Professional Documents
Culture Documents
منظومة
أشراط الساعة
لناظمها
الع م ل
َ ه ا دا ً يف َ فَ لَ ي ()19 الع مدل
َ أَم ا ها ك ا َ لبَ مس
ار نَن ال ف س
اع ل َ 14تَتَ ب ()20 13غَ مربَلَ ةا َوقل ة األَ م ي ار
ارب األَ مس وا َ 18والزم ا 17تَق ()21 ا اول الب مني 15تَن اك ار 16تَط
ور ََ 23خم ر 22 21
ف مح ا قَط َيع ةا َوز ا
20
()22 ا 19الش ر َوأَ يَش َ
يع يف األَن
ف َ 31وقَ تم ل 28ز ًًن 29رً َ 30مع از ا ()23 ب َ 26وش ح َ 27ا مه ل ا ب ش
َ ت
َ
25
ا ر
م ش 24
َ 49وبَي ع ح م م 50ص مد رمؤاي املس لم ()34 َ 47وَرد س نة 48تَ داعي األ َم م
املَمعرفَ مه 53فَ مق د األَمانَ ة َ 54س ()35 َ 51وال اس يات الع ارايت َ 52ز م َرفَ مه
ار ة ال ف ازا او ل َف مر َا
ً مُمت ()36 َ 55وأَ ت رى ب ي وت َرب الب اري
57
*** 56 ما مل
َر املَطَ مر ق ل النب ات َم َع َكثم ()37 وا ا َو ََ مر َع مود ا َزي َر مر ً يظهر
بعد
ه ي مقتَ تَ مل م ن َه َه ب َا م َعلَمي ()38 َ 58وَميس ر الف رات َا مزًم ا َع من َابَ مل
شرح منظومة أشراط الساعة 6
َس َود واألفَي د األ م األَفم َح ()49 ص يلع ا األ َ يَ مس لبها حلميَ تَه
ن ك ا َ َعل ُ ا مس تَ مق بض َم ()50 ري ح ََيَ ن َوش ا َ 76وبَ مع
ي العل
لح ه َ ص
ةي م يف لَيلَ ()51 ه ا َوم ن أَ مش راطها 77املَمه دي
ل َس يد ال َورى األَوا م ن نَ مس ()52 د هللا َو مه َو َم د بم ن َعبم
نيَ .و مه َو أَقم ىن أَ مال ُ
َس مب َع س ن َ ()53 مدال ض َج ًيع ا َع فَ يَ مم َل األَ مر َ
فَ يَ َنعم الن ا ب َع ي َرغَ د ()54 َدد َع ال بغَ
ي َقس م امل َ
ار ر األَ م ي ت َ مم
م آمنَ
َو َ ()55 ار ه األَ م ب
تبَوقَ د تَ واتَ َر م
وري ه الث ه قالَ ال تَتب مع ()56 ك ا ا املَمه دي َو َعل ُ ب َ
ه وره مم لَي
َ مم أم َوَرده ()57 اعه مم َعلَي ه
ااتم َتَ رى م َح
َو مه َي ل زو ا لم م َوالت بَ ني ()58 َ َا يف الف
بَص َوه
ح مل ام أَوى ىل ص دور العلَم ا ()59 فَم ا أَوى َش يءا ىل َش يء َكم ا
و َ َرأم َ َ
ض ا م َن ا م تَ َ ()60 ا يف ا َ و َ اتب ًع َوأَ تَ
7 شرح منظومة أشراط الساعة
()4م َن النس اء (َ )5وم َن األَ مع راب ()76 (َ )2والع م م (َ )3وال مت َو َجم اع راب
يم و ََت الغر بَن ه فَ َعلَي ()77 رمي ة ال َ د أم ا أَ َش أَم
َعل ُ يَ د املَس يح َم ل َم مرَمي ()78 ا معلَم د فَ اب ل َه ك ه بب
ص ياد ه َو ال داال
َه ل ابم ن َ ()79 ني العلَم ا مش ال
َوش ا َ بَ َ
َو َّن ا ك ا َ م َن ال ه ا ()80 لَ ي َ ب ه َعل ُ الص حيح ال داي
شرح منظومة أشراط الساعة 8
ش
شرح منظومة أشراط الساعة 10
ا اَتة
( )117فَ تَم م ا قَ مد رممت ه م َ م ي تَ َفض َوا َ مم د هلل ال
املَ مرء م ا قَ ل َو َد مل َك حاش يته م ن َح مش و او ط ول َيَ مل (َ )118
َ
ض حُ مثم َل ع مق د َّنمنم ا حافَظم ت ااه ًدا َعل ُ أَلمف ا م ا ( )119ا َ
اء فََ م
مر ُل ي م ا ب ه م َن ا َلَ مل مل (َ )120وا مغف الع َم
ل َ اي َرب اي َرب تَ َقب
م اي ك ال َ رمي اي ها ال
َ راي ( )121ل َو ماه ص اب َولمتَ م َعلَمن ه ال ً
ف ال َ مرب َع ن املَ م روب
وب (َ )122وكاش َ ب القل
َ َر اي م َقل
ُ ا َي ا (َ )123وَ ن ا م من َش َر الش يطا ت ق لوبَن ا َعل ثَب م
ا ( )124وم من ش رور ا َلم ق َربن ا قن ا ا َوعافن ز م ق لوبَن َوال ت
يم الط ول ( )125م من ك ل ف مت نَ ة َوك ل َه ولَ ك العي اه اي َعظ
ب َ
ال لح ةك اع
( )126لعلم م َوالط َ تغال ا َدوا َ اال مش ب لَن
م َو َه
ايد م
ز َ َع ال (َ )127وأ مَولن ا ا مس ىن َم عاد م
َوالس َ َوا م ت مم لَن ا َ
َن اي َرب َ م سَح َ
(َ )128وك ل َم من أ م اشَ مل ِب ا َم ن لَ ه َح ق َعلَ مي َو م
س مم ص طَفُ َ الن َ
(َ )129عل ُ الن امل م ني َو َس ل َم من أَ مه َل ال َ َر م
ص لَم
َو َ
روب
تم ( )130امل َ مم د َوهللا تَع اىل أَ معلَ م حاب ث أَ م َوا ل َواألَ م
ص
***
طالَع ت اي م ري هه ي ا رم
دى تلمس ا َ ال ب د الغ رم ل ه
ىن درمها ِب ا يف الع ني أس ه
قت اي َد األ هىل م ن م رمقد طو م
يف ط ر اي حب ا م ن ط رم
جيل ةا م ن املع اي ثَ رم
املس رم
َ ت و النف و أهن
وتن ر املقص َر املََع رم
ادل املغ تم َ وتع َّ ا َن
ب املع تم ت كر النوائ َ
املض رم
عاف ا رب ووق ُ َ
ت ق رم ت فين ا م ا حيي َ ودم َ
تعل و اليَف ا َ َك رً ف َ رم
ة 1444 27هو ا
شرح منظومة أشراط الساعة 12
ة 1444 30هو ا
ة 1444 30هو ا
13 شرح منظومة أشراط الساعة
شرح
منظومة
أشراط الساعة
شرح منظومة أشراط الساعة 14
َظ َمها مركز ال ُّنبْل في شهر جمادى األولى من عام 1445لقراءة واستشراح مجالس ن َّ
ُ ( )1أصل هذه المادّة
سا ثم فُ ِّ ّرغَت وقد ّ
اطلع الشارح على هذه األوراق منظومة أشراط الساعة وقد ت ّمت بتوفيق هللا في ثالثة عشر مجل ً
وخرج أحاديثها ووثّق نقولها وأعاد صياغة مواضع يسيرة منها بما يتناسب مع ّ قبل نشرها فراجعها ونقّح مادتها
الكتاب المقروء.
وقد كان ُج ُّل االعتماد في النظم والشرح على كتابين هما أشراط الساعة للشيخ الدكتور يوسف بن عبدهللا
الوابل وأحاديث أشراط الساعة وفقهها للشيخ الدكتور محمد بن غيث أدام هللا نفعهما وبارك فيهما وأجرى الخير
على يدهما ثم زيدت عليهما في النظم والشرح زوائدُ كثيرة من غيرهما من كتب أشراط الساعة وغيرها.
(.)650/1( )2
( )3ص.26
ينتهوا عن بعض الذنوب ،ويلين منهم بعض القلوب ،وينتبهوا من سنة الغفلة ،ويغتنموا
ُ
املهلة قبل الوهلة".
وهذه الثمرة من أعظم ثمرات العلم بأشراط الساعة ،فالحديث عن أشراط الساعة
ُ ُ
ويحمل على التوبة ،واالنتباه من الغفلة ،واملسارعة إلى األعمال الصالحة، ُيرق ُق القلوب،
ُ
وهذه هي الحكمة من تقديم األشراط بين يدي الساعة.
اآلخر ،وهو ٌ
جزء ال يتجزأ ُ
ثم إن موضوع أشراط الساعة يندرج تحت اإليمان باليوم ِ
ُ
فتحقيق اإليمان به من تحقيق اإليمان باليوم اآلخر. منه،
عظيم من أبواب الدين ،ففي حديث جبريل املشهور حين سأل النبي -صلى ٌ وهو ٌ
باب
للا عليه وسلم -عن اإلسالم واإليمان واإلحسان ،ثم سأله بعد ذلك عن الساعة وأماراتها، ُ
ُ ُ ُ ُ
()1
جبريل أتاكم ُيع ِل ُمكم دينكم» للا عليه وسلم -في آخر الحديث« :هذا قال النبي -صلى ُ
ُ ُ
فانظر كيف ذكر موضوع أشراط الساعة في هذا الحديث العظيم الذي فيه خالصة
عظيم من أبواب الدين.ٌ الدين؛ فدل على أنه ٌ
باب
ووقوعها كما أخبر منُ للا عليه وسلم -عن أمور غيبية ُمستقبلة إخبار النبي -صلى ُ ُ ثم
َّ أعظم دالئل نبوته -ص َّلى ُ
هللا عليه وسلم ،-وقد أخرج البخاري في صحيحه أحاديث من ِ ِ
أحاديث أشراط الساعة ،وترجم عليها بقوله" :باب عالمات النبوة في اإلسالم" .فكلما رأى
املسلم تحقق هذه العالمات بعينه ا داد ً
إيمانا ً
ويقينا. ز
للا عليه وسلم -في أمارات الساعة« :وأ ْن ترى ُ
الحفاة ُ مثال :قال النبي -صلى ُ ً
العراة
ُْ ُ َّ
يان»( .)2واليوم يوجد من كان يرعى الغنم ،وهو اآلن ِ نالب في ن ول طاو ت ي اءِ الش العالة ِرعاء
من أصحاب ناطحات السحاب!
للا عليه وسلم -عن كثرة الهرج والفتن ،وعن كثرة الزالزل ،وعن ظهور وأخبر -صلى ُ
للا عليه وسلم -ينظر إلى زماننا الجهل ،وهذا كل ُه نر ُاه في زماننا حتى كأن النبي -صلى ُ
ويص ُف ُه.
( )1أخرجه البخاري ( ،)50ومسلم ( )9من حديث أبي هريرة -رضي هللا عنه ،-وأخرجه مسلم ( )8من حديث
عمر بن الخطاب رضي هللا عنه.
( )2انظر تخريجه في الحاشية السابقة.
شرح منظومة أشراط الساعة 16
الفتن واألشراط ثم من ثمرات العلم بأشراط الساعة :معرفة التعامل الشرعي مع ِ
ُ
عند وقوعها ،ومعرفة حكم هللا تعالى فيها.
يوما ،وأي ُام ُه للا عليه وسلم -أخبر أن الدجال يمكث أربعين ً فمن ذلك :أنه -صلى ُ
ُ ُ
«ي ْو ٌم كسن ٍة ،وي ْو ٌم كش ْه ٍر ،وي ْو ٌم ك ُج ُمع ٍة ،وسا ِئ ُر أ َّي ِام ِه كأ َّي ِامك ْم» ،فسأل الصحابة النبي -
ُ َّ صلى ُ
وليلة؟» أي ٍ يوم
ٍ صالة فيه أتكفينا نة
ٍ كس ذي ال للا عليه وسلم -عن هذا اليوم «
اقدروا له للا عليه وسلم« :-الُ ، خمس صلوات فقط لذلك اليوم؟ فقال النبي -صلى ُ ُ
قدره»( .)1واملعنى :أنهم ُيصلون في ذلك اليوم صالة سنة كاملة ،فإذا مض ى بعد طلوع
قدر ما يكون قدر ما يكون بينه وبين الظهر كل يوم صلوا الظهر ،ثم إذا مض ى بعد ُه ُ الفجر ُ
قدر ما يكون بينها وبين املغرب صلوا بينها وبين العصر صلوا العصر ،ثم إذا مض ى بعد هذا ُ
املغرب ،وكذا العشاء ثم الصبح والظهر والعصر وهكذا؛ حتى ينقض ي ذلك اليوم الذي هو
ٌ
مؤداة في وقتها؛ فهذا ٌ
حكم شرعي خاص بذلك كسنة وقد أوقعوا فيه صلوات سنة كلها
ُ
اليوم في آخر الزمان ،ولو ترك الناس إلى اجتهادهم لربما اقتصروا على ما اعتادوه من
الصلوات الخمس.
قبل الجزية من أهل ومن ذلك :أن عيس ى -عليه السال ُم -إذا نزل في آخر الزمان ال ي ُ
ُ يحكم بشريعة نبينا -صلى ُ
ُ
للا عليه وسلم ،-وشريعة الكتاب ،وعيس ى -عليه السال ُم -إنما
للا عليه وسلم -أنللا عليه وسلم -فيها قبول الجزية ،لكن بين نبينا -صلى ُ نبينا -صلى ُ
قبل من أحد الجزية وال ي ُ
قبل إال اإلسالم. ُ
توضع إذا نزل عيس ى -عليه السال ُم-؛ فال ي ُ الجزية
الفرات سيحس ُر عن جبل من ذهب ،وقد أخبر النبي -صلى ُ
للا عليه ومن ذلك :أن نهر ُ
ُ ُ
الجبل من الذهب من األموال املحرمة التي ال وسلم -أنه ال يجوز أخذ ش يء منه ،فذلك
ً ُ
كرا في كتب الفقه! تجد لها ذ
للا عليه وسلم -أفاض في وصف الدجال وفتنته وما يعص ُمومن ذلك :أن النبي -صلى ُ
ُ
صاحب خروجه كي ال يلتبس مع أدعيائها الذين كثروا في منه ،وبين صفات املهدي وما ُي
ُ
تاريخ األمة.
ُ
شيوع ُمجانبة الصواب في هذا الباب ومن أسباب العناية بعلم أشراط الساعة:
املتن:
ُ َّ
مال ٍك وما مل ْك ِ ل ِ ك ث ر
ِ وا ك الل ُه َّم ال شريك ل ْ
ِ ح ْم ًدا لك
الر ُ
ُّ الصالة و َّ َّ ُ ْ
رام
ِ ِ الك ل ِ س لِ ج أ لى ع المِ الس ِ ل م ك وأ
ْ ْ ْ ُْ
أزكى ى ى ىىى الخال ِئ ى ى ى ى ِ فدت ى ى ى ى ُه ُرو ِ ى ى ى ىي وح ِ
ُّ
الر ب ِ ذ ع تار
ن ِب ِينا امل ِ
خ
ْ ْ ُ
يام الساع ْه ِ ِ ِ ق راط ش أل ِ ا ً
م ظ ن هذا وما رأ ْيت حتى الساع ْه
َّ ْ ُ ُ ْ ُ
فقال :ك ْن فكان هذا النظ ُم الحك ُم ِلذا دعوت م ْن ِإل ِيه
الشرح:
للا عليه وسلم ،-وهي من ابتدأ نظم ُه بحمد للا والصالة والسالم على نبينا محمد –صلى ُ
آداب التصنيف ،ثم ذكر سبب نظمه هذه املنظومة وهو أنه ما رأى حتى ساعة نظمها
ً
شامال في أشراط َّ ً
الساعة؛ لذا سأل للا تيسير نظمها فكان هذا النظم. نظما
األشراط ُّ
الصغرى
املتن:
ْ فف ْت ُ ُ ُْ ْ ْ ُ َّ ُ
س د
ِ ِ ق امل يت
ِ ب ح فموت ُه، سِ ف ن األ كىز أ ثع بم ها لأو
حال ْ في َّ واأل ْم ى ى ُن طاعو ُن ع ْمواس ،وف ُ
ُ
و ِاالرِت ِ الس ِير يض املال
الشرح:
ى ْ ُ ْ ْ ُْ ل
َّ ُ
س). ِ فنأل ا ىكز أ ث ع بم ( غر الص اط ر األش أو أي )اهل قال( :أو
َّ
وسلم ،-وقد أخبرنا النبي -صلى ُ
للا عليه أول أشراط الساعة مبع ُث ُه -ص َّلى ُ
هللا عليه
ُ ٌ
()1
ودليل على قرب قيامها ،ففي الصحيحين ٌ وسلم -أن مبعث ُه عالمة من عالمات الساعة،
(.)230/4( )1
19 شرح منظومة أشراط الساعة
ُ
والنسيم أول هبوب الريح ،واملعنى :أنه ُبعث في
ُ الساعة» وهو من النسيم،
ِ « ُب ِعثت في نس ِم
أول أشراط الساعة.
َّ ثم قال( :فم ْو ُت ُه) ص َّلى ُ
هللا عليه وسلم.
َّ النبي -ص َّلى ُ َّ
هللا عليه وسلم ،-ففي صحيح البخاري( )1عن من أشراط الساعة :موت ِ
ًّ
َّللا عليه وسلم -قال ل ُه« :ا ْع ُد ْد ِستا بين َّللا عن ُه -أن النبي -صلى ُ عوف بن مالك -رض ي ُ
الساعة :موتي »...الحديث. ِ يدي
()2
أعظم ُمصيبة وقعت على املسلمين ،أخرج أحمد ُ للا عليه وسلم- موت النبي -صلى ُ و ُ
ُ َّ َّ
فيه
ِ دخل ذي ال َّللا عن ُه -أنه قال« :ملا كان اليوم والترمذي( )3وابن ماجه( )4عن أنس -رض ي ُ
ُ َّ كل ش ٍيءَّ ، منها ُّوسلم -املدينة أضاء ْ َّ صلى َّ ُ
َّللا ْ َّ ُ َّ
اليوم الذي مات فلما كان علي ِه رسول ِ
َّللا -
َّ َّللا ْ صلى َّ َُّ َّ منها ُّ فيه أظلم ْ
علي ِه وسلم -األيدي و إنا لفي بي -ِ الن عن
ِ ضنا نف وما ، يء
ٍ ش كل ِ
َّ ْ
حتى أنك ْرنا قلوبنا». دفنه
ْ قال( :فف ْت ُ
س). د
ِ ِ ق امل يت
ِ ب ح
فتح بيت املقدس ،ففي حديث عوف بن مالك السابق ،أن من أشراط الساعةُ :
ًّ
بيت ُ
الساعة :موتي ،ثم فتح ِ ِ للا عليه وسلم -قال له« :ا ْع ُد ْد ستا بين يدي النبي -صلى ُ
َّللا عن ُه -في السنة فتح بيت املقدس في خالفة ُعمر بن الخطاب -رض ي ُ املقدس»( ،)5وكان ُ
ِ
َّللا عنهُ- السادسة عشرة من الهجرة ،فقد حاصرهم أبو ُعبيدة عامر بن الجراح -رض ي ُ
أمير الجيوش اإلسالمية بالشام ،وضيق عليهم حتى أجابوا إلى الصلح ،بشرط أن يقدم ُ
َّللا عن ُه.
عليهم أمير املؤمنين ُعمر بن الخطاب رض ي ُ
(.)3176( )1
(.)13830( )2
(.)3618( )3
( )1631( )4وصححه األلباني في تخريج فقه السيرة ص.210
( )5سبق تخريجه قريبا.
21 شرح منظومة أشراط الساعة
َّللا عن ُه -بذلك ،فسار ُعمر -رض ي َّللا عن ُه -إلى ُعمر -رض ي ُ فكتب أبو ُعبيدة -رض ي ُ
للا عليه وسلم:- الفتح املقصود بالحديث ،لقوله -صلى ُ ُ َّللا عن ُه -إليهم وصالحهم وهذا هو ُ
ُ فتح بيت املقدس ،ثم ُم ٌ «ثم ُ
الغنم»( ،)1وهو طاعون عمواس، ِ عاص
ِ كق فيكم يأخذ وتان ِ ِ
ففتح بيت املقدس املذكورُ ُ ُ ُ
وقد وقع في عهد ُعمر -رض ي َّللا عنه -بعد فتح بيت املقدس،
في الحديث هو من األشراط التي ظهرت وانقضت.
ومن املعلوم أنه استولى عليه اليهود بعد ذلك ،ثم حر ُره صالح الدين -رحم ُه ُ
َّللا ،-ثم
مرة أخرى إلى اليهود كما في ماننا ،والبد أن ُيحرر ُه املسلمون؛ ألن هذا ُ ً
وعد للا تعالى، ز رجع
ۡ ُّ
كما قال تعالى لبني إسرائيل﴿ :و ِإن ُعدت ۡم ُع ۡدنا﴾[اإلسراء ،]8 :أي وإن ُعدتم إلى اإلفساد في
األرض ُعدنا إلى االنتقام منكم وتسليط عباد لنا ُيخرجونكم منها ،هذا جزاء الدنيا ،وما عند
أعظم وأشنع؛ لذا قال للا تعالى بعدها ﴿ :وجع ۡلنا جه َّنم ِل ۡل َٰك ِفرين ح ِصيراً ُ للا من النكال
ِ
﴾[اإلسراء.]8 :
وسيأتي إن شاء للا أن من أشراط الساعة أن ُيقاتل املسلمون اليهود ،قال -صلى ُ
للا
ُ
الحجر و الشج ِر ،فيقو ُل ِ اءِ ر و من ُّ
اليهودي ئ يختب حتى ،ن املسلمو هم فيقتل عليه وسلم« :-
ْ ْ ٌّ ُ ُ ُ
يهودي خلفي ،فتعال فاقتله»(.)2 هللا هذاالشجر :يا مسلم يا عبد ِ الحجرو
ُ ُ
اعون ع ْمواس). ثم قال( :ط
للا عليه وسلم- من أشراط الساعة :طاعون عمواس ،وهو املقصود بقوله -صلى ُ
ُ ٌ ُ
وتان -واملوتان :بضم امليم وسكون الواو :هو املوت في حديث عوف بن مالك السابق« :ثم م
ْ ُ ُ ُ ْ ُ
اص الغن ِم»(.)3 ِ ع قالكثير الوقوع -يأخذ ِفيكم ك
ُ وقعاص الغنمٌ : ُ
داء يأخذ الدواب فيسيل من أنوفها ش يء فتموت فجأة ،وقد كان
ذلك في السنة الثامنة عشرة من الهجرة ،وكان أول ما نجم هذا الطاعون في عمواس ،وهي
كثير منخلق ٌ في فلسطين بين القدس والرملة ،ثم انتشر في أرض الشام؛ فمات فيه ٌ
للا عليه وسلم -كما في الصحيحين( )1من حديث أبي وقد ورد في ذلك قوله -صلى ُ
املال فيفيض َّ
حتى ُيه َّم ر َّ ُ ُ ُ َّ ُ َّ ْ ُ ُ
يك ُ َّللا عن ُ
هريرة -رض ي ُ
املال
ِ ب ِ ِ م ف
ِ ر ثك ي ى حت ة اع الس وم ق ت ال « : - ه
الر ُج ُل فيقو ُل :ال أرب لي ِف ِيه». من ي ْقب ُل ُه منه صدق ًةُ ،وي ْدعى إل ْي ِه َّ
َّللا عن ُه -أن النبي -صلى ُ
للا وفي الصحيحين( )2من حديث أبي موس ى األشعري -رض ي ُ
الذهبُ ،ثمَّ َّ َّ ُ ُ َّ ُ ٌ َّ ْ
ِ الناس زمان يطوف الرجل فيه بالصدق ِة ِمن ِ عليه وسلم -قال« :ليأ ِتين على
ُ ال يج ُد ً
أحدا يأخذها منه». ِ
ثم قال( :و ْاأل ْم ُن في ا َّ
لس ْي ِرو ِاال ْرِتح ِال). ِ
من أشراط الساعة :انتشار األمن ،وقد ثبت في مسند اإلمام أحمد( )3عن أبي هريرة -
ُ للا عليه وسلم -قال « :ال ت ُ َّللا عن ُه -أن النبي -صلى ُ رض ي ُ
الراك ُب
ِ سير ي ى حت الساعة قوم
ُ َّ َّ
بين العرا ِق ومكة ال يخاف إال ضالل الطري ِ » ،وقد وقع هذا في صدر اإلسالم في أواخر
ُ ُ ُ عهد الصحابة -رض ي ُ
والعدل البالد التي اإلسالم َّللا عن ُهم -حين فتحت األمصار ،وعم
فتحها املسلمون؛ فقوي اإليمان ،وانتشر األمان.
َّللا عن ُه -أنه قالْ « :بينا أنا وفي صحيح البخاري( )4من حديث عدي بن حاتم -رض ي ُ
ُ ْ َّ النبي -ص َّلى ُ ْ َّ
هللا عليه وسلم ،-إذ أت ُاه ر ُج ٌل فشكا إل ْي ِه الفاقة ،ث َّم أت ُاه آخ ُر فشكا إل ْي ِه ِ ِعند
ُ ُ
الحيرة؟ قلت :ل ْم أرها، وسلم :-يا عد ُّيْ ْ ، َّ السبيل ،فقال -ص َّلى ُ ق ْطع َّ
هل رأيت ِ ِ هللا عليه ُ ِ ِ
َّ ُ َّ َّ ٌ ْ ْ ْ ْ ْ ْ ُ
الحير ِة حتى تطوف وقد أن ِبئت عنها ،قال :فإن طالت بك حياة لترين الظ ِعينة ت ْرت ِح ُل ِمن ِ
وبين ن ْفس يْ : ً َّ َّ ُ ُ ُ
فأين ُد َّع ُار ط ِي ٍئ -الدع ُار: ِ
لت فيما ب ْيني ْ
ِ بالكعب ِة ال تخاف أحدا إال َّللا -ق ِ
ْ
ُُ ُ ٌ ُْ ْ
البالد؟! -ول ِئن طالت بك حياة لتفتح َّن كنوز ِك ْسرى،
ْ
وا قد س َّع ُ
ر اع الطريقَّ -الذين ْ ُقط ُ
ِ ِ
ْ ُ َّ ٌ ْ ْ
لتِ :ك ْسرى بن ُه ْر ُمز؟ قالِ :ك ْسرى بن ه ْر ُمز ،ول ِئن طالت بك حياة لترين َّ
ُ ُ ُ
الرجل ُيخ ِر ُج ِ ِ ق
ْ ُ ْ ُ ُْ
ض ٍة ،يطل ُب من يقبل ُه منه ،فال ي ِج ُد أح ًدا يقبل ُه منه ...قال ع ِد ٌّي م ْلء كفه من ذهب ْأو ف َّ
ٍ ِ ِِ ِ ِ
( )1أخرجه البخاري ( ،)1412ومسلم (.)157
( )2أخرجه البخاري ( ،)1414ومسلم (.)1012
( )8833( )3وصحح إسنادَه محققوه.
