You are on page 1of 2

‫رحلة إلى يثرب‬

‫سـنقوم بـرحـلة اسـتكشافـية فـي إحـدى أهـم املـدن للمسـلمني املـديـنة املـنورة ‪ ،‬مهـد اإلسـالم ودولـة اإلسـالم‬
‫ـتقر الــدعــوة بــعد أن جــاء إلــيها املســلمون مــن مــكة‬
‫األولــى الــتي بــدأت فــيها وكــان انــطالقــتها مــنها لــتكون مسـ ّ‬
‫تــاركــني خــلفهم أهــلهم ومــالــهم‪ ،‬فــاحــتضنتهم املــديــنة املــنورة بــأهــلها األنــصار الــذيــن كــانــوا خــير مــن يســتقبل‬
‫نبيّه‪.‬‬

‫املـ ــديـ ــنة املـ ــنورة الـ ــتي يُـ ــطلق عـ ــليها املسـ ــلمون لـ ــقب "طـ ــيبة الـ ــطيبة" بـ ــصفتها ثـ ــانـ ــي أقـ ــدس األمـ ــاكـ ــن‬
‫اإلسـالمـية بـعد مـكة املـكرمـة‪ ،‬وهـي أ ّول عـاصـمة لـلدولـة اإلسـالمـية‪ ،‬وفـيها املسجـد الـنبوي الشـريـف ومسجـد‬
‫ـضا مــقبرة الــبقيع الــتي ُدفــن فــيها الــصحابــة رضــوان اهلل‬ ‫قــباء وهــو أول مسجــد بــني فــي اإلســالم‪ ،‬وفــيها أيـ ً‬
‫عليهم وأمهات املؤمنني‪.‬تقع املدينة املنورة غرب اململكة العربية السعودية‪.‬‬

