You are on page 1of 31

‫منطقة الشرق األوسط في ظل المتغيرات الدولية وأثرها على نظام األمني اإلقليمي‬

‫بعد أحداث سبتمبر‬


‫أ‪ .‬صالح محمد صالح الحراري‬
‫عضو هيئة تدريس كلية العلوم السياسية علوم االتصال‬
‫جامعة الزاوية‬
‫مقدمة‪:‬‬
‫شهدت منطقة الشرق األوسط بعد أحداث سبتمبر– وما تزال تشهد العديد من‬
‫التحوالت شديدة اإليقاع والتأثير يصعب مالحقة وتقدير تداعياتها – بدرجة كبيرة من الثقة –‬
‫على المنطقة ودولها‪ ,‬غير أنه من المؤكد ما تفرزه هذه التحوالت من تحديات جوهرية‬
‫لألطراف الحاكمة للتفاعالت السياسية واألمنية المستقرة في المنطقة لعقود من الزمن‪.‬‬
‫هذه التحديات والصعوبات تثير التساؤالت حول مستقبل الشرق األوسط خاصة مع‬
‫تعقد شبكة الفاعلين الدوليين المؤثرين في المنطقة وتعقد التفاعالت على المستوى المحلي‬
‫واإلقليمي والدولي وذلك حول النظام األمني الذي يمكن أن يسود المنطقة‪.‬‬
‫ونتيجة للتطورات العلمية والتكنولوجية التي لها دور أساسي في تطور مفهوم األمن‪,‬‬
‫كما ساهمت هذه التطورات العلمية والتكنولوجية في معظم المخاطر والتهديدات التي تتعرض‬
‫لها الدول‪ ،‬والتي كانت (الدولة) تمثل الفاعل الرئيسي فيها على صعيد العالقات الدولية‬
‫فحسب‪ ،‬ولكن تعددت مصادر الخطر تعددت وتنوعت على أيدي فواعل دولية مستحدثة‪.‬‬
‫ويمكن القول إن طبيعة التهديدات األمنية الناتجة عن هذه التطورات قد تغيرت متمثلة في‬
‫تطور التهديد ذاته‪ ،‬فلم يعد مقصوًر ا على تهديد األمن الوطني إلحدى الدول‪ ،‬بل أصبح تهديدا‬
‫لكيان الدولة ذاتها‪.‬‬
‫فهذا الوضح يوضحه مدى ارتباط المصالح اإلستراتيجية للقوى الكبرى خاصة‬
‫الواليات المتحدة بالمنطقة أو لتأثيرها األساسي في معادلة توازن القوى الدولية‪ ،‬فالمنطقة‬
‫تاريخًي ا مسرح رئيسي للتنافس التقليدي بين القوى الكبرى على النفوذ الدولي‪ ،‬وكذلك االرتباط‬
‫بين النفوذ في الشرق األوسط وهيكل النظام الدولي القائم‪.‬‬
‫أوًال‪ :‬أهمية الدراسة‪:‬‬
‫توضيح مدى تأثير التطورات التي شهدتها المنطقة أحداث سبتمبر على بنيان األمن‬
‫اإلقليمي القائم واحتماالت تطوره كما تكمن األهمية في تشكيل ترتيبات أمنية إقليمية جديدة‬
‫تكون مرتبطة مع المتغيرات الدولية ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫ثانيًا ‪ :‬إشكالية الدراسة‪:‬‬
‫تتمحور إشكالية الدراسة حول تساؤل رئيسي مفاده ‪ :‬كيف كان تأثير المتغيرات في‬
‫النظام الدولي على النظام األمني للشرق األوسط‪ ،‬ومتى كان للتفاعالت اإلقليمية والداخلية‬
‫لدول الشرق األوسط دور في تشكيل هذا النظام األمني؟ ومن هذا التساؤل هناك تساؤالت‬
‫فرعية تتمثل في االتي‪:‬‬
‫كيف كان تأثير المتغيرات في النظام الدولي على النظام اإلقليمي للشرق األوسط؟‬ ‫‪-1‬‬
‫كيف كان تأثير التفاعالت اإلقليمية لدول الشرق األوسط على الترتيبات اإلقليمية‬ ‫‪-2‬‬
‫للنظام األمني للشرق األوسط؟‬
‫كيف كان تأثير المتغيرات الداخلية في دول اإلقليم على الترتيبات اإلقليمية له‬ ‫‪-3‬‬
‫التفاعالت اإلقليمية وكذلك المتغيرات الداخلية لدول الشرق األوسط هل كانت فرضا أم‬ ‫‪-4‬‬
‫قيودا أمام بناء هذا النظام األمني اإلقليمي وفًقا للتطورات على المستوى الدولي‪ ،‬أو وفقا‬
‫الستراتيجيات الدول الكبرى؟‬

‫ثالثا ‪ :‬أهداف الدراسة‬


‫تتمحور حول أثر المتغيرات الدولية على النظام األمني اإلقليمي في منطقة الشرق‬
‫األوسط منذ عام ‪ ،2011‬ومن ثم وضع رؤية مستقبلية أو توصيات علمية لتسوية أزمات‬
‫نشوء نظام أمني إقليمي جديد في الشرق األوسط‪ .‬وفق اآلتي‪:‬‬
‫معرفة المالمح العامة لإلستراتيجية األمريكية في الشرق األوسط‪ ،‬وكيفية تعاملها مع‬ ‫‪-1‬‬
‫الملفات الشائكة في المنطقة‪.‬‬
‫التعرف على أبرز المتغيرات الدولية في النظام الدولي‪ ،‬وتأثيرها على األمن اإلقليمي‬ ‫‪-2‬‬
‫في الشرق األوسط‪.‬‬
‫الكشف عن مصادر انعدام األمن اإلقليمي في الشرق األوسط‪.‬‬ ‫‪-3‬‬
‫التعرف على أهم األزمات الداخلية والخارجية لنظام األمن اإلقليمي في الشرق‬ ‫‪-4‬‬
‫األوسط‪.‬‬
‫محاولة الوقوف على التفاعالت اإلقليمية في الشرق األوسط‪.‬‬ ‫‪-5‬‬

‫رابعا‪ :‬منهج الدراسة‬


‫تستخدم الدراسة المنهج الوصفي التحليلي‪ ،‬الذي تم من خالله تحديد أبعاد وخصائص‬
‫الظاهرة المدروسة‪ ،‬ووصفها وصفًا موضوعًي ا‪ ،‬عبر جمع البيانات‪ ،‬والحقائق‪ ،‬باستخدام أدوات‬

‫‪2‬‬
‫وتقنيات البحث العلمي‪ .‬وقد تم توظيف هذا المنهج في وصف وتحليل مصادر المعرفة المتعلقة‬
‫بمشكلة الدراسة لوصف وتحليل أبعادها بصورة علمية موضوعية في ضوء األهداف التي‬
‫تسعى الدراسة لتحقيقها‪.‬‬

‫خامسا‪ :‬الدراسات السابقة‬


‫هناك بعض الدراسات أو األدبيات السابقة والتي تناولت الموضوع من جوانب عدة‬
‫كل مما يراه من رؤية حول الموضوع اإلقليمي و والوطني والمتغيرات و التفاعالت حول‬
‫منطقة الشرق األوسط ومن أهم هذه الدراسات ‪.‬‬

‫‪-1‬دراسة "األمن اإلقليمي بين األمن الوطني واألمن العالمي"‬


‫الدراسة التي أعدها األستاذ الدكتور مصطفي علوي‪ ،‬التطور التاريخي لمفاهيم األمن‬
‫والتحوالت التي طرأت على مفهوم "األمن اإلقليمي" بين المفهومين األكثر شيوًع ا وانتشاًر ا‪:‬‬
‫األمن الوطني‪ ،‬واألمن العالمي‪ ،‬فاألول كانت له السيادة في الفكر السياسي منذ توقيع‬
‫معاهدة ويستفاليا عام ‪ ، 1648‬ولكن حرص كل دولة من دول أوروبا على تحقيق أمنها‬
‫الوطني فقط ولد العديد من الصراعات والمنافسات التي لم تحقق األمن لدولها مجتمعة‪ ،‬وهو‬
‫األمر الذي برز بوضوح مع الحرب العالمية الثانية‪ ،‬مما أدى لنشوء مفهوم جديد هو "األمن‬
‫العالمي" ونشوء منظمة األمم المتحدة‬
‫وقد أشارت هذه الدراسة إلى مفهوم "الركوب المجاني لألوروبيين في عربة األمن‬
‫األمريكي أو اإلرتماء األوروبي في أحضان األمريكان‪ ،‬وذلك بعد اتساع مفهوم األمن القومي‬
‫األمريكي ليغطي أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية والتساؤالت هنا ‪ :‬هل كان ذلك مجانيًا‬
‫حقًا؟ وماذا بعد أن اتسع نطاق مفهوم األمن القومي األمريكي ليشمل الشرق األوسط‬
‫الكبير ؟‪ ...‬هل نحن بصدد وضع مشابه مع اختالف الظروف التاريخية ‪ -‬وهل أمام المنطقة‬
‫فرصة حقيقية لمثل هذا الركوب المجاني في عربة األمن األمريكي؟ ومن ذلك أيضًا إشارة‬
‫الكاتب إلى ما حدث من انفجار أوضاع أوروبا الشرقية في وجه االتحاد السوفيتي السابق‬
‫نتيجة خطأ سياسة ادعاء دولة عظمى بأنها تضغط لحماية أمن الدول الحليفة لها ضد رغبات‬
‫مواطنيها ‪ .‬فهل تواجه سياسات الواليات المتحدة وضعًا مشابهًا في العديد من مناطق نفوذها‬
‫في العالم بما فيها منطقة الشرق األوسط؟‪ ...‬وغيرها من التساؤالت التي تثيرها هذه الدراسة‬
‫األكاديمية الجادة (‪.)1‬‬

‫‪1‬‬
‫() مصطفى علوي‪ ,‬األمن اإلقليمي بين األمن الوطني واألمن العالمي المركزي للدراسات المستقبلية "اإلستراتيجية" سلسلة‬
‫مفاهيم‪ ,‬الجامعة العربية للعلوم السياسية‪ ,‬العدد ‪ ,2005 , 4‬ص ‪30‬‬

‫‪3‬‬
‫وهناك دراسة بعنوان مستقبل الترتيبات األمنية في الشرق األوسط‪:‬‬
‫استعرضت الدراسة والتي أعدتها الدكتورة دالل ‪،‬محمود مستقبل منطقة الشرق‬
‫األوسط والترتيبات األمنية المتوقعة فيها في أعقاب التطورات والتحوالت المالحقة التي‬
‫تشهدها المنطقة‪ ،‬حيث اجتهدت الواليات المتحدة األمريكية على مدار عقود بداية من الحرب‬
‫الباردة‪ ،‬وخاصة بعد انتهائها التأكيد نفوذها القوي والممتد في إقليم الشرق األوسط‪ ،‬وفي هذا‬
‫السبيل وجهت سياستها لتأمين مصالحها اإلستراتيجية فيه‪ ،‬واعتمدت في هذا على بعض‬
‫الحلفاء لها في اإلقليم في مرحلة الحرب الباردة‪ ،‬ثم بتواجدها المباشر بعد حرب الخليج الثانية‬
‫‪ ،1991/1990‬من خالل االنخراط في قضايا المنطقة‪ ،‬بل ورسم العديد من التطورات‬
‫المؤثرة فيها‪ ،‬مثل الوجود العسكري المباشر في منطقة الخليج العربي والتأثير المباشر والقوي‬
‫على ميزان القوى اإلقليمي بدعمها القوي إلسرائيل وأمنها‪ ،‬وبناء قوتها بل وتحالفها معها في‬
‫العديد من االتفاقيات اإلستراتيجية‪ ،‬هذه الجهود األمريكية المؤثرة نجحت في إيجاد قواعد‬
‫مستقرة لألمن في المنطقة تتقبلها القوى الرئيسية فيه‪ ،‬وتجعل الواليات المتحدة الضامن للنظام‬
‫األمني‪ ،‬ومع حالة الحراك التي تشهدها المنطقة ظهرت مجموعة من التحديات للنظام األمني‬
‫األمريكي‪ ،‬ومنها انتشار التنظيمات اإلرهابية في المنطقة وتطور أهدافها من مجرد التأثير‬
‫على قرار سياسي في دولة ما إلى السيطرة على األرض وإ قامة دولة‪ .‬وبالتالي فإن طبيعة‬
‫التهديدات األمنية الناتجة قد تطورت وتتمثل في تطور التهديد ذاته‪ ،‬فلم يعد قاصرا على تهديد‬
‫األمن الوطني إلحدى الدول‪ ،‬بل أصبح تهديًد ا لكيان الدولة ذاتها في بعض الحاالت مثل‪:‬‬
‫سوريا والعراق وليبيا ‪ .‬وهو ما استوجب إعادة النظر في مجمل الترتيبات األمنية في‬
‫(‪)1‬‬
‫المنطقة‪ ،‬والبحث عن إطار أمنى إقليمي جديد‪.‬‬
‫أما الدراسة الثالثة تحمل عنوان إقليم بال نظام ‪:‬‬
‫يتحدث عن مفاتيح لفهم مستقبل منطقة الشرق األوسط‪ :‬حيث تناقش هذه الدراسة‬ ‫‪-1‬‬
‫نمط العالقات بين أطراف اإلقليم الذي يشهد تحوالت هيكلية كانت تشير إلى انفجار داخلي‪،‬‬
‫ومن أهمها أن فكرة الدولة الموحدة كانت قد بدأت تواجه مشكالت لتظهر ترتيبات تتعلق‬
‫بدول فيدرالية أو كونفدرالية أو دول متعددة األقليات مع اهتزاز ميراث الدولة المركزية في‬
‫ظل عدم قدرة العواصم على السيطرة على المناطق الجغرافية أو قطاعات مواطنيها أو‬

