You are on page 1of 340

‫معهد الترجمة‬

‫أطروحة مقدّمة لنيل شهادة دكتوراه الطور الثالث‪.‬‬


‫تخصص‪ :‬ترجمة متخصصة‪.‬‬
‫إشكالية ترجمة التعابير المسكوكة في الخطاب‬
‫السياسي‪،‬‬
‫دراسة داللية تقابلية‪( .‬خطابات السيد رئيس الجمهورية‬
‫عبد المجيد تبون نموذجاً)‬
‫‪.‬لجنة المناقشة‪:‬‬
‫مؤسسة اإلنتماء‬ ‫المه ّمة‬ ‫الرتبة‬ ‫األعضاء‬
‫جامعة وهران‪1‬‬ ‫رئيس‬ ‫أ‪/‬د فرقاني جازية أستاذة التعليم العالي‬
‫جامعة وهران ‪1‬‬ ‫مشرف و مقرر‬ ‫أ‪/‬د بصافي رشيدة أستاذة التعليم العالي‬
‫جامعة وهران ‪1‬‬ ‫عضو مناقش‬ ‫أ‪/‬د بلقاسمي حفيظة أستاذة التعليم العالي‬
‫جامعة وهران ‪1‬‬ ‫عضو مناقش‬ ‫أستاذة محاضرة أ‬ ‫د‪ /‬مجاهدي نوال‬
‫جامعة سيدي بلعباس‬ ‫عضو مناقش‬ ‫أستاذ التعليم العالي‬ ‫أ‪/‬د صبار نوردين‬
‫جامعة تلمسان‬ ‫عضو مناقش‬ ‫أستاذ محاضر أ‬ ‫د‪ /‬بلقرنين عبد القادر‬

‫إشراف‪ :‬أ‪/‬د بصافي رشيدة‬


‫إعداد الطالب‪ :‬بشيــــــر عــــابــــد‬

‫السنة الجامـــعـــية‪2023/2022 :‬‬


‫أطروحة مقدّمة لنيل شهادة دكتوراه الطور الثالث‪.‬‬
‫تخصص‪ :‬ترجمة متخصصة‪.‬‬
‫إشكالية ترجمة التعابير المسكوكة في الخطاب‬
‫السياسي‪،‬‬
‫دراسة داللية تقابلية‪( .‬خطابات السيد رئيس الجمهورية‬
‫عبد المجيد تبون نموذجاً)‬

‫‪.‬لجنة المناقشة‪:‬‬
‫مؤسسة اإلنتماء‬ ‫المه ّمة‬ ‫الرتبة‬ ‫األعضاء‬
‫جامعة وهران‪1‬‬ ‫رئيس‬ ‫أستاذة التعليم العالي‬ ‫أ‪/‬د فرقاني جازية‬
‫جامعة وهران ‪1‬‬ ‫مشرف و مقرر‬ ‫أستاذة التعليم العالي‬ ‫أ‪/‬د بصافي رشيدة‬
‫جامعة وهران ‪1‬‬ ‫عضو مناقش‬ ‫أستاذة التعليم العالي‬ ‫أ‪/‬د بلقاسمي حفيظة‬
‫جامعة وهران ‪1‬‬ ‫عضو مناقش‬ ‫أستاذة محاضرة أ‬ ‫د‪ /‬مجاهدي نوال‬
‫جامعة سيدي بلعباس‬ ‫عضو مناقش‬ ‫أستاذ التعليم العالي‬ ‫أ‪/‬د صبار نوردين‬
‫جامعة تلمسان‬ ‫عضو مناقش‬ ‫أستاذ محاضر أ‬ ‫د‪ /‬بلقرنين عبد القادر‬

‫إشراف‪ :‬أ‪/‬د بصافي رشيدة‪.‬‬

‫إعداد الطالب‪ :‬بشيـر عــابـد‬


‫السنة الجامـــعـــية‪2023/2022 :‬‬
‫إهداء‪:‬‬
‫إلى من حملتني في بطنها دون كلل‪ ،‬ومن حملني فوق كتفيه دون ملل‪ ،‬إلى من قَ َرن ّ‬
‫رب‬
‫الكون عبادته بطاعتهما‪ ،‬و جعل للجنة بابًا باسمهما‪ ،‬إلى من عرفا فضل العلم فدفعاني‬
‫والدي العزيزين‪.‬‬
‫ّ‬ ‫لطلبه‪ ،‬إلى‬

‫و إلى من رفعهم هللا درجات‪ ،‬و خصّهم من عباده بخشيته‪ ،‬و ف ّ‬


‫ضلهم على عبدته‪ ،‬و جعلهم‬
‫رسوله من ورثته‪ ،‬إلى أستاذتي الفاضلة التي تجلّت صفاتها في اسمها بجمعها بين الصفاء‬
‫و الرشد‪ ،‬و إلى لجنة المناقشة و كل فريق أساتذة المعهد كل باسمه‪ ،‬و إلى كل من علمني‬
‫حرفا أو اغترفت من معرفته غرفا‪.‬‬

‫إلى من تضع المالئكة أجنحتها له رضا بما يصنع‪ ،‬إلى كل طالب علم مج ٍّّد مجتهد‪.‬‬
‫الفهرس‪:‬‬
‫مقدمة‪.‬‬
‫مقدمة‬

‫مقدمة‪:‬‬
‫يعتبر اعتماد التعابير المسكوكة في الخطاب السياسي من بين أه ّم األساليب اللغوية التي‬
‫وقوتها اإلقناعية و التأثيرية على جمهور المتلقين‪ .‬فإن كان استعمالها يعكس‬
‫أثبتت نجاعتها ّ‬
‫مدى تح ّكم السياسي في اللغة وقدرته على االستحضار اللغوي لألقوال الموحية والداعمة‬
‫لنظرته‪ ،‬و إلمامه بثقافة المتلقي لخطابه‪ ،‬فإنّه يعكس كذلك تقاسمه ومشاركته لميوالته‬
‫واهتماماته وتاريخه إن كان ينتمي إليه‪ ،‬واالحترام و اإللمام في حال عدم االنتماء إلى نفس‬
‫الثقافة أو الرؤية؛ ومثال ذلك استشهاد رؤساء دول كروسيا و أمريكا بآيات قرآنية وعبارات‬
‫مستوحاة من الثقافة اإلسالمية‪.‬‬
‫لكن العوامل التاريخية كاالستعمار والثقافية كالموروث الثقافي واالنفتاح على اآلخر أدّت‬
‫صة‪،‬‬
‫تنوع التركيبة اللغوية للعنصر البشري في مختلف دول العالم عا ّمة والجزائر خا ّ‬
‫إلى ّ‬
‫صة بعبارات وتراكيب جديدة في إطار التبادل اللغوي‬
‫اميس الشخصية الخا ّ‬
‫كما أثرت القو َ‬
‫الحر واإلجباري الحتمي حتمية إيصال رسالة الحاكم إلى المحكومين‬
‫ّ‬ ‫والثقافي االختياري‬
‫سية في‬
‫تنوع أنساقهم الثقافية‪ ،‬وهذا ما من شأنه إضفاء بعض الحسا ّ‬
‫على اختالف ألسنتهم و ّ‬
‫اختيار التعابير المسكوكة و طريقة نسجها من جهة‪ ،‬ويطرح إشكالية طريقة ترجمتها إلى‬
‫صة في إطارها السياسي الممنوع فيه الخطأ في‬
‫مختلف اللغات المتداولة من جهة أخرى‪ ،‬خا ّ‬
‫المرحلتين (الصياغة و الترجمة)‪.‬‬

‫فكيف السبيل إلى ترجمة التعابير المسكوكة المستحضرة في الخطاب السياسي؟ وهل‬
‫طريقة ترجمتها ثابتة أم متغير بتغير التعابير المسكوكة و المترجم؟‬

‫للولوج إلى العمل البحثي عن إجابة ممكنة لإلشكالية المطروحة‪ ،‬تواردت في أذهاننا‬
‫عدّة حدوس تصلح أن تكون فرضيات تستحق البح ث فيها و التحري عن مدى جدواها‬
‫وقدرتها على التش ُّكل كإجابة شافية‪ ،‬غير ّ‬
‫أن إعتماد فرضية ما كونها حدسا وبناء ع مل‬
‫سس على أرض ية منطقية خاضعة‬
‫علمي على أساسها غير منطقي‪ ،‬و ذلك لكون العلوم تؤ ّ‬
‫لمبدأ السببية و النتيجة‪ ،‬و لذا كان لزاما علينا إدراج تبرير إعتماد تلك الفرضيات فور‬
‫اإلشارة إليها‪ ،‬وهي كالتالي‪:‬‬

‫أ‬
‫مقدمة‬

‫الفرضية األولى‪ّ :‬‬


‫إن ماهية التعابير المسكوكة كمنتوج لغوي أدبي يقودنا إلى احتمال‬
‫فرضية إعتماد المترجم ل تقنيات الترجمة اللسانية أو اللغوية ‪ ،‬و هذا ما ذهب إليه فيناي‬
‫و داربلني في أسلوبي تهما المقارنة ما بين الفرنسية و اإلنجليزية لما وقع تحت أيديهما من‬
‫إنتاجات أدبية مترجمة‪.‬‬
‫أ ّما الفرضية الثانية فهي نابعة مما يسمى باإلستقالل الثقافي و الهويّة الثقافية‪ ،‬إذ يتعين على‬
‫المترجم ترجمة النصوص بما تحمله من تعابير و إيحاءات بطريقة سلسة ال يشعر فيها‬
‫النص مترجم‪ .‬و هذا ما يقتضي البحث في ثقافة المتلقي إلعادة صياغة‬
‫ّ‬ ‫متلقي الترجمة ّ‬
‫بأن‬
‫التعابير المسكوكة وفق النسق الثقافي واللغوي للهدف‪.‬‬
‫ا لفرضية الثالثة‪ :‬خصوصية الخطاب و السياق اإلستدعائي للتعابير المسكوكة من شأنها‬
‫قول كلمتها في ترجمة هذه التعابير‪ ،‬فالخطاب السياسي و ترجمته الخاضعة لعامل الزمن‬
‫المحدود تقود المترجم إلى خيار النظرية التأويلية أو ما يعرف بنظرية المعنى‪.‬‬
‫الفرضية الرابعة‪ّ :‬‬
‫إن الطبيعة البالغية للتعابير المسكوكة واكتنازها لذلك الك ّم الداللي من‬
‫شأنه أن يعرقل عمل المترجم‪ ،‬ويضفي نوعا من الضبابية و الغموض على المعنى عند‬
‫المتلقي‪ .‬ذلك ّ‬
‫ألن هذه التعابير تنتمي إلى وسط ثقافي يمكن أن يكون مختلفا عن الوسط‬
‫األصل اختالف اللغات المستعملة في كليهما‪.‬‬
‫ومع ما تفرضه األمانة العلمية والعملية على المترجم‪ ،‬فقد يعمد إلى شرح تلك التعابير بما‬
‫القوة اإليحائية في‬
‫يوافق ويتماشى مع الثقافة واللغة اله دف‪ ،‬حيث يعتبر التركيز الداللي و ّ‬
‫تلك النصوص القصيرة من بين أه ّم العوامل التي تدعم فرضية اعتماد نسق الشرح‪ .‬وهذا‬
‫ما لمسناه في ترجمة المؤلفات الروسية لدوستويفسكي‪ ،‬حيث أورد برمان قو ل شابير بهذا‬
‫الخصوص" يجب أن تكون الترجمة أوضح بعض الشيء من األصل"‬

‫ّ‬
‫إن رحلة البحث العلمي عن إجابة شافية حول سلوك المترجم و طريقة تعامله مع‬
‫التعابير المسكوكة المستدعاة في الخطاب ا لسياسي لتضعنا أمام تساؤالت أخرى فرعية‬
‫تتمحور حول ماهية الخطا ب السياسي و التعابير المسكوكة وأنواعها‪ .‬إذ يمكن أن تتغير‬
‫الترجمة بتغيُّر التعابير أو بتغيُّر سياق استحضارها رغم ثباتها‪ ،‬فما هو الخطاب السياسي؟‬
‫سر استحضارها و ضوابط استعمالها فيه؟‬
‫وما هي التعابير المسكوكة؟ وما ّ‬

‫ب‬
‫مقدمة‬

‫ل ّعل من نافلة القول التصريح ّ‬


‫بأن هذه الدراسة تدخل تحت ما يسمى نقد الترجمة وتناولها‬
‫ٌ‬
‫شاق عسير‪،‬‬ ‫كالم‪ ،‬والكالم على الكالم‬
‫ٍ‬ ‫تناوال دالليا تقابليا‪ ،‬فإن كانت الترجمة كالما ً على‬
‫كالم على كالم‪ ،‬وهو بذلك ّ‬
‫أشق و أعسر‪.‬‬ ‫ّ‬
‫فإن نقد الترجمات كال ٌم على ٍ‬
‫وم ن هذا المنطلق فإنّنا نعلم علم اليقين ّ‬
‫أن هذه الدراسة بما احتوته‪ ،‬ما هي إال جهد شخصي‬
‫متواضع ال يخلو من جوانب النقص و القصور‪ .‬كما أنّها تشكل امتدادا لمن سبقت خطاهم‬
‫خطانا على هذا الدرب و أملوا رؤاهم على رؤانا إلنارة مسلكه العام و ممراته الجانبية من‬
‫أساتذة و باحثين بحضورهم الشخصي‪ ،‬أو باالعتماد على أبحاثهم‪ .‬و من بين تلك األبحاث‬
‫نستحضر رسالة الدكتوراه الموسومة ب "التعابير المسكوكة و الترجمة" ل بولعالم علي‪،‬‬
‫حيث تمثل هذه األطروحة نقطة انطالق سمحت لنا بالتوسع في هذا الحقل المعرفي‪،‬‬
‫فاغترفنا منها ما اغترفنا‪ ،‬و باألخص حول طبيعة التعابير المسكوكة ومختلف تسمياتها‪.‬‬
‫كما نهلنا من معين كتاب "التعبير االصطالحي" ل حسام الدين كريم زكي‪ ،‬و رسالة‬
‫"المعالجة اآللية والمعجمية للتعابير الم سكوكة في اللغة الفرنسية" للوروا‪ ،‬و ذلك من أجل‬
‫ت وسيع الرؤية العلمية وتوسيعها و توضيحها‪.‬‬

‫كما فرض علينا تش ّعب الدراسة و تداخلها مع حقول علمية أخرى كالعلوم ا لسياسية و علوم‬
‫الداللة وغيرهما االعتماد على دراسات أخرى وم قاالت في تلك األفنان العلمية‪ ،‬وذلك‬
‫لتجاوز العراقيل والعقب ات في مثل هذه الدراسات‪ ،‬ذلك ّ‬
‫أن حكمة التوجيه المالزمة للدأب‬
‫والتنقير البدّ أن يفلحا في تذليل شيء من تلك العقبات‪.‬‬

‫قا لت العرب قديما " من طرق الباب ول ّج ولج"‪ ،‬لذا فإنّنا في هذه الدراسة نطرق باب‬
‫التعابير ا لمسكوكة لتفتح لنا باب عالمها‪ ،‬و نقف على بديع أسراره مقصرين محلقي‬
‫الرؤوس مركزين على الطاقات الداللية التي تختزنها اللغة و التراكيب و تسترها التعابير‬
‫عما سواها‪ ،‬من أجل تبيين و دراسة طاقاتها المعنوية الكامنة‬
‫المسكوكة‪ ،‬غاضين البصر ّ‬
‫التي جعلتها محل استحضار دون سواها‪ ،‬وك ذا التراكيب اللفظية و اللغوية وطريقة‬
‫صياغتها من أجل استكمال ف ريضة ترجمتها دون رفث و ال فسوق ينتقص منها ومن قيمتها‬
‫الداللية‪.‬‬

‫ج‬
‫مقدمة‬

‫يمكن أن تش ّكل دراسة التعابير المسكوكة سبي ال لدراسة مستعمليها ومتلقيها وحتى‬
‫الشخص ّيات ومظاهر الحياة اليومية الموجودة فيها‪ ،‬فدراسة أنواعها ومصادرها‬
‫اإليتيمولوجية و الخصائص الثقافية المكونة لها يمكن أن تكون مدخال للوصول إلى معرفة‬
‫أشياء تتعلق بشخص مستدعي تلك التعابير المسكوكة كاالنتماء العقائدي والنظرة الفلسفية‬
‫طبين منه‪ّ .‬إال ّ‬
‫أن هذه الدراسة‬ ‫وقدواته وحتى نفسيته حين إلقاء خطابه‪ ،‬وكذا مكانة المخا َ‬
‫الداللية التقابلية ال تتناول هذا النوع من االرتباط المتمثل في الع القة الخارجة عن النص‬
‫ومحيطه‪ ،‬وإ ّنما تركز بين طياتها على العالقة الداخلية بين التعابير المسكوكة والخطاب‬
‫ّ‬
‫السك والمعنى‬ ‫الواردة فيه‪ ،‬كما تتناول العالقة الموجودة بين مكوناتها لكشف طبيعة عملية‬
‫المستتر خلف تلك اللبنات اللغوية المتراصة بإحكام‪ ،‬واستخالص أنماط و قوانين اعتمدها‬
‫المترجمون في سياق ترجمتهم إيّاها و تجسيدهم لمبدأ األمانة‪.‬‬
‫أما تلك العالقة الخارجية‪ ،‬فسوف ال تتعدى حدود االعتماد لتفسي ر سياق ورود التعابير‬
‫ّ‬
‫المسكوكة و استدعائها و المعنى المراد منها‪.‬‬

‫ترتبط التعابير المسكوكة بالحقول الثقافية المتنوعة تنوع مظاهرها و العناصر الداخلة‬
‫في تكوينها‪ ،‬حيث ال تتم قراءة هذه التعابير ّإال عن طريق قراءة بنياتها التكوينية و تفكيكها‬
‫إلحالتها على مرجعيات تحليلية من داخل الخطاب وخارجه‪ ،‬و ذلك الكتشاف المسكوت‬
‫عنه أو المراد به من نظم و استعمال تلك التعابير؛ أي قراءة البنيات السطحية الظاهرية‬
‫للنص وقراءة البنيات العميقة وتفسير الدالالت وتأويلها في إطار يُخرج تلك التعابير من‬
‫كونها مجرد مج موعة من التصنيفات الشكلية‪ ،‬بل ويتمعن في معانيها و يقرأ تحوالتها وفق‬
‫تحول النص باتجاه المجتمع الذي أنتجه والمعني به في زمان ومكان معينين‪.‬‬
‫ومع هذا ّ‬
‫فإن هذه الدراسة ليست تأريخا أو سرد ا للتعابير المسكوكة و معانيها‪ ،‬بل هي‬
‫دراسة ذات معالم محددة وقابلة للعزل و الوصف‪ .‬وللتحقق من صحة تلك الفرضيات أو‬
‫المرجوة منها فإننا قد اعتمدنا المنهج التحليلي الوصفي‪.‬‬
‫ّ‬ ‫عدمها و تحقيق األهداف‬
‫إن احتوت فصولها على تمهيدات تشبه إلى حد كبير المقدمات الجزئية المراد منها وصف‬
‫و عرض أسس هذه الدراسة‪ ،‬فإ ّنها تفترض معرفة أساسية بصور البالغة األدبية في اللغة‬
‫العربية وغيرها من اللغات‪ ،‬كما ّ‬
‫أن غرض هذه الدراسة ليس النظر في صحة ودقة‬

‫د‬
‫مقدمة‬

‫التعابير الواصلة إلينا ومدى مطابقتها لألصل و إن تطرقنا إليه من باب الفضل‪ ،‬بل هي‬
‫تنطلق من هذ ه التعابير بما هي معطيات رأى أرباب البالغة ضرورة األخذ بها وإدراجها‬
‫في قائمة التعابير المسكوكة و اعتمادها في الخطابات التأثيرية وصوال إلى ترجمتها في‬
‫سياقها السياسي‪.‬‬
‫و بذلك فإن منحى هذه الدراسة موجه وجهة داللية تقابلية‪ ،‬فهو يرى ف ي ماهية هذا النوع‬
‫من التعابير و تنوعها بتنوع الحامل اللغوي و ترجمتها محور و لبّ هذه الدراسة‪.‬‬

‫ل ّما كان لطلب العلم فضل على العبادة‪ ،‬و كان كمال العبادة في القيام بالفرائض كما‬
‫بالنوافل‪ ،‬فإنّ نا ارتأينا أن نبدأ بالنافلة قبل الفرض من هذا العمل المتواضع‪.‬‬
‫و من نافلة هذه الدراسة دراسة الخطاب السياسي بمبتدئه وخبره‪ ،‬حيث خصصنا له مبحثا في‬
‫الفصل األول من الدراسة‪ .‬فالخطاب وإن كثرت وتنوعت دراساته يبقى مجاال خصبا للبحث‬
‫والتنظير مصداقا لمقولة أبو حيان التوحيدي " و أوسع من هذا الفضاء حديث اإلنسان‪ ،‬فإن‬
‫اإلنسان قد أشكل عليه اإلنسان"‪.‬‬
‫و الخط اب ترجمة قبل الترجمة‪ ،‬فهو نقل لفكر اإلنسان من حالة التداخل و التزاحم الباطني‬
‫ومن لغة اإلشار ات العصبية إلى العالم الخارجي ولغة اللسان المجتمعية‪ .‬أ ّما السياسة فهي‬
‫نتاج عمل ية سك فكري‪ ،‬ووجه الشبه بينها وبين المسكو ك من التعابير كبير‪ ،‬في تنوعها‬
‫وطريقة عملها‪ ،‬وإن إختلفتا في الثبات واالستقرار والماهية‪ ،‬فالسياسة مسكوك فكري معبر‬
‫عنه‪ ،‬والتعابير المسكوكة إنتاج لغوي معبر به‪.‬‬
‫ّ‬
‫إن المراد من الخطاب السياسي هو إنتاج تلك الطاقة المحركة لجمهور متلقيه باحتراق‬
‫وقود التعابير و الكلمات في محرك الوعي الفردي و الجماعي‪ ،‬حيث يمكن قياس تلك الطاقة‬
‫أثر‪ ،‬و يحرك‬
‫المنتجة بالنظر إلى التبادل العمودي بين صدور المتلقين وما يعلو وجوههم من ٍ‬
‫أيديهم و أجسادهم سلبا أو إيجابا أو إعجابا‪.‬‬
‫و لهذا كان لزاما على السياسي تقوية الرمز اللغوي المعبر به وإكسابه قيمة كونية وذلك‬
‫بتغذية شعلة أفكاره الرقيقة القلقة والمرتابة من ضعف نورها و يصل به إلى نقطة التقاء‬
‫الحقائق بالمجازات والمجازات بالحقائق وذلك بالنهل من بديع صنع اإلنسان في اللغة‪،‬‬

‫ه‬
‫مقدمة‬

‫سه في النثر اإللهي‪ .‬فكان بذلك لزاما على الخطاب السياسي االستنجاد‬
‫القول ومقد َّ‬
‫ِ‬ ‫وكمال‬
‫ِ‬
‫التموه به‪ ،‬ليصبحا اللهب نفسه المتيقن من نوره والجدير بوجوده‪.‬‬
‫بالمسكوك من التعابير و ّ‬
‫و لهذا فإنّنا ارتأينا تضمين المبحث األول من أول فصل من هذه الدراسة مطلبين‪ ،‬حيث‬
‫تناولنا في المطلب األول مفهوم الخطاب وخصائصه ومميزاته‪ ،‬وكذا أركانه ووظائفه من‬
‫مختلف الزوايا‪ .‬ومن بين ما تطرقنا إليه فإنّنا ركزنا عل ى تحليل الخطاب و التداولية‪ ،‬وذلك‬
‫لما لهذين المصطلحين من تأثير على سيرورة دراستنا الداللية‪ .‬فتحليل الخطاب يرسم لنا‬
‫معالم الدراسة وخطوطها‪ ،‬أ ّما التداولية فتتيح لنا إجراء ذلك التقابل الداللي بين المراد بها في‬
‫الخطاب األصل و المترجم‪ .‬لذا كان لزاما علينا إدراج مطلب ثاني مخصص للسياسة‬
‫والخطاب السياسي وأنواعه وذلك لإللمام بخصائصه و ألوانه‪ ،‬ومن أجل التطرق إلى‬
‫الضرورة و الحال المستدعي للتعابير المسكوكة‪ ،‬فالنقد الترجمي حسبما ذهب إليه جون دوليل‬
‫ال يتأت إال بوضع الخطاب و التعابير المدروسة في سياقها المستعملة فيه لفهم المراد منها في‬
‫إطار المراد بالخطاب نفسه‪.‬‬
‫كما شطرنا المبحث الثاني من نفس الفصل مطلبين‪ ،‬فأ ّما األول فقد تناول نا فيه نشأة‬
‫التعابير المسكوكة وجملة من ال مصطلحات التي عبّرت عن المفهوم واستُ ِ‬
‫عملت للداللة عليه‬
‫ّ‬
‫المنظرين وزوايا النظر كمصطلح األمثال والتعابير االصطالحية الذي‬ ‫من طرف مختلف‬
‫استغرق م ّنا أغلب الحديث‪ ،‬ذلك أل ّنها من أقوى المصطلحات وأكثرها استعماال و تداوال‪.‬‬
‫لكن تلك المصطلحات لم تكن في مستوى واحد‪ ،‬مما ر ّجح مصطلح التعابير المسكوكة‬
‫على غيره‪ ،‬و ذلك بعد مفاضلة موضوعية‪ .‬و ترجيح مصطلح التعابير المسكوكة ال يعني‬
‫رفضا للمصطلحات األخرى‪ ،‬وإ ّنما يعكس مدى أهميتها و تشعبها‪ ،‬كما يعكس ثراء‬
‫صة و دورها في الخطاب بأنواعه‬
‫الدراسات التي تناولت هذا النوع من التعابير الخا ّ‬
‫ومستوياته‪ .‬و قد تعرضنا في نفس المطلب إلى تعريف التعابير المسكوكة وخصائصها التي‬
‫ّ‬
‫للمنظرين حول‬ ‫تكسبها طابع المسكوكيّة و تميّزها عن العادي من الكالم‪ ،‬حيث لمسنا اتفاقا‬
‫صية االستقالل الداللي للمعنى عن المبنى‪،‬‬
‫تلك الخصائص التي ت ّم حصرها في خا ّ‬
‫والجمود المورفوتركيبي و عدم قابلية اإلضافة أو االستبدال لعناصرها اللغوية‪.‬‬

‫و‬
‫مقدمة‬

‫لما كانت التعابير المسكوكة تختلف عن العادي من الكالم في قيمتها ودالالتها‪ّ ،‬‬
‫فإن تلك‬ ‫و ّ‬
‫الخصوصية تفرض على مستعملها ضوابط سياقية الستدعائها‪ .‬و هذا ما جعلنا نفرد لتلك‬
‫ألهمها مع سرد أمثلة من رحم السياق السياسي‪ .‬وقد ميّزنا من‬
‫ّ‬ ‫الضوابط مطلبا نتعرض فيه‬
‫بين ما أدركناه من تلك الضوابط اإللمام بخصائص وأقدار المتلقي‪ ،‬وكذا مراعاة الحالة‬
‫النفسيّة له‪ ،‬و توفّ ر القرينة الهادية على المعنى الستتاره‪ ،‬والقصد بالكالم ومنه‪.‬‬
‫وتنوع مصادرها‪،‬‬
‫أما الفصل الثاني فقد خصصناه للتعابير المسكوكة بدراسة تصانيفها ّ‬
‫ّ‬
‫وكذا أهميتها في الخطاب السياسي‪ .‬ولذا فإنّنا قسمنا هذا الفصل إلى مبحثين‪ ،‬كان أولهما‬
‫وتنوع مصادرها‪ ،‬و هذا ما جعلنا‬
‫ّ‬ ‫بالتعرض إلى تصانيفها‬
‫ّ‬ ‫صصا للتعابير المسكوكة‬
‫مخ ّ‬
‫بالتعرض إلى‬
‫ّ‬ ‫نشطره مطلبين‪ .‬حيث تناولنا في المطلب األول تصانيف التعابير المسكوكة‬
‫أهم تصنيفين‪ ،‬وهما المتمثالن في تصنيف غروس و تصنيف راموس المعتمدين على‬
‫عاملين مختلفين يتمثالن في درجة المسكوكية و الثبات ودرجة التعتيم ووضوح المعنى‪،‬‬
‫و ال شك أنّ ه بالمثال يتضح المقال؛ لذا فقد د ّعمنا كل تصنيف بأمثلة داعمة‪.‬‬
‫تنوع مصادر التعابير المسكوكة وتباينها من الكمال‬
‫أ ّما المطلب الثاني فقد تطرقنا فيه إلى ّ‬
‫المطلق المتمثّل في الكالم المقدّس والكمال النسبي المتج ّ‬
‫سد في الحكم واألمثال والنوادر‬
‫و أقوال الفالسفة والمف ّكرين وأبيات الشعر المنظومة وما تبادلته الثقافات من أقوال‬
‫وعادات‪.‬‬
‫أما المبحث الثاني من نفس الفصل‪ ،‬فقد خضنا من خالله في تلك العالقة الوطيدة التي‬
‫ّ‬
‫تجمع بين التعابير المسكوكة والخطاب السياسي‪ ،‬و ذلك بالتطرق إلى أ ّهم استعماالت هذه‬
‫التعابير في الخطاب السياسي‪ .‬و من جملة ما أفادنا به البحث في تلك العالقة األزلية‪ ،‬هو‬
‫استعمال التعابير المسكوكة في افتتاح الخطاب و استهالله كما استعمالها في وسطه و آخره‪.‬‬
‫سد لها‪.‬‬
‫ضح لألفكار مج ّ‬ ‫فإن كان األول افتتاحيا ّ‬
‫فإن الثاني داعم للمعاني والرؤى‪ ،‬مو ّ‬
‫اليقتصر تواجد التعابير المسكوكة على الخطابات بل يتعدّاها إلى الشعارات الرسمية‬
‫و المناسباتية‪ ،‬إضافة إل ى دساتير الدول وأناشيدها الوطنية‪.‬‬
‫إفتتحنا الفصل الثالث بمبحث خاص حول أه ّم عراقيل ترجمة التعابير المسكوكة في‬
‫الخطاب السياسي‪ .‬وبالتمعّن في عنوان المبحث وجدنا أنّنا ملزمون بضرورة تضمين هذا‬

‫ز‬
‫مقدمة‬

‫المبحث لمطلبين‪ ،‬حيث نتعرض في األول منهما إلى العراقيل التي تواجه المترجم؛ وهي تلك‬
‫النابعة من طبيعة السياق المستدعاة فيه والمتمثل في الخطاب السياسي‪ .‬وبذلك وجب علينا‬
‫التطرق إلى الترجمة السياسية وتاريخها‪ ،‬والمترجم السياسي و حدوده‪ ،‬وذلك من باب‬
‫ّ‬
‫الفضل‪ ،‬فاألولى تمثل سياق الترجمة والثاني يمثل الفاعل فيها‪.‬‬
‫كما أنّنا عدّدنا ج ّل العراقيل الترجمية المتعلقة بالسياق السياسي من تراكب لغوي‪ ،‬وحساسية‬
‫السياق وسادية الزمن المتاح للتر جمة مقارنة بذلك المتاح لصاحب الخطاب إللقاء خطابه‪،‬‬
‫معتمدين في ذلك على أحدث الدراسات في علم ال تشريح و األعصاب لنورمان دويدج ويان‬
‫فيسترهوف‪.‬‬
‫أ ّما المطلب الثاني من نفس هذا الفصل‪ ،‬فقد تطرقنا فيه إلى العراقيل الترجمية النابعة من‬
‫ماهية التعابير المسكوكة‪ .‬وقد تباينت تلك العراقيل بين المتعلّقة منها بتباين هندسة اللغات‬
‫المتعامل بها في الترجمة‪ ،‬وتباين االنتماء الثقافي األصل‪ ،‬والقدرة الشخصية على تحديدها‬
‫وتحديد المراد منها‪ ،‬وإيجاد التعابير الكفؤ التي تنوب عن األصل وتعكس أصالته‪ ،‬لذا فإنّنا‬
‫عدّدنا العراقيل التالية‪ :‬تمييز التعابير المسكوكة وتحديدها‪ ،‬والتمكن من معناها‪ ،‬اختالف‬
‫هندسة اللغة المعبر بها عن اللغة المترجم إليها‪ ،‬الخ اصية الشعرية واعتماد األوزان والقوافي‬
‫في نظمها‪ ،‬التباين ا لثقافي والتباين اإليديولوجي‪ ،‬وتباين الحقول الداللية‪ ،‬وكذا الشحنة‬
‫العاطفية المنقولة عبرها و قدرة الترجمة على مسايرتها ونقلها كما هي‪.‬‬
‫و الستكمال هذه الدراسة الداللية التقابلية للتعابير المسكوكة المستعملة والمستدعاة في‬
‫صصنا المبحث األخير لتسليط الضوء على مختلف ترجماتها فيه‪.‬‬
‫الخطاب السياسي‪ ،‬فقد خ ّ‬
‫وقد ر ّكزنا على الخطا ب الرئاسي في الجزائر الجديدة‪ ،‬و ذلك بتناول بعض خطابات السيد‬
‫رئيس الجمهورية الجزائرية السيد عبد المجيد تبون‪.‬‬
‫فضّلنا خالل هذه الدراسة األخذ من كل ترجمة تتمتع بنوع من المصداقية بطرف‪،‬‬
‫ومن كل علم داللي بماء معين‪ ،‬وذلك باالعتماد على مراج ع معجمية لدراسة داللة الكلمات‬
‫والتعابير كقاموس المعاني وكتب التفسير‪ ،‬و دالالت الحروف العربية لدراسة تأثير اللبنات‬
‫الهجائية على البناء التعبيري و التخاطبي‪ ،‬كما أنّنا لم ننس ذكر الترجمات المحققة لمختلف‬
‫التعابير ال مسكوكة في المراجع التي وصلتنا ومقارنتها بما جا ءت به وكالة األنباء‬

‫ح‬
‫مقدمة‬

‫الجزائرية وبعض الصحف الجزائ رية الناطقة بالفرنسية‪ ،‬و هذا من أجل مقارنة الترجمات‬
‫المحققة و العبارات األصل بنص ثالث يمكن اعتباره كترجمة موازية أو ترجمة وسيطة‪.‬‬
‫وما كان انتهاجنا لهذا النهج ّإال لتجسيد مفهوم الموسوعية في حدود المعلومة والمراجع‬
‫المتاحة‪ .‬وتحقيقا لمبدأ التنويع واإلثراء بغية إ ثراء هذه الدراسة‪ ،‬فقد اعتمدنا خاللها نماذج‬
‫ترجمة تحريرية لخطابين رئاسيين مختل فين (وكالة األنباء الجزائرية) وترجمة فورية‬
‫لمقابلتين صحفيتين للرئيس الجزائري عبد المجيد تبون ( قناة فرانس ‪ ،24‬و قناة روسيا‬
‫اليوم)‪.‬‬
‫و قد ميّزنا في هذه الدراسة ثالثة أساليب ترجمية متباينة االنتماء المذهبي الترجمي‪ ،‬فمنها‬
‫ما وافقت ما جاء به نايدا و جسدت نظريته المعتمدة على مبدأ التكافؤ الديناميكي‪ ،‬ومنها ما‬
‫وافق نهج الترجمة الفورية أو ما يعرف بالمدرسة الباريسية من تأويل للمعاني و الدالالت‪،‬‬
‫وقد ميزنا في إعتماد المترجمين لهذه التقنية وحذوهم هذا الحذو تباين مستوى التأو يل بين‬
‫التأويل على مستوى النص والجملة و العبارة‪ ،‬كما سجلنا تباين تقنيات التأويل بين التأويل‬
‫التداولي والتقابلي و االستداللي‪ ،‬و ما كان تسجيلنا لما سجلنا إال باعتمادنا مختلف نظريات‬
‫تحليل الخطاب و تأويله‪ .‬كما ميزنا أيضا إعتماد المترجمين على تقنيات الترجمة الحرفية‬
‫أو ما يعرف بالنظرية اللسانية و تقنياتها‪.‬‬

‫و لهذا فإنّنا قد شطرنا هذا المبحث العملي إلى ثالث مطالب‪ ،‬و قد وسمنا كل مطلب بالتقنية‬
‫المستعملة في الترجمة‪ ،‬فكانت بذلك ثالثا‪ .‬و قد أفردنا لكل مطلب مجموعة من التعابير‬
‫المسكوكة وترجما تها‪.‬‬
‫كما الحظنا تداخل التقنيات المستعملة لترجمة بعض الع بارات ك " بالشعب وإلى الشعب"‬
‫و "ذر الرماد في العيون" غير أننا رجحنا كفة تقنية على األخرى مبرزين السبب‬
‫الموضوعي لذلك القرار الشخصي‪.‬‬

‫وختاما فإ ّننا تو ّ‬
‫صلنا إلى تع ّدد المقاربات والتقنيات المتعدّدة والمت ّنوعة ّ‬
‫تنوع التعابير‬
‫المسكوكة المستعملة‪ ،‬والمختلفة اختالف المترجمين وسياق الترجمة وكذا اختالف المعجم‬
‫أن هذه التقنيات ال تمثّل في كنهها قيودا ترجمية‪ ،‬وإ ّنما سبال‬
‫اللغوي الفردي للمترجم‪ .‬حيث ّ‬

‫ط‬
‫مقدمة‬

‫ممكنة االنتهاج إليجاد حلول لحظية مؤقتة أو د ائمة لتجاوز العراقيل الترجمية وإيجاد‬
‫جواب عملي لحظي إلشكالية ترجمة التعابير المسكوكة في الخطاب السياسي‪ .‬فالتقنيات‬
‫و النظريات ال تعدو كونها لغونة لسلوكات ترجمية سبق وجودها وجود النظرية أو المقاربة‬
‫نفسها‪ ،‬ذلك ّ‬
‫ألن النظريات ما هي إال تأمالت فلسفية بعدية في سلوكات ترجمية قبلية‪.‬‬

‫و بما ّ‬
‫أن العلم دائما ظالم‪ ،‬فهو ال يجيب عن تساؤل دون أن يضيف عشرا إليه فقد‬
‫الخاص‬
‫ّ‬ ‫ارتأينا إرفاق هذه الدراسة بجملة من التوصيات تتمحور حول تكثيف دراسة هذا‬
‫من التعابير في هذا السياق السياسي المتمتع بنوع من القدسية الوضعية‪ ،‬إلى جانب‬
‫التشجيع على الخوض في تساؤال ت قد طرحناها في خضم هذه الدراسة دون اإلجابة عنها‬
‫التزاما منا بفحوى الدراسة ومسارها‪ .‬ولو أنّ نا خضنا فيها لكنّا اآلن الزلنا نراوح مكاننا لما‬
‫يمكن لتلك التساؤالت أن تفتحه من إشكاليات تقتضي بحوثا أعمق وأطول‪ ،‬كما أنّنا أشرنا‬
‫صة بالترجم ة تنظر عبر ها إلى المفاهيم التي تتناولها و تعبّر‬
‫إلى ضرورة إيجاد نافذة خا ّ‬
‫عنها وفق ما تراه هي بعيدا عن ضغط الدراسات و الشعب العلمية األخرى‪ .‬فإن كان‬
‫االحتكام إليها واجبا‪ّ ،‬‬
‫فإن تعزيز استقاللية الترجمة أولى و أوجب‪.‬‬

‫ي‬
‫الفصل األول‪:‬‬
‫الخطاب السياسي و‬
‫التعابير المسكوكة‪.‬‬
‫المبحث األول‪:‬‬
‫الخطاب السياسي‪.‬‬
‫المطلب األول‪:‬‬
‫الخطاب‪.‬‬
‫الخطاب السياسي‪.‬‬

‫يعتبر الخطاب السياسي من أهم أنواع الخطاب المتخصص ألهميته االجتماعية النابعة‬
‫من كونه يحمل رسائل من شأنها تقرير سيرورة وصيرورة المجتمعات و األفراد على حد‬
‫سواء‪ ،‬لذا تسابق الدارسون على البحث في ميدانه الالمتناهي األطراف‪.‬‬
‫تقودنا دراسته إلى حتمية التطرق إلى شقيه اللغويين بدءا ً بتسليط الضوء على ماهية الخطاب‬
‫واإلحاطة بمختلف جوانبه النظرية و ربطه بالترجمة‪ ،‬ث ّم التطرق إلى السياسة كميدان تتجلى‬
‫فيه أهمية إنشاء وإلقاء هذا النوع من اإلبداع البشري الناتج عن تزاوج قوة التحكم باللغة‬
‫والبالغة من جهة‪ ،‬والرؤية الصحيحة والبصيرة النافذة من جهة أخرى‪ ،‬منتجا ً كائنا ً وجوديا ً‬
‫مؤثراً في زمكانه بروحه الفكرية وتوجهه العقائدي‪ ،‬تلك الروح الكامنة والساكنة و المنطلقة‬
‫سد اللغوي والبنية األسلوبية القوية ‪.‬‬
‫والمشعة من التج ّ‬

‫الخطاب ‪:‬‬ ‫‪-1‬‬


‫يعتبر الخطاب من أهم المصطلحات و الموضوعات التي أثارت الجدل لدى علماء اللغة‬
‫واللسانيّات منذ األزل‪ ،‬وهذا راجع أساسا ألهميته المستقاة من وظيفته التواصلية و التعبيرية‬
‫عن الذّات ‪.‬‬
‫ّ‬
‫يبث نفسا جديدا في األبحاث العلميّة حول الخطاب‬ ‫تطور علم اللسانيّات أن‬
‫ّ‬ ‫إستطاع‬
‫وإعطائها منحى آخر غير ذلك التو ّجه القديم المحصور في إيجاد التعريف المناسب‬
‫و المرادفات اللغوية إلى تأسيس منهج بحث أكاديمي يعرف بتحليل الخطاب‪ ،‬له نظرياته‬
‫صة و التي تعرف بنظريات الخطاب‪.‬‬
‫الخا ّ‬
‫و حيث أنّنا بصدد إجراء دراسة حول الخطاب السياسي فالتطرق إلى مفهوم الخطاب‬
‫وأنواعه لربطه بالسياسة أمر ال يختلف عليه اثنان‪.‬‬
‫‪ 1 -1‬تعريف الخطاب‪:‬‬
‫‪ 1-1-1‬الخطاب لغة‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫الخطاب السياسي‪.‬‬

‫الخطاب حسب ما ورد في المعجم الوسيط هو " كالم يوجه إلى جمهور من المستمعين‬
‫في مناسبة من المناسبات‪ .‬أو رسالة "‪ 1‬أي أن الخطاب يمكن أن يكون كالما شفهيا أو نصا‬
‫مكتوبا موجها للقراءة الصامتة أو اإللقاء الشفوي‪.‬‬
‫و الخطاب حسب ما أورده قاموس اللغة الفرنسية "الرووس" )‪ (Larousse‬هو الكالم‪ ،‬و قد‬
‫‪2‬‬
‫أ ّكد على ذلك باستخدام ثالث كلمات و هي "الشفهي‪ ،‬و المنطوق‪ ،‬و المحادثة "‬
‫و الكلمة الفرنسية " ديسكور" )‪ (discours‬مشتقة من الكلمة الالتينية " ديسكورسوس"‬
‫)‪ (discursus‬بمعنى الجري هنا و هناك‪.‬‬
‫أما القاموس االنجليزي "اوكسفورد" )‪ (oxford‬فقد عرف الخطاب بإيجاز‪ ،‬حيث جاء فيه ّ‬
‫أن‬
‫الخطاب يجمع بين الطول و الجدية؛ وما يفهم من سياق هذا التعريف أن الخطاب هو الكالم‬
‫الذي يقصد به إيصال معلومة أو فكرة تكتسي طابع األهمية مدعومة ببراهين و حجج مقنعة‬
‫حيث يتباين طول الخطاب حسب أهمية الفكرة و طبيعة الحجج و البراهين‪.3‬‬

‫‪ 2-1-1‬الخطاب إصطالحا‪:‬‬
‫أم ا القاموس المتخصص في اللسانيات فقد جاء فيه أن الخطاب هو عملية تفعيل اللغة أو‬
‫‪4‬‬
‫صياغة األفكار في قالب لغوي للتعبير عنها على شكل كلمات متتالية‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫كما جاء فيه أيضا أن الخطاب هو نص مقروء أو كالم ارتجالي أمام جمهور‪.‬‬
‫و الواضح هو إجماع القواميس على أن الخطاب هو الكالم‪ ،‬و هذا ما ذهب إليه ابن‬
‫منظور أيضا حيث جاء في لسانه أن الخطاب هو مراجعة الكالم بين طرفين أو أكثر بحيث‬
‫‪6‬‬
‫يتم تبادل رسائل لغوية بين ما يعرف بأطراف الخطاب‪.‬‬

‫‪https://www.almaany.com/ar/dic/ar - (12 /12/2018)- 1‬‬


‫‪2‬‬
‫;‪- Larousse. Dictionnaire de français. Larousse/vuef. 2001. “discours. Nm. 1developpement oratoire‬‬
‫» ‪allocution prononcée en public. 2 conversation, entretien‬‬
‫‪3‬‬
‫‪-oxford. Learner’s pocket dictionary. Oxford university press. Fourth edition. 2008. « discours : long and‬‬
‫» ‪serious speach‬‬
‫‪4‬‬
‫‪-dictionnaire de linguistique. Larousse. Paris . 2001. “le discours: actualization de la langue; suite de mots‬‬
‫”‪qu’on emploie concretement pour exprimer sa pensée‬‬
‫‪5‬‬
‫‪ -Dictionnaire de linguistique, larousse. “spécialement: texte lu ou propos improvises devant un‬المصدر نفسه‪.‬‬
‫”‪public‬‬
‫‪ - 6‬ابن منظور‪.1999 ،‬لسان العرب‪.‬الجزء الثاني‪ .‬دار صادر‪ .‬بيروت‪ .‬ص ‪.66‬‬
‫‪4‬‬
‫الخطاب السياسي‪.‬‬

‫يُفهم من هذا السياق ّ‬


‫أن الخطاب هو تجاذب أطراف الحديث بكل أنواعه بين طرفين أو أكثر‬
‫كما جاء في تعريفه‪ ،‬مع شرط تبادل رسائل لغوية دون تحديد نوعها إن كانت الرسائل‬
‫محررة باستعمال نفس اللغة أو لغات مختلفة إليصال الفكرة و المعنى )موضوع الخطاب(‪.‬‬
‫لم يغفل أبو ا لبقاء اللغوي هذا الجانب في الكالم في كتاب الكليات حيث قال "الخطاب هو‬
‫الكالم الذي يقصد به اإلفهام ‪ ،‬إفهام من هو أهل للفهم والكالم الذي ال يقصد به إفهام المستمع‬
‫فإنّه ال يسمى خطابا "؛ اشترط أبو البقاء في تعريفه شرط اإلفهام‪ ،‬ويكون بذلك قد استثنى‬
‫الجدال العقيم والمراء والضوضاء‪ ،‬ووافقه في ذلك ابن اجروم حيث قال ّ‬
‫أن الخطاب هو‬
‫الكالم و ّ‬
‫أن الكالم "هو اللفظ المركب المفيد بالوضع"‪ ،7‬ويقول سبحانه وتعالى في وصفه‬
‫للقرآن " إنه لقول فصل وما هو بالهزل"(سورة الطارق‪ ،‬اآلية ‪)13‬؛ إضفاء ابن اجروم‬
‫صفة اإلفادة على الكالم هو إضفاء لها على أطرافه‪ ،‬فالمراد به نيّة المرسل في إرسال رسالة‬
‫مفهومة المعنى وواضحة المعالم قصد إيصالها وترسيخها في ذهن المستقبل للخطاب والذي‬
‫تكون عنده قابلية الفهم و نيّة التلقي بدوره للتحليل والتفاعل باإليجاب أو بالسلب‪.‬‬
‫كما ال يمكن بأي حال إغفال ظروف إنتاج الخطاب وإستقباله كرسالة صوتية‪ ،‬فالكالم عبارة‬
‫عن ذبذبات وموجات صوتية يصدرها جهاز النطق لدى المرسل لينتقل عبر الوسط الخارجي‬
‫المليء بالحواجز الصوتية الطبيعية و الغير الطبيعية ليصل إلى جهاز االستقبال (السمع) لدى‬
‫المتلقي‪ ،‬إذ ال يمكن إهمال العوامل الخارجية عن نطاق الخطاب (الضوضاء‪ ،‬الشوشرة‪،‬‬
‫حواجز‪ )...‬أو الداخلة ضمن تكوينه (قوة الصوت‪ ،‬اللغة‪ ،‬خلل في جهاز النطق‪ )...‬و التي من‬
‫شأنها إعاقة إيصال الرسالة‪ ،‬لم يغفل شانون و ويفر دور المعوقات الصوتية و اللغوية في‬
‫إعاقة وصول الرسالة و ضرورة تخطيها إليصال الرسالة و استقبالها‪.‬‬

‫‪ -‬ابن اجروم ‪ .2002 ،‬نظم االجرومية‪ .‬دار اإلمام مالك‪ .‬ط‪ .1‬الجزائر‪ .‬ص‪.7‬‬ ‫‪7‬‬

‫‪5‬‬
‫الخطاب السياسي‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫الشكل (‪ :)1‬نموذج شانون و ويفر‪.‬‬

‫المكون له‪ ،‬و قد أجازه‬


‫ِّ‬ ‫أُط ِلق على الخطاب إسم "الكلمة " من باب تسمية الكل بالجزء‬
‫اإلمام السيوطي حيث قال في كتاب همع الهوامع أ ّنه " من باب تسمية الشيء باسم بعضه "‪9‬؛‬
‫إذ تنتشر هذه الظاهرة اللغوية في اللغات األخرى فيقال "ألقى فالن كلمة" و "جاء في كلمة‬
‫» ‪ « Dans le mot de monsieur‬و تعرف في الفرنسية باسم‬ ‫فالن التي ألقاها"‬
‫)‪ (l’hyponymie‬و في االنجليزية باسم )‪.(hyponymy‬‬
‫الخطاب من المفاهيم التي اتسع مدلولها و كثُر الجدل حولها بكثرة النظريات و المقاربات‬
‫و الرؤى المتنوعة تنوع المذاهب المتناولة لموضوعه و المتشعبة تشعُّب الشعب العلمية‬
‫وفروعها الدارسة له ولمظاهره‪ ،‬حيث شهد تطورا ملحوظا بدءا من الربط باللغة التي تعتبر‬
‫أداة تواصل بين الجماعات واألفراد والتي قال عنها جاك فونتاني » اللغة هي الربط بين‬
‫بعدين على األقل يسميان مخطط التعبير و مخطط المضمون و الذين يتطابقان على التوالي‬
‫مع ما وصفناه حتى الوقت الراهن بالعالم الخارجي والعالم الداخلي‪« 10‬‬
‫و الكالم باعتباره استعمال اللغة وتفعيلها باستثمار اإلمكانيات اللغوية الفردية و قدرات‬
‫الصياغة في التخاطب باستخدام جهاز النطق المحكوم بآليات إرادية أو ال إرادية مرورا‬
‫‪ - 8‬نظرية اإلتصال )‪https://slideshare.net/almasseri/ss-67459194 (12/05/2019‬‬
‫‪ - 9‬السيوطي‪ ،‬جالل الدين‪ .1975 ،‬همع الهوامع في شرح الجوامع‪ .‬دار البحوث العلمية ‪.‬ط‪ .1‬الكويت‪ .‬ج ‪ .1‬ص‪.3‬‬
‫‪10‬‬
‫‪ -‬فونتاني‪ ،‬جاك‪ ،2018.‬من العالمة إلى الخطاب ‪ .‬ترجمة د‪ .‬غسان السيد‪ .‬مجلة جسور ثقافية‪ .‬العدد ‪ .12‬ص ‪.31‬‬
‫‪6‬‬
‫الخطاب السياسي‪.‬‬

‫بالنص و التواصل كوظيفة جوهرية للخطاب وصوال إلى التداولية و نظريات الخطاب‬
‫وتحليله‪.‬‬

‫اللغة‪:‬‬ ‫‪ 3-1-1‬الخطاب و‬
‫تطرق إلى دراسة هذه الثنائية هو الفرنسي أندري مارتيني )‪،(André Martinet‬‬ ‫ّ‬
‫إن ّأول من ّ‬
‫سس مذهب الوظيفية اللغوية )‪ ، (le fonctionnalisme‬و قد جاء على لسانه ّ‬
‫أن‬ ‫حيث يعتبر مؤ ّ‬
‫عكس ما‬ ‫‪11‬‬ ‫اللغة أداة و وسيلة للتواصل‪ ،‬و ّ‬
‫أن الخطاب و الكالم هما اإلستعمال الفردي للغة‪،‬‬
‫بأن الّلغة نظام عالمات واجب‬
‫سس اللسانيات الحديثة دي سوسير )‪ّ (De Saussure‬‬
‫جاء به مؤ ّ‬
‫الدراسة‪.‬‬
‫شك ّ‬
‫أن للغة أهمية كبرى في حياة األمم و المجتمعات حيث قالت جوديت باتلر " نحن‬ ‫ال ّ‬
‫كائنات تحتاج اللغة لكي تكون "‪12‬؛ وإن كانت اللغة في مفهومها منتوجا توافقيا لمجتمع ما‪،‬‬
‫الحر النابع من اإلرادة الفردية للمخاطب‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫فإن الخطاب هو تجسيدها وتفعيلها في التجلي‬
‫ورغبته في التواصل مع بني جنسه بانتقاء ك ّم لفظي مشترك لتلبية حاجة وبلوغ هدف‪.‬‬

‫‪ 4-1-1‬الخطاب و الكالم‪.‬‬
‫مع تطور علم اللسانيات برزت للوجود مفاهيم جديدة و اتسعت أخرى موجودة سلفا إلى‬
‫حد تأسيس فروع علمية مستقلة بحد ذاتها فتوسع مفهوم الخطاب متعديا مستوى الكالم ‪.‬‬

‫ذكر الحميري أن الخطاب قديما كان يقصد به قدرة المواجهة بالكالم و اإلقناع‪ ،‬و ذهب‬
‫بعيدا في تحليله إلى حدّ اعتباره فنا يختلف من إنسان آلخر‪ ،‬أو نظا ًما خاضعًا لحتمية اإلقناع‬
‫إن الخطاب ّ‬
‫فن مواجهة اآلخرين بالكالم‬ ‫و التأثير في الطرف المتلقي للخطاب حيث قال " ّ‬
‫أو هو نظام صياغة الكالم المؤثر في اآلخرين و تنظيمه و التوجه به إليهم بطريقة معينة‬
‫؛ و هذا‬ ‫‪13‬‬
‫تجعله قادرا على التأثير فيهم وإقناعهم بوجهة النظر التي يتبناها المخاطب "‬
‫بالضبط ما لمسناه في تعريف اللساني بنفينيست )‪ (Benveniste‬الذي يرى بدوره ّ‬
‫أن الخطاب‬

‫‪MARTINET. André. Eléments de linguistique générale, Armand Colin, Paris, 1960, p 69. -‬‬ ‫‪11‬‬

‫‪ - 12‬هابرماس‪ ،‬يورغن‪ .2013 ،‬قوة الدين في المجال العام‪ .‬ترجمة فالح رحيم‪ .‬دار التنوير للطباعة و النشر‪ .‬بيروت‪.‬‬
‫ص ‪.29‬‬
‫‪13‬‬
‫‪ -‬الحميري‪ ،‬عبد الواسع‪ .2015.‬نظرية الخطاب مقاربة تأسيسية‪ .‬مؤسسة االنتشار العربي‪ .‬ص ‪.12‬‬
‫‪7‬‬
‫الخطاب السياسي‪.‬‬

‫هو القول أو الكالم بين طرفين أحدهما ملقي واآلخر متلقي‪ ،‬حيث يعتزم األول التأثير على‬
‫‪14‬‬
‫الثاني بطريقة ما‪.‬‬

‫أ ّما غيسبان )‪ (L. Guspin‬فيرى ّ‬


‫أن الخطاب هو الكالم لكن وفق آليات تحدّده وتضبطه‪ ،‬وقد‬
‫جاء في وصفه للكالم أنّه مجموعة من الجمل المتتالية الموجودة بين إشارتي توقف‪ :‬األولى‬
‫سابقة للكالم‪ ،‬والثانية تحدّد نهايته‪.15‬‬
‫لكن شارودو )‪ (P. Charaudeau‬فصل بين الكالم و الخطاب‪ ،‬حيث قال أن الكالم هو عملية‬
‫عرف الخطاب على أنه التعبير أو التواصل‬
‫تفعيل فردية أو االستعمال الشخصي للغة‪ ،‬بينما ّ‬
‫في سياق إجتماعي منفرد‪ ،‬و أضاف أن نجاعة الخطاب تنبع من كفاءة توظيف الكالم و اللغة‬
‫‪16‬‬
‫في هذا السياق‪.‬‬

‫و هذا ما أكده ويداوسون )‪ (widdousson‬حيث قال أن الخطاب هو استعمال الكالم الستكمال‬


‫‪17‬‬
‫العقد االجتماعي الذي أنجز من أجله ‪.‬‬

‫النص‪.‬‬ ‫‪ 5-1-1‬الخطاب و‬
‫المعنى الشائع لكلمة النص مرتبط بالكتابة‪ ،‬فالنص عند عموم الناس يمتد من أبسط‬
‫الكتابات الدالّة كقائمة المشتريات مثال إلى القرآن الكريم و أ ّمهات الكتب‪ ،‬أ ّما اإلمام الشافعي‬
‫‪18‬‬ ‫فرأى ّ‬
‫أن الخطاب هو النص نفسه حيث قال " النص خطاب يعلم ما أريد به من الحكم"‪.‬‬
‫و مع ظهور لسانيات الخطاب التي أعطت نفسا جديدا للبحث و التنظير تطور مفهوم‬
‫الخطاب ليشمل الكالم و النص المكتوب و ظروف إنتاجه وإلقائه وحتى طريقة إلقائه‪ ،‬وهذا‬

‫‪-14 M. Anquetil. Quelques éléments d’analyse du discours. Lingua frencesse avanzata. Facolta di scienze‬‬
‫‪politiche. Universita di Maczrata.‬‬
‫–‪L. GUESPIN.1971 Le discours politique. Langage. Revue trimestrielle. Didier/ Larousse. Paris.‬‬
‫‪16‬‬
‫‪- « la parole est un acte individuel, un usage de la langue dans une situation particulière‬‬
‫‪dont le produit est un texte (orale ou écrit) » « le discours est la mise en œuvre de la parole‬‬
‫‪dans l’expression ou la communication dans un contexte social singulier, la performance‬‬
‫‪discursive révèle la compétence pragmatique (capacité à utiliser la langue en contexte‬‬
‫‪M. Anquetil. P 35.‬المصدر نفسه‪social) » ،‬‬
‫‪ -17‬المصدر السابق ‪M. Anquetil.‬‬
‫‪ - 18‬الشافعي ‪ ،‬محمد بن ادريس‪ .‬الرسالة‪ ،‬تحقيق محمد شاكر‪ ،‬المكتبة العلمية‪ ،‬ط‪ ، 1‬القاهرة‪ ،‬ص‪.14‬‬
‫‪8‬‬
‫الخطاب السياسي‪.‬‬

‫ما أكده فوكس )‪ (C. FUCHS‬في قوله ّ‬


‫بأن الخطاب حصيلة و منتوج شبكة معقدة من‬
‫‪19‬‬
‫العوامل لفوق اللغوية‪.‬‬

‫و قد وافقه الحميري على رأيه و ل ّخص كل ما سبق ذكره في كلمتين و هما " بنية‬
‫أن الخطاب يمكن أن ينطوي على أكثر من نص واحد‪ ،‬حيث قال ّ‬
‫أن‬ ‫كلية"؛ لكنه أضاف ّ‬
‫مكونة نظاما متتابعا تسهم به في تشكيل‬
‫الخطاب " بنية كلية والطريقة التي بها تتشكل الجمل ّ‬
‫كلي مغاير و متحدد الخواص و على نحو يمكن معه أن تتآلف الجمل في خطاب يعنيه لتشكل‬
‫نصا مفردا‪ ،‬أو تتآلف النصوص نفسها في نظام متتابع لتشكل خطابا أوسع ينطوي على أكثر‬
‫‪20‬‬
‫من نص مفرد"‬
‫يبدو جليا للقارئ تركيز الحميري على صفتين أساسيتين في الخطاب و هما التتابع سواء كان‬
‫بين الجمل المترابطة المشكلة لنص ما أو بين مجموعة النصوص المكونة للخطاب‪ ،‬و كذا‬
‫صفة التآلف لضمان إتسّاق النصوص و انسجام الخطاب‪.‬‬
‫يرى جون ميشيل أدام )‪ (J.M.ADAM‬أن مفهوم الخطاب أوسع من النص‪ ،‬حيث أوجد‬
‫عالقة رياضية بين النص والخطاب و العوامل الخارجية للنص‪ ،‬والتي قصد بها ظروف‬
‫إنتاج النص وأهدافه‪ ،‬أطلق عليها المنظرون تسمية "السياق"‪:‬‬

‫‪(21‬السياق) ‪( + le contexte‬النص) ‪( = le texte‬الخطاب) ‪le discours‬‬

‫و يضيف مانغونو )‪ (Maingueneau‬أن الخطاب ليس وليد الحدس و العشوائية‪ ،‬وإنّما بنية‬
‫‪22‬‬
‫متكاملة في سياق محدد و هذا ما أكده الحميري فيم سبق ذكره ‪.‬‬

‫‪ 6-1-1‬الخطاب و التواصل‪:‬‬

‫‪19‬‬
‫‪« objet concret, produit dans une situation déterminée sous l’effet d’un réseau complexe de déterminations‬‬
‫(‪extralinguistiques » https ://www.eer.cz/files/eer_ll-2-09-comptes.pdf ( 2019 /08 /13‬‬
‫‪20‬‬
‫‪ -‬المصدر السابق‪ :‬الحميري‪ ،‬عبد الواسع‪ ،‬نظرية الخطاب‪ ،‬ص ‪.93‬‬
‫‪21‬‬
‫‪- Jean-Michel ADAM.2006. Texte, contexte et discours en questions. Réponses de Jean-Michel Adam.‬‬
‫‪Pratiques n°129-130..PDF.p 3.‬‬
‫‪-22 « le discours n’est un objet concret offert à l’intuition mais le resultat d’une construction … en fonction des‬‬
‫‪ Jean-Michel Adam.‬المصدر نفسه‪conditions de production » ,‬‬

‫‪9‬‬
‫الخطاب السياسي‪.‬‬

‫فإن لهذا األخير عالقةً وطيدة‬


‫بنا ًء على ما ورد في تعريف قاموس كامبريدج للخطاب ّ‬
‫بالتواصل واالتصال )‪ (la communication‬حيث يعتبر الخطاب بوصفه كالما أ ّهم وسيلة‬
‫وأقصر طريق للتواصل مع المحيط االجتماعي للفرد والمجتمع‪.‬‬
‫لفظة االتصال في العربية مشتقة من فعل وصل الذي يعني بلوغ الغاية‪ ،23‬والغاية هنا‬
‫يقصد بها مشاركة فكرة أو إزالة غموض أو توضيح رؤية بواسطة اللغة (كالم‪ ،‬أو كتابة‪ ،‬أو‬
‫إشارة‪.)...‬‬
‫عرف قاموس الرووس للغة الفرنسية اإلتصال على أنه تبادل لغوي بين متكلم ومستمع‬
‫يُ ّ‬
‫‪24‬‬
‫صة‪.‬‬
‫بغرض توليد استجابة لديه ومشاركته أفكاره الخا ّ‬
‫صال هو مجموعة الظواهر المتدخلة في عملية نقل‬ ‫و قد جاء في قاموس اللسانيات ّ‬
‫أن اإلت ّ‬
‫المعلومة من مالكها الذي ينوي إرسالها إلى فرد أو مجموعة أفراد و مشاركتهم إيّاها عن‬
‫طريق اللغة أو وسائل أخرى كفيلة بإيصالها كالرموز و األصوات و اإلشارات‪...‬إلخ‪.‬‬

‫‪ 2-1‬أركان الخطاب‪:‬‬
‫من األوائل الذين اهتموا بدراسة الخطاب و التواصل نجد أرسطو الذي أولى للخطاب‬
‫أهمية قصوى‪ ،‬حيث كان يرى أن الكالم مرآة المتكلم التي تعكس مستواه وطريقة تفكيره؛‬
‫و هو الذي قال ألحدهم " تكلم ألراك"‪ .‬كما كللت جهوده بوضع أول مخطط للتواصل أو‬
‫ض ّمنه أطراف التواصل أو التخاطب و قد حصرها في‬ ‫‪25‬‬
‫التخاطب )‪(schéma d’Aristote‬‬
‫ثالث عناصر هي‪:‬‬
‫الخطيب )‪ : (l’Ethos‬و هو ملقي الخطاب ‪.‬‬
‫المخاطب )‪ : (Pathos‬متلقي الخطاب‪.‬‬
‫الخطاب )‪ : (logos‬نص الخطاب‪.‬‬
‫و مع تطور الخطاب و وسائله و آلياته و األبحاث في ميدان اللسانيات ظهرت مصطلحات‬
‫جديدة أهمها أركان الخطاب و وظائف التواصل؛ و أركان الخطاب أربع‪:‬‬

‫الفيروز آبادي‪ ،‬مجد الدين أبي الطاهر ‪ .‬القاموس المحيط‪ .‬ج‪ .2‬ص‪.634‬‬ ‫‪23‬‬
‫‪.‬‬
‫‪24‬‬
‫‪-« La communication : action d’être en rapport avec autrui ; en général par le langage. Un échange verbal‬‬
‫‪entre un locuteur et un interlocuteur dont il sollicite une réponse. Entrer en contact avec quelqu’un pour lui faire‬‬
‫‪part da sa pensée » Larousse.‬‬
‫‪http://oliver-moch.over-blog.net/article- les-modèles-de-communication-72295675 . )2019 /10 /19 ( -25‬‬

‫‪10‬‬
‫الخطاب السياسي‪.‬‬

‫الخطيب أو مصدر الخطاب ‪ :‬و هو ملقي الخطاب في حال كان الخطاب شفويا‪ ،‬وقد جاء‬
‫في حديث رسول هللا صلى هللا عليه و سلم قال " ّ‬
‫إن عيسى بن مريم قام في بني إسرائيل‬
‫خطــيــبــا فقال‪ :‬يا بني إسرائيل ال تنطقوا بالحكمة عند الجهال فتظلموها و ال تمنعوها أهلها‬
‫فتظلموهم‪."26‬‬
‫و هو صاحب النص في حال كان الخطاب منشوراً عن طريق الكتابة؛ حيث قال سبحانه‬
‫وتعالى في محكم تنزيله في سورة النمل على لسان الملكة بلقيس حين تلت على قومها نص‬
‫خطاب نبي هللا سليمان عليه السالم " إنه من سليمان و إنه باسم هللا الرحمن الرحيم " (سورة‬
‫النمل‪،‬اآلية ‪ ،)30‬و يعتبر مصدر الخطاب المخطط الرئيسي للسياسة و الساهر األول على‬
‫تنفيذها كما يمكن أن ال يكون معنيا بفحوى خطابه‪.‬‬
‫المخاطب أو متلقي الخطاب‪ :‬و هو جمهور المتلقين؛ أو بمعنى آخر مجموع األشخاص‬
‫المعنيين بالخطاب سواء كانوا من طبقة خاصة أو عامة الناس‪.‬‬
‫الخطاب‪ :‬و هو نص كالم الخطيب أكان شفويا أو كتابيا يتضمن فكرة أو رأيا أو رؤية يريد‬
‫المخاطب إيصالها إلى جمهور المتلقين‪.‬‬
‫مصدر تلقي الخطاب‪ :‬و يتعلق بطريقة تلقي الخطاب حيث يمكن أن يكون مباشرا وجها‬
‫لوجه أو عن طريق الصحافة المكتوبة أو المسموعة و حتى وسائل التواصل االجتماعي‪.‬‬

‫‪ 3-1‬وظائف الخطاب‪:‬‬
‫‪ 1-3-1‬تصنيف مانغونو‪ :‬حسب دومينيك مانغونو ‪27‬فان للخطاب ثالثة وظائف ‪:‬‬
‫وظيفة المعنى‪ :‬بوصف الخطاب منتوجا لغويا ّ‬
‫فإن لكلماته و جمله و النص ككل معنى أو‬
‫مجبر على اختيار الكلمات و‬
‫ٌ‬ ‫جملة من المعاني اللغوية التي تؤديها و تنقلها‪ ،‬لهذا فإن الخطيب‬
‫التراكيب المناسبة التي تعكس ما يريده ليصل إلى المبتغى‪ ،‬حيث يمكن أن يتباين المعنى بين‬
‫الوضوح و الغموض أو أن يكون محددا أو مفتوحا على عدة معان مختلفة في آن واحد؛ ففي‬
‫خطا ب الرئيس الفرنسي األسبق شارل ديغول في الجزائر العاصمة في ‪ 04‬جوان ‪1958‬‬
‫قال مخاطبا الجماهير المحتشدة المتكونة من الفرنسيين من أصول فرنسية وغير فرنسية وكذا‬
‫‪26‬‬
‫‪ -‬القرطبي‪ ،‬محمد‪ . 2016 ،‬التذكرة في أحوال الموتى و أمور اآلخرة‪ .‬دار األرقم بن أبي األرقم‪ .‬بيروت‪ .‬ص ‪.66‬‬
‫‪https://www.unine.ch/files/live/sites/islc/tranel.pdf )2019/09/19( - 27‬‬

‫‪11‬‬
‫الخطاب السياسي‪.‬‬

‫الجزائريين واألهالي "لقد فهمتكم " » ‪ ،« je vous ai compris‬هذه العبارة أصبحت‬


‫مشهورة و متداولة بشكل كبير من قبل السياسيين في األزمات حيث استخدمها كل من‬
‫الرئيس التونسي " بن علي " و المصري " مبارك " و السوري "األسد " إبّان ما سمي‬
‫بأحداث الربيع العربي ‪.‬‬
‫وظيفة الهدف‪ :‬فالخطاب قد نُ ِظم و بُ ِ‬
‫رمج لهدف معين محدد من طرف صاحب النص أو‬
‫ملقي الخطاب يتعدى التواصل الوظيفي إلى السعي إلى نقل متلقي خطابه من حالة معرفية‬
‫وإدراكية – بما يريده وما يراه ‪ -‬أدنى إلى أخرى أعلى ‪.‬‬
‫وظيفة اإلستجابة‪ :‬و هي اإلستجابة أو السلوك و التفاعل الذي يسعى صاحب النص توليده‬
‫لدى جمهور متلقيي الخطاب‪.‬‬
‫ر ّكز مانغونو في دراسته لوظائف الخطاب على الخطاب نفسه من حيث مكوناته اللغوية‬
‫ودالالتها والغاية التي أنشئ من أجلها الخطاب وكذا رد الفعل المرجو توليده من خالل‬
‫الخطاب‪.‬‬
‫لكن هل ترجمت كلمات الخطاب ك ّل ما يجول في خاطر الخطيب؟ هل كان الرصيد اللغوي‬
‫للخطيب كافيا للتعبير عن رؤيته؟ وما موقف متلقيي الخطاب من الكلمات المستعملة في‬
‫الخطاب و دالالتها ؟ هل أدرك المعنى المراد من الخطاب أم تولدت لديه فكرة مغايرة للمراد‬
‫إيصالها؟ و هل أدرك المعنى كلّه أم جلّه أم بعضه؟ كل هذه األسئلة يجيب عنها المخطط‬
‫التالي‪:‬‬

‫‪12‬‬
‫الخطاب السياسي‪.‬‬

‫‪28‬‬
‫الشكل (‪ :)2‬مسار الفكرة من الملقي إلى المتلقي‪.‬‬

‫يبيّن المخطط ّ‬
‫أن ما يدور في خلد الخطيب و األفكار التي يريد صياغتها في قالب لغوي‬
‫يمكن أن تكون أكبر من الرصيد اللغوي للخطيب نفسه‪ ،‬كما أن كمية اللغة المستعملة في‬
‫التعبير أقل مما كان يعتزم الخطيب استعماله‪ ،‬الشيء الذي من شأنه أن يؤدي إلى نقص فهم‬
‫أو سوءه لدى المتلقي‪.‬‬

‫‪ 2-3-1‬تصنيف جاكوبسون‪ :‬حسب ما وصل إليه رومان جاكوبسون فإن للخطاب ستّة‬
‫‪29‬‬
‫وظائف تتمثل في‪:‬‬
‫الوظيفة التعبيرية )‪ :(fonction expressive‬و تسمى أيضا بالوظيفة الوجدانية‬
‫)‪ . (fonction émotive‬هي وظيفة المرسل )‪ (destinateur‬الذي يقوم بالتعبير عن نفسه أو‬
‫فكرته المجسدة في الخطاب‪ ،‬و تتجلى في انعكاس مظاهر الذاتية في الخطاب‪ ،‬حيث يستعمل‬
‫ضمائر المتكلم " أنا‪ ،‬نحن"‪. « Je, nous, on » « i, we » .‬‬

‫الوظيفة اإلفهامية )‪: (fonction conative‬وتسمى أيضا بالوظيفة الندائية‪ .‬و هي وظيفة‬
‫المرسل إليه )‪ ،(destinataire‬حيث يسعى المرسل إلى التأثير عليه و لفت انتباهه و شدّه إلى‬

‫‪ -28‬أوليفر موخ (‪https://me.me/i/what-i-think-what-can-what-i-put-into-say-2880492)2019/09/20‬‬


‫‪29‬‬
‫‪ -‬المصدر اإللكتروني السابق‪ .‬أوليفر موخ‪.‬‬
‫‪13‬‬
‫الخطاب السياسي‪.‬‬

‫ما يقول ألجل نقل فكرة الخطاب إليه مستعمال ضمائر المخاطب " أنت‪ ،‬أنتم" » ‪« tu, vous‬‬
‫» ‪ « you‬و أساليب النداء " فحشر فنادى" كيا أو يا أيّها‪.‬‬
‫الوظيفة الشعرية )‪ : (fonction poétique‬و هي بناء الخطاب و صياغة مكوناته من‬
‫كلمات وجمل لحمل الرسالة )‪ (message‬و تبليغ المرجو منه‪ ،‬تتصل هذه الوظيفة بالبديع‬
‫اللفظي أكثر منه إلى البيان‪.‬‬

‫الوظيفة المرجعية )‪ :(fonction référentielle‬بداية كانت هذه الوظيفة تتعلق بالحقيقة أو‬
‫الرؤيا التي يتبناها صاحب الخطاب لتتوسع و تشمل كل ظروف إنتاج الخطاب أو بمعنى أدق‬
‫بالسياق‪.‬‬

‫الوظيفة اللسانية )‪ : (fonction métalinguistique‬و تسمى أيضا بالوظيفة التحقيقية؛‬


‫تعني اللغة التي تتكلم عن اللغة؛ أي بنظام اللغة المستعملة )‪ ،(le code‬و تتجلى في األساليب‬
‫اللغوية المستعملة لتقريب األفكار وتوضيح الرؤى و االنتقال من المجمل إلى المفصل‬
‫وغيرها من أساليب التوضيح و اإلقناع‪.‬‬

‫الوظيفة اإلنتباهية ) ‪ : (fonction phatique‬يقصد بها قناة االتصال‪ ،‬و تتجلى في‬
‫المحافظة على االتصال قائما بين أطراف الخطاب أثناء التخاطب و كل ما يستعمل لشد انتباه‬
‫المتلقي‪ ،‬ونذكر على سبيل المثال ال الحصر " ألو‪ ،‬أليس كذلك"‬

‫‪ 4-2‬تحليل الخطاب‪ :‬إعتبار الخطاب إبتكارية نص لغوي منته و منغلق‪ - 30‬مكون في‬
‫وحدته من اندماج وحدات لغوية أصغر و هي الكلمات التي الوحدات تحتمل عدة تأويالت‬
‫ومعاني في عزلتها‪ ،‬مؤدية معنى مرادا إيصاله في إتحادها البنيوي النصي‪ -‬يلزم القارئ أو‬
‫المتلقي عزل المعنى المراد عن المعاني الواردة‪ ،‬فالمعنى هو روح الخطاب‪ ،‬و النص هو‬
‫صورته في التجلي اللغوي‪ ،‬و عزل المعنى )‪- (l’isolation du sens‬كما شاءت سليسكوفيتش‬
‫تسميته – بغرض التمكن منه و فك شيفرة النص )‪ (la déverbalisation‬قد تطور من عملية‬
‫الفهم الفردية إلى علم قائم بحد ذاته يعرف بتحليل الخطاب‪.‬‬

‫‪ -‬خالفي‪،‬حسين‪ ،‬ماي ‪ .2007‬مجلة الخطاب‪ .‬نسقية اللغة و المحدودية الداللة‪ .‬دار األمل تيزي وزو‪ .‬ص ‪.343‬‬ ‫‪30‬‬

‫‪14‬‬
‫الخطاب السياسي‪.‬‬

‫توحي عبارة تحليل الخطاب بإضفاء الصبغة العلمية على المنتوج اللغوي (الخطاب)‪،‬‬
‫وذلك باعتباره عيّنة ما دية ( بصفته منتوج نشاط بشري ) وعزله في المخبر بغية دراسته‪،‬‬
‫وهو ما تُعبِّر عنه كلمة التحليل التي تعتبر نواة العلوم و الدراسة العلمية الموضوعية و التي‬
‫نجد من أبرزها علوم الرياضيات والكيمياء‪.‬‬
‫فالتحليل في علوم الرياضيات هو دراسة المنتوج الرياضي إليجاد العوامل المكونة له‬
‫و المساهمة في إنتاجه‪ ،‬فعلى سبيل المثال تحليل كثير الحدود هو إيجاد العوامل أو األطراف‬
‫التي ينتج عن جدائها كثير الحدود ذاك‪.‬‬
‫و الخطاب أيضا كثير حدود‪ّ ،‬إال ّ‬
‫أن حدوده كلماتٌ و جم ٌل و حروف على عكس الرياضيات‬
‫المعروفة بعلم األرقام‪.‬‬
‫و التحليل في الكيمياء هو إيجاد العناصر الداخلة في تكوين مركب كيميائي في ظروف‬
‫و شروط معينة كالحرارة و الضوء و هو ما ينطبق على الخطاب‪ ،‬فتحليل الخطاب هو دراسة‬
‫مكوناته و ظروف إنتاجه‪.‬‬
‫و كما ينقسم التحليل الكيميائي إلى نوعين كمي و كيفي‪ّ ،‬‬
‫فإن التحليل الكمي للخطاب يسمح‬
‫بإيجاد تصنيف ألنواع الخطاب و خصائص كل منها‪ ،‬بينما يسمح التحليل الكيفي بتسليط‬
‫الضوء على ظروف إنتاجه و عمله و تأثيره‪.‬‬
‫و حيث أن عبارة تحليل الخطاب قد جمعت بين كلمة التحليل ذات الداللة العلمية و كلمة‬
‫الخطاب ذات الداللة اللغوية في تزاوج يعزز علمية اللغة و يكرس الستقاللية علم اللسانيات‬
‫و مكانتها في قلب المجتمع العلمي‪ ،‬فإنّه يمنحها حرية استعمال البالغة اللغوية واإليحاءات‬
‫قوة الكلمة واألسلوب على عكس العلوم األخرى التي تتميّز ببساطة األسلوب‪.‬‬
‫والتركيز على ّ‬
‫يرمي تحليل الخطاب إلى إيجاد القراءة التوافقية المضبوطة و الرؤية المشتركة بين ما‬
‫أراده الكاتب ببناء نصه و توظيف ألفاظه و بين جموع المتلقين للخطاب بدءا من حسن النظم‬
‫و البالغة إلى المعاني والدالالت واإليحاءات‪ .‬و أفضل طريقة تواصلية بين القارئ و النص‬
‫هي تفكيكه و إعادة تركيبه قصد إختراق بنية الخطاب و تحليله‪ ،31‬و من هنا يمكننا القول ّ‬
‫أن‬
‫النص والوصول إلى قراره و فهم روحه‬
‫ّ‬ ‫سا إلى الغوص في أعماق‬
‫تحليل الخطاب يهدف أسا ً‬

‫‪ -‬المصدر السابق‪ :‬خالفي‪،‬حسين‪ .‬نسقية اللغة و ال محدودية الداللة‪.‬‬ ‫‪31‬‬

‫‪15‬‬
‫الخطاب السياسي‪.‬‬

‫المتجلّية في التركيب اللغوي‪ ،‬و فهم الخطاب كما أشرنا ال يتأتى إالّ بتفكيكه و دراسة سياق‬
‫إنتاجه كما أكد ذلك ميشال أدام في كتاباته‪ ،‬و السياق أنواع من أبرزها ‪:‬‬
‫‪ 1-4-1‬السياق النصي‪ :‬و هو ترابط الجمل و العبارات فيما بينها و مع ما يسبقها و يليها؛‬
‫بعبارة أخرى دراستها في النص ككل‪ ،‬فإن أخذنا على سبيل المثال ال الحصر كلمة "آية"‬
‫فالمعنى الشائع أنها مقطع من سورة قرآنية حكمها حكم السور القرآنية أي أنها كالم هللا‬
‫المنزه عن الخطأ‪ ،‬لكن كلمة آية وردت في القران الكريم في عدة مواضع ال يمكن تحديد‬
‫معناها إال من خالل سياقها في الجملة‪.‬‬
‫اآلية بمعنى كالم هللا " ‪ ...‬آيات بينات‪( "...‬آل عمران‪ ،‬اآلية ‪ ،)7‬و معنى العالمة "‪ ...‬آيات‬
‫بينات مقام إبراهيم‪( "...‬آل عمران‪ ،‬اآلية ‪ ، )97‬و معنى المعجزة " و من آياته خلق‬
‫السموات و األرض‪( "...‬الروم‪ ،‬اآلية ‪ ، )22‬و معنى البنيان "‪ ...‬أتبنون بكل ريع آية ‪"...‬‬
‫(الشعراء‪)128 ،‬‬
‫‪ 2-4-1‬السياق الزمكاني‪ :‬لفهم الخطاب يجب دراسته في سياقه الزماني والمكاني وهذا‬
‫ما أكد أغلب اللسانيين من أمثال ميشال أدام عليه‪.‬‬
‫إيديولوجية الخطاب‪ :‬بمعنى آخر إيديولوجية صاحب الخطاب وانتماؤه‪ .‬حسب‬ ‫‪3-4-1‬‬
‫ما ورد في قاموس » ‪ « Larousse‬فإن المصطلح مشتق من الكلمة اليونانية "إيديا" بمعنى‬
‫فكرة ومن هنا اقترح جموع المترجمين و المصطلحيين ترجمتها إلى "الفكروية" أو‬
‫"الفكرانية"‪ .‬وككل المصطلحات عرفت اإليديولوجية عدة تعريفات من بينها أنها نسق‬
‫متكامل لألفكار والمعتقدات واالتجاهات العامة الكامنة في أنماط سلوكية معينة تملك المقدرة‬
‫على تبرير سلوك شخصي‪ ،‬باعتبار الكاتب أو صاحب الخطاب هو من أرسى معانيه باختيار‬
‫األلفاظ بعناية لتمرير رسالة كامنة في وعي الكاتب والذي يعكس إرادة معينة و فكرا معينا‬
‫مبنيا على توجه إيديولوجي مكتسب عن طريق معارف و مبادئ مكتسبة أو موروثة أو‬
‫متبناة‪ ،‬حيث ال يتأتى للمتلقي فك شيفرة الخطاب دون الرجوع إلى مرجعية صاحبه وتحليلها‪.‬‬

‫‪16‬‬
‫الخطاب السياسي‪.‬‬

‫حيث تطابقت القصة‬ ‫‪32‬‬


‫و خير ما نستدل به في هذا قصة هارون الرشيد مع المرأة البرمكية‬
‫مع مقولة أمبرتو إيكو )‪ (ECHO‬أن اللغة تبدي عكس ما تخفي‪.‬‬

‫‪ 5-1‬التداولية ‪ :‬مما ال شك فيه هو ّ‬


‫أن نظم الخطاب وإلقائه ليس بالسلوك االعتباطي‪،‬‬
‫وإنّما يسعى صاحبه أو ملقيه إلى غاية أو هدف مرجو عن طريق إيصال فكرة للمتلقي‬
‫بالنسبة للمتلقي وإرادية بالنسبة للملقي‪ ،‬ذلك ألنّها تتماشى وفق‬ ‫‪33‬‬
‫وإحداث استجابة الإرادية‬
‫األهداف المسطرة للخطاب‪.‬‬
‫يمكن أن تكون تلك الفكرة ظاهرة وملموسة وسطحية يصل مدلولها مباشرة إلى المتلقي عن‬
‫طريق اللغة البسيطة و المباشرة‪ ،‬أو كامنة خلف ستار لغوي محكم النظم ذو عمق معنوي‬
‫و إيحائي أكثر منه لغوي نحوي‪ ،‬و من هنا يمكن القول أن هناك أسلوبان لنظم الخطاب و هما‬
‫اللغة (التركيب البسيط) ولغة اللغة‪.‬‬
‫يستوجب التركيبان وجود معنى و معنى المعنى‪ ،‬و من هنا ظهرت الحاجة إلى منهج بحثي‬
‫يهتم بدراسة أفعال اللغة و اإلقتضاء و اإلستلزام التخاطبي‪ 34‬فظهرت التداولية‪.‬‬
‫يعود الفضل في نشأة التداولية )‪ (la pragmatique‬إلى تشارلز موريس‪ ،‬حيث تعتبر منهجا‬
‫علميا متقدما من بين مناهج تحليل الخطاب كونها تجمع بين المنهج البنائي الوصفي (بنية‬
‫الخطاب) والمنهج التفسيري؛‪ 35‬فالمتلقي يحتاج إلى تفسير الخطاب وتحليله إلدراك المغزى‬
‫منه والرسالة الموجودة خلف األسطر والمستترة خلف الكلمات؛ فإخبار األستاذ طالبه بموعد‬
‫االمتحان ليس فقط تنبيها بإجبارية الحضور وعدم التغيب‪ ،‬بل دعوة ضمنية للتحضير الجيد‬
‫والمراجعة الجادة‪.‬‬

‫‪ - 32‬ذات يوم دخلت قصر الرشيد امرأة برمكية كانت تدعى أ ّم جعفر في حضور وجهاء حكمه و المقربين منه‪ ,‬و قبل أن‬
‫فرحك بما أتاك و أت ّم سعدك فقد حكمت فقسطت‪.‬‬ ‫أقر هللا عينك و ّ‬ ‫تبدأ الحديث مع األمير دعت له بالتوفيق و السداد قائلة‪ّ :‬‬
‫كالم البرمكية أثار استغراب الرشيد فبادرها بالتساؤل من تكونين أيت ّها المرأة؟ فردّت عليه من آل برمك ممن قتلت رجالهم‬
‫و أخذت ديارهم و سلبت أموالهم‪ .‬ردّ الرشيد و قال‪ :‬أ ّما الرجال فقد مضى فيهم أمر هللا و نفذ فيهم قدره و أ ّما المال فمردود‬
‫إليك‪ .‬ثم التفت إلى الحاضرين من أصحابه و من معه فسألهم أتدرون ما قالت المرأة البرمكية ؟ أبدى مستشارو الرشيد‬
‫استغرابا و قالوا‪ :‬يا أمير المؤمنين ما نراها إالّ مدحتك و دعت لك وقالت خيرا‪ .‬فقال الرشيد‪ :‬ما أضنّكم فهمتم مقصدها‪.‬‬
‫أقر هللا عينك أي أسكنها عن الحركة و إذا‬ ‫حديث الرشيد زاد الحضور دهشة و هو ما دفعه لتوضيح األمر فقال‪ :‬أ ّما قولها ّ‬
‫فرحك هللا بما أتاك فأخذته من قول هللا تعالى " حتى إذا فرحوا بما أوتوا‬ ‫سكنت العين عن الحركة عميت‪ ,‬و أ ّما قولها ّ‬
‫أخذناهم بغتة "‪ ,‬و أما قولها أتم هللا سعدك فأخذته من قول الشاعر‪ :‬إذا تم شيء بدأ نقصه ترقب زواال إذا قيل تم‪ ,‬و في قولها‬
‫لقد حكمت فقسطت فأخذته من قوله تعالى " فأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا‪".‬‬
‫‪ - 33‬مصطلح علمي بمعني رد الفعل الطبيعي‪.‬‬
‫‪ - 34‬المصدر السابق‪ :‬خالفي‪،‬حسين‪ .‬نسقية اللغة و ال محدودية الداللة‪.‬‬
‫‪ - 35‬المصدر السابق‪:‬خالفي‪ ،‬حسين‪ .‬نسقية اللغة و ال محدودية الداللة‪.‬‬
‫‪17‬‬
‫الخطاب السياسي‪.‬‬

‫و لعل أقرب تعريف للتداولية هو ذاك الذي أدرجه سعد بولنوار في مقاله المعنون "بالتداولية‬
‫منهج لساني وإستراتيجية لتحليل الخطاب" بأنها دراسة أفعال الكالم واإلقتضاء واإلستلزام‬
‫التخاطبي‪ ،‬وذلك باالشتراك مع فلسفة اللغة ومنطق الحجاج و تحليل الخطاب‪ ،‬وتعرف أيضا‬
‫بعلم التأويل أو علم المقامية أو الذرائع‪.‬‬
‫و جاءت تسمية التداولية من التداول‪ ،‬حيث جاء في لسان العرب البن منظور‪ :‬تداولنا‬
‫األمر‪ ،‬أخذناه بالدوال و قالوا دواليك ودالت األيام‪ ،‬كما جاء في كتابه ج ّل وعال في سورة آل‬
‫عمران " ‪ ...‬وتلك األيام نداولها بين الناس‪"...‬؛ والتبدل يقتضي وجود أكثر من طرف وتلك‬
‫حال اللغة تتغير من حال عند المتكلم إلى أخرى عند المتلقي‪.‬‬

‫حوصلة ‪:1‬‬
‫و ما بين هذا وذاك يبقى الخطاب من أعقد المصطلحات ‪-‬تعقيد النشاط البشري بأنواعه‪-‬‬
‫صعوبة في التعريف‪ ،‬فإن نظرنا إليه كمنتوج لغوي أمكننا القول بأن الخطاب هو مجموعة‬
‫من الكلمات والجمل المنتقاة إراديا من القاموس اللغوي الشخصي‪ ،‬تترابط فيما بينها بروابط‬
‫صا أو مجموعة من النصوص المتحدة فيم بينها‪ ،‬مكونة بذلك بنية‬ ‫لغوية ومنطقية مش ِ ّكلة ن ً‬
‫متكاملة تجمع بين اإلتساق واالنسجام و التناغم بين مكوناتها اللغوية و المعنوية ‪ُ ،‬منتَجةً في‬
‫سياق محدد و هادفة إلى إبراز فكرة أو أفكار و نشرها بلسان القلم أو لسان القول‪.‬‬
‫أ ّما إن نظرنا إليه من زاوية التشكيل و التش ُّكل فيمكننا القول أيضا بأنه تجسيد األنا‬
‫الفكرية للخطيب و نقلها من حالة التزاحم الفكري الداخلي إلى العالم الخارجي وفق سياق‬
‫تفاعلي في نظام تعبير متكامل‪ ،‬و ذلك بصياغتها في قالب لغوي على شكل كلمات وجمل‬
‫منتقاة من القاموس الفردي أو الذاكرة الجماعية لنقل و تأدية المعنى والغاية من توظيفها‪.‬‬
‫منتجةً بذلك ّ‬
‫كال متسقًا ومتناسقا ومؤديا للمعنى منفتحا على العالم الخارجي و مستمدا شرعية‬
‫التعبير عن األنا الفكرية من متلقي الخطاب‪.‬‬
‫و مع كل ما قيل عن الخطاب و الجهود القائمة لدراسته و التنظير في هذا المجال‬
‫بوصفه مبحثا علميا قائما بحد ذاته‪ ،‬والمقاربات الموضوعة التي تربطه وتدرسه من منظور‬
‫مختلف العلوم كاللسانيات اإلجتماعية و النفسية والمعرفية وعلم االجتماع وغيرها من العلوم‪،‬‬
‫‪18‬‬
‫الخطاب السياسي‪.‬‬

‫فإنّه لم يصل إلينا أي تعريف له يربطه بالترجمة رغم التوسع االنفجاري للدراسات‬
‫الترجمية‪ ،‬حيث ّ‬
‫أن الخطاب يمكن اعتباره ترجمة لكل ما بجول في فكر اإلنسان و عقله من‬
‫لغة األحاسيس و اإلشارات الدماغية إلى لغة التواصل و الكالم‪ ،‬وذلك بإنتاج كلمات وجمل‬
‫متتالية ومترابطة فيم بينها مؤدية المعنى المراد من الخطاب‪ .‬وقد يكون هذا الكالم مكتوبا أو‬
‫مقروء أو كالما شفويا ارتجاليا‪.‬‬
‫و الهدف األول من الخطاب هو التواصل و مشاركة األفكار و الرؤى بغرض التعبير عن‬
‫النفس أو نقل معلومة أو التأثير على الغير‪ ،‬وقد اتسع مفهوم الخطاب ليشمل نصه وسياقه‬
‫(ظروف إنتاجه والعوامل المؤثرة فيه)‪.‬‬
‫و خالصة القول ّ‬
‫أن الخطاب من جوامع الكلم التي تصح تعريفاتها وإن تنوعت و تباينت‪،‬‬
‫أن اهتمام الدارسين والمنظرين به و تنوع نظرياتهم إن د ّل على شيء إنّما يدل على أهمية‬
‫و ّ‬
‫الخطاب في حياة األفراد والجماعات‪.‬‬

‫‪19‬‬
‫المطلب الثاني‪:‬‬
‫السياسية و الخطاب‬
‫السياسي‪.‬‬
‫الخطاب السياسي‪.‬‬

‫‪ -1‬السياسة‪.‬‬
‫‪ 1-1‬تعريف السياسة‪:‬‬
‫‪ 1-1-1‬السياسة لغة‪:‬‬
‫كلمة السياسة مشتقة من فعل "ساس" على وزن "فعالة"‪ .‬ورد في كتاب "لغة السياسة‬
‫أن هناك من يربط السياسة بالعناية بالخيول و تدريبها و منها‬ ‫‪36‬‬
‫في اإلسالم" لبرنار لويس‬
‫سائس الخيول أي القائم عليها بما ينفعها بتصريف أمورها من أكل و شرب و نظافة‬
‫وترويض و كل ما يلزمها‪.‬‬

‫جاء في "لسان العرب" أن السياسة من الرياسة و ساس األمر سياسة أي قام به‪ ،‬و استدّل ابن‬
‫منظور ببيت من الشعر جاء فيه‪:‬‬
‫القتال‪.‬‬ ‫يوم‬ ‫للرجال‬ ‫ساسة‬ ‫جميع‬ ‫لكل‬ ‫قادة‬ ‫سادة‬
‫وسوسه القوم أي جعلوه يسوسهم و ُكلّف بسياستهم‪ ،‬و جاءت سياسة القوم بمعنى ّ‬
‫حق األمر‬ ‫ّ‬
‫‪37‬‬
‫والنهي المتبوع بطاعة المسوس للسياسي أو السائس أو القائم بالسياسة‪.‬‬

‫‪ 2-1-1‬اصطالحا‪:‬‬
‫السياسة مصطلح اكتسب الصبغة العلمية و التعقيد حديثا بعدما كان مقتصرا على‬
‫التدبير والمهادنة‪ ،‬حيث عرفتها القواميس بأنّها اصطالح الخلق بإرشادهم إلى الطريق‬
‫ولعل خير ما نستشهد به هو قوله تعالى في اآلية ‪ 19‬من‬ ‫‪38‬‬
‫المنجي في العاجل أو اآلجل‪،‬‬
‫سورة غافر"ما أريكم إال ما أرى وما أهديكم إالّ سبيل الرشاد"؛ فقد حكم الفراعنة مصر‬
‫سد اإلله في الفرعون‪ ،‬لذا كان يتمت ّع بالسلطة المطلقة‬
‫القديمة إنطالقا من فكرة األلوهية وتج ُّ‬
‫في النطاق أو المجال الحيوي لملكه‪.‬‬
‫لقد أورد هابرماس في كتابه تسمية السياسي القديم بالالهوت السياسي‪ 39،‬حيث ّ‬
‫أن الحاكم أو‬
‫القائم بشؤون الرعية كان يستمد شرعيته من كونه خليفة هللا في األرض‪ ،‬وقد كان ملوك‬

‫‪ - 36‬برنار لويس‪،1993 .‬لغة السياسة في اإلسالم‪ .‬ترجمة إبراهيم باشا‪ ،‬دار قرطبة للنشر‪ ،‬ص ‪.17‬‬
‫‪ - 37‬الفيروز آبادي‪ ،‬مجد الدين أبي الطاهر ‪ .‬القاموس المحيط‪ .‬ص ‪.710‬‬
‫‪ - 38‬شاتلييه فرانسوا‪ ،1997،‬اوليفييه دو هاميل‪ ،‬ايفلين بيزيه‪ .‬معجم المؤلفات السياسة‪ .‬ترجمة محمد عرب ‪.‬المؤسسة‬
‫الجامعية للدراسات و النشر و التوزيع ‪ .‬الطبعة األولى‪ .‬بيروت‪ .‬ص‪.07‬‬
‫‪39‬‬
‫‪ -‬أنظر المصدر السابق‪:‬هابرماس‪ ،‬يورغن‪ .‬قوة الدين في المجال العام‪ .‬ص ‪.23‬‬
‫‪23‬‬
‫الخطاب السياسي‪.‬‬

‫وأمراء أوروبا في العصر الوسيط يحكمون باسم الكنيسة و رجال الدين وكان الوثنيون‬
‫يحكمون باسم اآللهة المعتقَد بألوهيتها في المجتمع مقابل حصولهم على دعم ما يسمى بالمعبد‬
‫والقائمين عليه‪.‬‬
‫و هذا ما أكدّه في تعريفه للسياسي حيث قال ّ‬
‫أن السياسي هو " النظام الرمزي للتمثيل الذاتي‬
‫الجماعي للجماعة السياسية في صورة مرآة الحكام الذين كانت سلطتهم تكتسب شرعيتها‬
‫‪40‬‬
‫قوة مقدّسة "‬
‫بفضل ّ‬

‫و قد قال ابن منظور بقول القائلين ّ‬


‫بأن لفظة السياسة مشتقة من فعل ساس ومعنى ساس‬
‫القوم أي دَبّر لهم و تولى أمرهم و السياسة عند العرب و المسلمين تعني الرياسة‪ ،‬والسياسة‬
‫القيام على الشيء بما يصلحه‪ ،41‬أو حسن التدبير و اإلدارة كما جاء على لسان رئيسة‬
‫الوزراء البريطانية الشهيرة بالمرأة الحديدية ( مارغاريت تاتشر ) في مقابلة صحفية حول‬
‫مشاركة المرأة في الحياة السياسية سنة ‪1979‬حيث قالت " أي امرأة تفهم التعامل مع مشاكل‬
‫إدارة المنزل ستكون أقرب من فهم مشاكل البالد"‪.‬‬
‫يقول شميت )‪ (Schmitt‬أن السياسي هو المصدر الملزم لكل سلطة؛ وهو بذلك يكون قد‬
‫اعتمد في تعريفه على الجانب العملي للسياسي المفيد إلحتكار القرار‪ ،‬بينما يرى هابرماس‬
‫وهذا ما يؤكده الواقع‪ ،‬حيث صارت‬ ‫‪42‬‬
‫أن السياسي "هو صورة المجتمع بوصفه كلية"؛‬
‫المجتمعات خليطا من مختلف األطياف واألفكار مما أدى إلى زوال أنظمة الحزب الواحد‬
‫واالنفتاح على التعددية‪.‬‬
‫لكن هيهات أن يتفق كل الناس على صالح أمر السياسة والسياسيين حيث قال عنها‬
‫جاليري واصفا إياها بالنفاق "السياسة هي ماال يقال" أو هي " فن منع الناس من االهتمام بما‬
‫وقال آخرون أنها أداة للسيطرة على الشعوب و تدجينها ألنّها تستخدم ّ‬
‫قوة الكلمة‬ ‫‪43‬‬
‫يعنيهم"‪،‬‬
‫للسيطرة على النفوس‪ ,‬ويشترك في هذا الحكم رجال الدين والرأي والمفكرون‪ ,‬و كلمة القوة‬
‫للسيطرة على األجساد وتقييدها‪.‬‬

‫‪ - 40‬نفس المصدر‪ :‬هابرماس‪،‬يورغن ‪ .‬ص ‪.46‬‬


‫‪ - 41‬المصدر السابق‪ :‬ابن منظور‪ .‬لسن العرب‪ .‬ص ‪.108‬‬
‫‪42‬‬
‫‪ -‬المصدر السابق‪ :‬هابرماس‪ ،‬يورغن‪ .‬قوة الدين في المجال العام‪ .‬ص ‪.23‬‬
‫‪ -43‬المصدر السابق نفسه ‪ .‬شاتلييه فرانسوا‪ .‬معجم المؤلفات السياسية‪ .‬ص ‪.07‬‬
‫‪24‬‬
‫الخطاب السياسي‪.‬‬

‫القوة وممارستها؛ أي أنّها النضال الفردي أو‬ ‫و قال هابرماس ّ‬


‫أن السياسة هي الكفاح من أجل ّ‬
‫القوة المعنوية (دعم المجتمع وتجنّده من أجل الفكرة وصاحبها)‬
‫الجماعي من أجل اكتساب ّ‬
‫للتفرد بها‪.‬‬
‫ّ‬ ‫القوة‬
‫وحق استعمال ّ‬
‫أن السياسات تمث ّل‬
‫و تجمع لفظة السياسة جمعا مؤنثا سالما "السياسات" حيث يقول هابرماس ّ‬
‫‪44‬‬
‫األهداف و اإلستراتيجيات التي يمارسها الفاعلون السياسيون‪.‬‬

‫‪ 2-1‬الخطاب السياسي‪:‬‬
‫هو الخطاب الذي يكون فيه الخطيب من الساسة (رئيس ‪,‬وزير‪ )...‬أو رجال السياسة‬
‫(ممثل دبلوماسي‪ ,‬أحزاب‪ )...‬أو العارفين بها (صحافة متخصصة‪ ,‬علماء في مجال‬
‫السياسة‪)...‬‬
‫و مع اختالف وجهة نظر المنظرين إلى السياسة تباينت أيضا آراؤهم حول الخطاب‬
‫السياسي حيث قال باتريك شارودو (‪ (CHARAUDEAU.P‬بأنّه ال يوجد خطاب سياسي‬
‫ولكن األوضاع والحالة أو ما يعرف بالمناسبة هي التي تصنع من الخطاب العادي خطابا‬
‫‪45‬‬
‫سياسيا‪.‬‬

‫و أضاف كذلك ّ‬
‫بأن وضعية التواصل و طريقة الخطاب وكذا ملقي الخطاب ومتلقيه هي التي‬
‫‪46‬‬
‫تصنع من الخطاب خطابا سياسيا‪.‬‬

‫و هناك من ذهب أبعد من الحديث عن تركيبة الخطاب إلى أثره وتأثيره والهدف من نظمه‬
‫أن الخطاب السياسي وسيلة لمواصلة السيطرة على السلطة و تملُ ِكها في‬
‫وإلقائه‪ ،‬حيث قال ّ‬
‫الصراع السياسي‪ ،‬فهو خطاب مرتبط بالسلطة على الدوام‪ ،‬تلجأ إليه القوى السياسية‬
‫‪47‬‬
‫للوصول إلى مركز القرار‪.‬‬

‫‪ « tout discours aussi innocent soit-il, peut avoir un sens politique des lors que la situation le justifie » - 44‬نفس‬
‫السابق‪ :‬هابرماس‪،‬يورغن‪ .‬ص ‪.42‬‬
‫‪P. CHARAUDEAU &MAINGUENEAU.D .Dictionnaire d’analyse du discours. Seuil. Paris. 2002.p 30. - 45‬‬
‫‪46‬‬
‫‪ - «Ce n’est pas le discours qui est politique mais la situation de communication qui‬نفس المصدر‪ ،‬شارودو و مانغونو‪.‬‬
‫‪le rend politique(…), une fois de plus, la production du sens est affaire d’interaction et c’est donc selon les‬‬
‫‪modes d’interaction et l’identité des partenaires qui s’y trouvent impliqués que s’élabore la pensée politique‬‬
‫‪http://blogs.aljazeera.net/amp/blogs/2016/8/20/ ( 21/11/2018) - 47‬‬

‫‪25‬‬
‫الخطاب السياسي‪.‬‬

‫و بين هذا و ذاك يبقى الخطاب السياسي نوعا من أنواع الخطاب الذي يسعى دائما‬
‫لإلقناع‪ 48‬وحقال إلظهار القدرات الشخصية في التحليل واإلستقراء و حسن التسيير و تحقيق‬
‫مصالح شخصية أو عا ّمة أو درء مفسدة أو خطر محدق باستعمال قوة الكلمة و األسلوب‬
‫والتحكم في اللغة ‪.‬‬

‫و رغم االختالف في الرؤى و تباين التعريفات فقد أجمع المنظرون ّ‬


‫أن الخطاب‬
‫السياسي يتميز ب‪:‬‬
‫‪-‬كونه بنية متماسكة ذات طابع إيديولوجي مست َمد من إيديولوجية النظام السياسي القائم سواء‬
‫أكان نظام الدولة أو إيديولوجية المعارضة‪ ،‬فالخطاب السياسي يتميز بكونه ثابتا فيما يجب‬
‫المقومات الهوياتية‪ ،‬ومائعا فيما يجب أو يجوز التغيّر و‬
‫ّ‬ ‫الثبات فيه وعليه كالوحدة الوطنية و‬
‫التبدّل فيه(كالسياسة اإلقتصادية والتنموية في الجزائر المرتبطة أساسا بأسعار البترول)‪.‬‬
‫و من التعريفات المثيرة التي قدمها ديفيد و جوليان جيري ّ‬
‫أن األيديولوجيا نسق من األفكار‬
‫يبرر خضوع جماعة أو طبقة ما لجماعة أو طبقة أخرى مع إضفاء نوع من الشرعية على‬
‫هذا الخضوع‪ 49،‬وهذا التبرير إنّما يكون ألصحاب ّ‬
‫القوة نفسهم ومن يشاطرهم نفس النسق‬
‫الفكري اإليديولوجي مغيّبين بذلك إيديولوجية الطبقة المغلوبة‪ ،‬و خير ما يستدل به قوله تعالى‬
‫في سورة غافر على لسان فرعون " ال أريكم إالّ ما أرى وما أهديكم إالّ سبيل الرشاد"‬
‫بالقوة لتغييب إيديولوجية دين التوحيد الذي ينفي‬
‫ّ‬ ‫فإيديولوجية األلوهية الفرعونية مفروضة‬
‫صفة األلوهية عن البشر‪ ،‬شأنها في ذلك شأن النظام العالمي الجديد المفروض بقوة إمتالك‬
‫التكنولوجيا المتطورة لدول الغرب عامة و الحلفاء (أمريكا وبريطانيا وفرنسا) خاصة ‪.‬‬
‫‪ -‬األسلوب المن ّمق إلستمالة المتلقي و إقناعه و إغرائه بتقبل األفكار المطروحة وتبني‬
‫السلوكيات المرجو منه سلوكها؛ والمراد باألسلوب المن ّمق ليس إستعراض القدرات اللغوية‪،‬‬
‫وإنّما حسن اإلستثمار الفردي للمخزون اللغوي الجماعي المشترك بين ملقي الخطاب‬
‫ومتلقيه‪.‬‬

‫‪ -‬جاء على لسان رئيسة الوزراء البريطانية مارغريت تاتشر " أنا سياسية إقناع و لست سياسية إجماع"‬ ‫‪48‬‬

‫‪D .JARY & J.JARY. sociology (the Harper Collin dictionary) .1991.Harper perennial. N.y. -‬‬ ‫‪49‬‬

‫‪26‬‬
‫الخطاب السياسي‪.‬‬

‫‪-‬المناسبية أو إستثمار المناسبة و الوضع في إنتاج خطاب يتوافق مع إيديولوجية النظام المنتج‬
‫له‪ ،‬فالخطاب السياسي ليس إنتاجا لغويا إعتباطيا وإنّما إستجابة لظروف داعية إلنتاجه تدعى‬
‫بالمناسبة‪ ،‬حيث ال يمكن ّ‬
‫فك شيفرته إال بالرجوع إلى تلك الظروف والعوامل الموجدة له‬
‫بالتحليل‪.‬‬

‫‪ 3-1‬أهداف الخطاب السياسي‪:‬‬


‫تقول جوديت باتلر ّ‬
‫أن الخطاب السياسي هو طقس االستدعاء الذي يخرج بوساطته‬
‫الفاعلون االجتماعيون للوجود فتطلق عليهم األسماء و يخاطبون ويقادون إلى موقع الخضوع‬
‫أن الخطاب السياسي هو النداء الذي يد ّ‬
‫شن إمكانية الفاعلية ويغلق‬ ‫للقانون‪ .50‬وأضافت قائلة ّ‬
‫بضربة واحدة إمكانية اإلستقالل الجذري‪ .‬فغاية الخطاب السياسي هي اقتياد متلقيه إلى حيث‬
‫يرغب ملقيه دون إعطائه الفرصة لرسم صورة شخصية منفردة عما يريده‪.‬‬

‫وقد أردفت باتلر أن السياسة هي استجابة للمجازفة ّ‬


‫بأن يترتب عنها األذى المؤسس‬
‫للفاعلية‪ .51‬فإستجابة المتلقي لنداء الخطاب السياسي فيه نوع من إلغاء الذات المفكرة للمتلقي‬
‫وتواكال باالكتفاء بما تجود به قريحة الطبقة السياسية واالكتفاء بالتبعية والوالء إليها بإلغاء‬
‫الفاعلية الفردية لتفعيل الفاعلية الجماعية‪ ،‬و هو ما يصبو إليه السياسي في خطابه الذي يتبع‬
‫عدّة منهجيات إلمالء الرؤى من بينها‪:‬‬

‫الطرح ‪ :‬أي عرض رؤية بشأن مسألة ذات طابع سياسي تنبع أهميتها من ضرورة‬
‫مشاركتها مع جمهور المتلقين الحتضانها ومباركتها ومن أه ّم ما نستدّل عليه ثورة أول‬
‫نوفمبر ‪ 1954‬و مشروع المصالحة الوطنية الذي طرحه الرئيس السابق للجزائر عبد العزيز‬
‫بوتفليقة سنة ‪ ، 1999‬ومشاريع المترشحين لإلنتخابات الرئاسية و المحلية‪ .‬وكذا مشاريع‬
‫القوانين المعروضة على المجالس المنتخبة ألجل المناقشة والموافقة‪.‬‬

‫‪50‬‬
‫‪ -‬المصدر السابق‪ :‬هابرماس‪ ،‬يورغن‪ .‬قوة الدين في المجال العام‪ .‬ص ‪.30-29‬‬
‫‪ - 51‬المصدر نفسه‪ :‬هابرماس يورغن‪ .‬قوة الدين في المجال العام‪.‬‬
‫‪27‬‬
‫الخطاب السياسي‪.‬‬

‫التوضيح ‪ :‬أو تفسير رؤية سياسية مطروحة بشمولية لتبسيطها وتقريب وجهة النظر؛‬
‫فإجراء التقشف المتبع في الجزائرسنة ‪ 2017‬مثال كان يحتاج إلى توضيح آلياته و السبل‬
‫المت ّبعة إلنجاحه كخفض الدعم على المواد الطاقوية وتقنين اإلستيراد وترشيد النفقات العامة‪.‬‬

‫التبرير‪ :‬الخطاب السياسي الحامل لرؤى جديدة غير تلك المألوفة والداعي لسلوك طريق‬
‫جديد يحتاج إلى تبرير‪ ،‬وذلك لتبرير العدول عن الرؤية القديمة من جهة ولتبرير اختيار‬
‫الطريقة و الفكرة الجديدة من جهة أخرى‪ ،‬وخير ما نستدل به خطاب الرئيس الفرنسي‬
‫إيمانويل ماكرون ألصحاب الصدريات الصفراء المعارضين لفكرة مشروع رفع أسعار‬
‫المواد الطاقوية‪ ،‬حيث قال " أحدثكم عن نهاية العالم وأنتم تحدثونني عن نهاية الشهر"؛ في‬
‫إشارة واضحة لمخاطر توليد الكهرباء باستخدام الطاقة النووية‪ ،‬وكذا تبرير السلطات‬
‫الجزائرية تجميد العمل بقانون التقاعد المسبق سنة ‪ 2017‬بعجز ميزانية صندوق التقاعد‪.‬‬

‫الحجاج ‪ :‬يغلب الطابع الحجاجي على الخطابات السياسية المعارضة لرؤية النظام السائد‬
‫بغية الطعن في مصداقيته‪ ،‬ويتميز بكثرة التحليل واالستقراءات وإدراج القرائن‬
‫واإلستشهادات‪.‬‬
‫يُعتمد هذا النوع كثيرا في بالطوهات الحصص التلفزيونية المتتبعة لقضية سياسية ما خاصة‬
‫المستجدة منها من خالل إستضافة سياسيين منتمين إلى تيارات متعاكسة؛ كالحصة التلفزيونية‬
‫التي كانت تبث ّها قناة الجزيرة تحت عنوان " الرأي و الرأي اآلخر"‪.‬‬

‫اإلقناع ‪ :‬جاء على لسان السياسية البريطانية الشهيرة مارغاريت تاتشر في مقابلة صحفية‬
‫"أنا سياسية إقناع ولست سياسية إجماع "؛ من هنا نستطيع القول ّ‬
‫أن الخطاب السياسي‬
‫خطاب إقناعي بالدرجة األولى‪.‬‬

‫التعبئة ‪ :‬أو حشد الرأي العام في قضية سياسية ما كاالنتخاب أو التجنيد أو الخروج للتظاهر‬
‫كما حدث مؤخرا في الجزائر وميالد ما يسمى بالحراك السلمي وبيان أول نوفمبر ‪1954‬‬
‫الهادف إلى التعريف بالقضية وتعبئة الجزائريين لاللتفاف حول الثورة بتبنيها واحتوائها‬
‫ودعمها والتجنّد في صفوفها‪.‬‬

‫‪28‬‬
‫الخطاب السياسي‪.‬‬

‫‪ 4-1‬أنواع الخطاب السياسي‪:‬‬


‫من خالل ما سبق نستطيع القول انه يمكن تصنيف الخطاب السياسي إلى أنواع وفق‬
‫ضوابط وخصائص للتصنيف تتركز أساسا على مكونات الخطاب السياسي و مستواه وعامل‬
‫انتشاره‪:‬‬

‫‪ 1-4-1‬عامل المستوى‪:‬‬
‫الخطاب المحلي‪ :‬قال تعالى " فحشر فنادى فقال أنا ربكم األعلى" (سورة النازعات‪ ،‬اآلية‬
‫‪ )25‬وهو الخطاب الشائع الذي ال تناقش فيه إال الشؤون الداخلية للدول أو األحزاب‪ ،‬حيث‬
‫ينحصر تأثيره على المستوى الداخلي للهيئة المصدرة للخطاب و الهيئات الخاضعة لسلطتها‪.‬‬

‫الخطاب الدولي‪ :‬و خير ما نستدل به قوله تعالى " إنّه من سليمان وإنّه باسم هللا الرحمن‬
‫الرحيم‪("...‬سورة النمل‪ ،‬اآلية ‪)30‬؛ حيث أرسل نبي هللا سليمان من عاصمته القدس رسالة‬
‫إلى اليمن فاكتست بذلك رسالته صبغة الدولية ألنها مرسلة من دولة إلى أخرى‪.‬‬

‫و ال يقتصر الخطاب الدولي على ما بين الدول فقط‪ ،‬بل يمكن أن يتعدى الخطاب المحلي‬
‫الحدود الجغرافية ليصير دوليا وذلك ألهميته وتأثيره على السياسة العالمية أو قوة السلطة‬
‫المصدرة له على المستوى العالمي كالحمالت االنتخابية في الدول الموصوفة بالعظمى‬
‫كأمريكا و فرنسا ومداوالت مجلس األمن والقرارات الصادرة عنه‪.‬‬