(.)3595( )4
شرح منظومة أشراط الساعة 24
ُ َّ َّ ُ ْ ُ َّ َّ ُ ْ ُ
حتى تطوف بالك ْعب ِة ال تخاف إال -ر ِض ي َّللا عنه :-فر أيت الظ ِعينة ت ْرت ِح ُل ِمن ِ
الحير ِة
َّ ُ ٌ ْ ْ ُ ْ ُ ْ ُ ْ ُُ ْ َّ ُ ْ ُ
ى وز
َّللا ،وكنت ِفيم ِن افتتح كن ِكسر ِبن هرمز ،ول ِئن طالت بكم حياة ،لترون ما قال
َّ النبي ص َّلى ُ
هللا عليه وسلم».
ُ
نسأل للا أن ُيديم األمن واإليمان علينا وعلى املسلمين ،وأن يوزعنا شكر نعمه.
املتن:
ُ و ِق ُ ُ ُ
الحر ِم الد
جاز ِب ِب ِ
الح ِ
ِ نار العج ِم تال تال ت ْر ٍك، ِق
الشرح:
ُ ُ
تال ت ْر ٍك). قالِ ( :ق
ُّ
من أشراط الساعة التي ظهرت وانقضت :قتال الترك ،ففي الصحيحين( )1عن أبي
ُ ُ َّ ُ للا عن ُه -أنه قال :قال رسول للا -صلى ُ هريرة -رض ي ُ
الساعة للا عليه وسلم« :-ال تقوم
ٌ
مشوبة ُ الو ُجوه -أي أنهم ب ُ الترك ،صغار ْ
األع ُينُ ،ح ْمر ُ ُّ َّ ُ ُ
بحمرة- يض الوجوه ِ ِ ِ وا ل حتى تقا ِت
ُّ ُ ْ ُ ُ ُ ُ ُ َّ ُ ُ ُُ ُْ
وف -والذلف :صغر األنف -كأن وجوههم املجان املطرقة». ذلف األن ِ
جمع مجن وهو الترس. انُ : املج ُّ
ٌ ُ ُ ْ
واملطرقة :هي التي ألبست األطرقة من الجلود ،وهي األغشية جمع طراق وهي جلدة
ُ ُ ُ
تقد ُر على قدر الترس وتلص ُق عليه ،شبه وجوههم باملجان لبسطها وتدويرها ،وباملطرقة
َّ
لغلظها وكثرة لحمها ونتوء وجناتها ،وفي لفظ مسلم(« :)2يلبسون الشع ِر ويمشون في
َّ َّ
الشع ِر» .ومعنى «يمشون في الشع ِر» :أنهم ينتعلون الشعر كما صرح به في الرواية
ُ
األخرى(ِ « :)3نعال ُهم الشعر».
وفي حديث عمرو بن تغلب -رض ي للا عنه -عند البخاري( )1قال :قال رسول للا -صلى
الوجوه َّ
كأن ُوجوه ُه ُم الساعة أن ُتقاتلوا ً
قوما عراض ُ للا عليه وسلمَّ :-
«إن من أشراط َّ ُ
ِ ِ ِ ِ ِ ِ
ُ ْ ُ
املجا ُّن املطرقة».
وقد وقع قتال هؤالء الذين وصفهم النبي -صلى ُ
للا عليه وسلم -في أول خالفة بني
ً ُ
أمية ،وانتصر عليهم املسلمون وغنموا منهم ،ووقع أيضا بعد ذلك فقد ظهر التتار في القرن
السابع الهجري وهم من الترك ،وكان ذلك في زمن اإلمام النووي –رحمه للا ،-وقد قال –
رحمه للا تعالى -في شرح صحيح مسلم(" :)2قد ُوجد ُ
قتال هؤالء الترك بجميع صفاتهم التي
ُ ُ ُ ذكرها -صلى ُ
اض الوجوه،اآلنف ،عر ُ صغار األعينُ ،حمر الوجوه ،ذلف
ُ للا عليه وسلم-
كأن وجوههم املجان املطرقة ،ينتعلون الشعر ،فوجدوا بهذه الصفات كلها في زماننا،
وقاتلهم املسلمون مرات".
ً وكالم اإلمام النووي هذا تستفيد ُ
منه فائدة في تنزيل أحاديث أشراط الساعة على
الوقائع ،وهي :أنه البد ليصح التنزيل من استكمال الواقعة لألوصاف الواردة في األحاديث،
ُ
فإن تخلفت بعض األوصاف لم تصح املبادرة بالتنزيل.
شيخ اإلسالم ابن تيمية –رحمه للا ،-وذكر أن وكان ممن قاتلهم وحث على جهادهم ُ
من رأى هؤالء الترك الذين قاتلهم املسلمون من حين خروج جنكيز خان فمن بعده لم
ُيحسن أن يصفهم بأحسن من هذه الصفة التي وصفهم بها رسول للا -صلى ُ
للا عليه
وسلم -في هذه األحاديث(.)3
ُ وقد دخل بعد ذلك ٌ
كثير من الترك في اإلسالم ملخالطتهم املسلمين وتأثرهم بأخالقهم،
ً
عصورا طويلة وهذا ُ
اإلسالم خير ٌ
كثير لإلسالم واملسلمين ،وعز بهم وحصل على أيديهم ٌ
للا عن ُه -من قوله -صلى ُ
للا عليه ُيفسر ما في الصحيحين( )4من حديث أبي هريرة -رض ي ُ
(.)2927( )1
(.)37/18( )2
( )3انظر :الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح (.)162 /3
( )4أخرجه البخاري ( ،)3588ومسلم (.)2526
شرح منظومة أشراط الساعة 26
(.)3590( )1
( )2أخرجه البخاري ( ،)7118ومسلم (.)2902
( )3في تاريخه .انظر :البداية والنهاية البن كثير ( )297/9و(.)328/17
( )4التذكرة بأحوال الموتى وأمور اآلخرة ص.1236
(.)28/18( )5
27 شرح منظومة أشراط الساعة
(.)18/48( )1
(.)328/17( )2
شرح منظومة أشراط الساعة 28
املتن:
ُْ ْ ْ ُ
مام الص ِاب ِر اإل
ِ ِ مانث ع ل كق ِ ت ناك ِر
ِ املو ن تالف
ِ ِ ة وكثر
ْ ُ ْ ُ
ِبامل ِدين ِة الح َّر ِة ووقعة ُمروق ش ِر الخل ِ والخ ِليق ِة
ُْ َّ ْ ْ ُ
املؤتم ْن ِللن ِب ِي باع
االت ِ ِب ِ الفتن ِ تِ ق و في سلم امل ة سالم
ْ ْ ُ ُْ تع ُّو ٌذ م ْ
بابها رء في أس ِ وت ْرك سع ِي امل ِ نابها ِ و ها رِ ف ظ ن ِ
ْ َّ ْ َّ ْ
سان والي ِد الل ِ
ف ِ والصب ُر مع ك ِ قف ُو الجماع ِة مع التع ُّب ِد
ْ ْ
ولتك ِفنا يا ر ِب ما أه َّمنا يا ر ِب س ِل ْمنا وح ِق ْ أ ْمننا
الشرح:
ْ ُ
ناك ِر).
الفت ِن وامل ِقال( :وكثرة ِ
س فيها الحق بالباطل ،ويتزلز ُل من أشراط الساعة :ظهور الفتن العظيمة التي يلتب ُ
تظهر في الناس إلى أن تقوم الساعة. ال ُ معها اإليمان ،وهذه الفتن ال تز ُ
للا عليه للا عن ُه -أن رسول للا -صلى ُ أخرج مسلم في صحيحه( )1عن أبي هريرة -رض ي ُ
الرجل مؤمنا ُوي ْم ِس ي
ُ ص ِب ُح وسلم -قال« :باد ُروا باألعمال فت ًنا كقطع الليل املُ ْظلمُ ،ي ْ
ِِ ِ ِ ِ ِ
ض من الدنيا». ُ ُ ْ ُ ُْ
كافرا ،أو يم ِس ي مؤمنا ويص ِبح كافرا ،يبيع دينه ِبعر ٍ
ْ ُْ
مام الص ِاب ِر). ِ ِ اإل مان ث الفتن فقال( :كقت ِل ع
ثم أشارإلى بعض تلك ِ
ُ ْ
هللا عن ُه ،-وكان قتل الخليفة الراشد ذي النورين ُعثمان ِبن عفان -ر ِض ي من الفتنُ :
ِ
وأناس من أهل ٌ أناس من أهل البصرة، ذلك في السنة الخامسة والثالثين من الهجرة ،خرج ٌ
وأناس من أهل مصر ُيظهرون أنهم ُيريدون الحج ،وقد أبطنوا الخروج على ُعثمان ٌ الكوفة،
للا عن ُه.- للا عن ُه ،-فدخلوا املدينة وحاصروا بيت ُعثمان -رض ي ُ -رض ي ُ
صيبه بالء ،ففي سي ُ للا عن ُه :-أنه ُ للا عليه وسلم -لعثمان -رض ي ُ وقد ذكر النبي -صلى ُ
للا عن ُه -أنه قال« :خرج النبي صلى هللا عليه الصحيحين( )2عن أبي موس ى األشعري -رض ي ُ
ْ ْ ُ ُْ ُ ُ ْ
وسلم ِإلى حا ِئ ٍط ِم ْن حو ا ِئ ِط امل ِدين ِة» الحديث ،وفيه« :ث َّم جاء ُعثمان فقلت :كما أنت
(.)118( )1
( )2أخرجه البخاري ( ،)7097ومسلم (.)2403
29 شرح منظومة أشراط الساعة
ْ َّ َّ ْ ْ
هللا عليه وسلم :-ائذن ل ُه ،وب ِش ْر ُه ِبالجن ِة ،معها بال ٌء ح َّتى أ ْست ْأذن لك فقال النبي -ص َّلى ُ
ِ
ُي ِص ُيب ُه».
للا عليه وسلم -قال له« :يا وثبت عند أحمد( )1والترمذي( )2وابن ماجه( )3أن النبي -صلى ُ
ً إن َّ
َّللا َّ - ُ
عثمان َّ
قميصا ،فإن أرادك املنافقون على خل ِعه فال وجل -عس ى أن ُي ِلبسك عز َّ
ً تخلع ُه َّ
للا عن ُه ،-ونهى الصحابة عن قتال ثالثا؛ لذا صبر عثمان -رض ي ُ حتى تلقاني» قالها ْ
معاأن لي عليه س ً دم من أجله ،وقال« :أعز ُم على ُكل من أى َّ الخارجين عليه كي ال ُيراق ٌ
ر ِ ِ
ً َّ َّ
وطاعة إال كف يده وسالحه»(.)4
ْ ْ ْ ُ ْ ْ ُ ْ للا عن ُ
وجاءه زي ُد ب ُن ثابت -رض ي ُ
اب ،قالوا :إن ِشئت أن ِ ِبال ب ار ص ناأل ه
ِ ذ
ِ ه « :ال قف - ه
ال فال»(.)5 ن ُكون أ ْنصار َّ
َّللا م َّرت ْين» قال« :أ َّما ال ِقت ُ
ِ ِ
للا عن ُه ،-فقال ُعثمان« :انظرإلى للا عن ُهما -على ُعثمان -رض ي ُ ودخل ابن ُعمر -رض ي ُ
ما يقول هؤالء ،يقولون :اخلعها وال تقتل نفسك ،فقال ابن عمر -ض ي ُ
هللا ع ْن ُهما" :-إذا رِ
ُ ْ َّ
هللا عن ُه :-ال ،قال :فال أرى لك أن خلعتها أ ُمخل ٌد أنت في الدنيا؟ فقال عثمان -ر ِض ي
قمصكه هللا فتكون سنة كلما كره قوم خليفتهم أو إمامهم قتلوه»(.)6 ُ قميصاً تخلع
للا عن ُه -لعبيده« :من أغمد سالحه فهو ُح ٌّر»(.)7
وقال ُعثمان -رض ي ُ
واضع املُصحف بين يديه -رض ي ُ
للا عن ُه ٌ ثم إنهم تسو ُروا عليه البيت فقتلوه ،وهو
ُ
الفتن للا عن ُه -انتشرتللا عن ُه ،-وبمقتله -رض ي ُ
صابرا -رض ي ًُ ً
شهيدا وأرضاه ،-فمات
ُ
واألهواء وكثر االختالف.
( )1أخرجه أحمد ( )656وصحح إسنادَه ابن كثير في البداية والنهاية (.)568/10
( )2أخرجه البخاري ( ،)6930ومسلم (.)1066
(.)1064( )3
31 شرح منظومة أشراط الساعة
الخوارج يظهرون حتى ُيدرك آخرهم الدجال ،فقد أخرج ابن ماجه( )1عن ابن ُ وال يزال
للا عليه وسلم -قال« :ي ْنش ُأ ن ْ
ش ٌء ي ْقر ُءون للا عن ُهما -أن ر ُسول َّللا -صلى ُ ُعمر -رض ي ُ
ُ ٌ ٌ ُ َّ
اوز تر ا ِقي ُه ْم ،كلما خرج ق ْرن -أي كلما ظهرت طائفة منهم -ق ِطع» قال اب ُن
ُ ُ
ج ي ال آن ْال ُق ْ
ر
ِ
«ك َّلما خرج ق ْر ٌن ُقطع» أ ْكثر منْ ُ ُ ُ
ُعمر :سمع ُت رسول َّللا -صلى للا عليه وسلم -يقول:
ُ ُ
ِ ِ
ع ْشرين م َّر ًة قال« :ح َّتى ي ْخ ُرج في عراضه ُم َّ
الد َّج ُ
ال» أي في ناحيتهم. ِ ِ ِ ِ ِ ِ
ْ ُ
ثم قال( :ووقعة الح َّر ِة ِبامل ِدين ِة).
كثيرا من أهل املدينة خلعوا بيعة وسببها :أن ًوكانت وقعت الحرة سنة ثالث وستينُ ،
للا عن ُمعاوية ،-وخرجوا عن طاعة يزيد ،وأمروا عليهم عبدللا بن يزيد بن معاوية -رض ي ُ
حنظلة بن أبي عامر ،وعبدللا بن ُمطيع العدوي ،وقد نهاهم عن خلع يزيد بعض أهل
املدينة من أفاضل الصحابة ،من أشهرهم :عبدللا بن ُعمر -رض ي ُ
للا عن ُهما.-
ابنأخرج البخاري( )2عن نافع أنه قال« :ملا خلع أهل املدينة يزيد بن ُمعاوية جمع ُ
َّ سمعت النبي -ص َّلى ُ ُ
هللا عليه وسلم -يقول«ُ :ينص ُب لكل ُعمر حشم ُه وولد ُه فقال :إني
لواء يوم القيامة ،و َّإنا قد بايعنا هذا الرجل على بيع هللا ورسوله ،و إني ال ُ
أعلم غادر ٌ
ٍ
القتال ،و إني ال ُ
أعلم ُ ورسوله ثم ُينص ُب له
ِ بيع هللا ِ على غد ًرا أعظم من أن ُيبايع ر ٌ
جل
خلعه وال بايع في هذا األمرإال كانت الفيصل بيني وبينه». ُ أحدا منكمً
عبدهللا بن عمر -ض ي ُ
هللا ع ْن ُهما -إلى وفي صحيح مسلم( )3عن نافع أنه قال« :جاء ُ
رِ
بن الحرة ما كان من يزيد بن معاوية ،فقال ُ
عبدهللا ُ هللا بن ُمطيع حين كان من أمر َّ
ِ ز ِ ٍ عبد ِ ِ ِ
ُ سادة ،فقال ُ ً
ابن ُعمرِ :إني لم آ ِتك ألج ِلس ،أتيتك حمن ِو ُمطيع :اطرحوا ألبي ِ َّ
عبدالر ِ ُ ٍ
ُ ْ َّ ُ َّ ُ ْ ً
هللا -هللا -صلى هللا عليه وسلم -يقوله ،سمعت رسول ِ حدثك حديثا سمعت رسول ِ أل ِ
َّ صلى ُ َّ
يامة ال ُح َّجة له،
الق ِ طاعة ل ِقي هللا يوم ِ
ٍ هللا عليه وسلم -يقول« :من خلع ًيدا ِمن
َّ ً ً ٌ ُ
جاهلية». نقه بيعة مات ِميتة ومن مات وليس في ع ِ
ُ
وجماعات أهل بيت النبوة ممن وقد كان عبدللا بن ُعمر -رض ي ُ
للا عن ُهما -وأهل بيته
لم ينقض العهد وال بايع ً
أحدا بعد بيعته ليزيد.
ً
وملا بلغ يزيد ما فعلوه من خلعه أرسل إليهم جيشا بقيادة مسلم بن ُعقبة ،وكانت فيه
ً ٌ
غلظة وجرأة ،وأمره أن يدعو أهل املدينة ثالثا إلى الرجوع عن خلعه فرفضوا ،فقاتلهم
خلقا من أهل املدينة ،وأجبر من بقي من أهلها على البيعة ليزيد ،وقد مسلم بن ُعقبة وقتل ً
ُ
ألحقه بأهل املدينة من قتل ونهب. سمى السلف مسلم بن ُعقبة هذا ُبمسرف؛ ملا
ُ ٌ
والخلق ُمبتلون وممتح ُنون
ُ ً
عظيما وهي واقعة في هذه األمة ال محالة ثم ملا كان ُ
أمر الفتن
للا عليه وسلم -من أسباب السالمة من الفتن والنجاة منها بها جمع ما ورد عن النبي -صلى ُ
في ثالث أبيات فقال:
للا عليه وسلم- اتباع النبي -صلى ُ أو ُل ما ذكر من أسباب السالمة من الفتنُ :
والتمسك بسنته ،ثبت عند أبي داود( )1والترمذي( )2وابن ماجه( )3من حديث العرباض بن ُ
ْ ْ َّ
ش منكم للا عليه وسلم -أنه قال« :فإن ُه من ي ِع للا عن ُه -عن النبي -صلى ُ سارية -رض ي ُ
الراشدينَّ ، الخلفاء املهديين َّ َّ َّ ُ الفا ًً
تمسكوا ِ ِ ةِ وسن تيبسن م فعليك ا،
كثير بعدي فسيرى اخ ِت
بدعةَّ ،ٌ فإن َّ ومحدثات األمور َّ َّ
بالنواجذ و َّإياكم ُ ُّ
بدعة
ٍ وكل محدثة
ٍ كل ِ ِ ِ عليها وا وعض ِبها
ٌ
ضاللة» .فأمر بالتمسك بالسنة عند االختالف الكثير.
َّ للا عن ُه -أن النبي -صلى ُ وفي حديث أبي واقد الليثي -رض ي ُ
للا عليه وسلم -قال«ِ :إنه
ُ ُ ُ ْ ٌ ُ
صن ُع؟ قال :ت ْر ِج ُعون إلى أ ْم ِرك ُم قالوا :فك ْيف لنا يا رسول هللا؟ وك ْيف ن ْ
ِ ستكون ِفتنة،
(.)4607( )1
(.)2676( )2
( )43( )3وصححه األلباني في اإلرواء (.)107/8( )2455
33 شرح منظومة أشراط الساعة
األو ِل» .أخرجه الطحاوي في شرح مشكل اآلثار( ،)1والطبراني في املعجم الكبير( )2وهو في
ٌ
السلسلة الصحيحة( ،)3فأمر بلزوم السنة عند الفتنة؛ وفي ذلك داللة على أن لزوم السنة
ٌ
عصمة من الفتن.
ُّ ٌ ْ ُ ْ
نابها).
ِ و هارثم قال( :تعوذ ِمن ظ ِ
ف
ُ
السبب الثاني من أسباب السالمة من الفتن :التعوذ باهلل منها ،ففي صحيح
للا عليه وسلم -قال: للا عن ُه -أن النبي -صلى ُ مسلم( )4من حديث زيد بن ثابت -رض ي ُ
الفت ِن ما ظهر منها وما ُ ُ َّ َّ َّ ُ
باَّلل ِمن ِ
الفت ِن ما ظهر منها وما بطن قالوا :نعوذ ِ باَّلل ِمن ِ «تعوذوا ِ
بطن».
بابها). سثم قال( :وت ْر ُك س ْعي املرء في أ ْ
ِ ِ ِ
وترك السعي في أسبابها ،ففي ُ ُ
اجتنابها، السبب الثالث للسالمة من الفتن:
للا عليه للا عن ُه -أنه قال :قال رسول للا -صلى ُ الصحيحين( )5من حديث أبي هريرة -رض ي ُ
ً
القاع ُد فيها خ ْي ٌر ِمن القا ِئ ِم» أي أكثر سالمة وأقل شرا« ،والقا ِئ ُم ن وسلم« :-ست ُكو ُن فت ٌ
ِ ِ
الس ِاعي ،من تش َّرف لها» أي انتصب لها فيها خ ْي ٌر من املاش ي ،واملاش ي فيها خ ْي ٌر من َّ
ِ ِ ِ ِ
ً ْ ُ ْ ْ
موضعا يلتجئ إليهً وتعرض «ت ْستش ِرفه» أي تصرعه ُوتهلكه «ومن وجد فيها ملجأ» أي
ْ ْ
ويعتز ُل فيه «فلي ُعذ ِبه» أي فليعتزل فيه.
ان عظيم خطر الفتن ،والحث على تجنبها والهرب منها، فهذا الحديث العظيم فيه بي ُ
ُ
وأن شرها وفتنتها تكون بحسب التعلق بها.
(.)1184( )1
(.)3307( )2
(.)496/7( )3165( )3
(.)2867( )4
( )5أخرجه البخاري ( ،)3601ومسلم (.)2886
شرح منظومة أشراط الساعة 34
ْ
ثم قال( :قف ُو الجماع ِة).
َّ
ثم قال( :مع التع ُّب ِد).
ُ
االجتهاد في العبادة عند ظهور السبب الخامس من أسباب السالمة من الفتن:
للا عن ُه -أنه قال :قال رسول الفتن ،ففي صحيح مسلم( )1من حديث معقل بن يسار -رض ي ُ
ُ
بادة في ْ للا -صلى ُ
جرة ِإل َّي» ،وفي رواية ألحمد(:)2 كه ٍ ج
ِ ِ الهر عِ «ال :- م وسل عليه للا
جرة َّ ُ
إلي». «ال ِعبادة في الفتنة كال ِه ِ
ُ ُ
قال النووي في شرح مسلم(" :)3املر ُاد بالهرج هنا الفتنة واختالط أمور الناس ،وسبب
يغفلون عنها ويشتغلون عنها ،وال يتفرغ لها إال األفراد". كثرة فضل العبادة فيه أن الناس ُ
َّ ُ َّ ْ ْ ُ
وفي البخاري( )4عن أم سلمة -رض ي َّللا عن ُها -أنها قالت« :استيقظ رسول ِ
َّللا -صلى
ُْ وسلم -ل ْيل ًة فز ًعا ،يقو ُلُ :س ْبحان َّ
َّللا ،ماذا أ ْنزل َّ ُ َّ ُ
َّللا ِمن الخز ا ِئ ِن ،وماذا أن ِزل ِ ِ عليه هللا
ُ ُ ْ ُ
ات -يريد أزواجه لك ْي يصلينُ -ر َّ ُ ُ ُ ُ ُ
اسي ٍة في الدنيا
ِ ك ب ِ ِ ِ ِ ر ج الح ب اح
ِ و ص ظ الفت ِن ،من يو ِق ِمن ِ
اآلخر ِة».
عا ِري ٍة في ِ
حافظ ابن حجر -رحم ُه ُ ُ
َّللا -في فتح الباري(" :)5وفي الحديث الند ُب إلى الدعاء قال ال
والتضرع عند نزول الفتنة ،والسيما في الليل لرجاء وقت اإلجابة ُلتكشف أو يسلم الداعي
ومن دعا له".
الص ْب ُر).
ثم قال( :و َّ
(.)2948( )1
(.)20311( )2
(.)88/18( )3
(.)7069( )4
(.)23/13( )5
( )6أخرجه البخاري ( ،)4330ومسلم (.)1061
شرح منظومة أشراط الساعة 36
وقوله -صلى للا عليه وسلم( :-ك ِس ُروا) و(ق ِط ُعوا) املقصود به املبالغة في القضاء
قطعا لدابر الفتن ،واستشراف النفس لها. على أسباب القتال؛ ً
ْ ْ
ثم قال( :يا ر ِب س ِل ْمنا وح ِق ْ أ ْمننا ولتك ِفنا يا ر ِب ما أه َّمنا) اللهم آمين.
املتن:
هللا ي ْز ُع ُم أ َّن ُه ر ُسو ُ
ل اله ٌّ
ل ك
ُ
يناب ذ ك ُظ ُه ُ
ور
ِ ِ ِ
ُْ و ْابن أبي ُ ُ ُ ْ
تابِ ر امل يد
ٍ ب ع ِ ِ ابِ ذ الك ة م
ِ ٍ يل س م ل ث ِم
ُ ْ
ْ
وال ن ِىب َّي ب ْعىد أزكىىى البىش ِر واأل ْسو ِد العىن ِىس ي ،و ِم ْرزا امل ْفتري
الشرح:
من أشراط الساعة :ظهوركذابين يدعون النبوة.
للا عليه وسلم -قال: َّللا عن ُه -أن النبي -صلى ُ في الصحيحين( )1عن أبي هريرة -رض ي ُ
ُ ُّ
يب ِمن ثال ِثين ،كل ُه ْم ي ْز ُع ُم َّأنه رسو ُل حتى ُي ْبعث د َّج ُالون كذ ُابون ،قر ٌالساع ُة َّ
وم َّ«ال ت ُق ُ
ِ
َّللا». َّ
ِ
للا عليهَّللا عن ُه -أن النبي -صلى ُ وثبت عند أبي داود( )2والترمذي( )3عن ثوبان -رض ي ُ
ُ َّ
خاتم الن ِبيين ال نبي ،و أنا كذابون ُّكلهم ُ
يزعم َّأن ُه ٌّ َّ ُ
وسلم -قال« :سيكون في َّأمتي ثالثون
طلقا؛ فإنهم يزيدون على نبي بعدي» .وليس املراد بالحديث من ادعى النبوة ُم ً َّ
ُ ٌ ُ ُ ً
أتباعه واشتهر بين هذا العدد ،بل ال ُيحصون كثرة ،وإنما املراد من قامت له شوكة وكثر
ُ ُ ٌ
سيلمة الكذاب وهو الناس .وقد ظهر جماعة من هؤالء الكذابين مدعي النبوة ،منهم :م ِ
للا عليه وسلم ،-وقد أخبر النبي أشهرهم ،خرج باليمامة ،وادعى النبوة في زمن النبي -صلى ُ
للا عليه وسلم -عنه وعن األسود العنس ي ،كما في الصحيحين( )4من حديث أبي -صلى ُ
ُ
للا عليه وسلم -قال« :ب ْينا أنا نا ِئ ٌم رأ ْيت في يد َّي َّللا عن ُه -أن النبي -صلى ُ هريرة -رض ي ُ
ُ ُ ْ ُ ُْ ْ َّ ُ ُ ُ ْ َّ ْ
نام ِأن انفخهما ،فنفختهما فطارا، ِسواري ِن ِمن ذه ٍب ،فأهم ِني شأنهما ،فأو ِ ي إلي في امل ِ
صاحب ص ْنعاء ،واآلخرُ َّ ْ ُ ُ ْ ُ ْ ْ ُ ُ َّ ْ
ِ جان ِمن بع ِدي ،فكان أحدهما العن ِس ي فأولتهما كذابي ِن يخر ِ
صاحب اليمام ِة». ُ ْ
مسي ِلمة ِ
وصاحب ، عاء
ْ
ن ص ب صاح ما، هُ ن اللذ ْين أنا ْ
بي
ْ َّ
ن ياب ذ الك ما هُ «فأو ْل ُ
ت وفي رواية لهما(َّ :)1
ِ ِ ِ ِ
اليمام ِة».