‫‪1‬‬
‫() دالل محمود‪ ,‬مستقبل الترتيبات األمنية في الشرق األوسط‪ ,‬المركز المعري للفكر والدراسات اإلستراتيجية‪ ,‬يناير‪ ,2016‬ص‬
‫‪20‬‬

‫‪4‬‬
‫تشكيالتها االجتماعية لتظهر دول داخل الدول بحجة التنوع العرقي سواء ثقافي أو مذهبي أو‬
‫غيره من التنوع حيث يعدد هذه التوجه مناخا حقيقيا العامل الخارجي الدولي من إن يلعب‬
‫دورا مؤثرا في تشكيل خريطة المنطقة مرتبطا بأدوار أطراف كالواليات المتحدة بوصفها‬
‫القوة الوحيدة األكبر في العالم في نهاية العرض الموجز لهذا العدد من الدراسات السابقة‪ ،‬نجد‬
‫أنها اقتربت بدرجة ما من بعد أو آخر من أبعاد موضوع الدراسة‪ ،‬وذلك في إطار خبرات‬
‫مختلفة‪ ،‬وهي الدراسات المتفرقة التي تسعي إلجمال مختلف أبعاد الدراسة‪ ،‬والتي تعبر‬

‫بدرجة أو بأخرى عن تجارب سياسية متباينة‪ .‬ويمكن القول إن تلك الدراسات قد تعد مدخًال‬
‫معتبًر ا‪ ،‬وأساًس ا رصينا لمحاولة اإلجابة على التساؤل الرئيسي للدراسة‪ ،‬وذلك للوقوف على‬
‫أثر المتغيرات الدولية على النظام األمني اإلقليمي في منطقة الشرق األوسط منذ عام ‪.2011‬‬
‫وقد عالجت المجموعة السابقة من الدراسات عدة عناصر أبرزها‪ :‬التعريف الدقيق لمفهوم‬
‫األمن بمستوياته المختلفة‪ ،‬سواء على الصعيد العالمي أو اإلقليمي أو الوطني‪ ،‬واالرتباط بين‬
‫(‪)1‬‬
‫تلك المستويات جميًع ا تأثيًر ا وتأثرا‪.‬‬

‫‪ -‬إبراز النظريات المفسرة لألمن اإلقليمي والمقوالت التي تحدد كيفية تحقيقه‪.‬‬
‫‪-‬التطورات التي طرأت على الترتيبات األمنية في المنطقة نتيجة التطورات الدولية‪،‬‬
‫وبروز القوة الوحيدة في العالم ممثلة في الواليات المتحدة األمريكية وحلفائها‪ ،‬وتغير‬
‫إستراتيجيتها في التعامل مع ما يهدد مصالحها‪ ،‬منطلقة إلى آفاق أرحب في توسيع نطاق‬
‫أمنها ليشمل مناطق جغرافية متعددة‪ ،‬ومن أهمها منطقة الشرق األوسط‪.‬‬

‫وحول تقسيم الدراسة فقد تم تقسيم الدراسة إلى مجموعة محاور كل محور له عنوان وذل<<ك‬
‫على النحو التالي‪:‬‬
‫المحور األول‪ :‬نظريات النظام اإلقليمي وعالقته بالنظام الدولي‪.‬‬
‫المحور الثاني‪ :‬المتغيرات في النظام الدولي وانعكاساتها على التفاعالت األمنية في‬
‫الشرق األوسط‪.‬‬
‫المحور الثالث‪ :‬التفاعالت اإلقليمية والداخلية لدول الشرق األوسط وما تمثله من‬
‫فرص أو قيود أمام استراتيجيات الدول الكبرى فيما يتعلق بالشرق األوسط‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫() دالل محمود‪ ,‬مرجع سابق ‪ .‬ص‪75‬‬

‫‪5‬‬
‫المحور األول‬
‫النظام الدولي وعالقته بنظريات النظام اإلقليمي‬
‫أوال ‪ :‬ماهية األمن اإلقليمي‪.‬‬
‫يتناول هذا المحور بعض الموضوعات اآلتية‪-:‬‬

‫‪ -1‬مفهوم األمن اإلقليمي‪.‬‬


‫تعددت التعريفات التي تناولت مفهوم األمن اإلقليمي من قبل العديد من المفكرين الذين‬
‫يهتمون بأهمية المنظمات والتنظيمات اإلقليمية‪ .‬وعليه نجد العديد من التعريفات التي تناولت‬
‫(‪)1‬‬
‫المفهوم وحاولت اإلحاطة بكل الجوانب المتعلقة به‪.‬‬
‫فقد عرفت جامعة الدول العربية األمن اإلقليمي على أنه توثيق الصالت بين الدول‬
‫األعضاء‪ ،‬وتنسيق خططها السياسية تحقيقا للتعاون فيما بينها‪ ،‬وصيانة الستقاللها‪ ،‬مع الحرص‬
‫على المصالح المشتركة على كافة األصعدة‪ ،‬ومنها تحقيق األمن اإلقليمي بما يوفر لها‬
‫االستقرار الداخلي لكل دولة وعناصر الحماية ضد االختراقات المحتملة‪.‬‬
‫ومن جهتها قامت هيئة األمم المتحدة بتعريفه على أنه‪ :‬نظام األمن اإلقليمي يشكل‬
‫البعد الدولي لألمن والمنظمات المعنية به‪ ،‬وقد تبلور ذلك بصورة أولية في ميثاق هيئة األمم‬
‫المتحدة انطالقا من الفصل الثامن الذي ركز على صالحية العمل اإلقليمي لمعالجة األمور‬
‫(‪)2‬‬
‫المتعلقة بحفظ السلم واألمن الدوليين ‪.‬‬

‫‪ -2‬األمن اإلقليمي وخصائصه‪.‬‬


‫انطالقا من التعاريف السابقة‪ ,‬يمكننا إحصاء أهم العناصر المحددة للنظام اإلقليمي‪,‬‬
‫والتي يمكننا من خاللها وصف نظام ما على أنه نظام إقليمي ومن أهم هذه العناصر ما يأتي‪:‬‬
‫‪ -‬ضرورة وجود فاعلين أو أكثر‪.‬‬
‫‪ -‬الجوار الجغرافي‪ ،‬أي ضرورة االنتماء إلى رقعة جغرافية محددة‪.‬‬
‫‪ -‬كثافة التفاعالت بين الوحدات واختالفها عن تفاعالت أقاليم أخرى‪ ،‬أي البد أن‬
‫تحتوي على قدر من الخصوصية‪.‬‬
‫‪ -‬قوة التجانس االجتماعي واالقتصادي والثقافي‪ ،‬أي الوعي اإلقليمي وتكوين هوية‬
‫إقليمية‪ .‬ومن خصائص األمن اإلقليمي أنه مفهوم استراتيجي يهدف لدراسة مستقبل الدول‬

‫‪1‬‬
‫() مصطفى فحصي‪ ,‬مرجع سابق‪ ,‬ص ‪32‬‬
‫‪2‬‬
‫() أسمهان فتحي‪ ,‬دور المتغير الدوالتين في حفظ األمن اإلقليمي المغاربي‪ -‬دراسة حالة الجزائر‪ ,‬رسالة ماجستير‪ ,‬الجزائر‪,‬‬
‫جامعة تبسة‪ ,‬كلية الحقوق والعلوم السياسية‪ ,2015 ,‬ص‪18‬‬

‫‪6‬‬
‫بأسلوب علمي‪ ،‬كما أنه ُيعتبر حقيقة نسبية تسعى فيها الدول إلى تحقيق األمن في حده األدنى‬
‫من أجل تحقيق االستقرار‪ .‬ومن خصائص األمن اإلقليمي أنه متغّير‪ ،‬فهو يقوم على عدة‬
‫عوامل مركبة‪ :‬كالتاريخية واالقتصادية والسياسية والعسكرية‪ ،‬وكذلك فهو غير محدد‪ ،‬بحيث‬
‫إنه قد يتم استخدامه بطرق سيئة من قبل الدول بسبب عدم وجود إطار ُيحدد المفهوم‪ ،‬أما‬
‫ثوابت األمن القومي فهي الثوابت الجغرافية والمعنية بموقع الدولة الجغرافي‪ ،‬والثوابت‬
‫التاريخية لما قدمته الدولة إسهاما في الحضارة اإلنسانية والثوابت الثقافية المتمثلة في الدين‬
‫واللغة والقومية والتراث‪.‬‬
‫(‪)1‬‬

‫ثانيا‪ :‬األمن اإلقليمي ونظرياته‬


‫قبل الحرب العالمية الثانية‪ ،‬كانت الدراسات األمنية تقتصر على العسكريين‬
‫واالستراتيجيين‪ ،‬وألن الحرب العالمية األولى أوضحت أنه ال يمكن ترك الحرب في أيدي‬
‫القادة العسكريين‪ ،‬أدى تدخل المدنيين في الحرب العالمية الثانية إلى تحول الدراسة في مجال‬
‫األمن‪ ،‬وذلك وفقا لبعض المفكرين ومن بينهم المفكر "ماك سويني"‬
‫(‪)2‬‬
‫حيث حددت أربع مراحل في تطورها ‪.‬‬

‫المرحل ‪hh‬ة األولى‪ :‬ب ‪hh‬دأت م ‪hh‬ع نهاي ‪hh‬ة الح ‪hh‬رب العالمي ‪hh‬ة األولى ح ‪hh‬تى منتص ‪hh‬ف الخمس ‪hh‬ينيات‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫وارتبطت بمص‪hhh‬طلح األمن الجم‪hhh‬اعي‪ ،‬وك‪hhh‬انت دراس ‪hh‬ة األمن ج ‪hh‬زًء ا من دراس ‪hh‬ة الق ‪hh‬انون‬
‫الدولي والمنظمات الدولية والنظرية السياسية‪.‬‬
‫المرحلة الثانية‪ :‬بدأت مرحل‪hh‬ة جدي‪hh‬دة م‪hh‬ع تط‪hh‬ور البحث في العل‪hh‬وم السياس‪hh‬ية من‪hh‬ذ منتص‪hh‬ف‬ ‫‪‬‬
‫الخمس ‪hh‬ينيات‪ ،‬وخالل الح ‪hh‬رب الب ‪hh‬اردة تط ‪hh‬ورت األبح ‪hh‬اث في األس ‪hh‬اليب العلمي ‪hh‬ة للتهدي ‪hh‬د‪،‬‬
‫واستخدام القوة للدفاع عن مصالح الدولة وإ رساء األمن‪ .‬كما ظهرت مصطلحات جدي‪hh‬دة‬
‫مثل نظام األمن واألمن الدولي تؤكد تبعية الدول فيما بينها‪.‬‬
‫المرحل‪hh‬ة الثالث‪hh‬ة تع‪hh‬ود البداي‪hh‬ة إلى الثمانيني‪hh‬ات‪ ،‬وع‪hh‬رفت كي‪hh‬ف أعي‪hh‬د النظ‪hh‬ر في المقارب‪hh‬ات‬ ‫‪‬‬
‫النظرية الحالية ونجاح نظريات االعتماد المتبادل ومقاربات السياسة االقتص‪hh‬ادية الدولي‪hh‬ة‬
‫مع جيلبان وكوهان‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫() هينر فورتيج‪ ,‬القوى اإلقليمية في الشرق األوسط‪ ,‬إعادة التشكيل بعد ما يسمى بالثوراة العربية مراجع عمر حسن مركز‬
‫الخليج للدراسات اإلستراتيجية‪ ,2014 ,‬ص‪41‬‬
‫‪2‬‬
‫() علي الدين هالل‪ ,‬اإلقليمي العربي في مرحلة تحول‪ ,‬بيروت سلسلة أوراق عربية ‪ ,27‬مركز دراسات الوحدة العربية‪,‬‬
‫‪ ,2012‬ص‪33‬‬

‫‪7‬‬
‫المرحلة الرابعة هذه هي مرحلة ما بعد الح‪hh‬رب الب‪hh‬اردة‪ ،‬حيث اتخ‪hh‬ذت الدراس‪hh‬ات األمني‪hh‬ة‬ ‫‪‬‬
‫أبعادا أخرى بدخولها جميع المجاالت ‪.‬‬

‫وحول نظريات النظام اإلقليمي وعالقتها بالنظام الدولي هناك العديد من النظريات‬
‫يمكن توضيحها فيما يلي ‪:‬‬

‫أ‪ -‬النظرية الواقعية‬


‫يرى الواقعيون أن المخاطر العسكرية هي أبرز تهديد األمن الدولة‪ ،‬وال سيما‬
‫التهديدات الخارجية‪ .‬وعليه‪ ،‬يجب أن تركز الدراسات األمنية وفًقا لـ"والتز على دراسة التهديد‬
‫واستخدام القوة العسكرية والسيطرة عليها‪ ،‬والحفاظ على األمن في إطار دوالتي ‪ -‬عسكري‬
‫عن طريق استخدام األساليب التقليدية باعتبارها الحل األكثر مالءمة‪ .‬لذلك‪ ،‬كان ُيفهم أمن‬
‫الدولة على أنه أمنها العسكري فقط‪ ،‬وعليه‪ ،‬لجأت الدول األكثر قيمة إلى التحالفات لمواجهة‬
‫األخطار المحتملة لضمان األمن الجماعي للدول(‪.)1‬‬
‫كدعم لفكرة االعتماد المتبادل فيما بينها‪ ،‬ورغم ما قدمته الواقعية من أفكار ‪ -‬ال‬
‫يعتبرها كثيرون ‪-‬نظرية إال أنها اعتبرت بعيدة عن الدراسات األمنية؛ ألنها استندت إلى‬
‫مفاهيم غامضة لعدم وجود مناهج أكيدة لدراستها‪ ،‬فمثال فكرة توازن القوى كمفهوم أمني قائم‬
‫على فكرة عقالنية لم يكن واضحا‪ ،‬وهو كثقافة ارتكز على تحقيق الحد األقصى لألمن‪ ،‬بدال‬
‫من ثقافة التوازن بمرتكزاتها األساسية كالدبلوماسية والتحكيم والوساطة وكل الوسائل السلمية‪.‬‬
‫وهذا ما أدى إلى المأزق األمني الذي حاول الواقعيون الجدد إيجاد تفسير له وتدارك اللبس‬
‫الفكري الذي وقع فيه الواقعيون التقليديون صيحة‪.‬‬
‫(‪)2‬‬