‫الخطاب الرئاسي‪ :‬س ّمي هذا النوع من الخطاب بالرئاسي نسبة إلى ملقيه‪ ،‬فهو صادر من‬
‫أعلى رتبة في الهرم التسلسلي للسلطة في منظومة سياسية أو مجتمعية تتمت ّع بطابع ا ّ‬
‫لتدرج‬
‫في المسؤولية والتأثير‪ ،‬وغالبا ما يطلق على الخطاب الصادر عن رئيس الدولة أو هيئة‬
‫ممثلة له‪.‬‬

‫‪29‬‬
‫الخطاب السياسي‪.‬‬

‫قوة مقدّسة‬ ‫ّ‬


‫الحق من ّ‬ ‫فرئيس الدولة هو ممثل النظام الرمزي حسب هابرماس‪ ،‬إذ إكتسب ذلك‬
‫(الدين‪ ،‬الكنيسة‪ ،‬اإلنتخاب) م َّكنته من أن يج ّ‬
‫سد إرادة شعب و يمثل بلدا‪52.‬إذ نعتزم اإلعتماد‬
‫في دراستنا على الخطاب الرئاسي للجزائر الجديدة‪.‬‬

‫‪ 2-4-1‬عامل وسيلة التخاطب‪:‬‬


‫يمكن تمييز ثالثة أنواع تتمثل في‪:‬‬
‫الخطاب الشفوي (اإللقاء)‪ :‬يمكن أن يكون مباشرا أمام المأل في الساحات العمومية أو‬
‫القاعات المخصصة لهذا الشأن‪ ،‬أو منقوال عبر وسائل االتصاالت السمعية أو السمعية‬
‫البصرية‪.‬‬

‫صص ة‬ ‫ّ‬
‫المجالت المتخ ّ‬ ‫الخطاب المكتوب‪ :‬المراسالت السياسية و البيانات وكذا الصحف و‬
‫كمجلة النائب مثال و الالفتات و الشعارات المكتوبة أو المعبّر عنها برسم‪.‬‬

‫كما برز للوجود اليوم الخطاب المنشور على مواقع التواصل االجتماعي وأصبح وسيلة‬
‫لطرح اآلراء واالنشغاالت لإلطالع على ردود المتابعين للشأن السياسي بخصوص القضية‬
‫المطروحة‪ .‬ويعتبر الرئيس األمريكي السابق دونالد ترامب )‪ (Trump Donald‬من أكثر‬
‫رؤساء العالم استعماال لهذه المواقع خاصة موقع تويتر )‪ (twiter‬وقد حذا حذوه الرئيس‬
‫الفرنسي إيمانويل ماكرون )‪ ،(Emmanuel Macron‬حيث أرسل تغريدة على حسابه في‬
‫موقع تويتر بمناسبة العملية الع سكرية األمريكية التي تم من خاللها تصفية البغدادي (أحد‬
‫رموز داعش) جاء فيها " سقوط البغدادي ضربة قاصمة لتنظيم داعش‪ ،‬و ما هذه إال مرحلة‪.‬‬
‫فالمعركة التي نخوضها مع حلفائنا الدوليين مستمرة الستئصال التنظيم نهائيا‪ ،‬و ستكون هذه‬
‫‪53‬‬
‫أولويتنا"‬

‫‪ - 52‬جاء في لقاء صحفي على لسان الرئيس الجزائري األسبق عبد العزيز بوتفليقة في ‪ Crans Montana‬بسويسرا‬
‫‪ " :1999‬أنا أمثل الجزائر‪ ،‬فأنا تجسد إرادة الشعب الجزائري" ‪« je suis l’algerie tout entière, je suis‬‬
‫» ‪ l’incarnation du peuple algerien‬المصدر‪:‬‬
‫‪Le forum du Crans Montana. https://algeria-watch.org/?p55145 ( 12/01/2020).‬‬

‫‪ -‬النص األصلي للتغريدة كالتالي‬ ‫‪53‬‬

‫‪30‬‬
‫الخطاب السياسي‪.‬‬

‫الدستور‪ :‬هو خطاب سياسي يكتسي طابع التشريع يقوم على صياغته هيئات ممثلة إلرادة‬
‫المجتمع الذي ينظمه ذلك الدستور‪ ،‬ويشرف عليه رئيس الدولة شخصيا إذ يحمل توقيعه‪،‬‬
‫ولعّل هذا ما جعلنا ندرجه ضمن دائرة الخطابات السياسية الرسمية‪ ،‬بل واعتباره أهم خطاب‬
‫سياسي ألي دولة في العالم فهو المنظم للعالقات و المحدد للحقوق و الواجبات‪ ،‬وكذا الفاصل‬
‫في صالحيات و نظام سيرورة المؤسسات السيادية و غيرها‪ .‬و هو من يفرض حتى على‬
‫الرئيس نفسه صيغة كالمه ( كالقسم) و طريقة كالمه وفحواه (وفقا للثوابت الوطنية‬
‫والهوياتية)‪ .‬فالدستور " يعكس عبقرية الشعب‪ ...‬وهو القانون األساسي الذي يضمن الحقوق‬
‫والحريات الفردية و الجماعية‪ ،‬ويحمي مبدأ حرية اختيار الشعب‪ ،‬ويضفي المشروعية على‬
‫حرة‬
‫ّ‬ ‫يكرس التداول الديمقراطي عن طريق انتخابات دورية‪،‬‬
‫ممارسة السلطات‪ ،‬و ّ‬
‫‪54‬‬
‫ونزيهة"‪.‬‬
‫‪ 3-4-1‬عامل اإليديولوجية‪:‬‬
‫خطاب السلطة‪ :‬هو الخطاب الذي يكون ملقيه صاحب الح ّل والربط والسلطة المطلقة أو ما‬
‫يعرف بالحاكم أو السلطان‪ ،‬يقول سبحانه و تعالى " فحشر فنادى فقال أنا ربكم‬
‫األعلى"(سورة النازعات‪ ،‬اآلية ‪ ،) 25‬أو القائم مقامه بتفويض منه كالممثلين الرسميين في‬
‫المحافل الدولية التي يتعذَّر على رئيس أو حاكم ما حضورها‪ ،‬وكذا الناطقون الرسميون باسم‬
‫سلطة الحكم أو مكانه كالناطق الرسمي باسم الرئاسة في الجزائر و الناطق الرسمي باسم‬
‫البيت األبيض في أمريكا أو باسم القصر الملكي أو الملك في الدول ذات النظام الملكي‪.‬‬

‫خطاب المواالة‪ :‬المقصود به خطاب الفئة الموالية لصاحب الحكم و السلطان‪ ،‬والتي تتبنى‬
‫رؤيته وتتبع خطاه وخطت ّه ومنه خطابات األحزاب الموالية للسلطة والممثلين‪.‬‬

‫خطاب المعارضة‪ :‬هو خطاب الفئة التي ال تشاطر السلطة رؤيتها ويطلق عليها اسم أحزاب‬
‫المعارضة أو قوى المعارضة أو األحزاب اليسارية‪ ،‬و هو عدة أشكال منها الخطاب المباشر‬
‫قال تعالى " و قال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه أتقتلون رجال أن يقول ربي‬
‫‪« La mort d’al-Baghdadi est un coup dur porté contre Daech, mais ce n’est q’une étape. Le combat continue‬‬
‫‪avec nos partenaires de la coalition internationale pour que l’organisation terroriste soit définitivement‬‬
‫‪défaite ». https://www.la-croix.com/France/Mort-Baghdadi-defaite-El-priorite-France-Macron-2019-10-27‬‬
‫‪ - 54‬تبون‪ ،‬عبد المجيد‪ ،2020،‬الدستور ‪ ،‬المطبعة الرسمية‪ ،‬الجزائر‪ ،‬الديباجة‪.‬‬
‫‪31‬‬
‫الخطاب السياسي‪.‬‬

‫هللا"(سورة غافر‪ ،‬اآلية ‪، )28‬كما يتجلى في الحمالت االنتخابية والمجالس البرلمانية‪،‬‬


‫وخطاب لغة الصمت كاإلضراب عن الطعام في حالة عدم جدوى الخطاب المباشر‪.‬‬

‫الخطاب المتطرف‪ :‬أشتق اسمه من كلمة طرف‪ ،‬و المقصود به الخطاب المعتمد على‬
‫إيديولوجية تميل إلى طرف بإقصاء الطرف اآلخر‪ ،‬و يكون هذا اإلقصاء مرتكزا على مبادئ‬
‫متبناة لفئة سياسية ما بغية إثارة النعرات تارة و اللعب على وتر الهوية تارة أخرى‪ ،‬أهمها‬
‫التمييز العرقي و الديني‪.‬‬
‫و تعرف األحزاب السياسية المتبنية لمثل هذا الخطاب باألحزاب المتطرفة نذكر منها‬
‫الحزب اليميني المتطرف الفرنسي (على أساس القومية و اإلنتماء) بقيادة " مارين لوبان" ‪،‬‬
‫نظام األبارتايد البائد في جنوب إفريقيا القائم على أساس التمييز العرقي (لون البشرة)‪.‬‬

‫خطاب اإلبتزاز‪ :‬إستعمال القوة اللفظية لنيل مآرب وأغراض سياسية كالتأييد في المحافل‬
‫تصوت ضدّ نقل‬
‫ِّ‬ ‫الدولية مثل تلويح الرئيس األمريكي بقطع اإلعانات المالية عن الدول التي‬
‫السفارة األمريكية بالكيان الغاصب لفلسطين إلى القدس سنة ‪ ،2019‬أو مادية على شكل‬
‫هبات و إستثمارات كما حدث للمملكة العربية السعودية مع أمريكا سنة ‪.2018‬‬
‫أن خطاب اإلبتزاز ليس وليد الساعة و إنّما قديم قدم التاريخ‪ ،‬وما يساهم في تغذية‬
‫و الحقيقة ّ‬
‫هذا النوع من الخطاب هو إختالل ميزان القوى و الوجود األزلي للقوي والضعيف‪ .‬وخطاب‬
‫اإلبتزاز هو ضرب من أنواع التنمر والتهديد الصريح‪ ،‬غير أن اإلبتزاز يمكن أن يأتي من‬
‫الدولة الضعيفة مقارنة بالدولة المبتزة و أحسن مثال تهديدات إيران و كوريا الشمالية النووية‬
‫ضد الو م أ‪.‬‬

‫خطاب اإلستفزاز‪ :‬تن ّم كلماته عن إحتقار واضح للمخاطب أو المقصود بالخطاب‪ ،‬يمكن أن‬
‫يكون ذا طابع محلي كخطاب الوزير األول الجزائري أحمد أويحي الذي جاء في تصريحه "‬
‫جوع كلبك يتبعك "‪ .‬أو طابع دولي كرسالة الرئيس األمريكي دونالد ترامب إلى نظيره‬
‫التركي المؤرخة في ‪ 09‬أكتوبر إثر ّ‬
‫شن تركيا لهجمات على الشمال السوري شهر أكتوبر‬
‫من سنة ‪ 2019‬و التي نشرتها الرويترز و أكدت ص ّحتها الدوائر الحكومية األمريكية جاء‬
‫فيها‪ " :‬ال تكن رجال متصلّبا‪ ،‬ال تكن أحمقا‪ ..‬سوف أتصل بك الحقا" وقال أيضا بصيغة‬
‫‪32‬‬
‫الخطاب السياسي‪.‬‬

‫تهديدية " ال تريد أن تكون مسؤوال عن مقتل آالف األشخاص‪ ،‬وال أريد أن أكون مسؤوال‬
‫‪55‬‬
‫عن تدمير االقتصاد التركي‪ ،‬وسوف أدمره"‬

‫خطاب المناسبة‪ :‬الحقيقة ّ‬


‫أن الخطاب السياسي خطاب مناسبتي؛ أي أنه يستجيب لشرطية‬
‫تاريخية تستوجب نظمه و إلقاءه‪ ،‬وال يفهم معناه إالّ بدراسة تلك الشرطية و العودة إليها‬
‫لتحليل كلماته والتمكن من معناه‪.‬‬
‫لكن المقصود في هذا الركن من خطاب المناسبة هو الخطاب الذي تمليه حتمية مشاركة‬
‫السياسي لغيره من السياسيين و الشعوب على حد سواء كاألعياد الدينية و الوطنية وبرقيات‬
‫التعازي والتهاني‪.‬‬

‫خطاب التوصية‪ :‬هو الخطاب المكتوب المتضمن توصية صاحبه بحامل الخطاب إلى‬
‫مستقبله‪ ،‬كخطابات التوصية التي يحملها السفراء من بلدانهم إلى رؤساء الدول والبلدان التي‬
‫سيقيمون بها ألداء مهمتهم الدبلوماسية‪.‬‬

‫محرره أو قائله عن امتنانه لجهة معيّنة‬


‫ّ‬ ‫خطاب الشكر و االمتنان‪ :‬هو خطاب يعرب فيه‬
‫نظير خدمة مقدمة‪ ،‬فالسفارة األمريكية بالجزائر تحرص على إرسال رسائل شكر وامتنان‬
‫إلى الدولة الجزائرية سنويا في ذكرى تحرير الرهائن األمريكيين من األسر اإليراني بعد‬
‫تدخل و وساطة ممثل الجزائر السيد محمد الصديق بن يحي‪.‬‬
‫"تمر اليوم‪ 04 ،‬نوفمبر‪ 40،‬سنة على اقتحام متظاهرين في طهران مقر السفارة األمريكية‬
‫ّ‬
‫لدى إيران‪ ،‬مما تسبّب في أزمة الرهائن‪ .‬لقد ت ّم احتجاز ‪52‬ديبلوماسيا أمريكيا لمدة ‪444‬‬
‫يوما‪ .‬تحريرهم لم يكن ممكنا من دون الوساطة الجزائرية‪ .‬ستظل الواليات المتحدة‬
‫‪56‬‬
‫األمريكية‪ ،‬شعبا وحكومة‪ ،‬ممتنة للجزائر على هذا الصنيع‪"....‬‬

‫‪ 55 « you don’t want to responsible for slaughtering thousands of people, and I don’t want to‬الرسالة األصلية ‪-‬‬
‫”‪destroying Turkish economy, and I will…don’t be a though guy. Don’t be a fool…I will cal you later‬‬
‫(‪https://www.bbc.com/news/world-middle-east-50080737 )2019-11-01‬‬
‫‪ - 56‬الخطاب األصلي من موقع السفارة األمريكية بالجزائر ‪)2019-11-05 ( https://dz.usembassy.gov/‬‬
‫‪« Today marks 40 years since protesters stormed the US Embassy in Tehran, setting off the Iran hostage crisis.‬‬
‫‪Fifty-two American diplomats were held hostage for 444 days. Thay could not have been freed without Algerian‬‬
‫‪mediation. The United States of America, as a people and government, will remain profoundly grateful to‬‬
‫”…‪Algeria for his act‬‬

‫‪33‬‬
‫الخطاب السياسي‪.‬‬

‫المعاهدات و اإلتفاقيات‪ :‬هي خطابات مكتوبة بعد االتفاق على صيغتها النهائية قصد‬
‫التنفيذ والتوثيق‪ ،‬كاتفاق الجزائر عام ‪ 1981‬بين أمريكا وإيران بخصوص ظروف وشروط‬
‫إطالق سراح الرهائن األمريكيين واتفاقيات إيفيان سنة ‪ 1962‬بين الجزائر وفرنسا‬
‫االستعمارية ‪.‬‬

‫‪ 4-4-1‬عامل صفة المتلقي‪:‬‬


‫الخطاب الشعبي‪ :‬هو الخطاب المباشر الملقى على جمهور غير متجانس ( يضم مختلف‬
‫األطياف)‪ ،‬يتسم باإلرتجالية أحيانا والتجاوب اللحظي و بساطة اللغة مع توظيف‬
‫خصوصيات المتلقي واهتماماته في الخطاب‪ ،‬فالرئيس الجزائري السابق عبد العزيز بوتفليقة‬
‫افتتح خطابه المعروف بخطاب الوداع في مدينة سطيف سنة ‪ 2012‬بتهنئة مشجعي الفريق‬
‫المحلي بمناسبة فوزه بالكأس العربية في إشارة لمشاركة نفس االهتمامات (شعور الفرح‬
‫والفخر واالعتزاز) والميول (كرة القدم و الفريق المحلي)‪.‬‬

‫اللقاء الصحفي‪ :‬هو خطاب موجه أساسا لالستهالك الواسع مرورا بالصحافة‪ ،‬سواء‬
‫بحصص تلفزيونية أو مقابلة حصرية أو إجابة عن أسئلة إثر مؤتمر صحفي‪.‬‬
‫المؤتمرات‪ :‬و تشمل القمم الدولية و اجتماعات الهيئات العالمية كالجامعة العربية ومجلس‬
‫األمن‪.‬‬
‫المحادثات‪ :‬و هي تجاذب أطراف الحديث بين هيئات رسمية ممثلة في شخص رئيس الدولة‬
‫غالبا إثر زيارة رسمية أو دعوة للزيارة أو استدعاء لممثل هيئة أو دولة (سفير)‪ ،‬حيث يتناول‬
‫فيها الطرفان أهم القضايا ذات االهتمام المشترك‪.‬‬

‫‪ -2‬الخطاب السياسي (حوصلة( ‪:‬‬


‫الخطاب السياسي هو التجسد اللغوي لجزئية فكرية شخصية أو توافقية أوجدتها شرطية‬
‫تاريخية‪ ،‬تتميز بطابعها السيادي القيادي و الرغبة في أن تصير كلية إعتقادية عبر السعي‬
‫لالنتشار إلى أوسع مدى يصله صدى كلمة السياسي المخاطب‪ ،‬وذلك لحشد النفوس وإقناع‬

‫‪34‬‬
‫الخطاب السياسي‪.‬‬

‫العقول بشمولي ة الفكرة و نجاعتها و قوتها و ضرورة تبنيها إلضفاء صفة الشرعية الالزمة‬
‫عليها لزرعها وتنفيذها‪.‬‬
‫يقوم الخطاب السياسي على االستيعاب الكامل لمتطلبات العصر وترتيب األسبقيات‬
‫و األولويات فردية كانت أو جماعية‪ ،‬فهو إنتاج فكري موصول بالواقع مشروح بلغة العصر‬
‫قوة‬
‫جامع بين االنفتاح على اآلخر دون انحالل من أجل النقل الصحيح للفكرة و اكتساب ّ‬
‫الشرعية‪ ،‬مراعيا الخصوصية دون انغالق للحفاظ على ّ‬
‫حق استعمال تلك القوة المكتسبة‪،‬‬
‫التفرد الفكري للسياسي الفذّ الساعي إلى امتالك ّ‬
‫القوة على‬ ‫ّ‬ ‫ففي الخطاب السياسي يتجلى‬
‫العقول الستعمالها في تحدي د المسار الواجب انتهاجه لمسايرة الشرطية التاريخية الموجدة‬
‫للوضع المتطلب إلنتاج الخطاب‪.‬‬
‫و الخطاب السياسي يتميز بكونه داجنا إلمكانية استجابته لضغط طرف دون آخر‪ ،‬وهذا‬
‫ما يفسر وجود الخطابات المتطرفة و سياسة الكيل بمكيالين كالدعوة إلى مقاطعة الحركات‬
‫الرافضة للهيمنة واالستعمار وتجريم المقاطعين للكيان الغاصب في فلسطين بدعوى معاداة‬
‫تحو ِره وتش ُكله حسب ضغط الواقع ومطارق العصر‪.‬‬
‫السامية‪ ،‬وماجنا إلمكانية تميُ ِعه و ُ‬
‫لكنّه ليس ساجنا؛ أي أنّه ال يميل ال إلى الجمود على القديم (تطور الخطاب السياسي‬
‫وخروجه من اإلطار الديني) و ال يحبّذ العبودية للجديد (عدم االنسياق وراء التيارات‬
‫السياسية و الرؤى الدخيلة دون تحليل و تمحيص)‪ ،‬وليس آجنا‪ ،‬ألنه ال يتغير فيما من شأنه‬
‫أن يكون ثابتا و ليس ثابتا فيما يجب أن يكون متغيرا فالثبات في المقاصد و الضروريات‬
‫الكبرى كوحدة الوطن والحفاظ على الهوية‪ ،‬والمرونة في الوسائل واآلليات الستيعاب‬
‫مشكالت العصر و قضاياه‪.‬‬

‫‪35‬‬
‫المبحث الثاني‪:‬‬
‫التعابير المسكوكة‪.‬‬
‫المطلب األول‪:‬‬
‫التعابير المسكوكة‬
‫و خصائصها‪.‬‬
‫التعابير المسكوكة‪.‬‬

‫تعتبر التعابير المسكوكة بأنواعها من أهم صور التراث اإلنساني الالمادي‪ ،‬فهي تمثل‬
‫صورا ولوحات لغوية معلقة في متحف اإلنسانية والذاكرة الجماعية‪ ،‬وكذا خالصة تجارب‬
‫واختصارا ً لحكايات أبت أن يغيبها الزمن كما غيب الثرى أصحابها‪ ،‬بل وتمثل بصمة‬
‫هوياتية مميزة للثقافة واللغة المنتمية إليهما عن غيرهما‪.‬‬
‫و المسكوكات اللغوية معروفة بحسن النظم والقافية مما يجعلها تالمس الروح‪ ،‬والمعروف‬
‫أن ما تسلو له الروح ويستهوي الفؤاد و يعلق في الذهن هو ما تطرب له األذن؛ وذلك لتناغم‬
‫مكوناته اللغوية وحسن نظمه وقوافيه‪ ،‬أو يذهب بالعقول و األلباب لعمق معانيه وإعجازه‬
‫الجامع بين جمالية اللغة ودقة المعني أو لغرابته‪ ،‬لذا كانت التعابير المسكوكة والزالت أبرز‬
‫اإلنتاجات اللغوية وأحبها إلى مستعملها ومستمعها‪ ،‬حيث يمكن أن تكون وسيلة ناجعة‬
‫للتعريف بالثقافة واللغة وداللة على ثراء القاموس اللغوي الشخصي لمستخدمها‪.‬‬
‫لم تتوقف اإلنسانية يوما عن إنتاج مثل هاته األنماط التعبيرية اللغوية‪ ،‬ولم تتوقف‬
‫ملكتها اللغوية عن إبهار العقل البشري إلى يومنا هذا بحسن إنتاجها واستخدامها‪.‬‬
‫و قد أثبتت الدراسات‪ ،‬كما أورد الدكتور سليمان العبودي في كتابه الموسوم بالمرقاة‪ ،‬إدمان‬
‫اإلنسان القارئ و غير القارئ على هذا النوع من التعابير من خالل السعي إلى إنتاجه من‬
‫جهة‪ ،‬لترك بصمة فردية شخصية في القاموس اللغوي المجتمعي‪ ،‬و من خالل السعي لإللمام‬
‫بها إلرواء التعطش الثقافي إلى اإلحاطة بكل ما هو غريب أو قابل لالقتباس منه أو مثير‬
‫للجدل من جهة أخرى‪.‬‬

‫التعابير المسكوكة إنتاجات لغوية إنسانية تعتبر من أجود ما جادت به قريحة اإلنسان‬
‫وقم ة كمال ملكته اللغوية اإلنتاجية‪ ،‬فهي اقتراض و اقتباس أقوال قد سبق وجودها وجودنا‪،‬‬
‫حيث وقفت أمامها عجلة اإلنتاج اللغوي الفردي عاجزةً على إنتاج مثلها لكمالها المتدرج من‬
‫المطلق المتجسد في كالم هللا ورسوله‪ ،‬و الكمال النسبي ألقوال الحكماء‪ ،‬و الجمالي للشعراء‬
‫‪57‬‬
‫واألدباء‪.‬‬
‫و التعابير المسكوكة كما سبق ذكره إنتاج لغوي لعبارات تشد الناظر وتسر الخاطر‪ ،‬وتالمس‬
‫الحس وتؤثر في النفس‪ ،‬وتغني مستعملها عما سواها‪ ،‬فهي تجمع بين اإليجاز في اللغة‬
‫‪ - 57‬بشير عابد‪ ،2019 .‬ترجمة العبارات المسكوكة في الخطاب المتخصص‪ .‬مجلة اللغة الوظيفية‪ .‬العدد‪ .2‬المجلد ‪.5‬‬
‫جامعة شلف‪ .‬ص ‪.422‬‬
‫‪39‬‬
‫التعابير المسكوكة‪.‬‬

‫واإلعجاز في النظم‪ ،‬والعمق في المعنى و البالغة في التأثير‪ ،‬حيث تدعو جمالية صياغتها‬
‫وبالغة بيانها متلقيها إلى الغوص في تاريخ أهلها وهندسة لغتها‪ .‬و الزالت دراستها لغرض‬
‫اإلحاطة بها وبخصائصها من أولويات الدارسين للغة واللسانيات عموما‪ ،‬و المتخصصين في‬
‫علم البيان والبالغة خصوصا‪ ،‬من أجل إعداد أرضية معرفية تعريفية بها دارسة لها و ملمة‬
‫بجوانبها النحوية و التركيبية و معانيها الداللية والتداولية‪.‬‬

‫النشأة‪:‬‬ ‫‪-1‬‬
‫ُوضعت المفردات من قِبل الواضع األول دون التفريق بين الوضع واالستعمال؛ أي أن‬
‫لكل مفردة معنى جلي و سياق تعبيري تستعمل فيه دون سواه‪ ،‬فالمفردات ال توضع بمعزل‬
‫‪58‬‬
‫عن السياقات اإلستعمالية بل توضع و تستعمل و تُعدل وفق ما تقتضيه الحاجة التواصلية؛‬
‫أي أن المفردات تأخذ معناها في السياق التعبيري المستعمل‪.‬‬
‫لكن الحاجة التواصلية تفرض في كثير من األحيان على المتكلم استعمال مفردات واضحة‬
‫الداللة‪ ،‬مريدا بها داللة تتجاوز تلك الشائعة االستعمال‪ ،‬و بذلك يكون المتكلم قد استعمل كما‬
‫لفظيا سابق الوجود وفق نظام تركيبي جديد‪ ،‬حيث يختلف فيه المعنى اللغوي المجرد‬
‫والمتواضع عليه عن المعنى المقصود من االستعمال‪ ،‬فيكون ذلك بمثابة إعالن ميالد تعابير‬
‫جديدة تعرف بالمسكوك اللغوي‪ ،‬وهذا ما أكده عباس الصوري في كتابه حيث قال "والتعبير‬
‫المسكوك قد ال يكون دائما مسكوكا‪ ،‬فهو قبل أن يصبح أصما كان ال محالة قابال لإلنتاج ثم‬
‫‪59‬‬
‫توقف عن التحول ليستقر في صورة واحدة‪ ،‬و أصبح مسكوكا"‬
‫و في نفس السياق أكد بيير جيرو على االنزياح أو التغيير الذي يعرفه المعنى في عبارة ما‬
‫قائال‪ " :‬يتغير المعنى ألننا نعطي اسما لمفهوم ما من أجل غايات إدراكية أو للتعبير عن‬
‫شيء‪ ...‬و يتغير المعنى ألن إحدى المشتركات الثانوية (معنى سياقي‪ ،‬قيمة تعبيرية‪ ،‬قيمة‬
‫فإذا أخذنا‬ ‫‪60‬‬
‫اجتماعية) تنزلق تدريجيا من المعنى األساسي وتحل محله فيتطور المعنى"؛‬
‫العبارة المسكوكة " عاد بخفي حنين" فإن فعل حيازة الخفين والعودة بهما حقيقي و هو ما‬

‫‪https://theses.univ-oran1.dz/document/4521245.pdf&sa (28/01/2021) -58‬‬


‫‪ - 59‬الصوري‪ ،‬عباس‪ ،2002.‬في بيداغوجية اللغة العربية‪ ،‬الرصيد المعجمي الحي‪ ،‬ط ‪ ،1‬مطبعة النجاح الجديدة‪ ،‬الدار‬
‫البيضاء‪ ،‬ص ‪.116‬‬
‫‪ - 60‬المصدر نفسه‪ :‬الصوري‪ ،‬عباس‪ .‬ص ‪.118‬‬
‫‪40‬‬
‫التعابير المسكوكة‪.‬‬

‫حدث‪ ،‬بينما انزلق فعل خسارة المال وخيبة األمل تدريجيا ليحل محل المعنى األساسي‪،‬‬
‫فيصبح بذلك معنى العبارة هو خيبة األمل‪ ،‬كما أن هذه العبارة تحمل من اإليجابية ومراعاة‬
‫الحالة النفسية التي كان يعاني منها ويعاني منها كل من خاب مسعاه لتحقيق أمر ما‪ ،‬فتكون‬
‫العبارة بذلك موحية لمعنى الخيبة دون اإلشارة إليه‪.‬‬
‫تدل تسمية التعابير المسكوكة على أنها إنتاج لغوي إنساني مشترك بين جماعة من األفراد‬
‫التي تعتمد نفس النظام اللغوي التعبيري‪ ،‬و ذلك بغية تحقيق الغاية المرجوة منها و إشباع‬
‫الرغبة التواصلية عند هذا الكائن االجتماعي الطبع‪ ،‬غير أن التعابير المسكوكة تختلف عن‬
‫التعابير العادية اختالف الداللة والتركيب والمعنى‪ ،‬فهي "تشكل وحدات معجمية قائمة بذاتها‬
‫‪61‬‬
‫ووحدات داللية مستقلة"‪.‬‬

‫فإن كانت التعابير العادية هي ما تواضع عليه الجميع و يُفهم مقصده من طرف العام‬
‫والخاص‪ ،‬كما تتسم دالالتها بالوضوح و السطحية والداللة المباشرة على المعنى الظاهر‬
‫للكلمة‪ ،‬فإن التعابير المسكوكة تنتقل بمستعمليها من فصاحة الكلمة إلى فصاحة الكالم‪ ،‬ومن‬
‫تحصيل المعاني إلى إدراك معنى المعاني‪ .‬فالتعابير المسكوكة وليدة التجربة اإلنسانية؛ أي‬
‫أنها خالصة التجارب والمالحظات وكمال اإلبداع واالختصار في اختزال العبرة و تجسيدها‬
‫في كم لفظي يجمع بين البساطة في التركيب و العمق في الداللة‪ ،‬حيث ال يُنال معناها إال‬
‫صر في ثنايا تكوينها و سبب توليدها و علة ورودها وإعادة إنتاجها‪.‬‬
‫بالتأ ُّمل و التب ُّ‬
‫و في هذا الباب يقول الجرجاني " الكالم على ضربين‪ :‬ضرب أنت تصل إليه بداللة اللفظ‬
‫وحده‪ ،‬و ذلك إذا قصدت أن تخبر عن زيد مثال بالخروج على الحقيقة‪ ،‬فقلت‪ :‬خرج زيد‪...‬‬
‫وعلى هذا القياس ضرب آخر أنت ال تصل منه إلى الغرض بداللة اللفظ وحده‪ ،‬و لكن يدلك‬
‫اللفظ على معناه الذي يقتضيه موضوعه في اللغة‪ ،‬ثم تجد لذلك المعنى داللة ثانية تصل بها‬
‫‪62‬‬
‫إلى الغرض‪ .‬و دار هذا األمر على الكناية واالستعارة والتمثيل"؛‬
‫و ق د ضرب اإلمام الجرجاني أمثلة كثيرة للتوضيح ودعم قوله منها‪ :‬طويل النجاد التي تفيد‬
‫معنى طول القامة‪ ،‬و كثير الرماد المفيدة معنى الكرم وإكرام الضيف‪ ،‬وعبارة نؤوم الضحى‬
‫التي تفيد المرأة المترفة المخدومة‪.‬‬
‫‪ - 61‬أنظر‪ :‬عمر‪ ،‬أحمد مختار‪ ،1992 .‬صناعة المعجم الحديث‪ ،‬عالم الكتب‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ص ‪.24‬‬
‫‪ - 62‬الجرجاني‪ ،‬عبد القاهر‪ ،1981 .‬كتاب دالئل اإلعجاز‪ .‬دار المعرفة‪ .‬بيروت‪ .‬ج ‪ .1‬ص ‪.173‬‬
‫‪41‬‬
‫التعابير المسكوكة‪.‬‬

‫و المعنى المراد من التعابير المسكوكة ال يُنال حسبه إال بالبحث داخل التراكيب اللغوية‬
‫الحاملة للمعنى المضمر‪ ،‬وفي هذا الصدد وضع نظريته الشهيرة بنظرية "النظم" والناصة‬
‫على أن الفائدة ال تتحقق وال يُنال المعنى المقصود إال بائتالف الكالم و ضم بعضه إلى بعض‬
‫‪63‬‬
‫والبحث فيه وفي مناسبته ومسبباته وموجباته‪.‬‬
‫الكرم‪.‬‬ ‫كثرة اإلطعام‬ ‫كثرة الطبخ‬ ‫كثرة إشعال النار‬ ‫كثير الرماد‬

‫كثرة‬ ‫وجود من ينوب في قضائها‬ ‫إتمام األشغال و المسؤوليات‬ ‫نؤوم الضحى‬


‫وفرة المال إلستئجار الخدم‪.‬‬ ‫الخدم‬

‫لم يفت جرجي زيدان إدراج التعابير المسكوكة تحت عنوان اإلعجاز و اإليجاز في كتابه‪،‬‬
‫واصفا اللغة العربية بأنها األثرى و العرب بأنهم األقدر على صياغة مثل هذه التعابير‪ ،‬مؤكداً‬
‫ما جاء به الجرجاني في أن الكناية و المجاز يعتبران من أهم الطرق المنتهجة في صياغة‬
‫التعابير التي تتمتع باإليجاز اللفظي والثراء المعنوي‪ ،‬حيث قال "لكل قوم إعجاز في لغتهم‬
‫فيدلون بلفظ قليل على معنى كثير‪ ،‬ولكن العرب أقدر على ذلك من سواهم‪ ،‬ألن لغتهم‬
‫تساعدهم عليه و قد تعودوه و ألفوه‪ ،‬و منه في القرآن والحديث واألمثال وكتب الفقه‪ ،‬والشرع‬
‫واألدب أمثلة كثيرة‪ ،‬و من هذا القبيل استعمال المجاز و الكناية وسائر أساليب البديع‪ ،‬فإنها‬
‫في العربية أرقى مما في سواها‪ .‬ألنها لغة شعرية كثيرة الكنايات واإلشارات يسهل فيها‬
‫‪64‬‬
‫التعمية واإللغاز"‬

‫و بما أن التعابير المسكوكة إنتاج اجتماعي مجتمعي‪ ،‬فإن منها ما حافظ على وجوده‬
‫وتركيبه ورسمه وخصائصه اللفظية‪ ،‬ومثال ذلك اآليات القرآنية و األحاديث النبوية الشريفة‬
‫وكل ما يقتبس منهما كاآلية الكريمة " إن بعض الظن إثم " و الحديث النبوي الشريف " إنما‬
‫األعمال بالنيات ‪ ."...‬ومنها كذلك ما تأثر بما تتأثر به لغة التواصل بين األفراد من مخالطة‬
‫العجم وميل اللسان إلى االختزال اللغوي واللحون في اللغة‪ ،‬فإن أخذنا عبارة "حنانيك‪"65‬‬
‫الدالة على االستعطاف و االستمالة بطلب كم مضاعف من العطف و المحنة‪ ،‬و التي قاومت‬
‫االندثار مع تقدُّم الزمن بفضل استمرارية استعمالها‪ ،‬إال أنها رضخت للتغيير التلفظي‬
‫‪ - 63‬المصدر نفسه‪ :‬الجرجاني‪ ،‬عبد القاهر‪ .‬كتاب دالئل اإلعجاز‪.‬‬
‫‪ - 64‬زيدان‪ ،‬جرجي‪ ،213 ،‬تاريخ آداب اللغة العربية‪ ،‬هنداوي للتعليم و الثقافة‪ ،‬مصر‪ ،‬ص ‪.59‬‬
‫‪65‬‬
‫‪ -‬المصدر السابق‪ :‬ابن منظور‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬ص ‪.253‬‬
‫‪42‬‬
‫التعابير المسكوكة‪.‬‬

‫(المستوى الفونولوجي) في أوساط المجتمع الجزائري‪ ،‬حيث تستعمل في نواحي منطقة عين‬
‫الدفلة بالجزائر على شكل " حنا حنا"‪.‬‬
‫أما العبارة المسكوكة المستعملة للترحيب " حللتم أهال و نزلتم سهال" لم تسلم من ظاهرة‬
‫االقتصار اللغوي لتصبح " أهال و سهال"‪ .‬و من التعابير المسكوكة ما اندثر بفعل التقادم‬
‫بخ"‪ ،‬وذلك إما لوجود ما يغني‬
‫"بخ ٍ‬
‫الزمني المصاحب النقطاع استعمالها في فترة ما كعبارة ٍ‬
‫عنها لوجود عدة مسكوكات غيرها تفيد نفس المعنى وتستعمل في نفس السياق كعبارة‬
‫"صباح الخير" مكان "عمت صباحا"‪ ،‬أو الرتباط إنتاجها بسياق زمكاني منته مثل العبارة‬
‫الفرنسية » ‪ « les bonnets rouge‬التي ترمز إلى حركة احتجاجية قامت في فرنسا ضد تلوث‬
‫البيئة و المحيط‪.‬‬

‫العبارة الفرنسية » ‪ « le Boudjadisme‬التي تعني محدودية المستوى الثقافي والتعليمي‬


‫والمجتمعي‪ ،‬كان أصلها المدعو » ‪ « pierre Boudjad‬الذي أنشأ حزبا سياسيا سنة ‪1956‬‬
‫جمع فيه أصحاب المستويات التعليمية المتدنية‪ ،‬وبقيت هاته العبارة متداولة في األوساط‬
‫الجزائرية على شكل " بوجادي" للداللة على اإلنسان البسيط الساذج‪.66‬‬

‫ال يمكن بأي حال من األحوال غلق مجال إنتاج هذا النوع من التعابير وتحديده بحيز‬
‫زمكاني‪ ،‬فإمكانية إنتاجها باقية بقاء العنصر البشري ومستمرة استمرار ملكته اللغوية‬
‫اإلبداعية واإلنتاجية‪ ،‬ومشروعة مشروعية التناص واالقتباس اللغويين‪ ،‬لكن خلودها في‬
‫الزمن مرتبط بقيمتها اللغوية والداللية ومدى قربها و تأثيرها وتواترها في مستعمليها وبينهم‪.‬‬
‫كالحكم في‬
‫ِ‬ ‫كما أن إنتاجها ال يمكن حصره في نوع معين‪ ،‬بل يأخذ كل األلوان و األشكال‪:‬‬
‫قول ابن الجوزية " أكتم عن الناس ذهبك وذهابك ومذهبك"‪ ،‬و األقوال المأثورة كقول‬
‫الرئيس الليبي األسبق " القضية الفلسطينية قضية وجود وليست قضية حدود" وقول الرئيس‬
‫الجزائري في نفس السياق "نحن مع فلسطين ظالمة أو مظلومة"‪ ،‬واالقتباس من الكتب‬
‫المقدسة كالقرآن والحديث وغيرهما‪ ،‬و الشعر كقول محمود درويش " أمريكا الطاعون‬
‫والطاعون أمريكا"‪.‬‬

‫‪https://www.histoiredesfax.com/201914 (17/01/2021) -66‬‬

‫‪43‬‬
‫التعابير المسكوكة‪.‬‬

‫وقد بلغ تأثر اللغات بعضها ببعض درجة تتعدى االقتراض اللغوي للكلمات و التعابير إلى‬
‫تبني منهجي ة تكوين تلك العبارات في اللغة المصدر لخلق أخرى خاصة بها في اللغة األم‪،‬‬
‫ولعل أحسن مثال على ذلك هو االشتقاق المفضي إلى إيجاد تعابير مسكوكة جديدة كالعبارة‬
‫الفرنسية » ‪ « la Chiraquienne‬نسبة إلى الرئيس الفرنسي األسبق "جاك شيراك"‪ ،‬فجاءت‬
‫على شاكلتها عبارة "البوتفليقية" و"البومدينية" لتدل على حقبة من الحكم موصوفة بسياسة‬
‫معينة‪ .‬وكذا الكلمات العلمية والدبلوماسية » ‪ « les mots savants. Mots valises‬التي‬
‫تشكلت في اللغات الحديثة العهد بدمج عدة أفراد لغوية من لغات أخرى على غرار كلمة "‬
‫ديموقراطية" والمقترضة إلى اللغة العربية تحت مضلة المصطلحات السياسية الجديدة‪ ،‬حيث‬
‫أن هذه الكلمة ما هي إال عبارة مسكوكة التينية » ‪ « demos cratos‬وهي تدل على نظام حكم‬
‫متبع عند قدماء اليونان " حكم الشعب"‪.‬‬

‫تجدر اإلشارة إلى أن التعابير المسكوكة تمثل ما نسبته ‪ %40‬من الرصيد اللغوي الذي‬
‫تتضمنه كفاية المتكلم العربي‪ 67،‬ونظراً لألهمية البالغة لهاته الظاهرة اللغوية واإلنتاج اللغوي‬
‫في إثراء اللغة ممارسة من خالل تبني إستعمالها ودراستها لإلحاطة بها وبخصائصها‪ ،‬فقد‬
‫أُوجدت لها عدة أسماء تعكس أهميتها من جهة ‪ -‬فالمعروف أن ما عظم شأنه تعددت أسماؤه‬
‫و ألقابه‪ ،-‬و من جهة أخرى تبين الكم الهائل والمتنوع في أسلوب نظمها وإنتاجها‪ ،‬فإذا أخذنا‬
‫‪(les‬‬ ‫اللغة الفرنسية كمثال وجدنا أن كال من )‪ (les collocations‬المتالزمات اللفظية‪،‬‬
‫)‪ expressions figées‬المسكوكات اللغوية و‪ expressions idiomatiques) (les‬العبارات‬
‫‪(les clichés‬‬ ‫الجاهزة‪ (les dictons) ،‬األقوال المأثورة‪ (les sentences) ،‬الحكم‪،‬‬
‫تندرج‬ ‫‪68‬‬
‫)‪ stylistiques‬األساليب المبتذلة‪ (les stéréotypées) ،‬الصور النمطية ‪ ...‬الخ‬
‫ضمن إطار التعابير المسكوكة‪.‬‬

‫هذا الزخم المصطلحي يعكس تنوع المقاربات و زوايا الدراسة المتناولة للتعابير المسكوكة‬
‫بتنوع استعماالتها ومصادرها وطريقة إنتاجها المسماة بالسك اللغوي‪.‬‬

‫‪ - 67‬بولعالم‪،‬علي‪ .2017 .‬التعابير المسكوكة و الترجمة‪ .‬أطروحة دكتوراة‪ .‬جامعة سيدي محمد بن عبد هللا‪ .‬فاس ‪.‬‬
‫المغرب‪.‬ص ‪.42‬‬
‫‪ - 68‬المصدر نفسه‪ :‬بولعالم‪ ،‬علي‪ .‬التعابير المسكوكة و الترجمة‪.‬‬
‫‪44‬‬
‫التعابير المسكوكة‪.‬‬

‫الجدول التالي يمثل أهم التغييرات التي حدثت أو يمكن أن تحدث للتعابير المسكوكة‪:‬‬

‫الصياغة‬ ‫نوع التغيير‬ ‫العبارة المسكوكة‬

‫نفسها‬ ‫غير موجود (عبارة ثابتة)‬ ‫إن بعض الظن إثم‬

‫نفسها‬ ‫غير موجود ( عبارة ثابتة)‬ ‫إنما األعمال بالنيات‬

‫حنا حنا‬ ‫فونولوجي‬ ‫حنانيك‬

‫أهال و سهال‬ ‫اإلختصار‬ ‫حللتم أهال و نزلتم سهال‬

‫اإلندثار‬ ‫القبعات الحمراء‬

‫)‪(les bonnets rouges‬‬

‫اإلندثار‬ ‫بخ بخ‬

‫بوجادي‬ ‫اإلختصار‬ ‫‪Le boudjadisme‬‬

‫جدول ‪ :1‬صيرورة بعض التعابير المسكوكة‪.‬‬

‫تعريف التعابير المسكوكة‪:‬‬ ‫‪-2‬‬


‫إن كان التعبير يوحي بمعنى اإلفصاح عن مكنون الذوات و ما يخالج الصدور ويدور في‬
‫العقول بإستعمال كم لغوي فردي مأخوذ من القاموس اللغوي الجماعي التوافقي‪ ،‬فإن صفة‬
‫السك تحدد طبيعة التعبير اللفظي لتمييزه عن الرمز‪ ،‬وطريقة نسجه لتمييزه عن التعبير‬
‫العادي‪ ،‬من حيث التركيب واألداء الداللي‪.‬‬

‫‪ 1-3‬السكّ لغة‪:‬‬

‫‪45‬‬
‫التعابير المسكوكة‪.‬‬

‫إتفقت أغلب القواميس العربية على ربط مفهوم السك بصناعة العملة و النقود تارة وعدم‬
‫القدرة على إجابة الكالم لقوة الصوت الواصل إلى السمع تارة أخرى‪ ،‬فقد جاء في معجم اللغة‬
‫صوتُ‬ ‫َّ‬
‫وسك ال َّ‬ ‫سك النُّقود بمعنى ضربها‪ ،‬سبكها وطبعها‪.‬‬
‫العربية المعاصرة في باب السك‪َّ :‬‬
‫المرتف ُع السَّمع ‪ :‬أص َّمه ل ِشدَّته‪.‬‬
‫و في معجم الغني ‪:‬س َّك النُّقُود بمعنى ضربها و صاغها‪ .‬س َّك ال َّ‬
‫ص ْوتُ س ْمعهُ أي ص َّمهُ‪.‬‬
‫و كذا في معجم الرائد‪ :‬سك النقود بمعنى ضربها و طبعها‪ .‬سك الكالم السمع‪ :‬أصمه‬
‫لشدته‪.‬‬
‫ورد أيضا في المعجم الوسيط‪ :‬سك ْالكالم السمع أصمه ِل ِشدَّتِ ِه ويُقال ما سك س ْم ِعي مثل‬
‫الس َّكة‪.‬‬
‫ذ ِلك‪ .‬وسك النقود طبعها على ِ‬
‫صه التِفافاً‪ .‬وا ْست َّك ِ‬
‫ت‬ ‫أم ا قاموس المحيط في اللغة فقد جاء فيه‪ :‬اسْت َّك النَّباتُ أي ا ْشتدَّ خصا ُ‬
‫الرياض بمعنى ْالتف ْ‬
‫ت‪.‬‬ ‫ُ‬

‫‪ 2-3‬التعريف اإلصطالحي‪:‬‬

‫إنطالقا من مختلف التعاريف اللغوية لمفهوم السك‪ ،‬فإننا نجد أن االلتفاف من الصفات‬
‫األساسية المكونة للتعابير المسكوكة‪ ،‬و ذلك اللتفاف أكثر من كلمة مع بعضها البعض في‬
‫إتحاد لغوي لضرب وصياغة معنى جديد يبهر العقل ويسك سمع متلقيه لبالغته‪.‬‬
‫و ظاهرة السك عالمية منتشرة بين كل اللغات‪ ،‬فقد عرفها دوبوا )‪ (Dubois‬على أنها‪ :‬عملية‬
‫تجريد المكونات اللغوية لعبارة ما من المعاني المرادفة لكل عنصر من العناصر اللغوية في‬
‫وحدانيته‪ ،‬وإنصهارها في معنى واحد تدل عليه في كليتها و إتحادها‪.69‬‬

‫فالسك اللغوي إذن عملية استئصال للمعاني المنفردة الواردة للمكونات اللغوية الحرة‪،‬‬
‫واستبدالها بمعنى واحد مستق ٍل بذاته عن األفراد اللغوية البسيطة‪ ،‬مرتبطٍ في تشكله بإتحاد تلك‬
‫معلن ميالد وحدات معنوية جديدة تعرف‬
‫ٍ‬ ‫الكلمات المتجردة من كل أنانية معنوية فردية‪،‬‬
‫بالتعابير المسكوكة‪ ،‬حيث تتصف هذه األخيرة بكونها أكثر بالغة وعمقا في المعنى‪ ،‬و أكثر‬

‫‪- 69 « le figement est le processus par lequel un groupe de mots dont les éléments sont libres devient une‬‬
‫‪expression dont les éléments sont indissociables » Dubois J, et al. 2002, dictionnaire linguistique, paris, larousse.‬‬
‫‪P 202‬‬

‫‪46‬‬
‫التعابير المسكوكة‪.‬‬

‫جمالية في البناء واألسلوب‪ .‬هذا النمط الجديد في البناء والتركيب اللغوي يفضي إلى إنتاج‬
‫وحدات معجمية قائمة بذاتها ووحدات داللية مستقلة‪ ،70‬ما من شأنه إثراء القاموس اللغوي‬
‫األكاديمي و الفردي لمستعملي تلك العبارات‪.‬‬

‫و قد ذهب عباس الصوري في كتابه " في بيداغوجية اللغة العربية" إلى اعتبار السك‬
‫نوعا من أنواع الجمود اللغوي الذي يميز هذه التعابير ويجعلها في منأى عن قوانين‬
‫التغييرات النحوية و التركيبية للغة‪ ،‬أو األهواء الشخصية لألفراد المتداولين لها‪ ،‬حيث جاء‬
‫في ذات المصدر " هي إذن عبارات تشكلت لغايات تداولية‪ ،‬وبناؤها ال يعتمد على قوانين‬
‫التركيب المعروفة في الجمل العادية‪ ،‬ألنها جامدة على صورة واحدة‪.71"...‬‬
‫و ما يميز التعابير المسكوكة أن ها تعابير أكفأ من مألوف التعابير المستعملة في الكالم‪،‬‬
‫ف التعابير المسكوكة تؤدي المعنى و التأثير المتوخى منها أفضل منه من مألوف التعابير‪.‬‬

‫‪ 3-3‬إشكالية التسمية‪:‬‬
‫لقد شك لت التسمية الجامعة للعبارات الناتجة عن عملية السك اللغوية جدال بين من‬
‫من أمثال حلمي خليل في دراسته‬ ‫‪72‬‬
‫يعتبرها ويطلق عليها تسمية التعابير اإلصطالحية‬
‫الموسومة ب"الكلمة دراسة لغوية ومعجمية" و أحمد أبو السعد في دراسته الموسومة ب"‬
‫التعابير اإلصطالحية في اللغة العربية" وغيرهما ككريم زكي حسام الدين‪ ،‬حيث عر فها‬
‫هذا األخير كما يلي‪ " :‬التعبير اإلصطالحي هو نمط تعبيري خاص بلغة ما‪ ،‬يتميز بالثبات‬
‫و يتكون من كلمة أو أكثر تحولت من معناها الحرفي إلى معنى مغاير اصطلحت عليه‬
‫الجماعة اللغوية"‪ ،73‬و أ ضاف في ذات السياق مبررا استعماله لصفة االصطالح " أما‬
‫وصفنا التعبير باالصطالحية فنعني به المواضعة أو اتفاق الجماعة"‪.74‬‬

‫إن الذهاب إلى تسمية هذه التعابير بالتعابير االصطالحية يمنحها حري ة المفاضلة بين‬
‫معنيين واردين لها مستمدين من ماهية الصفة الملحقة بها "االصطالح"‪.‬‬

‫‪ - 70‬المصدر السابق‪ :‬عمر أحمد مختار‪ ،‬صناعة المعجم الحديث‪.‬‬


‫‪ - 71‬المصدر السابق ‪ :‬عباس الصوري‪ ،‬في بيداغوجية اللغة العربية‪.‬‬
‫‪ - 72‬المصدر السابق‪ :‬بولعالم‪ ،‬علي‪ .‬التعابير المسكوكة و الترجمة‪ .‬ص ‪.43‬‬
‫‪ - 73‬حسام الدين‪ ،‬كريم زكي‪ ،1985 .‬التعبير اإلصطالحي‪.‬مكتبة أنجلو المصرية‪،‬القاهرة‪ .‬ص ‪.24‬‬
‫‪ - 74‬المصدر نفسه‪ :‬حسام الدين‪ ،‬كريم زكي‪ .‬ص ‪.33‬‬
‫‪47‬‬
‫التعابير المسكوكة‪.‬‬

‫فالمعنى األول لالصطالح يفيد "العرف الخاص‪ ،‬و هو اتفاق طائفة مخصوصة على وضع‬
‫انطالقا من كون هذه التعابير إنتاجات فردية فإن االتفاق يكون على قبولها‬ ‫‪75‬‬
‫شيء"؛‬
‫وتعميم تداولها‪ ،‬ألن ها موضوعة قبل االصطالح نفسه‪ .‬أما المعنى الثاني فهو " لفظ اتفق‬
‫العلماء على اتخاذه للتعبير عن معنى من المعاني العلمية"‪ ،76‬يحصر هذا التعريف التعابير‬
‫المنتجة في دائرة المصطلحات العلمية‪ ،‬وهو بذلك يصف جزءا منها ال مجملها مثل عبارة‬
‫" عقدة أوديب" و"عقدة إلكترا" و"فخ ثوسيديس"‪.‬‬
‫كما أن األخذ بتسمية العبارات االصطالحية بإضفاء صفة االصطالح على التعبير‬
‫المسكوك واإلنتاج اللغوي الخاص يقود المعنى إلى اإلنتاج العام للغة ال إلى الخاص من‬
‫التعابير الموصوفة منها‪ ،‬وهذا طبقا لنظرية التواضع و االصطالح في نشأة اللغة ‪ -‬دون‬
‫الخوض في وضعها ونقدها‪ -‬فكالهما يشترك في علة الوجود وهي التعبير و التأثير‬
‫والصفة اللغوية‪ ،‬كما يشترك في مشروعية الوجود والتداول التي تتمثل في االتفاق‬
‫و التواضع‪ ،‬فاللغة حسب اللسانيين منتوج اصطالحي؛ بمعنى أنها موضوعة ومتفق عليها‬
‫من جماعة المنتجين و المستعملين لها أو ما يعرف ب" المجتمع اللغوي"‪ ،‬وهذا ما يطرح‬
‫إشكالية اللبس في التسمية و داللتها‪ ،‬حيث تستدعي خصوصية طبيعة هذه التعابير وتفردها‬
‫خصوصية تسميتها‪ ،‬وتفردها بما يدل عليها دون سواها من التعابير العادية‪ ،‬وما التعابير‬
‫االصطالحية إال جزء من هذا اإلنتاج اللغوي الخاص‪ .‬لذا ارتأى تمام حسن تسميتها‬
‫بالتعابير المسكوكة في دراسته الموسومة ب" اللغة العربية معناها و مبناها" و هذا ما‬
‫شاطره إياه كثيرون من أمثال نبيل علي في دراسته الموسومة " العرب و عصر‬
‫‪77‬‬
‫المعلومات"‪.‬‬
‫استعمال لفظ المسكوك يعطي معنى إيجاد ُموجد جديد انطالقا من موجودات أخرى‬
‫الموجد له من‬
‫ِ‬ ‫سابقة‪ ،‬حيث يكون الموجد أكبر قيمة و أكثر تأثيرا و فاعلية في المجتمع‬
‫الموجود السابق‪ ،‬وهذا ما ينطبق على سك العملة النقدية ابتداء من المعادن والورق‪ ،‬كما‬

‫‪ - 75‬طبي‪،‬محمد‪ ،1992 .‬وضع المصطلحات‪ ،‬المؤسسة الوطنية للفنون المطبعية‪ ،‬ط‪ ،1‬الجزائر‪ ،‬ص‪.38‬‬
‫‪ - 76‬مطلوب‪ ،‬أحمد‪ ،‬حركة التعريب في العراق‪ ،‬معهد البحث و العلوم‪ ،‬بغداد‪ ،‬ص ‪.56‬‬
‫‪ - 77‬نفس المصدر‪ :‬بولعالم‪،‬علي‪ .‬التعابير المسكوكة و الترجمة ‪ .‬ص ‪.45‬‬
‫‪48‬‬
‫التعابير المسكوكة‪.‬‬

‫جاء في كتاب الزمخشري ‪ 78‬ضمن مادة " سكك"‪ :‬استكت مسامعه أي صمت؛ و الصمم‬
‫يكون إما لقوة الصوت أو لبالغة المعنى المؤدى من الكالم‪ ،‬فال يجد المستمع ما يرد به‬
‫على المتكلم‪ ،‬وهذا ما يميز التع ابير المسكوكة من بالغة المعنى وحسن النظم‪.‬‬
‫لكن المالحظ أن هذا المش ِكل في التسمية منحصر في اللغة العربية دون غيرها وذلك‬
‫الشتقاق مفهوم االصطالح من مفهوم االتفاق والتوافق‪.‬‬

‫إن أكثر ما يشيع البلبلة بين المنظرين و الدارسين للظواهر اللغوية وغيرها هو اختالل‬
‫الدالالت واضطراب المفاهيم‪ ،‬و إن كان أغلب اللسانيين قد اتفقوا على ماهية التعابير‬
‫المسكوكة فإن هم قد اختلفوا و تباينوا في تسميتها‪ ،‬و من باب أنه ال يحق ألحد التفرد بتحديد‬
‫ما ال يستطيع فرد أن يستقل بتحديده أو أن يفرضه‪ ،‬وجب علينا اإلشارة إلى مختلف‬
‫التسميات األخرى لهذا النوع من التعابير‪ ،‬و إن تعذر علينا اإلحاطة بجلها فإننا نورد‬
‫بعضها تأكيدا لتباين الرؤى حول التسمية رغم اتفاقها حول الماهية‪.‬‬
‫يعتبر أغلب اللسانيين المثل ضربا من ضروب التعابير المسكوكة‪ ،‬وألهميته البالغة في‬
‫ثقافة الشعوب وتأثيره البالغ في اللب المدبر والعقل المفكر واللسان المخاطب‪ ،‬فقد ذهب‬
‫شوقي ضيف إلى تعميم لفظة األمثال على كل التعابير المسكوكة‪ ،‬ذلك ألن المثل يعتبر من‬
‫أقدم اإلن تاجات اللغوية‪ ،‬حيث قال‪ " :‬و قد تداول العرب و المسلمون من كلماته الجامعة أي‬
‫أحاديث رسول هللا بعض أمثال لم يتقدمه فيه‪ ،‬و من ذلك قوله‪ :‬مات حتف أنفه‪ ،‬كل الصيد‬
‫‪79‬‬
‫في جوف القرا‪ ،‬ال ينتطح فيها عنزان‪ ،‬جماعة على أقذاء"‬
‫فمن أهمية األمثال عند العرب أن ها كانت تعتبر ضربا من ضروب األدب عندهم‪ ،‬وكانت‬
‫تجري عندهم مجرى الشعر‪ ،‬حيث قال عنها أبو عبيد " األمثال من حكمة العرب في‬
‫الجاهلية واإلسالم‪ ،‬و بها كانت تعارض كالمها فتبلغ به ما حاولت من حاجاتها في النطق‬
‫بكناية بغير تصريح‪ ،‬فيجتمع لها بذلك ثال ث خالل‪ :‬إيجاز اللفظ‪ ،‬وإصابة المعنى‪ ،‬وحسن‬
‫‪80‬‬
‫التشبيه"‬

‫‪ - 78‬الزمخشري‪ ،‬عمر بن محمد‪ ،1998 .‬أساس البالغة‪ .‬مادة سكك‪ .‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬ص ‪.216‬‬
‫‪ - 79‬شوقي ضيف‪ ،‬الفن و مذاهبه في النثر العربي‪،‬دار المعارف‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط ‪ .13‬ص ‪.3‬‬
‫‪ - 80‬زيدان‪ ،‬جرجي‪ .‬تاريخ اداب اللغة العربية‪ .‬ص ‪.62‬‬
‫‪49‬‬
‫التعابير المسكوكة‪.‬‬
‫‪81‬‬
‫و إرتأى آخرون تسميتها بالتعابير المتعددة الكلمات )‪(les expressions multi- mots‬‬
‫استنادا إلى طبيعتها التركيبية ووصفها بأنها عبارات مركبة من مجموعة كلمات دالة في‬
‫إتحادها على معنى واحد‪.‬‬
‫ومع ثراء الزخم المصطلحي الدال على هذا النوع من التعابير و التنوع الحاصل فيها تنوع‬
‫تراكيبها وطرق صياغتها ودراساتها‪ ،‬فقد إرتأت لوروا ‪ LEROI‬إيجاد مصطلح توافقي جامع‬
‫في داللته بين كل أنواع التعابير المسكوكة إنطالقا من إشتراكها في علة الوجود والتركيب‬
‫ووحدة المعنى الغير القابل للتجزئة والمستقل بذاته عن المدلوالت الفردية لمكوناته ب‬
‫» ‪ ،« unité phraséologique‬كما عرفت لوروا التعابير الناتجة عن عملية السك اللغوي‬
‫بأنها تجسُّد صورة معنوية واحدة في الوعي اللغوي‪ ،‬تشكلت عقب اإلتحاد اللفظي لعناصر‬
‫مشكلةً المعنى الجديد في ترابطها‪.82‬‬
‫لغوية مستقلة المعنى في تفردها‪ِ ،‬‬
‫رغم أن مساحة االختالف في التسميات يسيرة ال تتعدى إطار المواضع المتفرقة التي أتت‬
‫بها تلك الدراسات والجوانب التي ألمت بها وأمعنت في تحليلها‪ ،‬إال أن هذا ال ينقص من‬
‫قيمتها العلمية المتماشية مع الحداثة البحثية النسبية نسبية مكونات السياق الذي أجريت ضمنه‬
‫الدراسة‪ ،‬ومع هذا فهي تعتبر كنواقص في اإلطار العلمي الذي يرى في إنشاء وتداول‬
‫التعابير المسكوكة ممارسة سرمدية ال ترتبط بعصر‪ ،‬فهي تترقى مع الزمان حتى تصل إلى‬
‫النموذج الذي اعترفت بكماله العامة وتواضعت عليه الخاصة وتداوله الخطباء و البلغاء من‬
‫القوم و ساستهم‪ ،‬بل ويمكن اعتبار هذا التعدد والزخم المصطلحي المعتمد في التسميات‬
‫أنساقا نظرية تتناول بالدراسة مختلف جوانب هذا النمط البالغي من النظم اللغوي‪.‬‬

‫خصائص التعابير المسكوكة‪:‬‬ ‫‪-3‬‬


‫تفرض خصوصية التعابير المسكوكة و اختالفها عن مألوف الكالم الموصوف بالعادي‬
‫الغوص في ماهية ا لظواهر التي منحتها صفة التفرد والخصوصية‪ .‬وقد أعطي الضوء‬

‫‪ -‬المصدر السابق‪ :‬بولعالم‪ ،‬علي‪ .‬التعابير المسكوكة و الترجمة‪ .‬ص ‪.45‬‬ ‫‪81‬‬

‫‪« un mot, quoique formé d’éléments graphiquement indépendants, est composé dès le moment ou il - 82‬‬
‫‪évoque dans l’esprit, non les images distinctes répondant à chacun des mots composants, mais une image‬‬
‫‪unique… » M-V LEROI, le traitement automatique et lexicographique des locutions verbales figées en français.‬‬
‫)‪Mémoire de recherche. Université paris 3. Sorbonne nouvelle ILPGA. 2004. P12. (Consulté le 25/01/2020‬‬

‫‪50‬‬
‫التعابير المسكوكة‪.‬‬

‫األخضر للدراسات والبحوث العلمية المتناولة لهذا الموضوع بإسهاب‪ ،‬من أجل تعرية‬
‫وكشف حقيقة هذا النوع من التعابير بالتطرق إلى خصائصه التي تمحورت حول‪:‬‬

‫‪ 1-4‬الخاصية الداللية‪:‬‬
‫ذهب الجرجاني إلى أن هذه الخاصية من أهم الخصائص المكونة للعبارات المسكوكة‬
‫وسبب تميزها عن العبارات العادية قائال‪" :‬وإنما تكون المزية و يجب الفضل إذ احتمل في‬
‫ظاهر الحال غير الوجه الذي جاء عليه"‪ 83،‬ونظرا الستقاللية المعنى المراد من تشكيلها عن‬
‫المؤدية له في شكلها‪ ،‬فإن تأويلها في شكلها المتحد مستقل عن األفراد اللغوية المكونة لها؛ أي‬
‫استقاللية المعنى الداللي للعبارة عن المعنى المعجمي للكلمات المكونة لها‪ ،‬و بذلك وجب‬
‫التمييز بين المعنى المراد من تشكيلها عن المعاني الواردة لمفرداتها‪.‬‬
‫أورد الخولي في هذا السياق في كتابه " معجم علم اللغة النظري" ما يلي‪ " :‬تعبير يختلف‬
‫معناه عن المعنى الكلي ألجزائه" ‪ ،‬وهذا ما أكده دوبوا ‪ Dubois‬بأن العبارات المتشكلة‬
‫تمثل ً‬
‫كال متحدًا ومنسج ًما ال يمكن بأي حال تحليله و فهم معناه باستعمال طرق التحليل‬
‫سا على تحليل الوحدات المشكلة للكالم اليومي العادي‪ 84،‬وقد‬
‫اللغوي البسيطة التي تعتمد أسا ً‬
‫أردف في نفس السياق مؤكدًا فقدان األفراد اللغوية المكونة للعبارة المسكوكة تأثيرها الفردي‬
‫على السياق الداللي للعبارة‪ ،‬وأن داللة هذه األخيرة والمعنى المرجو منها أداؤه يتخطى عتبة‬
‫‪85‬‬
‫الداللة والمعاني الفردية لمكوناتها‪.‬‬
‫لكن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة هو‪ :‬ما مدى استقاللية المعنى المراد بهذه التعابير عن‬
‫اللبنات اللغوية المشكلة لها؟ هذا التساؤل يعود بنا إلى ما قاله اإلمام الجرجاني حول أن من‬
‫التعابير المسكوكة ما كان وليد األساليب البالغية من مجاز و كناية و غيرها؛ أي أن إختيار‬
‫المشكلة لها لم يكن إعتباطيا‪ ،‬و هذا ما يجعلنا نقول بوجود عالقة بين البنية الما فوق‬
‫ِ‬ ‫الكلمات‬
‫ذهنية (المعنى المراد) والبنية التحتية المادية للتعابير المسكوكة (اللبنات اللغوية)‪ ،‬ولمعرفة‬

‫‪ - 83‬أنظر‪ :‬عقيلة‪ ،‬مصيطفى‪ .2013 .‬نظرية المعنى و مقاصد الخطاب من خالل دالئل اإلعجاز لعبد القاهر الجرجاني‪.‬‬
‫مجلة الواحات للبحوث والدراسات‪ .‬العدد ‪ .19‬المركز الجامعي غرداية‪ .‬ص ‪.29‬‬
‫‪84‬‬
‫‪- « une suite de morphèmes (un syntagme) devient une unité lexicale. .. ≪ dégrammaticalisation ≫, un procès‬‬
‫‪qui favorise le lexique aux dépens de la grammaire. Les termes d’un syntagme peuvent ainsi devenir‬‬
‫‪inanalysables du point de vue de l'usage linguistique quotidien » DUBOIS & al, 2002, p 277.‬‬
‫‪85‬‬
‫‪-« Le figement se caractérise par la perte du sens propre des éléments constituant le groupe de mots, qui‬‬
‫‪apparait alors comme une nouvelle unité lexicale, autonome et à sens complet, indépendant de ses‬‬
‫‪composantes » DUBOIS & al, 2002, p 202.‬‬

‫‪51‬‬
‫التعابير المسكوكة‪.‬‬

‫القوانين التي تحكم هذه العالقة وجب اإلحاطة بالبنيات الكالمية ومعرفة األنساق البالغية‬
‫والثقافية المنتجة لتلك التعابير والمنتمية إليها‪.‬‬
‫فالعبارة المسكوكة " كسر أنفه" تتكون من إتحاد مكونين لغويين هما‪:‬‬
‫كسر ‪ :‬فعل ماض بمعنى حطم و هشم و فرق الشيء المكسور إلى أجزاء صغيرة بفعل‬
‫ضربة أو صدمة أو شد أو ضغط‪.‬‬
‫أنفه‪ :‬العضو الموجود في الوجه و المسؤول عن عملية الشم و التنفس ويسمى كذلك بالمنخر‬
‫‪86‬‬
‫من باب تسمية الشيء بجزئه‪ ،‬ويسمى به أيضا طرف الشيء و أشرفه و أوله‪.‬‬
‫لكن إقتران فعل الكسر باألنف يفيد حسب مختلف المعاجم كمعجم المعاني والمحيط معجم‬
‫اللغة العربية المعاصرة ‪ :‬الحط من الكبرياء و اإلهانة‪ ،‬و بذلك فإن اقتران فعل الكسر المفيد‬
‫لمعنى إلحاق األذى باآلخر باألنف الدال على الرفعة و الشرف والكبرياء قد نقل العبارة‬
‫المسكوكة "كسر األنف" من التهشيم واإلدماء إلى إلحاق األذى المعنوي بالشرف و الكبرياء‪.‬‬

‫و كذلك عبارة "كسر عينه" ال تفيد اإلدماء و اإلصابة بالعمى‪ ،‬فالعين ال تكسر وذلك لطبيعتها‬
‫المورفولوجية‪ ،‬لكن هذه العبارة تفيد كسر الخاطر وإلحاق األذى المعنوي من حط القدر‬
‫والشرف والمس بالكبرياء الشخصي‪ ،‬وضدها جبر خاطره أو بخاطره‪.‬‬
‫و يعود مصدر هذ ه العبارة المسكوكة حسب ما جاء في كتاب " الوزراء و الكتاب"‬
‫للجهشياري إلى رواية هندية األصل‪ ،‬حيث ورد فيها ما مفاده أنه في يوم من األيام أُهدي إلى‬
‫أحد ملوكها حلي و كسوة‪ ،‬و كان من جملة الحاضرين لواقعة اإلهداء امرأتان من نسائه وأحد‬
‫وزرائه‪ ،‬فأعطى الملك حرية االختيار إلحدى نسائه بين الحلي و المالبس‪ ،‬و في لحظة ترد ٍد‬
‫نظرت المرأة إلى الوزير نظرة حيرةٍ كمن يطلب استشارة‪ ،‬فما كان من الوزير إال أن غمزها‬
‫بإحدى عينيه مشيرا إلى المالبس‪ ،‬غير أن الملك لم يكن بتلك الدرجة من السذاجة لكي ال‬
‫يلمح فعلة وزيره‪ .‬ومن دهاء المرأة أنها أحست بإدراك زوجها الملك للواقعة فاختارت عكس‬
‫رغبة الوزير‪ ،‬أما الوزير الذي خاف من بطش الملك به فقد ظل حسب الرواية أربعين سنة‬

‫‪ - 86‬فخرالدين الطريحي‪ .‬مجمع البحرين‪ .‬موسوعة التاريخ العربي‪ .‬بيروت‪ .‬ج ‪ .1‬ص ‪.123‬‬
‫‪52‬‬
‫التعابير المسكوكة‪.‬‬

‫كاسرا عينه حتى يظن الملك أنها عادة و خلقة‪87،‬ومنذ ذلك اليوم انتشرت عبارة كسر عينه‬
‫ً‬
‫بمعنى أذله و حط من كبريائه‪.‬‬
‫و إنتشرت عبارة أخرى في أيامنا هذه متعلقة بفعل الكسر و حاسة السمع " كسر أذنه"‬
‫مفيدة معنى التنصت‪.‬‬
‫كسر شوكته ‪ :‬تفيد معنى هزمه و انتصر عليه إما بتجريده من مصدر قوته أو التخفيف منها‬
‫ومن شدة بأسه‪ ،‬فقد جاء في معجم المعاني الجامع أن الشوك هو ما يخرج من الشجر والنبات‬
‫دقيقا صلبا محدد الرأس كاإلبر‪ ،‬حيث يعتبر سالحا للدفاع عن النفس ومصدر القوة‪.‬‬
‫كسر رمح بينهم‪ :‬بمعنى نشبت بينهم الحرب‪ ،‬و هذه العبارة كسابقتها تشير إلى العداوة‬
‫والخصام غير أنها تختلف عنها في التفصيل‪ ،‬فاألولى تشير إلى نهاية الحرب بانهزام أحد‬
‫األطراف أما الثانية فتشير إلى وقوع الحرب دون تحديد الغالب فيها‪.‬‬

‫و بعيدا عن فعل الكسر فإن اإللمام بمعنى العبارة المسكوكة " فالن جبان الكلب مهزول‬
‫الفصيل" ال تمت بأي صلة ال إلى الجبن وال إلى الكائنات المذكورة فيه‪ ،‬و اإللمام بمعناها ال‬
‫يتأتى إال لمتمرس في اللغة‪ ،‬حيث تفيد هذه العبارة معنى إلحاق صفة كرم الضيافة عند‬
‫العرب‪ ،‬فعوض القول فالن مضياف نقول فالن جبان الكلب مهزول الفصيل‪.‬‬
‫كثرة وفود األغراب رفقة صاحب الكلب‬ ‫ألفته لألغراب‬ ‫قلة نباحه‬ ‫جبان الكلب‬
‫كرم ضيافة صاحب الكلب‪.‬‬
‫كثرة حلب الناقة األم من‬ ‫ندرة حليب أمه‬ ‫قل ة شربه لحليب أمه‬ ‫مهزول الفصيل‬
‫كثرة الضيوف‪.‬‬ ‫طرف صاحبها‬

‫سكت العبارة "فالن كثير رماد القدر"؛ فكثرة الرماد‬


‫و في دائرة الكرم و الجود عند العرب ُ‬
‫تفيد معنى كثرة الطهي‪ ،‬وكثرة الطهي تفيد كثرة الطعام المحضر والمستهلك‪ ،‬وكثرة الطعام‬
‫المستهلك تفيد كثرة الوافدين على صاحب القدر والطعام‪.‬‬

‫و غير بعيد عن القدر و رمادها نعرج على موقدها‪ ،‬فالعبارة المسكوكة الفرنسية ‪« faire un‬‬
‫‪88‬‬
‫» ‪ four‬ال تمت بصلة بالفرن أو الموقد وإنما تقال لمن باءت محاولته بالفشل‪.‬‬

‫‪ -‬أبو عبد هللا الجهشياري‪ .1988 ،‬الوزراء و الكتاب‪ .‬دار الفكر الحديث‪ .‬الكويت‪ .‬ص ‪.98‬‬ ‫‪87‬‬

‫‪53‬‬
‫التعابير المسكوكة‪.‬‬

‫العبارة المسكوكة » ‪ « faire un trou à la lune‬بدورها ال عالقة لها بالقمر و ال بالثقوب‪،‬‬


‫وإنما تفيد معنى اإلفالس والتهرب من سداد الديون و المستحقات‪.‬‬

‫نضيف إلى هذا عبارتين فرنسيتين‪ :‬األولى » ‪ « claque le bec‬تفيد معنى "مات جوعا"‪.‬‬

‫و الثانية » ‪ « clouer le bec‬تفيد معنى " اإلفحام"‪.‬‬

‫‪ 2-4‬الخاصية المعجمية‪:‬‬
‫تشير هذه الخاصية إلى ضعف أو استحالة استبدال أحد عناصر التعابير المسكوكة بعنصر‬
‫آخر من نفس الفصيلة المعجمية‪ ،‬إذ أن أي محاولة استبدال ستكون نتيجتها اإلخالل بالمعنى‬
‫المراد من إنتاجها‪.‬‬
‫حسب ما جاء به غروس (‪ )Gross‬فإن من شروط التعابير المسكوكة ارتباط المعنى ارتباطا‬
‫كليا بإتحاد األفراد اللغوية المشكلة للتعبير‪ ،‬و في حال استبدال أي عنصر من العناصر‬
‫اللغوية المكونة للتعبير فإن هذا األخير يفقد قيمته التعبيرية الداللية و تحيد العبارة عن السياق‬
‫الذي وضعت ألجله فيتغير المعنى تغييرا كليا‪ ،‬وهذا ما أسماه بالضبابية المعجمية‬
‫‪ ، « opacité syntaxique »89‬بل يمكن لهذا التغيير المعجمي أن يُس ِقط صفة المسكوكية عن‬
‫العبارة لتندرج في خانة التعبير العادي؛ وهذا ما تبينه األمثلة السابقة لفعل الكسر‪ ،‬فقد تغير‬
‫معنى العبارة مع تغيير أحد مكوناتها اللغوية بكلمة من نفس الحقل المعجمي‪ ،‬فكسر األنف‬
‫يختلف عن كسر العين واألذن‪ ،‬مع االحتواء على معنى ضمني يختلف في كل مرة عن‬
‫سابقتها في دائرة التعابير المسكوكة‪ ،‬وكذا كسر الرمح يختلف عن كسر الشوكة‪.‬‬
‫لكن استبدال األنف بالرجل أو الذراع‪ ،‬أو استبدال فعل "الكسر" ب"الجدع" أو "التحطيم"‬
‫مثال ينقل العبارة المسكوكة من الداللة الضمنية واستقاللية المعنى الكلي للعبارة عن الجزئي‬
‫للكلمات إلى مستوى االستعمال العادي والداللة البسيطة المتأتية بتحليل األفراد اللغوية‬
‫المكونة للعبارة‪ ،‬وال يكون االستبدال ممكنا إال على المستوى الكلي للعبارة المسكوكة بما يدل‬
‫عليها‪.‬‬

‫‪ - 88‬نعوم حجار‪ ،‬جوزيف‪ ،1986 ،‬المنجد في األمثال و الحكم و الفوائد اللغوية‪ ،‬ص ‪.78‬‬
‫‪89‬‬
‫‪-Gross G., 1996, Les expressions figées en français – noms composés et autres locutions, Collection‬‬
‫‪l’Essentiel Français, Éditions Ophrys.‬‬

‫‪54‬‬
‫التعابير المسكوكة‪.‬‬

‫و نلخص ما ورد من تعابير مسكوكة في الجدول التالي‪:‬‬

‫المعنى المراد و القصد‬ ‫المعنى الظاهر‬ ‫العبارة المسكوكة‬

‫اإلهانة‪.‬‬ ‫تهشيم عضو الشم و إدماء الوجه‬ ‫كسر أنفه‬


‫الموجود فيه‪.‬‬

‫اإلذالل‪.‬‬ ‫إصابة اآلخر على مستوى العين و‬ ‫كسر عينه‬


‫كسر محجرتها‪.‬‬

‫التصنت و إستراق‬ ‫إصابة عضو السمع و إلحاق األذى به‪.‬‬ ‫كسر أذنه‬
‫السمع‪.‬‬

‫هزمه‪.‬‬ ‫تحطيم آلة (الشوكة) ملك للغير‪.‬‬ ‫كسر شوكته‬

‫إندالع الحرب‪.‬‬ ‫كسر رمح بينهما تحطيم آلة (الرمح) تستعمل للصيد كما‬
‫للحرب بينهما‪.‬‬

‫مضياف‪.‬‬ ‫إلحاق صفة الجبن و الخوف بحيوان‬ ‫فالن جبان الكلب‬


‫الكلب‪.‬‬

‫الكرم‪.‬‬ ‫كثرة بقايا حرق الحطب المستعمل في‬ ‫كثير رماد القدر‬
‫الطهي‪.‬‬

‫الفشل‪.‬‬ ‫تحضير أو صنع فرن‪.‬‬ ‫‪Faire un four‬‬

‫اإلفالس و التهرب من‬ ‫إحداث ثقب للقمر‪.‬‬ ‫‪Faire un trou à‬‬

‫الدين‪.‬‬ ‫‪la lune‬‬

‫الموت جوعا‪.‬‬ ‫كسر المنقار‪.‬‬ ‫‪Claque le bec‬‬

‫اإلفحام‪.‬‬ ‫سمر المنقار‪.‬‬ ‫‪Clouer le bec‬‬

‫‪55‬‬
‫التعابير المسكوكة‪.‬‬

‫جدول ‪ :2‬دالالت بعض التعابير المسكوكة‪.‬‬

‫‪ 3-4‬الخاصية المورفوتركيبية‪:‬‬
‫تنص الخاصية المورفوتركيبية على استحالة و عدم قابلية التعابير المسكوكة إجراء‬
‫عمليات تحويلية عليها أو إضافة عناصر لغوية أخرى للتركيب األصل‪ ،‬فإذا أخذنا العبارة‬
‫األولى " كسر أنفه " التي تفيد الحط من الكبرياء و اإلهانة‪ ،‬وأضفنا صفة لألنف ككلمة‬
‫المدبب أو الطويل فنحصل على تركيب جديد يفيد معنى مغاير تمام التغيير عن المعنى‬
‫األصل و المراد من العبارة‪ ،‬فعبارة " كسر أنفه الطويل " تفيد فعل إلحاق الضرر بالعضو‬
‫التنفسي الموجود على مستوى الوجه والمسمى باألنف‪.‬‬
‫كما أن إضافة عناصر لغوية و إلحاقها بفعل الكسر كعبارة " بلكمة" أو " تكسيرا" فإنها تحيد‬
‫عن المعنى األصلي للعبارة لتصف فعل الكسر وأداته أو طريقة القيام به‪ ،‬وبهذا فإن‬
‫اإلضافات المعجمية تخرج بالعبارة من صفة السك إلى صفة العبارة العادية‪ ،‬و هذا ما ذهب‬
‫إليه غروس( ‪ )Gross‬في تعريفه لما يسمى »‪ « opacité syntaxique‬حيث ضمنها عدم‬
‫قابلية استبدال األفراد اللغوية المكونة للعبارة أو إضافة عناصر أخرى‪.‬‬
‫يتباين تأثر التعابير المسكوكة بسياق الخطاب الواردة فيه‪ ،‬فمنها الثابت على شكله رغم تغير‬
‫مكونات الجملة والسياق الواردة فيه‪ ،‬فال تتأثر بالعوامل المؤثرة في الصرف كالتذكير‬
‫والتأنيث واإلفراد والتثنية والجمع‪ ،‬ولذلك نضرب مثال عبارة "جنت على أهلها براقش"‬
‫وعبارة "عادت حليمة إلى عادتها القديمة"‪.‬‬
‫و من العبارات ما يتأثر بتلك العوامل محدثا تفاعال سياقيا مع مكونات النص و الخطاب‪،‬‬
‫ومن ذلك عبارة " أبلى بالء حسنا" التي وردت في صيغة الجمع في خطاب الرئيس‬
‫الجزائري عبد المجيد تبون في خطابه للوالة " الوالة الذين أبلوا بالء حسنا"‪.‬‬

‫‪ 4-4‬الخاصية األدبية‪:‬‬
‫إن ما يميز هذا النوع من التعابير إضافة إلى التعتيم الداللي هو بال ريب الخاصية‬
‫الشعرية‪ ،‬خاصة في اللغة العربية منها‪ ،‬فالتعابير المسكوكة إنتاجات أدبية تزخر باالستعارات‬

‫‪56‬‬
‫التعابير المسكوكة‪.‬‬

‫و الم جاز كما ذكره الجرجاني‪ ،‬فإن كان المعنى المحمول عبرها ينبع من تراث اإلنسان‬
‫األبدي الثابت الموسوم بطابع الفطرة السليمة والفطنة والتعقل‪ ،‬فإن المبنى ميزته ‪ -‬إضافة إلى‬
‫اإليجاز واالقتضاب‪ -‬التفنن بأساليب الطباق واإليقاع المسجع خصوصا في الجزء العربي‬
‫ومن أبرز آثار الخاصية الشعرية وفوائدها‬ ‫‪90‬‬
‫منها سواء كان ذا صيغة فصحى أو لهجية‪،‬‬
‫يكمن في سرعة استقرارها في الذاكرة واستئثار القلوب بحفظها والميل إليها لسالستها‬
‫ووقعها الموسيقي‪.‬‬

‫‪ - 90‬المصدر السابق ‪ :‬نعوم حجار‪ ،‬جوزيف‪ ،‬المنجد في األمثال و الحكم و الفوائد اللغوية‪ ،‬المقدمة‪.‬‬
‫‪57‬‬
‫المطلب الثاني‪:‬‬
‫ضوابط استعمال‬
‫التعابير المسكوكة‪.‬‬
‫التعابير المسكوكة‪.‬‬

‫‪ -1‬ضوابط االستعمال‪:‬‬
‫ّ‬
‫إن استعمال التعابير المسكوكة في الخطاب السياسي مرده الرغبة على تأكيد المعنى‬
‫المراد والتأثير على المتلقي باقتياده إلى مقصد القول‪ ،‬لذا كان لزاما على الملقي التقيد‬
‫بضوابط الستعمال أنجع للتعابير المسكوكة وإيصال معنى أبلغ إلى وعي المتلقي‪ ،‬ومن‬
‫هذه الضوابط نذكر‪:‬‬

‫‪ 1-1‬اإللمام بعادات و خصائص المستمع‪:‬‬


‫ّ‬
‫إن صاحب الخطاب السياسي مجبر على اإلحاطة و اإللمام بعادات و خصائص المستمع‬
‫اللغوية والثقافية الستعمالها في التعبير عن مقاصده وبلوغ هدفه التخاطبي‪ ،‬إذ "ينبغي على‬
‫ا لمتكلم أن يعرف بأقدار المعاني ويوازن بينها وبين أقدار المستمعين وبين أقدار الحاالت‪.‬‬
‫‪91‬‬
‫فيجعل لكل طبقة من ذلك كالما و لكل حال من ذلك مقاما"‬
‫و المعرفة بأحوال و مقامات التخاطب تستوجب معرفة باستعماالت اللغة عند عموم‬
‫المتلقين وكذا منازلهم ومنزلة اللغة فيهم و منهم‪ ،‬حيث يقول الجاحظ في هذا الشأن " جماع‬
‫البالغة إلتماس حسن الموقع والمعرفة بساعات القول‪ ،‬وأن ال يكلَّم سيد األمة بكالم األمة‪،‬‬
‫وأضاف أيضا في نفس السياق " حتى يقسم أقدار الكالم‬ ‫‪92‬‬
‫وال الملوك بكالم السوقة‪،"..‬‬
‫على أقدار المعاني وأقدار المعاني على أقدار المقامات وأقدار المستمعين على أقدار تلك‬
‫الحاالت"‪93‬؛ ومن هذا المنطلق ّ‬
‫فإن عبارات الخطاب عامة والمسكوكة خاصة يجب أن‬
‫تكون منتقاة بعناية بما يوافق منزلة المخا َ‬
‫طب و قدرته على الفهم واإلدراك واإلستيعاب‪،‬‬
‫وعلى مدى التجاوب المرجو منه مع عناصر الخطاب‪ ،‬و نذكر في هذا السياق ما ورد في‬
‫حديث رسول هللا صلى هللا عليه وسل ّم على لسان النبي عيسى بن مريم عليه السالم أنّه قام‬
‫في بني إسرائيل خطيبا فقال‪ :‬ال تنطقوا بالحكمة عند الج ّهال فتظلموها وال تمنعوها أهلها‬
‫فتظلموهم‪.‬‬
‫إذن فاألمثال الشعبية المتداولة محليّا وفق اللهجات المحلية ال يجوز استعمالها في مقام‬
‫خطاب دولي‪ ،‬و ذلك لغرابة اللهجة المحلية عن اللغة التي يتعامل بها المترجم خاصة‬
‫‪ - 91‬الجاحظ‪ ،‬أبو عثمان‪ .‬البيان و التبيين‪ .‬دار و مكتبة الهالل‪ ،‬بيروت‪ .‬ج‪ ،1‬ص ‪.131‬‬
‫‪ - 92‬المصدر السابق‪ :‬مصيطفى‪ ،‬عقيلة‪ .‬ص ‪.25‬‬
‫‪ - 93‬نفس المصدر‪ :‬مصيطفى‪ ،‬عقيلة‪.‬‬
‫‪61‬‬
‫التعابير المسكوكة‪.‬‬

‫والمجتمع الدولي عامة‪ .‬و مع هذا ّ‬


‫فإن استعمالها على المستوى المحلي بما يوافق مستوى‬
‫الفهم لدى العامة واجب و محبب‪ .‬و نذكر على سبيل المثال ال الحصر استعمال الرئيس‬
‫في خطاب‬ ‫‪94‬‬
‫الجز ائري األسبق عبد الع زيز بوتفليقة لعبارة " قش بختة وفناجل مريم"‬
‫المهر بة من الحدود الشرقية والغربية‬
‫ّ‬ ‫شعبي يقصد بها التقليل من شأن المواد المستوردة و‬
‫فالقش في العامية الجزائرية يعني‬
‫ّ‬ ‫للجزائر في مقابل السلع والخدمات الصادرة إليهم‪،‬‬
‫المتاع‪ ،‬وقد قصد بها مستعملها معناها الداللي المفيد ل دناءة ذلك المتاع وانعدام قيمته‪،‬‬
‫وتجدر اإلشارة إلى أنّه ال يمكن مخاطبة عا ّم ة الشعب بعبارات محسوبة على المستوى‬
‫لعلو األسلوب أو التعتيم الداللي‪.‬‬
‫اللغوي العالي ّ‬
‫و لذلك وجب على ملقي الخطاب و واضعه انتقاء أفضل العبارات و أنسبها لقول ما‬
‫يعني وإيصال ما يريد إيصاله إلى متلقيه‪ ،‬ويكون انتقاؤه للعبارات األنسب وفق مقام‬
‫التخاطب وأقدار المستمعين والمتلقين للرسالة التخاطبية‪ّ ،‬‬
‫فإن أصعب الكالم ليس ما كان‬
‫موزونا مقفى أو التزمت قوافيه ما يلزم‪ ،‬فلربّما شغل عا ّم ة الناس حسن النظم ونغمه عن‬
‫معناه فطربوا ولم يتبصروا وسمعوا ولم يعوا‪ ،‬كما ّ‬
‫أن السهل من الكالم ليس أبسطه وال‬
‫شعبية عموم استعمال لفظه‪ ،‬وإنّما ألفة استعماله وأنس سماعه والتمكن من معناه عند عموم‬
‫المتلقين‪ ،‬فال تظلم بذلك التعابير الحاملة للحكمة بعرضها على من يفهمها‪ ،‬وال يظلم جموع‬
‫المتلقين بمنعهم من التم ّكن من مقاصد الخطاب و ّ‬
‫حظهم من جمالية اللغة وفق ما يناسب‬
‫يشر ف بأن يكون من معاني‬
‫أقدارهم‪ .‬حي ث يقول الجاحظ في هذا المقام " والمعنى ليس ّ‬
‫ضع بأن يكون من معاني العا ّمة‪ ،‬وإنّما مدار الشرف على الصواب‬
‫ص ة‪ ،‬وكذلك ليس يت ّ‬
‫الخا ّ‬
‫وإحراز المنفعة‪ ،‬مع موافقة الحال و ما يجب لكل مقام من المقال‪ .‬وكذلك اللفظ العامي‬
‫و الخاص‪ ،‬فإن أمكنك أن تبلغ من بيان لس انك وبالغة قلمك ولطف مداخلك واقتدارك على‬
‫نفسك إل ى أن تفهم العامة معاني الخاصة وتكسوها األلفاظ الواسطة التي تلطف عن‬
‫‪95‬‬
‫الدهماء‪ ،‬وال تجفو عن األكفاء‪ ،‬فأنت البليغ التام"‬

‫‪ 2-1‬مراعاة الظروف االجتماعية و النفسية للمخاطب ‪:‬‬

‫‪ - 94‬خدوسي‪ ،‬رابح‪ ،2016.‬موسوعة األمثال الجزائرية ‪،‬دار الحضارة للنشر‪ ،‬الجزائر‪ ،‬ص ‪.132‬‬
‫‪ - 95‬المصدر السابق‪ :‬الجاحظ‪ .‬أبو عثمان‪ .‬البيان و التبيين‪ .‬ص ‪.129‬‬
‫‪62‬‬
‫التعابير المسكوكة‪.‬‬

‫تش ّكل الخطاب السياسي كغيره من الخطابات التأثيرية وفق األحوال النفسية لملقيه أمر‬
‫ال يختلف عليه اثنان ‪ .‬فالخطاب السياسي نتاج ظرفية زمكانية و رؤية مقصدية لصاحبه‪،‬‬
‫تت حكم فيه البنية النفسية لصاحبه وسياق إلقائه‪.96‬‬
‫و مع هذا فإن متلقي الخطاب يعتبر أهم ركن في عملية التخاطب والتفاهم السياسي‪ ،‬إذ ال‬
‫ي حال بناء خطاب سياسي دون مراعاة ظروف متلقيه‪ ،‬وبناء على تلكم الظروف‬
‫يمكن بأ ّ‬
‫يت ّم اختيار األسلوب المناسب لمخاطبته والعبارات المزمع أن تؤثر فيه‪ ،‬ذلك ّ‬
‫ألن " جماع‬
‫فمدار الخطاب إفهام المتلقي بما‬ ‫‪97‬‬
‫البالغة البصر بالح ّجة‪ ،‬و المعرفة بمواضع الفرصة"‬
‫يجب إفهامه ويقدر عليه و يقبله‪.‬‬
‫و في هذا السياق قد تغني الكناية عن اإلفصاح و المسكوك من التعابير عن مألوفها‪ ،‬بل‬
‫يمكن أن يكون له أثر أبلغ بأسلوب أبين وألطف‪ ،‬و مردّ هذا إلى أنّه " من البصر بالحجة‪،‬‬
‫و المعرفة بمواضع الفرصة‪ ،‬أن تدع اإلفصاح بها إلى الكناية عنها إذا كان اإلفصاح أوعر‬
‫‪98‬‬ ‫طريقة‪ ،‬وربما كان اإلضراب عنها صفحا أبلغ في الدرك و ّ‬
‫أحق بالظفر"‬
‫إستعمل السيد رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون في خطابه الرسمي أمام والة الجمهورية‬
‫في يوم ‪ 2020 /08 /12‬عبارة قال فيها " العمل ال يؤدي إلى الحراش" وهي عبارة أراد‬
‫بها طمأنة الوالة بسبب حالة الخوف من اإلحالة على التحقيق القضائي في زمن المحاسبة‪،‬‬
‫أن إدراك الرئيس للحالة النفسية لمستخدميه جعله يستخدم عبارات لطمأنتهم وحث ّهم‬
‫حيث ّ‬
‫على العمل وبذل األفضل دون قلق أو خوف مع التزام النزاهة‪ ،‬وعلى عكسه تماما ّ‬
‫فإن‬
‫قد‬ ‫‪99‬‬
‫استخدام الوزير األول األسبق أحمد أويحي للعبارة المسكوكة " جوع كلبك يتبعك "‬
‫جلبت سخ طا في األوساط اإلجتماعية ضده‪ ،‬وزادت من توسيع الهوة بين الحاكم‬
‫والمحكوم‪.‬‬

‫‪ 3-1‬توفر القرينة الهادية‪:‬‬

‫‪ - 96‬المصدر السابق‪ :‬مصيطفى‪ ،‬عقيلة‪ .‬ص ‪.22‬‬


‫‪ - 97‬المصدر السابق‪ :‬الجاحظ‪ ،‬أبو عثمان‪ .‬البيان و التبيين‪ .‬ص ‪.92‬‬
‫‪ - 98‬المصدر السابق‪ :‬الجاحظ‪ ،.‬أبو عثمان‪.‬البيان و التبيين‪ .‬ص ‪.92‬‬
‫‪ - 99‬أصل المثل عربي‪ ،‬حيث ورد في كتاب‪ :‬أبي هالل العسكري‪ ،‬جمهرة األمثال‪ ،‬ص ‪.9‬‬
‫‪63‬‬
‫التعابير المسكوكة‪.‬‬

‫ّ‬
‫إن استعمال التعابير المسكوكة في الخطاب عموما و السياسي خصوصا يقتضي اقترانها‬
‫بع بارات سياقية يفهم منها المراد و المقصد من التعابير المسكوكة‪ ،‬فاستعمالها دون قرائن‬
‫هادية وموجهة للمعنى يضر بالمعنى وبالعملية التخاطبية عامة والسياسية خاصة‪.‬‬
‫و القرينة عند علماء اللغة هي مجموع العبارات الدالّة على قصد المخاطب والرسائل التي‬
‫ينوي إرسالها‪ ،‬وبما ّ‬
‫أن التعابير المسكوكة تتميز بالتعتيم الداللي وجب إقترانها بقرائن‬
‫د اللية هادية إلى المعنى المراد والسياق المستعمل‪ ،‬و في هذا السياق فقد أوجد علماء اللغة‬
‫نوعين من القرائن‪ :‬القرينة الصارفة وهي التي ال يفهم مقصد الخطاب منها وحدها‪،‬‬
‫والقرينة الهادية التي تقود ا لمتلقي إلى مقصد القائل بالقول ومنه‪ ،‬فتك ون بذلك الثانية مبينة‬
‫للمعنى‪ ،‬وتكون األولى م ؤكدة له ضاربة به في عمق اللغة والبالغة‪ ،‬ونضرب لهذا مثال‬
‫في الخطاب الشعبي للرئيس األسبق عبد العزيز بوتفليقة سنة ‪ 1999‬الذي ضرب مثال‬
‫للحيادية السلبية للشعب بوصفه بالمتفرج على " منازلة األسود في حلبات روما‪ ،‬إذا غلبت‬
‫األسد صفقتم لي وإن غلبني األسد صفقتم له" ولتوضيح المعنى و دعمه فقد أورد قبل مثله‬
‫‪100‬‬
‫هي عبارة " أحتاجكم كلكم" وردّد بعدها " قفوا معي‪ ،‬عاونوني"‪.‬‬

‫متفردة با لمعنى المراد من الخطاب وذلك‬


‫ّ‬ ‫كما يمكن ورود و استعمال التعابير المسكوكة‬
‫في حال أراد صاحب الخطاب انتهاج التضمين بدل التصريح في خطابه‪ ،‬وبالتالي فإ ّن‬
‫القرينة الهادية ت فهم من سياق استعمالها و الضرورة الداعية إلى استدعائها واستعمالها‪.‬‬

‫‪ 4-1‬القصد في الكالم و به‪:‬‬


‫ّ‬
‫إن الخطاب كما سبق تعريفه هو الكالم الموج ه بغرض إفهام من هو أهل للفهم‪ ،‬وبذلك‬
‫ّ‬
‫فإن استعمال المسكوك من اللفظ لمخاطبة متلق غير معني بالخطاب يعد ضربا من الكالم‬
‫دون معنى‪ .‬فاألجدر توجيه الكالم لمن يعنيه و هو أهل له و لفهمه‪ ،‬و أن يقصد به مخاطبة‬
‫المتلقي المباشر للكالم‪.‬‬
‫و عليه فإنّه ال يمكن بأ ّ‬
‫ي حال إدراج و استعمال تعابير مسكوكة في سياق تخاطبي ال يعني‬
‫المتلقي‪ ،‬فال يمكن مثال استعمال عبارات عتاب في موقع الفرح كاستعمال عبارة " يداك‬
‫أوكتا و فوك نفخ" في مخاطبة جموع الناجحين‪ ،‬وال استعمال عبارة التهنئة في موضع‬
‫‪ - 100‬أنظر الموقع‪https://googleweblight.com/i%3Fu%3Dhttps://al-akhbar.com/Arab/228832 (30/09/2020) :‬‬

‫‪64‬‬
‫التعابير المسكوكة‪.‬‬

‫اللوم و العتاب‪ ،‬فاألصل في الكالم واختيار التعابير وبنائها القصد‪ ،‬والقصد معناه العمد‪،‬‬
‫أي ّ‬
‫أن ترتيب األلفاظ والعبارات يكون مقصودا ومتأمال فيه لبلوغ غاية مقصودة منه و به‬
‫ومنقولة عبره‪.‬‬
‫لكن الصعوبة في اختيار الك ّم اللفظي و المفرداتي لبلوغ المرام يضع صاحب الخطاب أمام‬
‫حتمية االحتكام إلى التعابير المسكوكة للتخلص من الحيرة و القلق المصاحب إللقاء‬
‫الخطاب من عدم تمكن مكونات الخطاب العادي ة والمألوفة من حمل المدلوالت والرسالة‬
‫المعول عليها حملها‪ .‬فالتعابير المسكوكة تتميز بكونها تركيز للمعنى في وحدات لغوية‬
‫أقل‪.‬‬
‫هذه الضوابط ليست في كنهها قيودا لالستعمال و إن كان ظاهرها يوحي بذلك‪ ،‬ولكنّها ال‬
‫تتعدى كونها قواعد تساعد ملقي الخطاب في اختيار العبارات المناسبة والتقليل من احتمال‬
‫التيه في رحلة استحضار العبارات المسكوكة الواجبة االستدعاء واالستعمال‪.‬‬

‫حوصلة‪:‬‬
‫رغم التباين الواضح بين المنظرين في ميدان اللسانيات و دراسة هذا النوع من التعابير‬
‫حول مسألة التسمية‪ ،‬إالّ ّ‬
‫أن تعريفاتهم لها ولطبيعتها و أهميتها البالغية كانت تصبّ في نسق‬
‫واحد‪ .‬وبين تسمية التعابير اإلصطالحية والتعابير المسكوكة و غيرها من التسميات‪ ،‬تبقى‬
‫هذه التعابير ضربا من ضروب الكالم الغير العادي‪ ،‬وهذا لتفردها بخاصية التضمين والتعتيم‬
‫الداللي وتوفيرها لمعاني أعمق وأوسع من داللة األفراد اللغوية المشكلة لها في أغلب‬
‫األحيان‪ .‬فالمعاني المراد بها ومنها تكون مستترة خلف حجب المكونات اللغوية للكالم‪ .‬أي ّ‬
‫أن‬
‫المعنى المراد بالكالم يتمتع باستقاللية في إتحاد ألفاظه عن المعاني الفردية لنفس مكوناته‬
‫اللغوية في تفردها واستقالليتها‪ ،‬فعبارة " فالن جبان الكلب" ال يراد بها وصف الكلب بالجبن‬
‫وإنّما وصف صاحب الكلب بكرم الضيافة‪.‬‬
‫يصاغ هذا الضرب من الكالم في لغة ما باللجوء إلى البالغة و البيان فيها‪ .‬وال ينال المعنى‬
‫المراد منه إال بهتك األستار اللغوية وإعمال معاول تفكيكية للغة و الخطاب‪ ،‬كدراسة سياق‬
‫القول وأصله ومناسبة إنتاجه‪.‬‬

‫‪65‬‬
‫التعابير المسكوكة‪.‬‬

‫و قد اتفق المنظرون على خصوصية التعابير المسكوكة ومقاومتها لعامل الزمن‬


‫ي يجعلها غير‬
‫واستقالليتها عن اإلرادة الفردية لمستعمليها‪ ،‬فهي تتمتع بنوع من الجمود النسب ّ‬
‫للتحول أو إدخال تغييرات على األفراد اللغوية المكونة لها‪ ،‬سواء أكان هذا بالتغيير أو‬
‫ّ‬ ‫قابلة‬
‫تبديل مواضع الكلم أو إضاف ٍة أو حذفٍ لعنصر أو عناصر لغوية‪.‬‬

‫‪66‬‬
‫الفصل الثاني‪:‬‬
‫أنواع التعابير‬
‫المسكوكة و‬
‫أهميتها في الخطاب‬
‫السياسي‪.‬‬
‫المبحث األول‪:‬‬
‫تصانيف و أنواع‬
‫التعابير المسكوكة‪.‬‬
‫المطلب األول‪:‬‬
‫التصانيف‪.‬‬
‫التعابير المسكوكة‪.‬‬

‫تصانيف التعابير المسكوكة‪:‬‬ ‫‪-1‬‬


‫نقصد بعبارة تصانيف التعابير المسكوكة تماسك العناصر اللغوية الداخلة في تكوينها وكذا‬
‫عمق دالالتها ودرجة اختالفها عن الدالالت الفردية لمكوناتها اللغوية‪ ،‬فقد ذهب اللسانيون‬
‫إلى إيجاد تصانيف للعبارات المسكوكة استنادا إلى التفاوت فيما سماه شارل بالي بدرجة‬
‫المسكوكية‪ ،‬ومن أبرز هؤالء اعتمد غروس تصنيفا خاصا اعتمادا على خصائص التعابير‬
‫المسكوكة والتي تخرجها من دائرة عموم اللفظ والكلم بفضل خصوص المعنى والنظم كما‬
‫أشرنا إليه سابقا‪.‬‬
‫التصنيف الذي اعتمده غروس يستلزم فيه توفر التعتيم الداللي و الالتأليف التركيبي بصفة‬
‫تالزمية دائمة‪ 101،‬كالذي اعتمده رويت ‪ Ruwet, N‬مميزا بين المسكوك الداللي والمسكوك‬
‫التركيبي‪102‬؛ وبذلك يكون غروس قد استثنى كل تصنيف للتراكيب اللغوية التي تفهم دالالتها‬
‫من المعاني المباشرة لمكوناتها اللغوية معتبرا إياها تراكيب سطحية ال تخرج من دائرة‬
‫التعابير العادية‪ ،‬فال هي تنفي عنها درجة البساطة اللغوية وال السطحية الداللية‪.‬‬

‫و في نفس السياق المبين ألنواع التعابير المسكوكة ارتأينا اعتماد مصادرها و أشكال‬
‫تواردها كعوامل إلبراز أنواعها‪ ،‬ليس الغرض من إبراز أنواع التعابير المسكوكة الحكم‬
‫عليها أو المفاضلة بين أنواعها لتقديم بعضها على بعض‪ ،‬وإنما الغرض من ذلك إبراز التنوع‬
‫الحاصل فيها والجامع لها تحت مظلة الثراء البالغي‪.‬‬

‫‪ 1-1‬درجة المسكوكية (تصنيف غروس)‪:‬‬


‫إعتمد غروس في تصنيفه للتعابير المسكوكة على درجة المسكوكية فيها‪ ،‬وهذا ما جعله‬
‫يقترح تصنيفا يقسمها قسمين‪ :‬تعابير مسكوكة مسكوكية كلية‪ ،‬و أخرى جزئية‪ .‬وقد شاطره‬
‫في ذلك لسانيون عرب من أمثال زكي حسام الدين وهذا بتعديل في التسمية‪ ،‬حيث إرتأى هذا‬
‫‪103‬‬
‫األخير إستبدال تسمية المسكوكات الكلية بالمغلقة‪ ،‬والجزئية بالمفتوحة‪.‬‬

‫‪ - 101‬نفس المصدر السابق‪Gross, G, les expressions figées en français. Noms composés et autres locutions. P 8. :‬‬
‫‪ - 102‬نفس المصدر السابق‪ :‬بولعالم‪ ،‬علي‪ .‬التعابير اإلصطالحية و الترجمة‪ .‬ص ‪.35‬‬
‫‪ - 103‬المصدر السابق‪ :‬زكي حسام الدين‪ ،‬التعبير اإلصطالحي‪ .‬ص ‪.40‬‬
‫‪70‬‬
‫التعابير المسكوكة‪.‬‬

‫‪ 1-1-1‬المسكوكات المغلقة أو الكلية‪:‬‬


‫يمكن اعتبار هذا النوع من التعابير بالكامل الصفات والتام الخصائص المميزة لهذا النوع‬
‫من التعابير المشار إليها سابقا؛ أي أن ما يميز هذه التعابير هو كمال اللفظ و انغالقه على‬
‫صيغته الموجود عليها‪ ،‬وممانعته المطلقة لتبني أي تحديث أو تعديل بزيادة أو إنقاص لغرض‬
‫تفسير و توضيح حال المعاني أو ميقاتها‪ ،‬إضافةً إلى صموده التركيبي برفضه كل تقديم أو‬
‫تأخير أو تبديل لمواضع الكلم‪ ،‬ورفضه لدمج واندماج أي عنصر لغوي دخيل على التعبير‬
‫لحظة ميالده‪ ،‬سواء كان لغرض تعويض أو استبدال أحد عناصره اللغوية‪ .‬هذا إضافة إلى‬
‫الشرط المعتمد في اعتبار التعبير مسكوكا و قبوله في التصنيف‪ ،‬والمتمثل أصال في التعتيم‬
‫الداللي وتَخَفي المعنى المراد خلف األستار اللغوية الدالة في ظاهرها على معنى مرتبط‬
‫بفردية الكلمات‪ ،‬والتي ال يفهم معناها إال بالتدبر و التمعن و الفراسة‪ ،‬أو الترسخ المسبق‬
‫للمعنى بفعل الممارسة والدراية والعلم‪ ،‬وهذه التعابير على كمالها كثيرة نذكر منها‪:‬‬

‫فالن كثير رماد القدر ‪ :‬كثرة الرماد دليل على كثرة استعمال النار‪ ،‬و كثرة النار دليل على‬
‫كثرة الطبخ‪ ،‬وكثرة الطبخ دليل على كثرة اإلطعام‪ ،‬و كثرة اإلطعام دليل الكرم؛ يقال هذا‬
‫عرفت العرب بالكرم وكان أشهرهم حاتم الطائي‪.‬‬
‫المثل في الشخص الكريم‪ ،‬وقد ُ‬

‫فالن جبان الكلب ‪ :‬جبن الكلب دليل على عدم هجومه و تهجمه على من ال يألفه من الناس‪،‬‬
‫وعدم تهجمه دليل على سهولة الولوج إلى ما وراءه‪ ،‬وغالبا ما يكون ما وراء الكلب منزل‬
‫مقصود أو قصد منشود‪ ،‬إذن فال خوف من قصد ذلك المنزل والنزول عند أهله؛ يضرب هذا‬
‫المثل في الرجل المضياف وكرم الضيافة‪.‬‬

‫‪ 2-1-1‬المسكوكات المفتوحة‪:‬‬
‫هي التعابير المسكوكة التي تقبل نوعا من التغيير المورفوتركيبي كاإلضافة أو المصدرية‬
‫لغرض التبسيط أو اإلشارة الزمانية‪ ،‬و كذا التغيير الموضعي لمواضع الكلم في العبارة‬
‫المسكوكة‪ ،‬حيث يكون هذا التغيير نسبيا نسبية مستعمل العبارة و أسلوبه و مراده‪ ،‬لتعود‬
‫العبارة إلى أصلها المجرد من كل تحريف إلى ذهن مستعملها للجوء إليها في حاالت‬
‫االستعمال المماثلة والمالئمة الستدعائها على حالتها األصلية أو بتعديل مورفوتركيبي آخر؛‬

‫‪71‬‬
‫التعابير المسكوكة‪.‬‬

‫فإذا أخذنا مثال العبارة المسكوكة " حمي الوطيس" والتي استخدمها الدكتور بولعالم في‬
‫دراسته ‪-‬لإلشارة فإن لفظ الوطيس ال عالقة له بالحرب كما يدل عليه معنى التعبير‪ .‬فهذه‬
‫الكلمة هي اسم يطلق على حفرة صغيرة يخبز ويشوى فيها‪ -‬فإن التعديالت التي أجريت‬
‫عليها في ذات الدراسة كالتالي‪:‬‬
‫التعديل بإضافة دالة زمنية‪ :‬كحمي الوطيس اآلن‪ .‬و هي إشارة إلى تغير اتجاه الوطيس عبر‬
‫الزمن‪ ،‬فما هو عليه اآلن غير ما كان عليه قبل هاته اللحظة‪ .‬وفي هذا ربط لحالة الوطيس‬
‫بالزمن‪.‬‬
‫كما يمكن إجراء تعديل موضعي على العبارة المنتجة بتقديم أو تأخير مواضع الكلمات من‬
‫"حمي الوطيس اآلن" إلى "اآلن حمي الوطيس"‪.‬‬

‫التعديل بإضافة عناصر لغوية توضيحية أو تدعيمية للمعنى‪ :‬كحمي وطيس المعركة‪ ،‬فإضافة‬
‫لفظة المعركة تخصيص لسياق استعمال العبارة وتبيين للمدلول و المعنى المراد‪ ،‬علما أن‬
‫العبارة تستخدم في سياق الخالف والتنافس بين طرفين‪ ،‬وكذلك المعارك والحروب فهي‬
‫خالف بين أطراف تسعى للتنافس من أجل نيل مأرب ما‪.‬‬
‫و إذا أخذنا نفس العبار ة لغرض إجراء تعديل موضعي للكلمات المؤلفة للتعبير المسكوك‪،‬‬
‫فإن هذا التغيير الممكن يستوجب تعديال مصدريا على الفعل "حمي"‪ ،‬فتصبح العبارة‬
‫"معركة حامية الوطيس"‪.‬‬
‫الجدول التالي يمثل التصنيف الذي وضعه غروس‪:‬‬

‫الصياغة الجديدة‬ ‫نوع التغيير‬ ‫العبارة المسكوكة‬ ‫نوع العبارة‬

‫بقيت على حالها‬ ‫ال يوجد (الثبات)‬ ‫فالن كثير رماد القدر‬ ‫المسكوكات المغلقة‬
‫أو‬
‫فالن جبان الكلب‬
‫الكلية‬

‫حمي الوطيس اآلن‪.‬‬ ‫إضافة داللة زمنية‬

‫حمي وطيس‬ ‫إضافة عناصر‬

‫‪72‬‬
‫التعابير المسكوكة‪.‬‬

‫المعركة‪.‬‬ ‫داعمة للمعنى‬ ‫حمي الوطيس‬ ‫المسكوكات المفتوحة‬

‫معركة حامية‬ ‫التأثر بالجنس‬


‫الوطيس‪.‬‬

‫اآلن حمي الوطيس‪.‬‬ ‫تغيير المواضع‬

‫جدول ‪ :3‬تصنيف غروس‪.‬‬

‫‪ 2-1‬التعتيم الداللي (تصنيف راموس)‪:‬‬


‫و ِبعكس التصنيف الذي اعتمده غروس فقد رأت مارغاريتا راموس إعتماد تصنيف آخر‬
‫مرد ه التفاوت في درجة التعتيم الداللي و ثبات التركيب‪ ،‬و بذلك تكون راموس قد اعتمدت‬
‫ثبات التركيب إلضفاء صفة المسكوكية على التعابير المنتجة‪ ،‬متطرقةً بذلك إلى درجة‬
‫ارتباط و استقاللية المعاني و الدالالت عن األلفاظ المكونة للتعابير‪ ،‬و معتمدة على درجة‬
‫االرتباط بين العناصر اللغوية والتعتيم الداللي في إعتماد تصنيف خاص للتعابير المسكوكة‬
‫إلى ثالثة أصناف‪:104‬‬

‫‪ 1-2-1‬التعابير المسكوكة التامة‪:‬‬


‫و تشمل التعابير الكاملة التعتيم الداللي‪ ،‬فال يدرك معناها و ال يرتبط بمعاني األفراد‬
‫اللغوية المكونة للتعبير‪ ،‬وبذلك تكون داللتها تتمتع بنوع من االستقاللية التامة عن الدالالت‬
‫الجزئية‪ ،‬إذ ال يتأتى معناها إال بالتلقي القبلي و المعرفة المسبقة به و بعالقته بالعبارة‪.‬‬
‫و بالرجوع إلى نموذج غروس للتقسيم‪ ،‬فإن هذا النوع من التعابير هو نفسه الذي أشار إليه‬
‫هذا األخير تحت مسمى التعابير المسكوكة المغلقة‪ ،‬من أمثال ذلك غير ما ذكرناه آنفا‪ :‬عبارة‬
‫"بعين ما‬
‫ٍ‬ ‫"شذر مذر" بمعنى تفرقوا‪ ،‬وعبارة "حيص بيص" بمعنى االختالط‪ ،‬وعبارة‬
‫أرينك" بمعنى أسرع‪.‬‬

‫‪104‬‬
‫‪-Alonso Ramos, M. construction d’une base de données des collocations bilingue français-espagnol,‬‬
‫‪langages, n 143, p 8.‬‬

