You are on page 1of 99

‫جامعة الجزائر ‪3‬‬

‫كلية علوم االعالم واالتصال‬

‫مطبوعة وحدة‬

‫علم النفس التربوي‬


‫السنة األولى دكتوراه‬

‫تخصص اتصال االزمات‬

‫اعداد‪:‬‬

‫د‪ .‬معتوق فتحية‬

‫السنة الجامعية‪8102-8102:‬‬
‫مـقــدمـة‪:‬‬
‫نعيش حاليا عصرا تتسارع فيه المعارف وتتجدد وتتنوع االبتكارات وتتغير‬
‫بحيث أصبح من الضروري مراجعة من حين آلخر كل ما اكتسبناه ولو كان هذا‬
‫المكتسب المعرفي لم يمض عليه وقتا طويال‪ ،‬وذلك لنساير هذا التقدم الهائل في كل‬
‫مجاالت المعرفة‪ .‬وإن كان هذا ينطبق على كل فرد مهما كانت درجة معرفته‬
‫ومستواه العلمي فهذا يكون أهم إذا تعلق األمر بميدان التربية والتعليم ويخص المعلم‬
‫ذاته‪ .‬ففي ظل هذا العصر ومعطياته المتعاظمة والمتجددة باستمرار كشف علم‬
‫النفس التربوي عن ضعف بعض الطرائق التربوية وقصور مضامين المواد‬
‫التعليمية القائمة حاليا عن بلوغ األهداف المرجوة‪ ،‬لذا وجد هذا العلم نفسه أمام‬
‫ضرورة إعادة النظر في موقفه من الطفل والمدرسة والمعلم والمنهج الدراسي‬
‫والعالقات القائمة بينهم ومناهج التعليم وطرق التدريس وفلسفة التربية‪ ،‬فمراجعة‬
‫المناهج والبحث في التعليم والتعلم والتكوين بصورة عامة من أسس بقاء المجتمع‬
‫وتقدمه‪ .‬فلم يعد مقبوال بالنسبة لهذا العلم اليوم أن ننظر إلى الطفل وكأنه صفحة‬
‫بيضاء يسجل عليها المعلم ما يريد‪ ،‬أو أن يبقى المنهج الدراسي مليئا بالمعلومات‬
‫التي يطلب من التالميذ حفظها واسترجاعها أثناء االمتحان‪ ،‬أو أن ننظر للمعلم‬
‫وكأنه الملقن والمالك الوحيد للمعرفة مثال‪ .‬لقد بينت الدراسات الحديثة التي أجريت‬
‫في العقود األخيرة‪ ،‬أن إمكانات الطفل وقدراته هي أكبر بكثير م ّما كان يعتقده علم‬
‫النفس قبل هذا التاريخ‪ .‬وبات من الضروري النظر من حين آلخر في تكوين المعلم‬
‫ومناهج التدريس والزمن واستغالله والظروف العامة المحيطة بالتعلم والتعليم‬
‫وقدرات المتعلم ووسائل التعليم وغيرها من الشروط العامة التي يجب توفرها من‬
‫أجل آداء مهام التعليم في كل المستويات وفي مختلف المؤسسات‪.‬‬
‫وتعد المعارف والمهارات التي يقدمها هذا العلم من الموضوعات األكثر‬
‫أهمية لمن يتناول عمله ميدان التربية والتعليم وذات أهمية قصوى في إعداد المعلم‬
‫والمربي بصورة عامة‪.‬‬
‫إن علم النفس التربوي يعد من فروع علم النفس ذو الدور الفعال لما له من‬
‫األهمية النظرية والتطبيقية في العملية التربوية في إحداث التغيرات المرجوة في‬
‫مجاالت التعلم والتعليم إذ يقدم المبادئ النفسية األساسية للمربي بصورة عامة والمعلم‬
‫بصورة خاصة‪ ،‬علم النفس التربوي يقدم المعلومات والمبادئ النفسية العامة التي‬
‫تساعد على فهم سلوك المتعلم وتنمية شخصيته في كل جوانبها واستغالل طاقة الفرد‬
‫ومختلف القدرات وتوجيه السلوك ومعرفة الذات‪.‬‬

‫كذلك يمكننا أن ننظر إلى علم النفس التربوي على أنه الفرع الوسيط بين‬
‫التربية وعلم النفس كونه يهتم بالجانب التربوي ويعتمد على القوانين والمفاهيم النفسية‬
‫فهو بهذا مزج بين علم النفس والتربية‪.‬‬

‫المحور األول‪ :‬مدخل إلى علم النفس التربوي‪:‬‬

‫‪ -‬تعريف علم النفس التربوي وتحديد مجاله ومواضيعه‪.‬‬


‫‪ -‬أهداف علم النفس التربوي‬
‫‪ -‬أهمية و فوائد علم النفس التربوي بالنسبة للمعلم‬
‫‪ -‬مناهج البحث في علم النفس التربوي‬
‫‪ -‬عالقته بفروع علم النفس األخرى‬

‫‪ -1‬تعريف علم النفس التربوي وتحديد مجاله ومواضيعه‬

‫علم النفس التربوي من العلوم الحديثة النشأة غير أنه مثل علم النفس (الذي‬
‫هو فرعا منه) له ماض طويل يمتد إلى الفلسفات القديمة متوغال في فلسفة التربية‪.‬‬
‫الفيلسوف‬ ‫(‪)6486-6771( )HERBART, Johann Friedrich‬‬ ‫ويعد جوهن فردريك هيربارت‬
‫والبيداغوجي األلماني أول مبشر بهذا العلم عندما حاول أن يستشف من علم النفس‬
‫المبادئ التي كانت تبدو له ذات قيمة في التربية والتعليم‪ ،‬فيرفض النظريات التي‬
‫تدافع عن فكرة التمييز بين القدرات (الملكات) العقلية ويقترح فكرة أن كل الظواهر‬
‫العقلية أساسها التفاعل بين األفكار األولية‪ .‬فحسبه الطرق والنظم التربوية يجب أن‬
‫تؤسَّس على علم النفس واألخالق‪ :‬علم النفس يساعد على توصيل المعارف‬
‫األساسية ‪le‬‬ ‫واألخالق لتحديد الهدف االجتماعي للتربية‪ ،‬من مؤلفاته‬ ‫األساسية‪،‬‬
‫‪(1592-‬‬ ‫(التشيكي)‬ ‫(‪)E.A.COMENIUS‬‬ ‫)‪ .Manuel de psychologie (1816‬ومن قبله كومنيوس‬
‫(‪(1782-( )Friedrich Fröbel‬‬ ‫‪ ،1670‬وبستالوزي (‪ ،Pestalozzi, Johann Heinrich (1746-1827‬وفروبل‬
‫وغيرهم‪ ،‬غير أن نظرية الملكات‬ ‫(‪(1712-1778( )Rousseau, Jean-Jacques‬‬ ‫وروسو‬ ‫‪1852‬‬

‫كانت هي المسيطرة على بدايات علم النفس التربوي التي تعود في أصولها إلى‬
‫الفلسفة اليونانية وفلسفة العصور الوسطى التي كانت ترى أن العقل اإلنساني يتألف‬
‫من قوى مستقلة كالذاكرة و اإلرادة و االنتباه التي تؤدي إلى حدوث مختلف األنشطة‬
‫العقلية‪.‬‬

‫إذا كان علم النفس التقليدي يرى أن الطفل راشدا صغي ار فإن علم النفس الحديث‬
‫يخالف ذلك ويراعي خصوصية األطفال وطبيعتهم اإلنسانية وميوالتهم الخاصة ويرى‬
‫بأن الطفل يفكر ويتخيل بعيدا عن سمات الراشد وخصائصه‪ .‬واذا كان علم النفس‬
‫التقليدي ُيعرف بعلم نفس الملكات أي ينظر إلى التكوين العقلي لإلنسان على أساس‬
‫الملكات‪ ،‬فإن لعلم النفس الحديث عكس هذه الرؤية التقليدية إذ يفسره على أنه طاقة‬
‫دينامية واحدة‪.‬‬

‫ويستبدل مفهوم التعلم كعملية آلية ميكانيكية بمفهوم أكثر ديناميكية يكون فيها‬
‫التعلم معتمدا على استجابات الطفل واالهتمام بنشاطه‪.‬‬

‫فضل هيربارت يعود إلى الربط المباشر بين الممارسة التربوية والمبادئ النفسية‬
‫التي صاغها‪ .‬ويرى أن العقل كينونة وجدانية ينمو ويتطور ويكتسب مالمحه عبر‬
‫عملية االتصال الحسي مع العالم الخارجي‪ ،‬ويحدد هيربارت مصدرين أساسيين‬
‫لتكوين المعرفة عند اإلنسان هما‪:‬‬

‫‪ -‬تفاعل اإلنسان مع الطبيعة‪.‬‬

‫‪ -‬تفاعل اإلنسان مع الوسط االجتماعي‪.‬‬

‫والوظيفة األساسية للتربية عند هيربارت هي أنها تمد العقل باألفكار والتجارب‪.‬‬

‫رغم إسهامات هذا العالم وغيره في ترسيخ علم النفس التربوي وتحديد معالمه بين‬
‫العلوم األخرى فإنه في الواقع (علم النفس التربوي) كعلم تجريبي مستقل عن الفلسفة‬
‫( ‪Thorndike,‬‬ ‫ظهر في الربع األخير من القرن التاسع عشر على يد ادوارد ثرندايك‬
‫األمريكي الذي ألف أول كتاب له حول هذا الموضوع عام‬ ‫‪)6181-6478( )Edward Lee‬‬

‫» ولم يبدأ هذا العلم‬ ‫(‪)Educational Psychology‬‬ ‫تحت عنوان "علم النفس التربوي"‬ ‫‪6191‬‬

‫في اتخاذ صورة واضحة إال منذ عام ‪ 6199‬وقد تتابعت االهتمامات والمؤلفات والبحوث‬
‫األكاديمية حول هذا العلم‪ ،‬وأنشئت المعامل والمختبرات الخاصة به‪ ،‬وظهرت‬
‫المجالت المتخصصة لمعالجة موضوعاته‪ ،‬وعقدت المؤتمرات العلمية التي أسهمت‬
‫في تحديد طبيعته‪ ،‬إلى أن أصبح هذا العلم من المقررات األساسية الالزمة لتدريب‬
‫المعلمين في كليات ومعاهد التربية بمختلف أنواعها ومستوياتها‪ ...‬وبدأ االهتمام‬
‫يتحدد ويزيد بعلم النفس التربوي في الثالثينيات من هذا القرن‪ ،‬حيث تم تحديد‬
‫موضوع سيكولوجية المواد الدراسية كالقراءة والحساب وانتشرت أبحاث كثيرة في‬
‫طرق التدريس‪ ،‬وفي األربعينيات تطور هذا الفرع نتيجة تأثره بالمفاهيم اإلكلينيكية‬
‫المشتقة من ميدان الطب العقلي والعالج النفسي‪ ،‬حيث زاد االهتمام بمشكالت‬
‫التوافق والتكيف والصحة النفسية للطالب‪ .‬وفي الخمسينيات زاد االهتمام بعمليات‬
‫التعلم داخل غرفة الصف والعالقات بين الطلبة أنفسهم من جهة أخرى‪)1( «.‬‬

‫علم النفس التربوي المعاصر استفاد من نظريات التعلم ومن البحوث‬


‫واالستكشافات العلمية والتجريبية المختلفة في كل الميادين‪ :‬حول النمو وعلم‬
‫االجتماع ومن األبحاث والنظريات المتناقضة في بعض األحيان لمختلف المدارس‪:‬‬
‫السلوكية والغشطالطية والمعرفية وغيرها ومن مختلف البحوث العلمية من ميادين‬
‫بحث مختلفة خاصة في عصرنا الحالي‪.‬‬

‫فالمعرفة الشمولية والدقيقة لمراحل تطور الحياة النفسية عند األطفال والمراهقين مثال‬
‫و المعرفة المعمقة والعلمية لبعض القضايا والموضوعات النفسية‪ ،‬و معرفة‬
‫المعطيات البيولوجية التي تتصل بمراحل نمو الطفل والترابطات النفسية والتصورات‬
‫التي تتصل بطرق التفكير مثال كلها و غيرها ساعدت على بلورت و استقالل و‬
‫إثراء علم النفس التربوي‪.‬‬

‫لم يعد في الواقع مجرد تطبيقا لنظريات التعلم وسيكولوجية النمو أو مزيجا من‬
‫النظريات وسيكولوجية التعلم والقياس النفسي والتربوي بل له كيانه » ويعود الفضل‬
‫في ذلك إلى استخدام العلماء لغة األنساق أو المنظومات ‪ ،Systems‬ويقصد بالمنظومة‬
‫مجموعة من العالقات المنظمة المتداخلة التي تربط بين أجزاء متفاعلة يتكون منها‬
‫كل أو نمط يؤدي وظيفة معينة‪ .‬وقد يكون تصور العملية التعليمية كمنظومة والذي‬
‫اقترحه روبرت جليزر منذ عام ‪ 6119‬أكثر التصورات شيوعا‪ 2«.‬وتتألف هذه المنظومة‬

‫‪ -1‬صالح محمد علي أبو جادو‪ ،‬علم النفس التربوي‪ ،‬دار المسيرة للنشر والتوزيع والطباعة‪-‬عمان‪ ،‬الطبعة األولى‪.8991 ،‬‬
‫ص‪.81.89.‬‬
‫‪ -2‬صالح محمد علي أبو جادو المصدر أعاله ص‪89 .‬‬
‫عمليات التعلم‪،‬‬ ‫من العناصر التالية‪ :‬األهداف التربوية‪ ،‬المدخالت السلوكية‪،‬‬
‫والتقويم التربوي‪ ،‬كما يوضحه الشكل الموالي‪:‬‬

‫المنظومة األساسية للعملية التعليمية كما اقترحها روبرت جليزر‬ ‫(‪)1‬‬ ‫الشكل رقم‬

‫التقويم‬ ‫عمليات‬ ‫المدخالت‬ ‫األهداف‬


‫التربوي‬ ‫التعلم‬ ‫السلوكية‬
‫التربوية‬

‫وهذه العناصر هي المكونات األساسية لموضوع علم النفس التربوي‪ .‬ولو‬


‫اعتمدنا على هذا النسق في عملية التعلم لقلنا أن أي أستاذ مهما كانت مادته المدرسة‬
‫وحتى يستغل وقته ويحقق أهدافه التعليمية‪ ،‬عليه أن يعتمد في تدريسه أو باألحرى‬
‫في كل حصة من حصصه التعليمية على هذه العناصر ويتساءل قبل تصميم الدرس‬
‫أو الوحدة التعليمية وأثناء تنفيذها ما هي األهداف المرجوة من هذه الحصة أو‬
‫الوحدة؟ ما هي الكفاءات التي يجب إحداثها أو تثبيتها عند كل متعلم؟ ما هو‬
‫المتعلم الذي يجب أن أعلم المتعلم إياه؟ ما هي التغييرات االيجابية الواجب‬
‫السلوك ُ‬
‫إحداثها عند كل متعلم؟‪ ...‬ما هو أو ما هي السلوكات أو الكفاءات التي هي بحوزة‬
‫كل متعلم؟ ماذا باستطاعة المتعلم أن يفعل اآلن قبل أن أقدم له الدرس؟ ماذا أفعل‬
‫حتى أستطيع أن أحدث التغيرات المرجوة في سلوك كل متعلم؟ ما هي الطرق‬
‫والوسائل التي أستعملها حتى أصل إلى األهداف في أسرع وقت ودون جهد كبير‬
‫مثال سواء للمتعلم أو لي كمعلم؟‪ ...‬كيف أعرف أن هناك تغير ايجابي في سلوك‬
‫المتعلم؟ ما هي الوسائل والعالمات التي تدل أن المتعلم قد أصبحت لديه كفاءات‬
‫جديدة بإمكانه توظيفها في مواقف تعليمية جديدة؟ كيف أعرف أنني حققت األهداف‬
‫التي سطرتها من قبل؟ أي ما هي المخرجات السلوكية؟‪...‬‬

‫ا‪ -‬تعريف علم النفس التربوي‪:‬‬

‫لتوضيح مصطلح "علم النفس التربوي" تعددت التعريفات وذلك لتعدد الزوايا‬
‫التي ُيؤخذ منها هذا العلم ولتعدد كذلك تعريفات العبارات المكونة لهذا المصطلح‪:‬‬
‫"علم"‪" ،‬النفس"‪" ،‬التربية"‪ .‬هذه العبارات التي تعددت معانيها بتعدد العصور والمدارس‬
‫والفلسفات (وال نريد في هذا المجال التعمق في هذه العبارات)‪.‬‬

‫لقد كان هناك جدل كبير حول ماهية هذا العلم‪ ،‬فإذا كان البعض يرى هذا‬
‫العلم كمبدأ التطبيق في ميدان التربية والتعليم‪ ،‬أي في غرفة الدراسة‪ ،‬للمعارف‬
‫والطرائق واألساليب النفسية والنظريات التي توصل إليها علم النفس‪ ،‬فإن البعض‬
‫اآلخر يرى أن علم النفس التربوي له ميدانه المتميز بنظرياته ومناهجه البحثية‬
‫ومشكالته وأساليبه الخاصة‪ ،‬وعلى هذا األساس فمن بين اهتماماته األساسية نجد‪:‬‬

‫‪ -‬فهم عملية التعلم والتعليم‬


‫‪ -‬تطوير طرائق لتحسين هذه العمليات‪.‬‬
‫واذا أعطينا تعريفا له في إطار علم النفس نقول أنه الدراسة العلمية للسلوك‬
‫اإلنساني خالل مختلف العمليات التربوية‪.‬‬
‫ولقد عرف ديفيد أوزبول وروبرسون علم النفس التربوي‪ ،‬بأنه مجموعة العالقات‬
‫المشتقة تجريبيا أو منطقيا بين العوامل والمتغيرات في الموقف المدرسي والنواتج‬
‫المرغوبة كما تقاس بمؤشرات السلوك العقلي‪.‬‬

‫فيقول‪ :‬علم النفس التربوي من العلوم النظرية التطبيقية‬ ‫(‪)Dubois‬‬ ‫ويعرفه ديبوا‬
‫التي تحاول فهم ما يجري في المدرسة وفي غرفة الصف‪ ،‬وفهم أسباب حدوثه‪.‬‬

‫كما ُيعرف » بأنه علم تجريبي يدرس سلوك المتعلم خالل ممارسته لعملية‬
‫التعلم‪)3( «.‬‬

‫على أنه العلم الذي يدرس مشكالت التربية وحلها من‬ ‫(‪)Wittrock‬‬ ‫يعرفه ويترك‬
‫خالل مفاهيم ومبادئ علم النفس المختلفة‪.‬‬

‫يعرفه كيج وبيرلينر (‪ )Gage &Berliner‬على أنه دراسة التعلم والتعليم والمدرسة وما‬
‫يرتبط بها من عمليات باستخدام مفاهيم ومبادئ علم النفس‪.‬‬

‫على أنه الدراسة العلمية للسلوك اإلنساني في المواقف‬ ‫(‪)Bruner‬‬ ‫ويعرفه برونر‬
‫التربوية‪ ،‬أي أنه العلم الذي يربط بين علم النفس والتربية‪)4(.‬‬

‫من خالل هذه التعريفات يتضح لنا أن هذا العلم الجديد هو أحد ميادين علم النفس‬
‫النظرية والتطبيقية التي تُعنى بالمتعلم في كل جوانبه العقلية النفسية االجتماعية‬
‫التربوية وتسخيرها لفهم وتوجيه واستغالل التعلم والتعليم‪.‬‬

‫‪ - 3‬ينظر صالح محمد علي أبو جادو المصدر أعاله ص‪.32.‬‬


‫‪ -4‬ينظر عدنان يوسفففف العتوم ووخرون‪ ،‬علم النفس التربوي‪ :‬النظرية و التطبيق‪ ،‬عمان‪ ،‬دار المسفففيرة للنشفففر والتوزيع‬
‫والطباعة‪ ،‬الطبعة األولى‪ .3002 ،‬ص‪.30.89 .‬‬
‫ب‪ -‬تحديد مجاله ومواضيعه‪:‬‬

‫لتحديد موضوعات علم النفس التربوي قام مثال "يال" عام ‪ 6176‬بمسح للمؤلفات‬
‫في هذا المجال (مائة كتاب) وحلل محتواها فوجد أكثر الموضوعات تك اررا‪:‬‬

‫‪ -‬النمو في مختلف جوانبه االنفعالي والمعرفي واالجتماعي والفسيولوجي‪.‬‬


‫‪ -‬عمليات التعلم ونظريات التعلم وطرق التدريس وتنظيم الموقف التعليمي‪.‬‬
‫‪ -‬القياس والتقويم‪ :‬بناء االختبارات التحصيلية وشروطها‪...‬‬
‫‪ -‬التفاعل االجتماعي‪ :‬بين التالميذ أنفسهم وبين التالميذ والمعلمين‪.‬‬
‫‪ -‬الصحة النفسية للفرد والتوافق النفسي والمدرسي‪.‬‬
‫المتمعن في الموضوعات التي يهتم بها هذا العلم يجدها متنوعة ومتناثرة‪ ،‬لكن‬
‫في جوهرها تدور حول واقع المشكالت التي تواجه المعلم أثناء أداء مهمة التعليم‬
‫المعلمة وظروف‬‫والتدريس سواء تعلق األمر بالمعلم نفسه أو المتعلم أو المادة ُ‬
‫التدريس‪ ،‬هي مواضيع تدور حول مختلف عناصر المنظومة كما هو في الشكل (‪.)6‬‬
‫و يتحدث ديبوا عن مختلف موضوعات علم النفس التربوي الذي يعتبره فرعا من‬
‫فروع علم النفس التطبيقي فيحصرها في العوامل والمتغيرات التي تساعد على فهم‬
‫السلوك وضبطه والتنبؤ به في إطار المواقف التعلمية والتي يحددها في الجوانب‬
‫التالية‪:‬‬

‫‪ -‬خصائص المتعلم وطبيعة الفروق الفردية‪.‬‬


‫‪ -‬مشكالت الطفل التطورية ذات العالقة بالسلوك المدرسي والتوافق‬
‫والدافعية‪.‬‬
‫‪ -‬استراتيجيات تخطيط وتنفيذ العملية التعليمية التعلمية‪.‬‬
‫‪ -‬استراتيجيات تصميم االختبارات وقياس السلوك‪.‬‬
‫غير أننا يمكن تلخيص موضوعاته وقضاياه في ما يلي‪:‬‬

‫‪ .1‬خصائص المتعلم النمائية‪ :‬وهي دراسة مراحل النمو اإلنساني في مظاهره‬


‫المختلفة (المظهر النفسي‪ -‬الحركي‪ ،‬الوجداني‪ ،‬وخاصة المعرفي) والعوامل المؤثرة‬
‫فيه قصد توظيف هذه الخصائص النمائية في عملية التعليم والتعلم لتطوير القدرات‬
‫الفردية (مع مراعاة الفروق الفردية)‪.‬‬

‫‪ .2‬عملية التعلم‪ :‬ويتناول جميع جوانب السلوك اإلنساني (السلوك اإلدراكي‪،‬‬


‫المعرفي‪ ،‬اإلجتماعي‪ ،‬النفسي‪ -‬الحركي‪ ،)...‬معرفة كيفية حدوث التعلم وقوانينه‬
‫وشروطه والعوامل المؤثرة فيه‪.‬‬

‫‪ .3‬دافعية التعلم‪ :‬وهي المحرك األساسي لحدوث عملية التعلم‪ ،‬أي معرفة‬
‫الظروف البيئية المناسبة والمساعدة على إحداث التغيرات االيجابية المرجوة في‬
‫سلوك أي متعلم‪.‬‬

‫‪ .4‬الفروق الفردية بين المتعلمين‪ :‬نظ ار الختالف العوامل المؤثرة في النمو‬


‫(العوامل البيئية (الطبيعية واالجتماعية) والوراثية)‪ ،‬فإن الفروقات الفردية تعد شيئا‬
‫طبيعيا‪ ،‬إذ نجد اختالفات جوهرية بين المتعلمين من حيث القدرات العقلية واالنفعالية‬
‫والنفسية‪ -‬الحركية وغيرها‪ .‬فعلم النفس يأخذ بعين االعتبار هذه الفروقات الفردية‬
‫المتعلمة وطريقة عرضها من طرف المعلم‪.‬‬
‫في تصميم المادة ُ‬
‫‪ .5‬قياس و تقويم عملية التعلم‪ :‬من أجل معرفة مدى تحقيق األهداف ونجاعة‬
‫الطريقة ومالءمة المادة للمتعلم‪ ،‬كان التقويم من أهم الموضوعات التي يهتم بها علم‬
‫النفس التربوي‪.‬‬
‫‪ .6‬بيئة التعلم‪ :‬فالظروف العامة التي يحدث فيها أي تعلم تعتبر كذلك أساسية‪:‬‬
‫فالمحيط الفيزيائي والبشري أي غرفة الدراسة والعالقات بين المتعلمين والمعلمين‬
‫واإلدارة المدرسية ومختلف عمليات االتصال من المواضيع التي يهتم بها هذا العلم‬
‫نظ ار لتأثيرها على التعلم‪ .‬هي مجاالت مختلفة يهتم بها علم النفس التربوي‪ ،‬هذه‬
‫في أربع مجاالت كما هو مبين في‬ ‫(‪)Seifert &Klevin‬‬ ‫المجاالت يحددها سيفرت وكليفن‬
‫الجدول الموالي(‪ )5‬رقم (‪.)6‬‬

‫مجاالت علم النفس التربوي و موضوعاته‬ ‫(‪)1‬‬ ‫الجدول رقم‬

‫الموضوعات‬ ‫المجال‬
‫– األخالقي ‪ -‬الجسدي‬ ‫‪ -‬المعرفي‬
‫‪-‬‬ ‫التطور و النمو ‪ -‬اللغوي االجتماعي ‪ -‬االنفعالي‬
‫‪...‬‬
‫‪ -‬التخطيط الصفي – إدارة الصف و‬
‫ضبطه‬
‫– نظريات التعلم‬ ‫التعليم و التعلم ‪ -‬تعليم التفكير‬
‫االجتماعية‪،‬‬ ‫المعرفية‪،‬‬ ‫(السلوكية‪،‬‬
‫التكاملية‪)...‬‬
‫‪ -‬دور الدافعية في التعلم و وظائفها‪،‬‬ ‫الدافعية للتعلم‬

‫‪32‬‬ ‫‪ - 5‬ينظر عدنان يوسف العتوم و وخرون‪ ،‬علم النفس التربوي‪ :‬النظرية و التطبيق‪ ،‬مصدر أعاله‪ ،‬ص‪.‬‬
‫(اإلنسانية‪،‬‬ ‫الدافعية‬ ‫نظريات‬ ‫‪-‬‬
‫اإلجتماعية‪ ،‬المعرفية‪ ،‬التحليلية‪)...‬‬
‫‪ -‬مختلف التقويمات(التقويم التشخيصي‪،‬‬
‫التقويم‬
‫البنائي‪ ،‬االنتقائي‪)...‬‬

‫‪ -2‬أهدافه‪:‬‬

‫مثل باقي العلوم يهدف علم النفس التربوي إلى الفهم ثم التنبؤ ثم ضبط السلوك‬
‫أو الظواهر التربوية (موقف تعليمي تعلمي)‪ .‬وفهم الظاهرة يعتمد أساسا على وصف‬
‫العالقة بين الظاهرة المراد دراستها والظواهر األخرى المؤثرة فيها اعتمادا على‬
‫المسلمة السببية أن لكل ظاهرة طبيعية أسباب‪ ،‬الفهم في جوهره هو تساؤالت في‬
‫البداية نحاول اإلجابة عنها "كيف؟"و"لماذا؟" يحدث السلوك‪ .‬والفهم يساعد على‬
‫التنبؤ أي توقع حدوث الظاهرة‪ :‬وهو احتمالي وليس حتميا وقوع الظاهرة اعتمادا‬
‫كذلك على مسلمة االضطراد إذ هناك استقرار نسبي في الظواهر الطبيعية‪ .‬والتنبؤ‬
‫هو كذلك محاولة اإلجابة على تساؤالت "ماذا يحدث؟" و"كيف يحدث؟" هذا الفهم‪،‬‬
‫وهذا التنبؤ يساعد على ضبط الظاهرة أو التحكم فيها‪ :‬فمعالجة أسباب الظاهرة‬
‫يجعلها تحدث أو ال تحدث‪ .‬أي القدرة على التحكم في بعض العوامل أو المتغيرات‬
‫المستقلة المعروفة (التي تعرفنا عليها) التي تسهم في إحداث الظاهرة (السلوك‪،‬‬
‫الكفاءة‪ ،‬مخرجات العملية التربوية‪ )...‬رغم أن الضبط في هذا المجال ليس من‬
‫السهل الوصول إليه بسبب تنوع وتغير وتفاعل األسباب أو المتغيرات التي تسهم‬
‫في إحداث الظاهرة العلمية التربوية‪.‬‬
‫في الواقع فالهدف األساسي هو تطوير وتطبيق أسس علم النفس العام من‬
‫أجل تطوير العملية التربوية واستغاللها واالستفادة منها‪ .‬فمن وراء نشاطه العلمي‬
‫يهدف إلى الوصول إلى المعرفة التي تمكنه من تفسير العالقة الموجودة بين‬
‫المتغيرات التي هي بمثابة السلوك في المواقف التربوية والعوامل المختلفة المؤدية‬
‫إلى حدوث هذا السلوك‪.‬‬

