه والهدف‪:‬‬
‫" إن المسيح الربّ قد أنشأ في كنيسته‪ ،‬لكي يرعى شعب هللا وينميه في غير انقطاع‪ ،‬خدما ً متنوعة تهدف إلى‬
‫خير الجسم كلّه‪ .‬فالرّ عاة‪ ،‬وقد قُلِّدوا سلطانا ً مق ّدساً‪ ،‬هم في خدمة أخوتهم لكي يتم ّكن جميع المنتمين إلى شعب هللا‬
‫‪.‬أن ينالوا الخالص "‬
‫‪ " -665‬كيف يؤمنون بمن لم يسمعوا به؟ وكيف يسمعون بال مب ّشر؟ وكيف يُب ّشرون ان لم يُرسلوا؟‬
‫"(رو ‪ .)22 : 21‬فما من إنسان وال جماعة يستطيعون أن يب ّشروا أنفسهم باإلنجيل‪ " .‬فاإليمان من‬
‫السّماع "(رو ‪ .)21: 21‬فما من أحد يستطيع ان يعطي نفسه التفويض والرسالة للتبشير باإلنجيل‪.‬‬
‫المُرسل من قِبل الربّ يتكلّم ويعمل‪ ،‬ال بسلطانه الخاص‪ ،‬بل بقوّ ة سلطان المسيح‪ ،‬ال كعضو في‬
‫الجماعة‪ ،‬بل كمخاطب للجماعة باسم المسيح‪ .‬ال أحد يستطيع أن يمنح نفسه النعمة‪ ،‬فهي ُتعطى و ُتوهب‪.‬‬
‫وذلك يقتضي ُخ ّداما ً للنعمة‪ ،‬سلطتهم وأهليّتهم من المسيح‪ .‬منه ينال األساقفة والكهنة رسالة‬
‫وقدرة(السلطة المق ّدسة) العمل في شخص المسيح الرأس‪ ،‬والشمامسة القوة ليخدموا شعب هللا في‬
‫خدمة(دياكونيّة) الليترجيا وكلمة هللا والمحبّة‪ ،‬باالشتراك مع األسقف وكهنته‪ .‬وهذه الخدمة‪ ،‬التي فيها‬
‫يعمل رُ سُل المسيح ويُعطون‪ ،‬بموهبة من هللا‪ ،‬ما ال يستطيعون أن يعملوا ويعطوا من ذات أنفسهم‪،‬‬
‫يسمّيه تقليد الكنيسة " سرّ اً " فخِدمة الكنيسة ُتعطى بسر خاص‪.‬‬
‫‪ -669‬طابع خدمتها مرتبط ارتباطا ً جوهر ّيا ً بالطبيعة األسراريّة للخدمة الكنسيّة‪ .‬وهكذا فال ُخ ّدام‬
‫المتعلّقون تعلّقا ً ُكلّيا ً بالمسيح الذي يعطي الرسالة والسُلطة‪ ،‬هم في الحقيقة " عبيد المسيح"‪ ،‬على‬
‫صورة المسيح الذي ا ّتخذ طوعا ً ألجلنا " صورة عبد "(في ‪ .)1 : 1‬فبما أن الكلمة والنعمة اللتين‬
‫هم ُخ ّدامهما‪ ،‬واللتين ليستا لهم‪ ،‬بل للمسيح الذي ائتمنهم عليها ألجل اآلخرين‪ ،‬فسيكونون طوعا ً‬
‫‪.‬عبيداً للجميع‬

‫جماعي‪ .‬فالسيد المسيح منذ‬


‫ّ‬ ‫‪ -666‬وإنه لمن طبيعة الخدمة الكنسيّة األسراريّة أن تكون ذات طابع‬
‫بدء عمله أقام االثني عشر " نواة إسرائيل الجديد وأصل السلطة الرئاسيّة المق ّدسة"‪ .‬فقد ان ُتخبوا‬
‫معاً‪ ،‬ومعا ً أُرسلوا‪ ،‬ووحدتهم األخويّة ستكون في خدمة شركة جميع المؤمنين األخويّة‪ ،‬إ ّنها‬
‫ستكون بمثابة انعكاس وشهادة لوحدة األقانيم اإللهيّة الثالثة‪ .‬ولهذا فكل أسقف يمارس خدمته‬
‫ضمن الهيئة األسقفيّة‪ ،‬في الشركة مع أسقف رومة‪ ،‬خليفة بطرس ورئيس الهيئة األسقفيّة‪،‬‬
‫والكهنة يمارسون خدمتهم ضمن مجموعة كهنة األبرشيّة‪ ،‬تحت ادارة أسقفهم‪.‬‬
‫‪ -666‬وأخيراً من طبيعة الخدمة الكنسيّة األسراريّة ان تكون ذات طابع شخصي‪ .‬فأنْ َع ِم َل َخد َم ُة‬
‫المسيح مشتركين فإ ّنهم يعملون ايضا ً ودائما ً بطريقة شخصيّة‪ .‬لقد ُدعي ك ّل واح ٍد شخص ّياً‪ " :‬أنت‬
‫اتبعني "(يو ‪ )11 : 12‬لكي تكون في الرسالة العامّة‪ ،‬شاهداً شخص ّياً‪ ،‬متح ّمالً شخص ّيا ً المسؤوليّة‬
‫أمام الذي يعطي الرسالة‪ ،‬وعامالً‪ " ،‬في شخصه " والجل أشخاص‪ " :‬أعمّدك باسم االب‪" ،"....‬‬
‫‪.‬أغفر لك "‬

‫‪ -666‬وهكذا فالخدمة األسراريّة في الكنيسة ُتمارس باسم المسيح‪ ،‬ولها طاب ٌع شخصيّ وشكل‬
‫جماعيّ ‪ .‬وهذا يتحقق في العالقات بين الهيئة األسقف ّية ورئيسها‪ ،‬خليفة بطرس‪ ،‬وفي العالقة بين‬
‫مسؤول ّية األسقف الراعويّة بالنظر إلى كنيسته الخاصّة‪ ،‬واالهتمام العام‪ ،‬للهيئة األسقفيّة بالكنيسة‬
‫‪.‬الجامعة‬

‫الهيئة األسقف ّية ورئيسها‪ ،‬البابا‬

‫صحابة له‪ ،‬ألي هيئة ثابتة‪ ،‬وأقام على رأسهم‬ ‫ً‬ ‫‪ -666‬عندما أقام المسيح االثني عشر‪ " ،‬جعلهم‬
‫ومن بينهم بطرس "‪ " .‬وكما أن الق ّديس بطرس وسائر الرّ سُل يؤلّفون‪ ،‬بتدبير الربّ بالذات‪ ،‬هيئة‬
‫رسوليّة واحدة‪ ،‬كذلك أيضاً‪ ،‬وعلى النحو نفسه يؤلّف الحبر الروماني خليفة بطرس‪ ،‬واألساقفة‬
‫‪ُ .‬خلفاء الرّ سُل وحد ًة فيما بينهم "‬
‫‪ -666‬ان الربّ جعل من سمعان وحده‪ ،‬الذي أعطاه اسم بطرس‪ ،‬صخرة كنيسته‪ .‬لقد سلّمه‬
‫مفاتيحها‪ ،‬وجعله راعيا ً للقطيع كلّه‪ " .‬بيد أن مهمة الحل والربط التي أعطيت لبطرس قد أعطيت‬
‫أيضاً‪ ،‬وال شك‪ ،‬لهيئة الرسل متحدين برئيسهم "‪ .‬ومهمة بطرس وسائر الرسُل الراعويّة هذه هي‬
‫‪.‬في أسُس الكنيسة‪ ،‬وهي ُتواص ُل على أيدي األساقفة برئاسة البابا‬
‫‪ -666‬البابا‪ ،‬أسقف رومة وخليفة القديس بطرس‪ ،‬هو " المبدأ الدائم المنظور‪ ،‬واألساس للوحدة‬
‫التي تربط بين األساقفة‪ ،‬وتربط بين جمهور المؤمنين "‪ " .‬فأن الحبر الرّ وماني‪ ،‬بحكم مهمّته‬
‫كنائب للمسيح وراع للكنيسة كلّها‪ ،‬يملك في الكنيسة السلطان الكامل األعلى والشامل‪ ،‬الذي‬
‫يستطيع أن يمارسه بحريّة على الدوام "‪.‬‬
‫‪ " -666‬الهيئة األسقف ّية أو الجسم األسقفي‪ ،‬ال سلطان لها ما لم نتصوّ رها م ّتحدة بالحبر‬
‫الروماني خليفة بطرس ا ّتحادها برأسها "‪ .‬وهي بهذه الصفة " تملك أيضا ً السلطان األعلى‬
‫‪.‬والكامل على الكنيسة كلّها‪ ،‬وإ ّنما ال يمكنها أن تزاوله اال ّ بموافقة الحبر الروماني "‬
‫‪ " -666‬هيئة األساقفة تزاول السلطان على الكنيسة كلّها بصورة رسميّة في المجمع‬
‫المسكوني "‪ " .‬وال يكون الب ّتة مجمع مسكوني ان لم يثبّته أو على االقل يقبله خليفة بطرس على‬
‫‪.‬أنه بهذه الصفة "‬
‫ّ‬
‫‪ " -665‬هذه الهيئة المؤلفة من كثيرين تعبّر عن التنوُّ ع والشمول في شعب هللا‪ ،‬وهي في تجمّعها‬
‫‪.‬تحت رأس واحد تعبّر عن الوحدة في قطيع المسيح "‬
‫‪ " -669‬وك ُّل من األساقفة مبدأ وحدة كنيسته الخاصة وأساسها"‪ .‬وهم‪ ،‬والحالة هذه‪،‬‬
‫"يزاولون سلطتهم الراعويّة على الفئة من شعب هللا التي ائتمنوا عليها"‪ ،‬يساعدهم كهنة وشمامسة‬
‫انجيليون‪ .‬ولكن بما أنهم أعضا ٌء في الهيئة األسقفيّة‪ ،‬فلك ّل واحد منهم قسطه في رعاية جميع‬
‫الكنائس‪ ،‬يقوم به أوالً " بحسن سياسة كنيسته الخاصة على أنها قسم من الكنيسة الجامعة" فيُسهم‬
‫هكذا بما هو " خي ٌر للجسد السّري كله الذي هو أيضا ً جسد الكنائس "‪ .‬وهذا األهتمام يمت ّد على‬
‫وجه خاص إلى الفقراء‪ ،‬وإلى المضطهدين من أجل اإليمان‪ ،‬كما يمت ّد إلى المرسلين الذي يعملون‬
‫‪.‬في شتى أنحاء األرض‬
‫‪ -666‬الكنائس الخاصة المتجاورة والمتماثلة في الثقافة تؤلّف أقاليم كنسيّة‪ ،‬أو مُجمّعات أوسع‬
‫ُتسمّى باطريركيّات أو نواحي‪ .‬فيستطيع أساقفة هذه المجمّعات ان يجتمعوا في سينودسات أو في‬
‫بطرق متعددة ومثمرة في أن‬‫ٍ‬ ‫مجامع إقليميّة‪ " .‬وكذلك تستطيع المجالس األسقفيّة اليوم أن تسهم‬
‫‪.‬يتحقّق الروح الجماعي بطريقة ملموسة "‬

‫مه ّمة التعليم‬

‫شروا جميع البشر بإنجيل هللا "‪ ،‬كما‬ ‫‪ -666‬األساقفة والكهنة ومساعدوهم " مهمّتهم األولى أن يُب ّ‬
‫أمرّ الربّ ‪ .‬إنهم " رسُل اإليمان الذين يجلبون للمسيح أتباعا ً ُج ُدداً‪ ،‬وهم المعلّمون األصليّون "‬
‫‪.‬لإليمان الرسولي " الذين قُلّدوا سلطة المسيح "‬
‫‪ -666‬لحفظ الكنيسة في صفاء اإليمان الذي نقله الرسل‪ ،‬أراد المسيح‪ ،‬الذي هو الحق‪ ،‬أن يمنح‬
‫كنيسته اشتراكا ً في عصمته الخاصة‪" .‬وبالمعنى الفائق الطبيعة لإليمان" "يتمسّك" شعب هللا‬
‫‪".‬باإليمان تمسّكا ً ثابتا ً" بقيادة سلطة الكنيسة التعليميّة الحيّة‬
‫‪ -666‬رسالة السلطة التعليميّة مرتبطة بالطابع النهائيّ للعهد الذي عقده هللا في المسيح مع شعبه‪،‬‬
‫فهو من شأنه أن يق َي ُه االنحرافات والعثرات‪ ،‬وأن يضمن له االمكانيّة الواقعيّة لالعتراف باإليمان‬
‫األصيل في غير ضاللة‪ .‬وهكذا ف ُمهمّة السلطة التعليميّة الراعويّة موجّ هة الى السّهر على أن يظ ّل‬
‫شعب هللا في الحق الذي يُحرّ ر‪ .‬ولكي يقوم بهذه المهمّة مه َّر المسيح الرعاة موهبة العصمة في ما‬
‫‪.‬هو شأن اإليمان واآلداب‪ .‬وقد ت َّتخذ ممارسة هذه الموهبة ع ّدة أشكال‬
‫بالذات‪ ،‬عندما‪،‬‬ ‫‪" -666‬هذه العصمة يتم ّتع بها الحبر الروماني‪ ،‬رئيس هيئة األساقفة‪ ،‬بحكم مهمّته ّ‬
‫بصفة كونه راعيا ً ومعلّما ً أعلى لجميع المؤمنين ومكلّفا ً تثبيت إخوته في اإليمان‪ ،‬يعلن‪ ،‬بتصميم‬
‫مُطلق‪ ،‬ما ّدة عقائديّة تتعلّق باإليمان واآلداب‪ .‬والعصمة التي وُ عدت بها الكنيسة مستقرّ ة أيضا ً في‬
‫هيئة األساقفة عندما ُتمارس سلطانها التعليمي األعلى باالتحاد مع خليفة بطرس" والسيّما في‬
‫مجمع مسكوني‪ .‬فعندما تعرض الكنيسة‪ ،‬بواسطة سلطتها التعليميّة العليا‪ ،‬شيئاً‪،‬‬
‫"لإليمان به على أ ّنه موحىً به من عند هللا" وعلى أنه من تعليم المسيح‪" ،‬يجب قبول مثل هذه‬
‫‪.‬التحديدات بطاعة اإليمان"‪ .‬وهذه العصمة "تمت ّد بامتداد وديعة الوحي اإلله ّي نفسها"‬
‫‪ -666‬العون اإللهيّ يرافق أيضا ً خلفاء الرسُل عندما يُعلّمون في شركة خليفة بطرس‪ ،‬ويرافق‬
‫بنوع خاص أسقف رومة‪ ،‬راعي الكنيسة جمعاء‪ ،‬عندما‪ ،‬من غير أن يصلوا إلى تحديد معصوم‬
‫ومن غير أن يتفوّ هوا "بطريقة نهائيّة"‪ ،‬يق ّدمون‪ ،‬في ممارسة السلطة التعليميّة العاديّة‪ ،‬تعليما ً يقود‬
‫إلى فهم أفضل للوحي في موضو َعي اإليمان واآلداب‪ .‬وعلى المؤمنين أن يُولوا هذا التعليم‬
‫العاديّ "من ذهنهم القبول في شعور دينيّ "‪ ،‬وهو‪ ،‬وإن تميّز من قبول اإليمان‪ ،‬فإ ّنه مع ذلك امتدا ٌد‬
‫‪.‬له‬
‫مه ّمة التقديس‬

‫‪ -666‬إنّ األسقف يحمل أيضا ً "مسؤوليّة توزيع نعمة الكهنوت األعلى" وخصوصا ً في‬
‫االفخارستيا التي يق ّدمها بنفسه أو يعمل على ان يق ّدمها الكهنة معاونوه‪ ،‬إذ إنّ االفخارستيا مركز‬
‫حياة الكنيسة الخاصّة‪ .‬واألسقف والكهنة يُق ّدسون الكنيسة بصالتهم وعملهم‪ ،‬بخدمة الكلمة‬
‫واألسرار‪ .‬ويق ّدسونها ِب َم َثلِهم‪" ،‬ال كمن يتسلّط على ميراث هللا بل كمن يكون مثاالً للرعيّة"(‪2‬بط‬
‫‪ .)3 : 1.‬وهكذا "يبلغون بقطيعهم الذي آ ُتمِنوا عليه إلى الحياة األبدية"‬

‫مهمة السياسة والحكم‬

‫‪" -666‬األساقفة يسوسون الكنائس الخاصة كنوّ اب ومُنتدبين للمسيح‪ ،‬فإ ّنهم يتدبّرون امرها‬
‫بإرشاداتهم وتشجيعاتهم و َم َثلهم‪ ،‬ولكن بسلطتهم أيضاً‪ ،‬وبمُزاولة سلطانهم المق ّدس‪ ،‬الذي يجب أن‬
‫‪.‬يزاولوه للبنيان‪ ،‬بروح الخدمة الذي هو روح معلّمهم"‬
‫‪" -665‬وهذا السلطان الذي يُمارسونه شخص ّيا ً باسم المسيح هو سلطان خاصّ ‪ ،‬عاديّ ‪ ،‬مباشر‪ ،‬إال ّ‬
‫نظمته السلطة الكنسيّة العليا"‪ .‬ولكن يجب أن ال يُع ّد‬ ‫أ ّنه خاضع في مارسته للتنظيم األخير الذي ّ‬
‫األساقفة نوّ ابا ً للبابا ذي السلطة العاديّة والمباشرة على الكنيسة كلّها‪ ،‬والتي ال ُتبطل سلط َتهم بل‬
‫بالحريّ تؤيّدها وتدافع عنها‪ .‬وسلطتهم هذه يجب أن تمارس في شركة الكنيسة كلها بإشراف‬
‫‪.‬البابا‬
‫‪ -669‬ليكن الراعي الصالح مثال مهمة األسقف الراعويّة و "صورتها"‪ .‬وإذ يكون األسققف‬
‫واعيا ً لضعفه‪" ،‬يكون حليما ً تجاه أهل الجهل والضالّين‪ ،‬وال يستكفنَّ من اإلصغاء إلى مرؤوسيه‪،‬‬
‫محوّ طا ً إيّاهم كأبناء حقيقيّين‪ .‬أمّا المؤمنون فعليهم أن يتعلّقوا بأسقفهم تعلّق الكنيسة بيسوع المسيح‬
‫‪.‬وتعلّق يسوع المسيح بأبيه"‬
‫" اتبعوا األسقف جميعكم كما يتبع يسوع المسيح اآلب‪ ،‬والكهنة كالرّ سُل‪ ،‬أمّا الشمامسة اإلنجيليّون فاحترموهم‬
‫‪.‬كشريعة هللا‪ .‬وال يعلمنَّ أح ٌد شيئا ً ممّا هو من شأن الكنيسة بمعزل عن األسقف"‬

‫‪ .6‬المؤمنون العلمان ّيون‬

‫‪" -666‬يُفهم هنا بمن يُسمّون علمانيين مجموع المسيح ّيين الذين ليسوا أعضا ًء في الدرجات‬
‫المق ّدسة‪ ،‬وال في حالة الرهبانية التي أقرّ تها الكنيسة‪ ،‬أي المسيحيين الذين إذ انظمّوا الى جسد‬
‫المسيح بالمعمودية‪ ،‬واندمجوا في شعب هللا‪ ،‬وجُعلوا شركاء‪ ،‬على طريتهم‪ ،‬في وظيفة المسيح‬
‫الكهنوتية والنويّة والملوكيّة‪ ،‬يمارسون‪ ،‬ك ٌّل بما عليه‪ ،‬في الكنيسة وفي العالم‪ ،‬الرسالة التي هي‬
‫رسالة الشعب المسيحي بأجمعه"‪.‬‬

‫دعوة العلمانيين‬

‫‪" -666‬دعوة العلمانيّين الخاصّة هي أن يطلبوا ملكوت هللا‪ ،‬من خالل إدارة الشؤون الزمنيّة التي‬
‫ط بهم بوج ٍه خاص أن يُنيروا ويوجّ هوا جميع الحقائق الزمنية التي‬‫ينظمونها بحسب هللا‪ .‬ومنو ٌ‬ ‫ّ‬
‫اطراد بحسب المسيح‪ ،‬وتكون لمجد الخالق‬ ‫يرتبطون بها ارتباطا ً وثيقا ً بحيث ُت ّتمّم وتنمو في ّ‬
‫‪.‬والفادي"‬
‫‪ -666‬مبادرة المسيحيّين العلمانيّين ضروريّة بوجه خاص عند محاولة اكتشاف الوسائل‬
‫وابتكارها لتطعيم الحقائق االجتماعية‪ ،‬والسياسيّة‪ ،‬واالقتصاديّة‪ ،‬بمقتضيات العقيدة والحياة‬
‫المسيحيّتين‪ .‬وهذه المبادرة عنص ٌر طبيعيّ من عناصر حياة الكنيسة ‪:‬‬
‫"المؤمنون العلمانيّون هم في المق ّدمة القصوى من حياة الكنيسة‪ ،‬والكنيسة هي بهم مبدأ الحياة في المجتمع‪ .‬ولهذا‬
‫عليهم بوجه خاصّ أن يعوا دائما ً وعيا ً أكثر وضوحاً‪ ،‬ال أنهم للكنيسة وحسب‪ ،‬بل أ ّنهم الكنيسة‪ ،‬أي مجموعة‬
‫‪.‬المؤمنين على األرض بإشراف الرئيس العام‪ ،‬البابا‪ ،‬واألساقفة الذين هم في الشركة معه‪ .‬إ ّنهم الكنيسة "‬
‫‪ -666‬إذ كان العلمانيّون‪ ،‬كسائر المؤمنين‪ ،‬قد ألقى إليهم هللا مهمّة التبشير بفعل المعموديّة‬
‫والتثبيت‪ ،‬فمن واجبهم وحقّهم‪ ،‬سواء كانوا منفردين أو مجتمعين في جمعيّات‪ ،‬أن يعملوا على أن‬
‫تكون رسالة الخالص اإللهيّة معروفة ومقبولة لدى جميع البشر وفي ك ّل األرض‪ ،‬وهذا الواجب‬
‫يصبح أكثر إلزاما ً عندما ال يستطيع البشر أن يسمعوا اإلنجيل ويعرفوا المسيح إال ّ بهم‪ .‬في‬
‫الجماعات الكنسية يكون عملهم ضرور ّيا ً إلى ح ّد انه بدونه يمتنع على رسالة الرُّ عاة‪ ،‬في أكثر‬
‫األحيان‪ ،‬ان تبلغ ملئ فعاليّتها‪.‬‬

‫إسهام العلمان ّيين في مه ّمة المسيح الكهنوت ّية‬

‫‪ " -666‬ينال العلمانيّون‪ ،‬بفعل تكريسهم للمسيح ومسحة الروح القدس‪ ،‬الدعوة العجيبة والوسائل‬
‫التي تتيح للروح القدس أن يُثمر فيهم ثماراً متزايدة على الدوام‪ .‬ذلك بأنّ جميع نشاطاتهم‬
‫وصلواتهم ومشاريعهم الرسوليّة وحياتهم الزوجيّة والعيليّة‪ ،‬وأعمالهم اليوميّة‪ ،‬وتسلياتهم العقليّة‬
‫والجسديّة‪ ،‬إذا هم عاشوها بروح هللا‪ ،‬بل حتى م َِحن الحياة إذا تحمّلوها بطول أناة‪ ،‬ك ّل هذا‬
‫يستحيل " قرابين روحيّة مُرْ ضية هلل بيسوع المسيح"(‪ 2‬بط ‪ .)1 : 1‬وهذه القرابين تنض ّم‪ ،‬في‬
‫إقامة اإلفخارستيّا‪ ،‬إلى قربان جسد الربّ ل ُترفعْ بكل تقوى إلى اآلب‪ .‬على هذا النحو يكرّ س‬
‫‪.‬العلمانيون هلل العالم بالذات‪ ،‬مؤ ّدين هلل في كل مكان‪ ،‬بقداسة سيرتهم‪ ،‬فع َل عبادة "‬
‫‪ -666‬األهل‪ ،‬بوجه خاص يشتركون في مهمّة التقديس "عندما يسلكون في حياتهم الزوجيّة َ‬
‫وفق الروح‬
‫‪.‬المسيحيّ ويو ّفرون ألبنائهم تربية مسيحيّة"‬
‫‪ -666‬من الممكن أن يُقبل العلمانيون‪ ،‬إذا تم ّتعوا بالصفات المطلوبة‪ ،‬في درجة القرّ اء وخ ّدام المذبح‪.‬‬
‫"حيث تقضي حاجة الكنيسة باالستعانة بالعلمانيّين‪ ،‬وذلك عند نقص الخدام المرسومين‪ ،‬يستطيع‬
‫العلمانيون أيضاً‪ ،‬وإن لم يكونوا قرّ ا ًء وال خ ّدام المذبح‪ ،‬أن يقوموا ببعض أعمالهم‪ ،‬أي بممارسة خدمة‬
‫الكلمة‪ ،‬وترؤّ س الصلوات الطقسيّة‪ ،‬ومنح المعموديّة وتوزيع القربان المق ّدس‪ ،‬وفقا ً لنظام الحق‬
‫‪.‬القانونيّ "‬

‫إسهامات العلمان ّيين في مه ّمة المسيح النبو ّية‬

‫‪ " -666‬المسيح يقوم بمهمّته النبويّة ليس بواسطة السلطة الكنسيّة وحسب بل بواسطة العلمانيّين‬
‫أيضا ً الذين يجعلهم‪ ،‬من أجل ذلك نفسه‪ ،‬شهوداً بما ُيوليهم من حاسّة اإليمان ونعمة الكلمة " ‪:‬‬
‫‪ ".‬تعليم أحد الناس لحمله على اإليمان إ ّنما هو مهمّة ك ّل واعظ بل ك ّل مؤمن"‬
‫‪ -665‬العلمانيّون يقومون بمهمّتهم النبويّة أيضا ً بالتبشير "أي بالدعوة بالمسيح بشهادة السيرة والكلمة"‪.‬‬
‫و "هذا العمل التبشيري‪ ،‬عند العلمانيّين‪ ،‬ي ّتسم بطابع مميّز وفعاليّة خاصّة‪ ،‬بكونه يُت َّمم في أوضاع العالم‬
‫‪.‬المألوفة"‬
‫"هذه الدعوة ال تقوم بشهادة السيرة وحدها‪ :‬فالرسول الحقيقي يقتنص الظروف لكي يُب ّ‬
‫شر بالمسيح غير المؤمنين‬
‫‪.‬والمؤمنين بكلمة الكرازة "‬
‫‪ -669‬يستطيع المؤمنون العلمانيّون‪ ،‬إذا كانوا من ذوي األهليّة والعلم الديني‪ ،‬أن يسهموا في التنشئة‬
‫‪.‬التعليميّة الدينيّة‪ .‬وفي تعليم العلوم المق ّدسة‪ ،‬في تعاطي وسائل االتصال االجتماعي‬
‫يحق لهم بل يجب عليهم أحيانا ً‬ ‫‪ -666‬بحسب ما يقتضيهم الواجب وما يم ّتعون به من ٍ‬
‫علم ومقام‪ّ ،‬‬
‫ان يُدلوا برأيهم لرعاة الكنيسة في ما يتعلّق بخير الكنيسة‪ ،‬وأن يُطلعوا عليه سائر المؤمنين‪ ،‬مع‬
‫الحفاظ على سالمة اإليمان واآلداب‪ ،‬واالحترام الواجب للرعاة‪ ،‬ومراعاة الفائدة العامة‪ ،‬وكرامة‬
‫‪.‬االشخاص"‬

‫إسهام العلمان ّيين في مهمة المسيح الملك ّية‬

‫‪ -666‬ان المسيح‪ ،‬بطاعته حتى الموت‪ ،‬آتى تالميذه موهبة الحريّة الملك ّية‪" ،‬لكي ينتزعوا بكفرهم‬
‫‪.‬بأنفسهم وقداسة حياتهم‪ ،‬سلطان الخطيئة فيهم "‬
‫ً‬
‫" ان الذي يُخضع جسده ويحكم نفسه‪ ،‬بدون ان يغرق في األهواء‪ ،‬هو سلطان نفسه‪ :‬يمكن ان يُدعى ملكا ألنه‬
‫‪.‬قادر ان يضبط ذاته‪ ،‬انه حرّ ومُستقل وال تقيّده عبوديّة أثيمة"‬
‫‪" -666‬على العلمانيين ان يستجمعوا قواهم ليُدخلوا على المؤسّسات‪ ،‬وعلى أوضاع الحياة في‬
‫العالم عندما تستهوي إلى الخطيئة‪ ،‬التطيهرات المالئمة‪ ،‬لكي تتجاوب كلها مع سُنن البرّ‪،‬‬
‫ً‬
‫عقبة في طريقها‪َ .‬فب َعملهم هذا يُشيعون القيم‬ ‫وتساعده على مارسة الفضائل بدالً من أن يكون‬
‫‪.‬الروح ّية في الثقافة واألعمال البشريّة"‬
‫‪ " -666‬ومن الممكن أيضا ً أن يشعر العلمانيّون أ ّنهم مدعوّ ون أو أن يكونوا مدعوّ ين إلى اإلسهام‬
‫مع الرعاة في خدمة الشركة الكنسيّة‪ ،‬من أجل نموّ ها وحياتها‪ ،‬مزاولين ِخدَما ً مختلفة وفقا ً للنعمة‬
‫‪.‬والمواهب التي يشاء الربّ ان يجعلها فيهم"‬
‫‪ -666.‬في الكنيسة "يستطيع المؤمنون ان يُسهموا‪ ،‬وفقا ً للشرع‪ ،‬في ممارسة سلطة الحكم"‬
‫وذلك بحضورهم في المجالس الخاصة‪ ،‬وسينودسات األبرشيّة‪ ،‬والمجالس الراعويّة‪ .‬وفي‬
‫ممارسة المهمّة الراعويّة في رعيّة ما‪ ،‬واالشتراك في مجالس األمور االقتصاديّة‪ ،‬واالشتراك في‬
‫المحاكم الكنسيّة‪ ،‬الخ‪.‬‬
‫‪ " -666‬وعلى المؤمنين أن يُميّزوا بدقّة بين ما عليهم من واجبات وما لهم من حقوق كأعضاء‬
‫للكنيسة‪ ،‬وكأعضاء في المجتمع اإلنساني‪ ،‬ويجتهدوا أن يو َفقوا بين هذه وتلك بتناغم‪ ،‬ذاكرين أنّ‬
‫الضمير المسيحي هو دليلهم في جميع الميادين الزمنيّة ألنه ما من نشاطٍ إنساني‪ ،‬وإن زمن ّيا ً‪،‬‬
‫‪.‬يمكن عزله عن سلطان هللا "‬
‫‪ " -666‬وهكذا فك ّل علمانيّ هو‪ ،‬بما أوتي من المواهب‪ ،‬شاه ٌد وأداةٌ حيّة معا ً لرسالة الكنيسة‬
‫‪.‬بالذات "على مقدار موهبة المسيح"(أف ‪)1 : 2‬‬

‫المكرسة‬
‫ّ‬ ‫‪ .ً6‬الحياة‬
‫‪ " -666‬حالة الحياة القائمة على المشورات اإلنجيليّة‪ ،‬وإن لم تتعلّق بهيكليّة السلطة الكنسيّة‪ ،‬فإ ّنها‬
‫مع ذلك ت ّتصل ا ّتصاالً ثابتا ً بحياة الكنيسة وقداستها"‪.‬‬

‫المكرسة‬
‫ّ‬ ‫المشورات اإلنجيل ّية والحياة‬
‫‪ -665‬المشورات اإلنجيليّة‪ ،‬في تع ّددها‪ ،‬معروضة على كل واحد من تالميذ المسيح‪ .‬فكمال‬
‫المحبّة الذي ُدعي إليه جميع المؤمنين يتضمّن‪ ،‬بالنسبة إلى الذين لبّوا الدعوة برضاهم إلى الحياة‬
‫المكرّ سة‪ ،‬واجب التقيُّد بالعفّة في حياة العزوبة ألجل ملكوت هللا‪ ،‬والفقر والطاعة‪ .‬فنذر هذه‬
‫‪.‬المشورات‪ ،‬في حالة حياة ثابتة تعترف بها الكنيسة‪ ،‬يميّز "الحياة المكرّ سة" هلل‬
‫الطرائق للوصول إلى تكرُّ س " أش ّد عمقا ً"‬ ‫‪ -669‬تظهر من ث َّم حالة الحياة المكرّ سة كإحدى ّ‬
‫يتأصّل في المعموديّة ويكرّ س تكريسا ً كامالً هلل‪ .‬وفي الحياة المكرّ سة ينوي المؤمنون بالمسيح‪،‬‬
‫بدافع من الروح القدس‪ ،‬أن يتبعوا المسيح عن قرب‪ ،‬وأن يهبوا هللا أنفسهم على أنه المحبوب فوق‬
‫شرة‬‫كل شيء‪ ،‬وأن يكونوا‪ ،‬في ا ّتباعهم كمال المحبّة في خدمة الملكوت‪ ،‬أصوات الكنيسة المب ّ‬
‫‪.‬بمجد العالم اآلتي‬

‫شجرة عظيمة‪ ،‬وأغصان كثيرة‬


‫‪ " -666‬كمثل شجرة تتفرّ ع أغصانها تفرّ عا ً عجيباً‪ ،‬متكاثراً في حقل الرب‪ ،‬ابتدا ًء من نواة زرعها هللا‪،‬‬
‫ت صي ٌغ ش ّتى للحياة التوحيديّة أو المشتركة‪ ،‬أ ُ َسرٌ مختلفة رأس مالها الروحي يعود بالفائدة‪ ،‬في‬ ‫ِدت و َن َم ْ‬
‫وُ ل ْ‬
‫آن واحد‪ ،‬على أعضاء هذه الجماعات وعلى جسد المسيح كلّه "‬ ‫‪ٍ .‬‬
‫‪ " -666‬منذ فجر الكنيسة ظهر رجال ونساء أرادوا‪ ،‬بممارسة المشورات اإلنجيليّة‪ ،‬أن يتبعوا المسيح‬
‫أمانة‪ ،‬وأن يسلكوا في حياتهم‪ ،‬ك ٌّل على طريقته‪ ،‬طريق حياة‬ ‫ً‬ ‫بوجه اكثر حرّ ً‬
‫ية‪ ،‬وأن يقتدوا به بوجه أش ّد‬
‫مكرّ سة هلل‪ .‬وكثيرون منهم‪ ،‬بدافع الروح القدس‪ ،‬عاشوا متوحّدين‪ ،‬أو أنشأوا أ ُسرّ اً رهبانيّة تقبّلتها الكنيسة‬
‫‪.‬بك ّل رضىً وث ّب َتتها بسلطتها "‬
‫‪ -666‬ليحاول األساقفة دائما ً تمييز المواهب الجديدة لحياة مكرّ سة يهبها الروح القدس للكنيسة‪،‬‬
‫صيغ جديدة من الحياة المُكرّ سة‬
‫ٍ‬ ‫‪.‬وللكرسي الرسولي وحدهُ أن يوافق على‬

‫الحياة النسك ّية‬


‫‪ -666‬بدون أن ينذر ال ُّنساك دائما ً نذور المشورات اإلنجيليّة الثالثة " يُكرّ سون حياتهم لتسبيح هللا‬
‫‪.‬وخالص العالم‪ ،‬في انعزال عن العالم أش ّد‪ ،‬وفي صمت العزلة‪ ،‬وفي الصالة المتواصلة وال ّتوبة "‬
‫‪ -666‬إ ّنهم يُظهّرون لك ّل إنسان هذا الوجه الداخلي من سرّ الكنيسة القائم على األلفة الشخصيّة مع‬
‫المسيح‪ .‬وحياة الناسك الخفيّة عن نظر البشر هي كرازة صامتة بالذي كرّس له حياته‪ ،‬والذي هو‬
‫ك ّل شيْ بالنسبة إليه‪ .‬انها دعوة خاصّة إلى أن يجد االنسان في الصحراء‪ ،‬بالجهاد الروحي نفسه‪،‬‬
‫‪.‬مج َد المصلوب‬

‫المكرسات‬
‫ّ‬ ‫العذارى واالرامل‬

‫‪ -666‬منذ عهد الرسل‪ ،‬دعى الربّ عذارى وأرامل مسيحيّات إلى التعلّق به تعلّقا ً كامالً‪ ،‬فقرّ َ‬
‫رن‪،‬‬
‫في حريّة قلب وجسد وروح وافقت عليها الكنيسة‪ ،‬أن يع ْش َن في حال البتوليّة أو العفّة الدائمة "‬
‫‪.‬ألجل ملكوت السماوات "(متى ‪)21 : 21‬‬
‫ّرن عن رغبتهنَّ المق ّدسة في ا ّتباع المسيح على وجه أش ّد قُرباً‪،‬‬
‫‪ -666‬هنالك عذارى " عب َ‬
‫فكرّ سهنّ أسقف األبرشيّة بحسب الطقس الليترجي المقرَّ ر‪ ،‬واق َت َرن بهنَّ المسيح ابن هللا سرّ ياً‪،‬‬
‫ونذرن أنفسهنَّ لخدمة الكنيسة"‪ .‬بهذا الطقس االحتفالي(تكريس العذارى) تصبح " العذراء شخصا ً‬ ‫َ‬
‫مُكرّ سا ً "‪ .‬وفي هذا العالمة العليا لمحبّة الكنيسة للمسيح‪ ،‬والصورة المعاديّة لعروس السماء هذه‬
‫‪.‬وللحياة المستقبليّة "‬
‫‪ -666‬درجة العذارى " القريبة من سائر صور الحياة المكرّ سة " تثبّت المرأة العائشة في‬
‫العالم‪(،‬أو المحصّنة) في الصالة‪ ،‬والتوبة‪ ،‬وخدمة اآلخرين‪ ،‬والعمل الرسولي‪ ،‬بحسب حال كل‬
‫يعشن في جمعيّات ليحافظن على‬
‫َ‬ ‫واحدة والمواهب المعطاة لها‪ .‬والعذارى المكرّ سات يستطعن أن‬
‫‪.‬قصدهنَّ على وجه أش ّد أمانة‬

‫الحياة الرهبانية‬
‫‪ -665‬إذ ظهرت الحياة الرهبانية في الشرق في عصور المسيحيّة األولى‪ ،‬ومُورست في‬
‫المؤسسات التي أنشأتها الكنيسة قانون ّياً‪ ،‬فهي تمتاز عن سائر صور الحياة المكرّ سة بمظهر‬
‫العبادة‪ ،‬ونذر المشورات اإلنجيليّة العلنيّ ‪ ،‬والحياة األخويّة التي ُتحيا جماع ّيا ً والشهادة على ا ّتحاد‬
‫المسيح بالكنيسة‪.‬‬
‫ّ‬
‫‪ -669‬الحياة الرهبانيّة تتعلق بسرّ الكنيسة‪ ،‬إنها هبة تنالها الكنيسة من سيّدها وتقدمها كحال حيا ٍة‬
‫ثابت ٍة للمؤمن الذي يدعوه هللا في نذر المشورات اإلنجيليّة‪ .‬وهكذا تستطيع الكنيسة أن ُتظهر‬
‫المسيح وأن ُتظهر نفسها عروسا ً للمخلّص‪ .‬الحياة الرهبانية مدعوّ ة إلى التعبير‪ ،‬بصورها‬
‫المختلفة‪ ،‬عن محبّة هللا بالذات‪ ،‬بلغة زماننا‪.‬‬
‫‪ -666‬جميع الرهبان‪ ،‬سواء كانوا معصومين أو غير معصومين‪ ،‬يُع ُّدون في جملة مساعدي‬
‫األسقف األبرشي في مهمّته الراعويّة‪ ،‬وإنشاء الكنيسة ونموّ ها الرسولي يقتضيان وجود الحياة‬
‫الرهبانية في شتى صورها منذ بداية التبشير‪ " .‬والتاريخ يشهد على أفضال األ َسر الرهبانية في‬
‫نشر اإليمان‪ ،‬وفي إنشاء كنائس جديدة‪ ،‬وذلك منذ قيام المؤسسات ال ّنسكية القديمة‪ ،‬والجمعيّات‬
‫‪.‬المتوسطيّة‪ ،‬إلى الرهبانيّات الحديثة "‬

‫المؤسسات العلمان ّية‬

‫مؤسسة حيا ٍة مكرّ سة لمؤمنين يعيشون في العالم ويطلبون كمال‬‫ُ‬ ‫‪ " -666‬المؤسسة العلمانيّة‬
‫‪.‬المحبّة‪ ،‬ويسعون إلى االسهام‪ ،‬خصوصا ً من الداخل‪ ،‬في تقديس العالم "‬
‫‪ " -666‬بحيا ٍة مكرّ سة تكريسا ً كامالً وكل ّيا ً لهذا التقديس "‪ ،‬يشترك أعضاء هذه المؤسسات " في‬
‫عمل الكنيسة التبشيريّ‪ ،‬في العالم وابتدا ًء من العالم "‪ ،‬حيث يعمل حضورهم في عمل الخمير‪.‬‬
‫وشهادة حياتهم المسيحيّة تهدف إلى تنظيم الحقائق الزمنيّة في ّ‬
‫خط هللا‪ ،‬واختراق العالم بقوّ ة‬
‫اإلنجيل‪ .‬إنهم يتقيّدون ب ُربُطٍ مق ّدسة بالمشورات اإلنجيليّة‪ ،‬ويحافظون في ما بينهم على الشركة‬
‫واألخوّ ة المتعلّقتين بطريقة حياتهم العلمانيّة‪.‬‬

‫جمع ّيات الحياة الرسول ّية‬


‫‪ -666‬إلى جانب صيغ الحياة المكرّ سة المختلفة " تقوم جمع ّيات الحياة الرسوليّة التي يسعى أعضاؤها‪،‬‬
‫بدون النذور الرهبانية‪ ،‬وراء الهدف الرسولي الذي تختصُّ به جمعيّتهم‪ ،‬ويج ّدون‪ ،‬وهم يعيشون عيشة‬
‫أخويّة مشتركة‪ ،‬ووفق طريقة حياتهم الخاصّة‪ ،‬في سبيل كمال المحبّة بالتقيّد بقوانينهم‪ .‬ويوجد بين هذه‬
‫‪.‬الجمعيّات جمعيّات يسير أعضاؤها على طريق المشورات اإلنجيليّة "‪ .‬وفقا ً لقوانينهم‬

‫تكريس ورسالة ‪ :‬التبشير بالملكِ اآلتي‬


‫‪ -666‬ان الذي ُنذر هلل بالمعموديّة‪ ،‬واستسلم له على انه المحبوب فوق كل شيء‪ ،‬يصبح هكذا‬
‫ُم ّكرَّ سا ً تكريسا ً عميقا ً للخدمة اإللهيّة‪ ،‬و ُم َع ّداً للعمل من أجل صالح الكنيسة‪ .‬بحالة التكريس هلل‬
‫تعلن الكنيسة المسيح و ُتظهر كيف يعمل الروح القدس فيها على وجه عجيب‪ .‬فلِلَّذين ينذرون‬
‫المشورات اإلنجيليّة أوالًُّ أن يعيشوا تكريسهم‪ " .‬ولكن بما أ ّنهم نذروا أنفسهم لخدمة الكنيسة من‬
‫صا ً بالعمل االرسالي‪ ،‬وفقا ً لنظام‬
‫جرّ اء تكريسهم نفسه‪ ،‬فمن واجبهم أن يهتمّوا اهتماما ً خا ّ‬
‫‪.‬مؤسستهم الخاص "‬
‫‪ -666‬في الكنيسة التي هي كالسّر‪ ،‬أي عالمة حياة هللا وأداتها‪ ،‬تظهر الحياة المكرّ سة كعالمة‬
‫والتمثل به " على وجه أقرب "‪ ،‬وإظهار التالشي " إظهاراً‬ ‫ُّ‬ ‫خاصّة لسرّ الفداء‪ .‬إ ّتباع المسيح‬
‫أوضح "‪ ،‬هكذا يكون االنسان المكرّ س حاضراً " حضوراً أعمق "‪ ،‬في قلب المسيح‪ ،‬لِمُعاصريه‪،‬‬
‫إذ إنَّ الذين يسلكون هذه " الطريق الضيّقة " يحثون اخوانهم بمثلهم‪ ،‬ويُق ّدمون هذه الشهادة النيّرة‬
‫على " أنَّ العالم ال يمكنه ان يتجلّى ويُق ّدم هلل بدون روح التطويبات "‪.‬‬
‫‪ -666‬سواء كانت هذه الشهادة علنيّة‪ ،‬كما هي الحال في الحياة الرهبانيّة‪ ،‬أو أكثر تخف ّياً‪ ،‬أو حتى‬
‫سرّ ية‪ ،‬فإنَّ مجيء المسيح يبقى لجميع المكرّ سين مصدر حياتهم ومشرقها ‪:‬‬
‫" كما أ ّنه ليس لشعب هللا ههنا مدينة باقية‪(،‬فهذه الحال) ُتظهر لجميع المؤمنين‪ ،‬منذ هذا العصر‪ ،‬حضور الخيور‬
‫السماويّة‪ ،‬وهي تشهد على الحياة الجديدة واألبديّة المُقتنات بفداء المسيح‪ ،‬وتعلن القيامة اآلتية والمجد السماوي‬
‫‪".‬‬
‫بإيجاز‬
‫‪ " -666‬بتأسيس إلهي‪ ،‬يوجد في الكنيسة‪ ،‬بين المؤمنين َخدَمة مُكرّسون ُي َسمّون أيض ًا شرع ًا‬
‫إكليريكيّين‪ ،‬فيما يُسمّى الباقون علمانيّين "‪ ،‬وهنالك أخير ًا مؤمنون ينتمون إلى هذه أو تلك الفئة‪،‬‬
‫‪.‬وقد تكرّسوا هلل بنذر المشورات اإلنجيليّة‪ ،‬وهو يخدمون هكذا رسالة الكنيسة‬
‫‪ -665‬ان المسيح‪ ،‬لنشر اإليمان ولبسط ملكه‪ ،‬يبعث ر ُس ّله وخلفاءهم‪ .‬إ ّنه يُشركهم في رسالته‪.‬‬
‫‪.‬ومنه ينالون سلطان العمل بشخصه‬
‫‪ -669‬الربّ جعل الق ّديس بطرس أساس كنيسته المنظور‪ ،‬وقد س ّلمه مفاتيحها‪ .‬أسقف كنيسة‬
‫رومة‪ ،‬خليفة بطرس‪ ،‬هو " رأس هيئة األساقفة‪ ،‬ونائب المسيح‪ ،‬وراعي الكنيسة جمعاء على هذه‬
‫‪.‬األرض "‬
‫‪ -666‬البابا " يتم ّتع‪ ،‬بتأسيس إلهيّ‪ ،‬بالسُّلطة العُليا‪ ،‬والكاملة‪ ،‬والمباشرة‪ ،‬والشاملة‪ ،‬لخدمة النفوس‬
‫‪".‬‬
‫‪ -666‬األساقفة الذين أقامهم الروح القدس‪ ،‬يخلفون الرسُل‪ .‬إ ّنهم " وكل واحد على حِدتِه‪ ،‬في‬
‫‪.‬كنائسهم الخاصة‪ ،‬مبدأ الوحدة المنظور وأساسها "‬
‫‪ -666‬األساقفة‪ ،‬بمساعدة معونيهم الكهنة‪ ،‬والشمامسة اإلنجيليّين‪ ،‬مُهمّتهم ان يع ّلموا العقيدة تعليم ًا‬
‫ال‪ ،‬وان يحتفلوا بالطقس اإللهي‪ ،‬والسيّما االفخارستيا‪ ،‬وان يسوسوا كنيستهم كرعاة حقيقيّين‪.‬‬ ‫أصي ً‬
‫‪.‬ويدخل في مهمّتهم أيض ًا َه َّم جميع الكنائس‪ ،‬مع البابا وتحت سلطانه‬
‫‪ " -666‬إذ كان من شأن العلمانيّين ان يعيشوا في العالم وفي ما بين األمور ال ُّدنيويّة‪ ،‬فقد دعاهم‬
‫‪.‬هللا إلى أن يمارسوا رسالتهم في العالم كالخمير‪ ،‬وذلك بفضل قوّ ة روحهم المسيحيّة "‬
‫‪ -666‬العلمانيّون يشتركون في كهنوت المسيح‪ :‬وعندما يزدادون ا ّتحاد ًا به‪ ،‬ينشرون نعمة الميالد‬
‫والتثبيت في جميع أبعاد الحياة الشخصيّة‪ ،‬والعيليّة‪ ،‬واالجتماع ّية‪ ،‬والكنسيّة‪ ،‬ويحققون هكذا‬
‫الدعوة الى القداسة‪ ،‬الموجّهة الى جميع المعتمدين‪.‬‬
‫‪ -666‬والعلمانيّون‪ ،‬من جرّاء رسالتهم النبويّة‪ " ،‬مدعوّ ون ايض ًا إلى ان يكونوا‪ ،‬في ك ّل حال وفي‬
‫‪.‬قلب االسرة البشريّة نفسه‪ ،‬شهود المسيح "‬
‫‪ -666‬والعلمانيّون من جرّاء سالتهم الملكيّة هم قادرون على انتزاع سلطان الخطيئة من نفوسهم‬
‫‪.‬ومن العالم بتق ُّشفهم وقداسة حياتهم‬
‫والطاعة‪ ،‬في حال‬ ‫‪ -666‬الحياة المكرّسة هلل تمتاز بنذر المشورات اإلنجيليّة العلني‪ :‬الفقر والعفة ّ‬
‫‪.‬حياة ثابتة اعترفت بها الكنيسة‬
‫‪ -665‬ان الذي ُنذر هلل بالمعموديّة واستسلم له على انه المحبوب فوق كل شيء يصبح‪ ،‬في حال‬
‫الحياة المكرّسة مكرّس ًا على وج ٍه أعمق للخدمة اإللهيّة‪ ،‬ومُع ّد ًا للعمل من أجل صالح الكنيسة‬
‫‪.‬جمعاء‬

‫الفقرة ‪ -5‬شركة القديسين‬

‫‪ -669‬بعد اإلعترف "بالكنيسة المق ّدسة الكاثوليكيّة "يضيف قانون الرّ سُل " شركة القديسين "‪ .‬هذا‬
‫البند هو على وج ٍه ما‪ ،‬إيضاح للسابق‪" :‬أفليست الكنيسة سوى مجموعة جميع الق ّديسن" ؟ وشركة‬
‫‪.‬الق ّديسين هي الكنيسة‬
‫ُشرك فيه البعضُ اآلخر‪ .‬ومن ث ّم‬ ‫‪" -666‬بما أنّ جميع المؤمنين جس ٌد واحد‪ ،‬فما للبعض من خير ي َ‬
‫يجب االعتقاد بأّنَّ في الكنيسة شركة خيور‪ .‬ولكنّ العضو األهم هو المسيح‪ ،‬لكونه الرأس‪ .‬وهكذا‬
‫فخير المسيح يمت ُّد إلى جيمع األعضاء‪ ،‬وهذه المشاركة تت ُّم بأسرار الكنيسة"‪" .‬وبما أنّ هذه‬
‫الكنيسة يسوسها رو ٌح قدسٌ واحد‪ ،‬فجميع الخيور التي نالتها تصبح بالضرورة ملكا ً عا ّما ً"‪.‬‬
‫‪ -666‬للتعبير "شركة الق ّديسين" من َث َّم مدلوالن شديدا الترابط ‪" :‬شركة في األشياء المق ّدسة‬
‫‪.‬المق ّدسات)"‪ ،‬و "شركة بين األشخاص الق ّديسين(الق ّديسون)"(‬
‫"المق ّدسات للق ّديسين"‪ :‬هذا ما يُعلنه المحتفل في أكثر الطقوس الشرقيّة عند رفع القرابين المق ّدسة قبل‬
‫خدمة المناولة‪ .‬فالمؤمنون(القديسون) يغتذون بجسد المسيح ودمه(المق ّدسات) لكي ينموا في شركة الروح‬
‫‪.‬القدس وينقلوها إلى العالم‬

‫‪ .ً6‬شركة الخيرات الروح ّية‬


‫‪ -666‬في جماعة أورشليم األولى كان التالميذ "يواظبون على تعليم الرُّ سل وال ّشركة‪ ،‬وكسر الخبز‪،‬‬
‫والصالة"(أع ‪: )21 : 1‬‬
‫الشركة في اإليمان‪ .‬فإيمان المؤمنين هو إيمان الكنيسة المنقول عن الرسل‪ ،‬وكنز الحياة الذي‬
‫‪.‬ينمو بتقاسمه‬
‫‪ -656‬شركة األسرار‪" .‬ثمرة جميع األسرار هي ملك الجميع‪ ،‬فإنَّ األسرار‪ ،‬وال سيّما المعموديّة‬
‫ُط روحيّة توحّ دهم جميعا ً وتربطهم‬ ‫التي هي الباب الذي يدخل منه الناس الى الكنيسة‪ ،‬هي ُرب ٌ‬
‫بيسوع المسيح‪ .‬فشركة الق ّديسين يجب أن ٌتف َه َم‪ ،‬بحسب قصد االباء‪ ،‬على أ ّنها شركة األسرار‪.‬‬
‫واالسم "شركة" يمكن ان يُطلق على ك ّل سرّ ‪ ،‬ألن كل سرّ يضمّنا الى هللا إال ّ أنّ هذا االسم أجدر‬
‫‪.‬باإلفخارستيا أل ّنها هي التي ُت ِت ّم هذه الشركة"‬
‫يوزع على المؤمنين من جميع الفئات‬ ‫‪ -656‬شركة المواهب‪ :‬في شركة الكنيسة الروح القدس " ّ‬
‫النعم الخاصّة" ألجل بناء الكنيسة‪ .‬والحال ان "ظهور الروح القدس يجري لك ّل واحد في سبيل‬
‫‪.‬الخير العام"(‪ 2‬كو ‪)1 : 21‬‬
‫‪" -656‬كان لهم كل ّ شيء ُمشتركا"(أع ‪ " .)31 : 2‬كل ما يملكه المسيحي الحقيقي يجب ان َي ُع َّده‬
‫ملكا ً مشتركا ً بينه وبين الجميع‪ ،‬ويجب أن يكون دائما ً مستع ّداً ومُتأهّبا ً لمساعدة المساكين و َعوز‬
‫‪.‬القريب"‪ .‬فالمسيحي مدبّر خيرات الربّ‬
‫‪ -656‬شركة المح ّبة ‪ :‬في شركة الق ّديسين "ما من أحد يحيا لنفسه وال أحد يموت لنفسه"(رو ‪22‬‬
‫أكرم أحد يشترك في فرحه جميع االعضاء‪.‬‬ ‫‪" )1 :‬ان تألّم أحد تألّم معه جميع األعضاء‪ ،‬وان ِ‬
‫والحال أ َّنكم جسد المسيح وأعضاء ك ٌّل بمقدار"(‪ 2‬كو ‪.)11-11 : 21‬‬
‫"المحبّة ال تلتمس ما هو لها"(‪ 2‬كو ‪ .)1 : 23‬وك ّل عمل نعمله في المحبّة يكون في صالح‬
‫الجميع‪ ،‬في هذا التضامن مع جميع البشر‪ ،‬أحيا ًء كانوا أو أمواتاً‪ ،‬الذي يقوم على شركة القديسين‪.‬‬
‫‪.‬وك ّل خطيئة تؤذي هذه الشركة‬

‫‪ .ً6‬شركة كنيسة السماء واألرض‬

‫‪ -656‬حاالت الكنيسة الثالث‪" .‬في انتظار مجيء الربّ في َجالله وموكب المالئكة جميعاً‪،‬‬
‫ويكون الموت قد مات وك ُّل شيء قد أُخضع للربّ ‪ ،‬يواصل بعضٌ من تالميذه رحلتهم على‬
‫األرض‪ ،‬ويكون بعضهم‪ ،‬وقد أنهوا حياتهم‪ ،‬على مواصلة التطهُّر‪ ،‬ويكون بعضهم أخيراً في‬
‫المجد يشاهدون‪ ،‬في كمال النور‪ ،‬هللا كما هو‪ ،‬واحداًُّ في أقانيم ثالثة"‪.‬‬
‫"ومع ذلك‪ ،‬فجميعنا‪ ،‬على درجات وصور مختلفة‪ ،‬نشترك في المحبّة الواحدة هلل وللقريب‪ ،‬مر ّنمين هلل بنشيد‬
‫المجد الواحد‪ .‬وهكذا فجميع الذين من المسيح ويمتلكون روحه‪ ،‬يؤلّفون كنيسة واحدة‪ ،‬ويتماسكون بعضهم مع‬
‫‪.‬بعض َك ُك ّل في المسيح"‬
‫‪" -655‬اال ّتحاد بين الذين ال ينف ّكون على األرض واخوتهم الذين رقدوا في سالم المسيح ال يغشاه‬
‫يتوثق بتبا ُدل الخيرات الروحيّة"‬‫‪.‬أيُّ انفصام‪ ،‬بل إ ّنه‪ ،‬على ح ّد عقيدة الكنيسة غير المنقطعة‪ّ ،‬‬
‫‪ -659‬شفاعة القدّيسين‪" .‬وإذ كان س ّكان السماء يرتبطون بالمسيح ارتباطا ً في الصميم أوثق‪،‬‬
‫يُسهمون في توطيد الكنيسة في القداسة‪ .‬وال يكفّون عن الشفاعة فينا لدى اآلب‪ ،‬مقرّ بين ثوابهم‬
‫الذي استحقّوه على األرض بالوسيط الوحيد بين هللا والناس‪ ،‬المسيح يسوع‪ .‬فاهتمامهم األخويُّ‬
‫‪.‬هو لضعفنا عونٌ عظيم"‬
‫‪".‬ال تبكوا فأني سأكون أكثر فائدة بعد موتي‪ ،‬وسأساعدكم على وجه أفع َل مما كان ذلك في حياتي"‬
‫‪".‬سأقضي وقتي في السماء بفعل الخير على األرض"‬
‫شد‬ ‫ذكر س ّكان السماء لمجرّ د مثالهم ال غير‪ ،‬وإ ّنما َنن ُ‬‫‪ -656‬الشركة مع القديسين‪ " .‬أننا ال ُنكرم َ‬
‫من وراء ذلك توثيق عُرى اال ّتحاد في الروح للكنيسة كلّها جمعاء‪ ،‬بممارسة المحبّة األخويّة‪ .‬فإ ّنه‬
‫كما أنَّ الشركة بين المسيحيّين على األرض تجعلنا أقرب إلى المسيح‪ ،‬كذلك اشتراكنا مع الق ّديسين‬
‫‪.‬يربطنا بالمسيح الذي منه تفيض ك ُّل نعمة وحياةُ شعب هللا بالذات‪ ،‬كما من نبعها ورأسها"‬
‫"المسيح نعبده‪ ،‬أل ّنه ابن هللا‪ ،‬أمّا سائر الشهداء فنحبّهم على أ ّنهم تالميذ الربّ وسائرون على خطاه‪ ،‬وهم‬
‫‪.‬جديرون بذلك بسبب تعبّدهم الفريد لملكهم ومعلّمهم‪ ،‬عسانا أن نكون نحن أيضا ً معهم في المسيرة والتلمذة"‬
‫‪ -656‬الشركة مع األموات‪" .‬الكنيسة إذ تعترف بهذه الشركة القائمة في داخل جسد يسوع المسح‬
‫كلّه‪ ،‬فإ ّنها‪ ،‬بأعضائها الذين ال يزالون في الطريق على األرض‪ ،‬قد حوّ طت ذكر األموات‪ ،‬منذ‬
‫األزمنة المسيحيّة أألولى‪ ،‬بكثير من التقوى‪ ،‬إذ قرّبت أيضا ً ألجلهم قرابين العبادة‪ ،‬ألنَّ "فكرة‬
‫الصالة ألجل األموات لِيُحلّوا من خطاياهم‪ ،‬فكرة مق ّدسة تقويّة"(‪ 1‬مك ‪.)21 ،21‬‬
‫‪.‬فصالتنا ألجلهم من شانها‪ ،‬ال أن تساعدهم وحسب‪ ،‬بل أن تجعل شفاعتهم فينا مستجابة‬
‫‪ -656‬في أسرة هللا الوحيدة‪" .‬عندما تجعلنا المحبّة المتبادلة واالجتماع على حمد الثالوث األقدس‬
‫ن ّتحد بعضنا مع بعض‪ -‬نحن جميعا ً أبناء هللا الذين ال يؤلّفون في المسيح إال ّ أسرة واحدة –‬
‫‪.‬نستجيب لدعوة الكنيسة في الصّميم"‬

‫بإيجاز‬

‫‪-696‬الكنيسة هي "شركة الق ّديسين"‪ :‬وهذا التعبير يُشير أو ًال إلى "األشياء المق ّدسة"‬
‫المق ّدسات) وقبل ك ّل شيء االفخارستيّا التي " ُت ّ‬
‫مثل و ُتح ّقق وحدة المؤمنين الذين يؤ ّلفون‪ ،‬في (‬
‫المسيح‪ ،‬جسد ًا واحد ًا "‪.‬‬
‫‪ -696‬وهذا التعبير يشير أيض ًا إلى "األشخاص الق ّديسين"(القديسون) في المسيح الذي‬
‫"مات ألجل الجميع "‪ ،‬بحيث إنّ ما يعمله ك ّل واحد أو يتحمّله في المسيح ومن أجل المسيح‪،‬‬
‫‪.‬يحمل ثمر ًا للجميع‬
‫‪ " -696‬نؤمن بشركة جميع المؤمنين في المسيح‪ ،‬الراحلين على األرض‪ ،‬واألموات الذين يُتمّون‬
‫تطهيرهم‪ ،‬والطوباويّين في السّماء‪ ،‬ك ّلهم مع ًا وهم يؤ ّلفون كنيسة واحدة‪ ،‬ونؤمن بأنّ في هذه‬
‫‪.‬الشركة‪ ،‬تظ ُّل محبّة هللا والق ّديسين الرحيمة في حالة استماع دائم لصلواتنا"‬

‫الفقرة ‪ – 9‬مريم – أم المسيح‪،‬‬


‫أم الكنيسة‬

‫‪ -696‬بعد إذ تكلّمنا عن دور العذراء مريم في سرّ المسيح والروح القدس‪ ،‬يجدر بنا اآلن ان نهت َّم‬
‫ً‬
‫وحقيقة‪ ،‬والدة اإلله الفادي‪.‬‬ ‫لمركزها في سرّ الكنيسة‪" ،‬فالعذراء مريم يُعترف بها و ُتكرَّ م‪ ،‬حقّا ً‬
‫وهي أيضا ً وحقّا ً" أم "اعضاء المسيح الشتراكها بمحبّتها في ميالد المؤمنين في الكنيسة الذين هم‬
‫‪.‬أعضاء هذا الرأس"‪" .‬مريم ام المسيح‪ ،‬وام الكنيسة"‬

‫‪ .ً6‬أمومة مريم بالنظر إلى الكنيسة‪ ،‬م ّتحدة كلّيا بابنها‪....‬‬

‫‪ -696‬دور مريم بالنسبة إلى الكنيسة ال ينفصل ان ا ّتحادها بالمسح‪ ،‬فهو يصدر عن ذلك اإل ّتحاد‬
‫مباشر ًة‪" .‬واالرتباط بين مريم وابنها في عمل الخالص يتجلّى منذ َح َبلها البتولي بالمسيح حتى‬
‫موته"‪ .‬وهو يتجلّى بوج ٍه خاص إبّان اآلالم ‪:‬‬
‫ً‬
‫منتصبة ال لغير‬ ‫ً‬
‫محافظة على اال ّتحاد مع ابنها حتى الصليب حيث وقفت‬ ‫"سلكت العذراء الطوباوية سبيل اإليمان‬
‫ً‬
‫مولية ذبح الضحيّة المولود‬ ‫ً‬
‫مشتركة في ذبيحته بقلب والديّ ‪،‬‬ ‫تدبير إلهي‪ ،‬متألّمة مع ابنها الوحيد آالما ً مبرّحة‪،‬‬
‫من دمها رضى ُحبّها‪ ،‬لكي يُعطيها المسي ُح يسو ُع أخيراً‪ ،‬وهو يموت على الصليب‪ ،‬أ ّما ً لتلميذه‪ ،‬يقول لها ‪ :‬يا‬
‫امرأة هوذا ابنك"(يو ‪." )11-11 : 21‬‬
‫ً‬
‫مجتمعة مع‬ ‫‪ -695‬ومريم‪ ،‬بعد صعود ابنها "كانت عونا ً للكنيسة في نشأتها"‪ .‬وإذ كانت مريم‬
‫ً‬
‫موهبة الروح الذي كان‪ ،‬في البشارة قد‬ ‫ال ُر ُسل وبعض النساء كانت " ُترى تستنزل أيضا ً بصلواتها‬
‫‪.‬بسط عليها ظلّه"‬

‫كذلك في انتقالها‪....‬‬
‫‪" -699‬أخيراً فإنَّ العذراء الطاهرة‪ ،‬بعد إذ عصمها هللا من ك ّل صلة بالخطيئة األصليّة‪ ،‬وطوت‬
‫شوط حياتها األرضيّة‪ُ ،‬نقلت جسداً وروحا ً إلى مجد السّماء‪ ،‬وأعلنها الربُّ سلطانة الكون لتكون‬
‫بذلك أكثر ما يكون الشبه بابنها‪ ،‬ربّ األرباب‪ ،‬وقاهر الخطيئة والموت"‪ .‬فانتقال القديسة العذراء‬
‫اشتراك فريد في قيامة ابنها‪ ،‬واستباق لقيامة المسيحيّين اآلخرين ‪:‬‬
‫"في والدتك حفظت البتوليّة‪ ،‬وفي رقادك ما تركت العالم‪ ،‬يا والدة اإلله‪ ،‬فإ ّنك انتقلت إلى الحياة‪ ،‬بما أ ّنك أ ّم‬
‫الحياة‪ ،‬وبشفاعتك تنقذين من الموت نفوسنا "‪.‬‬

‫إ ّنها أ ّمنا في نظام النعمة‬


‫‪ -696‬بخضوع مريم العذراء الدائم والكامل إلرادة اآلب‪ ،‬وب ُمماشاتها لعمل ابنها الفدائي‪ ،‬ولعمل‬
‫الروح القدس كلّه‪ ،‬كانت للكنيسة مثال اإليمان والمح ّبة‪ .‬وهي بذلك "عضو في الكنيسة فائق‬
‫‪.‬ووحيد"‪ ،‬بل إ ّنها "التحقيق المثالي" للكنيسة‬
‫‪ -696‬ودور العذراء‪ ،‬بالنسبة إلى الكنيسة وإلى البشريّة كلها جمعاء‪ ،‬يصل إلى أبعد من ذلك‪.‬‬
‫"فقد أسهمت بطاعتها وإيمانها ورجائها ومحبّتها المضطرمة‪ ،‬في عمل الخالص إسهاما ً ال مثيل‬
‫له على االطالق‪ ،‬من أجل ان ُتعاد على النفوس الحياة الفائقة الطبيعة‪ ،‬لذلك كانت لنا‪ ،‬في نظام‬
‫‪.‬النعمة‪ ،‬أ ّما ً"‬
‫‪" -696‬منذ الرّضى الذي أظهرته مريم بإيمانها في يوم البشارة‪ ،‬والذي احتفظت به على ثباته‬
‫بحذاء الصليب‪ ،‬تستمرُّ أُمومتها هذه‪ ،‬بال انقطاع‪ ،‬في تدبير الخالص‪ ،‬إلى أن يكتمل نهائ ّيا ً جميع‬
‫المختارين‪ ،‬فإ ّنها بعد انتقالها إلى السماء لم تنقطع مُهمّتها في عمل الخالص‪ .‬انها بشفاعتها‬
‫الم ّتصلة ال تني تستم ُّد لنا النعم التي تضمنُ خالصنا األبديّ ‪ .‬من أجل ذلك ُتدعى العذراء‬
‫والظهيرة‪ ،‬والوسيطة"‬‫ّ‬ ‫‪.‬الطوباويّة في الكنيسة بألقاب مختلفة‪ ،‬فهي‪ :‬المُحامية‪ ،‬وال ّنصيرة‪،‬‬
‫‪" -666‬الدور األموميّ الذي تقوم به مريم تجاه الناس ال يضير شيئا ً وال ينقص الب ّتة من وساطة المسيح‬
‫الوحيدة‪ ،‬بل يُظهر‪ ،‬على خالف ذلك‪ ،‬فعاليّتها‪ .‬ذلك بأنّ ك ّل تأثير خالص من العذراء الطوباوية يصدر‬
‫عن فيض استحقاقات المسيح‪ ،‬ويستند إلى وساطته‪ ،‬التي بها يتعلّق في كل شيء‪ ،‬ومنها يستم ّد كل‬
‫فعاليّته"‪" .‬فما من خليقة الب ّتة يُمكن جعلها على مستوى الكلمة المتجسّد والفادي‪ .‬ولكن كما أن كهنوت‬
‫المسيح يشترك فيه‪ ،‬على وجو ٍه مختلفة‪ُ ،‬‬
‫الخ ّدام المكرّ سون والشعب المؤمن‪ ،‬وكما ان جُودة هللا الواحدة‬
‫تفيض بوجوه مختلفة على المخلوقات‪ ،‬كذلك وساطة الفادي الواحدة ال تنفي‪ ،‬بل تبعث في المخلوقات‪،‬‬
‫على خالف ذلك‪ ،‬تعاونا ً مختلفا ً مرتبطا ً بالمصدر الواحد"‪.‬‬

‫‪ .ً6‬تكريم مريم العذراء‬

‫‪ " -666‬تط ّوبني جميع األجيال "(لو‪" )28 : 2‬تكريس الكنيسة للعذراء الق ّديسة هو من ضمن‬
‫صاً‪ .‬والواقع ان‬
‫الشعائر الدينيّة المسيحيّة"‪ .‬والعذراء الق ّديسة "تكرمها الكنيسة بحق إكراما ً خا ّ‬
‫العذراء الطوباوية قد ا ُكرمت‪ ،‬منذ أبعد األزمنة‪ ،‬بلقب "والدة اإلله"‪ ،‬والمؤمنون يلوذون بحمايتها‬
‫مبتهلين إليها جميع مخاطرهم وحاجاتهم‪ .‬وهذا التكريم وإن كان ذا طابع فريد على االطالق غير‬
‫أ ّنه يختلف اختالفا ً جوهر ّيا ً عن العبادة التي يُعبد بها الكلمة المتجسّد واآلب والروح القدس‪ ،‬وهو‬
‫ُعززها"‪ .‬وهو يجد التعبير عنه في األعياد الطقسيّة التي ُخصَّت بها والدة اإلله‪،‬‬ ‫خليق جداً بأن ي ّ‬
‫‪.‬وفي الصالة المريميّة‪ ،‬كالورديّة المقّدسة "خالصة اإلنجيل كلّه"‬

‫‪ .ً6‬مريم ‪ -‬إيقونة الكنيسة المعادية‬

‫‪ -666‬بعد كالمنا عن الكنيسة في أصلها‪ ،‬ورسالتها‪ ،‬ومصيرها‪ ،‬لم يبقى لنا لختام الكالم أفضل‬
‫من أن نوجّ ه نظرنا إلى مريم لكي نتأمّل فيها ما هي الكنيسة في سرّ ها‪ ،‬وفي "رحلتها‬
‫اإليمانيّة"‪ ،‬وفي ما ستكون في الوطن األخير الذي تسير نحوه‪ ،‬حيث تنتظرها "في مجد الثالوث‬
‫األقدس غير المنقسم"‪ ،‬و "في شركة جميع القديسين"‪ ،‬تلك التي تكرمها الكنيسة أمّا لربّها أو لها‬
‫خاصة ‪:‬‬
‫"كما أنّ ا ّم يسوع في السماء حيث هي ممجّ دة جسداً وروحاً‪ُ ،‬ت ّ‬
‫مثل وتفتتح الكنيسة في اكتمالها في الدهر اآلتي‪،‬‬
‫كذلك هي على هذه أألرض‪ ،‬إلى يأتي يوم الربّ ‪ ،‬تشع اآلن ُ‬
‫آية ليقين الرجاء والتعزية أمام شعب هللا في‬
‫‪.‬مسيرته"‬

‫بإيجاز‬
‫‪ -666‬منذ قول مريم " ل َي ُكنْ " في يوم البشارة‪ ،‬وقبولها سر التجسد‪ ،‬أسهمت في العمل ك ّله الذي‬
‫‪.‬كان ابنها مزمع ًا أن يقوم به‪ .‬إ ّنها أمّ حيثما كان هو مخ ّلص ًا ورأس ًا للجسد السرّي‬
‫‪ -666‬بعدما أتمّت مريم العذراء الكليّة القداسة حياتها أألرضية ُنقل جسدها ونفسها إلى مجد‬
‫مستبقة قيامة جميع أعضاء جسده‬ ‫ً‬ ‫‪.‬السماء‪ ،‬حيث تشترك في مجد قيامة ابنها‪،‬‬
‫‪ " -665‬إننا نعترف بأنَّ والدة اإلله الكليّة القداسة‪ ،‬حوّ اء الجديدة‪ ،‬أمّ الكنيسة‪ُ ،‬تواصل في السماء‬
‫‪.‬دورها االموم ّي في شأن أعضاء المسيح"‬

‫المقال العاشر‬
‫" اؤمن بمغفرة الخطايا "‬
‫‪ -669‬يربط قانون الرسل اإليمان بمغفرة الخطايا باإليمان بالروح القدس‪ ،‬ولكنه يربطه أيضا ً‬
‫باإليمان بالكنيسة وبشركة القديسين‪ .‬فالمسيح القائم من الموت‪ ،‬بمنحه الروح القدس لرسله‪،‬‬
‫وهبهم سلطانه اإللهي لمغفرة الخطايا‪" :‬خذوا الروح القدس‪ .‬فمن غفرتم خطاياهم ُغفرت لهم‪،‬‬
‫ومن أمسكتم خطاياهم أُمسكت"(يو ‪.)13-11 :11‬‬
‫القسم الثاني من هذا التعليم سيعالج مباشرة مغفرة الخطايا بالمعموديّة‪ ،‬وسر التوبة وسائر األسرار والسيّما (‬
‫اإلفخارستيّا‪ .‬يكفي إذن هنا االشارة بإيجاز إلى بعض المعطيات األساسيّة)‪.‬‬

‫‪ .ً6‬معمودية واحدة لمغفرة الخطايا‬

‫‪ -666‬لقد ربط السيد المسيح مغفرة الخطايا باإليمان بالمعموديّة‪" :‬إذهبوا في العالم أجمع‪،‬‬
‫‪.‬واكرزوا باإلنجيل للخليقة كلّها‪ .‬فمن آمن واعتمد يخلص"(مر ‪)21-21 : 21‬‬
‫المعوديّة هي السرّ األول والرئيسي لمغفرة الخطايا‪ ،‬ألنه يوحّ دنا بالمسيح الذي مات ألجل‬
‫‪.‬خطايانا‪ ،‬وقام ألجل تبريرنا‪ ،‬حتى "نسلك نحن أيضا ً في حيا ٍة جديدة"(رو ‪)2 : 1‬‬
‫‪" -666‬في اللحظة التي نعلن فيها اعتراف إيماننا األول‪ ،‬ونحن ننال المعموديّة المق ّدسة التي‬
‫ُتنقّينا‪ ،‬فالمغفرة التي نحصل عليها هي تامة وكاملة إلى ح ّد أنه ال يبقى على االطالق أيّ شيء‬
‫فينا يجب أن يمحى‪ ،‬ال من الذنب األصلي‪ ،‬وال من الذنوب المقترفة بإرادتنا الخاصة‪ ،‬وال أيّ‬
‫عقاب نخضع له للتكفير عنها‪ .‬ومع ذلك فإن نعمة المعموديّة ال ُتنجّ ي أحداً من مختلف أسقام‬
‫الطبيعة‪ .‬بل على العكس من ذلك‪ ،‬علينا أن نقاوم تحركات الشهوة التي ال تني تحملنا على‬
‫‪ .‬الشرّ "‬
‫‪ -666‬في هذا الجهاد ض ّد الميل إلى الشرّ ‪ ،‬من يستطيع ان يكون على هذا القدر من الشجاعة‬
‫والسهر بحيث يجتنب ك ّل جراحات الخطيئة؟ "فإن كان من الضروري ان تحصل الكنيسة على‬
‫سلطان مسامحة الخطايا‪ ،‬كان ينبغي اال ّ تكون المعموديّة الوسيلة الوحيدة لديها في استخدام مفاتيح‬
‫ملكوت السماوات التي نالتها من يسوع المسيح‪ ،‬كان ينبغي ان تكون قادرةُ على ان تغفر لجميع‬
‫‪.‬التائبين خطاياهم‪ ،‬ولوخطئوا حتى اللحظة األخيرة من حياتهم"‬
‫‪ -666‬بسر التوبة يستطيع المعمَّد ان يتصالح مع هللا والكنيسة‪:‬‬
‫حق عندما دعوا التوبة "معمودية شاقة"‪ .‬سر التوبة هذا هو‪ ،‬للذين سقطوا بعد المعموديّة‪،‬‬‫"لقد كان اآلباء على ّ‬
‫ضروريّ للخالص‪ ،‬كما هي ضرورية المعموديّة نفسها للذين لم يولدوا بعد والد ًة جديدة"‪.‬‬

‫‪ . ًُ6‬سلطان المفاتيح‬
‫‪ -666‬ان المسيح من بعد قيامته قد أرسل رسله "ليكرزوا باسمه بالتوبة لمغفرة الخطايا في جميع‬
‫األمم"(لو ‪" .)21 : 12‬سرّ المصالحة"(‪ 1‬كو ‪ )28 : 1‬هذا‪ ،‬ال يقيمه الرسل وخلفائهم فقط‬
‫بالكرازة بين الناس بغفران هللا الذي استحقّه لنا المسيح بدعوتهم إلى التوبة واإليمان‪ ،‬بل أيضا ً‬
‫بمنحهم مسامحة الخطايا بالمعموديّة وبمصالحتهم مع هللا ومع الكنيسة بفضل سلطان المفاتيح الذي‬
‫نالوه من المسيح ‪:‬‬
‫"لقد نالت الكنيسة مفاتيح ملكوت السماوات‪ ،‬حتى تت ّم فيها مسامحة الخطايا بدم المسيح وفعل الروح القدس‪ .‬وفي‬
‫‪ .‬هذه الكنيسة‪ ،‬النفس التي أماتتها الخطايا تعود إلى الحياة لتحيا مع المسيح الذي خلصتنا نعمته"‬
‫‪ -666‬ما من خطيئة‪ ،‬مهما كانت ثقيلة إال ّ وتستطيع الكنيسة مسامحتها‪" :‬ما من أحد‪ ،‬مهما كان‬
‫شريراً ومذنباً‪ ،‬إال ّ ويجب عليه ان يرجو بثبات غفرانه‪ ،‬شرط ان تكون ندامته صادقة"‪ .‬ان‬
‫المسيح الذي مات ألجل جميع البشر يريد أن تكون أبواب المغفرة مفتوحة على الدوام في كنيسته‬
‫‪.‬لكل من يعود عن خطيئته‬
‫وتغذي فيهم اإليمان بالعظمة التي ال‬ ‫ّ‬ ‫‪ -666‬على الكرازة ان تسعى في ان توقظ لدى المؤمنين‬
‫مثيل لها‪ ،‬عظمة العطيّة التي منحها المسيح القائم من بين األموات لكنيسته‪ :‬أعني رسالة وسلطان‬
‫مغفرة الخطايا مغفرة حقيقيّة‪ ،‬بواسطة خدمة الرسل وخلفائهم ‪:‬‬
‫"يريد الرب ان يكون لتالميذه سلطا ن عظيم‪ ،‬يريد ان يصنع خدامه الوضعاء باسمه كل ما صنعه عندما كان‬
‫‪.‬على األرض"‬
‫"لقد نال الكهنة سلطانا ً لم يعطه هللا ال للمالئكة وال لرؤساء المالئكة‪ .‬هللا يؤيّد في العلى ما يصنعه الكهنة ههنا‬
‫‪.‬على األرض"‬
‫"لو لم يكن في الكنيسة مسامحة للخطايا‪ ،‬لما وُ جد أيّ أمل وأيّ رجاء بحياة أبدية وبتحرير أبدي‪ .‬لنشكر هللا أنه‬
‫‪.‬منح كنيسته عطيّة كهذه"‬

‫بإيجاز‬

‫‪ -666‬يربط قانون اإليمان "مغفرة الخطايا" باعتراف اإليمان بالروح القدس‪ .‬فالمسيح القائم من‬
‫‪.‬بين األموات قد وهب الرس ُل سلطان مغفرة الخطايا عندما منحهم الروح القدس‬
‫‪ -665‬المعمودية هي السر األول والرئيسي لغفران الخطايا‪ ،‬انها توحّدنا بالمسيح الذي مات وقام‬
‫‪.‬ويمنحنا الروح القدس‬
‫‪ -669‬بإرادة المسيح تملك الكنيسة سلطان مغفرة خطايا المعمّدين‪ ،‬وتمارسه عن يد األساقفة‬
‫‪.‬والكهنة بطريقة اعتياديّة في س ّر التوبة‬
‫‪ " -666‬في مسامحة الخطايا‪ ،‬الكهنة واألسرار هم مجرّد أدوات‪ ،‬ارتضى سيدنا يسوع المسيح‪،‬‬
‫ّ‬
‫وموزعه‪ ،‬أن يستخدمها ليمحو آثامنا ويمنحنا نعمة التبرير"‬ ‫‪.‬الذي هو وحده صانع خالصنا‬

‫المقال الحادي عشر‬


‫أؤمن بقيامة الجسد‬

‫‪ -666‬قانون اإليمان المسيحي – وهواعتراف إيماننا باهلل اآلب‪ ،‬واالبن والروح القدس‪ ،‬وبعمله‬
‫الخالق والمخلِّص والمق ِّدس‪ -‬يصل إلى قمته في اعالن قيامة األموات في نهاية األزمنة‪ ،‬وفي‬
‫الحياة األبدية‬
‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫‪ -666‬نؤمن إيمانا ثابتا‪ ،‬وبالتالي نرجو‪ ،‬أنه كما أن المسيح قام حقا من بين األموات‪ ،‬وأنه يحيا‬
‫على الدوام‪ ،‬كذاك الصديقون من بعد موتهم سيحيون على الدوام مع المسيح القائم‪ ،‬وأنه سيُقيمهم‬
‫في اليوم األخير‪ .‬وقيامتنا‪ ،‬على غرار قيامته‪ ،‬ستكون عمل الثالوث الق ّدوس ‪:‬‬
‫"إنْ كان روح الذي أقام يسوع من بين األموات ساكنا ً فيكم‪ ،‬فالذي أقام المسيح يسوع من بين األموات يُحيي‬
‫‪.‬أيضا ً أجسادكم المائتة‪ ،‬بروحه الساكن فيكم "(رو ‪)22 : 8‬‬
‫حيث وضع ُه الضعيف المائت‪ .‬و "قيامة الجسد" تعني انه بعد‬ ‫ُ‬ ‫‪ -666‬لفظة "الجسد" تعني اإلنسان من‬
‫‪.‬الموت لن يكون فقط حياة للنفس الخالدة‪ ،‬ولكن حتى "أجسادنا المائتة"(رو ‪ .)22 : 8‬ستعود إليها الحياة‬
‫‪ -666‬االعتقاد بقيامة األموات كان احد عناصر اإليمان المسيحي األساسيّة منذ بدايته‪" :‬هناك‬
‫اقتناع لدى المسيحيّين‪ :‬قيامة األموات‪ .‬وهذا اإلعتقاد يُحيينا" ‪:‬‬
‫" كيف يقول قوم بينكم بعدم قيامة األموات؟ فإن لم تكن قيامة أموات‪ ،‬فالمسيح إذن لم يقم‪ .‬وإن كان المسيح لم‬
‫يقم‪ ،‬فكرازتنا إذن باطلة‪ ،‬وإيمانكم أيضا ً باطل‪ .‬ولكن‪ ،‬ال‪ ،‬فإنّ المسيح قد قام من بين األموات‪ ،‬باكورة‬
‫للراقدين"(‪ 2‬كو ‪.)11 ،22-21 :21‬‬

‫‪ .ً6‬قيامة المسيح وقيامتنا‬


‫كشف القيامة التدريجي‬
‫‪ -666‬ان قيامة األموات قد كشفها هللا لشعبه تدريج ّيا ً‪ .‬فالرجاء بقيامة األموات في الجسد قد ثبت‬
‫كنتيجة ضمنية لإليمان بإله خلق اإلنسان بكامله جسداً ونفساً‪ .‬فالذي خلق السماء واالرض هو‬
‫أيضا ً الذي يحفظ بأمانة العهد مع إبراهيم ونسله‪ .‬في هذه النظرة المزدوجة ت ّم أوالً التعبير عن‬
‫اإليمان بالقيامة‪ .‬فالشهداء المكابيّون اعترفوا وسط مضايقهم ‪:‬‬
‫"إنّ ملك العالم‪ ،‬إذا متنا في سبيل شرائعه‪ ،‬سيقيمنا لحيا ٍة أبدية"(‪ 1‬مك ‪" .)1 : 1‬خي ٌر أن يموت اإلنسان بأيدي‬
‫الناس‪ ،‬وهو يرجو من هللا أن يقيمه"(‪ 1‬مك ‪.)22 : 1‬‬
‫ّ‬
‫‪ -666‬الفريسيون وكثيرون من معاصري الربّ كانوا يرجون القيامة‪ .‬وقد علمها يسوع على وجه‬
‫"أولستم على ضالل‪ ،‬أل ّنكم ال تفهمون الكتب‪ ،‬وال قدرة‬ ‫ثابت‪ .‬فأجاب الص ّدوقيين الذين ينكرونها‪َ :‬‬
‫هللا؟"(مر ‪ .)12 : 21‬اإليمان بالقيامة يرتكز على اإليمان باهلل الذي "ليس هو إل َه أموات بل إل ُه‬
‫‪.‬أحياء"(مر ‪)11 : 21‬‬
‫‪ -666‬ولكن هناك أكثر من ذلك‪ :‬فقد ربط يسوع اإليمان بالقيامة بشخصه هو‪" :‬أنا القيامة‬
‫والحياة "(يو ‪ .)11 : 22‬يسوع نفسه هو الذي سيقيم في يوم األخير الذين آمنوا به وأكلوا جسده‬
‫وشربوا دمه‪ ،‬وقد أعطى عن ذلك من اآلن عالمة وعربوناً‪ ،‬بإعادة الحياة لبعض الموتى‪ ،‬منبئا ً‬
‫بذلك بقيامته الخاصة‪ ،‬مع أن هذه ستكون من نوع آخر‪ .‬عن هذا الحدث الفريد يتكلّم داعيا ً اياه‬
‫‪".‬آية يونان"‪ ،‬وآية الهيكل‪ :‬فهو ينبئ بقيامته في اليوم الثالث من بعد موته‬

‫‪ -665‬الشاهد للمسيح هو "الشاهد لقيامته"(اع ‪ ،)11 : 2‬الذي أكل وشرب "معه بعد قيامته من‬
‫بين األموات"(اع ‪ .)22 : 21‬الرجاء المسيحي بالقيامة يحمل في جملته آثار اللقاءات مع المسيح‬
‫‪.‬القائم‪ .‬سنقوم على مثاله‪ ،‬ومعه‪ ،‬وبه‬
‫‪ -669‬منذ البدء اصطدم اإليمان بالقيامة بكثير من عدم التفهّم والمقاومة‪" .‬لم يلق اإليمان‬
‫المسيحي مجابهة على أي نقطة كما لقي على قيامة الجسد‪ .‬إذ إ ّنه لمن المقبول بنوع عام ان‬
‫تستمرّ حياة الشخص بعد الموت بشكل روحي‪ .‬ولكن كيف السبيل إلى اإليمان بأنَّ هذا الجسد‬
‫المائت‪ ،‬وموته ظاهر للعيان بكل جالء‪ ،‬يقدر أن يقوم الى الحياة األبديّة؟‪.‬‬
‫كيف يقوم األموات‬
‫‪ -666‬ما معنى "القيامة" ؟ في الموت‪ ،‬الذي هو انفصال النفس عن الجسد‪ ،‬يسقط جسد اإلنسان‬
‫في الفساد‪ ،‬فيما تذهب نفسه لمالقاة هللا‪ ،‬على أ ّنها تبقى في انتظار ا ّتحادها من جديد بجسدها‬
‫الممجّ د‪ .‬فاهلل‪ ،‬في قدرته الكليّة‪ ،‬سوف يعيد الحياة غير الفاسدة ألجسادنا موحّ داً إيّاها بنفوسنا‪،‬‬
‫‪.‬بفضل قيامة يسوع‬

‫‪ -666‬من سيقوم؟ جميع الناس الذين ماتوا‪" :‬فالذين عملوا الصالحات يقومون للحياة‪ ،‬والذين‬
‫‪.‬عملوا السّيئات يقومون للدينونة "(يو ‪)11 : 1‬‬

‫‪ -666‬كيف؟ لقد قام المسيح في جسده الخاص ‪" :‬أنظروا يديّ ورجليّ ‪ ،‬فإ ّني أناهو"(لو ‪: 12‬‬
‫‪ .)31‬لك ّنه لم يعد إلى حيا ٍة أرضيّة‪ .‬على هذا النحو‪ ،‬فيه‪" ،‬سيقوم الجميع‪ ،‬ك ٌّل بجسده الخاص الذي‬
‫له اآلن"‪ ،‬غير أن هذا الجسد سيتحوّ ل إلى جس ٍد على صورة جسد مجد المسيح‪ ،‬إلى "جسد‬
‫‪.‬روحاني"(‪ 2‬كو ‪)22 : 21‬‬

‫"ولكن قد يقول قائل‪" :‬كيف يقوم األموات؟ وبأيّ جسد يرجعون؟ يا جاهل! إنّ ما تزرعه‪ ،‬أنت‪ ،‬ال يحيا إالّ إذا‬
‫مات‪ .‬وما تزرعه ليس هو الجسم الذي سيكون‪ ،‬بل مجرّ د حبّة‪ .....‬يُزرع(الجسد) بفساد ويقوم بال فساد‪ ،‬فينهض‬
‫األموات بغير فساد‪ .‬إذ الب ّد لهذا الكائن الفاسد أن يلبس عدم الفساد‪ ،‬ولهذا الكائن المائت أن يلبس عدم الموت"(‪2‬‬
‫‪.‬كو ‪)13 ،11 ،21 ،31-31 : 21‬‬

‫تتخطى تصوّ رنا وتفكيرنا‪ .‬وال يمكن الوصول إليها إال ّ‬ ‫ّ‬ ‫‪ -6666‬هذه "الكيفية التي بها تت ُّم القيامة "‬
‫باإليمان‪ .‬بيد أنّ اشتراكنا في اإلفخارستيّا يعطينا منذ اآلن تذوّ قا ً مسبَّقا ً لتجلّي جسدنا بالمسيح‪:‬‬
‫"كما ان الخبز الذي يأتي من األرض‪ ،‬من بعد تقبُّله استدعاء هللا‪ ،‬ال يعود خبزاً اعتياد ّياً‪ ،‬بل يصير إفخارستيّا‬
‫مكوّ نة من عنصرين‪ ،‬أحدهما أرضيّ واآلخر سماوي‪ ،‬كذلك أجسادنا التي تشترك في اإلفخارستيّا ال تعود فاسدة‬
‫‪.‬كما كانت‪ ،‬إذ إنّ لها رجاء القيامة"‬

‫‪ -6666‬متى؟ بوج ٍه نهائ ّي "في اليوم األخير"(يو ‪" ،)12 :22 ،12 ،22 ،21-31 : 1‬في نهاية‬
‫العالم"‪ .‬فقيامة األموات مرتبطة ارتباطا ً وثيقا ً بالمجيء الثاني للمسيح ‪:‬‬
‫" ألن الربّ نفسه‪ ،‬عند إصدار األمر‪ ،‬وعند صوت رئيس المالئكة وهتاف بوق هللا‪ ،‬سينزل من السماء‪ ،‬فيقوم‬
‫‪.‬الراقدون في المسيح أوالً"(‪ 2‬تس ‪)21 : 2‬‬

‫قائمون مع المسيح‬
‫‪ -6666‬إن ص ّح أنَّ المسيح سيقيمنا "في اليوم األخير"‪ ،‬فصحيح أيضا ً أ ّننا‪ ،‬منذ االن‪ ،‬على نحو‬
‫ما‪ ،‬قائمون مع المسيح‪ .‬فالحياة المسيحيّة هي‪ ،‬بفضل الروح القدس‪ ،‬منذ اآلن على األرض‪،‬‬
‫اشتراك في موت المسيح وقيامته ‪:‬‬
‫" ُتدفنون مع المسيح في المعموديّة‪ ،‬وتقومون أيضا ً معه‪ ،‬أل ّنكم آمنتم بقدرة هللا الذي أقامه من بين األموات‪ .‬لقد‬
‫قمتم مع المسيح‪ ،‬فاطلبوا إذن ما هو فوق حيث يقيم المسيح جالسا ً عن يمين هللا"(كو ‪.)2 : 3 ،21 :1‬‬
‫‪ -6666‬المؤمنون‪ ،‬وقد ا ّتحدوا بالمسيح بالمعمودية‪ ،‬يشتركون منذ اآلن اشتراكا ً حقيق ّيا ً في حياة‬
‫المسيح القائم السماويّة‪ ،‬ولكنّ تلك الحياة تبقى"مستترة مع المسيح في هللا"(كو ‪" .)3 : 3‬معه‬
‫ُ‬
‫خاصة جسد‬ ‫أقامنا‪ ،‬ومعه أجلسنا في السماوات‪ ،‬في المسيح يسوع"(أف ‪ .)1 : 1‬نحن منذ اآلن‬
‫تغذينا من جسده في اإلفخاترستيّا‪ .‬وعندما سنقوم في اليوم األخير‪ " ،‬فحينئ ٍد نظهر‬ ‫المسيح‪ ،‬إذ قد ّ‬
‫‪.‬نحن أيضا ً معه في المجد"(كو ‪)2 : 3‬‬

‫‪ -6666‬في انتظار ذلك اليوم‪ ،‬جس ُد المؤمن ونفسُه يشتركان في كرامة من يكون "في المسيح"‬
‫مما يقتضي أن يحتر َم اإلنسانُ جسده الخاص‪ ،‬ويحتر َم أيضا ً جسد اآلخر‪ ،‬والسيّما عندما يتألم ‪:‬‬
‫"الجسد للربّ ‪ ،‬كما أن الربّ للجسد‪ .‬وهللا‪ ،‬الذي أقام الربّ ‪ ،‬سيقيمنا نحن أيضا ً بقدرته‪ .‬أما تعلمون أن أجسادكم‬
‫هي أعضاء المسيح؟ وأنكم لستم بعد ألنفسكم‪ .‬فمجّدوا هللا إذن في أجسادكم"(‪ 2‬كو ‪.)11-21 ،21-23 : 1‬‬

‫‪ .ً6‬الموت في المسيح يسوع‬

‫‪ -6665‬ليقوم اإلنسان مع المسيح‪ ،‬عليه أن يموت مع المسيح‪ ،‬عليه أن "يتغرّب عن الجسد‬


‫ليستوطن عند الربّ "(‪ 1‬كو ‪ .)8 : 1‬في هذا اإلنطالق الذي هو الموت‪ ،‬تنفصل النفس عن الجسد‪.‬‬
‫‪.‬وستعاد إليها وحدتها مع جسدها في يوم قيامة األجساد‬

‫الموت‬
‫نحو ما‪،‬‬
‫‪" -6669‬أمام الموت يبلغ لغز الوضع البشري ذروته"‪ .‬الموت الجسدي هو‪ ،‬على ٍ‬
‫طبيعي‪ ،‬ولكنه‪ ،‬في نظر اإليمان‪" ،‬أجرة الخطيئة"(رو ‪ .)13 : 1‬وهو‪ ،‬للذين يموتون في نعمة‬
‫‪.‬المسيح‪ ،‬اشتراك في موت الرب‪ ،‬للتم ّكن من اإلشتراك أيضا ً في قيامته‬
‫‪ -6666‬الموت خاتمة الحياة األرض ّية‪ .‬حياتنا تقاس ّ‬
‫بالزمن‪ ،‬الذي في مداه نتغيّر ونشيخ‪ .‬وكما‬
‫عند ك ّل الكائنات الحية على األرض‪ ،‬يبدو الموت انتهاء الحياة الطبيعي‪ .‬هذا الوجه من الموت‬
‫يسم حياتنا بطابع ملحّ‪ :‬فعندما نتذ ّكر أننا مائتون‪ ،‬نتذ ّكر أيضا ً أنه ليس لنا سوى وقت محدود‬
‫لتحقيق حياتنا ‪:‬‬
‫" أذكر خالقك في أيام شبابك‪ ،‬قبل أن يعود التراب إلى األرض حيث كان‪ ،‬ويعود ال ّنفس إلى هللا الذي وهبـه‬
‫‪(".‬جا ‪)1 ،2 : 21‬‬

‫‪ -6666‬الموت عاقبة الخطيئة ‪ :‬ان السلطة التعليمية في الكنيسة‪ ،‬بصفتها المفسّرة األصليّة لما‬
‫يؤ ّكده الكتاب المقدس والتقليد‪ُ ،‬تعلِّم أن الموت دخ َل العالم بسبب خطيئة اإلنسان‪ .‬وإن كان‬
‫ً‬
‫طبيعة مائتة‪ ،‬فاهلل كان يُع ُّده لعدم الموت‪ .‬فالموت إذن كان مناقضا ً لمقاصد‬ ‫اإلنسان يملك‬
‫هللا الخالق‪ ،‬وقد دخل العالم كعاقب ٍة للخطيئة‪" .‬فالموت الجسدي‪ ،‬الذي لوال الخطيئة لنجا‬
‫منه االنسان"‪ ،‬هو إذن "عدو االنسان األخير"(‪2‬كو ‪ .)11 : 21‬الذي يجب االنتصار‬
‫‪.‬عليه‬
‫حول الموت‪ .‬ان يسوع‪ ،‬ابن هللا‪ ،‬قد خضع هو أيضا ً للموت‪ ،‬الذي هو خاصٌّ‬‫‪ -6666‬المسيح ّ‬
‫بالوضع البشري‪ .‬ولكنه‪ ،‬وعلى الرغم من جزعه إزاءه‪َ ،‬قبله في فعل استسالم كلّي وحرّ‬
‫‪.‬لمشيئة أبيه‪ .‬ان طاعة يسوع قد حوّ لت لعنة الموت إلى بركة‬

‫معنى الموت المسيحي‬


‫‪ -6666‬للموت المسيحي‪ ،‬بفضل المسيح‪ ،‬معنى إيجابيّ ‪" :‬الحياة لي هي المسيح‪ ،‬والموت لي‬
‫ربح"(في ‪" .)12 : 2‬وما أصدق هذا القول ‪ :‬إن نحن متنا معه‪ ،‬فسنحيا معه"(‪ 1‬تي ‪: 1‬‬
‫‪ .)22‬هنا تكمن ِج ّدة الموت المسيحي األساسيّة‪ :‬بالمعمودية‪ ،‬المسيحي هو منذ اآلن سر ّيا ً‬
‫ُ‬
‫الموت الطبيعي‬ ‫"ميت مع المسيح" ليحيا حياة جديدة‪ ،‬وإن نحن متنا في نعمة المسيح‪ ،‬يُت ُّم‬
‫هذا "الموت مع المسيح"‪ ،‬ويُنج ُز هكذا انضمامنا إليه في عمل فدائه ‪:‬‬
‫أملك على أقاصي األرض‪ .‬هو الذي التمسه‪ ،‬من مات ألجلنا‪،‬‬
‫َ‬ ‫"إنه أفضل لي أن أموت في المسيح يسوع من أن‬
‫هو الذي أريده‪ ،‬من قام ألجلنا‪ .‬والدتي تقترب‪ ،‬دعوني أحصل على النور الصافي‪ ،‬ومتى بلغت إلى‬
‫‪.‬هناك‪ ،‬أصير إنساناً"‬

‫‪ -6666‬في الموت يدعو هللا اإلنسان إليه‪ .‬لذلك يستطيع المسيحي ان يشعر إزاء الموت برغبة‬
‫مماثلة لرغبة القديس بولس‪" :‬أرغب في االنطالق فأكون مع المسيح"(في ‪،)13 : 2‬‬
‫ويستطيع ان يحوّ ل موته إلى فعل طاعة ومحبّة نحو اآلب‪ ،‬على مثال المسيح ‪:‬‬
‫‪ ".‬ان رغبتي األرضيّة قد صُلبت‪ ،‬إنّ بين أضلعي ينبوع ماء حيّ يهدر في داخلي قائال‪ " :‬تعال إلى اآلب"‬

‫‪ ".‬أريد ان أرى هللا‪ ،‬ولكي أراه يجب أن أموت"‬

‫‪ ".‬إني ال أموت‪ ،‬بل أدخل الحياة"‬

‫‪ -6666‬الرؤية المسيحية للموت تعبّر عنها تعبيراً مميَّزاً ليترجيا الكنيسة ‪:‬‬

‫"لك ّل الذين يؤمنون بك‪ ،‬يا رب‪ ،‬الحياة ال تته ّدم بل تتحوّ ل‪ ،‬وعندما تنتهي سكناهم على هذه األرض‪ ،‬لهم منذئذ‬
‫‪.‬منزل أبدي في السموات"‬

‫‪ -6666‬الموت هو لإلنسان نهاية رحلته على األرض‪ ،‬نهاية زمن النعمة والرأفة الذي يق ّدمه له‬
‫هللا ليحقّق حياته األرضيّة وفاقا ً للقصد اإللهي‪ ،‬ويقرّر مصيره األخير‪ .‬ومتى انسلخ "مجرى حياتنا‬
‫األرضية الوحيد"‪ ،‬لن نعود مرة أخرى إلى حياة األرض‪" .‬فالناس ال يموتون إال ّ مرة‬
‫‪.‬واحدة"(عب ‪ .)11 : 1‬ال "تقمص" بعد الموت‬

‫‪ -6666‬تشجّ عنا الكنيسة على ان نهيّئ أنفسنا لساعة موتنا("نجّ نا يا رب من الموت المفاجئ وغير‬
‫المتو ّقع" ‪ :‬طلبة الق ّديسين القديمة)‪ ،‬وان نطلب إلى والدة اإلله ان تتش ّفع فينا "في ساعة موتنا"(صالة‬
‫"السالم عليك يا مريم")‪ ،‬وان نودع ذواتنا القديس يوسف‪ ،‬شفيع الميتة الصالحة ‪:‬‬
‫"فما كان أحراك أن تسلك‪ ،‬في كل عمل وفكر‪ ،‬سلوك من كان موشكا ً ان يموت اليوم‪ .‬لو كان ضميرك صالحا ً‬
‫غير متأهّب‪ ،‬فغداً‬
‫لما كنت تخاف الموت كثيراً‪ .‬تج ّنب الخطايا خي ٌر من محاولة الهرب من الموت‪ .‬ان كنت اليوم َ‬
‫كيف تكون مستع ّداً؟ "‬
‫"الحمد لك‪ ،‬ربِّ ‪ ،‬ألجل أخينا الموت الجسدي‪ ،‬الذي ال يستطيع أيّ انسان حيّ أن ينجو منه‪ .‬الويل للذين يموتون‬
‫‪.‬في الخطايا المميتة‪ ،‬طوبى للذين يلقاهم في إرادته الق ّدوسة‪ ،‬فالموت الثاني لن يضرّ هم"‬

‫بإيجاز‬
‫‪" -6665‬الجسد هو محور الخالص"‪ .‬نؤمن باهلل خالق الجسد‪ ،‬نؤمن بالكلمة الذي صار جسد ًا‬
‫‪.‬ليفتدي الجسد‪ ،‬ونؤمن بقيامة الجسد‪ ،‬التي هي اكتمال الخليقة واكتمال فداء الجسد‬
‫‪ -6669‬بالموت تنفصل النفس عن الجسد‪ ،‬ولكن هللا‪ ،‬في القيامة‪ ،‬سوف يعيد الحياة غير الفاسدة‬
‫لجسدنا المحوَّ ل‪ ،‬إذ ُي َّتحِده من جديد بنفسنا‪ .‬فكما أنّ المسيح قام ويحيا على الدوام‪ ،‬كذلك سنقوم‬
‫ك ّلنا في اليوم األخير‪.‬‬
‫‪" -6666‬نؤمن بقيامة حقيقيّة لهذا الجسد الذي لنا اآلن"‪ .‬ولكن يُزرع في القبر جسد فاسد‪ ،‬فيقوم‬
‫‪.‬غير فاسد‪ ،‬جسد "روحاني"(‪ 1‬كو ‪)44 : 11‬‬
‫‪ -2128‬نتيجة للخطيئة األصلية‪ ،‬على االنسان ان يحضع "للموت الجسدي"‪ ،‬الذي لو لم يخطأ لنجا منه"‪.‬‬
‫‪ -2121‬يسوع‪ ،‬ابن هللا‪ ،‬خضع بحرّ ية للموت ألجلنا‪ ،‬في االستسالم التام الحرّ لمشيئة هللا‪ ،‬أبيه‪ ،‬وبموته‬
‫انتصر على الموت‪ ،‬مفسحا ً هكذا في المجال لخالص جميع الناس‪.‬‬

‫المقال الثاني عشر‬


‫" أؤمن بالحياة األبدية "‬

‫‪ -2111‬المسيحي الذي يض ّم موته الخاص إلى موت المسيح يرى في الموت انطالقا ً إليه ودخوالً في‬
‫الحياة األبدية‪ .‬والكنيسة‪ ،‬بعد أن تقول على المسيحي المنازع للمرّ ة األخيرة كلمات المغفرة التي بها يحلّه‬
‫المسيح من خطاياه‪ ،‬وتختمه للمرة األخيرة بالمسحة المش ّددة‪ ،‬وتهبه المسيح في الزاد األخير غذاء للسفر‪،‬‬
‫وتخاطبه بثقة هادئة ‪:‬‬

‫"أيتها النفس المسيحية‪ ،‬غادري هذا العالم‪ ،‬باسم اآلب القدير الذي خلقك‪ ،‬وباسم يسوع المسيح‪ ،‬ابن هللا‬
‫الحيّ ‪ ،‬الذي تألم ألجلك‪ ،‬وباسم الروح القدس الذي أ ُ َ‬
‫فيض فيك‪ .‬خذي مكانك اليوم بسالم‪ ،‬ولتستقرّ سكناك‬
‫مع هللا في صهيون المقدسة‪ ،‬مع مريم العذراء والدة اإلله‪ ،‬والقديس يوسف‪ ،‬والمالئكة‪ ،‬وجيمع قديسي‬
‫هللا‪ .‬عودي إلى خالقك الذي كوّ نك من تراب األرض‪ .‬وفي ساعة خروج نفسك من جسدك‪ ،‬فلتسارع‬
‫مريم العذراء والمالئكة‪ ،‬وجميع القديسين لمالقاتك‪ .‬ول ُي َتحْ لك ان تشاهدي فاديّك وجها ً لوجه الى دهر‬
‫‪.‬الداهرين"‬

‫‪ . ًّ2‬الدينونة الخاصة‬
‫ّ‬
‫‪ -2112‬الموت يضع ح ّداً لحياة اإلنسان كزمن منفتح على تقبّل النعمة اإللهية التي تجلت في المسيح أو‬
‫رفضها‪ .‬يتكلّم العهد الجديد على الدينونة بنوع خاص في إطار اللقاء األخير مع المسيح في مجيئه‬
‫الثاني‪ ،‬ولكنه يؤ ّكد أيضا ً مرات عديدة الجزاء المباشر بعد الموت لكل انسان تبعا ً ألعماله وإيمانه‪ .‬فمثل‬
‫لعازر المسكين‪ ،‬وكالم المسيح هو على الصليب للص التائب‪ ،‬ونصوص أخرى من العهد الجديد‪ ،‬تتكلّم‬
‫‪.‬على مصير أخير للنفس‪ ،‬يمكن أن يكون مختلفا ً لهؤالء وألولئك‬
‫‪ -6666‬كل إنسان ينال في نفسه الخالدة جزاءه األبدي‪ ،‬منذ موته‪ ،‬في دينونة خاصة ُتحال فيها‬
‫حياته إلى المسيح‪ ،‬إمّا عبر تطهير‪ ،‬وإمّا للدخول مباشرة في سعادة السماء‪ ،‬وإمّا للهالك الفوري‬
‫‪.‬والدائم‬
‫‪" .‬في مساء حياتنا‪ ،‬سوف ندان على المحبّة"‬

‫‪ .ً6‬السماء‬

‫‪ -6666‬الذين يموتون في نعمة هللا وصداقته‪ ،‬وقد تطهّروا كليّا‪ ،‬على الدوام مع المسيح‪ .‬انهم‬
‫سيكونون على الدوام أمثاله‪ ،‬ألنهم سيُعاينونه "كما هو"(‪ 2‬يو ‪ ،)1 : 3‬وجها ً لوجه(‪ 2‬كو ‪: 23‬‬
‫‪)21.‬‬
‫"بسلطاننا الرسولي نح ّدد أنّ نفوس جميع القديسين وك ّل المؤمنين اآلخرين الذين ماتوا بعد أن نالوا معموديّة‬
‫المسيح المق ّدسة‪ ،‬ولم يكن فيهم لدى موتهم ما يتطلّب التطهير‪ ،‬وكذلك الذين‪ ،‬وإن بقي فيهم ما يتطلّب التطهير‪ ،‬قد‬
‫أتمّوا ذلك بعد موتهم‪ ،‬هؤالء جميعاً‪ ،‬بحسب تدبير هللا العام‪ ،‬حتى قبل قيامة جسدهم والدينونة العامة‪ ،‬وذلك منذ‬
‫صعود ربّنا ومخلّصنا يسوع المسيح إلى السماء‪ ،‬كانوا ويكونون وسيكونون في السماء‪ ،‬في ملكوت السموات‬
‫وفي الفردوس السماوي مع المسيح‪ ،‬مقبولين في شركة المالئكة القديسين‪ .‬أنهم‪ ،‬منذ آالم ربّنا يسوع المسيح‬
‫وموته‪ ،‬قد رأوا الجوهر اإللهي ويرونه رؤية مباشرة ذاتية وحتى وجها ً لوجه‪ ،‬دون وساطة أية خليقة"‪.‬‬
‫‪ -6666‬تلك الحياة الكاملة مع الثالوث القدوس‪ ،‬ملك الشركة في الحياة والمحبّة معه‪ ،‬ومع مريم‬
‫العذراء والمالئكة والطوباويين تدعى "السماء"‪ .‬السماء هي غاية اإلنسان القصوى وتحقيق أعمق‬
‫‪.‬رغباته‪ ،‬وحالة السعادة الفائقة والنهائية‬
‫‪ -6665‬أن نحيا في السماء يعني "أن نكون مع المسيح"‪ .‬المختارون يحيون "في المسيح"‪ ،‬ولك ّنهم‬
‫يحفظون بل يجدون‪ ،‬فيه هويتهم الحقيقية‪ ،‬اسمهم الخاص ‪:‬‬
‫"فالحياة هي ان نكون مع المسيح‪ ،‬حيث المسيح‪ ،‬هناك الحياة‪ ،‬هناك الملكوت"‪.‬‬
‫‪ -6669‬ان يسوع المسيح‪ ،‬بموته وقيامته‪ ،‬قد "فتح" لنا السماء‪ .‬حياة الطوباويين تقوم في االمتالك‬
‫الكامل لثمار الفداء الذي حقّقه المسيح‪ ،‬الذي يُشرك في تمجيده السماوي ك ّل من آمن به وبقي أمينا ً‬
‫‪.‬لمشيئته‪ .‬السماء هي الجماعة السعيدة المكوَّ نة من جميع الذين انضمّوا إليه إنضماما ً كامالً‬
‫‪ -6666‬إن سرّ الشركة السعيدة هذا مع هللا ومع جميع الذين هم للمسيح يفوق ك ّل فهم وكل‬
‫تصوّ ر‪ .‬والكتاب المقدس يُكلّمنا عليه في صور ‪ :‬الحياة‪ ،‬النور‪ ،‬وليمة العرس‪ ،‬خمر الملكوت‪،‬‬
‫بيت اآلب‪ ،‬أورشليم السماوية‪ ،‬الفردوس‪" :‬أنّ ما لم تره عين‪ ،‬وال سمعت به أذن‪ ،‬وال خطر على‬
‫‪.‬قلب بشر‪ ،‬ما أع ّده هللا للذين يحبّونه"(‪ 2‬كو ‪)1 : 1‬‬
‫‪ -6666‬هللا‪ ،‬بسبب سموّ ه‪ ،‬ال تمكن رؤيته كما هو إال ّ متى كشف هو نفسه سرّ ه لمشاهدة االنسان‬
‫المباشرة وم َّكنه منها‪ .‬هذه المشاهدة هلل في مجده السماوي تدعوها الكنيسة "الرؤية الطوباويّة" ‪:‬‬
‫"كم سيكون مج ُدك وسعاد ُتك‪ :‬ان ُتق َبل لرؤية هللا‪ ،‬ان تحظى بشرف االشتراك في افراح الخالص والنور األبدي‬
‫في صحبة المسيح الربّ إلهك‪ ،‬أن تنعم في ملكوت السماوات في صحبة الصديقين وأصدقاء هللا‪ ،‬بأفراح الخلود‬
‫‪.‬المعطى"‬
‫‪ -6666‬في مجد السماء ال يني الطوباويون يتمّون بفرح ارادة هللا بالنسبة إلى سائر الناس وإلى‬
‫الخليقة كلّها‪ .‬إ ّنهم من االن يملكون مع المسيح‪" ،‬وسيملكون معه إلى دهر الداهرين"(رؤ ‪: 11‬‬
‫‪)1.‬‬

‫‪ .ً6‬التطهير النهائي أو المطهر‬


‫‪ -6666‬الذين يموتون في نعمة هللا وصداقته‪ ،‬ولم يتطهّروا بعد تطهيراً كامالً‪ ،‬وان كانوا على ثقة‬
‫خالصهم األبدي‪ ،‬يخضعون من بعد موتهم لتطهير‪ ،‬يحصلون به على القداسة الضرورية لدخول‬
‫‪.‬فرح السماء‬
‫‪ -6666‬تدعو الكنيسة مطهرا هذا التطهير النهائي للمختارين‪ ،‬المتميّز كلّيا ً عن قصاص الهالكين‪.‬‬
‫لقد صاغت الكنيسة عقيدة اإليمان المتعلّقة بالمطهر بنوع خاص في مجمع فلورنسا والمجمع‬
‫التريدنتيني‪ .‬ويتكلّم تقليد الكنيسة على نار مطهّرة‪ ،‬مستنداً إلى بعض نصوص الكتاب المق ّدس ‪:‬‬
‫"بالنسبة إلى بعض الذنوب الخفيفة‪ ،‬يجب االعتقاد بوجود نار مطهّرة قبل الدينونة‪ ،‬وفق ما يؤ ّكده من هو الحق‪،‬‬
‫بقوله ان ج ّدف أحد على الروح القدس‪ ،‬فهذا لن يُغفر له ال في هذا الدهر وال في الدهر اآلتي(متى ‪.)31 : 21‬‬
‫‪ .‬في هذا الحكم يمكننا ان نفهم ان بعض الذنوب تمكن مسامحتها في هذا الدهر‪ ،‬والبعض االخر في الدهر اآلتي"‬
‫‪ -6666‬يرتكز هذا التعليم أيضا ً على ممارسة الصالة ألجل الراقدين التي يتكلّم عليها الكتاب‬
‫المق ّدس‪" :‬ولهاذ ق ّدم(يهوذا المكابي) ذبيحة التكفير عن األموات‪ ،‬ليُحلّوا من الخطيئة"(‪ 1‬مك ‪: 21‬‬
‫‪ .)21‬وقد كرّ مت الكنيسة‪ ،‬منذ القرون األولى‪ ،‬ذكرى األموات‪ ،‬وق ّدمت ألجلهم صلوات‪ ،‬وبنوع‬
‫خاص الذبيحة اإلقخارستيّة‪ ،‬حتى يتطهّروا فيبلغوا الرؤية السعيدة‪ .‬وتوصي الكنيسة أيضا ً‬
‫بالصدقات والغفرانات وأعمل التوبة ألجل الراقدين ‪:‬‬
‫ك بأنّ تقادمنا ألجل الراقدين تجلب‬ ‫" َّ‬
‫لنمد لهم العون ونذكرهم‪ .‬ان كان أبناء أيّوب قد تطهّروا بذبيحة أبيهم‪ ،‬ل َم نش ّ‬
‫‪.‬لهم بعض التعزية؟ فال نتر ّدد إذن في مساعدة الذين رحلوا وتقدمة صلوات ألجلهم"‬

‫‪ .ً6‬جه ّنم‬
‫‪ -6666‬ال نستطيع أن ن ّتحد باهلل ما لم نختر بحريّة أن ُنحبّه‪ ،‬ولكننا ال نستطيع ان نحب هللا ونحن‬
‫نرتكب خطايا ثقيلة ضد هللا أو ض ّد قريبنا أو ض ّد أنفسنا‪" :‬من ال يحبّ يثبت في الموت‪ .‬ك ّل من‬
‫يُبغض أخاه فهو قاتل‪ ،‬وتعلمون أنّ ك ّل قاتل ليست له الحياة األبديّة ثابتة فيه"(‪ 2‬يو ‪.)21-22 : 3‬‬
‫ُحذرُنا الربّ أ ّننا سننفصل عنه إن أهملنا لقاء االحتياجات الخطيرة لدى الفقراء واألصاغر الذين‬ ‫وي ّ‬
‫هم اخوته‪ .‬الموت في الخطيئة المميتة دون التوبة عنها ودون تقبّل محبّة هللا الرحيمة‪ ،‬يعني البقاء‬
‫منقصالً عنه على الدوام بإختيارنا الحرّ ‪ .‬وتلك الحالة من اإلقصاء الذاتي عن الشركة مع هللا ومع‬
‫الطوباويين هي ما ُي َد ّل عليه بلفظة "جه ّنم"‪.‬‬
‫‪ -6666‬يتكلّم يسوع مراراً على "جه ّنم" النار التي ال ُتطفأ‪ ،‬المع ّدة للذين يرفضون حتى نهاية‬
‫حياتهم أن يؤمنوا ويرت ّدوا‪ ،‬وحيث يمكن أن يهلك النفس والجسد معاً‪ .‬ويُنبئ يسوع بألفاظ خطيرة‬
‫أنه سوف "يرسل مالئكته‪ ،‬فيجمعون ك ّل فاعلي األثم‪ ،‬ويلقونهم في أ ّتون النار"(متى ‪-22 : 23‬‬
‫‪ ،)21.‬وأ ّنه سيعلن الحكم ‪" :‬اذهبوا ع ّني‪ ،‬يا مالعين‪ ،‬إلى النار األبديّة"(متى ‪)22 : 11‬‬
‫‪ -6665‬يؤ ّكد تعليم الكنيسة وجود جه ّنم وأبديّتها‪ .‬إنّ نفوس الذين يموتون في حالة الخطيئة المميتة‬
‫تهبط على الفور بعد موتها إلى الجحيم‪ ،‬حيث تقاسي عذابات جه ّنم "النار األبدية"‪ .‬ويقوم عذاب‬
‫جه ّنم الرئيسي في االنفصال األبديّ عن هللا الذي فيه وحده يستطيع االنسان الحصول على الحياة‬
‫والسعادة اللذين ُخلق ألجلهما وإليهما يتوق‪.‬‬
‫‪ -6669‬ان تأكيدات الكتاب المقدس وتعاليم الكنيسة في موضوع جه ّنم هي دعوة إلى المسؤولية‬
‫التي يتوجب على االنسان ان يستخدم فيها حرّيته في سبيل مصيره األبدي‪ .‬وهي في الوقت عينه‬
‫ٌ‬
‫ورحبة الطريق التي تؤ ّدي إلى‬ ‫دعوة إلى التوبة ‪" :‬أدخلوا من الباب الضيق‪ ،‬فإ ّنه واس ٌع الباب‬
‫الهالك‪ ،‬وكثيرون هم الذين ينتهجونها‪ .‬ما أضيق الباب وما أحرج الطريق التي تؤ ّدي إلى الحياة‪،‬‬
‫‪.‬وقليلون هم الذين يجدونها"(متى ‪)22-23 : 1‬‬
‫"إذ نجهل اليوم والساعة‪ ،‬ينبغي‪ ،‬عمالً بوصيّة الرب‪ ،‬أن نظ َّل دوما ً متي ّقضين لكي يُتاح لنا‪ ،‬إذا ما انسلخ مجرى‬
‫حياتنا األرضيّة على غير رجعة‪ ،‬أن ُنق َبل معه في العرس‪ ،‬فنكون في عداد مباركي هللا‪ ،‬ال كالعبيد األشرار‬
‫الكسولين‪ ،‬المفصولين عن هللا للنار األبديّة والظلمة في الخارج حيث يكون البكاء وصريف األسنان"‪.‬‬
‫‪ -6666‬ال يح ّدد هللا مس َبقا ً مصير أحد في جه ّنم‪ ،‬بل هي لمن يكره هللا بملء ارادته(الخطيئة‬
‫المميتة) ويثبت في هذا الكره حتى النهاية‪ .‬والكنيسة‪ ،‬في الليرجيا االفخارستيّة وصلوات مؤمنيها‬
‫اليومية‪ ،‬تلتمس رحمة هللا الذي "ال يريد أن يهلك أحد‪ ،‬بل أن يقبل الجميع إلى التوبة"‬
‫‪ 1‬بط ‪( : )1 : 3‬‬
‫" هذه هي التقدمة التي نقرّ بها لك نحن عبيدك وعائلتك كلها ‪ :‬فاقبلها بعطفك‪ .‬اجعل السالم في حياتنا‪ ،‬وانتشلنا‬
‫من الهالك األبديّ ‪ ،‬واقبلنا في عداد مختاريك"‪.‬‬

‫‪ .ً5‬الدينونة العامة‬
‫‪ -6666‬ان قيامة جميع األموات "األبرار واألثمة"(اع ‪ )21 : 12‬سوف تسبق الدينونة العامة‪.‬‬
‫وستكون "الساعة التي يسمع فيها جميع من في القبور صوت(ابن البشر)‪ ،‬فيخرجون منها ‪:‬‬
‫فالذين عملوا الصالحات يقومون للحياة‪ ،‬والذين عملوا السيئات يقومون للدينونة"(يو ‪-18 : 1‬‬
‫‪ .)11‬حينئذ يأتي المسيح "في مجده‪ ،‬وجميع المالئكة معه‪ .‬و ُتحشد لديه جميع األمم‪ ،‬فيفصل‬
‫بعضهم عن بعض‪ ،‬كما يفصل الراعي الخراف عن الجداء‪ .‬ويقيم الخراف عن يمينه والجداء عن‬
‫‪.‬يساره‪ .‬ويذهب هؤالء إلى عذاب أبدي‪ ،‬والصديقون إلى حياة أبدية"(متى ‪)21 ،33-32 : 11‬‬
‫‪ -6666‬أمام المسيح الذي هو الحق‪ ،‬سوف ُتعلن بصراحة وبشكل نهائيّ حقيقة عالقة كل انسان‬
‫باهلل‪ .‬فتكشف الدينونة العامة ما فعله كل واحد من خير أو أهمل فعله في أثناء حياته على‬
‫األرض‪ ،‬وذلك حتى في أقصى عواقبه ‪:‬‬
‫"كل شر يفعله األشرار يسجّ ل – وهم ال يعلمون‪ ،‬في اليوم الذي"ال يصمت هللا"(مز ‪ )3 : 11‬فيه سيلتفت نحو‬
‫وضعت على األرض فقرائي الصغار ألجلكم‪ .‬أنا‪ ،‬رأسهم‪ ،‬كنت جالسا ً على العرش في‬ ‫ُ‬ ‫األشرار ويقول لهم‪ :‬لقد‬
‫السماء عن يمين أبي‪ ،‬ولكن على األرض كان أعضائي يعملون‪ ،‬على األرض كان أعضائي يجوعون‪ .‬لو‬
‫وضعت فقرائي الصغار على أألرض‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫أعطيتم أعضائي شيئاً‪ ،‬لوصل الى الرأس ما كنتم أعطيتموه‪ .‬وعندما‬
‫‪.‬أقمتهم وكالئي ليحملوا إلى كنزي أعمالكم الصالحة‪ :‬لم تضعوا شيئا ً في أيديهم‪ ،‬لذلك لن تجدوا لديَّ شيئاً"‬
‫‪ -6666‬ستقع الدينونة لدى عودة المسيح المجيدة‪ .‬اآلب وحده يعرف الساعة واليوم‪ ،‬وهو وحده‬
‫يقرّ ر حدوثها‪ .‬سيعلن بابنه يسوع المسيح كلمته األخيرة على التاريخ كلّه‪ .‬سنعرف المعنى األخير‬
‫لك ّل تاريخ الخليقة وكل تدبير الخالص‪ ،‬وسنفهم السبل العجيبة التي قادت بها عنايته ك ّل شيء‬
‫نحو غايته القصوى‪ .‬وستكشف الدينونة األخيرة أنّ برّ هللا ينتصر على ك ّل المظالم التي ترتكبها‬
‫خالئقه‪ ،‬وان محبّته أقوى من الموت‪.‬‬
‫‪ -6666‬تدعو رسالة الدينونة العامة إلى التوبة ما دام هللا يعطي البشر "الوقت المرضيّ ‪ ،‬وقت‬
‫ّ‬
‫تحث على مخافة هللا المقدسة‪ .‬وتدعو إلى االلتزام من أجل برّ‬ ‫الخالص"(‪ 1‬كو ‪ .)1 : 1‬انها‬
‫ملكوت هللا‪ ،‬وتبشر "بالرجاء السعيد"(تي ‪ ،)23 : 1‬رجاء عودة الرب‪ ،‬الذي سوف "يأتي ليتمجّ د‬
‫‪.‬في قديسيه ويظهر عجيبا ً في جميع الذين آمنوا"(‪ 1‬تس ‪)21 : 2‬‬

‫‪ .ً9‬رجاء السماوات الجديدة واألرض الجديدة‬


‫‪ -6666‬في نهاية األزمنة سيصل ملكوت هللا إلى ملئه‪ .‬بعد الدينونة العامة سيملك األبرار على‬
‫الدوام مع المسيح‪ ،‬ممجّ دين جسداً ونفساً‪ ،‬والكون نفسه سيتج ّدد ‪:‬‬
‫ُ‬
‫المرتبط باالنسان ارتباطا ً صميما ً وبه يُدرك‬ ‫"حينئذ تبلغ الكنيسة تمامها في المجد السماوي‪ ،‬عندما الكون بأسره‪،‬‬
‫مصيره‪ ،‬يجد مع الجنس البشري‪ ،‬في المسيح‪ ،‬كماله النهائي"‬‫َ‬ ‫‪.‬‬
‫‪ -6666‬هذا التجديد السرّي‪ ،‬الذي سوف يحوّ ل البشرية والعالم‪ ،‬يدعوه الكتاب المقدس "السماوات‬
‫الجديدة واألرض الجديدة"(‪ 1‬بط ‪ .)23 : 3‬وسيكون التحقيق النهائي لقصد هللا‬
‫"أن يجمع تحت رأس واحد‪ ،‬في المسيح‪ ،‬ك ّل شيء ما في السماوات وما على األرض"(في ‪: 2‬‬
‫‪)21.‬‬
‫‪ -6666‬في هذا "الكون الجديد"‪ ،‬أورشليم السماوية‪ ،‬سيسكن هللا بين البشر‪" ،‬ويمسح مك ّل دمعة‬
‫من عيونهم‪ ،‬وال يكون بعد موت‪ ،‬وال نوح‪ ،‬وال نحيب‪ ،‬وال وجع‪ ،‬ألنّ األوضاع األولى قد‬
‫‪.‬مضت"(رؤ ‪)2 : 12‬‬
‫‪ -6665‬بالنسبة إلى اإلنسان‪ ،‬هذا االنجاز سيكون التحقيق األقصى لوحدة الجنس البشري‪ ،‬التي‬
‫أرادها هللا منذ الخلق والتي كانت الكنيسة في رحلتها "بمثابة سرّ " لها‪ .‬الذين سيكونون متحدين‬
‫بالمسيح سيؤلّفون جماعة المفتدين‪" ،‬مدينة هللا المق ّدسة"(رؤ ‪" ،)1 : 12‬عروس الحمل"(رؤ ‪: 12‬‬
‫‪ .)1‬وهذه لن تعود مجروحة بالخطيئة‪ ،‬أو بأي شيء مبت َذل‪ ،‬أو باألنانية‪ ،‬التي تدمّر جماعة البشر‬
‫األرضيّة أو تجرحها‪ .‬والرؤية السعيدة التي سينفتح فيها هللا على المختارين انفتاحا ً ال ينفد‪،‬‬
‫‪.‬ستكون ينبوعا ً ال ينضب من السعادة والسالم والشركة المتبادلة‬
‫‪ -6669‬أما بالنسبة إلى العالم‪ ،‬فيؤ ّكد الوحي شركة المصير العميقة بين العالم الماديّ واإلنسان‪:‬‬
‫"لذلك تتو ّقع البريّة‪ ،‬متر ّق ً‬
‫بة تجلّي أبناء هللا على رجاء أ ّنها س ُتعتق هي أيضا ً من عبوديّة الفساد‪ .‬فنحن نعلم أنّ‬
‫وتتمخض‪ .‬وليس هي فقط‪ ،‬بل نحن أيضا ً الذين لهم باكورة الروح‪ ،‬نحن أيضا ً‬
‫ّ‬ ‫الخليقة كلّها معا ً تئنّ حتى اآلن‬
‫‪.‬نئنّ في أنفسنا منتظرين افتداء أجسادنا"(رو ‪)13-21 : 8‬‬
‫‪ -6666‬الكون المرئي ُم َع ٌّد إذن‪ ،‬وهو أيضاً‪ ،‬إلى ان يتحوّ ل‪" ،‬حتى إنّ العالم نفسه‪ ،‬وقد أُعيد إلى‬
‫حالته األولى‪ ،‬يصير‪ ،‬دون أيّ عائق بعد‪ ،‬في خدمة األبرار"‪ ،‬مشتركا ً في تمجيدهم في يسوع‬
‫المسيح القائم‪.‬‬
‫‪" -6666‬نحن نجهل زمان زوال األرض والبشر ّية‪ ،‬وال نعرف طريقة تحوّ ل هذا الكون‪،‬‬
‫محق دون ريب صورة هذا العالم التي شوّ هتها الخطيئة‪ ،‬ولك ّننا نعلم أن هللا ُي ِع ُّد لنا مسكنا ً‬ ‫س َت ْن ُ‬
‫جديداً وأرضا ً جديدة يسكن فيها البرّ‪ ،‬و ُتشب ُع سعاد ُتها جميع رغبات السالم التي تصبو إليها قلوب‬
‫‪.‬البشر‪ ،‬بل تفوقها"‬
‫ترقّّ ب األرض الجديدة يجب ان ال يضعف فينا االهتمام بمعالجة هذه األرض‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫‪" -6666‬ولكنّ‬
‫بل يجب باألحرى أن يوقظه‪ ،‬ألنّ جسم األسرة البشريّة ينمو فيها‪ ،‬وهو يستطيع أن يق ّدم منذ اآلن‬
‫تصوّ راً أوّ ل ّيا ً للدهر اآلتي‪ .‬لذلك‪ ،‬وإن كان ال ب َّد من التمييز الدقيق بين التق ّدم األرضي ونموّ‬
‫ملكوت المسيح‪ ،‬فإنّ التق ّدم األرضي ذو أهمية كبرى بالنسبة إلى ملكوت هللا‪ ،‬وذلك بقدر ما يُسه ُم‬
‫‪.‬في تنظيم المجتمع البشريّ تنظيما ً أفضل"‬
‫الطيبة‪ ،‬ثمار طبيعتنا وصناعتنا‪ ،‬التي نكون قد نشرناها على وجه‬ ‫‪" -6656‬فإنّ ك ّل الثمار ّ‬
‫األرض في روح الربّ وبحسب وصيّته‪ ،‬سنجدها في ما بعد‪ ،‬ولكن مطهّرة من ك ّل دنس‪،‬‬
‫ً‬
‫ناصعة‪ ،‬مشرقة‪ ،‬عندما يُعيد المسيح إلى اآلب ملكوتا ً أبد ّيا ً وشامالً"‪ .‬حينئ ٍذ يصير هللا "كال ّ في‬
‫الكلّ"(‪ 2‬كو ‪ ،)18 : 21‬في الحياة األبد ّية ‪:‬‬
‫"الحياة الدائمة والحقيقية‪ ،‬إ ّتما هي اآلب الذي‪ ،‬باالبن وفي الروح القدس‪ ،‬يسكب على الجميع دون استثناء‬
‫‪.‬المواهب السماويّة‪ .‬فلقد نلنا‪ ،‬نحن البشر أيضاً‪ ،‬بفضل رحمته‪ ،‬وعد الحياة األبدية الثابت"‬

‫بإيجاز‬
‫‪ -6656‬كل إنسان ينال في نفسه الخالدة جزاءه األبدي منذ موته في دينونة خاصة من قبل‬
‫‪.‬المسيح‪ ،‬ديّان األحياء واألموات‬
‫‪" -6656‬نؤمن أنّ نفوس جميع الذين يموتون في نعمة المسيح هي شعب هللا‪ ،‬في ما وراء‬
‫حيث ُتعاد إلى تلك النفوس وحدتها بأجسادها"‬ ‫‪.‬الموت‪ ،‬الذي سيُغلب نهائ ّي ًا في يوم القيامة‪ُ ،‬‬
‫‪" -6656‬نؤمن أنّ جماعة النفوس الملتئمة في الفردوس حول يسوع ومريم تكوّ ن كنيسة السماء‪،‬‬
‫حيث تشاهد هللا كما هو في السعادة األبدية‪ ،‬وحيث تشارك هي أيض ًا‪ ،‬بدرجات مختلفة‪ ،‬المالئكة‬
‫القديسين في الحكم اإللهي الذي يمارسه المسيح في المجد‪ ،‬فتتش ّفع فينا وتعضد ضعفنا بعنايتها‬
‫‪.‬إللهيّة"‬
‫ً‬
‫‪ -6656‬الذين يموتون في نعمة هللا وصداقته‪ ،‬ولم يتطهّروا بعد تطهير ًا كامال‪ ،‬وإن كانوا على ثق ٍة‬
‫من خالصهم األبدي‪ ،‬يخضعون من بعد موتهم لتطهير‪ ،‬يحصلون به على القداسة الضروريّة‬
‫‪.‬للدخول إلى فرح هللا‬
‫‪ -6655‬بمقتضى "شركة القديسين" تكل الكنيسة الراقدين إلى رحمة هللا‪ ،‬وتق ّدم ألجلهم صلوات‪،‬‬
‫‪.‬وبنوع خاص الذبيحة اإلفخارستيّة‬
‫تحذر الكنيسة المؤمنين من تلك الحقيقة المحزنة والمؤسفة‪ ،‬حقيقة‬ ‫‪ -6659‬تتبّع ًا لمثل المسيح‪ّ ،‬‬
‫‪.‬الموت األبدي‪ ،‬المدعو أيض ًا "جه ّنم"‬
‫‪ -6656‬يقوم عذاب جه ّنم الرئيسي في االنفصال األبدي عن هللا الذي فيه وحده يستطيع االنسان‬
‫‪.‬الحصول على الحياة والسعادة اللذين ُخلق ألجلهما وإليهما يتوق‬
‫‪ -6656‬تص ّلي الكنيسة لكي ال يهلك أحد‪" :‬يا رب‪ ،‬ال تسمح أن أنفصل أبد ًا عنك"‪ .‬إن ص ّح أنّ‬
‫أحد ًا ال يستطيع ان يخلص بنفسه‪ ،‬فصحيح أيض ًا أنّ "هللا يريد أنّ جميع الناس يخلصون"‪ 1(.‬تي‬
‫‪ .)4 : 3.‬وأنّ "ك ّل شيء ممكن"(متى ‪ )36 : 19‬لديه‬
‫‪" -6656‬تؤمن الكنيسة المق ّدسة الرومانية وتعترف اعتراف ًا ثابت ًا أن جميع الناس سوف يظهرون‬
‫في يوم الدينونة باجسادهم الخاصة أمام منبر المسيح‪ ،‬ليؤ ّدوا حساب ًا عن أعمالهم"‪.‬‬
‫‪ -6696‬في نهاية األزمنة سيصل ملكوت هللا إلى ملئه‪ ،‬حينئذ يملك الصديقون مع المسيح على‬
‫الدوام‪ ،‬ممجّدين جسد ًا ونفس ًا‪ ،‬والكون المادي نفسه سيتحوّ ل‪ .‬حينئذ يصير هللا "ك ُّ‬
‫ال في الكلّ"‬
‫‪ 1.‬كو ‪ ،)32 : 11‬في الحياة األبدية(‬

‫" آمين "‬

‫‪ -6696‬ينتهي قانون اإليمان‪ ،‬كما ينتهي ايضا ً السفر األخير من الكتاب المقدس بالكلمة العبرية‬
‫آمين‪ .‬وتوجد مراراً تلك الكلمة في صلوات العهد الجديد‪ .‬كذلك تنهي الكنيسة صلواتها بكلمة‬
‫" آمين "‪.‬‬
‫‪ -6696‬في العبرية ترتبط كلمة آمين بالجذر نفسه الذي ترتبط به كلمة "آمن"‪ .‬ويعبّر هذا الجذر‬
‫عن الثبات والثقة واألمانة‪ ،‬فنفهم بالتالي لماذا يمكن استعمال كلمة "آمين" بالنسبة إلى امانة هللا‬
‫‪.‬نحونا وإلى ثقتنا نحن به‬
‫‪ -6696‬نجد في أشعيا النبي عبارة "إله الحق" وحرف ّيا ً "إله آمين"‪ ،‬أي اإلله األمين لمواعده ‪:‬‬
‫"فالذي يتبارك على األرض يتبارك بإله آمين"(أش ‪.)21 : 11‬ويستعمل السيد المسيح مراراً كلمة‬
‫"آمين"‪ ،‬وفي بعض األحيان بشكل مكرَّ ر‪ ،‬ليؤ ّكد أنّ تعليمه يمكن الوثوق به‪ ،‬وأنّ سلطته ترتكز‬
‫‪.‬على حقيقة هللا‬
‫‪" -6696‬آمين" التي تختم قانون اإليمان تعيد إذن كلمته األولى "أؤمن" وتؤ ّكدها‪ .‬فاإليمان هو أن‬
‫نقول "آمين" لكلمات هللا ووعوده ووصاياه‪ ،‬هو أن نثق ثقة تامة بالذي هو "آمين" المحبّة‬
‫الالمتناهية واألمانة الكاملة‪ .‬حينئ ٍذ تصير حياتنا المسيحية في كل يوم جواب "آمين" عن اعتراف‬
‫‪.‬إيمان معموديّتنا‪" :‬آمين"‬
‫"ليكن َ‬
‫لك قانون اإليمان بمثابة مرآة‪ .‬أنظر نفسك فيه‪ ،‬لترى هل تؤمن بك ّل ما تعلن اإليمان به‪ ،‬وافرح ك ّل يوم‬
‫‪.‬بإيمانك"‬
‫‪ -6695‬يسوع المسيح هو نفسه "آمين"(رؤ ‪ .)22 : 3‬هو "آمين" النهائية لمحبة اآلب لنا‪ .‬وهو‬
‫الذي اعتنق جوا َبنا لآلب " آمين " وأتمَّه‪" :‬فإنّ مواعد هللا كلّها وجدت فيه "نعم" فلذلك فيه ايضا ً‬
‫‪.‬نقول "آمين" لمجد هللا"(‪ 1‬كو ‪)11 : 2‬‬
‫"به ومعه وفيه‪،‬‬
‫لك أيها اإلله اآلب القدير‪،‬‬
‫في وحدة الروح القدس‪،‬‬
‫ك ّل إكرام وك ّل مجد‪،‬‬
‫إلى دهر الداهرين‪،‬‬
‫‪.‬آمين"‬

‫الجزء الثاني‬
‫بالسر المسيحي‬
‫االحتف ال ّ‬

‫لماذا اللي ُت ْرج ّيا ؟‬

‫‪ -6699‬في قانون اإليمان‪ ،‬تعترف الكنيسة بسرّ الثالوث األقدس "وقصد محبّته"(أف ‪ )1 : 2‬في‬
‫شأن الخليقة كلّها‪ :‬فاآلب يح ِّقق "سرّ مشيئته" بإرساله اب َنه الحبيب وروحه القدوس لخالص العالم‬
‫ومجد اسمه‪ .‬ذاك هو سرّ المسيح الذي ُكشف و ُحقّق في التاريخ‪ ،‬بمقتضى ّ‬
‫خطة ورسم مُح َكم‬
‫التنسيق‪ ،‬يسمّيه القديس بولس "تدبير السرّ "(أف ‪ ،)1 : 3‬وسوف يسمّيه التقليد األبوي‬
‫"تدبير الكلمة المتجسد" أو "تدبير الخالص"‪.‬‬
‫‪" -6696‬وهذا العمل الذي كان به الفداء للبشر والتمجيد األكمل هلل‪ ،‬والذي مهّدت له العظائم‬
‫اإللهيّة في شعب العهد القديم‪ ،‬أتمّه السيد المسيح خصوصا ً بالسرّ الفصحيّ ‪ ،‬سرّ آالمه الحميدة‪،‬‬
‫وقيامته من مثوى األموات وصعوده المجيد‪ ،‬بالسرّ الفصحي الذي "قضى فيه على موتنا بموته‪،‬‬
‫وبعث الحياة في حياتنا بقيامته" إذ إ ّنه من جنب المسيح الراقد على الصليب تفجّر السرُّ العجيب‪،‬‬
‫سرّ الكنيسة بأسرها"‪ .‬ولذا فالكنيسة‪ ،‬في الليترجيّا‪ ،‬تحتفل خصوصا ً بالسرّ الفصحي الذي أت َّم به‬
‫‪.‬المسيح عمل خالصنا‬
‫‪ -6696‬سرّ المسيح هذا‪ ،‬تب ّشر به الكنيسة وتحتفل به في الليترجيّا‪ ،‬ليحيا به المؤمنون ويشهدوا له في‬
‫العالم ‪:‬‬
‫"فالليترجيا‪ ،‬والسيّما ذبيحة االفخارستيّا اإللهيّة‪ ،‬التي بها " َيت ُّم عمل فدائنا" تساعد المؤمنين إلى أبعد ح ّد في أن‬
‫‪.‬يُبيّنوا ويُعلنوا لآلخرين‪ ،‬بسيرتهم‪ ،‬سرّ المسيح وهويّة الكنيسة الحقيقيّة ومفهومها الصحيح"‬

‫ما معنى لفظة لي ُترج ّيا ؟‬


‫‪ -6696‬لفظة "لي ُترج ّيا" تعني أصالً "عمالً عموم ّيا ً" "خدمة من الشعب وللشعب"‪ .‬وهي تعني‪،‬‬
‫في التقليد المسيحي‪ ،‬أن شعب هللا يشترك في "عمل هللا"‪ .‬بالليترجيّا يتابع المسيح‪ ،‬فادينا وعظي ُم‬
‫‪.‬كهنتنا‪ ،‬في كنيسته ومعها وبها‪ ،‬عم ّل فدائنا‬
‫‪ -6666‬لفظة "لي ُترجيّا"‪ ،‬في العهد الجديد‪ ،‬درج استعمالها في الداللة ال على االحتفال بشعائر‬
‫العبادات اإللهيّة وحسب‪ ،‬بل على البشارة باإلنجيل والمحبّة الفاعلة‪ .‬في كل هذه األحوال نجد‬
‫إشارة إلى خدمة هللا والناس‪ .‬في االحتفال الليترجيّ‪ ،‬تقف الكنيسة خادمة‪ ،‬على صورة ربّها‬
‫ي(البشارة) والملوكيّ (خدمة المحبّة)‪.‬‬ ‫"الكاهن األوحد"‪ ،‬تشاركه الكهنوت(شعائر العبادة) النبو ّ‬
‫ً‬
‫ممارسة لوظيفة يسوع المسيح الكهنوتية‪ .‬بهذه الممارسة يتق ّدس اإلنسان‪ ،‬عبر الرموز‬ ‫"بحق إذن ُتع َتبر الليترجيا‬
‫الحسّية‪ ،‬بنعمة منوطة بكل من هذه األسرار‪ ،‬وذلك في احتفال ديني متكامل يقوم به جسد يسوع المسيح السرّ ي‬
‫أي رأس الجسد وأعضاؤه‪ .‬ومن ث ّم‪ ،‬فك ّل احتفال ليترجيّ ‪ ،‬بصفته عمل المسيح الكاهن وعمل الكنيسة جسده‪ ،‬إ ّنما‬
‫ً‬
‫ودرجة‪ ،‬أيُّ عمل آخر من أعمال الكنيسة"‬ ‫‪.‬هو ذروة األعمال المق ّدسة الذي ال يوازي فاعليّته‪ً ،‬‬
‫قيمة‬

‫اللي ُترج ّيا ينبوع الحياة‬


‫ً‬
‫عالمة‬ ‫‪ -6666‬الليترجيا هي عمل المسيح وهي أيضا ً عمل كنيسته‪ .‬إ ّنها ُتح ِّقق و ُتعلن الكنيسة‬
‫ظاهر ًة للشركة القائمة‪ ،‬بالمسيح‪ ،‬بين هللا والبشر‪ ،‬وتولج المؤمنين في حياة الجماعة الجديدة‪،‬‬
‫ً‬
‫مشاركة "واعية وفاعلة ومثمرة"‬ ‫‪.‬وتفترض لدى الجميع‬
‫‪" -6666‬اللي ُترجيّا ال تستغرق ك ّل العمل الكنسي"‪ .‬بل أن يسبقها البشارة واإليمان والتوبة‪،‬‬
‫وعندئذ تؤتي ثمارها في حياة المؤمنين‪ :‬وهي الحياة الجديدة في الروح‪ ،‬والتطوّ ع لرسالة الكنيسة‬
‫‪.‬وخدمة وحدتها‬

‫الصالة والليترج ّيا‬


‫ك في صالة المسيح‪ ،‬يرفعها إلى اآلب في الروح القدس‪ .‬فيها‬ ‫‪ -6666‬الليترجيا هي أيضا ً اشترا ٌ‬
‫تجد كل صالة مسيحية مصدرها وغايتها‪ .‬بالليترجيا يتأصّل االنسانُ الباطن ويتأسس "في الحبّ‬
‫العظيم الذي به أحبّنا اآلب"(أف ‪ .)2 : 1‬في ابنه الحبيب‪ .‬إنها "آية هللا العجيبة" نحياها داخل ّيا ً في‬
‫‪.‬كل صالة نرفعها "في الروح في ك ّل وقت"(أف ‪)28 : 1‬‬

‫الكرازة واللي ُترجيا‬


‫‪" -6666‬الليترجيّا هي القمّة التي يرتقي إليها عمل الكنيسة‪ .‬وهي‪ ،‬إلى ذلك‪ ،‬المنبع الذي تنبع منه‬
‫ك ّل قوّ تها"‪ .‬وهي‪ ،‬بالتالي‪ ،‬المكان المميّز إللقاء الكرازة على شعب هللا‪" .‬الكرازة مرتبطة ارتباطا ً‬
‫صميما ً بك ّل عمل ليترجي وأسراري‪ ،‬ففي األسرار والسيّما في اإلفخارستيا‪ ،‬يعمل المسيح يسوع‬
‫‪.‬ملء عمله إلصالح البشر"‬
‫ً‬
‫منطلقة من‬ ‫‪ -6665‬هدف الكرازة الليترجية أن تولج المؤمنين في سرّ المسيح(الميستاغوجيّة)‪،‬‬
‫المرئي إلى الالمرئي‪ ،‬ومن ال ّدال إلى المدلول عليه‪ ،‬ومن "األسرار إلى الغيوب"‪ .‬هذه الكرازة‬
‫َتد ُخل في نطاق كتب التعليم الديني المحلّية واالقليمية‪ .‬أما كتاب التعليم الديني هذا فهو في خدمة‬
‫ك في الكنيسة‬ ‫الكنيسة كلّها‪ ،‬بمختلف طقوسها وثقافتها‪ ،‬ويتضمّن عرضا ً لك ّل ما هو أساسيٌّ ومشتر ٌ‬
‫في شأن الليترجيّا من حيث هي سرّ واحتفال(القسم األول) ثم نأتي على تفصيل األسرار السبعة‬
‫‪.‬وأشباه األسرار(القسم الثاني)‬
‫القسم األول‬
‫اإللهي في حياة األسرار‬
‫ّ‬ ‫التدبير‬

‫ظه َرت الكنيسة للعالم بفيض من الروح القدس‪ .‬عطيّة الروح هذه افتتحت عهداً‬ ‫ُ‬
‫‪ -6669‬يوم العنصرة أ ِ‬
‫ّ‬
‫ويوزعُه‪ ،‬من خالل‬ ‫جديداً "لتعميم السرّ " إ ّنه زمن الكنيسة‪ ،‬فيه يُعلِن المسيح عمله الخالصي ويُفعِّله‬
‫ليترجيا كنيسته‪" ،‬إلى ان يأتي"(‪ 2‬كو ‪ .)11 : 22‬على امتداد زمن الكنيسة هذا‪ ،‬يحيا المسيح ويعمل في‬
‫الزمن الجديد‪ .‬إ ّنه يعمل بواسطة األسرار‪ ،‬وهذا ما يُسمّيه‬
‫كنيسته ومع كنيسته بوج ٍه جديد يُالئم هذا ّ‬
‫التقليد المشترك‪ ،‬في الشرق والغرب‪" ،‬التدبير األسراريّ "‪ ،‬وقوامه "توزيع" ثمار سرّ المسيح الفصحيّ‬
‫في االحتفال الكنسي بالليترجيّا‬
‫‪".‬األسراريّة"‬
‫من األهميّة اذن ان نوضّح أوالً "توزيع األسرار" هذا(الفصل األول)‪ .‬وهكذا ت ّتضح‪ ،‬بأكثر جالء‪ ،‬طبيعة‬
‫االحتفال الليترجي ومالمحه الجوهرية(الفصل الثاني)‪.‬‬

‫‪ -----‬الفصل األول ‪-----‬‬


‫السر الفصحي في زمن الكنيسة‬

‫المقال األول‬
‫الليترج ّيا – عمل الثالوث األقدس‬
‫‪ .ً6‬اآلب‪ ،‬مصدر الليترج ّيا وغايتها‬
‫‪" -6666‬تبارك إله ربّنا يسوع المسيح‪ ،‬وأبوه‪ .‬باركنا في المسيح ك ّل برك ٍة روحيّة في السموات‪.‬‬
‫ذلك بأ ّنه اختارنا قبل انشاء العالم‪ ،‬لنكون عنده ق ّديسين بال عيب في المحبّة‪ ،‬وق ّدر لنا أن يتب ّنانا‬
‫بيسوع المسيح على ما ارتضته مشيئته‪ ،‬لحمد نعمته السنيّة التي أنعم بها علينا في الحبيب "(أف‬
‫‪.)1-3 : 2‬‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫‪ -6666.‬البركة عم ٌل إله ّي يُفيض الحياة ويصدر من اآلب‪ .‬بركته كلمة وعطيّة معا ً‬
‫)‪( bene – dictio‬‬
‫طبِّقت هذه اللفظة على اإلنسان فمعناها العبادة والتسليم للخالق في الشكر‬ ‫‪.‬فإذا ُ‬
‫‪ -6666‬من البداية وحتى نهاية األزمان‪ ،‬عم ُل هللا كلُّه بركة‪ :‬إبتدا ًء من ال ّنشيد الليترج ّي في مطلع‬
‫الخليقة وحتى أناشيد أورشليم السماويّة‪ ،‬نرى ال ُك ّتاب الملهمين يُعلنون قصد الخالص بركة إلهي ًّة‬
‫‪.‬ال ح ّد لها‬
‫‪ -6666‬منذ البدء‪ ،‬بارك هللا األحياء‪ ،‬وبخاصة الرجل والمرأة‪ .‬عهد هللا مع نوح ومع جميع‬
‫الكائنات الحيّة ج ّدد هذه البركة المخصبة‪ ،‬بالرغم ممّا ارتكبه اإلنسان من خطيئة أمست بها‬
‫األرض "لعنة"‪ .‬بيد أنَّ هذه البركة اإللهية بدأت من إبراهيم تتغلغل في التاريخ البشري الزاحف‬
‫نحو الموت‪ ،‬لتعيده ثانية إلى الحياة‪ ،‬وإلى ينبوعه األوّ ل‪ :‬وهكذا بزغ تاريخ الخالص بقوّ ة إيمان "‬
‫أبي المؤمنين " الذي تقبّل البركة‪.‬‬
‫ِّ‬
‫‪ -6666‬تجلّت البركة اإللهيّة عبر أحداث عجيبة ومخلصة‪ :‬مولد اسحق‪ ،‬النزوح من مصر‬
‫الفصح والخروج)‪ ،‬موهبة أرض الميعاد‪ ،‬اختيار داود‪ ،‬حضور هللا في الهيكل‪ ،‬المنفى المطهّر (‬
‫وعودة "البقيّة الباقية"‪ .‬إنّ الناموس واألنبياء والمزامير التي تحبك ليترجيّا الشعب المصطفى‬
‫ُتذ ّكر بهذه البركات اإللهيّة أ ّنها ُتصدى لها بتبريكات حمد وشكر‪.‬‬
‫وتوزع على المؤمنين‪ :‬فاآلب يُعْ لَن‬
‫ّ‬ ‫‪ -6666‬في ليترجيّا الكنيسة‪ ،‬تتجلّى البركة اإللهية تجل ّيا ً كامالً‬
‫وغاية لك ّل بركات الخليقة والخالص‪ .‬إ ّنه يغمرنا ببركاته‪ ،‬بكلمته الذي تجسّد‬ ‫ً‬ ‫فيها بوصفه مصدراً‬
‫‪.‬ومات وقام ألجلنا‪ ،‬وبه يُفيض في قلوبنا العطيّة التي تحتوي ك ّل العطايا ‪ :‬أي الروح القدس‬
‫إيمان وحب "للبركات‬
‫ٍ‬ ‫‪ -6666‬بتنا نفهم‪ ،‬اآلن‪ ،‬الليترجيّا المسيحية في بع َديْها‪ :‬فهي استجابة‬
‫الروحيّة" التي يمنُّ بها اآلب علينا‪ .‬فمن جهة‪ ،‬نرى الكنيسة‪ ،‬م ّتحدة بربّها‪ ،‬وبدافع من الروح‬
‫القدس‪ُ ،‬تبارك اآلب "على هبته التي ال توصف"(‪ 1‬كو ‪ ،)21 : 1‬عابدة حامدة شاكرة‪ .‬ومن جهة‬
‫اخرى‪ ،‬وحتى انقضاء قصد هللا‪ ،‬ال تني الكنيسة تقرّب لآلب "قربان عطاياها" وتتضرّع إليه‬
‫ليرسل الروح القدس على هذا القربان وعليها وعلى المؤمنين وعلى العالم أجمع‪ ،‬لكي تؤتي هذه‬
‫البركات اإللهيّة‪ ،‬باالشتراك في موت المسيح – الكاهن وقيامته‪ ،‬وبقدرة الروح‪ ،‬ثمار حياة‬
‫‪ ".‬لحمد نعمته السنيّة "(أف ‪)1 : 2‬‬

‫‪ .ً6‬عمل المسيح في الليترج ّيا‬


‫الممجد‪....‬‬
‫ّ‬ ‫المسيح‬
‫‪ -6666‬إنّ المسيح‪" ،‬الجالس إلى يمين اآلب" والمفيض الروح القدس على جسده أي الكنيسة‪،‬‬
‫يعمل بواسطة األسرار التي أقامها لتوزيع نعمته‪ .‬األسرار هي عالمات حسّية(كلمات وأعمال)‬
‫قريبة المنال لبشريّتنا في وضعها الراهن‪ُ ،‬تحقِّق فاعليّة النعمة التي ترمز إليها‪ ،‬بقوّ ة عمل المسيح‬
‫وقدرة الروح القدس‪.‬‬
‫‪ -6665‬في ليترجيّا الكنيسة يعبّر المسيح خصوصا ً عن سرّ ه الفصحي ويحقّقه‪ .‬لقد كان المسيح‪،‬‬
‫في غضون حياته األرضيّة‪ ،‬يُعلن سرّ ه الفصحي بتعليمه ويستبق حدوثه بأعماله‪ .‬فعندما حانت‬
‫ساعته‪ ،‬اختبر الحدث التاريخيّ األوحد الذي ال يطويه زمان‪ :‬لقد مات يسوع وقُبر وقام من بين‬
‫األموات وجلس إلى يمين اآلب "مرّ ة واحدة"(رو ‪ ،21 : 1‬عب ‪.)21 : 1 ،11 :1‬‬
‫إ ّنه حدث حقيقي طرأ على تاريخنا‪ ،‬ولك ّنه حدث فرد‪ :‬ك ّل ما سواه من أحداث التاريخ يحدث مر ًة‬
‫ثم يعبر ويبتلعه الماضي‪ .‬وأمّا سرّ المسيح الفصحيّ فال يمكن أن يتلبّث فقط في الماضي ألنّ‬
‫المسيح بموته أباد الموت‪ ،‬وألنّ المسيح كلّه بهويّته وك ّل ما صنعه وكابده في سبيل الناس أجمعين‬
‫يشترك في األبديّة اإللهيّة ويُشرف هكذا على جميع األزمان ويظ ّل فيها حاضراً‪ .‬إنّ حدث‬
‫الصليب والقيامة يدوم ويجتذب إلى الحياة ك ّل شيء‪.‬‬

‫منذ عهد كنيسة الرسل‬

‫‪" -6669‬كما أنّ المسيح أرسله اآلب‪ ،‬أرسل هو تالميذه وقد مألهم الروح القدس‪ ،‬كارزين‬
‫شروا فقط بأنَّ ابن هللا قد حرّ رنا بموته وبقيامته‪ ،‬من سلطان إبليس‬‫باإلنجيل للخليقة كلّها‪ ،‬ال ليب ّ‬
‫شروا به‪ ،‬وذلك‬ ‫ومن الموت ونقلنا إلى ملكوت أبيه‪ ،‬بل ل َين َهضوا بهذا العمل الخالصيّ الذي ب ّ‬
‫‪.‬بالذبيحة واألسرار التي تدور حولها الحياة الليرجيّة بكاملها"‬
‫‪ -6666‬هكذا عندما وهب المسيح القائم من القبر الروح القدس لتالميذه‪ ،‬وكل إليهم سلطان‬
‫التقديس ‪ :‬فأصبحوا عالمات المسيح السرّ يّة‪ ،‬وبقدرة هذا الروح القدس عينه‪ ،‬فوّ ضوا هذا السلطان‬
‫إلى خلفائهم‪ .‬هذه "الخالفة الرسوليّة" هي قوا ُم ك ِّل الحياة الليترجية في الكنيسة‪ ،‬وهي نفسها تحمل‬
‫‪.‬الطابع األسراري‪ ،‬أل ّنها تنتقل بواسطة سرّ الكهنوت‬

‫حاضر في الليترجيا األرضية‬


‫ك المسيح‬‫‪" -6666‬للقيام بعمل عظيم كهذا"‪ -‬أي لتعميم العمل الخالصي وإيصاله – "ال ينف ّ‬
‫حاضراً إلى جانب كنيسته والسيّما في األعمال الليترجيّة‪ .‬إ ّنه حاضر في ذبيحة الق ّداس‪ ،‬وفي‬
‫شخص خادم السرّ ‪" .‬فالذي يُق َّدم اآلن على يد الكهنة هو الذي ق ّدم ذاته على الصليب حينذاك"‪،‬‬
‫وبأعلى درجة تحت أشكال االفخارستيّا‪ .‬إ ّنه حاضر بقوّ ته في األسرار‪ ،‬فإذا َع ّم َد أحد‪ ،‬كان المسيح‬
‫نفسُه هو ال ُم َعمِّد‪ ،‬وهو حاضر في كلمته‪ ،‬أل ّنه هو المتكلِّم عندما ُتقرأ الك ُتب المق ّدسة في‬
‫الكنيسة‪،‬وهو حاض ٌر أخيراً عندما تصلّي الكنيسة‪ ،‬و ُتر ّتل المزامير‪ ،‬أل ّنه هو الذي وعد قائالً ‪:‬‬
‫‪".‬حيثما اجتمع اثنان أو ثالثة باسمي‪ ،‬فأنا أكون فيما بينهم"(متى ‪" )11 : 28‬‬
‫‪" -6666‬وللقيام فعالً بهذا العمل العظيم الذي يتمجّد به هللا أكمل تمجيد‪ ،‬ويتق ّدس البشر‪ ،‬يتعاون‬
‫المسيح دائما ً وكنيسته‪ ،‬عرو َسه الحبيبة‪ ،‬التي تبتهل إليه على أ ّنه س ّي ُدها‪ ،‬وبه تؤ ّدي العبادة إلى‬
‫‪.‬اآلب األزلي"‬

‫الذي يشترك في الليترج ّيا السماو ّية‬

‫‪" -6666‬في الليتريجيّا األرضية‪ ،‬يكون اشتراكنا استعجاالً لتذوّ ق الليترجيّا السماويّة التي نسعى‬
‫إليها في ترحالنا‪ ،‬والتي يُحتفل بها في أورشليم المدينة المق ّدسة حيث يجلس المسيح إلى يمين هللا‬
‫ي – ننشد للربّ نشيد‬ ‫خادما ً لألقداس والمسكن الحقيقي‪ ،‬وحيث – مع جميع أجناد الجيش العلو ّ‬
‫المجد‪ .‬وإننا بتكريمنا ذكر القديسين‪ ،‬نأمل أن يكون لنا نصيب في مجتمعهم‪ ،‬كما أننا ننتظر سيّدنا‬
‫يسوع المسيح مخلّصا ُ لنا‪ ،‬إلى أن يتجلّى‪ ،‬هو حياتنا‪ ،‬ونتجلّى نحن معه في المجد"‬

‫‪ .ً6‬الروح القدس والكنيسة في اللي ُترج ّيا‬

‫‪ -6666‬الروح القدس‪ ،‬في اللي ُترجيا‪ ،‬هو الذي يُثقّف إيمان شعب هللا وهو الذي يصنع "روائع‬
‫هللا"‪ ،‬أعني بها أسرار العهد الجديد‪ .‬إنّ رغبة الروح القدس وعمله في قلب الكنيسة هما أن نحيا‬
‫ُ‬
‫باعثه‪َ ،‬يت ُّم تعاون حقيقي‪ ،‬به‬ ‫حياة المسيح الناهض‪ .‬وعندما َيلقى فينا جواب اإليمان الذي هو‬
‫‪.‬تصبح الليترجيّا عمالً مشتركا ً بين الروح القدس والكنيسة‬
‫‪ -6666‬في هذه الطريقة التي ي ُت ُّم فيها توزيع سرّ المسيح عبر األسرار‪ ،‬يعمل الروح القدس نفس‬
‫عمله في سائر أزمنة التدبير الخالصي‪ :‬فهو يُع ُّد الكنيسة للقاء سيّدها‪ ،‬ويُعيد ذكرى المسيح ويُعلنه‬
‫إليمان الجماعة‪ ،‬ويجعل سرّ المسيح‪ ،‬بقدرته المحوّ لة‪ ،‬حاضراً لدينا ومُزامنا ً لنا‪ .‬وبما أ ّنه روح‬
‫ض ُّم الكنيسة إلى حياة المسيح ورسالته‬
‫‪.‬الشركة فهو ي ُ‬

‫الروح القدس ُيعدُّنا الستقبال المسيح‬

‫‪ -6666‬إنَّ الروح القدس يحقّق‪ ،‬من خالل التدبيراألسراري‪ ،‬رموز العهد القديم‪ .‬فالكنيسة قد‬
‫" ُهيّئت بوجه عجيب‪ ،‬بتاريخ شعب اسرائيل وفي العهد القديم"‪ .‬ومن ث ّم فليترجيا الكنيسة تحتفظ‬
‫بعناصر من شعائر العهد القديم‪ ،‬وتتب ّناها جز َءا مك ّمالً ال بديل منه ‪:‬‬
‫‪ -‬أهمّها قراءة العهد القديم‬
‫‪ -‬صالة المزامير‬
‫سر المسيح(الوعد‬ ‫‪ -‬وخصوصا ً ذكرى األحداث المخلّصة والحقائق المغزويّة التي تحقّقت في َ‬
‫‪.‬والعهد‪ ،‬الخروج والفصح‪ ،‬الملكوت والهيكل‪ ،‬المنفى والعودة)‬
‫‪ -6666‬هذا التناغم بين العهدين هو المحور الذي تدور حوله كرازة الرب الفصحيّة ثم كرازة‬
‫الرسل واآلباء من بعده‪ .‬هذه الكرازة تكشف ما كان مطو ّيا ً في حرفيّة العهد القديم‪ ،‬أعني به سرّ‬
‫المسيح‪ ،‬و ُتعرّ ف بالكرازة "اإليمائيّة" ألنها تكشف ج ّدة المسيح انطالقا ً من "النماذج" التي أومأت‬
‫إليها في األحداث واألقوال والرموز المتضمّنة في العهد األول‪ .‬هذه القراءة الجديدة للعهد القديم‬
‫في روح الحقيقة‪ ،‬ومن منطلق المسيح‪ ،‬تكشف القناع عن الرموز‪ .‬فالطوفان وفلك نوح هما رمز‬
‫الخالص بالمعموديّة‪ ،‬وكذلك الغمامة واجتياز البحر األحمر‪ ،‬والماء المتفجّ ر من الصخرة‪ ،‬كلّها‬
‫ترمز إلى مواهب المسيح الروحية‪ ،‬كما يرمز منُّ الصحراء إلى اإلفخارستيا "الخبز الحقيقي‬
‫‪.‬النازل من السماء"(يو ‪)31 : 1‬‬
‫‪ -6665‬ولذا‪ ،‬فالكنيسة والسيّما في الزمن اإلعدادي للميالد‪ ،‬وفي فترة الصوم‪ ،‬وخصوصا ً في‬
‫ليلة الفصح‪ ،‬تقرأ وتعيش ثانية هذه األحداث الكبرى في تاريخ الخالص في "آنية" ليترجيتها‪.‬‬
‫ولكن في ذلك ما يوجب على الكارز أن يساعد المؤمنين في االنفتاح على هذا الفهم "الروحي"‬
‫‪.‬للتدبير الخالصي كما تعلنه ليترجيا الكنيسة وتم ّكننا من ان نعيشه‬
‫‪ -6669‬الليترجيا اليهودية والليترجيا المسيحية‪ .‬وقوفنا بوج ٍه أفضل على إيمان الشعب اليهوديّ وحياته‬
‫الدينية‪ ،‬كما يعلنهما ويمارسهما حتى اليوم‪ ،‬قد يساعدنا في فهم بعض مالمح الليترجيا المسيحية‪ .‬ففي نظر اليهود‬
‫كما في نظر المسيحيّين‪ ،‬الكتاب المق ّدس هو جزء جوهريّ في ليترجياتهم‪ ،‬إلعالن كلمة هللا وامتثال هذه الكلمة‬
‫ولتأدية صالة التسبيح واالستشفاع لالحياء واألموات‪ ،‬واللجوء إلى رحمة هللا‪ .‬ليترجيا الكلمة‪ ،‬في هيكليتها‬
‫الذاتية‪ ،‬تمتد جذورها إلى صالة اليهوديّة‪ .‬صالة الساعات وغيرها من النصوص والصيغ الليترجية لها ما‬
‫يوازيها في الصالة اليهودية‪ ،‬وكذلك التعابير التي يعتمدها أج ّل ما لدينا من صلوات ومنها صالة "األبانا"‪.‬‬
‫الصلوات اإلفخارستية تستوحي‪ ،‬هي أيضاً‪ ،‬نماذج من التقليد اليهودي‪ .‬العالقة بين الليترجيا اليهودية والليترجيا‬
‫المسيحية‪ ،‬وكذلك الفرق بين محتواهما‪ ،‬نالحظهما خصوصا ً في أعياد السنة الليترجيا الكبرى‪ ،‬كعيد الفصح‬
‫مثالً‪ .‬فالمسيحيّون واليهود يحتفلون بالفصح‪ :‬فصح التاريخ‪ ،‬المشدود إلى المستقبل عند اليهود‪ ،‬والفصح الناجز‬
‫بموت المسيح وقيامته عند المسيحيين‪ ،‬مع التر ّقب الدائم النقضائه الحاسم‪.‬‬
‫‪ -6666‬في لي ُترجيا العهد الجديد‪ ،‬ك ّل عمل لي ُترجيّ‪ ،‬والسيّما االحتفال باإلفخارستيا واألسرار‪،‬‬
‫هو لقاء بين المسيح والكنيسة‪ .‬وتستم ّد الجماعة الليترجية وحدتها من " شركة الروح القدس" الذي‬
‫متخطية الوشائج البشريّة والعرقيّة والثقافيّة واالجتماعيّة‬ ‫ّ‬ ‫‪.‬يجمع أبناء هللا في جسد المسيح الواحد‪،‬‬
‫‪ -6666‬على الجماعة أن تتهيأ للقاء ربّها‪ ،‬وتكون " شعبا ً مُستع ّداً"‪ .‬إستعداد القلوب هذا هو العمل‬
‫الذي يشترك فيه الروح القدس والجماعة‪ ،‬والسيّما َخدَمتها‪ .‬نعمة الروح القدس تعمل على إيقاظ‬
‫اإليمان وتوبة القلب وامتثال إرادة اآلب‪ .‬هذه االستعدادات يُفترض قيامُها تمهيداً لتقبُّل ال ّنعم‬
‫‪.‬األُخرى المعطاة في االحتفال نفسه‪ ،‬ولثمار الحياة الجديدة التي ستؤتيها الحقا ً‬

‫الروح القدس يذ ّكر ّ‬


‫بسر المسيح‬

‫‪ -6666‬الروح والكنيسة يتعاونان في إعالن المسيح وعمله الخالصي في الليترجيا‪ .‬فالليترجيا‬


‫هي تذكار سرّ الخالص‪ ،‬في االفخارستيا خصوصاً‪ ،‬وفي سائر األسرار قياساً‪ .‬الروح القدس هو‪،‬‬
‫في الكنيسة‪ ،‬ذاكرتها الحيّة‪.‬‬
‫‪ -6666‬كالم هللا‪ .‬يذ ّكر الروح القدس الجماعة الليترجية أوالً بفحوى الحدث الخالصيّ ‪ ،‬فيضفي‬
‫حيا ًة على كالم هللا المُعلَن ليكون موضوع قبول وحياة ‪:‬‬
‫ٌ‬
‫أهمية كبيرة جداً‪ .‬فمنه النصوص التي ُتتلى و ُتفسّر في العظة‪ ،‬ومنه‬ ‫"للكتاب المقدس في احتفاالت الليترجيا‬
‫المزامير التي ُتر ّتل‪ ،‬ومن وحيه ودفقه تنه ُّل الصلوات واألدعية واألناشيد الطقسيّة‪ ،‬ومنه تستقي األعمال‬
‫والرموز معانيها"‪.‬‬
‫‪ -6666‬الروح القدس هو الذي يهب القُرّاء وال ُّسماع‪ ،‬كالًّ بحسب استعدادات قلبه‪ ،‬أن يفهموا كالم‬
‫هللا فهما ً روح ّياً‪ .‬فمن خالل األقوال واألعمال والرموز التي تؤلِّف حبكة االحتفال‪ ،‬يضع الروح‬
‫والخ ّدمة في عالقة حيّة بالمسيح‪ ،‬كلمة اآلب وصورته‪ ،‬لكي يُفرغوا في حياتهم‬ ‫ّ‬ ‫القدس المؤمنين‬
‫‪.‬معنى ما يسمعونه ويتأمّلونه ويفعلونه في االحتفال‬
‫تغذي اإليمان في قلوب المسيحيّين وهي التي تلد و ُتنمي شركة‬ ‫‪" -6666‬كلمة الخالص هي التي ّ‬
‫المسيحيين"‪ .‬وال تقتصر البشارة بكلمة هللا على التعليم بل تستدعي جواب اإليمان‪ ،‬إذعانا ً‬
‫والتزاماً‪ ،‬إلقامة العهد بين هللا وشعبه‪ .‬والروح القدس هو الذي يهب أيضا ً نعمة اإليمان ويقوّ يها‬
‫ويُنميها في الجماعة‪ .‬وما االجتماع الليترجي إال ّ شركة في اإليمان‪ ،‬قبل أي شيء‬
‫‪.‬آخر‬
‫‪" -6666‬االستذكار"‪ .‬االحتفال اللي ُترجي يُعيدنا دوما ً إلى ُّ‬
‫تدخالت هللا الخالصيّة في التاريخ‪.‬‬
‫قوال ساقها‪ ،‬وكالهما وثيق االرتباط‪ .‬فاألقوال‬ ‫"فالمكاشفة اإللهيّة تتم بواسطة أعمال أجراها هللا وأ ٍ‬
‫ِّ‬
‫تشيد باالعمال وتساعد في استشفاف السرّ المكنون فيها"‪ .‬في ليترجيا الكلمة "يُذكر" الروح القدس‬
‫الجماعة بكل ما صنعه المسيح ألجلنا‪ .‬ففي ك ّل احتفال‪ ،‬وفقا ً لطبيعة األعمال الليترجية والتقاليد‬
‫الطقسيّة المرعيّة في الكنائس‪ ،‬نأتي على "ذكر" عظائم هللا في صالة‬
‫كثير من االسهاب‪ .‬والروح القدس الذي يوقظ هكذا ذاكرة الكنيسة‪ ،‬يبعث‬ ‫قليل أو ٍ‬‫"تذكاريّة" على ٍ‬
‫‪.‬فيها عندئذ مشاعر الشكر والحمد(الذوكسولوجيا)‬

‫سر المسيح آن ّيا‬


‫الروح القدس يجعل ّ‬

‫صتنا‪ ،‬بل تجعلها ً‬


‫آنية‬ ‫‪ -6666‬ال تكتفي الليترجيا المسيحية بأن تعيد إلينا ذكرى األحداث التي خلّ َ‬
‫حاضرة‪ .‬سرّ المسيح الفصحي نحتفل به وال نكرّ ره‪ .‬فاالحتفاالت هي التي تتكرّ ر‪ ،‬وفي كل منها‬
‫يح ُّل فيضُ الروح القدس‪ ،‬ويجعل من السرّ األوحد حدثا ً آن ّياً‪.‬‬
‫‪ -6665‬االستدعاء‪ ،‬هو الصالة التي يتضرع بها الكاهن إلى هللا أن يرسل الروح المق ِّدس لكي‬
‫يحوِّ ل القرابين إلى جسد المسيح ودمه‪ ،‬ولكي يصير المؤمنون الذين يتناولون منها قربانا ً ح ّيا ً هلل‪.‬‬
‫احتفال باألسرار‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫‪ -6669‬تحت ّل صالة االستدعاء مع صالة االستذكار مكان القلب في ك ّل‬
‫والسيّما سرّ االفخارستيا ‪:‬‬
‫ً‬
‫بغتة ويح ِّقق ما‬ ‫"تتساءل كيف يصي ُر الخب ُز جسدَ المسيح‪ ،‬والخم ُر د َم المسيح؟ أنا اقول لك‪ :‬إنّ الروح القدس يهبّ‬
‫يفوق ك ّل كالم وك ّل وفكر‪ .‬وحسبك تسمع أنّ هذا من عمل الروح القدس‪ ،‬كما أنَّ الربّ ‪ ،‬بذاته وفي ذاته‪ ،‬قد ا ّتخذ‬
‫‪.‬جسداً من العذراء القديسة بقوة الروح القدس"‬
‫‪ -6666‬إنّ قوّ ة التحويل التي يمارسها الروح القدس في الليترجيا‪ُ ،‬تسرّ ع مجيء الملكوت‪،‬‬
‫وانقضاء سرّ الخالص‪ .‬وفيما ننتظر ونرجو‪ ،‬يجعلنا الروح القدس نستبق حقّا ً ملء الشركة مع‬
‫الثالوث األقدس‪ .‬وهو الذي أرسله اآلب الذي يستجيب "دعاء" الكنيسة‪ ،‬يهب الحياة للذين‬
‫‪.‬يستقبلونه‪ ،‬ويكون لهم‪ ،‬منذ اآلن‪ ،‬بمثابة "عربون" ميراثهم‬
‫شركة الروح القدس‬

‫‪ -6666‬هدفُ رسالة الروح القدس‪ ،‬في ك ّل عمل ليترجيّ ‪ ،‬هو إدخالنا في شركة مع المسيح لبناء‬
‫ثمرها‪ .‬في الليترجيا‬ ‫جسده‪ .‬فالروح القدس هو بمثابة الماويّة في كرمة اآلب التي تؤتي األغصان َ‬
‫يتحقّق التعاون األوثق بين الروح القدس والكنيسة‪ .‬فهو بوصفه روح الشركة‪ ،‬يلبث في الكنيسة ال‬
‫يفارقها‪ ،‬من ث ّم فالكنيسة هي السرّ العظيم‪ ،‬سرّ الشركة اإللهيّة الذي يجمع شمل أبناء هللا المش ّتتين‪.‬‬
‫ٌ‬
‫وشركة أخويّة‪.‬‬ ‫آن واحد شركة مع الثالوث األقدس‬ ‫ثمر الروح في الليترجيا هو‪ ،‬في ٍ‬
‫‪ -6666‬صالة استدعاء الروح القدس من أهدافها أيضا ً تحقيق ملء اشتراك الجماعة في سرّ‬
‫المسيح‪" :‬نعمة ربّنا يسوع المسيح‪ ،‬ومحبّة اآلب وشركة الروح القدس"(‪ 1‬كو ‪ ،)23 : 23‬يجب‬
‫ان تظ ّل دائما ً معنا وتؤتي ثماراً حتى من بعد االحتفال اإلفخارستي‪ .‬الكنيسة تصلّي إلى اآلب إذن‬
‫ليرسل الروح القدس فيجعل من حياة المؤمنين تقدمة حيّة هلل ويحوّ لهم إلى صورة المسيح‪،‬‬
‫‪.‬ويجعلهم يهتمّون بوحدة الكنيسة ويشتركون في رسالتها بشهادة السيرة وخدمة المحبّة‬