‫الواقعية الجديدة استندت إلى فكرة أن الفوضى هي سمة من سمات النظام الدولي‪،‬‬
‫حيث ال توجد سلطة مركزية قادرة على التحكم في سلوك الدول‪ ،‬وأن الزيادة في درجات‬
‫الصراع حتى في حالة عدم الحرب تجعل احتمالية نشوب حروب متوقعة دائما‪ ،‬وألن الشك‬
‫والريبة يؤديان إلى فقدان الثقة وأن وجود تعاون بين الدول أمر متوقع وحاضر ‪ ،‬لكنه مقيد‬

‫‪1‬‬
‫() تيسير علي‪ ,‬مرتكز األمن القومي العربي مقابل مرتكزات األمن القومي اإلسرائيلي‪ (,‬غزة‪ ,‬كلية االقتصاد والعلوم اإلدارية‪,‬‬
‫قسم العلوم السياسية) ‪,2010‬ص ‪21‬‬
‫‪2‬‬
‫() صليحة كيابي‪ ,‬الدراسات األمنية بين االتجاهين التقليدي والحديث‪ ,‬الجزائر جامعة اإلخوة منتوري قسنطينة‪ ,‬مجلة العلوم‬
‫السياسية‪ ,‬عدد ‪,2012, 138‬ص ‪234‬‬

‫‪8‬‬
‫بمنطق المنافسة األمنية التي تهيمن عليه والتي ال تزول بغض النظر عن حجم التعاون فالسالم‬
‫الحقيقي والدائم في العالم يعتمد على‬
‫المعضلة األمنية تسمح هذه المنهجية بتقديم تعريف سلوكي لألمن أكثر من تعريف‬
‫تعاقدي (اقتراح واقعي)‪.‬‬

‫على أساس أن الفرد هو وحدة تحليل أيضا‪ ،‬وأن الدولة لم تعد الموضوع المرجعي‬
‫الوحيد لفهم وتفسير الظواهر األمنية على المستوى اإلقليمي والدولي‪ ،‬وتتغير القضية المرجعية‬
‫مع التغير في قطاع األمن قيد الدراسة ويتأثر بعوامل وبمجاالت خمسة وهذا يضعنا أمام‬
‫أشغال األمن متأثرا بعوامل والمجاالت عدة وذلك على النحو التالي‪:‬‬
‫األمن العسكري‪ :‬ويرتبط بالقدرات الهجومية والدفاعية للدول‪ ،‬وكذلك القدرات التصورية‬ ‫‪-1‬‬
‫للقدرات العسكرية لدولة أخرى‪.‬‬

‫األمن السياسي‪ :‬ويعني الهجوم ضد استقرار التنظيم داخل الدولة‪ ،‬وهو موجه ضد‬ ‫‪-2‬‬
‫الحكومة وضد مؤسسات وأيديولوجيات تعبر عنها الدولة‪.‬‬
‫األمن البيئي‪ :‬ويتعلق بالحفاظ على البيئة والطبيعة كعنصر متغير أساسي للحياة‪ .‬والتهديد‬ ‫‪-3‬‬
‫قد يكون في شكل زالزل وبراكين وفيضانات أو تلويث للبيئة‪.‬‬
‫األمن االقتصادي‪ :‬ويعني الحصول على الموارد والمال والثروة بهدف المحافظة على‬ ‫‪-4‬‬
‫الصحة كأهم مؤشر لألمن‪.‬‬
‫األمن االجتماعي‪ :‬ويرتبط باألخطار ضد الهوية الوطنية أو االجتماعية أو القيمية‪...‬‬ ‫‪-5‬‬
‫وغيرها‪.‬‬

‫ب‪ -‬النظرية الليبرالية‬


‫بدأت النظرة الليبرالية من فكر سياسي كالسيكي ومع مجموعة من األهداف والمثل‬
‫العملية القائمة على حقيقة أن الفرد هو أهم وحدة تحليل والحقوق المطلوبة له من الضروري‬
‫توافرها‪ ،‬وأن دور الدولة دور جزئي في المجتمع الليبرالي وهي تعمل بشكل رئيسي كحكم في‬
‫النزاعات بين األفراد لضمان الشروط التي يسعون من خاللها للحصول على حقوقهم كاملة‬
‫على الرغم من وجود تباين بين المنظرين الليبراليين‪ ،‬إال أنهم اتفقوا باإلجماع على أهمية‬
‫الفرد ودور الدولة كوجود محدود لضمان تحقيق االستقرار السياسي واالجتماعي والبيئي‬

‫‪9‬‬
‫واالقتصادي الذي يمكن األفراد من التفاعل والنضال التحقيق خياراتهم‪ ،‬وتضمنت الليبرالية‬
‫(‪)1‬‬
‫اتجاهات أيديولوجية أبرزها الليبرالية البنيوية والليبرالية المؤسسية‪.‬‬
‫ويعد "جوزيف ناي" من أبرز الليبراليين‪ ،‬حيث طرح مقاربة (القوة الناعمة) كفكرة‬
‫وسطية بين الواقعية والليبرالية (مما جعلها واقعية ليبرالية)‪ .‬و القوة الناعمة ُع رفت من قبل‬
‫"ناي" بأنها "القدرة على تحقيق النتائج المرجوة من خالل الجذب واإلقناع بدًال من اللجوء إلى‬
‫الوسائل القسرية التقليدية‪ ،‬فهي مكلفة وغير مضمونة‪ ،‬وبدًال منها يستخدمون تكنولوجيا‬
‫(‪)2‬‬
‫المعلومات والمعرفة أهم االستراتيجيات لضمان األمن ‪.‬‬

‫جـ‪ -‬المقاربات الحديثة لألمن‬


‫خالل الحرب الباردة بين الكتلة الغربية والكتلة الشرقية‪ ،‬ظل حجم التهديدات ومدى‬
‫المخاطر لفترة طويلة مركزا على الصفقات التي تشمل الدول التقليدية والتحالفات التي تقودها‪.‬‬
‫بعد عام ‪ 1990‬أضحى تحليل المشكالت األمنية وحلولها على رأس األولويات ويسلط الضوء‬
‫على الجهات الفاعلة األخرى داخل وخارج البالد‪ ،‬مثل الحركات المتمردة والمجتمعات العرقية‬
‫والشركات متعددة الجنسيات وغيرها‪ .‬كما تناولت البعد الدولي‪ ،‬كاألعمال اإلرهابية اإلجرامية‪،‬‬
‫وتوسعت لتشمل األبعاد اإلنسانية التنموية‪ .‬وقد حدث هذا التحول لعدة أسباب‪ ،‬من أهمها‪:‬‬
‫أن مش‪h‬اكل األمن ليس‪h‬ت نفس‪h‬ها بالنس‪h‬بة لل‪h‬دول المتط‪h‬ورة أو النامي‪h‬ة‪ ،‬وبالت‪h‬الي تحلي‪h‬ل المش‪h‬اكل‬ ‫‪‬‬
‫ال يكون بنفس الطريقة‪.‬‬
‫التهديد بالنس‪h‬بة لل‪h‬دول يتط‪h‬ور وفق‪ًh‬ا للتح‪h‬ول في العن‪h‬ف (إس‪h‬تراتيجية غ‪h‬ير مباش‪h‬رة أو نزاع‪h‬ات‬ ‫‪‬‬
‫أو إره‪hh‬اب) ووفق‪hh‬ا للمحي‪hh‬ط ال‪hh‬دولي‪ .‬وله‪hh‬ذا ك‪hh‬ان الح‪hh‬ديث عن األمن الط‪hh‬اقوي في الس‪hh‬بعينيات‬
‫وتغير الحديث بعد أحداث ‪ 11‬سبتمبر ‪.2001‬‬
‫السلطات السياسية لم ترغب وال تريد أن يكون تعريف األمن ضيقًا حتى ال تتحدد قدراتها‬ ‫‪‬‬
‫أمام مواجهة األخطار ضد أي مصلحة حيوية‪.‬‬
‫وه‪hh‬ذا م‪hh‬ا أدى إلى ظه‪hh‬ور مجموع‪hh‬ة من األفك‪hh‬ار النقدي‪hh‬ة ال‪hh‬تي‪ ،‬على ال‪hh‬رغم من اختالفه‪hh‬ا في‬ ‫‪‬‬
‫ج ‪hh‬وانب معين ‪hh‬ة‪ ،‬تش ‪hh‬ترك في ع ‪hh‬دة ج ‪hh‬وانب‪ ،‬وبالنس ‪hh‬بة للنق ‪hh‬اد‪ ،‬ف ‪hh‬إن األمن ه ‪hh‬و بن ‪hh‬اء اجتم ‪hh‬اعي‪،‬‬

‫‪1‬‬
‫() أحمد عواد نويرا الفاعوري‪ ,‬التحوالت اإلقليمية العربية وأثرها على نظرية األمن اإلسرائيلي في الفترة من (‪-2006‬‬
‫‪ ) 2012‬األردن رسالة ماجستير ‪ ,‬قسم العلوم السياسية ‪,‬كلية اآلداب والعلوم ‪ ,‬جامعة الشرق األوسط‬
‫‪2‬‬
‫() طارق فهمي ‪ ,‬السياسة العامة في إسرائيل ‪ ,‬القاهرة ‪ ,‬كلية االقتصاد والعلوم السياسية‪ ,‬دبلوم الدراسات اإلسرائيلية‪,‬‬
‫‪,2013‬ص ‪32‬‬

‫‪10‬‬
‫ويعرفون ‪hh‬ه على أن ‪hh‬ه االنعت ‪hh‬اق‪ ،‬أي أن ‪hh‬ه غي ‪hh‬اب التهدي ‪hh‬دات وتحري ‪hh‬ر األف ‪hh‬راد والجماع ‪hh‬ات من‬
‫المشاكل المادية واإلنسانية التي تقيدهم من اتخاذ قراراتهم‪ .‬ف‪hh‬األمن واالنعت‪h‬اق وجه‪h‬ان لعمل‪h‬ة‬
‫واح‪hh‬دة‪ ،‬وه‪hh‬ذا التح‪hh‬رر وليس الق‪hh‬وة ال‪hh‬تي ت‪hh‬ؤدي إلى األمن ال‪hh‬ذي أض‪hh‬حت الدول‪hh‬ة غ‪hh‬ير ق‪hh‬ادرة‬
‫على ض‪hh‬مانه‪ ،‬وال يمكن تحقي‪hh‬ق األمن الحقيقي‪ ،‬وفق‪hh‬ا لكين ب‪hh‬وث‪ ،‬إال إذا ك‪hh‬انت الدول‪hh‬ة ق‪hh‬ادرة‬
‫على رؤي‪hh‬ة اآلخ‪hh‬رين ليس كوس‪hh‬يلة ولكن كه‪hh‬دف‪ ،‬وأن األمن ال‪hh‬دائم لن يك‪hh‬ون ألي أح‪hh‬د م‪hh‬ا لم‬
‫يضمن ذلك اآلخر‪.‬‬
‫(‪)1‬‬

‫‪1‬‬
‫() بشير سعيد محمد ‪ ,‬الدور السياسي للمسجد‪ ,‬جامعة القاهرة ‪ ,‬رسالة ماجستير‪ ,‬كلية االقتصاد والعلوم السياسية‪ ,1994 ,‬ص‬
‫‪52‬‬

‫‪11‬‬
‫المحور الثاني‬
‫التفاعالت األمنية في الشرق األوسط وانعكاساتها على متغيرات النظام الدولي‬
‫أوًال ‪ :‬الملفات الشائكة وكيفية تعامل اإلستراتيجية األمريكية معها ‪.‬‬
‫إن اإلستراتيجية األمريكية في الشرق األوسط تأخذ بعين االعتبار اإلبقاء على موقعها‬
‫في المنطقة كقوى عظمى‪ ،‬وحماية مصادر الطاقة والحفاظ على نفط المنطقة بوصفه شريان‬
‫الحياة االقتصادية في العالم‪ ،‬وهذا ما سعت له عن طريق فرض السيطرة على نفط العراق‪.‬‬
‫وبعد القرار األمريكي باالنسحاب من العراق والذي تسبب لهم بخسائر عسكرية واقتصادية‪،‬‬
‫ارتكزت إستراتيجية واشنطن الجديدة على إدارة صراعات المنطقة دون التدخل المباشر(‪.)1‬‬
‫وفيم‪hhh‬ا يتعل‪hhh‬ق ب‪hhh‬ترتيب األوض‪hh h‬اع اإلقليمي‪hhh‬ة في منطق ‪hh‬ة الش ‪hh‬رق األوس ‪hh‬ط‪ ،‬ف‪hh h‬إن الوالي‪hhh‬ات‬
‫المتح‪hh‬دة س‪hh‬وف تتوص‪hh‬ل قريب‪hh‬ا إلى ح‪hh‬االت من الوف‪hh‬اق الس‪hh‬ري غ‪hh‬ير المعلن م‪hh‬ع بعض األط‪hh‬راف‬
‫التي تجاهر بالعداء معها بغرض ضمان وجود حال‪hh‬ة مس‪hh‬تمرة من الص‪hh‬راع وع‪h‬دم االس‪hh‬تقرار في‬
‫المنطقة‪ ،‬وبما يزيد الحاجة إلى الدور األم‪h‬ريكي بع‪h‬د أن ب‪h‬دأت واش‪h‬نطن تش‪h‬عر بتن‪h‬اقص وض‪hh‬عف‬
‫هذا الدور(‪ ،)2‬وذلك على النحو التالي‪:‬‬
‫بخصوص إيران سوف تنفذ واشنطن سياسة تجاه طهران مفادها رفع الحصار‬
‫االقتصادي عنها‪ ،‬لكن سوف تحافظ على استمرار سياسة "خلق" إيران "اقتصاديا"‪ ،‬وستظل‬
‫أمريكا تتحكم في إيران من الناحية االقتصادية‪ ،‬أو تكون في حكم الوصي االقتصادي عليها‪،‬‬
‫مقابل إعطاء طهران دورا أكبر المنطقة‪.‬‬
‫في أما فيما يتعلق بتركيا‪ ،‬فرغم التحالف العسكري ‪-‬األمريكي ‪ -‬التركي والعضوية‬
‫المشتركة في «الناتو» إال أن العالقات في عهد الرئيس التركي الحالي أردوغان ليست على ما‬
‫يرام بين أنقرة وواشنطن‪ ،‬فالطرح األردوغاني ال يرقى في كثير من األحيان إلى الرضا‬
‫األمريكي أو الموافقة عليه‪ ،‬فالرئيس التركي يتجه نحو نزعة شخصية يسعى من خاللها أن‬
‫يحقق زعامة ودورا تاريخيا‪ ،‬مما يجعل واشنطن تخشى أن يقود ذلك إلى انسالخ تركيا من‬
‫التبعية األمريكية مستقبًال‪ ،‬وهو ما ال تسمح به اإلدارة األمريكية(‪. )3‬‬