‫‪ -3‬فوائد علم النفس التربوي للمعلم‪:‬‬

‫حتى وان دار الجدل حول مهنة التدريس هل يمكن اعتبارها فن وموهبة تصقل‬
‫من خالل الخبرة أم هل يمكن اعتبارها مهارات يكتسبها المعلم من خالل الممارسة؟‬
‫بمعنى آخر هل يكفينا أن نكون حاملين لشهادة حتى نستطيع التدريس أم يجب أن‬
‫تكون لدينا استعدادات أولية قبل الولوج في المهنة؟ فان معرفة الفرد لمفاهيم علم‬
‫النفس التربوي ونظرياته ومبادئه المختلفة قبل ممارسة المهنة ضرورة لتحضير المعلم‬
‫واألستاذ لهذه المهمة وتبصيرهم بالمهنة إن اعتبرنا التدريس مهنة من المهن‪.‬‬

‫هذا العلم يعتبر من المواد األساسية والالزمة لتدريب المعلمين وكل من يشتغل‬
‫في ميدان التربية والتعليم لتأهيلهم ألنه يزودهم باألسس والمبادئ النفسية التي تتناول‬
‫طبيعة المتعلم من جهة والتعلم المدرسي من جهة أخرى وحتى المعلم ذاته‪ .‬هذا يأتي‬
‫من منطلق اإليمان الجازم بأن علم النفس التربوي يمكن اعتباره ضرورة ملحة وثقافة‬
‫تربوية تفيد فائدة كبيرة في النهوض بالتعليم والمجتمع بصورة عامة إذ يعين على‬
‫اكتشاف الفرد لنفسه والتعرف على القدرات والميوالت والكفاءات والدوافع والحاجات‬
‫واألغراض سواء عند المعلم والمتعلم ويميز بين السوي والشاذ مثال من أجل تحسين‬
‫عملية التعليم والتدريس‪ ،‬وتبيان كيف يتعلم الفرد وتحديد مساره وسلوكه بل وحياة‬
‫المجتمع برمته‪.‬‬

‫إن غياب علم النفس التربوي من ساحة تكوين المعلم سيؤدي بهذا األخير إلى‬
‫اللجوء أثناء أدائه لمهامه إلى االستعانة بالطرق التقليدية التي تعلم بها وسوف لن‬
‫يعامل التلميذ الذي هو أمامه إال مثل التلميذ الذي هو "بداخله"‪ ،‬أي سيتبع الطريقة‬
‫التي عومل بها أثناء تعلمه‪ ،‬واستمرار الطريقة ال يعني بالضرورة صحتها‪ .‬أو أن‬
‫يلجأ إلى المحاولة والخطأ في آداء مهنته وهو عمل عشوائي‪ .‬وما نود اإلشارة إليه‬
‫هو أن هذا العلم ليس طريقة سحرية تأتينا بكل الحلول للمشكالت التربوية التي‬
‫تصادفنا‪ .‬فعلم النفس التربوي حتى وان جاءنا بمعلومات حول المبادئ العامة للنمو‬
‫وأعطانا طرق التدريس الناجعة واقترح علينا الحلول لذوي القدرات الخاصة‪ ،‬فإن‬
‫على صاحب المهنة فهم واجباته المهنية ومتطلباتها وأن يعمل على تطوير ذاته‬
‫التوافق المهني‪ .‬ورغم كل شيء فأهميته‬ ‫وتزويدها بكل الوسائل التي تمكنه من‬
‫يمكن تلخيصها في بعض النقاط منها‪:‬‬

‫‪ -‬استبعاد المفاهيم الخاطئة حول التعلم والتعليم والنمو والذكاء‪ ...‬أي تزويد‬
‫المعلم باألخبار والمعلومات والمعارف واألسس التربوية حول سلوك المتعلم‬
‫وخصائصه في األوضاع التعليمية المختلفة‪.‬‬

‫‪ -‬إكساب المعلم المبادئ والمفاهيم والنظريات النفسية المختلفة في مجاالت التعلم‬


‫والنمو والدافعية مثال لفهم عمليات التعلم والتعليم والتقييم واالستعانة بها في آداء‬
‫مهامه المختلفة وابعاد العشوائية في العمل‪.‬‬
‫‪ -‬مساعدة المعلم على التعرف على مدخالت ومخرجات التعلم أي معرفة القواعد‬
‫العامة للتعليم‪ :‬الخصائص العامة للمتعلم (القدرات العامة للمتعلمين قبل بداية التعلم)‬
‫والكفاءات الواجب إكسابها للمتعلم مثال في نهاية التعلم وحل المشكالت‪.‬‬

‫‪ -‬مساعدة المعلم وتدريبه على التفسير العلمي لمختلف أنماط السلوك الصادرة‬
‫عن المتعلم (مختلف السلوكات داخل الصف الدراسي وحتى خارجه)‪ ،‬وبالتالي الفهم‬
‫الحسن للعملية التربوية والتعليمية‪.‬‬

‫‪ -‬التنبؤ بالسلوك وتحديد مساره وضبطه وذلك بإلمام المعلم بالعوامل المرتبطة‬
‫بالنجاح أو الفشل (كطرق التعليم ووسائله‪ ،‬الدافعية والجو االنفعالي المصاحب‬
‫للتعلم‪ ،‬الظروف البيئية واالجتماعية والوراثية)‪.‬‬

‫هي كفاءات يطورها المعلم من خالل اطالعه على المبادئ العامة لعلم النفس‬
‫التربوي ومن خالل الممارسة الميدانية التي سوف ال محالة تزيد من مهارات التدريس‬
‫التي على كل معلم تطويرها‪.‬‬

‫‪ - 4‬مناهج البحث في علم النفس التربوي‪:‬‬

‫كغيره من العلوم اإلنسانية يطبق علم النفس التربوي مناهج علمية في بحث‬
‫الظواهر التربوية‪ ،‬ونظ ار لتعدد وتعقد الظاهرة اإلنسانية فإن هذا العلم يطبق مناهج‬
‫بحث مختلفة وفق الظاهرة المدروسة ومناسبة لمتغيرات الدراسة المقترحة وذلك‬
‫بالطبع وفق شروط محددة‪ .‬ويجب اإلشارة هنا أن الظاهرة اإلنسانية مختلفة عن‬
‫الظاهرة الطبيعية كون‪:‬‬

‫‪ -‬الظاهرة الطبيعية ثابتة نسبيا على خالف الظاهرة اإلنسانية األكثر تغييرا‪.‬‬
‫‪ -‬تعقد الظاهرة اإلنسانية كونها تتأثر بعوامل مختلفة على خالف الظاهرة‬
‫الطبيعية المتميزة بالبساطة النسبية‪.‬‬

‫‪ -‬إمكانية التجريب واعادة التجريب في الظاهرة الطبيعية غير أن الظاهرة‬


‫اإلنسانية وحيدة‪.‬‬

‫لقد تعددت أسماء المناهج المستعملة كقولنا المنهج التاريخي‪ ،‬الوصفي‪،‬‬


‫التجريبي‪ ،‬اإلكلينيكي‪ ،‬وأيا كان المنهج فإنه يتبع خطوات البحث العلمي من تحديد‬
‫المشكلة‪ ،‬ووضع الفرضيات‪ ،‬وتنفيذ التصميم التجريبي‪ ،‬والتأكد من النتائج‬
‫وصياغة القوانين‪ .‬ومهما اختلفت التسميات فإنه يمكن تصنيف هذه المناهج إلى‪:‬‬
‫المناهج الوصفية‪ ،‬المناهج التجريبية‪ ،‬المناهج اإلكلينيكية‪.‬‬

‫أ‪ -‬المناهج الوصفية‪:‬‬

‫من أقدم المناهج وتتناول دراسة التاريخ التطوري لبعض ظواهر النمو‬
‫(‪)6191-6477 Terman, Lewis Madison‬‬ ‫وتيرمان‬ ‫كدراسات داروين (‬
‫‪)6449-6491( )C. Darwin‬‬

‫(‪ ،)6116-6449() Gesell, Arnold Lucius‬وغيرهم‪ .‬وتسعى هذه الدراسات‬ ‫(‪)Gesell‬‬ ‫وﭭيزل‬
‫الوصفية إلى تتبع الظاهرة اإلنمائية والسلوكية كاللغة والنمو الفسيولوجي واإلجتماعي‬
‫والتغيرات التي تط أر على المتعلم في مراحل نموه‪ .‬والدراسات الوصفية التطورية تأخذ‬
‫شكلين‪:‬‬

‫‪ -‬الدراسات الطويلة (الطولية)‪ :‬يتتبع فيه الباحث الظاهرة لمدة طالت‬


‫(بضع سنوات) أم قصرت (بضعة أشهر)‪ .‬هي طريقة تتطلب الجهد والوقت الكبيرين‪.‬‬
‫‪ -‬الدراسات المستعرضة‪ :‬على خالف األولى هذه الطريقة توفر الجهد‬
‫والوقت فمثال عند دراسة نمو اللغة عند الطفل فعوضا عن تتبع الظاهرة لفترة عمرية‬
‫معينة فتقسم الفترة الزمنية المراد تتبع الظاهرة عبرها إلى فترات عمرية ثم تأخذ عينات‬
‫كبيرة منها تغطي هذه الفترة العمرية الفرعية‪.‬‬

‫ب‪ -‬المناهج التجريبية‪:‬‬

‫من المناهج األكثر دقة وموضوعية ألنه يعتمد على ضبط والتحكم في المتغيرات‬
‫المراد دراستها‪ .‬والتجريب هنا ليس مثل التجريب في العلوم األخرى‪ ،‬إذ يدرس الباحث‬
‫ويحدث في بعضها تغيي ار مقصودا ليتوصل إلى‬
‫المتغيرات التي اختارها من الظاهرة ُ‬
‫العالقات السببية بين المتغيرات‪ .‬والتجربة تتكون من‪:‬‬

‫‪ -6‬المتغيرات ومن المتغيرات لدينا‪:‬‬

‫‪ -‬المتغيرات المستقلة (الحرة) وهي المتغيرات أو العوامل التي يتحكم‬


‫فيها الباحث ليرى أثرها على المتغيرات األخرى‪.‬‬

‫‪ -‬المتغيرات التابعة (المقيدة) وهو السلوك أو المتغيرات التي ال يتحكم‬


‫فيها الباحث والتي يتوقع أن تتأثر بالتغيرات الحاصلة على العوامل المستقلة‬
‫فيالحظها ويقيسها‪.‬‬

‫‪ -‬المتغيرات الدخيلة وهي المتغيرات المتعلقة بأفراد العينة أو بالشروط‬


‫العامة والمحتمل تأثيرها على الظاهرة المدروسة (نتائج الدراسة)‪ .‬فعلى سبيل المثال‬
‫إذا أراد األستاذ معرفة تأثير طريقة تدريس ما على تحصيل التالميذ فطريقة التدريس‬
‫المتغير التابع‪ ،‬والظروف العامة‬ ‫تعتبر المتغير المستقل‪ ،‬والتحصيل الدراسي‬
‫(ح اررة الجو‪ ،‬ظروف العمل وذكاء المتعلمين‪ )...‬المتغيرات الدخيلة‪.‬‬

‫‪ -9‬المجموعات‪ ،‬هي العينة‪ ،‬وهي مجموعتين على األقل إلجراء أي دراسة‪،‬‬


‫تسمى إحداهما المجموعة الضابطة واألخرى التجريبية‪ ،‬يشترط في هذه المجموعات‬
‫التكافؤ في العديد من المتغيرات‪ :‬المستوى الدراسي مثال الجنس الذكاء‪ ...‬إال أن‬
‫المجموعة التجريبية تخضع للعامل المستقل‪ .‬وحتى تصبح الظاهرة التربوية قابلة‬
‫للدراسة يجب أن تتوفر فيها شروط منها‪:‬‬

‫* القدرة على التحكم في العوامل المستقلة‪.‬‬

‫* القدرة على قياس العامل أو العوامل التابعة‪.‬‬

‫* القدرة على ضبط العوامل الدخيلة‪.‬‬

‫* تمثيل العينة لمجتمع الدراسة‪.‬‬

‫ج‪ -‬المناهج اإلكلينيكية‪===============:‬‬

‫في األصل هذا المنهج مرتبط بدراسة الظواهر غير العادية (المرضية)كما تدل‬
‫عليه كلمة كلينيك (‪ )clinique‬علما أن طرق دراسة الحاالت قد تختلف من حالة ألخرى‪.‬‬
‫غير أنها تشترك في بعض النقاط منها‪:‬‬

‫* جمع المعلومات عن الحالة وذلك بمختلف الطرق بالفحص الطبي‪،‬‬


‫واألسئلة‪ ،‬واالختبارات السيكولوجية (اختبارات الذكاء‪ ،‬والشخصية‪.)،‬‬
‫* التشخيص أي تحديد مواطن القوة والضعف وذلك باالعتماد على‬
‫المعلومات التي جمعت بعد دراستها وتحليلها بمختلف الطرق‪.‬‬

‫* وضع العالج المناسب وهذا بعد وضع الفروض التي يعتقد الباحث أنها‬
‫مناسبة لعالج المشكلة المدروسة‪.‬‬

‫وما نود اإلشارة إليه هنا أن المنهج ُيختار حسب نوعية الظاهرة المدروسة‬
‫وطبيعتها‪ .‬فالظواهر العادية تدرس بمناهج بحث وصفية إذا كانت تعبر عن متغير‬
‫واحد مثل جوانب النمو المختلفة كاللغوية والجسمية والعقلية واإلجتماعية أو الظواهر‬
‫المنفردة كخصائص المتعلم الموهوب مثال والتعلم الفعال‪ ،‬أما إذا تعلق األمر‬
‫‪6‬‬
‫بالظواهر الخاصة كالقلق والضعف العقلي فإنها تدرس بالطرق اإلكلينيكية مثال‪.‬‬
‫أو دراسة الحالة (التي هي منهج وصفي) التي قد تكون فردا أو مجموعة من األفراد‬
‫أو قسما دراسيا أو حتى مدرسة‪ .‬ويبقى علم النفس التربوي يستعين بالعلوم األخرى‬
‫كالرياضيات و اإلحصاء وطرقها للكشف عن الموضوعات التي يتناولها‪.‬‬

‫‪ -5‬عالقته بفروع علم النفس األخرى‪:‬‬

‫إذا كان علم النفس بصورة عامة يهتم بدراسة السلوك اإلنساني في جميع‬
‫مجاالت الحياة (التعلم‪ ،‬اإلدراك‪ ،‬الذكاء‪ ،‬النمو في مظاهره المختلفة‪ ،)...‬فإن علم‬
‫النفس التربوي يهتم بسلوك اإلنسان في المواقف التربوية فقط‪ ،‬ويمكن اعتباره أحد‬
‫الفروع التطبيقية لعلم النفس العام‪ .‬إنه يستفيد كذلك من البحوث والنظريات المتوافرة‬
‫في الفروع األخرى لعلم النفس كعلم النفس اإلجتماعي‪ ،‬علم نفس النمو‪ ،‬علم النفس‬

‫‪ - 6‬صالح محمد علي أبو جادو‪ ،‬علم النفس التربوي‪ ،‬مصدر أعاله ص‪31 .‬‬
‫الفسيولوجي‪ ،‬وعلم النفس اإلكلينيكي والفارقي‪ ...‬وكما هو معلوم فالمعرفة متداخلة‬
‫ومتراكمة في جميع المجاالت وتكمل بعضها بعضا‪.‬‬

‫فروع علم النفس هي األخرى تستفيد من المبادئ والمفاهيم التي تتوصل إليها‬
‫بحوث علم النفس التربوي خاصة في مجاالت التعلم والدافعية وحل المشكالت‪.‬‬

‫عالقة علم النفس التربوي بفروع علم النفس والعلوم التربوية كما يراها غودوين‬
‫وكالسمير (‪ )Gooduin &Klausmeir‬تشكل » منظومة تربوية متكاملة من العالقات المنظمة‬
‫والتفاعالت الدينامية التي تساعد الدارس أو المعلم على التعامل مع عملية التعلم‬
‫‪7‬‬
‫والتعليم بفعالية عالية‪».‬‬

‫أما مكونات هذه المنظومة فهي األهداف التربوية‪ ،‬المدخالت التربوية‪ ،‬عملية‬
‫التعلم (التجهيز التربوي)‪ ،‬المخرجات التربوية‪ ،‬التقويم التربوي‪.‬‬

‫‪ -‬األهداف التربوية فتمثل ما يسعى إلى تحقيقه المعلم في نهاية الوحدة أو المرحلة‬
‫التعلمية‪.‬‬

‫‪ -‬المدخالت التربوية هي حالة المتعلم قبل بدء عملية التعلم أي المكتسبات‬


‫والكفاءات القبلية والدافعية والقدرات العقلية‪.‬‬

‫‪ -‬المخرجات التربوية هي النتائج المترتبة عن التعلم أي التغيرات التي طرأت على‬


‫سلوك المتعلم أي الكفاءات التي اكتسبها نتيجة التعلم‪.‬‬

‫‪ -‬التقويم التربوي هو الحكم على مدى تحقيق األهداف ونجاح عملية التعلم‬
‫‪8‬‬
‫وتجهيزاتها المختلفة‪.‬‬

‫ص‪33 .‬‬ ‫‪ - 7‬عدنان يوسف العتوم ووخرون‪ ،‬علم النفس التربوي‪ :‬النظرية والتطبيق‪ ، ،‬مصدر أعاله‪،‬‬
‫‪ -8‬المصدر نفسه‪ ،‬ص‪32 .‬‬
‫‪ -‬عملية التعلم (التجهيز التربوي) وهي اإلجراءات المتبعة من أجل تحقيق أهداف‬
‫عملية التعلم كالوسائل التعليمية وطرق التدريس وظروف العمل‪.‬‬

‫من أبرز الفروع التي يرتبط بها علم النفس التربوي نجد على سبيل المثال ال الحصر‪:‬‬

‫أ‪ -‬علم نفس النمو (التطوري)‪ :‬هذا العلم الذي يركز اهتمامه حول مسائل‬
‫أساسية في النمو والتي يمكن تصنيفها إلى ثالثة‪:‬‬

‫‪ ‬االهتمام بسلسلة التغيرات التي يمر بها الفرد أثناء دورة الحياة‬
‫(الطفولة وما قبل الوالدة‪ ،‬المراهقة‪ ،‬الرشد والشيخوخة)‪.‬‬

‫‪ ‬دراسة الفروقات الفردية في بعض الخصائص النمائية‪.‬‬

‫‪ ‬دراسة الفروقات الفردية في الثقافات والمجتمعات المختلفة أساسي‬


‫في ميدان علم النفس التربوي‪ .‬وبحوث هذا الفرع أسهمت كثي ار في تطوير وافادة علم‬
‫النفس التربوي في ميدان التربية والتعليم والتعرف على الظروف البيئية والتنشئة‬
‫العقلية وسمات الشخصية‪.‬‬ ‫االجتماعية مثال المؤثرة على القدرات‬

‫ب‪ -‬علم النفس اإلجتماعي‪ :‬المعلم ال يتعامل ويتفاعل مع أفراد فرادى داخل‬
‫مع جماعات (قسم دراسي)‪ ،‬لذا فهو بحاجة لفهم أكثر‬ ‫القسم لكن‬
‫لديناميات الجماعة وأثرها في سلوك أعضائها واتجاهاتهم وفهم مبادئ السلوك‬
‫الجماعي حتى يصبح أكثر قدرة على التعامل مع العوامل التي تؤثر في المواقف‬
‫الجماعية المسهلة للتعلم أو المعيقة له‪ ،‬حتى يستفيد منها في عمله‪ .‬المتعلم أو‬
‫المعلم ينتمي إلى أسرة ومجتمع وثقافة بكل ما تحمله من قيم ومبادئ‪ ،‬فمن أجل ذلك‬
‫فإن كل ما يقدمه علم النفس االجتماعي من نتائج ستزيد من فهمنا ألنفسنا ولمتعلمينا‪.‬‬
‫هذا العلم دفعنا إلى إعادة النظر في تصورنا للوضعيات التربوية وطرائق‬
‫التحليل والسيرورة التعليمية‪ .‬وهكذا أصبح من الالزم على المعلم أن يعرف آليات‬
‫اشتغال الجماعة تكوينها وتطورها البنيوي وسيرورة أعضائها ومآلهم و قيادتها‪ .‬إن‬
‫السلوك بحسب علم النفس االجتماعي هو نتاج العالقات الديناميكية الصادرة عن‬
‫تفاعل الفرد مع المحيط (إمكانيات البيئة المادية واالجتماعية والثقافية والمعنوية)‪.‬‬
‫كما أن هذا العلم يسمح بمعرفة مستويات وعتبات التفاعل واالندماج مثال‪ :‬كيف‬
‫تؤثر الجماعة في الفرد وكيف يؤثر الفرد في الجماعة‪ ،‬وكيف تصطبغ المواقف‬
‫بالجماعية وكيف يتقبل الفرد أنظمة الضبط اإلجتماعي أو يرفضها‪.‬‬ ‫الفردية‬
‫ولقد وظفت التربية المدرسية بصفة خاصة هذه المعطيات السيكو‪ -‬اجتماعية قصد‬
‫إشباع حاجات التلميذ من العالقات االجتماعية‪ .‬وهذا اإلشباع يتحقق بواسطة التعلم‪.‬‬
‫لقد بين علم النفس االجتماعي للمربي والباحث أن جماعة المتعلمين مهما كان‬
‫حجمها‪ ،‬كبيرة أم صغيرة‪ ،‬هي مجال لعالقات معقدة وتفاعلية وأنه ال ينبغي اعتبارها‬
‫مجرد تجميع لألفراد‪ ،‬فالصف الدراسي هو مجتمع مصغر على المعلم اإللمام‬
‫بخصوصيات الجماعة ودينامياتها مثال‪.‬‬

‫ج‪ -‬علم القياس النفسي‪ :‬القياس هو العملية التي يتم بها تقدير شيء ما تقدي ار‬
‫وحدة قياس معينة أو نسبة إلى أساس معين‪ .‬أو هو العملية‬ ‫كميا في ضوء‬
‫التي تحدد بوساطتها كمية ما يوجد في الشيء من الخاصية أو السمة التي نقيسها‪.‬‬
‫أي تقدير األشياء والمستويات تقدي ار كميا وفق إطار معين من المقاييس المدرجة‪،‬‬
‫اعتمادا على أن كل شيء موجود بمقدار وكل مقدار يمكن قياسه‪ .‬والقياس النفسي‬
‫منذ نشأة حركة قياس الذكاء والتأخر العقلي‬ ‫‪Alfred Binet‬‬ ‫منذ بداياته وقياس الذكاء مع‬
‫وسمات الشخصية زاد من أهمية القياس والتقويم التربوي لتحقيق الدقة والموضوعية‪.‬‬
‫فبفضل البحوث أصبح باإلمكان قياس بعض الجوانب التي كانت تبدو مستعصية‬
‫وجوانب بعض السلوك المعرفي اإلنفعالي أو‬ ‫عن القياس كاالتجاهات‪،‬‬
‫اإلجتماعي‪.‬‬

‫تستعمل فيه الروائز بمختلف أنواعها‬ ‫(‪)La psychométrie‬‬ ‫القياس السيكومتري‬


‫(روائز المعرفة‪ ،‬روائز القدرات العقلية‪ ،‬روائز الشخصية)‪ .‬والرائز هو أداة قياس‬
‫دقيقة لسلوكات وتصرفات معينة‪ ،‬كما أنه أداة إجرائية تمكن من تكميم تلك السلوكات‬
‫ومقارنتها بسلوكات وتصرفات أفراد آخرين يوجدون في الوضعية نفسها‪.‬‬

‫من أول توظيف لهذه التقنية مع جان‬ ‫(‪)la sociométrie‬‬ ‫القياس السوسيوميتري‬
‫( ‪Les‬‬ ‫في كتابه الموسوم بـ " أسس القياس االجتماعي"‬ ‫(‪)Moreno J. L.‬‬ ‫لويس مورينو‬
‫‪ .)fondements de la sociométrie‬أصبح هذا القياس وسيلة لتحديد درجة قبول الفرد في‬
‫جماعته والكشف عن العالقات القائمة بينه وبين باقي األفراد‪ .‬ويمكن استخدام هذه‬
‫أجل كشف واستجالء والتعرف على العالقات‬ ‫التقنية داخل الفصل الدراسي من‬
‫الخفية بين التالميذ ولم ال بين األساتذة كأن نوجه سؤاال مثال من ترغب العمل‬
‫معه؟ أو من هو الشخص أو التلميذ الذي ال ترغب العمل معه؟ أو من هو التلميذ‬
‫الذي تظن أنه سيعمل معك؟ بهذه التقنية وغيرها يعرف المدرس المفضلين أو الزعماء‬
‫(القادة) والمنعزلين والمرفوضين ثم يحاول مساعدة التلميذ المهمش على االندماج‬
‫والمنعزل على حل أسباب عزلته‪.‬‬

‫تفيد مثال الروائز (المعرفية) في بلورة عملية التعلم حيث توظف فرديا أو‬
‫جماعيا لقياس معارف واختبارات التحصيل المدرسي‪ .‬إنها تقنية ناجعة يستعملها‬
‫المعلم واألستاذ لمراقبة التطور البيداغوجي لدى التالميذ‪ .‬وهناك أيضا روائز القدرات‬
‫ستانفورد بينيه ‪ ،6167‬سلم‬ ‫‪6166‬‬ ‫العقلية وأهمها رائز الذكاء ( سلم بنيه– سيمون‬
‫وكسلر‪ ،‬بلفي‪....‬الخ) ويعبر عن نتائجه إما بالعمر العقلي أو بمعامل الذكاء‪ ،‬فالمعلم‬
‫مطالب بمراعاة ما تقدمه الدراسات السيكولوجية حول نمو الطفل والمراهق وعالقة‬
‫لقلنا أن كل مرحلة يناسبها‬ ‫(‪)J. Piaget‬‬ ‫ذلك بالذكاء‪ .‬ولو اعتمدنا على أبحاث بياجيه‬
‫ذكاء‪ .‬وأخي ار هناك روائز الشخصية‪ ،‬وهي عبارة عن مقاييس نفسية لدوافع الشخص‬
‫واتجاهاته وانفعاالته وعالقاته باآلخرين‪ .‬وهي أداة فاعلة في بلورة العمل التربوي‪.‬‬

‫د‪ -‬علم النفس الفيزيولوجي‪ :‬إذا كان علم النفس الفيزيولوجي يدرس العالقات‬
‫الموجودة بين الميكانيزمات النفسية ووظائف الجهاز العصبي وخاصة تلك التي تؤثر‬
‫في السلوك اإلنساني ومختلف اإلحساسات‪ ،‬فهذا يعني أن المعرفة الفسيولوجية‬
‫تفيدنا في عملية التعليم وفي فهم السلوك العادي الذي نمارسه في حياتنا العادية بناء‬
‫على أسسها البيولوجية والعصبية‪ .‬علم النفس الفسيولوجي يساعدنا في بناء البرامج‬
‫الدراسية والتخطيط لها وتطبيقها‪ ،‬فدروس القراءة والكتابة مثال تكون مبنية على أسس‬
‫علمية إذا ما اعتمدنا على نتائج البحوث في ميدان علم النفس الفسيولوجي‪.‬‬

‫علم النفس التربوي هو على العموم أحد فروع علم النفس العام كما أشرنا لذلك‬
‫ويبقى أحد فروعه التطبيقية ويعتمد على باقي الفروع األخرى كعلم النفس التجريبي‬
‫وعلم النفس العيادي والتحليل النفسي ويستفيد من البحوث المختلفة في ميادين العلوم‬
‫اإلجتماعية المختلفة‪.‬‬

‫التحليل النفسي وظفت معطياته في تفسير تصرف الشركاء في العملية‬


‫التعليمية‪ ،‬فأصبح المدرس قاد ار على معرفة تاريخ الطفل ومكبوتات الالشعور‪،‬‬
‫واستمدت التعليمية من التحليل النفسي توجيهات كثيرة تخص المدرس الذي يطلب‬
‫ويفصح عنها حتى ال يمارس اإلسقاط‪.‬‬ ‫منه أن يقف على أنواع صراعاته الداخلية‬
‫كما ينبه التحليل النفسي إلى الطفل الذي يحمل معه إلى القسم الشيء الكثير من‬
‫عالقاته األسرية‪ .‬أو صراعه مع الوسط (األسري في البداية ليمتد إلى المدرسة)‬
‫بمختلف مكوناته معترفا بأهمية المعطيات السيكولوجية وبانعكاسات الالشعور‬
‫والكبت واإلحباط واإلسقاط والتحويل والتقمص والتقليد على التحصيل المدرسي‬
‫والتعلم والعملية التعليمية بصورة عامة‪.‬‬

