Professional Documents
Culture Documents
مطبوعة وحدة
اعداد:
السنة الجامعية8102-8102:
مـقــدمـة:
نعيش حاليا عصرا تتسارع فيه المعارف وتتجدد وتتنوع االبتكارات وتتغير
بحيث أصبح من الضروري مراجعة من حين آلخر كل ما اكتسبناه ولو كان هذا
المكتسب المعرفي لم يمض عليه وقتا طويال ،وذلك لنساير هذا التقدم الهائل في كل
مجاالت المعرفة .وإن كان هذا ينطبق على كل فرد مهما كانت درجة معرفته
ومستواه العلمي فهذا يكون أهم إذا تعلق األمر بميدان التربية والتعليم ويخص المعلم
ذاته .ففي ظل هذا العصر ومعطياته المتعاظمة والمتجددة باستمرار كشف علم
النفس التربوي عن ضعف بعض الطرائق التربوية وقصور مضامين المواد
التعليمية القائمة حاليا عن بلوغ األهداف المرجوة ،لذا وجد هذا العلم نفسه أمام
ضرورة إعادة النظر في موقفه من الطفل والمدرسة والمعلم والمنهج الدراسي
والعالقات القائمة بينهم ومناهج التعليم وطرق التدريس وفلسفة التربية ،فمراجعة
المناهج والبحث في التعليم والتعلم والتكوين بصورة عامة من أسس بقاء المجتمع
وتقدمه .فلم يعد مقبوال بالنسبة لهذا العلم اليوم أن ننظر إلى الطفل وكأنه صفحة
بيضاء يسجل عليها المعلم ما يريد ،أو أن يبقى المنهج الدراسي مليئا بالمعلومات
التي يطلب من التالميذ حفظها واسترجاعها أثناء االمتحان ،أو أن ننظر للمعلم
وكأنه الملقن والمالك الوحيد للمعرفة مثال .لقد بينت الدراسات الحديثة التي أجريت
في العقود األخيرة ،أن إمكانات الطفل وقدراته هي أكبر بكثير م ّما كان يعتقده علم
النفس قبل هذا التاريخ .وبات من الضروري النظر من حين آلخر في تكوين المعلم
ومناهج التدريس والزمن واستغالله والظروف العامة المحيطة بالتعلم والتعليم
وقدرات المتعلم ووسائل التعليم وغيرها من الشروط العامة التي يجب توفرها من
أجل آداء مهام التعليم في كل المستويات وفي مختلف المؤسسات.
وتعد المعارف والمهارات التي يقدمها هذا العلم من الموضوعات األكثر
أهمية لمن يتناول عمله ميدان التربية والتعليم وذات أهمية قصوى في إعداد المعلم
والمربي بصورة عامة.
إن علم النفس التربوي يعد من فروع علم النفس ذو الدور الفعال لما له من
األهمية النظرية والتطبيقية في العملية التربوية في إحداث التغيرات المرجوة في
مجاالت التعلم والتعليم إذ يقدم المبادئ النفسية األساسية للمربي بصورة عامة والمعلم
بصورة خاصة ،علم النفس التربوي يقدم المعلومات والمبادئ النفسية العامة التي
تساعد على فهم سلوك المتعلم وتنمية شخصيته في كل جوانبها واستغالل طاقة الفرد
ومختلف القدرات وتوجيه السلوك ومعرفة الذات.
كذلك يمكننا أن ننظر إلى علم النفس التربوي على أنه الفرع الوسيط بين
التربية وعلم النفس كونه يهتم بالجانب التربوي ويعتمد على القوانين والمفاهيم النفسية
فهو بهذا مزج بين علم النفس والتربية.
علم النفس التربوي من العلوم الحديثة النشأة غير أنه مثل علم النفس (الذي
هو فرعا منه) له ماض طويل يمتد إلى الفلسفات القديمة متوغال في فلسفة التربية.
الفيلسوف ()6486-6771( )HERBART, Johann Friedrich ويعد جوهن فردريك هيربارت
والبيداغوجي األلماني أول مبشر بهذا العلم عندما حاول أن يستشف من علم النفس
المبادئ التي كانت تبدو له ذات قيمة في التربية والتعليم ،فيرفض النظريات التي
تدافع عن فكرة التمييز بين القدرات (الملكات) العقلية ويقترح فكرة أن كل الظواهر
العقلية أساسها التفاعل بين األفكار األولية .فحسبه الطرق والنظم التربوية يجب أن
تؤسَّس على علم النفس واألخالق :علم النفس يساعد على توصيل المعارف
األساسية le واألخالق لتحديد الهدف االجتماعي للتربية ،من مؤلفاته األساسية،
(1592- (التشيكي) ()E.A.COMENIUS ) .Manuel de psychologie (1816ومن قبله كومنيوس
((1782-( )Friedrich Fröbel ،1670وبستالوزي ( ،Pestalozzi, Johann Heinrich (1746-1827وفروبل
وغيرهم ،غير أن نظرية الملكات ((1712-1778( )Rousseau, Jean-Jacques وروسو 1852
كانت هي المسيطرة على بدايات علم النفس التربوي التي تعود في أصولها إلى
الفلسفة اليونانية وفلسفة العصور الوسطى التي كانت ترى أن العقل اإلنساني يتألف
من قوى مستقلة كالذاكرة و اإلرادة و االنتباه التي تؤدي إلى حدوث مختلف األنشطة
العقلية.
إذا كان علم النفس التقليدي يرى أن الطفل راشدا صغي ار فإن علم النفس الحديث
يخالف ذلك ويراعي خصوصية األطفال وطبيعتهم اإلنسانية وميوالتهم الخاصة ويرى
بأن الطفل يفكر ويتخيل بعيدا عن سمات الراشد وخصائصه .واذا كان علم النفس
التقليدي ُيعرف بعلم نفس الملكات أي ينظر إلى التكوين العقلي لإلنسان على أساس
الملكات ،فإن لعلم النفس الحديث عكس هذه الرؤية التقليدية إذ يفسره على أنه طاقة
دينامية واحدة.
ويستبدل مفهوم التعلم كعملية آلية ميكانيكية بمفهوم أكثر ديناميكية يكون فيها
التعلم معتمدا على استجابات الطفل واالهتمام بنشاطه.
فضل هيربارت يعود إلى الربط المباشر بين الممارسة التربوية والمبادئ النفسية
التي صاغها .ويرى أن العقل كينونة وجدانية ينمو ويتطور ويكتسب مالمحه عبر
عملية االتصال الحسي مع العالم الخارجي ،ويحدد هيربارت مصدرين أساسيين
لتكوين المعرفة عند اإلنسان هما:
والوظيفة األساسية للتربية عند هيربارت هي أنها تمد العقل باألفكار والتجارب.
رغم إسهامات هذا العالم وغيره في ترسيخ علم النفس التربوي وتحديد معالمه بين
العلوم األخرى فإنه في الواقع (علم النفس التربوي) كعلم تجريبي مستقل عن الفلسفة
( Thorndike, ظهر في الربع األخير من القرن التاسع عشر على يد ادوارد ثرندايك
األمريكي الذي ألف أول كتاب له حول هذا الموضوع عام )6181-6478( )Edward Lee
» ولم يبدأ هذا العلم ()Educational Psychology تحت عنوان "علم النفس التربوي" 6191
في اتخاذ صورة واضحة إال منذ عام 6199وقد تتابعت االهتمامات والمؤلفات والبحوث
األكاديمية حول هذا العلم ،وأنشئت المعامل والمختبرات الخاصة به ،وظهرت
المجالت المتخصصة لمعالجة موضوعاته ،وعقدت المؤتمرات العلمية التي أسهمت
في تحديد طبيعته ،إلى أن أصبح هذا العلم من المقررات األساسية الالزمة لتدريب
المعلمين في كليات ومعاهد التربية بمختلف أنواعها ومستوياتها ...وبدأ االهتمام
يتحدد ويزيد بعلم النفس التربوي في الثالثينيات من هذا القرن ،حيث تم تحديد
موضوع سيكولوجية المواد الدراسية كالقراءة والحساب وانتشرت أبحاث كثيرة في
طرق التدريس ،وفي األربعينيات تطور هذا الفرع نتيجة تأثره بالمفاهيم اإلكلينيكية
المشتقة من ميدان الطب العقلي والعالج النفسي ،حيث زاد االهتمام بمشكالت
التوافق والتكيف والصحة النفسية للطالب .وفي الخمسينيات زاد االهتمام بعمليات
التعلم داخل غرفة الصف والعالقات بين الطلبة أنفسهم من جهة أخرى)1( «.
فالمعرفة الشمولية والدقيقة لمراحل تطور الحياة النفسية عند األطفال والمراهقين مثال
و المعرفة المعمقة والعلمية لبعض القضايا والموضوعات النفسية ،و معرفة
المعطيات البيولوجية التي تتصل بمراحل نمو الطفل والترابطات النفسية والتصورات
التي تتصل بطرق التفكير مثال كلها و غيرها ساعدت على بلورت و استقالل و
إثراء علم النفس التربوي.
لم يعد في الواقع مجرد تطبيقا لنظريات التعلم وسيكولوجية النمو أو مزيجا من
النظريات وسيكولوجية التعلم والقياس النفسي والتربوي بل له كيانه » ويعود الفضل
في ذلك إلى استخدام العلماء لغة األنساق أو المنظومات ،Systemsويقصد بالمنظومة
مجموعة من العالقات المنظمة المتداخلة التي تربط بين أجزاء متفاعلة يتكون منها
كل أو نمط يؤدي وظيفة معينة .وقد يكون تصور العملية التعليمية كمنظومة والذي
اقترحه روبرت جليزر منذ عام 6119أكثر التصورات شيوعا 2«.وتتألف هذه المنظومة
-1صالح محمد علي أبو جادو ،علم النفس التربوي ،دار المسيرة للنشر والتوزيع والطباعة-عمان ،الطبعة األولى.8991 ،
ص.81.89.
-2صالح محمد علي أبو جادو المصدر أعاله ص89 .
عمليات التعلم، من العناصر التالية :األهداف التربوية ،المدخالت السلوكية،
والتقويم التربوي ،كما يوضحه الشكل الموالي:
المنظومة األساسية للعملية التعليمية كما اقترحها روبرت جليزر ()1 الشكل رقم
لتوضيح مصطلح "علم النفس التربوي" تعددت التعريفات وذلك لتعدد الزوايا
التي ُيؤخذ منها هذا العلم ولتعدد كذلك تعريفات العبارات المكونة لهذا المصطلح:
"علم"" ،النفس"" ،التربية" .هذه العبارات التي تعددت معانيها بتعدد العصور والمدارس
والفلسفات (وال نريد في هذا المجال التعمق في هذه العبارات).
لقد كان هناك جدل كبير حول ماهية هذا العلم ،فإذا كان البعض يرى هذا
العلم كمبدأ التطبيق في ميدان التربية والتعليم ،أي في غرفة الدراسة ،للمعارف
والطرائق واألساليب النفسية والنظريات التي توصل إليها علم النفس ،فإن البعض
اآلخر يرى أن علم النفس التربوي له ميدانه المتميز بنظرياته ومناهجه البحثية
ومشكالته وأساليبه الخاصة ،وعلى هذا األساس فمن بين اهتماماته األساسية نجد:
فيقول :علم النفس التربوي من العلوم النظرية التطبيقية ()Dubois ويعرفه ديبوا
التي تحاول فهم ما يجري في المدرسة وفي غرفة الصف ،وفهم أسباب حدوثه.
كما ُيعرف » بأنه علم تجريبي يدرس سلوك المتعلم خالل ممارسته لعملية
التعلم)3( «.
على أنه العلم الذي يدرس مشكالت التربية وحلها من ()Wittrock يعرفه ويترك
خالل مفاهيم ومبادئ علم النفس المختلفة.
يعرفه كيج وبيرلينر ( )Gage &Berlinerعلى أنه دراسة التعلم والتعليم والمدرسة وما
يرتبط بها من عمليات باستخدام مفاهيم ومبادئ علم النفس.
على أنه الدراسة العلمية للسلوك اإلنساني في المواقف ()Bruner ويعرفه برونر
التربوية ،أي أنه العلم الذي يربط بين علم النفس والتربية)4(.
من خالل هذه التعريفات يتضح لنا أن هذا العلم الجديد هو أحد ميادين علم النفس
النظرية والتطبيقية التي تُعنى بالمتعلم في كل جوانبه العقلية النفسية االجتماعية
التربوية وتسخيرها لفهم وتوجيه واستغالل التعلم والتعليم.
لتحديد موضوعات علم النفس التربوي قام مثال "يال" عام 6176بمسح للمؤلفات
في هذا المجال (مائة كتاب) وحلل محتواها فوجد أكثر الموضوعات تك اررا:
.3دافعية التعلم :وهي المحرك األساسي لحدوث عملية التعلم ،أي معرفة
الظروف البيئية المناسبة والمساعدة على إحداث التغيرات االيجابية المرجوة في
سلوك أي متعلم.
الموضوعات المجال
– األخالقي -الجسدي -المعرفي
- التطور و النمو -اللغوي االجتماعي -االنفعالي
...
-التخطيط الصفي – إدارة الصف و
ضبطه
– نظريات التعلم التعليم و التعلم -تعليم التفكير
االجتماعية، المعرفية، (السلوكية،
التكاملية)...
-دور الدافعية في التعلم و وظائفها، الدافعية للتعلم
32 - 5ينظر عدنان يوسف العتوم و وخرون ،علم النفس التربوي :النظرية و التطبيق ،مصدر أعاله ،ص.
(اإلنسانية، الدافعية نظريات -
اإلجتماعية ،المعرفية ،التحليلية)...
-مختلف التقويمات(التقويم التشخيصي،
التقويم
البنائي ،االنتقائي)...
-2أهدافه:
مثل باقي العلوم يهدف علم النفس التربوي إلى الفهم ثم التنبؤ ثم ضبط السلوك
أو الظواهر التربوية (موقف تعليمي تعلمي) .وفهم الظاهرة يعتمد أساسا على وصف
العالقة بين الظاهرة المراد دراستها والظواهر األخرى المؤثرة فيها اعتمادا على
المسلمة السببية أن لكل ظاهرة طبيعية أسباب ،الفهم في جوهره هو تساؤالت في
البداية نحاول اإلجابة عنها "كيف؟"و"لماذا؟" يحدث السلوك .والفهم يساعد على
التنبؤ أي توقع حدوث الظاهرة :وهو احتمالي وليس حتميا وقوع الظاهرة اعتمادا
كذلك على مسلمة االضطراد إذ هناك استقرار نسبي في الظواهر الطبيعية .والتنبؤ
هو كذلك محاولة اإلجابة على تساؤالت "ماذا يحدث؟" و"كيف يحدث؟" هذا الفهم،
وهذا التنبؤ يساعد على ضبط الظاهرة أو التحكم فيها :فمعالجة أسباب الظاهرة
يجعلها تحدث أو ال تحدث .أي القدرة على التحكم في بعض العوامل أو المتغيرات
المستقلة المعروفة (التي تعرفنا عليها) التي تسهم في إحداث الظاهرة (السلوك،
الكفاءة ،مخرجات العملية التربوية )...رغم أن الضبط في هذا المجال ليس من
السهل الوصول إليه بسبب تنوع وتغير وتفاعل األسباب أو المتغيرات التي تسهم
في إحداث الظاهرة العلمية التربوية.
في الواقع فالهدف األساسي هو تطوير وتطبيق أسس علم النفس العام من
أجل تطوير العملية التربوية واستغاللها واالستفادة منها .فمن وراء نشاطه العلمي
يهدف إلى الوصول إلى المعرفة التي تمكنه من تفسير العالقة الموجودة بين
المتغيرات التي هي بمثابة السلوك في المواقف التربوية والعوامل المختلفة المؤدية
إلى حدوث هذا السلوك.