‫‪73‬‬
‫التعابير المسكوكة‪.‬‬

‫و من التعابير السياسية نجد‪" :‬الباب العالي" و هو السلطان العثماني‪ ،‬حيث كان المعروف‬
‫منذ القدم إختالف هندسة دواوين الحكم ودور العبادة عن هندسة منازل و بيوت العامة‬
‫والخاصة‪ ،‬لذا كانت عبارة الباب العالي مفيدة لقصر السلطان العثماني وتشير إليه أيضا‪.105‬‬
‫‪106‬‬
‫عبارة "ظل هللا على األرض" كانت تطلق على السالطين العثمانيين أيضا‪.‬‬
‫عبارة "الصدر األعظم" و هو كبير وزراء الدولة العثمانية؛ و الصدر حسب ما ورد في‬
‫قواميس اللغة يفيد معنى التقديم أو الجزء المتقدم من الشيء‪ ،‬وصفة األعظم تفيد الجامع لكل‬
‫الصفات و الذي ال يتجاوزه شيء‪ ،‬لذا كان لقب الصدر األعظم يفيد كبير الوزراء الذي ال‬
‫يخضع إال لسلطة السلطان ويخضع لسلطته كل من سواه‪.‬‬

‫"قلب األسد" و هو لقب الملك إنجلترا المدعو ريتشارد‪ ،‬إذ يشترك ريتشارد و األسد في صفة‬
‫التملك من جهة‪ ،‬واإلقدام والشجاعة التي عرف بها الملك من جهة أخرى‪.‬‬

‫"الصدريات الصفراء" حركة احتجاجية قامت في فرنسا إثر إقرار زيادات في أسعار المواد‬
‫الطاقوية بفرنسا‪ ،‬هدفها تحسين األوضاع االجتماعية‪.‬‬

‫‪ 2-2-1‬التعابير المسكوكة الغير التامة‪:‬‬


‫المعنى الذي أرادته راموس بالغير التامة‪ ،‬هو وجود عالقة بين أحد المكونات اللغوية‬
‫والمعنى المراد من العبارة؛ وبمعنى آخر تضمين أحد المكونات اللفظية لمعنى مباشر ذو‬
‫عالقة وطيدة بالمعنى المراد أو المسكوك‪ ،‬ومن أمثال ذلك‪ :‬حرب ضروس ومعركة طاحنة‪،‬‬
‫فمن شدة القتال وإعمال القتل أثناء المعركة يقال عنها حرب ضروس أو معارك طاحنة‪.‬‬
‫"الملك الشمس" و هو الملك الفرنسي " لويس الرابع عشر"‪.‬‬
‫و من أبرز التعابير السياسية نجد‪ " :‬شعرة معاوية" والتي يراد بها الحفاظ على رباط الود‬
‫ولو كان قيد شعرة‪ ،‬وارتباط العبارة باسم معاوية مرده إلى أنها قيلت في الصحابي معاوية‬
‫‪107‬‬
‫بن أبي سفيان رضي هللا عنه الذي شبه العالقة بين الحاكم والرعية بالشعرة‪.‬‬

‫‪ - 105‬المصدر السابق‪:‬برنار‪ ،‬لويس‪ ،‬لغة السياسة في اإلسالم‪ .‬ص ‪.26‬‬


‫‪ - 106‬المصدر نفسه‪ :‬برنار لويس‪ ،‬ص ‪.39‬‬
‫‪" - 107‬شعرة معاوية" ‪ :‬عبارة يضرب بها المثل في الحفاظ على قدر من الود و لو كان ضعيفا قيد شعرة‪ .‬و يصطلح بها‬
‫على الحنكة السياسية و الكياسة و هي عين الديبلوماسية في عصرنا الحالي و يقال‪ :‬إجعل بينك و بينهم شعرة معاوية‪ .‬ففي‬
‫الحفاظ عليها حسن تدبر و في اإلخالل بها عواق ب ال تحمد‪ .‬و معاوية بن أبي سفيان رضي هللا عنه يعتبر سادس الخلفاء في‬
‫اإلسالم و مؤسس الدولة األموية في الشام‪ .‬حيث كان يتصف برجاحة العقل و دماثة الخلق‪ .‬و قيل أن أعرابيا سأله " كيف‬
‫‪74‬‬
‫التعابير المسكوكة‪.‬‬

‫المفيدة‬ ‫‪108‬‬
‫و العبارة الواردة عن رسول هللا صلى هللا عليه و سلم " ال ينتطح فيها عنزان"‬
‫لالتفاق وعدم وجود اختالف في الحكم على شيء ما‪.‬‬

‫ت ُ َعد عبارة " معاداة السامية" األشهر في زماننا و التي أصبحت تشكل هاجسا للمجتمع الدولي‬
‫السياسي‪ ،‬هذه العبارة المسكوكة التي تحوي اتهاما بالعنصرية ضد اليهود يتضمن معناها‬
‫كلمة معاداة؛ أي العمل ضد مصلحة الكيان المعادى‪ ،‬واتخاذ مواقف غير موافقة لما يريده أو‬
‫يطمح إليه‪.‬‬
‫و في هذا الصدد تجدر اإلشارة إلى أن الرئيس الفرنسي ماكرون قد استعمل نفس الصياغة‬
‫التركيبية في إنتاج عبارة جديدة "معاداة الفرنسية"‪ ،‬وهذا إثر الحركات اإلحتجاجية في‬
‫إفريقيا سنة ‪ ،2020‬والتي أنتجت سياسات ترمي إلى التخلص من التبعية والوصاية الفرنسية‬
‫على تلك الدول‪.‬‬

‫‪ 3-2-1‬التعابير الشبه الخاصة‪:‬‬


‫هي تعابير مسكوكة تجمع بين البساطة و سهولة الوصول إلى المعنى المراد منها اعتمادًا‬
‫على معاني مكوناتها اللغوية‪ ،‬إضافةً إلى تض ُمنها داللة ضمنية تصب في نفس سياق المعنى‬
‫الجلي للعبارة‪ ،‬مثل‪ :‬عبارة " السكوت عالمة الرضا" التي تفيد القبول التام بالعرض دون‬
‫البوح و اإلفصاح عن ذلك‪.‬‬
‫و من العبارات السياسية‪ :‬عبارة " الحرب الباردة" و هو الصراع اإليديولوجي بين معسكر‬
‫الشرق بقيادة اإلتحاد السوفياتي الشيوعي والمعسكر الغربي بقيادة الو م أ ذو التوجه‬
‫الرأسمالي‪ ،‬حيث ميز هذا الصراع تنافس علمي المتالك أحدث التقنيات العلمية والعسكرية‬
‫وسباق للتسلح لم يسبق له مثيل حدوث اشتباك مباشر بينهما‪.‬‬

‫عبارة "وزير الميمنة" ال تدل على الوزير الموجود على يمين صاحب السلطة و إنما تدل‬
‫على الوزير المعتمد عليه وصاحب السلطة و الثقة؛ وجاءت صفة الميمنة ألن أغلب البشر‬

‫حكمت الشام عشرين سنة أميرا ثم حكمت بالد المسلمين عشرين سنة خليفة و لم تحدث فتنة " فأجابه معاوية‪ :‬إني ال أضع‬
‫سيفي حين يكفيني سوطي‪ ،‬و ال أضع سوطي حين يكفيني لساني ‪ ،‬و لو أن بيني و بين الناس شعرة ما انقطعت" و هكذا‬
‫بقيت " شعرة معاوية" من أشهر التعابير المسكوكة السياسية‪ .‬أنظر الموقع‪https://www.alyaum.com/articles/6041469/ :‬‬
‫)‪(26/09/2020‬‬
‫‪ - 108‬الحديث الكامل ورد في كثير من المراجع منها‪ :‬أبو هالل العسكري‪ ،‬جمهرة األمثال‪ .‬دار الفكر‪ ،‬بيروت‪ .1988 .‬ص‬
‫‪.403‬‬
‫‪75‬‬
‫التعابير المسكوكة‪.‬‬

‫يعتمدون اعتمادا كليا على يمناهم في الحياة اليومية لذا كانت سواعدهم اليمنى أقوى من‬
‫اليسرى بفعل الممارسة‪ ،‬فكانت عبارة وزير الميمنة مفيدة لمعنى الوزير المعتمد عليه أو‬
‫‪109‬‬
‫الوزير القوي جدًا‪.‬‬

‫عبارة " التمييز العنصري" و هي سياسة تفرقة و تمييز بين المنتمين إلى نفس المجتمع على‬
‫أساس لون البشرة كسياسة األبارتايد المعتمدة في جنوب إفريقيا‪ ،‬أو التمييز العرقي كما‬
‫يجري في معظم الدول الغربية‪ ،‬وهي سياسة إحتقارية لكل ما هو مغاير لألصل المعتمد‪.‬‬

‫إمتالك " العصا السحرية "؛ مفهومها الواضح هو امتالك وسيلة بإمكانها تغيير طبيعة‬
‫األشياء من حال إلى حال بكل سهولة في رمشة عين‪ ،‬والمعنى الضمني خاصة في المجال‬
‫السياسي هو القدرة على تغيير األوضاع وحال البالد نحو األحسن بكل سهولة و في فترة‬
‫وجيزة‪ ،‬حيث يعمد السياسيون إلى استعمال هذه العبارة للداللة على استحالة تغيير األوضاع‬
‫في مدة وجيزة مع ضرورة تكاتف و تضافر الجهود‪.‬‬

‫عبارة " الحراك السلمي" التي تدل على الحركة االحتجاجية التي عمت الجزائر و كان‬
‫موعدها كل يوم جمعة بعد صالة الجمعة‪ ،‬حيث كان سبب قيامها االعتراض على إعادة‬
‫ترشح الرئيس الجزائري المنتهية عهدته سنة ‪ .2019‬أفضى نجاح هذه الحركة االحتجاجية‬
‫إلى خلق عبارة جديدة وهي عبارة " الجزائر الجديدة"‪ ،‬والتي تفيد إعتماد طريقة جديدة‬
‫للتسيير مع التخلص من كل رموز النظام القديم ومحاسبة الفاسدين منهم‪.‬‬

‫الداللة‬ ‫التعابير المسكوكة‬ ‫أنواع التعابير‬

‫تفرقوا‪.‬‬ ‫شذر مذر‬

‫اإلختالط‪.‬‬ ‫حيص بيص‬

‫أسرع‪.‬‬
‫ِ‬ ‫بعين ما أرينك‬
‫ٍ‬
‫السلطان‪.‬‬ ‫ظل هللا على األرض‬ ‫المسكوكات التامة‬

‫رئيس الوزراء‪.‬‬ ‫الصدر األعظم‬

‫‪ - 109‬المصدر السابق‪ :‬برنار لويس‪ ،‬السياسة في اإلسالم‪.‬ص ‪.29‬‬


‫‪76‬‬
‫التعابير المسكوكة‪.‬‬

‫ريتشارد ملك إنجلترا‪.‬‬ ‫قلب األسد‬

‫حركة إحتجاجية‪.‬‬ ‫الصدريات الصفراء‬

‫ملك فرنسا لويس الرابع‬ ‫الملك الشمس‬


‫عشر‬

‫اإلتفاق و الموافقة‪.‬‬ ‫ال ينتطح فيها عنزان‬ ‫المسكوكات الغير التامة‬


‫الحفاظ على الود‪.‬‬ ‫شعرة معاوية‬

‫تهمة‪.‬‬ ‫معاداة السامية‬

‫صراع إيديولوجي‪.‬‬ ‫الحرب الباردة‬

‫سياسة تفرقة‪.‬‬ ‫التمييز العنصري‬

‫التغيير الفوري‪.‬‬ ‫إمتالك العصا السحرية‬ ‫التعابير الشبه الخاصة‬

‫حركة إحتجاجية في الجزائر‪.‬‬ ‫الحراك السلمي‬

‫الجدول ‪ :4‬تصنيف راموس‬

‫يكمن جانب من سحر التعابير المسكوكة من وجهة نظر اللغويين في تأويلها و فيم ستؤول‬
‫إليه‪ ،‬فهي تتكون في إطار االعتماد الكلي على تجاوز البناء اللغوي حتى وإن كان ذلك‬
‫التجاوز بسيطا تكشف عنه إحدى تلك اللبنات اللغوية المشكلة له و تفك طالسمها اعتمادا على‬
‫المعادلة البالغية المشكلة لها‪.‬‬
‫فطبيعة التعابير المسكوكة تتمتع بنوع من التناقض‪ ،‬إذ أنها متمردة على قانون تسلسل‬
‫المعاني الفردية في الشبكة اللغوية المشكلة لها من جهة‪ ،‬و تستتر خلف تلك الحجب اللغوية‬
‫حيا ًء و رفضا لإلفصاح والتجلي من جهة أخرى‪ ،‬فهي كمن يرفض السلطة االشتقاقية‬
‫للكلمات على المعنى‪ ،‬لكنها تحتمي بها وتستتر خلفها‪ ،‬كما و لو أن هناك صوتين يتنافسان من‬
‫أجل أن يسودا‪ ،‬فكيف نتعامل مع هذا التناقض؟‬

‫‪77‬‬
‫التعابير المسكوكة‪.‬‬

‫يمكن أن يشكل هذا التناقض مصدر إزعاج للمترجمين‪ ،‬ذلك ألن ما يشغلهم هو مقاصد‬
‫الخطاب والعبارات وليس التعابير نفسها‪ ،‬كما يمكن أن يكون ذلك التناقض مصدر فشل‬
‫للمترجم‪.‬‬

‫‪78‬‬
‫المطلب الثاني‪:‬‬
‫أنواع التعابير‬
‫المسكوكة‪.‬‬
‫إشكالية ترجمة التعابير المسكوكة في الخطاب السياسي‪.‬‬

‫‪ -1‬أشكالها و مصادرها‪:‬‬
‫التعابير المسكوكة كما ورد تعريفها عبارة عن مضغوطات مركزة لنصيات متكاملة‬
‫أركان الوجود والتواجد‪ .‬وما يمنحها صفة التفرد و الخصوصية هو خاصية اإليجاز‬
‫الموحي والدال على معنى أعمق من ظاهره‪ ،‬ولذلك تفاوتت التعابير المسكوكة في درجة‬
‫الطول لتفاوتها في درجة اكتناز المعنى المعبر عنه ومدى عمقه‪ ،‬وكذا العبرة الدالة عليها‬
‫باعتبارها نصوصا كاملة‪.‬‬
‫و مع أن التعابير المسكوكة هي إتحاد أكثر من وحدة كالمية إلنتاج معنى مستقل عن داللة‬
‫األفراد اللغوية المكونة له‪ ،‬إال أن ها يمكن أن تتوافر على شكل كلمة واحدة ناتجة عن‬
‫عمليات لغوية أكثر تعقيدا لتضمينها دالالت تتعدى حدود التفسير المعجمي لألفراد اللغوية‪.‬‬

‫‪ 1-1‬المفردات المركبة‪:‬‬
‫‪ 1-1-1‬النسبية‪ :‬يقصد بالنسبية إحداث تغييرات و إضافات على أفراد لغوية في لغة ما‪،‬‬
‫حيث يكون لهذه األفراد اللغوية أثر في مختلف مجاالت الحياة باإليجاب أو السلب‪.‬‬
‫و إن كان هذا الشكل مستجدا في اللغة العربية مما أدى إلى إنكار ضم منتجاته اللغوية إلى‬
‫مصاف التعابير المسكوكة تحت مسمى االشتقاق‪ ،‬إال أن هذه العملية موجدة لكلمات تحوي‬
‫في طياتها معاني قد تتجاوز حدود المجلد في السرد و التفصيل‪.‬‬
‫حقيق أن أي تجديد في المعرفة اللغوية و حقولها يعد ضربا من ضروب تحدي‬
‫المألوف إلى الالمألوف‪ ،‬وعليه فإن دعمه و إثبات صحته يحتاج إلى حجج تجمع بين الجدة‬
‫و األصا لة رغم غرابتها في بعض األحيان وابتعادها عن المألوف في أخرى‪ ،‬لكن قِدم‬
‫النسبية في اللغات األخرى تحت مسمى االشتقاق‪ ،‬وكذا وفرة الزخم التعبيري الداخل إلى‬
‫العربية من تلك اللغات يفرضان ضم منتوجه اللغوي وإلحاق صفة المسكوكية بتعابيره‪،‬‬
‫ومن أهم التعابير السياسية المسكوكة التي فرضت نفسها في زماننا نجد‪:‬‬
‫البوتفليقية‪ :‬اشتقت هذه الكلمة من اسم الرئيس الجزائري " بوتفليقة" للداللة على الفترة‬
‫الزمنية التي كان يتحكم فيها بز مام الحكم في الجزائر‪ .‬وتعكس هذه الكلمة في اختصارها‬
‫كل مظاهر الحياة السياسية وا لتسيير و أسلوب الخطاب المنتهج لتحقيق الشرعية المطلوبة‪.‬‬

‫‪80‬‬
‫إشكالية ترجمة التعابير المسكوكة في الخطاب السياسي‪.‬‬

‫البومدينية‪ :‬اشتقت هذه الكلمة من اسم الرئيس الجزائري األسبق " هواري بومدين"‪.‬‬
‫باديسية‪ :‬استعملت هذ ه العبارة خالل الحركة اإلحتجاجية الرافضة لألوضاع في الجزائر‬
‫سنة ‪ ،2019‬و التي أطلق عليها تسمية الحراك السلمي أو الحراك الشعبي‪ ،‬وأضفى عليها‬
‫الرئيس الجزائري السيد "عبد المجيد تبون" صفة القدسية بوصفها ب "الحراك المبارك"‪.‬‬
‫و كلمة باديسية مشتقة من اسم العالمة الجزائري " عبد الحميد بن باديس" الذي يعتبر‬
‫رائد اإلصالح في الجزائر و األب الروحي للمقاومة الهوياتية الجزائرية ضد محاوالت‬
‫مسحها و مسخها‪.‬‬
‫نوفمبرية‪ :‬نسبة إلى الفاتح من نوفمبر ‪ 1954‬تاريخ تفجير الثورة الجزائية‪ ،‬والتي تالها‬
‫تحرير بيان نوفمبر الذي يحدد معالم هوية الجزائر دولة و شعبا‪.‬‬

‫و على الصعيد الدولي نجد العبارة األكثر تداوال و هي‪:‬‬


‫التطبيع‪ :‬أي جعل األمر يبدو طبيعيا‪ ،‬و هي عبارة مشتقة من لفظة الطبيعة أو الطبيعي‪.‬‬
‫و العبارة مترجمة حرفيا عن اإلنجليزية » ‪ ،« normalisation‬حيث يكمن الفرق بين‬
‫التطبيع وإقامة العالقات في أن التطبيع يفيد معنى وج ود عالقة سابقة تتسم بالخصوصية‬
‫و الحساسية الغير العادية‪ ،‬على عكس إقامة العالقات التي تفيد انعدامها السابق‪ ،‬حيث تكون‬
‫هذه العالقة ف ي غالب األمر مبنية على العداء والحرب بين كيانين سياسين‪ ،‬وهو الحاصل‬
‫بين الكيان الصهيوني والدول العربية فيما سم ي بالحرب العربية اإلسرائيلية‪ ،‬ومطالبة‬
‫الكيان الغاصب بالتطبيع معه وجعل العالقة معه عادية طبيعية‪ ،‬هو اعتراف سياسي أبدي‬
‫بأحقية الكيان الغاصب في أرض فلسطين‪.‬‬

‫‪ 2-1-1‬اإلتحاد‪ :‬و يعرف كذلك باسم النحت اللغوي‪ ،‬هذه الظاهرة اللغوية معروفة في‬
‫اللغة العربية باختصار عبارات كاملة و مثال ذلك ‪:‬‬
‫الحوقلة‪ :‬و هي اختصار عبارة ال حول وال قوة إال باهلل‪.‬‬
‫البسملة‪ :‬اختصار عبارة باسم هللا الرحمن الرحيم‪.‬‬
‫الحيعلة‪ :‬اختصار "حي على الصالة" و حي على الفالح"‬

‫‪81‬‬
‫إشكالية ترجمة التعابير المسكوكة في الخطاب السياسي‪.‬‬

‫أو لدمج كلمتين ببعضهما‪ ،‬و ذلك بإتحاد الجزء األول من الكلمة األولى مع النصف الثاني‬
‫للكلمة الثانية‪ ،‬وفي هذا تشترك اللغات‪ ،‬و نذكر مثال ذلك في اللغة الفرنسية » ‪.« franglais‬‬

‫الديمو قراطية‪ :‬عبارة مسكوكة التينية بمعنى نظام الحكم المبني على إرادة الشعب بإنشاء‬
‫مؤسسات لتمثيله والتعبير عن انشغاالته وتقرير سيرورة الحكم منبثقة منه ومن اختياره‪،‬‬
‫فلفظة " ديموس" تعني الشعب و"قراطوس" تعني الحكم أو السلطة‪ ،‬وبناء على هذا‬
‫التزاوج اللغوي تم إيجاد عبارات أخرى في نفس السياق نذكر منها " الثيوقراطية"؛‬
‫ومعناه حكم المؤسسة الدينية والدين‪ ،‬و قد أدرجت هذه العبارات على شكل مصطلحات‬
‫سياسية بواسطة الترجمة‪.‬‬

‫اإلسالموفوبيا‪ :‬إتحاد كلمة اإلسالم العربية و الفوبيا الالتينية‪ ،‬وصلت إلى اللغة العربية عن‬
‫طربق الترجمة‪.‬‬
‫تفيد معنى الخوف المرضي و الغير المبرر من الدين اإلسالمي و كل مظاهره و ما يمت‬
‫إليه بصلة‪.‬‬
‫ظهر هذا المصطلح كنتيجة حتمية للحمالت الدعائية ا لمشوهة لصورته و صورة معتنقيه‪،‬‬
‫و ترجمها آخرون إلى رهاب اإلسالم‪ ،‬حيث ظهرت هذه العبارة على يد المفكر الفرنسي‬
‫االن كيليان )‪ (Alain Quellien‬في كتابه الصادر سنة ‪ 1910‬تحت عنوان" السياسة‬
‫المسلمة في إفريقيا الغربية المسلمة"‪ ،‬وقد جاء فيه أن "المسلم هو العدو الطبيعي الغير‬
‫‪110‬‬
‫القابل للنقاش بالنسبة لبعض المسيحين"‬

‫الهاهاغاندا )‪ : (hahagande‬هي عبارة مكونة من شطرين‪ ،‬الهاها )‪ (haha‬تفيد معنى‬


‫الضحك والسخرية‪ ،‬وغاندا )‪ (gande‬التي تمثل بدورها الشطر الثاني من كلمة حملة‬
‫)‪. (propagande‬‬
‫تفيد هذه العبارة معنى " الخطاب السياسي الساخر" سواء كان بالرسومات الكاريكاتورية‬
‫الساخرة من نظام س ياسي ما أو بالتعليقات الساخرة والمقزمة لهذا النظام ورموزه‪ ،‬حيث‬
‫كان هذا األخير سباقا إلى العداء و إبداء الخصومة فيكون رد المعتدى عليه باالستهزاء‬

‫‪ - 110‬أنظر الموقع‪https://www.trtarabi.com/explainers/ (15/10/2020) :‬‬

‫‪82‬‬
‫إشكالية ترجمة التعابير المسكوكة في الخطاب السياسي‪.‬‬

‫والسخرية‪ ،‬و نضرب لذلك مثل الرئيس التركي أردوغان الذي رد على نظيره الفرنسي‬
‫ماكرون في قضية الرسومات الم سيئة إلى الرسول صلى هللا عليه وسلم سنة ‪ ،2020‬حيث‬
‫وصفه بالمعتوه الذي يجب عليه إجراء فحوصات عقلية‪.‬‬
‫و هي اختصار عبارة " العولمة المتوازنة"‪ ،‬و يقصد بها‬ ‫‪111‬‬
‫و في العربية " العوزنة"‬
‫النظام العالمي الذي تدعو إليه مجمل الدول للتخلص من االستعباد السياسي‪.‬‬
‫هذه التعابير الناتجة عن عملية السك اللغوي غالبا ما يتم إدراجها ضمن خانة التعابير‬
‫المصطلحية‪ ،‬أو ما يعرف بالمصطلحات نظرا الرتباطها بمجال معين كالسياسة أو‬
‫االقتصاد و غيرهما المجاالت‪.‬‬
‫‪ 2-1‬النصوص المكتملة‪:‬‬
‫هي نصوص كاملة األركان مختزلة في كم لفظي متفاوت الطول من العبارة المركبة‬
‫من لفظتين إلى الفقرة الكاملة مرورا بالجملة البسيطة‪ ،‬كثيرا ما تستعمل في الخطابات‬
‫‪112‬‬
‫والتخاطب من أجل تأكيد المعنى أو تعميقه أو للحجاج بضرب األمثلة ونحوه‪.‬‬

‫‪ 1-2-1‬المتالزمات اللفظية‪:‬‬
‫و من ذلك في الخطابات السياسية الجزائرية‪:‬‬
‫العشرية السوداء‪( :‬إسم ‪ +‬صفة لونية) هي الفترة الممتدة على طول سنوات التسعينيات من‬
‫القرن الماضي و التي عرفت بدمويتها في الجزائر‪ ،‬حيث يرمز اللون األسود إلى ثالثة‬
‫أشياء‪ :‬األول هو الخراب والدمار الذي خلفته أحداث تلك الحقبة‪ ،‬والثاني إلى الحزن‬
‫والحداد الذي خيم على قلوب الجزائريين جراء الجرائم المرتكبة ضد العزل‪ ،‬والثالث‬
‫يتمثل في الرعب والخوف من المجهول وفقدان األمل فيما هو آت‪.‬‬

‫‪ - 111‬استعمل هاته الكلمة األستاذ أبو بكر خالد سعد هللا‪ ،‬أستاذ التعليم العالي بالمدرسة العليا لألساتذة بالقبة‪ ،‬قسم رياضيات‪.‬‬
‫في مقال بعنوان " العوزنة و التعليم العالي" ‪ .‬حيث كان مقاله قراءة في فصل من كتاب » ‪ « Globalance‬لمؤلفه‬
‫كريستوف ستو كلبرجي ‪(christoph stückelberger).‬‬
‫‪112‬‬
‫‪- « tout texte est intertexte ; d’autres textes sont présents en lui, à des niveaux variables sous des formes plus‬‬
‫‪aux moins reconnaissables : les textes de la culture intérieure et ceux de la culture environnante ». Barthes, R.‬‬
‫‪ https://www.universalis.fr/encyclopedie/théorie-‬رابط التحميل ‪1974. Théorie du texte. Encyclopédia universalis.‬‬
‫)‪du-texte/ (06/10/2020‬‬

‫‪83‬‬
‫إشكالية ترجمة التعابير المسكوكة في الخطاب السياسي‪.‬‬

‫المصالحة الوطنية‪( :‬إسم ‪ +‬صفة) ظهرت في أواخر القرن العشرين في الجزائر‪ ،‬و هي‬
‫عبارة عن مشروع سياسي يهدف إلى إخماد نار الفتنة فيها بإرساء قواعد قانون تسامح بين‬
‫أط ياف الشعب الجزائري من متسببين و متضررين من أحداث العشرية السوداء‪.‬‬

‫الجزائر ا لجديدة‪( :‬إسم ‪ +‬صفة نوعية) عبارة ظهرت بعد الحركة االحتجاجية المعروفة‬
‫بالحراك السلمي في الجزائر؛ و المراد من استعمال عبارة الجديدة بث األمل في النفوس‬
‫اليائسة برسم صورة عن نهج و سياسة مخالفة لسابقتها‪.‬‬

‫الجيش األبيض‪( :‬إسم ‪ +‬صفة لونية) عبارة ظهرت عقب اجتياح وباء الكورونا للمعمورة‪،‬‬
‫ترمز هذه العبارة إلى عمال قطاع الصحة من أطباء و ممرضين و غيرهم‪.‬‬

‫الباءات األربعة‪( :‬إسم ‪ +‬صفة عددية) ظهرت هذه العبارة عقب الحركة االحتجاجية‬
‫المعروفة في الجزائر باسم الحراك الشعبي‪ ،‬والمقصود بها أربع شخصيات سياسية تبدأ‬
‫أسماؤها بحرف الباء‪.‬‬

‫ال عبارات المستجدة في العالم ك" الصدريات الصفراء" حركة احتجاجية قامت في فرنسا‬
‫عرفت تلك الحركة‬
‫سنة ‪ ،2018‬حيث قام المتظاهرون بارتداء الصدريات الصفراء‪ ،‬لذا ُ‬
‫االحتجاجية باسم الصدريات الصفراء أو أصحاب الصدريات الصفراء ترجمة للعبارة‬
‫الفرنسية » ‪« les gilets jaunes‬‬

‫"الذئب المنفرد" و هي عبارة تفيد سياسية تفيد معنى العنصر اإلرهابي المتطرف الذي‬
‫يعمل وحده دون الرجوع إلى مجموعة أو مرجعية‪ ،‬فهو سريع في ضرباته و في اختفائه‬
‫‪113‬‬
‫وتمويهه‪ ،‬يعمل منفردا وال يترك أي دليل‪ ،‬و تعني كذلك مفهوم الجاسوس المنفرد‪.‬‬

‫و منها ما كان نتاج إتحاد اسمين و مثال ذلك في الجزائر‪:‬‬


‫جزائر العزة و الكرامة‪ :‬شعار الحملة االنتخابية للعهدة الثالثة للرئيس األسبق عبد العزيز‬
‫بوتفليقة‪ ،‬كما ورد اقتران اسم الجزائر بفضيلتي العزة و الكرامة في ديباجة الدستور‬
‫الجزائري لسنة ‪ 2016‬ونظيره المعدل لسنة ‪.2020‬‬

‫‪ - 113‬هي عبارة ذات أصل أمريكي‪ (lone wolf) ،‬شاعت في ‪ 1990‬في أمريكا لتنتشر في العالم فيما بعد‪.‬‬
‫‪84‬‬
‫إشكالية ترجمة التعابير المسكوكة في الخطاب السياسي‪.‬‬

‫قضاء و قدر‪ :‬استعملها الرئيس الجزائري في خطاب ‪ 2020/08/12‬للحديث عن ما أسماه‬


‫بمناطق الظل‪ ،‬منتقدا عدم اكتراث سابقيه بساكنة هذه المناطق رافضا اعتبار تلك الظروف‬
‫المعيشية القاسية قضاء وقدرا محتوما يجب التسليم به ويستحيل تغييره‪.‬‬

‫حجر الزاوية‪ :‬استعملها الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون في خطابه الرسمي ليوم‬
‫‪ 2020 /10/10‬بمقر وزارة الدفاع الجزائرية‪ ،‬و ذلك لوصف مكانة الشباب في دعم التنمية‬
‫في الجزائر‪ ،‬و باستعماله لهذه العبارة فإن الرئيس الجزائري يشبه مكانة الشباب من‬
‫الجزائر و شعبها بمكانة الحجر األسود من الكعبة الشريفة‪ ،‬إذ يمثل ذات الحجر أثمن حجر‬
‫فيها‪ ،‬مما يعطي االنطباع باعتبار الرئيس للشباب الجزائري ثروة الجزائر ومصدر‬
‫فخرها‪ .‬كما تعني كذلك الحجر األول الذي يؤسس عليه البنيان والذي يربط الجدران‬
‫ببعضها البعض‪ ،‬فبدونه يتهاوى البنيان و يسقط‪.‬‬

‫بلد المليون شهيد‪ :‬هي العبارة التي تعرف بها الجزائر بين الدول العربية األخرى‪.‬‬
‫تعتبر هذه العبارة اختصارا لتاريخ حافل بالمقاومات و التضحيات في سبيل إعالء كلمة‬
‫الحرية‪ ،‬فلفظة شهيد لها من الشرف في الثقافة العربية و اإلسالمية ما ليس لغيرها‪ ،‬فكانت‬
‫عبارة بلد المليون شهيد ‪ -‬نسبة إلى عدد الذين سقطوا في ميدان الشرف‪ -‬تمثل وساما على‬
‫صدر كل جزائري وقدوة لكل رام للحرية‪.‬‬

‫محاربو الصحراء‪ :‬كناية عن الفرق الوطنية الجزائرية للرياضات الجماعية‪.‬‬

‫و مثاله في غيرها‪:‬‬
‫صندوق باندورا » ‪ : « la boite de pandore‬عبارة مسكوكة اشتهر بها الرئيس الفرنسي‬
‫األسبق جاك شي راك؛ هي عبارة ذات أصل ميثولوجي يعود إلى األساطير اليونانية القديمة‪،‬‬
‫و يعتبر االعتماد على األساطير القديمة والروايات التاريخية من أوجه االفتخار والتعريف‬
‫باألصل و التباهي بالعراقة و الجذور الضاربة ف ي التاريخ لدى األوربيين عموما‬
‫والفرنسيين خصوصا‪.‬‬
‫تروي األسطورة أن خالفا وقع بين اآللهة اإلغريقية زيوس و آلهة النار‪ ،‬حيث خالف هذا‬
‫األخير تعليمات األول القاضية بعدم تعليم البشر طريقة االستفادة من النار‪ ،‬فما كان من‬

‫‪85‬‬
‫إشكالية ترجمة التعابير المسكوكة في الخطاب السياسي‪.‬‬

‫زيوس إال أن أوجد امرأة حسناء فائقة الجمال اسمها باندورا )‪ (pandore‬و أرسلها إلى‬
‫األرض مكلفا إي اها بإغواء آلهة النار‪ ،‬كما منحها صندوقا مغلقا و طلب منها عدم فتحه‬
‫مهما كان السبب‪.‬‬
‫و بعد اقترانها بآلهة النار و في يوم من األيام جرها الفضول إلى فتح الصندوق فخرجت‬
‫منه كل أنواع الشرور من كوارث وحروب ومجاعات و أمراض و أحقاد و دسائس‬
‫وبغضاء و غيرها‪ ،‬وبعد إدراك باندورا لفداحة فعلها بادرت بإغالق الصندوق ضنا منها‬
‫أنها أغلقت الباب على باقي الشرور‪ ،‬لكن الباقي الوحيد في الصندوق و الذي لم يستطع‬
‫لذلك يضرب هذا المثل لتشبيه وضعية ما أو تصرف ال يرجى‬ ‫‪114‬‬
‫الخروج كان هو الحب‪،‬‬
‫منه الخير كدخول حرب العراق بفتح صندوق باندورا‪.‬‬

‫الموجة الزرقاء» ‪ : « la vague bleu‬شعار الحملة االنتخابية للمترشحة الفرنسية مارين‬


‫لوبان‪.‬‬

‫فخ ثوسيديدس» ‪ : « piège de Thucydide‬عبارة استعملها أستاذ العلوم السياسية بجامعة‬


‫و هي الخالف القائم‬ ‫‪115‬‬
‫هارفارد األمريكية لتفسير العالقة القائمة بين أمريكا و الصين‪،‬‬
‫على أساس مادي اقتصادي بحت‪.‬‬

‫حصان طروادة » ‪ « le cheval de Troie‬من الميثولوجيا اإلغريقية‪.‬‬


‫لجأ اإلسبارطيون إلى حيلة القتحام أسوار مدينة طروادة المنيعة‪ ،‬و هذا بصناعة حصان‬
‫خشبي ضخم و تركه في ساحة المعركة ليأخذه الطرواديون كغنيمة حرب‪ ،‬لكن ذلك‬
‫الحصان كان عبارة عن خدعة كونه كان يحوي مجموعة من الجنود المدربين لفتح أسوار‬
‫المدينة‪ ،‬و بهذا صار هذا المثل يضرب على الفخاخ المموهة‪.‬‬
‫ع ِرف هذا النوع من التراكيب بمسمى المتالزمات اللفظية‪ ،‬و هي أنواع حسب طبيعة‬
‫ُ‬
‫العناصر اللغوية المكونة لها و العالقة بينها‪ .‬فمنها ما كان‪ :‬إسم ‪ +‬إسم‪ ،‬إسم ‪ +‬صفة‪ ،‬صفة‬
‫‪ +‬إسم‪ ،‬أو فعل‪ +‬مفعول‪.‬‬
‫‪ - 114‬نفس المصدر‪:‬بشير‪ ،‬عابد‪ .‬ترجمة الخطاب المتخصص (الخطاب السياسي مثاال)‪ .‬مجلة اللغة الوظيفية‪ .‬ص ‪.421‬‬
‫‪ - 115‬لقد إستوحى أليسون هذا المصطلح من خالل كتابات المؤرخ اليوناني ثوسيديدس عن حال العالقة بين أثينا و أسبارطة‬
‫و الحرب الطويلة التي دارت بينهما من عام ‪ 431‬إلى ‪ 404‬قبل الميالد‪ .‬حيث إستنتج من كتابات هذا المؤرخ أن تصاعد قوة‬
‫أثينا في مختلف المجاالت جعل أسبارطة القوي األبرز عسكريا في تلك الحقبة من الزمن تتخوف من ذلك الصعود و تقرر‬
‫الدخول في منافسة خلقت العداوة بينهما و أوصلتهما إلى الحرب‪.‬‬
‫‪86‬‬
‫إشكالية ترجمة التعابير المسكوكة في الخطاب السياسي‪.‬‬

‫و قد قال عنها محمد المبارك " فقد خصص العرب ألفاظا أللفاظ‪ ،‬و قرنوا كلمات بأخرى‬
‫و بذلك فإن ورود الكلمة األولى‬ ‫‪116‬‬
‫ولم يقرنوها بغيرها و لو كان المعنى واحدا‪"...‬‬
‫يستوجب مصاحبة الثانية لها في إطار المعنى الذي ال يمكن تأديته إال بإتحادهما‪ ،‬إن‬
‫المتالزمات اللفظية من األهمية في بناء اللغة و الخطابات على ألوانها بمكان‪ ،‬إذ قال عنها‬
‫نيو مارك " إذا كانت القواعد عظام النص فالمتالزمات اللفظية أعصابه‪.117"...‬‬

‫المتناقضات اللفظية هي نوع من المتالزمات اللفظية‪ ،‬غير أن ما يميزها عنها هو تضاد‬


‫األ لفاظ المكونة لها‪ ،‬و من ذلك عبارات‪ :‬إبتسامة حزينة‪.‬‬
‫الخيار الوحيد‪.‬‬
‫نسخة أصلية‪.‬‬
‫جزء ال يتجزأ‪ :‬وردت هذه العبارة في ديباجة الدستور الجزائري (الجزائر جزء ال يتجزأ‬
‫من المغرب العربي الكبير)‬
‫ق ذات اإلنتماء المشترك و المتحاربة فيما بينها‪ ،‬مثلما حدث‬
‫اإلخوة األعداء (تقال في ال ِف َر ِ‬
‫في ليبيا)‬

‫‪ 2-2-1‬األمثال‪:‬‬
‫و من التعابير المسكوكة ما كان على شكل جمل متفاوتة الطول مستلهمة من أقوال‬
‫السابقين ومحاكاة لتجاربهم وما جادت به قريحتهم‪.،‬و قد وصفها جرجي زيدان بأنها "‬
‫‪118‬‬
‫عظات بالغة من ثمار االختبار الطويل والعقل الراجح"‬
‫إن القول " خلف لنا عرب الجاهلية تراثا كبيرا كاألمثال‪ ،‬و هي عبارات تضرب في‬
‫يطبع لدى قارئه بأن استعمال هذا‬ ‫‪119‬‬
‫حوادث مشابهة للحوادث األصلية التي جاءت فيها"‬
‫النوع من التعابير يعد استر جاعا للفصل األجمل في الحكاية‪ ،‬و الذي يتمثل في الفصل‬
‫األول المسترجل بكفاءة البديهة‪.‬‬

‫‪ - 116‬المبارك‪ ،‬محمد‪ ،‬فقه اللغة و خصائص العربية‪،‬دار الفكر‪ ،‬ص ‪.19‬‬


‫‪ - 117‬المصدر السابق‪ :‬نيو مارك‪ ،‬بيتر‪ ،‬ص ‪.295‬‬
‫‪ - 118‬المصدر السابق‪ :‬جرجي‪ ،‬زيدان‪ ،‬تاريخ آداب اللغة العربية‪ ،‬ص ‪.62‬‬
‫‪ - 119‬المصدر السابق‪ :‬ضيف‪ ،‬شوقي‪ .‬الفن و مذاهبه في النثر العربي‪.‬ص ‪.20‬‬
‫‪87‬‬
‫إشكالية ترجمة التعابير المسكوكة في الخطاب السياسي‪.‬‬

‫قد يولد هذا النوع من التعابير من حادثة جميلة أو من جرح أليم‪ ،‬و األكيد أنه استحضار‬
‫لذكرى من متحف الذاكرة الجماعية‪ -‬وقد صفيت من الشوائب‪ ،‬تلك الذكرى التي تمثل‬
‫جملة أحداث و تجارب اختزلها هذا النوع من التعابير المسكوكة في عبارة صارت عنوان‬
‫روح و فكرة‪ ،‬تبلورت لتشكل جمرة في اللغة و َعلَما في المعنى‪ ،‬فقد وصفها العسكري بأنها‬
‫"من أجل الكالم و أنبله‪ ،‬وأشرفه وأفضله‪ ،‬لقلة ألفاظها‪ ،‬وكثرة معانيها‪،‬و يسير مؤونتها‬
‫على المتكلم‪ ،‬مع كبير عنايتها وجسيم عائداتها‪ 120".‬ومنها‪:‬‬
‫ما هلل هلل و ما لقيصر لقيصر‪ :‬صار هذا المثل الروماني القديم شعارا للعلمانية و لدعاة‬
‫فصل الدين عن السياسة والسلطة‪.‬‬
‫‪121‬‬
‫جنت على أهلها براقش‪ :‬تقال فيمن عمل عمال كانت عواقبه سيئة عليه و على أهله‪.‬‬

‫عاد بخفي حنين‪ :‬يضرب هذا المثل لمن فشل في تحقيق هدفه و خاب مسعاه‪.‬‬

‫معزة و لو طارت‪ :‬يفيد معنى التعصب للرأي و إن كان خاطئا‪.‬‬


‫و أصله أن رجالن اختصما في فالة حول ماهية شيء أسود اللون كان بعيدا عنهما‪ ،‬فقال‬
‫أحدهما أنه غراب و قال اآلخر أنه معزة‪ ،‬و ما إن اقتربا قليال حتى طار ذو اللون األسود‪،‬‬
‫فتيقن األول أنه غراب ألنه يطير‪ ،‬في حين أصر الثاني على رأيه قائال‪ :‬معزة و لو‬
‫طارت‪.‬‬

‫عبارة " أنا جيلي طاب جنانو" استعملها الرئيس الجزائري األسبق عبد العزيز بوتفليقة في‬
‫خطاب شعبي سنة ‪ 2012‬بمدينة سطيف بمناسبة ذكرى مجازر ‪ 8‬ماي ‪ ،1945‬و ذلك‬
‫للداللة على الرغبة في التنحي وتسليم مشعل القيادة إلى الجيل الجديد من الشباب‪.‬‬

‫من األهمية في ا للغة العربية و غيرها بمكان‪ ،‬ذلك ألن "لها من الكالم موقع‬ ‫‪122‬‬
‫إن األمثال‬
‫اإلسماع و التأثير في القلوب‪ ،‬فال يكاد المرسل يبلغ مبلغها و ال يؤثر تأثيرها ألن المعاني‬

‫‪ - 120‬المصدر السابق‪ :‬أبو هالل العسكري‪ ،‬جمهرة األمثال‪ ،‬ص ‪.5-4‬‬


‫‪ - 121‬حسب ما ورد في قاموس المحيط‪ ،‬فإن براقش إسم لكلبة كانت تنبه قومها في حال اإلغارة عليهم‪ .‬وفي مرة تنكر‬
‫الغزاة و كانوا كثرا‪ .‬فما كان من قوم براقش إال أن إختبؤوا في مغارة‪ .‬و عندما هم الغزاة بالرجوع ايسين من العثور عليهم‬
‫نبحت الكلبة بشدة فدلت الغزاة على مكان أهلها‪ .‬فأغار عليهم الغزاة و قتلوا الكلبة فيمن قتلوا‪.‬‬
‫‪" - 122‬المثل الشعبي يعتبر صفوة األقوال‪ ،‬و عصارة األفكار ألجيال سبقتنا عبر التاريخ اإلنساني و هو زبدة الكالم الصادر‬
‫عن البلغاء و الحكماء‪ ،‬أجم ع المتحدثون على صوابه لإلستشهاد به في مواقف الجدل و مختلف ضروب الكالم‪ ...‬و األمثال‬
‫الجزائرية‪ ...‬صورة واضحة عن تاريخ من العطاء البشري‪ ،‬و عن حياة أجيال و أجيال مليئة بالتجارب و الخبرات‪،‬‬
‫‪88‬‬
‫إشكالية ترجمة التعابير المسكوكة في الخطاب السياسي‪.‬‬

‫بها الئحة و الشواهد بها واضحة و النفوس بها وامقة و القلوب بها واثقة و العقول بها‬
‫موافقة‪ ،‬فلذلك ضرب هللا األمثال في كتابه العزيز و جعلها من دالئل رسله‪ ،‬و أوضح بها‬
‫‪123‬‬
‫الحجة على خلقه ألنها في العقول معقولة وفي القلوب مقبولة"‬
‫و أضاف العسكري أن ال غنى عن استعمالها و االحتكام إليها في صياغة الكالم‪ ،‬حيث‬
‫أورد في كتابه" ثم إني ما رأيت حاجة الشريف إلى شيء من أدب اللسان بعد سالمته من‬
‫اللحن ‪ ،‬كحاجته إلى الشاهد والمثل والشذرة والكلمة السائرة‪ ،‬فإن ذلك يزيد المنطق‬
‫تفخيما‪ ،‬و يكسبه قبوال‪ ،‬ويجعل له قدرا في النفوس‪ ،‬وحالوة في الصدور‪ ،‬ويدعو القلب‬
‫‪124‬‬
‫إلى وعيه‪ ،‬ويبعثها على حفظه"‬
‫كما وصفها باالر بأن ها تعابير مسكوكة تنتقل بين مستعمليها‪ ،‬و يتناقلها أبناء اللغة‬
‫الواحدة جيال عن جيل دون إحداث أي تغيير على ألفاظها أو تراكيبها أو دالالتها‪ ،‬و أنها‬
‫تلعب أدوار النصح والعبرة والموعظة‪.125‬‬
‫فاألمثال و إن كانت خالصة تجارب فردية أو جماعية‪ ،‬فإنها تتخل ص من كينونتها‬
‫كخ الصة لتجارب السلف‪ ،‬لتصير عبرة وموعظة فيما يأتي من الزمن لمن يأتي من‬
‫الخلف‪.‬‬
‫و من ثبات صيغة األمثال ما ذهب إليه الزمخشري قبال حيث أورد في كتاب المستقصى‬
‫"أن األمثال يتكلم بها كما هي‪ ،‬فليس لك أن تطرح شيئا من عالمات التأنيث و إن كان‬
‫المضروب له مذكرا‪ ،‬وال أن يبدل اسم المخاطب"واتفق ابن جني وأبو عمر بن العالء على‬
‫أن األمثال تؤدى حسب الصيغة التي صيغت بها أول مرة‪ ،‬ومن مظاهر استعمالها كما‬
‫وردت حال صياغتها خلود ا ألعالم التي قيلت فيها األمثال واشتملت عليها حال وقوعها‪،‬‬
‫ومن ذلك نذكر‪:‬‬
‫أسماء األشخاص مثل‪:‬‬

‫باألفراح و األقراح‪ ،‬و أساليب الحياة المرتبطة بهما" أنظر‪ :‬خدوسي رابح‪ ،‬موسوعة األمثال الجزائرية‪ ،‬دار الحضارة‪،‬‬
‫الجزائر‪ .2015 ،‬المقدمة‪.‬‬
‫‪ - 123‬المارودي‪ ،‬علي محمد بن حبيب‪ ،‬األمثال و الحكم‪ ،‬تحقيق فؤاد عبد المنعم أحمد‪ ،‬دار الوطن للنشر‪ ،‬الرياض‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪ ،1999‬ص‪.20‬‬
‫‪ - 124‬نفس المصدر‪ :‬أبو هالل العسكري‪ ،‬جمهرة األمثال‪ ،‬ص ‪.4‬‬
‫‪ - 125‬أنظر‪A RӐDULESCU. Pourquoi est- il difficile de traduire les proverbes ?mémoire de magister. Université :‬‬
‫‪de Craiova(Romanie). 2013. PDF.‬‬

‫‪89‬‬
‫إشكالية ترجمة التعابير المسكوكة في الخطاب السياسي‪.‬‬

‫أكرم من حاتم‪ :‬يضرب للجود و الكرم‪.‬‬


‫عادت حليمة إلى عادتها القديمة‪ :‬يضرب هذا المثل للبخل‪.‬‬
‫أخلف من عرقوب‪:‬يفيد كثرة إخالف الوعد‪.‬‬
‫عاد بخفي حنين‪ :‬يضرب الفشل و الخيبة‪.‬‬

‫أسماء المدن مثل‪:‬‬


‫كل الطرق تؤدي إلى روما‪ :‬يقال أنها كانت ‪ 19‬طريقا تلتقي كلها في روما‪ ،‬و هذا من أجل‬
‫السيطرة على كل المستعمرات‪.‬‬
‫أهل مكة أدرى بشعابها‪.‬‬

‫و األمثال أنواع متنوعة حسب نظمها و مستوى لغة ذلك النظم‪ ،‬حيث نميز منها وفق‬
‫درجة التعتيم والوضوح و اإلشارة الداللية األنواع التالية‪:‬‬
‫المثل القياسي‪:‬‬ ‫أ‪-‬‬
‫و هو‬ ‫‪126‬‬
‫" سرد وصفي أو قصصي أو تصويري لتقريب المعقول من المحسوس‪"...‬‬
‫التشبيه بين شيئين وتعميم الحكم عليهما الشتراكهما في علة الحكم‪ ،‬حيث يستعمل هذا‬
‫النوع من األمثال لتو ضيح األفكار والرؤى و إقناع متلقيها بها بطريقة تجمع بين المقابلة‬
‫المنطقية و السالسة األسلوبية‪ ،‬و مثل هذا ما ورد في قوله تعالى " مثلهم كمثل الذي استوقد‬
‫نارا" (سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪.)17‬‬
‫يسمى هذا النوع من األمثال بالمثل الصريح و ذلك لوجود تشبيه صريح كامل األركان‪.‬‬

‫المثل الخرافي أو الرمزي‪:‬‬ ‫ب‪-‬‬


‫يختلف هذا النوع من األمثال عن المثل القياسي بإلحاق المشاعر و األحاسيس البشرية‬
‫بغير البشر من جماد و حيوان‪ ،‬حيث يلقى على شكل قصة بسيطة رمزية ذات بعد أخالقي‬
‫على ألسنة حيوانات كقصص كليلة ودمنة‪ 127،‬وقصة األرنب والسلحفاة و غيرهما‪.‬‬

‫‪ - 126‬إميل بديع يعقوب‪ ،‬موسوعة أمثال العرب‪ ،‬ج‪ ،1‬دار الجيل‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط ‪ ،1‬ص ‪.17‬‬
‫‪ - 127‬المصدر السابق‪ :‬إميل بديع يعقوب‪ ،‬موسوعة أمثال العرب‪ ،‬ص ‪.19‬‬
‫‪90‬‬
‫إشكالية ترجمة التعابير المسكوكة في الخطاب السياسي‪.‬‬

‫و الواقع أن الثقافات تزخر بمثل هذه األمثال المروية على لسان الحيوانات التي تتقاسم مع‬
‫اإلنسان نفس بيئة العيش و الجمادات التي يسخرها اإلنسان لمختلف أغراضه اليومية؛ ومثل‬
‫ذلك قصة اللوح والمسمار و المطرقة‪ ،‬حيث إشتكى اللوح المسمار بسبب األلم الذي يسببه‬
‫له‪ ،‬فأجابه المسمار بأن الطرق على رأسه أوجع من الجرح الذي سببه للوح‪.‬‬
‫و المثل القائل‪ :‬ال يدري الزرع متى أجرم الزارع في حقه أيوم حصده أم يوم زرعه ( أبو‬
‫العالء المعري)‪.‬‬

‫ج ‪ -‬المثل الكامن‪:‬‬
‫هو مثل مستقى من عبارة صريحة ممثال بذلك عصارة أدبية استخلصها اإلنسان لنفسه بعد‬
‫إصابته لمربض الفرس في عبارة متفاوتة الطول و معروفة المصدر و كاملة المعنى‬
‫الداللي‪.‬‬
‫و من ذلك قول نبي هللا يعقوب البنه يوسف "يا بني ال تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا‬
‫لك كيدا" (سورة يوسف‪ ،‬اآلية ‪ )5‬و التي تفيد معنى "كل ذي نعمة محسود"‬
‫و" الجزاء من جنس العمل" في قوله تعالى " و هل جزاء اإلحسان إال اإلحسان" (سورة‬
‫الرحمن‪ ،‬اآلية ‪)60‬‬

‫د‪ -‬المثل السائر‪:‬‬


‫و هو أشهر أنواع األمثال‪ ،‬فهو " وشي الكالم‪ ،‬و جوهر اللفظ‪ ،‬و حلي المعاني التي‬
‫تخيرتها العرب وقدمتها العجم و نطق بها في كل زمان و على كل لسان‪ .‬فهي أبقى من‬
‫الشعر‪ ،‬و أشرف من الخطابة‪ ،‬لم يسر شيء مسيرها وال عم عمومها حتى قيل أسير من‬
‫‪128‬‬
‫مثل"‪.‬‬
‫يمكن ألي مثل أن يكون سائرا و هذا حسب درجة استعماله و مدى تداوله في األوساط‬
‫الشعبية والخطابات السياسية وغيرها‪ ،‬و المثل السائر يمكن أن يشمل األنواع السابقة إذا‬
‫كانت تتمتع بخاصية السيرورة‪ .‬تفرض سيرورة األمثال على المتعاملين بنفس اللغة‬
‫اإللمام بها‪ ،‬واستكثار ذكرها‪ ،‬واالحتكام إليها "ألن اإلقالل منها كاسمه إقالل‪ ،‬و التقصير‬

‫‪ - 128‬ابن عبد ربه األندلسي‪ ،‬العقد الفريد‪ ،‬دار الكتاب العربي‪ ،‬بيروت‪ ،1982 ،‬ج‪ ،3‬ص ‪.63‬‬
‫‪91‬‬
‫إشكالية ترجمة التعابير المسكوكة في الخطاب السياسي‪.‬‬

‫في التماسه قصور‪ ،‬وما كان منه سائرا فمعرفته ألزم‪ ،‬ألن منفعته أعم‪ ،‬والجهل به‬
‫‪129‬‬
‫أقبح"‬

‫كما يمكن تصنيف األمثال حسب مستوى لغة نظمها و خصائصها المورفوتركيبية‪،‬‬
‫فاألمثال "تخضع في حركتها لقوانين أشبه بقوانين السوق‪ :‬فالكلمات الرائجة هي التي تعود‬
‫الناس استعمالها في حياتهم اليومية‪.‬‬
‫و هناك كلمات كالسلع التي ال تستعملها و ال تحتاج إليها إال فئة خاصة‪ ...‬و ليس من السهل‬
‫أن تضيف إلى االستعمال اليومي كلمة جديدة‪ ،‬كما يصعب أن تضيف سلعة جديدة‪ ،‬و لكن‬
‫إذا قبلها الجمهور أصبحت جزء من حياته أي جزء من لغته الجارية‪ .‬ولغة األدب في‬
‫وبناء عليه أمكن تمييز‬ ‫‪130‬‬
‫منزلة وسطى‪ ،‬فال هي لغة اصطالحية وال هي لغة الحياة"‬
‫المستويات التالية من األمثال‪:‬‬
‫المستوى الفصيح‪:‬‬ ‫أ‪-‬‬
‫و هو ما ضبطت ألفاظه و خضعت تراكيبه إلى القواعد اللغوية‪ ،‬و مثال ذلك آي القرآن‬
‫والحديث و ما ورد من كالم العرب و العجم‪ ،‬و من مثله "غب و زر غبا تزدد حبا"‪،‬‬
‫"الفتنة أشد من القتل"‪ " ،‬إن كيدهن لعظيم"‬

‫المستوى الشائع‪:‬‬ ‫ب‪-‬‬


‫سمي بالمستوى الشائع لشيوع استعماله بين عموم الناس على اختالف درجاتهم االجتماعية‬
‫والثقافية و تمكنهم من اللهجات المتداولة و اللغات الرسمية‪.‬‬
‫يجمع هذا النوع من األمثال بين التمت ع بفضيلة اإليحاءات اإليجابية و التداول في األوساط‬
‫المعروفة باالحترام كالعائلة وغير ها‪ ،‬و تنوع أساليب الصياغة اللفظية من لغات و لهجات‬
‫محلية‪.‬‬

‫ج‪ -‬المستوى الشعبي‪:‬‬

‫‪ - 129‬المصدر السابق‪ :‬أبو هالل العسكري‪ ،‬جمهرة األمثال‪ ،‬ص ‪.4‬‬


‫‪ - 130‬ديداوي‪ ،‬أحمد‪ ،‬الترجمة و التواصل‪ ،‬المركز الثقافي العربي‪ ،‬ط‪ ،1‬الرباط‪ ،2000 ،‬ص ‪.41‬‬
‫‪92‬‬
‫إشكالية ترجمة التعابير المسكوكة في الخطاب السياسي‪.‬‬

‫يشترك مع المستوى الشائع في الشيوع و السيرورة بين أطياف المجتمع الواحد‪ ،‬غير‬
‫أن ما يمي زه عن سابقه هو عدم خضوعه للقيود اللغوية و المجتمعية‪ ،‬و ذلك لكونه يحمل‬
‫بين طياته كل أنواع اإليحاءات و المعاني المضمرة‪.‬‬
‫يعتبر المستويان الفصيح و الشائع من المستويات المستعملة في الخطابات السياسية‬
‫الجزائرية خاصة في الخطابات المباشرة الموجهة إلى عموم أفراد الشعب‪.‬‬
‫التباين في مستوى األمثال ال يعني بالضرورة تباين المواضيع‪ ،‬و إنما يعني تباينا في‬
‫النظم اللغوي للمثل و تباين ناظميه من حيث التمكن من اللغة و حتى سياق النظم‪ ،‬و في هذا‬
‫نضرب مثال األمثال التالية‪:‬‬
‫المثل الشعبي‬ ‫المثل الشائع‬ ‫المثل الفصيح‬
‫العرى يعلم الخياطة‬ ‫الحاجة أم اإلختراع‬ ‫األزمة تلد الهمة‬
‫الفار المقلق من زهر القط‬ ‫في التأني السالمة و في العجلة‬ ‫رب عجلة تهب ريثا‬
‫الندامة‬
‫جا يسعى ضيع تسعة‬ ‫عاد بيدين فارغتين‬ ‫عاد بخفي حنين‬
‫قش بختة‬ ‫أراذل القوم‬ ‫سقط المتاع‬
‫الجدول ‪ :5‬تداول األمثال حسب مستوياتها‪.‬‬

‫‪ 3-2-1‬أبيات الشعر‪:‬‬
‫و من التعابير المسكوكة ما أقتبس من أشعار اآلخرين‪ ،‬والشعر من اآلثار األدبية التي‬
‫تتمتع بخاصية الجمود‪ ،‬لذا فإن كل ما نظم على يد الشعراء و استقر في ذاكرة الشعوب‬
‫واألمم يع تبر إرثا أدبيا ثقافيا من جهة‪ ،‬ومن جهة أخرى تعابير مسكوكة يمكن استعمالها‬
‫و اإلستعانة بها في قالبها الشعري الذي وردت فيه كاملة‪ ،‬أو االستعانة بجزء منها دون‬
‫غيرها وذلك لبالغة مقصد البيت المستعمل وقو ة تأثيره وشيوع استعماله‪ ،‬فتصير بذلك تلك‬
‫المقاطع و األبيات الشعرية تعابير مسكوكة في حكم األمثال تارة والحكم تارة أخرى‪ ،‬فهي‬
‫مقتبسة من نصوص ثابتة و جامدة‪ ،‬يمكن أن نقول عنها مسكوكة قياسا بصفة الثبات‬

‫‪93‬‬
‫إشكالية ترجمة التعابير المسكوكة في الخطاب السياسي‪.‬‬

‫والجمود و مقاومة التحويل و التغيير‪ ،‬ونضرب لذلك مثال المقاطع واألبيات الشعرية‬
‫التالية‪:‬‬
‫تجري الرياح بما ال تشتهي السفن ( المتنبي)؛ تفيد معنى خطأ التوقعات و وقوع األحداث‬
‫عكس المأمول‪.‬‬
‫ال حياة لمن تنادي ( عمرو بن معدي)‬
‫كاد المعلم أن يكون رسوال ( أحمد شوقي)‬
‫أبعد الخير على أهل الكسل (المية بن الوردي)‬ ‫أطلب الع لم و ال تكسل فما‬
‫جمال العلم إصالح العمل (المية بن الوردي)‬
‫‪131‬‬
‫إذا كانت الطباع طباع سوء فال أدب يفيد و ال حليب‪.‬‬
‫إذا الشعب يوما أراد الحياة فال بد لليل أن ينجلي و ال بد للقيد أن ينكسر ( أبو القاسم‬
‫الشابي)‬
‫إن الجزائر في أحوالها عجب و ال يدوم للناس فيها مكروه‬
‫ما حل بها عسر أو ضاق متسع إال و يسر من هللا يتلوه (عبد الرحمن الثعالبي)‬
‫إستشهد به الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون في خطابه الموجه إلى الشعب الجزائري من‬
‫على منصة موقع التواصل االجتماعي تويتر‪ ،‬يوم ‪.2020/12/13‬‬

‫أبرز خطاب سياسي دولي تضمن شعرا لسنة ‪ ،2020‬هو خطاب الرئيس التركي‬
‫أردوغان‪ ،‬حيث قام بترديد األبيات األربعة األولى من أنشودة "طلع البدر علينا" أمام‬
‫الحضور‪ ،‬مرددا إ ياها باللغة العربية كما وردت‪ ،‬ومعق با بعد كل شطر بيت ترجمته‬
‫بالتركية‪ ،‬حيث تزامن هذا الخطاب السياسي مع ذكرى المولد النبوي الشريف لذات السنة‪.‬‬
‫و ألن األمثال كانت تجري عند العرب مجرى الشعر‪ ،‬لم يكن كالمهم العادي و أشعارهم‬
‫المنظومة تخلو من األمثال على تنوعها و كثرتها‪ ،‬بل و قد ذهب بعض الشعراء إلى نظم‬

‫‪ - 131‬يروى فيما روت العرب أن أعرابية وجدت في البادية جرو ذئب صغير قد ولد للتو‪ ،‬فحنت عليه و أخذته و ربته ‪ ...‬و‬
‫كانت تطعمه من حليب شاة عندها‪ ..‬و كانت الشاة بمنزلة األم لذلك الذئب‪ .‬و بعد مرور الوقت عادت األعرابية يوما لبيتها‬
‫فوجدت الذئب قد هجم على الشاة و أكلها‪ ،‬فحزنت األعرابية على صنيع الذئب اللئيم الذي عرف طبعه بالفطرة‪ ،‬فأنشدت‬
‫بحزن تقول‪ :‬أكلت شويهتي و فجعت قلبي و أنت لشاتنا ولد ربيب غذيت بدرها و ربيت فينا فما أنباك أن أباك ذيب‬
‫إذا كان الطباع طباع سوء فال أدب يفيد و ال حليب‪.‬‬
‫‪94‬‬
‫إشكالية ترجمة التعابير المسكوكة في الخطاب السياسي‪.‬‬

‫قصائد من األمثال دون غيرها من الكالم‪ ،‬و من ذلك نذكر أرجوزة أبي العتاهية التي سماها‬
‫"ذات األمثال"‪.‬‬

‫‪ 4-2-1‬النصوص المقدسة‪:‬‬
‫‪132‬‬
‫و منها ما أقتبس من النصوص المقدسة على غرار القرآن الكريم و الحديث الشريف‪،‬‬
‫فالنصوص المقدسة اإلسالمية تتمتع بصفة الثبات و قدسية كلماتها و مقاومة التبديل‬
‫و التغيير الذي يعتبر تحريفا و تزييفا لها‪ ،‬لذا كانت كل تعابيرها تتمتع بخاصية المسكوكية‪،‬‬
‫و أي آية مكتملة المعنى أو حديث نبوي صحيح يتم استعماله في اإلطار التخاطبي يعتبر‬
‫عبارة مسكوكة‪ ،‬و نذكر على سبيل المثال ال الحصر التعابير التالية‪:‬‬
‫إن بعض الظن إثم (سورة الحجرات‪ ،‬اآلية ‪.)12‬‬
‫ال يكلف هللا نفسا إال وسعها ( سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪.)286‬‬
‫ال يفلح الساحر حيث أتى (سورة طه‪ ،‬اآلية ‪.)69‬‬
‫ما على الرسول إال البالغ ( سورة المائدة‪ ،‬اآلية ‪.)99‬‬
‫من غشنا فليس منا (حديث شريف)‪.‬‬
‫عبارة " محور الشر" أو "دول محور الشر" التي تستخدمها اإلدارة األمريكية للداللة على‬
‫الدول المعادية لسياستها وتوجهاتها اإليديولوجية و السياسية و االقتصادية في العالم‪ ،‬هي‬
‫عبارة مقتبسة بدورها من العهد القديم‪.133‬‬

‫عبارة " علي و على أعدائي" أصلها في العهد القديم باللغة الفرنسية‪:‬‬
‫» ‪« que je meurt avec les philistins 134‬‬

‫‪ "- 132‬أخرج البيهقي (في الشعب‪ )2293 :‬عن أبي هريرة قال‪ :‬قال رسول هللا صلى هللا عليه و سلم‪ " :‬إن القرآن نزل على‬
‫خمسة أوجه ‪ :‬حالل‪ ،‬وحرام‪ ،‬و محكم‪ ،‬و متشابه‪ ،‬و أمثال‪ ،‬فاعملوا بالحالل‪ ،‬و اجتنبوا الحرام‪ ،‬و اتبعوا المحكم‪ ،‬و امنوا‬
‫بالمتشابه‪ ،‬و اعتبروا باألمثال"‪ ...‬ضرب األمثال ‪ ...‬يستفاد منه أمور كثيرة‪ :‬التذكير‪ ،‬و الوعظ‪ ،‬و الحث‪ ،‬و الزجر‪ ،‬و‬
‫اإلعتبار ‪،‬و التقرير‪ ،‬و تقريب المراد للعقل‪ ،‬و تصويره بصورة المحسوس‪ ،‬فإن األمثال تصور المعاني بصورة األشخاص‬
‫ألنها أثبت في األذهان الستعانة الذهن فيها بالحواس‪ ،‬و من ثم كان الغرض من المثل تشبيه الخفي بالجلي‪ ،‬و الغائب‬
‫بالشاهد‪ ".‬السيوطي‪ ،‬جالل الدين‪ ،‬اإلتقان في علوم القرآن‪ ،‬الرسالة ناشرون‪ ،‬بيروت‪ ،2008 ،‬ص ‪.671‬‬
‫‪ - 133‬وردت هاته العبارة في سفر أيوب ( اإلصحاح ‪ : 34‬اآلية ‪ " )8‬و يسير متحدا مع فاعلي اإلثم و ذاهبا مع أهل الشر"‪،‬‬
‫سفر األمثال (اإلصحاح ‪ ،24‬اآلية ‪ " ) 1‬ال تحسد أهل الشر و ال تشته أن تكون معهم"‪.‬‬
‫‪ - 134‬من العهد القديم ‪ ،‬و هي عبارة قالها شمشون‪ .‬حيث يعتبر هذا األخير من األبطال الذين وردت أسماؤهم في اإلنجيل‬
‫لتروي قصة البطل اليهودي الخارق الذي كان في صراع دائم مع قوم وردوا في اإلنجيل تحت مسمى "فلستين"‪ .‬و كان سر‬
‫قوة شمشون يكمن في شعره‪ ،‬وبعد كشف سره المرأة تسمى دليلة ‪ ،‬كلفت هذه األخيرة خادمتها بقص خصالت شعره السبع‬
‫‪95‬‬
‫إشكالية ترجمة التعابير المسكوكة في الخطاب السياسي‪.‬‬

‫الحكَم‪:‬‬
‫‪ِ 5-2-1‬‬
‫و من التعابير المسكوكة نجد الحكم و األقوال المأثورة لمن وصفوا بالحكمة و رجاحة‬
‫العقل أو التأثير المطلق فكريا أو سياسيا في مجال تأثير تعدى المستوى المحلي إلى‬
‫العالمي‪.‬‬
‫يكمن الفرق بين المثل و الحكمة في سبب الوجود‪ ،‬حيث يعتبر المثل خالصة تجربة بشرية‬
‫وقد صفيت من الشوائب واألحداث الجانبية‪ ،‬لتورث إلى األجيال التالية على شكل عبارة‬
‫مسكوكة جميلة النظم عميقة المعنى‪ ،‬بينما تعتبر الحكمة خالصة تأمالت فلسفية لمجموعة‬
‫من النوابغ الذين أعملوا عقولهم في التفكير والتدبر في مختلف جوانب الوجود‪ ،‬فقد قال‬
‫عنها األصفهاني "إصابة الحق بالعلم و العقل" في داللة واضحة إلى كونها نتيجة تبصر‬
‫و بصيرة‪ ،‬عكس ما ورد عن األمثال‪ ،‬كما يوجد من يعتبر الحكم نوعا من األمثال مطلقا‬
‫عليها اسم " األمثال الحكيمة" مميزا إياها عن غيرها من األمثال التي أطلق عليها اسم "‬
‫‪135‬‬
‫األمثال المبنية على الحوادث"‬
‫الحكمة هي "الكالم الذي يقل لفظه و يجل معناه‪ ،‬ذلك ألن ها خالصة فهم أسرار الحياة‪،‬‬
‫‪136‬‬
‫يدبجها ذهن ذكي فطن في جملة مرصوصة رصا محكما تستخدم في المناسبات"‪،‬‬
‫فتصير بذلك درسا يلقى وموعظة ألولي األلباب‪.‬‬
‫و لمكانة الحكمة فقد رفع هللا تعالى الحكماء إلى مصاف األنبياء و سمى إحدى سور كالمه‬
‫الكريم بإسم لقمان الحكيم‪ ،‬كما وصفها رسول هللا صلى هللا عليه و سلم بأنها ضالة المؤمن‬
‫و أنه أحق بها أنى وجدها‪ ،‬ومن الحكم‪:‬‬
‫من جد وجد و من زرع حصد‪ :‬تفيد الحث على العمل‪.‬‬
‫من سار على الدرب وصل‪ :‬تفيد المثابرة‪.‬‬
‫مسيرة األلف ميل تبدأ بخطوة‪ :‬تفيد معنى اتخاذ األسباب‪.‬‬
‫إن لم تستطع قول الحق فال تصفق للباطل (متولي الشعراوي)‬
‫اقصد في مشيك و اغضض من صوتك (لقمان الحكيم)‪ :‬الوعظ و اإلرشاد‪.‬‬
‫و قامت بإبالغ أعدائه باألمر ليهجموا عليه ويفقؤا عينيه‪ .‬لكنه أوى رفقة خادمه إلى معبد ليدعو هللا بأعلى صوته فألمت أنا‬
‫و الفلستينين‪ .‬أنظر‪Hoda, Brinjy. Interculturalité et traduction des expression figées. P 42. :‬‬
‫‪ - 135‬المصدر السابق‪ :‬زيدان‪ ،‬جرجي‪ ،‬تاريخ آداب اللغة العربية‪ ،‬ص ‪.63‬‬
‫‪ - 136‬نقال عن‪ :‬موساوي‪ ،‬يمينة‪ ،‬أهمية التعابير المسكوكة في الخطاب السياسي‪ .‬ص ‪.31‬‬
‫‪96‬‬
‫إشكالية ترجمة التعابير المسكوكة في الخطاب السياسي‪.‬‬

‫الموت كأس كل الناس شاربه و القبر باب كل الناس داخله‪ :‬تستخدم للتذكير‪.‬‬

‫ع ِرف في الجاهلية بنظم الحكم‪ ،‬و من‬


‫يذكر اللغويون أن أكثم بن صيفي التميمي أشهر من ُ‬
‫‪137‬‬
‫حكمه‪" :‬تباعدوا في الديار تقاربوا في المودة"‪ ،‬و " ليس من العدل سرعة العدل"‬

‫‪ 6-2-1‬التعابير الجاهزة‪:‬‬
‫و من التعابير المسكوكة األقوال المأثورة و العبارات الجاهزة و التعابير الشائعة وغيرها‪،‬‬
‫فمن التعابير الشائعة نجد‪:‬‬
‫أهال و سهال‪ :‬تقال للترحيب‪.‬‬
‫حبا و كرامة‪ :‬تقال لإلستلطاف‪.‬‬
‫السالم عليكم‪ :‬تقال للتحية‪.‬‬
‫حنانيك‪ :‬تستعمل لإلستلطاف‪.‬‬
‫بأبي أنت و أمي‪ :‬التودد و اإلستلطاف‪.‬‬
‫شئنا أو أبينا‪ :‬تفيد الحتمية و التسليم بالواقع‪.‬‬

‫و منها ما كان على شكل جمل بسيطة مكونة من فعل و فاعله منها‪:‬‬
‫أقلع القطار (إستعملها الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون للداللة على فوات أوان تصحيح‬
‫المسار لمن كانت توجهاتهم عكس خطة العمل)‬
‫طار طائره‪ :‬حسب المعجم الوسيط‪ ،‬تفيد معنى الغضب‪.‬‬
‫طار غرابه‪ :‬شاب شعره‪.‬‬
‫و من العبارات المعاصرة نجد‪:‬‬
‫طار الحمام‪ :‬بمعنى فات األوان‪.‬‬
‫وضع على الرف‪ :‬بمعنى أهمله و إستغنى عنه‪.‬‬

‫‪ 7-2-1‬األقوال المأثورة‪:‬‬
‫و منها نجد‪:‬‬

‫‪ - 137‬المصدر السابق‪ :‬ضيف‪ ،‬شوقي‪ ،‬الفن و مذاهبه في النثر العربي‪ ،‬ص ‪.21‬‬
‫‪97‬‬
‫إشكالية ترجمة التعابير المسكوكة في الخطاب السياسي‪.‬‬

‫" ال اخلعن قميصا قمصنيه هللا"‪ :‬عبارة سياسية قالها الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي‬
‫هللا عنه عندما حاصره المنافقون و طلبوا منه التخلي عن الخالفة و خلع نفسه‪ ،‬صارت‬
‫تقال في نفس السياق أي عدم التخلي عن السلطة تحت أي طائل‪.‬‬

‫التاريخ يعيد نفسه (كارل ماركس)‪ :‬تفيد معنى اإلنهزامية و التقليد‪ ،‬يقول كارل ماركس في‬
‫هذا السياق " التاريخ يعيد نفسه مرتين‪ :‬في األولى كمأساة‪ ،‬و مرة على شكل مهزلة‪ ،‬و ما‬
‫‪138‬‬
‫نراه اآلن هو المهزلة"‬

‫الغاية تبرر الوسيلة (مكيافيلي في رواية األمير)‪ :‬شعار تيار النفعية‪.‬‬

‫إني أرى رؤوسا قد أينعت و آن قطافها (الحجاج بن يوسف الثقفي)‪ ،‬و يقال أيضا في نفس‬
‫السياق "سيف الحجاج"‪ :‬تقال العبارة للتهديد و الوعيد و الردع‪.‬‬

‫البحر من ورائكم و العدو أمامكم (طارق بن زياد)‪ :‬يستعمل كدعوى للثبات و المثابرة‪.‬‬
‫نحن مع فلسطين ظالمة أو مظلومة (الرئيس الجزائري الراحل هواري بومدين)‬

‫فلسطين أم القضايا‪ :‬استعمل الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون هذه العبارة في خطابه‬
‫أمام الجمعية العامة لألمم المتحدة سنة ‪ ،2020‬و ذلك لتأكيد موقف الجزائر الثابت اتجاه ما‬
‫يسمى بالقضية الفلسطينية في ظل حملة التطبيع التي تبنتها بعض الدول العربية‪.‬‬

‫الدين هلل و الوطن للجميع‪ :‬شعار متداول في البلدان التي يعتنق سكانها أديانا مختلفة بغية‬
‫إيجاد رابط مشترك لنبذ الخالف و الدعوة إلى التعايش مع األخر في كنف الوطن الواحد‪،‬‬
‫و لهذا استخدمه أحمد عرابي في ثورته في مصر ضد اإلنجليز مطلع القرن العشرين‪ ،‬فقد‬
‫فرضت عليه طبيعة التركيبة الب شرية المصرية المتنوعة المعتقد والديانة إعتماد شعار‬
‫يذيب الفوارق الدينية في بوتقة االنتماء للوطن من أجل اإلتحاد في الدفاع عنه‪.‬‬

‫‪ 8-2-1‬النوادر‪:‬‬

‫‪https://www.goodreads.com/quotes/1154819 (17/02/2021) - 138‬‬

‫‪98‬‬
‫إشكالية ترجمة التعابير المسكوكة في الخطاب السياسي‪.‬‬

‫سميت النادرة نادرة لقلة تداولها بين الناس و إحتكار معرفتها على أناس دون غيرهم‪ ،‬كما‬
‫أن ها تجمع بين الطرافة والعبرة‪ ،‬وتصاغ النوادر إعتمادا على قصص تروي حنكة و فطنة‬
‫و سرعة بديهة أناس كانوا عرضة لمواقف تحايل و إحتيال أو تعرضوا لموقف سخرية‪.‬‬
‫ميز الفارابي بي ن النادرة و المثل بقوله " النادرة حكمة صحيحة تؤدي ما يؤدي عنه‬
‫المثل‪ ،‬إال أن ها لم تشع في الجمهور‪ ،‬ولم تجر إال بين الخواص و ليس بينها و بين المثل إال‬
‫الشيوع وحده"‪ 139،‬و نذكر في هذا الموضع ثالث نوادر‪:‬‬
‫جاء رجل إلى الشافعي فقال له فالن يذكرك بسوء‪ ...‬فأجابه‪ :‬إذا صدقت فأنت نمام‪ ،‬وإذا‬
‫كذبت فأنت فاسق؛ تجمع هذه النادرة بين الفطنة و حسن الرد و حكمة اجتناب النمام‬
‫والنميمة‪.‬‬
‫أورد الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون في خطابه نادرة عن الرئيس األسبق هواري‬
‫بومدين‪ ،‬مفادها أن ه خالل زيارة رسمية قام القائمون على مصالح المنطقة محل الزيارة‬
‫بغرس أشجار كبيرة في ليلة الزيارة‪ ،‬فتفطن الرئيس إلى الحيلة و مد يده و انتزعها بسهولة‬
‫ألنها كانت حديثة الغرس‪ ،‬ونظر إليهم بإزدراء‪.‬‬
‫وقد أورد الرئيس هذه القصة للداللة على قدم فكر الخداع و على أنه متفطن للمقالب‬
‫السياسية‪ ،‬فذاك الشبل من ذاك األسد‪.‬‬
‫يروى عن إمام مسجد انتقل إلى منطقة معروفة بالطبقية االجتماعية و احتكار المرموقين‬
‫منها للصفوف األولى في المساجد أنه نقد هذه الظاهرة في درس الجمعة‪ ،‬فقام أحد‬
‫المحسوبين على الصفوة و قال لإلمام‪ :‬و هل يستوي الحمار و البغل؟ فأجابه اإلمام‪ :‬وأيهما‬
‫أنت؟ فما كان من الرجل إال أن طأطأ رأسه و رحل خجال‪.‬‬

‫‪ 9-2-1‬العبارات المترجمة‪:‬‬
‫و من التعابير ما تمت ترجمته من مختلف اللغات و اعتماده في اللغة الهدف‪ ،‬أو أخذه‬
‫كما هو واستعماله في اللغات األخرى على نفس هيئته اللغوية التي جاء فيها‪.‬‬
‫ال شك في أن إعتماد األمثال والعبارات المترجمة من مختلف اللغات في لغة ما يعتبر‬
‫اعترافا باآلخر كآخر وتقبله كما هو دون صده أو السيطرة عليه إال فيما يتعلق ببناء اللغة‬

‫‪ - 139‬المصدر السابق‪ :‬موساوي‪ ،‬يمينة‪ .‬ص ‪.37‬‬


‫‪99‬‬
‫إشكالية ترجمة التعابير المسكوكة في الخطاب السياسي‪.‬‬

‫و مخارج الحروف‪ ،‬فالثقافة تتمتع بفضيلة التسامح و االعتراف باآلخر في إطار ما يعرف‬
‫بعملية المثاقفة "فبإمكان ثقافة ما امتالك أعمال أجنبية من دون أن تنسج معها عالقات‬
‫و العبارات التي ترجمت واعتمدت في اللغة العربية كثيرة منها ما سبق لنا‬ ‫‪140‬‬
‫حوارية"‬
‫ذكرها و منها ما نورده تحت هذه الخانة مثل‪:‬‬
‫دموع التماسيح ‪ :‬تفيد معنى الخداع و إظهار الوداعة و الندم عكس النية المبيتة للحقد‬
‫واالنتقام‪.‬‬
‫رفع قبعته‪ :‬تفيد معنى إبداء االحترام و التقدير و االمتنان أو كإشارة للتحية‪.‬‬
‫أصل هذه العبارة فرنسي‪ ،‬حيث كان األوربيون في العصور الوسطى يلقون القمامات من‬
‫شبابيك منازلهم في الشارع دون مراعاة المارة‪ ،‬لذا كان الرجال يرتدون القبعات لحماية‬
‫رؤوسهم؛ و من هنا ظهر تقليد رفع القبعة حين يقابل رجل سيدة ليزيل ما علق بها من‬
‫‪141‬‬
‫قاذورات‪ ،‬ليتحول فيما بعد إلى تقليد إلبداء االحترام والتحية‪.‬‬
‫ا لصيد في المياه العكرة‪ :‬إثارة الفتن لجني المغانم‪.‬‬
‫أكون أو ال أكون تلك هي المشكلة ( ويليام شكسبير)‬
‫أنا أفكر إذن أنا موجود (أرسطو)‬

‫و في الخطاب السياسي نجد الشعار الرسمي للدولة الجزائرية " بالشعب و إلى الشعب"‬
‫المعتمد في دستور ‪ ، 2020‬حيث تمت ترجمته من العبارة اإلنجليزية ‪« by the people‬‬
‫» ‪ and for the people‬كما سنتطرق إليه الحقا‪.‬‬
‫و من العبارات التي أستعملت كما هي دون ترجمة نذكر‪:‬‬
‫أسقاز أمقاز‪ :‬عبارة أمازيغية إستعملها الرئيس الجزائري في تغريدة على حسابه تويتر‬
‫بمناسبة رأس السنة األمازيغية الموافق ل ‪ ،2020/01/12‬و هذا بحكم أن اللغة األمازيغية‬
‫لغة رسمية ثانية في الجزائر‪.‬‬

‫السالم عليكم‪ :‬إستعملها الرئيس األمريكي األسبق باراك أوباما في خطابه الشهير بالقاهرة‪،‬‬
‫كما إستعمل عبارة " رمضان كريم" لتهنئة مسلمي أمريكا بمناسبة حلول شهر الصيام‪.‬‬

‫‪ - 140‬المصدر نفسه‪ :‬برمان‪ ،‬أنطوان‪ .‬الترجمة و الحرف أو مقام البعد‪ ،‬ص ‪.102‬‬
‫‪ - 141‬أنظر الموقع ‪https://arabic.rt.com/news/557634- (20/10/2020) :‬‬

‫‪100‬‬
‫إشكالية ترجمة التعابير المسكوكة في الخطاب السياسي‪.‬‬

‫إن شاء هللا‪ :‬إستعملها المرشخ للرئاسيات األمريكية " جو بايدن" خالل مناظرته على‬
‫المباشر لمنافسه " دونالد ترامب" يوم ‪ ،2020/09/29‬إن كان بايدن قد إستعمل العبارة‬
‫في غير سياقها التخاطبي مريدا بها إستحالة حدوث ما عرضه منافسه من عرض تقارير‬
‫كشوفه الضريبية‪ ،‬فإن أصل إستعمال العبارة يكون في حال توفر الرغبة الفردية في‬
‫إحداث أو حدوث شيء ما‪ ،‬و هذا مع طلب العون وموافقة اإلرادة البشرية للمشيئة اإللهية‬
‫في حدوث المرجو حدوثه‪ ،‬وهذا نابع من صميم العقيدة اإلسالمية بأن ال كينونة إال بمشيئة‬
‫رب الكون الذي إذا أراد شيئا فإن ما يقول له كن فيكون‪.‬‬

‫حوصلة‪:‬‬
‫إن كانت الخاصية المورفوتركيبية للتعابير المسكوكة تتمتع بنوع من الجمود و الثبات‬
‫النسبي‪ ،‬فإن مصادرها تتمتع بالتنوع تنوع النصوص و صائغيها‪ ،‬من الكتب المقدسة إلى‬
‫األمثال و الحكم مرورا بالشعر واألقوال المأثورة عن الفالسفة و الحكماء‪ ،‬و مما ال شك فيه‬
‫بأن الترجمة و إن كان من بين أدوارها مشاركة الثقافة و إعطاء صبغة العالمية لكل ما هو‬
‫محلي يرقى لمستوى المشاركة‪ ،‬فإنها تعتبر من أهم مصادر التعابير المسكوكة ومثال ذلك‬
‫عبارة "دموع التماسيح" والعبارة الفرنسية " رفع القبعة " التي تفيد االحترام والتقدير‪.‬‬
‫و خالصة القول أن التعابير المسكوكة بأنواعها التركيبية و تباين مصادرها البشرية‬
‫والزمنية بين النقل الصحيح والعقل الصريح‪ ،‬تعتبر همزة وصل بين الواقع و ما وقع و ما‬
‫يرجى أو يتوخى وقوعه‪ ،‬وبين اللغة والبيان والبالغة والتأثير‪ ،‬فاستعمالها موصول بالواقع‪.‬‬
‫و من ميزاتها أنها منفتحة على الحضارات في اختالفها‪ ،‬مراعية للخصوصية الهوياتية في‬
‫تفردها‪ .‬كما أنها منتفعة من كل قديم صالح‪ ،‬ومرحبة بكل جديد نافع‪.‬‬
‫تسير هذه التعابير المت صفة بالكمال التكويني من أمثال و حكم و غيرهما من زمن إلى‬
‫زمن بال ذكرى تصوبها‪ ،‬إال ما تعلق بتاريخها القديم و إنفتاقها من رتق اللغة العادية‬
‫المستعملة و تكو نها ككمالية تعبيرية واجبة االستحضار في السياق التخاطبي إلبراز‬
‫االنتماء المنطقي من جهة‪ ،‬و الهوياتي من جهة أخرى‪ .‬فالتعابير المسكوكة تقتسم التاريخ‬
‫المقدس لنشأتها على لسان حكماء وبلغاء زمانهم الذين عادوا بعد رحلة تجاربهم وتأمالتهم‬

‫‪101‬‬
‫إشكالية ترجمة التعابير المسكوكة في الخطاب السياسي‪.‬‬

‫أقل إحباطا وأكثر تفاؤال لنقل ما أوحته إليهم به ملكتهم اللغوية إلى غيرهم من المتعطشين‬
‫إلى الكمال اللغوي وحب التمثل به‪ ،‬فت نبت الكلمات كاألعشاب من ألسنتهم لتغذي لغة‬
‫وثقافة انتمائهم وتفجر لآلخرين سيل المعاني والدالالت من تعابير شحيحة األلفاظ‬
‫والكلمات‪.‬‬

‫‪102‬‬
‫المبحث‬
‫الثاني‪:‬أهمية‬
‫التعابير المسكوكة‬
‫في الخطاب‬
‫السياسي‪.‬‬
‫أهمية التعابير المسكوكة في الخطاب السياسي‪.‬‬

‫تتوقف قوة الخطاب السياسي و مدى استجابة متلقيه له و تواصلهم مع ملقيه و رضاهم‬
‫عنه وتبنيهم لمشروعه على قوة الكلمات المستعملة و التعابير المصاغة لحمل األفكار‬
‫والرؤى و التعريف بها‪ ،‬فإليصال المتلقي إلى حالة اإليمان المطلق بصحة وجهة نظر‬
‫السياسي وجب عليه االحتكام إلى تعابير تملك القدرة على رسم لوحات ذهنية دون أدوات‬
‫بصرية‪ ،‬والقدرة على اإلقناع دون احتمال معار ضة‪ ،‬فيجمع بذلك بين ثراء اللغة وقوة‬
‫التعبير و نجاعة الخطاب‪.‬‬
‫هل تصاغ التعابير المسكوكة و يح تكم إليها في الخطاب السياسي من أجل فوائد لغوية‬
‫تواصلية مقصدية؟ أو لمجرد إشباع رغبة لغوية تتمثل في المتعة الفنية في إيجاد تراكيب‬
‫لغوية جديدة بدالالت جديدة؟ ال شك في أن إمكانية خلو أي خطاب سياسي من التعابير‬
‫المسكوكة ضعيفة الحدوث إن لم نقل مستحيلة‪.‬‬
‫و مع تعدد التعابير المسكوكة فإن استعماالتها في بناء الخطابات السياسية و تموقعها فيه‬
‫تتعدد‪ ،‬فإن كان استحضار األفكار الدارسة لمواضيع اهتمام العامة واجبا فإن إدماج‬
‫الجزئي الخاص من التعابير المسكوكة الخاصة بهم في الخطاب الكلي أوجب‪ ،‬و لذلك‬
‫يمكن تمييز استعماالت متعددة لها من بينها‪:‬‬

‫اإلستهالل‪:‬‬ ‫‪-1‬‬
‫يعتبر الخطاب السياسي من الخطابات االستهاللية؛ أي أنه يتضمن افتتاحية تشتمل على‬
‫تعابير مسكوكة يستهل بها الخطاب السي اسي ك"بسم هللا الرحمن الرحيم" وتحية السالم‬
‫وكذا الصالة والسالم على رسول هللا صلى هللا عليه و سلم‪.‬‬
‫إن كان ظاهر القول افتتاحيا فإنه يشتمل على مع نى ضمني يدور حول شرعية الخطاب‬
‫واألفكار الموجودة فيه المستمد ة من المرجعية الدينية و اإلنتمائية إلى عقيدة الغالبية‪ ،‬كما‬
‫أن هذا النوع من الخطابات يستوجب تمهيدا لكل فكرة يعتزم صاحبها طرحها‪.‬‬
‫خطاب المقدمات يهدف إلى إثارة اهتمام المتلقي‪ ،‬إذ أنه يكون مثقال باهتمامات ومقاصد‬
‫صاحبه ويعكس دواعي تأليفه و إلقائه له‪ ،‬إعتماد هذا المنهج التمهيدي في نظم الخطاب و‬

‫‪106‬‬
‫أهمية التعابير المسكوكة في الخطاب السياسي‪.‬‬

‫إلقائه يهدف إلى تهيئة المتلقي الستقبال أفكاره واالقتناع بها ف"سياسة البالغة أشد من‬
‫‪142‬‬
‫البالغة"‬

‫تجسيد و حمل األفكار‪:‬‬ ‫‪-2‬‬


‫بإمكان التعابير المسكوكة تجسيد األفكار و الحلول محل الكلمات و التعابير المباشرة‬
‫و تأدية ما كان يمكن أن تؤديه لوال الحرج في االحتكام إليها‪ ،‬فالتعابير المسكوكة تمتلك‬
‫القدرة على التجسد صورا لتجسيد قصد صاحب الخطاب دون اإلفصاح عنه‪ ،‬وهذا ما‬
‫يعطيها أسبقية االستعمال في حال وجود صدام سياسي غير مباشر يتعامل أطرافه ملتزمين‬
‫الحذر‪ .‬فما كان من المرشح للرئاسيات األمريكية لسنة ‪ 2020‬المدعو جو بايدن أثناء‬
‫مخاطبته الجالية المسلمة في أمريكا إال أن تخلى عن األسلو ب المباشر لطلب التصويت‬
‫لصالحه وعدم التصويت لغريمه‪ ،‬و استعان في ذلك بحديث نبوي شريف سنذكره آنفا يشبه‬
‫فيه اعتالء غريمه لكرسي الرئاسة بالمنكر الواجب تغييره‪ ،‬كما لم يفته في مناسبة أخرى‬
‫وفي مناظرة بينه و بين غريمه أن يستعمل عبارة "إن شاء هللا" في جملة "متى إن شاء‬
‫هللا؟" ليس للسؤال‪ ،‬وإن ما لتكذيب غريمه الذي وعد بنشر أداءاته الضريبية على المأل‪.‬‬
‫كما تمث ل الشعارات نصوصا متكاملة األركان مكتفية بذاتها عن غيرها‪ ،‬حيث ال يكاد‬
‫يخلو مجتمع سياسي مهما تفاوتت درجة تأثيره ودائرة اتساعه من شعارات تعكس توجهه‬
‫السياسي أو اإليديولوجي‪ ،‬فالعبارة الشهيرة آلدم سميث "دعه يعمل‪ ،‬دعه يمر" لخصت‬
‫المذهب الرأسمالي في بضع كلمات كما تفعله مختلف الشعارات السياسية و اإليديولوجية‪.‬‬

‫الشعارات السياسية‪:‬‬ ‫‪-3‬‬


‫تمثل الشعارات تعابير مسكوكة مستقلة بذاتها مكتفية بنفسها عما سواها‪ ،‬فهي تجمع بين‬
‫كمال المعنى وجمال المبنى و دقة المقصد‪.‬‬
‫ال يختلف اثنان على أن االنتخابات تمثل فترة ازدهار هذا النوع من التعابير و اعتمادها‬
‫للتأثير على الطبقة الناخبة‪ .‬لكن المشهد السياسي األخير في الجزائر و المتمثل في الحركة‬
‫االحتجاجية المعروفة باسم الحراك السلمي أو الشعبي قد أثرت قاموس شعاراتها السياسية‬

‫‪ - 142‬الجاحظ‪ ،‬أبو عثمان‪ ،1988 ،‬البيان و التبيين‪ ،‬مكتبة الهالل‪ ،‬بيروت‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪.171‬‬
‫‪107‬‬
‫أهمية التعابير المسكوكة في الخطاب السياسي‪.‬‬

‫التي بلغ بعضها حدود العالمية‪ ،‬ومنه فإن الشعارات تتعدد تعدد اتجاهاتها السياسية و أهدافها‬
‫وكذا وظيفتها‪ ،‬فشعارات المعارضة تختلف عن الشعارات الرسمية‪ ،‬كما أنها تتميز بالتنوع‬
‫األسلوبي من األسلوب الفصيح إلى األسلوب الشعبي‪ ،‬على عكس الشعارات الرسمية التي‬
‫تكون مدروسة بعناية ألداء وظيفة معينة‪ ،‬وما بين شعارات المعارضة والشعارات الرسمية‬
‫تتموضع تسميات األحزاب السياسية التي تمثل في ذاتها شعارات مختصرة لتوجه كتلة ما‬
‫داخل الكتلة السياسية‪.‬‬

‫)‪(la devise‬‬ ‫‪ 1-3‬الشعارات الرسمية‪:‬‬


‫إن أهم شعار سياسي معاصر تتبناه األنظمة الحاكمة في شتى أصقاع المعمورة هو شعار‬
‫" القانون فوق الجميع " في إشارة واضحة على وجوب احترام القانون من طرف المنتمين‬
‫إلى إقليم تطبيقه‪ ،‬وقد ورد في ديباجة الدستور الجزائري لسنة ‪"2020‬إن الدستور فوق‬
‫الجميع‪ ،‬و هو القانون‪."...‬‬

‫لكل دولة شعار رسمي يعكس توجهها و سياستها و أولوياتها‪ ،‬و قد كان الفرسان الغربيون‬
‫يعتمدون هذه الشعارات للداللة عليهم وإحاطة أنفسهم بهالة من الفخر المقدس لتكون مصدر‬
‫فخر لهم ولعائالتهم‪ ،‬وهذا ما يذكرنا بالشعار المشهور للفرسان الثالثة " الفرد للجميع‬
‫والجميع للفرد" في رواية "الفرسان الثالثة" أللكسندر دوما‪ ،‬و قد ترجم هذا الشعار إلى كل‬
‫لغات العالم و ذلك لعالمية الرواية‪.‬‬
‫و مع تطور مفهوم الدولة و أشكالها تطورت الشعارات الرسمية و مدلوالتها و كذا سياقاتها‪.‬‬
‫شعار الدولة الجزائرية هو "بالشعب و للشعب " و ترجمته في النسخة الفرنسية ‪« par le‬‬
‫» ‪ peuple et au peuple‬سنتناوله بالدراسة الحقا في الفصل الثالث‪.‬‬

‫تتنوع الشعارات الرسمية و تتغير حسب تنوع و تغير مطارق العصر و التركيبة البشرية‬
‫للشعوب المخاطبة والمعنية به‪ ،‬وكما سبق ذكره فقد أملت الضرورة و تنوع التركيبة الدينية‬
‫للمصريين على أحمد عرابي شعار " الدين هلل والوطن للجميع" في محاولة لتخطي كل‬
‫الحواجز اإلنتمائية إلى العقيدة الدينية ألجل خدمة عقيدة الوطنية وذلك بالتكاتف للوقوف في‬
‫وجه االستعمار البريطاني وإشعال فتيل الثورة‪.‬‬

‫‪108‬‬
‫أهمية التعابير المسكوكة في الخطاب السياسي‪.‬‬

‫يعكس الشعار الرسمي للدولة الجزائرية " نحن مع فلسطين ظالمة أو مظلومة" موقفها‬
‫الثابت اتجاه فلسطين و دعمها الالمحدود على كافة األصعدة و بكل الطرق‪.‬‬
‫تعتبر المقولة الشهيرة للرئيس الجزائري الراحل هواري بومدين عبارة مسكوكة تشكلت على‬
‫شكل شعار تحفظه األجيال‪ ،‬حيث يعكس هذا الشعار الطابع المقدس للقضية الفلسطينية عند‬
‫الجزائريين وممثليهم السياسيين‪ ،‬وكذا مكانة الشعب الفلسطيني من الجزائري‪.‬‬
‫اعتمد الرئيس الراحل في نظم عبارته االقتباس من النصوص المقدسة باعتماده على الحديث‬
‫الشريف " أنصر أخاك ظالما أو مظلوما"‪ ،‬فكانت عبارة " نحن مع فلسطين ظالمة أو‬
‫مظلومة بمثابة استجابة ومقابلة لطلب مقدس و تناصا‪ 143‬مشروعا لنصه‪.‬‬

‫مقابلها في العبارة المسكوكة‬ ‫الكلمة في الحديث النبوي‬

‫نحن مع‬ ‫أنصر‬

‫فلسطين‬ ‫أخاك‬

‫ظالمة أو مظلومة‬ ‫ظالما أو مظلوما‬

‫لم يفت المشرع الجزائري االقتباس و إعتماد التناص في صياغة الدستور الجزائري‬
‫المعتمد بعد استفتاء الفاتح من نوفمبر ‪ ،2020‬ونذكر من ذلك المادة ‪ 37‬منه‪ ،‬و التي جاءت‬
‫تأكيدا لعبارة " كل المواطنين سواسية أمام الدستور" الواردة في مقدمة الدستور الحاملة‬
‫لتوقيع الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون‪.‬‬
‫تعتبر هذه العبارة اقتباسا لحديث رسول هللا صلى هللا عليه و سلم " الناس سواسية كأسنان‬
‫المشط‪ ،‬ال فضل لعربي على عجمي‪ ،‬إنما الفضل بالتقوى" إذ قابل المشرع تساوي‬

‫‪ - 143‬التناص هو مصطلح نقدي يقصد به وجود تشابه بين نص و آخر‪ ،‬و عرفه بول ريكور بأنه " اإلعادة أو التحويل أو‬
‫دحض اإلستعماالت السابقة من طرف كتاب ينتمون إلى نفس التقاليد الفكرية أو إلى تقاليد فكرية معارضة"‪ .‬انظر‪ :‬عن‬
‫الترجمة‪ .‬ص ‪.19‬‬
‫‪109‬‬
‫أهمية التعابير المسكوكة في الخطاب السياسي‪.‬‬

‫الخاضعين للقانون الرباني (الناس أجمعين) بالخاضعين للقانون الوطني فوصفهم‬


‫بالمواطنين‪ ،‬وبالمقابلة نجد‪:‬‬
‫العبارة المسكوكة‬ ‫العبارة في الحديث النبوي‬

‫المقصود في المادة‪ :‬المواطنون الجزائريون‬ ‫المقصود بالحديث‪ :‬الناس أجمعون‬

‫صفة المقصود في المادة‪ :‬سواسية‬ ‫صفة المقصود بالحديث‪ :‬سواسية‬

‫معيار المفاضلة‪ :‬القانون اإللهي (التقوى) معيار المفاضلة‪ :‬إحترام القانون (الدستور)‬

‫جاءت الثورة الفرنسية بشعار " الحرية‪ ،‬العدالة‪ ،‬المساواة" عقب تخلصها من النظام‬
‫الملكي الحاكم آنذاك‪ ،‬وكان هذا الشعار نتيجة عقيدة جديدة و توجه إيديولوجي يمجد اإلنسان‬
‫و قيمته الوجودية‪ ،‬فإعتماد هذه الشعارات المتحدة في شعار واحد يجمع ويلخص ما يسمى‬
‫بحقوق اإلنسان ويعطي النظام الجديد طبيعة اإلنسانية في اإلطار الداخلي ومهمة التحضير‬
‫للشعوب األخرى على المستوى الخارجي‪.‬‬

‫فرضت طبيعة نظام الحكم في المملكة المغربية القائم على مبدأ الملكية و التوريث على‬
‫هذا األخير إعتماد شعار يجمع بين ثوابت األمة المغربية‪ ،‬فصار الشعار " هللا‪ ،‬الملك‪،‬‬
‫الوطن" ويتضمن هذا الشعار داللة االنتماء إلى العقيدة اإلسالمية باستخدام لفظ الجاللة الذي‬
‫تنفرد به الديانة اإلسالمية و نظام الحكم‪.‬‬

‫‪ 2-3‬النشيد الوطني‪:‬‬
‫يعتبر النشيد الوطني شعارا رسميا للدول‪ ،‬حيث يتم نظمه لتضمن مقومات هويتها‬
‫الوطنية و القومية أو إنتقاؤه من بين أجود ما قدمته قريحة الشعراء و األدباء‪ ،‬و بما أن هذه‬
‫األناشيد تتمت ع بالجمود وعدم قابلية التحويل والتغيير اللفظي على مقاطعها‪ ،‬فإنها حتما‬
‫تتمتع بنوع من الجمود والمسكوكية النصية‪.‬‬
‫و بما أنها إنعكاس لهوية الشعوب فإنها تستلهم روحها األدبية من مقومات هويتها و تعبِّر‬
‫عنها وتستخدم تعابير مسكوكة مقتبسة من تلك المقومات‪ ،‬إذ يعتبر اإلنتماء العقائدي من‬
‫‪110‬‬
‫أهمية التعابير المسكوكة في الخطاب السياسي‪.‬‬

‫أهم العوامل المغذِّية لفكر ناظم النشيد‪ ،‬و من ذلك نذكر النشيد الوطني الموريتاني الذي‬
‫اهرا" (سورة الكهف‪،‬‬
‫تض َّمن آية قرآنية كاملة في بيته األخير " فال تمار فيهم إال مرا ًءا ظ ً‬
‫اآلية ‪ )22‬يجدر بالذكر قيام النظام الموريتاني بتغيير النشيد الرسمي وإعتماد نشيد‬
‫آخر(‪ )2017‬تض َّمن المقطع الثاني من بيته السادس اآلية القرآنية "إن مع العسر يسرا"‬
‫(سورة الشرح‪ ،‬اآلية ‪.)5‬‬
‫و للنشيد الوطني حظه من المسكوكات المقد سة أيضا‪ ،‬فاإلنتماء العقائدي لمفدي زكريا‬
‫جلي في إختياره لأللفاظ و توظيفه في المقطع الثالث من النشيد الوطني للعبارات التالية‪:‬‬
‫و طويناه كما يطوى الكتاب‬ ‫يا فرنسا قد مضى وقت العتاب‬
‫صاغ الشاعر هذه العبارة اعتمادا على التناص القرآني‪ ،‬حيث استوحى مقطع هذا البيت‬
‫الشعري من قوله تعالى " يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب كما بدأنا أول خلق نعيده"‬
‫(سورة األنبياء‪ ،‬اآلية ‪ ) 104‬حيث يخبرنا سبحانه و تعالى عن يوم القيامة و كيف تطوى‬
‫السموات لينتهي بذلك وقت المسايسة وتغلق أبواب التوبة‪ ،‬ويحشر الناس للحساب‪.‬‬
‫إعتمد ا لشاعر على هذا التسلسل الرباني في نظمه للنشيد‪ ،‬فجاء هذا البيت مفيدا لنهاية‬
‫المقاومة السلمية و غلق أبواب التوبة أمام اإلستعمار مستعمال عبارة يوم الحساب في البيت‬
‫الذي يليه‪.‬‬
‫يا فرنسا إن ذا يوم الحساب ؛ عبارة يوم الحساب عبارة مسكوكة مستوحاة من القرآن‬
‫الكريم‪ ،‬استخدمها الشاعر في إشارة صريحة إلى أن فرنسا قد ارتكبت من الفضائع ما ال‬
‫يُغفر و ال يُسكت عنه‪ ،‬فكانت الثورة بمثابة العقاب العادل لها‪.‬‬
‫تسلسل األحداث في النشيد الوطني‬ ‫تسلسل األحداث في القرآن‬

‫الحياة الدنيا (لعب و لهو مع إمكانية التوبة) الحقبة االستعمارية (نهب و سلب و تقتيل‬
‫مع صبر األهالي األملين في تغير السلوك‬
‫االستعماري)‬

‫نهاية الدنيا ( طي السموات و األرض و نهاية صبر الشعب الجزائري ( طي صفحة‬


‫الخضوع و الخنوع و المسايسة)‬ ‫غلق باب التوبة)‬

‫‪111‬‬
‫أهمية التعابير المسكوكة في الخطاب السياسي‪.‬‬

‫قيام الثورة ( محاربة من كفر بحق‬ ‫يوم الحساب ( العذاب لمن كفر باهلل)‬
‫الجزائريين وسلبهم حقهم في الحياة)‬

‫إن في ثورتنا فصل الخطاب ؛ عبارة فصل الخطاب وردت هي األخرى في القرآن الكريم‬
‫(سورة ص‪ ،‬اآلية ‪ .)20‬ذهب المفسرون من أمثال الطبري إلى أن هذه العبارة تفيد معنى‬
‫اإلنتهاء من قصة والدخول في أخرى أو قطع الحوار لبث الحكم‪ ،‬فكانت بذلك الثورة حسب‬
‫ال شاعر تحوي نهاية قصة االستعمار واالستعباد و بداية قصة الحرية و التحرر‪ ،‬أو قطع‬
‫كالم المستعمر لبث الحكم ببطالن حجته ووجوب خروجه وإعطاء الشعب الجزائري حقه‪.‬‬

‫‪ 3-3‬شعارات المناسبات‪:‬‬
‫تعتبر االنتخابات من أهم المناسبات التي تُسَّك من أجلها العبارات و التعابير الرنانة‬
‫التي تبقى عالقة في التاريخ السياسي و متعلقة بالمناسبة اإلنتخابية لذات الحقبة‪ ،‬و من بين‬
‫تلك الشعارات نجد‪:‬‬
‫"من أجل جزائر آمنة و مستقرة"‪ :‬هو شعار الحملة اإلنتخابية لمرشح رئاسيات ‪1999‬‬
‫السيد عبد العزيز بوتفليقة‪ .‬يعكس هذا الشعار مظاهر الحقبة التي سبقت االنتخابات حيث‬
‫اتسمت بالالأمن و الالإستقرار الذين خيما على الجزائر خالل ما يعرف ب "العشرية‬
‫السوداء"‪.‬‬
‫تعكس هذه العبارة المسكوكة الظالم و الرعب و عدم وضوح الرؤية المستقبلية لمصير‬
‫األفراد و البالد خالل نفس الفترة‪ ،‬ورغم اتصاف نفس الفترة بالدموية إال أن العبارة لم‬
‫تُصغ اعتمادا على لون الدم األحمر القاني‪ ،‬وإنما تمت صياغتها بنا ًء على اللون األسود‬
‫الذي يشير إلى التعتيم وانعدام الرؤية من جهة و الحزن من جهة‪ ،‬و الحداد من جهة أخرى‪.‬‬

‫"جزائر العزة و الكرامة"‪ :‬هو شعار الرئيس الجزائري األسبق عبد العزيز بوتفليقة‬
‫لرئاسيات ‪ ،2009‬يمث ل هذا الشعار وعدا للطبقة الهشة من المجتمع الجزائري بتجسيد‬
‫مشروع يضمن العيش الكريم لهم‪.‬‬

‫‪112‬‬
‫أهمية التعابير المسكوكة في الخطاب السياسي‪.‬‬

‫و في هذا السياق قال الرئيس الجزائري مقولته المشهورة "إرفع راسك يا با"‪ ،‬و رفع‬
‫الرأس معناه اكتساب الثقة في النفس و االعتزاز بها‪.‬‬

‫‪ 4-3‬شعارات المعارضة‪:‬‬
‫" سلمية سلمية" تعتبر هذه العبارة المسكوكة بمثابة الشعار الرسمي للحراك السلمي‪ ،‬حيث‬
‫دوت في كامل ربوع الجزائر منذ بداية الحركة االحتجاجية‪.‬‬
‫حيث مرددو العبارة المسكوكة التعبير عن عدم إضمارهم ألي نية في استخدام أي نوع من‬
‫أنواع العنف أو اللجوء إليه وتجنب أي صدام مع كافة أطياف الشعب و قواته النظامية؛‬
‫بعبارة أدق قامت الحركة االحتجاجية ضد النظام الحاكم وليس ضد النظام العام‪.‬‬
‫تكونت هذه العبارة من كلمة واحدة مكررة بهدف تأكيد المعنى و إعطاء الشعار نوعا من‬
‫الخاصية الشعرية‪ ،‬هذه التقنية استخدمت كثيرا في شعارات مختلفة من أبرزها‪:‬‬
‫" جيش‪ ،‬شعب‪ ،‬خاوة خاوة " يعكس هذا الشعار مدى إحترام و والء المحتجين للمؤسسة‬
‫العسكرية في محاولة الستمالة صاحب حق استعمال القوة و كسب تأييده‪ ،‬فاستخدام كلمة‬
‫خاوة المكررة جاء للتأكيد والتذكير بقوة الرابطة بين شقي المكون البشري للجزائر (المدني‬
‫والعسكري) فأفراد الجيش من الشعب وهو منهم‪.‬‬

‫" يتنحاو قاع" ظهر هذا الشعار الذي تجاوز الحدود المحلية على لسان الجزائري المدعو‬
‫سفيان باكير تركي‪ ،‬حيث كرر هذه العبارة للتعبير عن عدم رضاه و مطالبته بالتغيير‬
‫الجذري لألفكار و األشخاص القائمين على النظام السابق‪ .‬صارت هذه العبارة بمثابة شعار‬
‫ثاني للحركة اإلحتجاجية فور إذاعتها على قناة سكاي نيوز عربية يوم ‪.2019/03/11‬‬

‫" وان‪ ،‬تو‪ ،‬ثري‪ ،‬فيفا اللجيري" إعتمد صائغ هذا الشعار على ثالث لغات إلعطائه طابع‬
‫الشعرية والنغم "وان‪ ،‬تو‪ ،‬ثري" باللغة اإلنجليزية "واحد‪ ،‬إثنان‪ ،‬ثالثة" "فيفا" فعل‬
‫باإلسبانية معناه "تعيش"‪" ،‬اللجيري" هي تسمية الجزائر باللغة الفرنسية‪.‬‬
‫يستعمل هذا الشعار غالبا في مالعب كرة القدم و غيرها من الرياضات الجماعية و الفردية‬
‫مما أعطاه بعدا رياضيا شعبويا أكثر منه سياسي‪ ،‬إال أن أصل هذا الشعار سياسي بحت دون‬
‫اإلنكار أن أول استعمال له كان في ملعب كرة القدم في زمن كان فيه النداء بالحرية محرما‬
‫‪113‬‬
‫أهمية التعابير المسكوكة في الخطاب السياسي‪.‬‬

‫على الجزائريين‪ ،‬حيث كانت بداية هذا الشعار باللغة اإلنجليزية لكونها لغة عالمية ‪« we‬‬
‫» ‪" want to be free‬نريد الحرية" ليتغير سنة ‪ 1974‬خالل المباراة الودية التي جمعت بين‬
‫الفريق الوطني الجزائري وفريق شيفلد يونايتد اإلنجليزي ويصبح على ما هو عليه ويتمتع‬
‫بخاصية المسكوكية‪.‬‬
‫توجد عدة شعارات رياضية أخرى يقتصر استعمالها على الطبقة الشعبية و الرياضية‪ ،‬لكن‬
‫شعارا آخر وجد طريقه إلى االستعمال السياسي‪ ،‬ذلك ألن استخدامه جاء على لسان سياسي‬
‫رفيع المستوى متمثل في شخص سفير بريطانيا بالجزائر‪ ،‬حيث ردد شعار " معاك يا‬
‫الخضرة " خالل نهائيات كأس إفريقيا لألمم لسنة ‪ . 2019‬لم يكن ترديده لهذا الشعار وليد‬
‫الصدفة وإنما استجابة لضرورة مسايرة ميول الجزائريين خالل المرحلة األصعب في‬
‫تاريخهم والتي اتسمت بالغموض‪ ،‬فكان استعمال هذا الشعار بمثابة تملق للجزائريين برسمه‬
‫لصورة مشاركته نفس اهتمامات الشعب و ميوله‪.‬‬

‫التسميات و األلقاب‪:‬‬ ‫‪-4‬‬

‫تجدر اإلشارة إلى إعتماد السك اللغوي في تخليد الشخصيات السياسية و إنجازاتهم و هذا‬
‫بإنتاج متالزمات لفظية تتضمن صفاتهم مثل‪ :‬الملك اإلنجليزي ريتشارد لقب بقلب األسد‬
‫(الشجاعة)‪ ،‬كما لقبت نظيرته مارغاريت تاتشر بالمرأة الحديدية‪ ،‬خادم الحرمين‬
‫الشريفين‪...‬إلخ‪.‬‬
‫و منه أيضا تسمية األحزاب والتكتالت السياسية كاليمين المتطرف‪ ،‬وأحزاب السلطة وغيرها‬
‫من التسميات الفردية والجماعية‪.‬‬
‫و من بين أهم التعابير المسكوكة المصاغة في الجزائر سنة ‪ 2020‬نجد‪:‬‬
‫الجزائر الجديدة‪ :‬إعتمد الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون هذه التسمية في إطار مشروعه‬
‫السياسي القاضي بتغيير الذهنيات السائدة في دواليب الحكم و عند عامة الشعب خالل فترات‬
‫الحكم السابقة لعهده‪.‬‬

‫‪114‬‬
‫أهمية التعابير المسكوكة في الخطاب السياسي‪.‬‬

‫جاءت هذه العبارة المسكوكة‪ ،‬التي صارت متالزمة لفظية تجمع بين اسم العلم (الجزائر)‬
‫و الصفة الملحقة بها (الجديدة)‪ ،‬إلعطاء أمل للطامحين في التغيير السياسي الجذري و تحسين‬
‫األوضاع السائدة على كل األصعدة‪.‬‬
‫إنطالقا من كون إستبدال العناصر اللغوية في التعابير المسكوكة قد يفقدها مسكوكيتها أو‬
‫يقود إلى معنى آخر مغاير لألصل‪ ،‬فقد ارتأينا ذكر تعابير أخرى متداولة في الخطابات‬
‫السياسية اقترنت فيها صفة الجديد بأسماء أخرى من نفس الجنس فأعطت معاني مختلفة‪،‬‬
‫نذكر منها ما حذر منه الرئيس الجزائري في خطابه يوم ‪:2020 /10 /10‬‬
‫سوريا جديدة‪ :‬استعمله عند التطرق إلى الوضع الليبي محذرا من انزالق األوضاع و تحولها‬
‫إلى مسرح لصراع الدول العظمى يباد فيه الشعب الليبي‪.‬‬

‫صومال جديد‪ :‬استعمله في التحذير من انزالق األوضاع في مالي و الدخول في حرب بين‬
‫اإلخوة بدافع االستحواذ على السلطة و النفوذ (حرب الفصائل)‬