‫بإيجاز‬

‫مصدر ك ّل بركات الخليقة والخالص‪،‬‬ ‫َ‬ ‫‪ -6666‬في لي ُترجيا الكنيسة نبارك هللا اآلب ونعبده بوصفه‬
‫‪.‬التي باركنا بها في ابنه‪ ،‬ليهبنا روح التب ّني‬
‫‪ -6666‬عمل المسيح في الليترجيا َيتمّ من خالل األسرار‪ ،‬ألن س ّر خالصه يتح ّقق فيها بقدرة‬
‫روحه القدوس‪ ،‬وألنَّ جسده‪ ،‬أي الكنيسة‪ ،‬هو بمثابة س ّر(عالمة وأداة) به يُعمّم الروح القدس على‬
‫الناس ثمار س ّر الخالص‪ ،‬وألنّ الكنيسة المترحِّ لة‪ ،‬من خالل أعمالها اللي ُترجيّة‪ ،‬تستبق‪ ،‬منذ اآلن‪،‬‬
‫‪.‬طعم االشتراك في الليترجيا السماويّة‬
‫‪ -666‬رسالة الروح القدس في لي ُترجيا الكنيسة أن يُه ّي َئ للقاء المسيح‪ ،‬وأن يُعلن المسي َح ويعيد‬
‫ذكره الى الجماعة المؤمنة‪ ،‬وأن يجعل من عمل المسيح الخالص ّي حدث ًا حال ّي ًا وآن ّي ًا بقدرته الباعثة‬
‫‪.‬على التحوّ ل‪ ،‬وأن يثمّر عطيّة الشركة في الكنيسة‬

‫المقال الثاني‬
‫السر الفصحي في أسرار الكنيسة‬
‫ّ‬

‫‪ -666‬الحياة الليترجيا في الكنيسة تدور كلّها حول الذبيحة االفخارستيّة واالسرار‪ .‬في الكنيسة‬
‫أسرار سبعة‪ :‬المعموديّة والتثبيت أو الميرون‪ ،‬االفخارستيّا‪ ،‬التوبة‪ ،‬مسحة المرضى‪ ،‬الكهنوت‪،‬‬
‫الزواج‪ .‬في هذا المقال نعالج ما هو مشترك بين أسرار الكنيسة السبعة من الناحية العقائديّة‪ .‬وأمّا‬
‫ما هو مشترك بينها من ناحية االحتفال بها‪ ،‬فسيُعرض في الفصل الثاني‪ ،‬وأمّا ما يخصّ كالًّ منها‬
‫‪.‬فسيُعالج في القسم الثاني‬

‫‪ .ً6‬أسرار المسيح‬
‫‪" -6666‬في تقيُّدنا بعقيدة الكتب المق ّدسة والتقاليد الرسولية واجماع رأي اآلباء"‪ ،‬نعترف "بأن‬
‫‪.‬اسرار العهد الجديد قد أنشأها كلّها ربُّنا يسوع المسيح"‬
‫‪ -6665‬إنّ أقوال يسوع وأعماله م ّدة حياته المستترة ورسالته العلنيّة‪ ،‬بات لها‪ ،‬مذ ذاك‪ ،‬فعلُها‬
‫الخالصيّ ‪ .‬وكانت بمثابة استباق لقدرة سرّ ه الفصحيّ‪ ،‬وبمثابة إنباء وتمهيد لما كان مزمعا ً أن‬
‫يمنَّ به على الكنيسة عندما يت ّم ك ّل شيء‪ .‬إنّ مكنونات حياة المسيح هي مرتكزات النعم التي بات‬
‫يوزعها في األسرار‪ ،‬على يد َخدَمة الكنيسة‪ ،‬ألنَّ "ما كان مرئ ّيا ً في مخلّصنا أصبح كامنا ً‬
‫المسيح ّ‬
‫‪.‬في أسراره"‬
‫‪ -6669‬األسرار هي "القوى التي تخرج" من جسد المسيح‪ ،‬الحيّ أبداً والمُحيي‪ ،‬وهي أيضا ً أفعال‬
‫الروح القدس العامل في جسد المسيح أي اكنيسة‪ ،‬وهي أخيرا ُ "روائع هللا" في العهد الجديد‬
‫ي‬‫‪.‬األبد ّ‬

‫‪ .ً6‬أسرار الكنيسة‬

‫الحق كلّه"(يو ‪ )3 : 21‬هذا‬ ‫ّ‬ ‫‪ -6666‬لقد كشفت الكنيسة شيئا ً فشيئاً‪ ،‬بالروح الذي "يُرشدها إلى‬
‫الكنز الذي نالته من المسيح‪ ،‬وأوضحت طريقة "توزيعه"‪ ،‬كما فعلت ذلك في تحديد الئحة الكتب‬
‫المق ّدسة وعقيدة اإليمان‪ ،‬بصفتها وكيل َة أسرار هللا‪ .‬وهكذا ميّزت الكنيسة‪ ،‬على مدى األجيال‪ ،‬من‬
‫‪.‬بين االحتفاالت الليترجية التي تحتفل بها‪ ،‬سبعة أسرار‪ ،‬بالمعنى الحصري‪ ،‬أنشأها الرب‬
‫‪ -6666‬األسرار هي "من الكنيسة" بهذا المعنى المزدوج أ ّنها "بها" و "لها"‪ .‬فاألسرار هي‬
‫"بالكنيسة" ‪ ,‬ألنّ الكنيسة هي سرّ عمل المسيح الذي يعمل فيها بالروح القدس المبعوث إليها‪.‬‬
‫وهي "للكنيسة" ألنَّ "األسرار هي التي تصنع الكنيسة" ‪ :‬وال بدع‪ ،‬فهي ُتعلن للناس و ُتبلّغهم‪،‬‬
‫‪.‬والسيّما في اإلفخارستيا‪ ،‬سرّ الشركة مع هللا المحبّة الواحد في ثالثة أقانيم‬
‫‪ -6666‬الكنيسة التي تؤلّف مع المسيح الرأس "شبه شخص واحد سرّ ي"‪ ،‬تعمل‪ ،‬بواسطة‬
‫األسرار‪ ،‬عمل "أسرة كهنوتية"‪" ،‬مر ّكبة تركيبا ُ عضو ّياً" ‪ :‬فبالمعمودية والتثبيت يصبح الشعب‬
‫الكهنوتيّ أهالً ألن يحتفل بالليترجيا‪ .‬وهناك‪ ،‬من جهة أخرى‪ ،‬مؤمنون "قد اتشحوا بكرامة‬
‫‪.‬الكهنوت المقدس‪ ،‬وأُقيموا ليرعوا الكنيسة‪ ،‬باسم المسيح‪ ،‬بالكلمة ونعمة هللا"‬
‫‪ -6666‬الخدمة المرسومة أو "كهنوت الخدمة" هي في خدمة الكهنوت العمادي‪ ،‬وهي كفيلة بأنّ‬
‫المسيح‪ ،‬في األسرار‪ ،‬هو الذي يعمل بالروح القدس لخير الكنيسة‪ .‬رسالة الخالص التي وكلها‬
‫اآلب إلى ابنه المتجسّد‪ ،‬وُ كلت إلى الرسل وبهم إلى خلفائهم‪ :‬فهم يتلقّون روح يسوع ليعملوا‬
‫باسمه وفي شخصه‪ .‬وهكذا فالخادم المرسوم هو الصلة التي تربط‪ ،‬من خالل األسرار‪ ،‬العمل‬
‫الليترج ّي بما قال الرسل وعملوه‪ ،‬وبواسطتهم بما قاله وعمله المسيح منبع األسرار ومرتكزها‪.‬‬
‫‪ -6666‬األسرار الثالثة‪ :‬المعمودية والتثبيت والكهنوت تولي المؤمن‪ ،‬مع النعمة‪" ،‬طابعا"‬
‫أسرار ّيا ً أو "خاتماً" يُشركه في كهنوت المسيح ويجعله جزءاً من الكنيسة وفقا ً ألحوال ووظائف‬
‫متنوّ عة‪ .‬هذا التطبّع بطابع المسيح والكنيسة الذي يُحقّقه الروح‪ ،‬له أث ٌر ال ُيمّحى‪ ،‬ويرسخ أبداً في‬
‫المسيحي بمثابة استعداد إيجابي للنعمة‪ ،‬ووعد وضمانة للحماية اإللهيّة ودعوة إلى ممارسة العبادة‬
‫‪.‬اإللهيّة وخدمة الكنيسة‪ .‬ومن ث ّم فهذه األسرار ال ُتكرَّ ر أبداً‬

‫‪ .ً6‬أسرار اإليمان‬

‫وغفران الخطايا في جميع األمم"(لو ‪: 12‬‬


‫َ‬ ‫‪ -6666‬لقد أرسل المسيح رسله "ليُعلنوا باسمه التوبة‬
‫جميع األمم وعمّدوهم باسم اآلب واالبن والروح القدس"(متى ‪.)21 : 18‬‬‫َ‬ ‫‪" .)21‬إذهبوا وتلمذوا‬
‫رسالة التعميد‪ ،‬وبالتالي رسالة منح األسرار‪ ،‬متضمّنة في رسالة التبشير‪ ،‬ألنّ االستعداد للسرّ يت ّم‬
‫بكلمة هللا وباإليمان الذي هو انقياد لهذه الكلمة ‪:‬‬
‫"يجتمع شعب هللا أوّ الً بكلمة هللا الحيّ ‪ .‬فال ب ّد لخدمة األسرار من إعالن الكلمة‪ ،‬وذلك بأننا في صدد أسرار‬
‫‪.‬اإليمان‪ ،‬واإليمان تعوزه الكلمة ليولّد ويترعرع"‬
‫‪" -6666‬تهدف األسرار إلى تقديس البشر وبنيان جسد المسيح وتأدية العبادة هلل‪ ،‬وهي‪ ،‬بصفتها‬
‫عالمات‪ ،‬تهدف أيضا ً إلى التعليم‪ .‬إ ّنها ال تفترض اإليمان وحسب‪ ،‬ولكنها ُتغ َذيه أيضا ً و ُتقوّ يه‬
‫‪.‬وتعبّر عنه باأللفاظ واألفعال‪ ،‬ولذا ُتدعى أسرار اإليمان"‬
‫‪ -6666‬إيمان الكنيسة يسبق إيمان المؤمن المدعوّ إلى اعتناقه‪ .‬وعندما تحتفل الكنيسة باألسرار‬
‫فهي تعترف باإليمان الموروث من الرّ سل‪ .‬من هنا القول المأثور‪" :‬قاعدة الصالة هي هي قاعدة‬
‫تقرر قاعدة الصالة"‪ ،‬على حد قول بروسبير األكيتاني من القرن‬ ‫اإليمان"(أو "قاعدة اإليمان ّ‬
‫ّ‬
‫الخامس)‪ .‬قاعدة الصالة هي قاعدة اإليمان‪ ،‬ومفاد ذلك أنّ الكنيسة تؤمن على منوال ما تصلي‪.‬‬
‫‪.‬الليترجيا هي إذن من مقوّ مات التقليد الح ّي المق ّدس‬
‫ي خادم أو جماعة أن يُغيّرا أو يُحوّ را على هواهما طريقة االحتفال‬ ‫‪ -6665‬ولذا ال يجوز أل ّ‬
‫باالسرار‪ .‬وحتى السلطة العليا في الكنيسة ال يجوز أن تغيّر الليترجيا وفق رغبتها بل في طاعة‬
‫اإليمان وفي شعور من الورع واالحترام لسرّ الليترجيا‪.‬‬
‫‪ -6669‬وبما أنّ األسرار‪ ،‬من جهة أخرى‪ ،‬تعبّر عن شركة اإليمان في الكنيسة و ُتنميها‪ ،‬فقاعدة‬
‫‪.‬الصالة هي من المقاييس الجوهريّة للحوار الهادف إلى إعادة الوحدة بين المسيحيّين‬

‫‪ .ً6‬أسرار الخالص‬

‫‪ -6666‬إنّ األسرار‪ ،‬إذا اح ُتفل بها في اإليمان احتفاالً الئقاً‪ ،‬فهي تولي النعمة التي تومئ إليها‪.‬‬
‫وهي أسرار فاعلة ألنّ المسيح نفسه يعمل من خاللها‪ :‬فهو الذي يعمّد‪ ،‬وهو الذي يفعّل األسرار‬
‫ويمنح بها النعمة التي تد ّل عليها‪ .‬ويستجيب اآلب دائما ً لصالة كنيسة ابنه التي ُتعرب عن إيمانها‬
‫بقدرة الروح‪ ،‬في استدعاء الروح القدس الذي يُرافق كالًّ من األسرار‪ .‬فكما تحوّ ل النار ك ّل ما‬
‫‪.‬تمسّه‪ ،‬يحوّ ل الروح القدس إلى حياة إلهيّة ك ّل من يسلس لقدرته‬
‫‪ -6666‬وهذا ما تؤ ّكده الكنيسة بقولها ‪ :‬إنّ األسرار تعمل تلقائ ّيا(أي بمجرّ د القيام بها)‪ ،‬أعني بقوّ ة‬
‫عمل المسيح الخالصي الذي حقّقه دفعة واحدة‪ .‬ويتبع ذلك أنّ "السرّ ال يتحقّق ببرّ من يمنحه أو‬
‫يناله‪ ،‬بل بقدرة هللا"‪ .‬فك ّل مرّ ة يُحتفل بالسرّ وفقا ً لنيّة الكنيسة‪ ،‬فإنّ قدرة المسيح وروحه يعمالن‬
‫فيه بمعزل عن قداسة القائم به‪ .‬بيد أنّ ثمار األسرار رهنٌ باستعدادات من‬
‫ينالها‪.‬‬
‫‪ -6666‬تؤ ّكد الكنيسة أنّ أسرار العهد الجديد ضرور ّية لخالص المؤمنين‪" .‬فنعمة السر" هي نعمة‬
‫الروح القدس يمنحها المسيح خصيصا ً لك ّل سرّ ‪ .‬فالروح يشفي ويغيّر الذين ينالونه ويصوّ رهم‬
‫على صورة ابن هللا‪ ،‬وثمرة الحياة التي نستم ّدها من األسرار هي أنَّ روح االتب ّني يؤلّه المؤمنين‬
‫‪.‬ويضمّهم ض ّما ً مُحييا ً إلى االبن الوحيد المخلّص‬

‫‪ .ً5‬أسرار الحياة األبد ّية‬

‫‪ -6666‬تحتفل الكنيسة بسرّ ربّها "إلى أن يأتي" وإلى أن يصير هللا "ك ًّل في الكلّ"(‪ 2‬كو ‪: 22‬‬
‫‪ .)18 : 21 ،11‬منذ عهد الرسل نرى الليترجيا مشدودة إلى غايتها بأنين الروح في الكنيسة‪:‬‬
‫ُ‬
‫اشتهيت شهوة شديدة أن‬ ‫"مارانا تا"‪ 2(،‬كو ‪ .)11 : 21‬وتشاطر الليترجيا هكذا رغبة يسوع‪" :‬‬
‫آكل هذا الفصح معكم إلى أن يت ّم في ملكوت هللا"(لو ‪ .)21-21 : 11‬في أسرار المسيح‪ ،‬تحظى‬
‫الكنيسة منذ اآلن بعربون ميراثها‪ ،‬وتشترك منذ اآلن في الحياة األبديّة‪" ،‬منتظرة السعادة المرجوّ ة‬
‫وتجلّي مجد إلهنا العظيم ومخلّصنا يسوع المسيح"(تي ‪.)23 : 1‬‬
‫يقول الروح والعروس‪" :‬تعا َل! تعال‪ ،‬أيّها الربّ يسوع"(رؤ ‪.)11-21 : 11‬‬
‫"يلخص القديس توما‪ ،‬في ما يلي‪ ،‬مختلف أبعاد عالمة السرّ ‪" :‬السرّ هو العالمة التي تذ ّكر بما سبق‪ ،‬أي بآالم‬
‫‪.‬المسيح‪ ،‬وتبيّن بوضوح ما يت ّم فينا بفعل آالم المسيح‪،‬أي النعمة‪ ،‬وتستشرف أي تؤذن بالمجد اآلتي"‬

‫بإيجاز‬

‫‪ -6666‬األسرار هي عالمات تح ّقق النعمة‪ ،‬وضعها المسيح ووكلها إلى الكنيسة وبها ُتسبغ علينا‬
‫الحياة اإللهية‪ .‬الطقوس المرئيّة التي يتمّ بها االحتفال باألسرار‪ ،‬تبيّن وتح ّقق النعم التي يتميّز بها‬
‫كل سرّ‪ ،‬وهي تؤتي ثمر ًا في الذين ينالونها باالستعدادات المفروضة‪.‬‬
‫‪ -6666‬تحتفل الكنيسة باألسرار بوصفها أسر ًة كهنوتيّة تستم ّد هيكليّتها من الكهنوت العمادي‬
‫وكهنوت َ‬
‫الخدَمة المرسومين‪.‬‬
‫‪ -6666‬الروح القدس ي ِع ُّد(المؤمنين) لتقبّل األسرار بكلمة هللا وباإليمان الذي يستقبل الكلمة في‬
‫‪.‬قلوب مستع ّدة‪ .‬إذ ذاك تصبح األسرار أداة قوّ ٍة وتعبيرْ عن اإليمان‬
‫‪ -6666‬ثمرة الحياة المستم ّدة من األسرار فرديّة وكنسيّة‪ .‬هذه الثمرة ُتخوِّ ل من جهة ك ّل مؤمن أن‬
‫يحيا في المسيح يسوع‪ .‬وهي‪ ،‬من جهة أخرى‪ ،‬للكنيسة سبب نمو في المحبّة وفي رسالتها‬
‫‪.‬الشاهدة‬

‫الفصل الثاني‬
‫االحتفال أسرار ّيا بالسر الفصحي‬

‫الخطة اإللهيّة في استعمال األسرار(الفصل األول)‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫‪ -6665‬التثقيف الليترجيُّ يفترض أوّ الً فهم‬
‫في هذا الضوء تنكشف ِج ّدةُ االحتفال بها‪ .‬ويتناول هذا الفصل االحتفال بأسرار الكنيسة‪ ،‬واعتبار‬
‫ما هو مشترك في طريقة االحتفال باألسرار السبعة‪ ،‬عبر التقاليد الليترجية المتنوّ عة‪ .‬وأمّا ما‬
‫يختصّ به ك ّل سرّ فيأتي عرضُه الحقا ً‪ .‬هذا التعليم األساسي في شأن االحتفال باألسرار‪ ،‬يجيب‬
‫على األسئلة التي يطرحها المؤمنون في هذا المجال ‪:‬‬
‫‪ -‬من يحتفل بالسرّ؟‬
‫‪ -‬كيف نحتفل به؟‬
‫‪ -‬متى نحتفل به؟‬
‫‪ -‬أين نحتفل به؟‬
‫المقال األول‬
‫االحتفال بليترج ّيا الكنيسة‬

‫‪ .ً6‬من يحتفل بالسر؟‬


‫‪ -6669‬الليترحيا هي "عمل" "المسيح الكلّ ّي"‪ .‬الذين يحتفلون بها‪ ،‬منذ اآلن ويوغلون إلى أبعد‬
‫‪.‬رموزها‪ ،‬هم منذ اآلن في رحاب الليترجيا السماويّة‪ ،‬حيث االحتفال كلّه شركة وعيد‬

‫المحتفلون بالليترجيا السماوية‬


‫‪ -6666‬رؤيا القديس يوحنا‪ ،‬إذا قرأناها في ليترجيا الكنيسة‪ ،‬تكشف لنا أوّ الً عن "عرش قد رُفع‬
‫في السماء وعلى العرش واحد"‪ .‬هو "الرب اإلله"(أش ‪ .)2 : 1‬وهناك أيضا ً " الحمل القائم وكأنه‬
‫ذبيح"(رؤ ‪ : )1 : 1‬هو المسيح المصلوب والقائم من بين األموات‪ ،‬الحب ُر العظيم األوحد للمق ِّدس‬
‫والموزع"‪ .‬هناك أخيراً "نهر ماء الحياة المن َب ِجس من‬
‫َّ‬ ‫الحقيقي‪" ،‬هو نفسه المق ِّدم والمق َّدم والقابل‬
‫عرش هللا والحمل"(رؤ ‪ ،)2 : 11‬وهو من أروع رموز الروح القدس‪.‬‬
‫‪ -6666‬ويشترك في خدمة التسبيح هلل وإتمام قصده‪" ،‬وقد تج ّددوا" في المسيح ‪ :‬القوات السماوية‪،‬‬
‫َمة العهدين القديم والجديد(الشيوخ األربعة والعشرون)‪،‬‬‫وخد ُ‬
‫مع ك ّل الخليقة(األحياء األربعة)‪َ ،‬‬
‫شعب هللا الجديد(المئة واألربعة واألربعون ألفا ً)‪ ،‬والسيّما الشهداء "الذين سُفكت دماؤهم في‬
‫سبيل كالم هللا"(رؤ ‪ .)1 : 1‬ووالدة اإلله الفائقة القداسة(المرأة‪ ،‬عروس الحمل)‪ ،‬وأخيراً "حشد‬
‫‪.‬كثير ال يُحصى من ك ّل أمّة وقبيلة وشعب ولسان"(رؤ ‪)1 : 1‬‬
‫‪ -6666‬هذه الليترجيا األبديّة هي التي يُشر ُكنا فيها الروح والكنيسة عندما نحتفل بسرّ الخالص‬
‫‪.‬في األسرار‬

‫المحتفلون بليترج ّيا األسرار‬

‫‪ -6666‬المحتفلون هم الجماعة كلّها‪ ،‬جسد المسيح الم ّتحد برأسه‪" .‬األعمال الليترجية ليست‬
‫أعماالً فرديّة ولك ّنها احتفاالت الكنيسة‪ ،‬التي هي "سر الوحدة"‪ ،‬أي الشعب المقدس مجتمعا ً‬
‫ِّ‬
‫وتؤثر فيه‪ .‬إال ّ أ َّنها‬ ‫ومنتظما ً تحت سلطة األساقفة‪ .‬فهي من ث َّم أعمال جسد الكنيسة كلّه ُتظهره‬
‫ُتدرك ك ّل واحد من أعضائه بطريقة تختلف باختالف الدرجات والوظائف واالشتراك الفعلي"‪.‬‬
‫ولذا "فك ّل مرّ ة تتطلّب الطقوس‪ ،‬ك ُّل وفقا ً لطبيعته‪ ،‬احتفاالً مشتركاً‪ ،‬مع إقبال المؤمنين عليه‬
‫واشتراكهم الفعليّ فيه‪ ،‬ال ب ّد من التنويه‪ ،‬قدر االمكان‪ ،‬بأفضلية االحتفال الجمهوريّ على االحتفال‬
‫‪.‬الفرديّ وشبه الخاص"‬
‫‪ -6666‬الجماعة المختلفة هي أسرة المعمّدين الذين "تق ّدسوا بالوالدة الجديدة ومسحة الروح‬
‫القدس‪ ،‬ليصيروا بيتا ً روح ّيا ً وكهنوتا ً مقدسا ً ويقرّ بوا بك ّل أعمال المسيحيّ ذبائح روحيّة"‪ .‬هذا‬
‫"الكهنوت العام" هو كهنوت المسيح‪ ،‬الكاهن األوحد‪ ،‬الذي يشترك فيه ك ّل أعضائه‪.‬‬
‫" إنّ الكنيسة األم ترغب أش ّد الرغبة في ان يُشجّ ع المؤمنون جميعهم على المشاركة الكاملة والواعية والفاعلة‬
‫في احتفاالت الليترجيا هذه التي تقتضيها طبيعة الليترجيا نفسها‪ ،‬والتي أصبحت من ّ‬
‫حق الشعب المسيحي‬
‫‪.‬وواجبه‪ ،‬بفعل المعمودية‪ ،‬وأل ّنه "جي ٌل مختار وكهنوت ملكيّ وأمّة مقدسة وشعب مفتدى"(‪ : 2‬بط ‪)1 : 1‬‬
‫‪ -6666‬ولكن "ليس لجميع األعضاء عمل واحد"(رو ‪ , )2 : 21‬ثمّة أعضاء يدعوهم هللا‪ ،‬في‬
‫ً‬
‫خدمة خاصة في الجماعة‪ .‬هؤالء الخ ّدام يُختارون‬ ‫الكنيسة وبواسطة الكنيسة‪ ،‬إلى أن يمارسوا‬
‫ويُكرّ سون بسرّ الكهنوت الذي به يجعلهم الروح القدس أهالً ألن يسعوا في شخص المسيح‬
‫الرأس‪ ،‬إلى خدمة جميع أعضاء الكنيسة‪ .‬الخادم المرسوم هو شبه "أيقونة" المسيح الكاهن‪ .‬وبما‬
‫سر الكنيسة يعتلن اعتالنا ً كامالً في االفخارستيّا‪ ،‬فخدمة األسقف َتظهر أوّ الً في ترؤُ س حفلة‬
‫أنّ َ‬
‫‪.‬االفخارستيا‪ ،‬باالشتراك مع الكهنة والشمامسة‬
‫صة أخرى‪ ،‬غير مكرّ سة بسرّ‬ ‫‪ -6666‬لالضطالع بوظائف كهنوت المؤمنين العام‪ ،‬هناك خد ٌم خا ّ‬
‫الكهنوت‪ ،‬يحدد األساقفة مهامّها وفاقا ً للتقاليد الليترجيّة والحاجات الرعائيّة‪" .‬حتى الخ ّدام والقرّاء‬
‫‪.‬والشرّ اح والمنضوون إلى جماعة المرتلين‪ ،‬جميعهم يقومون بخدمة ليترجية حقيقيّة"‬
‫‪ -6666‬هكذا‪ ،‬في االحتفال باألسرار‪ ،‬الجماعة كلّها "تقيم الليترجيا" ك ٌّل بحسب وظيفته‪ ،‬ولكن في‬
‫"وحدة الروح" الذي يعمل في الجميع‪" .‬في احتفاالت الليترجية يُطلب من ك ّل شخص‪ ،‬سوا ٌء أكان‬
‫خادما ً للسرّ أم علمان ّياً‪ ،‬أن يعمل‪ ،‬لدى قيامه بوظيفته‪ ،‬العمل كلّه الذي يقع عليه من جرّ اء طبيعة‬
‫‪.‬األمور ومن جرّ اء األنظمة الليترجية‪ ،‬وأن ال يتعدّاه إلى سواه من األعمال"‬

‫بالسر‬
‫ّ‬ ‫‪ .ً6‬كيف نحتفل‬
‫عالمات ورموز‬

‫‪ -6665‬ك ّل احتفال باألسرار هو نسج من عالمات ورموز‪ .‬هذه العالمات والرموز تتجذر‬
‫لخطة هللا الخالصيّة وطريقته التربويّة‪ ،‬في عمل الخلق والثقافة البشريّة‪ ،‬وتتضح‬ ‫معانيها‪ ،‬وفاقا ً ّ‬
‫كاملة في شخص المسيح وعمله‬ ‫ً‬ ‫‪.‬في أحداث العهد القديم‪ ،‬وتتجلّى‬
‫‪ -6669‬عالمات من عالم البشر‪ .‬في حياة البشر‪ ،‬تش ّكل العالمات والرمزو حيّزاً الفتاً‪ .‬فاإلنسان‪،‬‬
‫بوصفه كائنا ً جسد ّيا ً وروح ّياً‪ ،‬يعبّر عن الحقائق الروحيّة ويدركها عبر عالمات ورموز ما ّدية‪.‬‬
‫وبوصفه كائنا ً اجتماع ّيا ً يحتاج إلى عالمات ورموز تواصليّة‪ ،‬عبر اللغة والحركات واألعمال‪.‬‬
‫وهذا دأبه أيضا ً في عالقته باهلل‪.‬‬
‫‪ -6666‬إنّ هللا يخاطب االنسان بواسطة الخليقة المرئيّة‪ .‬فالعالم الما ّدي يتراءى للذهن البشري‬
‫ليقرأ فيه آثار خالقه‪ .‬فالنور والظلمة‪ ،‬والريح والنار‪ ،‬والماء والتراب‪ ،‬والشجر وثمارها‪ ،‬تتح ّدث‬
‫‪.‬عن هللا‪ ،‬وترمز‪ ،‬في آن واحد‪ ،‬إلى عظمته وقربه‬
‫‪ -6666‬هذه األشياء الحسّية المخلوقة‪ ،‬يمكن أن تصبح أداة للتعبير عن عمل هللا الذي يق ّدس البشر‬
‫وعمل البشر الذين يؤ ّدون هلل عباداتهم‪ .‬على هذا المنوال أيضا ً نفهم عالمات الحياة االجتماعية‬
‫ورموزها‪ :‬فالغسل والمسح‪ ،‬وكسر الخبز وتقاسم الكأس‪ ،‬كلّها تعبّر عن حضور هللا المق ِّدس‬
‫‪.‬وشكر االنسان لخالقه‬
‫مؤثرة غالباً‪ ،‬على هذا الطابع الكوني والرمزي‬ ‫‪ -6666‬الديانات البشرية الكبرى تشهد‪ ،‬بطريقة ّ‬
‫الكامن في الطقوس الدينية‪ .‬وأمّا ليترجيا الكنائس فهي تفترض وتض ّم وتق ّدس عناصر الخليقة‬
‫والثقافة البشرية‪ ،‬وتضفي عليها من الكرامة ما هو من آيات النعمة والخليقة الجديدة في المسيح‬
‫‪.‬يسوع‬
‫‪ -6656‬عالمات العهد‪ .‬لقد تلقّى الشعب المصطفى من هللا عالمات ورموزاً فارقة تميّز حياته‬
‫الليترجية‪ :‬فلم يعد ثمّة فقط احتفاالت مرتبطة بالمدارات الكونية واألحوال االجتماعية‪ ،‬بل‬
‫عالمات العهد‪ ،‬ورموز عظائم هللا لشعبه‪ .‬من هذه العالمات الليترجيّة في العهد القديم‪ ،‬نذكر‬
‫الختان والمسح وتكريس الملوك والكهنة‪ ،‬ووضع األيدي‪ ،‬والذبائح‪ ،‬وخصوصا ً الفصح‪ ،‬وترى‬
‫‪.‬الكنيسة في هذه العالمات إيذانا ً بأسرار العهد الجديد‬
‫‪ -6656‬عالمات تب ّناها المسيح‪ .‬لقد استعمل الرب يسوع غالباً‪ ،‬في كرازته‪ ،‬عالمات مستوحاة‬
‫من الخليقة ليعرّ ف الناس بأسرار ملكوت هللا‪ ،‬وحقق شفاءاته وأيّد كرازته بعالمات ما ّدية وأفعال‬
‫رمزية‪ ،‬وأضفى معنى جديداً على أحداث العهد القديم ورموزه‪ ،‬والسيّما الخروج من مصر‬
‫‪.‬والفصح‪ ،‬وال غرو فالمسيح هو نفسه لُبّ جميع هذه الرموز ومغزاها‬
‫‪ -6656‬عالمات أسرار ّية‪ .‬منذ العنصرة يُجري الروح القدس نعمة القداسة عبر العالمات‬
‫األسرارية في الكنيسة‪ .‬أسرار الكنيسة ال تلغي بل تطهّر وتجبي كل ثروة اآليات والرموز الكامنة‬
‫في الكون وفي الحياة االجتماعية‪ .‬وهي إلى ذلك تتمّم رموز العهد القديم ورسومه وتفسّر معنى‬
‫الخالص الذي صنعه المسيح وتحققه‪ ،‬وتؤذن بمجد السماء وتستبقه‪.‬‬

‫أقوال وأعمال‬

‫ُترجم هذا‬
‫‪ -6656‬االحتفال باألسرار هو لقاء بين ابناء هللا وأبيهم‪ ،‬في المسيح والروح القدس‪ ،‬وي َ‬
‫ك أنَّ األعمال الرمزية هي‪ ،‬بحد ذاتها‪ ،‬لغة‪ ،‬ولكن الب ّد أن‬ ‫اللقاء حواراً عبر أعمال وأقوال‪ .‬ال ش َّ‬
‫يؤتي زر ُع الملكوت ثمرّ ه في‬ ‫َ‬ ‫يواكب هذه األعمال ويُنعشها كال ُم هللا وجوابُ االيمان‪ ،‬لكي‬
‫االرض الطيّبة‪ .‬األعمال الليترجيّة ترمز إلى ما يعبّر عنه كالم هللا‪ :‬أي ما يصدر عن هللا من‬
‫آن واحد‬
‫‪.‬ابتدار مجّانيّ وعن شعبه من جواب إيماني‪ ،‬في ٍ‬
‫‪ -6656‬ليترجيا الكلمة جزء ال يتجزأ من الحفالت األسراريّة‪ .‬فالب ّد‪ ،‬لتغذية إيمان المؤمنين‪ ،‬من‬
‫التنويه بالعالمات التي ترافق كالم هللا ‪ :‬كتاب الكلمة(كتاب الرسائل أو االنجيل)‪ ،‬تعابير اإلجالل‬
‫الموجّ ه إليه(التطواف‪ ،‬البخور‪ ،‬الشموع)‪ ،‬مكان إعالنه(المنبر) تالوته بطريقة مسموعة‬
‫ومفهومة‪ ،‬العظة التي يلقيها المحتفل بعد التالوة‪ ،‬أجوبة الجماعة(الهتفات والمزامير التأمليّة‪،‬‬
‫‪.‬والطلبات‪ ،‬واعالن اإليمان)‬
‫‪ -6655‬القول والعمل في الليترجيا ال يفترقان من حيث هما عالمات وتعليم‪ ،‬كما أ َنهما ال يفترقان‬
‫ُفه َمنا كالم هللا‪ ،‬باعثا ً فينا نفحة‬
‫لكونهما يُحقّقان ما يرمزان إليه‪ .‬فالروح القدس ال يكتفي بأن ي ِ‬
‫اإليمان‪ ،‬بل يحقّق أيضا ً باألسرار "عظائم" هللا المعلنة في الكلمة‪ :‬إ ّنه يجعل عمل اآلب الذي‬
‫وموزعا ً على الجميع‬
‫ّ‬ ‫‪.‬أنجزه االبن الحبيب آن ّيا ً‬

‫الترنيم والموسيقى‬

‫‪" -6659‬التراث الموسيقي في الكنيسة الجامعة كن ٌز ال ُتق ّدر له قيمة‪ ،‬وال يسمو إليه تعبي ٌر فنيّ‬
‫آخر‪ ،‬وذلك خصوصا ً بأنَّ الترنيم المق ّدس مقترن بالكالم وأ ّنه‪ ،‬من ث ّم‪ ،‬قس ٌم ضروريّ من الليترجيا‬
‫االحتفاليّة ومت ّم ٌم لها"‪ .‬تلحين المزامير المل َهمة وترتيل ُها‪ ،‬وما يرافقهما غالبا ً من آالت موسيقيّة‬
‫مرتبطان ارتباطا ً وثيقا ً باالحتفاالت الليترجية في العهد القديم‪ .‬فالكنيسة تواصل هذا التراث‬
‫وتنميه‪" .‬ر ّتلوا فيما بينكم مزامير وتسابح وأناشيد روحانيّة‪ .‬ر ّتلوا وسبّحوا للرب من صميم‬
‫القلب"(أف ‪" :)21 :1‬من ير ّنم يص ّل مرّ تين"‪.‬‬
‫‪ -6656‬الترنيم والموسيقى "مرتبطان ارتباطا ً وثيقا ً بالعمل الليترجيّ "‪ ،‬وهذا ما يجعلهما من‬
‫العالمات المميّزة‪ ،‬انطالقا ً من مقاييس رئيسة ثالثة ‪ :‬روعة الصالة التعبيريّة‪ ،‬اشتراك الجماعة‬
‫باالجماع في األوقات الملحوظة‪ ،‬والطابع االحتفالي للصالة‪ :‬وهكذا يُساهمان في تحقيق الغاية‬
‫متوخاة من األقوال واألفعال الليترجيّة ‪ :‬وهي تمجيد هللا وتقديس المؤمنين‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ال‬
‫تأث ُ‬
‫رت لذلك!‬ ‫بكيت لدى سماعي أناشيدكم وتسابيحكم واالصوات الرخيمة التي مأل صداها كنيستكم‪ .‬ولَك ْم ّ‬
‫ُ‬ ‫"لَ َكم‬
‫عظيم من التقوى يشجعني‪ ،‬وبالدموع تسيل‬ ‫بتيار‬
‫ٍ‬ ‫ُ‬
‫شعرت‬ ‫ّ‬
‫وتقط ُر الحقيقة في قلبي‪ .‬لقد‬ ‫لقد كانت تنساب في أذنيَّ‬
‫ٍ‬
‫‪.‬على وجنتي‪ ،‬و ُتصلح أمري"‬
‫‪ -6656‬تنا ُغم العالمات(الترانيم والموسيقى‪ ،‬واألقوال واألعمال) يشت ّد هنا تعبيراً ويزداد خصبا ً‬
‫بمقدار ما يعتمد الثروة الثقافية التي يختصّ بها شعب هللا المحتفل‪ ،‬أدا ًة للتعبير‪ .‬ولذا‪" ،‬ال ب ّد من‬
‫ُ‬
‫بحيث يُتاح ألصوات المؤمنين" طبقا ً لقوانين‬ ‫يعزز الترنيم الدينيّ الشعبيّ تعزيزاً بصيراً‪،‬‬
‫أن ّ‬
‫الكنيسة‪" ،‬من أن ُتسمع في الممارسات التقويّة المق ّدسة وفي األعمال الليترجيّة نفسها" ولكنّ‬
‫ً‬
‫مطابقة للعقيدة الكاثوليكيّة‪ ،‬ومستقاة باألحرى‬ ‫"النصوص المع ّدة للترنيم الكنسي‪ ،‬يجب أن تكون‬
‫‪.‬من الكتاب المق ّدس ومن الينابيع الليترجيّة"‬

‫الرسوم المقدّسة‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫‪ -6656‬الصورة المقدسة‪ ،‬واإليقونة الليترجية تمثل المسيح خصوصاُ‪ ،‬وال يجوز أن تمثل هللا‬
‫الذي ال يُرى وال يُدرك‪ .‬إنَّ ابن هللا هو الذي افتتح بتجسّده "نهجاً" جديداً في استعمال الصور ‪:‬‬
‫ّ‬
‫المنزه عن الجسد والشكل‪ .‬ولكن وقد ظهر لنا اليوم في‬ ‫"لم يكن ممكنا ً على االطالق قديما ً ان ّ‬
‫يمث َل بالصورة هللا‬
‫الجسد وعاش مع الناس‪ ،‬يجوز لي أن ارسم صورة ما رأيت من هللا‪ .‬فنحن نعاين مجد الرب بوجهه المكشوف"‪.‬‬
‫‪ -6696‬االيقونوغرافيّة المسيحية تنقل‪ ،‬بالصورة‪ ،‬الرسالة االنجيلية التي ينقلها الكتاب المق ّدس‬
‫بالكلمة‪ .‬الصورة والكلمة تستنير أحداهما باألخرى ‪:‬‬
‫المدونة التي سُلِّمت إلينا بال تحوير‪ .‬منها‬
‫ّ‬ ‫صاً‪ ،‬نحتفظ بك ّل تقاليد الكنيسة المدوّ نة وغير‬
‫"لكي نعلن إيماننا ملخ ّ‬
‫تمثيل الصور بالرسم‪ ،‬وهو يتماشى مع كرازة التاريخ اإلنجيلي‪ .‬ونعتقد أنّ هللا الكلمة قد تأ ّنس ح ّقا‪ ،‬ال في‬
‫الظاهر‪ ،‬وهذا يعود علينا بذات النفع وذات الفائدة‪ ،‬ألنّ األشياء التي يستنير بعضها ببعض لها‪ ،‬بال مراء‪ ،‬مغزى‬
‫‪.‬متبادل"‬
‫‪ -6696‬جميع عالمات االحتفال الليترجيّ لها صلة بالمسيح‪ :‬كذلك الصور المق ّدسة لوالدة اإلله‬
‫القديسة وصور القديسين لها هي أيضا ً عالقة به‪ ،‬وترمز إلى المسيح الممجّ د فيهم‪ .‬بها تتجلّى‬
‫"سحابة الشهود"(عب ‪ )2 : 21‬الذين ال يزالون يشتركون في خالص العالم‪ ،‬ونحن م ّتحدون بها‬
‫والسيّما في االحتفال باألسرار‪ .‬هو اإلنسان يتجلّى إليماننا من خالل األيقونة‪ ،‬اإلنسان المخلوق‬
‫"على مثاله"‪ ،‬بل هم المالئكة أيضا ً وقد تج ّددوا هم أيضا ً في المسيح ‪:‬‬
‫"بموجب العقيدة الموحاة إله ّيا ً لدى آبائنا الق ّديسين وتقليد الكنيسة الكاثوليكية الذي نعرف أنه تقليد الروح القدس‬
‫الساكن فيها‪ ،‬لقد ح ّددنا بك ّل يقين وحق‪ ،‬أنَّ الصور المق ّدسة وكذلك رسوم الصليب الكريم المحيي‪ ،‬أ ّيا ً كانت‬
‫طريقة رسمها‪ ،‬بالفسيفساء أو بأيّ مادة أخرى‪ ،‬يجب أن توضع في كنائس هللا المق ّدسة‪ ،‬وعلى األواني والحلل‬
‫المق ّدسة‪ ،‬وعلى الجدران واللوحات‪ ،‬في البيوت وفي الطريق‪ ،‬سواء صورة ربّنا وإلهنا ومخلّصنا يسوع المسيح‪،‬‬
‫أم صور سيّدتنا الفائقة الطهارة والقداسة والدة اإلله وصور جميع األبرار والق ّديسين"‪.‬‬
‫‪" -6696‬جمال الصور وألوانها تحفز صالتي‪ .‬إ ّنها عيد لِعيْنيَّ كما أنّ مشهد الريف يدفع قلبي إلى‬
‫تسبيح هللا"‪ .‬مشاهدة األيقونات المق ّدسة‪ ،‬المقرونة بتأمّل كلمة هللا وترنيم األناشيد الليترجيّة‪ ،‬تنسجم‬
‫مع رموز االحتفال فينطبع السرّ المحت َفل به في ذاكرة القلب وينعكس بعدئذ في حياة المؤمنين‬
‫‪.‬الجديدة‬

‫‪ .ً6‬متى نحتفل بالسر؟‬


‫الليترجي‬
‫ّ‬ ‫الزمن‬

‫‪" -6696‬إنّ أمّنا الكنيسة المق ّدسة تحسب من صالحيّتها االحتفال بالعمل الخالصيّ الذي أجراه‬
‫عروسها اإللهي‪ ،‬وذلك في ذكرى مُق ّدسة ُتحييها في أيام معيّنة على م ّد السنة وطولها‪ .‬فك ّل‬
‫اسبوع‪ ،‬في اليوم الذي دعته "يوم الربّ "‪ ،‬تحيي ذكرى قيامة الرب التي تحتفل به أيضا ً مرّ ة في‬
‫السنة‪ ،‬كما تحتفل بذكرى آالمه المحيية في االحتفال الفصحي األعظم‪ .‬وهي تبسط سرّ المسيح كلّه‬
‫على مدار السنة‪ .‬وفيما تحتفل هكذا بأسرار الفداء‪ ،‬تفتح للمؤمنين كنوز فضائل ربّها واستحقاقاته‪،‬‬
‫‪.‬فكأنّ تلك األسرار قد أصبحت أبداً حاضرة لديهم يحت ّكون بها ويمتلئون من نعمة الخالص"‬
‫‪ -6696‬لقد عرف شعب هللا‪ ،‬منذ عهد الشريعة الموسويّة‪ ،‬أعياداً ثابتة تبدأ من الفصح إلحياء‬
‫ذكرى عجائب هللا المخلّص‪ ،‬وتأدية الشكر عليها‪ ،‬وتخليد ذكرها‪ ،‬وتدريب األجيال الصاعدة على‬
‫أن يسلكوا بموجبها‪ .‬في زمن الكنيسة‪ ،‬الممت ّد بين فصح المسيح الذي ت ّم مرّ ة واحدة وانقضائه في‬
‫‪.‬ملكوت هللا‪ ،‬تحمل الليترحيّا التي يُحتفل بها في أيام معيّنة طابع الج ّدة النابعة من سرّ المسيح‬
‫‪ -6695‬عندما تحتفل الكنيسة بسرّ المسيح تستعمل لفظة تتر ّدد دوما ً في صالتها ‪" :‬اليوم"‪،‬‬
‫"وما ذلك سوى صدى" للصالة التي َتعلّ َم ْتها من سيّدها‪ ،‬ولنداء الروح القدس‪ .‬هذا "اليوم"‪ ،‬يوم‬
‫اإلله الحيّ الذي يدعى االنسان إلى ولوجه‪ ،‬هي "ساعة" فصح يسوع التي تخترق التاريخ كلّه‬
‫وتحمله ‪:‬‬
‫"الحياة شملت جميع الكائنات وقد امتألت كلّها نوراً عميماً‪َ .‬مشرق المشارق يجتاح البسيطة‪ ،‬ومن هو "قبل‬
‫كوكب الصبح" وقبل النيّرات‪ ،‬الخالد الذي ال ح ّد له‪ ،‬المسيح األكبر يشرق على جميع الكائنات أكثر من الشمس‪.‬‬
‫ولذا فنحن المؤمنين به يبزغ علينا نهار من النور‪ ،‬طويل وأبدي ال يغرب أبداً‪ :‬إ ّنه الفصح‬
‫‪.‬السرّ ي"‬

‫يوم الرب‬

‫شيا ً مع تقليد رسولي يرتقي بجذوره إلى اليوم نفسه الذي قام فيه المسيح‪ ،‬تحتفل‬ ‫‪" -6699‬تم ّ‬
‫بحق يوم الرب أو اليوم الربّاني(يوم األحد)‪.‬‬ ‫الكنيسة بالسرّ الفصحي في كل يوم ثامن وهو يُسمّى ّ‬
‫آن واحد‪" ،‬أوّ ل يوم من االسبوع" وهو تذكار اليوم األول من الخليقة‪،‬‬ ‫يوم قيامة المسيح هو‪ ،‬في ٍ‬
‫و "اليوم الثامن" الذي فيه بدأ المسيح‪ ،‬من بعد أن استراح راح َة السبت العظيم‪ ،‬اليو َم "الذي صنعه‬
‫الرب" و "النهار الذي ال مساء له"‪" .‬مائدة الرب" هي محور هذا النهار‪ ،‬فيه تلتقي جماعة‬
‫‪.‬المؤمنين كلّها الربّ القائم من بين األموات الذي يدعوهم إلى وليمته"‬
‫"يوم الرب أو يوم القيامة‪ ،‬أو يوم المسيحيين‪ ،‬هو يومنا‪ .‬ولذا دعي يو َم الرب ‪ :‬ألنّ السيد في ذلك اليوم‪ ،‬صعد‬
‫ظافراً إلى أبيه‪ .‬فإذا كان الوثنيّون يدعونه يوم الشمس‪ ،‬فنحن أيضا ً نعترف بذلك بملء الرضى‪ ،‬ألنه اليوم بزغ‬
‫ً‬
‫حاملة لنا الخالص بأشعّتها"‪.‬‬ ‫نور العالم‪ ،‬اليو َم طلعت شمس البرّ‬
‫‪ -6696‬يوم األحد هو اليوم المشهود لإلجتماع الليترجي‪ ،‬فيه يلتئم المؤمونون " ليسمعوا كلمة هللا‬
‫ويشتركوا في اإلفخارستيّا‪ ،‬ويستعيدوا ذكرى آالم الربّ يسوع وقيامته ومجده‪ ،‬ويؤ ّكدوا الشكر هلل‬
‫الذي‪ ،‬على حسب رحمته الكثيرة‪ ،‬ولَدَهم ثانية لرجاء حيّ بقيامة يسوع المسيح من بين‬
‫األموات"(‪ 2‬بط ‪: )3 : 2‬‬
‫"أيها المسيح‪ ،‬عندما نتأمّل العجائب التي صنعتها في يوم األحد هذا‪ ،‬يوم قيامتك المق ّدسة‪ ،‬نقول ‪ :‬تبارك يوم‬
‫األحد‪ ،‬ففيه كان بدء الخليقة وخالص العالم وتجديد الجنس البشري‪ .‬فيه جذلت السماء واألرض معاً‪ ،‬والخليقة‬
‫‪.‬امتألت نوراً‪ .‬تبارك يوم األحد‪ ،‬ففيه انفتحت أبواب الفردوس ليدخله آدم بال خوف‪ ،‬وجميع المنفيّين معه"‬

‫السنة الليترج ّية‬

‫‪ -6696‬إنطالقا ً من الثالثية الفصحية‪ ،‬كما من نبع نوراني‪ ،‬يمأل الزمن القيامي الجديد ك ّل السنة‬
‫ليترجيّة بأضوائه‪ .‬وتتجلّى السنة الليترجيّا‪ ،‬شيئا ً فشيئاً‪ ،‬انطالقا ً من هذا الينبوع‪ .‬إ ّنها حقّا ً‬
‫ك أنّ تدبير الخالص يعمل في إطار الزمن‪ ،‬ولكن منذ أن تحقّق‬ ‫"سنة نعمة عند الرب"‪ .‬ال ش ّ‬
‫الخالص بفصح يسوع وحلول الروح القدس‪ ،‬بلغنا انقضاء الدهر قبل أوانه‪ ،‬واستبقنا مذاقه‪ ،‬وولج‬
‫‪.‬ملكوت هللا في زماننا‬
‫‪ -6696‬ليس الفصح‪ ،‬من ث ّم‪ ،‬عيداً بين أعياد‪ :‬إ ّنه "عيد األعياد" و "موسم المواسم"‪ ،‬كما أنّ‬
‫االفخارستيا هي سرّ األسرار(السر األعظم)‪ .‬ويدعوه القديس أثناسيوس "األحد الكبير"‪ ،‬كما أنّ‬
‫االسبوع المق ّدس يدعى‪ ،‬في الشرق‪" ،‬االسبوع العظيم"‪ .‬إنّ سرّ القيامة الذي به داس المسيح‬
‫‪.‬الموت‪ُ ،‬يدخل في مطاوي زمننا العتيق قوّ ته المقتدرة‪ ،‬إلى أن يُخضع له كل شيء‬
‫‪ -6666‬في مجمع نيقيّة(سنة ‪ )311‬أجمعت الكنائس كلّها ان يُحتفل بالفصح المسيحي نهار األحد‬
‫بعد البدر(‪ 22‬نيسان) الذي يلي االعتدال الربيعي‪ .‬بسبب الطرق المختلفة المستعملة لحساب يو‬
‫‪ 22‬نيسان‪ ،‬ال يقع تاريخ الفصح في الكنائس الغربيّة والشرقيّة دوما ً في اليوم عينه‪ ،‬لذلك تسعى‬
‫هذه الكنائس اليوم إلى ا ّتفاق للتوصّل ثانية إلى االحتفال بعيد قيامة الرب في تاريخ‬
‫‪.‬موحّ د‬
‫‪ -6666‬السنة الليترجية هي امتداد السرّ الفصحي في مختلف وجوهه‪ .‬ويص ّح هذا على األخصّ‬
‫في دورة األعياد التي تكتنف سرّ التجسّد(البشارة‪ ،‬الميالد‪ ،‬الظهور) والتي تحيي ذكرى بدء‬
‫‪.‬خالصنا‪ ،‬وتزوّ دنا ببواكير سرّ الفصح‬

‫سنكسار السنة الليترجية‬

‫‪" -6666‬إذ تحتفل الكنيسة المق ّدسة بأسرار المسيح في هذا المدار السنوي‪ ،‬تكرّ م بمحبّة خاصّة‬
‫الطوباوية مريم والدة اإلله الم ّتحدة بابنها في عمل الخالص ا ّتحاداً وثيقاً‪ .‬ففيها ترى الكنيسة‬
‫بإعجاب وتعظيم ثمرة الفداء السامية‪ ،‬وتتأمّل بغبطة‪ ،‬كما في صورة نقيّة ج ّداً‪ ،‬ما تشتهي وتأمل‬
‫أن تحقّقه في كامل ذاتها"‪.‬‬
‫‪ -6666‬عندما تحيي الكنيسة‪ ،‬في المدار السنوي‪ ،‬ذكرى الشهداء وسائر الق ّديسين‪ ،‬فهي "تعلن‬
‫السرّ الفصحي" في الذين واللواتي "تألموا مع المسيح ونالوا المجد معه‪ ،‬وتق ّدمهم للمؤمنين م ُُثالً‬
‫‪.‬تجذبهم جميعا ً إلى اآلب بالمسيح‪ ،‬وتنال باستحقاقاتهم مواهب هللا"‬

‫ليترجيا الساعات‬

‫‪ -6666‬إنّ سرّ المسيح‪ ،‬سرّ تجسّده وفصحه‪ ،‬الذي نحتفل به في االفخارستيا‪ ،‬وال سيّما في محفل‬
‫األحد‪ ،‬يداخل الزمن اليومي ويحوّ له بإقامة ليترجيا الساعات‪ ،‬أي "الفرض اإللهي"‪ .‬هذا االحتفال‬
‫الذي نقيمه امتثاالً لتوصيات الرّ سل بأن"نصلّي بال ملل"‪" ،‬قد ًوضع وضعا ً يتكرّ س معه مجرى‬
‫النهار والليل كلّه لمديح هللا"‪ .‬الفرض اإللهي هو "صالة الكنيسة العامة"‪ ،‬فيها يُمارس‬
‫المؤمنون(إكليروسا ً ورهبانا ً وعلمانيّين) الكهنوت الملكيّ النابع من معموديّتهم‪ .‬ليترجيا الساعات‪،‬‬
‫حقيقة صوت العروس نفسها‬ ‫ً‬ ‫إذا ت ّم االحتفال بها في "الصفة التي وافقت" عليها الكنيسة‪" ،‬هي‬
‫تخاطب عريسها‪ ،‬بل هي‪ ،‬إلى ذلك‪ ،‬صالة المسيح مع جسده إلى اآلب"‬
‫‪ -6665‬ليترجيا الساعات تهدف إلى أن تصير صالة شعب هللا برمّته‪ .‬بها "يواصل المسيح نفسه ممارسة‬
‫وظيفته الكهنوتيّة بواسطة كنيسته" ‪ :‬ك ّل واحد يشارك فيها بحسب مكانته الخاصة في الكنيسة‪ ،‬وظروف حياته‪:‬‬
‫الكهنة على أ ّنهم متفرّ غون للخدمة الراعوية‪ ،‬ومدعوون إلى ان يظلّوا مثابرين على الصالة وخدمة الكلمة‪،‬‬
‫والرهبان والراهبات من منطلق موهبة حياتهم المكرّسة‪ ،‬والمؤمنون كلّهم بحسب امكاناتهم‪" :‬ليحرص الرعاة‬
‫الروحيّون على أن يُح َتفل في الكنيسة بالساعات الرئيسة وال سيّما صالة المساء بطريقة مشتركة‪ ،‬وذلك في أيّام‬
‫اآلحاد واألعياد االحتفالية‪ .‬ويُحرّ ض العلمانيّون أنفسهم على تالوة الفرض اإللهي مع الكهنة‪ ،‬أو في اجتماعاتهم‬
‫‪.‬الخاصة‪ ،‬أو كالًّ على انفراد"‬
‫‪ -6669‬االحتفال بليترجيا الساعات يقتضي ال تناغم الصوت والقلب المصلّي وحسب‪ ،‬بل‬
‫‪".‬تحصيل معرفة أوسع لليترجيا وللكتاب المق ّدس‪ ،‬والسيّما المزامير"‬
‫‪ -6666‬تسابيح صالة الساعات وطلباتها ُتدخل صالة المزامير في زمن الكنيسة‪ ،‬معبّرة عن‬
‫رمزية لحظة النهار‪ ،‬والزمن الليترجي أو العيد المُحت َفل به‪ .‬أضف إلى ذلك ان تالوة كلمة هللا في‬
‫ك ّل ساعة(مع الر ّدات والطروباريات التي تليها) وتالوة نصوص من اآلباء والمعلّمين الروحيّين‪،‬‬
‫في بعض الساعات‪ ،‬تجلوان‪ ،‬بطريقة أعمق‪ ،‬معنى السرّ المحتفل به‪ ،‬وتساعدان في فهم المزامير‪،‬‬
‫وتمهّدان للتأمل الصامت‪ .‬التالوة اإللهية‪ ،‬حيث نقرأ كلمة هللا ونتمعّن فيها لتصبح صالة‪ ،‬تتأصّل‬
‫‪.‬هكذا في االحتفال الليترجيّ‬
‫‪ -6666‬ليترجيا الساعات التي هي شبه امتداد لالحتفال االفخارستيّ ‪ ،‬ال تنفي بل تستدعي‪ ،‬على‬
‫سبيل التكامل‪ ،‬ما يقوم به شعب هللا من أعمال تقويّة متنوّ عة والسيّما السجود والتعبّد للقربان‬
‫‪ .‬المقدس‬

‫بالسر ؟‬
‫ّ‬ ‫‪ .ً6‬أين يت ّم االحتفال‬

‫بمكان دون آخر‪ .‬فاألرض‬ ‫ٍ‬ ‫‪ -6666‬العبادة "بالروح والحق"(يو ‪ )12 : 2‬في العهد الجديد‪ ،‬ال تتقيّد‬
‫كلّها مق ّدسة وموكولة إلى ابناء البشر‪ .‬فما هو أوّ ل‪ ،‬عندما يجتمع المؤمنون في مكان واحد‪ ،‬إ ّنما‬
‫هو "الحجارة الحيّة" الملتئمة "لبناء بيت روحاني"(‪2‬بط ‪ .)1 : 1‬جسد المسيح الناهض هو الهيكل‬
‫الروحي‪ ،‬منه ينبجس ينبوع الماء الحي‪ .‬وبما أ ّننا مندمجون في المسيح بالروح القدس فإ ّنما نحن‬
‫‪".‬هيكل هللا الحي"(‪1‬كو ‪)21 : 1‬‬
‫‪ -6666‬حيث ممارسة الحرية الدينية ال قيود لها‪ ،‬يشيّد المسيحيون أبنية مُع ّدة للعبادة اإللهية‪ .‬هذه‬
‫الكنائس المرئيّة ليست فقط مجرّ د أمكنة للتجمّع بل هي رمز الكنيسة القاطنة في هذا المكان‪،‬‬
‫والموحدين في المسيح‪.‬‬
‫َ‬ ‫وتظهرها مسكنا ً هلل مع الناس المصالحين‬
‫‪" -6666‬إن بيت الصالة الذي يُحتفل فيه باالفخارستيا وفيه ُتح َفظ‪ ،‬ويجتمع المؤمنون فيه‪ ،‬ويكرّ م‬
‫صنا‪ ،‬المقرّب ألجلنا على المذبح‪ ،‬الحاضر سنداً للمسيحيّين ومشجّ عاً‪ ،‬يجب أن‬ ‫فيه ابن هللا مخلّ ُ‬
‫يكون جميالً وأهالً للصالة واالحتفاالت االفخارستية"‪ .‬في "بيت هللا" هذا‪ ،‬يجب أن يظهر المسيح‬
‫‪.‬الحاضر والعامل فيه‪ ،‬من خالل العالمات الحسّية في حقيقتها وتناغمها‬

‫‪ -6666‬مذبح العهد الجديد هو صليب الربّ الذي منه تنبع أسرار السرّ الفصحي‪ .‬على المذبح‪ ،‬وهو‬
‫النقطة المركزية في الكنيسة‪ ،‬يُح َّق ُق حضور ذبيحة الصليب تحت العالمات السرّ ية‪ .‬وهو أيضا ً مائدة‬
‫الربّ التي يُدعى إليها شعب هللا‪ .‬وفي بعض الليترجيّات الشرقيّة يُعتبر المذبح رمزاً للقبر(المسيح الذي‬
‫‪.‬مات ح ّقا ً ونهض ح ّقا ً من بين األموات)‬
‫‪ -6666‬بيت القربان يجب أن يوضع "في أليق مكان في الكنائس‪ ،‬محاطا ً بأعظم اإلكرام"‪ .‬كرامة‬
‫بيت القربان ووضعه وأمانه يجب أن ُتشجِّ ع المؤمنين على عبادة الربّ الحاضر حقّا ً في سرّ‬
‫‪.‬المذبح المق ّدس‬
‫زيت التثبيت(أو الميرون) الذي ترمز المسحة به إلى ختم موهبة الروح القدس‪ ،‬يُحفظ تقليد ّيا ً مع‬
‫شعائر االجالل في موضع أمين في المقدس‪ ،‬ويمكن أن يُض ّم إليه زيت الموعوظين وزيت‬
‫المرضى‪.‬‬
‫‪ -6666‬كرسي األسقف(الكاتدرا) أو الكاهن "يجب أن يشعر بوظيفة من يرئس االجتماع ويؤ ّم‬
‫‪.‬الصالة"‬
‫المنبر ‪" :‬كرامة كلمة هللا تقضي بأن يُقام في اكنيسة موضع يساعد في أعالن هذه الكلمة‪ ،‬وإليه‬
‫‪.‬ي ّتجه عفو ّيا ً انتباه المؤمنين‪ ،‬أثناء ليترجيا الكلمة"‬
‫‪ -6665‬تجمّع شعب هللا يبدأ بالمعموديّة‪ .‬يجب أن يُقام إذن في الكنيسة مقام لالحتفال بالمعمودية(جرن‬
‫‪.‬المعمودية) ويشجَّ ع المؤمنون على أن يتذ ّكروا وعود المعموديّة(الماء المق ّدس)‬
‫تجديد الحياة بالمعمودية يتطلّب التوبة‪ .‬فعلى الكنيسة أن تشجّ ع المؤمنين على التعبير عن توبتهم و َت َقبُّل الغفران‪،‬‬
‫‪.‬وهذا يستلزم مكان الستقبال التائبين‬

‫ويجب أن تكون الكنيسة حيّزاً يستدعي التخ ّ‬


‫شع والصالة الصامتة التي هي امتداد للصالة االفخارستية وعودة بها‬
‫إلى الباطن‪.‬‬

‫‪ -6669‬وتنطوي الكنيسة أخيراً على معنى أخرويّ‪ .‬فدخول بيت هللا يفترض اجتياز عتب ٍة هي‬
‫َّ‬
‫المثخن بالخطيئة إلى عالم الحياة األبدية التي ُدعي إليها الناس أجمعون‪.‬‬ ‫رمز العبور من العالم‬
‫فالكنيسة المرئية ترمز إلى البيت األبوي الذي يشخص إليه شعب هللا‪ .‬وحيث "يم َسح اآلب ك ّل‬
‫دمعة من عيوونهم"(رؤ ‪ .)2 : 12‬من هنا أنّ الكنيسة هي أيضا ً بيت أبناء هللا كلّهم‪ُ ،‬تفتح لهم على‬
‫‪.‬مصراعيها وترحّ ب بهم‬

‫بإيجاز‬

‫‪ -6666‬الليترجيا هي عمل المسيح ك ّله برأسه وجسده‪ .‬حبرنا األعظم ال يكفّ عن االحتفال بها‬
‫في الليترجيا السماويّة بمعيّة والدة اإلله الق ّديسة والرّسل وجميع القديسين وحشد الناس الذين دخلوا‬
‫الملكوت‪.‬‬

‫‪ -6666‬في كل احتفال ليترجي‪ ،‬الجماعة ك ّلها "تقيم الليترجيا" ك ّل بحسب وظيفته‪ .‬الكهنوت‬
‫ُمثلوا المسيح‬‫العمادي يشمل جسد المسيح بأجمعه‪ .‬ولكنّ بعض المؤمنين يُمنحون س ّر الكهنوت لي ّ‬
‫بصفته رأس الجسد‪.‬‬
‫ُت إلى الخليقة(النور‪ ،‬الماء‪ ،‬النار)‪ ،‬وإلى‬ ‫‪ -6666‬يتضمن االحتفال الليترج ّي عالمات ورموز ًا تم ّ‬
‫الحياة البشريّة(الغسل‪ ،‬المسح بالزيت‪ ،‬كسر الخبز) وإلى تاريخ الخالص(شعائر الفصح)‪ .‬هذه‬
‫العناصر الكونيّة‪ ،‬وهذه الطقوس البشريّة‪ ،‬وهذه المآثر التي ُتذ ّكرنا باهلل‪ ،‬إذا اندمجت في عالم‬
‫‪.‬اإليمان‪ ،‬وتب ّنتها قوة الروح القدس‪ ،‬أصبحت آنيّة تحمل عمل المسيح المخ ّلص والمق ِّدس‬
‫‪ -6666‬ليترجيا الكلمة جزء ال يتجزأ من االحتفال‪ .‬معنى االحتفال يعبّر عنه إعالن كلمة هللا من‬
‫‪.‬جهة والتزام المؤمنين لها من جهة أخرى‬
‫‪ -6666‬الترنيم والموسيقى مرتبطان ارتباط ًا وثيق ًا بالعمل الليترج ّي ‪ :‬مقاييس حسن استعمالها هي‬
‫‪ :.‬جمال الصالة التعبيري‪ ،‬واشتراك الجماعة بأجمعها‪ ،‬وقدسيّة الطابع االحتفال ّي‬
‫‪ -6666‬الصور المق ّدسة في كنائسنا وبيوتنا تهدف إلى إيقاظ إيماننا بس ّر المسيح وتغذيته‪ .‬فنحن‬
‫إ ّنما نعبد المسيح من خالل إيقونته وأعماله الخالصيّة‪ .‬ومن خالل الصور المق ّدسة التي ّ‬
‫تمثل‬
‫‪.‬والدة اإلله القديسة والمالئكة والق ّديسين ُنج ِ ّل األشخاص الذين ّ‬
‫تمثلهم‬
‫‪ -6666‬يوم األحد‪" ،‬يوم الرب" هو اليوم األهم لالحتفال باإلفخارستيا أل ّنه يوم القيامة‪ .‬وهو يوم‬
‫المحفل الليترج ّي المميّز‪ ،‬يوم األسرة المسيحية‪ ،‬يوم الفرح واالستراحة من العمل‪ .‬إ ّنه "ركيزة‬
‫‪.‬السنة الليترجية ك ّلها ونواتها"‬
‫‪ -6666‬الكنيسة "تبسط س ّر المسيح ك ّله على مدار السنة‪ ،‬من التجسّد والميالد إلى الصعود إلى‬
‫‪.‬يوم العنصرة وإلى انتظار الرجاء الصالح ومجيء الرب"‬
‫‪ -6665‬إنّ الكنيسة األرضيّة‪ ،‬إذ تحيي ذكرى القديسين وفي طليعتهم والدة اإلله الق ّديسة ثمّ الرسل‬
‫والشهداء وسائر القديسين‪ ،‬في أيّام معيّنة من السنة الليترجية‪ُ ،‬تعلن أ ّنها م ّتحدة بالليترجيا السماويّة‬
‫‪ :‬إ ّنها تمجد المسيح الذي أجرى خالصه في أعضائه الممجّدة وهم يحثونها بمثالهم‪ ،‬في طريقها‬
‫‪.‬إلى هللا‬
‫‪ -6669‬المؤمنون الذين يحتفلون بليترجيا الساعات ي ّتحدون بالمسيح َحبْرنا األعظم‪ ،‬بصالة‬
‫المزامير وتأمّل كلمة هللا‪ ،‬واألناشيد والتسابيح‪ ،‬لكي يشتركوا في صالته الدائمة الشاملة التي ترف ُع‬
‫المجد إلى اآلب وتستنزل موهبة الروح القدس على العالم بأسره‪.‬‬
‫‪ -6666‬المسيح هو هيكل هللا الحقيقي‪" ،‬والموضع الذي يستق ّر فيه مجده"‪ ،‬بنعمة هللا يصير‬
‫‪.‬المسيحيون‪ ،‬هم أيض ًا‪ ،‬هياكل الروح القدس والحجارة الحيّة التي ُتبنى بها الكنيسة‬
‫‪-6666‬الكنيسة‪ ،‬في حالتها األرضية‪ ،‬بحاجة إلى أمكنة تلتئم فيها الجماعة‪ .‬وهي كنائسنا المرئيّة‪:‬‬
‫‪.‬أماكن مق ّدسة‪ ،‬رموز المدينة المق ّدسة‪ ،‬أورشليم السماويّة التي نشخص إليها ُح ّجاجً ا‬
‫‪ -6666‬في هذه الكنائس تقيم الكنيسة شعائر العبادة العامّة‪ ،‬لمجد الثالوث الق ّدوس‪ ،‬وفيها ُتسمع‬
‫كلمة هللا وتتر ّنم بتسابيحه وترفع صالتها وتقرّب ذبيحة المسيح الحاضر سرّي ًا وسط الجماعة‪ .‬هذه‬
‫الكنائس هي أيض ًا أمكنة للتخ ّشع والصالة الشخصيّة‪.‬‬

‫المقال الثاني‬
‫السر‬
‫ّ‬ ‫ليترجي ووحدة في‬
‫ّ‬ ‫تنوع‬
‫ّ‬

‫التقاليد اللي ُترج ّية وشمول ّية الكنيسة‬

‫‪ -6666‬منذ عهد جماعة اورشليم األولى وإلى أن يأتي المسيح‪ ،‬تحتفل كنائس هللا الوفيّة لإليمان‬
‫الرسولي بذات السرّ الفصحي‪ ،‬في ك ّل مكان‪ .‬فالسرّ الذي تحتفل به اللي ُترجيّا واحد‪ ،‬ولكنّ طرق‬
‫‪.‬االحتفال به متنوعة‬
‫ُسبر غورها وال يستطيع أيّ تقليد ليترجي أن يستنفد مؤ ّداها‪.‬‬ ‫‪ -6666‬إنّ ثروة سرّ المسيح ال ي َ‬
‫تاريخ هذه الطقوس‪ ،‬في نشاتها وتطوّ رها‪ ،‬دليل تكامل مدهش‪ .‬وعندما مارست الكنائس هذه‬
‫ضها بعضاً‪ ،‬ونمت في األمانة لما‬ ‫التقاليد الليترجية في شركة اإليمان وأسرار اإليمان‪ ،‬أغنت بع ُ‬
‫‪.‬هو مشترك للكنيسة جمعاء من تراث ورسالة‬
‫‪ -6666‬التقاليد الليترجية على أنواعها نشأت بدافع من الرسالة الكنسيّة نفسها‪ .‬فالكنائس القائمة‬
‫على نفس الرقعة الجغرافية والثقافية توصّلت إلى االحتفال بسرّ المسيح من خالل تعابير خاصّة‪،‬‬
‫لها طابعها الثقافي‪ ،‬في تراث "وديعة اإليمان"‪ ،‬في الرمزية الليترجية‪ ،‬في تنظيم الشركة األخويّة‪،‬‬
‫في اإلطالع الالهوتي على األسرار‪ ،‬وفي نماذج قداسة‪ .‬هكذا‪ ،‬يتجلّى المسيح‪ ،‬وهو نور الشعوب‬
‫طرّ اً وخالصها‪ ،‬عبر الحياة الليترجية في كنيسة ما‪ ،‬للشعب وللثقافة اللذين أُرسلت إليهما وفيهما‬
‫تجذرت‪ .‬فالكنيسة كنيسة جامعة‪ ،‬بإمكانها أن تستوعب‪ ،‬ضمن وحدتها‪ ،‬ك ّل الثروات الثقافية‬ ‫ّ‬
‫الحقيقيّة‪ ،‬وتطهّرها‪.‬‬
‫‪ -6666‬التقاليد الليترجية أو الطقوس المستعملة اليوم في الكنيسة هي الطقس الالتيني(خصوصا ً الروماني‪،‬‬
‫يُضاف إليه طقوس بعض الكنائس المحلّية‪ ،‬كالطقس األمبروسي أو بعض المؤسسات الرهبانية)‪ ،‬والطقس‬
‫البيزنطي االسكندريّ أو القبطي‪ ،‬والسرياني‪ ،‬واالرمني‪ ،‬والماروني‪ ،‬والكلداني‪" .‬إن المجمع المق ّدس‪ ،‬في‬
‫مراعاته للتقليد بأمانة‪ ،‬يعلن أنّ الكنيسة األم المق ّدسة تعتبر جميع الطقوس المعترف بها شرعا ً متساوية في‬
‫وتعزز شأنها بجميع الطرائق"‪.‬‬
‫ّ‬ ‫الحقوق والكرامة‪ ،‬وتريد للمقبل من األيام ان تحافظ عليها‬

‫الليترج ّيا والثقافات‬

‫‪ -6666‬االحتفال بالليترجيا يجب اذن أن يتماشى مع عبقريّة مختلف الشعوب وثقافتها‪.‬‬


‫"فلِ َكي يبلغ سرّ المسيح إلى جميع الشعوب‪ ..‬فتدين له باإليمان"(رو ‪ ،)11 : 21‬ال ب ّد من أن يُعلَن‬
‫هذا السرّ ويُحتفل به ويُعاش في جميع الثقافات‪ ،‬بحيث ال ُتلغى بل ُتف َتدى وتتحقّق به‪ .‬هذه الثقافة‬
‫البشريّة الخاصّة‪ ،‬إذا تب ّناها المسيح وطهّرها‪ ،‬هي التي ُتدخل جماهير أبناء هللا إلى عند اآلب‪،‬‬
‫‪.‬لتمجّ ده بروح واحد‬
‫‪" -6665‬في الليترجيا‪ ،‬السيّما األسرار‪ ،‬قسم ال يقبل التغيير‪ ،‬أل ّنه من وضع إلهي‪ ،‬تسهر الكنيسة‬
‫يحق للكنيسة بل يجب عليها أحيانا ً أن تكيّفها‪ ،‬بحكم ثقافات الشعوب‬ ‫عليه‪ ،‬وأقسام تقبل التغيير‪ّ ،‬‬
‫‪.‬الداخلة حديثا ً في طاعة اإلنجيل"‬
‫‪" -6669‬التنوع اللي ُترجي قد يكون مصدر غنى روحي‪ ،‬كما يمكن أن يُمسي سبب مشا ّدات وسوء‬
‫تفاهم بل وشقاقات أحياناً‪ ،‬في هذا المجال‪ ،‬من الواضح أنّ التنوّ ع يجب أال ّ يسيء إلى الوحدة‪ .‬وال‬
‫يستطيع‪ ،‬من ث ّم‪ ،‬إال ّ أن يعبّر عن التمسّك باإليمان المشترك وبالعالمات األسرارية التي ورثتها‬
‫اإليررخية‪ .‬التكيّف مع الثقافات يتطلّب توبة القلب‪ ،‬وإذا اقتضى‬‫َ‬ ‫الكنيسة من المسيح‪ ،‬والشركة‬
‫‪.‬األمر‪ ،‬التخلّي عن عادات عريقة ال تنسجم مع اإليمان الكاثوليكي"‬
‫بإيجاز‬

‫‪ -6666‬يُستحسن السعي‪ ،‬في االحتفال الليترجي‪ ،‬إلى استعمال ثقافة الشعب الذي ُتقيم فيه الكنيسة‪،‬‬
‫ً‬
‫وسيلة للتعبير بدون التقيّد بهذه الثقافة‪ .‬والليترجيا‪ ،‬من جهة اخرى‪ ،‬هي نفسها مو ّلدة ثقافا ٍ‬
‫ت‬
‫َ‬
‫ومهذبتها‪.‬‬
‫‪ -6666‬التقاليد الليترجية أو الطقوس‪ ،‬على اختالفها‪ ،‬إذا حظيت باعتراف شرعيّ‪ُ ،‬تظه ُر شموليّة‬
‫الكنيسة من حيث أ ّنها تعبّر عن س ّر المسيح الواحد وتب ّلغه‪.‬‬
‫‪ -6666‬القاعدة التي تكفل للتقاليد اللي ُترجية وحدتها ضمن التنوعيّة هي األمانة للتقليد الرسول ّي أي‬
‫الشركة في اإليمان واألسرار الموروثة من الرسل‪ ،‬تلك الشركة التي تعبّر عنها الخالفة الرسوليّة‬
‫وتضمنها‪.‬‬

‫القسم الثاني‬
‫أسرار الكنيسة السبعة‬

‫‪ -6666‬أسرار العهد الجديد سبعة وهي من وضع المسيح‪ :‬المعمودية والتثبيت واإلفخارستيا‬
‫والتوبة ومسحة المرضى والكهنوت والزواج‪ .‬وتتصل هذه األسرار السبعة بك ّل المراحل وك ّل‬
‫الظروف الهامّة في حياة المسيحيّ ‪ :‬فهي تهب الوالدة والنموّ والشفاء واالستعداد لرسالة‬
‫المسيحيين في حياتهم اإليمانية‪ .‬ففي هذا المجال نلحظ بعض ال ّ‬
‫شبه بين مراحل الحياة الطبيعية‬
‫‪.‬ومراحل الحياة الروحيّة‬
‫‪ -6666‬بموجب هذه المقارنة سنعرض أوالً أسرار التنشئة المسيحية الثالثة(الفصل األول) ثم‬
‫أسرار الشفاء(الفصل الثاني) وأخيراً األسرار الموضوعة لخدمة شركة المؤمنين‬
‫ك أن هذا التسلسل ليس هو التسلسل الممكن الوحيد‪ ،‬ولك ّنه يُرينا‬ ‫ورسالتهم(الفصل الثالث)‪ .‬ال ش ّ‬
‫أن األسرار تكوّ ن جهازاً يشغل فيه ك ّل سرّ مكانته الحيويّة‪ .‬في هذا الجهاز تحت ّل االفخارستيا‬
‫‪.‬مكانا ً فريداً من حيث هي "سرّ األسرار" ‪" :‬فك ّل األسرار األخرى تشخص إليها كما إلى غايتها"‬

‫الفصل األول‬
‫أسرار التنشئة المسيحية‬

‫‪ -6666‬أسرار التنشئة المسيحية ‪ :‬المعمودية والتثبيت واالفخارستيا ُترسي ركائز ك ِّل حياة‬
‫مسيحية‪" .‬االشتراك في الطبيعة اإللهية الذي هو عطيّة من عطايا نعمة المسيح على البشر‪ ،‬فيه‬
‫بعض الشبه مع مصدر الحياة الطبيعية ونموّ ها ودعمها‪ .‬فالمؤمنون يولَدون بالمعموديّة والدة‬
‫ثانية‪ ،‬ويتقوّ ون بسرّ التثبيت‪ ،‬ويتناولون‪ ،‬في االفخارستيا‪ ،‬خبز الحياة األبديّة‪ .‬وهكذا بواسطة هذه‬
‫األسرار التي ُتدخل إلى الحياة المسيحيّة يحظى المؤمنون‪ ،‬أكثر فأكثر‪ ،‬بثروات الحياة اإللهية‬
‫‪.‬ويتق ّدمون نحو كمال المحبّة"‬

‫المقال األول‬
‫سر المعمود ّية‬
‫ّ‬

‫‪ -6666‬المعمودية المقدسة هي ركيزة الحياة المسيحية كلّها ورتاج الحياة في الروح‪ ،‬والباب الذي‬
‫يوصل إلى األسرار األخرى‪ .‬فبالمعمودية ُنع َتق من الخطيئة ونولد ثانية ميالد أبناء هللا‪ ،‬ونصير‬
‫أعضاء للمسيح‪ ،‬ونندمج في الكنيسة ونصبح شركاء في رسالتها‪" .‬المعمودية هي سرّ الوالدة‬
‫‪.‬الجديدة بالماء والكلمة"‬

‫‪ .ً6‬ما اسم هذا السر ؟‬

‫‪ -6666‬يُسمى "معمودية" نظراً إلى الطقس األساسي الذي يتحقق به ‪ :‬فالتعميد هو "التغطيس"‬
‫أو "التغويص" في الماء "فالتغطيس" في الماء يرمز إلى دفن الموعوظ في موت المسيح‬
‫‪.‬وخروجه‪ ،‬بالقيامة معه‪" ،‬خليقة جديدة"(‪ 1‬كو ‪ ،21 : 1‬غل ‪)21: 1‬‬
‫‪ -6665‬ويدعى هذا السرّ أيضا ً "غسل الميالد الثاني والتجديد بالروح القدس"(تي ‪ )1: 3‬ألنه‬
‫يلهم ويحقّق هذا الميالد من الماء والروح الذي بدونه "ال يستطيع أحد أن يدخل ملكوت هللا"(يو ‪3‬‬
‫‪)1 :.‬‬
‫‪" -6669‬هذا الغسل يُسمى أيضا ً استنارة‪ ،‬ألن الذين يتلقّون هذا التعليم(في الكرازة) يستنير به‬
‫ذه ُنهم"‪ .‬فعندما يتلقّى المُعمَّد الكلمة "النور الحقيقي المنير ك ّل إنسان"(يو ‪ )1 : 2‬يصبح‪،‬‬
‫"بعدما أنير"‪" ،‬ابنا ً للنور"‪ ،‬بل يصبح هو نفسه "نوراً"(أف ‪.)8 : 1‬‬
‫" المعمودية هي "أجمل وأبهى عطيّة من عطايا هللا نسمّيها عطيّة ونعمة ومسحة واستنارة وثوب عدم الفساد‬
‫وغسل الميالد الثاني‪ ،‬وختما ً وك ّل ما هو أنفس النفائس‪ .‬فهي عط ّية أل ّنها ُتمنح للذين ال يأتون بشيء‪ ،‬وهي نعمة‬
‫ألنها ُتعطى حتى للمذنبين‪ ،‬وتغطيس ألنّ الخطيئة ُتدفن في الماء‪ ،‬ومسحة ألنها مقدسة وملكية(على غرار‬
‫المسحاء)‪ ،‬واستنارة أل ّنها ضياء سنيّ ‪ ،‬وثوب‪ ،‬ألنها تستر خزيناً‪ ،‬وغسل ألنها تطهّر‪ ،‬وختم ألنها تحمينا وألنها‬
‫‪.‬عالمة سيادة هللا"‬

‫‪ .ً6‬المعمودية في تدبير الخالص‬


‫رموز المعمودية في العهد القديم‬

‫‪ -6666‬في ليترجيا ليلة الفصح‪ ،‬عندما تبارك الكنيسة ماء المعمود ّية تذكر بأبّهة االحداث العظام‬
‫التي باتت‪ ،‬في تاريخ الخالص‪ ،‬إيذانا ً بسرّ المعمودية ‪:‬‬
‫"بقدرتك‪ ،‬أيها الرب‪ ،‬ح ّققت العجائب في أسرارك‪ ،‬وعبر تاريخ الخالص‪ ،‬استعملت الماء الذي خلقته لتوقفنا‬
‫على نعمة المعموديّة"‪.‬‬
‫‪ -6666‬منذ فجر العالم‪ ،‬والماء‪ -‬تلك الخليقة المتواضعة العجيبة – هو نبع الحياة والخصب‪.‬‬
‫‪.‬ويرى الكتاب المقدس روح هللا "يرفرف" عليه‬
‫‪".‬منذ بدء العالم كان روحك يرفرف على المياه لتحظى ببذار ّ‬
‫القوة المق ّدسة"‬
‫ْ‬
‫‪ -6666‬وقد توسّمت الكنيسة في فُلكِ نوح رمزاً مسبّقا ً للخالص‪ ،‬بواسطة المعمودية‪ .‬فبالفُلكْ "نجا‬
‫‪.‬بالماء عدد قليل‪ ،‬أي ثمانية أشخاص"(‪ 2‬بط ‪)11 : 3‬‬
‫"لقد أنبأت‪ ،‬بأمطار الطوفان‪ ،‬عن المعمودية المحيية‪ ،‬إذ كان الماء يرمز أيضا ً إلى موت الخطيئة ووالدة ك ّل‬
‫‪.‬برّ "‬
‫‪ -6666‬إذا كان الماء الينبوع يرمز إلى الحياة‪ ،‬فماء البحر يرمز إلى الموت‪ .‬ولذا فهو رمز سرّ‬
‫الصليب‪ .‬من خالل هذه الصورة الرمزيّة تعبّر المعموديّة عن اإلشتراك في موت المسيح‪.‬‬
‫‪ -6666‬بيد أنّ عبور البحر األحمر الذي به تحرّ ر إسرائيل حقّا ً من عبودية مصر‪ ،‬هو الذي يب ّ‬
‫شر‬
‫بالعتق الذي تحقّقه المعمودية ‪:‬‬
‫أتحت ألبناء إبراهيم أن يعبروا البحر األحمر على أقدامهم لكي يكون الشعب المُع ّتق من العبوديّة رمزاً‬
‫َ‬ ‫"لقد‬
‫‪.‬لشعب المعمّدين"‬
‫‪ -6666‬ونجد أخيراً للمعموديّة صورة مسبّقة في عبور األردنّ الذي نال به شعب هللا عطيّة‬
‫األرض الموعود ِة لنسل إبراهيم‪ ،‬وهو صورة الحياة األبديّة‪ .‬ويتحقّق الوعد بهذا الميراث السعيد‬
‫‪.‬في العهد الجديد‬

‫معمود ّية المسيح‬

‫‪ -6666‬جميع رموز العهد القديم تنتهي في المسيح يسوع‪ .‬فقد بدأ حياته العلنيّة من بعد أن تعمّد‬
‫على يد يوحنا المعمدان في األردنّ ‪ .‬ومن بعد قيامته َو ّك َل إلى تالميذه هذه الرسالة‪" :‬اذهبوا‬
‫وتلمذوا جميع األمم‪ ،‬وعمّدوهم باسم اآلب واالبن والروح القدس‪ ،‬وعلّموهم أن يحفظوا ك ّل ما‬
‫‪.‬أوصيت ُكم به"(متى ‪)11-21 : 18‬‬
‫‪ -6666‬لقد حضع ربّنا بملء رضاه لمعموديّة القديس يوحنا المُع َّدة لل ُخطاة‪ ،‬وذلك لكي يُت ّم ك ّل برّ ‪.‬‬
‫فجاء صنيع يسوع هذا دليالً على "تالشيه"‪ .‬وإذا بالروح الذي كان يرفّ على وجه المياه‪ ،‬في‬
‫بدء الخليقة األولى‪ ،‬يهبط على المسيح‪ ،‬إيذانا ً بالخليقة الجديدة‪ ،‬وإذا باآلب يُعلن يسوع ابنه‬
‫‪.‬الحبيب‬
‫‪ -6665‬بفصحه‪ ،‬فجّ ر المسيح لجميع الناس ينابيع المعموديّة‪ .‬والواقع أ ّنه عندما تح ّدث عن آالمه‬
‫التي كان مزمعا ً أن يكابدها في أورشليم‪ ،‬إ ّنما تح ّدث عن "معموديّة" كان عليه أن يقبلها‪ .‬وما الدم‬
‫والماء اللذان خرجا من جنب يسوع المطعون‪ ،‬وهو على الصليب‪ ،‬سوى رمزين للمعموديّة‬
‫واالفخارستيا‪ ،‬سرَّ ي الحياة الجديدة‪ .‬فأصبح‪ ،‬من ث ّم‪ ،‬ممكنا ً أن "يولد اإلنسان من الماء والروح"‬
‫‪.‬ليدخل ملكوت هللا"(يو ‪)1 : 3‬‬
‫"أنظر أين تتعمّد‪ ،‬ومن أين المعمودية‪ ،‬إن هي إالّ من صليب المسيح‪ ،‬ومن موت المسيح‪ .‬هنا يكمن السرّ كلّه ‪:‬‬
‫تعذب من أجلك‪ ،‬وفيه نلت الفداء‪ ،‬وحظيت بالخالص"‬ ‫‪.‬إ ّنه ّ‬

‫المعمودية في الكنيسة‬
‫‪ -6669‬منذ يوم العنصرة‪ ،‬احتفلت الكنيسة بالمعمودية المقدسة ومنحتها‪ .‬فقد أعلن القديس بطرس‬
‫ّ‬
‫المتأثر بكالمه ‪" :‬توبوا‪ ،‬وليعتم ِْد ك ٌّل منكم باسم يسوع المسيح لغفران خطاياكم‪ ،‬فتنالوا‬ ‫للجمع‬
‫موهبة الروح القدس"(أع ‪ .)38 ،1‬وقد تق ّدم الرسل ومعاونوهم بالمعمودية إلى ك ّل من آمن‬
‫بيسوع‪ :‬اليهود والتقاة والوثنيين‪ .‬ونالحظ أنّ المعمودية قد ارتبطت دائما ً باإليمان شرطا ً ‪:‬‬
‫تنل الخالص َ‬
‫أنت وأه ُل بيتك" ‪ :‬هذا ما قاله القديس بولس للسجّ ان في مدينة‬ ‫"آمنْ بالرب يسوع ِ‬
‫فيلبي‪ .‬وجاء في سياق الرواية ‪" :‬واعتمد السجّ ان من وقته‪ ،‬واعتمد ذووه جميعاً"(أع ‪-32 : 1‬‬
‫‪.)33‬‬
‫‪ -6666‬المؤمن –على حد قول القديس بولس‪ -‬يشترك بالمعمودية في موت المسيح‪ ،‬ويُدفن‬
‫وينهض معه‪.‬‬
‫"إ ّنا‪ ،‬إذ اعتمدنا في يسوع المسيح‪ ،‬إ ّنما اعتمدنا في موته‪ .‬فلقد ُد ِف ّنا معه بالمعمودية للموت‪ ،‬حتى إ ّنا‪ ،‬كما أُقيم‬
‫‪.‬المسي ُح من بين األموات بمجد اآلب‪ ،‬كذلك نسلك نحن ايضا ً في حياة جديدة"(رو‪)2-3: 1‬‬
‫‪.‬المعمّدون "قد لبسوا المسيح"‪ .‬وبالروح القدس تصير المعموديّة غسالً ينقّي ويق ّدس ويُبرّ ر‬
‫‪ -6666‬المعمودية هي اذن غسل بالماء‪ ،‬فيه َ‬
‫"زرْ ُع كلمة هللا غير الفاسد" يُنتج ثمره المحيي‪.‬‬
‫ي ويصير ذلك‬‫ويقول القديس أوغسطينوس في المعمودية‪" :‬تنض ّم الكلمة إلى العنصر الماد ّ‬
‫‪.‬سرّ اً"‬

‫بسر المعمودية؟‬
‫‪ .ً6‬كيف نحتفل ّ‬
‫النتشئة المسيحية‬

‫‪ -6666‬كان اإلنسان‪ ،‬منذ عهد الرسل‪ ،‬يصبح مسيح ّياً‪ ،‬عبر مسيرة وتنشئة تستغرق ع ّدة مراحل‪.‬‬
‫هذه الطريق يمكن اجتيازها بسرعة أو ببطء‪ ،‬ويجب أن تتضمّن بعض العناصر الجوهرية‪:‬‬
‫إعالن الكلمة‪ ،‬قبول اإلنجيل وما يستتبعه من توبة‪ ،‬االعتراف باإليمان‪ ،‬المعمودية‪ ،‬فيض الروح‬
‫‪.‬القدس‪ ،‬االقبال على الشركة االفخارستيّة‬
‫‪ -6666‬هذه النتشئة قد تب ّدلت كثيراً عبر األجيال وتبعا ً للظروف‪ .‬في القرون األولى من تاريخ‬
‫الكنيسة َع َرفت هذه المرحلة التفقيهيّة امتداداً واسعا ً مع فترة طويلة من الموعوظ ّية وسلسلة من الطقوس‬
‫‪.‬اإلعدادية التي كانت تواكب لي ُترج ّيا ً طريق الموعوظية‪ ،‬وتنتهي في االحتفال بأسرار التنشئة المسيحيّة‬
‫‪ -6666‬حيث معمودية األطفال أصبحت هي الطريقة الشائعة والمألوفة لالحتفال بهذا السرّ‪ ،‬انحصر هذا‬
‫عمل فر ٍد يدمج‪ ،‬بطريقة مختصرة جداً‪ ،‬المراحل التي تسبق التنشئة المسيحية‪ .‬فمعمودية األطفال‬ ‫ٍ‬ ‫االحتفال في‬
‫تفرض‪ ،‬بذات طبيعتها‪ ،‬تفقيها في الدين يعقب المعمودية‪ .‬ولسنا هنا فقط في صدد الحاجة إلى تثقيف دينيّ يعقب‬
‫المعمودية‪ ،‬بل إلى التف ّتح الضروري لنعمة المعمودية في نموّ االنسان‪ .‬وهذا هو الحيّز المميّز الذي يت ّم فيه‬
‫التعليم المسيحي‪.‬‬
‫موزعة على ع ّدة مراحل" وذلك في إطار‬ ‫‪ -6666‬لقد أمر المجمع الفاتيكاني الثاني بإحياء "الموعوظية للبالغين ّ‬
‫الكنيسة الالتينية‪ .‬ونجد طقوس هذه الموعوظيّة في "كتاب التفقيه المسيحي للبالغين"(‪ .)2111‬وقد أذن المجمع‬
‫أيضاً‪ ،‬بأن ُتع َت َمد‪ ،‬في بالد "اإلرساليات"‪ ،‬إلى جانب العناصر التفقيهيّة "التي ينطوي عليها التقليد المسيحي‪،‬‬
‫المواد التعليميّة األخرى التي يُلحظ استعمالها عند ك ّل شعب من الشعوب‪ ،‬على أن يكون من الممكن تكييفها مع‬
‫الطقس المسيحيّ "‪.‬‬
‫‪ -6666‬تفقيه البالغين في اإليمان المسيحي يبدأ اليوم إذن‪ ،‬في جميع الطقوس الالتينيّة والشرقيّة‪ ،‬منذ دخولهم‬
‫الموعوظيّة‪ ،‬ويبلغ ذروته في احتفال واحد باألسرار الثالثة ‪ :‬المعمودية والتثبيت واإلفخارستيا‪ .‬في الطقوس‬
‫الشرقيّة يلج األطفال الحياة المسيحية بالمعموديّة يليها حاالً سرّ التثبيت وسر اإلفخارستيا‪ .‬وأمّا في الطقس‬
‫الروماني فيتواصل تفقيه األوالد في الدين خالل سنوات وينتهي الحقا ً بالتثبيت واإلفخارستيا وهي ذروة التفقيه‬
‫‪.‬في الدين المسيحي‬

‫مدخل إلى فهم االحتفال‬

‫‪ -6666‬معنى سرّ المعمودية ونعمته َيظهران ظهوراً جل ّيا ً في طقوس االحتفال‪ .‬ويستطيع‬
‫المؤمنون‪ ،‬إذا تتبّعوا بانتباه ما يجري في الحفلة من أقوال وأفعال‪ ،‬وشاركوا فيها‪ ،‬أن يدركوا‬
‫‪.‬الكنوز التي يعنيها هذا السرّ ويحقّقها في ك ّل معتمد جديد‬
‫‪ -6665‬إشارة الصليب‪ ،‬في مطلع االحتفال‪ ،‬تشير إلى وسم المسيح على المزمع ان ينتسب إليه‪،‬‬
‫‪.‬ويرمز إلى نعمة الفداء التي استحقّها لنا المسيح بصليبه‬
‫شحين للمعمودية وعلى الجماعة‪،‬‬ ‫‪ -6669‬إعالن كلمة هللا يشرق بنور الحقيقة الموحاة على المر ّ‬
‫ويوقظ جواب اإليمان الذي ال ينفصل عن المعمودية‪ .‬وال غرو‪ ،‬فالمعمودية هي‪ ،‬بطريقة خاصّة‪،‬‬
‫‪".‬سرّ اإليمان" أل ّنها بمثابة المدخل األسراري إلى حياة اإليمان‬
‫‪ -6666‬نظراً إلى أنّ المعمودية تؤ ّدي معنى االنعتاق من الخطيئة ومن المحرّ ض عليها أي‬
‫الشيطان‪ُ ،‬تتلى بعض التقاسيم على المرشح للمعمودية‪ ،‬ويُمسح بزيت الموعوظين‪ ،‬أو يضع‬
‫المحتفل يده عليه‪ ،‬ويكفر صراحة بالشيطان‪ .‬فمع هذا االستعداد‪ ،‬يمكنه أن يعترف بإيمان الكنيسة‬
‫‪.‬التي "يو ّكل إليها بالمعموديّة"‬
‫‪ -6666‬ماء المعمودية يُق ّدس عندئذ بصالة استدعاء للروح القدس(في اللحظة ذاتها أو في ليلة‬
‫الفصح)‪ ،‬تطلب فيها الكنيسة إلى هللا أن تح ّل على هذا الماء‪ ،‬بواسطة ابنه‪ ،‬قوة الروح القدس‪،‬‬
‫‪.‬فيولد المعمّدون فيها "من الماء والروح"(يو‪)1: 3‬‬
‫‪ -6666‬ثم يلي ذلك الطقس األساسي في المعمودية‪ ،‬أي التعميد نفسه الذي يعني ويحقّق موت‬
‫اإلنسان دون الخطيئة وولوجه في حياة الثالوث األقدس‪ ،‬متصوّ راً بصورة المسيح في سرّ ه‬
‫الفصحيّ ‪ .‬وتت ّم المعمودية بأعمق معانيها بالتغطيس ثالثا ً في ماء المعموديّة‪ .‬ولكنّ المعمودية‬
‫‪.‬يمكن أن ُتمنح‪ ،‬تبعا ً لتقليد عريق‪ ،‬بصبّ الماء ثالثا على رأس المعتمد‬
‫‪ -6666‬في الكنيسة الالتينية‪ ،‬يقول المعمِّد‪ ،‬وهو يصبّ الماء ثالثا ً على المعتمد‪" :‬يا فالن‪ ،‬أعمّدك‬
‫باسم اآلب واالبن والروح القدس"‪ .‬في الليترجيات الشرقية َيوجّ ه المعتمد جهة الشرق‪ ،‬ويتلو عليه‬
‫الكاهن عبارة التعميد ‪" :‬يُعمّد عبد هللا(فالن) باسم اآلب واالبن والروح القدس"‪ ،‬وعند ذكر ك ّل‬
‫يغطسه في الماء وينتشله‬ ‫‪.‬من األقانيم الثالثة ّ‬
‫معطر يق ّدسه األسقف‪ ،‬ويرمز إلى موهبة الروح‬ ‫َّ‬ ‫‪ -6666‬المسحة بالزيت المقدس‪ ،‬وهو زيت‬
‫القدس للمعمَّد الجديد‪ .‬لقد أصبح مسيح ّيا ً أي "ممسوحا" بمسحة الروح القدس‪ ،‬وم ّتحداً بالمسيح‬
‫‪.‬الممسوح كاهنا ً ونب ّيا ً وملكا ً‬
‫‪ -6666.‬في ليترجيا الكنائس الشرقية‪ ،‬المسحة التي تلي المعمودية هي سرّ الميرون(التثبيت)‬
‫في الليترجيا الرومانية تؤذن بمسح ٍة أخرى بالزيت المقدس سوف يمنحها األسقف‪ :‬وهي سرّ‬
‫‪.‬التثبيت الذي " ُيث ّبت"‪ ،‬نوعا ً ما‪ ،‬مسحة المعمودية ويك ّملها‬
‫‪ -6666‬الثوب األبيض يرمز إلى أنّ المعمّد قد لبس المسيح‪ ،‬ونهض مع المسيح‪ .‬والشمعة‬
‫المسرجة من شمعة الفصح‪ ،‬ترمز إلى انّ المسيح قد أنار المعتمد جديداً‪ .‬فالمعمّدون في المسيح‬
‫‪.‬هم "نور العالم"(متى ‪)22 : 1‬‬

‫‪.‬المع َّمد جديداً قد أصبح اآلن ابن هللا في االبن الوحيد‪ .‬وبإمكانه أن يتلو صالة أبناء هللا ‪ :‬األبانا‬

‫‪ -6666‬المناولة اإلفخارستيا األولى‪ .‬يُقبل المعمّد وقد صار ابنا ً هلل‪ ،‬وارتدى ُحلّة العرس‪" ،‬في‬
‫وليمة عرس الحمل"‪ ،‬ويتناول قوت الحياة األبدية‪ ،‬أي جسد المسيح ودمه‪ .‬إنّ الكنائس الشرقية ال‬
‫تزال على وعي رهيف لوحدة األسرار المولجة إلى الحياة المسيحيّة‪ ،‬فتمنح المناولة المق ّدسة لك ّل‬
‫المعمّدين والمثبّتين جديداً‪ ،‬وحتى لألوالد الصغار‪ ،‬متذكرة قول الرب‪" :‬دعوا األطفال يأتون إل ّي‬
‫وال تمنعوهم"(مر ‪ .)22 :21‬واما الكنيسة الالتينية فهي تقصر التقرّ ب من المناولة المق ّدسة على‬
‫الذين بلغوا سن الرشد‪ ،‬وتعبّر عن التواصل القائم بين المعمودية واإلفخارستيا‪ ،‬بتقريب الطفل‬
‫‪.‬المعمّد جديداً من المذبح‪ ،‬لتالوة صالة "األبانا"‬
‫‪ -6665‬البركة االحتفالية تختتم حفلة المعمودية‪ .‬وفي حال تعميد المولودين جديداً‪ ،‬تحظى األ ّم‬
‫‪.‬ببركة خاصّة‬

‫‪ .6‬من هو المؤهّل لقبول س ّر المعمود ّية‬

‫‪" -6669.‬ك ّل بشر لم يعتمد بعد‪ ،‬يستطع وحده أن يقبل المعموديّة"‬

‫معمودية البالغين‬

‫‪ -6666‬معمودية البالغين‪ ،‬منذ مطالع الكنيسة‪ ،‬هي الحالة الشائعة في األماكن الحديثة العهد‬
‫ببشارة اإلنجيل‪ .‬فالموعوظية(وهي فترة االستعداد للمعمودية) تشغل‪ ،‬والحالة هذه‪ ،‬مكانا ً ملحوظا ً‬
‫‪ :‬فهي المدخل إلى اإليمان والحياة المسيحية‪ ،‬ويجب أن ُتع َّد الناس لتلقّي عطيّة هللا في المعمودية‬
‫والتثبيت واإلفخارستيا‪.‬‬
‫‪ -6666‬الموعوظية‪ ،‬أي تثقيف الموعوظين‪ ،‬هدفها أن تتيح لهؤالء تلبية البادرة اإللهيّة‪ ،‬ضمن‬
‫جماعة كنسيّة‪ ،‬والعمل على إنضاج توبتهم وإيمانهم‪ .‬فالموعوظية "هي تنشئة في الحياة المسيحيّة‬
‫من ك ّل جوانبها ي ّتحد فيها التالميذ بالمسيح معلّمهم‪ .‬وعلى الموعوظين أن يُف َّقهوا في معرفة أسرار‬
‫الخالص وممارسة الحياة االنجيليّة‪ ،‬وأن ُيدخلوا‪ ،‬عبر طقوس مق ّدسة يُحت َفل بها في فترات‬
‫‪.‬متتالية‪ ،‬حياة اإليمان واللي ُترجيا والمحبّة القائمة في شعب هللا"‬
‫‪ -6666‬الموعوظون "أصبحوا م ّتحدين بالكنيسة‪ ،‬وأصبحوا من بيت المسيح‪ ،‬وليس من النادر أن‬
‫‪.‬يحيوا حياة إيمان ورجاء ومحبّة"‪" .‬والكنيسة األم تحوّ طهم بالمحبّة والعناية كما تحوّ ط أبناءها"‬

‫معمودية األطفال‬
‫وملطخة بالخطيئة األصلية‪ ،‬ويحتاجون‪ ،‬من ثم‪ ،‬إلى‬ ‫ّ‬ ‫‪ -6656‬يولَد األطفال بطبيعة بشرية ساقطة‬
‫ان يولدوا‪ ،‬هم أيضا ً والدة جديدة في المعموديّة‪ ،‬ويُع َتقوا من سلطان الظالم‪ ،‬ويُنقّلوا إلى رحاب‬
‫حرّ ية أبناء هللا‪ ،‬التي دعي إليها الناس بأجمعهم‪ .‬مجّ اني ُّة نعمة الخالص َتظ َهر‪ ،‬في ك ّل نصاعتها‪،‬‬
‫ً‬
‫نعمة ال ُتق ّدر‪ ،‬وهي أن يصير ابنا ُ‬ ‫في معموديّة األطفال‪ .‬ومن ث ّم فالكنيسة واألهل َيحرمون ولدهم‬
‫‪.‬هلل‪ ،‬إذا لم يمنحوه المعمودية وقتا ً قصيراً بعد مولده‬
‫‪ -6656‬وعلى الوالدين المسيحيين أن يُقرّ وا بأنّ هذه الطريقة في التصرّ ف تتجاوب أيضا ً مع‬
‫‪.‬المهمّة التي و ّكلها هللا إليهم‪ ،‬بأن يوفّروا ألبنائهم غذاء الحياة‬
‫‪ -6656‬تعميد األطفال تقليد عريق في الكنيسة‪ ،‬نجد له‪ ،‬منذ القرن الثاني‪ ،‬إثباتات صريحة‪ .‬بيد‬
‫أ ّنه من الممكن أيضا ً أن تكون المعموديّة قد مُنحت لألطفال منذ مطلع الكرازة الرسولية‪ ،‬عندما‬
‫‪.‬كانت"بيوت" بجميع أفرادها تقبل المعمودية‬

‫اإليمان بالمعمودية‬

‫‪ -6656‬المعمودية سرّ اإليمان‪ .‬ولكن اإليمان بحاجة إلى جماعة المؤمنين‪ .‬وال يستطيع أحد من‬
‫المؤمنين أن يؤمن إال ّ في إطار إيمان الكنيسة‪ .‬اإليمان الذي تقتضيه المعمودية ليس إيمانا ً كامالً‬
‫وناضجاً‪ ،‬بل هو بداية إيمان بحاجة إلى أن يتطوّ ر‪ .‬والدليل على ذلك هو السؤال المطروح على‬
‫‪.‬الموعوظ أو على عرّابه ‪" :‬ماذا تطلب من كنيسة هللا" ؟ ويجيب ‪" :‬اإليمان!"‬
‫‪ -6656‬ال ب ّد لإليمان من ان ينمو بعد المعمودية‪ ،‬لدى جميع المعمّدين‪ ،‬أطفاالً كانوا أم بالغين‪.‬‬
‫ولذا تحتفل الكنيسة‪ ،‬ك ّل عام‪ ،‬في ليلة الفصح‪ ،‬بتجديد وعود المعمودية‪ .‬التأهّب للمعمودية ال يقود‬
‫إال ّ إلى عتبة الحياة الجديدة‪ .‬المعمودية هي نبع الحياة الجديدة في المسيح ومنها تنبجس الحياة‬
‫المسيحية كلّها‪.‬‬
‫‪ -6655‬من األهمة بمكان أن يُساعد األه ُل في تف ّتح نعمة المعموديّة‪ .‬وهذه هي أيضا ً مهمّة ّ‬
‫العراب‬
‫أو العرابة‪ ،‬اللذين يجب أن يكونا من المؤمنين الرّاسخين‪ ،‬المؤهّلين والمستع ّدين لمعاضدة المعتمد‬
‫جديداً‪ ،‬طفالً كان أم بالغاً‪ ،‬في طريقه إلى الحياة المسيحيّة‪ .‬مهمّتهما وظيفة كنسية حقيقيّة‪ ،‬على أن‬
‫‪.‬تتحمّل الجماعة الكنسيّة كلّها نصيبا ً من المسؤوليّة في تنمية نعمة المعموديّة وصونها‬

‫‪ .ً5‬من ُيع ِّمد ؟‬


‫‪ -6659‬األسقف والكاهن‪ ،‬وفي الكنيسة الالتينية‪ ،‬الشمّاس اإلنجيلي أيضاً‪ ،‬هم الذين يمنحون عادة‬
‫سرّ المعموديّة‪ .‬وفي حال الضرورة يجوز لك ّل انسان‪ ،‬وإن غير معمّد‪ ،‬أن يمنح سرّ المعموديّة‪،‬‬
‫بشرط أن تكون له النيّة المطلوبة ويستعمل صيغة العماد الثالوثيّة‪ .‬والنيّة المطلوبة هي أن يقوم‬
‫االنسان بما تقوم به الكنيسة عندما تمنح سرّ المعمودية‪ ،‬وأن يستعمل الصيغة الثالوثية المرعية في‬
‫المعموديّة‪ ،‬وترى الكنيسة سببا ً لهذا االحتمال إرادة هللا أن يُخلِّص جميع الناس‪ ،‬وضرورة‬
‫المعمودية للخالص‪.‬‬

‫‪ .ً9‬ضرورة المعمودية‬
‫‪ -6656‬يؤ ّكد السيد نفسه ضرورة المعموديّة للخالص‪ .‬ولذا أمر تالميذه أن يعلنوا البشارة‬
‫ويعمّدوا جميع األمم‪ .‬المعمودية ضروريّة لخالص الذين ُب ِّشروا وتم ّكنوا من طلب هذا السرّ ‪ .‬وال‬
‫وسيلة أخرى تكفل لإلنسان أن يدخل السعادة األبديّة‪ .‬ولذا تحترز‬‫ً‬ ‫تعرف الكنيسة غير المعمودية‬
‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الكنيسة من إهمال الرسالة التي تلقتها من السيّد ‪ :‬وهي أن تعمل على أن "يولد جديدا من الماء‬
‫بسر المعمودية‪ ،‬ولكنه هو نفسه‬ ‫والروح" ك ّل الذين يمكنهم أن يتعمّدوا‪ .‬إنّ هللا قد ربط الخالص ّ‬
‫‪.‬غي ُر مرتبط باألسرار التي وضعها‬
‫‪ -6656‬لقد اعتقدت الكنيسة منذ القدم اعتقاداً ثابتاً‪ ،‬بأن الذين يموتون في سبيل هللا‪ ،‬ولم ينالوا‬
‫المعموديّة‪ ،‬إ ّنما يعتمدون بموتهم ألجل المسيح ومع المسيح‪ .‬هذه المعمودية بالدم‪ ،‬كالمعمودية‬
‫‪.‬بالشوق‪ ،‬تحمل ثمار المعمودية من غير ان تكون سرّ اً‬
‫‪ -6656‬وأمّا الموعوظون الذين يموتون قبل أن يعتمدوا‪ ،‬فرغبتهم الصريحة في قبول المعمودية‪،‬‬
‫‪.‬مقرونة بالتوبة عن خطاياهم وبالمحبّة‪ ،‬تكفل لهم الخالص الذي لم ينالوه بسرّ المعموديّة‬
‫‪" -6696‬بما أن المسيح مات من أجل الجميع‪ ،‬وبما أنّ دعوة اإلنسان األخيرة هي في الحقيقة‬
‫واحدة‪ ،‬وهي دعوة إلهيّة‪ ،‬فمن الواجب علينا أن نكون على يقين من أنّ الروح القدس يم ّكننا‪،‬‬
‫بطرقة يعرفها هللا‪ ،‬من االشتراك في السرّ الفصحيّ"‪ .‬فك ّل إنسان يجهل إنجيل المسيح وكنيسته‪،‬‬
‫ويسعى إلى الحقيقة ويمتثل إرادة هللا‪ ،‬كما يعرفها‪ ،‬يستطيع أن يخلص‪ .‬ويمكن أن نفترض أنّ مثل‬
‫تشوقوها صراحة‬ ‫‪.‬هؤالء الناس‪ ،‬لو عرفوا ضرورة المعمودية‪ ،‬لكانوا ّ‬
‫‪ -6696‬وأما األطفال الذين يموتون بال معمودية‪ ،‬فالكنيسة ال تقدر إال ّ أن تكل أمرهم إلى الرحمة‬
‫ص جميع‬ ‫ك أنّ واسع رحمة هللا "الذي يريد أن َيخل ُ َ‬ ‫اإللهيّة‪ ،‬كما هو دأبها في الجناز ألجلهم‪ .‬وال ش ّ‬
‫الناس"(‪ 2‬تي ‪ ،)2 : 1‬وان محبة يسوع لألطفال وهو القائل ‪" :‬دعوا األطفال يأتون إليّ ‪ ،‬ال‬
‫تمنعوهم"(مر ‪ .)2 : 21‬يتيحان لنا األمل بأنّ يجد األطفا ُل الذين يموتون‪ ،‬بال معمودية‪ ،‬طريقا ً‬
‫إلى الخالص‪ .‬ولهذا تنادي الكنيسة بإلحاح اال ّ يُمنعْ األطفال من أن يأتوا إلى المسيح بواسطة‬
‫‪.‬موهبة المعمودية المق ّدسة‬

‫‪ .ً6‬نعمة المعمودية‬
‫‪ -6696‬أنّ ما تؤتيه المعمودية من ثمار متنوّ عة‪ ،‬ترمز إليه العناصر الحسّية المستعملة في شعائر‬
‫هذا السر‪ .‬فالتغطيس في الماء يستلهم رموز الموت والتنقية‪ ،‬كما يستلهم أيضا ً الوالدة الثانية‬
‫والتج ّدد‪ .‬المفعوالن األساسيّان هما إذن التنقية من الخطايا والوالدة الجديدة في الروح القدس‪.‬‬

‫‪...‬لمغفرة الخطايا‬
‫‪ -6696‬بالمعمودية ُتغفر الخطايا ك ّلها ‪ :‬الخطيئة األصلية‪ ،‬وجميع الخطايا الفردية وجميع عواقب‬
‫الخطيئة‪ .‬فالذين وُ لدوا ثانية ال يبقى فيهم ما يحجب عن دخول ملكوت هللا ‪ :‬ال خطيئة آدم‪ ،‬وال‬
‫‪.‬الخطيئة الفردية‪ ،‬وال ذيول الخطيئة‪ ،‬وأخطرها االنفصال عن هللا‬
‫‪ -6696‬بيد أنّ المعمّد يلبث عرضة لبعض مفاعيل الخطيئة الزمنيّة‪ ،‬كاآلالم والمرض والموت‬
‫والشوائب الداخلة في صميم الحياة‪ ،‬كاألوهان والمزاجية‪...‬الخ‪ .‬والميل إلى الخطيئة أو الشهوة‬
‫كما يسمّيها التقليد أو "بؤرة الخطيئة" على سبيل المجاز‪" .‬لقد ُت ِر َكت لنا الشهوة لصراعاتنا‪،‬‬
‫ولك ّنها أعجز من أن ُتلحق األذى بالذين ال ينقادون لها بل يتص ّدون لها بشجاعة‪ ،‬بنعمة المسيح‪.‬‬
‫‪.‬أضف إلى ذلك "أنّ الذي يصارع صراعا ً شرع ّيا ً ينال اإلكليل"(‪ 1‬تي ‪)1 : 1‬‬

‫"الخليقة الجديدة"‬
‫‪ -6695‬المعمودية ال تطهّر من ك ّل الخطايا وحسب‪ ،‬بل تصيّر المعتمد الجديد "خلقا ً جديداً"‪ ،‬وابنا ً‬
‫هلل بالتب ّني‪" ،‬وشريكا ً في الطبيعة اإللهية" وعضواً في جسد المسيح ووارثا ً معه‪ ،‬وهيكالً للروح‬
‫‪.‬القدس‬
‫المبررة‪ ،‬وهي ‪:‬‬
‫ِّ‬ ‫‪ -6699‬إنّ الثالوث الق ّدوس يهب المعتمد النعمة المقدّسة‪ ،‬النعمة‬
‫‪ -‬تم ّكن المعتمد من أن يتوجّ ه إلى هللا باإليمان والرجاء والمحبّة‪ ،‬وذلك عن طريق الفضائل‬
‫اإللهية‪.‬‬
‫‪ -‬و ُتقوّ يه ليحيا ويعمل بحفز من الروح القدس‪ ،‬عن طريق مواهب الروح القدس‪.‬‬
‫‪ -.‬وتتيح له أن ينمو في الخير بواسطة الفضائل األدب ّية‬
‫وهكذا نرى أنّ ك ّل بنية الحياة الفائقة الطبيعة لدى المسيحي لها جذورها في المعمودية‬
‫المق ّدسة‪.‬‬

‫مندمجون في الكنيسة‪ ،‬جسد المسيح‬


‫"أولسنا‪ ،‬من ث ّم‪ ،‬أعضا ٌء بعضُنا‬
‫‪ -6696‬إنّ المعمودية تصيّرنا أعضاء جسد المسيح‪َ .‬‬
‫لبعض؟"(أف ‪ .)11 : 2‬المعمودية تضمّنا إلى الكنيسة‪ .‬ومن أجران المعمودية يولد شعب هللا‬
‫ّ‬
‫يتخطى ك ّل الحدود الطبيعية والبشرية القائمة بين األمم والثقافات‬ ‫األوحد‪ ،‬شعب العهد الجديد الذي‬
‫واألعراق واألجناس ‪" :‬إ ّنا قبلنا المعمودية جميعا ً في روح واحد لنكون جسداً واحداً"‬
‫(‪ 2‬كو ‪.)23 : 21‬‬
‫‪ -6696‬لقد أصبح المعمدون "حجارة حيّة" "لبناء بيت روحاني" و "كهنوت مق ّدس"(‪ 2‬بط ‪: 1‬‬
‫‪ .)21‬فهم‪ ،‬بالمعمودية‪ ،‬يشتركون في كهنوت المسيح ورسالته النبوية والملكية‪ ،‬إ ّنهم "ذرّ ية‬
‫مختارة وكهنوت ملكيّ ‪ ،‬وأمّة مقدسة وشعب اصطفاه هللا لإلشادة بآيات من دعاهم من الظلمات‬
‫تخولنا نصيبا في كهنوت المؤمنين العا ّم‬ ‫‪.‬إلى نوره العجيب"(‪ 2‬بط ‪ .)1 : 1‬المعمودية ّ‬
‫‪ -6696‬المعمّد الذي صار عضواً في الكنيسة لم يعد مِلك ذاته‪ ،‬بل مِلك من مات وقام ألجلنا‪.‬‬
‫وبالتالي فهو مدعوٌّ إلى أن يخضع لآلخرين‪ ،‬ويخدمهم في شركة الكنيسة وأن "يطيع" رؤساء‬
‫الكنيسة "ويخضع لهم"‪ ،‬وأن يمحضهم االحترام والمحبّة‪ .‬وكما أنّ المعمودية هي مصدر‬
‫مسؤوليات وواجبات‪ ،‬فالمعمّد يتمتع أيضا ً بحقوق في حضن الكنيسة" أن ينال األسرار ويغتذي‬
‫‪.‬بكلمة هللا ويجد دعما ً في ما تق ّدمه الكنيسة من رفود روحيّة أخرى‬
‫‪" -6666‬على(المعمدين) الذين أضحوا أبناء هللا بالوالدة الجديدة(اي المعمودية) أن يعترفوا أمام‬
‫الناس باإليمان الذي تلقّوه من هللا بواسطة الكنيسة"‪ ،‬ويشتركوا في النشاط الرسولي والرسالي‬
‫‪.‬الذي يضطلع به شعب هللا‬

‫ي بين المسيحيين‬
‫المعمودية رباط الوحدة األسرار ّ‬

‫‪ -6666‬المعمودية هي االساس الذي تقوم عليه الشركة بين جميع المسيحيين‪ ،‬وأيضا ً مع الذين‬
‫ليسوا بعد في شركة كاملة مع الكنيسة الكاثوليكية‪" :‬إنّ الذين يؤمنون بالمسيح وقبلوا المعمودية‬
‫قبوالً صحيحاً‪ ،‬هم على الشركة‪ ،‬وإن غير كاملة‪ ،‬مع الكنيسة الكاثوليكية‪ .‬وبما أ ّنهم بُرّ روا‬
‫بحق يحملون‬ ‫باإليمان الذي نالوه في المعمودية‪ ،‬وصاروا به أعضاء في جسد المسيح‪ ،‬فإ ّنهم ّ‬
‫وبحق يرى فيهم أبناء الكنيسة الكاثوليكية إخوة في الربّ "‪" .‬المعمودية هي إذن‬ ‫ّ‬ ‫االسم المسيحي‪،‬‬
‫الرباط األسراري للوحدة القائمة بين الذين وُ لدوا بها ثانية"‪.‬‬
‫ّ‬

‫سمة روحية ال ُت َّمحى‪...‬‬

‫‪ -6666‬المعمّد الذي اندمج‪ ،‬بالمعمودية‪ ،‬في جسد المسيح‪ ،‬قد صار على مثال صورة المسيح‪.‬‬
‫فالمعمودية تختم المسيحي بختم روحي ال ُيمّحى(الوسم)‪ ،‬يكرّ س انتما َءه إلى المسيح‪ .‬هذا الختم ال‬
‫مار الخالص التي تؤتيها المعمودية‪ .‬ومن ث ّم‪،‬‬ ‫تمحوه خطيئة أ ّيا ً كانت‪ ،‬حتى وإن حجبت الخطيئة ث َ‬
‫‪.‬فالمعموديّة ُتمنح مرّ ة واحدة وال تتكرّر‬
‫‪ -6666‬إنّ المؤمنين‪ ،‬باندماجهم بالمعمودية في جسد الكنيسة‪ ،‬قد نالوا‪ ،‬بواسطة هذا السرّ ‪ ،‬سمة‬
‫التكرّ س للقيام بالعبادة الدينية المسيحية‪ .‬هذه السّمة تم ّكن المسيحيين من التج ّند لخدمة هللا في‬
‫مشاركة حيّة في لي ُترجيا الكنيسة المق ّدسة ومن ممارسة كهنوتهم العماديّ بشهادة سيرة مق ّدسة‬
‫‪.‬ومحبّة وفاعلة‬
‫‪" -6666‬ختم الرب" هو السمة التي َو َس َمنا بها الروح القدس "ليوم الفداء"(أف ‪.)31 : 2‬‬
‫"فالمعمودية هي ختم الحياة األبدية"‪ ،‬والمؤمن الذي "يحفظ الختم" سالما ً حتى النهاية‪ ،‬أي الذي‬
‫يظ ّل وف ّيا ً لمقتضيات معموديّته‪ ،‬بوسعه أن يحيا‪" ،‬موسوما ً بوسم اإليمان"‪ .‬أي بإيمان معموديته‪،‬‬
‫‪.‬بانتظار رؤية هللا السعيدة – وهي خاتمة اإليمان – وفي رجاء القيامة‬

‫بإيجاز‬
‫‪ -6665‬المدخل إلى الحياة المسيحية يتمّ بمجموع األسرار الثالثة ‪ :‬المعمودية وهي بدء الحياة‬
‫تغذي التلميذ من جسد المسيح ودمه لكي‬ ‫الجديدة‪ ،‬والتثبيت وهو دعامتها‪ ،‬واإلفخارستيا التي ّ‬
‫‪.‬يتحوّ ل إليه‬
‫‪" -6669‬اذهبوا وتلمذوا جميع األمم وعمّدوهم باسم اآلب واالبن والروح القدس‪ ،‬وع ّلموهم أن‬
‫‪.‬يحفظوا ك ّل ما أوصيتكم به"(متى ‪)32-19 : 32‬‬
‫‪ -6666‬المعمودية هي الوالدة للحياة الجديدة في المسيح‪ ،‬وهي‪ ،‬بمقتضى إرادة الرب‪ ،‬ضرورية‬
‫‪.‬للخالص‪ ،‬كالكنيسة نفسها التي مدخلها المعمودية‬
‫‪ -6666‬الطقس األساسي في المعمودية هو تغطيس المعتمد في الماء أو صبّ الماء على رأسه‪،‬‬
‫‪.‬مع استدعاء الثالوث األقدس‪ ،‬اآلب واالبن والروح القدس‬
‫‪ -6666‬ثمرة المعمودية أو نعمة المعمودية هي حقيقة غنيّة‪ ،‬من مفاعيلها‪ :‬محوُ الخطيئة األصلية‬
‫وك ّل الخطايا الفردية‪ ،‬الوالدة للحياة الجديدة التي تصيّر االنسان ابن ًا هلل بالتب ّني‪ ،‬وعضو ًا في جسد‬
‫ال للروح القدس‪ .‬وبالفعل نفسه يصبح المعمَّد عضو ًا في الكنيسة‪ ،‬جسد الكنيسة‪،‬‬ ‫المسيح‪ ،‬وهيك ً‬
‫‪.‬وشريك ًا في كهنوت المسيح‬
‫‪ -6666‬المعمودية تختم النفس بختم روح ّي ال يبلى‪ ،‬ووسم يكرّس المعمّد للقيام بشعائر العبادة‬
‫‪.‬المسيحية‪ .‬وبسبب هذا الموسم‪ ،‬ال يجوز تكرار المعمودية‬
‫‪ -6666‬الذين يموتون في سبيل اإليمان‪ ،‬والموعوظون وك ّل الذين بدافع النعمة‪ ،‬يلتمسون هللا‬
‫بإخالص َو َيج ّدون في تحقيق إرادته‪ ،‬من غير أن يعرفوا الكنيسة‪ ،‬يمكن أن يخلصوا وإنْ لم‬
‫‪.‬يحظوا بالمعمودية‬
‫‪ -6666‬منذ أقدم العهود‪ُ ،‬تم َنح المعمودية لألطفال‪ ،‬ألنّ المعمودية نعمة وعطيّة من هللا ال‬
‫تفترضان استحقاقات بشريّة‪ ،‬األطفال يعمّدون في إيمان الكنيسة‪ .‬ودخول الحياة المسيحية يجعل‬
‫‪.‬الحريّة الحقيقية في متناول االنسان‬
‫‪ -6666‬وأمّا في شأن األوالد الذين يموتون بال معمودية‪ ،‬فلي ُترجيا الكنيسة تدعونا إلى الثقة‬
‫بالرحمة اإللهية‪ ،‬وإلى الصالة ألجل خالصهم‪.‬‬
‫‪ -6666‬في حال الضرورة يجوز لكل إنسان أن يمنح المعموديّة‪ ،‬بشرط أن ينوي القيام بما تقوم‬
‫ال‪ :‬أعمّدك باسم اآلب وابن والروح القدس"‬ ‫‪.‬به الكنيسة‪ ،‬ويصبّ الماء على رأس المعتمد‪ ،‬قائ ً‬
‫المقال الثاني‬
‫سر التثبيت‬
‫ّ‬

‫‪ -6665‬مع المعمودية واالفخارستيا‪ ،‬يؤلّف سر التثبيت مجموع "األسرارالمدخلة إلى الحياة‬


‫المسيحية" التي ال ب ّد من المحافظة على وحدتها‪.‬ال ب ّد إذن من أن يُفسّر للمؤمنين أنّ قبول هذا‬
‫يتوثق ارتباط المعمّدين بالكنيسة على‬‫السرّ ضروري إلنجاز نعمة المعمودية‪" .‬فبسرّ التثبيت ّ‬
‫وجه أكمل‪ ،‬ويؤتيهم الروح القدس قوّ ة خاصّة ُتلزمهم التزاما ً أش ّد بنشر اإليمان‪ ،‬والذود عنه‬
‫‪.‬بالقول والعمل‪ ،‬فع َل شهو ٍد للمسيح حقيقيّين"‬

‫‪ .ً6‬التثبيت في تدبير الخالص‬


‫‪ -6669‬لقد أنبأ أنبياء العهد القديم أنّ روح الرب يح ّل على الماسيّا المرتقب‪ ،‬لتحقيق رسالته‬
‫الخالصيّة‪ .‬وهبوط الروح القدس على يسوع عندما اعتمد عن يد يوحنا‪ ،‬كان الدليل على أ ّنه هو‬
‫المزمع أن يأتي‪ ،‬وأ ّنه هو الماسيّا‪ ،‬ابن هللا‪ .‬وبما أ ّنه حُبل به بالروح القدس‪ ،‬فحياته كلّها ورسالته‬
‫كلّها قد تحقّقتا في ملء الشركة مع الروح القدس الذي أفاضه اآلب عليه "بغير حساب"‬
‫‪(.‬يو ‪)32 : 3‬‬
‫‪ -6666‬ملء الروح هذا لم يكن ليظ ّل مقصوراً على الماسيّا‪ ،‬بل كان ال ب ّد ان يع ّم الشعب‬
‫وي بأسره‪ .‬وقد وعد المسيح غير مرّ ة بأن يفيض الروح‪ ،‬وقد تم ذلك أوالً يوم الفصح ث ّم‪،‬‬ ‫الماسي ّ‬
‫َ‬
‫بطريقة أوسع‪ ،‬يوم العنصرة‪ .‬فامتأل الرسل من الروح القدس وابتدأوا يعلنون "عجائب هللا"(أع ‪1‬‬
‫‪ ،)22 :‬وصرّ ح بطرس أنَّ إفاضة الروح إ ّنما هي عالمة األزمنة الماسيويّة‪ .‬فالذين آمنوا بكرازة‬
‫‪.‬الرسل وقبلوا المعمودية نالوا هم أيضا ً الروح القدس‬
‫‪" -6666‬منذ ذلك الحين‪ ،‬أخذ الرسل يضعون األيدي على المعتمدين حديثاً‪ ،‬امتثاالً إلرادة‬
‫المسيح‪ ،‬ويمنحونهم موهبة الروح القدس مكتملة نعمة المعمودية‪ .‬ولذا نجد في الرسالة إلى‬
‫العبرانيين‪ ،‬بين مقوّ مات مبادئ التعليم المسيحي‪ ،‬العقيدة في شأن المعموديات وفي شأن وضع‬
‫بحق‪ ،‬في وضع األيدي‪ ،‬جذور سرّ التثبيت الذي يواصل"‬ ‫ّ‬ ‫األيدي أيضا ً‪ .‬ويرى التقليد الكاثوليكيّ‬
‫‪.‬نوعا ً ما‪ ،‬في الكنيسة‪ ،‬موهبة العنصرة"‬
‫المعطر(الميرون)‪ ،‬ترمز إلى‬ ‫ّ‬ ‫ً‬
‫مسحة بالزيت‬ ‫‪ -6666‬وقد انضاف‪ ،‬قديما ً ج ّداً‪ ،‬إلى وضع األيدي‪،‬‬
‫موهبة الروح القدس‪ .‬هذه المسحة تفسّر اسم "المسيحيّ " أي "الممسوح" والمستوحى من اسم‬
‫المسيح نفسه الذي "مسحه هللا بالروح القدس"(أع ‪ )38 : 21‬هذه المسحة ال تزال مستعملة‪ ،‬إلى‬
‫أيامنا هذه‪ ،‬في الشرق كما في الغرب‪ .‬ولذا يسمّى هذا السرّ ‪ ،‬في الشرق‪" ،‬سرّ المسحة"‪ ،‬أي‬
‫المسحة بالزيت المقدس‪ ،‬أو الميرون‪ ،‬تسمية هذا السرّ بسرِّ "التثبيت" في الغرب توحي بأنّ هذا‬
‫‪.‬السرّ يثبّت المعمودية وفي الوقت عينه ّ‬
‫يوطد النعمة العماديّة‬

‫تقليدان‪ :‬في الشرق والغرب‬

‫‪ -6666‬في القرون األولى كان التثبيت يُمنح عاد ًة‪ ،‬مع المعمودية‪ ،‬في حفلة واحدة‪ ،‬مكوّ نا ً معها‪ ،‬على ح ّد تعبير‬
‫القديس كيريانوس‪" ،‬سرّ اً مزدوجاً"‪ .‬من جملة األسباب التي منعت حضور األسقف في ك ّل حفالت المعمودية‪،‬‬
‫ّ‬
‫تضخم األبرشيات‪.‬‬ ‫تكاثر عدد معموديات األطفال‪ ،‬في ك ّل أوقات السنة‪ ،‬وتكاثر عدد الرّ عايا(الريفية)‪ ،‬ومن ث ّم‬
‫فلة تتويج المعمودية بالتثبيت‪ ،‬بدأت عادة الفصل بين‬ ‫ص َر في األسقف ح ُ‬‫في الغرب‪ ،‬بسبب الرغبة في أن ُتح ّ‬
‫السرّ ين بمسافة زمنية‪ .‬وأمّا الشرق فقد ظ َّل على إقامة السرّ ين م ّتحدين‪ ،‬بحيث بات الكاهن المعمِّد هو الذي يمنح‬
‫سرّ التثبيت‪ .‬ولكن ال يجوز لهذا الكاهن أن يمسح إالّ "بالميرون" الذي يق ّدسه األسقف‪.‬‬
‫‪ -6666‬لقد سهّلت كنيسة روما‪ ،‬جريا ً على عادة لديها‪ ،‬تطوّ ر الممارسة الغربيّة باعتماد مسحة مزدوجة بالزيت‬
‫المقدس بعد المعمودية‪ ،‬يمنحها الكاهن للمعتمد جديداً بعد غسل المعمودية‪ ،‬ويكمّلها األسقف بمسحة ثانية على‬
‫جبهة ك ّل م َِن المعتمدين الجدد‪ .‬فالمسحة األولى بالزيت المق ّدس التي يمنحها الكاهن ظلّت مرتبطة بالطقس‬
‫العمادي‪ ،‬وترمز إلى اشتراك المعتمد في وظائف المسيح الثالث ‪ :‬النبويّة والكهنوتية والملكية‪ .‬أمّا إذا منحت‬
‫‪.‬المعمودية لبالغ فليس ثمة سوى مسحة واحدة بعد المعمودية‪ ،‬هي مسحة التثبيت‬
‫‪ -6666‬الطريقة الم ّتبعة في الكنائس الشرقية ت ّنوه بوحدة األسرار المُدخلة إلى الحياة المسيحية‪ .‬وأمّا الطريقة‬
‫الالتينية فتعبّر بوضوح أكثر عن الشركة القائمة بين المعتمد حديثا ً وأسقفه‪ ،‬كفيل وخادم وحدة كنيسته وشموليتها‬
‫‪.‬ورسوليّتها‪ ،‬ومن ث ّم فهي تعبّر عن الرباط الذي يصلها بكنيسة المسيح وجذورها الرسولية‬
‫سر التثبيت ورتبته‬
‫‪ .ً6‬عالمات ّ‬

‫عالمة حسّية‪ ،‬وما ترمز إليه المسحة وتطبعه في‬‫ً‬ ‫‪ -6666‬رتبة سرّ التثبيت تتضمّن المسحة‬
‫‪.‬النفس‪ ،‬هو الختم الروحي‬
‫المسحة‪ ،‬في الرموزيّة الكتابية والغابرة‪ ،‬مشحونة بالمعاني ‪ :‬فالزيت هو رمز الوفرة والبهجة‪،‬‬
‫ووسيلة تنقي ٍة(المسحة قبل الغسل وبعده) ومرونة(مسحة الرياضيّين والمصارعين)‪ ،‬وهو عالمة‬
‫‪.‬شفاء‪ ،‬بدليل أنّ يخفّف اللدَمات والجروح‪ ،‬ويضفي على الجسد جماالً وصحّ ة وقوّ ة‬
‫‪ -6666‬كل هذه المعاني المرتبطة بمسحة الزيت نجدها في الحياة األسرارية‪ .‬فالمسحة قبل‬
‫المعمودية بزيت الموعوظين ترمز إلى التنقية والتقوية‪ ،‬مسحة المرضى ُت ْشعِر بالبُرء واالبالل‬
‫من المرض‪ .‬والمسحة بالزيت المق ّدس بعد المعمودية في سرّ التثبيت‪ ،‬والرسام ِة الكهنوتية‪ ،‬هي‬
‫عالمة التكريس‪ .‬بالتثبيت يشترك الميسحيون‪ ،‬أي المسحاء‪ ،‬اشتراكا ً أفعّل في رسالة يسوع‬
‫‪.‬المسيح وامتالئه من الروح القدس الفائض فيه‪ ،‬فيفوح من حياتهم "أريجْ طيب المسيح"‬
‫‪ -6665‬بهذه المسحة ينال طالب التثبيت "سمة" الروح القدس "وختمه" فالختم هو رمز الشخص‬
‫لمتاع ما – فهكذا يَسِ مون قديما ً الجنود بوسم زعيمهم‪ ،‬والعبيد بوسم‬‫ٍ‬ ‫وعالمة سلطته وامتالكه‬
‫فعل قانوني‪ ،‬أو وثيق ٍة يُضفي عليهما طابع السريّة‬
‫‪.‬سيّدهم ‪ ،-‬وهو مصداق ٍ‬
‫‪ -6669‬المسيح نفسه يعلن ذاته مثبِّتا ً بختم أبيه‪ .‬والمسيحيّ هو أيضا ً ممهوراً بختم ‪" :‬إنّ الذي‬
‫يثبِّتنا وإيّاكم للمسيح والذي مسحنا هو هللا‪ ،‬وهو الذي ختمنا بخاتمه وجعل في قلوبنا عربون‬
‫روحه"(‪ 1‬كو ‪ .)11-12:‬خت ُم الروح القدس هذا هو ع ُ‬
‫المة االنتماء الكامل إلى المسيح والتطلوّ ِع‬
‫‪.‬لخدمته على الدوام‪ ،‬ولك ّنه وع ٌد لنا أيضا ً برعايته تعالى في محنة األزمنة األخيرة‬

‫بسر اللتثبيت‬
‫االحتفال ّ‬

‫ّ‬
‫يتجزأ ‪:‬‬ ‫‪ -6666‬هناك لحظة هامة تسبق االحتفال بسرّ التثبيت‪ ،‬وإن كانت‪ ،‬نوعا ً ما‪ ،‬جزءًا منه ال‬
‫وهي لحظة تكريس الزيت المقدس‪ .‬األسقف هو الذي يكرّ س الزيت المق ّدس لك ّل أبرشيّته‪ ،‬يوم‬
‫الخميس المق ّدس‪ ،‬أثناء القداس الميروني‪ .‬في كنائس الشرق‪ ،‬هذا التكريس محفوظ للبطريرك ‪:‬‬
‫اللي ُترجيا األنطاكية تعبّر على النحو التالي عن استدعاء الروح القدس لتكريس الزيت المق ّدس(الميرون) ‪: :‬أيها‬
‫اآلب ارسل روحك القدوس علينا وعلى هذا الزيت الذي بين أيدينا وق ّدسه ليكون لجميع الذين يُمسحون ويُخ َتمون‬
‫وثوب النور‪ ،‬وحلّة الخالص‪ ،‬والعطيّة الروحية‪،‬‬
‫َ‬ ‫به‪ ،‬ميرونا ً مق ّدساً‪ ،‬ميرونا ً كهنوت ّياً‪ ،‬ميرونا ً ملك ّياً‪ ،‬مسح َة بهجةٍ‪،‬‬
‫ودرع اإليمان والخوذة الرهيبة لص ّد‬
‫َ‬ ‫وتقديسا ً للنفوس واألجساد‪ ،‬والسعادة التي ال تبلى‪ ،‬والختم الذي ال يمّحي‪،‬‬
‫‪.‬ك ّل غزوات العدوّ "‬
‫‪ -6666‬عندما يُحتفل بسرّ التثبيت مفصوالً عن المعموديّة‪ ،‬كما هي الحال في الطقس الالتيني‪ ،‬تبدأ ليترجيا‬
‫التثبيت بتجديد وعود المعمودية وإعالن إيمان المزمعين أن ينالوا السرّ ‪ .‬وي َتضح هكذا أنَّ التثبيت يظ ّل في خط‬
‫‪.‬المعمودية‪ .‬وأمّا تعمّد أحد البالغين فينال حاالً سرّ التثبيت ويشترك في اإلفخارستيا‬
‫‪ -6666‬في الطقس الروماني‪ ،‬يبسط األسقف يديه على مجموع المستع ّدين للتثبيت‪ ،‬وذلك‪ ،‬من‬
‫عهد الرسل‪ ،‬عالمة موهبة الروح‪ .‬ويلتمس األسقف إفاضة الروح بهذا الدعاء ‪:‬‬
‫"أيها اآلب الفائق الصالح‪ ،‬أبو ربّنا يسوع المسيح‪ ،‬أُنظر إلى هؤالء المعمّدين الذين نضع أيدينا عليهم‪ :‬لقد‬
‫أفض اآلن عليهم روحك الق ّدوس‪،‬‬‫أعْ تق َتهم من الخطيئة بالمعمودية ووهب َتهم أن يولدوا ثانية من الماء والروح‪ِ .‬‬
‫حسب وعدك‪ .‬أعطهم ملء الروح الذي نزل على ابنك يسوع‪ :‬روح الحكمة والفهم‪ ،‬روح المشورة والقوّ ة‪ ،‬روح‬
‫المعرفة والمحبة البنوية‪ .‬امألهم من روح مخافة هللا‪ ،‬بيسوع ربّنا"‪.‬‬
‫‪ -6666‬ويلي الجزء الجوهري في رتبة سرّ التثبيت‪ .‬في الطقس الالتيني "يُمنح سرّ التثبيت بمسح‬
‫الجبهة بالزيت المق ّدس ووضع اليد مع هذه الكلمات ‪" :‬فل ُتخ َت ْم بختم الروح القدس‪ ،‬موهب ِة هللا"‪ .‬في‬
‫الكنائس الشرقية‪ ،‬تت ّم المسحة بالميرون‪ ،‬بعد صالة االستدعاء‪ ،‬على األجزاء المميزة في الجسم ‪:‬‬
‫الجبهة والعينين واألنف واألذنين والشفتين والصدر والظهر واليدين والرجلين‪ .‬وترافق كل مسحة‬
‫الروح القدس"‬
‫ِ‬ ‫‪.‬العبارة التالية ‪" :‬خت ُم موهب ِة‬
‫‪ -6666‬قبلة السالم التي تأتي في ختام الحفلة ترمز إلى الشركة الكنسية بين األسقف وجميع‬
‫‪.‬المؤمنين و ُتظهرها‬

‫‪ .6‬مفاعيل التثبيت‬

‫‪ -6666‬نستنتج من حفلة التثبيت أنّ مفعول السرّ هو إفاضة الروح القدس الخاصة‪ ،‬كما أُفيض‬
‫‪.‬قديما ً على الرسل يوم العنصرة‬
‫‪ -6666‬من هذا الملحظ‪ ،‬يعمل سرّ التثبيت على إنماء نعمة المعمودية وترسيخها‪:‬‬
‫‪ -‬يُرسّخنا ترسيخا ً أعمق في البنوّ ة اإللهية التي تتيح لنا القول " "أبّا‪ ،‬يا أبتاه"(رو ‪،)21 : 8‬‬
‫‪ -‬يزيدنا ثباتا ً في ا ّتحادنا بالمسيح‪،‬‬
‫‪ -‬يزيد مواهب الروح القدس فينا‪،‬‬
‫‪ -‬يجعل ارتباطنا بالكنيسة أكمل ‪،‬‬
‫‪ -‬يمنحنا قوة خاصة من الروح القدس لنشر اإليمان ونذود عنه بالكالم والعمل‪ ،‬فِع َل شهو ٍد للمسيح‬
‫حقيقيّين‪ ،‬ونعترف باسم المسيح بشجاعة وال نستحي أبداً بصليبه ‪:‬‬
‫"تذ ّكر إذن أ َنك نلت الختم الروحي‪ ،‬روح الحكمة والفهم‪ ،‬وروح المشورة والقوّ ة‪ ،‬روح المعرفة والتقوى‪ ،‬روح‬
‫المخافة المق ّدسة‪ ،‬وحافظ على ما نلته‪ .‬لقد ختمك هللا اآلبُ بختمه‪ ،‬وث ّب َتك المسيح الربّ ووضع في قلبك عربون‬
‫‪.‬الروح"‬
‫‪ -6666‬سرّ التثبيت‪ ،‬كالمعمودية التي يكمّلها‪ ،‬ال يُمنح إال ّ مرة واحدة‪ .‬فالتثبيت يَسِ ُم النفس‬
‫بسم ٍة روح ّية ال تبلى‪ ،‬أي "الختم"‪ .‬وهو الدليل على أنّ يسوع المسيح قد ختم المسيحيّ بختم‬
‫‪.‬روحه‪ ،‬والبسه قوّ ة من العالء ليكون له شاهداً‬
‫‪ -6665‬إنّ "الختم" يُكمّل كهنوت المؤمنين العا ّم الذي نالوه في المعموديّة‪" .‬ويتلقّى المثب ُ‬
‫َّت قوّ ة‬
‫‪.‬االعتراف بإيمان المسيح جهاراً‪ :‬تلك مهمّة أُلقيت على عاتقه"‬

‫‪ .ً6‬من الذي يقبل هذا السر‬


‫‪ -6669‬ك ّل معمّد لم يُثبّت بعد يجوز له بل يجب عليه أن يقبل سرّ التثبيت‪ .‬وبما أنّ المعمودية‬
‫والتثبيت واالفخارستيا تؤلّف وحدة‪" ،‬فعلى المؤمنين‪ ،‬من باب اللزوم‪ ،‬أن يقبلوا هذا السرّ في‬
‫الوقت المناسب"‪ ،‬ألنّ سرّ المعمودية‪ ،‬بدون التثبيت واالفخارستيا‪ ،‬يبقى وال شك صحيحا ً وفاعالً‪،‬‬
‫‪.‬ولكن المدخل إلى الحياة المسيحية َيظ ّل ناقصا ً‬
‫ارتكاز لسرّ التثبيت‪ .‬ولكن‪ ،‬في خطر الموت‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫‪ -6666‬التقليد الالتيني‪ ،‬منذ قرون‪ ،‬يعتبر "سنّ التمييز" نقطة‬
‫‪.‬يجب تثبيت األوالد حتى قبل بلوغ سنّ التمييز‬
‫‪ -6666‬إذا اع ُتبر التثبيت أحيانا ً "سرّ النضج المسيحي"‪ ،‬فيجب أال ّ نخلط بين سنّ البلوغ في‬
‫اإليمان وسنّ البلوغ الطبيعي‪ ،‬واال ّ يفوتنا أنّ نعمة المعمودية هي عطيّة اختيار مجّ انية ال نستحقها‬
‫وليست بحاجة إلى أن "يُصادق عليها" لتصبح فاعلة‪ .‬وهذا ما يذ ّكر به القديس توما ‪:‬‬
‫"سنّ الجسد ال يُجحف بالنفس‪ .‬وهكذا يستطيع االنسان‪ ،‬حتى في عهد الطفولة‪ ،‬أن ينال كمال السنّ الروحي الذي‬
‫يتح ّدث عنه سفر الحكمة ‪" :‬إنّ الشيخوخة المكرّ مة ليست هي القديمة األيام وال هي ُتق َّدر بعدد السنين"‬
‫(‪ .)8: 2‬وهكذا استطاع اوالد كثيرون‪ ،‬بقوة الروح القدس التي كانوا قد حظوا بها‪ ،‬أن يكافحوا بشجاعة وحتى‬
‫‪.‬الدم ألجل المسيح"‬
‫‪ -6666‬هدف اإلعداد لس ّر التثبيت أن يُتيح للمسيحيّ ا ّتحاداً اوثق بالمسيح‪ ،‬وألفة أعمق مع الروح‬
‫القدس وعمل ِه ومواهب ِه ونداءاتِه‪ ،‬ليتم ّكن من االضطالع بالمسؤوليات الرسولية التي توجبها الحياة‬
‫المسيحية‪ .‬ولذا يجب السعي‪ ،‬في التعليم اإلعداديّ للتثبيت‪ ،‬إلى إيقاظ حسّ االنتماء إلى كنيسة‬
‫يسوع المسيح‪ ،‬سواء الكنيسة الجامعة أم الجماعة الرعويّة‪ .‬وتتحمّل هذه الجماعة األخيرة‬
‫مسؤولية خاصة في تهيئة المُع ّدين للتثبيت‪.‬‬
‫‪ -6666‬لقبول التثبيت ال ب ّد للمرء أن يكون في حالة البرارة‪ .‬ويُس َتح َسن اللجوء إلى سرّ التوبة‬
‫لتنقية الضمير‪ ،‬استعداداً لموهبة الروح القدس‪ .‬وال ب ّد من صالة حارّ ة ُتع ُّد المؤمن لقبول الروح‬
‫‪.‬القدس ونعمِه قبوالًُّ سلسا ً وطيّعا ً‬
‫شحين‬ ‫عرابة يق ّدمان للمر ّ‬
‫عراب أو ّ‬ ‫‪ -6666‬في التثبيت كما في المعمودية يُستحسن اللجوء إلى ّ‬
‫للتثبيت دعما ً روح ّيا ً ‪ :‬ويُستحسن أيضا ً أن يكون هو نفس العراب المستدعي للمعمودية‪ ،‬تنويها ً‬
‫‪.‬بوحدة السرّ ين‬
‫سر التثبيت‬‫‪ .ً5‬خادم ّ‬

‫‪ -6666.‬األسقف هو الخادم األصيل لسرّ التثبيت‬


‫في الشرق‪ ،‬الكاهن المعمِّد هو الذي يمنح عاد ًة َو َف ْوراً سرّ التثبيت في حفلة واحدة‪ .‬ولك ّنه يستعمل‪،‬‬
‫في التثبيت‪ ،‬الزيت الذي ق ّدسه البطريرك أو األسقف‪ ،‬تأكيداً لوحدة الكنيسة الرسولية التي تجد‪،‬‬
‫في سرّ التثبيت‪ ،‬وسيلة ً لتمتين عراها‪ .‬في الكنيسة الالتينية يُطبّق هذا النظام نفسه في معموديّات‬
‫البالغين‪ ،‬وك ّل مرّ ة يُق َبل‪ ،‬في ملء الشركة مع الكنيسة‪ ،‬مع ّم ٌد من طائفة مسيحية أخرى لم ينل سرّ‬
‫‪.‬التثبيت بوجه صحيح‬
‫‪ -6666‬في الطقس الالتيني‪ ،‬الخادم العاديّ لسرّ التثبيت هو األسقف‪ .‬وحتى وإن جاز لألسقف‪،‬‬
‫في حال الضرورة‪ ،‬أن يفوّ ض إلى كهنة سلط َة القيام بمنح التثبيت‪ ،‬إال ّ أ ّنه من الالئق أن يمنحه هو‬
‫نفسه‪ ،‬وال يفوته أنّ االحتفال بسرّ التثبيت قد فُصِ ل وقت ّيا ً عن المعمودية لهذا السبب عينه‪.‬‬
‫فاألساقفة هو خلفاء الرسل‪ ،‬وقد نالوا ملء سرّ الكهنوت‪ .‬فأن يقوموا هم أنفسهم بمنح هذا السرّ‬
‫يشير بوضوح إلى أنَّ من مفاعيله أن يوحّ د المثبّتين‪ ،‬بطريقة أوثق‪ ،‬بالكنيسة وجذورها الرسولية‬
‫‪.‬ورسالتها القاضية بأن تكون شاهد ًة للمسيح‬
‫‪ -6666‬إذا وُ جد مسيحيّ في خطر الموت‪ ،‬يستطيع ك ّل كاهن أن يمنحه سرّ التثبيت‪ .‬فالكنيسة‬
‫تريد أن ال يخرج من هذا العالم أحد من أبنائها‪ ،‬وإن طفالً‪ ،‬بدون أن يكتمل بالروح القدس وموهبة‬
‫‪.‬ملء المسيح‬

‫بإيجاز‬

‫‪" -6665‬وسمع الرسل في أورشليم أنّ السامرة قبلت كلمة هللا‪ ،‬فأرسلوا إليها بطرس ويوحنا‪،‬‬
‫فنزال إليها وصليا من أجلهم لينالوا الروح القدس‪ ،‬أل ّنه لم يكن قد نزل بعد على أحد منهم‪ ،‬إ ّنما‬
‫كانوا قد اعتمدوا فقط باسم يسوع‪ .‬فوضعا أيديهما عليهم‪ ،‬فنالوا الروح القدس"‬
‫‪(.‬اع‪)11-14: 2‬‬
‫‪ -6669‬التثبيت يكمّل نعمة المعمودية‪ .‬إ ّنه السر الذي يهب الروح القدس ليرسّخنا ترسيخ ًا أعمق‬
‫في البنوّ ة اإللهية‪ ،‬ويُدمجنا‪ ،‬بوجه أثبت‪ ،‬في جسد المسيح‪ ،‬ويُم ِّتن ارتباطنا بالكنيسة‪ ،‬وب ِشركنا أكثر‬
‫‪.‬في رسالتها‪ ،‬ويساعدنا في أداء شهادة اإليمان المسيح ّي قو ًال وعم ً‬
‫ال‬
‫‪ -6666‬التثبيت كالمعمودية يطبع النفس المسيحية بطابع روحيّ‪ ،‬أي بختم ال يبلى‪ .‬وال يجوز‪ ،‬من‬
‫‪.‬ثم‪ ،‬قبول هذا الس ّر إ ّال مرّة واحدة في الحياة‬
‫‪ -6666‬في الشرق‪ ،‬يُمنح هذا الس ّر فور ًا بعد المعمودية‪ ،‬ويليه االشتراك في االفخارستيا‪ ،‬وهو‬
‫تقليد يُنوّ ه بوحدة األسرار الثالثة المُدخلة إلى الحياة المسيحية‪ .‬في الكنيسة الالتينية يُمنح هذا السر‬
‫عندما يبلغ الولد سنّ الرشد‪ ،‬ويُحصر االحتفال به عادة في األسقف لإلشارة إلى أنّ هذا السر يُم ّتن‬
‫‪.‬الرباط الكنسي‬
‫ويكون في حال البرارة وينوي‬ ‫َ‬ ‫‪ -6666‬طالب التثبيت الذي يبلغ سنّ الرشد يجب أن يُعلِن اإليمان‪،‬‬
‫قبول الس ّر ويكون مستع ّد ًا لإلضطالع بدوره تلميذ ًا وشاهد ًا للمسيح‪ ،‬ضمن الجماعة الكنسيّّّ ة‬
‫‪.‬وفي الشؤون الزمنية‬
‫‪ -6666‬الطقس األساسي في التثبيت هو مسحة جبهة المعتمد بالزيت المقدس‪(،‬وفي الشرق َتمسح‬
‫أعضاء أخرى من الحواس)‪ ،‬مع وضع يد خادم السر‪ ،‬مصحوب ًا بالكلمات التالية ‪" :‬خذ موهبة‬
‫الروح القدس"‪ ،‬في الطقس الروماني ‪:‬‬
‫“ ‪“ Signaculm doni Spiritus Sancti‬‬
‫‪ .‬و "ختم موهبة الروح القدس" في الطقس البييزنطي‬
‫‪ -6666‬عندما يُحتفل بس ّر التثبيت مفصو ُ‬
‫الًّ عن المعموديّة‪ ،‬فارتباطه بالمعمودية يتبيّن في أمور‬
‫ع ّدة‪ ،‬والسيّما في تجديد وعود المعمودية‪ .‬االحتفال بس ّر التثبيت خالل االفخارستيا يساعد في‬
‫‪.‬التنويه بوحدة األسرار المُدخلة إلى الحياة المسيحية‬

‫المقال الثالث‬
‫سر اإلفخارستيا‬

‫‪ -6666‬االفخارستيا المق ّدسة تختتم مرحلة التنشئة المسيحية‪ .‬فالذين أُكرموا بالكهنوت الملكيّ‬
‫بالمعمودية‪ ،‬وتصوّ روا‪ ،‬بالتثبيت‪ ،‬بصورة المسيح بوجه اعمق‪ ،‬يشتركون‪ ،‬مع كل الجماعة‪ ،‬في‬
‫‪.‬ذبيحة السيد نفسه‪ ،‬بواسطة االفخارستيا‬
‫‪ " -6666‬إنّ مخلّصنا وضع‪ ،‬في العشاء األخير‪ ،‬ليلة أُسلِم‪ ،‬ذبيحة جسده ودمه االفخارستية‪ ،‬لكي‬
‫تستمرّ بها ذبيحة الصليب على مرّ األجيال‪ ،‬إلى أن يجيء‪ ،‬ولكي يود َِع الكنيسة عروسه الحبيبة‪،‬‬
‫ذكرى موته وقيامته‪ :‬إ ّنه سرّ تقوى‪ ،‬وعالمة وحدة‪ ،‬ورباط محبة‪ ،‬ووليمة فصحيّة‪ ،‬فيها نتناول‬
‫المسيح غذاء‪ ،‬وتمتلئ النفس بالنعمة‪ ،‬و ُنعْ طى عربون المجد اآلتي"‪.‬‬

‫‪ .ً6‬اإلفخارستيا ‪ :‬منبع المسيحية وق ّمتها‬

‫‪ -6666‬االفخارستيا هي " منبع الحياة المسيحية وقمّتها"‪" .‬فاألسرار وجميع الخِدم الكنسية‬
‫والمهام الرسولية مرتبطة كلّها باالفخارستيا ومتر ّتبة عليها‪ .‬ذلك بأَنَّ االفخارستيا تحتوي على كنز‬
‫‪.‬الكنيسة اللرّ وحي بأجمعه‪ ،‬أي على المسيح بالذات فصحنا"‬
‫‪" -6665‬شركة الحياة مع هللا ووحدة شعب هللا هما قوام الكنيسة‪ ،‬وإليهما ترمز االفخارستيا وبها‬
‫تتحقّقان‪ .‬واالفخارستيا هي قمّة العمل الذي به يُق ِّدس هللا العالم في المسيح‪ ،‬كما أ ّنها ذروة العبادات‬
‫‪.‬التي يرفعها الناس إلى المسيح‪ ،‬وبه إلى اآلب في الروح القدس"‬
‫‪ -6669‬باالحتفال الليترجي‪ ،‬ن ّتحد أخيراً ومنذ اآلن بليترجيّا السماء ونستبق الحياة األبدية حيث‬
‫"يكون هللا كالًّ في الكل"(‪ 2‬كو ‪.)28 : 21‬‬
‫‪ -6666‬وقصارى القول إنّ االفخارستيا هي موجز إيماننا وخالصته‪" :‬فطريقة تفكيرنا تنطبق‬
‫‪.‬على االفخارستيا‪ ،‬واالفخارستيا‪ ،‬في المقابل‪ُ ،‬تثبت طريقة تفكيرنا"‬

‫السر‬
‫ّ‬ ‫‪ .ً6‬تسميات هذا‬

‫‪ -6666‬يملك هذا السرّ من غزارة المعاني ما يحمل على تسميته بتعابير متنوّ عة‪ ،‬يوحي ك ٌّل منها‬
‫ببعض من وجوهه‪ .‬فهو يُسمّى ‪:‬‬
‫‪.‬اإلفخارستيا ‪ :‬أل ّنه أداء شكر هلل‪(.‬لو ‪2 ،21 : 11‬كو ‪)12 :22‬‬
‫‪ -6666‬مائدة الرب ‪ :‬فاالفخارستيا تذ ّكر بالعشاء الذي تناوله الرب بصحبة تالميذه عشية آالمه‬
‫‪.‬وهي أيضا ً استباق لمائدة عرس الحمل في أورشليم السماوية‬
‫كسر الخبز‪ :‬هذه العادة المرعيّة في الموائد اليهودية‪ ،‬كان يسوع يعمد إليها‪ ،‬عند َبركة الخبز‬
‫وتوزيعه‪ ،‬بصفته المتق ّدم في المائدة‪ ،‬وقد عمد إليها خصوصا ً في العشاء األخير و "بكسر الخبز"‬
‫عرفه التالميذ بعد القيامة‪ .‬وهي العبارة التي استعملها المسيحيون األوّ لون للداللة على اجتماعاتهم‬
‫االفخارستية‪ ،‬وهو يعبّرون بذلك عن أنَّ جميع الذين يتناولون من هذا الخبز الواحد المكسور‪ ،‬أي‬
‫‪.‬المسيح‪ ،‬يدخلون في الشركة معه وال يعودون يؤلّفون سوى جسد واحد معه‬
‫المحفل االفخارستي ‪ :‬وذلك بأنّ االفخارستيا يُحتفل بها في جماعة المؤمنين وهي التعبير المرئي‬
‫للكنيسة‪.‬‬
‫‪ -6666‬تذكار آالم الرب وقيامته‬
‫الذبيحة المقدّسة ‪ :‬ألنّ االفخارستيا تجسّد في الحاضر الذبيحة الوحيدة‪ ،‬ذبيحة المسيح المخلّص‪،‬‬
‫وتتضمّن تقدمة الكنيسة‪ :‬و ُتسمّى أيضا ً ذبيحة القداس المقدّسة‪" ،‬ذبيحة التسبيح"(عب ‪: 23‬‬
‫‪ ،)21‬الذبيحة الروحية‪ ،‬الذبيحة الطاهرة والمقدّسة‪ ،‬أل ّنها تكمّل وتفوق ذبائح العهد القديم‬
‫‪.‬كلّها‬
‫الليترجيا اإللهية المقدسة‪ ،‬ألن ليترجيا الكنيسة كلّها تجد محورها وعبارتها األبلغ في االحتفال‬
‫السر‬
‫ّ‬ ‫بهذا السر‪ .‬وبهذا المعنى أيضا ً نسمّيها االحتفال باألسرار المقدسة‪ .‬وثمة أيضا ً عبارة‬
‫األقدس‪ ،‬ألنّ االفخارستيا هي سرّ األسرار‪ .‬وتسمّى بهذا األسم االعراضُ االفخارستية المحفوظة‬
‫‪.‬في بيت القربان‬
‫‪ -6666‬الشركة ‪ :‬ألننا‪ ،‬بهذا السرّ ‪ ،‬ن ّتحد بالمسيح الذي يصيّرنا شركاء في جسده وفي دمه لنكون‬
‫جسداً واحداً‪ .‬ونسميها أيضا ً األقداس – وهذا ما تشير إليه أوالًًّ عبارة "شركة القديسين" الواردة‬
‫في قانون الرسل ‪ -‬وخبز المالئكة‪ ،‬وخبز السماء‪ ،‬ودواء الخلود‪ ،‬والزاد األخير‪...‬‬
‫‪ -6666‬القداس ‪ :‬ألنّ الليترجيا التي يت ّم فيها سرّ الخالص تنتهي(في الطقس الالتيني) بإرسال‬
‫المؤمنين ليحققوا إرادته تعالى في حياتهم اليومية‪.‬‬

‫‪ .ً6‬اإلفخارستيا في تدبير الخالص‬


‫عالمتا الخبز والخمر‬

‫‪ -6666‬في صُلب االحتفال باالفخارستيا‪ ،‬نجد الخبز والخمر اللذين يتحوّ الن‪ ،‬بكلمات المسيح‬
‫واستدعاء الروح القدس‪ ،‬إلى جسد المسيح ودمه‪ .‬وتستمرّ الكنيسة‪ ،‬في طاعتها ألمر الربّ ‪ ،‬في‬
‫تجديد ما صنعه في عشيّة آالمه‪ ،‬تذكاراً له‪ ،‬إلى ان يعود في مجده‪" :‬وأخذ خبزاً‪" " ...‬أخذ الكأس‬
‫المملوءة خمراً‪ "....‬عندما يصير الخبز والخمر سر ّيا ً جسد المسيح ودمه‪ ،‬فهما ال ينف ّكان يرمزان‪،‬‬
‫في الوقت نفسه‪ ،‬إلى جودة الخليقة‪ .‬وهكذا في صالة التقدمة‪ ،‬نشكر للخالق عطية الخبز والخمر‪،‬‬
‫ثمرة "جهود االنسان" ولكننا نشكر له أوالً "ثمرة االرض"‪" ،‬وثمرة الكرمة"‪ ،‬وهما من عطايا‬
‫الخالق‪ .‬وترى الكنيسة في قربان ملكيصادق‪ ،‬الملك والكاهن‪ ،‬الذي "ق ّدم خبزاً وخمراً"(تك ‪: 22‬‬
‫‪ )28.‬صورة مسبّقة لقربانها‬
‫‪ -6666‬في العهد القديم كان الخبز والخمر يق َّدمان قربانا ً من بواكير األرض‪ ،‬عالمة اعتراف‬
‫بالخالق‪ .‬ولك ّنهما اكتسبا‪ ،‬في قرائن سفر الخروج‪ ،‬مغزىً جديداً‪ :‬فالخبز الفطير الذي يتناوله بنو‬
‫اسرائيل ك ّل سنة في عيد الفصح يذ ّكرهم بخروجهم‪ ،‬على عجل‪ ،‬من عبوديّة أرض مصر‪ .‬وأمّا‬
‫ذكرى المنّ في البرية فهي تعيد إلى أذهان بني اسرائيل دائما ً أ ّنهم َيح َي ْون من خبز كالم هللا‪.‬‬
‫وهناك أخيراً الخبز اليومي وهو ثمرة أرض الميعاد وعربون صدق هللا في مواعيده‪" .‬كأس‬
‫البركة"(‪ 2‬كو ‪ )21 : 21‬التي َي ْختت ُم بها اليهود الوليمة الفصحيّة تضفي على فرح العيد ونشوة‬
‫الخمر‪ ،‬معنى أُُّ خرو ّيا ً نابعا ً من ذلك الترقّب الماسيوي ألورشليم الجديدة‪ .‬لقد أضفى يسوع‪،‬‬
‫‪.‬بإقامته االفخارستيا‪ ،‬معنى جديداً وحاسما ً على بركة الخبز والكأس‬
‫ووزعها بواسطة تالميذه إلطعام‬ ‫ّ‬ ‫‪ -6665‬معجزات تكثير الخبزات‪ ،‬يوم باركها الرب وكسرها‬
‫الجمع‪ ،‬تنبئ بتوافر هذا الخبز اإلفخارستيّ الوحيد‪ .‬والماء المحوّ ل خمراً في قانا يرمز إلى الساعة‬
‫التي يتمجّ د فيها يسوع‪ ،‬ويعلن اكتمال وليمة العرس في ملكوت اآلب‪ ،‬حيث يشرب المؤمنون‬
‫‪.‬الخمر الجديد صائراً دم المسيح‬
‫‪ -6669‬أوّ ل إنباء باالفخارستيا قسم التالميذ بعضهم على بعض‪ ،‬كما أنّ اإلنباء باآلالم ش ّككهم‪:‬‬
‫"هذا الكالم عسير من يطيق سماعه ؟"(يو ‪ .)11 : 1‬االفخارستيا والصليب كالهما حجر عثار‪،‬‬
‫وال يزال هذا السرّ نفسه سبب شقاق‪" :‬أفال تريدون أن تذهبوا‪ ،‬أنتم أيضا ً ؟"(يو ‪ : )11 : 1‬سؤال‬
‫الربّ هذا يدوّ ي عبر األجيال ندا َء حب إلى التثبّت من أ ّنه هو وحده يملك "كلمات الحياة‬
‫‪.‬األبدية"(يو ‪ ،)18 : 1‬وأنّ من يقبل في اإليمان عطيّة االفخارستيا إ ّنما يقبله هو نف َسه‬

‫تأسيس االفخارستيا‬
‫‪ -6666‬إنّ الربّ ‪ ،‬إذ أحب خاصته‪ ،‬أحبّهم غاية الحبّ ‪ .‬وإذ عرف أنّ ساعته قد حانت ليمضي من‬
‫هذا العالم ويعود إلى أبيه‪ ،‬قام عن الطعام وغسل أقدام تالميذه وأعطاهم وصيّة الحب‪ .‬ولكي‬
‫يورّ ثهم عربون هذا الحب‪ ،‬ويظ ّل أبداً معهم‪ ،‬ويشركهم في فصحه‪ ،‬وضع االفخارستيا تذكاراً‬
‫‪.‬لموته وقيامته‪ ،‬وأمر رسله بأن يقيموها إلى يوم رجعته‪" ،‬جاعالً إيّاهم كهنة العهد الجديد"‬
‫‪ -6666‬األناجيل اإلزائية الثالثة والقديس بولس نقلوا إلينا خبر إقامة االفخارستيا‪ .‬والقديس يوحنا‬
‫يسرد لنا‪ ،‬من جهته‪ ،‬أقوال يسوع في مجمع كفرناحوم‪ ،‬وهي أقوال تؤذن بإقامة االفخارستيا‪،‬‬
‫‪.‬وفيها يعلن المسيح نفسه خبز الحياة النازل من السماء‬
‫‪ -6666‬لقد اختار يسوع زمن الفصح ليحقّق ما أنبأ به في كفرناحوم‪ :‬أن يعطي تالميذه جسده‬
‫ودمه ‪:‬‬
‫"وجاء يوم الفطير وفيه يجب ذبح حمل الفصح فأرسل(يسوع) بطرس ويوحنا وقال لهما‪" :‬إذهبا فأع ّدا لنا الفصح‬
‫لنأكله"‪ .‬فذهبا فأع ّدا الفصح‪ .‬فلمّا أتت الساعة جلس هو والرسل للطعام‪ ،‬فقال لهم‪" :‬اشتهيت شهوة شديدة أن آكل‬
‫هذا الفصح معكم قبل أن أتألّم‪ .‬فإ ّني أقول لكم ‪ :‬ال آكله بعد اليوم حتى يت ّم في ملكوت هللا"‪ .‬ثم أخذ خبزاً وشكر‬
‫وكسره وناولهم أيّاه وقال‪" :‬هذا هو جسدي يُبذل من أجلكم‪ .‬اصنعوا هذا لذكري"‪ .‬وصنع مثل ذلك على الكأس‬
‫‪.‬بعد العشاء فقال‪" :‬هذه الكأس هي العهد الجديد بدمي الذي يُراق من أجلكم"(لو ‪)11- 1: 11‬‬
‫‪ -6666‬عندما احتفل يسوع بالعشاء األخير مع رسله أثناء الطعام الفصحيّ ‪ ،‬أضفى على الفصح‬
‫اليهوديّ معناه النهائي‪ .‬فانتقال يسوع إلى أبيه‪ ،‬بموته وقيامته‪ ،‬وهو الفصح الجديد‪ ،‬قد ت ّم قبل‬
‫أوانه في العشاء‪ ،‬ونحتفل به في االفخارستيا التي ُتكمل الفصح اليهوديّ وتستبق فصح الكنيسة‬
‫‪.‬األخير‪ ،‬في مجد الملكوت‬

‫"اصنعوا هذا لذكري"‬

‫‪ -6666‬وصيّة يسوع بأن نكرّ ر أفعاله واقواله "إلى أن يجيء"‪ ،‬ال تقتصر على أن نتذ ّكره ونتذ ّكر‬
‫ما قام به‪ ،‬بل تهدف إلى أن يتولّى الرسل وخلفاؤهم االحتفال الليترجي بتذكار المسيح‪ :‬حياته‬
‫وموته وقيامته وتشفّعه إلى اآلب‪.‬‬
‫‪ -6666‬لقد ظلّت الكنيسة‪ ،‬منذ البدء‪ ،‬وفيّة لوصيّة الرب‪ .‬فقد قيل في كنيسة أورشليم ‪:‬‬
‫" كانوا يواظبون على تعليم الرسل والشركة األخوية وكسر الخبز والصلوات وكانوا يالزمون الهيكل ك ّل يوم‬
‫بقلب واحد ويكسرون الخبز في البيوت ويتناولون الطعام بابتهاج وسالمة قلب"(اع ‪.)21 ،21 : 1‬‬
‫‪ -6666‬وكان المسيحيون يجتمعون خصوصا ً "في أوّ ل االسبوع" أي يوم األحد‪ ،‬اليوم الذي قام‬
‫فيه يسوع‪" ،‬ليكسروا الخبز"(أع ‪ .)1 : 11‬ومن ذلك الوقت حتى أيّامنا نواصل االحتفال‬
‫بالليترجيا‪ ،‬بحيث نلقاها اليوم‪ ،‬في ك ّل أنحاء الكنيسة‪ ،‬بنفس الهيكليّة األساسية‪ ،‬وتظ ّل هي محور‬
‫‪.‬حياة الكنيسة‬
‫شراً بسرّ يسوع‬
‫‪ -6666‬وهكذا من احتفال إلى احتفال‪ ،‬يتق ّدم شعب هللا في طريق حجّ ه‪ ،‬مب ّ‬
‫الفصحي "إلى أن يجيء"(‪ 2‬كو ‪" ،)11 : 22‬وداخالً من باب الصليب الضيّق" إلى الوليمة‬
‫‪.‬السماويّة‪ ،‬حيث يجلس جميع المختارين إلى مائدة الملكوت‬

‫‪ .ً6‬االحتفال الليترجي باالفخارستيا‬


‫قداس جميع األجيال‬
‫‪ -6665‬منذ القرن الثاني‪ ،‬نملك شهادة القديس يوستينس الشهيد في وصف الخطوط الكبرى‬
‫لالحتفال االفخارستي‪ .‬وقد ظلّت هي هي حتى أيّامنا هذه في جميع العائالت الليترجية الكبرى‪.‬‬
‫وهذا ما كتبه القديس يوستينس‪ ،‬حوال سنة ‪ ،211‬ليشرح لألمبراطور الوثني أنطونيوس الورع‬
‫‪ )212 – 238.‬ما يقوم به المسيحيون(‬

‫" في اليوم المسمّى يوم الشمس‪ ،‬يجتمع كل الساكنين في المدينة أو في الريف‪ ،‬في مكان واحد‪(.‬في هذا االجتماع)‬
‫ُتتلى مذ ِّكرات الرسل وكتابات األنبياء‪ ،‬بقدر ما ي ّتسع الوقت لذلك‪ .‬عندما ينتهي القارئ من قراءته يتناول المتق ّدم‬
‫َّ‬
‫ليحث الناس ويشجّ عهم بهذه الحسنات‪.‬‬ ‫الكالم‬
‫ثم ننهض كلّنا معاً‪ ،‬ونرفع الصلوات ألجلنا وألجل جميع اآلخرين‪ ،‬أينما كانوا‪ ،‬لنكون في نظر هللا أبراراً بسيرتنا‬
‫وأعمالنا‪ ،‬وأوفياء للوصايا‪ ،‬فننال بذلك الخالص األبديّ ‪.‬‬
‫‪.‬في نهاية الصلوات ُنقبّل بعضنا بعضا ً‬
‫‪.‬ث ّم نق ّدم لرئيس اإلخوة خبزاً وكأسا ً من مزيج الخمر والماء‬
‫فيأخذهما ويرفع الحمد والتمجيد إلى اآلب خالق المسكونة‪ ،‬باسم ابنه والروح القدس‪ ،‬ويرفع الشكر طويالً ألننا‬
‫‪.‬حُسِ بْنا أهالً لهذه المواهب‬
‫‪.‬في نهاية هذه الصلوات وعبارات الشكر‪ ،‬يهتف الشعب الحاضر كلّه قائالً‪ :‬آمين‬
‫ويوزعون على جميع الحاضرين خبزاً‬ ‫ّ‬ ‫في نهاية صالة الشكر‪ ،‬وبعد هتاف الشعب‪ ،‬يتق ّدم الذين ُنسمّيهم شمامسة‬
‫‪.‬وخمراً وماء "إفخارستية" ويحملون منها للغائبين"‬
‫ت عبر القرون حتى أيامنا‪ ،‬وتنقسم‬ ‫‪ -6669‬الليترجيا االفخارستية تجري طبقا ً لهيكليّة أساسيّة َث َب َت ْ‬
‫إلى قسمين كبيرين يؤلّفان وحدة صميمة ‪:‬‬
‫‪ -‬التجمع‪ ،‬وليترجيا الكلمة مع القراءات والعظة والصالة الجامعة‪،‬‬
‫‪ -.‬الليترجيا االفخارستية‪ ،‬مع تقدمة الخبز والخمر‪ ،‬وصالة الشكر والتقديس والمناولة‬
‫ليترجيا الكلمة والليترجيا االفخارستية تؤلّفان معا ً "عمل عبادة واحداً"‪ .‬وال غرو‪ ،‬فالمائدة المهيّأة‬
‫آن واحد‪ ،‬مائدة كلمة هللا ومائدة جسد الرب‬ ‫‪.‬لنا في االفخارستيا هي‪ ،‬في ٍ‬
‫‪ -6666‬اوليست هذه هي العالقة نفسها بين الوليمة الفصحية‪ ،‬وليمة يسوع الناهض من بين‬
‫االموات‪ ،‬وتلميذي عماوص؟ فإذ كان معهما في الطريق كان يفسّر لهما الكتب‪ ،‬ثم جلس معهما‬
‫للطعام‪" ،‬فأخذ الخبز‪ ،‬وبارك‪ ،‬ثم كسره وناولهما"‪.‬‬