‫ثانًيا‪ :‬وأبرز المتغيرات الدولية وتداعياتها على النظام إقليمي في الشرق األوسط‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫() مصطفى علوي‪ ,‬األمن اإلقليمي بين األمن الوطني والعالمي‪ ,‬مرجع سابق ‪ .‬ص ‪32‬‬
‫‪2‬‬
‫() مصطفى علوي‪ ,‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪33‬‬
‫‪3‬‬
‫() اسمهان فتحي_ مرجع سابق‪ .‬ص‪20‬‬

‫‪12‬‬
‫تشير األحداث الدولية وتحوالتها إلى حدوث متغيرات دولية جوهرية لن تتوقف‬
‫تأثيراتها عند دولة بعينها بل تمس غالبية الدول‪ ،‬مثلما جرى بالمراحل السابقة لتحول النظام‬
‫الدولي‪ ،‬وتحدث هذه التحوالت على مستوى بعينه‪ ،‬أو على كافة المستويات السياسية‪ ،‬مثل‬
‫تحديات القوى الدولية الصاعدة للقواعد المستقرة في النظام الدولي القائم‪ ،‬أو إعادة اصطفاف‬
‫القوى الدولية في محاور جديدة تتعارض وتوجهات النظام الدولي‪ ،‬وإ دراك القوة أو القوى‬
‫المتحكمة في النظام الدولي لهذه التحوالت مع تبنيها سياسات التطويق للقوى الدولية الصاعدة؛‬
‫واالقتصادية‪ ،‬مثل اندالع أزمات ذات تأثير كبير على االقتصاد العالمي كأزمة الطاقة الراهنة‪،‬‬
‫والتي لم تستطع القوى الممسكة بالنظام الدولي بمفردها مواجهتها‪ ،‬ما يؤثر على معدل التنافس‬
‫بين القوى اإلقليمية المتنافسة متقاربة القوة عند التحرك لممارسة دورها ؛ والعسكرية‪ ،‬مثل‬
‫إعالن إحدى أو بعض القوى الدولية الصاعدة الحرب ضد دولة محسوبة على المحور األقوى‬
‫في العالم‪ ،‬أو مساعيها لتقليص حجم الفجوة العسكرية مع القوى الدولية ذات المقدرات‬
‫العسكرية األقوى واألكبر في العالم‪.‬‬
‫(‪)1‬‬

‫وعلي‪hh h‬ه يمكن رص‪hh h‬د أب‪hh h‬رز المتغ‪hh h‬يرات الدولي‪hh h‬ة ال‪hh h‬تي أث‪hh h‬رت بنح‪hh h‬و أو ب‪hh h‬آخر على األمن‬
‫اإلقليمي للشرق األوسط المتمثلة في اآلتي ‪:‬‬

‫‪-1‬الحرب الروسية األوكرانية‪:‬‬


‫بسياساتها المناوئة للواليات المتحدة في األقاليم الجغرافية المختلفة على المستوى‬
‫الدولي‪ ،‬التعظيم نطاق نفوذها العالمي منذ بداية العقد الثاني من األلفية الثالثة‪ ،‬وبمساعيها لخلق‬
‫محور قوة عالمي ُي ضاهي قوة المحور األمريكي ‪ -‬األوروبي‪ ،‬وبمحاوالتها الدائمة لتقليص‬
‫الفجوة في ميزان القوى الدولي لغير صالح الواليات المتحدة‪ ،‬وباتخاذها قرارات بإعالن‬
‫الحرب ضد الحلفاء االستراتيجيين للمعسكر الغربي مثل قرار الحرب ضد أوكرانيا فبراير‬
‫‪2022‬م‪ ،‬تكون روسيا قد تحدت القواعد الدولية المستقرة التي أرستها الواليات المتحدة على‬
‫خلفية انتصارها على االتحاد السوفيتي السابق منذ نهاية الحرب الباردة‪.‬‬
‫إن الحرب في أوكرانيا لن تكون العامل األول واألخير في تغيير النظام العالمي‪ ،‬بل‬
‫سبقته عوامل كثيرة ‪ ،‬وقد يترتب على نتائج الحرب عوامل أخرى‪ ،‬تسهم بشكل ما إعادة‬

‫‪1‬‬
‫() عبد الرؤوف مصطفى الغنيمي‪ ,‬انعكاسات التحوالت الدولية الراهنة على التنافس التركي اإليراني في الشرق األوسط‪:‬‬
‫المعهد الدولي للدراسات اإليرانية ‪ ,2022 .‬ص ‪5‬‬

‫‪13‬‬
‫تشكيل نظام جديد‪ ،‬لكن على كل االحتماالت يظهر أنه من المستبعد في ظل المعطيات الحالية‬
‫خروج أمريكا من المشهد السياسي كامًال‪ ،‬وقد تؤسس األحداث في حال استمرارها مع نجاح‬
‫سيناريو التفوق الروسي لتعدد األقطاب في النظام العالمي‪.‬‬
‫فقد سلط الصراع بين روسيا وأوكرانيا الضوء على المصالح السياسية واالقتصادية‬
‫واألمنية المترابطة التي تربط الشرق األوسط وروسيا منذ بدء الصراع‪ ،‬سعت القوى اإلقليمية‬
‫في الشرق األوسط‪ ،‬بما في ذلك دول الخليج وإ سرائيل‪ ،‬التي تفضل إبقاء روسيا إلى جانبها‬
‫لمواجهة خطر إيران النووي إلى التحوط بمراهناتها مع اندالع الصراع في أوكرانيا‪ .‬كانت‬
‫احتياطيات النفط في دول مجلس التعاون الخليجي ورقة مساومة ال تقدر بثمن للدول الخليجية‬
‫لتغيير أولوياتها اإلستراتيجية وتوجيهها بعيدا عن الغرب على سبيل المثال‪ ،‬رفضت اإلمارات‬
‫العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية عدة طلبات من الواليات المتحدة والمملكة المتحدة‬
‫لزيادة إنتاج النفط لتعويض ارتفاع أسعار النفط‪ .‬كما أجرتا محادثات مع روسيا‪ ،‬مما يشير إلى‬
‫استعدادهما لحماية مصالحهما المشتركة‪ ،‬وخاصة في مجال الطاقة‪ .‬كما استمرتا في دعم‬
‫طموحات الصين المتنامية في المنطقة‪ ،‬بما في ذلك مبادرة الحزام والطريق‪ ،‬التي تثير‬
‫مخاوف بشأن أجندة المحيطين الهندي والهادئ التي تقودها الواليات المتحدة‪.‬‬

‫‪-2‬االنسحاب العسكري األمريكي من الشرق األوسط وتداعياتها‪:‬‬


‫تشكل االنسحابات العسكرية األمريكية خالل اإلدارتين األمريكيتين‪ :‬السابقة بقيادة‬
‫الرئيس دونالد ترامب‪ ،‬والحالية بقيادة الرئيس جو بايدن تحوال استراتيجيا مهما للغاية ضمن‬
‫التحوالت الدولية الراهنة‪ ،‬حيث تكمن خطورة االنسحابات العسكرية األمريكية في إحداثها‬
‫فراغا استراتيجيا‪ ،‬وإ يجادها ساحة تحرك أمام القوى اإلقليمية ذات النزعة التوسعية ‪-‬‬
‫المتصارعة لملئها واغتنامها ومد نطاق النفوذ إليها‪ .‬لذلك شكلت حالة الفراغ االستراتيجي التي‬
‫خلفها االنسحاب األمريكي من الشرق األوسط بداية مرحلة جديدة‪ ،‬ليس فقط في تاريخ هذه‬
‫المنطقة‪ ،‬وإ نما في مسارات األمن اإلقليمي ولعبة التوازنات بالشرق األوسط‪ .‬تخشى دول‬
‫الخليج أن يؤدي رفع العقوبات عن إيران إلى إطالق مليارات الدوالرات التي يمكن أن‬
‫تستخدمها طهران لتعزيز تسليح نفسها‪ ،‬وتوسيع نفوذها في الدول العربية من خالل الوكالء‪.‬‬
‫وفي حال فشلت المحادثات النووية‪ ،‬فإن التوترات اإلقليمية قد تتصاعد‪ ،‬كما حدث عندما‬
‫انسحب الرئيس األمريكي السابق دونالد ترامب من االتفاقية بشكل أحادي‪ ،‬مما‬

‫‪14‬‬
‫قد يجر المنطقة إلى كما أن دول الخليج العربية طورت السياسة براجماتية" بشأن إيران تشمل‬
‫االحتواء والمشاركة؛ ألنهم أدركوا أن واحدة فقط لن تنجح بمفردها‪ .‬فعندما لم تتابع الواليات‬
‫المتحدة الدفاع عن شركائها العرب في أعقاب هجمات أرامكو‪ ،‬أصبح من الضروري لدول‬
‫الخليج تأمين أنفسهم دون االعتماد على اآلخرين الواليات المتحدة على وجه الخصوص ‪-‬‬
‫واالنخراط مع إيران‪ ،‬فضًال عن تهدئة التوترات‪ ،‬والبحث عن حلول للقضايا العالقة والخالفية‬
‫عبر القنوات الدبلوماسية‪.‬‬

‫‪-3‬ملف الثورات العربية‪:‬‬


‫إن ما شهدته المنطقة العربية من انتفاضات في مختلف األرجاء‪ ،‬أو ما يسمى ثورات‬
‫الربيع العربي ما هي إال مؤامرة مدروسه من المؤامرات التي تحيكها الدول الغربية ضد‬
‫الشعوب والدول واألهم الدول التي لم تخضع لسياستها ومصالحها ‪ .‬وذلك في إطار إعادة‬
‫ترتيب منطقة الشرق األوسط وسياسيا واقتصاديا وعلى أن تبقى إسرائيل من األقوى في هذه‬
‫المنطقة وما حدث في كل من سوريا‪ ،‬واليمن‪ ،‬وليبيا‪ ،‬وتونس‪ ،‬وذلك من أجل المطالبة بالتغيير‬
‫قطاعاته المعيشية‪ ،‬تسببت في العديد من‬ ‫(‪)1‬‬
‫استهدافا لتحقيق التحسن االجتماعي في شتى‬
‫االضطرابات في المنطقة‪ ،‬وخاصة أن بعضها انتهى بسلسلة من العنف غير المبرر من قبل‬
‫بعض التيارات أو حتى من األنظمة السياسية‪ ،‬وهو ما تسبب بتحول جذري في سياسات‬
‫المنطقة‪ ،‬وخاصة أنها عرضت مفهوم الدولة الوطنية لالنقضاء‪ ،‬وذلك وفًقا للمخاطر التي‬
‫تعرضت لها وحالة االنهيار والضعف التي طرأت على البعض من تلك الدول‪.‬‬

‫‪-4‬القضية الفلسطينية‪:‬‬
‫شهدت تلك القضية تطورات بل تعديات من قبل الجانب اإلسرائيلي‪ ،‬وخاصة من‬
‫خالل عملية بناء المستوطنات في قطاع غزة والقدس‪ ،‬ومنها محاولة تهويد الدولة‪ ،‬وهو ما‬
‫يمكن اعتباره بمثابة خطوة للقضاء على الهوية الفلسطينية بل ومحوها‪ ،‬ناهيك عن اإلغارات‬
‫على حقوق الفلسطينيين من خالل عمليات القصف لمناطق مختلفة من القطاع‪ ،‬وذلك من أجل‬
‫فرض سياسة األمر الواقع على هذا الشعب‪ ،‬وبالتالي فإن هذا التطور الذي لحق بتلك القضية‬

‫‪1‬‬
‫() فايز محمود دويري‪ ,‬األمن الوطني (عمان‪ :‬دار وائل للنشر ط‪ .2013 )1‬ص ‪26‬‬

‫‪15‬‬
‫بداية من العقد الثاني لهذا القرن لهو باألمر الذي يستدعي التوقف على حيثياته‪ ،‬وخاصة في‬
‫ظل ارتباط تلك القضية باألمن اإلقليمي للشرق األوسط ‪.‬‬
‫(‪)1‬‬