حتى وان دار الجدل حول مهنة التدريس هل يمكن اعتبارها فن وموهبة تصقل
من خالل الخبرة أم هل يمكن اعتبارها مهارات يكتسبها المعلم من خالل الممارسة؟
بمعنى آخر هل يكفينا أن نكون حاملين لشهادة حتى نستطيع التدريس أم يجب أن
تكون لدينا استعدادات أولية قبل الولوج في المهنة؟ فان معرفة الفرد لمفاهيم علم
النفس التربوي ونظرياته ومبادئه المختلفة قبل ممارسة المهنة ضرورة لتحضير المعلم
واألستاذ لهذه المهمة وتبصيرهم بالمهنة إن اعتبرنا التدريس مهنة من المهن.
هذا العلم يعتبر من المواد األساسية والالزمة لتدريب المعلمين وكل من يشتغل
في ميدان التربية والتعليم لتأهيلهم ألنه يزودهم باألسس والمبادئ النفسية التي تتناول
طبيعة المتعلم من جهة والتعلم المدرسي من جهة أخرى وحتى المعلم ذاته .هذا يأتي
من منطلق اإليمان الجازم بأن علم النفس التربوي يمكن اعتباره ضرورة ملحة وثقافة
تربوية تفيد فائدة كبيرة في النهوض بالتعليم والمجتمع بصورة عامة إذ يعين على
اكتشاف الفرد لنفسه والتعرف على القدرات والميوالت والكفاءات والدوافع والحاجات
واألغراض سواء عند المعلم والمتعلم ويميز بين السوي والشاذ مثال من أجل تحسين
عملية التعليم والتدريس ،وتبيان كيف يتعلم الفرد وتحديد مساره وسلوكه بل وحياة
المجتمع برمته.
إن غياب علم النفس التربوي من ساحة تكوين المعلم سيؤدي بهذا األخير إلى
اللجوء أثناء أدائه لمهامه إلى االستعانة بالطرق التقليدية التي تعلم بها وسوف لن
يعامل التلميذ الذي هو أمامه إال مثل التلميذ الذي هو "بداخله" ،أي سيتبع الطريقة
التي عومل بها أثناء تعلمه ،واستمرار الطريقة ال يعني بالضرورة صحتها .أو أن
يلجأ إلى المحاولة والخطأ في آداء مهنته وهو عمل عشوائي .وما نود اإلشارة إليه
هو أن هذا العلم ليس طريقة سحرية تأتينا بكل الحلول للمشكالت التربوية التي
تصادفنا .فعلم النفس التربوي حتى وان جاءنا بمعلومات حول المبادئ العامة للنمو
وأعطانا طرق التدريس الناجعة واقترح علينا الحلول لذوي القدرات الخاصة ،فإن
على صاحب المهنة فهم واجباته المهنية ومتطلباتها وأن يعمل على تطوير ذاته
التوافق المهني .ورغم كل شيء فأهميته وتزويدها بكل الوسائل التي تمكنه من
يمكن تلخيصها في بعض النقاط منها:
-استبعاد المفاهيم الخاطئة حول التعلم والتعليم والنمو والذكاء ...أي تزويد
المعلم باألخبار والمعلومات والمعارف واألسس التربوية حول سلوك المتعلم
وخصائصه في األوضاع التعليمية المختلفة.
-مساعدة المعلم وتدريبه على التفسير العلمي لمختلف أنماط السلوك الصادرة
عن المتعلم (مختلف السلوكات داخل الصف الدراسي وحتى خارجه) ،وبالتالي الفهم
الحسن للعملية التربوية والتعليمية.
-التنبؤ بالسلوك وتحديد مساره وضبطه وذلك بإلمام المعلم بالعوامل المرتبطة
بالنجاح أو الفشل (كطرق التعليم ووسائله ،الدافعية والجو االنفعالي المصاحب
للتعلم ،الظروف البيئية واالجتماعية والوراثية).
هي كفاءات يطورها المعلم من خالل اطالعه على المبادئ العامة لعلم النفس
التربوي ومن خالل الممارسة الميدانية التي سوف ال محالة تزيد من مهارات التدريس
التي على كل معلم تطويرها.
كغيره من العلوم اإلنسانية يطبق علم النفس التربوي مناهج علمية في بحث
الظواهر التربوية ،ونظ ار لتعدد وتعقد الظاهرة اإلنسانية فإن هذا العلم يطبق مناهج
بحث مختلفة وفق الظاهرة المدروسة ومناسبة لمتغيرات الدراسة المقترحة وذلك
بالطبع وفق شروط محددة .ويجب اإلشارة هنا أن الظاهرة اإلنسانية مختلفة عن
الظاهرة الطبيعية كون:
-الظاهرة الطبيعية ثابتة نسبيا على خالف الظاهرة اإلنسانية األكثر تغييرا.
-تعقد الظاهرة اإلنسانية كونها تتأثر بعوامل مختلفة على خالف الظاهرة
الطبيعية المتميزة بالبساطة النسبية.
من أقدم المناهج وتتناول دراسة التاريخ التطوري لبعض ظواهر النمو
()6191-6477 Terman, Lewis Madison وتيرمان كدراسات داروين (
)6449-6491( )C. Darwin
( ،)6116-6449() Gesell, Arnold Luciusوغيرهم .وتسعى هذه الدراسات ()Gesell وﭭيزل
الوصفية إلى تتبع الظاهرة اإلنمائية والسلوكية كاللغة والنمو الفسيولوجي واإلجتماعي
والتغيرات التي تط أر على المتعلم في مراحل نموه .والدراسات الوصفية التطورية تأخذ
شكلين:
من المناهج األكثر دقة وموضوعية ألنه يعتمد على ضبط والتحكم في المتغيرات
المراد دراستها .والتجريب هنا ليس مثل التجريب في العلوم األخرى ،إذ يدرس الباحث
ويحدث في بعضها تغيي ار مقصودا ليتوصل إلى
المتغيرات التي اختارها من الظاهرة ُ
العالقات السببية بين المتغيرات .والتجربة تتكون من:
في األصل هذا المنهج مرتبط بدراسة الظواهر غير العادية (المرضية)كما تدل
عليه كلمة كلينيك ( )cliniqueعلما أن طرق دراسة الحاالت قد تختلف من حالة ألخرى.
غير أنها تشترك في بعض النقاط منها:
* وضع العالج المناسب وهذا بعد وضع الفروض التي يعتقد الباحث أنها
مناسبة لعالج المشكلة المدروسة.
وما نود اإلشارة إليه هنا أن المنهج ُيختار حسب نوعية الظاهرة المدروسة
وطبيعتها .فالظواهر العادية تدرس بمناهج بحث وصفية إذا كانت تعبر عن متغير
واحد مثل جوانب النمو المختلفة كاللغوية والجسمية والعقلية واإلجتماعية أو الظواهر
المنفردة كخصائص المتعلم الموهوب مثال والتعلم الفعال ،أما إذا تعلق األمر
6
بالظواهر الخاصة كالقلق والضعف العقلي فإنها تدرس بالطرق اإلكلينيكية مثال.
أو دراسة الحالة (التي هي منهج وصفي) التي قد تكون فردا أو مجموعة من األفراد
أو قسما دراسيا أو حتى مدرسة .ويبقى علم النفس التربوي يستعين بالعلوم األخرى
كالرياضيات و اإلحصاء وطرقها للكشف عن الموضوعات التي يتناولها.
إذا كان علم النفس بصورة عامة يهتم بدراسة السلوك اإلنساني في جميع
مجاالت الحياة (التعلم ،اإلدراك ،الذكاء ،النمو في مظاهره المختلفة ،)...فإن علم
النفس التربوي يهتم بسلوك اإلنسان في المواقف التربوية فقط ،ويمكن اعتباره أحد
الفروع التطبيقية لعلم النفس العام .إنه يستفيد كذلك من البحوث والنظريات المتوافرة
في الفروع األخرى لعلم النفس كعلم النفس اإلجتماعي ،علم نفس النمو ،علم النفس
- 6صالح محمد علي أبو جادو ،علم النفس التربوي ،مصدر أعاله ص31 .
الفسيولوجي ،وعلم النفس اإلكلينيكي والفارقي ...وكما هو معلوم فالمعرفة متداخلة
ومتراكمة في جميع المجاالت وتكمل بعضها بعضا.
فروع علم النفس هي األخرى تستفيد من المبادئ والمفاهيم التي تتوصل إليها
بحوث علم النفس التربوي خاصة في مجاالت التعلم والدافعية وحل المشكالت.
عالقة علم النفس التربوي بفروع علم النفس والعلوم التربوية كما يراها غودوين
وكالسمير ( )Gooduin &Klausmeirتشكل » منظومة تربوية متكاملة من العالقات المنظمة
والتفاعالت الدينامية التي تساعد الدارس أو المعلم على التعامل مع عملية التعلم
7
والتعليم بفعالية عالية».
أما مكونات هذه المنظومة فهي األهداف التربوية ،المدخالت التربوية ،عملية
التعلم (التجهيز التربوي) ،المخرجات التربوية ،التقويم التربوي.
-األهداف التربوية فتمثل ما يسعى إلى تحقيقه المعلم في نهاية الوحدة أو المرحلة
التعلمية.
-التقويم التربوي هو الحكم على مدى تحقيق األهداف ونجاح عملية التعلم
8
وتجهيزاتها المختلفة.
ص33 . - 7عدنان يوسف العتوم ووخرون ،علم النفس التربوي :النظرية والتطبيق ، ،مصدر أعاله،
-8المصدر نفسه ،ص32 .
-عملية التعلم (التجهيز التربوي) وهي اإلجراءات المتبعة من أجل تحقيق أهداف
عملية التعلم كالوسائل التعليمية وطرق التدريس وظروف العمل.
من أبرز الفروع التي يرتبط بها علم النفس التربوي نجد على سبيل المثال ال الحصر:
أ -علم نفس النمو (التطوري) :هذا العلم الذي يركز اهتمامه حول مسائل
أساسية في النمو والتي يمكن تصنيفها إلى ثالثة:
االهتمام بسلسلة التغيرات التي يمر بها الفرد أثناء دورة الحياة
(الطفولة وما قبل الوالدة ،المراهقة ،الرشد والشيخوخة).
ب -علم النفس اإلجتماعي :المعلم ال يتعامل ويتفاعل مع أفراد فرادى داخل
مع جماعات (قسم دراسي) ،لذا فهو بحاجة لفهم أكثر القسم لكن
لديناميات الجماعة وأثرها في سلوك أعضائها واتجاهاتهم وفهم مبادئ السلوك
الجماعي حتى يصبح أكثر قدرة على التعامل مع العوامل التي تؤثر في المواقف
الجماعية المسهلة للتعلم أو المعيقة له ،حتى يستفيد منها في عمله .المتعلم أو
المعلم ينتمي إلى أسرة ومجتمع وثقافة بكل ما تحمله من قيم ومبادئ ،فمن أجل ذلك
فإن كل ما يقدمه علم النفس االجتماعي من نتائج ستزيد من فهمنا ألنفسنا ولمتعلمينا.
هذا العلم دفعنا إلى إعادة النظر في تصورنا للوضعيات التربوية وطرائق
التحليل والسيرورة التعليمية .وهكذا أصبح من الالزم على المعلم أن يعرف آليات
اشتغال الجماعة تكوينها وتطورها البنيوي وسيرورة أعضائها ومآلهم و قيادتها .إن
السلوك بحسب علم النفس االجتماعي هو نتاج العالقات الديناميكية الصادرة عن
تفاعل الفرد مع المحيط (إمكانيات البيئة المادية واالجتماعية والثقافية والمعنوية).
كما أن هذا العلم يسمح بمعرفة مستويات وعتبات التفاعل واالندماج مثال :كيف
تؤثر الجماعة في الفرد وكيف يؤثر الفرد في الجماعة ،وكيف تصطبغ المواقف
بالجماعية وكيف يتقبل الفرد أنظمة الضبط اإلجتماعي أو يرفضها. الفردية
ولقد وظفت التربية المدرسية بصفة خاصة هذه المعطيات السيكو -اجتماعية قصد
إشباع حاجات التلميذ من العالقات االجتماعية .وهذا اإلشباع يتحقق بواسطة التعلم.
لقد بين علم النفس االجتماعي للمربي والباحث أن جماعة المتعلمين مهما كان
حجمها ،كبيرة أم صغيرة ،هي مجال لعالقات معقدة وتفاعلية وأنه ال ينبغي اعتبارها
مجرد تجميع لألفراد ،فالصف الدراسي هو مجتمع مصغر على المعلم اإللمام
بخصوصيات الجماعة ودينامياتها مثال.
ج -علم القياس النفسي :القياس هو العملية التي يتم بها تقدير شيء ما تقدي ار
وحدة قياس معينة أو نسبة إلى أساس معين .أو هو العملية كميا في ضوء
التي تحدد بوساطتها كمية ما يوجد في الشيء من الخاصية أو السمة التي نقيسها.
أي تقدير األشياء والمستويات تقدي ار كميا وفق إطار معين من المقاييس المدرجة،
اعتمادا على أن كل شيء موجود بمقدار وكل مقدار يمكن قياسه .والقياس النفسي
منذ نشأة حركة قياس الذكاء والتأخر العقلي Alfred Binet منذ بداياته وقياس الذكاء مع
وسمات الشخصية زاد من أهمية القياس والتقويم التربوي لتحقيق الدقة والموضوعية.
فبفضل البحوث أصبح باإلمكان قياس بعض الجوانب التي كانت تبدو مستعصية
وجوانب بعض السلوك المعرفي اإلنفعالي أو عن القياس كاالتجاهات،
اإلجتماعي.
من أول توظيف لهذه التقنية مع جان ()la sociométrie القياس السوسيوميتري
( Les في كتابه الموسوم بـ " أسس القياس االجتماعي" ()Moreno J. L. لويس مورينو
.)fondements de la sociométrieأصبح هذا القياس وسيلة لتحديد درجة قبول الفرد في
جماعته والكشف عن العالقات القائمة بينه وبين باقي األفراد .ويمكن استخدام هذه
أجل كشف واستجالء والتعرف على العالقات التقنية داخل الفصل الدراسي من
الخفية بين التالميذ ولم ال بين األساتذة كأن نوجه سؤاال مثال من ترغب العمل
معه؟ أو من هو الشخص أو التلميذ الذي ال ترغب العمل معه؟ أو من هو التلميذ
الذي تظن أنه سيعمل معك؟ بهذه التقنية وغيرها يعرف المدرس المفضلين أو الزعماء
(القادة) والمنعزلين والمرفوضين ثم يحاول مساعدة التلميذ المهمش على االندماج
والمنعزل على حل أسباب عزلته.
تفيد مثال الروائز (المعرفية) في بلورة عملية التعلم حيث توظف فرديا أو
جماعيا لقياس معارف واختبارات التحصيل المدرسي .إنها تقنية ناجعة يستعملها
المعلم واألستاذ لمراقبة التطور البيداغوجي لدى التالميذ .وهناك أيضا روائز القدرات
ستانفورد بينيه ،6167سلم 6166 العقلية وأهمها رائز الذكاء ( سلم بنيه– سيمون
وكسلر ،بلفي....الخ) ويعبر عن نتائجه إما بالعمر العقلي أو بمعامل الذكاء ،فالمعلم
مطالب بمراعاة ما تقدمه الدراسات السيكولوجية حول نمو الطفل والمراهق وعالقة
لقلنا أن كل مرحلة يناسبها ()J. Piaget ذلك بالذكاء .ولو اعتمدنا على أبحاث بياجيه
ذكاء .وأخي ار هناك روائز الشخصية ،وهي عبارة عن مقاييس نفسية لدوافع الشخص
واتجاهاته وانفعاالته وعالقاته باآلخرين .وهي أداة فاعلة في بلورة العمل التربوي.