‫سياق االحتفال‬

‫‪ -6666‬يجتمعون كلّهم‪ .‬فالمسيحيون يتواردون إلى مكان واحد لإلجتماع االفخارستيّ ‪ ،‬وعلى‬
‫رأسهم المسيح نفسه‪ ،‬وهو يؤ ّدي الدور األول في االفخارستيا‪ .‬إ ّنه الحبر األعظم للعهد الجديد‪،‬‬
‫وهو نفسه يرئس‪ ،‬بطريقة خفيّة‪ ،‬ك ّل احتفال افخارستيّ ‪ .‬وعندما يرئس األسقف أو الكاهن‬
‫الجماعة(باسم المسيح – الرأس)‪ ،‬ويتكلّم بعد القراءات‪ ،‬ويتقبّل التقادم‪ ،‬ويتلو الصالة‬
‫االفخارستية‪ ،‬فهو إ ّنما ّ‬
‫يمثل المسيح نفسه‪ .‬كلّهم يشتركون فعل ّيا ً في االحتفال‪ ،‬وك ٌّل على طريقته‪:‬‬
‫وموزعو االفخارستيا‪ ،‬والشعب كلّه الذي يُعرب عن اشتراكه بهتاف ‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫القرّ اء‪ ،‬ومق ّدمو التقادم‪،‬‬
‫‪.‬آمين‬
‫‪ -6666‬ليترجيا الكلمة تتضمّن "نصوص األنبياء" أي العهدالقديم‪ ،‬و "مذ ّكرات الرسل"‪ ،‬أي‬
‫الرسائل واألناجيل‪ .‬بعد العظة التي تحضّ الشعب على أن يقبلوا هذه الكلمة على ما هي حقّاً‪ ،‬أي‬
‫كلمة هللا‪ ،‬ويضعوها موضع التنفيذ‪ ،‬تأتي الطلبات ألجل جميع الناس‪ ،‬على ح ّد قول الرسول‪:‬‬
‫شكر من أجل جميع الناس ومن‬ ‫ٍ‬ ‫"أسأل قبل ك ّل شيء أن تقام أدعية وصلوات وابتهاالت وأفعال‬
‫‪.‬أجل الملوك وسائر ذوي السلطة"(‪ 2‬تي ‪)1-2 : 1‬‬
‫‪ -6656‬تقديم القرابين(التقدمة) ‪ :‬ويؤتي إلى المذبح حينئذ‪ ،‬في موكب أحياناً‪ ،‬بالخبز والخمر‬
‫اللذين سيقرّبهما الكاهن باسم المسيح‪ ،‬في الذبيحة االفخارسية‪ ،‬فيتحوّ الن إلى جسد المسيح ودمه‪.‬‬
‫وهذا بالذات ما صنعه المسيح في العشاء األخير "آخذاً الخبز والكأس"‪" .‬هذه التقدمة تقرّ بها‬
‫الكنيسة وحدها إلى الخالق‪ ،‬طاهرة‪ ،‬وترفع له شاكرة نتاج الخليقة"‪ .‬تقديم القرابين إلى المذبح‬
‫يحقّق ما صنعه ملكيصادق‪ ،‬ويضع بين يدي المسيح عطايا الخالق‪ .‬فهو الذي‪ ،‬في ذبيحته‪ ،‬يكلّل‬
‫‪.‬ك ّل الذبائح التي يسعى البشر إلى تقريبها‬
‫‪ -6656‬لقد اعتاد المسيحيون‪ ،‬منذ البدء‪ ،‬أن يق ّدموا مع الخبز والخمر المع ّدين لالفخارستيا‪،‬‬
‫تقادمهم األخرى يوزعونها على ذوي الفاقة‪ .‬هذه العادة في جمع التبرعات ال تزال قائمة حتى‬
‫‪.‬اليوم‪ ،‬وتستوحي مثال المسيح الذي افتقر ليجعلنا أغنياء‬
‫"االغنياء الذين يرغبون في العطاء يعطون ك ٌّل بمقدار ما فرضه على ذاته‪ ،‬وك ّل ما يُجمع يُسلّم إلى المتق ّدم‬
‫ليغيث اليتامى واأليامي والذين جرّدهم المرض أو أي علّة أخرى من الموارد‪ ،‬والسجناء والمهاجرين‪ ،‬وينجد‪،‬‬
‫‪.‬باختصار‪ ،‬كل ذي حاجة"‬
‫‪ -6656‬األنافورة ‪ :‬مع الصالة االفخارستية وصالة الشكر والتكريس نصل إلى قلب االحتفال‬
‫وقمّته ‪:‬‬
‫في المقدّ مة تشكر الكنيسة لآلب‪ ،‬بالمسيح وفي الروح القدس‪ ،‬ك ّل صنائعه‪ :‬الخلق والفداء والتقديس‪ .‬وتنض ّم‬
‫الجماعة كلّها إلى الكنيس ة السماوية‪ ،‬المالئكة وجميع القديسن‪ ،‬الذين يرفعون إلى هللا المثلث القداسة نشيد حمد‬
‫‪.‬متواصل‬
‫‪ -6656‬في صالة االستدعاء تطلب الكنيسة إلى اآلب أن يرسل روحه القدوس(أو قوّ ة بركته)‬
‫على الخبز والخمر‪ ،‬ليتحوّ ال‪ ،‬بقدرته‪ ،‬إلى جسد يسوع المسيح ودمه‪ ،‬وليصير المشتركون في‬
‫االفخارستيا جسداً واحداً وروحا ً واحداً(هناك تقاليد ليترجية تضع صالة استدعاء الروح القدس‬
‫‪.‬بعد صالة االستذكار)‬
‫في رواية الحدث التأسيسي لالفخارستيا‪ ،‬ت ّتحد قوّ ة كلمات المسيح وعمله وقدرة الروح القدس‬
‫لتجعال من جسد المسيح ودمه‪ ،‬ومن الذبيحة التي قرّ ب فيها المسيح ذاته على الصليب دفعة‬
‫‪.‬واحدة‪ ،‬حقيقة سرّ ية ماثلة في أشكال الخبز والخمر‬
‫‪ -6656‬في صالة االستذكار التالية تتذ ّكر الكنيسة آالم يسوع المسيح وقيامته وعودته المجيدة‪،‬‬
‫‪.‬وتقرب إلى اآلب تقدمة ابنه التي بها نتصالح مع هللا‬
‫في صلوات االستشفاع‪ ،‬تبيّن الكنيسة أ ّننا نحتفل باالفخارستيا باالشتراك مع الكنيسة كلّها‪ ،‬كنيسة‬
‫اسماء وكنيسة االرض‪ ،‬كنيسة األحياء واألموات‪ ،‬وفي الشركة مع الرعاة ‪ :‬البابا وأسقف‬
‫‪.‬األبرشية‪ ،‬ومصف الكهنة والشمامسة وك ّل أساقفة العالم وكنائسهم‬
‫‪ -6655‬في المناولة التي تسبقها صالة الرب وكسر الخبز‪ ،‬يتناول المؤمنون "خبز السماء" و‬
‫‪".‬كأس الخالص"‪ ،‬جسد ود َم المسيح الذي أسلم ذاته "ألجل حياة العالم"(يو ‪)12 : 1‬‬
‫نظراً إلى أنَّ هذا الخبز والخمر قد تحوّ ال إلى افخارستيا‪ ،‬على ح ّد التعبير القديم‪" ،‬فنحن نسمّي هذا الطعام‬
‫َ‬
‫يحظ بال ُغسل لمغفرة الخطايا‬ ‫افخارستيا وال يجوز ألحد أن يشترك فيه ما لم يؤمن بحقيقة ما يُعلّم عندنا‪ ،‬وما لم‬
‫‪.‬والحياة الجديدة‪ ،‬وما لم يتقيّد‪ ،‬بوصايا المسيح"‬

‫السرية ‪ :‬الشكر وال ِّذكر والحضور‬


‫ّ‬ ‫‪ .ً5‬الذبيحة‬
‫‪ -6659‬اذا كان المسيحيون يحتفلون باالفخارستيا منذ العصور األولى‪ ،‬وفي صيغة لم تتب ّدل‪،‬‬
‫جوهر ّياً‪ ،‬عبر مختلف األجيال والليترجيات‪ ،‬فذلك أل ّننا نعلن أ ّننا متقيّدون بأمر الربّ الذي زوّ دنا‬
‫‪.‬به عشيّة آالمه ‪" :‬اصنعوا هذا لذكري"(‪ 2‬كو ‪)11-12 : 22‬‬
‫نقرب إلى اآلب ما منّ به علينا‬ ‫‪ -6656‬أمر الرب هذا ّ‬
‫ننفذه باحتفالنا بتذكار ذبيحته‪ .‬وبعملنا هذا ّ‬
‫هو نفسه‪ ،‬من عطايا الخلق‪ ،‬أي الخبز والخمر المحوّ لين بقوة الروح القدس وبكلمات المسيح‪ ،‬إلى‬
‫‪.‬جسد المسيح ودمه ‪ :‬بهذه الطريقة يضحي المسيح حاضرا حضوراً حقيق ّيا ً وسرّيا ً‬
‫‪ -6656‬ال ب ّد إذن أن نعتبر االفخارستيا ‪:‬‬
‫‪ -‬صالة شكر وحمد هلل اآلب‬
‫‪ -‬تذكار ذبيحة المسيح وجسده‬
‫‪ -.‬حضور المسيح بقوّ ة كلمته وروحه‬

‫شكر اآلب وحمده‬

‫‪ -6656‬االفخارستيا هي سرّ خالصنا الذي حقّقه المسيح على الصليب‪ .‬وهي أيضا ً ذبيحة حم ٍد‬
‫نشكر فيها هلل عمل الخلق‪ .‬في الذبيحة االفخارستية‪ ،‬ك ّل الخليقة التي يحبّها هللا ُتقرَّ ب إلى اآلب‬
‫عبر موت المسيح وقيامته‪ .‬بالمسيح تستطيع الكنيسة أن تقرّ ب ذبيحة الحمد والشكر هلل على ك ّل ما‬
‫‪.‬صنعه من خير وجمال وبرّ في الخليقة وفي البشريّة‬
‫‪ -6696‬االفخارستيا هي ذبيحة شكر لآلب‪ ،‬وبركة بها ُتعرب الكنيسة عن امتنانها لك ّل أفضاله‬
‫وك ّل ما حقّقه لنا بالخلق والفداء والتقديس‪ .‬االفخارستيا‪ ،‬في مفهومها األول هي "شكر"‪.‬‬
‫‪ -6696‬واالفخارستيا هي أيضا ً ذبيحة حمد‪ ،‬بها تشيد الكنيسة بمجد هللا باسم الخليقة كلّها‪ .‬ذبيحة‬
‫الحمد هذه ال تسوغ إال ّ من خالل المسيح ‪ :‬فهو الذي يض ّم المؤمنين إلى ذاته‪ ،‬ويشركهم في حمده‬
‫ذبيحة الحمد لآلب إال بالمسيح ومع المسيح وال تقبل إال ّ فيه‬ ‫ُ‬ ‫‪.‬وشفاعته‪ ،‬فال ُتقرّ ب‬

‫تذكار ذبيحة المسيح وجسده‪ ،‬أي الكنيسة‬

‫‪ -6696‬االفخارستيا هي تذكار فصح المسيح‪ ،‬بها تصبح ذبيح ُته الوحيدة فعالً حاضراً وتقدمة‬
‫سرّ ية في ليترجيا الكنيسة التي هي جسده‪ .‬وإ ّننا نجد في ك ّل الصلوات االفخارستية بعد كلمات‬
‫‪.‬التقديس‪ ،‬ما يُسمّى بصالة االستذكار أو التذكار‬
‫‪ -6696‬في مفهوم الكتاب المق ّدس‪ ،‬ليس التذكار مجرّ د استعادة ألحداث الماضي‪ ،‬بل هو االشادة‬
‫بالعجائب التي صنعها هللا لألنام‪ .‬ففي االحتفال الليترجي بهذه األحداث‪ ،‬تكتسي هذه االحداث‪،‬‬
‫نوعا ً ما‪ ،‬طابع الحاليّة والواقعيّة‪ :‬بهذه الطريقة يدرك الشعب االسرائيلي انعتاقه من أرض مصر‪:‬‬
‫فك ّل مرة يُحتفل بالفصح‪َ ،‬ت ْم ُثل أحداث خروجه من تلك األرض في ذاكرة المؤمنين ليطبّقوا حياتهم‬
‫‪.‬عليها‬
‫‪ -6696‬واما في العهد الجديد فالتذكار يكتسب معنى جديداً‪ .‬فعندما تحتفل الكنيسة باالفخارستيا‪،‬‬
‫تتذكر فصح المسيح‪ ،‬ويصبح الفصح حقيقة ماثلة في الحاضر‪ :‬ال غرو‪ ،‬فالذبيحة التي قرّ بها‬
‫المسيح مرّ ة واحدة على الصليب تظ ّل أبداً ماثلة في الواقع‪" :‬ك ّل مرّ ة تقام على المذبح ذبيحة‬
‫الصليب التي ُذب َح بها المسي ُح فصحُنا"(‪2‬كو ‪ )1: 1‬يتم عمل افتدائنا"‪.‬‬
‫‪ -6695‬وألن االفخارستيا هي تذكار فصح المسيح فهي ذبيحة أيضا‪ .‬هذا الطابع القربانيّ ‪ ،‬في‬
‫االفخارستيا‪ ،‬يظهر في كلمات التأسيس نفسها ‪" :‬هذا هو جسدي يُبذل ألجلكم" و "هذه الكأس هي‬
‫العهد الجديد بدمي الذي يُراق ألجلكم"(لو ‪ .)11-21: 11‬في االفخارستيا يعطينا المسيح هذا‬
‫الجسد عينه الذي بذله ألجلنا على الصليب‪ ،‬وهذا الدم عينه "الذي أراقه من أجل جماعة الناس‬
‫‪.‬لغفران الخطايا"(متى ‪)18 : 11‬‬
‫‪ -6699‬االفخارستيا هي إذن ذبيحة ألنها تم ّثل ذبيحة الصليب(أي تجعلها ماثلة لدينا) وأل ّنها‬
‫تذكارها‪ ،‬وتؤتينا ثمرها ‪:‬‬
‫(إن المسيح) "إلهنا وربّنا قرّ ب ذاته هلل اآلب مرّة واحدة‪ ،‬ومات شفيعا ً لنا على مذبح الصليب‪ ،‬ليح ّقق(للناس) فداء‬
‫أبد ّياً‪ .‬ولكن‪ ،‬ما دام موته لم يضع ح ّداً لكهنوته(عب ‪ ،)11،12 : 1‬فقد أراد‪ ،‬في العشاء األخير‪ ،‬في "الليلة التي‬
‫أُسلم فيها"(‪2‬كو ‪)13: 22‬أن يورث كنيسته‪ ،‬عروسه الحبيبة‪ ،‬ذبيحة مرئيّة(كما تتطلّبها الطبيعة البشرية)‪ ،‬حيث‬
‫ّ‬
‫تتمثل الذبيحة الدمويّة التي كان ال ب ّد أن تت ّم مرّ ة واحدة على الصليب‪ ،‬والتي سوف تظ ّل ذكراها مستمرّة حتى‬
‫‪.‬نهاية الدهور(‪2‬كو ‪ ،)13 :22‬ومفعولها الخالصي جاريا لفداء الخطايا التي نقترفها كل يوم"‬
‫‪ -6696‬ذبيحة المسيح وذبيحة االفخارستيا هما ذبيحة واحدة ‪" :‬إ ّنها نفس الضحيّة‪ .‬والذي يقرّ ب‬
‫اآلن ذاته بواسطة الكهنة‪ ،‬هو نفسه الذي قرّ ب ذاته يوما ً على الصليب‪ .‬طريقة التقريب وحدها‬
‫تختلف" ‪" :‬وبما أ ّنه‪ ،‬في هذه الذبيحة اإللهية التي تت ّم في الق ّداس‪ ،‬هذا المسيح نفسه الذي‬
‫"ق ّدم ذاته مرة‪ ،‬بطريقة دمويّة"‪ ،‬على مذبح الصليب‪ ،‬هو نفسه المتضمّن والمقرَّ ب ضحيّة غير‬
‫‪.‬دمويّة‪ .‬فهذه الذبيحة هي حقّا ً ذبيحة تكفير عن الخطايا"‬
‫‪ -6696‬االفخارستيا هي أيضا ذبيحة الكنيسة‪ .‬فالكنيسة‪ ،‬جسد المسيح‪ ،‬تشترك في تقدمة هامتها‪،‬‬
‫وتقرّ ب ذاتها معه كاملة‪ ،‬وتنض ّم إلى المسيح شفيعا ً إلى اآلب ألجل جميع الناس‪ .‬في االفخارستيا‪،‬‬
‫تصبح ذبيحة المسيح ذبيحة أعضاء جسده‪ .‬حياة المؤمنين وحمدهم وعذابهم وصالتهم وشغلهم‪،‬‬
‫هذا كلّه ينض ّم إلى المسيح وإلى تقدمته الكاملة ويكتسب هكذا قيمة جديدة‪ .‬ذبيحة المسيح الماثلة‬
‫‪.‬على الهيكل تم ّكن جميع األجيال المسيحية من أن تنض ّم إلى تقدمته‬
‫مثل الكنيسة بشكل إمرأة تصلّي وذراعاها منبسطتان انبساطة عريضة وضارعة‪ .‬فكما بسط‬ ‫في الدياميس‪ُ ،‬ت ّ‬
‫ً‬
‫شافعة في جميع الناس‬ ‫‪.‬المسيح ذراعيه على الصليب‪ ،‬تقرّ ب الكنيسة ذاتها به ومعه وفيه‬
‫‪ -6696‬الكنيسة كلّها تنض ّم إلى تقدمة المسيح وشفاعته‪ .‬ويشترك البابا الذي وُ كلَت إليه مهمّة‬
‫بطرس في الكنيسة‪ ،‬في ك ّل احتفال بالليترجيا حيث يُذكر بصفته خادم وحدة الكنيسة الجامعة‪.‬‬
‫األسقف المحلّي هو الذي يرعى دائما ً االفخارستيا‪ ،‬حتى وإن ترأسها كاهن‪ ،‬ويُذكر فيها اسمُه‬
‫إشارة إلى ترؤسه الكنيسة الخاصة‪ ،‬وسط المصف الكهنوتي وبمعاونة الشمامسة‪ .‬وتصلّي‬
‫الخ َد َمة الذي يقرّبون الذبيحة االفخارستية ألجلها ومعها ‪:‬‬ ‫الجماعة أيضا ً من أجل جميع َ‬
‫ً‬
‫شرعية إالّ االفخارستيا التي يرئسها األسقف أو من َو َك َل إليه ذلك"‪،‬‬ ‫"ال تعتبر‬
‫"إنّ ذبيحة المسيحيين الروحية تت ّم بعمل الكهنة‪ ،‬م ّتحدة بذبيحة المسيح‪ ،‬الوسيط الوحيد‪ ،‬و ُتقرَّ ب‪ ،‬سرّ يا ً ال دمو ّياً‪،‬‬
‫‪.‬في االفخارستيا‪ ،‬على يد الكهنة‪ ،‬باسم الكنيسة كلها جمعاء‪ ،‬إلى يوم مجيء الرب"‬
‫‪ -6666‬وال ينض ّم إلى تقدمة المسيح األعضاء الذين ال يزالون في هذه الدنيا وحسب‪ ،‬بل الذين‬
‫دخلوا أيضا مجد السماء ‪ :‬فالكنيسة تقرّ ب الذبيحة االفخارستية م ّتحدة بالعذراء مريم الفائقة‬
‫القداسة ومنوّ هة بذكرها‪ ،‬ومنضمّة إلى جميع القديسين والق ّديسات‪ .‬في االفخارستيا‪ ،‬كما عند قدم‬
‫‪.‬الصليب‪ ،‬تتحد الكنيسة مع مريم‪ ،‬في تقدمة المسيح وشفاعته‬
‫‪ -6666‬تقرّ ب الذبيحة االفخارستية أيضا ً من أجل الموتى المؤمنين "الذين رقدوا في المسيح ولم‬
‫يحظوا بعد بملء الطهارة" ليستطيعوا الولوج في نور المسيح وسالمه‪.‬‬
‫"أُدفنوا هذا الجثمان أينما شئتم! وال يُع ّكر ّنكم‪ ،‬في شأنه‪ ،‬أيّ ه ّم! وك ّل ما أسألكم أن تذكروني عند مذبح الرب‪،‬‬
‫‪.‬أينما كنتم"‬
‫"ثم إننا نصلّي( في اآلنافورة) من أجل اآلباء واألساقفة القديسين الراقدين‪ ،‬وبعامّة من أجل جميع الذين رقدوا‬
‫قبلنا‪ ،‬معتقدين أنّ ذلك يعود بجزيل الفائدة على النفوس التي نرفع االبتهال ألجلها‪ ،‬بينما َت ُ‬
‫مثل أمامنا الضحية‬
‫المقدسة والرهيبة‪ .‬عندما نرفع إلى هللا ابتهاالتنا من أجل الذين رقدوا‪ ،‬وإن خطأة‪ ،‬إ ّنما نقرّ ب المسيح المذبوح‬
‫بسبب خطايانا‪ ،‬ونستعطف هللا المحبّ البشر ألجلهم وألجلنا"‪.‬‬
‫تحثنا على أن نشترك‬ ‫لخص القديس أوغسطينوس‪ ،‬بطريقة رائعة‪ ،‬هذه العقيدة التي ّ‬ ‫‪ -6666‬لقد ّ‬
‫اشتراكا ً أكمل في ذبيحة فادينا التي نحتفل بها في االفخارستيا ‪:‬‬
‫ً‬
‫شاملة الكاهنُ األعظم الذي‬ ‫"هذه المدينة المفتداة برمّتها‪ ،‬أي جماعة القديسين ومجتمعهم‪ ،‬يقرّبها إلى هللا ذبيحة‬
‫ا ّتخذ صورة عبد وذهب إلى ح ّد تقدمة ذاته في آالمه ألجلنا‪ ،‬ليجعلنا جسداً ألعظم رأس‪ .‬تلك هي ذبيحة‬
‫المسيحيين‪" :‬أن يكونوا‪ ،‬في كثرتهم‪ ،‬جسداً واحداً في المسيح"(رو‪ .)1: 21‬وهذه الذبيحة ال تني الكنيسة تج ّددها‬
‫حق المعرفة‪ ،‬وحيث يتبيّن لها أ ّنها هي نفسها مقرّبة في شخص الذي‬
‫في سرّ المذبح الذي يعرفه المؤمنون ّ‬
‫‪.‬تقرّبه"‬

‫بقوة كلمته وبقوة الروح القدس‬


‫حضور المسيح ّ‬

‫ك‬
‫‪" -6666‬المسيح يسوع الذي مات‪ ،‬ثم قام‪ ،‬وهو إلى يمين هللا يشفع لنا"(رو ‪ ،)32: 8‬ال ينف ّ‬
‫حاضراً في كنيسته بوجوه كثيرة‪ :‬في كالمه‪ ،‬وفي صالة كنيسته‪" ،‬ألنه حيثما اجتمع اثنان أو ثالثة‬
‫باسمي‪ ،‬فأنا أكون هناك في َوسْ طهم"(متى‪ ،)11: 28‬وفي الفقراء والمرضى والمساجين وفي‬
‫أسراره التي وضعها‪ ،‬وفي ذبيحة القداس‪ ،‬وفي شخص خادم السرّ ‪" ،‬وبأعلى درجة‪ ،‬في األشكال‬
‫‪.‬االفخارستية"‬
‫‪ -6666‬طريقة حضور المسيح في األشكال االفخارستية طريقة فريدة‪ ،‬ترفع االفخارستيا فوق‬
‫‪.‬جميع األسرار‪ ،‬وتجعل منها "كمال الحياة الروحية والغاية التي تهدف إليها جميع األسرار"‬
‫فسرّ االفخارستيا األقدس يحتوي ح ّقا وحقيق ّيا وجوهر ّيا جسد ربّنا يسوع المسيح ودمه مع نفسه‬
‫وألوهيته‪ ،‬من ث ّم‪ ،‬فهو يحتوي المسيح كلّه كامال‪" .‬هذا الحضور يسمّى "حقيق ّياً"‪ ،‬ال بمعنى‬
‫المنافاة‪ ،‬كما لو كانت سائر أشكال حضوره غير "حقيقيّة"‪ ،‬بل بمعنى التفوّ ق‪ ،‬ألنّ حضور المسيح‬
‫في االفخارستيا حضور جوهري‪ ،‬وبه يكون المسيح اإلله واإلنسان حاضراً كلّه كامالً"‪.‬‬
‫بتحول الخبز والخمر إلى جسد المسيح ودمه‪ .‬وقد‬ ‫ّ‬ ‫‪ -6665‬ويكون المسيح حاضراً في هذا السر‪،‬‬
‫أ ّكد آباء الكنيسة تاكيداً حازما ً إيمان الكنيسة بفعل كالم المسيح وعمل الروح القدس‪ ،‬في عمليّة‬
‫التحويل هذه‪ .‬وقد صرّ ح القديس يوحنا الذهب ّي الفم بقوله‪:‬‬
‫"ليس االنسان هو الذي يحوّ ل القرابين إلى جسد المسيح ودمه‪ ،‬بل المسيح نفسه الذي صلب ألجلنا‪ .‬الكاهن‪،‬‬
‫صورة المسيح‪ ،‬ينطق بهذه الكلمات ولكنّ الفعل والنعمة هما من هللا‪ .‬يقول ‪:‬‬
‫‪".‬هذا هو جسدي"‪ .‬وهذه الكلمة تحوّ ل القرابين"‬
‫ويقول القديس أمبروسيوس في شأن هذا التحوّ ل ‪:‬‬
‫تتفوق على الطبيعة‪ ،‬ألنّ‬
‫لنقتنع من أنَّ "هذا ليس من فعل الطبيعة بل من فعل التقديس بالبركة‪ ،‬وأنَّ قوة البركة ّ‬
‫الطبيعة نفسها تتحوّ ل بالبركة"‪" .‬كلمة المسيح التي خلقت األشياء من ال شيء أال تقدر أن تحوّ ل الموجودات إلى‬
‫ك أنَّ منح األشياء طبيعتها األولى ليس بأق ّل من تحويلها"‬ ‫‪ .‬ما لم تكنه من قبل؟ وال ش ّ‬
‫‪ّ -6669‬‬
‫يلخص المجمع التريدنتيني االيمان الكاثوليكي بقوله‪" :‬بما أنّ المسيح فادينا قال لنا إنّ ما‬
‫يقرّ به تحت شكل الخبز هو حقّا ً جسده‪ ،‬فقد أيقنت الكنيسة دوما ً هذه العقيدة التي يعلنها المجمع‬
‫ثانية‪ :‬بتكريس الخبز والخمر يتحوّ ل ك ُّل جوهر الخبز إلى جوهر جسد المسيح ربّنا‪ ،‬وك ّل جوهر‬
‫الخمر إلى جوهر دمه‪ .‬هذا التغيّر‪ ،‬قد أصابت الكنيسة بتسميته التحول‬
‫‪.‬الجوهري"‬
‫‪ -6666‬حضور المسيح االفخارستيّ يبدأ لحظة التكريس ويستمر ما دامت األشكال االفخارستية‬
‫ّ‬
‫يتجزأ المسيح‬ ‫صامدة‪ .‬المسيح حاضر كلّه في ك ّل من األشكال وفي كل جزء منها بحيث ال‬
‫‪.‬بتجزيء الخبز‬
‫‪ -6666‬العبادة االفخارستية ‪ :‬في ليترجيا القداس نعبّرعن إيماننا بحضور المسيح الحقيقي تحت‬
‫أشكال الخبز والخمر بطرق مختلفة‪ ،‬منها احناء الركب أو االنحناء العميق إعرابا ً عن تعبّدنا‬
‫للرب‪" .‬إنّ الكنيسة كانت وال تزال تؤ ّدي عبادة السجود هذه التي يجب أن تؤ ّديها لسرّ‬
‫االفخارستيا‪ ،‬ليس فقط وقت القداس‪ ،‬بل خارج االحتفال به أيضاً‪ :‬وذلك بحفظ األجزاء المكرّ سة‬
‫‪.‬بأعظم العناية وعرضها على المؤمنين ليُجلّوها باحتفاء‪ ،‬ويطوفوا بها"‬
‫‪ -6666‬الذخيرة المقدسة(بيت القربان) كانت مع ّدة قبالً لحفظ االفخارستيا حفظا ً الئقا ً ل ُتح َمل إلى المرضى‬
‫والمتغيّبين عن القداس‪ .‬ومع تعمّق االيمان في حضور المسيح الحقيقي في االفخارستيا‪ ،‬أدركت الكنيسة معنى‬
‫التعبّد الصامت للربّ الحاضر تحت أشكال االفخارستية‪ .‬وال ب ّد من ث ّم‪ ،‬من أن يوضع بيت القربان في مكان من‬
‫الكنيسة على جانب من اللياقة‪ .‬ويجب ان يُص َنع بحيث ُيظهر بوضوح حقيقة حضور المسيح الراهن في السرّ‬
‫‪.‬المقدس‬
‫‪ -6666‬من المفيد جداً أنّ المسيح أراد البقاء إلى جانب كنيسته بهذا الشكل الفريد‪ .‬فإذ كان الب ّد‬
‫للمسيح من أن يغادر ذويه في شكله الظاهر أراد أن يهب لنا حضوره السرّ يّ ‪ .‬وإذ كان مزمعا ً أن‬
‫يق ّدم ذاته على الصليب لخالصنا‪ ،‬اراد أن يترك لنا تذكار الحبّ الذي به أحبّنا "إلى أقصى‬
‫الحدود"(يو‪ )2: 23‬ببذل حياته‪ .‬فهو‪ ،‬بحضوره االفخارستيّ ‪ ،‬يبقى سر ّيا ً بيننا‪ ،‬بقاء من أحبّنا وبذل‬
‫‪.‬ذاته ألجلنا‪ ،‬وذلك تحت األشكال التي تعبّر عن هذا الحب ّ‬
‫وتبثه‬
‫"إنّ الكنيسة والعالم بحاجة شديدة إلى العبادة االفخارستية‪ .‬يسوع ينتظرنا في سرّ المحبّة هذا‪ ،‬فال نبخل عليه‬
‫بأوقات نذهب فيها للقائه‪ ،‬في جوّ من السجود والتأمّل المفعم باإليمان واألهبة للتكفير عن معصي العالم‬
‫‪.‬وجرائمه‪ .‬وال نك ّفنَّ أبداً عن عبادته"‬
‫‪" -6666‬وجود جسد المسيح الحقيقيّ ودم المسيح الحقيقيّ في هذا السرّ ‪" ،‬ال ندركه الب ّتة بالحواس‬
‫– يقول القديس توما – بل باإليمان وحده المرتكز على سلطة هللا"‪ .‬من هنا أنّ القديس كيرلّس‪،‬‬
‫عندما يفسّر نص القديس لوقا‪" : 21 : 11 ،‬هذا هو جسدي الذي يُبذل ألجلكم"‬
‫يصرّ ح قائالً‪" :‬ال تتساء ْل هل هذا صحيح‪ ،‬بل تقبّل بإيمان كلمات الربّ ‪ ،‬أل ّنه هو‪ ،‬الحق‪ ،‬ال‬
‫‪.‬يكذب"‬
‫"إني أعبدكِ عبادة عميقة أيتها االلوهة المستترة‬
‫والماثلة حقّا ً تحت هذه الظواهر‪،‬‬
‫لكِ يُذعنُ قلبي كلُّه‬
‫أل ّنه يذوب كلّه في تأمّلكِ‬
‫ال البصر يُدرككِ وال الذوق وال اللمس‬
‫وإ ّنما نثق فقط بما يُقال لنا‬
‫أؤمن بما قاله ابن هللا‬
‫‪.‬وال شيء أص ّح من كالم الحقيقة هذا"‬

‫‪ .ً9‬الوليمة الفصحية‬

‫آن واحد وبغير انفصال‪ ،‬التذكار القرباني الذي تستمرّ به ذبيحة الصليب‪،‬‬
‫‪ -6666‬القداس هو‪ ،‬في ٍ‬
‫والوليمة المق ّدسة التي فيها نشترك في جسد الرب ودمه‪ .‬بيد أنَّ االحتفال بالذبيحة االفخارستية‬
‫يهدف كلّه إلى ا ّتحاد المؤمنين بالمسيح ا ّتحاداً حميما ً بواسطة المناولة‪ .‬فالمناولة إ ّنما هي قبول‬
‫‪.‬المسيح نفسه الذي ق ّدم ذاته ألجلنا‬
‫يمثل سرّ اً واحداً بوجهيه‪ :‬مذبح‬ ‫‪ -6666‬المذبح الذي تلتئم الكنيسة حوله في االحتفال باالفخارستيا ّ‬
‫الذبيحة ومائدة الرب‪ .‬ويص ّح هذا بمقدار ما يرمز المذبح المسيحي إلى المسيح نفسه‪ ،‬الحاضر‬
‫آن واحد‪ ،‬الضحيّة المقرّ بة لمصالحتنا مع هللا‪ ،‬وخبزاً سماو ّيا ً‬ ‫وسط جماعة المؤمنين بصفته‪ ،‬في ٍ‬
‫يُق ّدم لنا‪" :‬ما هو مذبح المسيح إال ّ صورة جسد المسيح؟"‪ ،‬يقول القديس امبروسيوس‪ .‬وفي موضع‬
‫يمثل جسد المسيح‪ ،‬وجس ُد المسيح موضو ٌع على المذبح"‪ .‬و ُتعبّر الليترجيا عن هذه‬ ‫آخر ‪" :‬المذبح ّ‬
‫الوحدة القائمة بين الذبيحة والمناولة في صلوات كثيرة"‪ .‬هكذا‪ ،‬تصلّي كنيسة روما األنافورة ‪:‬‬
‫"إننا نتضرع إليك أيّها اإلله القدير ‪ :‬فليحمل مالكك(هذه التقدمة)‪ ،‬في ظ ّل مجدك‪ ،‬إلى مذبحك السماوي‪ ،‬حتى إذا‬
‫‪.‬ما تق ّبلنا ههنا‪ ،‬بتناولنا من المذبح‪ ،‬جسد ابنك ودمه‪ ،‬نمتلئ من نعمتك وبركتك"‬

‫"خذوا فكلوا منه كلّكم" ‪ :‬المناولة‬

‫ّ‬
‫الحق أقول لكم ‪ :‬إذا‬ ‫ّ‬
‫"الحق‬ ‫‪ -6666‬إنّ الربّ يوجّ ه إلينا دعوة ملحّ ة لتناوله في سرّ االفخارستيا ‪:‬‬
‫‪.‬لم تأكلوا جسد ابن االنسان وتشربوا دمه‪ ،‬فلن تكون فيكم الحياة"(يو ‪)13 : 1‬‬
‫ويحثنا القديس بولس‬ ‫ّ‬ ‫‪ -6665‬لكي نلبّي هذه الدعوة‪ ،‬علينا أن نته ّيأ لهذه اللحظة العظيمة المق ّدسة‪.‬‬
‫على محاسبة ضمير ‪" :‬من أكل خبز الرب أو شرب كأسه‪ ،‬ولم يكن أهالً لهما فقد جنى على جسد‬
‫الرب دمه‪ .‬فليحاسب االنسان نفسه‪ ،‬قبل أن يأكل من هذا الخبز ويشرب من هذه الكأس‪ .‬فمن أكل‬
‫وشرب‪ ،‬وهو ال يرى فيه جسد الرب‪ ،‬أكل وشرب الحكم على نفسه"(‪2‬كو ‪ .)11-11 :22‬فمن‬
‫‪.‬عرف نفسه في خطيئة ثقيلة‪ ،‬عليه أن ينال سرّ المصالحة قبل أن يُقدِم على المناولة‬
‫‪ -6669‬أمام عظمة هذا السرّ ‪ ،‬ال يسع إال ّ أن يستعيد‪ ،‬بتواضع وإيمان الهب‪ ،‬كالم قائد المئة ‪:‬‬
‫"يارب لست أهالً ألن تدخل تحت سقفي‪ .‬ولكن يكفي أن تقول كلمة فتبرأ نفسي"‪ .‬وفي الليترجيا‬
‫اإللهية‪ ،‬للق ّديس يوح ّنا الذهبيّ الفم‪ ،‬يصلّي المؤمنون في نفس هذه النفحة ‪:‬‬
‫"إقبلني اليوم شريكا ً في عشائك السرّ ي يا ابن هللا‪ ،‬فإ ّني ال أقول سرّ ك ألعدائك‪ ،‬وال أقبّلك مثل يهوذا‪ .‬بل كاللص‬
‫أعترف لك‪ :‬أذكرني يا رب في ملكوتك"‪.‬‬
‫‪ -6666‬على المؤمنين أن يراعوا الصوم المفروض في كنيستهم ليُحسنوا االستعدا َد لقبول هذا‬
‫السر‪ .‬ويجب أن يعبّر الجسم(بلياقة هندامه وتصرّ فاته) عمّا تك ّنه هذه اللحظة التي يصبح فيها‬
‫‪.‬المسيح ضيفنا‪ ،‬من معاني االحترام والحفاوة والبهجة‬
‫‪ -6666‬وينطبق على معنى االفخارستيا بالذات أن يتناول المؤمنون عندما يشتركون فيها في‬
‫القداس‪ ،‬بشرط أن يتحلّوا باالستعادات المطلوبة‪" :‬يُحرّ ض المؤمنون بش ّدة على أن يشتركوا في‬
‫‪.‬القداس بوجه أكمل‪ ،‬فيتناولوا‪ ،‬بعد تناول الكاهن‪ ،‬من نفس ذبيحة جسد الرب"‬
‫‪ -6666‬و ُتلزم الكنيسة المؤمنين بأن "يشتركوا في الليترجيا اإللهيّة أيام اآلحاد واألعياد" وأن‬
‫يتناولوا االفخارستيا أقلّه مرّ ة في السنة‪ ،‬في زمن الفصحي إذا أمكن ذلك‪ ،‬ويستع ّدوا لها بسرّ‬
‫تحث المؤمنين بش ّدة على ان يتناولوا االفخارستيا المق ّدسة أيام اآلحاد‬ ‫ُّ‬ ‫المصالحة‪ .‬بيد أنّ الكنيسة‬
‫واألعياد‪ ،‬بل أكثر من ذلك أيضاً‪ ،‬وحتى كل يوم‪.‬‬
‫‪ -6666‬نظراً إلى حضور المسيح السرّ ي في كال الشكلين‪ ،‬فالتناول تحت شكل الخبز فقط يُتيح‬
‫اإلفادة من ك ّل ثمار نعمة االفخارستيا‪ .‬هذه الطريقة في المناولة قد رسخت شرع ّيا ً في الطقس‬
‫الالتيني‪ ،‬فأضحت‪ ،‬ألسباب رعائية‪ ،‬هي الطريقة األكثر شيوعاً‪" .‬المناولة المق ّدسة تحقّق‪ ،‬بطريقة‬
‫أكمل‪ ،‬ووجهها الرمزيّ عندما تت ّم تحت الشكلين‪ .‬فبهذا الوجه يظهر‪ ،‬بطريقة أكمل‪ ،‬رمز المائدة‬
‫‪.‬االفخارستية"‪ .‬وهذه هي الطريقة الم ّتبعة عادة للمناولة في الطقوس الشرقية‬

‫ثمار المناولة‬

‫‪ -6666‬المناولة تن ّمي ا ّتحادنا بالمسيح‪ .‬قبول االفخارستيا في المناولة‪ ،‬ثمرته األولى اال ّتحاد‬
‫الحميم بيسوع المسيح‪ .‬فالربّ يقول لنا‪" :‬من يأكل جسدي ويشرب دمي يثبت فيّ وأنا فيه"(يو ‪:1‬‬
‫‪ .)11‬والحياة في المسيح ركيزتها الوليمة االفخارستية ‪" :‬كما ان اآلب الح ّي أرسلني وأ ّني أحيا‬
‫‪.‬باآلب‪ ،‬فكذلك الذي يأكلني سيحيا بي"(يو ‪)11 : 1‬‬
‫ُ‬
‫شر بعضهم بعضا ً بأنّ عربون الحياة قد أعطي‪ ،‬كما‬
‫"عندما يتناول المؤمنون جسد االبن‪ ،‬في أعياد الرب‪ ،‬يب ّ‬
‫جرى ذلك عندما قال المالك لمريم المجدلية‪" :‬قام المسيح"‪ .‬هكذا اآلن أيضً ا يُعطى ك ّل من يتناول المسيح الحياة‬
‫‪.‬والقيامة"‬
‫‪ -6666‬مفعول الطعام في حياتنا الجسدية‪ ،‬تحقّقه المناولة بطريقة عجيبة في حياتنا الروحية‪.‬‬
‫االشتراك في جسد المسيح القائم "الذي يحييه الروح القدس ويفيض فينا الحياة"‪ ،‬يصون حياة‬
‫النعمة التي تلقّيناها في المعمودية‪ ،‬وينمّيها ويج ّددها‪ .‬هذا ال ّنمو في الحياة المسيحية يحتاج إلى‬
‫ساعة الموت ف ُنعطاه‬‫ُ‬ ‫خبز حجِّ نا(في هذه الحياة) إلى أن َتحين‬
‫غذاء المناولة االفخارستية‪ِ ،‬‬
‫‪.‬زاداً(للحياة األبدية)‬
‫‪ -6666‬المناولة تفصلنا عن الخطيئة‪ .‬جسد المسيح الذي نأخذه في المناولة قد " ُب ِذ َل ألجلنا"‪،‬‬
‫والدم الذي نشربه قد "سفك عن الكثيرين لمغفرة الخطايا"‪ .‬وبالتالي‪ ،‬فاالفخارستيا ال تستطيع أن‬
‫‪.‬تضمّنا إلى المسيح‪ ،‬من دون أن تطهّرنا من الخطايا السالفة وتحفظنا من الخطايا اآلتية‬
‫شر بمغفرة الخطايا‪ .‬وإذا كان كل مرّة يراق‬ ‫"كل مرّة نتناوله‪ ،‬نخبر بموت الرب‪ .‬فعندما نب ّ‬
‫شر بموت الرب‪ ،‬نب ّ‬
‫دمه‪ ،‬إ ّنما يُراق لمغفرة الخطايا‪ ،‬فعليّ أن اتناوله دائما ً لكي يصفح دائما ً عن خطاياي‪ .‬فأنا الذي يرتكب الخطيئة‬
‫‪.‬دائما ً‪ ،‬أحتاج إلى عالج"‬
‫‪ -6666‬كما أنّ الطعام الجسدي يعيد القوى المفقودة‪ ،‬كذلك االفخارستيا تقوّ ي المحبّة التي تنزع‬
‫إلى التناقص في الحياة اليومية‪ .‬هذه المحبة‪ ،‬إذا انتعشت‪ ،‬تمحو الخطايا العرضية‪ .‬عندما يبذل لنا‬
‫المسيح ذاته‪ ،‬يُنعش محبّتنا ويم ّكننا من أن نصرم ما يقيّدنا بالخالئق من عالئق مشوشة‪ ،‬ونتأصل‬
‫فيه ‪:‬‬
‫ب لنا المحب ُّة بحلول الروح القدس‪ .‬إننا‬
‫"لقد مات المسيح ح ّبا ً بنا‪ .‬فعندما نتذكر موته وقت الذبيحة‪ ،‬نسأله أن تو َه َ‬
‫ندعوه بتواضع أن نتل ّقى‪ ،‬نحن أيضاً‪ ،‬نعمة الروح القدس‪ ،‬بفعل هذه المحبّة التي دفعت المسيح إلى أن يموت‬
‫ألجلنا‪ ،‬ويصبح العالم مصلوبا ً عندنا ونصبح نحن مصلوبين عند العالم‪ ،‬لقد تل ّقينا موهبة المحبّة ْفل َنم ْ‬
‫ُت عن‬
‫ولنحي هلل"‬
‫َ‬ ‫‪.‬الخطيئة‬
‫‪ -6665‬المحبّة التي توقدها االفخارستيا فينا تحرزنا من الخطايا المميتة اآلتية‪ .‬فبمقدار ما نشترك‬
‫في حياة المسيح ونتق ّدم في صداقته‪ ،‬يمسي أصعب علينا أن ننفصل عنه بالخطيئة المميتة‪.‬‬
‫االفخارستيا ال تهدف إلى محو الخطايا المميتة‪ ،‬فذلك من خصائص سرّ المصالحة‪ .‬وأمّا‬
‫‪.‬االفخارستيا فتتميّز بأ ّنها سرّ الذين ينعمون بملء الشركة مع الكنيسة‬
‫السري‪ :‬االفخارستيا تصنع الكنيسة‪ .‬فالذين ينالون االفخارستيا ي ّتحدون‬‫ّ‬ ‫‪ -6669‬وحدة الجسد‬
‫بالمسيح ا ّتحاداً أوثق‪ .‬ومن ث ّم‪ ،‬فالمسيح يجعلهم م ّتحدين بجميع المؤمنين في جسد واحد‪ :‬أي‬
‫الكنيسة‪ .‬المناولة تج ّدد وتقوّ ي وتعمّق هذا االندماج في الكنيسة الذي تحقّق لنا بالمعموديّة‪.‬‬
‫بالمعمودية ُدعينا إلى أن نكون جسداً واحداً وباالفخارستيا تتحقّق هذه الدعوة‪" :‬كأس البركة التي‬
‫شركة في دم المسيح؟ والخبز الذي نكسره اليس هو شركة في جسد المسيح؟‬ ‫ً‬ ‫نباركها أليست هي‬
‫فبما أنّ الخبز واحد فنحن الكثيرين جسد واحد‪ ،‬ألننا جميعا ً نشترك في الخبز الواحد"(‪2‬كو ‪: 21‬‬
‫‪)21-21.‬‬
‫"إذا كنتم جسد المسيح وأعضاءه‪ ،‬فسرُّ كم هو الموضو ُع على مائدة الرب‪ ،‬وتتناولون سرَّ كم‪ .‬تجيبون "آمين"(نعم‪،‬‬
‫هذا حق) على ما تتناولون‪ ،‬وتصادقون عليه بجوابكم‪ .‬إ ّنك تسمع هذه الكلمة‪" :‬جسد المسيح"‪ .‬وتجيب "آمين"‪.‬‬
‫كن إذن عضواً في المسيح لتكون "اآلمين" عندك صحيحة"‪.‬‬
‫الحق‪ ،‬جسد المسيح ودمه‬‫ّ‬ ‫‪ -6666‬االفخارستيا تج ّندنا في خدمة الفقراء ‪ :‬لكي نقبل‪ ،‬في‬
‫المبذولين ألجلنا‪ ،‬علينا أن نتوسّم المسيح في إخوته األش َّد فقراً ‪:‬‬
‫"لقد ُذقت دم الرب وأنت ال تعرف حتى بأخيك‪ .‬إ ّنك تد ّنس هذه المائدة ذاتها‪ ،‬عندما َت َ‬
‫حسبُ غير أهل لمقاسمة‬
‫طعامك ذاك الذي حُسب أهالً ليشترك في هذه المائدة‪ .‬لقد حرّ رك هللا من ك ّل ذنوبك ودعاك إلى هذه المائدة‪،‬‬
‫‪.‬وأنت‪ ،‬حتى في هذه المناسبة‪ ،‬لم تزدد فيك الشفقة"‬
‫‪ -6666‬االفخارستيا ووحدة المسيحيين‪ .‬أمام عظمة هذا السرّ ‪ ،‬يهتف القديس أوغسطينوس‪:‬‬
‫لسر التقوى! ياال لعالمة الوحدة! يا لرباط المح ّبة!" كلّما تفاقم شعورنا بألم االنقسامات التي‬ ‫"يا ّ‬
‫تفسّخ الكنيسة وتص ّدع اشتراكنا في مائدة الرب‪ ،‬ازدادت أدعيتنا إلى هللا لجاجة لتعود أيام الوحدة‬
‫الكاملة بين جميع المؤمنين به‪.‬‬
‫‪ -6666‬الكنائس الشرقية التي ليست على ملء الشركة مع الكنيسة الكاثوليكية تحتفل باالفخارستيا احتفاالً مفعما ً‬
‫بالحب‪" :‬هذه الكنائس‪ ،‬على انفصالها‪ ،‬تملك أسراراً حقيقيّة‪ ،‬وال سيّما بفعل الخالفة الرسولية ‪ :‬الكهنوت‬
‫واالفخارستيا اللذين يضمّانها إلينا ض ّما ً وثيقاً"‪ .‬لذلك "ان بعض االشتراك في االقداس‪ ،‬وبالتالي في االفخارستيا‪،‬‬
‫في اآلحوال المؤاتية‪ ،‬وبموافقة السلطة الكنسية‪ ،‬ليس هو فقط في حكم الممكن‪ ،‬بل في حكم المحبّذ أيضاً"‪.‬‬
‫‪ -6666‬إنّ الجماعات الكنسية المنبثقة عن حركة االصالح والمنفصلة عن الكنيسة الكاثوليكية‬
‫"لم تحتفظ بجوهر السرّ االفخارستيّ كامالً‪ ،‬وخصوصا ً بسبب فقدان سرّ الكهنوت عندها"‪ .‬ومن ث ّم‪ ،‬ال يجوز‪ ،‬في‬
‫نظر الكنيسة الكاثوليكية‪ ،‬إقامة الشركة االفخارستيا مع هذه الجماعات‪ .‬ولكنّ هذه الجماعات الكنسية "عندما‬
‫تحتفل بذكرى موت الرب وقيامته في العشاء المقدس‪ ،‬تشهد بأنّ الحياة قوامُها االتحاد بالمسيح‪ ،‬وتنتظر رجعته‬
‫‪.‬المجيدة"‬
‫الخ ّدمّة الكاثوليك‪ ،‬في حال الضرورة الخطيرة والملحّ ة‪ ،‬وامتثاالً لحكم الرئيس المحلّي‪ ،‬ان‬
‫‪ -6666‬يستطيع ّ‬
‫يمنحوا األسرار( االفخارستيا والتوبة ومسحة المرضى) للمسيحيين اآلخرين الذين ليسوا على ملء الشركة مع‬
‫الكنيسة الكاثوليكية‪ ،‬بشرط أن يطلبوها ب ملء ارادتهم‪ .‬وعليهم‪ ،‬عندئذ‪ ،‬أن يعلنوا اإليمان الكاثوليكي في شأن هذه‬
‫‪.‬اآلسرار‪ ،‬ويتحلّوا باالستعدادات المطلوبة‬

‫‪ .ً6‬االفخارستيا – "عربون المجد اآلتي"‬

‫‪ -6666‬في صالة قديمة‪ ،‬تهتف الكنيسة مهللة لسرّ االفخارستيا‪" :‬يا أيها الوليمة المق ّدسة التي‬
‫ُتص ّير المسيح طعامناً‪ ،‬و َتحيي ذكرى آالمه‪ ،‬و ُتفعم بالنعمة نفسنا و ُتعطينا عربون الحياة األتية"‪.‬‬
‫فاالفخارستيا هي‪ ،‬وال شكّ‪ ،‬تذكار فصح الرب‪ ،‬وباشتراكنا في المذبح نمتلئ "من ك ّل بركة‬
‫‪.‬سماوية ونعمة"‪ .‬ولكنّ االفخارستيا هي أيضا ً استباق للمجد السماوي‬
‫ت الربّ نفسُه ن َظ َر تالميذه إلى اكتمال الفصح في ملكوت هللا‪:‬‬ ‫‪ -6666‬في العشاء األخير‪ ،‬ل َف َ‬
‫"أقول لكم‪ :‬لن أشرب بعد اآلن من عصير الكرمة هذا حتى ذلك اليوم الذي فيه أشربه معكم جديداً‬
‫في ملكوت أبي"(متى‪ .)11 : 11‬ك ّل مرّ ة تحتفل الكنيسة باالفخارستيا‪ ،‬تتذ ّكر هذا الوعد‪ ،‬وترنو‬
‫بنظرها إلى "من سيأتي"(رؤ ‪ .)2 : 2‬وفي صالتها تلتمس مجيئه‪" :‬ماراناثا"‬
‫ت نعمتك وليعبر هذا العالم!"‬ ‫‪2(.‬كو ‪" ،)11 : 21‬تعال أيّها الرب يسوع"(رؤ‪" ،)11 : 11‬لتأ ِ‬
‫‪ -6666‬وتعْ لّم الكنيسة أن الرب‪ ،‬منذ اآلن‪ ،‬يأتي في االفخارستيا‪ ،‬وأنه ههنا فيما بيننا‪ .‬ولكنّ هذا‬
‫الحضور محجوب عن األنظار‪ .‬ولهاذ نحتفل باالفخارستيا "منتظرين الرجاء السعيد‪ ،‬ومجيء‬
‫مخلّصنا يسوع المسيح"‪ ،‬وطالبين "أن نمتلئ من مجدك في ملكوتك‪ ،‬كلّنا معا ً وإلى األبد‪ ،‬يوم‬
‫ُتم َسح ك ّل دمعة من عيوننا‪ .‬يوم نراك‪ ،‬أنت إلهنا‪ ،‬كما أنت‪ ،‬سوف نصير شبيهين بك إلى األبد‪.‬‬
‫‪.‬ونسبّحك بال انقطاع‪ ،‬بالمسيح ربّنا"‬
‫‪ -6665‬هذا الرجاء العظيم‪ ،‬رجاء سماوات جديدة وأرض جديدة يقُيم فيها البرّ‪ ،‬ليس لدينا عليه‬
‫عربونٌ أوثق وآية أوضح من االفخارستيا‪ .‬وال غرو‪ ،‬فك ّل مرّ ة نحتفل بهذا السرّ ‪" ،‬يت ُّم عمل‬
‫ُ‬
‫والترياق الذي يحول دون موتنا‪ ،‬بل‬ ‫فدائنا"‪" ،‬ونكسر خبزاً واحداً هو الدواء الذي يكفل لنا الخلود‬
‫‪.‬يتيح لنا أن نحيا في يسوع المسيح دائماً"‬

‫بإيجاز‬

‫يحي إلى األبد‪.‬‬ ‫‪ -6669‬قال يسوع‪" :‬أنا الخبز الحي الذي نزل من السماء‪ .‬من يأكل من هذا الخبز َ‬
‫من يأكل جسدي ويشرب دمي فله الحياة األبدية‪ ....‬يثبُت ف ّي وأنا فيه"(يو ‪.)16: 14،11: 6‬‬
‫ُشرك المسيح كنيسته وك ّل أعضائها في‬ ‫‪ -6666‬االفخارستيا هي قلبُ حياة الكنيسة وقمّتها‪ ،‬بها ي ِ‬
‫ذبيحة الحمد والشكر التي ُقرّبت ألبيه مرّة واحدة على الصليب‪ .‬بهذه الذبيحة يُفيض المسيح نِ َعمَ‬
‫‪.‬الخالص على جسده‪ ،‬أي الكنيسة‬
‫‪ -6666‬االحتفال االفخارست ّي يتضمّن دائم ًا ‪ :‬إعالن كلمة هللا‪ ،‬شك ّر هللا اآلب لك ّل أفضاله وال‬
‫ك في الوليمة الليترجية‪ ،‬بتناول جسد الرب‬ ‫سيّما عطيّة ابنه‪ ،‬ثمّ تقديس الخبز والخمر واالشترا َ‬
‫‪.‬ودمه‪ .‬هذه العناصر تؤلف عمل عبادة واحد ًا‬
‫‪ -6666‬االفخارستيا هي تذكار فصح المسيح‪ :‬أي تذكار عمل الخالص الذي ح ّققه المسيح بحياته‬
‫ال في واقع العمل الليترجي‬ ‫‪.‬وموته وقيامته والذي يغدو ماث ً‬
‫ي األعظم للعهد الجديد‪ ،‬هو الذي يقرّب الذبيحة االفخارستية‪،‬‬ ‫‪ -6666‬أنّ المسيح‪ ،‬الكاهن األبد ّ‬
‫بواسطة الكهنة‪ .‬والمسيح هو نفسه أيض ًا المقرَّ ب في الذبيحة الليترجية‪ ،‬حاضر ًا حضور ًا حقيق ّي ًا‬
‫‪.‬تحت أشكال الخبز والخمر‬
‫‪ -6666‬الكهنة الذين نالوا س ّر الكهنوت بطريقة صحيحة هم وحدهم مخوّ لون أن يرئسوا‬
‫‪.‬االفخارستيا ويق ّدسوا الخبز والخمر ليصيرا جسد الرب ودمه‬
‫‪ -6666‬خبز الحنطة وخمر الكرمة هما الشكالن الجوهريان في س ّر االفخارستيا‪ .‬عليهما ُتستدعى‬
‫بركة الروح القدس‪ ،‬ويلفظ الكاهن كلمات التقديس التي نطق بها يسوع في العشاء األخير‪" :‬هذا‬ ‫ُ‬
‫هو جسدي الذي يُكسر ألجلكم‪ ....‬وهذه هي كأس دمي‪."....‬‬
‫‪ -6666‬بالتقديس يتم تحوّ ل الخبز والخمر جوهر ّي ًا إلى جسد المسيح ودمه‪ .‬وتحت أشكال الخبز‬
‫والخمر التي جرى عليها التقديس‪ ،‬يحضر المسيح نفسه‪ ،‬ح ّي ًا وممجّد ًا‪ ،‬حضور ًا حقيق ّي ًا وواقع ّي ًا‬
‫‪.‬وجوهر ّي ًا‪ ،‬بجسده ودمه ونفسه وألوهيّته‬
‫‪ -6666‬إنّ االفخارستيا‪ ،‬بوصفها ذبيحة‪ُ ،‬تقرّب أيض ًا تكفير ًا عن خطايا األحياء واألموات‬
‫‪.‬والتماس ًا ألفضال هللا الروحية والزمنيّة‬
‫‪ -6665‬من أراد أن يقبل المسيح في المناولة االفخارستية عليه أن يكون في حالة النعمة‪ .‬فإذا تنبّه‬
‫أح ٌد إلى ا ّنه ارتكب خطأ مميت ًا‪ ،‬فعليه أ ّال يتناول االفخارستيا قبل أن ينال الح ّل من ذنوبه في س ّر‬
‫‪.‬التوبة‬
‫‪ -6669‬االشتراك المقدس في جسد المسيح ودمه ينمّي ا ّتحاد المؤمن مع الرب‪ ،‬ويغفر له ذنوبه‬
‫ال َعرضيّة‪ ،‬ويحفظه من الخطايا المميتة‪ .‬وبما أنّ عُرى المحبة بين المشترك في االفخارستيا‬
‫‪.‬والمسيح تزداد متانة‪ ،‬ف ّت ّقّّ بل هذا الس ّر يقوّ ي وحدة الكنيسة‪ ،‬جسد المسيح السرّي‬
‫‪ -6666‬إنّ الكنيسة تشجّع المؤمنين بش ّدة على تقبّل المناولة المق ّدسة‪ ،‬عندما يشتركون في‬
‫‪.‬االحتفال باالفخارستيا‪ ،‬وتلزمهم بذلك أق ّله مرّة في السنة‬
‫‪ -6666‬بما أنّ المسيح حاضر في س ّر المذبح‪ ،‬فعلينا أن نحوّ طه باإلكرام والعبادة‪" .‬زيارة القربان‬
‫اآلقدس هي دليل معرفة جميل‪ ،‬وعالمة حبّ ‪ ،‬وواجب عبادة تجاه المسيح ربّنا"‪.‬‬
‫‪ -6666‬عندما انتقل المسيح من هذا العالم إلى ابيه‪ ،‬ترك لنا االفخارستيا عربون المجد لديه‪:‬‬
‫فاالشتراك في الذبيحة المق ّدسة يجعلنا في شبه قلبه‪ ،‬ويسند قوانا في دروب هذه الحياة‪ ،‬ويشوّ قنا‬
‫‪.‬إلى الحياة األبدية‪ ،‬ويضمّنا منذ اآلن إلى كنيسة السماء والق ّديسة العذراء مريم وجميع القديسين‬

‫نعتذر عند حصول اخطاء امالئية غير مقصودة‬


‫التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية‬

‫الجزء الثالث‬

‫طباعة الشماس جورج يلدا‬


‫الكنيسة الكلدانية في بريطانيا‬
‫لندن ‪1122‬‬
‫‪www.chaldean.org.uk‬‬

‫‪1‬‬
‫الفصل الثاني‬
‫اسرار الشفاء‬

‫‪ -0241‬أسرار التنشئة المسيحية تمنح االنسان حياة المسيح الجديدة‪ .‬ولكنّ هذه الحياة إ ّنما نحملها‬
‫في "آنية من خزف" (‪1‬كو ‪ .)7 :4‬إ ّنها ال تزال اآلن "مستتر ًة مع المسيح في هللا"‬
‫(كو ‪ ،)3 :3‬وال نزال في مسكننا األرضي المعرّ ض للعذاب والمرض والموت‪ .‬هذه الحياة‬
‫‪.‬الجديدة التي تجعلنا أبناء هللا يمكن أن َتضعُف بل أن َتتلَف بالخطيئة‬
‫‪ -0240‬إنّ الرب يسوع المسيح‪ ،‬طبيب نفوسنا وأجسادنا الذي غفر للمقعد خطاياه وأعاد إليه‬
‫صحّ ة البدن‪ ،‬أراد لكنيسته أن تواصل‪ ،‬في قوّ ة الروح القدس‪ ،‬عمل الشفاء والخالص حتى‬
‫‪.‬ألعضائها أنفسهم‪ .‬وهذا ما يهدف إليه سرّ ا الشفاء " سرّ التوبة وسرّ مسحة المرضى‬

‫المقال الرابع‬
‫س ّر التوبة والمصالحة‬

‫ُقبلون إلى سرّ التوبة يصيبون من رحمة هللا مغفرة االهانة اتي ألحقوها به‪،‬‬
‫‪" -0244‬إنّ الذين ي ِ‬
‫ويتصالحون في الوقت نفسه مع الكنيسة التي جرحوها بخطيئتهم‪ ،‬والتي تسعى بمح ّبتها ومثالها‬
‫وصالتها في سبيل توبتهم"‪.‬‬

‫السر‬
‫ّ‬ ‫‪ .ً0‬األسماء التي ُتطلق على هذا‬

‫سر الهداية أل ّنه يحقّق سرّيا ً دعوة يسوع إلى االرتداد‪ ،‬أي العودة إلى اآلب‬
‫‪ -0241‬إنه يسمّى ّ‬
‫‪.‬الذي ابتعدنا عنه بالخطيئة‬
‫سر التوبة ألنه يكرّ س مسعىً شخص ّيا ً وكنس ّياً‪ ،‬مسعى اهتداء وتوبة وتكفير يقوم به‬
‫و َيسمّى ّ‬
‫المسيحي الخاطئ‪.‬‬
‫سر االعتراف‪ ،‬ألن اإلقرار واإلعتراف بالخطايا أمام الكاهن هو عنصر‬ ‫‪ -0242‬ويسمّى ّ‬
‫جوهري من عناصر هذا السر‪ .‬وهذا السرّ ‪ ،‬بمفهومه العميق‪ ،‬هو أيضا ً "اعتراف" أي تسبيح حمد‬
‫‪.‬لقداسة هللا وشفقته على اإلنسان الخاطئ‬
‫سر الغفران‪ ،‬ألن هللا يمنّ على الخاطئ "بالغفران والسالم" بواسطة الحل السرّ ي الذي‬ ‫ويسمّى ّ‬
‫يمنحه الكاهن‪.‬‬
‫سر المصالحة ألنه يمنح الخاطئ حبّ هللا إله المصالحة‪" :‬تصالحوا مع هللا" (‪1‬كو ‪:5‬‬ ‫ويسمّى ّ‬
‫‪ .)11‬وك ّل من يحيا بحبّ هللا الرحيم‪ ،‬بوسعه أن يلبّي نداء الرب‪" :‬إذهب أوّ الً وصالح أخاك"‬
‫‪(.‬متى ‪)14 :5‬‬

‫سر المصالحة بعد المعمودية ؟‬


‫‪ .ً4‬لماذا ّ‬

‫‪ -0241‬لقد ُغسِ لتم بل قُدِستم‪ ،‬بل بُررِّ رتم باسم ربنا يسوع المسيح وبروح إلهنا"‬

‫‪2‬‬
‫(‪2‬كو ‪ .)6:22‬ال ب ّد من أن ندرك عظمة عطية هللا التي أنعم بها علينا عبر أسرار التنشئة‬
‫المسيحية‪ ،‬لكي ندرك إلى ايّ مدى يجب على المسيحي الذي لبس المسيح أن ينفض الخطيئة عنه‪.‬‬
‫ولكن الرسول القديس يوحنا يقول أيضاً‪" :‬إذا زعمنا أ ّننا بال خطيئة خدعنا أنفسنا ولم نكن على‬
‫الحق" (‪2‬يو ‪ .)2:8‬والرب نفسه علّمنا أن نصلّي‪" :‬إغفر لنا ذنوبنا" (لو ‪ ،)4 :22‬وقد جعل صفح‬
‫‪.‬هللا عن خطايانا رهنا ً بتبادل الصفح بيننا وبين اآلخرين‬
‫‪ -0241‬االرتداد إلى المسيح والوالدة الجدية بالمعمودية موهبة الروح القدس وجسد المسيح ودمه‬
‫اللذان نتناولهما طعاماً‪ ،‬ك ّل هذا قد جعلنا "قديسين وبال عيب عنده" (اف‪ .)2:4‬على غرار الكنيسة‬
‫نفسها‪ ،‬عروس المسيح "المقدسة والبريئة من العيب" (أف ‪ .)5:17‬بيد أن الحياة الجديدة التي‬
‫تلقيناها في فترة التنشئة المسيحية لم ُتلغ هشاشة الطبيعة البشرية وضعفها‪ ،‬وال النزوع إلى‬
‫الخطيئة الذي يسمّيه التقليد شهوة‪ ،‬والذي يلبث في المعمّدين ليؤ ّدوا الدليل‪ ،‬بمعونة نعمة المسيح‪،‬‬
‫على أمانتهم في الجهاد الذي تتطلّبه الحياة المسحية‪ .‬هذا الجهاد هو جهاد االرتداد إلى هللا‪ ،‬بغية‬
‫‪.‬القداسة والحياة األبدية التي ال يني الربّ يدعونا إليها‬

‫‪ .ً1‬ارتداد المع ّمدين‬

‫‪ -0241‬يسوع يدعونا إلى االرتداد إليه‪ .‬هذا النداء هو جزء جوهريّ في بشرى الملكوت‪" :‬لقد ت ّم‬
‫الزمان واقترب ملكوت هللا‪ ،‬فتوبوا وآمنوا باالنجيل" (مر ‪ .)25 :2‬في كرازة الكنيسة‪ ،‬يتوجّ ه هذا‬
‫النداء أوّ الً إلى الذين لم يعرفوا بعد المسيح وإنجيله‪ .‬ولذا فالمعمودية هي الموقع الرئيسي لالرتداد‬
‫األوّ ل واألساسي‪ .‬فباإليمان بالبشرى السعيدة وبالمعمودية يُعرض االنسانُ عن الشرّ وينال‬
‫الخالص‪ ،‬إي مغفرة كل الخطايا وموهبة الحياة الجديدة‪.‬‬
‫‪ -0241‬والواقع أنّ نداء المسيح إلى االرتداد ال يزال يدوّ ي في حياة المسيحيين‪ .‬هذا االرتداد‬
‫الثاني مهمّة مستمرّ ة ال تنقطع في الكنيسة كلّها التي "تض َّم خطأة في حضنها"‪" ،‬وهي‪ ،‬في آن‬
‫واحد‪ ،‬مق ّدسة ومفتقرة دائما ً إلى التطهير وال تني عاكفة على التوبة والتج ّدد"‪ .‬هذا السعي إلى‬
‫االرتداد ليس عمالً بشر ّيا ً وحسب‪ ،‬بل هو من وحي "القلب المنسحق"‪ ،‬تجذبه النعمة وتحرّ ُكه‬
‫‪.‬ليستجيب لحب هللا الشفوق الذي أحبّنا أوّ الً‬
‫‪ -0241‬ودليل ذلك ارتداد القديس بطرس‪ ،‬بعد أن أنكر معلّمه ثالثاً‪ .‬لقد نظر إليه يسوع بعين‬
‫ملؤها الرأفة‪ ،‬ففاضت دموعه توبة‪ ،‬وبعد قيامة الرب‪ ،‬أ ّكد له حبّه ثالثاً‪ .‬هذا االرتداد الثاني‬
‫يكتسي طابعا ً جماع ّيا‪ ،‬يظهر في نداء الرب إلى كنيسته بأجمعها‪" :‬توبوا!" (رؤ‪.)26 ،5 :1‬‬
‫" في شأن هذين االرتدادين‪ ،‬يؤكد القديس أمبروسيوس أنّ في الكنيسة "الماء والدموع‪ :‬ماء المعمودية ودموع‬
‫التوبة"‪.‬‬

‫‪ .ً2‬التوبة الباطنة‬

‫‪ -0211‬دعوة يسوع إلى االرتداد والتوبة‪ ،‬على غرار دعوة االنبياء‪ ،‬ال تتو ّخى أوّ الً األعمال‬
‫الظاهرة"‪" :‬المسيح والرماد"‪ ،‬واألصوام والتقسشفات‪ ،‬بل ارتداد القلب والتوبة الباطنة‪ .‬بدون‬
‫هذه التوبة الباطنة‪ ،‬تبقى أعمال التوبة الظاهرة عقيمة زائفة‪ ،‬بينما االرتداد الباطن يهيب باالنسان‬
‫‪.‬إلى أن يعبّر عن توبته بأدلّة حسّية وأفعال توبة وأعمال‬
‫‪ -0210‬التوبة الباطنة هي إعادة توجيه جذريّة للحياة كلّها‪ .‬إ ّنها عودة وارتداد إلى هللا من صميم‬
‫قلبنا‪ ،‬وإمساك عن الخطيئة وبغض الشرّ ‪ ،‬وكره لما اقترفناه من أعمال ذميمة‪ .‬وهي تنطوي‪ ،‬في‬
‫‪3‬‬
‫الوقت نفسه‪ ،‬على الرغبة والقصد في أن نج ّدد حياتنا معتصمين برجاء رحمة هللا‪ ،‬والثقة بمعونة‬
‫‪.‬نعمته‪ .‬ارتداد القلب هذا يرافقه توجّ ع وحزن خالصيّان سمّاها االباء غ ّم الروح‪ ،‬وانسحاق القلب‬
‫‪ -0214‬قلب االنسان باهض ومتصلّب‪ ،‬وال ب ّد لالنسان من قلب جديد ينفحه به هللا‪ .‬واالرتداد إ ّنما‬
‫هو أوالً عمل نعمة هللا الذي ير ّد قلوبنا إليه‪" :‬أعدنا يا ربّ إليك فنعود" (مرا ‪ .)12 :5‬ويؤتينا هللا‬
‫يتفطر قلبنا من هول الخطيئة وثقلها‪ ،‬ويدبّ فيه‬ ‫ّ‬ ‫قوّ ة لنبدأ جديداً‪ .‬وعندما نكتشف عظمة محبّة هللا‪،‬‬
‫الخوف من أن يهين هللا وينفصل عنه‪ .‬القلب البشري يرت ّد إلى هللا عندما يشخص إلى ذاك الذي‬
‫‪:‬طعنته معاصينا‬
‫ريق ألجل خالصنا‪ ،‬فأسبغ على‬ ‫ُ‬
‫"لنجعل عيوننا شاخصة إلى دم المسيح ولنفهم كم هو نفيس في نظر أبيه‪ ،‬أل ّنه أ َ‬
‫العالم كلّه نعمة التوبة"‪.‬‬
‫‪ -0211‬منذ الفصح‪ ،‬والروح القدس يُفحم العالم بشأن الخطيئة وذلك بأنَّ العالم لم يؤمن بمن‬
‫المعزي الذي يُلقي في قلب االنسان‬ ‫ّ‬ ‫أرسله اآلب‪ .‬ولكنّ هذا الروح عينه الذي يفضح الخطيئة هو‬
‫‪.‬نعم َة التوبة واالرتداد‬

‫‪ .ً1‬مختلف أنواع التوبة في الحياة المسيحية‬

‫ً‬
‫غاية في التنوع‪ .‬ويل ّح الكتاب المقدس واآلباء على‬ ‫‪ -0212‬توبة االنسان الباطنة قد تتخذ تعابير‬
‫ثالثة أشكال لها‪ :‬الصوم‪ ،‬والصالة‪ ،‬والصدقة‪ ،‬وهي تعبّر عن االرتداد في عالقته مع الذات‪ ،‬ومع‬
‫هللا ومع اآلخرين‪ .‬فإلى جانب التنقية الجذرية التي تتم بالمعمودية أو باالستشهاد‪ ،‬يذكرون من بين‬
‫الوسائل المع َتمدة لنيل مغفرة الخطايا‪ :‬الجهود المبذولة للتصالح مع القريب‪ ،‬ودموع التوبة‪،‬‬
‫واالهتمام بخالص القريب‪ ،‬وشفاعة القديسين وممارسة المحبة التي "تستر ج ّما ً من الخطايا" (‪2‬‬
‫‪.‬بط ‪)8 :4‬‬
‫‪ -0211‬في الحياة اليومية يت ّم االرتداد عبر أفعال مصالحة‪ ،‬واالهتمام بالمعوزين‪ ،‬وممارسة‬
‫العدالة والحق والدفاع عنهما‪ ،‬واإلقرار بالذنوب أمام اآلخرين‪ ،‬والتأديب األخوي‪ ،‬ومراجعة‬
‫الحياة‪ ،‬ومحاسبة الضمير‪ ،‬واإلرشاد الروحي‪ ،‬واحتمال األوجاع والصبر على االضطهاد من‬
‫‪.‬أجل البرّ ‪ .‬أن نحمل الصليب كل يوم ونتبع يسوع هو الطريق اآلمن إلى التوبة‬
‫‪ -0211‬االفخارستيا والتوبة‪ :‬االرتداد والتوبة‪ ،‬كل يوم‪ ،‬منبعها وغذاؤهما االفخارستيا‪ ،‬ففيها‬
‫يتغذى ويتقوّ ى الذين يحيون حياة المسيح‪،‬‬ ‫تتج ّدد ذبيحة المسيح الذي صالحنا مع هللا‪ .‬باالفخارستيا ّ‬
‫"وهي الترياق الذي يُعتقُنا من أخطائنا اليومية ويصوننا من الخطايا المميتة"‪.‬‬
‫‪ -0211‬قراءة الكتاب المقدس وليترجيا الساعات وصالة األبانا وك ّل عمل خالص من أعمال‬
‫شط فينا روح الهداية والتوبة ويساهم في غفران خطايانا‬ ‫‪.‬العبادة والتقوى ين ّ‬
‫‪ -0211‬أوقات االتوبة وايّامها على مدار السنة الليترجية (زمن الصوم وك ّل جمعة تذكاراً لموت‬
‫مكثفة لممارسة التوبة في الكنيسة‪ .‬هذه األوقات تناسب‪ ،‬بطريقة خاصة‪،‬‬ ‫المسيح)‪ ،‬كلّها أوقات ّ‬
‫الرياضات الروحية وليترجيات التوبة‪ ،‬والحج في سبيل التوبة والتضحيات الطوعية كالصوم‬
‫‪.‬والصدقة‪ ،‬والمشاركة األخوية (واألعمال الخيرية الرسولية)‬
‫‪ -0211‬حركة االرتداد والتوبة وصفها يسوع وصفا ً رائعا ً في المثل المعروف بمثل "االبن‬
‫الشاطر"‪ ،‬ومحوره‪" :‬األب الرحيم"‪ :‬جاذبية الحرية الزائفة‪ ،‬النزوح عن البيت األبويّ ‪ ،‬البؤس‬
‫المدقع الذي آل إليه بعد أن ب ّدد ثروته‪ ،‬الخزي العميق بسبب ما اُجبر عليه من رعاية الخنازير‪،‬‬
‫التأمّل في الخيرات المفقودة‪ ،‬التوبة وقراره االفضاء إلى أبيه بذنبه‪ ،‬طريق العودة‪ ،‬حفاوة الوالد به‬
‫حفاوة سخيّة‪ ،‬فرح األب‪ :‬هذه كلّها مالمح ترسم مسار االرتداد‪ .‬وأمّا الحفلة الفاخرة والخاتم‬
‫‪4‬‬
‫ووليمة العيد فهي رموز هذه الحياة الجديدة النقيّة الكريمة الزاخرة بالفرح‪ ،‬حياة االنسان الذي‬
‫يرجع إلى هللا وإلى حضن أسرته أي الكنيسة‪ .‬قلب المسيح الذي يسبر وحده أعماق حبّ أبيه‪،‬‬
‫‪.‬استطاع أن يكشف لنا عميق رحمته‪ ،‬كشفا ً مشبّعا ً بالبساطة والروعة‬

‫سر التوبة والمصالحة‬


‫‪ّ .ً1‬‬

‫‪ -0221‬الخطيئة هي أوّ الً إهانة هلل و َق عطع للشركة معه‪ .‬وهي‪ ،‬في الوقت نفسه‪ ،‬مساس بالشركة‬
‫مع الكنيسة‪ ،‬ومن ث ّم فاالرتداد يستنزل عليه صفح هللا‪ ،‬ويحقق المصالحة مع الكنيسة‪ ،‬في آن‬
‫‪.‬واحد‪ .‬وهذا ما يوحيه ويحقّقه‪ ،‬ليترج ّياً‪ ،‬سرّ التوبة والمصالحة‬

‫هللا وحده يغفر الخطايا‬

‫‪ -0220‬هللا وحده يغفر الخطايا‪ .‬وألنَّ يسوع هو ابن هللا‪ ،‬فهو يقول عن نفسه‪" :‬إنّ ابن البشر له‬
‫سلطان يغفر به الخطايا في األرض" (مر ‪ ،)21 :1‬ويمارس هذا السلطان اإللهيّ ‪" :‬مغفورة لك‬
‫خطاياك" (مر ‪ .)5 :1‬وهو إلى ذلك‪ ،‬بفعل سلطته اإللهيّة‪ ،‬يفوّ ض إلى الناس هذا السلطان‪،‬‬
‫‪.‬يمارسونه باسمه‬
‫عالمة ووسيلةً‬
‫ً‬ ‫‪ -0224‬لقد أراد المسيح أن تكون كنيسته بكاملها‪ ،‬في حياتها وصالتها وتصرّفها‪،‬‬
‫للمغفرة والمصالحة اللتين استحقّهما لنا بثمن دمه‪ .‬بيد أ ّنه َو َك َل إلى خالفائه في الخدمة الرسولية‬
‫ممارسة سلطان الحل‪ ،‬وفوّ ض إليهم "خدمة المصالحة" (‪ 1‬كو ‪ .)28 :5‬فالرسول مبعوث "باسم‬
‫يحث ويناشد‪" :‬صالحوا هللا"‬ ‫ُّ‬ ‫المسيح"‪" ،‬وهللا نفسه" هو الذي‪ ،‬من خالله‪،‬‬
‫‪1(.‬كو ‪)11 :5‬‬

‫المصالحة مع الكنيسة‬

‫‪ -0221‬إنّ يسوع‪ ،‬م ّدة حياته العلنية‪ ،‬لم يغفر الخطايا وحسب‪ ،‬بل أظهر أيضا ً مفعول هذا‬
‫الغفران‪ :‬لقد أعاد الخطأة الذين غفر لهم خطاياهم إلى حضن جماعة شعب هللا‪ ،‬وكانت الخطيئة قد‬
‫أقصتهم عنها بل َن َف عتهُم منها‪ .‬وهناك دليل ساطع على هذا‪ :‬وهو أنّ يسوع قد َق ِبل الخطأة إلى‬
‫مؤثرة وفي آن واحد‪،‬‬ ‫مائدته‪ ،‬بل جلس هو نفسه إلى مائدتهم‪ ،‬وقد أعرب بتصرّفه هذا‪ ،‬بطريقة ّ‬
‫‪.‬عن صفح هللا وعودة الخاطئ إلى حضن شعب هللا‬
‫‪ -0222‬لقد أعطى الربّ الرسل ما له من سلطان خاصّ على مغفرة الخطايا‪ ،‬وأعطاهم أيضا ً‬
‫السلطة إلجراء مصالحة الخطأة مع الكنيسة‪ .‬هذا الطابع الكنسي في مهمّتهم ينعكس خصوصا ً في‬
‫الكلمة التي وجّ هها يسوع رسم ّيا ً إلى سمعان بطرس‪" :‬سأعطيك مفاتيح ملكوت السماوات‪ .‬فما‬
‫َربطته في األرض ر ُِبط في السماوات‪ ،‬وما حللته في األرض ُح َّل في السماوات" (متى ‪:26‬‬
‫‪" .)21‬مهمّة الربط والحل هذه التي أُعطيت لبطرس‪ ،‬قد أُعطيت أيضا ً لهيئة الرسل م ّتحدين‬
‫برئيسهم" (متى ‪.)11-26 :18 ،28 :28‬‬
‫ُعزل من شركتِه مع هللا‪ ،‬وأنّ‬ ‫‪ -0221‬وتعني لفظتا الحل والربط‪ :‬أنّ من تعزلونه من شركتكم ي َ‬
‫ثانية في شركتكم‪ ،‬يقبله هللا أيضا ً في شركته‪ .‬فالمصالحة مع الكنيسة ال تنفصل عن‬ ‫ً‬ ‫من تقبلونه‬
‫‪.‬المصالحة مع هللا‬

‫‪5‬‬
‫سر الغفران‬
‫ّ‬

‫‪ -0221‬لقد وضع المسيح سرّ التوبة لجميع األعضاء الخطأة في الكنيسة‪ ،‬وفي طليعتهم أولئك‬
‫الذين‪ ،‬بعد المعمودية‪ ،‬سقطوا في الخطيئة الثقيلة وخسروا هكذا نعمة المعموديّة‪ ،‬وجرحوا الشركة‬
‫الكنسيّة‪ .‬هؤالء يجدون في سرّ التوبة فرصة جديدة لالرتداد إلى هللا واستعادة نعمة البرارة‪ .‬ويرى‬
‫‪.‬آباء الكنيسة في هذا السرّ "خشبة (خالص) جديدة بعد الغرق الذي يحدثه فقدان النعمة"‬
‫‪ -0221‬الصيغة العمليّة التي اعتمدتها الكنيسة‪ ،‬عبر األجيال‪ ،‬في ممارسة هذا السلطان الذي تل ّقته من الربّ ‪ ،‬قد‬
‫تب ّدلت كثيراً‪ .‬ففي األجيال األولى‪ ،‬كانت مصالحة المسيحيين الذين اقترفوا الكبائر بعد معموديّتهم (كعبادة الوثن‬
‫والقتل والزنى)‪ ،‬مرتبطة بنظام تاديبيّ شديد ج ّداً يلزم التائبين بالتكفير العلني عن خطاياهم‪ ،‬وذلك‪ ،‬غالباً‪ ،‬مدة‬
‫سنين طويلة قبل أن يحظوا بالمصالحة‪" .‬هيئة التائبين" هذه‪( ،‬المحصورة في بعض الخطايا الثقيلة) لم يكن‬
‫لينتمي إليها إالّ قلّة من الناس‪ ،‬وفي بعض المناطق‪ ،‬مرّ ة واحدة في الحياة‪ .‬وفي غضون القرن السابع‪ ،‬أدخل‬
‫بعض المرسلين االيرلنديين إلى اوروبا القاريّة‪ ،‬بوحي من التقليد الرهباني في الشرق‪ ،‬الطريقة "الفردية" في‬
‫ممارسة التوبة‪ ،‬معفاة من ك ّل قيام علنيّ ولم ّدة طويلة بأعمال التوبة قبل نيل المصالحة مع الكنيسة‪ .‬وأمسى‬
‫السرّ ‪ ،‬منذئذ‪ ،‬يت ّم بطريقة فردية بين التائب والكاهن‪ .‬هذا النمط الجديد بما بات يفترضه من إمكان التكرار‪ ،‬أفسح‬
‫الطريق إلى ممارسة سرّ التوبة ممارسة متواترة‪ ،‬وأتاح للكاهن أن يمنح الصفح‪ ،‬في احتفال واحد‪ ،‬عن الخطايا‬
‫الثقيلة والخطايا العرضيّة‪ .‬هذه الصيغة في ممارسة سرّ التوبة هي‪ ،‬في خطوطها الكبرى‪ ،‬الصيغة المرعية حتى‬
‫‪.‬اليوم في الكنيسة‬
‫‪ -0221‬وإننا لنالحظ ذات البنية األساسية عبر التطورات التي تقلّب فيها هذا السرّ ‪ ،‬في نظامه‬
‫وطريقة االحتفال به‪ ،‬على مرّ األجيال‪ .‬فهناك عنصران جوهر ّيان متساويان في األهمية‪ :‬من جهة‬
‫أعمال اإلنسان المرت ّد بفعل الروح القدس‪ ،‬وهي التوبة واإلقرار بالخطايا‪ ،‬والكفّارة‪ ،‬من جهة‬
‫أخرى‪ ،‬عمل هللا بواسطة الكنيسة‪ .‬فالكنيسة التي تغفر الخطايا وتح ّدد طريقة التكفير عنها‪،‬‬
‫بواسطة األسقف وكهنته‪ ،‬وباسم يسوع المسيح‪ ،‬تصلّي‪ ،‬هي أيضاً‪ ،‬ألجل الخاطئ وتشترك معه‬
‫في عمل التكفير‪ .‬وهكذا‪ ،‬يحظى الخاطئ بالشفاء ويعود إلى حضن الشركة الكنسية‪.‬‬
‫‪ -0221‬صيغة الح ّل المستعملة في الكنيسة الالتينية تعبّر عن مقوّ مات هذا الس ّر الجوهرية‪ :‬أبو‬
‫المراحم هو ينبوع ك ّل غفران‪ ،‬ويحقّق مصالحة الخطأة بفصح ابنه وموهبة روحه عبر صالة‬
‫‪:‬الكنيسة وخدمتها‬
‫" فليظهر لك هللا أبونا رحمته‪ ،‬هو الذي صالح العالم بموت ابنه وقيامته وأرسل الروح القدس لمغفرة الخطايا‪.‬‬
‫وخدمها‪ .‬وأنا أغفر لك خطاياك كلّها باسم اآلب واالبن والروح‬
‫وليهب لك الصفح والسالم بواسطة الكنيسة َ‬
‫‪.‬القدس"‬

‫‪ .ً1‬أعمال التائب‬

‫‪" -0211‬إنّ التوبة تلزم الخاطئ بأن يتقبّل بسرور هذه العناصر كلّها‪ :‬الندم في قلبه‪ ،‬واإلقرار‬
‫بلسانه‪ ،‬وفي تصرّ فه تواضعا ً كامالً أو تكفيراً مثمراً"‪.‬‬

‫الندامة‬

‫‪ -0210‬تتصدر الندامة أفعال التائب كلّها‪ .‬والندامة هي "ألم في النفس وكره للخطيئة وعزم على‬
‫أال ّ نعود إليها من بعد"‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫‪ -0214‬عنما تصدر الندامة عن حبّ هلل يفوق ك ّل شيء‪ ،‬تسمّى "كاملة" (ندامة المحبّة)‪ .‬هذه‬
‫الندامة تغفر الخطايا العرضية‪ ،‬وتحظى أيضا ً بمغفرة الخطايا المميتة إذا رافقها العزم الثابت على‬
‫‪.‬اللجوء إلى سرّ االعتراف في أقرب فرصة‬
‫‪ -0211‬الندامة المسماة "ناقصة" هي أيضا ً عطيّة من هللا وحفز من الروح القدس‪ ،‬يولّدها اعتبار‬
‫بشاعة الخطيئة والخوف من العقاب األبدي وسائر العواقب التي ته ّدد الخاطئ (ندامة الخوف)‪.‬‬
‫الهزة الضميرية قد ُتحدِث بد َء تطوّ ر باطن يكتمل بالحلّة السرّية‪ ،‬بفعل الروح القدس‪ .‬ولكن‬ ‫هذه ّ‬
‫‪.‬الندامة الناقصة‪ ،‬بح ّد ذاتها‪ ،‬ال تفوز بمغفرة الخطايا الثقيلة بل تمهّد لنيلها في سرّ التوبة‬
‫‪ -0212‬يحسن االستعداد لقبول هذا السرّ لمحاسبة الضمير‪ ،‬نقوم بها في ضوء كلمة هللا‪ .‬أنسب النصوص لهذا‬
‫الغرض نجده في وصايا هللا العشر وفي التعليم األخالقي المتضمّن في األناجيل ورسائل الرسل‪ :‬عظة الجبل‪،‬‬
‫والتعاليم الرسولية‪.‬‬

‫اإلقرار بالخطايا‬
‫‪ -0211‬اإلعتراف بالخطايا (أو اإلقرار)‪ ،‬حتى من الناحية البشرية البحتة‪ ،‬يحرّ رنا ويسهّل‬
‫مصالحتنا مع اآلخرين‪ .‬اإلقرار يتيح لإلنسان أن يواجه األخطاء التي اقترفها‪ ،‬ويتحمّل‬
‫‪.‬مسؤوليّتها‪ ،‬ويعود من ث ّم ثانية إلى هللا وإلى شركة الكنس ّية ليُع َّد لذاته مستقبالً جديداً‬
‫‪ -0211‬اإلقرار بالخطايا للكاهن هو جزء جوهريّ في سرّ التوبة‪" :‬على التائبين أن يع ّددوا‪ ،‬في‬
‫اإلعتراف‪ ،‬ك ّل الخطايا المميتة التي يتذ ّكرونها‪ ،‬بعد محاسة للنفس متقنة‪ ،‬حتى وإن كانت هذه‬
‫الخطايا حميمة جداً‪ ،‬واقتصرت على مخالفة الوصيّتين األخرتين في الئحة الوصايا العشر‪ ،‬فهذه‬
‫‪.‬الخطايا تجرح النفس أحيانا ً بجرح أبلغ من الخطايا التي ُتر َتكب بمشهد من الجميع"‬
‫ك بأنهم يكشفونها كلّها‬‫"عندما يُحاول المؤمنون بالمسيح أن يقرّ وا بك ّل الذنوب التي يتذ ّكرونها‪ ،‬ال يمكن أن نش ّ‬
‫أمام صفح هللا ورحمته‪ .‬وأما الذين يتصرّ فون بعكس ذلك‪ ،‬ويُخفون عمداً بعضا ً منها‪ ،‬فهم ال يُق ِّدمون للرحمة‬
‫اإللهية شيئا ً تصفح عنه بواسطة الكاهن‪ ،‬ألنه‪ ،‬إذا خجل المريض من كشف جرحه للطبيب‪ ،‬فالطبّ ال يداوي ما‬
‫يخفى عليه"‪.‬‬
‫ّ‬
‫‪ -0211‬تأمر الكنيسة "ك ّل مؤمن بلغ سنّ الرشد بأن يعترف‪ ،‬اقله مرّة في السنة‪ ،‬بالخطايا الثقيلة التي‬
‫يتذ َكرها"‪ .‬من يتذ ّكر خطيئة مميتة ارتكبها‪ ،‬عليه االّ يتناول القربان المق ّدس‪ ،‬قبل أن ينال الحلّة السرّية‪ ،‬حتى وإن‬
‫أوجس ندامة كبيرة‪ ،‬ما لم يكن له سبب خطير للتناول‪ ،‬وامتنع عليه الوصول إلى كاهن معرّف‪ .‬وعلى األوالد ان‬
‫‪ُ .‬يقبلوا على سرّ التوبة قبل المناولة األولى‬
‫‪ -0211‬االعتراف بالخطايا اليومية (العرضية) ليس ملزما ً حصراً‪ ،‬ولكنّ الكنيسة تحبّذه بش ّدة‪.‬‬
‫وال غرو‪ ،‬فاالعتراف المنتظم بخطايانا العرضيّة يساعدنا في تهذيب ضميرنا‪ ،‬ومكافحة ميولنا‬
‫ك إ ّننا إذا نلنا‪ ،‬بهذا السرّ ‪،‬‬ ‫الرديئة‪ ،‬والتماس البُرء من المسيح‪ ،‬والتق ّدم في حياة الروح‪ .‬وال ش ّ‬
‫‪.‬موهبة رحمة اآلب‪ ،‬بطريقة متواترة‪ ،‬فذلك يدفعنا إلى أن نكون رحماء على مثاله‬
‫"من يعترف بخطاياه يعمل بمعيّة هللا‪ .‬فاهلل يشكو ذنوبك‪ .‬فإذا شكوتها أنت أيضاً‪ ،‬فإ ّنك تنظ ّم إلى هللا‪ .‬هللا والخاطئ‬
‫هما اثنان نوعا ً ما‪ :‬فعندما يُح ّدثونك عن االنسان‪ ،‬فاالنسان من صنع هللا‪ .‬وعندما يح ّدثونك عن الخاطئ‪،‬‬
‫َ‬
‫صنعت‪،‬‬ ‫فالخطيئة من صنع االنسان نفسه‪َ .‬فدمّر ما صنع َته أنت لكي ينقذ هللا ما صنعه هو‪ .‬فعندما تبدأ َت َم ُّج ما‬
‫حينئذ تبدأ حسناتك‪ ،‬أل ّنك ُتقرّ بأعمالك السيّئة‪ .‬بداية الحسنات هي االقرار بالسيئات‪ .‬تصنع الحقيقة و ُتقب ُل إلى‬
‫النور"‪.‬‬

‫التكفير‬
‫‪ -0211‬ثمة خطايا كثيرة تسيء إلى القريب‪ ،‬فال ب ّد من أن نبذل المستطاع للتكفير عن االساءة‬

‫‪7‬‬
‫(ر ّد المسروقات مثالً‪ ،‬إعادة حسن الصيت لمن افترينا عليه‪ ،‬التعويض عن الجروح)‪ .‬ذاك‬
‫مقتضى من أبسط مقتضيات العدل‪ .‬ولكن الخطيئة‪ ،‬عالوة على ذلك‪ ،‬تجرح الخاطئ نفسُه‬
‫و ُتضعفه‪ ،‬كما تجرح و ُتضعف عالقته باهلل وبالقريب‪ .‬إنّ الحلّة تلغي الخطيئة ولك ّنها ال تداوي كل‬
‫البلبالت التي أحدثتها الخطيئة‪ .‬على الخاطئ‪ ،‬بعد أن ينهض من كبوته‪ ،‬أن يسعى إلى استرداد‬
‫كامل عافيته الروحية‪ .‬عليه إذن أن يضيف على توبته ما يعوّ ض به عن ذنوبه‪ :‬عليه أن "يكفّر"‬
‫‪.‬عن ذنوبه بما يتناسب وإيّاها‪ .‬هذه الكفّارة تسمّى "العقوبة"‬
‫‪" -0211‬الك ّفارة" التي يفرضها المعرّ ف يجب أن ُتراعي وضع التائب وتتو ّخى مصلحته‬
‫الروحيّة‪ ،‬وتتناسب‪ ،‬قدر االمكان مع خطورة الخطايا المرتكبة وطبيعتها‪ .‬قد تكون الكفّارة صالة‪،‬‬
‫شفات طوعية أو تضحيات‪ .‬وأه ّم من ذلك‬ ‫أو تقدمة‪ ،‬أو قياما ً بأعمال رحمة‪ ،‬أو خدمة للقريب أو تق ّ‬
‫ُّ‬
‫التمثل بالمسيح الذي كفّر وحده‬ ‫كلّه الصبر في احتمال صليبنا كل يوم‪ .‬هذه الكفّارات تساعدنا في‬
‫عن خطايانا مرّ ة واحدة‪ ،‬وتتيح لنا أن نكون وارثين مع المسيح القائم من القبر‬
‫‪":‬ما دمنا نتألّم معه" (رو ‪)27 :8‬‬
‫"إالّ أنّ ك ّفارتنا التي نق ّدمها عن خطايانا‪ ،‬ال تت ّم إالّ بيسوع المسيح‪ :‬فنحن‪ ،‬من تلقاء أنفسنا‪ ،‬وبح ّد ذاتنا ال نقوى‬
‫على شيء‪ .‬ولكن‪" ،‬بمعونة من يقوّ ينا‪ ،‬نستطيع ك ّل شيء"‪ .‬فليس لالنسان ما يفاخر به‪ ،‬ولكنّ "فخرنا" هو المسيح‬
‫الذي به نك ّفر عن خطايانا "مثمرين ثمار توبة"‪ ،‬تستمد منها قوّ تها‪ ،‬وبه نقرّ بها إلى اآلب‪ ،‬وبفضله يرضى اآلب‬
‫‪.‬عنها"‬

‫سر التوبة‬
‫‪ .ً1‬خادم ّ‬

‫‪ -0210‬بما أن المسيح قد وكل إلى رسله خدمة المصالحة‪ ،‬فاألساقفة خلفاؤهم والكهنة‪ ،‬معاونو‬
‫اآلساقفة‪ ،‬يواصلون القيام بهذه الخدمة‪ .‬فاألساقفة والكهنة هم الذين يملكون‪ ،‬بقوّ ة سرّ الكهنوت‪،‬‬
‫‪.‬سلطان مغفرة الخطايا كلّها‪" ،‬باسم اآلب واالبن والروح القدس"‬
‫‪ -0214‬مغفرة الخطايا تصالحنا مع هللا‪ ،‬ولك ّنها تصالحنا أيضا ً مع الكنيسة‪ .‬فاألسقف‪ ،‬الرأس‬
‫بحق‪ ،‬منذ األزمنة الغابرة‪ ،‬صاحب السلطان األوّ ل في‬ ‫المنظور في الكنيسة الخاصة‪ ،‬يُعتبر إذن ّ‬
‫خدمة المصالحة‪ ،‬والقيّم على نظام التوبة‪ .‬وأمّا الكهنة الذين يعاونوه‪ ،‬فيُمارسون هذا السلطان‬
‫ّ‬
‫الحق الكنسي‪.‬‬ ‫بمقدار ما ينتدبهم لهذه المهمة أسقفُهم (أو رئيس رهبنة) أو البابا‪ ،‬بقوّ ة‬
‫‪ -0211‬ثمّة خطايا على جانب كبير من الخطورة يقع عليها الحرم‪ ،‬وهو أش ّد عقوبة كنسيّة تنزل‬
‫بالخاطئ و ُتحرّ م عليه قبول األسرار وممارسة األعمال الكنسيّة‪ .‬وال يح ّل من هذا الحرم‪ ،‬بموجب‬
‫الحق الكنسي‪ ،‬إال ّ البابا واألسقف المحلّي‪ ،‬ومن ينتدبانه من الكهنة‪ .‬في حال خطر الموت يجوز‬
‫لكل كاهن‪ ،‬وإن لم يُفوّ ض إليه سما ُع االعترافات‪ ،‬أن يح ّل من كل خطيئة ومن ك ّل حرم‪.‬‬
‫‪ -0212‬على الكهنة أن يح ُّثوا المؤمنين على اإلقبال إلى سرّ التوبة‪ ،‬وعليهم أن يتفرّ غوا لهذا السرّ‬
‫‪.‬ك ّل مرّ ة يطلبه المسيحيون بطريقة معقولة‬
‫‪ -0211‬عندما يقوم الكاهن بخدمة سرّ التوبة‪ ،‬إ ّنما يقوم بخدمة الراعي الصالح الذي يبحث عن‬
‫الخروف الضال‪ ،‬وخدمة السامريّ الرحيم الذي يضمّد الجروح‪ ،‬واألب الذي ينتظر االبن الشاطر‬
‫ويرحّ ب به عند عودته‪ ،‬والقاضي الذي ال يحابي أحداً‪ ،‬ويُصدر حكما ً عادالً ورحيماً‪ .‬وقصارى‬
‫‪.‬القول أنّ الكاهن هو عالمة محبّة هللا ورأفته بالخاطئ وأدا ُتهما‬
‫‪ -0211‬ليس المعرّ ف سيّد الصفح اإللهي بل خادمه‪ .‬خادم هذا السرّ يجب أن ي َتحد بنيّة المسيح‬
‫ومحبّته‪ .‬وعليه أن يكون على معرفة وخبرة بطريقة التصرّف المسيحي‪ ،‬وإلمام بالشؤون‬
‫ورقّة في معاملة االنسان الساقط‪ .‬وعليه أن يهوى الحقيقة ويتمسّك بالتعليم‬ ‫االنسانية‪ ،‬واحترام ِ‬

‫‪8‬‬
‫الكنسي ويقود التائب برفق إلى الشفاء والنضج الكامل‪ .‬وعليه أن يصلّي ويكفّر عنه ويكل أمره‬
‫‪.‬إلى رحمة الرب‬
‫‪ -0211‬نظراً إلى دقّة هذه الخدمة وعظمتها‪ ،‬وإلى االحترام الواجب لالشخاص‪ُ ،‬تعلن الكنيسة أنّ‬
‫ك ّل كاهن يسمع اعترافات ملزم بحفظ السر المطلق في شأن الخطايا التي يعترف بها التائبون‪،‬‬
‫وذلك تحت طائلة العقوبات الشديدة‪ .‬وال يجوز له أيضا ً أن يستخدم ما يستقيه من االعتراف من‬
‫معلومات تتعلّق بحياة التائبين‪ .‬هذا السر الذي ال يحتمل أيّ استثناء يسمّى "الختم السرّ ي" ألنّ ما‬
‫يكشفه التائب للكاهن يبقى "مختوماً" بالسرّ ‪.‬‬

‫السر‬
‫ّ‬ ‫‪ .ً1‬مفاعيل هذا‬

‫‪" -0211‬كل مفعول سرّ التوبة أن ُيعيدنا إلى نعمة هللا ويضمّنا إليه في صداقة قصوى"‪ .‬هدف‬
‫هذا السرّ ومفعوله هو إذن أن نتصالح مع هللا‪ .‬إنّ الذين يُقبلون إلى سرّ التوبة بقلب منسحق‪،‬‬
‫واستعداد ورع‪" ،‬يشعرون من بعده بسالم الضمير وراحته‪ ،‬ترافقهما تعزية روحية قويّة"‪ .‬وذلك‬
‫بأنّ سرّ المصالحة مع هللا يجلب لنا "قيامة روحيّة" حقيقيّة‪ ،‬واسترداداً لما يملكه أبناء هللا‪ ،‬في‬
‫‪.‬حياتهم‪ ،‬من كرامة وخيرات أثمنها صداقتنا مع هللا‬
‫تحطمها‪ ،‬وسرّ التوبة‬ ‫ّ‬ ‫‪ -0211‬هذا السر يصالحنا مع الكنيسة‪ .‬فالخطيئة تثلم الشركة األخوية أو‬
‫يُصلحها ويُرمّمها‪ .‬وهو‪ ،‬في هذا الصدد‪ ،‬ال يشفي فقط مّن أُعيد إلى الشركة الكنسية‪ ،‬بل يُحدِث‬
‫أثراً محييا ً في حياة الكنيسة التي ألَمّت بها خطيئة أحد أعضائها‪ .‬فإذا ارت ّد الخاطئ إلى شركة‬
‫القديسين وثبت فيها‪ ،‬فهو يتقوّ ى بتبادل الخيرات الروحية بين جميع اعضاء جسد المسيح الحيّة‪،‬‬
‫‪.‬سواء الذين ال يزالون في دروب هذه الحياة أم الذين سبقونا إلى الوطن السماوي‬
‫"ال ب ّد من التذكير بأنّ المصالحة مع هللا تستتبع‪ ،‬نوعا ً ما‪ ،‬مصالحات أخرى‪ُ ،‬تصلح ما تؤ ّدي إليه الخطيئة من‬
‫صدوع أخرى‪ :‬فالتائب الذي شمله الصفح يصالح ذاته في عمق كيانه‪ ،‬حيث يستعيد حقيقته الباطنة‪ ،‬ويصالح‬
‫وجرحهم‪ ،‬ويصالح الكنيسة‪ ،‬بل الخليقة كلّها"‬
‫َ‬ ‫‪.‬اخوته الذين أهانهم‪ ،‬نوعا ً ما‪،‬‬
‫‪ -0211‬في هذا السرّ يستبق الخاطئ‪ ،‬نوعا ً ما‪ ،‬بوضع ذاته تحت حكم هللا الشفوق‪ ،‬الحكم الذي‬
‫سوف يخضع له في ختام حياته الدنيوية‪ .‬ألننا اآلن‪ ،‬ونحن في قيد هذه الحياة‪ ،‬يُترك لنا الخيار بين‬
‫الحياة والموت‪ ،‬وليس لنا إال ّ التوبة بابا ً لدخول الملكوت الذي تنفينا منه الخطيئة الثقيلة‪ .‬فعندما‬
‫يرت ّد الخاطئ إلى المسيح بالتوبة واإليمان‪ ،‬ينتقل من الموت إلى الحياة "وال يخضع للدينونة" (يو‬
‫‪)14 :5.‬‬

‫‪ .ً01‬الغفرانات‬
‫‪ -0210.‬قضية الغفرانات في الكنيسة‪ ،‬عقيدة وممارسة‪ ،‬مرتبطة ارتباطا ً وثيقا ً بسرّ التوبة‬

‫ما هو الغفران؟‬
‫" الغفران هو أن يترك لنا هللا العقاب الزمني الذي تستتبعه الخطايا المغفورة غلطتها‪ .‬وترك العقاب هذا يحظى به‬
‫ّ‬
‫فتوزعها بسلطانها‪ ،‬وتطبّق على‬ ‫المؤمن بشروط معيّنة‪ ،‬بفعل الكنيسة التي جعلها هللا قيّمة على ثمار الفداء‬
‫المؤمنين استحقاقات المسيح والقديسين"‪.‬‬
‫"يكون الغفران جزئ ّيا ً أو كامالً‪ ،‬حسبما يُعفى الخاطئ جزئ ّيا ً أو كل ّيا ً من العقاب الزمني الذي تجرّ ه الخطيئة"‪.‬‬
‫‪".‬ك ّل مؤمن باستطاعته أن يحصل على غفرانات لنفسه أو يُط ّب َقها على الراقدين"‬

‫عقوبات الخطيئة‬
‫‪9‬‬
‫‪ -0114‬لكي نفهم هذه العقيدة وهذه الممارسة في الكنيسة‪ ،‬ال بد من النظر إلى الخطيئة في مفهومها‬
‫المزدوج‪ .‬فالخطيئة الثقيلة تحرمنا الشركة مع هللا‪ ،‬وتجعلنا‪ ،‬من ث ّم‪ ،‬غير أهل للحياة األبدية‪ ،‬وهذا ما‬
‫يسمّى "بالعقاب األبديّ " للخطيئة‪ .‬ومن جهة أخرى‪ ،‬ك ّل خطيئة‪ ،‬حتى الخطيئة العرضية‪ ،‬تجعلنا نتعلّق‬
‫تعلّقا ً مريضا ً بالخالئق‪ ،‬يحتاج إلى تنقية‪ ،‬سواء في هذا العالم أم بعد الموت‪ ،‬في الحالة المعروفة‬
‫"بالمطهر"‪ .‬هذه التنقية تعفينا ممّا يسمّى "بالعقاب الزمني" للخطيئة‪ .‬هاتان العقوبتان‪ ،‬يجب اال ّ نعتبرهما‬
‫شبه انتقام ينزله هللا بنا من الخارج‪ ،‬بل نتيجة نابعة من طبيعة الخطيئة نفسها‪ .‬التوبة الصادرة عن محبّة‬
‫‪.‬م ّتقدة قد تؤ ّدي بالخاطئ إلى تنقية كاملة تعفي صاحبها من ك ّل عقاب‬
‫‪ -0211‬مغفرة الخطيئة واستعادة الشركة مع هللا يستتبعان محو العقوبات األبدية الناجمة عن‬
‫الخطيئة‪ .‬وإ ّنما تبقى هناك عقوبات زمنية‪ .‬وعلى المسيحيّ أن يسعى إلى أن يتحمّل في الصبر‬
‫عذابات الحياة ومحنها المتنوّ عة‪ ،‬ومتى حانت الساعة‪ ،‬أن يواجه الموت راضياً‪ ،‬وبحسب هذه‬
‫العقوبات الزمنيّة نعمة من هللا‪ .‬وعليه أن يدأب‪ ،‬بأعمال الرحمة والمحبّة‪ ،‬وكذلك بالصالة‬
‫‪.‬ومختلف أعمال التوبة‪ ،‬في أن يخلع عنه كل ّيا ً "االنسان القديم" ويلبس "اإلنسان الجديد"‬

‫في شركة القديسين‬

‫‪ -0212‬المسيحي الساعي إلى تنقية ذاته من الخطيئة وتقديس ذاته بمعونة النعمة اإللهية‪ ،‬ليس‬
‫وحيداً في مسعاه هذا‪" :‬حياة ك ّل من أبناء هللا مرتبطة ارتباطا ً عجيباً‪ ،‬في المسيح وبالمسيح‪ ،‬بحياة‬
‫جميع إخوته المسيحين‪ ،‬في وحدة تفوق الطبيعة‪ ،‬وحدة جسد المسيح السرّ ي‪ ،‬كما في شخص‬
‫‪.‬سرّ ي"‬
‫‪ -0211‬في شركة القديسن‪" ،‬يقوم بين المؤمنين ‪ -‬الذين بلغوا الوطن السماوي والذين قُبلوا في‬
‫المطهر للتكفير عن ذنوبهم‪ ،‬والذين ال يزالون حُجاجا ً في األرض‪ -‬رباط محبّة دائم‪ ،‬وتبادل‬
‫ّ‬
‫تتخطى‪،‬‬ ‫فائض لجميع الخيور"‪ .‬في هذا التبادل العجيب‪ ،‬قداسة الفرد تعود على اآلخرين بفائدة‬
‫إلى ح ّد بعيد‪ ،‬األذى الذي ُتلحقه باآلخرين خطيئة الفرد‪ .‬وهكذا يجد الخاطئ التائب‪ ،‬في الركون‬
‫إلى شركة القديسين‪ ،‬وسيلة أسرع وأفعل‪ ،‬ليتنقّى من عقوبات الخطيئة‪.‬‬
‫‪ -0211‬هذه الخيور الروحية النابعة من شركة القديسين‪ ،‬نسيمّيها أيضا ً كنز الكنيسة‪" .‬وليس هذا‬
‫مجموع خيور‪ ،‬على شاكلة الثروات الما ّدية المك ّدسة على م ّد األجيال‪ ،‬بل هو الثمن‬
‫َ‬ ‫الكنز‬
‫الالنهائي الفيّاض الذي احرزته‪ ،‬عند هللا‪ ،‬كفّارات المسيح ربنا واستحقاقاته المقرّ بة ل ُتع َتق البشريّة‬
‫ارات فدائه واستحقاقات هذا‬ ‫ُ‬ ‫من الخطيئة وتنال الشركة مع اآلب‪ .‬ففي المسيح فادينا تفيض كفّ‬
‫‪.‬الفداء"‬
‫‪" -0211‬وينضاف إلى هذا الكنز أيضا ً صلوات الطوباوية العذراء مريم وأعمال ُها الصالحة‪،‬‬
‫ولها‪ ،‬في نظر هللا‪ ،‬ثمن دائم التجدد ال ح ّد له وال قياس‪ ،‬وكذلك صلوات جميع القديسين وأعمالهم‪،‬‬
‫وقد تق ّدسوا بنعمة المسيح‪ ،‬وساروا في خطاه‪ ،‬وأرضوا الرب بسيرتهم‪ ،‬وساهموا‪ ،‬وهم يعملون‬
‫لخالصهم‪ ،‬في خالص إخوتهم أيضاً‪ ،‬في وحدة الجسد السرّ ي"‪.‬‬

‫نيل الغفران من هللا بواسطة الكنيسة‬

‫‪ -0211‬تحظى "بالغفران" بواسطة الكنيسة التي نالت من المسيح يسوع سلطان الح ّل والرّ بط‪.‬‬
‫فبقوّ ة هذا السطان‪ ،‬تتوسط الكنيسة للمسيحي‪ ،‬وتفتح له كنز استحقاقات المسيح والقديسين‪ ،‬وتنال‬

‫‪10‬‬
‫له‪ ،‬من لدن أبي المراحم‪ ،‬ترك العقوبات الزمنية الناجمة عن خطاياه‪ .‬وهكذا‪ ،‬ال تبغي الكنيسة أن‬
‫ّ‬
‫تستحثه على القيام بأعمال تقوى وتوبة ومحبّة‪.‬‬ ‫تغيث هذا المسيحي فحسب‪ ،‬بل أن‬
‫‪ -0211‬نظراً إلى أنّ المؤمنين الراقدين الذي ال يزالون في طور التطهر هم اعضاء أيضا ً في‬
‫شركة القديسين عينها‪ ،‬بوسعنا أن نسعفهم بطرق متنوّ عة‪ ،‬كأن ننال لهم من الغفرانات ما يعفيهم‬
‫‪.‬من العقوبات الزمنيّة التي جرّ تها عليهم ذنوبهم‬

‫بسر التوبة‬
‫‪ .ً00‬االحتفال ّ‬

‫‪ -0211‬سرّ التوبة‪ ،‬أسوة بباقي االسرار‪ ،‬هو عمل ليترجيّ‪ .‬وهذه هي عاد ًة عناصر االحتفال به‪:‬‬
‫ّ‬
‫والحث على التوبة‪،‬‬ ‫تحيّة الكاهن وبرك ُته‪ ،‬قراءة كلمة هللا إلنارة الضمير وتحريك الندامة‬
‫االعترافُ الذي به يُقرّ التائب بخطاياه ويكشفها للكاهن‪ ،‬فرضُ القصاص وقبوله‪ ،‬الح ّل من‬
‫‪.‬الخطايا على يد كاهن‪ ،‬الحمد والشك ُر وصرفُ التائب مُزوَّ داً ببركة الكاهن‬
‫‪ -0210‬نجد في الليترجيا البيزنطية للح ّل ع ّدة صيغ ابتهالية تعبّر تعبيراً رائعا ً عن سرّ الغفران‪:‬‬
‫"اإلله الذي‪ ،‬بواسطة ناتان النبي‪ ،‬غفر لداود خطاياه التي اعترف بها‪ ،‬ولبطرس الذي بكى بكاء‬
‫مرّ اً‪ ،‬وللزانية التي أفاضت الدموع على قدميه‪ ،‬وللعشار واالبن الشاطر‪ ،‬هذا اإلله عينه يصفح‬
‫عنك‪ ،‬بواسطتي أنا الخاطئ‪ ،‬في هذه الحياة وفي اآلخرة‪ ،‬ويظهرك بال دينونة أمام منبره الرهيب‪،‬‬
‫‪.‬هو المبارك إلى دهر الداهرين‪ .‬آمين"‬
‫‪ -0214‬سرّ التوبة‪ ،‬يجوز إقامته أيضا ً في إطار احتفال جماعي‪ ،‬نستع ّد فيه معا ً لالعتراف‪،‬‬
‫ونشكر هللا معا ً ما جاد به علينا من الصفح‪ .‬في هذا اإلطار يُفسح مجال لالعتراف الفردي‬
‫بالخطايا‪ ،‬وللحل الفردي‪ ،‬في تضاعيف ليترجيا كلمة هللا‪ ،‬مع ما يرافق ذلك من قراءات وعظة‬
‫ومحاسبة ضمير مشتركة‪ ،‬والتماس جماع ّي للصفح وصالة األبانا والشكر المشترك‪ .‬هذا االحتفال‬
‫الجماعي يعبّر‪ ،‬بطريقة أبلغ‪ ،‬عن التوبة في طابعها الكنسي‪ .‬ولكن‪ ،‬أ ّيا ً كانت طريقة االحتفال به‪،‬‬
‫‪َ .‬فسِ رّ التوبة هو دائماً‪ ،‬في طبيعته ذاتها‪ ،‬عمل ليترجيّ وبالتالي كنسيّ وعلن ّي‬
‫سر المصالحة في احتفال جماعي يتض ّمن‬ ‫‪ -0211‬في حال الضرورة الماسّة يجوز اللجوء إلى ّ‬
‫االعتراف العمومي والحلّ العمومي‪ .‬مثل هذه الحاجة قد يطرأ في حال خطر موت داهِم ال يتيح‬
‫للكاهن أو للكهنة ما يكفي من الوقت لالستماع إلى اعتراف كل تائب بمفرده‪ .‬وقد تطرأ الضرورة‬
‫الماسّة أيضا ً عندما ال يتوفّر عدد المعرّ فين لتلبية جمهور التائبين‪ ،‬واالستماع‪ ،‬بالطريقة‬
‫المفروضة‪ ،‬إلى اعترافاتهم الفردية في وقت معقول‪ ،‬فيُحرم التائبون‪ ،‬م ّدة طويلة‪ ،‬عن غير ذنب‬
‫منهم‪ ،‬نعمة السرّ أو التناول المقدس‪ .‬في هذه الحال‪ ،‬يجب على المؤمنين‪ ،‬لينالوا حالًّ صحيحا ً‬
‫لذنوبهم‪ ،‬أن يعقدوا العزم على االعتراف الفردي بخطاياهم الثقيلة‪ ،‬في الوقت المطلوب‪ .‬وإ ّنه لمن‬
‫صالحيّات األسقف األبرشي أن ينظر في الشروط المطلوبة للحل الجماعي‪ .‬أمّا توافد المؤمنين‬
‫‪.‬في مناسبة األعياد الكبرى أو في مناسبات الحجّ‪ ،‬فال يش ّكل حالة من أحوال هذا الخطر الماسّ‬
‫‪" -0212‬االعتراف الفرديّ الكامل والح ّل الذي يعقبه هما الطريقة العادية الوحيدة لتحقيق‬
‫المصالحة مع هللا والكنيسة‪ ،‬إال ّ إذا أعفى من مثل هذا االعتراف مانع طبيعيّ أو أدبيّ "‪ .‬هذه‬
‫القاعدة ال تخلو من أسباب عميقة‪ .‬فالمسيح يعمل من خالل ك ّل من األسرار‪ ،‬ويتوجّ ه شخص ّيا ً إلى‬
‫ك خطاياك" (مر‪ .)1:5‬إ ّنه الطبيب الحادب على ك ّل من‬ ‫ك ّل من الخطأة‪" :‬يا بنيّ ‪ ،‬مغفورة ل َ‬
‫المرضى المحتاجين إليه ليبرأوا‪ :‬يُقيلُهم من عثرتهم ويعيدهم إلى الشركة األخوية‪ .‬االعتراف‬
‫‪.‬الفرديّ هو الصيغة األمثل لعقد المصالحة مع هللا والكنيسة‬

‫‪11‬‬
‫بإيجاز‬

‫‪" -0211‬في مساء الفصح ظهر الرب يسوع لرسله وقال لهم‪" :‬خذوا الروح القدس‪ .‬فمن غفرتم‬
‫‪.‬خطاياهم ُغفرت لهم‪ ،‬ومن أمسكتم ُأمس ّكت" (يو ‪)02-00 :02‬‬
‫‪ -0211‬مغفرة الخطايا المقترفة بعد المعمودية ُتمنح بواسطة س ّر خاص يُعرف بس ّر االرتداد‪ ،‬أو‬
‫االعتراف‪ ،‬أو التوبة‪ ،‬أو المصالحة‪.‬‬
‫‪ -0211‬من يخطأ يجرح هللا في كرامته ومحبّته‪ ،‬ويجرح كرامة االنسان الذاتيّة بصفته كائن ًا‬
‫مدعوّ ًا إلى أن يكون ابن هللا‪ ،‬ويبلبل راحة الكنيسة الروحيّة‪ ،‬تلك الكنيسة التي يجب على ك ّل‬
‫‪.‬مسيحي أن يكون فيها حجر ًا ح ّي ًا‬
‫‪ -0211‬في نظر اإليمان‪ ،‬ال شرَّ أعظم من ش ّر الخطيئة وال شيء يج ّر على الخطأة أنفسهم وعلى‬
‫‪.‬الكنيسة وعلى العالم بأسره عواقب أوخم‬
‫‪ -0211‬العودة إلى الشركة مع هللا التي نفقدها بالخطيئة هي حركة تو ّلدها نعمة هللا الرحيم‬
‫والمعن ّي بخالص البشر‪ .‬وال ب ّد أن نلتمس هذه العطيّة النفيسة لذواتنا وللغير‪.‬‬
‫‪ -0211‬حركة العودة إلى هللا ُتدعى ارتداداً وتوبة تفترض توجّ عا ً وكرها ً للخطايا المق َترفة والعزم‬
‫الثابت على أال ّ نعود نخطأ من بعد‪ .‬االرتداد ي ّتصل اذن بالماضي وبالمستقبل‪ ،‬ويتقوّ ى باال ّتكال‬
‫‪.‬على رحمة هللا‬
‫‪ -0210‬س ّر التوبة قوامه األعمال الثالثة التي يقوم بها التائب‪ ،‬والح ّل الذي يعطيه الكاهن‪ .‬أعمال‬
‫التائب هي التوبة واالعتراف أي كشف الخطايا للكاهن‪ ،‬والعزم على التكفير عنها والقيام بأعمال‬
‫‪.‬التكفير‬
‫‪ -0214‬التوبة (أو الندامة) يجب ان ترتكز على أسباب تتصل باإليمان‪ .‬فإذا صدرت التوبة عن‬
‫محبة خالصة هلل‪ ،‬فهي "التوبة الكاملة"‪ .‬وأمّا إذا ارتكزت على أسباب أخرى‪ ،‬فهي "التوبة‬
‫‪.‬الناقصة"‬
‫‪ -0211‬من رام المصالحة مع هللا ومع الكنيسة‪ ،‬عليه أن يعترف للكاهن بجميع الخطايا الثقيلة‬
‫التي لم يعترف بعد بها والتي يتذ ّكرها بعد محاسبة دقيقة لضميره‪ .‬وأمّا االعتراف بالخطايا‬
‫‪.‬العرضيّة‪ ،‬وإن لم يكن ملزم ًا‪ ،‬فالكنيسة تحبّذه‪ ،‬مع ذلك‪ ،‬وتش ّدد عليه‬
‫‪ -0212‬يعرض المعرّف على التائب القيام ببعض أعمال "التكفير" أو "التعويض"‪ ،‬إلصالح‬
‫‪.‬الضرر الناتج عن الخطيئة‪ ،‬واستعادة الخصال التي يتميّز بها تلميذ المسيح‬
‫‪ -0211‬ال يجوز إ ّال للكهنة الذين تفوِّ ض إليهم الكنيسة سلطان الحلّ‪ ،‬أن يغفروا الخطايا باسم‬
‫المسيح‪.‬‬
‫‪ -0211:‬المفاعيل الروحية لس ّر التوبة هي‬
‫‪ -‬المصالحة مع هللا التي بها يستعيد التائب النعمة اإللهية‪،‬‬
‫‪ -‬المصالحة مع الكنيسة‪،‬‬
‫‪ -‬محو العقاب األبدي الذي تستوجبه الخطايا الثقيلة‪،‬‬
‫‪ -‬محو العقوبات الزمنية – ولو جزئ ّي ًا – الناجمة عن الخطايا‪،‬‬
‫‪ -‬السالم وطمأنينة الضمير والتعزية الروحية‪،‬‬
‫‪ -‬تنامي القوى الروحية‪ ،‬في سبيل الجهاد المسيحي الروحي‪.‬‬
‫‪ -0211‬االعتراف الفردي والكامل بالخطايا الثقيلة والح ّل الذي يعقبها هما الوسيلة العادية الوحيدة‬
‫‪.‬للمصالحة مع هللا ومع الكنيسة‬

‫‪12‬‬
‫‪ -0211‬يستطيع المؤمنون‪ ،‬بواسطة الغفرانات‪ ،‬أن ينالوا لذواتهم وللنفوس المطهرية أيض ًا محو‬
‫‪.‬العقوبات الزمنيّة الناجمة عن الخطايا‬

‫المقال الخامس‬
‫مسحة المرضى‬

‫‪" -0211‬بالمسحة المق ّدسة المقرونة بصالة الكهنة‪ ،‬الكنيسة كلّها تشفع بالمرضى لدى الرب الذي‬
‫ّ‬
‫وتحثهم على أفضل من ذلك‪ :‬أن يشتركوا اشتراكا ً طوعيا ً في آالم المسيح‬ ‫ليعزيهم ويخلّصهم‪،‬‬‫ّ‬ ‫تألّم‬
‫‪.‬وموته‪ ،‬فيؤ ّدوا بذلك قسطهم في ما يعود على شعب هللا بالخير"‬

‫‪ .ً0‬راكائزها في تدبير الخالص‬


‫المرض في حياة البشر‬
‫‪ -0111‬لقد كان المرض والعذاب دائما ً من أخطر المعضالت الملمّة بالحياة البشرية‪ .‬ففي‬
‫المرض يختبر االنسان مدى عجزه وحدوده ومحدوديّته‪ .‬وكل مرض يتراءى لنا الموت من‬
‫‪.‬خالله‬
‫‪ -0110‬وقد يقود المرض إلى الجزع واالنكفاء على الذات‪ ،‬بل إلى اليأس والثورة على هللا أحياناً‪.‬‬
‫ولك ّنه قد يصيّر االنسان أكثر نضجاً‪ ،‬ويساعده في تمييز ما ليس جوهر ّيا ً في حياته‪ ،‬فيرت ّد إلى ما‬
‫‪.‬هو جوهريّ ‪ .‬وقد يفضي المرض‪ ،‬غالبا ً ج ّداً‪ ،‬إلى التماس هللا والعودة إليه‬

‫المريض تجاه هللا‬

‫المرض في حضرة هللا‪ :‬يسكب أمامه شكواه من مرضه‪ ،‬ومنه‪،‬‬ ‫َ‬ ‫‪ -0114‬إنسان العهد القديم عاش‬
‫وهو سيّد الحياة والموت‪ ،‬يلتمس الشفاء‪ .‬ويصبح المرض سبيالً إلى االرتداد‪ ،‬وصف ُح هللا بدءاً‬
‫للشفاء‪ .‬ويختبر اسرائيل المرض‪ ،‬بطريقة سرّ ية‪ ،‬مرتبطا ً بالخطيئة والشر‪ ،‬واالخالص هلل‬
‫طريق عودة إلى الحياة‪" :‬أنا الرب معافيك" (خروج ‪ .)16 :25‬ويتراءى للنبي أنّ‬ ‫َ‬ ‫ولشريعته‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫العذاب قد يكسب أيضا معنى فدائ ّيا لذنوب اآلخرين‪ .‬ويتنبأ أشعيا أخيرا بأنّ هللا سوف يؤتي‬
‫‪.‬صهيون زمنا ً ينزع فيه ك ّل إثم ويشفي ك ّل مرض‬

‫المسيح الشافي‬

‫‪ -0111‬شفقة المسيح على المرضى وشفاؤه كثيرين بعلل من ك ّل نوع هما الدليل الساطع على أنّ‬
‫"هللا قد افتقد شعبه"‪ ،‬وأنّ ملكوت هللا قد أضحى قريبا ً ج ّداً‪ .‬ولم يكن يسوع ليملك سلطان الشفاء‬
‫وحسب‪ ،‬بل سلطان مغفرة الخطايا أيضاً‪ .‬لقد جاء ليبرئ االنسان كلّه‪ ،‬جسداً وروحاً‪ .‬إ ّنه الطبيب‬
‫ّ‬
‫المعذبين إلى ح ّد التماهي وإيّاهم‪:‬‬ ‫الذي يحتاجه المرضى‪ .‬وقد إوغلت به شفقته على كل‬
‫"كنت مريضا ً فعُد ُتموني" (متى ‪ .)36 :15‬هذه المحبّة التي آثر بها السّقماء ما زالت توقظ لدى‬
‫المعذبين جسما ً وروحاً‪ ،‬وهي مصدر الجهود‬ ‫ّ‬ ‫المسيحيين‪ ،‬عبر األجيال‪ ،‬تنبّها ً خاصا ً لجميع‬
‫‪.‬المتواصلة للتخفيف عنهم‬

‫‪13‬‬
‫‪ -0112‬كثيراً ما كان يسوع يطلب اإليمان من المرضى‪ ،‬ويستعين بوسائل حسّية للشفاء‪ :‬الريق‬
‫ووضع اليدين والطين والغسل‪ .‬وكان المرضى يحاولون أن يلمسوه "ألنّ قوّ ة كانت تخرج منه‬
‫وتبرئ الجميع" (لو ‪ .)21 :6‬وهكذا ال يزال المسيح "يمسّنا" بواسطة األسرار ليشفينا‪.‬‬

‫"إشفوا المرضى‪"...‬‬
‫‪ -0111‬يدعو المسيح تالميذه إلى ا ّتباعه حاملين‪ ،‬هم أيضا ً‪ ،‬صليبهم‪ ،‬وبا ّتباعه يكتسبون نظرة‬
‫جديدة إلى المرض وإلى المرضى‪ .‬ويشركهم يسوع في حياته الفقيرة الخادمة‪ ،‬ويدعهم يساهمون‬
‫في رسالة الشفقة والشفاء التي يقوم بها‪" :‬مضوا يدعون الناس إلى التوبة‪ ،‬وطردوا كثيراً من‬
‫‪.‬الشياطين ودهنوا بالزيت كثيراً من المرضى فشفوهم" (مر ‪)23-21 :6‬‬
‫‪ -0111‬وينتدبهم الرب ثانية‪ ،‬من بعد قيامته‪ ،‬لهذه الرسالة‪" :‬والذين يؤمنون تصحبهم هذه اآليات‪:‬‬
‫فباسمي يضعون أيديهم على المرضى فيتعافون" (مر ‪ ،)28-27 :26‬ويثبتها باآليات التي‬
‫تصنعها الكنيسة باستدعاء اسمه‪ .‬هذه اآليات تعلن‪ ،‬بطريقة خاصة‪ ،‬أنّ يسوع هو حقّا ً "اإلله الذي‬
‫‪.‬يخلِّص"‬
‫‪ -0111‬ان الروح القدس يجود على البعض بموهبة شفاء خاصة‪ ،‬ليعلن قوّ ة النعمة الصادرة عن‬
‫القائم من بين األموات‪ .‬ولكنّ أحرً الصلوات قد ال تؤ ّدي أحيانا ً إلى شفاء ك ّل األمراض‪ .‬وهكذا‬
‫َتعلّ َم القديس بولس من الرب أنّ ‪" :‬حسبك نعمتي‪ ،‬ففي الضعف يبدو كمال قدرتي" (‪ 1‬كو ‪:21‬‬
‫‪ ،)1‬وأنّ احتمال اآلالم قد يعني أ ّني "أُت ُّم في جسدي ما ينقص من آالم المسيح في سبيل جسده‬
‫‪.‬الذي هو الكنيسة" (كو ‪)14 :2‬‬
‫‪" -0111‬اشفوا المرضى" (متى ‪ .)21:8‬هذه المهمّة‪ ،‬تلقّتها الكنيسة من الربّ وتسعى إلى تحقيقها‬
‫بك ّل ما توفّ ّّ ره للمرضى من وسائل العناية‪ ،‬وما ترافقهم به من أدعية وتشفّعات‪ .‬إ ّنها تؤمن‬
‫بحضور المسيح الحيّ ‪ ،‬طبيب النفوس واألجساد‪ .‬هذا الحضور يفعل فعله بطريقة خاصة عبر‬
‫األسرار‪ ،‬وخصوصا ً عبر االفخارستيا‪ ،‬وهي الخبز الذي يعطي الحياة األبدية والذي يُلمح القديس‬
‫‪.‬بولس إلى عالقته بالصحة البدنيّة‬
‫‪ -0101‬إال ّ أنّ الكنيسة الرسوليّة مارست طريقة طقسيّة خاصّة لفائدة المرضى‪ ،‬يشير إليها‬
‫القديس يعقوب‪" :‬هل فيكم مريض؟ فليدع كهنة الكنيسة ليصلّوا عليه بعد أن يمسحوه بالزيت باسم‬
‫الربّ ‪ .‬إنّ الصالة مع اإليمان تخلّص المريض‪ ،‬والربّ ينهضه‪ .‬وإن كان قد اقترف خطايا ُتغفر‬
‫له" (يع ‪ .)25-24 :5‬وقد اعتبر التقليد الطقس واحداً من أسرار الكنيسة السبعة‪.‬‬

‫سر للمرضى‬ ‫ّ‬


‫ً‬
‫‪ -0100‬إنّ الكنيسة تؤمن وتعترف بوجود سرّ من األسرار السبعة‪ ،‬يهدف خصوصا إلى مساندة‬
‫‪.‬المبتلين بالمرض‪ ،‬وهو مسحة المرضى‬
‫"هذه المسحة المق ّدسة قد وضعها المسيح ربّنا سرّ اً من أسرار العهد الجديد‪ ،‬بالمعنى الحقيقيّ والحصري وقد‬
‫‪.‬ألمح إليه مرقس‪ ،‬وأعلنه يعقوب الرسول أخو الرب‪ ،‬وأوصى به المؤمنين"‬
‫‪ -0104‬في التقليد الليترجي‪ ،‬شرقا ً وغرياً‪ ،‬نجد منذ القدم شهادات تثبت استعمال الزيت المق ّدس‬
‫لمسح المرضى‪ .‬وعلى توالي القرون‪ ،‬أخذت الكنيسة تقصر مسحة المرضى‪ ،‬أكثر فأكثر‪ ،‬على‬
‫المشرفين على الموت‪ .‬ولذا سمّيت "بالمسحة األخيرة"‪ .‬ولكنّ الليترجيا‪ ،‬بالرغم من هذا التطوّ ر‪،‬‬
‫لم تكفّ يوما ً عن الصالة إلى الربّ لير ّد المريض عافيته‪ ،‬إذا كان ذلك مفيداً لخالصه‪.‬‬
‫‪ -0101‬إنّ الدستور الرسولي في "مسحة المرضى المق ّدسة" الصادر في ‪ 31‬تشرين الثاني‬
‫‪ ،2171‬في أعقاب المجمع الفاتيكاني الثاني‪ ،‬قد قرّ ر اعتماد القواعد التالية‪ ،‬في الطقس الروماني‪:‬‬
‫‪14‬‬
‫"يمنح سر مسحة المرضى للمرضى المخطرين‪ ،‬فيُدهنون على جبهتهم ويديهم بزيت مبارك حسب األصول‪-‬‬
‫زيت زيتون أو أيّ زيت آخر مستخرج من النبات‪ -‬مع القول مرّة واحدة‪" :‬بهذه المسحة المق ّدسة‪ ،‬يش ّددك الربّ‬
‫العظيم الرحمة بنعمة الروح القدس‪ .‬ويخلّصك ويُنهضك بعد أن يحرّ رك من خطاياك"‪.‬‬

‫السر ومن يمنحه؟‬‫ّ‬ ‫‪ .ً4‬من ينال هذا‬


‫في حال المرض الخطير‪....‬‬
‫‪ -0102‬مسحة المرضى "ليست سرّ اً مقصوراً على من بلغوا الغاية القصوى من الحياة‪ .‬ومن ث ّم‪،‬‬
‫فالميقات المناسب لقبولها هو‪ ،‬في الحقيقة‪ ،‬عندما يبدأ المؤمن يتعرّ ض لخطر الموت من جرّ اء‬
‫‪.‬المرض أو الشيخوخة"‬
‫ّ‬
‫‪ -0101‬إذا استعاد المريض عافيته بعد قبوله المسحة‪ ،‬يجوز له‪ ،‬كلما ج ّد عليه مرض خطير‪ ،‬أن‬
‫ثانية‪ .‬وحتى في غضون ذات المرض‪ ،‬يمكن تكرار هذا السرّ إذا تفاقم المرض‪.‬‬ ‫ً‬ ‫يقبل هذا السر‬
‫ويتعيّن قبول سرّ المرضى قبل اإلقبال على عمليّة جراحية خطيرة‪ .‬ويص ّح هذا اإلجراء نفسه‬
‫‪.‬للمس ّنين الذين تتدهور صحّ تهم‬

‫"‪ ...‬فليد ُع كهنة الكنيسة"‬

‫‪ -0101‬األساقفة والكهنة هم وحدهم َخدَ مة سرّ مسحة المرضى‪ .‬وواجب الرعاة أن يحيطوا‬
‫ث المؤمنون المرضى على أن يستدعوا الكاهن ليقبلوا هذا‬ ‫المؤمنين علما ً بفوائد هذا السر‪ .‬ول ُيحّ َّ‬
‫السرّ ‪ .‬وليستع ّد المرضى لقبوله بحسن التأهّب لمعاونة رعاتهم وك ّل الجماعة الكنسيّة المدعوّ ة إلى‬
‫‪.‬أن تحيط المرضى إحاطة خاصّة ج ّداً بصلواتها والتفاتاتها األخويّة‬

‫السر؟‬
‫ّ‬ ‫‪ . ًُ1‬كيف ُيحتفل بهذا‬
‫ُ‬
‫‪ -0101‬مسحة المرضى‪ ،‬كك ّل األسرار‪ ،‬يُحتفل ليترجيا وجماع ّياً‪ ،‬سواء أفي األسرة أقيمت أم في‬
‫المستشفى أم في الكنيسة‪ ،‬لمريض واحد أو لمجموعة من السقماء‪ .‬ومن المناسب ج ّداً أن يُحتفل‬
‫بها في إطار االفخارستيا‪ ،‬تذكار فصح الرب‪ .‬ويمكن أن يسبق المسحة سرّ التوبة ويعقبها سرّ‬
‫االفخارستيا إذا دعت الظروف إلى ذلك‪ .‬وال غرو فاالفخارستيا‪ ،‬باعتبارها سرّ فصح المسيح‪،‬‬
‫يجب أن يكون آخر سرّ نقبله في ختام رحلتنا األرضية‪ ،‬والزاد الذي يتيح لنا "العبور" إلى الحياة‬
‫األبدية‪.‬‬
‫‪ -0101‬الكلمة والسرّ يؤلّفان حقيقة ال تنفصم‪ .‬ليترجيا الكلمة تفتتح االحتفال‪ ،‬مسبوقة بفعل التوبة‪.‬‬
‫‪.‬فأقوال المسيح وشهادة الرسل توقظ إيمان المريض والجماعة‪ ،‬فيلتمسان من الربّ قوّ ة روحه‬
‫‪ -0101‬ويتضمّن االحتفال بهذا السرّ ‪ ،‬بصورة رئيسيّة‪ ،‬العناصر التالية‪" :‬فكهنة الكنيسة" يضعون‬
‫أيديهم –في الصمت‪ -‬على المرضى‪ ،‬ويصلّون عليهم بإيمان الكنيسة‪ ،‬وهذه هي صالة‬
‫"االستدعاء" التي يختصّ بها هذا السرّ ‪ .‬ث ّم يمنحون المسحة بالزيت الذي يُباركه األسقف إذا‬
‫‪.‬أمكن‪ .‬هذه األعمال لليترجية ترمز إلى النعمة التي ينالها المرضى من هذا السرّ‬

‫السر‬
‫ّ‬ ‫‪ . ًُ2‬مفاعيل االحتفال بهذا‬

‫‪ -0141‬موهبة الروح القدس‪ .‬أولى نعم هذا السرّ هي نعمة تعزية وسالم وصبر للتغلّب على‬
‫الصعاب التي تالزم حالة المرض الثقيل أو وهن الشيخوخة‪ .‬هذه النعمة هي عطيّة من الروح‬

‫‪15‬‬
‫القدس‪ ،‬تج ّدد الثقة واإليمان باهلل وتقوّ ي النفس في مواجهة وساوس الشيطان واجتذاب النفس إلى‬
‫اليأس والجزع من الموت‪ .‬معونة الرب هذه‪ ،‬بقوة روحه‪ ،‬تهدف‪ ،‬وال شك‪ ،‬إلى شفاء نفس‬
‫المريض‪ ،‬ولكن إلى شفاء جسده أيضاً‪ ،‬إذا كانت تلك مشيئة هللا‪" .‬وإن كان قد اقترف خطايا‪ُ ،‬تغفر‬
‫‪.‬له" (يع ‪)25 :5‬‬

‫‪ -0140‬اال ّتحاد بآالم المسيح‪ .‬بنعمة هذا السرّ يتلقّى المريض من القوّ ة والموهبة ما يم ّكنه من‬
‫كرس‪ ،‬نوعا ً ما‪ ،‬ليؤتي ثمراً يتشبّهه بآالم المخلص‬ ‫اال ّتحاد بآالم المسيح ا ّتحاداً أوثق‪ :‬فهو ُم َّ‬
‫الفادية‪ .‬فالعذاب الذي ينجم عن الخطيئة األصلية يكتسب معنى جديداً‪ ،‬ويصبح اشتراكا ُ في عمل‬
‫يسوع الخالصيّ ‪.‬‬

‫نعمة الكنيسة‪ .‬المرضى الذين يقبلون هذا السرّ ‪" ،‬باشتراكهم الطوعيّ في آالم المسيح‬ ‫ُ‬ ‫‪-0144‬‬
‫وموته"‪ ،‬يؤ ّدون "قسطهم‪ ،‬في ما يعود على شعب هللا بالخير"‪ .‬إنّ الكنيسة‪ ،‬باحتفالها بهذا السرّ ‪،‬‬
‫في شركة القديسين‪ ،‬تشفع إلى هللا لخير المريض‪ ،‬كما أنَّ المريض يساهم هو أيضاً‪ ،‬بنعمة هذا‬
‫السرّ ‪ ،‬في تقديس الكنيسة وخير ك ّل الذين تتألّم الكنيسة ألجلهم‪ ،‬وتقرّ ب ذاتها‪ ،‬بالمسيح‪ ،‬إلى هللا‬
‫‪.‬اآلب‬

‫‪ -0141‬تأهب للعبور األخير‪ :‬لئن كان سرّ مسحة المرضى يُمنح لجميع الذين يُعانون من أمراض‬
‫وأسقام ثقيلة‪ ،‬فهو يُم َنح‪ ،‬بأولى حجة‪ ،‬للمشرفين على النزوح من هذه الحياة‪ ،‬مما دفع إلى تسميته‬
‫أيضا ً "بسر المنتقلين"‪ .‬إنّ مسحة المرضى ُتت ّم َش َبهنا بموت المسيح وقيامته‪ ،‬كما ابتدأت المعمودية‬
‫بذلك‪ ،‬و ُتتوّ ج المسحات المق ّدسة التي تتخلّل مختلف مراحل الحياة المسيحية‪ :‬فمسحة المعمودية‬
‫تثبّت فينا الحياة الجديدة‪ ،‬ومسحة التثبيت أو الميرون ُتقوّ ينا في جهاد هذه الحياة‪ .‬وأمّا المسحة‬
‫األخيرة فتحصّن نهاية حياتنا األرضيّة بسور متين‪ ،‬تأهّبا ً للصراعات األخيرة قبل دخولنا بيت‬
‫‪.‬اآلب‬

‫سر من حياة المسيحي‬


‫‪ .ً1‬الزاد‪ :‬آخر ّ‬

‫‪ -0142‬إ َن الكنيسة تق ّدم االفخارستيا زاداً للمشرفين على مغادرة هذه الحياة‪ ،‬باإلضافة إلى مسحة‬
‫المرضى‪ .‬االشتراك في جسد المسيح ودمه في هذه اللحظة‪ ،‬لحظة العبور إلى اآلب‪ ،‬يكتسب‬
‫معنىً الفتا ً وأهمّية خاصة‪ .‬فهو بذار حياة أبديّة وقوةُ قيامة‪ ،‬على ح ّد قول الربّ ‪" :‬من أكل جسدي‬
‫وشرب دمي‪ ،‬فله الحياة األبدية‪ ،‬وأنا أُقيمه في اليوم األخير" (يو ‪ .)6:54‬فاالفخارستيا‪ ،‬باالضافة‬
‫إلى كونها سرّ موت المسيح وقيامته‪ ،‬هي هنا سرّ االنتقال من الموت إلى الحياة‪ ،‬ومن هذا العالم‬
‫إلى اآلب‪.‬‬

‫‪ -0141‬فكما انّ أسرار المعمودية والتثبيت واالفخارستيا تؤلّف وحدة متكاملة هي "أسرار التنشئة‬
‫المسيحية"‪ ،‬كذلك أسرار التوبة والمسحة المق ّدسة واالفخارستيا‪ ،‬يمكن اعتبارها زاداً أخيراً‪ ،‬في‬
‫أجلَها‪" .‬هذه األسرار ُتع ّد لالنطالق إلى الوطن" و ُتنهي‬
‫اللحظة التي تبلغ فيها الحياة المسيحية َ‬
‫ِرحلتنا األرضية‪.‬‬

‫بإيجاز‬

‫‪16‬‬
‫‪" -0141‬هل فيكم مريض؟ فليد ُع كهنة الكنيسة ليص ّلوا عليه بعد أن يمسحوه بالزيت باسم الربّ ‪.‬‬
‫إنّ الصالة مع اإليمان تخ ّلص المريض والربّ ينهضه‪ .‬وأن كان قد اقترف خطايا ُتغ ّفر له" (يع‬
‫‪)45-41 :5.‬‬
‫‪ -0141‬الهدف من س ّر مسحة المرضى تزويد المسيحي بنعمة خاصة عندما يُعاني من الصّعاب‬
‫‪.‬ما يالزم حالة المرض الثقيل أو الشيخوخة‬
‫‪ -0141‬الوقت المناسب لنيل المسحة المق ّدسة هو‪ ،‬في الحقيقة‪ ،‬الوقت الذي يجد فيه المؤمن نفسه‬
‫‪.‬في خطر الموت بسبب مرض أو شيخوخة‬
‫‪ -0141‬ك ّل مرّة يصاب المؤمن بمرض خطير‪ ،‬يستطيع أن يقبل المسحة المق ّدسة‪ ،‬ويستطيع أن‬
‫يقبلها مرّة ثانية‪ ،‬عند تفاقم المرض‪.‬‬
‫‪ -0111‬يجوز لألساقفة وللكهنة وحدهم أن يمنحوا سرّ مسحة المرضى‪ ،‬ويستعملون‪ ،‬في منحه‪،‬‬
‫الزيت الذي يُباركه األسقف أو‪ ،‬عند الحاجة‪ ،‬الكاهن الذي يحتفل به‪.‬‬
‫‪ -0110‬قوام االحتفال بهذا الس ّر دهن جبهة المريض ويديه بالزيت (في الطقس الروماني)‬
‫وأجزاء أخرى من الجسم (في الشرق)‪ .‬ويرافق المسحة صالة ليترجية يتلوها الكاهن المحتفل‬
‫ر‪.‬‬‫ويلتمس فيها النعمة الخاصة المرتبطة بهذا الس ّ‬
‫‪ -0114:‬النعمة الخاصة التي ترافق س ّر مسحة المرضى لها عادة مفاعيل‬
‫‪ -‬أ ّتحاد المريض بآالم المسيح‪ ،‬لخيره وخير الكنيسة ك ّلها‪،‬‬
‫‪ -‬التعزية والسالم والصبر في تحمّل المرض أو الشيخوخة‪ ،‬تح ّم ً‬
‫ال مسيح ّي ًا‪،‬‬
‫‪ -‬مغفرة الخطايا التي لم يستطع المريض أن ينالها بواسطة س ّر التوبة‪،‬‬
‫‪ -‬استرداد العافية إذا توافق ذلك مع الخالص الروحي‪،‬‬
‫‪ -.‬التأهّب للعبور إلى الحياة األبدية‬

‫الفصل الثالث‬
‫أسرار خدمة الشركة‬
‫‪ -0111‬المعمودية والتثبيت واالفخارستيا هي من أسرار التنشئة المسيحية‪ ،‬وهي مرتكز الدعوة‬
‫المشتركة بين جميع اتباع المسيح‪ ،‬أي الدعوة إلى القداسة وإلى رسالة التبشير باإلنجيل في العالم‪.‬‬
‫وهي تزوّ د االنسان بالنعم الضروريّة ليحيا بمقتضى الروح في هذه الحياة المترحّ لة والذاهبة شطر‬
‫‪.‬الوطن‬
‫ك أنهما يساهمان‬ ‫‪ -0112‬ثمّة سرّ ان آخران‪ :‬الكهنوت والزواج‪ ،‬هدفهما خالص اآلخرين‪ .‬ال ش ّ‬
‫أيضا ً في خالص الفرد‪ ،‬ولكن من خالل خدمة اآلخرين‪ ،‬ويخوّ الن المؤمنين رسالة خاصة في‬
‫‪.‬الكنيسة‪ ،‬ويساعدان في بناء شعب هللا‬
‫تكرسوا بالمعمودية والتثبيت للكهنوت المشترك بين‬ ‫‪ -0111‬بفضل هذين السرّ ين‪ ،‬يستطيع الذين ّ‬
‫جميع المؤمنين‪ ،‬أن ينالوا مسحات أخرى‪ .‬فالذين يقبلون سرّ الكهنوت يُكرَّ سون ليكونوا‪ ،‬باسم‬
‫كرسون‪،‬‬ ‫المسيح‪" ،‬وبكلمته ونعمته‪ ،‬رعاة للكنيسة"‪" .‬واألزواج المسيحيون‪ ،‬من جهتهم‪ ،‬يُقوّ ون و ُي َّ‬
‫نوعا ُ ما بسرّ خاص‪ ،‬ليضطلعوا بواجبات حالتهم‪ ،‬اضطالعا ً الئقاً"‪.‬‬

‫المقال السادس‬
‫سر "الكهنوت"‬
‫ّ‬

‫‪17‬‬
‫ً‬
‫ناشطة‬ ‫‪ -0111‬سرّ الكهنوت هو السرّ الذي يكفل استمرار الرسالة التي وكلها المسيح إلى تالميذه‬
‫‪:‬في الكنيسة حتى منتهى األزمنة‪ :‬هو إذن سرّ الخدمة الرسولية‪ ،‬ويتضمّن ثالث رُتب‬
‫‪.‬األسقفية‪ ،‬والكهنوت‪ ،‬والشماسيّة‬
‫(في شأن الخدمة الرسولية‪ ،‬من ناحية تأسيسها ورسالتها من قبل المسيح‪ ،‬أنظر الفقرات ‪ .816 -874‬وأمّا هنا‬
‫فال نعالج إالّ الطريقة األسرارية التي يت ّم بها تراث هذه الخدمة)‪.‬‬

‫‪ . ًُ0‬لماذا يسمى هذا السر "بالنظام"‬


‫‪ -0111‬لفظة "النظام"‪ ،‬في العهد الروماني القديم‪ ،‬كانت تد ّل على الهيئات المنتظمة‪ ،‬في مفهومها‬
‫المدنيّ ‪ ،‬والسيّما الهيئة الحاكمة‪" .‬والتنظيم" هو ض ّم اناس إلى "نظام" ما‪ .‬وأمّا في الكنيسة‪ ،‬فنجد‬
‫منظمة‪ ،‬يسميها التقليد منذ القدم "رُتبا"‪ ،‬مستوحيا ً بعض المرتكزات في الكتاب المق ّدس‪.‬‬‫هيئات َّ‬
‫فالليترجيا تتكلّم عن رتبة األساقفة ورتبة الكهنة‪ ،‬ورتبة الشمامسة‪ .‬هناك فئات اُّخرى كانت‬
‫تحمل هذه التسمية‪ :‬الموعوظون‪ ،‬والعذارى‪ ،‬واألزواج‪ ،‬واألرامل‪....‬‬
‫‪ -0111‬االنضمام إلى إحدى تلك الهيئات في الكنيسة كان يت ّم عبر "طقس" معيّن‪ ،‬يدعى "رتبة"‬
‫وهو عمل دين ّي وليترجي قوامه تكريس أو بركة أو سرّ ‪ .‬وأمّا اليوم فهذه اللفظة مقصورة على‬
‫العمل األسراريّ الذي به ينظ ّم المؤمن إلى رتبة األساقفة أو الكهنة أو الشمامسة‪ .‬وتعني ما هو‬
‫أبعد من مجرّ د انتخاب أو تعيين أو تفويض أو تأسيس يصدر عن الجماعة‪ ،‬ألنّ عمل التكريس‬
‫ً‬
‫نعمة من الروح القدس تتيح له أن يمارس "سلطانا ً مق ّدساً" ال يصدر إال ّ عن المسيح‬ ‫يؤتي المرء‬
‫نفسه‪ ،‬بواسطة الكنيسة‪ .‬هذا العمل يسمّى أيضا ً تكريسا أل ّنه نوع من الفرز والتولية يقوم به‬
‫المسيح نفسه ألجل كنيسته‪ .‬وضع يدي األسقف‪ ،‬مع صالة التكريس‪ ،‬هو العالمة الظاهرة لفعل‬
‫‪.‬التكريس هذا‬

‫سر الكهنوت في تدبير الخالص‬ ‫‪ّ .ً4‬‬


‫كهنوت العهد القديم‬
‫‪ -0111‬لقد أقام هللا الشعب المصطفى "مملكة أحبار وأم ًّة مق ّدسة" (خروج ‪ .)6 :21‬ولكنّ هللا‬
‫اختار‪ ،‬في شعب إسرائيل‪ ،‬أحد األسباط االثني عشر‪ ،‬وهو سبط الوي الذي فرزه للخدمة‬
‫الليترجية‪ ،‬وجعل ذاته ميراثا ً له‪ .‬ثمّة طقس خاص اس ُتعمل لتكريس كهنوت العهد القديم منذ‬
‫جذوره‪ ،‬فكان "ك ّل َحبعر يُقام لدى هللا من أجل الناس ليُقرِّ ب قرابين وذبائح كفّارة للخطايا"‪.‬‬
‫‪ -0121‬هذا الكهنوت الذي أُقيم إلعالن كلمة هللا وإعادة الشركة مع هللا بالذبائح والصالة‪ ،‬يبقى‬
‫ذلك قاصراً عن أن يحقّق الخالص‪ ،‬وبحاجة إلى أن يكرّ ر الذبائح بال انقطاع‪ ،‬وعاجزاً عن أن‬
‫قداسة راسخة لن تحقّقها إال ّ ذبيحة المسيح‬ ‫ً‬ ‫‪.‬يوفّر لإلنسان‬
‫‪ -0120‬إال ّ أنّ ليترجيا الكنيسة تتوسّم في كهنوت هارون والخدمة الالوية‪ ،‬كما تتوسّم في هيئة‬
‫السبعين "شيخاً"‪ ،‬رموزاً للخدمة الكهنوتية في العهد الجديد‪ .‬إليك في الطقس الالتيني دعاء‬
‫‪:‬الكنيسة‪ ،‬في افتتاحية صالة تكريس لسيامة األساقفة‬
‫أعددت الشعب المتح ّدر من‬
‫َ‬ ‫بدأت تكوّ ن كنيستك َطوا َل زمن العهد القديم‪ ،‬منذ البدء‬
‫َ‬ ‫"اللهم يا أبا يسوع المسيح‪...‬‬
‫أقمت لهم رؤساء وكهنة‪ ،‬ودبّرت لهم دائما ً من يقوم بخدمة مذبحك"‬ ‫ّ‬ ‫‪.‬إبراهيم ليكون شعبا ً مق ّدساً‪ ،‬لقد‬
‫‪ -0124:‬في رسامة الكهنة تصلّي الكنيسة هكذا‬
‫"أيها الرب اآلب القدوس‪ ،...‬لقد أقمت منذ العهد القديم‪ ،‬في شبه إيذان باألسرار اآلتية‪ ،‬أحباراً عظاما ً يرعون‬
‫شعبك ويتأوّ لون قيادتهم‪ ،‬ولك ّنك اخترت أيضا ً رجاالً آخرين أشركتهم في خدمتهم ومساعدوهم في مهمّتهم‪ .‬وهكذا‬

‫‪18‬‬
‫ً‬
‫حكمة وأفرغت عليم الروح الذي أعطيته لموسى‪ ،‬وأشركت أبناء هارون في بركة‬ ‫اخترت سبعين رجالً مملوئين‬
‫التكريس التي نالها أبوهم"‪.‬‬
‫‪ -0121‬في صالة التكريس الملحوظة في رسامة الشمامسة تعترف الكنيسة قائلة‪:‬‬
‫أقمت‪ ،‬لبناء هذا الهيكل الجديد (الكنيسة) َخدَ ً‬
‫مة ينتمون إلى ثالث رتب مختلفة‪،‬‬ ‫َ‬ ‫"ايها اآلب القدوس‪ ....‬لقد‬
‫األساقفة والكهنة والشمامسة‪ ،‬ومهمّتهم جميعا ً أن يخدموك‪ ،‬على غرار أبناء سبط الوي الذين فرز َتهم لخدمة‬
‫‪.‬بيتك‪ ،‬في العهد القديم‪ ،‬وجعلت ذاتك ميراثا ً لهم"‬

‫كهنوت المسيح األوحد‬

‫‪ -0122‬كل رموز الكهنوت في العهد القديم تكتمل في المسيح يسوع "الوسيط األوحد بين هللا‬
‫وبين الناس" (‪2‬تي ‪ )5 :1‬إنّ التقليد المسيحي يعتبر ملكيصادق "كاهن هللا العلي" (تك‪)24:28‬‬
‫رمزاً لكهنوت المسيح الذي دعاه هللا وحده "حبراً على رتبة ملكيصادق" (عب‪،)6:11،5:21‬‬
‫حبراً "ق ّدوسا ً بريئا ً ال عيب فيه" (عب ‪" ,)16 :7‬أجعل الذين ق ّدسهم كاملين أبداً‪ ،‬بقربان واحد"‬
‫‪(.‬عب ‪ )24 :21‬أي بذبيحة صليبه الواحدة‬
‫‪-0121‬ذبيحة المسيح الفادية واحدة ال غير‪ .‬لقد تمّت مرّ ة واحدة‪ ،‬ولك ّنها ماثلة في ذبيحة الكنيسة‬
‫االفخارستية‪ .‬كذلك كهنوت المسيح الواحد يغدو حاضراً في كهنوت الخدمة من غير أن تنقص‬
‫وحدانية كهنوت المسيح‪" :‬ومن ث ّم‪ ،‬فالمسيح هو الكاهن الحقيقي األوحد‪ ،‬وما اآلخرون سوى‬
‫َخ ّدمّته"‪.‬‬

‫طريقتان لالشتراك في كهنوت المسيح األوحد‬

‫ً‬
‫"مملكة من الكهنة إللهه‬ ‫‪ -0121‬إنّ المسيح الكاهن األعظم والوسيط األوحد‪ ،‬قد جعل من الكنيسة‬
‫وابيه" (رؤ ‪ .)6 :2‬ومن ث ّم فجماعة المؤمنين كلّها كهنوتيّة في ح ّد ذاتها‪ .‬ويمارس المؤمنون‬
‫كهنوتهم العماديّ عبر مساهمة كل واحد بحسب دعوته الخاصة‪ ،‬في رسالة المسيح الكاهن‪،‬‬
‫‪.‬والنبيّ والملك‪ .‬ويتكرّس المؤمنون ليكونوا‪ ...‬كهنوتا ً مق ّدسا ً "بواسطة سرّ ي المعمودية والتثبيت"‬
‫‪ -0121‬كهنوت الخدمة الراعويّة أو الكهنوت اإليروخي (التراتبي) الذي يمارسه األساقفة‬
‫والكهنة‪ ،‬والكهنوت المشترك بين جميع المؤمنين‪" ،‬وإن اشتركا‪ ،‬ك ّل على طريقته الخاصة‪،‬‬
‫في كهنوت المسيح الواحد"‪ ،‬إال ّ أ ّنهما يختلفان اختالفا ً جوهرياّ‪ ،‬أحدهما عن اآلخر‪ ،‬وإن "كانا على‬
‫تناسق بينهما"‪ .‬وذلك بأنّ كهنوت المؤمنين المشترك يتحقّق في نماء نعمة المعمودية و ُتحوّ لها إلى‬
‫حياة إيمان ورجاء ومحبّة وحياة في الروح‪ ،‬واما كهنوت الخدمة الراعوية فهو في خدمة الكهنوت‬
‫المشترك‪ ،‬ويُع َنى بتنمية نعمة المعموديّة لدى جميع المسيحيين‪ .‬إ ّنه وسيلة من الوسائل التي ال‬
‫يكفُّ المسيح عن استعمالها ليبني كنيسته ويقودها‪ .‬ولذا ينتقل في الكنيسة بواسطة سرّ خاص‪ ،‬هو‬
‫سرّ الكهنوت‪.‬‬

‫في شخص يسوع – الرأس‪....‬‬

‫‪ -0121‬من خالل الخدمة الكنسيّة التي يقوم بها الخادم المرسوم‪ ،‬يحضر المسيح نفسه في كنيسته‪،‬‬
‫ّ‬
‫الحق‪ .‬وهذا ما‬ ‫وراعي قطيعه‪ ،‬والكاهن األعظم لذبيحة الفداء‪ ،‬ومعلّم‬
‫َ‬ ‫بصفته رأس جسده السرّي‪،‬‬
‫‪:‬تعبّر عنه الكنيسة بقولها‪ :‬أنّ الكاهن‪ ،‬بقوة سرّ الكهنوت يعمل في شخص المسيح الرأس‬

‫‪19‬‬
‫"ذاك الكاهن عينه‪ ،‬يسوع المسيح‪ ،‬يقوم الكاهن ح ّقا ً مقامه‪ .‬فإذا ص ّح أنَّ هذا الكاهن بتكريسه الكهنوتي‪ ،‬قد أصبح‬
‫‪.‬شبيها ً بالكاهن األعظم‪ ،‬فهو يتم ّتع بالقدرة على العمل بقوّ ة المسيح نفسه الذي ّ‬
‫يمثله"‬
‫"المسيح مصدر ك ّل كهنوت‪ :‬فكاهن العهد القديم كان رمزاً للمسيح‪ ،‬وكاهن العهد الجديد يعمل بشخص‬
‫المسيح"‪.‬‬
‫‪ -0121‬بالخدمة الكهنوتية التي يقوم بها خصوصا ً األساقفة والكهنة‪ ،‬يصبح حضور المسيح‪،‬‬
‫بصفته رأس الكنيسة‪ ،‬حضوراً مرئ ّيا ً وسط جماعة المؤمنين‪ .‬فاألسقف‪ ،‬على ح ّد ما جاء في تعبير‬
‫‪.‬بليغ للقديس إغناطيوس األنطاكي‪ ،‬إ ّنما هو صورة حيّة هلل اآلب‬
‫‪ -0111‬حضور المسيح هذا في الكاهن يجب أال ّ يُف َهم على أ ّنه حِرز له من كل وهن بشريّ ‪:‬‬
‫كروح التسلّط واألخطاء وحتى الخطيئة‪ .‬فقوّ ة الروح القدس ال تضمن ك ّل أعمال الكاهن بذات‬
‫ك في األسرار‪ ،‬بحيث إنّ خطيئة الكاهن ذاتها ال تحجب ثمرة‬ ‫الطريقة‪ .‬هذه الضمانة مكفولة وال ش ّ‬
‫النعمة‪ ،‬ولكنّ ثمّة أعماالً أُخرى كثيرة تحمل بصمات الكاهن البشريّة وتترك فيها آثاراً ال تد ّل‬
‫حق ضرراً بالكنيسة وخصبها الرسول ّي‬ ‫‪.‬دائما ً على أمانته لإلنجيل‪ ،‬وتستطيع‪ ،‬من ث ّم‪ ،‬أن ُتل ِ‬
‫‪ -0110‬هذا الكهنوت هو كهنوت خدمة‪" .‬هذه المهمّة التي أناطها الربّ برعاة شعبه هي خدمة‬
‫حقيقيّة"‪ ،‬مرتبطة ارتباطا ً كلّيا ً بالمسيح وبالبشر‪ .‬فهي منوطة كلّيا ً بالمسيح وبكهنوته الواحد‪،‬‬
‫ولك ّنها أُقيمت للناس ولجماعة الكنيسة‪ .‬إنّ سرّ الكهنوت يؤتي "سلطانا ً مق ّدساً"‪ ،‬ما هو إال ّ سلطان‬
‫المسيح بالذات‪ .‬وال ب ّد‪ ،‬في ممارسة هذا السلطان‪ ،‬من ا ّتخاذ المسيح مقياسا ً ونموذجاً‪ ،‬هو الذي‪،‬‬
‫صراحة إن عنايتنا بقطيعه هي دليل‬ ‫ً‬ ‫بدافع محبّته‪ ،‬صار آخر الك ّل وخادما ً للكل‪" .‬وقد قال المسيح‬
‫محبّتنا له"‪.‬‬

‫"باسم الكنيسة جمعاء"‬


‫يمثل المسيح – رأس الكنيسة – في جماعة‬ ‫‪ -0114‬كهنوت الخدمة ال يهدف فقط إلى أن ّ‬
‫المؤمنين‪ ،‬بل أن يعمل أيضا ً باسم الكنيسة جمعاء‪ ،‬عندما يرفع إلى هللا صالة الكنيسة‪ ،‬وخصوصا ً‬
‫‪.‬عندما يقرّ ب ذبيحة االفخارستيا‬
‫‪" -0111‬باسم الكنيسة جمعاء"‪ :‬ال تعني هذه العبارة أنّ الكهنة هم منتدبو الجماعة‪ .‬فصالة‬
‫الكنيسة وتقدم ُتها هي صالة المسيح وتقدم ُته‪ .‬والعبادة التي يُقيمها المؤمنون هي أبداً عبادة المسيح‬
‫في كنيسته وبكنيسته‪ .‬فالكنيسة‪ ،‬جسد المسيح‪ ،‬تصلّي بأجمعها وتقرّ ب ذاتها "به ومعه وفيه"‪ ،‬في‬
‫وحدة الروح القدس‪ ،‬إلى هللا اآلب‪ .‬ك ّل الجسد‪ ،‬الرأس واألعضاء‪ ،‬يصلّي ويقرّ ب ذاته‪ ،‬ولذا فالذين‬
‫هم‪ ،‬في جسد المسيح‪َ ،‬خدَمة هذا الجسد بنوع خاص‪ ،‬يُد َعون َخدَمة ال للمسيح وحسب‪ ،‬بل للكنيسة‬
‫‪.‬أيضاً‪ .‬وذلك بأّنّ كهنوت الخدمة ال ّ‬
‫يمثل الكنيسة إال ّ أل ّنه ّ‬
‫يمثل المسيح‬

‫سر الكهنوت‬
‫‪ .ً1‬الدرجات الثالث في ّ‬

‫موزعة على درجات متنوّ عة بين من‬ ‫‪" -0112‬إن ممارسة الخدمة الكنسية التي أقامها هللا ّ‬
‫يسمّونهم‪ ،‬منذ القدم‪ ،‬أساقفة وكهنة وشمامسة"‪ .‬وتق ّر العقيدة الكاثوليكية التي تعبّر عنها الليترجيا‬
‫والسلطة التعليمية والعُرف الثابت في الكنيسة أنّ ثمّة درجتين اثنتين تشاركان في خدمة كهنوت‬
‫المسيح‪ :‬األسقفية والكهنوت‪ .‬وأمّا الرتبة الشماسية فتهدف إلى مساعدتهما وخدمتهما‪ .‬ولذا فلفظة‬
‫الكهنوت ال تنطبق‪ ،‬في االستعمال الراهن‪ ،‬إال ّ على األساقفة والكهنة‪ ،‬ال على الشمامسة‪ .‬إال ّ َ‬
‫أن‬
‫العقيدة الكاثوليكية تعلّم أن درجتي المشاركة الكهنوتية (األسقفية والكهنوت) ودرجة الخدمة‬
‫‪(.‬الذياكونية) ُتمنح كلّها بواسطة سرّ واحد هو "سرّ الرسامة" أو سرّ الرتبة‬

‫‪20‬‬
‫"على الجميع أن يُجلّوا الشمامسة إجاللهم للمسيح يسوع‪ ،‬وكذلك األسقف أيضا ً الذي هو صورة اآلب‪ ،‬والكهنة‬
‫على أ ّنهم محفل هللا ومجمع الرسل‪ :‬بدونهم ّ‬
‫يتعذر الكالم عن الكنيسة"‪.‬‬

‫السيامة األسقفية – ملء سر الكهنوت‬

‫‪" -0111‬بين ال ِخدَم المختلفة التي ُتمارس في الكنيسة‪ ،‬منذ أيامها األولى‪ ،‬تحتفل المح ّل األوّ ل‬
‫بشهادة التقليد‪ ،‬وظيفة أولئك الذين أُقيموا في األسقفية وكأ ّنهم‪ ،‬بتسلسلهم في خالفة م ّتصلة منذ‬
‫البدء‪َ ،‬فسائ ُل ينتقل بها الزرع الرسوليّ "‪.‬‬
‫‪ -0111‬للقيام بهذه المهمّة السامية‪" ،‬أغنى المسيح رسله بفيض خاص من الروح القدس نازالً‬
‫عليهم‪ ،‬وبوضع األيدي َسلّموا هم أنفسهم إلى مُعاونيهم موهب َة الروح القدس التي انتقلت إلينا حتى‬
‫‪.‬يومنا هذا بطريق السيامة األسقفية‬
‫‪ -0111‬يعلّم المجمع الفاتيكاني الثاني "أنّ السيامة األسقفية تعطي ملء سر الكهنوت الذي يسمّيه‬
‫‪.‬التقليد الكنسي الليترجي واآلباء القديسون الكهنوت األعظم وذروة الخدمة المق ّدسة"‬
‫‪" -0111‬تولي السيامة األسقفية‪ ،‬مع مهمّة التقديس‪ ،‬مهمّتي التعليم والقيادة‪ .‬فوضع األيدي‬
‫وكلمات السيامة تعطي نعمة الروح القدس وتطبع األسقف بطابع مق ّدس‪ ،‬بحيث أن األساقفة‬
‫يقومون‪ ،‬بطريقة سامية ومرئيّة‪ ،‬مقام المسيح نفسه المعلّم والراعي والحبر‪ ،‬ويقومون بمهمّته‪.‬‬
‫نزل عليهم‪ ،‬معلّمين في اإليمان حقيقيّين وأصيلين‪،‬‬ ‫"وهكذا‪ ،‬أقيم األساقفة‪ ،‬بالروح القدس الذي أ ِ‬
‫كما أُقيموا أحباراً ورعاة"‪.‬‬
‫‪" -0111‬بقوّ ة السيامة األسقفية وبالشركة التسلسليّة مع رئيس الجسم األسقفي واعضائه‪ ،‬يصير‬
‫المرء عضواً في هذا الجسم"‪ .‬هذه الهيئة األسقفية يظهر طابعها وطبيعتها الجماعية في‬
‫ممارسات ع ّدة‪ ،‬منها العُرف العريق في الكنيسة والقاضي بأن يشترك أكثر من أسقف في سيامة‬
‫تدخل أسقف روما تدخالً‬ ‫أسقف جديد‪ .‬ولكي تكون السيامة األسقفية شرعيّة ال ب ّد‪ ،‬اليوم‪ ،‬من أن ي ّ‬
‫خاصاً‪ ،‬نظراً إلى أ ّنه هو الرباط الحسّي األعلى في شركة الكنائس الخاصة ضمن الكنيسة‬
‫الواحدة‪ ،‬وضمان حريتها‪.‬‬
‫‪ -0111‬كل أسقف‪ ،‬بصفته نائبا ً للمسيح‪ ،‬يتولّى رعاية الكنيسة الخاصة التي وُ كِلت إليه‪ .‬ولك ّنه‬
‫ك أنّ ك ّل‬ ‫يحمل أيضاً‪ ،‬بطريقة جماعية مع جميع إخوته في األسقفية‪ ،‬ه َّم جميع الكنائس‪" :‬ال ش ّ‬
‫ً‬
‫خليفة شرع ّيا ً للرسل بفعل‬ ‫أسقف يرعى من القطيع القسم الموكل إلى عنايته‪ ،‬ولكنه‪ ،‬بصفته‬
‫‪.‬تنصيب إلهي‪ ،‬يصبح متضامنا ً في المسؤولية عن الرسالة الرسولية في الكنيسة"‬
‫‪ -0110‬ك ّل ما أتينا على ذكره يفسّر لماذا االفخارستيا التي يحتفل بها األسقف تكتسب معنى‬
‫يمثل‪ ،‬بطريقة مرئيّة‪ ،‬المسيح الراعي‬ ‫صا ً يعبّر عن اجتماع الكنيسة حول المذبح برئاسة من ّ‬ ‫خا ّ‬
‫‪.‬الصالح ورأس كنيسته‬

‫رسامة الكهنة‪ ،‬معاوني األساقفة‬

‫‪ -0114‬إنّ المسيح الذي ق ّدسه اآلب وأرسله إلى العالم‪ ،‬قد جعل خلفا َء الرسل‪ ،‬أي األساقفة‪،‬‬
‫وبواسطتهم‪ ،‬شركا َء في قداسة المسيح ورسالته‪ .‬ث ّم إنّ األساقفة قد سلّموا بعضا ً من أعضاء‬
‫الكنيسة‪ ،‬بوجه شرعي وتفاوت في الدرجة‪ ،‬مها َّم خدمتهم"‪" ،‬وقد انتقلت وظيفة األساقفة الرعائية‬
‫إلى الكهنة وإ ّنما بدرجة أدنى‪ .‬فقد أُقيم هؤالء في الكهنوت أعوانا لألساقفة في تأدية الرسالة التي‬
‫‪.‬سلّمها المسيح إليهم"‬

‫‪21‬‬
‫‪" -0111‬إنّ وظيفة الكهنة ُتشركهم‪ ،‬بحكم ا ّتحادها بالدرجة األسقفية‪ ،‬في السلطة التي يبني المسيح‬
‫بها جسده ويق ّدسه ويسوسه‪ .‬ومن ث ّم فكهنوت الكهنة‪ ،‬الذي يفترض أسرار التنشئة المسيحيّة‪،‬‬
‫يُعطى بواسطة سرٍّ خاص يَسِ مُهم َبوسم مميّز‪ ،‬بمسحة الروح القدس‪ ،‬ويصيّرهم على شبه المسيح‬
‫‪.‬الكاهن فيُم ِّكنهم من العمل باسم المسيح الراس بالذات"‬
‫‪" -0112‬إنّ الكهنة‪ ،‬مع أ ّنهم ال يملكون مهمّة الحبريّة العليا‪ ،‬ويخضعون لألساقفة في ممارسة‬
‫سلطتهم‪ ،‬فإ ّنهم م ّتحدون معهم في الكرامة الكهنوتيّة‪ .‬وهم‪ ،‬بقوّ ة سرّ الكهنوت مكرّ سون على‬
‫شروا باإلنجيل‪ ،‬ويكونوا رعاة للمؤمنين‪ ،‬ويقيموا‬ ‫صوررة المسيح الكاهن األعظم األبدي‪ ،‬ليب ّ‬
‫كهنة حقيقيّين للعهد الجديد"‬‫ُ‬ ‫‪.‬الشعائر الدينية‪ ،‬بحكم كونهم‬
‫‪ -0111‬بقوّ ة سرّ الكهنوت يشترك الكهنة في الرسالة التي وكلها المسيح إلى تالميذه‪ ،‬في أبعادها‬
‫الجامعة‪ .‬فالموهبة الروحيّة التي نالوها بالرسامة ُتع ّدهم ال لرسالة محدودة وضيّقة‪ ،‬بل لرسالة‬
‫خالص جامعة‪ ،‬تمت ّد "حتى أقاصي األرض"‪" ،‬وفي نفسهم استعداد للكرازة باإلنجيل في ك ّل‬
‫‪.‬مكان"‬
‫‪" -0111‬ويمارس الكهنة خدمتهم المق ّدسة على الوجه األكمل في تأدية فرائض العبادة في المحفل‬
‫اإلفخارستيّ ‪ :‬ففيه ينوبون مناب المسيح‪ ،‬ويُعلنون سرّ ه‪ ،‬ويضمّون طلبات المؤمنين إلى ذبيحة‬
‫المسيح رأسِ هم‪ ،‬ويجعلون ذبيحة العهد الجديد الواحدة‪ ،‬ذبيحة المسيح مقرِّ با ً نف َسه ألبيه مرّ ة واحدة‬
‫قربانا ً ال عيب فيه‪ ،‬حاضر ًة ومنفّذ ًة في ذبيحة القداس‪ ،‬إلى أن يأتي الرب"‪ .‬من هذه الذبيحة‬
‫‪.‬الواحدة تستم ّد خدم ُتهم الكهنوتية ك ّل قوّ تها"‬
‫‪" -0111‬ولما كان الكهنة معاونين أه َل فطنة للدرجة األسقفية‪ ،‬وكانوا لها العون واألداة‪ ،‬وكانوا‬
‫مدعوّ ين لخدمة شعب هللا‪ ،‬فإ ّنهم مع أسقفهم يؤلّفون أسرة كهنوتية واحدة‪ ،‬متنوّ عة الوظائف‪ .‬وفي‬
‫ك ّل مكان فيه جماعة من المؤمنين‪ ،‬يجعلون األسقف حاضراً‪ ،‬من بعض الوجوه‪ ،‬الرتباطهم بقلب‬
‫واثق وسخيّ ‪ ،‬آخذين على عاتقهم نصيبهم من مهامّه وعنايته‪ ،‬وعاملين بها في اهتمامهم اليوميّ‬
‫بالمؤمنين"‪ .‬وهكذا‪ ،‬ال يستطيع الكهنة أن يمارسوا خدمتهم إال ّ بالخضوع لألسقف وفي الشركة‬
‫معه‪ .‬وع ُد الطاعة الذي يقطعونه لألسقف في حفلة الرسامة‪ ،‬وقبلة السالم التي يعطيها األسقف في‬
‫ختام ليترج ّيا الرسامة‪ ،‬مفادهما أنّ األسقف يعتبرهم أعوانه وأبناءه وإخوته وأصدقاءه وأ ّنهم‬
‫ملتزمون بأن ير ّدوا له ذلك محب ًّة وطاعة‬
‫‪ -0111‬إن الكهنة‪ ،‬بفعل رسامتهم التي أولتهم درجة الكهنوت‪ ،‬هم كلُّهم م ّتحدون ا ّتحاداً صميما ً‬
‫فيما بينهم برباط األخوّ ة السرّ ية‪ ،‬ولك ّنهم‪ ،‬بفعل انسالكهم في خدمة أبرشية يقوم عليها أسقف‬
‫محلّي‪ ،‬يؤلفون‪ ،‬بصفة خاصة‪ ،‬على هذا المستوى‪ ،‬أسرة كهنوتية واحدة"‪ .‬وحدة هذه االسرة‬
‫الكهنوتية تجد لها تعبيراً ليترج ّيا ً في العرف القاضي بأن يضع الكهنة‪ ،‬هم أيضاً‪ ،‬على المرتسمين‪،‬‬
‫أيديهم بعد األسقف أثناء حفلة الرسامة‪.‬‬

‫رسامة الشمامسة – "للخدمة"‬


‫‪" -0111‬في الدرجة الدنيا من درجات الرتب المق ّدسة‪ ،‬يوجد الشمامسة الذين رُسموا بوضع‬
‫األيدي‪ ،‬ال بقصد الكهنوت بل بقصد الخدمة"‪ .‬في رسامة الشمّاس ال يضع اليد على المرتسم إال ّ‬
‫صا ً باألسقف في مها ّم "خدمته"‬
‫‪.‬األسقف وحده‪ ،‬للداللة على أنّ الشماس مرتبط ارتباطا ً خا ّ‬
‫‪ -0111‬يشترك الشمامسة اشتراكا ً مميّزاً في رسالة المسيح ونعمته‪ .‬فالرسامة تطبعهم بختم‬
‫(بوسم) ال يبلى يجعلهم على صورة المسيح الذي صار خادما ً للجميع‪ .‬ومن صالحيّات الشمامسة‬
‫أن يعاونوا األسقف والكهنة في إقامة األسرار اإللهيّة وال سيّما االحتفال باالفخارستيا وتوزيعها‪،‬‬

‫‪22‬‬
‫وأن يحضروا عقد الزواج ويباركوه‪ ،‬ويُعلنوا اإلنجيل ويعظوا‪ ،‬ويرئسوا صالة الجناز ويتفرّ غوا‬
‫‪.‬لمختلف أعمال المحبّة‬
‫‪ -0110‬منذ المجمع الفاتيكاني الثاني أعادت الكنيسة الالتينية الشماسيّة "بمثابة درجة خاصة‬
‫ودائمة من درجات الرتب المق ّدسة"‪ ،‬بينما كنائس الشرق كانت ال تزال محتفظة بها‪ .‬هذه‬
‫الشماسيّة الدائمة التي يمكن أن ُتمنح للمتزوّ جين تزوّ د الكنيسة بثروة الفتة‪ ،‬للقيام برسالتها‪ .‬فالذين‬
‫يضطلعون في الكنيسة بأعباء خدمة حقيقيّة‪ ،‬سواء في الحياة الليترجية والرعائية أم في األعمال‬
‫االجتماعية واإلنسانية‪ ،‬يناسبهم ويفيدهم أن يتقوّ وا بوضع األيدي الذي تناقلته الكنيسة منذ عهد‬
‫الرسل‪ ،‬وي ّتحدوا بالمذبح أ ّتحاداً أوثق‪ ،‬فينهضوا بخدمتهم بوجه أفعل‪ ،‬بقوّ ة النعمة التي ينالونها‬
‫‪.‬بالرسامة الشماسية‬