‫مناطق الظل‪ :144‬هي عبارة مسكوكة (متالزمة لفظية) تكونت من إتحاد اسمين‪ :‬مناطق ‪+‬‬
‫الظل‪.‬‬
‫إن المعنى المراد من هذه العبارة أعمق من وصف المساحات األرضية التي ال تصلها أشعة‬
‫الشمس بفعل وجود حاجب أو ساتر طبيعي أو اصطناعي لها‪ ،‬فقد صاغها و استعملها الرئيس‬
‫الجزائري عبد المجيد تبون للداللة على المناطق التي ال تتوفر على أبسط متطلبات الحياة‬
‫الكريمة‪ ،‬حيث شبه ‪ -‬في صياغته لهذه العبارة – مظاهر الحياة المدنية (شبكات الطرق‬
‫والمياه والكهرباء والغاز) بنور الشمس الذي لم يصل إلى هذه المناطق‪.‬‬

‫الجيش األبيض‪ :‬استعملت كلمة الجيش في هذه العبارة للداللة على المواجهة و التصدي وفق‬
‫إطار منظم يسوده االنضباط و روح التضحية بالنفس و المصلحة الشخصية من أجل‬
‫المصلحة العامة‪ ،‬أما كلمة األبيض فهي نسبة للون الزي الرسمي لهذا الجيش الذي يمثل‬
‫‪ - 144‬تستعمل لفظة الظل في العالم السياسي للداللة على المجهول النسبي بالنسبة للعالم الخارجي لتلكم األشياء المظللة‪،‬‬
‫فكانت عبارة مناطق الظل للداللة على المناطق التي ال يعرفها إال قاطنيها أو قلة قليلة من غيرهم‪ .‬كما توجد عبارة أخرى "‬
‫مرشحو الظل" حيث سكت هذه العبارة للداللة على مرشحي اإلنتخابات الرئاسية الذين لم يسمع عنهم العالم الخارجي لعدم‬
‫إهتمام اإلعالم بهم من جهة و من جهة أخرى عدم امتالكهم للشعبية الالزمة للتعريف بهم‪ .‬مثل اإلنتخابات األمريكية لسنة‬
‫‪ 2020‬التي إحتدم الصراع فيها بين بايدن و ترامب‪ ،‬هذا الصراع غطى و أهمل وجود مرشحين آخرين من أمثال‪ :‬جو‬
‫جورجينسن‪ ،‬تحصلت على ‪ %1،1‬من األصوات‪ .‬هاوي هوكينز تحصل على ‪ % 2،0‬من األصوات‪ ،‬جيروم سيغال‬
‫تحصل على ‪ % 3،0‬من األصوات‪ .‬حيث تم تصنيفهم في النتائج النهائية تحت خانة مرشحين آخرين‪.‬‬
‫‪115‬‬
‫أهمية التعابير المسكوكة في الخطاب السياسي‪.‬‬

‫عمال قطاع الصحة‪ ،‬و قد صيغت هذه العبارة عرفانا لجهود وتضحيات عمال ذات القطاع‬
‫في مواجهة جائحة كورونا التي ضربت العالم سنة ‪ ،2020‬حيث تكونت هذه العبارة هي‬
‫األخرى من إتحاد اسم (الجيش) ‪ +‬صفة لونية (األبيض)‪.‬‬

‫دعم األفكار و الرؤى‪:‬‬ ‫‪-5‬‬


‫بما أن الخطاب السياسي خطاب إقناعي بالدرجة األولى‪ ،‬فإنه يحتاج إلى حجج و دعائم‬
‫لألفكار والرؤى المطروحة لقصد التبني‪ ،‬و من بين أهم مقو مات تلك الدعائم اللغوية عمق‬
‫الداللة و إمكانية المتلقي من تحديد معناها إضافة إلى القيمة اللغوية و الداللية عنده‪.‬‬
‫قال أبو هالل العسكري في هذا الشأن "‪ ...‬ثم إن ي ما رأيت حاجة الشريف إلى شيء من‬
‫أدب اللسان بعد سالمته من اللحن كحاجته إلى الشاهد و المثل و الشذرة و الكلمة السائرة‪،‬‬
‫فإن ذلك يزيد المنطق تفخيما‪ ،‬ويكسبه قبو ال‪ ،‬و يجعل له قدرا في النفوس‪ ،‬وحالوة في‬
‫الصدور‪ ،‬وإنما هو في الكالم كالتفصيل في العقد‪ ،‬والتنوير في الروض‪ ،‬والتسهيم في‬
‫البرد‪ "...‬لذا يعمد السياسيون إلى دغدغة مشاعر جماهيرهم المخاطبة عن طريق توظيف‬
‫تعابير تتغلغل إلى عمق مكوناتهم الهوياتية والنفسية‪.‬‬
‫و من هذا المنطلق كان إعتماد األمثلة الشعبية و غيرها من التعابير المسكوكة أمرا يفرض‬
‫نفسه فرضا على منتج الخطاب السياسي‪ ،‬فنجد بذلك الخطابات السياسية في الجزائر‬
‫توظ ف األمثال الشعبية والسائرة كالقصص‪ ،‬والحكم و آي القرآن و الحديث الشريف لدعم‬
‫األ فكار والرؤى المطروحة واألقوال المأثورة‪.145‬‬

‫رغم كل الجلبة التي أحدثتها األصوات المنادية بفصل الدين عن السياسة في شتى‬
‫أصقاع المعمورة‪ ،‬إال أن إعتماد هذه األخيرة على الدين و التعابير المقتبسة من النصوص‬
‫المقدسة لشحذ الهمم وحشد الجماهير من أجل قضية ما و دعم الرؤية المطروحة أمر ال‬
‫يختلف عليه اثنان‪ ،‬و من ذلك نجد اقتباس مختلف سياسي العالم آلي القرآن من أجل‬
‫مخاطبة المسلمين و حشدهم في نطاق تأثير الخطاب السياسي الملقى إلى تبني و انتهاج‬
‫سلوك معين‪ ،‬و من ذلك نذكر‪:‬‬

‫‪ - 145‬إستشهد الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون في الخطاب الذي وجهه إلى الشعب الجزائري من ألمانيا عبر حسابه‬
‫تويتر‪ ،‬في يوم ‪ 2020/12/13‬قوال مأثورا للعالمة الجزائري عبد الرحمن الثعالبي كما سبق ذكره‪.‬‬
‫‪116‬‬
‫أهمية التعابير المسكوكة في الخطاب السياسي‪.‬‬

‫إعتماد جو بايدن مرشح االنتخابات الرئاسية األمريكية لسنة ‪ 2020‬الحديث النبوي‬


‫الشريف"من رأى منكم منكرا فليغي ره بيده‪ ،‬فإن لم يستطع فبلسانه‪ ،‬فإن لم يستطع فبقلبه‬
‫وذلك أضعف اإليمان"‪ .‬وهذا لحث مسلمي أمريكا على عدم التصويت لغريمه المدعو‬
‫دونالد ترامب ووصفه بالمنكر‪ ،‬حيث صرح باإلنجليزية ما يلي‪:‬‬
‫‪« Who never among you sees wrong, let him change it with his hand, if he‬‬
‫» ‪was not able then with his tongue, if he was not able then with his heart‬‬

‫إن كان استعمال بايدن للحديث الشريف في سياق دعوة إلى عدم انتخاب منافسه فإنه يحمل‬
‫في طياته نوعا من المغازلة للشريحة المسلمة في ذات المجتمع و تأكيدا على أهميتها و‬
‫دورها في عملية التغيير التي يرجو ذات المترشح إحداثها‪.‬‬

‫كما وظف ذات المترشح عبارة " إن شاء هللا" في مناظرته لذات الغريم االنتخابي بطريقة‬
‫تهكمية أخرجت العبارة عن سياقها اإل ستعمالي و الوجودي‪ ،‬كما أشرنا إليه سلفا‪.‬‬

‫لم يفت رئيس وزراء كندا ترودو أن يستشهد هو اآلخر بآيات قرآنية لتهدئة المسلمين‬
‫وتذكيرهم بقيم التسامح وغض الطرف عمن أساء إليهم‪ ،‬و هذا عقب أحداث مسجد‬
‫نيوزيلندا‪:‬‬
‫‪« The true cervantes of the most merciful are those hwo behave gentil and‬‬
‫‪with humanity with earth, and when ever the fulish talk with them they replay‬‬
‫» ‪with the words of peace‬‬
‫قوله تعالى" و عباد الرحمن اللذين يمشون على األرض هونا و إذا خاطبهم الجاهلون قالوا‬
‫سالما" مع ما تحمله اآلية الكريمة من وصف لعباد الرحمن الذين وعدهم ربهم حسن‬
‫الجزاء‪ ،‬فإن ما أراده ترودو من إعتماد اآلية ذاتها دون غيرها هو محاولة إمتصاص‬
‫غضب مواطنيه ودعوتهم إلى التعقل و عدم اإللتفات إلى التصرفات الفردية الصادرة عن‬
‫الجهلة كما ورد في اآلية الكريمة‪.‬‬

‫لجأ األمين العام لألمم المتحدة أنطونيو غوتي ريش بدوره إلى إعتماد آي القرآن في‬
‫خطابه حول الالجئين األفغان في باكستان‪ ،‬لكن استعماله لآلية المذكورة أدناه جاء في‬

‫‪117‬‬
‫أهمية التعابير المسكوكة في الخطاب السياسي‪.‬‬

‫سياق محرف‪ ،‬فاآلية القرآنية تتحدث عن الجئين يختلفون عقائديا عن مجيرهم‪ ،‬عكس‬
‫السياق المستعملة فيه و التي يشترك فيها المجير والمجار في المعتقد‪.‬‬
‫و لعل الرسالة المراد تمريرها أو المعنى المقصود من ذلك اإلستعمال هو وصف الخارج‬
‫عن إطار الشرعية العالمية و المعادي للسياسة األمريكية بالخارج عن الشرع‪:‬‬
‫‪« And if any one secks your protection, then grant him protection so then he‬‬
‫» ‪can hear the words of god, then escort him where he can be secure‬‬
‫قوله تعالى" و إن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كالم هللا ثم أبلغه‬
‫‪146‬‬
‫مأمنه‪( "...‬سورة التوبة‪ ،‬اآلية ‪)6‬‬

‫إفتتح الرئيس األمريكي السابق أوباما باراك خطابه في جامعة القاهرة بعبارة "السالم‬
‫عليكم" ناطقا إياها باألحرف العربية‪ ،‬ليُضمن خطابه فيما بعد اآلية الكريمة "يا أيها اللذين‬
‫امنوا قولوا قوال سديدا" باللغة اإلنجليزية كما يلي‪:‬‬
‫‪« As the holy koran tells us: « be conscious of God and speak always the truth ».‬‬
‫‪That is what i try to do… » (33.70)147‬‬
‫و بالحديث النبوي الشريف " ال يؤمن أحدكم حتى يحب ألخيه ما يحب لنفسه"‪ ،‬حيث إستشهد‬
‫به للتأكيد على الفكرة التي طرحها بأن ال ديانة تدعو إلى الكراهية و العنف‪ ،‬و الجدير بالذكر‬
‫أن الرئيس األمريكي األسبق قد راعى تركيبة شعبه األمريكي المخاطب في كثير من‬
‫المناسبات‪ ،‬فقدم بذلك استشهادا من اإلنجيل (الديانة المسيحية هي األكثر انتشارا في أمريكا)‪،‬‬
‫ثم أعقبه بشاهد من التوراة (اليهودية هي الديانة الثانية) وختمه بالحديث النبوي الشريف‪،‬‬
‫وبذلك يكون قد استشهد بما يسمى الديانات الشمولية‪.‬‬
‫لم يفوت الرئيس الروسي فرصة استعراض قدراته الثقافية و إثبات إلمامه بالثقافة العربية‬
‫ونصها المقدس مستشهدا باآلية ‪ 103‬من سورة آل عمران "واعتصموا بحبل هللا جميعا و ال‬
‫تفرقوا واذكروا نعمة هللا عليكم إذ كنتم أعداءا فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا و كنتم‬
‫على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها" حيث استشهد بترجمة معانيها باللغة الروسية في‬

‫‪146‬‬
‫اإلستشهادات الثالثة لكل من بايدن و ترودو و غوتيريش من )‪- https://www.albawaba.com/ar/slideshow/ (12 /01/2021‬‬
‫‪147‬‬
‫‪-Black, I & Tran, M. Barck Obama pleadges new begining between US and Muslims.‬‬
‫(‪https://www.thegardian.com/world/2009/jun/04/barack-obama-keynote-speech-egyptj7)2020/01/26‬‬

‫‪118‬‬
‫أهمية التعابير المسكوكة في الخطاب السياسي‪.‬‬

‫الخطاب الذي ألقاه سنة ‪ 2019‬للتعليق على الهجمات التي تعرضت لها المملكة العربية‬
‫‪148‬‬
‫السعودية‪.‬‬

‫تعزيز و تأكيد المعنى‪:‬‬ ‫‪-6‬‬


‫أحب من أحب و كره من كره‪ :‬استعمل الوزير األول الجزائري عبد العزيز جراد هذه‬
‫العبارة في خطابه يوم ‪ ،2020/10/27‬حيث جاء فيه " تاريخنا ومواقفنا أعطت درسا‬
‫لوحدة شعب و وحدة ترابه‪ ،‬الجزائر هي أرض اإلسالم أحب من أحب و كره من كره"‪،‬‬
‫كما استعملها الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون في حديثه عن المنظومة الصحية في‬
‫الجزائر قائال " تملك الجزائر أحسن منظومة صحية في إفريقيا أحب من أحب و كره من‬
‫كره"‪.‬‬
‫و قد وردت المقابلة بين شعوري الحب و الكراهية في الحديث النبوي الشريف كما أورده‬
‫اإلمام النسائي في سننه تحت رقم (‪ :)1834‬عن أبي هريرة أن رسول هللا صلى هللا عليه‬
‫وسلم قال "من أحب لقاء هللا أحب هللا لقاءه ومن كره لقاء هللا كره هللا لقاءه" و ما يفهم من‬
‫سياق الحديث هو إختالف ميول البشر (الحب والكراهة) إزاء أمر ثابت (لقاء هللا)‪ ،‬و بذلك‬
‫فإن العبارة تستعمل لتأكيد فكرة مطروحة وإضفاء عليها صفة التسليم بها رغم وجود‬
‫المناهضين لها‪ ،‬كما ارتبط فعل الكراهة في القرآن الكريم بالفئة الموصوفة بالكفر والجهل‬
‫والجحود‪.‬‬

‫شئنا أم أبينا‪ :‬تفيد التسليم بوضع ما و مساواته بالقضاء و القدر الذي يتجاوز إرادة و مشيئة‬
‫الخلق إلى الخالق‪ ،‬لذا فإن استعمال هذه العبارة المسكوكة يكون مصاحبا للثابت من األمور‬
‫و في سياق الحتميات و الحقائق التي ال تتغير و ال تقبل التغيير‪ ،‬كما أن ا ستعمالها يحوي‬
‫‪149‬‬
‫نوعا من التشاؤم واالنهزامية جراء أمر ما برفعه إلى درجة القضاء و القدر‪.‬‬

‫حوصلة‪:‬‬

‫‪ RT- 148‬بوتين يستشهد بآيات من القرآن‪)2020/01/27( https://arabic.rt.com/middle_east/1045615- .‬‬


‫‪ - 149‬محمد لطفي ‪ ،‬شئنا أم أبينا‪ 2014/10/17 .‬أنظر الموقع‪( https://www.alaraby.co.uk/ :‬فحص الموقع بتاريخ‬
‫‪)2021/02/17‬‬
‫‪119‬‬
‫أهمية التعابير المسكوكة في الخطاب السياسي‪.‬‬

‫اإلحتكام إلى التعابير المسكوكة في صياغة الخطاب السياسي أمر ال ينتطح فيه عنزان‪،‬‬
‫لكونها تجمع بين عمق المعنى والتأثير و الداللة بأقل تكلفة لغوية مفرداتية‪ ،‬و قد أثبتت‬
‫الدراسات أن هذه التعابير تشكل ما نسبته ‪ %40‬من كفاية المتكلم؛ أي أنه ال يستطيع صياغة‬
‫كالم تجريدي مجرد منها في أغلب األحيان‪ ،‬ناهيك عن الخطاب السياسي الذي يتمتع بأهمية‬
‫بالغة في العملية التواصلية بين الحاكم والمحكوم‪ ،‬والتأثيرية المرجو بها كسب ثقة المتلقي‬
‫ومشاركته نفس الرؤى المطروحة‪.‬‬
‫فاإلحتكام إلى التعابير المسكوكة داللة على البالغة و التمكن من اللغة و تبني و مشاركة‬
‫جمهور المتلقين نفس الجذور الثقافية (خطاب محلي) و نفس االهتمامات و األهداف‬
‫(الخطاب السياسي بمستوييه المحلي والدولي)‪ .‬كما أن السياق الذي ترد فيها هذه التعابير‬
‫يكون لتأكيد المعنى و ذلك بإثارة النفس وجذب االنتباه أو تكرار المعنى السابق الذكر‪ ،‬أو‬
‫المعنى الموالي لتمهيد تقبله وقبوله‪ ،‬أو لتضمين المعنى المراد واإلشارة إليه و التأكيد عليه‬
‫دون التصريح بذكره‪ ،‬فاستعمال التعابير المسكوكة في الخطاب عامة والسياسي خاصة يكون‬
‫إما من أجل اإلستهالل‪ ،‬وذلك لتهيئة المتلقي نفسيا للتجاوب مع ما سيطرح من أفكار ورؤى‪،‬‬
‫أو لبناء المعنى‪ ،‬أو اإلشارة إليه (حيث ترد التعابير المسكوكة وحدها متضمنة المعنى المراد)‬
‫فهي إذن مسكوكات بنائية كالشعارات و غيرها‪ ،‬و أخرى تكرارية تكون ممهدة للكالم أو‬
‫مؤكدة له و ذلك بتكرار المعنى الصريح بأسلوب آخر أكثر بالغة وأجمل أسلوبا‪ ،‬أو داعمة له‬
‫كاإلحتكام إلى النصوص المقدسة إلعطاء الفكرة المطروحة صفة القداسة‪ ،‬فمنها ما كان‬
‫خالصة ذك ريات مختزنة و مختزلة للتذكير‪ ،‬ومنها عبارات تتضمن عبرات تصلح ألن‬
‫تكون عبرا لإلعتبار و التعبير‪ ،‬و منها آثار العقل والفلسفة‪ ،‬ومنها آيات محكمات كاملة‬
‫التكوين و التأثير في النفوس‪ ،‬تمثل شريعة موجد الوجود‪.‬‬

‫‪120‬‬
‫الفصل الثالث‪:‬‬
‫عراقيل ترجمة‬
‫التعابير المسكوكة‬
‫في الخطاب‬
‫السياسي‪،‬‬
‫والترجمات‬
‫المحققة‪.‬‬
‫المبحث األول‪:‬‬
‫عراقيل ترجمة‬
‫التعابير المسكوكة‬
‫في الخطاب‬
‫السياسي‪.‬‬
‫المطلب األول‪:‬‬
‫عراقيل ترجمة‬
‫الخطاب السياسي‪.‬‬
‫عراقيل ترجمة التعابير المسكوكة في الخطاب السياسي‪.‬‬

‫تستدعي دراسة إشكالية ترجمة التعابير المسكوكة في الخطاب السياسي دراسة و تحديد‬
‫مفهوم إشكالية الترجمة قبل ربطها بالتعابير المسكوكة و المجال السياسي أيضا‪ ،‬حيث‬
‫تتشعب هاته اإلشكالية إلى تساؤالت كثيرة تطرح نفسها في إطار البحث عن إجابات شافية‬
‫أو إضافات تدفع بعج لة البحث عن حلول لتلك التساؤالت الجوهرية‪.‬‬
‫تفرض إشكاليةُ إمكاني ِة الترجمة من عدمها نفسها في قلب التساؤالت المتعلقة بالترجمة‬
‫فالنصوص و الخطابات المنتجة في لغة ما‬ ‫‪150‬‬
‫عموما والتعابير المسكوكة خصوصا‪،‬‬
‫والمعبّر بأدواتها عن األفكار و الرؤى التي تنقلها "تحوي بين طياتها مركزيات إثنية ال‬
‫تتوافق مع تلك المزروعة في لغة الوصول‪ ،‬و كلّما كان تجلّي تلك المركزيات اإلثنية‬
‫المغذّية للّغات أعمق كلّ ما تضاءلت إمكانية ترجمة تلك النصوص و العبارات"‪151‬و أضاف‬
‫بول ريكور ّ‬
‫أن إدراك المترجم لتلك الفوارق اللغوية قبل بدأ الترجمة من شأنه أن يضع‬
‫المترجم أمام إحتمال الفشل في الترجمة قبل مباشرتها‪ ،‬فتتراكم تلك اإلحتماالت على شكل‬
‫حدوس عند المترجم تمنعه من أداء المه ّم ة الترجمية‪ ،‬حيث وصف في نفس السياق النص‬
‫و التعابير المراد ترجمتها بالجبل المنتصب الذي ال يمكن زعزعته‪.‬‬

‫يرى كوين ‪ Quine‬في نفس المرجع‪ّ ،‬‬


‫أن الترجمة هي أن نقول نفس الشيء‪ ،‬أو أن نعتقد‬
‫قول نفس الشيء بطريقة أخرى‪ ،‬لكن هذا الشبيه اللغوي الذي يسكنه الشبيه الداللي‬
‫و المعنى ذاته الموجود في األصل في لغة أخرى غير محتمل الوجود في أي مكان آخر‪.‬‬
‫و مع هذا فقد سعى اإلنسان إلى تحقيق الترجمات لمختلف النصوص و العبارات إستجابة‬
‫أن هذا لم يتأت للمترجمين إالّ‬
‫لحاجته المعرفية و اإلدراكية لما يدور حوله‪ ،‬و يشير ريكور ّ‬
‫تفردها إلى‬
‫برفع القداسة عن اللغة األصل‪ ،‬و جعلها تفكر في نفسها بعيدا عن استقالليّتها و ّ‬
‫‪152‬‬
‫تفكيرها كلغة بين اللّغات‪.‬‬

‫و بما ّ‬
‫أن الترجمة موجودة و تحقيقها ممكن التجسيد في الواقع كما يد ّل عليه اإلنتشار‬
‫الواسع للترجمات رغم إشكالية عدم توافق اللّغات و اختالف جذورها‪ّ ،‬‬
‫فإن هذا اإلنجاز في‬

‫‪ " - 150‬إن الترجمة إشكالية‪ ،‬ألنها ترتبط بالتلقي و هو إشكالية‪ ،‬الترجمة األدبية إشكالية‪ ،‬و كذا العلمية‪ ،‬األمانة و الخيانة‬
‫إشكالية‪ "...‬عالم‪ ،‬ليلى‪ ،2001 .‬إشكالية الترجمة‪ ،‬مجلة المترجم‪ ،‬العدد ‪ ،1‬جامعة وهران‪ ،‬ص ‪.111‬‬
‫‪ - 151‬المصدر السابق‪ :‬ريكور‪ ،‬بول‪ .‬عن الترجمة‪ .‬ص ‪.17‬‬
‫‪ - 152‬المصدر نفسه‪ :‬ريكور بول‪ .‬عن الترجمة‪ ،‬ص‪.22 -20‬‬
‫‪124‬‬
‫عراقيل ترجمة التعابير المسكوكة في الخطاب السياسي‪.‬‬

‫تحقيقها و ّ‬
‫تخط ي إشكالية إمكانية الترجمة من عدمها يفتح الباب لتساؤل آخر يدور حول‬
‫مدى مصداقيّة تلك التراجم المحقّقة و يدعو إلى النبش في الجوانب المعيبة لها‪ ،‬ذلك ألنّه‬
‫"ال يمكن أن تكون الترجمة ممكنة إالّ بالتخلّي عن فكرة الترجمة المثالية و هذا ما يعطي‬
‫‪153‬‬ ‫ّ‬
‫الحق للترجمة بالتواجد و العيش كعجز مقبول"‪.‬‬
‫س ره نيومارك بضياع المعنى أو جزء منه أثناء عملية االستبدال‬ ‫هذا العجز الذي ف ّ‬
‫النص األصلي و‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫تخط اه األلماني شليغل إلى اعتبار الترجمة محاولة إلغتيال‬ ‫اللغوي‪،154‬‬
‫ذلك بحجب جمالية النظم و األسلوبية المميّزة له و التي تخفي كثيرا من اإليحاءات و‬
‫شف و ال ترتسم إالّ في ذهن صاحب الخطاب األصل و بدرجة أق ّل من‬
‫المعاني التي ال تتك ّ‬
‫يشاركه نفس لغة التعبير و الكتابة و التاريخ و اإليديولوجة‪ ،‬حيث أورد في هذا السياق ّ‬
‫أن‬
‫الترجمة " مبارزة قاتلة يسقط فيها أحد الطرفين‪ ،‬الذي يترجم أو الذي هو موضوع‬
‫‪155‬‬
‫الترجمة"‪.‬‬
‫فكان بذلك تجاوز هذا العجز األدائي للوصول إلى الكمال التمث لي للترجمة باألصل من‬
‫أولويات المترجمين و الدارسين لها‪ ،‬و ذهب بيرمان أبعد من هذا الطرح إلى إعتبار‬
‫الترجمة خيانة أملتها ضرورة تلبية الحاجة البشرية إلى التبادل و التواصل‪.156‬‬

‫أن إيجاد معايير للكمال األدائي ال يكون إالّ بدراسة ذلك العجز‬
‫شك فيه ّ‬
‫و مما ال ّ‬
‫ومسبّباته و النبش الممنهج في الجوانب المظلمة والمعيبة لها و اإلستلهام من األخرى‬
‫المشر فة‪ ،‬وذلك إليجاد وصفات وقائية له‪ ،‬و إلعطاء الترجمات المحقّقة صفة‬
‫ّ‬ ‫المشرقة و‬
‫األمانة و المصداقية‪ ،‬فما كان من الترجمة و المترجمين إالّ فتح باب دراسة جديد يدور‬
‫حول ذلك العجز المقبول ليطرح تساؤال جديدا يدور حول التحريف و اإلتقان في الترجمة‪.‬‬

‫ال يتأت اإلتقان و إدراك معالمه إالّ بتسليط الضوء على التحريف و مظاهره و معرفة‬
‫أسبابه ومسبّ باته‪ ،‬و ذلك بإيجاد تحليل موضوعي للترجمات المنجزة و ثغراتها‪ ،‬لبناء‬

‫‪ - 153‬المصدر السابق‪ :‬ريكور بول‪ .‬عن الترجمة‪ ،‬ص ‪.21‬‬


‫‪ - 154‬بحراوي‪ ،‬حسين‪ .‬مأوى الغريب دراسات في شعرية الترجمة‪ ،‬ص ‪.24‬‬
‫‪ - 155‬نفس المصدر‪ :‬بحراوي‪ ،‬حسين‪.‬مأوى الغريب دراسات في شعرية الترجمة‪ .‬ص ‪.30‬‬
‫‪ - 156‬نفس المصدر‪ :‬بحراوي‪ ،‬حسين‪ .‬مأوى الغريب دراسات في شعرية الترجمة‪ .‬ص ‪.29‬‬
‫‪125‬‬
‫عراقيل ترجمة التعابير المسكوكة في الخطاب السياسي‪.‬‬

‫المفاهيم الجديدة و الخروج بذخيرة حديثة مستمدة من تحليل تلك الترجمات التقليدية و‬
‫المقارنة بين قصد األصل و إنعكاسه في مرآة الترجمة‪.‬‬

‫ال يمكن للتحليل إيجاد وصفات ناجعة تصبّ في كيفية تجنّب التحريف أو زيغ المعنى إالّ‬
‫إذا اقترنت بإدراكٍ و وعي ٍ بمقاصد التعابير و الخطاب جملة و تفصيال‪ ،‬إضافة إلى إدراك‬
‫الهدف من الترجمة ومجموع العوامل المش ّك لة للشرطيّة التاريخيّة الموجدة للخطاب‪ ،‬والتي‬
‫يمكن أن تتشابه أو تختلف مع تلك المترجمة له‪.‬‬
‫فترجمة الخطاب السياسي في نطاق التفاعل اإليجابي تختلف عن نظيرتها في النطاق‬
‫المعارض لألفكار المطروحة‪ ،‬فمن كانت تصفهم الصحف الفرنسية بالخارجين عن القانون‬
‫» ‪ « les hors la loi‬والفالقة » ‪ «les fellagas‬كانت تترجمه الصحف العربية‬
‫"المجاهدون"‪.‬‬

‫نبذة عن الترجمة السياسية‪.‬‬ ‫‪-1‬‬

‫كانت ترجمة النصوص السياسية قديما تقتصر على ترجمة الرسائل المكتوبة‬
‫و المراسالت بين الدول و الممالك التي ال تتكلم نفس اللغة‪ ،‬و في حال كانت هناك زيارات‬
‫رسمية بين هذه الدو ل أو وفودها فقد كان يتم استدعاء مترجمين يتم اختيارهم بعناية‬
‫الصطحابهم مع الوفد المرافق‪ .‬و لعّل خير مثال نستدل به هو الرسائل التي بعث بها محمد‬
‫صلى هللا عليه و سلم إلى ملوك األرض آنذاك‪ .‬حيث ذكر الدكتور السنباطي ‪ 157‬أن المبعوث‬
‫الذي أُرسل إلى مصر كان يجيد اللغة القبطية‪ ،‬فترجم الرسالة بعناية‪ ،‬و نقل المعنى بكل أمانة‬
‫رغم وجود عبارات خاصة ك "بسم هللا الرحمن الرحيم" و اآلية القرآنية ( ‪" )03 .64‬قل يا‬
‫أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا و بينكم "‪ ،‬مما جعل المقوقس عظيم القبط يرسل‬
‫الهدايا إلى رسول هللا صلى هللا عليه و سلم‪ .‬و مع هذا فقد كان إصطحاب الملوك و األمراء‬
‫للمترجمين في رحالتهم و جوالتهم التفقدية لمختلف أرجاء ممالكهم أمرا ضروريا ضرورة‬
‫التواصل مع مختلف الشعوب المكونة للمملكة الواحدة‪ ،‬و هذا ما بينته قصة لقاء قيصر الروم‬

‫‪ - 157‬د‪.‬محمدالسمباطي‪ ،1982 ,‬السياسة وترجمة القران‪ ,‬حولية كلية الشريعة والقانون والدراسات اإلسالمية‪ ,‬جامعة قطر‪,‬‬
‫ص ‪.423,425‬‬
‫‪126‬‬
‫عراقيل ترجمة التعابير المسكوكة في الخطاب السياسي‪.‬‬

‫بأبي سفيان لإلستفسار عن الرسول صلى هللا عليه و سلم في القصة الشهيرة‪ ،‬حيث إستعان‬
‫بمترجم للتواصل معه‪.‬‬
‫المؤرخة في ‪ 14‬فيفري ‪842‬‬ ‫‪158‬‬ ‫ّ‬
‫إن الوثيقة السياسية المعروفة بمعاهدة ستراسبورغ‬
‫ميالدي‪ ،‬تعتبر أهم وثيقة سياسية فرنسية تؤرخ لظهور اللغة الفرنسية من جهة و الترجمة‬
‫منها و إليها من جهة أخرى (الترجمة المنظورة)‪.‬‬

‫تطورت ترجمة الخطاب السياسي في زماننا تطور الوسائل و المناهج و الغايات‪ ،‬ودخلت‬
‫حيز المنافسة فيها دوائر و وسائط و مؤسسات متخصصة و غير متخصصة‪ ،‬أهمها وسائل‬
‫اإلعالم التقني والصحف‪ ،‬فقد أصبحت وكاالت اإلعالم و وسائله أه ّم مصدر للمعلومة‬
‫و نشرها بغية تحقيق مكاسب مادية و إعالمية للمؤسسة الناشرة و الملقي و المتلقي بصفتها‬
‫الهيئات الراعية و الموفرة للوسائل والتقنيّات المعدّة و المخ ّ‬
‫صصة لهذا الغرض‪ ،‬و هذا ما‬
‫تتكون من مزيج بشري غير متجانس و مختلف‬ ‫ّ‬ ‫يجعل التركيبة البشريّة للقائمين عليها‬
‫سسة اإلعالمية‪.‬‬
‫صصات الموافقة لسياسة الوكالة أو المؤ ّ‬ ‫ّ‬
‫المغطاة‪ ،‬و التخ ّ‬ ‫إختالف المواضيع‬
‫سسات تحبّذ توظيف و إنتداب أشخاص ذوي مهارات و قدرات‬ ‫شك فيه ّ‬
‫أن هذه المؤ ّ‬ ‫و مما ال ّ‬
‫لغوية متعددة؛ أي أشخاص متعدّدي األلسن‪ ،‬و هذا حسب ما يخدم سياسة الهيئة اإلعالمية أو‬
‫الصحفية‪.‬‬
‫سسات على إنتداب مترجمين محترفين في الميدان‬
‫و المالحظ عدم تركيز هذه المؤ ّ‬
‫الترجمي‪ 159‬و البحث عن مستخدمين يتمتّعون بمؤهالت إعالمية و قدرة على تحرير و تقديم‬
‫مادة إعالمية دسمة تشدّ المتتبّع على إختالف مستواه‪ ،‬أ ّما القدرات الترجمية فتترك مفتوحة‬
‫سسة اإلعالمية‪ ،‬و هذا ما لمسه الباحث‬
‫لإلجتهادات الفردية الموافقة للسياسة الداخلية للمؤ ّ‬
‫بيسال )‪ (Biesla‬في التركيبة البشرية لوكالتي األنباء العالميتين رويترز ‪ Reuters‬و ‪ .AFP‬وقد‬

‫‪ - 158‬تمت هذه المعاهدة بين األخوين تشارلز األصلع )‪ (charles le chauve‬و أخيه لويس األلماني ‪(louis le‬‬
‫)‪ germanique‬ضد أخيهما لوثر األول )‪ (luther‬و كلهم أحفاد الملك شارلمان )‪(charleman‬حيث أعلن لويس قسمه باللغة‬
‫الرومانسية لكي يفهمه جنود تشارلز و أعلن تشارلز قسمه باللغة الفرنسية ليفهمه جنود لويس‪ .‬و تعتبر هذه المعاهدة أول‬
‫وثيقة رسمية باللغة الفرنسية‪.‬‬
‫المصدر ‪https://www.herodote.net/14_fevrier_842-evenement-842021.php‬‬
‫‪ - 159‬أنظر‪Biesla, E & Bassnett, S. Translation in global news. Routledge. London. 2009, p 81 :‬‬

‫‪127‬‬
‫عراقيل ترجمة التعابير المسكوكة في الخطاب السياسي‪.‬‬

‫ّ‬
‫توظف مترجمين كصحفيين و فتح‬ ‫أشار في هذا السياق إلى وجود قلة من المؤسسات التي‬
‫‪160‬‬
‫المجال اإلعالمي لهم إلكتساب الخبرة اإلعالمية الميدانية‪.‬‬

‫حدود المترجم السياسي‪:‬‬ ‫‪-2‬‬


‫لعلو شأنها و حداثة علمنتها‪ ،‬كانت و ال زالت أقدم العلوم‬
‫الترجمة بين عدم تحدّد تعريفها ّ‬
‫النبيلة وأنبل المهن القديمة‪ ،‬بل إنّها وصلت إلى حد القدسيّة و التقديس و ذلك لقداسة‬
‫و تبقى الترجمة حكرا على طبقة معينة من‬ ‫‪161‬‬
‫النصوص التي حاولت نشرها و نشرتها‪.‬‬
‫البشر الموسومين بالثقافة و العلم من جهة‪ ،‬ف ُهم أعلم علماء المكان بلغات و ثقافات ذلك‬
‫الزمان‪ ،‬و النبل و األمانة من جهة أخرى‪ ،‬فالمترجم ينصاع لسادية و إرادة ملقي الخطاب‬
‫إلشباع شغف و فضول المتلقي في معرفة و إدراك ما يدور حوله وما يصل سمعه‪ ،‬و فك‬
‫شيفرة الرسائل الواصلة و المراد إيصالها إليه‪.‬‬
‫و لعل أبلغ ما قيل في الترجمة و المترجم هو ما أورده بول ريكور في كتابه " الترجمة‬
‫تطمح إلى محاصرة فضاء التواصل البين‪-‬لغوي و تعويض غياب لغة كونية خالية من‬
‫‪162‬‬
‫اإلحراجات الثقافية و الحدود العرقية"‪.‬‬

‫يصف غوتشيد ‪ Gottsched‬الترجمة بأنها إعادة رسم لوحة فنية‪ ،‬وإنتاج أخرى مقلدة ال‬
‫يمكن تمييزها عن األصل ‪ ،‬و ذلك بفضل الحس المرهف للفنان و مالحظته و تتبعه لكل‬
‫التفاصيل الدقيقة للوحة األصلية‪ ،‬و هذا ما يجب على المترجم التحلي به من يقظة و مالحظة‬
‫‪163‬‬
‫و سرعة بديهة للتمكن من إتمام ترجمته‪.‬‬
‫حسب الدكتور عناني‪ ،‬فإن الفرق الوحيد بين المترجم و صاحب النص األصلي أو ملقي‬
‫األول يعيد صياغة أفكار الثاني وفق أسلوبه الخاص؛‪ 164‬أي ّ‬
‫أن اإلثنان‬ ‫أن ّ‬ ‫الخطاب يكمن في ّ‬

‫‪ - 160‬أنظر‪ :‬نفس المصدر‪Biesla & Bassnett, p 85-86. .‬‬


‫‪ - 161‬لقد ورد في مقدمة ترجمة اإلنجيل المنسوب إلى الملك جاك ما يلي‪ ":‬تفتح الترجمة النافذة كي تسمح لضوء النهار‬
‫بالولوج‪ ،‬و هي تكسر القشرة كي نتمكن من تذوق الفاكهة‪ ،‬و تزيل الستار كي نمعن النظر في أقدس مكان‪ ،‬و ترفع غطاء‬
‫البئر كي نصل إلى الماء‪ ."...‬انظر‪ :‬برمان‪ ،‬أنطوان‪ ،‬الترجمة و الحرف أو مقام البعد‪ ،‬ترجمة عز الدين الخطابي‪ ،‬المنظمة‬
‫العربية للترجمة‪،‬بيروت‪ ،2010 ،‬ص ‪.27‬‬
‫‪ - 162‬أنظر المصدر السابق‪ :‬ريكور‪ ،‬بول‪ .‬في الترجمة‪ ،‬ص ‪.23‬‬
‫‪163‬‬
‫‪-. « Traduire signifie la même chose que copier un modèle … en peinture. … pendant qu’ils copient‬‬
‫‪l’image, ils observent avec une grande attention tous les détails de l’original… » Suzana Rakova, les théories de‬‬
‫‪la traduction. p 62.‬‬
‫‪ - - 164‬أنظر‪ :‬د‪.‬م‪.‬عناني‪ ،1992 .‬فن الترجمة‪ .‬القاهرة‪ .‬دار غريب‪ .‬ص(ج)‪.‬‬
‫‪128‬‬
‫عراقيل ترجمة التعابير المسكوكة في الخطاب السياسي‪.‬‬

‫يتقاسمان ملكية الخطاب في صورته المترجمة‪ ،‬فالمترجم يمتلك الجسد المتمثّل في الصورة‬
‫المرجو إيصالها‬
‫ّ‬ ‫اللغوية للخطاب‪ ،‬و تعود ملكية الروح المعنوية المتمثّلة في الرسالة‬
‫المعول رسمها في وعي المتلقي إلى ملقيه أو كاتبه األول‪ ،‬بينما يحتكر صاحب‬
‫ّ‬ ‫والصورة‬
‫الخطاب ملكية خطابه في صورته األولى في اللغة األصل‪.‬‬

‫أ ّما ا لدكتور بدوي فقد غاص في ملكة المترجم اللغوية و األسلوبية‪ ،‬حيث وصف المترجم‬
‫بالكاتب صاحب الحرية اإلبداعية المقيّدة بالوالء التا ّم للنص األصلي و صاحبه من جهة‪،‬‬
‫‪165‬‬
‫والضوابط المهنية من جهة أخرى‪.‬‬

‫و ما بين هذا و ذاك‪ ،‬يصف بول ريكور المترجم بأنّه مالك العمل المترجم ألنّه منتجه‪ ،‬غير‬
‫‪166‬‬
‫أن هذا التملّك حسب رأيه " بقدر ما هو نتيجة إلكراه ما‪ ،‬بقدر ما هو تأكيد لحريّة"‬
‫ّ‬
‫‪167‬‬
‫يعتبر المترجم وسيطا ‪« le traducteur est un médiateur dans le commerce‬‬
‫» ‪ spirituel‬ألنّه ينقل فكر شخص إلى أشخاص آخرين‪ .‬فالمترجم وسيط بين ملق إيجابي من‬
‫جهة ‪ -‬لكونه الفاعل األساسي في العملية التخاطبية و نقطة إنطالق العملية الترجمية فهو‬
‫األول للعمليّة التخاطبية‬
‫المحرك ّ‬
‫ّ‬ ‫صاحب الفكرة المجسَّدة في الخطاب‪ ،‬و بذلك يمكن إعتباره‬
‫ق سلبي من جهة أخرى‪ ،‬حيث تكمن سلبية هذا األخير في عدم إدراكه لما‬
‫الترجمية‪ -‬و متل ٍ‬
‫يدور حوله بسبب عدم إلمامه بلغة الرسالة المو ّجهة إليه بين ثنايا الخطاب الملقى‪ .‬فوظيفة‬
‫المترجم تتل ّخص في جعل المتلقي أكثر إيجابية وأكثر تفاعال مع الخطاب السياسي الملقى‪،‬‬
‫و ذلك برفع اللبس اللغوي و نفي صفة الغرابة عن لغة الخطاب بإستبدالها بأخرى مألوفة‬
‫ومعروفة لدى المتلقي‪ ،‬وال تقع على عاتق المترجم مه ّمة إعادة الصياغة لنقل الك ّم المعرفي‬
‫المكون الجمالي و الثقافي‪ ،‬و هذا ما أ ّكده الكثير من‬
‫ّ‬ ‫وحسب‪ ،‬بل تتعدّاه إلى إعادة صياغة‬
‫علماء الترجمة من أمثال نايدا و من يدور في فلكه‪.‬‬

‫غير ّ‬
‫أن عملية إعادة الصياغة ال تتطلب كفاءة لغوية و قدرات تخاطبية في اللغة الهدف‬
‫وحسب‪ ،‬وإنّما تتعداه إلى معرفة و اإلحاطة باألعراف اللغوية للمستقبل و معاني الكلمات‬

‫‪ -165‬س‪.‬بدوي‪ ،1973 .‬مستويات اللغة العربية في مصر‪ .‬القاهرة‪ .‬دار المعارف‪.‬‬


‫‪ - 166‬ريكور‪ ،‬بول‪ .‬في الترجمة‪ .‬ص ‪.26‬‬
‫‪ - 167‬المصدر السابق‪Suzana, Rakova, les théories de la traduction, P 65. :‬‬

‫‪129‬‬
‫عراقيل ترجمة التعابير المسكوكة في الخطاب السياسي‪.‬‬

‫ودالالتها الخاصة بالمخا َ‬


‫طب‪ ،‬و ليس تلك المتعارف عليها‪ ،‬ذلك لوجود إختالفات في‬
‫إستعمال نفس اللغة من طرف المنتسبين إليها‪ ،‬و خير ما يستدل به وجود لكنتين للغة‬
‫‪168‬‬
‫اإلنجليزية و هما المعروفتان باإلنجليزية البريطانية و األخرى األمريكية‪.‬‬

‫يسير المترجم في درب الترجمة على خطى ملقي الخطاب‪ ،‬فيستخرج جوهر كالمه من‬
‫مكونا من مجموعة آللئ معنوية مترابطة بخيط لغوي‬
‫محار كلماته ليصنع بها عقدا فريدا َ‬
‫مستخرج من حنايا الملكة اللغوية للمترجم‪ ،‬و من ثم يهديه إلى وعي المتلقي‪ .‬فالخطاب بعد‬
‫إنتاجه يصبح ُملكا للمترجم بكلماته وتعابيره و معانيه الجليّة و الخفيّة‪ .‬و التملك في معناه‬
‫البسيط حسب ريكور‪ ،‬يفيد أن المترجم يقوم بتغييرات بطريقة واعية أو الواعية‪ ،‬فيصبح‬
‫بذلك الخطاب في نسخته اللغوية الجديدة أكثر إرتباطا بالمترجم منه إلى صاحبه األصلي "‬
‫‪169‬‬
‫كل ترجمة تملك ‪ ...‬و هذا التملك بقدر ما هو نتيجة إلكراه ما‪ ،‬بقدر ما هو تأكيد لحرية"‪.‬‬

‫و ما بين عبارة منتجة و عبارة قيد اإلنتاج‪ ،‬يفتش المترجم عن عبارة ليست ككل العبارات‪،‬‬
‫فهي القادرة على حمل نفس المعاني و تجسيد نفس اإليحاءات الموجودة في الخطاب‬
‫األصلي‪ ،‬فيفتّش عن تلك العبارة هنا و هناك في ثقافته و معلوماته‪ ،‬في فطرته و فطنته‪ ،‬في‬
‫تجاربه و سجيّته‪.‬‬
‫و بينما يحاول المترجم صياغة الجمل و الكلمات‪ ،‬ينتظر الجميع تردّد صدى الخطاب الملقى‬
‫بلسان آخر مألوف‪ ،‬لشخص يمكن أن يكون غير معروف‪ ،‬ذلك ّ‬
‫ألن الزمن المنتظر زمانه هو‬
‫و القول الفيصل قوله هو‪ ،‬فتصمت الحناجر و تنصت األذان في إنتظار كالمه هو‪ ،‬فالمترجم‬
‫‪170‬‬
‫ملك الصدى‪.‬‬

‫‪ - 168‬هذا اإلختالف موجود في اللغة العربية كذلك و أمثلته كثيرة منها‪ :‬قوله تعالى " إن هذان لساحران" حيث اجمع‬
‫اللغويون على أن إسم إن ينصب و يجر بالياء في حال المثنى‪ ،‬إال ان االية الكريمة نزلت بلسان كنانة‪ ،‬الذين كان المثنى‬
‫عندهم ينصب و يجر و يرفع باأللف‪ .‬و كذلك مثال قصة الملك و الراعي‪ ،‬فالمعروف أن الملوك كانت تحكم شعوبا و قبائل‬
‫شتى‪ .‬ففي مرة إلتقى الملك راعيا من رعيته يتعهد غنمه بجانب جرف‪ .‬فتقدم منه قائال ‪ :‬نِط‪ .‬فما كان من الراعي إال أن قفز‬
‫من أعلى الجرف‪ .‬فاستغرب الملك ذلك‪ .‬و ذلك أن كلمة نط في عرف الملك تفيد معنى الجلوس‪ ،‬لكنها تفيد معنى الوثب و‬
‫القفز في عرف الراعي‪ .‬كما أن القصة الشهيرة التي حدثت لخالد بن الوليد رضي هللا عنه مع قوم مالك بن نويرة أثناء ما‬
‫يعرف بحروب الردة‪ .‬حيث طلب من جنوده المكونين في أغلبهم من عرب بني كنانة مساعدة األسرى على تجاوز البرد‬
‫الشديد في ليلة قارسة‪ ،‬قائال لهم " أدفئوهم" ‪ .‬غير أن هاته الكلمة تعني " أقتلوهم" في مضارب بني كنانة‪ .‬فكان ما كان من‬
‫القصة المعروفة ‪.‬‬
‫‪ - 169‬أنظر المصدر السابق‪ :‬ريكور‪،‬بول‪ .‬ص ‪.26‬‬
‫‪ " - 170‬فإن كل ترجمة تحمل في داخلها ما يشبه الصدى المخلص‪ "...‬نفس المصدر‪ :‬ريكور‪ ،‬بول‪ .‬ص‪.23‬‬
‫‪130‬‬
‫عراقيل ترجمة التعابير المسكوكة في الخطاب السياسي‪.‬‬

‫لكن هل يمكن لمترجم الخطاب السياسي إستغالل ذلك النفوذ الممنوح له إلعطاء ترجمته‬
‫بعدا شخصيا؟ و هل يجوز له الخوض في المحظورات و الكشف عما لم يفصح عنه الخطاب‬
‫ي مدى يمكن لمترجم الخطاب السياسي إعمال معاوله التفكيكية إلعادة بناء‬
‫األصل؟ و إلى أ ّ‬
‫نص ترجمته؟‬

‫كتب شارل فونتان عن الترجمة قائال " يتعين على كل راغب في إنجاز ترجمة جيدة‪،‬‬
‫التقيّد باألشياء الثالثة التالية‪ :‬أوال عليه أن ينقل و يحتفظ بألفاظ و تعابير المؤلف (صاحب‬
‫الخطاب) بأكبر قدر من األمانة‪ ،‬و هو ما يمكننا تسميته بالرداء‪ .‬ثانيا‪ ،‬عليه أن ينقل المعنى‬
‫كامال‪ّ ،‬‬
‫ألن من أغرب األمور ترك المعنى أو جعله غامضا‪ ،‬و هو ما يمكننا تسميته بالجسد‪.‬‬
‫ثالثا‪ ،‬عليه أن ينقل و أن يعبر ببساطة عن اللباقة الطبيعية و عن فضيلة و طاقة و لطف‬
‫و أناقة و كرامة و قوة و حيوية الكاتب الذي يريد ترجمته و هو ما يمكننا تسميته بروح‬
‫رسم فونتان في مقولته نهجا و ّ‬
‫خط منهاجا واجب اإلتباع حسبه إلنجاز ترجمة‬ ‫‪171‬‬
‫الدعاء"؛‬
‫وصفها بالجيدة‪ ،‬و إعتمد في ذلك على تحليل النص إلى ثالث مستويات لقبها بالرداء ثم‬
‫الجسد ثم روح الدعاء‪ ،‬لكنه لم يخض في ماهية الوسائل المستعملة و حدود إستعمالها في‬
‫حياكة ذلك الرداء و نحت ذلك الجسد و ترانيم ذلك الدعاء‪ ،‬فهل كل متاح مباح في إعادة‬
‫البعث و التجسيد للنص األصلي في اللغة الهدف؟‬
‫ال تنحصر م مارسة الترجمة في التلقي أو إعادة الصياغة أو التقديم‪ ،‬كما أنها ال تنحصر‬
‫كذلك في عملية التواصل‪ ،‬و لكنها إلتزام و مسؤولية‪ 172.‬و قد ذهبت راكوفا في نفس السياق‬
‫صه‪ ،‬و أنه يجب عليه تع ّهد البذرة‬
‫صيا على الخطاب و ن ّ‬
‫إلى إعتبار المترجم وريثا بل و و ّ‬
‫التي أوكلت مهمة اإلعتناء بها إليه وإعادتها على شكل شجرة‪.‬‬
‫إن تشبيه راكوفا الرسالة المراد إيصالها أو المقصد من الخطاب بالبذرة دليل على أن اللغة‬
‫هي الشجرة‪ ،‬لكن أال يجب على المترجم تعهد و تهذيب و تقليم شجرة لغته لتكون الثمار‬
‫المنتجة بنفس حجم و جودة البذور المغروسة؟ و هل يملك المترجم صالحية تطعيم تلك‬
‫الشجرة بطعم من إختصاصه وإختياره إلعطاء ثمرها صفة لم تكن في ثمر األم؟ خاصة إذا‬
‫كانت تلك البذور مزروعة في تربة تتمتع بدرجة عالية من الحساسية كالخطاب السياسي‪.‬‬
‫‪ - 171‬برمان‪ ،‬أنطوان‪ .‬الترجمة و الحرف أو مقام البعد‪ ،‬ترجمة عز الدين الخطابي‪ .‬المنظمة العربية للترجمة‪ ،‬بيروت ‪ ،2010‬ص ‪.105‬‬
‫‪Susana Rakova , les théories de la traduction, P 79. - 172‬‬

‫‪131‬‬
‫عراقيل ترجمة التعابير المسكوكة في الخطاب السياسي‪.‬‬

‫الخطاب السياسي هو اإلنتاج اللغوي المراد به إيصال رسالة و رسم صورة معيّنة لدى‬
‫متلقيه‪ ،‬يستعمل السياسي اللغة في خطابه على مرحلتين تتمثالن أساسا في التفكير ثم الكالم‪،‬‬
‫و ينقسم التفكير بدوره إلى قسمين‪ :‬فكر شخصي (النية من الخطاب) و فكر مشترك ( المراد‬
‫مشاركته و نقله إلى اآلخر)‪ ،‬ومن هنا نجد ّ‬
‫أن السياسي يقوم بإنتاج خطابين متزامنين‪،‬‬
‫السر‪ ،‬واآلخر يخاطب به غيره و هو العلن‪.‬‬
‫ّ‬ ‫أحدهما يخاطب به نفسه و هو‬
‫إذن هل تحليل الخطاب السياسي و قراءته من أجل ترجمته هو ثنائية قراءة الرسمي‬
‫سع لقراءة األغلبية الصامتة لتلك الخطابات؟ أم ّ‬
‫أن تحليله‬ ‫والمسكوت عنه؟ أم ّ‬
‫أن القراءة تت ّ‬
‫هو قراءة منظور النص من كل جوانبه و قراءة العالقات بين مختلف البنيات التأسيسية‬
‫والتجسيدية للخطاب السياسي في إطار عالم مفتوح‪ ،‬أي قراءة الواحد المتعدد؟‬
‫السر و المعلن من الكالم‪ ،‬فالمترجم يتعامل مع‬
‫ّ‬ ‫ليس من شأن المترجم البحث في تطابق‬
‫المخاطب أو المخا َ‬
‫طب‪ ،‬و إلتزام الحياد أمر‬ ‫ِ‬ ‫النص ال مع الشخص‪ ،‬و مع الخطاب ال مع‬
‫أخالقي؛ فهو ال يميل إلى المتر َجم له كما ال يعادي المترجم عنه‪.‬‬
‫فما يهم المترجم هو إدراك المتلقي للرسالة المرسلة بعيدا عن مدى دقتها و مطابقتها للواقع‪،‬‬
‫فالترجمة حسب كريستوف أسكاني تتلخص في " خدمة سيدين‪ ،‬األجنبي في غربته و القارئ‬
‫في رغبته في التملك"‪173‬و من هنا نجد أن مهمة المترجم تنحصر في التعامل مع نص‬
‫الخطاب الوارد إليه‪ ،‬لكن هل يحق للمترجم أن يبدع و يضيف‪ ،‬أو ينقص من الخطاب‪ ،‬أم‬
‫يجب عليه اإللتزام التام بنص الخطاب األصلي؟‬
‫عبارة " إن واجب و مهمة الكاتب‪ ،‬هما أيضا واجب و مهمة المترجم"‪ 174‬تعكس مدى ثقل‬
‫صه إلحداث نفس التأثير و بنفس الدرجة وكذا‬
‫المهمة الملقاة على عاتق المترجم في صياغة ن ّ‬
‫اإللتزام التام بفحوى الخطاب إلى درجة التمثل بصاحبه‪ ،‬لكن اإلضافة واإلنقاص يعتبران‬
‫إعماال للذاتية الشخصية للمترجم في إنتاج خطاب شخصي يحمل أحكاما شخصية للمترجم‬
‫على م ا يجب أن يقال و ما ال يجب أن يقال‪ ،‬و بذلك يكون المترجم قد تعدى على حرمة‬
‫الخطاب و صاحبه‪ .‬فالمترجم مقيّد و مجبر على اتباع نهج من سبقت خطاه خطاه ومن أملى‬

‫‪ - 173‬المصدر السابق‪ :‬ريكور‪ ،‬بول‪ .‬عن الترجمة‪ ،‬ص ‪.45‬‬


‫‪ - 174‬المصدر السابق‪ :‬برمان‪ ،‬أنطوان‪ .‬الترجمة و الحرف أو مقام البعد‪ ،‬ص ‪.40‬‬
‫‪132‬‬
‫عراقيل ترجمة التعابير المسكوكة في الخطاب السياسي‪.‬‬

‫رؤاه على رؤياه‪ ،‬فهو مقيّد بأخالقيات و ضوابط علمية عملية‪ ،‬ومجبر على نثر الكالم على‬
‫سجيته ليعبر بالرسالة المرسلة و يضيء للمتلقي سراج إدراك المعنى‪.‬‬

‫يعتمد المترجم على هدي البصيرة لتجنب إعطاء الترجمة سيرة شخصية‪ ،‬كما ال يجب‬
‫عليه إيقاظ عواطف و أحاسيس نسي الملقي إيقاظها أو رفض ذلك‪ ،‬فالمفردات تقود المترجم‬
‫و يقودها إلى حيث أراد صاحبها‪ ،‬و هذا ما ذهب إليه بول ريكور حيث قال أن المترجم يجب‬
‫حيث يعّد هذا الفعل تعدّيا صارخا على ملكية‬ ‫‪175‬‬
‫يحول الترجمة إلى تعليق أو نقد"‬
‫" أن ال ّ‬
‫صاحب الخطاب لخطابه‪ ،‬و إخالال بالعملية التواصلية بين طرفي الخطاب‪ ،‬ناهيك عن‬
‫خصوصية الخطاب السياسي من حيث الحساسية و التأثير‪.‬‬
‫صها فرانز‬ ‫ّ‬
‫إن الوضعية التي ال يحسد عليها المترجم أثناء تأديته لمهامه و التي لخ ّ‬
‫ي إعمال‬
‫روزنفايغ في مقولة " المترجم بين نارين‪ :‬رغبة الوفاء و شكوك الخيانة" تجعل أ ّ‬
‫لمعاول فلسفية ذاتية أمرا محضورا‪ ،‬إذ ّ‬
‫أن ترجمة الخطاب السياسي ال يمكن لها تح ّمل الشك‬
‫الفلسفي‪.176‬‬
‫أن الترجمة عملية تواصلية فإنّها تشترط معرفة عدة مستويات بين المرسل و المتلقي‪،‬‬
‫و بما ّ‬
‫نذكر منها المستوى الداللي‪ ،‬و ذلك عن طريق إدراك العالقة بين الدوال المنتجة و مدلوالتها‬
‫والقصد من نظمها‪ .‬ف"القصد هو الذي يتحكم في األفعال اللغوية كونه المحدد لشكلها‬
‫فإدراك المعاني الصريحة و التعبير عنها بنفس الصراحة‬ ‫‪177‬‬
‫ومعانيها و طريقة صياغتها"‬
‫واجب‪ ،‬وإدراك المعاني الضمنية المضمرة والغير الصريحة و تضمينها في الترجمة بنفس‬
‫طريقة اإلضمار و التضمين أوجب‪ ،‬ف "السياسي في خطابه غالبا ما يميل إلى عدم إلزام‬
‫نفسه بالتزامات صريحة و إلى عدم توريط نفسه" لذا كان لزاما على المترجم استبعاد كل نية‬
‫تعليق أو إضافة أو تفسير‪ ،178‬و لذلك نضرب مثال خطاب الرئيس الفرنسي ماكرون إثر‬

‫‪ - 175‬أنظر‪ :‬ريكور‪،‬بول‪ .‬عن الترجمة‪ ،‬ص ‪.12‬‬


‫‪ - 176‬إستعمل الدكتور طه عبد الرحمن مصطلح التحويل الترجمي مؤكدا إختالفه عن النقل حيث قال " التحويل على النقل‪،‬‬
‫‪ ...‬و ان الترجمة ذات طبيعة تحويلية بموجب كبف اللغات و كم المعاني‪ ،‬و أن مظاهر التحويل متعددة‪ ،‬منها الكذب و‬
‫التحريف و الحذف و النقصان و الزيادة و التقديم و التأخير و اإلخالل بالمعنى الخاص و العام‪ ،‬و و اضح بالمراد بالكذب‬
‫هنا هو ما يراد عند المحدثين بلفظ الخيانة" أنظر‪ :‬برمان‪ ،‬أنطوان‪ ،‬الترجمة و الحرف‪ ،‬ص ‪.25-24‬‬
‫و في هذا الصدد نذكر حادثة تحريف خطاب الرئيس المصري األسبق محمد مرسي في طهران‪.‬‬
‫‪ - 177‬المصدر السابق‪ :‬عقيلة‪ ،‬مصيطفى‪ .‬ص ‪.22‬‬
‫‪ - 178‬رزيق‪ ،‬حنان‪ ،2017 ،‬ترجمة العبارات اإلصطالحية في الخطاب السياسي‪ ،‬مجلة دفاتر الترجمة‪ ،‬العدد ‪ ،8‬ص ‪.59‬‬
‫‪133‬‬
‫عراقيل ترجمة التعابير المسكوكة في الخطاب السياسي‪.‬‬

‫أزمة سياسية مع الو م أ‪ ،‬أدلى فيه بعبارة يعبر فيها عن إستيائه قائال " أمريكا تمارس‬
‫السياسة األمريكية" ‪ ،‬و إلتزم المترجم بالترجمة الحرفية للعبارة لتجنب أي تأويل شخصي‬
‫من جهة‪ ،‬و لنقل حذر وعدم رغبة الرئيس الفرنسي في الدخول في عداوة صريحة من جهة‬
‫أخرى‪.‬‬

‫عراقيل الترجمة السياسية‪:‬‬ ‫‪-1‬‬


‫تنقسم ترجمة الخطابات السياسية إنقسام الترجمة ذاتها إلى ترجمة تحريرية و ترجمة‬
‫شفوية‪ ،‬وعلى نقيض الترجمة التحريرية التي يملك مستعملها عامل الزمن الالمحدود مقارنة‬
‫بالترجمة الشفوية و هذا إلستثمار قدراته البحثية في صياغة و إعادة صياغة النص المراد‬
‫ترجمته للحصول على نسخة مترجمة تقارع النص األصلي في أصالته‪.‬‬
‫ّ‬
‫إن أبرز المشاكل و العراقيل المتوقع مواجهتها تكمن في هذه األخيرة و ذلك إلرتباطها الوثيق‬
‫بسادية الزمن المتاح للتلقي و إعادة اإللقاء ضمن العملية الترجمية‪ ،‬يمكن تلخيص تلك‬
‫العراقيل التي يمكن أن يصادفها المترجم السياسي الفوري في‪:‬‬

‫‪ 1-4‬إستعمال اللغة أو اللغات الخاصة‪:‬‬

‫لك ّل لغة تعابير خاصة تعكس مدى ثرائها و تميزها‪ ،‬بحيث يشترك فيها مجموع مستعمليها‬
‫شك ّ‬
‫أن ملقي الخطاب يستعمل ك ّما متفاوتا من هذه العبارات لغرض‬ ‫و المحيطين بها‪ ،‬و ال ّ‬
‫إثراء خطابه و إثارة متلقيه‪.‬‬
‫من شأن هذه العبارات إعاقة عمل المترجم لصعوبة ترجمتها و الجهد المكلّف لذلك‪ ،‬و كذا‬
‫الحيّز الزمني الالزم لذلك‪ ،‬فالمترجم يسعى إليجاد مكافئ أو مرادف لتلك التعابير لغرض‬
‫تجسيد مبدأ األمانة الترجمية‪ ،‬و في حال عدم وجوده فإن المترجم يسعى إلى إيجاد صيغة‬
‫أخرى بإستعمال المتوفر من الوحدات اللغوية‪ ،‬لتصبح فيما بعد التعابير المنتجة حلوال‬
‫مقترحة لمثل العبارة المش ِكل‪ ،‬و تصير طريقة إنتاجها طريقة لمعالجة المشكالت اللغوية من‬
‫نفس النوع المعالج؛ يقول ميرزنيتش " ّ‬
‫إن القشرة المخيّة تقـوم إنتقائيـا بتحسين قدرات‬
‫و يندرج‬ ‫‪179‬‬
‫صة بها لتتالءم مع كل مهمة تقوم بها‪ ...‬فهي تتعلم كيف تتعلم"‬
‫المعالجة الخا ّ‬

‫‪ - 179‬أنظر المصدر السابق‪ :‬دويدج‪ ،‬نورمان‪ .‬الدماغ‪ ،2009 .‬ص ‪.61‬‬


‫‪134‬‬
‫عراقيل ترجمة التعابير المسكوكة في الخطاب السياسي‪.‬‬

‫تحت خانة التعابير الخاصة كل من المصطلحات العلمية و التقنية‪ ،‬و خاصة المستجد منها‬
‫و غير المتداول إضافة إلى التعابير المسكوكة كاألمثال و اإلقتباسات و النكات و الطرائف‬
‫المختصرة و كذا اللهجات الغير متداولة‪ ،‬و من أبرز السياسين المستعملين للهجات المحليّة‬
‫نجد الرئيس الليبي األسبق " معمر القذافي"‪.‬‬
‫يعتبر ما حدث للرئيس األمريكي جيمي كارتر في زيارته إلى بولندا خير دليل على‬
‫الصعوبات و المشاكل التي يمكن أن تطرحها اللغات و اللهجات و اللكنات الخاصة‪ ،‬حيث‬
‫وبعد إستبدال المترجم المرافق له بآخر بولندي يتقن اإلنجليزية‪ ،‬لم يترجم هذا األخير عبارة‬
‫واحدة بسبب تكوينه اللغوي األكاديمي و عدم إلمامه باللكنة األمريكية التي تحدث بها الرئيس‬
‫‪180‬‬
‫األمريكي‪.‬‬

‫‪ 2-4‬اإلفراط في التركيز‪:‬‬

‫المقصود باإلفراط في التركيز هو حالة توقف المترجم عند وحدة كالمية كاملة المعنى‬
‫ومنتهية المقصد إلنتاج وحدة تُرجمية موافقة لها دون جدوى‪ ،‬و ذلك راجع إ ّما لعدم كفاية‬
‫الرصيد اللغوي للمترجم لترجمة عبارات بالغة األهمية واجبة الترجمة مع إفتقاره للتقنية‬
‫صة تتراوح بين البالغة‬
‫المناسبة إليصال الرسالة‪ ،‬أو إلستعمال المخاطب لعبارات خا ّ‬
‫المترجم‪.‬‬
‫ِ‬ ‫اإلنشائية للخطاب و الغرابة المنشئية عن‬
‫و في خضم اإلفراط في التركيز من طرف المترجم على إستثمار الموجود من تقنيات وصيغ‬
‫تمر عليه وحدات كالمية أخرى دون أن يلقي لها باال‪.‬‬ ‫طل ُ ِ‬
‫ب المفقود‪ّ ،‬‬ ‫كالمية في ت َ‬

‫و يعود اإلرهاق و اإلفراط في التركيز أيضا إلى كميّة العمل المؤدّى‪ ،‬و كثافة الجهد‬
‫المبذول الناتج عن كثرة العمل أو طول الخطاب الواجب ترجمته‪ ،‬و في هذه المناسبة نذكر‬
‫ّ‬
‫أن أطول خطاب سياسي في هيئة األمم المتحدة كان لمندوب الهند المدعو " كريشنا مينون"‬
‫حيث أدلى سنة ‪ 1957‬بخطاب دام ثمانية (‪ )08‬ساعات‪ ،‬تحدث فيها عن قضية كشمير‬
‫وخالف بالده مع باكستان‪ ،‬و كان لطول خطابه أثر سيء عليه‪ ،‬حيث أغمي عليه و تلقى‬
‫العالج سريعا للعودة إلى إكمال خطابه من أجل إكتساب تأييد الرأي العام الدولي‪ ،‬و ما كان‬

‫‪ -‬أخطاء في الترجمة‪https://www.arabic.sputniknews.com/world/201903041039511344- (15/05/2019) .‬‬ ‫‪180‬‬

‫‪135‬‬
‫عراقيل ترجمة التعابير المسكوكة في الخطاب السياسي‪.‬‬

‫من المترجم الذي أرهقه التعب إالّ أن عبر عن إستيائه و إرهاقه الشديد عقب عودة المندوب‬
‫‪181‬‬
‫الهندي إلى إكمال خطابه بعد اإلغماء قائال " ألم يمت هذا اللعين؟"‬

‫‪ 3-4‬التزامن في الترجمة الشفوية‪:‬‬

‫تحتوي آلية الترجمة الدماغية على ثغرات قاتلة يمكن أن تؤدي إلى فشل المترجم على‬
‫اإللمام بك ّل جوانب الخطاب المزمع ترجمته‪ ،‬أو إلى زيادة حدّة توتره و قلقه‪ ،‬و هو األمر‬
‫الذي من شأنه أن يؤدّي إلى إنتاج ترجمات ركيكة أو دون معنى‪.‬‬
‫تكمن تلك الثغرة في الهامش الزمني الذي يستغرقه الدماغ من أجل إدراك الوحدة الجزئية‬
‫من الخطاب المراد ترجمته‪ ،‬فملقي الخطاب قد حضّر نفسه مسبقا من أجل إلقاء خطاب كامل‬
‫لديه محفَزة إللقاء متتالية كالمية تتجاوز حدود‬ ‫‪182‬‬
‫البنية ومتكامل األركان‪ .‬فطاقة اإلستعداد‬
‫اللفظ والجملة‪ ،‬و هذا على عكس المترجم الذي يهيئ نفسه إلستقبال وحدات جزئية من‬
‫الخطاب الكلي ألجل ترجمتها‪.‬‬
‫أثبت العلم الحديث ّ‬
‫أن الزمن الالزم لإلدراك يصل إلى ‪ 500‬ميلي ثانية‪ ،183‬إضافة إلى الزمن‬
‫المترجم لنفس الوحدة المعنوية؛ أي يمكن أن يصل زمن تأ ّخر‬
‫ِ‬ ‫الالزم إلنتاج الك ّم اللغوي‬
‫المترجم عن صاحب الخطاب إلى ‪ 02‬ثانية في أحسن األحوال‪ ،‬و هي المدّة الزمنية الالزمة‬
‫ِ‬
‫إلدراك الرسالة الصوتية الواردة والرسالة المراد إصدارها ‪ ،‬مع إهمال المدّة الزمنية‬
‫الالزمة لتنقّل الرسالة العصبية بين مختلف المراكز اإلدراكية و الحركية‪ ،‬وهذا في حال‬
‫كانت الوحدة المتر َجمة عبارة عن وحدة إختصارية تتكون من ‪ 3‬إلى ‪ 5‬مقاطع لغوية‬
‫‪ ، (Syllabes)184‬حيث يمكن أن يتمدد حيز الفارق الزمني بين تأدية الخطاب والترجمة كلّما‬
‫زاد طول الوحدة الكالمية المتر َجمة و الوحدة الترجمية المنت َجة‪ .‬و يكمن الخلل في إستغالل‬
‫ذلك الحيّز الزمني من طرف ملقي الخطاب في إنشاء وحدات كالمية معنوية خطابية‬

‫‪https://www.alwatan.com.sa/article/317023 (20/05/2019)- 181‬‬


‫‪ - 182‬جهد اإلستعداد‪ :‬في ثمانينيات القرن العشرين أجرى عالم األعصاب ليبت تجربة ‪ ...‬تبحث العالقة الوقتية بين جهد‬
‫اإلستعداد و القرار الواعي للقيام بالفعل‪ .‬طلب العالم من الخاضعين للتجربة القيام بحركة بأيديهم في أي وقت من‬
‫إختيارهم أثناء مشاهدة ساعة شمسية متحركة‪ .‬و تم قياس النشاط الكهربائي للدماغ‪ ....‬المثير لإلهتمام أن الرغبة في تحريك‬
‫اليد كانت تلي على الدوام بداية جهد اإلستعداد في الدماغ‪ .‬أنظر‪ :‬فيسترهوف‪ ،‬يان‪ .‬الحقيقة‪ .2016 .‬ص‪.73‬‬
‫‪ - 183‬المصدر السابق‪ :‬فيسترهوف‪ ،‬يان‪ .‬ص‪.94‬‬
‫‪ - 184‬نفس المصدر‪ :‬فيسترهوف‪ ،‬يان‪.‬ص ‪.66‬‬
‫‪136‬‬
‫عراقيل ترجمة التعابير المسكوكة في الخطاب السياسي‪.‬‬

‫وإرسالها في زمن إنهماك الدماغ الترجمي إ ّما على تحليل المعلومة الواردة‪ ،‬أو على تنسيق‬
‫الكلمات المزمع إنتاجها‪ .‬ويعتبر ذلك الحيز الزمني بمثابة فجوة أو ثغرة إدراكية‪ ،‬إذ يتوالى‬
‫وصول الذبذبات الصوتيّة التي ينتجها صاحب الخطاب إلى المستقبالت السمعية للمترجم‪ ،‬و‬
‫هذا ما أثبتته تجارب ليبت‪ ،‬حيث توصل إلى ّ‬
‫أن اإلنسان قادر على التمييز بين األصوات‬
‫الواردة إليه خالل المدة الزمنية الالزمة إلدراك السلسة الصوتية األولى‪ّ ،‬إال أنّه ال يستطيع‬
‫فإن كان الدماغ قد أنهى عملية اإلدراك للوحدة المعنوية األولى دون‬ ‫‪185‬‬
‫إدراكها أو تحليلها‪،‬‬
‫أن يرسلها أو قبل وصولها إلى منطقة إنتاج اللغة (بروكا)‪ ،‬فإنّه يمكن أن ينهمك في تحليل‬
‫الرسالة الثانية متجاهال إرسال الرسالة األولـى إلـى منطقـة إنتـاج اللغـة‪ ،‬و ذلـك بسبـب‬
‫اإلزدحـام الحاصـل علـى مستـوى المستقبالت السمعية‪.‬‬

‫وسط الكثافة المعلوماتية الواصلة يمكن أن تضيع وحدات من السلسلة الكالمية الواجب‬
‫إنتاجها‪ ،‬فتضيع بذلك فصول من الخطاب الواجب ترجمته‪ ،‬أ ّما في حال وصول الذبذبات‬
‫الصوتية إلى المستقبالت السمعية للمترجم في مرحلة إنهماكه في اإلنتاج اللغوي‪ ،‬فإنّها ال‬
‫تحلّل و ال ّ‬
‫تمر إلى مرحلة الوعي؛ ذلك ّ‬
‫ألن طبيعة الدماغ التركيز على نشاط واحد و هو إ ّما‬
‫المترجمة للسلسلة الكالمية‬
‫ِ‬ ‫تحليل الوحدة الصوتية الواصلة إليه أو إنتاج الوحدات اللفظية‬
‫السابقة‪ ،‬أ ّما السلسلة الصوتية الواصلة فيترجمها الدماغ على أ ّنها ضوضاء دون معنى‪ ،‬و هذا‬
‫معروف عند العا ّم ة بعدم القدرة على الكالم و اإلنصات في وقت واحد‪ ،‬و قد يصل تأثير‬
‫التداخل في الوظائف المتزامنة إلى حدّ العجز عن صياغة الوحدة الكالمية السابقة مع عدم‬
‫إدراك الوحدة المعنوية الالحقة‪.‬‬

‫‪ - 185‬يمتلك اإلنسان قدرة هائلة على التمييز بين األصوات في وقت قصير تصل مدته إلى ‪ 3‬ميلي ثانية‪.‬لكن هاته القدرة‬
‫على التمييز ال تعني بالضرورة اإلدراك الواعي للصوت‪ .‬إذ أن اإلدراك الواعي للصوت يستلزم مدة زمنية ال تقل عن‬
‫‪ 500‬ميلي ثانية‪ ،‬أي نصف ثانية‪ ،‬بينما يتأخر اإلدراك الواعي للصور البصرية عن اإلدراك السمعي بحوالي ‪ 40‬ميلي‬
‫ثا نية‪ .‬و هذا راجع إلى تعقيد الصور البصرية مقارنة بالصوت‪ .‬أنظر ‪ :‬فيسترهوف‪ ،‬يان‪.‬الحقيقة‪ .‬ص‪.94‬‬
‫‪137‬‬
‫عراقيل ترجمة التعابير المسكوكة في الخطاب السياسي‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪:‬‬
‫ترجمة التعابير‬
‫المسكوكة‪.‬‬

‫‪138‬‬
‫عراقيل ترجمة التعابير المسكوكة في الخطاب السياسي‪.‬‬

‫ترجمة التعابير المسكوكة‪:‬‬ ‫‪-1‬‬


‫إستنادا إلى ما جاء به برمان في كتابه الترجمة و الحرف‪ ،‬فإن الهدف األساسي لكل‬
‫ترجمة هو إقامة عالقة مع اآلخر على مستوى المكتوب وإخصاب الثقافة الخاص ة عبر‬
‫تالقحها مع الثقافة األجنبية‪ ،‬بحيث تكون العالقة بينهما مبنية على مبدأ رابح – رابح ‪ ،‬إذ‬
‫تستفيد الثقافة و اللغة المترجم إليها من كم لفظي و تعبيري جديد يثري معجمها التخاطبي‬
‫و التداولي‪ ،‬بينما تستفيد اللغة و الثقافة المترجم منها بالتعريف بها لدى اآلخر و رسم‬
‫الصورة الحقيقية لتلكم الثقافة و الشعوب المتبنية لها‪.‬‬
‫ال يمكن إنكار أن التعابير المسكوكة تعتبر من أهم صور التعبير و التراث الالمادي التي‬
‫تتجل ى عبرها جمالية المبنى و كمالية المعنى‪ ،‬فهذه التعابير "تنبع من تراث اإلنسان األبدي‬
‫الثابت الموسوم بطابع الفطرة السليمة و الفطنة و التعقل فتؤلف خالصة فلسفة عملية‬
‫‪186‬‬
‫ومنهج عيش كريم"‪.‬‬
‫إن الحظوة التي تنالها هذه التعابير في أصقاع المعمورة تزيد من تعطش الشعوب‬
‫لإلحاطة بثقافة اآلخر و طريقة عيشه و تفكيره في زمن أصبحت فيه الثقافة حجر األساس‬
‫المعرفي و مرآة الشعوب‪ ،‬كونها قد استطاعت الخروج من بوتقة احتكار الفضيلة و التقوقع‬
‫على الذ ات‪ ،‬إلى االنفتاح على اآلخر و التمتع بفضيلة السماح باالختالف و محاولة فهمه‬
‫‪187‬‬
‫واحترامه‪.‬‬

‫كما أن ترجمة التعابير المسكوكة من شأنها إيجاد مقابلة و مقايسة بين ما ساهمت به‬
‫عبقرية مختلف األقطاب الثقافية و اللغوية في العالم‪ ،‬و من أجل هذا أوجدت معاجم و‬
‫قواميس متعد دة اللغات للتعريف بها عند اآلخر في إطار تقابلي‪ ،‬و ذلك من أجل اإلحاطة‬
‫بوجهة نظر اآلخر إلى األشياء ذاتها‪ ،‬إذ أن البشر يتشاركون نفس وسط التواجد و علة‬
‫الوجود مما يجعلهم يتشاركون نفس اإلهتمامات‪ ،‬فيتفقون أحيانا على رأي و يختلفون في‬
‫طريقة التعبير عنه‪ ،‬فالعربي يمجد الوقت و يعطيه من األهمية ما يجعله يقول " الوقت‬
‫‪ - 186‬المصدر السابق‪ :‬نعوم حجار‪ ،‬جوزيف‪ ،‬المنجد في األمثال و الحكم‪ .‬المقدمة‪.‬‬
‫‪« Quand nous traduisant nous ne produisons pas des copies, mais nous multiplions nos richesses - 187‬‬
‫» ‪culturelles‬‬
‫أنظر‪Hoda, Brinjy. Interculturalité et traduction des expressions figées. Synergies monde arabe. n°9. 2016. P32. :‬‬

‫‪139‬‬
‫عراقيل ترجمة التعابير المسكوكة في الخطاب السياسي‪.‬‬

‫كالسيف إن لم تقطعه قطعك" ‪ ،‬و كذلك عند الغرب » ‪« le temps c’est de l’argent‬‬
‫و هناك مثل آخر في نفس اللغة الفرنسية‪:‬‬
‫‪« Malheur à qui l’épargne, insensé qui le pleure ; le temps est ton navire et‬‬
‫» ‪non pas ta demeure‬‬

‫و من جهة أخرى فإن ترجمة التعابير المسكوكة في سياقها الخطابي نابع من أصل األمانة‬
‫الترجمية والوفاء للنص األصلي بضرورة تجليه بكامل حل ته التعبيرية و الجمالية‪ ،‬و كذا‬
‫الداللية في النسخة المترجمة و تقديمه كما ورد ليتسن ى للمتلقي إدراك الصور الداللية التي‬
‫يرسلها إليه صاحب الخطاب‪ ،‬و هنا تنتقل ترجمة ا لتعابير المسكوكة من باب الفضل‬
‫والمساهمة إلى باب الحتمية و وجوب التعامل معها بالطريقة األنسب لتجسيد مبدأ األمانة‬
‫الترجمية‪.‬‬

‫األمانة الترجمية‪:‬‬ ‫‪-2‬‬


‫ما ال يختلف عليه اثنان هو األهمية البالغة للخطاب السياسي في تقرير مصير و صيرورة‬
‫و سيرورة المجتمعات داخل الدولة الواحدة و العالقات بين الدول و المجتمعات التي تمثلها‪،‬‬
‫بل يمكن تشبيه ترجمة هذا النوع من الخطاب بالسير وسط حقول األلغام‪ ،‬إذ يمكن لخطأ‬
‫بسيط في الترجمة سواء كان متعمدا أو عن غير قصد أن يؤدي إلى كارثة ال تحمد عقباها‬
‫كالتي حدثت في اليابان نهاية الحرب العالمية الثانية‪.‬‬
‫و الخطأ في ترجمة الخطابات السياسية غير مسموح به سواء أكان ناجما عن إغفال جزء من‬
‫الخطاب دون ترجمته‪ ،‬أو عدم اإللمام بالمناسبة الموجدة للخطاب و حيثياته‪ ،‬أو عدم احترام‬
‫خصوصية المتلقي‪ ،‬أو عدم اإلحاطة الكلية بالمعنى‪ ،‬أو سوء الفهم لمراد ملقي الخطاب‪ ،‬أو‬
‫عدم كفاية المخزون اللغوي للمترجم إليجاد الكلمات و األسلوب المناسب لتأدية المعنى كما‬
‫أريدَ له أن يكون‪ .‬لذا كان حسن اختيار المترجم المناسب أمرا حتميا‪ ،‬حيث يكون انتقاؤه وفق‬
‫مقوم األمانة في الترجمة‪ ،‬لكن ما األمانة الترجمية؟‬
‫ِّ‬
‫هل هي معيار الكفاءة في مجال التخصص الترجمي؟ أم هي سرعة البديهة في تحصيل‬
‫الرسالة المعبر عنها؟ أم هي اإللتزام بتتبع الخطاب المراد ترجمته و مجاراة صاحبه كلمة‬
‫بكلمة؟ أم هي التجسيد اللغوي إلرادة المتر َجم عنه؟ أم هي إيصال المفهوم لمن هو أهل للفهم؟‬
‫‪140‬‬
‫عراقيل ترجمة التعابير المسكوكة في الخطاب السياسي‪.‬‬

‫إن أول معيار لألمانة الترجمية متعلق بالمترجم نفسه‪ ،‬فالمترجم األمين هو الذي يقبل‬
‫التكليف بالمهمة الترجمية بناء على كفاءاته اللغوية في لغات العمل‪ ،‬فالقصور في اإلستيعاب‬
‫المعنوي ناجم عن القصور في اإلحاطة بالجوانب اللغوية و التركيبية للخطاب‪ ،‬فال يمكن‬
‫للمترجم السياسي ترجمة خطاب طبي و ذلك لتخصص موسوعته اللغوية و المعرفية في‬
‫مجال مخالف للمراد ترجمته؛ أي أنه غير محيط بالجوانب السياقية الجديدة إلستعماالت اللغة‬
‫التي من المفروض منه الترجمة إليها‪ ،‬و في هذا السياق يقول ابن تيمية " بما أن داللة الكالم‬
‫إرادية‪ ،‬و أن الكالم ال يدل بنفسه بل يدل على ما يريده المتكلم‪ ،‬فإن التخاطب الناجح يقتضي‬
‫معرفة مراد المتكلم‪ .‬و أن سماع الكالم ليس كافيا لفهمه بل ال بد أن نأخذ في حسباننا أمرين‬
‫و هذا األمر يمكن إسقاطه على الترجمة الناجحة أيضا؛ أي أن‬ ‫‪188‬‬
‫هما‪ :‬السمع و العقل"‬
‫اإللمام باإلستعمال السياقي للغة في المجال المنتج فيه الخطاب المراد ترجمته أمر حتمي‪،‬‬
‫وذلك إلختالف المعنى اللغوي المجرد عن المعنى القصدي التخاطبي‪.‬‬
‫كما ال يمكن للمترجم مباشرة الترجمة في مجال تخصصه من أو إلى لغة غير متمكن منها ال‬
‫لشيء إال لتقاربها مع لغة عمله أو اللغة التي يتقنها‪ ،‬إضافة إلى رقي الترجمة إلى مستوى‬
‫الخطاب المراد ترجمته والمقترنة بالبراعة األسلوبية و التمكن من إستراتيجيات الترجمة‬
‫النظرية و التطبيقية‪ ،‬و كذا الرغبة في مباشرة عملية الترجمة و المهمة المراد إسنادها إليه‪.‬‬
‫وفي هذا السياق فإن تولي مهمة الترجمة وإسنادها إلى مترجم من أجل مجرد المرافقة و‬
‫إعادة الصياغة فقط يعد ضربا من المغامرة و المقامرة‪ ،‬و خير ما يستدل به ما حدث للرئيس‬
‫األمريكي "جيمي كارتر " في زيارته الدبلوماسية إلى بولندا اإلشتراكية سنة ‪ 1977‬في‬
‫محاولة لتحسين العالقات في ظل ما يعرف بسياسة التعايش السلمي بين المعسكرين‪ ،‬حيث‬
‫تمت اإلستعانة بمترجم للغة الروسية لمرافقة الرئيس األمريكي ال لشيء إال لتقارب اللغتين‪.‬‬
‫فقام بترجمة عبارة الرئيس التي كان ينوي بها التقرب من الشعب البولندي قائال أنه "مهتم‬
‫بمعرفة رغبات الشعب البولندي المستقبلية" إلى " مهتم بالشهوات المستقبلية للشعب‬

‫‪ - 188‬فريدة زمردة‪ ،‬السياق عند ابن تيمية قراءة جديدة‪ ،2018/03/20 ،‬موقع دراسات و أبحاث‪ ،‬الرابط‪:‬‬
‫)‪https://arabita.ma/blog/(30/08/2019‬‬

‫‪141‬‬
‫عراقيل ترجمة التعابير المسكوكة في الخطاب السياسي‪.‬‬

‫البولندي" مما جعل من الرئيس األمريكي مادة دسمة للسخرية و التهكم في األوساط الشعبية‬
‫‪189‬‬
‫و اإلعالمية البولندية‪.‬‬

‫يقول وولتر بينجامين( ‪ » (walter Benjamin‬إن الترجمة المثالية شفافة فهي ال تخفي‬
‫المقصود بالمثالية في الترجمة هو األمانة نفسها‪ ،‬حيث أكد وولتر على‬ ‫‪190‬‬
‫األصل «‬
‫ضرورة تجلي النص األصلي المترجم في المنتوج الترجمي دون تأويل شخصي أو اقتباس‬
‫مختصر‪ ،‬أو تهجين مغيب للهوية األصلية للنص المراد ترجمته‪.‬‬
‫و في نفس السياق طرح شاليماخر ما أسماه بالمشكلة األخالقية المتمثلة في وجود المترجم‬
‫بين خيارين يتمثالن في " تقريب الكاتب من القارئ أو تقريب القارئ من الكاتب" و ذهب‬
‫إلى ترجيح الرأي األول والتأكيد عليه؛ أي الحفاظ على خصوصية النص األصلي في أصالته‬
‫‪191‬‬
‫الغريبة عن المتلقي‪.‬‬
‫األمانة الترجمية منبثقة من األمانة العلمية نفسها بوصف الترجمة علما قائما بحد ذاته‪،‬‬
‫ومن األمانة العملية ألن الترجمة مهنة لها ضوابط و أخالقيات وجب التقيد بها من أجل‬
‫ممارستها‪ ،‬إذن فاستظهار النص المصدر و إعادة تجسيده بمكونات لغوية مختلفة عن تلك‬
‫األصلية يوجب كفاءة في اختيار تلك المكونات اللغوية لكي ال تحجب النص األصلي وهويته‪،‬‬
‫و من هذا المنطلق يمكننا القول أن والء و إرتباط و تعامالت المترجم مع النص ال مع‬
‫الشخص‪ ،‬و إن كان النص يعتبر تجليا لفكر صاحبه‪.‬‬
‫النظرية التأويلية لدانيكا سيليسكوفيتش المستقاة أصال من تجاربها الشخصية في ميدان‬
‫المكون اللغوي للنص‬
‫ِّ‬ ‫الترجمة الشفوية الفورية‪ ،‬كانت قفزة لتخطي حدود التبعية للكلمة و‬
‫و الخطاب‪ ،‬و ذلك للتعقيدات التي تكتنف عملية اإلستبدال اللغوي كعامل التركيز و إختالف‬
‫هندسة اللغات و محدودية الزمن المتاح للعملية الترجمية‪ ،‬لذا و إنطالقا من مبدأ األمانة‬
‫الترجمية فإن النظرية التأويلية تركز على النقل األمين للمعنى بأقل تكليف لفظي‪ ،‬و ذلك مع‬
‫إعطاء هامش من الحري ة للمترجم في إختيار و إستعمال المفردات و العبارات التي يراها‬

‫‪- 189‬نفس الموقع‪ ،‬أخطاء في الترجمة‪.‬‬


‫‪ -190‬ينظر‪ :‬خديش‪ ،‬صالح‪ .‬األمانة في ترجمة الخطاب السياسي‪ .‬مذكرة ماجيستير‪ .‬جامعة منتوري قسنطينة‪.2010 .‬‬
‫ص‪.13‬‬
‫‪Susana Rakova. Les théories de la traduction, P 65. - 191‬‬

‫‪142‬‬
‫عراقيل ترجمة التعابير المسكوكة في الخطاب السياسي‪.‬‬

‫مناسبة و مؤدية للمعنى بكل أمانة؛ و تركز النظرية التأويلية على موضوع الترجمة؛ أال وهو‬
‫معنى الخطاب‪ .‬فهي ال تولي بالغ اإلهتمام تجاه اللغة و داللة الكلمات ألن األمر يتعلق‬
‫بالبحث عن قصد كاتب الرسالة و ما وراء قوله ‪« 192‬‬
‫و من هنا يمكننا التمييز بين نوعين من المعنى هما ‪ :‬الداللي و السياقي‪ ،‬حيث ينحصر األول‬
‫في المعنى المباشر و الدالالت المعجمية للكلمات و األلفاظ المستعملة‪ ،‬أما المعنى السياقي‬
‫فهو مقصد القول أو المعنى الغير المباشر و المستتر خلف الحجب اللغوية للخطاب‪ ،‬و التمكن‬
‫من هذا المعنى ال يتأتى إال باإلحاطة بسياق الكالم؛ ذلك ألنه غير ثابت‪ ،‬فهو يتغير بتغير‬
‫معطيات سياق إنتاج الخطاب‪.‬‬
‫غير أن المدرسة الباريسية ليست السباقة إلى تبني هذا التيار الترجمي‪ ،‬و إن كانت هي من‬
‫أعطته الصيغة اللغوية و أضفت عليه الصبغة العلمية‪ ،‬فقد كان سيسيرو من رواد مفضلي‬
‫أسبقية المعنى على الكلمة في إطار بحثه الدؤوب عن أنجع الطرق لترجمة النصوص‬
‫المقدسة‪ ،‬و ذلك إلحتواء مثل هذه النصوص على معاني و إيحاءات ال تدرك إال بعد الغوص‬
‫فيما وراء المكون اللغوي‪ ،‬هذا المعنى الذي ال يتجلى للباحث عنه إال بعد التمعن في خلفياته‬
‫و دراسة حيثياته و معرفة موجداته و التمكن من مكوناته اللفظية و الداللية الجلية و الخفية‬
‫فيما سماه علماء اللسانيات من أمثال جون ميشال أدامس بالسياق‪ ،‬و بذلك يتأتى مبدأ األمانة‬
‫بتجلي النص األصلي ليس بالجسد اللغوي و إنما بروح معنى األصل‪ ،‬ليكون بذلك النص‬
‫األصلي و الترجمة بمثابة توأم حقيقي بحلتين مختلفتين‪.‬‬
‫إن مهنة الترجمة وجدت لتلبية حاجتين و إشباع رغبتين أساسيتين‪ ،‬تتعلق األولى بحاجة‬
‫الملقي أو صاحب الخطاب إلى توسيع نطاق تأثيره و نشر فكره و رؤيته‪ ،‬و الثانية تتمثل في‬
‫حاجة المتلقي لفهم غيره و اإلطالع على أفكار من يهتم ألمره و يرتبط بقاؤه ببقائه‬
‫بشدة‪،‬‬ ‫‪193‬‬
‫و إستمراريته بإستمراريته‪ ،‬و يتعلق مصيره بمصيره‪ .‬و هذا ما أثاره شاليماخر‬
‫طارحا إشكالية إزدواجية الهدف الترجمي بين تقريب المؤلف من القارئ أو ما يعرف‬
‫بالتوطين‪ ،‬و تقريب القارئ من المؤلف و هو ما يعرف بالتغريب‪ ،‬ذلك كون اإلثنين يمثالن‬
‫طرفي المعادلة الترجمية‪ .‬لذا فإن التركيز على المتلقي سواء كان قارئا أو مستمعا يعتبر‬

‫‪ - 192‬المصدر السابق ‪ :‬خديش‪،‬صالح‪ .‬األمانة في ترجمة الخطاب السياسي‪ .‬ص‪.15‬‬


‫‪ - 193‬أنظر المصدر السابق‪ :‬ريكور‪ ،‬بول‪ .‬عن الترجمة‪ ،‬ص ‪.12‬‬
‫‪143‬‬
‫عراقيل ترجمة التعابير المسكوكة في الخطاب السياسي‪.‬‬

‫صيغ ألجله الخطاب وفقا‬


‫حتمية ال مفر منها إلتمام العملية الترجمية‪ ،‬ذلك أن المتلقي هو "من ِّ‬
‫فالمترجم مجبر على إحترام ثقافة المتلقي و مستواه اللغوي و المعرفي إلعادة‬ ‫‪194‬‬
‫لشروطه"‬
‫رسم الصورة الذهنية ‪-‬التي تبناها ملقي الخطاب‪ -‬في ذهن المتلقي لكن وفق أدوات المتلقي‬
‫الخاصة به و ألوانه الثقافية و األسلوبية و حتى المستوياتية‪ ،‬يقول المترجم دابالنكور في هذا‬
‫الصدد " السفراء قد تعودوا أن يتزينوا بلباس البلد الذي يستضيفهم خوفا من الظهور بمظهر‬
‫مضحك أمام أولئك الذين يحرصون على إثارة إعجابهم‪ .‬إن هذا األمر ينطبق على‬
‫الترجمة"‪195‬؛ فالخطاب غير الم فهوم لدى المتلقي محكوم عليه بالتجاهل و الفناء ألنه ال‬
‫يحرك فيه شيئا و ال يزرع فيه فكرا و بالتالي ال يلق منه إستجابة‪ ،‬فيحيد بذلك الخطاب عامة‬
‫والترجمة خاصة عن مسارها والهدف منها في إيصال روح النص الذي وصفه سارتر‬
‫‪196‬‬
‫بمناداة القارئ‪.‬‬
‫كما كان سيزل ينظر إلى الكالم بأنه فعل إيرادي قصدي خال من العبثية‪ ،‬و لذلك وجبت‬
‫‪197‬‬
‫مراعاة المتلقي بمراعاة مقامه و جلب إنتباهه‪ ،‬و ذلك لموقعه الهام في العملية التواصلية‬
‫الترجمية‪.‬‬

‫عراقيل ترجمة التعابير المسكوكة‪:‬‬ ‫‪-3‬‬


‫تعرض معظم المترجمين و المنظرين للترجمة إن لم نقل كلهم إلى المصاعب والعراقيل‬
‫التي تعيق عمل المترجم و ت ُّحد من مدى كفاءة أدائه و تنتقص من قيمة إنتاجه اللغوي‪ ،‬و‬
‫من أبلغ ما قيل في ذلك ما جاء على لسان السيدة دوستايل التي شب هت عملية الترجمة‬
‫بعزف مقطوعة موسيقية مؤل فة في األصل للعزف على آلة موسيقية مختلفة تمام اإلختالف‬
‫عن تلك التي يعزف عليها المترجم‪ ،‬فال مخارج األصوات تتشابه‪ ،‬و ال اآلالت تتشابه‪ ،‬و‬
‫‪198‬‬
‫ال حتى طريقة العزف تتشابه‪.‬‬

‫‪ - 194‬الحميري‪ ،‬عبد الواسع أحمد‪ ،2005 ،‬شعرية الخطاب في التراث النقدي البالغي‪ ،‬المؤسسة الجامعية للدراسات و‬
‫النشر و التوزيع‪ ،‬بيروت‪ ،‬ص‪.5‬‬
‫‪ - 195‬المصدر السابق ‪ :‬بحراوي‪ ،‬حسن‪ ،‬مأوى الغريب دراسات في شعرية الترجمة‪ ،‬ص ‪.101‬‬
‫‪196‬‬
‫‪ -‬المصدر السابق‪ :‬خديش‪ ،‬صالح‪ .‬األمانة في ترجمة الخطاب السياسي‪ .‬ص ‪.43‬‬
‫‪ - 197‬المصدر السابق السابق‪ :‬مصيطفى‪ ،‬عقيلة‪ .‬نظرية المعنى و مقاصد الخطاب من خالل دالئل اإلعجاز لعبد القاهر‬
‫الجرجاني‪ ،‬مجلة الواحات للبحوث و الدراسات‪ ..‬ص ‪.23‬‬
‫‪ - 198‬المصدر السابق‪ :‬بحراوي‪ ،‬حسين‪ .‬مأوى الغريب دراسات في شعرية الترجمة‪ ،‬ص ‪.34‬‬
‫‪144‬‬
‫عراقيل ترجمة التعابير المسكوكة في الخطاب السياسي‪.‬‬

‫كما شب ه هوغو عمل المترجم بعمل المهندسين الذين يجعلون الجبال العالية صالحة‬
‫لكن تمهيد و تهيئة تلك الجبال ليس بالهي ن‪ ،‬شأنه شأن الترجمة التي تستدعي‬ ‫‪199‬‬
‫للمرور‪،‬‬
‫بذل جهد في تخطي مختلف العقبات لتهيئة الطرق و مد جسور اإلدراك المعرفي‪ ،‬و النيل‬
‫من شرف معنى الخطاب األصل‪.‬‬

‫إن طبيعة التعابير المسكوكة كنصوص مركزة تحمل في طياتها أبعادا ثقافية تتمتع‬
‫بالخصوصية التفكيرية لمجتمع ما متجسدة في كم لفظي متفاوت الطول يُضمر من المعاني‬
‫والدالالت ما ال تبديه عناصره اللغوية‪ ،‬لَيَضع مترجمها أمام مشاكل جمة تدور كلها في فلك‬
‫األمانة الترجمية‪ ،‬فالمترجم حسب كريستوف أسكاني "رهينة خدمة سيدين‪ ،‬األجنبي في‬
‫غربته و القارئ في رغبته في التملك" و بهذا فإنه يصطدم بإشكالية "مقاومة النص المراد‬
‫‪200‬‬
‫ترجمته و مقاومة لغة إستقبال الترجمة"‬

‫يسعى المترجم بكل ما أوتي من قوة معرفية و كفاءة لغوية و طرائق ترجمية لتخطي‬
‫أهم عقبتين في ترجمة هذا النوع من التعابير‪ ،‬و اللتان تتمثالن أساسا في عاملي هندسة‬
‫اللغة و إختالف الثقافة و ما ينتج عنهما‪ ،‬و ذلك من أجل ردم الهوة و تقليص الفارق في‬
‫كمالية التعبير و الداللة‪.‬‬
‫هذان العامالن تفرضهما السيادة الوهمية التي يتمتع بها النص األصلي و يتقاسمها مع‬
‫ملقيه ويفرضها على متلقيه من جهة‪ ،‬و رغبة نص الوصول في إحتواء نظيره و التمتع‬
‫بنفس قوة اإليحاء و التعبير ليكون ندا له في العالم التخاطبي‪ ،‬و كفؤا للحلول محله و تأدية‬
‫ما كان يمكن أن يؤديه األصل لوال عامل غرابة اللغة من جهة أخرى‪ ،‬و ذلك إلشباع لغة‬
‫الترجمة بالغرابة الكامنة في اللغة األصل‪ ،‬و إجبار اللغة األصل إلى النزوح إلى لغة‬
‫الترجمة‪ ،‬فهل و كيف سيوفق المترجم في رهانه؟ إن هذا التساؤل الذي يتبادر في ذهن‬
‫المترجم عند مباشرة كل عملية ترجمية‪ ،‬يجعله يترنح بين األمل في الكمال الترجمي‬
‫بإيجاد و إنتاج نسخة لغوية وسيطة مثالية من جهة‪ ،‬يقابله شك الوقوع في الخيانة الترجمية‬

‫‪ - 199‬المصدر السابق‪ :‬برمان‪ ،‬أنطوان‪ .‬الترجمة و الحرف أو مقام البعد‪ ،‬ص ‪.130‬‬
‫‪ - 200‬المصدر السابق‪ :‬ريكور‪ ،‬بول‪ .‬عن الترجمة‪،‬ص ‪.30 -21‬‬
‫‪145‬‬
‫عراقيل ترجمة التعابير المسكوكة في الخطاب السياسي‪.‬‬

‫بعدم إستيفاء و عكس الخطاب األصلي في صورة تليق بأصالته في اللغة الهدف في الجهة‬
‫‪201‬‬
‫األخرى‪.‬‬

‫‪ 1-3‬تمييز التعابير المسكوكة‪:‬‬


‫إن أول إشكالية يمكن أن تعترض طريق المترجم أثناء ترجمته للخطاب السياسي أو‬
‫غيره هي التمييز بين العبارات المسكوكة و غيرها‪.‬‬
‫إنطالقا من مفهوم التعابير المسكوكة كتعابير خاصة تتضمن في أغلب األحيان دالالت‬
‫مستقلة عن المعاني الفردية لمكوناتها‪ ،‬فالمترجم مجبر على تمييزها لتخصيص طريقة‬
‫تعامل خاصة معها تختلف عن طريقة تعامله مع التعابير العادية فعبارة " أترك بينك‬
‫و بينهم شعرة معاوية "تستدعي التوقف والتدبر و التأمل إلدراك المعنى الحقيقي للعبارة‬
‫والمتمثل في الدبلوماسية و المهادنة‪.‬‬
‫كما أن العبارة الفرنسية » ‪ « ouvrir la boite de pandore‬ال يمكن التمكن من معناها‬
‫وداللتها الخفية إال من لدن لبيب‪.‬‬
‫و تتفاوت درجة الصعوبة في تحديد التعابير المسكوكة من عبارة لعبارة أخرى حسب‬
‫درجة المسكوكية المرتبطة إرتباطا وثيقا بدرجة التعتيم الداللي‪ ،‬فالتصنيف الذي وضعته‬
‫مارغاريتا راموس و المتضمن لثالثة أنواع من المسكوكات اللغوية منها‪ :‬التامة و الشبه‬
‫التامة التي يرتبط معناها بأحد مكوناتها اللغوية و التعابير الشبه الخاصة التي تحتمل وجود‬
‫معنى ضمني‪ ،‬يثبت التفاوت في إدراك ماهية و معنى هذه التعابير إلى حد كبير‪ ،‬ذلك لتمتع‬
‫هذا النوع من التعابير الخاصة بخصوصية المبنى المتمثل في اإليجاز و المعنى المتمثل‬
‫‪202‬‬
‫في الدقة و التعتيم‪.‬‬

‫‪ 2-3‬تحديد المعنى‪:‬‬

‫‪ " - 201‬الحقول الداللية ال تتطابق و حسب‪ ،‬و لكن التراكيب أيضا ليست متعادلة و أساليب الجمل ال تحمل نفس‬
‫الموروثات الثقافية‪ ،‬و هو ما يمكن أن نقوله عن الدالالت ‪ ...‬التي تشحن المعاني المعجمية‪ ...‬من خالل هذا التنافر‬
‫المركب يستمد النص األجنبي مقاومته للترجمة‪ .‬و بهذا ال معنى يعلن عدم قابليته المتناثرة للترجمة"‪ .‬أنظر نفس المصدر‬
‫‪ :‬ريكور‪ ،‬بول‪ .‬عن الترجمة‪ ،‬ص ‪.19‬‬
‫‪ " - 202‬و لكن الصعوبة الكأداء ظهرت في التعريب و الترجمة‪ ،‬إذ ال يخفى على أحد ما لصيغ هذه التعابير و معانيها غالبا‬
‫من الوجازة و الدقة المتناهية بحيث يكون متعذرا نقلها إلى لغة أخرى" ‪ .‬نفس المرجع‪ :‬نعوم حجار‪ ،‬جوزيف‪ ،‬المنجد في‬
‫األمثال و الحكم و الفوائد اللغوية‪ .‬المقدمة‪.‬‬
‫‪146‬‬
‫عراقيل ترجمة التعابير المسكوكة في الخطاب السياسي‪.‬‬

‫يستوجب النيل من مقاصد الخطاب إدراكا بدالالت األلفاظ و التعابير المستعملة عن‬
‫طريق إدراك العالقة بين الدوال اللغوية و الدالالت التي تحملها و تعكسها و تنقلها في‬
‫سياق نظم الخطاب و إلقائه‪ ،‬كما تستدعي ترجمة الخطابات معرفة بخصائص هذا النوع من‬
‫التعابير و طريقة توظيفها و المراد من إستعمالها و معناها الداللي في سياقها التداولي‪.‬‬

‫إن اإلتحاد القائم بين اللفظ و المعنى في تشكيل المفردات و التعابير العادية يميل إلى‬
‫منح األول الحق في السيطرة على الثاني و رسمه و تحديد معالمه في سياق النص‬
‫األصلي؛ أي أن المعنى يخضع لنوع من التبع ية و العبودية اللغوية للفظ الحامل له‪.‬‬
‫في حين أثبتت الترجمة هشاشة اللفظ و ضعفه المستشري بسبب خنوعه للحواجز اللغوية‬
‫الشكلية‪ ،‬و أعطت بذلك حق الريادة للمعنى ومنحته حق حرية التنقل بين األشخاص‬
‫والثقافات لكونه قادرا على التمثل في كل ال لغات بفضل كنهه المحسوس‪ ،‬لكن ماذا إن كان‬
‫المعنى األصلي يتمت ع بإستقاللية ذاتية عن اللفظ الحامل له؟ فكيف السبيل إلى إدراكه‬
‫وعزله لمنحه حق السيادة المعنوية و إختيار الجسد اللغوي الكفء لحمله و الداللة عليه في‬
‫اللغة الهدف؟‬

‫شب ه سيرفانتس الترجمة بالنظر في ظهر السج اد‪ ،‬حيث ال يتيح لصاحبه سوى رؤية‬
‫إذن فصعوبة ترجمة التعابير‬ ‫‪203‬‬
‫العقد اللغوية و ال يعكس جمال الصور التي تزين السجاد‪،‬‬
‫المسكوكة ال تنتهي بتحديدها و حسب‪ ،‬و إنما تتعدى عملية التعرف عليها و تحديد وجودها‬
‫إلى تحديد معناها و المراد من إستعمالها في سياق القول الذي وردت فيه‪.‬‬
‫ومع تفاوت التعابير المسكوكة في درجة التعتيم الداللي‪ ،‬فإن ما يتحكم في عملية تحديد‬
‫المعنى الصحيح و المراد منها هو الكم الداللي المستقى من العبارة المسكوكة و مدى‬
‫موافقته للسياق اإللقائي‪ ،‬فمن التعابير ما يتمتع بصفة الغموض و تعدد الدالالت التي يمكن‬
‫إستقاؤها منه‪.‬‬

‫صن فت العبارة الشهيرة " لقد فهمتكم" » ‪ « je vous ai compris‬للرئيس الفرنسي‬


‫ُ‬
‫األسبق "ديغول " في الجزائر سنة ‪ ،1958‬على أن ها العبارة األكثر إبهاما‪ ،‬ذلك ألن‬
‫جمهور المتلقين لخطابه لم يكن ذا طبيعة متجانسة‪ ،‬بل كان خليطا من كل األطياف الشعبية‬
‫‪ - 203‬المصدر السابق‪ :‬بحراوي حسين‪ .‬مأوى الغريب‪ ،‬دراسات في شعرية الترجمة ‪ ،‬ص ‪.32‬‬
‫‪147‬‬
‫عراقيل ترجمة التعابير المسكوكة في الخطاب السياسي‪.‬‬

‫التي تعيش في الجزائر آنذاك‪ ،‬ومع هجانة التركيبة البشرية للجمهور المتلقي فإن‬
‫إهتماماتهم كانت تتمتع بطابع التنو ع إلى درجة التناقض و التضارب‪ ،‬بين من يريد‬
‫اإلست قالل و من يريد إستمرارية اإلستعمار‪.‬‬
‫إن كانت هذه العبارة تنم و تكشف عن دهاء و حنكة سياسيين‪ ،‬فإن عبارة أخرى (العبارة‬
‫اليابانية موكا سوتسو) قد أدى سوء ترجمتها أمام المعاني المتعد دة لها و إختيار المعنى‬
‫الغير المراد بها إلى إزهاق أرواح أالف األبرياء في اليابان سنة ‪.1944‬‬

‫‪ 3-3‬إختالف الحقول الداللية‪:‬‬


‫إن عملية اإلستبدال اللغوي للتعابير بين اللغات تطرح مشكلة المعنى المراد من العبارة‬
‫من جهة‪ ،‬و المعاني المحيطة بالمعنى المراد أو ما يسمى بالمعاني الواردة من جهة أخرى‪،‬‬
‫ذلك ألن لكل لفظة أو كلمة حقال دالليا يت سع و يضيق حسب المعاني الواردة للفظة في لغة‬
‫ما‪ ،‬و هذا ما يجعلنا نطرح التساؤل المنبثق من رحم األمانة الترجمية‪ ،‬هل الداللة قابلة‬
‫‪204‬‬
‫للنقل؟‬

‫إن المراد من هذا السؤال ليس نقل المعنى بحد ذاته‪ ،‬و إنما طرح إشكالية مدى تقابل‬
‫وكفاءة التعبير المتر َجم على عكس الحقل الداللي للتعبير األصل بنفس درجة الثراء لتأدية‬
‫أمانة إيصال المعاني الواردة أو المحيطة بالمعنى المركزي للتعبير‪.‬‬
‫أوردت الدكتورة مطهري مثال الكلمة اليابانية ‪ oia‬التي تعني اللونين األزرق و األخضر‬
‫و نضيف إليها من اللغة العربية كلمة الخال التي تعني عند عامة الناس‬ ‫‪205‬‬
‫في نفس الوقت‪،‬‬
‫أخ األم و لكن من معانيها أيضا البعير الكبير‪ ،‬أما مقابلها في اللغة الفرنسية » ‪« oncle‬‬
‫فتعني الخال و العم معا‪ ،‬كلمة الضحك من معانيها أيضا الحيض‪ ،‬و كلمة الريحان التي‬
‫ترمز إلى الزهر و الجمال و طيب الرائحة تعني كذلك اإلبن و الولد‪ ،‬أما عبارة أم جابر‬
‫فمن معانيها الخبز‪.‬‬

‫‪ - 204‬هذا التساؤل الفلسفي طرحته الدكتورة ‪ :‬صفية مطهري‪ ،‬في مقالها الموسوم بالترجمة و الداللة‪ ،‬و الذي نشرته في‬
‫العدد األول لمجلة المترجم الصادرة عن جامعة وهران‪.‬‬
‫‪ - 205‬مطهري صفية‪ ،2001 ،‬الترجمة و الداللة‪ ،‬مجلة المترجم‪ ،‬جامعة وهران‪ ،‬العدد ‪ ،1‬ص ‪.183‬‬
‫‪148‬‬
‫عراقيل ترجمة التعابير المسكوكة في الخطاب السياسي‪.‬‬

‫إن كانت هذه المفردات تجمع بين معاني من مختلف الحقول الداللية‪ ،‬فإن هناك مفردات‬
‫أخرى تجمع بين المعنى و ضده من أمثال‪" :‬قعد" تستعمل للقيام و الجلوس‪ ،‬و "وراء"‬
‫تفيد جهة الخلف واألمام‪ ،‬و " نضح" للعطش و الري‪206،‬و هذا هو بيت القصيد من‬
‫إختالف الحقول الداللية‪ ،‬فهي أي الحقل الداللي لكلمة ما " تمثله كل الكلمات التي لها‬
‫لكن‬ ‫‪207‬‬
‫عالقة لتلك الكلمة‪ ،‬سواء كانت عالقة ترادف أو تضاد أو تقابل جزئي أو كلي ‪"...‬‬
‫هل العالقة الموجودة بين الكلمة المذكورة و العناصر اللغوية الموجودة ضمن نفس الحقل‬
‫الداللي هي نفسها بين مثيالتها في اللغة الهدف؟ و هل يتساوى مدى إتساع الحقلين‬
‫الدالليين في اللغتين المصدر و الهدف؟‬

‫إختالف الحقول الداللية ليس حكرا على المفردات فقط و إنما قد يتعد اها إلى حد‬
‫العبارات والتعابير‪ ،‬إذ تعد القصة الشهيرة لهارون الرشيد مع المرأة البرمكية أحسن دليل‬
‫على ذلك‪ ،‬حيث نجد أن التعابير المسكوكة التي إستعملتها المرأة تفيد معنيين متناقضين‬
‫تماما‪ ،‬فعبارة " أقر هللا عينك" تفيد معنى الرضا‪ ،‬لكن المرأة إستعملتها لتفيد منها إستقرار‬
‫العين في مكانها و اإلصابة بالعمى ‪ ،‬كما إحتكمت إلى المقولة الشهيرة التي قيلت في‬
‫الخليفة عمر بن الخطاب رضي هللا عنه "حكمت فعدلت فنمت" لتصيغ عبارتها بإعتماد‬
‫التناص إنطالقا منها فقالت " حكمت فقسطت" و ظاهر المعنى المراد منها مشابه لما قيل‬
‫في الخليفة الراشد‪ ،‬لكن المعنى المضمر و القصد هو الدعاء على هارون الرشيد بالعذاب‬
‫و الحشر في جهنم و ذلك حسب قوله تعالى في سورة الجن " فأما القاسطون فكانوا لجهنم‬
‫حطبا"‪.‬‬

‫إتس اع الحقول الداللية للتعابير المسكوكة يمكن أن يؤدي إلى سوء ترجمتها‪ ،‬و ذلك‬
‫بإختيار المترجم ألحد المعاني الواردة و ترجيحه على حساب المعنى المراد منها‪ ،‬و من‬
‫ذلك نضرب مثل العبارة المسكوكة اليابانية "موكا سوتسو"‪ ،‬تجمع هذه العبارة في تكونها‬
‫بين لفظين يحمالن معنى ظاهرا " القتل بصمت" إال أن المعنى المكتنز فيها هو " بدون‬
‫تعليق"‪.‬‬

‫‪ - 206‬األلفاظ الجامعة بين األضداد مأخوذة من كتاب‪ :‬جرجي‪ ،‬زيدان‪،‬تاريخ آداب اللغة العربية‪ ،‬ص ‪.60‬‬
‫‪ - 207‬د‪ .‬عبد السالم المسدي‪ ،‬اللسانيات و أسسها المعرفية‪ ،‬ص ‪.104‬‬
‫‪149‬‬
‫عراقيل ترجمة التعابير المسكوكة في الخطاب السياسي‪.‬‬

‫عبارة "بدون تعليق" تفيد عدة معاني‪ ،‬نذكر منها اإل ستسالم التام للفكرة المطروحة‬
‫وموافقتها‪ ،‬كما أنها تفيد اإلستنكار و اإلستهجان أو اإلستخفاف بما ُ‬
‫طلب إبداء الرأي‬
‫بخصوصه‪.‬‬
‫إستعمل رئيس الوزراء الياباني "سوزوكي كانتارو" هذه العبارة المسكوكة قاصدا بها‬
‫الموافقة على طلب الحلفاء إستسالم بالده الالمشروط‪ ،‬و أمام هذا التنوع الداللي للعبارة‬
‫إ ختار المترجمون األمريكان معنى اإلستخفاف بطلب الحلفاء فكان الرد سريعا بإلقاء‬
‫القنابل الذرية على هيروشيما وناكازاكي سنة ‪.1945‬‬