‫تـ ــتسم املـ ــديـ ــنة املـ ــنورة بـ ــطابـ ــع إسـ ــالمـ ــي مـ ــتميز‪ ،‬وفـ ــيها الـ ــعديـ ــد مـ ــن املـ ــعالـ ــم الـ ــتي يـ ــزورهـ ــا املسـ ــلمون‬
‫ويـعتبرونـها مـن أهـم األمـاكـن الـتي يـجب أن يـذهـبوا لـزيـارتـها عـند ذهـابـهم إلـى املـديـنة املـنورة‪ ،‬واملـعلم األبـرز‬
‫فــيها والــذي ال يُــمكن مــقارنــته بــأي شــيء هــو املسجــد الــنبوي الشــريــف الــذي بُــني ألول مــرة فــي عهــد الــنبي‬
‫عــليه الــصالة والســالم‪ ،‬وهــو أحــد املــساجــد الــثالثــة الــتي تُش ـ ّد الــرحــال إلــيها‪ ،‬وتُــعادل الــصالة فــيه أكــثر مــن‬
‫أل ــف ص ــالة‪ ،‬وي ــتميز ب ــتصميم إس ــالم ــي ب ــال ــغ ال ــروع ــة‪ ،‬وف ــيه امل ــآذن الج ــميلة وامل ــصاب ــيح ال ــتي تُ ــضيء ج ــميع‬
‫أرج ــاء املسج ــد‪ ،‬وت ــض ّم امل ــدي ــنة امل ــنورة ق ــبور أك ــثر م ــن س ــبعني م ــن ال ــصحاب ــة ‪-‬رض ــوان اهلل ع ــليهم‪ .‬و امل ــعلم‬
‫اآلخـر مسجـد قـباء الـذي يُـع ّد مـن أشهـر مـعالـم املـديـنة املـنورة‪ ،‬هـو أ ّول مسجـد بُـني فـي اإلسـالم‪ ،‬وكـان ذلـك‬
‫فــي عــام ســتمئة واثــنني وعشــريــن مــيالديــة‪ ،‬ووضــع الــنبي عــليه الســالم حجــر األســاس لــه‪ ،‬ولــه محــراب رائــع‬
‫مصل‪ ،‬أمــا مسجــد ذو الــقبلتني فــهو املسجــد‬ ‫ٍّ‬ ‫ومــآذن رخــامــية‪ ،‬وهــو الــيوم ي ـتّسع إلــى أكــثر مــن خــمسة آالف‬
‫الــوحــيد مــن بــني جــميع املــساجــد الــذي تــمت الــصالة فــيه بــاتــجاه الــقبلتني‪ ،‬حــني تـ ّم تــغيير الــقبلة مــن املسجــد‬
‫األق ــصى إل ــى ال ــكعبة الش ــري ــفة‪ ،‬وي ــعود ت ــاري ــخ ب ــنائ ــه إل ــى ع ــام س ــت م ــئة وث ــالث ــة وعش ــري ــن م ــيالدي ــة‪ ،‬ول ــه ل ــو ٌن‬
‫أبيض ناصع‪.‬‬
‫و مــن املــعالــم الــتي تحــمل مــكانــة عــظيمة عــند املســلمني هــو جــبل أُحــد الــذي حــدثــت عــنده أحــداث غــزوة‬
‫أحــد بــني املســلمني وكــفار قــريــش فــي الــسنة الــثالــثة مــن الهجــرة الــنبويــة الشــريــفة‪ ،‬ويُــع ّد أعــلى جــبال املــديــنة‬
‫ـضا مـقبرة شهـداء‬ ‫املـنورة وأكـبرهـا‪ ،‬حـيث يـصل ارتـفاعـه إلـى أكـثر مـن ألـف مـتر فـوق سـطح البحـر‪ ،‬وعـنده أي ً‬
‫أحــد‪ ،‬وعــند هــذا الــجبل اســتشهد عــم الــنبي ‪-‬عــليه الــصالة والســالم‪ -‬حــمزة بــن عــبد املــطلب أســد اهلل وأســد‬
‫ـضا قـبور الـعديـد مـن الـصحابـة ‪-‬رضـوان اهلل عـليهم‪ -‬مـثل‬ ‫رسـولـه‪ ،‬و ُدفـن فـي مـقبرة شهـداء أحـد الـتي تـضم أي ً‬
‫مصعب بن عمير‪.‬‬
‫ـضا مجــمع املــلك فهــد بــن عــبد الــعزيــز لــطباعــة املــصحف الشــريــف‪ ،‬ويُــع ّد أكــبر‬ ‫تــض ّم املــديــنة املــنورة أيـ ً‬
‫م ــكان ل ــطباع ــة امل ــصحف الش ــري ــف ف ــي ال ــعال ــم أج ــمع‪ ،‬وي ــطبع أك ــثر م ــن عش ــرة م ــالي ــني م ــصحف ف ــي ال ــعام‬
‫ـعلما إســالمـيًا حــديـثًا‬ ‫ـضا فــي املــديــنة املــنورة مــتحف دار املــديــنة الــذي يُــع ّد مـ ً‬ ‫الــواحــد‪ .‬مــن املــعالــم الــشهيرة أيـ ً‬
‫أُنشئ فــي عــام ‪2011‬م‪ ،‬والــذي يــعرض الــعديــد مــن تــفاصــيل ســيرة الــنبي ‪-‬عــليه الــصالة والســالم‪ -‬وتــط ّور‬
‫الـثقافـة الـعمرانـية فـي املـديـنة‪ ،‬ويـمكن لـلزوار زيـارة هـذا املـتحف والـتعرف إلـى تـفاصـيل الحجـرة الـنبويـة وكـيف‬
‫ت ــط ّورت م ــنذ ب ــداي ــة ت ــأس ــيسها إل ــى ال ــيوم‪ ،‬ب ــاإلض ــاف ــة إل ــى امل ــنازل ال ــتي ع ــاش ف ــيها ال ــصحاب ــة ‪-‬رض ــوان اهلل‬
‫عليهم‪ ،-‬والتي كانت محيطة باملسجد النبوي الشريف‪.‬‬
‫مـكانـة املـديـنة املـنورة لـلمديـنة املـنورة مـكانـة عـظيمة فـي قـلوب املسـلمني جـمي ًعا‪ ،‬ولهـذا فـإ ّن كـل مـعتمر أو‬
‫ـمر بــها ويســلم عــلى الــنبي عــليه الــصالة والســالم‪ ،‬ويــصلي فــي املسجــد الــنبوي الشــريــف‬
‫حــاج ال ب ـ ّد وأن يـ ّ‬
‫ويـتنفس هـواءهـا الـزكـي‪ ،‬فـاملـديـنة املـنورة هـي الـتي احـتضنت الـدعـوة اإلسـالمـية فـي الـوقـت الـذي هـاجـمت فـيه‬
‫قـريـش الـنبي عـليه السـالم ومـن آمـن مـعه‪ ،‬وفـيها وجـد املسـلمون األمـان والـطمأنـينة‪ ،‬وبـدأ الـتأسـيس الـحقيقي‬
‫للدعوة اإلسالمية‪.‬‬