‫السر‬
‫ّ‬ ‫‪ .ً2‬االحتفال بهذا‬
‫‪ -0114‬االحتفال بسيامة أسقف أو كهنة أو شمامسة‪ ،‬نظراً إلى أهميته في حياة الكنيسة الخاصة‪،‬‬
‫يقتضي توافر أكبر عدد ممكن من المؤمنين‪ .‬من األفضل أن يقام نهار األحد وفي الكاتدرائية‪،‬‬
‫بالحفاوة المناسبة لهذا الظرف‪ .‬الرسامات الثالث لألسقف والكاهن والشماس تسير في ذات‬
‫‪.‬السياق‪ ،‬وتأخذ مكانها في إطار الليترجيا االفخارستيا‬
‫‪ -0111‬الطقس الجوهري في سرّ الكهنوت قوامه‪ ،‬في الدرجات الثالثة‪ ،‬أن يضع األسقف يده‬
‫على رأس المرتسم ويتلو صالة التكريس الخاصة التي يطلب فيها إلى هللا أن يفيض الروح القدس‬
‫‪.‬عليه ويجود بالمواهب المنوطة بالخدمة التي يُنتدب لها المرتسم‬
‫‪ -0112‬ثمّة طقوس ملحقّة تحيط بحفلة الرسامة كما في سائر األسرار‪ .‬هذه الطقوس تتنوّ ع تنوّ عا ً‬
‫عميقا ً في مختلف التقاليد الليترجيا‪ ،‬ولك ّنها تشترك كلّها في التعبير عن مختلف وجوه النعمة‬
‫شح للرسامة واختيا ُره‪ ،‬وكلمة‬ ‫السرّ ية‪ .‬فالطقوس التمهيدية‪ ،‬في الطقس الالتيني – تقدي ُم المر ّ‬
‫شح‬‫األسقف‪ ،‬وطر ُح األسئلة على المرشح للرسامة‪ ،‬وطلبات القديسين‪ُ -‬تثبت أنّ اختيار المر ّ‬
‫للرسامة قد ت ّم بمقتضى األعراف المعهودة في الكنيسة‪ ،‬وتم ّهد للقيام رسم ّيا ً بعمل الرسامة‪ .‬وتعقب‬
‫الرسامة مجموعة من الطقوس تعبّر‪ ،‬بطريقة رمزية‪ ،‬عن السر الذي تحقّق وتكمّله‪ :‬مس ُح األسقف‬
‫والكاهن بالزيت المق ّدس‪ ،‬رمز المسحة الخاصة التي يجود بها الروح القدس ويُخصب بها‬
‫خدمتهما‪ ،‬تسلي ُم األسقف كتاب األناجيل‪ ،‬والخاتم والتاج والعصا رمز مسؤوليته الرسولية في‬
‫التبشير بكلمة هللا‪ ،‬وأمانته للكنيسة عروس المسيح‪ ،‬ومهمّته في رعاية قطيع الربّ ‪ ،‬تسليم الكاهن‬
‫الصينية والكأس‪ ،‬وهما تقدمة الشعب المقدس التي يجب على الكاهن أن يقرّ بها هلل‪ ،‬تسليم الشماس‬
‫‪.‬كتاب األناجيل‪ ،‬وقد انتدب للبشارة بإنجيل المسيح‬

‫السر ؟‬
‫ّ‬ ‫‪ . ًُ1‬من الذي يمنح هذا‬
‫‪ -0111‬المسيح هو الذي اصطفى الرُّ سل وجعل لهم نصيبا ً في رسالته وسلطته‪ .‬وعندما ارتفع‬
‫وجلس إلى يمين االب‪ ،‬لم يتخ ّل عن قطيعه بل حفظه‪ ،‬بواسطة الرسل‪ ،‬في ظ ّل حمايته‪ ،‬وال يزال‬
‫يوجّ ه حتى اآلن بواسطة الرعاة الذين يواصلون اليوم رسالته‪ .‬فالمسيح هو الذي "يولي" بعضهم‬
‫‪.‬أن يكونوا رسالً وبعضهم رعاة‪ ،‬ويواصل عمله بواسطة األساقفة‬
‫‪ -0111‬لمّا كان سرّ الكهنوت هو سرّ الخدمة الرسوليّة‪ ،‬فإ ّنه يعود إلى األساقفة‪ ،‬بصفتهم خلفاء‬
‫الرسل‪ ،‬أن ينقلوا "الموهبة الروحية" و "البذار الرسولي"‪ .‬فاألساقفة الذين سيموا سيامة صحيحة‪،‬‬
‫أي في خط الخالفة الرسوليّة‪َ ،‬يمنحون‪ ،‬بوجه صحيح‪ ،‬سرّ الكهنوت في درجاته الثالث‪.‬‬

‫‪23‬‬
‫السر ؟‬
‫ّ‬ ‫‪ .ً1‬من الذي يحظى بهذا‬

‫‪" -0111‬يجوز للرجل المعمّد وحده أن ينال الرسامة المق ّدسة بوجه صحيح‪ .‬فقد اختار الرب‬
‫يسوع رجاالً ليؤلّفوا هيئة الرسل األثني عشر‪ ،‬وقد جرى الرّ سل على منواله عندما اختاروا‬
‫معاونيهم‪ ،‬الذين سيخلوفونهم في مهمّتهم‪ .‬ومن خالل هيئة األساقفة والكهنة الذين ي ّتحدون بهم في‬
‫سرّ الكهنوت‪ ،‬تظ ّل هيئة األثني عشر حاضرة‪ ،‬بطريقة واقعيّة‪ ،‬إلى أن يعود المسيح‪ .‬وترى‬
‫الكنيسة ذاتها مرتبطة بهذا االختيار الذي ح ّدده الربّ نفسه‪ ،‬وتعتبر‪ ،‬من ث ّم رسامة النساء غير‬
‫‪.‬ممكنة‬
‫‪ -0111‬ما من إنسان يملك حق المطالبة بسرّ الكهنوت‪ .‬فما من أحد ي ّدعي لنفسه هذه المهمّة إال ّ‬
‫إذا دعاه هللا إليها‪ .‬فمن يتوسّم في ذاته مخايل دعوة هللا إلى الخدمة الكهنوتية‪ ،‬عليه أن يطرح‬
‫رغبته بتواضع على السلطة الكنسيّة التي تتولّى وحدها المسؤولية والحق في الدعوة إلى قبول‬
‫الدرجات الكهنوتية‪ .‬فهذا السرّ ‪ ،‬كأيّ نعمة أخرى ال ُيقبل إال ّ بمثابة عطية مجانيّة‪.‬‬
‫‪ -0111‬ك ّل َ‬
‫الخ َد َمة المرسومين في الكنيسة الالتينية‪ ،‬باستثناء الشمامسة الدائمين‪ ،‬يت ّم اختيارهم‬
‫عادة من بين الرجال المؤمنين الذين يعيشون في حالة العزوبة ويرغبون في المحافظة عليها‬
‫"ألجل ملكوت السماوات" (متى ‪ .)21 :21‬وبما أ ّنهم مدعوّ ون إلى التكرّس للرب وألموره بال‬
‫توزع في القلب‪ ،‬فهم يبذلون أنفسهم هلل وللناس بذالً كامالً‪ .‬العزوبة هي عالمة الحياة الجديدة التي‬ ‫ّ‬
‫شر بملكوت هللا بطريقة‬ ‫يتكرّ س لها خادم الكنيسة‪ ،‬فإذا قبلها بقلب مشرق بالفرح استطاع أن يب ّ‬
‫مشعّة‪.‬‬
‫‪ -0111‬الكنائس الشرقية تطبّق منذ قرون‪ ،‬نظاما ً مختلفاً‪ :‬فبينما األساقفة ال يُختارون إال ّ من‬
‫المتب ّتلين‪ ،‬يجوز لرجال متوزوّ جين أن يُرسموا شمامسة وكهنة‪ .‬هذه العادة ُتعتبر شرعيّة منذ عهد‬
‫قديم‪ ،‬وهؤالء الكهنة يؤ ّدون خدمة مثمرة في جماعتهم‪ .‬وعلى ك ّل فبتولية الكهنة هي موضوع‬
‫إجالل عظيم في الكنائس الشرقيّة‪ ،‬وكثيرون هم الكهنة الذين آثروها طوعاً‪ ،‬ألجل ملكوت هللا‪.‬‬
‫‪.‬ولكن في الشرق كما في الغرب ال يجوز لمن قبل سرّ الكهنوت أن يتزوج‬

‫سر الكهنوت‬
‫‪ .ً1‬مفاعيل ّ‬
‫الو ْسم الذي ال يبلى‬
‫ّ‬

‫‪-0110‬إنّ هذا السرّ يجعل الكاهن على صورة المسيح‪ ،‬بنعمة خاصة من الروح القدس‪ ،‬ليصير‬
‫يمثل المسيح رأس الكنيسة في وظائفه‬ ‫أداة للمسيح ألجل كنيسته‪ .‬بالرسامة يصبح الكاهن أهالً ألن ّ‬
‫‪.‬الثالث‪ :‬بصفته كاهنا ً ونب ّيا ً وملكا ً‬
‫‪ -0114‬هذا االشتراك في وظيفة المسيح ال يُمنح إال ّ مرّ ة واحدة‪ ،‬كما هي الحال في المعمودية‬
‫والتثبيت‪ ،‬وذلك بانّ سرّ الكهنوت يولي صاحبه‪ ،‬هو أيضاً‪َ ،‬و ْسما روح ّيا ال يبلى‪ ،‬وال يمكن‪ ،‬من‬
‫‪.‬ث ّم‪ ،‬أن يتكرّ ر وال أن يُمنح بطريقة وقتيّة‬
‫‪ -0111‬يجوز إلنسان حظي برسامة صحيحة أن يُعفى‪ ،‬ألسباب باهظة‪ ،‬من الواجبات والوظائف المرتبطة‬
‫بالرسامة أو أن ُتحرّ م عليه ممارستها‪ .‬ولك ّنه ال يستطيع أن يرت ّد إلى الحالة العلمانية بالمعنى الدقيق‪ ،‬ألنّ الوسم‬
‫‪.‬الذي وُ سم به بالرسامة يبقى إلى األبد‪ .‬فالدعوة والرسالة التي تل ّقاهما يوم رسامته تطبعانه بطابع دائم‬
‫‪ -0112‬ولما كان المسيح‪ ،‬في النهاية‪ ،‬هو الذي يعمل ويحقّق الخالص عبر الخادم المرسوم‪،‬‬
‫فالالجدارة التي تسوم هذا الخادم ال تحول دون عمل المسيح‪ .‬وهذا ما يؤ ّكده القديس أوغسطينوس‬
‫بقوّ ة‪:‬‬

‫‪24‬‬
‫"وأمّا الخادم المتكبّر فيجب أن يُصفَّ مع الشيطان‪ .‬ولكن موهبة المسيح ال ُتن َتهّك بسبب ذلك‪ .‬فك ّل ما يسيل من‬
‫قوة السرّ الروحية هي أشبه بالنور‪:‬‬‫خالله يظ ُّل نق ّياً‪ ،‬وك ّل ما يمرّ به يبقى صافيا ً وينزل على األرض الخصبة‪ّ .‬‬
‫‪.‬المدعوّ ون إلى االستنارة يتل ّقونها نقيّة‪ ،‬وإذا اجتازت كائنات مد ّنسة فهي ال تتد ّنس"‬

‫نعمة الروح القدس‬


‫‪ -0111‬نعمة الروح القدس التي يتميّز بها هذا السرّ هي أن تجعل اإلنسان على شبه المسيح‬
‫‪.‬الكاهن والمعلّم والراعي الذي أُقيم المرتسم خادما ً له‬
‫‪ -0111‬فاألسقف يجد فيها نعمة القوّ ة ("الروح الرئاسي"‪ ،‬أي الروح الذي يقيم الرؤساء‪ ،‬كما‬
‫تطلب صالة سيامة األسقف في الطقس الالتيني) القوّ ة التي تم ّكنه من أن يسوس كنيسته ويذود‬
‫عنها بحزم وفطنة‪ ،‬فعل أب وراع‪ ،‬بمحبّة مجّانية للجميع‪ ،‬وإيثار للفقراء والمرضى وذوي الفاقة‪.‬‬
‫شر الجميع باإلنجيل‪ ،‬ويكون قدوة لقطيعه‪ ،‬ويتق ّدمه في طريق القداسة‬ ‫هذه النعمة تدفعه إلى إن يب ّ‬
‫والتماهي‪ ،‬في االفخارستيا‪ ،‬مع المسيح الكاهن والضحيّة‪ ،‬وال يخشى أن يبذل حياته في سبيل‬
‫‪:‬النعاج‬
‫"أيها الرب الذي يعرف القلوب‪ ،‬هّب خادمك الذي اخترته لألسقفية‪ ،‬أن يرعى قطيعك المق ّدس ويمارس لديك‬
‫ّ‬
‫متعطفا ً ويقرّ ب تقادم كنيستك المق ّدسة‪.‬‬ ‫الكهنوت األعظم بال لوم‪ ،‬ويخدمك ليالً ونهاراً‪ .‬وليجع عل وجهك دوما ً‬
‫وليوزع الوظائف حسب‬ ‫ّ‬ ‫ولتكن له‪ ،‬بقوّ ة روح الكهنوت األعظم‪ ،‬سلطة العفو عن الخطايا‪ ،‬بحسب وص ّيتك‪،‬‬
‫بقوة السلطة التي أوليتها رسلك‪ ،‬وليُرضِ ك بوداعته وع ّفة قلبه‪ ،‬ويقدم لك طيبا ً ذك ّياً‪،‬‬‫أمرك‪ ،‬وليح ّل من كل قيد ّ‬
‫‪.‬بابنك يسوع المسيح"‬
‫‪ -0111‬الموهبة الروحيّة التي توليها الرسامة الكهنوتية‪ ،‬يعبّر عنها الطقس البيزنطي بهذه الصالة‬
‫التي يتلوها األسقف وهو واضع يده على المرتسم‪:‬‬
‫"أيها الربّ امأل من ارتضيت أن ترفعه إلى الدرجة الكهنوتية‪ ،‬من نعمة الروح القدس‪ ،‬ليكون أهالً ألن يقف‪ ،‬بال‬
‫شر بإنجيل ملكوتك‪ ،‬ويُت َم خدمة كلمة ح ّقك‪ ،‬ويقرّ ب لك تقادم وذبائح روحية‪ ،‬ويجدد شعبك‬ ‫لوم‪ ،‬أمام مذبحك‪ ،‬ويب ّ‬
‫فيالقي إلهنا العظيم ومخلّصنا يسوع المسيح‪ ،‬ابنك الوحيد‪ ،‬في مجيئه الثاني‪ ،‬وينال من لدن‬ ‫َ‬ ‫بغسل الميالد الثاني‪،‬‬
‫‪.‬رحمتك التي ال ح ّد لها‪ ،‬مكافأة قيامه بمها ّم رتبته قياما ً حسنا ً"‬
‫‪ -0111‬وأمّا الشمامسة‪" ،‬فإنّ نعمة السرّ تؤتيهم القوّ ة ليخدموا شعب هللا‪ ،‬باالشتراك مع األسقف‬
‫وكهنته‪ ،‬في "خدمة" الليترجيا والكلمة والمحبّة"‪.‬‬
‫‪ -0111‬أمام عظمة نعمة الكهنوت‪ ،‬وأعبائه أوجس اآلباء القديسون الدعوة الملحّ ة إلى التوبة‬
‫َمة له‪ .‬ويقول القديس غريغوريوس‬ ‫ليستجيبوا‪ ،‬بك ّل حياتهم‪ ،‬لذاك الذي جعلهم‪ ،‬بسرّ الكهنوت‪َ ،‬خد ً‬
‫النزينزي‪ ،‬وهو في مطلع حياته الكهنوتية‪ ،‬في هذا الصدد‪:‬‬
‫"يجب أن نتن ّقى قبل أن نن ّقي اآلخرين‪ ،‬وأن نتعلّم لنعلّم‪ ،‬وأن نكون نوراً لننير‪ ،‬ونتقرّ ب إلى هللا لنقرّ ب إليه‬
‫مة من نحنُ ‪ ،‬وفي أي مرتبة نقيم‪،‬‬ ‫اآلخرين‪ ،‬ونتق ّدس لنق ِّدس‪ ،‬ونقود الناس باليد وننصحهم بفهم"‪" .‬إ ّني أعلم َخدَ ُ‬
‫من هو ذاك الذي تنوجّ هع إليه‪ .‬أعرف سموّ هللا وضعف اإلنسان‪ ،‬ولك ّني أعرف قوّ ته أيضاً"‪( .‬من هو الكاهن؟ إنه)‬
‫"حامي الحقيقة‪ ،‬يقف مع المالئكة‪ ،‬ويمجّد مع رؤساء المالئكة‪ ،‬ويرفع إلى المذبح العلويّ ضحايا الذبائح‪،‬‬
‫ويشارك المسيح كهنوته‪ ،‬ويج ّدد الخليقة ويعيد (إليها) صورة (هللا)‪ ،‬ويجدد خلقها للعالم العلويّ ‪ ،‬وأعظم من هذا‬
‫‪.‬كلّه أل َّن ُه يؤلَّه ويؤلِّه"‬
‫"ويقول خوري أرس القديس‪" :‬الكاهن يواصل عمل الفداء على األرض‪" ،"...‬لو ك ّنا ُنحسِ ن فه َم الكاهن على‬
‫‪.‬األرض‪ ،‬لك ّنا نموت ال من الخوف بل من الحبّ ‪" ،"...‬الكهنوت هو محبّة قلب يسوع"‬

‫بإجاز‬

‫‪25‬‬
‫‪ -0111‬يقول القديس بولس لتلميذه تيماثاوس‪"ُ :‬أنبّهك على أن تحيي الهبة التي جعل هللا لك‬
‫بوضع يديّ" (‪ 0‬تي ‪ ،)6 :4‬و‪:‬من رغب في األسقفية تم ّنى أمر ًا عظيم ًا (‪4‬تي ‪ .)4 :2‬وقال‬
‫كهنة في ك ّل بلدة كما أوصيتك" (تي ‪:4‬‬ ‫لتيطس‪" :‬تركتك في كريت لتتمّ فيها تنظيم األمور وتقيم ً‬
‫‪)5.‬‬
‫‪ -0110‬الكنيسة ك ّلها شعب كهنوتي‪ .‬المؤمنون ك ّلهم‪ ،‬بنعمة المعمودية‪ ،‬يشتركون في كهنوت‬
‫المسيح‪ .‬هذا االشتراك نسمّيه "كهنوت المؤمنين العام"‪ .‬على أساسه وفي خدمته يقوم اشتراك آخر‬
‫في رسالة المسيح‪ ،‬ينبع من س ّر الكهنوت‪ ،‬ومهمّة الخدمة الكهنوتية‪ ،‬يؤ ّديها الكاهن وسط الجماعة‬
‫باسم المسيح الراس وبشخصه‪.‬‬
‫‪ -0114‬كهنوت الخدمة يختلف اختالف ًا جوهر ّي ًا عن كهنوت المؤمنين العام أل ّنه يولي صاحبه‬
‫الخ َد َمة المرسومون يمارسون خدمتهم لشعب هللا بالتعليم (مهمة‬ ‫سلطان ًا مق ّدس ًا لخدمة المؤمنين‪َ .‬‬
‫التعليم) وإقامة الشعائر اإللهية (المهمة الليترجية) والوالية الرعائية (مهمة اإلدارة)‪.‬‬
‫‪ -0111‬منذ العهود األولى مُنح الكهنوت ومورس على درجات ثالث‪ :‬األساقفة والكهنة‬
‫والشمامسة‪ .‬هذه ال ِخدَم التي تتمّ بالرسامة الكهنوتية ال بديل منها للكنيسة في تكوينها البُنيوي‪:‬‬
‫‪.‬فبدون األساقفة والكهنة والشمامسة‪ ،‬ال وجود للكنيسة‬
‫‪ -0112‬ينال األسقف ملء س ّر الكهنوت الذي يولجه في الهيئة األسقفية ويجعل منه الرئيس‬
‫المنظور للكنيسة الخاصة التي وُ كلت إليه‪ .‬إنّ األساقفة بصفتهم خلفاء الرسل واعضاء الهيئة‬
‫األسقفية‪ ،‬لهم نصيب في المسؤولية الرسولية والرسالة التي تضطلع بها الكنيسة ك ّلها‪ ،‬بإمرة البابا‬
‫خليفة القديس بطرس‪.‬‬
‫‪ -0111‬إنّ الكهنة ي ّتحدون باألساقفة في الكرامة الكهنوتية‪ ،‬ولك ّنهم يخضعون لهم‪ ،‬في الوقت‬
‫نفسه‪ ،‬في ممارسة مهامّهم الرعائيّة‪ .‬إ ّنهم مدعوّ ون إلى أن يكونوا لألساقفة معاونين فطنين‪،‬‬
‫ويؤ ّلفون حول اسقفهم أسرة أسقفية‪ ،‬تحمل معه مسؤولية الكنيسة الخاصة‪ .‬ويتس ّلمون من األسقف‬
‫‪.‬مهمّة العناية بجماعة رعويّة أو بوظيفة كنسيّة معيّنة‬
‫‪ -0111‬الشمامسة هم َخ ّدمة مرسومون للقيام بأعباء الخدمة في الكنيسة‪ .‬إ ّنهم ال يُمنحون كهنوت‬
‫الخدمة‪ ،‬ولكنّ الرسامة توليهم وظائف هامّة في خدمة الكلمة والشعائر اإللهية‪ ،‬واالدارة الراعوية‪،‬‬
‫‪.‬وخدمة المحبّة‪ ،‬وهي مهام يضطلعون بها تحت سلطة أسقفهم الراعويّة‬
‫‪ -0111‬يُمنح س ّر الكهنوت بوضع األيدي تليه صالة تكريس احتفالية تلتمس من هللا للمرتسم ما‬
‫‪.‬يلزمه من نعم الروح القدس للقيام بخدمته‪ .‬وتترك الرسامة في المرتسم َوسع م ًا سرّي ًا ال يّبلى‬
‫‪ -0111‬ال تمنح الكنيسة س ّر الكهنوت إ ّال رجا ًال معمّدين‪ ،‬يملكون من المؤهّالت للقيام بخدمتهم ما‬
‫تمّ التثبُّت منه بطريقة قانونية‪ .‬وللسلطة الكنسية وحدها ترجع المسؤولية والحق في الدعوة إلى‬
‫‪.‬الكهنوت‬
‫‪ -0111‬في الكنيسة الالتينية ال يُمنح سرّ الكهنوت عاد ًة إال ّ رجاالً مستع ّدين العتناق البتوليّة‬
‫محبة بملكوت هللا وخدمة الناس‪.‬‬ ‫ً‬ ‫طوعا ً ويعلنون نيّتهم في المحافظة عليها‬
‫‪ -0111.‬يرجع لألساقفة أن يمنحوا س ّر الكهنوت في درجاته الثالث‬

‫المقال السابع‬
‫سر الزواج‬
‫ّ‬

‫‪26‬‬
‫‪" -0110‬إنّ عهد الزواج الذي به تقوم بين رجل وامرأة شركة تشمل الحياة كلّها‪ ،‬وتهدف‪ ،‬من‬
‫طبيعتها‪ ،‬إلى خير الزوجين وإلى إنجاب البنين وتربيتهم‪ ،‬قد رقّاه المسيح الربّ ‪ ،‬بين المعمّدين‪،‬‬
‫‪.‬إلى كرامة سرّ "‬

‫‪ .ً0‬الزواج في تصميم هللا‬

‫‪ -0114‬إنّ الكتاب المقدس يبدأ برواية خلق الرجل والمرأة على صورة هللا ومثاله‪ ،‬وينتهي برؤيا‬
‫"عروس الحمل" (رؤ ‪ .)1 :21‬ويتح ّدث الكتاب المقدس‪ ،‬على مدى صفحاته‪ ،‬عن الزواج‬
‫"وسرّ ه"‪ ،‬وتأسيسه والمعنى الذي أفرغه هللا عليه‪ ،‬ومصدره وغايته‪ ،‬وتطبيقاته المتنوّ عة على‬
‫مدى تاريخ الخالص‪ ،‬وصعوباته الناجمة عن الخطيئة‪ ،‬وتج ّدده "في الرب" (‪ 2‬كو ‪ ،)31 :7‬في‬
‫‪.‬العهد الجديد‪ ،‬عهد المسيح والكنيسة‬

‫الزواج في نظام الخلق‬


‫‪" -0111‬إنّ الشركة العميقة‪ ،‬شركة الحياة والحب‪ ،‬التي يقيمها الزوجان‪ ،‬قد أسّسها الخالق‬
‫وجهّزها بقوانينها الخاصة‪ .‬فاهلل هو نفسه الذي وضع الزواج"‪ .‬الدعوة إلى الزواج منقوشة في‬
‫طبيعة الرجل والمرأة كما خرجا من يد الخالق‪ .‬ليس الزواج إذن مؤسّسة محض إنسانية‪ ،‬بالرّ غم‬
‫من التغيّرات التي طرأت عليه مدى األجيال‪ ،‬في مختلف الثقافات والبُنى االجتماعية‪ ،‬والمواقف‬
‫الروحية‪ .‬هذه التنوّ عات يجب أال ّ ُتنس َينا ما هنالك من مالمح مشتركة ودائمة‪ .‬ومع أنّ كرامة هذه‬
‫المؤسّسة ال تتراءى بنفس الوضوح في ك ّل مكان‪ ،‬إال ّ أننا نجد‪ ،‬مع ذلك‪ ،‬في ك ّل الثقافات‪ ،‬ح ّسا ً‬
‫عميقا ً بعظمة الزواج‪" .‬إنّ ازدهار الفرد والمجتمع مرتبط ارتباطا ً وثيقا ً بالمؤسّسة الزوجية‬
‫والعيليّة"‪.‬‬
‫‪ -0112‬إنّ هللا الذي خلق االنسان عن حبّ ‪ ،‬دعاه أيضا ً إلى الحبّ ‪ ،‬وهي دعوة أساسيّة وفطرية‬
‫في ك ّل انسان‪ .‬وال غرو‪ ،‬فاإلنسان مخلوق على صورة هللا ومثاله‪ ،‬وهللا هو ذاته "محبّة" (‪ 2‬يو‬
‫‪ .)26 ،8 :4‬وإذ خلق هللا اإلنسان رجالً وامرأة‪ ،‬فح ّبهما المتبادَل يصبح صورة للمحبّة المطلقة‬
‫والراسخة التي أحبّ بها هللا اإلنسان‪ .‬وقد رأى هللا ذلك حسنا ً ج ّداً‪ .‬هذا الحب باركه هللا وجعله‬
‫خصبا ً يتحقّق في تعهّد عمل الخلق تعهداً مشتركا ً "وباركهم هللا وقال لهم‪ :‬أُنموا واكثروا وامألوا‬
‫‪.‬األرض واخضعوها" (تك ‪)18 :2‬‬
‫‪ -0111‬لقد خلق هللا الرجل والمرأة أحدهما لآلخر‪ .‬هذا ما يؤ ّكده الكتاب المق ّدس‪" :‬ليس حسنا ً أن‬
‫يبقى االنسان وحده" (تك ‪ .)28 :1‬فالمرأة هي "لحم من لحم" الرجل‪ ،‬أي مساوية له وقريبة منه‪.‬‬
‫تمثل هللا الذي منه تأتي نصرتنا‪" .‬ولذلك يترك الرجل أباه وأمّه‬ ‫وقد وهبها هللا "نصرة" للرجل‪ّ ،‬‬
‫ويلزم امرأته فيصيران كالهما جسداً واحداً" (تك ‪ .)14 :1‬فأن يعني ذلك بينهما وحدة ال تنفصم‪،‬‬
‫هذا ما يبيّنه الرب نفسه مذ ّكراً ما كان قصد هللا "منذ البدء"‪" :‬وهكذا ليسا هما بع ُد اثنين بل هما‬
‫‪.‬جسد واحد" (متى ‪)6 :21‬‬

‫الزواج تحت حكم الخطيئة‬

‫‪ -0111‬ال ب ّد لك ّل إنسان أن يختبر الشرّ حوله أو في ذاته‪ .‬هذا االختبار نقع عليه أيضا ً في‬
‫عرضة للخالف‪ ،‬وروح التسلّط‪ ،‬والخيانة‪،‬‬‫ً‬ ‫العالقات ما بين الرجل والمرأة‪ .‬فقرانهما بات دائما ً‬
‫والغيرة‪ ،‬ولصراعات قد تصل إلى ح ّد الكراهية والقطيعة‪ .‬هذه الفوضى قد تظهر بقليل أو كثير‬

‫‪27‬‬
‫من الح ّدة‪ ،‬وقد نتغلّب عليها قليالً أو كثيراً‪ ،‬بحسب الثقافات واألزمنة واألفراد‪ ،‬إال ّ أ ّنها تبدو‬
‫‪.‬ممهورة بطابع شامل‬
‫‪ -0111‬ويُعلّمنا اإليمان أنَّ هذه البلبلة التي نلمسها لمسا ً أليما ً‪ ،‬ال تأتي من طبيعة الرجل والمرأة‪،‬‬
‫وال من طبيعة عالقتهما‪ ،‬بل من الخطيئة‪ .‬فالخطيئة األولى هي مقاطعة هلل‪ ،‬أُولى نتائجها تص ُّد ُع‬
‫الشركة األصلية بين الرجل والمرأة‪ .‬عالقتهما تشوّ هت باتهامات متبا َدلة‪ ،‬ومي ُل أحدهما إلى‬
‫الهبة التي حباهما هللا نفسه‪ ،‬تحوّ ل إلى عالقات تسلّط وشهوة‪ ،‬ودعوتهما الجميلة إلى‬ ‫ُ‬ ‫اآلخر‪ ،‬وهو‬
‫بأوجاع الوالدة وكسب الرزق‬ ‫ً‬
‫مرهقة‬ ‫‪.‬الخصب والتكاثر وإخضاع األرض أمست‬
‫ِ‬
‫‪ -0111‬بيد أنّ نظام الخلق ال يزال قائماً‪ ،‬وإن تع ّكر تع ُّكراً ذريعاً‪ .‬فالرجل والمرأة بحاجة إلى‬
‫معرفة نعمة هللا لشفاء جروح الخطيئة‪ .‬وهللا‪ ،‬في رحمته الالمتناهية‪ ،‬لم يبخل بها عليهما الب ّتة‪.‬‬
‫بدون هذه المعونة يعجز الرجل والمرأة عن تحقيق وحدة حياتهما التي ألجلها خلقهما هللا "منذ‬
‫‪.‬البدء"‬

‫الزواج تحت تربية الناموس‬

‫‪ -0111‬إنّ هللا‪ ،‬في رحمته‪ ،‬لم يتخ َّل عن االنسان الخاطئ‪ .‬فما ُتعا َقبُ به الخطيئة من أوجاع‬
‫الوالدة‪ ،‬والعمل "بعرق جبينك" (تك ‪ ،)21 :3‬إ ّنما هو من قبيل العالجات التي تح ُّد من شرور‬
‫الخطيئة‪ .‬بعد السقطة‪ ،‬يساعد الزواج في التغلّب على االنطواء على الذات "واألنانية" والبحث‬
‫‪.‬عن اللذة‪ ،‬كما يساعد في االنفتاح على الغير والتعاون وبذل الذات‬
‫‪ -0101‬الوعي األدبي لمقتضى وحدة الزواج وديمومته قد تطوّ ر وفاقا ً للنهج التربوي الذي ساد‬
‫ك أنّ تعدد الزوجات عند قدامى اآلباء والملوك لم ينحسر بطريقة صريحة‪.‬‬ ‫الشريعة القديمة‪ .‬ال ش ّ‬
‫توخت حماية المرأة من مِزاجية تسلّط الرجل‪ ،‬وإن كانت‬ ‫بيد أنّ الشريعة التي أُنزلت على موسى ّ‬
‫تحمل‪ ،‬على ح ّد قول الرب‪ ،‬آثار "قسوة قلب" االنسان التي دفعت بموسى إلى السماح بتطليق‬
‫‪.‬المرأة‬
‫‪ -0100‬لقد توسّم األنبياء في العهد الذي قطعه هللا مع إسرائيل صورة حبٍّ زوجيّ مقصور على‬
‫الزوج والزوجة وقائم على األمانة‪ ،‬فمهّدوا بذلك لضمير الشعب المصطفى أن يتفهّم بعمق‬
‫فري راعوت وطوبيّا إثباتات ّ‬
‫مؤثرة لسموّ معنى‬ ‫وحدانية الزواج وديمومته‪ .‬وإننا لنجد في سِ َ‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫الزواج واألمانة والتوا ّد بين الزوجين‪ .‬وقد آنس التقليد دوما في "نشيد األناشيد" تعبيرا فريدا عن‬
‫الحبّ البشري‪ ،‬من حيث إ ّنه انعكاس لحبّ هللا‪ ،‬الحبّ "القويّ كالموت" والذي "ال تستطيع المياه‬
‫‪.‬الغزيرة أن تطفئه" (نش ‪)7-8:6‬‬

‫الرب‬
‫ّ‬ ‫الزواج في ظل ّ‬
‫‪ -0104‬الميثاق الزوجي بين هللا وشعبه إسرائيل مهّد للعهد الجديد واألبديّ الذي أراد به ابن هللا‪،‬‬
‫‪.‬بالتجسّد وبذل الذات‪ ،‬أن يض ّم إليه ك ّل البشرية التي خلّصها‪ ،‬مهيّئا ً بذلك "عرس الحمل"‬
‫‪ -0101‬لقد صنع يسوع‪ ،‬عند عتبة حياته العلنيّة‪ ،‬أوّ ل آية له – عن طلب من أمه – بمناسبة حفلة‬
‫زواج‪ .‬وتولي الكنيسة أهمية كبرى لحضور يسوع في عرس قانا‪ ،‬وترى فيه تثبيتا ً لجودة الزواج‬
‫‪.‬وإيذانا ً بأنَّ الزواج سوف يكون آية فعّالة من آيات حضور المسيح‬
‫‪ -0102‬وقد علّم المسيح‪ ،‬بال مواربة‪ ،‬في كرازته‪ ،‬المعنى األصيل ال ّتحاد الرجل والمرأة‪ ،‬كما‬
‫أراده الخالق منذ البدء‪ :‬فالسّماح بتطليق المرأة‪ ،‬في شريعة موسى‪ ،‬ما كان سوى تساهل أ عملَته‬

‫‪28‬‬
‫"قساوة القلب"‪ .‬فا ّتحاد الرجل والمرأة في الزواج ال يقبل االنفصام‪ ،‬ألنَّ هللا نفسه قد أقرّ ه‪" :‬فال‬
‫‪.‬يفرّ ق اإلنسان ما جمعه هللا" (متى ‪)6 :21‬‬
‫‪ -0101‬هذا التشديد الصريح على ديمومة الوثاق الزوجي قد يُذهل العقل ويبدو من المقتضيات‬
‫التي ال يمكن تحقيقها‪ .‬ومع ذلك فيسوع لم يُرهق األزواج بعبء باهظ ال يمكن حمله‪ ،‬وأثقل مما‬
‫جاء في الشريعة الموسويّة‪ .‬فالمسيح إ ّنما جاء ليعيد الخليقة إلى نظامها األول الذي بلبلته الخطيئة‪،‬‬
‫وهو يؤتينا من القوّ ة والنعمة من يُم ّكننا من أن نعيش الزواج في ملكوت هللا وبُعده الجديد‪.‬‬
‫فاألزواج لن "يدركوا" معنى الزواج‪ ،‬في معناه األصيل‪ ،‬ولن يتم ّكنوا من أن يعيشوه بمعونة‬
‫المسيح‪ ،‬إال ّ إذا تبعوا المسيح وزهدوا في أنفسهم‪ ،‬وحملوا صليبهم‪ .‬نعمة الزواج هذه إ ّنما هي ثمرة‬
‫‪.‬صليب المسيح‪ ،‬ومصدر كل حياة مسيحية‬
‫‪ -0101‬وهذا ما يعلّمه الرسول بولس بقوله‪" :‬أيّها الرجال‪ ،‬أحبّوا نساءكم كما أحبّ المسيح كنيسته‬
‫وضحّ ى من أجلها ليق ّدسها (أف ‪ .)16-15 :5‬ويضيف فوراً "ولذلك يترك الرجل أباه وأمّه ويلزم‬
‫امرأته فيصير االثنان جسداً واحداً‪ .‬إنّ هذا السرّ لعظيم‪ ،‬وأعني به سرّ المسيح والكنيسة" (أف ‪:5‬‬
‫‪)31-32.‬‬
‫‪ -0101‬الحياة المسيحية كلّها تحمل طابع الحبّ الزوجي القائم بين المسيح والكنيسة‪ .‬فالمعموديّة‬
‫– هي المدخل إلى شعب هللا – هي أيضا ً سرّ عرسي‪ .‬إ ّنها‪ ،‬نوعا ً ما‪" ،‬ماء االستحمام" الذي يسبق‬
‫وليمة العرس‪ ،‬أي االفخارستيا‪ .‬ويصبح الزواج المسيحيّ ‪ ،‬هو أيضاً‪ ،‬عالمة فاعلة‪ ،‬وسرّ العهد‬
‫المُبرم بين المسيح والكنيسة‪ .‬وبما انّ الزواج بين المعمّدين هو عبارة هذا العهد ووسيلة نعمته‪،‬‬
‫‪.‬فهو سرّ حقيقيّ من أسرار العهد الجديد‬

‫البتولية ألجل الملكوت‬


‫‪ -0101‬محور ك ّل حياة مسيحية هو المسيح‪ ،‬والصلة به تتق ّدم ك ّل الصالت األُخرى‪ ،‬العيل ّية‬
‫واالجتماعية‪ .‬فمنذ بدء تاريخ الكنيسة‪ ،‬نجد رجاالً ونساء انصرفوا عن الزواج وعظيم قيمته‪،‬‬
‫وصحبوا الحمل كيفما سار‪ ،‬ال يهتمّون إال ّ لما هو للربّ ولما يرضيه‪ ،‬وهبّوا الستقبال العريس‬
‫القادم‪ .‬المسيح نفسه دعا بعضا ً أل ّتباعه في هذا النمط من الحياة الذي يبقى هو مثاله‪:‬‬
‫"هناك في الخصيان من وُ لدوا من بطون أُمّهاتهم على هذه الحال‪ ،‬وفي الخصيان من خصاهم الناس‪ ،‬وفي‬
‫صوا أنفسهم من أجل ملكوت السموات‪ .‬فمن استطاع أن يف َهم فل َيف َهم" (متى ‪)21 :21‬‬‫‪.‬الخصيان من َخ َ‬
‫‪ -0101‬البتولية ألجل ملكوت السماوات هي َت َف ُّت ُح نعمة المعمودية‪ ،‬وعالمة بليغة من عالمات‬
‫سموّ العالقة بالمسيح‪ ،‬وانتظار عودته على أحرّ من الجمر‪ ،‬والداللة على أنّ الزواج هو من‬
‫‪.‬شؤون هذا الدهر العابر‬
‫‪ -0141‬سرّ الزواج والبتولية ألجل ملكوت هللا كالهما من الرب نفسه يصدران‪ .‬فهو الذي‬
‫قيمة ويجود عليهما بالنعمة التي ال ب ّد منها لممارستهما طبقا ً إلرادته‪ .‬احترام البتولية‬ ‫يوتيهما ً‬
‫ألجل الملكوت والزواج في مفهومه المسيحي صنوان ال يفترقان بل يتكامالن‪:‬‬
‫"تقبيح الزواج يقلّل من سموّ البتولية‪ ،‬واإلشادة به يُعلي ما يُفترض من اإلعجاب بالبتولية‪ .‬فك ّل ما ال يبدو خيراً‬
‫إالّ بمقارنته بالشرّ ليس بالحقيقة خيراً‪ .‬وأمّا ما يفوق الخيور التي ال يرقى إليها شكّ‪ ،‬فهو الخير‬
‫‪.‬األسمى"‬

‫‪ .ً4‬االحتفال بالزواج‬
‫‪ -0140‬في الطقس الالتيني االحتفال بالزواج بين مؤمن عين كاثوليكيّين يت ُّم عادة في غضون‬
‫القداس‪ ،‬بداعي الصلة القائمة بين جميع األسرار وسرّ المسيح الفصحي‪ .‬ففي االفخارستيا نحيي‬

‫‪29‬‬
‫ذكرى العهد الجديد الذي فيه ا ّتحد المسيح إلى األبد بالكنيسة عروسه الحبيبة التي ضحّ ى بذاته‬
‫ألجلها‪ .‬فيجدر إذن أن يرسّخا توافقهما على تواهب الذات والحياة با ّتحادهما بالمسيح في تقديم ذاته‬
‫ألجل الكنيسة‪ ،‬تقدمة "ماثلة" في الذبيحة االفخارستية‪ .‬ويجدر بهما أن يناال االفخارستيا‪ ،‬فيشتركا‬
‫‪.‬في جسد المسيح ودمه فيصيرا‪ ،‬من ث ّم‪ ،‬جسداً واحداً" في المسيح‬
‫سريا يهدف إلى التقديس‪ ،‬يجب أن يكون‪،‬‬ ‫‪" -0144‬إنّ االحتفال الليترجي بالزواج بصفته عمال ّ‬
‫في ح ّد ذاته‪ ،‬عمالً صحيحا ً الئقا ً ومثمراً"‪ .‬فيجدر إذن بالعروسين أن يستع ّدا لالحتفال لزفافهما‬
‫‪.‬بقبول سرّ التوبة‬
‫‪ -0141‬بحسب التقليد الالتيني‪ ،‬الزوجان هما خادما نعمة المسيح‪ ،‬يمنحان احدهما اآلخر سرّ‬
‫الزواج‪ ،‬باإلعراب عن رضاهما أمام الكنيسة‪ .‬أمّا في تقاليد الكنيسة الشرقية‪ ،‬فالمحتفلون –‬
‫أساقفةأو كهنة‪ -‬هم شهود على رضى المتبادل بين الزوجين‪ ،‬ولكنّ بركتهم ضرورية أيضا ً لصحّة‬
‫‪.‬السرّ‬
‫‪ -0142‬الليترجيات‪ ،‬على أنواعها‪ ،‬حافلة بصلوات البركة والدعاء‪ ،‬تتوجّ ه إلى هللا بطلب نعمته‬
‫وبركته للزوجين‪ ،‬وال سيّما للزوجة‪ .‬في صالة االستدعاء الملحوظة في حفلة الزفاف‪ ،‬ينال‬
‫الزوجان الروح القدس عربون شركة الحبّ بين المسيح والكنيسة‪ .‬فالمسيح هو خاتم ميثاقهما‬
‫ومصدر حبّهما على مدى الزمن‪ ،‬والقوّ ة التي بها تتج ّدد أمانتهما‪.‬‬

‫الزوجي‬
‫ّ‬ ‫الرضى‬
‫‪ّ .ً1‬‬
‫‪ -0141‬طرفا الميثاق الزوجيّ هما رجل وامرأة معمّدان‪ ،‬طليقان من ك ّل قيد زوجيّ ‪ ،‬يُعربان‬
‫بحرّ ية عن رضاهما‪ :‬وتقوم "الحرية" هنا على ما يلي‪:‬‬
‫‪ -‬أن ال يمارس أيُّ ضغط على طالب (أوطالبة) الزواج‪،‬‬
‫‪ -.‬أال ّ يحول دون زواجهما أيّ شرع طبيعيّ أو كنس ّي‬
‫‪ -0141‬تعتبر الكنيسة تبادل الرِّ ضى بين الزوجين عنصراً أساس ّيا ً "مُكوِّ نا ً للزواج"‪ .‬فإذا انتفى‬
‫‪.‬تبادل الرِّ ضى ليس ثمّة من زواج‬
‫‪ -0141‬قوا ُم الرِّ ضى "فعل إنسانيّ فيه يت ّم بين الزوجين موهبة ذا َتيهما أحدهما لآلخر"‪" :‬أق َبلكُِ‬
‫ك زوجا ً لي‪ "...‬هذا التراضي الذي يربط الزوجين أحدهما باآلخر يبلغ مداه‬ ‫ً‬
‫زوجة لي‪" ،"...‬أقبل َ‬
‫‪.‬في أن اإلثنين يصيران "جسداً واحداً"‬
‫‪ -0141‬يجب أن يكون الرضى فعل أراد ِة ك ٍّل من المتعاقدَين‪ ،‬بريئا ً من كل عنف أو خوف‬
‫خارجيّ خطير‪ .‬وليس ثمّة من سلطة بشرية بإمكانها أن تقوم مقام هذا الرضى‪ .‬فإذا انتفت هذه‬
‫‪.‬الحرّ ية كان الزواج باطالً‬
‫‪ -0141‬لهذا السبب (أو ألسباب أُخرى تجعل الزواج باطالً وغير قائم)‪ ،‬تستطيع الكنيسة بعد أن‬
‫تنظر في الوضع عبر المحكمة الكنسية المختصّة‪ ،‬أن تعلن "بطالن الزواج"‪ ،‬أي أنّ الزواج لم يت ّم‬
‫يحق للمتعاقدَين أن يعقدا زواجا ً آخر‪ ،‬على أن يتقيّدا بالواجبات‬ ‫منذ األصل‪ .‬في هذه الحال ّ‬
‫‪.‬الطبيعية الناجمة عن قران سابق‬
‫‪ -0111‬الكاهن (أو الشماس) الذي يحضر حفلة الزواج‪ ،‬يتقبّل رضى الزوجين باسم الكنيسة‪،‬‬
‫ويمنحما بركة الكنيسة‪ .‬إنّ حضور الخادم الكنسي (والشاهدين) يعبّر بطريقة مرئيّة عن أنّ‬
‫‪.‬الزواج هو حقيقة كنسيّة‬
‫‪ -0110‬لهذا السبب تطلب الكنيسة عادة للمؤمنين من أبنائها الصيغة الكنسية إلجراء الزواج‪ .‬ثمّة‬
‫‪:‬أسباب كثيرة تساعد في تعليل هذا القرار‬

‫‪30‬‬
‫ليترجي‪ .‬فيجدر‪ ،‬من ث ّم‪ ،‬أن يُحتفل به في الكنيسة في إطار ليترجي‬
‫ّ‬ ‫‪ -‬الزواج األسراريّ عمل‬
‫علنيّ‪،‬‬
‫‪ -‬يندرج الزواج في نظام كنسي‪ ،‬ويُنشئ في الكنيسة حقوقا ً وواجبات بين األزواج وتجاه األوالد‪،‬‬
‫‪ -‬لمّا كان الزواج حالة حياة ضمن الكنيسة‪ ،‬كان ال ب ّد من أن يحظى باليقين (من هنا لزوم‬
‫‪.‬الشاهدين)‬
‫‪ -.‬إنّ الطابع العلني في رضى الزوجين يحمي ميثاقهما ويُساعدهما في الوفاء به‬
‫‪ -0114‬لكي يكون وعد الزوجين عمالً حرّ اً ومسؤوالً‪ ،‬ولكي يقوم الميثاق الزوجيّ على أسس‬
‫بشريّة ومسيحية راسخة ودائمة‪ ،‬ال ب ّد من أعتبار التأهب للزواج واجبا ً في غاية األهمية‪.‬‬
‫‪.‬إنّ ما يق ّدمه األهل والعيل من أمثلة ودروس هو الطريقة المثلى لمثل هذا التأهيل‬
‫مهمّة الرعاة والجماعة المسيحية‪ ،‬بصفتها "اسرة هللا"‪ ،‬ال ب ّد منها لتوريث القيم اإلنسانية والمسيحية النابعة من‬
‫ّ‬
‫المحطمة التي لم‬ ‫الزواج واألسرة‪ ،‬وال سيّما في هذا الزمن الذي نرى فيه الكثير من الشبّان يعانون خبرة البيوت‬
‫‪.‬تعد تؤمّن بكفاية هذه التربية‬
‫"يجب تثقيف الشبّان تثقيفا ً مالئما في الزمان والطريقة‪ ،‬يحيط بكرامة الحبّ الزوجي ومهمّته وممارسته‪ .‬وأفضل‬
‫ً‬
‫ما يكون هذا التثقيف في حضن العائلة‪ :‬فإذا نشأوا على الطهارة استطاعوا‪ ،‬في الوقت المناسب‪ ،‬أن ينتقلوا إلى‬
‫الزواج بعد فترة من الخطبة يقضونها في الكرامة واللياقة"‪.‬‬

‫الزواجات المختلظة واختالف الدين‬

‫‪ -0111‬الزواج المختلط (بين كاثوليكي ومعمّد غير كاثوليكي)‪ ،‬ليس الحالة النادرة في بلدان‬
‫صا ً‪ .‬وأمّا الزواجات في حالة اختالف الدين (بين‬ ‫كثيرة‪ ،‬يقتضي‪ ،‬من األزواج والرعاة‪ ،‬تنبّها ً خا ّ‬
‫‪.‬كاثوليكي وغير معمّد) فتتطلّب الحيطة أكبر‬
‫ث ك ٌّل‬‫‪ -0112‬اختالف المذاهب بين الزوجين ال يقوم عائقا ً مستعصيا ً دون الزواج‪ ،‬إذا توصّال إلى وضع ما َو َر َ‬
‫منهما من جماعته موضع الفائدة المشتركة‪ ،‬وإذا تعلّم ك ٌّل من اآلخر الطريقة التي يح ِّقق فيها أمانته للمسيح‪ .‬بيد‬
‫أنّ مشاكل الزواجات المختلطة يجب أالّ نقدرها دون قدرها‪ .‬وسبب هذه المشاكل أنّ المسيحيين لم يُوّ ّفقوا بعد في‬
‫تذليل انقسامهم‪ .‬ويُخشى على األزواج أن يكابدوا‪ ،‬في عقر بيتهم‪ ،‬مأساة انقسام المسيحيين‪ .‬وقد يكون اختالف‬
‫الدين سببا ً الستفحال هذه المشاكل‪ .‬االختالفات في شأن اإليمان‪ ،‬والنظرة إلى الزواج‪ ،‬وحتى الذهنيّات الدينية‬
‫المختلفة قد تمسي مصدر توترات في الزواج‪ ،‬وال سيّما في شأن تربية البنين‪ .‬وقد ينجم عن ذلك كلّه خطر‬
‫‪.‬الالمباالت الدينية‬
‫‪ -0111‬في نظر الشرع المرعيّ في الكنيسة الالتينيّة‪ ،‬ال ب ّد‪،‬إلقامة الزواج المختلط بوجه شرعيّ ‪،‬‬
‫من ترخيص صريح من السلطة الكنسيّة‪ .‬عند اختالف الدين‪ ،‬ال ب ّد من تفسيح صريح من المانع‬
‫ليكون الزواج صحيحاً‪ .‬هذا الترخيص أو هذا التفسيح يفترضان أنّ الطرفين يعلمان أهداف‬
‫الزواج وخصائصه الجوهرية وال يرفضانها‪ ،‬وكذلك أنّ الطرف الكاثوليكي يُثبت التزامه‪ ،‬التي‬
‫يُعلم الطرف غير الكاثوليكي بها‪ ،‬بالحفاظ على إيمانه وتعميد األوالد وتربيتهم في الكنيسة‬
‫الكاثوليكية‪.‬‬
‫‪ -0111‬في كثير من المناطق‪ ،‬توصّلت الجماعات المسيحية المعيّنة‪ ،‬بفضل الحوار المسكوني‪،‬‬
‫إلى أن تضع نهجا رعائ ّيا مشتركا للزواجات المختلطة‪ ،‬يهدف إلى مساعدة األزواج في أن‬
‫يعيشوا وضعهم الخاص في ضوء اإليمان‪ .‬وهو يهدف أيضا ً إلى مساعدتهم في التغلّب على‬
‫التو ّترات القائمة بين واجبات الزوجين أحدهما تجاه اآلخر‪ ،‬وواجباتهما تجاه جماعاتهما الكنسية‪.‬‬
‫وال ب ّد لهذا النهج الرعائيّ من أن يشجّ ع على تنمية ما هو مشترك بينهما في اإليمان واحترام ما‬
‫‪.‬يفرّ ق بينهما‬

‫‪31‬‬
‫‪ -0111‬في الزواجات المعقودة في حالة اختالف الدين يضطلع الزوج الكاثوليكيّ بمهمّة خاصة‪:‬‬
‫"ألنّ الزوج غير المؤمن يتق ّدس بإمرأته‪ ،‬والمرأة غير المؤمنة تتق ّدس بالزوج المؤمن"‬
‫(‪2‬كو ‪ .)7:24‬وكم يكون فرح الزوج المؤمن وفرح الكنيسة عظيماً‪ ،‬إذا أ ّدى هذا "التقديس" إلى‬
‫اهتداء الزوج اآلخر إلى اإليمان المسيحي‪ ،‬اهتدا ًء حرّ اً‪ .‬إنّ الحبّ الزوجيّ الخالص‪ ،‬مع ممارسة‬
‫الفضائل العائلية في التواضع والصبر‪ ،‬والمثابرة على الصالة‪ ،‬قد يُع ّد الزوج غير المؤمن لقبول‬
‫نعمة االهتداء‪.‬‬

‫سر الزواج‬
‫‪ . ًُ2‬مفاعيل ّ‬
‫‪" -0111‬من الزواج الصحيح ينشأ بين الزوجين وثاق‪ ،‬هو من طبيعته دائم ومقصور على اثنين‪.‬‬
‫سر خاص‪ ،‬للواجبات والكرامة‬‫ثم إنّ الزواج المسيحي يولي الزوجين قوّ ة وشبه تكرّس‪ ،‬بواسطة ّ‬
‫‪.‬المرتبطة بحالتهما"‬

‫الوثاق الزوجي‬
‫‪ -0111‬إنّ الرضى الذي يتبادله الزوجان عطا ًء ذات ّيا ً وقبوالً‪ ،‬يختمه هللا نفسه‪ .‬من هذا الميثاق‬
‫"تنشأ مؤسّسة يثبّتها الشر ُع اإللهيّ ‪ ،‬حتى في نظر المجتمع البشري نفسه"‪ .‬ميثاق الزوجين يندمج‬
‫‪.‬في الميثاق القائم بين هللا والبشر‪" :‬والحبّ الزوجي الصحيح تحتضنه المحبّة اإللهية"‬
‫‪ -0121‬الوثاق الزوجي يقيمه إذن هللا نفسه‪ ،‬فينجم عن ذلك أنّ الزواج المعقود والمكتمل بين‬
‫معمّدين ال يجوز أبداً حلّه‪ .‬هذا الوثاق المنبثق عن الزوجين بفعل إنساني حرّ ‪ ،‬وزواج مكتمل‪ ،‬هو‬
‫واقع ال يقبل ال ّنقص من بعد‪ ،‬ويُنشئ ميثاقا ً يكفله الوفاء اإللهيّ‪ .‬وليس في مقدور الكنيسة أن‬
‫تتص ّدى لهذا الترتيب الذي شاءته الحكمة اإللهيّة‪.‬‬

‫سر الزواج‬
‫نعمة ّ‬
‫‪ -0120‬إنّ لألزواج المسيحيين‪" ،‬في وضعهم الحياتي وحالهم‪ ،‬مواه َبهم الخاصة في شعب هللا"‪.‬‬
‫هذه النعمة التي يختصّ بها سر الزواج تهدف إلى رفع الحب بين الزوجين إلى درجة الكمال‪،‬‬
‫وتمتين وحدتهما غير المنفصمة‪ .‬بهذه النعمة "يتعاون الزوجان في تقديس ذاتهما في الحياة‬
‫‪.‬الزوجية‪ ،‬وفي انجاب البنين وتربيتهم"‬
‫‪ -0124‬المسيح مصدر هذه النعمة‪" .‬فكما أنّ هللا قطع مع شعبه قديما ً عهد محبة وأمانة‪ ،‬هكذا‬
‫أراد اآلن مخلّص البشر‪ ،‬عروس الكنيسة‪ ،‬أن يالقي المسيحيين في سرّ الزواج"‪ .‬فهو يالزمهم‬
‫ويؤتيهم القوّ ة ليتبعوه‪ ،‬حاملين صليبهم‪ ،‬وينهضوا من كبواتهم‪ ،‬ويتبادلوا الصفح‪ ،‬ويحم َل بعضهم‬
‫أثقال بعض‪ ،‬ويخضع بعضهم لبعض بتقوى المسيح" (أف ‪ )12 :5‬ويُحبّ بعضهم بعضا ً محب ًّة‬
‫تفوق الطبيعة‪ ،‬رقيقة وخصبة‪ .‬وفي مباهج حبّهم وحياتهم العائلية‪ ،‬يؤتيهم المسيح أن يتذوّ قوا‪ ،‬منذ‬
‫‪:‬اآلن‪ ،‬طعم وليمة عرس الحمل‬
‫"من أين لي أن استم ّد القوة ألن اصف وصفا ً وافيا سعادة الزواج الذي تهيئه الكنيسة‪ ،‬وتثبّته التقدمة وثمهره‬
‫البركة‪ ،‬المالئكة يعلنونه‪ ،‬واآلب السماوي يصادق عليه‪ .‬ما أروعهما زوجين مسيحيَّين يوح ّدهما رجاء واحد‪،‬‬
‫ورغبة واحدة‪ ،‬وخدمة واحدة! كالهما ابنان ألب واحد‪ ،‬وخادمان لمعلّم واحد‪ .‬ال شيء يفرّ قهما‪ ،‬ال في الروح وال‬
‫‪.‬في الجسد‪ ،‬بل هما‪ ،‬في الحقيقة‪ ،‬اثنان في جسد واحد‪ .‬وحيث الجسد واحد‪ ،‬فالروح واحد أيضاً"‬

‫الحب الزوجي ومقتضياته‬


‫ّ‬ ‫‪ .ً1‬فوائد‬

‫‪32‬‬
‫‪ -0121‬الحبّ الزوجي ك ٌّل متكامل يتألّف من ك ّل مقوّ مات الشخص‪ :‬ندا ِء الجسد والغريزة‪ ،‬قوّ ة‬
‫ّ‬
‫تتخطى اال ّتحاد‬ ‫توق الروح واالرادة‪ ،‬وهو يهدف إلى وحدة شخصية عميقة‬ ‫االحساس والمو ّدة‪ِ ،‬‬
‫في جسد واحد‪ ،‬وتم ّكن االثنين من أن يكونا قلبا ً واحداً ونفسا ً واحدة‪ .‬ويقتضي الديمومة واألمانة‬
‫في عطاء متبادل حتى النهاية‪ ،‬ويتوق إلى الخصب‪ .‬تلك‪ ،‬وال شكّ‪ ،‬مزايا ك ّل حبّ زوجي طبيعيّ ‪،‬‬
‫إ ّنما ينضاف إليها معنى جديد‪ ،‬ال ينقّيها ويرسّخها وحسب‪ ،‬بل يرتفع بها إلى مرتبة تجعلها تعبيراً‬
‫عن قيم مسيحيّة مميّزة"‪.‬‬

‫وحدة الزواج وديمومته‬


‫‪ -0122‬الحبّ بين الزوجين يقتضي‪ ،‬من ذات طبيعته‪ ،‬الوحدة والديمومة في شركة شخصيّة‬
‫تشمل الحياة كلّها‪" :‬هكذا ليسا هما اثنين‪ ،‬بل جسد واحد" (متى ‪" .)6 :21‬إ ّنهما مدعوّ ان إلى أن‬
‫ينموا ك ّل يوم في شركتهما‪ ،‬عبر األمانة اليومية للوعد الذي يتضمّنه الزواج بتبادل العطاء‬
‫كامالً"‪ .‬هذه الشركة البشرية تتثبّت وتتنقّى وتكتمل بالشركة في يسوع المسيح‪ ،‬النابعة من سرّ‬
‫‪.‬الزواج‪ ،‬وتتعمّق باشتراك الزوجين في حياة اإليمان وفي االفخارستيا‬
‫‪" -0121‬المساواة في الكرامة الشخصية التي يجب االعتراف بها للمرأة وللرجل‪ ،‬في نطاق‬
‫الحب المتبادل والكامل‪ُ ،‬تظهر بوضوح وحدة الزواج التي ث ّب َتها السيد المسيح"‪.‬‬
‫تعدد الزوجات ينقض هذه المساواة في الكرامة‪ ،‬ويناقض الحبّ الزوجيّ في وحدانيّته ومُطلقيّته‪.‬‬

‫أمانة الحب الزوجي‬


‫ُ‬ ‫ً‬
‫‪ -0121‬الحب الزوجي يفرض على الزوجين‪ ،‬من طبيعته‪ ،‬أمانة ال تخترق‪ .‬وهذا نتيجة ما يقوم‬
‫يتوخى الديمومة‪ ،‬ال يمكن أن يُعقّد لفترة‬
‫ّ‬ ‫به الزوجان عندما يتبادالن موهبة الذات‪ .‬والحبّ‬
‫ً‬
‫محدودة‪" .‬هذا االتحاد الحميم‪ ،‬بصفته عطاء متبادال بين شخصين‪ ،‬وإذا انضاف إليه خير البنين‪،‬‬
‫ً‬
‫أمانة تامّة‪ ،‬وارتباط الواحد باآلخر ارتباطا ً ال ينفصم"‪.‬‬ ‫يقتضي من الزوجين‬
‫‪ -0121‬ولكن السبب األعمق نجده في أمانة هللا لعهده والمسيح لكنيسته‪ .‬بسرّ الزواج يصبح‬
‫ُمثال هذه األمانة ويشهدا لها‪ ،‬ويُضيفاعلى ديمومة الزواج معنى جديداً أعمق‪.‬‬ ‫الزوجان أهالً ألن ي ِّ‬

‫متعذراً أن نرتبط بإنسان آخر مدى الحياة‪ .‬ولك ّنه من األهمية بمكان أن‬ ‫ِّ‬ ‫‪ -0121‬قد يبدو صعبا ً بل‬
‫ننشر البشرى السعيدة أنّ هللا يُحبّنا ح ّبا ً نهائ ّيا ً ال عودة منه‪ ،‬وأنّ للزوجين قسطا ً في هذا الحب‬
‫الذي يحملهما ويساندهما‪ ،‬وأ ّنهما يستطيعان بأمانتهما أن يقوما شاهدين هلل في ح ّبه الوفيّ ‪ .‬إن‬
‫األزواج الذين‪ ،‬بنعمة هللا‪ ،‬يؤ ّدون هذه الشهادة‪ ،‬في ظروف صعبة ج ّداً أحيانا ً كثيرة‪ ،‬يستحقّون‬
‫‪.‬شكر الجماعة الكنسية ودعمها‬
‫‪ -0121‬هناك‪ ،‬مع ذلك‪ ،‬أوضاع تمسي فيها المساكنة الزوجية‪ ،‬من الوجهة العمليّة‪ ،‬عبئا ً ال يُطاق‬
‫ألسباب متنوّ عة ج ّداً‪ .‬في مثل هذه األحوال تقبل الكنيسة بأن يفترق الزجان افتراقا جسد ّيا ً وتنتهي‬
‫يحق لهما أن يعقدا زواجا ً جديداً‪ .‬في‬‫المساكنة‪ .‬إال ّ أنّ الزوجين يلبثان أمام هللا‪ ،‬زوجا ً وزوجة‪ ،‬وال ّ‬
‫هذا الوضع الصعب‪ ،‬قد تكون المصالحة أحسن الحلول‪ ،‬إذا أمكن‪ .‬الجماعة المسيحية مدعوّ ة إلى‬
‫مساعدة هؤالء األشخاص ليعيشوا وضعهم بطريقة مسيحية‪ ،‬في األمانة لوثاق زواجهم الذي يبقى‬
‫‪.‬غير قابل لالنفصام‬
‫‪ -0111‬كثيرون هم اليوم‪ ،‬في بالد كثيرة‪ ،‬الكاثوليك الذين يركنون إلى الطالق طبقا ً للقوانين‬
‫المدنية‪ ،‬ويعقدون مدن ّيا ً زواجا ً جديداً‪ .‬ولكنّ الكنيسة تتمسّك بأ ّنها ال تستطيع أن تعترف بصحّ ة‬

‫‪33‬‬
‫أمانة لكالم يسوع المسيح ("من طلّق امرأته‬ ‫ً‬ ‫زواج جديد‪ ،‬إذا ثبتت صحّة الزواج األول‪ ،‬ولذلك‬
‫وتزوّ ج غيرها زنى عليها‪ .‬وإن طلّقت امرأة زوجها وتزوّ جت غيره زنت" مر ‪-22 :21‬‬
‫‪ .)21‬المُطلّقون الذين يعقدون مدن ّيا ً زواجا ً آخر يجعلون أنفسهم في وضع يناقض موضوع ّيا ً‬
‫شريعة هللا‪ .‬وال يجوز لهم‪ ،‬من ث ّم‪ ،‬يُقبلوا للمناولة االفخارستية‪ ،‬ما دام هذا الوضع قائماً‪ .‬وال‬
‫يجوز لهم‪ ،‬لهذا السبب عينه‪ ،‬أن يمارسوا بعض المها ّم الكنسية‪ .‬وأمّا المصالحة‪ ،‬بواسطة سرّ‬
‫التوبة‪ ،‬فال يُنع ُم بها إال ّ الذين تابوا عمّا فرط منهم من انتهاك عالمة العهد واألمانة للمسيح‬
‫‪.‬وتعهّدوا أن يعيشوا في العفّة الكاملة‬
‫‪ -0110‬على الكهنة والجماعة كلّها أن يعاملوا بالحسنى والرعاية المسيحيين الذين يعيشون في‬
‫هذه الحالة والذين يحفظون اإليمان غالبا ً ويرغبون في تربية أبنائهم تربية مسيحية‪ ،‬لئال ّ َيحع َسبوا‬
‫أنفسهم معزولين عن الكنيسة التي بإمكانهم ومن واجبهم‪ ،‬بصفتهم معمّدين‪ ،‬أن يشتركوا في‬
‫حياتها‪:‬‬
‫"ويجب أن ي َ‬
‫ُدعوا إلى سماع كالم هللا وحضور ذبيحة القداس والمثابرة على الصالة والمساهمة في أعمال‬
‫المحبّة‪ ،‬وفي مبادرات الجماعة ألجل العدالة‪ ،‬وتربية أوالدهم في اإليمان المسيحي‪ ،‬والعكوف على روح التوبة‬
‫‪.‬وأعمالها‪ ،‬لكي يلتمسوا‪ ،‬يوما ً بعد يوم‪ ،‬نعمة هللا"‬

‫االنفتاح على الخصب‬

‫‪" -0114‬في طبيعة المؤسسة الزوجيّة والحبّ الزوجيّ إنجاب األوالد وتربي ُتهم وهم لهما بمثابة‬
‫‪.‬اإلكليل على الهامة"‬
‫"األوالد هم أسمى عطايا الزواج‪ ،‬وبهم أعظم الخير للوالدين أنفسهم‪ .‬وهللا نفسه الذي قال‪" :‬ال‬
‫يحسن أن يكون اإلنسان وحده" (تك‪ )1:28‬والذي "منذ البدء خلق رجالً وامرأة" (متى‪،)21:4‬‬
‫أراد أن َيشركه إشراكا ً مميّزاً في عمله الخالّق‪ .‬ولذا بارك الرجل والمرأة قائالً‪" :‬أُنموا واكثروا"‬
‫(تك‪ .)18 :2‬ومن ث ّم‪ ،‬فك ّل حبٍّ زوجيّ خالص ومفهوم على حقيقته‪ .‬وما يصدر عنه من بُنية‬
‫تشمل الحياة العيلية كلّها‪ ،‬ومن غير أن نقلّل من أهمية أهداف الزواج األخرى‪ ،‬ك ّل ذلك يُتيح‬
‫لألزواج أن يساهموا‪ ،‬بنفس شجاعة‪ ،‬في محبّة الخالق والمخلّص الذي يريد أن يعمل بواسطتهم‬
‫‪.‬بال كلل‪ ،‬على توسيع نطاق أسرته وتنمية طاقتها"‬
‫‪ -0111‬خصب الحب الزوجيّ يشمل ثمار الحياة األدبيّة والروحيّة والفائقة الطبيعة التي يرثها‬
‫وأولهم‪ .‬من هنا أنّ المهمّة‬
‫األبناء من والديهم بالتربية‪ .‬فالوالدون هم ألبنائهم أه ّم المربّين ّ‬
‫‪.‬األساسية النابعة من الزواج واألسرة‪ ،‬هي التج ّند لخدمة الحياة‬
‫‪ -0112‬وأمّا األزواج الذين لم يرزقهم هللا بنين‪ ،‬فبإمكانهم‪ ،‬مع ذلك‪ ،‬أن يمارسوا حياة زوجية‬
‫حافلة بالقيم‪ ،‬بشريّا ومسيح ّيا ً‪ .‬وبوسعهم أن يجعلوا من زواجهم إشعاعا ً خصيبا ً بالمحبّة والضيافة‬
‫‪.‬والتضحية‬

‫‪ .ً1‬الكنيسة البيت ّية‬


‫‪ -0111‬لقد أراد المسيح أن يولّد ويترعرع في حضن أسرة يوسف ومريم المق ّدسة‪ .‬وما الكنيسة‬
‫سوى "أسرة هللا"‪ .‬نواة الكنيسة‪ ،‬منذ عهدها األول‪ ،‬لم تكن غالبا ً سوى أولئك الذين‬
‫"من أهل بيتهم" كانوا يدخلون في طاعة اإليمان‪ .‬وعندما كانوا يهتدون إلى اإليمان كانوا يرغبون‬
‫أيضا ً لك ّل "أهل بيتهم" أن ينالوا الخالص‪ .‬هذه العيل التي اعتنقت اإليمان باتت جزر حياة‬
‫‪.‬مسيحية وسط عالم غير مؤمن‬

‫‪34‬‬
‫‪ -0111‬في أ ّيامنا‪ ،‬وفي عالم بات‪ ،‬في معظم األحوال‪ ،‬غريبا ً عن اإليمان بل مناوئا ً له‪ ،‬أصبحت‬
‫العيل المسيحية على جانب كبير من األهمية‪ ،‬بصفتها مواقد إيمان حيّ ومشعّ ‪ .‬وهذا ما حمل‬
‫المجمع الفاتيكاني الثاني على تسمية األسرة بالكنيسة البيت ّية‪ ،‬على ح ّد تعبير قديم‪" .‬فعلى‬
‫الوالدين‪ ،‬في نطاق األسرة‪ ،‬أن يكونوا ألبنائهم‪ ،‬في شؤون اإليمان‪ ،‬أوّ ل المعلّمين بالقول والمثال‪،‬‬
‫‪.‬وأن يُعع َنوا بدعوة ك َلّ منهم وال سيّما الدعوة المق ّدسة"‬
‫مارس بطريقة مميّزة الكهنوت العمادي‪ ،‬كهنوت ربّ األسرة واألم واألوالد وسائر‬ ‫‪ -0111‬هنا ُي َ‬
‫أعضاء األسرة‪ ،‬وذلك "بقبول األسرار‪ ،‬ثم بالصالة والحمد وشهادة السيرة المق ّدسة‪ ،‬ثم بالكفر‬
‫بالذات والمحبّة الفعّالة"‪ .‬وهكذا يصبح البيت أوّ ل مدرسة للحياة المسيحية ُتكسبُ البنين‬
‫"ثروة إنسانية"‪ .‬في البيت يتعلّم الولد الصبر وبهجة العمل‪ ،‬والمحبّة األخوية‪ ،‬والسخاء في الصفح‬
‫وإن تكرّ ر‪ ،‬خصوصا ً العبادة اإللهية بالصالة وتقدمة الحياة‪.‬‬
‫‪ -0111‬وال ب ّد من أن نذكر هنا أيضا ً بعض األشخاص المقرّ بين جدا من قلب يسوع‪ ،‬بسبب‬
‫الظروف الواقعيّة التي يعيشون فيها – على غير إرادتهم‪ ،‬في معظم األحيان – ويستحقّون بالتالي‬
‫أن تسارع الكنيسة‪ ،‬وال سيّما الرعاة‪ ،‬في إحاطتهم بالمحبّة واالهتمام‪ :‬إ ّنهم العازبون بإعدادهم‬
‫الكبيرة‪ .‬كثيرون منهم ال ينتمون إلى اسرة بشر ّية‪ ،‬وذلك‪ ،‬أحيانا ً كثيرة‪ ،‬بسبب‬
‫عّوزهم‪ .‬هناك من يعيشون هذه الحالة في روح التطويبات وأهبة مثاليّة لخدمة هللا والقريب‪.‬‬
‫هؤالء كلّهم يجب أن نفتح لهم أبواب المنازل‪" ،‬الكنائس البيتية"‪ ،‬وأبواب األسرة الكبرى أي‬
‫الكنيسة‪" .‬فما من أحد بال أسرة في هذا العالم‪ :‬فالكنيسة هي بيت الجميع وأسرة الجميع‪ ،‬وال س َيما‬
‫‪".‬المت َعبين والرازحين تحت أعبائهم" (متى‪)18 :22‬‬

‫بإيجاز‬
‫‪ -0111‬يقول القديس بولس‪" :‬أيّها الرجال أحبّوا نساءكم كما أحبّ المسيح الكنيسة‪ .‬إنّ هذا الس ّر‬
‫‪.‬لعظيم أي س ّر المسيح والكنيسة" (أف‪)20-05 :5‬‬
‫‪ -0111‬الميثاق الزوج ّي الذي به يُنشئ رجل وامراة بينهما شركة حياة وحبّ حميمة‪ ،‬قد أسّسه‬
‫الخالق ووضع له قوانين خاصة‪ .‬هذا الميثاق يهدف‪ ،‬من طبيعته‪ ،‬إلى خير الزوجين‪ ،‬وإلى إنجاب‬
‫‪.‬األوالد وتربيتهم‪ .‬وقد رفعه المسيح الربّ ‪ ،‬بين المعمّدين‪ ،‬إلى كرامة الس ّر‬
‫‪ -0110‬س ّر الزواج يرمز إلى ا ّتحاد المسيح والكنيسة ويولي الزوجين أن يحبّ احدهما اآلخر كما‬
‫ي القائم بين الزوجين وترسّخ وحدتهما‬ ‫أحبّ المسيح كنيسته‪ .‬نعمة الس ّر ُتكمِّل هكذا الحب البشر ّ‬
‫‪.‬التي ال تنفصم‪ ،‬وتق ّدسهما في طريق الحياة األبدية‬
‫‪ -0114‬يقوم الزواج على رضى المتعاقدَين‪ ،‬أي على إرادة الزوجين أن يتبادال عطاء الذات‬
‫‪.‬بطريقة نهائيّة ليح ّققا عهد حبّ وف ّي وخصيب‬
‫‪ -0111‬الزواج يقيم الزوجين‪ ،‬في الكنيسة‪ ،‬في حالة علنيّة‪ ،‬فيحسُن‪ ،‬من ثمّ‪ ،‬أن يُحتفل به علن ًا‪،‬‬
‫يمثل الكنيسة) والشاهدين وجماعة المؤمنين‪.‬‬ ‫في إطار ليترجيّ‪ ،‬أمام الكاهن (أو شاهد ّ‬
‫‪ -0112‬والوحدة والديمومة واالنفتاح على الخصوبة هي مقوّ مات الزواج األساسيّة‪ .‬تعدد‬
‫الزوجات ينافي وحدته‪ .‬والطالق يفرّق ما جمعه هللا‪ .‬ورفض الخصوبة يصرف الحياة الزوجيّة‬
‫‪.‬عن "أسمى عطيّة" فيه‪ ،‬أي الولد‬
‫‪ -0111‬الزواج الثاني الذي يعقده األزواج المط ّلقون‪ ،‬في حال وجود الزوج الشرعي في قيد‬
‫الحياة‪ ،‬ينافي قصد هللا وشريعته اللذين تع ّلمناهما من المسيح‪ .‬هؤالء األزواج ال يُفصلون عن‬
‫الكنيسة ولك ّنهم ال يستطيعون أن ينعموا بالمناولة االفخارستية‪ .‬ويمارسون حياتهم المسيحية‪ ،‬بنوع‬
‫‪.‬خاص‪ ،‬بتربية أوالدهم في اإليمان‬
‫‪35‬‬
‫‪ -0111‬البيت المسيحي هو المكان الذي يتل ّقى فيه األوالد أولى بشائر اإليمان‪ .‬ولذا يُدعى البيت‬
‫العيلي‪ّ ،‬‬
‫بحق‪" ،‬الكنيسة البيتية"‪ ،‬وهي بمثابة أسر ِة نعمة وصالة ومدرسة للفضائل اإلنسانية‬
‫‪.‬والمحبّة المسيحيّة‬

‫الفصل الرابع‬
‫ااالحتفاالت الليترجية األخرى‬

‫المقال األول‬
‫أشباه األسرار‬

‫‪" -0111‬لقد وضعت الكنيسة المق ّدسة أشباه أسرار‪ ،‬وهي عالمات مق ّدسة ُتشبه األسرار ولها‬
‫مفعوالت روحية في معظم األحوال‪ ،‬و ُتنال بتوسّالت الكنيسة‪ ،‬وبها يتهيّأ المؤمنون لتقبّل األسرار‬
‫‪.‬واالستفادة من مفعولها الرئيسيّ ‪ ،‬وبها تتق ّدس ش ّتى أحوال الحياة"‬

‫أشباه األسرار ومالمحها المم ّيزة‬


‫‪ -0111‬أشباه األسرار وضعتها الكنيسة لتقديس بعض ال ِخدَم الكنسيّة وبعض الحاالت الحياتيّة‪،‬‬
‫وظروف الحياة المسيحيّة على أنواعها‪ ،‬وكذلك لتقديس األشياء المفيدة لإلنسان‪ .‬وبوسعها أيضاً‪،‬‬
‫إذا تماشت مع القرارات الرعائية التي يضعها األساقفة‪ ،‬أن تلبّي ما يتميّز به الشعب المسيحيّ في‬
‫ً‬
‫عالمة‬ ‫منطقة أو في حقبة معيّنة‪ ،‬من حاجات وثقافة وتاريخ‪ .‬وتتضمّن دائما ً صالة يرافقها غاليا ً‬
‫معيّنة من مثل وضع اليد وإشارة الصليب والرشّ بالماء المق ّدس(الذي يُذ ّكر بالمعموديّة)‪.‬‬
‫‪ -0111‬وهي منوطة بالكهنوت العماديّ ‪ :‬فك ّل معمّد مخوّ ل أن يكون "بركة" وأن "يمنح البركة"‪.‬‬
‫ومن ث ّم يجوز للعلمانيين أن يرئسوا بعض المباركات‪ ،‬ولكن بمقدار ما تقترن المباركة بالحياة‬
‫الكنسية وباألسرار‪ ،‬يجب حصرها في الخدمة الكهنوتية‪ ،‬فتكون من شأن األساقفة والكهنة‬
‫‪.‬والشمامسة‬
‫‪ -0111‬إنّ أشباه األسرار ال تولي نعمة الروح القدس على طريقة األسرار‪ ،‬ولك ّنها‪ ،‬بصالة‬
‫الكنيسة‪ُ ،‬ت ِع ُّد النفس لقبول النعمة وتؤهلها للتعاون معها‪" .‬عند المؤمنين الحسني االستعداد‪ ،‬جميع‬
‫أحداث الحياة تقريبا ً تتق ّدس بالنعمة اإللهية التي تصدر عن السرّ الفصحي‪ ،‬س ّر آالم المسيح وموته‬
‫وقيامته‪ .‬فمنه تستم ّد جميع األسرار وأشباه األسرار قوّ تها‪ ،‬وما من استعمال كريم أليّ شيء من‬
‫‪.‬األشياء الما ّدية تقريبا ً إال ّ أمكن توجي ُهه إلى هدف تقديس اإلنسان وتمجيد هللا"‬

‫أشباه األسرار في مختلف أشكالها‬

‫‪ -0110‬من بين أشباه األسرار نلحظ أوّ الً البركات (لالشخاص والمائدة واألمكنة)‪ .‬ك ّل بركة هي‬
‫بمثابة حمد هلل وصالة لنيل مواهبه‪ .‬في المسيح‪ ،‬ينال المسيحيون من هللا اآلب "ك ّل بركة روحية"‬
‫(أف ‪ ،)3 :2‬ولذا تمنح الكنيسة البركة مستدعية اسم يسوع وراسمة عاد ًة إشارة صليب المسيح‬
‫‪.‬المق ّدسة‬
‫‪ -0114‬ثمّة بركات لها مفعول دائم‪ ،‬وتهدف إلى تقديس أشخاص هلل وتكريس أوان وأمكنة‬
‫لالستعمال الليترجي‪ .‬من بين البركات الموجّ هة إلى األشخاص – ويجب أن نميّزها من الرسامة‬

‫‪36‬‬
‫الكهنوتية‪ -‬نذكر البركة الممنوحة لرئيس أو رئيسة دير‪ ،‬وتكريس العذارى واألرامل‪ ،‬وحفلة النذر‬
‫الرهبانيّ والبركات الممنوحة لبعض الخِدم الكنسية (القرّ اء‪ ،‬والمعاونين‪ ،‬ومعلّمي ال ّدين‪....،‬الخ)‪.‬‬
‫وأمّا بركات األشياء واألماكن فنذكر منها تدشين كنيسة أو مذبح‪ ،‬وبركة الزيت واألواني‬
‫‪.‬والمالبس واألجراس‪..،‬الخ‬
‫‪ -0111‬عندما تلتمس الكنيسة علنا ً وبقوّ ة السلطة‪ ،‬باسم يسوع المسيح‪ ،‬حماية األشخاص أو األشياء من قبضة‬
‫المحتال ونفوذه‪ ،‬فهي ُتمارس ما يُسمّى "بالتعزيم"‪ .‬وقد مارسه يسوع‪ ،‬ومنه تستم ّد الكنيسة القدرة على التعزيم‬
‫ومهمّة القيام به‪ .‬ويُمارّ س التعزيم‪ ،‬في شكل بسيط‪ ،‬عندما يُح َتفل بسرّ المعمودية‪ .‬وأما التعزيم االحتفالي أو‬
‫"التعزيم الكبير" فال يقوم به إالّ كاهن بترخيص من األسقف‪ ،‬وال ب ّد من أدائه بفطنة‪ ،‬وبالتقيّد بالقواعد التي‬
‫تضعها الكنيسة‪ .‬ويهدف"التعزيم" إلى طرد الشياطين أو إعتناق النفس من استحواذ الشيطان وذلك بالسلطة‬
‫الروحية التي وكلها يسوع إلى كنيسته‪ .‬ولكن الفرق الكبير بين االستحواذ الشيطانيّ والحاالت المرضيّة‪ ،‬وال‬
‫سيّما األمراض النفسانية التي يعود عالجها إلى العالم الطبّي‪ .‬من األهمية إذن بمكان‪ ،‬أن نميّز‪ ،‬قبل قيام التعزيم‪،‬‬
‫‪.‬بين االستحواذ الشيطانيّ وحالة المرض‬

‫ال ّتقو ّيات الشعبية‬


‫‪ -0112‬خارج نطاق ليترجيا األسرار وأشباه األسرار‪ ،‬ال ب ّد للكرازة من أن تحسب حسابا ً لبعض‬
‫األنماط التقويّة لدى المؤمنين والممارسات التعبديّة الشعبيّة‪ .‬فالحسّ الديني‪ ،‬لدى الشعب المسيحيّ ‪،‬‬
‫قد انعكس دوما ً في أشكال متنوّ عة من التقوى تحيط بالحياة األسرارية في الكنيسة‪ .‬من ذلك‪ ،‬مثالً‪،‬‬
‫تكريم الذخائر‪ ،‬وزيارة المعابد‪ ،‬والح ّج والتطواف ودرب الصليب‪ ،‬والرّقص الديني‪ ،‬وصالة‬
‫‪.‬الوردية‪ ،‬واألنواط‪...،‬الخ‬
‫‪ -0111‬هذه التعابير التقويّة تضاف إلى الحياة الليترجية في الكنيسة وال تقوم مقامها‪" :‬ال ب َّد لها من تنظيم‬
‫يماشي الزمن الطقسي‪ ،‬وينسجم مع الليترجيا‪ ،‬ويصدر عنها بوجه من الوجوه‪ ،‬ويقود إليها‪ ،‬ألنّ الليترجيا‬
‫‪.‬بطبيعتها أسمى وأرفع منها"‬
‫‪ -0111‬ال ب ّد من حسّ رعائي يدعم ويساند التقوى الشعبية‪ ،‬وال ب ّد‪ ،‬إذا اقتضت الحاجة‪ ،‬من العمل على تطهير‬
‫يغذي هذه العبادات وعلى تنمية معرفة سرّ المسيح ولكنّ ممارستها تظ ّل خاضعة‬ ‫وتثقيف الحسّ الدينيّ الذي ّ‬
‫لرعاية األساقفة ورأيهم وللقواعد العامّة المرعيّة في اكنيسة‪.‬‬
‫"إنّ التقوى الشعبية هي‪ ،‬في الجوهر‪ ،‬مجموعة قيم مستم ّدة من الحكمة المسيحية‪ ،‬تحاول اإلجابة على المسائل‬
‫الكبرى الكامنة في الوجود‪ .‬الحسّ الفطري الشعبي‪ ،‬في الكنيسة الكاثوليكية‪ ،‬مؤهّل ألن يجد صيغا ً تقويّة تتألّف‬
‫فيها عناصر الوجود‪ .‬فهو يسوق معاً‪ ،‬بطريقة خالّقة‪ ،‬اإللهيّ والبشريّ ‪ ،‬المسيح والعذراء‪ ،‬الروح والجسد‪،‬‬
‫الشركة والمؤسّسة‪ ،‬الشخص والجماعة‪ ،‬اإليمان والوطن‪ ،‬العقل والشعور‪ .‬هذه الحكمة إ ّنما هي أ َنسيّة مسيحية‪،‬‬
‫تؤ ّكد‪ ،‬بطريقة جذرية‪ ،‬كرامة ك ّل إنسان على أ ّنه ابن هللا‪ ،‬وتقيم أخوّ ة أساسية‪ ،‬وتعلّمنا كيف نلتقي الطبيعة ونفهم‬
‫والب عشر‪ ،‬حتى وسط الملمّات‪ .‬هذه الحكمة هي أيضا ً للشعب مبدأ‬ ‫معنى العمل‪ ،‬وتؤتينا دواعي للعيش في الفرح ِ‬
‫فطنة وتمييز‪ ،‬وحسٌّ إنجيليّ يساعده في أن يُدرك‪ ،‬بطريقة عفويّة‪ ،‬متى يحت ّل اإلنجيل المقام األوّ ل في الكنيسة‪،‬‬
‫يفرغ من محتواه وتط ِّبق على منافسه مصال ُح أخرى"‬ ‫‪.‬ومتى َ‬

‫بإيجاز‬

‫‪ -0111‬أشباه األسرار كناية عن عالمات مق ّدسة وضعتها الكنيسة بهدف إعداد المؤمنين لقبول‬
‫‪.‬ثمرة األسرار وتقديس مختلف ظروف الحياة‬
‫ُ‬
‫البركة اإلشادة بأعمال هللا‬ ‫‪ -0111‬تحت ّل البركات مكان ًا ها ّم ًا بين أشباه األسرار‪ .‬وتتضمّن‬
‫‪.‬وعطاياه‪ ،‬وشفاعة الكنيسة ليتم ّكن الناس من أن يستعملوا مواهب هللا بحسب روح اإلنجيل‬

‫‪37‬‬
‫‪-0111‬الحياة المسيحية ال ّ‬
‫تتغذى فقط بالليترجيا بل بأشكال متنوّ عة من التقوى الشعبية تضرب‬
‫جذورها في مختلف الحضارات‪ .‬وتسعى الكنيسة‪ ،‬مع السهر على تنويرها بنور اإليمان‪ ،‬إلى‬
‫تشجيع ما يعبّر عن حسّ إنجيل ّي وحكمة بشرية ويغني الحياة المسيحية من أشكال التقوى الشعبية‪.‬‬

‫المقال الثاني‬
‫الج ّناز المسيحي‬
‫‪ -0111‬ك ُّل األسرار وال سيّما أسرار التنشئة المسيحية‪ ،‬هدفها البلوغ باإلنسان المُتب ّنى إلى الفصح‬
‫األخير الذي يولجه‪ ،‬عن طريق الموت‪ ،‬في حياة الملكوت‪ .‬إذ ذاك يت ّم ما كان يُعترف به في‬
‫‪.‬اإليمان والرجاء‪" :‬أترجّ ى قيامة الموتى والحياة في ال ّدهر اآلتي"‬

‫‪ . ًُ0‬المسيحي وفصحه األخير‬

‫‪ -0110‬الموت‪ ،‬بمعناه المسيحي‪ ،‬ينكشف لنا في نور السرّ الفصحي‪ ،‬سرِّ موت المسيح‬
‫وقيامته‪ ،‬الذي عليه يرتكز رجاؤنا الوحيد‪ .‬فالمسيحيّ الذي يموت في المسيح يسوع يهجر هذا‬
‫الجسم ليقيم في جوار الرب‪.‬‬
‫‪ -0114‬في اليوم الذي يموت المسيحيّ ‪ ،‬تنتهي حياته األسرارية‪ ،‬ويت ّم ميالده الجديد الذي ابتدأ‬
‫بالمعمودية‪ ،‬ويتحقّق " َش َبهه النهائي "بصورة االبن"‪ ،‬ال َش َبه الذي نال بمسحة من الروح القدس‪،‬‬
‫واشتراكه في وليمة الملكوت التي استبقها في االفخارستيا‪ ،‬حتى وإن بقيت عليه تنقيات ال ب ّد منها‬
‫‪.‬ليلبس حلّة العرس‬
‫‪ -0111‬إنّ الكنيسة التي حملت المسيحي سرّ يا ً كاأل ّم في أحشائها‪ ،‬طوال مسيرته األرضية‪،‬‬
‫ترافقه في نهاية طريقه‪ ،‬لتستودعه بين يدي اآلب‪ .‬وإ ّنها تقرّ ب لآلب‪ ،‬في المسيح‪ ،‬ابن نعمته‪،‬‬
‫و َتدفن‪ ،‬برجاء‪ ،‬في التراب‪َ ،‬‬
‫بذار الجسد الذي يقوم في المجد‪ .‬هذه التقدمة تحتفل بها الكنيسة تمام‬
‫االحتفال في الذبيحة االفخارستيا‪ .‬وأمّا البركات التي تسبقها فهي من قبل أشباه األسرار‪.‬‬

‫‪ .ً4‬االحتفال بالجناز‬

‫‪ -0112‬الج ّناز المسيحي هو احتفال ليترجيّ كنسيّ ‪ .‬وهدف الكنيسة‪ ،‬في إقامة هذه الخدمة‪ ،‬أن تعبّر عمّا يقوم‬
‫شرها بالحياة‬‫من شركة حقيقيّة بينها وبين الميت‪ ،‬وأن تشترك أيضا ً في الج ّناز الجماعة الملتئمة حول الميت‪ ،‬وتب ّ‬
‫‪.‬األبدية‬
‫فصحي‪ ،‬وتلبّي ظروف‬ ‫ّ‬ ‫‪ -0111‬الطقوس الجنائزيّة على اختالفها تعبّر عمّا يتميّز به الموت المسيحي من طابع‬
‫‪.‬ك ّل منطقة وتقاليدها‪ ،‬حتى في ما يتعلّق باللون الليترجي‬
‫‪ -0111‬تقترح رتبة الج ّنازات في الليترجيا الرومانية صيغا ً ثالثا ً لالحتفال بالجناز‪ ،‬طبقا ً لألمكنة الثالثة التي‬
‫يمكن أن تجري فيها المراسيم الجنائزية (البيت أو الكنيسة أو المقبرة)‪ ،‬وفقا ً لألهمية التي تنيطها به األسرة‬
‫والعادات المحليّة والتقوى الشعبية‪ .‬هذا االحتفال له قاعدة مشتركة بين جميع التقاليد الليترجية ويتضمّن أربع‬
‫مراحل رئيسيّة‪.‬‬
‫‪ -0111‬استقبال الجماعة‪ ،‬يُفتتح االحتفال بتحيّة إيمان‪ .‬ث ّم يُستق َبل ذوو الفقيد بكلمة تعزية (والتعزية‪ ،‬بمفهومها‬
‫في العهد الجديد‪ ،‬هي قوّ ة الروح القدس في الرجاء)‪ .‬وتنتظر الجماعة المصلّية على الفقيد‪ ،‬هي أيضاَ‪" ،‬كلمات‬
‫في الحياة األبدية"‪ .‬موت أحد أعضاء الجماعة (أو تذكاره السابع أو الثالثون) إ ّنما هو من األحداث التي يجب أن‬
‫تتخطى بنا آفاق "هذه الدنيا" وتجتذب المؤمنين إلى آفاق اإليمان الحقيقي بالمسيح الناهض‪.‬‬ ‫ّ‬

‫‪38‬‬
‫‪ -0111‬ليترجيا الكلمة‪ ،‬وقت الجناز‪ ،‬تقتضي استعداداً دقيقا ً باعتبار أنّ الجماعة الحاضرة قد تض ّم من‬
‫المؤمنين من ال يتر ّددون كثيرا على الليترحيا‪ ،‬أو من أصدقاء الفقيد ليسوا على دينه‪ .‬وال ب ّد‪ ،‬في العظة‬
‫خصوصاً‪" ،‬من تج ّنب األسلوب التقريظي"‪ ،‬واإلطاللة على سرّ الموت المسيحيّ ‪ ،‬بشعاع المسيح الناهض من‬
‫‪.‬بين األموات‬
‫‪ -0111‬الذبيحة االفخارستية‪ .‬عندما يُحت َفل بالج ّناز في الكنيسة‪ ،‬تكون االفخارستيا هي قلب الحقيقة الفصحيّة‬
‫الكامنة في واقع الموت المسيحيّ ‪ .‬إذ ذاك تعبّر الكنيسة عن ارتباطها الفاعل بالفقيد‪ :‬فهي تقرّ ب إلى اآلب‪ ،‬في‬
‫الروح القدس‪ ،‬ذبيحة موت المسيح وقيامته‪ ،‬وتطلب البنه المسيحي التنقية من خطاياه وتبعاتها‪ ،‬وقبوله إلى مائدة‬
‫الملكوت‪ ،‬في ملء الحقيقة الفصحية‪ .‬بواسطة االفخارستيا المح َت َفل بها على هذا الوجه‪ ،‬تتعلّم جماعة المؤمنين‪،‬‬
‫وال سيّما أسرة الفقيد‪ ،‬أن تعيش في الشركة مع "من رقد في الربّ "‪ ،‬وذلك باالشتراك في جسد المسيح الذي هو‬
‫‪.‬فيه عضو حيّ ‪ ،‬ث ّم بالصالة ألجله ومعه‬
‫‪ -0111‬عندما تودّع الكنيسة الفقيد‪" ،‬تستوعه هللا"‪" .‬إ ّنه الوداع األخير الذي به تحيّي الجماعة المسيحية أحد‬
‫‪:‬أعضائها‪ ،‬قبل أن يوارى جسده القبر"‪ .‬ويعبّر التقليد البيزنطي عن ذلك بقبلة الوداع للفقيد‬
‫بهذه التحية األخيرة " ُننشد لنزوحه عن هذه الحياة ولفراقه‪ ،‬ولك ّننا ُننشد أيضا ً لما هناك من شركة ورباط‪ .‬فنحن‬
‫ال نفترق بعضنا عن بعض‪ ،‬أل ّننا كلّنا نسير في طريق واحد وسنتالقى في موضع واحد‪ .‬لن نفترق أبداً أل ّننا نحيا‬
‫‪.‬في المسيح‪ ،‬ونحن اآلن م ّتحدون بالمسيح‪ ،‬ذاهبون إليه وسنكون كلّنا معا ً في المسيح‬

‫الجزء الثالث‬
‫الحياة في المسيح‬
‫ّ‬
‫تنحط بعودتك‬ ‫‪" -0110‬أيها المسيحي‪ ،‬إعرف كرامتك‪ .‬وبما أ ّنك شريك في الطبيعة اإللهية‪ ،‬فال‬
‫إلى دناءة حياتك الماضية‪ .‬تذ ّكر إلى أيّ رأس أنت تنتمي وفي أيّ جسم أنت عضو‪ .‬تذ ّكر أ ّنك‬
‫زععت من سلطان الظلمات لِ ُتن َقل إلى النور وملكوت هللا"‬
‫َ‬ ‫‪.‬ان ُت‬
‫‪ -0114‬لقد أعلن قانون اإليمان عظمة عطايا هللا لإلنسان في عمل خلقه‪ ،‬وأكثر أيضا ً بالفداء‬
‫والتقديس‪ .‬وما يُعلنه اإليمان توليه األسرار‪ :‬إنّ المسيحيّين "باألسرار التي ج َّددت والدتهم" قد‬
‫أصبحوا "أبناء هللا" (‪ 2‬يو ‪" ،)2 :3‬شركاء في الطبيعة اإللهية" (‪1‬بط ‪ .)4 :2‬وإذ يعلم‬
‫المسيحيّيون بإيمانهم كرامتهم الجديدة‪ ،‬فهم مدعوّ ون إلى أن يحيوا بعد ذلك حيا ًة تليق بإنجيل‬
‫ومواهب روحه التي تؤهّلهم لها‬
‫َ‬ ‫‪.‬المسيح‪ .‬وهم يقبلون‪ ،‬باألسرار والصالة‪ ،‬نعمة المسيح‬
‫‪ -0111‬لقد عمل المسيح يسوع دوما ً ما يرضي اآلب‪ .‬وعاش دوما ً با ّتحاد كامل معه‪ .‬وتالميذه هم‬
‫كذلك مدعوّ ون إلى أن يعيشوا تحت نظر اآلب "الذي يرى في ال ُخفية" (متى ‪ )6 :6‬حتى يصيروا‬
‫‪".‬كاملين كما أنّ اآلب السماويّ هو كامل" (متى‪)5:47‬‬
‫ضمّوا بالمعمودية إلى جسد المسيح‪ ،‬هم أموات للخطيئة‪ ،‬وأحياء هلل‬ ‫‪ -0112‬إنّ المسيحيين‪ ،‬ووقد ُ‬
‫في المسيح يسوع‪ ،‬مشاركون هكذا في حياة القائم من الموت‪ .‬ويستطيع المسيحيون‪ ،‬على آثار‬
‫المسيح واإل ّتحاد معه‪ ،‬أن َيس َعوا إلى االقتداء باهلل كأوالد أحّ باء‪ ،‬وأن يسلكوا في المحبّة‪ ،‬مطابقين‬
‫‪.‬أفكارهم وأقوالهم وأفعالهم على ما في المسيح يسوع من أخالق ومقتفين آثاره‬
‫‪ -0111‬والمسيحيون قد أصبحوا "هيكل الروح القدس" (‪2‬كو ‪ ،)21 :6‬بعد أن "بُرِّ روا باسم‬
‫الربّ يسوع المسيح وبروح إلهنا" (‪2‬كو ‪ ،)22 :6‬وقُ ّدسوا و ُدعوا ليكونوا ق ّديسين‪ .‬و "روح‬
‫االبن" هذا يُعلّمهم أن ُيصلّوا إلى اآلب‪ ،‬ويحملهم‪ ،‬بعد إن أصبح حيا َتهم‪ ،‬على أن َيس َعوا ليثمروا‬
‫ثمار الروح بالمحبّة الفاعلة‪ .‬والروح القدس الشافي من جروح الخطيئة يُج ّددنا قي الصميم بتغيير‬

‫‪39‬‬
‫ّ‬
‫والحق" في ك ّل‬ ‫روحيّ ‪ ،‬ويُنيرنا ويُقوّ ينا لنحيا حياة "أبناء النور" (أف ‪" )8 :5‬بالصالح والب ّر‬
‫‪.‬شيء (أف ‪)5:1‬‬
‫‪ -0111‬طريق المسيح"تؤ ّدي إلى الحياة" (متى‪ ،)7:24‬والطريق المخالفة "تؤ ّدي إلى الهالك"‬
‫(متى‪ .)7:23‬إنّ َمث َل الطري َقين الوارد في اإلنجيل ما زال قائما ً في تعليم الكنيسة‪ .‬وهو يعني‬
‫أهمية القرارات األخالقية لخالصنا‪" .‬هناك طريقان‪ ،‬أحدهما طريق الحياة واآلخر طريق الموت‪.‬‬
‫‪.‬ولكنّ بين األثنين فارقا ً كبيراً"‬
‫‪ -0111‬من المه ّم في التعليم الديني أن ُنظهر بك ّل وضوح ما في طريق المسيح من فرح وما له‬
‫‪:‬من تطلّبات‪ .‬فالتعليم الدينيّ في شأن "الحياة الجديدة" (رو‪ )6:4‬في المسيح يكون‬
‫‪ -‬تعليما في شأن الروح القدس‪ ،‬المعلّم الداخلي للحياة بحسب المسيح‪ ،‬والضيف والصديق‬
‫اللطيف الذي يُلهم تلك الحياة ويقودها‪ ،‬ويُصلحها‪ ،‬ويوّ يها‬
‫‪ -‬تعليما في شأن النعمة‪ ،‬ألننا بالنعمة َنخلُص‪ ،‬وبالنعمة أيضا يمكن أعمالنا أن تؤتي ثمارا للحياة‬
‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ً‬
‫األبدية‪،‬‬
‫‪ -‬تعليما في شأن التطويبات‪ ،‬ألنّ طريق المسيح تختصرها التطويبات‪ ،‬وهي السبيل الوحيد إلى‬
‫السعادة األبدية التي يصبو إليها قلب اإلنسان‪،‬‬
‫‪ -‬تعليما في شأن الخطيئة والمغفرة‪ ،‬ألنّ اإلنسان‪ ،‬ما لم يعترف بأ ّنه خاطئ‪ ،‬ال يستطيع أن‬
‫يعرف الحقيقة عن ذاته‪ ،‬وهي شرط للسلوك الصحيح‪ ،‬وما لم يُع َط المغفرة ال يستطيع احتمال تلك‬
‫الحقيقة‪.‬‬
‫‪ -‬تعليما في شأن الفضائل اإلنسانية‪ ،‬يم ّكن من إدراك ما في االستعدادت الصحيحة للخير من‬
‫جمال وإغراء‪.‬‬
‫‪ -‬وتعليما في شأن الفضائل المسيحية‪ ،‬اإليمان والرجاء والمحبّة‪ ،‬مستوحىً بعظمة من مثال‬
‫‪.‬القديسين‬
‫‪ -.‬تعليما في شأن وص ّية المح ّبة المزدوجة المنتشرة في تضاعيف الوصايا العشر‬
‫‪ -‬وتعليما كنس ّيا‪ ،‬فالحياة المسيحية إ ّنما تستطيع أن تنمو وتنتشر وتمت ّد في التبادالت المتعددة‬
‫‪".‬للخيور الروحيّة" في "شركة القديسين"‬
‫‪ -0111‬المرجع األول واألخير لهذا التعليم الديني سيكون على الدوام يسوع المسيح نفسه الذي‬
‫هو "الطريق والحق والحياة" (يو‪ .)24:6‬فإلقاء النظر عليه‪ ،‬يستطيع المؤمنون بالمسيح أن يرجوا‬
‫أ ّنه سيحقّ ُق هو نفسه مواعيده فيهم‪ ،‬وأ ّنهم سيح َبونه بالمحبّة التي أحبّهم هو بها‪ ،‬بحيث يصنعون‬
‫‪:‬األعمال المناسبة لكرامتهم‬
‫"ارجوك أن تعتبر أنّ سيدنا يسوع المسيح هو رأسك الحقيقي‪ ،‬وأ ّنك أحد أعضائه‪ .‬إ ّنه بالنسبة إليك كالرأس‬
‫بالنسبة إلى األعضاء‪ ،‬كل ما هو له هو لك‪ ،‬روحه‪ ،‬قلبه‪ ،‬جسده‪ ،‬نفسه‪ ،‬وك ّل قواه‪ ،‬وينبغي لك أن تستخدمه‬
‫كأمور خاصّة لتخدم هللا وتس ّبحه وتمجّ ده‪ .‬وأنت له كما أنّ األعضاء هي لرأسها‪ .‬لذلك منيته الحارّ ة أن يستخدم ما‬
‫‪.‬هو فيك‪ ،‬كأشياء خاصة به‪ ،‬لخدمة أبيه ومجده"‬
‫‪".‬الحياة لي هي المسيح" (في‪)2:12‬‬

‫القسم األول‬
‫دعوة اإلنسان‪ :‬الحياة في الروح‬

‫‪ -0111‬الحياة في الروح القدس تكمّل دعوة اإلنسان (الفصل األول) وهي تقوم على المحبّة اإللهية والتضامن‬
‫البشري (الفصل الثاني)‪ .‬وهي ممنوحة مجانا ً بمثابة خالص (الفصل الثالث)‪.‬‬
‫‪40‬‬
‫الفصل األول‬
‫كرامة الشخص البشري‬

‫خلقِه على صورة هللا ومثاله (المقال األول)‪ .‬وهي‬ ‫‪ -0111‬كرامة الشخص البشري متأصّلة في ع‬
‫تكتمل في دعوته إلى السعادة اإللهية (المقال الثاني)‪ .‬ويعود إلى اإلنسان أم ُر حمل نفسه بحرّ ية‬
‫على هذا االكتمال (المقال الثالث)‪ .‬والشخص البشري‪ ،‬بأفعاله الحرّ ة (المقال الرابع)‪ ،‬يقبل أو‬
‫يرفض االمتثال للخير الذي َيعِد به هللا ويشه ُد به الضمير األخالقي (المقال الخامس)‪ .‬والكائنات‬
‫البشريّة تبني نفسها وتكبُر من الداخل‪ ،‬وتجعل حياتها كلّها‪ ،‬الحسيّة والروحية‪ ،‬ما ّدة نموّ ها‬
‫(الفصل السادس)‪ .‬فتنمو بمؤازرة النعمة‪ ،‬في الفضيلة (المقال السابع)‪ .‬وتتج ّنب الخطيئة‪ ،‬وإذا ما‬
‫ارتكبها فوّ ضت أمرها‪ ،‬كاالبن الشاطر‪ ،‬إلى رحمة أبينا الذي في السماوات‬
‫(المقال الثامن)‪ .‬فتبلغ هكذا إلى كمال المحبّة‪.‬‬

‫المقال األول‬
‫اإلنسان على صورة هللا‬

‫‪ " -0110‬إنّ المسيح في كشفه عن سرّ اآلب ومح ّبته يبيّن لإلنسان حقيقة اإلنسان في وضوح‪،‬‬
‫ويكشف له عن سموّ دعوته"‪ .‬ففي المسيح "صورة هللا غير المنظور" (كو‪ُ ،)25 :2‬خلق اإلنسان‬
‫على "صورة" الخالق و "مثاله"‪ .‬وفي المسيح الفادي والمخلّص‪ ،‬أُعيدت الصورة اإللهية التي‬
‫شوّ هت في اإلنسان بالخطيئة األولى‪ ،‬إلى جمالها األول و ُ‬
‫شرِّ فت بنعمة هللا‬ ‫‪ُ .‬‬
‫‪ -0114‬صورة هللا حاضرة في ك ّل انسان‪ .‬وهي تتألّق في وحدة األشخاص على مثال وحدة‬
‫‪.‬األقانيم اإللهية في ما بينها (راجع الفصل الثاني)‬
‫‪ -0111‬الشخص البشريّ ‪ ،‬الذي مُنح نفسا ً "روحانيّة خالدة"‪ ،‬هو "الخليقة الوحيدة التي أرادها هللا‬
‫‪.‬لذاتها في األرض"‪ .‬وهو منذ الحبل به مُع ٌّد للسعادة األبدية‬
‫‪ -0112‬يشترك الشخص البشري في نور روح القدس اإللهيّ وقوّ ته‪ .‬وهو قادر بعقله أن يفهم‬
‫نظام األشياء الذي أقامه الخالق‪ .‬وهو قادر بإرادته أن يحمل نفسه نحو خيره الحقيقيّ ‪ .‬وهو يجد‬
‫الحق والخير وحبّهما"‬‫ّ‬ ‫‪.‬كماله في "السعي إلى‬
‫ً‬
‫‪ -0111‬لقد مُنح االنسان بمقتضى نفسه وقواه الروحيّة والعقليّة واإلراديّة‪ ،‬الحرّ ية "عالمة مميّز ًة‬
‫لصورة هللا"‪.‬‬
‫‪ -0111‬يدرك االنسان بعقله صوت هللا الذي يحضّه "على فعل الخير وتج ّنب الشرّ "‪ .‬وعلى ك ّل‬
‫واحد أن يتبع هذه الشريعة التي ُتس ِم ُع صوتها في الضمير‪ ،‬وتكتمل في محبّة هللا والقريب‪.‬‬
‫وممارسة الحياة األخالقية تد ّل على كرامة الشخص‪.‬‬
‫‪" -0111‬أغوى الشرير اإلنسان منذ بدء التاريخ فأساء استعمال حرّ يته"‪ .‬وسقط في التجربة‬
‫وارتكب الشرّ ‪ .‬انه يحتفظ بالرغبة في الخير‪ ،‬ولكنّ طبيعته مجروحة بجرح الخطيئة الصليّة‪،‬‬
‫‪:‬فاصبح ميّاالً إلى الشرّ ‪ ،‬ومعرّ ضا ً للضالل‬
‫"فاالنسان يعاني من انقسام في ذاته‪ ،‬ولهذا فحياةُ البشر كلّها سواء كانت فردية أو جماعيّة‪ ،‬تبدو صراعاً‪،‬‬
‫‪.‬وصراعا ً مأسو ّياً‪ ،‬بين الخير والشرّ ‪ ،‬بين النور والظلمات"‬
‫ّ‬
‫واستحق لنا الحياة الجديدة في الروح القدس‪ .‬وج ّددت‬ ‫‪ -0111‬لقد أنقذنا المسيح بآالمه من الشيطان والخطيئة‪،‬‬
‫‪.‬نعمته ما أفسدته الخطيئة فينا‬

‫‪41‬‬
‫‪ -0111‬من يؤمن بالمسيح يصبح ابنا ً هلل‪ .‬وهذا التب ّني يغيّره بتمكينه من االقتداء بمثل المسيح‪،‬‬
‫ويجعله قادراً على االستقامة في الفعل وعلى ممارسة الخير‪ .‬ويبلغ التلميد في اتحاده بمخلّصه‬
‫‪.‬كمال المحبّة أي القداسة‪ .‬فتنضج الحياة األخالقيّة في النعمة وتتفتح حياة أبديّة في مجد السماء‬

‫بإيجاز‬

‫‪" -0101.‬ان المسيح يبيّن لإلنسان حقيقة اإلنسان في وضوح‪ ،‬ويكشف له عن سموّ دعوته"‬
‫ي الذي مُنح نفس ًا روحانيّة وعق ً‬
‫ال وإراد ًة هو منذ الحبل به مهيّأ هلل ومُع ٌّد‬ ‫‪ -0100‬الشخص البشر ّ‬
‫ّ‬
‫الحق والخير وفي حبّهما"‬ ‫‪.‬للسعادة األبدية‪ .‬وهو ينطلق إلى كماله في "السعي إلى‬
‫‪ -0104.‬الحريّة الحقيقيّة هي‪ ،‬في االنسان‪" ،‬العالمة المميّزة لصورة هللا"‬
‫‪ -0101‬اإلنسان مُلزم با ّتباع الشريعة األخالقية التي تحضه على "فعل الخير وتج ّنب الشرّ"‪.‬‬
‫‪.‬وهذه الشريعة ُتس ِم ُع صوتها في الضمير‬
‫‪ -0102‬اإلنسان الذي جرحته الخطيئة األصليّة بجرح في طبيعته‪ ،‬مُعرَّ ض للضالل وميّال إلى‬
‫الش ّر في ممارسة حرّيته‪.‬‬
‫‪ -0101‬من يؤمن بالمسيح له الحياة الجديدة في الروح القدس‪ .‬والحياة األخالقية التي تكبر‬
‫‪.‬وتنضج في النعمة ال ب ّد من أن تكتمل في مجد السماء‬

‫المقال الثاني‬
‫دعوتنا الى السعادة‬

‫‪ .ً0‬التطويبات‬
‫‪ -0101‬التطويبات هي في القلب من كرازة يسوع‪ .‬وإعال ُنها يعيد ما قُطع من مواعيد للشعب هللا‬
‫المختار منذ إبراهيم‪ ،‬ويكمّلها بتوجيهها ال إلى التم ّتع باالرض فحسب بل إلى ملكوت‬
‫‪:‬السماوات‬
‫‪".‬طوبى للمساكين بالروح‪ ،‬فإنّ لهم ملكوت السماوات‬
‫‪.‬طوبى للودعاء‪ ،‬فإ ّنهم يرثون األرض‬
‫‪.‬طوبى للحزانى‪ ،‬فإ ّنهم ي ّ‬
‫ُعزون‬
‫‪.‬طوبى للجياع والعطاش إلى البرّ‪ ،‬فإ ّنهم يُشبعون‬
‫‪.‬طوبى للرحماء‪ ،‬فإ ّنهم ي َ‬
‫ُرحمون‬
‫طوبى ألنقياء القلوب‪ ،‬فإ ّنهم يُعاينون هللا‪.‬‬
‫‪.‬طوبى لفاعلي السالم‪ ،‬فإ ّنهم يُدعون أبناء هللا‬
‫‪.‬طوبى للمضطهدين من أجل البرّ‪ ،‬فإنّ لهم ملكوت السماوات‬
‫طوبى لكم‪ ،‬ذا عيّروكم واضطهدوكم‪ ،‬وافتروا عليكم بك ّل سوء‪ ،‬من أجلي‪.‬‬
‫‪.‬افرحوا وابتهجوا‪ ،‬فإنّ أجركم عظيم في السماوات" (متى‪)21-3 :5‬‬
‫‪ -0101‬ان التطويبات ترسم وجه يسوع المسيح وتصف محبّته‪ ،‬وتعبّر عن دعوة المؤمنين‬
‫المشتركين في مجد آالمه وقيامته‪ .‬وتنير األفعال والمواقف التي تميّز الحياة المسيحية‪ .‬إ ّنها‬
‫المواعيد البادية التناقض التي تدعم الرجاء في المضايق‪ .‬وهي ُتعلن ما يحصل عليه التالميذ من‬
‫اآلن بصورة غامضة من البركات والمكافآت‪ .‬وهي قد بدأت في حياة العذراء مريم وجميع‬
‫‪.‬الق ّديسين‬
‫‪42‬‬
‫‪ .ً4‬الرغبة في السعادة‬
‫‪ -0101‬التطويبات تلبّي الرغبة الطبيعية في السعادة‪ .‬وهذه الرغبة هي من أصل إلهي‪ ،‬وضعها‬
‫هللا في قلب اإلنسان ليجتذبه إليه‪ ،‬هو القادر وحده على إشباعها‪.‬‬
‫"كلّنا نريد بال ريب أن نعيش سعداء‪ ،‬وليس في الجنس البشري من ال يوافق على هذه العبارة حتى قبل أن‬
‫‪ُ .‬تقال"‬
‫"فكيف إذن أسعى إليك‪ ،‬يا رب؟ وبما أ ّنني في سعيي إليك‪ ،‬يا إلهي‪ ،‬أسعى إلى الحياة السعيدة‪ ،‬فأعمل على أن‬
‫‪.‬أسعى إليك حتى تحيا نفسي‪ ،‬ألنّ جسدي يحيا من نفسي ونفسي تحيا معك"‬
‫‪".‬هللا وحده يُشبع"‬
‫‪ -0101‬التطويبات تكشف عن هدف الوجود اإلنساني‪ ،‬عن الغاية القصوى لألعمال اإلنسانية‪،‬‬
‫وهي أنّ هللا يدعونا إلى سعادته الخاصة‪ .‬وهذه الدعوة موجّ هة إلى ك ّل واحد شخص ّياً‪ ،‬ولكن أيضا ً‬
‫‪.‬إلى الكنيسة في مجموعها‪ ،‬الشعب الجديد المؤلّف من الذين تقبّلوا الوعد ويحيون به في اإليمان‬

‫‪ .ً1‬السعادة المسيحية‬

‫‪ -0141‬يستعمل العهد الجديد تعابير ع ّدة إلعطاء السعادة‪ ،‬التي يدعو هللا اإلنسان إليها‪ ،‬طا َبعها‬
‫المميّز‪ :‬مجيء ملكوت هللا‪ ،‬معاينة هللا‪" :‬طوبى ألنقياء القلوب فإ ّنهم يعاينون هللا" (متى‪،)5:8‬‬
‫الدخول في فرح الرب‪ ،‬الدخول في راحة هللا‪:‬‬
‫"هناك نسترح و ُنعاين‪ ،‬نعاين ونحب‪ ،‬نحب ونسبّح‪ ،‬ذلك ما سيكون في النهاية بال نهاية‪ .‬وأيّة غاية أخرى تكون‬
‫‪.‬لنا سوى البلوغ إلى الملكوت الذي ال نهاية له؟"‬
‫‪ -0140‬فاهلل قد وضعنا في العالم لنعرفه‪ ،‬ونخدمه‪ ،‬ونحبّه‪ ،‬ونبلغ هكذا الفردوس‪ .‬والسعادة‬
‫"تجعلنا مشاركين في الطبيعة اإللهية" (‪1‬بط ‪ )4 :2‬وفي الحياة األبدية‪ .‬بها يدخل اإلنسان في مجد‬
‫المسيح والتم ّتع بحياة الثالوث‪.‬‬
‫‪ -0144‬إنّ سعادة كهذه لممّا يفوق اإلدراك والطاقات البشرية وحدها‪ .‬وهي ناجمة عن عطيّة‬
‫مجانيّة من هللا‪ .‬ولذا يقال عنها إ ّنها فائقة الطبيعة‪ ،‬كالنعمة التي تهيّئ اإلنسان للدخول في التم ّتع‬
‫‪.‬باهلل‬
‫"طوبى ألنقياء القلوب فإ ّنهم يُعاينون هللا"‪ .‬أجل‪ ،‬إنّ هللا بحسب عظمته ومجده الذي ال يوصف‪" ،‬ال يراه أحد‬
‫ويحيا"‪ ،‬ألنّ اآلب ال يمكن إدراكه‪ ،‬ولكنّ بحسب محبّته ورحمته للبشر وبحسب قدرته‪ ،‬يصل إلى ح ّد منح ُمحبّيه‬
‫‪.‬مز ّي َة معاينة هللا "ألنّ ما هو مستحيل عند الناس ممكن عند هللا"‬
‫‪ -0141‬إنّ السعادة الموعودة تضعنا أمام خيارات أخالقيّة حاسمة‪ .‬فهي تدعونا إلى تنقية قلبنا من‬
‫الغرائز الشرّ يرة‪ ،‬والتماس محبّة هللا فوق كل شيء‪ .‬وهي تعلّمنا أنّ السعادة الحقيقيّة ليست في‬
‫الغنى أو الرفاهية أو المجد البشري أو السلطة‪ ،‬وليست في أيّ عمل بشريّ مهما كان مفيداً‪ ،‬من‬
‫مثل العلوم والتقنيات والفنون‪ ،‬وليست في أيّة خليقة‪ ،‬وإ ّنما هي في هللا وحده ينبوع ك ّل خير وك ّل‬
‫‪:‬حب‬
‫"إنّ الغنى في يومنا هو اإلله األكبر‪ ،،‬وله يؤ ّدي الجمهور بل ك ّل الجماعة البشريّة إكراما ً عفو ّياً‪ .‬إ ّنهم يقيسون‬
‫السعادة بمقياس الغنى‪ ،‬وبمقياس الغنى أيضا ً يقيسون الكرامة‪ .‬ويتأ ّتى ذلك كلّه من اعتقاد أنّ اإلنسان الحاصل‬
‫على الغنى يقدر على كل شيء‪ .‬فالغنى إذن هو صنم من أصنام اليوم‪ ،‬والشهرة صنم آخر‪ .‬أن يشتهراإلنسان‪،‬‬
‫فيصبح معروفاً‪ ،‬ويحدث صجيجا ً في العالم (أي يمكن تسميته صيتا ً صحف ّياً) أمر صار يُع ّد خيراً في ذاته‪ ،‬خيراً‬
‫‪.‬أعظم‪ ،‬وموضوع إجالل حقيقيّ هو أيضا ً"‬

‫‪43‬‬
‫‪ -0142‬تصف لنا الوصايا العشر‪ ،‬والعظة على الجبل‪ ،‬وتعليم الرسل‪ ،‬السبل التي تؤ ّدي إلى ملكوت السماوات‪.‬‬
‫ونسير عليها خطو ًة خطو ًة بأعمال يومية‪ ،‬تساندنا نعمة الروح القدس‪ .‬و ُتخصبنا كلمة المسيح‪ ،‬فنؤ ّدي بتؤدة ثماراً‬
‫في الكنيسة لمجد هللا‪.‬‬

‫بإيجاز‬

‫‪ -0141‬التطويبات تستعيد وتكمّل وعود هللا منذ إبراهيم‪ ،‬وتوجّهها نحو ملكوت السماوات‪ .‬وهي‬
‫‪.‬تلبّي الرغبة في السعادة التي وضعها هللا في قلب اإلنسان‬
‫‪ -0141‬التطويبات تع ّلمنا الغاية القصوى التي يدعونا هللا إليها أي الملكوت ورؤية هللا‪،‬‬
‫‪.‬والمشاركة في الطبيعة اإللهية‪ ،‬والحياة األبدية‪ ،‬والبنوّ ة‪ ،‬والراحة في هللا‬
‫‪ -0141‬سعادة الحياة األبدية عطيّة من هللا مجانيّة وهي تفوق الطبيعة‪ ،‬كالنعمة التي تؤ ّدي إليها‪.‬‬
‫‪ -0141‬تضعنا التطويبات أمام خيارات حاسمة في شأن الخيرات األرضيّة‪ .‬وتن ّقي قلبنا لتع ّلمنا أن‬
‫‪.‬نحبّ هللا أكثر من ك ّل شيء‬
‫‪ -0141.‬سعادة السماء تح ّدد مقاييس التمييز في استعمال الخيور األرضية بحسب شريعة هللا‬

‫المقال الثالث‬
‫حرية اإلنسان‬
‫ّ‬

‫‪ -0111‬خلق هللا اإلنسان عاقالً‪ ،‬ومنحه كرامة شخص يمتلك المبادرة وله السيطرة على أفعاله‪،‬‬
‫"ترك هللا اإلنسان في يد اختياره" (سي ‪" ،)24 :25‬فيتم ّكن من أن يبحث هو بذاته عن خالقه‪،‬‬
‫‪.‬حتى إذا التصق به يبلغ بحريته كماله مليئا ً وسعيداً"‬
‫"اإلنسان عاقل‪ ،‬وبذلك هو شبيه باهلل‪ُ ،‬خلق حرّ اً وسيّد أفعاله"‪.‬‬

‫‪ .ً0‬الحر ّية المسؤول ّية‬

‫‪ -0110‬الحرّ ية هي القدرة‪ ،‬المتأصّلة في العقل واإلرادة‪ ،‬على الفعل أو عدمه‪ ،‬على فعل هذا أو‬
‫ذاك‪ ،‬وعلى القيام هكذا‪ ،‬من تلقاء الذات‪ ،‬بإفعال صادرة عن رؤية‪ .‬وباإلرادة الحرّ ة يُسيّر ك ُّل‬
‫واحد نف َسه‪ .‬فالحرّ ية في اإلنسان هي قدرة على النموّ والنضج في الحقيقة وفي الخير‪ .‬وهي تبلغ‬
‫‪.‬كمالها عندما تتوجّ ه شطر هللا‪ ،‬سعادتنا‬
‫‪ -0114‬طالما لم تلتصق الحرّ ية نهائ ّيا ً بخيرها األقصى الذي هو هللا‪ ،‬فهي تنطوي على إمكان‬
‫الخ َور والخطأ‪ .‬وهي من‬ ‫والشر‪ .‬وبالتالي إمكان النموّ في الكمال‪ ،‬أو َ‬
‫ّ‬ ‫االختيار بين الخير‬
‫ً‬
‫خصائص األفعال البشرية حقّا‪ ،‬فتصبح مصدر مدح أو ذ َم‪ ،‬ثواب أو عقاب‪.‬‬
‫‪ -0111‬كلّما فعل اإلنسان خيراً ازداد حرّ ية‪ .‬وليس من حرّ ية حقيقيّة إال ّ في خدمة الخير والعدالة‪.‬‬
‫واختيار المعصية والشرّ هو شطط في الحرّ ية يعود إلى عبوديّة الخطيئة‪.‬‬
‫‪ -0112‬الحرّ ية تجعل اإلنسان مسؤوال عن أفعاله ما دامت بإرادته‪ .‬ويُنمي التق ّدم في الفضيلة‪،‬‬
‫ُ‬
‫‪.‬ومعرفة الخير‪ ،‬والجهاد الروحيّ ‪ ،‬سيطرة اإلرادة على أفعالها‬
‫‪ -0111‬قد تنقص أو تبطل َتبِ َع ُة الفعل والمسؤولية عنه بسبب الجهل‪ ،‬والغفلّة‪ ،‬والعنف‪ ،‬والخوف‪،‬‬
‫‪.‬والعادات‪ ،‬والتعلّق المفرط‪ ،‬وعوامل نفسيّة أو اجتماعية أخرى‬

‫‪44‬‬
‫‪ -0111:‬ك ّل عمل يُراد لنفسه يُسأ ُل عنه صاحبُه‬
‫هكذا سأل الربّ آدم بعد الخطيئة في الفردوس‪" :‬ماذا فعلت؟" (تك ‪ .)3:23‬وكذلك سأل قايين‪ .‬وكذلك النبيّ ناتان‬
‫‪.‬سأل داود بعد أن زنى بإمرأة أوريّا وقتله‬
‫ويمكن أن يكون الفعل إراد ّيا ً بوجه غير مباشر‪ ،‬عندما ينتج من إهمال في شأن ما كان يجب أن يُعرف أو يُصنع‪،‬‬
‫‪.‬كمثل حادث يجري بسبب جهل قانون السير‬
‫‪ -0111‬قد يسمح الفاعل بحصول نتيجة ال يريدها‪ ،‬من مثل اإلعياء الذي يصيب المرأة الساهرة‬
‫على ابنها المريض‪ .‬وليس هناك مسؤولية عن النتيجة السيّئة إذا لم يردها اإلنسان في فعله غاية‬
‫أو وسيلة‪ ،‬كمثل من يح ّل به الموت وهو ينجد شخصا ً في خطر‪ .‬لكي يكون الفاعل مسؤوالًُّ عن‬
‫النتيجة السيّئة‪ ،‬ال ب ّد أن تكون هذه متوقّعة‪ ،‬وأن يكون قادراً على تج ّنبها‪ .‬كما هي الحال عندما‬
‫يرتكبُ جريم َة قتل إنسان سائق وهو سكران‪.‬‬
‫تمارس الحرّ ية في العالئق بين الكائنات البشرية‪ .‬فك ّل شخص بشريّ مخلوق على‬ ‫َ‬ ‫‪-0111‬‬
‫ُعترف به كائنا ً حرّ اً ومسؤوالً‪ .‬وواجب االحترام هذا واجب‬
‫َ‬ ‫ّ‬
‫الحق الطبيعيّ في أن ي‬ ‫صورة هللا له‬
‫الحرية مطلب مالزم لكرامة الشخص البشريّ ‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫على الجميع لك ّل إنسان‪ .‬والحق في ممارسة‬
‫خصوصا ً في الشأنين األخالقيّ والدينيّ ‪ .‬وال ب ّد للقانون المدن ّي من االعتراف به ومن صيانته في‬
‫‪.‬نطاق الخير العا ّم والنظام العا ّم‬

‫الحرية البشرية في التبير الخالصي‬


‫ّ‬ ‫‪.ً4‬‬

‫للزلل‪ .‬وفي الواقع ز ّل اإلنسان‬ ‫الحرية والخطيئة‪ .‬حرّ ية اإلنسان محدودة ومعرّ ضة ّ‬ ‫ّ‬ ‫‪-0111‬‬
‫ّ‬
‫وخطئ حرّ اً‪ .‬وعندما رفض مشروع محبّة هللا‪ ،‬خدع نفسه وأصبح عبداً للخطيئة‪ .‬وولد هذا‬
‫االستالبُ أألوّ ل استالبات أخرى كثيرة‪ .‬ألنّ تاريخ البشرية منذ بدايته‪ ،‬شاهد على ما أنتجه قلب‬
‫اإلنسان من مصائب ومضايقات نجمت عن سوء استعمال الحرّ ية‪.‬‬
‫الحق في أن نقول ونفعل ك ّل شيء‪ .‬ومن‬ ‫ّ‬ ‫الحرية‪ .‬ممارسة الحرّ ية ال تتضمّن‬
‫ّ‬ ‫‪ -0121‬ما يهدّد‬
‫الخط ِأ اال ّدعاء أنّ "اإلنسان الحائز الحرّ ية يكتفي بذاته إذ تكون غايته ابتغاء مصلحته الذاتية في‬
‫التم ّتع بالخيرات األرضيّة"‪ .‬ومن جهة أخرى‪ ،‬هناك‪ ،‬مراراً كثيرة‪ ،‬تجاهل و َتع ٍّد للشروط‬
‫االقتصاديّة واالجتماعيّة‪ ،‬والسياسيّة والثقافيّة‪ ،‬المطلوبة لممارسة الحرّ ية ممارسة صحيحة‪.‬‬
‫والجور ُتنهك الحياة األخالقيّة‪ ،‬وتضع األقوياء والضعفاء على السّواء في تجربة‬ ‫ع‬ ‫ُ‬
‫وحاالت العمى‬
‫الخطيئة‪ ،‬باإلساءة إلى المحبّة‪ .‬وباالبتعاد عن الشريعة األخالقيّة يُضرّ اإلنسان بحرّيته‪ ،‬ويتقيّد‬
‫‪.‬بذاته‪ ،‬ويقطع ما بينه وبين ُنظرائه من عالئق األخوّ ة‪ ،‬ويعصى الحقيقة اإللهيّة‬
‫‪ -0120‬التحرر والخالص‪ .‬لقد نال المسيح بصليبه المجيد الخالص لك ّل البشر‪ .‬وفداهم من‬
‫الخطيئة التي كانت تستعبدهم‪" .‬حرّ رنا المسيح لكي ننعم بالحرّ ية" (غل‪ .)5:2‬فيه نشترك في‬
‫الحقيقة التي تجعلنا أحراراً‪ .‬لقد أُعطينا الروح القدس‪ ،‬وكما يعلّم الرسول "حيث يكون الروح‬
‫‪.‬فهناك الحرّ ية" (‪1‬كو ‪ .)3:27‬ونحن منذ اآلن نفتخر بحرّ ية أبناء هللا‬
‫الحرية والنعمة‪ .‬ان نعمة المسيح ليست على االطالق منافسة لحرّ يتنا‪ ،‬عندما تتوافق هذه‬ ‫ّ‬ ‫‪-0124‬‬
‫مع حسّ الحقيقة والخير الذي وضعه هللا في قلب أإلنسان‪ .‬وعلى العكس‪ ،‬كما تشهد بذلك الخبرة‬
‫المسيحية في الصالة على الخصوص‪ ،‬كلّما طاوعنا حوافز النعمة‪ ،‬تعاظمت حرّ يتنا الداخلية‪،‬‬
‫وثبا ُتنا في المحن وأمام ضغوط العالم الخارجيّ ومضايقاته‪ .‬وبفعل النعمة‪ ،‬يربّينا الروح القدس‬
‫على الحرّية الروحية‪ ،‬ليصيّرنا مساعدين له أحراراً‪ ،‬في عمله في الكنيسة وفي العالم‪:‬‬
‫‪".‬أيّها اإلله الصالح والقدير‪ ،‬أَ ع‬
‫بعد ع ّنا ما يُعيقنا لنكون أحراراً في إتمام مشيئتك دون قيد من الروح أوالجسد"‬

‫‪45‬‬
‫بإيجاز‬

‫‪" -0121‬ترك هللا اإلنسان في يد اختياره" (سي‪ ،)45:41‬ليستطيع أن يلتصق بخالقه بحرّية‪،‬‬
‫ويبلغ هكذا الكمال السعيد‪.‬‬
‫‪ -0122‬الحرّية هي القدرة على الفعل أو عدمه‪ ،‬وعلى قيام اإلنسان من تلقاء ذاته بأفعال عن‬
‫‪.‬رؤية‪ .‬وهي تبلغ كمال فعلها عندما تتوجّه إلى هللا الخير األعظم‬
‫ي مسؤو ًال عن األفعال‬ ‫‪ -0121‬الحرّية من خصائص األفعال البشريّة ح ّق ًا‪ .‬فتجعل الكائن البشر ّ‬
‫‪.‬التي يفعلها بإرادته‪ .‬والفعل الذي يفعله عن رؤية يخصّه هو‬
‫‪ -0121‬قد تنقص أو تبطل َتب ِ َع ُة الفعل والمسؤولية عنه بسبب الجهل‪ ،‬والعنف‪ ،‬والخوف‪ ،‬وعوامل‬
‫‪.‬نفسية أو اجتماعية أخرى‬
‫‪ -0121‬الحق في ممارسة الحرّية مطلب مالزم لكرامة اإلنسان خصوص ًا في الشأنين الديني‬
‫‪.‬واألخالقي‪ .‬ولكن ممارسة الحرّية ال تتضمَّن الحق المزعوم في أن نقول ك ّل شيء‬
‫‪" -0121.‬لقد حرّرنا المسيح لكي ننعم بالحرّية" (غل‪)5:4‬‬

‫المقال الرابع‬
‫أخالقية األفعال البشرية‬

‫‪ -0121‬ان الحرّ ية تجعل من اإلنسان كائنا ً أخالق ّياً‪ .‬وعندما يفعل اإلنسان فعالً عن رؤية يكون‬
‫كاألب ألفعاله‪ .‬واألفعال البشرية‪ ،‬أي تلك التي يختارها اإلنسان بحرّ ية‪ ،‬بعد أن يح ُك َم فيها‬
‫‪.‬الضمير‪ ،‬وهي ذات صفة أخالقية‪ .‬إ ّنها صالحة أو سيّئة‬

‫‪ .ً0‬مصادر األخالقية‬
‫‪ -0111:‬أخالقيّة األفعال البشرية منوطة‬
‫‪ -‬بالموضوع المختار‬
‫‪ -‬بالعناية المقصودة أو النيّة‬
‫‪ -.‬بظرف الفعل‬
‫فالموضوع والنيّة والظروف هي "المصادر" أو العناصر التي تتألّف منها أخالقية األفعال‬
‫‪.‬البشرية‬
‫‪ -0110‬الموضوع المختار هو خير تبتغيه اإلرادة عن رؤية‪ .‬إنه ما ّدة الفعل البشري‪ .‬والموضوع‬
‫المختار يح ّدد نوع الفعل اإلرادي من الناحية األخالقية‪ ،‬بحسب معرفة العقل ورؤيته له مطابقا ً‬
‫للخير الحقيقي أو مخالفا ً له‪ .‬إنّ قواعد األخالقية الموضوعية ُتعلن النظام العقليّ للخير والشر‪،‬‬
‫الذي يشهد به الضمير‪.‬‬
‫‪ -0114‬تقع الن ّية‪ ،‬في مواجهة الموضوع‪ ،‬ناحي َة َمنع يفعل الفعل‪ .‬وأل ّنها تقوم في مصدر الفعل‬
‫اإلراديّ ‪ ،‬وتح ّدده بغايته‪ ،‬فهي عنصر أساسيٌّ في صفة الفعل األخالقية‪ ،‬والغاية هي المقصد األول‬
‫للنيّة‪ ،‬وهي تعني الهدف الذي يرمي إليه اإلنسان في فعله‪ .‬النيّة نزوع اإلرادة إلى الغاية‪ ،‬وهي‬
‫تطلُّع إلى م عقصد الفعل‪ .‬إ ّنها مطمّح الخير المرت َقب من القيام بالفعل‪ .‬إ ّنها ال تقف عند حدود توجيه‬
‫أفعالنا الفرديّة‪ ،‬بل بإمكانها توجيه أفعال متعددة إلى هدف واحد‪ ،‬وبإمكانها توجيه الحياة بكاملّها‬
‫‪46‬‬
‫نحو الغاية القصوى‪ .‬وعلى سبيل المثال إنّ الخدمة التي يؤ ّديها اإلنسانُ غاي ُتها مساعدة القريب‪،‬‬
‫ولكن من الممكن أن يكون الحافز عليها‪ ،‬في الوقت عينه‪ ،‬محبّة هللا‪ ،‬الغاية القصوى من جميع‬
‫أفعالنا‪ .‬ويمكن كذلك أن يصدر فعل واحد عن نيّات متع ّددة‪ ،‬من مثل تأدية خدمة للحصول على‬
‫‪.‬حظوة أو للتباهي بها‬
‫‪ -0111‬النيّة الصالحة (كمساعدة القريب‪ ،‬مثالً) ال تجعل صالحا ً أو قويما ً سلوكا ً هو بح ّد ذاته‬
‫قبيح (كالكذب واالفتراء)‪ .‬إنّ الغاية ال تبرّ ر الوسيلة‪ .‬وهكذا ال يمكن تبري ُر الحكم على بريء‬
‫وسيلة شرعي ًّة لخالص الشعب‪ .‬وفي المقابل‪ ،‬إنّ النيّة السيّئة المضافة (كالمجد الباطل)‬ ‫ً‬ ‫بكونه‬
‫تجعل سيّئا ً العمل الذي بح ّد ذاته صالحا ً (كاإلحسان)‪.‬‬
‫‪ -0112‬الظروف‪ ،‬وبضمنها النتائج‪ ،‬هي العناصر الثانوية في الفعل األخالقيّ‪ .‬ولها أثرها في‬
‫جعل أخالقيّة األفعال البشرية تزداد أو تنقص صالحا ً أو سوءاً (مثالً مبلغ السرقة)‪ .‬وبإمكانها‬
‫كذلك إنقاصُ مسؤولية الفاعل أو زياد ُتها (كمن يأتي فعالً خوفا ً من الموت)‪ .‬وال تستطيع الظروف‬
‫بح ّد ذاتها تغيير الصفة األخالقية المالزمة لألفعال البشرية نفسها‪ .‬فال يمكنها أن تجعل من فعل‬
‫سيّ ء بح ّد ذاته فعالً صالحا ً أو قويما ً‪.‬‬

‫‪ .ً4‬األفعال الصالحة واألفعال الس ّيئة‬


‫‪ -0111‬يقتضي الفعل الصالح أخالق ّيا أن يكون موضوعُه وغاي ُته وظروفُه كلُّها صالحة‪ .‬فالغاية‬
‫السيّئة ُتفسد الفعل‪ ،‬إن كان موضوعه صالحا ً في ذاته (كما هي الحال عندما يصلّي اإلنسان أو‬
‫يصوم "ليراه الناس")‪.‬‬
‫بإمكان موضوع االختيار أن يُفس َد وحده ك ّل الفعل‪ .‬فهناك أنماط من السلوك الواقعي –كالزنى‪-‬‬
‫يكون اختياره دائما ً خاطئاً‪ ،‬ألنّ اختيارها ينطوي على انحراف في االرادة‪ ،‬أي على شرّ أخالقي‪.‬‬
‫‪ -0111‬فمن الخط ِأ إذن الحكم على أخالقيّة الفعل البشري باالستناد فقط إلى النيّة التي يصدر‬
‫عنها أو الظروف التي تحيط به (البيئة‪ ،‬الضغط االجتماعي‪ ،‬والفعل بتأثير المضايقة أو‬
‫االضطرار‪ ،‬إلخ)‪ .‬هناك أفعال هي بذاتها وفي ذاتها ُمحرّ مة تحريما ً ثقيالً من جرّ اء موضوعها‪،‬‬
‫بغضّ النظر عن الظروف والنيّات‪ .‬تلك هي حال التجديف وال ِح عنث والقتل والزنى‪ ،‬فال يجوز فعل‬
‫الشرّ لكي ينتج منه الخير‪.‬‬

‫بإيجاز‬
‫‪ -0111‬الموضوع والنيّة والظروف هي التي تكوّ ن "مصادر" األخالقية الثالثة في األفعال‬
‫‪.‬البشرية‬
‫ي بحسب معرفة العقل‬ ‫‪ -0111‬يُح ّدد الموضو ُع المختار من الناحية األخالقية َ‬
‫نوع الفعل اإلراد ّ‬
‫‪.‬ورؤيته له صالح ًا أو سيّئ ًا‬
‫‪" -0111.‬ال يمكن تبري ُر فعل سيّئ يصدر عن نيّة صالحة"‪ .‬ألنّ الغاية ال تبرّر الوسيلة‬
‫‪ -0111.‬يقتضي الفعل الصالح أخالق ّي ًا أن يكون موضوعُه وغاي ُته وظرو ُفه صالحة‬
‫‪ -0110‬هناك أنماط من السلوك الواقع ّي يكون اختيارها دائم ًا خاطئ ًا‪ ،‬ألنّ اختيارها ينطوي على‬
‫‪.‬انحراف في اإلرادة أي على ش ّر أخالقيّ‪ .‬فال يجوز فعل الش ّر لكي ينتج منه خير‬

‫المقال الخامس‬
‫أخالق ّية األهواء‬

‫‪47‬‬
‫‪ -0114‬يتوجّ ه الشخص البشريّ نحو السعادة بأفعاله الصادرة عن رؤية‪ .‬وبإمكان ما يشعر به من‬
‫‪.‬أهواء أو عواطف أن يهيّئه لذلك ويساعده فيه‬

‫‪ .ً0‬األهواء‬
‫‪ -0111‬كلمة "األهواء" هي من التراث المسيحيّ‪ .‬والعواطف واألهواء تد ّل على االنفعاالت أو‬
‫حركات االحساس التي تجعل االنسان يميل إلى الفعل أو يُحجم عنه في سبيل ما يُحسّه أو يتخيّله‬
‫‪.‬صالحا ً أو سيّئا ً‬
‫‪ -0112‬تؤلّف األهوا ُء العناصر الطبيعية للنفسية اإلنسانية‪ ،‬وهي مكان العبور والروابط بين‬
‫‪.‬الحياة الحسّية وحياة الروح‪ .‬ويشير ربّنا إلى أنّ قلب اإلنسان هو مصدر حركة األهواء‬
‫‪ -0111‬أهواء كثيرة‪ .‬واألعمق أصالًُّ بينها هو الحبّ الناتج من جاذبية الخير‪ .‬الحبّ يولّد‬
‫الرغبة في الخير الغائب‪ ،‬وأمل الحصول عليه‪ .‬وتكون نهاية تلك الحركة في اللذة والفرح‬
‫بالحصول على الخير‪ .‬التخوّ ف من الشرّ يسبّب البغض والكراهية‪ ،‬وخشية الشرّ اآلتي‪ .‬وتنتهي‬
‫هذه الحركة في الحزن الناتج من الشرّ الحاضر أو الغضب الذي يقاومه‪.‬‬
‫‪" -0111‬محبّة شخص ما‪ ،‬تعني أ ّننا نريد له الخير"‪ .‬وك ّل النوازع األخرى إ ّنما مصدرها حركةُ‬
‫القلب البشريّ األصليّة هذه نحو الخير‪" .‬فالخير وحده يُحّ بّ "‪" .‬األهواء سيّئة إذا كان الحبّ سيّئا ً‬
‫وهي صالحة إذا كان صالحاً"‪.‬‬

‫‪ .ًً4‬األهواء والحياة األخالقية‬


‫‪ -0111‬ليست األهواء بح ّد ذاتها صالحة أو سيّئة‪ .‬وال تكون لها صفة أخالقيّة إال ّ بمقدار ارتباطها‬
‫الفعليّ بالعقل واالرادة‪ .‬وتدعى األهوا ُء إرادي ًّة "إمّا ألنّ االرادة أثارتها‪ ،‬وإمّا ألنّ االرادة لم‬
‫‪ُ .‬ت ِع عقها"‪ .‬ومن خصائص كمال الخير الخالقيّ أو اإلنسان ّي أن ي ِّ‬
‫ُنظ َم العقل األهواء‬
‫‪ -0111‬ليست العواطف الكبرى هي التي تقرّ ر أخالقيّة االشخاص أو قداستهم‪ .‬إ ّنها المخزن الذي‬
‫ال يفرغ للصور والعواطف المعبّرة عن الحياة األخالقية‪ .‬األهواء صالحة أخالق ّيا ً عندما تساعد‬
‫على عمل صالح‪ ،‬وهي سيّئة في خالف ذلك‪ .‬واإلرادة المستقيمة توجّ ه نحو الخير والسعادة‬
‫الحركات الحسّية وتضطلع بالمسؤولية عنها‪ ،‬أمّا االرادة السيّئة فتسقط في األهواء المنحرفة‬
‫‪.‬وتهيّجها‪ .‬ويمكن أن تكون االنفعاالت والعواطف مؤاتية في الفضائل‪ ،‬أو فاسدة في الرذائل‬
‫‪ -0111‬في الحياة المسيحية‪ ،‬يتمّم الروح القدس نفسه عمله‪ ،‬يتجييش الكائن كلّه بما ينطوي عليه‬
‫من آالم ومخاوف وأحزان‪ ،‬كما بدا ذلك من نزاع الرب وآالمه‪ .‬ويمكن‪ ،‬في المسيح‪ ،‬أن تبلغ‬
‫‪.‬العواطف البشرية كمالها في المحبّة والسعادة اإللهية‬
‫‪ -0111‬الكمال األخالقيّ ‪ ،‬يكون بأن يتحرّ ك اإلنسان نحو الخير ال بإرادته فقط وإ ّنما برغبته‬
‫‪.‬الحسيّة أيضاً‪ ،‬بحسب كلمة المزمور "ير ّنم قلبي وجسمي لإلله الحيّ " (مز‪)3 :84‬‬

‫بإيجاز‬

‫‪ -0110‬تد ّل كلمة "األهواء" على االنفعاالت والعواطف‪ .‬ويستطيع اإلنسان من خاللها أن‬
‫يستشعر الخير ويستشفّ الش ّر‪.‬‬
‫‪ -0114‬األهواء الرئيسة هي الحبّ والبغض‪ ،‬والرغبة والخوف‪ ،‬والفرح والحزن والغضب‪.‬‬
‫‪ -3771‬ليس في األهواء‪ ،‬بكونها حركات حسيّة‪ ،‬خير أو ش ّر أخالقي‪ .‬ولك ّنها‪ ،‬بارتباطها أو‬
‫انفصالها عن العقل واالرادة‪ ،‬يكون فيها خير أو شرٌّ أخالق ّي‪.‬‬
‫‪48‬‬
‫‪ -0112.‬يمكن أن تكون االنفعاالت والعواطف مؤاتية في الفضائل‪ ،‬أو فاسدة في الرذائل‬
‫‪ -0111‬كما ُل الصالح األخالق ّي أن ال يتحرّك اإلنسان نحو الخير بإرادته وحدها ولكن أيض ًا‬
‫"بقلبه"‪.‬‬

‫المقال السادس‬
‫األخالقي‬
‫ّ‬ ‫الضمير‬

‫ُلزم بطاعته‪ ،‬وصو ُته‬ ‫‪" -0111‬يكتشف اإلنسان في ذات ضميره ناموسا ً لم يصدر عنه‪ ،‬ولك ّنه م َ‬
‫يدعو ابداً ذلك اإلنسان إلى حبّ الخير وعمله‪ ،‬وإلى تج ّنب الشر‪ ،‬ويدوّ ي ابداً في آذان قلبه إ ّنه‬
‫ناموس حفره هللا في قلب اإلنسان‪ .‬والضمير هو المركز األش ّد عمقا ً وسّرية في اإلنسان‪ ،‬والهيكل‬
‫‪.‬الذي ينفرد فيه إلى هللا‪ ،‬ويسمع فيه صوت هللا"‬

‫‪ .ً0‬حكم الضمير‬
‫‪ -0111‬ان الضمير األخالقي‪ ،‬الموجود في قلب الشخص‪ ،‬يوعز إليه في الوقت المناسب أن يفعل‬
‫الخير ويتج ّنب الشرّ ‪ .‬وهو يحكم أيضا ً في شأن االختيارات الواقعية‪ ،‬فيستحسن الصالح منها‬
‫وينكر السيء‪ .‬ويؤ ّكد سلطان الحقيقة بالرجوع إلى الخير األعظم الذي إليه ينجذب الشخص‬
‫البشريّ ومنه يتقبّل الوصايا‪ .‬وعندما يصغي اإلنسان الفطن إلى الضمير األخالقيّ ‪ ،‬يصبح بإمكانه‬
‫‪.‬سماع هللا الذي يتكلّم‬
‫‪ -0111‬الضمير األخالقي حُكم صادر عن العقل يعرف به الشخص البشريّ الصفة األخالقية‬
‫للفعل الواقعي الذي سيفعله‪ ،‬أو يفعله اآلن‪ ،‬أو قد فعله‪ .‬وعلى اإلنسان‪ ،‬في ك ّل ما يقول أو يفعل أن‬
‫وحق‪ .‬واإلنسان بما يُدرك ويعرف رسوم الشريعة اإللهية بحكم‬ ‫ّ‬ ‫يتبع بأمانة ما يعلم أ ّنه قويم‬
‫‪:‬ضميره‬
‫الضمير "شريعة من روحنا ولك ّنه يتجاوز روحنا‪ ،‬ويُصدِر إلينا أوامر‪ ،‬ويشعر بالمسؤولية والواجب‪ ،‬والخوف‬
‫والرجاء إ ّنه رسول ذلك الذي يُكلّمنا من وراء الستار‪ ،‬في عالم الطبيعة كما في عالم النعمة‪ ،‬ويعلّمنا ويحكمنا‪.‬‬
‫‪.‬الضمير هو األول بين جميع نوّ اب المسيح"‬
‫‪ -0111‬ينبغي لك ّل واحد أن يكون له من الحضور في ذاته ما يجعله يسمع صوت ضميره‬
‫ويتبعه‪ .‬ومطلب الحضور الداخلي هذا تشت ّد ضرورته بسبب ما ُتع ِّرضُنا له الحياة مراراً‪ ،‬من‬
‫‪:‬تج ّنب التفكير والمحاسبة‪ ،‬أو الرجوع إلى الذات‬
‫‪".‬عُد إلى ضميرك وسائله عودوا‪ ،‬أيها االخوة‪ ،‬إلى الداخل‪ ،‬انظروا في ك ّل ما تفعلون‪ ،‬إلى الشاهد‪ ،‬إلى هللا"‬
‫األخالقي‪ .‬والضمير األخالقيّ‬
‫ّ‬ ‫‪ -0111‬كرامة الشخص البشريّ تتضمّن وتقضي استقامة الضمير‬
‫ينطوي على إدراك المبادئ األخالقيّة‪ ،‬وتطبيقها في ظروف معيّنة‪ ،‬بالتمييز العمليّ لألسباب‬
‫والخيور‪ ،‬وبالنتيجة‪ ،‬على الحكم الصادر على أفعال واقعية فُعلت أو س ُتفعل‪ .‬والحقيقة في شأن‬
‫عرف عمل ّيا ً وواقعيا ً بالحكم الفطن الذي يُصدره‬ ‫ُ‬
‫المعلنة في شريعة العقل‪ُ ،‬ت َ‬ ‫الخير األخالقيّ ‪،‬‬
‫ً‬
‫‪.‬الضمير‪ .‬ويدعى فطنا اإلنسان الذي يختار ما يتوافق مع ذلك الحكم‬
‫‪ -0110‬يُتيح الضمير تحمُّل مسؤولية ما يؤتى من األفعال‪ .‬فإذا صنع اإلنسانُ الشرّ ‪ ،‬يستطيع حُك ُم‬
‫الضمير القويم أن يبقى فيه الشاهد لحقيقة الخير العامّة‪ ،‬وفي الوقت ذاته ل ُخبث اختياره الفرديّ‪.‬‬
‫وقرار حكم الضمير يبقى عربون رجاء ورحمة‪ .‬وهو‪ ،‬إذ يؤ ّكد الذنب الذي ار ُتكب‪ ،‬يذ ّكر‬

‫‪49‬‬
‫بالغفران الذي يجب أن ُيطلب‪ ،‬والخير الذي يجب أن يُمارس أيضاً‪ ،‬والفضيلة التي يجب أن‬ ‫ِ‬
‫توخى بال انقطاع وبنعمة هللا‪:‬‬ ‫ُت ّ‬
‫" ُنس ّكن قلوبنا أمامه‪ ،‬إذا ما ب َّكتنا قلبُنا‪ ،‬بأنّ هللا أعظ ُم من قلبنا‪ ،‬وعالم بكل شيء" (‪2‬يو‪.)11-3:21‬‬
‫الحق في أن يسلك بضمير وحريّة لي ّتخذ هو شخص ّيا ً القرارات األخالقية‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫‪ -0114‬إنّ اإلنسان له‬
‫ُكره اإلنسان على ما ال يُبيحه ضميره‪ .‬وليس من الجائز أن يُمنع من عمل‬ ‫"ليس من الجائز أن ي َ‬
‫‪.‬ما يقتضيه ضميرهُ وال سيّما في أمور ال ّدين"‬

‫‪ .ً4‬تنشئة الضمير‬

‫مطلعاً‪ ،‬والحك ُم األخالقيّ مستنيراً‪ .‬فالضمير الذي أُحسِ نت‬ ‫‪ -0111‬ال ب ّد من أن يكون الضمير ّ‬
‫ومتوافقة مع الخير الحقيقيّ الذي أرادته‬‫ً‬ ‫تنشئته يكون قويما ً وصادقاً‪ .‬فيُصدر أحكامه وفاقا ً للعقل‪،‬‬
‫لمؤثرات‬‫ّ‬ ‫حكمة الخالق‪ .‬وال ب ّد من تربية الضمير عندما يتعلّق األمر بكائنات بشريّة خاضعة‬
‫ورفض التعاليم الصحيحة‪.‬‬
‫ِ‬ ‫سلبيّة‪ ،‬ومجرّ بة بخطيئ ِة تفضيل حكمِها الخاص‪،‬‬
‫ُ‬
‫‪ -0112‬تربية الضمير هي عمل الحياة كلّها‪ .‬فتوقظ الولد منذ السنوات األولى‪ ،‬لمعرفة الشريعة‬
‫الداخلية التي يعترف بها الضمير األخالقيّ ‪ ،‬ولممارستها‪ ،‬التربية ال َفطِ نة ُتعلّم الفضيلة‪ ،‬وهي‬
‫تصون وتشفي مما ينجم عن الضعف والذنوب البشرية‪ ،‬من الخوف واألنانيّة والكبرياء‪،‬‬
‫والتضايق الناتج من الذنب‪ ،‬ونزوات الرضى عن الذات‪ .‬إنّ تربية الضمير تكفل الحرية وتولّد‬
‫‪.‬سالم القلب‬
‫‪ -0111‬في تنشئة الضمير يكون كالم هللا النور الذي يضيء طريقنا‪ .‬وال ب ّد لنا من تق ُّبلِه في‬
‫اإليمان والصالة‪ ،‬وممارسته عمل ّياً‪ .‬وعلينا أيضا ً امتحان ضميرنا بالنسبة إلى صليب الربّ ‪،‬‬
‫تؤازرنا مواهبُ الروح القدس‪ ،‬و ُتساعدنا شهادةُ اآلخرين وإرشاداتهم‪ ،‬ويكون لنا دليالً تعلي ُم‬
‫الكنيسة الصحيح‪.‬‬

‫‪ .ً1‬االختيار بحسب الضمير‬


‫‪ -0111‬يستطيع الضمير‪ ،‬في مواجهة اختيار أخالقيّ ‪ ،‬أن يُصدر حُكما ً يكون إمّا مستقيما ً متوافقا ً‬
‫مع العقل والشريعة اإللهية وإمّا‪ ،‬على العكس‪ ،‬حُكما ً خاطئا ً يبتعد عنهما‪.‬‬
‫والقرار صعباً‪.‬‬
‫َ‬ ‫‪ -0111‬يحدث أحيانا ً أن يواجه اإلنسان حاالت تجعل الحكم األخالقيّ أق َل ثباتاً‪،‬‬
‫ولكن عليه دوما ً أن يبحث عمّا هو قويم وصالح‪ ،‬وأن يميّز مشيئة هللا التي تعبّر عنها الشريعة‬
‫اإللهيّة‪.‬‬
‫‪ -0111‬لذلك يسعى اإلنسان إلى تفهّم معطيات الخبرة وعالمات األزمنة‪ ،‬مستنداً إلى فضيلة‬
‫الفطنة‪ ،‬وإلى نصائح األشخاص الفُهماء وإلى مؤازرة الروح القدس ومواهبه‪.‬‬
‫‪ -0111‬هناك بعض قواعد يُعمل بها في جميع الحاالت‪:‬‬
‫‪ -‬ال يُسمح إطالقا ً أن يُصنع الشرّ لينتج منه الخير‪.‬‬
‫‪" -‬القاعدة الذهبيّة"‪" :‬ك ُّل ما تريدون أن يفعل الناس بكم فافعلوه أنتم أيضا ً بهم" (متى‪.)7:21‬‬
‫‪ -‬المحبّة تكون دائما ً في سياق احترام القريب وضميره‪" :‬إذا ما خطئتم هكذا إلى األخوة وجرحتم‬
‫ضميرهم‪ ...‬فإ ّنما تخطأون إلى المسيح" (‪2‬كو‪" .)21 :8‬إ ّنه لح َسن أن ال‪ ....‬تعمل شيئا ً يكون‬
‫سبب عِ ثار أو ضعف ألخيك" (رو‪)12 :24‬‬ ‫‪َ .‬‬

‫‪ .ً2‬الحكم الخاطئ‬

‫‪50‬‬
‫‪ -0111‬إنّ الكائن البشري مُلزم دوما ً بالخضوع لحُكم ضميره األكيد‪ ،‬وإذا خالفه عن رؤية فهو‬
‫يحكم على نفسه بنفسه‪ .‬وقد يحدث أن يكون الضمي ُر األخالقيّ في حالة جهل‪ ،‬فيُصدر أحكاما ً‬
‫خاطئة على أفعال س ُتفعل أو فُعلت‪.‬‬
‫‪ -0110‬يمكن أن يُنسب هذا الجهل مراراً إلى المسؤول ّية الشخصيّة‪ .‬تلك هي الحال "عندما‬
‫الحق والخير‪ ،‬وعندما تكاد الخطيئة ُتعمي ضميره شيئا ً فشيئا ً"‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫اإلنسان قلّما يُعنى بالبحث عن‬
‫‪.‬وفي هذه الحالة يكون الشخص ُمّع ذ ِنبا ً بالشرّ الذي صنعه‬
‫‪ -0114‬جه ُل المسيح وإنجيله‪ ،‬وما يصدر عن اآلخرين من أمثلة سيّئة‪ ،‬وعبوديّة األهواء‪ ،‬وا ّدعاء‬
‫استقالل ذاتيّ خاطئ للضمير‪ ،‬ورفضُ سلطة الكنيسة وتعليمها‪ ،‬وفقدان التوبة والمحبّة‪ ،‬تلك أمور‬
‫‪.‬يمكن أن تكون مصدر انحرافات الحكم في السلوك األخالقيّ‬
‫‪ -0111‬إذا كان الجهل‪ ،‬على العكس‪ ،‬م ع‬
‫ُط ِبقاً‪ ،‬أو كان الحكم خاطئا ً دون أن يتحمّل اإلنسان‬
‫مسؤول ّية أخالقيّة‪ ،‬ال يمكن أن يُنسب إلى الشخص ما صنع من شرّ ‪ .‬ولكنّ ذلك يبقى شرّ اً‪،‬‬
‫وحرماناً‪ ،‬وانحرافاً‪ .‬فال ب ّد من السعي إلى اصالح ضالالت الضمير األخالقيّ ‪.‬‬
‫‪ -0112‬الضمير الصالح ال ّنقي ينيره اإليمان الحقيقيّ‪ ،‬ألنّ المحبّة َتص ُد ُر في الوقت ذاته "عن قلب‬
‫‪.‬طاهر وضمير صالح وإيمان ال رئاء فيه" (‪2‬تي ‪)5 :2‬‬
‫"بقدر ما يتغلّب الضمير القويم‪ ،‬يبتعد األفراد كما تبتعد الجماعات عن القرار األعمى‪ ،‬ويعملون على تطبيق‬
‫‪.‬ال ُّن ُظم اآلخالقيّة الموضوعيّة"‬

‫بإيجاز‬

‫‪" -0111‬الضمير هو المركز األش ّد عمق ًا وسرّية في اإلنسان‪ ،‬والهيكل الذي ينفرد فيه إلى هللا‬
‫‪.‬ويسمع صوت هللا"‬
‫ي الصفة األخالقيّة‬ ‫‪ -0111‬الضمير األخالق ّي هو حكم صادر عن العقل يعرف به الشخصُ البشر ّ‬
‫‪.‬للفعل الواقع ّي‬
‫‪ -0111‬بالنسبة إلى اإلنسان الذي صنع الشرّ‪ ،‬يبقى قرا ُر الضمير عربون توبة ورجاء‪.‬‬
‫‪ -0111‬يكون الضمير الذي ُأحسِ نت تنشئته قويم ًا وصادق ًا‪ .‬فيُصدر أحكا َمه متطابقة مع العقل‬
‫ومتواف ًقة مع الخير الحقيق ّي الذي أرادته حكمة هللا‪ .‬وعلى ك ّل إنسان ان ي ّتخذ الوسائل لتنشئة‬
‫‪.‬ضميره‬
‫‪ -0111‬يستطيع الضمير‪ ،‬في مواجهة اختيار أخالقيّ‪ ،‬أن يُصدر حُكم ًا يكون إمّا مستقيم ًا متوافق ًا‬
‫مع العقل والشريعة اإللهية‪ ،‬وإمّا‪ ،‬على العكس‪ ،‬حُكم ًا خاطئ ًا يبتعد عنهما‪.‬‬
‫‪ -0111.‬إنّ الكائن البشري مُلزم بالخضوع لحكم ضميره األكيد‬
‫‪ -0110‬يمكن أن يبقى الضمي ُر األخالق ّي في حالة الجهل‪ ،‬أو أن يُصدر أحكام ًا خاطئة‪ .‬وهذان‬
‫‪.‬الجهل والخطأ ليسا دائم ًا خاليين من المسؤوليّة‬
‫‪ -0114‬كالم هللا هو نور لخطواتنا‪ .‬وال ب ّد لنا من تقبّله في اإليمان والصالة‪ ،‬ومن ممارسته‬
‫عمل ّي ًا‪ .‬وهكذا ينشأ الضمير األخالق ّي‪.‬‬

‫المقال السابع‬
‫الفضائل‬

‫‪51‬‬
‫حق وكرامة‪ ،‬وعدل ونقاوة‪ ،‬ولطف وشرف‪ ،‬وك ُّل ما هو فضيلة وك ُل ما‬ ‫‪ :-0111‬ك ُّل ما هو ٌّ‬
‫محط أفكاركم" (في‪.)8 :4‬‬ ‫َّ‬ ‫يُمتدح‪ ،‬ك ُّل هذا فليكن‬
‫الفضيلة هي استعداد عاديٌّ وثابت لفعل الخير‪ .‬وهي ُتتيح للشخص ليس فقط أن يفعل أفعاالً‬
‫صالحة وإ ّنما أن يعطي أفضل ما فيه‪ .‬والشخصُ الفاضل يسعى بك ّل قواه الحسّية والروحية إلى‬ ‫ً‬
‫‪.‬الخير‪ ،‬ويمضي وراءه ويختاره في أفعال واقعيّة‬
‫"وهدف الحياة الفاضلة هو في أن نصير مثل هللا"‪.‬‬

‫‪ .ً0‬الفضائل اإلنسان ّية‬


‫‪ -0112‬الفضائل اإلتسانية هي مواقف راسخة‪ ،‬واستعدادات ثابتة‪ ،‬وكماالت عاديّة في العقل‬
‫وتنظم أهواءنا‪ ،‬وتقود سلوكنا بحسب العقل واإليمان‪ .‬وهي تمنح السهولة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫واإلرادة تنسِّق أفعالنا‪،‬‬
‫والتسلّط على الذات‪ ،‬والفرح‪ ،‬لسلوك حياة أخالقيّة صالحة‪ .‬اإلنسان الفاضل هو الذي يمارس‬
‫الخير بحريّة‪.‬‬
‫ً‬
‫الفضائل األدبية يكتسبها اإلنسان‪ .‬إ ّنها ثمار األفعال الصالحة أخالق ّيا وبذرُها‪ ،‬وهي تهيّئ جميع‬
‫قوى الكائن البشري للمشاركة في الحب اإللهيّ‪.‬‬

‫تمييز الفضائل الرئيسة‬


‫‪ -0111‬فضائل أربعة لها دور محوريّ ‪ ،‬ف ُتدعى لذلك "رئيسة"‪ ،‬وتتجمّع حولها سائر الفضائل‪.‬‬
‫إ ّنها الفطنة‪ ،‬والعدل‪ ،‬والقوّ ة‪ ،‬والقناعة‪" .‬إذا كان أحد يحبّ البرّ ‪ ،‬فالفضائل هي ثمار أتعابه‪ ،‬أل ّنه‬
‫يُعلّم القناعة والفطنة والعدل والقوّ ة" (حك‪ .)7 :8‬والكتاب يمتدح هذه الفضائل بألفاظ أخرى في‬
‫‪.‬مقاطع عديدة‬
‫‪ -0111‬الفطنة هي الفضيلة التي تهيئ العقل العمل ّي لتمييز خيرنا الحقيقيّ في ك ّل ظرف‪،‬‬
‫والختيار الوسائل القويمة إلتمامه‪" .‬ذو الدهاء يفطن لمسيره" (مثل‪" .)2:25‬الزموا التعقل‬
‫والقناعة (للقيام) بالصلوات" (بط ‪ .)7 :4‬كتب القديس توما بعد ارسطو أن الفطنة هي "القاعدة‬
‫القويمة للعمل"‪ .‬وهي تتميّز من التهيّب أو الخوف أو المخادعة أو النفاق‪ .‬وتدعى حوذ َية‬
‫الفضائل‪ ،‬أل ّنها تقود الفضائل األخرى مبيّنة لها القاعدة والقياس‪ .‬الفطنة هي الدلي ُل المباشر لحُكم‬
‫ينظم سلوكه بحسب ذالك ال ُح عكم‪ .‬وباإلعتماد على هذه الفضيلة نطبّق‬ ‫الضمير‪ .‬واإلنسان ال َفطِ ن و ّ‬
‫تطبيقا ً صحيحا ً المبادئ األخالقية على الحاالت الخاصة‪ ،‬ونتغلّب على الحيرة في شأن الخير الذي‬
‫‪.‬يجب فعله والشرّ الذي يجب تج ّنبه‬
‫‪ -0111‬العدل هو الفضيلة األخالقية‪ ،‬التي قوامُها إرادة ثابتة وراسخة‪ ،‬إلعطاء هللا والقريب ما‬
‫يحق لهما‪ .‬والعدل تجاه هللا يدعى "فضيلة العبادة"‪ .‬وهو تجاه البشر‪ ،‬يهيئ الحترام حقوق ك ّل‬ ‫ّ‬
‫يعزز االنصاف بالنسبة إلى االشخاص والخير العام‪.‬‬ ‫واحد‪ ،‬وجعل العالئق البشرية في انسجام ّ‬
‫اإلنسان البارّ ‪ ،‬الوارد ذكره مراراً في الكتب المق ّدسة‪ ،‬يتميّز باستقامة طبيعيّة في األفكار‪ ،‬وسلوك‬
‫قويم تجاه القريب‪" .‬ال تحابوا صغيراً وال تجلّوا عظيما ً بل بالعدل تحكم لقريبك" (أح‪.25 :21‬‬
‫أن لكم‪ ،‬أنتم أيضاً‪ ،‬سيّداً في السماء"‬‫"أيها السادة‪ ،‬أ ّدوا إلى عبيدكم ما هو عدل وإنصاف‪ ،‬عالمين َ‬
‫‪(.‬كو ‪)2 :4‬‬
‫القوة هي الفضيلة األخالقية التي تؤمّن‪ ،‬في المصاعب‪ ،‬الثبات والصمود‪ ،‬في السعي إلى‬ ‫‪ّ -0111‬‬
‫الخير‪ .‬إ ّنها ُتثبت العزم على مقاومة التجارب‪ ،‬والسيطرة على العقبات في الحياة األخالقية‪.‬‬
‫فضيلة القوة تم ِّكن من التغلّب على الخوف‪ ،‬حتى الخوف من الموت‪ ،‬ومواجهة الم َِحن‬
‫واالضطهادات‪ .‬إ ّنها تهيّئ للمضيّ حتى نكران الذات والتضحية بالحياة للدفاع عن قضيّة عادلة‪.‬‬

‫‪52‬‬
‫"الرب قوّ تي وتسبيحي" (مز ‪" .)24 :228‬في العالم ستكونون في ش ّدة‪ ،‬ولكن‪ ،‬لِتطبع نفوسُكم‪،‬‬
‫‪.‬إ ّني قد غلبت العالم" (يو‪)33 :26‬‬
‫الملذات وتمنح اال ّتزان في استعمال‬ ‫ّ‬ ‫‪ -0111‬القناعة هي الفضيلة األخالقية التي تكبح ِجماح شهوة‬
‫الخيرات المخلوقة‪ .‬وهي تؤمّن سيطرة اإلرادة على الغرائز‪ ،‬وتحفظ الرغائب في حدود‬
‫االستقامة‪ .‬ان الرجل القنوع يوجّ ه نحو الخير شهواته الحسّية‪ ،‬ويحافظ على اعتدال مق ّدس‪ ،‬و"ال‬
‫يتتبّع هواه ليسير في شهوات قلبه"‪ .‬القناعة يمتدحها مراراً العهد القديم‪" :‬ال تكن دائما ً تابعا ً‬
‫صحواً"‪ .‬يجب‬ ‫عاص أهوائك" (سي ‪ .)28:3‬وهي تدعى في العهد اجديد "تعقّالً" أو " َ‬ ‫ِ‬ ‫لشهواتك بل‬
‫‪.‬أن "نحيا في الدهر الحاضر على مقتضى التعقّل والعدل والتقوى"‪(.‬تي ‪)21 :1‬‬
‫"الحياة الصالحة ليست سوى محبّة هللا بك ّل القلب وبك ّل النفس وك ّل الفعل‪ .‬ونحتفظ له بمحبّة كاملة (بالقناعة) ال‬
‫يزعزعها سوء (وهذا ما يتعلّق بالقوة) وال تخضع إالّ له (وهذا هو العدل) وتسهر للتمييز بين ك ّل األشياء حتى ال‬
‫‪.‬يفاجئها مكر أو كذب (وهذه هي الفطنة)‬

‫الفضائل والنعمة‬
‫‪ -0101‬إنّ الفضائل البشريّة المكتسبة بالتربية‪ ،‬وباألفعال الصادرة عن رو ّية‪ ،‬وبالثبات المتج ّدد‬
‫ُ‬
‫نعمة هللا وتسمو بها‪ .‬وهي بعون هللا تش ّدد ال ُخلق‪ ،‬و ُتسهّل ممارسة الخير‪.‬‬ ‫دائماً‪ ،‬على الجهد‪ ،‬تنقّيها‬
‫‪.‬واإلنسان الفاضل يكون سعيداً بممارستها‬
‫‪ -0100‬ليس من السهل على اإلنسان الذي َجرح عته الخطيئة أن يحتفظ باال ّتزان األخالقي‪ .‬وعطيّة‬
‫للثبات في السعي إلى الفضائل‪ .‬على ك ّل واحد أن‬‫الخالص بالمسيح تمنحنا النعمة الضرورية ّ‬
‫يلتمس دائما ً نعمة النور والقوة هذه‪ ،‬وأن يلجأ إلى األسرار‪ ،‬ويتعاون مع الروح القدس‪ ،‬وأن يلبّي‬
‫‪.‬دعواته إلى حبّ الخير واالحتراز من الشرّ‬

‫‪ .ً4‬الفضائل اإللهية‬
‫ً‬
‫الئمة‬ ‫‪ -0104‬تتأصّل الفضائل اإلنسانية في الفضائل اإللهية‪ ،‬التي تجعل القوى اإلنسانية م‬
‫للمشاركة في الطبيعة اإللهية‪ .‬ألنّ الفضائل اإللهية تستند مباشرة إلى هللا‪ .‬وهي تهيّئ المسيحيين‬
‫‪.‬ألن يحيوا في عالقة مع الثالوث األقدس‪ .‬فمصدرها وعلّتها وموضوعها هللا الواحد والثالوت‬
‫‪ -0101‬الفضائل اإللهية هي في أساس الفعل األخالقي المسيحي‪ ،‬وهي ُتنعشه وتميّزه‪ .‬وهي التي‬
‫تعطي الفضائل األخالقية صور َتها وتحييها‪ .‬ينفح هللا بها نفس المؤمنين ليجعلهم قادرين أن يسلكوا‬
‫حضور الروح وفعل ِه في قُوى الكائن البشري‪.‬‬
‫ِ‬ ‫كأبنائه‪ ،‬وأن يستأهلوا الحياة األبدية‪ .‬إ ّنها عربونُ‬
‫والفضائل اإللهية ثالث‪ :‬اإليمان والرجاء والمحبّة‪.‬‬

‫اإليمان‬
‫ّ‬
‫‪ -0102‬اإليمان هو الفضيلة اإللهية التي بها نعتقد وجود هللا‪ ،‬وك ّل ما كلمنا به وأوحى‪ ،‬وتعرضُه‬
‫الحق ذاته‪ .‬باإليمان "يسلّم اإلنسان أمره كلَّه هلل"‪ .‬لذلك‬
‫ّ‬ ‫الكنيسة المق ّدسة علينا لنعتقده‪ ،‬ألنّ هللا هو‬
‫يسعى المؤمن إلى معرفة إرادة هللا وإلى فعلها‪" .‬البا ّر باإليمان يحيا" (رو‪ .)27 :2‬واإليمان الحيّ‬
‫‪".‬يعمل بالمحبّة" (غل ‪)6 :5‬‬
‫‪ -0101‬عطيّة اإليمان تبقى في من لم يخطئ إليها‪ .‬ولكن "بدون األعمال يكون اإليمان ميّتاً"‬
‫(يع‪ .)16 :1‬وإذا فقد اإليمان الرجاء والمحبّة فهو ال يجعل المؤمن م ّتحداً ا ّتحاداً كامالً بالمسيح‪،‬‬
‫‪.‬وال يجعله عضواً ح ّيا ً في جسده‬

‫‪53‬‬
‫‪ -0101‬تلميذ المسيح مُلزم ال بأن يحافظ على اإليمان ويحيا به فقط‪ ،‬وإنما أيضا ً بأن يعترف به‪،‬‬
‫ويشهد له باطمئنان‪ ،‬وينشره‪" :‬على الجميع ألن يكونوا مستع ّدين لالعتراف بالمسيح أمام الناس‪،‬‬
‫وأن يتبعوه على درب الصليب‪ ،‬وسط اضطهادات التي ال تفارق الكنسية ابداً"‪ .‬خدمة اإليمان‬
‫والشهادة له الب ّد منها للخالص‪" :‬ك ّل من يعترف بي ق ّدام الناس‪ ،‬أعترف أنا أيضا ً به ق ّدام أبي‬
‫الذي في السماوات‪ .‬وأمّا من ينكرني ق ّدام الناس‪ ،‬فإ ّني أنكره‪ ،‬أنا أيضاً‪ ،‬ق ّدام أبي الذي في‬
‫السماوات" (متى‪.)33-31 :21‬‬

‫الرجاء‬
‫‪ -0101‬الرجاء هو الفضيلة اإللهية التي بها نرغب في ملكوت السماوات‪ ،‬والحياة األبدية‪ ،‬رغب َتنا‬
‫في سعادتنا‪ ،‬واضعين ثقتنا بمواعيد المسيح‪ ،‬ومستندين ال إلى قوانا بل إلى عون نعمة الروح‬
‫القدس‪" .‬ولنتمسّك باعتراف الرجاء على غير انحراف‪ ،‬ألنّ الذي وعد أمين" (عب ‪.)13 :21‬‬
‫هذا الروح "أفاضه علينا بوفرة‪ ،‬يسوع المسيح مخلّصنا‪ ،‬حتى إذا تبرَّ رنا بنعمة المسيح نصير‬
‫ورثة على حسب رجاء الحياة األبدية" (تي ‪.)7-6 :3‬‬
‫‪ -0101‬إن فضيلة الرجاء تلبّي التوق إلى السعادة الذي وضعه هللا في قلب ك ّل إنسان‪ ،‬وتضطلع‬
‫باآلمال التي تبعث الناس على العمل‪ ،‬وتنقّيها لتوجّ هها نحو ملكوت السماوات‪ .‬إ ّنها تصون من‬
‫النفس في ترقّب السعادة األبدية‪ .‬إنّ حافز الرجاء يمنع‬ ‫َ‬ ‫تخاذل العزم‪ ،‬وتساند حين التخلّي‪ ،‬وتطيّب‬
‫‪.‬األنانية‪ ،‬ويقود إلى سعادة المحبّة‬
‫‪ -0101‬الرجاء المسيحي يُعيد ويكمّل رجاء الشعب المختار الذي أصله ومثاله رجا ُء إبراهيم‪،‬‬
‫محنة المحرقة‪" .‬لقد آمن على خالف ك ّل رجاء‬ ‫ُ‬ ‫أوفت به في اسحق مواعيد هللا وطهّرته‬ ‫ع‬ ‫وقد‬
‫ُ‬
‫‪.‬فصار أبا ً ألُّ مم كثيرة" (رو ‪)28 :4‬‬
‫‪ -0141‬ينبسط الرجاء المسيحي منذ بدء كرازة يسوع في إعالن التطويبات‪ .‬فالتطويبات تسمو‬
‫برجائنا إلى السماء كما إلى أرض الميعاد الجديدة‪ ،‬وترسم طريقها عبعر ما ينتظر تالمي َذ يسوع من‬
‫يخذل" (رو ‪:5‬‬ ‫محن‪ .‬ولكنّ هللا يحفظنا‪ ،‬باستحقاقات يسوع المسيح وآالمه في "الرجاء الذي ال ُ‬
‫‪ .)5‬إنّ الرجاء هو "مرساة النفس" األمينة والراسخة "التي تنفذ إلى حيث دخل يسوع ألجلنا‬
‫"فل عنلبس اإليمان‬
‫كسابق" (عب ‪ .)11-21 :6‬وهو ايضا ً سالح يحرسنا في معركة الخالص‪ :‬ع‬
‫والمحبّة درعاً‪ ،‬ورجاء الخالص خوذة" (‪2‬تس ‪ .)8 :5‬وهو يعطينا الفرح في المحنة نفسها‪:‬‬
‫ُغذى في‬‫"وليكن فيكم فر ُح الرجاء‪ ،‬كونوا صابرين في الضيق" (رو‪ .)21:21‬وهو يُعبّر عنه وي ّ‬
‫الصالة‪ ،‬وخصوصا ً صالة "األبانا"‪ ،‬موج ُز ك ّل ما يحملنا الرجاء على أن نرغب فيه‪.‬‬
‫‪ -0140‬نستطيع إذن أن نرجو مجد السماء‪ ،‬الذي وعد به هللا محبّيه والعاملين مشيئته‪ .‬ويجب‬
‫على كل واحد في ك ّل ظرف‪ ،‬أن يرجو‪ ،‬بنعمة هللا‪" ،‬الثبات إلى المنتهى"‪ ،‬والحصول على فرح‬
‫السماء‪ ،‬كمكافأة من هللا ابديّة‪ ،‬على األعمال الصالحة المعمولة بنعمة المسيح‪ ،‬والكنيسة‪ ،‬في‬
‫الرجاء‪ ،‬تصلّي لكي "يخلُص جميع الناس" (‪ 2‬تي ‪ ,)4 :1‬وهي تتوق إلى أن تكون‪ ،‬في مجد‬
‫السماء‪ ،‬م ّتحدة بالمسيح عريسها‪:‬‬
‫" َت َرجَّ يع ‪ ،‬يا نفسي‪َ ،‬ت َرجَّ ي‪ .‬تجهلين اليوم والساعة‪ .‬إسهري بد ّقة‪ ،‬فك ّل شيء يمرّ بسرعة‪ ،‬على كون نفاد صبرك‬
‫والقصير ج ّداً من الوقت طويالً‪َ .‬ف ِّكري أ ّنك كلّما ازدد ِ‬
‫ت انخراطا ً في المعركة‬ ‫َ‬ ‫يجعل األكيد موضوع ارتياب‪،‬‬
‫حبيبكِ ‪ ،‬في سعادة ونشوة ليس لهما من‬
‫ِ‬ ‫مع‬ ‫يوم‬ ‫ذات‬ ‫تكِ‬ ‫مسرّ‬ ‫وتزداد‬ ‫‪،‬‬ ‫حبّ‬ ‫من‬ ‫عندك‬ ‫َيقوى برها ُنك على ما إللهك‬
‫‪.‬نهاية"‬