‫ويفيد التحليل النفسي بتأكيده على تدخل العوامل الذاتية واالجتماعية التي‬
‫تنتمي إلى "مجال الالشعور –بالمفهوم الفرو يدي‪ -‬ألن التعلم ال يقتصر فقط على‬
‫كما يؤكده فرويد واألبحاث فيما‬ ‫(‪)la libido‬‬ ‫القدرات العقلية‪ ،‬بل إن الوظيفة الليبيدية‬
‫بعده‪ ،‬تتدخل في الوظيفة العقلية‪ ،‬فطلب المعرفة ال ينفصل عن مبدأ "اللذة" و"اللعب"‬
‫والذي قد يكون في جوهره إعالء‪ ،‬وعموما يمكن تلخيص إسهامات التحليل النفسي‬
‫التربوية في بعض النقاط منها‪:‬‬

‫‪ -‬تحليل العالقات التربوية بين األطراف المعينة‪.‬‬

‫‪ -‬التعرف على دور الالشعور في تحديد السلوك من وسط آلخر (أسرة‪ ،‬مدرسة‬
‫مثال)‪.‬‬

‫‪ -‬الكشف عن األسباب النفسية للتعثر الدراسي لدعم المتعثر نفسيا وليس معرفيا‬
‫فقط‪.‬‬

‫‪ -‬تزويد األستاذ بالمعارف الضرورية لفهم وتحليل سلوك المتعلم‪.‬‬


‫المحور الثاني‪ :‬سيكولوجية التعلم‬

‫معنى التعلم‪ /‬مراحل التعلم وأنواعه‬ ‫‪-6‬‬


‫الشروط العامة للتعلم اإلنساني والعوامل المؤثرة فيه‬ ‫‪-9‬‬
‫نتائج التعلم ومخرجاته‬ ‫‪-1‬‬
‫نظريات التعلم‬ ‫‪-8‬‬
‫* النظريات السلوكية‪ /‬نظرية اإلشراط الكالسيكي‪ ،‬المحاولة والخطأ‪،‬‬
‫اإلشراط اإلجرائي‪...‬‬

‫* النظريات المعرفية‪ /‬نظرية الجشطالت‪ ،‬نظرية المجال‪ ،‬التعلم‬

‫التطبيقات التربوية لنظريات التعلم‪.‬‬ ‫‪-9‬‬

‫التعلم من المفاهيم الرئيسية في علم النفس إذ ظل يحظى باهتمام العلماء‬


‫والمفكرين ورجال التربية في كل زمان ومكان ومن المواضيع التي تشغل بالنا جميعا‪.‬‬
‫فمنذ عهد الفالسفة اإلغريق بل ومنذ نزول األديان السماوية األولى حتى إلى اإلسالم‬
‫والى عهدنا الراهن الحافل بشتى صنوف العلم والمعرفة وتطبيقاتها التقنية والعملية‬
‫ومفهوم التعلم يشكل إحدى القضايا المحورية في حياة اإلنسان‪.‬‬

‫لم يختلف علماء النفس وقبلهم الفالسفة في إبراز أهمية التعلم لكن في تفسير قضاياه‪.‬‬
‫األس َماء ُكلّها‪‬‬ ‫َّ‬
‫آدم ْ‬‫سان َما ْلم َي ْع ْلم ‪( ‬العلق‪َ  )9 :‬و َعل َم َ‬
‫اإلن َ‬
‫من التعلم اإللهي ‪َ ‬علّ َم ْ‬
‫(البقرة‪ )16:‬إلى دور الخبرة التي تخط في اإلنسان ما يعيش ألنه يولد كورقة بيضاء‬
‫أو إلى تفسيره عن طريق ارتباطات بين‬ ‫(‪)John Locke‬‬ ‫(‪)6798-6119‬‬ ‫(جون لوك‬
‫(‪-6474( )John , Broadus WATSON‬‬ ‫المنبهات واالستجابات (السلوكيون أمثال واطسون‬
‫وغيرهم‪ .‬لقد قدموا تصورات كثيرة ومختلفة لهذه العملية‪ ،‬وتبقى قضايا التعلم‬ ‫‪))6194‬‬

‫تستحق اهتمام عالم النفس والمعلم وكل من يبحث في مشكالت التعليم كون أن أي‬
‫سلوك إرادي (نفسي‪ -‬حركي‪ ،‬وجداني‪ ،‬أو حتى معرفي) يصدر عن اإلنسان ال‬
‫يكون مصدره إال التعلم‪ .‬والتعلم لم يكن مهما عند اإلنسان فقط بل حتى عند‬
‫الحيوان‪.‬‬

‫كمعلمين ومعلمات‪ ،‬فمن أدوارنا األساسية علينا أن نحاول جاهدين على‬


‫تسهيل عملية التعلم‪ ،‬ولذلك ال بد لنا أن نعرف كيف يتعلم الطالب وما هي الطرق‬
‫التي تعينه على الفهم واإلدراك والتفكير والتذكر‪ ،‬ولماذا تعلم هذا السلوك و ليس‬
‫ذاك؟‬

‫نظ ار لتعقد الظاهرة فهناك نظريات ومدارس كثيرة اهتمت بتفسير عملية التعلم‬
‫ومن خاللها ظهرت قوانين التعلم والتي حاولت أن تنشئ عالقات بين عناصر‬
‫الموقف التعليمي عن طريق التعلم باالستبصار واإلدراك الحسي مثال ومازالت‬
‫وجهات نظر ونظريات تنسج متحدية ومتجاوزة األفكار التي سادت وسيطرت على‬
‫الممارسات التربوية‪.‬‬

‫‪ - 1‬معنى التعلم‪ /‬مراحل التعلم و أنواعه‪:‬‬

‫أ‪ -‬معنى التعلم‪:‬‬


‫التعلم عند الكثير من الناس هو تلك العملية التي تؤدى إلى تغير في أداء الفرد‬
‫وتعديل في سلوكه عن طريق التمرين والخبرة‪ ،‬أي أنه اكتساب معرفة ومهارات‬
‫وكفاءات‪ .‬كما يمكن أن يعرف بأنه تلك العملية المسؤولة عن النمو المطور للفرد‪،‬‬
‫وتحسينه المستمر بحيث يمكنه التكيف مع بيئته‪ .‬والتعلم شخصي إذ ال يمكنننا أن‬
‫نتعلم مكان فرد آخر حتى وان كنا في غالب األحيان بحاجة إلى معونة "معلم"‬
‫وارشاداته إلثارة دافعيتنا وقوانا العقلية ونشاطاتنا الذاتية‪ » .‬يقال عن إنسان أنه "تعلم"‬
‫حين يتمكن من القيام بعمل لم يكن يستطيع القيام به من قبل‪ ،‬ويتأكد التعلم من‬
‫خالل السلوك والتغيرات الحاصلة في هذا السلوك‪)9( ».‬‬

‫اقترحت العديد من التعريفات لمفهوم التعلم نظ ار لتعدد النظريات المفسرة له‪ ،‬إذ‬
‫وآخرون »كتغير في السلوك عن طريق‬ ‫ََ ََ‪)Arthur GATES & autres‬‬ ‫اعتبره ارثور جيتس (‬
‫الخبرة والمران‪ ،‬له صفة االستمرار وصفة بذل الجهد المتكرر حتى يصل الفرد إلى‬
‫‪10‬‬
‫(‪)Guilford, Joy Paul‬‬ ‫أو كتعريف جيلفورد‬ ‫استجابة ترضي دوافعه وتحقق غاياته‪».‬‬
‫(‪ )6147-6417‬الذي يرى التعلم كأي تغير في السلوك الذي يحدث نتيجة استثارة‪ .‬أو‬
‫حيث عرفه بأنه تغير دائم نسبيا في إمكانيات السلوك نتيجة‬ ‫(‪)Kimble‬‬ ‫كتعريف كيمبل‬
‫للخبرة المعززة‪.‬‬

‫واذا كان المعرفيون يؤكدون على دور العمليات المعرفية (التذكر‪ ،‬التخيل‪،‬‬
‫التفكير) في التعلم واعتباره نشاطا عقليا داخليا ال يمكن مالحظته مباشرة ولكن‬
‫التعرف عليه من خالل نتائجه أي األداء‪ ،‬فإن السلوكيون عكسهم يركزون إهتمامهم‬

‫(سبتمبر)‪ ،8913‬ص‪811.‬‬ ‫‪ - 9‬فاخر عاقل‪ ،‬علم النفس التربوي‪ ،‬بيروت‪ ،‬دار العلم للماليين‪ ،‬ط‪ .9.‬أيلول‬
‫‪ -10‬سفففامي محمد ملحم‪ ،‬سييييوولو ية الت لم والت ليم‪ :‬األسيييس النظرية والتطبي ية‪ ،‬عمان‪ ،‬دار المسفففيرة للنشفففر والتوزيع‬
‫والطباعة‪ ،‬ط‪ .3002 ،3.‬ص‪ 11 .‬ربوي‪ ،‬بيروت‪ ،‬دار العلم للماليين‪ ،‬ط‪ .9.‬أيلول (سبتمبر)‪ ،8913‬ص‪811.‬‬
‫‪ -10‬سفففامي محمد ملحم‪ ،‬سييييوولو ية الت لم والت ليم‪ :‬األسيييس النظرية والتطبي ية‪ ،‬عمان‪ ،‬دار المسفففيرة للنشفففر والتوزيع‬
‫والطباعة‪ ،‬ط‪ .3002 ،3.‬ص‪11 .‬‬
‫على المؤثرات الخارجية التي تشكل سلوك الفرد وتبرمجه‪ .‬هما اتجاهين أساسين‬
‫انبثقت عنهما طرق في التدريس والتعلم والتعليم وتطبيقات تربوية استخدمت في‬
‫أقسام الدراسة‪.‬‬

‫رغم تعدد التعريفات فيبقى التعلم أي تغير ثابت نسبيا في سلوك الفرد نتيجة‬
‫الخبرة‪ ،‬له خصائص مميزة منها أنه عملية قبل أن نرى آثارها على سلوك الفرد أي‬
‫في أدائه (في اللغة مثال والحركات وحتى طريقة اإلنفعاالت) فهي تنطوي على عدد‬
‫من العمليات‪ ،‬فإننا نستقبل‪ ،‬أي نحس‪ ،‬ثم نوصل هذه اإلحساسات إلى األعضاء‬
‫المعنية‪ ،‬ثم ندرك‪ ،‬وننتبه‪ ،‬ونفكر‪ ،‬ونتعرف ونترجم‪ ،‬ونتذكر‪ ،‬ونفهم العالقات‪ .‬أنه‬
‫كذلك سلوك جديد لم يكن موجودا من قبل‪ :‬تعلم القراءة والكتابة‪ ،‬وأنه أيضا تقدم‬
‫ايجابي أو تحسن أو زيادة في المعرفة‪ ،‬أي تعلم تقدمي وال يعني هذا أن أي تقدم‬
‫يعتبر تعلم‪ ،‬فهناك العديد من التغيرات تكون بسب النضج أو حتى لتعاطي بعض‬
‫العقاقير أو حتى نتيجة التعب‪ ،‬فيجب أن يكون هناك استمرار نسبي في السلوك‪.‬‬
‫أن يشمل هذا التعلم مختلف جوانب الشخصية‪ » .‬و من ثم فإن مقدار التعلم يتجلى‬
‫كما و كيفا‪ :‬كما بعدد األمور التي يستطيع الفرد أن يقوم بها‪ ،‬وكيفا بالطريقة التي‬
‫‪11‬‬
‫هذا عن التعلم »أما القيام بالعمل‬ ‫يستجيب وفقا لها في الموقف التعليمي‪».‬‬
‫فينحصر في القيام بالفاعلية التي كان الفرد قد تعلمها‪ .‬وهذا يظهر قابليات الفرد‬
‫التعلمية‪ ،‬فالضارب على اآللة الكاتبة وعازف البيانو مثال يفعلون ما كانوا قد تعلموه‪.‬‬
‫وبطبيعة الحال فإن العب كرة القدم الماهر ال يقوم بعمله كل مرة على نفس الشكل‬
‫‪12‬‬
‫ولكنه يحاول التحسن والتعلم المستمرين من خالل قيامه بالعمل كل مرة جديدة‪».‬‬
‫(‪)Woodworth‬‬ ‫ويستفيد مما تعلمه ويوظفه في مواقف جديدة‪ .‬وهذا ما يذهب إليه وودورث‬

‫ص‪811.‬‬ ‫‪ -11‬فاخر عاقل‪ ،‬علم النفس التربوي‪ ،‬المصدر أعاله‪،‬‬


‫‪ -12‬المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.812.‬‬
‫في تعريفه للتعلم »التعلم نشاط من قبل الفرد يؤثر في نشاطه المقبل‪ ،‬أي يعتبر‬
‫‪13‬‬
‫التعلم سلوكا يقوم به الفرد يؤثر في سلوكه المقبل‪» .‬‬

‫ب‪ -‬مراحل التعلم‪:‬‬

‫عملية التعلم عملية معقدة تشمل أنواعا من النشاط والخبرات المتعددة بتعدد‬
‫المواقف التي يمر ويعيشها الفرد غير أنه بصورة عامة فالموقف التعليمي »وحدة‬
‫ذات قطبين أحدهما المتعلم والثاني المجال الحيوي الذي يتحرك فيه‪ ،‬وكل من هذين‬
‫وعوامل مختلفة كما يتفاعل كل‬ ‫القطبين وحدة معقدة تتفاعل بها عدة قوى‬
‫‪14‬‬
‫مع اآلخر‪».‬‬

‫ترتبط عملية التعلم بظروف خارجية (متعلقة بالموقف التعلمي) وداخلية‬


‫(خاصة بالمتعلم) كالظروف النفسية وعمليات عقلية كثيرة منها‪ :‬التذكر والنسيان‪،‬‬
‫التصور والتخيل‪ ،‬اإلدراك واالنتباه‪.‬‬

‫و دورة التعلم هذه تمر بمراحل هي‪:‬‬

‫‪ -‬مرحلة عدم الرضا‪.‬‬

‫‪ -‬مرحلة اختيار سلوكيات جديدة‪.‬‬

‫‪ -‬مرحلة ممارسة السلوكيات الجديدة‪.‬‬

‫‪ -‬مرحلة إحراز أدلة على النتائج‪.‬‬

‫‪ - 13‬نقال عن محمد مصطفى زيدان ونبيل السمالوطي‪ ،‬علم النفس التربوي‪ ،‬جدة‪ ،‬المملكة العربية السعودية‪ ،‬دار الشروق‬
‫للنشر والتوزيع والطباعة‪ ،‬ط‪ 8102 .3.‬هـ ‪8992‬م‪ .‬ص‪.19.‬‬
‫‪ - 14‬نقال عن المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.23.‬‬
‫‪ -‬مرحلة التعميم والتطبيق والتكامل‪.‬‬

‫‪ -‬مجابهة مشكالت جديدة‪.‬‬

‫ومما ال شك فيه أنه هناك أنواع مختلفة من التعلم‪ ،‬فتعلم اللغة مثال يختلف عن‬
‫تعلم الفنون‪ ،‬بل وحتى في تعلم اللغة ذاتها هناك اختالف بين تعلم اللغة الكتابية‬
‫واللغة اللفظية أو لغة اإلشارات‪ .‬وكما دلت البحوث والدراسات فيمكن اختصار مراحل‬
‫التعلم في‪:‬‬

‫‪ -6‬مرحلة االكتساب‪ :‬وهي مرحلة إدماج أو إدخال أو تمثيل المتعلم‬


‫على اختالف القدرات والظروف والمادة المتعلمة للسلوك الجديد حتى يصبح جزءا‬
‫من حصيلته السلوكية‪.‬‬

‫‪ -9‬مرحلة االختزان‪ :‬أي حفظ المعلومات في الذاكرة‪.‬‬

‫‪ -1‬مرحلة االستعادة‪ :‬وهي قدرة المتعلم على استرجاع المعلومة في‬


‫‪15‬‬
‫صورة استجابة بشكل أو بآخر‪.‬‬

‫هي مراحل أو محطات في عملية التعلم على المعلم مراعاتها و االنتباه لها‬
‫أثناء ممارسته لمهنته‪ .‬كما أن معرفة المعلم بخصوصيات التعلم ومراحله‪ ،‬تجعله‬
‫قاد ار على ضبط طرقه في التدريس مثال وادراك أساس التعثر عند كل متعلم‪.‬‬

‫ج‪ -‬أنواع التعلم‪:‬‬

‫‪ - 15‬صالح محمد علي أبو جادو‪ ،‬علم النفس التربوي‪ ،‬مصدر أعاله ص‪.828. 820.‬‬
‫إذا كان التعلم يتضمن تغيرات في جوانب شخصيتنا فهذا يعني أننا نتعلم‬
‫سمات الشخصية من ميوالت وقيم ودوافع واتجاهات وكل أنواع السلوكات‪ :‬لفظية‬
‫كانت أم حركية‪ ،‬ذهنية أو إجتماعية ‪ ،‬وهذا يعني كذلك أننا نتعلم في كل مواقف‬
‫الحياة وأن التعلم ال يقتصر على مكان واحد أو هيئة معينة‪ :‬إننا نتعلم في البيت‪،‬‬
‫في الشارع‪ ،‬في المدرسة‪ ،‬من األستاذ والزميل والكتاب‪.‬‬

‫التعلم نظ ار لتعقد مظاهره صنف إلى عدة أنواع من حيث أشكاله وصوره‪ ،‬أو‬
‫من حيث بساطته وتعقيده‪ .‬هي تغيرات في الشخصية يمكن حصرها في ثالث جوانب‬
‫رئيسية هي‪:‬‬

‫* التغير في النواحي الحركية‪ :‬أي السلوك النفسي‪ -‬الحركي‪ ،‬مثل الكتابة‬


‫والقراءة وطريقة األكل وقيادة السيارة والمشي وغيرها من أنماط السلوك الحركي التي‬
‫يمكن أن تصبح عادات حركية نقوم بها دون شعور منا‪.‬‬

‫* التغير في النواحي العقلية المعرفية‪ :‬تشتمل على ما نتعلمه من معارف‬


‫وحقائق ومبادئ وطرق التفكير المختلفة‪.‬‬

‫* التغير في النواحي الوجدانية (االنفعالية)‪ :‬أي تلك العواطف والميوالت‬


‫(لألشخاص واألشياء‪ )...‬وما نكتسبه من اتجاهات وقيم اجتماعية وتذوق فني‬
‫‪16‬‬
‫وجمالي وأدبي‪.‬‬
‫‪17‬‬
‫على العموم فالتعلم يصنف إلى خمسة أنواع رئيسية‪:‬‬

‫‪ -16‬سامي محمد ملحم‪ ،‬سيوولو ية الت لم والت ليم‪ :‬األسس النظرية والتطبي ية‪ ، ،‬مصدر أعاله‪ ،‬ص‪.23 .‬‬
‫‪ -17‬المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.22.‬‬
‫‪ -1‬التعلم اللفظي‪ :‬هي ليست القدرة على تعلم الكالم فحسب بل كذلك إستيعاب‬
‫بعض المعلومات والحقائق واسترجاعها وتوظيفها في مواقف مختلفة وتدريب الفرد‬
‫على عمليات التفكير وادراك العالقات والمقارنة بين المعلومات واصدار الحكم‬
‫والتقييم السليم‪.‬‬

‫‪ -2‬التعلم الحركي‪ :‬هذا التعلم هو قدرة الفرد على استخدام عضالته (اإلرادية) بما‬
‫يؤدي إلى توافق عضلي من نوع جديد كنموذج لإلستجابة المطلوبة مثل تعلم الفرد‬
‫الكتابة وتعلم السياقة‪.‬‬

‫‪ -3‬التعلم اإلدراكي‪ :‬إننا نتعلم كيف نرى األشياء وندرك المواقف والمواضيع بصورة‬
‫جديدة‪ ،‬هذا النوع من التعلم يهدف إلى إعادة تنظيم المثيرات الحسية في نماذج‬
‫إدراكية جديدة‪.‬‬

‫‪ -4‬تعلم االتجاهات‪ :‬االتجاهات هي الموجه والمحرك لسلوك اإلنسان نتعلمها من‬


‫محيطنا اإلجتماعي الثقافي‪ ،‬فميلنا أو نفورنا من بعض األفكار مثال ما هو إال ناتج‬
‫تعلم‪ ،‬فالتأثير عليها وتغييرها هو التحكم في سلوك اإلنسان‪.‬‬

‫‪ -5‬تعلم أسلوب حل المشكالت‪ :‬عند تغير المحيط يميل الفرد إلى تغيير سلوكه‬
‫حتى يتأقلم (يتكيف) مع الوضعيات الجديدة أي إيجاد الحلول للمواقف الجديدة‪.‬‬

‫‪ -2‬الشروط العامة للتعلم اإلنساني والعوامل المؤثرة فيه‪:‬‬

‫هناك اختالفات هائلة في سلوك البشر وهم الذين خلقوا على أسس فسيولوجية‬
‫متشابهة‪ .‬هذه االختالفات والتي هي تعديالت وتغييرات توفرها إمكانيات األفراد‬
‫الفسيولوجية والظروف اإلجتماعية‪ -‬الثقافية ال يمكن ردها في األساس إال للتعلم‪.‬‬
‫فنحن نتعلم أن نكون أفرادا من المجتمع البشري إذ نتعلم كيف نؤدي دورنا في الحياة‬
‫االجتماعية‪ ،‬فنتعلم البقاء والتكيف ونتعلم التفاعل مع اآلخرين ونتعلم االتجاهات‬
‫والقيم وتحسين حياتنا‪ .‬هذا التعلم يخضع إلى شروط عامة يمكن تقسيمها إلى قسمين‬
‫أساسيين شروط داخلية خاصة بالمتعلم كظروفه الفسيولوجية (مستوى نضجه‬
‫الفسيولوجي وصحته) وقدراته العقلية ودافعيته نحو الموضوع المتعلم‪ ،‬وشروط‬
‫خارجية‪ :‬كمحيط التعلم ووضوح األهداف وطبيعة المادة المتعلمة‪ .‬هي شروط ذات‬
‫تفاعل متبادل‪.‬‬

‫كما هو معلوم كل الناس بحاجة إلى غذاء ومسكن وملبس ونوم‪ ،‬وهي حاجات‬
‫مادية أساسية ال بد منها إلقامة الحياة لكن نوعية هذه العوامل المادية والظروف‬
‫التي يحصل بها الناس على ما يلزمهم لها أثرها الكبير‪ ،‬فالحرمان من سد الحاجات‬
‫األساسية يؤدي إلى إضطرابات سلوكية عنيفة ويفضي إلى فروق جسدية‪ ،‬وكذلك‬
‫القول عن الحاجات المشتقة من الحاجات المادية حتى وان تباينت درجاتها من‬
‫مجتمع آلخر فالحاجة مثال إلى األمن والطمأنينة والحاجة إلى اإلنتماء والمحبة‬
‫وتقدير الذات‪ ،‬وعدم تلبيتها كما ونوعا ينتج أعراضا سلوكية مختلفة كالعدوان‬
‫واإلنزواء واإلنحراف وما لها من أثر على التعلم‪.‬‬

‫» و يجب أن ال ننسى أن فعالية الجهود التي يبذلها المتعلم تبقى رهنا بنجاحه‬
‫في تلبية مجمل حاجاته المادية و المعنوية التي يشترك فيها مع غيره من الناس أو‬
‫‪18‬‬
‫التي ينفرد بها أحيانا دونهم‪».‬‬

‫على العموم لكي تتم عملية التعلم يجب أن تتوفر هذه الشروط أهمها‪:‬‬

‫ط‪.8912 .8.‬ص‪81.‬‬ ‫‪ - 18‬أحمد صيداوي‪ ،‬قابلية الت لم‪ ،‬بيروت‪ ،‬معهد اإلنماء العربي‪،‬‬
‫أ‪ -‬النضج‪ :‬والمقصود منه هو ليس اكتمال النمو الجسمي والطبيعي فحسب بل‬
‫عملية نمو تشمل الكائن في كل جوانبه (الفسيولوجي‪ ،‬النفسي‪ ،‬العقلي‪ ،‬المعرفي‪،‬‬
‫اإلنفعالي‪ )،‬حيث تصبح قابلة وقادرة على العمل بها‪.‬‬

‫ب‪ -‬الدافعية‪ :‬هي طاقة كامنة في الفرد توجه السلوك وتعززه وتعمل على زيادة‬
‫استثارته‪ ،‬هذه الدوافع المحفزة مثال عن التعلم يمكن تقسيمها كذلك إلى ثالثة أنواع‬
‫منها ما هي لصيقة بموضوع التعلم كرغبتنا في تعلم لغة أجنبية‪ ،‬منها ما هي خارجة‬
‫عن نطاق العمل وموضوع التعلم كرغبتنا في التعلم من أجل الحصول على جائزة‬
‫أو إرضاء لوالدينا ومنها ما يرتبط بظروف التعلم‪.‬‬

‫جـ ‪ -‬الممارسة‪» :‬هي تكرار أسلوب النشاط مع تعزيز موجه‪ ».‬وهي شرط أساسي‬
‫في عملية التعلم وتشمل جميع أساليب النشاط سواء تعلق األمر باكتساب مهارات‬
‫حركية أو معلومات أو طريقة تفكير‪ ،‬فال يمكن الحكم على حدوث التعلم إال‬
‫بالممارسة‪ ،‬إذ ال يمكن الحكم على الفرد أنه تعلم إال إذا تكرر الموقف وظهر التحسن‬
‫في األداء‪ ،‬وللممارسة المجدية خصائص منها‪:‬‬

‫* المواءمة بين الميول والقدرات فتؤدي إلى حدوث التعلم بأقل جهد‪.‬‬

‫* مراعاة الفروق الفردية‪.‬‬

‫* وضوح الهدف‪.‬‬

‫* نوعية الممارسة ‪.‬‬

‫‪ -3‬نتائج التعلم و مخرجاته‪:‬‬


‫يهدف التعلم إلى تحصيل أربع نتائج أساسية والتي يطلق عليها اسم عادات التعلم‬
‫وهي‪:19‬‬

‫أ‪ -‬عادات أو مهارات حركية‪ :‬وتتمثل في ما نتعلمه من عادات األكل واللباس‬


‫وطريقة الكالم والكتابة والمشي ورسم الخرائط‪.‬‬

‫ب‪ -‬عادات معرفية‪ :‬تتمثل فيما نكتسبه من مفاهيم وقواعد وطرق تفكير مثل‬
‫التفكير اإلبداعي والتفكير الناقد‪.‬‬

‫ج‪ -‬عادات وجدانية أو انفعالية‪ :‬تتمثل في العواطف والميول مثل حب أو‬


‫كراهية األشخاص والمواد الدراسية وما نكتسبه من اتجاهات وقيم اجتماعية وتذوق‬
‫فني أو أدبي أو جمالي‪.‬‬

‫د‪ -‬عادات اجتماعية و خلقية‪ :‬كاألمانة والتسامح والتعاون‪.‬‬

‫إن هذه مخرجات التعلم ليست مقطوعة الصلة فيما بينها فاللغة مثال في ذاتها‬
‫هي أداة إجتماعية ومهارة فكرية وعادة حركية واتجاه وجداني وطريقة خاصة شخصية‬
‫في األداء‪.‬‬

‫‪ -4‬نظريات التعلم‪:‬‬

‫ال شك في إن الحركات الفلسفية في عصر النهضة وما تاله قد أثرت في كثير‬


‫من المدارس والنظريات النفسية وذلك في بدايات إستقالل علم النفس على وجه‬
‫الخصوص‪ ،‬وفي هذا السياق فإنه ال يمكن إنكار األثر االيجابي لتطور الفلسفة‬

‫‪ - 19‬سامي محمد ملحم‪ ،‬سيوولو ية الت لم والت ليم‪ :‬األسس النظرية والتطبي ية‪ ،‬مصدر أعاله‪ ،‬ص‪.22 .21.‬‬
‫وجون استيوارت‬ ‫(‪)Locke‬‬ ‫(االتجاه الوضعي التجريبي) والذي مثله أعالم مثل لوك‬
‫وغيرهم ‪-‬‬ ‫(‪)Berkely‬‬ ‫وبيركلي‬ ‫(‪)Hume‬‬ ‫وهيوم‬ ‫(‪)James Mill‬‬ ‫وجيمس ميل‬ ‫(‪)John S. Mill‬‬ ‫ميل‬
‫والمؤكد ألهمية الخبرات الحسية واالرتباط بينها كأساس للنشاط العقلي والسلوك‪-‬‬
‫على بعض االتجاهات النفسية ومنها السلوكية‪ .‬كما أنه ال شك فيه أن نظرية التطور‬
‫قد أثرت في كثير من النظريات النفسية ولقد كان أثرها واضحا على كثير من‬
‫السلوكيين‪ ،‬كذلك فاالهتمام بدراسة فيزيولوجية الجهاز العصبي والحسي‪ ،‬حتى ظهر‬
‫ما سمي بالفيزياء النفسية‪ ،‬جاء بمنهج جديد يعتمد على مالحظة السلوك الظاهري‪.‬‬
‫كذلك علم نفس الحيوان الذي ركز على دراسة اإلستجابات الطبيعية للحيوانات‬
‫وتغيرها أثناء الحياة كان له دور في ظهور هذه النظريات‪ ،‬وهذا يعني بدء االهتمام‬
‫بتحليل الظروف المحدثة للتعلم‪ ،‬وأيضا باالعتقاد التطوري أو االستم اررية بين‬
‫الكائنات مما سيعني إمكانية االستفادة من التجارب التي أجريت على الحيوانات‪،‬‬
‫إضافة إلى تزويدنا بأساليب بحثية تعتمد المالحظة والتجريب وتحليل البيانات‬
‫بأسلوب يمكن من قياس السلوك‪.‬‬