أتباع كثيرون ،وكان وفد مع قومه بني حنيفة على النبي - وقد كان ملسيلمة الكذاب ٌ
ُ صلى ُ
للا عليه وسلم -فأسلم ،ثم إنه ارتد وادعى النبوة ،وعظم شر ُه باليمامة ،فأرسل إليه
جيشا بقيادة خالد بن الوليد؛ ُ ً
فقتل واستراح املسلمون من شره ،وكان الذي قتله أبو بكر
"قتلت خير الناس في ُ فأصابه فقتله ،وكان وحش ي يقول: ُ ماه بحربته وحش ي بن حرب؛ ر ُ
َّللا عن ُه --وشر الناس في اإلسالم"( ،)2يعني ُمسيلمة. الجاهلية -يعني حمزة -رض ي ُ
للا عليه وسلم -بخروجه في حديث وأما األسود العنس ي الذي أخبر النبي -صلى ُ
فاسم ُه عبهل ُة بن كعب ،وقد خرج في اليمن وغلب عليها ،وجعل ُ
أمره ُ الصحيحين السابق،
خلق كثير ،ومنهم من كان ُيعامله يستطير استطارة الشرر ،ففتن أهل اليمن ،وارتد منهم ٌ
للا عليه وسلم- فقتل في آخر حياة النبي -صلى ُ بالتقية ،وقد أ اح للا املسلمين من شره ُ
ر
قتله فيرو ٌز الديلمي رض ي ُ
َّللا عن ُه. على املشهورُ ،
يتظاهر بالفضل والصالح ويكتم الفسق، ُ بيد الثقفي فقد كان ُ
وأما املختار بن أبي ع ٍ
َّللا عن ُهُ ،-ويسر طلب الدنيا ،وقد أخبر النبي -صلى ُ
للا الحسين -رض ي ُ ويتظاهر بطلب دم ُ
عليه وسلم -عنه ،فقد أخرج مسلم عن أسماء بنت أبي بكر الصديق -رض ي ُ
َّللا عن ُهما -أنها
أن فيَّللا عليه وس َّلم -ح َّدثنا َّ
«إن ُسول هللا -ص َّلى َّ ُ قالت للحجاج بن يوسف الثقفيَّ :
ِ ر
ُ
اب فر أ ْين ُاه» تعني املختار بن أبي ُعبيد «وأ َّما امل ِب ُير فال فأما الك َّذ ُ
يف ك َّذ ًابا و ُمب ًيرا َّ
ِ ث ِق ٍ
ُ َّ
إخالك إال َّإي ُاه».
وقد ذكر النووي في شرح صحيح مسلم( )1أن العلماء اتفقوا على أن املراد بالكذاب
فذكر ذلك البن عباس -رض ي ُ ُ
َّللا ختار بن أبي ُعبيد ،واملختار كان يدعي أنه يوحى إليه؛ امل ُ
ٓ َّ َّ
ٱلش َٰيطين ل ُي ُ ُ
وحون ِإل َٰٓى أ ۡو ِليا ِئ ِه ۡم ِ عن ُهما -فقال :صدق املختار ،قال للا -عز وجل﴿ :-و ِإن
ُ ُ ُ َٰ ُ ُ
وك ۡم﴾[األنعام ،)2(]121:وملا تبين لعبدللا بن الزبير -رض ي ُ
َّللا عن ُهما -خبث ُمعتقد املختار ِليج ِدل
جيشا بقيادة أخيه ُمصعب بن ُ ً بن أبي ُعبيد وأنه ُ
الزبير يزعم أن جبريل يأتيه بعث إليه
فقتل املختار.
ال الهند ميرزا ولم تنقطع هذه السلسل ُة من الكذابين ،فقد تنبأ في القرن املاض ي دج ُ
ً
غالم أحمد القادياني ،وكان معروفا عند أصحابه باختالل املزاج ،وإدمان املخدرات ،وقد
املسيح املنتظر ،وأن عيس ى -عليه السال ُم -ليس بحي في السماء ،وألغى ُ ادعى النبوة ،وأنه
أتباع وأنصار، الحج إلى مكة وحوله إلى قاديان ،وشبه للا -جل وعال -بخلقه ،وصار له ٌ
كثير من العلماء فردوا عليه وبينوا دجله ،وقد أخذه للا أخذ عزيز ُمقتدر. وانبرى له ٌ
وهؤالء األربعة هم الذين ذكرهم في قوله:
تاب ريد املُ ْ ٍ ب ُ
ع ي ب أ ن و ْ
اب اب ذ الك ة
ٍ ميل ِ س ُ
م ( ِم ْث ُ
ل
ِ ِ ِ ِ
ُْ ْ
واأل ْسو ِد العىن ِىس ي ،و ِم ْرزا املفتري)
للا عليه وسلم -في حديث ثم قال( :وال نىب َّي ب ْعىد أ ْزكىىى البىشر) كما قال النبي -صلى ُ
ِ ِ
ُ َّ ُ
يزعم أنه ٌّ َّ ُّ َّ ُ
ثوبان السابق(« :)3سيكون في َّأمتي ثالثون كذابون كلهم ُ
نبي ،و أنا خاتم الن ِبيين
ال ن ِب َّي بعدي».
املتن:
َّ كان لت ْ الشرط وامل ْىذ ُم ُ ْ ُ ُّ
باد ُسلما ِ ِ ع ال يب
ِ ِ ِذ ع ما وم ِ وكىثرة
ْ ً
داخال في العذ ِل فليس هذا ِ أما ِإذا كان ِلب ْس ِط الع ْد ِل
الشرح:
(.)100/16( )1
( )2انظر :تفسير ابن أبي حاتم (.)1379/4
( )3سبق تخريجه قريبا.
شرح منظومة أشراط الساعة 40
(.)2857( )1
(.)22150( )2
(.)7616( )3
(.)2128( )4
41 شرح منظومة أشراط الساعة
(.)6964( )1
(.)7049( )2
(.)4342( )3
(.)3957( )4
شرح منظومة أشراط الساعة 42
للا عليه وسلم -على اإلسالم املحض الخالص من الشوب ،نسأل للا أن بهديه -صلى ُ
يجعلنا منهم.
ُ
قال( :تناك ٌر)
من أشراط الساعة :وقوع التناكر بين الناس ،فقد ثبت في مسند اإلمام أحمد( )4عن
وسلم -عن َّ َّ صلى ُ َّ «سئل رسو ُ َّللا عن ُه -أنه قالُ : ُحذيفة -رض ي ُ
اعة؟
ِ الس ِ عليه هللا - هللا ل ِ
ُ ُ ُ ْ َّ فقال :عل ُمها عند ربي ،ال ُ
يطها وما يكون بين ِ ر شابم كم ر خب
ِ أ ن كِ ول هو، إال ها تِ وق لِ يها لِ ج ي ِ ِ ِ
ْ ُ ً
إن بين يديها فتنة ْ ً يديهاَّ ،
الفتنة قد عرفناها ،فاله ْر ُج ما هللا! ِ وهرجا .قالوا :يا رسول ِ ِ
كاد أح ٌ
ناك ُر ،فال ي ُ َّ ُ َّ هو؟ قال بلسان الحبشة :الق ْت ُلُ ،
عرف ِ ي أن د الت اس
ِ الن بين لقى وي ِ ِِ ِ
أح ًدا».
(.)7319(( )1
( )2أخرجه البخاري ( ،)7320ومسلم (.)2669
( )3أخرجه البخاري ( ،)7311ومسلم (.)1920
( )23306( )4وصححه محققوه.
43 شرح منظومة أشراط الساعة
واشتغال كل بنفسه من أشراط الساعة ،فال ُيؤدى حق ُ فوقوع التناكر بين الناس
ُ ُ ُ ُ
جار ،وال تراعى ُحرمة قريب ،وال ُيحفظ ُود ذي ُود .والخير باق في هذه األمة ،لكن أشراط
والواجب على املسلم االعتصام ُ فالخير في إدبار والشر في إقبال، ُ الساعة البد من وقوعها،
ٱَّلل فق ۡد ُه ِدي ِإل َٰى
َّ ۡ
باهلل والتمسك بدينه ،وتصبير النفس على مرضاة للا ﴿ومن يعت ِصم ِب ِ
ُ
ِص َٰر ٍط ُّم ۡست ِق ٍيم﴾[آل عمران.]101:
ُ ُ ُْ
ثم قال( :تطاول الب ِ
يان). ن
البنيان ،ففي الصحيحين( )1من حديث أبي هريرة - من أشراط الساعة :التطاو ُل في ُ
ُْ َّللا عن ُه -في حديث جبريل الطويل« :وإذا تطاول ر ُ
عاء الب ْ رض ي ُ
يان ،فذاك من ِ ن الب في مِ ه ِ
العراة الحفاة ُ َّللا عن ُه« :-وأن ترى ُ أشراطها» ،وفي صحيح مسلم( )2من حديث ُعمر -رض ي ُ
ِ
الشاء يتطاولون في ُ َّ
نيان».ِ الب ِ العالة ِرعاء
معروفا في زمن النبي -صلى ُ ً ورفع ُه ًإطالة البناء ُ ُ
للا عليه وسلم ،-وإنما أمرا ولم تكن
ُ ُ
والتفاخر بعد ذلك حين ُبسطت على ُ افع فيه واملباهاة حصل التطاول في البنيان والتر ُ
الناس الدنيا حتى صار أهل البادية من ُرعاة الغنم يبنون األبنية ذات الطوابق
األمر إلى أناملتعددة ،ويتطاولون فيها ،وقد ظهر هذا جليا في عصرنا ،حتى وصل بهم ُ
بنوا ناطحات السحاب.
ً ً والتطاول في ُ
وانغماسا فيها فهو مذموم ،وقد قال البنيان إن كان اشتغاال بالدنيا
إن املسلمَّللا عن ُه -كما في البخاري(- )3وروي من ُطرق مرفوعا(َّ « :-)4 اب -رض ي ُ خب ٌ
ُ
يوضع في ُ
البنيان، اب» أي الذي ر
ُّ
الت هذا في ل ُي ْؤج ُر في ُكل ش يء ُي ْنف ُق ُهَّ ،إال في ش يء ي ْجع ُل ُ
ه
ِ ٍ ٍ ِ ِ
وهو محمو ٌل على ما زاد عن الحاجة.
ً ً
انغماسا فيها؛ فليس بمذموم ،وليس كل وأما إن لم يكن التطاول اشتغاال بالدنيا وال
مذموما أو ُمحر ًما،
ً للا عليه وسلم -أنه من أشراط الساعة يكونش يء أخبر النبي -صلى ُ
ُ
وصدق رؤيا للا عليه وسلمُ ،-
وفتح بيت املقدس، ُ
مبعثه -صلى ُ فمن أشراط الساعة
املؤمن.
واق). ُ ُ ْ
ثم قال( :تقارب األس ِ
من أشراط الساعة :تقارب األسواق ،فقد ثبت في مسند اإلمام أحمد( )1عن أبي
ُ
تقوم للا عليه وسلم -قال« :ال َّللا عن ُه -أن رسول للا -صلى ُ هريرة -رض ي ُ
ُ ُ ُ ْ ُ
الكذ ُب وتتقارب األسواق ويتقارب الزمان» الحديث. ِ ويكثر ن تالف
ِ ر هظ ت حتى الساعة
يشمل التقارب الحس ي واملعنوي ،فالتقار ُبُ ُ
املذكور في الحديث وتقار ُب األسواق
ً
كثرة عجيبة ،حتى إنه ل ُ ُ ُ
يكاد ال يخلو الحظه كل أحد ،فقد كثرت األسواق في زماننا الحس ي ُي
يفصل بين السوق والسوق إال املسافة اليسيرة ،وال ُ
يبعد أن ُ حي من سوق ،وقد أصبح ال
ُ يدخل في ذلك ً
أيضا سرعة الوصول إلى األسواق بوسائل النقل الحديثة.
ريد من أسواق جميع أنحاء مل التقا ب املعنوي ،وهو حصول املشتري على ما ُي ُ ويش ُ
ر
فتستطيع وأنت في بيتك عن طريق الشبكة العنكبوتية أن تنظر في ُ العالم في ُمدة يسيرة؛
ُ ُ
وتطلب بوسائل صور السلع وأسعارها من موقع الشركة التي تريد أن تشتري منها،
وتدفع بالبطاقة البنكية ،وبعد يومين ُيطر ُق ُ االتصال الحديثة من أقص ى أقطار العالم،
ُ
يشمل التقاربُ عليك بابك ،وتسل ُم السلعة؛ فالتقار ُب في األسواق املذكور في الحديث
الحس ي ،والتقارب املعنوي.
مان). َّ ُ ُ ْ
واق والز ِ
قال( :تقارب األس ِ
من أشراط الساعة :تقار ُب الزمان ،في صحيح البخاري( )2عن أبي هريرة -رض ي ُ
َّللا
ْ ْ ْ ُ ُ َّ ُ
الساعة ح َّتى ُيقبض ال ِعل ُم، عن ُه -أنه قال :قال رسول للا -صلى ُ
للا عليه وسلم« :-ال تقوم
َّ ُ
الزمان». الز ُل ،ويتقارب وت ْك ُثر َّ
الز
ِ
ُ ُ َّ ُ ُ
الساعة». وأصل الحديث في الصحيحين( )1دون قوله« :ال تقوم
َّللا عن ُه-
تفسير تقارب الزمان في مسند اإلمام أحمد( )2عن أبي هريرة -رض ي ُ ُ وقد جاء
َّ ُ ُ ُ َّ ُ
الزمان، الساعة ح َّتى يتقارب للا عليه وسلم« :-ال تقوم أنه قال :قال رسول للا -صلى ُ
ْ ُ ُ ْ ْ ُ ْ َّ ُ ُ ن َّ ُ َّ
السنة كالش ْه ِر ،ويكون الش ْه ُر كال ُج ُمع ِة ،وتكون ال ُج ُمعة كالي ْو ِم ،ويكون الي ْو ُم فتكو
السعف ِة». اح ِتراق َّ الساع ُة ك ْ
الساعة ،وت ُكون َّ
ك َّ
ِ ِ
تزيد على ثمانية أقوال ،أقواها قوالن:أقوال كثيرة ُ ٌ وللعلماء في تفسير تقارب الزمان
القول األول :أن املراد :تقار ُب الزمان املعنوي بقلة البركة في الوقت ،قال الحافظ ابن حجر
نجد من ُسرعة مر في فتح الباري(" :)3الذي تضمنه الحديث قد وجد في ماننا هذا ،فإنا ُ
ز
نجد ُه في العصر الذي قبل عصرنا هذا" ،ونقل( )4عن القاض ي عياض األيام ما لم نكن ُ
ُ ً أظهر ُ والنووي وغيرهما أن هذا القول ُ
وأوفق لبقية األحاديث .والقول اآلخر: وأكثر فائدة
ً ُ ُ
ظاهر رواية اإلمام أحمد ُ وسرعت ُه سرعة حقيقية ،وهو أن املراد قص ُر الزمان الحس ي
ُ ْ ُ ْ َّ ُ ُ ن َّ ُ َّ
السنة كالش ْه ِر ،ويكون الش ْه ُر كال ُج ُمع ِة ،وتكون ال ُج ُمعة السابقة للحديث()5؛ «فتكو
السعف ِة» وهذا لم يقع إلى اآلن. اح ِتراق َّ الساع ُة ك ْ ك ْالي ْوم ،وي ُكون ْالي ْو ُم ك َّ
الساعة ،وت ُكون َّ
ِ ِ ِ
وكالجمعة في ُ اليوم كالسنة وكالشهرُ ويؤيده ما جاء أن أيام الدجال تطو ُل حتى يكون
تقصر ،وذلك الختالل نظام العالم في آخر الزمان الطول ،فكما أن األيام تطول فإنها ُ
ُ
وقرب زوال الدنيا.
وقيل في تفسير تقا ُرب الزمان :إن املراد ما يكون في زمن املهدي وعيس ى -عليه السال ُم-
من استلذاذ الناس للعيش وتوفر األمن وغلبة العدل ،وذلك أن الناس يستقصرون أيام
الرخاء وإن طالت ،وتطو ُل عليهم مدة الشدة وإن ُ
قصرت.
( )1أخرجه البخاري ( ،)6037ومسلم ( )157ولفظ مسلم« :يتقارب الزمان ،ويقبض العلم ،وتظهر الفتن،
ويلقى الشح ،ويكثر الهرج».
( )10943( )2وصحح إسنادَه محققوه.
(.)16/13( )3
(.)17/13( )4
( )5سبق تخريجه قريبا.
شرح منظومة أشراط الساعة 46
وقيل :إن املراد تقا ُرب أحوال أهل الزمان في قلة الدين.
وقيل :إن املراد تقارب أهل الزمان بسبب توفر وسائل النقل واالتصال.
وأقوى األقوال كما سبق أن يكون املر ُاد قلة البركة في الوقت ،أو أن تقصر ُمدة األيام
ُ ً
قصرا حسيا حقيقيا ،وعلى هذا التفسير األخير يكون هذا الشرط من األشراط التي لم
تظهر بعد.
املتن:
ٌ ُ
ق ِطيعة وزو ٌر خ ْم ُر ُف ْحشٌ َّ
ي ِشيع ِفي األن ى ِىام الش ُّىر وأن
ْ ٌ ً ُ
ِرًبا معا ِزف وقت ُل ِزنى تش ُّب ٌب وش ٌّح ج ْه ُل ِش ْر ٌك
ْ ْ ٌ
الكذ ُب وار ِ
الج ِ
ُ ُ
سوء ِ تش ُّد ٌق وكت ُب ِتجارة الز ٌل
ز ِ
الشرح:
َّ ً
ذكر في هذه األبيات الثالثة تسعة عشر شرطا :قال( :وأن ي ِشيع ِفي األن ى ِىام الش ُّىر).
ُ من أشراط الساعة :أن يشيع الشر ،وترتفع األشرارَّ ،
ويقل الخير ،وتوضع األخيار،
ثبت عند الطبراني في مسند الشاميين( )1والحاكم في املستدرك( )2عن عبدللا بن عمرو -
ُ «إن من أشراط َّ للا عليه وسلم -قالَّ :
للا عن ُهما -أن النبي -صلى ُ
رض ي ُ
اعة أن ت ْرفع ِ الس ِ
األخيار» وإذا ُرفع األشرار شاع الشر في الناس وقل الخير ،واليزال الشر ُ ُ
األشرار ،وتوضع
ُ وأهله في ازدياد حتى ال يبقى إال شرار الخلق وعليهم ُ
تقوم الساعة كما سيأتي إن شاء للا.
قالُ ( :ف ْح ٌ
ش).
ُ
من أشراط الساعة :ظهورالفحش و انتشار ُه بين الناس.
ُ ُ
والف ُ
حش :كل ما اشتد قبحه من املعاص ي من قول أو فعل.
(.)482( )1
( )8661( )2وهو في سلسلة األحاديث الصحيحة (.)774/6( )2821
47 شرح منظومة أشراط الساعة
للا عن ُهما -أن رسول للا -صلى أخرج أحمد( )1والحاكم( )2عن عبدللا بن عمرو -رض ي ُ
ش ،وق ِطيع ُة َّ ْ ْ ُ ْ ُ َّ
التف ُ
اح ُ ُ للا عليه وسلم -قال« :ال ت ُق ُ ُ
الر ِح ِم، وم الساعة حت ى يظهر الفحش و
ُ ُ ُْ
وء املجاور ِة». وس
حش في األقوال الف ُللا عليه وسلم ،-فقد ظهر ُ وقد وقع ما أخبر به النبي -صلى ُ
للا عنها -أن واألفعال ،وسرى في كثير من الناس ،وقد أخرج مسلم( )3عن عائشة -رض ي ُ
َّ ُّ ُ للا عليه وسلم -قالَّ « :
يحب الف ْحش والتف ُّحش» ،وقال ابن مسعود إن هللا ال النبي -صلى ُ
الف ُ ُ ُ ُ ْ ُ ُُ ُ
حش»(.)4 ؤم ِن
-رض ي للا عنه« :-أألم خل ِ امل ِ
ٌ
قال( :قطيعة).
ُ
من أشراط الساعة :قطيعة الرحم ،وقد دل على ذلك حديث عبدللا بن عمرو
الر ِحم ،و ُس ُ ش ،وق ِطيع ُة َّ اح ُ ُ ُ َّ ُ َّ ْ ْ ُ ْ ُ َّ
التف ُ
وء ِ السابق(« :)5ال تقوم الساعة حتى يظهر الفحش و
ُْ
املجاور ِة».
وقطيعة الرحم مما عم وطم ،وقد صار ٌ ُ
كثير من تواصل الناس من أجل الدنيا فهي
ُ
التي تجمعهم وهي التي تفرقهم ،وتمض ي السنوات على األقارب وهم في بلد واحد بال تواصل
ْ ُۡ َّ ُ ُ
وال تزاور ،وقد حذر للا من قطيعة ٓ الرحم فقال﴿ :فه ۡل عس ۡيت ۡم ِإن تول ۡيت ۡم أن تف ِس ُدوا ِفي
ۡ ُ َّ ُ ۡ ۡ َٰٓ ۡ َٰ ُ َّ ُ ُ َّ ُ ْ َٰ ۡٱأل ۡرض و ُتق ُ ٓ ْ ۡ ُ ۡ
طعوا أرحامكم ( )٢٢أول ِئك ٱل ِذين لعنهم ٱَّلل فأصمهم وأعمى أبصرهم﴾[محمد: ِ ِ
.]23-22
للا عليه وسلم -أنه َّللا عن ُه -عن النبي -صلى ُ وفي الصحيحين( )6عن ُجبير بن ُمطعم -رض ي ُ
َّ ُ
قاط ُع ر ِح ٍم».
قال« :ال يدخ ُل الجنة ِ
(.)6514( )1
( )253( )2وهو في السلسلة الصحيحة (.)280/5( )2238
(.)11( )3
( )4أخرجه ابن أبي الدنيا في الصمت (.)325
( )5سبق تخريجه قريبا.
( )6أخرجه البخاري ( ،)5984ومسلم (.)2556
شرح منظومة أشراط الساعة 48
فيبي ُت ُه ُم ُ
هللا» أي ُيهلكهم «ويض ُع العلم» ي ْعني الفقير -لحاجة ،فيقولون :ا ج ْع إلينا ً
غدا؛ ُ
ِ رِ ٍ ِ ِ ِ
ً ُ أي ي ُدك الجبل ُوي ُ
وقعه على رءوسهم «وي ْمسخ آخرين» أي ُيغير خلقتهم « ِقردة
ُ
أخرجه البخاري(.)1 القيامة» يوم
ِ وخنازير إلى ِ
ُ ُ ُ ُ ُ
املذكور في الحديث فسر باعتقاد حل شربها ،وفسر باالسترسال في واستحالل الخمر
ُ ُ
والتساهل في ذلك كاالسترسال في الحالل. شربها
ُ وقد أخبر النبي -صلى ُ
للا عليه وسلم -أنها ستسمى بغير اسمها ،فقد روى أحمد
()2
(.)5590( )1
(.)22709( )2
( )3385( )3وهو في السلسلة الصحيحة (.)182/1( )90
شرح منظومة أشراط الساعة 50
ْ ُ
ورف ُعى ى ى ى ى ى ىوا ِبناءهى ى ى ى ى ى ىا وشى ى ى ى ى ى ى ُادوا ف ى ىانظ ْر ِإل ى ى ْي ِه ْم ق ى ى ْد غل ى ى ْوا وز ُادوا
ْ ْ
ال ِسى ى ى ى َّيما ِفى ى ى ىي هى ى ى ى ِذ ِه األعصى ى ى ى ِار يد واآل ُجى ى ى ى ى ِرواأل ْحجى ى ى ى ى ِار ِبال ِشى ى ى ى ى ِ
ْ
وك ى ى ْم ِل ى ىو ٍاء ف ْوقه ى ىا ق ى ى ْد عق ى ى ُدوا و ِللقن ِادي ى ى ى ى ى ِىل عل ْيهى ى ى ى ى ىا أ ْوقى ى ى ى ى ى ُدوا
ات الرفى ى ى ى ِ و ْاف ُت ِت ُن ى ى ىوا ب ى ى ى ْاأل ْع ُظم ُّ ات الر اي ى ى ى ى ِ ونصى ى ى ى ُبوا ْاأل ْع ى ى ى ىالم و َّ
ِ ِ
ِف ْع ىل ُأول ىي الت ْس ىييب والبح ىا ِئرْ
ْ َّ
وحها النح ىا ِئ ْر
َّ ُ
ب ى ْل نح ى ُروا ف ىىي س ى ِ
ِ ِ ِ
ُ َّ ْ ْ ُ
و اتخ ى ى ى ى ى ىذوا ِإله ُه ى ى ى ى ى ى ْم ه ى ى ى ى ى ىو ُاه ُم ات ِم ى ى ى ى ى ْن والتمس ى ى ى ى ىوا الحاج ى ى ى ى ى ِ
ضى ى ى ى ُه ْم قى ى ى ى ْد صى ى ى ىار ِمى ى ى ى ْن بى ى ى ى ْل ب ْع ُ يسى ى ِىفى ى ى ىي ى ى ى ِىف ى ى ى ىخى ىا ِ ُخ
اهى ُِمه ادى ى ىُ ىهى ى ْى ىم ى ى ِ ىإ ى ْ ىب ىِ ىل ى ى ى ى ى ى ى ُى ى قمى ْودت ى ى ى ى ى ى
صى ى ى ى ى
ْ ْْ ْ
سى ى ى ى ى ى ى ى ِه
ان اللى ى ى ى ى سى ى ى ى ىو ِىبى ى ى ى ى ِى ال ى ى ى ىوىاى ىلى ى ى ى ى ى َّىىنى ى ىفى ى ى ى ى ِ ى ى
ِبأافملى ىر ىا ى ى ِخى ِى ى ى ي ى ى ى ى ْد ُعو ِإلى ى ى ى ىى ِعب ى ى ى ىاد ِة األ ْوثى ى ى ى ى ِان
ُ
وأ ْورط األ َّم ى ى ى ى ى ىة ِف ى ى ى ى ى ىي املها ِل ى ى ى ى ى ى ْك فل ْيى ىت ِش ى ى ْع ِري م ى ى ْن أب ى ىاح ذ ِل ى ى ْك
إل ْيى ى ىك ن ْشى ى ى ُكو م ْ ْ في ى ىا ش ى ىديد ال َّط ى ى ْ
اإل ْسى ى ىال ِم ِ ة ى ى ى ن ح ِ ِ اإلنع ى ى ِام ِ ِ و ل و ِ
(.)2470( )1
(.)4212( )2
( )3في فتح الباري (.)499/6
(.)2102( )4
شرح منظومة أشراط الساعة 52
ُ
غامةٌ : َّ
الثغامة بي ً
أبيض الزهر والثمر ،شبه بياض الشيب به -فقال رسو ُل
ُ نبت اضا -الث ِ ك
ْ
اجتن ُبوا َّ َّ َّ َّ ُ
السواد». هللا -صلى َّللا عليه وسلم :-غ ِي ُروا هذا بش ٍيء ،و ِ ِ
ُ
واملقصود هنا :أن تشبب املشيخة من أشراط الساعة ،وأما مسألة حكم الصبغ
ُ ً ً ُ
بالسواد ومناقشة ما ورد من األحاديث فيه رواية ودراية؛ فلها محلها من ك ُتب الفقه
وشروح الحديث.