‫‪-6‬ظاهرة اإلرهاب‪:‬‬
‫تعتبر من أبرز المتغيرات التي عصفت بالمجتمع الدولي في العقد الثاني من هذا‬
‫القرن؛ وذلك ألنها هددت مختلف الدول العربية منها والغربية‪ ،‬حيث إنها أضحت حروبا غير‬
‫تناظرية ال تخضع لقواعد الحروب التناظرية‪ ،‬فتعتبر عدوا خفًي ا غير معلوم‪ ،‬كما أنه يخدم‬
‫مصالح دول بعينها‪ ،‬أي أنها حرب باإلنابة عن أخرى في أراض ال تخضع لسيطرتها لتمرير‬
‫مصالحها‪ ،‬فانتشار تلك الظاهرة بات يهدد استقرار وأمن الشعوب وبالتالي يعتبر من أهم‬
‫(‪)2‬‬
‫المتغيرات التي أثرت في األمن اإلقليمي للشرق األوسط‪.‬‬

‫ثالًثا ‪ :‬الشرق األوسط وانعدام األمن‪.‬‬


‫تعد منطقة الشرق األوسط من أكثر المناطق توترًا في العالم‪ ،‬في ظل تعقد المنطقة‪،‬‬
‫والتي بطبيعتها تتحدى األفكار البسيطة التي تم تجربتها خالل العقود الماضية‪ ،‬والتي تم‬
‫استعارتها من التجربة األوروبية في صنع السالم والتكامل اإلقليمي وحل الصراع‪ ،‬والتي‬
‫تهدف إلى صنع السالم خاصة بين الدول العربية وإ سرائيل‪ ،‬والعمل على تحقيق التكامل‬
‫اإلقليمي وتحقيق الديمقراطية‪.‬‬
‫لكن كانت هذه األفكار ثقيلة على منطقة الشرق األوسط‪ ،‬فهي منطقة غير مستقرة‬
‫شهدت صراعات سياسية وعسكرية والعديد من الحروب واالضطرابات المسلحة ذات الجذور‬
‫التاريخية العميقة‪ ،‬وعلى رأسها الصراع العربي اإلسرائيلي‪ ،‬ونتيجة كل ذلك المزيد من‬
‫الحروب والتفكك والصراعات والفشل في عدم إيجاد توافق الذي أدى إلى دول فاشلة والتراجع‬
‫التنموي‪ ،‬وبالتالي دول فاشلة‪.‬‬
‫أن حالة انعدام األمن اإلقليمي في الشرق األوسط جاءت في البداية نتيجة تدخل‬
‫خارجي ساهم في تأجيج الصراع الطائفي بين السنة والشيعة ودفع إيران إلى الواجهة بعد‬
‫اندثار العراق كجهة إقليمية فاعلة‪ ،‬وتحولها إلى دولة هشة من الناحية األمنية‪ ،‬فضال عن‬

‫‪1‬‬
‫() باسم داشر‪ ,‬اضطرابات غير ضرورية‪ :‬ايران و دول الخليج ‪,‬رؤية بريطانية لتقارب ممكن‪ ,‬المستقبل لألبحاث والدراسات‬
‫المتقدمة‪ ,‬تاريخ االطالع (‪ 16‬يناير ‪ )2022‬الرابط ‪https./fulureuae.com/ar-AE/simplepage/iten/7‬‬
‫‪2‬‬
‫() محمد الجندي‪ ,‬متاهة اإلرهاب الشرق األوسط من الخالفة لإلرهاب في الفضاء االلكتروني (القاهرة‪ :‬مجموع النيل العربية )‬
‫‪ -2020‬ص‪ 83 – 82‬ونبيل فاروق ‪,‬أنت حيث عدوك‪(,‬القاهرة ‪ :‬نهضة للنشر مصر)‬

‫‪16‬‬
‫عوامل كثيرة تسهم في انتقال عدوي الخالفات العسكرية‪ ،‬وتفشي العنف من دولة إلى أخرى‬
‫(‪)1‬‬
‫في منطقة الشرق األوسط إضافة إلى مراحل التطبيع في إطار االعتراف‪.‬‬
‫ومن خالل ما سبق‪ ،‬يمكن تقسيم مصادر وأسباب انعدام األمن اإلقليمي في الشرق‬
‫األوسط إلى أربع فئات واسعة ومتداخلة‪ ،‬وذلك على النحو اآلتي‪:‬‬
‫السبب األول‪ :‬الهيكل األمني ال‪hh‬ذي ظه‪hh‬ر في ا المنطق‪h‬ة ه‪hh‬و بح‪hh‬د ذات‪hh‬ه مص‪hh‬در النع‪hh‬دام األمن‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫اآلن‪ ،‬اس‪hh h‬تندت إلى ح‪hh h‬د كب‪hh h‬ير على اس‪hh h‬تبعاد إي‪hh h‬ران والجه‪hh h‬ود المس‪hh h‬تمرة والمكثف‪hh h‬ة من قب‪hh h‬ل‬
‫الموازن الخارجي وآثارها وهي الواليات المتحدة لطالما كان التفكير األمني واالس‪hh‬تراتيجي‬
‫للوالي ‪hh‬ات المتح ‪hh‬دة ومجلس التع ‪hh‬اون الخليجي مبنًي ا على اف ‪hh‬تراض أن إي ‪hh‬ران ليس ل ‪hh‬ديها أي‬
‫مخاوف أمنية مشروعة خاصة بها‪ .‬وقد دفعت الطبيعة الخاطئة لالفتراض إدارة أوباما إلى‬
‫إعادة التفكير ومراجعة تفكيرها بشأن إيران إلى حد كب‪hh‬ير من خالل ض‪hh‬مان أن المفاوض‪hh‬ات‬
‫النووية طويلة األمد مع الجمهوري‪hh‬ة اإلس‪hh‬المية ق‪hh‬د أتت ثماره‪hh‬ا بنج‪hh‬اح في ع‪h‬ام ‪ .2015‬على‬
‫ال ‪hh‬رغم من ال ‪hh‬ذعر الكب ‪hh‬ير بين الق ‪hh‬ادة الس ‪hh‬عوديين واإلس ‪hh‬رائيليين‪ ،‬ح ‪hh‬افظت إدارة أوبام ‪hh‬ا على‬
‫المس ‪hh h‬ار‪ .‬لكن إدارة ت ‪hh h‬رامب ال ‪hh h‬تي خلفته ‪hh h‬ا عكس ‪hh h‬ت مس ‪hh h‬ارها وزادت الت ‪hh h‬وترات األمريكي ‪hh h‬ة‬
‫(‪)2‬‬
‫اإليرانية مرة أخرى‪.‬‬
‫السبب الثاني‪ :‬لتفشي انعدام األمن في الشرق األوسط هو اإلهم‪h‬ال واس‪h‬ع النط‪h‬اق للتهدي‪h‬دات‬ ‫‪‬‬
‫األمني‪hh‬ة ال‪hh‬تي ليس‪hh‬ت ذات طبيع‪hh‬ة عس‪hh‬كرية بحت‪hh‬ة وبش‪hh‬كل أك‪hh‬ثر تحدي‪hh‬دا‪ ،‬أدى ظه‪hh‬ور سياس‪hh‬ات‬
‫الهوية بشكل عام‪ ،‬والطائفية على وجه الخصوص‪ ،‬إلى توتر كب‪h‬ير داخ‪h‬ل المجتمع‪h‬ات وفيم‪h‬ا‬
‫بينه‪hh‬ا في جمي‪hh‬ع أنح‪hh‬اء المنطق‪hh‬ة‪ ،‬فق‪hh‬د أض ‪hh‬افت الطائفي‪hh‬ة الق‪hh‬وة والفاعلي‪hh‬ة إلى خط‪hh‬اب الجه‪hh‬ات‬
‫الفاعلة الحكومية وغير الحكومية ال‪h‬تي س‪h‬عت إلى تعزي‪h‬ز أجن‪h‬داتها الخاص‪hh‬ة‪ ،‬والتع‪h‬ويض عن‬
‫أوجه القصور الخاصة بها‪ ،‬من خالل االدعاء بأنه‪hh‬ا مدافع‪hh‬ة عن الهوي‪hh‬ات والمجتمع‪hh‬ات ال‪hh‬تي‬
‫(‪)3‬‬
‫يفترض أنها مهددة‪.‬‬
‫أما السبب الثالث النعدام األمن‪ ،‬أال وهو عدوانية الفاعلين المعنيين‪ .‬حيث إن السياسة‬
‫والعالقات الدولية هي نتاج أفعال صانعي السياسات من األفراد وتعكس تفضيالتهم‪ .‬عالوة‬

‫‪1‬‬
‫() محمد عصام العروسي‪ ,‬النزاعات المسلم ودينامية التحوالت الجيوساسية في منطقة الشرق األوسط وشمال أفريقيا ‪ ,‬القاهرة‬
‫مجموع النيل العربية ‪ , 2020‬ص ‪33‬‬
‫‪2‬‬
‫() محمد عصام العروسي‪ ,‬مرجع سابق‪ ,‬ص ‪34‬‬
‫‪3‬‬
‫() بيري كاماك وآخرون‪ ,‬إشعال الصراعات في الشرق األوسط أو إخماد النيران‪ ,‬مركز مالكوم كير – تاريخ االطالع (‪19‬‬
‫يناير ‪ )2022‬الرابط‪https/camege-mec.org/2019/ar.pub.78168 :‬‬

‫‪17‬‬
‫على تطلعات الهيمنة اإلقليمية‪ ،‬وطموحات إسقاط القوة‪ ،‬وتحقيق مركز القوة الوسطى‪ ،‬الجهات‬
‫الفاعلة الحكومية اإلقليمية إلى التنافس مع بعضها البعض وتقويض بعضها البعض هذه‬
‫الطموحات‪ ،‬إلى جانب قوة الطائفية من ناحية وانتشار األنظمة السياسية الضعيفة والهشة في‬
‫(‪)1‬‬
‫الشرق األوسط من ناحية أخرى جعلت المنطقة متقلبة بشكل خاص‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫() احمد عبد الحكيم حسن‪ ,‬الدول المتداعية تصاعد قوة الفاعلية من غير الدول في الشرق األوسط (أبوظبي‪ ,‬مركز المستقبل‬
‫لألبحاث والدراسات ) عدد ‪ 2015 19‬ص‪84‬‬

‫‪18‬‬
‫المحور الثالث‬
‫التفاعالت اإلقليمية والداخلية بدول الشرق األوسط وما تمثله من فرص أو قيود أمام استراتيجيات‬
‫الدول الكبرى‬
‫نظرا لما شهدته المنطقة من التطورات التي كان لها أثر بالغ في صياغة اإلطار العام‬
‫لهذه المنطقة في شتي المراحل التي مرت بها ‪ ،‬وال سيما مع الغزو األمريكي للعراق عام‬
‫‪ 2003‬وما تاله من احتالل للعراق‪ ،‬الذي يمثل أولى الصدمات العديدة التي وضعت القلب‬
‫العربي على مسار نحو التشرذم التدريجي‪ .‬ويرجع ذلك إلى مركزية وأهمية هذه المنطقة في‬
‫اإلستراتيجية الدولية باعتبارها الساحة التنفيذية لسياسات واستراتيجيات القوى الكبرى‪ ،‬وكذلك‬
‫تحركات وأدوار القوى اإلقليمية التي لها‪ ،‬فاعلية وتأثير على التفاعالت الشاملة للمنطقة والتي‬
‫ساهمت في تشكيل المشهد اإلقليمي‪ .‬وعليه‪ ،‬بدأ النقاش يختلف حول ماهية النظام اإلقليمي‬
‫للشرق األوسط‪ ،‬وما هي دعائمه وآلياته وأهدافه‪ .‬فقد جرت محاوالت عديدة لفك االرتباط بين‬
‫الطبيعة السياسية والبعد القومي العربي من مفهوم النظام اإلقليمي للشرق األوسط‪ ،‬ومحاولة‬
‫جعل المنطقة مفتوحة وغير مقصورة على نظام جيوسياسي إقليمي‪ .‬ومن ثم تم له مناقشة‬
‫التفاعالت اإلقليمية والداخلية لدول الشرق األوسط وما تمثله من فرص أو قيود أمام‬
‫استراتيجيات الدول الكبرى فيما يتعلق بالشرق األوسط‪ ،‬وذلك على النحو التالي ‪:‬‬

‫أوًال ‪ :‬أبرز األزمات الداخلية لنظام األمن اإلقليمي في الشرق األوسط‬

‫‪ -1‬ضعف الدولة القومية‪:‬‬


‫وضعف أنظمة دول الشرق األوسط أمام نظيراتها في أي مكان آخر وإ ن غياب‬
‫تاريخ الدولة المستقلة‪ ،‬واالفتقار إلى التطابق بين الحدود والتفضيالت الطائفية‪ ،‬وعدم توفر‬
‫أماكن بناء الدولة التقليدية لدول الشرق األوسط‪ ،‬كل ذلك منع تقليديا توحيد معظم الدول‬
‫(‪)1‬‬
‫بالمنطقة‪.‬‬
‫ومن ثم تضافرت إلطالق العنان لالضطرابات في الشرق األوسط‪ .‬وقد أدى ذلك‬
‫بدوره إلى تسريع العملية الفاشلة لنظام الدولة القومية في منطقة الشرق األوسط إلى حد‬
‫تقويض أساس الدولة القومية األساسي‪.‬‬

‫‪ -2‬الفاعلون من غير الدول‪:‬‬


‫‪1‬‬
‫() عبد اهلل عبد الرزاق‪ ,‬المسلحون واالستعمار األوروبي ألفريقيا‪ ,‬الكويت‪ ,‬عالم المعرفة‪ ,‬المجلس الوطني للثقافة والفنون‬
‫واآلداب‪-1998 ,‬ص‪ , 9 -7‬روجبر هاردي (ترجمة – رائد الباش احتالل الغرب للشرق‪ ,‬بذور حقد وانعدام ثقة‪ ,‬موقع قنطرة‬
‫تاريخ النشر (‪ )2016‬تاريخ االطالع ‪ 18‬يناير ‪2022‬‬