‫لم يختلف علماء النفس حول أهمية التعلم في حياة اإلنسان بل في إبراز و‬
‫تفسير قضاياه‪ .‬لقد كان تحديد أنواع التغير السلوكي الذي يط أر على اإلنسان عند‬
‫التعلم من القضايا التي تتصدى لها نظريات التعلم‪ .‬وما ظهور الكثير من النظريات‬
‫كاإلرتباطية والشراطية والدافعية واإلجرائية والجشطلطية ومعالجة المعلومات وغيرها‬
‫إال دليل على تعدد طرق دراسة التعلم‪ ،‬وان كان القاسم المشترك بين هذه النظريات‬
‫جميعا هو البحث عن عامل يتمثل في الوقوف على سلسلة من المبادئ التي يتعلم‬
‫بها الناس‪.‬‬
‫من هذه النظريات المفسرة للتعلم نتناول بعض النماذج منها النظريات السلوكية‬
‫والمعرفية‪.‬‬

‫‪ -1‬النظريات السلوكية‪:‬‬

‫لعل أبحاث علماء النفس المهتمين بدراسة السلوك الحيواني‪ ،‬وأيضا أبحاث‬
‫الفسيولوجيا كانت من أهم العوامل المؤسسة للمدرسة السلوكية‪ ،‬حيث تمثل أبحاث‬
‫بافلوف الفسيولوجية في روسيا والتي قادت إلى سيكولوجية االشتراط‪ ،‬وأيضا أبحاث‬
‫ثورندايك رائد مدرسة كولمبيا الوظيفية على الحيوانات ونظريته في التعلم بالمحاولة‬
‫غير أن جذور هذه المدرسة يمتد‬ ‫والخطأ أهم األساسيات للسلوكية الراديكالية‪.‬‬
‫إلى الفلسفات الوضعية والنظرية التطورية‪ .‬فقد »عرفت تعاليم كونت الوضعية‬
‫والمبادئ والمفاهيم البراغماتية التي استمدها جيمس وديوي وأنجيل من النظريات‬
‫التطورية إنتشا اًر واسعاً وسريعاً بين المثقفين والمتعلمين في الواليات المتحدة‬
‫األمريكية‪ .‬وانعكس هذا الواقع الجديد في العدد الكبير من الدراسات والطرائق التي‬
‫استخدمت فيها والنتائج التي خلصت إليها‪ ،‬األمر الذي مهد السبيل لظهور السلوكية‬
‫التي ميزت علم النفس األمريكي وطبعته بطابعها طوال هذا القرن‪ ،‬بل وامتد تأثيرها‬
‫إلى كليات ومعاهد علم النفس في أنحاء متعددة من العالم‪ .‬ومن أشهر تلك الدراسات‬
‫‪20‬‬
‫ما قام به إدوار ثورندايك ‪6181-6478(EDWARD THORNDIKE‬م)‪».‬‬

‫الذي عرف‬ ‫(‪)6194-6479( )Watson, John Broadus‬‬ ‫مؤسس هذه المدرسة ج‪ .‬واطسن‬
‫السلوكية بأنها توجه نظري قائمة على مبدأ أن علم النفس العلمي يجب أن يدرس‬

‫‪ - 20‬بدر الدين عامود‪ ،‬علم النفس في ال رن ال شرين (ج‪ ،)8.‬منشورات اتحاد الكتاب العرب دمشق – ‪ ،3008‬ص‪.332.‬‬
‫فقط السلوك القابل للمالحظة‪ ،‬إقترح واطسن على علماء النفس أن يتركوا لألبد دراسة‬
‫الوعي والخبرات الشعورية والتركيز فقط على السلوكيات التي نستطيع مالحظتها‬
‫مباشرة إقتناعا منه بأن قوة الطريقة العلمية قائمة على كونها قابلة للفحص بالمالحظة‬
‫المطلوبة وأن إستعمال أي أسلوب سيعيدنا إلى عصر اآلراء الشخصية حيث تضيع‬
‫المعرفة‪ .‬وترى هذه المدرسة بأن السلوك هو أي استجابة أو نشاط قابل للمالحظة‬
‫في المدرسة‬ ‫تقوم به العضوية تجاه مثير‪ ،‬ومن هنا جاءت المعادلة الرئيسية‬
‫السلوكية ‪:‬‬

‫المثير‪ ‬إستجابة‪.‬‬

‫وبالرغم من الجدل والنقاشات والتي أثارت أفكار واطسون إال أن المدرسة ثبتت‬
‫أقوالها وازدهرت‪ ،‬ومما ساعد في تطور هذه المدرسة يمكن القول هي دراسات عالم‬
‫الفسيولوجيا الروسي بافلوف‪.‬‬

‫ويقسم المؤرخون السلوكية إلى أنماط مختلفة وفقا لطبيعة االشتراط (اإلجرائي‬
‫والكالسيكي) كما يمكن تقسيم تطور السلوكية وفقا لطبيعة دراسة وتفسير اإلشتراط‬
‫ومناهج البحث‪.‬‬

‫أ‪ -‬التقسيم حسب طبيعة االشتراط‪:‬‬

‫* اإلشتراط الكالسيكي‪ :‬يمكن تصنيف كل من االرتباطيين من علماء‬


‫الحيوان ومنهم بافلوف وثورندايك إضافة إلى السلوكيين األوائل وتحديدا واطسن‬
‫وتولمان‬ ‫(‪)Gatheri‬‬ ‫ومن تبعه من المجددين الذين لم يضيفوا الكثير من أمثال قاثري‬
‫(‪ ،)Tolman‬فاإلرتباط هنا يحدث إجماال نتيجة اإلرتباط بين المثيرات والمؤدية إلى‬
‫إستجابات ما يتم اكتسابها بالتعزيز على شكل‪:‬‬
‫مثير شرطي‪ +‬مثير طبيعي ‪ -‬بالتكرار‪ ---‬استجابة شرطية‪.‬‬

‫*اإلشتراط اإلجرائي‪ :‬يمثله سكنر (‪ )Skinner‬ومن تبعه من أتباع السلوكية‪ ،‬ويعتمد‬


‫االشتراط فيه على اقتران االستجابات بالمعززات وذلك بصرف النظر عن المثير‬
‫أو ارتباط المثيرات ببعضها‪.‬‬

‫ب‪ -‬تقسيم تطور السلوكية طبقا لطبيعة دراسة وتفسير االشتراط ومناهج البحث‬
‫‪:‬‬

‫* السلوكية النفسية‪ :‬والتي عمدت إلى محاولة تفسير السلوك من خالل ربطه‬
‫بالمثيرات الخارجية ويصنف كل من بافلوف وثورندايك تحت هذا النوع‪.‬‬

‫* السلوكية المنهجية‪ :‬وتعنى بالعلم نفسه ويمثلها واطسن حيث نادى بالتركيز‬
‫على دراسة السلوك الظاهري بأساليب البحث العلمي‪.‬‬

‫* السلوكية التحليلية‪ :‬وتعرف أيضا بتحليل السلوك‪ ،‬وترجع إلى سكنر‪ ،‬حيث‬
‫بدأ محاولته إلخراج العلم من واطسنيته حل أزمة العمليات العقلية بالمناداة بان‬
‫أي نشاط عقلي يمكن تفسيره من خالل النشاط الظاهر المرتبط به‪ .‬أي أنه يمكن‬
‫تحديده سلوكيا‪ .‬فعندما نصف حالة الفرد العقلية أو إعتقاده فإنما نصف ما يظهر‬
‫عليه أو ما نتوقع أن يفعله من سلوك في الموقف‪.‬‬

‫* السلوكية االجتماعية‪ :‬ظهر فريق من السلوكيين الجدد في الخمسينات‪ ،‬حيث‬


‫حاولوا التوفيق بين السلوكية الواطسنية المسيطرة في أمريكا وبعض المسلمات‬
‫المقدمة في النظريات األخرى‪ ،‬ولعل أهم ما قدم منهم هو اعترافهم بأهمية العوامل‬
‫على سبيل المثال عن العوامل‬ ‫(‪)Hull‬‬ ‫الوسيطة (المعرفية والنفسية) فتحدث هل‬
‫الوسيطة والتي تشمل الحوافز والعادة والكبح‪.‬‬

‫كما أن لنظرية روتر في التعلم االجتماعي والشخصية أثرها في نظرية باندو ار‬
‫في التعلم اإلجتماعي‪.‬‬

‫تحديد بعض المفاهيم األساسية‪:‬‬

‫قبل التطرق لبعض نظريات التعلم نود التطرق لبعض المفاهيم المستعملة في‬
‫هذه المدارس المفسرة للتعلم‪:‬‬
‫‪21‬‬
‫* السلوك‪ :‬اإلستجابة الكلية التي يبديها كائن حي إزاء أي موقف يواجهه‪.‬‬

‫* اإلرتباطية‪ :‬هو المذهب القائل بأن كل العمليات العقلية تتألف من توظيف‬


‫اإلرتباطات الموروثة والمكتسبة بين المواقف واإلستجابات‪ ،‬وينظر إلى هذا المذهب‬
‫‪22‬‬
‫باعتبار أنه األساس في نظرية إرتباط المثير واالستجابة (م‪ -‬س)‪.‬‬

‫* اإلستجابات‪ :‬وهي تطلق على أية ردود فعل ظاهرة قد تكون عضلية أو غدية‬
‫أو غيرها من ردود الفعل الظاهرة (بما فيها الصور واألفكار) والتي تحدث كرد فعل‬
‫لمثير ما‪ .‬وقد أشار ثورندايك إلى ردود الفعل الفسيولوجية الظاهرية والتي يمكن‬
‫مشاهدتها وقياسها والتي تربط السلوك بالبيئة المحيطة به‪ .‬أما في الوقت الحاضر‬

‫‪ 8911‬ص‪89.‬‬ ‫‪ -21‬م م علم النفس و التربية‪ ،‬ج‪ 8.‬الهيئة العامة لشؤون المطابع األميرية‪،‬‬
‫‪ -22‬مصففطفي ناصففف‪ ،‬نظريات الت لم‪ ،‬ترجمة‪ :‬د‪.‬علي حسففين حجاج مراجعة‪ :‬د‪ .‬عطية محمود هنا‪ ،‬عالم المعرفة‪ ،‬سففلسففلة‬
‫كتب يصدرها المجلس الوطني للثقافة والفنون واآلداب‪ ،‬الكويت‪ ،‬أكتوبر ‪ ،8912‬ص‪89.‬‬
‫الفسيولوجية (التي‬ ‫فان تعبير»االستجابات« يطلق على ردود الفعل‬
‫‪23‬‬
‫تقاس بطريقة مباشرة) والنفسية (التي تقاس بطريقة غير مباشرة)‪.‬‬

‫* اإلثارة‪ :‬ولهذا التعبير أي اإلثارة معنيان‪) :‬أي عامل خارجي( مثير ما يتعرض‬
‫‪24‬‬
‫له الحي‪ .‬وأي تغير داخلي في الكائن الحي نفسه عن طريق أي عامل خارجي‪.‬‬

‫أ‪ -‬نظرية اإلشراط الكالسيكي‪:‬‬

‫(‪-6481()Pavlov, Ivan Petrovich‬‬ ‫خالل دراسة العالم الروسي ايفان بترفيتش بافلوف‬
‫لألفعال المنعكسة المتصلة بعملية الهضم الحظ أن العصارة المعدية في‬ ‫‪)6111‬‬

‫الكالب التي كان يقوم عليها بتجاربه ال تتأثر فقط بوضع الطعام في فم الكلب لكن‬
‫تتأثر بمجرد رؤية الطعام بل كانت تبدأ بإفراز لعابها بمجرد رؤيتها للحارس الذي‬
‫يقدم لها الطعام‪ ،‬بل وحتى بمجرد سماعها لخطوات قدميه قبل أن يصل الطعام إلى‬
‫أفواهها فعال‪ .‬وأدرك بافلوف أن رؤية الحارس لم تكن المثير الطبيعي لإلنعكاسات‬
‫اللعابية ولكن رؤية الحارس قد أصبحت من خالل تعود الكالب على ذلك المؤشر‬
‫اإلشارة أو العالمة التي تستهدي بها على قرب وصول الطعام‪ .‬وسرعان ما أدرك‬
‫بافلوف أنه إكتشف ظاهرة ال بد أن يكون لها أهمية قصوى في مساعدة الكائن‬
‫التكيف مع ظروف بيئته‪ ،‬وفي بادئ األمر أطلق بافلوف على هذه‬ ‫ّ‬ ‫الحي على‬
‫اإلنعكاسات المكتشفة حديثا إسم "إفراز الغدد النفسي" ولكنه أبدله فيما بعد بما أسماه‬
‫"االنعكاس المشروط" والذي يعني إنتقال أثر المثير الطبيعي لإلستجابة إلى مثير‬
‫غير طبيعي (ال يسبب اإلثارة أساسا) كنتيجة القتران المثيرين وتكرار حدوثهما‪.‬‬

‫‪ - 23‬المصدر نفسه‪ ،‬ص‪89.‬‬


‫‪ -24‬المصدر نفسه ص‪30.89.‬‬
‫تقوم الفكرة إذا على االرتباط فعال يبن منبه طبيعي (م‪ ) S .‬واستجابة طبيعية‬
‫(م ‪‬ج) وهذا ما يحدث مع المتغيرات الطبيعية‪ ،‬إال أن هذا ال يعتبر‬ ‫(ج‪)R .‬‬
‫تعلما فهو السلوك الطبيعي‪ .‬والتعلم أو اإلشتراط يقوم إذا على القيام بسلوك جديد‪،‬‬
‫وهذا ما يحدث عن طريق إرتباط المثيرات الطبيعية بمثيرات شرطية‪ .‬إذ مع التكرار‬
‫والدعم الالحق يحدث االرتباط بين المثير الشرطي والمثير الطبيعي ويكتسب المثير‬
‫الشرطي قوة المثير الطبيعي في إحداث اإلستجابة‪.‬‬

‫من تجارب بافلوف وضع على لسان كلب قليال من مسحوق اللحم أو نقطة‬
‫من حامض (المنبه الطبيعي م‪ ).‬فوجد الكلب يستجيب لهذا المسحوق بسيالن اللعاب‬
‫(استجابة طبيعية ج‪ ).‬وانتقل إلى خطوة ثانية حيث أسمع الكلب جرسا واستجاب‬
‫الكلب بأذنيه فقط لرنات الجرس وطبعا لم يفرز أي لعاب من غدده‪ .‬أما الخطوة‬
‫الثانية فكانت قرع الجرس ومعه وبعد برهة تقديم الحامض إلى لسانه واستجاب الكلب‬
‫بإفراز اللعاب تحت تأثير الحامض وبعد تكرار التنبيه واإلستثارة (جرس ‪ +‬حامض)‬
‫مرات عدة حذف الحامض و أسمع الكلب الجرس فوجد أن اللعاب قد أفرز واستجاب‬
‫‪25‬‬
‫لمجرد سماع الجرس لوحده‪.‬‬

‫بهذا الشكل تم تأسيس عالقة مؤقتة بين نشاط نظام معين (اللعاب)‬
‫وموضوعات خارجية (حامض ‪ +‬جرس) وأطلق بافلوف على هذه العالقة إسم الفعل‬
‫المنعكس الشرطي الذي يتألف من‪ :‬فعل منعكس ‪ +‬منبه = ومع التكرار حدوث‬
‫إستجابة للمنبه الثانوي التي كانت فقط للمثير األصلي‪ 26.‬هذه التجربة نلخصها كما‬
‫يبينه الجدول الموالي‪:‬‬

‫ط‪8912 2.‬‬ ‫‪-25‬عبد المجيد كركوتلي‪ ،‬بافلوف أبحاثه في ال هاز ال صبي والت لم والتدريب وظواهر أخرى‪ ،‬مطبعة الهالل‪،‬‬
‫ص‪12.‬‬
‫‪ - 26‬المصدر نفسه‪ ،‬ص‪12.‬‬
‫ملخص تجربة بافلوف‬ ‫(‪)2‬‬‫الجدول رقم‬

‫الطبيعية‬ ‫االستجابة‬
‫المثير الطبيعي (األكل مثال) ‪-‬‬
‫(اللعاب)‬

‫المثير الشرطي (الجرس) ‪+‬‬


‫استجابة طبيعة (اللعاب)‬ ‫‪-‬‬
‫المثير الطبيعي(األكل)‬

‫بتكـ ـرار العـملي ــة‬


‫الشرطية‬ ‫االستجابة‬
‫‪-‬‬ ‫المثير الشرطي (الجرس)‬
‫(اللعاب)‬

‫‪ -1‬العوامل المؤثر ة في اإلستجابة الشرطية‪:‬‬

‫إذا أردنا اإلحاطة بكافة الظروف إلحداث اإلستجابات الشرطية نجد‪:‬‬

‫‪ -6‬استبعاد العوامل المشتتة‪.‬‬

‫‪ – 9‬مراعاة الوقت بين المنعكس الشرطي (الجرس) و بين المثير غير الشرطي‬
‫(الحامض) وقد وجد بافلوف أن أفضل زمن مالئم لتكوين الرابط الشرطي هو الذي‬
‫يمر متراوحا بين ربع و نصف ثانية (جرس ‪ ¼+‬أو ½ ثانية ‪ +‬حامض)‪ ،‬أما إذا‬
‫ال تتكون وال يعرف السبب في‬ ‫قل هذا الوقت عن خمس ثانية فإن اإلستجابة‬
‫ذلك‪ ،‬فإذا زادت الفترة الزمنية بين الجرس والحامض عن ‪ 19‬ثانية بطل شرط اإلرتباط‬
‫وال تتكون اإلستجابة‪.‬‬

‫‪ -1‬أن يسبق المنبه الشرطي (الجرس) المثير غير الشرطي (الحامض) حتى‬
‫تحدث اإلستجابة عن طريق التكرار‪.‬‬

‫‪ -8‬إذا تكرر حدوث المنبه الشرطي (الجرس) دون مصاحبة المثير غير‬
‫‪27‬‬
‫الشرطي (الحامض) حدثت ظاهرة أطلق عليها بافلوف إسم االنطفاء‪.‬‬

‫‪ -27‬ينظر عبفد المجيفد كركوتلي‪ ،‬بيافلوف أبحياثيه في ال هاز ال صيييييييبي والت لم والتدريب وظواهر أخرى‪ ،‬مطبعة الهالل‪،‬‬
‫ط‪ 8912 ،2.‬ص‪.28.23.‬‬
‫‪ -2‬خصائص اإلستجابة الشرطية‪:‬‬

‫‪ -6‬حتى يكون هناك منعكس شرطي يجب أن يكون هناك منعكس طبيعي‪.‬‬

‫‪ -9‬تخضع اإلستجابة الشرطية للعوامل المحيطة بالعضوية أثناء إكتساب‬


‫المنعكس الشرطي (سواء كانت داخلية خاصة بالكائن (هنا كلب بافلوف كالجوع‬
‫والعطش) أو خارجية كصوت الجرس مثال‪.‬‬

‫‪ -1‬تكوين المنعكس الشرطي غير مشروط بمثيرات خاصة كما هو الحال بالنسبة‬
‫للمنعكس الطبيعي‪ ،‬فاللعاب ال يمكن إحداثه إال بالطعام لكن يمكن إستبدال الجرس‬
‫بالضوء أو أي مثير آخر إلحداث اإلستجابة الشرطية (اللعاب)‪.‬‬
‫‪28‬‬
‫‪ -8‬كلما كانت المثيرات المشتتة لإلنتباه أقل كلما كان التعلم أحسن‪.‬‬

‫‪ -1‬التطبيقات التربوية لنظرية بافلوف‪:‬‬

‫أُعتمد على اإلشراط الكالسيكي في تفسير السلوك وأُستخدم في معالجة السلوك‬


‫(الخواف أو الفوبيا) الذي‬
‫غير السوي كعالج حاالت اإلفراط في الخوف مثال ُ‬
‫يستخدمه المعالجون السلوكيون والعاملون في ميدان الصحة العقلية والنفسية‪،‬‬
‫واكتشف رجال التربية ما لهذا اإلجراء من فائدة في تخفيض حدة الخوف في حاالت‬
‫مثل الخواف من الكالم والخواف من اإلمتحانات والقلق خشية عدم التمكن من‬
‫األداء‪.‬‬

‫ص‪811.819.‬‬ ‫‪ -28‬صالح محمد علي أبو جادو‪ ،‬علم النفس التربوي‪ ،‬مصدر أعاله‬
‫من التطبيقات المستخلصة من نظرية بافلوف والتي نستطيع اإلستفادة منها‬
‫‪29‬‬
‫في ميدان التربية والتعليم لدينا مثال‪:‬‬

‫‪ -6‬ربط تعلم التالميذ بدوافع من جهة وتعزيز العمل التعلمي ألن غياب المثير‬
‫غير الشرطي يؤدي إلى إنطفاء اإلستجابة المتعلمة‪.‬‬

‫‪ -9‬يمكن االستفادة من هذه النظرية (عن إنطفاء اإلستجابة) في إبطال‬


‫العادات السيئة التي تظهر عند المتعلمين في القراءة والكتابة مثال‪.‬‬

‫‪ -1‬تعديل السلوك في المجال اإلنفعالي والقاء الضوء على طرق اكتساب‬


‫العادات وعملية التطبع االجتماعي‪.‬‬

‫‪ -8‬حصر العوامل المشتتة لإلنتباه في غرفة الدراسة ألن الموقف التعليمي الذي‬
‫تكثر فيه المثيرات المحايدة ال يساعد على التعلم‪.‬‬

‫‪ -9‬عملية التعميم والتمييز من العمليات الهامة حيث يمكن أن نستفيد منها في‬
‫فهمنا لكثير من مظاهر التعلم اإلنساني ألن تعلم الكثير من المفاهيم والحقائق في‬
‫المناهج الدراسية يحتاج إلى التركيز مثال على المفاهيم والحقائق المتشابهة من أجل‬
‫‪30‬‬
‫التمييز بينها‪.‬‬

‫‪ -1‬يحتاج تعلم الكثير من السلوكات والمعلومات والمهارات إلى إحداث إقتران‬


‫بين مثيرات شرطية وأخرى غير شرطية (عند تعلم القراءة مثال إقتران الكلمة بالصورة‬
‫)‪.‬‬

‫‪ -29‬المصدر نفسه ص‪.828.‬‬


‫‪ -30‬ينظر عدنان يوسف العتوم ووخرون‪ ،‬علم النفس التربوي‪ :‬النظرية والتطبيق‪ ،‬مصدر أعاله‪ ،‬ص‪.99 .‬‬
‫‪ -7‬التأكيد على المعلم ليجعل من خبرة التعلم خبرة سارة للمتعلم (حب الطفل‬
‫للمعلم هو حب للمادة المدرسة وحب للمدرسة)‪.‬‬

‫ب‪ -‬المحاولة و الخطأ‪:‬‬

‫تابعا أو متأث ار بالفكر السلوكي‬ ‫(‪)6181-6478( )Thorndike,Edward Lee‬‬ ‫لم يكن ثورندايك‬
‫(الواطسني) كما يعتقد الغالبية‪ ،‬إال أن فكره لم يكن بعيدا عن الفكر السلوكي‪ ،‬إذ‬
‫كان أحد تالمذة وليم جيمس الوظيفيين‪ » .‬ومع أن ثورندايك يؤكد على إنتمائه‬
‫اإلرتباطي‪ ،‬ويرفض أن يوصف بالسلوكي‪ ،‬إال أن مواقفه في ميادين علم النفس‬
‫المختلفة التي اشتغل فيها تعارض إدعاءه‪ ،‬وتجعل منه رائداً من رواد السلوكية‪ .‬وهذا‬
‫ما نلمسه من خالل المقابلة بين تلك المواقف من جهة‪ ،‬ومبادئ السلوكية وأفكارها‬
‫‪31‬‬
‫من جهة ثانية‪» .‬‬

‫إن تجاربه على الحيوان ووصوله إلى فكرة التعلم بالمحاولة والخطأ القائمة‬
‫على فكرة اإلرتباط دفعت إلى تصنيفه ضمن السلوكيين‪ ،‬ونظ ار كذلك لتداخل السلوكية‬
‫والوظيفية‪ » .‬فالتعلم من وجهة نظر ثورندايك هو تغير آلي في السلوك‪ ،‬ولكنه يقود‬
‫تدريجيا إلى اإلبتعاد عن المحاوالت الخاطئة‪ ،‬أي إلى نسبة تكرار أعلى للمحاوالت‬
‫عرفت نظرية ثورندايك‪ ،‬التي ظلت‬ ‫الناجحة‪ ،‬التي تؤدي إلى أثر مشجع‪ ...‬وقد‬
‫مسيطرة لعدة عقود من هذا القرن‪ ،‬على الممارسات التربوية في الواليات المتحدة‬
‫األمريكية‪ ،‬باسم الترابطية ألنه يعتقد أن التعلم عملية تشكيل إرتباطات بين المثيرات‬
‫‪32‬‬
‫واستجاباتها‪».‬‬

‫‪ - 31‬بدر الدين عامود‪ ،‬علم النفس في ال رن ال شرين (ج‪ ،)8.‬المصدر أعاله‪ ،‬ص‪332.‬‬
‫‪ - 32‬صالح محمد علي أبو جادو‪ ،‬علم النفس التربوي‪ ،‬مصدر أعاله‪ .‬ص‪821.‬‬
‫قام ثورندايك بأبحاثه على الحيوانات‪ ،‬منطلقا من خلفيته الوظيفية المبنية على‬
‫الفكر التطوري المؤكدة لمبدأ االستم اررية بين الكائنات‪ ،‬وأيضا لمبدأ التكيف وارتباط‬
‫األفعال بوظائف حياتية وبالتالي إحتمالية التطبيق‪.‬‬

‫وفكرة اإلرتباط ليست جديدة عند ثورندايك »غير أن الجديد في فكر ثورندايك‬
‫هو العناصر أو األطراف التي يحدث اإلرتباط بينها‪ .‬ففي حين يجد اإلتجاه‬
‫اإلرتباطي أن الذكاء أو العقل أو العملية النفسية بوجه عام تنشأ بفعل اإلرتباط بين‬
‫األفكار بعضها مع بعض‪ ،‬أو بينها وبين الحركات‪ ،‬يرى ثورندايك أن هذا االرتباط‬
‫‪33‬‬
‫ويعطي األهمية القصوى للتجربة الحسية في‬ ‫إنما يتم بين الحركات والمواقف‪».‬‬
‫تشكيل العملية النفسية و» ينطلق ثورندايك من الوراثة كعامل أساسي في تحديد‬
‫مزود بجهاز عصبي مع ما‬
‫مستوى الذكاء‪ .‬فالكائن الحي‪ ،‬حسب رأيه‪ ،‬يولد وهو ّ‬
‫يشتمل عليه من خاليا وأنسجة ووصالت‪ .‬ويختلف الذكاء من فرد إلى آخر‪ ،‬ومن‬
‫حيوان إلى آخر‪ ،‬تبعاً لعدد تلك الخاليا واألنسجة والوصالت‪ .‬أي أن مستوى الذكاء‬
‫يتوقف على عدد الوصالت العصبية؛ فكلما كان هذا العدد كبي اًر كان مستوى ذكاء‬
‫‪34‬‬
‫الكائن عالياً‪» .‬‬

‫إحدى ابرز تجاربه كانت عن القطط التي كانت توضع في قفص صغير له‬
‫باب ُيفتح إذا سحبت القطة خيطا مدلى داخل القفص لتخرج وتأكل الطعام الموجود‬
‫خارج القفص‪ .‬تقوم القطة الجائعة بحركات عشوائية إلى أن ُيسحب الخيط بالصدفة‪،‬‬
‫والحظ ثورندايك أن الوقت الذي تحتاجه القطة للوصول إلى الحل والخروج من‬
‫على سحب الخيط والخروج فورا‪.‬‬ ‫القفص يتناقص تدريجيا إلى أن أصبحت قادرة‬
‫وقد نتج عن أبحاثه الطويلة وصوله إلى نظرية التعلم بالمحاولة والخطأ والتي تفسر‬
‫ص‪331.‬‬ ‫‪ - 33‬بدر الدين عامود‪ ،‬علم النفس في ال رن ال شرين (ج‪ ،)8.‬المصدر أعاله‪،‬‬
‫‪ - 34‬المصدر نفسه‪ ،‬ص‪331.‬‬
‫التعلم من خالل اإلبقاء على المحاوالت المؤدية إلى تأثير جيد مرضي واضعاف‬
‫إرتباط تلك التي ال تحقق اإلشباع‪ .‬وذلك وفقا لعدد من المبادئ (القوانين) التي‬
‫إستمر في مراجعتها مؤكدا أهمية بعضها وضعف أهمية أخرى‪.‬‬