‫‪ 4-3‬هندسة اللغة‪:‬‬
‫" بعض المصاعب األخرى تأتي من حواجز لغوية خالصة‪ ،‬أي لها عالقة باختالف‬
‫البنيات اللسانية في لغتي االنطالق و الوصول سواء على المستويات المعجمية أو الصرفية‬
‫تستمد اللغة مقاومتها للترجمة و التمثل في الصورة الجديدة من اإلختالف‬ ‫‪208‬‬
‫أو التركيبية"‬
‫المتوارث على مستوى هندسة اللغة‪ ،209‬فاللغات تختلف بإختالف جذورها ومستعمليها‪،‬‬
‫و إذا ضربنا لذلك مثال اللغة العربية سنجد أنها تحبذ إستخدام ال جمل الفعلية إلضفاء صفة‬
‫الحيوية و الديناميكية على النصوص و معانيها‪ ،‬و هذا على عكس اللغات األوروبية التي‬
‫تحبذ الصيغة اإلسمية لنظم العبارات و صياغة الجمل‪ ،‬كما أن بعض اللغات مثل األلمانية‬
‫تقسم األفعال المركبة ) ‪ (modal verbs‬إلى قسمين‪ ،‬يذكر األول في صدر الجملة بينما يرد‬
‫الثاني في آخرها‪ ،‬هذا إضافة إلى اإلختالف في األسلوب و التفاوت في الكم المفرداتي‬
‫والزخم المصطلحي لكل لغة‪.‬‬
‫يمكن أن يشكل التفاوت في الثراء المفرداتي و المصطلحي عائقا مهما عند مباشرة العملية‬
‫الترجمية‪ ،‬و هذا ما ذه ب إليه فيدوروف حيث تطرق إلى الفروق اللغوية و تباين مستوى‬
‫تقدمها الزمكاني تقدم مستعمليها و الناطقين بها‪ ،‬و إنعكاس هذه الفروق على قابلية الترجمة‬
‫من عدمها‪ ،‬كما أك د وجود عقبات ترجمية ال يمكن التغلب عليها في حال كان مستعملو‬

‫‪ - 208‬المصدر السابق ‪ :‬بحراوي‪ ،‬حسين‪ .‬مأوى الغريب‪ ،‬دراسات في شعرية الترجمة ‪ ،‬ص ‪.37‬‬
‫‪La traduction ne met pas seulement en jeu le vocabulaire, mais aussi la syntaxe, ainsi que la stylistique - 209‬‬
‫» ‪et la dimension aussi idiomatique des langues concernées‬‬
‫المصدر السابق‪Hoda, Brinjy. Interculturalité et traduction des expressions figées. :‬‬

‫‪150‬‬
‫عراقيل ترجمة التعابير المسكوكة في الخطاب السياسي‪.‬‬

‫اللغة المترجم منها أكثر تقدما وتطور ا في الميادين الثقافية و السياسية و اإلقتصادية من‬
‫‪210‬‬
‫مستعملي اللغة المترجم إليها‪.‬‬
‫إن كان هذا المشكل سهل التدارك على مستوى الترجمة التحريرية‪ ،‬و ذلك بفضل وجود‬
‫األثر للنص األصل و توفر الوقت المتاح للترجمة و تنقيحها‪ ،‬فإنه صعب التدارك في حال‬
‫الترجمة الشفوية إال من لدن حكيم خبير‪ ،‬ذلك ألن الخطاب المسموع عبارة عن مجموعة‬
‫من األصوات اللحظية المنتهية الوجود فور إنتاجها‪ ،‬كما أن محدودية الزمن المتاح‬
‫للمترجم إلستكمال آلية الترجمة وإستكمال عناصر الخطاب المتر َجم يقف عائقا آخر‬
‫طارحا إشكالية التزامن األزلية‪.‬‬

‫‪ 5-3‬التراكب اللغوي‪:‬‬
‫يعتبر التراكب اللغوي من أبرز مميزات الخطابات السياسية الجزائرية‪ ،‬إذ يعمد‬
‫السياسي إلى إعتماد اللغة العربية و الدارجة المحلية إضافة إلى اللغة الفرنسية في إلقاء‬
‫خطابه‪.‬‬
‫إن كان هذا التراكب و الجمع بين مختلف األنظمة اللغوية في خطاب واحد داللة واضحة‬
‫على ثراء الزخم اللفظي المفرداتي لصاحبه‪ ،‬و يعكس مدى التراكم و التنوع التاريخي‬
‫والثقافي الناتج عنه‪ ،‬فإن ترجمته تعتبر من أهم المشكالت التي يخلقها هذا النوع من الثراء‬
‫التواصلي‪ ،‬خاصة على مستوى التعابير المسكوكة‪.‬‬
‫إن كانت درجة الصعوبة في الترجمة تختلف بين ممتهنيها المحليين إختالف درجة‬
‫تمكنهم من اللهجات المحلية و العبارات المستعملة‪ ،‬فإن المترجم الغريب عن تلكم الثقافات‬
‫المحلية يجد نفسه في مأزق الفهم قبل التأويل‪ ،‬ذلك أن اللغة تفهم فهما سليما على عرف‬
‫أصحابها‪ ،‬فكيف إذن السبيل إلى ترجمة تلك التعابير الخاصة‪ ،‬إضافة إلى إبراز ذلك التعدد‬
‫اللغوي المعتمد في نثر الخطاب؟ و ما هو المهم و األهم في ترجمة التعابير المسكوكة في‬
‫الخطابات المتراكبة لغويا؟ و هل يجوز للمترجم إهمال المهم من أجل األهم؟‬

‫‪ -210‬باليو‪ ،‬كريستيان‪ .‬تاريخ علم الترجمة السوفييتية‪ .‬ترجمة كاتبة وجيه كاتبة‪ .‬مجلة جسور ثقافبة‪ ،‬الهيئة العامة السورية‬
‫للكتاب‪ ،‬العدد ‪ .2020 ،18‬ص ‪.21‬‬
‫‪151‬‬
‫عراقيل ترجمة التعابير المسكوكة في الخطاب السياسي‪.‬‬

‫منحت رسمية اللغات العربية و الفرنسية ‪-‬في محيطها الجيوسياسي الرسمي‪ -‬هذه‬
‫اللغات صفة اللغة المثقفة ‪ (koinè)،‬بينما بقيت الدارجة المحلية تراوح مكانها رغم الثراء‬
‫المعرفي و التواصلي الذي تزخر به بصفتها وسيلة تواصل غالبية أفراد الشعب الواحد‪،‬‬
‫و إن كانت اللغات المثقفة تتمتع بكم تعبيري يمكن المفاضلة بينه و مقابلته بين اللغتين‪ ،‬فإن‬
‫الدارجة المحلية تتمتع بكم بالغي ال يمكن اإلستهانة به‪ ،‬كونه يمثل تراكم تجارب عامة‬
‫الشعب الذي يستعملها‪.‬‬
‫يضع ذلك الكم البالغي المترجم للخطاب السياسي أمام إشكالية الحرج في حال عدم اإللمام‬
‫به‪ ،‬و ذلك بسبب تمتع نفس الدارجة المحلية بالتنوع الناجم عن تعدد اللهجات و األمثال‬
‫والحكم المت صلة بها‪ ،‬و من أمثال هذه العبارات نجد العبارتين الشهيرتين للرئيس‬
‫الجزائري األسبق عبد العزيز بوتفليقة في خطابه الشعبي بسطيف سنة ‪" 2012‬أنا جيلي‬
‫طاب جنان و" و "فالراس رقصات كثيرة الرجلين ما قدوهاش" و التي ترجمتها الصحافة‬
‫المحلية الناطقة بالفرنسية إلى‪:‬‬

‫‪« Ma génération est arrivée à terme ».‬‬

‫‪ 6-3‬اإليقاعية النصية‪:‬‬
‫"أم ا النوع الثالث من العوائق فيمكن وصفه بالعوائق األسلوبية‪ ،‬أي تلك المشكالت‬
‫المتعلقة باإلستعمال األدبي الخاص للغة"‪ 211‬تشترك التعابير المسكوكة مع الشعر و‬
‫المقامات في خاصي ة اإليقاعية النصية الكامنة في وجود نوع من النغم اإليقاعي المتمثل في‬
‫القوافي و مختلف أنواع المحسنات البديعية‪.‬‬
‫تتمتع هذه اإليقاعات بأهمية بالغة في نظم الخطابات السياسية كما في النصوص األدبية‪،‬‬
‫و هذا بفضل قدرتها على أسر متلقي الخطاب المعتمد في نظمه على التعابير اإليقاعية‪،‬‬
‫وبما أن التعابير المسكوكة تشمل األبيات و المقاطع الشعرية و األمثال و الحكم و غيرها‬
‫من النصوص التي تتمتع بهذه الخاصية‪ ،‬فإنها تن قلها إلى مختلف النصوص النثرية‬
‫و الخطابات بأنواعها‪ .‬هذا الشيء الذي يضع المترجم في موقف ال يحسد عليه و خياران‬

‫‪ - 211‬المصدر السابق ‪ :‬بحراوي حسين‪،‬مأوى الغريب‪ ،‬دراسات في شعرية الترجمة‪ ،‬ص ‪.37‬‬
‫‪152‬‬
‫عراقيل ترجمة التعابير المسكوكة في الخطاب السياسي‪.‬‬

‫أحالهما مر ‪ ،‬فما بين خيار هدم تلك اإليقاعات النصية وتجريد الخطاب من جماليته‬
‫الصوتية من جهة‪ ،‬و إيجاد إيقاعات جديدة توافق تلك المستخدمة من جهة أخرى‪ ،‬يقع‬
‫المترجم فريسة للشك الترجمي بين خيانة جمالية المبنى و إستيفاء المعنى‪.‬‬
‫و أمام هذا التفر د اإليقاعي للعبارة األصل‪ ،‬يجد المترجم نفسه مجبرا على إيجاد إيقاع‬
‫مماثل في ترجمته إلحداث نفس األثر و إنعكاس جمالية النظم األصلي في ترجمته‪ ،‬ال شك‬
‫أن المقولة الشهيرة " يجوز للشاعر ما ال يجوز لغيره" تضعنا أمام تساؤل كبير‪ :‬هل يجوز‬
‫لمترجم الشعر ما كان جائزا للشاعر قبله؟‬

‫إعتبر وورف إختالف هندسة اللغات فيما بينها من أهم العوائق الترجمية حيث قال أن‬
‫" كل لغة تقطع العالم بطريقة قبلية تفرض عليها رؤية معينة تختلف عميقا عن تلك التي‬
‫و لعل أكثر ما أرق الجاحظ حين تطرقه إلى الترجمة هو شاعرية‬ ‫‪212‬‬
‫تؤسسها لغة أخرى"‬
‫اللغة العربية و األوزان و القوافي حيث قال " ‪ ...‬و قد نقلت كتب الهند و ترجمت حكم‬
‫اليونان و حولت كتب الفرس‪ ،‬فبعضها ازداد حسنا و بعضها ما انتقص شيئا‪ .‬و لو حولت‬
‫و حيث أن التعابير المسكوكة تتميز‬ ‫‪213‬‬
‫حكمة العرب لبطل ذلك لمعجز الذي هو الوزن"‬
‫بإيقاعها‪ ،‬فإن إشكالية ترجمتها تتعدى إيجاد المفردات أو الصيغة المناسبة لحمل المعنى‬
‫ونقله إلى ضرورة إضفاء نفس الخاصية الشعرية و غيرها من األساليب البالغية‬
‫و الجمالية‪ ،‬فترجمة هذا النوع من التعابير ال تعني نقل األلفاظ و حسب‪ ،‬و لكنها تتعداه إلى‬
‫نقل اإليقاع و التجنيسات السجعية الداخلة في تركيبه الجمالي‪.‬‬

‫ال شك في أن اعتماد الصور الشعرية و األوزان يقلل من إحتماالت إختيار الكلمات لسك‬
‫التعابير‪ ،‬كما أنه يخرج صائغها من دائرة الحيرة في إختيار أكفأ األلفاظ لصياغتها‪ ،‬لكنه‬
‫صع ب من عملية الترجمة إلى درجة اإلستحالة كما ذهب إليه كثيرون من أمثال ريلكه‬
‫يُ ِّ‬
‫و جاكوبسون‪ ،‬وقد ذهب فاليري مذهبهم حيث قال بعدم إمكانية ترجمة الشعر بسبب تلك‬
‫العالقة الالمتناهية بين الصوت والمعنى والتي وصفها بالتردد المستمر بينهما‪ ،‬وأردف في‬

‫‪ - 212‬المصدر السابق ‪ :‬بحراوي‪ ،‬حسين‪ ،‬مأوى الغريب‪ ،‬دراسات في شعرية الترجمة‪.‬ص ‪.37‬‬
‫‪ - 213‬أنظر‪ :‬برمان‪ ،‬أنطوان‪ ،‬الترجمة و الحرف‪ ،‬ص ‪.9‬‬
‫‪153‬‬
‫عراقيل ترجمة التعابير المسكوكة في الخطاب السياسي‪.‬‬

‫نفس السياق بأن تلك الالقابلية المتناثرة للترجمة تنبع من القيمة الجمالية لتلك النصوص‬
‫‪214‬‬
‫و تعكس قيمتها في النظام األدبي األصل‪.‬‬

‫إضافة النغم و إعتماد القوافي لصياغة التعابير المسكوكة ليس إجباريا البتة‪ ،‬ففي‬
‫يشوش‬
‫ِّ‬ ‫التخلي عن ال قوافي دعوة للتأمل في القول و المراد منه و تحييد كل ما يمكن أن‬
‫و يعيق عملية التأمل للتمكن من المعنى المستتر خلف حجب اللغة‪ ،‬أما إعتماد اإليقاع ففيه‬
‫المشك لة‬
‫ِّ‬ ‫إقتصاد لأللفاظ و تركيز للمعاني المراد أداؤها من ذلك الكم المختزل للكلمات‬
‫للتعبير المسكوك المحم ول على جناح النغم‪ ،‬فيحصل بذلك اإلنصهار بين اإلبهار في النظم‬
‫و جمالية الرصف و الوصف فيما أريد له ومنه‪.215‬‬
‫وكما يمكن لهذا األخير أن يجعل التعبير المسكوك أسيَر و أكثر تداوال بين الناس من‬
‫غيره‪ ،‬فإنه يمكن أن يكون كذلك عامال مشو شا على المعنى‪ ،‬و ذلك بشغل متلقيه به دون‬
‫التبص ر في محتوى تعابيره‪ ،‬و من ذلك نورد قول الراجس الذي إعتمد الجناس التام في‬
‫نظم قوافيه قائال‪:‬‬
‫لم أر مهرا قط ود سائسا كالدهر يلقي النصح و الدسائسا‬
‫فالدهر ذئب يكأل الفرائسا تراه مرؤوسا لها فرائسا‬

‫و قول علي بن أبي طالب رضي هللا عنه‪:‬‬


‫قبورنا تبنى و ما تبنا‬
‫يا ليتنا تبنا قبل أن تبنى‪.‬‬

‫و الحكمة القائلة‪:‬‬
‫خير الناس من كف فكه و فك كفه و شر الناس من فك كفه و كف كفه‬
‫و كم من كفة فك فكت كفوفهم‬ ‫فكم من فكة كف كفت فكوكهم‬
‫فكفوا فكوككم و فكوا كفوفكم‬

‫‪ - 214‬أنظر‪ :‬بيرمان‪ ،‬أنطوان‪ ،‬الترجمة والحرف أو مقام البعد‪ ،‬ص ‪.64 -30‬‬
‫‪ - 215‬و من حكاية األصوات و تأثيرها في الوصف نورد قصة وصف األسد ألبي زبيد الطائي بين يدي عثمان بن عفان‬
‫رضي هللا عنه‪ .‬حيث جاء في حديثه عنه "‪...‬ثم أقعى فاقشعر ثم مثل فاكفهر‪ ،‬ثم تجهر فازبأر ‪...‬ثم همهم فقرقر‪ ،‬ثم زفر‬
‫فبربر‪ ،‬ثم زأر فجرجر‪ "...‬فصاح به عثمان بن عفان رضي هللا عنه "اسكت قطع هللا لسانك فقد أرعبت قلوب المسلمين"‪.‬‬
‫جرجي زيدان‪ ،‬تاريخ آداب اللغة العربية‪ ،‬ص ‪.61‬‬
‫‪154‬‬
‫عراقيل ترجمة التعابير المسكوكة في الخطاب السياسي‪.‬‬

‫‪ 7-3‬اإلختالف الثقافي‪:‬‬
‫" بعض هذه المصاعب آت مما يمكن تسميته بالحواجز الحضارية أو الثقافية بالمعنى‬
‫‪216‬‬
‫الواسع‪ .‬فبعض اللغات تتحدث عن وقائع غير لغوية ال وجود لها في لغة االستقبال"‬
‫باعتبار اللغة من أهم مكونات الثقافة و العوامل الناقلة و العاكسة لها‪ ،‬و جب على المترجم‬
‫إحترام المحمول كما إحترام الحامل‪ ،‬و ذلك لبلوغ ذروة سنام األمانة الترجمية‪ .‬و إن كان‬
‫التمكن من النحو و طريقة النظم لمختلف اللغات يكفي لنقل الحامل اللغوي‪ ،‬فإن المحمول‬
‫الثقافي يطرح مشكلة أعمق من مجرد صياغة الجمل المكتملة المعنى و الداللة‪ ،‬ال يمكن‬
‫بأي حال إنكار تمتع الثقافة بفضيلة السماح باالختالف‪ ،‬لكن هل يمكن للترجمة نقل هذا‬
‫‪217‬‬
‫االختالف مهما بلغت درجته؟‬

‫إن ما يزيد الطين بلة و الترجمة تعقيدا هو الشحنة الثقافية التي تحملها وتنقلها هذه‬
‫العبارات خاص ة في حال وجود صراع حضاري بين الثقافتين طرفي الترجمة‪ ،‬أو تباين‬
‫واختالف في المصدر والجذور‪ ،‬فليس باإلمكان نقل كل موجود إال ما اشترك في علة‬
‫الوجود‪ ،‬ذلك ألن "الترجمة ليست انتقال النصوص بين اللغات و حسب‪ ،‬لكنها تعني أيضا‬
‫‪218‬‬
‫وجود سلسلة انتقاالت أخرى بفعل الكتابة و بشكل أكثر سرية بفعل الحياة و الموت"‪.‬‬

‫إن كان إحتمال وجود أمثال و حكم متماثلة الداللة بين اللغات و الثقافات بحكم تماثل‬
‫الطبيعة البشرية للمنتسبين إليها واردا‪ ،‬فإن اإلختالف و التباين في المكونات الثقافية‬
‫و وسط العيش و كذا نمطه و مستواه يجعالن نقل تلك الصور المختزنة في التعابير‬
‫المسكوكة أمرا صعبا للغاية‪ ،‬ذلك بأن "طبيعة اإلنسان تشك ل أساس الثقافة و أن الثقافة هي‬
‫‪219‬‬
‫أساس هوية اإلنسان"‬
‫إن أخذنا عامل التاريخ و الموروث التاريخي‪ ،‬الذي يعتبر من أهم مكونات الثقافة بفضل‬
‫عكسه للتجارب و سرده للروايات و األساطير‪ ،‬فإن كل لغة بل وكل أمة تتمتع بموروث‬

‫‪ - 216‬المصدر السابق‪ :‬بحراوي‪ ،‬حسين‪ ،‬مأوى الغريب‪ ،‬دراسات في شعرية الترجمة ‪ ،‬ص ‪.36‬‬
‫‪217‬‬
‫‪ -Hoda, Brinjy. Interculturalité et traduction des éxpressions figées. P 33 . « Lorsque il s’agit‬المصدر السابق‪:‬‬
‫‪d’une rencontre interculturelle, les risques de désaccords, voire de dimension, sont accrus, du fait des‬‬
‫"‪malentendus interculturels. La difficulté de parvenir à une relation de confiance surgit, souvent avec acuité‬‬
‫‪ - 218‬المصدر السابق‪ :‬برمان‪ ،‬أنطوان‪ ،‬الترجمة و الحرف أو مقام البعد‪ ،‬ص ‪.39‬‬
‫‪ - 219‬المصدر السابق‪ :‬الواقع و الثقافة‪ .‬ص ‪.15‬‬
‫‪155‬‬
‫عراقيل ترجمة التعابير المسكوكة في الخطاب السياسي‪.‬‬

‫تاريخي يختلف عن اآلخرين و يعكس تفرده و تمي زه‪ ،‬و لعل من أبرز مظاهره األسماء‬
‫العلم التي تظهر في األمثال و الحكم‪ ،‬من أمثال ‪ :‬أبو رغال‪ ، 220‬أخلف من عرقوب ‪ ،‬أكرم‬
‫من حاتم‪ ،‬أهل مكة أدرى بشعابها في اللغة العربية‪ ،‬و قد إعتادت العرب تعميم إستعمال‬
‫أسماء العلم على العوام الذين يشتركون في نفس الصفة مع المسم ى‪ ،‬و في اللغة الفرنسية‬
‫مثل‪:‬‬
‫‪« la boite de pandore » « piège de thucidius » .‬‬
‫و مع كل ما يكتسيه التاريخ من أهمية في تشكيل الهوية الفردية لألمم و الشعوب إال أنه ال‬
‫يمثل إال نوعا واحدا من الثقافة و المتمثل في ثقافة الماضي‪ ،‬حيث أن الثقافة أنواع فمنها‬
‫‪221‬‬
‫الثقافة المعاصرة و الشعبية و الثقافة العليا و ثقافة الماضي و ثقافة األدب‪.‬‬
‫و بالتالي فإن الثقافة تمثل إتحاد كل تلك العناصر المكونة للهوية إضافة إلى التطور‬
‫النسبي الحالي المنبثق من التطور العلمي و اإلجتماعي للمنتسبين إلى اللغة و الثقافة‬
‫المحمولة عبرها و الذي وصفته الدكتورة ليلى عالم بالنرجسية و حب الذات و التفرد‬
‫بالريادة‪ ،‬حيث قالت " يرفض الغالب في خطابه أن يعتبر اآلخر ندا له‪ ،‬بل أنه يسقط‬
‫‪222‬‬
‫ذاتيته‪ ،‬فتتكون إشكالية البحث‪"...‬‬
‫يعتبر الغرب الحضارتين اليونانية و الرومانية القديمة خزان الثقافة و أساس المعرفة‬
‫و منبع اللغات‪ ،‬فتأثرت بذلك الحضارة و الثقافة الغربية بالحضارتين أكثر من تأثر الشرق‬
‫و اللغة العربية بهما‪ ،‬حيث لم يتعد تعامل العرب مع اللغة الالتينية حدود النهل من منابع‬
‫العلم و الفلسفة والمنطق معرضين عن األدب اليوناني و آثاره‪ ،‬ألنهم كانوا يرون اللغة‬
‫العربية أكمل لغة و أبلغها وبأنها تغنيهم عن أي بالغة أخرى‪ ،223‬في حين اعتبرها الغرب‬
‫منهال لألدب خاصة ما تعلق منها باألساطير و المالحم و اإلستلهام منهما فعبارة ‪« la‬‬

‫‪ - 220‬أبو رغال شخصية عربية توصف بأنها رمز الخيانة‪ ،‬و مرد ذلك إلى أنه الدليل العربي الوحيد الذي رافق أبرهة‬
‫الحبشي إلى مكة من أجل هدم الكعبة في الحادثة المعروفة مقابل أجر معلوم‪ ،‬في حين رفض غيره ذلك رغم اإلغراءات‬
‫المادية المعروضة عليهم‪ .‬وقد أورد ابن كثير في كتاب البداية و النهاية أن العرب قبل اإلسالم كانت تعتبر رجم قبر أبي‬
‫رغال شعيرة من شعائر الحج تؤدى في نهايته‪ .‬ومنذ تلك الحادثة صارت العرب تطلق لقب أبي رغال على كل خائن لقومه‪.‬‬
‫أما باقي األمثلة فتدل على معناها الصفات الملحقة باألسماء العلم فيها‪.‬‬
‫‪ - 221‬المصدر السابق‪ :‬الواقع و الثقافة‪ .‬ص ‪.8‬‬
‫‪ - 222‬عالم ليلى‪ ،2001 ،‬إشكالية الترجمة‪ ،‬مجلة المترجم‪ ،‬جامعة وهران‪ ،‬العدد ‪ ،1‬ص ‪.113‬‬
‫‪ - 223‬يقول شليغل بهذا الخصوص " إن ميل العرب إلى تدمير أو رمي األعمال األصلية بعد ترجمتها‪ ،‬يميز روح فلسفتهم‪،‬‬
‫و لربما كانوا لهذا السبب أكثر ثقافة‪ "...‬برمان‪ ،‬أنطوان‪ ،‬الترجمة و الحرف أو مقام البعد‪ ،‬ص ‪.103‬‬
‫‪156‬‬
‫عراقيل ترجمة التعابير المسكوكة في الخطاب السياسي‪.‬‬

‫» ‪ pomme de discorde‬تتعلق بأسطورة يونانية‪ ،‬حيث ال يتأت للمترجم العربي النيل من‬
‫معناها إال بالرجوع إلى أصلها و سياق إيجادها و إستعمالها‪ ،‬كما ال يمكن للمترجم الغير‬
‫العربي أن يفرق بين العبارات "آية هللا" و "حجة اإلسالم" و حتى اإلمام و المفتي فيقع‬
‫‪224‬‬
‫بذلك في اللبس و يخلط بين المذاهب و النحل‪.‬‬

‫تلعب الطبيعة و الوسط الذي تكونت فيه الثقافة دورا مهما في تكوين التعابير المسكوكة‬
‫و طريقة بنائها و المفردات الداخلة في تركيبها و المعاني المقصودة بها‪ ،‬فالثقافة العربية‬
‫المنتمية إلى المناخ الجاف و الحار تميل إلى اإلستبشار بالمطر و البرودة و القمر الذي‬
‫يسطع أثناء الليل ال معروف بإنخفاض درجة الحرارة‪ ،‬ونضرب لذلك العبارة المسكوكة "‬
‫أثلج صدري " و التي تفيد معنى إدخال الفرحة و البهجة و السرور؛ هذه العبارة ال يمكن‬
‫ترجمتها كما هي في اللغات المنتشرة في األقاليم الباردة‪ ،‬نظرا ألن مصدر البشرى عندهم‬
‫هو الحرارة و الدفء فيقال » ‪ « m’a chauffer le cœur‬و كذلك العبارة العربية "وهل‬
‫يخفى القمر " و التي تضرب للمدح و الثناء تترجم ب » ‪« il brille de mille feu‬‬
‫دون أن ننسى اإلختالف في العادات و األعياد و مظاهر الحياة فكلمة "الخيمة" موجودة‬
‫في العربية دون سواها‪ ،‬كما أن الطابع المناخي السائد يرج ح كفة حقول داللية على حساب‬
‫و الحر و أنواع التمور‬ ‫‪225‬‬
‫أخرى‪ ،‬فالثقافة العربية تتميز بتعدد األلفاظ الواصفة للعطش‬
‫و أسماء األسد و الغزال على عكس الثقافات األخرى التي تزخر و تمجد مظاهر و مكونات‬
‫ثقافية أخرى‪ ،‬فعند األيسكمو مثال يوجد ‪ 30‬نوعا من الثلوج‪ ،‬و مقابل المثل العربي " و ما‬
‫خفي كان أعظم" عندهم هو » ‪( « it is only the tip of the iceberg‬إنها قمة جبل الجليد‬
‫فقط)‪.‬‬

‫و نضيف إلى ما سبق من أمثلة مثال فرنسيا استعمله الرئيس الجزائري في لقائه الصحفي‬
‫مع قناة فرانس ‪ 24‬و هو » ‪ « chat échaudé craint l’eau froide‬و يقابله في اللغة‬
‫العربية " ال يلدغ المؤمن من جحر مرتين" أو " من لدغته األفعى يخاف من الحبل"‪،‬‬
‫‪ - 224‬أنظر‪ :‬العربية و الترجمة‪ ،‬دراسات‪ ،‬ص ‪.48‬‬
‫‪ - 225‬نظرا لخصائص وسط العيش عند العرب‪ ،‬و المتميز بالحرارة و الجفاف‪ ،‬فإن ما كان يؤرقهم هو ندرة الماء و‬
‫العطش‪ .‬لذا أوجد العرب مراتب للحاجة اإلنسانية إلستهالك الماء‪ .‬و أول مراتب الحاجة إلى شرب الماء تسمى العطش‪ ،‬ثم‬
‫الظمأ‪ ،‬ثم الصدى‪ ،‬ثم الغلة‪ ،‬ثم اللهبة‪ ،‬ثم الهيام‪ ،‬ثم األُوام‪ ،‬ثم ال ُجواد و هو القاتل‪ .‬و مما يعزز نقطة إختالف الحقول الداللية‬
‫ورود لفظ الهيام كداللة على العشق و العطش الشديد في آن واحد‪.‬‬
‫‪157‬‬
‫عراقيل ترجمة التعابير المسكوكة في الخطاب السياسي‪.‬‬

‫فالطبيعة الصحراوية المليئة بالعقارب و األفاعي جعلت منها و من فعل اللدغ مصدرا‬
‫لإللهام و صياغة األمثال‪ ،‬كما جعلت نظيرتها الفرنسية من القطط محورا لنفس المثل‪.‬‬

‫‪ 8-3‬ا لتباين اإلديولوجي‪:‬‬


‫بإعتبار أن الترجمة ممارسة نصية تجريبية قائمة على خلفية إبيستيمولوجية‬
‫وإيديولوجية‪ ،226‬فإن إختالف األديان و المعتقدات أو ما يسمى بالثقافة العليا‪ ،‬يلعب دورا‬
‫هاما في إختالف الثقافات وتباينها بوصفه أهم دعائمها‪.‬‬
‫تبقى النصوص المقدسة من أهم مصادر التعابير المسكوكة‪ ،‬ويبقى إعتمادها في الخطابات‬
‫السياسية من أهم الوسائل الناجعة التي من شأنها إعطاء الرسالة التواصلية بعدا إنتمائيا إلى‬
‫ما هو مقدس عند متلقيه‪ ،‬فيُكسب بذلك صاحب الخطاب خطابه صفة القداسة‪ ،‬و أفكاره‬
‫صفة الكمال و ع دم قابلية النقد أو التفنيد‪ .‬فاستعمال رؤساء الجزائر لعبارة " المجد‬
‫و الخلود لشهدائنا األبرار" فيه إبراز لإلنتماء الهوياتي إلى الوطن و الدين‪ ،‬لكن ترجمتها‬
‫إلى الفرنسية من طرف فرنسيين تعتبر بمثابة إقرار لجرائم استعمارية ال يريد االعتراف‬
‫‪« Alger, prison de tant de‬‬ ‫بها‪ ،‬بل و يمجد ذلك التواجد في الجزائر بقوله‬
‫»‪ martyrs 227‬ووصفه األهالي الجزائريين ب » ‪.« les hordes barbares‬‬

‫و نضيف لهذا مثال العبارة التي اجتاحت العالم السياسي سنة ‪ 2018‬و التي تمثلت في‬
‫شعار "صفقة القرن" الذي يعتبر واجهة لمشروع سياسي أمريكي لتصفية القضية‬
‫الفلسطينية‪ ،‬حيث استعملت بعض الدوائر السياسية في العالم العربي و الموالية للمشروع‬
‫عبارة "صفقة القرن" ‪ ،‬واستع ملت أخرى معارضة له عبارة "صفعة القرن"‪ ،‬بينما‬
‫استعملت الدوائر السياسية المناهضة للسياسة األمريكية عبارة "بصقة القرن"‪.‬‬

‫و مع هذا فإن الثقافة تستلهم التسامح و قبول االختالف من اإلنسانية التي أوجدتها‪ ،‬لكن‬
‫في إطار إحترام اآلخر‪ ،‬لذا كان لزاما على المترجم أن يستجيب للرغبتين و يتقن الثقافتين‬
‫‪« avoir la baguette magique‬‬ ‫‪228‬‬
‫للتوفيق بينهما‪ ،‬فإن أخذنا العبارة الفرنسية »‬

‫‪ - 226‬المصدر السابق ‪ :‬بحراوي‪ ،‬حسين‪ .‬مأوى الغريب دراسات في شعرية الترجمة‪ .‬ص ‪.17‬‬
‫‪A, De Fontaine de Resbecq. Alger et les cotes d’Afrique.Paris. Gaume frères librairies.1837. P(3). - 227‬‬
‫‪ « avoir la baguette magique » - 228‬هي عبارة مسكوكة فرنسية ‪ ،‬و المراد بها إمتالك القدرة على التغيير الجذري دون‬
‫أدنى عناء و في طرفة عين‪ .‬هذه المسكوكة اللغوية إمتداد إليديولوجية غربية مفادها وجود نوعين من السحر (المفيد و‬
‫‪158‬‬
‫عراقيل ترجمة التعابير المسكوكة في الخطاب السياسي‪.‬‬

‫و المستعملة كثيرا في الخطابات السياسية الفرنسية و حتى البابوية منها‪ ،‬فإن ترجمتها‬
‫بغرض إستعمالها في الجزائر مثال ال يصح‪ ،‬ففي الثقافة الفرنسية يوجد السحرة الطيبون‬
‫و األشرار‪ ،‬أما في الدول المسلمة فال يفلح الساحر حيث أتى‪ ،‬و منه فإن أقرب عبارة يمكن‬
‫إستعمالها للداللة على القوى العجيبة و القدرة على التغيير اللحظي هي " إمتالك خاتم‬
‫سليمان "‪.‬‬
‫كما أن لهذا اإلختالف اإليديولوجي دورا في إبراز الهوية الفردية و المجتمعية لفئة ما‬
‫وتمي زها عن اآلخر و من ذلك نذكر مثال‪ :‬صندوق باندورا (مصدر الشر في الثقافة‬
‫اليونانية) يقابله آلهة الليليث في األساطير البابلية و السومرية‪ ،‬و لعنة الفراعنة في‬
‫الحضارة المصرية‪.‬‬
‫أما بالنسبة للتحية بين المسلمين " السالم عليكم" فإنها تختلف عن الفرنسية التي تتغير‬
‫» ‪« bonjour‬‬ ‫بتغي ر وقت إلقائها بتمني عموم الخير و السعادة لذلك الوقت كعبارة‬
‫» ‪ ، « bonsoir‬كما تختلف عن نظيرتها عند الغجر الذين يقدسون الخيول و األحصنة‬
‫بسبب طابع حياتهم المعتمد أساسا على ا لحل و الترحال فكانت التحية بينهم " أرجو أن‬
‫‪229‬‬
‫تعيش خيولك طويال"‬

‫‪ 9-3‬الشحنة العاطفية‪:‬‬
‫ذهب ليهر‪ Lehre‬أبعد من الشحنة الثقافية متطرقا إلى الشحنة العاطفية و كمال اللغة‬
‫األصل في تجسيد فكر المتكلم بها‪ ،‬و إحتواء كلماته المنتقاة من نفس لغة تفكيره لتلكم‬
‫الشحنة العاطفية التي إختزنها في ذلك الكم اللفظي‪ ،‬حيث لن تصل حسبه لغة إلى وصف‬
‫ما أراد وصفه و قول ما أراد قوله إال كلمات لغته األم ألنها لغة تكون األفكار و األحاسيس‬
‫لديه‪ ،‬فقال " إذا ُو ِّجدت و بطريقة أخرى‪ ،‬لغة للحقي قة يحتفظ فيها باألسرار النهائية التي‬
‫يسعى إليها كل فرد بسهولة و صمت‪ ،‬فإن لغة الحقيقة هذه ستكون هي اللغة الحقيقية‪ .‬غير‬

‫الضار) هذه العبارة شائعة اإلستعمال في ذات الحضارة و اللغات المنتمية إليها حتى في األوساط الدينية‪ ،‬ففي خطاب البابا‬
‫فرانسوا في سيسينا بإيطاليا بتاريخ ‪ 2017/10/01‬قال هذا األخير ‪« la baguette magique ne fonctionne pas en‬‬
‫» ‪politique‬‬
‫‪ - 229‬أنظر‪ :‬المناصرة‪ ،‬عز الدين‪ ،2014 ،‬الهويات و التعددية اللغوية‪ ،‬الصايل للنشر و التوزيع‪ ،‬األردن‪ ،‬ص ‪.35‬‬
‫‪159‬‬
‫عراقيل ترجمة التعابير المسكوكة في الخطاب السياسي‪.‬‬

‫أن هذه اللغة التي يأمل الفيلسوف في استشعارها و وصفها بإتقان ‪ ،‬تختفي بالضبط‪،‬‬
‫‪230‬‬
‫وبشكل مكثف‪ ،‬داخل الترجمات ‪"...‬‬

‫و المقصود بالشحنة العاطفية ذلك الزخم من األحاسيس المتنو عة التي تدفع صاحب‬
‫الخطاب إلى إلقائه‪ ،‬و إختيار التعابير و األلفاظ التي تنم و تعكس تلك األحاسيس‬
‫والهواجس المتراكمة في وعي ملقيها‪ ،‬لتتجسد على شكل نبرات و تعابير موظفة لتأدية‬
‫واجب‪ ،‬أو للتحسيس بالواجب و الحث على إتمامه‪ ،‬أو الدفاع عن شرعية قضية سياسية‬
‫كالقضية الفلسطينية في الجزائر‪ ،‬أو التعبير عن الفخر و اإلعتزاز اإلنتمائي كما هو الحال‬
‫في الجزائر‪.‬‬

‫و قد تتعدى تلك األحاسيس حدود اللباقة إلى الغضب و ربما التهديد و بث الخوف لدى‬
‫متلقي الخطاب‪ ،‬و مثال ذلك ما جاء في خطاب الرئيس الفرنسي األسبق شارل ديغول أثناء‬
‫حملته اإلنتخابية مستثمرا في أوضاع بلده و تخوف العامة من المجهول بقوله ‪« moi ou le‬‬
‫» ‪ 231 chaos‬معطيا لهم بذلك حرية الخيار بينه و بين الفوضى‪ ،‬و بعبارة أخرى اإلختيار‬
‫بين الخيار و الالخيار‪.‬‬

‫حوصلة‪:‬‬
‫سك التعابير يراد به إنتاج كالم أكفأ؛ أي أن تؤدي التعابير المسكوكة المرادَ من سكها‬
‫أفضل مم ا يؤديه مألوف الكالم‪ ،‬مهما كانت حاجة اإلحتكام إليها و ظروف إستدعائها‪.‬‬
‫كما أن ترتيب األلفاظ و الكلمات في التعابير المسكوكة مقصود متأمل فيه أكثر من العادي‬
‫من الكالم‪ ،‬لذلك فالصعوبة في التعابير المسكوكة تأتي من الحيرة التي تفرضها طبيعتها‬
‫على متلقيها‪ ،‬فهي تتشكل من إتحاد ألفاظ و كلمات منتقاة بعناية لتأدية المغيب من المعنى‬
‫والدالالت المستترة بالكلمات التي تستقل عنها في فرديتها‪ ،‬و عليه فإن ما يجعل من‬
‫الصعوبة إدراك معانيها و نقلها إلى الل غات األخرى يكمن في عمق تلك الدالالت المستترة‬
‫و قوتها و خصوصيتها األسلوبية و التركيبية وحتى الثقافية‪ ،‬و لعل ما يزيد من تعقيد مهمة‬
‫‪ - 230‬المصدر السابق‪ :‬برمان‪ ،‬أنطوان‪ .‬الترجمة و الحرف‪ ،‬ص‪.36‬‬
‫‪Braud, P. L’expression émotionnelle dans le discours politique. Recherche en communication, n°41. 2014, p - 231‬‬
‫‪52.‬‬

‫‪160‬‬
‫عراقيل ترجمة التعابير المسكوكة في الخطاب السياسي‪.‬‬

‫المترجم لها هو إقتران نظمها باألوزان و القوافي‪ ،‬و إلتزام قوافيها ما ال يلزم عادي الكالم‬
‫و تعديها في بعض األحيان إلى الجناس التام‪.‬‬

‫تتعد ى تلك الصعوبات في ترجمتها لتشمل سياق استدعائها و ورودها و ظروف البحث‬
‫عما ينوب عنها في اللغة الهدف‪ ،‬فترجمة الخطابات السياسية كالمشي وسط حقول األلغام‪،‬‬
‫ذلك أن السياسي يميل في ب عض األحيان إلى عدم إلزام نفسه بصريح الكالم و استعمال‬
‫المبهم منه أحيانا أخرى‪.‬‬

‫‪161‬‬
‫المبحث الثاني‪:‬‬
‫الترجمات‬
‫المحققة‪.‬‬

‫‪168‬‬
‫المطلب األول‪:‬‬
‫تقديم مدونة‬
‫البحث‪.‬‬

‫‪169‬‬
‫‪ -1‬مدونة البحث‪:‬‬
‫ل ّما كان لموضوع هذه الدراسة صلة بالواقع‪ ،‬و ِلم الستحضار التعابير المسكوكة في‬
‫قوة ودوافع‪ ،‬فقد خصصنا جز ًء من هذه الدراسة للجانب التطبيقي‪.‬‬
‫الخطاب السياسي من ّ‬
‫وذلك من أجل البحث في اإلشكالية الملقاة وتحري صحة الفرضيات‪ .‬و م ّما ال شك فيه ّ‬
‫أن‬
‫اختيا ر المدونة ال يكون وليد الصدفة وإن ّما استجابة لمعايير و متطلبات تقتضيها ضرورة‬
‫البحث‪.‬‬

‫و لذلك فقد عزمنا على تشكيل مدونة دراسة تتمتع باألهمية السياسية و الحداثة و التنوع‪،‬‬
‫تجمع بين الخطاب المحلي و الدولي‪ ،‬و بين الترجمة التحريرية و الفورية‪.‬‬
‫حيث تضمنت مجموعة من التعابير المسكوكة المأخوذة من الخطابات الرئاسية لرئيس‬
‫مرت به الجزائر‬
‫الجمهورية الجزائرية السيد عبد المجيد تبون‪ .‬إذ ال يمكن ألحد إنكار ما ّ‬
‫في آخر العشرية األولى من هذا القرن‪ .‬فالتحول و النشاط السياسيين اللذان عرفتهما‬
‫الجزائر جعلتها قبلة وكاالت اإلعالم بشتى توجهاتها لنقل أخبار ما يعرف بالحراك‬
‫السلمي‪ ،‬و متابعة سيرورة الجزائر بعد االنتخابات الرئاسية‪ .‬لذا فإننا قد ركزنا اهتمامنا‬
‫على مجموعة من الخطابات الرئاسية لألسباب التالية‪:‬‬
‫خطاب التنصيب ‪ :‬و هو أول خطاب للرئيس الجزائري‪ ،‬كان محط أنظار الكثير من دول‬
‫العالم‪ ،‬ألقاه السيد الرئيس عبد المجيد تبون باللغة العربية‪ ،‬و قد اخترنا ترجمة قناة فرانس‬
‫‪ 24‬له باللغة الفرنسية (ترجمة فورية من العربية إلى الفرنسية)‪.‬‬
‫مقابلة الرئيس الجزائري مع قناة فرانس ‪ : 24‬هي حصة تبثها القناة الفرنسية بنسختين‪،‬‬
‫إحداهما باللغة الفرنسية » ‪ « exclusif‬و األخرى باللغة العربية "حصري"‪ ،‬و قد اخترنا‬
‫هذه المقابلة لكون الرئيس الجزائري قد استعمل فيها اللغة الفرنسية؛ أي ّ‬
‫أن الترجمة كانت‬
‫من الفرنسية إلى العربية‪.‬‬
‫خطاب الوالة‪ :‬خطاب محلي إصالحي موجه للوالة خصوصا و للشعب عموما‪ ،‬بتاريخ ‪12‬‬
‫أوت ‪ 2020‬بالعاصمة الجزائرية‪ ،‬ذو أهمية بالغة في الشأن االقتصادي والسياسي‬
‫الداخلي‪ ،‬ترجمته وكالة األنباء الجزائرية ترجمة تحريرية‪.‬‬

‫‪170‬‬
‫خطاب ‪ 10‬أكتوبر ‪ :2020‬خطاب محلي ذو طابع دولي‪ ،‬ألنه تناول ملفات دول الجوار‬
‫كليبيا و مالي‪ ،‬إضافة إلى التأكيد على المواقف الث ابتة إزاء القضيتين الفلسطينية‬
‫والصحراوية‪.‬‬
‫مقابلة الرئيس الجزائري مع قناة روسيا اليوم ‪ :‬هي حصة بثتها قناة روسيا اليوم باللغة‬
‫العربية "برنامج نيوز مايكر" و باللغة الفرنسية » ‪« la grande interview‬‬
‫تغريدة السيد رئيس الجمهورية على موقع تويتر ‪ :‬بمناسبة رأس السنة األمازيغية‪ ،‬ترجمة‬
‫تحريرية لوكالة األنباء الجزائرية‪.‬‬
‫‪ -2‬مالحظة‪:‬‬
‫فإنّه ل ّما تعذّر علينا ذكر كل نصوص الخطابات السياسية في هذا المقام لما في ذلك من‬
‫مشقة على القارئ لهذه األطروحة و الدارس لها من تنقل بين العبارات المدروسة و سياق‬
‫ورودها للمقارنة والنظر فيها‪ ،‬فقد ارتأينا ذكر سي اق كل عبارة مسكوكة حين ذكرها‪ ،‬وذلك‬
‫بإدراج كل عبارة مسكوكة في سياقها النصي رفقة ترجمتها‪ ،‬مع ذكر الخطاب الواردة فيه‬
‫و السياق الداللي لورودها‪ .‬كما أنّنا قد أوردنا ترجمات موازية لتلك التعابير في سياقات‬
‫منعزلة‪ ،‬تباينت بين المواقع اإللكترونية للترجمة وموسوعة األمثال و الحكم لنعوم حجار و‬
‫وكاالت أخرى في بعض األحيان‪ ،‬وذلك بغية استكمال الدراسة الداللية التقابلية بمقارنة‬
‫الترجمة و النص األصلي و ترجمات أخرى موازية إن وجدت‪.‬‬
‫‪ -3‬تذكير‪:‬‬
‫في خضم انشغال السياسي أو ملقي الخطاب بقول ك ّل شيء من أجل تحقيق أقصى حدّ‬
‫متوقّع من التجاوب‪ ،‬فإنّه يغامر في خطابه بجمل ثقيلة تكون بين الحين و اآلخر معقّدة‬
‫و حتى خاطئة التركيب‪ ،‬ويدمجها في خطابه بطريقة يمكن أن تكون مدروسة من جانب‬
‫تأكيد المعنى والفكرة المطروحة‪ ،‬كما يمكن أن تكون ارتجالية االستحضار و اإللقاء‬
‫العفوي الغير السابق البرمجة‪ ،‬حيث يرتبط غياب المراقبة الذاتية للنص المصاغ بضخامة‬
‫المعنى و المقاصد التي يتعيّن عليه إبرازها و تكثيفها في الجسد اللغوي إلى درجة اقترابها‬
‫من االنفجار الشكلي‪.‬‬

‫‪171‬‬
‫و كلّما كانت حريّة اإللقاء أوسع‪ ،‬كلّما كان غياب المراقبة أكثر تجليّا على مستوى تكوثر‬
‫و تض ّخم الخطاب‪ ،‬و هو ما قد يحدث في الخطابات السياسية المتصفة باألهمية الموضوعية‬
‫و الزمانية‪ ،‬كما هو الشأن في خطابات الجزائر الجديدة‪ ،‬إذ ال يمكن السيطرة على النثر‬
‫الشفهي و التراكب اللغوي فيه‪ ،‬ومع ذلك ّ‬
‫فإن ذلك القصور عن المراقبة يعتبر في حدّ ذاته‬
‫دل يال على الثراء اللغوي للخطاب‪ ،‬و هذا بجمعه بين اللغات المثقفة (العربية و الفرنسية)‬
‫من جهة و ا للهجة الجزائرية من جهة أخرى‪ ،‬وكذا إستخدامه تعابير مسكوكة من‬
‫المستويين‪.‬‬

‫‪ -4‬التعريف بوكاالت الترجمة‪:‬‬


‫وكالة األنباء الجزائرية‪ :‬أسست في ‪1‬ديسمبر ‪ 1961‬لتكون حامل كلمة الثورة الجزائرية‬
‫إلى العالم‪ ،‬فهي إذن مؤسسة حكومية جزائرية االنتماء‪ .‬تعتمد الترجمة التحريرية في النشر‬
‫على موقعها‪.‬‬
‫وكالة فرانس ‪ :24‬مجموعة قنوات إخبارية تلفزيونية تأسست سنة ‪ 2006‬بباريس‪ ،‬فهي‬
‫فرنسية المذهب و الجنسية و االنتماء (ا لمعسكر الغربي)‪ ،‬تعتمد الترجمة الفورية في بث‬
‫أخبارها‪.‬‬
‫وكالة روسيا اليوم‪ :‬مجموعة قنوات إخبارية تلفزيونية تابعة لمؤسسة تي في نوفوستي‪،‬‬
‫تأسست في موسكو سنة ‪ ،2005‬فهي روسية االنتماء (المعسكر الشرقي)‪.‬‬

‫‪172‬‬
‫المطلب الثاني‪:‬‬
‫التكافؤ‪.‬‬

‫‪173‬‬
‫‪ -1‬التكافؤ‪.‬‬
‫حولت كتب الفرس‪،‬‬
‫يقول الجاحظ ‪ ... ":‬و قد نقلت كتب الهند و ترجمت حكم اليونان و ّ‬
‫فبعضها ازداد حسنا و بعضها ما انتقص شيئا‪ .‬و لو حولت حكمة العرب لبطل ذلك المعجز‬
‫الذي هو الوزن‪ ،‬مع أنّ هم لو حولوها لم يجدوا في معانيها شيئا لم تذكره العجم في كتبهم‬
‫التي وضعت لمعانيهم وفطنهم وحكمهم‪ .‬و قد نقلت هذه الكتب من أمة إلى أمة و من لسان‬
‫‪232‬‬
‫إلى لسان‪ ،‬حتى انتهت إلينا و كنا آخر من ورثها و نظر فيها"‬
‫فإن ك ّل اللّغات تتمت ّع بنفس درجة‬
‫بإعتبار اللّغة وسيلة تعبير خاصة بالجنس البشري‪ّ ،‬‬
‫الثراء و القدرة على التعبير عن مكنونات النفس و أهداف التخاطب‪ ،‬حيث تنبع هذه القدرة‬
‫من صميم قدرة البشر على التعبير عن أنفسهم و حاجتهم البش رية و تشاركهم نفس وسط‬
‫التواجد وعلّة الوجود‪ ،‬كما ّ‬
‫أن تكرار نفس التجارب اإلنسانية فردية كانت أو جماعية من‬
‫شأنها أن تش ّكل دافعًا مه ًم ا لملكتهم اللغوية لإلنتاج اللغوي و اإلبداع فيه‪ ،‬من هذا المنطلق‬
‫فإن لك ّل وحدة معنوية في لغة ما مقابل في اللغات األخرى‪ ،‬و هذا ما يمكننا من القول ّ‬
‫بأن‬ ‫ّ‬
‫المكافئ يعمل على إيجاد المشترك بين اللغات والعوالم الثقافية في إطار إحترام‬
‫الخصوصية الفردية للمستقبل‪ ،‬إذن فالمكافئ هو ترجمة نوعية‪.‬‬

‫يتعيّن ترجمة العمل بحيث ال يستشعر المتلقي ّ‬


‫أن هناك عملية ترجمة‪ ،‬و يعطي إنطباع‬
‫ّ‬
‫أن هذا ما كان سيكتبه صاحب النص لو كتب باللغة المترجم إليها‪ ،‬هذا العمل الذي يسعى‬
‫حس متلقي الترجمة بتقريبه إليه‪،‬‬
‫ّ‬ ‫إلى تجميل األصل وجعله متطابقا و موافقا لذوق و‬
‫يعطي ذلك المتلقي إمكانية تملّك النص واعتباره جز ًء منه و من ثقافته بوصفه مكتوبا وفق‬
‫مقوماته اللغوية والهوياتية األصلية‪ ،‬وهذا ما جعل مونان يطلق على هذا النوع من التراجم‬
‫ّ‬
‫بالجميالت الخائنات‪ ،‬حيث يكمن الجمال في نقل المعنى‪ ،‬و تكمن الخيانة في نفي صفة‬
‫الغرابة عن الترجمة‪.‬‬
‫يمكن أن يكون هذا المكافئ مختصرا كيفيا للعبارة المراد ترجمتها‪ ،‬فيحيل بذلك تلك‬
‫التعابير المسكوكة على عملتي الهدم الصوتي (القوافي و التناغم) و الهدم التركيبي‬
‫باإلستغناء التام عن المكافئات الداللية للمكونات اللغوية للتعابير و حقولها الداللية المقابلة‬

‫‪ -‬أنظر‪ :‬برمان‪ ،‬أنطوان‪ ،‬الترجمة و الحرف أو مقام البعد‪ ،‬ص ‪.9‬‬ ‫‪232‬‬

‫‪174‬‬
‫ي صلة‬ ‫ّ‬
‫يمت بأ ّ‬ ‫لها في اللغة الهدف‪ ،‬ومن ث ّم يعكف المترجم على إستدعاء كم لغوي ال‬
‫لغوية أو صوتية ظاهرة بالعبارة األصل‪ ،‬لكنّ ه يملك القدرة على تعويض تلك التعابير في‬
‫اللغة الهدف و رسم نفس الصورة الداللية في ذهن متلقيه وا لوصول به إلى نفس درجة‬
‫الوعي الموجودة عند متلقي النص األصلي‪.‬‬
‫إذن تهدف هذه العملية إلى إنتاج وعي عند متلقي النص المترجم مشابه لذلك الذي يتمتع‬
‫‪233‬‬
‫به متلقي النص األصلي‪.‬‬

‫‪ 1-2‬التعابير المسكوكة المترجمة‪:‬‬


‫"شئنا أو أبينا"‪ " ،‬الحجر األساس"‪" ،‬ضحوا بالنفس و النفيس"‪ " ،‬الجيش الشعبي الوطني‬
‫سليل جيش التحرير"‪ " ،‬سياسة ذر الرماد في العيون"‪" ،‬اإلنقالب العسكري"‪" ،‬حاشا"‬

‫‪" 1-1-2‬شئنا أو أبينا"‬


‫‪« Bon gré mal gré »234‬‬
‫‪ 10‬اكتوبر ‪ 2020‬بمقر وزارة الدفاع الوطني‪.‬‬ ‫السياق الزمكاني‪:‬‬
‫الجيش الوطني الشعبي و عموم الشعب الجزائري‪.‬‬ ‫المتلقي‪:‬‬
‫العربية‪.‬‬ ‫لغة الخطاب‪:‬‬
‫وكالة األنباء الجزائرية (ترجمة تحريرية)‪.‬‬ ‫وكالة الترجمة‪:‬‬
‫الفرنسية‪.‬‬ ‫لغة الترجمة‪:‬‬

‫النص األصلي‪ ..." :‬م ّما يوجب علينا دائما االستعداد و اليقظة ّ‬
‫ألن المتربصين بنا لن‬
‫يتوقفوا‪ ،‬خصوصا على حدود الجزائر التي تحولت إلى مسرح للصراعات الدولية و هي‬
‫تعنينا بشكل مباشر شئنا أم أبينا"‬
‫الترجمة إلى الفرنسية (و أ ج)‪:‬‬
‫‪« Il faut être toujours vigilant, car ceux qui complotent contre nous ne‬‬
‫‪s’arrêteront pas, surtout les frontières de l’Algérie, devenues le théâtre de‬‬
‫» ‪conflits internationaux qui nous concernent directement, bon gré mal gré‬‬

‫‪- 233‬المصدر السابق‪ :‬برمان أنطوان‪ ،‬الترجمة و الحرف أو مقام البعد‪ ،‬ص ‪.82‬‬
‫‪234‬‬
‫‪- bon gré mal gré : locution adverbiale ; volontairement ou avec mauvaise volonté. Larousse.‬‬

‫‪175‬‬
‫العبارة "شئنا أو أبينا" شائعة االستعمال‪ ،‬تفيد تارة معنى التحدي و تارة أخرى معنى‬
‫الضغط ‪.‬‬
‫مفتوحة حسب تصنيف غروس‪.‬‬ ‫نوع العبارة المسكوكة‬
‫بالغي (قديم)‪.‬‬ ‫السياق التركيبي األصلي‬
‫نفسي‪.‬‬ ‫السياق التوظيفي‬
‫وجود ضغوطات و أخطار محدقة‪.‬‬ ‫المعنى المستقى‬
‫رفع التحدي‪.‬‬ ‫المعنى التداولي‬

‫تعتبر هذه الجملة الفعلية المبنية على المقابلة بين فعلين عبارةً مسكوكةً مفتوحةً حسب‬
‫تصنيف غروس‪ ،‬و هذا راجع إلى طبيعتها المورفوتركيبية؛ ذلك ّ‬
‫أن الجملة الفعلية تحتاج‬
‫إلى فاعل أو ما ينوب عنه‪ ،‬والمعروف ّ‬
‫أن ورود األسماء العلم في التعابير المسكوكة غير‬
‫قابل للتبديل بحكم ثبات طبيعة التعابير المسكوكة النائية عن يد التغيير الفردي‪ ،‬إالّ أن هذه‬
‫القاعدة تسقط في بعض حاالت ورود الفاعل أو المفعول به ضميرا متصال يتغيّر حسب‬
‫سياق الكالم‪ ،‬فالرئيس الجزائري السيد عبد المجيد تبون قد أورد العبارة في صيغة الجمع‬
‫ألنّه يمث ّل و يتحدّث في خطابه عن دولة كاملة األركان‪ ،‬بينما في حال تغيّر سياق الحديث‬
‫شك ّ‬
‫أن للضميرين المتصلين‬ ‫إلى المخاطب مثال فنقو ل‪ :‬شئت أو أبيت‪ ،‬و شئتم أو أبيتم‪ .‬ال ّ‬
‫في العبارة المسكوكة " شئنا أو أبينا" أثرا ثانيا غير الداللة على المعني بالخطاب‪ ،‬يتمثّل‬
‫أساسا في تكوين قاف ية نونية لقطبي المقابلة في العبارة المسكوكة‪.‬‬
‫رغم إختفاء القافية العربية (نا‪ /‬نا) من الترجمة الفرنسية إالّ ّ‬
‫أن المترجم قد عوضّها بجناس‬
‫تام )‪ (gré /gré‬مع المحافظة على العنصر البالغي الموجود في األصل و المتمثل في‬
‫المقابلة بين الفعلين (شاء‪ /‬أبى) المنتميان إلى الحقل الداللي للرغبة و المشيئة‪ ،‬أ ّما الكلمة‬
‫الفرنسية ‪ gré‬فتنتمي إلى حقل داللة اإلرادة )‪ (la volonté‬و هما حقالن دالليان متقاربان‪.‬‬
‫إليجاد نفس الصورة البالغية في اللغة الهدف بما يخدم المعنى إستحضر المترجم‬
‫عبارة » ‪ « bon gré mal gré‬و هي عبارة مسكوكة فرنسية مغلقة حسب نفس التصنيف‬
‫السابق‪.‬‬

‫‪176‬‬
‫ال يخف على الدارس للعبارة العربية و ترجمتها محافظة األخيرة على أسلوب المقابلة في‬
‫صياغتها و ذلك بإستخدام الصفتين )‪ ،(bon/ mal‬و بهذا ّ‬
‫فإن المكافئ الذي استخدمه‬
‫المترجم يجمع بين الجانب الداللي و البالغي و كذا الجانب األسلوبي‪.‬‬

‫و من أوجه التكافؤ الداللي بين العبارتين إفتتاح العبارة األولى بحرف "الشين" الذي قال‬
‫أن له داللة على الحزن و األسى و البعثرة و التشت ّت واإلضطراب‬
‫عنه العاليلي وابن جني ّ‬
‫إضافة إلى العيوب الجسدية و النفسية‪ ، 235‬هذه الداللة التي تجاذبها مع اللفظ الفرنسي‬
‫» ‪ « mal‬تعكس مدى التكافؤ الداللي للعبارتين رغم اختالف اللغتين و ثقافتي االنتماء‪.‬‬

‫كان يمكن أن يعتمد المترجم خيارا ترجميا آخر معروفا لدى العام و الخاص و هو عبارة‬
‫» ‪ « que nous le voulions ou non‬أو عبارة » ‪ ،« à contrecœur‬لكنّه و أمام هذين‬
‫الخيارين فضّل العبارة األولى لعدّة أسباب منها‪:‬‬
‫‪ -‬إضفاء نفحة الثقافة الهدف على النص‪.‬‬
‫‪ -‬و إشباع ال رغبة و الميول اإلختزالي المقترن بطابع التعابير المسكوكة‪ ،‬إضافة إلى‬
‫إشتمال العبارة الموظفة على خصائص التكافؤ الداللي و الوظيفي و الجمالي معا‪.‬‬
‫فعبّر بذلك المترجم عن وعي الزماني ‪ -‬ألنه منبثق من أرضية معرفية و إلمام بالثقافتين‬
‫و اللغتين‪ -‬متزامن مع الحدث المتمثّل في الخطاب الملقى‪ ،‬و اطالع و تم ّكن من الثقافة‬
‫واللّغة المترجم إليها‪.‬‬

‫يلخص الجدول أهم ما توصلنا إليه في دراسة ترجمة هذه العبارة المسكوكة‪.‬‬

‫صورته‪.‬‬ ‫التكافؤ المحقق‬ ‫الترجمة‬ ‫العبارة المسكوكة‬


‫المحافظة على‬ ‫التكافؤ الجمالي‬
‫القافية » ‪« gré‬‬ ‫‪Bon gré, mal gré.‬‬
‫اإلجبار و الحتمية‪.‬‬ ‫التكافؤ الداللي‬ ‫شئنا أو أبينا‬
‫المقابلة بين ‪(bon,‬‬ ‫التكافؤ البالغي‬
‫)‪mal‬‬
‫المسكوكية‪.‬‬ ‫التكافؤ اللغوي‬

‫‪" 2-1-2‬الحجر األساس"‬


‫‪ - 235‬عباس‪ ،‬حسن‪ ،1998 ،‬خصائص الحروف العربية و معانيها‪،‬إتحاد الكتاب العرب‪ ،‬دمشق‪،‬ص ‪.118‬‬
‫‪177‬‬
‫» ‪« Pierre angulaire‬‬

‫‪ 2019/12/19‬قصر الشعب‪.‬‬ ‫السياق الزمكاني‬


‫الشعب الجزائري و كل من يتابعه‪.‬‬ ‫المتلقي‬
‫العربية‪.‬‬ ‫لغة الخطاب‬
‫شفوي مباشر متلفز‪.‬‬ ‫طبيعة الخطاب‬
‫وكالة فرانس ‪.24‬‬ ‫صفة المترجم‬
‫النص األصلي‪:‬‬
‫ي اليوم بصفتي رئيسا للجمهورية أن أذكركم بأهم تلك اإللتزامات و على رأسها‬
‫" يتعين عل ّ‬
‫تعديل الدستور‪ ،‬الذي هو حجر األساس"‬

‫الترجمة إلى الفرنسية‪:‬‬


‫‪« Aujourd’hui, en tant que président de la république, il est de mon devoir de‬‬
‫‪vous rappeler les engagements. À commencer par le changement de la‬‬
‫» …‪constitution, car la constitution est la pierre angulaire‬‬

‫مسكوكة تامة (راموس)‪ ،‬مغلقة (غروس)‬ ‫تصنيف العبارة المسكوكة‬


‫متالزمة لفظية‪.‬‬ ‫نوع العبارة المسكوكة‬
‫بالغي قديم‪ .‬و من مثله "حجر عثرة"‬ ‫السياق التركيبي األصلي‬
‫معلمي‪،‬البناء و التشييد‪.‬‬ ‫الحقل الداللي‬
‫اإلهتمام واألولوية‪.‬‬ ‫السياق التوظيفي‪.‬‬
‫األهمية البالغة و األولوية القصوى و‬ ‫المعنى المستقى‬
‫األسبقية‪.‬‬
‫تنظيم اإلستفتاء‪ ،‬و اإلقبال عليه‪.‬‬ ‫المعنى التداولي‬

‫األو ل و بعد تأديته للقسم‪ ،‬وصف رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون‬
‫في خطابه ّ‬
‫تعديل الدستور و عرضه لإلستفتاء الشعبي ب"الحجر األساس" الذي تستند عليه بقية‬
‫العمارة الدستورية لبناء السيادة و تحديد المعالم الجديدة لما يعرف ب " الجزائر الجديدة"‬
‫و التي تش ّك ل بدورها عبارة مسكوكة سنتناولها الحقا‪.‬‬

‫‪178‬‬
‫المعروف عن الحجر األساس تمت ّعه بعدّة صفات منها الصفة المعلمية؛ أ ّ‬
‫ي أنّه ّأول لبنة‬
‫بنائي كما تحدّ ده لفظة الحجر التي يقصد بها معنى‬ ‫‪236‬‬
‫رسميّة إلرساء قواعد مشروع‬
‫الوحدة البنائية‪ ،‬و الصفة الثانية هي الرمزية بوصفه إعالن ميالد مشروع جديد من العدم‬
‫بغض النظر عن نمطه إذ يمكن أن يكون حسيّا فكريا كما بمكن أن يكون ماديّا ملموسا كما‬
‫ّ‬
‫تد ّل عليه كلمة األساس التي تعتبر أول مرحلة إلرساء قواعد بناء جديد‪.‬‬
‫و الدستور في هذا الموضع هو أول لبنة فكرية سياسية محدّدة لما يأتي بعدها‪ ،‬و لع ّل ذلك‬
‫التمت ّع بصفة الريادة و سلطة تحديد كل ما يأتي بعده و عدم االعتراف بما كان قبله يمنح‬
‫الدستور نوعا من القداسة السياسية في حدود تداوله و العمل به و تأثيره‪ ،‬و هذا ما دفع‬
‫السيد رئيس الجمهورية إلى وصفه بالحجر األساس‪.‬‬

‫لم يتوان المترجم الفوري لقناة فرانس ‪ 24‬على تت ّبع عبارات الرئيس الجزائري‬
‫المتناولة لمشروع تعديل الدستور‪ ،‬بل و عكس أهميّة الفكرة عند صاحبها في اللغة األصل‬
‫‪« la pierre‬‬ ‫بما يناسبها و ينقل تلك األهمية في اللغة الهدف‪ ،‬فاستعمل لذلك عبارة‬
‫» ‪ angulaire 237‬التي تعتبر عبارة مسكوكة فرنسية تتمت ّع بتأثير وإيحاءات معنوية و‬
‫سيرورة منقطعة النظير‪ ،‬و ذلك بفضل تداولها في غيرما موضع من الكتاب المقدس الذي‬
‫‪238‬‬
‫يشبه المسيح عيسى عليه السالم بالحجر األساس في تكوين الكنيسة الكاثوليكية‪.‬‬

‫في نفس السياق المبرز لألهمية البالغة للمكنّى و تثمين مكانته في البناء المؤسساتي‬
‫بشت ّى أنواعها ومستوياتها‪ ،‬فقد إستعمل الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون عبارة "حجر‬
‫الزاوية" في خطابه الرسمي ليوم ‪ 2020 /10/10‬بمقر وزارة الدفاع الجزائرية‪ ،‬و ذلك‬
‫لوصف مكانة الشباب في دعم التنمية في الجزائر‪.‬‬

‫‪ - 236‬أورد نعوم حجار في منجده ترجمة لعبارة " وضع الحجر األساس" ب » ‪ « poser la première pierre‬و هذا ما‬
‫يعطي العبارة طابعا رياضيا ترتيبيا‪ ،‬أي أن الحجر األساس هو الحجر األول في أي بناء‪.‬‬
‫‪237‬‬
‫‪- pierre angulaire : locution nominale. Pièce fondamentale d’une construction logique ou principe d’un‬‬
‫مستخرج من ‪ wikitionnaire‬شهادة رقم ‪système.CC BY-SA 3.0‬‬
‫‪ - 238‬وردت عبارة " ‪ " pierre angulaire‬في عدة مواضع من اإلنجيل مقترنة باسم المسيح عيسى عليه السالم‪ ،‬و ما‬
‫كان ورودها في ذلك السياق إال كناية عن األهمية البالغة للنبي المكنى في سياق تكنيته‪ ،‬و لعل ورود العبارة المسكوكة في‬
‫هذا السياق يمنحها قابلة تمدد حقلها الداللي لتشمل األشخاص كما األفكار و الجمادات‪ .‬نذكر من بين تلك المواضع التي‬
‫وردت فيها العبارة المسكوكة الفرنسية ) ‪(Luc 20.17 ; Pierre 2.4‬‬

‫‪179‬‬
‫هذا األسلوب الكنائي يجعلنا نطرح تساؤال حول ماهية هذا التشبيه‪ ،‬فهل كان الرئيس‬
‫الجزائري يقصد من توظيف هذه العبارة تشبيه مكانة الشباب من الجزائر و شعبها بمكانة‬
‫الحجر األسود من الكعبة الشريفة؟ إذ يمث ّل ذات الحجر أثمن حجر فيها‪ ،‬و ّإال لما اختلف‬
‫سادة قريش في هويّة الشخص الذي يحمله بيديه و يضعه في مكانه‪ ،‬أم أنّها ترجمة ذهنية‬
‫مباشرة لتراكم ثقافي موروث عن حقبة معروفة بسيادة اللغة الفرنسية و ثقافتها إبّان ما‬
‫يعرف بالمرحلة اإلستعمارية؟ حيث بقي ذلك التراكم كامنا في الوعي السيد الرئيس‪.‬‬
‫بغض النظر عن لغة التفكير ّ‬
‫فإن لغة الخطاب و العبارة المسكوكة المستدعاة لدعم الرؤية‬
‫و مشروع تجنيد الشباب لرفع تحدّي البناء الوطني قد أعطت اإلنطباع ّ‬
‫بأن الشباب‬
‫الجزائري ثروة الجزائر و مصدر فخرها و أساس بنائها‪.‬‬

‫قو ة الشباب و زرعها فيه‪ ،‬و ذلك من‬


‫يعكس هذا األسلوب نوعا من الشعور بالثقة في ّ‬
‫خالل اعتماد هذه العبارة في أسلوب نثري يحوي نوعا من التسليم و اإلطراء‪ ،‬فكان كمن‬
‫قو ته التي ال تقهر‪ ،‬حيث تجمع هذه القوة المطلقة للشباب بين‬
‫يسلم بأمر طبيعي و يستجدي ّ‬
‫ثالث قدرات‪:‬‬

‫‪ -‬أولها القدرة على المحافظة على تماسك المجتمع كلّه‪.‬‬


‫تقابلها القدرة على تهديد األسس التي يشيد عليها الصرح المجتمعي‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫و أخيرا القدرة على رفع سقف النمو و التحدي لتطوير ذلك البناء‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫بالعودة إلى ضوابط إستعمال التعابير المسكوكة‪ ،‬نجد ّ‬


‫أن الرئيس الجزائري كان ملما‬
‫بالجوانب النفسية أله ّم المقومات المجتمعية لبالده‪ ،‬فاإلبداع األدبي – حسب ما جاءت به‬
‫عالمة النفس كريستيفا‪ -‬يشكل عالجا نفسيا و طريقة لتخفيف الضغ وط الناتجة عن األزمات‬
‫النفسية والروحية‪ ،‬و ذلك عن طريق بعثها ثانية ّ‬
‫ببث أمل تحقيق المبتغى‪ ،‬و ذلك في‬
‫وضعية رمزية للمأمول‪ ،‬و أضافت أنّ ه يمكن مقارنة األبنية اإلستعارية و البالغية ببناء‬
‫األحالم‪ ،‬ذلك ّ‬
‫ألن اإلثنين يعتمدان مبدأ التكثيف و اإلستبدال‪.‬‬

‫يمكن أن يكون المترجم التحريري لوكالة ‪ APS‬قد اعتمد المحاكاة لترجمة العبارة إلى‬
‫» ‪ « pierre angulaire‬محافظا بذلك على ذلك التكثيف و االستبدال الموجود في المتالزمة‬

‫‪180‬‬
‫األصل‪ ،‬هذا إذا نظرنا إلى العبارة األصل على أساس أنّها متالزمة لفظية مترجمة من لغة‬
‫أخرى كما سبق و أن أوردنا ّ‬
‫أن الترجمة أسلوب من أساليب السك اللغوي‪ ،‬و ذلك إلمكانية‬
‫تبنّي العبارة لنفس الشحنة العاط فية المقدسة‪ ،‬فاألولى ترتبط بقدسية السيد المسيح عليه‬
‫السالم من الديانة المسيحية و تمييزه عن سائر الدعاة و من عاصره‪ ،‬و الثانية ترتبط بقدسية‬
‫الحجر األسود من الكعبة الشريفة و تمييزه عن باقي الحجارة المستخدمة في بناءها‪.‬‬
‫وما بين هذا وذاك فإننا نسجل توافق و اتفاق المترجم التحريري لوكالة ‪ APS‬و المترجم‬
‫الفوري لقناة فرانس ‪24‬على استعمال العبارة المسكوكة » ‪ « pierre angulaire‬للداللة‬
‫على األولوية واألهميّة البالغة و تثمين الدور في البناء و التأسيس‪.‬‬

‫خطاب التنصيب‪.‬‬ ‫حجر األساس‬ ‫العبارة‪:‬‬


‫فرانس ‪24‬‬ ‫‪Pierre angulaire‬‬ ‫الترجمة‪:‬‬
‫خطاب ‪2020/10/10‬‬ ‫حجر الزاوية‬ ‫استعمال صيغة أخرى‪:‬‬
‫وكالة األنباء الجزائرية‪.‬‬ ‫‪Pierre angulaire‬‬ ‫الترجمة‪:‬‬
‫اإلنجيل (صفة للمسيح)‬ ‫‪Pierre angulaire‬‬ ‫أقدم استعمال للترجمة‪:‬‬
‫منجد األمثال و الحكم‪.‬‬ ‫‪La première pierre‬‬ ‫ترجمات موازية‪:‬‬

‫‪" 3-1-2‬ضحوا بالنفس و النفيس من أجل الوطن"‬


‫» ‪« Payé de leur vie pour que vive ce pays‬‬
‫‪ 2020/10/10‬بوزارة الدفاع الوطني‪.‬‬ ‫السياق الزمكاني‬
‫أفراد الجيش الشعبي الوطني و عموم الشعب‬ ‫المتلقي‬
‫الجزائري‪.‬‬
‫العربية‪.‬‬ ‫لغة الخطاب‬
‫شفوي مباشر متلفز‪.‬‬ ‫صفة الخطاب‬
‫وكالة األنباء الجزائرية (ترجمة تحريرية)‬ ‫صفة المترجم‬
‫الفرنسية‪.‬‬ ‫اللغة المترجم إليها‬

‫النص األصلي باللغة العربية‪:‬‬


‫"رسالة الشهداء يجب أن تحترم فهم من ضحوا بالنفس و النفيس من أجل إحياء هذا‬
‫الوطن‪"...‬‬

‫‪181‬‬
‫نص الترجمة إلى الفرنسية (وكالة األنباء الجزائرية)‪:‬‬
‫‪« …nous devons demeurer fidèles au serments des chouhada qui ont payé de‬‬
‫» …‪leur vie pour que vive ce pays‬‬
‫مفتوحة‬ ‫و‬ ‫(راموس)‪،‬‬ ‫شبه خاصة‬ ‫تصنيف العبارة المسكوكة‬
‫(غروس)‬
‫بالغي قديم‪.‬‬ ‫السياق التركيبي األصلي‬
‫العمل العسكري (الكفاح)‪.‬‬ ‫الحقل الداللي‬
‫الوصف‪.‬‬ ‫السياق التوظيفي‪.‬‬
‫المدح و اإلشادة‪ ،‬و اإلفتخار‪.‬‬ ‫المعنى المستقى‬
‫الدعوة إلى البذل‪.‬‬ ‫المعنى التداولي‬

‫ذكر الرئيس الجزائري في حديثه عن شهداء الثورة أنّهم بذلوا أرواحهم و كل ما يملكون‬
‫من أجل مبدأ اإلستقالل مستعمال الجناس للربط بين ثنائية التضحية (النفس و النفيس)‪ ،‬هذه‬
‫بعلو المكانة عند‬
‫ّ‬ ‫أن كالهما يتمت ّع‬
‫الثنائية المتجانسة ال تفيد التقابل و إنّما العطف‪ ،‬ذلك ّ‬
‫صاحبه في السلم و قابلية التضحية به في غيره‪ .‬لم يكن إقتران كلمة النفيس بالنفس ألجل‬
‫تغيير معنى الجملة أو توضيحه وإنّ ما كان في إطار تأكيده و إضفاء جمالية أسلوبية للعبارة‬
‫المسكوكة‪.‬‬
‫إستطاع المترجم الحفاظ على نفس اإليقاع على مستوى الجملة ال العبارة (النفس و النفيس)‬
‫)‪ ،(payé, pays) (vie, vive‬فيكون بذلك قد منح قارئه فرصة استعمال أذنه الموسيقية و إن‬
‫لم تكن في نفس المستوى البنائي للعبارة األصل‪.‬‬
‫يستعمل المقابل اللغوي لفعل التضحية في اللغة الفرنسية » ‪ « sacrifier‬في سياق‬
‫تعبيري يجمع بين معنى التفاوت بين المض ّحى و المض ّحى ألجله‪ ،‬مر ّجحا كفّة ّ‬
‫األول على‬
‫الثاني و األسف عليه‪ ،‬على عكس العبارة المسكوكة العربية التي ورد فيها فعل التضحية‬
‫مفيدا معنى اإلفتخار و اإلعتزاز بذلك البذل الغير المحدود‪ .‬إستعمل المترجم الفعل‬
‫» ‪ « payé‬إلعطاء العبارة المسكوكة صفة الصفقة التجارية الرابحة للطرفين و المبنية‬
‫على رضاه ما‪ ،‬كما ساوى بين حياة الشهداء و حياة الوطن فكانت األولى مقابل الثانية‪.‬‬
‫إن كانت العبارة المسكوكة العربية "ضحوا بالنفس و النفيس" تفيد التضحية بالروح‬
‫وغيرها مما يشترك معها في صفة الثمن الباهظ كالمال و الولد‪ّ ،‬‬
‫فإن العبارة الفرنسية‬
‫‪182‬‬
‫» ‪ « payé de leur vie‬قد اقتصرت على التضحية بالروح بوصفها أثمن ما يملك المرء‪،‬‬
‫ذلك ّ‬
‫أن سياق العبارة جاء في مدح الشهداء‪.‬‬
‫تعتمد اللغة الفرنسية عبارة مسكوكة للداللة على بذل النفس من أجل اآلخرين أو في‬
‫سبيل بلوغ غاية ما كحرية الوطن و المصلحة العامة و هي عبارة ‪« payer de sa‬‬
‫» ‪ personne‬حيث يعاود فعل دفع المقابل » ‪ « payer‬الظهور للداللة على التضحية‪ ،‬لكن‬
‫المالحظ هو اختالف الحقل الداللي للفعلين فالتضحية في اللغة العربية تفيد معنى الفداء من‬
‫أجل بلوغ غاية سامية و من ذلك األضحية و عيد األضحى‪ ،‬بينما تتسع داللة الفعل‬
‫» ‪ « payer‬لتتضمن معنى الخسارة و الحسرة والندم على فعل التضحية و المضحى به‬
‫كعبارة » ‪ « payer chère‬أو عبارة » ‪.« payer les pots cassés‬‬
‫يجعلنا هذا التقارب بين العبارتين " ضحوا بالنفس و النفيس" و » ‪« payer de leurs vie‬‬
‫نورد هذه الترجمة في خانة المكافئ و نتغاضى عن صيغة ورود المضحى به في اللغة‬
‫الهدف والتي يحتمل ّ‬
‫أن المترجم التحريري قد أوردها في سياق إضفاء نوع من اإليقاع‬
‫و التناغم بين مكونات العبارة الهدف للقيام مقام القافية السينية للكلمتين المتقابلتين " النفس‬
‫والنفيس"‬
‫و في نفس سياق التضحية و الشهادة أورد الرئيس الجزائري في مقدمة دستور ‪ 2020‬التي‬
‫تحمل توقيعه عبارة " ق دم تضحيات جسام " و جاءت ترجمتها » ‪« a versé de son sang‬‬
‫بمعنى سكب دمه و المفيدة لمعنى التضحية بالنفس‪.‬‬
‫و الواقع ّ‬
‫أن قاموس اللغة الفرنسية يحوي كلمة جامعة بين النفس و النفيس و التضحية بكل‬
‫ما هو غال عند اإلنسان و عليه‪ ،‬إال أننا لم نجد لها أثرا في ترجمة العبارتين‪ ،‬هذه الكلمة‬
‫هي » ‪ « abnégation‬فنقول » ‪ « a fait abnégation‬؛أي ضحى بالنفس و النفيس أو قدّم‬
‫تضحيات جسام‪ ،‬إالّ ّ‬
‫أن هذه العبارة ال تتمتّع بنفس درجة السيرورة عند العامة‪ ،‬بل ّ‬
‫إن‬
‫استعمالها يكاد ينحصر في السياق المقدس‪.‬‬
‫و مع ّ‬
‫أن قدسيّة الجهاد و الشهادة في الثقافة العربية اإلسالمية عا ّمة و الجزائرية خاصة‬
‫تقتضي إستدعاء ذلك المقابل اللغوي الذي يحمل نفس الشحنة المقدّسة » ‪ « abnégation‬في‬
‫إطار تحقيق الترجمة األمثل للخطاب الرئاسي‪ ،‬إال ّ‬
‫أن المترجمين قد استغنيا عنه لعدم‬

‫‪183‬‬
‫شيوعه مفضلين بذلك أسلوب الكناية لعبارتين رائجتين هما » ‪ « payé de leur vie‬و ‪« a‬‬
‫» ‪ versé de son sang‬مقابل عبارتي " ضحوا بالنفس و النفيس" و عبارة " قدم تضحيات‬
‫جسام"‪.‬‬

‫إستخدم الرئيس الجزائري التثمين إلعطاء صفة القداسة على الثمن و المثمن " ضحوا‬
‫بالنفس و النفيس من أجل الوطن " و أعاد استخدامه في موضع آخر " باعوا الوطن بثمن‬
‫بخس" لكن ليس بنفس الطريقة التثمينية لنفس المثمن (الوطن) فكانت الثانية في إطار‬
‫استصغار و بخس أي مقابل للمثمن كما سنورده الحقا‪.‬‬
‫المقارنة‪.‬‬ ‫وجه التكافؤ‬ ‫المكافئ‬ ‫المكافئ‬ ‫عناصر العبارة‬
‫المستخدم‬ ‫الفرنسي التام‬ ‫المسكوكة‬
‫تفاوت الحقول الداللية‪.‬‬ ‫البذل‪.‬‬ ‫‪Payer‬‬ ‫‪Payer de‬‬ ‫ضحوا‬
‫تفاوت مستوى الجناس‬ ‫الجناس‬ ‫‪leurs‬‬
‫الناقص‪ .‬من العبارة األصل إلى‬
‫الجملة في الفرنسية‪.‬‬ ‫‪De leurs‬‬ ‫بالنفس و النفيس‬
‫‪vies.‬‬ ‫‪personnes.‬‬
‫العرفان الشحنة العاطفية المقدسة‬
‫في العبارة األصل‪.‬‬ ‫واإلعتزاز‪.‬‬

‫ترجمة الدستور الجزائري‪.‬‬ ‫‪Versé de son sang‬‬ ‫ترجمات أخرى للعبارة‪:‬‬


‫قاموس الرووس‪.‬‬ ‫‪Faire abnégation‬‬ ‫ضحوا بالنفس و النفيس‪.‬‬

‫‪ " 4-1-2‬الجيش الوطني سليل جيش التحرير"‬


‫» ‪« L’armée national digne héritier de l’ALN‬‬
‫تمت ترجمة هذه العبارة في عدة مناسبات‪ ،‬نذكر منها ثالثا لتباين الترجمة و نوعها‬
‫تحريرية و فورية‪.‬‬
‫النص األول مأخوذ من خطاب السيد رئيس الجمهورية بوزارة الدفاع الوطني‪.‬‬
‫‪ 2020/10/10‬بوزارة الدفاع الوطني‪.‬‬ ‫السياق الزمكاني‬
‫قيادات و أفراد الجيش و عموم الشعب‪.‬‬ ‫المتلقي‬
‫العربية‪.‬‬ ‫اللغة‬
‫شفوي مباشر متلفز‬ ‫صفة الخطاب‬
‫وكالة األنباء الجزائرية‪ ،‬ترجمة تحريرية‪.‬‬ ‫الهيئة المترجمة‬
‫‪184‬‬
‫النص األصلي ‪ ":‬بداية أغتنم هذه السانحة ألسدي عبارات الشكر و التقدير لجيشنا الوطني‬
‫الشعبي سليل جيش التحرير الوطني من ضباط و صف ضباط و جنود‪"...‬‬

‫الترجمة إلى الفرنسية‪ ،‬وكالة األنباء الجزائرية‪:‬‬


‫نص الترجمة إلى الفرنسية‪:‬‬
‫‪« en premier lieu, j’aimerais bien remercier notre armée national populaire‬‬
‫» …‪digne héritière de l’armée de libération national‬‬

‫مسكوكة شبه خاصة (راموس)‬ ‫تصنيف العبارة المسكوكة‬


‫مستحدث (بعد ‪)1962‬‬ ‫السياق المورفوتركيبي األصلي‪.‬‬
‫تاريخي‪.‬‬ ‫الحقل الداللي‬
‫اإلستمرارية‪.‬‬ ‫المعنى األصلي‪.‬‬
‫الفخر و اإلعتزاز اإلنتمائي‪.‬‬ ‫المعنى السياقي‪.‬‬
‫حمل األمانة‪.‬‬ ‫المعنى التداولي‪.‬‬

‫النص الثاني مأخوذ من مقابلة السيد رئيس الجمهورية مع قناة روسيا اليوم‪:‬‬

‫لقاء صحفي‪ .‬حصة تلفزيونية "الحوار الكبير"‬ ‫طبيعة الخطاب‬


‫الصحفية‪ :‬ياسمين مسوس (قناة روسيا اليوم)‬ ‫انتماء المضيف‬
‫العربية‪.‬‬ ‫لغة الخطاب‪.‬‬
‫‪« La grande‬‬ ‫قناة روسيا اليوم (النسخة الفرنسية)‪.‬‬ ‫الهيئة المترجمة‪.‬‬
‫» ‪interview‬‬
‫لغة الترجمة و طبيعتها‪ .‬ترجمة فورية إلى اللغة الفرنسية‪.‬‬

‫النص األصلي"‪ ...‬شعب أعطى درسا في دستورية الجيش الوطني الشعبي سليل جيش‬
‫التحرير الوطني ‪ ،‬فقد أوجد الحماية للشارع و لم تزهق أي قطرة دم منذ سنة (الحراك)‪"...‬‬

‫الترجمة إلى الفرنسية من نفس الوكالة‪:‬‬


‫‪« …Les algériens ont donné des leçons au monde, notamment le caractère‬‬
‫‪républicains de l’armée national et populaire, laquelle a démontré par son‬‬

‫‪185‬‬
‫‪patriotisme qu’elle était la digne héritière de l’armée de libération‬‬
‫» …‪national‬‬

‫النص الثالث مأخوذ من خطاب التنصيب‪:‬‬

‫‪ 2019/12/19‬قصر الشعب‪.‬‬ ‫السياق الزمكاني‬


‫الشعب الجزائري و كل من يتابعه‪.‬‬ ‫المتلقي‬
‫العربية‪.‬‬ ‫لغة الخطاب‬
‫شفوي مباشر متلفز‪.‬‬ ‫طبيعة الخطاب‬
‫وكالة فرانس ‪.24‬‬ ‫صفة المترجم‬

‫النص األصلي‪ ":‬و بدون أدنى شك فإنه يجب أن نرفع التحية و التقدير للجيش الوطني‬
‫الشعبي الباسل المغوار سليل جيش التحرير الوطني و على رأسه نائب وزير الدفاع"‬

‫الترجمة إلى الفرنسية‪ ،‬وكالة فرانس ‪:24‬‬


‫‪« Nous remercions, bien évidemment l’armée populaire national, cette armée‬‬
‫‪forte, cette armée qui a émané de l’armée de libération. Ainsi je remercie le‬‬
‫» ‪chef d’état major‬‬

‫لم تتوان الدوائر الرسمية من رئاسة و غيرها في إدراج هذه العبارة المسكوكة كلما جاء‬
‫ذكر مؤسسة الجيش الوطني الشعبي الجزائري‪ ،‬و لم يكن ذكرها من باب التذكير باإلمتداد‬
‫و العالقة بينهما و حسب‪ ،‬وإنما من باب اإلعتزاز بإلحاقه بالحلقة المشرفة من تاريخ‬
‫البالد‪.‬‬

‫ترجمة هذه العبارة تدل على ّ‬


‫أن المترجم التحريري لوكالة األنباء الجزائرية قد وجد‬
‫نفسه في مفترق الطرق بين إيجاد مرادف مفترض للعبارة (صيغة أخرى) في اللغة‬
‫الفرنسية و بين الترجمة الحرفية لها‪ ،‬أي بين التكافؤ الداللي و التناظر اللغوي‪ ،‬و بين هذا و‬
‫ذاك و أمام الحيرة الترجمية إختار المترجم اإلحتفا ظ بقطبي العبارة (الجيش الوطني‬
‫و جيش التحرير) و البحث عما يكافئ القيمة الداللية و العالقة بين قطبي العبارة في اللغة‬
‫الهدف‪ ،‬مع المحافظة على طول العبارة‪.‬‬

‫‪186‬‬
‫ّ‬
‫إن لهذا الشعار من األهمية السياسية في الجزائر ما ال ينكره عليه أحد و ال يستثنيه‬
‫خطاب‪ ،‬و هذا ما يضعنا أمام حتمية الوقوف عليه لقراءته و قراءة ترجماته الواردة في‬
‫السياق السياسي والتي لم نحص منها إالّ اثنتين‪.‬‬
‫ال يمكن لنا قراءة هذا الشعار الها ّم و الغوص في حناياه إالّ بإخضاع ألفاظه و تركيبه إلى‬
‫مطرقة النقد و التفكيك الداللي‪ ،‬و ذلك من أجل الكشف عما تخفيه العبارة األصل وما‬
‫تدعيه ترجماتها في مقابلة موضوعية‪.‬‬

‫تقدّم لنا العبارة األصل "الجيش الوطني الشعبي سليل جيش التحرير" و تعلن عن معنى‬
‫مخالف للترجمة التحريرية‪ ،‬فلفظة سليل تفيد إستمرارية الوجود لألصل في الفرع‪،‬‬
‫وإنتهاج الفرع لنهج األصل في كل شيء‪ ،‬ذلك ألنّ ه سليله الوحيد و من نسله‪ ،‬فالجيش‬
‫الوطني هو الوريث الوحيد و الشرعي لجيش التحرير الوطني‪ ،‬و ذاك الشبل من ذاك األسد‪.‬‬

‫ضلت نقل المعنى المراد بقولها ّ‬


‫أن الجيش الوطني هو ولي عهد‬ ‫أ ّما العبارة الفرنسية فقد ف ّ‬
‫جيش التحرير؛ أي أنّه القائم مقامه في غيابه‪ ،‬فاقتران كلمة وريث » ‪ « héritier‬في اللغة‬
‫ي العهد"‪ ،‬و بذلك‬
‫الفرنسية بشخص مادي مثل األمير مثال » ‪ « prince‬تفيد معنى " ول ّ‬
‫تصر ح بالكفاءة في خالفة األصل‪ ،‬في حين‬
‫ّ‬ ‫فإنّها تقّر بعالقة النسل و تبقيها ضمنيّة و‬
‫تفصح العبارة العربية عن عالقة النسل و تبقي عملية التوريث الشرعي ضمنية‪.‬‬

‫يفصل بين "ولي العهد" و "السليل" خيط رفيع يكاد ال يرى‪ ،‬إالّ أنّه باألهميّة الداللية‬
‫بمكان‪ ،‬فليس كل سليل ولي عهد‪ ،‬إالّ ّ‬
‫أن استعمال كلمة سليل في موضع كهذا يفيد معنى‬
‫سد األصل فيه؛ أي‬
‫التفرد بعالقة اإلنتساب إلى األصل و الشبه المعنوي به إلى درجة تج ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫أن الرابط بينهما روحي ومادي و السليل فرد وحيد‪ .‬بينما كل ولي عهد هو سليل العائلة‬
‫متفر د بإمكانية حكم ما ح كمه سلفه مع إمكانية وجود ورثة آخرين (سليل‬
‫ّ‬ ‫الحاكمة األصل‬
‫آخر) ينازعه ذلك اإلمتياز و لهذا تستعمل عبارة "من ساللته" بدل كلمة "سليل"؛ أي ّ‬
‫أن‬
‫ي العهد قائمة على أساس اإلنتقاء من بين من يتمتعون بصفة‬
‫العالقة بين األصل و ول ّ‬
‫الساللة (الورثة)‪.‬‬

‫‪187‬‬
‫تجتمع العبارتان في تضمين ماهية اإلرث الذي تُستقى داللته من طبيعة الوارث‬
‫والمورث‪ ،‬والمتمثّل في الدفاع عن حرية الجزائر و سيادتها‪ ،‬فجيش التحرير لم ّ‬
‫يورث‬
‫ي عهد جيش التحرير‬ ‫دينارا و ال درهما و إنّما أمانة و مسؤولية اتجاهها‪ ،‬لذلك كان ول ّ‬
‫الشرعي هو سليله الوحيد المتمث ّل في الجيش الوطني الشعبي‪ ،‬و ال يفوتنا إدراج تعريف‬
‫الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون للعالقة بين قطبي العالقة‪ ،‬حيث أورد في خطابه يوم‬
‫أن العالقة بينهما "راسخة و متجذّرة لتربط الجيلين من الجيش فيتماهى‬
‫‪ّ 2020 /10 /10‬‬
‫بعضهما ببعض في مسار واحد"‪.‬‬

‫في حين إتفق مترجمو الوكالة الجزائرية لألن باء مع مترجم قناة روسيا اليوم على‬
‫ضال التتبّع الحرفي‬
‫الترجمة المذكورة أعاله‪ ،‬فقد صنع مترجم قناة فرانس ‪ 24‬اإلستثناء مف ّ‬
‫لمكو نات العبارة و البحث في قاموسه اللغوي الشخصي عن معادل لغوي لكلمة سليل‪،‬‬
‫ّ‬
‫فكانت عبارة » ‪ « qui a émané de‬حاضرة في ترجمة هذا األخير للعبارة المسكوكة في‬
‫األو ل لرئيس الجمهورية الجزائري‪.‬‬
‫الخطاب ّ‬
‫و الواقع ّ‬
‫أن التركيب اللغوي الذي استعمله ذات المترجم يؤدي المعنى الظاهر من العبارة‬
‫من حيث عالقة الفرع باألصل‪ ،‬فمن معاني الفعل الفرنسي » ‪ « émaner239‬المتداول في‬
‫األوساط ال علمية أكثر من تلك األدبية و غيرها نجد اإلشتقاق و نشأة كيان جديد من آخر‬
‫سابق الوجود‪ ،‬فيكون بذلك قد نقل العبارة من المسكوكية السياسية إلى العادي من الكالم‪،‬‬
‫و مع ذلك ّ‬
‫فإن المتأ ّم ل في المعنى األول للفعل يدرك وجود ذلك اإلرث الموروث عن سابقه‬
‫و األمانة الملقاة على كاهله و إنتقال المسؤولية إليه‪ ،‬و هذا ما يد ّل عليه عدم تغيّر مادة‬
‫الفرع عن األصل و ال كثافتها‪.‬‬

‫السلوك‬ ‫نوع الترجمة‬ ‫الترجمة‬ ‫العبارة المسكوكة‬


‫الترجمي‬
‫المكافئ‪.‬‬ ‫تحريرية (وأج)‬ ‫‪ANP digne héritier de‬‬
‫المكافئ‪.‬‬ ‫فورية (روسيا‬ ‫‪l’ALN.‬‬ ‫الجيش الوطني سليل‬
‫اليوم)‬ ‫جيش التحرير‪.‬‬
‫ترجمة‬ ‫فورية (فرانس‬ ‫‪ANP émané de l’ALN.‬‬

‫‪239‬‬
‫‪Émaner : verbe intransitif. 1- se dégager par particules impondérables d’un corps dont la substance n’en est ni‬‬
‫‪diminuée, ni altérée sensiblement. 2- provenir de quelqu’un ou quelque chose.‬‬

‫‪188‬‬
‫حرفية‪.‬‬ ‫‪)24‬‬

‫ّ‬
‫إن اتفاق المترجم التحريري ل (وأج) و المترجم الفوري لقناة روسيا اليوم على نفس‬
‫الترجمة» ‪ ، « digne héritier‬و مخالفة المترجم الفوري لقناة فرانس ‪ 24‬لما أجمع عليه‬
‫اآلخران ليضعنا أمام سؤال هام يدور في فلك هذا اإلختالف و حوله‪ ،‬فهل يمكن أن يكون‬
‫لهويّة الفكر المترجم و جنسيته أثر في ذلك اإلختالف؟ أم أنّه خاضع (اإلختالف) إلى تأثير‬
‫الفجوة الزمنية الفاصلة بين التراجم الثالث؟‬

‫هذا اإلختالف يثبت ّ‬


‫بأن للمترجم القدرة في إنتاج فكر يكون له أثره في مجرى الترجمة‬
‫و نقل التعابير المسكوكة و الخطابات السياسية بما تحمله من شعارات من لغة إلى أخرى‪،‬‬
‫فالمترجم يملك القدرة على ممارسة فكره بنحو فاعل و ذلك بقراءة النصوص إلنتهاك‬
‫صمتها‪ ،‬و تلقي الخطابات إلنتاج صدى لها‪ ،‬و التمعّ ن في المسكوك من تعابيرها إلختراق‬
‫كثافتها و تع رية آلياتها في حجب معانيها‪ .‬و المترجمون الثالثة و إن اعتمدوا ترجمات‬
‫تتناول العالقة األبوية بين الجيشين بغض النظر عن كنهها روحية أو طبيعية‪ ،‬فإنّهم لم‬
‫يتناولوا العبارة المسكوكة بالترجمة بغية التأريخ لتلك العالقة األبوية‪ ،‬و إنّما كان ذلك من‬
‫باب إبراز الفكر السائد في إطار الخصوصية الثقافية و القومية والدينية إلنتماء المترجم‪.‬‬

‫‪" 5- 1-2‬سياسة الترقيع و ذر الرماد في العيون"‬


‫» ‪« Avec la politique de bricolage et de la poudre aux yeux‬‬
‫استعمل السيد رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون هذه العبارة في خطابه للوالة يوم‬
‫‪ 12‬أوت ‪.2020‬‬
‫‪ 2020/08/12‬قصر الحكومة‪.‬‬ ‫السياق الزمكاني‬
‫الوالة و المسؤولين المحليين و عموم الشعب الجزائري‪.‬‬ ‫المتلقي‬
‫العربية‪.‬‬ ‫اللغة‬
‫شفوي مباشر متلفز‬ ‫صفة الخطاب‬
‫وكالة األنباء الجزائرية‪ ،‬ترجمة تحريرية‪.‬‬ ‫الهيئة المترجمة‬

‫‪189‬‬
‫"ذر الرماد في العيون" مثل يضرب في محاولة الرجل طمس معالم الحقيقة الواقعة و‬
‫ّ‬
‫تحويل األبصار عنها و إشغال الناس بما ال يعنيهم عما يعنيهم‪ ،‬فالرماد و حسن الرؤية ال‬
‫يجتمعان في عين واحدة‪ ،‬لذا كان فعل ذر الرماد لمنع العين من تأدية وظيفتها و إغماضها‪.‬‬
‫أن العين تعتبر من أهم المدخالت الحسية لإلنسان ّ‬
‫فإن القصد من منعها من تأدية‬ ‫و بما ّ‬
‫وظيفتها هو تغييب الحقائق و منع صاحبها من إدراك ما يدور حوله‪ ،‬أو رسم صورة‬
‫مغايرة عن الواقع؛ أي ما يعرف بالتمويه‪ ،‬حيث ورد في معجم المعاني ّ‬
‫أن العبارة تفيد‬
‫ي‬ ‫معنى التضليل و التمويه‪ ،‬و ّ‬
‫أن المقصود بالرماد هو الغبار الناعم إضافة إلى معناه الجل ّ‬
‫المفيد بقايا الحرق الغير القابلة لإلحتراق‪.‬‬

‫مغلقة (غروس)‪ ،‬تامة (راموس)‬ ‫تصنيف العبارة المسكوكة‬


‫مثل سائر من المستوى الفصيح‪.‬‬ ‫نوعها‬
‫بالغي قديم‪.‬‬ ‫السياق المورفوتركيبي األصلي‬
‫إدراكي‪ ،‬معرفي‪ ،‬حسي‪.‬‬ ‫الحقل الداللي‬
‫التستر و التخفي‪.‬‬ ‫المعنى األصلي‬
‫العلم المسبق بالخبايا‪.‬‬ ‫المعنى السياقي‬
‫تغيير الذهنيات‪.‬‬ ‫المعنى التداولي‬

‫إستحضر رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون العبارة في الخطاب الذي ألقاه أمام الوالة‬
‫في شهر أوت من عام ‪ 2020‬مريدا بها اإلشارة إلى نوع من الممارسات السياسية المضلّلة‬
‫الممو هة قصد الظهور بمظهر حسن مخالف للواقع‪ ،‬و ما كان عطفه للعبارة المسكوكة‬‫ّ‬ ‫و‬
‫مع لفظة الترقيع إال من باب جمع السلوكين السياسيين تحت مظلّة اإلستهجان و إن تمايز‬
‫النوعان‪ ،‬فاألول عمل غير متقن والثاني تمويه لعمل لم ينجز‪.‬‬

‫ذكر نعوم حجار هذا المثل مرفقا إياه بترجمته ترجمة حرفية ‪« jeter de la poudre‬‬
‫» ‪ . aux yeux‬حيث إعتمد المترجم الصيغة الفعلية في إنتاجه للترجمة‪ ،‬متحديّا بذلك‬
‫الصيغة المورفوتركيبية للمثل األصل الوارد على شكل جملة إسمية‪ ،‬و كذا ما يعرف عن‬
‫اللغة الفرنسية من تفضيل للصيغة اإلسمية لنظم العبارات و الجمل‪ .‬و ما كان إعتماده لهذه‬
‫الصيغة إالّ لعزل المعنى المراد من المثل و تحديد معالمه‪ ،‬و ذلك بسبب إختالف الحقول‬
‫‪190‬‬
‫الداللية لكلمة " الرماد" و كلمة » ‪ « poudre‬التي تعني "المسحوق" و"الغبار"و"البارود"‬
‫الذر » ‪ « jeter‬يفيد المعنى المراد من العبارة‬
‫وكذا " الرماد"‪ ،‬فإستعماله لفعل الرمي و ّ‬
‫للذر كالبارود‪.‬‬
‫بإستثنائه للمواد الغير القابلة ّ‬

‫كما أورد موقع ريفيرسو » ‪ « Reverso‬العبارة العربية "ذر الرماد في العيون" كترجمة‬
‫للتعابير المسكوكة الفرنسية التالية‪ « hareng saur » « fausse piste » :‬و عبارة ‪« semer‬‬
‫» ‪ la confusion‬و العبارة » ‪.« de la poudre aux yeux‬‬
‫أن المالحظ ّ‬
‫أن العبارات الفرنسية قد وردت في سياقات مختلفة ال يمكن أن تحل‬ ‫غير ّ‬
‫محلّ ها تعابير أخرى‪ ،‬على عكس العبارة المسكوكة العربية التي كانت حاضرة في كل‬
‫السياقات على اختالفها مؤدّية المعنى المراد منها في كل ّ‬
‫مرة‪.‬‬

‫أدرك مترجم الخطاب الرئاسي أهميّة الخيط الرفيع الذي يفصل بين تقنية الترجمة الحرفية‬
‫ض ل تقنية التكافؤ بإستغنائه عن الفعل » ‪« jeter‬‬
‫للعبارة المسكوكة المذكورة و التكافؤ‪ ،‬فف ّ‬
‫وإكتفائه بالعبارة » ‪ « de la poudre aux yeux‬فتجنّب بذلك إطالة الكالم و ثقل الصياغة‬
‫في سياق القول الوارد‪.‬‬

‫ظهرت هذه العبارة الفرنسية » ‪ « de la poudre aux yeux‬في القرن ‪ 12‬ميالدي مفيدة‬
‫معنى الفوز إضافة إلى معنى اإلعماء الذي انفرد بالداللة الضمنية على العبارة إبتدا ًء من‬
‫القرن ‪ 16‬م‪.240‬‬

‫ي حال إنكار التشابه الموجود بين المركبّات اللغوية للعبارة المسكوكة العربية و‬
‫ال يمكن بأ ّ‬
‫لتكون العبارة الفرنسية‪:‬‬
‫ترجمتها في الفرنسية‪ ،‬مما يضعنا أمام فرضيتين ُّ‬
‫تنص الفرضية األولى على الصدفة الكامنة وراء تشابه السياق الذي وردت فيه العبارة‬
‫ّ‬ ‫‪-‬‬
‫والمتمثل في "سباق الخيل"‬
‫‪ -‬أ ّما الثانية فهي ّ‬
‫أن الترجمة الحرفية للعبارة أقدم من أن تحصيها القواميس و ذلك‬
‫لإلحتكاك الحاصل بين العرب و غير هم في األندلس و الشرق األوسط‪.‬‬

‫‪240‬‬
‫‪-« poudre aux yeux » : locution nominale, apparence flatteuse, mais toujours trompeuse, que l’on donne‬‬
‫‪volontairement pour en cacher une autre. Wikitionnaire, CC BY-SA 3.0‬‬

‫‪191‬‬
‫مسكوكة تامة (راموس) مغلقة (غروس)‬ ‫العبارة المسكوكة‪ :‬ذر الرماد في العيون‪.‬‬
‫مسكوكة تامة (راموس) مغلقة (غروس)‬ ‫ترجمتها‪de la poudre aux yeux :‬‬
‫القرن ‪ 12‬ميالدي‪.‬‬ ‫إنزياح داللة العبارة الفرنسية‪ -1 :‬الفوز‪.‬‬
‫القرن ‪ 16‬ميالدي‪.‬‬ ‫‪ -2‬التعمية‬
‫ترجمة أخرى‪ jeter de la poudre aux :‬منجد األمثال (نعوم حجار)‬
‫‪yeux‬‬

‫‪" 6-1-2‬اإلنقالب العسكري"‬


‫» ‪« Le coup d’état‬‬

‫ذكر رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون هذه العبارة في خطاب ‪ 2020 /10/10‬عند‬
‫حديثه حول األوضاع في دول الساحل و تشريح الوضع القائم في دول الجوار منها كدولة‬
‫مالي و النيجر‪.‬‬
‫‪ 2020/10/10‬بوزارة الدفاع الوطني‪.‬‬ ‫السياق الزمكاني‬
‫قيادات و أفراد الجيش و عموم الشعب‪.‬‬ ‫المتلقي‬
‫العربية‪.‬‬ ‫اللغة‬
‫شفوي مباشر متلفز‬ ‫صفة الخطاب‬
‫وكالة األنباء الجزائرية‪ ،‬ترجمة تحريرية‪.‬‬ ‫الهيئة المترجمة‬
‫النص األصلي باللغة العربية‪:‬‬
‫"التاريخ ال يرحم‪ ،‬التاريخ واضح‪ .‬انهارت ليبيا في ‪ ،2011‬في ‪ 2012‬قوافل محملة‬
‫باألسلحة باتجاه الساحل‪ ،‬ما أوصلنا إلى انقالب عسكري في مالي و فراغ سياسي تسببا في‬
‫زحف إرهابي قوي حاول الوصول إلى باماكو"‬
‫الترجمة إلى اللغة الفرنسية (وكالة األنباء الجزائرية)‪:‬‬
‫‪« L’histoire retiendra tous ces faits : en 2011, la Lybie s’effondre, et en 2012,‬‬
‫‪des caravanes de camions transportant des armes se dirigent vers le sahel. Le‬‬
‫‪mali connait alors un coup d’État et un vide politique qui a aggravé la‬‬
‫» ‪situation‬‬

‫‪192‬‬
‫هذه العبارة المصاغة باللغة العربية و إن دخلت قاموس المصطلحية العسكرية‬
‫ّ‬
‫تمت بصلة ال إلى التعتيم الداللي و ال إلى الثقافة العربية حتى و إن كان‬ ‫والسياسية فإنّها ال‬
‫استعمال الكلمة األولى من المتالزمة اللفظية "اإلنقالب" يستدعي حضور الثانية‬
‫"العسكري" في الذ هن و إن غابت في اللغة‪.‬‬
‫مسكوكة شبه خاصة (راموس)‬ ‫تصنيف العبارة المسكوكة‬
‫مأخوذة من الحضارات األخرى‪.‬‬ ‫السياق المورفوتركيبي األصلي‪.‬‬
‫نزع القميص‪( .‬مسكوكة مغلقة تامة)‬ ‫عبارة عربية تقوم مقامها‬
‫سياسي‪.‬‬ ‫الحقل الداللي‬
‫التمرد‪.‬‬ ‫المعنى األصلي‪.‬‬
‫تغييب السلطة الشرعية‪.‬‬ ‫المعنى السياقي‪.‬‬
‫إنعدام األمن و اإلستقرار‪.‬‬ ‫المعنى التداولي‪.‬‬

‫فرغم كل الثورات الداخلية و اإلنقالبات ذات الطابع العسكري الحاصلة في الدول العربية‬
‫منذ نشأة الدولة اإلسالمية لم يعرف هذا المصطلح النور عندهم إال حديثا‪ ،‬فقد كانت تعرف‬
‫و "الخروج عن الحاكم"‪ ،‬ومرد‬ ‫‪242‬‬
‫و كذا "العزل" و "الخلع"‬ ‫‪241‬‬
‫بإسم "الفتنة" و "الفتن"‬
‫اعتماد و تداول هذه الكلمات في تلك الحقبة إلى طابع الحكم السائد في الدول العربية‬
‫و القائم على أساس الشرعية الدينية كما أوضحناه في الفصل األول‪ ،‬فكان بذلك مصطلح‬
‫الفتنة داال على اإلختالف و الخالف مع المؤسسة الحاكمة (الخالفة أو اإلمارة) و السعي‬
‫إلى خلعها بكل الطرق‪.‬‬

‫و ما كانت عبارة اإلنقالب العسكري لتعرف النور لوال تطور األحداث الذي عرفته‬
‫الحضارة الغربية بتخلصها من هيمنة الكنيسة و خروج نظام الحكم فيها من عباءة الكهنوت‬
‫إلى إرادة الشعب‪ ،‬ووضع مصطلح الدولة و الوطن وصوال إلى الجمهورية‪ ،‬فكان بذلك‬
‫اإلنقالب العسكري بمثابة إنقالب على إرادة الشعب بوصفه مانح الشرعية للسلطة المنقلب‬
‫عليها‪.‬‬

‫‪ - 241‬ورد مصطلح الفتنة و تبلور في زمن خالفة على بن أبي طالب إثر خالفه مع معاوية بن أبي سفيان رضي هللا عنهما‪،‬‬
‫و ذلك بخصوص إقامة الحد على قتلة الخليفة عثمان بن عفان رضي هللا عنه‪.‬‬
‫‪ - 242‬ورد مصطلح الخلع في حادثة الخليفة عثمان بن عفان رضي هللا عنه ‪ ،‬إذ رفض التخلي عن منصب الخالفة قائال "ال‬
‫أخلع قميصا قمصنيه هللا"‬
‫‪193‬‬
‫بأن العبارة ذات أصل عربي‪ ،‬و إنّما هي مصطلح متداول مفيد‬
‫و بهذا فإنّه ال يمكن القول ّ‬
‫لمعنى العبارة األصل‪ ،‬حيث لم تتداول معاجم و قواميس اللغة و التعابير هذه المتالزمة‬
‫اللفظية الحديثة المنشأ في العالم العربي‪ ،‬غير ّ‬
‫أن فعل اإلنقالب قد ورد في تعابير أخرى‬
‫منها " إنقلب السحر على الساحر"‪ ،‬كما ّ‬
‫أن المكونات اللغوية للعبارة العربية تعكس المعنى‬
‫بكل وضوح على عكس العبارة الفرنسية التي تضمر المعنى بين طياتها و ال تظهر منه إال‬
‫إسم الدولة في العملية اإلنقالبية كما تضمر فعل اإلنقالب و محاولة العزل‪ ،‬و بذلك فإنها‬
‫تكون قد استوفت شروط المسكوكية‪.‬‬
‫و بهذا فإنّ ه يمكن إدراج المتالزمة اللفظية " اإلنقالب العسكري" في خانة التعابير الشبه‬
‫الخاصة حسب تصنيف راموس الذي أوردن اه في الفصل األول على عكس العبارة‬
‫الفرنسية التي تعتبر مسكوكة تامة‪.‬‬

‫ض ل المترجم إعتماد سياسة التفخيم و ذلك بنقل داللة العبارة " اإلنقالب العسكري"‬
‫ف ّ‬
‫من الوضوح إلى التعتيم و من عادي الكالم إلى الخاص منه » ‪ « coup d’état‬و هذا‬
‫إلعطاء نص ترجمته بعدا بالغيا سلسا في اللغة الهدف‪ ،‬ذلك أن العبارة الفرنسية تجمع بين‬
‫البيان اللغوي و اإلنتشار في أوساط المستعملين للغة الفرنسية و غيرها من اللغات‪.‬‬
‫تجدر اإلشارة إلى توفر إمكانية استعمال المرادف اللغوي لمصطلح "اإلنقالب العسكري"‬
‫األدق »‪ « pronunciamiento 243‬إالّ ّ‬
‫أن المترجم فضل اعتماد‬ ‫ّ‬ ‫» ‪ « putsch‬أو المصطلح‬
‫سياسة التفخيم بإستعماله عبارة أكثر انتشارا و أعمق داللة و أبلغ نظما و أكفأ تأثيرا‬
‫بمعناها و كفاية باستحضارها‪ ،‬فهي المكافئ الكفء للقيام مقام ما يكافئه من لفظ و معنى‬
‫وداللة‪.‬‬

‫انقالب عسكري‪.‬‬ ‫العبارة المسكوكة‬


‫‪Coup d’état‬‬ ‫الترجمة‬
‫‪Putsch‬‬ ‫ترجمات أخرى ممكنة(مفردة)‬
‫‪pronunciamiento‬‬ ‫مصطلح‬

‫‪- pronunciamiento : n, masculin. (Militaire, politique) procédé par lequel l’armée se déclare contre le 243‬‬
‫‪gouvernement en place afin de provoquer sa chute.‬‬

‫‪194‬‬
‫‪" 7- 1-2‬حاشا أقلية من المستوردين"‬
‫» ‪« Mis-à-part une minorité des importateurs‬‬

‫وردت عبارة "حاشا هلل" في قوله تعالى " فلما رأينه أكبرنه و قطعن أيديهن و قلن‬
‫حاشا هلل ما هذا بشرا إن هذا إال ملك كريم" (يوسف‪ ،)31،‬استدل معجم المعاني بهذه اآلية‬
‫الكريمة لتبيين اختصاص معنى "حاشا" باإلستثناء المفيد للتنزيه‪ ،‬و استعملها رئيس‬
‫الجمهورية السيد عبد المجيد تبون في حديثه لقناة روسيا اليوم عقب تناوله جماعة‬
‫المستوردين المضخمين للفواتير‪ ،‬فكانت كلمة "حاشا" منزهة لما بعدها عن الشائبة‬
‫والعيب الذي سبقها‪.‬‬