د -علم النفس الفيزيولوجي :إذا كان علم النفس الفيزيولوجي يدرس العالقات
الموجودة بين الميكانيزمات النفسية ووظائف الجهاز العصبي وخاصة تلك التي تؤثر
في السلوك اإلنساني ومختلف اإلحساسات ،فهذا يعني أن المعرفة الفسيولوجية
تفيدنا في عملية التعليم وفي فهم السلوك العادي الذي نمارسه في حياتنا العادية بناء
على أسسها البيولوجية والعصبية .علم النفس الفسيولوجي يساعدنا في بناء البرامج
الدراسية والتخطيط لها وتطبيقها ،فدروس القراءة والكتابة مثال تكون مبنية على أسس
علمية إذا ما اعتمدنا على نتائج البحوث في ميدان علم النفس الفسيولوجي.
علم النفس التربوي هو على العموم أحد فروع علم النفس العام كما أشرنا لذلك
ويبقى أحد فروعه التطبيقية ويعتمد على باقي الفروع األخرى كعلم النفس التجريبي
وعلم النفس العيادي والتحليل النفسي ويستفيد من البحوث المختلفة في ميادين العلوم
اإلجتماعية المختلفة.
ويفيد التحليل النفسي بتأكيده على تدخل العوامل الذاتية واالجتماعية التي
تنتمي إلى "مجال الالشعور –بالمفهوم الفرو يدي -ألن التعلم ال يقتصر فقط على
كما يؤكده فرويد واألبحاث فيما ()la libido القدرات العقلية ،بل إن الوظيفة الليبيدية
بعده ،تتدخل في الوظيفة العقلية ،فطلب المعرفة ال ينفصل عن مبدأ "اللذة" و"اللعب"
والذي قد يكون في جوهره إعالء ،وعموما يمكن تلخيص إسهامات التحليل النفسي
التربوية في بعض النقاط منها:
-التعرف على دور الالشعور في تحديد السلوك من وسط آلخر (أسرة ،مدرسة
مثال).
-الكشف عن األسباب النفسية للتعثر الدراسي لدعم المتعثر نفسيا وليس معرفيا
فقط.
لم يختلف علماء النفس وقبلهم الفالسفة في إبراز أهمية التعلم لكن في تفسير قضاياه.
األس َماء ُكلّها َّ
آدم ْسان َما ْلم َي ْع ْلم ( العلقَ )9 :و َعل َم َ
اإلن َ
من التعلم اإللهي َ علّ َم ْ
(البقرة )16:إلى دور الخبرة التي تخط في اإلنسان ما يعيش ألنه يولد كورقة بيضاء
أو إلى تفسيره عن طريق ارتباطات بين ()John Locke ()6798-6119 (جون لوك
(-6474( )John , Broadus WATSON المنبهات واالستجابات (السلوكيون أمثال واطسون
وغيرهم .لقد قدموا تصورات كثيرة ومختلفة لهذه العملية ،وتبقى قضايا التعلم ))6194
تستحق اهتمام عالم النفس والمعلم وكل من يبحث في مشكالت التعليم كون أن أي
سلوك إرادي (نفسي -حركي ،وجداني ،أو حتى معرفي) يصدر عن اإلنسان ال
يكون مصدره إال التعلم .والتعلم لم يكن مهما عند اإلنسان فقط بل حتى عند
الحيوان.
نظ ار لتعقد الظاهرة فهناك نظريات ومدارس كثيرة اهتمت بتفسير عملية التعلم
ومن خاللها ظهرت قوانين التعلم والتي حاولت أن تنشئ عالقات بين عناصر
الموقف التعليمي عن طريق التعلم باالستبصار واإلدراك الحسي مثال ومازالت
وجهات نظر ونظريات تنسج متحدية ومتجاوزة األفكار التي سادت وسيطرت على
الممارسات التربوية.
اقترحت العديد من التعريفات لمفهوم التعلم نظ ار لتعدد النظريات المفسرة له ،إذ
وآخرون »كتغير في السلوك عن طريق ََ ََ)Arthur GATES & autres اعتبره ارثور جيتس (
الخبرة والمران ،له صفة االستمرار وصفة بذل الجهد المتكرر حتى يصل الفرد إلى
10
()Guilford, Joy Paul أو كتعريف جيلفورد استجابة ترضي دوافعه وتحقق غاياته».
( )6147-6417الذي يرى التعلم كأي تغير في السلوك الذي يحدث نتيجة استثارة .أو
حيث عرفه بأنه تغير دائم نسبيا في إمكانيات السلوك نتيجة ()Kimble كتعريف كيمبل
للخبرة المعززة.
واذا كان المعرفيون يؤكدون على دور العمليات المعرفية (التذكر ،التخيل،
التفكير) في التعلم واعتباره نشاطا عقليا داخليا ال يمكن مالحظته مباشرة ولكن
التعرف عليه من خالل نتائجه أي األداء ،فإن السلوكيون عكسهم يركزون إهتمامهم
(سبتمبر) ،8913ص811. - 9فاخر عاقل ،علم النفس التربوي ،بيروت ،دار العلم للماليين ،ط .9.أيلول
-10سفففامي محمد ملحم ،سييييوولو ية الت لم والت ليم :األسيييس النظرية والتطبي ية ،عمان ،دار المسفففيرة للنشفففر والتوزيع
والطباعة ،ط .3002 ،3.ص 11 .ربوي ،بيروت ،دار العلم للماليين ،ط .9.أيلول (سبتمبر) ،8913ص811.
-10سفففامي محمد ملحم ،سييييوولو ية الت لم والت ليم :األسيييس النظرية والتطبي ية ،عمان ،دار المسفففيرة للنشفففر والتوزيع
والطباعة ،ط .3002 ،3.ص11 .
على المؤثرات الخارجية التي تشكل سلوك الفرد وتبرمجه .هما اتجاهين أساسين
انبثقت عنهما طرق في التدريس والتعلم والتعليم وتطبيقات تربوية استخدمت في
أقسام الدراسة.
رغم تعدد التعريفات فيبقى التعلم أي تغير ثابت نسبيا في سلوك الفرد نتيجة
الخبرة ،له خصائص مميزة منها أنه عملية قبل أن نرى آثارها على سلوك الفرد أي
في أدائه (في اللغة مثال والحركات وحتى طريقة اإلنفعاالت) فهي تنطوي على عدد
من العمليات ،فإننا نستقبل ،أي نحس ،ثم نوصل هذه اإلحساسات إلى األعضاء
المعنية ،ثم ندرك ،وننتبه ،ونفكر ،ونتعرف ونترجم ،ونتذكر ،ونفهم العالقات .أنه
كذلك سلوك جديد لم يكن موجودا من قبل :تعلم القراءة والكتابة ،وأنه أيضا تقدم
ايجابي أو تحسن أو زيادة في المعرفة ،أي تعلم تقدمي وال يعني هذا أن أي تقدم
يعتبر تعلم ،فهناك العديد من التغيرات تكون بسب النضج أو حتى لتعاطي بعض
العقاقير أو حتى نتيجة التعب ،فيجب أن يكون هناك استمرار نسبي في السلوك.
أن يشمل هذا التعلم مختلف جوانب الشخصية » .و من ثم فإن مقدار التعلم يتجلى
كما و كيفا :كما بعدد األمور التي يستطيع الفرد أن يقوم بها ،وكيفا بالطريقة التي
11
هذا عن التعلم »أما القيام بالعمل يستجيب وفقا لها في الموقف التعليمي».
فينحصر في القيام بالفاعلية التي كان الفرد قد تعلمها .وهذا يظهر قابليات الفرد
التعلمية ،فالضارب على اآللة الكاتبة وعازف البيانو مثال يفعلون ما كانوا قد تعلموه.
وبطبيعة الحال فإن العب كرة القدم الماهر ال يقوم بعمله كل مرة على نفس الشكل
12
ولكنه يحاول التحسن والتعلم المستمرين من خالل قيامه بالعمل كل مرة جديدة».
()Woodworth ويستفيد مما تعلمه ويوظفه في مواقف جديدة .وهذا ما يذهب إليه وودورث
عملية التعلم عملية معقدة تشمل أنواعا من النشاط والخبرات المتعددة بتعدد
المواقف التي يمر ويعيشها الفرد غير أنه بصورة عامة فالموقف التعليمي »وحدة
ذات قطبين أحدهما المتعلم والثاني المجال الحيوي الذي يتحرك فيه ،وكل من هذين
وعوامل مختلفة كما يتفاعل كل القطبين وحدة معقدة تتفاعل بها عدة قوى
14
مع اآلخر».
- 13نقال عن محمد مصطفى زيدان ونبيل السمالوطي ،علم النفس التربوي ،جدة ،المملكة العربية السعودية ،دار الشروق
للنشر والتوزيع والطباعة ،ط 8102 .3.هـ 8992م .ص.19.
- 14نقال عن المصدر نفسه ،ص.23.
-مرحلة التعميم والتطبيق والتكامل.
ومما ال شك فيه أنه هناك أنواع مختلفة من التعلم ،فتعلم اللغة مثال يختلف عن
تعلم الفنون ،بل وحتى في تعلم اللغة ذاتها هناك اختالف بين تعلم اللغة الكتابية
واللغة اللفظية أو لغة اإلشارات .وكما دلت البحوث والدراسات فيمكن اختصار مراحل
التعلم في:
هي مراحل أو محطات في عملية التعلم على المعلم مراعاتها و االنتباه لها
أثناء ممارسته لمهنته .كما أن معرفة المعلم بخصوصيات التعلم ومراحله ،تجعله
قاد ار على ضبط طرقه في التدريس مثال وادراك أساس التعثر عند كل متعلم.
- 15صالح محمد علي أبو جادو ،علم النفس التربوي ،مصدر أعاله ص.828. 820.
إذا كان التعلم يتضمن تغيرات في جوانب شخصيتنا فهذا يعني أننا نتعلم
سمات الشخصية من ميوالت وقيم ودوافع واتجاهات وكل أنواع السلوكات :لفظية
كانت أم حركية ،ذهنية أو إجتماعية ،وهذا يعني كذلك أننا نتعلم في كل مواقف
الحياة وأن التعلم ال يقتصر على مكان واحد أو هيئة معينة :إننا نتعلم في البيت،
في الشارع ،في المدرسة ،من األستاذ والزميل والكتاب.
التعلم نظ ار لتعقد مظاهره صنف إلى عدة أنواع من حيث أشكاله وصوره ،أو
من حيث بساطته وتعقيده .هي تغيرات في الشخصية يمكن حصرها في ثالث جوانب
رئيسية هي:
-16سامي محمد ملحم ،سيوولو ية الت لم والت ليم :األسس النظرية والتطبي ية ، ،مصدر أعاله ،ص.23 .
-17المصدر نفسه ،ص.22.
-1التعلم اللفظي :هي ليست القدرة على تعلم الكالم فحسب بل كذلك إستيعاب
بعض المعلومات والحقائق واسترجاعها وتوظيفها في مواقف مختلفة وتدريب الفرد
على عمليات التفكير وادراك العالقات والمقارنة بين المعلومات واصدار الحكم
والتقييم السليم.
-2التعلم الحركي :هذا التعلم هو قدرة الفرد على استخدام عضالته (اإلرادية) بما
يؤدي إلى توافق عضلي من نوع جديد كنموذج لإلستجابة المطلوبة مثل تعلم الفرد
الكتابة وتعلم السياقة.
-3التعلم اإلدراكي :إننا نتعلم كيف نرى األشياء وندرك المواقف والمواضيع بصورة
جديدة ،هذا النوع من التعلم يهدف إلى إعادة تنظيم المثيرات الحسية في نماذج
إدراكية جديدة.
-5تعلم أسلوب حل المشكالت :عند تغير المحيط يميل الفرد إلى تغيير سلوكه
حتى يتأقلم (يتكيف) مع الوضعيات الجديدة أي إيجاد الحلول للمواقف الجديدة.
هناك اختالفات هائلة في سلوك البشر وهم الذين خلقوا على أسس فسيولوجية
متشابهة .هذه االختالفات والتي هي تعديالت وتغييرات توفرها إمكانيات األفراد
الفسيولوجية والظروف اإلجتماعية -الثقافية ال يمكن ردها في األساس إال للتعلم.
فنحن نتعلم أن نكون أفرادا من المجتمع البشري إذ نتعلم كيف نؤدي دورنا في الحياة
االجتماعية ،فنتعلم البقاء والتكيف ونتعلم التفاعل مع اآلخرين ونتعلم االتجاهات
والقيم وتحسين حياتنا .هذا التعلم يخضع إلى شروط عامة يمكن تقسيمها إلى قسمين
أساسيين شروط داخلية خاصة بالمتعلم كظروفه الفسيولوجية (مستوى نضجه
الفسيولوجي وصحته) وقدراته العقلية ودافعيته نحو الموضوع المتعلم ،وشروط
خارجية :كمحيط التعلم ووضوح األهداف وطبيعة المادة المتعلمة .هي شروط ذات
تفاعل متبادل.
كما هو معلوم كل الناس بحاجة إلى غذاء ومسكن وملبس ونوم ،وهي حاجات
مادية أساسية ال بد منها إلقامة الحياة لكن نوعية هذه العوامل المادية والظروف
التي يحصل بها الناس على ما يلزمهم لها أثرها الكبير ،فالحرمان من سد الحاجات
األساسية يؤدي إلى إضطرابات سلوكية عنيفة ويفضي إلى فروق جسدية ،وكذلك
القول عن الحاجات المشتقة من الحاجات المادية حتى وان تباينت درجاتها من
مجتمع آلخر فالحاجة مثال إلى األمن والطمأنينة والحاجة إلى اإلنتماء والمحبة
وتقدير الذات ،وعدم تلبيتها كما ونوعا ينتج أعراضا سلوكية مختلفة كالعدوان
واإلنزواء واإلنحراف وما لها من أثر على التعلم.
» و يجب أن ال ننسى أن فعالية الجهود التي يبذلها المتعلم تبقى رهنا بنجاحه
في تلبية مجمل حاجاته المادية و المعنوية التي يشترك فيها مع غيره من الناس أو
18
التي ينفرد بها أحيانا دونهم».
على العموم لكي تتم عملية التعلم يجب أن تتوفر هذه الشروط أهمها:
ط.8912 .8.ص81. - 18أحمد صيداوي ،قابلية الت لم ،بيروت ،معهد اإلنماء العربي،
أ -النضج :والمقصود منه هو ليس اكتمال النمو الجسمي والطبيعي فحسب بل
عملية نمو تشمل الكائن في كل جوانبه (الفسيولوجي ،النفسي ،العقلي ،المعرفي،
اإلنفعالي )،حيث تصبح قابلة وقادرة على العمل بها.
ب -الدافعية :هي طاقة كامنة في الفرد توجه السلوك وتعززه وتعمل على زيادة
استثارته ،هذه الدوافع المحفزة مثال عن التعلم يمكن تقسيمها كذلك إلى ثالثة أنواع
منها ما هي لصيقة بموضوع التعلم كرغبتنا في تعلم لغة أجنبية ،منها ما هي خارجة
عن نطاق العمل وموضوع التعلم كرغبتنا في التعلم من أجل الحصول على جائزة
أو إرضاء لوالدينا ومنها ما يرتبط بظروف التعلم.
جـ -الممارسة» :هي تكرار أسلوب النشاط مع تعزيز موجه ».وهي شرط أساسي
في عملية التعلم وتشمل جميع أساليب النشاط سواء تعلق األمر باكتساب مهارات
حركية أو معلومات أو طريقة تفكير ،فال يمكن الحكم على حدوث التعلم إال
بالممارسة ،إذ ال يمكن الحكم على الفرد أنه تعلم إال إذا تكرر الموقف وظهر التحسن
في األداء ،وللممارسة المجدية خصائص منها:
* المواءمة بين الميول والقدرات فتؤدي إلى حدوث التعلم بأقل جهد.
* وضوح الهدف.
ب -عادات معرفية :تتمثل فيما نكتسبه من مفاهيم وقواعد وطرق تفكير مثل
التفكير اإلبداعي والتفكير الناقد.