‫ـرحــا بــلقاء الــنبي عــليه الســالم وزيــارة‬ ‫بمجــرد أن دخــلنا إلــى املــديــنة املــنورة‪ ،‬بــدأت املــشاعــر بــالــتأجــج فـ ً‬
‫حل فـي روحـانـية عـظيمة لـيس لـها مـثيل‪،‬‬ ‫روضـته الشـريـفة‪ ،‬فـهي مـديـنة تـأسـر الـقلب والـروح‪ ،‬وتـجعل املسـلم يُ ٌّ‬
‫التجـلي والـفرح‪ ،‬خـاصـة‬ ‫ّ‬ ‫لهـذا فـاملـشاعـر الـتي تـأتـي بمجـرد الـوصـول إلـيها تـجعل املسـلم فـي حـالـة كـبيرة مـن‬
‫أن امل ــدي ــنة امل ــنورة م ــكا ُن ي ــمنح األم ــان وال ــطمأن ــينة وال ــسكينة‪ ،‬وم ــا إن دخ ــلنا ع ــبر ب ــواب ــات املسج ــد ال ــنبوي‬
‫ـماال وحـبًا لهــذا املــكان الــعظيم‬ ‫الشــريــف حــتى أحــسسنا بــرائــحة املــسك تتســرب إلــى رئــتنا فــتملؤنــا شــو ًقــا وجـ ً‬
‫ال ــذي ل ــم نرغ ــب ب ــمغادرت ــه أب ـ ًدا ك ــي نحظى أن نكون ب ــجوار أش ــرف الخ ــلق وامل ــرس ــلني‪ .‬ف ــي امل ــدي ــنة امل ــنورة‬
‫شــعرنــا وكــأنــنا ولــدنــا مــن جــديــد ونــرى بــعيننا فجــر اإلســالم وكــيف بــدأ مــن هــذه الــبقعة الــطاهــرة لينتشــر إلــى‬
‫الــعالــم أجــمع‪ ،‬وشــعرنــا بــالــعزة والــكرامــة الــتي دفــعت نــبي اهلل عــليه الســالم أن يــترك وطــنه مــكة لــيأتــي إلــى‬
‫نحب املــديــنة أكــثر واكــثر‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ـتقر فــيه ويجــد األمــان والــطمأنــينة‪ ،‬وهــذا بح ـ ّد ذاتــه جــعلنا‬ ‫هــذا املــكان املــبارك ليسـ ّ‬
‫ـرحــا بــعد أن رأيــنا حــمام املــديــنة الــذي يُح ـ ّلق فــي ســمائــها‪ ،‬ويُــطعمه زوار املسجــد‬ ‫وزادت مــشاعــرنــا ح ـبًا وفـ ً‬
‫الــنبوي الشــريــف وهــو يــأكــل ويــطير آم ـنًا مــطمئنًا ال يــؤذيــه أحــد وهــو بــجوار نــبينا محــمد‪ ،‬أمــا ســماع األذان‬
‫فـي املسجـد الـنبوي فـجعلنا نشعر كـما لـو أنـنا فـي الـجنة‪ ،‬ودفـع اإليـمان فـي قـلبنا لـلزيـادة أكـثر‪ .‬فـي املـديـنة‬
‫املــنورة شــعرنــا بــالــجاللــة الــتي تــغلفها الــرهــبة لــعظمة املــكان‪ ،‬وشــعرنــا فــي الــوقــت نــفسه بــالجــمال الــذي يــمنح‬
‫اإلنــسان الــشعور بــالــسعادة ملجــرد وجــوده فــي املــكان كــما لــو أ ّن جــميع الــهموم واألحــزان تــالشــت واخــتفت‪،‬‬
‫ول ــم ي ــبقَ إال ال ــشعور ال ــكبير ب ــاإلي ــمان‪ ،‬وت ــمنينا ل ــو أ ّن ال ــزم ــن ي ــتوق ــف ف ــي اللح ــظة ال ــتي نجلس ف ــيها ف ــي‬
‫الـروضـة الشـريـفة ونـحن نصلي صـالتـنا بـجوار قـبر الـنبي عـليه السـالم وصـاحـبيه‪ ،‬ونـدعـو اهلل أن يسـتجيب‬
‫دعــواتــنا املــغلفة بــيقني اإلجــابــة‪ ،‬كــيف ال ونــحن فــي مــديــنة رســول اهلل فــي طــيبة الــطيبة‪ .‬شــعرنــا بــأ ّن زيــارتــنا‬
‫ل ــلمدي ــنة امل ــنورة ال ــبلسم ال ــشاف ــي ال ــذي م ــسح ع ــلى ق ــلبنا وأع ــطاه ال ــخير ال ــكثير‪ ،‬وش ــعرن ــا وك ــأن ــنا أرواح ــنا‬
‫تغسـلت م ّـما هـو عـالـقٌ فـيها‪ ،‬فـيا لـه مـن شـعور عـظيم ال يـوصـف‪ ،‬ويـا لـها مـن لحـظات غـالـية جـ ًدا عـلى الـقلب‬ ‫ّ‬
‫وأال يحـرمـنا مـن زيـارة مسجـد رسـول اهلل فـي ك ّـل عـام‪ ،‬ألسـتشعر الـخير‬ ‫ـثيرا‪ّ ،‬‬
‫ونـدعـو اهلل الـعظيم أن تـتكرر ك ً‬
‫والبركة واإليمان الكبير‪ ،‬فهي لحظات محفورة في القلب إلى األبد‪.‬‬

‫إشراف الدكتور‪/‬‬ ‫إعداد الطالبة‪/‬‬


‫ماجد السلطان‬ ‫روان باتيس‬

You might also like