ُ
ثم قال( :وش ٌّح).
ُّ
للا عن ُه -عن
الشح ،في الصحيحين( )1عن أبي هريرة -رض ي ُ من أشراط الساعة :كثرة
ُّ ْ مان ،وي ْن ُق ُ
ُ َّ ُ النبي -صلى ُ
ص العم ُلُ ،ويلقى الش ُّح» أي للا عليه وسلم -أنه قال« :يتقارب الز
ُ
يوضع في القلوب.
للا عليه وسلم -من الشح ،وأخبر أنه مهلكة ،ففي صحيح وقد حذرنا النبي -صلى ُ
للا عليه وسلم -قال: َّللا عن ُهما -أن رسول للا -صلى ُ مسلم( )2عن جابر بن عبدللا -رض ي ُ
َّ ُّ
فإن الش َّح أهلك من كان
ُّ َّ ُ
القيامة ،و اتقوا الش َّح؛ يوم الظلم ُظ ُل ٌ
مات
َّ ُّ
فإن ؛ لم
ُّ
الظ وا ق
َّ ُ
«ات
ِ
ُّ ُ ْ ُ
قبلكم ،حمل ُهم على أن سفكوا ِدمائهم ،واستحلوا محا ِرمهم».
ثم قال( :ج ْه ُل).
ُ ُ
من أشراط الساعة :فش ُّو الجهل وقبض العلم ،في الصحيحين( )3عن أنس بن مالك -
اعة أن َّ للا عن ُه -أنه قال :قال رسول للا -صلى ُ رض ي ُ
أشراط الس ِِ للا عليه وسلم« :-من
الجهل» .وعند البخاري( )4عن شقيق بن سلمة -رحم ُه ُ
َّللا -أنه قال: ُ العلم وي ُثبت
ُ ُيرفع
َّ َّ كنت مع عبدهللا أي ابن مسعود أبي موس ى -ض ي َّ ُ
َّللا ع ْن ُهما ،-فقاال :قال الن ِبي -صلى رِ و
ْ «إن ْبين يدي َّ َّ
وسلمَّ :- ُ
الساع ِة ألي ًاما ين ِز ُل فيها الج ْه ُل -أي يتمكن الجهل في ِ عليه هللا
ْ
الناسُ -وي ْرف ُع فيها ال ِعل ُم» .ورفع العلم ال يكون بمحوه من الصدور ،بل يكون بموت
ُ
سمعت رسول ُ العلماء ،ففي الصحيحين( )1عن عبدللا بن عمرو -رض ي ُ
َّللا عن ُهما -أنه قال:
ْ ْ ً ْ َّللا ال ي ْقب ُ
اعا ينت ِز ُع ُه ِمن ال ِعب ِاد،
ض ال ِعلم ان ِتز ِ
إن َّ للا عليه وسلم -يقولَّ « :للا -صلى ُ
َّ ُ ُ ُ ً ُ َّ ً َّ ً ْ
حتى إذا ل ْم يب ِ ع ِاملا اتخذ الناس رؤوسا جهاال،ُ العلماءَّ ، ض الع ْلم بق ْبض ُ ولك ْن ي ْقب ُ
ِ ِ ِ ِ ِ
ُّ ُّ ْ ْ ُ
ف ُسئلوا فأفت ْ
بغير ِعل ٍم ،فضلوا وأضلوا».ِ او ِ
علم الكتاب والسنة ،أما علوم الدنيا فإنها في ازدياد. واملراد بالعلم هناُ :
بالعلم قبل أن ُيقبض ِ َّللا عن ُه« :-عليكم ومن أجل ذلك قال ابن مسعود -رض ي ُ
َّ ُ هاب أهله»( ،)2وقيل لسعيد بن ُجبير -رحم ُه ُ ُ
وقبضه ذ ُ
اس؟ ِ الن ك
ِ اله ة م الع ا م « : - َّللا ِ
قال :إذا هلك ُعلم ُاؤ ُه ْم»( )3لذلك ما أحرانا أن نتمثل وصية الحسن بن علي -رض ي َّللاُ
ِ
ُ ُ َّ ُ
عنهما -التي كان يوص ي بها بنيه وبني أخيه ،كان يقول لهم« :تعلموا ال ِعلم فإنكم صغار ٍ
قوم
اليوم وتكونون كبا هم ً
غدا»(.)4 ر
وال يزال العلم ينقص والجهل يكثر حتى ال يعرف الناس فرائض اإلسالم ،ثبت عند
للا عليه وسلم:- َّللا عن ُه -أنه قال :قال رسول للا -صلى ُ ابن ماجه( )5عن ُحذيفة -رض ي ُ
ٌ الثوب َّ ُ َّ «ي ْد ُر ُ
نس ٌك ،وال صالة ،وال ُ ٌ
صيام ،وال حتى ال ُيدرى ما ِ ي شو س اإلسالم كما يد ُر ُ ُ س
ُ ٌ عز َّ َّللا َّ - قة ،ول ُيسرى على كتاب َّ ٌ
ض منه آية ،وتبقى ِ ر األ في يبقى فال ،ةٍ ليل في - وجل ِ ِ صد
ْ ُ ُ َّ ُ َّ ُ
الكلمة،
ِ هذ ِه الكبير والعجوز ،يقولون :أدركنا آباءنا على ِ اس الشيخ ِ الن من طوائف
ُ ُ َّ َّ ُ ُ ُ ُ ُ ُ َّ َّ
يقولون :ال إله إال َّللا ،فنحن نقولها ،فقال له ِصلة :ما تغني عنهم ال إله إال َّللا ،وهم ال
ُ ُ ْ ُ ٌ ٌ
ثم ر َّدها عل ِيه فةَّ ، نس ٌك ،وال صدقة؟ فأعرض عنه حذي صيام ،وال ُ ٌ يدرون ما صالة ،وال
ُ ُ َّ فةَّ ، ُ ُ ُ ْ ُ كل ذلك ُ
ثالثاَّ ، ً
نجيهم منِ ت ، لة ص ِ يا :فقال ، الثة
ِ الث في يه ِ عل أقبل ثم ي ذ ح عنه عرض ي ِ
ثالثا .ثم ال يزال الناس كذلك في تز ُايد من الجهل إلى أن ال ُيذكر ُ ً َّ
اسم للا في النار» قالها
للا عليه وسلم- َّللا عن ُه -أن رسول للا -صلى ُ األرض ،في صحيح مسلم( )1عن أنس -رض ي ُ
ُ ُ َّ ُ َّللا َّ ُ
حتى ال ُيقال في األ ْ ضُ َّ : الساع ُة َّ وم َّ قال« :ال ت ُق ُ
الساعة على َّللا» وفي رواية« :ال تقوم ِ ر
َّللاُ َّ ،
َّللا». أحد يقو ُلُ َّ :
ٍ
ً
ثم قالِ ( :زنى).
وف ُش ُّوه ،في الصحيحين( )2عن أنس -رض ي ُ ُ
للا من أشراط الساعة :انتشار الزن ى
أشراط َّ ْ ْ ُ ُ
الساع ِة ِ «من عنه -أنه قال :قال رسول للا -صلى للا عليه وسلمِ :-
ْ أن ُي ْرفع ال ِع ْل ُم ،وي ْث ُبت الج ْه ُلُ ،وي ْشرب الخ ْم ُ
ْ
الزنى» .أي يفشو الزنى وينتشر. ِ ر ه ظ وي ، ر
ال أمر الزنى يفشو ويظهر حتى ُيستحل ،وحتى يكون ذلك في طريق الناس ،في وال يز ُ
ُ َّ ْ ٌ ْ ُّ
الحر والح ِرير ،والخ ْمر ِ ن و ل حديث البخاري السابق(« :)3ليكون َّن ِمن أمتي أقوام يست ِح
واملعا ِزف».
والحر :الفرج ،واملعنى أنهم يستحلون الزنى. ِ
للا عليه وسلم:- َّللا عن ُه -عن النبي -صلى ُ وعند أبي يعلى( )4عن أبي هريرة -رض ي ُ
ُ ُ ُ
ِ الطري في ها ش فيفتر
ِ املرأة
ِ إلى الرجل يقوم حتى األمة بيده ال تفنى هذه «والذي نفس ي ِ
الحائط».
ِ يومئذ من يقول :لو واريتها وراء هذا ٍ فيكون خيا ُرهم
ض من اإليمان وأهله ،ولم يبق إال شرار الخلق حصل ثم في آخر الزمان إذا خلت األر ُ
للا عليه وسلم -في قوله كما في صحيح مسلم( )5من حديث النواس ما أخبر به النبي -صلى ُ
الناس ،يتهار ُجون فيها ته ُارج ُُ َّ
الح ُم ِر ،فعليهم ِ ِ بن سمعان -رض ي للا عنهما« :-وي ْبقى ِشرار
ً ً ٓ َٰ َّ ۡ ُ ْ ُ ُ ُ َّ ُ
ٱلزن َٰٓى ِإن ُ ۥه كان ف ِحشة وساء س ِبيال﴾[اإلسراء،]32:
ِ وا ب
ر قت الو ﴿ تعالى: وقول ُ
ه .»ة تقوم الساع
ُ ُ
يدل على أن الواجب سد جميع الطرق املوصلة إليه من إطالق للبصر ،وسماع للمعازف،
(.)148( )1
( )2أخرجه البخاري ( ،)80ومسلم (.)2671
(.)5590( )3
( )6183( )4وانظر السلسلة الصحيحة (.)867/1( )481
(.)2937( )5
55 شرح منظومة أشراط الساعة
وتبرج وسفور ،وخلوة ،وتعطر من املرأة عند الخروج ،وخضوع بالقول عند التخاطب،
ُ واختالط .وقد أخبر النبي -صلى ُ
للا عليه وسلم -أنه لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى
ُيعلنوا بها إال فشا فيهم الطاعون واألوجاع التي لم تكن مضت في أسالفهم الذين مضوا(،)1
للا عليه وسلم -أنه إذا ظهر الزنى والربا في قرية فقد أحلوا بأنفسهم عذاب وأخبر -صلى ُ
اب في الدين والدنيا؛ نسأل للا العافية للا( ،)2فالزنى من أعظم الفساد في األرض ،وهو خر ٌ
والسالمة.
ثم قالِ ( :رًبا).
من أشراط الساعة :ظهور الربا و انتشا ُره ،أخرج الطبراني في األوسط( )3عن عبدللا
للا عليه وسلم -أنه قال: َّللا عن ُه -عن النبي -صلى ُ بن مسعود -رض ي ُ
والخمر» ،وهو في السلسلة الصحيحة(.)4 ُ والزنى
الربا ِ
الساعة يظهر ِ ِ «بين يدي
للا عليهَّللا عن ُه -أن رسول للا -صلى ُ وفي صحيح البخاري( )5عن أبي هريرة -رض ي ُ
مان ال ُيبالي امل ْر ُء ما أخذ منه؛ أمن الحالل ْ الناس ٌ َّ ْ
أم ِمن ِ ِ ِ ز ِ على تي أ وسلم -قال« :ي
ظاهر في زماننا ،فقد انتشرت املصارف القائمة على الربا ،بل بلغ من ٌ الحرام» .وهذا ٌ
أمر ِ
شدة الظهور أن يستغرب بعض الناس تحريمه.
ً
وقد شهد عصرنا نكبات اقتصادية بسبب التعامل بالربا ،ولم يسلم من ذلك إال من
والتحريم األكيد ،قال للا تعالى: ُ سلم من التعامل به ،وقد ورد في الربا الوعيد الشديد
َّ ۡ َُٰ ُ َّ ُ ُ ُ َّ َّ ُ ُ َٰ ْ ُُۡ َّ
ٱلربوا ال يقومو ِإال كما يقوم ٱل ِذي يتخبطه ٱلشيطن ِمن ن ِ ن و ل ك أ ي ين ذ
ِ ٱل ﴿
ُ ۡ
س﴾[البقرة ،]275:أي أن املتعاملين بالربا يقومون من قبورهم يوم القيامة كما يقوم من ِ ٱمل
ْۗ ْ ۡ
ُۡ ُ ۡ َّ ْ ُ
ُ ۡ ٓ َّ َٰ ُ ُ
ٱلرب َٰوا وأح َّل
يتخبطه الشيطان ويصرعه من الجنون ﴿ذ ِلك ِبأنهم قالوا ِإنما ٱلبيع ِمثل ِ
( )1أخرجه ابن ماجه ( )4019وهو في السلسلة الصحيحة (.)216/1( )106
( )2أخرجه الحاكم ( )2261وصححه ووافقه الذهبي وهو في صحيح الجامع الصغير (.)178/1( )679
(.)7695( )3
(.)1226/7( )3415/2( )4
(.)2059( )5
شرح منظومة أشراط الساعة 56
ُ ْ َّ ُ ْ َّ ُ ْ َٰٓ ُّ َّ ْ ٱَّلل ۡٱلب ۡيع وح َّ
َّ ُ
ٱلرب َٰوا ﴾[البقرة .]275:وقال تعالى﴿ :يأيها ٱل ِذين ءامنوا ٱتقوا ٱَّلل وذروا ِٓ مر
وا بح ۡرب من ٱَّللَّ َّ ۡ ۡ ُ ْ ۡ ُ ْ ُ ُ ُّ ۡ َٰ ْ
ِ ٱلربوا ِإن كنتم مؤ ِم ِنين ()٢٧٨ف ِإن لم تفعلوا فأذن ِ ٍ ِ ما ب ِقي ِمن ِ
ور ُس ِول ِه﴾[البقرة ،]279-٢٧٨ :أي تيقنوا بحرب من للا ورسوله ،ومن كان في حرب من للا ورسوله
َّ فهو في خسا ة ُمحتمة ،وقد «لعن سو ُل هللا -ص َّلى ُ
وكل ُه ُ
الربا وم ِ
ِ آكل - م ل وس عليه هللا ر ر
َّللا عن ُه-
سواء» .أخرجه مسلم( )1من حديث جابر -رض ي ُ ٌ وشاهد ْي ِه وقال :هم ِ وكا ِتب ُه
نسأل للا السالمة والعافية.
ٌ
ثم قال( :معا ِزف).
من أشراط الساعة :ظهور املعاز ِف و انتشا ُرها بل واستحاللها ،كما في حديث
للا عن ُه -أنه سمع النبي -صلى ُ
للا البخاري( )2عن أبي عامر أو أبي مالك األشعري -رض ي ُ
ْ ُ َّ ْ ٌ ْ ُّ َّ
الحر والح ِرير والخمر واملعا ِزف، عليه وسلم -يقول« :ليكونن ِمن أمتي أقوام يست ِحلون ِ
ْ ْ ْ ْ وام إلى ج ْنب علم ،ي ُر ُ ٌ ْ َّ ْ
الفقيرِ -لحاج ٍة، ِ ي نِ ع ي- م يه ت
ِ ِ أ ي ، لهم ة حر
ِ ٍ بسا عليهم وح ِ ٍ أق ولين ِزلن
ً ُ فيبي ُت ُه ُم َّ ُ
ً ُ
َّللا ،ويض ُع العلم ،وي ْمسخ آخ ِرين ِقردة وخنا ِزير إلى ْ ْ ْ
فيقولون :ار ِجع إلينا غداِ ،
القيام ِة».
وم ِ ي ِ
شيخ البخاري ،قد وقد قال اإلمام البخاري فيه :قال هشام بن عمار ،وهشام بن عمار ُ
هشام بن عمار) كان بمنزلة قوله: ُ لقيه البخاري وسمع منه ،فإذا روى عنه وقال( :قال
ً
(عن هشام بن عمار) ،وهذا محمو ٌل على االتصال اتفاقا.
ُ ً
وقد ورد الحديث موصوال من ط ُرق عن هشام بن عمار عند أبي داود( )3وغيره ،وبهذا
صرة ملذهبه الباطل في املعا ف لم يصنع ً ُ ً
شيئا، ز يتب ُين أن ابن حزم حين أعله باالنقطاع ن
َّللا -كثير الوهم في الكالم على تصحيح الحديث وتضعيفه وعلى أحوال الرواة، وهو -رحم ُه ُ
كما ذكر ابن عبدالهادي في كتابه طبقات علماء الحديث( ،)4وقد تتابع العلماء على رد
(.)1598( )1
(.)5590( )2
(.)4039( )3
(.)394/3( )4
57 شرح منظومة أشراط الساعة
قوله ،منهم ابن القيم -رحمه للا -في إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان( ،)1وفي تهذيب
السنن(.)2
واملقصود أن ظهور املعازف وانتشارها واستحاللها من أشراط الساعة ،وقد ظهرت
ً
عظيما ،وهذه املعازف هي ُرقية الزنى ،ومنبت النفاق، املعازف في زماننا وانتشرت انتشا ًرا
وشر ُك الشيطان ،وخمرة العقل ،فكم من ُحرة صارت بالغناء واملعازف من البغايا ،وكم
ً من ُحر أصبح به ً
عبدا للصبيان والصبايا ،وكم من ُمعافى تعرض له فأمس ى وقد حلت به
ُ ُ ُ
والعاقل ينظر في العواقب ،والغافل ال يرى إال الحاضر ،نسأل للا العافية. أنواع الباليا،
ْ
ثم قال( :وقت ُل).
للا عن ُه -أنمن أشراط الساعة :كثرة القتل ،في صحيح مسلم( )3عن أبي هريرة -رض ي ُ
ُ ُ َّ ُ َّ ْ ُ رسول للا -صلى ُ
حتى يكثر اله ْر ُج ،قالوا: للا عليه وسلم -قال« :ال تقوم الساعة
ْ ْ ُ
هللا؟ قال :القت ُل القت ُل». وما اله ْرج يا رسول ِ
َّللا عن ُه -أنه قال :قال رسول للا -صلى ُ
للا أيضا عن أبي هريرة -رض ي ُ وفي مسلم(ً )4
ْ ٌ ْ َّ َّ ْ «والذي ن ْفس ي بيده ،ال ت ْذه ُ َّ
اس يوم ال يد ِري ِ الن على ي ت
ِ أ ي ى حت الدنيا ب ِ ِ ِ عليه وسلم:-
ُ ْ ُْ
القا ِت ُل ِفيم قتل ،وال املقتو ُل ِفيم ق ِتل».
كثيرة جدا ،وقد وقع ما أخبر به النبي -صلى ُ ٌ
للا عليه وسلم- واألحاديث في هذا الشرط
ُ ُ ُ ُ
القاتل فيم قتل وال املقتول فيم قتل. القتل حتى ال يدري ،فقد كثر
اإلسالم أمر الدماء ،وجعل عاقبة الولوغ فيها وخيمة ،يكفيك من ذلك قوله ُ وقد عظم
َٰ
تعالى﴿ :ومن ي ۡق ُت ۡل ُم ۡؤم ًنا ُّمتعم ًدا فجزٓا ُؤ ُ ۥه جه َّن ُم خل ًدا فيها وغضب َّ ُ
ٱَّلل عل ۡي ِه ولعن ُ ۥه وأع َّد ِ ِ ِ ِ ِ
تضيق عليه ُ يما﴾[النساء .]93:والقاتل قد ال ُيوفق للتوبة لعظم ُجرمه ،بل قد ل ُ ۥه عذ ًابا ع ِظ ً
نفسه ويضيق عليه دينه حتى ينسلخ منه -والعياذ باهلل -كما عند البخاري عن ابن ُعمر -
(.)456/1( )1
(.)595/2( )2
(.)157( )3
(.)2908( )4
شرح منظومة أشراط الساعة 58
للا عليه وسلم:- ُ َّللا عن ُهما أنه قال :قال رسول للا -صلى ُ رض ي
ُ
سحة ِم ْن دي ِنه -أي ال يزال منشرح الصدر ُمطمئن النفس في سعة من ُ
يزال املؤمن في ف ٍ «ال ُ
نفسا بغير حق. ال كذلك ما لم يقتل ً حراما» أي ال يز ُ دما ً رحمة للا -ما لم ُيص ْب ً
ِ
َّللا عن ُه -أن رسول للا -صلى وبمعناه ما ثبت عند أبي داود( )1عن أبي الدرداء -رض ي ُ
ً
سرعا إلى الخيرات ُموف ًقا إليها- صالحا -أي ُم ًً ُ
املؤمن ُم ْع ِنقا للا عليه وسلم -قال« :ال يز ُ
ال ُ
َّ ما لم ُيص ْب ً
دما حر ًاما بلح» أي أعيا وانقطع. حراما ،فإذا أصاب ً دما ً
ِ
التوفيق للخير لشؤم ما ا ُ
تكبه ُ دما حر ًاما انقطع عنه ذلك واملقصود :أنه إذا أصاب ً
ر
َّللا عن ُهما -أنه قال: من اإلثم العظيم .وفي البخاري( )2عن ابن ُعمر -رض ي ُ
األ ُمور َّالتي ال م ْخرج ملن ْأوقع ن ْفس ُه فيها ،س ْفك َّ ُ َّ
بغير ِح ِله»
ِ ِ ام
ر الح مِ الد ِ ِ ِ ات ِ ط ور ن م
ِ «إن
فالن في ورطة إذا وقع في ش يء ال ينجو منه. ُيقال :وقع ٌ
الز ٌل).
ثم قال( :ز ِ
ُ
للا عن ُه -أنه كثرة الزالزل ،في صحيح البخاري( )3عن أبي هريرة -رض ي ُ من أشراط الساعة:
ُْ ْ ُ ُ َّ ُ َّ ْ قال :قال رسول للا -صلى ُ
حتى ُيقبض ال ِعل ُم ،وتكثر للا عليه وسلم« :-ال تقوم الساعة
الزال ِز ُل». َّ
وثبت في مسند اإلمام أحمد( )4عن سلمة بن ُنفيل السكوني أن رسول للا -صلى ُ
للا
سنوات َّ ُ ٌ الساعة ُم ٌ عليه وسلم -قال« :بين يدي َّ
الزالز ِل». شديد وبعده وتان ِ
ً ُ ال تت ُ وقد ظهرت الزالزل ،وال تز ُ
تابع وتكثر؛ إال أنها بين يدي الساعة ستكون موصوفة
الزالزل» ويدل له ً «سنوات َّ ُ
أيضا ما ِ بالشمول والدوام ،كما يدل عليه قوله:
َّللا عن ُه-وسنن أبي داود( )2عن عبدللا بن حوالة -رض ي ُ ثبت في مسند اإلمام أحمد(ُ )1
َّ أنه قال« :وضع سول هللا -ص َّلى ُ
هللا عليه وسلم -يده على رأس ي -أو قال :على هامتي- ر
(.)4270( )1
(.)6863( )2
(.)1036( )3
( )16964( )4وصحح إسنادَه األلباني في صحيح سنن أبي داود (.)289/7
59 شرح منظومة أشراط الساعة
(.)22487( )1
( )2535( )2وصحح إسناده األلباني في صحيح سنن أبي داود.
(.)3870( )3
( )7043( )4وهو في السلسلة الصحيحة (.)246/2( )647
(.)519/39( )5
(.)4456( )6
( )7التمهيد البن عبدالبر (.)137/11
شرح منظومة أشراط الساعة 60
للا عليه وسلم -أنه قال: للا عن ُه -عن النبي -صلى ُ ابن مسعود -رض ي ُ
ُ َّ
الخاص ِة» إلى أن قال« :وظهور القلم». الساعة تسليم
ِ ي
«إن بين يد ِ
أيضا عن عمرو بن تغلب -رض ي للا عنه -أنه قال :قال النبي -صلى ُ
للا عليه وعنده(ً )2
ْ ْ ْ ُ ُْ ْ وسلم« :-إن م ْن أ ْشراط َّ
ال ويكثر ،ويظهرالقل ُم». الساع ِة أن ي ِفيض امل ِ ِ
ُ ُ
واملراد بظهور القلم :ظهور الكتابة وانتشارها ،وظهور الكتب وكثرتها ،وكثرة الكتاب،
ً
فإن الكتابة كانت قليلة في العرب ،وقد كثرت الكتابة في زماننا ،وانتشرت آالت الطباعة
والتصوير ،ومع ذلك نقص العلم وللا املستعان.
ثم قال( :تش ُّد ٌق).
ُ ُّ ُ
وحسنه محققوه ()3
التشدق في الكالم ،في مسند اإلمام أحمد الساعة:
ِ من أشراط
للا عليه وسلم« :-ال للا عن ُه -أنه قال :قال رسول للا -صلى ُ عن سعد بن أبي وقاص -رض ي ُ
ُْ ُ ْ ُ ْ ْ ْ ُ ُ َّ ُ َّ ْ ُ ْ ٌ ْ ُ ُ
تقوم الساعة حتى يخرج قوم يأكلون ِبأل ِسن ِت ِهم كما تأكل البقر ِبأل ِسن ِتها» واملعنى :أنهم
ً
يجعلون ألسنتهم وسائل أكلهم ،فيمدحون الناسُ ،ويظهرون محبتهم نفاقاُ ،ويطرونهم،
ويمدحون أنفسهم حتى يتوسلوا إلى أخذ األموال منهم.
وثبت عند اإلمام أحمد في املسند( )4وأبي داود( )5عن عبدللا بن عمرو -رض ي ُ
َّللا عن ُهما-
يبغض البليغ من ُ «إن َّ
َّللا -ع َّز وج َّل- للا عليه وسلمَّ :- أنه قال :قال رسول للا -صلى ُ
ُ ُ َّ ُ َّ َّ
بلسانها».
ِ رة ق ِ البا ل تتخل كما ه ن
ِ بلسا ل يتخل ذي ال جال
الر ِ
ِ
ُ
والتفاصح وزخرفة القول ،وال ُ واملقصود :من يتشد ُق في كالمه ،ويتكلف الكالم البليغ
يفتح األسماع ويأس ُر القلوبُ ، الخطب واملواعظ بما ُ ُ
ويؤثر في يدخل في ذلك تحسين ألفاظ
هيجه للطاعة والعمل الصالح. نفس املوعوظُ ،وي ُ
(.)6514( )1
( )253( )2وهو في السلسلة الصحيحة (.)280/5( )2238
( )3أخرجه البخاري ( )6018ومسلم (.)47
(.)6( )4
(.)7( )5
(.)7( )6
شرح منظومة أشراط الساعة 62
الشرح:
()7( )1
(.)80/1( )2
(.)4( )3
(.)1291( )4
(.)4( )5
63 شرح منظومة أشراط الساعة
ْ ْ
راطها الجال ِئ ِل).
قال( :هذا و ِمن أش ِ
ُ
الجالئل :جمع جليلة بمعنى عظيمة.
(أن ُيسند األ ْم ُر ِإلى األسا ِف ِل).
األسافل ويستأثروا بالدنيا ،وهو من ُجملة الفتن التي ُ من أشراط الساعة :أن يرتفع
للا عن ُه -أن النبي -ُيبتلى بها أهل آخر الزمان ،في صحيح البخاري( )1عن أبي هريرة -رض ي ُ
الساعة». فانتظر َّْ
ه ل األم ُرإلى غير ْ
أه للا عليه وسلم -قال« :إذا ُأ ْسند ْ صلى ُ
ِِ ِ ِِ ِ
َّللا عن ُه -أن النبي -
وفي مسند اإلمام أحمد( )2وسنن ابن ماجه( )3عن أبي هريرة -رض ي ُ
ُ َّ ُ صلى ُ
الكاذ ُب،
الناس سنون خداعة؛ يصدق فيها ِ ِ للا عليه وسلم -قال« :إنها ستأتي على
ُ وينط ُ فيها ُّ ُ َّ ُ ُ ُ ُ ُ َّ
الرو ْي ِبضة، الصادق ،ويؤتمن فيها الخا ِئن ،ويخون فيها األمينِ ، ِ ُويكذ ُب فيها
يه يت َّكل ُ ضة؟ قال :السف ُ ُّ ْ ُ
العامة».