إن هذه مخرجات التعلم ليست مقطوعة الصلة فيما بينها فاللغة مثال في ذاتها
هي أداة إجتماعية ومهارة فكرية وعادة حركية واتجاه وجداني وطريقة خاصة شخصية
في األداء.
-4نظريات التعلم:
- 19سامي محمد ملحم ،سيوولو ية الت لم والت ليم :األسس النظرية والتطبي ية ،مصدر أعاله ،ص.22 .21.
وجون استيوارت ()Locke (االتجاه الوضعي التجريبي) والذي مثله أعالم مثل لوك
وغيرهم - ()Berkely وبيركلي ()Hume وهيوم ()James Mill وجيمس ميل ()John S. Mill ميل
والمؤكد ألهمية الخبرات الحسية واالرتباط بينها كأساس للنشاط العقلي والسلوك-
على بعض االتجاهات النفسية ومنها السلوكية .كما أنه ال شك فيه أن نظرية التطور
قد أثرت في كثير من النظريات النفسية ولقد كان أثرها واضحا على كثير من
السلوكيين ،كذلك فاالهتمام بدراسة فيزيولوجية الجهاز العصبي والحسي ،حتى ظهر
ما سمي بالفيزياء النفسية ،جاء بمنهج جديد يعتمد على مالحظة السلوك الظاهري.
كذلك علم نفس الحيوان الذي ركز على دراسة اإلستجابات الطبيعية للحيوانات
وتغيرها أثناء الحياة كان له دور في ظهور هذه النظريات ،وهذا يعني بدء االهتمام
بتحليل الظروف المحدثة للتعلم ،وأيضا باالعتقاد التطوري أو االستم اررية بين
الكائنات مما سيعني إمكانية االستفادة من التجارب التي أجريت على الحيوانات،
إضافة إلى تزويدنا بأساليب بحثية تعتمد المالحظة والتجريب وتحليل البيانات
بأسلوب يمكن من قياس السلوك.
لم يختلف علماء النفس حول أهمية التعلم في حياة اإلنسان بل في إبراز و
تفسير قضاياه .لقد كان تحديد أنواع التغير السلوكي الذي يط أر على اإلنسان عند
التعلم من القضايا التي تتصدى لها نظريات التعلم .وما ظهور الكثير من النظريات
كاإلرتباطية والشراطية والدافعية واإلجرائية والجشطلطية ومعالجة المعلومات وغيرها
إال دليل على تعدد طرق دراسة التعلم ،وان كان القاسم المشترك بين هذه النظريات
جميعا هو البحث عن عامل يتمثل في الوقوف على سلسلة من المبادئ التي يتعلم
بها الناس.
من هذه النظريات المفسرة للتعلم نتناول بعض النماذج منها النظريات السلوكية
والمعرفية.
-1النظريات السلوكية:
لعل أبحاث علماء النفس المهتمين بدراسة السلوك الحيواني ،وأيضا أبحاث
الفسيولوجيا كانت من أهم العوامل المؤسسة للمدرسة السلوكية ،حيث تمثل أبحاث
بافلوف الفسيولوجية في روسيا والتي قادت إلى سيكولوجية االشتراط ،وأيضا أبحاث
ثورندايك رائد مدرسة كولمبيا الوظيفية على الحيوانات ونظريته في التعلم بالمحاولة
غير أن جذور هذه المدرسة يمتد والخطأ أهم األساسيات للسلوكية الراديكالية.
إلى الفلسفات الوضعية والنظرية التطورية .فقد »عرفت تعاليم كونت الوضعية
والمبادئ والمفاهيم البراغماتية التي استمدها جيمس وديوي وأنجيل من النظريات
التطورية إنتشا اًر واسعاً وسريعاً بين المثقفين والمتعلمين في الواليات المتحدة
األمريكية .وانعكس هذا الواقع الجديد في العدد الكبير من الدراسات والطرائق التي
استخدمت فيها والنتائج التي خلصت إليها ،األمر الذي مهد السبيل لظهور السلوكية
التي ميزت علم النفس األمريكي وطبعته بطابعها طوال هذا القرن ،بل وامتد تأثيرها
إلى كليات ومعاهد علم النفس في أنحاء متعددة من العالم .ومن أشهر تلك الدراسات
20
ما قام به إدوار ثورندايك 6181-6478(EDWARD THORNDIKEم)».
الذي عرف ()6194-6479( )Watson, John Broadus مؤسس هذه المدرسة ج .واطسن
السلوكية بأنها توجه نظري قائمة على مبدأ أن علم النفس العلمي يجب أن يدرس
- 20بدر الدين عامود ،علم النفس في ال رن ال شرين (ج ،)8.منشورات اتحاد الكتاب العرب دمشق – ،3008ص.332.
فقط السلوك القابل للمالحظة ،إقترح واطسن على علماء النفس أن يتركوا لألبد دراسة
الوعي والخبرات الشعورية والتركيز فقط على السلوكيات التي نستطيع مالحظتها
مباشرة إقتناعا منه بأن قوة الطريقة العلمية قائمة على كونها قابلة للفحص بالمالحظة
المطلوبة وأن إستعمال أي أسلوب سيعيدنا إلى عصر اآلراء الشخصية حيث تضيع
المعرفة .وترى هذه المدرسة بأن السلوك هو أي استجابة أو نشاط قابل للمالحظة
في المدرسة تقوم به العضوية تجاه مثير ،ومن هنا جاءت المعادلة الرئيسية
السلوكية :
المثير إستجابة.
وبالرغم من الجدل والنقاشات والتي أثارت أفكار واطسون إال أن المدرسة ثبتت
أقوالها وازدهرت ،ومما ساعد في تطور هذه المدرسة يمكن القول هي دراسات عالم
الفسيولوجيا الروسي بافلوف.
ويقسم المؤرخون السلوكية إلى أنماط مختلفة وفقا لطبيعة االشتراط (اإلجرائي
والكالسيكي) كما يمكن تقسيم تطور السلوكية وفقا لطبيعة دراسة وتفسير اإلشتراط
ومناهج البحث.
ب -تقسيم تطور السلوكية طبقا لطبيعة دراسة وتفسير االشتراط ومناهج البحث
:
* السلوكية النفسية :والتي عمدت إلى محاولة تفسير السلوك من خالل ربطه
بالمثيرات الخارجية ويصنف كل من بافلوف وثورندايك تحت هذا النوع.
* السلوكية المنهجية :وتعنى بالعلم نفسه ويمثلها واطسن حيث نادى بالتركيز
على دراسة السلوك الظاهري بأساليب البحث العلمي.
* السلوكية التحليلية :وتعرف أيضا بتحليل السلوك ،وترجع إلى سكنر ،حيث
بدأ محاولته إلخراج العلم من واطسنيته حل أزمة العمليات العقلية بالمناداة بان
أي نشاط عقلي يمكن تفسيره من خالل النشاط الظاهر المرتبط به .أي أنه يمكن
تحديده سلوكيا .فعندما نصف حالة الفرد العقلية أو إعتقاده فإنما نصف ما يظهر
عليه أو ما نتوقع أن يفعله من سلوك في الموقف.
كما أن لنظرية روتر في التعلم االجتماعي والشخصية أثرها في نظرية باندو ار
في التعلم اإلجتماعي.
قبل التطرق لبعض نظريات التعلم نود التطرق لبعض المفاهيم المستعملة في
هذه المدارس المفسرة للتعلم:
21
* السلوك :اإلستجابة الكلية التي يبديها كائن حي إزاء أي موقف يواجهه.
* اإلستجابات :وهي تطلق على أية ردود فعل ظاهرة قد تكون عضلية أو غدية
أو غيرها من ردود الفعل الظاهرة (بما فيها الصور واألفكار) والتي تحدث كرد فعل
لمثير ما .وقد أشار ثورندايك إلى ردود الفعل الفسيولوجية الظاهرية والتي يمكن
مشاهدتها وقياسها والتي تربط السلوك بالبيئة المحيطة به .أما في الوقت الحاضر
8911ص89. -21م م علم النفس و التربية ،ج 8.الهيئة العامة لشؤون المطابع األميرية،
-22مصففطفي ناصففف ،نظريات الت لم ،ترجمة :د.علي حسففين حجاج مراجعة :د .عطية محمود هنا ،عالم المعرفة ،سففلسففلة
كتب يصدرها المجلس الوطني للثقافة والفنون واآلداب ،الكويت ،أكتوبر ،8912ص89.
الفسيولوجية (التي فان تعبير»االستجابات« يطلق على ردود الفعل
23
تقاس بطريقة مباشرة) والنفسية (التي تقاس بطريقة غير مباشرة).
* اإلثارة :ولهذا التعبير أي اإلثارة معنيان) :أي عامل خارجي( مثير ما يتعرض
24
له الحي .وأي تغير داخلي في الكائن الحي نفسه عن طريق أي عامل خارجي.
(-6481()Pavlov, Ivan Petrovich خالل دراسة العالم الروسي ايفان بترفيتش بافلوف
لألفعال المنعكسة المتصلة بعملية الهضم الحظ أن العصارة المعدية في )6111
الكالب التي كان يقوم عليها بتجاربه ال تتأثر فقط بوضع الطعام في فم الكلب لكن
تتأثر بمجرد رؤية الطعام بل كانت تبدأ بإفراز لعابها بمجرد رؤيتها للحارس الذي
يقدم لها الطعام ،بل وحتى بمجرد سماعها لخطوات قدميه قبل أن يصل الطعام إلى
أفواهها فعال .وأدرك بافلوف أن رؤية الحارس لم تكن المثير الطبيعي لإلنعكاسات
اللعابية ولكن رؤية الحارس قد أصبحت من خالل تعود الكالب على ذلك المؤشر
اإلشارة أو العالمة التي تستهدي بها على قرب وصول الطعام .وسرعان ما أدرك
بافلوف أنه إكتشف ظاهرة ال بد أن يكون لها أهمية قصوى في مساعدة الكائن
التكيف مع ظروف بيئته ،وفي بادئ األمر أطلق بافلوف على هذه ّ الحي على
اإلنعكاسات المكتشفة حديثا إسم "إفراز الغدد النفسي" ولكنه أبدله فيما بعد بما أسماه
"االنعكاس المشروط" والذي يعني إنتقال أثر المثير الطبيعي لإلستجابة إلى مثير
غير طبيعي (ال يسبب اإلثارة أساسا) كنتيجة القتران المثيرين وتكرار حدوثهما.
من تجارب بافلوف وضع على لسان كلب قليال من مسحوق اللحم أو نقطة
من حامض (المنبه الطبيعي م ).فوجد الكلب يستجيب لهذا المسحوق بسيالن اللعاب
(استجابة طبيعية ج ).وانتقل إلى خطوة ثانية حيث أسمع الكلب جرسا واستجاب
الكلب بأذنيه فقط لرنات الجرس وطبعا لم يفرز أي لعاب من غدده .أما الخطوة
الثانية فكانت قرع الجرس ومعه وبعد برهة تقديم الحامض إلى لسانه واستجاب الكلب
بإفراز اللعاب تحت تأثير الحامض وبعد تكرار التنبيه واإلستثارة (جرس +حامض)
مرات عدة حذف الحامض و أسمع الكلب الجرس فوجد أن اللعاب قد أفرز واستجاب
25
لمجرد سماع الجرس لوحده.
بهذا الشكل تم تأسيس عالقة مؤقتة بين نشاط نظام معين (اللعاب)
وموضوعات خارجية (حامض +جرس) وأطلق بافلوف على هذه العالقة إسم الفعل
المنعكس الشرطي الذي يتألف من :فعل منعكس +منبه = ومع التكرار حدوث
إستجابة للمنبه الثانوي التي كانت فقط للمثير األصلي 26.هذه التجربة نلخصها كما
يبينه الجدول الموالي:
ط8912 2. -25عبد المجيد كركوتلي ،بافلوف أبحاثه في ال هاز ال صبي والت لم والتدريب وظواهر أخرى ،مطبعة الهالل،
ص12.
- 26المصدر نفسه ،ص12.
ملخص تجربة بافلوف ()2الجدول رقم
الطبيعية االستجابة
المثير الطبيعي (األكل مثال) -
(اللعاب)
– 9مراعاة الوقت بين المنعكس الشرطي (الجرس) و بين المثير غير الشرطي
(الحامض) وقد وجد بافلوف أن أفضل زمن مالئم لتكوين الرابط الشرطي هو الذي
يمر متراوحا بين ربع و نصف ثانية (جرس ¼+أو ½ ثانية +حامض) ،أما إذا
ال تتكون وال يعرف السبب في قل هذا الوقت عن خمس ثانية فإن اإلستجابة
ذلك ،فإذا زادت الفترة الزمنية بين الجرس والحامض عن 19ثانية بطل شرط اإلرتباط
وال تتكون اإلستجابة.
-1أن يسبق المنبه الشرطي (الجرس) المثير غير الشرطي (الحامض) حتى
تحدث اإلستجابة عن طريق التكرار.
-8إذا تكرر حدوث المنبه الشرطي (الجرس) دون مصاحبة المثير غير
27
الشرطي (الحامض) حدثت ظاهرة أطلق عليها بافلوف إسم االنطفاء.
-27ينظر عبفد المجيفد كركوتلي ،بيافلوف أبحياثيه في ال هاز ال صيييييييبي والت لم والتدريب وظواهر أخرى ،مطبعة الهالل،
ط 8912 ،2.ص.28.23.
-2خصائص اإلستجابة الشرطية:
-6حتى يكون هناك منعكس شرطي يجب أن يكون هناك منعكس طبيعي.
-1تكوين المنعكس الشرطي غير مشروط بمثيرات خاصة كما هو الحال بالنسبة
للمنعكس الطبيعي ،فاللعاب ال يمكن إحداثه إال بالطعام لكن يمكن إستبدال الجرس
بالضوء أو أي مثير آخر إلحداث اإلستجابة الشرطية (اللعاب).
28
-8كلما كانت المثيرات المشتتة لإلنتباه أقل كلما كان التعلم أحسن.
ص811.819. -28صالح محمد علي أبو جادو ،علم النفس التربوي ،مصدر أعاله
من التطبيقات المستخلصة من نظرية بافلوف والتي نستطيع اإلستفادة منها
29
في ميدان التربية والتعليم لدينا مثال:
-6ربط تعلم التالميذ بدوافع من جهة وتعزيز العمل التعلمي ألن غياب المثير
غير الشرطي يؤدي إلى إنطفاء اإلستجابة المتعلمة.
-8حصر العوامل المشتتة لإلنتباه في غرفة الدراسة ألن الموقف التعليمي الذي
تكثر فيه المثيرات المحايدة ال يساعد على التعلم.
-9عملية التعميم والتمييز من العمليات الهامة حيث يمكن أن نستفيد منها في
فهمنا لكثير من مظاهر التعلم اإلنساني ألن تعلم الكثير من المفاهيم والحقائق في
المناهج الدراسية يحتاج إلى التركيز مثال على المفاهيم والحقائق المتشابهة من أجل
30
التمييز بينها.
تابعا أو متأث ار بالفكر السلوكي ()6181-6478( )Thorndike,Edward Lee لم يكن ثورندايك
(الواطسني) كما يعتقد الغالبية ،إال أن فكره لم يكن بعيدا عن الفكر السلوكي ،إذ
كان أحد تالمذة وليم جيمس الوظيفيين » .ومع أن ثورندايك يؤكد على إنتمائه
اإلرتباطي ،ويرفض أن يوصف بالسلوكي ،إال أن مواقفه في ميادين علم النفس
المختلفة التي اشتغل فيها تعارض إدعاءه ،وتجعل منه رائداً من رواد السلوكية .وهذا
ما نلمسه من خالل المقابلة بين تلك المواقف من جهة ،ومبادئ السلوكية وأفكارها
31
من جهة ثانية» .