‫المح ّبة‬

‫‪54‬‬
‫القريب كنفسنا‬
‫َ‬ ‫‪ -0144‬المحبّة هي الفضيلة اإللهية بها نو ّد هللا فوق ك ّل شيء ألجل ذاته‪ ،‬ونو ّد‬
‫ألجل هللا‪.‬‬
‫‪ -0141‬جعل يسوع من المحبّة وص ّية جديدة‪ .‬ولقد أظهر محبة اآلب التي يتقبّلها‪ ،‬بمحبته الخاصة‬
‫"حتى النهاية" (يو ‪ .)2 :23‬والتالميذ يقتدون بمحبّة يسوع التي يتقبّلونها هم أيضا ً في ذواتهم‬
‫بمح ّبتهم بعضهم لبعض‪ .‬لذلك قال يسوع‪" :‬كما أحبّني اآلب أنا أيضا ً أحببتكم‪ ،‬فاثبتوا في محبتي"‬
‫(يو ‪ .)25:1‬وأيضاً‪" :‬هذه وصيّتي‪ :‬أن يحبّ بعضكم بعضا ً كما أحببتكم أنا" (يو ‪.)25:21‬‬
‫‪ -0142‬إنّ المحبّة هي ثمرةُ الروح وكما ُل الناموس تحفظ وصايا هللا ومسيحه‪" :‬اثبتوا في محبّتي‪.‬‬
‫‪.‬إن حفظتم وصاياي تثبتون في محبّتي" (يو ‪)21-:25‬‬
‫‪ -0141‬لقد مات المسيح محب ًّة لنا عندما ُك ّنا "أعداء" (رؤ‪ .)21 :5‬والربُّ يطلب م ّنا أن نحبَّ مثله‬
‫حتى أعدا َءنا‪ .‬وأن نكون القريب لألبعّد‪ ،‬وأن نحبَّ األوالد والفقراء مثله‪.‬‬
‫ً‬
‫لوحة فريدة للمحبّة‪" :‬المحبّة تتأ ّنى وترفق‪ ،‬المحبّة ال تحسد‪ ،‬المحبّة ال تتباهى‪ ،‬وال اتنتفخ‪.‬‬ ‫لقد رسم القديس بولس‬
‫ال تأتي قباحة‪ ،‬وال تطلب ما هو لنفسها‪ .‬ال تحت ّد وال تظنّ السوء‪ .‬ال تفرح بالظلم بل تفرح بالحق‪ .‬تتغاضى عن‬
‫كل شيء‪ ،‬وتص ّدق ك ّل شيء‪ ،‬وترجو كل شيء‪ ،‬وتصبر على كل شيء" (‪2‬كو ‪.)7-4 :23‬‬
‫لست بشيء‪ "...‬وكل امتياز وخدمة حتى الفضيلة‪"...‬‬ ‫ُ‬ ‫‪ -0141‬ويقول الرسول أيضاً‪" :‬بدون محبّة‬
‫بدون محبّة ال تنفعني بشيء"‪ .‬المحبّة تسمو على الفضائل كلّها‪ ،‬هي الفضيلة اإللهية األولى‪" :‬اآلن‬
‫‪.‬يثبت اإليمان والرجاء والمحبّة‪ ،‬هذه الثالثة‪ .‬لكنَّ أعظمهنَّ هي المح ّبة" (‪2‬كو ‪)23 :23‬‬
‫‪ -0141‬المحبّة هي التي ُتحيي و ُتلهم ممارسة جميع الفضائل‪ .‬إ ّنها "رباط الكمال" (كو‪،)24 :3‬‬
‫هي صورة الفضائل‪ ،‬تربطها و ُتنسّق بعضها مع بعض‪ .‬إ ّنها مصدر ممارستها المسيحية ومنتهاها‪.‬‬
‫المحبّة تثبت وتنقّي قوة حبّنا اإلنسانية‪ ،‬وتسمو بها إلى كمال محبّة هللا الفائقة‬
‫‪.‬الطبيعة‬
‫‪ -0141‬ممارسة الحياة األخالقية التي ُتنعشها المحبّة تعطي المسيحيّ حريّة أبناء هللا الروحية‪ .‬فال‬
‫يقف أمام هللا كعبد‪ ،‬يخاف خوف العبد‪ ،‬وال كمرتزق يسعى إلى اجر‪ ،‬ولكن كإبن يبادل بحبِّه حبّ‬
‫"من أحبّنا أوّ الً" (‪2‬يو ‪.)4:21‬‬
‫"إننا إمّا نحيد عن الشرّ خوفا ً من العقاب فنكون مثل العبيد‪ ،‬وإمّا نجري وراء إغرا ِء المكافأة فنكون مثل‬
‫‪.‬المرتزقة‪ .‬وإمّا أخيراً نخضع ألجل الخير ذاته ومحب ًّة لصاحب األمر‪ ...‬فنكون عندئذ مثل األبناء"‬
‫االحسان وإصال َح القريب‪ ،‬إ ّنها ُتريد‬
‫َ‬ ‫‪ -0141‬ثم ُر المحبّة الفرح والسالم والرحمة‪ ،‬وهي تقتضي‬
‫الخير‪ ،‬وتحمل على المعاملة بالمثل‪ ،‬نزيهة سمحاء‪ ،‬هي صداقة ومشاركة‪:‬‬
‫" منتهى جميع أعمالنا هو المحبّة‪ .‬هنا الخاتمة‪ ،‬فإذا كنا نعدو فللحصول عليها‪ ،‬إننا نعدو إليها‪ ،‬وعندما نصل‪ ،‬فيها‬
‫‪.‬نجد راحتنا"‬

‫‪ .ً1‬مواهب الروح القدس وثماره‬

‫‪ -0111‬مواهب الروح القدس هي التي تساند حياة المسيحيين األخالقيّة‪ .‬وهذه المواهب هي‬
‫استعدادات دائمة تجعل اإلنسان يتبع حوافز الروح القدس بطواعية‪.‬‬
‫‪ -0110‬مواهب الروح القدس السبع هي الحكمة‪ ،‬والفهم‪ ،‬والمشورة‪ ،‬والقوّ ة‪ ،‬والعلم‪ ،‬والتقوى‪،‬‬
‫ومخافة هللا‪ .‬إ ّنها بكمالها تخصّ المسيح ابن داود‪ .‬وهي ُتتمّم فضائل من يتقبّلوها وتقودها إلى‬
‫‪.‬الكمال‪ ،‬وتجعل المؤمنين يخضعون بطواعيّة وسرعة لإللهامات اإللهية‬
‫‪".‬ليهدني روحك الصالح في أرض مستقيمة" (مز ‪)243:21‬‬

‫‪55‬‬
‫ُ‬
‫ورثة هللا‪ ،‬ووارثون مع المسيح" (رو ‪:8‬‬ ‫"إنّ جميع الذين يقتادهم روح هللا هم أبناء هللا‪ ...‬أبناء فإذن ورثة أيضاً‪،‬‬
‫‪.)27 ،24‬‬
‫‪ -0114‬ثمار الروح هي كماالت يُنشئها فينا الروح القدس كبواكير المجد األبدي‪ .‬والتقليد الكنسي‬
‫يعدد منها أثني عشرة‪" :‬المحبة والفرح والسالم‪ ،‬والصبر وطول االناة واللطف والصالح‪،‬‬
‫والمسامحة واألمانة والوداعة والعفاف‪ ،‬والطهارة" (غل‪.)13-11 :5‬‬

‫بإيجاز‬

‫‪ -0111‬الفضيلة هي استعداد عاديٌّ وراسخ لعمل الخير‪.‬‬


‫ّ‬
‫‪ -0112‬الفضائل البشرية هي استعدادات ثابتة في العقل واإلرادة‪ُ ،‬تنسّق أفعالنا وتنظم أهواءنا‬
‫وتقود سلوكنا بحسب العقل واإليمان‪ .‬ويمكن جمعها حول أربع فضائل رئيسة‪ :‬الفطنة‪ ،‬والعدل‪،‬‬
‫‪.‬والقوة والقناعة‬
‫‪ -0111‬الفطنة تهيّء العقل لتمييز خيرنا الحقيقي في كل ظرف‪ ،‬والختيار الوسائل القويمة‬
‫إلتمامه‪.‬‬
‫‪ -0111.‬العدل قوامه إرادة ثابتة وراسخة إلعطاء هللا والقريب ما ّ‬
‫يحق لهما‬
‫‪ -0111.‬القوة تؤمّن في المصاعب الثبات والصمود في السعي إلى الخير‬
‫الملذات الحسّية وتمنح اال ّتزان في استعمال الخيور المخلوقة‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫‪ -0111‬القناعة تكبح ِجماح شهوة‬
‫‪ -0111‬الفضائل األدبية تنمو بالتربية‪ ،‬وباألفعال الصادرة عن رؤية‪ ،‬وبالثبات على الجهد‪.‬‬
‫‪.‬والنعمة اإللهية تن ّقيها وتسمو بها‬
‫‪ -0121‬الفضائل اإللهية تهيّء المسيحين ألن يحيوا في عالقة مع الثالوث األقدس‪ .‬مصدرها‬
‫‪.‬وع ّلتها وموضوعها هللا معروف ًا باإليمان ومرجوّ ًا ومحبوب ًا لذاته‬
‫‪ -0120‬الفضائل اإللهية ثالث‪ ،‬هي‪ :‬اإليمان والرجاء والمحبّة‪ .‬وهي تعطي جميع الفضائل‬
‫األخالقية صور َتها و ُتحييها‪.‬‬
‫‪ -0124.‬باإليمان نعتقد وجود هللا‪ ،‬وكل ما أوحى به إلينا‪ ،‬وتعرضه الكنيسة عليها لنعتقده‬
‫‪ -0121.‬بالرجاء نبتغي من هللا وننتظر بثقة راسخة الحياة األبدية وال ّنعم الستحقاقها‬
‫‪ -0122‬بالمحبّة نو ّد هللا فوق كل شيء‪ ،‬والقريب كنفسنا ألجل هللا‪ .‬وإنها "رباط الكمال" (كو‪:2‬‬
‫‪ )41.‬وصورة الفضائل ك ّلها‬
‫‪ -0121‬مواهب الروح القدس السبع المعطاة للمسيحيين هي الحكمة والفهم والمشورة والقوة‬
‫‪.‬والعلم والتقوى ومخافة هللا‬

‫المقال الثامن‬
‫الخطيئة‬

‫‪ .ً0‬الرحمة والخطيئة‬
‫‪ -0121‬اإلنجيل هو الكشف‪ ،‬بيسوع المسيح‪ ،‬عن رحمة هللا للخطأة‪ .‬وقد أعلن ذلك المالك‬
‫ليوسف‪" :‬تسمّيه يسوع‪ ،‬أل ّنه هو الذي يخلّص شعبه من خطاياهم" (متى ‪ .)12 :2‬وكذلك بالنسبة‬
‫إلى االفخارستيا سرّ الفداء‪" :‬هذا هو دمي‪ ،‬دم العهد الجديد الذي يُهراق عن كثيرين لمغفرة‬
‫الخطايا" (متى ‪.)16:18‬‬
‫‪56‬‬
‫‪" -0121‬لقد خلقنا هللا بدوننا‪ ،‬وال يريد أن يُخلّصنا بدوننا"‪َ .‬و َتقّبُّل رحمته يقتضينا االقرار بذنوبنا‪.‬‬
‫الحق فينا‪ .‬وإن اعترفنا بخطايانا فهو أمين‬ ‫ّ‬ ‫"إن نحن قلنا‪ :‬إ ّنا بغير خطيئة‪ ،‬فإ ّنما ُنظ ُّل أنفسنا‪ ،‬وليس‬
‫وعادل‪ :‬فإ ّنه يغفر خطايانا‪ ،‬ويطهّرنا من كل إثم" (‪2‬يو ‪.)1-8 :2‬‬
‫‪ -0121‬كما يقول القديس بولس‪" :‬حيث كثرت الخطيئة طفحت النعمة" (رو ‪ .)11 :5‬ولكن على‬
‫النعمة‪ ،‬لكي تقوم بعملها‪ ،‬أن تكشف الخطيئة لتر ّد قلبنا وتمنحنا "البرّ للحياة األبدية‪ ،‬بيسوع‬
‫المسيح ربّنا" (رو‪ .)12 :5‬ومثل الطبيب الذي َيس ُب ُر الجر َح قبل أن يألمه هكذا يُلقي الربّ بكلمته‬
‫‪.‬وروحه ضوءاً شديداً على الخطيئة‬
‫"التوبة تقتضي وضع الخطيئة في النور‪ ،‬وتحوي في ذاتها حُكم الضمير الداخلي‪ .‬ويمكن أن نرى فيها الدليل‬
‫ّ‬
‫الحق في أقصى أعماق االنسان‪ ،‬ويصير ذلك في الوقت عينه بد َء عطية جديدة من النعمة‬ ‫على فعل روح‬
‫والمحبّة‪" :‬خذوا الروح القدس"‪ .‬وهكذا نكتشف‪ ،‬في وضع "الخطيئة في النور" هذا‪ ،‬عطية مضاعفة‪ :‬عطية‬
‫ّ‬
‫المعزي"‬ ‫‪.‬حقيقة الضمير‪ ،‬وعطية صحة الفداء‪ .‬رو ُح الحق هو‬

‫‪ .ً4‬تحديد الخطيئة‬

‫‪ -0121‬الخطيئة إساءة إلى العقل والحقيقة والضمير المستقيم‪ .‬وهي إجحاف بالمحبّة الحقيقية هلل‬
‫والقريب‪ ،‬بسبب تعلّق أثيم ببعض الخيور‪ .‬إ ّنها تجرح طبيعة االنسان وتؤذي التضامن البشري‪.‬‬
‫‪.‬وقد ُح ِّددت بأ ّنها "كلمة أو فعل أو شهوة تخالف الشريعة األزليّة"‬
‫‪ -0111‬الخطيئة إهانة هلل‪" :‬إليك وحدك خطئت والشرّ أمامك صنعت" (مز ‪ .)6 :52‬وهي تقف‬
‫في وجه محبّة هللا لنا‪ ،‬و ُتبعد عنها قلوبنا‪ .‬وهي كالخطيئة األولى معصية وثورة على هللا‪ ،‬بإرادة‬
‫أن نصير "كآلهة" (تك‪ )3:5‬نعرفُ ونح ّد ُد الخير والشرّ ‪ .‬وهكذا فهي "محبّة الذات حتى احتقار‬
‫ً‬
‫مخالفة تماما ً خضوع يسوع الذي حقق‬ ‫هللا"‪ .‬وبتعظيم الذات المتعجرف هذا تكون الخطيئة‬
‫الخالص‪.‬‬
‫ُ‬
‫رحمة هللا على الخطيئة‪ُ ،‬تظهر هذه على أفضل وجه‬ ‫‪ -0110‬ففي اآلالم تحديداً‪ ،‬حيث تتغلّب‬
‫عن َفها وكثرتها‪ :‬من عدم إيمان‪ ،‬وحقد قاتل‪ ،‬ورفض‪ ،‬واستهزاءات من قبل رؤساء الشعب‪ ،‬وجبانة‬
‫بيالطس‪ ،‬وقساوة الجنود‪ ،‬وخيانة يهوذا الشديدة الوطأة على يسوع‪ ،‬وإنكار بطرس‪ ،‬وتخلّي‬
‫الرسل‪ .‬ولكنّ تضحية يسوع قد صارت‪ ،‬على وجه خفيّ ‪ ،‬في ساعة الظلمة ورئيس هذا العالم‬
‫نفسها‪ ،‬ينبوعا ً دائما ً يتفجّر منه غفرانُ خطايانا‪.‬‬

‫‪ .ً1‬أنواع الخطايا‬
‫‪ -0114‬تنوّ ُع الخطايا كبير‪ .‬والكتاب المق ّدس يذكر منها سالسل متع ّددة‪ .‬فالرسالة إلى الغالطيين‬
‫تقابل أعمال الجسد بثمار الروح‪" :‬أعمال الجسد بيّنة‪ :‬الفجور والنجاسة وال َع َهر‪ ،‬وعبادة األوثان‬
‫والسّحر‪ ،‬والعداوات والخصومات واألطماع‪ ،‬والمغاضبات والمنازعات والمشاقّات والبدع‪،‬‬
‫والمحاسدات والسّكر والقصوف‪ ،‬وما أشبه ذالك‪ .‬وعنها أقول لكم‪ ،‬كما قلت سابقاً‪ ،‬إن الذين‬
‫يفعلون أمثال هذه ال يرثون ملكوت هللا" (غل‪.)12-21 :5‬‬
‫‪ -0111‬يمكن تمييز الخطايا بالنسبة إلى موضوعها‪ ،‬كما هي الحال في شأن ك ّل فعل بشريّ ‪ ،‬أو بالنسبة إلى‬
‫الفضائل التي ُتخالفها زياد ًة أو نقصاناً‪ ،‬أو بالنسبة إلى الوصايا التي تتع ّداها‪ .‬ويمكن تنسيقُها أيضا بحسب ما لها‬
‫من عالقة باهلل أو القريب أو بالذات‪ .‬ويمكن تقسيمُها إلى خطايا روحيّة وخطايا جسديّة‪ ،‬أو خطايا بالفكر أو القول‬
‫أو االهمال‪ .‬أصل الخطيئة هو في قلب االنسان‪ ،‬في إرادته الحرّ ة‪ ،‬بحسب تعليم الربّ ‪" :‬فمن القلب تخرج األفكار‬
‫الشريرة‪ ،‬والقتل‪ ،‬والزنى‪ ،‬والفسق‪ ،‬والسرقة‪ ،‬وشهادة الزور‪ ،‬والتجديف‪ .‬وذلك هو ما ينجّ س اإلنسان" (متى‬
‫‪ .)11-21 :25‬وفي القلب أيضا ً ُتقيم المحبّة‪ ،‬مبدأ األفعال الصالحة والنقية‪ ،‬التي تجرحها الخطيئة‪.‬‬
‫‪57‬‬
‫‪ . ًُ2‬جسامة الخطيئة‪ :‬الخطيئة المميتة والعرض ّية‬
‫‪ -0112‬ينبغي تقدي ُر الخطيئة بحسب جسامتها‪ .‬والتمييز بين الخطيئة المميتة والخطيئة العرضية‬
‫‪.‬الذي ي عُل َم ُح في الكتاب المقدس قد استتبَّ في التقليد الكنسي‪ .‬وخبرة الناس تدعمه‬
‫‪ -0111‬الخطيئة المميتة تقضي على المحبّة في قلب اإلنسان بتع ٍّد كبير لشريعة هللا‪ .‬و َت ِ‬
‫صرفُ‬
‫اإلنسان عن هللا الذي هو غايته القصوى وسعاد ُته بتفضيل خير أدنى عليه‪.‬‬
‫الخطيئة العرض ّية ُتبقي المحبّة‪ ،‬وإن أساءت إليها وجرحتها‪.‬‬
‫ي الذي هو المحبّة‪ ،‬فتقتضي مبادر ًة جديد ًة من‬ ‫‪ -0111‬الخطيئة المميتة تهاجم فينا المبدأ الحيو ّ‬
‫ي في إطار سرّ المصالحة‪.‬‬ ‫رحمة هللا‪ ،‬وتوب َة قلب َت ِن ُّم بوجه اعتياد ّ‬
‫"عندما تعع َم ُد اإلدارة إلى شيء بح ّد ذاته مناف للمحبّة التي توجّ هنا نحو الغاية القصوى‪ ،‬تكون الخطيئة‬
‫ع‬
‫والحنث‪...‬أو لمحبّة القريب كالقتل والزنى‪...‬‬ ‫بموضوعها ذاتِه مميتة سواء كان مخالفا ً لمحبّة هللا‪ ،‬كالتجديف‬
‫وبالمقابل عندما َتعع َمد إرادة الخاطئ أحيانا ً إلى شيء فيه انحراف ولك ّنه ليس مضاداً لمحبة هللا ومحبة القريب‪،‬‬
‫َك علغ ِو الكالم وفضول الضحك‪ ....‬مثل هذه الخطايا هي عرضيّة"‪.‬‬
‫ً‬
‫مميتة ك ُّل‬ ‫ُ‬
‫الخطيئة مميتة ال ب ّد من ثالثة شروط متالزمة‪" :‬تكون خطيئة‬ ‫‪ -0111‬حتى تكون‬
‫خطيئة ما ّدتها ثقيلة‪ ،‬ويرتكبها اإلنسان بكامل وعيه‪ ،‬وبقصد صادر عن رؤية"‪.‬‬
‫‪ -0111‬المادة الثقيلة توضحها الوصايا العشر‪ ،‬بحسب جواب يسوع للشاب الغني‪" :‬ال تقتل‪ ،‬ال‬
‫تزن‪ ،‬ال تشهد بالزور‪ ،‬ال تتع َّد على أحد‪ ،‬أكرم أباك وأمّك" (مر ‪ .)21 :21‬والخطيئة متفاوتة في‬ ‫ِ‬
‫جسامتها‪ :‬فالقتل أعظم من السرقة‪ .‬وصفة األشخاص الذين لحق بهم األذى ُتحسبُ أيضاً‪:‬‬
‫‪.‬فممارسة العنف على األقرباء هي بح ّد ذاتها جسيمة أكثر منها على الغرباء‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫‪ -0111‬تقتضي الخطيئة المميتة معرفة كاملة ورضى تا ّما‪ .‬وتفترض معرفة سابقة أنَّ في الفعل‬
‫خطيئة‪ ،‬وأ ّنه مخالف لشريعة هللا‪ .‬وتتضمّن أيضا ً رضىً فيه من الرّ ؤية ما يكفي ليكون اختياراً‬
‫شحص ّياً‪ .‬والجهل المتص ّنع وتصلّب القلب ال يُنقصان بل يزيدان السِّمة اإلرادية في الخطيئة‪.‬‬
‫‪ -0111‬يمكن الجهل الذي ال يتأ ّتى عن اإلرادة أن يُنقص المسؤوليّة عن إثم جسيم‪ ،‬إن لم يعذِر‬
‫مبادئ الشريعة األخالقية المكتوبة في ضمير كل‬ ‫َ‬ ‫عليها‪ .‬ولكن ال يُفترض أن يكون أحد جاهالً‬
‫إنسان‪ .‬كذلك يمكن نزوات الحسّ واألهواء أن ُتنقص ما في اإلثم من سمةإرادية وحرّ ة‪ ،‬وكذلك‬
‫الضغوط الخارجيّة واالضطرابات المرّضيّة‪ .‬والخطيئة عن خبث‪ ،‬باختيار ُم َتروٍّ للشرّ ‪ ،‬هي‬
‫األعظم‪.‬‬
‫‪ -0110‬الخطيئة المميتة هي إمكانيّة أصلية للحريّة اإلنسانيّة كما المحبّة نفسها‪ .‬وهي تؤ ّدي إلى‬
‫خسارة المحبة والحرمان من النعمة المقدسة‪ ،‬أي من حال النعمة‪ .‬وإذا لم ُتف َد بالندامة وغفران هللا‬
‫فهي تسبِّب االقصا َء من ملكوت المسيح‪ ،‬والموت األبديّ في جه ّنم‪ ،‬بما أنّ حريتنا تستطيع القيام‬
‫باختيارات أبديّة ال رجوع عنها‪ .‬ولكن إذا كان باستطاعتنا أن نحكم بأنّ فعالً ما هو بذاته إثم‬
‫كبير‪ ،‬علينا‪ ،‬في الحكم على األشخاص‪ ،‬أن نترك ذلك لعدالة هللا ورحمته‪.‬‬
‫‪ -0114‬يخطأ اإلنسان خطيئة عرض ّية عندما ال يُحافظ في ما ّدة خفيفة على القدر الذي تفرضه‬
‫الشريعة األخالقية‪ ،‬أو عندما يخالف الشريعة األخالقيّة في ما ّدة ثقيلة ولكن بدون معرفة كاملة أو‬
‫رضىً تا ّم‪.‬‬
‫‪ -0111‬الخطيئة العرضية ُتضعف المحبّة‪ ،‬إ ّنها تعني تعلّقا ً منحرفا ً بالخيرات المخلوقة‪ ،‬وتمنع‬
‫تق ّدم النفس في ممارسة الفضائل والصالح األخالقي‪ ،‬فتستأهل عقوبات زمنية‪ .‬والخطيئة‬
‫العرضية المتأتيّة عن َتروٍّ ولم َتحع َظ بالندامة ُتهيّئنا رويداً رويدا الرتكاب الخطيئة المميتة‪ .‬ولكنّ‬

‫‪58‬‬
‫الخطيئة العرضية ال تقطع العهد مع هللا‪ .‬وهي قابلة لألصالح بنعمة هللا‪" .‬إ ّنها ال تحرم من النعمة‬
‫‪.‬المق ِّدسة أوالمُؤلِّهة‪ ،‬ومن المحبّة اإللهية‪ ،‬وبالتالي من السعادة األبديّة"‬
‫"ال يستطيع اإلنسان‪ ،‬ما دام في الجسد‪ ،‬أن يتج ّنب ك ّل خطيئة‪ ،‬وعلى األق ّل الخطايا الخفيفة‪ ،‬ولكن هذه الخطايا‬
‫خسبعها بال أهمية" فإن كنت تحسبُها بال أهمية عندما َت ِزنها‪ ،‬فارتعد عندما تع ّدها‪.‬‬
‫التي ندعوها خفيفة‪ ،‬ال َت َ‬
‫كتلة كبيرة‪ ،‬مجموعة من القطرات تمأل نهراً‪ .‬مجموعة من الحبّات تعمل‬ ‫مجموعة من األشياء الصغيرة تصن ُع ً‬
‫‪.‬كومة‪ .‬فما هو عندئذ رجاؤنا؟ إ ّنه قبل ك ّل شيء االعتراف"‬
‫‪" -0112‬ك ّل خطيئة وتجديف يُغفر للناس‪ ،‬أما التجديف على الروح القدس فلن يُغفر"‬
‫(متى‪ .)21:32‬إلنّ رحمة هللا ال ح ّد لها‪ ،‬ولكن من يرفض عن رؤية تقبُّل رحم ِة هللا بالندامة يأبى‬
‫والخالص الذي يُق ّدمه الروح القدس‪ .‬ويمكن أن يقود مث ُل هذا التصلّب إلى إنتفاء‬
‫َ‬ ‫غفران خطاياه‬
‫التوبة األخيرة وإلى الخسارة األبدية‪.‬‬

‫‪ .ً1‬تكاثر الخطايا‬
‫‪ -0111‬الخطيئة تست ِجرُّ إلى الخطيئة‪ ،‬و ُتولّد الرذيلة بتكرار األفعال ذاتها‪ .‬فينتج من ذلك أميال‬
‫أثيمة ُتظلم الضمير‪ ،‬و ُتفسد التقويم العمليّ للخير والشرّ ‪ .‬وهكذا تسعى الخطيئة إلى التكاثر‬
‫واالستقواء‪ ،‬ولك ّنها ال تستطيع استئصال الحسّ األخالقي من جذوره‪.‬‬
‫ُ‬
‫ربطها بالخطايا الرئيسة التي‬ ‫‪ -0111‬يمكن تقسيم الرذائل بحسب الفضائل التي ُتضا ُّدها‪ ،‬أو‬
‫ميّزتها الخبرة المسيحية في أثر القديس يوحنا كاسيان والقديس غريغوريوس الكبير‪ .‬و ُتدعى‬
‫رئيسة أل ّنها ُتولّد خطايا أخرى ورذائل أخرى‪ .‬وهي الكبرياء‪ ،‬والبخل‪ ،‬والحسد‪ ،‬والغضب‪،‬‬
‫والنجاسة‪ ،‬والشراهة‪ ،‬والكسل (أو االسيديا)‪.‬‬
‫ي أيضا ً أن هناك "خطايا تصرخ إلى السماء"‪ .‬فيصرخ إلى‬ ‫‪ -0111‬يذك ُر التعليم الديني التقليد ّ‬
‫السماء‪ :‬دم هابيل‪ ،‬وخطيئة السّدوميين‪ ،‬وهتاف الشعب المظلوم في مصر‪ ،‬وشكوى الغريب‬
‫واألرملة واليتيم‪ ،‬وظلم األُجراء‪.‬‬
‫‪ -0111‬الخطيئة فعل شخصيّ ‪ .‬وعالو ًة على ذلك نتحمّل مسؤولية عن خطايا اآلخرين عندما‬
‫نشارك فيها‪:‬‬
‫‪ -‬بالمشاركة المباشرة والطوعيّة‪،‬‬
‫‪ -‬باألمر أو المشورة بها‪ ،‬أو ّ‬
‫الثناء أو الموافقة عليها‪،‬‬
‫‪ -‬بعدم الكشف عنها أو منع حدوثها‪ ،‬عندما يكون ذلك لزاما ً علينا‪،‬‬
‫‪ -.‬بحماية من يصنعون الشرّ‬
‫ُ‬
‫‪ -0111‬هكذا تجع ُل الخطيئة الناس متواطئين بعضهم مع بعض‪ ،‬و ُتسلُّط بينهم الشهوة والعنف‬
‫حدث الخطايا أوضاعا ً اجتماعية ومؤسّسات مخالفة للجودة اإللهية‪.‬‬ ‫والظلم‪ ،‬و ُت ً‬
‫"وهيكليات الخطيئة" هي التعبير عن الخطايا الشخصيّة ونتيجتها‪ .‬إ ّنها تحمل ضحاياها على أن‬
‫يصنعوا هم أيضا ً الشرّ ‪ .‬وهي‪ ،‬على سبيل التشبيه‪ُ ،‬تكوِّ ن "خطيئة اجتماعية"‪.‬‬

‫بإيجاز‬
‫‪ -0111.‬إنّ هللا قد أغلق على الجميع في المعصية لكي يرحم الجميع‪( ،‬رو‪)20 :44‬‬
‫‪ -0110‬الخطيئة هي "كلمة أو فعل أو شهوة تخالف الشريعة األزلية"‪ .‬إ ّنها إهانة هلل‪ ،‬وهي تقف‬
‫في وجهه في عصيان يخالف خضوع المسيح‪.‬‬
‫ي‪.‬‬
‫‪ -0114‬الخطيئة فعل يخالف العقل‪ ،‬ويجرح الطبيعة البشريّة‪ ،‬ويسيء إلى التضامن البشر ّ‬

‫‪59‬‬
‫‪ -0111‬أصل كل الخطايا هي في قلب اإلنسان‪ .‬و ُتقاس أنواعُها وجسام ُتها خصوص ًا بالنسبة إلى‬
‫موضوعها‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ -0112‬االختيار الصادر عن رؤية‪ ،‬أي عن معرفة وإرادة‪ ،‬لشيء يخالفُ مخالفة كبير ًة شريعة‬
‫هللا والغاية القصوى لإلنسان‪ ،‬هو خطيئة مميتة‪ .‬وهذه تقضي فينا على المحبّة التي بدونها تكون‬
‫السعادة األبدية مستحيلة‪ .‬وهي‪ ،‬بدون الندامة‪ ،‬تسبّب الموت األبدي‪.‬‬
‫‪ -0111‬الخطيئة العرضيّة هي انحرف أخالق ّي يمكن أن ُتصلِحه المحبّة التي ُتبقيها فينا تلك‬
‫‪.‬الخطيئة‬
‫‪ -0111.‬تكرار الخطايا‪ ،‬حتى العرضيّة‪ ،‬يو ّلد الرذائل التي نميّز بينها الخطايا الرئيسة‬

‫الفصل الثاني‬
‫الجماعة البشرية‬

‫‪ -0111‬إنّ دعوة البشرية هي في إظهار صورة هللا والتحوّ ل للتصوّ ر بصورة االبن والوحيد‬
‫لآلب‪ .‬وهذه الدعوة لها طابع شخصيّ ‪ ،‬ألنّ ك ّل واحد مدعوٌّ إلى الدخول في السعادة األبدية‪ .‬وهي‬
‫أيضا ً ذات عالقة بالجماعة البشرية بأكملها‪.‬‬

‫المقال األول‬
‫الشخص والمجتمع‬

‫‪ .ً0‬السمة الجماعية للدعوة البشرية‬


‫شبه بين وحدة‬ ‫‪ -0111‬الناس بأجمعهم مدعوّ ون إلى غاية واحدة هي هللا نفسه‪ .‬وهناك بعض ال ّ‬
‫األقانيم اإللهيّة واألخوّ ة التي يجب على الناس أن يُقيموها في ما بينهم‪ ،‬في الحقيقة والمحبّة‪ .‬فمحبّة‬
‫القريب ال تنفصل عن محبّة هللا‪.‬‬
‫‪ -0111‬يحتاج الشخص البشريّ إلى الحياة االجتماعية‪ .‬وهي بالنسبة إليه ليست شيئا ً مضافاً‪،‬‬
‫وإ ّنما من مقتضيات طبيعته‪ .‬فاإلنسان بالتواصل مع إخوته‪ ،‬وتبادل الخدمات والحوار‪ ،‬يُنمّي قواه‬
‫ويلبّي هكذا دعو َته‪.‬‬
‫‪ -0111‬المجتمع هو فريق من األشخاص المرتطين عضو ّيا ً بمبدإ يوحّ دهم ويتجاوز كالًّ منهم‪.‬‬
‫هذه الجماعة المنظورة والروحيّة في آن واحد‪ ،‬تدوم في الزمن‪ ،‬فتتقبّل الماضي وتهيّئ المستقبل‪.‬‬
‫وبها يصير ك ّل إنسان "وريثاً"‪ ،‬ويتقبّل "وزنات" ُتغني هويّته‪ ،‬ويكون ُملزما ً بتنمية ثمارها‪ .‬وعلى‬
‫بحق أن يبذل الذات في سبيل الجماعات التي هو عضو فيها‪ ،‬وأن يحترم السلطات‬ ‫ك ّل واحد ّ‬
‫المسؤولة عن الخير العام‪.‬‬
‫‪ -0110‬يح ِّدد ك ّل جماعة هدفها‪ ،‬فتخضع بالتالي لقواع َد خاصة‪ .‬ولكنّ "الشخص البشري هو‪،‬‬
‫‪.‬ويجب أن يكون‪ ،‬مبدأ جميع المؤسّسات االجتماعية‪ ،‬ومر َّدها وغايت َتها؟‬
‫‪ -0114‬بعض المجتمعات‪ ،‬من مثل األسرة والمدينة‪ ،‬هي أكثر تناسبا ً مع الطبيعة البشريّة‪ ،‬فهي‬
‫ضروريّة لها‪ .‬وال ب ّد في سبيل تعزيز مشاركة العدد األكبر في الحياة االجتماعية‪ ،‬من التشجيع‬
‫على إيجاد تجمُّعات ومؤسّسات مختارة "ذات أهداف اقتصادية‪ ،‬وثقافيّة‪ ،‬واجتماعية‪ ،‬ورياضيّة‪،‬‬
‫و َتسع لويّة‪ ،‬و َمهنيّة‪ ،‬وسياسيّة‪ ،‬في داخل الجماعات السياسيّة كما على الصعيد العالمي" وهذا‬
‫"التجمع" يعبّر أيضا ً عن النزعة الطبيعية التي تحمل الناس على التشارك في سبيل بلوغ أهداف‬

‫‪60‬‬
‫تتجاوز اإلمكانات الفردية‪ .‬وهو ينمّي صفات الشخص‪ ،‬وعلى الخصوص‪ ،‬حسّ المبادرة‬
‫والمسؤولية عنده‪ .‬وهو يساعد على كفالة حقوقه‪.‬‬
‫فتدخل الدولة المُفرط يمكن أن يُه ّدد الحرّ ية والمبادرة الشخصيّتين‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫‪ -0111‬للتجمع أيضا ً أخطار‪.‬‬
‫ّ‬
‫يتدخ َل‬ ‫وقد أع َّدت الكنيسة في عقيدتها مبدأ ُدعي "بالتسلسل ّية"‪ .‬ومؤ ّداه "أن ليس لمجتمع أعلى أن‬
‫في الحياة الداخليّة لمجتمع أدنى بحرمانه من صالحيّاته‪ ،‬بل عليه باألحرى ان يسانده عند‬
‫الضرورة وأن يساعده على تنسيق عمله مع عمل العناصر األخرى التي تؤلف المجتمع في سبيل‬
‫الخير العام"‪.‬‬
‫‪ -0112‬لم يشإِ هللا أن يحتفظ لنفسه بممارسة ك ّل السلطات‪ .‬فهو يعطي ك ّل خليقة الوظائف التي‬
‫ط الحكم هذا يجب أن يُقتدى به في‬ ‫يمكنها ان ُتمار َسها بحسب إمكانات طبيعتها الخاصّة‪ .‬و َن َم ُ‬
‫الحياة االجتماعية‪ .‬وتصرُّ فُ هللا في ُح عكم العالم‪ ،‬الذي يُظهر الكثير من المراعاة للحرّ ية البشريّة‪،‬‬
‫ُلهم حكم َة من يحكمون الجماعات البشريّة‪ .‬فعليهم أن يتصرّفوا كمُع َتمدين للعناية‬ ‫يجب أن ي ِ‬
‫اإللهية‪.‬‬
‫تدخل الدولة‪ ،‬قاصداً انسجام‬ ‫‪ -0111‬يقاوم مبدأ التسلسلية كل أشكال الجماعية‪ ،‬ويضع حدو َد ُّ‬
‫العالئق بين األفراد والمجتمعات وساعيا ً إلى إقامة نظام دوليّ حقيقيّ‪.‬‬

‫‪ .ً4‬التوبة والمجتمع‬
‫‪ -0111‬ال ب ّد من المجتمع لتحقيق الدعوة البشريّة‪ .‬ولبلوغ هذا الهدف ال ب ّد من احترام التراتبية‬
‫الصحيحة بين القيم التي " ُتخضع األبعاد الطبيعية والغريزيّة لألبعاد الداخليّة والروحيّة"‪.‬‬
‫عارف في ضوء‬
‫َ‬ ‫"يجب أن يُنظر إلى الحياة في المجتمع‪ ،‬قبل كل شيئ‪ ،‬كحقيقة من نمط روحيّ ‪ .‬فهي تبا ُدل َم‬
‫وممارسة حقوق واضطالع بواجبات‪ ،‬وتنافس في السعي إلى الخير األخالقيّ ‪ ،‬ومشاركة في التم ّتع‬ ‫ُ‬ ‫الحقيقة‪،‬‬
‫ٌّ‬ ‫ّ‬
‫الكريم بالجمال في ك ّل تجلياته المشروعة‪ ،‬واستعداد دائم اليصال أفضل ما في الذات إلى اآلخرين‪ ،‬وتوق عا ٌّم‬
‫إلى إثراء روحيّ مستمرّ ‪ .‬تلك هي القيم التي يجب ان ُتنعش وتوجّ ه الحركة الثقافية‪ ،‬والحياة اإلقتصادية‪ ،‬والتنظيم‬
‫‪.‬االجتماعي‪ ،‬والحركات واألنظمة السياسية‪ ،‬والتشريع‪ ،‬وك ّل تجلّيات الحياة االجتماعية في تطوّ رها ال ّدائم"‬
‫ب الوسائل والغايات الذي يبلغ ح ّد إيال ِء قيمة الغاية القصوى إلى ما ليس سوى‬ ‫‪ -0111‬إنّ عقل َ‬
‫وسيلة إليها‪ ،‬أو النظر إلى األشخاص كوسائل فقط إلى هدف‪ ،‬يولّد هيكليّات ظالمة "تجعل السلوك‬
‫‪.‬المسيحي الموافق لوصايا المشترع اإللهي شاقّا ً ومستحيالً عمل ّياً"‬
‫‪ -0111‬فيجب عندئذ استنهاض االمكانات الروحيّة واألخالقيّة للشخص‪ ،‬والمقتضيات الدائمة‬
‫لتوبته الداخل ّية‪ ،‬للحصول على تغييرات اجتماعية تكون حقيق ًة في خدمته‪ .‬واألولويّة المع َترفُ‬
‫فرض‪ ،‬واجب إجراء االصالحات المناسبة‬ ‫بها لتوبة القلب ال ُتلغي إطالقاً‪ ،‬بل هي على العكس َت ِ‬
‫وتعزز الخير عوضا ً من‬ ‫ّ‬ ‫على المؤسّسات‪ ،‬وعلى أوضاع الحياة‪ ،‬حتى تتوافق مع قواعد العدل‪،‬‬
‫إعاقته‪.‬‬
‫‪ -0111‬بدون اللجوء إلى النعمة ال يستطيع الناس "كشف السبيل الضيق مراراً كثيرة بين ال ُجبعن‬
‫الذي يستسلم للشرّ والعنف الذي يجعله يتفاقم وهو يظنّ أنه يقاتله"‪ .‬إ ّنه سبيل المحبّة‪ ،‬أي محبّة هللا‬
‫والقريب‪ .‬فالمحبّة هي أعظم الوصايا االجتماعية‪ .‬إ ّنها تحترم اآلخرين وحقوقهم‪ ،‬وتقتضي‬
‫ممارسة العدل‪ ،‬وهي وحدها تجعلنا قادرين على ذلك‪ .‬إ ّنها ُتلهم حيا ًة ملؤها بذل الذات‪" :‬من طلب‬
‫أنع يخلّص نفسه يُهلكها‪ ،‬ومن أهلكها حفظها"‪( .‬لو ‪.)33 :27‬‬

‫بإيجاز‬
‫‪ -0111‬هناك بعض الشبه بين وحدة األقانيم اإللهيّة واألخوّ ة التي يجبّ على الناس أن يقيموها‬
‫فيما بينهم‪.‬‬
‫‪61‬‬
‫ي إلى الحياة االجتماعية لينمو نموّ ًا يتوافق مع طبيعته‪ .‬بعض‬ ‫‪ -0110‬يحتاج ال ّشخص البشر ّ‬
‫المجتمعات‪ ،‬من مثل األسرة والمدينة‪ ،‬هي أكثر تناسب ًا مع الطبيعة البشريّة‪.‬‬
‫ي هو‪ ،‬ويجب أن يكون‪ ،‬مبدأ جميع المؤسسات االجتماعية ومر ّدها‬ ‫‪" -0114‬الشخص البشر ّ‬
‫‪.‬وغايتها"‬
‫‪ -0111.‬يجب التشجيع على مشاركة واسعة في تجمّعات ومؤسسات مختارة‬
‫ي مجتمع أوسع مقام مبادرة األشخاص‬ ‫‪ -0112‬بحسب مبدإ ِ التسلسلية أن ال تقوم الدولة وال أ ّ‬
‫والتجمّعات الوسيطة ومسؤوليّتهم‪.‬‬
‫يعزز ممارسة الفضائل ال أن يعيقها‪ .‬ويجب أن يستلهم تراتبيّة صحيحة‬ ‫‪ -0111‬على المجتمع أن ّ‬
‫للقيم‪.‬‬
‫ّ‬
‫المناخ االجتماعيّ‪ ،‬ال ب ّد من اللجوء إلى توبة القلوب وإلى نعمة هللا‪.‬‬ ‫ُ‬
‫الخطيئة‬ ‫‪ُ -0111‬‬
‫حيث ُتفسد‬
‫المحبّة تحمل على إجراء إصالحات صحيحة‪ .‬وليس من ح ّل للمسألة االجتماعية خارج اإلنجيل‪.‬‬

‫المقال الثاني‬
‫المشاركة في الحياة االجتماعية‬

‫سلطة‬
‫‪ .ً0‬ال ُّ‬
‫ّ‬
‫‪" -0111‬إنّ الحياة في المجتمع سينقُصُها النظام وال ِخصع ب إن افتقدت وجود أناس يتولون السلطة‬
‫‪.‬على وجه شرعيّ‪ ،‬ويؤمّنون حفظ المؤسسات‪ ،‬ويصرفون العناية‪ ،‬بقدر كاف‪ ،‬إلى الخير العام"‬
‫شرائع وإعطاء أوامر للناس‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫الصفة التي ُتخوّ ل أشخاصا ً أو مؤسسات إقرار‬ ‫ً‬
‫"سلطة"‬ ‫ُتدعى‬
‫ب الخضوع من قبلهم‪.‬‬ ‫وتر ُّق َ‬
‫‪ -0111‬ك ُّل جماعة بشريّة هي في حاجة إلى سلطة تسوسها‪ .‬واساس هذه السلطة موجود في‬
‫الطبيعة البشريّة‪ .‬فهي ضروريّة لوحدة المدينة‪ .‬ومهمّتها االضطالع قدر اإلمكان بخير المجتمع‬
‫العام‪.‬‬
‫ُ‬
‫‪ -0111‬السلطة التي يقتضيها النظا ُم األخالقيّ هي من هللا‪" :‬ليخضعع ك ّل واحد للسلطات الم َنصَّبة‪،‬‬
‫فإ ّنه ال سلطان إال ّ من هللا‪ .‬والسلطات الكائنة إ ّنما ر ّتبها هللا‪ .‬فمن يقاوم السلطان إذن فإ ّنما يُعاند‬
‫ترتيب هللا‪ ،‬والمعاندون يجلبون الدينونة على أنفسهم" (رو‪.)1-2 :3‬‬
‫‪ -0111‬واجب الطاعة يفرض على الجميع أن يؤ ّدوا للسلطة اإلكرام الواجب لها‪ ،‬وان يحوّ طوا‬
‫باالحترام األشخاص الذين يُمارسون مهامّها‪ ،‬وكذلك‪ ،‬حسب استحقاقهم‪ ،‬بالشكران والمحاسنة‪.‬‬
‫نجد بقلم بابا روما القديس إكليمنضوس‪ ،‬أقدم صالة كنسيّة ألجل السلطة السياسية‪:‬‬
‫"إمنحهم يا رب‪ ،‬الصحة والسالم والوفاق واالستقرار‪ ،‬حتى يُمارسوا‪ ،‬دون مضايقة‪ ،‬الرئاسة التي أولي َتهم إيّاها‪.‬‬
‫فأنت أيّها السيّد‪ ،‬ملك األجيال السماويّ ‪ ،‬من يعطي أبناء البشر المجد والشرف والسلطان على شؤون االرض‪.‬‬
‫مشورتهم إلى ما هو خير‪ ،‬وما هو مرضيٌّ لديك‪ ،‬حتى إذا ما مارسوا بتقوى في السالم والحلم‪،‬‬
‫َ‬ ‫س ّدد يا رب‬
‫‪.‬السلطان الذي أولي َتهم إيّاه‪ ،‬يُحرزون رضاك"‬
‫‪ -0110‬إذا كانت السلطة ُترجع إلى نظام وضعه هللا‪" ،‬فتحدي ُد االنظمة السياسية‪ ،‬وتعيينُ الح ّكام‪،‬‬
‫‪.‬يجب أن يُتركا إلردة المواطنين الحرّ ة"‬
‫تنوّ ع االنظمة السياسية من الوجهة األخالقيّة بشرط أن تؤ ّدي إلى الخير المشروع للجماعة التي‬
‫ترتضيها‪ .‬واألنظمة المخالفة بطبيعتها للشريعة الطبيعية‪ ،‬وللنظام العام‪ ،‬ولحقوق األشخاص‬
‫الخير العا َّم لالمم التي َفرضت نفسها عليها‪.‬‬
‫َ‬ ‫األساسية‪ ،‬ال يمكنها أن توفّر‬

‫‪62‬‬
‫السلطة من ذاتها شرعيّتها األخالقية‪ .‬وعليها أن ال تسلك سلوك االستبداد‪ ،‬بل أن‬ ‫ُ‬ ‫‪ -0114‬ال تستم ّد‬
‫تعم َل ألجل الخير العام "كقوّ ة معنويّة مؤسسة على الحرّ ية وحسّ المسؤوليّة"‪.‬‬
‫ُ‬
‫سمة الشريعة إالّ بنسبة موافقته للعقل السليم‪ ،‬ومن هنا يظهر أنه يستم ّد قوّ ته من‬ ‫"ال يكون للتشريع البشري‬
‫الشريعة األزليّة‪ .‬وبمقدار انحرافه عن العقل يجب إعالنه جائراً أل ّنه ال يح ّقق مفهوم الشريعة‪ .‬إ ّنما يصبح شكالً‬
‫من أشكال العنف"‪.‬‬
‫‪ -0111‬ال تكون ممارسة السلطة شرعية إال ّ إذا سعت هذه إلى الخير العا ّم للمجموعة ذات‬
‫العالقة‪ ،‬وإال ّ إذا استعملت‪ ،‬في سبيل ذلك‪ ،‬وسائل جائرة‪ .‬أمّا إذا ا ّتفق للقادة ان يُصدروا شرائع‬
‫جائرة وي ّتخذوا قرارات مخالفة للنظام األخالقيّ ‪ ،‬فليس لهذه اإلجراءات أيّ قوّ ة إلزاميّة بالنسبة‬
‫ً‬
‫سلطة وإ ّنما تتحوّ ل إلى تعسّف"‪.‬‬ ‫إلى الضمير‪" .‬وفي مثل هذه الحال ال تبقى السلطة‬
‫‪" -0112‬من األفضل أن يوازن ك َّل سلطة سلطات أخرى‪ ،‬وصالحيات أخرى ُتبقيها ضمن‬
‫الحدود الصحيحة‪ .‬وهذا هو مبدأ "دولة القانون" التي تكون فيها الرئاسة للشريعة ال إلرادات‬
‫‪.‬البشر العشوائيّة"‬

‫‪ .ً4‬الخير العام‬
‫‪ -0111‬خي ُر ك ّل واحد‪ ،‬وفقا ً لطبيعة اإلنسان االجتماعية‪ ،‬هو بالضرورة على عالقة بالخير العا ّم‪.‬‬
‫وال يمكن تحدي ُد الخير العا ّم إال بالنسبة إلى الشخص البشريّ ‪:‬‬
‫"ال تعيشوا منعزلين‪ ،‬منقبضين في ذواتكم‪ ،‬كما لو أ ّنكم أصبحتم مبرّ رين‪ ،‬ولكن تجمّعوا لتسعوا معا ُ إلى ما فيه‬
‫الخير العا ّم"‪.‬‬
‫‪ -0111‬بالخير العا ّم يجب أن نفهم "مجموعة األوضاع االجتماعية التي تسمح للجماعات‬
‫ولألفراد من أعضائها أن يبلغوا كمالهم بوجه أت ّم وأسهل"‪ .‬فالخي ُر العا ّم يه ّم حياة جميع الناس‪.‬‬
‫وهو يقتضي الفطنة من ك ّل واحد‪ ،‬وفي األكثر ممن يضطلعون بمهمّة السلطة‪ .‬وهو يتضمّن ثالثة‬
‫عناصر أساس ّية‪:‬‬
‫‪ -0111‬إ ّنه يفترض أوالً احترام الشخص بصفته هذه‪ .‬فالسلطات العموميّة مُلزمة‪ ،‬باسم الخير‬
‫العام‪ ،‬باحترام حقوق الشخص البشريّ األساسيّة والتي ال يمكن التخلّي عنها‪ .‬وعلى المجتمع أن‬
‫يُم ِّكن ك ّل عضو فيه من تحقيق دعوته‪ .‬والخير العا ّم يقوم خصوصا ً على توفير الشروط لممارسة‬
‫حق التصرّف وفاقا ً لقاعدة‬ ‫الحرّ يات الطبيعية التي ال ب ّد منها لتف ّتح الدعوة اإلنسانية‪" :‬هكذا‪ّ :‬‬
‫وحق صيانة الحياة الخاصّة والحرّية الصحيحة الممت ّدة إلى األمور الدينية‬ ‫ّ‬ ‫الضمير القويمة‪،‬‬
‫‪.‬أيضاً"‬
‫َ‬
‫والتنمية للمجموعة ذاتها‪.‬والتنمية هي‬ ‫‪ -0111‬الخير العا ّم يتطلّب ثانيا ً الرفاه ّية االجتماعية‬
‫خالصة جميع الواجبات االجتماعية‪ .‬أجل‪ ،‬يعود إلى السلطة أن تح ُكم‪ ،‬باسم الخير العا ّم‪ ،‬بين‬
‫ً‬
‫عيشة‬ ‫المصالح الفردية المتنوّ عة‪ .‬ولكنّ عليها أن ُتم ِّكن ك ّل إنسان مما يحتاج إليه لكي يعيش‬
‫إنسانيّة حقيقيّة‪ :‬من غذاء‪ ،‬ولباس‪ ،‬وصحّ ة‪ ،‬وعمل‪ ،‬وتربية‪ ،‬وثقافة‪ ،‬وإعالم الئق‪ ،‬وحق تأسيس‬
‫العائلة‪.‬‬
‫‪ -0111‬والخير العا ّم يتضمّن أخيراً السالم‪ ،‬اي دوا َم نظام عادل وأمانه‪ .‬فيفترض إذن قيام‬
‫الحق في الدفاع المشروع‬ ‫ّ‬ ‫السلطة بتوفير األمان للمجتمع وألعضائه بوسائل قويمة‪ .‬وهو أساس‬
‫الشخصيّ واالجتماعيّ ‪.‬‬
‫‪ -0101‬إذا كان لك ِّل جماعة بشريّة خير عا ٌّم يم ِّكنها من أن تعرف نفسها بتلك الصفة‪ ،‬ففي‬
‫عزز الخير العا ّم للمجتمع‬ ‫الجماعة السياسية تجد تحقيقه األكمل‪ .‬ويعود إلى الدولة أن تصون و ُت ّ‬
‫المدنيّ للمواطنين وللهيئات الوسيطة‪.‬‬

‫‪63‬‬
‫‪ -0100‬إنّ العالئق البشرية ّ‬
‫تتوثق عُراها‪ .‬وهي تع ّم رويداً رويداً األرض كلّها‪ .‬ووحدة األسرة‬
‫ع‬
‫بكرامة إنسانيّة متساوية‪ ،‬تنطوي على خيرّ عا ّم شامل‪ .‬وهذا‬ ‫البشرية التي تض ُّم كائنات تتم ّتع‬
‫يتطلّب تنظيما ً لجماعة األمم قادراً على "توفير األمور المختلفة التي يحتاج إليها الناس‪ ،‬سواء كان‬
‫ذلك في نطاق الحياة االجتماعية (من مثال الغذاء والصحية والتربية‪ ).....‬أو كان ذلك في سبيل‬
‫التص ّدي ألوضاع خاصّة قد تطرأ هنا وهناك (من مثل كشف الش ّدة عن الالجئين‪ ،‬أو م ّد يد‬
‫المعونة إلى المتغربّين وعيالهم)‪.‬‬
‫‪ -0104‬الخي ُر العا ّم يُوجَّ ه دائما ً نحو تق ّدم األشخاص‪" :‬فنظام األشياء يجب أن يخضع لنظام‬
‫األشخاص‪ ،‬وال يعكس ذلك"‪ .‬واساس هذا النظام الحقيقة‪ ،‬وهو يبنى في العدل‪ ،‬ويحيا بالمحبّة‪.‬‬

‫‪ .ً1‬المسؤولية والمشاركة‬
‫‪ -0101‬المشاركة في إلتزام الشخص التزاما ً إراد ّيا ً وكريما ً بالتبادالت االجتماعية‪ .‬فمن‬
‫الضروريّ أن يشارك الجميع‪ ،‬ك ّل بحسب الموقع الذي هو فيه والدور الذي يقوم به‪ ،‬في تعزيز‬
‫الخير العا ّم‪ .‬وهذا الواجب مالزم للطبيعة البشرية‪.‬‬
‫‪ -0102‬تت ّم هذه المشاركة أوّ الً باضطالع اإلنسان بمها ّم القطاعات التي هو مسؤول عنها‬
‫شخص ّيا‪ .‬فهو باعتناقه بتربية أسرته‪ ،‬وبتقيّده بالضمير في عمله‪ ،‬يشارك في خير اآلخرين‬
‫والمجتمع‪.‬‬
‫ّالة في الحياة العامة‪ .‬ويمكن أن‬‫كة فع ً‬‫‪ -0101‬على المواطنين أن يشاركوا‪ ،‬قدر المستطاع‪ ،‬مشار ً‬
‫تتنوّ ع أساليب هذه المشاركة بتنوّ ع البلد والثقافات‪" .‬و ِنعع َم ال َمسلك الذي تسل ُكه الدول التي يشترك‬
‫‪.‬فيها أكبر عدد ممكن من المواطنين في شؤونها العامّة"‬
‫‪ -0101‬مشاركة الجميع في قيام الخير العام تقتضي‪ ،‬ككل واجب أخالقي‪ ،‬اهتداء الشركاء‬
‫االجتماعيين بوجه ال يني يتج ّدد‪ .‬فمن الواجب القضا ُء بقوّ ة على الغشّ وأساليب االحتيال األخرى‬
‫التي يستخدمها بعضهم لإلفالت من قيد الشريعة وفرائض الواجب االجتماعي‪ ،‬أل ّنها تتنافى‬
‫ومقتضيات العدل‪ .‬ويجب االهتمام بنموّ المؤسسات التي ُتحسِّن أوضاع الحياة البشرية‪.‬‬
‫تثبيت الق َيم التي تجتذب ثقة أعضاء المجموعة‬ ‫ُ‬ ‫‪ -0101‬يعود إلى من يضطلعون بالسلطة‬
‫ّ‬
‫ليحق التفكير‬ ‫وتحضّهم على أن يكونوا في خدمة اآلخرين‪ .‬وتبدأ المشاركة بالتربية والثقافة‪" :‬إنه‬
‫في أنّ مصير االنسانية هو في أيدي أوالئك الذين استطاعوا أن يُق ّدموا لألجيال اآلتية أسباب‬
‫‪.‬الحياة واألمل"‬

‫بإيجاز‬

‫والسلطات القائمة إ ّنما ر ّتبها هللا" (الو‪.)4 :42‬‬


‫ُ‬ ‫‪" -0101‬ال سلطان إ ّال من هللا‪،‬‬
‫‪ -0101‬ك ّل جماعة بشريّة هي في حاجة إلى سلطة لتبقى وتنمو‪.‬‬
‫‪" -0141‬إنّ الجماعة السيّاسية والسلطة العامّة تقومان أساس ًا على الطبيعة البشريّة‪ ،‬وهما بذلك‬
‫ترجعان إلى نظام من وضع هللا"‪.‬‬
‫ممارسة شرعية إذا الزمت السعي إلى الخير العامّ في المجتمع‪ ،‬وال بد‬ ‫ً‬ ‫مارس السلطة‬ ‫‪ُ -0140‬ت َ‬
‫لها‪ ،‬كي تبلغه‪ ،‬من استخدام وشائل مقبولة أخالق ّي ًا‪.‬‬
‫‪-0144‬تنوّ ُع األنظمة السياسية مشروع‪ ،‬إذا أ ّدت إلى خير الجماعة‪.‬‬
‫مارس السلطة السياسية في حدود النظام األخالقيّ‪ ،‬وأن َتك َفل شروط ممارسة‬ ‫‪ -0141‬يجب أن ُت َ‬
‫الحرّية‪.‬‬

‫‪64‬‬
‫‪ -0142‬الخير العام ينطوي على "مجموعة األوضاع االجتماعية التي تسمح للجماعات واألفراد‬
‫أن يبلغوا كمالهم بوجه أتمّ وأسهل"‪.‬‬
‫‪ -0141‬الخير العام يتضمّن ثالثة عناصر أساسية‪ :‬احترام حقوق الشخص األساسية وتعزيزها‪،‬‬
‫االزدهار أو النموّ في خيور المجتمع الروحية والزمنية‪ ،‬السالم واألمان للمجموعة وأعضائها‪.‬‬
‫ي تقتضي السعي إلى الخير العام‪ .‬وعلى ك ّل واحد أن يهتمّ بإنشاء‬ ‫‪ -0141‬كرامة الشخص البشر ّ‬
‫أوضاع الحياة البشرية وبمساندها‪.‬‬
‫َ‬ ‫مؤسسات ُتحسِّن‬
‫‪ -0141‬يعود إلى الدولة أمر صيانة الخير العامّ في المجتمع المدن ّي وتعزيزه‪ .‬والخير العام‬
‫لألسرة البشرية جمعاء يتط ّلب تنظيم المجتمع الدوليّّ ‪.‬‬

‫الفصل الثالث‬
‫العدالة االجتماع ّية‬
‫‪ -0141‬يؤمِّن المجتم ُع العدالة اإلجتماعية عندما يوفّر الشروط التي تسمح للجماعات ولك ّل فرد‬
‫يحق لهم وفاقا ً لطبيعتهم ولدعوتهم‪ .‬والعدالة االجتماعية على صلة بالخير العا ّم‬
‫بالحصول على ما ُّ‬
‫وبممارسة السلطة‪.‬‬

‫‪ .ً0‬احترام الشخص البشري‬


‫‪ -0141‬ال يمكن بلوغ العدالة االجتماعية إال ّ في احترام كرامة اإلنسان السامية‪ .‬فالشخص هو‬
‫غاية المجتمع القصوى‪ ،‬وهذا إ ّنما هو مع ٌّد له‪.‬‬
‫" صيانة كرامة الشخص البشريّ وتعزيزها قد أودعنا إياهما الخالق‪ .‬والرجال والنساء هم‪ ،‬في ك ّل ظروف‬
‫التاريخ‪ ،‬مسؤولون ومطالبون بهما"‪.‬‬
‫‪ -0111‬يقتضي احترام الشخص البشريّ احترام الحقوق الناتجة من كرامته بكونه خليقة‪ .‬وهذه‬
‫الحقوق سابقة للمجتمع ومفروضة عليه‪ .‬وهي األساس الشرعي لك ّل سلطة‪ .‬فإذا ازدراها‬
‫المجتمع‪ ،‬أو أبى االعتراف بها في تشريعه الوضعي‪ ،‬فهو يقوّ ض شرعيته األخالقية الخاصة‪.‬‬
‫وبدون هذا االحترام‪ ،‬ال تستطيع السلطة أن تستند إال ّ إلى القوّ ة أو العنف لتحصل على طاعة‬
‫رعاياها‪ .‬ويعود إلى الكنيسة أن تذ ّكر الناس ذوي االرادة الصالحة بهذه الحقوق‪ ،‬وأن تميّزها من‬
‫المطالب التعسّفية أو الباطلة‪.‬‬
‫‪ -0110‬يمرُّ احترام األشخاص من خالل احترام المبدأ‪" :‬ليلتزم اإلنسان باعتبار القريب‪ ،‬أ ّيا ً كان‬
‫في غير استثناء‪" ،‬كذات أخرى له"‪ .‬وليحسب حساباً‪ ،‬قبل ك ّل شيء‪ ،‬لوجوده وللوسائل الضرورية‬
‫التي يتم َّكن معها من العيش الكريم"‪ .‬وليس من تشريع يستطيع بذاته إزالة التخوّ فات‪ ،‬واألحكام‬
‫السابقة‪ ،‬ومواقف الكبرياء واأل َثرة التي ُتعيق انشاء مجتمعات أخوية حقّاً‪ .‬ولن تتوقّف هذه‬
‫التصرّ فات إال ّ مع المحبّة التي تجد في ك ِّل إنسان "قريبا ً" وأخاً‪.‬‬
‫‪ -0114‬واجبُ ا ّتخاذ اآلخر قريبا ً وخدمته بنشاط يصبح أكثر إلحاحا ً أيضا ً عندما يكون هذا في‬
‫َع َوز أش ّد‪ ،‬في أي مجال من المجاالت‪" .‬أن ك ّل ما صنعتموه إلى واحد من أخوتي الصغار‪ ،‬فإليَّ‬
‫قد صنعتموه" (متى‪.)41 :15‬‬
‫‪ -0111‬يمت ّد هذا الواجب نفسه إلى من يختلفون ع ّنا فكراً وفعالً‪ .‬وتعلي ُم المسيح يصل إلى ح ّد‬
‫اقتضاء مغفرة اإلساءات‪ .‬وهو يوسّع وصيّة المحبة‪ ،‬التي هي الوصيّة الجديدة‪ ،‬إلى جميع‬
‫األعداء‪ .‬فالتحرُّ ُر بحسب روح اإلنجيل ال يتالقى مع الحقد على العدوّ وبصفة كونه شخصا ً بل مع‬
‫الحقد على الشرّ الذي يصنعه بصفته عدوّ اً‪.‬‬

‫‪65‬‬
‫‪ .ً4‬المساواة واالختالفات بين البشر‬
‫‪ -0112‬بما أن جميع البشر قد ُخلقوا على صورة هللا األوحد‪ ،‬و ُخصّوا بنفس عاقلة واحدة‪ ،‬فهم‬
‫ذوو طبيعة واحدة وأصل واحد‪ .‬وبما انّ المسيح قد افتداهم بذبيحته‪ ،‬فهم مدعوّ ون إلى المشاركة‬
‫في السعادة اإللهية نفسها‪ :‬وهم يتم ّتعون إذن بكرامة متساوية‪.‬‬
‫‪ -0111‬المساواة بين البشر تقوم‪ ،‬في جوهرها‪ ،‬على كرامتهم الشخصيّة والحقوق الناجمة عنها‪:‬‬
‫"ك ّل نوع من أنواع التمييز في حقوق الشخص األساسية‪ ،‬سواء كان قائما ً على الجنس أو العرق‪ ،‬أو لون البشرة‪،‬‬
‫أو الوضع االجتماعي أو اللغة أو الدين‪ ،‬يجب تجاوزه على أ ّنه مخالف لتصميم هللا"‪.‬‬
‫‪ -0111‬ال يتم ّتع اإلنسان‪ ،‬عندما يأتي إلى العالم‪ ،‬بك ّل ما هو ضروريٌّ لنموّ حياته الجسدية و‬
‫الروحية‪ .‬إ ّنه بحاجة إلى اآلخرين‪ .‬فتظهر االختالفات المرتبطة بالسنّ ‪ ،‬واإلمكانات الطبيعية‪،‬‬
‫واإلمكانات الذهنية أو األخالقية‪ ،‬والتبادالت التي قد استفاد منها ك ّل واحد‪ ،‬وتوزيع الثروات‪.‬‬
‫توزع بالتساوي‪.‬‬ ‫"فالوزنات" لم ّ‬
‫خطة هللا‪ ،‬الذي يريد أن يتقبّل ك ُّل واحد من اآلخرين ما يحتاج‬ ‫‪ -0111‬هذه االختالفات داخلة في ّ‬
‫إليه‪ ،‬وأن يُشارك َمنع عندهم "وزنات" خاصة في فوائدها مّنع هم في حاجة إليها‪ .‬فاالختالفات‬
‫لزمُهم بها‪ .‬وهي تحفّز‬ ‫تشجّ ع األشخاص على األريحيّة والمحاسنة والمشاركة وأحيانا ً كثيرة ُت ِ‬
‫الثقافات على أن تغتني بعضها ببعض‪:‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وزعها بطريقة ما‪ ،‬حينا على أحدهم وحينا على‬ ‫ُ‬
‫"ال أعطي ك ّل الفضائل لك ّل واحد بالمساواة‪ ...‬فمنها جملة أ ّ‬
‫اآلخر‪ ...‬للواحد المحبة‪ ،‬ولآلخر العدل‪ ،‬ولهذا التواضع‪ ،‬ولذلك لإليمان الحي‪....‬وأما الخيرات الزمنية‪ ،‬واألشياء‬
‫ك ك ّل واحد ك ّل ما هو ضروريّ له حتى‬ ‫وزع ُتها بأكبر ال مساواة‪ .‬ولم أُ ِرد أن يمتل ّ‬
‫الضرورية لحياة اإلنسان‪ ،‬فقد ّ‬
‫ُ‬
‫واردت أن يكونوا في حاجة‬ ‫يكون هكذا للناس فرصة‪ ،‬بالضرورة‪ ،‬لكي يمارسوا المحبة بعضهم تجاه بعض‪.‬‬
‫ضهم إلى بعض‪ ،‬وأن يكونوا وكالئي لتوزيع النعم والحسنات التي تقبّلوها م ّني"‪.‬‬ ‫بع ُ‬
‫‪ -0111‬هناك أيضا ً أكثر من ال مساواة جائرة ُتصيبُ ماليين من الرجال والنساء‪ .‬وهي على‬
‫تناقض فاضح مع اإلنجيل‪:‬‬
‫"إنّ مساواة األشخاص في الكرامة يقتضي أن يتوصّل المجتم ُع إلى وضع حياتيّ أكثر عد ً‬
‫الة وأكثر إنسانية‪.‬‬
‫فالتفاوت االقتصاديّ واالجتماعيّ المُفرط بين أعضاء األسرة البشرية الواحدة أو بين شعوبها باعث على العثار‬
‫والشكّ‪ .‬وعقبة في طريق العدالة اإلجتماعية‪ ،‬واإلنصاف‪ ،‬وكرامة الشخص اإلنسانيّ والسالم االجتماعي‬
‫وال ّدوليّ "‪.‬‬

‫اإلنساني‬
‫ّ‬ ‫‪ .ً1‬التضامن‬
‫‪ -0111‬إنّ مبدأ التضامن‪ ،‬والذي يُدعى أحيانا ً باسم "الصداقة" أو "المحبّة االجتماعية" هو من‬
‫المقتضيات المباشرة لألُخوّ ة االنسانية والمسيحية‪:‬‬
‫هناك خطأ "واسع االنتشار اليوم‪ ،‬هو نسيان شريعة التضامن اإلنساني والمحبّة‪ ،‬التي يُمليها و َيفرضها األصل‬
‫المشترك والمساواةُ في الطبيعة العاقلة بين الناس‪ ،‬ومهما كان الشعب الذي ينتمون إليه‪ ،‬كما ُتمليها وتفرضها‬
‫أيضا ً ذبيحة الفداء‪ ،‬التي ق ّدمها يسوع المسيح على مذبح الصليب ألبيه السماوي‪ ،‬ألجل البشرية الخاطئة"‪.‬‬
‫‪َ -0121‬يظهر التضامن أوّ الً في توزيع الخيرات وأجع ر العمل‪ .‬وهو يفترضُ أيضا ً بذل الجهد في‬
‫سبيل نظام اجتماعي أكثر عدالة‪ ،‬يمكن فيه استيعاب التوترات بوجه أفضل‪ ،‬و ُتج ُد فيه النزاعات‪،‬‬
‫بوجه أسهل‪ ،‬حالًّ تفاوض ّياً‪.‬‬
‫‪ -0120‬ال يمكن إيجاد حلول للمشاكل االجتماعية االقتصادية إال ّ بمساندة جميع صيغ التضامن‪:‬‬
‫تضامن الفقراء فيما بينهم‪ ،‬واألغنياء والفقراء‪ ،‬والعمّال فيما بينهم‪ ،‬والعمّال وأصحاب العمل في‬
‫المؤسسة‪ ،‬والتضامن بين األمم والشعوب‪ .‬والتضامن ال ّدولي من مقتضيات النظام األخالقي‪ ،‬ألنّ‬
‫ُ‬
‫يرتبط به جزئ ّياً‪.‬‬ ‫السالم في العالم‬

‫‪66‬‬
‫‪-0124‬إنّ فضيلة التضامن تمت ُّد إلى أبع َد من الخيرات الماديّة‪ .‬والكنيسة عندما نشرت خيور‬
‫عززت باالضافة نموّ الخيور المادية‪ ،‬إذ فتحت أمامها مراراً ُس ُبالً جديدة‪.‬‬ ‫اإليمان الروحيّة‪ ،‬قد ّ‬
‫وهكذا تحقّقت على مدى القرون كلمة السيّد‪" :‬أُطلبوا أوّ الً ملكوت هللا وبرّ ه‪ ،‬وهذا كلّه يُزاد لكم"‬
‫(متى‪.)33 :6‬‬
‫"منذ ألفي سنة‪ ،‬تعيشُ و تستمرُّ روح الكنيسة تلك العاطفة التي دفعت وما زالت تدفع النفوس إلى بطولة المحبّة‪،‬‬
‫عند الرهبان الزرّاع‪ ،‬ومحرّ ري العبيد‪ ،‬وشافي المرضى‪ ،‬ورسل اإليمان والتم ّدن والعلم إلى كل األجيال وك ّل‬
‫‪.‬الشعوب‪ ،‬حتى يو ِجدوا أوضاعا ً اجتماعيّة ُتم ِّكنُ الجميع من أن يحيوا حياة الئقة باإلنسان المسيحي"‬

‫بإيجاز‬

‫‪ -0121‬يؤمّن المجتم ُع العدالة االجتماعية بتحقيق الشروط التي تسمح للجماعات ولألفراد‬
‫بالحصول على ما هو ٌّ‬
‫حق لهم‪.‬‬
‫ي َيعتب ُر اآلخر‪" ،‬كذات أخرى له" ويفترضُ احترام الحقوق‬ ‫‪ -3411‬احترام الشخص البشر ّ‬
‫األساسية الناجمة عن الكرامة المالزمة للشخص بذاته‪.‬‬
‫‪ -0121‬المساواة بين الناس تقوم على الكرامة الشخصيّة وعلى الحقوق الناجمة عنها‪.‬‬
‫‪ -0121‬االختالفات بين األشخاص هي بتدبير من هللا الذي يريد أن يحتاج بعضنا إلى بعض‪،‬‬
‫وعليها ان ُتشجَّ ع المحبّة‪.‬‬
‫‪ -0121‬المساواة في الكرامة بين األشخاص‪ ،‬اإلنسانية تقتضي بذل الجهد لتقليص الالمساواة‬
‫االجتماعيّة واالقتصاديّة المُفرطة‪ .‬وهي تحمل على إزالة ما هناك من ال مساواة جائرة‪.‬‬
‫ً‬
‫مشاركة‬ ‫‪ -0121‬التضامن فضيلة مسيحيّة بامتياز‪ .‬وهو يمارس المشاركة في الخيرات الروحيّة‬
‫تفوق أيض ًا تلك التي في الخيرات الما ّدية‪.‬‬

‫الفصل الثالث‬
‫خالص هللا‪ :‬الشريعة والنعمة‬

‫‪ -0121‬إنّ اإلنسان الذي ُدعي إلى السعادة وجرحته الخطيئة هو بحاجة إلى خالص هللا‪ .‬ويأتيه‬
‫العون اإللهيّ في المسيح بالشريعة التي توجّ هه وبالنعمة التي تعضده‪:‬‬
‫"إعملوا لخالصكم في خوف ورعدة‪ ،‬ألنّ هللا هو الذي يفعل فيكم اإلرادة والعمل نفسه على حسب مرضاته" (في‬
‫‪.)23-21 :1‬‬
‫المقال األول‬
‫الشريعة األخالق ّية‬

‫‪-0111‬الشريعة األخالقيّة هي من عمل الحكمة اإللهيّة‪ .‬ويمكن تحديدها‪ ،‬بالمعنى الكتابي‪ ،‬بأ ّنها‬
‫تعليم أبويّ وتربية من هللا‪ .‬إ ّنها ترسم لإلنسان ُس ُب َل السلوك وقواعدَه التي تقود إلى السعادة‬
‫الموعودة‪ ،‬وتحظر ُس ُب َل الشرّ التي تصرف عن هللا ومحبّته‪ .‬إ ّنها في آن واحد‪ ،‬متش ّددة في‬
‫أوامرها وطيبة في وعودها‪.‬‬
‫‪ -0110‬الشريعة قاعدةُ سلوك تضعها السلطة الصّالحة ألجل الخير العا ّم‪ .‬وتفترض الشريعة‬
‫األخالقيّة نظاما ً عقل ّيا ً قائما ً بين الخالئق ألجل خيرهم‪ ،‬وفي سبيل غايتهم‪ ،‬بقدرة الخالق وحكمته‬
‫وجودته‪ .‬وك ُّل شريعة تجد في الشريعة األزلية حقيقتها األولى والقصوى‪ .‬والشريعة يُعلنها‬

‫‪67‬‬
‫ويُنشئها العقل كمشاركة في عناية هللا الح ّي خالق الجميع وفاديهم‪" .‬إنّ َت َو ُّجه العقل هذا هو ما‬
‫يًسمّى بالشريعة"‪.‬‬
‫"يستطيع اإلنسان وحده‪ ،‬بين جميع الكائنات الحيّة‪ ،‬بأ ّنه كان جديراً بتقب ُِّل شريعة من هللا‪ .‬وبما أ ّنه اخ ًتصَّ بالعقل‪،‬‬
‫ينظ ُم سلو َكه مستعينا ً بالحرّية والعقل‪ ،‬خاضعا ً لمن سلّمه ك ّل شيء"‪.‬‬ ‫وكان قادراً على الفهم والتمييز‪ ،‬فهو ِّ‬
‫‪ -0114‬تتنوع التعابير عن الشريعة األخالقيّة‪ ،‬وهي كلُّها تتناسق بعضها مع بعض‪ :‬الشريعة‬
‫المنزلة التي تض ّم‬ ‫ّ‬ ‫األزليّة‪ ،‬هي‪ ،‬في هللا‪ ،‬ومصد ُر جميع الشرائع‪ ،‬الشريعة الطبيعية‪ ،‬والشريعة‬
‫الشريعة القديمة والشريعة الجديدة أو اإلنجيلية‪ ،‬وأخيراً الشرائع المدن ّية والكنسيّة‪.‬‬
‫الشريعة األخالقيّة في المسيح كمالَها ووح َد ّتها‪ .‬ويسوع المسيح هو بشخصه طريق‬ ‫ُ‬ ‫‪ -0111‬تجد‬
‫الكمال‪ .‬هو غاية الشريعة‪ ،‬أل ّنه وحده يُعلِّم ويعطي برّ هللا‪" :‬ألنّ غاية الناموس هي المسيح الذي‬
‫يبرّ ر كل من يؤمن" (رو‪.)4 :21‬‬

‫‪ .ً0‬الشريعة الطبيعية‬
‫والخالق يمنحه التسلّط على أعماله‪ ،‬والقدرة‬
‫ُ‬ ‫ك اإلنسانُ الخالق في حكمته وجودته‪.‬‬ ‫‪ -0112‬يشار ُ‬
‫ُ‬
‫الشريعة الطبيعية عن الحسّ األخالقيّ‬ ‫على التح ّكم بذاته في سبيل الحقيقة والخير‪ .‬و ُتعبّر‬
‫األصليّ ‪ ،‬الذي يسمح لإلنسان أن يميّز بالعقل ما هو الخير والشرّ ‪ ،‬والحقيقة والكذب‪:‬‬
‫"إنّ الشريعة مكتوبة ومحفورة في نفس ك ّل الناس وك ّل إنسان‪ ،‬أل ّنها العقل البشريّ الذي يأمر بالعمل الصالح‬
‫ً‬
‫وترجمة‬ ‫وينهي عن الخطيئة‪ .‬ولكنّ ما يرسمه العقل البشريّ ال يمكن أن تكون له قوّ ةُ الشريعة‪ ،‬ما لم يكن صوتا ً‬
‫لعقل أعلى ال ب ّد أن يخضع له عقلنا وحرّ يتنا"‪.‬‬
‫‪ -0111‬إنّ الشريعة "اإللهيّة والطبييعية" تبيّن لإلنسان السبيل الذي عليه أن يسلكه لممارسة الخير‬
‫وبلوغ غايته‪ .‬والشريعة الطبيعية ُتعلن الوصايا األولى واألساسيّة التي تهيمن على الحياة‬
‫األخالقيّة‪ .‬ومحورها التوق إلى هللا والخضوع له‪ ،‬هو مصدر كل خير وديّانه‪ ،‬وكذلك اإلحساس‬
‫باآلخر مساويا ً للذات‪ .‬وهي معروضة في فرائضها األساسية في الوصايا العشر‪ .‬و ُتدعى هذه‬
‫الشريعة طبيعية ال بالنسبة إلى الكائنات غير العاقلة‪ ،‬وإ ّنما ألنَّ العقل الذي يأمر بها هو من‬
‫خصائص الطبيعة البشريّة‪:‬‬
‫"أين ُكتبت هذه القواعد ما لم تكن في كتاب ذلك النور الذي نس ّميه الحقيقة؟ فك ُّل شريعة عادلة مكتوبة هناك‪،‬‬
‫و َتعبُر من هناك إلى قلب اإلنسان الذي يُت ِّم ُم العدل‪ .‬فال ُتهاج ُر إليه‪ ،‬ولكن َتض ُع عليه طابعها مثل الختم الذي‬
‫ينتقل من الخاتم إلى الشمع‪ ،‬ولكن دون أن يبارح الخاتم"‪.‬‬
‫ليست الشريعة الطبيعية "سوى نور الذهن الذي وضعه هللا فينا‪ ،‬بها نعلم ما يجب عمله وما يجب تج ّنبه‪ ،‬وهللا هو‬
‫الذي أعطى الخليقة هذا النور أو تلك الشريعة"‪.‬‬
‫‪ -0111‬إنّ الشريعة الطبيعية‪ ،‬بما أ ّنها موجودة في قلب ك ِّل إنسان‪ ،‬وقد أقامها العقل‪ ،‬فهي شاملة‬
‫في رسومها‪ ،‬وتمت ّد سلطتها إلى ك ّل إنسان‪ .‬إ ّنها ُتعبّر عن كرامة الشخص و ُتح ِّدد القاعدة التي تقوم‬
‫عليها حقوقه وواجباته األساسيّة‪:‬‬
‫ً‬
‫شريعة ح ّقة هي العقل المستقيم‪ ،‬إ ّنها مطابقة للطبيعة‪ ،‬منتشرة عند جميع الناس‪ ،‬إ ّنها أبديّة ال تتغيّر‪،‬‬ ‫"أجل‪ ،‬هناك‬
‫الزلل‪ .‬استبدالها بشريعة مخالفة هو تع ٍّد على القدسيّات‪ .‬ممنوع‬‫أوامرها تدعو إلى الواجب‪ ،‬ونواهيها ُتحيد عن ّ‬
‫‪.‬تجاوز أيّ رسم من رسومها‪ ،‬أما إلغاؤها إلغا ًء تا ّما ً فليس في مقدور أيّ إنسان"‬
‫‪ -0111‬تطبيق الشريعة الطبيعية يتغيّر كثيراً‪ ،‬فقد تقتضي تفكيراً متناسبا ً مع تع ّدد األوضاع‬
‫الحياتية‪ ،‬بحسب األماكن‪ ،‬والظروف‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬تبقى الشريعة الطبيعية‪ ،‬في تنوّ ع الثقافات‪ ،‬قاعدة‬
‫مبادئ‬
‫َ‬ ‫تربط بين الناس‪ ،‬وتفرض عليهم‪ ،‬في ما هو أبعد من الخالفات التي ال مناص منها‪،‬‬
‫مشتركة‪.‬‬

‫‪68‬‬
‫‪ -0111‬الشريعة الطبيعية ال تتغ ّير وتستمرّ في تقلّبات التاريخ‪ ،‬إ ّنها تبقى تحت م ّد األفكار‬
‫قائمة في جوهرها‪ .‬حتى وإن أنكر اإلنسان‬ ‫ً‬ ‫واألخالق وتساند تق ّدمها‪ .‬القواعد التي ُتعبّر عنها تبقى‬
‫مباد َئها ذاتها‪ ،‬فال يمكن تدميرها وال إزالتها من قلب اإلنسان‪ .‬فهي تنبعث دوما ً في حياة األفراد‬
‫والمجتمعات‪:‬‬
‫"أجل السرقة تعاقبها شريعتك‪ ،‬أيّها السيّد‪ ،‬والشريعة المكتوبة في قلب اإلنسان‪ ،‬والتي ال يمحوها الشرّ نفسه"‪.‬‬
‫‪ -0111‬إن الشريعة الطبيعية‪ ،‬التي هي عمل جيد ج ّداً صنعه الخالق‪ ،‬وتوفّر األساس الصلب‪،‬‬
‫الذي يستطيع اإلنسان أن يُقيم عليه بنا َء القواعد األخالقيّة‪ ،‬التي ُترشد اختياراته‪ .‬وهي تضع أيضا ً‬
‫األساس األخالقيّ الذي ال ب ّد منه لبناء جماعة البشر‪ .‬وهي توفّر أخيراً األساس الضروريَّ‬
‫للشريعة المدنيّة التي ترتبط بها إمّا بتفكير يستخلص النتائج من مبادئها‪ ،‬وإمّا بإِضافات ذات‬
‫طبيعة إيجابيّة وحقوقيّة‪.‬‬
‫مبادئ الشريعة الطبيعية بوجه واضح ومباشر‪ ،‬وفي الوضع الحال ّي ال ب ّد‬ ‫َ‬ ‫‪ -0111‬ال يرى الجميع‬
‫لإلنسان الخاطئ من النعمة والوحي حتى يتم ّكن من معرفة الحقائق الدينيّة واألخالقيّة "جميع‬
‫الناس بدون صعوبة‪َ ،‬وبِ َيقين راسخ ال يمازجُه خطأ"‪ .‬إنّ الشريعة الطبيعية توفّر للشريعة اإللهية‬
‫ً‬
‫متناسقة مع عمل الروح‪.‬‬ ‫وللنعمة قاعدة أع ّدها هللا‬

‫‪ .ً4‬الشريعة القديمة‬
‫صاً‪ ،‬وأوحى إليه بشريعته مُهيِّئا ً هكذا‬ ‫‪ -0110‬لقد اختار هللا خالقُنا وفادينا لنفسه إسرائيل شعبا ً خا ّ‬
‫مجيء المسيح‪ .‬و ُتعبِّر شريعة موسى عن حقائق ع ّدة يمكن العقل أن يبلغها بوجه طبيعيّ ‪ ،‬وهي‬
‫مُعلنة ومُث ّبة داخل عهد الخالص‪.‬‬
‫الموحى بها في حالتها األولى‪ .‬وفرائضها األخالقيّة‬ ‫َ‬ ‫‪ -0114‬الشريعة القديمة هي الشريعة‬
‫تختصرها الوصايا العشر‪ .‬إنّ أموامر الوصايا العشر تضع أساس دعوة اإلنسان‪ ،‬الذي صُنع على‬
‫صورة هللا‪َ ،‬فت عنهى عمّا هو مخالف لمحبّة هللا والقريب‪ ،‬وتأمر بما هو أساسيٌّ لها‪ .‬إنّ الوصايا‬
‫وط ُرقّه‪ ،‬وليصونه من الشرّ ‪:‬‬ ‫العشر هي نور مُلقّىً على ضمير ك ّل إنسان ليكشف له دعوة هللا ُ‬
‫"لقد كتب هللا على الواح الشريعة ما لم يكن الناس يقرأونه في قلوبهم"‪.‬‬
‫‪ -0111‬إنّ الشريعة‪ ،‬وفاقا ً للتقليد المسيحيّ‪ ،‬مق ّدسة‪ ،‬وروحيّة‪ ،‬وصالحة ولكنها ما تزال ناقصة‪.‬‬
‫إ ّنها‪ ،‬كالمُربّي‪ُ ،‬تظهر ما يجب عمله‪ ،‬ولك ّنها ال تعطي بذاتها القوّ ة وال نعمة الروح القدس لفعله‪.‬‬
‫وهي تبقى بسبب الخطيئة التي ال تستطيع إزالتها‪ ،‬شريعة عبوديّة‪ .‬ومُه َّم ُتها‪ ،‬بحسب القديس‬
‫بولس‪ ،‬هي على الخصوص‪ ،‬أن ُتعلن و ُتظهر الخطيئة التي هي "شريعة شهوة" في قلب اإلنسان‪.‬‬
‫ولكنَّ الشريعة تبقى المرحلة األولى على طريق الملكوت‪ .‬وهي ُتهيّئ و ُتع ُّد الشعب المختار وك ّل‬
‫مسيحيّ للتوبة ولإليمان باهلل المخلّص‪ .‬وهي تمنح تعليما ً يبقى أبداً‪ ،‬مثل كالم هللا‪.‬‬
‫‪ -0112‬الشريعة القديمة هي تهيئة لإلنجيل‪" .‬إنّ الشريعة هي نبوءة عن الحقائق اآلتية وتربية‬
‫عليها"‪ .‬فهي إنباء بعمل التحرير من الخطيئة الذي س ُي ِتمُّه المسيح وإيماء إليه‪ ،‬وهي تعطي العهد‬
‫ُ‬
‫الشريعة أخيراً بتعليم‬ ‫الجديد الصُّور و"الم ُُثل" والرموز للتعبير عن الحياة بحسب الروح‪ .‬وتكتمل‬
‫الكتب ال ِح َكميّة واألنبياء الذين يوجّ هونها نحو العهد الجديد وملكوت السماوات‪.‬‬
‫"لقد كان هناك في ظ ّل العهد القديم أُناس يملكون المحبّة ونعمة الروح القدس‪ ،‬ويتوقون قبل كل شيء إلى‬
‫المواعيد الروحية واألبديّة‪ ،‬فهم بذاك كانوا مرتبطين بالشريعة الجديدة‪ .‬وبالعكس‪ ،‬هناك في ظ ِّل العهد الجديد‬
‫أناس جسديّون‪ ،‬ال يزالون بعيدين عن كمال الشريعة الجديدة‪ :‬فكان الخوفُ من العقاب‪ ،‬وبعضُ المواعيد الزمنيّة‬
‫لحثهم على األعمال الصالحة حتى في ظ ّل العهد الجديد‪ .‬وفي ك ّل حال‪ ،‬وإن كانت الشريعة القديمة‬ ‫ضرور َّيين ِّ‬
‫تفرض المحبّة‪ ،‬فهي لم تكن لتعطيّ الروح القدس الذي به "أُفيضت المحبّة في قلوبنا" (رو‪.)5 :5‬‬

‫‪69‬‬
‫‪ .ً1‬الشريعة الجديدة أو الشريعة اإلنجيلية‬
‫‪ -0111‬الشريعة الجديدة أو الشريعة اإلنجيلية هي على األرض كمال الشريعة اإللهية‪ ،‬الطبيعية‬
‫الموحّ ى بها‪ .‬إ ّنها من عمل المسيح وتتبيّن على الخصوص في العظة على الجبل‪ .‬وهي أيضا ً‬
‫عمل الروح القدس‪ ،‬وبه تصبح شريعة المحبّة في الداخل‪" :‬أَقط ُع مع بيت إسرائيل عهداً جديداً‪.‬‬
‫أُح ّل شرائعي في بصيرتهم‪ ،‬وأكت ُبها على قلبهم‪ ،‬وأكون لهم إلهاً‪ ،‬وهم يكونون لي شعباً"‬
‫(عب‪8 :8‬و‪.)21‬‬
‫‪ -0111‬الشريعة الجديدة هي نعمة الروح القدس المعطاة للمؤمنين‪ ،‬باإليمان بالمسيح‪ .‬وهي‬
‫فاعلة بالمحبّة‪ ،‬تستخدم عظة الربّ لتعلّمنا ما يجب عمله‪ ،‬واألسرار لتمنحنا النعمة لفعل ذلك‪:‬‬
‫"من أراد أ ن يتأمّل بتقوى وتبصُّر في العظة التي ألقاها على الجبل‪ ،‬كما نقرأها في إنجيل القديس متى‪ ،‬يجد‬
‫فيها‪ ،‬بدون أيّ شكّ‪ ،‬المحبّة الكاملة في الحياة المسيحية‪ .‬هذه العظة تتضمّن جميع الرسوم الهادية إلى الحياة‬
‫المسيحيّة"‪.‬‬
‫‪ -0111‬الشريعة اإلنجيلية " ُتت ّمم" وتشحذ‪ ،‬وتتجاوز‪ ،‬وتقود إلى الكمال الشريعة القديمة‪ .‬وهي في‬
‫التطويبات ُتت ِّم ُم المواعيد اإللهية وتسمو بها وتوجّ هها نحو "ملكوت السماوات"‪ .‬إ ّنها ألولئك الذين‬
‫فيهم االستعداد لتقبّل هذا الرجاء الجديد بإيمان‪ :‬الفقراء‪ ،‬والمتواضعين‪ ،‬والحزانى‪ ،‬والقلوب‬
‫الطاهرة‪ ،‬والمضطهدين ألجل المسيح‪ ،‬فترسم هكذا ال ُسبُل العجيبة إلى الملكوت‪.‬‬
‫‪ -0111‬الشريعة اإلنجيلية ُتت ِّمم وصايا الشريعة‪ .‬وعظ ُة الرب ال تلغي أو ُتسقط من قيمة الفرائض‬
‫األخالقية الموجودة في الشريعة القديمة‪ ،‬بل تستخرج إمكاناتها الخفيّة وتبعث منها مقتضيات‬
‫جديدة‪ :‬إ ّنها ُتظهر ك ّل حقيقتها اإللهية اإلنسانية‪ .‬وهي ال تزيد فرائض خارجية جديدة‪ ،‬ولك ّنها‬
‫تذهب إلى حد إصالح أصل األعمال‪ ،‬أي القلب‪ ،‬حيث يختار اإلنسان بين ما هو طاهر وما هو‬
‫دنس‪ ،‬وحيث يتكوّ ن اإليمان والرجاء والمحبّة‪ ،‬ومع هذه الفضائل األخرى‪ .‬ويقود اإلنجيل‬
‫الشريعة هكذا إلى كمالها باالقتداء بكمال اآلب السماويّ ‪ ،‬والمغفرة لألعداء‪ ،‬والصالة ألجل‬
‫المضطهدين‪ ،‬على مثال كرم هللا‪.‬‬
‫ِ‬
‫ً‬
‫‪ -0111‬الشريعة الجديدة تمارس أفعال الديانة إي اإلحسان‪ ،‬والصالة‪ ،‬والصوم‪ ،‬موجّ هة إيّاها‬
‫نحو "اآلب الذي يرى في ال ُخفية" بخالف الرغبة في "أن يرانا الناس"‪ .‬وصالتها هي‪" :‬أبانا‪."...‬‬
‫‪ -0111‬الشريعة اإلنجيلية تقتضي االختيار الحاسم بين "الطريقين" وممارسة كالم الرب‪ ،‬وهي‬
‫صر بالقاعدة الذهبية‪" :‬ك ّل ما تريدون أن يفعل الناس بكم فافعلوه أنتم أيضا ً بهم‪ ،‬فذلك هو‬ ‫ُتخت َ‬
‫الناموس واألنبياء" (متى‪.)21 :7‬‬
‫ضنا بعضا ً كما أحبّنا‪.‬‬
‫الشريعة اإلنجيلية كلها موجودة في وص ّية يسوع الجديدة أن ُنحبّ بع ُ‬
‫‪ -0110‬ينبغي أن يُضاف إلى عظة الرب "التعليم الديني األخالقي في التعاليم الرسولية"‪ ،‬كما‬
‫في رو ‪ 2 ،25-21‬كو ‪ ،23-21‬كو ‪ ،4-3‬أف‪ ،6-4‬هذه العقيدة تنقل تعليم الرب ُم َّ‬
‫وثقا ً بسلطة‬
‫ُ‬
‫موهبة‬ ‫الرسل‪ ،‬خصوصا ً في عرض الفضائل الناجمة عن اإليمان بالمسيح‪ ،‬والتي تحييها المحبّة‪،‬‬
‫الروح القدس الرئيسة‪" .‬لتكن المحبّة بال رئاء‪ .‬أحبّوا بعضكم بعضا ً ح ّبا ً أخو ّياً‪ ،‬وليكن فيكم فرح‬
‫الرجاء‪ ،‬كونوا صابرين في الضيق‪ ،‬مواضبين على الصالة أبذلوا للق ّديسين في حاجاتهم‪ ،‬واعكفوا‬
‫على ضيافة الغرباء" (رو‪ .)23-1 :21‬وهذا التعليم ال ّديني يُل ِّقننا أيضا ً أن نعالج حادث الضمير‬
‫في ضوء عالقتنا بالمسيح وبالكنيسة‪.‬‬
‫شريعة مح ّبة أل ّنها تحمل على تفضيل التصرّف بفعل المح َبة التي‬ ‫َ‬ ‫‪ُ -0114‬تدعى الشريعة الجديدة‬
‫َي ُّبثها الروح القدس على التصرّ ف بالخوف‪ ،‬و ُتدعى شريعة نعمة أل ّنها تمنح قوّ ة النعمة للتصرّ ف‬
‫حرية‪ ،‬أل ّنها ُتحرّ رنا ممّا في الشريعة القديمة من رسوم‬ ‫بواسطة اإليمان واألسرار وتدعى شريعة ّ‬
‫طقوسيّة وقانونيّة‪ ،‬وتميل بنا إلى التصرف تلقائ ّيا ً بدافع المحبّة‪ ،‬وتجعلنا أخيراً ننتقل من حالة العبد‬

‫‪70‬‬
‫ُ‬
‫سمعت من‬ ‫"الذي ال عِ عل َم له بما صنعه سيّده" إلى حالة صديق المسيح‪" ،‬أل ّني أطلعتكم على كل ما‬
‫أبي" (يو‪ ،)25 :25‬أو إلى حالة االبن الوارث أيضاً‪.‬‬
‫‪ -0111‬تحتوي الشريعة الجديدة‪ ،‬فضالً عن فرائضها‪ ،‬على المشورات اإلنجيلية‪ .‬والتميي ُز‬
‫التقليديّ ّّ بين وصايا هللا والمشورات اإلنجيلية قائم بالنسبة إلى المحبّة‪ ،‬كمال الحياة المسيحية‪.‬‬
‫فالفرائض وُ ضعت إلقصاء ما ال يتوافق مع المحبّة‪ .‬والمشورات غايتها إقصاء ما يمكمنه أن‬
‫يُعيق نموّ المحبّة‪ ،‬وإن لم يناقضها‪.‬‬
‫‪ -0112‬المشورات اإلنجيلية ُتظهر المحبّة الكاملة الحيّة الجازعة أبداً من أ ّنها ال تعطي أكثر‪.‬‬
‫وهي تؤ ّكد اندفاعها وتستدعي َتح ُّفزنا الروحيّ ‪ .‬كما ُل الشريعة الجديدة هو بوجه أساسيّ في‬
‫أقوم‪ ،‬ووسائل أسهل‪ ،‬ويمارسها‬ ‫ُ‬
‫المشورات فتد ّل على ُسبُل َ‬ ‫ض َتي محبّة هللا ومحبّة القريب‪ .‬أمّا‬ ‫فري َ‬
‫ك ّل إنسان بحسب دعوته‪:‬‬
‫"ال يريد هللا من ك ّل إنسان أن يعمل بك ّل المشورات‪ ،‬وإنما فقط بتلك المالئمة بحسب تنوّ ع األشخاص‪ ،‬واألوقات‪،‬‬
‫ّ‬
‫والظروف‪ ،‬والقوى‪ ،‬كما تقتضي المحبّة‪ ،‬ألنّ هذه‪ ،‬بكونها َم ِل َك َة ك ّل الفضائل وك ّل الوصايا‪ ،‬وك ّل المشورات‪،‬‬
‫وباالختصار‪ ،‬كل الشرائع وك ّل األفعال المسيحية‪ ،‬هي التي تمنحها جميعا ً المنزلة والمرتبة والوقت والقيمة"‪.‬‬

‫بإيجاز‬

‫‪ -0111‬ان الشريعة‪ ،‬وفاق ًا للكتاب‪ ،‬هي تعليم أبويٌّ من هللا يرسم لإلنسان ال ُّسبُل التي تعود إلى‬
‫السعادة الموعودة وينهي عن سبل الش ّر‪.‬‬
‫‪" -0111.‬الشريعة هي توجيه العقل نحو الخير العام‪ ،‬يُصدره من هو مسؤول عن الجماعة"‬
‫‪ -0111‬المسيح هو غاية الشريعة‪ ،‬وهو وحده يع ّلم ويمنح ب ّر هللا‪.‬‬
‫‪ -0111‬الشريعة الطبيعية هي مشاركة اإلنسان في حكمة هللا وصالحه‪ ،‬اإلنسان الذي صُنع على‬
‫صورة خالقه‪ .‬هي ُتعبّر عن كرامة الشخص البشريّ‪ ،‬وهي قاعدة حقوقه وواجباته األساسية‪.‬‬
‫‪ -0111‬الشريعة الطبيعية ال تتغيّر وهي مستمرّة في التاريخ‪ .‬والقواعد التي تع ّبر عنها تبقى قائمة‬
‫في جوهرها‪ .‬وهي أساس ضروريٌّ لبناء القواعد األخالقية والشريعة المدنيّة‪.‬‬
‫‪ -0111‬الشريعة القديمة هي الشريعة المُوحى بها في حالتها األولى‪ .‬وفرائضها األخالقية‬
‫تختصرها الوصايا العشر‪.‬‬
‫ي بلوغها‪ .‬وقد أعلنها هللا ألنّ‬ ‫‪ -0110‬تحتوي شريعة موسى على حقائق ع ّدة يستطيع العقل البشر ّ‬
‫الناس ما كانوا يقرأونها في قلوبهم‪.‬‬
‫‪ -0114‬الشريعة القديمة هي تهيئة لإلنجيل‪.‬‬
‫ُ‬
‫والفاعلة بالمحبّة‪ .‬وهي‬ ‫‪ -0111‬الشريعة الجديدة هي نعمة الروح القدس المُعطاة باإليمان بالمسيح‬
‫تتبيّن على الخصوص في عظة الربّ على الجبل‪ ،‬وتستخدم األسرار لتمنحنا النعمة‪.‬‬
‫‪ -0112‬الشريعة اإلنجيلية تتمِّم الشريعة القديمة‪ ،‬وتتجاوزها‪ ،‬وتقودها إلى كمالها‪ :‬كما ِل مواعيدها‬
‫بتطويبات ملكوت السماوات‪ ،‬وكمل وصاياها باصالح أصل األفعال أي القلب‪.‬‬
‫‪ -0111‬الشريعة الجديدة هي شريعة محبّة‪ ،‬وشريعة نعمة وشريعة حرّية‪.‬‬
‫ال عن فرائضها‪ ،‬على المشورات اإلنجيلية‪" .‬قداسة الكنبيسة‬ ‫‪ -0111‬تحتوي الشريعة الجديدة‪ ،‬فض ً‬
‫غذي بوجه خاصٍّ بالمشورات العديدة التي عرضها الربُّ على تالميذه في اإلنجيل لكي‬ ‫ُت ّ‬
‫‪.‬يُمارسوها"‬

‫‪71‬‬
‫المقال الثاني‬
‫النعمة والتبرير‬

‫‪ .ً0‬التبرير‬

‫‪ -0111‬إنّ نعمة الروح القدس قادرة على تبريرنا‪ ،‬أي غسلنا من خطايانا وإعطائنا "برّ هللا‬
‫باإليمان بيسوع المسيح" وبالمعموديّة‪:‬‬
‫"إن ك ّنا قد مُتنا مع المسيح‪ ،‬نؤمن أ ّنا سنحيا أيضا ً معه‪ ،‬عالمين أنّ المسيح‪ ،‬بعدما أقيم من بين‬
‫األموات‪ ،‬ال يموت أيضاً‪ .‬فالموت ال يسود عليه من بعد‪ .‬فإ ّنه بموته قد مات للخطيئة إلى األبد‪،‬‬
‫وبحياته يحيا هلل‪ .‬فكذلك أنتم أيضاً‪ ،‬احسبوا انفسكم أمواتا ً للخطيئة‪ ،‬أحياء هلل في المسيح يسوع"‬
‫(رو‪.)22-8 :6‬‬
‫‪ -0111‬بقوة الروح القدس يكون لنا نصيب في آالم المسيح بالموت عن الخطيئة‪ ،‬وفي قيامته‬
‫بالوالدة لحياة جديدة‪ .‬اننا أعضاء جسده الذي هو الكنيسة‪ ،‬واألغصان المطعّمة مع الكرمة التي‬
‫هو إيّاها‪.‬‬
‫"إننا بالروح لنا نصيب في هللا‪ ،‬وبالمشاركة في الروح نصبح مشاركين في الطبيعة اإللهية‪ .‬لذلك فأوالئك الذين‬
‫‪.‬يسكن فيهم الروح هو مؤلّهون"‬
‫التوبة التي تصنع التبرير‪ ،‬بحسب ما أعلنه يسوع في‬ ‫ُ‬ ‫‪ -0111‬إنّ أول أعمال نعمة الروح القدس‬
‫مطلع اإلنجيل‪" :‬توبوا‪ ،‬فإنّ ملكوت السماوات قريب" (متى‪ .)27 :4‬فاإلنسان‪ ،‬بدافع من النعمة‪،‬‬
‫ي ّتجه نحو هللا‪ ،‬ويحيد عن الخطيئة‪ ،‬متق ّبالً هكذا المغفرة والبرّ من العالء‪" .‬فالتبرير يحتوي إذن‬
‫مغفر َة الخطايا والتقديس وتجديد اإلنسان الداخليّ "‪.‬‬
‫‪ -0111‬التبرير يفصل اإلنسان عن الخطيئة التي تناقض محبّة هللا‪ ،‬ويطهّر منها قلبه‪ .‬والتبرير‬
‫يتبع مبادرة رحمة هللا التي تق ّدم المغفرة‪ .‬فيُصالح اإلنسان مع هللا‪ ،‬ويُحرّ ر من عبوديّة الخطيئة‬
‫ويشفى‪.‬‬
‫بر هللا باإليمان بيسوع المسيح‪ .‬ويد ّل البرُّ هنا على‬ ‫‪ -0110‬التبرير هو في الوقت ذاته تق ّبل ّ‬
‫ُ‬
‫الطاعة‬ ‫استقامة محبّة هللا‪ .‬ومع التبرير يُفاض في قلوبنا اإليمان والرجاء والمحبّة‪ ،‬و ُتمنح لنا‬
‫لمشيئة هللا‪.‬‬
‫سة مرضي ًّة‬ ‫ذبيحة حي ًّة مق ّد ً‬
‫ً‬ ‫‪ -0114‬استح ّقت لنا التبرير آالم المسيح الذي ق ّدم ذا َته على الصليب‬
‫هلل‪ ،‬والذي صار دمُه أداة تكفير عن خطايا جميع البشر‪ .‬ويُم َنح التبري ُر بالمعمود ّية‪ ،‬سرّ اإليمان‪.‬‬
‫ُ‬
‫وموهبة الحياة‬ ‫فيجعلنا نشابه برّ هللا الذي يُبرّ رنا داخل ّيا ً بقوّ ة رحمته‪ .‬وغاي ُته مجد هللا والمسيح‬
‫األبدية‪.‬‬
‫ً‬
‫"أما اآلن فقد اعتلن برّ هللا بمعزل عن الناموس‪ ،‬مشهودا له من الناموس واألنبياء‪ ،‬برُّ هللا باإليمان بيسوع‬
‫المسيح إلى جميع الذين يؤمنون‪ ،‬إذ ليس من فوق‪ :‬فالجميع قد خطئوا فأعوزهم مجد هللا‪ .‬والجميع بنعمته يُبرَّ رون‬
‫مجاناً‪ ،‬بالفداء الذي بالمسيح يسوع‪ ،‬الذي سبق هللا فأقامه أدا َة تكفير باإليمان بدمه‪ ،‬إلظهار برّ ه‪ ،‬بعد إذ تغاضى‬
‫عن الخطايا السالفة في عهد صبره اإللهي‪ ،‬إلظهار برّ ه‪ ،‬إذن‪ ،‬في الزمان الحاضر باعتالنه بارّ اً‪ ،‬ومُبرّ راً من‬
‫آمن بيسوع" (رو‪.)16-12 :3‬‬
‫وحرية اإلنسان‪ .‬و َيظ َه ُر من جهة اإلنسان في القبول‬
‫ّ‬ ‫‪ -0111‬التبرير ينشئ التعاون بين نعمة هللا‬
‫اإليماني لكالم هللا الذي يدعوه إلى التوبة‪ ،‬وفي المحبّة المتعاونة مع حافز الروح القدس الذي‬
‫ينبّهه ويحفظه‪:‬‬
‫"عندما يلمس هللاُ قلب اإلنسان بإنارة الروح القدس‪ ،‬ال يكون اإلنسان بال عمل‪ ،‬وهو يتقبّل ذلك الوحي‪ ،‬الذي‬
‫رفضه‪ .‬وفي الوقت ذاته ال يستطيع أيضا ً بدون نعمة هللا أن ي ِ‬
‫ُقبل بإرادته الحرّ ة البرِّ أمامه"‬ ‫َ‬ ‫‪.‬يستطيع في ك ّل حال‬

‫‪72‬‬
‫‪ -0112‬ان التبرير هو العمل األسمى الذي تقوم به مح ّبة هللا المعتلنة في المسيح يسوع‪ ،‬والتي‬
‫يهبها الروح القدس‪ .‬ويرى القديس أوغسطينوس "أنّ تبرير المنافق عمل أعظم من خلق السماء‬
‫واألرض تزوالن بينما خالصُ المختارين وتبريرهم َيبقيان" بل هو يرى‬ ‫َ‬ ‫واألرض"‪ .‬ألنّ "السما َء‬
‫ً‬
‫أنّ تبرير الخطأ يفوق خلق المالئكة في البر بكونه يؤ ّكد رحمة أعظم‪.‬‬
‫‪ -0111‬الروح القدس هو المعلّم في الداخل‪ .‬وعندما يجعل التبري ُر "اإلنسان الباطنيّ " يولّد‪ ،‬فهو‬
‫يتضمّن تقديس الكائن كلّه‪:‬‬
‫"فكما أنكم قد جعلتم أعضائكم عبيداً للنجاسة واإلثم‪ ،‬لإلثم‪ ،‬إجعلوا اآلن أعضاءكم عبيداً للبرّ‪ ،‬للقداسة‪ .‬أما اآلن‪،‬‬
‫ُ‬
‫والعاقبة حياة أبديّة" (رو ‪.)11-21 :6‬‬ ‫وقد أُعتنقتم من الخطيئة‪ ،‬فصرتم عبيداً هلل‪ ،‬فإ ّنكم تحوزون ثمراً للقداسة‪،‬‬

‫‪ .ً4‬الندامة‬
‫اني يعطينا هللا إيّاهما لتلبية ندائه‬ ‫مج ٌّ‬
‫‪ -0111‬يأتي تبريرُنا من نعمة هللا‪ .‬والنعمة هي جميل وعون ّ‬
‫بأن نصير أبناء هللا‪ ،‬أبنا ًء بالتب ّني‪ ،‬مشاركين في الطبيعة اإللهية‪ ،‬وفي الحياة األبديّة‪.‬‬
‫‪ -0111‬النعمة مشاركة في حياة هللا‪ُ ،‬تدخلنا في صميم الحياة الثالوثيّة‪ :‬فبالمعموديّة يشترك‬
‫المسيحيّ في نعمة المسيح رأس جسده‪ .‬وبكونه "ابنا ً بالتب ّني" يستطيع أن يدعو هللا "أ ًبا" باالتحاد‬
‫مع االبن الوحيد‪ .‬وهو يتقبّل حياة الروح الذي ينفخ فيه المحبّة والذي يكوّ ن الكنيسة‪.‬‬
‫‪ -0111‬هذه الدعوة إلى الحياة األبدية تفوق الطبيعة‪ .‬وهي خاضعة تماما ً لمبادرة هللا المجّ انية‪،‬‬
‫أل ّنه وحده يستطيع إظهار ذاته وإعطاءها‪ .‬وهي تسمو على ما عند البشر‪ ،‬بل ك ِّل خليقة‪ ،‬من‬
‫إمكانات اإلدراك وقوى اإلرادة‪.‬‬
‫‪ -0111‬نعمة المسيح هي الموهبة المجّ انية التي يمنحنا بها هللا حياته‪ ،‬فيسكبها الروح القدس في‬
‫المبررة أو المؤلّهة‪ ،‬المقبولة في المعموديّة‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫نفسنا لشفائها من الخطيئة‪ ،‬ولتقديسها‪ :‬إ ّنها النعمة‬
‫إ ّنها فينا ينبوع عمل التقديس‪.‬‬
‫"إذن إن كان أحد في المسيح‪ ،‬فهو خليقة جديدة‪ ،‬فالقديم قد اضمح ّل وك ُّل شيء قد تج ّدد‪ .‬والك ّل من هللا الذي‬
‫صالحنا مع نفسه بالمسيح" (‪1‬كو ‪.28-27 :5‬‬
‫‪ -4111‬النعمة المبرّ رة هي موهبة عاديّة‪ ،‬استعداد ثابت وفائق الطبيعة‪ .‬يكمّل النفس ذاتها ليجعلها‬
‫أهالً لتعيش مع هللا وتعمل بمحبّته‪ .‬وتتميّز النعمة العاد ّية‪ ،‬أي االستعداد الدائم للعيش والعمل وفاقا ً‬
‫لنداء هللا‪ ،‬من النعم الحال ّية التي ُتطلق على المداخالت اإللهية إمّا في أساس التوبة وإمّا في‬
‫مجرى عمل التقديس‪.‬‬
‫‪ -4110‬إعداد اإلنسان لتقبّل النعمة هو أيضا ً من عمل النعمة‪ .‬فهذه ضرورية لكي ُتنير و ُتساند‬
‫مساهمتنا في التبرير باإليمان والتقديس بالمحبّة‪ .‬وهللا يُنهي فينا ما بدأه‪" ،‬فهو يبدأ بحيث يجعلنا‬
‫ع‬
‫تابت"‪.‬‬ ‫بعمله ُنريد‪ :‬وينهي بالتعاون مع إرادتنا وقد‬
‫"أجل نعمل نحن أيضاً‪ ،‬ولكننا ال نقوم إالّ بالعمل مع هللا الذي يعمل‪ .‬ألنّ رحمته قد سبقتنا حتى نبعرأ‪ ،‬وأل ّنها‬
‫شفينا َتنت ِعش فينا الحياة‪ ،‬إ ّنها تسبقنا لنكون مدعوّ ين‪ ،‬وهي تتبعنا لنكون ممجّدين‪ ،‬إ ّنها‬‫تتبعُنا أيضا ً حتى إذا ما ُ‬
‫تسبقنا لنحيا حياة التقوى‪ ،‬وتتبعُنا لنحيا أبداً مع هللا ألننا بدونه ال نستطيع شيئا ً"‪.‬‬
‫الحر‪ ،‬ألن هللا خلق اإلنسان على صورته‪ ،‬إذ‬ ‫ّ‬ ‫‪ -4114‬مبادرة هللا الحرّ ة تستدعي جواب اإلنسان‬
‫منحه مع الحرّ ية القدرة على معرفة محبّته‪ .‬والنفسُ ال تدخل إال ّ بحرّيتها في وحدة المحبّة‪ .‬فاهلل‬
‫يلمس مباشر ًة ويحرِّ ك مباشر ًة قلب اإلنسان‪ .‬لقد جعل في اإلنسان توقا ً إلى الحق والخير ال يشبعُه‬
‫ً‬
‫استجابة ال يدانيها رجاء‪:‬‬ ‫سواه‪ .‬ومواعيد "الحياة األبديّة" تستجيب لهذا التوق‬
‫أنت‪ ،‬في نهاية أعكمالك الحسنة ج ّداً‪ ،‬قد استرحت في اليوم السابع‪ ،‬فذلك لكي تسبق وتقول لنا بصوت‬ ‫"إذا َ‬
‫كنت َ‬
‫كتابك إ ّننا في نهاية أعمالنا "الحسنة ج ّداً" إذ إ ّنك أنت من أعطانا إيّاها‪ ،‬ونحن أيضا ً في سبت الحياة األبديّة‬
‫سنستريح فيك"‪.‬‬
‫‪73‬‬
‫‪ -4111‬النعمة هي أوّ الً واساسا ً موهبة الروح الذي يبرّ رنا ويق ّدسنا‪ .‬ولكن النعمة تحتوي أيضا ً‬
‫على المواهب التي يمنحنا إيّاها الروح ليُشركنا في عمله‪ ،‬ويجعلنا قادرين على المساهمة في‬
‫خالص اآلخرين‪ ،‬وعلى إنماء جسد المسيح أي الكنيسة‪ .‬إ ّنها النعمة األسرارية‪ ،‬أي المواهب‬
‫الخاصة بمختلف األسرار‪ .‬إنها‪ ،‬فضالً عن ذلك‪ ،‬النعم الخصوصية المسمّاة "مواهب" بحسب‬
‫التعبير اليوناني الذي استعمله القديس بولس‪ ،‬والذي يعني الجميل‪ ،‬العطيّة المجّانية‪ ،‬اإلنعام‪.‬‬
‫و"المواهبُ " هذه‪ ،‬مهما تكن خصائصها أحيانا ً غير عاد ّية‪ ،‬من مثل موهبة العجائب أوالتكلّم‬
‫بلغات‪ ،‬فهي ُم َع ّدة للنعمة المبرِّ رة‪ ،‬وغاي ُتها خي ُر الكنيسة العام‪ .‬إ ّنها في خدمة المحبّة التي تبني‬
‫الكنيسة‪.‬‬

‫‪ -4112‬ينبغي أن نذكر بين النعم الخصوصية نِ َعم الحالة التي ترافق ممارسة مسؤوليات الحياة‬
‫المسيحيّة وال ِخدَم في الكنيسة‪:‬‬
‫ّ‬
‫أوتي النبوّ ة فليتكلم بحسب قاعدة اإليمان‪ ،‬ومن أوتي‬
‫َ‬ ‫"وإذ لنا مواهب مختلفة بحسب النعمة المعطا ِة لنا‪ ،‬ف َمن‬
‫الخدمة فليالزم الخدمة‪ ،‬والمعلّم التعليم‪ ،‬والواعظ الوعظ‪ ،‬والمتص ّد ُق سالمة النيّة‪ ،‬والمدبّر االجتها ّد والراحم‬
‫البشاشة" (رو‪.)8-21:6‬‬
‫‪ -4111‬بما أنّ النعمة هي فوق الطبيعة‪ ،‬فال تقع تحت االختبار وال نستطيع معرفتها إال ّ باإليمان‪.‬‬
‫فال نستطيع إذن االعتماد على عواطفنا أو أعمالنا لنستنتج أننا مبرّ رون أو مخلّصون‪ .‬ومع ذلك‪،‬‬
‫فبحسب كالم الرب‪" :‬من ثمارهم تعرفونهم" (متى‪ .)11 :7‬يعطينا تبصّر إحسانات هللا في حياتنا‬
‫ً‬
‫كفالة بأنَّ النعمة تعمل فينا‪ ،‬ويحفزنا على إيمان يعظم دوما ً وموقف َمسع كنة واثقة‪.‬‬ ‫وحياة القديسين‬
‫نجد أحد أفضل التمثيل لهذا الموقف في جواب القديسة جان دارك عن سؤال ّ‬
‫مفخخ من قضاتها الكنسيّين‪" :‬سُئلت‬
‫هل تعرف أنها في حالة نعمة هللا‪ ،‬فأجابت‪ :‬أذا لم أكن فيها أرجو من فضل هللا أن يجعلني فيها‪ .‬وإذا كنت فيها‬
‫أرجو من فضل هللا أن يحفظني فيها"‪.‬‬

‫‪ .ً1‬االستحقاق‬
‫‪" -4111‬إ ّنك ممجّ د في جماعة القديسين‪ ،‬فعندما تكلّل استحقاقاتهم ُتكلِّل مواهبك أنت"‪.‬‬
‫كلمة "إستحقاق" تعني على العموم الجزاء الواجب على جماعة أو مجتمع لعمل أحد األعضاء‪،‬‬
‫بكونه إحسا ًنا أو إساءة‪ ،‬أهال للمكافأة أو العقاب‪ .‬واالستحقاق يرجع إلى فضيلة العدالة بحسب مبدإِ‬
‫المساواة الذي يسودها‪.‬‬
‫حق بالمعنى الحصريّ ‪ .‬فالتفاوت بينه‬ ‫‪ -4111‬ليس من استحقاق لإلنسان تجاه الربّ بمقتضى ٍّ‬
‫وبيننا ال قياس له‪ ،‬أل ّننا قد نلنا كل شيء منه‪ ،‬هو خالقنا‪.‬‬
‫الحر أن يشرك‬‫ّ‬ ‫‪ -4111‬استحقاق االنسان عند هللا‪ ،‬في الحياة المسيحية‪ ،‬يتأ ّتى من تدبير هللا‬
‫اإلنسان في عمل النعمة‪ .‬فعمل هللا األبويّ هو األول ب َد عفعِه‪ ،‬وعم ُل اإلنسان الحرّ هو ثان‬
‫بمساهمته‪ .‬بحيث يجب أن ُتنسب استحقاقات األعمال الصالحة إلى نعمة هللا أوالً‪ ،‬وإلى المؤمن‬
‫استحقاق اإلنسان نفسه إلى هللا‪ ،‬ألنّ أعماله الصالحة تصدر في‬ ‫ُ‬ ‫بعد ذلك‪ .‬ومن ناحية أخرى‪ ،‬يعود‬
‫المسيح عن مبادرات ومساعدات من الروح القدس‪.‬‬
‫‪ -4111‬إنّ بنوّ تنا بالتب ّني‪ ،‬إذ تجعلنا مشاركين بالنعمة في الطبيعة اإللهية‪ ،‬تستطيع أن تولينا‪،‬‬
‫حق المحبّة‪ ،‬الذي يجعلنا‬‫حق بالنعمة‪ .‬ومل ُء ِّ‬ ‫بحسب عدالة هللا المجانيّة‪ ،‬استحقاقا حقيق ّيا‪ .‬وهذا ٌّ‬
‫"وارثين مع" المسيح‪ ،‬وأهالً للحصول على "ميراث الحياة األبدية" الموعود‪ .‬انّ استحقاقات‬
‫أعمالنا الصالحة هي عطايا من جودة هللا‪" .‬لقد سبقت النعمة‪ ،‬واآلن ُنعيد ما يجب علينا‪.‬‬
‫االستحقاقات هي عطايا من هللا"‪.‬‬

‫‪74‬‬
‫ّ‬
‫يستحق النعمة األولى‬ ‫‪ -4101‬بما أنّ المبادرة في مجال النعمة‪ ،‬هي هللا‪ ،‬فليس بإمكان أح ٍد أن‬
‫التي في أصل التوبة والمغفرة والتبرير‪ .‬ونستطيع بعد ذلك‪ ،‬بدافع من الروح القدس والمحبة‪ ،‬أن‬
‫نستحق ألنفسنا ولغيرنا النع َم المفيدة لتقديسنا‪ ،‬ولنموّ ال ّنعمة والمحبة‪ ،‬وللحصول على الحياة‬
‫َّ‬
‫األبديّة‪ .‬ويمكن أيضاً‪ ،‬بحسب حكمة هللا‪ ،‬استحقاق الخيرات الزمنيّة ذاتها‪ ،‬من مثل الصحّ ة‪،‬‬
‫احتياجنا إلى‬
‫َ‬ ‫والصداقة‪ .‬هذه النعم وهذه الخيرات هي موضوع الصالة المسيحية‪ .‬وهذه تلبّي‬
‫النعمة في سبيل األفعال ذات االستحقاق‪.‬‬
‫‪ -4100‬محبة المسيح هي فينا ينبوع استحقاقاتنا جميعها أمام هللا‪ .‬فالنعمة‪ ،‬إذ تجعلنا م ّتحدين‬
‫بالمسيح بمحبّة فاعلة‪ُ ،‬تؤّ مِّن ألفعالنا الصفة الفائقة الطبيعة‪ ،‬وبالتالي‪ ،‬ما لها من استحقاق أمام هللا‬
‫وأمام البشر‪ .‬والق ّديسون كانوا دوما ً َي ُعون شديداً أنّ استحقاقاتهم هي نعمة محض‪.‬‬
‫"عندما ينتهي زمن منفاي على األرض‪ ،‬رجائي أن أذهب وأنعم بك في الوطن‪ .‬ولكني ال أريد أن أك ّدس‬
‫ّ‬
‫صفر اليدين‪ ،‬ألني ال‬
‫َ‬ ‫االستحقاقات للسماء‪ ،‬أريد أن أعمل ألجل ح ّبك وحده‪ .‬في مساء هذه الحياة سأظهر أمامك‬
‫برك أنت‬‫َّ‬ ‫ّس‬ ‫ب‬‫أتل‬ ‫أن‬ ‫أسألك‪ ،‬يا رب‪ ،‬أن تحسُب اعمالي‪ .‬فك ّل برٍّ فينا ال يخلو من العيب في عينيك‪ ،‬أريد إذن‬
‫الخاصّ ‪ ،‬وأن أتقبّل من ُح ّبك امتالكك أنت إلى األبد"‪.‬‬

‫‪ .ً2‬القداسة المسيحية‬
‫‪ -4104‬إنّ هللا في ك ّل شيء يسعى لخير الذين يحبّونه‪ .‬ألنّ الذين سبق فعرفهم سبق أيضا ً فح ّدد‬
‫أن يكونوا مشابهين لصورة ابنه‪ ،‬فيكون هكذا بكراً ما بين إخوة كثيرين‪ .‬فالذين سبق فح ّددهم إياهم‬
‫دعا أيضاً‪ ،‬والذين دعاهم إيّاهم برّ ر أيضاً‪ ،‬والذين برّرهم أياهم مجّ د أيضاً"‬
‫(رو‪.)31-8:18‬‬
‫‪" -4101‬إنّ الدعوة إلى مل ِء الحياة المسيحية وكمال المحبّة موجّ هة إلى جميع المؤمنين بالمسيح‬
‫إ ّيا ً كانت رتب ُتهم وحال ُتهم"‪ .‬كلّهم مدعوّ ون إلى القداسة‪" :‬كونوا كاملين كما انّ أباكم السماويّ هو‬
‫كامل" (متى ‪.)48 :5‬‬
‫"على المؤمنين أن يسعوا بك ّل قواهم‪ ،‬بمقدار موهبة المسيح‪ ،‬للحصول على هذا الكمال‪ ،‬حتى إذا ن َّفذوا في كل‬
‫شيء مشيئة هللا يقفون ذواتهم‪ ،‬بك ّل نفوسهم‪ ،‬على مجد هللا وخدمة القريب"‪.‬‬
‫وهكذ ت َت َف ّتق قداسة شعب هللا عن ثمار وافرة‪ ،‬كما يشهد بذلك بوجه ساطع تاري ُخ الكنيسة من خالل سيرة‬
‫القديسين‪.‬‬
‫‪ -4102‬يسعى التقدم الروحي إلى ا ّتحاد بالمسيح يزداد أبداً أُلفة‪ .‬هذا اإل ّتحاد يُدعى "سرّ ّياً"‪ ،‬أل ّنه‬
‫يشارك في سرّ المسيح بوساطة األسرار "األسرار المق ّدسة" وفي المسيح يُشارك في سرّ الثالوث‬
‫األقدس‪ .‬فاهلل يدعونا جميعا ً إلى هذه الوحدة األليفة معه‪ ،‬وإن لم ُتم َنح نعم خاصّة بهذه الحياة‬
‫السرّ ية‪ ،‬أو عالمات خارقة لها‪ ،‬إال ّ لبعض الناس إلظهار العطيّة الممنوحة للكل‪.‬‬
‫‪ -4101‬يمرّ طريق القداسة عبر الصليب‪ .‬وليس من قداسة تخلو من التجرّ د ومن الجهاد الروحي‪.‬‬
‫والتق ّدم الروحي يتضمّن الجهاد واإلماتة اللذين يؤ ّديا تدريجا ً إلى العيش في سالم التطويبات‬
‫وفرحها‪.‬‬
‫"من يصعد ال يتو ّقف أبداً عن االنطالق من بداية إلى بداية‪ ،‬ببدايات ليس لها نهاية‪ .‬من يصعد ال يتو ّقف أبداً عن‬
‫التوق إلى ما يعرفه من قبل"‪.‬‬
‫حق نعمة الثبات األخير‪ ،‬ومكافأة هللا أبيهم‪ ،‬عن‬ ‫‪ -4101‬إنّ أوالد اكنيسة المق ّدسة أمّنا يرجون عن ٍّ‬
‫األعمال الصالحة التي صنعوها بنعمته‪ ،‬وباال ّتحاد مع يسوع‪ .‬والمؤمنون إذ يحافظون على قاعدة‬
‫الحياة نفسها‪ ،‬يشاركون في "الرجاء السعيد" أولئك الذين تجمعهم رحمة هللا في "المدينة‬
‫المق ّدسة"‪ ،‬أورشليم الجديدة النازلة من السماء من عند هللا مهيّاة كالعروس المزيّنة لعريسها"‬
‫(رؤ‪.)1 :12‬‬
‫‪75‬‬
‫بإيجاز‬
‫‪ -4101‬نعمة الروح القدس تمنحنا ب ّر هللا‪ .‬والروح‪ ،‬إذ يجعلنا ن ّتحد باإليمان والمعمودية بآالم‬
‫المسيح وقيامته‪ ،‬ويجعلنا نشترك في حياته‪.‬‬
‫‪ -4101‬التبرير كالتوبة له وجهان‪ .‬فبدافع من النعمة يتوجّه اإلنسان نحو هللا ويحيد عن الخطيئة‪،‬‬
‫فيتقبّل هكذا المغفرة والب ّر من العالء‪.‬‬
‫‪ -4101‬التبرير ينطوي على مغفرة الخطايا‪ ،‬وعلى التقديس‪ ،‬وعلى تجديد اإلنسان الباطن‪.‬‬
‫‪ -4141‬آالم المسيح استح ّقت لنا التبرير‪ .‬وقد مُنح لنا عبر المعمودية‪ .‬وهو يصوّ رنا على صورة‬
‫ب ّر هللا الذي يجعلنا أبرار ًا‪ .‬غايته مجد هللا والمسيح‪ ،‬وعطيّة الحياة األبدية‪ .‬إ ّنه أسمى أفعال رحمة‬
‫هللا‪.‬‬
‫‪ -4140‬النعمة هي المساعدة التي يمنحها هللا إيّاها لالستجابة لدعوتنا أي أن نصير أبناءه بالتب ّني‪.‬‬
‫إ ّنها تدخل في مُؤالفة الحياة الثالوثية‪.‬‬
‫‪ -4144‬المبادرة اإللهية في عمل النعمة تسبق وتهيّئ جواب اإلنسان الحرّ‪ .‬والنعمة تستجيب ل َت عوق‬
‫الحرّية البشرية العميق‪ .‬وتدعوها للتعاون معها وتكمّلها‪.‬‬
‫ّ‬
‫‪ -4141‬النعمة المبرّرة هي حياة هللا التي يمنحنا إياها بعطيّة م ّجانيّة‪ ،‬ويبثها الروح القدس في‬
‫نفسنا ليُبرئها من الخطيئة ويق ّدسها‪.‬‬
‫‪ -4142‬النعمة المبرّرة تجعلنا "مرضيّين لدى هللا"‪" .‬والمواهب" التي هي نعم خصوصيّة من‬
‫الروح القدس‪ُ ،‬م َع َّدة للنعمة المُبرّرة‪ ،‬وغايتها خير الكنيسة العام‪ .‬ويعمل هللا أيض ًا بالنعم الحاليّة‬
‫المتع ّددة المميّزة من النعم العاديّة الدائمة فينا‪.‬‬
‫‪ -4141‬ليس لنا من استحقاق أمام هللا إال بقصد هللا الح ّر ان يُشرك اإلنسان في عمل نعمته‪.‬‬
‫واالستحقاق يعود أوّ ًال إلى نعمة هللا‪ ،‬وثاني ًا إلى تعاون اإلنسان‪ .‬إنّ استحقاق اإلنسان يعود إلى هللا‪.‬‬
‫‪ -4141‬تستطيع نعمة الروح القدس‪ ،‬بفعل بنوّ تنا بالتب ّني‪ ،‬أن تولينا استحقاق ًا حقيق ّي ًا وفاق ًا لعدالة هللا‬
‫المجانيّة‪ .‬والمحبّة هي فينا الينبوع الرئيس لإلستحقاق أمام هللا‪.‬‬
‫يستحق النعمة األولى التي هي في أصل التوبة‪ .‬ونستطيع‪ ،‬بدافع من‬ ‫ّ‬ ‫‪ -4141‬ليس بإمكان أحد أن‬
‫نستحق ألنفسنا ولغيرنا جميع النعم المفيدة لبلوغ الحياة األبدية‪ ،‬وكذلك‬ ‫ّ‬ ‫الروح القدسي‪ ،‬ان‬
‫الخيرات الزمنية الضرورية‪.‬‬
‫‪" -4141‬إنّ الدعوة إلى ملء الحياة المسيحية وكمال المحبّة موجّهة إلى جميع المؤمنين‬
‫بالمسيح"‪" .‬والكمال المسيح ّي ليس له سوى ح ٍّد واحد وهو أن ال يكون له ح ّد"‪.‬‬
‫‪" -4141‬من أراد أن يتبعني‪ ،‬فليكفر بنفسه‪ ،‬وليحمل صليبه‪ ،‬ويتبعني"(متى ‪.)01 :46‬‬

‫المقال الثالث‬
‫الكنيسة أ ٌّم ومعلّمة‬

‫‪ -4111‬المسيحي إ ّنما يحقّق دعوته في الكنيسة‪ ،‬باال ّتحاد مع جميع المعمّدين‪ .‬فمن الكنيسة يتقبّل‬
‫كالم هللا الذي يحوي تعاليم "شريعة هللا"‪ .‬ومن الكنيسة يتقبّل نعمة األسرار التي تحفظه في‬
‫"الطريق"‪ .‬من الكنيسة يتعلّم مثل القداسة‪ ،‬فيعرف وجهها ومصدرها في العذراء مريم الكاملة‬
‫القداسة‪ ،‬ويتبيّنها في من يعيشها بشهادة أصيلة‪ ،‬ويكتشفها في التقليد الروحي‪ ،‬وفي التاريخ الطويل‬
‫لمن سبقه من الق ّديسين الذين تحتفل بهم الليترجيا في إيقاعها اليومي‪.‬‬

‫‪76‬‬
‫مقدسة‪ ،‬مرضي ًّة هلل"‪،‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ذبيحة حيّة‪،‬‬ ‫‪ -4110‬الحياة األخالق ّية هي عبادة روح ّية‪ .‬إذ "نقرّ ب أجسادنا‬
‫ضمن جسد المسيح الذي نؤلّفه‪ ،‬وباال ّتحاد بتقدمة االفخارستيّا‪ .‬ففي الليترجيا واالحتفال باألسرار‪،‬‬
‫تمتزج الصالة والتعليم بنعمة المسيح إلنارة السلوك المسيحيّ وتغذيته‪ .‬وتجد الحياة األخالقية‪،‬‬
‫مِثل مجموع الحياة المسيحية‪ ،‬مصدرها وذروتها في ذبيحة االفخارستيّا‪.‬‬

‫‪ .0‬الحياة األخالقية وسلطة الكنيسة التعليم ّية‬


‫الحق وقاعدته" (‪2‬تي‪" )25 :3‬قد تسلّمت من الرسل وصيّة‬ ‫ّ‬ ‫‪ -4114‬إنّ الكنيسة التي هي "عمود‬
‫المسيح الرسميّة بنشر حقيقة الخالص"‪ .‬يعود إلى الكنيسة‪ ،‬في ك ّل زمانع ومكان‪ ،‬حتى فيما يتعلّق‬
‫بالنظام االجتماعي‪ ،‬أن ُتعلن مبادئ األخالق‪ ،‬وتدليّ برأيها في ش ّتى األمور البشرية بقدر ما‬
‫تقتضي ذلك حقوق الشخص األساسيّة وخالص النفوس"‪.‬‬
‫‪ -4111‬إنّ سلطة رعاة الكنيسة التعليم ّية في المجال األخالقيّ تمارس عاد ًة في التعليم الديني‬
‫والوعظ‪ ،‬بمساعدة مؤلّفات الالهوتيين والك ّتاب الروحيّين‪ .‬وهكذا ُنقلت من جيل إلى جيل‪،‬‬
‫بإشراف الرعاة وعنايتهم‪" ،‬وديعة" األخالق المسيحية‪ ،‬المؤلّفة من مجموعة متميّزة من القواعد‬
‫والوصايا والفضائل‪ ،‬المتأ ّتية من اإليمان بالمسيح‪ ،‬والحيّة بالمحبّة‪ .‬وا ّتخذ هذا التعليم الدين ّي أساسا ً‬
‫تقليد ّيا ً له‪ ،‬مع قانون اإليمان والصالة الربيّة‪ ،‬الوصايا العشر التي ُتعلن مبادئ الحياة األخالقية‬
‫الصالحة لجميع الناس‪.‬‬
‫ِّ‬
‫‪ -4112‬الحبر الروماني واألساقفة‪ ،‬هم "المعلمون األصليون الذين قُلدوا سلط َة المسيح‪ ،‬يُعلنون‬
‫ينظم تفكيره ومسلكه"‪ .‬إنّ سلطان البابا واألساقفة‬ ‫للشعب الذي ائ ُتمِنوا عليه اإليمان الذي يجب أن ِّ‬
‫العادي يلقِّن المؤمنين الحقيقة التي يجب اإليمان بها‪ ،‬والمحبّة التي تجب‬ ‫ّ‬ ‫التعليمي‬
‫ّ‬ ‫الم ّتحدين به‪،‬‬
‫ممارستها‪ ،‬والسعادة التي يجب ترجّ يها‪.‬‬
‫‪ -4111‬الدرجة العليا في المشاركة في سلطة المسيح تؤمّنها موهبة العصمة‪ .‬وهذه تمت ُّد امتدا َد‬
‫وديعة الوحي اإللهيّ ‪ .‬وتمت ُّد أيضا ً إلى جميع عناصر العقيدة‪ ،‬ومنها األخالقية‪ ،‬التي بدونها ال‬
‫‪.‬يمكن حقائق اإليمان الخالصيّة أن ُتصان أو ُتعع رّض أو ُتحفظ‬
‫‪ -4111‬تمت ُّد السلطة التعليميّة كذلك إلى الفرائض الخاصّة بالشريعة الطبيعية‪ ،‬ألنَّ حِفظها الذي‬
‫يطلبه الخالق ضروريٌّ للخالص‪ .‬والكنيسة إذ تذ ّكر بسلطانها التعليم ّي بفرائض الشريعة الطبيعية‪،‬‬
‫ُتمارس قسطا ً أساس ّيا ً من وظيفتها النبويّة‪ ،‬بأن ُتعلن للناس ما هي حقيقتهم‪ ،‬وتذ ّكرهم بما يجب أن‬
‫يكونوا أمام هللا‪.‬‬
‫‪ -4111‬ان الكنيسة التي أودعها هللا شريعته ُتعلّمها للمؤمنين طريقا ً للحياة وللحقيقة‪ .‬لذلك كان‬
‫للمؤمنين الحق في أن يُعلِّموا الفرائض اإللهية الخالصيّة التي تنقّي الحُكم‪ ،‬وتشفي‪ ،‬مع النعمة‪،‬‬
‫العقل البشري الجريح‪ .‬وعليهم الواجب أن يحفظوا القوانين والرسوم الصادرة عن سلطة الكنيسة‬
‫الشرعيّة‪ .‬وهذه الرسوم‪ ،‬وإن كانت تنظيميّة‪ ،‬تقتضي االنقياد بالمحبة‪.‬‬
‫‪ -4111‬تحتاج الكنيسة‪ ،‬في عمل التعليم وتطبيق األخالق المسيحيّة‪ ،‬إلى بذل الذات عند الرعاة‪،‬‬
‫وإلى علم الالهوتيّين‪ ،‬ومساهمة جميع المسيحيّين وذوي اإلرادة الصالحة من الناس‪ .‬يوفّر اإليمان‬
‫وممارسة اإلنجيل لك ّل واحد خبرة الحياة "في المسيح" التي تنيره وتجعله قادراً على تقويم‬
‫الحقائق اإللهية واإلنسانية بحسب روح هللا‪ .‬وهكذا يستطيع الروح القدس أن يستخدم األوضع من‬
‫الناس ليُنير العلماء واألعلى مرتبة‪.‬‬
‫خدَم بروح الخدمة األخويّة والبذل في سبيل الكنيسة باسم الربّ ‪ .‬وفي‬ ‫‪ -4111‬الب ّد من تأدية ال ِ‬
‫الوقت عينه‪ ،‬ال ب ّد لضمير ك ّل واحد من أن يتج ّنب‪ ،‬في حُكمه األخالقي على أفعاله الشخصية‪،‬‬
‫التقيّد باعتبارات شخصيّة‪ .‬وعليه أن يسعى جهده إلى االنفتاح على اعتبار خير الجميع كما يبدو‬

‫‪77‬‬
‫في الشريعة األخالقيّة‪ ،‬الطبيعيّة الموحى بها‪ ،‬وبالتالي في شريعة الكنيسة وفي تعليم السلطة‬
‫الرسميّ عن المسائل األخالقية‪ .‬ال ينبغي أن يكون هناك تعارض بين الضمير الشخصيّ والعقل‬
‫من جهة‪ ،‬والشريعة األخالقيّة أو السلطة التعليميّة من جهة أخرى‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫ّ‬
‫‪ -4121‬هكذا يمكن أن تنمو بين المسحيّين روح نبو ّية حقيق ّية تجاه الكنيسة‪ .‬إنها التفتق الطبيعيّ‬
‫لنعمة المعمودية التي َولَد عتنا في حضن الكنيسة‪ ،‬وصيّرتنا أعضاء جسد المسيح‪ .‬والكنيسة تمنحنا‪،‬‬
‫فاعلة بوجه خاص في سرّ‬ ‫ً‬ ‫في عناية األم‪ ،‬رحمة هللا التي تتغلّب على جميع خطايانا‪ ،‬وتكون‬
‫المصالحة‪ .‬وهي توفّر لنا أيضا ً في ليترجيّاها‪ ،‬يوما ً بعد يوم‪ ،‬غذاء كالم الربّ وإفخارستيّاه‪.‬‬

‫‪ .ً4‬وصايا الكنيسة‬
‫‪ -4120‬تقع وصايا الكنيسة في هذا السياق من الحياة األخالقية المرتبطة بالحياة الليترجيّة‬
‫المتغذية بها‪ .‬والصفة اإللزامية لهذه الشرائع الوضعية الصادرة عن السلطات الرعائيّة غايتها أن‬ ‫ّ‬
‫تكفل للمؤمنين الح ّد األدنى الذي ال ب ّد منه في روح الصالة‪ ،‬وفي الجهد األخالقي‪ ،‬وفي نموّ محبة‬
‫هللا والقريب‪.‬‬
‫‪ -4124‬الوصيّة األولى ("احضر القداس أيام اآلحاد وسائر األعياد المأمور بها‪ ،‬وامتنع عن األعمال‬
‫المأجورة") تطلب من المؤمنين أن يُق ّدسوا يوم تذكار قيامة الربّ وأهم األعياد الليترجية التي تكرّم أسرار الربّ‬
‫والعذراء الطوباوية والق ّديسين‪ ،‬وذلك بالمشاركة أوالً في االحتفال اإلفخارستيّ الذي تجتمع فيه الجماعة‬
‫المسيحية‪ ،‬وتطلب منهم أيضا ً االمتناع عن األشغال واألعمال التجارية التي يمكنها ان تمنعهم من تقديس تلك‬
‫األيام‪.‬‬
‫ّ‬
‫الوصية الثانية ("اعترف بخطاياك كلها على األقل مرّة في السنة") تؤ ّمن االستعداد لإلفارستيا بتقبّل سر‬
‫المصالحة‪ ،‬الذي يتابع عمل المعمودية في التوبة والمغفرة‪.‬‬
‫الوصية الثالثة ("تناول سرّ اإلفارستيا على األقل في الفصح") تكفل الح ّد األدنى لتناول جسد الرب ودمه على‬
‫صلة باألعياد الفصحية أصل الليتريا المسيحية وقلبها‪.‬‬
‫‪ -4121‬الوصية الرابعة ("انقطع عن أكل اللحم وصُم الصوم في األيام التي تقرُّ ها الكنيسة") تؤمّن أوقات‬
‫الجهاد والتوبة التي ُتهيّئنا لألعياد اللي ُترجيّة‪ ،‬و ُتم ّكننا من التسلّط على غرائزنا من حريّة القلب‪.‬‬
‫الوصيّة الخامسة ("ساعد الكنيسة في احتياجاتها") تذ ّكر المؤمنين بواجب تأمين احتياجات الكنيسة الماديّة‪ ،‬ك ّل‬
‫بحسب إمكاناته‪.‬‬

‫‪ .ً1‬الحياة الخلق ّية والشهادة اإلرسالية‬


‫‪ -4122‬أمانة المعمّدين شرط أوّ ليٌّ إلعالن اإلنجيل ولرسالة الكنيسة في العالم‪ .‬وال ب ّد لرسالة‬
‫الخالص من أن تثبّتها شهادة حياة المسيحيين ل ُتظهر للناس قو َة حقيقتها وإشعائها‪" .‬إنّ شهادة‬
‫الحياة المسيحية واألعمال التي ُتعمّل بروح فائق الطبيعة‪ ،‬لها قدرة على اجتذاب الناس إلى‬
‫اإليمان وإلى هللا"‪.‬‬
‫‪ -4121‬بما أن المسيحيين هم أعضاء الجسد الذي رأسه المسيح‪ ،‬فهُم يساهمون بصمود عقيدتهم‬
‫وأخالقهم في بناء الكنيسة‪ .‬فالكنيسة تكبر‪ ،‬وتنمو وتتطوّ ر بقداسة مؤمنيها‪ ،‬إلى ان يتكوّ ن اإلنسان‬
‫البالغ‪ ،‬إلى ملء اكتمال المسيح (أف‪.)23 :4‬‬
‫يعجل المسيحيون‪ ،‬بحياتهم حسب المسيح‪ ،‬مجيء ملكوت هللا‪" ،‬ملكوت العدالة والحقيقة‬ ‫‪ّ -4121‬‬
‫والسالم"‪ .‬وهم ال يتخلّون في سبيل ذلك عن مهامّهم األرضية‪ ،‬بل تحملُهم أمانتهُم للمعلّم على‬
‫تأديتها باستقامة وصبر ومحبة‪.‬‬

‫بإيجاز‬

‫‪78‬‬
‫‪ -4121‬الحياة األخالقية هي عبادة روحيّة‪ .‬والتصرّف المسيح ّي يجد غذا َءه في الليترجيا وإقامة‬
‫األسرار‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫‪ -4121‬وصايا الكنيسة تتعلق بالحياة األخالقية والمسيحية المتحدة بالليترجيا والمتغذية بها‪.‬‬
‫‪ -4121‬سلطة رعاة الكنيسة التعليميّة في المجال األخالقي ُت َ‬
‫مارس عاد ًة في التعليم الدين ّي الوعظ‪،‬‬
‫على قاعدة الوصايا العشر‪ ،‬التي ُتعلن مبادئ الحياة األخالقية الصالحة لجميع الناس‪.‬‬
‫‪ -4111‬الحبر الروماني واألساقفة‪ ،‬وهم المع ّلمون األصيلون‪ ،‬يعلنون لشعب هللا اإليمان الذي‬
‫يجب اعتقاده والسلوك بموجبه‪ .‬ولهم أيض ًا أن يبدوا الرأي في المسائل األخالقية الم ّتصلة‬
‫بالشريعة الطبيعيّة وبالعقل‪.‬‬
‫‪ -4110‬عصمة سلطة الرعاة التعليميّة تمت ّد إلى جميع عناصر العقيدة‪ ،‬ومنها األخالقيّة‪ ،‬التي‬
‫‪.‬بدونها ال يمكن حقائق اإليمان الخالصيّة أن ُتصان أو ُتعرض أو ُتحفظ‬

‫الوصايا العشر‬

‫الصيغة التعليمية‬ ‫تثنية االشتراع ‪40-1 :1‬‬ ‫خروج ‪01-4 :41‬‬


‫‪ -2‬أنا الربّ إلهُك من‬ ‫"أنا الرب إلهك الذي أخرجك‬ ‫"أنا الرب إلهك‪ ،‬الذي أخرجك‬
‫من أرض مصر من دار العبودية‬ ‫أرض مصر من دار العبودية‪.‬‬

‫ال يكن لك إله غيري‬ ‫ال يكن لك آلهة أخرى ُتجاهي‬ ‫ال يكن لك آلهة أخرى تجاهي‪.‬‬
‫ال تصنع لك منحوتا ً وال صورة‬
‫شيء مما في السماء من فوق‬
‫وال مما في األرض من أسفل‬
‫وال مما في المياة من تحت األرض‪.‬‬
‫ال تسجد لهنّ وال تعبدهنّ أل ّني‬
‫أنا الربّ إلهك إله غيور أفتقد‬
‫ذنوب اآلباء في البنين إلى الجيل‬
‫الثالث والرابع من مبغضيّ‪.‬‬
‫وأصنع رحمة إلى ألوف من محبّيَّ‬
‫وحافظي وصاياي‪.‬‬

‫‪ -1‬ال تحلف باسم هللا بالباطل‬ ‫ال تنطق باسم الرب إلهك‬ ‫ال تحلف باسم الرب إلهك‬
‫باطالً‬ ‫باطالً‪ ،‬ألن الرب ال يز ّكي من‬
‫يحلف باسمه باطالً‪.‬‬
‫‪ -3‬احفظ يوم الرب‬ ‫احفظ يوم السبت وق ّدسه‬ ‫اذكر يوم السبت لتق ّدسه‪ .‬في‬
‫ستة أيام تعمل وتصنع جميع‬
‫أعمالك‪ ،‬واليوم السابع سبت‬
‫للربّ إلهك‪ .‬ال تصنع فيه‬
‫عمالً لك أنت وابنك وابنتك‬
‫وعبدك وأمتك وبهيمتك‬
‫ونزيلك الذي في داخل أبوابك‪.‬‬

‫‪79‬‬
‫ألن الرب في س ّتة أيام خلق‬
‫السماوات واألرض والبحر‬
‫وجميع ما فيها‪ ،‬وفي اليوم‬
‫السابع استراح‪ ،‬ولذلك بارك‬
‫الرب يوم السبت وق ّدسه‪.‬‬
‫‪ -4‬أكرم أباك وأمّك‬ ‫أكرم أباك وأمك‬ ‫أكرم أباك وأمك لكي يطول‬
‫عمرك في األرض‪ .‬التي‬
‫يعطيك الرب إلهك‪.‬‬
‫‪ -5‬ال تقت عل‬ ‫ال تقت عل‬ ‫ال تقتلع‪.‬‬
‫تزن‬
‫‪ -6‬ال ِ‬ ‫تزن‬
‫ال ِ‬ ‫تزن‪.‬‬
‫ال ِ‬
‫ع‬
‫تسرق‬ ‫‪ -7‬ال‬ ‫ع‬
‫تسرق‬ ‫ال‬ ‫ع‬
‫تسرق‪.‬‬ ‫ال‬
‫ال تشهد على صاحبك ‪ -8‬ال تشهد بالزور‬ ‫ال تشهد على قريبك شهادة‬
‫شهادة زور‬ ‫زور‪.‬‬
‫ال تشت ِه امرأة قريبك ‪ -1‬ال تشته امرأة قريبك‪.‬‬ ‫ال تشت ِه بيت قريبك وال تشته‬
‫امرأة قريبك‪.‬‬
‫‪ -21‬ال تشته مقتنى غيرك‬ ‫ال تشت ِه شيئا ً مما‬ ‫وال عبده‪ ،‬وال أمته‪ ،‬وال ثوره‬
‫لصاحبك‬ ‫وال حماره وال شيئا ً مما‬
‫‪.‬لقريبك‬

‫القسم الثاني‬
‫الوصايا العشر‬

‫علي أن أفعل‪..‬؟"‬
‫ّ‬ ‫"يا معلم ماذا‬
‫‪" -4114‬يا معلّم‪ ،‬ماذا عليّ أن أفعل من الصالح ألحرز الحياة األبديّة؟" أجاب يسوع الشابَّ‬
‫الذي طرح عليه هذا السؤال‪ ،‬أوّ الً بالتذكير بضرورة االعتراف باهلل أ ّنه "الصالح وحده"‪ ،‬أ ّنه‬
‫ئت أن تدخل الحياة فاحفظ الوصايا"‪.‬‬ ‫الخير األسمى‪ ،‬وينبوع ك ّل خير‪ .‬ثم قال له يسوع‪" :‬إن ش َ‬
‫وذكر لمُح ِّدثه الوصايا المتعلّقة بمحبة القريب‪" .‬ال تقتل‪،‬التزن‪ ،‬ال تسرق‪،‬ال تشهد بالزور‪ ،‬أكرم‬
‫لخص يسوع تلك الوصايا على نحو إيجابي‪" :‬أحبب قريبك كنفسك"(متى‪:21‬‬ ‫أباك وأمك"‪ ،‬واخيراً ّ‬
‫‪.)21-26‬‬
‫‪ -4111‬إلى هذا الجواب األول أضاف جوابا ً ثانياً‪" :‬إن شئت ان تكون كامالً‪ ،‬فاذهب وبعع ما لك‪،‬‬
‫واعطه للمعوزين‪ ،‬فيكون لك كنز في السماوات‪ ،‬ثم تعا َل اتبعني" (متى‪ .)12 :21‬وهو اليُلغي‬
‫الجواب األول‪ .‬فا ّتباع يسوع المسيح يقتضي حف َظ الوصايا‪ .‬والشريعة لم ُتبطل‪ ،‬ولكنّ اإلنسان‬
‫مدعوٌّ إلى أن يجدها في شخص معلّمه الذي هو تحقيقُها الكامل‪ .‬في األناجيل الثالثة اإلزائية‪،‬‬
‫ُتقارب دعوة يسوع الشابَّ الغنيّ إلى ا ّتباعه في طاعة التلميذ وحفظ الفرائض‪ ،‬الدعوة إلى الفقر‬
‫والطهارة‪ .‬فالمشورات االنجيلية ال تنفصل عن الوصايا‪.‬‬
‫‪ -4112‬لقد أعاد يسوع الوصايا العشر‪ ،‬ولك ّنه أظهر قوّ َة الروح القدس العامِلة في حّ رع فها‪ .‬لقد‬
‫كرز بالبرّ الذي يزيد على ما للكتبة والفريسين وما للوثتنيّين‪ .‬وبسط ك ّل ما تقتضيه الوصايا‪:‬‬
‫"سمعتم أ ّنه قيل لألقدمين‪ :‬ال تقتل‪ ....‬أما أنا فأقول لكم‪ :‬إنّ ك ّل من غضب على أخيه يستوجب‬
‫المحاكمة" (متى‪.)11-12 :5‬‬

‫‪80‬‬
‫‪ -4111‬عندما يُطرح عليه السؤال‪" :‬ما أعظم الوصايا في الناموس؟" (متى‪ ،)36 :11‬يجيب‬
‫يسوع‪" :‬أحبب الربّ إلهك بك ِّل قلبك‪ ،‬وك ّل نفسك‪ ،‬وك ّل ذهنك‪ ،‬هذه هي الوصيّة الكبرى واألولى‪.‬‬
‫والثانية تشبهها‪ :‬أحبب قريبك كنفسك‪ .‬بهاتين الوصيّتين يتعلّق الناموس كلّه واألنبياء" (متى‪:11‬‬
‫‪ .)41-37‬فالوصايا العشر يجب أن ُتشرح في ضوء هذه الوصيّة المزدوجة الواحدة‪ ،‬وصية‬
‫المحبة‪ ،‬كمال الشريعة‪:‬‬
‫"إن هذه الوصايا‪" :‬ال تزن‪ ،‬ال تقتل‪ ،‬ال تسرق‪ ،‬ال تشهد بالزور‪ ،‬ال تشته"‪ ،‬وك ّل وصية أخرى ُت ّ‬
‫لخص في هذه‬
‫الكلمة‪" :‬أحبب قريبك كنفسك"‪ .‬ان المحبّة ال تصنع بالقريب شرّ اً‪ ،‬فالمحبّة إذن هي تمام الناموس" (رو‪-1 :23‬‬
‫‪.)21‬‬

‫الوصايا العشر في الكتاب المقدس‬


‫‪ -4111‬تعني كلمة "الوصايا العشر" حرف ّيا ً "كلمات عشر" (خروج‪( ،)18 :34‬تثنية‪،23 :4‬‬
‫‪ .)21:4‬هذه الكلمات العشر أوحى بها هللا إلى شعبه في الجبل المقدس‪ .‬لقد كتبها "بإصبعه"‬
‫بخالف الفرائض األخرى التي كتبها موسى‪ .‬إ ّنها كلمات هللا بوجه ممتاز‪ُ ،‬نقلت إلينا في سفر‬
‫الخروج‪ ،‬وفي سفر تثنية االشتراع‪ .‬والكتب المق ّدسة منذ العهد القديم ُترجع إلى "الكلمات العشر"‪،‬‬
‫ولكنّ معناها الكامل إ ّنما ُكشف عنه في العهد الجديد بيسوع المسيح‪.‬‬
‫دث هللا التحريريُّ الكبير وسط‬ ‫‪ُ -4111‬تف َهم الوصايا العشر أوّ الً في قرينة الخروج‪ ،‬الذي هو َح ُ‬
‫العهد القديم‪ .‬وسواء ا ّتخذت صيغة فرائض سلبيّة ناهية‪ ،‬أو صيغة وصايا ايجاببيّة (مثل‪" :‬أكرم‬
‫أباك وأمك")‪" ,‬فالكلمات العشر" تبيّن شرو َط حياة مُحرَّ رة من عبودية الخطيئة‪ .‬الوصايا العشر‬
‫ُ‬
‫طريق حياة‪:‬‬ ‫هي‬
‫وحفظت وصاياه ورسومه وأحكامه‪ ،‬تحيا وتكثر" (تث‪.)25 :5‬‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫وسرت في طرقه‪،‬‬ ‫"إنع أحببت إلهك‪،‬‬
‫قوّ ة الوصايا العشر التحريريّة هذه َتظهر مثالً في وصيّة راحة السبت الموجّ هة أيضا ً إلى الغرباء والعبيد‪:‬‬
‫إلهك من هناك بيد قديرة وذراع مبسوطة"‬ ‫َ‬ ‫"أُذكر أ ّنك كنت عبداً في أرض مصر فأخرجك الربُّ‬
‫(تث‪.)25 :5‬‬
‫‪" -4111‬الكلمات العشر" تختصر و ُتعلن شريعة هللا‪" :‬هذه الكلمات كلّم الربُّ بها جماعتكم كلّها‬
‫في الجبل من وسّط النار والغمام وال َّدجن بصوت عظيم‪ ،‬ولم َيزد‪ ،‬وكتبها على لوحي الحجر‬
‫ودفعهما إليَّ " (تث‪ .)11 :5‬فهي تحوي بنود العهد الذي أُقيم بين هللا والشعب‪ .‬و"ألواح الشهادة"‬
‫َع في "التابوت" (خرو‪-2 :41 ،26 :15‬‬ ‫هذه (خرو‪ )11 :34 ،25 :31 ،28 :32‬يجب أن تود َ‬
‫‪.)1‬‬
‫‪ -4111‬نطق هللا "بالكلمات العشر" وسط ظهور إلهيّ ("في الجبل‪ ،‬من وسط النار‪ ،‬كلّمكم الربُّ‬
‫وجها ً لوجه"‪ :‬تث ‪ .)4 :5‬إ ّنها تخصّ ما كشفه هللا عن ذاته وعن مجده‪ .‬فعطيّة الوصايا هي عطيّة‬
‫هللا نفسه ومشيئتِه الق ّدوسة‪ .‬وهللا يكشف عن نفسه لشعبه عندما يعرّف مشيئاته‪.‬‬ ‫ِ‬
‫‪ -4111‬عطيّة الوصايا العشر جزء من العهد الذي قطعه هللا مع شعبه‪ .‬وبحسب سفر الخروج‪،‬‬
‫فإنّ الكشف عن "الكلمات العشر" ت َّم بين َعرع ض العهد وب ّته‪ ،‬بعد أن التزم الشعب "بفعل" ك ّل ما‬
‫تكلّم به الربّ و"االئتمار" به‪ .‬ولم ُتن َقل الوصايا العشر أبداً إال ّ بعد التذكير بالعهد ("إنّ الربّ إلهنا‬
‫بت معنا عهداً في حوريب" تث‪.)1 :5‬‬ ‫قد ّ‬
‫‪ -4110‬ت ّتخذ الوصايا كامل معانيها في صميم العهد‪ .‬فبحسب الكتاب‪ ،‬ي ّتخذ تصرّ ف اإلنسان‬
‫األخالقي كام َل معناه في العهد وبه‪ .‬واألوّ ل بين "الكلمات العشر" تذ ّكر بحبّ هللا األول لشعبه‪:‬‬

‫‪81‬‬
‫"بما أنه كان هناك لمعاقبة الخطيئة مرور من فردوس الحرّ ية إلى عبودية هذا العالم‪ ،‬لذلك أوّ ُل عبارة من‬
‫الوصايا العشر‪ ،‬أوّ ل كلمة من وصايا هللا‪ ،‬تتناول الحرّ ية‪" :‬أنا الربّ إلهك الذي أخرجك من أرض مصر‪ ،‬من‬
‫دار العبوديّة" (خروج‪ ،1 :11‬تث‪.)6 :5‬‬
‫‪ -4114‬الوصايا بالمعنى الدقيق تأتي في المرتبة الثانية‪ .‬وتعبّر عن مقتضيات انتمائنا الذي أقامه‬
‫العهد إلى هللا‪ .‬والوجود األخالقي هو جواب عن مبادرة الرب ال ُم ِحبّة‪ .‬إ ّنها حمد وإجالل هلل‪،‬‬
‫وعبادة ُشكر‪ ،‬إ ّنها مساهمة في ما هلل من تدبير في التاريخ‪.‬‬
‫نة بصيغة المتكلّم‬‫والحوار بين هللا واإلنسان كونُ جميع الواجبات معلَ ً‬ ‫َ‬ ‫‪ -4111‬يُثبت أيضا ً العهد‬
‫هة إلى شخص آخر "أنت"‪ .‬في جميع وصايا هللا يُعيّن ضمير ُمفرد َمن ُتوجّ ه‬ ‫"أنا الربّ ‪ "...‬موجّ ً‬
‫إليه‪ .‬فاهلل يعلم بإرادته في آن واحد جميع الشعب وك ّل واحد خصوصاً‪:‬‬
‫"لقد فرض الربُّ المحبّة تجاه هللا‪ ،‬وعلّم العد َل تجاه القريب‪ ،‬حتى ال يكون اإلنسانُ ظالما ً أو غير أهل هلل‪ .‬وهكذا‬
‫كان هللا بالوصايا العشر يهيّئ اإلنسان ليصير صديقه‪ ،‬ولكي يكون له مع القريب قلب واحد‪ .‬وكلمات الوصايا‬
‫العشر باقية كذلك عندنا (نحن المسيحيين)‪ .‬وهي ليس فقط لم ُتبطل بل إ ّنها كبُرت ونمت من جراء مجيء الربّ‬
‫في الجسد"‪.‬‬

‫الوصايا العشر في تقليد الكنيسة‬

‫‪ -4112‬إنّ تقليد الكنيسة األمين للكتاب وال ُم َّتبع م َثل يسوع قد اعترف للوصايا العشر بأهمية‬
‫ومدلول أساسيّين‪.‬‬
‫‪ -4111‬فمنذ القديس أوغسطينوس كان "للوصايا العشر" مكانة راجحة في التعليم الدينيّ الذي يُلقى على من‬
‫سيُعمّد وعلى المؤمنين‪ .‬في القرن الخامس عشر درج الناس على التعبير عن فرائض الوصايا العشر بصيغ‬
‫مسجّ عة‪ ،‬سهلة الحفظ وإيجابيّة‪ .‬وال تزال قيد االستعمال اليوم‪ .‬و ُك ُتب التعليم الدينيّ في الكنيسة كثيراً ما بسطت‬
‫األخالقيّة المسيحية بحسب ترتيب "الوصايا العشر"‪.‬‬
‫‪ -4111‬تقسيم الوصايا وترقيمها تغيّر في خالل التاريخ‪ .‬وكتاب التعليم الديني هذا ي ّتبع تقسيم الوصايا التي‬
‫وضعه القديس أوغسطينوس‪ ،‬واصبح تقليد ّيا ً في الكنيسة الكاثوليكية‪ .‬وهو نفسه قائم في الجماعات اللوثرية‪ .‬وقد‬
‫جرى اآلباء اليونانيّون تقسيما ً يختلف بعض االختالف‪ ،‬وهو قائم في الكنائس األرثوذكسيّة وجماعات االصالح‪.‬‬
‫‪ -4111‬تعلِن الوصايا العشر مطالب محبّة هللا والقريب‪ .‬الثالث األولى أكثر تعلّقا ً بمحبة هللا‪،‬‬
‫والسبع األخرى بمحبّة القريب‪.‬‬
‫"بما أنّ المحبّة تتضمّن فريضتين يتعلّق بهما الناموس كلّه واألنبياء‪ ،‬فهكذا ُتقسّم الفرائض العشر نفسها إلى‬
‫لوحين‪ُ ،‬كتبت ثالث على الواحد وسبع على أالخر"‪.‬‬
‫‪ -4111‬يعلّم المجمع التريدنتيني أنّ الوصايا العشر ُتلزم المسيحين وأنّ اإلنسان ال ُمبّرَّ ر مُلزم‬
‫بحفظها‪ .‬ويؤ ّكد المجمع الفاتيكاني الثاني‪" :‬انّ األساقفة خلفاء الرسل تسلّموا من الرب الرسالة بأن‬
‫شروا باإلنجيل ك َّل خليقة‪ ،‬لكي ينال جمي ُع الناس‪ ،‬باإليمان والمعموديّة‬ ‫يُعلّموا جميع األمم‪ ،‬ويب ّ‬
‫صهم"‪.‬‬ ‫والعمل بالوصايا‪ ،‬خال َ‬

‫وحدة الوصايا العشر‬


‫يتحزأ‪ .‬وك ُّل "كلمة" ُترجع إلى ك ّل واحدة أخرى وإليها‬
‫ّ‬ ‫‪ -4111‬تؤلّف الوصايا العشر كال ّ ال‬
‫جميعاً‪ ،‬وهي مترابطة بعضها ببعض‪ .‬واللوحان يُني ُر أحدهما اآلخر‪ ،‬وهما يؤلّفان وحد ًة‬
‫ي وصيّة مخالفة لها كلّها‪ .‬فال يمكن إكرام اآلخرين دون مباركة هللا خالقهم‪.‬‬ ‫ُ‬
‫ومخالفة أ ّ‬ ‫عضوية‪.‬‬
‫وال تمكن عبادةُ هللا دون محبّة جميع الناس خالئقه‪ .‬ان الوصايا العشر توحّ د حياة اإلنسان‬
‫الالهوتيّة وحياته االجتماعية‪.‬‬

‫‪82‬‬
‫الوصايا العشر والشريعة الطبيع ّية‬
‫‪ -4111‬الوصايا العشر هي من وحي هللا‪ .‬وهي تعلّمنا‪ ،‬في الوقت ذاته‪ ،‬إنسانيّة اإلنسان الحقيقيّة‪.‬‬
‫إ ّنها توضح الواجبات األساسيّة‪ ،‬وبالتالي‪ ،‬بوجه غير مباشر‪ ،‬الحقوق األساسيّة الم ّتصلة بطبيعة‬
‫الشخص البشريّ ‪ .‬فالوصايا العشر تحوي تعبيراً مميّزا عن "الشريعة‬
‫الطبيعية"‪:‬‬
‫" وكان هللا منذ البدء قد غرس في قلب البشر فرائض الشريعة الطبيعية‪ .‬واكتفى بادئ األمر بتذكيرهم بها‪ .‬فكانت‬
‫الوصايا العشر – التي إن لم يعمل بها اإلنسان ال ينال الخالص ‪ ،-‬ولم يطلب شيء آخر منهم"‪.‬‬
‫‪ -4110‬الوصايا العشر‪ ،‬وإن كانت في متناول العقل‪ ،‬قد أوحى هللا بها‪ ،‬فالبشريّة الخاطئة كانت‬
‫ً‬
‫كاملة وأكيد ًة لمقتضيات الشريعة الطبيعيّة‪:‬‬ ‫ً‬
‫معرفة‬ ‫بحاجة إلى هذا الوحي لتبليغ‬
‫"إنّ شرحا ً وافيا ً للوصايا العشر كان قد أضحى ضرور ّيا ً في حالة الخطيئة‪ ،‬بسبب إظالم نور العقل وانحراف‬
‫اإلرادة‪.‬‬
‫نعرف وصايا هللا بالوحي اإللهيّ الذي تعرضه علينا الكنيسة‪ ،‬وبصوت الضمير األخالقيّ ‪.‬‬

‫إلزام الوصايا العشر‬


‫‪ -4114‬النّ الوصايا العشر تعبّر عن واجبات اإلنسان األساسيّة تجاه هللا وتجاه قريبه‪ ،‬فهي تبيّن‬
‫في مضمونها األوّ ليّ واجبات خطيرة‪ .‬إ ّنها في جوهرها ال تقبل التغيير‪ ،‬وإلزامُها ثابت أبداً وفي‬
‫ك ّل مكان‪ .‬ليس في استطاعة احد أن يعفي منها‪ .‬لقد حفر هللا الوصايا العشر في قلب ك ّل كائن‬
‫بشريّ ‪.‬‬
‫‪ -4111‬الطاعة للواصايا تتضمّن أيضا ً واجبات ما ّد ُتها في ذاتها خفيفة‪ .‬فالشتيمة بالكالم مثالً‬
‫تنهي عنها الوصيّة الخامسة‪ ،‬ولك ّنها لن تصبح خطيئة جسيمة إال ّ بالنظر إلى الظروف أو نيّة من‬
‫يتلفّظ بها‪.‬‬

‫"بدوني ال تستطيعون أن تفعلوا شيئا"‬


‫‪ -4112‬قال يسوع‪ :‬أنا الكرمة وانتم األغصان‪ ،‬من يثبت فيّ وأنا فيه‪ ،‬فهو يأتي بثمر كثير‪ ،‬فإ ّنكم‬
‫بدوني ال تستطيعون أن تفعلوا شيئاً" (يو‪ .)5 :25‬والثمر المذكور في هذا الكالم هو قداسة الحياة‬
‫التي يُخصبها االتحاد بالمسيح‪ ،‬فعندما نؤمن بيسوع المسيح‪ ،‬ونشترك في أسراره ونحفظ وصاياه‪،‬‬
‫يأتي المخلّص بذاته ليحبّ فينا أباه واخوته‪ ،‬وأبانا واخوتنا‪ .‬ويصبح شخصه‪ ،‬بفضل الروح‬
‫القدس‪ ،‬القاعدة الحيّة والداخليّة لعملنا‪" .‬هذه وصيّتي‪ :‬أن يحبَّ بعضكم بعضا ً كما أحببتكم أنا"‬
‫(يو‪.)25:21‬‬

‫بإيجاز‬
‫‪" -4111‬ماذا عليّ أن أعمل من الصالح ألحرز الحياة األبديّة؟ ‪-‬إن شئت أن تدخل الحياة فاحفظ‬
‫الوصايا" (متى‪.)27-26 :21‬‬
‫‪ -4111‬لقد أثبت يسوع‪ ،‬بسلوكه ووعظه‪ ،‬دوام الوصايا العشر‪.‬‬
‫‪ً -4111‬تمنح عطيّة الوصايا العشر في صميم العهد الذي قطعه هللا مع شعبه‪ .‬وت ّتخذ وصايا هللا‬
‫معناها الحقيق ّي في هذا العهد وبه‪.‬‬
‫مثل يسوع‪ ،‬قد اعترف للوصايا العشر بأهّمية‬ ‫‪ -4111‬إنّ تقليد الكنيسة‪ ،‬األمين للكتاب‪ ،‬الم ّتبع َ‬
‫ومدلول أساسيّين‪.‬‬

‫‪83‬‬
‫‪ -4111‬تؤ ّلف الوصايا العشر وحد ًة عضويّة‪ُ ،‬ترجع فيها ك ُّل "كلمة"‪ ،‬أو "وصيّة" إلى مجموعها‪.‬‬
‫ي وصيّة مخالفة لها ك ّلها‪.‬‬
‫ومخالفة أ ّ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫‪ -4111‬الوصايا العشر تحوي تعبيرا مميّزا عن "الشريعة الطبيعية"‪ .‬ونحن نعرفها بالوحي‬
‫اإلله ّي والعقل البشري‪.‬‬
‫‪ُ -4110‬تعلنُ الوصايا العشر‪ ،‬في مضمونها األساسيّ‪ ،‬واجبات خطيرة‪ .‬بيد أنّ إطاعة هذه‬
‫الفرائض تتضمن أيض ًا واجبات ما ّد ُتها في ذاتها خفيفة‪.‬‬
‫‪ -4114‬ما يأمر به الربُّ يجعله بنعمته مُمكِن ًا‪.‬‬

‫‪ -----‬الفصل األول ‪-----‬‬


‫الرب إلهك بكل ِّ قلبك وكل ِّ نفسك وكل ِّ ذهن َك"‬
‫َّ‬ ‫"أح ِبب‬

‫‪ -4111‬لقد اختصر يسوع واجبات اإلنسان تجاه هللا بهذا الكالم‪" :‬أحبب الربَّ إلهك بك ّل قلبك‬
‫وك ّل نفسك وك ّل ذهنِك" (متى‪ .)37 :11‬وهذا الكالم ص ًدى مباشر للدعوة العظيمة‪" :‬إسمع يا‬
‫إسرائيل‪ :‬إنّ الربّ إلهنا ربٌّ واحد" (تث‪.)4 :6‬‬
‫هللا أحبّ أوّ الً‪ .‬ومحبّة هللا الواحد تذ ّكر بها أولى "الكلمات العشرة"‪ .‬والوصايا تشرح في ما بعد‬
‫جواب المحبّة المطلوب من اإلنسان تأدي ُتة إللهه‪.‬‬

‫المقال األول‬
‫الوص ّية األولى‬

‫"أنا الرب إلهك الذي أخرجك من أرض مصر‪ ،‬من دار العبوديّة‪ .‬ال ي ُكن لك آلهة أخرى تجاهي‪ .‬ال تصنع لك‬
‫منحوتا ً وال صورة شيء مما في السماء من فوق وال مّما في األرض من أسفل وال مما في المياه من تحت‬
‫األرض‪ .‬ال تسجد لهنّ وال تعبدهنّ " (خروج‪.)5-1 :11‬‬
‫"إنه مكتوب للربّ إلهك تسجد‪ .‬وإيّاه وحده تعبُد" (متى‪.)21 :4‬‬

‫"للرب إله َك تس ُجد وإ ّياه تع ُبد"‬


‫ِّ‬ ‫‪. ًُ0‬‬
‫‪ُ -4112‬يعرّ ف هللا ذاته بال ّتذكير بفعله القدير والعطوف والمحرِّ ر في تاريخ مّنع يتوجّ ه إليه‪" :‬لقد‬
‫أخرجتك من أرض مصر‪ ،‬من دار العبوديّة" (تث‪ .)6 :5‬والكلمة األولى تتضمّن أولى وصايا‬
‫الشريعة‪" :‬للربّ إلهك تسجد‪ ،‬وإيّاه تعبد‪ ...‬ال تسيروا وراء آلهة أخرى" (تث‪ .)24-23 :6‬فدعوة‬
‫هللا األولى و َم عطلبُه العادل هو أن يتقبّله اإلنسان ويعبده‪.‬‬
‫‪ -4111‬لقد كشف هللا الواحد والحقيقيّ عن مجده إلسرائيل‪ .‬والكشفُ عن دعوة اإلنسان وحقيقته‬
‫مرتبط بالكشف عن هللا‪ .‬فدعوة اإلنسان هي ألن يُظهر هللا بسلوكه سلوكا ً يتوافق مع َخ علقه "على‬
‫صورة هللا كمثاله" (تك‪.)16 :2‬‬
‫الكون‪ .‬ال ُنف ّكر بأنّ‬ ‫"لن يكون هناك أبداً إله آخر‪ ،‬يا تريفون‪ ،‬ولم يكن آخر‪ ،‬منذ قرون سوى من َ‬
‫صنع ونسّق ع‬
‫إلهنا يختلف عن إلهكم‪ .‬إنه هو هو الذي أخرج آباءكم من مصر "بيده القديرة وذراعه المبسوطة"‪ .‬نحن ال ننوط‬
‫بغيره رجا َءنا‪ ،‬وليس هناك غيره‪ ،‬بل بإلهكم نفسه‪ ،‬إله ابراهيم واسحق ويعقوب"‪.‬‬
‫‪" -4111‬الوصيّة األولى تتناول اإليمان والرجاء والمحبّة‪ .‬فمن يتكلّم على هللا يتكلّم على كائن‬
‫دائم‪ ،‬ال يتغيّر‪ ،‬هو هو دائماً‪ ،‬أمين‪ ،‬كامل العدالة‪ .‬وينتج من ذلك أنّ علينا بالضرورة قبول كالمه‪.‬‬