ِ أمر
ِ في م ِ ِقيل :وما الروي ِب
ُ ُ
العاجز الذي ربض عن معالي األمور ،وقعد عن طلبها، والرويبضة تصغير رابضة ،وهو
للا عليه وسلم -في هذا الحديث بالسفيه (والهاء) فيه للمبالغة ،وقد فسره النبي -صلى ُ
يتكلم في أمر العامة. الذي ُ
(.)6496( )1
(.)7912( )2
( )4036( )3وهو في السلسلة الصحيحة (.)1887
(.)61( )4
(.)309/2( )695( )5
شرح منظومة أشراط الساعة 64
ٌ
صغير يروي وقد قيل البن املبارك :من األصاغر؟ فقال" :الذين يقولون برأيهم ،فأما
عن كبير فليس بصغير"(.)1
ُ َّ
أتاهم العل ُم من ِقب ِل
ُ خير ما
ِ ٍب الن ُ
اس للا عن ُه« :-ال يزال وقال ابن مسعود -رض ي ُ
أصاغ ِر ِهم هلكوا»(.)2
ِ أكابرهم ،فإذا أتاهم من ِقبل
صغير وإن كان ُمسنا، ٌ ُ
فالجاهل األصاغر :أهل البدع وكذلك من ال علم عنده،
ً ُ
والعالم ٌ
كبير وإن كان حدثا.
وقد قال الشاعر:
اه ُل ج و ول ْىيس أ ُخو ع ْلم كم ْن ُ
ه ا
ً
املع تىع َّىل ْىم فىل ْىيىس ْامل ْر ُء ُيول ُ
د
ِ ِ ٍ ِ
ْ ْ َّ ْ ْ ْ ْ
ص ِغ ٌير ِإذا التفت عل ْي ِه املحا ِف ُل و ِإ َّن ك ِىبىيىر الىق ْىو ِم ال ِعىلم ِعنده
ُ
ْ ْ ْ ْ
ك ِىبىي ٌىر ِإذا ُر َّدت ِإل ْىي ِىه الىمىسا ِئ ُل و ِإ َّن صى ِغىيىر الق ْو ِم وال ِعل ُم ِعند ُه
َّللا عن ُهما -كان ُيستفتى وذكر ابن عبدالبر في تقرير هذا املعنى( :)3أن ابن عباس -رض ي ُ
"ومثل هذا في العلماء كثير". ُ وهو صغير ،قال:
نتفع بهم إذا ُعلم منهم العلم والصالح لكن ال فالعالم الشاب ومن نبغ من صغار السن ُي ُ ُ
ُيستقل باألخذ عنهم ،بل ينبغي أن ُيحرص على من كبرت سن ُه من أهل العلم ،فإن الشيخ
ُ ُ
الكبير قد زالت عنه ميعة الشباب وحدت ُه ،واستصحب التجربة والخبرة ،وال يستزل ُه
ُ ُ
الوقار والجالل والهيبة .قرر هذا املعنى ابن قتيبة - الشيطان استزالل الحدث فمع السن
حرص على األخذ َّللا .)4(-فالعالم الشاب ُينتفع به لكن ال ُيستقل باألخذ عنه ،بل ُي ُ رحم ُه ُ
ُ ُ ُ
املرجع ويتعين هذا في الحوادث والنوازل التي تتعلق باألمة ،فهذه ليس عن العلماء الكبار،
فيها إال إلى العلماء الكبار في السن.
ُ
والخالصة :أن األصاغر هم أهل البدع ومن ال علم عنده ،أما من نبغ من الشباب
نتفع به وال ُيستقل باألخذ عنه. في ُ وعرف بالعلم والصالح ُ ُ
(.)23303( )1
( )2209( )2وهو في صحيح الجامع الصغير (.)1238/2( )7431
(.)8322( )3
( )4سبق تخريجه قريبا.
(.)13298( )5
(.)3933( )6
(.)748( )7
شرح منظومة أشراط الساعة 66
الص ِالح ِة» ،وفي رواية عند ابن حبانالب ُيوت َّ
ِ
هل ُ والو ُعو ُل :أ ُُيرف ُعون فوق صالحيهمُ ،
ِ ِ ِ
()1
(.)6844( )1
(.)8644( )2
(.)639/7( )3211( )3
67 شرح منظومة أشراط الساعة
الشرح:
ْ ً ُ َّ ُ ( ُظ ُه ُ
األلحانا) ُير ِج ُع ِزمارة ور م ْن يت ِخذ الق ْر آنا
ُ
الزمارة :حرفة الزمار. ِ
طام) وليس ي ُرنو لسوى ُ
الح هام الس ة قام إ يم ُ
ه ( ُيق ُ
ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ
ينظر إال إلى الدنيا.ال ُ
ُ ُ َّ
من أشراط الساعة :أن ُيتخذ القرآن مزامير ،وأن تطلب به الدنيا ُويسأل به الناس،
أخرج أحمد في املسند( )2وابن أبي غرزة الحافظ في مسند عابس( )3وهو في السلسلة
للا عليه وسلم- للا عن ُه -أنه سمع النبي -صلى ُ الصحيحة( )4عن عابس الغفاري -رض ي ُ
ُ ً
للا عليه وسلم« :-ون ْشأ ي َّت ِخذون يقول« :باد ُروا بالعمل خصاال س ًّتا» وفيها قوله -صلى ُ
ِ ِ ِ ِ
َّ
مايق ِد ُمون ُه إال ِل ُيغ ِني ُه ْم».
الر ُجل ليس بأفقهه ْم و ال بأ ْعلمه ْمُ ،
ِِ ِِ
القرآن مز ِامير ُيق ِد ُمون َّ
إماما لصوته وترجيعه مع أنه ليس لإلمامة بموضع ،وليس من واملذموم من ذلك أن ُيتخذ ً
ذلك تحسين الصوت بالقراءة ،بل هو مطلوب ،أجمع العلماء على استحبابه ،وفي
للا عليه وسلم-َّللا عن ُه -أنه سمع رسول للا -صلى ُ الصحيحين( )1عن أبي هريرة -رض ي ُ
ُ يقول« :ما أذن َّ ُ
الص ْو ِت يتغ َّنى بالق ْر ِآن ي ْجه ُر ِبه» ،وقد ترجم
َّللا لش ٍيء ما أذن لنبي حسن َّ
ِ ِ ٍ ِ ِ ِ ِ
عليه النووي بقوله" :باب استحباب تحسين الصوت ُ
بالقرآن".
َّللا عن ُهما -أنه قال« :دخلوثبت في مسند اإلمام أحمد( )2عن جابر بن عبدللا -رض ي ُ
ُ ُ وسلم -املسجد فإذا فيه ٌ َّ النبي -ص َّلى ُ
قوم يقرؤون القرآن فقال :اقرؤوا القرآن هللا عليه
ْ
دح -أي السهم -يتع َّجلونه، ِ الق
ِ ة إقام ه قيمون قوم ُ
ي أن يأتي ٌ قبل من هللا به تغوا و ْ
اب
تأجلونه» أي يتعجلون ثوابه في الدنيا وال يتأجلونه لطلب األجر في اآلخرة بل يؤثرون وال ي َّ
العاجلة على اآلجلة ،ويتأكلون وال يتوكلون.
ُ
قال( :وموت ف ْجأ ٍة).
واملقصود به :أن يفجأ اإلنسان ُ ُ
املوت ويبغت ُه ُ موت الفجأة،من أشراط الساعة :كثرة ِ
من غير ُمقدمات ،أخرج الطبراني في األوسط( )3والصغير( )4عن أنس بن مالك -رض ي ُ
َّللا
اعة» وذكر أشياء منها: َّ عن ُه -رفعه إلى النبي -صلى ُ
راب الس ِ
ِ تِ اق نِ «م
ِ قال: - م وسل عليه للا
وت الف ْجأة» وقد ُ ُ
اختلف في تحسين الحديث وتضعيفه ،وحسنه األلباني ِ «أن يظهر م
لشواهده في السلسلة الصحيحة(.)5
وقد تتابع أكثر املصنفين على عده من األشراط .وعلى تحسين الحديث فاملعدود من
ً
األشراط :هو كثرة موت الفجأة؛ ألن موت الفجأة كان معروفا ففي الصحيحين( )6عن
َّ النبي-ص َّلى َّ ُ َّ ً ُ
َّللا عليه وسلم َّ «أن ر ُجال أتى َّللا عنها:- عائشة -رض ي
( )12007( )1وصحح إسناده األرنؤوط في تحقيق سنن أبي داود (.)26/5
( )3110( )2وصحح إسناده الحافظ ابن حجر في موافقة الخبر الخبر في تخريج أحاديث المختصر ()317/1
وللموقوف حكم الرفع ألن مثله ال يقال بالرأي ،فكيف وقد رفعه الراوي مرة.
شرح منظومة أشراط الساعة 70
(.)481/1( )1
(.)37232( )2
(.)172/2( )3
(.)145( )4
71 شرح منظومة أشراط الساعة
ُ
ثم قالِ ( :والدة األم ِة رَّبها).
قوله -صلى ُ ُ ُ
للا عليه األمة رَّبها ،في حديث جبريل املشهور
من أشراط الساعة :والدة ِ
ُ
دت األمة رَّبتها» وفي رواية: أشراطها ،إذا ول ِ
ِ ُ
«سأخبرك عن وسلم -لجبريل -عليه السالم:-
للا عن ُه.- متفق عليه( )1من حديث أبي هريرة -رض ي ُ
«رَّبها فذاك من أشراطها»ٌ ،
ِ ِ
للا عليه وسلم- للا عن ُه -أن النبي -صلى ُ وفي صحيح مسلم( )2من حديث ُعمر -رض ي ُ
ُ ْ
قال« :أن ت ِلد األمة رَّبتها».
بعضها ُمتداخل ،لخصها العلماء في معنى الحديث على أقوال كثيرةُ ، وقد اختلف ُ
الحافظ ابن حجر( )3بال تداخل في أربعة أقوال:
ساع اإلسالم واستيالء أهله على بالد الشرك ،وسبي الذراري، األول :أن املعنى ات ُ
الرجل الجا ية واستولدها كان ُ
الولد منها بمنزلة ربها؛ ألنه ولد سيدها ،فيصير ُ فإذا ملك
ر
ُ
ولد األمة بمنزلة ربها وسيدها ،وقال النووي وغيره " :إنه قو ُل األكثرين".
()4
ُ
وهذا الشرط مما ظهرت مباديه وملا تكتمل بعد ،ففي صحيح مسلم( )1عن أبي البختري أنه
ض الق ْو ِم :هو قال« :خر ْجنا ل ْل ُع ْمرة ،فل َّما نزْلنا بب ْطن ن ْخلة قال :تراء ْينا الهالل فقال ب ْع ُ
ِ ِ ِ ِ
ابن ل ْيلت ْين ،قال :فلقينا ْابن ع َّباس -ض ي َّ ُ
َّللا ع ْن ُهما،- ض الق ْوم :هو ُ ُ
ابن ثال ٍث ،وقال ب ْع ُ
ٍ رِ ِ ِ ِ
ض الق ْوم :هو ابنُ ابن ثال ٍث ،وقال ب ْع ُ ض الق ْوم :هو ُ ف ُق ْلناَّ :إنا رأ ْينا الهالل ،فقال ب ْع ُ
ِ ِ ِ
َّ َّ ْ ُْ ُ ُ ُ ْ ْ ْ ْ
هللا -صلى ليلتي ِن ،فقال :أ َّي ليل ٍة رأيتموه؟ قال :فقلنا :ليلة كذا وكذا ،فقال :إن رسول ِ
َّللا م َّد ُه ل ُّلر ْؤية ،فهو لل ْيلة أ ْي ُت ُم ُ
وه«. إن َّ َّللا عليه وس َّلم -قالَّ :
َّ ُ
ِ ٍر ِ ِ
ُ
أكبر من ابن ليلة ل ُعلوه؛ فبين لهم ابن فهؤالء الرهط استشكلوا حال الهالل ،ورأوا أنه ُ
ُ عباس -رض ي ُ
َّللا عن ُهما -أنه ابن ليلة ،وأنه ال عبرة ب ُعلوه؛ ألن للا -عز وجل -مد ُه من أجل
يوم ً ُ
بحيث ُيز ُاد في الشهر ٌ
نظرا لحجم الرؤية ،وال تعلق لهذه العالمة بحكم دخول الشهر،
ُ
الهالل و ُيحس ُب لليلتين؛ فال عبرة بصغر الهالل وكبره في إثبات دخول الشهر ،وإنما العبرة
بالرؤية.
املتن:
ُ ْ ُ ْ ُ ُ َّ
يع ُحك ٍمِ ،ص ْدق ُرؤيا املسلم وبداعي األم ِم ورد سن ٍة ،ت ِ
ُّ
ف ْق ُد األمانة ،س ُ ْ ُ ُ
الم امل ْع ِرف ْه ِ الكاسيات العا ِريات ،زخرف ْه و ِ
ُ ُ ى ُُ ُ
ُم ْجتا ًزا أو ِلف ْرج ِة الكف ِار الباري
ِ ي ب
ِ ر وت وأن تر بي
الشرح:
َّ
قال( :ور ُّد ُسن ٍة).
َّ من أشراط الساعةُّ :د ُس َّنة النبي -ص َّلى ُ
هللا عليه وسلم ،-ثبت عند أحمد( )2وأبي ر
للا عن ُه -عن رسول للا -
داود( )3والترمذي( )4وابن ماجه( )5عن املقدام بن معديكرب -رض ي ُ
(.)1088( )1
( )17174( )2وصحح إسنادَه محققوه.
(.)4604( )3
(.)2664( )4
(.)12( )5
شرح منظومة أشراط الساعة 74
ُ ُ َّ
الرجل ُمت ِك ًئا على أ ِريك ِت ِه -أي على سريره املزين- يوش ُك
صلى للا عليه وسلم -أنه قالِ « :
ُ
كتاب هللا -ع َّز وج َّل ،-فما ْ ُ ُ
وجدنا فيه ِ
ُ بحديث ِم ْن حديثي ،فيقو ُل :بيننا وبينك ْم ٍ ُيح َّدث
ُ ُ ْ َّ ْ ُ ْ ْ ْ مْ
حرام حرمناه» قال -صلى للا عليه وسلم« :-أال ٍ ن مِ فيه ناوجد وما ، ناه لل ح ت اس حالل
ٍ ن ِ
حرم ُمثل ما َّهللا ُ ُ وإ َّن ما َّ
هللا». حرم رسول ِ ِ
ُ ُ
وفي رواية(« :)1أال إني أوتيت الكتاب ومثله معه».
ُ ٌ
وقد ظهرت فرقة ُيسمون بالقرآنيين؛ أرادوا أن ُيشككوا األمة في ثوابتها ،فأنكروا العمل
للا عليه وسلم ،-وادعوا التمسك بما جاء في القرآن ،والقرآن منهم براء؛ بسنة النبي -صلى ُ
يقرب من مئة آية: للا عليه وسلم -فيما ُ ألن القرآن الكريم أوجب طاعة النبي -صلى ُ
ٱلر ُسول فق ۡد أطاع َّ
ٱلر ُسول﴾[التغابنَّ ﴿ ،]12:من ُي ِطع َّ وا َّ ُ ْ ُ ْ
وا َّ
ٱَّلل﴾[النساء.]80: ِ يع طِ أو ٱَّلل ﴿وأ ِطيع
بل إن القرآن الذي يدعون التمسك به نفى اإليمان عمن رفض طاعة الرسول -صلى
ۡ ُ
للا عليه وسلم -ولم يقبل ُحكم ُه ،قال تعالى﴿ :فال ورِبك ال ُيؤ ِمنون ح َّت َٰى ُيح ِك ُموك ِفيما ُ
ۡ ُ ُ ْ ُ ْ ُ
يما﴾[النساء.]65: وا ت ۡس ِل ً شجرب ۡين ُه ۡم ث َّم ال ي ِج ُدوا ِف ٓي أنف ِس ِه ۡم حر ًجا ِم َّما قضيت ويس ِلم
ثم ُيسأل هؤالء أين تجدون في القرآن ما يدل على عدد ركعات الصلوات الخمس؟
وعلى أنصبة الزكاة؟ وعلى تفصيل أعمال الحج؟ إلى غير ذلك من األحكام التي ال ُيمكن
ٌ
مردود بأن علماء معرفتها إال بالسنة ،وقولهم" :إن السنة قد ُدست فيها أحاديث موضوعة"
ُ
هذه األمة قد ُع ُنوا أشد العناية بتنقية السنة من كل دخيل ،وعدوا الشك في صدق راو من
ُ ٌ ُ
أعداء هذه األمة بأنه ليست ُهناك أمة ُ الرواة ،واحتمال سهوه رادا للحديث ،وقد شهد
ُ
ُعنيت بالسند وتنقيح األخبار كهذه األمة!
ٌ
وما دعوى هؤالء االقتصار على ما جاء في القرآن إال ذريعة ليتأولوا القرآن الكريم على
أهوائهم كيف شاءوا؛ ولهذا ملا قيل ملُطرف بن عبدللا بن الشخير –رحم ُه ُ
َّللا" :-ال
ً
بدال ،ولكن ُنر ُيد من هو ُ ُتحدثونا إال بالقرآن" قال" :وللا ما ُن ُ
أعلم بالقرآن منا" ريد بالقرآن
للا عليه وسلم.يعني رسول للا صلى ُ
للا عليه وسلم -من أخبار هذه الطائفة ،وحذرنا منهم؛ لنكون وقد نبأنا نبينا -صلى ُ
منهم على بينة.
ُ
داعي األم ِم). ثم قال( :ت ِ
()1
تكالب أعداء اإلسالم على األمة اإلسالمية ،أخرج أبو داود ُ من أشراط الساعة:
َّللا عن ُه -أنه قال :قال رسول للا -صلى ُ
للا وهو في السلسلة الصحيحة( )2عن ثوبان -رض ي ُ
يوشك أن يدعو بعضهم ً
بعضا ملقاتلتكم ُ األمم أن تداعى عليكم -أيعليه وسلم«ُ :-يوش ُك ُ
ِ
ُ ْ
وكسر شوكتكم وسلب دياركم وأموالكم -كما تداعى األكلة -وهو جمع آكل -إلى ق ْ
صع ِتها»
ُ ٌ ُ َّ َّ
ثاء
ثاء كغ ِ يومئذ كثير ،ولكنكم غٍ ومن ِقل ٍة نحن ي ْوم ِئ ٍذ؟ قال« :بل أنتم قائلِ :فقال ٌ
عدوكم املهابة رصدو من السيل -والغثاء :ما يحمله السيل من بد ووسخ -ولينزع َّن ُ
هللا َّ
ِ ِ ِ ز ِ
هللا! وما الوه ُن؟ قالُ :ح ُّب هللا في قلوبكم الوهن ،فقال ٌ منكم ،وليقذف َّن ُ
قائل :يا رسول ِ ِ ِ
ُ
املوت».الدنيا وكراهية ِ
فإذا ركن املسلمون إلى الدنيا وملذاتها ،وانهمكوا فيها حتى صارت أكبر همهم تكالبت
ُ
األمم على األمة اإلسالمية؛ لنهب خيراتها وثرواتها ،وإخضاع شعوبها.
ُ
يحتاج إلى علم ومعرفة ظاهر في هذه األزمنة املتأخرة ،واألمر الٌ ُ
واملذكور في الحديث
ُ ُ ُ ُ
الواقع بأبلغ بيان ،ولن يصلح آخ ُر هذه األمة إال بما صلح به أولها؛ فال بعد أن شهد له
ُ
املنيع دون تسلط ُ
الحاجز ُ
الرجوع إلى الدين ،فهو يعص ُم من هذا التداعي والتكالب إال
ً ُ ُ
أعداء األمة الذين مهما مكروا ،فلن ينالوا من هذه األمة إذا كانت متمسكة بدينها ،كما قال
ۡ ُ ُۡ َّ ُُ ْ ُ ْٓ َٰٓ ُّ َّ
تعالى﴿ :يأيها ٱل ِذين ءامنوا ِإن تنصروا ٱَّلل ينصركم﴾[محمد.]7:
ُ ْ
يع ُحك ٍم). قال( :وب
ُ
فيحكم بيع الحكم وفسره العلماء بأن يأخذ القاض ي الرشوة من أشراط الساعةُ :
ِ
يدفع له املال ،أخرج أحمد في مسنده( )3وابن أبي غرزة الحافظ في مسند عابس( )1عن ملن ُ
(.)4297( )1
(.)647/2( )958( )2
(.)16040( )3
شرح منظومة أشراط الساعة 76
ُ ُ ُ
بادرواعابس الغفاري -رض ي للا عنه -أنه سمع النبي -صلى للا عليه وسلم -يقولِ « :
ْ ُ ْ ً ًّ
الحك ِم». بالعم ِل ِخصاال ِستا» وذكر منها «بيع
ُ ْ
ثم قالِ ( :ص ْدق ُرؤيا املسلم).
صدق رؤيا املسلم ،في الصحيحين( )2عن أبي هريرة -رض ي ُ ُ
للا من أشراط الساعة:
ْ َّ ُ ْ
الزمان ل ْم تك ْد تك ِذ ُب للا عليه وسلم« :-إذا اقترب عن ُه -أنه قال :قال رسول للا -صلى ُ
ُّ َّ ُْ ْ ُْ ْ
ُرؤيا املؤ ِم ِن ،و ُرؤيا املؤ ِم ِن ُج ْز ٌء ِمن ِست ٍة وأ ْرب ِعين ُج ْز ًءا ِمن الن ُب َّو ِة» ،زاد مسلم:
ً ْ ُُ ْ ُُ ْ
أصدقكم حديثا». أصدقكم ُرؤيا: «و
ْ ْ ُْ ْ
الزم ِان ال تك ُاد ُرؤيا املؤ ِم ِن تك ِذ ُب».
وفي رواية عند أحمد( )3والترمذي(« :)4في آخر َّ
ِ ِ
َّللا" :)5(-معنى كون رؤيا املؤمن في آخر الزمان ال تكاد تكذب قال ابن أبي جمرة -رحم ُه ُ
حتاج إلى تعبير ،فال يدخلها الكذب ،بخالف ما قبل ذلك غالبا على الوجه الذي ال ي ُ تقع ً أنها ُ
فيصدق دخول الكذب فيها بهذا ُ العابر فال تقع كما قال،ُ فإنها قد يخفى تأويلها فيع ُب ُرها
االعتبار".
فيعا ُن بالرؤيا الصادقة إكر ًاما عينه ُ غريبا ،ويقل أني ُسه ُوم ُ
واملؤمن في آخر الزمان يكون ً ُ
ض الناس باملرائي الصادقة التي فيعو ُض أكثر العلم وينز ُل الجهل ُ له وتسلية ،وذلك حين ُيقب ُ
ُ اغ الدنيا وأخذ ُ ُ هي ٌ
املؤمن أمر الدين في االضمحالل تكون رؤيا جزء من النبوة ،وكلما ق ُرب فر
الصادق أصدق.
ُ ُ
الكاسيات العا ِريات).
ثم قال( :و ِ
( )2( )1ص 20واللفظ له ,وهو في السلسلة الصحيحة (.)672/2( )979
( )2أخرجه البخاري ( ،)7017ومسلم (.)2263
(.)7642( )3
(.)2291( )4
( )5كما في فتح الباري (.)406/12
77 شرح منظومة أشراط الساعة
من أشراط الساعة :ظهور الكاسيات العاريات ،في صحيح مسلم( )1عن أبي هريرة -
َّ ْ ُ ُ
فان ِمن ْأه ِل الن ِارل ْم أر ُهما :ق ْو ٌم ُ
رض ي للا عنه -أن النبي -صلى للا عليه وسلم -قالِ « :صن ِ
يالت مائ ٌيات ُمم ٌ يات عا ٌ ساء كاس ٌ ٌ َّ ُ ٌ
ياط كأ ْذناب البقر ي ْ معه ْ
ُ
الت، ِ ِ ِر ِ نِ و ،اس الن بها نو ب ر ض
ِ ِ ِ س ِ م
وإن ِريحها ل ُيوج ُد الب ْخت املائلة ،ال ي ْد ُخ ْلن الج َّنة ،وال يج ْدن يحهاَّ ، ُر ُؤ ُ
وس ُه َّن كأ ْسنمة ُ
ِر ِ ِ ِ ِ ِ ِ
ِمن م ِسير ِة كذا وكذا».
يحصل في تاريخ ُ للا عليه وسلم-؛ فإنه لعله لم وهذا الحديث من دالئل نبوته -صلى ُ
األمم من التبرج والسفور مثل الحاصل في عصرنا ،وقد صح عن ُمجاهد -رحمه للا -أنه
ٱألول َٰى﴾ [األحزاب" :]33:كانت املر ُأة تخرجُ َّ ۡ ُّ ۡ َٰ َّ ۡ ُ
قال في تفسير قوله تعالى﴿ :وال تبرجن تبرج ٱلجا ِه ِلي ِة
تمش ي بين يدي الرجال ،فذلك تبرج الجاهلية"(.)2
بعض املُفسرين كمقاتل بن حيان -رحم ُه ُ
َّللا" :-أن تبرج الجاهلية األولى :هو أن ُ وذكر
ُ ُ
املرأة كانت تلقي الخمار على رأسها وال تشده"(.)3
وورد عن بعض السلف كابن عباس -رض ي ُ
َّللا عن ُهما" :-أن تبرج الجاهلية األولى كان
بين نوح وإدريس -عليهما السالم ،)4("-فلو كان بعد نوح -عليه السال ُم -تبر ٌج عام أشد منه
ثاال لسوئه ،وقد سمى النبي -صلى ُ ً
للا عليه وسلم -هذا الصنف من النساء لذكره للا م
بالكاسيات العاريات.
الكاسيات؛ ألنهن يلبسن الثياب.
ُ
تكشف ً
شيئا من البدن إظها ًرا للجمال والعاريات؛ ألن ثيابهن
ُ ً ً
ثيابا رقاقا تصف ما تحتها أو ألنهن يلبسن
ُ
ُ
تفاصيل جسمها. أو ألنها تضي ُق ثيابها حتى تبرز
(.)2128( )1
( )2أخرجه عبدالرزاق في تفسيره ( ،)37/3( )2340وانظر :تفسير ابن كثير (.)410/6
( )3تفسير ابن كثير (.)410/6
( )4أخرجه ابن جرير الطبري في تفسيره (.)98/19
شرح منظومة أشراط الساعة 78
فاللفظ يشمل هذه املعاني الثالثة أن تكون الثياب قصيرة أو رقيقة تشف عما تحتها
أو ضيقة.
أوجه ذكرها النووي في شرحه(:)1 ُ
معناه أربعة ُ ٌ
مائالت ُمميالت ،وفي ومن صفتهن :أنهن
قيل:
ٌ
مائالت أي ز ٌ
ائغات عن طاعة للا تعالى وما يلزمهن من حفظ الفروج وغيرها.
ٌ
ومميالت أي ُيعلمن غيرهن مثل فعلهن.
وقيل:
ٌ
مائالت أي متبختر ٌ
ات في مشيتهن.
ٌ
مميالت أكتافهن. ٌ
مميالت أي
وقيل:
ٌ ٌ
مائالت أي يمتشطن املشطة امليالء وهي مشطة البغايا معروفة لهن.
ُ
ومميال ٌت أي يمشطن غيرهن تلك املشطة.