‫‪ -1‬قوانين التعلم عند ثورندايك‪:‬‬

‫حاول تفسير التعلم بارتباطات مباشرة بين المثيرات واالستجابات ووضع قوانين‬
‫للتعلم منها‪:‬‬

‫‪ -6‬قانون األثر‪:‬‬

‫كي تُكتسب سلوكات (استجابات) يجب أن توصل الكائن الحي إلى حالة‬
‫الرضا‪ .‬وتقوم فكرة ثورندايك على أساس أن الفعل المؤدي إلى أثر جيد يميل إلى‬
‫الظهور مستقبال في حالة حدوث المثير‪ .‬غير أن السلوك الذي ال يؤدي إلى اإلشباع‬
‫ُيهمل ويميل إلى عدم الظهور مستقبال‪ .‬ينص هذا القانون على أن أي ارتباط قابل‬
‫للتعديل بين موقف واستجابة يزداد إذا ما صاحبته حالة إشباع ويضعف إذا ما‬
‫صاحبته أو أعقبته حالة ضيق‪ ،‬و»األثر بحديه‪ :‬اإليجابي والسلبي‪ ،‬أي الثواب‬
‫والعقاب‪ ،‬هو‪ ،‬في نظر ثورندايك‪ ،‬شرط الزم الكتساب مختلف المهارات‪ .‬فتعزيز‬
‫إرتباط ما يتوقف على أثره الطيب‪ ،‬واستبعاد أو حذف إستجابة غير مرغوبة مرهون‬
‫‪35‬‬
‫والمقصود بذلك هو المكافأة‪ .‬يقول ثورندايك‪" :‬إنه إذا‬ ‫بما تتركه من أثر سيِّئ‪».‬‬
‫قام إرتباط قابل للتغيير وكان مصحوباً أو متبوعاً بحالة ُمرضية فإن قوة اإلرتباط‬
‫تزيد‪ .‬أما إذا قام االرتباط وكان متبوعاً أو مصحوباً بحالة مزعجة فإن قوته‬

‫ص‪328.‬‬ ‫‪ -35‬بدر الدين عامود‪ ،‬علم النفس في ال رن ال شرين (ج‪ ،)8.‬المصدر أعاله‪،‬‬
‫تضعف"‪ 36.‬هذا القانون تم تعديله سنة ‪ 6119‬إذ تبين عدم توازي تأثير الثواب والعقاب‬
‫على عملية التعلم‪ ،‬فإنهما ليسا متغيرين متعاكسين‪ .‬ففي حين يؤدي الثواب إلى تقوية‬
‫اإلرتباط‪ ،‬يؤدي العقاب إلى نتائج مختلفة فقد يؤدي إلى إيقاف السلوك مؤقتا‪ ،‬إال‬
‫أنه ال يزيله كما أنه ال يساعد مباشرة على تعديل السلوك إذا لم تقدم البدائل‪.‬‬

‫‪ -2‬قانون اإلستعداد‪:‬‬

‫يصف األسس الفيزيولوجية لقانون األثر أي يصف الظروف المساعدة لحدوث‬


‫التعلم‪ ،‬ويفسر ثورندايك ذلك باإلعتماد على حساسية الميكانزمات العصبية إلحداث‬
‫السلوك‪ .‬فاإلستعداد للسلوك يعني إمكانية القيام به كنتيجة للتهيؤ العصبي‪ ،‬فالجوع‬
‫مثال قد يعني إستعداد الفرد للقيام بالبحث عن الطعام لما له من أثر إشباعي‪ ،‬في‬
‫حين أن ما ال يقوم به مؤشر على عدم االستعداد يفسر وفق هذا القانون معنى‬
‫‪37‬‬
‫االرتياح أو الضيق ويصوغ ثالثة حاالت إلبراز معنى اإلستعداد‪:‬‬

‫أ‪ -‬حينما تكون الوحدة العصبية مستعدة للعمل‪ ،‬وتعمل‪ ،‬فإن عملها يريح الكائن‬
‫الحي‪.‬‬

‫ب‪ -‬حينما تكون الوحدة العصبية مستعدة للعمل‪ ،‬وال تعمل‪ ،‬فإن عملها يزعج‬
‫الكائن الحي‪.‬‬

‫ج‪ -‬حينما تكون الوحدة العصبية مستعدة للعمل‪ ،‬وتجبر على العمل‪ ،‬فإن عمله‬
‫يزعج الكائن الحي‪.‬‬

‫‪ -36‬ينظر المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.328.‬‬


‫‪ - 37‬صالح محمد علي أبو جادو‪ ،‬علم النفس التربوي‪ ،‬مصدر أعاله‪ .‬ص‪822.‬‬
‫‪ -1‬قانون اإلنتماء‪:‬‬

‫يعتبر هذا القانون من أهم القوانين التي أضافها لنموذجه في صورته األخيرة‬
‫وتبعا لهذا المبدأ فإن تعلم اإلرتباط يكون أكثر سهولة إذا كانت اإلستجابة تنتمي إلى‬
‫الموقف‪ .‬ويعتمد إنتماء المكافأة أو العقاب على مدى مالءمتها إلرضاء دافع أو‬
‫حاجة عند المتعلم وعلى عالقتها المنطقية بموضوع الثواب والعقاب‪ ،‬فإثابة العطشان‬
‫‪38‬‬
‫بالماء يجعل إستجابته أقوى مما لو كانت إثابته بالنقود‪.‬‬

‫‪ -8‬قانون اإلستقطاب‪:‬‬

‫وفق هذا القانون تسير اإلرتباطات في االتجاه التي تكونت عليه في البداية‪،‬‬
‫فمثال إسترجاع قائمة كلمات عربية‪ -‬فرنسية كما تعلمها التلميذ تكون أسهل من‬
‫إسترجاعها في اإلتجاه المعاكس فرنسية – عربية‪.‬‬

‫‪ -9‬قانون انتشار األثر‪:‬‬

‫حسب هذا القانون فاثر اإلثابة ال يقتصر على الرابط الذي يثاب عليه فقط‬
‫بل يمتد إلى الروابط المجاورة التي تتكون قبل إثابة الرابط وبعد إثابته‪ .‬فعلى سبيل‬
‫المثال إذا عزز األستاذ كلمة (موقف تعليمي) عند المتعلم فإن أثر الثواب (اإلرتباط)‬
‫يمتد إلى الكلمة (الموقف التعليمي) السابقة والالحقة‪ ،‬وقوانين أخرى كقانون التعرف‬

‫‪ - 38‬المصدر نفسه‪ .‬ص‪.822.829.‬‬


‫فكلما كانت عناصر الموقف الجديد معروفة عند المتعلم كلما سهل التعلم‪ .‬أو التغير‬
‫اإلرتباطي ويعني إمكانية حدوث اإلرتباط بظروف أو مثيرات أخرى‪ .‬ويتم ذلك من‬
‫خالل إعادة المحاوالت مع إدخال واستبعاد بعض من عناصر الموقف تدريجيا مثال‬
‫على ذلك حفظ قصيدة‪ ،‬فمع تكرار القصيدة واضافة أبيات جديدة يمكن أن يتم‬
‫الحفظ‪.‬‬

‫وتبقى »قوانين االستعداد والمران (التدريب) واألثر تحكم جميع عمليات التعلم‪ .‬لم‬
‫يقلل ثورندايك أبدا من شأن هذه القوانين الثالثة على الرغم من قيامه بإجراء تعديالت‬
‫‪39‬‬
‫عليها مرات عديدة‪».‬‬

‫‪ -9‬التطبيقات التربوية لنظرية ثورندايك‬

‫عندما عرض ثورندايك رسالته التي أهلته لنيل شهادة الدكتوراه‬ ‫‪6414‬‬ ‫منذ عام‬
‫تحت عنوان "ذكاء الحيوان‪ :‬دراسة تجريبية للعمليات اإلرتباطية عند الحيوانات"‬
‫إستطاع أن يكون له أثر مباشر على نظريات التعلم وعلم النفس والتربية‪ .‬ذلك‬
‫األثر الذي امتد طوال أربعة عقود‪ .‬وتأثيره على موضوع التعلم ال زال قائما حتى‬
‫اآلن حتى وان كانت النظرة السلوكية لمفهوم التعلم لم تعد تحظى باالهتمام الذي‬
‫حظيت به في الماضي‪ .‬إذ أن اإلتجاه المعاصر يميل نحو األخذ بالنظرية المعرفية‬
‫والتي أخذت تزداد رسوخا يوما بعد يوم‪.‬‬

‫ص‪23.‬‬ ‫‪ -39‬مصطفي ناصف‪ ،‬نظريات الت لم‪ ،‬المصدر أعاله‪،‬‬


‫وبما أن اإلنسان يتعلم عن طريق المحاولة والخطأ فعلى المعلم توفير الظروف‬
‫المناسبة للمتعلم لممارسة هذه المحاوالت‪ .‬وعليه فمن التطبيقات التربوية التي يمكن‬
‫إعمالها داخل الفصل الدراسي‪ ،‬نذكر من أبرزها‪:‬‬

‫* مبدأ مشاركة المتعلم‪ :‬في قانون اإلستعداد أو التهيؤ إذ على المعلم إستثارة‬
‫دافعية التالميذ عن طريق إشراكهم في اختيار أنشطة التعلم وممارستها وتكييفها بما‬
‫يستثير لديهم دوافع الفضول وحب االستطالع وجعل بيئة التعلم مثيرة وجذابة ومشبعة‬
‫لحاجات التالميذ ودوافعهم‪.‬‬

‫* مبدأ تقوية اإلرتباطات عن طريق الممارسة‪ :‬ففي ضوء قانون التدريب‪،‬‬


‫يجب على المعلم مساعدة تالميذه على تكوين إرتباطات جديدة وتدعيم وتكرار هذه‬
‫اإلرتباطات الحسنة وممارستها أو إضعاف تلك التي هي غير مرغوب فيها‪ ،‬وينطبق‬
‫هذا القانون على‪:‬‬

‫* المهارات الحركية‪ :‬الكتابة والقراءة ورسم الخرائط واألشغال الفنية‪....‬‬

‫* بعض العادات السلوكية‪.‬‬

‫* حفظ وتذكر المعلومات اللفظية ( كالقصائد )‪.‬‬

‫* التدريبات اللغوية والتمرينات الرياضية والتجارب العملية‪.‬‬

‫* مهارات الفك والتركيب والتجميع واألنشطة اليدوية األخرى‪.‬‬

‫فإنه على المعلم استخدام الضوابط الفعالة التي‬


‫* مبدأ األثر‪ :‬في ضوء هذا القانون ّ‬
‫يهتم بها التالميذ أو تضايقهم بحيث يمكن التحكم في سلوك التالميذ وتحقيق ما‬
‫يشبع دوافعهم أحيانا ويثير قلقهم أحيانا‪ .‬وعلى ذلك يوضح ثورندايك وظيفة المعلم‬
‫في الصف كما يلي‪:‬‬

‫األولية‪.‬‬
‫‪ -‬تقسيم موضوع الدرس إلى عناصره ّ‬
‫‪ -‬تمديد المثيرات المناسبة لكل عنصر مع اعتبار عدد كبير من‬
‫اإلتجاهات لديه‪.‬‬

‫ومكونات الدرس حسب تدرجها‪.‬‬


‫ّ‬ ‫‪ -‬ترتيب عناصر‬

‫‪ -‬تقديم العناصر بطريقة تسعى لحدوث اإلستجابة الصحيحة‪.‬‬

‫وتجنب حالة المضايقة عند‬


‫ّ‬ ‫‪ -‬تشجيع تكرار اإلستجابات الصحيحة‬
‫الطالب‪.‬‬

‫التدرج‪ :‬يمكن اإلستفادة من هذا المبدأ في وضع البرامج الدراسية والدروس‪،‬‬


‫* مبدأ ّ‬
‫بمعنى أن تكون موضوعات الدراسة (مواضيع الدروس) في المراحل األولى (في‬
‫ثم تزداد صعوبة شيئا فشيئا‪ ،‬وذلك لكي تساعد الخب ارت السابقة وما‬
‫البداية) سهلة ّ‬
‫كان يسودها من شعور بالنجاح لح ّل المشكالت الجديدة وما تحتاج إليه من جهد‬
‫نكون عادات جديدة مادامت واحدة‬
‫تكون نفسها فال ّ‬‫وعناية‪ .‬وما دامت العادات ال ّ‬
‫تؤدي الوظيفة‪ ،‬وأن نبني عادات عند المتعلم يستفيد منها‪.‬‬

‫ويهتم ثورندايك بثالث مسائل أساسية تؤثر في استفادة المعلم منها في عمله‬
‫‪40‬‬
‫داخل الصف‪:‬‬

‫‪ -40‬صالح محمد علي أبو جادو‪ ،‬علم النفس التربوي‪ ،‬مصدر أعاله‪ .‬ص‪.829 .821.‬‬
‫* تحديد الروابط بين المثيرات و االستجابات التي تتطلب التكوين أو التقوية أو‬
‫اإلضعاف‪.‬‬

‫* تحديد الظروف التي تؤدي إلى الرضا أو الضيق عند التالميذ‪.‬‬

‫* إستخدام الرضا أو الضيق في التحكم في سلوك التالميذ‪.‬‬

‫* التركيز على التعلم القائم على األداء وليس اإللقاء‪.‬‬

‫ج‪ -‬اإلشراط اإلجرائي‪:‬‬

‫هو االتجاه األكثر انتشا اًر وبرو اًز من اإلتجاهات الجديدة في السلوكية‪ ،‬ولما‬
‫كانت هذه النظرية نسقا منتظما ألبحاث علم النفس فإنه يشار إليها باسم التحليل‬
‫التجريبي للسلوك‪ ،‬كما يطلق عليهما مسميات أخرى مثل الشرطي اإلجرائي‪،‬‬
‫( ‪Buhrrus Frederic‬‬ ‫الوسيلي‪ .‬وقد تمكن صاحب هذه النظرية بوروس فريدريك سكنر‬
‫بفضل أعماله العديدة أن يتبوأ مكانة مرموقة بين علماء النفس‬ ‫‪)6119-6198( )Skinner‬‬

‫األمريكيين‪ ،‬وأن تجد أفكاره سبيلها إلى المشتغلين بميدان التربية وعلم النفس في‬
‫العديد من بلدان العالم‪ ،‬وتحظى باهتمامهم‪.‬‬

‫تعتبر النظرية اإلجرائية السلوك موضوعها األساسي ألن السلوك ذاته جانب‬
‫أساسي من جوانب الحياة اإلنسانية وجدير بالدراسة لذاته‪ .‬والسلوك قد يكون فطريا‬
‫أو مكتسبا بدرجة ما وقد يعتمد على عوامل تسبقه (حوادث سابقة) كما قد يعتمد‬
‫على ما يعقبه (عوامل الحقة)‪.‬‬
‫هناك أنماط من السلوك تحدث بفعل بعض المثيرات أو يمكن إستحداثها بفعل‬
‫هذه المثيرات (مثل إغماض العين إستجابة لنفخة من الهواء) أو بكاء الطفل لتأتي‬
‫إليه أمه‪ .‬والسلوك ليس مجرد حركة‪ ،‬فهذه النظرية ال تستبعد إعتبار األحداث العقلية‬
‫كالتفكير والتخيل أنواعا من السلوك‪.‬‬

‫‪ -1‬أنواع السلوك عند سكنر‪:‬‬

‫استجابة العضوية في المواقف المختلفة (الطبيعية والتجريبية) هي العنصر‬


‫األول في تشكل السلوك‪ .‬وحسب سكينر قد تكون االستجابات المتعاقبة متشابهة‬
‫ولكنها ال تكون أبدا مماثلة‪ ،‬لذلك فمن الضروري أال ندرس اإلستجابات الفردية‬
‫فحسب بل فئات اإلستجابات‪ .‬وبعض فئات اإلستجابات يطلق عليها إسم ردود‬
‫الفعل االستجابية وهي اإلستجابات التي تحددها المثيرات المنبهة لها أو تسحبها‪،‬‬
‫وهذه األنواع من االستجابات هي التي تتمثل في العالقة بين المثيرات واإلستجابات‬
‫المسماة باإلنعكاسات‪ ،‬وعلى سبيل المثال فإن البكاء الناجم عن تقطيع شرائح البصل‬
‫الطازج ينتمي إلى نوع من اإلستجابات أي أنه جزء من إنعكاسات تختلف عن تلك‬
‫‪41‬‬
‫اإلستجابات التي تحدث بفعل هبوب الريح البارد على الوجه‪.‬‬

‫قسم سكنر السلوك (الحيواني واإلنساني) إلى نوعين‪ :‬السلوك اإلستجابي‬


‫والسلوك اإلجرائي‪ .‬ووجد أن السلوك اإلجرائي يحتل الجزء األكبر من السلوك‪.‬‬
‫فمعظم الخبرات الحياتية والعادات التي يكتسبها اإلنسان أو الحيوان تتكون بفضل‬

‫ص‪822.‬‬ ‫‪ -41‬مصطفي ناصف‪ ،‬نظريات الت لم‪ ،‬المصدر أعاله‪،‬‬


‫اإلستجابات اإلجرائية‪ .‬في حين أن قليالً منها يتكون عن طريق اإلستجابات‬
‫اإلستجابية‪.‬‬

‫أ‪ -‬السلوك االستجابي‪:‬‬

‫هذا السلوك يتكون من اإلستجابات التي تستجرها مثيرات محددة معروفة مثل‬
‫اتساع أو تضيق حدقة العين لكمية الضوء المؤثر في شبكية العين‪.‬‬

‫ب‪ -‬السلوك االجرائي‪:‬‬

‫سلوك يؤثر في البيئة‪ ،‬ويترتب عليه تغير في العالم بل إنه يغير في البيئة‬
‫ذاتها بطريقة أو بأخرى‪ ،‬وهو يماثل إلى حد قريب جدا السلوك األدائي أو ما يعرف‬
‫(باسم السلوك اإلرادي أو السلوك الغرضي‪ ،‬القصدي) ومن األمثلة على ذلك‬
‫التحدث واإلنتقال من مكان آلخر‪ ...‬ومن هذه الرؤية فإن الكائن الحي يكون نشيطا‬
‫في بيئته وبالتالي فهو ال يدفع هنا وهناك في هذه البيئة مسلوب اإلرادة‪.‬‬

‫وبعض أنواع اإلستجابات التي يطلق عليها إسم اإلجراءات نعرفها بآثارها‬
‫البيئية وليس عن طريق المثيرات التي تستدعيها‪ ،‬وعلى سبيل المثال‪ :‬قيادة السيارة‬
‫أو ركوب الدراجة أو المشي على األقدام بهدف الوصول إلى مكان ما إجراءات‬
‫‪42‬‬
‫متشابهة قد تنتمي إلى نوع واحد من اإلستجابة‪.‬‬

‫ص‪822.‬‬ ‫‪ -42‬المصدر نفسه‪،‬‬


‫والسلوك اإلجرائي هو سلوك معزز وتشكيل السلوك ينطوي على عملية تحديد الهدف‬
‫السلوكي المرغوب فيه وتجزئته إلى سلسلة من الخطوات المتتابعة التي تقترب تدريجيا‬
‫من بلوغ الهدف والتي ينبغي تعزيز كل خطوة منها‪.‬‬

‫إستراتيجيات تشكيل السلوك تتحدد من خالل بعض الخطوات منها‪:‬‬

‫‪ -‬تحديد النتائج التي قد تكون مؤثرة في التوصل إلى التغيير المطلوب‪.‬‬


‫‪43‬‬
‫‪ -‬تحديد العناصر السلوكية السليمة وغير السليمة بوضوح والقابلة للمالحظة ‪.‬‬

‫‪ -‬تحديد حجم الخطوات (ليست صغيرة جدا حتى ال يضيع الوقت في األمور‬
‫الدقيقة جدا إن لم يكن ذلك ضروريا‪ ،‬وال كبيرة فال نستطيع تعزيز السلوك)‪.‬‬

‫‪ -‬تحديد المعززات التي ثبتت فعاليتها في معالجة مواقف التعلم المشابهة لها‪.‬‬

‫‪ -‬التأكد من إكتساب السلوك في كل مستوى‪.‬‬

‫‪ -2‬تعزيز السلوك عند سكنر‪:‬‬

‫ما هو العامل أو الشرط الذي يؤدي إلى احتفاظ الكائن الحي ببعض‬
‫اإلستجابات دون البعض اآلخر عبر المحاوالت التي تتاح له؟ ويجيب سكينر‪،‬‬
‫التعزيز‪.‬‬

‫يعتبر التعزيز أحد الموضوعات التي أوالها سكنر اهتماماً خاصاً‪ ،‬وخصص له‬
‫كتاباً ضخماً بعنوان‬ ‫(‪)FERSTER‬‬ ‫جزءاً هاماً من أعماله‪ .‬فقد نشر بالتعاون مع فرستر‬
‫مليون إستجابة قامت‬ ‫‪999‬‬ ‫رسماً بيانياً لـ‬ ‫‪196‬‬ ‫"جداول التعزيز"‪ .‬ويتضمن هذا الكتاب‬
‫‪44‬‬
‫ومن بين المتغيرات يركز‬ ‫ساعة‪.‬‬ ‫‪79999‬‬ ‫بها الحمائم في مواقف تجريبية إستغرقت‬

‫‪ - 43‬صالح محمد علي أبو جادو‪ ،‬علم النفس التربوي‪ ،‬مصدر أعاله‪ .‬ص‪.821 .822.‬‬
‫‪ -44‬ينظر بدر الدين عامود‪ ،‬علم النفس في ال رن ال شرين (ج‪ ،)8.‬المصدر أعاله‪ ،‬ص‪.210 .229 .‬‬
‫سكنر وزميله على نوعين للتعزيز‪ :‬المعدل والفاصلي‪ .‬ويقوم األول على أساس معدل‬
‫صور اإلستجابة‪ .‬أما الثاني فيتوقف التعزيز فيه على الزمن وحده دون النظر إلى‬
‫عدد اإلستجابات‪.‬‬

‫وكل من النوعين إما أن يكون ثابتاً أو متغي اًر‪ .‬ففي المعدل الثابت يتم التعزيز‬
‫بعد صدور عدد محدد من االستجابات‪ .‬وفي المعدل المتغير يكون التعزيز بعد عدد‬
‫مختلف ومتفاوت من اإلستجابات‪ .‬بينما يتم التعزيز الفاصلي الثابت بعد مضي وقت‬
‫محدد مسبقاً‪ .‬ويتم التعزيز الفاصلي المتغير في أوقات متفاوتة وغير محددة‪.‬‬

‫»وهنا مرة أخرى‪ .‬يقتفي سكنر أثر ثورندايك‪ .‬غير أن فهمه للتعزيز يختلف عن فهم‬
‫ثورندايك‪ .‬فبينما يعني ثورندايك بالتعزيز اإلرتياح والرضا وتجنب األلم‪ ،‬يراه سكنر‬
‫متجسداً في كل واقعه تزيد من احتمال صدور االستجابة التي كانت سبباً في ظهور‬
‫تلك الواقعة‪.‬‬

‫المعززات‬
‫ّ‬ ‫المعززات اإليجابية‪ ،‬مثلما يعترف بوجود‬
‫ّ‬ ‫ويعترف سكنر بأهمية‬
‫المعزز اإليجابي أو عن طريق‬
‫ّ‬ ‫السلبية‪ .‬ويرى أن التعزيز يتم عن طريق تقديم‬
‫المعزز السلبي‪ .‬أي أن الكائن الحي يتعلم إستجابة ما بأسلوبين‪ :‬تقديم‬
‫ّ‬ ‫استبعاد‬
‫المعزز السلبي‪ .‬ويتوقف سكنر للتمييز بين ما يعنيه‬
‫ّ‬ ‫المعزز اإليجابي واستبعاد‬
‫ّ‬
‫‪45‬‬
‫المعزز السلبي‪».‬‬
‫ّ‬ ‫بالتعزيز السلبي والعقاب‪ .‬فاألول يحدث نتيجة حذف‬

‫وال يستبعد سكنر العقاب من عملية التعلم إذ يمكن أن يكون عامال هاما في‬
‫معزز‬
‫تعديل السلوك »أما العقاب فهو‪ ،‬في نظره‪ ،‬أسلوب معاكس‪ .‬إنه يعني تقديم ّ‬
‫سلبي (الضرب‪ ،‬التوبيخ‪ ،‬الصدمة الكهربائية‪ .)...‬ولذا فإن اآلثار التي تتركها‬

‫‪ -45‬ينظر بدر الدين عامود‪ ،‬علم النفس في ال رن ال شرين (ج‪ ،)8.‬المصدر أعاله‪ ،‬ص‪.229 .‬‬
‫الحالتان مختلفة‪ .‬فإذا كان التعزيز يقوي إمكانية صدور اإلستجابة المطلوبة‪ ،‬فإن‬
‫العقاب ال يقود حتماً إلى إضعاف إمكانية حدوث اإلستجابة غير المرغوب فيها‪.‬‬
‫‪46‬‬
‫»‬

‫بهذا فهو يرفض السلوك بصيغة (منبه ‪ -‬إستجابة) ويعتبرها عاجزة عن ضبط‬
‫السلوك بسبب إغفالها أثر اإلستجابة في السلوك الالحق‪ .‬ويقترح صيغة أخرى ذات‬
‫‪-6‬الواقعة التي تحدث اإلستجابة بسببها ‪ -9‬اإلستجابة ‪-1‬‬ ‫ثالثة حدود‪:‬‬
‫التعزيز‪.‬كما يبينه الشكل الموالي رقم‬
‫(‪)9‬‬

‫محددات السلوك حسب سكينر‬ ‫(‪)2‬‬ ‫شكل رقم‬

‫التعزيز‬ ‫الواقعة‬

‫االستجابة‬

‫‪ -3‬تصنيف المعززات‪:‬‬

‫هناك عدة تصنيفات للمعززات‪:‬‬

‫‪ -46‬ينظر المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.229 .‬‬


‫* كالمعززات األولية والثانوية‪ :‬األولية أو الطبيعية أو غير الشرطية مثل‬
‫الطعام والشراب‪ .‬أما الثانوية أي الشرطية أو المتعلمة هي المحايدة في أصلها لكن‬
‫باإلقتران مع مثيرات أخرى اكتسبت القدرة على التعزيز‪.‬‬

‫* التعزيز اإليجابي والتعزيز السلبي‪ :‬اإليجابي هو إضافة مثير معين مباشرة‬


‫بعد السلوك المرغوب فيه كمدح التلميذ مباشرة بعد ظهور السلوك أو تقديم اإلجازات‬
‫أو من خالل إزالة سلوك مؤلم‪ .‬أما السلبي هي المثيرات التي تريد العضوية التخلص‬
‫منه أو التخفيف منها كتخفيف العقوبة المسلطة على المتعلم‪ .‬فالمعززات السلبية هي‬
‫عبارة عن مثيرات تزيد من إحتمالية ظهور اإلستجابة عندما يتم إزالتها‪.‬‬

‫* المعززات الغذائية (أنواع الطعام‪ ،)...‬المادية (الهدايا)‪ ،‬النشاطية (برامج‬


‫ترفيهية)‪ ،‬الرمزية (المثيرات القابلة لإلستبدال كنقاط اإلستحقاق)‪ ،‬اإلجتماعية (الثناء‬
‫‪47‬‬
‫واالبتسامة‪ ،‬مسح الشعر‪.)...‬‬

‫‪ -4‬التعليم المبرمج‪:‬‬

‫ربما يرجع الفضل في إنتشار إجرائية سكنر إلى ربطها بمجاالت حيوية‪،‬‬
‫كالتربية والتعليم والصحة النفسية مثال‪ ،‬إذ عمل على تطبيق التعليم المبرمج باستخدام‬
‫مبادئ التعليم اإلجرائي في التعليم ومعالجة األمراض العصابية‪.‬‬

‫وتتلخص فكرة سكنر عن التعليم المبرمج في أن تسلسل المادة المتعلمة في‬


‫خطوات متتالية يحافظ على فعالية المتعلم ويسهل عليه هذه المهمة‪» ،‬حيث أنه‬
‫يوفر للتلميذ ما يوفره الصندوق للفأر أو الحمامة من خالل تغذيته ببرنامج يحتوي‬