إن تجاربه على الحيوان ووصوله إلى فكرة التعلم بالمحاولة والخطأ القائمة
على فكرة اإلرتباط دفعت إلى تصنيفه ضمن السلوكيين ،ونظ ار كذلك لتداخل السلوكية
والوظيفية » .فالتعلم من وجهة نظر ثورندايك هو تغير آلي في السلوك ،ولكنه يقود
تدريجيا إلى اإلبتعاد عن المحاوالت الخاطئة ،أي إلى نسبة تكرار أعلى للمحاوالت
عرفت نظرية ثورندايك ،التي ظلت الناجحة ،التي تؤدي إلى أثر مشجع ...وقد
مسيطرة لعدة عقود من هذا القرن ،على الممارسات التربوية في الواليات المتحدة
األمريكية ،باسم الترابطية ألنه يعتقد أن التعلم عملية تشكيل إرتباطات بين المثيرات
32
واستجاباتها».
- 31بدر الدين عامود ،علم النفس في ال رن ال شرين (ج ،)8.المصدر أعاله ،ص332.
- 32صالح محمد علي أبو جادو ،علم النفس التربوي ،مصدر أعاله .ص821.
قام ثورندايك بأبحاثه على الحيوانات ،منطلقا من خلفيته الوظيفية المبنية على
الفكر التطوري المؤكدة لمبدأ االستم اررية بين الكائنات ،وأيضا لمبدأ التكيف وارتباط
األفعال بوظائف حياتية وبالتالي إحتمالية التطبيق.
وفكرة اإلرتباط ليست جديدة عند ثورندايك »غير أن الجديد في فكر ثورندايك
هو العناصر أو األطراف التي يحدث اإلرتباط بينها .ففي حين يجد اإلتجاه
اإلرتباطي أن الذكاء أو العقل أو العملية النفسية بوجه عام تنشأ بفعل اإلرتباط بين
األفكار بعضها مع بعض ،أو بينها وبين الحركات ،يرى ثورندايك أن هذا االرتباط
33
ويعطي األهمية القصوى للتجربة الحسية في إنما يتم بين الحركات والمواقف».
تشكيل العملية النفسية و» ينطلق ثورندايك من الوراثة كعامل أساسي في تحديد
مزود بجهاز عصبي مع ما
مستوى الذكاء .فالكائن الحي ،حسب رأيه ،يولد وهو ّ
يشتمل عليه من خاليا وأنسجة ووصالت .ويختلف الذكاء من فرد إلى آخر ،ومن
حيوان إلى آخر ،تبعاً لعدد تلك الخاليا واألنسجة والوصالت .أي أن مستوى الذكاء
يتوقف على عدد الوصالت العصبية؛ فكلما كان هذا العدد كبي اًر كان مستوى ذكاء
34
الكائن عالياً» .
إحدى ابرز تجاربه كانت عن القطط التي كانت توضع في قفص صغير له
باب ُيفتح إذا سحبت القطة خيطا مدلى داخل القفص لتخرج وتأكل الطعام الموجود
خارج القفص .تقوم القطة الجائعة بحركات عشوائية إلى أن ُيسحب الخيط بالصدفة،
والحظ ثورندايك أن الوقت الذي تحتاجه القطة للوصول إلى الحل والخروج من
على سحب الخيط والخروج فورا. القفص يتناقص تدريجيا إلى أن أصبحت قادرة
وقد نتج عن أبحاثه الطويلة وصوله إلى نظرية التعلم بالمحاولة والخطأ والتي تفسر
ص331. - 33بدر الدين عامود ،علم النفس في ال رن ال شرين (ج ،)8.المصدر أعاله،
- 34المصدر نفسه ،ص331.
التعلم من خالل اإلبقاء على المحاوالت المؤدية إلى تأثير جيد مرضي واضعاف
إرتباط تلك التي ال تحقق اإلشباع .وذلك وفقا لعدد من المبادئ (القوانين) التي
إستمر في مراجعتها مؤكدا أهمية بعضها وضعف أهمية أخرى.
حاول تفسير التعلم بارتباطات مباشرة بين المثيرات واالستجابات ووضع قوانين
للتعلم منها:
-6قانون األثر:
كي تُكتسب سلوكات (استجابات) يجب أن توصل الكائن الحي إلى حالة
الرضا .وتقوم فكرة ثورندايك على أساس أن الفعل المؤدي إلى أثر جيد يميل إلى
الظهور مستقبال في حالة حدوث المثير .غير أن السلوك الذي ال يؤدي إلى اإلشباع
ُيهمل ويميل إلى عدم الظهور مستقبال .ينص هذا القانون على أن أي ارتباط قابل
للتعديل بين موقف واستجابة يزداد إذا ما صاحبته حالة إشباع ويضعف إذا ما
صاحبته أو أعقبته حالة ضيق ،و»األثر بحديه :اإليجابي والسلبي ،أي الثواب
والعقاب ،هو ،في نظر ثورندايك ،شرط الزم الكتساب مختلف المهارات .فتعزيز
إرتباط ما يتوقف على أثره الطيب ،واستبعاد أو حذف إستجابة غير مرغوبة مرهون
35
والمقصود بذلك هو المكافأة .يقول ثورندايك" :إنه إذا بما تتركه من أثر سيِّئ».
قام إرتباط قابل للتغيير وكان مصحوباً أو متبوعاً بحالة ُمرضية فإن قوة اإلرتباط
تزيد .أما إذا قام االرتباط وكان متبوعاً أو مصحوباً بحالة مزعجة فإن قوته
ص328. -35بدر الدين عامود ،علم النفس في ال رن ال شرين (ج ،)8.المصدر أعاله،
تضعف" 36.هذا القانون تم تعديله سنة 6119إذ تبين عدم توازي تأثير الثواب والعقاب
على عملية التعلم ،فإنهما ليسا متغيرين متعاكسين .ففي حين يؤدي الثواب إلى تقوية
اإلرتباط ،يؤدي العقاب إلى نتائج مختلفة فقد يؤدي إلى إيقاف السلوك مؤقتا ،إال
أنه ال يزيله كما أنه ال يساعد مباشرة على تعديل السلوك إذا لم تقدم البدائل.
-2قانون اإلستعداد:
أ -حينما تكون الوحدة العصبية مستعدة للعمل ،وتعمل ،فإن عملها يريح الكائن
الحي.
ب -حينما تكون الوحدة العصبية مستعدة للعمل ،وال تعمل ،فإن عملها يزعج
الكائن الحي.
ج -حينما تكون الوحدة العصبية مستعدة للعمل ،وتجبر على العمل ،فإن عمله
يزعج الكائن الحي.
يعتبر هذا القانون من أهم القوانين التي أضافها لنموذجه في صورته األخيرة
وتبعا لهذا المبدأ فإن تعلم اإلرتباط يكون أكثر سهولة إذا كانت اإلستجابة تنتمي إلى
الموقف .ويعتمد إنتماء المكافأة أو العقاب على مدى مالءمتها إلرضاء دافع أو
حاجة عند المتعلم وعلى عالقتها المنطقية بموضوع الثواب والعقاب ،فإثابة العطشان
38
بالماء يجعل إستجابته أقوى مما لو كانت إثابته بالنقود.
-8قانون اإلستقطاب:
وفق هذا القانون تسير اإلرتباطات في االتجاه التي تكونت عليه في البداية،
فمثال إسترجاع قائمة كلمات عربية -فرنسية كما تعلمها التلميذ تكون أسهل من
إسترجاعها في اإلتجاه المعاكس فرنسية – عربية.
حسب هذا القانون فاثر اإلثابة ال يقتصر على الرابط الذي يثاب عليه فقط
بل يمتد إلى الروابط المجاورة التي تتكون قبل إثابة الرابط وبعد إثابته .فعلى سبيل
المثال إذا عزز األستاذ كلمة (موقف تعليمي) عند المتعلم فإن أثر الثواب (اإلرتباط)
يمتد إلى الكلمة (الموقف التعليمي) السابقة والالحقة ،وقوانين أخرى كقانون التعرف
وتبقى »قوانين االستعداد والمران (التدريب) واألثر تحكم جميع عمليات التعلم .لم
يقلل ثورندايك أبدا من شأن هذه القوانين الثالثة على الرغم من قيامه بإجراء تعديالت
39
عليها مرات عديدة».
عندما عرض ثورندايك رسالته التي أهلته لنيل شهادة الدكتوراه 6414 منذ عام
تحت عنوان "ذكاء الحيوان :دراسة تجريبية للعمليات اإلرتباطية عند الحيوانات"
إستطاع أن يكون له أثر مباشر على نظريات التعلم وعلم النفس والتربية .ذلك
األثر الذي امتد طوال أربعة عقود .وتأثيره على موضوع التعلم ال زال قائما حتى
اآلن حتى وان كانت النظرة السلوكية لمفهوم التعلم لم تعد تحظى باالهتمام الذي
حظيت به في الماضي .إذ أن اإلتجاه المعاصر يميل نحو األخذ بالنظرية المعرفية
والتي أخذت تزداد رسوخا يوما بعد يوم.
* مبدأ مشاركة المتعلم :في قانون اإلستعداد أو التهيؤ إذ على المعلم إستثارة
دافعية التالميذ عن طريق إشراكهم في اختيار أنشطة التعلم وممارستها وتكييفها بما
يستثير لديهم دوافع الفضول وحب االستطالع وجعل بيئة التعلم مثيرة وجذابة ومشبعة
لحاجات التالميذ ودوافعهم.
األولية.
-تقسيم موضوع الدرس إلى عناصره ّ
-تمديد المثيرات المناسبة لكل عنصر مع اعتبار عدد كبير من
اإلتجاهات لديه.
ويهتم ثورندايك بثالث مسائل أساسية تؤثر في استفادة المعلم منها في عمله
40
داخل الصف:
-40صالح محمد علي أبو جادو ،علم النفس التربوي ،مصدر أعاله .ص.829 .821.
* تحديد الروابط بين المثيرات و االستجابات التي تتطلب التكوين أو التقوية أو
اإلضعاف.
هو االتجاه األكثر انتشا اًر وبرو اًز من اإلتجاهات الجديدة في السلوكية ،ولما
كانت هذه النظرية نسقا منتظما ألبحاث علم النفس فإنه يشار إليها باسم التحليل
التجريبي للسلوك ،كما يطلق عليهما مسميات أخرى مثل الشرطي اإلجرائي،
( Buhrrus Frederic الوسيلي .وقد تمكن صاحب هذه النظرية بوروس فريدريك سكنر
بفضل أعماله العديدة أن يتبوأ مكانة مرموقة بين علماء النفس )6119-6198( )Skinner
األمريكيين ،وأن تجد أفكاره سبيلها إلى المشتغلين بميدان التربية وعلم النفس في
العديد من بلدان العالم ،وتحظى باهتمامهم.
تعتبر النظرية اإلجرائية السلوك موضوعها األساسي ألن السلوك ذاته جانب
أساسي من جوانب الحياة اإلنسانية وجدير بالدراسة لذاته .والسلوك قد يكون فطريا
أو مكتسبا بدرجة ما وقد يعتمد على عوامل تسبقه (حوادث سابقة) كما قد يعتمد
على ما يعقبه (عوامل الحقة).
هناك أنماط من السلوك تحدث بفعل بعض المثيرات أو يمكن إستحداثها بفعل
هذه المثيرات (مثل إغماض العين إستجابة لنفخة من الهواء) أو بكاء الطفل لتأتي
إليه أمه .والسلوك ليس مجرد حركة ،فهذه النظرية ال تستبعد إعتبار األحداث العقلية
كالتفكير والتخيل أنواعا من السلوك.
هذا السلوك يتكون من اإلستجابات التي تستجرها مثيرات محددة معروفة مثل
اتساع أو تضيق حدقة العين لكمية الضوء المؤثر في شبكية العين.
سلوك يؤثر في البيئة ،ويترتب عليه تغير في العالم بل إنه يغير في البيئة
ذاتها بطريقة أو بأخرى ،وهو يماثل إلى حد قريب جدا السلوك األدائي أو ما يعرف
(باسم السلوك اإلرادي أو السلوك الغرضي ،القصدي) ومن األمثلة على ذلك
التحدث واإلنتقال من مكان آلخر ...ومن هذه الرؤية فإن الكائن الحي يكون نشيطا
في بيئته وبالتالي فهو ال يدفع هنا وهناك في هذه البيئة مسلوب اإلرادة.
وبعض أنواع اإلستجابات التي يطلق عليها إسم اإلجراءات نعرفها بآثارها
البيئية وليس عن طريق المثيرات التي تستدعيها ،وعلى سبيل المثال :قيادة السيارة
أو ركوب الدراجة أو المشي على األقدام بهدف الوصول إلى مكان ما إجراءات
42
متشابهة قد تنتمي إلى نوع واحد من اإلستجابة.
-تحديد حجم الخطوات (ليست صغيرة جدا حتى ال يضيع الوقت في األمور
الدقيقة جدا إن لم يكن ذلك ضروريا ،وال كبيرة فال نستطيع تعزيز السلوك).
-تحديد المعززات التي ثبتت فعاليتها في معالجة مواقف التعلم المشابهة لها.
ما هو العامل أو الشرط الذي يؤدي إلى احتفاظ الكائن الحي ببعض
اإلستجابات دون البعض اآلخر عبر المحاوالت التي تتاح له؟ ويجيب سكينر،
التعزيز.
يعتبر التعزيز أحد الموضوعات التي أوالها سكنر اهتماماً خاصاً ،وخصص له
كتاباً ضخماً بعنوان ()FERSTER جزءاً هاماً من أعماله .فقد نشر بالتعاون مع فرستر
مليون إستجابة قامت 999 رسماً بيانياً لـ 196 "جداول التعزيز" .ويتضمن هذا الكتاب
44
ومن بين المتغيرات يركز ساعة. 79999 بها الحمائم في مواقف تجريبية إستغرقت
- 43صالح محمد علي أبو جادو ،علم النفس التربوي ،مصدر أعاله .ص.821 .822.
-44ينظر بدر الدين عامود ،علم النفس في ال رن ال شرين (ج ،)8.المصدر أعاله ،ص.210 .229 .
سكنر وزميله على نوعين للتعزيز :المعدل والفاصلي .ويقوم األول على أساس معدل
صور اإلستجابة .أما الثاني فيتوقف التعزيز فيه على الزمن وحده دون النظر إلى
عدد اإلستجابات.
وكل من النوعين إما أن يكون ثابتاً أو متغي اًر .ففي المعدل الثابت يتم التعزيز
بعد صدور عدد محدد من االستجابات .وفي المعدل المتغير يكون التعزيز بعد عدد
مختلف ومتفاوت من اإلستجابات .بينما يتم التعزيز الفاصلي الثابت بعد مضي وقت
محدد مسبقاً .ويتم التعزيز الفاصلي المتغير في أوقات متفاوتة وغير محددة.
»وهنا مرة أخرى .يقتفي سكنر أثر ثورندايك .غير أن فهمه للتعزيز يختلف عن فهم
ثورندايك .فبينما يعني ثورندايك بالتعزيز اإلرتياح والرضا وتجنب األلم ،يراه سكنر
متجسداً في كل واقعه تزيد من احتمال صدور االستجابة التي كانت سبباً في ظهور
تلك الواقعة.
المعززات
ّ المعززات اإليجابية ،مثلما يعترف بوجود
ّ ويعترف سكنر بأهمية
المعزز اإليجابي أو عن طريق
ّ السلبية .ويرى أن التعزيز يتم عن طريق تقديم
المعزز السلبي .أي أن الكائن الحي يتعلم إستجابة ما بأسلوبين :تقديم
ّ استبعاد
المعزز السلبي .ويتوقف سكنر للتمييز بين ما يعنيه
ّ المعزز اإليجابي واستبعاد
ّ
45
المعزز السلبي».