وقيل:
ٌ
مائالت إلى الرجال.
ٌ
مميالت لهم بما ُيبدين من زينتهن وغيرها.
ومن صفتهن :أن رؤوسهن كأسنمة البخت املائلة أي أنهن ُيعظمن رؤوسهن وذلك
بجمع شعرهن ولفه فوق رؤوسهن؛ حتى يميل إلى ناحية من الرأس كما تماي ُل أسنمة اإلبل.
ٌ
عظيم ملن للا عليه وسلم« :-ال ي ْد ُخ ْلن الج َّنة ،وال يج ْدن ريحها» ٌ
وعيد وقوله -صلى ُ
ِ ِ
كانت من هذا الصنف من النساء.
(.)191/17( )1
79 شرح منظومة أشراط الساعة
ووجود هذا الصنف من النساء في آخر الزمان يدل على عظم الفساد ،وأن ً
كثيرا من ُ
بعري نسائهم ،وذلك أن من استسهل الحرام لنفسه استسهله لغيره، الرجال ال ُيبالون ُ
والنساء في الغالب على شاكلة أزواجهن يتطبعن بأطباعهم.
وقد ثبت في مسند اإلمام أحمد( )1عن عبدللا بن عمرو -رض ي ُ
َّللا عن ُهما -أن النبي -
ُ ٌ َّ ُ ُ صلى ُ
روج
ٍ س على ن بو رك ي جال ر تي م أ ر
ِ آخِ في ن «سيكو قال: - موسل عليه للا
حال :جمع رحل وهو مركبُ كأشباه الرحال -السروج :جمع سرج وهو رح ُل الدابة ،والر ُ
ِ ِ ِ
ٌ ٌ ُ
املسجد ،نساؤهم كاسيات عاريات» ِ أبواب
ِ الرجل على ظهر البعير والناقة -ي ِنزلون على
جال يركبون على املياثر -واملياثر :سروجٌ ُ
األ َّم ِة ر ٌ ُ
ِ ِ هذه ر آخ
ِ ِ في ن وفي رواية للحاكم« :سيكو
يات».كاسيات عا ٌٌ ساجدهمِ ،نساؤهم حتى يأتوا أبواب مُتتخ ُذ من الحريرَّ -
ر ِ
َّللا -في إتحاف الجماعة( )2واأللباني وقد استنبط منه بعض العلماء كالتويجري -رحم ُه ُ
َّللا -في السلسلة الصحيحة( )3اإلشارة إلى ما ظهر في زماننا من السيارات الفارهة -رحم ُه ُ
ُ
التي ترك ُب إلى أبواب املساجد.
ْ
ثم قال( :زخرف ْه).
من أشراط الساعة :زخرفة املساجد والتباهي بها ،ثبت عند أحمد في املسند( )4وأبي
للا عن ُه -أن رسول للا -صلى ُ
للا عليه وسلم -قال« :ال داود( )5وابن ماجه( )6عن أنس -رض ي ُ
َّ
الن ُ ُ َّ ُ
اعة َّ
املساج ِد».
ِ في اس باهى يت ى حت تقوم الس
ُ
والتباهي :التفاخر.
وفي املساجد :أي يتباهون في بنائها.
(.)7083( )1
(.)138/2( )2
(.)415/6( )3
(.)12379( )4
(.)449( )5
(.)739( )6
شرح منظومة أشراط الساعة 80
والزخرفة :التزيين.
األمر في كثير من البالد من فالسنة في بناء املساجد ترك الزخرفة ،وأما ما آل إليه ُ
ُ ُ
املبالغة في تزويق املساجد ونقشها وتزيينها ،وإحاطة الزخارف فيها باملصلي من كل جانب،
يتهافت عليها السائحون بآالت تصويرهم ،فإن ذلك ليس من السنة، ُ حتى صارت كاملتاحف
أحوج ما يكون فيه إلى التجرد من الدنيا. ناهيك عن شغل قلب املُصلي في مكان هو ُ
فمطلوب ً
ٌ ُ ُ
شرعا. واملذموم؛ إنما هو زخرفتها ،أما العناية بها وتنظيفها وتطييبها
ْ
ثم قال( :فق ُد األمان ِة).
وضياعها ،في صحيح البخاري( )6عن أبي هريرة - ُ من أشراط الساعةُ :
فقد األمانة
ُ للا عليه وسلم« :-إذا ُ
للا عن ُه -أنه قال :قال رسول للا -صلى ُ
رض ي ُ
ض ِيع ِت األمانة فانت ِظ ِر
(.)689( )1
( )1322( )2وهو في صحيح الجامع الصغير (.)1025/2( )5892
( )3تحت ترجمة" :باب بنيان المساجد" قبل حديث ()446
( )4المصدر السابق.
( )5المصدر السابق.
(.)6496( )6
81 شرح منظومة أشراط الساعة
رفع األمانة من القلوب ،ففي للا عليه وسلم -كيف ُت ُ وقد بين النبي -صلى ُ
َّللا َّللا عن ُهما -أنه قال« :ح َّدثنا سو ُل َّ الصحيحين( )2من حديث ُحذيفة بن اليمان -رض ي ُ
ِ ر
ْ وسلم حديث ْين ،أ ْي ُت أحد ُهما ،أنا ْأنتظ ُر اآلخر ح َّدثنا َّ َّ صلى ُ َّ
أن األمانة نزلت ِ و ر ِ ِ عليه هللا
ُ ْ ْ ُُ
جال -الجذ ُر :بفتح الجيم وكسرها :األصل من كل ش يء -ث َّم ع ِل ُموا ِمن في جذ ِر ق ِ ِ ِ
الر وب ل
الن ْومة ،ف ُت ْقب ُ ُ َّ ُ ُ َّ ْ ُ ُ
ض الق ْر ِآن ،ث َّم ع ِل ُموا ِمن السنة ،وح َّدثنا عن رف ِعها قال :ينام الرجل
ُ َّ ُ َّ ْ ْ ْ ُ
نام الن ْومة األمانة ِمن قل ِب ِه ،فيظ ُّل أث ُرها ِمثل أث ِر الوك ِت -الوكت :هو األث ُر اليسير -ثم ي
واملجل :هو ما يكون في الكف من أثر العمل باألشياء ض ،في ْبقى أث ُرها م ْثل امل ْجل ْ - ف ُت ْقب ُ
ِ ِ
ُ
الصلبة الخشنة ،كهيئة البثر فيه ماء يسير -كج ْم ٍر د ْحر ْجته على ِر ْج ِلك فن ِفط ُ -يقال:
رتفعا -وليس فيه ش ٌيء، راه ُم ْنتب ًرا -أي ُم ً نفطت ي ُد ُه إذا صار بين الجلد واللحم ماء -فت ُ
ِ
ً ًُ ُ َّ في ُ كاد أح ٌد ُيؤدي األمانةُ ، اس يتباي ُعون ،فال ي ُ الن ُُ ْ ُ َّ
الن رجال ِأمينا، ٍ ف ي ن ِ ب في إن : قال ِ فيص ِبح
قال ح َّب ِة خ ْرد ٍل ِمن أجلد ُه! وما في ق ْلب ِه ِم ْث ُ أظرف ُه! وما ْ ْ
وما ! أعقل ُ
ه قال ل َّلر ُجل :ما ْ ُوي ُ
ِ ِ ِ
إيمان».ٍ
ُ ُ ُ
وفاته -رض ي َّللا عن ُه -كيف نقصت األمانة من ذلك الزمن وقد كانت ذيفة -رض ي ُ ثم بين ح
َّللا عن ُه -بيسير ،فأدرك بعض َّللا عن ُه -في أول سنة ست وثالثين بعد مقتل عثمان -رض ي ُ ُ
الزمن الذي وقع فيه التغير فوصفه.
قال« :ولق ْد أتى عل َّي زمان وما ُأبالي َّأي ُك ْم باي ْع ُت -أي من غير بحث عن أمانة من أتعاملُ
ِ
ُ اإلس ُ ُ َّ ْ
معه؛ ألن الناس كانوا على وفاء بالعهود -لئن كان مسلما رده عل َّي ْ
الم -فدينه وأمانته ِ
ْ ُ ُ
صرا ِن ًّيا ر َّد ُه عل َّي وإن كان ن ْ وتحمله على أداء األمانة- تمنعه من الخيانة،
(.)59( )1
( )2أخرجه البخاري ( )6497ومسلم (.)143
شرح منظومة أشراط الساعة 82
ُ ْ ُ ُ ُ َّ ُ ً ُ ً َّ ُ
بايع إال فالنا وفالنا»
ساع ِيه -أي يستخرج ُحقي منه الوالي عليه -فأما اليوم فما ك ُنت أ ِِ
بايع إال أفر ًادا من الناس
يعني ال وثوق لي بمن أبايع وال بالساعي في أدائهما األمانة ،فال أ ُ
أعرفهم وأثق بهم.
ففي الحديث اإلخبار بأن األمانة في آخر الزمان ستزول حتى ال يبقى منها في القلب إال
خائنا بعد أن كان ً
أمينا ،نسأل للا العافية. الرجل ً ُ أثرها ،فيصير ُ
الم امل ْع ِرف ْه).
ثم قال( :س ُ
من أشراط الساعة :أن تكون التحية للمعرفة بأن ُيسلم الرجل على من يعرف،
ُ
ويترك من ال يعرفه ال ُيسل ُم عليه ،أخرج أحمد في املسند( )1عن عبدللا بن مسعود -رض ي
الساعة أن أشراط للا عليه وسلمَّ :-
«إن من َّللا عن ُه -أنه قال :قال رسول للا -صلى ُ ُ
ِ ِ
اعة َّ الرجل على الرجل ال ُيسل ُم عليه إال للمعرفة» وفي رواية له(َّ :)2
«إن ْ ُ ُ
ي الس ِ ِ د ي ن بي ِ ِ ِ ِ م سل
ِ ي
الخاصة» أي تسليم املعارف فقط. َّ تسليم
ُ
مبادئه في زمن الصحابة ،ففي املسند( :)3أن شاهد في زماننا ،وقد كانت أمر ُم ٌ وهذا ٌ
َّللا ع ْن ُ
جال خص ابن مسعود -ض ي َّ ُ ً
أصحابه بالسالم ،فقال ابن مسعود -ر ِض ي
ِ ن دو - ه ِ ر ٍ ر
الر ُج ُل :صدق ُ سلم عليك َّ َّ ُْ ُ َّللا ع ْن ُه« :-صدق ُ َّ ُ
هللا هللا ورسوله» ،فقيل لهِ :لم قلت حين
ْ َّ َّ ُ َّ ْ ُ ُ
اط هللا صلى هللا عليه وسلم يقول« :إن ِمن أشر ِ سمعت رسول ِ ِ ي إن
ِ قال: ه؟ورسول
َّ َّ ُ َّ
فة».عر ِكانت التحية على امل ِ اعة ،إذا ِالس ِ
ُ األمر في ازدياد ،بل تجاوز ُ ال هذا ُ وال يز ُ
حال بعض الناس من السالم على من يعرف
دون من ال يعرف إلى أن ال ي ُرد السالم إال على من يعرف.
للا عليه وسلم ،-وقد أمر النبي -صلى ُ بسنة النبي -صلى ُ غلبة الجهل ُ ُ ُ
للا وسبب هذا
سبب لشيوع املحبة ففي صحيح مسلم()4عن أبي عليه وسلم -بإفشاء السالم ،وأخبر أنه ٌ
َّ ُُ
للا عليه وسلم« :-ال ت ْدخلون الجنة َّللا عن ُه -أنه قال :قال رسول للا -صلى ُ هريرة -رض ي ُ
ْ ُ ُ حابوا ،أوال ُأد ُّل ُك ْم على ش يء إذا فع ْل ُت ُم ُ حتى ُت ْؤم ُنوا ،وال ُت ْؤم ُنوا َّ َّ
وه تحاب ْبت ْم؟ أفشوا ٍ حتى ت ُّ
ِ ِ
ُ
السالم ْبينك ْم».َّ
َّللا عن ُهما -كما في املوطأ( )1يغدو على السوق فال يمر بأحد إال وقد كان ابن عمر -رض ي ُ
ُ «إنما ن ْغدو من َّْ
سل ُم على من ل ِقينا».ِ ن ، الم
ِ
أجل َّ
الس ِ ِ سلم عليه وقال:
ثم قال:
ُ ُ ى ُُ ُ
ُم ْجتا ًزا أو ِلف ْرج ِة الكف ِار) الباري
ِ ي ب
ِ ر وت (وأن تر بي
ُ ُ ً ُ
الحاكم في املستدرك( )2عن عبدللا من أشراط الساعة :اتخاذ املساجد ط ُرقا ،أخرج
ُ َّ ُ
اعة َّ للا عن ُه -أن النبي -صلى ُ بن مسعود -رض ي ُ
حتى للا عليه وسلم -قال« :ال تقوم الس
ُ ً ُ َّ
املساجد طرقا» وهو في السلسلة الصحيحة(.)3 تتخذ
ُ ُ
للا عليهسمعت رسول للا -صلى ُ للا عن ُه -عند ابن خزيمة( )4أنه قال: وعنه -رض ي ُ
املسجد ،ال يصلي فيه ُ
الرجل في الساعة :أن َّ
يمر أشراط وسلم -وهو يقول« :إن ْ
من
ِ ِ ِ
ْ
الرجل املسجد ال يصلي فيه». ُ ركعت ِين» ،وفي رواية للبزار(« :)5أن ي ْجتاز
للا عن ُه -رفع ُه إلى النبي وعند الطبراني في املعجم األوسط( )6والصغير( )7عن أنس -رض ي ُ
ْ ْ ُ َّ
اج ُدِ س امل ذ خ ت ت «أن منها: أشياء وذكر » ةِ اع الس للا عليه وسلم -قال« :من اقتراب َّ
ِ
-صلى ُ
ُ ً
ط ُرقا».
بعضا ،ووردت في الباب ٌ األحاديث ُيقوي بعضها ًُ
آثار موقوفة. وهذه
(.)3533( )1
(.)8598( )2
(.)369/5( )3
(.)1326( )4
(.)1459( )5
(.)9376( )6
(.)1132( )7
شرح منظومة أشراط الساعة 84
ُ ُ ً
ُ
الناس للوصول إلى حاجتهم املقصود؛ باتخاذ املساجد ط ُرقا؛ جعلها ممرا يجتا ُزها
ُ و
فيدخلون من باب ويخرجون من باب من غير صالة ،أما من فعل ذلك وصلى فيه ركعتين
ُ
املسجد ً
كبيرا لعذر فال بأس؛ كأن يكون فلم يتخذ املسجد طر ًيقا ،وكذلك إذا كان ذلك ُ
ُ ُ
وسلوك طريق أخرى يشق عليه. كاملسجد الحرام واملسجد النبوي،
ٌ ُ ُ ً أما استطر ُ
فداخل في النهيُ ،ومخالف لتعظيم
ٌ اق املساجد واتخاذها ط ُرقا لالجتياز
ُ ُ ُ
وأعظم من ذلك وأشنع أن تتخذ بيوت للا أماكن للسياحة والفرجة للكفار؛ شعائر للا،
فهذا أولى بالنهي.
هذا معنى قوله:
ُ ُ ى ُُ ُ
ُم ْجتا ًزا أو ِلف ْرج ِة الكف ِار) الباري
ِ ي ب
ِ ر وت (وأن تر بي
ُ ُ ُ
الفرجة بفتح الفاء :الراحة من حزن أو مرض ،كما قال أمية بن أبي الصلت:
ْ ٌ ُ ُ ُّ
قال
ِ ِ ع ال لِ كح ة ج رف له ىر
ِ ى األم من فوس الن ربما تكره
ُ ُ ُ ُ
والفرجة بالضم :فرجة الحائط ونحوه أي الفتحة فيه.
هنا تم القسمان األوالن من األشراط الصغرى وهما:
-ما ظهر وانقض ى.
-وما ظهر وال يز ُ
ال يتتابع.
ثم انتقل إلى القسم الثالث من األشراط الصغرى وهو ما لم يظهر بعد.
املتن:
ْ َّ ُ ع ْو ُد الجزيرة ُم ُر ً
املط ْر بات مع كثر ِة ِ الن ُّ
ل ق وجا ونه ْر ِ ِ
ْ ُ ُ
ُيقتت ْل ِمن ذهى ٍىب ج ٍم عل ْي ِه وي ْح ِس ُر الفرات ج ْز ًما ع ْن جب ْل
ْ ْ ُ ُ ْ
ِل ِلدما يكون ِمن قت ٍل وسف ٍك وق ْد نهى عن ُه نبينا ِملا
الشرح:
قال( :ع ْو ُد الجزيرة ُم ُر ً
وجا ونه ْر) ِ ِ
من أشراط الساعة التي لم تظهربعد :ع ْو ُد أرض العرب ُم ُر ً
وجا وأنهارا. ِ ِ
85 شرح منظومة أشراط الساعة
(.)157( )1
(.)706( )2
( )3أخرجه أحمد في المسند (.)4026
( )7564( )4وصحح إسنادَه محققوه.
( )12429( )5وصححه محققوه.
(.)2904( )6
شرح منظومة أشراط الساعة 86
للا عن ُه -أنه قال :قال وورد عند الطبراني في املعجم الكبير( )1عن عوف بن مالك -رض ي ُ
الد َّجال ِس ُنون خو ِاد ُع ي ْك ُث ُر ِفيها ْاملطرُ،
للا عليه وسلم« :-ي ُكو ُن أمام َّ
رسول للا -صلى ُ
ِ
َّ ُ
وي ِق ُّل ِفيها الن ْبت».
ُ ً
شديدا ال ُينبت مطرا ً
عاما الناس ًُ فمن أشراط الساعة التي لم تقع بعد :أن ُيمطر
سبب في إنبات األرض ،وهلل -سبحانه وتعالى -أن يمنع تأثير هذا السبب ،فهو واملطر ٌُ شيئا،ً
خالق األسباب ُومسبباتها ال ُي ُ
عجزه ش يء. ُ
سبحانه ُ
ثم قال:
ْ ُ ُ
ِمن ذهى ٍىب ج ٍم عل ْي ِه ُيقتت ْل (وي ْح ِس ُر الفرات ج ْز ًما ع ْن جب ْل
ْ ْ ُ ُ ْ
يكون ِمن قت ٍل وسف ٍك ِل ِلدما) وق ْد نهى عن ُه ن ِب ُّينا ِملا
من أشراط الساعة :ح ْس ُر نهر الفرات عن جب ٍل من ذه ٍب ،ففي الصحيحين( )2عن
ُ للا عليه وسلم -قال« :ال ُ للا عن ُه -أن رسول للا -صلى ُ أبي هريرة -رض ي ُ
تقوم الساعة حتى
ُ ْ الفرات -أي حتى يكشف ُ
الفر ُ ُ
الناس ذهب يقت ِت ُلٍ من جبل
ٍ عن - ه ئما بذهاب ات حسر
ي ِ
ُ تسعة وتسعون ،ويقو ُل ُّ ٌ ُ ُ
جل منهم :لعلي أكون أنا الذي ٍ ر كل كل مئة عليه ،فيقتل من ِ
أنجو».
ْ ُ ْ ْ ُ ُ ْ
وش ُك الفرات أن ي ْح ِسر عن كن ٍز ِمن ذه ٍب ،فمن حضر ُه فال يأخذ ُ
وفي رواية لهما(« :)3ي ِ
منه ً
شيئا».
ً ُْ ُ وفي صحيح مسلم( )4عن عبدللا بن الحارث بن نوفل -رحم ُه ُ
َّللا -أنه قال :كنت و ا ِقفا
ُ ُ ُ ُ َّ ُ ْ ً ُ
اس ُمخت ِلفة أ ْعناق ُه ْم في طل ِب الدنيا قال :قلت :أج ْل، مع أب ِي ِبن ك ْع ٍب فقال :ال يزال الن
َّ
َّللا عليه وسلم -يقو ُل: فقال ُأبي بن كعب -ض ي َّ ُ
َّللا ع ْن ُه :-إني سم ْع ُت ُسول هللا -ص َّلى َّ ُ
ِ ِ ر ِ ٍ رِ
َّ ُ ُ ْ
اس س ُاروا إل ْي ِه ،فيقو ُلالن ُ وش ُك الفرات أن ي ْح ِسر عن جب ٍل ِمن ذه ٍب ،ف ِإذا س ِمع به ُ
«ي ِ
( )125( )1وتشهد له األحاديث السابقة.
( )2أخرجه البخاري ( ،)7119ومسلم (.)2894
( )3أخرجه البخاري ( ،)7119ومسلم (.)2894
(.)2895( )4
87 شرح منظومة أشراط الساعة
(.)8640( )1
شرح منظومة أشراط الساعة 88
في الصحيحين( )1عن أبي هريرة -رض ي للا عنه -أن رسول للا -صلى للا عليه وسلم-
الر ُج ِل فيقو ُل :يا ل ْيت ِني مكان ُه».الر ُج ُل بق ْبر َّ الساع ُة َّ
حتى ي ُم َّر َّ وم َّقال« :ال ت ُق ُ
ِ
الر ُج ُل على الق ْب ِر
حتى ي ُم َّر َّ وفي رواية ملسلم(« :)2والذي ن ْفس ي بيده ال ت ْذه ُب الدنيا َّ
ِِ ِ
الء».
َّ
ين إال الب ُفيتم َّر ُغ عليه ،ويقو ُل :يا ل ْيتني ُك ْن ُت مكان صاحب هذا الق ْبر ،وليس به الد ُ
ِ ِ ِ ِ ِ
الرجل فيقو ُل: قبرب ُ
الرجل الساع ُة حتى ي ُم َّ
ر وم َّ وفي رواية ألحمد في املسند(« :)3ال ت ُق ُ
ِ ِ ِ
ُ ُ ْ
ليت ِني مكانه ،ما ِبه ح ُّب ِلق ِاء ِ
هللا».
فمن أشراط الساعة :أن يقع البالء والشدة في الناس حتى يكون املوت الذي هو
أعظم املصائب أهون عليهم مما أصابهم من البالء؛ لشدة ما نزل بالناس من فساد الحال،
فيتمنى أحدهم املوت ،ليس ألنه يحب لقاء للا تدي ًنا ،بل ملا نزل به من البالء الشديد،
ويكون ذلك البالء عاما حتى يتمنى الناس املوت ويغبطون أهل املقابر.
وانظر إلى تعريف لفظ الرجل بأل التي تفيد االستغراق في قوله -صلى للا عليه وسلم-
الرجل» أي حتى يمر كل رجل بقبر كل رجل ،أي بقبر أي رجل يمر قبر ُ ُ َّ
ِ «حتى يمر الرجل ِب ِ
بقبره فيتمنى أن يكون مكانه ،فيصير املوت أحب إلى الناس من الحياة ملا يالقونه من شدة
البالء والفتن.
(.)157( )2
جل بقبر رجل آخر فيتمنى أن يكون مكانه؛ ألن هذا قد يقع في وليس املراد حتى يمر ر ٌ
كل زمان.
وذك ُر الرجل في الحديث ال مفهوم له ،فاملرأة مثله.
وقد أخبر النبي -صلى للا عليه وسلم -أن الفتن ستترادف في آخر الزمان حتى يرقق
بعضا ،وأخبر بما ُينجي منها ففي صحيح مسلم( )1عن عبدللا بن عمرو -رض ي للا بعضها ً ُ
هذه ُج ِعل عا ِفي ُتها في م«إن ُأ َّمت ُك ْ
عنهما -أنه قال :قال سول للا صلى للا عليه وسلمَّ :-
ر
ِ
ضا ،وتج ُ ضها ب ْع ًيء ف ْتن ٌة ُفيرق ُ ب ْع ُ ُ ُ ٌ ُُ ٌ ُْ ُ ُ َّ
يء ِ ِ ِ ِ ج تو ا،ه ونر آخرها بالء وأمور ت ِ
ك ن أو ِلها ،وسي ِصيب ِ
يء الف ْتن ُة فيقو ُل املُ ْؤم ُ ُ ُ ُ َّ ْ ْ الف ْتن ُة فيقو ُل املُ ْؤم ُن :هذه ُ
هذه
ِ : ن ِ ِ ج ِ ت و ،ف ش
ِ ك ن ت م ث ي، ت ك
ِ ِله م ِ ِ ِ
ُ ْ ُ َّ ْ َّ ُ ُ ْ ْ َّ َّ ُ ْ ْ ُ ْ
وم هذه ،فمن أح َّب أن يزحزح ع ِن الن ِار ويدخل الجنة ،فلتأ ِت ِه م ِنيته وهو يؤ ِمن ِ
باَّلل والي ِ ِ
ْ ْ َّ َّ ْ ْ
اس الذي ُي ِح ُّب أن ُيؤتى إل ْي ِه». ِ الن اآلخ ِر ،وليأ ِت إلى
ِ
ثم قال:
العقال (وأن ُتكلم الس ُ
باع ُ
ِ ِ
ْ ُ ُ ْ
وفخذ ُه تخ ِب ُر ُه عن أ ْه ِل ِه) راك ن ْع ِل ِه ُ
كذا الجماد ك ِش ِ
ُ ُ ُ
من أشراط الساعة :أن تكلم السباع والجمادات الناس ،وأن تخبر اإلنسان فخذ ُه
بما أحدث أهله بعده.
أخرج أحمد في املسند وصحح إسناده أحمد شاكر( )2عن أبي هريرة -رض ي للا عنه -أنه
ً قال« :جاء ِذ ٌ
ئب إلى راعي غ ٍنم ،فأخذ منها شاة ،فطلبه الراعي حتى انتزعها منه ،قال:
ْ ْ فصعد الذ ُ
ئب على ت ٍل فأقعى ،واستذفر -استذفر :أصلها استثفر بالثاء واملعنى أدخل ِ ِ
وجل -انتزعته عز َّ ذنبه بين فخذيه حتى لزق ببطنه -فقال :عمدت إلى رزق رزقنيه ُ
هللا َّ -
ِ ٍ
َّ ُ ْ
ئب :أعج ُب ِمن هذا ر ُج ٌل فييتكل ُم! قال الذ ُ
ِ وم ِذ ًئبا مني .فقال َّ ُ
الرج ُلِ :
تاهلل إن رأيت كالي ِ ِ
كائن بعدكم ،وكان ُ
الرج ُل ي ًّ النخالت بين الح َّرتين ُيخب ُركم بما مض ى وبما هو ٌ َّ
هوديا ،فجاء ِ ِ ِ
(.)1844( )1
وفي صحيح البخاري( )4في كالم بعض الدواب دون إشارة إلى موضوع أشراط الساعة
َّ َّ
صلى ُ حديث أبي هريرة -ض ي للا عنه -أنه قال« :ص َّلى سو ُل َّ
هللا عليه وسلم -صالة َّللا -
ِ ر ر
ْ َّ ً ْ ُ َّ ُّ ْ ُ َّ ْ
اس ،فقالْ :بينا ر ُج ٌل ي ُسوق بقرة إذ ر ِكبها فضربها ،فقالت :إنا ِ الن على لب أق الصب ِح ،ثم
ٌ َّ اسُ :س ْبحان َّ َّ َّ ُ ْ ْ ُ ْ ْ
َّللا! بقرة تكل ُم ،فقال النبي - ِ ُ الن قالف ، ث ل ْم نخل ِلهذا ،إنما خ ِلقنا ِل ِ
ْ
ر ح ل
وعم ُر -وما ُهما ث َّم -أي ليسا صلى هللا عليه وسلم :-فإني ُأوم ُن بهذا أنا ،و أ ُبو ب ْكرُ ،
ٍ ِ ِ
َّ َّ ْ ْ
حتى كأن ُه الذئ ُب ،فذهب منها بش ٍاة ،فطلب ُ ْ
حاضرين -وبينما رج ٌل في غن ِم ِه إذ عدا ِ
است ْنق ْذتها مني ،فمن لها يوم َّ
الس ُب ِع ،يوم ال ر ِاعي است ْنقذها منه ،فقال له الذ ْئ ُب هذا ْ ْ
ِِ ِ
(.)11792( )1
(.)2181( )3
(.)3471( )4
91 شرح منظومة أشراط الساعة
(.)2922( )1
فمن أشراط الساعة :أن يقل الرجال وتكثر النساء حتى يتولى الرجل الواحد القيام
على أربعين امرأة أو خمسين امرأة أي على العدد الكثير من النساء.