‫‪19‬‬
‫لم تكن دول الشرق األوسط‪ ،‬دوًال فاشلة قبل أحداث سبتمبر وقبل عام ‪ .2011‬وعلى‬
‫الرغم من افتقار األنظمة إلى الشرعية الشعبية‪ ،‬واعتمادها بشكل كبير على أجهزة أمنية‬
‫منضبطة في ذلك الوقت وذلك لضبط األمن ومنع االنفالت األمني والفوضى وال يعني ذلك‬
‫منع المطالبة بالحقوق‪ ،‬واستيالئها في كثير من األحيان على مؤسسات الدولة نفسها مما أدى‬
‫إلى طمس الحدود بين النظام والدولة إال أنها كانت تعمل وتحكم في الغالب كدول‪.‬‬
‫ومن ثم نشأت كيانات جديدة على أنقاض دول الشرق األوسط الفاشلة‪ .‬في حين أنها‬
‫أكثر من مجرد منظمات‪ ،‬إال أنها ليست دوًال‪ ،‬وبالتالي يمكن اإلشارة إليها على أنها جهات‬
‫فاعلة من غير الدول‪ .‬طورت هذه الكيانات هويات فوق وطنية‪ ،‬وتعمل باسم أيديولوجية‬
‫عالمية‪ ،‬كما أنهم يرفضون نموذج الدولة القومية وال يعترفون بالحدود‪ ،‬مما يقوض االستقرار‬
‫للنظام اإلقليمي‪ .‬وبعد هدفهم السياسي هو إقامة خالفة إسالمية في المنطقة بأسرها‪ ،‬وفي‬
‫مرحلة الحقة خارجها‪ ،‬لذا يستخدمون العنف على نطاق واسع لترهيب المعارضين‪ ،‬وأيضا‬
‫االستخدام الفعال للشبكات االجتماعية‪.‬‬
‫ومع ذلك‪ ،‬يمكنهم أيضا تقويض المجتمع الدولي ألنهم يتحدون أسس العمل الجماعي‬
‫من خالل تفاقم انعدام أمن النظام‪ ،‬أو ببساطة عن طريق تقويض دور الدول‪.‬‬
‫باإلضافة إلى استخدامها لتبرير التدخالت‪ ،‬حيث يمكن للجهات الفاعلة من غير الدول‬
‫أن تصبح أدوات في يد الدول‪ ،‬فقد تم استخدام العديد منها في كثير من األحيان كوكالء من‬
‫قبل القوى اإلقليمية والعالمية األخرى لتعزيز األهداف السياسية وحتى االقتصادية علي سبيل‬
‫المثال‪ ،‬دور إيران في دعم حزب اهلل‪ ،‬ودعم حافظ األسد لحزب العمال الكردستاني في‬
‫التسعينيات‪ ،‬هو مثال على كيفية استخدام الجهات الفاعلة غير الحكومية إلبراز القوة‪.‬‬

‫‪ -3‬أزمة الالجئين‪:‬‬
‫أصبح الصراع سمة مميزة للشرق األوسط المعاصر‪ ،‬مما أجبر ماليين األفراد على‬
‫ترك مثالهم وعليه‪ ،‬شهد الشرق األوسط طوفانا هائًال من الالجئين والهجرة‬
‫القسرية على مدار الخمسة عشر عاما الماضية‪ .‬وقد أفادت المفوضية السامية لألمم المتحدة‬
‫لشؤون الالجئين بوجود أكثر من ‪ 16‬مليون الجئ و ‪ 60‬مليون نازح حول العالم اليوم‪ ،‬بما‬
‫في ذلك طالبو اللجوء والمشردون داخليا‪ ،‬من بينهم ما يقدر بنحو ‪ 40%‬الجئ ومشرد داخلًيا‬
‫في العالم‪ ،‬هم إما داخل أو من الشرق األوسط‪ ،‬على الرغم من أن المنطقة تضم ‪ %5%‬من‬

‫‪20‬‬
‫سكان العالم‪ ،‬والسيما سوريا وفلسطين‪ .‬وعلى الصعيد اإلقليمي‪ ،‬فقد فرض على بلدان خط‬
‫المواجهة التعامل تحت ضغط كبير وهي تكافح لرعاية الفئات الضعيفة والمعدمة من السكان‬
‫بالنسبة لالجئين‪ ،‬أدت األزمة إلى تدهور منهجي في حقوقهم‪ ،‬ونوعية حياتهم‪ ،‬وفي المعايير‬
‫التعليمية واآلفاق المستقبلية ألطفالهم ‪.‬‬
‫في نهاية المطاف‪ ،‬نجد أن ما سبق من تحديات وتهديدات وغيرها مما لم يتسع المقام‬
‫لذكره‪ ،‬للنظام اإلقليمي في الشرق األوسط‪ ،‬جميعها في العقود األخيرة‪ ،‬ساهمت في تطور‬
‫ملحوظ لظاهرة اإلرهاب المنطقة‪ ،‬مما أدى إلى ظهور تهديدات ومشاكل كبيرة ومعقدة من‬
‫حيث التكلفة في والحجم‪ .‬حيث إن منطقة الشرق األوسط منطقة جغرافية كانت عرضة‬
‫لإلرهاب وتمويل اإلرهاب‪ ،‬وذلك لعدة أسباب‪ ،‬وهي‪ :‬معاناة المنطقة من عدم االستقرار‬
‫السياسي‪ ،‬والعنف العرقي والمجتمعي‪ ،‬والفساد المستشري والفقر المتفشي‪ ،‬وارتفاع معدالت‬
‫البطالة والعمالة الناقصة‪ ،‬السيما بين الشباب‪ ،‬فضًال عن أزمات اللجوء‪ .‬وعليه‪ ،‬يستغل‬
‫اإلرهابيون والجماعات اإلرهابية اآلن هذه الظروف السلبية‪ ،‬كما في حال تنظيم الدولة‪ ،‬من‬
‫أجل تقويض النظام اإلقليمي في المنطقة‪.‬‬

‫ثانيًا ‪ :‬النظام األمني اإلقليمي في الشرق األوسط واألزمات الخارجية‬


‫يمكن توضيح أهم األزمات الخارجية للنظام األمني اإلقليمي في الشرق األوسط ومن‬
‫ابرز هذه األزمات ما يأتي ‪:‬‬

‫‪ -1‬التدخل الخارجي ‪:‬‬


‫ينشأ التحدي األهم إلقامة النظام في الشرق األوسط من خارج المنطقة نفسها‪ ،‬من‬
‫خالل تدخل القوى العظمى‪ .‬هذه سمة موثقة جيدا ودائمة لسياسات المنطقة التي تواصل خلق‬
‫خطوط صدع عميقة بين أعضائها التأسيسيين ؛ فالشرق األوسط منطقة عانت كثيًر ا من‬
‫احتالل أجنبي وتغييرات قسرية في األنظمة‪ ،‬تعود إلى ألف عام‪.‬‬
‫وبالتالي‪ ،‬فإن التقسيم اإلقليمي المعاصر للمنطقة هو نتيجة لتدخل القوى العظمى‬
‫الخارجية كما يتضح من أنماط تشكيل ‪،‬الدولة وديناميكيات مجتمع الدولة ومسارات األنظمة‬
‫خالل الحرب الباردة‪ ،‬أدت منافسة القوى العظمى في المنطقة والتدخالت الخارجية‬
‫وديناميكيات التحالف أيضا إلى إضعاف التضامن اإلقليمي‪ .‬إن الدعم غير المشروط من‬
‫الواليات المتحدة إلسرائيل‪ ،‬واالنقالب المدعوم من الغرب في إيران والثورة في عام ‪،1979‬‬

‫‪21‬‬
‫وعدم االستقرار السياسي كلها تكشف عن أمثلة‪ .‬استمر هذا االتجاه في ديناميكيات األمن‬
‫اإلقليمي في حقبة ما بعد الحرب الباردة أيضا‪ ،‬وعلى األخص مع التدخالت المتتالية ضد‬
‫العراق‪ .‬كما تسلط حرب الخليج الثانية الضوء على عدم وجود إحساس داخلي بتوازن القوى‪،‬‬
‫وعدم قدرة دول الشرق األوسط ومنظماته على اعتدال سلوك أحد أعضائها‪ .‬وتعتبر الحرب‬
‫االستباقية التي قادتها الواليات المتحدة ضد العراق في عام ‪ 2003‬أكثر إثارة للجدل؛ ألنها‬
‫أظهرت تعرض الشرق األوسط للتدخل الخارجي‪ ،‬وكذلك كيف يمكن للقوى‬
‫(‪)1‬‬
‫خارج المنطقة استخدام القوة إلعادة هندسة المنطقة من خالل فرض تغيير النظام بالقوة‪.‬‬

‫‪ -2‬غياب القوي اإلقليمية‪:‬‬


‫هناك عقبة مهمة أمام ظهور رؤية مشتركة للنظام تتمثل في عدم وجود قوى عظمى‬
‫داخل الشرق األوسط يمكنها بشكل فعال أن تمارس تأثيًر ا سياسيا وقدرات مادية كافية‬
‫للتأثير على الدول األخرى‪ ،‬وبالتالي "إدارة العالقات الدولية في المنطقة‪ .‬أحد التفسيرات‬
‫الجزئية لغياب القوى العظمى في الشرق األوسط هو التاريخ االستعماري للمنطقة والميول‬
‫القوية المناهضة للهيمنة لدول الشرق األوسط فيما بينها‪ ،‬ألنها تفضل الموازنة مع القوى‬
‫الخارجية ضد المنافسين اإلقليميين‪ .‬قد يبدو هذا كنقطة خالفية‪.‬‬
‫كما لم تفشل الوحدة العربية في تحقيق الوحدة فحسب‪ ،‬بل إن منطق الحرب الباردة‬
‫رفع الهوية اإلسالمية أيًض ا كفكرة حشد شعبية بديلة في مواجهة تهديد الشيوعية‪ .‬في حين أن‬
‫هذا كان يمكن أن يكون بمثابة هوية أكثر شموًال‪ ،‬وربما جذابة للدول غير العربية والعلمانية‬
‫اسميًا أيضا‪ ،‬فقد عملت الثقافة كقوة طرد مركزي‪.‬‬
‫وقد جاءت أحدث محاولة غير فعالة للقيادة اإلقليمية من تركيا في ظل سياسة صفر‬
‫مشاكل مع الجيران مستوحاة من عقيدة العمق االستراتيجي ألحمد داود أوغلوا‪ .‬حيث شرعت‬
‫تركيا في ‪ ،‬سياسة بناء السالم اإلقليمي التي صيغت بلغة اإلنسانية الليبرالية وإ سقاط القوة‬
‫الناعمة‪ ،‬والتي قوبلت بالكثير من االنتقادات‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فشلت هذه السياسة في الحصول على‬
‫(‪)2‬‬
‫جاذبية دولية كافية‪.‬‬
‫ثالثا ‪ :‬التفاعالت اإلقليمية في الشرق األوسط‬
‫‪1‬‬
‫() صدام حمد عطية‪ ,‬الصراع الدولي واإلقليمي في الشرق األوسط وأثره على المنطقة العربية(نموذج الثوراة العربية)‬
‫العراق‪ -‬مجلة تكريت للعلوم السياسية ‪ ,‬جامعة تكريت ومحمد رمضان أبو شحيت‪ ,‬ملفات معقدة‪ ,‬مستقبل الصراع اإلقليمي في‬
‫الشرق األوسط‪ ,‬المركز العربي للبحوث والدراسات تاريخ النشر ‪ 12‬مارس ‪ ,2018‬تاريخ االطالع ‪ 19‬يناير ‪2022‬‬

‫‪22‬‬
‫‪ -1‬ترسيخ الوجود اإليراني في الشرق األوسط‪:‬‬
‫ومن ثم‪ ،‬ينظر منتقدو إيران وخاصة السعودية إلى سياساتها الخارجية على أنها‬
‫طائفية العراق وسوريا وتوسعية‪ 2.‬وهم يجادلون بأن إيران كانت تستغل االضطرابات‬
‫السياسية في جميع أنحاء المنطقة لمناصرة عمالئها الشيعة المتشددين‪ ،‬وتقويض الوضع‬
‫(‪)1‬‬
‫الراهن الذي يهيمن عليه السنة‪.‬‬
‫ومع ذلك‪ ،‬غالبا ما وجدت إستراتيجية إيران اإلقليمية تعبيًر ا سياسيا في محور‬
‫المقاومة"‪ ،‬وهو كتلة قوة جمعت معا قوى معادية للواليات المتحدة ومعادية إلسرائيل بما في‬
‫ذلك سوريا وحزب اهلل والجماعات الفلسطينية المعارضة لعملية السالم مع إسرائيل‪ ،‬وفي‬
‫مقدمتها حماس وحركة الجهاد اإلسالمي الفلسطيني‪ .‬بالنسبة إليران‪ ،‬كان المقصود من محور‬
‫المقاومة دعم ثالثة أهداف إستراتيجية‪ :‬ترسيخ الوجود اإليراني عبر نطاق نفوذ إقليمي‬
‫متوسع‪ ،‬خاصًة بعد اإلطاحة بالنظام البعثي في العراق؛ زيادة قدرتها على فرض تكلفة على‬
‫حلفاء أمريكا في المنطقة‪ ،‬وعلى رأسهم إسرائيل ودول الخليج‪ ،‬كوسيلة للردع؛ مطالبة طهران‬
‫(‪)2‬‬
‫بالزخم السياسي ضد المعسكر الموالي للغرب في الشرق األوسط‪.‬‬