ّ بالتعزيز السلبي والعقاب .فاألول يحدث نتيجة حذف
وال يستبعد سكنر العقاب من عملية التعلم إذ يمكن أن يكون عامال هاما في
معزز
تعديل السلوك »أما العقاب فهو ،في نظره ،أسلوب معاكس .إنه يعني تقديم ّ
سلبي (الضرب ،التوبيخ ،الصدمة الكهربائية .)...ولذا فإن اآلثار التي تتركها
-45ينظر بدر الدين عامود ،علم النفس في ال رن ال شرين (ج ،)8.المصدر أعاله ،ص.229 .
الحالتان مختلفة .فإذا كان التعزيز يقوي إمكانية صدور اإلستجابة المطلوبة ،فإن
العقاب ال يقود حتماً إلى إضعاف إمكانية حدوث اإلستجابة غير المرغوب فيها.
46
»
بهذا فهو يرفض السلوك بصيغة (منبه -إستجابة) ويعتبرها عاجزة عن ضبط
السلوك بسبب إغفالها أثر اإلستجابة في السلوك الالحق .ويقترح صيغة أخرى ذات
-6الواقعة التي تحدث اإلستجابة بسببها -9اإلستجابة -1 ثالثة حدود:
التعزيز.كما يبينه الشكل الموالي رقم
()9
التعزيز الواقعة
االستجابة
-3تصنيف المعززات:
-4التعليم المبرمج:
ربما يرجع الفضل في إنتشار إجرائية سكنر إلى ربطها بمجاالت حيوية،
كالتربية والتعليم والصحة النفسية مثال ،إذ عمل على تطبيق التعليم المبرمج باستخدام
مبادئ التعليم اإلجرائي في التعليم ومعالجة األمراض العصابية.
-47صالح محمد علي أبو جادو ،علم النفس التربوي ،مصدر أعاله .ص.828.
على دروس قديمة وجديدة .وما على التلميذ في هذا الموقف إال أن يضغط على
زر معين كي تظهر المادة التعليمية (تمارين ،جمل ،أسئلة )...على الشاشة .ثم
يطلب منه حلها أو اإلجابة عليها .وليتعرف على ما إذا كانت نتيجة عمله صحيحة
أم خاطئة عليه أن يضغط على الزر المخصص لذلك .ويعتبر اتفاق اإلجابة التي
تظهر على شاشة جهاز التعليم واجابة التلميذ بمثابة التعزيز .بينما يكون عدم اإلتفاق
48
هذا بينهما فرصة لتعرف التلميذ على خطئه وتفاديه في المحاولة الثانية».
األسلوب من التعليم يزود المتعلم في كل خطوة من خطوات تعليمه بالتغذية الراجعة،
ويم ّكن من إستخدام وسائل مختلفة في التعلم كالكتب المبرمجة واألجهزة (الوسائل)
التعليمية المختلفة أي مصادر تعليمية مختلفة خالف المعلم خاصة مع التطور
التكنولوجي الهائل الذي يشهده عصرنا الحالي .ويتيح كذلك فرصة للتعلم الفردي.
ص218. 210. -48ينظر بدر الدين عامود ،علم النفس في ال رن ال شرين (ج ،)8.المصدر أعاله،
-ضبط المثيرات المنفرة وتقليلها حتى ال يزيد إستخدام أسلوب العقاب أو
التعزيز السلبي.
-معالجة السلوكات غير المرغوب فيها ألن السلوك ما هو إال نتيجة عملية
تعلم .لذلك كان مجال هذا العالج من أكثر المجاالت أهمية في تطبيق مبادئ
اإلشراط حيث يمكن تعليم األفراد ذوي المشكالت السلوكية المختلفة طرق إضعاف
49
أو إزالة السلوك غير المرغوب فيه.
-2النظريات المعرفية:
هو علم يدرس تكوين وتناول ()psychologie cognitive علم النفس المعرفي
المعلومات لدى اإلنسان ( ،)Cognitionوالمعرفة هي موضوع إهتمام هذا الفرع المتعلقة
بأنواع المعلومات المختلفة التي نكتسبها في مواقف الحياة التي نتعرض لها ،كما
تتعلق بأنواع العمليات المرتبطة بطريقة اكتسابها واإلحتفاظ بها في الذاكرة واعادة
استخدامها.
بواسطة دراسة المعرفية يتطلع علماء النفس المعرفي إلى فهم الممارسات
اليومية لمختلف أنشطة الفرد بصفة مستمرة والتي تشترك فيها العديد من العمليات
- 49صالح محمد علي أبو جادو ،علم النفس التربوي ،مصدر أعاله .ص.822.
المعرفية مثل :اإلنتباه ،اإلدراك ،التفكير ،التذكر ،وحل المشكالت ،التعلم والعمليات
اإلرتقائية المختلفة.
()Black, Ramsey مصطلح علم النفس المعرفي ظهر في دراسات بالك ورامسي
في كتاب "اإلدراك ،مدخل إلى الشخصية" غير أننا ال يمكن إغفال أعمال 6196 سنة
على سبيل المثال هيرمان ابنغهاوس ( )6191-6499( )Ebbinghaus, Hermannفي مجال كيفية
حدوث العمليات المعرفية لتفسير السلوك اإلنساني (الذاكرة والتذكر) ،وفيما بعد
حول النمو المعرفي لدى الطفل .هذا العلم الذي ()Jean PIAGET أعمال جون بياجيه
نما وتطور كثي ار موظفا كثي ار مختلف اإلكتشافات العلمية في تفسير مختلف العمليات
العقلية حتى أنهم يعتبرون أن التفكير لدى اإلنسان يتم بنفس الطريقة التي يتم بها
برنامج حاسوبي مثال ،أو تفسير عملية التعلم لدي اإلنسان من خالل ما يعرف
باإلرتباطات الشرطية ،كعملية بناء معرفي يخزن في الذاكرة -حيث تنظيم
المعلومات الخاصة باألحداث المختلفة التي حدثت وتعرض لها الفرد -ويستعيدها
منها ويعطي اإلستجابة الموافقة عندما يستقبل المنبهات (أسئلة اإلختبار مثال).
فالمتعلم يعتمد على البناء المعرفي الذي تلقاه ويسترجعه من الذاكرة ،ويوظفه وفق
الموقف الذي تطلب استدعاء البناء المعرفي ،وبالتالي فإن اإلستجابة تختلف
بإختالف طبيعة الموقف .فالعضوية تخزن في الذاكرة األحداث التي وقعت في
التجربة ،وعند إختبارها ،يتم استرجاع هذا البناء المعرفي ،واإلستجابة تتحدد حسب
المعلومات التي تم تعلمها واختزانها.
من هنا كان اهتمام كثير من علماء النفس بالتعلم المعرفي ،أي التعلم الذي
يصحبه إستثارة الفهم واإلستبصار ،وتكوين تصورات ذهنية عن الموضوعات
"الشكلية " والتعلم ()Gestalt المتعلمة .وأبرز هؤالء العلماء هم علماء الجشطلت
باإلستبصار.
األلمانية ،التي تعني "الصيغة" أو GESTALT التسمية مشتقة من كلمة غشتالت
"الشكل" .مؤسسها ماكس ورتايمر ( )6181-6449( )Max WERTHEIMERالذي انضم إليه
كورت كوفكا (6186-6441( )Kurt KOFFKAم) وولفانغ كوهلر (6117-6447( )Wolfgang KöHLERم).
* الحقيقية أن هذه الظاهرة كان قد كشف عنها عالم الفيزيولوجيا البلجيكي بالتو في بداية القرن التاسع عشر .إذ توصل إلى أن عرض
الصور الساكنة بواسطة جهاز خاص جهاز ( stroboscopeقياس سرعة التردد) يحدد تعاقبها ويتحكم بسرعة عرضها يحمل المشاهد
إلى رؤيتها كأشياء متحركة.
-50مصطفي ناصف ،نظريات الت لم ،المصدر أعاله ،ص.301. 302.
جاءت هذه النظرية ردا على المدرسة االرتباطية وفكرة االرتباط» .وقالوا بأن
الخبرة تأتي في صورة مركبة ،فما الداعي إلى تحليلها ثم البحث عما يربطها .وذهبوا
إلى أن تمييز العناصر مضلل في علم النفس ،وأن السلوك ال يمكن رده إلى مثير
واستجابة .51» .فإذا ما أردنا أن نفهم لماذا يقوم الكائن بالسلوك الذي يسلكه فال بد
لنا من أن نفهم كيف يدرك هذا الكائن نفسه والموقف الذي يجد فيه نفسه ،ومن هنا
كان اإلدراك من القضايا األساسية في التحليل الجشطلتي.
عارضت النظرية الجشطلتية تلك النظرة إلى النفس اإلنسانية المتمثلة في أن
هذه النفس ليست أكثر من المجموع الكلي ألجزائها المكونة لها والمتمثلة في
األحاسيس والمشاعر وغيرها .أليس العقل أكثر من مجرد مجموعة أو خليط مما
يحتويه؟ أليست األلحان الموسيقية أكثر بكثير من مجرد النغمات المتوالية التي
تتكون منها؟ وهل الجملة مجرد جمع للحروف والكلمات؟ أليست السيمفونية شيئا
يختلف كل االختالف عن مجرد مجموع األصوات التي تصنعها مجموعة مختلفة
من الموسيقيين عن طريق مجموعة من اآلالت الموسيقية في آن واحد وفي غرفة
واحدة؟ والشيء الذي أدى إلى ظهور النظرية الجشطلتية والنظريات األخرى
المنافسة لها يمثل االعتقاد الراسخ بأن الصورة اآللية اإلرتباطية الخاملة للنفس
البشرية ال تعبر بحق عن الطبيعة الفنية الخالقة ذات الطبيعة المعقدة التنظيم
52
للعمليات والحوادث العقلية.
ولما كان للغشطلتيين صلة بالعلوم (كوهلر تلقى تعليما فيزيائيا ورياضيا،
ورتايمر صديقاً للعالم الفيزيائي المعروف ألبرت أنشتاين .ومن خالل هذه العالقة
- 51صالح محمد علي أبو جادو ،علم النفس التربوي ،مصدر أعاله .ص.829.
- 52مصطفي ناصف ،نظريات الت لم ،المصدر أعاله ،ص.300.
قام بإشراكه في تجارب وأجرى معه سلسلة من المقابالت) .فال عجب ،والحالة هذه،
أن يعلن هؤالء عن إقامة علم النفس وفق النموذج الفيزيائي اعتقاداً منهم بأنه يضمن
اإلرتقاء بدراسة الظاهرة اإلدراكية من مستوى الوصف إلى تعيين بعدها المادي
53
والفيزيولوجي.
ففي إحدى تجاربه يقوم كوهلر بوضع الشمبانزي في قفص يتدلى من سقفه
قرط من الموز .ولكي يصل هذا القرد إلى الطعام عليه أن يستخدم عصا موجودة
في ركن من أركان القفص (أو يتسلق ،في وجه آخر لهذه التجربة ،صندوقاً من
الخشب ملقى في أحد أركان القفص ،أو يتسلق ،في وجه ثالث ،صندوقين خشبيين
- 53ينظر بدر الدين عامود ،علم النفس في ال رن ال شرين (ج ،)8.المصدر أعاله ،ص.309.
متفاوتي الحجم بعد أن يضع الصندوق الصغير فوق الصندوق الكبير ،أو أن يقوم
بسحب طرف أحد الحبال الذي يتصل بالموز).
وفي تجربة أخرى كان كوهلر يضع الموز خارج القفص وعلى مرأى من
الشمبانزي .ولكن الحيوان ال يستطيع أن يصل إليه إال إذا استخدم عصا موجودة
على مقربة منه كامتداد ليده ،أي أن يستخدمها كأداة .وفيما بعد قام كوهلر بتعقيد
شروط المشكلة ،إذ وضع عصوين في ركن القفص وضمن ساحة إدراك الحيوان.
يحول العصوين إلى عصا (أداة)
وكان على الحيوان لكي يحصل على الطعام أن ّ
واحدة بإدخال نتوء يوجد في طرف إحداهما بثقب موجود في طرف األخرى ،ألن
استخدام واحدة منهما فقط ال يوصل إلى الهدف .وكان القرد يجد الحل للمشكالت.
فكيف يتم ذلك؟ يجيب كوهلر ومعه كوفكا بأن سلوك الحيوان يقتصر في
البداية على تأمل الموز والنظر في األدوات المقترحة (العصا ،الصناديق ،الحبال..
الخ) ،ثم يحول بصره عنها ويلتفت حوله بعض الوقت ليرجع بعدها إلى تأمل الهدف
والوسيلة ،وهكذا ،دون أن يقوم بأي إجراء عملي يذكر.
المرحلة األولى :ويقوم خاللها الحيوان بدراسة الموقف والنظر في شروطه ،وهو ما
يدعى باإلستبصار.
المرحلة الثانية :وفيها يتوصل الحيوان إلى الحل بصورة مفاجئة .وتشمل هذه المرحلة
الجانب األدائي أو اإلجرائي من النشاط الذهني.
من خالل التجارب إنتقل الغشتالتيون من دراسة اإلدراك إلى دراسة التفكير،
الذي هو بالنسبة لهم إعادة تنظيم عناصر الموقف ،حيث تتخذ فيه هذه العناصر
54
صيغة جديدة أو غشتالتاً جديداً .وهو ما أطلق عليه الغشتالتيون مفهوم اإلستبصار.
الذي هو الفهم الكامل لبنية الغشطالت من خالل العالقات القائمة بين أجزائه واعادة
تنظيم هذه العالقات.
-54ينظر بدر الدين عامود ،علم النفس في ال رن ال شرين (ج ،)8.المصدر أعاله ،ص.382. 383. 388 .
-تنظيم المجال :في تجربة العصا (الوسيلة) ،والهدف (الموز)،
والجوع (الدافع) .ولو غاب عنصر من هذه العناصر ما حصل اإلستبصار.
»أما المسألة الخاصة بطبيعة التعزيز ودوره في عملية التعلم وهي المسألة
التي تعتبر في صلب نظرية التعلم المعاصرة ،فهي مسألة ال تحظى باهتمام كبير
عند العلماء الجشطلتيين .والواقع أن هؤالء العلماء يرون أن أوجه التعزيز الخارجي
مثل الطعام والنجوم المذهبة التي توضع على كتابات األطفال تشجيعا لهم والربت
على رؤوس اآلخرين تشجيعا إنما تصرف اإلنتباه عن التعلم ولعلها وسائل تتدخل
55
في عملية التعلم الحقيقي».
هناك قوانين ينتظم تبعا لها العالم الخارجي في مجال اإلدراك ،هذه القوانين
56
التي تعرف كذلك باسم التنظيم اإلدراكي منها:
-9قانون الشمول :األشياء تدرك كصيغ إذا كان هناك ما يجمعها ويحتويها
ويشملها كلها ،فصورة صفين متوازين من األشياء تعطي صيغة طريق مثال.
-57ينظر بدر الدين عامود ،علم النفس في ال رن ال شرين (ج ،)8.المصدر أعاله ،ص.330 .
هذه النظرية لو اعتمدنا وطبقنا القوانين التي جاءت بها فيمكن اإلستفادة منها
في عدة نواحي منها:
-فمادام الكل يسبق األجزاء ،ففي ميدان التربية والتعليم فإن عرض موضوع
التدريس في جملته وتوضيح النظرة العامة وبعد ذلك التطرق إلى أجزائه يساعد على
فهم الوحدة الكلية للموضوع.
-كذلك إتباع الطريقة الكلية أي البدء بالجمل عوضا عن الكلمات والحروف يكون
أحسن بالنسبة للتلميذ ،فالحرف ال معنى له بالنسبة للطفل المبتدئ ،أما الجملة فإن
لها مدلول ومعنى يسهل على الطفل إدراكه.
لو اعتمدنا على قانون الثبات واإلقفال فان الحقائق (الجمل ،األفكار، -
الكلمات )..الناقصة ،والمعلومات غير المرتبة سيميل الفرد إلى إكمالها وترتيبها في
ذهنه ،وبذلك يتخلص من القلق الذي تثيره هذه الحقائق المشوهة.