‫لقاء صحفي‪ .‬حصة تلفزيونية "الحوار الكبير"‬ ‫طبيعة الخطاب‬


‫الصحفية‪ :‬ياسمين مسوس (قناة روسيا اليوم)‬ ‫انتماء المضيف‬
‫العربية‪.‬‬ ‫لغة الخطاب‪.‬‬
‫‪« La grande‬‬ ‫قناة روسيا اليوم (النسخة الفرنسية)‪.‬‬ ‫الهيئة المترجمة‪.‬‬
‫» ‪interview‬‬
‫لغة الترجمة و طبيعتها‪ .‬ترجمة فورية إلى اللغة الفرنسية‪.‬‬

‫النص األصلي باللغة العربية‪:‬‬


‫سؤال الصحفية ‪ :‬أستسمحكم سيادة الرئيس‪ ،‬فهذا ما يضطر المتعاملين االقتصاديين أحيانا‬
‫إلى طرق غير قانونية‪ ،‬فيذهبون إلى السوق الموازية (العملة الصعبة) و ال يخلقون‬
‫الثروة‪ ،‬هل هناك من حلول بهذا الخصوص؟‬
‫جواب السيد الرئيس ‪":‬االقتصاد الذي سيبنى على الشفافية سيجلب الحلول‪ .‬اليوم‪ ،‬االقتصاد‬
‫حتى االستيراد أساسه تهريب العملة‪ ،‬حاشا أقلية من المستوردين الذين يخافون على‬
‫الوطن‪"...‬‬
‫الترجمة إلى الفرنسية (مقطع جواب السيد الرئيس)‪:‬‬

‫‪195‬‬
‫‪« L’économie qui sera bâtit sur la transparence apportera ces solutions, dans‬‬
‫‪l’économie actuelle toute importation est basée sur le transfert illicite des‬‬
‫» …‪capitaux mis-à-part une minorité des importateurs‬‬
‫حرة (راموس)‬ ‫تصنيف العبارة المسكوكة‬
‫نص قرآني مقدس‪.‬‬ ‫السياق المورفوتركيبي األصلي‪.‬‬
‫ديني أخالقي‪.‬‬ ‫الحقل الداللي‬
‫التنزيه‪.‬‬ ‫المعنى األصلي‪.‬‬
‫اإلشادة و التنزيه‪.‬‬ ‫المعنى السياقي‪.‬‬
‫الدعوة للتحلي بالنزاهة‪.‬‬ ‫المعنى التداولي‪.‬‬

‫كلمة "حاشا" تش ّكل مسكوكة لغوية ّ‬


‫حر ة مع ما تدخل عليه من المستثنيات سواء كان‬
‫لفظ جاللة "حاشا هلل" أو ضميرا متصال " حاشاك" أو إسما منفصال كما ورد على لسان‬
‫رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون في استثنائه أقلّية من المستوردين من شبهة ما‬
‫يعرف بتضخيم الفواتير‪ ،‬و ذلك خالل لقائه المتلفز مع قناة روسيا اليوم‪.‬‬
‫لكن داللة عبارة "حاشا" ال تقتصر على اإلستثناء و التنزيه الصريح من دنس الشبهة‬
‫المستثنى منها وحسب‪ ،‬و إنّما تتعدّاه إلى درجة التزكية و اإلشادة المضمرة‪ ،‬يمكن لبعض‬
‫األدوات اللغوية القيام مقام كلمة "حاشا" للداللة على اإلستثناء‪ ،‬مثل "إال" و "غير"‬
‫اإلستثنائيتين‪ ،‬و "على عكس" و كل التعابير المفيدة لوجود ضدّ المعطيات السابقة الطرح‪،‬‬
‫إالّ أنّه ال يمكن أل ّ‬
‫ي من هذه األدوات القيام مقام كلمة "حاشا" في إضمار التزكية واإلشادة‪،‬‬
‫كما أنّها ال تتمت ّع بنفس الخاصيّة المسكوكية‪.‬‬

‫وردت كلمة "حاشا" في منجد نعوم حجار كما يلي‪" :‬حاشا من السامعين"‪ ،‬و هي‬
‫عبارة متداولة على كل المستويات اللغوية من شعبي و فصيح و غيرهما‪ ،‬كما إقترنت‬
‫بترجمتها إلى » ‪ « sauf votre respect‬حيث تظهر الترجمة جليّا مظاهر التزكية و اإلشادة‬
‫في كلمة » ‪ « respect‬المفيدة لإلحترام‪ ،‬كما وردت ترجمتها في سياقها القرآني‪:‬‬

‫» ‪« Lorsqu’elles le virent… et dirent : « à Allah ne plaise !...‬‬

‫‪196‬‬
‫لكن مترجم قناة روسيا اليوم أبى ّإال أن يحافظ على تلك الصورة البالغية المتمثّلة في‬
‫ّ‬
‫المسكوكية لينتقي من لغته الفرنسية أجملها سكا و أبلغها أدا ًء للمعنى‪ ،‬ذلك أل ّن السهل من‬
‫الكلمات الفرنسية المؤدّية لمعنى االستثناء سهل التوفّر و االستعمال و االستحضار على‬
‫غرار كلمات » ‪ « sauf » « excepté » « hormis‬و بذلك ّ‬
‫فإن المترجم قد حافظ على‬
‫علو كعب صاحب الخطاب األصل في اختيار مفرداته و تعابيره‬
‫جمالية النظم و استظهر ّ‬
‫بإعتماده تقنية التكافؤ‪ ،‬فاستخدم لذلك عبارة » ‪.« mi-à-part‬‬

‫حاشا‬ ‫العبارة‬
‫‪Mis-à-part‬‬ ‫الترجمة مكافئة‬
‫‪Excepté, hormis, sauf‬‬ ‫ترجمات أخرى ممكنة‬

‫النتائج‪:‬‬
‫المكافئ‪.‬‬
‫‪7‬‬ ‫عدد النماذج المدروسة‪:‬‬
‫‪5‬‬ ‫عدد الترجمات التحريرية (و أ ج)‪:‬‬
‫‪3‬‬ ‫عدد الترجمات الفورية‪:‬‬
‫‪1‬‬ ‫وكالة فرانس ‪:24‬‬
‫‪2‬‬ ‫وكالة روسيا اليوم‪:‬‬

‫التمثيل البياني للنتائج‪:‬‬

‫‪197‬‬
‫تمثيل بياني ‪ 1‬استخدام المكافئ‬

‫ترجمة تحريرية‬
‫ترجمة فورية‬

‫من الجدول يمكننا القول أن‪:‬‬


‫‪ -‬أغلب الترجمات المعتمدة على المكافئ الديناميكي هي ترجمات تحريرية‪ ،‬و ذلك‬
‫لتوفر عامل الوقت المتاح للترجمة‪.‬‬
‫‪ -‬يلعب تكوين المترجم و انتماؤه دورا كبيرا في اإلحاطة بالمكافئات الثقافية للتعابير‬
‫المسكوكة في لغات العمل‪.‬‬

‫‪198‬‬
‫المطلب الثالث‪:‬‬
‫التأويل‪.‬‬

‫‪202‬‬
‫التأويل‪.‬‬ ‫‪-1‬‬

‫بين السيادة الوهمية التي يتمت ع بها النص األصلي و يتقاسمها مع ملقيه و يفرضها على‬
‫متلقيه من جهة‪ ،‬و رغبة نص الوصول في احتواء نظيره و التمتع بنفس قوة اإليحاء‬
‫والتعبير ليكون ند ا له في العالم التخاطبي و كفؤا للحلول محله و تأدية ما كان يمكن أن‬
‫يؤديه األصل لوال عامل غرابة اللغة من جهة أخرى‪ ،‬فإن المترجم يلجأ إلى إعمال معاول‬
‫تفكيكية لكسر القوقعة اللغوية للتعابير والخطابات من أجل استخراج آللئ المعاني و القيم‬
‫و المقاصد التخاطبية و صناعة ِعقد يتناسب مع الذوق ا للغوي للمتلقي و يعكس أصالة‬
‫المقاصد‪ .‬فالتأويل إذن إبراز الحترافية المترجم و مدى إتقانه للصنعة اللغوية بإبراز‬
‫أسلوبه الشخصي في التعبير‪ ،‬و التشخيصي في تقصي المعاني‪.‬‬

‫ال شك أن للتجربة الشخصية للمترجم في الميدان الترجمي دورا مهما في تحديد‬


‫المؤهالت الواجب التمتع بها‪ ،‬والطريقة األنجع لتأدية المهمة الترجمية بكفاءة و مهنية‬
‫وإحترافية و أمانة‪ ،‬و من بين هؤالء المترجمين تتربع سيليسكوفيتش على عرش النظرية‬
‫التأويلية التي يعود الفضل إليها إلى جانب زمرة علماء الترجمة من المدرسة الباريسة في‬
‫صياغة هذه النظرية‪.‬‬
‫و من وحي تجاربها الشخصية وضعت سيلسكوفيتش طريقة إرتات أنها األنجع إلنتاج ترجمة‬
‫ناجحة مؤدية للمعنى‪ ،‬حيث ضمنتها ثالث مراحل بعد القراءة أو السمع الجيد و هي‪ :‬الفهم أو‬
‫التمكن من المعنى‪ ،‬واإلنسالخ اللغوي أو عزل المعنى عن المكون اللغوي‪ ،‬و أخيرا إعادة‬
‫الصياغة في القالب اللغوي الهدف‪.245‬‬

‫عملية الفهم‪ :‬يعتبر الفهم أو عملية إدراك المعنى المراد من الرسالة التخاطبية أهم مرحلة في‬
‫الترجمة‪ ،‬فقد قال عنه شتاينر‪ ،‬في كتابه ما بعد بابل " الفهم هو الترجمة"‪.246‬‬

‫‪ -‬المصدر السابق‪RAKOVA , Suzana.les théories de la traduction‬‬ ‫‪245‬‬

‫‪ - 246‬المصدر السابق‪ :‬ريكور‪ ،‬بول‪ .‬عن الترجمة‪ ،‬ص‪.31‬‬


‫‪203‬‬
‫بإعتبار الخطاب السياسي نتاجا تفاعليا بين الفكر و الواقع؛ أي أن الخطاب مستدعى من‬
‫طرف الواقع‪ ،‬وأن الواقع هو الذي طلبه‪ ،‬فإن الوصي على النص أو المترجم مجبر على‬
‫تفسيره تفسيرا سياقيا مناسباتيا‪ ،247‬وذلك بوضع مقومات للقراءة‪.‬‬
‫تعد هذه المقومات ‪ -‬التي يجب توفره ا في المترجم من جهة و توفيرها له من جهة أخرى ‪-‬‬
‫الحدو َد التي تقع القراءة من خاللها و داخل حدودها‪ ،‬و بذلك يتم غلق كل اإلمكانيات المفتوحة‬
‫على قراءة أخرى‪.‬‬

‫ال يمكن إنكار تعلُق الفهم و إدراك فكرة الخطاب الكلية و معانيه الجزئية بالتعبير والعبارات‬
‫المنتجة من قِبل صاحب الخطاب‪ ،‬فإن كانت الفكرة الكلية متعلقة بمناسبة الخطاب فإن‬
‫المعاني الجزئية للخطاب متعلقة بالمنتوج اللغوي‪ ،‬حيث ال يتسنى لكل واحد إدراك األفكار‬
‫المستترة خلف الكلمات‪ ،‬فذلك يتطلب حفرا و تفكيكا و كفاءات للوصول إلى الصور الفكرية‬
‫و األفكار المكونة لروح الخطاب‪.‬‬
‫فالمترجم إذن مجبر على إعمال تلك المعاول التفكيكية للبحث في عمق الخطاب و مكوناته‬
‫اللغوية و الثقافية‪ ،‬إلستخالص المعرفة و الزخم المعلوماتي الموجود فيه و في الوحدات‬
‫التعبيرية المكونة له‪.‬‬

‫عملية اإلنسالخ اللغوي‪ :‬هي عملية إنتزاع المعنى من وحدته مع لحمة الكلمات‪ ،‬و هذا‬
‫بين جميع اللغات سواء أكانت تملك جذورا‬ ‫‪248‬‬
‫إلستكمال واإلستحواذ على الذخيرة المشتركة‬
‫مشتركة أو متباينة فيما بينها‪.‬‬
‫و في هذا الصدد تؤك د سيليسكوفيتش على أهمية هذه المرحلة خاصة في الترجمة الشفوية‪،‬‬
‫ذلك ألن األصوات تتالشى بمجرد وصولها إلى الجهاز السمعي للمتلقي‪ ،‬وهذا ما يمنح‬

‫‪ - 247‬إحاطة المترجم بالسياق التخاطبي أساس إلمامه األولي بالمقصد العام للخطاب في شموليته‪ ،‬و على هذا األساس يتحدد‬
‫القاموس اللغوي الخاص الواجب اإلحتكام إليه في قراءة الخطاب األصلي و إيجاد النسخة اللغوية المناسبة ل تحييد تلك‬
‫المعاني التي أريد لها أن تكون أساس العمل ية التخاطبية‪ .‬و لعل المترجمة الرسمية اليمنية لخطاب الرئيس الفرنسي إلى‬
‫العربية لم تعر السياق التخاطبي أهمية مما جعلها تقع في خطأ الترجمة العفوية بترجمتها لكلمة )‪ (les mineurs‬باألطفال‬
‫القصر‪ ،‬في حين أن الرئيس الفرنسي كان يقصد عمال المناجم واصفا ظروف عملهم بالغير المالئمة‪.‬‬
‫‪ - 248‬الذخيرة المشتركة‪ :‬تعتبر الذخيرة المشتركة مصدر التالقي بين اللغات في التعبير على الرغم من إختالفاتها و‬
‫تبايناتها المورفوتركيبية والفونولوجية‪ ،‬إال أن تشار ك مستعملي اللغات بصفتهم بشرا نفس دائرة الوجود ال كوني يجعلهم‬
‫يتشاركون في الصور الحسية لألشياء بحكم تشاركهم محيط وجود تلك األشياء‪ ،‬و قد سماه إبن جني بعالم الحس أو‬
‫المحسوسات " فإن طريق الحس موضع تتالقى عليه طباع البشر و يتحاكم إليه األسود و األحمر"‪ .‬إبن جني‪ .‬أبو الفتح‬
‫عثمان‪ .‬كتاب الخصائص‪ .‬الجزء ‪ . 1‬دار الكتب العلمية‪ .‬بيروت‪.2006 .‬ص ‪.92‬‬
‫‪204‬‬
‫المترجم حري ة أكبر في إختيار المفردات و الصياغة الف ردية للصورة المرسومة في ذهنه‪،‬‬
‫و إن كان هذا الفعل يبدو مجديا إلى حدود اإلجبار على سلوكه‪ ،‬إال أنه يبدو صعب التنفيذ‬
‫و اإلعتماد في الترجمة التحريرية حسب ما ذهب إليه مويا )‪ ، (Moya‬وذلك راجع لمالزمة‬
‫‪249‬‬
‫الجسد اللغوي للخطاب أو النص المراد ترجمته للمترجم و عدم مغادرته لناظريه‪.‬‬

‫سد عملية الترجمة و نتاجها المنتظر‪.‬‬


‫إعادة الصياغة‪ :‬تعتبر هذه العملية تج ُّ‬
‫المنظرين‪ ،‬فقد أطلق عليها ريكور تسمية "‬
‫ِ‬ ‫و نظرا ألهميتها فقد تعددت تسمياتها حسب‬
‫الضيافة اللغوية" )‪ (Hospitalité‬و وصفها بأنها لذة التوطن في لغة اآلخر باإلستقبال في‬
‫ِ‬
‫منزله الخاص‪ ،‬وسماها غوته " إعادة البناء" )‪ (Régénération‬للغة الوصول‪ ،‬معتبرا بذلك‬
‫العملي ة التي تسبقها بعملية الهدم اللغوي‪.‬‬
‫كما قال عنها نوفاليس بأنها عملية إعطاء إمكانيات للغة اإلنطالق )‪ ،(Potentialisation‬بينما‬
‫أطلق عليها فون هومبولت تسمية تالقي السيرورة المزدوجة لألثر ‪.(Bildung)250‬‬

‫فالترجمة التأويلية إذن هي عبارة عن طفرة تصيب الجسد اللغوي للخطاب ل تعطي ه‬
‫صورة مغايرة في اللغة الهدف بنفس روحه الداللية المتجسدة في اللغة األصل‪.‬‬

‫ال يملك الدارس للترجمات عامة و التعابير المسكوكة خاصة في سياقها السياسي غير‬
‫الصياغة والترجمة في مرحلة التجسي د للحكم عليها و تحليلها‪.‬‬
‫ليس الحكم بمعنى التقييم و المفاضلة‪ ،‬و إن ما بمعنى اإلستدالل على ما توصل إليه المت رجم‬
‫من عملية الفهم و منهجه في عملية الهدم إلعادة بناء النص أو الخطاب و عباراته ف ي اللغة‬
‫الهدف‪ ،‬ولذلك فإن نا ندرج قائمة التعابير المسكوكة التالية بغية تسليط الضوء عليها و على‬
‫ترجمتها في سياق ورودها‪.‬‬

‫‪ 1-1‬التعابير المسكوكة المترجمة‪:‬‬

‫‪249‬‬
‫‪-« la déverbalisation consiste à une isolation mentale des idées ou des concepts impliqués dans un énoncé….‬‬
‫‪Durant l’étape de la déverbalisation, le sens reste dans la conscience du traducteur , tandis que les signes de‬‬
‫‪l’original doivent être oubliés ; cela est relativement facile pendant l’interprétation … parce que les sons du‬‬
‫‪discours oral apparaissent et disparaissent, mais cela est difficile à être appliqué dans la traduction écrite où le‬‬
‫‪texte est toujours présent » susana, rakova. P 146.‬‬
‫‪ - 250‬المصدر السابق‪ ،‬ريكور‪ ،‬بول‪ .‬عن الترجمة‪.‬ص ‪.23‬‬
‫‪205‬‬
‫"القضاء على العصابة أو نهلك دون ذلك"‪" ،‬أبلوا بالء حسناً"‪" ،‬ال يكلف هللا نفسا ً إال‬
‫وسعها" "إرادة الشعب من إرادة هللا و إرادة هللا ال تقهر"‪ " ،‬لوالها لما قامت للجزائر‬
‫قائمة"‪ " ،‬لم نصل بعد إلى بر األمان"‪ " ،" il n’est pas question" ،‬تخفيف الوطء"‪" ،‬‬
‫‪ "،" chat échaudé craint l’eau froide " ،" en aucun cas‬يا أيها الذين آمنوا إذا‬
‫جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين"‪" ،‬نادرة‬
‫الرئيس الراحل هواري بومدين"‪ " ،‬روحوا العبوا مع نتاجكم"‪" ،" aller loin " ،‬ذهبت‬
‫ريحنا"‪.‬‬

‫"القضاء على العصابة أو نهلك دون ذلك"‬ ‫‪1-1-1‬‬


‫» ‪« Forts de notre détermination à éradiquer … la Issaba‬‬
‫إستعمل السيد رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون هذه العبارة في خطابه الموجه للوالة‬
‫سنة ‪.2020‬‬
‫‪ 2020 /08/12‬قصر األمم‪.‬‬ ‫السياق الزمكاني‬
‫الوالة و المسؤولين المحليين و عموم الشعب الجزائري‪.‬‬ ‫المتلقي‬
‫العربية‪.‬‬ ‫لغة الخطاب‬
‫شفوي مباشر متلفز‪.‬‬ ‫طبيعة الخطاب‬
‫وكالة األنباء الجزائرية (ترجمة تحريرية)‬ ‫صفة المترجم‬

‫النص األصلي للعبارة باللغة العربية‪" :‬نحن بالمرصاد‪ ،‬ال رجعة دون بلوغ الهدف‪ ،‬إستقرار‬
‫البالد والقضاء على المال الفاسد و القضاء على ما تبقى من العصابة أو نهلك دون ذلك"‬
‫الترجمة التحريرية باللغة الفرنسية (وأج)‪:‬‬
‫‪«… forts de notre détermination à éradiquer l’argent sale et les résidus de la‬‬
‫» ‪Issaba nous saurons leur faire face‬‬
‫وردت هذه العبارة أول ما وردت – حسب ما وصلنا ‪ -‬على لسان رسول هللا صلى هللا عليه‬
‫و سلم في موقف ُخ ِير فيه بين ترك نشر الرسالة و القضاء على الوثنية مقابل المال والسلطة‪،‬‬

‫‪206‬‬
‫حيث كانت رؤوس النظام السابق للبعثة تعارض المشروع اإلسالمي الجديد‪ ،‬و ما زاد المهمة‬
‫صعوبة إال تمتع تلك الطبقة بسلطة المال و السياسة‪.‬‬
‫مفتوحة (غروس)‪ ،‬شبه خاصة (راموس)‬ ‫تصنيف العبارة المسكوكة‬
‫تناص لنص مقدس ‪.‬‬ ‫نوع العبارة‬
‫حديث نبوي شريف‪.‬‬ ‫السياق المورفوتركيبي األصلي‬
‫عدم الخضوع للتهديد‪ ،‬و عدم الرضوخ للمساومات‪.‬‬ ‫المعنى األصلي‬
‫وجود قوة معارضة مخربة‪.‬‬ ‫المعنى السياقي‬
‫العمل الدؤوب إلتمام المهمة‪.‬‬ ‫المعنى الظاهر‬
‫طلب تجند الجميع في صف واحد لنفس الغاية و‬ ‫المعنى التداولي‬
‫الهدف‪.‬‬
‫و لعل وجه الشبه بين سياق العبارة األول و سياق ورودها في خطاب الرئيس الجزائري‬
‫السيد عبد المجيد تبون هو وجود نظام بعقلية قديمة سائدة يسعى إلى عرقلة و نبذ كل جديد‪،‬‬
‫و ذلك بسبب حرصه على عدم فقدان شرعيته و سطوته فيما كان يعرف بمجال نفوذه‪.‬‬
‫كما تتقاسم تلك القوى صفة النفوذ إلى درج ة تهديد وجود الدعوة و صاحبها‪ ،‬وما كان ورود‬
‫العبارة إال في سياق تأكيد العزيمة بمواصلة العمل على نفس الصراط و بنفس الوتيرة‬
‫والمنوال الجديد لتحقيق و تجسيد الهدف و بلوغ الغاية‪ ،‬إضافة إلى طلب الدعم و السند من‬
‫متلقي الخطاب (أبو طالب في السيرة النبوية‪ ،‬و الوالة في خطاب الرئيس)‪ ،‬و من أهم ما‬
‫يعكس تلك القوة و العزم هو إفتتاح العبارة بحرف "القاف" حيث يحمل هذا الحرف‬
‫اإلنفجاري داللة القوة و العزيمة و الشدة‪ ،‬ذلك أن الحرف القوي يأخذ أقصى إيحاءاته في‬
‫‪251‬‬
‫القوة و الفعالية و الغلظة عندما يكون في أول اللفظة و الكالم‪.‬‬
‫يرد التخيير مفيدا معنى التخيير كما تشير إليه األداة "أو" في الخطاب األصلي‪ ،‬و إنما‬
‫لم ِ‬
‫كان إعتماده في سياق بالغي ينفي إمكانية اإلختيار في الموضع المتحدَّث فيه‪ ،‬مفيدا بذلك‬
‫معنى اإلستمرارية على النهج المتبع و "اإلقدام"‪.‬‬
‫لم يرد أسلوب التخيير في الترجمة المعتمدة‪ ،‬بل إعتمد المترجم على التصريح بقوة العزيمة‬
‫و العزم على المضي قدما لتحقيق الهدف المرجو تحقيقه ‪«Forts de notre‬‬
‫» ‪.détermination‬‬

‫‪ - 251‬المصدر السابق‪ :‬عباس‪ ،‬حسن‪ ،‬خصائص الحروف العربية و معانيها‪ ،‬ص ‪.41 - 39‬‬
‫‪207‬‬
‫بالعودة إلى ماهية الترجمة و تعريفاتها و مختلف النظريات الدارسة لها و لطرق‬
‫الترجمة‪ ،‬نستحضر المقاربة الناصة على أن المترجم يجب أن يقول ما كان صاحب الخطاب‬
‫األصل سيقوله لو تحدث بتلك اللغة الهدف‪ .‬و من هذا المنطلق تتبعنا خطابات السيد رئيس‬
‫الجمهورية باللغة الفرنسية فلم نجد لعبارة » ‪ « forts de notre détermination‬استعماال في‬
‫خطاباته‪ ،‬حيث كان يفضل استعمال صيغة الوجوب » ‪ « on doit‬أو » ‪« il faut‬و كلمة‬
‫الهدف » ‪ ،« notre objectif‬فإتمام الواجب وبلوغ الهدف يستوجبان دربا و عزيمة قوية‬
‫لبداية السير عليه و مواصلته و إتمام المسير‪ ،‬و لكننا لم نجد أيضا تكرارا للسياق الذي وردت‬
‫فيه العبارة األصل بالعربية في خطابات السيد الرئيس بالفرنسية‪.‬‬
‫و بهذا ال يمكننا إثبات أو نفي بأن المترجم قد خالف أسلوبية صاحب الخطاب التداولية في‬
‫اللغة الفرنسية ليثري خطابه بالغة و يزيد المعنى قوة و ثباتا‪ ،‬و ال يسعنا إال زيادة الغوص‬
‫في الدالالت ومقابلتها‪.‬‬

‫إن كان المعنى الخفي للعبارة يفيد قوة العزيمة على مواصلة الدرب‪ ،‬فإن المعنى المستقى‬
‫من مكوناتها اللغوية يفيد وجود إمكانية الهالك في سبيل بلوغ المرام‪ ،‬فباعتماده تسمية‬
‫العصابة مع علمه المسبق أن الفئة المقصودة به تأنفه يكون قد انظم إلى أعدائهم و كسر رمحا‬
‫بينه و بينهم‪ ،‬و مع محافظة الترجمة المعتمدة على الجانب المقصود من صياغة التعبير‬
‫بإعتماد اإلقتراض » ‪ ،« issaba‬إال أنها لم تبرز ذلك الجانب اللغوي الواصف إلمكانية‬
‫التضحية من أجل تحقيق الهدف المنشود‪ ،‬و هذا ما ذهب إليه بيتر نيو مارك حيث قال أن ه‬
‫أثناء عملية الترجمة ال بد أن يضيع شيء من المعنى وهذا بسبب التوتر المستمر القائم بين‬
‫كما سلخت الترجمة معنى العزم من ردائه اللغوي الذي منحه‬ ‫‪252‬‬
‫لغات العمل الترجمي‪،‬‬
‫درجة المسكوكية و يذك رنا بقداسة العبارة األصل و قدسية صاحبها‪.‬‬
‫كان بمقدور المترجم إضافة عبارة مكافئة لمعنى التضحية ك » ‪« à tout prix‬‬
‫أو » ‪ « coûte que coûte‬و ما يماثلهما من العبارات التي تعني "مهما كان الثمن"‪ ،‬أو حتى‬
‫إعتماد االترجمة الحرفية إلعطاء العبارة المترجمة نفحة عربية في الكناية عن رفع التحدي‬

‫‪- 252‬المصدر السابق‪ :‬بحراوي‪ ،‬حسين ‪.‬مأوى الغريب دراسات في شعرية الترجمة‪ .،‬ص ‪.24‬‬
‫‪208‬‬
‫و قوة اإلرادة‪ ،‬و كذلك في صياغة أسلوب التخيير‪ ،‬لكن المترجم إختار إختراق الحجب‬
‫اللغوية و األسلوبية إلعادة بعث المعنى في جسد لغوي يختلف عن ذلك الذي أُوجد فيه‪.‬‬
‫إن إعتبار هذا التغييب للجانب الشكلي ‪ -‬من أسلوب بالغي (التخيير) و إيحائي‬
‫(التضحية) ‪ -‬خيانةً للشكل و جمالية العبارة األصل يصطدم بأمانة الترجمة للمعنى‪ ،‬ذلك أنها‬
‫جاءت عاكسة لمعنى العزيمة القوية » ‪ « forts de notre détermination‬على مواصلة‬
‫الطريق لتحقيق الهدف المرجو بلوغه» …‪ ، « à éradiquer‬و قوة العزيمة على تحقيق هدف‬
‫ما دلي ٌل على شدة المصاعب المانعة من بلوغه‪ ،‬ذلك أن المغنم على قدر المغرم‪.‬‬

‫القضاء على العصابة أو نهلك دون ذلك‪.‬‬ ‫العبارة المسكوكة‬


‫وجود قوة تخريبية‪ ،‬وجود مساومات‪ ،‬العمل الدؤوب‪ ،‬قوة‬ ‫الدالالت المكتنزة في العبارة‬
‫العزيمة‪ ،‬طلب الدعم و التجند للقضية‪ ،‬وجود خطر‬
‫الموت‪.‬‬
‫‪Forts de notre détermination à éradiquer‬‬ ‫الترجمة التحريرية (وأج)‬
‫الدالالت المصرح بها في وجود القوة التخريبية‪ ،‬العمل الدؤوب‪ ،‬قوة العزيمة‪،‬‬
‫وجود المساومات‪.‬‬ ‫الترجمة‬
‫نفس األداء الوظيفي للعبارة األصل‪.‬‬ ‫الجودة الوظيفية للترجمة‬
‫تغييب عنصرين (خطر الموت‪ ،‬و طلب الدعم)‬ ‫الجودة الداللية للترجمة‬
‫أوجه التوافق بين العبارة و الوظيفة‪ ،‬الدالالت األساسية‪ ،‬قوة بداية العبارة المسكوكة‬
‫"القضاء" و حرف "القاف" بمقابل بداية الترجمة‬ ‫الترجمة‬
‫» ‪« forts‬‬
‫األسلوبية (أسلوب التخيير في األصل‪ ،‬و انتفاؤه في‬ ‫أوجه اإلختالف‬
‫الترجمة)‬

‫"بعض الوالة الذين أبلوا بالء حسنا ‪ ...‬ولكن لألسف لم نلمس في‬ ‫‪1-1-2‬‬
‫واليات أخرى أثرا كبيرا لمثل هذه الجهود‪".‬‬
‫استحضر السيد رئيس الجمهورية هذه العبارة في خطابه أمام الوالة‪.‬‬
‫‪ 2020 /08/12‬قصر األمم‪.‬‬ ‫السياق الزمكاني‬
‫الوالة و المسؤولين المحليين و عموم الشعب الجزائري‪.‬‬ ‫المتلقي‬

‫‪209‬‬
‫العربية‪.‬‬ ‫لغة الخطاب‬
‫شفوي مباشر متلفز‪.‬‬ ‫طبيعة الخطاب‬
‫وكالة األنباء الجزائرية (ترجمة تحريرية)‪ ،‬صحيفة الوطن‬ ‫صفة المترجم‬
‫(جزائرية معارضة)‬
‫الفرنسية‪.‬‬ ‫لغة الترجمة‬

‫النص األصلي باللغة العربية‪ ":‬و إنها لفرصة لتثمين جهود بعض الوالة الذين أبلوا بال ًء‬
‫حسنا في الحد من تفشي الوباء السيما بعد توسيع مجال صالحياتهم‪ ،‬و لكن لألسف لم‬
‫نلمس في واليات أخرى أثرا كبيرا لمثل هذه الجهود‪ ،‬وإنجاز ما كان مطلوبا منه من‬
‫تحسين معيشة الماليين من المواطنين والمواطنات‪"...‬‬
‫ترجمة وكالة األنباء الجزائرية‪:‬‬
‫‪« Des efforts, qui malheureusement, n’ont pas était palpables dans d’autres‬‬
‫‪wilayas parfois même dans l’intérêt à accorder au citoyen et son‬‬
‫‪environnement et dans la réalisation de ce qui été tracé pour l’amélioration du‬‬
‫» …‪niveau de vie de millions de citoyens‬‬
‫ترجمة صحيفة الوطن‪:‬‬
‫» ‪« Certains walis ont bien réagis, tandis que d’autres patinent‬‬

‫العبارة المسكوكة 'أبلى بال ًء حسنا" الواردة في خطاب الرئيس في صيغة الجمع‪،‬‬
‫تجمع بين عمق الداللة المتمثلة في الجهد و اإلجتهاد في العمل إلى درجة القبول‬
‫و اإلستحسان من جهة ‪ ،‬و جمالية األسلوب التركيبي من جهة أخرى‪ ،‬و ذلك بتوظيف‬
‫المفعول المطلق "بال ًء" للفعل "أبلى"‪ ،‬و هذا ما أكسبها نوعا من اإليقاعية الناتجة عن‬
‫التكرار البالغي‪.‬‬
‫مفتوحة (غروس)‬ ‫تصنيف العبارة المسكوكة‬
‫تناص لنص مقدس (القرآن الكريم) ‪.‬‬ ‫نوع العبارة‬
‫المورفوتركيبي سورة األنفال‪ ،‬اآلية ‪.17‬‬ ‫السياق‬
‫األصلي‬
‫تأييد هللا للمؤمنين بالنصر في غزوة بدر‪.‬‬ ‫المعنى األصلي‪.‬‬

‫‪210‬‬
‫اجتماعي نفسي‪.‬‬ ‫سياق العبارة‪.‬‬
‫تثمين الجهود المبذولة‪.‬‬ ‫المعنى السياقي‪.‬‬
‫اتباع التعليمات و حسن التسيير (الوالة)‪.‬‬ ‫المعنى الظاهر‬
‫الدعم النفسي للملتزمين و تعزيز الثقة و الدعوة على‬ ‫المعنى التداولي‬
‫المثابرة‪ ،‬وجعلهم قدوة لآلخرين‪..‬‬

‫وردت هذه العبارة في قوله تعالى " و ما رميت إذ رميت و لكن هللا رمى و ليبلي المؤمنين‬
‫منه بالء حسنا إن هللا سميع عليم" (سورة األنفال‪ ،‬اآلية ‪ )17‬مفيدة معنى تأييد هللا للمؤمنين‬
‫المجاهدين يوم بدر بالنصر‪ ،‬و قد وردت ترجمتها في سياقها المقدس في كتاب ترجمة‬
‫معاني آيات القرآن الكريم إلى اللغة الفرنسية كما يلي‪:‬‬
‫» ‪. «… et ce pour éprouver les croyants d’une belle épreuve de sa part..‬‬
‫كما ترجمها نعوم حجار منفصلة عن سياقها النصي إلى ‪.« faire ses preuves »253‬‬
‫ال ريب أن المترجم قد أصاب كبد المعنى‪ ،‬ففي العمل الجاد و ب ذل الجهد المطلوب إ ثبات‬
‫للوجود و الكفاءة على التعامل مع الظروف و المسؤوليات‪.‬‬
‫إن كان تأييد هللا للمجاهدين بإمدادهم بالمالئكة و تثبيت قلوبهم في المعركة حسب ك تب‬
‫التفسير و السيرة‪ ،‬فإن الرئيس الجزائري قد دعم و الته بما تستطيعه القدرة البشرية من‬
‫برامج مسطرة و دعم مالي و تشجيع على المضي قدما‪ ،‬إال أن المعنى المراد من تو ظيف‬
‫العبارة قد عرف إنزياحا عن المعنى الوارد في النص المقدس تاركا مكانه لمعنى توفيق‬
‫الوالة في عملهم إلى درجة تستحق اإلشادة‪.‬‬
‫هذا المعنى الجديد عن ا لعبارة ليس جديد اإلستعمال و التوظيف‪ ،‬حيث صارت العبارة‬
‫المسكوكة تستخدم في إطار اإلطراء على شخص قام بما كان متوقعا منه و كان أثر فعله‬
‫محمودا‪ ،‬فيوصف بذلك عمله بالحسن "بالء حسن" و قد إستخدمها الرئيس الجزائري في‬
‫خطابه في إطار الثناء على المجهودات التي بذلها بعض الوالة في إطار برنامج ما يعرف‬
‫بتنمية "مناطق الظل"‪ ،‬و هذا ما أكده في نهاية جملته مستعمال لفظ الجهود للداللة و تفسير‬
‫معنى "البالء الحسن"‪.‬‬

‫‪ - 253‬المصدر السابق ‪ ،‬نعوم حجار‪ ،‬جوزيف‪ ،‬المنجد في األمثال و الحكم و الفوائد اللغوية‪ ،‬ص ‪.39‬‬
‫‪211‬‬
‫و من صفات ومعاني حرف األلف الذي بدأت به عبارة " أبلوا بالء حسنا" هو البروز‪،254‬‬
‫و هو بالفعل ما أراده الرئيس من توظيف العبارة؛ أي اإلشادة و إبراز نجاح الناجحين و‬
‫توفيقهم في تحمل تكاليف المسؤولية الملقاة عليهم و تجسيد المتوقع منهم‪.‬‬
‫لم يفت صحيفة الوطن استظهار ذلك الفصل المتضمن لإلطراء على الوالة في ترجمة‬
‫العبارة‪ ،‬فكانت ترجمة العبارة المسكوكة مفيدة لمعنى العبارة بذاتها‪ ،‬حيث ت رجمتها إلى‪:‬‬
‫‪« Certains walis ont bien réagis, tandis que d’autres patinent» .‬‬

‫بالمقارنة البسيطة بين العبارة المسكوكة و ترجمتها يظهر جليا كيف إعتمدت المترجمة‬
‫عل ى تأويل العبارة المسكوكة في إطار ترجمتها الحرفية للعبارة الواردة فيها؛ أي أن والءها‬
‫الترجمي كان للعبارة الجزء كما للجملة ككل‪ ،‬وهذا ما تدل عليه المحافظة على ترتيب‬
‫العناصر اللغوية الداخلة في تركيب العبارتين و استظهار صفة الحسن الواردة في العبارة‬
‫المسكوكة (حسنا‪ ،)bien ،‬و هذا ما لم نلمسه في ترجمة الوكالة الجزائرية لألنباء التي فضلت‬
‫المعنى الكلي للجملة على الجزئي للتعابير المسكوكة‪ ،‬حيث استبدلتها بما يدل عليها في‬
‫الخطاب األصل "الجهود"» ‪ ، « des efforts‬فجاءت ترجمتها للجملة التي وردت فيها العبارة‬
‫المسكوكة كاآلتي‪:‬‬
‫‪« Des efforts, qui malheureusement, n'ont pas été palpables dans d'autres‬‬
‫» ‪wilayas‬‬

‫إكتفت (وأج) باإلشارة على وجود جهود مبذولة في نطاق محدود بإستخدامها عبارة ‪« n’ont‬‬
‫» ‪ ،pas été palpables‬هذه العبارة و إن تضم نت معنى الوجود إال أن معنى اإلطراء فيها‬
‫ضعيف غير محدد المعالم‪ ،‬و قد جاءت الترجمة معتمدة تقنية التأويل الكلي للجملة ال للعبارة‬
‫المسكوكة‪ ،‬فضاعت بذلك المعاني الجزئية لفائدة المعنى العام للجملة كما ضاع جمال البناء‬
‫اللغوي أمامه‪.‬‬

‫المالحظ عند مقارنة الترجمتين التحريريتين لنفس العبارة إبتعاد اإلثنين عن‬
‫الحرفية و اعتمادهما أسلوبين مختلفين في إبراز مقصد صاحب الخطاب من توظيف‬
‫العبارة في خطابه‪ ،‬فمترجم صحيفة الوطن الفرنكوفونية اعتمد أسلوب التفكيك للحفر في‬

‫‪ - 254‬المصدر السابق‪ :‬عباس‪ ،‬حسن‪ ،‬خصائص الحروف العربية و معانيها‪ ،‬ص ‪.40‬‬
‫‪212‬‬
‫طبقات الخطاب عامة وا لعبارة المسكوكة خاصة‪ ،‬فالتفكيك يأبى الحجب و المخاتلة و‬
‫يرفض الخضوع لشكلية النص والبحث في ذاته وحقيقته‪.‬‬
‫أما مترجم (وأج) فقد اعتمد أسلوب التفسير بإعطائه األولوية للمعنى على النص و قارئه‪،‬‬
‫ّ‬
‫و بذلك فإنه يكشف عن مراد صاحب الخطاب و داللة خطابه‪ ،‬فتكون بذلك الترجمة قد‬
‫جمعت بين القدرة على المماثلة والتماهي‪ ،‬و القدرة على احتواء ليس العبارة المسكوكة‬
‫فقط‪ ،‬و إنما يمكن أن تتعداها إلى العبارة أو الجملة أو السياق النصي الواردة فيه‪.‬‬

‫أبلوا بالء حسنا‬ ‫العبارة المسكوكة‬


‫الدالالت المكتنزة في العبارة‪ .‬تثمين الجهود المبذولة‪ ،‬االنضباط و الصرامة في العمل‪،‬‬
‫الدعم النفسي للمعني بالعبارة‪ ،‬اكتساب الثقة‪ ،‬الحث على‬
‫المواصلة‪.‬‬
‫دالالت أخرى موجودة في أغلبية والة متقاعسين (استعمال كلمة بعض في إطار‬
‫الثناء)‪ ،‬وجود اإلهمال و التسيب‪ ،‬اإلحاطة المسبقة‬ ‫السياق النصي للعبارة‪.‬‬
‫بمعطيات الواقع‪.‬‬
‫‪« des efforts… » APS‬‬ ‫إلى‬ ‫الترجمة التحريرية‬
‫أحاطت بالمعاني السياقية للعبارة في النص‪ ،‬ركزت على‬ ‫الفرنسية ودالالتها‪( .‬وأج)‬
‫تقاعس و عدم انضباط المتخاذلين‪.‬‬

‫الجملة ككل‪.‬‬ ‫مستوى التأويل‬


‫‪« certain walis ont bien réagis… » el Watan‬‬ ‫الترجمة التحريرية إلى‬
‫الفرنسية ودالالتها‪( .‬صحيفة اإلعالن عن وجود تجاوب‪ ،‬و مدح المنضبطين و اإلشادة‬
‫بعملهم و جعلهم بمثابة القدوة‪.‬‬ ‫الوطن)‬
‫العبارة المسكوكة‪.‬‬ ‫مستوى التأويل‬
‫ترجمة معاني القرآن‪« éprouver …d’une belle :‬‬ ‫ترجمات أخرى في سياقات‬
‫» ‪épreuve‬‬ ‫أخرى‪.‬‬
‫منجد األمثال‪« faire ses épreuves » :‬‬

‫"الذي ال يستطيع فإن هللا ال يكلف نفسا إال وسعها"‬ ‫‪1-1-3‬‬


‫» ‪« Celui qui n’est pas capable, peut se retirer‬‬

‫‪213‬‬
‫استعمل الرئيس الجزائري هذه العبارة في لقائه التقييمي للوالة سنة ‪.2020‬‬
‫‪ 2020 /08/12‬قصر األمم‪.‬‬ ‫السياق الزمكاني‬
‫الوالة و المسؤولين المحليين و عموم الشعب الجزائري‪.‬‬ ‫المتلقي‬
‫العربية‪.‬‬ ‫لغة الخطاب‬
‫شفوي مباشر متلفز‪.‬‬ ‫طبيعة الخطاب‬
‫وكالة األنباء الجزائرية (ترجمة تحريرية)‬ ‫صفة المترجم‬

‫النص األصلي باللغة العربية‪" :‬يأتي مسؤول أمام الكاميرا من أجل تصوير بأنه يطبق‬
‫التعليمات‪ ،‬فيوضع للمواطن عداد الماء أمام الكاميرات‪ ،‬لينزع بمجرد إختفائها‪ ،‬كنت أضن‬
‫أن هذه التصرفات قد انتهت‪ .‬حذاري‪ ،‬ثم حذاري‪ ،‬الذي اليستطيع اليكلف هللا نفسا إال‬
‫وسعها‪"...‬‬
‫الترجمة التحريرية إلى الفرنسية‪:‬‬
‫‪« Des responsables viennent devant les caméras pour faire croire qu’il ont pris‬‬
‫‪en charge les doléances des citoyens. Mais dès qu’il n’y a plus de projecteurs, ils‬‬
‫‪abandonnent tout, c’est du cinéma, il faut que ça cesse, celui qui n’est pas‬‬
‫» ‪capable peut se retirer‬‬

‫مغلقة (غروس)‪ ،‬تامة (راموس)‬ ‫تصنيف العبارة المسكوكة‬


‫تناص لنص مقدس (القرآن الكريم) ‪.‬‬ ‫نوع العبارة‬
‫سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪.286‬‬ ‫السياق المورفوتركيبي األصلي‬
‫العدل في التكليف حسب المقدرة‪.‬‬ ‫المعنى األصلي‬
‫عدم الجدارة بالمنصب المشغول‪.‬‬ ‫المعنى السياقي‬
‫عدم الوصول إلى مستوى التطلعات‪ ،‬عدم الكفاءة‪.‬‬ ‫المعن ى الظاهر‬
‫التهديد و الوعيد‪.‬‬ ‫السياق التداولي‬

‫وردت عبارة "ال يكلف هللا نفسا إال وسعها" في اآلية ‪ 286‬من سورة البقرة‪ ،‬و قد جاءت‬
‫ترجمتها في النسخة الفرنسية المترجمة لمعاني آي القرآن ترجمة حرفية كما يلي‪:‬‬
‫» ‪« Allah n’impose à aucune âme une charge supérieure à sa capacité‬‬

‫‪214‬‬
‫و قد عرض نعوم حجار ترجمتين مختلفتين لنفس العبارة‪ ،‬حيث إعتمد في األولى على‬
‫الترجمة الحرفية مفضال تقنية التحوير‪ ،‬فصارت العبارة‪:‬‬

‫» ‪« Dieu n’impose à personne un fardeau au-dessus de ses forces‬‬

‫و إستخدم التكافؤ في الثانية ‪ ،‬فترجمها إلى‪:‬‬

‫» ‪« À brebis tondue, Dieu mesure le vent‬‬

‫وردت ترجمة العبارة المسكوكة في النصين السابقين إعتمادا على الترجمة الحرفية‪ ،‬و‬
‫ما كان من المترج َمين للعبارة إال اعتماد هذه التقنية انطالقا من قدسية السياق الواردة فيه‪،‬‬
‫فقدسية العبارة مستقاة من قدسية القرآن الكريم و اآلية الواردة فيها‪ ،‬و إن كانت الترجمة‬
‫األولى قد وردت ضمن ترجمة معاني آي القرآن‪ ،‬فإن ورودها منفصلة و مستقلة بذاتها في‬
‫النص الثاني يجعلها تحتفظ بنفس تلك القدسية‪ ،‬و هذا في ظل غياب س ياق تخاطبي يكسبها‬
‫معنى تواصلي و يضفي عليها صفة األدبية‪.‬‬
‫أم ا في الثالثة فقد جاءت العبارة "ال يكلف هللا نفسا إال وسع ها" مترجمة للمثل الفرنسي ‪« à‬‬
‫» ‪ ، brebis tondue, Dieu mesure le vent‬إذ لم يجد المترجم أحسن م نها ليقوم مقام‬
‫المثل الفرنسي‪ ،‬و رغم إلمامه بالمثل الفرنسي و معناه إال أنه لم يوظفه في سياق ترجمة‬
‫العبارة‪ ،‬بل إختار عكس األدوار الترجمية لتقوم العبارة المسكوكة المتمتعة بطا بع الكمال و‬
‫القداسة المطلقتين والمعنى الصريح محل العبارة المتمتعة بطابع الكمال النسبي و التعتيم‬
‫الداللي الجزئي‪ ،‬فكانت ترجمته األولى مكتسية طابع الحرفية لنقل نفس درجة الوضوح‬
‫و السالسة التعبيرية للعبارة المسكوكة‪ ،‬في حين إعتمد التكافؤ في الثانية إلضفاء بعض‬
‫القدسية على العبارة الفرنسية إضافة إلى المسكوكية المتمتعة بها‪.‬‬

‫إ ّال أنّ ورود العبارة المسكوكة " ال يكلف هللا نفسا إال وسعها" في الخطاب الرئاسي‬
‫أعطاها معنى جديدا ‪ ،‬فإن كان المعنى األصلي يفيد تغيير الحمل حسب قدرة األشخاص‪،‬‬
‫فإن سياقها التخاطبي يفيد تغيير األشخاص حسب قدرتهم على الحمل؛ أي أن في المعنى‬
‫األصلي جاءت العبارة مثبتة للشخص مغيرة للحمل حسب قدرة األشخاص‪ ،‬بينما وردت‬
‫في الخطاب الرئاسي مفيدة تثبيت الحمل المتمثل ف ي المسؤولية و تغيير األشخاص في حال‬

‫‪215‬‬
‫عدم قدرتهم على تحمل تكاليفها‪ ،‬و بذلك يكون المعنى األصلي للعبارة المسكوكة قد عرف‬
‫إنزياحا تاركا مكانه للمعنى الجانبي السياقي‪.‬‬
‫و بهذا يمكننا القول بأن استدعاء التعابير المسكوكة في غير إطارها المنتجة فيه يفتح لها‬
‫توسعا و يعطي لمعانيها إمتدادات ترتبط بأنواع الخطاب المستعملة فيه و سياقات‬
‫إستدعائها‪ ،‬و هذا ما يجعلنا نعود إلى العبارة الشهيرة " إن شاء هللا" التي استعملها‬
‫المترشح للرئاسيات األمريكية " بايدن" أمام غريمه " ترامب"‪ ،‬هذه العبارة عرفت‬
‫بدورها إنزياحا نحو المعنى المستعملة في ه المتمثل في "اإلستحالة"‪.‬‬

‫أدرك مترجم الخطاب الرئاسي المعنى المراد من العبارة المسكوكة‪ ،‬فما كان منه إال أن‬
‫عزل ذلك المعنى المحصل المحمول عن حامله اللفظي مسقطا بذلك جمالية التعبير و‬
‫قدسية العبارة أمام قدسية الرسالة و المعنى‪ ،‬مستبدال بذلك التضمين بالتصريح ف ي قوله "‬
‫من ال يقدر يستطيع اإلنسحاب" » ‪.«celui qui n’est pas capable, peut se retirer‬‬

‫لم يكن إعتماد الرئيس الجزائري للعبارة المسكوكة إعتباطيا أو وليد صدفة‪ ،‬و إنما كان‬
‫نتاج وعي و إدراك بثقل المسؤولية من جهة و مراعاة لنفسية جمع المخاطبين من جهة‬
‫أخرى‪ ،‬ففض ل بذلك السيد الرئيس تعويض عبارات جارحة مكروهة الداللة في نفس‬
‫المتلقي و تعويضها بأخرى ال تحمل نفس المعنى األصل‪ ،‬في حين أن مدلولها و المراد‬
‫منها ينزاح إلى المعنى القصد وفق السياق الذي ألقيت فيه‪.‬‬
‫إنّ اعتماد المترجم للخطاب الرئاسي إلحدى الترجمتين السابقتين كان بإمكانه إعطاء‬
‫العبارة معنى قبول ثقل المسؤولية كعذر لعدم الكفاءة في تأديتها‪ ،‬و بذلك يحيد عن المعنى‬
‫المراد من إعتماد العبارة‪.‬‬
‫إذن فقد أصاب المترجم مقصد صاحب الخطاب و مراده‪ ،‬غير أنه لم يعكس أسلوب لباقته‬
‫في التعبير عن قصده‪ ،‬فمك انة ملقي الخطاب من المخاطبين –رئيس و مرؤوسين ‪ -‬تمنحه‬
‫حرية التصريح و إستعمال األسلوب المباشر‪ ،‬إال أن ه تخلى عن ذلك الحق لصالح اللباقة و‬
‫جمالية األسلوب اإللقائي‪ ،‬و هذا ما ال يمكن للترجمة إظهاره بإعتماد التجريد و الصياغة‬
‫المباشرة للمعنى القصد‪.‬‬

‫‪216‬‬
‫ال يكلف هللا إال وسعها‬ ‫العبارة المسكوكة‬
‫تهديد و وعيد‪ ،‬مع مراعاة أقدار المستهدف‬ ‫مقارنة بين الداللة و األسلوب ‪.‬‬
‫باستخدام أسلوب غير مباشر‪.‬‬
‫‪Celui qui n’est pas capable peut se retirer‬‬ ‫الترجمة‬
‫مقارنة بين الداللة و أسلوب تصريح مباشر‪ ،‬و معاني التهديد واضحة المعالم‬
‫اللغوية‪.‬‬ ‫الترجمة‬
‫وظيفي‪ ،‬بالتركيز على الدالالت السياقية‬ ‫و توافق‬ ‫العبارة‬ ‫بين‬ ‫التوافق‬ ‫نقاط‬
‫للعبارة‪.‬‬ ‫الترجمة‪.‬‬
‫ترجمات أخرى بتقنيات أخرى‪.‬‬
‫‪« Allah n’impose à aucune âme une charge‬‬ ‫ترجمة معاني القرآن الكريم‪.‬‬
‫» ‪supérieure à sa capacité‬‬ ‫منجد األمثال "التكافؤ الديناميكي"‬
‫» ‪« à brebis tondue, Dieu mesure le vent‬‬
‫منجد األمثال "المكافئ"‬
‫‪« Dieu n’impose à personne un fardeau au-‬‬
‫» ‪dessus de ses forces‬‬

‫‪" 1-1-4‬إرادة الشعب من إرادة هللا و إرادة هللا ال تقهر"‬


‫» ‪« le peuple est sorti… et sa volonté est invincible‬‬
‫‪ 2020 /08/12‬قصر األمم‪.‬‬ ‫السياق الزمكاني‬
‫الوالة و المسؤولين المحليين و عموم الشعب الجزائري‪.‬‬ ‫المتلقي‬
‫العربية‪.‬‬ ‫لغة الخطاب‬
‫شفوي مباشر متلفز‪.‬‬ ‫طبيعة الخطاب‬
‫وكالة األنباء الجزائرية (ترجمة تحريرية)‬ ‫صفة المترجم‬
‫الفرنسية‪.‬‬ ‫لغة الترجمة‬

‫النص األصلي بالغة العربية‪:‬‬


‫"خرج الشعب للشارع (الحراك السلمي)‪ ،‬و انطلق القطار‪ ،‬و ال يمكن ألحد إيقافه‪ ،‬فإرادة‬
‫الشعب من إرادة هللا و إرادة هللا ال تقهر"‬
‫‪217‬‬
‫الترجمة التحريرية إلى الفرنسية‪:‬‬
‫» ‪« Le peuple est sorti, le train a démarré, et sa voix est invincible‬‬

‫تصنيف العبارة المسكوكة مفتوحة (غروس)‪ ،‬شبه خاصة (راموس)‬


‫مثل سائر‪.‬‬ ‫نوع العبارة‬
‫المورفوتركيبي بالغي‪.‬‬ ‫السياق‬
‫األصلي‬
‫قصيدة نوفمبر لمفدي زكريا‪.‬‬ ‫سياق ورود جانبي‬
‫قوة اإلرادة و العزيمة‪.‬‬ ‫المعنى األصلي‬
‫امتالك الشعب القدرة على صنع قدره‪.‬‬ ‫المعنى السياقي‬
‫نهاية الحقبة السابقة و رموزها‪.‬‬ ‫المعنى التداولي‬

‫تستخدم هذه العبارة إلضفاء الشرعية على توجه أو رؤية ما‪ ،‬و قد إستعملها الرئيس‬
‫الجزائري في خطابه المباشر أمام الوالة ليوم ‪ ،2020 /08/12‬إال أن السيد الرئيس عبد‬
‫المجيد تبون ليس ا لسباق في إستعمالها‪ ،‬فقد سبقه شاعر الثورة الجزائرية مفدي زكرياء في‬
‫استخدام هذا األسلوب في قصيدة "نوفمبر" حيث جاء فيها‪:‬‬
‫و قال له‬ ‫فقال له الشعب أمرك ربي‬
‫الرب أمرك أمري‪.‬‬
‫و مرد األمر في هذه العبارة المسكوكة إسناد شأن صاحب الحق المتصف بالضعف إلى قوة‬
‫تفوق قوة الظالم المتسل ط عليه‪ ،‬كالملك أو السلطان‪ ،‬و في هذه العبارة كما في البيت الشعري‬
‫كان إسناد أمر الشعب الذي كان مغلوبا على أمره في الحالتين من جهة‪ ،‬و يروم تغيير الحال‬
‫إلى األحسن من جهة أخرى‪ ،‬إلى هللا عز و جل‪ .‬إستطاع الرئيس الجزائري تضمين عبارته‬
‫القوة المطلقة ل لشعب باستعمال اإلستدالل المنطقي‪ ،‬فنسب إرادة الشعب إلى إرادة القدير التي‬
‫وصفها بأنها ال تقهر‪ ،‬و هو بذلك ال يعطي صفة القوة المطلقة إلرادة الشعب و حسب‪ ،‬و إنما‬
‫يتعداها إلى درجة إضفاء القداسة عليها‪ ،‬ذلك أن مصدر القوة هو مصدر القداسة نفسها‪ ،‬في‬
‫حين أضفى صفة التعتيم على نتيجة ذلك اإلستدالل والمتمثلة في القوة المقدسة و المطلقة‬
‫إلرادة الشعب في فعل ما يريده‪.‬‬

‫‪218‬‬
‫هذا النوع من اإلسناد ليس حكرا على اللغة العربية فقط‪ ،‬فقد أورد نعوم حجار عبارة‬
‫مسكوكة فرنسية تصب في نفس السياق و هي‪:‬‬
‫‪ « La voix du peuple est la voix de Dieu »255‬و ترجمها إلى " صوت الشعب هو‬
‫صوت هللا"‪.‬‬
‫تجن ب المترجم للعبارة الخوض في تفاصيلها و تفاصيل صياغتها و بالغتها‪ ،‬مهمال بذلك‬
‫إعادة إنتاج ذلك الوعي الفلسفي و استظهاره في ترجمته‪ ،‬كما أهمل استظهار الطرف الثاني‬
‫في اإلستنتاج و المتمثل في مصدر قو ة الشعب ( توافق إرادته مع إرادة خالقه)‪ ،‬ذلك ألنه كان‬
‫يروم بيت القصيد من العبارة ومقصد صاحبها الذي إستطاع اقتياد وعي متلقيه إلى اإلستنتاج‬
‫المطلق الذي ال يشوبه ريب‪.‬‬
‫و مع توفر إمكانية ترجمة العبارة بإستخدام مكافئها و المحافظة على قطبي اإلستدالل‬
‫المنطقي كما ورد في ترجمة نعوم حجار‪ ،‬فإن المترجم أبى إالّ أن يعيد صياغة ذلك اإلستناج‬
‫‪« sa volonté est‬‬ ‫المطلق المتوصل إليه‪ ،‬والذي مفاده أن "إرادة الشعب ال تقهر" إلى‬
‫» ‪invincible‬‬

‫و بذلك يكون المترجم قد سلك نهج الفهم المفضي إلى التأويل مجنبا المتلقي عناء إعمال‬
‫عقله الفلسفي‪ ،‬و ذلك باقتياده المباشر إلى مراد صاحب العبارة‪ ،‬كما يكون قد حرمه حظه من‬
‫لذة اإلستمتاع بذلك الجانب اإليقاعي و البالغي الوارد فيها‪ ،‬و التي نال منها المترجم حظه‬
‫كما ناله منها متلقي الخطاب األصلي‪.‬‬

‫إرادة الشعب من إرادة هللا و إرادة هللا ال تقهر‪.‬‬ ‫العبارة المسكوكة‬


‫‪Sa volonté est invincible.‬‬ ‫الترجمة‪:‬‬
‫توافق داللي (قوة الشعب)‬ ‫وجه التوافق‪:‬‬
‫توافق وظيفي (تأدية المعنى المراد) نقطة الالعودة‪.‬‬
‫تباين في األسلوب‪ ،‬إعتماد العبارة األصل على‬ ‫وجه التباين‪:‬‬
‫اإلستدالل المنطقي‪ ،‬و غيابه في الترجمة‪.‬‬
‫‪La voix du peuple est la voix de Dieu.‬‬ ‫ترجمات أخرى‪:‬‬

‫‪ 5-1-1‬لوالها (المؤسسة العسكرية) لما قامت للجزائر قائمة‪.‬‬


‫‪ - 255‬المصدر السابق‪ :‬نعوم حجار‪ ،‬منجد األمثال و الحكم و الفوائد اللغوية‪ .‬ص ‪.241‬‬

‫‪219‬‬
‫في إطار الثناء على المؤسسة العسكرية‪ ،‬نوه الرئيس الجزائري بدورها في مواجهة‬
‫األخطار والتحديات الداخلية و الخارجية واصفا إياها بالدعامة القوية لقيام الدولة‬
‫الجزائرية و استمراريتها‪ ،‬فاستعمل لذلك عبارة " لوالها لما قامت للجزائر قائمة"‪.‬‬
‫‪ 2020/10/10‬بوزارة الدفاع الوطني‪.‬‬ ‫السياق الزمكاني‬
‫قيادات و أفراد الجيش و عموم الشعب‪.‬‬ ‫المتلقي‬
‫العربية‪.‬‬ ‫اللغة‬
‫شفوي مباشر متلفز‬ ‫صفة الخطاب‬
‫وكالة األنباء الجزائرية‪ ،‬ترجمة تحريرية‪.‬‬ ‫الهيئة المترجمة‬

‫العبارة في النص األصلي باللغة العربية‪[ ":‬مؤسسة الجيش حررت الجزائر من براثن‬
‫اإلستعمار الغاشم وساهمت في البناء و التشييد‪ ،‬و ضمنت للجزائر الوجود و اإلستمرار‪،‬‬
‫فهي المؤسسة الوحيدة التي بقيت صامدة في أزمة التسعينيات و لوالها لما قامت للجزائر‬
‫قائمة‪ ] ،‬لقد اجتازت الجزائر بفضل هللا و صمود جيشنا الباسل و بو عي و نضج مواطنيها‬
‫مطبات كثيرة و انتصرنا عليها‪ ،‬و لكننا لم نصل بعد إلى بر األمان"‬
‫وردت العبارة المسكوكة في الجملة التي بين عارضتين كما هو موضح في النص‬
‫األصلي‪ ،‬ذلك ألننا لم نتوصل إلى ترجمتها في السياق المستقل و ال في سياق الجملة‪ .‬حيث‬
‫أن المعاني الموجودة في الجملة أولى تكررت في الثانية و هي‪ :‬الثناء على دور مؤسسة‬
‫الجيش (اجتازت الجزائر بفضل‪...‬صمود جيشنا) نجاحه في اجتياز التحديات (انتصرنا‬
‫عليها)‪ .‬كما جاءت العبارة المسكوكة لوصف مرحلة سابقة (التسعينيات) تضمنتها في‬
‫الجملة الثانية مفردة مطبات‪ ،‬ذلك ألنها صارت من الماضي‪.‬‬
‫الترجمة إلى الفرنسية في السياق النصي‪:‬‬
‫‪« Si l’Algérie a pu surmonter de nombreux écueils, par la volonté de Dieu et‬‬
‫‪grâce au rôle de notre vaillante armée et à la conscience de nos citoyens, nous‬‬
‫» ‪ne sommes pas pour autant totalement à l’abri‬‬
‫مفتوحة (غروس)‪ ،‬تامة (راموس)‬ ‫تصنيف العبارة المسكوكة‬
‫تناص لنص مقدس ‪.‬‬ ‫نوع العبارة‬
‫حديث نبوي شريف‪.‬‬ ‫السياق المورفوتركيبي األصلي‬

‫‪220‬‬
‫اإلندثار و التالشي‪.‬‬ ‫المعنى األصلي‬
‫قوة التهديدات و التحديات‪.‬‬ ‫المعنى السياقي‬
‫الخطر المحدق‪.‬‬ ‫المعنى الظاهر‬
‫ثبات و قوة الجيش و انتصاره‪.‬‬ ‫المعنى التداولي‬
‫وردت هذه العبارة في حديث نبوي شريف يتحدث عن الفرس و انهيار دولتهم في ذلك‬
‫الزمان‪ ،‬إذ لم تبق لهم باقية‪ ،‬فكانت بذلك العبارة مفيدة معنى اإلندثار و التالشي‪.‬‬

‫القائمة أو القوائم حسب ما أجمعت عليه القواميس هي األرجل التي تقوم عليها‬
‫األجساد‪ ،‬كما أن ها تفيد معنى الدعائم األساسية لقيام البنيان‪ ،‬فإن كانت الدولة هي البنيان‬
‫فإن دعائمها هي المؤس سات و القيم الهوياتية المبنية عليها تلكم الدولة‪ ،‬و بهذا يكون‬
‫الرئيس الجزائري قد إختصر في عبارة مسكوكة و احدة أمورا ال تكفي نصوص لشرحها‪.‬‬

‫لكنّ المترجم أهمل ترجمة هذه العبارة رغم أهميتها الداللية في سياق الخطاب و اإلشادة‪،‬‬
‫و ما كان ذلك اإلهمال وليد صدفة و إن ما نتيجة إعمال معاول تفكيكية للمعنى المراد منها و‬
‫الوارد بين عبارة سابقة تصب في نفس السياق و عبارة الحقة إستدراكية مفيدة لمعنى‬
‫إستمرارية وجو د الخطر الداهم " لم نصل بعد إلى بر األمان" رغم كل الجهود المبذولة‪.‬‬

‫العبارة المسكوكة لوالها لما قامت للجزائر قائمة‪.‬‬


‫استعمال لوال(حرف امتناع لوجود) مما ينفي التالشي و يؤكد معنى‬ ‫الخاصية‬
‫االنتصار‪.‬‬ ‫األسلوبية‬
‫األثر اللغوي غير موجود‪.‬‬ ‫الترجمة‬
‫األثر الداللي مدمج في النص‪.‬‬
‫النص‪.‬‬ ‫مستوى التأويل‬
‫المفردات الدالة مطبات‪ ،‬اجتازت‪ ،‬انتصرنا‪.‬‬
‫عليها في النص‬

‫‪" 6-1-1‬لم نصل بعد إلى بر األمان"‬


‫» ‪« Nous ne sommes pas pour autant totalement à l’abri‬‬

‫‪221‬‬
‫‪ 2020/10/10‬بوزارة الدفاع الوطني‪.‬‬ ‫السياق الزمكاني‬
‫قيادات و أفراد الجيش و عموم الشعب‪.‬‬ ‫المتلقي‬

‫العربية‪.‬‬ ‫اللغة‬
‫شفوي مباشر متلفز‬ ‫صفة الخطاب‬

‫وكالة األنباء الجزائرية‪ ،‬ترجمة تحريرية‪.‬‬ ‫الهيئة المترجمة‬

‫النص األصلي باللغة العربية ‪" :‬لقد اجتازت الجزائر بفضل هللا و صمود جيشنا الباسل‬
‫وبوعي ونضج مواطنيها مطبات كثيرة و انتصرنا عليها‪ ،‬و لكن نا لم نصل بعد إلى بر‬
‫األمان"‬

‫الترجمة إلى اللغة الفرنسية‪:‬‬

‫‪« Si l’Algérie a pu surmonter de nombreux écueils, par la volonté de Dieu et‬‬


‫‪grâce au rôle de notre vaillante armée et à la conscience de nos citoyens, nous‬‬
‫» ‪ne sommes pas pour autant totalement à l’abri‬‬
‫مفتوحة (غروس)‪ ،‬تامة (راموس)‬ ‫تصنيف العبارة المسكوكة‬
‫مثل سائر‪.‬‬ ‫نوع العبارة‬

‫اجتماعي (المالحة و األسفار البحرية)‪.‬‬ ‫السياق المورفوتركيبي األصلي‬


‫حالة الترقب و الخوف و القلق‪.‬‬ ‫المعنى األصلي‬

‫عدم اإلستقرار‪.‬‬ ‫المعنى السياقي‬


‫وجود أخطار محدقة‪.‬‬ ‫المعنى الظاهر‬

‫الحذر المصاحب للعمل الدؤوب و تكثيف الجهود‪.‬‬ ‫المعنى التداولي‬

‫يراد بهذه العبارة المسكوكة وصف الحالة الغير المستقرة و المو صوفة باإلضطراب‬
‫و كثرة األهوال و المشاكل و المؤامرات المحاكة ضد كيان ما‪ ،‬سواء كان شخصا ماديا أو‬
‫معنويا‪ .‬إذ تحمل العبارة المسكوكة بين طي اتها تشبيها للكيان الباحث عن اإلستقرار بالسفينة‬
‫‪222‬‬
‫المبحرة وسط العواصف و الموج المتالطم بحثا عن شاطئ أو مرفأ يقيها مغبات تلك‬
‫العواصف‪ ،‬فجاء إعتماد الرئيس الجزائري هذه العبارة في إطار المعنى المراد بها؛ إذ شب ه‬
‫البالد بالسفينة‪ ،‬و المؤامرات و الدسائس المحاكة باألمواج المتالطمة‪ ،‬مفضال تضمين‬
‫المخاطر و ما يحاك في عبارة عدم الوصول إلى بر األمان‪ ،‬فيكون بذلك قد أفصح عن‬
‫عدم استقرار الوضع دون التطرق إلى مسب باته مكتفيا بالتحذير منها و من خطرها القادر‬
‫على إغراق الوضع و تأزيمه‪.‬‬

‫أدرك المترجم المعنى المستتر في العبارة في سياقها النصي‪ ،‬فترجمها ترجمة تجمع بين‬
‫اإلقرار بالجهود المبذولة و جدواها‪ ،‬حيث قال أننا لسنا في مأمن تام ‪« nous sommes pas‬‬
‫» ‪ totalement à l’abri‬مما يرسم في ذهن المتلقي أن الجهود المبذولة إلى غاية إلقاء‬
‫الخطاب سديدة الخطى مكللة بالتوفيق في مسعاها‪ ،‬إذ أنها إستطاعت تحقيق نوع من األمان‬
‫النسبي في انتظار األمان الكلي‪.‬‬
‫و بذلك يكون المترجم قد ترجم العبارة في سياقها النصي بعيدا عن اإلستقاللية الداللية التي‬
‫يمكن أن تستقى منها في عزلتها‪ ،‬كما أنه تخلى عن تتبع عناصر العبارة المسكوكة ممسكا‬
‫بالمعنى و الكلمة المفتاحية في العبارة و المتمثلة في " األمان"‪ ،‬و هذا ما لمسناه في تخل يه‬
‫عن فعل الوصول الوارد في العبارة األصل و إستبداله بالكينونة في العبارة الهدف‪.‬‬

‫لم نصل بعد إلى بر األمان‪.‬‬ ‫العبارة المسكوكة‬


‫وجود أخطار محدقة‪ ،‬وجود جهود مبذولة‪ ،‬عدم كفاية‬ ‫الدالالت المكتنزة‬
‫الجهود‪ ،‬ضرورة تكثيف الجهود‪.‬‬
‫‪nous ne sommes pas totalement à l’abri‬‬ ‫الترجمة‬
‫العبارة نفسها‪.‬‬ ‫مستوى التأويل‬
‫الدالالت المصرح بها في نفس دالالت العبارة األصل‪.‬‬
‫الترجمة‪.‬‬
‫توافق داللي وظيفي‪.‬‬ ‫التوافق بين الترجمة و األصل‬

‫‪" 7-1-1‬تخفيف الوطء"‬


‫» ‪« Atténuation de l’incidence de la crise‬‬

‫‪223‬‬
‫‪ 2020/10/10‬بوزارة الدفاع الوطني‪.‬‬ ‫السياق الزمكاني‬
‫قيادات و أفراد الجيش و عموم الشعب‪.‬‬ ‫المتلقي‬
‫العربية‪.‬‬ ‫اللغة‬
‫شفوي مباشر متلفز‬ ‫صفة الخطاب‬
‫وكالة األنباء الجزائرية‪ ،‬ترجمة تحريرية‪.‬‬ ‫الهيئة المترجمة‬

‫النص األصلي باللغة العربية‪" :‬لقد اتخذنا تدابير للتضامن و مساعدة و تخفيف الوطء عن‬
‫المتعاملين اإلقتصاديين مكنت من تجاوز هذه المرحلة (كورونا) بأقل ضرر ممكن"‬
‫الترجمة إلى الفرنسية‪:‬‬
‫‪« des‬‬ ‫‪mesures que nous avons pris, notamment de solidarité, d’aide et‬‬
‫‪d’atténuation de l’incidence de la crise sur les opérateurs économiques, ont‬‬
‫» ‪permis de surmonter cette conjoncture au moindre préjudice‬‬

‫تخفيف الوطء‬ ‫العبارة المسكوكة‬


‫متالزمة لفظية‬ ‫نوع العبارة المسكوكة‬
‫مغلقة (غروس) تامة (راموس)‬ ‫تصنيف العبارة‬
‫المورفوتركيبي اجتماعي‪.‬‬ ‫السياق‬
‫األصلي‬
‫سياسي اقتصادي‬ ‫السياق التوظيفي‬
‫رفع الضغط‪.‬‬ ‫المعنى الظاهر‬
‫اتخاذ الدولة اجراءات و تدابير دعم‪.‬‬ ‫المعنى السياقي‬
‫مواصلة العمل (المتعاملين اإلقتصاديين) دون خوف وال‬ ‫المعنى التداولي‬
‫قلق‪.‬‬

‫ورد في معجم المعاني أن عبارة تخفيف الوطء تعني التمهل و المشي بهدوء على‬
‫البساط و غيره‪ ،‬و يفيد لفظ الوطء معنى وضع القدم على األرض كما يفيد معنى النكاح‪ ،‬و‬
‫قد أورد ذات المعجم بيتا للشاعر ابن هانئ األندلسي وردت فيه عبارة تخفيف الوطء‪:‬‬
‫‪224‬‬
‫تلك أم أي ٌم خفيف وطؤه يربأ القف كلوداً ما هجد‪.‬‬

‫إستعمل الرئيس ا لجزائري هذه العبارة المسكوكة في خضم حديثه عن جائحة كورونا و ما‬
‫خلفته من أزمات على كل األصعدة‪ ،‬حيث استدعى العبارة المسكوكة في إطار إستعراض‬
‫بعض التدابير لدعم المتعاملين اإلقتصاديين الجزائريين ممن تضرروا من الجائحة‬
‫المذكورة‪ ،‬فكان اعتماده لهذه العبارة بمثابة إعتراف بالضغط المفروض و الممارس على‬
‫هذه الفئة و الذي قر ر السيد الرئيس التخفيف منه‪.‬‬
‫تستعمل العبارة المسكوكة " تخفيف الوطء" في ذات السياق الواردة فيه في الخطاب‬
‫‪« soulager‬‬ ‫الرئاسي‪ ،‬وما يؤ ّك د ذلك هو ترجمتها بواسطة موقع غوغل إلى‬
‫» ‪ l’hypotension‬و في خضم بحثنا عن ترجمة مشابهة على موقع ريفرسو لم نجد أثرا‬
‫للعبارة كما هي في تكوينها األساسي‪ ،‬لكننا صادفنا ما ينوب عنها مثل عبارة "تخفيف‬
‫الضغط" و قد إعتمد ذات الموقع المقابل اللغوي » ‪ « atténuation‬لترجمة فعل "التخفيف"‬
‫و هو ما ذهب إليه مترجم الوكالة الجزائرية لألنباء‪.‬‬

‫عبارة " تخفيف الوطء" تتمتّ ع بدرجة عالية من المسكوكية ترفعها إلى درجة‬
‫المسكوكات التام ة‪ ،‬وهذا ما تؤكده اإلستقاللية التام ة للمعنى المراد من العبارة عن المعاني‬
‫الفردية لألفراد المعجمية المكو نة لها‪ ،‬ففعل "تخفيف الوطء" و إن كان المفهوم منه "‬
‫تخفيف الضغط" و "الحد من الضرر" الالحق بالموطوء‪ ،‬فإن المراد منه تقديم الدعم و‬
‫السند لرفع الغبن و الضرر‪.‬‬

‫لم يجد المترجم بدًا من نهج أسلوب الشرح لتوضيح مراد صاحب الخطاب من توظيف‬
‫ذات العبارة‪ ،‬وذلك لتجنب أي لبس أو تأويل خارج مقصد الرئيس الجزائري‪ ،‬فاعتمد لذلك‬
‫توظيف المقابل اللغوي لفعل التخفيف » ‪ « atténuation‬إضافة إلى توضيح المقصود من‬
‫الوطء في سياق الخطاب » ‪. « l’incidence de la crise‬‬

‫تخفيف الوطء‪.‬‬ ‫العبارة المسكوكة‬


‫‪d’atténuation de l’incidence de la crise‬‬ ‫الترجمة التحريرية‬

‫‪225‬‬
‫توافق داللي وظيفي في سياق الخطاب (استخدام الشرح)‪.‬‬ ‫التوافق الترجمي‬
‫العبارة نفسها‪.‬‬ ‫مستوى التأويل‬
‫(موقع غوغل) ‪soulager l’hypotension‬‬ ‫ترجمات أخرى‬

‫‪« Pour le moment il n’est pas question » 8- 1- 1‬‬

‫" لحد اآلن ال"‬

‫إختار الرئيس الجزائري استعمال العبارة » ‪ « il n’est pas question‬في إطار إجابته‬
‫عن سؤال لصحفي فرانس ‪ 24‬حول إمكانية محاكمة سلفه الرئيس المستقيل عبد العزيز‬
‫بوتفليقة‪ ،‬و ذلك لتأكيد رفضه المطلق للفرضية التي ضمنها الصحفي في سؤاله‪.‬‬
‫لقاء صحفي‪ .‬حصة تلفزيونية » ‪« exclusif‬‬ ‫طبيعة الخطاب‬
‫الصحفي‪ :‬مارك برلمان ) ‪ (Marc Perelman‬وكالة فرانس ‪.24‬‬ ‫انتماء المضيف‬
‫الفرنسية‪.‬‬ ‫لغة الخطاب‪.‬‬
‫قناة فرانس ‪ 24‬الناطقة بالعربية‪ ،‬حصة "حصري"‬ ‫الهيئة المترجمة‪.‬‬
‫ترجمة فورية إلى اللغة العربية‪.‬‬ ‫لغة الترجمة و طبيعتها‪.‬‬

‫في إطار إبراز السياق النصي للعبارة المسكوكة فإننا سندرج سؤال الصحفي المحاور‬
‫باللغة األصلية الفرنسية‪ ،‬غير أننا سنستغني عن ترجمته‪ .‬ذلك ألن ما يهمنا هو ترجمة رد‬
‫السيد رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون‪.‬‬
‫النص األصلي بالغة الفرنسية‪:‬‬
‫‪Marc (f24) : « en parlant du pouvoir personnel, on a parlé des procédures‬‬
‫‪contre les activistes du Hirak, il y’a aussi les procédures contre d’anciens‬‬
‫‪membres éminents du régime. Il y’a des termes très lourds de prison ont été‬‬
‫? ‪prises contre […]. Mais qu’en est-il d’Abd El Aziz Bouteflika‬‬
‫‪Ses premiers ministres ont affirmé qu’ils devraient être entendu comme‬‬
‫» ? ‪témoins, d’autres aimeraient bien qu’il soit jugé, quel est votre opinion‬‬

‫» ! ‪Réponse de monsieur le président : « je pense que la justice est prononcé‬‬

‫‪226‬‬
‫» ‪Marc (f24) : « pas contre lui.‬‬

‫‪Réponse du président : « non ! Contre lui ! Si la justice le demande, c’est son‬‬


‫» …‪affaire, mais pour le moment, il n’est pas question‬‬
‫ترجمة اإلجابة األخيرة للسيد الرئيس باللغة العربية‪:‬‬
‫" ال أدري ! لئن طلبت العدالة ذلك‪ ،‬فلم ال‪ .‬لكن لحد اآلن ال‪...‬‬
‫مغلقة (غروس)‪ ،‬شبه خاصة (راموس)‬ ‫تصنيف العبارة المسكوكة‬
‫عبارة جاهزة‪.‬‬ ‫نوع العبارة‬
‫النفي المطلق‪.‬‬ ‫المعنى األصلي‬
‫غلق مجال النقاش‪.‬‬ ‫المعنى السياقي‬
‫اإلستحالة‪.‬‬ ‫المعنى الظاهر‬
‫تغيير موضوع النقاش‪.‬‬ ‫المعنى التداولي‬

‫من أهم أوجه البالغة و الجمالية األسلوبية للعبارة المسكوكة المس تعملة جمعها بين النفي‬
‫من جهة‪ ،‬و التوكيد من جهة أخرى‪ ،‬وقد أفضى ذلك اإلتحاد بين النقيضين (التوكيد و النفي)‬
‫إلى إعطاء العبارة معنى النفي المطلق أو ما يعرف باإلستحالة‪.‬‬
‫تستعمل هذه العبارة غالبا في المعنى الواردة فيه في الخطاب الرئاسي‪ ،‬كما يمكن أن تفيد‬
‫معنى طلب تغيير الموضوع المتدارس و عدم الخوض فيه‪.‬‬

‫أدرك المترجم رفض صاحب الخطاب للفكرة المطروحة‪ ،‬لكن ه إكتفى بترجمة العبارة‬
‫المسكوكة بكلمة واحدة مستعمال أداة النفي "ال"‪.‬‬
‫إن كانت كلمة "ال" تفيد النفي فإن ها ال تعكس تلك الشحنة العاط فية الموجودة في العبارة‬
‫األصل والمتمثل ة في النفي المطلق و اإلستحالة‪ ،‬و بالعودة إلى خصائص التعابير‬
‫المسكوكة في اللغة الفرنسية القاضية بإمكانية إستبدال العبارة المسكوكة بكلمة تعكس‬
‫المعنى مع إستحالة إستبدال عناصرها اللغوية‪ ،‬فإن أصدق كلمة عاكسة للمعنى الكامن في‬
‫العبارة هي كلمة » ‪ « impossible‬والت ي يقابلها في العربية كلمة "مستحيل" أو "قطعا"‪.‬‬

‫لذا فإنّ ترجمة فرانس ‪ 24‬للعبارة المسكوكة لم تعكس تلك القوة في الرد و الرفض‬
‫القاطع‪ ،‬كما أن نبرة صوت المترجم المتقطعة و المتراخية توحي بتردد في الرفض و‬

‫‪227‬‬
‫وجود إمكانية التنازل عن الموقف الثابت الذي تعكسه نبرة صوت صاحب الخطاب‪ ،‬و‬
‫بالتالي فإنها تجر ده من معنى اإلستحالة‪.‬‬

‫‪il n’est pas question‬‬ ‫العبارة المسكوكة‪:‬‬


‫النفي المطلق و االستحالة‪ ،‬الرفض الشخصي‪.‬‬ ‫الدالالت المكتنزة‪:‬‬
‫ال‪.‬‬ ‫الترجمة‪:‬‬
‫توافق داللي (النفي)‬ ‫التوافق الترجمي‪.‬‬
‫إهمال أسلوب اإلستحالة في العبارة األصل‪.‬‬ ‫أوجه عدم التوافق‪:‬‬
‫أداة النفي ال مع نبرة الصوت و ما سبقها "لحد اآلن" يفيد إمكانية‬
‫تغيير الرأي مستقبال‪ ،‬و هذا غير وارد‪.‬‬
‫عدم وضوح معالم الرفض الشخصي المضمر‪.‬‬
‫‪C’est impossible‬‬ ‫أخرى‬ ‫ترجمات‬
‫محتملة‪:‬‬

‫‪« en aucun cas » 9- 1- 1‬‬

‫" بتاتا"‬

‫لقاء صحفي‪ .‬حصة تلفزيونية » ‪« exclusif‬‬ ‫طبيعة الخطاب‬


‫الصحفي‪ :‬مارك برلمان )‪ (Marc Perelman‬وكالة فرانس ‪.24‬‬ ‫انتماء المضيف‬
‫الفرنسية‪.‬‬ ‫لغة الخطاب‪.‬‬
‫قناة فرانس ‪ 24‬الناظقة بالعربية‪ ،‬حصة "حصري"‬ ‫الهيئة المترجمة‪.‬‬
‫لغة الترجمة و طبيعتها‪ .‬ترجمة فورية إلى اللغة العربية‪.‬‬
‫النص األصلي باللغة الفرنسية‪:‬‬

‫‪Marc (f24) : « vous avez été son premier ministre brièvement, vous étiez‬‬
‫‪favorable pour le 5 ème mandat ; je vais quand même vous poser une question :‬‬
‫» ? ‪il était déjà dans un état difficile, est-ce-que vous regrettez‬‬

‫‪228‬‬
‫‪Réponse de monsieur le président )1(: « Non ! Je tiens à lever un équivoque,‬‬
‫» ‪j’en ai jamais été pour le 5 ème mandat‬‬

‫» ! ‪Marc (f24) : « Ah bon‬‬

‫‪Monsieur le président )2(: « Jamais, parce que moi j’été éjecté en 2017. Et‬‬
‫‪l’histoire du 5ème mandat a commencé en 2018, j’étais chez moi, et en aucun‬‬
‫» …‪cas je n’étais pour un 5ème mandat‬‬

‫الترجمة الفورية إلى اللغة العربية‪:‬‬

‫ترجمة اإلجابة (‪ )1‬للسيد الرئيس‪":‬ال ! أود أن أرفع لبسا لم أدعم بتاتا العهدة الخامسة"‬

‫ترجمة اإلجابة (‪ )2‬للسيد الرئيس‪ ":‬بتاتا‪ ،‬ألن ه تم استبعادي في ‪ ، 2017‬وقضية العهدة‬


‫الخامسة ظهرت في ‪ ،2018‬ففي ‪ 2018‬كنت في منزلي و لم أدعم بتاتا العهدة‬
‫الخامسة‪"...‬‬

‫‪en aucun cas‬‬ ‫العبارة المسكوكة‬


‫مغلقة (غروس)‪ ،‬شبه خاصة (راموس)‬ ‫تصنيف العبارة المسكوكة‬
‫أدبي بالغي‪.‬‬ ‫السياق المورفوتركيبي األصلي‬
‫النفي‪.‬‬ ‫المعنى األصلي‬
‫اإلستحالة‪.‬‬ ‫المعنى السياقي‬
‫اإلستبعاد‪.‬‬ ‫المعنى الظاهر‬
‫تبرئة الذمة‪.‬‬ ‫المعنى التداولي‬

‫و في نفس إطار النفي المطلق و إستحالة التحقيق‪ ،‬بين الرئيس الجزائري ثراء حقله‬
‫اللغوي الفرنسي مستعمال عبارة مسكوكة فرنسية أخرى ‪ « en aucun cas »256‬لنفي دعمه‬
‫لمشروع ما يسمى بالعهدة الخامسة‪ ،‬حيث دعم نفيه بأسلوب بالغي إليصال نفي الفرضية‬
‫إلى حدود النفي المطلق قائال‪:‬‬

‫» ‪« Je n’étais dans aucun cas pour le 5ème mandat‬‬

‫‪256‬‬
‫‪- en aucun cas : locution adverbiale ; sens « au grand jamais ».‬‬

‫‪229‬‬
‫جاءت العبارة المسكوكة في قلب الجملة المشكلة للرد الرئاسي على السؤال الصحفي‬
‫محتكرة معنى النفي المطلق‪ ،‬و مضفية على الجملة جمالية أسلوبية بفضل نظمها اإليقاعي‬
‫» ‪ « aucun cas‬الذي يعطيها قابلية التمييز من بين باقي مكو نات الجملة‪ ،‬إذ كان باإلمكان‬
‫إستبدالها بكلمة » ‪ « pas‬في إطار استكمال النفي البسيط‪.‬‬

‫أدرك المترجم الدور المحوري للعبارة المسكوكة في الجملة‪ ،‬فركز إهتمامه عليها و‬
‫إختصر ترجمة رد الرئيس على سؤال الصحفي حول ضلوع شخصه في المشروع‬
‫السياسي المذك ور إلى كلمة تفيد النفي المطلق "بتاتا"‪ .‬و من باب المقابلة األسلوبية بين‬
‫العبارتين نجد أن العبارة الفرنسية قد اشتملت على اهتزازية واضحة في نغم » ‪« cun cas‬‬
‫يقابله في اللغة العربية تكرار التاء الممدودة‪ ،‬و بذلك يكون المترجم قد أضاف رونقا جماليا‬
‫لترجمته المعنوية‪.‬‬

‫و بعد تتبع مسار المترجم في عمله (كما هو مبين في الترجمة أعاله)‪ ،‬وجدنا أنه ال‬
‫يتوانى عن استعمال مفردة "بتاتا" في سياق النفي‪ .‬و هذا ما يقودنا إلى القول بأن هذه‬
‫المفردة تنتمي إلى اللغة الخاصة لهذا المترجم‪ .‬وفيما يلي سياق آخر الستخدامه لفظة‬
‫"بتاتا" في نفس الخطاب‪.‬‬

‫‪Marc (f24) : « il y’a la crise sanitaire, mais il y’a aussi la crise économique.‬‬
‫‪Les réserves de change sont réduites, certains brondissent le spectre de la‬‬
‫» ? ‪cessation du paiement, l’Algérie est-elle en danger‬‬

‫» …‪Le président : « pas du tout,‬‬

‫مترجم فرانس ‪ 24‬لجواب الرئيس‪ " :‬بتاتا‪ ،‬بتاتا‪"...‬‬

‫‪en aucun cas‬‬ ‫العبارة المسكوكة‪:‬‬


‫النفي المطلق‪ ،‬اإلستحالة‪.‬‬ ‫الداللة المكتنزة‪:‬‬
‫بتاتا‪.‬‬ ‫الترجمة‪:‬‬
‫النفي المطلق‪ ،‬اإلستحالة‪.‬‬ ‫الدالالت المصرح بها‪:‬‬

‫‪230‬‬
‫العبارة‪.‬‬ ‫مستوى التأويل‪:‬‬
‫قوة النفي و اإليحاء‪ ،‬توافق داللي وظيفي‪.‬‬ ‫أوجه التوافق‪:‬‬
‫في أي حال من األحوال‪( .‬حرفية)‬ ‫ترجمة أخرى ممكنة‪:‬‬
‫اإلستعمال المتكرر للفظة "بتاتا" من طرف المترجم في سياق‬ ‫مالحظة جانبية‪:‬‬
‫النفي‪.‬‬

‫‪« Chat échaudé craint l’eau froide » 10- 1- 1‬‬

‫" نفضل أن نتفادى هذا"‬

‫استعمل السيد رئيس الجمهورية هذا المثل في سياق نفيه إمكانية لجوءه إلى صندوق النقد‬
‫الدولي‪ ،‬وذلك في خضم حواره مع قناة فرانس ‪.24‬‬

‫لقاء صحفي‪ .‬حصة تلفزيونية » ‪« exclusif‬‬ ‫طبيعة الخطاب‬


‫الصحفي‪ :‬مارك برلمان )‪ (Marc Perelman‬وكالة فرانس ‪.24‬‬ ‫انتماء المضيف‬
‫الفرنسية‪.‬‬ ‫لغة الخطاب‪.‬‬
‫قناة فرانس ‪ 24‬الناظقة بالعربية‪ ،‬حصة "حصري"‬ ‫الهيئة المترجمة‪.‬‬
‫لغة الترجمة و طبيعتها‪ .‬ترجمة فورية إلى اللغة العربية‪.‬‬
‫النص األصلي باللغة الفرنسية‪:‬‬

‫‪Marc (f24) : « est-ce-que vous êtes prêt, comme beaucoup de vos voisins,‬‬
‫‪comme presque tout les pays africains, à éventuellement si la situation se‬‬
‫» ? ‪détériore vers le FMI, et lui demander de l’aide‬‬

‫» …‪Réponse de monsieur le président )1(: « Nous préférons éviter le FMI‬‬

‫‪Marc (f24) interrompe le président : « tout le monde le préfère monsieur le‬‬


‫» ‪président‬‬

‫» …‪Réponse du président : « quand on a les moyens de l’éviter, nous‬‬

‫» ? ‪Marc (f24) l’interrompe de nouveau : « vous avez les moyens de l’éviter‬‬

‫‪231‬‬
‫‪Réponse du président )2(: « Chat échaudé craint l’eau froide. Nous sommes‬‬
‫» …‪un pays social avant tout‬‬

‫الترجمة إلى اللغة العربية من قناة فرانس ‪: 24‬‬


‫ترجمة إجابة السيد رئيس الجمهورية (‪ ":) 1‬نحن نفضل أن نتفادى هذا‪"...‬‬
‫ترجمة إجابة السيد رئيس الجمهورية (‪ ":) 2‬نعم ‪ ،‬نحن بلد إجتماعي‪"...‬‬

‫رأى هذا المثل النور في القرن ‪ 13‬م‪ ،‬حيث علق عليه فرانسوا أوغستين في رسائله‬
‫الفلسفية قائال بأن ه ال يمكن خداع القط إال مرة واحدة فقط طوال حياته‪ ،‬ذلك ألن ه يتمتع‬
‫بنوع من الحذر و الكياسة نحو من خدعه كما مظاهر الخداع و الوسائل المستعملة فيه في‬
‫المر ة األولى‪ ،‬فإن كان الماء الساخن قد ألحق به األذى‪ ،‬فإنه سيتجنب التعامل مع الماء‬
‫حتى و لو كان باردا‪.‬‬

‫مغلقة (غروس)‪ ،‬تامة (راموس)‬ ‫تصنيف العبارة المسكوكة‪:‬‬


‫مثل رمزي ‪.‬‬ ‫نوع العبارة‪:‬‬
‫فلسفي‪.‬‬ ‫السياق المورفوتركيبي األصلي‪:‬‬
‫االتعاظ و االعتبار من التجارب السابقة‪.‬‬ ‫المعنى األصلي‪:‬‬
‫الرفض‪.‬‬ ‫المعنى السياقي‪:‬‬
‫عدم الرغبة في تكرار تجربة فاشلة‪..‬‬ ‫المعنى الظاهر‪:‬‬
‫وجود خديعة و مكائد‪.‬‬ ‫المعنى التداولي‪:‬‬
‫صة يمكن أن تكون خرافة ألنها‬ ‫تعكس المكونات اللغوية في ترتيبها السردي ق ّ‬
‫مستخلصة من عالم الحيوان‪ ،‬كما يمكن أن تكون ثمرة تجرية وتأمل فلسفي لذات العالم‪ .‬و‬
‫بغض النظر عن كون هذا المثل الخرافي خرافة أو ال‪ ،‬فإن األكيد أن ه يشير إلى وجود‬
‫ظاهرة متأصلة في عالم البشر والمتمثلة في الخداع و المكر و الكذب‪ ،‬فيحذ ر منها من‬
‫جهة‪ ،‬و ينتقد السذاجة و الغفلة التي تؤدي بصاحبها إلى تكرار نفس الخطأ و بنفس الطريقة‬
‫من جهة أخرى‪.‬‬

‫إستعمال الرئيس للعبارة ال يد ّل فقط على اإلستبعاد اللحظي للفرضية المطروحة و‬


‫إنما يكتنز بين طياته تجربة أليمة عرفتها بالده مع نفس الهيئة البنكية‪ ،‬كما يدل على أن‬

‫‪232‬‬
‫تلك التجربة كانت بنفس القناع المخادع و المتمثل في المساعدة المادية لتخطي األزمة و‬
‫الصعوبات اإلقتصادية‪ ،‬وبأن ه ليس بتلك السذاجة لكي يقع في نفس الفخ مرتين‪.‬‬
‫و بذلك يكون قد جمع في إستعماله تلك العبارة بين رفض اإلقتراض و علمه بخبايا‬
‫صندوق النقد الدولي‪ ،‬و وصفه له بالخداع و إقامة الحجة عليه بتذكيره بخداعه‪ ،‬و مع هذا‬
‫فقد إستدرك معق با على كالمه بأن البنك الدولي يرافقه و يتابع األمور عن كثب و أن بالده‬
‫لن تتوان عن طلب المشورة و الدعم إن اقتضى األمر‪.‬‬
‫يدفعنا هذا الفضول إلى طرح تساؤل حول إختيار هذا المثل الرمز بالذ ات في هذا السياق‬
‫السياسي المتناول للتعامالت مع البنك الدولي‪ ،‬فهل يقصد السيد الرئيس من خالله اعتماده‬
‫مثال رمزيا على لسان الحيوان (القط) بأن اإلقتراض و التعامل مع هذه المؤسسة الشمولية‬
‫يفقد اإلن سان إنسانيته‪ ،‬فأخرج القط من حيوانيته إلى األنسنة (اإلدراك و التعلم) ليكون قدوة‬
‫لبني البشر؟ أم أن مقصده ال يتعدى الفطنة و الحذر و الحكمة المكتسبة بفضل التجربة؟‬
‫من منطلق أنّ الثقافات تتمتّع بنفس درجة الثراء في التعابير المسكوكة المستوحاة من‬
‫التجارب اإلنسانية فقد أفضى بحثنا عما يكافئ هذا المثل في العربية إلى إيجاد عبارتين‪:‬‬
‫‪ -‬األولى تتمثل في حديث رسول هللا صلى هللا عليه و سلم " ال يلدغ المؤمن من جحر‬
‫مرتين" (رواه البخاري) ‪ -‬الثانية تتمثل في المثل الذي أورده نعو م حجار في منجده " من‬
‫لدغته األفعى يخاف من الحبل"‪.‬‬
‫إستعمل الرئيس الجزائري هذا المثل لتأكيد ما سبقه من الكالم بتفضيله عدم اللجوء إلى‬
‫صندوق النقد الدولي في قوله بالفرنسية » ‪ ،« nous préférons éviter le FMI‬فجعل بذلك‬
‫المترجم ِح ّال من تشبيه البنك الدولي باألفعى أو العقرب السام مكتف يا بترجمة العبارة التي‬
‫سبقتها "نحن نفضل اإلبتعاد عن هذا"‪.‬‬
‫إعتمد المترجم على نظرية المعنى في ترجمته لذات العبارة‪ ،‬إال أن الوحدة الترجمية التي‬
‫اعتمدها تجاوزت العبارة المسكوكة بحد ذاتها إلى سياق الكالم الواردة فيه‪ ،‬وبذلك فقد‬
‫ف ضل ترجمة العبارة المسكوكة في إطارها النصي مدمجا معناها مع سابقتها و مكتفيا‬
‫بترجمة األولى لكفاية المعنى المؤد ى منها من جهة‪ ،‬و استثمار هامش الزمن إللتقاط‬
‫أنفاسه و مواصلة ترجمة كالم الرئيس الجزائري من جهة أخرى‪.‬‬

‫‪233‬‬
‫و قد استطاع المترجم ترجمة العبارة المسكوكة في إطارها النصي و تضمين معناها في‬
‫لفظ " هذا"‪ ،‬حيث يمكن أن يكون اسم اإلشارة "هذا" إحالة بعدية تشير إلى البنك الدولي و‬
‫عملية اإلقتراض‪ ،‬كما يمكن أن تشير إلى معنى الشَرك أو الفخ و الخديعة‪ ،‬ذلك ألن‬
‫المترجم كان بوسعه ترجمة العبارة األولى‪ « nous préférons éviter le FMI » :‬إلى‬
‫"نفض ل اإلبتعاد عن صندوق النقد الدولي" وبذلك فقد ضمن ترجمته معنى ظاهرا (تفادي‬
‫التعامل مع البنك) و معاني واردة (الخدعة و تكرار التجربة)‪.‬‬
‫‪Chat échaudé craint l’eau froide‬‬ ‫العبارة المسكوكة‬
‫المكر و الخداع‪ ،‬فطنة المتحدث‪ ،‬تجارب مسبقة أعطت‬ ‫الدالالت المكتنزة‬
‫دروس‪.‬‬
‫الرفض‪.‬‬ ‫الداللة الظاهرة‬
‫العبارة لباقة الرفض لمكانة صندوق النقد الدولي كمؤسسة شمولية‪.‬‬ ‫إدراج‬ ‫سبب‬
‫المسكوكة‬
‫‪ nous préférons éviter le FMI‬مدمجة فيما قبلها‬ ‫الترجمة‪:‬‬
‫النص‪.‬‬ ‫مستوى التأويل‪:‬‬
‫"ال يلدغ المؤمن من جحر مرتين" حديث شريف‪.‬‬ ‫ترجمات أخرى ممكنة‪:‬‬
‫"من لدغته األفعى يخاف من الحبل" منجد األمثال و‬
‫الحكم‪.‬‬

‫‪ " 11-1-1‬التأكد من مصدر المعلومات‪ ،‬مصداقا لقوله تعالى‪ " :‬يا أيها الذين‬
‫آمنوا إذا جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما‬
‫فعلتم نادمين"‬

‫‪« Ici, il faut vérifier la source des informations pour vérifier la crédibilité de‬‬
‫» ‪ces informations‬‬

‫‪234‬‬
‫استحضر السيد رئيس الجمهورية‪ ،‬السيد عبد المجيد تبون هذه اآلية في إطار حديثه عن‬
‫حرية الصحافة في خطاب التنصيب‪.‬‬

‫‪ 2019/12/19‬قصر الشعب‪.‬‬ ‫السياق الزمكاني‪:‬‬

‫الشعب الجزائري و كل من يتابعه‪.‬‬ ‫المتلقي‪:‬‬

‫العربية‪.‬‬ ‫لغة الخطاب‪:‬‬

‫شفوي مباشر متلفز‪.‬‬ ‫طبيعة الخطاب‪:‬‬

‫ترجمة فورية وكالة فرانس ‪.24‬‬ ‫صفة المترجم‪:‬‬

‫الفرنسية‪.‬‬ ‫لغة الترجمة‪:‬‬

‫النص األصلي باللغة العربية ‪" :‬سوف تجد وسائل اإلعالم من الدولة كل الدعم و التحفيز‬
‫من أجل ممارسة إعالمية في ظل حرية ال حدود لها س وى القانون و اآلداب العامة و التأكد‬
‫من مصادر المعلومات مصداقا لقوله تعالى‪":‬يا أ ّيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ‬
‫فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين"‬

‫الترجمة إلى اللغة الفرنسية (فرانس ‪:)24‬‬

‫‪« Les médias auront le soutient nécessaire afin d’exercer leur rôle en toute‬‬
‫‪liberté et dans le respect de la loi et de la moralité, ici, il faut vérifier la‬‬
‫» ‪source des informations pour vérifier la crédibilité de ses informations‬‬

‫مغلقة (غروس)‪ ،‬تامة (راموس)‬ ‫تصنيف العبارة المسكوكة‬


‫نص مقدس (القرآن الكريم)‬ ‫نوع العبارة‬
‫اآلية ‪ 6‬من سورة الحجرات‪.‬‬ ‫السياق المورفوتركيبي األصلي‬
‫تبرئة السيدة عائشة أم المؤمنين من حادثة اإلفك‪.‬‬ ‫المعنى األصلي‬
‫إحترام أخالقيات مهنة الصحافة‪.‬‬ ‫المعنى السياقي‬
‫تحري مصداقية األخبار‪.‬‬ ‫المعنى الظاهر‬
‫التحلي باالنضباط و المصداقية‪.‬‬ ‫المعنى التداولي‬
‫في خضم حديثه عن حري ة التعبير أشار الرئيس الجزائري إلى ضرورة تقصي‬
‫الحقائق و اإلبتعاد عن القذف و تشويه سمعة اآلخرين دون وجه حق‪ ،‬و قد ختم جملة‬
‫‪235‬‬
‫الضوابط األخالقية الواجب التحلي بها من طرف كل مم تهني الصحافة و اإلعالم بوجوب‬
‫التأك د من مصدر المعلومات‪ ،‬و إلضفاء نوع من القدسية على هذا الواجب األخير فإن ه نقله‬
‫إلى األمر الرباني " فتبي نوا"‪ ،‬كما نهى عن النشر الصحفي العشوائي المعتمد على‬
‫المصادر الغير الموثوقة‪ ،‬فنقله من النهي البشري إلى النهي اإللهي بتحر يمه الضمني‬
‫واصفا تلك المصادر بالفسق و متوع دا الناشر بالندم‪.‬‬

‫إستظهر السيد رئيس الجمهورية هذه اآلية الكريمة كما وردت في س ياقها المقدس في سورة‬
‫الحجرات‪ ،‬و في نفس السياق الداللي الداعي إلى تجنب القذف و التشهير بالنا س و الخوض‬
‫في أعراضهم بغير حق‪ ،‬وقد وردت ترجمتها إلى الفرنسية في ترجمة معاني آي القرآن‬
‫كما يلي‪:‬‬

‫‪« Ô vous qui avez cru ! Si un pervers vous apporte une nouvelle, voyez bien‬‬
‫‪clair [de crainte] que par inadvertance vous ne portiez atteinte à des gens et‬‬
‫» ‪que vous ne regrettiez par la suite ce que vous avez fait‬‬

‫المالحظ على الترجمة الفورية لمترجم قناة فرانس ‪- 24‬المعتمد في ترجمة الخطاب‬
‫األول للرئيس الجزائري ‪ -‬إعتماده على العبارة التي سبقت اآلية الكريمة في اإلستدالل على‬
‫معناها و استكمال الترجمة باستنتاج الغرض من التوصية األولى (التأكد من مصدر‬
‫المعلومات‪ ) vérifier la source des informations ،‬والذي ينعكس مباشرة على التوصية‬
‫الثانية التي انفردت بها اآلية الكريمة(التأكد من مصداقيتها‪.)vérifier la crédibilité ،‬‬
‫المالحظ للنص األصلي و ترجمته يجد أن المترجم الفوري قد نقل المعنى المراد من‬
‫ِ‬ ‫إنّ‬
‫التعبير والعبارة المسكوكة في آن واحد‪ ،‬ذلك ألن اآلية الكريمة وردت في سياق تأكيدي‬
‫داعم لما قبلها من معنى ومتم م له‪ ،‬فكانت كالتكرار المتمم و المؤكد لمعنى سابق الوجود‬
‫بثوب لغوي مقدس فريد الورود‪ ،‬أو كمن يدعم الكالم البشري بالنثر اإللهي إلضفاء صفة‬
‫القدسية و التعالي عن إ مكانية التعرض للنقد‪.‬‬
‫لكن المتتبع لريتم الترجمة في السياق اللفظي يجد انخفاضا واضحا في وتيرة الترجمة‬
‫عند وصول المترجم إلى اآلية الكريمة‪ ،‬كما يلمس تلكؤا واضحا في ترجمتها‪ ،‬و ذلك‬

‫‪236‬‬
‫بالفصل بين المقاطع اللفظية للنصف الثاني من الترجمة و هي نفسها المتزامنة مع‬
‫استظهار السيد الرئيس لآلية الكريمة‪ ،‬و هذا ما يجعلنا نطرح عدة تساؤالت حول هذا‬
‫السلوك الترجمي‪.‬‬

‫ال تقتصر الدراسة التقابلية على مقابلة العبارات و ترجمتها بل تتعد اها إلى مقابلة‬
‫توت ر الترجمة و تغير إيقاعها م ن وحدة ترجمية إلى أخرى‪ .‬إن التساؤالت التي سنطرحها‬
‫حول هذه الترجمات تتمحور حول عاملين مهمين في الترجمة هما المترجم و طبيعة‬
‫العبارة‪ ،‬فهل فضل المترجم أخذ قسط من الراحة بتجاهل ترجمة اآلية الكريمة استعدادا لما‬
‫بعدها؟ أم أن ه أدرك القدسية التي تتمتع بها تلك ال نصية المقدسة فتجنب الخوض فيها لكونه‬
‫مترجما سياسيا ال مترجما دينيا؟ أم أنه رفض ترجمتها في إطارها المقدس ألن الجمهور‬
‫الهدف ال يعترف بقدسيتها بسبب الخالف و اإلختالف اإليديولوجي بين الثقافة و الهوية‬
‫األصل و نظيرتها الهدف؟‬
‫كل هذه التساؤالت يمكن أن تشكل في نفسها إجابات محتملة و تفسيرات لذلك التراخي و‬
‫التغير في طريقة الترجمة‪.‬‬

‫اآلية ‪ 6‬من سورة الحجرات‪.‬‬ ‫العبارة المسكوكة‪:‬‬


‫التأكد من مصداقية المعلومة‪ ،‬اإلبتعاد عن األخبار المغلوطة‪.‬‬ ‫الدالالت المكتنزة‪:‬‬
‫‪il faut vérifier la source des informations pour vérifier la‬‬ ‫الترجمة‪:‬‬
‫‪crédibilité de ses informations.‬‬
‫الجملة التي تضمنت اآلية‪.‬‬ ‫مستوى التأويل‬
‫أخرى ‪« Ô vous qui avez cru ! Si un pervers vous apporte une‬‬ ‫ترجمات‬
‫‪nouvelle,‬‬ ‫‪voyez‬‬ ‫‪bien‬‬ ‫‪clair‬‬ ‫‪[de‬‬ ‫‪crainte] que‬‬
‫ترجمة ‪par‬‬ ‫ممكنة‪:‬‬
‫‪inadvertance vous ne portiez atteinte à des gens et que‬‬
‫القرآن‬ ‫معاني‬
‫"‪vous ne regrettiez par la suite ce que vous avez fait‬‬
‫الكريم‪.‬‬

‫‪ 12-1-1‬نادرة الرئيس الراحل هواري بومدين‪.‬‬

‫‪237‬‬
‫سرد الرئيس الجزائري وقائع هذه النادرة في لقاءه التقييمي بالوالة و المسؤولين المحليين‪.‬‬

‫‪ 2020 /08/12‬قصر األمم‪.‬‬ ‫السياق الزمكاني‬

‫الوالة و المسؤولين المحليين و عموم الشعب الجزائري‪.‬‬ ‫المتلقي‬


‫العربية‪.‬‬ ‫لغة الخطاب‬
‫شفوي مباشر متلفز‪.‬‬ ‫طبيعة الخطاب‬

‫وكالة األنباء الجزائرية (ترجمة تحريرية)‬ ‫صفة المترجم‬

‫النص األصلي باللغة العربية ‪ ":‬يأتي مسؤول أمام الكاميرا من أجل تصوير بأنه يطبق‬
‫التعل يمات‪ ،‬فيوضع للمواطن عداد ماء أمام الكاميرات‪ ،‬لينزع بمجرد إختفاء الكاميرا‪ .‬كنت‬
‫أضن أن هذه التصرفات انتهت‪ .‬حذاري‪ ،‬ثم حذاري‪ ،‬الذي ال يقدر اليكلف هللا نفسا إال‬
‫وسعها‪ ،‬ولكن هذا اللعب يجب أن ينتهي‪ .‬تتذكرون كلكم حادثة الرئيس الراحل بومدين‬
‫عندما جاء ليدشن قرية فال حية‪ ،‬قاموا بتصفيف األشجار في مدخلها‪ ،‬حيث تم غرسها‬
‫ليال‪ .‬و لكن جاؤوا ليلعبوا معه‪ ،‬فأخذ شجرة اقتلعها بيده ورماها لهم ‪ ،‬ليقول لهم روحوا‬
‫العبوا مع نتاجكم ما تلعبوش معنا‪ ،‬هذه السينما انتهت"‬

‫الترجمة التحريرية إلى اللغة الفرنسية‪:‬‬

‫‪« Des responsables viennent devant les caméras pour faire croire qu’il ont pris‬‬
‫‪en charge les doléances des citoyens. Mais dès qu’il n’y a plus de projecteurs, ils‬‬
‫‪abandonnent tout, c’est du cinéma, il faut que ça cesse, celui qui n’est pas‬‬
‫» ‪capable peut se retirer, cette comédie doit s’arrêter, on doit finir avec ce jeu‬‬
‫نادرة الرئيس الراحل بومدين‪.‬‬ ‫العبارة المسكوكة‪:‬‬
‫مفتوحة (غروس)‪ ،‬شبه خاصة راموس‪.‬‬ ‫تصنيف العبارة‪:‬‬
‫نادرة‪.‬‬ ‫نوعها‪:‬‬
‫أخالقي (غش) سر د لوقائع حقيقية‪.‬‬ ‫السياق المورفوتركيبي األصلي‪:‬‬
‫فطنة السيد الرئيس‪.‬‬ ‫المعنى األصلي‪:‬‬

‫‪238‬‬
‫قدم ممارسات الغش و التحايل‪.‬‬ ‫المعنى السياقي‪:‬‬
‫فطنة السيد الرئيس‪.‬‬ ‫المعنى الظاهر‪:‬‬
‫التحلي بالجدية و اإلبتعاد عن الغش‪.‬‬ ‫المعنى التداولي‪:‬‬
‫أورد الرئيس الجزائري السيد عبد المجيد تبون في خطابه أمام والة الجمهورية قص ة‬
‫لسلفه الراحل هواري بومدين دون تحديد مكان و ال زمن الحدوث‪ ،‬حيث سرد فيها موقعة‬
‫تعرض ه لمحاولة الخداع في إحدى الزيارات الميدانية بغرس أشجار ليلة الزيارة الرسمي ة‬
‫للرئيس و إيهامه بأن ها قد غرست في موسم الغرس‪ ،‬و أن القائمين على الوالية قد قاموا‬
‫عل يها لتصبح على ما هي عليه‪ .‬وما كان من الرئيس الجزائري إال أن مد يده لينتزعها من‬
‫جذورها و يفضح زيف ادعائهم و ممارساتهم‪.‬‬

‫إستحضار الرئيس الجزائري السيد عبد المجيد تبون للقص ة بأسلوب مقتضب يجمع بين‬
‫الدعابة واإلختصار انتقل بالقصة من قائمة الحوادث المتفرقة ليدرجها ضمن النوادر و‬
‫الطرائف المتعلقة بحكم سلفه‪ ،‬كما أنها تدعم طرحه المتعل ق بقدم الممارسات اإلحتيالية و‬
‫مغالطة السلطات بإظهار وجه غير ذلك الحقيقي‪ ،‬و لذلك جاءت في سياق حديثه عما سماه‬
‫بالمهزلة و الممارسات الغير المقبولة من جهة‪ ،‬و تأكيده بعلمه لما يدب ر و تفط نه ألساليب‬
‫ذلك التدبير و السلوك الغير المقبول من جهة أخرى‪.‬‬
‫خص الرئيس الجزائري بسرده لهذه النادرة فئة من الناس عاصرهم و عاصروه‪ ،‬ذلك‬
‫ّ‬
‫أنه سرد القصة دون عنعنة‪ ،‬و هذا ما يبين أن ه قد انشغل بهم ليسرد قصتهم كعبرة لمن‬
‫يشتغل معهم‪ ،‬فيكون بذلك قد أشهر أحد األساليب األدبية ضد تلك الفئة المذكورة و من‬
‫يسلك سلوكهم‪.‬‬
‫نادرة الرئيس الجزائري الراحل بومدين‪.‬‬ ‫العبارة المسكوكة‬
‫قدم ممارسات التحايل‪ ،‬فطنة الرئيس‪ ،‬ضرورة التخلي عن‬ ‫الدالالت المكتنزة‪:‬‬
‫الغش‪ ،‬الرئيس الراحل قدوة للرئيس الحالي‪ ،‬السخرية من تلك‬
‫التصرفات‪.‬‬
‫تأكيد المعنى (وجود الغش‪ ،‬و التفطن له) عبر ذكر مناسبة‬ ‫األثر في النص األصل‪:‬‬

‫‪239‬‬
‫أخرى مماثلة لألولى (الوالة)‬
‫‪C’est du cinéma, il faut que ça cesse‬‬ ‫الترجمة‪:‬‬
‫النص‬ ‫مستوى التأويل ‪:‬‬
‫الدالالت الصريحة في السخرية من تلك التصرفات‪ ،‬فطنة الرئيس‪ ،‬ضرورة تغيير‬
‫الذهنيات‪.‬‬ ‫الترجمة‪:‬‬

‫‪« Cette comédie doit … on doit‬‬ ‫"روحوا العبوا مع نتاجكم ما تلعبوش معانا"‬
‫» ‪en finir avec ce jeu‬‬