‫‪ -2‬تجديد النموذج التركي في الشرق األوسط‪:‬‬


‫ففي عهد رئيس الوزراء آنذاك رجب طيب أردوغان‪ ،‬شهدت السياسة‬
‫الخارجية لتركيا تحوال واضحا نحو المشاركة اإلقليمية‪ ،‬مع بروز العالم العربي كمحور‬
‫أساسي في نظرة أنقرة‪ .‬فقد هدفت عملية إعادة التوجيه هذه إلى رفع مكانة تركيا إلى مرتبة‬
‫قوة إسالمية كبرى قادرة على تشكيل سياسات المنطقة من خالل أجندة دبلوماسية نشطة‪ ،‬حيث‬
‫كان موقف أنقرة المتقدم من الصراع العربي اإلسرائيلي في الدفاع عن الحقوق الفلسطينية‪,‬‬
‫ودور الوساطة القوى في النزاعات اإلقليمية‪ ,‬والتركيز على التجارة والتبادل الثقافي والسياحة‪,‬‬
‫حجر الزاوية في أجندتها اإلقليمية‪.‬‬
‫وبالتالي أثبت ما يسمى الربيع العربي أنه نعمة ونقمة لتركيا‪ .‬فقد أجبرت أنقرة على‬
‫إعادة توجيه إستراتيجيتها اإلقليمية‪ ,‬مما أدى إلى تأخيرات وتناقضات في االستجابة‬
‫‪2‬‬
‫() محمود خليل‪ ,‬تتطور العالقات السياسية التركية السورية في ضؤ المتغيرات اإلقليمية والدولية (‪ )2012-2007‬غزة رسالة‬
‫ماجستير جامعة االزهر‪ -2013 ,‬ص ‪63-62‬‬
‫‪1‬‬
‫() ابوزيد المقرى االدريسي – مرجع سابق ‪ .‬ص‪383-382‬‬
‫‪2‬‬
‫() تقرير ارتيادي (استراتيجي) يصدر عن (مجلة البيان) االمة في مواجهة الصعود اإليراني‪ ,‬اإلصدار الثالث عشر‪-2015 ,‬‬
‫‪ -2016‬ص ‪50‬‬

‫‪23‬‬
‫لالنتفاضات الشعبية‪ .‬في تناقض حاد مع مصر‪ ,‬حيث سارعت تركيا في الدعوة إلى تغيير‬
‫النظام‪ ,‬تعثرت أنقرة في البداية في ليبيا وعارضت تدخل الناتو‪ .‬وبالمثل في سوريا‪ )1(.‬سعت‬
‫تركيا للتأثير على الرئيس بشار األسد‪ ,‬حتى انضمت أخيرا إلى المجموعة المناهضة لألسد في‬
‫أواخر أغسطس ‪ 2011‬على مدى السنوات ال ـ ‪ 18‬الماضية‪ ،‬استبدلت تركيا سياستها الخارجية‬
‫السلمية القائمة على االقتصاد تجاه الشرق األوسط بسياسة أكثر تركيزا على األمن تتضمن‬
‫دعما أكبر لإلخوان المسلمين‪ ،‬وتتعامل بقوة مع األكراد في كل من تركيا وسوريا وتضيف‬
‫التركيز األوروآسيوي المتزايد على التركيز الغربي التقليدي‪.‬‬

‫‪ -3‬الصراع العربي اإلسرائيلي وتحوالته‪:‬‬


‫من بين القوى اإلقليمية غير العربية الرئيسية الثالث كان اإلسرائيل التأثير األكبر‬
‫واألكثر استدامة على سياسة المنطقة‪ .‬لطالما شكل الصراع العربي اإلسرائيلي سمة مميزة‬
‫للشرق األوسط الحديث‪ ،‬مشكًال ‪ .‬محور الصراع األساسي فيه‪ .‬فمنذ بدء احتالل األراضي‬
‫الفلسطينية عام ‪ ،1967‬سعت إسرائيل إلى استعمار وضم أكبر قدر ممكن من األراضي‪ ،‬وإ ن‬
‫كان هناك نوع من القابلية من رؤساء الوزراء اإلسرائيليين‪ ،2‬باستثناء نتنياهو‪ ،‬في التفاوض‬
‫على األقل وتبادل الحديث حول حل الدولتين‪ ،‬حتى مع توسيع المستوطنات‪.‬‬
‫لكن مع ثورات الربيع العربي في ‪ ،2011-2010‬بدأت ديناميكية إقليمية جديدة في‬
‫الظهور وذلك بتحول االنتباه عن قضية فلسطين ألن القوى العربية الكبرى‪ ،‬وخاصة مصر‬
‫وسوريا‪ ،‬أصبحت منشغلة بمشاكلها الداخلية‪ ،‬حيث لم يعد بإمكان هذين البلدين لعب أي دور‬
‫مهم عمليا في دعم الفلسطينيين وإ طالق العنان إلسرائيل في األراضي المحتلة للممارسة في‬
‫انتهاكات الحقوقية لإلنسان وذلك باستخدام أبشع وسائل القمع والقتل والتنكيل أمام العالم دون‬
‫أن يحرك ساكن باإلضافة إلى ذلك‪ ،‬تم التأكيد على التهديد اإليراني لدول الخليج العربي في‬
‫أوساط مختلفة‪ ،‬مما جعلها أقرب إلى الواليات المتحدة‪ ،‬لضمان الدعم والحماية األمريكية‪.‬‬
‫(‪)2‬‬

‫لكن يظ‪hh‬ل العام‪hh‬ل الوحي‪hh‬د ال‪hh‬ذي يمكن أن يعي‪hh‬ق إس‪hh‬تراتيجية نتني‪hh‬اهو والجه‪hh‬ود اإلس‪hh‬رائيلية‬
‫لتب ‪hh h‬ديل مالمح الص ‪hh h‬راع هم الفلس ‪hh h‬طينيون أنفس ‪hh h‬هم‪ ،‬ح ‪hh h‬تى ظ ‪hh h‬ل الخي ‪hh h‬ارات المح ‪hh h‬دودة والمتاح ‪hh h‬ة‬
‫للفلس‪hh‬طينيين في ه‪hh‬ذه المرحل‪hh‬ة‪ .‬وم‪hh‬ع ذل‪hh‬ك‪ ،‬ق‪hh‬د يش‪hh‬عرون باالرتي‪hh‬اح عن‪hh‬د معرف‪hh‬ة أنهم م‪hh‬روا ط‪hh‬وال‬
‫‪1‬‬
‫() هشام النجار‪ ,‬سوريا والتحوالت الكبرى‪ ,‬مستقبل العرب‪ ,‬دار أسماء للنشر والتوزيع‪.2017 ,‬ص‪105‬‬
‫‪2‬‬
‫() عزمي بشارة‪ ,‬صفقة ترامب –ننتياهو‪-‬الطريق الى النص‪( ,‬بيروت – المركز العربي لألبحاث والدراسة السياسية ‪ .‬ابريل‬
‫‪2020‬و ص‪ 8‬ومابعدها )‬

‫‪24‬‬
‫هذا الصراع الذي دام قرنا من الزمان بأوقات سيئة إن لم تكن أسوأ ‪ .‬كما أن مصدًر ا آخ‪hh‬ر من‬
‫العزاء وهو الدعم الواسع الذي ال يزال تتمتع به قضيتهم في جميع أنحاء العالم‪ ،‬وك‪hh‬ذلك األم‪hh‬ل‬
‫(‪)1‬‬
‫في أن الظروف في المنطقة وأماكن أخرى ستتغير لصالحهم‪.‬‬
‫لذلك شكل التطبيع بين إسرائيل وبعض الدول العربية جزءا وإ ن كان جزءا مهما من‬
‫تطور إقليمي أكبر وإ عادة تشكيل‪ ،‬وهو بدوره نتيجة لديناميات عالمية أكبر‪ .‬واألهم من ذلك‬
‫هو تقليص اإلنفاق األمريكي‪ ،‬وتحول البنية األمنية اإلقليمية التي تتخذ من أمريكا داعًم ا لها‬
‫على مدى ثالثين عاًم ا إلى واحدة أخرى متأصلة في المنطقة نفسها‪.‬‬
‫إجماًال‪ ،‬يعد اله‪h‬دف الم‪h‬زدوج لسياس‪h‬ة إس‪h‬رائيل الخارجي‪h‬ة دائم‪h‬ا ه‪h‬و الس‪h‬الم واألمن وهم‪h‬ا‬
‫مفهومان مترابطان بشكل وثي‪h‬ق حيثم‪h‬ا توج‪h‬د ق‪h‬وة‪ ،‬يوج‪h‬د س‪h‬الم على األق‪h‬ل‪ ،‬حيث س‪h‬يكون الس‪h‬الم‬
‫بعيد المنال إذا كانت إس‪h‬رائيل ض‪hh‬عيفة أو ُينظ‪h‬ر إليه‪h‬ا على أنه‪h‬ا ك‪h‬ذلك‪ .‬ه‪h‬ذا‪ ،‬في الواق‪hh‬ع‪ ،‬ه‪h‬و أح‪h‬د‬
‫أهم ال‪hh‬دروس ال‪hh‬تي يجب تعلمه‪hh‬ا من ت‪hh‬اريخ الش‪hh‬رق األوس‪hh‬ط من‪hh‬ذ نهاي‪hh‬ة الح‪hh‬رب العالمي‪hh‬ة الثاني‪hh‬ة‪،‬‬
‫ليس فقط من حيث الصراع العربي اإلسرائيلي‪ ،‬ولكن من حيث المنطقة ككل‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫() سنية فيصل الحسيني‪ ,‬الصراع الفلسطيني االسرائيليك هل تغيرت المعادلة أسواق العرب ‪ ,‬تاريخ النشر ‪ 16‬نوفمبر ‪2020‬‬
‫تاريخ االطالع ‪ 20‬يناير ‪2022‬‬

‫‪25‬‬
‫الخاتمـــــــــــة‬
‫إن الشرق األوسط عبارة عن فسيفساء من الشعوب واألديان واللغات والثقافات‪ .‬وعلى‬
‫الرغم من أن الثقافة العربية اإلسالمية هي السائدة‪ ،‬إال أنها لم تنتج أي تجانس‪ ،‬حيث يتنافس‬
‫عدد كبير من التيارات الدينية والسياسية مع بعضها البعض متجاوزة الحدود السياسية‪ ،‬مما‬
‫جعل المنطقة في حالة غليان ‪،‬دائم وكثيرا ما تندلع االضطرابات من العنف واإلرهاب والتمرد‬
‫والصراع األهلي والحرب المفتوحة وأحياًن ا طويلة األمد‪ .‬ومن ثم أدي ذلك إلى نشوء عدد من‬
‫التحديات الجيوسياسية الداخلية واإلقليمية والدولية التي لعبت دورا مهما في تكسير النظام‬
‫اإلقليمي في الشرق األوسط وتدهوره‪ ،‬وتقف كعائق أمام تشكيل نظام جديد خاصة بعد حرب‬
‫الخليج الثانية‪ ،‬والغزو األمريكي للعراق‪ ،‬وحركات التغيير‪.‬‬
‫وبالرغم من أن هناك تفاهما مشتركا على نطاق واسع بين الالعبين اإلقليميين‬
‫والدوليين على حد سواء‪ ،‬أنه يجب القضاء على تنظيم الدولة اإلسالمية والقاعدة‪ ،‬لكن هذا‬
‫اإلجماع ينهار ويصبح الوضع أكثر ضبابية على سبيل المثال‪ ،‬عندما نناقش الميليشيات‬
‫الشيعية أو حزب االتحاد الديمقراطي الكردي‪ .‬ومع ذلك يغذي تجزئة الدول انعدام األمن‬
‫المتبادل بين الالعبين في المنطقة‪ .‬ولكن إذا تم النظر إلى هذه العملية من منظور مختلف من‬
‫حيث توفير التفاعل اإلقليمي والترابط‪ ،‬فقد يؤدي ذلك إلى حوار حول كيفية تحقيق نظام أمني‬
‫إقليمي جديد قائم على األمن المتبادل في المنطقة‪ .‬وبالتالي ستكون فترة ما بعد داعش على‬
‫األقل في شكلها اإلقليمي‪ ،‬حاسمة في هذا الصدد‪ .‬حيث سيؤدي إما إلى مزيد من التشرذم من‬
‫خالل زيادة حدة الخصومات والحروب بالوكالة‪ -‬مع عمل كل فاعل ضمن اإلطار اإلقليمي‬
‫بطريقة منعزلة ورؤية اللعبة على أنها لعبة محصلتها صفر – أو إلى مناقشة مفيدة حول‬
‫ضمان المصالح المشتركة‪.‬‬
‫وفي ختام هذه الدراسة هناك نتائج وتوصيات يمكن توضيحها على النحو التالي‪:‬‬
‫أوال ‪ :‬النتائج‬
‫المنظم‪hh‬ات والجماع‪hh‬ات غ‪hh‬ير الحكومي‪hh‬ة وغ‪hh‬ير المس‪hh‬لحة المش‪hh‬كلة بدق‪hh‬ة من‪hh‬ذ الق‪hh‬رن الواح‪hh‬د‬ ‫‪.1‬‬
‫والعشرين يتناما تأثيره‪h‬ا وفاعليته‪h‬ا ع‪h‬ل حس‪h‬اب س‪h‬لطة الدول‪h‬ة الرس‪h‬مية في ال‪h‬دول العربي‪h‬ة بش‪h‬كل‬
‫عام‪.‬‬