-3التعلم بالمالحظة:
يعود تاريخ نشأة هذه النظرية إلى بداية الستينيات ،عندما قدم زعيمها ألبرت
بعنوان "التعلم اإلجتماعي ()Nebraska بحثاً إلى ندوة نبراسكا ()Albert BANDURA باندو ار
من خالل المحاكاة (" .)6119( )"SOCIAL LEARNING THROUGH IMITATIONونشر باإلشتراك
مع أحد طالبه وهو ريتشارد ولترز ( )R. WALTERSكتاباً تحت عنوان "التعلم اإلجتماعي
ونمو الشخصية" ( .)6111( ")SOCIAL LEARNING AND PERSONALITY DEVELOPMENTولم تتخذ
أبعادها وتكتمل محاورها كنظرية إال بعد مضي أكثر من عقد من الزمن ،أي في
نهاية السبعينيات.
فبعد أن أشار الباحثان إلى كتاب ميللر ودوالرد "التعلم االجتماعي والتقليد"
وما احتواه من فرضيات تستثير الفكر ،سجال حقيقة ذات مغزى تطوري وتاريخي،
حيث قاال" :وقد تطلب األمر عشرين سنة أخرى كي تصبح المحاكاة مشكلة نظرية
ومشكلة بحث على قدر كبير من األهمية وقد تحول محور اهتمام رئيس من محاور
البحث من تحليل التعلم القائم على المحاكاة إلى تحليل التعلم بالمالحظة .وهذا النوع
58
من التعلم يتصدى إلى قضايا إكتساب اإلستجابات الجديدة".
مما ال شك فيه كذلك هو أن للسلوكيين الجدد أثرهم على هذه النظرية ،الذين
حاولوا التوفيق بين السلوكية الواطسنية المسيطرة في أمريكا وبعض المسلمات
المقدمة في النظريات األخرى .ولعل أهم ما قدم منهم هو اعترافهم بأهمية العوامل
الوسيطة (المعرفية والنفسية).
فعلى سبيل المثال تحدث هل ( )Hullعن العوامل الوسيطة والتي تشمل الحوافز،
ترجمة المفاهيم الفرويدية إلى مفاهيم ()Miller العادة والكبح ،كما حاول دوالرد ومللر
فكرته عن السلوك الهادف (الغائية) والتوقع في ()Tolman سلوكية .كما قدم طولمان
عملية التعلم حيث تدل الفكرتان على أهمية الجانب المعرفي.
كما كان للتقدم في مجال نظريات التعلم المعرفية وخاصة التقدم في مجال
المعالجة المعلوماتية أثرها ،وهذا ما يظهر في تبني باندو ار لهذه العمليات العقلية
كمتغير تفاعلي في تفسيره للتعلم.
إذا كان أصحاب الحتميات البيئية أمثال سكنر يرون أن السلوك تجري مراقبته
من قبل قوى خارجية تطغى على الكائن الذي يملك القدرة على التفاعل والتشكل
-58ينظر بدر الدين عامود ،علم النفس في ال رن ال شرين (ج ،)8.المصدر أعاله ،ص.212 .
بفعل األحداث الخارجية ،واذا كان على النقيض من ذلك (أصحاب الحتمية الذاتية)
يرون أن األحداث الداخلية (المتمثلة في شكل غرائز ودوافع وسمات وغيرها) هي
وتكون الشخصية المتشكلة ،فان
التي تلزم الكائن الحي على السلوك بطرق ثابتة ّ
الموقف البديل يقر بالتأثيرات الداخلية والخارجية على حد سواء.
وعند النظر إلى هذه المصادر الرئيسة الثالثة من المحددات :السلوك ،البيئة،
العوامل الشخصية ،فال تعطى ألي منها أي مكانة متميزة على حساب المصدرين
اآلخرين ،رغم أنه في بعض المواقف قد يبرز عامل من الثالثة كمؤثر مسيطر.
ويقول باندو ار إن هذا هو موقفه هو ،أو ما يسمى بالحتمية المتبادلة ،وينظر إلى
التأثيرات المحددة على أساس أنها إحتمالية في طبيعتها أكثر من كونها الحتمية
()1 السببية ،محددات السلوك هذه يمكن تمثيلها في الشكل الموالي رقم
البيئة السلوك
العوامل الشخصية
(التوقعات ،المعتقدات ،اإلدراكات الذاتية ،األفكار ،التفضيالت)...،
هو شكل مثلث معكوس والعوامل الشخصية ُوضعت في رأس المثلث المقلوب
لما لها من أهمية حسب باندورا .العمليات المعرفية التي تعتبر نظما تمثيلية رمزية،
عادة ما تتخذ شكل األفكار والصور الذهنية .وتلعب دو ار مركزيا في نظرية باندو ار
إذ تتحكم في سلوك الفرد والبيئة ،وفي الوقت ذاته محكومة بسلوك الفرد والبيئة .على
كل حال كل هذه العناصر متأثرة ومؤثرة بعضها في بعض.
أما فيما يخص المحددات السابقة للسلوك »هي تلك التأثيرات المعقدة التي
تحدث قبل قيام السلوك ،وتشمل المتغيرات الفسيولوجية والعاطفية ،واألحداث
المعرفية مثل التوقعات والترقبات ،واآلليات الفطرية للتعلم ،أما المحددات التالية
فتشمل أشكال التعزيز (التدعيم) أو العقاب التي قد تكون خارجية في طبيعتها أو
60
داخلية ،أو حثا ذاتيا» .
-1اإلنتباه والتعلم:
من بين التجارب التي قام بها باندو ار في إحدى رياض األطفال هي أنه قام
بتقسيم األطفال إلى خمس مجموعات كما يلي:
-6شاهد أفراد المجموعة األولى رجال يعتدي جسديا ولفظيا على دمية
كبيرة بحجم اإلنسان مصنوعة من المطاط مملوءة بالهواء.
-1أفراد المجموعة الثالثة شاهدوا هذه األحداث العدوانية نفسها لكن في
فيلم كرتوني.
ثم وضع كل طفل من هذه المجموعات الخمس إلى وضع مشابه للوضع الذي
شاهد فيه سلوك النموذج وقامت مجموعة من المالحظين بمراقبة ،من وراء زجاج
نافذة ذو اتجاه واحد ،إستجابات كل طفل للوضع الذي هو فيه وتسجيل اإلستجابات
العدوانية .وبينت نتائج الدراسة أن متوسط اإلستجابات العدوانية للمجموعات الثالثة
األولى (التي شاهدت الموقف العدواني) يفوق بكثير متوسط إستجابات المجموعتين
61
(الرابعة والخامسة).
ويسميها باندو ار التعلم بالمحاكاة ويقترح على األقل ثالثة أنواع من آثار هذا
التعلم بالمالحظة:
-1تعلم سلوكات جديدة :عندما يقوم النموذج بأداء إستجابة جديدة فان
ِ
المالحظ يحاول تقليدها ،والنموذج ليس بالضرورة أن يكون حيا حقيقيا ،بل يكون
في التمثيالت الصورية ،والرمزية الموجودة في األساطير والكتب واألفالم والحكايات
الشعبية وغيرها ،كل ذلك يقوم بوظيفة النموذج الحي.
-61ينظر صالح محمد علي أبو جادو ،علم النفس التربوي ،مصدر أعاله .ص.818 .810
والواقع أن آثار النماذج ال تقتصر على مجرد المحاكاة علما أن عمليات
االنتباه لها محددات واإلنسان ال ينتبه لكل الحوادث التي تحصل في الحياة .ووفقا
لما قاله باندو ار هناك على األقل متغيران رئيسان ،باإلضافة إلى الدافعية ،يؤثران
على هذه العملية .األول يرتبط بخصائص النموذج ،ويرتبط الثاني بخصائص الفرد
المالحظ.
فالنماذج التي تهتم بحاجات األشخاص الذين يقومون بالمالحظة ،والتي تقدم
غالبا مكافأة لهؤالء المالحظين هي التي يتم إنتقاؤها من قبل المالحظ ،بينما يجري
تجاهل تلك النماذج التي تنقصها مثل هذه الخصائص ،ونتيجة لذلك فإن األفراد
المالحظين البد من أنهم يتعلمون بالمالحظة من النوع األول أكثر من النوع الثاني.
- 3التطبيقات التربوية:
-هذه النظرية تساعد على مراجعة أساليب نمذجة السلوك والتنشئة االجتماعية
ومراجعة األدب التربوي والنفسي.
-التعلم بالمالحظة يساعد على إكساب سلوكات جديدة نتيجة مالحظة النماذج
التي يعايشها التلميذ سواء من خالل الزمالء أو المعلمين أو النماذج التي يق أر عليها
في النصوص المدروسة مثال ولذا فمراقبة هذه النماذج يعتبر أم ار مهما لكل من يقف
عمله على التربية والتعليم.
-إذا كانت عملية النمذجة هي نسخ سلوك آخرين مهمين للمتعلم مثال فان مراعاة
التعزيز في العملية التربوية يعتبر أم ار ضروريا.
-التلميذ الذي يتعامل مع معلمين (نماذج) مختلفين يساعده ذلك على زيادة خبراته
غير المباشرة.
-9فهم المفاهيم والمدركات هو الطريق الرئيسي نحو زيادة فاعلية انتقال أثر
التدريب والتعلّم.
- 62ينظر مصففففطفى زيدان ،نظريات الت لم وتطبي اتها التربوية ،الديوان الوطني للمطبوعات الجامعية ،الجزائر8912 ،م،
ص.329-321.
- 63ثناء يوسف الضبع ،ت لم المفاهيم اللغوية والدينية لدى األطفال ،ط ،8دار النهضة العربية ،القاهرة3008 ،م ،ص93.
- 64المصدر نفسه ،ص29.
-8تساعد الطفل في تسهيل عمليات التعلم والتعليم.
-9تفهم كيفية نمو وتطور مفاهيم األطفال من أجل إعداد البرامج واألساليب
والطرق الناجحة التي تساعد على إنماء تلك المفاهيم والمدركات وتطورها.
على العموم فإن تكوين المفاهيم يعني تبسيط المعلومات لسهولة التعامل
معها ،إال أن المبالغة في هذا اإلتجاه قد تؤدي إلى اإلضرار بعملية التعلم ،فهذا
التبسيط المبالغ فيه يكون على حساب الدراسة العميقة للظواهر الفريدة من حولنا.
فإذا توقفنا عند معرفتنا أن كل شيء له جناحين فهو طائر ويستطيع الطيران فإن
من أنواع الطيور المميزة لكل نوع
ّ هذا ال يمنعنا من التنبه إلى الخصائص
لمعرفة خصائصها ومميزاتها.
تعددت تعاريف "المفهوم" بتعدد الزوايا والنظريات التي ُيدرك بها هذا
تكون مجموعة أشياء أو
فعِّرف كأنه صنف من المثيرات التي يمكن أن َالمصطلحُ ،
حوادث أو أشخاص تشترك معا بخصائص عامة ويشار إليها باسم خاص
("دسيسكو").
المفهوم بأنه إستجابة عامة لعدد من الظواهر ()Osgood كما يعرف أوسجود
والمثيرات التي يشترك بعضها مع البعض اآلخر في مظهر من المظاهر.
(")Concept, general أما في "معجم علم النفس والتربية" فنجد تعريف "المفهوم العام
كما يلي» :الفكرة التي تمثل عددا من العناصر تشترك كلها في أمر ما ،فإذا سمع
اإلنسان كلمة "أسد" فهم مفهوما عاما هو أنه حيوانا .ويتضمن المفهوم العام المفهوم
وهو صفة أو صفات مشتركة تفهم لشيوعها بين عناصر فئة ()abstract concept المجرد
65
ومهما اختلفت التعريفات فالمفهوم البد من ما مثل األسدية واإلنسانية واألمانة».
أن تتوفر فيه جملة من المعايير هي:
-2أنواع المفاهيم:
كما تعددت تعاريف المفهوم تعددت كذلك أنواعه ،إذ نجد هناك وجهات مختلفة
ألنواع المفاهيم ،فهناك من يرى أننا يمكن تقسيمها إلى قسمين :مفاهيم تلقائية
ومفاهيم علمية (بياجيه (،))Piaget
فالمفاهيم التلقائية :يكتسبها غالبا المتعلم من تلقاء نفسه عبر إحتكاكه بالبيئة من
الحسية المباشرة مثل :مفهوم الحجم.
ّ خالل الخبرة
8911ص28. - 65م م علم النفس والتربية ،ج 8.الهيئة العامة لشؤون المطابع األميرية،
- 66مجدي عزيز ابراهيم ،ت ليم وت لّم المفاهيم الرياضية للطفل ،مكتبة االنجلو المصرية ،القاهرة 3008م ص.18 .
أو أن تقسم المفاهيم إلى ثالثة :مفهوم موصل أو رابط أو موحد ومفهوم غير
رابط ومفهوم عالئقي (برونر(.))Bruner
السمات
الموحدة :وهي تعرف بمجموعة ّ
-المفاهيم الواصلة أو الرابطة أو ّ
المشتركة بين فئة من األشياء أو المواقف.
السمات أو الخواص
الرابطة :تعرف بمجموعة ّ
-المفاهيم غير الواصلة أو غير ّ
المتباينة بين فئة من العناصر واألشياء أو المواقف.
-3المدرك العلمي:
تعددت كذلك تعاريف المدرك العلمي حتى وان كانت في مجملها تدور حول
إبراز العمل العقلي الذهني المحض ،من هذه التعريفات نذكر على سبيل المثال:
بأنها
-الثاني :خالف اإلتجاه األول يحدد هذا االتجاه الخصائص المشتركة ّ
عالقات جزئية بين األشياء وليس تطابقا .مثال :الكرة ،حبة بطيخ أحمر ("دالع")،
عجلة السيارة ،هي أشياء رغم التباين الموجود فيما بينها إال أن هناك عالقات جزئية
موجودة بين هذه األشياء أهمها عالقة الدائرية في كل منها.
-67ينظر زكريا الشففربيني ويسففرية صففادق ،نمو المفاهيم ال لمية للطفل ،القاهرة -مصففر ،دار الفكر العربي ،ط0000 .8
م ،ص21-29-22.
-الثالث :يرى هذا االتجاه أن الخصائص المشتركة هي المعنى المتوسط،
مثال :الكرمبيط ،الطماطم ،البصل ،الجزر ،ليس بينها عالقة تطابق وال عالقة
جز ّئية ولكنها جميعا تشترك في ّأنها من الخضروات.
الحسية
ّ -أنها عبارة عن تعميمات تنشأ من خالل تجريد بعض األحداث
وخصائص حاسمة مميزة .فالكتاب على اختالف أشكاله وتنوع الورق الذي صنع
منه واللغة المكتوب بها ومحتواه يدل على صفة معينة نعممها على هذه المدركات
الحسية.
لقد عدد علماء التربية وعلماء النفس خمسة قواعد أساسية تنظم الصفات المميزة
لكل مفهوم هي:
أوال :قاعدة اإلثبات :وهي من أسهل المفاهيم تعلّما نظ ار لتوفر العديد من
األمثلة عليها وتعني هذه القاعدة إثبات صفة مميزة معينة على مثير ما ليكون مثاال
على المفهوم .فإذا أردنا تعليم الطالب مفهوم الفعل مثال فإن كل ما يشتمل على
يعد مثال موجبا على المفهوم وما عدا ذلك يعد مثاال سالبا عليه" .
صفة الفعلية ّ
مسح ،كتب -إق أر " -أمثلة موجبة .أما "كراس -كتاب -ورقة" أمثلة سالبة على
المفهوم.
ثانيا :قاعدة اإلقتران أو التجميع :أي إشتراط اقتران صفتين مميزتين أو
68
أكثر معا في المثير لكي يكون مثاال موجبا على المفهوم.