‫‪ -47‬صالح محمد علي أبو جادو‪ ،‬علم النفس التربوي‪ ،‬مصدر أعاله‪ .‬ص‪.828.‬‬
‫على دروس قديمة وجديدة‪ .‬وما على التلميذ في هذا الموقف إال أن يضغط على‬
‫زر معين كي تظهر المادة التعليمية (تمارين‪ ،‬جمل‪ ،‬أسئلة‪ )...‬على الشاشة‪ .‬ثم‬
‫يطلب منه حلها أو اإلجابة عليها‪ .‬وليتعرف على ما إذا كانت نتيجة عمله صحيحة‬
‫أم خاطئة عليه أن يضغط على الزر المخصص لذلك‪ .‬ويعتبر اتفاق اإلجابة التي‬
‫تظهر على شاشة جهاز التعليم واجابة التلميذ بمثابة التعزيز‪ .‬بينما يكون عدم اإلتفاق‬
‫‪48‬‬
‫هذا‬ ‫بينهما فرصة لتعرف التلميذ على خطئه وتفاديه في المحاولة الثانية‪».‬‬
‫األسلوب من التعليم يزود المتعلم في كل خطوة من خطوات تعليمه بالتغذية الراجعة‪،‬‬
‫ويم ّكن من إستخدام وسائل مختلفة في التعلم كالكتب المبرمجة واألجهزة (الوسائل)‬
‫التعليمية المختلفة أي مصادر تعليمية مختلفة خالف المعلم خاصة مع التطور‬
‫التكنولوجي الهائل الذي يشهده عصرنا الحالي‪ .‬ويتيح كذلك فرصة للتعلم الفردي‪.‬‬

‫‪ -9‬التطبيقات التربوية لنظرية سكينر‪:‬‬

‫حذر سكنر المعلمين من الممارسات الصفية المنفرة التي قد تقترن بسلوكهم‬


‫أو بمادتهم المدرسة‪ .‬وما يمكن اإلستفادة منه من هذه النظرية هو إضافة إلى التعليم‬
‫المبرمج يمكن اإلشارة إلى بعض النقاط منها‪:‬‬

‫‪ -‬استخدام التعزيز اإليجابي وفي الوقت المناسب في عملية التدريس‪.‬‬

‫‪ -‬تحديد حجم السلوك المراد تشكيله وتسلسل الخطوات وتتابعها‪.‬‬

‫ص‪218. 210.‬‬ ‫‪ -48‬ينظر بدر الدين عامود‪ ،‬علم النفس في ال رن ال شرين (ج‪ ،)8.‬المصدر أعاله‪،‬‬
‫‪ -‬ضبط المثيرات المنفرة وتقليلها حتى ال يزيد إستخدام أسلوب العقاب أو‬
‫التعزيز السلبي‪.‬‬

‫‪ -‬معالجة السلوكات غير المرغوب فيها ألن السلوك ما هو إال نتيجة عملية‬
‫تعلم‪ .‬لذلك كان مجال هذا العالج من أكثر المجاالت أهمية في تطبيق مبادئ‬
‫اإلشراط حيث يمكن تعليم األفراد ذوي المشكالت السلوكية المختلفة طرق إضعاف‬
‫‪49‬‬
‫أو إزالة السلوك غير المرغوب فيه‪.‬‬

‫‪ -‬االعتماد على التغذية الراجعة أي إخبار المتعلم بنتائج تعلمه في الوقت‬


‫المناسب أي بعد المحاولة مباشرة‪ ،‬خاصة بنوع الخطأ الذي ارتكبه يساعده على‬
‫كيفية تصحيح الخطأ وبذلك يسرع التعلم‪.‬‬

‫‪ -2‬النظريات المعرفية‪:‬‬

‫هو علم يدرس تكوين وتناول‬ ‫(‪)psychologie cognitive‬‬ ‫علم النفس المعرفي‬
‫المعلومات لدى اإلنسان (‪ ،)Cognition‬والمعرفة هي موضوع إهتمام هذا الفرع المتعلقة‬
‫بأنواع المعلومات المختلفة التي نكتسبها في مواقف الحياة التي نتعرض لها‪ ،‬كما‬
‫تتعلق بأنواع العمليات المرتبطة بطريقة اكتسابها واإلحتفاظ بها في الذاكرة واعادة‬
‫استخدامها‪.‬‬

‫بواسطة دراسة المعرفية يتطلع علماء النفس المعرفي إلى فهم الممارسات‬
‫اليومية لمختلف أنشطة الفرد بصفة مستمرة والتي تشترك فيها العديد من العمليات‬

‫‪ - 49‬صالح محمد علي أبو جادو‪ ،‬علم النفس التربوي‪ ،‬مصدر أعاله‪ .‬ص‪.822.‬‬
‫المعرفية مثل‪ :‬اإلنتباه‪ ،‬اإلدراك‪ ،‬التفكير‪ ،‬التذكر‪ ،‬وحل المشكالت‪ ،‬التعلم والعمليات‬
‫اإلرتقائية المختلفة‪.‬‬

‫(‪)Black, Ramsey‬‬ ‫مصطلح علم النفس المعرفي ظهر في دراسات بالك ورامسي‬
‫في كتاب "اإلدراك‪ ،‬مدخل إلى الشخصية" غير أننا ال يمكن إغفال أعمال‬ ‫‪6196‬‬ ‫سنة‬
‫على سبيل المثال هيرمان ابنغهاوس (‪ )6191-6499( )Ebbinghaus, Hermann‬في مجال كيفية‬
‫حدوث العمليات المعرفية لتفسير السلوك اإلنساني (الذاكرة والتذكر)‪ ،‬وفيما بعد‬
‫حول النمو المعرفي لدى الطفل‪ .‬هذا العلم الذي‬ ‫(‪)Jean PIAGET‬‬ ‫أعمال جون بياجيه‬
‫نما وتطور كثي ار موظفا كثي ار مختلف اإلكتشافات العلمية في تفسير مختلف العمليات‬
‫العقلية حتى أنهم يعتبرون أن التفكير لدى اإلنسان يتم بنفس الطريقة التي يتم بها‬
‫برنامج حاسوبي مثال‪ ،‬أو تفسير عملية التعلم لدي اإلنسان من خالل ما يعرف‬
‫باإلرتباطات الشرطية‪ ،‬كعملية بناء معرفي يخزن في الذاكرة ‪ -‬حيث تنظيم‬
‫المعلومات الخاصة باألحداث المختلفة التي حدثت وتعرض لها الفرد‪ -‬ويستعيدها‬
‫منها ويعطي اإلستجابة الموافقة عندما يستقبل المنبهات (أسئلة اإلختبار مثال)‪.‬‬
‫فالمتعلم يعتمد على البناء المعرفي الذي تلقاه ويسترجعه من الذاكرة‪ ،‬ويوظفه وفق‬
‫الموقف الذي تطلب استدعاء البناء المعرفي‪ ،‬وبالتالي فإن اإلستجابة تختلف‬
‫بإختالف طبيعة الموقف‪ .‬فالعضوية تخزن في الذاكرة األحداث التي وقعت في‬
‫التجربة‪ ،‬وعند إختبارها‪ ،‬يتم استرجاع هذا البناء المعرفي‪ ،‬واإلستجابة تتحدد حسب‬
‫المعلومات التي تم تعلمها واختزانها‪.‬‬

‫من هنا كان اهتمام كثير من علماء النفس بالتعلم المعرفي‪ ،‬أي التعلم الذي‬
‫يصحبه إستثارة الفهم واإلستبصار‪ ،‬وتكوين تصورات ذهنية عن الموضوعات‬
‫"الشكلية " والتعلم‬ ‫(‪)Gestalt‬‬ ‫المتعلمة‪ .‬وأبرز هؤالء العلماء هم علماء الجشطلت‬
‫باإلستبصار‪.‬‬

‫أ‪ -‬نظرية الجشطالت‪:‬‬

‫األلمانية‪ ،‬التي تعني "الصيغة" أو‬ ‫‪GESTALT‬‬ ‫التسمية مشتقة من كلمة غشتالت‬
‫"الشكل"‪ .‬مؤسسها ماكس ورتايمر (‪ )6181-6449( )Max WERTHEIMER‬الذي انضم إليه‬
‫كورت كوفكا (‪6186-6441( )Kurt KOFFKA‬م) وولفانغ كوهلر (‪6117-6447( )Wolfgang KöHLER‬م)‪.‬‬

‫اختارت المجموعة اإلدراك (إدراك الحركات المرئية) * ليكون موضوعاً لسلسلة‬


‫من التجارب المخبرية التي تولى ورتايمر اإلشراف عليها وشارك فيها كوفكا وكوهلر‬
‫كمفحوصين‪.‬‬

‫هذا المفهوم »األساسي الرئيسي في النظرية الجشطلتية ال‬ ‫(‪)Gestalt‬‬ ‫الجشطلت‬


‫يمكن لسوء الحظ‪ ،‬ترجمته إلى اإلنجليزية (والعربية) أيضا ترجمة دقيقة وبطبيعة‬
‫جزءًا من‬ ‫(‪)Gestalt‬‬ ‫الحال فان هذا هو سبب بقاء الكلمة األلمانية الجشطلت‬
‫مصطلحات علم النفس الفنية المستخدمة عالميا‪ .‬والكلمة تعني أقرب ما يكون‬
‫الصيغة أو الشكل أو النموذج أو الهيئة أو النمط أو البنية أو الكل المنظم‪ ،‬كذلك‬
‫الكل المتسامي ‪ ...‬والجشطلت كل مترابط األجزاء باتساق أو انتظام‪ ،‬أو نظام فيه‬
‫‪50‬‬
‫تكون األجزاء المكونة له مترابطة ترابط ًا دينامياً فيما بينها وما بين الكل ذاته‪».‬‬

‫* الحقيقية أن هذه الظاهرة كان قد كشف عنها عالم الفيزيولوجيا البلجيكي بالتو في بداية القرن التاسع عشر‪ .‬إذ توصل إلى أن عرض‬
‫الصور الساكنة بواسطة جهاز خاص جهاز ‪( stroboscope‬قياس سرعة التردد) يحدد تعاقبها ويتحكم بسرعة عرضها يحمل المشاهد‬
‫إلى رؤيتها كأشياء متحركة‪.‬‬
‫‪ -50‬مصطفي ناصف‪ ،‬نظريات الت لم‪ ،‬المصدر أعاله‪ ،‬ص‪.301. 302.‬‬
‫جاءت هذه النظرية ردا على المدرسة االرتباطية وفكرة االرتباط‪» .‬وقالوا بأن‬
‫الخبرة تأتي في صورة مركبة‪ ،‬فما الداعي إلى تحليلها ثم البحث عما يربطها‪ .‬وذهبوا‬
‫إلى أن تمييز العناصر مضلل في علم النفس‪ ،‬وأن السلوك ال يمكن رده إلى مثير‬
‫واستجابة‪ .51» .‬فإذا ما أردنا أن نفهم لماذا يقوم الكائن بالسلوك الذي يسلكه فال بد‬
‫لنا من أن نفهم كيف يدرك هذا الكائن نفسه والموقف الذي يجد فيه نفسه‪ ،‬ومن هنا‬
‫كان اإلدراك من القضايا األساسية في التحليل الجشطلتي‪.‬‬

‫عارضت النظرية الجشطلتية تلك النظرة إلى النفس اإلنسانية المتمثلة في أن‬
‫هذه النفس ليست أكثر من المجموع الكلي ألجزائها المكونة لها والمتمثلة في‬
‫األحاسيس والمشاعر وغيرها‪ .‬أليس العقل أكثر من مجرد مجموعة أو خليط مما‬
‫يحتويه؟ أليست األلحان الموسيقية أكثر بكثير من مجرد النغمات المتوالية التي‬
‫تتكون منها؟ وهل الجملة مجرد جمع للحروف والكلمات؟ أليست السيمفونية شيئا‬
‫يختلف كل االختالف عن مجرد مجموع األصوات التي تصنعها مجموعة مختلفة‬
‫من الموسيقيين عن طريق مجموعة من اآلالت الموسيقية في آن واحد وفي غرفة‬
‫واحدة؟ والشيء الذي أدى إلى ظهور النظرية الجشطلتية والنظريات األخرى‬
‫المنافسة لها يمثل االعتقاد الراسخ بأن الصورة اآللية اإلرتباطية الخاملة للنفس‬
‫البشرية ال تعبر بحق عن الطبيعة الفنية الخالقة ذات الطبيعة المعقدة التنظيم‬
‫‪52‬‬
‫للعمليات والحوادث العقلية‪.‬‬

‫ولما كان للغشطلتيين صلة بالعلوم (كوهلر تلقى تعليما فيزيائيا ورياضيا‪،‬‬
‫ورتايمر صديقاً للعالم الفيزيائي المعروف ألبرت أنشتاين‪ .‬ومن خالل هذه العالقة‬

‫‪ - 51‬صالح محمد علي أبو جادو‪ ،‬علم النفس التربوي‪ ،‬مصدر أعاله‪ .‬ص‪.829.‬‬
‫‪ - 52‬مصطفي ناصف‪ ،‬نظريات الت لم‪ ،‬المصدر أعاله‪ ،‬ص‪.300.‬‬
‫قام بإشراكه في تجارب وأجرى معه سلسلة من المقابالت)‪ .‬فال عجب‪ ،‬والحالة هذه‪،‬‬
‫أن يعلن هؤالء عن إقامة علم النفس وفق النموذج الفيزيائي اعتقاداً منهم بأنه يضمن‬
‫اإلرتقاء بدراسة الظاهرة اإلدراكية من مستوى الوصف إلى تعيين بعدها المادي‬
‫‪53‬‬
‫والفيزيولوجي‪.‬‬

‫‪ -1‬التعلم عند الغشطالت‪:‬‬

‫التعلم في صورته النموذجية عملية إنتقال من موقف غامض ال معنى له أو‬


‫موقف ال ندري كنهه إلى حالة يصبح معها ما كان غير معروف أو غير مفهوم‬
‫أم ار في غاية الوضوح ويعبر عن معنى ما ويمكن فهمه والتكيف معه‪.‬‬

‫وتختلف الطريقة الجشطلتية في فهمها للتعلم اختالفا جذريا عن وجهات النظر‬


‫السابقة‪ ،‬بل إنها تتناقض تناقضا حادا مع وجهات النظر المعاصرة لها (المحاولة‬
‫والخطأ‪ ،‬اإلرتباط)‪ ،‬فاألساس في التعلم الفهم واالستبصار واإلدراك‪ .‬فالتعلم يحدث‬
‫نتيجة اإلدراك الكلي للموقف وليس نتيجة إدراك أجزاء الموقف منفصلة ألن تحليل‬
‫الكل أي أجزائه المكونة له يفقد كثي ار من خصائصه‪.‬‬

‫ففي إحدى تجاربه يقوم كوهلر بوضع الشمبانزي في قفص يتدلى من سقفه‬
‫قرط من الموز‪ .‬ولكي يصل هذا القرد إلى الطعام عليه أن يستخدم عصا موجودة‬
‫في ركن من أركان القفص (أو يتسلق‪ ،‬في وجه آخر لهذه التجربة‪ ،‬صندوقاً من‬
‫الخشب ملقى في أحد أركان القفص‪ ،‬أو يتسلق‪ ،‬في وجه ثالث‪ ،‬صندوقين خشبيين‬

‫‪ - 53‬ينظر بدر الدين عامود‪ ،‬علم النفس في ال رن ال شرين (ج‪ ،)8.‬المصدر أعاله‪ ،‬ص‪.309.‬‬
‫متفاوتي الحجم بعد أن يضع الصندوق الصغير فوق الصندوق الكبير‪ ،‬أو أن يقوم‬
‫بسحب طرف أحد الحبال الذي يتصل بالموز)‪.‬‬

‫وفي تجربة أخرى كان كوهلر يضع الموز خارج القفص وعلى مرأى من‬
‫الشمبانزي‪ .‬ولكن الحيوان ال يستطيع أن يصل إليه إال إذا استخدم عصا موجودة‬
‫على مقربة منه كامتداد ليده‪ ،‬أي أن يستخدمها كأداة‪ .‬وفيما بعد قام كوهلر بتعقيد‬
‫شروط المشكلة‪ ،‬إذ وضع عصوين في ركن القفص وضمن ساحة إدراك الحيوان‪.‬‬
‫يحول العصوين إلى عصا (أداة)‬
‫وكان على الحيوان لكي يحصل على الطعام أن ّ‬
‫واحدة بإدخال نتوء يوجد في طرف إحداهما بثقب موجود في طرف األخرى‪ ،‬ألن‬
‫استخدام واحدة منهما فقط ال يوصل إلى الهدف‪ .‬وكان القرد يجد الحل للمشكالت‪.‬‬

‫فكيف يتم ذلك؟ يجيب كوهلر ومعه كوفكا بأن سلوك الحيوان يقتصر في‬
‫البداية على تأمل الموز والنظر في األدوات المقترحة (العصا‪ ،‬الصناديق‪ ،‬الحبال‪..‬‬
‫الخ)‪ ،‬ثم يحول بصره عنها ويلتفت حوله بعض الوقت ليرجع بعدها إلى تأمل الهدف‬
‫والوسيلة‪ ،‬وهكذا‪ ،‬دون أن يقوم بأي إجراء عملي يذكر‪.‬‬

‫وفي التجربة األخيرة (ذات المرحلتين) لم يالحظ كوهلر أي جديد في سلوك‬


‫القرد‪ ،‬باستثناء عدد المحاوالت التي قام بها بعد التقاطه للعصا الطويلة (وأحياناً‬
‫ال‬
‫القصيرة)‪ ،‬وعدم تمكنه من الوصول إلى الهدف‪ ،‬األمر الذي جعله يتراجع قلي ً‬
‫ليتأمل العصوين من جديد لينتهي به األمر إلى إلتقاطهما وادخالهما بعضهما ببعض‬
‫وتحويلهما‪ ،‬بالتالي‪ ،‬إلى عصا واحدة طويلة‪ ،‬ثم اإلمساك بها ليحصل في النهاية‬
‫على الموز‪.‬‬
‫وهكذا يمر الحيوان (وكذا اإلنسان) للخروج من الموقف اإلشكالي‪ ،‬في رأي‬
‫الغشتالتيين‪ ،‬بمرحلتين رئيسيتين‪:‬‬

‫المرحلة األولى‪ :‬ويقوم خاللها الحيوان بدراسة الموقف والنظر في شروطه‪ ،‬وهو ما‬
‫يدعى باإلستبصار‪.‬‬

‫المرحلة الثانية‪ :‬وفيها يتوصل الحيوان إلى الحل بصورة مفاجئة‪ .‬وتشمل هذه المرحلة‬
‫الجانب األدائي أو اإلجرائي من النشاط الذهني‪.‬‬

‫من خالل التجارب إنتقل الغشتالتيون من دراسة اإلدراك إلى دراسة التفكير‪،‬‬
‫الذي هو بالنسبة لهم إعادة تنظيم عناصر الموقف‪ ،‬حيث تتخذ فيه هذه العناصر‬
‫‪54‬‬
‫صيغة جديدة أو غشتالتاً جديداً‪ .‬وهو ما أطلق عليه الغشتالتيون مفهوم اإلستبصار‪.‬‬
‫الذي هو الفهم الكامل لبنية الغشطالت من خالل العالقات القائمة بين أجزائه واعادة‬
‫تنظيم هذه العالقات‪.‬‬

‫ا‪ -‬العوامل المؤثرة في االستبصار‪:‬‬

‫هناك عوامل لها تأثير على عملية اإلستبصار‪.‬‬

‫‪ -‬مستوى النضج الجسمي‪ :‬في تجربة كوهلر ال معني وال جدوى‬


‫من العصا إن لم يكن القرد قاد ار على حملها‪.‬‬

‫‪ -‬مستوى النضج العقلي‪ :‬تنظيم المجال وادراك العالقات يكون حسب‬


‫درجات القدرة العقلية‪.‬‬

‫‪ -54‬ينظر بدر الدين عامود‪ ،‬علم النفس في ال رن ال شرين (ج‪ ،)8.‬المصدر أعاله‪ ،‬ص‪.382. 383. 388 .‬‬
‫‪ -‬تنظيم المجال‪ :‬في تجربة العصا (الوسيلة)‪ ،‬والهدف (الموز)‪،‬‬
‫والجوع (الدافع)‪ .‬ولو غاب عنصر من هذه العناصر ما حصل اإلستبصار‪.‬‬

‫‪ -‬الخبرة‪ :‬األلفة بعناصر الموقف تساعد على إعادة تنظيمه وربط‬


‫أجزائه بعضها ببعض‪.‬‬

‫»أما المسألة الخاصة بطبيعة التعزيز ودوره في عملية التعلم وهي المسألة‬
‫التي تعتبر في صلب نظرية التعلم المعاصرة‪ ،‬فهي مسألة ال تحظى باهتمام كبير‬
‫عند العلماء الجشطلتيين‪ .‬والواقع أن هؤالء العلماء يرون أن أوجه التعزيز الخارجي‬
‫مثل الطعام والنجوم المذهبة التي توضع على كتابات األطفال تشجيعا لهم والربت‬
‫على رؤوس اآلخرين تشجيعا إنما تصرف اإلنتباه عن التعلم ولعلها وسائل تتدخل‬
‫‪55‬‬
‫في عملية التعلم الحقيقي‪».‬‬

‫‪ -2‬قوانين الغشتالت (التعلم)‪:‬‬

‫هناك قوانين ينتظم تبعا لها العالم الخارجي في مجال اإلدراك‪ ،‬هذه القوانين‬
‫‪56‬‬
‫التي تعرف كذلك باسم التنظيم اإلدراكي منها‪:‬‬

‫‪ -6‬قانون التشابه‪ :‬فاألشياء والمعلومات والخبرات المتشابهة على اختالف‬


‫أنواعها وأحجامها وأشكالها‪ ،‬وخبرات معرفة أو خاصة باكتساب مهارة من نوع ما‬
‫تميل إلى التجمع لتكوين وحدات معرفية أو مهارية متكاملة يزيد فيها إتضاح المعني‪.‬‬

‫‪ - 55‬مصطفي ناصف‪ ،‬نظريات الت لم المصدر أعاله‪ ،‬ص‪.302.‬‬


‫‪ -56‬ينظر‪ -‬محمد مصطفى زيدان و نبيل السمالوطي‪ ،‬علم النفس التربوي‪ ،‬المصدر أعاله‪ ،‬ص‪.831 832.‬‬
‫‪ -‬صالح محمد علي أبو جادو‪ ،‬علم النفس التربوي‪ ،‬مصدر أعاله‪ .‬ص‪.892 .892.‬‬
‫‪ -9‬قانون التقارب‪ :‬األشياء المتقاربة في الزمان والمكان من العوامل‬
‫المساعدة على إدراك المجموعات الحسية‪.‬‬

‫‪ -1‬قانون الثبات أو اإلقفال (اإلغالق)‪ :‬فاألشياء الناقصة تدعونا إلى‬


‫إدراكها كاملة‪ ،‬فاألشياء الناقصة تميل إلى أن تكمل نفسها حتى تكون أثبت وأسهل‬
‫في تكوين الصورة أو الصيغة في اإلدراك الحسي‪.‬‬

‫‪ -8‬قانون االتصال (اإلستمرار)‪ :‬األشياء المتصلة تدرك كصيغ‪ ،‬مثل النقاط‬


‫التي بينها خطوط‪.‬‬

‫‪ -9‬قانون الشمول‪ :‬األشياء تدرك كصيغ إذا كان هناك ما يجمعها ويحتويها‬
‫ويشملها كلها‪ ،‬فصورة صفين متوازين من األشياء تعطي صيغة طريق مثال‪.‬‬

‫»ومجمل ما عناه الغشتالتيون بهذه القوانين هو أن الفرد ينزع إلى إدراك‬


‫األشياء بصورة كلية ومتوازنة وحسنة بفعل العمليات الفيزيولوجية الفطرية التي يقوم‬
‫بها الدماغ‪ .‬فالصورة ندركها كاملة ولو تخلّلتها فجوات أو ثغرات أو حتى إذا كانت‬
‫مجرد خطوط متقطعة‪ .‬كما ننزع إلى الربط (اإلغالق) بين النقاط الموجودة أمامنا‬
‫على الورقة وادراكها كشكل هندسي‪ .‬ونؤلف بين األشياء القريبة بعضها إلى بعض‬
‫‪57‬‬
‫وتقارب األشياء زمنيا ومكانيا يساعد على تذكرها‪.‬‬ ‫في صورة كلية‪».‬‬

‫‪ -1‬التطبيقات التربوية لنظرية الغشتالت‪:‬‬

‫‪ -57‬ينظر بدر الدين عامود‪ ،‬علم النفس في ال رن ال شرين (ج‪ ،)8.‬المصدر أعاله‪ ،‬ص‪.330 .‬‬
‫هذه النظرية لو اعتمدنا وطبقنا القوانين التي جاءت بها فيمكن اإلستفادة منها‬
‫في عدة نواحي منها‪:‬‬

‫‪ -‬فمادام الكل يسبق األجزاء‪ ،‬ففي ميدان التربية والتعليم فإن عرض موضوع‬
‫التدريس في جملته وتوضيح النظرة العامة وبعد ذلك التطرق إلى أجزائه يساعد على‬
‫فهم الوحدة الكلية للموضوع‪.‬‬

‫‪ -‬كذلك إتباع الطريقة الكلية أي البدء بالجمل عوضا عن الكلمات والحروف يكون‬
‫أحسن بالنسبة للتلميذ‪ ،‬فالحرف ال معنى له بالنسبة للطفل المبتدئ‪ ،‬أما الجملة فإن‬
‫لها مدلول ومعنى يسهل على الطفل إدراكه‪.‬‬

‫لو اعتمدنا على قانون الثبات واإلقفال فان الحقائق (الجمل‪ ،‬األفكار‪،‬‬ ‫‪-‬‬
‫الكلمات‪ )..‬الناقصة‪ ،‬والمعلومات غير المرتبة سيميل الفرد إلى إكمالها وترتيبها في‬
‫ذهنه‪ ،‬وبذلك يتخلص من القلق الذي تثيره هذه الحقائق المشوهة‪.‬‬

‫‪ -3‬التعلم بالمالحظة‪:‬‬

‫يعود تاريخ نشأة هذه النظرية إلى بداية الستينيات‪ ،‬عندما قدم زعيمها ألبرت‬
‫بعنوان "التعلم اإلجتماعي‬ ‫(‪)Nebraska‬‬ ‫بحثاً إلى ندوة نبراسكا‬ ‫(‪)Albert BANDURA‬‬ ‫باندو ار‬
‫من خالل المحاكاة ("‪ .)6119( )"SOCIAL LEARNING THROUGH IMITATION‬ونشر باإلشتراك‬
‫مع أحد طالبه وهو ريتشارد ولترز (‪ )R. WALTERS‬كتاباً تحت عنوان "التعلم اإلجتماعي‬
‫ونمو الشخصية" (‪ .)6111( ")SOCIAL LEARNING AND PERSONALITY DEVELOPMENT‬ولم تتخذ‬
‫أبعادها وتكتمل محاورها كنظرية إال بعد مضي أكثر من عقد من الزمن‪ ،‬أي في‬
‫نهاية السبعينيات‪.‬‬
‫فبعد أن أشار الباحثان إلى كتاب ميللر ودوالرد "التعلم االجتماعي والتقليد"‬
‫وما احتواه من فرضيات تستثير الفكر‪ ،‬سجال حقيقة ذات مغزى تطوري وتاريخي‪،‬‬
‫حيث قاال‪" :‬وقد تطلب األمر عشرين سنة أخرى كي تصبح المحاكاة مشكلة نظرية‬
‫ومشكلة بحث على قدر كبير من األهمية وقد تحول محور اهتمام رئيس من محاور‬
‫البحث من تحليل التعلم القائم على المحاكاة إلى تحليل التعلم بالمالحظة‪ .‬وهذا النوع‬
‫‪58‬‬
‫من التعلم يتصدى إلى قضايا إكتساب اإلستجابات الجديدة‪".‬‬

‫مما ال شك فيه كذلك هو أن للسلوكيين الجدد أثرهم على هذه النظرية‪ ،‬الذين‬
‫حاولوا التوفيق بين السلوكية الواطسنية المسيطرة في أمريكا وبعض المسلمات‬
‫المقدمة في النظريات األخرى‪ .‬ولعل أهم ما قدم منهم هو اعترافهم بأهمية العوامل‬
‫الوسيطة (المعرفية والنفسية)‪.‬‬

‫فعلى سبيل المثال تحدث هل (‪ )Hull‬عن العوامل الوسيطة والتي تشمل الحوافز‪،‬‬
‫ترجمة المفاهيم الفرويدية إلى مفاهيم‬ ‫(‪)Miller‬‬ ‫العادة والكبح‪ ،‬كما حاول دوالرد ومللر‬
‫فكرته عن السلوك الهادف (الغائية) والتوقع في‬ ‫(‪)Tolman‬‬ ‫سلوكية‪ .‬كما قدم طولمان‬
‫عملية التعلم حيث تدل الفكرتان على أهمية الجانب المعرفي‪.‬‬

‫كما كان للتقدم في مجال نظريات التعلم المعرفية وخاصة التقدم في مجال‬
‫المعالجة المعلوماتية أثرها‪ ،‬وهذا ما يظهر في تبني باندو ار لهذه العمليات العقلية‬
‫كمتغير تفاعلي في تفسيره للتعلم‪.‬‬