‫‪84‬‬
‫ووضع إيمان وثقة كاملين فيه‪ .‬و َمن يستطيع أن ال يعلّق عليه كل آماله؟ ومن يستطيع أن ال يُحبّه‬ ‫َ‬
‫عندما يشاهد كنوز الجودة والحنان التي أفاضها علينا؟ من هنا العبارة التي يستعملها هللا في‬
‫‪.‬الكتاب المق ّدس‪ ،‬إ ّما في بدء وصاياه وإمّا في ختامها‪" :‬أنا الربّ "‬

‫اإليمان‬
‫‪ -4111‬تجد حيا ُتنا األخالقيّة ينبوعها في اإليمان باهلل الذي يكشف لنا محبّته‪ .‬ويتكلّم الق ّديس بولس‬
‫عن "طاعة اإليمان" كالواجب األوّ ل‪ .‬ويبيّن أنّ "عدم معرفة هللا" هو مبدأ ك ّل االنحرافات‬
‫األخالقية وشرحُها‪.‬إنّ واجبنا تجاه الربّ هو أن نؤمن به وأن نشهد له‪.‬‬
‫قصي ك ّل ما‬‫َ‬ ‫غذي إيماننا ونحفظه بفطنة وعناية‪ ،‬وأن ُن‬ ‫‪ -4111‬تتطلّب م ّنا الوصية األولى أن ُن ّ‬
‫ُ‬
‫طرائق متنوّ عة الرتكاب خطايا مخالفة لإليمان‪:‬‬ ‫يعارضه‪ .‬هناك‬
‫اإلرادي في اإليمان يُهمل أو يرفض االعتقاد بحقيقة ما أوحى به هللا وتعرضُه الكنيسة‬ ‫ّ‬ ‫ًُ الشك ّك‬
‫ّ‬
‫لنؤمن به‪ .‬الش ّك غير اإلرادي يعني التر ّدد في االعتقاد‪ ،‬وصعوبة التغلب على االعتراضات على‬
‫ك عن عمد فهو قادر على أن يقود‬ ‫اإليمان‪ ،‬أو أيضا ً الجزع المتأ ّتي من غموضه‪ .‬وإذا ُغ ّذي الش ّ‬
‫إلى عمى البصيرة‪.‬‬
‫‪ -4111‬عدم اإليمان هو إهمال الحقيقة الموحى بها أو الرفضُ عمداً القبول بها‪" .‬البدعة‬
‫(الهرطقة) هي االنكار باصرار‪ ،‬بعد قبول المعمودية‪ ،‬لحقيقة يجب اإليمان بها إيما ًنا إلهيّا‬
‫وكاثوليك ّياً‪ ،‬أو هي الشك بإصرار بتلك الحقيقة‪( .‬والجحود أو انكار اإليمان) هو الرفض الكامل‬
‫لإليمان المسيحي‪ .‬واالنشقاق هو رفض الخضوع للحبر األعظم أو الشركة مع أعضاء الكنيسة‬
‫الخاضعين له"‬

‫الرجاء‬
‫ً‬
‫استجابة كاملة لمحبّة‬ ‫‪ -4111‬عندما يكشف هللا عن ذاته ويدعو اإلنسان‪ ،‬ال يستطيع هذا االستجابة‬
‫هللا بقواه الذاتيّة‪ .‬وعليه أن يرجو هللا منحه القدرة على محبّته بالمقابل‪ ،‬وعلى السلوك بحسب‬
‫وصايا المحبّة‪ .‬والرجاء هو الترقّب الواثق للبركة اإللهية ولرؤية هللا السعيدة‪ .‬وهو أيضا ً خشية‬
‫إهان ِة محبّة هللا‪ ،‬ونيل العقاب‪.‬‬
‫‪ -4110‬والوصية األولى تقصد أيضا ً الخطايا المخالفة للرجاء وهي اليأس واالعتداد المفرط‬
‫بالنفس‪:‬‬
‫باليأس ينقطع اإلنسان عن أن يترجّ ى من هللا خالصه الشخصيّ ‪ ،‬والعون لبلوغه‪ ،‬أو المغفرة‬
‫لخطاياه‪ .‬واليأس يتعارض مع جودة هللا وعدالته‪ -‬ألن هللا أمين لعهوده ‪ -‬ورحمته‪.‬‬
‫‪ -4114‬وهناك نوعان من االعتداد المفرط بالنفس‪ :‬فإمّا أن يعت ّد اإلنسان بإمكاناته (آمالً أن‬
‫يستطيع الخالص بدون العون من العالء)‪ ،‬أو يعت ّد بقدرة هللا ورحمته (آمالً الحصول على مغفرة‬
‫بدون توبة‪ ،‬وعلى المجد بدون استحقاق)‪.‬‬

‫المح ّبة‬
‫‪ -4111‬اإليمان بمحبّة هللا يتضمّن الدعوة إلى االستجابة للمحبّة اإللهية بمحبّة صادقة‪ ،‬ووجوب‬
‫ذلك‪ .‬فالوصية األولى تأمرنا بأن نحبّ هللا أكثر من ك ّل شيء‪ ،‬والخالئق جميعا ً ألجله وبسببه‪.‬‬
‫‪ -4112‬مخالفة محبّة هللا ممكنة بخطايا متنوّ عة‪ :‬الالمباالة تهمل أو ترفض تبصّر المحبّة اإللهيّة‪،‬‬
‫وتتجاهل مبادرّتها وتنكر قوّ تها‪.‬نكران الجميل يُهمل أو يرفض االعتراف بالمحبّة اإللهيّة ومبادلة‬
‫المحبة بالمحبّة‪ .‬الفتور هو تر ّدد أو إهمال في االستجابة للمحبّة اإللهيّة‪ ،‬وقد يتضمّن رفض‬

‫‪85‬‬
‫مسايرة حركة المحبّة‪ .‬السأم (أسيديا) أو الكسل الروحيّ يبلغ به األمر إلى ح ّد رفض الفرح اآلتي‬
‫من هللا‪ ،‬وكراهيّة الخير اإللهيّ ‪ .‬الحقد على هللا ينت ُج من الكبرياء‪ .‬إ ّنه يعارض محبّة هللا وينكر‬
‫جودته وي ّدعي إلحاق اللعنة به‪ ،‬لكونه يحرّ م الخطايا ويُنزل العقوبات‪.‬‬

‫‪" . ًُ4‬إ ّياه وحده تعبد"‬


‫‪ -4111‬إنّ فضائل اإليمان والرجاء والمحبّة اإللهية تولي الفضائل األدبية صورتها وحياتها‪.‬‬
‫وهكذا فالمحبّة تحملنا على أن نعيد إلى هللا ما له علينا بكل عدالة‪ ،‬بصفة كوننا خالئق‪ .‬وفضيلة‬
‫التد ّين ُتهيّئنا لهذا الموقف‪.‬‬
‫‪ -4111‬العبادة هي العمل األول من أعمال فضيلة التديّن‪ .‬وعبادة هللا هي االعتراف به إلهاً‪،‬‬
‫ً‬
‫متناهية ورحيمة‪" .‬للربّ إلهك تسجُد‪،‬‬ ‫وخالقاً‪ ،‬ومخلّصاً‪ ،‬ور ّبا ً وسيّداً لك ّل ما هو موجود‪ ،‬ومحب ًّة ال‬
‫وإياه وحده تعبُد " (لو‪ .)8 :4‬هذا ما قاله يسوع مستشهداً بتثنية االشتراع (تث‪.)23 :6‬‬
‫‪ -4111‬التعبّد هلل هو االعتراف‪ ،‬في احترام وخضوع مطلقين‪" ،‬بعدم الخليقة" التي ال وجود لها‬
‫إال ّ باهلل‪ .‬التعبّد هلل يقوم‪ ،‬على مثا ًل مريم في نشيدها‪ ،‬بتسبيحه وتعظيمه‪ ،‬واال ّتضاع أمامه‪ ،‬مع‬
‫االعتراف الشكور بأ ّنه صنع عظائم وأنّ اسمه ق ّدوس‪ .‬والتعبّد هلل الواحد يحرّر اإلنسان من‬
‫االنطواء على ذاته‪ ،‬ومن عبوديّة الخطيئة‪ ،‬وعبادة العالم الصنميّة‪.‬‬

‫الصالة‬
‫‪ -4111‬أفعال اإليمان والرجاء والمحبّة التي تأمر بها الوصيّة األولى َت ِت ُّم في الصالة‪ .‬ورف ُع‬
‫الروح إلى هللا هو تعبير عن عبادتنا هلل بصالة التسبيح والشكر واالستشفاع والطلب‪ .‬والصالة‬
‫شرط ال ب ّد منه للتم ّكن من طاعة وصايا هللا‪" .‬ينبغي ان نصلّي في ك ّل حين وال نملّ" (لو‪.)2 :28‬‬

‫الذبيحة‬
‫حق أن نق ّدم هلل ذبائح تعبراً عن العبادة والشكر والطلب والشركة‪" :‬ك ّل فعل يُعمل‬ ‫‪ -4111‬إ ّنه لَ ّ‬
‫لاللتصاق باهلل في الشركة المق ّدسة‪ ،‬وللتم ّكن من السعادة إ ّنما هو ذبيحة حقيقيّة"‪.‬‬
‫‪ -4011‬ال ب ّد للذبيحة الخارجيّة‪ ،‬كي تكون صادقة‪ ،‬من أن تكون تعبيراً عن الذبيحة الروحيّة‪:‬‬
‫"إ ّنما الذبيحة هلل روح منسحق" (مز‪ .)21 :52‬لقد عاب مراراً أنبيا ُء العهد القديم الذبائح التي‬
‫ُتصنع دون مشاركة داخليّة‪ ،‬أو دون عالقة بمحبّة القريب‪ .‬يسوع ذ ّكر بكالم النبي هوشع‪" :‬أريد‬
‫الرحمة ال الذبيحة" (متى‪ ،)7 :21 ،23 :1‬الذبيحة الوحيدة الكاملة هي تلك التي ق ّدمها المسيح‬
‫تقدمة كلي ًّة لمحبّة اآلب ولخالصنا‪ .‬ونستطيع با ّتحادنا بذبيحته أن نصنع من حياتنا‬‫ً‬ ‫على الصليب‪،‬‬
‫ذبيحة هلل‪.‬‬

‫وعود ونذور‬
‫ً‬
‫‪ -4010‬المسيحيّ مدعوّ في ظروف ع ّدة إلى أن َيعِد هللا وعودا‪ ،‬تتضمّنها دائما المعموديّة والمسح‬
‫ُ‬
‫والرسامة الكهنوتيّة‪ .‬ويستطيع المسيحيّ ‪ ،‬بداعي العبادة الشخصيّة‪ ،‬ان َيعِد‬ ‫بالميرون‪ ،‬والزواجُ‪،‬‬
‫هللا بعمل ما‪ ،‬أو صالة‪ ،‬أو صدقة أو حجّ‪ .....‬واألمانة لما ن ِع ُد به هللا هي إبانة لالحترام والواجب‬
‫ّ‬
‫للعزة اإللهيّة‪ ،‬والمحبّة هلل األمين‪.‬‬
‫‪" -4014‬النذر"‪ ،‬أي الوعد المعقود هلل عن قصد واختيار بأمر ممكن‪ ،‬وأصل ّ َح‪ ،‬يجب أن يُقضى‬
‫على أ ّنه من موجبات الدين"‪ .‬فالنذر عمل عباد ٍة به يُق ِّدم المسيحي ذاته هلل أو َيعِده بعمل صالح‪.‬‬

‫‪86‬‬
‫النذور يُعيد إلى هللا إذن ما وعده به وكرّ سه له‪ .‬وأعمال الرسل تبيّن لنا أن القديس‬
‫َ‬ ‫وهو بإتمامه‬
‫بولس كان حريصا ً على إتمام نذوره‪.‬‬
‫‪ -4011‬تعترف الكنيسة بقيمة مثاليّة للنذور القائمة على ممارسة المشورات اإلنجيل ّية‪.‬‬
‫"تغتبط الكنيسة أمُّنا بأن يوجد في حضنها عدد كبير من الرجال والنساء ممّن يريدون أن يقتفوا عن ك َثب آثار‬
‫المخلّص في تالشيه‪ ،‬ويُعلنوا هذا التالشي بجالء أوفى‪ ،‬باعتناقهم‪ ،‬في حرّية أبناء هللا‪ُ ،‬س ّنة الفقر‪ ،‬وتخلّيهم عن‬
‫إرادتهم الذاتية‪ :‬أي أ ّنهم‪ ،‬رجاالً ونساء‪ ،‬يخضعون لمخلوق بشريّ ‪ ،‬من أجل هللا‪ ،‬في شؤون الكمال إلى أبعد ممّا‬
‫تقتضيه الوصيّة‪ ،‬ليكونوا أكثر تشبّها ً بالمسيح الطائع‪.‬‬
‫في بعض األحوال تستطيع الكنيسة ألسباب وافية االعفاء من النذور والوعود‪.‬‬

‫الحرية الدينية‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫والحق في‬ ‫واجب التد ّين األجتماعي‪،‬‬

‫‪" -4012‬على جميع الناس ان يطلبوا الحقيقة‪ ،‬وال سيّما في ما يتعلّق باهلل وكنيسته‪ ،‬حتى إذا ما‬
‫عرفوها اعتنقوها وكانوا عليها محافظين"‪ .‬هذا الواجب ناتج من "طبيعة البشر نفسها"‪ .‬وهو ال‬
‫يناقض "احتراما ً صادقاً" للديانات المتنوّ عة التي "تحمل غير مرّ ة قبسا ً من شعاء الحقيقة التي ُتنير‬
‫جميع الناس"‪ .‬وال مقتضى المحبّة التي تحضّ المسيحيين على "التحلّي بالمحبّة والفطنة والصبر‬
‫في معاملة البشر الذين يعمهون في الضالل‪ ،‬أو في جهل الحقيقة اإليمانية"‪.‬‬
‫ً‬
‫وجماعة‪" .‬هذا هو التعليم الكاثوليكي‬ ‫‪ -4011‬واجب تأدية عبادة حقيقيّة هلل يُلزم اإلنسان فرداً‬
‫التقليديّ في موضوع ما يقع على األفراد والجماعات من واجب أدب ّي تجاه الديانة الحقيقيّة وكنيسة‬
‫المسيح الواحدة"‪ .‬والكنيسة‪ ،‬بتبشيرها البشر دون انقطاع‪ ،‬تعمل على أن يتم ّكنوا من "تلقيح‬
‫الذهنيّة واألخالقيّة والتشريع وبُنى الجماعة التي يعيش فيها المرء‪ ،‬بلقاح الروح المسيحيّ ‪.‬‬
‫وواجب المسيحيين االجتماعيّ هو أن يحترموا في ك ّل إنسان ويوقظوا فيه محبّة الحقيقة والخير‪.‬‬
‫وهو يتطلّب منهم أن يُعرّ فوا عبادة الدين الحقيقيّ الوحيد القائم في الكنيسة الكاثوليكية الرسوليّة‪.‬‬
‫المسيحيّون مدعوّ ون إلى أن يكونوا نور العالم‪ .‬وهكذا ُتظهر الكنيسة‬
‫َملَكيّة المسيح على كل الخليقة وخصوصا على المجتمعات البشريّة‪.‬‬
‫ُكره على عمل يخالف ضميره‪ ،‬وال أن يُن َمع من‬ ‫‪" 4011‬في أمور الدين ال يجوز ألحد أن ي َ‬
‫العمل‪ ،‬في نطاق المعقول‪ ،‬وفاقا ً لضميره‪ ،‬سواء كان عمله في السرّ أو في العالنية‪ ،‬وسواء كان‬
‫طبيعة الشخص البشريّ نفسُها‪ ،‬إذ تحمله كرامته على أن‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫الحق أساسه‬ ‫فرد ّيا ً أو جماع ّياً"‪ .‬هذا‬
‫يعتنق بحرّ ية الحقيق َة اإللهية التي تسمو على النظام الزمنيّ‪.‬‬
‫ب تطلّب الحقيق ِة واعتناقها"‪.‬‬
‫لذلك "فهو باق حتى عند أوالئك الذين ال يقومون بواج ِ‬
‫ُعترف‪ ،‬في النظام التشريعيّ المدنيّ ‪ ،‬بإحدى الجماعات‬ ‫‪" -4011‬إذا قضت أحوا ُل بعض الشعوب الخاصة بأن ي َ‬
‫ّ‬
‫بالحق‬ ‫صاً‪ ،‬فال ب ّد إذ ذاك من االعتراف أيضا ً لجميع المواطنين وجميع الجماعات الدينية‬
‫الدينية‪ ،‬اعترافا ً مدن ّيا ً خا ّ‬
‫الحق"‪.‬‬
‫ّ‬ ‫والحرّية الدينية واحترام ذلك‬
‫الحق المف َترض في‬
‫ّ‬ ‫حق في الحرّ ية الدينية ليس اإلباحة األدبية باعتناق الضالل‪ ،‬وال‬ ‫‪ -4011‬ال ّ‬
‫حق طبيعيٌّ للشخص البشريّ في الحرّ ية المدنيّة‪ ،‬أي الحصانة من اإلكراه‬ ‫الضالل‪ ،‬وإ ّنما هو ٌّ‬
‫الخارجيّ ‪ ،‬ضمن حدود صحيحة‪ ،‬في الموضوع الدينيّ ‪ ،‬من ِق َبل ال ُّسلطة السياسيّة‪ .‬ويجب أن‬
‫الحق الطبيع ّي في النظام القانونيّ للمجتمع بحيث يكوّ ن حقّا ً مدن ّياً‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ُعترف بهذا‬
‫ي َ‬
‫الحق في الحرّ ية الدينية ال يمكن أن يكون في ذاته بال حدود‪ ،‬وال محدوداً فقط "بنظام عام" ذي مفهوم‬
‫ّ‬ ‫‪-4101‬‬
‫ُ‬
‫الفطنة السياسية‬ ‫وضعيّ أو طبيعيّ ‪ .‬و "الحدود الصحيحة" المالزمة له يجب أن تح ّددها في ك ّل وضع اجتماعيّ‬
‫بحسب مقتضيات الخير العام‪ ،‬وأن ُتثبَّتها السُّلطة المدنية "على ُس َنن القواعد القانونيّة الموفقة للنظام األدبيّ‬
‫الموضوعيّ "‪.‬‬

‫‪87‬‬
‫‪" .ً1‬ال ي ُكنْ ل َك آلهة أخرى تجاهي"‬
‫‪ -4001‬الوصيّة األولى تمنع إكرا َم آلهة أخرى غير الربّ الواحد الذي أظهر ذاته لشعبه‪ .‬وهي‬
‫ُ‬
‫والخرافة تكوّ ن نوعا ً من المغاالة الخبيثة في الدين‪ ،‬وإنكا ُر الدين‬ ‫ُتحرّ م الخرافات وإنكار الدين‪.‬‬
‫عيب يتعارض وفضيل َة الدين بانتقاصها‪.‬‬

‫الخرافة‬
‫‪ -4000‬الخرافة هي انحرافُ العاطفة الدينية والممارسات التي تفرضُها‪ .‬وقد تصيب أيضا ً العباد َة‬
‫التي نؤ ّديها لإلله الحقيق ّي مثالً عندما ُتعلَّق أهمية تكاد تكون سحري ًّة على بعض الممارسات التي‬
‫هي‪ ،‬من جهة أخرى‪ ،‬شرعيّة أو ضروريّة‪ .‬فنحن نقع في الخرافة عندما نعلّق الفاعليّة على الوجه‬
‫الما ّدي في الصالة أو في العالقات األسراريّة‪ ،‬دون االستعدادات الداخليّة التي تقتضيها‪.‬‬

‫عبادة األوثان‬
‫‪ -4004‬الوصيّة األول تحرّ م تعدد اآللهة‪ .‬وهي تقتضي من اإلنسان أن ال يؤمن بآلهة أخرى غير‬
‫آلهة غير اإلله األوحد‪ .‬يذ ّكر الكتاب المق ّدس دائما ً بنبذ "األوثان من ذهب‬‫هللا‪ ،‬وأن ال يُكرم ً‬
‫وفضّة‪ ،‬صُنع أيدي الناس"‪ ،‬هي التي "لها أفواه وال تتكلّم ولها عيون وال ُتبصر‪ "....‬هذه األوثان‬
‫الباطلة تؤ ّدي إلى البطالن‪" :‬مثلها ليكن صانعوها‪ ،‬وجميع الم ّتكلين عليها" (مز‪.)8 ،5-4 :225‬‬
‫ويتدخل في التاريخ‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫أمّا هللا فهو على العكس "اإلله الحيّ " (يش‪ )21 :3‬والذي يُحيي‬
‫تجربة دائمةً‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫مرتبطة فقط بالعبادات الوثنيّة الكاذبة‪ .‬بل هي تبقى‬ ‫‪ -4001‬عبادة األوثان ليست‬
‫ً‬
‫خليقة عوضا ً‬ ‫لإليمان‪ .‬وتقوم على تأليه ما ليس بإله‪ .‬فهناك عبادةُ أوثان عندما يُكرم اإلنسان ويُج ُّل‬
‫من هللا‪ ،‬سواء تعلّق األمر باآللهة أو بالشياطين (مثل عبادة الشياطين)‪ ،‬بالسلطة أو باللذة‪ ،‬أو‬
‫بال ِعرع ق‪ ،‬أو باألجداد‪ ،‬أو بالدولة‪ ،‬أو بالمال‪ .....،‬قال يسوع‪" :‬ال تقدرون أن تعبدوا هللا والمال"‬
‫(متى‪ .)14 :6‬وهناك شهداء كثيرون ماتوا لكي ال يعبدوا "الوحش"‪ ،‬ورفضوا حتى التظاهر‬
‫بعبادته‪ .‬فعبادة الوثن تأبى سيادة الربّ الوحيدة‪ ،‬فهي إذن تتنافى واإل ّتحاد باهلل‪.‬‬
‫‪ -4002‬تتوحّ د الحياة البشريّة في عبادة هللا األوحد‪ .‬ووصيّة عبادة الربّ وحده تبسّط اإلنسان‬
‫وتخلّصه من تش ّتت ال حدود له‪ .‬عبادة الوثن إفساد للحسّ الدينيّ الموجود في اإلنسان‪ .‬عابد الوثن‬
‫ي شيء‪ ،‬سوى هللا‪ ،‬ما هو متأصّل فيه من مفهوم هللا"‪.‬‬ ‫هو من "يُرجع إلى أ ّ‬

‫والسحر‬
‫ّ‬ ‫العرافة‬
‫‪ -4001‬يستطيع هللا أن يكشف المستقبل ألنبيائه أو لغيرهم من الق ّديسين‪ .‬إال ّ أنّ الموقف المسيحيّ‬
‫الصحيح يقوم على تسليم الذات بثقة بين يدي العناية اإللهية في ما يتعلّق بالمستقبل‪ ،‬وتركِ ك ّل‬
‫فضول فاسد من هذا القبيل‪ .‬وعدم التبصّر قد يكوّ ن عدَما ً للمسؤوليّة‪.‬‬
‫‪ -4001‬يجب َنبع ُّ ُذ جميع أنواع ال ِعرافة‪ :‬اللجوء إلى الشيطان أو األبالسة‪ ،‬استحضار األموات‬
‫أو الممارسات األخرى المف ّترض خطأ ً أ ّنها "تكشف" عن المستقبل‪ .‬استشارة مستطلعي األبراج‬
‫ُ‬
‫وظاهرات الرائين واللجوء إلى‬ ‫ّ‬
‫الحظ‪،‬‬ ‫والمنجّ مين وقارئي الكفّ ‪ ،‬وشارحي الفأل أو الشؤم أو‬
‫الوسطاء‪ ،‬أُمور تختبي ُء إرادة التسلّط على الوقت‪ ،‬وعلى التاريخ وأخيرا على البشر‪ ،‬وفي الوقت‬
‫ً‬
‫عينه الرغب َة في استرضاء القوى الخفيّة‪.‬إ ّنها على تناقض مع ما هلل وحده علينا من واجب اإلكرام‬
‫واالحترام الممزوج بالخشية وال ُم ِحبّة‪.‬‬

‫‪88‬‬
‫رويض القوى الخفيّة لجعلها في‬ ‫َ‬ ‫سحر أو العِرافة التي يزعمون بها ت‬ ‫‪ -4001‬جميع ممارسات ال ِّ‬
‫خدمة اإلنسان‪ ،‬والحصول على سلطة فائقة الطبيعة على القريب‪ -‬حتى وإن قُصد بها توفي ُر‬
‫ً‬
‫جسيمة لفضيلة الدين‪ .‬ويكون الحك ُم أقسى على هذه‬ ‫ً‬
‫مخالفة‬ ‫الصحة له‪ -‬إ ّنما هي مخالِفة‬
‫الممارسات عندما تصحبها نيّة إيذاء اآلخرين‪ ،‬أو تلجأ إلى مداخالت شيطانيّة‪ .‬وح عم ُل التعاويذ هو‬
‫ُ‬
‫الكنيسة‬ ‫أيضا ً مُالم‪ .‬ومناجاةُ األرواح تنطوي مراراً على ممارسات عِ رافة أو سحر‪ .‬ولذا ُتنبّه‬
‫المؤمنين إلى تج ّنبها‪ .‬واللجو ُء إلى أنواع الطبّ المدعوّ ة تقليدي ًّة ال يسوغ استدعاء القوى الشرّ يرة‬
‫استثمار ما عند اآلخرين من سرعة تصديق‪.‬‬ ‫َ‬ ‫وال‬

‫مخالفة الدين‬

‫‪ -4001‬ت نبذ وصيّة هللا األولى الخطايا الرئيسة المخالفة للدين‪ ،‬من تجربة هللا بالكالم واألفعال‪ ،‬وانتهاك‬
‫القدسيّات والسيمونيّة‪.‬‬
‫ضع موضع االمتحان‪ ،‬بالقول أو الفعل‪ ،‬جود ُته وقدر ُته‪.‬‬ ‫‪ -4001‬القيام بتجربة هللا يكون بأن تو َ‬
‫هكذا أراد الشيطان أن يجعل يسوع يُلقي بنفسه من الهيكل‪ ،‬وان يُرغم هللا‪ ،‬بهذا الفعل‪ ،‬على أن‬
‫يعمل‪ .‬وقد جابهه يسوع بكالم هللا‪" :‬ال تجرّ ب الربّ إلهك" (تث‪ .)26 :6‬إنّ التح ّدي الذي تنطوي‬
‫عليه تجربة هللا هذه يُسيء إلى ما لخالِقنا وربّنا علينا من االحترام والثقة‪ .‬وهو يتضمّن دوما ً ش ّكا ً‬
‫في محبّته وعنايته وقدرته‪.‬‬
‫‪ -4041‬يكون انتهاك القدسيات بأن يُد ّنس اإلنسانُ أو يُسيء استعمال األسرار‪ ،‬واألفعال‬
‫الليترجية األخرى‪ ،‬واألشخاص واألشياء واألماكن المكرّ سة هلل‪ .‬وهذا االنتهاك خطيئة جسيمة‬
‫خصوصا ً إذا أصاب االفخارستيا‪ ،‬بما أنّ جسد المسيح نفسه في هذا السرّ يصبح حاضراً لنا‬
‫بجوهره‪.‬‬
‫ّ‬
‫‪ -4040‬تح َّدد السيمونية بأنها بمثابة شراء األمور وبيعها‪ .‬ولقد أجاب القديس بطرس سيمون‬ ‫ُ‬
‫ك معك إلى‬ ‫ض ُت َ‬
‫الساحر الذي أراد شراء القدرة الروحيّة التي رآها تعمل في الرسل‪" :‬لتصِ ر ف ّ‬
‫الهالك‪ ،‬أل ّنك توهّمت أنّ موهبة هللا ُتقتنى بالنقدود" (أع‪ )11 :8‬وكان يمتثل هكذا لكالم يسوع‪:‬‬
‫"مجّ انا ً أخذتم‪ ،‬مجّ انا ً أعطوا" (متى‪ .)8 :21‬فمن المستحيل تملّك الخيرات الروحيّة والتصرّ ف بها‬
‫كما يتصرّف المالك أو السيّد‪ ،‬ألنّ َمصدرّ ها هو في هللا‪ .‬فال يمكن إال ّ قبولها منه مجّ اناً‪.‬‬
‫‪" -4044‬ال يُطلب الخادم شيئا ً لالحتفال باألسرار‪ ،‬ممّا لم تح ّدده السلطة ذات الصالحيّة‪ ،‬وعليه أن يسهر على‬
‫ُحرم المعوزون من عون األسرار بسبب فقرهم"‪ .‬وتح ّدد السلطة ذات الصالح ّية هذه التقادم استناداً إلى‬ ‫أن ال ي َ‬
‫يستحق طعامه" (متى‪.21 :21‬‬ ‫ّ‬ ‫هذا المبدإِ‪ :‬أنّ الشعب المسيحي عليه أن يؤمّن إعالة خ ّدام الكنيسة‪" .‬فالفاعل‬

‫اإللحاد‬
‫‪" -4041‬الكثيرون من معاصرينا ال يُعيرون اال ّتحا َد الحميم والحيويّ باهلل أيّ انتباه بل إ ّنهم‬
‫يرفضونه رفضا ً صريحاً‪ ،‬بحيث إنّ اإللحاد ُي َع ُّد من أخطر ظاهرات هذ ايام"‪.‬‬
‫‪ -4042‬واسم اإللحاد يُطلق على ظاهرات كثيرة التنوّ ع‪ .‬هناك صيغة شائعة هي الما ّدية العمليّة‬
‫التي َتقصُر حاجاتها وطموحاتها على المكان والزمان‪ .‬والنزعة اإلنسانية الملحدة َتع َتبر‪ ،‬وهي‬
‫على ضالل‪ ،‬أنّ اإلنسان "غاية في نفسه ولنفسه‪ ،‬وهو صان ُع تاريخه األوحد وب َطل ُه"‪ .‬وصيغة‬
‫أخرى من االلحاد المعاصر تتوقّع تحرير االنسان من تحرير اقتصاديّ واجتماعيّ " ُي َظنُّ أنّ الدين‬
‫عقبة في طريقه‪ ،‬بمقدار ما يُقي ُم رجا َء اإلنسان على سراب حياة آتية‪ ،‬فيُحوّ ل‬ ‫ً‬ ‫يقف بطبيعته‬
‫اهتمامه عن بناء المدينة األرضيّة"‪.‬‬

‫‪89‬‬
‫‪ -4041‬االلحاد خطيئة مخالفة لفضيلة الدين بكونه ينبذ أو يرفض وجود هللا‪ .‬والمسؤولية عن ها‬
‫الذنب يمكن أن تتضا َءل كثيراً بسبب النيّات والظروف‪ .‬وفي نشوء اإللحاد وانتشاره‪" ،‬قد يكون‬
‫للمؤمنين يد كبيرة من حيث تهاملهم في التنشئة اإليمانية‪ ،‬أو من حيث العرضُ المضلّل للعقيدة‪ ،‬أو‬
‫من حيث الضعف في حياتهم الدينية واألخالقية واالجتماعية‪ ،‬حتى ليص ُّح القول فيهم‪ :‬إنهم‬
‫يحجّ بون الوج َه األصيل هلل والديانة أكثر ممّا يُعلنونهُ‪.‬‬
‫‪ -4041‬يستند اإللحاد مراراً كثير ًة إلى مفهوم خاطئ لالستقالل الذاتيّ عند اإلنسان‪ ،‬يصل إلى حد‬
‫رفض إيّ ارتباط باهلل‪ .‬ولكنّ "االعتراف باهلل ال يباين كرامة اإلنسان‪ ،‬في شيء‪ ،‬إذا إنّ الكرامة‬
‫تجد في هللا ما يؤسّسها وما يتمّمها"‪ .‬والكنيسة َتعع لم "أنّ رسالتها ت ّتفق وأعمق رغبات القلب‬
‫البشريّ "‪.‬‬

‫االأدر ّية‬
‫ي إنكار هللا‪ .‬بل على العكس يُعلن‬
‫‪ -4041‬لالأدريّة أشكال كثيرة‪ .‬ففي بعض األحوال‪ ،‬يأبى االأدر ّ‬
‫وجود كائن سام ال يستطيع الكشف عن ذاته وال يستطيع أحد أن يقول عنه شيئاً‪ .‬وفي أحوال‬
‫أخرى‪ ،‬ال يُبدي الالأدريّ رأيا ً في وجود هللا‪ ،‬ويقول إ ّنه من المستحيل البرهان عليه بل تأكيده أو‬
‫نفيه‪.‬‬
‫‪ -4041‬قد تنطوي االأدريّة أحيانا ً على شيء من تطلّب هللا‪ ،‬وقد يكون أيضا ً من الالمباالت أو‬
‫هروبا ً من السؤال القصيّ عن الوجود‪ ،‬أو كسالً من الضمير األخالقي‪ .‬وكثيراً ما تتساوى‬
‫االأدريّة واإللحاد العمليّ‪.‬‬

‫‪" .ً2‬ال تصنع لك منحوتا وال صورة شيء"‬


‫‪ -4041‬كان األمر اإلله ّي يحرّ م تمثيل هللا من صنع يد اإلنسان‪ .‬ويشرح سفر تثنية االشتراع ذلك‬
‫قائالً‪" :‬ا ّنكم لم تروا صور ًة في يوم خطاب الربّ لكم في حوريب من وسط النار‪ ،‬لئال تفسُدوا‬
‫وتعملوا لكم تمثاالً منحوتا ً على شكل صورة ما‪( ".....‬تثنية االشتراع‪ .)26-25 :4‬فاهلل الذي تجلّى‬
‫إلسرائيل هو هللا المطلق السموّ ‪" .‬هو ك ّل شيء"‪ ،‬ولك ّنه في الوقت ذاته "العظي ُم فوق جميع‬
‫مصنوعاته" (سي‪ .)31-11 :43‬وهو "أصل كل جمال" (حك‪.)3 :23‬‬
‫‪ -4011‬ولكن هللا أمر‪ ،‬منذ العهد القديم‪ ،‬بصنع صورة تقود رمز ّيا ً إلى الخالص بالكلمة المتجسّد‪،‬‬
‫أو أذن في ذلك‪ :‬هكذا الحال مع حيّة ال ُّنحاس‪ ،‬وتابوت العهد‪ ،‬والشروبيم‪.‬‬
‫‪ -4010‬باالستناد إلى سرّ الكلمة المتجسّد‪ ،‬سوّ غ المجمع المسكوني السابع في نيقيّة (سنة‪،)787‬‬
‫مقاوما ً محاربي االيقونات‪ ،‬إكرا َم االيقونات‪ :‬إيقونات المسيح‪ ،‬وكذلك أيقونات والدة اإلله‪،‬‬
‫والمالئكة وجميع القديسين‪ .‬فابن هللا بتجسّده قد بدأ "تدبيراً" جديداً للصور‪.‬‬
‫‪ -4014‬اإلكرام المسيحيّ المؤ ّدي للصُور ال يخالف الوصيّة األولى التي تحرّم األوثان‪" .‬فاإلكرام‬
‫المؤ ّدي لصورة ما إ ّنما يبلغ إلى مثالها األصليّ "‪ .‬و "ك ّل من يُكرم صور ًة يُكرم فيها الشخص‬
‫المرسوم"‪ .‬واإلكرام المؤ ّدي إلى الصور المق ّدسة هو "إجالل واحترام" وليس عباد ًة‪ ،‬ألنّ هذه ال‬
‫تليق إال ّ باهلل وحده‪:‬‬
‫"اإلكرام الديني ال يتوجّ ه إلى الصور في ذاتها كإلى أمور حقيقية‪ ،‬إ ّنما يراها في وجهها الخاصّ صوراً تقودنا‬
‫إلى هللا المتجسّد‪ .‬والتوجّ ه إلى الصورة على هذا النمط ال يتو ّقف عندها‪ ،‬بل يسعى إلى الحقيقة التي هي‬
‫صورتها"‪.‬‬

‫بإيجاز‬

‫‪90‬‬
‫‪" -4011‬أحبب الربّ إلهك من ك ّل قلبك وك ّل نفسك وك ّل قدرتك" (تث‪.)5 :6‬‬
‫‪ -4012‬الوصيّة أألولى تدعو اإلنسان إلى اإليمان باهلل‪ ،‬ورجائه‪ ،‬ومحبّته فوق كل شيء‪.‬‬
‫‪" -4011‬للربّ إلهك تسجد" (متى‪ .)42 :1‬فالسجود هلل‪ ،‬وتأدية العبادة التي ّ‬
‫تحق له‪ ،‬وتتميم‬
‫الوعود والنذور المقطوعة له‪ ،‬هي أفعال من فضيلة الدين مرتبطة بطاعة الوصية األولى‪.‬‬
‫‪ -4011‬واجب تأدية عبادة حقيقية هلل يُلزم اإلنسان فرد ًا وجماعة‪.‬‬
‫‪" -4011‬يجب ان يستطيع اإلنسان االعتراف بالدين بحريّة سواء كان عمله في الس ّر أو في‬
‫العالنيّة"‪.‬‬
‫‪ -4011‬الخرافة هي انحراف في العبادة التي نؤ ّديها هلل الحقيقيّ‪ .‬وهي تظهر في عبادة الوثن وفي‬
‫أشكال مختلفة من العِرافة والسحر‪.‬‬
‫ال‪ ،‬وانتهاك القدسيّات‪ ،‬والسيمونيّة هي خطايا تخالف الدين‬ ‫‪ -4011‬القيام بتجريب هللا قو ًال وعم ً‬
‫وتنهي عنها الوصيّة األولى‪.‬‬
‫‪ -4021‬اإللحاد خطيئة تخالف الوصيّة األولى عندما يُنبّذ أو يُر َفض وجود هللا‪.‬‬
‫‪ -4020‬إكرام الصور المق ّدسة يستند إلى س ّر تجسّد كلمة هللا‪ .‬وليس هو مخالف ًا للوصيّة األولى‪.‬‬

‫نعتذر عن األخطاء اإلمالئية دون قصد وشكرا‬

‫‪91‬‬
‫التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية‬

‫الجزء الرابع‬

‫طباعة الشماس جورج يلدا‬


‫الكنيسة الكلدانية في بريطانيا‬
‫لندن ‪1122‬‬
‫‪www.chaldean.org.uk‬‬
‫‪1‬‬
‫المقال الثاني‬
‫الوص ّية الثانية‬

‫"ال تحلف باسم الرب إلهك باطال" (خروج ‪)7 : 11‬‬


‫"لقد قيل لألقدمين ال َتح َنث ‪ ...‬أما أنا فأقول لكم ‪ :‬ال تحلفوا البتة" (متى‪.)33-33 :5‬‬

‫الرب قدّوس‬
‫ّ‬ ‫‪ .ً1‬اسم‬
‫الرب‪ .‬وهي‪ ،‬كالوصية األولى‪ ،‬مرتبطة بفضيلة الدين‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫‪ -2112‬تأمر الوصية الثانية باحترام اسم‬
‫نظم على الخصوص استعمالَنا الكالم في األمور المقدسة‪.‬‬ ‫و ُت ِّ‬
‫‪ -2112‬بين جميع كلمات الوحي هناك كلمة فريدة هي الكشف عن اسمه‪ .‬لقد أودع هللا اسمه من‬
‫آمنوا به‪ .‬إنه يظه ُر لهم في سره الشخصي‪ .‬وإعطاء االسم يندرج في سياق المُسارة واأللفة‬
‫الحميمة‪" .‬اسم الرب قدوس"‪ .‬ولذاك ال يستطيع اإلنسان اساء َة استعماله‪ .‬وعليه ان يحتفظ به في‬
‫ذاكرته‪ ،‬في صمت العبادة والحب‪ .‬وال يُدخله في كالمه إال ليباركه ويسبحه ويُمجده‪.‬‬
‫‪ -2111‬احترام اسم هللا يعبر عن االحترام الواجب لسر هللا ذاته‪ ،‬ولكل الحقيقة القدسية التي يوحى‬
‫بها‪ .‬واالحساس بالقدس ّيات ترتبط بفضيلة الدين‪:‬‬
‫"هل اإلحساس بالخوف وبالقدسيات هو إحساس مسيحي‪ ،‬أوال؟ ال يستطيع حد أن يشك بذلك بوجه معقول‪ .‬وذلك‬
‫ما كنا نشعر به بشدة‪ ،‬لو نلنا رؤية هللا السيد‪ .‬وذلك ما كنا نشعر به لو "تحققنا" حضوره‪ .‬ويجب أن يكون فينا‬
‫حضوره وال نؤمن به"‪.‬‬
‫َ‬ ‫ذلك اإلحساس بمقدار إيماننا بحضوره‪ .‬والفراغ من ذلك االحساس يعني أننا ال نعي‬
‫‪ -2112‬على المؤمن أن يشهد السم الرب باالعتراف بإيمانه دون االستسالم للخوف‪ .‬يجب أن‬
‫يكون عمل الوعظ وعمل التعليم الديني مم َتزجين بالعبادة واالحترام السم ربنا يسوع المسح‪.‬‬
‫‪ -2112‬تنهي الوصية الثانية عن سوء استعمال اسم هللا أي عن كل استعمال ال يليق باسم هللا‪،‬‬
‫ويسوع المسيح‪ ،‬ومريم العذراء وجميع القديسين‪.‬‬
‫‪ -2112‬الوعود المقطوعة لآلخرين باسم الرب ُتلزم شرف هللا وأمانته وصدقه وسلطته‪ .‬فيجب‬
‫ث فيها سو ُء استعمال السم هللا‪ ،‬وهو‪ ،‬بوجه من الوجوه‪ ،‬جع ُل هللا‬ ‫احترامها من باب العدالة‪ .‬والحِن ُ‬
‫كاذبا‪.‬‬
‫‪ -2112‬التجديف يعارض مباشرة الوصية الثانية‪ .‬وقوامه أن يُقال على هللا‪ ،‬في الباطن أو في‬
‫الظاهر‪ ،‬كال ُم بُغض‪ ،‬ولَوم‪ ،‬وتحدٍّ‪ ،‬وأن يُقال فيه سوء‪ ،‬وأن يُخل باالحترام له بالكالم‪ ،‬وأن يُساء‬
‫استعما ُل اسم هللا‪ .‬فالقديس يعقوب َيز ُج ُر "من يجدفون على االسم الجميل (اسم يسوع) الذي به‬
‫ُدعوا" (يع‪ .)7 :1‬وتحريم التجديف يتناول أيضا الكال َم المُسيء لكنيسة المسيح‪ ،‬وللقديسين‪،‬‬
‫واألشياء المقدسة‪ .‬ومن التجديف أيضا اللجوء إلى اسم هللا لستر ممارسات إجرامية‪ ،‬واستِعباد‬
‫الشعوب‪ ،‬أو التعذيب والقتل‪ .‬ان سوء استعمال اسم هللا الرتكاب جريمة يُسبب رفض الدين‪.‬‬
‫التجديف يتعارض مع االحترام الواجب هلل والسمه القدوس‪ .‬وهو في حد ذاته خطيئة جسيمة‪.‬‬
‫‪ -2112‬والكالم النابي الذي يستعمل اسم هللا دون نية تجديف هو انتقاص الحترام هللا‪ .‬وتمنع‬
‫الوصية الثانية أيضا استعمال اسم هللا بطريقة سحر ّية‪.‬‬
‫"اسم هللا عظيم حيث يُل َتقظ به باالحترام الواجب لعظمته وجالله‪ .‬واسم هللا قدوس حيث يُدعى بتوقير وخشية‬
‫إهانته"‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫‪ .ً2‬التل ُّفظ باسم هللا بالباطل‬
‫الحلف أو الق َسم هو اتخاذ هللا شاهدا على ما يؤكده‬ ‫سم الباطل‪َ .‬‬ ‫‪ -2122‬تنهي الوصية الثانية عن ال َق َ‬
‫اإلنسان‪ .‬إنه اعتماد صدق هللا عربونا للصدق الذاتي‪ .‬والقسم يُلزم اسم هللا‪" .‬الرب إلهك تتقي‪،‬‬
‫وإياه تعبد وباسمه تحلِف" (تث‪.)23 :6‬‬
‫‪ -2121‬نبذ الحلف الباطل واجب تجاه هللا‪ .‬فاهلل الخالق والرب هو قاعدة كل حقيقة‪ .‬والكالم‬
‫البشري يكون موافقا أو معارضا هلل الذي هو الحقيقة بذاتها‪ .‬والقسم عندما يكون صادقا وشرعيا‪،‬‬
‫يُظهر ارتباط الكالم البشري بالحقيقة اإللهية‪ .‬وال َق َسم الباطل يدعو هللا إلى الشهادة للكذب‪.‬‬
‫ث‬‫‪ -2122‬يكون حانثا َمن يُقسم واعدا بما ال يريد فعله‪ ،‬أو من ال يفعل ما وعد به بقسم‪ .‬والحن ُ‬
‫مخالفة جسيمة الحترام رب كل كالم‪ .‬وااللتزام بقسم بفعل سيِّ يتعارض وقداسة اسم هللا‪.‬‬
‫‪ -2122‬لقد عرض يسوع الوصية الثانية في العظة على الجبل‪" :‬سمعتم أنه قيل لألقدمين‪ :‬ال‬
‫تح َنث بل أوفِ للرب بأيمانك‪ .‬أما أنا فأقول لكم‪ :‬ال تحلفوا البتة‪ ...‬فليكن كالمكم‪ :‬نعم نعم ‪ ،‬ال ال‪،‬‬
‫وما يُزاد على ذلك فهو من الشرير" (متى ‪ .)37 ، 33-33 :5‬ويعلم يسوع أن كل قسم يتضمن‬
‫ُكرم في كل كالم‪ .‬والرصانة في اللجوء إلى هللا‬ ‫هللا وحقيقتِه يجب أن ي َ‬ ‫ارتباطا باهلل‪ ،‬وأن حضور ِ‬
‫في الكالم تتوافق واالنتباه إلى حضوره باحترام‪ ،‬ذلك الحضور الذي يؤكد أو يُح َت َقر في كل ما‬
‫ننطق به ‪.‬‬
‫‪ -2121‬لقد أدرك التقليد الكنسي‪ ،‬على أثر القديس بولس‪ ،‬أن كالم يسوع ال يتعارض والقسم‬
‫عندما يتم هذا لسبب خطير وصوابي (مثال أمام المحاكمة)‪" .‬القسم‪ ،‬أي استدعاء االسم اإللهي‬
‫للشهادة على الحقيقة‪ ،‬ال يمكن تأديته إال في الحقيقة‪ ،‬وبتمييز وصواب"‪.‬‬
‫‪ -2122‬تقتضي قداسة االسم اإللهي أن ال يُلجأ إليه في األمور التافهة‪ ،‬وأن ال يُجرى القسم في‬
‫ظروف يمكن أن يؤوَّ ل فيها أنه موافقة لسلطة تقتضيه بدون حق‪ .‬وعندما تقتضي القس َم سلطات‬
‫مدنية غي ُر شرعية‪ ،‬يمكن رفضه‪ .‬ويجب رفضه عندما يُقتضى لغايات تتعارض وكرامة‬
‫األشخاص أو الشركة الكنسية‪.‬‬

‫المسيحي‬
‫ّ‬ ‫‪ .ً2‬االسم‬
‫‪ -2122‬يُمنح سر المعمودية "باسم اآلب واالبن والروح القدس" (متى ‪ .)21 :12‬وفي المعمودية‬
‫يُق ِّدس اس ُم الرب اإلنسان‪ ،‬ويحصل المسيحي على اسمه في الكنيسة‪ .‬ويمكن أن يكون اس َم قديس‪،‬‬
‫أي تلميذ قضى حياة في أمانة مثالية لربه‪ .‬ورعاية القديس ُتقدم مثاال للمحبة وتؤكد شفاعته‪.‬‬
‫ويمكن أن يُعبِّر "اس ُم المعمودية" عن سر من األسرار أو فضيلة من الفضائل المسيحية‪" .‬ويجب‬
‫أن يسهر األهل والعرابون والخوري على أن ال يُعطى اسم غريب عن الحس المسيحي"‪.‬‬
‫‪ -2122‬يبدأ المسيحي نهاره وصلواته وأعامالَه بإشارة الصليب‪" .‬باسم اآلب واالبن والروح‬
‫القدس‪ .‬آمين"‪ .‬ويُكرس المعمَّد نهاره لمجد هللا‪ ،‬ويستدعي نعمة المخلص التي تمكنه من أن‬
‫يتصرف في الروح كابن لآلب‪ .‬وإشارة الصليب تقوينا في التجارب والمصائب‪.‬‬
‫‪ -2122‬يدعو هللا كال باسمه‪ .‬واسم كل إنسان مقدس‪ .‬فاالسم هو أيقونة الشخص‪ .‬وهو يقتضي‬
‫االحترام‪ ،‬داللة على كرامة من يحمله‪.‬‬
‫ُ‬
‫‪ -2122‬االسم المتخذ هو اسم أبدي‪ .‬ففي الملكوت ستسطع في نور باهر السمة الشخصية‬
‫والوحيدة لكل شخص عليه اسم هللا‪" .‬من غلب‪ ...‬فإني أعطيه حصاة بيضاء‪ ،‬مكتوبا عليها اسم‬
‫ُ‬
‫ورأيت فإذا بالحمل قائم على جبل صهيون ومعه‬ ‫جديد‪ ،‬ال يعرفه أحد سوى اآلخذ" (رؤ‪" .)27 :1‬‬
‫مئة ألف وأربعة وأربعون ألفا عليهم اسمُه واس ُم أبيه مكتوبا على جباههم" (رؤ‪.)2 :23‬‬
‫‪3‬‬
‫بإيجاز‬
‫‪" -2122‬أيها الرب إلهنا‪ ،‬ما أعظم اسمك في كل األرض" (مز‪.)2 :8‬‬
‫‪ -2121‬تأمر الوصية الثانية باحترام اسم الرب‪ .‬فاسم الرب قدوس‪.‬‬
‫‪ -2122‬تنهى الوصية الثانية عن كل استعمال السم هللا غير الئق‪ .‬والتجديف يعني استعمال اسم‬
‫هللا‪ ،‬ويسوع المسيح‪ ،‬والعذراء مريم والقديسين بوحه مسيء‪.‬‬
‫‪ -2122‬ال َق َسم الباطل يستدعي هللا إلى الشهادة للكذب‪ .‬والحِنثث مخالفة جسيمة للرب األمين أبدا‬
‫لوعوده‪.‬‬
‫‪" -2121‬ال تحلف ال بالخالق وال بالخليقة إال في الحقيقة والضرورة واإلجالل"‪.‬‬
‫‪ -2122‬بالمعمودية يتقبل المسيحي اس َمه في الكنيسة‪ .‬ويجب أن يسهر األهل والعرابون والخوري‬
‫صال َته‪.‬‬
‫على أن يُعطى له اسم مسيحي‪ .‬ورعاية القديس توفر مثال محبة وتؤكد َ‬
‫‪ -2122‬يبدأ المسيحي صلواته وأعما َله بإشارة الصليب "باسم اآلب واالبن والروح القدس‪.‬‬
‫آمين"‪.‬‬
‫‪ -2122‬هللا يدعو كل انسان باسمه‪.‬‬

‫المقال الثالث‬
‫الوص ّية الثالثة‬

‫"اذ ُكر يوم السبت ل ُتق ِّدسه‪ .‬في ستة أيام تعمل وتصنع جميع أعمالك‪ ،‬واليوم السابع سبت للرب إلهك‪ ،‬ال تصنع فيه‬
‫عمال" (خروج‪.)21-2 :11‬‬
‫"السبت جُعل ألجل اإلنسان‪ ،‬ال اإلنسان ألجل السبت‪ ،‬ثم إن ابن البشر هو رب السبت أيضا" (مر‪.)12-17 :1‬‬

‫سبت‬
‫‪ .ً1‬يوم ال ّ‬
‫سبت عطلة مقدس للرب"‬ ‫ُ‬ ‫‪ُ -2122‬تذكر الوصية الثالثة بقداسة يوم السبت‪" :‬اليوم السابع‬
‫(خروج‪.)25 :32‬‬
‫‪ -2122‬والكتاب‪ ،‬من هذا القبيل‪ ،‬يذ ّكربالخلق‪" :‬ألن الربَّ إلهك في ستة أيام خلق السماوات‬
‫واألرض والبحر وجميع ما فيها‪ ،‬وفي اليوم السابع استراح‪ .‬ولذاك بارك الرب يو َم السَّبت‬
‫وقدسه" (خروج ‪.)22 :11‬‬
‫‪ -2122‬ويُبدي الكتاب في يوم الرب أيضا تذكارا لتحرير اسرائيل من عبودية مصر‪" :‬أذكر أنك‬
‫كنت عبدا في أرض مصر‪ ،‬فأخرجك الرب إلهك من هناك بيد قديرة وذراع مبسوطة‪ .‬ولذلك‬ ‫َ‬
‫أمرك الرب إلهك بأن تحفظ يوم السبت" (تث‪.)25 :5‬‬
‫‪ -2121‬لقد أودع هللا إسرائيل السبت لكي يحفظه عالمة للعهد األبدي‪ .‬والسبت بالنسبة إلى الرب‪،‬‬
‫محفوظ ومقدس لتسبيح هللا‪ ،‬وتسبيح عمل خلقه وأفعاله الخالصية لمصلحة إسرائيل‪.‬‬
‫‪ -2122‬تصرف هللا هو مثا ُل تصرف البشر‪ .‬فإذا كان هللا قد "استراح" في اليوم السابع‬
‫(خروج‪ ،)27 :32‬فعلى اإلنسان أن "يتعطل" ويجعل اآلخرين‪ ،‬وال سيما الفقراء "يتروحون" ‪.‬‬
‫السبت يوقف األعمال اليومية ويُنيل راحة‪ .‬إنه يو ُم احتجاج على عبودية العمل وعبادة المال‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫‪ -2122‬يروي اإلنجيل أحداثا كثيرة اتهم فيها يسوع بمخالفة شريعة السبت‪ .‬ولكن يسوع لم يتع َّد‬
‫بت ألجل اإلنسان‪،‬‬ ‫أبدا قداسة هذا النهار‪ .‬وقد شرح بما له من سلطة معناها الحقيقي‪" :‬لقد جُعل الس ُ‬
‫ال اإلنسان ألجل السبت" (مر‪ .)17 :1‬وبدافع الشفقة يستبيح المسيح في يوم السبت‪ ،‬أن يُفع َل‬
‫ص نفس ال أن ُتقتل‪ .‬السبت هو يوم رب المراحم وشرف هللا‪" .‬ابن‬ ‫الخي ُر ال الشر‪ ،‬وأن ُتخلَّ َ‬
‫اإلنسان هو رب السبت" (مر‪.)12 :1‬‬

‫الرب‬
‫ّ‬ ‫‪ .ً2‬يوم‬
‫"هذا هو اليوم الذي صنعه الرب‪ ،‬فلنبتهج ونتهلل فيه" (مز‪.)13 :222‬‬

‫يوم القيامة‪ :‬الخلق الجديد‬


‫‪ -2121‬قام يسوع من بين األموات "في اليوم األول من األسبوع" (مر‪ .)1 :26‬ويوم القيامة‪ ،‬بما‬
‫بالخلق األول‪ .‬وبما أنه "اليوم الثامن" الذي يأتي بعد السبت‪ ،‬فهو‬ ‫أنه "اليوم األول"‪ ،‬فهو يُذكر َ‬
‫يعني الخلق الجديد الذي بدأ مع قيامة المسيح‪ .‬لقد صار بالنسبة إلى المسيحين أوَّ َل جميع األيام‪،‬‬
‫أول جميع األعياد‪ ،‬يو َم الرب‪ ،‬يوم "األحد"‪.‬‬
‫"إننا نجتمع كلنا في يوم الشمس ألنه اليوم األول (بعد سبت اليهود‪ ،‬وأيضا اليوم األول) الذي فيه استخرج هللا‬
‫المادة من الظلمات‪ ،‬فخلق العالم‪ ،‬وألن مخلصنا يسوع المسيح‪ ،‬في هذا اليوم عينه‪ ،‬قام من بين األموات"‪.‬‬

‫سبت‬‫األحد – تتميم ال ّ‬
‫‪ -2122‬يتميز األحد بوضوح من السبت وهو يتبعه زمنيا في كل أسبوع‪ ،‬ويقوم مقامه عند‬
‫المسيحيين بالنسبة إلى فريضته الطقسية‪ .‬إنه يُتمِّم في فصح المسيح حقيقة السبت اليهودي‬
‫الروحية‪ ،‬ويُعلن راحة اإلنسان األبدية في هللا‪ .‬فإن عبادات الشريعة كانت تهي ُء سرِّ المسيح‪ ،‬وما‬
‫يمارس فيها كان يمثل بعض المالمح العائدة إلى المسيح‪.‬‬ ‫َ‬ ‫كان‬
‫"إن الذين كانوا يحيون بحسب نظام األشياء القديم‪ ،‬جاؤوا إلى الرجاء الجديد‪ ،‬فال يحافظون على السبت بل على‬
‫يوم الرب الذي فيه ُتبارك حيا ُتنا به وبموته"‪.‬‬
‫‪ -2122‬االحتفال بيوم األحد يتمم الفريضة األخالقية المحفورة طبيعيا في قلب اإلنسان "أن يعبد‬
‫هللا عبادة خارجية‪ ،‬منظورة‪ ،‬علنية ومنتظمة تحت شعار إحسانه الشامل للبشر"‪ .‬وعبادة يوم األحد‬
‫وروحها باالحتفال كل أسبوع بخالق شعبه‬ ‫َ‬ ‫تتمِّم فريضة العهد القديم األخالقية‪ ،‬ف ُتعيد إيقا َعها‬
‫وفاديه‪.‬‬

‫إفخارست ّيا يوم األحد‬


‫نهار األحد‪ ،‬بيوم الرب وإفخارستياه هو في قلب حياة الكنيسة‪" .‬إن يوم‬ ‫َ‬ ‫‪ -2122‬إن االحتفال‪،‬‬
‫األحد الذي يُحتفل فيه‪ ،‬منذ التقليد الرسولي‪ ،‬بالسر الفصحي يجب حفظه في الكنيسة جمعاء بكونه‬
‫اليوم الرئيس بين األعياد المفروضة"‪.‬‬
‫ُ‬
‫حفظ أيام ميالد سيدنا يسوع المسيح‪ ،‬والظهور‪ ،‬والصعود وجسد ودم المسيح المُق َّدسين‪ ،‬ويوم‬ ‫"كذلك يجب‬
‫والقديسين الرسولين بطرس‬
‫َ‬ ‫القديسة مريم والدة اإلله‪ ،‬والحبل الطاهر بها‪ ،‬وانتقالها‪ ،‬ويوم القديس يوسف‪،‬‬
‫وبولس‪ ،‬وجميع القديسين"‪.‬‬
‫‪ -2122‬هذه الممارسة التي تقوم بها الجماعة المسيحية تعود إلى أوائل العهد الرسولي‪ .‬وتذكر‬
‫الرسالة إلى العبرانيين بأن "ال تهجروا اجتما َعكم الخاص‪ ،‬كما هو من عادة البعض‪ ،‬بل حرضوا‬
‫بعضكم بعضا" (عب‪.)15 :21‬‬
‫‪5‬‬
‫يحتفظ التقليد بذكر تحريض ال يزال له قيمة حالية" "المجيء باكرا إلى الكنيسة‪ ،‬والتقرب إلى الرب‪ ،‬واإلعتراف‬
‫ُ‬
‫والندامة في الصالة‪ ،‬وحضور الليترجيا المقدسة اإللهية‪ ،‬وإنها ُء الصالة‪ ،‬وعدم الذهاب قبل إطالق‬ ‫بالخطايا‪،‬‬
‫السبيل لقد قلنا ذلك مرارا‪ :‬لقد أعطي لكم هذا اليو ُم للصالة واالستراحة‪ .‬إنه اليوم الذي صنعه الرب‪ .‬فلنبتهج‬
‫ونفرح به"‪.‬‬
‫‪" -2122‬الرعية هي جماعة محددة من المؤمنين قائمة على وجه ثابت في كنيسة خاصة‪ُ ،‬تو َكل‬
‫رعايتها إلى خوري‪ ،‬كراع لها خاص‪ ،‬تحت سلطة األسقف األبرشي"‪ .‬إنها المكان الذي يمكن أن‬
‫يُجمع فيه كل المؤمنين لالحتفال باالفخارستيا يوم األحد‪ .‬والرعية تنشئ الشعب المسيحيَّ على‬
‫الصورة العادية للحياة الليترجية‪ ،‬وتجمعه في ذلك االحتفال‪ ،‬وتعلم عقيدة المسيح الخالصية‪،‬‬
‫وتمارس محبة الرب في أعمال صالحة وأخوية‪.‬‬
‫ُ‬
‫وحيث يتصاعد الصرا ُخ نحو هللا بقلب واحد‪.‬‬ ‫"ال تستطيع الصالة في المنزل كما في الكنيسة‪ ،‬حيث العدد الغفير‪،‬‬
‫هنا يوجد شيء أكثر‪ ،‬اتحاد العقول‪ ،‬واتحاد النفوس‪ ،‬ورباط المحبة‪ ،‬وصلوات الكهنة"‪.‬‬

‫واجب األحد‬
‫ُلزمون بواجب المشاركة‬ ‫‪ -2122‬وصية الكنيسة تجدد شريعة الرب وتوضحها‪" :‬إن المؤمنين م َ‬
‫في القداس‪ ،‬يوم األحد وأيام األعياد األخرى المفروضة"‪" .‬يتمِّم إلزام المشاركة في القداس كل‬
‫نهار العيد نفسه أو مساء اليوم السابق"‪.‬‬
‫َ‬ ‫من يحضر القداس المُقام بحسب الطقس الكاثوليكي‬
‫‪ -2121‬إن إفخارستيا يوم األحد هي األساس والتثبيت لكل الممارسة المسيحية‪ .‬لذلك يُلزم‬
‫المؤمنون بالمشاركة في االفخارستيا في األيام المفروضة‪ ،‬وما لم يعذرهم في ذلك سبب ج ِّدي‬
‫(من مثل المرض‪ ،‬والعناية باالطفال)‪ ،‬أو يفسح لهم راعيهم الخاص‪ .‬والذين يخالفون عن قصد‬
‫ذلك الواجب يرتكبون خطيئة جسيمة‪.‬‬
‫‪ -2122‬إن المشاركة في االحتفال العام في االفخارستيا يوم األحد هي شهادة على االنتماء إلى‬
‫المسيح وكنيسته واألمانة لها‪ .‬ويؤكد المؤمنون بذلك شركتهم في اإليمان والمحبة‪ .‬ويشهدون معا‬
‫لقداسة هللا ورجائهم الخالص‪ .‬ويتقوون بعضهم مع البعض بإرشاد الروح القدس‪.‬‬
‫‪" -2122‬إذا استحالت المشاركة في االحتفال االفخارستي‪ ،‬لعدم توفر الخدام المكرسين‪ ،‬أو ألي سبب آخر‬
‫خطير‪ ،‬يوصى المؤمنون بشدة بأن يشاركوا في ليترجيا الكلمة‪ ،‬إذا وجدت‪ ،‬في الكنيسة الرعائية أو في مكان‬
‫مقدس آخر‪ ،‬تلك الليترجيا المُقامة بحسب الترتيبات التي وضعها األسقف األبرشي‪ .‬أو يقيمون الصالة مدة الئقة‬
‫من الزمن‪ ،‬إنفراديا أو مع األسرة‪ ،‬أو‪ ،‬بحسب الظروف‪ ،‬مع جماعة من األسر"‪.‬‬

‫يوم نعمة وعطلة من العمل‬


‫‪ -2121‬كما أن هللا "استراح في اليوم السابع من جميع أعماله الذي عمل" (تك‪ ،)1 :1‬كذلك حياة‬
‫اإلنسان تجري على إيقاع العمل والراحة‪ .‬إنشاء يوم الرب يساهم في أن َين َعم الجمي ُع بما يكفي من‬
‫الراحة والفراغ ليتمكنوا من العناية بحياتهم العيلية‪ ،‬والثقافية‪ ،‬واالجتماعية‪ ،‬والدينية‪.‬‬
‫‪ -2122‬في اآلحاد وأيام األعياد األخرى المفروضة‪ ،‬يتمنع المؤمنون عن تعاطي األشغال أو‬
‫النشاطات التي تحول دون تقديم العبادة الواجبة هلل‪ ،‬واالبتهاج المُالزم ليوم الرب‪ ،‬وممارسة‬
‫اعمال الرحمة‪ ،‬أو الراح ِة الالزمة للنفس والجسد‪ .‬وتكون الضرورات العيلية أو الفائدة‬
‫ُ‬
‫االجتماعية أعذارا شرعية في فريضة الراحة يوم األحد‪ .‬ويجب أن يُعني المؤمنون بأن ال تد ِخ َل‬
‫األعذار الشرعية عوائ َد مُضرة بالدين‪ ،‬والحياة العيلية’ والصحة‪.‬‬
‫"محب ُة الحقيقة تسعى إلى الراحة المقدسة‪ ،‬وضرورةُ المحبة تتقبَّل العمل القويم"‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫‪ -2122‬على المسيحيين الذين تتوفر لهم أسباب الراحة أن يتذكروا إخوتهم الذين لهم االحتياجات‬
‫نفسها والحقوق نفسها‪ ،‬ولكنهم ال يستطيعون االستراحة بسبب الفقر والعوز‪ .‬وقد درجت التقوى‬
‫المسيحية تقليديا على تخصيص يوم األحد باألعمال الصالحة‪ ،‬والخدمات المتواضعة للمرضى‪،‬‬
‫وذوي العاهات والمسنين‪ .‬ويقدس المسيحيون أيضا يوم األحد بإعطاء أسرتهم وأقاربهم من الوقت‬
‫والعناية ما يصعب توفره في أيام األسبوع األخرى‪ .‬يوم األحد يوم تفكير وصمت‪ ،‬وثقافة وتأمل‪،‬‬
‫وهي أمور ُتساعد على نمو الحياة الداخلية والمسيحية‪.‬‬
‫‪ -2122‬تقديس أيام اآلحاد واألعياد يقتضي جهدا مشتركا‪ .‬وعلى كل مسيحي أن يتحاشى أن يفرض على‬
‫اآلخرين‪ ،‬دون اضطرار‪ ،‬ما يمنعهم من حفظ يوم الرب‪ .‬وعندما تقتضي العادة‬
‫(رياضة‪ ،‬مطاعم ‪ ..‬ألخ) والضرورات االجتماعية (الخدمات العامة‪ ،‬الخ) من البعض عمال يوم األحد‪ ،‬تقع على‬
‫كل واحد المسؤولية عن وقت كاف للراحة‪ .‬وليُع َن المؤمنون بأن يتحاشوا برصانة ومحبة ما تولده العُطل‬
‫الجماعية من إفراط وعنف‪ .‬وعلى السلطات العامة‪ ،‬أن تسهر‪ ،‬رغما عن الضغوط االقتصادية‪ ،‬على أن تو ِّفر‬
‫للمواطنين وقتا للراحة ولعبادة هللا‪ .‬على أصحاب العمل واجب مماثل تجاه عمالهم‪.‬‬
‫‪ -2122‬على المسيحيين ان يسعوا إلى أن يُعترف بأيام اآلحاد واألعياد الكنسية أيام عطل رسمية‪،‬‬
‫مع احترام الحرية الدينية والخير العام للجميع‪ .‬وعليهم أن يُعطوا للجميع مثال علنيا على الصالة‪،‬‬
‫واالحترام‪ ،‬والفرح‪ ،‬وأن يدافعوا عن تقاليدهم‪ ،‬فيساهموا هكذا مساهمة ثمينة في الحياة الروحية‬
‫للمجتمع اإلنساني‪ .‬وإذا كانت شرائع البلد أو أسباب أخرى ُتلز ُم بالعمل يوم األحد‪ ،‬فلي َ‬
‫ُقض هذا‬
‫النهار‪ ،‬مع ذلك‪ ،‬كيوم خالصنا الذي يجعلنا نشترك في "محفل العيد" هذا‪ .‬وفي "جماعة األبكار‬
‫المكتوبين في السماوات" (عب‪.)13-11 :21‬‬

‫بإيجاز‬
‫سبت راحة مقدس للرب"‬‫ُ‬ ‫‪" -2122‬إحفظ يوم السبت وقدسه" (تث‪" .)22 :5‬في اليوم السابع‬
‫(خروج‪.)25 :12‬‬
‫ُ‬ ‫‪ -2122‬إن السبت الذي كان يمثل انتهاء َ‬
‫الخلق األول أبدل باألحد الذي يذكر بالخلق الجديد الذي‬
‫بدأ بقيامة المسيح‪.‬‬
‫‪ -2121‬تحتفل الكنيسة بيوم قيامة المسيح في اليوم الثامن‪ ،‬وهو يسمى ٍّ‬
‫بحق يوم الرب أو األحد‪.‬‬
‫‪" -2122‬يجب أن يُح َفظ األحد في الكنيسة جمعاء بكونه يوم العيد المفروض الرئيس"‪" .‬إن‬
‫ُلزمون بواجب المشاركة في القداس يوم األحد وأيام األعياد األخرى المفروضة"‪.‬‬ ‫المؤمنين م َ‬
‫‪ -2122‬لِي َمتنع المؤمنون في أيام اآلحاد واألعياد األخرى المفروضة عن األشغال واألعمال‬
‫التجارية‪ ،‬التي من شأنها أن تحول دون تقديم العبادة الواجبة هلل‪ ،‬والفرح المالزم ليوم الرب أو‬
‫الراحة الواجبة للنفس والجسد"‪.‬‬
‫‪ -2121‬إن إنشاء يوم األحد يُساهم في "ان َين َعمَ الجميع بما يكفي من الراحة والفراغ للقيام‬
‫بمقتضيات الحياة العيلية‪ ،‬والثقافية‪ ،‬واالجتماعية والدينية"‪.‬‬
‫‪ -2122‬على كل مسيحي أن يتحاشى أن يفرض على اآلخرين دون اضطرار ما يمنعهم من حفظ‬
‫يوم الرب‪.‬‬

‫الفصل الثالث‬
‫"أحبب قري َب َك كنفسِ َك"‬

‫قال يسوع لتالميذه‪" :‬أحبوا بعضكم بعضا كما أحببتكم أنا" (يو‪.)33 :23‬‬
‫‪7‬‬
‫‪ -2122‬أجاب يسوع عن السؤال عن الوصية األولى بقوله‪" :‬األولى هي ‪ :‬إسمع يا إسرائيل‪،‬‬
‫الرب إلهنا هو الرب الوحيد‪ .‬فأحبب الرب إلهك بكل قلبك‪ ،‬وكل نفسك‪ ،‬وكل ذهنك‪ ،‬وكل قوتك"‪.‬‬
‫ك"‪ .‬وليس من وصية أخرى أعظم من هاتين‪( .‬مر‪.)32-11 :21‬‬ ‫والثانية هي‪" :‬أحبب قريبك كنفس َ‬
‫ويذكر القديس بولس بذلك‪" :‬إن من أحب القريب قد أتم الناموس‪ .‬فإن هذه الوصايا‪ :‬ال تزن‪ ،‬ال‬
‫تٌلخص في هذه الكلمة‪" :‬أحبب‬ ‫تقتل‪ ،‬ال تسرق‪ ،‬ال تشهد بالزور‪ ،‬ال تشته‪ ،‬وكل وصية أخرى ُ‬
‫قريبك كنفسك"‪ .‬إن المحبة ال تصن ُع بالقريب شرا‪.‬‬
‫"فالمحبة إذن هي تمام الناموس" (رو‪.)21-2 :23‬‬

‫المقال الرابع‬
‫الوص ّية الرابعة‬

‫"أكرم اباك وأمَّك لكي يطول عُمرُك في األرض التي يعطيك الرب إلهك" (خروج‪" .)21 :11‬وكن خاضعا‬
‫لهما" (لو‪.)52 :1‬‬
‫ولقد ذكر الرب يسوع نفسه بقوة "وصية هللا هذه"‪ .‬والرسول يعلم قائال‪" :‬أنتم أيها األوالد‪ ،‬أطيعوا والديكم في‬
‫صيب خيرا‪ ،‬وتطول‬
‫َ‬ ‫الرب‪ ،‬فإن ذلك عدل‪ .‬أكرم أباك وأ ّمك‪ .‬تلك هي الوصية األولى التي أُنيط بها َوعد‪" :‬لكي ن‬
‫أيامك على األرض" (أف‪.)3-2: 6‬‬
‫‪ -2122‬الوصية الرابعة تفتتح اللوحة الثانية‪ .‬إنها تدل على نظام المحبة‪ .‬فلقد أراد هللا أن ُنكرم‬
‫بعده والدينا الذين أعطونا الحياة والذين نقلوا إلينا معرفة هللا‪ .‬فنحن ملزمون باإلكرام واالحترام‬
‫لجميع أولئك الذين أوالهم هللا سلطته ألجل خيرنا‪.‬‬
‫خبر بالوصايا‬‫‪ُ -2122‬تع ِّب ُر هذه الفريضة بصيغة إيجابية عن واجبات ال بد من القيام بها‪ .‬وهي ت ِ‬
‫ُ‬
‫الالحقة المعنية باحترام خاصٍّ بالحياة‪ ،‬والزواج وخيرات األرض والكالم‪ .‬وهي من أركان عقيدة‬
‫الكنيسة االجتماعية‪.‬‬
‫‪ -2122‬تتوجه الوصية الرابعة بوضوح إلى األوالد في عالقتهم بأبيهم وأمهم‪ ،‬ألن هذه العالقة‬
‫هي األعم‪ .‬و ُتعنى أيضا بعالئق القرابة مع أعضاء الجماعة العائلية‪ .‬وتقضي بتأدية اإلكرام‪،‬‬
‫والمحبة‪ ،‬واالعتراف بالجميل للجدود واألقدمين‪ .‬وتمتد أخيرا إلى واجبات التالميذ تجاه المعلم‪،‬‬
‫والعاملين تجاه رب العمل‪ ،‬والمرؤوسين تجاه رؤسائهم‪ ،‬والمواطنين تجاه وطنهم ومن يديرونه‬
‫ويحكمونه‪.‬‬
‫وتقتضي هذه الوصية وتتناول ضمنا واجبات الوالدين واألوصياء‪ ،‬والمعلمين‪ ،‬والرؤساء‪،‬‬
‫والقضاة‪ ،‬والحكام‪ ،‬وكل الذين يمارسون سلطة على اآلخرين أو على جماعة من األشخاص‪.‬‬
‫‪ -2222‬يتضمن حفظ الوصية الرابعة مكافأة‪" :‬أكرم أباك وأمك لكي يطول عمرك في األرض‬
‫التي يعطيك الرب إلهك" (خروج‪ .)21 :11‬إن احترام هذه الوصية يوفر‪ ،‬مع الخيور الروحية‪،‬‬
‫خيورا زمنية من سالم وازدهار‪ .‬وعلى العكس تؤدي مخالفتها إلى أضرار جسيمة تصيب‬
‫الجماعات واألشخاص البشرية‪.‬‬

‫‪ .ً1‬األسرة في صميم هللا‬

‫طبيعة األسرة‬

‫‪8‬‬
‫‪ -2221‬تقوم الشراكة الزوجية على رضى الزوجين‪ .‬والزواج واألسرة يهدفان إلى خير الزوجين‬
‫وإنجاب البنين وتنشئتهم‪ .‬ويكون حب الزوجين وإنجاب األوالد بين أعضاء األسرة الواحدة عالئق‬
‫شخصية ومسؤوليات أولية‪.‬‬
‫‪ -2222‬يؤلف الرجل والمرأة المتحدان بالزواج مع أوالدهما أسرة‪ .‬وهذا الواقع سابق لكل‬
‫اعتراف من ِق َبل السلطة العامة‪ ،‬ويفرض نفسه عليها‪ .‬ويجب اعتبارها المرجع الشرعي الذي‬
‫بموجبه ُتقدر صيغ القرابة بأنواعها‪.‬‬
‫‪ -2222‬لقد أنشأ هللا األسرة البشرية بخلقه الرجل والمرأة‪ ،‬وخصها بنظامها األساسي‪ .‬أعضاؤها‬
‫أشخاص متساوون في الكرامة‪ .‬وتقتضي األسرة‪ ،‬في سبيل الخير العام ألعضائها وللمجتمع‪،‬‬
‫تنوعا في المسؤوليات والحقوق والواجبات‪.‬‬

‫األسرة المسيحية‬
‫‪" -2221‬األسرة المسيحية هي كشف وتحقيق على نحو خاص للشركة الكنسية‪ ،‬لهذا السبب يجب‬
‫شركة إيمان ورجاء ومحبة‪ .‬ولها في الكنيسة أهمية خاصة‬ ‫ُ‬ ‫أن ُتدعى بمثابة كنيسة منزل ّية"‪ .‬إنها‬
‫كما يبدو ذلك في العهد الجديد‪.‬‬
‫‪ -2222‬األسرة المسيحية هي اتحاد أشخاص‪ ،‬هي أثر وصورة التحاد اآلب واالبن في الروح‬
‫القدس‪ .‬وعملها في اإلنجاب والتنشئة هو انعكاس عمل اآلب الخالق‪ .‬إنها مدعوة للمشاركة في‬
‫صالة المسيح وذبيحته‪ .‬والصالة اليومية وقراءة كالم هللا يقويان فيها المحبة‪ .‬واألسرة المسيحية‬
‫هي مب ِّشرة وإرسالية‪.‬‬
‫‪ -2222‬العالئق ضمن األسرة تستتبع تقاربا في العواطف والود والمصالح يتأتى خصوصا من‬
‫االحترام المتبادل بين األشخاص‪ .‬األسرة شركة مم ّيزة مدعوة إلى "اتفاق في الرأي عند األزواج‬
‫واشتراك للوالدين في تربية األبناء"‪.‬‬

‫‪ .ً2‬األسرة والمجتمع‬
‫‪ -2222‬األسرة هي الخل ّية األصل ّية للحياة االجتماعية‪ .‬إنها المجتمع الطبيعي حيث الرجل‬
‫والمرأة مدعوان إلى عطاء الذات في الحب وفي عطاء الحياة‪ .‬إن السلطة واالستقرار وحياة‬
‫العالئق ضمن األسرة تكون أركان الحرية واألمن واألخوة في المجتمع‪ .‬األسرة هي الجماعة التي‬
‫يمكن فيها منذ الطفولة َت َعلُم القيم األخالقية‪ ،‬والشروع في إكرام هللا‪ ،‬وحسن استعمال الحرية‪.‬‬
‫والحياة في األسرة هي تنشئة على الحياة في المجتمع‪.‬‬
‫‪ -2222‬يجب أن تعيش األسرة بحيث يتعلم أعضاؤها االهتمام واالضطالع بالصغار والشيوخ‪.‬‬
‫والمرضى والمعاقين والفقراء‪ .‬وهناك أسر كثيرة تجد نفسها عاجزة أحيانا عن تقديم هذا العون‪.‬‬
‫فيعود حينئذ لغيرهم‪ ،‬وألُسر أُخرى‪ ،‬وبالتالي للمجتمع أن يلبوا احتياجاتهم‪" :‬إن الديانة الطاهرة‬
‫الزكية‪ ،‬في نظر هللا اآلب‪ ،‬هي افتقاد اليتامى واألرامل في ضيقهم‪ ،‬وصيانة النفس من دنس‬
‫العالم" (يع‪.)17 :2‬‬
‫‪ -2222‬يجب مساعدة األسرة والدفاع عنها بإجراءات اجتماعية مناسبة‪ .‬فحيث ال تستطيع األ ُ َسر‬
‫القيام بمهماتها‪ ،‬يتوجب على الهيئات اإلجتماعية األخرى أن تساعدها وتساند المؤسسة العيلية‪.‬‬
‫وبحسب قانون التسلسلية‪ ،‬تتورع الجماعات اكبرى من اغتصاب صالحياتها أو التدخل في شؤون‬
‫حياتها‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫‪ -2212‬إن أهمية األسرة بالنسبة إلى حياة المجتمع ورخائه تقتضيه مسؤولية خاصة عن مساندة‬
‫الزواج واألسرة وترسيخهما‪ .‬وعلى السلطة المدنية أن تعتبر من واجبها الخطير "االعتراف‬
‫بطبيعتهما الحقيقية‪ ،‬وحمايتهما‪ ،‬والدفاع عن اآلداب العامة‪ ،‬وتشجيع االزدهار العيلي"‪.‬‬
‫‪ -2211‬على الجماعة السياسية واجب إكرام األسرة ومساعدتها‪ .‬وعليها أن توفر لها‪:‬‬
‫‪ -‬حرية إنشاء بيت‪ ،‬وإنجاب أوالد‪ ،‬وتنشئتهم بحسب معتقداتها األخالقية والدينية‪.‬‬
‫‪ -‬صيانة استقرار الرباط الزوجي والمؤسسة العيلية‪.‬‬
‫‪ -‬حرية االعتراف بالدين‪ ،‬ونقله‪ ،‬وتنشئة األبناء عليه‪ ،‬بالوسائل والمؤسسات الضرورية لذلك‪.‬‬
‫‪ -‬الحق في الملكية الخاصة‪ ،‬وحرية السعي والحصول على عمل وعلى مسكن‪ ،‬والحق في الهجرة ‪.‬‬
‫‪ -‬والحق‪ ،‬بحسب قوانين البالد‪ ،‬في العناية الطبية‪ ،‬وإعانة المسنين‪ ،‬والمساعدات العيلية‪.‬‬
‫‪ -‬صيانة األمن واألجواء الصحية‪ ،‬خصوصا بالنسبة إلى أخطار مثل المخدرات واإلباحية الجنسية‪ ،‬والمشروبات‬
‫الكحولية‪.‬‬
‫‪ -‬حرية تكوين تكتالت مع أسر أخرى‪ ،‬والحصول هكذا على تمثيل لدى السلطات المدنية‪.‬‬
‫‪ -2212‬الوصية الرابعة توضح العالئق األخرى في المجتمع‪ .‬فنرى في إخوتنا وأخواتنا أبناء‬
‫والدينا‪ ،‬وفي أبناء العم والخال ونس ُل أجدادنا‪ ،‬وفي مواطنينا أبنا َء وطننا‪ ،‬وفي المعمدين أبناء أمنا‬
‫الكنيسة‪ ،‬وفي كل شخص بشري أبنا أو ابنتا لذاك الذي يريد أن ندعوه "أبانا"‪ .‬وبذلك تصير‬
‫عالئقنا بالقريب من نمط شخصي‪ .‬فال يكون القريب "فردا" من المجموعة البشرية‪ ،‬وإنما هو‬
‫"شخص" يستحق‪ ،‬بأصوله المعروفة‪ ،‬انتباها واحتراما خصوصيين‪.‬‬
‫‪ -2212‬تتألّف الجماعات البشرية من اشخاص‪ .‬وحكمهم الصالح ال يقف عند حدود تأمين‬
‫الحقوق‪ ،‬وتتميم الواجبات‪ ،‬واألمانة للعهود‪ .‬والعالئق القويمة بين أرباب العمل والعمال‪ ،‬والحكام‬
‫والمواطنين‪ ،‬تفترض المحاسنة الطبيعية الموافقة لكرامة األشخاص البشرية‪ ،‬والمعنية بالعدالة‬
‫واألخوة‪.‬‬

‫‪ .ً2‬واجبات أعضاء األسرة‬


‫واجبات األبناء‬
‫‪ -2211‬أألُبوة اإللهية هي منبع األبوة البشرية‪ ،‬وهي التي عليها يقوم إكرام الوالدين‪ .‬يتغذى‬
‫احترام األبناء‪ ،‬صغارا وكبارا‪ ،‬ألبيهم وإمهم‪ ،‬بالحب الطبيعي الناتج من الرابط الذي بينهم‪ .‬انه‬
‫مما تقتضيه الفريضة اإللهية‪.‬‬
‫بر الوالدين) يتكون من االعتراف بجميل أولئك الذين بعطاء الحياة‬ ‫‪ -2212‬احترام الوالدين ( ّ‬
‫ومحبتهم وعملهم وضعوا أوالدهم في العالم ومكنوهم من النمو في القامة والحكمة والسن‪" .‬أكرم‬
‫تنس مخاض أمِّك‪ ،‬أٌُذكر أنك بهما ُكوِّ نت فماذا تجزيهما مكافأة عما جعال لك"‬ ‫أباك بكل قلبك وال َ‬
‫(سي‪.)31-12 :7‬‬
‫‪ -2112‬يظهر االحترام البنوي بالطواعية والطاعة الحقيقيتين‪" .‬إرع يا بني وصية أبيك وال‬
‫ترفض شريعة أمك‪ .‬هما يهديانك في سيرك ويحافظان عليك في رقادك‪ ،‬وإذا استيقضت‪ ،‬فهما‬
‫يحدثانك" (أمثال‪" .)11-11 :6‬االبن الحكيم يسمع تأديب أبيه‪ ،‬وأما الساخر فال يسمع التوبيخ"‬
‫(أمثال‪.)2 :23‬‬
‫‪ -2112‬على الولد‪ ،‬ما دام عائشا في بيت والديه‪ ،‬أن يطيع الوالدين في كل ما يطلباه مما هو لخيره أو لخير‬
‫األسرة‪" .‬أيها األوالد أطيعوا والديكم في كل شيء‪ ،‬فإن هذا مرضي لدى الرب" (كو ‪ .)11 :3‬وعلى األوالد‬
‫أيضا أن يطيعوا أوامر مربيهم المعقولة‪ ،‬وأوامر كل من َع ِهدَ األه ُل باألوالد ِإليهم‪ .‬ولكن إذا َ‬
‫أيقن الولد يقينا‬
‫ضميريا أن طاعة ألمر ما هي شر أخالقي‪ ،‬فعليه أن ال َي َّتبعه‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫ويبقى األوالد عندما يكبرون على احترام والديهم‪ .‬ويبادرون إلى تحقيق رغباتهم‪ ،‬ويرتاحون إلى طلب‬
‫نصائحهم‪ ،‬ويتقبلون تأنيباتهم المُصيبة‪ .‬والطاعة للوالدين تنتهي بتحرر األوالد‪ ،‬ويبقى االحترام الواجب إلى‬
‫ُ‬
‫مخافة هللا‪ ،‬التي هي مواهب الروح القدس‪.‬‬ ‫األبد‪ .‬وهذا أساسه‬
‫‪ -2112‬و ُتذكر الوصية الرابعة األوالد‪ ،‬عندما يكبرون‪ ،‬بمسؤوليتهم تجاه والديهم‪ .‬فعليهم‪ ،‬قدر‬
‫ي والمعنوي‪ ،‬في سنوات شيخوختهم‪ ،‬وإبان المرض‬ ‫استطاعتهم‪ ،‬أن يؤدوا لهم العون الماد َ‬
‫والوحدة والشدة‪ .‬ويسوع يذكر بواجب العرفان بالجميل هذا‪.‬‬
‫َ‬
‫وأثبت حُكم األم في البنين‪ .‬من أكرم أباه فإنه يكفر خطاياه ويمتنع عنها‬ ‫"إن الرب قد أكرم األب في األوالد‬
‫صالته‬
‫ويُستجاب له في صالة كل يوم‪ .‬ومن احترم أمه فهو كمدخر الكنوز‪ .‬من أكرم أباه سُر بأوالده وفي يوم َ‬
‫يُستجاب له‪ .‬من احترم أباه طالت أيامه ومن أطاع أباه أراح أمه" (سي‪.)6-1 :3‬‬
‫ضعُف عقله فاعذر‪ ،‬وال ُتهن ُه وأنت في وفور قوتك‪.‬‬
‫"يا بني أعن أباك في شيخوخته وال َتح ُزنه في حياته‪ .‬وإن َ‬
‫من خذل أباه فهو بمنزلة المُجدف‪ ،‬ومن غاظ أمه فهو ملعون من الرب" (سي‪. )22 ، 25-23 :3‬‬
‫‪ -2112‬االحترام البنوي يعزز انسجام الحياة العيلية كلها‪ ،‬ويعني أيضا العالئق بين األخوة‬
‫واألخوات‪ .‬فاحترام األهل يُنير كل الجو العائلي‪" .‬إكليل الشيوخ بنو البنين وفخر البنين وآباؤهم"‬
‫(أم‪" .)6 :27‬احتملوا بعضكم بعضا بمحبة‪ ،‬بكل تواضع ووداعة وصبر" (أف‪.)1 :3‬‬
‫‪ -2222‬على المسيحيين واجب شكر خاص لمن تقبلوا منهم عطية اإليمان‪ ،‬ونعم َة المعمودية‬
‫والحياة في الكنيسة‪ .‬وقد يتعلق األمر بالوالدين‪ ،‬أو باآلخرين من أعضاء األسرة‪ ،‬أو بالجدود‪ ،‬أو‬
‫بالرعاة‪ ،‬أو بمعلمي الدين أو بمعلمين آخرين وأصدقاء‪" .‬أ ُ َحيي َ‬
‫ذكر إيمانك الذي ال رئاء فيه‪،‬‬
‫الذي استقر أوال في جدتك لوئيس وفي أمك إيفنيكي‪ ،‬وأعتقد أنه مستقر فيك أيضا" (‪1‬تي‪.)5 :2‬‬

‫واجبات الوالدين‬
‫‪ -2221‬خصب الحب الزوجي ال يقتصر على إنجاب األوالد فحسب‪ ،‬ولكن يجب أن يمتد إلى‬
‫لذات شأن كبير بحيث إذا فُقدت‬ ‫ُ‬ ‫تنشئتهم الخلقية وتربيتهم الروحية‪" .‬إنّ مه ّمة الوالدين في التربية‬
‫ال ُتعوَّ ض إال بعُسر"‪ .‬الحق في التربية وواجبها هما بالنسبة إلى الوالدين من األوليات ومما ال‬
‫يمكن التنازل عنه‪.‬‬
‫‪ -2222‬على الوالدين أن ينظروا إلى أوالدهم نظرتهم إلى أوالد هللا‪ ،‬وأن يحترموهم كأشخاص‬
‫بشر ّية‪ .‬وهم يربون أوالدهم على تتميم شريعة هللا بأن يكونوا هم أنفسهم مطيعين لمشيئة اآلب‬
‫السماوي‪.‬‬
‫‪ -2222‬الوالدون هم المسؤولون األولون عن تربية أوالدهم‪ .‬ويُظهرون هذه المسؤولية أوال‬
‫بتأسيس بيت‪ ،‬حيث القاعدة هي الحنان والمسامحة واالحترام واألمانة والخدمة النزيهة‪ .‬البيت هو‬
‫مكان مالئم لتربية الفضائل‪ .‬وهذه تقتضي تعلم إنكار الذات‪ ،‬والحكم السليم‪ ،‬السيطرة على الذات‪،‬‬
‫وهي الشروط الضرورية لكل حرية حقيقية‪ .‬وعلى الوالدين أن يعلموا أوالدهم إخضاع "األبعاد‬
‫الطبيعية والغريزية لألبعاد الداخلية والروحية"‪ .‬على عاتق الوالدين مسؤولية جسيمة عن إعطاء‬
‫األمثال الصالحة ألوالدهم‪ .‬وإذا ارتضوا باالعتراف أمامهم بنقائصهم الخاصة‪ ،‬كانوا أكثر جدارة‬
‫بإرشادهم وتأديبهم‪:‬‬
‫"من أحب ابنه أكثر من ضربه‪ ،‬من أدب ابنه يجتني ثمر تأديبه" (متى‪" .)1-2 :31‬وأنتم أيها اآلباء ال ُتحنقوا‬
‫أوالدكم‪ ،‬بل ربوهم بالتأديب والموعظة" (أف‪.)3 :6‬‬
‫‪ -2221‬البيت هو المحيط الطبيعي لتنشئة الكائن البشري على التضامن والمسؤوليات الجماعية‪.‬‬
‫وعلى الوالدين أن يعلموا األوالد التحرز من المشاركة في التسويات والرديات التي تهدد‬
‫المجتمعات البشرية‪.‬‬
‫‪11‬‬
‫‪ -2222‬لقد تقبل الوالدون‪ ،‬بنعمة سر الزواج‪ ،‬المسؤولية واالمتياز لتبشير أوالدهم‪ .‬وعليهم أن‬
‫ينشئوهم منذ نعومة أطافرهم على أسرار اإليمان‪ ،‬وهو فيه ألوالدهم "أول المعلمين"‪ .‬وعليهم أن‬
‫يجعلوهم يشتركون منذ الطفولة في حياة الكنيسة‪ .‬إن نمط العيش العيلي يستطيع أن يغذي‬
‫استعدادات عاطفية تبقى مدى الحياة مداخ َل أصيلة وأسنادا أليمان حي‪.‬‬
‫‪ -2222‬يجب أن تبدأ تربية الوالدين ألبنائهم على اإليمان منذ الطفولة األولى‪ .‬وهي ُتعطي منذ أن‬
‫يساعد أعضاء األسرة بعضُهم بعضا على النمو في اإليمان بشهادة حياة مسيحية منسجمة مع‬
‫اإلنجيل‪ .‬التعليم الديني في األسرة يسبق ويصحب ويُغني أشكال تعليم اإليمان األخرى‪ .‬وللوالدين‬
‫رسالة تعليم أوالدهم الصالة واكتشاف دعوتهم أبناء هلل‪ .‬والرعية هي الجماعة االفخارستية‪ ،‬وقلبُ‬
‫الحياة الليترجية لألسر المسيحية‪ .‬إنها المكان المميز للتعليم الديني بالنسبة إلى األوالد والوالدين‪.‬‬
‫نمو والديهم في القداسة‪ .‬وعليهم جميعا‪ ،‬وعلى كل واحد‬ ‫‪ -2222‬يساهم األوالد بدورهم في ّ‬
‫بمفرده‪ ،‬أن يصفحوا صفحا كريما ومتواصال‪ ،‬بعضُهم لبعض عن اإلهانات والخصومات‪،‬‬
‫والمظالم وصنوف االهمال‪ ،‬وذلك ما يوحي به الحب المتبادل وما تقتضيه محبة المسيح‪.‬‬
‫‪ -2222‬يبين احترام الوالدين محب ُتهم‪ ،‬إبان الطفولة‪ ،‬أوال بما يبذلون من عناية وانتباه لتنشئة‬
‫أوالدهم‪ ،‬وتلبية احتياجاتهم الطبيعية والروح ّية‪ .‬وإبان النمو‪ ،‬يقود ذلك االحترام واالخالص‬
‫الوالدين إلى تربية أوالدهم على أن يُحسنوا استعمال عقلهم وحريتهم‪.‬‬
‫‪ -2222‬بما أن الوالدين هم المسؤولون األولون عن تربية أوالدهم‪ ،‬فلهم الحق في أن يختاروا‬
‫لهم المدرسة التي تتوافق ومعتقاداتهم الشخصية‪ .‬وهذا الحق أساسي ألن على الوالدين الواجب‬
‫أن يختاروا’ قدر المستطاع‪ ،‬المدارس التي تساعدهم بوجه أفضل على االضطالع بمهمتهم بصفة‬
‫كونهم مربين مسيحيين‪ .‬وعلى السلطات المدنية أن تتكفل للوالدين بهذا الحق‪ ،‬وأن تؤمن الشروط‬
‫الحقيقية لممارسته‪.‬‬
‫‪ -2222‬عندما يصبح األوالد كبارا‪ ،‬عليهم الواجب بأن يختاروا مهنتهم وحالتهم في الحياة‪،‬‬
‫وذلك حق لهم‪ .‬ويقومون بهذه المسؤوليات الجديدة في عالق ِة ثقة بوالديهم‪ ،‬فيطلبوه منهم ويتقبلوه‬
‫بارتياح اآلراء والنصائح‪ .‬ويعني الوالدون بأن ال يُكرهوا أوالدهم ال على اختيار مهنة وال على‬
‫اختيار زوج‪ .‬وواجب التحفظ هذا ال يمنعهم بل‪ ،‬على العكس‪ ،‬يحملهم على مساعدتهم بآراء‬
‫حصيفة‪ ،‬خصوصا عندما يعزم هؤالء على تأسيس أسرة‪.‬‬
‫‪ -2221‬يمتنع البعض عن الزواج في سبيل االعتناء بوالديهم‪ ،‬أو بإخوتهم وأخواتهم‪ ،‬أو لحصر‬
‫اهتمامهم بمهنة أو ألسباب أخرى شريفة‪ .‬هؤالء بإمكانهم أن يساهموا مساهمة كبرى في خير‬
‫األسرة البشرية‪.‬‬

‫‪ .ً1‬األسرة والملكوت‬
‫‪ -2222‬ان العالئق في األسرة على أهميتها ليست مطلقة‪ .‬فكما أن الولد يتنامى نحو النضج‬
‫واالستقالل الذاتي بشريا وروحيا‪ ،‬كذلك دعوته الخاصة اآلتية من هللا تتأكد بوضوح وقوة أكبر‪.‬‬
‫وعلى الوالدين أن يحترموا هذا النداء ويساندوا أوالدهم في االستجابة له‪ .‬وال بد من االعتقاد بأن‬
‫دعوة المسيحي األولى هي في ا ّتباع يسوع‪" :‬من أحب أباه أو أمه أكثر مني فال يستحقني‪ ،‬ومن‬
‫أحب ابنه أو بن َته أكثر مني فال يستحقني" (متى‪.)37 :21‬‬
‫‪ -2222‬أن يصير االنسان تلميذا ليسوع‪ ،‬ذلك يعني قبول الدعوة إلى االنتماء إلى أسرة هللا‪ ،‬وإلى‬
‫العيش وفاقا لنمط حياته‪" :‬كل من يعم ُل مشيئة أبي الذي في السماوات هو أخي وأختي وأمي"‬
‫(متى‪.)51 :21‬‬
‫‪12‬‬
‫على الوالدين أن يتقبلواويحترموا بفرح وشكر نداء من الرب ألحد أوالدهم أن يتبعه في البتولية‬
‫ألجل الملكوت‪ ،‬أو في الحياة المكرسة‪ ،‬أو الخدمة الكهنوتية‪.‬‬

‫سلطات في المجتمع المدني‬ ‫‪ .ً2‬ال ُّ‬


‫‪ -2221‬تأمرنا الوصية الرابعة أيضا بإكرام كل من تقبلوا من هللا‪ ،‬ألجل خيرنا‪ ،‬سلطة في‬
‫المجتمع‪ .‬وهي تنير واجبات من يمارسون السلطة و َمن هي لفائدتهم‪.‬‬

‫سلطة المدنية‬ ‫واجبات ال ُّ‬


‫‪ -2222‬على من يمارسون السلطة أن يمارسوها كخدمة‪" .‬من أراد أن يكون فيكم كبيرا يكون لكم‬
‫ُ‬
‫ممارسة السلطة أخالقيا بأصلها اإللهي‪ ،‬وطبيعتها العاقلة‪،‬‬ ‫خادما" (متى ‪ .)16 :11‬و ُتقاس‬
‫وموضوعها الخاص‪ .‬وليس ألحد أن يأمر أو ينشئ ما يتعارض مع كرامة األشخاص والشريعة‬
‫الطبيعية‪.‬‬
‫‪ -2222‬تهدف ممارسة السلطة إلى إظهار تراتبية صحيحة بين القيم‪ ،‬لتسهيل ممارسة الحرية‬
‫باالعتبار‬
‫ِ‬ ‫والمسؤولية لدى الجميع‪ .‬فالرؤساء يمارسون العدالة التوزيعية بحكمة‪ ،‬آخذين‬
‫االحتياجات ومساهمة كل واحد‪ ،‬وفي سبيل الوفاق والسالم‪ .‬ويسهرون على أن ال ُتد ِخ َل القواع ُد‬
‫واالجراءات التي يتخذونها في التجربة‪ ،‬بجعل المصلحة الشخصية في معارضة مصلحة‬
‫الجماعة‪.‬‬
‫سلطات السياس ّية واجبُ احترام الحقوق األساسية للشخص البشري‪ .‬وعليها ان‬ ‫‪ -2222‬على ال ُّ‬
‫ُ‬
‫تحكم بالعدل‪ ،‬بوجه إنساني‪ ،‬مُحتر َمة حق كل واحد‪ ،‬والسيما األسر والمعدَمين‪.‬‬
‫الحقوق السياسية المرتبطة بالمواطنية بحسب مقتضيات الخير العام‪ .‬وال‬ ‫ُ‬ ‫يمكن ويجب أن ُتعطى‬
‫يمكن أن تعل َقها السلطات العامة بدون سبب شرعي ومتناسب‪ .‬وممارسة الحقوق السياسية ُم َعدة‬
‫لخير األمة العام‪ ،‬ولخير الجماعة البشرية‪.‬‬

‫واجبات المواطنين‬
‫‪ -2222‬على من يخضعون للسلطة أن يروا في رؤسائهم ممثلين هلل الذي جعلهم خدام عطاياه‪.‬‬
‫"اخضعوا من أجل الرب لكل هيئة سلطان بشري‪ .‬تصرفوا كأحرار‪ .‬ال كمن يتخذ من الحرية‬
‫ستارا للخبث‪ ،‬بل كعبيد هللا" (‪2‬بط ‪ .)26-23 :1‬ومساهمتهم النزيهة تتضمن الحق وأحيانا‬
‫الواجب‪ ،‬في أن يُنحوا باللوم على ما يبدو لهم مُسيئا إلى كرامة األشخاص وخير الجماعة‪.‬‬
‫‪ -2222‬واجب المواطنين أن يساهموا مع السلطات المدنية في خير المجتمع بروح الحقيقة‬
‫والعدالة والتضامن والحرية‪ .‬و َيرتبط حب الوطن وخدمته بواجب االعتراف بالجميل وبنظام‬
‫وخدمة الخير العام من المواطنين أن يقوموا‬ ‫ُ‬ ‫المحبة‪ .‬ويقتضي الخضو ُع للسلطات الشرعية‬
‫بدورهم في حياة الجماعة السياسية‪.‬‬
‫ُشاركة في المسؤولية عن الخير العام‪ ،‬من الوجهة‬ ‫ُ‬ ‫‪ -2212‬يقتضي الخضوع للسلطة والم‬
‫األخالقية‪ ،‬تسديد الضرائب‪ ،‬وممارسة حق االقتراع‪ ،‬والدفاع عن البلد‪:‬‬
‫"أدوا إذن للجميع حقوقهم‪ :‬الجزية لمن له الجزية‪ ،‬والجباية لمن له الجباية‪ ،‬والمهاب َة لمن له المهابة‪ ،‬والكرامة‬
‫لمن له الكرامة" (رو‪.)7 :23‬‬

‫‪13‬‬
‫"يقيم المسيحيون في وطنهم الخاص‪ ،‬ولكن كغرباء فيه‪ .‬يتممون جميع واجباتهم كمواطنين‬
‫ويتحملون جميع أعبائهم كغرباء‪ .‬يخضعون للشرائع المقررة‪ ،‬ونمط عيشهم يتغلب على الشرائع‪.‬‬
‫والمكانة التي أوالهم إياها هللا هي من النبل بحيث ال يُس َمح لهم بأن يهجروا"‪.‬‬
‫يُحرضنا الرسول على أن نقيم صلوات وتشكرات ألجل الملوك وجميع ذوي السلطات "لنقضي حياة مطمئنة‬
‫هادئة في كل تقوى ووقار"(‪2‬تي‪.)1 :1‬‬
‫‪ -2211‬على األمم التي تنعم بوفر أكبر ان تستقبل قدر المستطاع الغريب الباحث عن السالمة‬
‫وعن المنافع الحيوية التي ال يستطيع أن يجدها في بلده األصلي‪ .‬وتسهر السلطات العامة على‬
‫احترام الحق الطبيعي الذي يجعل الضيف تحت حماية من يتقبلونه‪.‬‬
‫تستطيع السلطات السياسية ألجل الخير العام الذي تضطلع به ان ُتخضع ممارسة حق الهجرة لشروط قانونية‬
‫متعددة‪ ،‬وخصوصا الحترام المهاجرين واجباتهم تجاه البلد الذي تبناهم‪ .‬وعلى المهاجر أن يحترم شاكرا اإلرث‬
‫المادي والروحي للبلد الذي استقبله‪ ،‬وأن يخضع لشرائعه وان يساهم أعبائه‪.‬‬
‫‪ -2212‬على المواطن واجبُ ضمير بأن ال يخضع ألوامر السلطات المدنية عندما تفرض ما‬
‫يتعارض ومقتضيات النظام الخلقي‪ ،‬والحقوق األساسية لألشخاص وتعاليم اإلنجيل‪ .‬ورفض‬
‫الطاعة للسلطات المدنية‪ ،‬عندما تكون متطلباتها متعارضة مع الضمير المستقيم‪ ،‬يجد تبريره في‬
‫التمييز بين خدمة هللا وخدمة الجماعة السياسية‪" .‬أعطوا ما لقيصر لقيصر‪ ،‬وما هلل هلل" (متى ‪:11‬‬
‫‪" .)12‬ان هللا أحق من الناس بالطاعة" (أع‪.)11 :5‬‬
‫"حيثما تتجاوز السلطة حدود صالحياتها‪ ،‬وتجور على المواطنين‪ ،‬ليس ألولئك المواطنين ان يرفضوا ما يقتضيه‬
‫الخير العام عمليا‪ .‬إال أنه يحق لهم ان يدافعوا عن حقوقهم وحقوق مواطنيهم‪ ،‬ويقاوموا تجاوزات هذه السلطة‪،‬‬
‫على أن يُراعوا الحدود التي رسمتها الشريعة الطبيعية والشريعة اإلنجيلية"‪.‬‬
‫‪ -2212‬مقاومة ضغط السلطة السياسية ال تلجأ شرعيا إلى السالح إال إذا اجتمعت لها الشروط‬
‫اآلتية‪:‬‬
‫‪ -2‬في حالة وجود تجاوزات أكيدة وجسيمة ومتمادية للحقوق األساسية‪.‬‬
‫‪ -1‬وبعد استفاد جميع المراجعات اآلخرى‪.‬‬
‫‪ -3‬ودون إحداث اضطرابات شرها أكبر‪.‬‬
‫‪ -3‬وأن يكون أمل في النجاح راسخ‪.‬‬
‫‪ -5‬وإذا استحال التكهن على وجه معقول بوجود حلول أفضل‪.‬‬

‫الجماعات السياسية والكنيسة‬


‫‪ -2211‬كل مؤسسة تستوحي‪ ،‬وإن ضمنيا مفهوما لإلنسان ومصيره‪ ،‬وتستمد منه مستندا لحُكمها‪،‬‬
‫يرها‪ .‬معظم المجتمعات ُتسند مؤسساتها إلى نوع من تفوق اإلنسان‬‫وتراتبية لِق َيمها‪ ،‬و ُخطة ل َس ِ‬
‫على األشياء‪ .‬ولكن الديانة الموحى بها إلهيا اعترفت وحدها بوضوح أن هللا‪ ،‬الخالق الفادي‪ ،‬هو‬
‫مصد ُر اإلنسان ومآله‪ .‬والكنيسة تدعو السلطات السياسية إلى إسناد أحكامها وقراراتها إلى وحي‬
‫الحقيقة هذا عن هللا وعن اإلنسان‪.‬‬
‫إن المجتمعات التي تجهل هذا الوحي أو ترفضه باسم استقاللها عن هللا‪ ،‬يؤدي بها األمر إلى التماس مراجعها‬
‫وغايتها في ذاتها‪ ،‬أو استعارتها من أدلجة ما‪ .‬وألنها ال تقبل باعتماد مقياس موضوعي للخير والشر‪ ،‬فهي تولي‬
‫نفسها على اإلنسان ومصيره سلطانا كليا معلنا أو خفيا‪ ،‬كما يدل على ذلك التاريخ‪.‬‬
‫‪" -2212‬إن الكنيسة التي ليس بينها وبين الجماعة السياسية أي التباس‪ ،‬بسبب مهمتها‬
‫وصالحيتها‪ ،‬هي في الوقت عينه‪ ،‬الدلي ُل على الطابع السامي للشخص البشري وضما ُنه"‪ .‬الكنيسة‬
‫"تحترم وتشجع حرية المواطنين السياسية كما تحترم وتشجع مسؤوليتهم"‪.‬‬
‫‪14‬‬
‫‪ -2212‬إنه من رسالة الكنيسة "أن ُتصدر حكما أدبيا حتى في األمور التي تتعلق بالنظام‬
‫حقوق اإلنسان األساسية أو خالص النفوس‪ ،‬معتمدة جميع الوسائل‬ ‫ُ‬ ‫السياسي‪ ،‬عندما تقتضي ذلك‬
‫وخير الجميع وفاقا الختالف األوضاع واألزمنة"‪.‬‬
‫َ‬ ‫التي ال تخرج عن نطاق اإلنجيل والتي تتمشى‬

‫بإيجاز‬

‫‪" -2212‬أكرم أباك وأمك" (تث‪.)21 :7 ، 21 :5‬‬


‫‪ -2212‬بحسب الوصية الرابعة‪ ،‬أراد هللا أن ُن ِ‬
‫كرم بعده والِدَينا والذين أوالهم السلطة ألجل خيرنا‪.‬‬
‫‪ -2212‬الجماعة الزوجية تقوم على العهد والرضى بين الزوجين‪ .‬والزواج واألسرة هما لخير‬
‫الزوجين‪ ،‬وإلنجاب األوالد وتربيتهم‪.‬‬
‫عافية الشخص والمجتمع البشري والمسيحية شديد ُة التعلق بوضع الجماعة الزوجية‬ ‫َ‬ ‫‪" -2222‬إن‬
‫والعيلية"‪.‬‬
‫‪ -2221‬على األوالد تجاه والديهم واجب االحترام ومعرفة الجميل‪ ،‬والطاعة الصحيحة والعون‪.‬‬
‫واالحترام البنوي يعزز انسجام الحياة العيلية ك ِّلها‪.‬‬
‫‪ -2222‬الوالدون هم المسؤولون األولون عن تربية أوالدهم على اإليمان والصالة وجميع‬
‫الفضائل‪ .‬وعليهم أن يلبوا‪ ،‬قدر المستطاع‪ ،‬احتياجات أوالدهم الطبيعية والروحية‪.‬‬
‫‪ -2222‬على الوالدين أن يحترموا ويشجعوا دعوة أوالدهم‪ ،‬وألن يذكروا ويعلموا أن دعوة‬
‫المسيحي األول هي إلى اتباع يسوع‪.‬‬
‫‪ -2221‬السلطة العامة مُلزمة باحترام الحقوق األساسية للشخص البشري وشروط ممارسته‬
‫حريته‪.‬‬
‫‪ -2222‬واجب المواطنين العمل مع السلطات المدنية على بناء المجتمع‪ ،‬بروح الحقيقة والعدالة‬
‫والتضامن والحرية‪.‬‬
‫‪ -2222‬على المواطن واجب ضميري بأن ال يتبع أوامر السلطات المدنية عندما تكون تلك‬
‫األوامر متعارضة ومقتضيات النظام األخالقي‪" .‬إن هللا أحق من الناس بالطاعة"‪( .‬أع‪.)22 :5‬‬
‫‪ -2222‬كل مجتمع يستند في أحكامه وسلوكه إلى مفهوم لإلنسان ومصيره‪ .‬وبدون أنوار اإلنجيل‬
‫عن هللا واإلنسان‪ ،‬تصبح المجتمعات بسهولة مجتمعات توتاليتارية‪.‬‬

‫المقال الخامس‬
‫الوص ّية الخامسة‬

‫"ال تقتل" (خروج ‪.)23 :11‬‬


‫"سمعتم أنه قيل لألقدمين‪" :‬ال تقتل‪ ،‬فإن من قتل يستوجب المحاكمة"‪ .‬أما أنا فأقول لكم‪ :‬إن من غضب على أخيه‬
‫يستوجب المحاكمة" (متى ‪.)11-12 :5‬‬
‫‪" -2222‬حياة اإلنسان مقدّسة‪ ،‬ألنها منذ أصلها اقتضت عمل هللا في َ‬
‫الخلق‪ ،‬وهي تبقى أبدا على‬
‫عالقة خاصة بالخالق‪ ،‬غايتها الوحيدة‪ .‬هللا وحده يسد الحياة منذ بدايتها إلى نهايتها‪ :‬ليس ألحد في‬
‫أي ظرف من الظروف أن يدعي لنفسه الحق في أن يُدمر مباشرة كائنا بشريا بريئا"‪.‬‬

‫‪ .ً1‬احترام الحياة البشرية‬


‫‪15‬‬
‫شهادة التاريخ المقدّس‬
‫‪ -2222‬يكشف الكتاب المقدس‪ ،‬منذ بدء التاريخ البشري‪ ،‬في قصة قتل قايين أخاه هابيل‪ ،‬عن‬
‫وجود الغضب والشهوة في اإلنسان‪ ،‬وهما نتيجة الخطيئة األصلية‪ .‬فأصبح اإلنسان عدو شبهه‪.‬‬
‫ولقد بين هللا خبث هذا القتل األخوي‪" :‬فقال‪ :‬ماذا صنعت؟ إن صوت دماء أخيك صارخ إلي من‬
‫ك" (تك‪-21 :3‬‬ ‫األرض‪ .‬واآلن فملعون أنت من األرض التي فتحت فاها لتقبل دماء أخيك من يد َ‬
‫‪.)22‬‬
‫‪ -2222‬إن عهد هللا والبشرية منسوج من ذكريات عطاء هللا الحياة البشرية‪ ،‬وعنفِ اإلنسان‬
‫القاتل‪:‬‬
‫"أما دماؤكم ‪ ،‬فأطلبها من كل واحد منكم‪ .‬من سفك دم اإلنسان ُسفِك دم ُه عن يد اإلنسان‪ ،‬ألنه‬
‫على صورة هللا صُنع اإلنسان" (تك‪.)6-5 :1‬‬
‫لقد رأى العهد القديم دوما في الدم داللة مقدسة على الحياة‪ .‬وضرورة هذا التعليم قائمة في كل‬
‫األزمنة‪.‬‬
‫‪ -2221‬يحدد الكتاب المقدس تحريم الوصية الخامسة بقوله‪" :‬البري ُء والبار ال َتق ُتلهُما"‬
‫(خروج‪ .)7 :13‬فقتل البيريء عن عمد يتعارض بوجه خطير وكرامة الكائن البشري‪ ،‬وقاعدة‬
‫الخالق الذهبية‪ ،‬وقداسته‪ .‬والشريعة التي تحظره قائمة على وجه شامل‪:‬إنها ُتلزم الجميع وكل‬
‫واحد‪ ،‬في كل زمان ومكان‪.‬‬
‫‪ -2222‬يُذكر الرب في عظته على الجبل بهذه الوصية‪" :‬ال تقتل" (متى‪ .)12 :5‬ويُضيف إليها‬
‫منع الغضب والضغينة والثأر‪ .‬ويطلب المسيح من تلميذه أكثر من ذلك أن يقدم الخد اآلخر‪،‬‬ ‫َ‬
‫ويُحب أعدا َءه‪ ،‬وهو ذاته لم يدافع عن نفسه‪ ،‬وقال لبطرس أن يدع السيف في غمده‪.‬‬

‫الدّفاع المشروع عن ال ّنفس‬


‫‪ -2222‬ليس الدفاع المشرو ُع عن األشخاص والمجتمعات اسثناء من تحريم قتل البريء‪ ،‬الذي‬
‫ُ‬
‫حفاظ‬ ‫هو قتل االنسان عن عمد‪" .‬إن القيام بالدفاع عن النفس قد ين ُتج منه نتيجتان‪ :‬واحدة هي‬
‫والثانية موت المعتدي"‪" .‬ال شيء يمنع من أن تنتج من عمل واحد نتيجتان‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫اإلنسان على حياته‪،‬‬
‫واحدة منها هي المقصودة والثانية ال"‪.‬‬
‫‪ -2221‬ان حب الذات يبقى مبدا أساسيا في األخالق‪ .‬فمن حق اإلنسان أن يجعل اآلخرين‬
‫يحترمون حقه في الحياة‪ .‬من يُدافع عن حياته ليس مذنبا بقتل إنسان‪ ،‬وإن اضطرَّ أن يسدد إلى‬
‫المعتدي عليه ضربة قاضية‪.‬‬
‫"إذا مارس اإلنسان في الدفاع عن نفسه عُنفا يزيد عن الضروري يكون ذلك غير جائز‪ ،‬ولكن إذا دفع العنف‬
‫بمقياس‪ ،‬يكون ذلك جائز‪ .‬وليس من الضروري للخالص أن يتخلى اإلنسان عن فعل الدفاع القياسي ليتحاشى‬
‫قتل اآلخر‪ ،‬ألن التزام السهر على الحياة الخاصة أكبر منه على حياة اآلخرين"‪.‬‬

‫‪ -2222‬قد يكون الدفاع المشروع ليس فقط حقا بل واجبا خطيرا بالنسبة إلى من هو مسؤول عن‬
‫حياة اآلخرين‪.‬الدفاع عن الخير العام يقتضي جعل المعتدي الظالم عاجزا عن اإليذاء‪ .‬واستنادا‬
‫إلى ذلك‪ ،‬يحق ألصحاب السلطة الشرعية اللجوء حتى إلى األسلحة لرد المعتدين على الجماعة‬
‫المدنية الموكولة إلى مسؤوليتهم‪.‬‬
‫ُ‬
‫الحفاظ على خير المجتمع العام يقتضي أن تبذ َل الدولة جهدا لمنع انتشار التصرفات التي‬ ‫‪-2222‬‬
‫تضر بحقوق اإلنسان وبالقواعد األساسية للعيش معا في المجتمع‪ .‬من حق السلطة الشرعية ومن‬
‫واجبها إنزال العقوبات المناسبة لجسامة الجرم‪ .‬إن هدف العقوبة األول هو التعويضُ عن اإلساءة‬
‫‪16‬‬
‫ُ‬
‫قيمة التكفير‪ .‬والعقوبة‪ ،‬عالوة‬ ‫الناتجة عن المذنب‪ .‬وإذا تقبل المذنب هذه العقوبة طوعا تكون لها‬
‫على كونها تحافظ على النظام العام وعلى أمن األشخاص‪ ،‬لها هدف عالجي‪ ،‬وعليها‪ ،‬قدر‬
‫المستطاع‪ ،‬أن تسهم في إصالح المذنب‪.‬‬
‫‪ -2222‬إن تعليم الكنيسة التقليدي ال يقصي اللجوء إلى عقوبة الموت‪ ،‬متى تحددت تماما هوية‬
‫المذنب ومسؤوليته‪ ،‬وكانت هذا العقوبة الوسيلة الوحيدة لحماية الحياة البشرية حماية فعالة من‬
‫أذى المعتدي الظالم‪.‬‬
‫ولكن إن كانت ثمة وسائل غير دموية كافية لرد المعتدي‪ ،‬وحماية أمن األشخاص‪ ،‬فعلى السلطة‬
‫وأوضاع الخير العام الواقعية‪،‬‬
‫َ‬ ‫أن تتمسك بهذه الوسائل‪ ،‬ألن هذه الوسائل تتناسب بوجه افضل‬
‫وتتوافق أكثر وكرامة الشخص البشري‪.‬‬
‫ففي أيامنا‪ ،‬بفضل القدرات التي تملكها الدولة على قمع اإلجرام قمعا فعاال تجعل مُرتك َبه عاجزا‬
‫عن اإلساءة‪ ،‬من دون أن تنزع منه نهائيا إمكانية التوبة‪ ،‬فإن حاالت الضرورة المطلقة إلزالة‬
‫المذنب "هي من اآلن فصاعدا نادرة جدا إن لم نقل ال وجود لها البتة في الواقع"‪.‬‬

‫القتل المتع ّمد‬


‫‪ -2222‬تنهي الوصية الخامسة عن القتل المباشر وعن َعمد بكونه خطيئة جسيمة‪ .‬فالقاتل ومن‬
‫يشاركونه طوعا بالقتل يرتكبون خطيئة تصرخ إلى السماء طالبة الثأر‪.‬‬
‫قت ُل األوالد‪ ،‬وقتل اإلخوة‪ ،‬وقت ُل الوالدين‪ ،‬وقت ُل الزوج‪ ،‬هي جرائم لها خطورة خاصة بسبب ما تفصمه من‬
‫ال ُربُط الطبيعية‪ .‬واالهتمام بتحسين النسل والصحة العامة ال يمكن أن يسوغ أي قتل‪ ،‬حتى الذي تأمر به السلطات‬
‫العامة‪.‬‬
‫‪ -2222‬تمنع الوصية الخامسة عن عمل أي شيء بنية التسبب بطريقة غير مباشرة بقتل شخص‪.‬‬
‫ورفض مساعد ِة شخص‬
‫َ‬ ‫تعريض إنسان دون سبب جسيم لخطر الموت‪،‬‬
‫َ‬ ‫وتمنع الشريعة الطبيعية‬
‫في خطر‪.‬‬
‫إن قبول المجتمع البشري بالمجاعات القاتلة‪ ،‬دون بذل الجهد في سبيل معالجتها‪ ،‬ظلم فاضح وذنب جسيم‪.‬‬
‫والتجار الذين بممارستهم الربى والجشع يسببون الجوع والموت إلخوانهم في البشرية‪ ،‬يرتكبون بوجه غير‬
‫مباشر قتل اإلنسان‪ .‬وهم مسؤولون عنه‪.‬‬
‫القتل عن غير عمد ال يستتب ُع مسؤولية أخالقية‪ .‬ولكن ال يُعذر اإلنسانُ على ذنب جسيم إذا تصرف‪ ،‬دون أسباب‬
‫مناسبة‪ ،‬تصرفا ينتج منه الموت‪ ،‬وإن لم تكن هناك ني ُة القتل‪.‬‬

‫االجهاض‬
‫‪ -2222‬ال بد من احترام الحياة البشرية وصيانتها على وجه مُطلق منذ وقت الحبل‪ .‬وال بد من‬
‫اإلعتراف للكائن البشري‪ ،‬منذ أول لحظة من حياته‪ ،‬بحقوق الشخص‪ ،‬ومنها الحق في الحياة‬
‫الذي ال يمكن تخطيه‪ ،‬والعائد لكل كائن بريء ‪.‬‬
‫حم َّقدس ُت َك" (إر ‪.)5 :2‬‬ ‫ُ‬
‫"قبل أن أصوِّ رك في البطن عرف ُتك وقبل أن تخرج من الرَّ ِ‬
‫ُنعت تحت حجاب ورُقمت في أسافل األرض" (مز‪.)25 :231‬‬ ‫تخف ذاتي عليك‪ ،‬مع أني ص ُ‬ ‫َ‬ ‫"لم‬
‫‪ -2221‬لقد اكدت الكنيسة منذ القرن األول شر كل إجهاض مفتعل على الصعيد األخالقي‪ .‬وهذا‬
‫التعليم لم يتغير‪ .‬وهو باق دون تعديل‪ .‬اإلجهاض المباشر‪ ،‬أي الذي يريده اإلنسان غاية ووسيلة‪،‬‬
‫يتعارض بوجه خطير مع الشريعة األخالقية‪:‬‬
‫"ال تقتل الجنين باإلجهاض‪ ،‬وال ُتهلك المولود الجديد"‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫"إن هللا سيد الحياة والموت قد َع ِهد إلى البشر في م ُِهم ِة الحفاظِ على الحياة‪ ،‬وهي مُهمة شريفة يجدر باإلنسان أن‬
‫يقوم بها قياما يليق به‪ .‬فالحياة منذ وجودها بالحبل‪ ،‬يجب الحفاظ عليها بكل عناية‪ .‬اإلجهاصُ وقت ُل األجنة هما‬
‫جريمتان منكرتان"‪.‬‬
‫‪ -2222‬المساعدة الفعلية على اإلجهاض هي ذنب جسيم‪ .‬والكنيسة تعاقب بعقوبة الحُرم القانونية‬
‫هذا اإلجرام إلى الحياة البشرية‪" .‬من يفعل اإلجهاض يُصبه‪ ،‬إذا حصلت النتيجة‪ ،‬الحر ُم حكما"‪،‬‬
‫"بذات فعل ارتكب الجُرم" وبالشروط التي وضعها الحق الكنسي‪ .‬والكنيسة ال تريد هكذا تضييق‬
‫الجرم المُر َتكب‪ ،‬واألذى الذي ال يمكن تعويضه الالحق‬
‫ِ‬ ‫تظه ُر جسامة‬
‫مجال الرحمة‪ .‬وإنما ِ‬
‫بالبريء المقتول‪ ،‬وبوالديه وبالمجتمع كله‪.‬‬
‫‪ -2222‬حق كل فرد بشري بريء في الحياة‪ ،‬الذي ال يمكن التنازل عنه‪ ،‬هو عنصر من العناصر‬
‫المدني وتشريعه‪:‬‬
‫ّ‬ ‫المكونة للمجتمع‬
‫ِّ‬
‫"يجب أن يعترف المجتم ُع المدني والسلطة السياسية وأن يحترما حقوق الشخص التي ال يمكنُ‬
‫التناز ُل عنها‪ .‬وحقوق اإلنسان ليست متعلقة باألفراد‪ ،‬أو الوالدين‪ ،‬وليست تنازال من المجتمع أو‬
‫الدولة‪ ،‬إنها ت ُخص الطبيعة البشرية وهي مالزمة للشخص بفعل الخلق الذي منها تستمد أصلها‪.‬‬
‫وبين هذه الحقوق األساسية‪ ،‬ال بد من تسمية الحق في الحياة والطبيعة المكتملة لكل كائن بشري‬
‫منذ الحبل حتى الموت"‪.‬‬
‫"عندما تحرم شريعة وضعي َةٌ فريقا من الكائنات البشرية من الحماية التي يجب أن يُوفرها لهم‬
‫التشريع المدني‪ ،‬تبلغ الدولة حد إنكار مساواة الجميع أمام الشريعة‪ .‬وعندما تمتنع الدولة عن‬
‫وضع قوتها في خدمة حقوق جميع المواطنين‪ ،‬وال سيما األضعف بينهم‪ ،‬تصبح أركان دول ِة الحق‬
‫ذاتها مهدَدة‪ .‬وعلى الشريعة‪ ،‬بنتيجة االحترام والحماية الواجب تأمي ُنها للولد منذ الحبل به‪ ،‬أن ُتع َّد‬
‫عقوبات جزائية مناسبة على كل مخالفة متعمدة لهذه الحقوق"‪.‬‬
‫‪ -2221‬بما أنه من الواجب معاملة الجنين منذ الحبل به كشخص‪ ،‬فال بد من الدفاع عن سالمته‬
‫الجسدية‪ ،‬ورعايته وشفائه قدر المستطاع‪ ،‬مثل أي كائن بشريٍّ آخر‪.‬‬
‫من الجائز أخالقيا إجراء الفحص الذي يسبق الوالدة‪" ،‬إذا احترم حياة الجنين البشري وكماله الطبيعي‪ ،‬وإذا‬
‫كان يهدف إلى حمايته أو شفائه الفردي‪ .‬ويكون متعارضا على وجه خطير مع الشريعة األخالقية‪ ،‬عندما يُتوقع‬
‫استنادا إلى النتائج‪ ،‬إمكان إحداث إجهاض‪ .‬يجب أن ال يكون الفحص معادال لحكم موت"‪.‬‬
‫‪" -2222‬يجب اعتبار اإلجراءات على الجنين البشري جائزة‪ ،‬شرط أن ُتحتر َم حياة الجنين‬
‫وسالمته الجسدية‪ ،‬وأن ال تسبب له أخطارا أكبر‪ ،‬بل أن تهدف إلى شفائه أو إلى تحسن أوضاعه‬
‫الصحية‪ ،‬أو إلى إبقائه على قيد الحياة" ‪.‬‬
‫"إنتاج أجنة بشرية مهيأة لالستثمار كمادة حيوية جاهزة عمل يتعارض واألخالق"‪.‬‬
‫التناسلي ليست للعالج‪ ،‬وإنما تسعى إلى استحداث كائنات‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫التدخل في االرث الكروموزومي أو‬ ‫"بعض محاوالت‬
‫بشرية مختارة بحسب الجنس أو صفات أخرى مقررة سابقا‪ .‬ان هذا التالعب يتعارض وكرامة الكائن البشري‬
‫الشخصية‪ ،‬وكمالَه وهوي َته" الفريدة والتي ال يمكن أن تتكرر‪.‬‬

‫"األو َتناز ّيا" أو الميتة المي ّ‬


‫سرة‬
‫‪ -2222‬من تضا َءلت حيا ُتهم أو ضعفت يقتضون احتراما خاصا‪ .‬واألشخاص المرضى أو‬
‫المعاقون يجب مساند ُتهم ليحيوا حياة طبيعية قدر المستطاع‪.‬‬
‫‪ -2222‬ان "األوتنازيا" المباشرة‪ ،‬مهما كانت أسبابُها ووسائلُها‪ ،‬تقوم على وضع ح ٍّد لحياة‬
‫أشخاص معاقين‪ ،‬أو مرضى‪ ،‬أو على شفير الموت‪ .‬وهي غير مقبولة من الوجهة األخالقية‪.‬‬

‫‪18‬‬
‫الموت للقضاء على األلم‪ ،‬هو قتل يتعارض بوجه‬ ‫َ‬ ‫وهكذا فكل عمل أو إهمال من شأنه يسبب بذاته وبنية صاحبه‬
‫خطير وكرام َة الشخص البشري‪ ،‬واحترام هللا الحي‪ ،‬خالقه‪ ،‬والخطأ في التفكير الذي قد يقع فيه اإلنسان عن‬
‫حسن نية‪ ،‬ال يغير طبيعة فعل القتل هذا‪ ،‬الذي يجب أبدا حظره وإقصاؤه‪.‬‬
‫‪ -2222‬التوقف عن اإلجراءات الطبية المُكلفة والخطرة وغير العادية‪ ،‬أو التي ال تتناسب والنتائج المرتقبة‪،‬‬
‫يمكن أن يكون شرعيا‪ .‬إنه رفض "التعنت العالجي"‪ .‬فليست النية عندئذ التسبب بالموت‪ ،‬وإنما القبول بالعجز‬
‫عن الحؤول دونه‪ .‬ويجب أن يتخذ المريض القرار إذا كانت له الصالحية والقدرة‪ ،‬وإن ال فمن لهم الصالحية‬
‫ُ‬
‫المعقولة ومصالحُه المشروعة‪.‬‬ ‫القانونية‪ ،‬على أن ُتح َت َرم أبدا إراد ُة المريض‬
‫‪ -2222‬ال يمكن بوجه شرعي التوقف عن إعطاء المساعدات الواجبة عادة لشخص مريض‪ ،‬وإن حُسب مشرفا‬
‫على الموت‪ .‬واستعما ُل المسكنات لتخفيف آالم المُشرف على الموت‪ ،‬وإن كان فيها خطر تقصير أيام‪ ،‬يمكن أن‬
‫يكون متوافقا مع الكرامة البشرية‪ ،‬إذا لم يكن الموت مقصودا‪ ،‬كغاية أو وسيلة‪ ،‬وإنما متوقعا ومحتمال بكونه ال‬
‫مهرب منه‪ .‬العالجات المسكنة هي صيغة مميزة للمحبة النزيهة‪ .‬وبناء على ذلك يجب تشجيعها‪.‬‬

‫االنتحار‬
‫‪ -2222‬كل انسان مسؤول عن حياته امام هللا الذي منحه إياها‪ ،‬ويبقى هو سيدها األعظم‪ .‬ونحن‬
‫ملزمون بتقبلها بالشكر‪ ،‬وبصونها إكرام له‪ ،‬وألجل خالص نفوسنا‪ .‬فنحن الوكالء ولسنا أصحاب‬
‫المِلك بالنسبة إلى الحياة التي أودعنا هللا إياها‪ .‬وليس لنا حق التصرف بها‪.‬‬
‫‪ -2221‬يتعارض االنتحار ومي َل الكائن البشري الطبيعي إلى الحفاظ على حياته واستمراريتها‪.‬‬
‫إنه يتعارض بوجه خطير ومحبة الذات الصحيحة‪ .‬وهو أيضا يسيء إلى محبة القريب‪ ،‬ألنه يقطع‬
‫دون حق ُربط التضامن مع المجتمعات العيلية والوطنية واإلنسانية‪ ،‬التي لها علينا واجبات‪.‬‬
‫واالنتحار يتعارض مع محبة هللا الحي‪.‬‬
‫‪ -2222‬إذا ارتكب االنتحا ُر بنية إعطاء المثل‪ ،‬خصوصا للصغار‪ ،‬فهو يتلبس أيضا خطورة‬
‫المعثرة‪ .‬والمساعدةُ المقصودةُ على االنتحار تتعارض والشريعة األخالقية‪.‬‬
‫يمكن االضطرابات النفسية الخطيرة‪ ،‬والقلق والخوف الشديد من المحنة‪ ،‬واأللم أو التعذيب‪ ،‬ان‬
‫تخفف مسؤولية المنتحر‪.‬‬
‫‪ -2222‬يجب أن ال نيأس من خالص األشخاص األبدي‪ ،‬إذا ما انتحروا‪ ،‬فاهلل يستطيع ان يهيء‬
‫لهم‪ ،‬بالطرق التي يعلمها‪ ،‬الظرف المالئم لندامة تخلصهم‪ .‬والكنيسة تصلي ألجل األشخاص الذين‬
‫اعتدوا على حياتهم الخاصة‪.‬‬

‫‪ .ً2‬احترام كرامة األشخاص‬


‫احترام نفس اآلخر‪ :‬المعثرة‬
‫‪ -2221‬المعثرة هي الموقف أو السلوك الذي يحمل اآلخر على فعل الشر‪ .‬والذي يُعثِر يجعل من‬
‫ذاته مجربا للقريب‪ .‬إنه يُسي ُء إلى الفضيلة وإلى االستقامة‪ .‬وبإمكانه أن يجر أخاه إلى الموت‬
‫الروحي‪ .‬فالمعثرة تكون ذنبا جسيما إذا جرت اآلخر عمدا بالفعل أو باإلهمال إلى ارتكاب ذنب‬
‫جسيم‪.‬‬
‫‪ -2222‬يكون للمعثرة خطورة خاصة‪ ،‬استنادا إلى سلطة من يسببونها أو إلى ضعف من‬
‫يتحملونها‪ .‬لقد أوحت لربنا بهذه اللعنة" "من ي ِّ‬
‫ُعثر أحد هؤالء الصغار‪ ،‬فحري به أن يُعلِّق بعنقه‬
‫رحى الحمار‪ ،‬ويُزج في أعماق البحر" (متى‪ .)6: 22‬والمعثرة جسيمة عندما يقوم بها من هم‬
‫مُلزمون بحكم الطبيعة أو الوظيفة‪ ،‬بتعليم االخرين وتربيتهم‪ .‬وقد وبخ يسوع على ذلك الكتبة‬
‫والفريسيين‪ ،‬وشبههم بالذئاب المتنكرين بثياب الحمالن‪.‬‬
‫‪19‬‬
‫ي‬
‫‪ -2222‬يمكن أن تتسبب بالمعثرة الشريعة أو المؤسسات‪ ،‬أو الزي الشائع (الموضة) أو الرا ُ‬
‫السائد‪.‬‬
‫ذنب المعثرة أولئك الذين يصنعون شرائع أو هيكليات اجتماعية تقود إلى انحطاط األخالق‪ ،‬وفساد‬ ‫هكذا يرتكِب َ‬
‫الحياة الدينية‪ ،‬أو إلى "أوضاع اجتماعية تجعل‪ ،‬عن قصد أو غير قصد‪ ،‬السلوك المسيحي الموافق للوصايا‬
‫صعبا ومستحيال عمليا"‪ .‬كذلك األمر بالنسبة إلى رؤساء المؤسسات الذين يُصدرون أنظمة تحمل على الغش‪،‬‬
‫والمعلمين الذين "يُحنقون" أوالدهم‪ ،‬أو من يحرفون الرأي العام عن القيم األخالقية بتأثيرهم فيه‪.‬‬
‫‪ -2222‬إن من يستعمل ما له من سلطات في أوضاع تحمل على صنع الشر يكون مرتكبا للمعثرة‬
‫ومسؤوال عن الشر الذي شجع عليه بطريقة مباشرة أو غير مباشرة‪" .‬ال بد من أن تقع المعاثر‪،‬‬
‫ولكن الويل لمن تقع عن يده"‪( .‬لو‪.)2 :7‬‬

‫الصحة‬
‫ّ‬ ‫احترام‬
‫‪ -2222‬الحياة والصحة الطبيعية خيران ثمينان ووديعة من هللا‪ .‬فعلينا أن نعتني بهما على وجه‬
‫معقول‪ ،‬مع االعتداد بضرورات اآلخرين والخير العام‪.‬‬
‫تقتضي العناية بالصحة مساعدة المجتمع للحصول على أوضاع حياتية تم ِّكن من النمو وبلوغ‬
‫النضج‪ :‬من غذاء وكساء وسكن‪ ،‬وعناية صح َية‪ ،‬وتعليم أساسي‪ ،‬وعمل‪ ،‬ومساعدة اجتماعية‪.‬‬
‫‪ -2222‬إذا كانت األخالق تدعو إلى احترام الحياة الجسدية‪ ،‬فهي ال تجعل منها قيمة مطلقة‪ .‬إنها‬
‫تعارض مفهوما ُ وثنيا جديدا يرمي إلى تعزيز عبادة الجسد‪ ،‬والتضحية بكل كل شيء في سبيله‪،‬‬
‫وعبادة الكمال الجسماني والنجاح الرياضي‪ .‬إن هذا المفهوم‪ ،‬باختياره المميز بين األقوياء‬
‫والضعفاء‪ ،‬يمكن أن يؤدي إل فساد العالقات اإلنسانية‪.‬‬
‫‪ -2222‬فضيلة القناعة تهيئ لتج ّنب كل أنواع اإلفراط‪ ،‬وسوء استعمال الطعام‪ ،‬والكحول‪ ،‬والتبغ‬
‫واألدوية‪ .‬إن الذين في حالة السكر‪ ،‬أو لرغبتهم المفرطة في السرعة‪ ،‬يجعلون سالمة اآلخرين‪،‬‬
‫وسالمتهم هم‪ ،‬في خطر على الطرقات‪ ،‬أو في البحر أو في الجو‪ ،‬يرتكبون ذنبا جسيما‪.‬‬
‫‪ -2221‬استعمال المخدّرات يُنزل بالصحة والحياة البشرية خرابا جسيما جدا‪ .‬وهو ذنب خطير ما‬
‫لم يكن موصوفا كعالج فحسب‪ .‬وانتاج المخدرات خفية‪ ،‬والمتاجرة بها هما من الممارسات‬
‫الشائنة‪ .‬إنهما تواطؤ مباشر على ممارسات تتعارض تعارضا جسيما والشريعة األخالقية‪ ،‬إذ‬
‫تحضان على تلك الممارسات‪.‬‬

‫احترام الشخص والبحث العلمي‬


‫ُ‬
‫االختبارات العلمية والطبية والنفسية على األشخاص أو الفئات البشرية‬ ‫‪ -2222‬يمكن أن تساهم‬
‫في شفاء المرضى وتقدم الصحة العامة‪.‬‬
‫‪ -2222‬إن البحث العلمي األساسي‪ ،‬كالبحث التطبيقي‪ ،‬أمران يدالن على سيادة اإلنسان على الخليقة‪ .‬وللعلم‬
‫والتقنية منافع ثمينة عندما يوضعان في خدمة اإلنسان‪ ،‬ويعززان نموه الكامل لفائدة الجميع‪ .‬ولكنهما ال‬
‫ألجل اإلنسان الذي يستمدان‬
‫ِ‬ ‫يستطيعان أن يدال وحدهما على معنى الوجود والتقدم البشري‪ .‬فالعلم والتقنية ُجعِال‬
‫منه أصلهما ونموهما‪ .‬وهما لذلك يجدان في اإلنسان وقيمِه األخالقية الدلي َل على غايتهما ووعي حدودهما‪.‬‬
‫‪ -2221‬من الوهم المطالبة بالحياد األخالقي للبحث العلمي وتطبيقاته‪ .‬ومن جهة ثانية‪ ،‬ال يمكن استنسا ُخ‬
‫مقاييس التوجه‪ ،‬ال من الفاعلية التقنية المجردة‪ ،‬وال من الفائدة التي تحصل للبعض على حساب اآلخرين‪ ،‬وال‬
‫من اإليديولوجيات السائدة‪ ،‬وهذا شر مما سبق‪ .‬يقتضي العلم والتقنية بمعناها األساسي احترام المقاييس األساسية‬
‫لألخالق احتراما غير مشروط‪ .‬وعليهما أن يكونا في خدمة الشخص البشري‪ ،‬وحقوقه التي ال يمكن التخلي‬
‫عنها‪ ،‬وخيره الحقيقي الكامل‪ ،‬وفاقا لتصميم هللا ومشيئته‪.‬‬

‫‪20‬‬
‫‪ -2222‬ال يمكن األبحاث والتجارب التي ُتجرى على الكائن البشري أن تسوغ أفعاال هي‪ ،‬بحد‬
‫ذاتها‪ ،‬منافية لكرامة األشخاص وللشريعة الطبيعية‪ .‬ورضى األشخاص الذي قد يحصل ال يُبرر‬
‫مثل هذه األفعال‪ .‬إن التجارب المجراة على الكائن البشري ليست مشروعة أخالقيا‪ ،‬إذا عرضت‬
‫حياة الشخص‪ ،‬أو كماله الطبيعي والنفسي‪ ،‬ألخطار غير متناسبة أو يمكن تحاشيها‪ .‬وال يتوافق‬
‫إجراء التجارب على الكائنات البشرية مع كرامة الشخص‪ ،‬خصوصا إذا تم‪ ،‬عالوة على ذلك‪،‬‬
‫دون رضى واع من الشخص أو ممن يتولون أمره‪.‬‬
‫‪ -2222‬نقل األعضاء يكون متوافقا والشريعة األخالقية‪ ،‬إذا كانت األخطار والمجازفات الطبيعية‬
‫والنفسية الحاصلة للمعطي تتناسب والخير المطلوب للمستفيد‪ .‬وإعطاء األعضاء بعد الموت عمل‬
‫نبيل وجدير بالثواب ويجب تشجيعه على أنه عالم َة تضامن سخي‪ .‬ولكنه غير مقبول أخالقيا إذا‬
‫كان المُعطي‪ ،‬أو من يتولون أمره من أقربائه‪ ،‬لم يرضوا به رضى صريحا‪ .‬واليمكن القبول‪ ،‬من‬
‫الدرجة األخالقية‪ ،‬بالتسبب المباشر بالتشويه المولٌد العجز‪ ،‬أو بالموت للكائن البشري‪ ،‬في‬
‫سبيل تأخير موت أشخاص خرين‪.‬‬

‫احترام سالمة الجسد‬


‫‪ -2222‬إن الخطف وأخذ الرهائن يولدان الذعر‪ ،‬وبالتهديد يمارسان ضغطا شديدا على الضحايا‪.‬‬
‫فهما غير شرعيين أخالقيا‪ .‬واإلرهاب من دون تمييز يهدد ويجرح ويقتل‪ ،‬وهو يتعارض تعارضا‬
‫خطيرا مع العدالة والمحبة‪ .‬والتعذيب الذي يستخدم العنف الجسدي أو المعنوي النتزاع‬
‫االعترافات‪ ،‬ألجل معاقبة المجرمين‪ ،‬أو إخافة المعارضين‪ ،‬أو االستجابة للبغض يتعارض‬
‫ذات أهداف عالجية محض‪،‬‬ ‫واحترام الشخص والكرامة اإلنسانية‪ .‬وما لم يكن هناك دواع طبية ُ‬
‫فالبتر والتشويه والتعقيم المقصودة مباشرة بالنسبة إلى أشخاص بريئة هي متعارضة مع‬
‫الشريعة األخالقية‪.‬‬
‫‪ -2222‬في األزمنة الماضية شاع استعمال ممارسات قاسية على يد حكومات شرعية للمحافظة على القانون‬
‫والنظام‪ ،‬وجرى ذلك مرارا دون احتجاج من قبل رُعاة الكنيسة‪ ،‬الذين تبنوا هم أنفسهم‪ ،‬في محاكمهم الخاصة‪،‬‬
‫ما يرسم القانون الروماني في شأن التعذيب‪ .‬وإلى جانب هذه الوقائع التي تدعو إلى األسف‪ ،‬علمت الكنيسة دائما‬
‫واجب الرأفة والرحمة‪ ،‬ومنعت رجال األكليروس من سفك الدماء‪ .‬ولقد تبين بوضوح في األزمنة الحديثة أن‬
‫هذه الممارسات القاسية لم تكن ضرورية للنظام العام‪ ،‬وال متوافقة مع حقوق الشخص البشري المشروعة‪.‬‬
‫وبالعكس تؤدي هذه الممارسات إلى أسوء االنحطاط‪ .‬وال بد من العمل على إزالتها‪ ،‬ويجب أن نصلي ألجل‬
‫الضحايا وجالديهم ‪.‬‬

‫احترام األموات‬
‫‪ -2222‬يجب توفير االنتباه والعناية للمشرفين على الموت لمساعدتهم على أن يعيشوا أوقاتهم‬
‫ُعن هؤالء بأن يتقبل المرضى‪ ،‬في الوقت‬ ‫األخيرة في كرامة وسالم‪ُ ،‬تعاونهم صالة أقاربهم‪ .‬ولي َ‬
‫المناسب‪ ،‬األسرار التي تهيئ لمالقاة اإلله الحي‪.‬‬
‫‪ -2222‬يجب معاملة أجساد الموتى باحترام ومحبة‪ ،‬في اإليمان ورجاء القيامة‪ .‬ودفنُ الموتى من‬
‫أعمال الرحمة الجسدية‪ ،‬إلكرام أوالد هللا‪ ،‬هياكل الروح القدس‪.‬‬
‫‪ -2221‬يمكن أن يكون تشريح الجثث مقبوال أخالقيا لمقتضيات التحقيق الشرعي أو البحث‬
‫العلمي‪ .‬وإعطاء األعضاء بعد الموت أمر شرعي ويمكن أن يكون جديرا بالثواب‪.‬‬
‫تسمح الكنيسة بحرق الجثث إذا لم يكن ذلك تعبير عن إنكار اإليمان بقيامة األجساد‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫‪ .ً2‬المحافظة على السالم‬

‫السالم‬
‫‪ -2222‬عندما يُذ ِّكر ربنا بالوصية‪" :‬ال تقتل" (متى ‪ )12 :5‬فهو يطلب سالم القلب ويُنكر ما في‬
‫الغضب القاتل والبغض من تعارض مع األخالق الحميدة‪:‬‬
‫ُ‬
‫الغضب رغبة في الثأر‪" .‬والرغبة في الثأر ألذية من يجب معاقبته غير جائزة"‪ ،‬ولكن من‬
‫المستحسن فرض تعويض "ألصالح النقائص والحفاظ على العدالة"‪ .‬وإذا بلغ الغضب حد‬
‫الرغبة‪ ،‬عن عمد‪ ،‬في قتل القريب‪ ،‬أو جرحه جرحا خطيرا‪ ،‬فهو يتعارض تعارضا جسيما مع‬
‫المحبة‪ ،‬إنه خطيئة مميتة‪ .‬قال الرب‪" :‬كل من غضب على أخيه يستوجب المحاكمة"‪( .‬متى ‪:5‬‬
‫‪.)11‬‬
‫‪ -2222‬البغض المقصود يتعارض والمحبة‪ .‬إن بغض القريب يكون خطيئة عندما يريد له‬
‫اإلنسان الشر عن عمد‪ .‬وبُغض القريب خطيئة جسيمة عندما يشتهي له اإلنسان عن عمد أذى‬
‫كبيرا‪" .‬أما أنا فأقول لكم‪ :‬أحبوا أعداءكم وصلوا ألجل الذين يضطهدونكم‪ ،‬لكي تكونوا أبناء أبيكم‬
‫الذي في السموات" (متى‪.)35-33 :5‬‬
‫‪ -2221‬ان احترام الحياة البشرية ونموها يقتضيان السالم‪ .‬والسالم ليس غياب الحرب فقط‪ ،‬وال‬
‫هو يقف عند حدود توازن القوى المتخاصمة‪ .‬وال يمكن الحصول على السالم ‪ ،‬على األرض‪،‬‬
‫دون الحفاظ على أموال األشخاص‪ ،‬والتواصل الحر بين الكائنات البشرية‪ ،‬واحترام كرامة‬
‫األشخاص والشعوب‪ .‬والممارسة المثابرة لألخوة‪ .‬إنه "سكينة النظام"‪ .‬وهو عمل العدالة (أش‪:31‬‬
‫‪ ،)27‬ونتيجة المحبة‪.‬‬
‫‪ -2222‬السالم األرضي صورة وثمرة لسالم المسيح‪" ،‬رئيس السالم" الماسيوي (أش‪.)5 :1‬‬
‫فهو بدم صليبه "قتل العداوة في جسده"‪ ،‬وصالح الناس مع هللا‪ ،‬وجعل من كنيسته سر وحدة‬
‫الجنس البشري واتحاده باهلل‪" ،‬إنه سالمنا" (أف‪ .)23 :1‬وهو الذي قال‪" :‬طوبى لفاعلي السالم"‬
‫(متى‪.)1 :5‬‬
‫‪ -2222‬إن من يتخلون عن الفعل العنيف والدموي‪ ،‬يلجأون‪ ،‬في سبيل الحفاظ على حقوق‬
‫اإلنسان‪ ،‬إلى وسائل دفاعية في متناول أضعف الناس‪ ،‬يشهدون للمحبة اإلنجيلية‪ ،‬شرط أن يتم‬
‫ذلك دون إيذاء ما للناس اآلخرين وللمجتمعات من حقوق وما عليهم من واجبات‪ .‬إنهم يؤكدون‬
‫بوجه شرعي خطورة المجازفات الطبيعية والمعنوية المالزمة للجوء إلى العنف‪ ،‬وما يتأتى عنه‬
‫من دمار وموت‪.‬‬

‫تج ّنب الحرب‬


‫‪ -2222‬تحظر الوصية الخامسة تدمير الحياة البشرية عمدا‪ .‬والكنيسة‪ ،‬بسبب الشرور والمظالمة‬
‫الناتجة من كل حرب‪ ،‬تطلب من كل واحد بإلحاح أن يُصلي ويعمل لكي تحررنا الجودة اإللهية‬
‫من عبودية الحرب القديمة‪.‬‬
‫‪ -2222‬على كل مواطن‪ ،‬وكل حاكم‪ ،‬أن يسعى لتجنب الحرب‪.‬‬
‫ولكن "ما دام خطر الحرب قائما‪ ،‬وما دام العالم خاليا من سلطة دولية ذات صالحيات وذات‬
‫حق مشروع في الدفاع‪ ،‬بعد استنفاد جميع إمكانات‬‫قوات كافية‪ ،‬فال يمكن إنكار ما للحكومات من ٍّ‬
‫الحل السلميِّ "‪.‬‬
‫‪ -1311‬يجب التبصر بدقة في الشروط الصارمة للدفاع المشروع بالقوة العسكرية‪:‬‬
‫‪22‬‬
‫إن خطورة قرار كهذا تقتضي اخضاعه لشروط صارمة تتطلبها الشرعية األخالقية‪ .‬فيجب‪ ،‬في‬
‫آن واحد‪:‬‬
‫‪ -‬أن يكون األذى الذي ألحقه المعتدي باألمة أو بجماعة األمم ثابتا وخطيرا وأكيدا‪.‬‬
‫‪ -‬أن يتبين أن جميع الوسائل األخرى لوضع ح ٍّد له غير نافعة‪.‬‬
‫‪ -‬أن تتوفر شروط جدية للنجاح‪.‬‬
‫‪ -‬أن ال يؤدي استعمال السالح إلى شرور واضطرابات أخطر من الشر الذي يجب دفعه‪ .‬وما‬
‫لوسائل الدمار الحديثة من قوة له وزن ثقيل جدا في تقدير هذا الشرط‪.‬‬
‫هذه هي العناصر التقليدية التي تعددها العقيدة المسماة عقيدة "الحرب العادلة"‪.‬‬
‫تقدير الشروط الشرعية األخالقية هذه يعود إلى حكم من يضطلعون بأعباء الخير العام وفطنتهم‪.‬‬
‫‪ -2212‬هذه الحالة يكون للسلطات العامة الحق في أن يفرضوا على المواطنين اإللزامات‬
‫الضرورية للدفاع الوطني‪ ،‬وعليهم واجب ذلك‪.‬‬
‫إن من يتخصصون بخدمة الوطن في الحياة العسكرية هم خدام أمن الشعوب وحريتها‪ .‬وإذا‬
‫اضطلعوا كما يجب بمهمتهم‪ ،‬فهم يساهمون حقيقة في خير األمة العام‪ ،‬وفي الحفاظ على السالم‪.‬‬
‫‪ -2211‬على السلطات العامة أن تعالج بإنصاف أوضاع أولئك الذين‪ ،‬ألسباب ضميرية‪،‬‬
‫يرفضون استعمال السالح‪ ،‬مع بقاء التزامهم بخدمة الجماعة البشرية بصورة أخرى‪.‬‬
‫‪ -2212‬تعلن الكنيسة والعقل البشري استمرارية قيام الشريعة األخالق ّية إ ّبان الصراعات‬
‫المسلحة‪" .‬ولئن ساء الحظ ونشبت الحرب‪ ،‬فال يجوز أن يكون مجرد نشوبها مدعاة لتبرير كل‬
‫شيء بين األفرقاء المتحاربين"‪.‬‬
‫‪ -2212‬يجب احترا ُم غير المقاتلين ومعاملتهم معاملة إنسانية وكذلك الجنود الجرحى واألسرى‪.‬‬
‫إن األعمال المتعارضة عن عمد مع حق الشعوب ومبادئه العامة‪ ،‬واألوامر التي تفرضها‪ ،‬هي‬
‫جرائم‪ .‬والطاعة العمياء غير كافية لعذر من يخضعون لها‪ .‬وهكذا فإبادة شعب أو أمة أو أقلية‬
‫عنصرية يجب أن يُحكم عليها كخطيئة مميتة‪ .‬والواجب األخالقي يُلزم بمقاومة األوامر التي‬
‫تصدر في شأن أي "إبادة جماعية"‪.‬‬
‫‪" -2211‬كل عمل حربي عشوائي يُقص ُد به تدمير مدن بكاملها‪ ،‬أو مناطق واسعة بسكانها‪ ،‬هو‬
‫عمل إجرامي إلى هللا وإلى اإلنسان نفسه‪ ،‬ويجب شجبه وإنكاره بشدة وفي غير تردد"‪ .‬ومن‬
‫أخطار الحرب العصرية توفير الظروف لمالكي األسلحة العلمية‪ ،‬والسيما الذرية‪ ،‬والحيوية‬
‫والكيميائية‪ ،‬ان يرتكبوا مثل هذه الجرائم‪.‬‬
‫‪ -2212‬تكديس األسلحة يبدو للكثيرين طريقة ال تخلو من المفارقة لصرف من يمكن ان يكونوا‬
‫أعداء عن الحرب‪ .‬ويرون فيه أنجع الوسائل لتأمين السالم بين األمم‪ .‬هذا األسلوب في الردع‬
‫يستدعي تحفظات أخالقية شديدة‪ .‬السباق إلى التسلّح ال يؤمن السالم‪ .‬وعوضا من أن يُزيل‬
‫أسباب الحرب‪ ،‬فقد يؤدي إلى تفاقمها‪ .‬وصرف األموال األسطورية على إعداد أسلحة ال تني‬
‫تتجدد يحول دون إيجاد العالج للشعوب المحتاجة‪ ،‬ويعيق نمو الشعوب‪ .‬واإلكثار من التسلّح يزيد‬
‫أسباب الخالفات ويُنمي خطر العدوى ‪.‬‬
‫‪ -2212‬يتعلق إنتاج السالح والمتاجرة به بالخير العام ولألمم وللجماعة الدولية‪ .‬ولذاك من حق‬
‫السلطات العامة ومن واجبها أن ُتنظمها‪ .‬والسعي إلى مصالح خاصة أو جماعية‪ ،‬في المدى‬
‫القريب‪ ،‬ال يجيز قيام مشاريع تثير العنف والخالفات بين األمم‪ ،‬و ُتعرض للخطر النظام القانوني‬
‫الدولي‪.‬‬

‫‪23‬‬
‫‪ -2212‬ما زالت المظالم‪ ،‬والتفاوت المفرط على الصعيد االقتصادي أو االجتماعي‪ ،‬والحسد‪،‬‬
‫وانعدام الثقة‪ ،‬والكبرياء التي تجتاح الناس واالمم‪ ،‬تهدد السالم وتسبب الحروب‪ .‬وكل ما يُع َمل‬
‫للتغلب على هذه المساوئ يساهم في بناء السالم وتجنب الحرب‪.‬‬
‫خطر الحرب يهدد الناس بمقدار ما يكونون خطأة‪ ،‬وسيبقى األمر كذلك إلى عودة المسيح‪ .‬ولكن بمقدار ما يتغلب‬
‫الناس على الخطيئة‪ ،‬وهم متحدون في المحبة‪ ،‬يتغلبون أيضا على العنف حتى يتم هذا الكالم‪" :‬يضربون سيوفهم‬
‫سككا وأسنتهم مناجل‪ ،‬فال ترفع أمة على أمة سيفا وال يتعلمون الحرب من بعد" (أش‪.)3 :1‬‬

‫بإيجاز‬
‫‪" -2212‬هللا بيده َنفسُ كل حي وأروا ُح البشر أجمعين" (أي‪.)21 :22‬‬
‫‪ -2212‬كل حياة بشرية مقدسة منذ الحبل حتى الموت‪ ،‬ألن هللا أراد الشخص البشري لذاته‪ ،‬على‬
‫صورة هللا الحي والقدوس وعلى مثاله‪.‬‬
‫‪ -2222‬قت ُل كائن بشري يتعارض بوجه خطير مع كرامة الشخص وقداسة الخالق‪.‬‬
‫‪ -2221‬تحريمُ القتل ال يُبطل الحق في منع المتعدي الظالم من اإليذاء‪ .‬والدفاع المشروع واجب‬
‫خطير على من هو المسؤول عن حياة اآلخرين أو الخير العام‪.‬‬
‫‪ -2222‬للولد الحق في الحياة منذ الحبل به‪ .‬واإلجهاض المباشر‪ ،‬أي المقصود كغاية أو وسيلة‬
‫هو "ممارسة خبيثة" تتعارض بوجه خطير والشريعة الطبيعية‪ .‬والكنيسة تقاصص بعقوبة الحُرم‬
‫القانونية هذا اإلجرام إلى الحياة البشرية‪.‬‬
‫‪ -2222‬بما أنه من الواجب معاملة الجنين كشخص منذ الحبل به‪ ،‬فال بد من الدفاع عن سالمته‪،‬‬
‫ومن االعتناء به وشفائه‪ ،‬مثل كل كائن بشري آخر‪.‬‬
‫‪ -2221‬األوتانازيا المقصودة‪ ،‬مهما كانت أشكالها وأسبابها‪ ،‬هي قتل‪ .‬وهي تتعارض بوجه خطير‬
‫وكرامة الشخص البشري واحترام هللا الحي خالقه‪.‬‬
‫‪ -2222‬االنتحار يتعارض بوجه خطير مع العدالة والرجاء والمحبة‪ .‬والوصية الخامسة تحرمه‪.‬‬
‫‪ -2222‬المعثرة خطيئة ثقيلة عندما تقود اآلخرين‪ ،‬عمدا‪ ،‬بالفعل أو اإلهمال‪ ،‬إلى الخطيئة الثقيلة‪.‬‬
‫‪ -2222‬بسبب الشرور والمظالم الناتجة من الحروب كلها‪ ،‬علينا ان نفعل كل ما هو معقول‬
‫وممكن لتجنبها‪ .‬والكنيسة ُتصلي قائلة‪" :‬من المجاعة‪ ،‬والطاعون والحرب نجنا يارب"‪.‬‬
‫‪ -2222‬الكنيسة والعقل البشري يعلنان استمرارية قيام الشريعة الطبيعية إبان الصراعات‬
‫المسلحة‪ .‬إن الممارسات المقصودة المتعارضة مع حق الشعوب ومبادئه العامة هي جرائم‪.‬‬
‫‪" -2222‬السباق إلى التسلح آفة اإلنسانية الفتاكة وهي تنال الفقراء بطريقة ال تطاق"‪.‬‬
‫‪" -2222‬طوبى لفاعلي السالم‪ ،‬فإنهم أبناء هللا يدعون" (متى ‪.)2 :5‬‬

‫المقال السادس‬
‫الوص ّية السادسة‬

‫"ال َتز ِن" (خر‪.) 23: 11‬‬


‫"سمعتم ألنه قيل "ال تز ِن"‪ ،‬أما أنا فأقول لكم ‪ :‬إن كل من نظر إلى امرأة حتى يشتهيها‪ ،‬فقد زنى بها في قلبه"‬
‫متى‪.)12-17 :5‬‬

‫‪" .ً1‬ذكرا وأنثى خلقهم‪"....‬‬


‫‪24‬‬
‫‪" -2221‬هللا محبة‪ .‬وهو يحيا في ذاته سر اتحاد ومحبة‪ .‬وهللا بخلقه إنسانية الرجل والمرأة على‬
‫صورته قد وضع فيها الدعوة إلى المح ّبة واالتحاد‪ ،‬وبالتالي االمكانية والمسؤولية المناسبتين"‪.‬‬
‫"خلق هللا اإلنسان على صورته‪ .‬ذكرا وأنثى خل َقهم" (تك‪" .)17 :2‬أ ُنموا واكثروا" (تك‪.)12: 2‬‬
‫"يوم خلق هللا اإلنسان‪ ،‬على مثال هللا عمله‪ .‬ذكرا وأنثى خلقه‪ ،‬وباركه وسماه آدم يوم ُخلِق"‬
‫(تك‪.)1-2 :5‬‬
‫‪ -2222‬الجنس يؤثر في جميع وجوه الشخص البشري‪ ،‬ضمن وحدة جسده ونفسه‪ .‬وهو يتعلق‬
‫خصوصا باالنفعاالت العاطفية‪ ،‬وبإمكانية الحب واإلنجاب‪ ،‬وبوجه أع ّم بإمكانية عقد روابط اتحاد‬
‫باآلخرين‪.‬‬
‫‪ -2222‬يعود إلى كل واحد‪ ،‬رجال أو امرأة‪ ،‬ان يعترف بهويته الجنسية ويتقبلها‪.‬‬
‫فالخالف والتكامل الجسديان والمعنويان والروحيان موجهان إلى خيور الزواج وتفتح الحياة‬
‫العيلية‪ .‬واالنسجام بين الزوجين وفي المجتمع يتعلق جزئيا بالطريقة التي يحيا فيها الجنسان‬
‫التكامل والحاجة والمساندة المتبادلة‪.‬‬
‫‪" -2221‬ان هللا‪ ،‬بخلقه الكائن البشري ذكرا وأنثى‪ ،‬منح الكرامة الشخصية على ح ٍّد سواء للرجل‬
‫والمرأة"‪" .‬واإلنسان هو شخص‪ ،‬وهذا ينطبق بالقدر نفسه على الرجل والمرأة‪ ،‬ألن كل واحد‬
‫منهما ُخلق على صور ِة إله شخصي‪ ،‬وعلى مثاله"‪.‬‬
‫‪ -2222‬كل من الجنسين هو صورة لقدرة هللا وحنانه‪ ،‬بكرامة متساوية‪ ،‬وإن كان ذلك بطريقة‬
‫مختلفة‪ .‬واتحاد الرجل والمرأة في الزواج هو طريقة لالقتداء في الجسد بسخاء الخالق وخصبه‪:‬‬
‫"يترك الرجل أباه وأُمه ويلزم امرأته فيصيران جسدا واحدا" (تك‪ .)13 :1‬ومن هذا االتحاد‬
‫تتناسل كل األجيال البشرية‪.‬‬
‫‪ -2222‬جاء يسوع ليُعيد الخلق إلى صفاء أصوله‪ .‬وهو في عظته على الجبل يشرح بطريقة‬
‫فكر هللا‪" :‬سمعتم أنه قيل‪ :‬ال َت ِ‬
‫زن‪ .‬أما أنا فأقول لكم‪ :‬إن ك َّل من نظر إلى امرأة ليشتهيها‪،‬‬ ‫صارمة َ‬
‫فقد زنى بها في قلبه" (متى‪ .)12-17 :5‬وعلى اإلنسان ان ال يفرق ما جمعه هللا‪.‬‬
‫لقد فهم تقليد الكنيسة أن الوصية السادسة تتناول كل وجوه الجنس اإلنساني‪.‬‬

‫‪ .ً2‬الدّعوة إلى الطهارة‬


‫‪ -2222‬تعني الطهارة اندماج الجنس الناجح في الشخص‪ ،‬وبذلك وحد َة اإلنسان الداخلية في كيانه‬
‫الجسدي والروحي‪ .‬والجنس‪ ،‬الذي فيه يظهر تعلق اإلنسان بالعالم الجسدي والحيوي‪ ،‬يصير‬
‫شخصيا وإنسانيا حقا عندما يندمج في العالقة بين شخص وشخص‪ ،‬وفي عطاء متبادل كامل‬
‫وغير محدود في الزمن بين رجل وامرأة‪ .‬فضيلة الطهارة تتضمن إذن الشخص بكامله والعطاء‬
‫بتمامه‪.‬‬

‫كمال الشخص‬

‫‪ -2222‬يحافظ الشخص الطاهر على كمال ما أُودع فيه من قوى الحياة والحب‪ .‬وهذا الكمال‬
‫يؤمِّن وحدة الشخص‪ ،‬ويقاوم كل سلوك قد يؤذيه‪ .‬وهو ال يطيق ال ازدواجية الحياة‪ ،‬وال ازدواجية‬
‫الكالم‪.‬‬

‫‪25‬‬
‫‪ -2222‬تتضمن الطهارة تعلّما للسيطرة على الذات‪ ،‬التي هي َتدرب على الحرية اإلنسانية‪.‬‬
‫والخيار واضح‪ :‬فأما ان يسيطر اإلنسان على أهوائه وينال السالم‪ ،‬وإما ان يرضي بأن تستعبده‬
‫ويصبح تعسا‪" .‬إن كرامة اإلنسان تقتضي ان يعمل باختياره الواعي والحر‪ ،‬أي أن يكون عملُه‬
‫شخصيا وبدافع ومحرك من داخل ذاته‪ ،‬ال أن يكون بدافع غريزي‪ ،‬أو بدافع خارجي قسري‪.‬‬
‫واإلنسان يحصل على هذه الكرامة عندما يتحرر من كل عبودية للشهوات‪ ،‬ويختار بحريته الخير‬
‫في طريق هدفه الذي يسعى إليه بكل ما تق ِّدمه له مهارته من وسائل"‪.‬‬
‫‪ -2212‬من أراد البقاء أمينا لمواعيد معموديته‪ ،‬ومقاومة التجارب‪ ،‬عليه ان يتخذ الوسائل‪:‬‬
‫معرفة الذات‪ ،‬ممارسة تقشف مالئم لما يصادَف من حاالت‪ ،‬الطاعة لوصايا هللا‪ ،‬وتفعيل الفضائل‬
‫األخالقية‪ ،‬واألمان َة للصالة‪" .‬الطهارة ُتعيد تكويننا‪ .‬إنها ُترجعنا إلى تلك الوحدة التي أضعناها‬
‫بتشتتنا"‪.‬‬
‫‪ -2211‬تتعلق فضيلة الطهارة بفضيلة القناعة الرئيسة‪ ،‬التي تهدف إلى سيطرة العقل على ما في‬
‫اإلنسان من أهواء وشهوات‪.‬‬
‫‪ -2212‬السيطرة على الذات عمل يقتضي جهدا طويال‪ .‬ويجب ان ال ُتعد ابدا حاصلة نهائيا‪ .‬إنها‬
‫تفترض جهدا يتكرر في كل مراحل الحياة‪ .‬ويمكن أن يكون الجهد المطلوب أش َّد في بعض‬
‫المراحل‪ ،‬كما هي الحال عندما تتكون الشخصية‪ ،‬وفي زمن الطفولة والمراهقة‪.‬‬
‫‪ -2212‬للطهارة قوانين نمو تمر بدرجات موسومة بالنقص‪ ،‬ومرارا كثيرة جدا بالخطيئة‪" .‬إن‬
‫اإلنسان الفاضل والطاهر يبني نفسه يوما بعد يوم‪ ،‬باختيارات كثيرة وحرة‪ .‬وهكذا‪َ ،‬يعرف الخير‬
‫األخالقي ويحبه ويُتممه‪ ،‬م َّتبعا مراحل نمو"‪.‬‬
‫‪ -2211‬الطهارة مهمة شخصية بدرجة عالية‪ ،‬وهي تتضمن أيضا جهدا ثقاف ّيا‪ ،‬ألن هناك "ترابطا‬
‫بين نمو الشخص وتطور المجتمع نفسه"‪ .‬وتفترض الطهارة احترام حقوق اإلنسان‪ ،‬وال سيما‬
‫الحق في الحصول على إعالم وتربية يحترمان األبعاد األخالقية والروحية للحياة البشرية‪.‬‬
‫‪ -2212‬الطهارة فضيلة أخالق ّية‪ ،‬وهي أيضا عطية من هللا‪ ،‬ونعمة‪ ،‬وثمرة العمل الروحي‪.‬‬
‫والروح القدس يولي االقتداء بطهارة المسيح لمن أعاد ما ُء المعمودية والدته‪.‬‬

‫تمام عط ّية الذات‬


‫‪ -2212‬المحبة هي صورة جميع الفضائل‪ .‬وبتأثيرها تبدو الطهارة كمدرسة لعطاء الشخص ذاته‪.‬‬
‫فالسيطرة على الذات هي في سبيل عطية الذات‪ .‬والطهارة تؤدي بمن يمارسها إلى ان يصبح عند‬
‫القريب شاهدا على أمانة هللا وحنانه‪.‬‬
‫‪ -2212‬تزدهر فضيلة الطهارة في الصداقة‪ .‬وتدل التلميذ على سبيل اتباع من اختارنا كأصدقائه‬
‫الخاصين‪ ،‬وأعطانا ذاته كلها‪ ،‬وجعلنا شركاء في وضعه اإللهي‪ ،‬واالقتداء به‪ .‬الطهارة هي وعد‬
‫بالخلود‪.‬‬
‫تتبدى الطهارة خصوصا في مصادقة القريب‪ .‬فإذا ترسخت الصداقة القائمة بين شخصين من‬
‫جنس واحد أو من جنسين مختلفين تكون خيرا كبيرا للجميع‪ .‬وتؤدي إلى االتحاد الروحي‪.‬‬

‫المتنوعة‬
‫ّ‬ ‫أنماط الطهارة‬
‫‪ -2212‬كل معمد مدعو إلى الطهارة‪ .‬فالمسيحي "قد لبس المسيح"‪ ،‬ومثا َل كل طهارة‪ .‬وجميع‬
‫المؤمنين بالمسيح مدعوون ألن يحيوا حياة طاهرة بحسب حالة حياتهم الخاصة‪ .‬وقد التزم‬
‫المسيحي‪ ،‬في المعمودية‪ ،‬بأن يُسير عواطفه في الطهارة‪.‬‬

‫‪26‬‬
‫‪" -2212‬يجب أن يتصف األشخاص بالطهارة بحسب حاالت حياتهم المختلفة‪ :‬البعضُ في‬
‫العذرية أو البتولية المكرسة‪ ،‬وهي طريقة سامية لتسليم الذات هلل بسهولة أكبر‪ ،‬وبقلب ليس فيه‬
‫انقسام‪ .‬واآلخرون بالطريقة التي تقررها الشريعة الطبيعية للجميع‪ ،‬بحسب كونهم متزوجين أو‬
‫متبتلين"‪ .‬األشخاص المتزوجون مدعوون إلى أن يحيوا حياة الطهارة الزوجية‪ .‬واآلخرون‬
‫يمارسون الطهارة في العفة‪:‬‬
‫"هناك ثالث صيغ لفضيلة الطهارة‪ :‬الواجدة للزوجات‪ ،‬واألخرى للترمل‪ ،‬والثالثة للعذرية‪ .‬وال نمدح أيضا منها‬
‫دون األخريين‪ .‬وبذلك نظا ُم الكنيسة غني"‪.‬‬
‫‪ -2222‬الخ ّطيبون مدعوون إلى أن يحيوا حياة الطهارة في العفة‪ .‬وعليهم أن يروا في هذا‬
‫االمتحان اكتشافا لالحترام المتبادَل‪ ،‬وتعلما لألمانة‪ ،‬ولرجاء أن يتقبل الواحد اآلخر من هللا‪.‬‬
‫وعليهم أن يحتفظوا لوقت الزواج بمظاهر الحنان المختصة بالحب الزوجي‪ .‬وعليهم أن يتساعدوا‬
‫على النمو في الطهارة‪.‬‬

‫اإلساءات إلى الطهارة‬


‫‪ -2221‬الفجور رغبة منحرفة في اللذة الجنسية‪ ،‬أو تمتع بها مُحل بالنظام األخالقي‪ .‬واللذة‬
‫الجنسية تكون منحرفة من الوجهة األخالقية عندما ُتقصد لذاتها‪ ،‬معزولة عن غاي َتي اإلنجاب‬
‫واالتحاد‪.‬‬
‫صد باالستمناء اإلثارة المتعمدة لألعضاء التناسلية للحصول منها على اللذة الجنسية‪.‬‬ ‫‪ -2222‬يُق َ‬
‫"إن السلطة التعليمية في الكنيسة‪ ،‬كالحس األخالقي عند المؤمنين‪ ،‬قد أكد دون تردد‪ ،‬في سياق‬
‫تقليد ثابت‪ ،‬أن االستمناء هو عمل مخالف بحد ذاته مخالفة جسيمة للنظام األخالقي"‪" .‬إن‬
‫االستعمال المتعمد للطاقة الجنسية خارج نطاق العالئق الزوجية العادية يتعارض وغايتها‪ ،‬مهما‬
‫صد فيه خارج نطاق العالقة الجنسية "التي يقتضيها النظام‬ ‫كان السبب"‪ .‬فالمتعة الجنسية ُتق َ‬
‫األخالقي‪ ،‬والتي ُتحقق‪ ،‬في إطار حب صحيح‪ ،‬المعنى الكامل للعطاء المتبادل واإلنجاب‬
‫البشري"‪.‬‬
‫لتكوين حكم منصف في مسؤولية األشخاص األخالقية‪ ،‬ولتوجيه العمل الرعائي‪ ،‬يجب األخذُ‬
‫باالعتبار عدم بلوغ النضج العاطفي‪ ،‬وقوة العادات التي تعودها اإلنسان‪ ،‬وحالة الضيق‪ ،‬أو‬
‫العوامل النفسية واالجتماعية األخرى‪ ،‬التي ُتنقص بل ُت ِ‬
‫نهك المسؤولية األخالقية‪.‬‬
‫‪ -2222‬الفِسق هو االتصال الجنسي خارج نطاق الزواج بين رجل وامرأة حرين‪ .‬إنه يتعارض‬
‫بوجه خطير وكرامة األشخاص والتكوين الجنسي البشري الموجه طبيعيا إلى خير األزواج وإلى‬
‫إنجاب األوالد وتربيتهم‪ .‬وعالوة على ذلك على إنه معثرة خطيرة عندما يكون فيه إفساد للصغار‪.‬‬
‫‪ -2221‬اإلباح ّية تقوم على سحب األفعال الجنسية‪ ،‬التي ُتع َمل حقيقة أو تظاهرا‪ ،‬من جو الفاعلين‬
‫الحميم‪ ،‬لعرضِ ها على اآلخرين بطريقة متعمدة‪ .‬إنها تسيء إلى الطهارة ألنها ُتفس ُد طبيعة الفعل‬
‫الزوجي‪ ،‬الذي هو عطا ُء الزوجين الحميم المتبادل‪ .‬إنها تسيء إساءة جسيمة إلى كرامة من يقوم‬
‫موضوع لذة خسيسة وربح غير‬‫َ‬ ‫بها (ممثلين وتجار وجمهور)‪ ،‬إذ يصبح كل واحد لآلخر‬
‫مشروع‪ .‬إنها تجعل هؤالء وأوالئك يغوصون في أوهام عالم زائف‪ .‬فهي خطيئة جسيمة‪ .‬وعلى‬
‫السلطات المدنية أن تمنع إنتاج المواد اإلباحية وتوزيعها‪.‬‬
‫‪ -2222‬البغاء يُسيء إلى كرامة الشخص الذي يقوم به‪ ،‬إذ تنحصر في اللذة الجنيسة التي ُتستمد‬
‫من ذلك الشخص‪ .‬والذي يدفع يخطأ خطأ جسيما إلى ذاته‪ :‬فهو َينتهك الطهارة التي ألزمته بها‬
‫معموديته‪ ،‬وينجس جسده‪ ،‬هيكل الروح القدس‪ .‬البغاء هو آفة اجتماعية‪ .‬إنه يصيب عادة النساء‪،‬‬
‫ولكن أيضا الرجال‪ ،‬واألوالد أو المراهقين (وفي هاتين الحالتين األخيرتين تتضاعف الخطيئة‬
‫‪27‬‬
‫بالمعثرة)‪ .‬وإذا كان دائما من الخطإِ الجسيم اإلستسالم للبغاء‪ ،‬فالعوز‪ ،‬واالبتزاز‪ ،‬والضغط‬
‫اإلجتماعي قد ُتنقص المسؤولية عن الذنب‪.‬‬
‫‪ -2222‬االغتصاب يعني الدخول عنوة بالعُنف في ما عند الشخص من وضع جنسي حميم‪ .‬إنه‬
‫إساءة إلى العدل والمحبة‪ .‬فاالغتصاب يجرح جرحا بليغا حق كل واحد في االحترام والحرية‪،‬‬
‫والسالمة الجسدية والمعنوية‪ .‬إنه يؤذي أ َذى جسيما قد يؤثر في الضحية مدى الحياة‪ .‬إنه دائما‬
‫عمل سيء بحد ذاته‪ .‬ويكون االغتصاب أكثر خطورة أيضا إذا صنعه الوالدون (غشيان المحارم)‬
‫أو المربون‪ ،‬إلى األوالد الموكلين إليهم‪.‬‬