رابعا :قاعدة الشرط المفرد :وتعني هذه القاعدة وجوب توافر صفة مميزة
يتضمن
ّ وتتخذ هذه القاعدة صيغة العبارة (إذ /إذن) فإذا كان المفهوم المقصود
صفتين مميزتين األولى والثانية فإن هذه القاعدة تشترط :الصيغة التالية "إذا توافرت
أما إذا توافرت الصفة الثانية فليس
الصفة األولى ،إذن يجب أن تتوفر الصفة الثانية ّ
بالضرورة أن تتوافر الصفة األولى" .مثل :كل رسول نبي وليس كل نبي رسول
النبوة ال تعني الرسالة .ومن األمثلة الموجبة
النبوة لكن ّ
يقتضي أن الرسالة تعني ّ
على المفهوم :موسى -عيسى -محمد عليهم الصالة والسالم .ومن األمثلة
السالبة على المفهوم :يوسف -زكريا -ذو الكفل عليهم السالم.
- 68أنور عقل ،نحو ت ويم أفضل ، ،بيروت -لبنان ،دار النهضة العربية ،ط 3008 .8م ،ص .238.230. 281
خامسا :قاعدة الشرط المزدوج :تنص هذه القاعدة على توفر شرط متبادل بين
صفتين مميزتين بحيث إذا توافرت أي منهما توافرت األخرى حتما لتحديد أمثلة
المفهوم ،وتأخذ هذه القاعدة الصيغة المركبة اآلتية( :إذا /إذن) و(إذ /إذن) .فإذا
كان المفهوم المقصود يتضمن خاصيتين مميزتين مثل األولى والثانية فإن العبارة
تكون كاآلتي :إذا توافرت الصفة األولى ،إذن تتوفر الصفة الثانية واذا توفرت الصفة
الثانية تتوفر الصفة األولى حتما.
-5تعلم المفهوم:
هو نشاط عقلي يتمثل في قدرة الفرد على إعطاء إستجابة واحدة لمجموعة
من المثيرات التي تشترك معا بخصائص متشابهة ويتضمن عمليتين أساسيتين هما:
التمييز والتعميم.
فتعلم المفهوم يتضمن أي نشاط يؤدي إلى تصنيف حوادث أو مثيرات متباينة
جزئيا في صنف واحد ،وذلك يكون وفق قاعدة معرفية أو عقلية يستخدمها الفرد في
تحديد صفة معينة.
بعض المفاهيم أسهل تعلما كالتي تمثل أشياء عينية (أشجار ،وجوه )...،من
األخرى األكثر تجريدا كالعدالة والرحمة.
أن تعلم (أو التعرف على) ()Benton J. UNDEROOD يعتقد بنتون ج .اندروود
المفاهيم ،يتطلب أن يرى الشخص عالقات بين المثيرات .ولكي يرى الفرد مثل هذه
العالقة ،يستلزم ذلك أن يوحي كل مثير في مجموعة من المثيرات بنفس الصفة.
مثال إذا رأى طفل مثلثا أزرق اللون ومربعا أزرق اللون فال بد أن يفكر في صفة
"أزرق" بالنسبة لكال المثيرين .ولكي يفهم الطفل أن مجموعة من الحيوانات هي
كالب ال بد أن يكون قد تعلم أن يطلق عليها اإلسم الصحيح أي أن يصدر إستجابة
69
كلب على كل فرد من أفراد هذه المجموعة.
على كل حال تعلّم المفهوم هو قدرة الفرد على إعطاء إستجابة واحدة لمجموعة
من المثيرات التي تشترك معا بخصائص متشابهة ،فهو نشاط عقلي تصنيفي يتضمن
عمليتين أساسيتين هما :التمييز والتعميم ،ويتم تعلّم المفهوم وفق قاعدة معرفية أو
عقلية يستخدمها الفرد في تحديد صفة معينة أو أكثر .هذا التعلم يتأثر بعوامل متعلقة
ِ
المدرك. المدرك والظروف العامة ،وأخرى متعلقة بالشخص
َ بالموضوع
لو نأخذ تطور الحكم األخالقي عند الطفل فنجد بياجيه مثال يفرق بين مستويين
في التفكير األخالقي للطفل » أوال التفكير األخالقي الفعلي" ،التجربة األخالقية"،
التي تتكون تدريجيا في الفعل ،مع معايشة األحداث ،بمناسبة الصدامات والخالفات،
والتي تؤدي إلى أحكام قيمية تساعد الفرد على توجيه نفسه في كل حالة خاصة،
وتقييم أفعال اآلخرين إن كان ذلك يهمه بطريقة مباشرة نوعا ما .وهناك من جهة
أخرى تفكير أخالقي نظري أو لفظي ،مرتبط بالتفكير األول بكل أنواع السالسل...
هذا التفكير يظهر عند الطفل كلما استدعي إلى إصدار أحكاما حول أفعال اآلخرين
70
والتي ال تهمه مباشرة« ...
- 69ينظر سففارنوف أ.مدنيو ووخرون ،ترجمة محمد عماد الدين إسففماعيل ،الت لم ،دار الشففروق ،ط8109 2.هـفففففففف 8919م
ص822.
- Jean PIAGET, Le jugement moral chez l’enfant, PUF, 1969, P. 136.
70
* أعضاء الحس :إذا كانت أعضاء الحس هي القنوات التي تمر
من خاللها الخبرات في طريقها للدماغ ،فإن حالتها وكفاءتها تؤثران في تعلّم المفاهيم،
فالشخص المصاب في إحدى أعضاء حسه (الرؤية ،السمع ،اللمس )...،سيتأثر
في تعلمه لمختلف المفاهيم :الطفل المصاب مثال بعمى األلوان يدرك األشياء بصورة
تختلف عن الطفل السليم ويؤدي هذا إلى إختالف في تكوين وتعلّم المفاهيم لديه
ألن اإلدراك هو األساس الذي تبنى عليه المفاهيم.
* نوع الخبرة :ال يكفي أن تكون لدينا فرصا كثيرة للتعلم بل فنوع الخبرة
التي نتعرض لها مهمة.
ولقد تحدثت نظريات علم النفس عن طرق تعلم الفرد (األطفال والبالغين)
للمفهوم ولعل أشهرها نظرية جون بياجيه -جيروم برونر -فيكوتسكي.
-نظرية بياجيه:
- 71زكريا الشرنيني و يسرية صادق ،نمو المفاهيم ال لمية لألطفال ،المصدر أعاله ،ص.99.
يعترف بياجيه بأن ما يعرفه اإلنسان إنما ينجم جزئيا عما يتعلمه من بيئته
اإلجتماعية والمادية أي من عالم الناس واألشياء ،كما يعترف بأن وجود الكائن
بصورة سليمة شرط أولي لحصول التعلم ويضيف إلى عوامل التعلم اإلجتماعية
والمادية والنضوجية عامال آخر هو عملية الموازنة ،وتعني كيف يستطيع اإلنسان
تنظيم المعلومات المتناثرة في نظام معرفي غير متناقض ،وهي ال تنجم مما يراه
اإلنسان بل إنها تساعد اإلنسان على فهم ما يراه .عن طريق هذه القدرة (الموازنة)
على الكيفية التي ينبغي أن تكون ) ( inférence يستطيع اإلنسان تدريجيا االستدالل
عليها األشياء في هذا العالم.
عملية الموازنة تبدأ ببعض اإلضطراب إذ يشعر اإلنسان بأن هناك شيئا ما
ليس على ما يرام وعدم كفاية معارفه لحل المشكالت مما يؤدي إلى حالة عدم
التوافق ،هذه الحالة تدفع الفرد إلى السعي الستعادة أو تحقيق التوازن ،هذه العملية
تتم بإحدى الطريقتين:
يعيد الفرد تنظيم معارفه من وقت إلى آخر بهدف زيادة فاعليتها ويتم ذلك
عند التمثيل وعند استدخال معارف جديدة (التكيف) ،حيث تنتظم هذه المعارف في
()Schème مجموعات يربطها عامل مشترك يسمى كل منها مجموعة معرفية (سكيمات)
هذه المجموعات المعرفية تتغير كما وكيفا مع النمو.
ويميز بياجيه بين نوعين من المعرفة :المعرفة الشكلية وهي تشير إلى معرفة
المثيرات بمعناها الحرفي فالطفل الرضيع يرى حلمة زجاجة اإلرضاع فيبدأ في
المص ،معرفة ال تنبع من المحاكمة العقلية .معرفة اإلجراء (الفعل) المعرفة التي
تنبع من المحاكمة ،تلك التي تنطوي على التوصل إلى اإلستدالل في أي مستوى
من المستويات .والمعرفة اإلجرائية تهتم بالكيفية التي تتغير عليها األشياء من
حالتها السابقة إلى حالتها الحالية .أما المعرفة الشكلية فتهتم باألشياء في حالتها
الساكنة في لحظة زمنية معينة.
ووفقا لنظرية بياجيه هناك أربع مراحل رئيسية من مراحل التطور المعرفي
عند األطفال:
سنة
) (9-9 -المرحلة الحسية الحركية:
ففي السنتين األولى والثانية من عمر الطفل يتعلم األطفال فكرة إستم اررية
األشياء وانتظامها في العالم الفيزيقي ،فمن خالل المسك والمص (الرضاعة) والنظر
إلى األشياء ورميها بعيدا ومن خالل تحريك األشياء هنا وهناك يتعلم األطفال بناء
فهم جيد نوعا ما لحدود األشياء الصغيرة وامكاناتها .وعلى سبيل المثال في نهاية
السنة الثانية فالشيء الذي يخبأ أمام الطفل بغطاء يمكن الحصول عليه ثانية.
في نهاية المرحلة الحسية -الحركية ينشأ مفهوم دوام الشيء أو البقاء كنتاج
للتجربة اإلدراكية والعملية للطفل ،والمتمثلة في تطور الخطط الحسية -الحركية التي
توفر للطفل قد اًر من التكيف مع األوضاع الخارجية المختلفة والمتغيرة.
ومن خالل التنظيم الحسي الحركي يعرف األطفال أن بعض التغيرات تؤدي
إلى بعض االختالفات.
لعل أهم ما يميزها ،هو ظهور الرمزية بتطور الوظيفة الكالمية التي تمكن
الطفل من إقامة عالقات أكثر تقدماً مع الكبار من جهة ،ومع أترابه من جهة ثانية،
وغنى تصوراته وقدرته على مقارنة األشياء وتحليل وتركيب بعض خصائصها
الفيزيائية والكيميائية واستخدام الرموز في نشاطاته المتنوعة.
هذه المرحلة تقدم إضافات هامة إلى إمكانيات الطفل وقدراته كالكالم
والتصورات واستدخال األفعال الخارجية إلى الفكر باستخدام الكلمة أو الرمز بدل
الفعل.
مرحلة تحوالت عقلية كبيرة من التمركز حول الذات إلى اإلندماج اإلجتماعي،
حيث يبدأ الطفل الذي يستقبل هذه المرحلة بدخوله إلى المدرسة بمشاركة أترابه
ألعابهم التمثيلية (الدورية) المعقدة وتنمو لديه بشكل واضح الروح اإلجتماعية ويصير
أكثر قدرة على فهم اآلخرين ،وعلى التعبير عن أفكاره وأحاسيسه وعن العالقات
القائمة بين الوقائع واألشياء والحوادث باستخدام أدوات التعليل والربط وظروف الزمان
والمكان .كما يستوعب عبر سنوات هذه المرحلة الكثير من المعايير اإلجتماعية
والقيم الخلقية التي تزوده بإمكانية تقييم أفعاله وأفعال اآلخرين.
أهم مكتسبات هذه المرحلة على صعيد النشاط العقلي عند الطفل هو تكوين
المفاهيم األساسية لالحتفاظ ("مفهوم االحتفاظ بالسوائل والحجم والوزن .)"...إذ أن
الطفل يظهر خاللها مقدرة على القيام بالعمليات العكسية .كأن يصنف الموضوعات
ويقيم العالقات فيما بينها ويضعها في مجموعات أو فئات (الحيوانات،
الخارجيةّ ،
النباتات ،األثاث المنزلي )...على أساس ما هو مشترك بينها من صفات ،كاللون
والشكل والحجم والوظيفة وسواها.
ويقوم بالترتيب التصاعدي (من األصغر إلى األكبر) أو التنازلي (من األكبر إلى
ب ،ب األصغر) دون أخطاء .ويستطيع أن يتوصل من خالل المعطيات :أ
ج ،وأن يدرك مثال تعاقب المساواة (عالقة التعدي) على شكل أ=ب، ج ،إلى أن أ
ب=ج ،ويصل إلى أن أ=ج .بيد أن جميع هذه العمليات المنطقية التي يجريها الطفل
في هذه المرحلة ترتبط في مجاله اإلدراكي إرتباطاً مباش اًر .وهذا معناه أن تفكير
الطفل هنا لم يتحرر بعد من سيطرة اإلدراك الحسي المباشر وتبعيته لما يقدمه
اإلحساس من معطيات حول خصائص األشياء وعالقاتها بعضها ببعض.
إن التقسيم الذي جاء به بياجيه لمراحل النمو وأطواره ال يعني انفصال تلك
المراحل أو إستقاللها بعضها عن بعض بقدر ما يعني أنها حلقات في سلسلة ،تكمل
كل واحدة منها األخرى أو تنتج عنها وتمهد لظهورها.
في تعلّم المفهوم أو المدرك يشير بياجيه إلى وجود ثالث مراحل رئيسية عند
الخطية التصويرية والمجموعات الالخطية وأخي ار المفاهيم.
ّ الطفل :المجموعات
وليس هناك خطّ فاصل واضح يمثل اإلنتقال من المجاميع الخطّية إلى
الالخطية يبدو في الواقع متعايشا جنبا إلى
ّ خطية ألن األساس األولي للمجاميع
الالّ ّ
جنب مع المجاميع الخطية منذ البداية .إن النقلة من مرحلة إلى أخرى هي مسألة
تحول من التجميع حسب أوجه الشبه عن طريق الصدفة إلى القيام بالعملية نفسها
72
عمدا ،ولألسف ليس من السهل مالحظة الفروق.
الالخطية يحصل
ّ بياجيه يرى أن اإلنتقال من المجاميع الخطية إلى المجاميع
عادة في خالل السنة الرابعة من العمر ،وتلك هي المرحلة التي يبدأ فيها الطفل أن
-ينظر ثناء يوسفففف الضفففبع ،ت لم المفاهيم اللغوية والدينية لدى األطفال ،دار النهضفففة العربية ،القاهرة ،ط3008 ،8م، 72
ص.99.
يظهر مرونة عقلية ملحوظة إذ يبدأ بتجميع المواد حسب صفة واحدة من صفاتها،
وتصنيف األشكال الهندسية في كومات مناسبة.
تتميز بوجود
الخطية ما زالت ّ
ّ ويالحظ أن الفترة األولى من مرحلة المجاميع
عدم إنتظام وحاالت من اإللتباس ،ففي بداية األمر قد ال يستطيع الطفل تجميع
المواد وقد يترك بعضها دون تجميع.
النوع،
وتختلف المجموعات الخطية عن المفاهيم من حيث الدرجة وليس ّ
فالفرق يكمن في الواقع في قدرة الطفل على تغيير األسس متى ما شاء.
إن اإلنتقال من األشكال األكثر بدائية للتجميع عملية طويلة وشاقة بالنسبة
للطفل ،إال أن هذا االنتقال التدريجي من الفكر القائم على المدارك إلى الفكر المجرد
متدرجة
عملية تطورّية في مراحل الطفولة ،وبما أن المعارف كلّها ّ
ّ أهم
قد يكون ّ
73
السابقة.
هرمية فإنه ينبغي اإلهتمام بترسيخ وترصين الخطوات ّ
ّ
- 73ينظر ثناء يوسففف الضففبع ،ت لم المفاهيم اللغوية و الدينية لدى األطفال ،دار النهضففة العربية ،القاهرة ،ط3008 ،8م،
ص.99.