‫إذا كان أصحاب الحتميات البيئية أمثال سكنر يرون أن السلوك تجري مراقبته‬
‫من قبل قوى خارجية تطغى على الكائن الذي يملك القدرة على التفاعل والتشكل‬

‫‪ -58‬ينظر بدر الدين عامود‪ ،‬علم النفس في ال رن ال شرين (ج‪ ،)8.‬المصدر أعاله‪ ،‬ص‪.212 .‬‬
‫بفعل األحداث الخارجية‪ ،‬واذا كان على النقيض من ذلك (أصحاب الحتمية الذاتية)‬
‫يرون أن األحداث الداخلية (المتمثلة في شكل غرائز ودوافع وسمات وغيرها) هي‬
‫وتكون الشخصية المتشكلة‪ ،‬فان‬
‫التي تلزم الكائن الحي على السلوك بطرق ثابتة ّ‬
‫الموقف البديل يقر بالتأثيرات الداخلية والخارجية على حد سواء‪.‬‬

‫وعند النظر إلى هذه المصادر الرئيسة الثالثة من المحددات‪ :‬السلوك‪ ،‬البيئة‪،‬‬
‫العوامل الشخصية‪ ،‬فال تعطى ألي منها أي مكانة متميزة على حساب المصدرين‬
‫اآلخرين‪ ،‬رغم أنه في بعض المواقف قد يبرز عامل من الثالثة كمؤثر مسيطر‪.‬‬
‫ويقول باندو ار إن هذا هو موقفه هو‪ ،‬أو ما يسمى بالحتمية المتبادلة‪ ،‬وينظر إلى‬
‫التأثيرات المحددة على أساس أنها إحتمالية في طبيعتها أكثر من كونها الحتمية‬
‫(‪)1‬‬ ‫السببية‪ ،‬محددات السلوك هذه يمكن تمثيلها في الشكل الموالي رقم‬

‫محددات السلوك‬ ‫الشكل رقم‬


‫(‪)3‬‬

‫البيئة‬ ‫السلوك‬

‫العوامل الشخصية‬
‫(التوقعات‪ ،‬المعتقدات‪ ،‬اإلدراكات الذاتية‪ ،‬األفكار‪ ،‬التفضيالت‪)...،‬‬

‫هو شكل مثلث معكوس والعوامل الشخصية ُوضعت في رأس المثلث المقلوب‬
‫لما لها من أهمية حسب باندورا‪ .‬العمليات المعرفية التي تعتبر نظما تمثيلية رمزية‪،‬‬
‫عادة ما تتخذ شكل األفكار والصور الذهنية‪ .‬وتلعب دو ار مركزيا في نظرية باندو ار‬
‫إذ تتحكم في سلوك الفرد والبيئة‪ ،‬وفي الوقت ذاته محكومة بسلوك الفرد والبيئة‪ .‬على‬
‫كل حال كل هذه العناصر متأثرة ومؤثرة بعضها في بعض‪.‬‬

‫»في الحتمية المتبادلة فإن السلوك اإلنساني هو وظيفة المحددات السابقة‬


‫المتعلمة والالحقة المحددة‪ .‬وكل مجموعة محددات تحتوي على متغيرات هي في‬
‫طبيعتها معرفية إلى حد كبير‪ ،‬وان لم تكن كذلك بصورة مطلقة‪ .‬وهذه األشكال من‬
‫أشكال المعرفة تحدث من خالل مالحظة اإلنسان لنتائج سلوكه هو و ‪ /‬أو من‬
‫مالحظته لسلوك اآلخرين وهكذا فإن مصدرين رئيسيين للتعلم هما نتائج اإلستجابات‬
‫(التعلم بالعمل)‪ .‬وما ظل حتى اآلن يدرس بصورة تقليدية تحت عناوين مختلفة مثل‬
‫المحاكاة (أو التقليد)‪ ،‬والعمليات اإلبدالية النموذجية‪ ،‬أو التعلم القائم على المالحظة‬
‫‪59‬‬
‫(التعلم بالمالحظة)‪».‬‬

‫أما فيما يخص المحددات السابقة للسلوك »هي تلك التأثيرات المعقدة التي‬
‫تحدث قبل قيام السلوك‪ ،‬وتشمل المتغيرات الفسيولوجية والعاطفية‪ ،‬واألحداث‬
‫المعرفية مثل التوقعات والترقبات‪ ،‬واآلليات الفطرية للتعلم‪ ،‬أما المحددات التالية‬
‫فتشمل أشكال التعزيز (التدعيم) أو العقاب التي قد تكون خارجية في طبيعتها أو‬
‫‪60‬‬
‫داخلية‪ ،‬أو حثا ذاتيا‪» .‬‬

‫‪ -59‬مصطفي ناصف‪ ،‬نظريات الت لم المصدر أعاله‪ ،‬ص‪.822.‬‬


‫‪ -60‬المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.822.‬‬
‫نموذج التعلم بالمالحظة يقوم على افتراض أن اإلنسان ككائن إجتماعي يتأثر‬
‫باتجاهات اآلخرين ومشاعرهم وتصرفاتهم أي بسلوك اآلخر‪ .‬ونتعلم االستجابات‬
‫الجديدة لمجرد مالحظة سلوك اآلخرين‪ .‬هؤالء الناس اآلخرون يعتبرون من الناحية‬
‫التقنية نماذج‪ ،‬واكتساب اإلستجابات من خالل مثل هذه المالحظة يسمى اإلقتداء‬
‫بالنموذج‪.‬‬

‫‪ -1‬اإلنتباه والتعلم‪:‬‬

‫من بين التجارب التي قام بها باندو ار في إحدى رياض األطفال هي أنه قام‬
‫بتقسيم األطفال إلى خمس مجموعات كما يلي‪:‬‬

‫‪ -6‬شاهد أفراد المجموعة األولى رجال يعتدي جسديا ولفظيا على دمية‬
‫كبيرة بحجم اإلنسان مصنوعة من المطاط مملوءة بالهواء‪.‬‬

‫‪ -9‬أفراد المجموعة الثانية شاهدوا نفس األحداث مصورة في فيلم سينمائي‪.‬‬

‫‪ -1‬أفراد المجموعة الثالثة شاهدوا هذه األحداث العدوانية نفسها لكن في‬
‫فيلم كرتوني‪.‬‬

‫‪ -8‬أفراد المجموعة الرابعة لم شاهدوا أيا من هذه األحداث واعتبروا‬


‫كمجموعة ضابطة‬

‫‪ -9‬أفراد المجموعة الخامسة شاهدوا شخصا مسالما غير عدوانيا‪.‬‬

‫ثم وضع كل طفل من هذه المجموعات الخمس إلى وضع مشابه للوضع الذي‬
‫شاهد فيه سلوك النموذج وقامت مجموعة من المالحظين بمراقبة‪ ،‬من وراء زجاج‬
‫نافذة ذو اتجاه واحد‪ ،‬إستجابات كل طفل للوضع الذي هو فيه وتسجيل اإلستجابات‬
‫العدوانية‪ .‬وبينت نتائج الدراسة أن متوسط اإلستجابات العدوانية للمجموعات الثالثة‬
‫األولى (التي شاهدت الموقف العدواني) يفوق بكثير متوسط إستجابات المجموعتين‬
‫‪61‬‬
‫(الرابعة والخامسة)‪.‬‬

‫‪ -2‬آثار التعلم بالمالحظة‪:‬‬

‫ويسميها باندو ار التعلم بالمحاكاة ويقترح على األقل ثالثة أنواع من آثار هذا‬
‫التعلم بالمالحظة‪:‬‬

‫‪ -1‬تعلم سلوكات جديدة‪ :‬عندما يقوم النموذج بأداء إستجابة جديدة فان‬
‫ِ‬
‫المالحظ يحاول تقليدها‪ ،‬والنموذج ليس بالضرورة أن يكون حيا حقيقيا‪ ،‬بل يكون‬
‫في التمثيالت الصورية‪ ،‬والرمزية الموجودة في األساطير والكتب واألفالم والحكايات‬
‫الشعبية وغيرها‪ ،‬كل ذلك يقوم بوظيفة النموذج الحي‪.‬‬

‫مالحظة النموذج تؤدي إما إلى تحرير بعض‬


‫َ‬ ‫‪ -2‬الكف و التحرير‪:‬‬
‫ِ‬
‫المالحظ واما إلى الكف‬ ‫اإلستجابات التي كانت متاحة من قبل في رصيد الشخص‬
‫وتجنب أداء بعض السلوكات‪.‬‬

‫‪ -3‬تسهيل ظهور إستجابات‪ :‬هي اإلستجابات التي تقع في حصيلة المالحظ‬


‫السلوكية فاألمر ال يستدعي اكتساب إستجابة جديدة بل يساعد على إزالة الخوف‬
‫ومنع الكف‪.‬‬

‫‪ -61‬ينظر صالح محمد علي أبو جادو‪ ،‬علم النفس التربوي‪ ،‬مصدر أعاله‪ .‬ص‪.818 .810‬‬
‫والواقع أن آثار النماذج ال تقتصر على مجرد المحاكاة علما أن عمليات‬
‫االنتباه لها محددات واإلنسان ال ينتبه لكل الحوادث التي تحصل في الحياة‪ .‬ووفقا‬
‫لما قاله باندو ار هناك على األقل متغيران رئيسان‪ ،‬باإلضافة إلى الدافعية‪ ،‬يؤثران‬
‫على هذه العملية‪ .‬األول يرتبط بخصائص النموذج‪ ،‬ويرتبط الثاني بخصائص الفرد‬
‫المالحظ‪.‬‬

‫فالنماذج التي تهتم بحاجات األشخاص الذين يقومون بالمالحظة‪ ،‬والتي تقدم‬
‫غالبا مكافأة لهؤالء المالحظين هي التي يتم إنتقاؤها من قبل المالحظ‪ ،‬بينما يجري‬
‫تجاهل تلك النماذج التي تنقصها مثل هذه الخصائص‪ ،‬ونتيجة لذلك فإن األفراد‬
‫المالحظين البد من أنهم يتعلمون بالمالحظة من النوع األول أكثر من النوع الثاني‪.‬‬

‫وخاصية أخرى من خصائص األشخاص المالحظين التي تؤثر على اإلنتباه‬


‫هي مستوى النمو (فاألطفال األكبر سنا لديهم مدى إنتباه أطول من األطفال األصغر‬
‫سنا‪ .‬وباإلضافة لذلك فاألطفال األكبر سنا قد يعرفون متى ينتبهون ومتى ال ينتبهون‬
‫للنموذج‪).‬‬

‫‪ - 3‬التطبيقات التربوية‪:‬‬

‫‪ -‬هذه النظرية تساعد على مراجعة أساليب نمذجة السلوك والتنشئة االجتماعية‬
‫ومراجعة األدب التربوي والنفسي‪.‬‬

‫‪ -‬التعلم بالمالحظة يساعد على إكساب سلوكات جديدة نتيجة مالحظة النماذج‬
‫التي يعايشها التلميذ سواء من خالل الزمالء أو المعلمين أو النماذج التي يق أر عليها‬
‫في النصوص المدروسة مثال ولذا فمراقبة هذه النماذج يعتبر أم ار مهما لكل من يقف‬
‫عمله على التربية والتعليم‪.‬‬

‫‪ -‬إذا كانت عملية النمذجة هي نسخ سلوك آخرين مهمين للمتعلم مثال فان مراعاة‬
‫التعزيز في العملية التربوية يعتبر أم ار ضروريا‪.‬‬

‫‪ -‬تساعد عملية التعلم بالمالحظة في تعلم العادات اإلجتماعية أي ثقافة المجتمع‬


‫واكساب اللغات‪.‬‬

‫‪ -‬التلميذ الذي يتعامل مع معلمين (نماذج) مختلفين يساعده ذلك على زيادة خبراته‬
‫غير المباشرة‪.‬‬

‫المحور الثالث‪ :‬تعلم المفهوم‬

‫‪ -‬تعريف المفهوم‪ /‬طبيعة تعلم المفهوم‪ /‬كيف يتم تعلم المفهوم؟‬

‫‪ -‬أنواع المفهوم‪ /‬المفاهيم والمدركات العلمية‬

‫المدركات والمفاهيم من الموضوعات الهامة في علم النفس نظ ار للدور الكبير‬


‫الذي تلعبه في عملية التعلم ولقد تحدث الكثير عن هذا الموضوع باسم "التجريد‬
‫والتعميم" واستعملوا لفظ "التغيرات المتوسطة" أو " التكوينات المتوسطة" وغيرها‪ .‬ومن‬
‫حيث كانت‬ ‫(‪)Hull‬‬ ‫األوائل الذين تحدثوا عن المدركات والمفاهيم نجد كالرك هل‬
‫"المدركات الكلية" هي موضوع الدكتوراه التي حصل عليها سنة ‪6199‬م‪ ،‬وبعد حصوله‬
‫عليها‪ ،‬ظ ّل موضوع بحثه مهمال حتى عقد مؤتمر كبير لعلم النفس في سنة ‪6119‬م‬
‫الم فيه كالرك هل علماء النفس إهمالهم لموضوع "المدركات" وكان هذا العام نقطة‬
‫والمدركات علما أن النظرية األساسية لهل هي السلوكية‬ ‫(‪)Hull‬‬ ‫تحول لك ّل من هل‬
‫‪62‬‬
‫الجديدة‪.‬‬

‫ومفاهيم الفرد تلعب دو ار رئيسيا في كيفية إدراكه وتنظيمه لألشياء (األشخاص‬


‫وحتى األفكار) الموجودة من حوله‪ .‬فهي بمثابة القوانين المنظمة والمحددة لكيفية‬
‫اإلدراك‪ ،‬ففي ميدان التربية كل تلميذ يجب أن يحصل على مفاهيم عديدة وصور‬
‫ذهنية مختلفة حول ما يدور من حوله في الحياة حتى تصبح العملية التعليمية ذات‬
‫معنى‪ .‬فالمفاهيم ذات وظيفة مهمة في عملية التعلم إذ تساعد على‪:‬‬

‫‪ -‬تبسيط العالم الواقعي من أجل تواصل وتفاهم يتسم بالكفاية‪.‬‬


‫‪63‬‬
‫‪ -‬تنظيم خبراتنا بصورة يسهل استدعاؤها والتعامل معها‪.‬‬

‫على العموم يمكن استخالص أهمية دراسة المفاهيم والمدركات في بعض‬


‫‪64‬‬
‫النواحي منها أن‪:‬‬

‫‪ -6‬فهم المفاهيم والمدركات يجعل المادة الدراسية أكثر شموال‪.‬‬

‫‪ -9‬فهم المفاهيم والمدركات هو الطريق الرئيسي نحو زيادة فاعلية انتقال أثر‬
‫التدريب والتعلّم‪.‬‬

‫‪ -1‬تساعد الطفل على اكتساب اإلهتمامات و الميول العلمية بطريقة وظيفية‪.‬‬

‫‪ - 62‬ينظر مصففففطفى زيدان‪ ،‬نظريات الت لم وتطبي اتها التربوية‪ ،‬الديوان الوطني للمطبوعات الجامعية‪ ،‬الجزائر‪8912 ،‬م‪،‬‬
‫ص‪.329-321.‬‬
‫‪ - 63‬ثناء يوسف الضبع‪ ،‬ت لم المفاهيم اللغوية والدينية لدى األطفال‪ ،‬ط‪ ،8‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪3008 ،‬م‪ ،‬ص‪93.‬‬
‫‪ - 64‬المصدر نفسه‪ ،‬ص‪29.‬‬
‫‪ -8‬تساعد الطفل في تسهيل عمليات التعلم والتعليم‪.‬‬

‫‪ -9‬تفهم كيفية نمو وتطور مفاهيم األطفال من أجل إعداد البرامج واألساليب‬
‫والطرق الناجحة التي تساعد على إنماء تلك المفاهيم والمدركات وتطورها‪.‬‬

‫‪ -1‬تساعد الطفل في توظيف المعلومات وذلك باستخدامها في الفهم والتفسير‬


‫لما يثيرهم في البيئة‪.‬‬

‫‪ -7‬تزويد الطفل بالحقائق والمعلومات التي تعينه في اإلدراك‪ ،‬التصنيف والتمييز‪.‬‬

‫على العموم فإن تكوين المفاهيم يعني تبسيط المعلومات لسهولة التعامل‬
‫معها‪ ،‬إال أن المبالغة في هذا اإلتجاه قد تؤدي إلى اإلضرار بعملية التعلم‪ ،‬فهذا‬
‫التبسيط المبالغ فيه يكون على حساب الدراسة العميقة للظواهر الفريدة من حولنا‪.‬‬
‫فإذا توقفنا عند معرفتنا أن كل شيء له جناحين فهو طائر ويستطيع الطيران فإن‬
‫من أنواع الطيور‬ ‫المميزة لكل نوع‬
‫ّ‬ ‫هذا ال يمنعنا من التنبه إلى الخصائص‬
‫لمعرفة خصائصها ومميزاتها‪.‬‬

‫فتدريس المفاهيم وتعلّمها من المواضيع الجوهرية في العملية التعليمية‬


‫التعلمية‪ ،‬ألن تدريس المفاهيم جنبا إلى جنب مع التعميمات والنظريات والمبادئ‬
‫تساعد على التعلم أحسن ألن المفاهيم كذلك تساهم مثال في حل بعض صعوبات‬
‫التعلم خالل إنتقال الطالب من صف إلى آخر‪ ،‬فما يأتي أوال يعتبر كنقطة إرتكاز‬
‫ضرورية فيما بعد وما سيأتي بعد البد وأن يدعم المعلومات السابقة‪ .‬فالبحث في‬
‫موضوع المفاهيـم والمدركات العلمية وعالقتها بعمليتي التعليم والتعلّم أمر يهم كل‬
‫معلم ومربي حتى يستطيع من خاللها وضع البرامج والخطط التدريسية المناسبة لكل‬
‫مادة وكل تلميذ وفي المستوى المطلوب‪.‬‬
‫‪ -1‬تعريف المفهوم‪:‬‬

‫تعددت تعاريف "المفهوم" بتعدد الزوايا والنظريات التي ُيدرك بها هذا‬
‫تكون مجموعة أشياء أو‬
‫فعِّرف كأنه صنف من المثيرات التي يمكن أن َ‬‫المصطلح‪ُ ،‬‬
‫حوادث أو أشخاص تشترك معا بخصائص عامة ويشار إليها باسم خاص‬
‫("دسيسكو")‪.‬‬

‫أو أن المفاهيم صنف من المثيرات المشتركة بخصائصها الجوهرية حتى لو‬


‫اختلفت فيما بينها بشكل ملحوظ (جانييه وبرجز)‪.‬‬

‫أو كتعريف برونر (‪ :)Bruner‬المفاهيم عبارة عن مجموعة المصطلحات التي‬


‫يستخدمها العالم في عمله أو الباحث في بحثه كعناوين يشير كل منها إلى مجموعة‬
‫من الحوادث أو الظواهر أو العالقات الواقعة ضمن مجال بحثه‪.‬‬

‫أو أنه سلسلة من اإلستدالالت المتصلة تشير إلى مجموعة من الخصائص‬


‫المالحظة لشيء أو حدث يؤدي إلى تحديد فئة معينة تتبعها استدالالت إضافية عن‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)Austin‬‬ ‫وأوستن‬ ‫خصائص غير ملحوظة (جودنو‬
‫) (‪)Goodnow‬‬

‫المفهوم بأنه إستجابة عامة لعدد من الظواهر‬ ‫(‪)Osgood‬‬ ‫كما يعرف أوسجود‬
‫والمثيرات التي يشترك بعضها مع البعض اآلخر في مظهر من المظاهر‪.‬‬

‫(‪")Concept, general‬‬ ‫أما في "معجم علم النفس والتربية" فنجد تعريف "المفهوم العام‬
‫كما يلي‪» :‬الفكرة التي تمثل عددا من العناصر تشترك كلها في أمر ما‪ ،‬فإذا سمع‬
‫اإلنسان كلمة "أسد" فهم مفهوما عاما هو أنه حيوانا‪ .‬ويتضمن المفهوم العام المفهوم‬
‫وهو صفة أو صفات مشتركة تفهم لشيوعها بين عناصر فئة‬ ‫(‪)abstract concept‬‬ ‫المجرد‬
‫‪65‬‬
‫ومهما اختلفت التعريفات فالمفهوم البد من‬ ‫ما مثل األسدية واإلنسانية واألمانة‪».‬‬
‫أن تتوفر فيه جملة من المعايير هي‪:‬‬

‫‪ -‬أن يكون مصطلحا أو رمزا‪ ،‬له داللة لفظية ويمكن تعريفه‪.‬‬

‫‪ -‬أن يكون تجريدا للخصائص المشتركة لمجموعة من األشياء‪.‬‬

‫السمات التي تتضمنها مجموعة‬


‫‪ -‬أن يتّسم بالشمول ألنه يشير إلى المواقف أو ّ‬
‫من األشياء‪.66‬‬

‫المفاهيم يمكن تحديدها كذلك من حيث الصفات التي تتدخل في تكوينها‪،‬‬


‫ويوجد العديد من المزاوجة بين الصفات‪ ،‬فيمكن تصنيف مثال األشخاص حسب‬
‫العمر أو الوزن أو المهنة أو الجنس وغيرها من الصفات‪.‬‬

‫‪ -2‬أنواع المفاهيم‪:‬‬

‫كما تعددت تعاريف المفهوم تعددت كذلك أنواعه‪ ،‬إذ نجد هناك وجهات مختلفة‬
‫ألنواع المفاهيم‪ ،‬فهناك من يرى أننا يمكن تقسيمها إلى قسمين‪ :‬مفاهيم تلقائية‬
‫ومفاهيم علمية (بياجيه (‪،))Piaget‬‬

‫فالمفاهيم التلقائية‪ :‬يكتسبها غالبا المتعلم من تلقاء نفسه عبر إحتكاكه بالبيئة من‬
‫الحسية المباشرة مثل‪ :‬مفهوم الحجم‪.‬‬
‫ّ‬ ‫خالل الخبرة‬

‫العلمية‪ :‬فهي التي يكتسبها غالبا المتعلّم عن طريق مرشد أو معلّم‬


‫ّ‬ ‫أما المفاهيم‬
‫ّ‬
‫مثل‪ :‬مفهوم التوازي‪.‬‬

‫‪ 8911‬ص‪28.‬‬ ‫‪ - 65‬م م علم النفس والتربية‪ ،‬ج‪ 8.‬الهيئة العامة لشؤون المطابع األميرية‪،‬‬
‫‪ - 66‬مجدي عزيز ابراهيم‪ ،‬ت ليم وت لّم المفاهيم الرياضية للطفل‪ ،‬مكتبة االنجلو المصرية‪ ،‬القاهرة ‪3008‬م ص‪.18 .‬‬
‫أو أن تقسم المفاهيم إلى ثالثة‪ :‬مفهوم موصل أو رابط أو موحد ومفهوم غير‬
‫رابط ومفهوم عالئقي (برونر(‪.))Bruner‬‬

‫السمات‬
‫الموحدة‪ :‬وهي تعرف بمجموعة ّ‬
‫‪ -‬المفاهيم الواصلة أو الرابطة أو ّ‬
‫المشتركة بين فئة من األشياء أو المواقف‪.‬‬

‫السمات أو الخواص‬
‫الرابطة‪ :‬تعرف بمجموعة ّ‬
‫‪ -‬المفاهيم غير الواصلة أو غير ّ‬
‫المتباينة بين فئة من العناصر واألشياء أو المواقف‪.‬‬

‫السمات أو الخواص المشتركة‬


‫العالئقية‪ :‬هي تعرف بمجموعة ّ‬
‫ّ‬ ‫‪ -‬المفاهيم‬
‫المتباينة بين فئة من العناصر أو األشياء أو المواقف‪.‬‬

‫‪ -3‬المدرك العلمي‪:‬‬

‫تعددت كذلك تعاريف المدرك العلمي حتى وان كانت في مجملها تدور حول‬
‫إبراز العمل العقلي الذهني المحض‪ ،‬من هذه التعريفات نذكر على سبيل المثال‪:‬‬

‫‪ -‬تعريف أوسجد‪ :‬يقصد بالمدرك‪ ،‬إستجابة عامة لغوية لمجموعة من الظواهر‬


‫التي ترتبط مع بعضها البعض في مظهر من المظاهر‪.‬‬

‫متعددة‪ ،‬ترتبط مع‬


‫علمية ّ‬
‫ّ‬ ‫‪ -‬وكالرك هل يعرف المدرك كالتالي‪ :‬هي تكوينات‬
‫تعرضه للمثيرات‪.‬‬
‫معينة نتيجة ّ‬
‫بعضها البعض حتى تؤدي إلى ظهور إستجابة ّ‬
‫الخاصية‬
‫ّ‬ ‫‪ -‬أما أرثر جيتس فيعرف المدركات باسم "التعميم" وهو إدراك العالقة أو‬
‫المشتركة أو المبدأ في عدد من المواقف‪ .‬وهو يرى أن اإلنسان يستطيع أن يصنف‬
‫معلوماته فيستعمل رم از واحدا لمجموعة من المفردات بعد عملية تصنيفها وربطها‪،‬‬
‫الرمز الواحد هو المدرك وهذه العملية تحتاج إلى تجميع الخبرات السابقة والى‬
‫وهذا ّ‬
‫قدر كاف من اإللمام باللغة‪ 67.‬هذا التعريف يركز على القدرات العقلية إضافة إلى‬
‫التجارب أو الخبرات السابقة‪ .‬وهذا العمل تقوم به الكلمات بصورة رئيسية‪ ،‬وهي تنظم‬
‫المثيرات أو الظواهر ثم تربط بينها وبين الخبرات السابقة‪.‬‬

‫غير أن هناك من ال يفرق بين "المدرك" و"المفهوم" كسموك (‪ )Smock‬الذي يرى‬


‫أن المدرك هو استجابة رمزية عامة لمجموعة من المثيرات ليس بينها بالضرورة‬
‫ولكنها تتجمع في تنظيمات إدراكية أو أنماط إدراكية معينة‪.‬‬
‫عناصر مشتركة ّ‬
‫مهما اختلفت التعريفات فإنها كلها تتفق على أن المدرك هو إستجابة لفظية‬
‫لغوية عامة تربط بين مجموعة من المثيرات‪ .‬غير أنهم لم يتفقوا حول الصفات‬
‫(الخصائص) المشتركة التي تجمع هذه المدركات ونجد ثالثة اتجاهات‪:‬‬

‫‪ -‬األول‪ :‬يقصد بالخصائص المشتركة تلك العناصر المتطابقة بين المثيرات‬


‫التي يجمعها المدرك‪ ،‬مثال‪ :‬مدرك (شجرة) تختلف األشجار في حجمها ونوعها‬
‫البد أن تشترك في وجود صفات مشتركة فيما‬
‫وشكلها ونوعية ثمارها إال ّأنها جميعا ّ‬
‫بينها‪.‬‬

‫بأنها‬
‫‪ -‬الثاني‪ :‬خالف اإلتجاه األول يحدد هذا االتجاه الخصائص المشتركة ّ‬
‫عالقات جزئية بين األشياء وليس تطابقا‪ .‬مثال‪ :‬الكرة‪ ،‬حبة بطيخ أحمر ("دالع")‪،‬‬
‫عجلة السيارة‪ ،‬هي أشياء رغم التباين الموجود فيما بينها إال أن هناك عالقات جزئية‬
‫موجودة بين هذه األشياء أهمها عالقة الدائرية في كل منها‪.‬‬

‫‪ -67‬ينظر زكريا الشففربيني ويسففرية صففادق‪ ،‬نمو المفاهيم ال لمية للطفل‪ ،‬القاهرة‪ -‬مصففر‪ ،‬دار الفكر العربي‪ ،‬ط‪0000 .8‬‬
‫م‪ ،‬ص‪21-29-22.‬‬
‫‪ -‬الثالث‪ :‬يرى هذا االتجاه أن الخصائص المشتركة هي المعنى المتوسط‪،‬‬
‫مثال‪ :‬الكرمبيط‪ ،‬الطماطم‪ ،‬البصل‪ ،‬الجزر‪ ،‬ليس بينها عالقة تطابق وال عالقة‬
‫جز ّئية ولكنها جميعا تشترك في ّأنها من الخضروات‪.‬‬

‫‪ -4‬خصائص المفهوم أو المدرك العلمي‪:‬‬

‫للمفاهيم أو المدركات خصائص هذه الخصائص تشمل على ظاهرتين‬


‫أساسيتين هما‪ :‬الصفات والقواعد والمقصود بالصفات هي التي تملك المميزات التي‬
‫توجد في كل مفهوم‪ ،‬أما المقصود بالقواعد فهي تلك الطرق المختلفة التي تَنتظم‬
‫أو مدرك ما‪.‬‬ ‫عليها أو بواسطتها الصفات المميزة لمفهوم‬

‫* أما صفات المفهوم فنذكر منها‪:‬‬

‫الحسية‬
‫ّ‬ ‫‪ -‬أنها عبارة عن تعميمات تنشأ من خالل تجريد بعض األحداث‬
‫وخصائص حاسمة مميزة‪ .‬فالكتاب على اختالف أشكاله وتنوع الورق الذي صنع‬
‫منه واللغة المكتوب بها ومحتواه يدل على صفة معينة نعممها على هذه المدركات‬
‫الحسية‪.‬‬