‫‪ 2020 /08/12‬قصر األمم‪.‬‬ ‫السياق الزمكاني‬


‫الوالة و المسؤولين المحليين و عموم الشعب الجزائري‪.‬‬ ‫المتلقي‬

‫العربية‪.‬‬ ‫لغة الخطاب‬

‫شفوي مباشر متلفز‪.‬‬ ‫طبيعة الخطاب‬

‫وكالة األنباء الجزائرية (ترجمة تحريرية)‬ ‫صفة المترجم‬

‫النص األصلي باللغة العربية‪" :‬يأتي مسؤول أمام الكاميرا من أجل تصوير بأنه يطبق‬
‫التعليمات‪ ،‬فيوضع للمواطن عداد ماء أمام الكاميرات‪ ،‬لينزع بمجرد إختفاء الكاميرا‪ .‬كنت‬
‫أضن أن هذه التصرفات انتهت‪ .‬حذاري‪ ،‬ثم حذاري‪ ،‬الذي ال يقدر ال يكلف هللا نفسا إال‬
‫وسعها‪ ،‬و لكن هذا اللعب يجب أن ينتهي‪ .‬تتذكرون كلكم حادثة الرئيس الراحل بومدين‬
‫عندما جاء ليدشن قرية فالحية‪ ،‬قاموا بتصفيف األشجار في مدخلها‪ ،‬حيث تم غرسها ليال‪.‬‬
‫و لكن جاؤوا ليلعبوا معه‪ ،‬فأخذ شجرة اقتلعها بيده ورماها لهم‪ ،‬ليقول لهم روحوا العبوا‬
‫مع نتاجكم ما تلعبوش معنا ‪ ،‬هذه السينما انتهت"‬

‫الترجمة التحريرية إلى اللغة الفرنسية‪:‬‬

‫‪« Des responsables viennent devant les caméras pour faire croire qu’il ont pris‬‬
‫‪en charge les doléances des citoyens. Mais dès qu’il n’y a plus de projecteurs, ils‬‬

‫‪240‬‬
‫‪abandonnent tout, c’est du cinéma, il faut que ça cesse, celui qui n’est pas‬‬
‫‪capable peut se retirer, cette comédie doit s’arrêter, on doit en finir avec ce‬‬
‫"‪jeu‬‬

‫روحوا تلعبوا مع نتاجكم‪.‬‬ ‫العبارة المسكوكة‬


‫مثل شعبي شائع‪.‬‬ ‫نوعها‪:‬‬
‫مفتوحة (غروس)‪ ،‬تامة (راموس)‬ ‫تصنيفها‪:‬‬
‫التسلية و الرياضة‪.‬‬ ‫السياق األصلي‪:‬‬
‫توافق األقران و نشاطهم‪.‬‬ ‫المعنى األصلي‪:‬‬
‫تصرفات صبيانية ال ترقى إلى درجة‬ ‫المعنى السياقي‪:‬‬
‫المتلقي‪.‬‬
‫ضرورة رفع المستوى حسب التطلعات‪.‬‬ ‫المعنى الظاهر‪:‬‬
‫تغيير الذهنيات‪.‬‬ ‫المعنى التداولي‪:‬‬
‫تعني كلمة "نتاجكم" أقرانكم في السن؛ أي تقارب مستوى العمر و تساويه‪ ،‬و تكتنز هذه‬
‫اللفظة بين طياتها داللة ازدراء للمخاطب‪.‬‬
‫و المقصود بها في العبارة المشتركون و المتساوون في مستوى اإلنحطاط الفكري و‬
‫اإليديولوجي‪ ،‬كما تشير كلمة " اللعب" إلى تدني مستوى التخطيط و التحايل إلى مستوى‬
‫التصابي و لعب الصبيان‪ .‬أما المراد بالعبارة المسكوكة فهو العلم المسبق بما يخ َ‬
‫طط له من‬
‫حيل‪ ،‬و الدعوة إلى الكف عن الممارسات اإلحتيالية و التحايلية‪ ،‬و اإلرتقاء بمستوى‬
‫التحدي إلى المطلوب‪.‬‬

‫و تجدر اإلشارة إلى وجود عبارة مسكوكة على صورة م ثل شعبي تجمع بين ازدراء‬
‫السلوكات و احتقار األشخاص " لعب الذر"‪ ،‬إال أن هذا المثل األخير ال يشير إلى التحايل‬
‫و الخداع و إنما إلى التصرفات العفوية و السلوكات العشوائية التي قد تكون عواقبها‬
‫وخيمة‪.‬‬

‫‪241‬‬
‫ال شكّ أنّ في اللغة الفرنسية ما يدل على نفس المثل و ينوب عنه في ثقافتها بحكم‬
‫تساوي الثقافات اإلنسانية من حيث التجارب الفردية‪ ،‬وأفضل ما وجدنا هي العبارة‬
‫» ‪ «257 jeu de dupes‬و التي تشير إلى ازدراء الممارسات المكشوفة و الخاسرة مسبقا‪.‬‬

‫على نقيض المترجم الفوري لقناة فرانس ‪ 24‬الذي فضل عدم تخصيص حيز مستقل‬
‫لترجمة المثل الفرنسي السالف الذكر‪ « chat échaudé craint l’eau froide »:‬و تجاهل‬
‫ترجمة العبارة منفردة حيث اختا ر تضمين معناها فيما سبقها‪ ،‬فقد اختار المترجم‬
‫التحريري للعبارة المسكوكة إظهارها في ترجمته و استحضارها بعزل معناها عن مبناها‬
‫مع اإلحتفاظ بالكلمة المفتاح في العبارة والمتمثلة في كلمة " اللعب"‪ ،‬فكان األمر بال توقف‬
‫عن السلوكات والممارسات المغالطة واضحا و جليا في ترجمته‪:‬‬
‫» ‪« On doit en finir‬‬
‫و للتأكيد على نوع الممارسات المطلوب إنهاؤها إستعمل المترجم إسم اإلشارة » ‪« ce‬‬
‫لتنوب عم ا قبلها في الجملة (مهزلة‪ ،) comedie ،‬فكانت الترجمة على النحو ‪« on doit‬‬
‫» ‪finir avec ce jeu‬‬
‫إن ترجمة هذه العبارات " روحوا تلعبوا مع نتاجكم" و المثل الفرنسي السائر‪ ،‬و كذا نادرة‬
‫الرئيس الجزائري الراحل السي د هواري بومدين‪ ،‬إضافة إلى عبارات أخرى تجعلنا نطرح‬
‫تساؤال مهما حول مستوى التأويل‪ ،‬أو ما تم التطرق إليه في الدراسات األخرى تحت‬
‫مسمى وحدة الترجمة‪.‬‬
‫روحوا العبوا مع نتاجكم‬ ‫العبارة المسكوكة‬
‫فطنة الملقي‪ ،‬دناءة المقصود‪ ،‬وجود نية الخداع‪ ،‬التصابي‪ ،‬عدم‬ ‫الدالالت المكتنزة‬
‫الكفاءة‪ ،‬التهديد و الوعيد‪ ،‬دعوة إلى تغيير الذهنية‪.‬‬
‫‪on doit finir avec ce jeu‬‬ ‫الترجمة‪:‬‬
‫نفس الدالالت المكتنزة‪.‬‬ ‫الدالالت الواضحة‬
‫العبارة‪.‬‬ ‫مستوى التأويل‬

‫‪257‬‬
‫‪- jeu de dupes : locution nominale. Jeu perdu d’avance.‬‬

‫‪242‬‬
‫‪« Nous pouvons aller loin » 14-1-1‬‬
‫" نحقق أشواطا من التقدم"‬

‫لقاء صحفي‪ .‬حصة تلفزيونية » ‪« exclusif‬‬ ‫طبيعة الخطاب‬


‫الصحفي‪ :‬مارك برلمان )‪ (Marc Perelman‬وكالة فرانس ‪.24‬‬ ‫انتماء المضيف‬
‫الفرنسية‪.‬‬ ‫لغة الخطاب‪.‬‬
‫قناة فرانس ‪ 24‬الناظقة بالعربية‪ ،‬حصة "حصري"‬ ‫الهيئة المترجمة‪.‬‬
‫لغة الترجمة و طبيعتها‪ .‬ترجمة فورية إلى اللغة العربية‪.‬‬
‫النص األصلي باللغة الفرنسية‪:‬‬

‫‪Marc (f24) : « je vais revenir aux relations entre la France et l’Algérie. Les‬‬
‫‪deux conversations avec le président Macron, il y’avait quelques petites‬‬
‫‪tensions ces derniers temps. Est-ce-que vous avez impression que le courant‬‬
‫» ? ‪passe vraiment au-delà des politesses diplomatiques‬‬

‫‪Réponse de monsieur le président : « si ! on a eu plusieurs discutions, déjà à‬‬


‫‪Berlin..sur la Lybie entre autres. On a des relations bilatérales, on a discuté‬‬
‫‪beaucoup de choses de manière détendue. Moi je trouve, qu’avec le président‬‬
‫‪Macron, nous pouvons aller loin dans l’apaisement, dans le règlement du‬‬
‫» ‪problème de la mémoire‬‬

‫الترجمة الفورية إلى العربية (قناة فرانس ‪:) 24‬‬


‫ترجمة جواب السيد الرئيس السيد عبد المجيد تبون‪":‬جمعتنا الكثير من النقاشات في برلين‬
‫حول ليبيا وحول العالقات الثنائية وأمور أخرى كذلك تحدثنا بشأنها بشكل هادئ مطمئن‪.‬‬
‫أضن أنه مع الرئيس ماكرون يمكن أن نمضي قدما و نحقق أشواطا من التقدم‪ ،‬السيما‬
‫فيما يتعلق بإشكالية الذاكرة"‬

‫مغلقة (غروس)‪ ،‬تامة (راموس)‬ ‫تصنيف العبارة المسكوكة‬


‫متالزمة لفظية ‪.‬‬ ‫نوع العبارة‬
‫أدبي بالغي‪.‬‬ ‫السياق المورفوتركيبي األصلي‬
‫عدم وضوح الرؤية‪ ،‬ما ال يخطر على البال (سلبا أو‬ ‫المعنى األصلي‬

‫‪243‬‬
‫إيجابا)‪.‬‬
‫بوارق أمل في غد أفضل‪.‬‬ ‫المعنى السياقي‬
‫تفاهم و توافق تام‪.‬‬ ‫المعنى الظاهر‬
‫وفاق و مصالحة و تحسن عالقات‪.‬‬ ‫المعنى التداولي‬

‫» ‪ « aller loin 258‬هي عبارة فرنسية مسكوكة‪ ،‬إستخدمها الرئيس الجزائري في خضم‬
‫حديثه لقناة فرانس ‪ 24‬عن العالقة السياسية مع الرئيس الفرنسي ماكرون‪.‬‬
‫هذه العبارة التي يدل ظاهرها على معنى "الذهاب بعيدا"‪ ،‬تكتنز من المعاني ما يتغي ر‬
‫حسب سياق ورودها‪ ،‬فالذهاب بعيدا غير محدد الحدود و ال المعالم و ال الغاية منه‪ .‬و بذلك‬
‫فإن سياق الخطاب المستحضر للعبارة ينفرد بحق تقرير و تحديد ما لم يتم تحديده في سك‬
‫العبارة في استقالليتها‪.‬‬

‫قد ترد العبارة في صيغة الته ديد و الوعيد‪ ،‬كما يمكن أن ترد بمعنى المبالغة حسب‬
‫ترجمة نعوم حجار لها "بالغ"‪ ،‬كما يمكن أن تفيد معنى التطور‪.‬‬
‫و من ميزات هذه العبارة هو إمكانية استعمالها في السياق و ضده كما في وصف‬
‫المبالغة واإلمتعاض من ذلك التجاوز فنقول » ! ‪ « vous avez aller trop loin‬و يمكن أن‬
‫يكون التعقيب ب التهديد والوعيد والتصعيد فيردف القائل ‪« et je vais aller trop loin‬‬
‫» ! ‪ ،avec vous‬إال أن هذان السياقان مست بعدان في عالم التخاطب السياسي واللقاءات‬
‫الصحفية الرفيعة المستوى لما يمكن أن ينجر عنه من عواقب‪ ،‬و يبقى استعمالها في سياق‬
‫الخطاب السياسي مفيدا لمعنى التقد م المحمود‪ ،‬وذلك بالتخل ي عن الجمود السابق في‬
‫المواقف والرؤى و الرتابة في التصر ف‪ ،‬و وجود بارقة أمل توحي به‪.‬‬

‫أدرك المترجم الفوري لذات القناة مراد صاحب الخطاب من توظيف عبارته‬
‫المسكوكة‪ ،‬فما كان منه إال أن ألبس المعنى حل ة لغوية تختلف عن الحل ة األصل في لونها‬
‫وتفصيلها‪ ،‬فقد أدرك بنباهته الترجمية أن المراد من العبارة هو التقدم النسبي دون‬
‫الوصول إلى المبتغى النهائي و المرجو بلوغه‪ ،‬فاستخدم لذلك لفظ التقد م لتبيين التغير في‬

‫‪258‬‬
‫‪- Aller loin dans sa vie : locution verbale. Réussir sa vie sur le plan des honneurs, de la richesse, etc.‬‬

‫‪244‬‬
‫المواقف‪ ،‬و أضاف إليه " أشواطا منه" للداللة على نسبية ذلك التقدم وشموله لمواضيع‬
‫دون غيرها و لمراحل دون أخرى؛ أي أن التقدم وإن كان تقدما فهو لم يبلغ بعد حد النجاح‬
‫في بلوغ المرام‪.‬‬

‫كان يمكن للمترجم إستخدام كلمة " خطوات " عوض كلمة "أشواط" للداللة على نسبية‬
‫التقدم‪ ،‬لكن ما يمكن أن توحي به كلمة "خطوات" من بطء في سرعة التقدم و مسافته‬
‫يتنافى مع كلمة » ‪ « loin‬والمعنى المراد منها و من توظيفها في العبارة‪ ،‬كما يتنافى مع‬
‫واقع العبارة الواردة في صيغة األمل و الطموح المستقبلي إذ ال يكون الطموح طموحا إال‬
‫إن بلغ أقصى الحدود‪ ،‬لذا كانت كلمة " أشواط" مناسبة ومؤدية للمعنى األصل‪ ،‬ذلك ألن ها‬
‫توحي بكبر المسافة المرجو تحقيقها من التقد م وسرعة تحقيقه بما يتوافق وما توحي به‬
‫العبارة المسكوكة‪.‬‬

‫‪aller loin‬‬ ‫العبارة المسكوكة‪:‬‬


‫التقدم‪ ،‬التهديد‪ ،‬الوصول إلى ما لم يكن متوقع‪ ،‬تخطي حاجز‬ ‫الدالالت المكتنزة‪:‬‬
‫المأمول‪ ،‬التجاوب‪.‬‬
‫نحقق أشواطا من التقدم‪.‬‬ ‫الترجمة‪:‬‬
‫الدالالت المصرح الدالالت السياقية (التقدم‪ ،‬تجاوب)‪.‬‬
‫بها‪:‬‬
‫العبارة نفسها‪.‬‬ ‫مستوى التأويل‪:‬‬

‫‪" 15-1-1‬ذهبت ريحنا"‬


‫إستعمل الرئيس الجزائري السي د عبد المجيد تبون هذه العبارة في عدة مناسبات‪،‬‬
‫نستعرض منها ثالثا بترجمات مختلفة‪ .‬وإستعمل ما يدل عليها في مناسبة أخرى إثر لقائه‬
‫مع قناة الجزيرة‪ ،‬حيث فض ل استعمال مثل من المستوى الشعبي للداللة عليها " كنا ماشيين‬
‫ف ي داهية" للداللة عن حال البلد و كناية عن خطورة الوضع و ما كان يمكن أن تؤول إليه‬
‫األوضاع لوال الحراك المبارك حسب قول صاحب الخطاب‪.‬‬

‫‪245‬‬
‫مغلقة (غروس)‪ ،‬تامة (راموس)‬ ‫تصنيف العبارة المسكوكة‬
‫تناص لنص مقدس (القرآن الكريم) ‪.‬‬ ‫نوع العبارة‬
‫المورفوتركيبي اآلية ‪ 46‬من سورة األنفال‪.‬‬ ‫السياق‬
‫األصلي‬
‫أخالقي‪ ،‬اجتماعي‪.‬‬ ‫السياق الوظيفي‪:‬‬
‫نبذ الفرقة (سياق النفي)‪ ،‬السقوط و اإلضمحالل (سياق‬ ‫المعنى األصلي‬
‫التأكيد)‪.‬‬
‫اإلبتعاد عن الفتن‪.‬‬ ‫المعنى السياقي‬
‫خطر الضعف‪.‬‬ ‫المعنى الظاهر‬
‫إنجاح اإلصالح‪.‬‬ ‫المعنى التداولي‬

‫و مع إختالف الخطابات التي وردت فيها العبارة المسكوكة فقد وردت ترجماتها مختلفة‬
‫كذلك‪ ،‬ولكن الغريب ال يكمن في تنوع الترجمات بل في تنو عها رغم اعتمادها نسقا‬
‫ترجميا واحدا‪ ،‬فقد لمسنا اعتماد ترجمتين على الموروث التراثي‪ ،‬بينما ترجمها األخير في‬
‫سياق حداثي‪.‬‬
‫يدخل هذا التنو ع في الترجمات تحت طائلة الثراء و التنوع األدائي المختلف بإختالف‬
‫مؤديه‪ ،‬كما أن ه يشكل منبعا فعاال في تغذية التش ُّكالت الفكرية لدى جمهور المتلقين عن تلك‬
‫العبارة المسكوكة‪ ،‬وطرائق أدائية ممكنة اإلنتهاج من طرف المترجمين‪.‬‬
‫و قد لمسنا وجود خيط رفيع بين الترجمات الثالث‪ ،‬حيث كان سببا في هذا التنو ع الذي ال‬
‫يمكن تقييده وال تقنينه‪ ،‬لكن ه ممكن الدراسة و التحليل‪ ،‬إذ يقودنا إليه التساؤل التالي‪ :‬من‬
‫أين جاء مترجم (وأج) و مترجم فرانس ‪ 24‬بتلك المادة التراثية الخام أثناء ترجمتهم و‬
‫تأويلهم للعبارة المسكوكة‪ ،‬في حين اعتمد مترجم روسيا اليوم ترجمة حداثية؟‬
‫ال يمكن اإلجابة عن هذا التساؤل إال بالخوض في الترجمات الثالث و أصل العبارة و‬
‫مصدرها‪.‬‬

‫‪246‬‬
‫ورد أصل هذه العبارة المسكوكة في القرآن الكريم " و أطيعوا هللا و رسوله و ال‬
‫تنازعوا فتفشلوا و تذهب ريحكم ‪( "...‬سورة األنفال‪ ،‬اآلية ‪ ،) 46‬حيث جاءت ترجمتها‬
‫كاآلتي‪:‬‬
‫» ‪« …ne vous disputez pas, sinon vous fléchirez et perdez votre force‬‬
‫حذر سبحانه و تعالى المؤمنين في اآلية الكريمة من اإلبتعاد عن طاعته و طاعة رسوله‪ ،‬و‬
‫نهاهم عن التنازع كي ال يفقدوا عزهم و قو تهم‪ ،‬فالريح تعني القوة و العز وفق ما أفادت به‬
‫كتب التفسير واللغة و ما استظهرته ترجمة معاني اآلية‪.‬‬
‫السياق األول (خطاب التنصيب) ‪:‬‬
‫‪ 2019/12/19‬قصر الشعب‪.‬‬ ‫السياق الزمكاني‬
‫الشعب الجزائري و كل من يتابعه‪.‬‬ ‫المتلقي‬
‫العربية‪.‬‬ ‫لغة الخطاب‬
‫شفوي مباشر متلفز‪.‬‬ ‫طبيعة الخطاب‬
‫وكالة فرانس ‪.24‬‬ ‫صفة المترجم‬

‫النص األصلي باللغة العربية‪:‬‬


‫" يجب علينا اليوم طي صفحة الخالفات و التشتت و التفرقة‪ ،‬فهي و هللا عوامل الهدم و‬
‫التدمير‪ ،‬وقد أمرنا هللا عز و جل بنبذ الخالفات و التنازع حتى ال نفشل وتذهب ريحنا‪ ،‬إن نا‬
‫جميعا جزائريون ليس فينا من هو خير من اآلخر‪"...‬‬

‫الترجمة الفورية إلى اللغة الفرنسية‪:‬‬


‫‪«Aujourd’hui notre devoir à tous de tourner la page des différents. Il faut‬‬
‫‪dépasser nos différents pour que nous réussissons tous ensemble, nous‬‬
‫» …‪sommes tous des algériens, tous égaux,‬‬
‫وظف الرئيس الجزائري العبارة في سياق معناها المقدس‪ ،‬حيث عمد إلى شرح اآلية‬
‫الواردة فيها قبل ذكرها "تذهب ر يحنا"‪ ،‬فقد أورد في خطابه األول "علينا اليوم جميعا أن‬
‫نطوي صفحة الخالفات والتشتت و التفرقة‪ ،‬فهي و هللا عوامل الهدم و التدمير‪ .‬و قد أمرنا‬
‫هللا عز و جل بنبذ الخالفات و التنازع حتى ال نفشل و تذهب ريحنا"‬

‫‪247‬‬
‫لم يحافظ الرئيس الجزائري على النثر اإللهي لآلية‪ ،‬إال أن ه استحضر أركانها‪ ،‬كما حافظ‬
‫على مبدأ السببية الذي بُ ِنيت عليه اآلية‪.‬‬
‫و الواقع أن السياق اللغوي الذي وردت فيه العبارة المسكوكة " تذهب ريحنا" قد تشاركته‬
‫مع عبارة أخرى تتمتع بنفس درجة المسكوكية و هي " علينا أن نطوي صفحة الخالفات"‬
‫حيث جاءت مشبهة للخالفات بصفح ة من كتاب الحياة و جب طيها ألجل فتح صفحة جديدة‬
‫بعنوان جديد؛ و المعنى المقصود من طي الصفحة هو النسيان‪ ،‬فهي تتعلق بأفعال ماضية‬
‫غير مرغوب في استمرارها أو استحضارها‪ ،‬لذلك أكد الرئيس الجزائري على ضرورة‬
‫نسيان الخالفات و أسبابها‪.‬‬
‫جاءت ترجمة عبارة " علينا أن ن طوي صفحة الخالفات" كما يلي‪:‬‬
‫» ‪« Aujourd’hui notre devoir à tous de tourner la page des différents‬‬
‫إستعمل المترجم ما يقابل عبارة " طي الصفحة" في اللغة الفرنسية‪ ،‬فعبارة ‪« tourner‬‬
‫» ‪ la page‬عبارة مسكوكة فرنسية تفيد نفس المعنى المراد من العبارة األصل‪ ،‬و بذلك‬
‫يكو ن المترجم قد لجأ إلى التكافؤ الديناميكي لترجمة العبارة المسكوكة بعبارة أخرى‬
‫مستوحاة من القاموس البالغي و الثقافي للغة الهدف‪.‬‬
‫و بالعودة إلى العبارة المسكوكة موضوع الجدل‪ ،‬فإنّ المترجم قد ترجمها في سياق‬
‫ورودها ‪ ،‬أي سياق النفي و رفض بث عاطفة التخوف و التشاؤم الباعث على القشعريرة‬
‫جراء تدبر و تخيُّل ما يمكن أن توحي به العبارة‪ ،‬مفضال إختيار مفردات تبث روح‬
‫التفاؤل ك"النجاح" و كلمة "كل نا معا" فقال‪:‬‬
‫» ‪«il faut… pour que nous réussissons tous ensemble‬‬
‫و بهذا يكون المترجم قد فتح أبواب المستقبل المجهول ليخرج من وصاية النص األصل‬
‫و سجن كلماته‪ ،‬فيتخطى المعنى المباشر و المعنى الغير المباشر وصوال إلى تداولية‬
‫العبارة )‪ ، (la pragmatique‬و يمنح بذلك لنفسه مشروعية المغامرة في ليل المستقبل‬
‫المعتم ليمنح متلقي الخطاب نور األمل في نجاح منشود‪.‬‬

‫‪248‬‬
‫ما كان اعتماد المترجم الفوري لقناة فرانس ‪ 24‬لهذه الترجمة إال اعتمادا على القرينة‬
‫الهادية " حتى ال نفشل" التي سبقت العبارة المسكوكة و بينت معناها‪ ،‬حيث وردت العبارة‬
‫الكاملة كما يلي"حتى ال نفشل و تذهب ريحنا"‪.‬‬
‫و بذلك يكون المترجم قد فضل نهج دانيكا سيلسكوفي تش في عزل المعنى المراد من العبارة‬
‫و إعادة صياغته في قالب لغوي أهمل جمالية المبنى األصل و قدسيته‪.‬‬

‫أما المناسبة الثانية فقد كانت في خطابه ليوم ‪ ، 2020/10/10‬حيث وردت في السياق‬
‫ّ‬
‫التالي " إذا ابتعدنا عن بيان أول نوفمبر ذهبت ريحنا"‬
‫» ‪« Tout écart de la déclaration du 1er novembre serait un égarement‬‬
‫‪ 2020/10/10‬بوزارة الدفاع الوطني‪.‬‬ ‫السياق الزمكاني‬
‫قيادات و أفراد الجيش و عموم الشعب‪.‬‬ ‫المتلقي‬
‫العربية‪.‬‬ ‫اللغة‬
‫شفوي مباشر متلفز‬ ‫صفة الخطاب‬
‫وكالة األنباء الجزائرية‪ ،‬ترجمة تحريرية‪.‬‬ ‫الهيئة المترجمة‬

‫النص األصلي باللغة العربية‪:‬‬


‫" الطريق التي سلكناها هي الطريق الصحيح‪ ،‬ألننا إن ابتعدنا عن بيان أول نوفمبر ذهبت‬
‫ريحنا‪ .‬رسالة الشهداء يجب أن تحترم ألنهم ضحوا بالنفس و النفيس لحياة هذا الوطن و‬
‫ينبغي الوفاء لرسالتهم"‬

‫الترجمة التحريرية باللغة الفرنسية‪:‬‬

‫‪« Nous avons emprunté la bonne voie, car tout écart de la déclaration du 1 er‬‬
‫‪Novembre serait un égarement. Nous devons demeurer fidèles au serment‬‬
‫» ‪des chouhada qui ont payé de leur vie pour que vive ce pays‬‬

‫حصر عز و جل أسباب القوة و دوامها في طاعته و طاعة رسوله‪ ،‬في حين حصر الرئيس‬
‫الجزائري أسباب العز و القو ة في إلتزام مبادئ أول نوفمبر بوصفه العروة الوثقى و‬

‫‪249‬‬
‫الوثيقة السياسية الجزائرية األكثر قداسة‪ ،‬و أن أي حياد عنه مدعاة للتفرقة و التنازع‪ ،‬و ما‬
‫تنازع قوم إال حل بهم الفشل و انمحت هيبتهم و ذهب عزهم‪ ،‬و األجدر في وقت الجد نبذ‬
‫التنازع و الفرقة و الدعوة إلى اإلتحاد من أجل مواجهة العدو المشترك كائنا ما كانت‬
‫ماهيته‪.‬‬

‫دعوة صاحب الخطاب إلى التمسك بمبادئ نوفمبر مدعاة إلى تقديم مصالح العام ة على‬
‫ض َمنه من رؤى و مبادئ‪ ،‬فما تنازع القوم إال في المغانم‪،‬‬
‫المصالح الشخصية الخاصة بما ت َ‬
‫و اإلجتماع على مصالح العامة من أهم أسباب القوة‪ ،‬لذا كان اإلبتعاد عنه ابتعادا عن‬
‫اإلجتماع و الجماعة‪ ،‬و الفرد ضعيف بنفسه قوي برهطه‪.‬‬

‫في خضم هتكه لألستار اللغوية للعبارة المزجاة‪ ،‬أدرك المترجم التحريري لوكالة‬
‫‪ APS‬تلك القدسية التي أراد الرئيس الجزائري إضفاءها على بيان أول نوفمبر‪ ،‬فما كان‬
‫منه إال أن حافظ عليها وزانها بأن ضمن ترجمته تشبيه احترام تلك المبادئ بالسير على‬
‫الصراط المستقيم و السائرين على نهجه بالمهتدين‪ ،‬وذلك بتصريحه بأن اإلبتعاد عنه‬
‫ظالل » ‪ ،« tout écart …serait un égarement‬وكأن ه ينقل ذلك الضعف و التشتت الذي‬
‫أشار إليه صاحب الخطاب و حملته اآلية الكريمة بين طياتها لينقلنا إلى مشهد آخر و‬
‫عصر غير العصر الحاضر‪ ،‬فيشب ه ذلك العصر بعصر التيه في غابة الوجود‪.‬‬
‫لذا فإن المترجم وج ه نص ه في إتجاه الخطاب األصل من جهة‪ ،‬و النثر اإللهي المقدس من‬
‫جهة أخرى‪ ،‬فالنص المقدس حصر أسباب القوة في اإليمان و الوحدة‪ ،‬و حصر الرئيس‬
‫الجزائري مقومات القو ة بما قامت ثورة التحرير عليه و ألجله‪ ،‬لذا كان على المترجم أن‬
‫يخرج متلقي نصه من نعاس الثقافة السياسية السائدة وخدر العولمة و سمومها بأن نقل‬
‫المفهوم السياسي إلى القداسة و بث روح الرعب في المنحاز عن ذلك المقوم السياسي‬
‫بوصفه بالضالل‪ ،‬و الضال و إن اشتدت قوته فهي سبب هالكه‪ ،‬و قوة أي بلد في اتحاد‬
‫المنتمين إليه و دفاعهم عن مقوماته التي تضمن له و لهم اإلستقاللية و البقاء‪ ،‬و تحفظه من‬
‫اإلنحالل و الزوال‪.‬‬
‫تسمى عملية المقابلة و مواجهة المعاني بين الحياد عن مبادئ نوفمبر في العبارة‬
‫األصل و الضالل الديني في العبارة الهدف بالتأويل التقابلي‪ ،‬حيث كان الهدف األول‬
‫‪250‬‬
‫للمترجم من اعتماد هذه التقنية إحداث تجاوب و استجابة تتمث ل في النفور عن كل ما‬
‫يمس بذلك المق دس‪ ،‬و تفاعل معرفي باعتماد أسس ومبادئ نوفمبر ك معيار لتقييم درجة‬
‫وطنية األشخاص داللة تأويلية تتمثل في قداسة الثورة الجزائرية و بيانها التأسيسي‪.‬‬
‫لقد وصف محمد بازي التأويل التقابلي بأن ه إستراتيجية قرائية لصناعة المعنى‪ ،‬و قوام هذه‬
‫التقنية هو التقريب بين العناصر و المستويات ذهنيا‪ ،‬و يضيف في نفس السياق بأن ه قائم‬
‫على "التساند بين اآلليات التي تنبني عليها النصوص و الخطابات من جهة‪ ،‬و على الجهد‬
‫الذهني المستقصي للمعاني و العالقات الممكنة بين العناصر النصية و المستويات‬
‫‪259‬‬
‫السياقية"‬

‫السياق الثالث ‪:‬‬

‫لقاء صحفي‪ .‬حصة تلفزيونية "الحوار الكبير"‬ ‫طبيعة الخطاب‬


‫الصحفية‪ :‬ياسمين مسوس (قناة روسيا اليوم)‬ ‫انتماء المضيف‬
‫العربية‪.‬‬ ‫لغة الخطاب‪.‬‬
‫‪« La grande‬‬ ‫قناة روسيا اليوم (النسخة الفرنسية)‪.‬‬ ‫الهيئة المترجمة‪.‬‬
‫» ‪interview‬‬
‫لغة الترجمة و طبيعتها‪ .‬ترجمة فورية إلى اللغة الفرنسية‪.‬‬

‫النص األصلي باللغة العربية‪:‬‬

‫صحفية قناة روسيا اليوم‪":‬الجزائر تحيي اليوم الذكرى األولى لحراك استثنائي بم يشهد له‬
‫مثيال خصوصا في سلميته وما تحقق لحد اآلن‪ .‬وصفتموه سيادة الرئيس في عدة م ناسب ات‬
‫بأنه حراك مبارك‪ ،‬ما الذي تحقق من هذا الحراك إلى غاية اآلن بعد مرور سنة؟ و م ا‬
‫الذي لم يتحقق بعد؟‬

‫‪ - 259‬بازي‪ ،‬محمد‪ ،2010 .‬تقابالت النص و بالغة الخطاب نح تأويل تقابلي‪ ،‬الدار العربية للعلوم ناشرون‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪،‬‬
‫ص ‪.8‬‬
‫‪251‬‬
‫جواب السيد الرئيس‪" :‬أقول الحراك المبارك عن جدارة و دراية بما كان سيحدث للدولة‬
‫الجزائرية‪ ،‬كادت أن تذهب ريحها‪،‬و أن تدخل في رزنامة من يريد أن يجعل من الجزائر‬
‫سوريا ثانية أو عراق ثان ألغراض دنيئة‪"...‬‬

‫الترجمة الفورية إلى اللغة الفرنسية‪:‬‬

‫‪Réponse de monsieur le président : « c’est un Hirak béni par excellence, je le‬‬


‫‪dis par connaissance de ce qu’aller arriver à l’état algérien, l’état fallait‬‬
‫‪s’effondrer et perdre ses institutions. Il était même sur le point d’entrer dans‬‬
‫‪le programme de ceux qui le voulait en faire une seconde Syrie ou un‬‬
‫» …‪deuxième Irak‬‬

‫في حين اعتمد المترجم التحريري لوكالة ‪ APS‬تضمين المعنى المراد من العبارة و‬
‫إضفاء صفة القداسة البالغية عليه مركزا على أسباب الضياع " اإلبتعاد عن مبادئ‬
‫نوفمبر" في إطار ما أسميناه بالتأويل التقابلي كما سبق و أن أسلفنا‪ ،‬فإنّ المترجم الشفوي‬
‫لقناة " روسيا اليوم"‪ ،‬و هي المناسبة الثالثة‪ ،‬فقد فض ل الخوض في تفصيالت تلك الريح‬
‫المتمث لة في مؤسسات الدولة و تحديد معالم ذلك الضياع‪ ،‬فغاص في عمق معنى العبارة‬
‫واصفا ذهاب ريح الدولة بضياع مؤسساتها‪ ،‬حيث ترجم العبارة " كادت أن تذهب ريحها"‬
‫إلى‪:‬‬

‫» ‪« L’état fallait s’effondré et perdre ses institutions‬‬

‫و بهذا فقد أسهم المترجم في تدشين معنى جديد لآلية الكريمة يتماهى مع سياقها السياسي‬
‫السيادي الواردة فيه‪ ،‬و يتماشى وفق مطارق العصر و مظاهره التنظيمية و المؤسساتية‪،‬‬
‫فالفجوة الزمنية الفاصلة بين الميالد األول للعبارة و استعمالها الحاضر تمنح المترجم حق‬
‫تغيير الجزئيات المتغي رة بفعل عاملي الزمان و المكان‪.‬‬
‫مع أن العبارة المسكوكة في الخطابات الثالث واحدة إال أن ترجمتها قد اختلفت في‬
‫المواضع الثالث‪ ،‬يمكن إرجاع سبب هذا اإلختالف إلى طبيعة الترجمة في المناسبتين (‬
‫تحريرية و فورية) وتدخ ل عامل هامش الزمن المتاح للترجمة في الحالتين‪ ،‬أو تباين مدى‬

‫‪252‬‬
‫ثراء الحقل اللغوي للمترجمين‪ ،‬لكن احتمال تأثير هذه العوامل في اختالف الترجمات‬
‫يضعف أمام اختالف السياق الواردة فيه العبارة في المناسبات الثالث‪.‬‬
‫ففي العبارة األولى استعمل الرئيس الجزائري العبارة المسكوكة " تذهب ريحنا" في‬
‫إطارها المقدس مبينا معناها باستخدامه قرينة هادية في سياق دعوي إلى نبذ الفرقة و‬
‫الخالفات‪ ،‬ففضل المترجم اإلفصاح عن الوعد المنشود و جائزة سلوك النهج الذي دعا إليه‬
‫صاحب الخطاب‪.‬‬
‫أما السياق الثاني فكان تنبيهيا على شكل بديهية سرمدية لتقرير مصير و سيرورة بال ده "‬
‫اإلبتعاد عن مبادئ نوفمبر" معناه "ذهاب الريح"‪ ،‬مما جعل ا لمترجم يركز على أسباب‬
‫ذهاب الريح لتجنب حصولها‪ ،‬فوصف الحياد عن مبادئ نوفمبر بالضالل‪.‬‬
‫بينما وردت ذات العبارة المسكوكة في مقابلة الرئيس لقناة روسيا اليوم في إطار الثناء‬
‫على ما يعرف بالحراك السلمي‪ ،‬وإرجاع الفضل إليه و إلى مؤسسة الجي ش في عدم ذهاب‬
‫الريح و بقائها‪ ،‬وبهذا فإن المترجم الفوري كان بصدد التعامل مع حوادث سابقة الوقوع و‬
‫واضحة المعالم من جهة‪ ،‬و من جهة أخرى كفاية العبارة المسكوكة التي استعملها صاحب‬
‫الخطاب و قدرتها على التعبير عم ا ال تكفي الكتب للتعبير عنه بنية اإلفصاح و التهويل‬
‫عما كان يمكن أن يكون‪ ،‬بعيد ا عن التعتيم‪.‬‬
‫منح هذان العامالن المترجم حق الخوض في تفصيلها ولو بشكل نسبي‪ ،‬فاستبدل العبارة‬
‫بما يمكن أن توحي به من تفسخ و انحالل للدولة و ضياع مؤسساتها‪.‬‬

‫إعتمد المترجمون للعبارة نفس النسق و اختلفوا في التقنية‪ ،‬فقد فضلوا التركيز على‬
‫معنى العبارة المسكوكة و عزله عن مكوناته اللغوية‪ ،‬و مع أن المترجم التحريري لوكالة‬
‫األنباء الجزائرية و المترجم الفوري لقناة فرانس ‪ 24‬قد وظ فا اإلختزال‪ ،‬إال أن األول قد‬
‫اعتمد أسلوب اإلستعارة المكنية إلعطاء ترجمته نوعا من البالغة األسلوبية‪ ،‬في حين‬
‫فضل الثاني الخوض في المعنى التداولي للعبارة و اختصاره في كلمة بسيطة‪.‬‬
‫و رغم سادية الزمن المتاح في الترجمة الفورية إال أن مترجم قناة روسيا اليوم فضّ ل‬
‫شرح معنى العبارة في السياق السياسي بإستعمال العادي من الكالم‪.‬‬
‫إعتمد مترجم قناة فرانس ‪ 24‬التأويل التداولي في ترجمة العبارة المسكوكة إلى‪:‬‬

‫‪253‬‬
‫» ‪« Pour que nous réussissons ensemble‬‬
‫و ذلك إلبراز المعنى الضائع في شكلية سياق ورود العبارة‪ ،‬و هذا بإعادة بناء الفهم‬
‫المستعصي الظهور الشكلي و الالزم إدراكه من طرف متلقي الخطاب‪ ،‬و المتمثل في‬
‫ضرورة اإللتحام و اإلتحاد من أجل بلوغ المرام‪ ،‬فالتأويل خروج عن النص و مخالفة‬
‫لشكليته‪ ،‬و انتهاك لدالالته و إعادة بناء لذاتيته‪ ،‬و تأويل التأويل أو التداولية هو خروج عن‬
‫المعنى و بنا ٌء للمراد منه‪.‬‬
‫في حين اعتمد المترجم التحريري ل (وأج) في ترجمته للعبارة إلى‪:‬‬
‫» ‪« Tout écart … est un égarement‬‬
‫على التفكيك و الحفر العميق ف ي طبقات العبارة و سياقها‪ ،‬و في خضم تناوله للمعنى قصد‬
‫إبرازه و بلورته‪ ،‬خاض المترجم في القبليات المحضة التي تشكلت العبارة المسكوكة في‬
‫سياقها مما ساعده على استخالص البنى الضرورية و الكلية المكونة للعبارة كمرحلة‬
‫أولية‪ ،‬و استظهار الكليات المطلقة والثوابت الماورائية التاريخية و الدينية المكونة للعبارة‬
‫في ترجمته كمرحلة نهائية‪.‬‬
‫بينما لجأ مترجم قناة روسيا اليوم في ترجمته العبارة إلى‪:‬‬
‫» ‪«L’état fallait s’effondré et perdre ses institutions‬‬
‫إلى التأويل اإلستداللي أو ما يعرف بالتفكيك‪ ،‬ذلك أن ه ال مفر من التحر ر من سلطة النص‬
‫و شكلية العبارة المتعلقة المرتبطة بسياق مظاهر حداثية مختلفة‪ ،‬فالتفكيك يسعى إلى‬
‫التنقيب عن المكتنز في العبارة المسكوكة و إلغاء ذاتها األصل كما ينقب عن الذهب و‬
‫يستخرج ليتحو ل من حالته الخام إلى الحالة التي تسمح بتداوله‪ ،‬و يكون التأويل اإلستداللي‬
‫بإعمال ذاتية لغوية أخرى مختلفة في الشكل محافظة على الجوهر‪.‬‬
‫فهل فقدت العبارة المسكوكة قدرتها على تفسير الراهن حتى تحتاج إلى من يعيد طرحها و‬
‫يصوغها من جديد؟ أم أن ها الحاجة الظرفية الت ي يمليها سياق ال ترجمة من جهة و التباين‬
‫اللغوي ومكوناته من جهة أخرى؟‬
‫و من هنا فإن ه يمكننا في هذا المقام تمييز ثالثة أنواع للتأويل ندرجها في الجدول التالي‪:‬‬
‫السلوك‬ ‫نوع الترجمة‬ ‫الترجمة‬ ‫العبارة‬

‫‪254‬‬
‫الترجمي‬ ‫المسكوكة‬
‫تأويل تداولي‪.‬‬ ‫فورية (فرانس‬ ‫‪Tourner la page, pour que nous‬‬

‫‪) 24‬‬ ‫‪réussissons ensemble.‬‬ ‫ذهبت ريحنا‬


‫تأويل تقابلي‪.‬‬ ‫تحريرية ( و أ ج)‬ ‫‪Tout écart est un égarement.‬‬

‫تأويل‬ ‫فورية ( روسيا‬ ‫‪L’état fallait s’effondrai et‬‬

‫استداللي‪.‬‬ ‫اليوم)‬ ‫‪perdre ses institutions.‬‬

‫بالنظر إلى التأويل اإلستداللي المتمثل في عملية الشرح و استخراج المعاني من‬
‫مسكوكيتها لعرضها بطريقة لغوية مبسطة‪ ،‬فإن نا نطرح تساؤال آخر‪ :‬أال يمكن للمترجم أن‬
‫يسلك سلوكا معاكسا بإضفاء المسكوكية على ترجمة عبارات لغوية بسيطة في اللغة‬
‫األصل؟ و الجواب يكمن في ترجمة العبارات التالية‪:‬‬

‫‪ 2-1‬التعابير المسكوكة المنتجة‪:‬‬


‫"طفح الكيل"‪ " ،‬تلقى بصدر رحب"‪« mettre en place » ،« des hauts et des bas » ،‬‬
‫» ‪« petit à petit‬‬

‫‪« Excéder les tribus libyennes risque de… » 1- 2- 1‬‬

‫"لكن إذا طفح الكيل"‬

‫صاغ مترجم قناة فرانس ‪ 24‬عبارة مسكوكة في سياق ترجمته لفعل "‪ "Excéder‬الذي‬
‫ينتمي إلى عادي الكالم و عموم اإلستعمال‪ ،‬و ذلك خالل حوار السيد رئيس الجمهورية‬
‫السيد عبد السيد عبد المجيد تبون مع قناة فرانس ‪.24‬‬

‫لقاء صحفي‪ .‬حصة تلفزيونية » ‪« exclusif‬‬ ‫طبيعة الخطاب‬


‫الصحفي‪ :‬مارك برلمان )‪ (Marc Perelman‬وكالة فرانس ‪.24‬‬ ‫انتماء المضيف‬
‫الفرنسية‪.‬‬ ‫لغة الخطاب‪.‬‬
‫قناة فرانس ‪ 24‬الناطقة بالعربية‪ ،‬حصة "حصري"‬ ‫الهيئة المترجمة‪.‬‬

‫‪255‬‬
‫لغة الترجمة و طبيعتها‪ .‬ترجمة فورية إلى اللغة العربية‪.‬‬
‫النص األصلي باللغة الفرنسية‪:‬‬

‫‪Marc (F24) : « je vais revenir à la situation en Lybie, vous étiez inquiet, il y’a‬‬
‫‪quelque mois. J’imagine que vous l’êtes beaucoup plus quand vous voyez ce‬‬
‫‪qui se passe sur le terrain. Vous avez évoqué une nouvelle Syrie, mais est-ce-‬‬
‫? ‪que on n’est pas au-delà‬‬

‫‪Réponse de monsieur le président : « .... Et moi, j’avais dis à l’époque que si‬‬
‫‪on n’arrive pas à un cessé-le –feu qui nous permet de revenir à la base‬‬
‫‪libyenne …on risque de voir transposer en Lybie le schéma syrien. La chance‬‬
‫‪pour la Lybie, c’est que les tribus sont restées sages, excéder les tribus‬‬
‫» …‪libyennes risque de se défendre et rentrer dans l’autodéfense‬‬

‫ترجمة إجابة السيد الرئيس بالغة العربية‪:‬‬


‫"‪ ...‬قلت آنذاك ألن ه إن لم نصل إلى وقف إلطالق النار يمكننا من العودة إلى ال قاعدة‬
‫الليبية‪...‬فالخطر هو أن نجد النموذج السوري و نعيشه في ليبيا‪ .‬الحظ في ليب يا هو أن‬
‫القبائل تحلت بالحكمة‪ ،‬و لكن إن طفح الكيل فإن القبائل الليبية سوف تبدأ بالدفاع عن‬
‫نفسها‪"...‬‬

‫في خضم حديث السيد عبد المجيد تبون رئيس الدولة الجزائرية لقناة فرانس ‪ 24‬عن‬
‫الوضع في ليبيا‪ ،‬إستخدم العبارة الفرنسية العادية ‪« Excéder les tribus libyennes‬‬
‫للحديث عن القبائل الليبية و موقفها الملتزم الحياد و ضرورة عدم‬ ‫» …‪risque de‬‬
‫استفزازها من أي طرف كي ال يكون ذل ك سببا في تأجيج نار الفتن و إطالة الحروب‪،‬‬
‫فاستخدم لذلك الفعل » ‪ « excéder260‬للداللة على اإلستفزاز و تجاوز الحدود المسموح بها‬
‫في المعاملة و التعامل معها‪.‬‬

‫إلتقط المترجم الفوري لذات القناة العبارة و تناولها بالترجمة بعد أن حصر معناها في‬
‫زاوية المبتغى منها‪ ،‬إال أنه لم يلتزم بحرفيتها و ال بمستواها البالغي‪ ،‬فقد فضل إعطاء‬
‫‪260‬‬
‫‪- excéder : (figuré) lasser, au sens physique et moral.‬‬

‫‪256‬‬
‫ترجمته بعدا بالغيا بنقل عباراتها من العادي إلى المسكوك منها مستخدما العبارة " إذا‬
‫طفح الكيل"‪.‬‬
‫عند إعادة اإلنتباه إلى هامش التغيي ر األسلوبي و التباين البالغي الذي تحددت و تجسدت‬
‫بواسطته الترجمة المفضية إلى إنتاج الرفيع من القول‪ ،‬نجد أن المترجم قد استعمل خطة‬
‫لتركيب بناء لغوي و وعي داللي سابق الوجود في الهوية اللغوية للجمهور المتلقي‪.‬‬
‫و بذلك فإن المترجم يضعنا أمام الوجه اآلخر للترجمة و هو البحث عن الملغى البنيوي أو‬
‫الممكن الوجود التركيبي و الذي يمكن أن يكون قد أُهمل من أجل الحفاظ على مستوى‬
‫معين من الوضوح‪ ،‬أو لعدم وجوده على األقل على مستوى الذاكرة اللغوية اللحظية‬
‫لصاحب الخطاب‪ ،‬و هكذا نجد أن المترجم قد استجوب و فكك تلك األولوية األزلية للمعنى‬
‫على اللفظ فزاد من قو ة المعنى بالرفع في مستوى البالغة األدائية فيكون بذلك قد جمع بين‬
‫قوة الفكرة و الحضور اللغوي‪.‬‬

‫‪excéder‬‬ ‫العبارة المنطلق‪:‬‬


‫فعل‪.‬‬ ‫النوع‪:‬‬
‫لغة عادية‪.‬‬ ‫مستوى الصياغة‪:‬‬
‫تخطي الحدود‪ ،‬تجاوز المسموح‪.‬‬ ‫المعنى الظاهر‪:‬‬
‫إذا طفح الكيل‪.‬‬ ‫الترجمة‪:‬‬
‫عبارة مسكوكة‪.‬‬ ‫مستوى صياغة الترجمة‪:‬‬
‫مغلقة (غروس)‪ ،‬تامة (راموس)‬ ‫نوعها‪:‬‬

‫‪« Le président Macron très réceptif» 2-2-1‬‬

‫"تلقى بصدر رحب هذا الطلب"‬

‫إستعمل الرئيس الجزائري عبارة » ‪« Le président Macron était très réeptif‬‬


‫في نفس المناسبة السابقة للتعبير عن قبول السلطات الفرنسية تسليم جماجم الشهداء‬
‫الموجودة بفرنسا من أجل دفنها في الجزائر‪.‬‬
‫‪257‬‬
‫لقاء صحفي‪ .‬حصة تلفزيونية » ‪« exclusif‬‬ ‫طبيعة الخطاب‬
‫الصحفي‪ :‬مارك برلمان )‪ (Marc Perelman‬وكالة فرانس ‪.24‬‬ ‫انتماء المضيف‬

‫الفرنسية‪.‬‬ ‫لغة الخطاب‪.‬‬


‫قناة فرانس ‪ 24‬الناطقة بالعربية‪ ،‬حصة "حصري"‬ ‫الهيئة المترجمة‪.‬‬

‫لغة الترجمة و طبيعتها‪ .‬ترجمة فورية إلى اللغة العربية‪.‬‬

‫النص األصلي باللغة الفرنسية‪:‬‬

‫‪Marc (f24) : « Alors ! Il y’a eu le retour des 24 cranes de combattants‬‬


‫‪algériens qui étaient en France. Ils vont être enterrés ce dimanche au carré des‬‬
‫‪martyres du cimetière « l’Alia » ici à Alger. Alors c’est un premier geste,‬‬
‫‪évidemment, un geste fort que l’Algérie attendait. Est-ce-que vous avez‬‬
‫…‪discuté avec le président d’autres gestes. On sait qu’il y’a d’autres dossiers‬‬
‫‪est-ce-que vous avez l’impression que monsieur Macron, comme vous le dite,‬‬
‫» ? ‪est propre sur la mémoire, est-ce-que cela veut dire d’autres gestes‬‬

‫‪Réponse de monsieur le président : « Nous, on pense qu’il a été très réceptif,‬‬


‫» …‪compréhensif aussi à la demande algérienne‬‬

‫ترجمة جواب السيد الرئيس‪:‬‬


‫"أضن بأنه تلقى بصدر رحب و تفهم الطلبات الجزائرية‪"...‬‬

‫و رغم ما تحمله العبارة من تساؤالت داللية حول مستوى التفهم الذي قصده السيد الرئيس‪،‬‬
‫إن كان تفهما لألهمية التاريخية أو الدينية أو الهوياتية للمسترد‪ ،‬أو كان مجرد قبول طلب‬
‫في إطار مجاملة بين رئيسي دولتين‪ ،‬إال أن المترجم قد استطاع المحافظة على ذلك‬
‫الغموض باستعماله العبارة المسكوكة " تلقى بصدر رحب" ليضيف إليه تعتيما دالليا و‬
‫بالغة أسلوبية بنقل العبارة األصل من عموم اللفظ إلى الخاص من القول‪.‬‬

‫‪258‬‬
‫و بهذا فإنّ المترجم قد أشار إلى أ ّنه ليس ّ‬
‫ثم ة فكرة ال يمكن إعادة تدويرها ‪ ،‬و ليس من‬
‫قول ال يمكن أن يقال من جديد أفضل من سابقه‪ ،‬حتى أعقد التركيبات اللغوية يمكن أن‬
‫تركب بطريقة أعقد وأبلغ‪.‬‬

‫‪très réceptif.‬‬ ‫التعبير األصلي‪:‬‬


‫صيغة تفضيل (لغة فرنسية من المستوى العادي)‬ ‫المستوى اللغوي‪:‬‬
‫التلقي و التجاوب‪.‬‬ ‫الداللة‪:‬‬
‫تلقى بصدر رحب‪.‬‬ ‫الترجمة‪:‬‬
‫عبارة مسكوكة‪.‬‬ ‫المستوى اللغوي للترجمة‪:‬‬
‫مغلقة (غروس) تامة (راموس)‪.‬‬ ‫نوعها‪:‬‬

‫‪" 3-2-1‬يعرف اإلقتصاد كبوات"‬


‫» ‪« L’économie connait toujours des hauts et des bas‬‬
‫إستعمل الرئيس الجزائري السيد عبد المجيد تبون أثناء حديثه لقناة روسيا اليوم كلمة‬
‫" كبوات" للتعبير عن حالة اإلقتصاد الجزائري قاصدا بذلك النمو البطيء الذي تتخلله‬
‫العثرات الناتجة عن التقلبات العالمية و الداخلية؛ أي التذبذب و عدم الثبات على حال‪.‬‬
‫لقاء صحفي‪ .‬حصة تلفزيونية "الحوار الكبير"‬ ‫طبيعة الخطاب‬

‫الصحفية‪ :‬ياسمين مسوس (قناة روسيا اليوم)‬ ‫انتماء المضيف‬

‫العربية‪.‬‬ ‫لغة الخطاب‪.‬‬

‫‪« La grande‬‬ ‫قناة روسيا اليوم (النسخة الفرنسية)‪.‬‬ ‫الهيئة المترجمة‪.‬‬


‫» ‪interview‬‬

‫لغة الترجمة و طبيعتها‪ .‬ترجمة فورية إلى اللغة الفرنسية‪.‬‬

‫النص األصلي باللغة العربية‪:‬‬

‫‪259‬‬
‫سؤال صحفية قناة روسيا اليوم‪" :‬ذكرت سيدي أن االقتصاد ألريعي الذي يعتمد مصادر‬
‫المحروقات ستنتهي منه الجزائر‪ ،‬لكن هناك من انتقد هذا االنتقال من االعتماد على‬
‫البترول إلى الغاز الصخري‪ ،‬كيف تردون على ذلك؟"‬
‫إجابة السيد الرئيس‪":‬الغاز الصخري من المبررات التخاذ موقف الغضب‪ ،‬ففي بعض‬
‫األحيان إذا أخطأت في وضع الفاصلة سوف تلقى من يسألك عن سبب ذلك ‪ ...‬المحروقات‬
‫تبقى لألجيال‪ ،‬ومعروف أن اإلقتصاد يمشي في بعض األحيان و في بعض األحيان هناك‬
‫كبوات"‬
‫ترجمة إجابة السيد الرئيس إلى الفرنسية‪:‬‬
‫‪« Le gaz de schiste est l’une des justifications pour provoquer la colère des‬‬
‫‪citoyens … le secteur des hydrocarbures restera une option pour les‬‬
‫‪générations à venir. Le marché économique n’est avant tout jamais statique, il‬‬
‫» ‪connait toujours des hauts et des bas‬‬
‫و الكبوة كما جاء في معجم المعاني هي السقوط على الوجه؛ أي التعثر في أثناء السير‬
‫و التقدم‪ ،‬ولذلك فقد ُخص راكب الخيل بها و دلت على سقوط الفارس لتعثر فرسه‪ ،‬فقالت‬
‫العرب " لكل عالم هفوة و لكل فا رس كبوة"‪.‬‬
‫و ال شك أن الفارس بعد تعثره يعاود النهوض و ركوب فرسه ليشق طريقه و يبلغ هدفه‪،‬‬
‫فكان بذلك مقصد الرئيس تمثيل اإلقتصاد الجزائري بالفارس الذي يشق طريقه نحو األمام‪،‬‬
‫و التطور بالهدف المنشود ا لذي يصبو إليه حتى و إن تعثر‪ ،‬كما أن استعماله لكلمة الكبوة‬
‫في صيغة الجمع "كبوات" داللة على النهوض بعد كل عثرة و معاودة السقوط و التعثر‬
‫كمن يترنح لضعف فيه أو وهن أصابه‪ ،‬فلو أنه استخدم صيغة اإلفراد في استعمالها –أي‬
‫الكبوة ‪ -‬لكانت داللتها إما السقوط النهائي أو الصعود المطلق بعد عثرة واحدة‪.‬‬

‫إستخدم الرئيس الجزائري اإلستعارة في صياغة عبارته إلعطائها جمالية بالغية‪ ،‬لكن‬
‫المترجم أبى إال أن يعطي ترجمته بعدا أسلوبيا أبلغ بأن رفض استعمال العادي من الكالم‬
‫‪« des‬‬ ‫و استعمال المسكوك من التعابير في صياغة ترجمته باستدعائه للعبا رة الفرنسية‬
‫» ‪.hauts et bas‬‬

‫‪260‬‬
‫فضّل مترجم قناة روسيا اليوم تجنب الحرفية في ترجمته لجملة الرئيس الجزائري بعدم‬
‫إقحامه للمرادف اللغوي لكلمة "كبوات" و المتمثل في كلمة » ‪ ،« bronchements‬مفضال‬
‫استعمال العبارة المسكوكة الجامعة بين عمق الداللة و جمالية النظم المبني على المقابلة‬
‫بين الضدين‪.‬‬

‫عند تتبعنا ألسلوب الرئيس الجزائري السيد عبد المجيد تبون في التعبير عن عدم‬
‫اإلستقرار والتعثر و التذبذب بين التقدم و التقهقر وجدنا أنه استخدم كلمة فرنسية أخرى‬
‫تعكس كل ما سبق من المعاني‪ ،‬فقد أجاب عن سؤال حول العالقات الدبلوماسية مع مملكة‬
‫المغرب طرحه عليه مراسل قناة فرانس ‪ 24‬قائال ‪:‬‬
‫» ‪« C’est un yoyo‬‬
‫و المعروف عن لعبة اليويو أنها تحوي خيطا و قرصا يتأرجح صعودا و نزوال؛ أي أن ها‬
‫غير مستقرة البت ة‪ ،‬فال هي بلغت المستوى األعلى و ال هي بلغت المستوى األسفل‪ ،‬و مع‬
‫كل ذلك التوتر و الضغط الحاصل على جهاز اليويو و على الخيط المتأرجح عليه و المهدَّد‬
‫المطبق لتلك القو ة‬
‫ِ‬ ‫باإلنقطاع جراء التآكل‪ ،‬إال أن هناك متعة خفية ال يحس بها إال‬
‫التأرجحية للجهاز و الممسك بخيط اللعبة (جهاز اليويو)‪ ،‬فهل قصد السيد رئيس‬
‫الجمهورية بعبارته تلك وجود قو ة خفية تتالعب بالعالقات بين البلدين و تستمتع بعدم‬
‫إستقرارها؟‬
‫يبقى الخطاب السياسي من أعقد الخطابات التي ال يلزم صاحبها نفسه بصريح القول‪ ،‬فال‬
‫نجد من أنفسنا إال إحترام تلك الرغبة و الخص وصية و عدم الخوض فيما لم يفصح عنه‬
‫صاحب الخطاب نفسه‪.‬‬
‫باللغة كبوات‪.‬‬ ‫األصلي‬ ‫التعبير‬
‫العربية‪:‬‬
‫لغة عادية‪.‬‬ ‫المستوى اللغوي‪:‬‬
‫تعثرات‪ ،‬عودة نهوض بعد السقوط‪ ،‬تأرجح بين سقوط و‬ ‫معاني المفردة‪:‬‬
‫نهوض‬
‫‪Des hauts et des bas‬‬ ‫الترجمة‪:‬‬

‫‪261‬‬
‫عبارة مسكوكة‪.‬‬ ‫المستوى اللغوي للترجمة‪:‬‬
‫مغلقة (غروس)‪ ،‬تامة (راموس)‬ ‫نوعها‪:‬‬
‫‪ (Un youyou‬استعملها الرئيس الجزائري في حواره مع‬ ‫ترجمات أخرى‪:‬‬
‫‪)RT‬‬

‫‪" 4-2-1‬تدريجيا"‬
‫» ‪« Petit à petit‬‬
‫تدل كلمة "تدريجيا" على معناها من مبناها‪ ،‬فالتدرج هو عملية صعود سلم أو درج‬
‫درجة تلوى األخرى دون إهمال أو تخطي أي درجة‪ ،‬و التقدم التدريجي دليل على الروي ة‬
‫و التأني و تثبيت القدم على ما سلف من الدرج لإلنتقال إلى الدرجة األعلى‪ ،‬و مثاله على‬
‫التأني و التروي مع السعي الحثيث عبارة " خطوة خطوة"‪ .‬و لهذا كان استعمالها منطقيا‬
‫من طرف السيد الرئيس‪ ،‬و ذلك لوصف التدرج في بناء المؤسسات التشريعية بداية‬
‫بالدستور إلى المؤسسات التشريعية و غيرها‪.‬‬
‫لقاء صحفي‪ .‬حصة تلفزيونية "الحوار الكبير"‬ ‫طبيعة الخطاب‬

‫الصحفية‪ :‬ياسمين مسوس (قناة روسيا اليوم)‬ ‫انتماء المضيف‬

‫العربية‪.‬‬ ‫لغة الخطاب‪.‬‬


‫‪« La grande‬‬ ‫قناة روسيا اليوم (النسخة الفرنسية)‪.‬‬ ‫الهيئة المترجمة‪.‬‬
‫» ‪interview‬‬

‫لغة الترجمة و طبيعتها‪ .‬ترجمة فورية إلى اللغة الفرنسية‪.‬‬

‫النص األصلي باللغة العربية‪:‬‬


‫صحفية قناة روسيا اليوم‪" :‬أود أن أطرح سؤاال بخصوص الجزائريين الذين ال يزالون‬
‫يعودون إلى الشارع لغاية اآلن‪ ،‬ماذا تقولون لهم؟ هل ينتظر تحقيق جميع المطالب؟ و هل‬

‫‪262‬‬
‫تشكل هذه التظاهرات المستمرة عبئا على السلطة؟ أم أن ه مشهد يجب أن يتعود عليه‬
‫الجزائري كمشهد ديموقراطي لجزائر ما بعد ‪ 22‬فيفري؟"‬
‫رد السيد ا لرئيس‪ ":‬أنا شخصيا ال أرى أي مانع في خروجهم‪ ،‬هذا حقهم‪ ،‬و الديمقراطية‬
‫تقتضي هذا‪ .‬ليس هناك أي مشكل‪...‬عندما تمر على مراحل شمولية‪ ،‬تكون هناك في بعض‬
‫األحيان مبالغة في الديمقراطية‪ ،‬ولكن تدريجيا ترجع الناس إلى وعيها‪"...‬‬
‫ترجمة رد السيد الرئيس باللغة الفرنسية‪:‬‬
‫‪« Personnellement, je n’y vois aucun inconvénient à leur manifestation, c’est‬‬
‫‪leur droit, et la démocratie l’exige. Ça ne pose aucun problème…quand on‬‬
‫‪passe par des étapes holistiques, il peut y avoir parfois une exagération dans la‬‬
‫» …‪démocratie, mais petit-à-petit les gens reprennent conscience‬‬
‫حس التأني و التريث الذي توحي به و تكتنزه كلمة‬
‫ّ‬ ‫نقل مترجم قناة روسيا اليوم‬
‫"تدريجيا" باستخدامه العبارة المسكوكة الفرنسية » ‪. « petit à petit‬‬
‫أورد نعوم حجار العبارة المسكوكة المسكوكة الفرنسية في منجده كما يلي‪:‬‬
‫» ‪« Petit à petit, l’oiseau fait son nid‬‬
‫مرفقا إياها بالترجمة التالية " طلوع السلم درجة درجة"‪ ،‬و بذلك يكون اعتماد مترجم قناة‬
‫روسيا اليوم للعبارة الفرنسية موافقا لما جاء في منجد نعوم حجار من جهة و مؤديا للمعنى‬
‫المراد منه من جهة أخرى‪.‬‬
‫تدريجيا‪.‬‬ ‫العبارة األصل‪:‬‬
‫مستوى لغوي بسيط عادي‪.‬‬ ‫المستوى اللغوى‪:‬‬
‫التحول و اإلنتقال البطيء‪.‬‬ ‫الداللة‪:‬‬
‫‪Petit-à-petit‬‬ ‫الترجمة‪:‬‬
‫عبارة مسكوكة‪.‬‬ ‫المستوى اللغوي للترجمة‪:‬‬
‫مغلقة (غروس)‪ ،‬شبه خاصة (راموس)‬ ‫نوعها‪:‬‬

‫‪263‬‬
‫‪ " 5-2-1‬السياحة‪ ...‬من خالل عدة آليات ‪ ...‬خلق رحالت جوية بأسعار‬
‫تنافسية"‬
‫‪« Le tourisme…mettre en place des mécanismes…mettre en place des‬‬
‫» ‪voles‬‬
‫‪ 2019/12/19‬قصر الشعب‪.‬‬ ‫السياق الزمكاني‬
‫الشعب الجزائري و كل من يتابعه‪.‬‬ ‫المتلقي‬
‫العربية‪.‬‬ ‫لغة الخطاب‬
‫شفوي مباشر متلفز‪.‬‬ ‫طبيعة الخطاب‬
‫وكالة فرانس ‪.24‬‬ ‫صفة المترجم‬
‫النص األصلي باللغة العربية‪:‬‬
‫"‪...‬و ال ننسى السياحة كعامل اقتصادي مد ر للثروة و مولد لمناصب الشغل من خالل عدة‬
‫آليات لدعم مكانة الوكاالت السياحية‪ ،‬تصنيف المناطق السياحية في الجزائر‪ ،‬خلق رحالت‬
‫جوية بأثمان تنافسية‪"...‬‬
‫الترجمة الفورية لفرانس ‪:24‬‬
‫‪« La matière de tourisme, également le tourisme est très important, qui crée‬‬
‫‪des emplois, qui génère de la richesse, nous allons donc mettre en place des‬‬
‫‪mécanismes pour soutenir le tourisme, nous allons mettre en place des‬‬
‫» …‪vols‬‬
‫آثر المترجم إ ّال أن يستعمل قاموسه الشخصي في ترجمة معاني الوحدات الخطابية التي‬
‫استعملها رئيس الجمهورية في خطابه األول مفضال إستعمال المسكوك من التعابير‬
‫الفرنسية لبناء الخطاب الهدف مستغنيا بذلك عن العادي من التراكيب و إن كانت تملك‬
‫القدرة على تأدية المعنى كما ورد في الخطاب األصل‪ ،‬فكلمة من خالل يمكن أن تنوب‬
‫عنها الكلمة الفرنسية » ‪ « à travers‬بامتياز‪ ،‬كما كان يمكن أن ينوب الفعل الفرنسي‬
‫» ‪ « créer‬عن الفعل العربي "خلق"‪.‬‬
‫لكن المالحظ في السلوك الترجمي للمترجم الفوري لقناة فرانس ‪ 24‬المعتمد لترجمة‬
‫الخطاب األول للرئيس الجزائري تكرار استعماله لعبارة » ‪ « mettre en place‬في‬

‫‪264‬‬
‫مواضع متعددة نذكر منها ما أسلفناه إضافة إلى موضع آخر أكثر مالءمة و هو " بوضع‬
‫آليات"‪ ،‬فهل يعكس هذا التكرار مدى الزخم المصطلحي للغة األصل؟‬
‫أم أن ه يعكس مدى اتساع الحقل الداللي للعبارة المسكوكة الفرنسية؟‬
‫أم أن ه يعكس ميول المترجم و أسلوبيته و يفصح عن عالقته الوطيدة و مدى ولعه بتوظيف‬
‫هذه العبارة؟‬

‫ال شك أن لكل محرر نصوص أو كاتب أديب لغة خاص ة و أسلوبا خاصا به في الكتابة و‬
‫التعبير عن مكنونه و وصف ما يخالجه و ما يدور من حوله‪ ،‬كما أن لكل منهم عبارات‬
‫يفضلها على غيرها‪ ،‬و طريقة بنائية لبالغته الشخصية و بيانه في اختيار ذلك المنهج‬
‫البنائي للصور البيانية‪.‬‬
‫و المالحظ في هذه الترجمة إضافة إلى اعتماد المترجم السك اللغوي أنه قد أثبت عدم‬
‫شذوذه عن القاعدة كما و تأكيده بأن ه صاحب الخطاب المترجم في نسخته المترجمة و يملك‬
‫حق التصر ف اللغوي فيه كما يشاء ف ي إطار إبراز المعنى األصل‪ ،‬فصدقت بذلك مقولة‬
‫الدكتور عناني عن المترجم بأنه كاتب مكبل بواجب األمانة لمعنى النص األصل‪.‬‬

‫القناة المترجمة‬ ‫الترجمة في اللغة الهدف‬ ‫الكلمة في الخطاب‬


‫األصل‬
‫قناة فرانس ‪24‬‬ ‫إذا طفح الكيل‬ ‫‪excéder‬‬

‫قناة فرانس ‪24‬‬ ‫تلقى بصدر رحب‬ ‫‪compréhensif‬‬

‫قناة روسيا اليوم‬ ‫‪Des hauts et des bas‬‬ ‫كبوات‬


‫قناة روسيا اليوم‬ ‫‪Petit à petit‬‬ ‫تدريجيا‬
‫من خالل‬
‫قناة فرانس ‪24‬‬ ‫‪Mettre en place‬‬ ‫خلق‬
‫بوضع‬

‫‪265‬‬
‫إن هذا السلوك التأويلي القاضي بنقل التعابير من العادي من التركيب إلى الخاص من‬
‫البالغة والتركيب يعد بمثابة تفخيم للغة الملقى بها الخطاب و المصاغة بها تعابيره‪ ،‬و هو‬
‫يتطلب ذهنا أكثر حضورا من العادي من الحضور الترجمي‪ ،‬و بذلك فإن هذا التأويل‬
‫التفخيمي يعرض طريقا جديدا في التفكير و التركيب اللغوي الترجمي في إطار الحرية‬
‫البنائية للمترجم في اختيار ما يناسب النص واللغة ‪ ،‬و المعنى و الداللة‪ ،‬وذلك لتخطي‬
‫الممارسات الترجمية المتعارف عليها كالمحافظة على المستوى اللغوي و درجة الوضوح‬
‫و التعتيم الداللي‪ ،‬و هذا ما ذهب إليه برمان أنطوان‪ ،‬رغم أن ه من دعاة الحرفية‪ ،‬حيث قال‬
‫أن تجميل و تحسين النص و إعطاءه نفحة أصلية في ثقافة و لغة و هوية المتلقي يعد‬
‫أفضل ما في الترجمة و ما يقدمه المترجم‪ ،‬و ال شك أن نقل اللغة من العادي إلى المسكوك‬
‫منها يعد من بين أحسن طرق تحسين النصوص و التعابير‪.‬‬

‫النتائج‪:‬‬

‫التأويل و التفخيم‪.‬‬
‫‪ 14‬تأويل ‪ 5 +‬تفخيم‪.‬‬ ‫عدد الحاالت المدروسة‪:‬‬
‫‪ 7‬تاويل‪.‬‬ ‫الترجمة التحريرية (وأج)‪:‬‬
‫‪ 8‬تأويل‪ 5 +‬تفخيم‪.‬‬ ‫الترجمة الفورية‪:‬‬
‫‪ 5‬تأويل ‪ 3 +‬تفخيم‪.‬‬ ‫وكالة فرانس ‪:24‬‬
‫‪ 4‬تأويل ‪ 2 +‬تفخيم‬ ‫وكالة روسيا اليوم‪:‬‬
‫تمثيل النتائج‪:‬‬
‫التمثيل البياني ‪ : 2‬استعمال التأويل و التفخيم في الترجمة‪.‬‬

‫‪266‬‬
‫‪20‬‬
‫‪18‬‬
‫‪16‬‬
‫‪14‬‬
‫‪12‬‬
‫‪10‬‬
‫‪8‬‬
‫التفخيم‬
‫‪6‬‬
‫‪4‬‬ ‫التاويل‬
‫‪2‬‬
‫‪0‬‬

‫الترجمة العينة المدروسة‬


‫فرانس ‪24‬‬
‫التحريرية‬ ‫روسيا اليوم‬

‫من الجدول نجد‪:‬‬


‫‪ -‬اإلستعمال الواسع للتأويل في الترجمتين التحريرية و الفورية للتعابير المسكوكة‬
‫على حد سواء‪.‬‬
‫‪ -‬إمكانية اللجوء إلى تفخيم اللغة العادية و تحويلها إلى تعابير مسكوكة في اللغة‬
‫الهدف‪.‬‬
‫‪ -‬الترجمة إلى اللغة األم تمنح المترجم ميزة إمكانية تفخيم التعابير العادية بحكم‬
‫إحاطته الواسعة بها و بمدلوالتها و كذا كثرة تداولها‪.‬‬
‫حوصلة‪:‬‬
‫إن في عملية التأويل تعد صارخ على النسيج اللغوي للنصوص و التعابير المترجمة‬
‫يصل إلى درجة إعتبارها خيانة لمعجمية النص األصلي‪ ،‬لكن الهدف منها أبعد من مجرد‬
‫إبراز القدرات اللغوية لصاحب النص و بالغته‪ ،‬و جمالية التعابير التي إستعملها في‬
‫صياغة خطابات ه‪ ،‬فالهدف األصلي من هذه التقنية هو إيصال المعنى و القصد التخاطبي‬
‫بأقل تكلفة لغوية‪.‬‬
‫إن كان التمكن من المعنى يعتبر أصعب و أهم مرحلة في هذه التقنية‪ ،‬فإن ما يسهل اعتماد‬
‫التأويل في ترجمة التعابير المسكوكة هو سهولة عزل المعنى المراد منها عن الجسد‬

‫‪267‬‬
‫اللغوي‪ ،‬و هذا راجع إلى طبيعة تلك التعابير نفسها‪ ،‬فإستقاللية المعنى عن الجسد اللفظي‬
‫تجعل المترجم في حل عن كل ارتباط متعلق بجمالية اللغة و الحرف المكون لها‪ ،‬و تمنحه‬
‫حق إختيار التصرف في المعنى و الحرية المقننة في اختيار الحلة اللغوية المناسبة‬
‫المناسبة إلبراز المعنى‪.‬‬

‫‪268‬‬
‫المطلب الرابع‪:‬‬
‫األسلوبية المقارنة‬
‫و تقنياتها‪.‬‬

‫‪275‬‬
‫الترجمة الحرفية‪:‬‬ ‫‪-1‬‬
‫تعتبر الترجمة الحرفية و تقنياتها من أقدم أنواع الترجمة‪ ،‬ذلك ألنها الطريقة التي‬
‫فضل مجمل مترجمي النصوص المقد سة إعتمادها لنقل الرسائل الربانية إلى عموم‬
‫البشرية‪.‬‬
‫مثلت هذه النظرية‪ ،‬التي دافع عنها كثير من المترجمين و المنظرين من أمثال ميشونيك‬
‫ونيومارك وبرمان‪ ،‬مسلكا لنقل المعرفة و الخبرة اإلنسانية المتشكلة على شكل نصوص‬
‫و تعابير مسكوكة إلى أصقاع المعمورة‪.‬‬
‫يمث ل مبدأ وجود إرتباط وثيق و ثابت بين المحتوى و النظم‪ ،‬و الكم اللفظي و القصد به‪،‬‬
‫نقطة إنطالق لتحديد دور العناصر المكونة للكالم في اللغة األصل و حتمية إبرازها في‬
‫و يكون ذلك بإيجاد رديف كل فرد لغوي من اللغة األصل في العملية‬ ‫‪261‬‬
‫اللغة الهدف‪،‬‬
‫الترجمية؛ أي أن الرجوع إليها واعتمادها يكون في حال عدم الحاجة إلى التأويل و التأمل‬
‫في الحصول ع لى المعنى‪ ،‬أو عدم التمكن منه‪ ،‬وذلك راجع إما لكون المعاني مباشرة‬
‫ومرتبطة ارتباطا مباشرا باأللفاظ‪ ،‬أو أن طبيعة اللغة وظروف و مقتضيات الترجمة‬
‫تفرض إنتهاج هذا النسق الترجمي‪.‬‬

‫و على الرغم من أن التعابير المسكوكة ال تخضع في مجملها إلى هذا اإلرتباط الفردي‪ ،‬إال‬
‫أن خصوصيتها النابعة من التفرد اإلجتماعي و الثقافي بكل مكوناته لتضع المترجم أمام‬
‫فرضية إستحالة ترجمتها في اللغة الهدف‪ .‬و مرد هذا القصور األدائي و الخثرات المانعة‬
‫للترجمة إم ا للغياب الفعلي للمكافئ اللغوي الكفؤ للداللة عليها في لغة الترجمة‪ ،‬أو لعدم‬
‫إلمام المترجم به حال وجوده‪ ،‬أو عدم استحضاره حال الحاجة إليه رغم اإللمام به‪ ،‬وهذا‬
‫ما يطرح فكرة اللجوء و حتمية اإلعتماد على الترجمة الحرفية كحل ظرفي إستجابة‬
‫لضرورة الترجمة وتجسيدا لألمانة الترجمية‪.‬‬

‫‪ - 261‬المصدر السابق ‪ :‬باليو‪ ،‬كريستيان‪ .‬تاريخ علم الترجمة السوفييتية‪ .‬مجلة جسور ثقافبة‪،‬ص ‪.19‬‬
‫‪276‬‬
‫‪ 1-1‬التعابير المسكوكة المترجمة‪:‬‬
‫"باسم هللا الرحمن الرحيم"‪" ،‬ثمن بخس"‪"،‬بالشعب و للشعب"‪ " ،‬أم القضايا"‪" ،‬أسقاز‬
‫أمقاز"‪ " ،‬قضاء و قدر"‪" ،" revenir à la raison " ،‬الجيش األبيض"‪ " ،‬الجزائر‬
‫الجديدة"‪" ،‬مناطق الظل"‪" ،‬زمان غير زمانهم"‪" ،‬باب التوبة مفتوح"‪ " ،‬تبنى البيوت من‬
‫األساس و ليس السقف"‪" ،‬تحت الطاولة و فوق الطاولة"‪" ،‬نادرة الشاب طالب الدعم"‪،‬‬
‫"كل ممنوع مرغوب"‪." que vérité en deçà Pyrénées, erreur au-delà" ،‬‬

‫نفتتح باب التعابير المسكوكة بما افتتح سبحانه و تعالى كتابه‪ ،‬و افتتح به الرئيس‬
‫الجزائري عهدته خطابه‪ ،‬و هي البسملة‪:‬‬
‫الرحيم"‬ ‫"باسم هللا الرحمن‬ ‫‪1 -1 -1‬‬

‫» ‪« Au nom de Dieu Clément Miséricordieux‬‬


‫تفرض طبيعة الخطاب السياسي اإلستهاللية إفتتاح الخطاب بما تتفق عليه جماعة‬
‫السياسيين في ذات النطاق و ما جرت عليه األعراف التخاطبية و ما ألفه المخا َ‬
‫طب‪ ،‬و ال‬
‫شك أن للتعابير اإلستهاللية قيمة في تهيئة المتلقي نفسيا لتلقي ما سيأتي بعدها من أفكار‬
‫ورؤى وطروحات‪.‬‬
‫‪ 2019/12/19‬قصر الشعب‪.‬‬ ‫السياق الزمكاني‬
‫الشعب الجزائري و كل من يتابعه‪.‬‬ ‫المتلقي‬
‫العربية‪.‬‬ ‫لغة الخطاب‬
‫شفوي مباشر متلفز‪.‬‬ ‫طبيعة الخطاب‬
‫وكالة فرانس ‪.24‬‬ ‫صفة المترجم‬

‫العبارة " باسم هللا الرحمن الرحيم" ليست عبارة إفتتاحية بسيطة الداللة بساطة تركيبها‬
‫اللغوي‪ ،‬فهي تحمل من القداسة ما يجعلها تحمل ثالث أسماء من أسماء هللا الحسنى‪ ،‬كما‬
‫أنها تحمل داللة إستمداد صاحب الخطاب شرعية إ لقاء خطابه و فرض واجب اإلنصات‬
‫و اإلتباع على المتلقي من إستعماله إسم الخالق و التحدث بإسمه " باسم هللا"‪ ،‬و هذا كان‬
‫‪277‬‬
‫دأب األنبياء و الرسل حيث يقول تعالى في سورة النمل " إنه من سليمان و إنه باسم هللا‬
‫الرحمن الرحيم"‪.‬‬
‫مفتوحة (غروس)‪ ،‬شبه خاصة (راموس)‬ ‫تصنيف العبارة المسكوكة‬
‫آية قرآنية ‪.‬‬ ‫نوع العبارة‬
‫سورة النمل‪.‬‬ ‫السياق المورفوتركيبي األصلي‬
‫اإلستعانة باهلل‪.‬‬ ‫المعنى األصلي‬
‫إنتماء إيديولوجي‪.‬‬ ‫المعنى السياقي‬
‫اإلستهالل‪.‬‬ ‫المعنى الظاهر‬
‫اإلنصات و التجاوب مع نص الخطاب‪.‬‬ ‫المعنى التداولي‬

‫أدرك مترجم قناة فرانس ‪ 24‬القداسة التي تتمتع بها العبارة المسكوكة في كليتها‬
‫وتتقاسمها مع مفرداتها‪ ،‬فما كان منه إال أن حاول تتب عها كلمة بكلمة حتى ال يقع في‬
‫المحضور‪ ،‬فالمترجم يعلم عنا كل مقدس فينا‪.‬‬
‫و مع وقوع المترجم في مأزق التباين اإليديولوجي بين ثقافة الخطاب األصل و اللغة‬
‫الهدف‪ ،‬فقد فضل تكييف عبارته وفق إيديولوجية المتلقي‪ ،‬فترجم كلمة " هللا" العربية إلى‬
‫» ‪ « Dieu‬الفرنسية‪ ،‬فثقافة اللغة العربية ذات الطابع اإلسالمي تعتمد نظام إفراد‬
‫"األلوهية" بالخالق وحده‪ ،‬وتفتح نظام الربوبية النسبية أمام المخلوقات كرب األسرة ورب‬
‫العمل‪ ،‬أم ا ثقافة اللغة الفرنسية ذات الطابع المسيحي فال تملك " نظام األلوهية" في‬
‫منظومتها الدينية أو الثقافية‪ ،‬و تعتمد نظام الربوبية القائم على مبدأ التثليث‪ ،‬و بذلك يكون‬
‫المترجم قد أثبت أنه ال ينتمي للمترجم عنه كما أنه ال يرغب في معاداة من يترجم له‪ .‬وهذا‬
‫ما لمسناه في ترجمة العبارة الموالية و المتممة لألولى‪:‬‬
‫"و الصالة و السالم على أشرف المرسلين رسولنا محمد عليه الصالة و السالم"‬
‫ترجمتها في اللغة الفرنسية » ‪« au nom du notre prophète‬‬
‫تعددت ترجمات العبارة المسكوكة في سياقها المقدس في ترجمات معاني آي القرآن‬
‫الكريم‪ ،‬ولعل أقربها إلى الشكل و المعنى تلك المعتمدة من طرف المجلس األعلى لعلماء‬
‫السعودية‪ ،‬حيث جاءت مقترضة لكلمة "هللا" و مراعية إشتراك كلمتي "الرحمن"‬
‫و "الرحيم" في الجذر فكانت الترجمة‪:‬‬
‫‪278‬‬
‫» ‪« Au nom d’Allah le tout Miséricordieux le très Miséricordieux‬‬

‫باسم هللا الرحمن الرحيم‪.‬‬ ‫العبارة‪:‬‬


‫اإلستعانة‪ ،‬اإلستهالل‪ ،‬اإلنتماء‪.‬‬ ‫دالالتها‪:‬‬
‫‪Au nom de Dieu Clément Miséricordieux‬‬ ‫الترجمة‪:‬‬
‫التكييف‪.‬‬ ‫تقنية الترجمة‪:‬‬
‫مراعاة الجمهور المتلقي و ثقافته و انتماءه اإلديولوجي‪.‬‬ ‫ميزة الترجمة‪:‬‬
‫أخرى ‪Au nom d’Allah le tout Miséricordieux le très‬‬ ‫ترجمات‬
‫‪( .‬ترجمة معاني القرآن الكريم) ‪Miséricordieux‬‬ ‫ممكنة‪:‬‬

‫‪" 1-1-2‬بعض الجزائريين بثمن بخس يريدون بيع و شراء هذا الوطن‬
‫" » ‪« vendre à plus bas prix cette patrie‬‬

‫‪2020 /08/12‬قصر األمم‪.‬‬ ‫السياق الزمكاني‬


‫الوالة و المسؤولين المحليين و عموم الشعب الجزائري‪.‬‬ ‫المتلقي‬
‫العربية‪.‬‬ ‫لغة الخطاب‬
‫شفوي مباشر متلفز‪.‬‬ ‫طبيعة الخطاب‬
‫وكالة األنباء الجزائرية (ترجمة تحريرية)‬ ‫صفة المترجم‬
‫العبارة في النص األصلي باللغة العربية‪:‬‬
‫" الشهداء الذين ضحوا بالنفس و النفيس كي نعيش و تعيش الجزائر مستقلة تسير من‬
‫طرف أبناءها‪ ،‬و هم درس لنا اليوم‪ .‬خاصة عندما نرى بعض الجزائريين يريدون بيع هذا‬
‫الوطن بثمن بخس"‬
‫الترجمة إلى اللغة الفرنسية‪:‬‬
‫‪« Les enseignements de ces sacrifices prennent aujourd’hui tout leur sens au‬‬
‫‪regard de ceux qui n’hésitent pas à vendre au plus bas prix cette patrie si‬‬
‫» ‪précieuse‬‬

‫مفتوحة (غروس)‪ ،‬شبه خاصة (راموس)‬ ‫تصنيف العبارة المسكوكة‬


‫تناص لنص مقدس (القرآن الكريم) ‪.‬‬ ‫نوع العبارة‬

‫‪279‬‬
‫اآلية ‪ 20‬من سورة يوسف‪.‬‬ ‫السياق المورفوتركيبي األصلي‬
‫الجهل بقيمة المعروض للبيع‪.‬‬ ‫المعنى األصلي‬
‫الخيانة و دناءة النفوس‪.‬‬ ‫المعنى السياقي‬
‫قلة الثمن بمقابل المثمن‪.‬‬ ‫المعنى الظاهر‬
‫محاربة الفتنة و الخيانة‪.‬‬ ‫المعنى التداولي‬
‫جاء في معجم المعاني أن عبارة " ثمن بخس" تفيد معنى السعر أو المقابل الزهيد أو‬
‫الرخيص والناقص القيمة و المغشوش أحيانا‪ ،‬و قد وردت هذه العبارة في القرآن الكريم "‬
‫شروه بثمن بخس دراهم معدودة" (سورة يوسف‪ ،‬اآلية ‪ )20‬حيث وردت ترجمتها في‬
‫معاني القرآن إلى‪:‬‬
‫» ‪« Et ils le vendirent à vil prix‬‬
‫بينما أورد موقع ري فرسو عدة تراجم لذات العبارة منها‪:‬‬
‫» ‪« Pas cher » « un petit prix payé » « pour rien‬‬
‫أم ا موقع و أ ج فقد أورد عبارة‪.« À plus bas prix » :‬‬

‫إحتفظ المترجم في ترجمته بالموصوف " الثمن" معتمدا مقابله اللغوي المنطقي في‬
‫اللغة الفرنسية » ‪ « prix‬كما أعطى مقابال آخر للصفة " بخس" إلى » ‪ « bas‬و إلعطاء‬
‫ترجمته نفس تلك الشحنة الواردة في الخطاب الرئاسي فقد إعتمد صيغة التفضيل " أكثر"‬
‫» ‪ « plus‬فكانت ترجمته‪:‬‬
‫» ‪« Vendre à plus bas prix‬‬
‫ثمن بخس‪.‬‬ ‫العبارة‪:‬‬
‫دناءة الثمن‪ ،‬و دناءة البائع‪.‬‬ ‫الداللة‪:‬‬
‫‪Vendre à plus bas prix‬‬ ‫الترجمة‪:‬‬
‫المكافئ‪.‬‬ ‫التقنية المستعملة‪:‬‬
‫(ترجمة معاني القرآن الكريم) ‪vil prix‬‬ ‫ترجمات أخرى ممكنة‪:‬‬
‫‪un petit prix payé ،pour rien‬‬ ‫موقع ريفرسو‬

‫"بالشعب و للشعب"‬ ‫‪1 -1 - 3‬‬


‫‪280‬‬
‫» ‪.« Par le peuple et pour peuple‬‬

‫هذه العبارة صاغها المشرع الجزائري للداللة على أن الشعب الجزائري صاحب‬
‫السلطة المطلقة في بالده‪ ،‬و أن ال شيء يمكن أن يكون عكس إرادته‪ ،‬كما أن ممثليه‬
‫السياسين يستمدون شرعية تمثيله ‪ -‬بغية خدمة مصالحه‪ -‬منه هو شخصيا و حصريا‪.‬‬
‫مغلقة (غروس)‪ ،‬تامة (راموس)‬ ‫تصنيف العبارة المسكوكة‬
‫شعار رسمي ‪.‬‬ ‫نوع العبارة‬
‫خطبة لينكولن‪ .‬خطاب " جيتيس بورغ"‬ ‫السياق المورفوتركيبي األصلي‬
‫)‪Gettysburg‬‬

‫ضرورة دفاع الشعب عن نفسه‪.‬‬ ‫المعنى األصلي‬


‫نظام الحكم شعبي جمهوري‪.‬‬ ‫المعنى السياقي‬
‫الشعب سيد نفسه‪.‬‬ ‫المعنى الظاهر‬
‫مواصلة طريق البناء و التشييد‪.‬‬ ‫المعنى التداولي‬

‫إن كانت الترجمة الفرنسية مؤدية للمعنى و المراد من العبارة األصل‪ ،‬فإن العبارة المسكوكة‬
‫المتمثلة في الشعار نفسه ال تؤدي المراد منها‪ ،‬ألنها أستخدمت في غير السياق الموجد لها‪،‬‬
‫وإختالف السياق يفرض تغييرا في الصياغة‪.‬‬
‫إن أول من إستخدم هذه العبارة هو الرئيس األمريكي األسبق أبراهام لينكولن في خطاب‬
‫‪262‬‬
‫" جيتيس بورغ" )‪ ( Gettysburg‬يوم ‪ ،1863 /11 /19‬حيث صاغها باللغة اإلنجليزية‪.‬‬

‫كانت مناسبة هذا الخطاب و صياغة هذه العبارة هي المعركة الطاحنة التي دارت رحاها في‬
‫مدينة جيتيس بورغ‪ ،‬و التي أزهقت فيها أرواح كثيرة‪.‬‬
‫سع المترجم إّل تتبع أصل الشعار المعروف في أركان األرض درايةَ أهلها بالتاريخ‬
‫لم يَ َ‬
‫األمريكي‪ ،‬لمكانته منهم‪ ،‬وهذا ما سمح بوجود ترجمات سابقة لهذا الشعار قبل تبنيه من‬

‫‪262‬‬
‫‪- J. PEATMON, 2013The long shadow of Lincoln’s Gettysburg adresse, Carbondale, Southern Illinois‬‬
‫‪university press. P 244.‬‬

‫‪281‬‬
‫طرف السلطة السياسية في الجزائر‪ ،‬فما كان من المترجم إال إستحضار الترجمة الجاهزة‬
‫التي تختلف حولها اآلراء‪ ،‬هل هي ترجمة حرفية أم مكافئ معتمد في كل الثقافات؟‬

‫الظاهر أن الترجمة حرفية للعبارة في كل اللغات‪ ،‬فهكذا بدأت و هكذا انتشرت العبارة‬
‫المسكوكة وأوجدت لها موقعا في قلب األنظمة التي تتغنى بالديموقراطية‪.‬‬

‫تحوي ترجمة العبارة المسكوكة إيقاعا غير ذلك المترتب عن تكرار كلمة » ‪ « peuple‬يتركز‬
‫في التقابل الموجود بين لفظتي » ‪ « par‬و » ‪ « pour‬و بذلك فإن الترجمة قد استوفت شروط‬
‫التكافؤ و إن كان ظاهرها حرفيا‪.‬‬

‫بالشعب و للشعب‪.‬‬ ‫العبارة‪:‬‬

‫شعار رسمي موثق في الدستور‪.‬‬ ‫المصدر‪:‬‬

‫‪Par le peuple et pour peuple‬‬ ‫الترجمة‪:‬‬

‫كلمة بكلمة‪.‬‬ ‫التقنية المستعملة‪:‬‬

‫‪" 4-1-1‬أم القضايا"‬


‫» ‪« La cause centrale‬‬
‫أضاف الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون شعارا آخر في سياق الدعم المطلق لفلسطين‪،‬‬
‫معتمدا في نظمها على النص القرآني "آيات محكمات هن أم الكتاب"‪ ،‬حيث أعرب سنة‬
‫‪ 2020‬في خطابه أمام الجمعية العامة لألمم المتحدة عن الموقف الرسمي الثابت إتجاه‬
‫القضية الفلسطينية ‪ -‬في ظل موجة التطبيع التي ركبتها بعض الدول العربية – قائال "‬
‫فلسطين أم القضايا" كما لم يتوان عن تكرارها في الخطابات المحلية في كل مناسبة تستدعي‬
‫توضيح السياسة الخارجية للبالد‪.‬‬
‫أم القضايا‪.‬‬ ‫العبارة‪:‬‬
‫متالزمة لفظية‪.‬‬ ‫النوع‪:‬‬
‫تناص من نص قرآني‪( .‬السياسة الجزائرية)‬ ‫المصدر‪:‬‬

‫‪282‬‬
‫التقديس‪.‬‬ ‫المعنى الظاهر‪:‬‬
‫أسبقية المعالجة (أصل كل الخالفات)‪.‬‬ ‫المعنى السياقي‪:‬‬
‫المساندة و الدعم المطلق‪.‬‬ ‫المعنى التداولي‪:‬‬

‫ّل يمكن استعمال المحاكاة لترجمة هذه العبارة المسكوكة على غرار معظم المتالزمات‬
‫اللفظية‪ ،‬ذلك ألنه لم يرد استعمال المرادف اللغوي لصفة األمومة » ‪ « maternelle‬في هذا‬
‫السياق "المشاكل والخالفات السياسية"‪ ،‬فتوظيفه سيحكم على األسلوبية البنائية للعبارة في‬
‫اللغة الفرنسية بالركاكة والرداءة إضافة إلى ثقل الكالم‪ ،‬و هذا ما يمكن أن يشكل خيانة‬
‫لألسلوب الموظف في صياغة هذه العبارة‪.‬‬

‫تحوي اللغة الفرنسية عبارة مسكوكة تضاهي قدسية عبارة " أم القضايا" تفيد معنى أصل‬
‫األسباب أو القضية األولى التي ليس قبلها قضية ‪ « la Cause première »263‬غير أن المعنى‬
‫المراد منها أوسع من أن تشترك فيه كل الثقافات و يحتمله صراع بين البشر و إن تشاركت‬
‫القضيتان في الجوهر‪ ،‬فالعبارة الفرنسية تدل على السببية األولى لخلق الكون و نظامه و هو‬
‫ما تختلف عليه اآلراء و اإليديولوجيات‪.‬‬

‫فضل المترجم إلحاق صفة المركزية » ‪ « centrale‬بالقضية الفلسطينية‪ ،‬فالمركز هو‬


‫نقطة ارتكاز بناء الدائرة (المشاكل و الخالفات) و المحدد ألبعادها‪ ،‬و كل ما سواها يدور في‬
‫فلكها و متعلق بوجودها‪ .‬فكانت بذلك الترجمة » ‪ « la cause centrale‬محققة للمراد المرجو‬
‫من العبارة المسكوكة و إن لم تعكس وجه القداسة المستوحى من التناص القرآني‪.‬‬

‫أم القضايا‪.‬‬ ‫العبارة‪:‬‬


‫‪la cause centrale‬‬ ‫الترجمة‪:‬‬
‫التكييف‪.‬‬ ‫التقنية‪:‬‬
‫‪la Cause première‬‬ ‫ترجمات أخرى ممكنة‪:‬‬

‫‪263‬‬
‫‪- Cause première : la plus ancienne ou la plus profonde des causes responsables de l’ordre de l’univers.‬‬

‫‪283‬‬
‫‪ 5-1-1‬أسقاز أمقاز‬

‫العبارة المسكوكة ذات األصل األمازيغي تداولها الرئيس الجزائري عبد المجيد‬
‫تبون على حسابه اإللكتروني "تويتر" لتهنئة الشعب الجزائري بحلول رأس السنة‬
‫األمازيغية الجديدة‪ ،‬و قد نقلته وسائل اإلعالم الناطقة بالعربية و الفرنسية كما هو وارد في‬
‫خطاب الرئيس باللغة األمازيغية‪.‬‬
‫رأس السنة األمازيغية‪.‬‬ ‫المناسبة‪:‬‬
‫تدوينة على موقع تويتر‪.‬‬ ‫الخطاب‪:‬‬
‫العربية‪.‬‬ ‫اللغة األصل‪:‬‬
‫وكالة األنباء الجزائرية‪ ،‬ترجمة تحريرية‪.‬‬ ‫الهيئة المترجمة‪:‬‬
‫الفرنسية‪.‬‬ ‫لغة الترجمة‪:‬‬

‫نص التغريدة باللغة العربية‪" :‬بحلول السنة األمازيغية الجديدة‪ ،‬أتمنى كل الخير‬
‫والبركات لوطننا و لكل الجزائريات و الجزائريين‪ ،‬أسقاز أمقاز"‬

‫الترجمة إلى الفرنسية‪:‬‬


‫‪« À l’occasion du nouvel an amazigh, je souhaite bonheur et prospérité à notre‬‬
‫‪patrie, ainsi qu’à toutes les algériennes et tous les algériens. Assegas‬‬
‫» ‪Amegas‬‬

‫مغلقة (غروس)‪ ،‬شبه خاصة (راموس)‬ ‫تصنيف العبارة المسكوكة‬


‫متالزمة لفظية‪.‬‬ ‫نوع العبارة‬
‫التهنئة (اللغة األمازيغية)‪.‬‬ ‫السياق المورفوتركيبي األصلي‬
‫التهنئة‪.‬‬ ‫المعنى األصلي‬
‫مشاركة الشعب فرحه‪.‬‬ ‫المعنى السياقي‬
‫التهنئة برأس السنة األمازيغية‪.‬‬ ‫المعنى الظاهر‬
‫وحدة اإلنتماء الثقافي‪.‬‬ ‫المعنى التداولي‬
‫ال شك في أن استعمال هذه العبارة له من الوقع في نفوس جموع المتلقين لها ما يبهج‬
‫النفس من داللة مناسباتية (تهنئة) و عالقة إنتمائية (التاريخ و الثقافة) و مكانة رمزية‬
‫‪284‬‬
‫ورسمية (إقرار بأصالة و رسمية اللغة)‪ ،‬مما جعل الصحف و اليوميات الجزائرية و وكالة‬
‫األ نباء الجزائرية تنقلها كما هي و ذلك حفاظا على ذلك الجانب المأخوذ من الثقافة األصل‬
‫للمخاطب و تجسيد ما أراده صاحب الخطاب من توظيفه للعبارة‪ ،‬فكانت الترجمة‬
‫» ‪« assegaz-amegaz‬‬

‫أسقاز أمقاز‬ ‫العبارة‪:‬‬


‫‪Assegaz amegaz‬‬ ‫الترجمة‪:‬‬
‫اإلقتراض (الدخيل)‬ ‫التقنية‪:‬‬

‫‪" 6-1-1‬قضاء و قدر محتوم"‬


‫» ‪« Un destin scellé‬‬

‫استخدم السيد رئيس الجمهورية‪ ،‬السيد عبد المجيد تبون هذه العبارة في إطار حديثه عن‬
‫مناطق الظل‪.‬‬

‫‪2020 /08/12‬قصر األمم‪.‬‬ ‫السياق الزمكاني‬


‫الوالة و المسؤولين المحليين و عموم الشعب الجزائري‪.‬‬ ‫المتلقي‬
‫العربية‪.‬‬ ‫لغة الخطاب‬
‫شفوي مباشر متلفز‪.‬‬ ‫طبيعة الخطاب‬
‫وكالة األنباء الجزائرية (ترجمة تحريرية)‬ ‫صفة المترجم‬
‫النص األصلي باللغة العربية‪:‬‬
‫" ‪ ...‬و لكن لألسف لم نلمس في واليات أخرى أثرا كبيرا لمثل هذه الجهود‪ ...‬و إنجاز ما كان‬
‫مطلوبا منه من تحسين معيشة الماليين من المواطنين و المواطنات الذين مازالوا يعيشون في‬
‫مناطق الظل في زمن غير زمانهم كأنه قضاء و قدر محتوم"‬

‫الترجمة التحريرية إلى اللغة الفرنسية‪:‬‬

‫‪285‬‬
‫‪« des efforts, qui malheureusement, n’ont pas été palpables dans d’autres‬‬
‫‪wilayas, …et dans la réalisation de ce qui était tracé pour l’amélioration du‬‬
‫‪niveau de vie de millions de citoyens , vivant encore dans des zones d’ombres,‬‬
‫» ‪et presque à une autre époque comme s’il s’agissait là d’un destin scellé‬‬
‫مغلقة (غروس)‪ ،‬تامة (راموس)‬ ‫تصنيف العبارة المسكوكة‪:‬‬
‫متالزمة لفظية ‪.‬‬ ‫نوع العبارة‪:‬‬
‫القدرة اإللهية‪.‬‬ ‫المعنى األصلي‪:‬‬
‫إهمال متعمد‪.‬‬ ‫المعنى السياقي‪:‬‬
‫ديمومة الغبن‪.‬‬ ‫المعنى الظاهر‪:‬‬
‫تغيير الوضع‪.‬‬ ‫المعنى التداولي‪:‬‬

‫عبارة القضاء و القدر تفيد معنى تقدير الخالق ألمور عباده خيرها و شرها‪ ،‬لكن‬
‫ا ستعماالتها في السياق التواصلي و الخطابات استفردت بالجانب السلبي المخالف للنزعة‬
‫اإلنسانية الجانحة إلى الخير و النجاح‪.‬‬
‫و من هذا المنطلق استعمل الرئيس الجزائري السيد عبد المجيد تبون هذه العبارة في سياق‬
‫إستهجاني منددا بالتهميش الذي تعيشه ما أسماه بمناطق الظل و عدم سعي والة األمور إلى‬
‫تغيير تلك الظروف و األوضاع رافضا فكرة تشبيهها بالقضاء و القدر الواجب التسليم به‪،‬‬
‫و هذا في خطابه أمام الوالة ليوم ‪.2020 /08/12‬‬
‫و من باب تأكيد المعنى فقد أضاف السيد رئيس الجمهورية صفة الحتمية إلى المتالزمة‬
‫اللفظية ليزيد المعنى عمقا بطرح فكرة استحالة تغير الحال‪ ،‬متجاهال بذلك المعنى الضمني‬
‫للعبارة و المفيد للحتمية نفسها‪ ،‬و هذا ما لمسناه في ترجمة نعوم حجار في ترجمة عبارة‬
‫و قد ترجم كلمتي القضاء و القدر‬ ‫‪264‬‬
‫" القضاء و القدر" إلى » ‪ « la fatalité‬أي الحتمية‪،‬‬
‫في سياق ورودهما منفصلتين كل على حدا في عبارات مسكوكة منفصلة إلى » ‪« destin‬‬
‫‪265‬‬

‫و في ظل غياب الخيط الفاصل بين القضاء و القدر في اللغة الفرنسية على حدود‬
‫علمنا‪ ،‬فإن المترجم قد فضل اعتماد تقنية التكافؤ لترجمة العبارة و هذا بدمج المصطلحين‬
‫‪ - 264‬المصدر السابق‪ :‬نعوم حجار‪ ،‬جوزيف‪ ،‬منجد األمثال و الحكم و الفزائد اللغوية‪ .‬ص ‪.176‬‬
‫‪ - 265‬وردت كلمة "القدر" في المثل " إذا جاء القدر غشي البصر" و في عبارة " الحذر ال يدفع القدر" ص ‪.174‬‬
‫و وردت كلمة القضاء في عبارة " إذا حان القضاء ضاق الفضاء" ص ‪ .176‬المصدر نفسه‪ :‬نعوم حجار‪ ،‬جوزيف‪.‬‬
‫‪286‬‬
‫في مصطلح واحد يقابلهما » ‪ « destin‬و إضافة صفة الحتمية في كلمة » ‪ « scellé‬التي‬
‫تعني الختم الرسمي الذي تختم به األقفال و الرسائل‪ ،‬و التي ال يجوز ألي كان فتحها إال‬
‫بسلطة من صاحب الختم‪.‬‬

‫قضاء و قدر‪.‬‬ ‫العبارة‪:‬‬


‫الحتمية‪ ،‬و التسليم بها‪.‬‬ ‫الداللة المكتنزة‪:‬‬
‫‪destin scellé‬‬ ‫الترجمة‪:‬‬
‫المكافئ‪.‬‬ ‫التقنية‪:‬‬

‫‪" « Les gens commencent à revenir à la raison » 8-1-1‬‬

‫بدأ الناس يعودون إلى الحكمة"‬

‫إستعمل الرئيس الجزائري هذه العبارة في لقائه الصحفي بقناة فرانس ‪ 24‬ليعبر بها عن‬
‫تبني الجزائريين لتدابير الحماية و الوقاية الصحي ة ضد الوباء المنتشر‪ ،‬فقال بالفرنسية‪:‬‬
‫» ‪« Les gens commencent à revenir à la raison‬‬

‫لقاء صحفي‪ .‬حصة تلفزيونية » ‪« exclusif‬‬ ‫طبيعة الخطاب‬


‫الصحفي‪ :‬مارك برلمان )‪ (Marc Perelman‬وكالة فرانس ‪.24‬‬ ‫انتماء المضيف‬
‫الفرنسية‪.‬‬ ‫لغة الخطاب‪.‬‬
‫قناة فرانس ‪ 24‬الناطقة بالعربية‪ ،‬حصة "حصري"‬ ‫الهيئة المترجمة‪.‬‬
‫لغة الترجمة و طبيعتها‪ .‬ترجمة فورية إلى اللغة العربية‪.‬‬
‫العبارة في النص األصلي باللغة الفرنسية‪:‬‬

‫‪Marc (f24) : « … on va commencer par un sujet d’actualité « le Covid 19 ».‬‬


‫‪Ces derniers jours sont assez inquiétants, le nombre de cas bat des records, on‬‬
‫‪est au-delà de 400. Est-ce-que vous craignez une flambée épidémique ici en‬‬
‫» ? ‪Algérie‬‬
‫‪287‬‬
‫‪Réponse de monsieur le président : « on s’est attendu un peu…on souhaite que‬‬
‫‪ça s’arrête à ce niveau là…parfois les traditions ont pris le pas sur les‬‬
‫‪recommandations faites actuellement par le conseil scientifique…je pense que‬‬
‫» ‪les gens commence à revenir à la raison‬‬

‫ترجمة إجابة السيد الرئيس‪:‬‬


‫"كنا ننتظر حدوث هذا‪...‬نتمنى أن يتوقف الوباء عند هذا الحد‪...‬في بعض األحيان للتقاليد‬
‫اليد العليا على اإلجراءات المتخذة من طرف المجلس العلمي‪...‬لكن بدأ الناس يعودون إلى‬
‫الحكمة"‬

‫مفتوحة (غروس)‪ ،‬شبه خاصة (راموس)‬ ‫تصنيف العبارة المسكوكة‪:‬‬


‫حكمة‪.‬‬ ‫نوع العبارة‪:‬‬
‫فلسفي‪.‬‬ ‫السياق المورفوتركيبي األصلي‪:‬‬
‫التراجع و اإلعتراف بالخطأ‪.‬‬ ‫المعنى األصلي‪:‬‬
‫إحترام إجراءات الحجر الصحي‪.‬‬ ‫المعنى السياقي‪:‬‬
‫التخلي عن التصرفات السيئة‪.‬‬ ‫المعنى الظاهر‪:‬‬
‫تبني المواطنين لتدابير الوقاية‪.‬‬ ‫المعنى التداولي‪:‬‬
‫حسب ما جاء في موقع قاموس العالم الفرنكوفوني فإن هذه العبارة تعني الخيار الحسن‬
‫والعودة من طريق التغرير‪266.‬فالعبارة إذن تكتنز قص ة ضالل العائد إلى صوابه‪ ،‬و‬
‫تصرح بحسن تدبيره بإستماعه لصوت العقل و المنطق و العدول عما كان فيه‪ ،‬و هذا ما‬
‫أكده ذات القاموس‪.‬‬

‫الواضح أن المترجم الفوري للعبارة لم يكن يملك من الوقت إال ما يستعمله إلبراز المعنى‬
‫متجاهال جمالية المبنى‪.‬‬
‫و بذلك فإن المترجم قد إختار مجاملة المعني من العبارة حين استعمل لفظ الحكمة و إن‬
‫كان ذلك عن غير قصد‪ ،‬فكلمة الحكمة ال تدل بالضرورة على ضالل العائد إليها‪ ،‬على‬
‫‪266‬‬
‫‪Le monde francophone : Faire un bon choix, une bonne action après s’être grandement trompé‬‬

‫‪288‬‬
‫خالف كلمة "الصواب" التي تعني أن الفترة التي سبقت العودة كانت تتسم بالعشوائية‬
‫والتيه و الضالل‪.‬‬

‫‪revenir à la raison‬‬ ‫العبارة‪:‬‬


‫يعودون إلى الحكمة‪.‬‬ ‫الترجمة‪:‬‬
‫ترجمة كلمة بكلمة‪.‬‬ ‫التقنية‪:‬‬

‫‪" 8-1-1‬الجيش األبيض"‬


‫» ‪« L’armée blanche‬‬

‫لم يتوان السيد رئيس الجمهورية عن استحضار هذه المتالزمة اللفظية الظرفية التي‬
‫استدعتها الظروف العالمية (جائحة كورونا)‪ ،‬و رغم أن العالم أجمع قد اتفق على هذه‬
‫التسمية‪ ،‬إال أننا سنفرد لها سياقا محليا ذكر فيه الرئيس العبارة مع شرحها‪.‬‬
‫‪2020 /08/12‬قصر األمم‪.‬‬ ‫السياق الزمكاني‬
‫الوالة و المسؤولين المحليين و عموم الشعب الجزائري‪.‬‬ ‫المتلقي‬
‫العربية‪.‬‬ ‫لغة الخطاب‬
‫شفوي مباشر متلفز‪.‬‬ ‫طبيعة الخطاب‬
‫وكالة األنباء الجزائرية (ترجمة تحريرية)‬ ‫صفة المترجم‬
‫النص األصلي باللغة العربية‪:‬‬
‫"إنه لقاء تقييمي لما أنجز بمقارنة المهام بالنتائج‪ ،‬خصصنا فيه الجزء األكبر من نشاطنا‬
‫لعامل لم يكن في الحسبان و هو الجائحة كورونا التي استطعنا و الحمد هلل إبقاءها تحت‬
‫السيطرة بفضل علماءنا و أطباءنا و ما يسمى بالجيش األبيض من أطباء و شبه طبي‬
‫وعمال الصحة"‬
‫الترجمة التحريرية إلى اللغة الفرنسية‪:‬‬
‫‪« Nous avons…concentré le plus grand effort sur la lutte contre un facteur‬‬
‫‪imprévisible, en l’occurrence la pandémie Covid-19 que nous avons pu, Dieu‬‬
‫‪merci, garder sous contrôle grâce à nos scientifiques et nos médecins et à‬‬

‫‪289‬‬
‫‪notre armée blanche de médecins, de paramédicaux et autres personnels de la‬‬
‫» ‪santé‬‬
‫مغلقة(غروس)‪ ،‬شبه خاصة (راموس)‬ ‫تصنيف العبارة المسكوكة‬
‫متالزمة لفظية ظرفية ‪.‬‬ ‫نوع العبارة‬
‫جائحة كورونا‪.‬‬ ‫السياق المورفوتركيبي األصلي‬
‫الدفاع عن الصحة العالمية‪ ،‬و التصدي للوباء‪.‬‬ ‫المعنى األصلي‬
‫التضحية في سبيل المبدأ‪.‬‬ ‫المعنى السياقي‬
‫القوة و االنضباط‪.‬‬ ‫المعنى الظاهر‬
‫التقدير و الدعم المعنوي‪.‬‬ ‫المعنى التداولي‬
‫تتأل ف هذه المتالزمة اللفظية من إتحاد إسم (الجيش) ‪ +‬صفة لونية (األبيض) للداللة‬
‫على المنتمين إلى قطاع الصح ة‪ ،‬حيث تزامن سك هذه التسمية في العالم أجمع مع إنتشار‬
‫وباء الحمى التاجية‪ .‬و لعل تشبيههم بالجيش راجع إلى طبيعة هذا األخير المتسمة‬
‫باإلنضباط و التواجد في الصفوف األولى ضد كل ما من شأنه اإلضرار بالوطن مع قابلية‬
‫التضحية بالنفس من أجل مبدأ خدمة الوطن‪ ،‬فقد كان عمال الصحة في مواجهة مباشرة مع‬
‫الوباء المذكور متجاهلين إمكانية إصابتهم به رغم كل اإلحتياطات‪.‬‬
‫و بما أن داللة المكونات اللفظية للعبارة المسكوكة و المراد من العبارة نفسها متفق عليه‬
‫بين كل اللغات و الثقافات‪ ،‬فإن لجوء المترجم إلى المحاكاة لترجمتها أمر منطقي إلضفاء‬
‫نفس درجة البالغة والمسكوكية‪ ،‬فكانت عبارة » ‪ « l’armée blanche‬الترجمة األمثل‬
‫للمتالزمة اللفظية التي اجتاحت العالم‪.‬‬

‫الجيش األبيض‪.‬‬ ‫العبارة‪:‬‬


‫‪l’armée blanche‬‬ ‫الترجمة‪:‬‬
‫المحاكاة (النسخ)‪.‬‬ ‫التقنية‪:‬‬

‫‪" 9-1-1‬الجزائر الجديدة"‬


‫» ‪« L’Algérie nouvelle‬‬

‫‪290‬‬
‫تمثل هذه العبارة المسكوكة حديثا في عالم السياسة الجزائري أكثر من مجرد متالزمة‬
‫لفظية‪ ،‬بل صارت شعارا للنظام السياسي الذي ظهر عقب نجاح الحركة اإلحتجاجية‬
‫المعروفة بالحراك السلمي‪ ،‬إذ ال يكاد يخلو خطاب سياسي منها‪.‬‬

‫تتكون هذه العبارة المسكوكة من اتحاد إسم علم (الجزائر) ‪ +‬صفة نوعية (الجديدة)‪،‬‬
‫ورغم أن اإلسم الوارد فيها (الجزائر) هو إسم علم؛ أي أنه معرف بنفسه‪ ،‬فهو يمثل إسم بلد‬
‫محدد المعالم والحدود و التوجهات في العالم السياسي زانته "ال" التعريفية‪ ،‬إال أن معنى‬
‫العبارة ينزلق تحت صفة "الجديدة" و التجديد‪ ،‬و منه فإن الخوض في معنى هذه العبارة‬
‫يستلزم تحليل الصفة المكتنزة لمعناها‪.‬‬
‫تستعمل كلمة " الجديد" عند العوام في مقابلة للقديم‪ ،‬و يراد بها الحديث المنشأ مما تصنع‬
‫وتبدع يد اإلنسان من منتجات و وسائل‪ ،‬و الحديث التبني من أفكار و توجهات و سلوكات‬
‫وصف اإلسالم في بدايته‬
‫ُ‬ ‫مخالفة للمألوف منها وما تعودت عليه سائر العامة‪ ،‬و من ذلك‬
‫بالدين الجديد‪ ،‬و سمي اإلنجيل بالعهد الجديد فيما أطلقت على التوراة تسمية العهد القديم‪.‬‬