وقد اختلف العلماء في سبب قلة الرجال وكثرة النساء:
فقيل :إن سبب ذلك كثرة الفتن واملالحم والحروب في آخر الزمان ،فيكثر القتل في
الرجال؛ ألنهم هم أهل الحرب دون النساء وتبقى النساء أرامل.
وقيل :إن سبب ذلك كثرة الفتوح فتكثر السبايا فيتخذ الرجل عدة موطوءات.
واستظهر الحافظ ابن حجر( )1أنها عالمة محضة ال بسبب ،بل ُيقدر للا في آخر
الزمان أن يقل ما يولد من الذكور ويكثر ما يولد من اإلناث.
اعة َّ لكن ُيشكل على هذا أنه جاء في رواية ألحمد في املسند(َّ « :)2
أشراط الس ِ
ِ إن من ِ
ساء» فهذا فيه إشارة إلى أن الرجال يقلون بسبب ذهابهم ال الن ُ أن يذهب الر ُ
جال ويبقى ِ ِ
ُ
أن النساء تكثر فيهن والدة اإلناث ،والذي يذهبهم هو الحروب والفتن واملالحم؛ ألن الرجال
هم أهلها ،وقد أخبر النبي -صلى للا عليه وسلم -عن مالحم في آخر الزمان يذهب فيها
العدد الكبير من الرجال ،وقد سبق أن الناس يقتتلون على جبل الذهب الذي يحسر عنه
ُ ُ في ْقت ُل من ُكل مئة ت ْسع ٌة وت ْس ُعون ،ويقو ُل ُك ُّل ر ُجل ْ
منهم :لع ِلي أكون أنا الذي الفرات « ُ
ٍ ِ ِ ِ ِ
ْ
أن ُجو»(.)3
وجاء في حديث امللحمة الكبرى «فيتع ُّاد ب ُنو األب ،ك ُانوا مئة ،فال يج ُدون ُه بقي ْ
منهم ِ ِ ِ
اح ُد»(.)4 َّإال َّ ُ
الرج ُل الو ِ
وال مانع من اعتباراألسباب الثالثة فيقل الرجال ويكثرالنساء بسبب:
الفتن والحروب واملالحم فيكثر فيها قتل الرجال؛ ألنهم هم أهل الحرب دون النساء.
وكذلك السبي يزيد فيه عدد اإلناث في املجتمع املسلم وسيكثر ذلك في آخر الزمان
بسبب املالحم.
وال مانع من اعتبار ما ذكره الحافظ ابن حجر -رحمه للا ،-من أنه يكثر إنجاب
اإلناث في آخر الزمان؛ فيحصل بهذه األسباب ما أخبر به النبي -صلى للا عليه وسلم -من
أن الرجل الواحد يكون قي ًما على خمسين امرأةُ ،ويرى الرجل الواحد يتبعه أربعون امرأة
يلذن به.
ماء). السر ُاء و َّ
الد ْه ُ ثم قالِ ( :فت ٌن د ْه ُ
ياء اال ْح ُ
الس و َّ
من أشراط الساعة :ثالث فتن دهياء أي شديدة ،وهي فتنة األحالس والسراء
والدهماء أو الدهيماء ،فإذا حصلت هذه الفتن الثالث فلينتظر الناس خروج الدجال من
يومه أو من غده.
وعد هذه الفتن من أشراط الساعة مبني على تصحيح حديثها ،وهو مما ا ُ
ختلف فيه
وقد صححه الحاكم ووافقه الذهبي( ،)1وصححه من املتأخرين أحمد شاكر( )2واأللباني(.)3
أخرج أحمد في املسند( )4وأبو داود في السنن( )5والحاكم في املستدرك( )6عن ابن عمر -رض ي
ْ ْ َّ َّللا -ص َّلى ُ للا عنهما -أنه قالُ « :ك َّنا ُق ُع ً
ودا ع ْند ُسول َّ
هللا عليه وسلم -فذكر ال ِفتن فأكثر ِ ِ ر ِ
س». الحفي ذ ْكرها ح َّتى ذكرف ْتنة ْاأل ْ
ِ ِ ِ ِ ِ
(.)6167( )4
(.)4242( )5
(.)8441( )6
شرح منظومة أشراط الساعة 94
األحالس :جمع حلس ،والحلس :الكساء الذي فوق ظهر البعير تحت الرحل ،وهذا الكساء
ُ
مالز ٌم للبعير فهي فتنة تالزم الناس ،وهي سوداء مظلمة مثل الحلس؛ فالفتنة شبهت
باألحالس للزومها ودوامها ولسوادها وظلمتها.
َّ َّللا وما ف ْتن ُة ْاأل ْحالس؟ قال -ص َّلى ُ
هللا عليه وسلمِ :-هي هر ٌب َّ ُ
ِ ِ «فقال قا ِئ ٌل :يا رسول ِ
وحر ٌب».
الهر ُب :الفرار أي يفر الناس بعضهم من بعض.
ُ
ذهاب مال اإلنسان وأهله ،وتركه ال ش يء له. ُ والحر ُب:
« ُث َّم ف ْتن ُة َّ
الس َّر ِاء». ِ
فيفتن بعض الناس ويتمادى في العصيان ،وما أكثر السراء :النعمة والرخاء والعافية ُ
ما تكون الفتنة بالنعمة والخير أضر على اإلنسان من الفتنة بالشر.
«دخ ُنها ِم ْن ت ْح ِت قدم ْي ر ُج ٍل ِم ْن أ ْه ِل ب ْي ِتي» أي أنها تثور كالدخان من تحت قدميه
فهو الذي يسعى في إثارتها.
ْ ُ َّ ُ َّ َّ
«ي ْز ُع ُم أن ُه ِم ِني ول ْيس ِم ِني و ِإنما أ ْو ِليا ِئي املتقون» يعني أن هذا الرجل الباعث على
إثارة الفتنة من النبي -صلى للا عليه وسلم -في النسب ،لكن النبي -صلى ُ
للا عليه وسلم-
بريء من فعله ،وليس هو من أولياء النبي -صلى للا عليه وسلم ،-إنما أولياء النبي -صلى
للا عليه وسلم -املتقون ،وليس هو منهم.
ُ َّ ْ ُ َّ
اس على ر ُج ٍل» أي يجتمعون على بيعته.
الن ُ «ثم يصط ِلح
«كو ِر ٍك على ِضل ٍع».
الو ِرك :ما فوق الفخذ.
والضلع :عظم الصدر .وهذا مث ٌل معناه أن األمر ال يثبت له وال يستقيم؛ ألن الضلع ال
ِ
يقوم بالورك وال يحمله؛ لضعف الضلع وثقل الورك.
ويريد بذلك في الحديث أن هذا الرجل غير خليق بامللك.
« ُث َّم ف ْتن ُة ُّ
الده ْيماء» وفي لفظَّ « :
الدهماء» أي التي تدهم الناس. ِ ِ
95 شرح منظومة أشراط الساعة
الدهيماء :تصغير الدهماء ،والتصغير هنا للتعظيم مثل التصغير في قول لبيد -رض ي
للا عنه:-
ٌ
ُ
األنامل ُدويهية تصفر منها وكل أناس سوف تدخل بينهم
ٌ
دويهية أي داهية عظيمة ،فكذلك الدهيماء فتنة عظيمة تدهم الناس بشرورها لذلك
ْ ُ َّ قال النبي -صلى للا عليه وسلمُ « : -ث َّم ف ْتن ُة ُّ
الده ْيم ِاء ال تد ُع أح ًدا ِم ْن ه ِذ ِه األ َّم ِة ِإال ِ
ْ ْ ً
لطمت ُه لطمة» واملعنى :أن أثر هذه الفتنة يعم كل الناس.
ْ ْ ْ
«ف ِإذا ِقيل :انقضت تمادت» ،يعني :إذا توهم الناس أنها انقضت زادت.
ُ َّ ْ ً
اس ِإلى ف ْسطاط ْي ِن». الن ُ الر ُج ُل ِفيها ُمؤ ِمنا و ُي ْم ِس ي كا ِف ًرا ،ح َّتى ي ِصير
صب ُح َّ
ِ
« ُي ْ
املتن:
وم
ُْ
لع امل ر بالخ في م
ُ
تال ُه ْ ِق راب طيب ٍة ُف ُش ُّو ُّ
الر ِوم خ ُ
ِ ِ
الشرح:
قال( :خ ُ
راب طيب ٍة)
ً
املدينة النبوية على ساكنها -أفضل الصالة وأتم السالم ،-تكون في آخر الزمان عامرة
زُ زُ ً
باإليمان ،مصونة بحفظ الرحمن ،وملجأ ألهل اإلسالم؛ يأر إليها اإليمان كما تأر الحية
شرح منظومة أشراط الساعة 96
إلى ُجحرها ،تحرسها املالئكة؛ فال يدخلها الطاعون وال الدجال ،فهي أمان في أزمنة الفتن،
حتى إذا ق ُرب قيام الساعة في آخر الزمان بعد الدجال وعيس ى ابن مريم -عليه السالم-
خربت وتركها أهلها ولم يغشها إال السباع والطير.
▪ في الصحيحين( )1عن أبي هريرة -رض ي للا عنه -أنه قال :سمعت رسول للا -صلى
ْ ُ
خير ما كانت» يعني من العمارة وكثرة الثمار للا عليه وسلم -يقول« :يتركون املدينة على ِ
وحسن املنظر.
َّ ْ ْ
«ال يغشاها إال العو ِافي -يريد عوافي السباع والطير »-العوافي جمع عافية ،وهي التي
تطلب القوت والرزق من الدواب والطير.
ْ ُ ْ ُ ْ ُ
بغنمهما» أي يصيحان. ريدان املدينة ،ين ِعق ِان ِ يان من مزينة ي ِ اع ِوآخ ُرمن يحش ُرر ِ « ِ
ً ً ً
دانها و ْحشا» أي خالية من الناس موحشة ليس بها إال الوحوش. «في ِج ِ
ُ «حتى إذا بلغا ثن َّ
جوه ِهما» أي سقطا ميتين وذلك حين تقوم الوداع ،خ َّرا على و ِ ِ ة ي ِ
الساعة.
ْ ُ ▪ وعند اإلمام مالك في املوطأ(« :)2ل ُتتر َّ
أحسن ما كانت ،حتى يدخل ِ على املدينة كن
بعض سواري املسجد أو على فيغ ِذي -أي يبول دفعة بعد دفعة -على الكلب أو الذئب ُ
ُ
ِ
َّ مارذلك َّ املنبرقالوا :يا رسول هللا ،فلم ْن تكو ُن الث ُ
باع». والس
ِ ِ ِ يرالط افيو لع لِ قال: ؟ مان الز ِ ِ ِ ِ
▪ وعند اإلمام أحمد( )3عن عمر بن الخطاب -رض ي للا عنه -أنه قال :سمعت رسول
ُ للا -صلى للا عليه وسلم -يقول« :ليسير َّن
ات املدين ِة ثم ليقو ُل :لق ْد كان الراك ُب في جنب ِِ
حاض ٌر ِمن ِ
املؤمنين ك ِثير». في هذا ِ
( )3310( )2وقال األلباني في السلسلة الضعيفة (" :)292/9الحديث صحيح دون جملة الكلب" وذَك ََر أنه
يشهد له حديث الصحيحين الذي قبله.
( )124( )3ويشهد له حديث الصحيحين الذي قبله لذا حسنه محققو المسند.
97 شرح منظومة أشراط الساعة
ُ ُ ُ
قال النووي" :فالظاه ُر املخت ُار :أن هذا الترك للمدينة يكون في آخر الزمان ،عند قيام
ُ ُ ُ ُ
الساعة ،وتوض ُح ُه قصة الراعيين من ُمزينة فإن ُهما يخران على ُو ُجوههما حين تدرك ُهما
ُ
الساعة ،و ُهما آخ ُر من ُيحش ُر".
فاملدينة ستكون عامرة في زمان الدجال وفي زمان عيس ى -عليه السالم ،-ثم يكون
خرابها بعد ذلك قبل قيام الساعة.
ومن الخطأ ظن أن أشراط الساعة الصغرى تنقض ي كلها ثم تبدأ األشراط الكبرى،
ليس ذلك بصحيح بل من أشراط الساعة الصغرى ما يتخلل األشراط الكبرى ،ومنها هذا
الشرط وهو خراب املدينة؛ فإنه يكون بعد زمن الدجال وعيس ى -عليه السالم -وقبل النار
التي تحشر الناس إلى محشرهم.
وم)
ُْ
لع امل ر بالخ في م
ُ
تال ُه ْقِ وم ثم قالُ ( :ف ُش ُّو ُّ
الر
ِ ِ ِ
من أشراط الساعة :كثرة الروم وقتالهم للمسلمين وهي امللحمة الكبرى.
أخرج مسلم في صحيحه( )1عن املستورد بن شداد -رض ي للا عنه -أنه قال :سمعت
ل ُ ُ َّ ُ ُّ ُ ْ ُ َّ
اس».
ِ الن رسول للا -صلى للا عليه وسلم -يقو « :تقوم الساعة والروم أكثر
وفي صحيح البخاري( )2عن عوف بن مالك -رض ي للا عنه -أنه قال :قال رسول للا -
الساع ِة» وذكر خمسة أشراط كلها سبقت ثم صلى للا عليه وسلم« :-ا ْع ُد ْد س ًّتا ْبين يدي َّ
ِ ِ
قالُ « :ث َّم ُه ْدن ٌة -والهدنة هي الصلح على ترك القتال بعد التحرك فيه -ت ُكو ُن ْبين ُك ْم ْ
وبين
ً ْ ْ ُْ ُ ْ بني ْ
األصف ِر -وبنو األصفر هم الروم -فيغ ِد ُرون فيأتونكم تحت ثما ِنين غاية -أي راية كما ِ
في الرواية األخرى -ت ْحت ُكل غاية ْاثنا عشرأ ْل ًفا» فهذا يدل على كثرة الروم ويدل ً
أيضا على ٍ ِ
ُ ُ
كثرة املسلمين وقوتهم ،ولوال كثرة املسلمين وقوتهم ما هادنهم العدو بعد التحرك في القتال.
والهدنة املذكورة جاء تفصيلها في حديث ذي مخبر -رض ي للا عنه -رجل من أصحاب
النبي -صلى للا عليه وسلم -عند أحمد( )3وأبي داود( )1وابن ماجه( )2قال :سمعت رسول للا -
(.)2898( )1
(.)3176( )2
وه ْم ُ
عد ًّوا صلحا آم ًنا؛ فت ْغزون أنتم ُ ً صالحون ُّ ُ
ِ الروم صلى للا عليه وسلم -يقول« :ست ِ
ُ
حتى ت ِنزلوا بم ْر ٍج ذي تلو ٍل، فتنصرون وت ْغنمون وت ْسلمون ،ثم ترجعون َّ ُ
ِمن ورا ِئكم؛
ِ
جل ِمن فيغضب ر ٌ ُ ُ
الصليب، النصراني ِة الصليب ،فيقو ُل :غلب َّ أهل
ِ من فيرف ُع ر ٌ
جل
للملحمة».
ِ
ُ
وم وتجمع الر ُ فيد ُّقه ،ف ِعند ذلك تغ ِد ُر ُّ
ْ املسلمين ُ
ِ
الص ُالروم :غلب َّ ُّ ٌ ُ
ليب» وهذه هي بداية وفي رواية عند ابن حبان(« :)3فيقول قائل ِمن ِ
ليب إما لقصد نقض الصلح ،وإما إلغاظة املسلمين وكالهما غدرهم؛ ألن قوله :غلب الص ُ
قائل من املسلمين :بل ُ ُ
هللا غلب ويتداولونها». ِ ينافي الصلح اآلمن .قال« :ويقول ٌ ِ
ليب) وي ُرد عليهم معنى يتداولونها :أن النصارى يكررون مقالة صاحبهم( :غلب الص ُ
ُ
فيث ُ وصليبهم ِمن املسلمين ُ ُ أهل اإلسالم بقولهم( :بل ُ
ور إليه بعيد
غير ٍ للا غلب) .قال« :
ُ ُ ُ ُّ
ور املسلمون ويث ُ فيضربون ُعنقه، ِ هم صليب
ِ كاسر
ِ إلى نورو ويث ،ه ق فيد ينسلم امل ن مِ ر ُج ٌ
ل
َّ في ُ ُ إلى أسلحتهم فيقتتلون ُ
هادة».
كرم هللا تلك ال ِعصابة بالش ِ ِ ِ ِ
ً
وظاهر الحديث أن عدد من يشهد هذه الواقعة من املسلمين يكون قليال ،لقوله:
َّ فيكر ُم ُ ُ
هادة» ،ويستشهدون كلهم ،فيرجع الروم إلى بالدهم وقد ِ بالش صابة ع
ِ ال تلك هللا « ِ
نقضوا العهد.
لملحمة
ِ قال« :فيأتون م ِلكهم فيقولون :كف ْيناك جزيرة العر ِب ،فيجت ِمعون ِل
ً ً
غاية اثنا عشرألفا». ٍ كلِ تحت غاية فيأتون تحت ثمانين
بيان صفة غدر الروم وسبب امللحمة. بيان الهدنة و ُ هذا ُ
وقد جاء تفصيل هذه امللحمة فيما روى مسلم( )4عن ُيسير بن جابر -رض ي للا عنه-
هللا بن د بالكوفة ،فجاء ر ُج ٌل ليس له هجيرى َّإال :يا ع ْ
ب
ْ ٌ ْ ُ ُ
أنه قال« :هاجت ِريح حمراء
ِ ِ ِ ِ
إن الساع ُة -أي شأنه ودأبه ذلك -قال :فقعد ،وكان ُم َّتك ًئا ،فقالَّ : ود جاء ِت َّ ْ ُ
ِ مسع ٍ
(.)4292( )1
(.)4089( )2
( )6709( )3وصححه األلباني كما في التعليقات الحسان على صحيح ابن حبان (.)386/9
(.)2899( )4
99 شرح منظومة أشراط الساعة
( )1أخرجه أحمد ( )23989وأبو داود ( )4301وهو في صحيح الجامع الصغير (.)927/2( )5221
شرح منظومة أشراط الساعة 100
أما جيش املسلمين فسيكون في دمشق كما عند أحمد( )1وأبي دواد( )2من حديث أبي
َّ ُ
الدرداء -رض ي للا عنه -أن رسول للا -صلى للا عليه وسلم -قال« :إن فسطاط املسلمين
َّ قال لها :دمش ُ
دينة ُي ُ ُ ُ
دائن الشام».
ِ م ير
ِ خ نمِ ، ِ ٍ م في وطة مة في أرض بالغ
يوم امللح ِ
وأما الروم فسيأتون -كما سبق -إلى عقر دار املسلمين حتى ينزلوا بالشام وقد جمعوا
جموعهم.
َّللا عن ُه -أن رسول وقد جاء بيان ذلك في صحيح مسلم( )3في حديث أبي هريرة -رض ي ُ
بداب ٍ » باألعماق ْ
أو وم ْ الر ُ الساع ُة َّ
حتى ي ْنزل ُّ وم َّللا -صلى للا عليه وسلم -قال« :ال ت ُق ُ
ِ ِ ِ
ُ
األعماق بين حلب وأنطاكية ،وداب قرية قرب حلب ،واألعماق ودابق موضعان
متقاربان.
ُّ ش ِمن امل ِدين ِةِ ،من خير ْأهل األ ْ قال« :في ْخ ُر ُج إليهم ج ْي ٌ
ئذ ،فإذا تصافوا، ض يوم ٍ
ِ ر ِ ِ ِ
ْ ُ َّ ْ َّ ْ ْ ُ َّ ْ ُ َّ ْ ُّ ُ ُّ
وم :خلوا ْبيننا وبين ال ِذين سبوا ِمنا نقا ِتل ُه ْم أو وبين ال ِذين سبوا ِمنا نقا ِتل ُه ْم».
ُ قالت الر
ِ
ضبط ُس ُبوا وسبوا وكالهما صحيح. ُ
مالحم بين املسلمين والروم قبل هذه امللحمة الكبرى يكون ُ وتوضيح ذلك أنه ستكون
فيها سبايا من الروم كثير ،وي ُمن للا عليهم باإلسالم ،ويؤيد بهم الدين ،ويجاهدون الروم،
ً
ويس ُبون منهم بعد أن كانوا سبايا ،فهم ُس ُبوا أوال ثم سبوا بعد أن آمنوا ،لذلك ازداد منهم
ْ َّ ُّ
وبين ال ِذين غيظ الروم وقالوا للمسلمين بعد أن تصافوا للملحمة الكبرى« :خلوا ْبيننا
ُ ُ ْ ُ ْ ْ ْ َّ ُ سب ْوا م َّنا ُنقات ْل ُه ْم ،فيقو ُ
فيقا ِتلون ُه ْم، وبين إخوا ِننا، وَّللا ال نخ ِلي بينكم ِ ال : ن و سلم امل ل ِ ِ
ُ ُّ ْ ْ ُ ُ ُ
ُْ ُ ُ ُ ُ ُ َّللا عليهم أب ً وب َّ ُ
ُ ُ ٌ ُ ُ ُ ُ
داء
ِ ه الش لض أف ،م ه ث ل ث لت ق وي - ةالتوب م ه م ه لي ال أي - اد ت ي ال ث ل ث فيه ِزم
ُ ْ ْ ْ ُ ُّ ُ ُ ْ ْ
هللا ،ويفت ِت ُح الثلث ،ال ُيفتنون أب ًدا ،فيفت ِت ُحون ق ْسطن ِطي ِن َّية ،ف ْبينما ُه ْم ِعند ِ
إن املسيح ْ َّ ْ ُ
طانَّ : ْ
ن ْ َّ ُ ُ ُ ُ ْ َّ ْ ُ ْ ُ
قد ِ ي الش م يه
ِِف صاح إذ ، يقت ِسمون الغنا ِئم ،قد علقوا سيوفهم بالزي ِ
و ت
َّ يك ْم ،في ْخ ُر ُْ ُ خلف ُك ْ
باط ٌل ،فإذا جاؤوا الشام خرج -أي خرج املسيح ِ ذلك و ،نو ج لِ أه في م
(.)21725( )1
(.)2897( )3
101 شرح منظومة أشراط الساعة
فهذه امللحمة تكون قبل فتح القسطنطينية وخروج الدجال ولم يصح حديث في
تحديد مدة ذلك.
ُ ُ
والتعبير األلفاظ الشرعية،
ِ ويحسن هنا التنبيه إلى أمر وهو أن الذي ينبغي مراعاة
بها؛ فإنها أمان من الزلل خاصة في أبواب الفتن واملالحم والغيبيات.
وقد غزت هذا الباب ألفاظ ُمحدثة ،من ذلك لفظ هرمجدون وهو لفظ كثر
استعماله للتعبير عما عبرت عنه الشريعة بامللحمة ،والذي ينبغي :التعبير باللفظ
الشرعي ،وقد قال النبي -صلى للا عليه وسلم -في تقرير عدم تغليب األلفاظ الخارجة عن
اب ت ك في اه األعراب على اسم صالتكمَّ ،
فإن ُ الشريعة على األلفاظ الشرعية «ال ت ْغلب َّن ُ
كم
ِ ِ ِ ِ ِ
اإلب ِل»( .)1واسم هرمجدون ال وجود له في ديننا ال في بالبح وإنها ُت ْعت ُ
م هللا العش ُاءَّ ،
ِ ِ ِ ِ ِ ِ
ُ ُ
أحاديث صحيحة وال ضعيفة ،ويعظ ُم اإلشكال حين تحمل نصوص امللحمة في شرعنا على
كبير بين ما ثبت بهواحدا ،وفر ٌق ٌ
ً شيئافيظنان ً ما في نصوص هرمجدون اإلسرائيلية ُ
شرعنا في خبر امللحمة وبين ما يدعون ،فقد ثبتت األحاديث بأن امللحمة ستكون بين أهل
اإلسالم وبين الروم النصارى الضالين ،أما أطراف الصراع في هرمجدون فأوسع من هذا
بحيث تشمل يأجوج ومأجوج عندهم ،وكذلك مكان امللحمة هو -كما سبق -باألعماق أو
دابق ،وهما موضعان بالشام قرب حلب ،أما أصحاب هرمجدون فيدعون أنها في
فلسطين ،وقد ثبت أن للا -عز وجل -ينصر املسلمين على أعدائهم في امللحمة ،ويدعي
أصحاب هرمجدون أن الغلبة ستكون لهم.
لذا فاأللفاظ الشرعية لها حرمة ،وسبيل أهل العلم واأليمان التعبير بها ،وترك
األلفاظ املحدثة الخارجة عن الشريعة.
املتن:
نى ْفى ُي الىىمىديىنىة الشىرار ف ْ ُ ْ ْ
ىاد ِريى ْه ِ ِ ِ ومي ْه ُ
ور ِ ق ْسطن ِطين ٍة وفت ُح
الشرح:
ْ
قال( :وفت ُح قسطنطينة)
وقسطنطينة بإسقاط ياء النسب ،وقد كانت تعرف ً ُ ُ
قديما باسم يقال :قسطنطينية
ُ ُ
األكبر مل ُك الروم سماها قسطنطينية ،وهي اليوم تسمى
ُ قسطنطين بيزنطة ،ثم ملا ملك
منيعا ،واستعصت على خلفاء املسلمين حتى فتحها محمد حصنا ًً إسطنبول ،وقد كانت
الفاتح ،واتخذها عاصمة للدولة العثمانية ،وتتابع على ذلك ملوكهم ،حتى سقطت دولتهم.
لكن الفتح الذي بشر به النبي -صلى للا عليه وسلم -في األحاديث ال يمكن حمله على
هذا الفتح؛ الختالف األوصاف بينهما؛ ألن األحاديث دلت على أن فتح القسطنطينية
سيكون بعد امللحمة الكبرى التي سينتصر فيها املسلمون على الروم ،وسيكون على يد ثلث
الجيش الذين ينصرهم للا في امللحمة الكبرى ،وسيكون الفتح بالتكبير والتهليل بدون
ً ً
شديدا طالت مدته. سالح ،وبنو عثمان قاتلوا قتاال
للا عليه وسلم -أنه يجيئهم الصريخ بعد فتحها ويقول :إن الدجالوأخبر النبي -صلى ُ
قد خرج؛ وهذه األوصاف كلها لم تتحقق في الفتح األول ،فالفتح املذكور في األحاديث لم
يقع إلى اآلن ،وهو البد واقع.