‫الطهارة واللواط‬
‫‪ -2222‬اللواط يعني العالئق بين رجال أو نساء يحسون انجذابا جنسيا‪ ،‬حصريا أو غالبا‪ ،‬إلى‬
‫أشخاص من الجنس نفسه‪ .‬وله أشكال متنوعة جدا على مدى العصور والثقافات‪ .‬تكوينه النفسي‬
‫ال يزال في معظمه غير واضح‪ .‬والتقليد‪ ،‬استندا إلى الكتاب المقدس الذي يعتبره بمثابة فساد‬
‫خطير‪ ،‬أعلن دائما أن "األفعال اللواطية هي منحرفة في حد ذاتها"‪ .‬إنها تتعارض والشريعة‬
‫الطبيعية‪ .‬إنها ُتغلق الفعل الجنسي على عطاء الحياة‪ .‬فهي ال تتأتى من تكامل حقيقي في الحب‬
‫والجنس‪ .‬وال يمكن الموافقة عليها في أي حال من األحوال‪.‬‬
‫‪ -2222‬هناك عدد ال يُستهان به من الرجال والنساء‪ ،‬الذين عندهم ميول لواطية عميقة‪ .‬هذه‬
‫النزعة‪ ،‬المنحرفة موضوعيا‪ ،‬هي بالنسبة إلى معظمعم محنة‪ .‬فيجب تقبلهم باحترام وشفقة‬
‫ولطف‪ .‬ويجب تحاشي كل عالمة من عالمات التمييز الظالم بالنسبة إليهم‪ .‬هؤالء األشخاص‬
‫مدعوون إلى تحقيق مشيئة هللا في حياتهم‪ ،‬وإذا كانوا مسيحيين‪ ،‬أن يضموا إلى ذبيحة صليب‬
‫الرب التي قد يالقونها بسبب وضعهم‪.‬‬
‫‪ -2222‬األشخاص اللواطيون مدعوون إلى الطهارة‪ .‬وهم قادرون على التقرب تدريجا وبعزم‬
‫إلى الكمال المسيحي‪ ،‬ومُلزمون بذلك‪ ،‬مستعينين بفضائل السيطرة على الذات التي تربي على‬
‫الحرية الداخلية‪ ،‬وأحيانا بمساعدة صداقة نزيهة‪ ،‬وبالصالة والنعمة األسرارية‪.‬‬

‫حب الزوجين‬ ‫‪ّ .ً2‬‬


‫ُ‬
‫‪ -2222‬الجنس موجه إلى الحب الزوجي بين الرجل والمرأة‪ .‬وفي الزواج تصير العالقة الجسدية‬
‫الحميمة بين الزوجين داللة على اإلتحاد الروحي وعربونا له‪ .‬وروابط الزواج بين المعمدين‬
‫يجعلها السر مقدسة‪.‬‬
‫‪" -2221‬إن الحالة الجنسية‪ ،‬التي يعطي بها كل من الرجل والمرأة ذاته لآلخر بأفعال خاصة‬
‫الشخص البشري في أعمق ما‬ ‫َ‬ ‫مقتصرة على األزواج‪ ،‬ليست أمرا حيويا فحسب‪ ،‬ولكنها تعني‬
‫فيه‪ .‬وهي ال تتم بوجه إنساني صحيح إال إذا كانت جزءا ال يتجزأ من الحب الذي به يلتزم الرجل‬
‫والمرأة التزاما كامال واح ُدهما باآلخر حتى الموت"‪.‬‬
‫"نهض طوبيا من الفراش وقال لسارة‪" :‬قومي يا أختي‪ ،‬نصلي‪ ،‬ولنبتهل إلى ربنا لكي يُنعم علينا بالرحمة‬
‫والخالص"‪ .‬فقامت وأخذا يصليان فيبتهالن لكي يُنعم هللا عليهما بالخالص‪ ،‬وشرع يقول‪" :‬مبارك أنت يا إله‬
‫آبائنا‪ .‬أنت صنعت آدم‪ ،‬وصنعت له عونا وسندا حوا َء امرأته‪ .‬ومنها خرج الجنس البشري‪ ،‬وأنت قلت‪" :‬ال‬
‫يحسن أن يكون اإلنسان وحده‪ ،‬فلنصنع له عونا يُناسبه"‪ .‬واآلن فال من أجل الزنى أتخذ أختي هذه زوجة بل في‬
‫إقض بأن ُتنعم علي وعليها بالرحمة‪ ،‬وبأن نشيخ كالنا معا"‪ .‬وقاال بصوت واحد‪" :‬آمين‪ ،‬آمين"‪ .‬ثم‬
‫سبيل الحق‪ِ .‬‬
‫رقدا تلك الليلة" (طو ‪.)1-3 :2‬‬

‫‪28‬‬
‫‪" -2222‬ان األعمال التي يتحد بها األزواج اتحادا حميما وعفيفا هي أعمال نزيهة وال شائبة‬
‫فيها‪ .‬وهي إذا مُورست ممارسة إنسانية حقيقية تدل على العطاء الذاتي المتبادل‪ ،‬وتعمل على‬
‫فر َحين شاكرين"‪ .‬فالجنس هو ينبوع فرح ولذة‪:‬‬ ‫ترسيخه‪ ،‬فيغني به الزوجان ِ‬
‫"لقد أراد الخالق نفسه أن يجد الرج ُل والمرأ ُة في هذه الوظيفة (اإلنجاب) لذة و ُمتعة للجسد والروح‪ .‬فالزوجان‬
‫إذن ال يصنعان شرا عندما يسعيان إلى هذه اللذة‪ .‬إنهما يتقبالن ما أعده الخالق لهما‪ .‬ومع ذلك فعلى الزوجين أن‬
‫يُدركا ضرورة البقاء ضمن حدود اعتدال قويم"‪.‬‬
‫‪ -2222‬باالتصال الجنسي بين الزوجين تتحقق غاية الزواج المزدوجة‪ :‬خي ُر الزوجين نفسيهما‪،‬‬
‫ونق ُل الحياة‪ ،‬وال يمكن فص ُل هذين المدلولين أو القيمتين في الزواج دون تشوي ِه حياة الزوجين‬
‫تعريض خيور الزواج ومستقبل األسرة للخطر‪.‬‬‫ِ‬ ‫الروحية‪ ،‬أو‬
‫وهكذا يكون الحب الزوجي بين الرجل والمرأة له مقتضيان‪ :‬األمانة والخصب‪.‬‬

‫األمانة الزوج ّية‬


‫‪ -2221‬يكون الزوجان "شركة حميمة في الحياة والحب قد أسسها الخالق ووضع لها نواميسها‬
‫الخاصة‪ .‬فهي قائمة على العهد بين الزوجين‪ ،‬أي على رضاهما الشخصي وغير القابل للتراجع"‪.‬‬
‫كالهما يتبادالن عطاء نهائيا وكامال‪ .‬فليسا بعد اثنين بل يؤلفان من بعد جسدا واحدا‪ .‬إن العهد‬
‫واجب المحافظة عليه واحدا غير قابل الحل‪" .‬ما‬
‫َ‬ ‫الذي يرتبط به الزوجان بحرية َيفرض عليهما‬
‫جمعه هللا ال يفرقه إنسان" (مر‪.)1 :21‬‬
‫‪ -2222‬تعبر األمانة عن الثبات في الحفاظ على الكلمة المقطوعة‪ .‬أهلل أمين‪ .‬وسر الزواج يُدخل‬
‫الرجل والمرأة في أمانة المسيح لكنيسته‪ .‬وهما بالطهارة الزوجية‪ ،‬يشهدان لهذا السر في وجه‬
‫العالم‪.‬‬
‫يوحي القديس يوحنا الذهبي الفم إلى األزواج الشبان بأن يخاطبوا زوجاتهم هكذا‪" :‬لقد أخذتك بين يدي‪ ،‬وأنا‬
‫أحبك‪ ،‬وأفضلك حتى على حياتي نفسها‪ .‬ألن الحياة الحاضرة ليست بشي ‪ ،‬وحُلمي األقوى أن أقضيها معكِ ‪،‬‬
‫بحيث نتثبت من أنه لن يُقرق بيننا في الحياة المحفوظة لنا‪ .‬إني أضع حبكِ فوق كل شيء‪ ،‬ولن يشق علي أمر‬
‫أكثر من أن ال يكون لي ما لكِ من أفكار"‪.‬‬

‫خصب الزواج‬
‫‪ -2222‬الخصب هو عطية وغاية للزواج‪ ،‬ألن الحب الزوجي يسعى طبيعيا إلى ان يكون‬
‫خصيبا‪ .‬إن الولد ال يأتي من الخارج لينضاف إلى حب الزوجين المتبادل‪ ،‬إنه ينبعث في الصميم‬
‫من هذا العطاء المتبادل‪ ،‬إذ هو ثمرته و َت ِت َّمتِه‪ .‬لذلك‪ ،‬فالكنيسة التي "هي مع الحياة" تعلم "أن على‬
‫زواجي أن يبقى من ذاته منفتحا على نقل الحياة"‪" .‬هذه العقيدة‪ ،‬التي عرضتها مرارا‬ ‫ّ‬ ‫كل ّ فعل‬
‫السلطة التعليمية في الكنيسة‪ ،‬مؤسسة على الرباط غير القابل الحل الذي أراده هللا‪ ،‬والذي ال‬ ‫ُ‬
‫يستطيع اإلنسان قط َعه بمبادرة منه‪ ،‬بين معنيي الفعل الزوجي‪ :‬االتحاد واالنجاب"‪.‬‬
‫‪ -2222‬إن الزوجين‪ ،‬في دعوتهما إلى إعطاء الحياة‪ ،‬يشاركون في قدرة هللا الخالقة‪ ،‬وفي أبوته‪.‬‬
‫"في واجب نقل الحياة البشرية والتدبير‪ ،‬الذي يقع على الزوجين (والذي يجب اعتباره رسالتهما‬
‫الخاصة)‪ ،‬يعرف هذان أنهما مشاركان هللا الخالق‪ ،‬وأنهما بمثابة معبرين عن إرادته‪ .‬وعليهما من‬
‫ثم ان يضطلعا بروح المسؤولية اإلنسانية والمسيحية"‪.‬‬
‫‪ -2222‬وجه خاص من وجوه هذه المسؤولية يتعلق بتنظيم ال ّنسل‪ .‬فاألزواج يستطيعون‪ ،‬ألسباب‬
‫صوابية‪ ،‬أن يبغوا إطالة الفارق الزمني بين والدات أبنائهم‪ .‬ولهم أن يتثبتوا من أن رغبتهم ليست‬

‫‪29‬‬
‫وليدة حب الذات األعمى (وليدة "األنانية")‪ ،‬بل هي متوافقة والسخاء الصحيح ألبوة مسؤولة‪.‬‬
‫وفضال عن ذلك‪ ،‬عليهم أن يُنظموا سلوكهم بحسب المقاييس األخالقية الموضوعية‪:‬‬
‫"عندما يُطلبُ التوفيق بين الحب الزوجي والنقل المسؤول للحياة‪ ،‬ال يجوز االقتصار في أخالقية التصرف على‬
‫خلوص النية وتقدير البواعث‪ ،‬بل يجب أن تقام على مقاييس موضوعية ُتستخرج من طبيعة الشخص ومن‬
‫وتحرص‪ ،‬في إطار من الحب الحقيقي‪ ،‬على كامل معنى العطاء المتبادل والتناسل البشري‪ .‬وهذا أمر ال‬
‫َ‬ ‫أعماله‪،‬‬
‫يكون إذا لم تمارس فضيلة الطهارة الزوجية بروح مُخلِصة"‪.‬‬
‫‪" -2222‬ان الفعل الزوجي‪ ،‬بحفاظه على هذين الوجهين األساسيين‪ ،‬االتحاد واإلنجاب‪ ،‬يُبقي‬
‫بطريقة كاملة على معنى الحب المتبادل والصحيح‪ ،‬وعلى توجهه نحو دعوة اإلنسان السامية جدا‬
‫إلى األبوة"‪.‬‬
‫‪ -2222‬ان العفة من حين إلى آخر‪ ،‬وأساليب تنظيم النسل المرتكزة على المراقبة الذاتية واللجوء‬
‫إلى أوقات العقم هي متوافقة والمقاييس األخالقية الموضوعية‪ .‬هذه األساليب تحترم جسد‬
‫الزوجين وتشجع الحنان بينهما‪ ،‬وتعزز تربية حرية صحيحة‪ .‬وبخالف ذلك يكون سيأ في حد ذاته‬
‫"كل فعل يَقصِ د‪ ،‬كغاية أو وسيلة‪ ،‬أن يجعل اإلنجاب مستحيال‪ ،‬سواء كان ذلك استعدادا للفعل‬
‫الزوجي‪ ،‬أو في وقت القيام به‪ ،‬أو في تطور نتائجه الطبيعية"‪.‬‬
‫"إن منع َ‬
‫الحمل يناقض الكالم المعبر طبيعيا عن عطاء الزوجين المتبادل الكامل‪ ،‬بكالم مُعارض موضوعيا‪ ،‬إذ‬
‫أمر عطاء متبادَ ل وكامل وينتج من ذلك ال الرفض الفعلي لالنفتاح على الحياة وحسب‪ ،‬بل أيضا‬
‫ال يعود األمر َ‬
‫تزوير الحقيقة الداخلية للحب الزوجي‪ ،‬المدعو إلى أن يكون عطاء الشخص بكامله‪ .‬وهذا الخالف‬
‫األنثروبولوجي واألخالقي بين منع الحمل واللجوء إلى اإليقاعات المؤقتة ينطوي على مفهومين للشخص‬
‫واللحالة الجنسية البشرية ال يمكن أن يتالقيا"‪.‬‬
‫‪" -2221‬إلى ذلك‪ ،‬فليعلم الجميع أن حياة البشر ومُهمة نقلها غي ُر محصورتين في هذا الدهر‪ ،‬وال‬
‫يمكن قياسهما وفهمهما به‪ ،‬ومن ثم فال بد فيها من التطلع الدائم إلى مصير البشر األبدي"‪.‬‬
‫‪ -2222‬الدولة مسؤولة عن رفاهية المواطنين‪ .‬وانطالقا من ذلك‪ ،‬فمن المشروع أن تتدخل لتوجيه ديمغرافية‬
‫الشعب‪ ،‬ويمكن أن تفعل ذلك بطريقة اإلعالم المرتكز على الموضوعية واالحترام‪ ،‬ال بطريقة التسلط واإلكراه‪،‬‬
‫وهي ال تستطيع بوجه شرعي أن تقوم مقام مبادرة األزواج‪ ،‬الذين هم المسؤولون األولون عن إنجاب أوالدهم‬
‫وتربيتهم‪ .‬وال سلطة لها في هذا المجال للتدخل بوسائل تتعارض والشريعة األخالقية‪.‬‬

‫عط ّية الولد‬


‫ُ‬
‫وممارسة الكنيسة التقليدية‪ ،‬في األسر الكثيرة األوالد‪ ،‬دليال على‬ ‫‪ -2222‬يرى الكتاب المقدس‬
‫بركة هللا وسخاء الوالدين‪.‬‬
‫‪ -2221‬إن عذاب األزواج الذين يكتشفون أنهم عقيمون عظيم‪ .‬قال ابرام هلل‪" :‬ما تعطيني؟ وأنا‬
‫منصرف عقيما" ( تك‪ .)1: 25‬وراحيل تصرخ إلى زوجها يعقوب قائلة‪" :‬هب لي ولدا فإني‬
‫أموت" (تك‪. )2 :31‬‬
‫‪ -2222‬يجب تشجيع األبحاث الرامية إلى تقليص العقم البشري‪ ،‬بشرط أن ُتجعل "في خدمة‬
‫الشخص البشري‪ ،‬وحقوقه‪ ،‬التي ال يمكن التنازل عنها‪ ،‬وخيره الحقيقي والكامل‪ ،‬وفاقا لقصد هللا‬
‫ومشيئته"‪.‬‬
‫‪ -2222‬إن التقنيات التي تسبب تقريق القرابات‪ ،‬بتدخل شخص غريب عن الزوجين (إعطاء الزوج‪ ،‬أو‬
‫البيضة‪ ،‬إعارة الرحم) هي قبيحة جدا‪ .‬وهذه التقنيات (الزرع واإلخصاب الصناعيان‪ ،‬من غير الزوجين) تسيء‬
‫إلى حق الولد بأن يولد من أب وأم يعرفهما ويجمع بينهما الزواج‪ .‬إنها خيانة "للحق المحصور في أن ال يصير‬
‫أب أو أم إال واحدهما باآلخر"‪.‬‬

‫‪30‬‬
‫‪ -2222‬إذا مورست هذه التقنيات بين الزوجين ( الزرع واإلخصاب الصناعيان بين الزوجين)‪ ،‬فيمكن أن‬
‫تكون أقل ضررا‪ ،‬ولكنها تبقى غير مقبولة أخالقيا‪ .‬فهي تفصل الفعل الجنسي عن فعل اإلنجاب‪ .‬والفعل الذي‬
‫يؤسس وجود الولد ال يعود فعال يعطي فيه شخصان أحدهما لآلخر‪ ،‬إنه "يضع حياة الجنين وهويته بين يدي‬
‫ُ‬
‫وعالقة سيادة كهذه تتعارض‪،‬‬ ‫األطباء وعلماء الحياة‪ ،‬ويُوجد سيادة التقنية على أصل الشخص البشري ومصيره‪.‬‬
‫في حد ذاتها‪ ،‬مع ما يجب أن يكون مشتركا بين الوالدين واألوالد من كرامة ومساواة"‪" .‬يُحرم اإلنجاب من‬
‫كماله الخاص‪ ،‬عندما ال يُقصد كثمرة الفعل الزوجي‪ ،‬أي الفعل الخاص باتحاد الزوجين‪ .‬ان احترام الرابط القائم‬
‫بين معاني الفعل الزوجي‪ ،‬واحترام وحدة الكائن البشري‪ ،‬يمكن وحده من اإلنجاب بطريقة تتوافق وكرامة‬
‫الشخص"‪.‬‬
‫حق أحد وإنما هو عط ّية‪" .‬وعطية الزواج الفضلى" هي شخص بشري‪.‬‬ ‫‪ -2222‬الولد ليس من ّ‬
‫فال يمكن اعتبار الولد موضوع تملك‪ ،‬وهذا ما يؤدي إليه االعتراف بما يُزعم من "حق في الولد"‪.‬‬
‫وفي هذا المجال للولد وحده حقوق صحيحة‪" :‬أن يكون ثمرة الفعل الخاص بحب والديه الزوجي‪،‬‬
‫والحق في أن يُحتر َم كشخص منذ لحظة الحبل به"‪.‬‬
‫‪ -2222‬يُظهر اإلنجيل أن العقم الطبيعي ليس شرا مطلقا‪ .‬وعلى األزواج الذين‪ ،‬بعد استنفادهم كل‬
‫لجوء مشروع إلى الطب‪ ،‬يعانون من العقم‪ ،‬أن يشتركوا في صليب الرب‪ ،‬ينبوع كل خصب‬
‫روحي‪ .‬وبإمكانهم أن يُثبتوا سخاءهم بتبنيهم أوالدا مهملين‪ ،‬أو بقيامهم بخدمات متطلبة تجاه‬
‫اآلخرين‪.‬‬

‫‪ .ً1‬اإلساءات إلى كرامة الزواج‬


‫‪ -2222‬الزنى‪ .‬هذه الكلمة تعني الخيانة الزوجية‪ .‬فعندما يعقد شخصان أحدهما على األقل‬
‫متزوج‪ ،‬عالقة جنسية بينهما‪ ،‬وإن كانت عابرة‪ ،‬فهما يرتكبان الزنى‪ .‬والمسيح قد قضى على‬
‫الزنى‪ ،‬وإن بمجرد الشهوة‪ .‬والوصية السادسة والعهد الجديد يحرمان الزنى على اإلطالق‪.‬‬
‫وأنبياء ينددون بجسامته‪ .‬ويرون فيه صورة لخطيئة عبادة األصنام‪.‬‬
‫‪ -2221‬الزنى يخالف العدالة‪ .‬والذي يرتكبه يخون عهده‪ .‬ويجرح عالمة العهد التي هي الرباط‬
‫الزوجي‪ ،‬ويسي ُء إلى حق الزوج اآلخر‪ ،‬ويُضر بمؤسسة الزواج‪ ،‬بنقضه االتفاق الذي هو في‬
‫أساسه‪ .‬إنه يعرض للخطر خير التناسل البشري‪ ،‬واألوالد الذين هم في حاجة إلى ثبات اتحاد‬
‫والديهم‪.‬‬

‫الطالق‬
‫غير قابل للحل‪ .‬وأبطل ما‬
‫‪ -2222‬لقد ألح الرب يسوع على نية الخالق األصلية‪ ،‬إذ أراد الزوا َج َ‬
‫تسلل من احتماالت إلى الشريعة القديمة‪.‬‬
‫بين المعمدين‪" ،‬الزواج المعقود والمكتمل ال تستطيع حله سلطة بشرية‪ ،‬وال أي سبب من‬
‫األسباب‪ ،‬إال الموت"‪.‬‬
‫‪ -2222‬افتراق الزوجين‪ ،‬مع بقاء وثاق الزواج‪ ،‬يمكن أن يكون مشروعا في بعض الحاالت التي‬
‫يلحظها الحق القانوني‪.‬‬
‫إذا كان الطالق المدني الطريقة الوحيدة الممكنة لتأمين بعض الحقوق المشروعة‪ ،‬والعناية باألطفال‪ ،‬أو الدفاع‬
‫عن اإلنسان‪ ،‬فيمكن احتماله دون ذنب أخالقي‪.‬‬
‫‪ -2221‬الطالق إهانة جسيمة للشريعة الطبيعية‪ .‬فهو يزعم فصم العقد الذي ارتضاه الزوجان‬
‫بحرية‪ ،‬ألن يعيشا معا حتى الموت‪ .‬والطالق إهانة لعهد الخالص الذي يكون الزواج السري‬
‫عالمته‪ .‬وعقد زواج جديد‪ ،‬وإن اعترفت به الشريعة المدنية‪ ،‬يزيد جسامة القطيعة‪ :‬فالزوج الذي‬
‫تزوج زواجا جديدا يكون عندئذ في حالة زنى علني ودائم‪:‬‬
‫‪31‬‬
‫"إذا اقترب الزوج‪ ،‬بعد افتراقه عن زوجته‪ ،‬من زوجة أخرى‪ ،‬يكون هو زانيا ألنه يجعل هذه المرأة ترتكب‬
‫الزنى‪ ،‬والمرأة التي تساكنه هي زانية ألنها استدرجت إليها زوج أخرى"‪.‬‬
‫‪ -2222‬يتخذ الطالق الصفة الالأخالقية أيضا من البلبلة التي يدخلها في الخلية العيلية وفي‬
‫ُ‬
‫افتراق‬ ‫المجتمع‪ .‬وهذه البلبلة تستتبع أضرارا جسيمة‪ :‬للزوج الذي يُهمل‪ ،‬ولألوالد الذي يؤذيهم‬
‫والديهم وتأرجحهم غالبا بينهما‪ ،‬وبسبب تأثيره الذي يجعل منه عدوى وآفة اجتماعية حقيقية‪.‬‬
‫‪ -2222‬قد يكون أحد الزوجين الضحية البريئة للطالق الذي تقضي به الشريعة المدنية‪ ،‬فال يكون‬
‫عندئذ مخالفا للفريضة األخالقية‪ .‬فهناك فرق كبير بين الزوج الذي سعى بإخالص ليكون أمينا‬
‫لسر الزواج‪ ،‬ويرى نفسه مه َمال من غير حق‪ ،‬وذاك الذي يهدم‪ ،‬بذنب ثقيل من قبله‪ ،‬زواجا‬
‫صحيحا في القانون الكنسي‪.‬‬

‫اإلساءات األخرى إلى كرامة الزواج‬


‫‪ُ -2222‬ندرك مأسات من يرغب في االرتداد إلى اإلنجيل‪ ،‬ويرى نفسه مضطرا إلى تطليق‬
‫واحدة أو أكثر من نساء قاسمهن سنوات من الحياة الزوجية‪ .‬ومع ذلك فتعدّد الزوجات ال يتالءم‬
‫مع الشريعة األخالقية‪ .‬إنه "يتناقض تناقضا جذريا والشركة الزوجية‪ :‬فهو ينكر مباشرة تدبير هللا‪،‬‬
‫كما ُكشف لنا عنه منذ البدء‪ ،‬إنه يتعارض والمساواة في الكرامة الشخصية بين الرجل والمرأة‪،‬‬
‫اللذين‪ ،‬في الزواج‪ ،‬يُعطي كل منهما ذاته في حبٍّ كلي‪ ،‬ولذلك فهو ال يكون أال وحيدا ومانعا"‪.‬‬
‫فالمسيحي الذي كان سابقا متعدد الزوجات‪ ،‬ملزم إلزاما خطيرا بموجب العدالة‪ ،‬أن يفي بالتزامه‬
‫تجاه نسائه السابقات وأوالده‪.‬‬
‫الزنى بالمحارم يدل على العالئق الحميمة بين األقارب بقرابة دموية‪ ،‬أو أهلية‪ ،‬بدرجة‬ ‫‪ّ -2222‬‬
‫تمنع الزواج بينهم‪ .‬والقديس بولس يستقبح هذا الذنب المتصف بجسامة خاصة‪" :‬لقد شاع عنكم أن‬
‫حادث فحش‪ .‬حتى أن واحدا منكم يحوز امرأة أبيه! فبأسم الرب يسوع يجب أن يُسلَم مثل‬ ‫َ‬ ‫بينكم‬
‫هذا إلى الشيطان ألجل هالك الجسد" (‪2‬كو‪ .)5-3 :5‬الزنى بالمحارم يُفسد العالئق العيلية ويدل‬
‫على تقهقر نحو الحيوانية‪.‬‬
‫ُ‬
‫التجاوزات الجنسية التي يُمارسها الراشدون على األوالد‬ ‫‪ -2222‬يمكن أن يُلحق الزنى بالمحارم‬
‫أو المراهقين الموكلين إليهم‪ .‬والذنب عندئذ يتضاعف بإساءة شائنة إلى سالمة األحداث الجسمية‬
‫والمعنوية‪ ،‬التي سيحملون آثارها مدى حياتهم‪ ،‬وبانتهاك المسؤولية التربوية‪.‬‬
‫‪ -2222‬يكون هناك ا ّتحاد حر عندما يرفض الرجل والمرأة أن يولوا صيغة قانونية وعلنية لعالقة‬
‫تتضمن العالقة الجنسية الحميمة‪.‬‬
‫التعبير خادع‪ :‬فماذا يمكن أن يعني اتحاد ال يلتزم فيه الشخصان واحدهما باآلخر‪ ،‬ويشهدان هكذا على انعدام‬
‫الثقة باآلخر‪ ،‬وبالذات أو المستقبل!‬
‫وهذا التعبير يتناول حاالت مختلفة‪ :‬التسري أو رفض الزواج بكونه زواجا‪ ،‬أو العجز عن‬
‫االرتباط بالتزامات طويلة األمد‪ .‬هذه الحاالت كلها تنتهك كرامة الزواج‪ ،‬وتهدم فكرة االسرة‬
‫نفسها‪ ،‬و ُتضعف حس األمانة‪ .‬إنها تتعارض والشريعة األخالقية‪ :‬فالفعل الجنسي ال مكان له إال‬
‫في الزواج‪ ،‬وخارجا عنه يكون أبدا خطيئة جسيمة ويحول دون التناول األسراري‪.‬‬
‫الحق في التجريب"‪ ،‬حيث توجد نية الزواج‪ .‬ومهما تكن‬ ‫‪ -2221‬كثيرون يطلبون اليوم نوعا من " ّ‬
‫صالبة عزم من َيشرعون في عالئق جنسية سابقة ألَوانها‪" ،‬فإن هذه العالئق ال تسمح بتأمين‬
‫العالقة الشخصية المتبادلة بين رجل وإمرأة‪ ،‬في صدقها وأمانتها‪ ،‬وعلى الخصوص بصونهما من‬
‫النزوات واألهواء"‪ .‬فاالتحاد الجنسي ال يكون شرعيا من الوجهة األخالقية إال عندما تؤسس‬

‫‪32‬‬
‫شراكة في الحياة نهائية بين الرجل والمرأة‪ .‬إن الحبَّ البشري ال يحتمل "التجريب"‪ .‬فهو يقتضي‬
‫عطاء كليا ونهائيا بين األشخاص‪.‬‬

‫بإيجاز‬
‫‪" -2222‬الحب هو الدعوة األساسية والفطرية لكل كائن بشري"‪.‬‬
‫‪ -2222‬إن هللا‪ ،‬بخلقه الكائن البشري رجال وامرأة‪ ،‬منح الكرامة الشخصية على حد سواء لكل‬
‫منهما‪ .‬ويعود إلى كلٌ واحد‪ ،‬رجال كان أو إمرأة‪ ،‬ان يعترف بهويته الجنسية ويتقبلها‪.‬‬
‫‪ -2221‬المسيح هو مثال الطهارة‪ .‬وكل معمد مدعو أن يحيا حياة طاهرة‪ ،‬بحسب الحالة التي‬
‫يعيشها‪.‬‬
‫‪ -2222‬الطهارة تعني استيعاب الشخص للطاقة الجنسية‪ .‬وتقتضي تعلم السيطرة على الذات‪.‬‬
‫‪ -2222‬يجب أن نذكر بين الخطايا المخالفة مخالفة جسيمة للطهارة‪ ،‬االستمناء‪ ،‬والفِسق‪،‬‬
‫واإلباحية‪ ،‬والممارسات اللوطية‪.‬‬
‫‪ -2222‬إن العهد الذي يعقده الزوجان بحرية يقتضي الحب األمين‪ .‬وهو يلزمهما بالمحافظة على‬
‫دون حل‪.‬‬
‫زواجهما َ‬
‫‪ -2222‬الخصب خير وعطية وغاية للزواج‪ .‬والزوجان بإعطائهما الحياة يشتركان في أبوة هللا‪.‬‬
‫‪ -2222‬تنظيم النسل هو وجه من وجوه األبوة واألمومة المسؤولتين‪ .‬وشرعية نية الزوجين ال‬
‫تبرر اللجوء إلى وسائل تأباها األخالق (مثل التعقيم المباشر أو منع الحمل)‪.‬‬
‫‪ -2122‬الزنى والطالق وتعدد الزوجات واالتحاد الحر هي انتهاكات جسيمة لكرامة الزواج‪.‬‬

‫المقال السابع‬
‫الوص ّية السابعة‬
‫تسرق" (خروج‪.)25 :11‬‬
‫"ال ِ‬
‫"ال تسرق" (متى ‪.)22 :21‬‬
‫‪ -2121‬الوصية السابعة تنهي عن أخذ مال القريب أو حفظه دون حق‪ ،‬وعن إلحاق الضرر‬
‫بالقريب في أمواله بأي وجه من الوجوه‪ .‬إنها تفرض العدالة والمحبة في إدارة األموال األرضية‬
‫وثمار عمل الناس‪ .‬وهي تقتضي‪ ،‬في سبيل الخير العام‪ ،‬احترام كون الخيرات معدة للجميع‪،‬‬
‫واحترام حق الملكية الخاصة‪ .‬والحياة المسيحية تسعى إلى توجيه خيرات هذا العالم نحو هللا‬
‫والمحبة األخوية‪.‬‬

‫صة‬
‫‪ .ً1‬إعداد الخيرات للجميع والملك ّية الخا ّ‬

‫‪ -2122‬في البدء أوكل هللا األرض ومواردها إلى إدارة مشتركة تضطلع بها البشرية‪ ،‬لتعتني بها‪،‬‬
‫وتسيطر عليها بعملها‪ ،‬وتنعم بثمارها‪ .‬وخيرات الخليقة مُعدة لكل الجنس البشري‪ .‬ولكن األرض‬
‫موزعة بين البشر لتأمين سالمة حياتهم‪ ،‬المعرضة للعوز والمهددة بالعُنف‪ .‬تملك الخيور مشروع‬
‫في سبيل ضمان حرية األشخاص وكرامتهم‪ ،‬ولمساعدة كل واحد على تأمين احتياجاته األساسية‬
‫واحتياجات من يعولهم‪ .‬وعليه أن يمكن من ظهور تضامن طبيعي بين الناس‪.‬‬

‫‪33‬‬
‫الحق في الملك ّية الخاصة المقتناة‪ ،‬أو المقبولة من اآلخرين بطريقة عادلة‪ ،‬ال يُبطل‬ ‫ّ‬ ‫‪ -2122‬ان‬
‫إعطاء األرض في األصل للبشرية جمعاء‪ .‬فكون الخيور معدّة للجميع يبقى أوليا‪ ،‬وإن كان‬
‫تعزيز الخير العام يقتضي احترام الملكية الخاصة‪ ،‬وحقها وممارستها‪.‬‬
‫‪" -2121‬عندما يستعمل اإلنسان هذه الخيور يجب أن ال يرى في ما يملكه من األشياء الخارجية‬
‫بطريقة شرعية مِلكا خاصا وكأنه وحده‪ ،‬بل أن يرى فيه ما يشبه المِلك المشترك‪ :‬بمعنى أنه يمكن‬
‫أن يعود بالفائدة ال عليه فحسب وإنما على اآلخرين أيضا"‪ .‬إن ملكية خير ما تجعل ممن يحوزه‬
‫مُديرا من قبل العناية اإللهية الستثماره وإيصال حسناته إلى الغير‪ ،‬وأوال إلى األقارب‪.‬‬
‫‪ -2122‬ان الخيور المنتِجة _ المادية وغير المادية – كاألراضي والمعامل‪ ،‬أو المؤهالت أو الفنون‪ ،‬تقتضي‬
‫ان يعتني بها أصحابها حتى يُفيد إنتاجها العدد األكبر من الناس‪ .‬ومن يحوزون خيورا لالستعمال ولالستهالك‬
‫عليهم ان يستعملوها بقناعة‪ ،‬حافظين النصيب األفضل للضيف وللمريض وللفقير‪.‬‬
‫‪ -2122‬للسلطة السياس ّية‪ ،‬ويجب عليها أن تنظم‪ ،‬بالنظر إلى الخير العام‪ ،‬ممارسة حق الملكية‬
‫بوجه شرعي‪.‬‬

‫‪ .ً2‬احترام األشخاص وأموالهم‬


‫‪ -2122‬في الموضوع االقتصادي يقتضي احترام الكرامة اإلنسانية ممارسة فضيلة القناعة‪،‬‬
‫لإلعتدال في التمسك بخيرات هذا العالم‪ ،‬وفضيلة العدل لصيانة حقوق القريب وإعطائه ما هو‬
‫واجب له‪ ،‬والتضامن بحسب القاعدة الذهبية‪ ،‬وجو ِد الرب الذي هو الغني قد افتقر من أجلنا لكي‬
‫نستغني بفقره‪.‬‬

‫احترام أموال الغير‬


‫‪ -2122‬تمنع الوصية السابعة من السرقة أي اغتصاب مال اآلخرين خالفا إلرادة المالك‬
‫المعقولة‪ .‬وليس هناك سرقة إذا أمكن افتراضُ الرضى أو إذا كان الرفض مخالفا للعقل ولكون‬
‫الخيرات معدة للجميع‪ .‬تلك هي حال الضرورة الملحة والواضحة حيث الوسيلة الوحيدة لتأمين‬
‫حاجات فورية وأساسية ( غذاء‪ ،‬ملجأ‪ ،‬كساء‪ )..‬هي في التصرف بأموال الغير واستعمالها‪.‬‬
‫‪ -2122‬كل طريقة ألخذ مال الغير دون ٍّ‬
‫حق واالحتفاظ به‪ ،‬هي مخالفة للوصية السابعة وإن لم‬
‫ُ‬
‫تكن متعارضة مع أحكام الشريعة المدنية‪ .‬وهكذا يكون االحتفاظ عمدا بما أقرض من مال أو بما‬
‫وُ جد من أشياء ضائعة‪ ،‬والغش في التجارة‪ ،‬ودفع اجور غير عادلة ورفع األسعار اعتمادا على‬
‫جهل الغير وعوزه‪.‬‬
‫من األمور الغير الجائزة أخالقيا‪ :‬المضاربة المستعملة لتغيير تخمين قيمة الخيرات بأسلوب مصطنع‪ ،‬لنيل فائدة‬
‫على حساب الغير‪ ،‬والرشوة التي بها يُبدل رأي من عليهم أن يتخذوا القرارات وفاقا للحق‪ ،‬واستمالك أموال‬
‫عامة لمؤسسة واستعمالها للمصلحة الخاصة‪ ،‬واألشغال التي لم يُحسن صُنعها‪ ،‬والغِش الضريبي‪ ،‬وتزوير‬
‫الشيكات والفواتير‪ ،‬والمصاريف المُفرطة‪ ،‬والهدر ‪ .‬إن إلحاق الضرر عمدا بالممتلكات الخاصة أو العامة‬
‫مخالف للشريعة األخالقية ويقتضي التعويض‪.‬‬
‫‪ -2112‬ال بد من الوفاء بالوعود‪ ،‬والتقيد الصارم بالعقود بمقدار ما يكون اإللتزام صوابيا من‬
‫الوجهة األخالقية‪ .‬إن جزءا كبيرا من الحياة االقتصادية واالجتماعية يتعلق بقيمة العقود بين‬
‫األشخاص الطبيعيين والمعنويين‪ .‬هكذا هي الحال بالنسبة إلى العقود التجارية من بيع وشراء‪،‬‬
‫وعقود اإليجار والعمل‪ .‬كل عقد يجب االتفاق عليه وتتميمه باستقامة نية‪.‬‬
‫‪ -2111‬تخضع العقود للعدالة التبادل ّية التي تنظم المبادالت بين األشخاص وبين المؤسسات في‬
‫احترام صحيح لحقوقهم‪ .‬والعدالة التبادلية تلزم إلزاما دقيقا‪ .‬وهي تقتضي الحفاظ على حقوق‬
‫‪34‬‬
‫الملكية‪ ،‬وتسديد الديون‪ ،‬والوفاء بااللتزامات المعقودة بحرية‪ .‬ودون العدالة التبادلية يستحيل قيا ُم‬
‫إي صيغة أخرى‪.‬من صيغ العدالة‪.‬‬
‫هناك تمييز بين العدالة التبادل ّية والعدالة القانون ّية التي تتعلق بما يجب بإنصاف على المواطن للجماعة‪ ،‬والعدالة‬
‫التوزيع ّية التي تنظم ما يجب على الجماعة للمواطنين بالنسبة إلى مساهماتهم واحتياجاتهم‪.‬‬
‫‪ -2112‬ان التعويض عن الظلم المرتكب يقتضي‪ ،‬استنادا إلى العدالة‪ ،‬إعادة المال المسلوب إلى‬
‫صاحبه‪:‬‬
‫ظلمت أحدا في شيء‪ ،‬فإني ارد أربعة ٌ أضعاف" (لو‪:21‬‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫كنت قد‬ ‫لقد بارك يسوع زكا اللتزامه عندما قال‪" :‬إن‬
‫‪ .)2‬فكل من استولى‪ ،‬بطريقة مباشرة أو غير مباشرة‪ ،‬على مال الغير مُلزم بإعادته‪ ،‬أو إعادة ما يقابله عينا أو‬
‫نقدا إذا ُفقد‪ ،‬وكذلك الثمار والفوائد التي كان صاحبه سيحصل عليها شرعيا‪ .‬وجميع الذين شاركوا في السرقة‬
‫بأي وجه من الوجوه‪ُ ،‬ملزمون بالرد‪ .‬بمقدار مسؤوليتهم واستفادتهم‪ .‬وكذلك الذين استفادوا وهم على علم باألمر‪،‬‬
‫من مثل الذين أمروا بالسرقة أو ساعدوا عليها أو خبأوا المسروق‪.‬‬
‫‪ -2112‬ليست ألعاب الحظ (اللعب بالورق) أو المراهنات في حد ذاتها مخالفة للعدالة‪ .‬وتصبح‬
‫تحرم الشخص ما هو ضروري له لتبلية حاجاته‬ ‫غير مقبولة من الوجهة األخالقية عندما ِ‬
‫وحاجات اآلخرين‪ .‬إن شهوة اللعب قد تصبح استعبادا شديدا‪ .‬المراهنة المنافية للعدالة والغش في‬
‫األلعاب يكونان مادة ثقيلة‪ ،‬ما لم يكن الضرر الحاصل خفيفا‪ ،‬بحيث ال يستطيع من لحق به‬
‫اعتباره بوجه معقول ضررا ذا شأن‪.‬‬
‫‪ -2111‬تحظر الوصية السابعة األعمال والمشاريع التي تؤدي‪ ،‬ألي سبب من األسباب‪ ،‬األنانية‬
‫أو األيديولوجية أو التجارية أو التوتاليتارية‪ ،‬إلى استعباد الكائنات البشر ّية‪ ،‬وتجاهل كرامتها‬
‫الشخصية‪ ،‬وشرائها وبيعها ومقايضتها كأنها بضاعة‪ .‬إنها خطيئة إلى كرامة األشخاص وحقوقهم‬
‫األساسية أن يُنتقصوا بالقوة فيصبحوا قيمة لالستعمال أو مصدرا للربح‪ .‬لقد أمر القديس بولس‬
‫سيدا مسيحيا بمعاملة عبد مسيحي ‪" :‬ال كعبد بع ُد‪ ،‬بل كأخ وكإنسان في الرب" (في ‪.)26‬‬

‫احترام سالمة الخليقة‬


‫‪ -2112‬تطلب الوصية السابعة احترام سالمة الخليقة‪ .‬فالحيوانات كالنباتات والكائنات الفاقدة‬
‫الحياة هي بطبيعتها مُعدة لخير البشرية العام‪ ،‬في الماضي والحاضر والمستقبل‪ .‬واستعمال‬
‫الموارد المعدنية والنباتية والحيوانية في العالم ال يمكن فصله عن احترام المقتضيات األخالقية‪.‬‬
‫فالسيادة التي أوالها الخالق لإلنسان على الكائنات الفاقدة الحياة واألخرى الحية ليست مطلقة‪،‬‬
‫ومقياسها االهتمام بوضع حياة القريب‪ ،‬وبضمنها األجيال القادمة‪ ،‬فهي تقتضي احتراما دينيا‬
‫لسالمة الخليقة‪.‬‬
‫‪ -2112‬الحيوانات خالئق هللا‪ .‬وهو يحوطها باهتمامه وعنايته‪ .‬وهي بوجودها ذاته تباركه‬
‫وتمجده‪ .‬لذلك على الناس واجبُ محاسنتها‪ .‬وال يفو ُتنا أن نذكر بأي لطف عامل الحيوانات‬
‫القديسون‪ ،‬من مثل فرنسيس األسيزي وفيليب نيري‪.‬‬
‫‪ -2112‬لقد وكل هللا الحيوانات إلى ادارة من خلقه على صورته‪ .‬لذلك من المشروع استعمال‬
‫الحيوانات للغذاء ولصنع الكساء‪ .‬ويمكن ترويضها لتساعد اإلنسان على أعماله وراحته‪.‬‬
‫والتجارب الطبية والعلمية على الحيوانات‪ ،‬هي ممارسات مقبولة أخالقيا‪ ،‬إذا بقيت في حدود‬
‫معقولة وأسهمت في معالجة الحياة البشرية وتخليصها‪.‬‬
‫‪ -2112‬تعذيب الحيوانات سدى‪ ،‬وهدر حياتها‪ ،‬يتعارضان والكرامة اإلنسانية‪ .‬وكذلك من غير‬
‫الالئق أن يُصرف في سبيلها مبال ُغ من المال يجب أوال ان تخفف الفاقة عند الناس‪ .‬يمكن أن نحب‬
‫الحيوانات‪ ،‬وال يسوغ أن نعطف إليها الحب الواجب لألشخاص وحدهم‪.‬‬
‫‪35‬‬
‫‪ .ً2‬عقيدة الكنيسة االجتماعية‬
‫‪" -2112‬الوحي المسيحي يقودنا إلى تفهم أعمق لنواميس الحياة االجتماعية"‪ .‬فالكنيسة تتقبل من‬
‫اإلنجيل الكشف الكامل لحقيقة اإلنسان‪ .‬وهي‪ ،‬عندما تتمم رسالتها في إعالن اإلنجيل‪ ،‬تؤكد‬
‫لإلنسان‪ ،‬باسم المسيح‪ ،‬كرامته الخاصة ودعوته إلى مشاركة األشخاص‪ .‬وتعلمه مقتضيات العدل‬
‫والسالم المتالئم َة والحكمة اإللهية‪.‬‬
‫‪ُ -2122‬تصدر الكنيسة حُكما أخالقيا في الشأن االقتصادي واالجتماعي‪" ،‬عندما تقتضي ذلك‬
‫حقوق اإلنسان األساسية أو خالص النفوس"‪ .‬وهي‪ ،‬في الموضوع األخالقي‪ ،‬تتعلق برسالة‬
‫متميزة من رسالة السلطات السياسية‪ :‬فالكنيسة تهتم بوجوه الخير العام الزمنية بسبب كونها معدة‬
‫للخير األسمى‪ ،‬غايتنا القصوى‪ .‬فتسعى إلى اإليحاء بمواقف عادلة في العالقة بالخيور األرضية‬
‫وفي العالئق االجتماعية االقتصادية‪.‬‬
‫‪ -2121‬تطورات عقيدة الكنيسة االجتماعية في القرن التاسع عشر عند تالقي اإلنجيل والمجتمع الصناعي‬
‫الحديث‪ ،‬وهيكلياته الجدية إلنتاج الخيور االستهالكية‪ ،‬ومفهومه الجديد للمجتمع‪ ،‬والدولة والسلطة‪ ،‬وصيغه‬
‫الجديدة للعمل والملكية‪ .‬وتطور عقيدة الشأن االقتصادي واالجتماعي يوكد استمرار قيمة تعليم الكنيسة‪ ،‬وفي‬
‫الوقت ذاته‪ ،‬المعنى الصحيح لتقليدها الحي الفاعل أبدا‪.‬‬
‫‪ -2122‬تعليم الكنيسة االجتماعي يتألف من مجموعة عقيدية تترابط أجزاؤها مسايرة تأوي َل‬
‫الكنيسة ألحداث التاريخ‪ ،‬في ضوء مجموع الكالم الذي أوحى به يسوع المسيح‪ ،‬وبمساعدة الروح‬
‫القدس‪ .‬وكلما ألهم هذا التعليم سلوك المؤمنين ازداد الناسُ ذوي النية الحسنة له تقبال‪.‬‬
‫‪ -2122‬تعرضُ عقيدةُ الكنيسة االجتماعية مبادئ للتفكير‪ .‬وتستخرج مقاييس للحُكم‪ ،‬و ُتعطي‬
‫توجيهات للعمل‪:‬‬
‫كل مذهب يقول بأن العالئق االجتماعية ُتحددها تماما العوامل االقتصادية هو مخالف لطبيعة الشخص البشري‬
‫وعماله‪.‬‬
‫‪ -2121‬ال يمكن القبول‪ ،‬من الوجهة األخالقية‪ ،‬بأي نظرية تجعل من الربح القاعدة الوحيدة‪،‬‬
‫والغاية القصوى‪ ،‬للنشاط االقتصادي‪ .‬فشهوة المال المنحرفة ال بد أن ُننتج مفاعيلها الخبيثة‪ .‬وهي‬
‫سبب من أسباب النزاعات الكثيرة التي تبلبل النظام االجتماعي‪.‬‬
‫َ‬
‫"المذهب الذي يُخضع حقوق األفراد والجماعات األساسية لنظام االنتاج الجماعي" يتعارضُ وكرامة اإلنسان‪.‬‬
‫وكل ممارسة ُتصير اآلشخاص وسائل فحسب‪ ،‬في سبيل الربح‪ ،‬تستعبد اإلنسان‪ .‬وتؤدي إلى عبادة المال صنما‪،‬‬
‫وتساهم في نشر اإللحاد‪" .‬ال تقدرون ان تعبدوا هللا والمال" (متى ‪ ، 13 :6‬لو ‪.)23 :26‬‬
‫‪ -2122‬لقد نبذت الكنيسة اإليديولوجيات التوتاليتارية واإللحادية المتشاركة‪ ،‬في األزمنة‬
‫المعاصرة‪ ،‬مع "الشيوعية" أو "االشتراكية"‪ .‬ورفضت‪ ،‬من جهة أخرى‪ ،‬ما في ممارسة‬
‫"الرأسمالية" من فردية وأولية مطلقة لشريعة السوق على العمل اإلنساني‪ .‬وتنظيم االقتصاد‬
‫بالتخطيط المركزي وحده يُفسد من األساس الروابط االجتماعية‪ ،‬وتنظيمه بشريعة السوق وحدها‬
‫يُخالف العدالة االجتماعية "ألن هناك احتيجات إنسانية كثيرة ال يمكن تلبيتها بالسوق" ‪ .‬يجب تأييد‬
‫تنظيم معقول للسوق‪ ،‬وللمبادرات االقتصادية‪ ،‬وفاقا لتراتبية قيم صحيحة في سبيل الخير العام‪.‬‬

‫االقتصادي والعدالة االجتماع ّية‬


‫ّ‬ ‫‪ .ً1‬النشاط‬
‫‪ -2122‬إن تطور األنشطة االجتماعية ونمو االنتاج مُعدان لتلبية احتياجات الكائنات البشرية‪ .‬وال‬
‫تهدف الحياة االقتصادية فقط ‪,‬على تكثير الخيور المنتجة وزيادة الربح أو القدرة‪ .‬إنها ُم َعدة أوال‬
‫لخدمة االشخاص‪ ،‬اإلنسان بكامله والجماع ِة البشرية بكليتها‪ .‬وال بد للنشاط االقتصادي‪ ،‬وهو‬
‫‪36‬‬
‫س في حدود النظام األخالقي‪ ،‬وفاقا للعدالة االجتماعية‪،‬‬ ‫ُمار َ‬
‫يُسير بحسب أساليبه الخاصة‪ ،‬من أن ي َ‬
‫لتلبية قصد هللا لإلنسان‪.‬‬
‫‪ -2122‬العمل اإلنساني يتأتى مباشرةٌُ من األشخاص المخلوقين على صورة هللا‪ ،‬والمدعوين‬
‫إلى ان يُمددوا‪ ،‬بعضُهم مع بعض‪ ،‬وبعضُهم ألجل بعض‪ ،‬عمل الخلق بالتسلط على األرض‪.‬‬
‫فالعمل إذن واجب‪" :‬إن كان أحد ال يريد أن يشتغل فال يأكل" (‪1‬تس‪ .)21 :3‬العمل يُكرم مواهب‬
‫هللا والوزنات المعطاة‪ .‬ويمكن أيضا أن يكون فدائيا‪ .‬فاإلنسان‪ ،‬باحتماله عناء العمل باالتحاد مع‬
‫عامل الناصرة والمصلوب على الجلجلة‪ ،‬يساهم بوجه من الوجوه مع ابن هللا في عمله‬ ‫ِ‬ ‫يسوع‪،‬‬
‫الفدائي‪ .‬ويتراءى تلميذا للمسيح في حمل صليبه‪ ،‬كل يوم‪ ،‬في النشاط الذي ُدعي إلى القيام به‪.‬‬
‫يمكن أن يكون العم ُل وسيلة للقداسة وإنعاشا لألمور األرضية في روح المسيح‪.‬‬
‫‪ -2122‬يمارس الشخص ويتمم بالعمل جزءا من االمكانات الموجودة في طبيعته‪ .‬وقيمة العمل‬
‫األساسية مرتبطة باإلنسان نفسه الذي هو صاحب العمل وغايته‪ .‬ألن العمل هو ألجل اإلنسان‬
‫وليس اإلنسان ألجل العمل‪.‬‬
‫يجب ان يتمكن كل واحد من استمداد معيشته ومعيشة ذويه من العمل‪ ،‬وخدمة الجماعة اإلنسانية‪.‬‬
‫‪ -2122‬لكل إنسان الحق في المبادرة االقتصادية‪ ،‬ومن المشروع ان يستعمل كل انسان مواهبه‬
‫للمساهمة في وفرة تفيد الجميع‪ ،‬ولجني الثمار العادلة من جهوده‪ .‬وال بد له من السهر على تطبيق‬
‫األنظمة التي تضعها السلطات الشرعية ألجل الخير العام‪.‬‬
‫‪ -2122‬تتناول الحياة االقتصادية مصال َح متنوعة‪ ،‬ومتعارضة مرارا‪ .‬وهكذا يُفهم حصول‬
‫النزاعات التي تتسم بها‪ .‬ويجب السعي إلى تخفيف هذه األخيرة بالمفاوضات التي تحترم ما لكل‬
‫شريك اجتماعي من حقوق‪ ،‬وما عليه من واجبات‪ ،‬من المسؤولين عن المؤسسات‪ ،‬إلى ممثلي‬
‫األ ُ َجراء‪ ،‬كالتنظيمات النقابية‪ ،‬والسلطات العامة إذا استدعي األمر‪.‬‬
‫‪ -2121‬مسؤول ّية الدولة‪" .‬إن النشاط االقتصادي‪ ،‬وعلى الخصوص‪ ،‬نشاط االقتصاد الذي َيع َت ِم ُد‬
‫السوق‪ ،‬ال يمكن أن يتم في فراغ من المؤسسات والقوانين والسياسة‪ .‬فهو يفترض تأمين ضمانات‬
‫للحريات الفردية وللملكية‪ ،‬مع عدم إغفال نقد ثابت وخدمات اجتماعية فعالة‪ .‬ولكن واجب الدولة‬
‫األساسي هو تأمين هذه الضمانات‪ ،‬حتى يستطيع الذين يعملون أن ينعموا بثمرة عملهم‪ ،‬ويشعروا‬
‫بالتالي أنهم مدفوعون إلى القيام به بفاعلية ونزاهة‪ .‬ويجب على الدولة أن تراقب وتقود تطبيق‬
‫الحقوق اإلنسانية في القطاع اإلقتصادي‪ ،‬ولكن المسؤولية األولى‪ ،‬في هذا المجال‪ ،‬ال تقع على‬
‫الدولة وإنما على المؤسسات ومختلف األفرقاء والشركات التي تكون المجتمع"‪.‬‬
‫‪ -2122‬يضطلع المسؤولون عن المؤسسة أمام المجتمع بالمسؤولية االقتصادية والبيئية عن‬
‫أعمالهم‪ .‬وعليهم أن يعتدوا بخير األشخاص وليس فقط بزيادة األرباح‪ .‬ولكن هذه ضرورية‪ .‬فهي‬
‫تمكن من الحصول على االستثمارات التي تؤمن مستقبل المؤسات‪ .‬وهي تضمن العمل‪.‬‬
‫‪ -2122‬يجب ان يكون الولوج إلى العمل وإلى المهنة مُش َرعا للجميع دون تمييز مُجحِف‪ ،‬بين‬
‫رجال ونساء‪ ،‬معافين ومعاقين‪ ،‬مواطنين ومهاجرين‪ .‬وعلى المجتمع‪ ،‬بحسب الظروف‪ ،‬أن‬
‫يتحمل نصيبه من مساعدة المواطنين على الحصول على عمل ووظيفة‪.‬‬
‫ُ‬
‫االحتفاظ بها أن يكون‬ ‫‪ -2121‬األجرة العادلة هي ثمرة العمل المشروعة‪ .‬ويمكن رفضها أو‬
‫إجحافا خطيرا‪ .‬وال بد‪ ،‬في سبيل تقدير األجرة العادلة‪ ،‬من االعتداد‪ ،‬في آن واحد‪ ،‬بحاجات كل‬
‫واحد ومساهمته ‪" .‬يجب ان يؤجر العمل أجرا يمكن اإلنسان من أن يعيش هو وذووه عيشة مادية‬
‫واجتماعية وثقافية وروحية كريمة‪ ،‬وذلك بالنسبة إلى وظيفة كل واحد‪ ،‬وطاقته االنتاجية‪ ،‬وإلى‬
‫أوضاع المؤسسة‪ ،‬وإلى الخير العام"‪ .‬وال يكفي اتفاق األفرقاء لتبرير مبلغ األجرة تبريرا أخالقيا‪.‬‬

‫‪37‬‬
‫‪ -2122‬يكون االضراب مشروعا من الوجهة األخالقية عندما يصبح المالذ الذي ال بد منه‪ ،‬إن لم‬
‫يكن الضروري‪ ،‬في سبيل فائدة مناسبة‪ .‬وهو يُصبح غير مقبول أخالقيا عندما يصحبه العنف‪ ،‬أو‬
‫ُتح َّدد له أهداف ال ترتبط مباشرة بظروف العمل أو تتعارض والخير العام‪.‬‬
‫‪ -2122‬ليس من العدل اإلمتناع عن دفع االشتراكات التي تحددها السلطات الشرعية ألجهزة‬
‫الضمان االجتماعي‪.‬‬
‫لحق بكرامته‬
‫الحرمان من العمل بسبب البطالة يكاد يكون دائما‪ ،‬بالنسبة إلى ضحيته‪ ،‬ضررا َي َ‬
‫وتهديدا ُ لتوازن حياته‪ .‬وتنتج منه‪ ،‬عالوة على الضرر الشخصي‪ ،‬أخطار كثيرة لبيته وأسرته‪.‬‬

‫‪ .ً2‬العدالة والتضامن بين األمم‬


‫‪ -2122‬إن التفاوت في الموارد والوسائل االقتصادية‪ ،‬على الصعيد الدولي‪ ،‬كبير بحيث يُحدث‬
‫بين األمم "هوة" حقيقية‪ .‬فهناك من جهة َمن يملكون ويطورون وسائل النمو‪ ،‬ومن جهة أخرى‪،‬‬
‫من ير َكمون الديون‪.‬‬
‫‪ -2122‬هناك اسباب متنوعة‪ ،‬دينية وسياسية واقتصادية ومالية‪ ،‬تولي اليوم "المسألة االجتماعية‬
‫بُعدا عالميا"‪ .‬إن التضامن ضروري بين األمم المرتبطة سياستها بعضها ببعض‪ .‬وهو محتوم‬
‫أكثر عندما يعني األمر إيقاف "اآلليات الخبيثة" التي تعوق نمو البلدان األقل تقدما‪ .‬بحسب‬
‫استبدال أنظمة مالية تعسفية‪ ،‬إن لم تكن مرابية‪ ،‬وعالئق تجارية جائرة بين األمم‪ ،‬وسباق التسلح‪،‬‬
‫بمسعى مشترك إلى تبعة الموارد ألجل أهداف تطور أخالقي وثقافي واقتصادي‪" ،‬بإعادة تحديد‬
‫األوليات ومقاييس القيم"‪.‬‬
‫‪ -2122‬على األمم الغن ّية مسؤولية أخالقية خطيرة تجاه تلك التي تعجز بنفسها عن تأمين وسائل‬
‫تطورها‪ ،‬أو التي منعتها من ذلك أحداث تاريخية مأسوية‪ .‬إنه واجب تضامن ومحبة‪ .‬إنه أيضا‬
‫واجب عدالة‪ ،‬إذا كان رخاء األمم الغنية متأتيا من موارد لم يُدفع ثم ُنها بإنصاف‪.‬‬
‫‪ -2112‬المساعدة الفورية هي تلبية مناسبة لحاجات فورية وغير عادية تسببها مثال الكوارث‬
‫الطبيعية‪ ،‬واألوبئة الخ‪ .‬ولكنها ال تكفي للتعويض من األضرار الجسيمة الناتجة من حاالت َعوز‪،‬‬
‫وال لتلبية االحتياجات باستمرار‪ .‬يجب أيضا إصالح المؤسسات االقتصادية والمالية الدولية‬
‫لتعزز‪ ،‬على وجه أفضل‪ ،‬عالئق منصفة بالبلدان األق َّل تقدما‪ .‬ويجب مساندة سعي البلدان الفقيرة‬
‫العاملة على نموها وتحررها‪ .‬وهذه العقيدة تتطلب الممارسة بوجه خاصٍّ جدا في مجال العمل‬
‫الزراعي‪ .‬فالفالحون‪ ،‬خصوصا في العالم الثالث‪ ،‬يكونون المجموعة الكبرى من الفقراء‪.‬‬
‫ومعرفة الذات هو في أساس كل تنمية كاملة في المجتمع‬ ‫ُ‬ ‫‪ -2111‬إن إنماء اإلحساس باهلل‬
‫البشري‪ .‬وهذه التنمية ُتكثر الخيرات المادية وتضعها في خدمة الشخص وحريته‪ ،‬وتخفف العوز‬
‫واالستغالل االقتصاديين‪ ،‬وتنمي احترام الهويات الثقافية واالنفتاح على التسامي‪.‬‬
‫‪ -2112‬ليس من اختصاص رعاة الكنيسة التدخل المباشر في البناء السياسي وتنظيم الحياة‬
‫االجتماعية‪ .‬فهذه المهمة جزء من دعوة المؤمنين العلمان ّيين‪ ،‬العاملين بمبادرتهم الخاصة مع‬
‫مواطنيهم‪ .‬ويمكن ان يكون للعمل االجتماعي ُسبُل واقعية متعددة‪ .‬ويجب ان يكون أبدا ألجل‬
‫الخير العام‪ ،‬ومتوافقا مع الرسالة اإلنجيلية والتعليم الكنسي‪ .‬ويعود إلى المؤمنين العلمانيين "أن‬
‫يُحيوا الشؤون الزمنية بغيرة مسيحية‪ ،‬وأن يسلكوا فيها َكفعلة سالم وعدالة"‪.‬‬

‫‪ .ً2‬مح ّبة الفقراء‬

‫‪38‬‬
‫ويرذل من يُعرضون عنهم‪" :‬من سألك فأعطه‪ ،‬ومن‬ ‫ُ‬ ‫‪ -2112‬يبارك هللا من يساعدون الفقراء‪،‬‬
‫أراد أن يقترض منك فال تحول وجهك عنه" (متى ‪" .)31 :5‬مجانا أخذتم‪ ،‬مجانا أعطوا"‪( .‬متى‬
‫‪ .)2 :21‬وسيعرف يسوع المسيح مختاريه بما يكونون قد فعلوه ألجل الفقراء‪ .‬وعندما "يبشر‬
‫المساكين" (متى ‪ ،)5 :22‬تكون عالمة حضور المسيح‪.‬‬
‫‪" -2111‬ان محبة الكنيسة للفقراء جزء من تقليدها المستمر"‪ .‬وهي من وحي إنجيل التطويبات‪،‬‬
‫وفقر يسوع‪ ،‬والتفاته إلى الفقراء‪ .‬ال بل إن محبة الفقراء هي أحد البواعث على واجب العمل‪،‬‬
‫حتى يكون لإلنسان ما يُشرك فيه المحتاج‪ .‬وهي ال تمتد إلى الفقر المادي فحسب وإنما أيضا إلى‬
‫ما للفقر الثقافي والديني من أشكال عديدة‪.‬‬
‫‪ -2112‬التتوافق محبة الفقراء والمغاالة في مح ّبة األموال أو استعمالها األناني‪:‬‬
‫"هلم اآلن أيها األغنياء‪ .‬إبكوا َو َول ِولوا للشقاوات التي ستنتابكم‪ .‬إن ثراءكم قد َعفِن‪ ،‬وثيابكم أكلها العُث‪ .‬ذهبُكم‬
‫صدِئا‪ ،‬وصدأهما سيشهد عليكم ويأكل لحومكم كالنار‪ .‬لقد ادخرتم لأليام األخيرة! وها إن أُجرة َ‬
‫العملة‬ ‫وفض ُتكم قد َ‬
‫الذين حصدوا حقولكم‪ ،‬تلك التي قد بخستموهم إياها‪ ،‬تصرخ‪ ،‬وصراخ إولئك الحصادين قد بلغ إلى أذني رب‬
‫الصبؤوت‪ .‬لقد تنعمتم على األرض وترف ُتم‪ ،‬وأشبع ُتم قلوب ُكم ليوم الذبح‪ .‬لقد حكمتم على البار وقتلتموه وهو ال‬
‫يُقاومكم" (يع‪.)6-2 :5‬‬
‫‪ -2112‬يذكر بذلك القديس يوحنا الذهبي الفم بشدة قائال‪" :‬إن االمتناع عن جعل الفقراء يشاركون‬
‫في خيراتنا الخاصة‪ ،‬هو سرقة لهم واستالب لحياتهم‪ .‬والخيرات التي نحوزها ليست لنا وإنما هي‬
‫لهم"‪" .‬ال بد أوال من تلبية مقتضيات العدل‪ ،‬خوفا ُ من أن نهب كعطية محبة ما هو واجب من باب‬
‫العدل"‪.‬‬
‫"عندما نعطي الفقراء األشياء التي ال غنى عنها‪ ،‬فنحن ال نجود عليهم بهبات‪ ،‬ولكن نعيد إليهم ما هو لهم‪ .‬إننا‬
‫نقوم بواجب عدالة أكثر مما نقوم بفعل محبة"‪.‬‬
‫‪ -2112‬أعمال الرحمة هي أعمال المحبة التي نساعد بها القريب في ضروراته الجسدية‬
‫والروحية‪ .‬التعليم‪ ،‬والنصح‪ ،‬والتعزية‪ ،‬وتقوية العزم هي أعمال رحمة روحية مثل المغفرة‬
‫واالحتمال بصبر‪ .‬وتقوم أعمال الرحمة الجسدية خصوصا على إطعام الجياع‪ ،‬وإيواء من ليس‬
‫لهم منزل‪ ،‬وإكساء ذوي الثياب الرثة‪ ،‬وعيادة المرضى وزيارة السجناء ودفن الموتى‪ .‬بين هذه‬
‫األعمال اإلحسان إلى الفقراء هو من الدالالت الرئيسة على المحبة األخوية‪ :‬وهو ممارسة للعدالة‬
‫ُترضي هللا‪.‬‬
‫"من له ثوبان فليُعطِ من ليس له‪ ،‬ومن له طعام فليفعل كذلك" (لو ‪" .)22 :3‬تصدقوا بالحري بما في وسعكم‪،‬‬
‫وكل شيء يكون طاهرا لكم" (لو ‪" .)32 :22‬إن كان أخ أو أخت عريانين وهما في عوز إلى قوتهما اليومي‪،‬‬
‫فقال لهما أح ُدكم‪" :‬إذهبا في سالم‪ ،‬استدفئا واشبعا"‪ ،‬ولم تعطوهما مما هو من حاجة الجسد‪ ،‬فما المنفعة؟" (يع ‪:1‬‬
‫‪.)26-25‬‬
‫‪" -2112‬إن الضيقة البشرية‪ ،‬في أشكالها المتعددة ‪ :‬ال َعوز المادي‪ ،‬والضغط الجائر‪ ،‬واألسقام‬
‫الجسدية والنفسية‪ ،‬وأخيرا الموت‪ ،‬هي الداللة الواضحة على وضع الضعف المالزم لإلنسان منذ‬
‫مولده‪ ،‬والذي يرافقه منذ الخطيئة األولى‪ ،‬وعلى حاجته للخالص‪ .‬لذلك اجتذبت شفق َة المسيح‬
‫المخلص‪ ،‬الذي أراد أن يأخذها على عاتقه‪ ،‬ويتماهى مع "األصاغر من بين اخوته" (متى ‪3 :15‬‬
‫حب وتفضيل من قبل الكنيسة التي ما برحت منذ‬ ‫‪ .)35 ،‬لذلك فالذين يُعانونها هم موضوع ّ‬
‫بدايتها‪ ،‬ورغما عن أوهان الكثيرين من أعضائها‪ ،‬تعمل على مساعدتهم والدفاع عنهم وتحريرهم‪.‬‬
‫وقد فعلت ذلك بأعمال خيرية ال ُتحصى وباقية ضرورية في كل زمان ومكان"‪.‬‬
‫‪ -2112‬منذ العهد القديم‪ ،‬أنواع كثيرة من االجراءات القانونية (مثل سنة اإلبراء‪ ،‬وحظر‬
‫اإلقراض بالفائدة‪ ،‬وأخذ الرهن‪ ،‬وواجب العُشر‪ ،‬وإيفاء العامل المُياوم أجرته يوميا‪ ،‬والحق في‬
‫‪39‬‬
‫الخصاصة ولقط نثار الحصيد) تلبي تحريض تثنية االشتراع‪" :‬إن األرض ال تخلو من فقير‪،‬‬
‫ولذلك أنا آمرك اليوم قائال‪ :‬أُبسط َيدك ألخيك المسكين والفقير الذي في أرضك" (تث‪.)22 :25‬‬
‫ويسوع يجعل هذا الكالم كالمه قائال‪" :‬الفقراء في كل حين عندكم‪ ،‬أما أنا فلست على الدوام‬
‫معكم" (يو‪ .)2 :21‬وهو بذلك ال يُبطل عُنف النبؤات القديمة‪" :‬ألنهم يشترون الضعفاء بالفضة‬
‫والفقير ب َنعلَين" (عا‪ ،)6 :2‬ولكنه يدعونا إلى االعتراف بوجود الفقراء الذين هم إخوته‪.‬‬
‫قالت القديسة روز الليماوية ألمها‪ ،‬عندما المتها على أنها ُتعيل في البيت فقراء وسقماء‪" :‬ما دمنا نخدم‬
‫المرضى‪ ،‬فنحن رائحة المسيح الطيبة"‪.‬‬

‫بإيجاز‬
‫‪" -2122‬ال تسرق" (تث ‪" .22 :5‬ال السارقون وال الطماعون وال الخطفة يرثون ملكوت هللا"‬
‫(‪2‬كو ‪.)21 :1‬‬
‫‪ -2121‬تامر الوصية السابعة بممارسة العدالة والمحبة في إدارة الخيرات األرضية وثمار عمل‬
‫الناس‪.‬‬
‫‪ -2122‬إن خيرات الخليقة مُعدة للجنس البشري بأجمعه‪ .‬والحق في الملكية الخاصة ال يُبطل كون‬
‫الخيرات مع َّدة للجميع‪.‬‬
‫‪ -2122‬تنهي الوصية السابعة عن السرقة‪ .‬والسرقة هي اغتصاب مال القريب خالفا إلرادة‬
‫المالك المعقولة‪.‬‬
‫‪ -2121‬كل طريقة ألخذ مال القريب واستعماله دون وجه حق هي مخالفة للوصية السابعة‪.‬‬
‫والظلم الذي ار ُتكب يقتضي التعويض‪ .‬والعدالة التبادلية تقتضي إعادة المال الذي سُلب‪.‬‬
‫‪ -2122‬تحظر الشريعة األخالقية األفعال التي تؤدي‪ ،‬لغايات تجارية أو توليتارية‪ ،‬إلى استعبا ِد‬
‫الكائنات البشرية وشرائها وبيعها ومقايضتها كبضاعة‪.‬‬
‫‪ -2122‬إن السيادة التي أوالها الخالق على الموارد المعدنية والنباتية والحيوانية في العالم ال‬
‫يمكن فص ُلها عن احترام الواجبات األخالقية‪ ،‬وبضمنها الواجبات تجاه األجيال القادمة‪.‬‬
‫‪ -2122‬لقد وُ كلت الحيوانات إلى إدارة اإلنسان وهو مُلزم بمحاسنتها‪ .‬ويمكن أن تخدم تلبية‬
‫احتياجات اإلنسان الصوابية‪.‬‬
‫ُ‬
‫حقوق‬ ‫‪ُ -2122‬تصدر الكنيسة حُكما في الشأن اإلقتصادي واالجتماعي عندما تقتضي ذلك‬
‫الشخص األساسية أو خالص النفوس‪ .‬وهي ُتعني بالخير العام الزمني للناس بداعي كونهم ُم َعدين‬
‫للخير األسمى‪ ،‬غايتنا القصوى‪.‬‬
‫ُ‬
‫مركزها وغايتها‪.‬‬ ‫‪ -2122‬إن اإلنسان هو نفسه صان ُع كل حياة إقتصادية واجتماعية‪ ،‬وهو‬
‫والنقطة الحاسمة في المسألة االجتماعية هي أن تصل الخيرات التي خلقها هللا ألجل الجميع فِعال‬
‫إلى الجميع‪ ،‬وفاقا للعدل وبمساعدة المحبة‪.‬‬
‫‪ -2122‬ترتبط قيمة العمل األساسية باإلنسان نفسه‪ ،‬الذي هو صانع العمل وغايته‪ .‬ويشترك‬
‫اإلنسان بعمله في عمل الخلق‪ .‬وباالتحاد بالمسيح يمكن أن يصبح العمل فدائيا‪.‬‬
‫ُ‬
‫تنمية اإلنسان بكامله‪ .‬والمطلوب هو زيادة إمكانية ك ِّل شخص أن‬ ‫ُ‬
‫التنمية الحقيقية هي‬ ‫‪-2121‬‬
‫يلبي دعوته أي نداء هللا‪.‬‬
‫‪ -2122‬إن اإلحسان إلى الفقراء دليل على المحبة األخوية‪ .‬وهو أيضا ممارسة للعدالة ترضي‬
‫هللا‪.‬‬

‫‪40‬‬
‫‪ -2122‬كيف يمكن أن ال يُعرف‪ ،‬في جمهور الكائنات البشرية المفتقرة إلى الخبز والسقف‬
‫والمكان‪ ،‬لعازر المستعطي الجائع‪ ،‬المذكور في المثل؟ وكيف ال يُس َمع يسوع قائال‪" :‬إل َى أيضا لم‬
‫تصنعوه" (متى ‪.)55 :25‬‬

‫المقال الثامن‬
‫الوص ّية الثامنة‬

‫قريبك شهادة زور" (خروج ‪.)26 :11‬‬


‫َ‬ ‫"ال تشهد على‬
‫"لقد قيل لألقدمين‪ :‬ال تحنث بل أوف للرب بأيمانِك" (متى ‪.)33 :5‬‬
‫‪ -2121‬تنهي الوصية الثامنة عن تمويه الحقيقة في العالئق بالغير‪ .‬وهذه الفريضة األخالقية‬
‫ناتجة من دعو ِة الشعب البار إلى أن يكون شاهدا إللهه الذي هو الحقيقة ويريد الحقيقة‪ .‬تعبر‬
‫انتهاكات الحقيقة باألقوال أو األفعال عن رفض االلتزام باالستقامة األخالقية‪ .‬إنها خيانات للرب‬
‫أساسية‪ ،‬وبهذا المعنى‪ ،‬إنها ُتقوض العهد من أساسه‪.‬‬

‫‪ .ً1‬العيش في الحق‬
‫حق‪ .‬وكالمه حق‪ .‬وشريع ُته حق‪" .‬أمان ُته إلى جيل‬ ‫‪ -2122‬يؤكد العهد القديم أنّ هللا هو مصدر كل ّ ّ‬
‫فجيل" (مز ‪ .)11 :221‬بما أن هللا هو "الصادق" (رو ‪ ،)3 :3‬فأعضا ُء شعبه مدعوون إلى أن‬
‫يعيشوا في الحق‪.‬‬
‫ُ‬
‫حقيقة هللا كاملة‪ .‬إنه الممتل ُئ نعمة وحقا‪ ،‬إنه "نور العالم" (يو‬ ‫‪ -2122‬في يسوع المسيح ظهرت‬
‫الحق‪ .‬كل من يؤمن به ال يمكث في الظالم‪ .‬وتلميذ يسوع يلبث في كالمه ليعرف‬ ‫ّ‬ ‫‪ ،)21 :2‬إ ّنه‬
‫الحق الذي يحرر ويقدس‪ .‬اتباع يسوع هو العيش بروح الحق الذي يرسله اآلب باسمه‪ ،‬والذي‬ ‫َّ‬
‫يقود إلى "الحقيقة كلها" (يو ‪ .)23 :26‬وقد علم يسوع تالميذه محبة الحقيقة على اإلطالق‪" :‬ليكن‬
‫كالم ُكم‪ :‬نعم؟ نعم‪ ،‬ال؟ ال" (متى ‪.)37 :5‬‬
‫ُلزم بإكرامها وإثباتها‪" :‬جميع الناس‪ ،‬بمقتضى‬ ‫‪ -2122‬اإلنسان يتوجه طبيعيا نحو الحقيقة‪ .‬وهو م َ‬
‫كرامتهم‪ ،‬ألنهم أشخاص‪ ،‬محمولون بطبيعتهم نفسها على السعي إلى الحقيقة‪ ،‬وأوال ُ تلك التي‬
‫ُلزمون أيضا باعتناق الحقيقة حالما‬ ‫ُلزمون بذلك بواجب أخالقي‪ .‬إنهم م َ‬‫تتعلق بالدين‪ ،‬وهم م َ‬
‫يعرفونها‪ ،‬وأن يُنظموا حياتهم كلها وفاقا لمقتضيات الحقيقة"‪.‬‬
‫‪ -2122‬تدعى الحقيقة‪ ،‬من حيث هي استقامة في األفعال واألقوال البشرية‪ ،‬صدقا‪ ،‬وإخالصا‪،‬‬
‫يبدو اإلنسان صادقا في أفعاله‬‫وصراحة‪ .‬الحقيقة أو الصدق هي الفضيلة التي تقوم على أن َ‬
‫وصادقا في أقواله‪ ،‬حاذرا االزدواجية والتظاهر والمراءاة‪.‬‬
‫‪" -2122‬ال يستطيع الناس ان يتعايشوا إذا لم يكن بينهم ثقة متبادلة‪ ،‬أي إذا لم يتكاشفوا بالحقيقة"‪.‬‬
‫إن فضيلة الحقيقة تعيد لآلخر ما له فيه حق‪ .‬والصدق يقيم في الوسط بين ما يجب قوله والسر‬
‫الذي يجب الحفاظ عليه‪ :‬إنه يتضمن النزاهة والرصافة‪ .‬ومن باب العدل‪" ،‬اإلنسان مُلزم بكشف‬
‫الحقيقة لآلخر بإخالص"‪.‬‬
‫تلميذ المسيح "بالعيش في الحق"‪ ،‬أي في بساطة حياة‪ ،‬تتوافق ومثل الرب‪ ،‬وتبقى‬ ‫ُ‬ ‫‪ -2122‬يقبل‬
‫في حقيقته‪" :‬فإن نحن قلنا‪ :‬إن لنا شركة معه وسلكنا في الظلمة‪ ،‬فإنا نكذب وال نعمل بالحق" (‪2‬‬
‫يو ‪.)6 :2‬‬
‫‪41‬‬
‫ّ‬
‫للحق"‬ ‫‪" .ً2‬الشهادة‬
‫‪ -2121‬أعلن المسيح أمام بيالطس أنه جاء إلى العالم ألجل أن يشهد للحق‪ .‬وليس للمسيحي "أن‬
‫يخجل بتأدية الشهادة للرب" (‪1‬تي ‪ .)2 :2‬وعلى المسيحي‪ ،‬في الظروف التي تستدعي تأكيد‬
‫اإليمان‪ ،‬أن يُعل َنه دون التباس‪ ،‬على مثال بولس أمام قضائه‪ .‬عليه أن يحتفظ "بضمير بال عيب‪،‬‬
‫أمام هللا والناس" (أع ‪.)26 :13‬‬
‫‪ -2122‬إن واجب المسيحيين في المساهمة في حياة الكنيسة يُدخلهم إلى السلوك كشهود لإلنجيل‬
‫ولاللتزامات التي تنتج من ذلك‪ .‬وهذه الشهادة هي نقل اإليمان باألقوال واألفعال‪ .‬والشهادة هي‬
‫فعل عدالة يُنشيء الحقيقة أو يُعرِّ ف بها‪.‬‬
‫َ‬
‫"جميع المسيحيين أينما كانوا ملزمون بأن يُظهروا بمثل حياتهم وشهادة كالمهم‪ ،‬اإلنسان الجديد الذي لبسوه‬
‫بالمعمودية‪ ،‬وقوة الروح القدس الذي شددهم بالمسيح بالميرون"‪.‬‬
‫‪ -2122‬االستشهاد هو الشهادة السميا لحقيقة اإليمان‪ ،‬إنه يعني شهادة تصل حتى الموت‪ .‬والشهيد‬
‫يؤدي شهادة للمسيح الذي مات وقام‪ ،‬والذي هو متحد به بالمحبة‪ .‬إنه يؤدي شهادة لحقيقة اإليمان‬
‫والعقيدة المسيحية‪ .‬وهو يحتمل الموت بفعل قوة‪" .‬دعوني أصير طعاما للوحوش‪ .‬فيها سأُع َطى‬
‫البلوغ إلى هللا"‪.‬‬
‫‪ -2121‬لقد جمعت الكنيسة بعناية كبيرة تذكارات أولئك الذين بلغوا إلى النهاية ليؤكدوا إيمانهم‪.‬‬
‫ُ‬
‫محفوظات الحقيقة المكتوبة بحروف من دم‪:‬‬ ‫فكانت أعمال الشهداء‪ .‬إنها‬
‫أملك‬
‫َ‬ ‫"ال شيء يفيدني من مفاتن العالم وممالك هذا الدهر‪َ .‬‬
‫أفض ُل لي أن أموت (ألتحد) بالمسيح يسوع‪ ،‬من أن‬
‫على أقاصي األرض‪ .‬هو الذي ألتمسه‪ ،‬من مات ألجلنا‪ .‬هو الذي اريده من قام ألجلنا‪ .‬والدتي تقترب"‪.‬‬

‫َ‬
‫حفظت وعدك يا إله‬ ‫"أباركك ألنك رأيتني أهال لهذا النهار وهذه الساعة‪ ،‬أهال ألن أُحصى في عداد شهدائك‪ .‬لقد‬
‫األمانة والحقيقة‪ .‬ألجل هذه النعمة وألجل كل شيء أسبحُك وأباركك وأمجدك برئيس الكهنة األبدي السماوي‬
‫يسوع المسيح ابنك الحبيب‪ .‬به هو الكائن معك ومع الروح‪ ،‬فلي َ‬
‫ُعط لك المج ُد اآلن وفي األجيال اآلتية آمين"‪.‬‬

‫‪ .ً2‬انتهاكات الحقيقة‬
‫‪ -2122‬إن تالميد المسيح "قد لبسوا اإلنسان الجديد الذي ُخلق على مثال هللا في البر وقداسة‬
‫يطرحوا كل خبث وك َّل مكر‪،‬‬ ‫الحق" (أف ‪" .)13 :3‬لقد نبذوا الكذب" (أف ‪ ،)15 :3‬وعليهم أن َّ‬
‫وكل أشكال الرئاء والحسد واالغتياب" (‪ 2‬بط ‪.)2 :1‬‬
‫‪ -2122‬شهادة الزور والحِنث‪ .‬يلتبس الكال ُم المخالف للحقيقة‪ ،‬عندما يصدر علنا‪ ،‬خطورة‬
‫خاصة‪ .‬وهو يصبح أمام المحكمة شهادة زور‪ .‬وعندما يُسن ُد بقسم يصبح حِنثا‪ .‬وهذه األنماط في‬
‫السلوك تساهم إما في الحُكم على البريء‪ ،‬وإما في تبرئة مذنب‪ ،‬وإما في زيادة العقوبة التي تقع‬
‫على المتهم‪ .‬إنها ُتعرِّ ض لخطر جسيم ممارس َة العدالة واإلنصاف في الحُكم الذي يُصدره القضاة‪.‬‬
‫‪ -2122‬احترام سمعة األشخاص يمنع من كل موقف وكل كالم يمكن أن يسبب لهم ضررا دون‬
‫حق ‪ .‬يكون مذنبا‪:‬‬
‫‪ -‬بحكم جائر من يرضى ولو صامتا بحقيقة وجود نقيضة أخالقية عند القريب دون أساس كاف‪.‬‬
‫‪ -‬بالنميمة من يكشف عيوب الغير وذنو َبه ألشخاص يجهلونها‪ ،‬دون سبب قائم موضوعيا‪.‬‬
‫‪ -‬باإلفتراء‪ ،‬من يسيء إلى سمعة اآلخرين‪ ،‬بكالم مخالف للحقيقة‪ ،‬ويُفسح في المجال ألحكام‬
‫كاذبة عليهم‪.‬‬

‫‪42‬‬
‫يحرص كل واحد على أن يُفسر أفكار قريبه وأقواله‬ ‫َ‬ ‫‪ -2122‬لتجنب الحُكم الجائر يجب أن‬
‫وأفعاله‪ ،‬تفسيرا يكون لمصلحته‪ ،‬على قدر المستطاع‪:‬‬
‫"كل مسيحي صالح مُلزم بأن يكون أسرع إلى إنقاذ كالم القريب منه إلى القضاء عليه‪ .‬وإذا لم يكن سبيل إلى‬
‫اإلنقاذ فليُسأَل كيف يفهمه‪ .‬وإذا كان يُسيء فه َمه فليُصلح بمحبة‪ .‬وإذا لم يكفِ ذلك فيجب السعي إلى كل وسيلة‬
‫مناسبة حتى إذا فهمه جيدا يكون له الخالص"‪.‬‬
‫‪ -2122‬النميمة واالفتراء يهدمان سمعة القريب وشرفه‪ .‬والشرف هو الشهادة االجتماعية التي‬
‫تؤدي للكرامة البشرية‪ ،‬وكل إنسان له حق طبيعي في شرف اسمه‪ ،‬وفي سُمعته‪ ،‬وفي االحترام‪.‬‬
‫وهكذا تسيء النميمة واالفتراء إلى فضيلتي العدل والمحبة‪.‬‬
‫‪ -2122‬يجب نبذ كل كلمة أو موقف يشجعان أو يُثبتان الغير في شر أعماله وخبث سلوكه‪ ،‬وكانا‬
‫على سبيل اإلطراء أو التملّق أو المجاملة‪ .‬والتملق يكون ذنبا كبيرا أذا كان تواطؤا ُ على الرذائل‬
‫والخطايا الجسيمة‪ .‬وال ُتبرر الرغبة في الخدمة أو الصداقة االزدواجية في الكالم‪ .‬والتملق خطيئة‬
‫خفيفة‪ ،‬إذا كان القصد منه فقط المحاسنة‪ ،‬أو تجنب شر‪ ،‬أو لسبب اضطراري‪ ،‬أو الحصول على‬
‫منفعة مشروعة‪.‬‬
‫التبجح أو التباهي ذنب يخالف الحقيقة‪ .‬وكذلك االستهزاء الهادف إلى انتقاص إنسان‬ ‫ّ‬ ‫‪-2121‬‬
‫بتشويه هذا أو ذاك من أنماط سلوكه‪ ،‬وبطريقة مسيئة‪.‬‬
‫‪" -2122‬الكذب هو قول ما ليس صحيحا بنية الخداع"‪ .‬والرب يشجب في الكذب عمال من أعمال‬
‫الشيطان‪" :‬إن أباكم إبليس‪ .‬إنه ال حق فيه‪ :‬فإذا ما نطق بالكذب‪ ،‬فإنما يتكلم بما عنده‪ ،‬ألنه كذوب‬
‫وأبو الكذب" (يو ‪.)33 :2‬‬
‫‪ -2122‬الكذب هو انتهاك الحقيقة بالوجه األشد مباشرة‪ .‬والكذب هو القول أو الفعل خالفا للحقيقة‬
‫ك عالقة اإلنسان وكالمه‬ ‫للتضليل‪ .‬والكذب‪ ،‬بإساءته إلى عالقة اإلنسان بالحقيقة والقريب‪ ،‬ينته ُ‬
‫األساسية بالرب‪.‬‬
‫‪ -2121‬تقاس جسامة الكذب بطبيعة الحقيقة التي يشوهها‪ ،‬وظروف من يرتكبه ونياته‪،‬‬
‫واألضرار الالحقة بضحاياه‪ .‬وإذا كان الكذب في حد ذاته خطيئة خفيفة‪ ،‬فهو يصبح مميتا عندما‬
‫يُلحق أذى كبيرا بفضيلتي العدل والمحبة‪.‬‬
‫‪ -2122‬يستدعي الكذب بطبيعته الحُكم عليه‪ .‬فهو تدنيس للكالم الذي مهم ُته إبالغ اآلخرين الحقيقة‬
‫المعروفة‪ .‬والقصد المتعم ُد لتضليل القريب بأقوال مخالفة للحقيقة هو إساءة إلى العدل والمحبة‪.‬‬
‫وتكون المسؤولية أكبر عندما يكون هناك خطر في أن نية الخِداع تؤدي إلى نتائج وخيمة بالنسبة‬
‫ُصرفون عن الحقيقة‪.‬‬‫إلى من ي َ‬
‫‪ -2122‬الكذب (بكونه انتهاكا لفضيلة الصدق)‪ ،‬هو عنف حقيقي على الغير‪ .‬إنه يصيبه في‬
‫العقول وكل‬ ‫بذار انقسام‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫بلوغ المعرفة التي هي شرط ك ِّل حُكم وكل قرار‪ .‬وهو يحتوي ِ‬ ‫إمكانية‬
‫الشرور التي يسببُها‪ .‬والكذب مضر بكل مجتمع‪ .‬فهو يهدم الثقة بين الناس‪ ،‬ويمزق نسيج العالئق‬
‫االجتماعية‪.‬‬
‫‪ -2122‬كل ذنب يُرتكب ويكون مخالفا للعدل والحقيقة يستدعي واجب التعويض‪ ،‬وإن نال‬
‫صاحبه الغفران‪ .‬وعندما يستحيل التعويض علنا من أذى‪ ،‬فيجب التعويض في السر‪ .‬وإذا كان من‬
‫غير الممكن تعويض المتضرر مباشرة‪ ،‬فيجب تعويضه معنويا‪ ،‬باسم المحبة‪ .‬وواجب التعويض‬
‫هذا يُلزم أيضا بالنسبة إلى الذنوب التي تنتهك سمعة الغير‪ .‬ويجب قياس هذا التعويض المعنوي‪،‬‬
‫وأحيانا المادي‪ ،‬بمقدار األذى الالحق‪ .‬وهو ملزم ضميريا‪.‬‬

‫‪ .ً1‬احترام الحقيقة‬
‫‪43‬‬
‫الحق في إبالغ الحقيقة ليس بال شروط‪ .‬وعلى كل واحد أن يجعل حياته منسجمة‬ ‫ّ‬ ‫‪-2122‬‬
‫ينظر اإلنسان في كشف‬ ‫َ‬ ‫وفريض َة المحبة األخوية اإلنجيلية‪ .‬وهذه تقتضي في الحاالت الواقعية أن‬
‫الحقيقة لطالبها‪ :‬هل ينبغي ذلك أو ال ‪.‬‬
‫الجواب عن كل طلب استعالم وإبالغ‪ .‬فخي ُر‬
‫َ‬ ‫‪ -2122‬يجب أن ُت َ‬
‫ملي المحبة واحترام الحقيقة‬
‫اآلخرين وسالمتهم‪ ،‬واحترام الحياة الخاصة‪ ،‬والخي ُر العام‪ ،‬هي أسباب كافية للصمت عما يجب‬
‫ان ال يُعلم‪ ،‬أو الستعمال كالم متحفظ‪ .‬وواجب تجنب المعثرة يوصي مرارا كثيرة بتحفظ دقيق‪.‬‬
‫وليس من إلزام ألحد بكشف الحقيقة لمن ليس له حق في معرفتها‪.‬‬
‫سر المصالحة األسرار ّية مقدس وال يمكن افشاؤه ألي سبب‪" .‬إن السر األسراريَّ من‬ ‫‪ّ -2122‬‬
‫المحظورات‪ ،‬لذلك يُم َنع المعرف منعا باتا من أن يُفشي بأي أمر من األمور سر المعترف‪،‬‬
‫بالكالم أو بطريقة أخرى‪ ،‬وأيا كان السبب"‪.‬‬
‫‪ -2121‬أسرار المهنة – وأصحابها‪ ،‬على سبيل المثال‪ ،‬رجا ُل السياسة‪ ،‬والعسكريون‪ ،‬واألطباء‪،‬‬
‫ورجال القانون‪ -‬والمطارحات الموسومة بختم السر‪ ،‬يجب كتمانها‪ ،‬إال في الحاالت االستثنائية‬
‫التي يسبب فيها اخفا ُء السر لمن استودعه‪ ،‬ومن تقبله أو لشخص آخر‪ ،‬أضرارا كبيرة جدا‪ ،‬ال‬
‫يمكن تداركها إال بإفشاء الحقيقة‪ .‬والمعلومات الخاصة التي ُتضر باآلخرين‪ ،‬وإن لم ُتع َط تحت‬
‫ختم السر‪ ،‬يجب أن ال يُباح بها إال لسبب خطير ومناسب‪.‬‬
‫‪ -2122‬على كل واحد أن يتقيد بالتحفظ الصحيح في شأن حياة الناس الخاصة‪ .‬والمسؤولون عن‬
‫ُلزمون بالمحافظة على نسبة صحيحة من مقتضيات الخير العام واحترام حقوق الخاصة‪.‬‬ ‫اإلبالغ م َ‬
‫وتدخثل اإلعالم في الحياة الخاصة لألشخاص العاملين في المجال السياسي أو العام يستدعي‬
‫الحك َم عليه بمقدار ما يُسي ُء إلى خصوصية حياتهم وإلى حريتهم‪.‬‬

‫‪ .ً2‬استعمال وسائل اال ّتصال االجتماعي‬


‫‪ -2122‬لوسائل االتصال االجتماعي‪ ،‬في المجتمع الحديث‪ ،‬دور خطير في اإلعالم وتعزيز‬
‫الثقافة والتنشئة‪ .‬ويتنامى هذا الدور بفعل التقدم التقني وشمول األخبار المنقولة وتنوعها‪ ،‬والتأثير‬
‫الحاصل في الرأي العام‪.‬‬
‫‪ -2121‬اإلعالم بالوسائل الحديثة هو في خدمة الخير العام‪ .‬فالمجتمع له الحق في إعالم مبنيٍّ‬
‫على الحقيقة والحرية والعدالة والتضامن‪:‬‬
‫"إن حُسن مزاولة هذا الحق يقضي بأن يكون االعالم االجتماعي في مضمونه صادقا على الدوام وكامال‪ ،‬مع‬
‫مراعاة حقوق العدالة والمحبة‪ ،‬وأن يكون إلى ذلك‪ ،‬الئقا في صيغته متالئما مع موضوعه‪ ،‬أي مراعيا‪ ،‬في‬
‫الحصول على األخبار ونشرها‪ ،‬قدسية الشرائع األدبية وحقوق اإلنسان وكرامته"‪.‬‬
‫‪" -2122‬ال مناص لجميع أعضاء المجتمع من القيام‪ ،‬في هذا المجال أيضا‪ ،‬بما عليهم من واجبات العدالة‬
‫والمحبة‪ ،‬لذلك يجتهدون‪ ،‬بطريق وسائل االعالم هذه أيضا‪ ،‬أن يخلقوا رأيا عاما سليما"‪ .‬فالتضامن يبدو كنتيجة‬
‫إلعالم صادق وصائب‪ ،‬ولحرية تدوال األفكار‪ ،‬التي تعزز معرفة اآلخرين واحترامهم‪.‬‬
‫‪ -2122‬تستطيع وسائل االتصال االجتماعي (وعلى الخصوص الوسائل الجماهيرية) أن تولد عند مستعمليها‬
‫شيئا من انعدام النشاط‪ ،‬فتجعل منهم مستهلكين للرساالت والمشاهد على غير حذر‪ .‬فعلى هؤالء أن يفرضوا على‬
‫أنفسهم االعتدال والنظام إزاء الوسائل الجماهيرية‪ .‬وعليهم أن يكونوا ألنفسهم ضميرا مستنيرا ومستقيما ليقاوموا‬
‫ت األقل صالحا‪.‬‬
‫بسهولة أكبر التأثيرا ِ‬
‫‪ -2122‬والمسؤولون عن هذه الوسائل مُلزمون‪ ،‬بحكم مهنتهم الصحافية‪ ،‬أن يخدموا الحقيقة وأن ال ينتهكوا‬
‫المحبة‪ ،‬عندما يذيعون المعلومات‪ .‬وعليهم أن يجتهدوا في أن يحترموا ويراعوا على قدم المساواة طبيعة‬
‫األحداث وحدود الحكم الناقد لألشخاص‪ .‬وعليهم تجنب الوقوع في تشويه سمعة الناس‪.‬‬
‫‪44‬‬
‫‪" -2122‬ترتبط السلطة المدنية بواجبات خاصة بسبب الخير العام‪ .‬فعلى السلطات العامة أن تدافع عن حرية‬
‫اإلعالم الحقيقية والصوابية وأن تصونها"‪ .‬وعلى السلطات العامة‪ ،‬عندما تصدر الشرائع وتسهر على تنفيذها‪،‬‬
‫أن يتأكد لها أن سوء استعمال الوسائل ال يؤدي "إلى التسبب بأضرار جسيمة لألخالق العامة ورقي المجتمع"‪.‬‬
‫وعليها معاقبة االساءة إلى حقوق كل انسان في سُمعته وسرية حياته الخاصة‪ .‬وعليها أن تعطي المعلومات‬
‫المتعلقة بالخير العام في أوانها وبصدق‪ ،‬أو أن تجيب عما عند الشعب من قلق له مبرراته‪ .‬وما من شيء يمكن‬
‫أن يسوغ اللجوء إلى المعلومات الكاذبة لتوجيه الرأي العام بطريق الوسائل الجماهيرية‪ .‬ويجب أن ال تسيء هذه‬
‫التدخالت إلى حرية األفراد والجماعات‪.‬‬
‫‪ -2122‬تندد األخالق بآفة الدول التوتاليتارية التي قاعدتها تزوير الحقيقة‪ ،‬والتي ُتمارس بالوسائل الجماهيرية‬
‫تسلطا سياسيا على الرأي‪ ،‬والتي "تتالعب" بالمتهمين والشهود في الدعاوى العلنية‪ ،‬وتتصور أنها تثبت تسلطها‬
‫عندما تختق وتقمع كل ما تعتبره بمثابة "جريمة رأي"‪.‬‬

‫‪ .ً2‬الحقيقة والجمال والفنّ المقدّس‬


‫‪ -2222‬تصحب ممارسة الخير لذة روحية مجانية وجمال أدبي‪ .‬كذلك الحقيقة تنطوي على فرح‬
‫الجمال الروحي وتألقه‪ .‬فالحقيقة جميلة بذاتها‪ .‬وحقيقة الكالم‪ ،‬التي هي تعبير عقلي عن معرفة‬
‫الحقيقة المخلوقة وغير المخلوقة‪ ،‬هي ضرورية لإلنسان العاقل‪ .‬ولكن يمكن أن تجد الحقيقة أيضا‬
‫أشكاال أخرى مُكملة للتعبير اإلنساني‪ ،‬خصوصا عندما يتعلق األمر باإليحاء بما تنطوي عليه مما‬
‫ت النفس‪ ،‬وسر هللا‪ .‬فاهلل‪ ،‬قبل ان يكشف عن‬ ‫يعجز عنه الكالم‪ ،‬كأعماق القلب البشري‪ ،‬وتساميا ِ‬
‫ذاته لإلنسان بكالم الحقيقة‪ ،‬يكشفُ له عن ذاته بلغة الخلق الشاملة‪ ،‬صُنع كلمته وحكمته‪ :‬فالنظام‬
‫وعظمة المخلوقات وجمالُها‬
‫ُ‬ ‫واالنسجام في العالم –اللذان يكتشفهما الول ُد كما رج ُل العلم‪" ،-‬‬
‫يؤديان‪ ،‬بالقياس‪ ،‬إلى التأمل في خالقها" (حك ‪" ،)5 :23‬إذ الذي خلقها هو مصدر كل جمال"‬
‫(حك ‪.)3 :23‬‬
‫ُ‬
‫فالحكمة نفحة من قدرة هللا وانبعاث خالص من مجد القدير‪ ،‬فلذلك ال يتسرب إليها شيء نجس ألنها انعكاس‬ ‫"‬
‫للنور األزلي‪ ،‬ومرآة صافية لعمل هللا‪ ،‬وصورة لصالحه" (حك ‪.)16-15 :7‬‬
‫"فالحكم أبهى من نور الشمس واسمى من كل مجموعة نجومه‪ ،‬وإذا قيست بالنور ظهر تفوقها‪ ،‬ألن النور يعقبه‬
‫صرت لها عاشقا" (حك‪.)1: 2‬‬
‫ُ‬ ‫الليل‪ ،‬أما الحكمة فال يغلبها الشر" (حك ‪" .)31-11 :7‬‬
‫‪ -2221‬اإلنسان "المخلوق على صورة هللا" يعبر أيضا عن حقيقة عالقته باهلل الخالق بجمال‬
‫أعماله الفنية‪ .‬فالفن هو شكل من أشكال التعبير خاص باإلنسان‪ ،‬وهو‪ ،‬في ما وراء السعي إلى‬
‫الضرورات الحياتية المشتركة بين جميع المخلوقات الحية‪ ،‬فيض مجاني من غنى الكائن البشري‬
‫في باطنه‪ .‬والفن الذي ينبع من موهبة أوالها الخالق‪ ،‬ومن جهد اإلنسان نفسه‪ ،‬هو شكل من‬
‫أشكال الحكمة العملية‪ ،‬يجمع بين المعرفة والمهارة‪ ،‬إلعطاء شكل لصح ِة حقيقة في لغة يفهمُها‬
‫البص ُر أو السمع‪ .‬وهكذا ينطوي الفن على بعض المشابهة مع نشاط هللا في ما خلق‪ ،‬بمقدار ما‬
‫يستوحي حقيقة الكائنات ومحب َتها‪ .‬والفن‪ ،‬كجميع األنشطة البشرية‪ ،‬ليس له في ذاته غاي ُته‬
‫ُ‬
‫غاية اإلنسان القصوى‪.‬‬ ‫القصوى‪ ،‬وإنما ُتنسِّقه و ُتشرِّ فه‬
‫‪ -2222‬الفنّ المقدّس حقيقي وجميل عندما يتالءم بشكله مع دعوته الخاصة‪ :‬أن يستحضر‬
‫ويمجد‪ ،‬في اإليمان والتعبد‪ ،‬سمو سر هللا‪ ،‬الجمال الفائق وغير المنظور للحقيقة والمحبة‪ ،‬المتجلي‬
‫في المسيح‪" ،‬ضياء مجده وصورة جوهره" (عب ‪ ،)3 :2‬الذي فيه "حل كل ملئ الالهوت‬
‫جسديا" (كو ‪ ،)1 :1‬والجمال الروحي المنعكس في العذراء والدة اإلله الفائقة القداسة‪ ،‬وفي‬
‫المالئكة والقديسين‪ .‬أن الفن المقدس الحقيقي يحمل اإلنسان على العبادة والصالة‪ ،‬ومحبة هللا‬
‫الخالق والمخلص‪ ،‬القدوس والمق ِّدس‪.‬‬

‫‪45‬‬
‫‪" -2222‬لذلك يجب على األساقفة أن يسهروا بأنفسهم أو بمن ينتدبون على تعزيز الفن المقدس‪ ،‬القديم والجديد‪،‬‬
‫في كل أشكاله‪ ،‬وأن يُبعدوا‪ ،‬باالهتمام المق َّدس نفسه‪ ،‬عن الليترجيا ومباني العبادة كل ما ال يتالءم مع حقيقة‬
‫اإليمان وجمال الفن المق َّدس األصيل‪.‬‬

‫بإيجاز‬
‫‪" -2221‬ال تشهد على قريبك شهادة زور" (خروج ‪ .)21 :21‬تالميذ المسيح قد "لبسوا اإلنسان‬
‫الجديد الذي ُخلق على مثال هللا في البرِّ وقداسة الحق" (أف ‪.)25 :5‬‬
‫يبدو اإلنسان صادقا في أفعاله وصادقا‬‫‪ -2222‬الحقيقة أو الصدق هي الفضيلة التي تقوم على أن َ‬
‫في أقواله‪ ،‬حاذرا االزدواجية‪ ،‬والتظاهر والمراءة‪.‬‬
‫‪ -2222‬ليس للمسيحي "ان يخجل بتأدية الشهادة للرب" (‪ 2‬تي ‪ )8 :2‬بالفعل والقول‪ .‬واالستشهاد‬
‫هو الشهادة السميا لحقيقة اإليمان ‪.‬‬
‫‪ -2222‬احترام سمعة األشخاص وشرفِهم يمنع من أي موقف أو كالم فيه نميمة أو افتراء‪.‬‬
‫‪ -2222‬الكذب هو قول ما ليس صحيحا بنية خداع القريب‪.‬‬
‫‪ -2222‬ارتكاب ذنب بمخالفة الحقيقة يقتضي التعويض‪.‬‬
‫‪ -2212‬القاعدة الذهبية تساعد على التمييز‪ ،‬في الحاالت الواقعية‪ ،‬لمعرفة هل ينبغي أوال الكشفُ‬
‫عن الحقيقة لمن يطلبها‪.‬‬
‫‪" -2211‬السر األسراري من المحظورات"‪ .‬واألسرار المهنية يجب كتمانها‪ .‬وال يجب إذاعة‬
‫المُسارات التي ُتلحق ضررا بالغير‪.‬‬
‫‪ -2212‬للمجتمع الحق في إعالم مبني على الحقيقة والحرية والعدالة‪ .‬وينبغي أن يفرض اإلنسان‬
‫على ذاته االعتدال والنظام في استعمال وسائل االتصال االجتماعي‪.‬‬
‫‪ -2212‬الفنون الجميلة وال سيما الفن المقدس "تهدف بطبيعتها إلى نوع من التعبير‪ ،‬في األعمال‬
‫البشرية‪ ،‬عن الجمال اإللهي الالمحدود‪ ،‬وقد انقطعت إلى حمد هللا وتمجيده بقدر ما انحصر همها‬
‫في أن تؤدي بأعمالها إلى توجيه نفوس البشر إلى هللا على أوسع وجه"‪.‬‬

‫المقال التاسع‬
‫الوص ّية التاسعة‬

‫"ال تشتهي بيت قيبك‪ .‬ال تشتهي امرأة قري َبك وال خاد َمه‪ ،‬وال خادمته‪ ،‬وال ثوره‪ ،‬وال حماره‪ ،‬وال شيئا مما‬
‫لقريبك" (خروج ‪.)27 :11‬‬
‫" إن كل من نظر إلى امرأة حتى ليشته َيها فقد زنى بها في قلبه" (متى‪.)12 :5‬‬
‫‪ -2211‬يميز القديس يوحنا ثالثة أنواع من الشهوات أو الرغائب‪ :‬شهوة الجسد‪ ،‬وشهوة العين‬
‫ف الحياة‪ .‬بحسب التقليد في التعليم الديني الكاثوليكي‪ُ ،‬تحظر الوصية التاسعة شهوة الجسد‪،‬‬
‫صلَ َ‬
‫و َ‬
‫والعاشرة تنهي عن شهوة مال الغير‪.‬‬
‫‪ -2212‬يمكن أن تعني كلمة "شهوة" في معناها األصلي كل نزعة شديدة من نوازع الرغبة‬
‫البشرية‪ .‬وقد أعطاها الالهوت المسيحي هذا المعنى الخاص أنها حركة الرغبة الحسية التي‬
‫ُتعارض عمل العقل البشري‪ .‬ويجعلها القديس بولس متماهية "والثورة" التي يقودها "الجسد" على‬

‫‪46‬‬
‫"الروح"‪ .‬وهي تتأتى من معصية الخطيئة األولى‪ .‬وهي تشوش نظام الملكات األخالقية البشرية‪،‬‬
‫وتجعل اإلنسان يميل إلى ارتكاب الخطايا‪ ،‬وإن لم تكن هي ذنبا في حد ذاتها‪.‬‬
‫‪ -2212‬ففي اإلنسان من قبل‪ ،‬بما أ ّنه مر ّكب من روح وجسد‪ ،‬نوع من التوتر‪ ،‬وفيه يقوم نوع من‬
‫الصراع بين ميول "الروح" و "الجسد"‪ .‬ولكن هذا الصراع يعود في الواقع إلى إرث الخطيئة‪،‬‬
‫وهو نتيجته‪ ،‬وفي الوقت ذاته‪ ،‬تأكيد له‪ .‬وهو جزء من االختبار اليومي للجهاد الروحي‪.‬‬
‫"األمر بالنسبة إلى الرسول ليس احتقار الجسد والقضاء عليه‪ .‬فهو مع النفس الروحية يؤلف طبيعة اإلنسان‬
‫وشخصيته‪ ،‬والرسول‪ ،‬بالمقابل‪ ،‬يعالج األعمال أو بالحري االستعدادات الثابتة‪ ،‬من فضائل ورذائل‪ ،‬الصالحة‬
‫والس ّيئة اخالقيا ‪ ،‬والتي هي ثمرة الخضوع (في الحالة األولى) أو بالعكس المقاومة (في الحالة الثانية) لعمل‬
‫الخالصي‪ .‬لذلك يكتب الرسول‪" :‬إن كنا نحيا بالروح‪ ،‬فلنسكن أيضا بحسب الروح" (غل ‪.)15 :5‬‬
‫ّ‬ ‫الروح القدس‬

‫‪ .ً1‬تنقية القلب‬
‫‪ -2212‬القلب هو مركز الشخصية األخالقية‪" .‬فمن القلب تخرج األفكار الشريرة"‪ ،‬والقتل‬
‫والزنى والسلوك السيء" (متى ‪ .)21 :25‬ومحاربة الشهوة الجسدية تمر من خالل تنقية القلب‬
‫وممارسة القناعة‪:‬‬
‫فتكون كاألوالد الصغار الذين يجهلون الشر هادم حياة الناس"‪.‬‬
‫َ‬ ‫"احفظ نفسك في البساطة والبراءة‪،‬‬
‫‪ُ -2212‬تعلن التطويبة السادسة‪" :‬طوبى ألنقياء القلوب‪ ،‬فإنهم يعاينون هللا" (متى‪" .)2 :5‬أنقياء‬
‫القلوب" يعنون من جعلوا عقلهم وإرادتهم في انسجام مع مقتضيات قداسة هللا‪ ،‬خصوصا ُ في‬
‫مجاالت ثالثة" المحبة‪ ،‬والطهارة أو االستقامة الجنسية‪ ،‬وحب الحقيقة واستقامة اإليمان‪ .‬وهناك‬
‫رابط بين نقاوة القلب والجسد واإليمان‪.‬‬
‫يجب أن يؤمن المؤمنون ببنود قانون اإليمان‪" ،‬حتى يطيعوا هللا بإيمانهم‪ ،‬وبطاعتهم يعيشوا حياة صالحة‪،‬‬
‫وبحياتهم الصالحة ينقوا قلبهم‪ ،‬وبتنقية قلبهم يفهموا ما يؤمنون به"‪.‬‬
‫‪" -2212‬أنقياء القلوب" موعودون بمعاينة هللا وجها لوجه‪ ،‬وبأن يكونوا مشابهين له‪ .‬فنقاوة القلب‬
‫ال بد ان تكون سابقة للمعاينة‪ .‬وهي منذ اليوم‪ ،‬تعطينا أن نرى بحسب هللا‪ ،‬ونتقبل الغير‬
‫"كقريب"‪ ،‬وتمكننا من أن نرى الجسد البشري‪ ،‬جسدنا وجسد القريب‪ ،‬مثل هيكل للروح القدس‪،‬‬
‫ومظهر للجمال اإللهي‪.‬‬

‫‪ .ً2‬الجهاد ألجل النقاوة‬


‫‪ -2222‬تمنح المعمودية من يتقبلها نعمة التنقية من جميع الخطايا‪ .‬ولكن على المعمد أن يتابع‬
‫جهاده لشهوة الجسد والرغائب المنحرفة‪ .‬ومع نعمة هللا يبلغ ذلك‪:‬‬
‫‪ -‬بفضيلة الطهارة وموهبتها‪ ،‬ألن الطهارة تمكن من المحبة بقلب مستقيم غير منقسم‪.‬‬
‫‪ -‬بنقاوة الن ّية التي تقوم على قصد غاية اإلنسان الحقيقية‪ :‬فيسعى المعمَّد‪ ،‬بعين بسيطة‪ ،‬إلى أن‬
‫يج َد في كل شيء إرادة هللا ويُتممها‪.‬‬
‫‪ -‬بنقاوة النظر الخارجي والداخلي‪ ،‬وضبط العواطف والمخيلة‪ ،‬ورفض كل مرضاة باألفكار‬
‫الدنسة التي تحمل على االنحراف عن طريق وصايا هللا‪" :‬المنظر يؤدي إلى إيقاظ الهوى‬
‫عند األغبياء" (حك ‪.)5 :25‬‬
‫‪ -‬بالصالة‪:‬‬
‫"كنت أعتقد أن العفة ترتبط بقواي الخاصة‪ ،‬تلك القوى التي ما كنت أعرفها في‪ .‬وكنت من الغباء بحيث لم أدرك‬
‫مسامع َك‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫أبلغت‬ ‫بمقدور أحد ان يكون عفيفا ما لم تمنحه أنت ذلك‪ .‬وال ريب أن َك كنت أعطيتني ذلك لو‬
‫ِ‬ ‫أنه ليس‬
‫ألقيت عليك همي بإيمان راسخ"‪.‬‬
‫ُ‬ ‫تنهداتي الداخلية‪ ،‬ولو‬
‫‪47‬‬
‫‪ -2221‬النقاوة تقتضي الحشمة‪ .‬وهذه جزء متمم للقناعة‪ .‬والحشمة تحافظ على ما في الشخص‬
‫من شأن حميم‪ .‬وهي تعني رفض الكشف عما يجب أن يبقى خافيا‪ .‬وهي موجهة نحو الطهارة إذ‬
‫تؤكد رهافتها‪ .‬وهي ُترشد األنظار والحركات المتوافق َة مع كرامة األشخاص واتحادهم‪.‬‬
‫‪ -2222‬الحشمة تصون سر األشخاص ومحبتهم‪ .‬وهي تدعو إلى الصبر واالعتدال في عالقة‬
‫ُ‬
‫شروط العطا ِء وااللتزام النهائي بين الرجل والمرأة‪ .‬والحشمة‬ ‫الحب‪ ،‬وهي تقتضي أن ُتتمَّم‬
‫متواضعة‪ .‬وهي توحي باختيار الثوب‪ .‬وتحافظ على الصمت أو تسكت حيث يتراءى خطر‬
‫فضول ضار‪ .‬وتصير رصانة‪.‬‬
‫‪ -2222‬هناك حشمة في العواطف كما في الجسد‪ .‬وهي تناوئ مثال االستطالعات "الفاجرة" للجسد البشري في‬
‫بعض الدعايات‪ ،‬أو الطلب من بعض وسائل اإلعالم الذهاب بعيدا جدا في الكشف عن المُسارات الحميمة‪.‬‬
‫والحشمة توحي بطريقة عيش تمكن من مقاومة اغراءات "الموظة" وضغط اإليديولوجيات السائدة‪.‬‬
‫‪ -2221‬األشكال التي تتبدى بها الحشمة تتغير من ثقافة إلى أخرى‪ .‬ولكنها تبقى شعورا سابقا بكرامة روحية‬
‫خاصة باإلنسان‪ .‬وهي تولد بإيقاظ الضمير عند الشخص‪ .‬وتعليم الحشمة لألوالد والمراهقين هو توعي ُتهم‬
‫الحترام الشخص البشري‪.‬‬
‫االجتماعي‪ .‬وهي تقتضي وسائ َل االتصال‬
‫ّ‬ ‫‪ -2222‬النقاوة المسيحية تقتضي تنقية المناخ‬
‫االجتماعي إعالما يعُني باالحترام واالنضباط‪ .‬نقاوة القلب تحرر من االثارة الجنسية المنتشرة‬
‫و ُتبعد المشاهد التي تعزز الفجور والوهم‪.‬‬
‫األخالقي يستند إلى مفهوم خاطئ للحرية اإلنسانية‪ .‬فإن هذه بحاجة‪،‬‬
‫ّ‬ ‫‪ -2222‬ما سم َي بالتساهل‬
‫لكي ُتبنى‪ ،‬إلى القبول بأن ُتنشِ ئها أوال الشريعة األخالقية‪ .‬ينبغي أن يُطلب من المسؤولين عن‬
‫ومحاسن القلب وكرامة اإلنسان‪ ،‬األخالقية‬
‫َ‬ ‫التربية أن يلقنوا الشبية تعليما يحترم الحقيقة‪،‬‬
‫والروحية‪.‬‬
‫‪" -2222‬إن إنجيل المسيح يجدد حياة اإلنسان الساقط وثقافته تجديدا متواصال‪ ،‬ويحارب‬
‫األضاليل‪ ،‬ويُبعد الشرور التي تتبع إغراءات الخطيئة الدائمة‪ .‬وهو يطهر ابدا أخالق الشعوب‬
‫ويرقى بها‪ .‬وكأني به يُخصب من الداخل‪ ،‬وبالخيرات العُلوية‪ ،‬مناقب النفس والمواهب الخاصة‬
‫بكل شعب وكل جيل‪ ،‬ويقويها ويكملها‪ ،‬ويجددها في المسيح"‪.‬‬

‫بإيجاز‬

‫‪" -2222‬إن كل من نظر إلى امرأة حتى ليشتهيها فقد زنى بها في قلبه" (متى ‪.)28 :5‬‬
‫‪ -2222‬تحذر الوصية التاسعة من الشهوة أو الرغبة الجنسية‪.‬‬
‫‪ -2222‬تمر محاربة الشهوة الجسدية من خالل تنقية القلب وممارسة القناعة‪.‬‬
‫‪ -2221‬تعطينا نقاوة القلب أن نرى هللا‪ :‬وتعطينا منذ اآلن أن نرى كل شيء بحسب هللا‪.‬‬
‫‪ -2222‬تقتضي ُ‬
‫تنقية القلب الصالة‪ ،‬وممارسة الطهارة‪ ،‬ونقاوة النية والنظر‪.‬‬
‫ُ‬
‫والحشمة تصون ما في‬ ‫‪ -2222‬تقتضي نقاوة القلب الحشمة التي هي صبر وتواضع ورصانة‪.‬‬
‫الشخص من شأن حميم‪.‬‬

‫المقال العاشر‬
‫‪48‬‬
‫الوص ّية العاشرة‬

‫"ال تشته‪ ...‬شيئا مما لقريبك" (خروج‪" .)27 :11‬ال تشته بي َته وال حقله وال خاد َمه وال خادم َته وال ثوره وال‬
‫حماره وال شيئا مما لقريبك" (تث‪.)12 :5‬‬
‫َ‬
‫"حيث يكون كنزك‪ ،‬هناك يكون قلبُك" (متى‪.)12 :6‬‬

‫‪ -2221‬الوصية العاشرة تشطر وتكمل التاسعة التي تتناول شهوة الجسد‪ .‬وهي تنهي عن شهوة‬
‫مال القريب‪ ،‬أصل السرقة والنهب والغش التي تحرمها الوصية السابعة‪ .‬إن "شهوة العيون" (‪2‬يو‬
‫‪ )26 :1‬تقود إلى العنف والظلم اللذين تحظرهما الوصية الخامسة‪ .‬وأصل الجشع كالزنى هو في‬
‫عبادة األصنام التي تنهي عنها الوصايا الثالث األولى من الشريعة‪ .‬والوصية العاشرة تقصد نية‬
‫القلب‪ .‬وتختصر مع التاسعة جميع فرائض الشريعة‪.‬‬

‫سف الشهوات‬ ‫‪ .ً1‬تع ّ‬


‫‪ -2222‬تحملنا الشهوة الحسية على ان نرغب في الطيبات التي ليست لدينا‪ .‬هكذا هي الحال‬
‫عندما نرغب في األكل عندما نجوع‪ ،‬وفي الدفء عندما نبرد‪ .‬وهذه الرغائب صالحة في ذاتها‪.‬‬
‫إال أنها مرارا كثيرة ال تقف عند حدود العقل‪ ،‬وتدفعنا ان نشتهي دون وجه حق‪ ،‬ما ال يعود إلينا‪،‬‬
‫ويمتلكه غيرنا أو هو من حقه‪.‬‬
‫‪ -2222‬تنهي الوصية العاشرة عن الطمع والرغبة في تملك ال محدود للخيرات األرضية‪،‬‬
‫و َتحظِ ر الجشع المُن َفلت المتأتي من هوى مفرط للثروة وقُدرتها‪ .‬هي تمنع أيضا من الرغبة في‬
‫ارتكاب ظلم يُساء به إلى القريب من أمواله الزمنية‪.‬‬
‫عندما تقول لنا الشريعة‪" :‬ال تشته"‪ ،‬فهي تقول لنا بكالم آخر أن ُنقصي رغائبنا عن كل ما ليس لنا‪ .‬ألن الظمأ‬
‫شع ال تشبع من نصيبه" (سي ‪:23‬‬ ‫إلى مال القريب شديد‪ ،‬ال محدود‪ ،‬وليس له أبدا ارتواء‪ ،‬كما ُكتب‪" :‬عين َ‬
‫الج ِ‬
‫‪. )1‬‬
‫‪ -2222‬ليس هناك مخالفة لهذه الوصية إذا رغب اإلنسان في الحصول على أشياء تخص‬
‫القريب‪ ،‬ما دامت الوسائل مستقيمة‪ .‬والتعليم الديني التقليدي يشير بواقعية إلى "أولئك الذين عليهم‬
‫أكثر من غيرهم أن يحاربوا شهواتهم اإلجرامية"‪ ،‬والذين يجب بالتالي "أن يحرضوا أكثر من‬
‫غيرهم على التقيد بهذه الوصية"‪:‬‬
‫"إنهم التجار الذين يرغبون في النقص في التموين أو الغالء في البضاعة‪ ،‬والذين يُحزنهم أنهم ليسوا الوحيدين‬
‫للشراء والبيع‪ ،‬فيتمكنوا من البيع بأغلى ثمن والشراء بأرخصه‪ ،‬وأولئك الذين يتمنون أن يكون الناس في َعوز‬
‫حتى يصيبوا ربحا أكبر‪ ،‬إما ببيعهم أو بالشراء منهم‪ .‬واألطباء الراغبون في وجود مرضى‪ ،‬ورجال القانون‬
‫المطالبون بقضايا ودعاوى هامة وعديدة"‪.‬‬
‫‪ -2222‬تقتضي الوصية العاشرة إقصاء الحسد من القلب البشري‪ .‬عندما أراد النبي ناتان حث‬
‫الملك داود على الندامة‪ ،‬روى له قصة الفقير الذي ال يملك غير نعجة وحيدة‪ ،‬كانت عنده كابنته‪،‬‬
‫والغني الذي‪ ،‬على ما كان له من قطعان كثيرة‪ ،‬حسد األول‪ ،‬وانتهى به األمر إلى أن يسرق منه‬
‫نعجته‪ .‬فالحسد يمكن ان يقو َد اإلنسان إلى أفظع المآثم‪" .‬وبحسد إبليس دخل الموت إلى العالم"‬
‫(حك ‪.)13 :1‬‬
‫"يحارب بعضنا بعضا‪ ،‬والحسد هو الذي يسلحنا لنقاتل بعضنا بعضا‪ .‬فإذا استشاط الجميع هكذا على جسد‬
‫المسيح ليزعزعوه‪ ،‬فإلى أين سنصل؟ إننا نوهِن جسد المسيح‪ .‬نعلن أننا أعضاء كيان واحد وننهش بعضنا بعضا‬
‫كما تفعل الضواري"‪.‬‬
‫‪49‬‬
‫‪ -2222‬الحسد رذيلة رئيسة‪ .‬وهو يشير إلى معاناة الحزن حيال مال الغير والرغبة الجامحة في‬
‫امتالكه‪ ،‬وإن عن غير وجه حق‪ .‬وعندما يشتهي للقريب شرا كبيرا فهو خطيئة مميتة‪:‬‬
‫كان القديس أوغسطينوس يرى في الحسد "خطيئة إبليس بامتياز"‪.‬‬
‫"من الحسد يولد البغض والنميمة واالفتراء‪ ،‬والفرح الناتج من معصية القريب‪ ،‬والحزن الناجم عن وجوده في‬
‫السراء"‪.‬‬
‫الحزن وبالتالي رفض للمحبة‪ ،‬وعلى المعمد ان يحاربه بالمحاسنة‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫‪ -2212‬الحسد وجه من وجو ِه‬
‫وكثيرا ما يتأتى الحسد من الكبرياء‪ ،‬فعلى المعمد ان يتمرن على العيش في التواضع‪:‬‬
‫"إنك تريد أن ترى هللا ممجدا بك" إذن إفرح بتقدم أخيك‪ ،‬وبذلك بك يتمجد هللا‪ .‬ويقول الجميع‪" :‬تبارك هللا" الذي‬
‫له أمثال هؤالء العبيد‪ ،‬األحرار من كل حسد‪ ،‬الذين يفرح بعضهم لخيرات البعض اآلخر"‪.‬‬

‫‪ .ً2‬رغائب الروح القدس‬


‫‪ -2211‬إن تدبير الشريعة والنعمة يصرف قلب الناس عن الجشع والحسد‪ :‬يُعلمه أشتهاء الخير‬
‫األسمى‪ ،‬يُلقِّنه رغائب الروح القدس الذي يُشبع قلب اإلنسان‪.‬‬
‫وإله المواعيد قد حذر اإلنسان دائما من إغراء ما يبدو منذ البدء "طيبا لألكل‪ ،‬ومُتعة للعيون‪،‬‬
‫ومُنية للعقل"‪( .‬تك ‪.)6 :3‬‬
‫‪ -2212‬إن الشريعة التي أودِعت إسرائيل لم تكفِ قط لتبرير من خضع لها‪ .‬بل أنها صارت آلة‬
‫ُ‬
‫والتفاوت بين اإلرادة والفعل يدل على الخالف بين شريعة هللا التي هي "شريعة العقل"‬ ‫"للشهوة"‪.‬‬
‫وشريعة أخرى "تأسرني لناموس الخطيئة الذي في أعضائي" (رو ‪.)13 :7‬‬
‫‪" -2212‬أما اآلن فقد اعتلن بر هللا بمعزل عن الناموس‪ ،‬مشهودا له من الناموس واألنبياء‪ ،‬بر هللا‬
‫باإليمان بيسوع المسيح إلى جميع الذين يؤمنون" (رو ‪ .)11-12 :3‬فلذلك المؤمنون بالمسيح‬
‫صلبوا الجسد مع أهوائه وشهواته" (غل ‪ ،)13 :5‬فيقتادهم الروح ويتبعون رغائب الروح‪.‬‬ ‫" َ‬

‫‪ ً2‬فقر القلب‬
‫‪ -2211‬يُوعِ ز يسوع إلى تالميذه أن يفضلوه على كل شيء وكل إنسان‪ ،‬ويعرض عليهم "ان‬
‫يزهدوا في جميع أموالهم" ألجله وألجل اإلنجيل‪ .‬وأعطاهم قبيل آالمه كمثال أرملة القدس‬
‫الفقيرة‪ ،‬التي من عوزها أعطت كل ما كان لمعيشتها‪ ,‬فريضة التجرد من الغنى واجبة لدخول‬
‫ملكوت السماوات‪.‬‬
‫‪ -2212‬على كل الؤمنين بالمسيح "ان يُعنوا بتنظيم نوازعهم على ما ينبغي لئال ينحرف بهم‬
‫استخدا ُم أشياء العالم والتمسك بالغنى تمسكا يُخالف روح الفقر االنجيلي‪ ،‬عن مواصلة السعي إلى‬
‫كمال المحبة" ‪.‬‬
‫‪" -2212‬طوبى للمساكين بالروح" (متى ‪ .)3 :5‬ان التطويبات تكشف عن نظام سعادة ونعمة‪،‬‬
‫وجمال وسالم‪ .‬ويسوع يشيد بفرح الفقراء الذين لهم منذ اآلن الملكوت‪:‬‬
‫فقر هللا‬
‫تواضع الروح البشري الطوعي وتجرده‪ .‬ويعطينا الرسول كمثال َ‬‫َ‬ ‫"ان الكلمة يدعو "فقرا بالروح" ثم‬
‫عندما يقول‪ :‬هو الغني‪ ،‬قد افتقر ألجلنا ( ‪1‬كو ‪.)1 :2‬‬
‫‪ -2212‬ينوح الرب على األغنياء ألنهم يجدون تعزيتهم في كثرة األموال‪" .‬المتكبر يسعى إلى‬
‫السلطة البشرية‪ ،‬بينما الفقير بالروح يسعى إلى ملكوت السماوات"‪ .‬واالستسالم إلى عناية اآلب‬
‫القلق بالغد‪ .‬والثقة باهلل تهيئ لطوبى الفقراء‪ .‬إنهم يعاينون هللا‪.‬‬
‫ِ‬ ‫السماوي يحرر من االهتمام‬

‫‪50‬‬
‫‪" .ً1‬أريد ان أعاين هللا"‬
‫‪ -2212‬ان الرغبة في السعادة الحقيقية تنقذ اإلنسان من التعلق الجامح بخيرات هذا العالم‪ ،‬لتكتمل‬
‫في رؤية هللا وسعادته‪" .‬الوعد (بمعاينة هللا) يفوق كل سعادة‪ .‬ورؤية هللا في الكتاب هي الحصول‬
‫عليه‪ .‬من رأى هللا فقد حصل على كل الخيرات التي نستطيع ان نتصورها"‪.‬‬
‫‪ -2212‬يبقى ان يحارب الشعب المقدس‪ ،‬بنعمة هللا‪ ،‬للحصول على الخيرات التي وعد هللا بها‪.‬‬
‫وعلى المؤمنين بالمسيح‪ ،‬للحصول على هللا ومعاينته‪ ،‬أن يُميتوا شهواتهم‪ ،‬وينتصروا بنعمة هللا‬
‫على إغراءات اللذة والسلطة‪.‬‬
‫‪ -2222‬على طريق الكمال ينادي الرو ُح والعروسُ َمن يسمعهما إلى االتحاد التام باهلل‪:‬‬

‫"هناك يكون المجد الحقيقي‪ .‬وال أحد يُمدَ ح خطأ أو تملقا‪ ،‬وال يُرفضُ اإلجالل الحقيقي لمن يستحقونه‪ ،‬وال يُعطى‬
‫ُ‬
‫حيث ال يُق َبل إال المستحقون‪ .‬هناك يسود السال ُم‬ ‫ٍّ‬
‫مستحق‬ ‫لغير مستحقيه‪ ،‬وعلى كل حال لن يسعى إلى ذلك غي ُر‬
‫الحقيقي حيث ال يشعر أحد بمقاومة من ذاته أو من الغير‪ .‬وهللا نفسه يكون جزاء الفضيلة‪ ،‬هو الذي منح‬
‫الفضيلة‪ ،‬ووعد بأنه سيكون هو نفسُه جزا َءها األفضل واألكبر في الوجود‪" .‬أكون لهم إلها ويكونون لي شعبا"‬
‫(أح ‪ )21 :16‬وهذا هو أيضا معنى كلمات الرسول‪" :‬ليكون هللا كال في الكل" (‪2‬كو ‪ .)12 :25‬ويكون هو نفسه‬
‫غاية ما نشتهي‪ ،‬هو الذي نعاينه بال نهاية‪ ،‬ونحبه بال ارتواء‪ ،‬ونسبحه بال ملل‪ .‬ويكون هذا العطاء‪ ،‬وهذا الحب‪،‬‬
‫وهذا االشتغال‪ ،‬بال ريب كالحياة األبدية‪ .‬مشتركين بين الجميع‪.‬‬

‫بإيجاز‬
‫‪" -2221‬حيث يكون كنزكم‪ ،‬هناك يكون قلبُكم" (متى ‪.)22 :1‬‬
‫‪ -2222‬تنهي الوصية العاشرة من الجشع المنفلت‪ ،‬الناتج من الهوى المفرط للغنى وسلطته‪.‬‬
‫ُ‬
‫الجامحة في امتالكه‪.‬‬ ‫ُ‬
‫والرغبة‬ ‫‪ -2222‬الحس ُد هو معانا ُة الحزن حيا َل مال الغير‬
‫والتواضع واالستسالم لعناية هللا‪.‬‬
‫ِ‬ ‫‪ -2221‬يحارب المعمَّد الحسد بالمحاسنة‪،‬‬
‫صلبوا الجسد مع أهوائه وشهواته" (غل ‪ .)25 :5‬فيقتادهم الروح‬ ‫‪ -2222‬المؤمنون بالمسيح " َ‬
‫القدس ويتبعون رغائبه‪.‬‬
‫‪ -2222‬التجرد من الغنى ضروري لدخول ملكوت السموات‪" .‬طوبى للمساكين بالروح"‪.‬‬
‫‪ -2222‬إنسان الرغبة يقول‪" :‬أريد معاينة هللا"‪ .‬والظمأ إلى هللا يرويه ماء الحياة األبدية"‪.‬‬

‫الجزء الرابع‬
‫الصالة المسيح ّية‬

‫المسيح يتوجه بالصالة إلى اآلب ‪ .‬وهو يصلي وحده في موضع قفر‪ .‬وتالميذه ينظرون إليه من مسافة تدل على‬
‫االحترام‪ .‬القديس بطرس‪ ،‬رئيس الرسل‪ ،‬يستدير نحو االخرين ويدلهم على ذلك الذي هو معلم الصالة المسيحية‬
‫والطريق إليها‪" :‬يا رب علمنا أن نصلي"( لو ‪.)2 :22‬‬

‫القسم األول‬
‫الصالة في الحياة المسيحية‬

‫‪51‬‬
‫‪" -2222‬عظيم هو سر اإليمان"‪ .‬والكنيسة ُتعلنه في قانون الرسل (القسم األول) وتحتفل به في‬
‫الليترجيا األسرارية (القسم الثاني)‪ ،‬حتى تكون حياة المؤمنين متوافقة مع المسيح في الروح‬
‫القدس لمجد هللا اآلب (القسم الثالث)‪ .‬فيقتضي هذا السر إذن أن يؤمن به المؤمنون‪ ،‬ويحتفلوا به‬
‫ويعيشوه في عالقة حية وشخصية باهلل الحي والحقيقي‪ .‬هذه العالقة هي الصالة‪.‬‬

‫ما هي الصالة؟‬
‫"الصالة" بالنسبة إلي‪ ،‬هي توثب القلب‪ ،‬نظرة بسيطة تلقيها إلى السماء‪ ،‬هتاف شكر وحب في المحنة كما في‬
‫الفرح"‪.‬‬

‫الصالة كعط ّية من هللا‬

‫‪" -2222‬الصالة هي رفع النفس نحو هللا أو التماس الخيرات الصالحة من هللا" من أين نتكلم‬
‫عندما نصلي؟ من علو كبريائنا وإرادتنا الشخصية أو من "األعماق" (مز ‪ ،)2 :231‬من قلب‬
‫متواضع ونادم؟ إن الذي َيضع نفسه يُر َفع‪ .‬فالتواضع أساس الصالة‪" :‬إننا ال نعرف كيف نصلي‬
‫كما ينبغي" (رو ‪ .)16 :2‬والتواضع هو االستعداد لتقبل عطية الصالة مجانا‪ :‬فاإلنسان مستجد‬
‫هلل‪.‬‬
‫ت تعرفين عطية هللا" (يو‪ )21 :3‬إن اعجوبة الصالة تتكشف هنا‪ ،‬على جانب‬ ‫‪" -2222‬لو كن ِ‬
‫البئر حيث نأتي لنلتمس ماءنا‪ :‬هناك يأتي المسيح إلى لقاء كل كائن بشري‪ .‬يسوع عطشان‪ ،‬وطلبه‬
‫صادر من أعماق هللا الذي يريدنا‪ .‬والصالة‪ ،‬أ َعرفنا ذلك أم لم نعرفه‪ ،‬هي التقاء ظمإِ هللا وظمئنا‪.‬‬
‫فاهلل ظامئ إلى ان نكون ظامئين إليه‪.‬‬
‫ت تسألينه فيعطيكِ ماء حيا" (يو‪ .)21 : 3‬إن الصالة التي نطلب فيها هي‪ ،‬وذلك‬ ‫‪" -2221‬لكنت أن ِ‬
‫مفارقة‪ ،‬جواب‪ .‬جواب عن شكوى هللا الحي‪" :‬تركوني أنا ينبوع المياه الحية وحفروا ألنفسهم‬
‫آبارا مشققة" (إر ‪ ،)23 :1‬جواب إيمان عن وعد مجاني بالخالص‪ ،‬جواب محبة عن ظمإ االبن‬
‫الوحيد‪.‬‬

‫الصالة كعهد‬
‫‪ -2222‬من أين تأتي صالة اإلنسان؟ مهما تكن لغة الصالة (حركات أو كلمات)‪ ،‬فاإلنسان كله‬
‫هو الذي يصلي‪ .‬ولكن للداللة على الموضع الذي تنبع منه الصالة‪ ،‬تتحدث الكتب المقدسة أحيانا‬
‫عن النفس والذهن‪ ،‬وفي الغالب عن القلب (أكثر من ألف مرة)‪ .‬القلب هو الذي يصلي‪ .‬وإذا كان‬
‫بعيدا عن هللا فالصالة باطلة‪،‬‬
‫‪ -2222‬القلب هو المنزل الذي أس ُكنه (بحسب التعبير السامي أو الكتابي‪ :‬حيث "أنزل")‪ .‬إنه‬
‫مركزنا المخفي‪ ،‬المستعصي إدراكه على عقلنا وعلى اآلخرين‪ .‬روح هللا وحده يستطيع ان يسبر‬
‫غوره ويعرفه‪ .‬إنه موضع القرار‪ ،‬في العمق من ميولنا النفسية‪ .‬إنه موضع الحقيقة‪ ،‬حيث نختار‬
‫الحياة أو الموت‪ .‬إنه موضع اللقاء‪ ،‬بما أننا على مثال هللا‪ ،‬نعيش في عالقة‪ :‬إنه موضع العهد‪.‬‬
‫‪ -2221‬الصالة المسيحية عالقة عهد بين هللا واإلنسان في المسيح‪ .‬إنها فعل هللا واإلنسان‪ .‬وهي‬
‫تنبع من الروح القدس ومنا‪ ،‬موجهة كلها إلى اآلب باالتحاد مع اإلرادة البشرية البن هللا المتأنس‪.‬‬

‫الصالة كمشاركة‬

‫‪52‬‬
‫‪ -2222‬الصالة في العهد الجديد هي العالقة الحية بين أوالد هللا وأبيهم الذي ال حد لصالحه‪،‬‬
‫وابنه يسوع المسيح‪ ،‬والروح القدس‪ .‬ونعمة الملكوت هي "اتحاد الثالوث األقدس بكامله مع الروح‬
‫بكامله"‪ .‬وحياة الصالة هي هكذا أن يكون بوجه عادي في حضور هللا المثلث التقديس‪ ،‬وفي‬
‫مشاركة معه‪ .‬وهذه المشاركة الحياتية هي دائما ممكنة‪ ،‬ألننا بالمعمودية قد صرنا كائنا واحدا مع‬
‫المسيح‪ .‬الصالة مسيحية بكونها مشاركة في المسيح وتمتد إلى الكنيسة التي هي جسده‪ .‬وأبعادها‬
‫هي أبعاد محبة المسيح‪.‬‬

‫الفصل األول‬
‫الكشف عن الصالة‬

‫الدعوة الشاملة إلى الصالة‬


‫‪ -2222‬اإلنسان َينشد هللا‪ .‬بالخلق يدعو هللا كل كائن من العدم إلى الوجود‪ .‬واإلنسانُ المكلل‬
‫بالمجد والكرامة هو‪ ،‬بعد المالئكة‪ ،‬قادر على أن يعترف بأنَّ اس َم الرب عظيم في األرض كلِّها‪.‬‬
‫َ‬
‫التوق إلى‬ ‫ُ‬
‫ويحفظ‬ ‫ويبقى اإلنسان‪ ،‬حتى بعد أن خسر بالخطيئة مشابهته هلل‪ ،‬على صورة خالقه‪.‬‬
‫الذي يدعوه إلى الوجود‪ .‬وتشهد الديانات كلها بهذا االلتماس األساسي عند الناس‪.‬‬
‫األول في دعوة اإلنسان‪ .‬وإن نسي اإلنسان خالقه‪ ،‬أو اختبأ بعيدا عن الوجه‪ ،‬أو‬ ‫‪ -2222‬هللا هو ّ‬
‫ركض وراء أصنامه‪ ،‬أو اتهم األلوهة بأنها أهملته‪ ،‬فاهلل الحي الحقيقي ال يني يدعو كل شخص‬
‫إلى لقاء الصالة السري‪ .‬ومسعى محبة هللا األمين هذا هو دائما األول في الصالة‪ ،‬ومسعى‬
‫اإلنسان هو دائما جواب‪ .‬وكلما تدرج هللا في الكشف عن ذاته والكشف لإلنسان عن ذات اإلنسان‪،‬‬
‫القلب‪.‬‬
‫َ‬ ‫تبدو الصالة كنداء متبادل‪ ،‬كمأساة عهد‪ .‬ومن خالل األقوال واألفعال ُتلزم هذه المأساةُ‬
‫وتنكشف من خالله تاريخ الخالص كله‪.‬‬

‫المقال األول‬
‫في العهد القديم‬

‫‪ -2222‬إن الكشف عن الصالة في العهد القديم يندرج بين سقطة اإلنسان ونهوضه‪ ،‬بين نداء هللا‬
‫األليم ألوالده األول‪" :‬أين أنت؟ ماذا فعلت؟ " (تك‪ ،23 ، 1 :3‬وجواب االبن الوحيد عند دخوله‬
‫العالم‪" :‬ها أنذا آتي ألعمل يا أهلل بمشيئتك" (عب ‪ .)7-5 :21‬وهكذا فالصالة مرتبطة بتاريخ‬
‫البشر‪ ،‬إنها العالقة باهلل في أحداث التاريخ‪.‬‬

‫الخلق ‪ -‬ينبوع الصالة‬


‫‪ -2222‬إن الصالة تعاشُ أوال إنطالقا من حقائق الخلق‪ .‬وتصف الفصول التسعة األولى من‬
‫التكوين هذه العالقة باهلل كتقدمة هابيل أبكار قطيعه‪ ،‬وكدعاء أنوش باسم الرب‪" ،‬وكمسيرة مع‬
‫هللا"‪ .‬وتقدمة نوح "مرضية" هلل الذي باركه ومن خالله بارك كل الخليقة‪ ،‬ألن قلبه بار وكامل‪:‬‬
‫"هو أيضا يسير مع هللا" (تك ‪ .)1 :6‬وصفة الصالة هذه يعيشها جمهور من األبرار في كل‬
‫الديانات‪ .‬وهللا‪ ،‬في العهد األبدي الذي أقامه مع الكائنات الحية‪ .‬يدعو دائما الناس إلى الصالة إليه‪.‬‬
‫ولكن الصالة في العهد القديم ُكشف عنها خصوصا منذ أبينا ابراهيم‪.‬‬
‫‪53‬‬
‫الوعد وصالة اإليمان‬
‫‪ -2222‬إبراهيم‪ ،‬منذ أن يناديه هللا‪ ،‬ينطلق "كما قال له الرب" (تك ‪ :)3 :21‬وقلبه "خاضع‬
‫للكلمة"‪ ،‬فيطيع‪ .‬إصغاء القلب الذي يتقرر بحسب هللا هو أساسي بالنسبة إلى الصالة‪ ،‬والكالم‬
‫َيرتبط به‪ .‬ولكن صالة إبراهيم تبدت أوال باألفعال‪ :‬فهو رجل الصمت الذي يبني في كل مرحلة‬
‫مذبحا للرب‪ .‬وصالته األولى باألقوال ال َتظهر إال في ما بعد‪ :‬شكوى مبطنة تذكرالرب بوعوده‬
‫التي تبدو ال تتحقق‪ .‬وهكمذا يتبين منذ البدء وجه من وجوه مأساة الصالة‪ :‬امتحان اإليمان بأمانة‬
‫هللا‪.‬‬
‫‪ -2221‬إذ آمن أبو اآلباء باهلل‪ ،‬وسار أمامه وفي تعاهد معه‪ ،‬مستعد ألن يتقبل تحت خبائه ضيفه‬
‫الغامض‪ :‬تلك هي ضيافة َممرا الرائعة‪ ،‬الممهِّدة للبشارة بابن الوعد الحقيقي‪ .‬ومنذئذ‪ ،‬بعد أن‬
‫استودعه هللا قصدَه‪ ،‬انسجم قلب ابراهيم مع إشفاق ربه على الناس‪ ،‬وتجاسر على الشفاعة فيهم‬
‫بثقة جريئة‪.‬‬
‫طلب ممن "نال الموعد"‪ ،‬كحد أقصى لتنقية إيمانه أن يضحي باالبن الذي أعطاه هللا إياه‪.‬‬ ‫‪ُ -2222‬‬
‫ولم يضعُف إيمانه‪" :‬هللا يرى له الح َم َل للمُحرقة" (تك‪" ،)2 :11‬ألنه كان يعتقد أن هللا قادر أن‬
‫يُنهض حتى من بين األموات" (عب ‪ )21 :22‬وهكذا فأبو المؤمنين جُعل مشابها لآلب الذي لم‬
‫يُشفق على ابنه الخاص بل سيُسلمه عنا جميعا‪ .‬فالصالة تجدد اإلنسان على مثال هللا وتجعله‬
‫يشارك في قدرة محبة هللا التي تخلص الكثيرين‪.‬‬
‫‪ -2222‬جدد هللا وعده ليعقوب‪ ،‬أبي أسباط اسرائيل األثني عشر‪ .‬وهذا‪َ ،‬قبل مواجهة أخيه عيسو‪،‬‬
‫صار ليلة بكاملها "رجال" غامضا رفض ان يكشف عن اسمه‪ ،‬ولكنه باركه قبل ان يتركه عند‬
‫مطلع الفجر‪ .‬وقد حفظ التقلي ُد الكنسي من هذه الرواية رمز الصالة بكونها معركة اإليمان‪،‬‬
‫وانتصار الثبات‪.‬‬

‫موسى وصالة الوسيط‬


‫‪ -2221‬عندما بدأ الوعد يتحقق (الفصح‪ ،‬الخروج‪ ،‬إعطاء الشريعة وإقامة العهد) كانت صالة‬
‫موسى رمزا مدهشا لصالة التضرع التي ستتم في "الوسيط الوحيد بين هللا والناس‪ ،‬المسيح‬
‫يسوع" (‪ 2‬تي‪.)5 :1 :‬‬
‫‪ -2222‬هنا أيضا يأتي هللا أوال‪ .‬إنه ينادي موسى من وسط العليقة المتقدة‪ .‬وهذا الحدث سيبقى‬
‫واحدا من الرموز األساسية للصالة في التقليد الروحي اليهودي والمسيحي‪ .‬وفي الواقع‪ ،‬إذا كان‬
‫"إله ابراهيم واسحق ويعقوب" ينادي عبده موسى‪ ،‬فذلك أنه اإلله الحي الذي يريد حياة الناس‪.‬‬
‫وهو يكشف عن ذاته لكي يخلصهم ولكن ليس وحده‪ ،‬وغصبا عنهم‪ :‬إنه ينادي موسى ليُرسلَه‪،‬‬
‫ليُشركه في شفقته‪ ،‬في صنعه الخالص‪ .‬فهناك نوع من التوسل اإللهي في هذه الرسالة‪ ،‬وموسى‪،‬‬
‫بعد جدل طويل‪ ،‬يطابق بين إرادته وإرادة هللا المخلص‪ .‬ولكن موسى‪ ،‬في هذا الحوار الذي‬
‫يتضمن َبو َح الرب‪ ،‬يتعلم أيضا الصالة‪ :‬إنه يتملص‪ ،‬ويعترض‪ ،‬وخصوصا يطلب‪ ،‬وجوابا عن‬
‫طلبه يودعه هللا اس َمه الذي ال يوصف‪ ،‬والذي سيظهر في أعماله الجليلة‪.‬‬
‫‪" -2222‬وكان هللا يكلم موسى وجها لوجه كما يكلم المر ُء صاحبه" (خروج‪ .)22 :13‬إن صالة‬
‫موسى هي مثال للصالة التأملية التي بفضلها يكون خادم هللا أمينا لرسالته‪ .‬وكان موسى "يكلم"‬
‫الرب مرارا ومدة طويلة‪ ،‬صاعدا إلى الجبل ليُصغي ويصرخ إليه‪ ،‬ونازال منه إلى الشعب ليكرر‬

‫‪54‬‬
‫كالم إلهه ويرشده‪" .‬وهو على كل بيتي مؤتمن‪ ،‬فما إلى فم أخاطبه ال بألغاز" (عد‪ ،)2-7 :21‬ألن‬
‫"موسى كان رجال متواضعا جدا أكثر من جميع الناس الذين على وجه األرض" (عد‪.)3 :21‬‬
‫‪ -2222‬من هذه العالقة الحميمة باهلل األمين‪ ،‬الطويل األناة والكثير المحبة استمد موسى القوة‬
‫واإلصرار في شفاعته‪ .‬إنه ال يُصلي ألجل نفسه وإنما ألجل الشعب الذي اقتناه هللا‪ .‬وقد توسل‬
‫موسى من قبل‪ ،‬إبان المعركة مع العمالقة‪ ،‬أو للحصول على شفاء مريم‪ .‬ولكنه "وقف في الثلمة"‬
‫أمام الرب (مز‪ )13 :216‬خصوصا بعد جحود الشعب لكي يخلص الشعب‪ .‬وس ُتلهم براهينُ‬
‫صالته (ألن الشفاعة هي أيضا معركة غامضة) جرأة المصلين الكبار من الشعب اليهودي ومن‬
‫الكنيسة‪ ،‬هللا محبة‪ ،‬فهو إذن عادل وامين‪ .‬ومن المستحيل أن يناقض نفسه‪ ،‬وال بد من أن يتذكر‬
‫أعماله العجيبة‪ ،‬ألن األمر يتعلق بمجده‪ .‬فال يستطيع أن يترك الشعب الذي يحمل اسمه‪.‬‬

‫داود وصالة ال َملِك‬


‫‪ -2222‬صالة شعب هللا ستزدهر في ظل مسكن هللا‪ ،‬تابوت العهد‪ ،‬وبعد ذلك الهيكل‪ ،‬وكان أوَّ ال‬
‫أدِال ُء الشعب‪ ،‬والرعاة واألنبياء‪ ،‬هم الذين يعلمونه الصالة‪ .‬وال بد أن صموئيل الولد قد تعلم من‬
‫أمه حنة كيف "الوقوف أمام الرب"‪ ،‬ومن عالي الكاهن كيف اإلصغاء إلى كالمه‪" :‬تكلم يا رب‪،‬‬
‫فإن عبدك يسمع" (‪2‬صم ‪ .)21-1 :3‬وبعد ذلك سيعلم هو أيضا ثمن الشفاعة وثقلَها‪" :‬أما أنا‬
‫فحاشى لي أن أخطأ إلى الرب وأترك الصالة من أجلكم‪ ،‬ولكني أُعلمكم الطريق الصالح المستقيم"‬
‫(‪2‬صم ‪.)13 :21‬‬
‫‪ -2222‬داود هو بإمتيار الملك "بحسب قلب الرب"‪ ،‬الراعي الذي يصلي ألجل شعبه باسمه‪،‬‬
‫والذي بخضوعه إلرادة هللا‪ ،‬وبتسبيحه وندامته يصبح مثاال لصالة الشعب‪ .‬وصالته‪ ،‬هو الذي‬
‫َم َسحه هللا‪ ،‬هي تطابق وأمانة للوعد اإللهي‪ ،‬وثقة ومحبة وفرحة بالذي هو وحده الملك والرب‪.‬‬
‫وداود‪ ،‬الذي ألهمه الروح القدس‪ ،‬هو‪ ،‬في المزامير‪ ،‬النبي األول للصالة اليهودية والمسيحية‪.‬‬
‫وصالة المسيح‪ ،‬المسيا الحقيقي وابن داود‪ ،‬تكشف عن معنى هذه الصالة و ُت َتمِّمها‪.‬‬
‫بيت الصالة الذي أراد داود أن يبنيه‪ ،‬عمل ابنه سليمان‪ .‬وتستند‬ ‫‪ -2222‬وسيكون هيك ُل أورشليم‪ُ ،‬‬
‫صالة تدشين الهيكل إلى وعد الرب وعهده‪ ،‬وحضور اسمه الفاعل بين شعبه والتذكير بمآثر‬
‫الخروج‪ .‬وعندئذ يرفع الملك يديه نحو السماء ويتضرع إلى الرب ألجله وألجل جميع الشعب‪،‬‬
‫واألجيال القادمة‪ ،‬لمغفرة خطاياهم‪ ،‬واحتياجاتهم اليومية‪ ،‬حتى تعل َم األم َم كلها أنه هو اإلله‬
‫األوحد‪ ،‬وأن قلب شعبه يكون بكامله له‪.‬‬

‫إيل ّيا ‪ ،‬واألنبياء‪ ،‬وتوبة القلب‬

‫‪ -2221‬كان من الواجب أن يكون الهيكل لشعب هللا موضع تربية على الصالة‪ :‬فالحِجات‪،‬‬
‫واألعياد‪ ،‬والذبائح‪ ،‬وتقادم المساء‪ ،‬والبخور‪ ،‬وخبز "التقدمة"‪ ،‬كل هذه األدلة على قداسة هللا العلي‬
‫والقريب جدا‪ ،‬كانت نداءاتٌِ و ُسبُال إلى الصالة‪ .‬ولكن التقيد بمظهر الشعائر كان يجر الشعب‬
‫مرارا إلى عبادة خارجية جدا‪ .‬وكان ال بد لها من تربية اإليمان وتوبة القلب‪ .‬وتلك كانت رسالة‬
‫األنبياء قبل المنفى وبعده‪.‬‬
‫‪ -2222‬إيليا هو أبو األنبياء من جيل من يطلبون من هللا‪ ،‬من يلتمسون وجهه‪ .‬اسمه "الرب‬
‫إلهي"‪ ،‬يعلن صراخ الشعب جوابا عن صالته على جبل الكرمل‪ .‬ويعقوب يعيدنا إليه ليحضنا‬
‫على الصالة‪" :‬إن صالة البار الحارة لها قوة عظيمة" (يع ‪.)22-26 :5‬‬
‫‪55‬‬
‫صر َفت اإليمان بكالم هللا‪ ،‬وذلك‬
‫‪ -2222‬بعدما تعلم الرحمة في خلوته عند نهر كريت‪ ،‬علم أرملة َ‬
‫اإليمان الذي يؤكده بصالته الملحة‪ :‬فيعيد هللا ابن األرملة إلى الحياة‪.‬‬

‫وفي وقت الذبيحة على جبل الكرمل‪ ،‬ذلك االمتحان الحاسم إليمان شعب هللا‪ ،‬إنما أكلت نا ُر الرب‬
‫المُحرق َة بصالة إيليا‪" ،‬حين تقدمة ذبيحة المساء"‪" :‬أجبني يا رب‪ ،‬أجبني!"‪ .‬وهي الكلمات نفسُها‬
‫التي تستعيدها الليترجيات الشرقية في استدعاء الروح القدس في االفخارستيا‪.‬‬

‫أخيرا‪ ،‬بعد أن مضى إيليا فرجع في طريق البرية إلى المكان الذي فيه كشف هللا الحي والحقيقي‬
‫عن نفسه لشعبه‪ ،‬اختبأ مثل موسى "في نقرة الصخرة" حتى " َيمُرَّ " حضور هللا الغامض‪ .‬ولكن‬
‫ُ‬
‫معرفة مجد هللا هي على وجه‬ ‫ذلك الذي يلتمسون وجهه لن يكشف عن ذاته إال على جبل التجلي‪:‬‬
‫المسيح المصلوب القائم‪.‬‬
‫النور والقوة لرسالتهم في وجودهم "وحدهم مع هللا وحده"‪ .‬وليست‬‫َ‬ ‫‪ -2221‬يستمد األنبيا ُء‬
‫صالتهم هروبا من العالم الذي ال يرعى عهدا وإنما إصغاء إلى كلمة هللا‪ ،‬وأحيانا جدال وشكوى‪،‬‬
‫ودائما شفاعة تترقب وتهيئ تدخل هللا المخلص رب التاريخ‪.‬‬

‫المزامير‪ ،‬صالة الجماعة‬


‫‪ -2222‬منذ داود حتى مجيء المسيح‪ ،‬تحتوي الكتب المقدسة نصوص صلوات تشهد بتعميق‬
‫الصالة لكل واحد ولآلخرين‪ .‬فجُمعت المزامير رويدا رويدا في مجموعة من خمسة كتب‪:‬‬
‫المزامير (أو التسابيح) تحفة الصالة في العهد القديم‪.‬‬
‫‪ -2222‬تغذي المزامير صالة شعب هللا كجماعة‪ ،‬وتعبر عنها في األعياد الكبرى في القدس وفي‬
‫كل سبت في المجامع‪ .‬وهذه الصالة هي شخصية وجماعية دون انفصال‪ .‬وهي تعني من يصلون‬
‫وجميع الناس‪ .‬وهي تتصاعد من األرض المقدسة ومن الجماعات في الشتات ولكنها تشمل كل‬
‫الخليقة‪ .‬إنها تذكر بأحداث الخالص القديمة‪ ،‬وتمتد إلى نهاية التاريخ‪ .‬وتذكر بوعود هللا التي‬
‫تحققت‪ ،‬وتنتظر المسيح الذي سيتممها نهائيا‪ .‬وتبقى المزامير المُصالة والمتممة في المسيح‬
‫عنصرا أساسيا بالنسبة إلى صالة كنيسته‪.‬‬
‫‪ -2222‬كتاب المزامير هو الكتاب الذي َيصير فيه كالم هللا صال َة اإلنسان‪ .‬في الكتب األخرى من‬
‫العهد القديم يُعلِن الكال ُم أعمال (هللا ألجل البشر) "ويُظهر السرَّ المكنون فيها"‪ .‬أما في كتاب‬
‫هللا الخالصية مترنما بها ألجل هللا‪ .‬والروح عينه يوحي‬ ‫المزامير‪ ،‬فكالم صاحبها يعبر عن أعمال ِ‬
‫بعمل هللا وجواب اإلنسان‪ .‬والمسيح يجمع بين الواحد واآلخر‪ .‬وفيه ال تني المزامير تعلمنا‬
‫الصالة‪.‬‬
‫‪ -2222‬تعابير صالة المزامير المتنوعة ُتصاغ في ليترجيا الهيكل وقلب اإلنسان معا‪ .‬فالمزامير‬
‫هي مرآة عجائب هللا في تاريخ شعبه‪ ،‬وفي الحاالت اإلنسانية التي عاشها صاحب المزامير‪،‬‬
‫سواء كانت تسبحة‪ ،‬أو صالة ضيق أو شكر‪ ،‬أو تضرعا شخصيا أو جماعيا‪ ،‬أو غناء ملكيا أو‬
‫للحج‪ ،‬أو تأمال ِح َكميا‪ .‬قد يعكس المزمور حدثا ماضيا ولكن فيه من االعتدال ما يجعل الناس من‬
‫كل طبقة ومن كل زمان قادرين أن يصلوه في الحقيقة‪.‬‬
‫‪ -2222‬هناك أمور ثابتة تتخلل المزامير‪ :‬البساطة والعفوية في الصالة‪ ،‬والتوق إلى هللا في ذاته‪،‬‬
‫ومن خالل كل ما هو صالح في الخليقة ومعه‪ ،‬وحالة المؤمن المضطربة‪ ،‬إذ يكون‪ ،‬في حبه‬
‫التفضيلي للرب‪ ،‬عرضة لكثير من األعداء والتجارب‪ ،‬ويكون في ترقب لما سيفعله اإلله األمين‪،‬‬
‫وفي تيقن لحبه وتسليم إلرادته‪ .‬وصالة المزامير هي دائما مرتكزة على التسبيح‪ ،‬ولذلك فعنوان‬
‫‪56‬‬
‫هذه المجموعة يالئم جيدا ما تقدمه لنا‪" :‬التسابيح"‪ .‬لقد ُج ِم َعت لعبادة الجماعة‪ ،‬فهي ُتسمعنا النداء‬
‫إلى الصالة وتترنم بجوابها‪" :‬هللويا"‪" ،‬سبحوا الرب!"‪.‬‬

‫"ما هو األفضل من مزمور؟ لذلك يقول داود جيدا‪" :‬سبحوا الرب ألن المزمور شيء صالح‪ :‬إللهنا التسبي ُح‬
‫الحلو والجميل"! وهذا صحيح‪ .‬ألن المزمور بركة ينطق بها الشعب‪ ،‬وتسبيح هلل من الجماعة‪ ،‬وتصفيق من ِق َبل‬
‫الجميع‪ ،‬وكالم يقوله الكون‪ ،‬وصوت الكنيسة‪ ،‬وإعالن إيمان بالنغم"‪.‬‬

‫بإيجاز‬

‫‪" -2222‬الصالة هي رفع النفس نحو هللا أو التماس الخيرات الصالحة من هللا"‪.‬‬
‫‪ -2221‬هللا ال يني يدعو كل شخص إلى المالقاة السرية معه‪ .‬والصالة ترافق كل تاريخ الخالص‬
‫كنداء متبادل بين هللا واإلنسان‪.‬‬
‫االنتصار‬
‫ِ‬ ‫‪ -2222‬صالة إبراهيم ويعقوب تبدو كمعركة اإليمان‪ ،‬في الثقة بأمانة هللا ويقين‬
‫الموعود به الثبات‪.‬‬
‫‪ -2222‬صالة موسى تجيب عن مبادرة هللا الحي ألجل خالص شعبه‪ .‬وهي صورة سابقة لصالة‬
‫التوسل‪ ،‬صالة الوسيط الوحيد يسوع المسيح‪.‬‬
‫‪ -2221‬صالة شعب هللا تزدهر في ظ ِّل مسكن هللا‪ ،‬تابوت العهد والهيكل‪ ،‬بقيادة الرعاة‪ ،‬وال سيما‬
‫الملك داود‪ ،‬واألنبياء‪.‬‬
‫‪ -2222‬األنبياء يدعون إلى توبة القلب‪ ،‬ويتشفعون للشعب‪ ،‬بينما هم يلتمسون بحرارة وجه هللا‪.‬‬
‫‪ -2222‬المزامير هي تحفة الصالة في العهد القديم‪ .‬وهي تتكون من عنصرين ال ينفصالن‪:‬‬
‫شخصي وجماعي‪ .‬وهي تمتد إلى جميع أبعاد التاريخ مذكرة بمواعيد هللا التي تحققت وآملة مجيئ‬
‫الماسيا‪.‬‬
‫‪ -2222‬المزامير المُصالة والمتمَّمة في المسيح هي عنصر أساسي ودائم في صالة الكنيسة‪ .‬إنها‬
‫تتالءم مع الناس من كل طبقة وكل زمان‪.‬‬

‫المقال الثاني‬
‫ملء األزمِنة‬
‫في ِ‬

‫‪ -2222‬في الكلمة الذي صار جسدا والذي يقيم بيننا ُكشف لنا كشفا ُ كامال عن مأساة الصالة‪.‬‬
‫والسع ُي إلى فهم صالته من خالل ما أعلنه لنا عنها شهودهُ في اإلنجيل‪ ،‬هو لنا اقتراب من الرب‬
‫القدوس يسوع‪ ،‬كما من العليقة المتقدة‪ :‬فنعاينه في ذاته أوال وهو يصلي‪ ،‬ثم نصغي إليه كيف‬
‫يعلمنا الصالة‪ ،‬لنعرف أخيرا كيف يستجيب لصالتنا‪.‬‬

‫يسوع يصلّي‬

‫‪ -2222‬لقد تعلم ابن هللا‪ ،‬الذي صار ابن البتول‪ ،‬الصالة بحسب قلبه البشري‪ .‬تعلم صيغ الصالة‬
‫من أمه التي كانت تحفظ كل "عظائم" القدير وتتأمل فيها في قلبها‪ .‬وهو نفسه صلى في الكلمات‬
‫واإليقاعات التي كانت لصالة شعبه‪ ،‬في مجمع الناصرة وفي الهيكل‪ .‬ولكن صالته كانت تنبع من‬
‫‪57‬‬
‫َمعين سري آخر‪ ،‬كما ألمح إلى ذلك‪ ،‬وهو في الثانية عشرة ‪ ،‬قائال‪" :‬يجب أن أكون في ما هو‬
‫ألبي" (لو ‪ .)31 :1‬وهنا تبدأ بالتكشف جدةُ الصالة في ملء األزمنة‪ :‬فالصالة البنوية‪ ،‬التي كان‬
‫اآلب يترقبها من أوالده سيعيشها أخيرا االبن الوحيد نفسه‪ ،‬في بشريته‪ ،‬ألجل الناس ومعهم‪.‬‬
‫‪ -2222‬يبين اإلنجيل بحسب القديس لوقا فعل الروح القدس ومعنى الصالة في خدمة يسوع‪.‬‬
‫فيسوع يصلي قبل األوقات الحاسمة من رسالته‪ :‬قبل أن يشهد له اآلب في معموديته وفي تجليه‪،‬‬
‫وقبل أن يُتم يآالمه قصد محبة اآلب‪ .‬ويصلي أيضا قبل األوقات الحاسمة التي س ُتطلِق رسال َة‬
‫رسله‪ :‬قبل أن يختار ويدعو األثني عشر‪ ،‬قبل ان يعترف به بطرس "كمسيح هللا"‪ ،‬ولكي ال‬
‫يضعف إيمانُ الرسل في التجربة‪ .‬وصالة يسوع قبل األحداث الخالصية‪ ،‬التي يطلب منه اآلب‬
‫القيام بها‪ ،‬هي تسليم متواضع وواثق إلرادته البشرية إلى مشيئة هللا المحبة‪.‬‬
‫‪" -2221‬وكان يسوع ذات يوم يصلي في موضع ما‪ .‬فلما فرغ قال له واحد من تالميذه‪" :‬يا رب‬
‫تلميذ المسيح معلمه يصلي يرغب هو في أن‬ ‫ُ‬ ‫علمنا أن نصلي" (لو ‪ .)2 :22‬أَ َو َ‬
‫ليس حين يعاين‬
‫يصلي؟ فيستطيع عندئذ أن يتعلم ذلك من معلم الصالة‪ .‬إن األوالد‪ ،‬بمعاينتهم االبن واإلصغاء‬
‫إليه‪ ،‬يتعلمون أن يصلوا إلى اآلب‪.‬‬
‫‪ -2222‬يعتزل يسوع مرارا في الخلوة‪ ،‬على الجبل‪ ،‬وال سيما في الليل‪ ،‬لكي يصلي‪ .‬وهو يحمل‬
‫الناس في صالته‪ ،‬إذ إنه يأخذ على عاتقه البشرية في تجسده‪ ،‬ويقدمهم لآلب بتقديم ذاته‪ .‬هو‪،‬‬
‫الكلمة الذي "أخذ على عاتقه الجسد" يشارك‪ ،‬في صالته البشرية‪ ،‬في كل ما يعيشه "إخو ُته"‪.‬‬
‫يرثو ألسقامهم لكي ينقذهم منها‪ .‬وألجل هذا أرسله اآلب‪ .‬فتبدو عندئذ أقواله وأفعاله كالتجلي‬
‫المرئي لصالته "في الخفية"‪.‬‬
‫‪ -2222‬احتفظ اإلنجيليون من المسيح في أثناء خدمته صالتين أكثر صراحة‪ .‬وكل واحدة فيهما‬
‫تبدأ بالشكر‪ .‬في األول‪ ،‬يحمد يسوع اآلب‪ ،‬ويعترف به‪ ،‬ويباركه ألنه أخفى أسرار الملكوت عمن‬
‫شه "نعم‪ ،‬يا أبت!"‬ ‫يحسبون أنفسهم علماء‪ ،‬وكشف عنها "لألطفال" (أطفال التطويبات)‪ .‬وارتعا ُ‬
‫يُعبر عن أعماق قلبه‪ ،‬وعن مطابقته "ما َحسُن" لدى اآلب‪ ،‬مُصديا لقول أمه عند الحبل به "ليكن‬
‫لي بحسب قولك"‪ ،‬وممهدا لما سيقوله لآلب وقت نزاعه‪ .‬كل صالة يسوع هي في اعتناق قلبه‬
‫البشري المُحب "لسر مشيئة" اآلب‪.‬‬
‫ت‬
‫‪ -2221‬الصالة الثانية يوردها القديس يوحنا قبل قيامة لعازر‪ .‬والشكر يسبق الحدث‪" :‬يا أب ِ‬
‫أشكر لك أنك سمعت لي"‪ ،‬وهذا يقتضي أن اآلب يسمع دائما طلبه‪ .‬ويُضيف يسوع حاال‪" :‬لقد‬
‫كنت أنا عالما بأنك تسمع لي على الدوام"‪ .‬وهذا يقتضي أن يسوع من جهته يطلب بطريقة ثابتة‪.‬‬ ‫ُ‬
‫وهكذا‪ ،‬فصالة يسوع‪ ،‬التي يحملها الشكر‪ ،‬تكشف لنا عن كيفية الطلب‪ :‬فقبل أن ُتعطى العطية‬
‫يلتصق يسوع بمن يُعطي‪ ،‬ويُعطي ذاته في عطاياه‪ .‬فالمعطي أنفس من العطية الموهوبة‪ .‬إنه‬
‫"الكنز"‪ ،‬وفيه يوجد قلب االبن‪ ،‬والعطية مُعطاة "بزيادة"‪.‬‬
‫صالة يسوع "الكهنوتية" لها مكان وحيد في تدبير الخالص‪ .‬وستكون موضوع تأمل في ختام القسم األول‪ .‬فهي‬
‫تكشف عن صالة كاهننا األعظم اآلنية دائما‪ ،‬وتحتوي‪ ،‬في الوقت نفسه ما يعلمنا إياه في صالتنا إلى اآلب التي‬
‫سنتوسع فيها في القسم الثاني‪.‬‬
‫‪ -2222‬عندما أتت الساعة التي فيها يتمم يسوع قصد محبة اآلب‪ ،‬أبدى عمق صالته البنوية الذي‬
‫ال يُستقصى‪ ،‬ليس فقط قبل ان يسلم ذاته بحرية‪"( ،‬يا أبتاه‪ ...‬ال تكن مشيئتي بل مشيئتك")‪،‬‬
‫(لو ‪ .)31 :11‬ولكن حتى في كلماته األخيرة على الصليب‪ ،‬حيث الصالة وعطا ُء الذات أمر‬
‫واحد‪" :‬يا أبتاه‪ ،‬إغفر لهم فإنهم ال يدرون ما يعملون" (لو ‪" ،)33 :13‬الحق اقول لك‪ :‬إنك اليوم‬
‫تكون معي في الفردوس (لو ‪" ،)33 :13‬يا امرأة‪ ،‬هوذا ابنك‪ .‬هي ذي أمك (يو ‪" ،)12 :21‬أنا‬
‫عطشان" (يو ‪" ،)12 :21‬إلهي‪ ،‬لماذا تركتني" (مز ‪" ،)33 :25‬كل شيء قد تم" (لو ‪،)31 :21‬‬
‫‪58‬‬
‫يا أبتاه‪ ،‬في يديك أستودع روحي" (لو ‪ ،)36 :13‬حتى ذلك "الصراخ العظيم" عندما زفر وأسلم‬
‫الروح‪.‬‬
‫عبدة للخطيئة وللموت في كل أزمنتها‪ ،‬وكل الطلبات‬ ‫‪ -2222‬جميع مضايق البشرية‪ ،‬المُس َت ِ‬
‫والشفاعات في تاريخ الخالص مجموعة في صراخ الكلمة المتجسد هذا‪ .‬وها هوذا هللا يتقبلها‪،‬‬
‫وخالفا لكل رجاء‪ ،‬يستجيب لها بإقامة ابنه‪ .‬وهكذا تتحقق وتنتهي مأساةُ الصالة في تدبير الخلق‬
‫والخالص‪ .‬وكتاب المزامير يعطينا مفتاح ذلك في المسيح‪ .‬ففي "اآلن" من القيامة يقول الرب‪:‬‬
‫سلني فأعطيك األمم ميراثا وأقاصي األرض ملكا"(مز ‪.)2-7 :1‬‬ ‫"أنت ابني وأنا اليوم ولدتك‪َ ،‬‬

‫تعبر الرسالة إلى العبرانيين بألفاظ مأساوية عن كيفية إحراز صالة يسوع انتصار الخالص‪" :‬إنه هو الذي في‬
‫أيام بشريته قرب تضرعات وابتهاالت في صراخ شديد ودموع إلى القادر أن يخلصه من الموت‪ ،‬وإذ اس ُتجيب‬
‫له بسبب َو َرعه‪ ،‬ومع كونه ابنا‪ ،‬تعلم مما تألمه أن يكون طائعا‪ .‬ولما بلغ الكمال صار لجميع الذين يطيعونه عِ لة‬
‫خالص أبدي" (عب ‪.)1-7 :5‬‬

‫يسوع يعلّم الصالة‬

‫‪ -2222‬عندما يصلي يسوع يعلمنا الصالة‪ .‬وطريق صالتنا نحو هللا هو صالته ألبيه‪ .‬ولكن‬
‫اإلنجيل يعطينا تعليما صريحا منه للصالة‪ .‬فهو كمُربٍّ يأخذنا حيث نحن‪ ،‬ويقودنا تدريجيا نحو‬
‫اآلب‪ .‬وبما أن يسوع كان يتكلم مع الجموع التي تتبعه‪ ،‬فهو ينطلق مما تعرفه سابقا من الصالة‪،‬‬
‫بحسب العهد القديم ويفتحها على جدة الملكوت اآلتي‪ .‬ثم يكشف لها باألمثال تلك الجدة‪ .‬ويتكلم‬
‫أخيرا بصراحة على اآلب والروح القدس‪ ،‬لتالميذه الواجب عليهم أن يكونوا المربين على الصالة‬
‫في كنيسته‪.‬‬
‫‪ -2222‬منذ العظة على الجبل يُلح يسوع على توبة القلب‪ :‬المصالحة مع األخ قبل تقديم القربان‬
‫على المذبح‪ ،‬ومحبة القريب والصالة ألجل المضطهدين‪ ،‬والصالة لآلب "في الخفية" (متى ‪:6‬‬
‫‪ ،)6‬وعدم تكرار الكالم عبثا‪ ،‬والمغفرة من أعماق القلب في الصالة‪ ،‬ونقاوة القلب‪ ،‬وطلب‬
‫ملكوت هللا‪ .‬وهذه التوبة كلها استقطاب هلل‪ ،‬فهي بنوية‪.‬‬
‫‪ -2222‬القلب الذي اعتزم هكذا التوبة يتعلم أن يصلي في اإليمان‪ .‬واإليمان مطابقة بنوية هلل إلى‬
‫أبعد مما ُنحس أو ُندرك‪ .‬وقد أصبحت ممكنة ألن االبن الحبيب قد مهد لنا الوصول إلى اآلب‪.‬‬
‫ويستطيع أن يسألنا أن "نطلب" وأن "نقرع" بما أنه هو نفسه الباب والطريق‪.‬‬
‫‪ -2212‬كما أن يسوع يصلي إلى اآلب ويشكر قبل أن يتقبل عطاياه‪ ،‬فهو يعلمنا هذه الجرأة‬
‫البنو ّية‪" :‬كل ما تسألونه في الصالة‪ ،‬فآمنوا أنكم قد نلتموه" (مر‪ .)13 :22‬هذه قدرة الصالة‪" ،‬كل‬
‫شيء ممكن لمن يؤمن" (‪ )13 :1‬بإيمان "ال يتردد"‪ .‬وبمقدار ما يُحزن يسوع "عدم إيمان" أقاربه‬
‫(مر ‪ ،)6 :6‬و "قلة إيمان" تالميذه‪ ،‬يأخذه ال َع َجب من "اإليمان العظيم" عند قائد المئة الروماني‬
‫والكنعانية‪.‬‬
‫‪ -2211‬صالة اإليمان ال تكون فقط بأن يقول اإلنسان "يا رب‪ ،‬يا رب"‪ ،‬وإنما بمطابقة القلب‬
‫على عمل إرادة اآلب‪ .‬وهذا االهتمام بالمساهمة في القصد اإللهي‪ ،‬يدعو يسوع تالميذه إلى‬
‫االضطالع به في الصالة‪.‬‬
‫‪ -2212‬في يسوع "اقترب ملكوت هللا" (مر ‪ .)25 :2‬إنه يدعو إلى التوبة وإلى اإليمان ولكن‬
‫كذلك إلى السهر‪ .‬ففي الصالة يسهر التلميذ متيقظا لذاك الذي هو كائن‪ ،‬والذي سيأتي‪ ،‬في تذكر‬

‫‪59‬‬
‫ض َعة الجسد‪ ،‬وفي ترجي مجيئه الثاني في المجد‪ ،‬وصالة التالميذ‪ ،‬باالتحاد مع‬ ‫مجيئه األول في َ‬
‫معلمهم‪ ،‬هي جهاد‪ ،‬وبالسهر في الصالة ال يدخل اإلنسان في التجربة‪.‬‬
‫‪ -2212‬ثالثة أمثال رئيسية عن الصالة نقلها إلينا القديس لوقا‪:‬‬

‫األول عن "الصديق المُزعج" يدعو إلى صالة مُلحة‪" :‬إقرعوا فيُفتح لكم"‪ .‬ولمن يصلي هكذا "يُعطي اآلبُ‬
‫السماوي كل ما يحتاج إليه"‪ ،‬وخصوصا الروح القدس الحاوي جميع العطايا‪.‬‬

‫الثاني عن "األرملة المزعجة"‪ ،‬ويتركز على صفة من صفات الصالة وهي أنه يجب ان نصلي دائما دون كالل‬
‫بصبر اإليمان‪" .‬ولكن متى جاء ابن البشر‪ ،‬فهل يجد اإليمان على األرض؟"‪.‬‬

‫المثل الثالث عن "الفريسي والعشار"‪ ،‬يُعنى بتواضع من يُصلي‪" .‬يا هللا اغفر لي أنا الخاطئ"‪ .‬وهذه الصالة ما‬
‫برحت الكنيسة تجعلها صالتها‪" :‬كيريه ليسون"‪.‬‬

‫‪ -2211‬عندما أودع يسو ُع علنا الرسل سر الصالة إلى اآلب‪ ،‬كشف لهم عما يجب أن تكون‬
‫صالتهم وصالتنا‪ ،‬عندما يكون قد رجع‪ ،‬في بشريته الممجدة‪ ،‬إلى قرب اآلب‪ ،‬ما هو جديد اآلن‬
‫أن "نسأل باسمه"‪ .‬اإليمان به يُدخل التالميذ في معرفة اآلب‪ ،‬ألن يسوع هو "الطريق والحق‬
‫َ‬
‫والمكوث معه‬ ‫والحياة" (يو ‪ .)6 :23‬واإليمان يؤتي ث َمره في المحبة أي حفظ كالمه ووصاياه‪،‬‬
‫في اآلب الذي يحبنا فيه حتى اإلقامة فينا‪ .‬وفي هذا العهد الجديد يرتكز يقيننا أننا سنستجاب على‬
‫أساس صالة يسوع‪.‬‬
‫‪ -2212‬وأكثر من ذلك‪ ،‬إن ما يُعطيناه اآلب عندما تكون صالتنا متحدة بصالة يسوع هو‬
‫"المعزي اآلخر‪ ،‬ليقيم معكم إلى األبد‪ ،‬رو ُح الحق" (يو ‪ .)27-26 :23‬وهذه الجدة في الصالة‬
‫وشروطِ ها تظهر من خالل خطاب الوداع‪ .‬في الروح القدس تكون الصالة المسيحية مشارك َة‬
‫محبة مع اآلب‪ ،‬ليس فقط بالمسيح وإنما أيضا فيه‪" :‬حتى اآلن لم تطلبوا باسمي شيئا‪ ،‬اطلبوا‬
‫فتنالوا‪ ،‬لكي يكون فرحكم كامال" (يو ‪.)13 :26‬‬