‫‪ -‬تعتمد المفاهيم في تكوينها على الخبرة السابقة كالخلفية األسرية‬


‫والفرص التعليمية التي يمكن أن تمثل متغيرات في تكوين المفاهيم‪ ،‬ويضاف إلى‬
‫هذا أن هناك جوانب إنفعالية وجوانب إدراكية ترتبط بتكوين المفاهيم والمدركات‪.‬‬
‫‪ -‬رمزية لدى أفراد اإلنسان‪ ،‬فمفهوم (الحمامة) يمكن أن يرد إلى الذهن‬
‫من عدة مصادر مثل الطائر أو كحادثة دينية معينة أو كرمز للسالم‪.‬‬

‫‪ -‬تنتظم المفاهيم في تنظيمات "أفقية" أو "رأسية" وكمثال للتنظيمات‬


‫األفقية‪ ،‬إذا قدمنا للمتعلم أمثلة للطيور الدجاج‪ ،‬البط‪ ،‬النسور‪ ،‬الحمام‪ ،‬الغراب‪،‬‬
‫كلها تنتمي لنفس الفصيلة الكبرى من الحيوانات ألنها جميعا لديها بعض الخصائص‬
‫نصنفها إلى‬
‫المشتركة‪ .‬ومع ذلك فهي تختلف في بعض الجوانب مما يسمح لنا أن ّ‬
‫جماعات داخل نفس المستوى من مملكة الطيور (الدواجن‪ ،‬الطيور الجارحة‪)...‬‬

‫‪ -‬تتغير المفاهيم والمدركات من البسيط إلى المعقد ومن المحسوس إلى‬


‫المجرد‪.‬‬

‫‪ -‬تؤثر المفاهيم والمدركات على التوافق الشخصي واإلجتماعي للفرد‪.‬‬

‫* أما قواعد المفهوم‪:‬‬

‫لقد عدد علماء التربية وعلماء النفس خمسة قواعد أساسية تنظم الصفات المميزة‬
‫لكل مفهوم هي‪:‬‬

‫أوال‪ :‬قاعدة اإلثبات‪ :‬وهي من أسهل المفاهيم تعلّما نظ ار لتوفر العديد من‬
‫األمثلة عليها وتعني هذه القاعدة إثبات صفة مميزة معينة على مثير ما ليكون مثاال‬
‫على المفهوم‪ .‬فإذا أردنا تعليم الطالب مفهوم الفعل مثال فإن كل ما يشتمل على‬
‫يعد مثال موجبا على المفهوم وما عدا ذلك يعد مثاال سالبا عليه‪" .‬‬
‫صفة الفعلية ّ‬
‫مسح‪ ،‬كتب‪ -‬إق أر‪ " -‬أمثلة موجبة‪ .‬أما "كراس‪ -‬كتاب‪ -‬ورقة" أمثلة سالبة على‬
‫المفهوم‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬قاعدة اإلقتران أو التجميع‪ :‬أي إشتراط اقتران صفتين مميزتين أو‬
‫‪68‬‬
‫أكثر معا في المثير لكي يكون مثاال موجبا على المفهوم‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬قاعدة الالإقترانية أو التضمين اإلنفصالي‪ :‬تعنى هذه القاعدة تطبيق‬


‫صفات مميزة منفصلة‪ ،‬أو غير مقترنة باألشياء أو المثيرات لتشكل أمثلة على‬
‫إما أن تتوافر الصفة األولى مثال أو الصفة الثانية في‬
‫(إما‪ /‬أو) بمعنى ّ‬
‫المفهوم أي ّ‬
‫الشيء أو المثير الذي يكون مثاال على المفهوم‪ .‬فمثال األعداد التي تقبل القسمة‬
‫‪9‬‬ ‫بدون باق يجب أن تبدأ بصفر أو بخمسة‪ ،‬فمفهوم‪" :‬قابلية القسمة على‬ ‫(‪)9‬‬ ‫على‬
‫أي عدد يبدأ بصفر أو بخمسة يعتبر مثاال موجبا على هذا‬ ‫بدون باق" يعني أن ّ‬
‫المفهوم‪ ،‬فالصفتان في هذا المثال غير مجتمعتان بل منفصلتان تماما‪ .‬فاألعداد‪:‬‬
‫‪،67 ،1‬‬ ‫كلّها تعتبر أمثلة موجبة على هذا المفهوم‪ .‬بينما األعداد‪:‬‬ ‫‪...19 ،99 ،99 ،69 ،69‬‬

‫كلّها تعتبر أمثلة سالبة على هذا المفهوم‪.‬‬ ‫‪...961‬‬

‫رابعا‪ :‬قاعدة الشرط المفرد‪ :‬وتعني هذه القاعدة وجوب توافر صفة مميزة‬
‫يتضمن‬
‫ّ‬ ‫وتتخذ هذه القاعدة صيغة العبارة (إذ‪ /‬إذن) فإذا كان المفهوم المقصود‬
‫صفتين مميزتين األولى والثانية فإن هذه القاعدة تشترط‪ :‬الصيغة التالية "إذا توافرت‬
‫أما إذا توافرت الصفة الثانية فليس‬
‫الصفة األولى‪ ،‬إذن يجب أن تتوفر الصفة الثانية ّ‬
‫بالضرورة أن تتوافر الصفة األولى"‪ .‬مثل‪ :‬كل رسول نبي وليس كل نبي رسول‬
‫النبوة ال تعني الرسالة‪ .‬ومن األمثلة الموجبة‬
‫النبوة لكن ّ‬
‫يقتضي أن الرسالة تعني ّ‬
‫على المفهوم‪ :‬موسى‪ -‬عيسى‪ -‬محمد عليهم الصالة والسالم‪ .‬ومن األمثلة‬
‫السالبة على المفهوم‪ :‬يوسف‪ -‬زكريا‪ -‬ذو الكفل عليهم السالم‪.‬‬

‫‪ - 68‬أنور عقل‪ ،‬نحو ت ويم أفضل‪ ، ،‬بيروت‪ -‬لبنان‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬ط‪ 3008 .8‬م‪ ،‬ص ‪.238.230. 281‬‬
‫خامسا‪ :‬قاعدة الشرط المزدوج‪ :‬تنص هذه القاعدة على توفر شرط متبادل بين‬
‫صفتين مميزتين بحيث إذا توافرت أي منهما توافرت األخرى حتما لتحديد أمثلة‬
‫المفهوم‪ ،‬وتأخذ هذه القاعدة الصيغة المركبة اآلتية‪( :‬إذا‪ /‬إذن) و(إذ‪ /‬إذن)‪ .‬فإذا‬
‫كان المفهوم المقصود يتضمن خاصيتين مميزتين مثل األولى والثانية فإن العبارة‬
‫تكون كاآلتي‪ :‬إذا توافرت الصفة األولى‪ ،‬إذن تتوفر الصفة الثانية واذا توفرت الصفة‬
‫الثانية تتوفر الصفة األولى حتما‪.‬‬

‫‪ -5‬تعلم المفهوم‪:‬‬

‫هو نشاط عقلي يتمثل في قدرة الفرد على إعطاء إستجابة واحدة لمجموعة‬
‫من المثيرات التي تشترك معا بخصائص متشابهة ويتضمن عمليتين أساسيتين هما‪:‬‬
‫التمييز والتعميم‪.‬‬

‫فتعلم المفهوم يتضمن أي نشاط يؤدي إلى تصنيف حوادث أو مثيرات متباينة‬
‫جزئيا في صنف واحد‪ ،‬وذلك يكون وفق قاعدة معرفية أو عقلية يستخدمها الفرد في‬
‫تحديد صفة معينة‪.‬‬

‫بعض المفاهيم أسهل تعلما كالتي تمثل أشياء عينية (أشجار‪ ،‬وجوه‪ )...،‬من‬
‫األخرى األكثر تجريدا كالعدالة والرحمة‪.‬‬

‫أن تعلم (أو التعرف على)‬ ‫(‪)Benton J. UNDEROOD‬‬ ‫يعتقد بنتون ج‪ .‬اندروود‬
‫المفاهيم‪ ،‬يتطلب أن يرى الشخص عالقات بين المثيرات‪ .‬ولكي يرى الفرد مثل هذه‬
‫العالقة‪ ،‬يستلزم ذلك أن يوحي كل مثير في مجموعة من المثيرات بنفس الصفة‪.‬‬
‫مثال إذا رأى طفل مثلثا أزرق اللون ومربعا أزرق اللون فال بد أن يفكر في صفة‬
‫"أزرق" بالنسبة لكال المثيرين‪ .‬ولكي يفهم الطفل أن مجموعة من الحيوانات هي‬
‫كالب ال بد أن يكون قد تعلم أن يطلق عليها اإلسم الصحيح أي أن يصدر إستجابة‬
‫‪69‬‬
‫كلب على كل فرد من أفراد هذه المجموعة‪.‬‬

‫على كل حال تعلّم المفهوم هو قدرة الفرد على إعطاء إستجابة واحدة لمجموعة‬
‫من المثيرات التي تشترك معا بخصائص متشابهة‪ ،‬فهو نشاط عقلي تصنيفي يتضمن‬
‫عمليتين أساسيتين هما‪ :‬التمييز والتعميم‪ ،‬ويتم تعلّم المفهوم وفق قاعدة معرفية أو‬
‫عقلية يستخدمها الفرد في تحديد صفة معينة أو أكثر‪ .‬هذا التعلم يتأثر بعوامل متعلقة‬
‫ِ‬
‫المدرك‪.‬‬ ‫المدرك والظروف العامة‪ ،‬وأخرى متعلقة بالشخص‬
‫َ‬ ‫بالموضوع‬

‫لو نأخذ تطور الحكم األخالقي عند الطفل فنجد بياجيه مثال يفرق بين مستويين‬
‫في التفكير األخالقي للطفل » أوال التفكير األخالقي الفعلي‪" ،‬التجربة األخالقية"‪،‬‬
‫التي تتكون تدريجيا في الفعل‪ ،‬مع معايشة األحداث‪ ،‬بمناسبة الصدامات والخالفات‪،‬‬
‫والتي تؤدي إلى أحكام قيمية تساعد الفرد على توجيه نفسه في كل حالة خاصة‪،‬‬
‫وتقييم أفعال اآلخرين إن كان ذلك يهمه بطريقة مباشرة نوعا ما‪ .‬وهناك من جهة‬
‫أخرى تفكير أخالقي نظري أو لفظي‪ ،‬مرتبط بالتفكير األول بكل أنواع السالسل‪...‬‬
‫هذا التفكير يظهر عند الطفل كلما استدعي إلى إصدار أحكاما حول أفعال اآلخرين‬
‫‪70‬‬
‫والتي ال تهمه مباشرة‪« ...‬‬

‫أ‪ -‬العوامل المؤثرة في تعلّم المفهوم أو المدرك العلمي‪:‬‬

‫‪ - 69‬ينظر سففارنوف أ‪.‬مدنيو ووخرون‪ ،‬ترجمة محمد عماد الدين إسففماعيل‪ ،‬الت لم‪ ،‬دار الشففروق‪ ،‬ط‪8109 2.‬هـفففففففف ‪8919‬م‬
‫ص‪822.‬‬
‫‪- Jean PIAGET, Le jugement moral chez l’enfant, PUF, 1969, P. 136.‬‬
‫‪70‬‬
‫* أعضاء الحس‪ :‬إذا كانت أعضاء الحس هي القنوات التي تمر‬
‫من خاللها الخبرات في طريقها للدماغ‪ ،‬فإن حالتها وكفاءتها تؤثران في تعلّم المفاهيم‪،‬‬
‫فالشخص المصاب في إحدى أعضاء حسه (الرؤية‪ ،‬السمع‪ ،‬اللمس‪ )...،‬سيتأثر‬
‫في تعلمه لمختلف المفاهيم‪ :‬الطفل المصاب مثال بعمى األلوان يدرك األشياء بصورة‬
‫تختلف عن الطفل السليم ويؤدي هذا إلى إختالف في تكوين وتعلّم المفاهيم لديه‬
‫ألن اإلدراك هو األساس الذي تبنى عليه المفاهيم‪.‬‬

‫* الذكاء‪ :‬يلعب الذكاء دو ار مهما في تعلّم المفاهيم‪.‬‬

‫* فرص التعلّم‪ :‬بما أن التعلّم هو تراكم للخبرات فان فرص التعليم‬


‫المختلفة تسهم في تكوين المفاهيم‪ ،‬لذا ينبغي توفير وتنويع هذه الفرص‪.‬‬

‫* نوع الخبرة‪ :‬ال يكفي أن تكون لدينا فرصا كثيرة للتعلم بل فنوع الخبرة‬
‫التي نتعرض لها مهمة‪.‬‬

‫* الجنس‪ :‬بما أن األطفال يتدربون منذ الطفولة المبكرة على التفكير‬


‫والعمل باألسلوب الذي يناسب أفراد الجنس (التنميط الجنسي) الذي ينتمون إليه‪،‬‬
‫فإن ذلك ينزع إلى الظهور في المعاني التي يربطونها بمختلف األشياء والخبرات‬
‫تقدم األطفال بالعمر‪ ،‬بسبب القيام باألدوار المناسبة‬
‫وتزداد الفروق بين الجنسين كلما ّ‬
‫‪71‬‬
‫لجنسهم‪.‬‬

‫ولقد تحدثت نظريات علم النفس عن طرق تعلم الفرد (األطفال والبالغين)‬
‫للمفهوم ولعل أشهرها نظرية جون بياجيه‪ -‬جيروم برونر‪ -‬فيكوتسكي‪.‬‬

‫‪ -‬نظرية بياجيه‪:‬‬

‫‪ - 71‬زكريا الشرنيني و يسرية صادق‪ ،‬نمو المفاهيم ال لمية لألطفال‪ ،‬المصدر أعاله‪ ،‬ص‪.99.‬‬
‫يعترف بياجيه بأن ما يعرفه اإلنسان إنما ينجم جزئيا عما يتعلمه من بيئته‬
‫اإلجتماعية والمادية أي من عالم الناس واألشياء‪ ،‬كما يعترف بأن وجود الكائن‬
‫بصورة سليمة شرط أولي لحصول التعلم ويضيف إلى عوامل التعلم اإلجتماعية‬
‫والمادية والنضوجية عامال آخر هو عملية الموازنة‪ ،‬وتعني كيف يستطيع اإلنسان‬
‫تنظيم المعلومات المتناثرة في نظام معرفي غير متناقض‪ ،‬وهي ال تنجم مما يراه‬
‫اإلنسان بل إنها تساعد اإلنسان على فهم ما يراه‪ .‬عن طريق هذه القدرة (الموازنة)‬
‫على الكيفية التي ينبغي أن تكون‬ ‫) ‪( inférence‬‬ ‫يستطيع اإلنسان تدريجيا االستدالل‬
‫عليها األشياء في هذا العالم‪.‬‬

‫عملية الموازنة تبدأ ببعض اإلضطراب إذ يشعر اإلنسان بأن هناك شيئا ما‬
‫ليس على ما يرام وعدم كفاية معارفه لحل المشكالت مما يؤدي إلى حالة عدم‬
‫التوافق‪ ،‬هذه الحالة تدفع الفرد إلى السعي الستعادة أو تحقيق التوازن‪ ،‬هذه العملية‬
‫تتم بإحدى الطريقتين‪:‬‬

‫* التمثيل (‪ :)Assimilation‬يعني به النشاط الذي يقوم به الفرد في الوسط‬


‫الخارجي بمساعدة ما يملكه من بنيات وخطط والذي يؤدي به إلى إدماج بعض‬
‫عناصر هذا الوسط في تلك البنيات والخطط‪ ،‬حيث يستخدم الفرد ما يتوفر لديه‬
‫من معارف بعد إعادة تنظيمها وكشف عالقات جديدة بين عناصرها‪ ،‬فيقوم بتمثل‬
‫يحرف المعلومات‬
‫قد ّ‬ ‫األشياء الموجودة في البيئة مستخدما الكلمات والرموز إال أنه‬
‫التي قد تواجه تعارضا مع وجهة نظره‪ ،‬وهنا تظهر طريقة من طرق التعميم فيوجد‬
‫الطفل بين موضوعات ليس لها وحدة خاصة تربط عناصرها في الواقع ويفترض أن‬
‫الظاهرات الطبيعية كالجبال واألنهار من صنع اإلنسان مثال وذلك لخطأ في التمثل‬
‫أو التعميم ويرجع ذلك إلى أن األطفال يقيمون هذه العمليات المعرفية على أساس‬
‫خبرتهم الجديدة أو الذاتية والتي يلعب فيها الخيال واألوهام دو ار رئيسا‪.‬‬

‫* التكيف‪ :‬ويتم ذلك باستدخال أو اكتساب معارف جديدة تعتبر ضرورية‬


‫لحل المشكالت المسببة للشعور بعدم التوازن‪.‬‬

‫يعيد الفرد تنظيم معارفه من وقت إلى آخر بهدف زيادة فاعليتها ويتم ذلك‬
‫عند التمثيل وعند استدخال معارف جديدة (التكيف)‪ ،‬حيث تنتظم هذه المعارف في‬
‫(‪)Schème‬‬ ‫مجموعات يربطها عامل مشترك يسمى كل منها مجموعة معرفية (سكيمات)‬
‫هذه المجموعات المعرفية تتغير كما وكيفا مع النمو‪.‬‬

‫ويميز بياجيه بين نوعين من المعرفة‪ :‬المعرفة الشكلية وهي تشير إلى معرفة‬
‫المثيرات بمعناها الحرفي فالطفل الرضيع يرى حلمة زجاجة اإلرضاع فيبدأ في‬
‫المص‪ ،‬معرفة ال تنبع من المحاكمة العقلية‪ .‬معرفة اإلجراء (الفعل) المعرفة التي‬
‫تنبع من المحاكمة‪ ،‬تلك التي تنطوي على التوصل إلى اإلستدالل في أي مستوى‬
‫من المستويات‪ .‬والمعرفة اإلجرائية تهتم بالكيفية التي تتغير عليها األشياء من‬
‫حالتها السابقة إلى حالتها الحالية‪ .‬أما المعرفة الشكلية فتهتم باألشياء في حالتها‬
‫الساكنة في لحظة زمنية معينة‪.‬‬

‫ووفقا لنظرية بياجيه هناك أربع مراحل رئيسية من مراحل التطور المعرفي‬
‫عند األطفال‪:‬‬

‫سنة‬
‫)‬ ‫(‪9-9‬‬ ‫‪ -‬المرحلة الحسية الحركية‪:‬‬

‫ففي السنتين األولى والثانية من عمر الطفل يتعلم األطفال فكرة إستم اررية‬
‫األشياء وانتظامها في العالم الفيزيقي‪ ،‬فمن خالل المسك والمص (الرضاعة) والنظر‬
‫إلى األشياء ورميها بعيدا ومن خالل تحريك األشياء هنا وهناك يتعلم األطفال بناء‬
‫فهم جيد نوعا ما لحدود األشياء الصغيرة وامكاناتها‪ .‬وعلى سبيل المثال في نهاية‬
‫السنة الثانية فالشيء الذي يخبأ أمام الطفل بغطاء يمكن الحصول عليه ثانية‪.‬‬

‫في نهاية المرحلة الحسية‪ -‬الحركية ينشأ مفهوم دوام الشيء أو البقاء كنتاج‬
‫للتجربة اإلدراكية والعملية للطفل‪ ،‬والمتمثلة في تطور الخطط الحسية‪ -‬الحركية التي‬
‫توفر للطفل قد اًر من التكيف مع األوضاع الخارجية المختلفة والمتغيرة‪.‬‬

‫ومن خالل التنظيم الحسي الحركي يعرف األطفال أن بعض التغيرات تؤدي‬
‫إلى بعض االختالفات‪.‬‬

‫‪ -‬المرحلة الحدسية أو مرحلة ما قبل العمليات أو ما قبل المفاهيم‪ 7-9( :‬سنوات)‬

‫لعل أهم ما يميزها‪ ،‬هو ظهور الرمزية بتطور الوظيفة الكالمية التي تمكن‬
‫الطفل من إقامة عالقات أكثر تقدماً مع الكبار من جهة‪ ،‬ومع أترابه من جهة ثانية‪،‬‬
‫وغنى تصوراته وقدرته على مقارنة األشياء وتحليل وتركيب بعض خصائصها‬
‫الفيزيائية والكيميائية واستخدام الرموز في نشاطاته المتنوعة‪.‬‬

‫هذه المرحلة تقدم إضافات هامة إلى إمكانيات الطفل وقدراته كالكالم‬
‫والتصورات واستدخال األفعال الخارجية إلى الفكر باستخدام الكلمة أو الرمز بدل‬
‫الفعل‪.‬‬

‫سنة)‬ ‫‪ -‬المرحلة الحسية (العمليات المادية)‪( :‬‬


‫‪66-7‬‬

‫مرحلة تحوالت عقلية كبيرة من التمركز حول الذات إلى اإلندماج اإلجتماعي‪،‬‬
‫حيث يبدأ الطفل الذي يستقبل هذه المرحلة بدخوله إلى المدرسة بمشاركة أترابه‬
‫ألعابهم التمثيلية (الدورية) المعقدة وتنمو لديه بشكل واضح الروح اإلجتماعية ويصير‬
‫أكثر قدرة على فهم اآلخرين‪ ،‬وعلى التعبير عن أفكاره وأحاسيسه وعن العالقات‬
‫القائمة بين الوقائع واألشياء والحوادث باستخدام أدوات التعليل والربط وظروف الزمان‬
‫والمكان‪ .‬كما يستوعب عبر سنوات هذه المرحلة الكثير من المعايير اإلجتماعية‬
‫والقيم الخلقية التي تزوده بإمكانية تقييم أفعاله وأفعال اآلخرين‪.‬‬

‫أهم مكتسبات هذه المرحلة على صعيد النشاط العقلي عند الطفل هو تكوين‬
‫المفاهيم األساسية لالحتفاظ ("مفهوم االحتفاظ بالسوائل والحجم والوزن‪ .)"...‬إذ أن‬
‫الطفل يظهر خاللها مقدرة على القيام بالعمليات العكسية‪ .‬كأن يصنف الموضوعات‬
‫ويقيم العالقات فيما بينها ويضعها في مجموعات أو فئات (الحيوانات‪،‬‬
‫الخارجية‪ّ ،‬‬
‫النباتات‪ ،‬األثاث المنزلي‪ )...‬على أساس ما هو مشترك بينها من صفات‪ ،‬كاللون‬
‫والشكل والحجم والوظيفة وسواها‪.‬‬

‫ويقوم بالترتيب التصاعدي (من األصغر إلى األكبر) أو التنازلي (من األكبر إلى‬
‫ب‪ ،‬ب‬ ‫األصغر) دون أخطاء‪ .‬ويستطيع أن يتوصل من خالل المعطيات‪ :‬أ‬
‫ج‪ ،‬وأن يدرك مثال تعاقب المساواة (عالقة التعدي) على شكل أ=ب‪،‬‬ ‫ج‪ ،‬إلى أن أ‬
‫ب=ج‪ ،‬ويصل إلى أن أ=ج‪ .‬بيد أن جميع هذه العمليات المنطقية التي يجريها الطفل‬
‫في هذه المرحلة ترتبط في مجاله اإلدراكي إرتباطاً مباش اًر‪ .‬وهذا معناه أن تفكير‬
‫الطفل هنا لم يتحرر بعد من سيطرة اإلدراك الحسي المباشر وتبعيته لما يقدمه‬
‫اإلحساس من معطيات حول خصائص األشياء وعالقاتها بعضها ببعض‪.‬‬

‫‪ -‬المرحلة المنطقية أو مرحلة العمليات الشكلية (المجردة) (‪69-66‬سنة)‬

‫لعل أبرز ما تتسم به هو قدرة المراهق على وضع الفرضيات واجراء‬


‫المجردة‬
‫ّ‬ ‫المحاكمات اإلستداللية واإلستنباطية المنطقية‪ ،‬والقدرة على تمثيل المفاهيم‬
‫كالخير والعدالة والحق والفضيلة‪ ،‬والقوانين العلمية التي تخضع لها حركة األجسام‬
‫والظواهر الطبيعية في الزمان والمكان‪ .‬ويرتقي بمعرفته من المستوى الحسي إلى‬
‫المستوى المجرد‪.‬‬

‫إن التقسيم الذي جاء به بياجيه لمراحل النمو وأطواره ال يعني انفصال تلك‬
‫المراحل أو إستقاللها بعضها عن بعض بقدر ما يعني أنها حلقات في سلسلة‪ ،‬تكمل‬
‫كل واحدة منها األخرى أو تنتج عنها وتمهد لظهورها‪.‬‬

‫في تعلّم المفهوم أو المدرك يشير بياجيه إلى وجود ثالث مراحل رئيسية عند‬
‫الخطية التصويرية والمجموعات الالخطية وأخي ار المفاهيم‪.‬‬
‫ّ‬ ‫الطفل‪ :‬المجموعات‬

‫والمجموعات الخطية هي تجمعات تتكون دون اإللتفاف إلى صفات المواد‬


‫التي بين أيدي المتعلم الطفل‪ ،‬يتم تشكيلها ألسباب فردية وادراكية للتسلية والمتعة‬
‫اآلنية ألن التجمع الحقيقي للمفاهيم ينبغي أن يكون متعمدا‪.‬‬

‫وليس هناك خطّ فاصل واضح يمثل اإلنتقال من المجاميع الخطّية إلى‬
‫الالخطية يبدو في الواقع متعايشا جنبا إلى‬
‫ّ‬ ‫خطية ألن األساس األولي للمجاميع‬
‫الالّ ّ‬
‫جنب مع المجاميع الخطية منذ البداية‪ .‬إن النقلة من مرحلة إلى أخرى هي مسألة‬
‫تحول من التجميع حسب أوجه الشبه عن طريق الصدفة إلى القيام بالعملية نفسها‬
‫‪72‬‬
‫عمدا‪ ،‬ولألسف ليس من السهل مالحظة الفروق‪.‬‬

‫الالخطية يحصل‬
‫ّ‬ ‫بياجيه يرى أن اإلنتقال من المجاميع الخطية إلى المجاميع‬
‫عادة في خالل السنة الرابعة من العمر‪ ،‬وتلك هي المرحلة التي يبدأ فيها الطفل أن‬

‫‪ -‬ينظر ثناء يوسفففف الضفففبع‪ ،‬ت لم المفاهيم اللغوية والدينية لدى األطفال‪ ،‬دار النهضفففة العربية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪3008 ،8‬م‪،‬‬ ‫‪72‬‬
‫ص‪.99.‬‬
‫يظهر مرونة عقلية ملحوظة إذ يبدأ بتجميع المواد حسب صفة واحدة من صفاتها‪،‬‬
‫وتصنيف األشكال الهندسية في كومات مناسبة‪.‬‬

‫تتميز بوجود‬
‫الخطية ما زالت ّ‬
‫ّ‬ ‫ويالحظ أن الفترة األولى من مرحلة المجاميع‬
‫عدم إنتظام وحاالت من اإللتباس‪ ،‬ففي بداية األمر قد ال يستطيع الطفل تجميع‬
‫المواد وقد يترك بعضها دون تجميع‪.‬‬

‫النوع‪،‬‬
‫وتختلف المجموعات الخطية عن المفاهيم من حيث الدرجة وليس ّ‬
‫فالفرق يكمن في الواقع في قدرة الطفل على تغيير األسس متى ما شاء‪.‬‬

‫السمو بالعملية العقلية من‬


‫فكرة بياجيه عن المفاهيم الحقيقية هي في الواقع‪ّ ،‬‬
‫المحاولة والخطأ إلى التنظيم العقلي المسبق للنتائج النهائية‪ ،‬فمثال صفة اإلستدارة‬
‫تصبح سمة تجريدية تتجاوز مظهر المواد على انفراد‪ ،‬فاألشياء تكون مستديرة إذا‬
‫المجردة بغض النظر عن لونها وحجمها‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ما امتلكت تلك الخاصية‬

‫إن اإلنتقال من األشكال األكثر بدائية للتجميع عملية طويلة وشاقة بالنسبة‬
‫للطفل‪ ،‬إال أن هذا االنتقال التدريجي من الفكر القائم على المدارك إلى الفكر المجرد‬
‫متدرجة‬
‫عملية تطورّية في مراحل الطفولة‪ ،‬وبما أن المعارف كلّها ّ‬
‫ّ‬ ‫أهم‬
‫قد يكون ّ‬
‫‪73‬‬
‫السابقة‪.‬‬
‫هرمية فإنه ينبغي اإلهتمام بترسيخ وترصين الخطوات ّ‬
‫ّ‬

‫‪ - 73‬ينظر ثناء يوسففف الضففبع‪ ،‬ت لم المفاهيم اللغوية و الدينية لدى األطفال‪ ،‬دار النهضففة العربية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪3008 ،8‬م‪،‬‬
‫ص‪.99.‬‬

You might also like