‫‪26‬‬
‫هن ‪hh‬اك جه ‪hh‬ات فاعل ‪hh‬ة قوي ‪hh‬ة من غ ‪hh‬ير ال ‪hh‬دول يمكن أن تق ‪hh‬وض النظ ‪hh‬ام اإلقليمي من خالل‬ ‫‪.2‬‬
‫تحف ‪hh‬يز الق ‪hh‬وى الخارجي ‪hh‬ة واإلقليمي ‪hh‬ة على القي ‪hh‬ام بأح ‪hh‬د التص ‪hh‬رفات وال ‪hh‬تي تض ‪hh‬ر في نهاي ‪hh‬ة األم ‪hh‬ر‬
‫بمصالح المجتمع اإلقليمي‪.‬‬
‫م‪hh‬ازال االس‪hh‬تقطاب السياس‪hh‬ي واالجتم‪hh‬اعي واالقتص‪hh‬ادي والمؤسس‪hh‬ي في المنطق‪hh‬ة الغربي‪hh‬ة‬ ‫‪.3‬‬
‫في إط ‪hh h h‬ار التح ‪hh h h‬ول بين ق ‪hh h h‬وى االس ‪hh h h‬تبداد ال ‪hh h h‬ديني من جه ‪hh h h‬ة‪ ,‬وبين تح ‪hh h h‬الف رج ‪hh h h‬ال األعم ‪hh h h‬ال‬
‫والبيروقراطية القديمة في جهاز الدولة في الجهة األخرى‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬التوصيات‬
‫العم‪hh‬ل على تحقي‪hh‬ق التفاع‪hh‬ل اإلقليمي والتراب‪hh‬ط ال‪hh‬ذي ي‪hh‬ؤدي إلى ح‪hh‬وار فع‪hh‬ال ح‪hh‬ول كيفي‪hh‬ة‬ ‫‪.1‬‬
‫تحقيق نظام أمني إقليمي جديد قائم على األمن المتبادل في المنطقة‪.‬‬
‫العمل أيضا عل تنمية مهارات سياسية وإ ستراتيجية مشتركة توافقية ذات رؤية موحدة‪,‬‬ ‫‪.2‬‬
‫خاصة أن غالبية دول المنطقة دول عربية تمر بمرحلة انتقالية غير مكتمل‪hh‬ة للس‪hh‬لطة في ال‪hh‬وقت‬
‫الح ‪hh‬الي‪ ,‬ه ‪hh‬ذا من ناحي ‪hh‬ة ومن ناحي ‪hh‬ة أخ ‪hh‬رى هن ‪hh‬اك طموح ‪hh‬ات إيراني ‪hh‬ة نووي ‪hh‬ة وتم ‪hh‬دد ت ‪hh‬ركي في‬
‫المنطقة والدول القومية المفككة‪ ,‬والتهديد اإلرهابي وسلبية الواليات المتحدة والوج‪hh‬ود الروس‪hh‬ي‬
‫الجديد بالمنطقة واألزمة االقتصادية إلى جانب الصراع العربي الصهيوني‪.‬‬
‫في ظ ‪hh‬ل غي ‪hh‬اب نظ ‪hh‬ام قي ‪hh‬ادي‪ ,‬ض ‪hh‬روري العم ‪hh‬ل على تخفي ‪hh‬ف الت ‪hh‬وترات واألخ ‪hh‬ذ بزم ‪hh‬ام‬ ‫‪.3‬‬
‫المبادرة حول إيجاد نظام قيادي موحد لدول الشرق األوسط ‪.‬‬
‫ضرورة الحفاظ على سياسة عدم االنحياز ألي من القوى الفاعلة‪ ,‬وذلك للحص‪h‬ول على‬ ‫‪.4‬‬
‫ك‪hh‬ل ش‪hh‬يء‪ ,‬ومنه‪hh‬ا‪ :‬المس‪hh‬اعدات العس‪hh‬كرية األمريكي‪hh‬ة وال‪hh‬دعم الدبلوماس‪hh‬ي‪ ,‬والمع‪hh‬دات العس‪hh‬كرية‬
‫الروسية‪ ,‬ورأس المال الصيني‪.‬‬
‫ينبغي على دول المجتم ‪hh‬ع ال ‪hh‬دولي الفاعل ‪hh‬ة والمخلص ‪hh‬ة حق ‪hh‬ا في مس ‪hh‬اعدة منطق ‪hh‬ة الش ‪hh‬رق‬ ‫‪.5‬‬
‫األوس‪hh‬ط عليه‪hh‬ا مواجه‪hh‬ة التح‪hh‬ديات الكث‪hh‬يرة ال‪hh‬تي تعرق‪hh‬ل الجه‪hh‬ود اإلقليمي‪hh‬ة في التسوس‪hh‬ة السياس‪hh‬ية‬
‫وتعمل على إعادة اإلعمار اإلقليمي والقائم على ما يأتي‪:‬‬
‫تعزي‪hhh‬ز مؤسس‪hhh‬ات فاعل‪hhh‬ة في دول الش‪hhh‬رق األوس‪hhh‬ط تعم ‪hh‬ل على توظي ‪hh‬ف إمكاني‪hhh‬ات ه‪hhh‬ذه‬ ‫‪‬‬
‫المنطق ‪hh‬ة ل ‪hh‬دولهال بعي ‪hh‬دا على االس ‪hh‬تغالل له ‪hh‬ذه اإلمكاني ‪hh‬ات ل ‪hh‬دول الش ‪hh‬رق األوس ‪hh‬ط ووض ‪hh‬عها على‬
‫مسار نحو االكتفاء الذاتي؛‬
‫الحفاظ على نظام الدولة القومية في المنطقة واحترامه؛‬ ‫‪‬‬

‫‪27‬‬
‫إنه‪hh‬اء العن‪hh‬ف في المنطق‪hh‬ة وتهيئ‪hh‬ة الظ‪hh‬روف المناس‪hh‬بة النطالق عملي‪hh‬ات سياس‪hh‬ية جدي‪hh‬دة‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫وبرامج تربوية دائمة ومستديمة‪.‬‬

‫‪28‬‬
‫قائمة المراجع والمصادر‬

‫أوًال‪ -‬الكتب ‪:‬‬


‫احمد عبد الحكيم حسن‪ ,‬الدول المتداعية تصاعد قوة الفاعلية من غير الدول في الشرق‬ ‫‪-1‬‬
‫األوسط (أبوظبي‪ ,‬مركز المستقبل لألبحاث والدراسات ) عدد ‪.2015 ،19‬‬
‫سنية فيصل الحسيني‪ ,‬الصراع الفلسطيني االسرائيليك هل تغيرت المعادلة أسواق العرب‪,‬‬ ‫‪-2‬‬
‫تاريخ النشر ‪ 16‬نوفمبر ‪ 2020‬تاريخ االطالع ‪ 20‬يناير ‪.2022‬‬
‫طارق فهمي ‪ ,‬السياسة العامة في إسرائيل ‪ ,‬القاهرة ‪ ,‬كلية االقتصاد والعلوم السياسية‪,‬‬ ‫‪-3‬‬
‫دبلوم الدراسات اإلسرائيلية‪.2013 ,‬‬
‫فايز محمود دويري‪ ,‬األمن الوطني (عمان‪ :‬دار وائل للنشر ط‪.2013 )1‬‬ ‫‪-4‬‬
‫محمد عصام العروسي‪ ,‬النزاعات المسلم ودينامية التحوالت الجيوساسية في منطقة الشرق‬ ‫‪-5‬‬
‫األوسط وشمال أفريقيا ‪ ,‬القاهرة مجموع النيل العربية ‪. 2020‬‬
‫هشام النجار‪ ,‬سوريا والتحوالت الكبرى‪ ,‬مستقبل العرب‪ ,‬دار أسماء للنشر والتوزيع‪,‬‬ ‫‪-6‬‬
‫‪.2017‬‬
‫هينر فورتيج‪ ,‬القوى اإلقليمية في الشرق األوسط‪ ,‬إعادة التشكيل بعد ما يسمى بالثورات‬ ‫‪-7‬‬
‫العربية مراجع عمر حسن مركز الخليج للدراسات اإلستراتيجية‪.2014 ,‬‬

‫ثانيًا‪ -‬الرسائل العلمية ‪:‬‬


‫أحمد عواد نويرا الفاعوري‪ ,‬التحوالت اإلقليمية العربية وأثرها على نظرية األمن‬ ‫‪-1‬‬
‫اإلسرائيلي في الفترة من (‪ )2012-2006‬األردن رسالة ماجستير ‪ ,‬قسم العلوم‬
‫السياسية ‪,‬كلية اآلداب والعلوم ‪ ,‬جامعة الشرق األوسط‪.‬‬
‫أسمهان فتحي‪ ,‬دور المتغير الدوالتين في حفظ األمن اإلقليمي المغاربي‪ -‬دراسة حالة‬ ‫‪-2‬‬
‫الجزائر‪ ,‬رسالة ماجستير‪ ,‬الجزائر‪ ,‬جامعة تبسة‪ ,‬كلية الحقوق والعلوم السياسية‪.2015 ,‬‬
‫بشير سعيد محمد ‪ ,‬الدور السياسي للمسجد‪ ,‬جامعة القاهرة ‪ ,‬رسالة ماجستير‪ ,‬كلية‬ ‫‪-3‬‬
‫االقتصاد والعلوم السياسية‪.1994 ,‬‬
‫محمود خليل‪ ,‬تتطور العالقات السياسية التركية السورية في ضؤ المتغيرات اإلقليمية‬ ‫‪-4‬‬
‫والدولية (‪ )2012-2007‬غزة رسالة ماجستير جامعة االزهر‪.2013 ,‬‬

‫‪29‬‬
‫ثالثًا‪ -‬المجالت والدوريات ‪:‬‬
‫باسم داشر‪ ,‬اضطرابات غير ضرورية‪ :‬ايران و دول الخليج ‪,‬رؤية بريطانية لتقارب‬ ‫‪-1‬‬
‫ممكن‪ ,‬المستقبل لألبحاث والدراسات المتقدمة‪ ,‬تاريخ االطالع (‪ 16‬يناير ‪ )2022‬الرابط‬
‫‪. https./fulureuae.com/ar-AE/simplepage/iten/7‬‬
‫بيري كاماك وآخرون‪ ,‬إشعال الصراعات في الشرق األوسط أو إخماد النيران‪ ,‬مركز‬ ‫‪-2‬‬
‫مالكوم كير – تاريخ االطالع (‪ 19‬يناير ‪ )2022‬الرابط‪:‬‬
‫‪.https/camege-mec.org/2019/ar.pub.78168‬‬
‫تقرير ارتيادي (استراتيجي) يصدر عن (مجلة البيان) االمة في مواجهة الصعود‬ ‫‪-3‬‬
‫اإليراني‪ ,‬اإلصدار الثالث عشر‪.2016-2015 ,‬‬
‫تيسير علي‪ ,‬مرتكز األمن القومي العربي مقابل مرتكزات األمن القومي اإلسرائيلي‪,‬‬ ‫‪-4‬‬
‫( غزة‪ ,‬كلية االقتصاد والعلوم اإلدارية‪ ,‬قسم العلوم السياسية) ‪.2010‬‬
‫دالل محمود‪ ,‬مستقبل الترتيبات األمنية في الشرق األوسط‪ ,‬المركز المعري للفكر‬ ‫‪-5‬‬
‫والدراسات اإلستراتيجية‪ ,‬يناير‪.2016‬‬
‫صدام حمد عطية‪ ,‬الصراع الدولي واإلقليمي في الشرق األوسط وأثره على المنطقة‬ ‫‪-6‬‬
‫العربية(نموذج الثوراة العربية) العراق‪ -‬مجلة تكريت للعلوم السياسية ‪ ,‬جامعة تكريت‬
‫ومحمد رمضان أبو شحيت‪ ,‬ملفات معقدة‪ ,‬مستقبل الصراع اإلقليمي في الشرق األوسط‪,‬‬
‫المركز العربي للبحوث والدراسات تاريخ النشر ‪ 12‬مارس ‪ ,2018‬تاريخ االطالع ‪19‬‬
‫يناير ‪.2022‬‬
‫صليحة كيابي‪ ,‬الدراسات األمنية بين االتجاهين التقليدي والحديث‪ ,‬الجزائر جامعة اإلخوة‬ ‫‪-7‬‬
‫منتوري قسنطينة‪ ,‬مجلة العلوم السياسية‪ ,‬عدد ‪.2012, 138‬‬
‫عبد الرؤوف مصطفى الغنيمي‪ ,‬انعكاسات التحوالت الدولية الراهنة على التنافس التركي‬ ‫‪-8‬‬
‫اإليراني في الشرق األوسط‪ :‬المعهد الدولي للدراسات اإليرانية ‪.2022 .‬‬
‫عبد اهلل عبد الرزاق‪ ,‬المسلحون واالستعمار األوروبي ألفريقيا‪ ,‬الكويت‪ ,‬عالم المعرفة‪,‬‬ ‫‪-9‬‬
‫المجلس الوطني للثقافة والفنون واآلداب‪ ,1998 ,‬روجبر هاردي (ترجمة – رائد الباش‬
‫احتالل الغرب للشرق‪ ,‬بذور حقد وانعدام ثقة‪ ,‬موقع قنطرة تاريخ النشر (‪ )2016‬تاريخ‬
‫االطالع ‪ 18‬يناير ‪.2022‬‬

‫‪30‬‬
‫علي الدين هالل‪ ,‬اإلقليمي العربي في مرحلة تحول‪ ,‬بيروت سلسلة أوراق عربية ‪,27‬‬ ‫‪-10‬‬
‫مركز دراسات الوحدة العربية‪.2012 ,‬‬
‫محمد الجندي‪ ,‬متاهة اإلرهاب الشرق األوسط من الخالفة لإلرهاب في الفضاء‬ ‫‪-11‬‬
‫االلكتروني (القاهرة‪ :‬مجموع النيل العربية ) ‪ -2020‬ونبيل فاروق ‪,‬أنت حيث عدوك‪,‬‬
‫(القاهرة ‪ :‬نهضة للنشر مصر)‪.‬‬
‫مصطفى علوي‪ ,‬األمن اإلقليمي بين األمن الوطني واألمن العالمي المركزي للدراسات‬ ‫‪-12‬‬
‫المستقبلية "اإلستراتيجية" سلسلة مفاهيم‪ ,‬الجامعة العربية للعلوم السياسية‪ ,‬العدد ‪, 4‬‬
‫‪.2005‬‬

‫‪31‬‬

You might also like