‫يسوع يستجيب للصالة‬


‫‪ -2212‬لقد استجاب يسوع للصالة إليه إبان خدمته‪ ،‬من خالل دالئل تسبق قدرة موته وقيامته‪:‬‬
‫استجاب لصالة اإليمان المعبر عنها بالكالم (األبرض‪ ،‬ويائيروس‪ ،‬والكنعانية‪ ،‬واللص الصالح)‬
‫أو بالصمت (حاملوا المخلع‪ ،‬نازفة الدم التي تلمس ثوبه‪ ،‬دموع الخاطئة وطيبها)‪ .‬إن طلب‬
‫األع َميين المُلح "ارحمنا يا ابن داود" (متى ‪ )17 :1‬أو "يا يسوع ابن داود ارحمني" (مر ‪:21‬‬
‫‪ )37‬يُردد التقليد في الصالة إلى يسوع‪" :‬يا يسوع المسيح‪ ،‬ابن هللا‪ ،‬ارحمني أنا الخاطئ!"‪ .‬إن‬
‫يسوع‪ ،‬يستجيب دائما للصالة التي تتوسل إليه بإيمان سواء كان األمر شفاء أسقام‪ ،‬أو مغفرة‬
‫امض بسالم‪ ،‬إيمانك خلصك"‪:‬‬‫خطايا‪ِ " :‬‬
‫يختصر القديس أوغسطينوس بطريقة رائعة أبعاد صالة يسوع الثالثة بقوله‪" :‬إنه يصلي ألجلنا بكونه كاهنا‪،‬‬
‫ويصلي فينا بكونه رأسنا‪ ،‬ونصلي له بكونه إلهنا‪ .‬فلنعرف إذن أصواتنا فيه وصوته فينا"‪.‬‬

‫صالة العذراء مريم‬


‫‪ُ -2212‬كشف لنا عن صالة مريم في فجر ملءاألزمنة‪ .‬فصال ُتها‪ ،‬قبل تجسد ابن هللا وقبل حلول‬
‫الروح القدس‪ ،‬تساهم‪ ،‬بوجه وحيد‪ ،‬في قصد اآلب المترفق‪ ،‬حين البشارة‪ ،‬ألجل الحبل بالمسيح‪،‬‬
‫‪60‬‬
‫وحين العنصرة‪ ،‬لقيام الكنيسة‪ ،‬جسد المسيح‪ .‬وقد َوجدت عطية هللا‪ ،‬في إيمان أمته المتواضعة‪،‬‬
‫الذي كان ينتظره منذ بداية األزمنة‪ .‬وتلك التي صنعها القدير "ممتلئة نعمة" تجيب بتقديم كل‬
‫كيانها‪" :‬أنا أمة الرب فليكن لي بحسب قولك"‪ .‬وهذه العبارة "ليكن لي" هي الصالة المسيحية‪ :‬أن‬
‫يكون اإلنسان بكليته له‪ ،‬إذ إنه بكليته لنا‪.‬‬
‫‪ -2212‬يكشف لنا اإلنجيل كيفية صالة مريم وشفاعتها في اإليمان‪ :‬ففي قانا تسأل أم يسوع اب َنها‬
‫الح َمل الذي يُعطي جسده‬ ‫ُ‬
‫وليمة عرس َ‬ ‫ألجل احتياجات وليمة عرس‪ ،‬عالم ِة وليمة أخرى هي‬
‫ودمه عن طلب الكنيسة عروسه‪ .‬وحين العهد الجديد‪ ،‬عند الصليب‪ ،‬اس ُتجيبت مريم بكونها المرأة‬
‫حواء الجديدة ‪" ،‬أم األحياء" الحقيقية‪.‬‬
‫‪ -2212‬لذلك إن نشيد مريم‪" :‬تعظم نفسي الرب" هو في آن واحد نشي ُد والدة اإلله ونشيد الكنيسة‪،‬‬
‫نشي ُد ابن ِة صهيون وشعب هللا الجديد‪ ،‬نشي ُد شكر بملء النِعم التي أُفيضت في تدبير الخالص‪،‬‬
‫ونشي ُد "المساكين" الذين تحقق رجاؤهم بإنجاز ما وُ عد به آباؤنا "ابراهيم واسحق ويعقوب إلى‬
‫األبد"‪.‬‬

‫بإيجاز‬
‫‪ -2222‬في العهد الجديد‪ ،‬المِثال الكامل للصالة هي في صالة يسوع البنوية‪ .‬وصالة يسوع التي‬
‫يؤديها مرارا في الخلوة‪ ،‬سرا‪ ،‬تقتضي مطابقة مُحبة لمشيئة اآلب حتى الصليب‪ ،‬وثقة مطلقة‬
‫باالستجابة لها‪.‬‬
‫‪ -2221‬يُل ِّقن يسوع تالميذه في تعليمه أن يصلوا بقلب نقي‪ ،‬وإيمان حي مثابر‪ ،‬وجرأة بنوية‪ .‬وهو‬
‫يدعوهم إلى السهر‪ ،‬وإلى أن يقدموا هلل طلباتهم باسمه‪ .‬ويسوع يستجيب هو نفسُه الصلوات التي‬
‫توجه إليه‪.‬‬
‫‪ -2222‬صالة العذراء مريم في "ليكن لي بحسب قولك"‪ ،‬وفي "تعظيمها"‪ ،‬تتميز بتقدمة سخية‬
‫لكيانها كله في اإليمان‪.‬‬

‫المقال الثالث‬
‫في زمان الكنيسة‬

‫‪ -2222‬في يوم العنصرة أُفيض روح الوعد على التالميذ الذين "كانوا كلهم في مكان واحد" (أع‬
‫‪" ،)23 :2‬ينتظرونه بقلب واحد مواظبين على الصالة" (أع‪ .)23 :2‬والروح الذي يُعلم الكنيسة‬
‫ويذكرها بكل ما قال يسوع‪ ،‬سيُنش ُئها أيضا على حياة الصالة‪.‬‬
‫‪ -2221‬في جماعة أورشليم األولى‪ ،‬كان المؤمنون "مواظبين على تعليم الرسل‪ ،‬والشركة‬
‫األخوية‪ ،‬وكسر ال ُخبز والصلوات" (أع‪ .)31 :1‬هذا المقطع هو نموذجي بالنسبة إلى صالة‬
‫الكنيسة‪ :‬فهي مؤسسة على إيمان الرسل‪ ،‬ومؤصلة في المحبة‪ ،‬وغذاؤها في االفخارستيا‪.‬‬
‫‪ -2222‬هذه الصلوات هي أوال تلك التي يسمعها ويقرأها المؤمنون في الكتب‪ ،‬ولكنهم يجعلونها‪،‬‬
‫وال سيما المزامير‪ ،‬آنية بالنسبة إليهم‪ ،‬انطالقا من تحققها في المسيح‪ .‬والروح القدس‪ ،‬الذي يُذكر‬
‫هكذا بالمسيح كنيسته المُصلية‪ ،‬يقودها أيضا إلى الحقيقة كلها‪ ،‬ويو ِجد صِ َيغا أخرى ُتعبر عن السر‬
‫الذي ال يُستقصى‪ ،‬سرِّ المسيح العامل في الحياة وفي األسرار وفي رسالة الكنيسة‪ .‬وستنمو هذه‬

‫‪61‬‬
‫الصيغ في التقاليد الليترجية والروحية الكبرى‪ .‬إلن أنماط الصالة‪ ،‬كما تكشف عنها الكتب‬
‫الرسولية القانونية‪ ،‬ستبقى معيارا للصالة المسيحية‪.‬‬

‫‪ .ً1‬المباركة والعبادة‬
‫‪ -2222‬المباركة ُتعبر عن الحركة العميقة للصالة المسيحية‪ :‬أنها لقاء بين هللا واإلنسان‪ .‬فيها‬
‫يتنادى ويتحد عطاء هللا وقبو ُل اإلنسان‪ .‬وصالة المباركة هي جواب اإلنسان عن عطايا هللا‪ :‬فألن‬
‫هللا يبارك‪ ،‬يقدر قلبُ اإلنسان أن يرد بمباركة من هو أص ُل كل بركة‪.‬‬
‫‪ُ -2222‬تعبر عن هذه الحركة صيغتان أساسيتان‪ :‬فحينا ترتفع يحملها المسي ُح في الروح القدس‬
‫نحو اآلب (فنباركه ألنه يباركنا)‪ ،‬وحينا ُ تلتمس نعمة الروح القدس الذي بالمسيح ينزل من عند‬
‫اآلب (فهو الذي يباركنا)‪.‬‬
‫‪ -2222‬العبادة هي الموقف األول لإلنسان المعترف بأنه خليقة أمام خالقه‪ .‬إنها تشيد بعظمة‬
‫الرب الذي صنعنا‪ ،‬وبقدرة المخلص الذي يحررنا من الشر‪ .‬إنها سجو ُد الروح أمام "ملك المجد"‬
‫وصمت االحترام أمام هللا "األعظم على الدوام"‪ .‬إن عبادة هللا المثلث التقديس‪ ،‬والمحبوب فوق‬‫ُ‬
‫كل شيء‪ُ ،‬تخزينا بالتواضع‪ ،‬وترسخ ابتهاالتنا‪.‬‬

‫‪ .ً2‬صالة الطلب‬
‫ب‪ ،‬وطالب‪ ،‬ونادى بإلحاح‪،‬‬ ‫‪ -2222‬مفردات االبتهال غنية بالتفاصيل الدقيقة في العهد الجديد‪ :‬طلَ َ‬
‫ودعا‪ ،‬وصرخ‪ ،‬وهتف‪ ،‬بل "جاهد في الصالة"‪ .‬ولكن صيغتها العادية أكثر‪ ،‬ألنها األكثر تلقائية‪،‬‬
‫هي الطلب‪ .‬فبصالة الطلب‪ ،‬نعبر عن وعينا عالق َتنا باهلل‪ :‬فبكوننا خالئق لسنا أص َل أنفسنا‪ ،‬وال‬
‫عرض عن‬ ‫أسيا َد الشدائد‪ ،‬وال غا َيتنا القصوى‪ ،‬ولكن أيضا بكوننا خطأة نعلن‪ ،‬كمسيحيين‪ ،‬أننا ُن ِ‬
‫أبينا‪ .‬والطلب يعني أننا قد عُدنا إليه‪.‬‬
‫‪ -2222‬ال يحتوي العهد الجديد صلوات النحيب التي تتردد كثيرا في الهد القديم‪ .‬فمنذ اآلن فصاعدا طلب‬
‫الكنيسة‪ ،‬في المسيح القائم‪ ،‬يحمله الرجاء‪ ،‬وإن كنا ما زلنا في ترقب‪ ،‬وكان علينا أن نتوب كل يوم‪ .‬ان الطلب‬
‫المسيحي ينبع من عمق آخر‪ ،‬من الذي يسميه القديس بولس األنين‪ :‬أنين الخليقة "التي تتمخض" (رو ‪،)11 :2‬‬
‫وأنيننا نحن أيضا "في انتظار افتداء جسدنا‪ ،‬ألنا بالرجاء ُخلصنا" (رو ‪ ،)13-13 :2‬وأخيرا أنات الروح القدس‬
‫نفسه التي فوق الوصف‪ ،‬ذلك الروح الذي "يعض ُد ضعفنا ألنا ال نعرف كيف نصلي كما ينبغي" (رو ‪.)16 :2‬‬
‫‪ -2221‬إن طلب المغفرة هو أول حركات صالة الطلب (راجع العشار‪" :‬ارحمني أنا الخاطئ"‪،‬‬
‫(لو ‪ .)23 :22‬إنها التمهيد للصالة المستقيمة والنقية‪ .‬فالتواضع الواثق يجعلنا من جديد في نور‬
‫المشاركة مع اآلب وابنه يسوع المسيح‪ ،‬وبعضنا مع بعض‪ .‬وعندئذ "مهما سألنا فإننا نناله منه"‬
‫(‪ 2‬يو ‪ .)11 :3‬طلب المغفرة هو التمهيد للي ُترجيا االفخارستية كما للصالة الشخصية‪.‬‬
‫‪ -2222‬الطلب المسيحي مرتكز على الرغبة في الملكوت اآلتي والسعي إليه‪ ،‬بحسب تعليم‬
‫يسوع‪ .‬فهناك تراتبية في الطلب‪ :‬أوال الملكوت‪ ،‬وبعده ما هو ضروري لقبوله وللمساهمة في‬
‫رسالة الكنيسة‪ ،‬هي‬‫ُ‬ ‫ُ‬
‫المساهمة في رسالة المسيح والروح القدس‪ ،‬التي هي اآلن‬ ‫مجيئه‪ .‬وهذه‬
‫موضوع صالة الجماعة الرسولية‪ .‬إنها صالة بولس الرسول بامتياز‪ ،‬الذي أعلن لنا كيف أنه من‬
‫الواجب أن يُنعش الصالة المسيحية االعتنا ُء اإللهي بك ِّل الكنائس‪ .‬بالصالة يعمل كل معمد على‬
‫مجيء الملكوت‪.‬‬
‫‪ -2222‬عندما يشارك اإلنسان هكذا في محبة هللا المُخلصة‪ ،‬يدرك أن كل حاجة يمكن ان تكون‬
‫موضوع طلب‪ .‬والمسيح الذي أخذ كل شيء على عاتقه‪ ،‬لكي يفتدي كل شيء يُمجَّ د بالطلبات التي‬
‫نقدمها لآلب باسمه‪ .‬ففي هذا االطمئنان يحرضنا يعقوب وبولس على الصالة في كل ّ‬
‫‪62‬‬
‫ظرف‪.‬‬

‫‪ .ً2‬صالة الشفاعة‬
‫‪ -2221‬الشفاعة صالة طلب تجعلنا شديدي المطابقة لصالة يسوع‪ .‬إنه هو الشفيع الوحيد عن‬
‫اآلب في كل البشر‪ ،‬وخصوصا الخطأة‪" .‬إنه قادر أن يخلص تماما الذين به يتقربون إلى هللا‪ ،‬إذ‬
‫أنه على الدوام حي ليشفع فيهم" (عب ‪ .)15 :7‬والروح القدس نفسه "يشفع فينا ألنه بحسب هللا‬
‫يشفع في القديسين" (رو ‪.)17-16 :2‬‬
‫‪ -2222‬الشفاعة‪ ،‬أي الطلب ألجل آخر‪ ،‬هي منذ إبراهيم‪ ،‬من خاصة قلب مطابق لرحمة هللا‪ .‬في‬
‫زمن الكنيسة تشارك الشفاعة المسيحية في شفاعة المسيح‪ :‬إنها التعبير عن شركة القديسين‪ .‬وفي‬
‫الشفاعة‪ ،‬من يصلي "ال يسعى إلى ما هو لنفسه بل بالحري إلى ما هو لغيره" (في ‪ ،)3 :1‬حتى‬
‫إنه يصلي ألجل من يصيبونه بشر‪.‬‬
‫‪ -2222‬عاشت الجماعات المسيحية األولى بقوة هذه الصيغة من صيغ المشاركة‪ .‬وهكذا يجعلها‬
‫القديس بولس تشاركه‪ ،‬في خدمة اإلنجيل‪ ،‬ولكنه يشفع فيها أيضا‪ .‬وشفاعة المسيحيين ال تعرف‬
‫حدودا "ألجل جميع الناس‪ ،‬وجميع الذين في منصب" (‪ ،)2 :1 2‬وألجل المضطهدين‪ ،‬وألجل‬
‫خالص من يرفضون اإلنجيل‪.‬‬

‫‪ .ً1‬صالة الشكر‬
‫‪ -2222‬الشكر يميز صالة الكنيسة التي بإقامتها االفخارستيا ُتظهر وتصير أكثر ماهيتها‪ .‬ففي‬
‫عمل الخالص يحرر المسيح الخليقة من الخطيئة والموت ليعيد تكريسها‪ ،‬وإرجاعها إلى اآلب‪،‬‬
‫ألجل مجده‪ .‬وشك ُر أعضاء الجسد يشارك في شكر الرأس‪.‬‬
‫‪ -2222‬يمكن أن يصير كل َحدَث وكل احتياج‪ ،‬كما في صالة الطلب‪ ،‬تقدمة شكر‪ .‬ورسائل‬
‫ئ وتنتهي مرارا بالشكر‪ ،‬والرب يسوع حاضر فيها دائما‪" .‬أشكروا على كل‬ ‫القديس بولس تبتد ُ‬
‫شيء‪ ،‬فذلك ما يشاء هللا منكم في المسيح يسوع" (‪ 2‬تس ‪" .)22 :5‬واظبوا على الصالة‪ ،‬إسهروا‬
‫فيها بالشكر" (كو ‪.)1 :3‬‬

‫‪ .ً2‬صالة المسيح‬
‫‪ -2222‬صالة المسيح هي نمط الصالة الذي يعبر بالطريقة األكثر مباشرة عن أنَّ هللا هو هللا‪.‬‬
‫إنها تتغنى به ألجل ذاته‪ ،‬وتمجده‪ ،‬إلى ما هو أبعد من أفعاله‪ ،‬أنه كائن‪ .‬وهي تشارك في طوبى‬
‫القلوب النقية التي تحبه في اإليمان قبل ان تعاينه في المجد‪ .‬بها ينضم الروح إلى روحنا ليشهد‬
‫بأننا أوالد هللا‪ ،‬ويشهد لإلبن الوحيد الذي به حصل تبنينا‪ ،‬والذي به نمجد اآلب‪ .‬والتسبيح يجمع‬
‫في ذاته صيغ الصالة األخرى‪ ،‬ويحملها إلى من هو بدايتها وخاتمتها‪" :‬اإلله الواحد‪ ،‬اآلب‪ ،‬الذي‬
‫منه كل شيء‪ ،‬ونحن إليه" (‪2‬كو ‪.)6 :2‬‬
‫‪ -2212‬يذكر القديس لوقا مرارا في إنجيله التعجب والتسبيح إزاء عجائب المسيح‪ ،‬ويُبرزهما كذلك بالنسبة إلى‬
‫أفعال الروح القدس التي هي أعمال الرسل" جماعة أورشليم‪ ،‬والمُقعد الذي شفاه بطرس ويوحنا‪ ،‬والجمهور‬
‫الذي يمجد هللا لذلك‪ ،‬ووثنيو بيسيذية الذين "فرحوا ومجدوا كلمة الرب" (أع ‪.)32 :23‬‬
‫‪" -2211‬تحاوروا في ما بينكم بمزامير وتسابيح وأنشايد روحية‪ .‬رنموا وأشيدوا للرب بكل‬
‫قلوبكم" (أف ‪ .)21 :5‬ومِث َل الكتاب الملهمين‪ ،‬تعيد الجماعات المسيحية األولى قراءة كتاب‬
‫المزامير‪ ،‬متغنية فيه بسر المسيح‪ .‬وهي أيضا‪ ،‬في جدة الروح‪ ،‬تؤلف أناشيد وتسابيح انطالقا من‬
‫‪63‬‬
‫الحدث الغريب الذي اتمه هللا في ابنه‪ :‬تجسده‪ ،‬موتِه المنتصر على الموت‪ ،‬قيامته وصعوده إلى‬
‫يمينه‪ .‬فمن "عجائب" كل تدبير الخالص هذه ترتفع المجدلة وتسبيح هللا‪.‬‬
‫‪ -2212‬الكشف "عما سيكون عن قريب" أو الرؤيا‪ ،‬تحمله تسابيح الليترجيا السماوية‪ ،‬ولكن كذلك‬
‫شفاعة "الشهود" (الشهداء)‪ .‬إن األنبياء والقديسين‪ ،‬جميع الذين ُذبحوا على األرض ليشهدوا‬
‫ليسوع‪ ،‬والجمع الكثير من الذين جاؤوا من المحنة الكبرى‪ ،‬قد سبقونا إلى الملكوت وهم يتغنون‬
‫بتسبحة مج ِد َمن يجلس على عرش الح َمل‪ .‬وباالشتراك معهم تتغنى كنيسة األرض أيضا بهذه‬
‫التسابيح في اإليمان والمحنة‪ .‬واإليمان في الطلب والشفاعة‪ ،‬يرجو على خالف كل رجاء‪ ،‬ويشكر‬
‫" أبا األنوار‪ ،‬الذي من لدنه تهبط كل عطية صالحة"‪ .‬اإليمان هو هكذا تسبيح محض‪.‬‬
‫‪ -2212‬تحوي االفخارستيا كل صيغ الصالة وتعبر عنها‪ .‬إنها "التقدمة الزكية" لكل جسد المسيح‬
‫"لمجد اسمه"‪ .‬إنها‪ ،‬بحسب تقليدي الشرق والغرب "ذبيحة التسبيح"‪.‬‬

‫بإيجاز‬
‫‪ -2211‬ان الروح القدس الذي يعلم الكنيسة ويذكرها بكل ما قاله يسوع يربيها أيضاٌ على حياة‬
‫الصالة‪ ،‬بإيجاد تعابير تتجدد ضمن أنماط باقية‪ :‬المباركة‪ ،‬والطلب‪ ،‬والشفاعة‪ ،‬والشكر‪ ،‬والتسبيح‪.‬‬
‫‪ -2212‬إذا كان قلب اإلنسان يستطيع أن يرد بمباركة من هو ينبوع كل بركة‪ ،‬فألن هللا قد باركه‪.‬‬
‫‪ -2212‬صالة الطلب موضوعها المغفرة‪ ،‬والسعي إلى الملكوت‪ ،‬وكل احتياج حقيقي‪.‬‬
‫‪ -2212‬صالة الشفاعة هي طلب ألجل آخر‪ ،‬وهي ليس لها حدود وتمتد إلى األعداء‪.‬‬
‫‪ -2212‬كل فرح وكل مشقة‪ ،‬وكل حدث وكل احتياج يمكن أن يكونوا موضوع الشكر الذي‪،‬‬
‫باالشتراك مع شكر المسيح‪ ،‬يجب أن يمأل الحياة كلها‪" :‬أشكروا على كل شيء" (‪ 2‬تس ‪.)28 :5‬‬
‫‪ -2212‬صالة التسبيح‪ ،‬المنزهة عن المصلحة‪ ،‬تتوجه نحو هللا‪ .‬فتتغنى به‪ ،‬وألجله‪ ،‬وتمجده إلى‬
‫ما هو أبعد من أفعاله‪ ،‬ألجل ذاته‪.‬‬

‫الفصل الثاني‬
‫تقليد الصالة‬

‫‪ -2222‬ال تقتصر الصالة على أن تكون تفجرا تلقائيا لدافع داخلي‪ :‬ال بد أن نريد الصالة لكي‬
‫نصلي‪ .‬وال يكفي كذلك أن نعلم ما يكشفه الكتاب عن الصالة‪ ،‬يجب أيضا أن نتعلم الصالة‪ .‬وفي‬
‫الواقع إن الروح القدس‪ِ ،‬ب َنقل حي (التقليد المقدس)‪ ،‬في الكنيسة المؤمنة والمصلية يعلم أوالد هللا‬
‫أن يصلوأ‪.‬‬
‫‪ -2221‬تقليد الصالة المسيحية هو وجه من وجوه نمو تقليد اإليمان‪ ،‬خصوصا بالتأمل والبحث‬
‫لدى المؤمنين الذي يحفظون في قلوبهم األحداث وكالم تدبير الخالص‪ ،‬وبتعمقهم في الحقائق‬
‫الروحية التي يختبرونها‪.‬‬

‫المقال األول‬
‫ينابيع الصالة‬

‫‪64‬‬
‫‪ -2222‬الروح القدس هو "الماء الحي" الذي‪ ،‬في قلب من يصلي "يتفجر حياة أبدية"‪ .‬وهو الذي‬
‫يعلمنا أن نتقبله من الينبوع نفسه أي المسيح‪ .‬وهناك في الحياة المسيحية أماكن فيها ينابيع ينتظرنا‬
‫عندها المسيح ليُروينا من الروح القدس‪.‬‬

‫كالم هللا‬
‫‪ -2222‬الكنيسة "تحرض تحريضا ملحاحا خصوصا جميع المسيحين على ان يُدركوا بالمواظبة‬
‫على قراءة الكتب اإللهية‪" ،‬معرفة يسوع المسيح السامية" (في ‪ .)2 :3‬ولكن يجب أن َيقرنوا‬
‫الصالة بقراءة الكتب المقدسة‪ ،‬لينشأ حوار بين هللا والناس‪" ،‬فإلى هللا نتحدث عندما نصلي‪ ،‬وإليه‬
‫نستمع عندما نقرأ آيات الوحي اإللهي"‪.‬‬
‫‪ -2221‬لقد علق اآلباء الروحيون على متى ‪ ،7 :7‬فلخصوا هكذا استعدادات القلب المغتذي بكالم‬
‫هللا في الصالة‪" :‬أطلبوا وأنتم تقرأون فتجدوا وأنتم تتأملون‪ .‬إقرعوا وأنتم تصلون فيُفتح لكم‬
‫بالتأمل"‪.‬‬

‫ليترج ّيا الكنيسة‬


‫‪ -2222‬إن رسالة الكنيسة والروح القدس‪ُ ،‬تعلن سر الخالص وتجعله حاضرا وتبلغه‪ ،‬في‬
‫الليترجيا األسرارية‪ ،‬تستمر في قلب من يصلي‪ .‬وقد شبه اآلباء الروحيون أحيانا القلب بالمذبح‪.‬‬
‫فالصالة ُتدخل الليترجيا في الصميم وتتمثلها قبل االحتفال بها وبعده‪ .‬والصالة‪ ،‬حتى عندما يحياها‬
‫اإلنسان "في الخفية" (متى ‪ ،)6 :6‬هي دائما صالة الكنيسة‪ ،‬وهي اتحاد الثالوث األقدس‪.‬‬

‫الفضائل اإلله ّية‬


‫‪ -2222‬يدخل اإلنسان في الصالة كما يدخل في الليترجيا‪ ،‬أي من باب اإليمان الضيق‪ .‬ونحن‪،‬‬
‫من خالل عالمات حضورات الرب‪ ،‬إنما نلتمس وجهه ونتوق إليه‪ ،‬ونريد أن نسمع كالمه‬
‫ونحفظه‪.‬‬
‫‪ -2222‬إن الروح القدس‪ ،‬الذي يعلمنا القيام بالليترجيا في انتظار عودة المسيح‪ ،‬يربينا على‬
‫الصالة في الرجاء‪ .‬وبالعكس‪ ،‬إن صالة الكنيسة والصالة الشخصية تغذيان فينا الرجاء‪.‬‬
‫والمزامير على الخصوص‪ ،‬بلغتها الحسية والمتنوعة‪ ،‬تعلمنا ان نضع رجا َءنا في هللا‪" :‬رجوت‬
‫الرب رجاء فحنا علي وسمع صراخي" (مز ‪" .)1 :31‬ليؤتكم إل ُه الرجاء مل َء الفرح والسالم في‬
‫اإليمان‪ ،‬حتى َتفيضوا رجاء بقوة الروح القدس" (رو ‪.)23 :25‬‬
‫‪" -2222‬الرجاء ال يُخزى‪ ،‬ألن مح ّبة هللا قد أُفيضت في قلوبنا بالروح القدس الذي أُعطيناه" (رو‬
‫‪ .)5 :5‬والصالة التي تنشئها الحياة الليترجية تستمد كل شيء من المحبة التي أحبنا بها المسيح‪،‬‬
‫والتي تولينا اإلجابة عنها بأن نحبه كما أحبنا هو‪ .‬المحبة هي ينبوع الصالة ومن اغترف منها بلغ‬
‫قمة الصالة‪:‬‬
‫"أحبك‪ ،‬يا إلهي‪ ،‬ورغبتي الوحيدة هي في أن أحبك حتى آخر نفس من حياتي‪ .‬أحبك يا إلهي الجدير بالحب‬
‫الالمتناهي‪ ،‬وأفضل أن أموت وأنا أحبك على أن أحيا دون أن أحبك‪ .‬أحبك يا رب‪ ،‬والنعمة الوحيدة التي ألتمسها‬
‫منك أن أحبك مدى األبد‪ .‬يا إلهي‪ ،‬إذا عجز لساني عن أن يقول في كل لحظة إني أحبك‪ ،‬فمُرادي أن يكرر لك‬
‫ذلك قلبي على عدد أنفاسي"‪.‬‬

‫"اليوم"‬
‫‪65‬‬
‫‪ -2222‬نتعلم الصالة أحيانا باالستماع لكالم الرب‪ ،‬وباالشتراك في سره الفصحي‪ .‬ولكن روحه‬
‫يُعطى لنا لِي ُِنب َع فينا الصالة‪ ،‬في كل وقت‪ ،‬وفي أحداث كل ّ يوم‪ .‬وتعليم يسوع عن الصالة إلى أبينا‬
‫هو في ذات سياق تعليمه عن العناية اإللهية‪ .‬الزمان هو بين يدَي اآلب‪ .‬ونحن نلتقيه في الحاضر‪،‬‬
‫ال البارحة‪ ،‬وال غدا وإنما اليوم‪" :‬اليوم إذا سمعتم صوته فال ُت َقسوا قلوبكم"‪( .‬مز ‪.)2 :15‬‬
‫‪ -2222‬الصالة وسط أحداث كل يوم‪ ،‬وكل لحظة‪ ،‬هي واحد من أسرار الملكوت المعلنة‬
‫"للصغار"‪ ،‬لخدام المسيح‪ ،‬لمساكين التطويبات‪ .‬من القويم والصالح أن نصلي لكي يؤثر في‬
‫مجرى التاريخ مجيء ملكوت العدالة والسالم‪ .‬ولكن من المهم أيضا أن نعجن بالصالة عجينة‬
‫األحوال اليومية الوضيعة‪ .‬ويمكن أن تكون جميع صِ َيغ الصالة تلك الخميرة التي يشبه بها الرب‬
‫الملكوت‪.‬‬

‫بإيجاز‬
‫‪ -2221‬إن الروح القدس يعلم أبناء هللا الصالة في الكنيسة بنقل حي هو التقليد‪.‬‬
‫‪ -2222‬كالم هللا‪ ،‬وليترجيا الكنيسة‪ ،‬وفضائل اإليمان والرجاء والمحبة هي ينابيع الصالة‪.‬‬

‫المقال الثاني‬
‫طريق الصالة‬

‫‪ -2222‬كل كنيسة‪ ،‬في تقليد الصالة الحي‪ ،‬تعرض على مؤمنيها‪ ،‬بحسب القرينة التاريخية‬
‫واالجتماعية والثقافية‪ ،‬لغة صالتهم‪ :‬من كالم‪ ،‬وأنغام‪ ،‬وحركات وأيقونات‪ .‬ويعود إلى السلطة‬
‫التعليمية أن تميز األمانة‪ ،‬في طريق الصالة هذه‪ ،‬لتقليد اإليمان الرسولي‪ ،‬ويعود إلى الرعاة‬
‫ومعلمي الدين شرح معانيها المرتبطة دائما بالمسيح‪.‬‬

‫الصالة إلى اآلب‬


‫‪ -2221‬ليس من طريق للصالة المسيحية غير المسيح‪ .‬فسواء كانت صالتنا جماعية أو شخصية‪،‬‬
‫كالمية أو قلبية‪ ،‬فهي لن تصل إلى اآلب إال إذا صلينا "في اسم" يسوع‪ .‬فبشرية يسوع المقدسة‬
‫هي إذن الطريق الذي يعلمنا به الروح القدس أن نصلي هلل أبينا‪.‬‬

‫الصالة إلى يسوع‬


‫‪ -2222‬تعلمنا صالة الكنيسة‪ ،‬التي يُغذيها كالم هللا واالحتفال بالليترجيا‪ ،‬الصالة إلى الرب‬
‫َ‬
‫صيغ صالة‬ ‫يسوع‪ .،‬وهي‪ ،‬وإن وُ جهت خصوصا إلى اآلب‪ ،‬تحوي في جميع التقاليد الليترجية‬
‫موجهة إلى المسيح‪ .‬بعضُ المزامير‪ ،‬بحسب جعلها آنية في صالة الكنيسة‪ ،‬والعهد الجديد يضعان‬
‫على شفاهنا ويحفران في قلوبنا أدعية هذه الصالة إلى المسيح‪ :‬يا ابن هللا‪ ،‬وكلمة هللا‪ ،‬والرب‪،‬‬
‫والمخلص‪ ،‬حمل هللا‪ ،‬والملِك‪ ،‬واالبن الحبيب‪ ،‬وابن العذراء‪ ،‬والراعي الصالح‪ ،‬وحياتنا‪ ،‬ونورنا‪،‬‬
‫ورجاءنا‪ ،‬وقيامتنا‪ ،‬ومحب البشر‪....‬‬
‫‪ -2222‬ولكن االسم الذي يحوي كل شيء هو الذي قبله ابن هللا في تجسده" يسوع‪ .‬االسم اإللهي‬
‫يستحيل النطق به على الشفاه البشرية ولكن الكلمة‪ ،‬باتخاذه بشريتنا سلمه إلينا وأصبحنا قادرين‬
‫على أن ندعو به‪" :‬يسوع" ‪" ،‬يهوه يخلص"‪ .‬واسم يسوع يحوي كل شيء‪ :‬هللا واإلنسان وكل‬
‫الخلق والخالص‪ .‬والصالة إلى "يسوع" هي أن ندعوه ونناديه فينا‪ .‬واسمُه هو الوحيد الذي‬ ‫تدبير َ‬
‫‪66‬‬
‫يحوي الحضور الذي َيعنيه‪ .‬لقد قام يسوع‪ ،‬وكل من يدعو باسمه َيقبل ابن هللا الذي أحبه وبذل‬
‫نفسه ألجله‪.‬‬
‫‪ -2222‬هذا الدعاء اإليماني البسيط جدا قد توسعت به الصالة التقليدية‪ ،‬وجعلته في صيغ كثيرة شرقا وغربا‪.‬‬
‫والصيغة المألوفة أكثر‪ ،‬التي نقلها الروحيون من جبل سيناء ومن سوريا ومن آثوس هي الدعاء‪" :‬يا يسوع‬
‫المسيح‪ ،‬ابن هللا‪ ،‬الرب‪ ،‬ارحمنا نحن الخطأة!"‪ .‬وهي تجمع النشيد المسيحاني في فيليبي ‪ ،22-6 :1‬مع نداء‬
‫العشار ومُس َتعطيي النور‪ .‬وبها يطابق القلب بؤس البشر ورحمة مخلصهم‪.‬‬
‫‪ -2222‬دعاء اسم يسوع القدوس هو السبيل األبسط للصالة المتواصلة‪ .‬وعندما يكرر القلب بانتباه وتواضع‪،‬‬
‫فال يتشتت في "كثرة الكالم" (متى ‪ ،)7 :6‬ولكن "يحفظ الكلمة ويُثمر بالصبر"‪ .‬وهو ممكن "في كل وقت"‪ ،‬ألنه‬
‫ليس "شغال" إلى جانب شغل آخر ولكنه الشغل الوحيد‪ ،‬الشغل بمحبة هللا الذي يحيي ويبدل كل عمل في المسيح‬
‫يسوع‪.‬‬
‫‪ -2222‬صالة الكنيسة ُتجل وتكرم قلب يسوع كما أنها تدعو اسمه القدوس‪ .‬إنها تعبد الكلمة‬
‫المتجسد وقلبه الذي تقبل الطعن ألجل خطايانا محبة للبشر‪ .‬والصالة المسيحية تحب أن تسير‬
‫على درب الصليب وراء السيد المسيح‪ .‬والمحطات من دار الوالية إلى الجلجلة وإلى القبر تكون‬
‫إيقاعات مسيرة يسوع الذي افتدى العالم بصليبه المقدس‪.‬‬
‫‪" -2222‬ال أحد يستطيع أن يقول‪" :‬يسوع رب" إال بالروح القدس" (‪ 2‬كو ‪ .)3 :21‬فكل مرة‬
‫نشرع في الصالة إلى يسوع‪ ،‬يكون الروح القدس‪ ،‬بنعمته السابقة‪ ،‬هو الذي يجتذبنا على طريق‬
‫الصالة‪ .‬وبما أنه يعلمنا أن نصلي وهو يذكرنا بالمسيح‪ ،‬فكيف ال نصلي إليه هو ذاته؟ لذلك‬
‫تدعونا الكنيسة أن نبتهل كل يوم إلى الروح القدس‪ ،‬خصوصا في بد ِء كل عمل خطير ونهايته‪.‬‬

‫"إذا لم يكن من الواجب أن يُع َبد الروح‪ ،‬فكيف يؤلهنا بالمعمودية؟ وإذا كان من الواجب أن يُعبد‪ ،‬أفليس من‬
‫الواجب أن يكون موضوع عبادة خاصة؟"‪.‬‬
‫‪ -2221‬الصيغة التقليدية لطلب الروح هي الدعاء إلى اآلب بالمسيح ربنا لكي يعطينا الروح‬
‫المعزي‪ .‬وقد ألح يسوع على هذا الطلب باسمه في الوقت ذاته الذي وعد فيه بإعطاء روح الحق‪.‬‬
‫ولكن الصالة األبسط والمباشرة باألكثر هي أيضا تقليدية‪: :‬هلم‪ ،‬أيها الروح القدس"‪ ،‬وكل تقليد‬
‫ليترجي طورها في ترانيم وأناشيد‪:‬‬
‫"هلم أيها الروح القدس‪ ،‬وامأل قلوب المؤمنين بك‪ ،‬وأشعل فيهم نار محبتك"‪.‬‬
‫"ايها الملك السماوي الروح المعزي‪ ،‬روح الحق‪ ،‬الحاضر في كل مكان والمالئ الكل‪ ،‬كنز الصالحات وواهب‬
‫الحياة‪ ،‬هلم واسكن فينا‪ ،‬وطهرنا من كل دنس‪ ،‬وخلص‪ ،‬أيها الصالح نفوسنا"‪.‬‬
‫‪ -2222‬اإن الروح القدس الذي ُتضمخ مسح ُته كل كياننا هو المعلم الداخلي للصالة المسيحية‪ .‬إنه‬
‫صانع تقليد الصالة الحي‪ .‬أجل‪،‬هناك مسيرات للصالة بعدد المصلين‪ ،‬ولكن الروح عينه هو‬
‫الفاعل في الجميع ومع الجميع‪ .‬وبالمشاركة مع الروح القدس تصير الصالة المسيحية صالة في‬
‫الكنيسة‪.‬‬
‫في مشاركة والدة االله القديسة‬
‫‪ -2222‬إن الروح القدس يجعلنا في الصالة متحدين بشخص االبن الوحيد في بشريته الممجدة‪.‬‬
‫فيه وفيه تشترك صالتنا البنوية في الكنيسة مع والدة يسوع‪.‬‬
‫‪ -2221‬منذ الرضى الذي أظهرته مريم باإليمان‪ ،‬في يوم البشارة‪ ،‬والذي احتفظت به على ثباته‬
‫ُ‬
‫شوطهم بعد‪ ،‬وإنما يعانون‬ ‫قرب الصليب‪ ،‬تمتد أمومتها إلى إخوة ابنها وأخواته "الذين لم َينت ِه‬
‫وطأة المشاق والمحن"‪ .‬إن يسوع‪ ،‬الوسيط الوحيد‪ ،‬هو طريق صالتنا‪ .‬ومريم‪ ،‬أمه وأمنا‪ ،‬هي‬

‫‪67‬‬
‫شفافة أمامه‪ :‬إنها "تدل على الطريق" (الهادية أو المرشدة)‪ ،‬إنها "آيته"‪ ،‬بحسب رسم االيقونات‬
‫التقليدي في الشرق والغرب‪.‬‬
‫‪ -2222‬فباالنطالق من مساهمة مريم هذه الفريدة في عمل الروح القدس طورت الكنائس الصالة‬
‫إلى والدة اإلله القديسة‪ ،‬بتركيزها على شخص المسيح البادي في أسراره‪ ،‬وتتعاقب عادة على‬
‫األناشيد والترانيم المُرددة الكثيرة‪ ،‬التي تعبر عن هذه الصالة‪ ،‬حركتان‪ :‬إحداهما "تعظم" الرب‬
‫ألجل "العظائم" التي صنعها ألجل أمته المتواضعة‪ ،‬وبها ألجل البشر جميعهم‪ ،‬والثانية ُتودِع أ َّم‬
‫يسوع تضرعات أوالد هللا وتسابيحهم‪ ،‬إذ أنها تعرف اآلن اإلنسانية التي تزوجها ابن هللا فيها‪.‬‬
‫‪ -2222‬هذه الحركة المزدوجة في الصالة الى مريم وجدت تعبيرا عنها ممتازا في صالة "السالم‬
‫عليك يا مريم‪:‬‬
‫"السالم عليك (افرحي) يا مريم"‪ .‬تحية المالك جبرائيل تفتح صالم "السالم"‪.‬إنه هللا نفسه َمن‬
‫ي َُحيي مريم بلسان مالكه‪ .‬وصالتنا تتجرأ على ترديد تحية مريم بالنظرة التي نظر بها هللا أمته‬
‫المتواضعة‪ ،‬وعلى االبتهاج الذي يجده فيها‪.‬‬
‫"الممتلئة نعمة‪ ،‬الرب معك"‪ .‬هاتان العبارتان من السالم المالئكي توضح إحداهما األخرى‪.‬‬
‫فمريم هي ممتلئة نعمة ألن الرب معها‪ .‬والنعمة التي مألها هي حضور من هو ينبوع كل نعمة‪.‬‬
‫"افرحي يا ابنة أورشليم في وسطك الرب إلهك" (صف ‪27 ،23 :3‬أ)‪ ,‬إن مريم‪ ،‬التي جاء الرب‬
‫عينه ليسكن فيها‪ ،‬هي بذاتها ابنة صهيون‪ ،‬تابوت العهد‪ ،‬الموض ُع الذي يُقيم فيه مجد الرب‪" :‬إنها‬
‫مسكن هللا مع الناس" (رؤ ‪ .)3 :12‬إنها‪ ،‬وهي الممتلئة نعمة‪ ،‬موهوبة كلها لذاك الذي جاء ليسكن‬
‫فيها والذي ستعطيه للعالم‪.‬‬
‫مباركة أنت في النساء‪ ،‬ومباركة ثمرة بطنك يسوع"‪ .‬بعد تحية المالك‪ ،‬نجعل من تحية‬
‫أليصابات تحيتنا‪" :‬إن اليصابات الممتلئة من الروح القدس" (لو ‪ )32 :2‬هي األولى في تعاقب‬
‫األجيال التي ُتعلنُ مريم ذات طوبى‪" :‬طوبى للتي آمنت" (لو ‪ ،)35 :2‬ومريم هي "المباركة في‬
‫النساء"‪ ،‬ألنها آمنت بتحقق كالم الرب‪ .‬إن إبراهيم قد صار بإيمانه بركة "لجميع أمم األرض"‬
‫(تك ‪ .)3 :21‬ومريم بإيمانها صارت أما للمؤمنين‪ ،‬بها تتقبل جميع أمم األرض َمن هو بركة هللا‬
‫عي ُنها‪" :‬يسوع‪ ،‬ثمرة بطنك المباركة"‪.‬‬
‫‪" -2222‬يا قديسة مريم‪ ،‬يا والدة هللا‪ ،‬صلّي ألجلنا‪ "...‬إننا نتعجب مع أليصابات‪" :‬من أين لي أن‬
‫تأتي أم ربي إلي؟" (لو ‪ .)33 :2‬وألن مريم تعطينا ابنها يسوع فهي والدة اإلله وأمنا‪ ،‬وبإمكاننا‬
‫أن نو َد َعها كل همومنا وطلباتنا‪ .‬فهي تصلي ألجلنا ما صلت ألجلها هي‪" :‬لي ُكن بحسب قولك" (لو‬
‫‪ .)32: 2‬فاتكالنا على صلواتها نوكِل أنفسنا معها مشيئة هللا‪" :‬لتكن مشيئتك"‪.‬‬
‫"صلّي ألجلنا نحن الخطأة‪ ،‬اآلن وفي ساعة موتنا"‪ .‬عندما نسأل مريم أن تصلي ألجلنا‪ ،‬نعترف‬
‫بأننا خطأة مساكين ونتوجه إلى "أم الرحمة"‪ ،‬الكاملة القداسة‪ .‬نستودعها ذواتنا "اآلن" في‬
‫الحاضر من حياتنا‪ .‬ويتسع مجال ثقتنا لنكل إليها منذ اآلن "ساعة موتنا"‪ .‬لتكون حاضرة فيها كما‬
‫في موت ابنها على الصليب‪ ،‬ولتقبلنا مثل أمنا في ساعة عبورنا لتقودَنا إلى ابنها يسوع في‬
‫الفردوس‪.‬‬
‫‪ -2222‬لقد طورت تقوى الغرب في القرون الوسطى صالة الوردية‪ ،‬كبديل شعبي لصالة‬
‫الساعات‪ .‬وفي الشرق‪ ،‬بقيت صيغة صالة االبتهالية في "األكاثستوس" و "الباركليسي" أقرب إلى‬
‫الفرض الجماعي‪ ،‬في الكنائس البيزنطية‪ .‬أما التقاليد األرمنية والقبطية والسريانية فقد فضلت‬
‫األناشيد والترانيم الشعبية لوالدة اإلله‪ .‬ولكن في "السالم عليك يا مريم" والمقطوعات الخاصة‬

‫‪68‬‬
‫بوالدة اإلله (ثاوتوكيا) وأناشيد القديس أفرام أو القديس غريغوريوس النيركي‪ ،‬تقليد صالة هو هو‬
‫في أساسه‪.‬‬
‫‪ -2222‬مريم هي المُصلِّية الكاملة رم ُز الكنيسة‪ .‬وعندما نصلي إليها‪ ،‬نعتنق معها قصد اآلب‬
‫الذي يرسل ابنه ليخلص جميع البشر‪ .‬وكالتلميذ الحبيب‪ ،‬نقبل عندنا أم يسوع التي صارت أ َّم‬
‫جميع األحياء‪ .‬فنستطيع أن نصلي معها وإليها‪ .‬وصالة الكنيسة كأنها محمولة بصالة مريم‪ .‬وهي‬
‫تتحد بها في الرجاء‪.‬‬

‫بإيجاز‬
‫‪ -2222‬الصالة توجه بطريقة رئيسة إلى اآلب‪ ،‬وهي كذلك تتجه نحو يسوع‪ ،‬خصوصا بالدعاء‬
‫باسمه القدوس‪" :‬يا يسوع‪ ،‬المسيح‪ ،‬ابن هللا‪ ،‬الرب‪ ،‬ارحمنا نحن الخطأة"‪.‬‬
‫‪" -2221‬ال أحد يستطيع أن يقول‪" :‬يسوع رب" إال بالروح ال ُقدس" (‪ 2‬كو ‪ .)1 :22‬والكنيسة‬
‫تدعونا إلى إلتماس الروح القدس كمعلم للصالة المسيحية في الداخل‪.‬‬
‫‪ُ -2222‬تحب الكنيسة أن تصلي باالشتراك مع العذراء مريم‪ ،‬لمساهمتها الفريدة في عمل الروح‬
‫ت والتسابيح‪.‬‬ ‫القدس‪ ،‬ل ِّ‬
‫ِتعظم معها "العظائم" التي صنعها فيها‪ ،‬ولتودعها التضرعا ِ‬

‫المقال الثالث‬
‫أ ِدالّء لل ّ‬
‫صالة‬

‫سحابة شهود‬
‫‪ -2222‬إن الشهود الذين سبقونا إلى الملكوت‪ ،‬والسيما أولئك الذين تعترف بهم الكنيسة‬
‫"كقديسين"‪ ،‬يساهمون في تقليد الصالة الحي‪ ،‬بمثال حياتهم‪ ،‬وبنقل كتاباتهم‪ ،‬وبصلواتهم في يومنا‬
‫هذا‪ .‬إنهم يُعاينون هللا‪ ،‬ويسبحونه وال ينقطعون عن االهتمام ب َمن تركوهم على األرض‪ .‬وهم عند‬
‫دخولهم في "فرح" معلمهم "قد أقيموا على الكثير"‪ .‬وشفاعتهم هي أسمى خدمة لقصد هللا‪.‬‬
‫فنستطيع ال بل علينا أن نصلي إليهم لكي يشفعوا فينا وفي العالم كله‪.‬‬
‫‪ -2221‬في شركة القديسين َنمت على مدى تاريخ الكنائس روحان ّيات متنوعة‪ .‬وقد أمكن نقل‬
‫الموهبة الشخصية لدى أحد شهود محبة هللا للبشر‪ ،‬من مثل "روح" إيليا إلى أليشع‪ ،‬وإلى يوحنا‬
‫المعمدان‪ ،‬لكي يكون لتالميذ لهم نصيب في هذا الروح‪ .‬والروحانية كذلك تقوم على ملتقى تيارات‬
‫أخرى‪ ،‬ليترجية والهوتية‪ ،‬وتشهد باندماج اإليمان في ثقافة محيط بشري وتاريخه‪ .‬والروحانيات‬
‫المسيحية تساهم في تقليد الصالة الحي‪ ،‬وهي بمثابة أدالء ال يُستغنى عنهم للمؤمنين‪ .‬وهي‬
‫تعكس‪ ،‬في غنى تنوعها‪ ،‬نور الروح القدس الصافي والوحيد‪.‬‬
‫"الروح هو حقا مكان القديسين‪ ،‬والقديس هو للروح مكان خاص‪ ،‬ألنه يقدم ذاته ليسكن مع هللا وهو يُدعى‬
‫هيكله"‪.‬‬

‫خدّام الصالة‬
‫‪ -2222‬االسرة المسيحية هي المكان األول للتربية على الصالة‪ .‬وبكونها مؤسسة على سر‬
‫الزواج‪ ،‬فهي "الكنيسة المنزلية" حيث يتعلم اوالد هللا الصالة "كنسيا" والمواظبة على الصالة‪.‬‬
‫والصالة العائلية اليومية هي‪ ،‬بالنسبة إلى األوالد األحداث خصوصا‪ ،‬الشاه ُد األول على ذاكرة‬
‫الكنيسة الحية التي يوقظها الروح القدس بصبر‪.‬‬

‫‪69‬‬
‫‪ -2222‬الخدّام الذين نالوا الرسامة هم أيضا مسؤولون عن تنشئة إخوتهم وأخواتهم في المسيح‬
‫على الصالة‪ .‬وبما أنهم خدام الراعي الصالح‪ ،‬فهم مرسومون لكي يدلوا شعب هللا على ينابيع‬
‫الصالة الحية‪ :‬كالم هللا‪ ،‬والليترجيا‪ ،‬والحياة الالهوتية‪ ،‬وآني ِة هللا في األوضاع الواقعية‪.‬‬
‫‪ -2222‬لقد كرس كثيرون من الرهبان حياتهم كلها للصالة‪ .‬فمنذ صحراء مصر‪ ،‬وقف نساك‬
‫ومتوحدون ومتوحدات وقتهم على تسبيح هللا والشفاعة لشعبه‪ .‬والحياة المكرسة ال تبقى وال تنتشر‬
‫دون الصالة‪ ،‬فهذه هي أحد الينابيع الحية للتأمل وللحياة الروحية في الكنيسة‪.‬‬
‫ّيني لالوالد واألحداث والراشدين يهدف إلى جعل كالم هللا موضوع تأمل‬ ‫‪ -2222‬إنّ التعليم الد ّ‬
‫في الصالة الشخصية‪ ،‬وآنيا في الصالة الليترجية‪ ،‬وداخليا في كل وقت ليحمل ثمره في حياة‬
‫جديدة‪ .‬والتعليم الديني هو أيضا األوان الذي يُمكن فيه تمييز التقوى الشعبية وترتيبها‪ .‬واستظهار‬
‫الصلوات األساسية يكون دعامة ال غنى عنها لحياة الصالة‪ ،‬ولكن من المهم أن نجعل اإلنسان‬
‫يتذوق معناها‪.‬‬
‫‪ -2222‬جماعات الصالة بل "مدارس الصالة" هي اليوم واحدة من الدالالت على تجدد الصالة‬
‫في الكنيسة‪ ،‬وأحد المنشطات له‪ ،‬إذا ما ارتوت من الينابيع الصحيحة للصالة المسيحية‪ .‬والعناية‬
‫بالمشاركة هي داللة على صالة الكنيسة الحقيقية‪.‬‬
‫‪ -2222‬يولي الروح القدس بعض المؤمنين مواهب حكمة وإيمان وتمييز في سبيل هذا الخير‬
‫العام‪ ،‬الذي هو الصالة (اإلرشاد الروحي)‪ .‬والرجال والنساء الذين كانت لهم تلك المواهب خدام‬
‫حقيقيون لتقليد الصالة الحي‪:‬‬
‫لذلك‪ ،‬على النفس التي تريد التقدم في الكمال‪ ،‬بحسب مشورة القديس يوحنا الصليب‪" ،‬أن تتبصر‬
‫جيدا في أية أيد تضع نفسها‪ ،‬ألنه كما يكون المعلم يكون التلميذ‪ ،‬وكما يكون األب يكون األبن"‪.‬‬
‫أيضا‪" ،‬على المرشد أن يكون ال عالما وفطينا فحسب‪ ،‬وإنما صاحب خبرة كذلك‪ .‬وإذا أَعوزت‬
‫الدلي َل الروحي خبرةُ الحياة الروحية‪ ،‬فهو عاجز عن أن يوصل إليها تلك النفوس التي يدعوها‬
‫هللا‪ ،‬بل هو يعجز عن فهمها"‪.‬‬

‫اماكن مؤاتية للصالة‬


‫‪ -2221‬إن الكنيسة‪ ،‬بيت هللا‪ ،‬هي المكان الخاص بالصالة الليترجية للجماعة التي تكون الرعية‪.‬‬
‫وهي أيضا المكانُ المؤاتي لعبادة حضور المسيح الحقيقي في القربان المقدس‪ .‬واختيار المكان‬
‫المؤاتي ليس خاليا من التأثير في حقيقة الصالة‪:‬‬
‫‪ -‬فبالنسبة إلى الصالة الشخصية‪ ،‬يمكن ان ُتقام في "زاوية صالة" مع الكتاب المقدس واإليقونات‪،‬‬
‫حتى تكون "هناك في ال ُخفية"‪ .‬مع أبينا‪ .‬وفي األسرة المسيحية‪ ،‬هذا النوع من المعبد الصغير‬
‫يشجع الصالة الجماعية‪.‬‬
‫‪ -‬في المناطق التي يقوم فيها اديار‪ ،‬تكون دعوة هذه الجماعات أن تعزز المشاركة في صالة‬
‫الساعات على المؤمنين‪ ،‬وأن توفر العزلة الضرورية لصالة شخصية أقوى‪.‬‬
‫‪ -‬أما الحج فيذكر بمسيرتنا على األرض نحو السماء‪ .‬وهو تقليديا زمن لتجدد الصالة بقوة‪.‬‬
‫والمعابد هي‪ ،‬بالنسبة إلى الحجاج الساعين إلى ينابيعهم الحية‪ ،‬أماكن استثنائية ليعيشوا "كنسيا"‬
‫أنماط الصالة المسيحية‪.‬‬

‫بإيجاز‬

‫‪70‬‬
‫‪ -2222‬الكنيسة المترحلة على األرض تشترك في صالتها مع كنيسة القديسين الذين تلتمس‬
‫شفاعتهم‪.‬‬
‫‪ -2222‬تساهم الروحانيات المسيحية المختلفة في تقليد الصالة الحي‪ ،‬وهي بمثابة أدِالء ممتازين‬
‫على الحياة الروحية‪.‬‬
‫‪ -2221‬األسرة المسيحية هي المكان األول للتربية على الصالة‪.‬‬
‫‪ -2222‬الخدام المرسومون‪ ،‬والحياة المكرسة‪ ،‬والتعليم الديني‪ ،‬وجماعات الصالة‪ ،‬و "اإلرشاد‬
‫الروحي" تؤمن في الكنيسة عونا على الصالة‪.‬‬
‫‪ -2222‬األماكن األكثر صالحا للصالة هي المعبد الشخصي والعائلي‪ ،‬واألديار‪ ،‬ومعابد الحج‪،‬‬
‫وخصوصا الكنيسة التي هي المكان الخاص بالصالة الليترجية لجماعة الرعية‪ ،‬والمكان المتميز‬
‫للعبادة االفخارستية‪.‬‬

‫الفصل الثالث‬
‫حياة الصالة‬

‫‪ -2222‬الصالة هي حياة القلب الجديد‪ .‬وال بد من أن ُتنعشنا في كل لحظة‪ .‬وفي الواقع نحن ننسى‬
‫َمن هو حيا ُتنا وكل شيء لنا‪ ،‬لذلك يُلح اآلباء الروحيون‪ ،‬في سياق تثنية االشتراع واالنبياء‪ ،‬في‬
‫الصالة "كذكر هلل"‪ ،‬وإيقاظ متكرر "لذاكرة القلب"‪" :‬يجب أن نتذكر هللا تكرارا أكثر مما نتنفس"‪.‬‬
‫ولكن ال يستطيع اإلنسان أن يصلي "في كل وقت"‪ ،‬إن لم يص ِّل في بعض األحيان‪ ،‬بإرادته" إنها‬
‫أوقات الصالة المسيحية القوية بشدتها ومدتها‪.‬‬
‫‪ -2222‬يعرض التقليد الكنسي على المؤمنين إيقاعات صالة مُع َّدة لتغذية الصالة المتواصلة‪.‬‬
‫بعضها يومي‪ :‬صالة الصبح والمساء‪ ،‬والتي قبل تناول الطعام وبعده‪ ،‬وليترجيا الساعات‪ .‬ويو ُم‬
‫األحد المرتكز على االفخارستيا‪ ،‬تقدسه خصوصا الصالة‪ .‬ثم إن دورة السنة الليترجية وأعيادها‬
‫الكبيرة هي إيقاعات أساسية في حياة الصالة المسيحية‪.‬‬
‫‪ -2222‬يقود الرب كل إنسان في السبل وبالطريقة التي ترضيه‪ .‬وكل مؤمن يُجيبه أيضا بحسب‬
‫عزم قلبه وتعابير صالته الشخصية‪ .‬ومع ذلك فقد حفظ التقليد المسيحي ثالثة تعابير كبرى عن‬
‫حياة الصالة‪ :‬الصالة الشفوية‪ ،‬والتأمل‪ ،‬والصالة العقلية‪ .‬وبينها رابط أساسي مشترك هو خشوع‬
‫القلب‪ .‬وهذا التيقظ للحفاظ على كالم هللا والمكوث في حضرته يجعل من هذه التعابير أوقاتا مكثفة‬
‫لحياة الصالة‪.‬‬

‫المقال األول‬
‫تعابير الصالة‬

‫‪ .ً1‬الصالة الشفوية‬
‫‪ -2222‬يخاطب هللا اإلنسان بكالمه‪ .‬وبالكالم الذهني أو الصوتي تتخذ صالتنا كينونة لها‪ .‬ولكن‬
‫األهم هو حضور القلب لذلك الذي نكلمه بالصالة‪" .‬االستجابة لصالتنا تتعلق ال بكمية الكالم وإنما‬
‫بحرارة نفوسنا"‪.‬‬

‫‪71‬‬
‫‪ -2221‬الصالة الشفوية هي مُعطى ال بد منه للحياة المسيحية‪ .‬إن التالميذ الذين اجتذبتهم صالة‬
‫معلمهم الصامتة قد لقنهم هو صالة شفوية هي "األبانا"‪ .‬ويسوع لم يص ِّل الصلوات الليترجية في‬
‫المجمع فحسب‪ ،‬وإنما نراه في األناجيل يرفع صوته ليعبر عن صالته الشخصية‪ ،‬من مباركة‬
‫اآلب بابتهاج‪ ،‬إلى ضيقة الجسمانية‪.‬‬
‫‪ -2222‬إن الحاجة إلى إشراك الحواس في الصالة الداخلية تتوافق وما تقتضيه طبيعتنا البشرية‪.‬‬
‫فنحن جسد وروح‪ ،‬ونشعر بالحاجة إلى التعبير عن عوطفنا تعبيرا خارجيا‪ .‬ويجب أن نصلي بكل‬
‫كياننا لندعم ابتهالنا بكل القوة الممكنة‪.‬‬
‫‪ -2222‬هذه الحاجة تتوافق أيضا وما يقتضيه هللا‪ .‬فاهلل يطلب عبادا بالروح والحق‪ ،‬وبالتالي‬
‫صالة ترتفع حية من أعماق النفس‪ .‬وهو يريد أيضا التعبير الخارجي الذي يُشرك الجسد في‬
‫الصالة الداخلية‪ ،‬ألنه يحمل إليه ذلك اإلكرام الكامل من كل ما له حق فيه‪.‬‬
‫‪ -2221‬بما أن الصالة الشفوية خارجية ومتجذرة في الطبيعة البشرية‪ ،‬فهي صالة الجماهير‬
‫بامتياز‪ .‬ولكن حتى الصالة األكثر عمقا في النفس ال تستطيع إهمال الصالة الشفوية‪ .‬وتصبح‬
‫الصالة داخلية بمقدار وعينا لذاك "الذي نخاطبه"‪ .‬وعندئذ تصبح الصالة الشفوية صيغة أولى‬
‫للصالة التأملية‪.‬‬

‫‪ .ً2‬التأ ّمل‬
‫‪ -2222‬التأمل هو على الخصوص سعي‪ .‬فيسعى الذهن إلى إدراك الحياة المسيحية‪ :‬لماذا هي‪،‬‬
‫وكيف هي‪ ،‬حتى يعتنق ما يطلبه الرب ويستجيب له‪ .‬ويجب لذلك انتباه ليس من السهل ضبطه‪.‬‬
‫ويستعين اإلنسان عادة بكتاب‪ ،‬والكتب متوفرة للمسيحيين‪ :‬من الكتب المقدسة‪ ،‬إلى اإلنجيل بنوع‬
‫خاص‪ ،‬إلى أإليقونات المقدسة‪ ،‬والنصوص الليتورجية اليومية أو الموسمية‪ ،‬وكتابات اآلباء‬
‫الروحيين‪ ،‬والمؤلفات الروحية‪ ،‬وكتاب الخلق الكبير والتاريخ‪ ،‬وصفحة "حاضر" هللا‪.‬‬
‫‪ -2222‬التأمل في ما نقرأ يقود إلى تملكه بمقابلته مع الذات‪ .‬وهنا كتاب آخر مفتوح‪ ،‬إنه كتاب‬
‫الحياة‪ .‬فنعبر من الفكر إلى الواقع‪ .‬فنكتشف فيه بمقياس التواضع واإليمان والحركات التي تختلج‬
‫من القلب ونستطيع تمييزها‪ .‬والمقصود أن نعمل الحقيقة لنبلغ النور‪" :‬يا رب‪ ،‬ماذا تريد أن‬
‫أفعل؟"‪.‬‬
‫‪ -2222‬طرائق التأمل متنوعة بعدد المعلمين الروحيين‪ .‬ومن واجب المسيحي أن يريد التأمل‬
‫بانتظام‪ ،‬وإال فهو يُشبه أنواع األرض الثالثة األولى في مثل الزارع‪ .‬ولكن الطريقة ليست سوى‬
‫دليل‪ .‬المهم هو التقدم‪ ،‬مع الروح القدس‪ ،‬على طريق الصالة الوحيد‪ ،‬يسوع المسيح‪.‬‬
‫‪ -2222‬التأمل يحرك الفكر والمخيلة واالنفعال والرغبة‪ .‬وهذا التجييش ضروري لتعميق اليقين‬
‫اإليماني‪ ،‬وبعث توبة القلب ودعم إرادة اقتفاء المسيح‪ .‬والصالة المسيحية تؤثر العكوف على تامل‬
‫"أسرار المسيح"‪ ،‬كما في "القراءة اإللهية" أو الوردية‪ .‬وهذه الصيغة من التفكير المُصلي هي‬
‫ذات قيمة كبيرة‪ ،‬ولكن على الصالة المسيحية أن تقصد ما هو أبعد‪ ،‬أي المعرفة المُحبة للرب‬
‫يسوع واالتحاد به‪.‬‬

‫‪ .ً2‬الصالة العقل ّية‬


‫‪ -2222‬ما هي الصالة العقلية؟ تجيب القديسة تريزيا‪" :‬الصالة العقلية ليست في نظري سوى‬
‫عالقة صداقة حميمة‪ ،‬يتحدث فيها اإلنسان مرارا مع هللا وحده‪ ،‬مع ذاك اإلله الذي يعرف أنه‬
‫يحبه"‪.‬‬

‫‪72‬‬
‫الصالة العقلية تسعى إلى "ذاك الذي يُحبه قلبي" (نش ‪ .)7: 2‬إنه يسوع‪ ،‬وفيه اآلب‪ .‬نسعى إليه‬
‫ألن الرغبة فيه هي دائما بدء المحبة‪ ،‬والسعي يكون في اإليمان المحض‪ ،‬الذي يجعلنا نولد منه‬
‫ونعيش فيه‪ .‬وباإلمكان التأم ُل أيضا في الصالة العقلية‪ ،‬إال أن النظر يحدق إلى الرب‪.‬‬
‫‪ -2212‬يتعلق اختيار وقت الصالة العقل ّية وم ّدتِها بإرادة محددة‪ ،‬تكشف أسرار القلب‪ .‬ال يقوم‬
‫اإلنسان بهذه الصالة عندما يتوفر له الوقت‪ ،‬وإنما يتخذ اإلنسان الوقت ليكون للرب‪ ،‬مع التصميم‬
‫الثابت على عدم استرجاعه في خالل المسيرة‪ ،‬مهما كانت الم َِحن ويبوسة اللقاء‪ .‬ال يستطيع‬
‫اإلنسان أن يتأمل دائما‪ ،‬ولكنه يستطيع أن يصلي دائما صالة عقلية‪ ،‬بمعزل عن أوضاع الصحة‪،‬‬
‫والعمل والنوازع النفسية‪ .‬فالقلب هو مكان السعي واللقاء‪ ،‬في الفقر وفي اإليمان‪.‬‬
‫‪ -2211‬الدخول في الصالة العقل ّية يشبه الدخول في الليترجيا االفخارستية‪" :‬تجميع" القلب‪،‬‬
‫وحشد كل كياننا في الخضوع للروح القدس‪ ،‬واإلقامة في مسكن الرب الذي هو نحن‪ ،‬وإيقاظ‬ ‫َ‬
‫اإليمان للدخول في حضرة ذاك الذي ينتظرنا‪ ،‬وإسقاط أقنعتنا‪ ،‬وإعادة قلبنا إلى الرب الذي يُحبنا‬
‫لنسلم له ذاتنا كتقدمة ليُنقيها ويُغيرها‪.‬‬
‫‪ -2212‬الصالة العقلية هي صالة ابن هللا‪ ،‬والخاطئ الذي حصل على المغفرة ووافق على قبول‬
‫المحبة التي أُحبَّ بها‪ ،‬وأراد أن يُجيب عنها بأن يُحب أكثر أيضا‪ .‬ولكنه يعلم أن حبه بالمقابل هو‬
‫الذي يُضيفه الروح القدس في قلبه‪ ،‬ألن كل شيء نعمة من لدن هللا‪ .‬الصالة العقلية هي التسليم‬
‫المتواض ُع والمسكين إلرادة اآلب ال ُمحِبة‪ ،‬باتحاد يزداد عمقا بابنه الحبيب‪.‬‬
‫التعبير األبسط عن سر الصالة‪ .‬إنها موهبة ونعمة‪ ،‬وال‬ ‫َ‬ ‫‪ -2212‬وهكذا تكون الصالة العقلية‬
‫يمكن قبولها إال في التواضع والفقر‪ .‬الصالة العقلية عالقة عهد بقيمه هللا في أعماق كياننا‪ .‬إنها‬
‫مشاركة‪ ،‬فيها يُطابق الثالوث األقدس اإلنسان‪ ،‬صورة هللا‪" ،‬على مثاله"‪.‬‬
‫‪ -2211‬والصالة العقلية هي أيضا زمن الصالة المك ّثف بامتياز‪ .‬وفيها اآلب يؤيدنا بقوة روحه‬
‫في اإلنسان الباطن‪ ،‬ليح َّل المسيح باإليمان في قلوبنا حتى نتأصل في المحبة ونتأسس عليها‪.‬‬
‫‪ -2212‬المشاهدة نظرة إيمان‪ ،‬إلى يسوع‪" .‬أنظر إليه وينظر إلي"‪ ،‬هذا ما كان يقوله في زمن‬
‫خوريه القديس فالح أرس المصلي أمام بيت القربان‪ .‬وهذا االنتباه إليه هو تخ ِّل عن "األنا"‪.‬‬
‫نظرته تنقي القلب‪ .‬ونور نظرة يسوع يضيء عيون قلبنا‪ ،‬ويعلمنا أن نرى كل شيء في نور‬
‫حقيقته وإشفاقه على جميع الناس‪ .‬والمشاهدة ُتحدق أيضا إلى أسرار حياة يسوع‪ ،‬فتعلم هكذا‬
‫"المعرفة الداخلية للرب" لنزداد حبا واقتفاء له‪.‬‬
‫‪ -2212‬الصالة العقلية هي إصغاء إلى كالم هللا‪ .‬وليس هذا االصغاء سلبيا‪ ،‬إنما هو طاعة‬
‫اإليمان‪ ،‬وقبول العبد الغير المشروط‪ ،‬والتصاق االبن المحب‪ .‬إنه يشارك في "نعم" االبن الذي‬
‫صار عبدا‪ ،‬وفي "ليكن لي" التي قالتها األ َمة المتواضعة‪.‬‬
‫‪ -2212‬والصالة العقلية هي صمت‪ ،‬هذا "الرمز للعالم اآلتي" أو هي "محبة صامتة"‪ .‬والكالم في‬
‫الصالة العقلية ليس خطابا وإنما ُغصينات تغذي نار المحبة‪ .‬ففي هذا الصمت‪ ،‬الذي ال يطيقه‬
‫اإلنسان "الخارجي"‪ ،‬يقول لنا اآلب كلم َته المتجسد في آالمه وموته وقيامته‪ ،‬ويجعلنا الرو ُح‬
‫البنوي نشارك في صالة يسوع‪.‬‬
‫‪ -2212‬الصالة العقلية هي اتحاد بصالة المسيح بمقدار ما تجعلنا نشترك في سره‪ .‬وسر المسيح‬
‫تحتفل به الكنيسة في االفخارستيا‪ ،‬والروح القدس يُحييه في الصالة العقلية حتى تظهره المحبة‬
‫الفاعلة‪.‬‬
‫‪ -2212‬الصالة العقلية هي شراكة محبة تحمل الحياة للكثيرين‪ ،‬بمقدار ما هي موافقة على البقاء‬
‫في ليل اإليمان‪ .‬فلي ُل القيامة الفصحية َيمر بليل النزاع والقبر‪ .‬فهذه األوقات الثالثة المكثفة في‬

‫‪73‬‬
‫ساعة يسوع هي التي يُحييها روحه (وليس الجسد الذي هو ضعيف) في الصالة العقلية‪ .‬ويجب‬
‫أن نوافق على "السهر ساعة معه"‪.‬‬

‫بإيجاز‬

‫‪ -2222‬تدعو الكنيسة المؤمنين إلى صالة منتظمة‪ :‬صلوات يومية‪ ،‬ليترجيا الساعات‪،‬‬
‫االفخارستيا في اآلحاد‪ ،‬وأعياد السنة الليترجية‪.‬‬
‫‪ -2221‬التقليد المسيحي يحوي ثالثة تعابير كبرى عن حياة الصالة‪ :‬الصالة الشفوية‪ ،‬والتأمل‪،‬‬
‫والصالة العقلية‪ .‬ويجمع بينهما خشوع القلب‪.‬‬
‫‪ -2222‬الصالة الشفوية المؤسسة على اتحاد الجسد والروح في الطبيعة البشرية تجعل الجسد‬
‫يشترك في صالة القلب الداخلية‪ ،‬على مثال المسيح الذي صلى إلى أبيه وعلم تالميذه "األبانا"‪.‬‬
‫‪ -2222‬التأمل سعي تصحبه الصالة يحرك الفكر والمخيلة واالنفعال والرغبة‪ .‬وغايته التملك في‬
‫اإليمان لموضوع التفكير بالمقابلة مع واقع حياتنا‪.‬‬
‫‪ -2221‬الصالة العقلية هي التعبير البسيط عن سر الصالة‪ .‬إنها نظرة إيمان تحدق إلى يسوع‪،‬‬
‫وإصغاء إلى كالم هللا‪ ،‬ومحبة صامتة‪ .‬إنها تحقق االتحاد بصالة يسوع بمقدار ما تجعلنا نشترك‬
‫في سره‪.‬‬

‫المقال الثاني‬
‫جهاد الصالة‬

‫‪ -2222‬الصالة موهبة من النعمة وجواب ثابت من ِق َبلِنا‪ .‬إنها تفترض دائما َجهدا‪ .‬وذلك ما يُعلمنا‬
‫إياه المصلون الكبار في العهد القديم قبل المسيح‪ ،‬وكذلك أم هللا‪ ،‬والقديسون" أن الصالة جهاد‪.‬‬
‫ضد من؟ ضد أنفسنا‪ ،‬وحيل المجرب الذي يعمل كل ما في وسعه ليصرف االنسان عن الصالة‪،‬‬
‫واالتحاد بإلهه‪ .‬يصلي اإلنسان كما يعيش‪ ،‬ألنه يعيش كما يصلي‪ .‬فإذا لم يُرد اإلنسان أن يعمل‬
‫عادة بحسب روح المسيح‪ ،‬فلن يستطيع أن يصلي عادة باسمه‪" .‬الجهاد الروحي" في حياة‬
‫المسيحي الجديدة ال تنفصل عن جهاد الصالة‪.‬‬

‫‪ .ً1‬االعتراضات على الصالة‬


‫‪ -2222‬في جهاد الصالة‪ ،‬علينا أن ُنجاب َه فينا وحولنا مفاهيم خاطئة للصالة‪ .‬فبعضها يرى فيها‬
‫عملية نفسية ال غير‪ ،‬وبعضها اآلخر جهدا في التركيز الداخلي للوصول إلى الفراغ الذهني‪.‬‬
‫بعضها ُي َّقو ِن ُنها في وقفات وكلمات شعارية‪ .‬وفي الوعي الكثيرين من المسيحيين أن الصالة شغل‬
‫ال يتفق مع كل ما عليهم أن يعملوا‪ :‬فليس لديهم الوقت‪ .‬ومن َيسعون إلى هللا بالصالة َت ِهنُ‬
‫عزيمتهم ألنهم يجهلون أن الصالة تأتي أيضا من الروح القدس وليس منهم وحدهم‪.‬‬
‫‪ -2222‬وعلينا أيضا أن ُنجاب َه عقل ّيات من "هذا العالم"‪ .‬وهي تنفذ إلينا إذا لم نكن متيقظين‪ ،‬من‬
‫مثل أن الحقيقي هو فقط ما يحققه العقل والعلم (والصالة تتجاوز َوع َينا وال وع َينا)‪ ،‬ومثل قيم‬
‫االنتاج والمردود (والصالة غير منتجة‪ ،‬فهي إذن ال فائدة منها)‪ ،‬واالعتداد بالمحسوس وبالرخاء‬
‫كمقاييس للحق والخير والجمال (والصالة "حب الجمال" >فيلوكاليا< مشغوفة بمجد هللا الحي‬

‫‪74‬‬
‫الحقيقي)‪ ،‬وفي ردة فعل على الفعالنية ُتبدى الصالة كهروب من العالم (والصالة المسيحية ليست‬
‫خروجا من التاريخ وال طالقا من الحياة)‪.‬‬
‫‪ -2222‬على جهادنا أخيرا أن يجابه ما نشعر به كأنه إخفاقات في الصالة‪ :‬من فتور الهمة أمام ما‬
‫ينتابنا من يبوسة‪ ،‬وحزن ألننا ال نعطي كل شيء للرب‪ ،‬إذ لدينا "خيرات كثيرة"‪ ،‬وخيبة لعدم‬
‫االستجابة لنا بحسب إرادتنا الخاصة‪ ،‬وجرح كبريائنا التي تتأبى ُذل كونِنا خطأة‪ ،‬وحساسية‬
‫بالنسبة إلى مجانية الصالة‪ ،‬الخ‪ .‬والنتيجة هي هي دائما‪ :‬ما الفائدة من الصالة؟ وال بد‪ ،‬للتغلب‬
‫على هذه العراقيل‪ ،‬من المجاهدة للحصول على التواضع والثقة والثبات‪.‬‬

‫‪ .ً2‬يقظة القلب المتواضعة‬


‫‪ -2222‬الصعوبة العادية في صالتنا هي التش ّتت‪ ،‬الذي قد يُصيب الكلمات ومعناها في الصالة‬
‫الشفوية‪ ،‬وقد يكون له عمق أشد فيصرف عن ذلك الذي نصلي إليه‪ ،‬في الصالة الشفوية‬
‫(الليترجية أو الشخصية)‪ ،‬وفي التأمل والصالة العقلية‪ .‬والسعي إلى مطاردة هذا التشتت يكون‬
‫وقوعا في فخاخه‪ ،‬بينما يكفي أن نعود إلى قلبنا‪ :‬فالتشتت يكشف لنا ما نحن به متعلقون‪ ،‬وهذا‬
‫الوعي المتواضع أمام الرب يجب ان يوقظ محبتنا وتفضيلنا له‪ ،‬فنقدم له قلبنا بعزم حتى ينقيه‪ .‬هنا‬
‫موضع الجهاد واختيار المعلم الذي تجب خدم ُته‪.‬‬
‫‪ -2222‬من الناحية اإليجابية يكون جهاد األنا المتملك والمتسلط بالتي ّقظ وقناعة القلب‪ .‬وعندما‬
‫يلح يسوع في طلب التيقظ‪ ،‬فهذا مرتبط دوما به‪ ،‬وبمجيئه في اليوم األخير وفي كل يوم‪" :‬اليوم"‪.‬‬
‫فالعروس يأتي في نصف الليل‪ ،‬والنور الذي يجب أن ال ينطفئ هو نور اإليمان‪" :‬فيك قال قلبي‪:‬‬
‫ال َتمسوا وجهي" (مز ‪.)2 :17‬‬
‫‪ -2221‬هناك صعوبة أخرى خصوصا للذين يريدون ان يُصلوا بصدق وهي اليبوسة‪ .‬وهي‬
‫حيث يُف َطم القلب‪ ،‬فال يتذوق األفكار‪ ،‬والذكريات والعواطف حتى‬‫ُ‬ ‫جزء من الصالة العقلية‬
‫الروحية‪ .‬إنه أوان اإليمان الخالص‪ ،‬الذي يقف بأمانة مع يسوع في النزاع والقبر‪" .‬إن حبة‬
‫الحنطة‪ ،‬إن ماتت‪ ،‬فإنها تأتي بثمر كثير" (يو‪ .)13 : 21‬وإذا كانت اليبوسة النعدام التأمل‪ ،‬إذ‬
‫وقع الكالم على الصخر‪ ،‬فالجهاد يرتبط بالتوبة‪.‬‬

‫إزاء تجارب الصالة‬


‫ّ‬
‫‪ -2222‬التجربة األكثر شيوعا واألخفى هي قلة اإليمان‪ ،‬التي تبدو في تفضيل واقعي أكثر مما‬
‫في عدم إيمان مُعلن‪ .‬فعندما نبدأ بالصالة‪َ ،‬تحضُرنا‪ ،‬وكأن لها أولية‪ ،‬آالف األعمال والهموم التي‬
‫َنعُدها ُملِحة‪ .‬وهذا هو‪ ،‬من جديد‪ ،‬أوانُ حقيقة القلب وما تفضله محب ُته‪ .‬وحينا نلتفت إلى الرب‬
‫كمالذنا األخير‪ :‬ولكن هل نؤمن بذلك؟ وحينا نتخذ الرب كحليف‪ ،‬ولكن القلب ال يزال مُف َعما‬
‫باالعتداد‪ .‬وفي كل حال ُتظهر قلة إيماننا أننا لسنا بعد في استعداد القلب المتواضع‪" :‬إنكم بدوني‬
‫ال تستطيعون ان تفعلوا شيئا"(يو ‪.)5 :25‬‬
‫‪ -2222‬هناك تجربة أخرى يفتح لها االعتدا ُد بالنفس الباب وهي السأم‪ .‬ويعني بذلك اآلباء‬
‫الروحيون شكال من أشكال سقوط الهمة سببُه التراخي في الرياضة الروحية‪ ،‬والضعف في‬
‫التيقظ‪ ،‬وإهما ُل القلب‪" :‬إن الروح نشيط‪ ،‬أما الجسد فضعيف" (متى ‪ .)32 :16‬وكلما سقط‬
‫اإلنسان من علُ‪ ،‬كان األذى الالحق به أكبر‪ .‬وهبوط العزم األليم هو الوجه الخلفي لالعتداد‪ :‬فمن‬
‫كان متواضعا ال يتعجب من شقائه‪ ،‬الذي يحمله على مزيد من الثقة‪ ،‬وعلى الصمود في الثبات‪.‬‬

‫‪75‬‬
‫‪ .ً2‬الثقة البنو ّية‬
‫‪ -2221‬الثقة البنوية ُتم َت َحن –و ُتبرهن عن ذاتها‪ -‬في الشدة‪ .‬والصعوبة الكبرى هي في صالة‬
‫الطلب ألجل الذات أو ألجل اآلخرين في الشفاعة‪ .‬وبعضهم يتوقف حتى عن الصالة ألنهم‬
‫يحسبون أن سُؤلهم لم يُستجب‪ .‬وهنا يُطرح سؤاالن‪ :‬لماذا نحسب أن سؤلنا لم يستجب" وكيف‬
‫ُتستجاب صالتنا وتكون "فاعلة" ؟‪.‬‬

‫ستجب؟‬
‫لماذا نشتكي من أننا لم ن َ‬
‫‪ -2222‬هناك أمر يدعو أوال إلى العجب‪ .‬عندما نسبح هللا أو نشكره ألجل إحساناته عموما‪ ،‬ال‬
‫نقلق لمعرفة هل صالتنا مرضية لديه‪ .‬وبإزاء ذلك نقتضي أن نرى نتيجة طلبنا‪ .‬فما هي إذن‬
‫صورة هللا التي تحملنا على الصالة؟ وسيلة نستعملها أو أبو ربنا يسوع المسيح"‪.‬‬
‫‪ -2222‬هل نحن متيقنون "أننا ال نعرف كيف نصلي كما ينبغي" (رو ‪)16 :2‬؟ هل نسأل هللا‬
‫"الخيرات الموافقة"؟ وأبونا يعلم جيدا بما نحتاج إليه‪ ،‬قبل أن نسأله‪ ،‬ولكنه ينتظر سؤالنا ألن‬
‫كرامة أوالده هي في حريتهم‪ .‬ومن الواجب أن نصلي مع روحه‪ ،‬روح الحرية لكي نستطيع أن‬
‫نعرف في الحقيقة رغبته‪.‬‬
‫‪" -2222‬ليس لكم شيء ألنكم ال تطلبون‪ .‬تطلبون وال تنالون ألنكم تسيئون الطلب‪،‬إذ تبتغون‬
‫اإلنفاق في ملذاتكم" (يع ‪ .)3-1 :3‬فإذا سألنا بلقب مُقسم "فاجر"‪ ،‬ال يستطيع هللا االستجابة لنا‪،‬‬
‫ألنه يريد خيرنا‪ ،‬وحيا َتنا‪" .‬أو تظنون أن الكتاب يقول عبثا‪ :‬إن هللا يُحب‪ ،‬حتى الغيرةِ‪ ،‬الرو َح‬
‫الذي أحله فيكم؟" (يع ‪ .)5: 3‬إلهنا "غيور" علينا‪ ،‬وهذا هو الدليل على صدق محبته‪ .‬لندخل في‬
‫رغبة روحه فيُستجاب لنا‪:‬‬
‫تتلق من هللا على الفور ما تسأله‪ ،‬فهو يريد أن يزيدك خيرا بمواظبتك على البقاء معه في‬‫"ال تجزع إذا لم َّ‬
‫الصالة"‪.‬‬
‫إنه يريد "أن ُتمتحن رغب ُتنا في الصالة‪ .‬إنه يهيئنا لتقبل ما هو مستعد لمنحنا"‪.‬‬

‫كيف تكون صالتنا فاعلة؟‬


‫‪ -2222‬إن الكشف عن الصالة في تدبير الخالص يعلمنا أن اإليمان يستند إلى عمل هللا التاريخ‪.‬‬
‫والثقة البنوية مبعثها عمله المتميز إي آال ُم ابنه وقيام ُته‪ .‬والصالة المسيحية هي مساهمة في‬
‫عنايته‪ ،‬وفي صميم حبه للبشر‪.‬‬
‫‪ -2222‬هذه الثقة هي‪ ،‬عند القديس بولس‪ ،‬جريئة‪ ،‬مرتكزة على صالة الروح فينا‪ ،‬وعلى محبة‬
‫اآلب وأمانته‪ ،‬هو الذي أعطانا ابنه الحبيب‪ .‬وتبد ُل القلب الذي يصلي هو الجواب األول عن‬
‫سؤالنا‪.‬‬
‫‪ -2212‬صالة يسوع تجعل الصالة المسيحية طلبا فاعال‪ .‬إنه مثالها‪ ،‬فهو يصلي فينا ومعنا‪ .‬وبما‬
‫أن قلب االبن ال يلتمس إال ما يُرضي اآلب‪ ،‬فكيف يتعلق قلبُ األوالد بالتبني بالعطايا أكثر مما‬
‫بالمُعطي؟‪.‬‬
‫‪ -2211‬يسوع يصلي أيضا ألجلنا‪ ،‬وبدال منا ولمصلحتنا‪ .‬وكل طلباتنا قد جُمعت مرة واحدة عن‬
‫الكل في صراخه على الصليب‪ ،‬واستجابها اآلب في قيامته‪ .‬وبذلك فهو ال َيني يشفع فينا عند‬
‫اآلب‪ .‬وإذا كانت صال ُتنا متحدة بقوة بصالة يسوع‪ ،‬في ثقة وجرأة بنوية‪ ،‬نحصل على كل ما‬
‫نسأل باسمه‪ ،‬وأكثر من هذا وذاك‪ ،‬على الروح القدس عينه الذي يحوي جميع المواهب‪.‬‬

‫‪76‬‬
‫‪ .ً1‬الثبات في المح ّبة‬
‫ُ‬
‫‪ -2212‬صلوا بال انقطاع" (‪ 2‬تس ‪" ،)27 :5‬في كل وقت وعلى ك ِّل حال أشكروا هللا اآلب‪ ،‬باسم‬
‫ربنا يسوع المسيح" (أف ‪ .)11 :5‬صلوا في ك ِّل حين في الروح ك َّل دعاء ‪ .‬اسهروا لهذا في‬
‫مواظبة ال َتني‪ ،‬وصلوا ألجل جميع القديسين" (أف ‪" .)22 :6‬لم يُفرض علينا أن نعمل ونسهر‬
‫ونصوم دائما‪ ،‬بينما أُلزمنا بشريعة الصالة بال انقطاع"‪ .‬وهذا النشاط الذي ال يكل ال يمكن أن‬
‫يأتي إال من المحبة‪ .‬وجهاد الصالة ضد ثِقلَنا و َكسلنا هو جهاد المح ّبة المتواضعة‪ ،‬الواثقة‪،‬‬
‫المثابرة‪ .‬وهذه المحبة تفتح قلوبنا على ثالث بينات مُنيرة ومحيية‪:‬‬
‫‪ -2212‬الصالة هي ممكنة دائما‪ :‬فزمن المسيحي هو زمن المسيح القائم الذي هو "معنا ك َّل‬
‫األيام" (متى ‪ ،)11 :12‬مهما كانت العواصف‪ .‬زمننا هو بيد هللا‪:‬‬
‫"من الممكن حتى في السوق أو في نزهة منفردة أن تصلي صالة كثيرة وحارة‪ ،‬وأنت جالس في حانوتك سواء‬
‫للشراء أو للبيع‪ ،‬أو حتى للطبخ"‪.‬‬
‫‪ -2211‬الصالة ضرورة حيات ّية‪ .‬والبرهان بالعكس ال يقل إثباتا لذلك‪ :‬فنحن إن لم نن َقد للروح‬
‫فسنقع تحت عبودية الخطيئة‪ .‬كيف يستطيع الروح أن يكون "حياتنا" إذا كان قلبُنا بعيدا عنه"‪.‬‬
‫"ال شيء يساوي الصالة قيمة‪ ،‬إنها تجعل المستحيل ممكنا‪ ،‬والصعب سهال‪ .‬من المستحيل على اإلنسان الذي‬
‫يصلي أن يخطأ"‪.‬‬
‫"من يُصلي يخلص بالتأكيد‪ :‬ومن ال يصلي يهلك بالتأكيد"‪.‬‬
‫‪ -2212‬ال يمكن الفصل بين الحياة المسيحية والصالة ألن موضوعهما هو المحبة ذاتها والتجرد‬
‫ذاته ناتج عن المحبة‪ ،‬والمطابقة البنوية ال ُمحِبة ذاتها لقصد محبة اآلب‪ ،‬والتحاد ذاته الذي يحولنا‬
‫في الروح القدس‪ ،‬والذي يجعلنا نزداد دوما تطابُقا مع المسيح يسوع‪ ،‬والمحبة ذاتها لجميع البشر‪،‬‬
‫وهي من تلك المحبة التي أحبنا بها يسوع‪" .‬يعطيكم اآلب جميع ما تسألونه باسمي‪ .‬فما أوصيكم‬
‫به إذن هو أن يحب بعضكم بعضا" (يو ‪.)27-26 :25‬‬
‫"ذاك يصلي بال انقطاع من يقرن الصالة باألعمال واألعمال بالصالة‪ .‬هكذا فقط نسطيع أن نرى مبدأ الصالة بال‬
‫انقطاع قابال للتطبيق"‪.‬‬

‫صالة ساعة يسوع‬


‫‪ -2212‬عندما حانت ساعة يسوع‪ ،‬صلى إلى اآلب‪ .‬وصالته‪ ،‬التي هي أطول ما نقله اإلنجيل‪،‬‬
‫تتناول كل تدبير الخلق والخالص‪ ،‬وكذلك موته وقيامته‪ .‬إلن صالة ساعة يسوع تبقى دائما له‪،‬‬
‫مثلما فصحُه الذي حدث "مرة فقط" يبقى حاضرا في ليترجيا الكنيسة‪.‬‬
‫‪ -2212‬التقليد المسيحي يدعوها بحق صالة يسوع "الكهنوتية" إنها صالة حبرنا األعظم‪ ،‬وهي ال‬
‫تنفصل عن ذبيحته‪ ،‬وعن "عبوره" (الفصح) إلى اآلب حيث يُكرس كله لآلب‪.‬‬
‫‪ -2212‬في هذه الصالة الفصحية المرتبطة بالذبيحة‪ ،‬كل شيء "يُستعاد مختصرا فيه"‪ :‬هللا‬
‫والعالم‪ ،‬الكلمة والجسد‪ ،‬الحياة األبدية والزمن‪ ،‬المحبة التي تسلم ذاتها والخطيئة التي تخونها‪،‬‬
‫التالميذ الحاضرون والذين يؤمنون به عن كالمهم‪ ،‬االتضاع والمجد‪ .‬إنها صالة الوحدة‪.‬‬
‫‪ -2212‬لقد أكمل يسوع كل شيء من عمل اآلب‪ .‬وصالته‪ ،‬كذبيحته‪ ،‬تمتد إلى انتهاء الزمن‪.‬‬
‫وصالة "الساعة" تمأل األزمنة األخيرة وتؤدي إلى نهايتها‪ .‬إن يسوع‪ ،‬االبن الذي أعطاه اآلب كل‬
‫شيء‪ ،‬قد سلم ذاته كلها لآلب‪ ،‬وفي الوقت ذاته‪ ،‬هو يتكلم بحرية عظيمة‪ ،‬بالسلطة التي أواله اآلب‬
‫إياها على كل جسد‪ .‬واالبن الذي جعل نفسه عبدا هو الرب القدير (بانتوكراتور)‪ .‬وحبرُنا األعظم‬
‫الذي يصلي ألجلنا هو أيضا الذي يصلي فينا‪ ،‬واإلله الذي يستجيب لنا‪.‬‬
‫‪77‬‬
‫‪ -2222‬بدخولنا في اسم الرب يسوع القدوس‪ ،‬نستطيع أن نتقبل من الداخل الصالة التي يعلمنا‬
‫إياها‪" :‬األبانا"‪ .‬فصالته الكهنوتية توحي من الداخل بطلبات األبانا الكبرى‪ :‬االهتمام باسم اآلب‪،‬‬
‫والهيام بملكوته (المجد)‪ ،‬وإتمام مشيئة اآلب‪ ،‬وتصميمه الخالصي‪ ،‬والتحرير من الشر‪.‬‬
‫‪ -2221‬أخيرا يكشف لنا يسوع في هذه الصالة ويعطينا "معرفة" اآلب واالبن التي ال يمكن‬
‫فصلها‪ ،‬التي هي سر حياة الصالة بعينه‪.‬‬

‫بإيجاز‬
‫‪ -2222‬تفترض الصال ُة جهدا وجهادا ألنفسنا ولحيل المجرب‪ .‬وجهاد الصالة ال يمكن فصله عن‬
‫"الجهاد الروحي" الضروري لسلوك عادة بحسب روح المسيح‪ :‬يصلي اإلنسان كما يعيش ألنه‬
‫يعيش كما يصلي‪.‬‬
‫‪ -2222‬في جهاد الصالة علينا أن نجابه مفاهيم خاطئة‪ ،‬وتيارات متنوعة من العقليات‪ ،‬واختبار‬
‫إخفاقاتنا‪ .‬فينبغي أن نجيب بالتواضع والثقة والثبات عن هذه التجارب التي تلقي الشك في فائدة‬
‫الصالة بل في إمكانها ذاته‪.‬‬
‫‪ -2221‬المصاعب الكبرى في ممارسة الصالة هي التشتت واليبوسة‪ .‬والعالج هو في اإليمان‬
‫والتوبة وتيقظ القلب‪.‬‬
‫‪ -2222‬هناك تجربتان ته ِّددان مرارا كثيرة الصالة‪ :‬قلة اإليمان والسأم‪ ،‬الذي هو شكل من أشكال‬
‫سقوط الهمة ناتج عن التراخي في الرياضة الروحية ودافع إلى فتور العزم‪.‬‬
‫‪ -2222‬توضع الثقة البنوية موضع االمتحان عندما نشعر بأننا لم ُنستجب دائما‪ .‬فيدعونا اإلنجيل‬
‫إلى أن نتساءل عن تطابق صالتنا ورغبة الروح‪.‬‬
‫‪" -2222‬صلوا بال انقطاع" (‪ 2‬تس ‪ .)27 :5‬إن الصالة ممكنة دائما‪ ،‬بل هي ضرورة حياتية وال‬
‫يمكن فصل الصالة عن الحياة المسيحية‪.‬‬
‫‪ -2222‬إن صالة "ساعة" يسوع‪ ،‬المسمات بحق صالة كهنوتية"‪ ،‬تستعيد وتختصر كل تدبير‬
‫ت "األبانا" الكبرى‪.‬‬
‫الخلق والخالص‪ .‬وهي توحي بطلبا ِ‬

‫القسم الثاني‬
‫صالة الرب‪" :‬أبانا"‬

‫‪" -2222‬وكان‪ ،‬ذات يوم‪ ،‬يصلي في موضع ما‪ .‬فلما فرغ‪ ،‬قال له واحد من تالميذه‪ " :‬يا رب‬
‫علمنا أن نصلي كما علم يوحنا تالميذه" (لو ‪ .)2 :22‬فجوابا عن هذا السؤال أودع الرب تالميذه‬
‫وكنيسته الصالة المسيحية األساسية‪ .‬وقد ذكر القديس لوقا نصا لها مختصرا (من خمس طلبات)‪،‬‬
‫ومتى نصا أطول (سبع طلبات)‪ .‬والتقليد الكنسي الليترجي حفظ نص القديس متى( ‪.23-1 :6‬‬
‫أبانا الذي في السماوات‪،‬‬
‫ليتقدس اسمُك‪،‬‬
‫ليأت ملكو ُتك‪،‬‬
‫لتكن مشيئ ُتك كما في السماء كذلك على األرض‪.‬‬
‫خبزنا كفاف يومنا أعطنا اليوم‪،‬‬
‫واغفر لنا ذنوبنا كما نغفر نحن أيضا لمن أساء إلينا‪،‬‬
‫‪78‬‬
‫وال ُتدخلنا في تجربة‪،‬‬
‫لكن نجنا من الشرير‪.‬‬
‫‪ -2222‬ختم استعمال الليترجي باكرا جدا صالة الرب بمجدلة‪ ،‬من الذيذخيا‪" :‬ألنه لك ينبغي القدرة والمجد إلى‬
‫الدهور"‪ .‬وتضيف قوانين الرسل في البدء‪ ،‬وهذه هي الصيغة التي حُفظت في أيامنا في الصالة المسكونية‪ .‬أما‬
‫التقليد البيزنطي فيضيف بعد المجد "أيها اآلب واالبن والروح القدس"‪ .‬ويطور كتاب القداس الروماني الطبعة‬
‫األخيرة‪ ،‬في وجهة نظر واضحة "النتظار الرجاء السعيد" والمجيء الثاني ليسوع المسيح ربنا‪ ،‬ثم يأتي هتاف‬
‫المجلس أو استعادة مجدلة قوانين الرسل‪.‬‬

‫المقال األول‬
‫ّ‬
‫خالصة اإلنجيل كله"‬

‫‪" -2221‬الصالة الربية هي حقا خالصة اإلنجيل كله"‪" .‬وعندما أورثنا الرب صيغة الصالة هذه‪،‬‬
‫أضاف‪" :‬أطلبوا فتنالوا" (يو ‪ .)13 :26‬فيستطيع إذن كل واحد أن يصلي إلى السماء صلوات‬
‫متنوعة بحسب احتياجاته على أن يبدأ دائما بالصالة الربية التي تبقى الصالة األساسية"‪.‬‬

‫سط الكتاب‬ ‫‪ .ً1‬في و َ‬


‫‪ -2222‬إن القديس أوغسطينوس‪ ،‬بعد أن أظهر كيف أن المزامير هي الغذاء الرئيس للصالة‬
‫المسيحية‪ ،‬وأنها تلتقي وتصب في طلبات "األبانا" يختم بقوله‪:‬‬
‫"أَ ِجل نظرك في جميع الصلوات التي في الكتاب‪ ،‬وال أعتقد أنك تستطيع أن تجد شيئا ال تحويه الصالة الربية"‪.‬‬
‫‪ -2222‬كل الكتاب (الشريعة‪ ،‬واالنبياء والمزامير) تم في المسيح‪ .‬واإلنجيل هو هذه "البشارة"‪.‬‬
‫وإعالنه األول اختصره متى في العظة على الجبل‪ .‬والصالة إلى اآلب هي في وسط هذا‬
‫اإلعالن‪ .‬وفي هذا اإلطار‪ ،‬تتضح كل طلبة في الصالة التي أورثنا إياها الرب‪:‬‬
‫"الصالة الربية هي أكمل الصلوات‪ .‬وفيها ال نطلب فقط كل ما نستطيع ابتغاءه باستقامة‪ ،‬بل أيضا وفق النظام‬
‫الذي ينبغي أن نبتغيه‪ .‬بحيث ُتعلمنا هذه الصالة ال أن نطلب فحسب وانما ُنن ِّشئ أيضا نوازعنا"‪.‬‬
‫‪ -2221‬العظة على الجبل عقيدة حياة‪ ،‬والصالة الربية صالة‪ ،‬ولكن روح الرب‪ ،‬في الواحدة وفي‬
‫األخرى‪ ،‬يُعطي شكال جديدا لرغبتنا‪ ،‬تلك الحركات الداخلية التي تنعش حياتنا‪ .‬فيعلمنا يسوع هذه‬
‫الحياة الجديدة بكالمه‪ ،‬ويعلمنا أن نطلبها بالصالة‪ .‬وباستقامة صالتنا تتعلق استقامة حياتنا فيه‪.‬‬

‫‪ .ً2‬الصالة الر ّبية‬


‫‪ -2222‬يعني التعبير التقليدي‪" ،‬الصالة الربية" (أي "صالة الرب‪ ،):‬أن الصالة إلى ابينا‬
‫(السماوي) يعلمنا ويعطينا إياها الرب يسوع‪ .‬وهذه الصالة التي تأتينا من يسوع هي حقا وحيدة‪:‬‬
‫إنها "من الرب"‪ .‬فمن جهة يعطينا االبن الوحيد‪ ،‬بكلمات هذه الصالة‪ ،‬الكلمات التي أعطاه إياها‬
‫اآلب‪ :‬إنه معلم صالتنا‪ .‬ومن جهة أخرى‪ ،‬يعرف هو‪ ،‬في قلبه البشري‪ ،‬بكونه كلمة متجسدا‪،‬‬
‫ت إخوته وأخواته من البشر‪ ،‬ويكشفها لنا‪ :‬إنه مثا ُل صالتنا‪.‬‬ ‫احتياجا ِ‬
‫‪ -2222‬ولكن يسوع ال يترك لنا صيغة نرددها آليا‪ .‬وكما في كل صالة شفوية‪ ،‬فالروح القدس‪،‬‬
‫بكالم هللا‪ ،‬يعلم ابناء هللا أن يصلوا إلى أبيهم‪ .‬ويسوع يعطينا ال كلمات صالتنا البنوية فحسب‪،‬‬
‫وإنما يعطينا في الوقت نفسه الروح القدس الذي تصبح به فينا "روحا وحياة" (يو ‪ .)63 :6‬وأكثر‬
‫‪79‬‬
‫من ذلك‪ ،‬إن الدليل على صالتنا البنوية‪ ،‬وإمكا َنها‪ ،‬هو أن اآلب "أرسل إلى قلوبنا روح ابنه‪،‬‬
‫ليصرخ‪ :‬أبا‪ ،‬أيها اآلب" (غل ‪ .)6 :3‬وبما أن صالتنا تعبر عما نبتغيه عند الرب‪" ،‬فالفاحص‬
‫القلوب"‪ ،‬اآلب‪ ،‬هو أيضا َمن "يعلم ما ابتغا ُء الروح‪ ،‬ألنه بحسب هللا يشفع في القديسين" (رو ‪:2‬‬
‫‪ .)17‬فالصالة إلى أبينا (السماوي) تندرج في رسالة االبن والروح الخفية‪.‬‬

‫‪ .ً2‬صالة الكنيسة‬
‫‪ -2222‬إن هذه العطية التي تجمع‪ ،‬على غير إمكانية فصل‪ ،‬بين كالم الرب والروح القدس الذي‬
‫يمنحه الحيا َة في قلب المؤمنين‪ ،‬قد تقبلتها الكنيسة وعاشتها منذ بدايتها‪ .‬فالجماعات األولى تصلي‬
‫صالة الرب "ثالث مرات في النهار"‪ .‬عوضا عن "البركات الثماني عشرة" الدارجة في العبادة‬
‫اليهودية‪.‬‬
‫‪ -2222‬صالة الرب‪ ،‬بحسب التقليد الرسولي‪ ،‬متأصلة أساسا في الصالة الليترجية‪" .‬يعلمنا الرب‬
‫ت" الذي في السماوات‪ ،‬بل "أبانا"‪،‬‬ ‫أن نؤدي صالتنا معا ألجل إخوتنا جميعهم‪ .‬فهو ال يقول‪" :‬أب ِ‬
‫حتى تكون صال ُتنا بنفس واحدة ألجل جسد المسيح كله"‪.‬‬
‫في جميع التقاليد الليترجية ُتكون الصالة الربية جزءا الزما من ساعات الفرض اإللهي‪ .‬ولكن‬
‫طابعها الكنسي يبدو بوضوح خصوصا في أسرار التنشئة الثالثة‪:‬‬
‫‪ -2222‬في المعمود ّية والتثبيت يعني تسلي ُم الصالة الربية الميالد الجديد للحياة اإللهية‪ .‬وبما أن‬
‫الصالة المسيحية هي أن نكلم هللا بكالم هللا نفسه‪ ،‬فالذين "وُ لِدوا ثانية بكلمة هللا الحي" (‪ 2‬بط ‪:2‬‬
‫‪ )13‬يتعلمون أن يدعوا أباهم (السماوي) بالكالم الوحيد الذي يستجيب له دائما‪ .‬ويستطيعون ذلك‬
‫من اآلن فصاعدا‪ ،‬ألن حتم مسحة الروح القدس الذي ال يُمحى قد وُ ضع في قلبهم‪ ،‬وآذانهم‪،‬‬
‫وشفاههم‪ ،‬وعلى كل كيانهم البنوي‪ .‬لذلك ُتوجه مُعظ ُم تعليقات اآلباء على "األبانا" إلى‬
‫الموعوظين والحديثي العهد في اإليمان‪ .‬وعندما تصلي الكنيسة الصالة الربية‪ ،‬فالذي يصلي‬
‫وينال الرحمة هو دائما شعب " َمن وُ لدوا حديثا"‪.‬‬
‫‪ -2222‬في الليترج ّيا االفخارست ّيا تبدو الصالة الربية كأنها صالةُ كل الكنيسة‪ .‬هنا ينكشف معناها‬
‫الكامل ومفعولها ‪ .‬فهي بموقعها بين الصالة االفخارستية (األنافورة) وليترجيا المناولة‪ ،‬تستعيد‬
‫وتختصر من جهة الطلبات واالبتهاالت التي تعبر عنها حركة استدعاء الروح القدس‪ ،‬ومن جهة‬
‫أخرى تقرع باب وليمة الملكوت التي تستبقها المناولة األسرارية‪.‬‬
‫ادي‪ .‬إنها الصالة الخاصة‬ ‫‪ -2221‬في اإفخارستيا ُتبدي الصالةُ الربية أيضا طابع طلباتها ال َم َع ّ‬
‫"باألزمنة األخيرة"‪ ،‬بأزمنة الخالص التي بدأت بإضافة الروح القدس وتنتهي بعودة الرب‪.‬‬
‫والطلبات إلى "أبينا" السماوي‪ ،‬بخالف صلوات العهد القديم‪ ،‬تستند إلى سر الخالص الذي تحقق‬
‫دفعة واحدة في المسيح المصلوب والقائم‪.‬‬
‫‪ -2222‬من هذا اإليمان الذي ال يتزعزع يتفجر الرجاء الذي ينهض بك ِّل من طلباتها الثماني‪.‬‬
‫وهذه تعبر عن تنهدات الزمن الحاضر‪ ،‬زمن الصبر والترقب‪ ،‬الذي فيه "لم يتبين بعد ماذا‬
‫سنكون" (‪ 2‬يو ‪ .)1 :3‬إن االفخارستيا و "األبانا" متجهتان نحو مجيء الرب‪" ،‬إلى أن يأتي" (‪2‬‬
‫كو ‪.)16 :22‬‬

‫بإيجاز‬

‫‪80‬‬
‫‪ -2222‬أودع يسو ُع تالميذه‪ ،‬جوابا عن طلبهم ("يا رب‪ ،‬علمنا أن نصلي"‪ :‬لو ‪ ،)2 :22‬الصالة‬
‫المسيحية األساسية "األبانا"‪.‬‬
‫ُ‬
‫‪ -2221‬الصالة الربية هي حقا خالصة اإلنجيل كله"‪" ،‬أكمل الصلوات"‪ .‬إنها في القلب من‬
‫الكتاب‪.‬‬
‫‪ -2222‬تسمى "الصالة الربية" ألنها من الرب يسوع‪ ،‬معلم صالتنا ومثالها‪.‬‬
‫‪ -2222‬الصالة الربية هي صالة الكنيسة بامتياز‪ .‬وهي جزء الزم من ساعات الفرض اإللهي‬
‫الكبرى‪ ،‬ومن أسرار التنشئة المسيحية‪ :‬المعمودية والتثبيت واالفخارستيا‪ .‬وهي‪ ،‬بإدخالها في‬
‫االفخارستيا‪ُ ،‬تبين طابع طلباتها "ال َمعادي"‪ ،‬في رجاء الرب‪" ،‬إلى أن يأتي" (‪2‬كو ‪.)21 :22‬‬

‫المقال الثاني‬
‫"أبانا الذي في السماوات"‬

‫‪" .ً1‬الجرأة على االقتراب بثقة"‬


‫‪ -2222‬في الليترجيا الرومانية تدعى الجماعة االفخارستية إلى الصالة إلى أبينا (السماوي)‬
‫بجرأة بنوية‪ .‬والليترجيات الشرقية تستعمل وتطور تعابير مشابهة‪" :‬أن نجسر بثقة" و"أهلنا"‪ .‬لقد‬
‫قيل لموسى‪ ،‬أمام العليقة المشتعلة "ال تدنُ ‪ .‬إخلع نعليك" (خروج ‪ .)5 :3‬ويسوع وحده كان‬
‫يستطيع أن يعبُر عتبة القداسة اإللهية هذه‪ ،‬هو الذي "بعد إذ طهرنا من خطايانا" (عب ‪،)3 :2‬‬
‫يدخلنا أمام وجه اآلب‪" :‬ها أنا واألوالد الذين أعطانيهم هللا" (عب ‪.)23 :1‬‬
‫"إن وعينا لحالتنا كعبيد حري بأن يجعلنا ننزل تحت األرض‪ ،‬ووضعنا األرضي حري بأن يذوب ترابا‪ ،‬لو لم‬
‫روح ابنه ليصرخ‬ ‫َ‬ ‫تدفعنا سلطة أبينا نفسه‪ ،‬وروح ابنه إلى إطالق هذا الصراح‪ .‬فيقول إن هللا قد أرسل إلى قلوبنا‬
‫فيها‪ :‬أ ّبا‪ ،‬ايها اآلب(غل ‪ ، 6 :3‬رو ‪ .)25 :2‬متى يتجاس ُر ضعفُ كائن قابل للموت على أن يدعو هللا أبا‪ ،‬إال‬
‫اإلنسان في صميمه القدرةُ التي من العالء"‪.‬‬
‫َ‬ ‫عندما ُتنعش‬
‫‪ -2222‬إن قدرة الروح التي ُتدخلنا في الصالة الربية يُعبر عنها في الليترجيات الشرقية والغربية‬
‫بارسيا‪ ،‬أي البساطة المستقيمة‪ ،‬والثقة البنوية‪ ،‬واالطمئنان‬
‫بالكلمة الجميلة ذات الطابع المسيحي‪ِ :‬‬
‫الف ِرح‪ ،‬والجرأة المتواضعة‪ ،‬ويقيننا بأننا محبوبون‪.‬‬

‫‪" .ً2‬أب"‬
‫‪ -2222‬من المفيد‪ ،‬قبل أن نتخذ ألنفسنا هذه االنطالقة األولى من الصالة الربية أن ُتطهر قلبنا‬
‫بتواضع من بعض التصورات الخاطئة من "هذا العالم"‪ .‬والتواضع يجعلنا نعترف بأنه "ليس أحد‬
‫اآلب إال االبن ومن يريد االبنُ أن يكشف له" إي لالطفال (متى ‪ .)17-15 :22‬وتطهير‬ ‫َ‬ ‫يعرف‬
‫الشخصي والثقافي والتي تؤثر في‬
‫َ‬ ‫القلب يتعلق بتصورات األبوة واألمومة المأخوذة من تاريخنا‬
‫عالقتنا باهلل‪ .‬فاهلل أبونا يسمو على كل تصنيفات العالم المخلوق‪ .‬وسنكون صانعي أصنام نعبدها‬
‫أفكارنا في هذا المجال لنكون معه أو عليه‪ .‬الصالة إلى اآلب هي الدخول‬ ‫َ‬ ‫أو نحطمها إذا ألبسناه‬
‫في سِ ره‪ ،‬كما هو‪ ،‬وكما كشفه االبن‪:‬‬
‫"إن تعبير هللا اآلب لم يُك َشف قط ألحد‪ .‬وعندما سأل موسى نفسُه هللا من هو‪ ،‬سمع اسما آخر‪ .‬ولنا ُكشف هذا‬
‫االسم في االبن‪ ،‬ألن هذا االسم يقتضي اسم اآلب الجديد‪.‬‬
‫‪ -2222‬نستطيع أن ندعو هللا "أبا" ألنه كشف لنا بابنه الذي صار إنسانا‪ ،‬وألن روحه يجعلنا‬
‫ُ‬
‫عالقة االبن‬ ‫نعرفه‪ .‬فما يفوق إدراك اإلنسان‪ ،‬ويستحي ُل على السلطات المالئكية استشفافه‪ ،‬أي‬
‫‪81‬‬
‫الشخصية باآلب‪ ،‬قد جعلنا روح االبن نشترك فيه‪ ،‬نحن المؤمنين بأن يسوع هو المسيح‪ ،‬وبأننا‬
‫من هللا وُ لدنا‪.‬‬
‫‪ -2221‬عندما نصلي إلى اآلب فنحن في شركة معه ومع ابنه‪ ،‬يسوع المسيح‪ .‬وعندئذ نعرفه‬
‫ونعترف به في تعجب يتجد ُد على الدوام‪ .‬فالكلمة األولى من الصالة الربية هي بركة عبادة قبل‬
‫أن تكون ابتهاال‪ .‬فمج ُد هللا هو أن نعترف به "أبا" وإلها حقيقيا‪ .‬نشكر له أنه َكشف لنا اسمه‪،‬‬
‫ومنحنا أن نؤمن به وأن يسكن فينا حضورُه‪.‬‬
‫‪ -2222‬نستطيع أن نعبد اآلب ألنه جعلنا نولد والدة جديدة لحياته إذ تب ّنانا كأوالده في ابنه‬
‫الوحيد‪ :‬فبالمعمودية‪ ،‬يُشركنا في جسد مسيحه‪ ،‬وبمسحة روحه الذي يفيض من الرأس على‬
‫األعضاء يجعل منا "مُسحاء"‪:‬‬
‫"إن هللا الذي سبق فأعدنا لنكون أبناء بالتبني‪ ،‬قد جعلنا مشابهين لجسد مسيحه ال ُم َمجد‪ .‬فأنتم‪ ،‬من اآلن فصاعدا‪،‬‬
‫باشتراككم في المسيح‪ُ ،‬تدعون بحق م َُسحاء"‪.‬‬
‫"إن اإلنسان الجديد‪ ،‬الذي وُ لد والدة جديدة وأعيد إلى هللا بالنعمة‪ ،‬يقول أوال "أيها اآلب!" ألنه أصبح ابنا"‪.‬‬
‫شف ألنفسنا ويُكشف لنا اآلبُ في الوقت عينه‪:‬‬ ‫‪ -2222‬وهكذا‪ ،‬بالصالة الربية‪ ،‬نك َ‬
‫"أيها اإلنسان‪ ،‬ما كنت تتجاسر على رفع وجهك نحو السماء‪ ،‬وكنت تخشع بصرك إلى األرض‪ ،‬وفجأة تقبلت‬
‫كنت عبدا صرت ابنا صالحا‪ .‬إرفع نظرك إلى أبيك الذي افتداك‬‫نعمة المسيح‪ :‬فكل خطاياك ُغفرت لك‪ .‬وبعد أن َ‬
‫بابنه‪ ،‬وقُل‪ :‬أبانا‪ .‬ولكن ال تدعي أي امتياز‪ .‬فليس هو أبا‪ ،‬بنوع خاص‪ ،‬إال للمسيح وحده‪ ،‬بينما نحن مِن خلقِه‪.‬‬
‫فقُل أيضا أنت بالنعمة‪ :‬أبانا‪ ،‬لتستحق أن تكون ابنا له"‪.‬‬
‫‪ -2221‬إن عطية التبني تقتضينا توبة دائمة‪ .‬وحياة جديدة‪ .‬ويجب أن ُتنمي فينا الصالة إلى أبينا‬
‫استعدادَين أساسيين‪:‬‬
‫ُ‬
‫الرغبة في التش ّبه به وإرادة ذلك‪ .‬لقد خلقنا على صورته وبالنعمة يُعاد إلينا مِثاله‪ ،‬وعلينا أن‬
‫نجيب عنها‪.‬‬
‫"علينا أن نتذكر‪ ،‬عندما ندعو هللا "أبانا"‪ ،‬أنه من واجبنا أن نسلك سلوك أبناء هللا"‪.‬‬
‫"ال تستطيعون أن تدعوا أباكم إله كل صالح‪ ،‬إذا احتفظتم بقلب قاس وغير إنساني‪ .‬ألنكم في هذه الحالة ال تكون‬
‫فيكم عالمة صالح األب السماوي"‪" .‬يجب أن نتأمل بال انقطاع جمال اآلب و ُن ِ‬
‫شرب به أنفسنا"‪.‬‬
‫‪ -2222‬قلبا متواضعا وواثقا يجعلنا " َنرجع إلى حالة األطفال" (متى ‪ :)3 :22‬ألن اآلب يكشف‬
‫ذاته "لألطفال" (متى ‪.)15: 22‬‬
‫"إنها نظرة إلى هللا وحده‪ ،‬ونا ُر حب عظيمة‪ .‬فتذوب النفس وتغوص في المحبة المقدسة‪ ،‬وتحادِث هللا كأبيها‬
‫الخاص‪ ،‬بدالة‪ ،‬في حنان وتقوى متميزين"‪.‬‬
‫"ابانا‪ :‬هذا االسم يبعث فينا في آن واحد الحب والتعلق في الصالة‪ ،‬وايضا رجا َء الحصول على ما سنطلبه‪ .‬فماذا‬
‫يستطيع أن يرفض لصلوات أوالده بعدما سبق وسمح بهم أن يكونوا أوالده؟"‪.‬‬

‫‪ .ً2‬أبا "نا"‬
‫‪" -2222‬األنا" في أبانا تعني هللا‪ .‬وهذه الصفة ال تعبر من وجهتنا عن التملك ولكن عن عالقة‬
‫جديدة جدا باهلل‪.‬‬
‫‪ -2222‬عندما نقول أبا "نا"‪ ،‬نعترف أوال بأن وعود محبته جميعها التي أعلنها األنبياء قد تمت‬
‫واألبدي مع مسيحه‪ :‬لقد صرنا شعبـ "ـه" وهو صار منذ اآلن فصاعدا أبا "نا"‪.‬‬
‫ّ‬ ‫في العهد الجديد‬
‫وهذه العالقة الجديدة هي انتماء متبادل ومُعطى مجانا‪ :‬وعلينا أن نجيب بالمحبة واألمانة عن‬
‫"النعمة والحق" للذين أُعطيا لنا بيسوع المسيح‪.‬‬

‫‪82‬‬
‫‪ -2222‬بما أن صالة الرب هي صالةُ شعبه في "األزمة األخيرة"‪ ،‬فال "نا" تعبر أيضا عن‬
‫رجائنا األكيد لوعد هللا األخير‪ :‬في أورشليم الجديدة‪ ،‬سيقول للذي غلب‪" :‬أكون له إلها وهو يكون‬
‫لي ابنا" (رؤ ‪.)7 :12‬‬
‫‪ -2222‬عندما نصلي إلى أبيـ "نا"‪ ،‬فإننا نتوجه إلى أبي يسوع المسيح شخصيا‪ .‬ونحن ال نقسم‬
‫األلوهة‪ ،‬بما أن اآلب هو لها "المصدر واألصل"‪ ،‬بل نعترف بذلك أنه منذ األزل يلد االبن وينبثق‬
‫منه الروح القدس‪ .‬وال نقيم اختالطا بين األقانيم‪ ،‬بما أننا نعترف بان شركتنا هي مع اآلب وابنه‬
‫إن الثالوث األقدس ذو جوهر واحد وغير منقسم‪.‬‬ ‫يسوع المسيح‪ ،‬في روحهما القدوس الوحيد‪َ .‬‬
‫وعندما نصلي إلى اآلب نعبده ونمجده مع االبن والروح القدس‪.‬‬
‫‪ -2222‬من حيث القواعد اللغوية أل "نا" تصف حقيقة مشتركة بين جملة أشخاص‪ .‬فال إله إال‬
‫واحد ويعترف به أبا أولئك الذين‪ ،‬باإليمان بابنه الوحيد‪ ،‬قد وُ لدوا منه والدةُ جديدة بالماء والروح‪.‬‬
‫والكنيسة هي هذه الشركة الجديدة بين هللا والناس‪ .‬وباتحادها باالبن الوحيد الذي صار "بكرا" ما‬
‫بين إخوة كثيرن" (رو ‪ ،)11 :2‬تكون مشتركة مع اآلب الواحد نفسه‪ ،‬في الروح القدس الواحد‬
‫نفسه‪ .‬وعندما يصلي كل معمد إلى أبيـ"نا" فهو يصلي في هذه الشركة‪" :‬كان لجمهور المؤمنين‬
‫قلب واحد ونفس واحدة" (أع ‪.)31 :3‬‬
‫‪ -2221‬لذلك فالصالة إلى أبيـ"نا" تبقى‪ ،‬على ما بين المسيحيين من انقسامات‪ ،‬خيرا مشتركا‬
‫ودعوة ملحة لجميع المعمدين‪ .‬فبمشاركتهم القائمة على اإليمان بالمسيح وعلى المعمودية‪ ،‬عليهم‬
‫أن يشتركوا في صالة يسوع ألجل وحدة تالميذه‪.‬‬
‫‪ -2222‬اخيرا‪ ،‬إذا صلينا في الحقيقة "ابانا"‪ ،‬نخرج من الفردية‪ ،‬أنَّ المحبة التي نتقبلها ُتحررنا‬
‫منها‪ .‬فال"نا" في أول الصالة الربية‪ ،‬مثل ال"نا" في الطلبات األربع األخيرة‪ ،‬ال ُتقصي أحدا‪.‬‬
‫وحتى ُتقال في الحقيقة‪ ،‬يجب أن نتغلب على انقساماتنا وخالفاتنا‪.‬‬
‫‪ -2222‬ال يستطيع المعمدون أن يصلوا األبا"نا" دون أن يحملوا إليه جميع الذين أعطى ألجلهم‬
‫ابنه الحبيب‪ .‬فمحبة هللا ال حدود لها ويجب أن تكون صالتنا كذلك‪ .‬صالة األبا"نا" تجعلنا ننفتح‬
‫على أبعاد محبته التي ظهرت في المسيح‪ ،‬أي الصالة مع جميع الناس الذين ما زالوا ال يعرفونه‬
‫وألجلهم‪ ،‬حتى يُج َمعوا في الوحدة‪ .‬وهذا االهتمام اإللهي بكل الناس وبكل الخليقة قد عاش في‬
‫صلين‪ .‬فيجب أن ي َُوسِّع صالتنا بوسع المحبة عندما نتجاسر على أن نقول أبا"نا"‪.‬‬ ‫نفس كبار ال ُم َ‬

‫‪" .ً1‬الذي في السماوات"‬


‫َ‬
‫‪ -2221‬هذا التعبير الكتابي ال يعني مكانا ("الفضاء") وإنما ن َمط وجود‪ ،‬ال بُع َد هللا بل جاللته‪.‬‬
‫فأبونا ليس "في مكان آخر"‪ ،‬هو "في ما وراء كل" ما يمكننا تصوره من قداسته‪ .‬وألنه مثلث‬
‫القداسة‪ ،‬فهو قريب جدا من القلب المتواضع النادم‪:‬‬
‫"إن هذه الكلمات "أبانا الذي في السماوات" ُتسمع بحق من قبل األبرار حيث يسكن هللا كما في هيكله‪ .‬وبذلك‬
‫أيضا يرغب المصلي في أن يرى من يدعوه ساكنا فيه"‪.‬‬
‫"قد تكون "السماوات" أيضا أولئك الذين يحملون صورة العالم السماوي‪ ،‬والذين يسكن فيهم هللا ويتمشى"‪.‬‬
‫‪ -2222‬يُعيدنا رمز السماوات إلى سر العهد الذي نعيشه عندما نصلي إلى أبينا‪ .‬إنه في‬
‫ُ‬
‫وتوبة‬ ‫السماوات‪ ،‬وهي مسكنه‪ ،‬وبيت األب هو إذن "وطننا"‪ .‬فالخطيئة إنا َن َفتنا من أرض العهد‪،‬‬
‫القلب إنما تعيدنا إلى اآلب‪ ،‬إلى السماء‪ .‬ومصالحة السماء واألرض إنما تمت في المسيح‪ ،‬ألن‬
‫االبن "نزل من السماء" وحده‪ ،‬وهو يُصعدنا إليها معه بصليبه وقيامته وصعوده‪.‬‬

‫‪83‬‬
‫‪ -2222‬عندما تصلي الكنيسة "أبانا الذي في السماوات"‪ ،‬تعترف بأننا شعب هللا‪ ،‬وقد جلسنا في‬
‫السماوات في المسيح يسوع واستترنا مع المسيح في هللا‪ ،‬وفي الوقت ذاته "نئن في وضعنا‬
‫متشوقين أن نلبس بي َتنا السماوي فوق اآلخر" (‪1‬كو ‪.)1 :5‬‬
‫المسيحيون "هم في الجسد‪ ،‬ولكنهم يعيشون بحسب الجسد‪ .‬يقضون حياتهم على األرض‪ .‬ولكنهم مواطنو‬
‫السماء"‪.‬‬

‫بإيجاز‬
‫‪ -2222‬الثقة البسيطة األمينة‪ ،‬واالطمئنان المتواضع الف ِرح هما االستعدادان اللذان يليقان بمن‬
‫يصلي األبانا‪.‬‬
‫‪ -2222‬نستطيع أن ندعو هللا "كأب"‪ ،‬ألن ابن هللا الذي صار إنسانا كشف لنا ذلك‪ ،‬وفيه‬
‫بالمعمودية نشترك و ُنتبنى أبناء هلل‪.‬‬
‫‪ -2222‬الصالة الربية تجعلنا في شركة مع اآلب ومع ابنه يسوع المسيح‪ .‬وهي في الوقت عينه‬
‫تكشف لنا أنفسنا‪.‬‬
‫‪ -2222‬يجب أن ُتنمي فينا صال ُتنا إلى أبينا إرادة التشبه به‪ ،‬وقلبا متواضعا وواثقا‪.‬‬
‫‪ -2221‬عندما نقول أبا"نا" نلتمس العهد الجديد في يسوع المسيح‪ ،‬والشركة مع الثالوث األقدس‬
‫والمحبة اإللهية التي تمتد بالكنيسة إلى مدى العالم‪.‬‬
‫‪" -2222‬الذي في السماوات" ال تدل على مكان بل على جاللة هللا وحضوره في قلب األبرار‪.‬‬
‫والسماءُ‪ ،‬بيت اآلب‪ ،‬هي الوطن الحقيقي الذي نسعى إليه‪ ،‬والذي منذ اآلن ننتمي إليه‪.‬‬

‫الفصل الثالث‬
‫الطلبات السبعة‬

‫ضعنا في حضرة هللا أبينا لنعبده ونحبه ونبار ُكه‪ ،‬يُصعِّد من‬ ‫‪ -2222‬إن الروح البنوي‪ ،‬بعد أن و َ‬
‫قلوبنا سبع طلبات‪ ،‬سبع بركات‪ .‬الثالث األولى هي أكثر تعلقا باهلل‪ ،‬تجذبنا إلى مجد اآلب‪.‬‬
‫واألربع األخيرة‪ ،‬وهي بمثابة ُسبُل إليه‪ ،‬تقدم بؤسنا لنعمته‪" .‬لجة تنادي لجة" (مز ‪.)2 :31‬‬
‫ك‪ .‬فمن خصائص الحب‬ ‫ك‪ ،‬مشيئ ُت َ‬
‫ك‪ ،‬ملكو ُت َ‬
‫‪ -2221‬الموجة األولى تحملنا نحوه وألجله‪" :‬اس ُم َ‬
‫التفكير أوال بمن ُنحب‪ .‬وفي كل من هذه الطلبات الثالث‪ ،‬ال نسمي أنفسنا‪ ،‬إنما تأ ُخذنا "الرغبة‬
‫الشديدة"‪ ،‬و "القلق"‪ ،‬اللذان لدى االبن الحبيب في سبيل مجد أبيه‪" .‬ليتقدس ‪ ....‬ليأت‪ ....‬لتكن‪."..‬‬
‫هذه االبتهاالت الثالثة قد اس ُتجيبت في ذبيحة المسيح المخلص‪ .‬ولكنها توجَّ ه‪ ،‬من اآلن فصاعدا‪،‬‬
‫في الرجاء‪ ،‬نحو إتمامها النهائي‪ ،‬ما دام هللا لم يصر بعد كل في الكل‪.‬‬
‫‪ -2222‬تجري الموجة الثانية من الطلبات في حركة بعض استدعاءات الروح القدس‬
‫االفخارستية‪ :‬إنها تقدمة ما نترقبه‪ ،‬وهي تسترعي نظر أبي المراحم‪ .‬إنها تص َعد منا وتعنينا منذ‬
‫اآلن‪ ،‬في هذا العالم‪" :‬أعطنا‪ .....‬أغفر لنا‪ ....‬ال تدخلنا‪ ...‬نجنا‪ ."...‬والطلبتان الرابعة والخامسة‬
‫تعنيان حياتنا في ذاتها‪ ،‬إما لتغذيتها وإما لشفائها من الخطيئة‪ .‬والطلبتان األخيرتان تعنيان جهادنا‬
‫في سبيل انتصار الحياة‪ ،‬جهاد الصالة بذاته‪.‬‬
‫َّت في اإليمان‪ ،‬وقد مألنا الرجاء وأضرمتنا المحبة‪ .‬وبما أننا‬ ‫‪ -2222‬بالطلبات الثالث األولى ُنثب ُ‬
‫خالئق وخطأة أيضا‪ ،‬فعلينا أن نسأل ألنفسنا‪ ،‬هذه "النا" على مقياس العالم والتاريخ‪ ،‬التي نقدمها‬ ‫ُ‬

‫‪84‬‬
‫إلى محبة إلهنا الالمحدودة‪ .‬ألن أبانا إنما يُتمِّم تصميم خالصه لنا وللعالم كله باسم مسيحه ومُلك‬
‫روحه القدوس‪.‬‬

‫‪" .ً1‬ليتقدّس اسم َك"‬

‫‪ -2222‬يجب أن ال ُتفهم كلمة "التقديس" هنا أوال بمعناها السببي (فاهلل وحده يُق ِّدس‪ ،‬يجعل‬
‫قديسا)‪ ،‬ولكن خصوصا بمعناها التقديري أي االعتراف به قدوسا‪ ،‬ومعاملته بطريقة مقدسة‪.‬‬
‫وهكذا يُفهم هذا الدعاء أحيانا في العبادة بمثابة تسبيح وشكر‪ .‬ولكن يسوع علمنا هذا الطلب بمعنى‬
‫التمني‪ :‬سؤال‪ ،‬رغبة وانتظار يدخل فيها هللا واإلنسان‪ .‬فمنذ الطلب األول إلى أبينا نغوص في‬
‫صميم سر ألوهته‪ ،‬ومأساة خالص بشريتنا‪ .‬فطلبُنا إليه أن يتقدس اسمُه يُدخلنا في "التصميم‬
‫اللطيف الذي سبق فقصده" (أف ‪" ) 1: 2‬لنكون قديسين وبغير عيب أمامه في المحبة" (أف ‪:2‬‬
‫‪.)3‬‬
‫‪ -2222‬في األوقات الحاسمة من تدبير هللا‪ ،‬يكشف هو اس َمه‪ ،‬ولكنه يكشفه بإتمام عمله‪ .‬وال‬
‫يتحقق هذا العمل ألجلنا وفينا إال إذا قُ ِّدس اسمُه بنا وفينا‪.‬‬
‫‪ -2222‬قداسة هللا هي مكان سره األبدي الذي ال يُدرك‪ .‬وما يظهر منه بالخلق والتاريخ يسميه‬
‫الكتاب المجد‪ ،‬إشعاع جاللته‪ .‬وهللا عندما صنع اإلنسان "على صورته كمثاله" (تك ‪ ،)16 :2‬كلله‬
‫بالمجد‪ ،‬ولكن اإلنسان بخطيئته قد "أعوزه مج ُد هللا"‪ .‬ومنذئذ سيُظهر هللا قداسته بكشف اسمه‬
‫وإعطائه حتى يجدد اإلنسان "على صورة خالقه" (كو ‪.)21 :3‬‬
‫‪ -2212‬إن هللا‪ ،‬بالوعد الذي وعده إلبراهيم والقسم المصاحب له‪ ،‬التزم هو بذاته ولكنه لم يكشف‬
‫اسمه‪ .‬وإنما بدأ بكشفه لموسى‪ ،‬وأظهره أمام عيون الشعب كله بإنقاذه من المصريين‪" :‬ف َت َع َّظم‬
‫بالمجد" (خروخ ‪ .)2: 25‬ومنذ عهد سيناء‪ ،‬صار هذا الشعبُ "شع َبه" ووجب عليه أن يكون "أُمة‬
‫مقدسة (أو مكرسة‪ ،‬فالكلمة هي نفسها بالعبرانية)‪ .‬ألن اسم هللا يسكن فيه‪.‬‬
‫‪ -2211‬ولكن الشعب‪ ،‬رغما عن الشريعة المقدسة التي أعطاه إياها اإلله القدوس‪ ،‬وكرر‬
‫إعطاءها‪ ،‬ورغما عن الصبر الذي تحلى به الرب "ألجل اسمه"‪ ،‬قد أعرض عن قدوس إسرائيل‬
‫و "دنس اسمه بين األمم"‪ .‬لذلك اشت َعلت بهوى االسم قلوبُ األبرار في العهد القديم‪ .‬والمساكين‬
‫الذين عادوا من المنفى‪ ،‬واألنبياء‪.‬‬
‫ِّ‬
‫‪ -2212‬أخيرا كشف لنا يسوع اسم هللا القدوس وأعطي في الجسد كمخلص‪ .‬كشف بما هو‪،‬‬
‫وبكالمه وذبيحته‪ .‬وذلك هو قلب الصالة الكهنوتية‪ :‬أيها اآلب القدوس‪" ،‬أنا اُق ِّدس ذاتي ألجلهم‪،‬‬
‫لكي يكونوا هم أيضا مقدسين بالحق" (يو ‪ ،)21 :27‬وألن يسوع "يقدس" هو نفسُه اس َم أالب‪،‬‬
‫"اعلن" لنا اس َمه‪ .‬وفي ختام الفصح أعطاه هللا االسم الذي يفوق كل اسم‪ :‬يسو ُع رب المجد هللا‬
‫اآلب‪.‬‬
‫‪ -2212‬في ماء المعمودية قد " ُغسِ لنا‪ ،‬وقُ ِّدسنا‪ ،‬وبُرِّ رنا باسم الرب يسوع المسيح وبروح إلهنا"‬
‫(‪2‬كو ‪ .)22 :6‬وفي حياتنا كلِّها‪ ،‬أبونا "يدعونا إلى القداسة" (‪ 2‬تس ‪ ،)7 :3‬وبما أننا "به صرنا‬
‫في المسيح يسوع الذي صار لنا قداسة"(‪2‬كو ‪ ،)31 :2‬فمِن مصلحة مجده وحياتنا أن يُق َّدس اسمه‬
‫فينا وبنا‪ .‬ذلك هو األمر المُلح من الطلب األول‪.‬‬
‫"من يستطيع تقديس هللا ما دام هو الذي يق ِّدس؟ ولكننا نستوحي هذا الكالم "كونوا قديسين ألني أنا قدوس" (أح‬
‫نزل كل‬ ‫َ‬
‫الثبات على ما بدأنا أن نكونه‪ .‬وهذا نطلبه كل يوم ألننا ِ‬ ‫‪ ،)33 :22‬ونطلب بعد إذ بُررنا بالمعمودية‪،‬‬
‫يوم‪ ،‬وعلينا أن نطهِّر خطايانا بقداسة ُتستعا ُد بال انقطاع‪ .‬فنحن نلجأ إذن إلى الصالة حتى تبقى فينا هذه القداسة"‪.‬‬
‫‪85‬‬
‫‪ -2211‬يتعلق تقديسُ اسمه بين األمم بحياتنا وصالتنا دون انفصال"‬
‫"نطلب إلى هللا أن يقدس اس َمه‪ ،‬ألنه بالقداسة يخلص كل الخليقة ويقدسها‪ .‬والمقصود هو االسم الذي يمنح‬
‫ُبارك االسم‬
‫الخالص للعالم الهالك‪ .‬ولكننا نطلب أن يُقدس اس ُم هللا هذا فينا بحياتنا‪ .‬ألننا إذا عشنا عيشة حسنة ي َ‬
‫اإللهي‪ .‬ولكن إذا عشنا عيشة سيئة جُدف عليه بحسب كالم الرسول‪" :‬إن األمم يجدفون على اسم الرب بسببكم"‬
‫(رو ‪ ،)13 :1‬فنحن نصلي لنستحق أن يكون في نفوسنا من القداسة بمقدار ما هو اسم إلهنا قدوس"‪.‬‬
‫"عندما نقول‪" :‬ليتقدس اسمك" فنحن نطلب أن يُقدس فينا‪ ،‬نحن الذين فيه‪ ،‬ولكن أيضا في اآلخرين الذين ما زالت‬
‫نعمة هللا تنتظرهم‪ ،‬حتى نتطابق مع الفريضة التي ُتلزمنا بالصالة ألجل الجميع‪ ،‬حتى ألجل أعدائنا‪ .‬لذلك ال نقول‬
‫بصراحة‪ :‬ليتقدس اسمك "فينا"‪ ،‬ألننا نطلب أن يكون ذلك في كل الناس"‪.‬‬
‫‪ -2212‬هذا الطلب الذي يحوي الكل قد اس ُتجيب بصالة المسيح‪ ،‬كالستة الطلبات األخرى‬
‫الالحقة‪ .‬إن الصالة إلى أبينا هي صالتنا إذا صُليت في اسم يسوع‪ .‬لقد طلب يسوع في صالته‬
‫الكهنوتية‪" :‬أيها اآلب القدوس‪ ،‬احفظ باسمك الذين أعطيتهم لي" (يو ‪.)22 :27‬‬

‫‪" .ً2‬ليأت ملكوتك"‬


‫كلمة "فاسيليا" بـ " َملَكية" (اسم مجرد)‪ ،‬أو "مملكة" أم‬‫ُ‬ ‫‪ -2212‬في اليونانية يمكن ان ُت َترجم‬
‫"ملكوت" (اسم حسي)‪ ،‬أو "المُلك" (مصدر فعل)‪ .‬ملكوت هللا سابق لنا‪ .‬وقد اقترب في الكلمة‬
‫ُ‬
‫وملكوت هللا يأتي منذ العشاء‬ ‫المتجسد‪ ،‬وأُعلن في اإلنجيل كله‪ ،‬وأتى في موت المسيح وقيامته‪.‬‬
‫المقدس وفي االفخارسنيا‪ ،‬إنه في وسطنا‪ .‬ويأتي الملكوت في المجد عندما يعيده المسيح إلى أبيه‪:‬‬
‫"باإلمكان أيضا أن َيعني ملكوت هللا المسيح بشخصه‪ ،‬هو الذي ندعوه بأمانينا كل يوم والذي نبغي أن ُندني‬
‫مجيئه بانتظارنا‪ .‬فكما أنه قيام ُتنا‪ ،‬ألننا نقوم فيه‪ ،‬يستطيع أن يكون ملكوت هللا أيضا‪ ،‬ألننا فيه سنملك"‪.‬‬
‫‪ -2212‬هذا الطلب هو "الماراناثا"‪ ،‬صوت الروح العروس‪" :‬تعا َل‪ ،‬أيها الرب يسوع"‪.‬‬
‫َ‬
‫الصراخ من تلقا ِء أنفسنا‪،‬‬ ‫"حتى لو كانت هذه الصالة لم توجب علينا أن نطلب مجيء ذلك الملكوت‪ ،‬ألطلقنا ذلك‬
‫وأسرعنا لمعانقة آماالنا‪ .‬إن نفوس الشهداء تحت المذبح تدعو هللا بصراخ عظيم‪" :‬حتى متى أيها السيد‪ ،‬ال‬
‫ُنصفوا في آخر األزمنة‪ .‬أيها الرب‪،‬‬
‫تقضي وال تنتقم لدمنا من سكان األرض؟" (رؤ ‪ .)21 :6‬ألنه ينبغي أن ي َ‬
‫اجعل ملكوتك يأتي سريعا"‪.‬‬
‫‪ -2212‬في الصالة الربية‪ ،‬المقصو ُد بوجه رئيس مجيء ملكوت هللا النهائي بعودة المسيح‪ .‬ولكن‬
‫هذه الرغبة ال تجعل الكنيسة تتغافل عن رسالتها في هذا العالم‪ ،‬بل بالحري ُتلزمها بها‪ .‬ألن‬
‫مجيء الملكوت‪ ،‬منذ العنصرة‪ ،‬هو عمل روح الرب "الذي يتابع عمله في العالم ويكمل كل‬
‫تقديس"‪.‬‬
‫‪" -2212‬ملكوت هللا هو عدل وسالم وفرح في الروح القدس" (رو ‪ .)27 :23‬واألزمنة األخيرة‪،‬‬
‫التي نحن فيها‪ ،‬هي أزمنة إفاضة الروح القدس‪ .‬ومن ث َّم يقوم صراع حاسم بين "الجسد" والروح‬
‫القدس‪:‬‬
‫"القلب النقي وحده يستطيع أن يقول باطمئنان‪" :‬ليأت ملكوتك"‪ .‬ويجب أن يكون اإلنسان من مدرسة بولس‬
‫ليقول‪" :‬ال تملك الخطيئة إذن بع ُد في جسدكم المائت" (رو‪ .)21 :6‬ومن حفظ نفسه نقيا في افعاله وأفكاره‬
‫وأقواله يستطيع أن يقول هلل‪" :‬ليأت ملكو ُتك"‪.‬‬
‫‪ -2222‬على المسيحيين أن يدركوا بحسب الروح فيميزوا نمو ملكوت هللا من تقدم الثقافة‬
‫والمجتمع حيث يقومون‪ .‬وهذا التمييز ليس فصال‪ .‬ألن دعوة اإلنسان إلى الحياة األبدية ال تلغي‬
‫بل تشدد واجبه أن يمارس فعليا ما تقبل من الخالق من طاقات ووسائ َل في سبيل خدمة العدالة‬
‫والسالم في هذا العالم‪.‬‬

‫‪86‬‬
‫‪ -2221‬هذا الطلب محمول ومستجاب في صالة يسوع الحاضرة والفاعلة في االفخارستيا‪ ،‬وهو‬
‫يحمل ثمره في الحياة الجديدة بحسب التطويبات‪.‬‬
‫‪" .ً2‬لتكن مشيئت َك كما في السماء كذلك على األرض"‬
‫‪ -2222‬إنها مشيئة أبينا "أن جميع الناس يخلصون ويبلغون إلى معرفة الحق" (‪2‬تي ‪.)3-3 :1‬‬
‫"وهو يُطيل أناته‪ ،‬إذ ال يريد أن يهلك أحد" (‪ 1‬بط‪ .)1 :3‬ووصيته التي تلخص األخرى كلها‬
‫والتي تعبر لنا عن إرادته كلها‪ ،‬هي "أن نحب بعضنا بعضا كما أحبنا هو"‪.‬‬
‫‪" -2222‬لقد اعلن لنا حسب مرضاته سر مشيئته الذي سبق فقصده في نفسه أي ان يجمع كل‬
‫اصطفينا من قبلُ‪ ،‬بمقتضى قصد من يعمل كل شيء‬ ‫ُ‬ ‫شيء تحت راس واحد في المسيح‪ .‬وفيه قد‬
‫على حسب مرضاته" (أف ‪ .)22-1 :2‬إننا نطلب بإلحاح أن يتحقق هذا القصد اللطيف على‬
‫األرض كما تحقق في السماء‪.‬‬
‫‪ -2221‬إن مشيئة اآلب قد أ ُ ِتمَّت بكمالها ومرة واحدة نهائيا في المسيح وبإرادته البشرية‪ .‬لقد قال‬
‫يسوع وهو يدخل العالم‪" :‬ها أناذا آتي ألعمل بمشيئتك" (عب ‪ .)7 :21‬يسوع وحده يستطيع أن‬
‫يقول‪" :‬إني أفعل دائما ما يرضيه" (يو ‪ .)11: 2‬وهو في صالة نزاعه يرضى تماما بتلك االرادة‪:‬‬
‫"ال تكن مشيئتي بل مشيئتك" (لو‪ .)31 :11‬لذلك يسوع "بذل نفسه من أجل خطايانا‪ ،‬على حسب‬
‫مشيئة هللا" (غل‪" .)3 : 2‬وبقوة هذه المشيئة قُ ِّدسنا نحن بتقدمة جسد يسوع" (عب‪.)21 : 21‬‬
‫‪ -2222‬ويسوع "مع كونه ابنا‪ ،‬تعلم مما تألمه أن يكون طائعا" (عب‪ .)2 :5‬فكم باألحرى نحن‬
‫الخالئق والخطأة الذين صاروا فيه أوالدا بالتبني‪ .‬إننا نطلب إلى أبينا أن يضم إرادتنا إلى إرادة‬
‫ابنه لتتميم مشيئته‪ ،‬أي تصميمه الخالصي لحياة العالم‪ .‬نحن عاجزون عن ذلك كل العجز‪ ،‬ولكننا‬
‫باتحادنا بيسوع‪ ،‬وبقوة روحه القدوس‪ ،‬نستطيع أن نسلمه إرادتنا‪ ،‬وأن نقرر اختيار ما اختاره‬
‫دوما ابنه‪ :‬أن نفعل ما يرضي اآلب‪:‬‬
‫"بالتصاقنا بالمسيح نستطيع أن نصير معه روحا واحدا‪ ،‬وبذلك أن نتمِّم إرادته‪ .‬وهكذا تكون كاملة على اآلرض‬
‫كما في السماء"‪.‬‬
‫"أنظروا كيف يُعلمنا يسوع المسيح أن نكون متواضعين‪ ،‬إذ يجعلنا نرى أن فضيلتنا ال تتعلق بعملنا وحده وإنما‬
‫بنعمة هللا‪ .‬فهو يأمر هنا كل من يصلي أن يفعل ذلك عموما ألجل األرض كلها‪ .‬فهو ال يقول‪" :‬لتكن مشيئتك" في‬
‫أو فيك‪ ،‬وإنما في األرض كلها" ‪ :‬حتى يُقصى عنها الضالل‪ ،‬وتسود فيها الحقيقة‪ ،‬و ُتدمَّر فيها الرذيلة‪ ،‬وتعود‬
‫ف ُتزدهر فيها الفضيلة‪ ،‬وال تكون األرض من بعد مختلفة عن السماء"‪.‬‬
‫‪ -2222‬إننا بالصالة نستطيع أن نميز ما مشيئة هللا ونحصل على الثبات حتى نعمل بها‪ .‬ويسوع‬
‫يعلمنا أن دخول ملكوت السماوات ليس بالكالم وإنما "بأن يُع َمل بإرادة أبي الذي في السماوات"‬
‫(متى ‪.)12 :7‬‬
‫‪" -2222‬من يعمل مشيئة هللا فذلك من يستجيب له هلل" (يو ‪ .)32 :1‬تلك هي قوة صالة الكنيسة‬
‫في اسم "ربها"‪ ،‬خصوصا في االفخارستيا‪ ،‬إنها شركة شفاعة مع الكلية القداسة والدة اإلله وجميع‬
‫القديسين الذي "أرضوا" الرب ألنهم لم يُريدوا سوى مشيئته‪:‬‬
‫"نستطيع أيضا دون اإلساءة إلى الحقيقة أن نترجم هذه الكلمات‪" :‬لتكن مشيئتك كما في السماء كذلك على‬
‫األرض" بهذه ‪ :‬في الكنيسة كما في الرب يسوع المسيح‪ ،‬في العروس التي ُخطبت له‪ ،‬كما في الزوج الذي أتم‬
‫مشيئة اآلب"‪.‬‬

‫‪" .ً1‬خبزنا كفاف يومنا أعطنا اليوم"‬

‫‪87‬‬
‫‪" -2222‬أعطنا"‪ :‬جميلة هي ثقة األوالد الذين ينتظرون كل شيء من أبيهم‪" .‬إنه يُطلع شم َسه‬
‫على األشرار والصالحين ويُمطر على األبرار واألثمة" (متى‪ .)35 :5‬وهو يعطي جميع األحياء‬
‫"الطعام في أوانه" (مز‪ .)17 :21‬يُعلمنا يسوع هذا الطلب‪ :‬إنه يمجد أبانا ألنه يعترف بأنه صالح‬
‫أبعد من أي صالح‪.‬‬
‫‪" -2222‬أعطنا" هي أيضا التعبير عن العهد‪ :‬فنحن له وهو لنا‪ ،‬وألجلنا‪ ،‬ولكن هذه الـ"نا" تعترف‬
‫به أيضا كأب لجميع الناس‪ ،‬ونحن نصلي إليه ألجلهم جميعا‪ ،‬بالتضامن مع احتياجاتهم وآالمهم‪.‬‬
‫خبزنا" ان اآلب الذي يعطينا الحياة ال يستطيع أن ال يعطينا الغذاء الضروري للحياة‪،‬‬ ‫‪َ : -2222‬‬
‫وكل الخيرات "المُوافِقة"‪ ،‬المادية والروحية‪ .‬وقد الح يسوع‪ ،‬في العظة على الجبل‪ ،‬على الثقة‬
‫البنوية التي تتعاون مع عناية أبينا‪ .‬وهو ال يحملنا على أي تكاسل بل يريد أن يحرِّ رنا مل كل قلق‬
‫نستسلم له وكل هم‪ .‬ذلك هو االطمئنان البنوي لدى أوالد هللا‪:‬‬
‫"إن هللا َيعِد من يطلبون ملكو َته وبره بإعطائهم كل شيء زيادة‪ .‬فكل شيء هو هلل‪ .‬و َمن له هللا ال ينقصه شيء إذا‬
‫لم يبتعد هو عن هللا"‪.‬‬
‫‪ -2221‬ولكن حضور من هم جياع لعوزهم إلى الخبز يكشف بُعدا آخر لهذا الطلب‪ .‬فمأساة‬
‫الجوع في العالم تدعو المسيحيين الذين يصلون في الحق إلى مسؤولية فعلية عن إخوتهم‪ ،‬سواء‬
‫كان ذلك في سلوكهم الشخصي أو في تضامنهم مع األسرة البشرية‪ .‬إن هذا الطلب‪ ،‬في الصالة‬
‫الربية‪ ،‬ال يمكن عزلُه عن َمثلي لعازر الفقير والدينونة األخيرة‪.‬‬
‫‪ -2222‬على ِجدة الملكوت أن ترفع األرض بروح المسيح‪ ،‬كما تفعل الخميرة في العجين‪ .‬وال بد‬
‫أن تظهر بإعادة إحالل العدالة في العالئق الشخصية واالجتماعية واالقتصادية والدولية‪ ،‬دون أن‬
‫تنسى أبدا انه ال هيكليات عادلة دون أُناس يريدون أن يكونوا عادلين‪.‬‬
‫نة التطويبات هي فضيلة التقاسم‪ :‬إنها‬ ‫‪ -2222‬المقصود خبز"نا"‪" ،‬الواحد" ألجل "عِ دة"‪ .‬ف َمس َك ُ‬
‫تدعو إلى المشاركة في الخيرات المادية والروحية وقسمتها ال باإلكراه وإنما بالمحبة‪ ،‬حتى تسد‬
‫ُ‬
‫ضالة البعض َع َوز اآلخرين‪.‬‬ ‫فُ‬
‫‪" -2221‬ص ِّل واعمل"‪" .‬صلوا لو كان كل شيء متعلقا باهلل واعملوا كما لو كان كل شيء متعلقا‬
‫بكم"‪ .‬وعندما نقوم بعملنا يبقى الطعام عطية من أبينا‪ .‬وحسن أن نطلبه إليه مع الشكر‪ .‬هذا هو‬
‫معنى بركة المائدة في األسرة المسيحية‪.‬‬
‫لجوع اآلخر يتضور منه الناس‪" :‬ليس‬ ‫ِ‬ ‫‪ -2222‬يصلح أيضا هاذا الطلب والمسؤولية التي يُلزم بها‬
‫بالخبز وحده يحيا اإلنسان‪ ،‬بل بكل كلمة تخرج من فم هللا" (متى ‪ )3: 3‬أي كلمته وروحه‪ .‬وعلى‬
‫المسيحيين أن يُجيِّشوا كل جهودهم "إلعالن اإلنجيل للمساكين"‪ .‬هناك جوع على األرض "ال‬
‫الجوع الى الخبز وال العطش إلى الماء بل إلى استماع كلمة هللا" (عا ‪.)22 :2‬‬
‫خبز الحياة‪ :‬أي كلمة هللا ُتق َبل في اإليمان‪،‬‬‫لذلك فالمعنى المسيحي الخاص لهذا الطلب الرابع يعني َ‬
‫ُتناول في االفخارستيا‪.‬‬
‫وجس َد المسيح ي َ‬
‫‪ -2222‬كلمة "اليوم" تعبر أيضا عن ثقة‪ .‬والرب يُعلمنا ذلك‪ .‬وادعاؤنا ما كان بوسعه أن‬
‫يخترعه‪ .‬وبما أن األمر يتعلق خصوصا بكلمته وبجسد ابنه‪ ،‬فهذا "اليوم" ليس هو يوم زمننا‬
‫المائت وحسب‪ :‬إنه يو ُم الرب‪.‬‬
‫كنت تتناول الخبز كل يوم‪ ،‬فكل يوم لك هو اليوم‪ .‬إذا كان المسيح لك اليوم‪ ،‬فكل يوم يقوم ألجلك‪ .‬وكيف‬ ‫"إذا َ‬
‫ذلك؟ "أنت ابني‪ ،‬أنا‪ ،‬اليوم ألدك" (مز ‪ .)7 :1‬اليوم يعني‪ :‬عندما يقوم المسيح"‪.‬‬
‫‪" -2222‬كفافنا"‪ .‬كلمة "إبيوسيوس" ليس لها استعمال آخر في العهد الجديد‪ .‬فإذا أخذناها‬
‫بمعناها الزمني فهي تكرار على سبيل التربية لكلمة "اليوم" لتثبيتنا في ثقة "بال تحفظ"‪ .‬وإذا‬
‫‪88‬‬
‫أُخِذت بمعناها الوضعي‪ ،‬فهي تعني ما هو ضروري للحياة‪ ،‬وبمعنى أوسع كل خير كاف للعيش‪.‬‬
‫وإذا أُخذت حرفيا (إبيوسيوس‪ :‬الجوهري جدا) فهي تدل مباشرة على خبز الحياة‪ ،‬جسد المسيح‪،‬‬
‫"دواء الخلود" الذي دونه ال حياة لنا في أنفسنا‪ .‬وإذا وصلناها بما سبق يكون المعنى السماوي‬
‫واضحا‪" :‬هذا اليوم" هو يوم الرب‪ ،‬يوم وليمة الملكوت التي تسبقها وتمثلها االفخارستيا‪ ،‬وهي‬
‫المق ِّدمة لتذوق الملكوت اآلتي‪ .‬لذلك ينبغي أن ُتقام الليترجيا االفخارستية "كل يوم"‪.‬‬
‫"االفخارستيا هي خبزنا اليومي‪ .‬والفاعلية الخاصة بهذا الطعام اإللهي هي قوة توحيد‪ :‬توحدنا مع جسد المخلص‬
‫نصير ما نتناوله‪ .‬وهذا الخبز اليومي هو أيضا في القراءات التي تسمعونها كل يوم في‬ ‫َ‬ ‫وتجعلنا أعضا َءه حتى‬
‫الكنيسة‪ ،‬وفي األناشيد التي يترنمون وتترنمون بها‪ .‬هذا كله ضروري لزمن عبورنا"‪.‬‬
‫يحرضنا اآلب السماوي على طلب خبز السماء كأوالد السماء‪ .‬والمسح "هو نفسه الخبز الذي ُزرع في العذراء‬
‫واختمر في الجسد‪ ،‬وعُجن في اآلالم‪ ،‬و ُخ ِبز في أتون القبر‪ ،‬وادخِر في الكنيسة‪ ،‬و ُنقِل إلى المذبح‪َ ،‬فوُ ِّف َر كل يوم‬
‫للمؤمنين غذاء سماويا"‪.‬‬

‫‪" .ً2‬إغفر لنا ذنوبنا كما نغفر نحن أيضا لمن أساء إلينا"‬
‫‪ -2222‬هذا الطلب عجيب‪ .‬فلو لم َيحو سوى الجزء األول من العبارة ‪" -‬إغفر لنا ذنوبنا" – لكان‬
‫موجودا ضمنيا في الطلبات األولى الثالث من الصالة الربية‪ ،‬ألن ذبيحة المسيح هي "لمغفرة‬
‫الخطايا"‪ .‬ولكن السؤل‪ ،‬بحسب الجزء الثاني من العبارة‪ ،‬لن يُستجاب إال إذا لبينا مطلبا‪ .‬فسؤالنا‬
‫مُوجَّ ه إلى المستقبل‪ ،‬وال بد أن يسبقه جوابنا‪ .‬وكلمة تربطهما‪" :‬كما"‪.‬‬

‫"إغفر لنا ذنوبنا "‪...‬‬


‫‪ -2222‬بدأنا نصلي إلى أبينا بثقة جريئة‪ .‬وعندما ابتهلنا إليه ان يتقدس اسمُه‪ ،‬طلبنا إليه ان يزداد‬
‫أبدا تقديسنا‪ .‬ولكن‪ ،‬على كوننا نلبس ثوب المعمودية‪ ،‬فنحن ال نزال نخطأ‪ ،‬و ُنعرض عن هللا‪.‬‬
‫واآلن‪ ،‬في هذا الطلب الجديد‪ ،‬نعود إليه كاالبن الشاطر‪ ،‬ونعترف بأننا خطأة أمامه كالعشار‪ .‬فيبدأ‬
‫طلبنا "باعتراف"‪ ،‬حيث نعترف في الوقت ذاته‪ ،‬ببؤسنا وبرحمته‪ .‬ورجاؤنا ثابت‪ ،‬ألننا في ابنه‬
‫"لنا الفداء‪ ،‬ومغفِرةُ الخطايا" (كو ‪ .)23 :2‬وإننا نجد الداللة الفاعلة واألكيدة على مغفرته في‬
‫أسرار كنيسته‪.‬‬
‫ِ‬
‫فق من الرحمة من دخول قلوبنا ما لم نغفر‬ ‫‪ -2212‬ولكن‪ ،‬وهذا أمر رهيب‪ ،‬ال يستطيع هذا الد ُ‬
‫لمن أساؤوا إلينا‪ .‬فالمحبة‪ ،‬كجسد المسيح‪ ،‬ال يمكن تقسيمها‪ :‬ال نستطيع أن ُنحب هللا الذي ال نراه‬
‫ما لم ُنحب األخ واألخت اللذين نراهما‪ .‬في رفضنا مسامحة إخوتنا وأخواتنا‪ ،‬ينغلق قلبنا‪،‬‬
‫وقساوته تجعله غير قابل لدخول محبة هللا الرحيمة‪ .‬وعندما نعترف بخطيئتنا‪ ،‬ينفتح قلبنا لنعمته‪.‬‬
‫‪ -2211‬هذا الطلب هو من األهمية بحيث هو الوحيد الذي يعود إليه الرب ويتوسع فيه في العظة‬
‫على الجبل‪ .‬وهذا المقتضى الخطير لسر العهد مستحيل عند اإلنسان‪ ،‬ولكن "كل شيء ممكن عند‬
‫هللا" (متى ‪.)16 :21‬‬

‫‪"...‬كما نغفر نحن أيضا لمن أساء إلينا"‬


‫‪ -2212‬هذا الـ "كما" ليس وحيدا في تعليم يسوع‪" :‬تكونون كاملين "كما" ان أباكم السماوي‬
‫كامل" (متى ‪" ،)32: 5‬كونوا رحماء "كما" أن أباكم رحيم (لو ‪ ،)36 :6‬إني أعطيكم وصية‬
‫حفظ وصية الرب مستحيل إذا‬ ‫ُ‬ ‫جديدة‪ :‬أن يحب بعضكم بعضا "كما" أحببتكم أنا (يو ‪.)33 :23‬‬
‫تعلق األمر باالقتداء من خارج بالمثال اإللهي‪ .‬فالمقصود هو المشاركة الحيوية الصادرة من‬
‫"أعماق القلب"‪ ،‬في قداسة إلهنا ورحمته ومحبته‪ .‬إن الروح وحده‪ ،‬الذي هو "حياتنا" (غل ‪:5‬‬
‫‪89‬‬
‫‪ ،)15‬يستطيع أن يجعل االستعدادات التي كانت في المسيح يسوع استعداداتنا‪ .‬وحينئذ َتصير‬
‫وحدةُ المغفرة ممكنة‪" ،‬فنتسامح "كما" سامحنا هللا في المسيح" (أف ‪.)31 :3‬‬
‫‪ -2212‬هكذا تنبض الحياة في كالم الرب على المغفرة‪ ،‬هذه المحبة التي ُتحب إلى أقصى حدود‬
‫المحبة‪ .‬إن م َثل العبد الخالي من الشفقة‪ ،‬الذي يُتوج تعليم الرب عن الشركة الكنسية‪،‬‬
‫يُخ َتم بهذا الكالم‪" :‬هكذا يفعل ابي السماوي بكم إن لم يغفر كل واحد منكم ألخيه من كل قلبه"‪.‬‬
‫فهناك في "القلب" ينعقد وينفك كل شيء‪ .‬ليس في وسعنا أن ال نعود نشعر‪ ،‬وأن ننسى اإلساءة‪،‬‬
‫ولكن القلب الذي يقدم ذاته للروح القدس يقلب الجرح إلى رأفة‪ ،‬وينقي الذاكرة بتغيير اإلساءة‬
‫إلى الشفاعة‪.‬‬
‫‪ -2211‬ان الصالة المسيحية تبلغ حتى المغفرة لألعداء‪ .‬إنها تغير التلميذ ليشابه معلمه‪ .‬والمغفرة‬
‫هي ذروة في الصالة المسيحية‪ ،‬وال يُمكن أن ُتقبل موهبة الصالة إال في قلب متطابق مع الرأفة‬
‫اإللهية‪ .‬والمغفرة تشهد أيضا أن المحبة في عالمنا أقوى من الخطيئة‪ ،‬والشهداء‪ ،‬أمس واليوم‪،‬‬
‫يؤدون شهادة يسوع هذه‪ .‬والمغفرة هي الشرط األساسي للمصالحة‪ ،‬بين أوالد هللا وأبيهم‪ ،‬وبين‬
‫الناس بعضهم مع بعض‪.‬‬
‫‪ -2212‬ليس هناك من حد وال قياس لتلك المغفرة اإللهية في أساسها‪ .‬فإذا تعلق األمر بإساءات‬
‫(من "خطايا" بحسب لوقا ‪ ،3 :22‬أو "ديون" بحسب متى ‪ ،)21 :6‬فنحن في الواقع دائما‬
‫مديونون‪" :‬ال يكن ألحد عليكم حق ما خال المحبة المتبادلة" (رو ‪ .)2 :23‬ومشاركة الثالوث‬
‫األقدس هي مصدر حقيقة كل عالقة ومقياسُها‪ .‬ونعيشها في الصالة خصوصا في االفخارستيا‪.‬‬
‫"ال يقبل الرب ذبيحة صانعي التفرقة‪ .‬إنه يصرفهم من المذبح حتى يتصالحوا أوال مع إخوتهم‪ :‬يريد هللا أن يعود‬
‫السالم بيننا وبينه بصلوات سالم‪ .‬وأحسن واجباتنا عند هللا هو سالمنا واتفاقنا والوحدة في اآلب واالبن والروح‬
‫القدس بين أبناء الشعب المؤمن كلهم"‪.‬‬

‫‪" .ً2‬ال تدخلنا في التجربة"‬


‫‪ -2212‬يبلغ هذا الطلبُ أص َل الطلب السابق‪ ،‬ألن خطايانا هي ثما ُر رضانا بالتجربة‪ .‬فنحن نطلب‬
‫إلى أبينا أن ال "يُخضعنا" لها‪ .‬ومن الصعب ترجمة اللفظة اليونانية بكلمة واحدة‪ :‬فهي تعني "ال‬
‫تسمح بالدخول في"‪ ،‬وال تدعنا نسقط في التجربة"‪" .‬إن هللا غير مُجرب بالشرور‪ ،‬وهو ال يُجرِّ ب‬
‫أحدا" (يع ‪ .)23 :2‬وهو يريد بالعكس تحريرنا منها‪ .‬نطلب إليه ان ال يدعنا نسير في الطريق‬
‫المؤدي إلى الخطيئة‪ .‬ونحن في الجهاد بين "الجسد والروح القدس"‪ .‬وهذا الطلب يلتمس روح‬
‫التمييز والقوة‪.‬‬
‫‪ -2212‬إن الروح القدس يجعلنا نم ّيز المِحنة الضرورية لنمو اإلنسان الداخلي في سبيل "الفضيلة‬
‫المخ َت َبرة" من التجربة التي تؤدي إلى الخطيئة والموت‪ .‬ويجب كذلك أن نميز "أننا مجربون" من‬
‫القناع عن كذب التجربة‪ :‬فموضوعها في الظاهر‬ ‫َ‬ ‫"أننا راضون" بالتجربة‪ .‬وأخيرا يرفع التمييز‬
‫"طيب‪ ،‬ومُتعة للعيون ومُنية" (تك ‪ ،)6 :3‬بينما ثمرتها في الواقع هي الموت‪.‬‬
‫"إن هللا ال يريد فرض الخير‪ ،‬بل يريد كائنات حرة‪ .‬فالتجربة ال تخلو من الفائدة‪ .‬والجميع‪ ،‬ما عدا هللا‪ ،‬يجهلون‬
‫ما تقبلته نفسنا من هللا‪ ،‬حتى نحن‪ .‬ولكن التجربة ُتظهر ذلك‪ ،‬لتعلمنا أن نعرف أنفسنا‪ ،‬وهكذا تكشف لنا بؤسنا‪،‬‬
‫وتوجب علينا أن نشكر هلل الخيرات التي أظهرتها لنا التجربة"‪.‬‬
‫‪" -2212‬عدم الدخول في التجربة" يتضمن قرارا من القلب‪" :‬حيث يكون كن ُز ُكم‪ ،‬هناك يكون‬
‫قل ُب ُكم أيضا‪ .‬ال يستطيع أحد أن يخدم سيدين" (متى ‪" .)13 ،12 :6‬إن كنا نحيا بالروح‪ ،‬فلنسلكن‬
‫أيضا بحسب الروح" (غل‪ .)15 : 5‬ففي هذه "المجاراة" للروح القدس يعطينا اآلب القوة‪" .‬لم‬

‫‪90‬‬
‫يُصِ بكم من التجارب إال ما هو بشري‪ .‬فإن هللا أمين‪ ،‬فال يدعكم ُتجربون فوق طاقتكم‪ ،‬بل يجعل‬
‫أيضا مع التجربة مخرجا‪ ،‬لتستطيعوا أن تحتملوا" (‪ 2‬كو ‪.)23 :21‬‬
‫‪ -2212‬ولكن جهادا كهذا وانتصارا كهذا ليسا ممكنين إال في الصالة‪ .‬فبالصالة يغلبُ يسوع‬
‫المجرب منذ البداية‪ ،‬وفي جهاد نزاعه األخير‪ .‬والمسيح في هذا الطلب إلى أبينا يضمنا إلى جهاده‬
‫وإلى نزاعه‪ .‬ويُذكر بتي ّقظ القلب بإلحاح باالشتراك مع تيقظه‪ .‬والتيقظ هو "حفظ القلب" ويسوع‬
‫يطلب من اآلب "أن يحفظنا باسمه"‪ .‬إن الروح القدس يسعى دائما إلى تنبيهنا إلى ذلك التيقظ‪.‬‬
‫ويتخذ هذا الطلب كل معناه المأسوي بالنسبة إلى التجربة األخيرة في جهادنا على األرض‪ .‬فهو‬
‫يسأل الثبات األخير‪" .‬ها أنا آتي كاللص‪ ،‬فطوبى لمن يسهر!" (رؤ ‪.)25: 26‬‬

‫الشرير"‬
‫ّ‬ ‫نجنا من‬
‫‪" .ً2‬لكن ّ‬
‫‪ -2222‬الطلب األخير إلى أبينا موجود أيضا في صالة يسوع‪" :‬ال أطلب أن ُتخرجهم من العالم‬
‫بل أن تحفظهم من الشر" (يو ‪ .)25 :27‬إن يعنينا‪ ،‬يعني كل واحد شخصيا‪ ،‬ولكننا "نحن" دائما‬
‫من يصلون‪ ،‬باالشتراك مع كل الكنيسة‪ ،‬وألجل خالص كل األسرة البشرية‪ .‬وما زالت صالة‬
‫الرب تجعلنا ننفتح على أبعاد تدبير الخالص‪ .‬وينقلب تعلقنا بعضا ببعض في مأساة الخطيئة‬
‫والموت تضامنا في جسد المسيح‪ ،‬و "شركة قديسين"‪.‬‬
‫‪ -2221‬في هذا الطلب‪ ،‬الشر ليس شيئا مجردا‪ ،‬بل هو يدل على شخص‪ :‬الشيطان‪ ،‬الشرير‪،‬‬
‫المالك الذي يقاوم هللا‪ .‬إبليس (في اليونانية ذيافولوس) يعني من "يُلقي بذاته ليُعيق" قصد هللا‬
‫و "عمله الخالصي" الذي أتمه في المسيح‪.‬‬
‫‪" -2222‬إنه من البدء قتال الناس‪ ،‬كذوب وأبو الكذب" (يو ‪ ،)33 :2‬إنه "الشيطان الذي يُضل‬
‫المسكونة كلها" (رؤ ‪ .)1 :21‬به دخلت الخطيئة والموت العال َم‪ ،‬وبالغلبة النهائية عليه " ُتحرر من‬
‫الخطيئة والموت" الخليقة كلها‪" .‬نعلم أنَّ كل مولود من هللا ال يخطأ‪ ،‬إنما الذي وُ لد من هللا‬
‫يصونه‪ ،‬والشرير ال يمسه‪ .‬ونعلم أنا من هللا‪ ،‬وأن العال َم كله تحت سلطان الشرير" (يو ‪-22 :5‬‬
‫‪.)21‬‬
‫"إن هللا‪ ،‬الذي أزال خطيئتك وغفر ذنوبك قادر على أن يصونك وأن يحفظك من حيل إبليس‪ ،‬الذي يحاربك‪،‬‬
‫حتى ال يفاجئك العدو الذي من عادته أن يلد الخطيئة‪ .‬من توكل على هللا ال يخشى الشيطان‪" .‬إذا كان هللا معنا‬
‫فمن علينا"" (رو ‪.)32 :2‬‬
‫‪ -2222‬لقد تم االنتصار على "رئيس هذا العالم" مرة واحدة‪ ،‬في الساعة التي أسلم فيها يسوع‬
‫ذاته بحرية إلى الموت‪ ،‬ليعطينا حيا َته‪ .‬إنها دينونة هذا العالم‪ ،‬ورئيس هذا العالم "يُلقى خارجا"‪.‬‬
‫"إنه يلحق بالمرأة" (رؤ ‪ ،)23 :21‬ولكن ال سلطان له عليها‪ :‬فحواء الجديدة‪" ،‬الممتلئة نعمة" من‬
‫الروح القدس‪ ،‬قد حُفظت من الخطيئة ومن فساد الموت (الحبل الطاهر بوالدة اإلله الفائقة القداسة‬
‫مريم الدائمة البتولية‪ ،‬وانتقالها)‪" .‬فغضب على المرأة وذهب ليحارب باقي نسلها" (رؤ ‪.)27 :21‬‬
‫لذلك يصلي الرو ُح والكنيسة‪" :‬هل َّم‪ ،‬أيها الرب يسوع" (رؤ ‪ ،)11-27 :11‬بما أن مجيئه يُنقذنا‬
‫من الشرير‪.‬‬
‫‪ -2221‬عندما نطلب النجاة من الشرير‪ ،‬نصلي أيضا للتحرر من كل الشرور الحاضرة والماضية‬
‫والمستقبلية‪ ،‬التي هو صاحبهُا أو الدافع إليها‪ .‬وفي هذا الطلب األخير تحمل الكنيسة إلى أمام اآلب‬
‫كل بؤس العالم‪ .‬وهي تلتمس‪ ،‬مع الخالص من الشرور التي ُتثقل البشرية‪ ،‬عطية السالم النفسية‪،‬‬
‫ونعمة االنتظار الثابت لمجيء المسيح‪ .‬وهي‪ ،‬إذ تصلي هكذا‪ ،‬تسبق في تواضع اإليمان استعادة‬

‫‪91‬‬
‫كل البشر وكل شيء في َمن "بيده مفاتي ُح الموت والجحيم" (رؤ‪" ،)22 :2‬الكائن‪ ،‬والذي كان‪،‬‬
‫والذي يأتي‪ ،‬القدير" (رؤ ‪.)2 :2‬‬
‫"نجنا من كل شر أيها الرب‪ ،‬وامنح السالم لزماننا‪ ،‬وبرحمتك حررنا من الخطيئة‪ ،‬وشددنا إزاء المِحن في هذه‬
‫الحياة حيث نرجو السعادة التي َوعدَ ت بها مجيء يسوع المسيح مخلصنا"‪.‬‬

‫المجدلة الكبرى‬
‫‪ -2222‬إن المجدلة األخيرة "ألن لك الملك والمجد والقدرة" تكرِّ ر باالحتواء الطلبات الثالث‬
‫األولى إلى أبينا‪ :‬تمجيد اسمه‪ ،‬إتيان ملكوته‪ ،‬وقدرة مشيئته المخلصة‪ .‬ولكن هذا التكرار هو في‬
‫صيغة عبادة وشكر‪ ،‬كما في الليترجيا السماوية‪ .‬كان رئيس هذا العالم قد نسب إلى نفسه كاذبا تلك‬
‫الحقوق الثالثة في المُلك والقدرة والمجد‪ ،‬والمسيح الرب يُعيدها إلى أبيه وأبينا‪ ،‬إلى يوم يُسلمه‬
‫الملكوت عندما َيتم نهائيا سر الخالص ويصي ُر هللا كال في الكل‪.‬‬
‫‪" -2222‬وعندما تكتمل الصالة‪ .‬تقول "آمين"‪ ،‬مُصدقا بهذا اآلمين الذي يعني "ليكن األمر كذلك"‬
‫ما تحويه الصالة التي علمنا إياها الرب"‪.‬‬

‫بإيجاز‬
‫ُ‬
‫الطلبات الثالث األولى موضوعها مجد اآلب‪ :‬تقديس االسم‪ ،‬إتيان ملكوت‬ ‫‪ -2222‬في "األبانا"‪،‬‬
‫وتتميم المشيئة اإللهية‪ ،‬واألربع األخرى تقدم له رغباتنا‪ :‬وهذه الطلبات تتعلق بحياتنا لتغذيتها أو‬
‫لشفائها من الخطيئة‪ ،‬وتتعلق بجهادنا في سبيل غلبة الخير على الشر‪.‬‬
‫ُ‬
‫‪ -2222‬عندما نطلب أن "يتقدس اسمك"‪ ،‬ندخل في تصميم هللا أي تقديس اسمه –الذي كشف‬
‫لموسى ثم في يسوع‪ -‬بنا وفينا‪ ،‬كما في كل أمة وفي كل إنسان‪.‬‬
‫‪ -2222‬بالطلب الثاني تقصد الكنيسة بوجه رئيس عودة المسيح والمجيء األخير لملكوت هللا‪.‬‬
‫ونصلي أيضا ألجل نمو ملكوت هللا في "اليوم" من حياتنا‪.‬‬
‫‪ -2222‬في الطلب الثالث نصلي إلى أبينا أن يض َّم إرادتنا إلى إرادة ابنه لتتميم تصميمه الخالصي‬
‫في حياة العالم‪.‬‬
‫‪ -2221‬في الطلب الرابع‪ ،‬عندما نقول "أعطنا" نعبر باالشتراك مع اخوتنا‪ ،‬عن ثقتنا البنوية بأبينا‬
‫السماوي‪" .‬خبزنا" يعني الغذاء األرضي الضروري لمعيشتنا جميعا‪ ،‬ويعني أيضا خبز الحياة أي‬
‫كلمة هللا وجسد المسيح‪ .‬وهو يُتناول في "يوم" الرب‪ .‬كالغذاء الذي ال يستغنى عنه‪ ،‬والجوهري‬
‫في وليمة الملكوت التي تسبقها وتمثلها اإلفخارستيا‪.‬‬
‫َ‬
‫رحمة هللا التي ال تستطيع دخول قلبنا ما لم نغفر ألعدائنا‬ ‫‪ -2222‬الطلب الخامس يلتمس إلساءاتنا‬
‫على مثال المسيح وبمعونته‪.‬‬
‫‪ -2222‬بقولنا‪" :‬ال ُتدخلنا في التجربة" نطلب إلى هللا ان ال يسمح بأن نسير في الطريق الذي‬
‫يؤدي إلى الخطيئة‪ .‬وهذا الطلب يلتمس روح التمييز والقوة‪ ،‬والنعمة والتيقظ والثبات األخير‪.‬‬
‫‪ -2221‬في الطلب األخير "لكن نجنا من الشرير"‪ ،‬يصلي المسيحي إلى هللا مع الكنيسة بأن يُظهر‬
‫الغلبة‪ ،‬التي قد نالها المسيح‪ ،‬على "رئيس هذا العالم"‪ ،‬على ابليس‪ ،‬المالك الذي يُقاوم شخصيا هللا‬
‫وتصميمه الخالصي‪.‬‬
‫‪ -2222‬بالـ "آمين" األخيرة تعبر عن دعائنا بالنسبة إلى الطلبات السبع أن "ليكن األمر هكذا"‪.‬‬

‫نعتذر عن األخطاء اإلمالئية غير المقصودة‬


‫‪92‬‬

You might also like