‫غير أن القواميس ترفض ذلك التفسير المنتشر عند العامة لتفصل في معناها حسب‬
‫سياق ورودها‪ ،‬و من بين المعاني التي أوردها معجم المعاني انتقينا ما يناسب سياق ورودها‬
‫في الخطاب السياسي‪.‬‬
‫فكلمة الجديد و إن كانت معاكسة للقديم في معناها فإنها ال تعني بالضرورة إقصاءه‪ ،‬و تكتفي‬
‫بمحو آثاره‪ ،‬فالبيت الجديد ال يعني بناء بيت من العدم‪ ،‬و إنما إعادة بناءه بمواد جديدة‬
‫وإصالح ما تصدع وترميم ما اهترأ منه‪ ،‬و إن كان تجديده يتطلب إزالته فإنه سيكون على‬
‫نفس األرضية شأنه في ذلك شأن البلدان و الدول‪ ،‬فالتجديد في الدول ال يعني إيجاد بلد جديد‪،‬‬
‫و إنما نظام تسيير جديد بمناهج وطرائق و نظرة مغايرة للتي كانت سائدة و معروفة في ذات‬
‫البلد‪.‬‬
‫و لفظ الجديد يدل كذلك على العظمة و الثراء و الحظ العظيم‪ ،‬وبذلك فإن عبارة "الجزائر‬
‫الجديدة" يمكن أن يكون المراد منها " البلد العظيم" أو " البلد المحظوظ" إال أن هذه المعاني‬
‫الواردة ليست هي المعاني المرادة من صياغة العبارة و إن كانت تزيد المعنى المستتر رونقا‬
‫و جماال‪ ،‬ليهيمن معنى تجديد الرؤية و تغيير نظام التسيير على داللة المتالزمة اللفظية‪.‬‬
‫‪291‬‬
‫و التجديد في األنظمة شائع في عالم السياسة‪ ،‬و من أمثلة ذلك تسمية الدول باألرقام‬
‫كالجمهورية الخامسة (فرنسا)‪ ،‬و في سياق حديث الرئيس الجزائري مع صحفي فرانس ‪،24‬‬
‫أوضح أن التجديد في الجزائر ليس محاكاة لنظام دولة أخرى أيا من كانت‪ ،‬و إنما هو نتاج‬
‫دراسة متماشية مع واقع الدولة ووضعها‪ ،‬و إستجابة لمطارق العصر و متطلباته‪.‬‬
‫و بذلك فإن المعنى المراد من المتالزمة اللفظية هو تغيير نظام و طريقة التسيير و الوجوه‬
‫المسي رة كما أورده في حديثه لقناة روسيا اليوم " سقوط الرؤوس المسؤولة عن اإلنهيار"‪.‬‬

‫حافظ المترجم على قطبي المتالزمة اللفظية لمحاكاة العبارة األصل‪ ،‬مستعمال كلمة‬
‫» ‪ « nouvelle‬لمقابلة صفة " الجديدة"‪ ،‬و رغم أن الكلمة الفرنسية ال تتمتع بنفس اتساع‬
‫الحقل الداللي للكلمة العربية حين ورودها كصفة‪ ،‬إال أن سياق ورودها في الترجمة يصب‬
‫في نفس السياق الذي استدعيت فيه الصفة األصل‪ ،‬فمن معاني الصفة الفرنسية‬
‫» ‪ « nouvelle‬الواردة في قاموس الرووس للغة الفرنسية نجد‪:‬‬
‫‪-‬سابق اإلنعدام المطلق للشيء أو الفكرة الجديدة و انبثاقه من العدم‪.‬‬
‫‪ -‬أو سابق اإلنعدام النسبي للشيء الجديد قبله‪ ،‬كوفود شخص جديد‪.‬‬
‫‪ -‬أو ظهور شيء أو توجه جديد بداية من حدث أو تاريخ معين‪ ،‬و هو ما يخدم الفكرة ويعكس‬
‫المعنى المراد من العبارة في اإلستعارة المستعملة‪.‬‬

‫تطابقت كل الترجمات من تحريرية و فورية لعبارة " الجزائر الجديدة" تطابق ترتيب األلفاظ‬
‫الواردة فيها بال زيادة أو نقصان‪ ،‬حيث جاءت على صيغة ‪ ،Nom+ Adjectif‬كما ورد‬
‫إسم العلم " الجزائر" في الترجمة مقترنا بأداة التعريف الفرنسية » ’‪.« L‬‬

‫‪" 10-1-1‬مناطق الظل"‬


‫‪« Zones d’ombres »267‬‬

‫‪ - 267‬تستعمل لفظة الظل في العالم السياسي للداللة على المجهول النسبي بالنسبة للعالم الخارجي لتلكم األشياء المظللة‪،‬‬
‫فكانت عبارة مناطق الظل للداللة على المناطق التي ال يعرفها إال قاطنيها أو قلة قليلة من غيرهم‪ .‬كما توجد عبارة أخرى‬
‫تعتمد الظل في صياغتها و هي" مرشحو الظل" حيث سكت هذه العبارة للداللة على مرشحي اإلنتخابات الرئاسية الذين لم‬
‫يسمع عنهم العالم الخارجي لعدم إهتمام اإلعالم بهم من جهة و عدم امتالكهم للشعبية الالزمة للتعريف بهم من جهة أخرى‪.‬‬
‫مثل اإلنتخابات األمريكية لسنة ‪ 2020‬التي إحتدم الصراع فيها بين بايدن و ترامب‪ ،‬هذا الصراع غطى و أهمل وجود‬
‫مرشحين آخرين من أمثال‪ :‬جو جورجينسن‪ ،‬تحصلت على ‪ %1،1‬من األصوات‪ .‬هاوي هوكينز تحصل على ‪ % 2،0‬من‬
‫األصوات‪ ،‬جيروم سيغال تحصل على ‪ % 3،0‬من األصوات‪ .‬حيث تم تصنيفهم في النتائج النهائية تحت خانة مرشحين‬
‫آخرين‪.‬‬
‫‪292‬‬
‫وردت هذه العبارة في معظم خطابات السيد رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون‪ ،‬و مع تكرار‬
‫استحضارها في مختلف المناسبات و الخطابات إال أن ترجمتها كانت ثابتة‪ .‬لذا فإننا سنكتفي‬
‫بذكر سياق ورودها في لقاء السيد عبد المجيد تبون بالوالة‪.‬‬
‫‪2020 /08/12‬قصر األمم‪.‬‬ ‫السياق الزمكاني‬
‫الوالة و المسؤولين المحليين و عموم الشعب الجزائري‪.‬‬ ‫المتلقي‬
‫العربية‪.‬‬ ‫لغة الخطاب‬
‫شفوي مباشر متلفز‪.‬‬ ‫طبيعة الخطاب‬
‫وكالة األنباء الجزائرية (ترجمة تحريرية)‬ ‫صفة المترجم‬

‫النص األصلي بالعربية‪:‬‬


‫" ‪ ...‬و لكن لألسف لم نلمس في واليات أخرى أثرا كبيرا لمثل هذه الجهود‪ ...‬و إنجاز ما كان‬
‫مطلوبا منه من تحسين معيشة الماليين من المواطنين و المواطنات الذين مازالوا يعيشون في‬
‫مناطق الظل في زمن غير زمانهم كأنه قضاء محتوم"‬
‫الترجمة إلى الفرنسية‪:‬‬
‫‪« des efforts, qui malheureusement, n’ont pas été palpables dans d’autres‬‬
‫‪wilayas, …et dans la réalisation de ce qui était tracé pour l’amélioration du‬‬
‫‪niveau de vie de millions de citoyens , vivant encore dans des zones d’ombres,‬‬
‫» ‪et presque à une autre époque comme s’il s’agissait là d’un destin scellé‬‬
‫مغلقة (غروس)‪ ،‬شبه خاصة (راموس)‬ ‫تصنيف العبارة المسكوكة‪:‬‬
‫عبارة عادية‪.‬‬ ‫نوع العبارة‪:‬‬
‫جغرافي‪.‬‬ ‫الحقل الداللي‪:‬‬
‫إضافة داللة جديدة (التهميش و اإلهمال)‪.‬‬ ‫سبب السك‪:‬‬
‫مناطق يلجأ إليها من لفح الشمس‪.‬‬ ‫المعنى األصلي‪:‬‬
‫مناطق لم يصلها نور التمدن‪.‬‬ ‫المعنى السياقي‪:‬‬
‫التنديد بالتهميش و اإلهمال‪.‬‬ ‫المعنى التداولي‪:‬‬
‫شبه الرئيس‪ -‬في صياغته لهذه العبارة – مظاهر الحياة المدنية (شبكات الطرق و المياه‬
‫والكهرباء والغاز) بنور الشمس الذي لم يصل إلى هذه المناطق المظللة‪.‬‬

‫أجمع المترجمون على اإلحتكام إلى المحاكاة من أجل ترجمة العبارة المذكورة إلى ‪« les‬‬
‫» ‪ ( N+ de+N) zones d’ombres‬كما استعملها مراسل قناة فرانس ‪ 24‬كما هي في سياق‬
‫حواره مع الرئيس الجزائري و قد جاءت ترجمتها في ذات القناة كما وردت في اللغة األصل‬
‫" مناطق الظل" و ذلك لتأديتها المعنى المراد منها بجدارة‪ .‬و لعل ما جعل المترجمين‬
‫‪293‬‬
‫يعتمدون هذه التقنية هو انزالق كلمة المناطق تحت كلمة الظل‪ ،‬التي تتفق معظم اللغات‬
‫و الثقافات على داللتها المباشرة وكذا معانيها الممكنة الورود في سياق اإلستعارة‪.‬‬

‫مناطق الظل‪.‬‬ ‫العبارة‪:‬‬


‫التهميش و اإلهمال‪.‬‬ ‫الداللة‪:‬‬
‫‪des zones d’ombres‬‬ ‫الترجمة‪:‬‬
‫المحاكاة (النسخ)‬ ‫التقنية‪:‬‬

‫‪" 12- 1-1‬مناطق الظل يعيشون في زمن غير زمانهم"‬


‫‪« Citoyens, vivant encore dans des zones d'ombre et presque à une autre‬‬
‫» ‪époque‬‬

‫‪2020 /08/12‬قصر األمم‪.‬‬ ‫السياق الزمكاني‬


‫الوالة و المسؤولين المحليين و عموم الشعب الجزائري‪.‬‬ ‫المتلقي‬
‫العربية‪.‬‬ ‫لغة الخطاب‬
‫شفوي مباشر متلفز‪.‬‬ ‫طبيعة الخطاب‬
‫وكالة األنباء الجزائرية (ترجمة تحريرية)‬ ‫صفة المترجم‬

‫النص األصلي بالعربية‪:‬‬


‫" ‪ ...‬و لكن لألسف لم نلمس في واليات أخرى أثرا كبيرا لمثل هذه الجهود‪ ...‬و إنجاز ما كان‬
‫مطلوبا منه من تحسين معيشة الماليين من المواطنين و المواطنات الذين مازالوا يعيشون‬
‫في مناطق الظل في زمن غير زمانهم كأنه قضاء محتوم"‬
‫الترجمة إلى الفرنسية‪:‬‬
‫‪« des efforts, qui malheureusement, n’ont pas été palpables dans d’autres‬‬
‫‪wilayas, …et dans la réalisation de ce qui était tracé pour l’amélioration du‬‬
‫‪niveau de vie de millions de citoyens , vivant encore dans des zones d’ombres,‬‬
‫» ‪et presque à une autre époque comme s’il s’agissait là d’un destin scellé‬‬

‫مفتوحة (غروس)‪ ،‬شبه خاصة (راموس)‬ ‫تصنيف العبارة المسكوكة‪:‬‬


‫حكمة‪.‬‬ ‫نوع العبارة‪:‬‬

‫‪294‬‬
‫المورفوتركيبي فلسفي‪.‬‬ ‫السياق‬
‫األصلي‪:‬‬
‫يمكن أن يكون‪ - :‬تاريخي (الحياة و الموت‪ ،‬العصور‬ ‫الحقل الداللي‪:‬‬
‫واألزمنة)‬
‫‪-‬فيزيائي (االنتقال عبر الزمن‪ ،‬و مواكبته‪ ،‬الحركية‬
‫والجمود)‬
‫إختالف الذهنيات‪.‬‬ ‫المعنى األصلي‪:‬‬
‫إختالف مظاهر الحياة‪.‬‬ ‫المعنى السياقي‪:‬‬
‫ضرورة تسليط ضوء المدنية‪.‬‬ ‫المعنى التداولي‪:‬‬

‫تعود أصول هذا األسلوب التعبيري حسب ما ورد في إغاثة اللهفان البن القيم الجوزية إلى‬
‫الحضارة اليونانية‪ ،‬حيث وردت عن فالسفتها (سقراط أو أ فالطون) مقولة في آداب التربية‬
‫" ال تكرهوا أوالدكم على آثاركم‪ ،‬فإنهم مخلوقون لزمان غير زمانكم"‪ ،‬إستخدم الرئيس‬
‫الجزائري هذا التعبير المسكوك في صيغة جمع الغائب في خضم حديثه عن ظروف حياة‬
‫ما يعرف بمناطق الظل‪ ،‬وقد اختصر كل ما يمكن أن يقال في هذه العبارة‪.‬‬
‫بالعودة إلى سياق ورود العبارة بغية التمكن من معناها‪ ،‬فإن سياقها الزمني هو العشرية‬
‫الثالثة من القرن الواحد و العشرين‪ ،‬و مع توفر كل أسباب العيش الكريم و الراحة في هذا‬
‫السياق الزمني‪ ،‬فإن السياق المكاني لتواجد هذه المناطق حرمها من أخذ حصتها و نيل‬
‫نصيبها من تلك الوفرة في أسباب الراحة وكرم العيش‪ ،‬و هذا ما دفع بالرئيس الجزائري‬
‫إلنتقاد سياسة الكيل بمكيالين‪ .‬فإنعكاس الزمن و ما يحمله من تطور و تقدم واضحين في‬
‫المدينة غائب في الريف رغم الدور الذي لعبه في ثورة التحرير حسبما أورده الرئيس في‬
‫حواره مع قناة فرانس ‪ " 24‬الريف الجزائري عانى في وقت اإلستعمار"‪ ،‬فكانت بذلك‬
‫مظاهر العيش في تلك المناطق تعود بالناظر إليها و تحجز قاطنتها في أزمنة الزمن البعيد‪.‬‬

‫بالنظر إلى الحقل الدّللي الذي تشمله كلمة الزمن فإن المترجم اختار دّللة الحقبة‬
‫و العهد‪ ،‬فاختار لذلك داللة زمنية لما مضى من ال زمان للداللة على مظاهر التخلف وما‬
‫توحي به كلمة » ‪ ،« autre époque‬فاستخدام مرادف الزمن » ‪ « autre temps‬أو البعد‬
‫الزمني» ‪ « autre dimension‬قد يوحي بما يستقبل من الزمان أو المستقبل‪ ،‬لذا فإن‬
‫‪295‬‬
‫المترجم قد استخدم عبارة من شأنها تحديد المعنى كما ورد في الخطاب إضافة إلى‬
‫الشحنة العاطفية التي يمكن أن تثيرها العبارة طبقا للسياق الذي أريد منها‪.‬‬
‫إحتكام المترجم إلى أسلوب اإلبدال للمحافظة على نسق العبارة األصل مع تغيير‬
‫أسلوب النفي الصريح "غير زمانهم" إلى تحييد المنفي في الترجمة » ‪ « autre‬قد أعطى‬
‫ثماره في المحافظة على المعنى "زمن آخر" (غير الحقيقي)‪ ،‬إال أنه قد تجاهل جمالية‬
‫المبنى المتمث ل في ذلك الجانب التكراري للداللة الزمنية في العبارة المسكوكة " زمان غير‬
‫زمانهم"‪ ،‬غير أن هذا التجاهل غير نابع عن إهمال أو خطأ ترجمي‪ ،‬و إنما مرده إلى ما قد‬
‫سبق لنا اإلشارة إليه من إختالف هندسة اللغات‪ ،‬فالفرنسية تعتبر التكرار خطأ تعبيريا‬
‫واجب التجن ب على عكس اللغة العربية التي تعتبره ضربا من ضروب جمالية األسلوب‪.‬‬

‫في زمن غير زمانهم‪.‬‬ ‫العبارة‪:‬‬


‫‪autre époque‬‬ ‫الترجمة‪:‬‬
‫اإلبدال‪.‬‬ ‫التقنية‪:‬‬

‫‪" 12-1-1‬باب التوبة مفتوح‪" ...‬‬


‫»‪« Les portes de la repentance sont ouvertes.‬‬

‫تُتَداول هذه العبارة عبر كل أصقاع المعمورة لعموم فكرة قصور اإلنسان و خطأه في‬
‫حق نفسه ورب ه و اآلخرين من البشر‪ ،‬و ذلك بسبب سوء تقديره لألمور أو جموحه أو‬
‫غفلته من جهة‪ ،‬و قابلية صحوة الضمير و تأنيبه مع إمكانية العودة إلى جادة الصواب من‬
‫جهة أخرى‪.‬‬
‫‪2020 /08/12‬قصر األمم‪.‬‬ ‫السياق الزمكاني‬
‫الوالة و المسؤولين المحليين و عموم الشعب الجزائري‪.‬‬ ‫المتلقي‬
‫العربية‪.‬‬ ‫لغة الخطاب‬
‫شفوي مباشر متلفز‪.‬‬ ‫طبيعة الخطاب‬
‫وكالة األنباء الجزائرية (ترجمة تحريرية)‬ ‫صفة المترجم‬

‫‪296‬‬
‫النص األصلي باللغة العربية‪" :‬باب التوبة مفتوح لمن تم تغليطهم‪ ،‬سلك بالدك"‬
‫الترجمة إلى اللغة الفرنسية‪:‬‬
‫» ‪« Les portes de repentance sont ouvertes pour les égarés, sauve ton pays‬‬
‫مفتوحة (غروس)‪ ،‬شبه خاصة (راموس)‬ ‫تصنيف العبارة المسكوكة‪:‬‬
‫تناص مقدس ‪.‬‬ ‫نوع العبارة‪:‬‬
‫حديث نبوي شريف‪.‬‬ ‫السياق المورفوتركيبي األصلي‪:‬‬
‫إمكانية العفة عن المخطئ و المسيء‪.‬‬ ‫المعنى األصلي‪:‬‬
‫تغيير السلوك و الذهنيات و اإلنتماء‪.‬‬ ‫المعنى السياقي‪:‬‬
‫إمكانية محو األخطاء و تجاوز الخالفات‪.‬‬ ‫المعنى الظاهر‪:‬‬
‫العمل من أجل الوطن‪.‬‬ ‫المعنى التداولي‪:‬‬

‫فضل المترجم التحريري تتبع الوحدات المفرداتية المكو نة للعبارة المسكوكة األصل‪،‬‬
‫و ذلك لما تعرفه العبارة من تداول بين الجزائريين على اختالف ثقافاتهم‪ ،‬و كذا األثر‬
‫العميق الذي تثيره كلمة التوبة في النفوس لقدسيتها عند عموم المتلقين‪ ،‬ذلك أنها تجمع بين‬
‫معنيين متناقضين في آن واحد‪ ،‬فهي تمث ل اسم سورة نزلت في حق المنافقين تنذرهم‬
‫بعذاب مهين م ن جهة‪ ،‬و تمثل بارقة أمل للعصاة و وسيلة إعفاء من العقوبة من جهة‬
‫أخرى‪ ،‬و ما يُميل النفس المتلقية إلى السكون و الطمأنينة هو إسناد صفة الفتح و اإلتاحة‬
‫إلى التوبة‪.‬‬

‫كان يمكن للمترجم إعتماد تقنية المكافئ باستحضار العبارة‪:‬‬


‫» ‪« La nouvelle naissance commence par la repentance‬‬
‫و هي عبارة مسكوكة فرنسية تجمع بين طي اتها بين البشارة النابعة من ما توحي به الوالدة‬
‫الجديدة (الميالد الجديد يعني بياض الصفحة و خلوها من الشوائب) و إرتباط تلك الحالة‬
‫النفسية من الراحة والطمأنينة بالتوبة‪ ،‬إضافة إلى الجمالية األسلوبية في رص الوحدات‬
‫» ‪« naissance‬‬ ‫اللغوية و إضفاء نغم تصفيري بفضل القافية السينية للكلمتين‬
‫» ‪.« repentance‬‬

‫باب التوبة مفتوح‪.‬‬ ‫العبارة‪:‬‬

‫‪297‬‬
‫‪Les portes de repentance sont ouvertes‬‬ ‫الترجمة‪:‬‬
‫كلمة بكلمة‪.‬‬ ‫التقنية‪:‬‬
‫(التكافؤ ‪La nouvelle naissance commence par la‬‬ ‫ممكنة‪:‬‬ ‫ترجمات‬
‫‪repentance‬‬ ‫الديناميكي)‬

‫‪" 13-1-1‬تبنى البيوت من األساس و ليس السقف"‬


‫‪« La construction d’une maison commence toujours par les fondations‬‬
‫» ‪et non par le toit‬‬
‫إستعمل الرئيس الجزائري هذه العبارة أثناء حديثه مع قناة روسيا اليوم‪ ،‬و ذلك في‬
‫إطار دعم إجابته حول أسبقية إستفتاء الدستور على اإلنتخابات التشريعية و المحلية في‬
‫البالد‪.‬‬
‫لقاء صحفي‪ .‬حصة تلفزيونية "الحوار الكبير"‬ ‫طبيعة الخطاب‬
‫الصحفية‪ :‬ياسمين مسوس (قناة روسيا اليوم)‬ ‫انتماء المضيف‬
‫العربية‪.‬‬ ‫لغة الخطاب‪.‬‬
‫‪« La grande‬‬ ‫قناة روسيا اليوم (النسخة الفرنسية)‪.‬‬ ‫الهيئة المترجمة‪.‬‬
‫» ‪interview‬‬
‫لغة الترجمة و طبيعتها‪ .‬ترجمة فورية إلى اللغة الفرنسية‪.‬‬
‫النص األصلي باللغة العربية‪:‬‬
‫صح فية روسيا اليوم‪":‬إرتأيتم في البداية تعديل الدستور ثم طرحه على اإلستفتاء‪ ،‬لكن‬
‫مرورا بالبرلمان‪ .‬من يطعن في شرعية البرلمان عبر انتخابات قال عنها أنها مزورة‪،‬‬
‫يقول أنه كان يجدر حل البرلمان و إجراء انتخابات تشريعية مسبقة ثم الذهاب إلى‬
‫اإلصالح السياسي‪ .‬ما هي الم عايير التي اتخذتموها في هذه الرزنامة أو الجدول الزمني‬
‫للتغيير؟"‬
‫إجابة السيد الرئيس‪:‬‬

‫‪298‬‬
‫"أوال هناك منطق‪ ،‬منطق أن البيوت تبنى من األساس و ليس من السقف‪ ،‬فمن غير‬
‫المنطقي أن ننطلق في قانون انتخابات و الدستور لم يفصل ال في انتخابات و ال في نتيجتها‬
‫و ال في دور المنتخبين‪"...‬‬
‫ترجمة إجابة السيد الرئيس إلى اللغة الفرنسية‪:‬‬
‫‪« Premièrement, la logique veut que la construction d’une maison‬‬
‫‪commence toujours par les fondations et non par le toit. Il n’est pas‬‬
‫‪logique que nous commençons par la loi électorale, alors que la constitution‬‬
‫» ‪n’a pas encore tranché dans les élections‬‬
‫مغلقة(غروس)‪ ،‬تامة (راموس)‬ ‫تصنيف العبارة المسكوكة‬
‫حكمة ‪.‬‬ ‫نوع العبارة‬
‫اقتصادي (البناء و التشييد)‪.‬‬ ‫السياق المورفوتركيبي األصلي‬
‫منهجية البناء‪.‬‬ ‫المعنى األصلي‬
‫تحديد األولويات‪.‬‬ ‫المعنى السياقي‬
‫ترتيب اإلجراءات و األمور‪.‬‬ ‫المعنى الظاهر‬
‫التأكيد على الخطوة المتبعة و التسريع في وتيرة‬ ‫المعنى التداولي‬
‫أشغالها‪.‬‬
‫تشكل هذه الحكمة مظهرا لغويا لنشاط عضلي إقتصادي إنساني خاضع إلى قوانين‬
‫منظمة له ومشرعة لطريقة تجسيده‪ ،‬قوامها المراحل األساسية و طريقة التدرج في البناء‬
‫و تشييد الصروح‪ .‬إال أن انتقال إستعمال واتساع دائرة تدا ول هذا التعبير من مجال البناء‬
‫والعمارة إلى كل ميادين البناء الفكري والمجتمعي‪ ،‬وترددها في الخطابات و النصوص‬
‫المصاغة في مختلف السياقات الخطابية‪ ،‬قد أخرج هذا التعبير الرمزي من دائرة الكالم‬
‫المنطقي و صفرية األسلو ب إلى دائرة التعابير المسكوكة والحكم‪ ،‬حيث أصبح ال يقتصر‬
‫على نقل معلومة نفعية حول الطريقة المثلى للبناء فقط‪ ،‬بل تعداها إلى دالالت واقعة غير‬
‫لغوية ال يمكن أن تكون إال بهذا الشكل اللغوي وال تدرك دالالتها إال من خالل تحليل‬
‫سياقها التداولي‪.‬‬

‫و قد اختار الرئيس العبارة بناء على قدرتها على حمل المعنى المراد و جمالها النظمي‪.‬‬

‫‪299‬‬
‫دأب المترجم الفوري لقناة روسيا اليوم على تتبع المكونات اللغوية للحكمة فاستخدم‬
‫‪« la construction d’une maison‬‬ ‫التحوير في ترجمة " تبنى البيوت" إلى‬
‫» ‪،commence‬‬

‫البيوت تبنى من األساس و ليس من السقف‪.‬‬ ‫العبارة‪:‬‬

‫‪la‬‬ ‫‪construction‬‬ ‫‪d’une‬‬ ‫‪maison‬‬ ‫‪commence‬‬ ‫الترجمة‪:‬‬


‫‪toujours par les fondations et non par le toit.‬‬

‫التحوير‪.‬‬ ‫التقنية‪:‬‬

‫‪" 14-1-1‬كل ممنوع مرغوب"‬


‫» ‪« L’interdit est toujours désiré‬‬

‫يُ ضرب هذا المثل في سياق وصف الطبيعة البشرية و ميلها إلى الفضول إلكتشاف‬
‫الجانب اآلخر من المسموح و اختراق جدار الممنوع لتج ربة ذلك المحظور و اإلستفادة‬
‫منه‪.‬‬
‫لقاء صحفي‪ .‬حصة تلفزيونية "الحوار الكبير"‬ ‫طبيعة الخطاب‬
‫الصحفية‪ :‬ياسمين مسوس (قناة روسيا اليوم)‬ ‫انتماء المضيف‬
‫العربية‪.‬‬ ‫لغة الخطاب‪.‬‬
‫‪« La grande‬‬ ‫قناة روسيا اليوم (النسخة الفرنسية)‪.‬‬ ‫الهيئة المترجمة‪.‬‬
‫» ‪interview‬‬
‫لغة الترجمة و طبيعتها‪ .‬ترجمة فورية إلى اللغة الفرنسية‪.‬‬
‫النص األصلي باللغة العربية‪:‬‬
‫صحفية قناة روسيا اليوم‪":‬السؤال الذي يطرح لدى الجزائريين بخصوص هذه الثروة من‬
‫العملة الصعبة التي تسوق بشكل كبير في سوق موازية بسبب التباين بين سعرها في‬
‫السوق الموازية و السوق الرسمي‪ .‬ما هي خطتكم لتغيير هذه الممارسات التي أضرت‬
‫باالقتصاد الجزائري؟"‬

‫‪300‬‬
‫إجابة السيد الرئيس‪" :‬تغيير الذهنيات قبل كل شيء‪ ،‬فالممنوع دائما مرغوب فيه‪ ،‬بالنسبة‬
‫للعملة الصعبة فقد وعدت الجزائريين في حالة ما أصلحت األوضاع االقتصادية فإننا‬
‫سنرفع من قيمة المنحة السياحية‪"...‬‬
‫ترجمة رد السيد الرئيس باللغة الفرنسية‪:‬‬
‫‪« Il faut changer les mentalités avant tout, l’interdit est toujours désiré. En‬‬
‫‪ce qui concerne la devise, j’ai promis au peuple algérien d’augmenter le taux‬‬
‫» …‪de change touristique‬‬
‫التقابل الذي يشك ل أساس بناء المثل أبعد من مجرد إستعمال لفظي‪ ،‬بل يمتد إلى الصراع‬
‫الموجود بين العقل و الغريزة‪ ،‬ما بين القانون المفروض و قانون الرغبة الذي ال يعترف‬
‫‪268‬‬
‫بأي قانون سوى ضرورة اإلشباع‪.‬‬

‫مغلقة (غروس)‪ ،‬تامة (راموس)‬ ‫تصنيف العبارة المسكوكة‪:‬‬


‫حكمة ‪.‬‬ ‫نوع العبارة‪:‬‬
‫فلسفي‪.‬‬ ‫السياق المورفوتركيبي األصلي‪:‬‬
‫قوة الرغبة‪.‬‬ ‫المعنى األصلي‪:‬‬
‫استفحال ظاهرة ممنوعة‪.‬‬ ‫المعنى السياقي‬
‫الميول إلى الالمسموح‪.‬‬ ‫المعنى الظاهر‬
‫تجريم الظاهرة‪.‬‬ ‫المعنى التداولي‬
‫أورد نعوم حجار هذا المثل في منجده مستخدما كلمة "محجوب" مكان "ممنوع"‪ ،‬وهذا‬
‫هو السائد و المتعارف عليه في اللسان العربي لما تمنحه كلمة "محجوب" من نغم للعبارة‬
‫المسكوكة‪ ،‬فتجمع بذلك بين بالغة المعنى و حسن التلقي‪ ،‬و ما كان استبدال الرئيس للكلمة‬
‫إال ألمرين‪ :‬األول هو التركيز على المعنى المراد و الحرص على تجليه لمتلقيه‪ ،‬فتضيع‬
‫بذلك بعض الكلمات لتنوب عنها ما تحمل نفس داللتها‪.‬‬
‫و الثاني أن الرئيس أراد باستعماله كلمة "ممنوع" تبيين صفة مخالفة ذلك السلوك للقوانين‬
‫الوضعية‪ ،‬ذلك أن داللة كلمة " محجوب" أوسع من "الممنوع" فقد يكون المحجوب‬

‫‪ " - 268‬إن الخاصية المركزية للوعي هي الرغبة‪ ،‬فهي أساس قيام الذات ‪ ...‬هي محرك أساسي لكل ديناميكية الوجود‬
‫اإلنساني‪ ...‬الرغبة هي التي تسمح بالحلم و بإستشراف حياة منشودة تتخذ شكل نموذج مثالي" أنا أوسلفي إذن أنا موجود‪،‬‬
‫ص ‪.97‬‬
‫‪301‬‬
‫مسموحا غائبا أو غير متاح‪ .‬أورد نعوم حجار في منجده ترجمتين لذات العبارة المسكوكة‪،‬‬
‫فكانت الترجمة األولى‪:‬‬
‫» ‪« Chose défendue, chose désirée‬‬
‫تجمع بين اإليجاز و اإليقاع المتمثل في تكرار الكلمة » ‪ « chose‬لتمثل بذلك مكافئا للعبارة‬
‫المسكوكة " كل محجوب مرغوب" في اللغة الفرنسية‪.‬‬
‫أما الثانية فقد فضل فيها اعتماد أسلوب الشرح المطول الذي و إن بين المعنى و جعله‬
‫جليا‪ ،‬فإنه يقتل جانب السك في العبارة‪ ،‬و ذلك إلعتماده عادي الكالم و تجريده العبارة‬
‫المسكوكة من حلت ها البالغية واألسلوبية بشرحه ألقطاب العبارة المسكوكة قطبا قطبا كما‬
‫يلي‪:‬‬
‫» ‪« La chose la plus chère au cœur de l’homme est celle qui lui est interdite‬‬

‫يملك نعوم حجار ما ال يملكه المترجم الفوري في تنويع ترجمته للعبارة المسكوكة "كل‬
‫محجوب مرغوب" وهو عامل الزمن‪ ،‬إّل أن مترجم قناة روسيا اليوم ‪-‬و رغم ضيق‬
‫الوقت المتاح للترجمة قياسا بالتحريرية‪ -‬لم تمر عليه العبارة مرور الكرام دون أن يلقي‬
‫لها باال‪ ،‬بل ترجمها مدركا ألهميتها في إبراز المعنى المراد منها و من السياق الواردة‬
‫فيه‪ ،‬فجاءت ترجمته لها على النحو التالي‪:‬‬
‫» ‪.« L’interdit est toujours désiré‬‬
‫عمد المترجم (قناة روسيا اليوم) إلى تعريف كلمة "ممنوع" في ترجمته‬
‫» ‪ « l’interdit‬عوض الترجمة الحرفية لمبتدأ العبارة المسكوكة العربية " كل ممنوع"‬
‫لثالثة أسباب‪:‬‬
‫‪ -‬األول أن الحكم الذي يحمله خبر الجملة " مرغوب"ينطبق على كل ما يشترك في صفة‬
‫المنع‪ ،‬و هذا ما يمنح المترجم حرية المفاضلة بين الترجمة الحرفية لكلمة " كل " ب‬
‫» ‪ « tout‬و استعمال التعريف الواصف لنوع السلوك ( المنع) الواقع تحت حكم الرغبة‪،‬‬
‫وهذا لترجمة العبارة المسكوكة في سياقها األدبي العام‪.‬‬
‫‪ -‬الثاني هو زحزحة المترجم لصفة اإلطالق "كل" من داللتها المرتبطة بالممنوع و منحها‬
‫‪« toujours‬‬ ‫داللة زمنية بإطالق الحكم "مرغوب" على " ممنوع" فكانت الترجمة‬

‫‪302‬‬
‫» ‪ ، désiré‬و مع رفض هندسة اللغة الفرنسية ورود المسند إليه في الجملة نكرة فقد عرفه‬
‫المترجم ب » ’‪.« l‬‬
‫‪ -‬أما السبب الثالث‪ ،‬فهو استعمال المترجم للتعريف للداللة على ممنوع واحد دون غيره‪،‬‬
‫وهو الوارد في سياق الحوار الصحفي و المتمث ل في تجارة العملة الصعبة في السوق‬
‫السوداء‪.‬‬

‫كل ممنوع مرغوب‪.‬‬ ‫العبارة‪:‬‬


‫‪L’interdit est toujours désiré.‬‬ ‫الترجمة الفورية‪:‬‬
‫التحوير‪.‬‬ ‫التقنية‪:‬‬
‫‪Chose défendue, chose désirée.‬‬ ‫ترجمات أخرى (منجد‬
‫‪La chose la plus chère au cœur de l’homme est‬‬ ‫األمثال)‬
‫‪celle qui lui est interdite.‬‬

‫‪" 15-1-1‬يوجد تحت الطاولة و فوق الطاولة"‬


‫» ‪« Des histoires au dessus et sous les tables‬‬

‫إستدعى الرئيس الجزائري السيد عبد المجيد تبون هذه العبارة في خضم حديثه عن‬
‫القروض البنكية و الطريقة التي كان يتم بها تمويل المشاريع اإلقتصادية في الفترة التي‬
‫سبقت حكمه‪ ،‬و هذا عند استعراضه لمشروعه اإلقتصادي أمام قناة روسيا اليوم‪ ،‬مؤكدا‬
‫التفتاوت السلبي في التعامل والرد على طلبات القروض المالية‪ ،‬ففي حين كانت تقابل‬
‫المشاريع الجادة بالرفض أو تتعر ض لإلبتزاز بإطالة فترة الدراسة كانت طلبات تمويل‬
‫المشاريع الوهمية تقابل بالقبول الفوري في أجال ال تتعدى اليوم أو اليومين‪ ،‬ملمحا إلى‬
‫وجود تعامالت سر ية بين طالبي الدعم و المؤسسة المالية الداعمة في توظيفه لعبارة‬
‫"تحت الطاولة"‪.‬‬
‫لقاء صحفي‪ .‬حصة تلفزيونية "الحوار الكبير"‬ ‫طبيعة الخطاب‬
‫الصحفية‪ :‬ياسمين مسوس (قناة روسيا اليوم)‬ ‫انتماء المضيف‬
‫العربية‪.‬‬ ‫لغة الخطاب‪.‬‬
‫‪303‬‬
‫‪« La grande‬‬ ‫قناة روسيا اليوم (النسخة الفرنسية)‪.‬‬ ‫الهيئة المترجمة‪.‬‬
‫» ‪interview‬‬
‫لغة الترجمة و طبيعتها‪ .‬ترجمة فورية إلى اللغة الفرنسية‪.‬‬
‫العبارة في النص األصلي باللغة العربية‪:‬‬
‫صحفية قناة روسيا اليوم‪":‬هل يمكن أن تكون السياحة مصدرا لخلق الثروة؟"‬
‫رد السيد الرئيس‪ ":‬ال يوجد أي مانع‪ ،‬و باألخص السياحة الصحراوية‪ .‬نحن نملك مناظر‬
‫ال توجد في العالم كله ‪...‬القضية قضية تنظيم يجب أن نترك للمواطن و نسهل له بحيث ال‬
‫نمنح قروضا بنكية لمن يستورد من أجل اإلستيراد‪...‬لما يريد إنسان تحويل منتوج وطني‬
‫فالحي أو منجمي ينتظر سنة أو سنتين ليأخذ قرضه‪ ،‬و من قرض لبناء مصنع مزيف تمنح‬
‫له الماليير في ‪24‬ساعة ألنه هناك فوق الطاولة و تحت الطاولة‪...‬إلخ"‬
‫ترجمة رد السيد الرئيس إلى اللغة الفرنسية‪:‬‬
‫‪« je n’y vois aucun inconvénient, surtout pour le tourisme au Sahara. Nous‬‬
‫‪avons un potentiel unique, des paysages qu’on ne trouve nulle part dans le‬‬
‫‪monde…il nous manquent l’organisation, mais pour le faire il faut laisser‬‬
‫‪l’initiative au citoyen et lui faciliter la tache. Il faut en finir avec les prêts‬‬
‫…‪bancaires où plusieurs milliards sont accordés à de faux importateurs‬‬
‫‪quelqu’un qui veut développer un produit national agricole, mine ou autre on‬‬
‫‪laisse attendre 2ans voire 3ans sans prêts, alors que 24h suffisent à certains‬‬
‫‪faux-producteurs pour l’avoir, des histoires au-dessus et sous les tables‬‬
‫» …‪existent‬‬
‫مغلقة (غروس)‪ ،‬تامة (راموس)‬ ‫تصنيف العبارة المسكوكة‬
‫مثل ‪.‬‬ ‫نوع العبارة‬
‫أخالقي‪.‬‬ ‫السياق المورفوتركيبي األصلي‬
‫المكر و الخديعة‪.‬‬ ‫المعنى األصلي‬
‫الفساد اإلداري‪.‬‬ ‫المعنى السياقي‬
‫المحسوبية‪.‬‬ ‫المعنى الظاهر‬
‫التنديد بتلك التصرفات و فضحها‪.‬‬ ‫المعنى التداولي‬

‫‪304‬‬
‫إحتكر التقابل الموجود بين كلمتي تحت و فوق المعنى المكتنز في العبارة و المراد من‬
‫توظيفها‪ ،‬بينما دلت كلمة الطاولة على وجود عدة أطراف على جوانبها إلستكمال التعامل‬
‫بغض النظر عن نوعه‪ ،‬كما أن تمتعها بالتسطح ا لمرتفع عن سطح األرض يجعل منها‬
‫حاجزا مرئيا و معلما مرجعيا ينسب إليه التموقع و المقابلة بين الكلمتين‪ ،‬فما كان فوق‬
‫الطاولة فإنه يتمت ع بميزة الظهور و العلن والقدرة على إدراكه و تمييزه‪ ،‬في حين أن ما‬
‫كان تحتها فإنه يتمت ع بالغموض و التعتيم و السرية‪ ،‬وهذا ما لمسناه في ترجمة موقع‬
‫‪ reverso‬لعبارة "تحت الطاولة" حيث حافظ على ترجمة ظرف المكان "تحت" إلى‬
‫» ‪ « sous‬بينما فاضل في ترجمة كلمة الطاولة بين ثالثة أشياء يجتمع حولها المتعاملون أو‬
‫المتحاورون و هي‪ le comptoir, le bureau, la table :‬إال أن البحث في أغوار هذه‬
‫العبارة قادنا إلى تقطيعها إلى شطرين‪ ،‬األول هو " تحت الطاولة" حيث أن مكافئه الدّللي‬
‫المسكوك في اللغة الفرنسي هو عبارة » ‪ « sous manteau‬أي تحت المعطف‪ .‬بينما‬
‫احتفظت ترجمة الشطر الثاني "فوق الطاولة " بالحرفية و استظهار الدال اللغوي‬
‫" الطاولة"‪ ،‬و لعالمية هذا الشطر من العبارة فإنه تجسد كعنوان لرواية بوليسية ألجاثا‬
‫كريستي بعنوان » ‪.« cards on table‬‬

‫اعتمد المترجم الفوري لقناة روسيا اليوم الترجمة الحرفية في ترجمة العبارة‬
‫المسكوكة دون أن يهمل خصوصية اللغة الفرنسية القاضية باستنكار التكرار و ضرورة‬
‫تجنبه‪ ،‬و ألن العبارة المسكوكة قد احتوت على تكرار لكلمة الطاولة فإن المترجم حذف‬
‫‪« au‬‬ ‫األولى و احتفظ بالثانية دون أن يخل بالمعنى‪ ،‬فجاءت ترجمته على النحو التالي‪:‬‬
‫» ‪dessus et sous la table‬‬
‫تمكن المترجم من استظهار المعنى و المحافظة على التشكيل اللغوي للعبارة األصل‪،‬‬
‫لكنه لم يحافظ على أسلوب الصياغة في الصناعة اللفظية للتقابل الموجود في العبارة‬
‫األصل‪ ،‬فكلمة ‪ dessus‬الفرنسية يقابلها كلمة ‪ ، dessous‬بينما تقابل كلمة ‪ sous‬كلمة ‪sur‬‬
‫في نفس اللغة‪ ،‬لكن المترجم أخذ من كل ثنائية ما ال يقابلها شكال و يقابلها مضمونا‪.‬‬

‫تحت الطاولة و فوق الطاولة‪.‬‬ ‫العبارة‪:‬‬

‫‪305‬‬
‫‪au dessus et sous la table.‬‬ ‫الترجمة‪:‬‬
‫كلمة بكلمة‪.‬‬ ‫التقنية المستعملة‪:‬‬
‫‪sous manteau.‬‬ ‫ترجمات أخرى ممكنة‪:‬‬

‫‪ 18-1-1‬نادرة الشاب طالب الدعم‪.‬‬

‫لقاء صحفي‪ .‬حصة تلفزيونية "الحوار الكبير"‬ ‫طبيعة الخطاب‬


‫الصحفية‪ :‬ياسمين مسوس (قناة روسيا اليوم)‬ ‫انتماء المضيف‬
‫العربية‪.‬‬ ‫لغة الخطاب‪.‬‬
‫‪« La grande‬‬ ‫قناة روسيا اليوم (النسخة الفرنسية)‪.‬‬ ‫الهيئة المترجمة‪.‬‬
‫» ‪interview‬‬
‫لغة الترجمة و طبيعتها‪ .‬ترجمة فورية إلى اللغة الفرنسية‪.‬‬
‫النص األصلي في اللغة العربية‪:‬‬

‫"‪...‬كلموني عن شاب كان بوده تصنيع مواد شبه إلكترونية (كاسيت أوديو)‪ ،‬فالكاسيت‬
‫أوديو كانت رائجة منذ ‪ 10‬سنوات‪ ،‬لما انتهى من مشروعه أصبح يتفرج على منتوجه‪.‬‬
‫فمن ينافس الفالش ديسك‪ .‬هذا لترى الظلم"‬

‫‪« On m’a évoqué un jour le cas d’un jeune qui a déposé une demande de prêt,‬‬
‫‪pour développer une petite industrie de cassettes audio. Cela remonte à dix ans‬‬
‫‪lorsque ça s’est existée toujours. À la fin du projet, il s’est retrouvé avec des‬‬
‫» ‪produits impossible à écouler, dépassés par l’apparition du numérique‬‬

‫مفتوحة (غروس)‪ ،‬شبه خاصة (راموس)‬ ‫تصنيف العبارة المسكوكة‬


‫نادرة ‪.‬‬ ‫نوع العبارة‬
‫إقتصادي‪.‬‬ ‫السياق المورفوتركيبي األصلي‬
‫المحسوبية‪.‬‬ ‫المعنى األصلي‬
‫الفساد اإلداري‪.‬‬ ‫المعنى السياقي‬
‫سوء التسيير‪.‬‬ ‫المعنى الظاهر‬
‫محاربة الفساد اإلداري‪.‬‬ ‫المعنى التداولي‬

‫‪306‬‬
‫أورد الرئيس الجزائري في سياق حديثه لقناة روسيا اليوم قصة شاب قدم طلب تمويل‬
‫مشروع صناعة أشرطة الكاسيت في زمن رواج تجارتها‪ ،‬فتحصل على تمويل بنكي‬
‫لمشروعه بعد ثماني سنوات من إيداع طلبه؛ أي بعد إنقراض زمن الكاسيت و رواج‬
‫أجهزة الذاكرة الرقمية (فالش ديسك)‪ ،‬فكان قرضه عبئا عليه عوض أن يكون سندا له‪.‬‬

‫سرد الرئيس الجزائري القصة بأسلوب إستهجاني ساخر من بطء اإلجراءات و دراسة‬
‫ملفات دعم الشباب‪ .‬و مع أن الرئيس الجزائري السيد عبد المجيد تبون قد احتكر الصوت‬
‫السردي للنادرة‪ ،‬إال أنه أحسن التدبر في األعمال الفواعل و خوضه في الزمن من أجل‬
‫تأريخ ميالد النادرة و شرطية إيجادها‪ ،‬و ما يج عل من هذه القصة القصيرة نادرة متداولة‬
‫و ينقلها من كونها قصة عابرة إلى مقام التندر و يمنحها حق التتمتع بالسيرورة رغم تعلقها‬
‫بزمن معين (أشرطة الكاسيت) يتلخص في أمرين اثنين‪:‬‬
‫‪-‬أولهما بناء القصة للمجهول ما يعني أنها ممكنة الحدوث ألي شخص آخر‪.‬‬
‫‪ -‬و األمر الثاني يكمن وراء استمرار تلك الممارسات و عدم تغير الذهنيات في تسيير هذا‬
‫النوع من الجوانب اإلدارية‪ ،‬فيتم بذلك تذكرها و استحضارها في سياق تأخر دراسة ملفات‬
‫القروض و دعم المشاريع و التنكيت على الراغبين في إيداع ملفات اإلستفادة من ذات‬
‫اإلجراء‪.‬‬

‫إعتماد أسلوب النادرة و إن كانت مستوحاة من الواقع قد مكن السيد رئيس الجمهورية من‬
‫الكشف عن التبعات اإلقتصادية و اإلجتماعية و المضمون الثقافي و الديني للقيمة المتداولة‪،‬‬
‫قد يبدو التحايل والبيروقراطية مطلقان في ظاهر النادرة‪ ،‬لكنهما مرتبطان في الواقع بسقف‬
‫ثقافي يلعب فيه الوازع الديني و األخالقي و كذا الضوابط المهنية الدور الرئيسي‪.‬‬
‫و استنادا إلى وجود هذا السقف فإن النادرة تهدف في مضمونها إلى تفعيل تلك الضوابط‬
‫واإلحتكام إلى ذلك الوازع بأوامره و نواهيه‪ ،‬و بالتالي وضع حد للممارسات البيروقراطية‬
‫ودعوة للشباب إلى عدم فقدان الثقة بكشف كل التالعبات اإلدارية‪.‬‬

‫و ما لمسناه من سلوك المترجم أنه تتبع أحداث النادرة ليسردها كما وردت‪ ،‬و ذلك ألن‬
‫قيمتها تتعدى األثر األدبي و أسلوب الضحك اإلستهجاني إلى الخوض في تفاصيل‬

‫‪307‬‬
‫اإليديولوجية السائدة خالل فترة سياسية معينة من تاريخ البلد‪ ،‬أي أن ها ذات بعد تأريخي‬
‫بخوضها في المظاهر اإلجتماعية واإلدارية و األخالقية لتلك الفترة كما أسلفنا‪.‬‬

‫نادرة‪.‬‬ ‫العبارة‪:‬‬
‫مباشرة‪.‬‬ ‫الترجمة‪:‬‬
‫كلمة بكلمة‪.‬‬ ‫التقنية‪:‬‬

‫‪« Nous allons vers quelque chose qui nous soit propre… que vérité en 19-1-1‬‬
‫» ‪deçà Pyrénées, erreur au-delà‬‬
‫"نحن لدينا ثقافتنا الخاصة ‪ ،‬سنخترع نموذجنا الخاص التقليد األعمى ال يؤدي إلى‬
‫شيء‪ ،‬بعد جبال البريني الذهنيات تختلف جنوبها"‬

‫لقاء صحفي‪ .‬حصة تلفزيونية » ‪« exclusif‬‬ ‫طبيعة الخطاب‬


‫الصحفي‪ :‬مارك برلمان )‪ (Marc Perelman‬وكالة فرانس ‪.24‬‬ ‫انتماء المضيف‬
‫الفرنسية‪.‬‬ ‫لغة الخطاب‪.‬‬
‫قناة فرانس ‪ 24‬الناطقة بالعربية‪ ،‬حصة "حصري"‬ ‫الهيئة المترجمة‪.‬‬
‫لغة الترجمة و طبيعتها‪ .‬ترجمة فورية إلى اللغة العربية‪.‬‬
‫النص األصلي للعبارة باللغة الفرنسية‪:‬‬

‫‪Marc (f24) : « vous avez affirmé que c’était la fin du régime présidentiel, on a‬‬
‫‪parlé du régime semi-présidentiel ; ça veut dire, c’est un petit peu le régime de la‬‬
‫» ? ‪5ème république en France qui pourra être un modèle‬‬

‫‪Réponse de monsieur le président : « le modèle se sera totalement algérien, je‬‬


‫‪l’ai dis, et je le redis… nous avons notre propre culture, et nous allons vers‬‬
‫‪quelque chose qui nous soit propre, on ne va pas vers le mimétisme, le‬‬

‫‪308‬‬
‫‪mimétisme ne mène nulle part parce que vérité en de ça du Pyrénées, erreur‬‬
‫» …‪au-delà, ce n’est pas la même mentalité, ce n’est pas la même démarche‬‬

‫ترجمة رد السيد الرئيس‪":‬النموذج سيكون جزائريا بحتا‪ ،‬و هذا قلته عدة مرات مرارا‬
‫و تكرارا‪ ،‬نحن لدينا ثقافتنا الخاصة‪...‬سنخترع نموذجنا الخاص‪ .‬التقليد األعمى ال يؤدي إلى‬
‫شيء فبعد جبال البيريني الذهنيات تختلف جنوبها ليس نفس الممارسات الديمقراطية الثقافة‬
‫و العقليات مختلفة جنوب جبال البيريني"‬

‫مغلقة (غروس)‪ ،‬تامة (راموس)‬ ‫تصنيف العبارة المسكوكة‬


‫مثل سائر ‪.‬‬ ‫نوع العبارة‬
‫مقال صحفي (بليز باسكال)‬ ‫السياق المورفوتركيبي األصلي‬
‫اإلستقاللية اإلديولوجية لكل دولة‪.‬‬ ‫المعنى األصلي‬
‫تبني نمط أسلوب خاص‪.‬‬ ‫المعنى السياقي‬
‫دور الحواجز الطبيعية في التنوع الفكري‪.‬‬ ‫المعنى الظاهر‬
‫اإلستقاللية الفكرية و عزة النفس‪.‬‬ ‫المعنى التداولي‬
‫أوردت معظم المراجع التي تناولت هذا المثل السائر أن بدايته كانت عبارة أنتجها بليز‬
‫باسكال )‪ ،(Blaise Pascal‬عرفت طريقها إلى المسكوكية و دخول قاموس األمثال السائرة‬
‫الفرنسية بفضل أهميتها المنطقية الفلسفية و كثرة تداولها في األوساط الفرنسية على اختالف‬
‫‪269‬‬
‫مستوياتها‪.‬‬

‫كينونة الدولة هي قوتها و مداها الوجودي و قدرتها على تسيير ما هو داخلي و اإلنفتاح‬
‫والتوسع على ما هو خارجي‪ ،‬إنها النظام السياسي المنتهج و الرؤية المتبعة لتحقيق جملة‬
‫أهداف مسطرة؛ فهي إذن الحدث العظيم الذي يتساءل عنه الناس و يختلفون فيه تساؤل‬
‫واختالف عرب الجاهلية في اإلسالم‪ ،‬ذلك أن النظم السياسية تختلف من قطر آلخر إختالف‬
‫الثوابت و األفكار و الرؤى كما أورد السيد الرئيس في الحوار‪:‬‬

‫‪https://www.expressio.fr/expressions/verite-en-deca-des-pyrenees-erreur-au-dela )2021/09/22( - 269‬‬

‫‪309‬‬
‫» ‪« Nous avons notre propre culture‬‬
‫و تختلف النظرة إليها و درجة تقبلها و اإلقتناع بها حتى داخل نفس الكيان السياسي‪ ،‬لذا فإننا‬
‫نلمس تعددا في التيارات و الرؤى السياسية‪.‬‬

‫إن رغبة و اشتهاء صائغ و ملقي أي خطاب استحضار عبارات خاصة من ثقافة معينة‬
‫دون أخرى لنظم تعابيره ال يعني سوى أن تلك البنيات اللغوية المستدعاة هي الوحيدة القادرة‬
‫على إكمال البنية العامة للخطاب أو النص و إتمام المعنى المراد من صياغته و تأدية‬
‫المفعول المرجو منها‪ ،‬فهي تكمل البنى الناقصة في ذهن المتلقي بما يروقه و يقنعه‪.‬‬

‫تتنوع استعماالت المثل الفرنسي بتنوع سياقات وروده رغم صبها في نفس المعنى‪،‬‬
‫فاستدعاؤه يمكن أن يكون بداعي دعم الطرح و إقامة الحجة و البرهان‪ ،‬كما يمكن أن يكون‬
‫بداعي السخرية ممن يدعون احتكار الحقيقة الوضعية‪ ،‬فاإلختالف ال يفسَّر بالصح و الخطأ‪،‬‬
‫و إنما بإختالف الرؤية الشخصية والتأويل الذاتي و الثوابت المعتمدة في تشكيل تلك‬
‫الحقيقة‪.270‬‬

‫‪ - 270‬نورد قصة جرت في عهد رسول هللا صلى هللا عليه و سلم في إطار اختالف زوايا الرؤية و المفاهيم حتى داخل نفس‬
‫الكيان الفكري و اإليديولوجي‪ ،‬حيث اختلف كبار صحابة رسول هللا في تفسير كلمة " حتى حين" التي ساقها أعرابي في‬
‫كالمه عند تطليقه لزوجته قائال "أنت طالق حتى حين"‪ .‬و بعدما ندم و أراد أن يردها‪ ،‬وجد نفسه في حيرة من تفسير كلمة "‬
‫حتى حين"‪ ،‬فقرر زيارة رسول هللا صلى هللا عليه و سلم في بيته لسؤاله عن األمر فلم يجده‪ .‬فذهب إلى أبي بكر الصديق‬
‫رضي هللا عنه و سأله عن كلمة "حتى حين" فأجابه أن زوجته محرمة عليه حتى الموت و ال تحل له أبدا‪ ،‬فتركه و ذهب‬
‫إلى عمر بن الخطاب رضي هللا عنه و سأله نفس السؤال‪ ،‬فأجابه أن زوجته محرمة عليه أربعين سنة‪ ،‬فتركه و ذهب إلى‬
‫عثمان بن عفان رضي هللا عنه و سأله نفس السؤال‪ ،‬فأجابه هذا األخير بأن زوجته محرمة عليه عاما كامال‪ ،‬فتركه و ذهب‬
‫إلى علي بن أبي طالب رضي هللا عنه و سأله نفس السؤال‪ ،‬فأجابه بأنها حرمت عليه لليلة واحدة فقط‪ .‬فعاد الرجل إلى‬
‫رسول هللا صلى هللا عليه و سلم فوجده و حكى له ما كان من قصته و ما لمسه من اختالف صحابته رضوان هللا عليهم في‬
‫تفسير كلمة "حين"‪ .‬فأرسل رسول هللا إلى أصحابه ليسألهم عن سبب تفسيرهم لكلمة حين‪ .‬و بدأ بأبي بكر الصديق رضي‬
‫هللا عنه و سأله عن سبب تحريمه لزوجة الرجل حتى الموت‪ ،‬فقال‪ :‬يا رسول هللا من القرأن‪ ،‬يقول تعالى " فمتعناهم حتى‬
‫حين"‪ .‬و معنى الحين في األية معناه الموت‪ .‬فسكت رسول هللا عليه الصالة و السالم و التفت إلى عمر بن الخطاب رضي‬
‫هللا عنه و سأله عن سبب تحريمه لزوجة الرجل ألربعين سنة‪ .‬فأجابه ‪ :‬من القرأن يا رسول هللا‪ ،‬يقول تعالى في أول سورة‬
‫اإلنسان "هل أتى على اإلنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا"‪ .‬و كلمة حين وردت في هذا الموضع بمعنى مدة مكوث‬
‫سيدنا أدم عليه السالم في الجنة و المقدرة بأربعين سنة‪ .‬فسكت رسول هللا و التفت إلى عثمان بن عفان رضي هللا عنه و‬
‫سأله عن سبب تحريمه لزوجة الرجل مدة سنة كاملة‪ ،‬فأجاب‪ :‬من القرأن يا رسول هللا ‪ ،‬يقول تعالى " مثل كلمة طيبة‬
‫كشجرة طيبة تؤتي أكلها كل حين"‪ ،‬و الحين في هذا الموضع يعني سنة كاملة من الزمن‪ ،‬ألن أكثر الثمر يثمر مرة كل سنة‪.‬‬
‫فسكت رسول هللا صلى هللا علي ه و سلم و التفت إلى علي رضي هللا عنه و سأله عن سبب تحريمه لزوجة الرجل مدة ليلة‬
‫واحدة‪ ،‬فأجابه‪ :‬من القرأن يا رسول هللا‪ ،‬يقول تعالى " فسبحان هللا حين تمسون و حين تصبحون"‪ .‬فرح رسول هللا صلى هللا‬
‫عليه و سلم بأصحابه و لم ينكر على أحد منهم رأيه‪ ،‬بل قال " أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم"‪ ،‬و قال لألعرابي "‬
‫خذ برأي علي فإنه أيسر لك"‬
‫‪310‬‬
‫ورد هذا المثل السائر في منجد نعوم حجار مرافقا لترجمة فضلت استبدال الحاجز الجغرافي‬
‫" جبال البيريني" بأدوات إشارية تفيد معنى التباعد الوجودي " هنا‪ ،‬هناك" لما يتعلق بها من‬
‫مسند لغوي‪ ،‬فكانت الترجمة كالتالي " حقيقة هنا‪ ،‬ظالل هناك"‪.‬‬
‫كما أورد موقع إكسبرسيو الفرنسي ترجمة لذات العبارة المسكوكة تحت مسمى العربية‬
‫الجزائرية التي ال تعدو أن تكون لهجة العامية بدليل استعماله لفظة " ماشي" للداللة على‬
‫‪271‬‬
‫النفي‪ ،‬فكانت الترجمة كاآلتي ‪ " :‬ماشي كل خضر حشيش"‪.‬‬
‫إذا ما استثنينا السبب المذكور أعاله إلستدعاء هذه العبارة المسكوكة الفرنسية‪ ،‬فإن‬
‫السبب الحقيقي وراء اختيارها رغم تناسبها يبقى غامضا‪ ،‬غير أن هذا الغموض لن يحول‬
‫دون افتراض أسباب يمكن أن تكون هي الدافع اإلرادي أو الغير اإلرادي إلستحضارها‬
‫كالمخزون الثقافي و ازداجية اللغة المبكرة عند السيد الرئيس‪.‬‬
‫و نظرا لما للسبب الحقيقي من دور في توجيه الخطاب و العبارة و السلوك التحليلي‬
‫للمتلقي والمترجم فإن ال تعامل مع هذه التعابير يصبح أكثر إغراء للتعرية و مشقة للترجمة‬
‫في نفس الوقت‪.‬‬
‫و ألن الدوال اللغوية المكتملة الزينة و التبرج هي التي تحرض ذهن المتلقي على سلوك‬
‫نهج المغامرة التصورية أو توجيهه نحو البحث الممتع عن و في عوالم غير مكتشفة‪ ،‬فإن‬
‫المترجم فضل اعتماد المحافظة على الروح الثقافية الفرنسية األصل بدليل محافظته على‬
‫المعلم الجغرافي المتمثل في جبال البيريني‪ ،‬و بذلك يكون المترجم قد فضل عربنة المثل‬
‫السائر على تعريبه‪.‬‬

‫إن كان هذا المثل الفرنسي السائر قد أغوى المترجم بالمحافظة عليه و إلباسه لباسا حرفيا‬
‫عربيا و زينة فرنسية ال تتناسب مع ذلك الرداء اللغوي العربي‪ ،‬فما الذي سيطرحه ليغوي‬
‫متلقي ترجمته للبحث في أغوار ترجمته‪ ،‬و يجعله يوافق على مقاربته المعتمدة؟‬

‫عربنة المثل السائر من طرف المترجم الفوري لقناة فرانس ‪ 24‬بإعتماده اإلقتراض‬
‫واإلبدال في نقله إلى الجمهور الجزائري الهدف تعتبر إجهادا لهذا األخير و تغييبا لثقافته‬
‫بمحاولة زرع مقاربة داللية غريبة عنه وعن حدود المتعارف عليه في أوساط العامة‪،‬‬
‫‪ - 271‬نفس الموقع اإللكتروني ‪https://www.expressio.fr/expressions/verite-en-deca-des-pyrenees-erreur-au-dela :‬‬

‫‪311‬‬
‫فالثابت عند المتلقي هو تغير العادات و القناعات بتباعد المسافات‪ ،‬و من بين الحواجز‬
‫الطبيعية المؤثرة في طو ل المسافة و قصرها نجد البحر‪ .‬كان بإمكان المترجم المحافظة‬
‫على الداللة المعنوية لجبال البيريني كحاجز طبيعي والقول أن " الحقيقة شمال البحر‬
‫تختلف عن جنوبه" إشارة إلى الدولتين المعنيتين بالمقابلة و المقارنة‪ ،‬أو استعمال ترجمة‬
‫نعوم حجار الواردة في معجمه " حقيقة هنا ضالل هناك"‪.‬‬
‫بهذا تكون الترجمة قد إبتعدت عن المعاني الخاصة و الشرطية الثقافية و التاريخية التي‬
‫تحدد شكل التعابير المسكوكة وحدودها التداولية و الداللية إلى الشكلية التكوينية للخطاب‬
‫والعبارات لتبقى بذلك سجينة الحياد و المقاربة المجردة بين الحقول الداللية للمفردات‬
‫المكونة لتلك التعابير الخاصة‪.‬‬

‫‪vérité en de ça du Pyrénées, erreur au-delà,‬‬ ‫العبارة‪:‬‬


‫فبعد جبال البيريني الذهنيات تختلف جنوبها‪.‬‬ ‫الترجمة‪:‬‬
‫اإلقتراض (البيريني)‪ ،‬اإلبدال‪.‬‬ ‫التقنية‪:‬‬
‫حقيقة هنا ضالل هناك‪( .‬منجد األمثال و الحكم)‬ ‫ترجمات‬
‫ماشي كل خضر حشيش‪( .‬موقع إكسبرسيو)‬ ‫أخرى‪:‬‬

‫النتائج‪:‬‬
‫الترجمة الحرفية و تقنياتها‬
‫‪18‬‬ ‫عدد العينات المدروسة‪:‬‬
‫‪9‬‬ ‫عدد الترجمات التحريرية (وأج)‪:‬‬
‫‪13‬‬ ‫عدد الترجمات الفورية‪:‬‬
‫‪6‬‬ ‫وكالة فرانس ‪:24‬‬
‫‪7‬‬ ‫وكالة روسيا اليوم‪:‬‬
‫التقنيات المستعملة‪:‬‬
‫‪2‬‬ ‫التكييف‬

‫‪312‬‬
‫‪4‬‬ ‫كلمة بكلمة‬
‫‪2‬‬ ‫المكافئ‬
‫‪2‬‬ ‫اإلقتراض‬
‫‪3‬‬ ‫المحاكاة‬
‫‪1‬‬ ‫اإلبدال‬
‫‪2‬‬ ‫التحوير‬

‫تمثيل النتائج‪:‬‬

‫تقنيات الترجمة الحرفية‬

‫التكييف‬
‫كلمة بكلمة‬
‫المكافئ‬
‫المحاكاة‬
‫اإلقتراض‬
‫التحوير‬

‫البيان ‪ 3‬تمثيل الترجمة الحرفية و تقنياتها‪.‬‬

‫‪313‬‬
‫حوصلة‪:‬‬
‫مع أن الترجمة الحرفية تعتبر عملية إستنساخ لألفراد اللغوية في نظام لغوي مغاير للنظام‬
‫األصل‪ ،‬إال أن برمان قد دافع عنها في كتابه " الترجمة و الحرف أو مقام البعد" حاصرا‬
‫األمانة الترجمية التي يرتكز عليها العمل الترجمي في ضرورة تتبع حرفية النص األصل‪،‬‬
‫ذلك ألنه يعتبر بأن إبراز المبنى اللغوي للنظم األصلي واجبا‪.‬‬

‫تمثل الترجمة الحرفية عملية استبدال للوحدات اللغوية المكونة للعبارة المسكوكة بوحدات‬
‫لغوية أخرى في اللغة الهدف موجدة بذلك نظام تزاوج للمفردات على شكل ثنائيات لغوية‬
‫مرتبة‪ ،‬حيث تجمع هذه الثنائيات بين كل سابقة في التعبير األصل و الحقتها في التعبير‬
‫الهدف‪.‬‬
‫فالترجمة الحرفية حسب ما جاء به فيدوروف عملية تقارب تلون الترجمة بطابع أصلي‪ ،‬إذ‬
‫أنها تسعى إلى إيجاد المطابقات اللغوية لجعل لغة النص األصلي و ثقافته و معتقده يطغى‬
‫‪272‬‬
‫على لغة الترجمة‪ ،‬فال تحل بذلك الترجمة محل األصل و إنما تكشف عنه‪.‬‬
‫و بالعودة إلى إشكالية اإلختيار بين تقريب الكاتب من القارئ أو العكس في مهمة خدمة‬
‫طرفي الترجمة‪ ،‬فإن الترجمة الحرف ية تميل إلى خدمة صاحب الخطاب األصلي مبرزة‬
‫خصائصه اللغوية و الثقافية اإلنتمائية و إبراز معالمها‪ ،‬كما أن في التركيز على التطابق‬
‫اللغوي إغفال للجانب الجمالي في نظم التعابير األصلية و ذلك ألن المترجم " يخدم في‬
‫‪273‬‬
‫المقام األول إعداد نسخة وسيطة هدفها تقديم قول المؤلف األصلي"‬

‫‪ - 272‬المصدر السابق‪ :‬باليو‪ ،‬كريستسان‪ .‬تاريخ علم الترجمة السوفييتية‪ .‬ص ‪.13‬‬
‫‪ - 273‬المصدر نفسه‪ :‬باليو‪ ،‬كريستيان‪.‬‬
‫‪314‬‬
315
‫الخاتمة‪.‬‬

‫الخاتمة‬

‫‪320‬‬
‫الخاتمة‪.‬‬

‫قادنا هذا البحث في ماهية التعابير المسكوكة و إستعماالتها إلى بعض القوانين التي‬
‫أصبحت جزءا في صياغة الجديد منها و التمكن من المعنى المراد منها في السياق‬
‫التداولي‪ ،‬دون أن ينغلق البحث‪ ،‬مما يجعلها منهجية مفتوحة و قابلة للتحليل في ذلك‬
‫التراكم الذي يميزها و كذا العالقة الرابطة بينهما‪:‬‬
‫أوال‪ :‬تخضع هذه النصيات المركزة في تكوينها المؤسس لنصيتها إلى منطق لغوي لرص‬
‫مفرداتها بطريقة تمنح معناها السياقي األول إستقاللية نسبية عن النظم اللغوي‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬تخضع إلى منطق ثان يجعلها منظومة لغوية مفتوحة على تأويالت و معان جديدة‬
‫متراكبة ومواكبة للصيرورة الواقعي ة و بالتالي فاتحة األفق لفهم هذه الصيرورة‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬يرتبط توضيح إنعكاس التعابير المسكوكة بتحديد سياق استدعائها و المراد بها‬
‫خصوصا أنها ليست منظومة داللية مغلقة و أنها معنية بوعي الواقع‪ ،‬و بالتالي بالبحث‬
‫الدائم في الواقع كونه متغيرا‪.‬‬
‫رغم اإلختالف الواضح في البنى الثقافية و التعبيرية و البنائية و األسلوبية فإن المترجم‬
‫مجبر على إيجاد مأوى و ملجأ يؤويه من تسلط النص األصلي و عنفوان اللغة و الثقافة‬
‫المترجم إليها‪ .‬فيرضي أنانية األصل من جهة‪ ،‬و يتملق الترجمة من جهة أخرى‪ ،‬و ذلك‬
‫حتى يتسنى له إرضاء السيدين رغم مزاجهما المتقلب‪.‬‬
‫فالهدف األساسي لكل ترجمة هو إقامة عالقة مع اآلخر على مستوى المكتوب أو‬
‫المنطوق‪ ،‬وإخصاب الثقافة الخاص ة عبر تالقحها مع الثقافة األجنبية ‪ .‬يقتضي هذا الهدف‬
‫خلخلة البنية المتمركزة عر قيا داخل الثقافات و المجتمعات التي تريد أن تجعل من ذواتها‬
‫كيانات خالصة غير ممزوجة‪ ،‬على إعتبار أن كل ثقافة تسعى إلى أن تكون مكتفية بذاتها‪،‬‬
‫حتى تتمكن عبر هذا اإلكتفاء المت َخيَّل من بسط إشعاعها و سيطرتها على الثقافات األخرى‪.‬‬
‫و لعل ما يطمئن المترجم و يحفزه على الخوض في ترجمة هذه التعابير الخاصة هو كون‬
‫معظمها من بنات فكر اإلنسان‪ ،‬أو موجهة إليه للتدبر فيها و النهل من معين مائها‪ ،‬و ذلك‬
‫لثبوت وحدة الفكر اإلنساني و تالقي الخواطر البشرية في المواضيع األساسية التي تلم‬
‫بحكمة الشعوب على مر الزمن‪.‬‬

‫‪321‬‬
‫الخاتمة‪.‬‬

‫رغم التكافؤ الممكن الحصول بين اللغات و المطلوب إيجاده إال أن محدودية القدرة‬
‫اإلنسانية لإلحاطة بها من خالل اإلحاطة بالخاص من تعابيرها و تأثير العوامل الخارجية‬
‫على النشاط الترجمي يجعل من استحضار المكافئات اللغوية و الثقافية فضيلة يتميز بها‬
‫فقهاء الترجمة و شيوخها المتم كنين منها رغم تفاوت درجة ذلك التمكن‪ .‬فاستحضار تلك‬
‫المكافئات الديناميكية في سياق الترجمة إلعطائها نفحة أصالة له من المزايا ما‪:‬‬
‫‪ -‬يرفع المترجم من البساطة إلى اإلحاطة فيكون بذلك مترجما فصيحا حصيفا‪.‬‬
‫‪ -‬يساوي الترجمة بالنص األصلي من حيث التأثير بعد مساواتها في تمام المعنى‬
‫وجمال الثقافة‪.‬‬
‫و لكن و أمام ذلك اإلجهاد العملياتي فإن المترجم ِح ٌّل من البحث المضني في ثقافة الهدف‬
‫و لغته عن خليفة لتلك التعابير المسكوكة يتمتع بنفس درجة الكمال األدائي التي تتمتع بها‪،‬‬
‫وما السقوط النسبي لسن ة اإلجتهاد في البحث عن ذلك المكافئ و إدراجها في خانة‬
‫المستحب إال ألهمية و حتمية استكمال فروض الطاعة لألمانة الترجمية و الوالء إلى‬
‫النص األصل و الخطاب الملقى‪ ،‬وهذا ما يجعله يسلك سلوكات ترجمية أخرى‪.‬‬

‫إذن ضرورة استدعاء المكافئ الهدف لينوب عن األصل و يقوم مقامه تصطدم بحقيقة أن‬
‫التكافؤ ال يتحقق إذا كانت الحضارات غير ندية ومتكافئة‪ ،‬كما ال يتحقق إن كانت‬
‫الحواضر اللغوية للملقي والمترجم متباينة‪.‬‬

‫أما التأويل فإن الغاية النهائية له تتمحور حول هدم التركيب اللغوي األصل لفائدة المعنى‪،‬‬
‫لكن ماهية التعابير المسكوكة تجمع بين عمق الداللة و قوة المعنى و اإلستقاللية عن الشكل‬
‫و إن كان مصاغا بشعرية تجعل القارئ يغوص في نغمها و يغفل جوانب كثيرة من معانيها‬
‫و دالالتها‪ ،‬و هذا ما يجعل األمانة للمعنى خيانة للمبنى كما أن في األمانة للمبنى خيانة‬
‫للمعنى‪ ،‬إال أن في خيانة المبنى األجنبي أمانة للحرف المترجم فيه‪.‬‬
‫إن تأويل القصد من الخطاب و عباراته يستوجب على ا لترجمة أن تخترق حميمية المعنى‬
‫و النص األصلي الذي وهبه الحياة‪ ،‬فتعزل األول و تحفظه و تترك الثاني لقدر اإلهمال‬
‫والتناسي‪ ،‬ذلك ألن الهدف األزلي للترجمة هو اإلحاطة بالمعنى و فصله عن جسده‬

‫‪322‬‬
‫الخاتمة‪.‬‬

‫اللغوي‪ ،‬بغية إعطائه صفة الخلود بنقله و إعادة بعثه في صورة جديدة داخل اللغة المترجم‬
‫إليها‪ ،‬وهذا في إطار إستكمال العمل الترجمي‪.‬‬

‫إن كانت الترجمة الحرفية تمتلك ميزة إمكانية لغونة اللغات و نقل روحها إلى اللغات‬
‫األخرى كتعريب الفرنسية و فرنسة العربية مثال‪ ،‬و تذويب الفوارق الثقافية بينها و دعم‬
‫المثاقفة و التثاقف أو ما يعرف بعناق الثقافات‪ ،‬فإن ها تصطدم بحقيقة غموض المعنى‬
‫األجنبي و غرابة البناء اللغوي لعباراته و عدم إدراك مقاصد األصل مما يحط من قيمة‬
‫الترجمة و يجعل إمكانية تقبل النص المنقول ضعيفة بإعتباره نصا مي تا ال يملك إمكانية‬
‫التأثير المرجو منه في المحيط المترجم إليه‪.‬‬
‫ينتقد المترجم ضمنيا تلك الشفرات اللغوية التي عملت يد اإلتقان فيها بعناية‪ ،‬فأحيانا يبرق‬
‫بهذه اإلنتقادات حين تبين ترجمته كيف أن هذه الشفرات يمكن تلخيصها‪ ،‬و ينكر أحيانا‬
‫أخرى أهميتها اللغوية بإهمالها دون اإلخالل بالرسالة المحمولة عبرها‪ ،‬و يتتبع أحيانا‬
‫أخرى رموزها اللغوية لفك تشفيرها و نقل ذلك النظام الموجد لها إلى اللغة الهدف‪ .‬إال أنه‬
‫في نفس الوقت يثبت تأمله في تلك التعقيدات البالغية و الصيغ األخرى و قراءته المتمعنة‬
‫للخطاب فيثبت لنا ند ية اللغات و الثقافات باستحضار التعابير المسكوكة الهدف للقيام مقام‬
‫األصل أحيانا‪ ،‬و أحيانا أخرى نراه يزدري العجز عن استعمال التعابير المسكوكة حين‬
‫يرى ذلك ممكنا و ذلك بإستدعائها و عدم الخضوع إلى سطحية التعابير المستعملة في‬
‫الخطاب األصل‪.‬‬

‫‪323‬‬
‫التوصيات‪.‬‬

‫‪324‬‬
‫التوصيات‪:‬‬

‫إنطالقا من مبدأ ّ‬
‫أن البحث العلمي دوما ظالم‪ ،‬فهو ال يجيب عن سؤال دون طرح أخرى‬
‫في سياق الدراسة و حول نتائجها؛ لذا فقد إرتأينا إدراج بعض التوصيات لهذه الدراسة‬
‫التي نرجو أن ترقى إلى مستوى البحث إلثرائه و إضافة قطرة إلى بحر علم الترجمة‪ ،‬و‬
‫من بينها‪:‬‬

‫أن الترجمة قد تأخرت في تبني زاوية رؤية و دراسة خاصة بها للّغة و النص‬
‫الحظنا ّ‬ ‫‪-‬‬
‫و الخطاب‪ ،‬و بقيت تراوح مكانها مقتفية أثر ما سبقها من العلوم في تحديد وجهة نظره و‬
‫تعريفه و تحليله لهذه الظاهرة اإلنسانية‪ ،‬فصارت بذلك الترجمة علما عالم ثالثي إلكتفائها‬
‫بتقفي آثار المفاهيم و الوقوف عند حدود ما وصلت إليه تلك العلوم‪ ،‬لكن أوليست الترجمة‬
‫أقدم نشاط إنساني على اللغة حتى قبل ظهور الكتابة و التدوين؟ أليس موضوع عمل الترجمة‬
‫هو النصوص و الخطابات؟ فلماذا إذن ال تستقّل الترجمة بتعريف خاص بها للخطاب مثل‬
‫نظيراتها من العلوم المتأ ّخرة؟ ربما تكون الطبيعة العملية و التعاملية للترجمة مع الخطاب‬
‫هي من جعلها تركز على مصطلحي المعنى و األمانة الترجمية أكثر من تركيزها على‬
‫الجانب النظري و الفلسفي في تناول الخطاب ككلية و دراسته كمصطلح خاص بها بعيدا عن‬
‫العملياتية الداللية‪ ،‬و مع هذا ّ‬
‫فإن الباب مفتوح للبحث فيه و التأطير له باألخذ و الجمع بين ما‬
‫توصلت إليه مختلف العلوم بوصف الترجمة علما يتوسط الدائرة العلمية‪ ،‬فما هي اللغة و ما‬
‫هو الخطاب إذن من زاوية النظر الترجمية؟‬
‫تطر قنا في هذه الدراسة بما سمحت به لنا األدوات التحليلية من مالحظة تباين مستوى‬
‫ّ‬ ‫‪-‬‬
‫التأويل للعبارات من عبارة إلى أخرى‪ ،‬بين من يترجمها كوحدة داللية مستقلة‪ ،‬و بين من‬
‫يدمجها مع عبارة سابقة لها‪ ،‬و بين من يتجاهلها‪ ،‬لكننا لم نخض فيه بما يشبع الفضول‬
‫العلمي‪ .‬لذا نقترح الغوص في دراسة مستويات التأويل و عالقته بوحدة الترجمة ‪(l’unité de‬‬
‫)‪.traduction‬‬
‫الحظنا في هذه الدراسة تباين مستوى الحفر الداللي في التعابير المسكوكة و‬ ‫‪-‬‬
‫ترجمتها‪ ،‬بل و تباين ذلك التنقيب عن المعنى و استظهاره في نفس األرضية التعبيرية‬

‫‪325‬‬
‫باختالف المترجمين لها‪ ،‬و ال ريب أ ّن هذه الظاهرة جديرة بالدراسة و تسليط الضوء‪،‬‬
‫فإلى أي حد يمكن للمترجم الغوص في الطبقات الداللية للعبارة المسكوكة؟ و ما هو الحد ّ‬
‫المسموح به في التنقيب و الترجمة؟‬
‫الدراسة المقدمة معتمدة على عينة دراسة محدودة‪ ،‬مم ا يجعل من نتائجها قابلة‬ ‫‪-‬‬
‫للبحث و النقد و توسيع الدراسة بتوسيع دائرة العينة المدروسة‪ ،‬فالملكة اللغوية اإلنسانية لم‬
‫و لن توقف عن إنتاج مثل تلك التعابير كما لن تتوقف ضرورة ترجمتها و اإلبداع في‬
‫إستبدالها و تجاوز عراقيل ترجمتها في اللغات الهدف‪ ،‬مما يستدعي ضرورة الخوض‬
‫فيها‪.‬‬
‫ال يمكن إنكار الجهود المبذولة في إنجاز و إنتاج المعاجم الثنائية اللغة لخدمة‬ ‫‪-‬‬
‫الترجمة وطال ب الترجمة و ممتهنيها‪ ،‬لكن تجديدها و تحيينها واجب لمواكبة المعاصر من‬
‫التعابير المسكوكة‪ ،‬و اإللمام بمعانيها و إنزياح دالالتها السياقية‪ .‬فكلما كان اإللمام‬
‫بمكافئات التعابير المسكوكة أكبر‪ ،‬كلما كانت الترجمة أجود و أقرب إلى نفس المتلقي و‬
‫وعيه‪.‬‬
‫ي دراس ة مهما بلغت قيمتها و نتائجها دراسة كل جوانب المدروس‪ ،‬فال‬
‫ال يمكن أل ّ‬ ‫‪-‬‬
‫بد من إغفال جوانب للتركيز على جانب واحد‪ ،‬و هذا ما يستدعي خوضا في تلك الجوانب‬
‫المظلمة من الدراسة و تلك المنسيّة أو التي لم تستوف حقّها‪.‬‬

‫‪326‬‬
‫الملخص‪:‬‬

‫الملخصات‬
‫الملخص‪:‬‬

‫الملخص‪:‬‬
‫تندرج هذه األطروحة الموسومة ب "إشكالية ترجمة التعابير المسكوكة في الخطاب‬
‫السياسي" في خانة الدراسات الداللية التقابلية في ميدان الترجمة‪ ،‬إذ تناولت بالدراسة‬
‫والتحليل إشكالية ترجمة التعابير المسكوكة في الخطاب السياسي‪.‬‬
‫تتعدى هذه الدراسة اإلطار النظري المجرد‪ ،‬إذ أننا اعتمدنا في إنجازها على عينات عملية‬
‫و ترجمات محققة لمختلف التعابير المسكوكة في الخطاب السياسي الجزائري‪ ،‬حيث ركزنا‬
‫على تلك المستدعاة في الخطاب الرئاسي للسيد رئيس الجمهورية الجزائرية السيد عبد المجيد‬
‫تبون‪ ،‬متناولين إياها بالدراسة و التحليل الداللي و المقارنة التقابلية بين التعابير األصل‬
‫و الترجمات المحققة في السياق السياسي‪ ،‬و هذا إضافة إلى استدعاء ترجمات موازية لنفس‬
‫التعابير المسكوكة في سياقات أخرى كالمعاجم الثنائية اللغة و مواقع اإلنترنت للترجمة‪.‬‬
‫ساعدنا تمتع السيد الرئيس عبد المجيد تبون بملكة لغوية تعبيرية باللغة العربية و الفرنسية‬
‫في إثراء هذه الدراسة بتبديل األدوار اللغوية‪ ،‬فتارة كانت العربية هي األصل و الفرنسية‬
‫الهدف‪ ،‬و تارة أخرى كانت الفرنسية هي اللغة األصل للتعابير المسكوكة و اللغة العربية هي‬
‫الهدف‪.‬‬
‫و لم يكن لنا ما كان من النتائج المتوصل إليها إال بتحليل و تسليط الضوء على التعابير‬
‫المسكوكة من جهة و على السياق السياسي المستدعاة فيه من جهة أخرى‪ ،‬إضافة إلى مختلف‬
‫المقاربات والنظريات المحققة في المجال الترجمي لمقارنتها بالنتائج العملية المحققة التي‬
‫أثبتت تنوع األساليب و التقنيات الترجمية تنوع التعابير و سياق االستدعاء و كذا اختالف‬
‫المترجمين و نوع الترجمة‪.‬‬

‫الكلمات المفتاحية‪ :‬التعابير المسكوكة؛ الخطاب الرئاسي؛ العراقيل؛ الترجمة؛ الترجمات‬


‫الموازية‪.‬‬
:‫الملخص‬

Résumé.
Cette thèse intitulée « problématique de la traduction des expressions figées
dans le discours politique » s’inscrit sous le cadre des études sémantiques
contrastives de la traductologie, ainsi cette optique se focalise sur la
problématique citée ci-dessus.

Cette étude dépasse le cadre théorique, on s’est appuyé, dans sa réalisation,


sur des échantillons opérationnels, voire des traductions concrètes et réalisées
plusieurs expressions figées utilisées dans de différents discours présidentiel
Algérien de monsieur Abd El Madjid Tebboune. Ainsi nous avons mené une
étude sémantique contrastive entre les expressions sources et leurs traductions,
voire d’autres traductions réalisées (traduction parallèles) tirées de différents
sources comme les dictionnaires bilingue et les encyclopédies de traduction.

Le bilinguisme du président Algérien monsieur Abd El Madjid Tebboune


nous a aidé à enrichir cette optique en changeant les rôles linguistique, tantôt de
l’arabe vers le français, et tantôt le contraire.

Les résultats obtenus de cette recherche sont le fruit de tout un travail


analytique et une projection sur les deux principaux concepts, qui ne sont autre
que les expressions figées et leur contexte, le discours politique. Voire de
différentes approches et théories traductologique, afin de les comparées avec
résultats obtenus. Et cela a prouvé la diversité des styles et des techniques
adoptés dans l’opération traductionnelle. Néanmoins cette diversité est relative à
la diversité des expressions utilisées, des contextes d’usage, des traducteurs et
des types de la traduction.

Mots clés : les expressions figées ; le discours présidentiel ; les obstacles ; la


traduction ; traductions parallèles.
:‫الملخص‬

Abstract:

This thesis entitled “the problem of translating coined expression in political


discourse” falls under categories of contrastive semantic studies in the field of
translation , as it deals with the study and analyses of the problem of translating
coined expressions in the political discourse .

This study goes beyond the abstract theorical framework as we relied in its
completion on practical samples of various expressions coined in Algerian
political discourse.

When we focused on those presidential speech of the president of the


Algerian republic Mr. Abd El Madjid Teboune , the original expressions and
translations realized in the political context , in addition to calling for parallel
translation of the same coined expressions in other contexts such as dictionary
and encyclopedia for translation .help us to prevent ,Mr. president Abd El Mdjid
Tebounne with expressive linguistic skill in arabic and french.

This study replaces the linguistic roles, we had no result reached except by
analyzing highlighting coined expressions on the one hand, and political race
invoked in it. on the other hand , in addition to the various approaches in the
field of translation to compare them with the practical results ,as well as the
difference between translators and the type of translation .

Key words: the coined expressions; the presidential discourse; obstacles;


translation; parallel translations.
‫فهرس األشكال‬
‫والجداول‪.‬‬
‫فهرس األشكال و الجداول‪:‬‬
‫األشكال‪:‬‬
‫الصفحة‬ ‫المصدر‬ ‫العنوان‬ ‫الشكل‬
‫‪6‬‬ ‫نظرية اإلتصال‪ ،‬الموقع‪:‬‬ ‫نموذج شانون و‬ ‫الشكل ‪1‬‬
‫‪https://slideshare.net/almasseri/ss-67459194‬‬ ‫ويفر‬
‫‪13‬‬ ‫موقع أوليفر موخ‪https://me.me/i/what-i- :‬‬ ‫الفكرة من الملقي‬ ‫الشكل ‪2‬‬
‫‪think-what-can-what-i-put-into-say-2880492‬‬
‫إلى المتلقي‪.‬‬

‫الجداول‪:‬‬
‫فضلنا إدراج الجداول التنظيرية ألهميتها البحثية‪ ،‬و استثنينا الجداول التنظيمية ألنها ظرفية‪.‬‬
‫الصفحة‬ ‫العنوان‬ ‫الجدول‬
‫‪46‬‬ ‫صيرورة بعض التعابير المسكوكة‬ ‫الجدول ‪1‬‬
‫‪58‬‬ ‫دالالت بعض التعابير المسكوكة‬ ‫الجدول ‪2‬‬
‫‪73‬‬ ‫تصنيف غروس‬ ‫الجدول ‪3‬‬
‫‪77‬‬ ‫تصنيف راموس‬ ‫الجدول ‪4‬‬
‫‪94‬‬ ‫تداول األمثال حسب مستوياتها‬ ‫الجدول ‪5‬‬

‫التمثيالت البيانية‪:‬‬
‫الصفحة‬ ‫العنوان‬ ‫البيان‬
‫‪201‬‬ ‫استخدام التكافؤ‪.‬‬ ‫البيان ‪1‬‬
‫‪273‬‬ ‫استخدام التأويل و التفخيم‪.‬‬ ‫البيان ‪2‬‬
‫‪318‬‬ ‫الترجمة الحرفية و تقنياتها‪.‬‬ ‫البيان ‪3‬‬
‫مكتبة البحث‪:‬‬
‫القواميس و الموسوعات‪:‬‬

‫‪ -1‬ابن منظور‪ ،‬محمد بن مكرم بن علي‪ .)1999( .‬لسان العرب‪.‬الجزء الثاني‪ .‬دار صادر‪.‬‬
‫بيروت‪ .‬لبنان‪.‬‬

‫‪ -2‬العسكري‪ ،‬أبو هالل‪ .)1988( .‬جمهرة األمثال‪ .‬دار الفكر‪ ،‬بيروت‪ .‬لبنان‪.‬‬

‫‪ -3‬خدوسي رابح‪ .)2016( .‬موسوعة األمثال الجزائرية ‪،‬دار الحضارة للنشر‪ ،‬الجزائر‪.‬‬

‫‪ -4‬الزمخشري‪،‬عمر بن محمد‪ .)1998( .‬أساس البالغة‪ .‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪.‬‬

‫‪ -5‬فخرالدين الطريحي‪ .‬مجمع البحرين‪ .‬موسوعة التاريخ العربي‪ .‬ج ‪ .1‬بيروت‪ .‬لبنان‪.‬‬

‫‪ -6‬فرانسوا شاتلييه‪ .)1997( .‬اوليفييه دو هاميل‪ ،‬ايفلين بيزيه‪ .‬معجم المؤلفات السياسة‪.‬‬
‫ترجمة محمد عرب ‪.‬المؤسسة الجامعية للدراسات و النشر و التوزيع ‪ .‬الطبعة األولى‪.‬‬
‫بيروت‪ .‬لبنان‪.‬‬

‫‪ -7‬نعوم حجار جوزيف‪ .)1986( .‬المنجد في األمثال و الحكم و الفوائد اللغوية‪ ،‬دار‬
‫المشرق‪ ،‬بيروت‪ .‬لبنان‪.‬‬
‫‪8- Charaudeau, P & Maingueneau,D (2002).Dictionnaire d’analyse du discours.‬‬
‫‪Seuil. Paris.‬‬
‫‪9-JARY, D & JARY, J. (1991). Sociology (the Harper Collin dictionary).Harper‬‬
‫‪perennial. N.y‬‬
‫‪10-Larousse.(2001). Dictionnaire de français. Larousse/vuef.paris.‬‬
‫‪11-oxford.(2008). Learner’s pocket dictionary. Oxford university press. Fourth‬‬
‫‪edition.‬‬

‫المقاالت العلمية‪:‬‬

‫‪ -1‬باليو كريستسان‪ .)2020( .‬تاريخ علم الترجمة السوفييتية‪ .‬ترجمة كاتبة وجيه كاتبة‪.‬‬
‫مجلة جسور ثقافبة‪ .‬ص (‪ .)22 -9‬الهيئة العامة السورية للكتاب‪ ،‬العدد ‪ .18‬دمشق‪ .‬سوريا‪.‬‬
‫‪ -2‬بشير عابد‪ .)2019( .‬ترجمة العبارات المسكوكة في الخطاب المتخصص‪ .‬مجلة اللغة‬
‫الوظيفية‪ .‬العدد‪ .2‬المجلد ‪ .5‬ص (‪ .)426 -403‬جامعة شلف‪ .‬الجزائر‪.‬‬

‫‪ -3‬خالفي حسين‪2007 .‬ماي ‪ ،‬مجلة الخطاب‪ .‬نسقية اللغة و المحدودية الداللة‪ .‬دار األمل‬
‫تيزي وزو‪.‬‬
‫‪ - 4‬رزيق حنان‪ ،2017 ،‬ترجمة العبارات اإلصطالحية في الخطاب السياسي‪ ،‬مجلة دفاتر‬
‫الترجمة‪ ،‬العدد ‪.8‬‬
‫‪ -5‬السمباطي محمد‪ ،1982 .‬السياسة وترجمة القرآن‪ ،‬حولية كلية الشريعة والقانون‬
‫والدراسات اإلسالمية‪ ،‬جامعة قطر‪.‬‬
‫‪ -6‬عالم ليلى‪ ،2001 .‬إشكالية الترجمة‪ ،‬مجلة المترجم‪ ،‬العدد ‪ ،1‬جامعة وهران‪.‬‬
‫‪ -7‬عقيلة مصيطفى‪ ،2013 .‬نظرية المعنى و مقاصد الخطاب من خالل دالئل اإلعجاز لعبد‬
‫القاهر الجرجاني‪ .‬مجلة الواحات للبحوث و الدراسات‪ .‬العدد ‪ .19‬المركز الجامعي غرداية‪.‬‬
‫‪ -8‬فونتاني جاك‪ ،2018 .‬من العالمة إلى الخطاب ‪ .‬ترجمة د‪ .‬غسان السيد‪ .‬مجلة جسور‬
‫ثقافية‪ .‬العدد ‪.12‬‬

‫‪ -9‬مطهري صفية‪ ،2001 .‬الترجمة و الداللة‪ ،‬مجلة المترجم‪ ،‬جامعة وهران‪ ،‬العدد ‪.1‬‬

‫‪10-Alonso Ramos, M. Construction d’une base de données des collocations‬‬


‫‪bilingue français-espagnol, langages, n 143.‬‬

‫‪11- Anquetil, M. Quelques éléments d’analyse du discours. Lingua frencesse‬‬


‫‪avanzata. Facolta di scienze politiche. Universita di Maczrata.‬‬

‫‪12-Biesla, E & Bassnett,2009. S. Translation in global news. Routledge.‬‬


‫‪London.‬‬
‫‪13-Braud, P. 2014. L’expression émotionnelle dans le discours politique.‬‬
‫‪Recherche en communication, n°41.‬‬

‫‪14- Brinjy, H. 2016. Interculturalité et traduction des expressions figées.‬‬


‫‪Synergies monde arabe. n°9.‬‬
15-GUESPIN, 1971 septembre. L. Le discours politique. Langage. Revue
trimestrielle. Didier/ Larousse. Paris.

16-Jean-Michel ADAM. 2006 juin. Texte, contexte et discours en questions.


Réponses de Jean-Michel Adam. Pratiques.PDF

17- PEATMON, J. 2013. The long shadow of Lincoln’s Gettysburg adresse,


Carbondale, Southern Illinois university press.

:‫رسائل و أطروحات‬

‫ جامعة سيدي‬..‫ أطروحة دكتوراة‬.‫ التعابير المسكوكة و الترجمة‬.)2017( .‫بولعالم علي‬-1


.‫ المغرب‬. ‫ فاس‬.‫محمد بن عبد هللا‬
‫ جامعة‬.‫ مذكرة ماجيستير‬.‫ األمانة في ترجمة الخطاب السياسي‬.)2010(.‫خديش صالح‬-2
.‫ الجزائر‬.‫منتوري قسنطينة‬
‫ مذكرة‬،‫التعابير المسكوكة و دورها في الخطاب السياسي‬.)2011( .‫ موساوي يمينة‬-3
.‫ الجزائر‬،‫ جامعة تلمسان‬،‫ كلية األداب و اللغات‬،‫ماجستير‬

4- LEROI, M-V . (2004) le traitement automatique et lexicographique des


locutions verbales figées en français. Mémoire de recherche. Université paris 3.
Sorbonne nouvelle ILPGA.

5- RӐDULESCU, A. (2013) Pourquoi est- il difficile de traduire les


proverbes ?mémoire de magister. Université de Craiova(Romanie). PDF.

:‫مكتبة البحث‬
.‫ الجزائر‬.1‫ ط‬.‫ دار اإلمام مالك‬.‫ نظم االجرومية‬.2002 . ‫ أبو عبد هللا‬،‫ ابن اجروم‬-1

.‫ بيروت‬،‫ دار الكتاب العربي‬،‫ القضاء و القدر‬.2011 ،‫ تقي الدين‬،‫ابن تيمية‬-2


‫‪-3‬إبن جني‪ ،‬أبو الفتح عثمان‪ .2006 .‬كتاب الخصائص‪ .‬الجزء ‪ .1‬دار الكتب العلمية‪.‬‬
‫بيروت‪.‬‬

‫‪-4‬ابن عبد ربه األندلسي‪ .1982 ،‬العقد الفريد‪ ،‬دار الكتاب العربي‪ ،‬بيروت‪ ،‬ج‪.3‬‬

‫‪-5‬أبو البقاء أيوب‪ .1988 .‬الكليات‪ .‬مؤسسة الرسالة‪ .‬بيروت‪.‬‬

‫‪-6‬أبو عبد هللا الجهشياري‪ .1988 .‬الوزراء و الكتاب‪ .‬دار الفكر الحديث‪ .‬الكويت‪.‬‬

‫‪ -7‬أمبرتو إيكو‪ .2015 ،‬تأمالت في السرد الروائي‪ ،‬ترجمة سعيد بنكراد‪ ،‬المركز الثقافي‬
‫العربي‪ ،‬الطبعة الثانية‪.‬‬

‫‪-8‬إميل بديع يعقوب‪ ،‬موسوعة أمثال العرب‪ ،‬ج‪ ،1‬دار الجيل‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط ‪.1‬‬

‫‪-9‬بازي محمد‪ .2010 .‬تقابالت النص و بالغة الخطاب نح تأويل تقابلي‪ ،‬الدار العربية‬
‫للعلوم ناشرون‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪.‬‬

‫‪-10‬بحراوي حسين‪ .2015 .‬مأوى الغريب‪ ،‬دراسات في شعرية الترجمة‪ ،‬المركز القومي‬
‫للترجمة‪ ،‬القاهرة‪.‬‬

‫‪-11‬بدوي سعيد‪ .1973 .‬مستويات اللغة العربية في مصر‪ .‬القاهرة‪ .‬دار المعارف‪.‬‬

‫‪-12‬برمان أنطوان‪ .2010 .‬الترجمة و الحرف أو مقام البعد‪ ،‬ترجمة عز الدين الخطابي‪،‬‬
‫المنظمة العربية للترجمة‪،‬بيروت‪.‬‬

‫‪-13‬برنار لويس‪ .1993 .‬لغة السياسة في اإلسالم‪ ،‬ترجمة إبراهيم باشا‪ ،‬دار قرطبة للنشر‪.‬‬

‫‪-14‬بيلسي كاثرين‪ .2018 .‬الواقع و الثقافة‪ ،‬ترجمة باسل الخطيب‪ .‬الهيئة السورية للكتاب‪،‬‬
‫دمشق‪ ،‬سوريا‪.‬‬

‫‪-15‬تبون عبد المجيد‪ .2020 .‬الدستور ‪ .‬المطبعة الرسمية‪ ،‬الجزائر‪.‬‬

‫‪-16‬الجاحظ‪ .1988 ،‬البيان و التبيين‪ ،‬مكتبة الهالل‪ ،‬بيروت‪ ،‬ج‪.1‬‬

‫‪-17‬الجرجاني عبد القاهر‪ .1981 .‬كتاب دالئل اإلعجاز‪ .‬دار المعرفة‪ .‬بيروت‪ .‬ج ‪.1‬‬
‫‪-18‬الحميري عبد الواسع أحمد‪ .2005 ،‬شعرية الخطاب في التراث النقدي البالغي‪،‬‬
‫المؤسسة الجامعية للدراسات و النشر و التوزيع‪ ،‬بيروت‪.‬‬

‫‪ -19‬الحميري عبد الواسع أحمد‪ .2015 .‬نظرية الخطاب مقاربة تأسيسية‪ .‬مؤسسة االنتشار‬
‫العربي‪.‬‬

‫‪-20‬دويدج نورمان‪ .2009 .‬الدماغ و كيف يطور بنيته و أداءه‪ ،‬ترجمة رفيف غدار‪ ،‬الدار‬
‫العربية للعلوم ناشرون‪ .‬بيروت ‪ ،‬لبنان‪.‬‬

‫‪-21‬ديداوي أحمد‪ .2000 .‬الترجمة و التواصل‪ ،‬المركز الثقافي العربي‪ ،‬ط‪ ،1‬الرباط‪.‬‬

‫‪-22‬ريكور بول‪ .2008 .‬عن الترجمة‪ ،‬ترجمة حسين خمري‪ ،‬الدار العربية للعلوم ناشرون‪،‬‬
‫القاهرة‪ ،‬مصر‪.‬‬

‫‪-23‬زيدان جرجي‪ .2013 ،‬تاريخ آداب اللغة العربية‪ ،‬هنداوي للتعليم و الثقافة‪ ،‬مصر‪.‬‬

‫ي جالل الدين‪ .2008 .‬اإلتقان في علوم القرآن‪ ،‬الرسالة ناشرون‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪.‬‬
‫‪-24‬السيّوط ّ‬
‫‪-25‬السيوطي‪ .1975 .‬همع الهوامع في شرح الجوامع‪ .‬دار البحوث العلمية ‪.‬ط‪ .1‬الكويت‪ .‬ج‬
‫‪.1‬‬

‫‪-26‬شوقي ضيف‪ ،‬الفن و مذاهبه في النثر العربي‪،‬دار المعارف‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط ‪.13‬‬

‫‪-27‬الصوري عباس‪ ، 2002 .‬في بيداغوجية اللغة العربية‪ ،‬الرصيد المعجمي الحي‪ ،‬ط ‪،1‬‬
‫مطبعة النجاح الجديدة‪ ،‬الدار البيضاء‪ .‬المغرب‪.‬‬

‫‪ -28‬طبي محمد‪ .1992 .‬وضع المصطلحات‪ ،‬الزؤسسة الوطنية للفنون المطبعية‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫الجزائر‪.‬‬

‫‪-29‬عباس حسن‪ .1988 .‬خصائص الحروف العربية و معانيها‪،‬إتحاد الكتاب العرب‪،‬‬


‫دمشق‪،‬سوريا‪.‬‬

‫‪-30‬العسقالني ابن حجر‪ .‬فتح الباري في شرح صحيح البخاري‪ ،‬ج ‪ ،11‬دار الكتب العلمية‪،‬‬
‫القاهرة‪.‬‬
‫‪-31‬عمر أحمد مختار‪ .1992 .‬صناعة المعجم الحديث‪ ،‬عالم الكتب‪ ،‬القاهرة‪ .‬مصر‪.‬‬

‫‪-32‬عناني محمد‪ .1992 .‬فن الترجمة‪ .‬دار غريب‪ .‬القاهرة‪ ،‬مصر‪.‬‬

‫‪-33‬فيسترهوف يان‪ .2016 .‬ما بعد الحقيقة‪ .‬ترجمة هبة عبد العزيز غانم‪ ،‬مؤسسة هنداوي‬
‫للتعليم و الثقافة‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬مصر‪.‬‬

‫‪-34‬القرطبي محمد ‪ .2016 .‬التذكرة في أحوال الموتى و أمور اآلخرة‪ .‬دار األرقم بن أبي‬
‫األرقم‪ .‬بيروت‪ .‬لبنان‪.‬‬

‫‪ -35‬كريم زكي حسام الدين‪ .1985 .‬التعبير اإلصطالحي‪.‬مكتبة أنجلو المصرية‪،‬القاهرة‪.‬‬


‫مصر‪.‬‬

‫‪-36‬المارودي علي محمد بن حبيب‪ .1999 ،‬األمثال و الحكم‪ ،‬تحقيق فؤاد عبد المنعم أحمد‪،‬‬
‫دار الوطن للنشر‪ ،‬الرياض‪ ،‬ط‪.1‬‬

‫‪-37‬المسدي عبد السالم‪ .1986 .‬اللسانيات و أسسها المعرفية‪ ،‬المؤسسة الوطنية للكتاب‪،‬‬
‫الجزائر‪.‬‬

‫‪-38‬مطلوب أحمد‪ ،‬حركة التعريب في العراق‪ ،‬معهد البحث و العلوم‪ ،‬بغداد‪.‬‬

‫‪-39‬المناصرة عز الدين‪ .2014 .‬الهويات و التعددية اللغوية‪ ،‬الصايل للنشر و التوزيع‪،‬‬


‫األردن‪.‬‬

‫‪-40‬هابرماس يورغن‪ .2013 .‬قوة الدين في المجال العام‪ .‬ترجمة فالح رحيم‪ .‬دار التنوير‬
‫للطباعة و النشر‪ .‬بيروت‪ .‬لبنان‪.‬‬
‫‪41- De Fontaine de Resbecq ,1837. A. Alger et les cotes d’Afrique.Paris. Gaume‬‬
‫‪frères librairies. Paris. France.‬‬
‫‪42-MARTINET. André. 1960. Eléments de linguistique générale, Armand‬‬
‫‪Colin, Paris. France.‬‬
‫‪43-NEW MARK, P. 1988. A Text Book of Translation. London. Prentice‬‬
‫‪hall.p36. Pdf.‬‬
‫‪44- RAKOVA, S. Les théories de la traduction.‬‬
:‫المواقع اإللكترونية‬

1-Oliver Moch : les modèles de la communication.


-http://oliver-moch.over-blog.net/article- les-modèles-de-communication-
72295675.
- https://me.me/i/what-i-think-what-can-what-i-put-into-say-2880492
-http://blogs.aljazeera.net/amp/blogs/2016/8/20/ (consulté le
21/11/2018)
2-A, W
-Le forum du Crans Montana. https://algeria-watch.org/?p55145 (consulté le
12/01/2020).

3-Emanuel Macron (twiter) : https://www.la-croix.com/France/Mort-Baghdadi-


defaite-El-priorite-France-Macron-2019-10-27

:‫ موقع شبكة بي بي سي الشرق األوسط‬-4


- https://www.bbc.com/news/world-middle-east-50080737 )2019-11-01(
:‫ موقع السفارة األمريكية بالجزائر‬-5
- https://dz.usembassy.gov/ )2019-11-05 (
6- ‫ «صحيفة‬liberté » :‫ الموقع‬https://www.liberte-algerie.com/actualite/destitue-
pour-avoir-denonce-la-justice-de-la-nuit-10285 (24/04/2021)

7-Barthes, R. Théorie du texte. Encyclopédia universalis. 1974.-


https://www.universalis.fr/encyclopedie/théorie-du-texte/ (06/10/2020)

:‫ اإلستشهادات الثالثة لكل من بايدن و ترودو و غوتيريش‬-8


-- https://www.albawaba.com/ar/slideshow/(12 /01/2021)
Black, I & Tran, M. Barck Obama pleadges new begining between US
and Muslims. https://www.thegardian.com/world/2009/jun/04/barack-
obama-keynote-speech-egyptj7)2020/01/26(
.‫ بوتين يستشهد بآيات من القرآن‬RT-9
)2020/01/27( https://arabic.rt.com/middle_east/1045615-
:‫ أنظر الموقع‬2014/10/17 .‫ شئنا أم أبينا‬، ‫ محمد لطفي‬-10
)2021/02/17 ‫ (فحص الموقع بتاريخ‬https://www.alaraby.co.uk/
‫ﻣﻠﺨﺺ‪:‬‬
‫ﺗﻨﺪرج ھﺬه اﻷطﺮوﺣﺔ اﻟﻤﻮﺳﻮﻣﺔ ب "إﺷﻜﺎﻟﯿﺔ ﺗﺮﺟﻤﺔ اﻟﺘﻌﺎﺑﯿﺮ اﻟﻤﺴﻜﻮﻛﺔ ﻓﻲ اﻟﺨﻄﺎب‬
‫اﻟﺴﯿﺎﺳﻲ" ﻓﻲ ﺧﺎﻧﺔ اﻟﺪراﺳﺎت اﻟﺪﻻﻟﯿﺔ اﻟﺘﻘﺎﺑﻠﯿﺔ ﻓﻲ ﻣﯿﺪان اﻟﺘﺮﺟﻤﺔ‪ ،‬إذ ﺗﻨﺎوﻟﺖ ﺑﺎﻟﺪراﺳﺔ و‬
‫اﻟﺘﺤﻠﯿﻞ إﺷﻜﺎﻟﯿﺔ ﺗﺮﺟﻤﺔ اﻟﺘﻌﺎﺑﯿﺮ اﻟﻤﺴﻜﻮﻛﺔ ﻓﻲ اﻟﺨﻄﺎب اﻟﺴﯿﺎﺳﻲ‪.‬‬
‫ﺗﺘﻌ ّﺪى ھﺬه اﻟﺪراﺳﺔ اﻹطﺎر اﻟﻨﻈﺮي اﻟﻤﺠﺮّد‪ ،‬إذ أﻧّﻨﺎ اﻋﺘﻤﺪﻧﺎ ﻓﻲ إﻧﺠﺎزھﺎ ﻋﻠﻰ ﻋﯿّﻨﺎت ﻋﻤﻠﯿﺔ‬
‫و ﺗﺮﺟﻤﺎت ﻣﺤﻘﻘﺔ ﻟﻤﺨﺘﻠﻒ اﻟﺘﻌﺎﺑﯿﺮ اﻟﻤﺴﻜﻮﻛﺔ ﻓﻲ اﻟﺨﻄﺎب اﻟﺴﯿﺎﺳﻲ اﻟﺠﺰاﺋﺮي‪ ،‬ﺣﯿﺚ ر ّﻛﺰﻧﺎ‬
‫ﻋﻠﻰ ﺗﻠﻚ اﻟﻤﺴﺘﺪﻋﺎة ﻓﻲ اﻟﺨﻄﺎب اﻟﺮﺋﺎﺳﻲ ﻟﻠﺴﯿّﺪ رﺋﯿﺲ اﻟﺠﻤﮭﻮرﯾﺔ اﻟﺠﺰاﺋﺮﯾﺔ اﻟﺴﯿّﺪ ﻋﺒﺪ‬
‫اﻟﻤﺠﯿﺪ ﺗﺒﻮن‪ ،‬ﻣﺘﻨﺎوﻟﯿﻦ إﯾّﺎھﺎ ﺑﺎﻟﺪراﺳﺔ و اﻟﺘﺤﻠﯿﻞ اﻟﺪﻻﻟﻲ و اﻟﻤﻘﺎرﻧﺔ اﻟﺘﻘﺎﺑﻠﯿﺔ ﺑﯿﻦ اﻟﺘﻌﺎﺑﯿﺮ‬
‫اﻷﺻﻞ و اﻟﺘﺮﺟﻤﺎت اﻟﻤﺤﻘﻘﺔ ﻓﻲ اﻟﺴﯿﺎق اﻟﺴﯿﺎﺳﻲ‪ ،‬و ھﺬا إﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ اﺳﺘﺪﻋﺎء ﺗﺮﺟﻤﺎت‬
‫ﻣﻮازﯾﺔ ﻟﻨﻔﺲ اﻟﺘﻌﺎﺑﯿﺮ اﻟﻤﺴﻜﻮﻛﺔ ﻓﻲ ﺳﯿﺎﻗﺎت أﺧﺮى ﻛﺎﻟﻤﻌﺎﺟﻢ اﻟﺜﻨﺎﺋﯿﺔ اﻟﻠﻐﺔ و ﻣﻮاﻗﻊ اﻹﻧﺘﺮﻧﺖ‬
‫ﻟﻠﺘﺮﺟﻤﺔ‪.‬‬
‫ﺳﺎﻋﺪﻧﺎ ﺗﻤﺘّﻊ اﻟﺴﯿّﺪ اﻟﺮﺋﯿﺲ ﻋﺒﺪ اﻟﻤﺠﯿﺪ ﺗﺒﻮن ﺑﻤﻠﻜﺔ ﻟﻐﻮﯾﺔ ﺗﻌﺒﯿﺮﯾﺔ ﺑﺎﻟﻠﻐﺔ اﻟﻌﺮﺑﯿﺔ و اﻟﻔﺮﻧﺴﯿﺔ‬
‫ﻓﻲ إﺛﺮاء ھﺬه اﻟﺪراﺳﺔ ﺑﺘﺒﺪﯾﻞ اﻷدوار اﻟﻠﻐﻮﯾﺔ‪ ،‬ﻓﺘﺎرة ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻌﺮﺑﯿﺔ ھﻲ اﻷﺻﻞ و اﻟﻔﺮﻧﺴﯿﺔ‬
‫اﻟﮭﺪف‪ ،‬و ﺗﺎرة أﺧﺮى ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻔﺮﻧﺴﯿﺔ ھﻲ اﻟﻠﻐﺔ اﻷﺻﻞ ﻟﻠﺘﻌﺎﺑﯿﺮ اﻟﻤﺴﻜﻮﻛﺔ و اﻟﻠﻐﺔ اﻟﻌﺮﺑﯿﺔ ھﻲ‬
‫اﻟﮭﺪف‪.‬‬
‫وﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﻟﻨﺎ ﻣﺎ ﻛﺎن ﻣﻦ اﻟﻨﺘﺎﺋﺞ اﻟﻤﺘﻮﺻّﻞ إﻟﯿﮭﺎ إﻻّ ﺑﺘﺤﻠﯿﻞ و ﺗﺴﻠﯿﻂ اﻟﻀﻮء ﻋﻠﻰ اﻟﺘﻌﺎﺑﯿﺮ‬
‫اﻟﻤﺴﻜﻮﻛﺔ ﻣﻦ ﺟﮭﺔ و ﻋﻠﻰ اﻟﺴﯿﺎق اﻟﺴﯿﺎﺳﻲ اﻟﻤﺴﺘﺪﻋﺎة ﻓﯿﮫ ﻣﻦ ﺟﮭﺔ أﺧﺮى‪ ،‬إﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ‬
‫ﻣﺨﺘﻠﻒ اﻟﻤﻘﺎرﺑﺎت واﻟﻨﻈﺮﯾﺎت اﻟﻤﺤﻘّﻘﺔ ﻓﻲ اﻟﻤﺠﺎل اﻟﺘﺮﺟﻤﻲ ﻟﻤﻘﺎرﻧﺘﮭﺎ ﺑﺎﻟﻨﺘﺎﺋﺞ اﻟﻌﻤﻠﯿﺔ اﻟﻤﺤﻘّﻘﺔ‬
‫اﻟﺘﻲ أﺛﺒﺘﺖ ﺗﻨ ّﻮع اﻷﺳﺎﻟﯿﺐ و اﻟﺘﻘﻨﯿّﺎت اﻟﺘﺮﺟﻤﯿﺔ ﺗﻨ ّﻮع اﻟﺘﻌﺎﺑﯿﺮ و ﺳﯿﺎق اﻻﺳﺘﺪﻋﺎء و ﻛﺬا‬
‫اﺧﺘﻼف اﻟﻤﺘﺮﺟﻤﯿﻦ و ﻧﻮع اﻟﺘﺮﺟﻤﺔ‪.‬‬
‫ﻛﻠﻤﺎت ﻣﻔﺘﺎﺣﯿﺔ‪:‬‬
‫اﻟﺘﺮﺟﻤﺎت اﻟﻤﻮازﯾﺔ؛ اﻟﺘﺮﺟﻤﺔ؛ اﻟﻌﺮاﻗﯿﻞ؛ اﻟﺨﻄﺎب اﻟﺮﺋﺎﺳﻲ؛ اﻟﺘﻌﺎﺑﯿﺮ اﻟﻤﺴﻜﻮﻛﺔ؛ اﻷﺳﻠﻮﺑﯿﺔ؛‬
‫ﻋﺒﺪ اﻟﻤﺠﯿﺪ ﺗﺒﻮن؛ اﻟﻠﻐﺔ؛ اﻟﺪراﺳﺎت اﻟﺪﻻﻟﯿﺔ اﻟﺘﻘﺎﺑﻠﯿﺔ؛ اﻟﺘﺄوﯾﻞ‪.‬‬
‫ﺗﺎرﯾﺦ اﻟﻤﻨﺎﻗﺸﺔ‪2023/06/20 :‬‬
‫ﺑﺘﻘﺪﯾﺮ‪ :‬ﻣﺸﺮف‬

You might also like