للا عليه وسلم- َّللا عن ُه -أن النبي -صلى ُ
في صحيح مسلم( )1عن أبي هريرة -رض ي ُ
ْ ْ ْ ْ ُْ ْ
قال« :س ِمعتم بم ِدين ٍة جا ِن ٌب ِمنها في الب ِر وجا ِن ٌب ِمنها في البح ِر؟ قالوا :نعم يا رسول ِ
هللا،
ُ ُ حتى ي ْغ ُزوها س ْب ُعون ْأل ًفا من بني ْ الساع ُة َّ قال :ال ت ُق ُ
إسحاق ،فإذا جاؤوها نزلوا ،فل ْم ِ ِ
وم َّ
(.)2920( )1
103 شرح منظومة أشراط الساعة
ُ ُ َّ َّ ُ َّ ُ ْ ُ ُ
وَّللا أكب ُر ،في ْسقط أح ُد جا ِنب ْيها - الح ول ْم ي ْر ُموا بس ْه ٍم ،قالوا :ال إله إال َّللا ٍ بس ِ وا ل يقا ِت
قال ثو ٌر -أحد رواة الحديث :-ال أعل ُم ُه إال قال :الذي في الب ْحرُ -ث َّم يقولوا :ال إله َّإال َّ ُ
َّللا ِ
فيف َّر ُج لهمْ، وَّللا ْأكب ُرُ ، ط جان ُبها اآلخ ُرُ ،ث َّم يقولوا :ال إله َّإال َّ ُ
َّللا َّ ُ ْ ُ ُ
وَّللا أكب ُر ،فيسق
َّ ُ ْ
ِ
َّ ُ ْ ْ ْ ُُ
إن يخ ،فقالَّ : في ْدخلوها فيغن ُموا ،ف ْبينما ُه ْم يقت ِس ُمون املغا ِنم إذ جاء ُه ُم الص ِر
ْ ُ ُ الد َّجال ْ َّ
قد خرج ،فيت ُركون ك َّل ش ٍيء وي ْر ِج ُعون».
للا عليه وسلم- وفي حديث امللحمة الكبرى السابق في صحيح مسلم( )1قال -صلى ُ
ُ ْ ْ ْ ُ ُّ ُ ُ ْ
«ويفت ِت ُح الثلث ،ال ُيفتنون أب ًدا -أي ينصرهم للا على الروم -فيفت ِت ُحون ق ْسطن ِطي ِن َّية،
طانَّ :َّ ْ ُ ْ ْ َّ ُ ُ ُ ُ ْ َّ ُ ْ
إن بالزْيتو ِن ،إذ صاح ِف ِيه ِم الشي ف ْبينما ُه ْم يقت ِس ُمون الغنا ِئم ،قد علقوا سيوفهم
َّ ُ ْ ُ ْ ُ ْ ُ ْ ْ
باط ٌل ،فإذا جاؤوا الشام خرج -أي امل ِسيح قد خلفكم في أه ِليكم ،فيخ ُرجون ،وذلك ِ
َّ ُ ْ ُ ُّ ُ ْ املسيح الدجال -ف ْبينما ُه ْم ُيع ُّ
الصفوف ،إذ أ ِقيم ِت الصالة، تال ،و ُيس ُّوون
ِ قِ ل لِ نو د ِ
ابن م ْريم عليه السالم» .فهذا الفتح للقسطنطينية بدون قتال لم يقع بعد. في ْنز ُل عيس ى ُ
ِ ِ
ُ
«فتح وقد ثبت عن أنس بن مالك -رض ي للا عنه -عند الترمذي( )2أنه قال:
َّ ُ
الساعة» أي مع قرب قيامها. ِ قيام
القسطنطيني ِة مع ِ
إسحاق». للا عليه وسلم« :-ح َّتى ي ْغ ُزوها س ْب ُعون ْأل ًفا من بني ْ وقول ُه -صلى ُ ُ
ِ ِ
قال بعضهم :الصواب في الرواية من بني إسماعيل ،أي أن العرب هم الذين
سيفتحونها ،لكن ُيشكل على هذا أنه في جميع أصول صحيح مسلم« :من بني إسحاق»،
واألصل صحة ما في األصول ،وال شك أنه سيكون في جيش املسلمين من الروم وبني إسحاق
ُّ ٌ
قالت
ِ وا،صاف عدد كبير؛ لقوله -صلى للا عليه وسلم -في حديث امللحمة الكبرى(« :)3فإذا ت
َّ ُ ْ َّ ْ َّ ُّ ُ ُّ
وبين ال ِذين ُس ُب ْوا ِمنا» ،وفي رواية« :سب ْوا ِمنا نقا ِتل ُه ْم» ،فسيكون في وم :خلوا ْبيننا الر
عدد كبير من الروم يمن للا عليهم باإليمان والجهاد ،وسيكون عددهم في جيش املسلمين ٌ
ألفا كما أخبر بذلك النبي -صلى للا عليه وسلم.- القسطنطينية سبعين ً الجيش الذي يغزو ُ
(.)2897( )1
( )2239( )2وصحح إسناده موقوفا األلباني في صحيح وضعيف سنن الترمذي (.)239/5
(.)100/3( )1
(.)6645( )2
أخرج مسلم في صحيحه( )1عن أبي هريرة -رض ي للا عنه ،-أن رسول للا -صلى للا
الر ُج ُل ْابن ع ِم ِه وقريب ُه :ه ُل َّم إلى َّ
ان ي ْد ُعو َّ
الناس م ٌ َّ ْ
الرخ ِاء، ِ ِ ز على تي أ عليه وسلم -قال« :ي
لهم لو ك ُانوا ي ْعل ُمون ،و َّالذي ن ْفس ي بيده ،ال ي ْخ ُر ُج ْ
منهم الرخ ِاء ،و ْاملدين ُة خ ْي ٌر ْ َّ إلى َّ
م
ُ
ل ه
ِِ ِ ِ ِ
ُ ْ ْ َّللا فيها خ ْي ًرا منه ،أال َّ أح ٌد ْغب ًة ع ْنها إ َّال أ ْخلف َّ ُ
إن امل ِدينة كال ِك ِير ،تخ ِر ُج الخ ِبيث ،ال ِ ِ ر
ْ ُ َّ ْ ُ ُ ُ َّ
الك ُيرخبث الح ِد ِيد». تقوم الساعة حتى تن ِفي امل ِدينة ِشرارها ،كما ين ِفي ِ
الكير :ما ينفخ به الحداد في النار.
ُ
وخبث الحديد :وسخه الذي تخرجه النار منه.وقد حمل القاض ي عياض( )2نفي
ُ
املدينة لخبثها على زمن النبي -صلى للا عليه وسلم-؛ ألنه لم يكن يصبر على الهجرة واملقام
في املدينة إال من كان ثابت اإليمان ،وأما املنافقون وجهلة األعراب ومن آمن بلسانه ولم
يؤمن بقلبه فال يصبرون على شدة املدينة وألوائها وال يحتسبون أجرهم في ذلك.
وحمله النووي( )3على زمن الدجال ،ويؤيد حمله على زمن الدجال أنه جاء في مسند
ضاإلمام أحمد( )4ما ُيبين هذا الحديث وهو قوله -صلى للا عليه وسلم« :-نعمت األر ُ
ِ ِ
ُُ ْ ْ ُ
قابها مل ٌك ،ال يدخلها -أي ال يدخلها ِ أن من ب
ٍ ق ن كل
ِ على ،ال املدينة إذا خرج َّ
الد َّج ُ
ٌ ُ
فات ،ال ي ْبقى ُمناف ،والبأهلها ثالث رج ٍ الدجال -فإذا كان كذلك ،رجف ِت املدينة ِ
ليص ،وذلك يوم خ
ُ َّ ْ
الت يوم وذلك ،ساءالن ُ ِ إليه ج خر ُ نافقة َّإال خرج إليه ،و ُ
أكثر من ي ُ ٌ
ُم
ِ
ْ ُ ْ
الحديد».
ِ الك ُيرخبث تنفي املدينة الخبث ،كما ينفي ِ
فهذا يبين أن نفي املدينة شرارها الذي هو من أشراط الساعة هو الذي سيكون في
زمن الدجال.
(.)1381( )1
(.)14112( )4
شرح منظومة أشراط الساعة 106
ُ
ُويبي ُنه ما في الصحيحين( )1من قوله -صلى للا عليه وسلم« :-ل ْيس ِم ْن بل ٍد إال سيطؤ ُه
ُ ْ ْ ْ َّ َّ ُ َّ َّ
افين ُ
يحرسونها ،ثم ال إال مكة واملدينة ،ليس ِمن ِنق ِابها نق ٌب إال علي ِه املال ِئكة ص ِ الدج
ُ في ْخر ُج َّ ُ ْ ُ ُ
َّللا ِم ْنها ك َّل كا ِف ٍرو ُمنا ِف ٍ ». ِ
اتُ ،
ٍ فج ر ثالث بأهلها املدينة ف ترج
ونفي املدينة خبثها حاصل في كل زمان ومن ذلك ما في صحيح البخاري( )2عن جابر -
َّ النبي -ص َّلى ُ
هللا عليه وسلم ،-فبايع ُه على َّ رض ي للا عنه -أنه قال« :جاء ْ
أعر ِاب ٌّي إلى
ُ ْ ْ ُ ً ْ
الك ِير
ِ ك ة يندِ امل : قال ف ،اررم
ِ ٍ ثالث ى فأب ي، ناإلسال ِم ،فجاء ِمن الغ ِد محموما فقال :أ ِق ِ
ل
ْ ُ ْ
تن ِفي خبثها -أي تخرج شرار الناس منها -وينص ُع ِطي ُبها»
النصوع :الخلوص ،وش ٌيء ناصع :خالص.
واملعنى :يطيب هواؤها وينظف ملن رغب بالسكنى فيها ،لكن الذي هو من أشراط الساعة
هو ما يكون في زمن خروج الدجال كما سبق لقوله -صلى للا عليه وسلم« :-ذلك -يعني إذا
ُ ْ
رجفت املدينة ولم يبق فيها منافق وال منافقة إال خرج إلى الدجال -يوم تنفي املدينة
ُ ْ
الحديد»(.)3
ِ ث ب خ ير الك
ِ في ن الخبث ،كما ي
َّ ْ
مان)
آخرالز ِ ثم قال( :قت ُل الي ُه ِ
ود ِ
ُ ُ من أشراط الساعةُ :
قتال اليهود وقتلهم واستئصالهم.
في صحيح مسلم( )4عن أبي هريرة -رض ي للا عنه -عن رسول للا -صلى للا عليه
حتى ُيقاتل املسلمون الي ُهود ،في ْق ُت ُل ُه ُم املسلمون َّ
حتى الساع ُة َّ وسلم -أنه قال« :ال ت ُق ُ
وم َّ
ِ
ْ َّ ُ َّ ْ
ود ُّي ِمن ور ِاء الحج ِر والشج ِر ،فيقول الحج ُر ِأو الشج ُر :يا مسلم يا عبد ِ
هللا يخت ِبئ الي ُه ِ
َّ ْ ُ ْ ُ َّ ْ
ود». ود ٌّي خل ِفي ،فتعال فاقتله ،إال الغ ْرقد ،فإنه ِمن شج ِرالي ُه ِ هذا ي ُه ِ
والحجر ُوينادي عباد للا املسلمين ويدلهم على ُ ُ
الشجر ُ
ينطق نطق حقيقي، وهذا ٌ
اليهود.
(.)1883( )2
(.)2922( )4
107 شرح منظومة أشراط الساعة
مجاز عن انكشاف اليهود أمام املسلمين ،وعدم قدرتهم على الدفاع عن والقول بأنه ٌ
ُ
أنفسهم خالف ظاهر اللفظ ،ولو كان مجا ًزا ما كان الستثناء الغرقد فائدة ،فاملتعين هنا
الحمل على الحقيقة .وقد أخبر النبي -صلى للا عليه وسلم -أن ذلك سيكون حين يقاتل
املسلمون اليهود ،ويكون اليهود جند الدجال ،ويكون املسلمون جند عيس ى عليه السالم.
قال الحافظ ابن حجر في الفتح(" :)1املراد بقتال اليهود وقوع ذلك إذا خرج الدجال ونزل
صريحا في أحاديث منها حديث أبي أمامة الباهلي – ً عيس ى عليه السالم" .وقد جاء ذلك
ْ َّ صلى َّ ُ َّ ُ َّ
عليه وسلم ،-فكان أك ُثر خطب ِت ِه ِ َّللا رض ي للا عنه -أنه قال« :خطبنا رسول ِ
َّللا -
وحذر ُ َّ ناه عن َّ حدث ُ حديثا َّ ً
ناه» فذكر خروجه ثم نزول عيس ى –عليه السالم -لقتله الد َّج ِال ِ
ال معه َّ ُ
وفيه« :قال عيس ى -عليه السالم :-افتحوا الباب فيفتح ووراءه الدج ُ ُ
ُ ًّ ُّ
وساج -والساج :الطيلسان -فإذا نظر إليه ٍ ى ل ح م سيف
ٍ ذو هم كل يهودي
ٍ سبعون ألف
إن لي امللح في املاء وينطل ها ًبا ويقول عيس ى -عليه السالمَّ :- يذوب ُ ُ ال ذاب كما َّ
الد َّج ُ
ر ِ
هللا اليهود ،فال قت ُله فيهزم ُ
ُ
رقي في الش د
ُّ
ل ال باب عند ه
ُ
فيدرك بها ي ن ق ب ضربة لن ت ْ
س
ً
فيك
ِ ِ ِ ِ ِ
شجر وال ٌ هللا ذلك الش يء ال حج ٌر واليهودي إال أنط ُ ٌّ هللا يتوارى به يبقى ش ي ٌء مما خل ُ
ٌ ٌ
شجرهم ال تنط ُ » أخرجه ابن ماجه(.)2 ِ من فإنها الغرقدة إال دابة وال حائط
ً
قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري(" :)3أخرجه ابن ماجه مطوال وأصله عند أبي
ونحو ُه من حديث سمرة عند أحمد بإسناد حسن ،وأخرجه ابن منده في كتاب ُ داود،
اإليمان من حديث حذيفة بإسناد صحيح".
قتال بين املسلمين واليهود ينصر للا فيه أهل وهذا ال ينافي أن يكون قبل ذلك ٌ
اإلسالم إال أن استئصال اليهود حتى ال يبقى على األرض منهم أحد سيكون في القتال مع
الدجال.
(.)4077( )2
(.)610/6( )3
شرح منظومة أشراط الساعة 108
وقد قيل في الجهجاه :إنه القحطاني ،والصواب أنه غيره؛ ألنه جاء في رواية اإلمام
قال له :ج ْهج ُاه»
جل من املوالي ُي ُ
ِ
ُ
والنهار حتى يم ِلك ر ٌ يذهب ُ
الليل ُ أحمد( )2والترمذي(« :)3ال
والقحطاني ليس من املوالي.
وأصل الجهجهة الصياح ،تقول :جهجه ُت بالس ُبع إذا صحت به.
ومنها :خروج رجل من قحطان يسوق الناس بعصاه.
في الصحيحين( )4عن أبي هريرة -رض ي للا عنه -أن رسول للا -صلى للا عليه وسلم-
ُ َّ ُ ُ َّ ُ َّ ْ
حتى يخ ُرج ر ُج ٌل ِمن ق ْحطان ،ي ُسوق الناس بعص ُاه». قال « :ال تقوم الساعة
الناس بع ُ ُ ُق َّ
صاه) وقوله( :يسو
ُ
قيل :هو كناية عن خشونته وعنفه وظلمه ،فهو يسوق الناس بعصاه كما تساق
اإلبل واملاشية؛ لشدة عنفه وعدوانه.
ضربوقيل :بل هو كناية عن استقامة الناس وانقيادهم له واتفاقهم عليه ،والعصا ُ
ً
شديدا على العصاة ،فهو رجل صالح بها املثل لطاعتهم له ،وال يمنع من ذلك أن يكون
يحكم بالعدل.
(.)2911( )1
(.)2228( )3
ُ
ُويؤي ُد ذلك ما أخرجه نعيم بن حماد في كتاب الفتن( )1عن عبدللا بن عمرو -رض ي للا
ْ ُ ُ ُّ
عنهما -أنه ذكر الخلفاء ثم قال« :ور ُج ٌل ِمن ق ْحطان ال ُيرى ِمثل ُه ْم كل ُه ْم ص ِال ٌح» وجود
ُ
إسناده الحافظ ابن حجر في فتح الباري(.)2
ولم يرد في األحاديث ما ُيقطع معه بزمان خروجه.
ْ ُ
ثم قال( :رف ُع القرا ِن)
من أشراط الساعة :رفع القرآن العظيم من املصاحف والصدور ،فال يبقى منه
آية ،ثبت عند ابن ماجه( )3عن حذيفة -رض ي للا عنه -أنه قال :قال رسول للا -صلى للا
ُ َّ اإلسالم كما ي ْد ُر ُ
ُ
وب ُ -يقال :درس الرسم إذا عفا وانمحى-
ِ الث ي شو س سعليه وسلم« :-يد ُر ُ
عز
ٌ
قة ،ول ُي ْسرى على كتاب هللا َّ - صد وال ،ك الة ،وال ُن ُس ٌ ٌ حتى ال ُي ْدرى ما ص ٌ
يام ،وال ص َّ
ِ ِ ِ
ٌ وجل -في ليلة ،فال ي ْ
َّ
ض ِمنه آية» الحديث. ِ راأل في قىب ٍ
وروى عبدالرزاق( )4وابن أبي شيبة( )5والحاكم( )6عن ابن مسعود -رض ي للا عنه -قال:
وقد ْأثبته ُ
وكيف ُيرف ُع ْ أن ُيرفع قالواْ :ُ ُ ْ ْ ْ َّ َّ
هللا في وشك «إن هذا القرآن الذي بين أظ ُه ِركم ي ِ
لوبكم وما في
ُ
ق في ما بيلة فيذه ًُ
ل عليه ىر س ُقلوبنا و ْأثب ْتناه في مصاحفنا؟ قالُ :ي ْ
ِ ِ ِ
ۡ ۡ َّ َّ ٓ ۡ ۡ ٓ ۡ َّ
صاحفكم ،ثم قرأ﴿ :ول ِئن ِشئنا لنذهبن ِبٱل ِذي أوحينا ِإليك﴾[اإلسراء.» ]86: ِ م
ثم قال( :ت ْر ُك ح ٍج)
من أشراط الساعة :ترك حج بيت هللا.
(.)535/6( )2
(.)4049( )3
(.)5981( )4
(.)30193( )5
(.)8538( )6
شرح منظومة أشراط الساعة 110
روى ابن حبان( )1والحاكم( )2عن أبي سعيد الخدري -رض ي للا عنه -عن النبي -صلى
ُ ُ َّ ُ
اعة َّ
حتى ال ُيح َّج البيت». للا عليه وسلم -أنه قال« :ال تقوم الس
وفي صحيح البخاري( )3عن أبي سعيد الخدري -رض ي للا عنه -عن النبي -صلى للا
ْ ُ َّ َّ ْ ُ ُ ْ َّ ْ ُ ُ ْ
وج يأ ُجوج ومأ ُجوج».
عليه وسلم -أنه قال« :ليحجن البيت وليعتمرن بعد خر ِ
وفي صحيح مسلم( )4عن أبيي هريرة -رض ي للا عنه -أن النبي -صلى للا عليه وسلم-
الر ْوحاء ح ًّ
اجا أ ْو ُم ْعت ِم ًرا أ ْو َّ َّ ُ ْ َّ
قال« :وال ِذي نف ِس ي بي ِد ِه ،ل ُي ِهلن ابن م ْريم -عليه السالم -بف ِج َّ ِ
ْ
ليث ِني َّن ُهما» ،أي ليقرنن بينهما .وهذا بعد نزول عيس ى -عليه السالم -من السماء في آخر
الزمان ،فالكعبة سيحجها الناس ويعتمرون بها بعد خروج يأجوج ومأجوج وهالكهم
يحاوطمأنينة الناس وكثرة أرزاقهم في زمن عيس ى -عليه السالم ،-ثم بعد وفاته يبعث للا ر ً
طيبة يقبض بها روح كل مؤمن ومؤمنة ،ثم بعد ذلك يكون خراب الكعبة على يد ذي
السويقتين ُويترك الحج.
أشار إلى هذا ابن كثير -رحمه للا -في البداية والنهاية(.)5
ٌ ْ ُ ُ
القيان م ْسخ قذف) ْ
ثم قال( :خسف ِإن ظهر ِ
من أشراط الساعة :ظهور الخسف واملسخ والقذف أخرج الترمذي( )6في جامعه عن
ُ
آخر
ِ في ن عائشة -رض ي للا عنها -أنها قالت :قال رسول للا -صلى للا عليه وسلم« :-يكو
ُ ُ ْ ٌ ٌ ٌ َّ ُ
ن
هللا أن ِهلك وفينا الصالحو ؟ ل
هذه األم ِة خسف ومسخ وقذف ،قالت :قلت :يا رسو ِ ِ
ُ
قال :نعم إذا ظهرالخبث».
(.)6750( )1
(.)1593( )3
(.)1252( )4
(.)242/19( )5
(.)2185( )6
111 شرح منظومة أشراط الساعة
وعند ابن ماجه( )1عن ابن مسعود -رض ي للا عنه -عن النبي -صلى للا عليه وسلم-
ٌ ٌ ٌ
الساعة مسخ وخسف وقذف» وكالهما في السلسلة الصحيحة(.)2
ِ يدي
أنه قال« :بين ِ
وعند الترمذي( )3وهو في صحيح الترغيب( )4عن عمران بن حصين -رض ي للا عنهما -أن
ْ ٌ ْ ٌ ْ ٌ
ومسخ وقذف ،فقال ر ُج ٌل األمة خسف
هذه ِ رسول للا -صلى للا عليه وسلم -قال« :في ِ
ُ ُ ْ ُ
هللا ومتى ذلك؟ قال :إذا ظهر ِت الق ْينات واملعا ِزف وش ِربتمن املسلمين :يا رسول ِ
ُ
الخمور» .والقينات والقيان :جمع قينة ،والقينة :املغنية .الخسف :هو الذهاب في األرض
بأن تنشق األرض وتبتلع من عليهاُ ،يقال :خسف ُ
للا به األرض إذا غاب به فيها.
ُ
واملسخ :تحويل الصورة إلى صورة قبيحة بأن تحول صورة اإلنسان إلى صورة قرد أو
ً حمار أو خنزير ،ويشمل ً
أيضا مسخ الباطن بأن ُيمحى من قلبه الخير فال يعرف معروفا وال
ينكر ً
منكرا.
والقذف :الرمي بالحجارة من السماء.
ََّٰ
وبكل هذه العقوبات قد عاقب للا ً
أمما سابقة وقال -تعالى﴿ :-وما ِهي ِمن ٱلظ ِل ِمين
ً
وتخويفا نذيرا بين يدي عذاب شديد، يد﴾[هود .]83:وهذه العقوبات قد جعلها للا ً ِبب ِع ٍ
للعباد ،وعقوبة ألهل الفساد؛ كي يعتبر الناس ،ويرجعوا إلى ربهم ،ويعلموا أن الساعة قد
أزفت ،فيستعدوا لها ويبادروا بالعمل الصالح.
ثم قال:
هللا ِمن ب ِين الورى) م من ي ْعر ُف ْ
اس الم ح َّتى ال ُيرىسض ُعرى اإل ْ (ن ْق ُ
ِ ِ ِ ِ
(.)4059( )1
المحتويات
(.)392/4( )1787( )2
لم يتم العثور على إدخاالت لجدول محتويات.
ُيرى ال حتى الم ْ
اإل) (س ِ
.)2212 (3
ِ
(.)605/2( )4
شرح منظومة أشراط الساعة 112
ثبت في مسند اإلمام أحمد( )1عن أبي أمامة الباهلي -رض ي للا عنه -عن رسول للا -صلى
ٌ ْ ً ً للا عليه وسلم -أنه قال« :ل ُتنقض َّن ُ
اإلسالم عروة عروة ،فكلما انتقضت عروة
ِ ىر ع
ُ َّ ُ ُ
الحكمُ ، هن ً ُ
وأول َّ ُ َّ
وآخرهن الصالة». نقضا الناس بالتي تليها، تشبث
واملعنى :أن الناس ال يتركون اإلسالم دفعة واحدة ،ولكن يتركونه بالتدريج بأن يتركوا
بعض أعماله ،ثم ً
بعضا آخر إلى أال يبقى منه ش يء.
وبمعناه ما عند اإلمام أحمد( )2عن فيروز الديلمي -رض ي للا عنه -أن النبي -صلى للا
ُ َّ ً َّ ً ُ ُ ً ُ ً
قوة». ض الحبل قوةروة كما ُينق ُ«لينقض َّن اإلسالم عروة ع
عليه وسلم -قالُ :
قياما للناس تقوم بها مصالحهم الدينية من صالة وحج وعمرة، قد جعل للا الكعبة ً
ومصالحهم الدنيوية باألمن في الحرم ،وجعلها مثابة للناس أي مرج ًعا لهم تتعلق بها قلوبهم
كلما رحلوا عنها رجعوا إليها ،وجعلها أم ًنا ال ُيعتدى عليهم فيها ،وستبقى كذلك حتى ينزل
وسيحج البيت ُويعتمر بعد خروج يأجوج ومأجوج ،وسيظل البيت عيس ى -عليه السالمُ ،-
وعامرا حتى يأذن للا في آخر الزمان بذهاب أهل اإليمان من األرض ،فتظهر الحبشة ً ً
قائما
(.)34( )3
113 شرح منظومة أشراط الساعة
حينئذ على بيت للا الحرام الكعبة ،وينقضونها حج ًرا حج ًرا ،ويستخرجون كنزها ،وال
ٌ
إيذان بخراب الدنيا وقيام الساعة. عمران لها بعد هذا الخراب ً
أبدا ،وخرابها
في الصحيحين( )1عن أبي هريرة -رض ي للا عنه -أنه قال :قال رسول للا -صلى للا
عليه وسلم«ُ :-يخر ُب الك ْعبة ُذو ُّ
السو ْيقت ْي ِن ِمن الحبش ِة». ِ
والسويقتان :تثنية سويقة ،والسويقة تصغير ساق أي ذو الساقين الدقيقتين.
وعند البخاري( )2عن ابن عباس -رض ي للا عنهما -عن النبي -صلى للا عليه وسلم -أنه
ْ ْ
قال« :كأ ِني به -أي كأني أنظر إليه -أ ْسود أفحج ،يقل ُعها حج ًرا حج ًرا».
أفحج :من الفحج وهو تباعد ما بين الساقين ،ويطلق على تداني صدور القدمين
وتباعد العقبين.
وعند اإلمام أحمد( )3وصحح إسناده أحمد شاكر( )4عن ابن عمر -رض ي للا عنهما -أنه
قال :سمعت رسول للا -صلى للا عليه وسلم -يقول«ُ :يخر ُب الك ْعبة ُذو ُّ
السو ْيقت ْي ِن ِمن
ُ ِ
ُُ ُ
سل ُبها حليتهاُ ،وي ُ
ولكأني أنظر إليه أص ِيلع -تصغير أصلع جردها من ِكسو ِتهاِ ، ِ الحبش ِة ،وي
ِ ُ
وهو الذي انحسر الشعر عن رأسه -أفيدع -تصغير أفدع ،والفدع بالتحريك زوال املفصل
ومعو ِله». ْ عن مكانه -ي ُ
ضرب عليها ِبمسحا ِته ِ
ِ
وعند اإلمام أحمد في مسنده( )5وصحح إسناده محققوه عن أبي قتادة -رض ي للا
ُّ ْ ُ ُ ُ ْ
قام ،ولن
ِ وامل نعنه- -أن رسول للا -صلى للا عليه وسلم -قال« :يبايع لرج ٍل بين الر ِ
ك
ُ ُ ْ ُّ ْ َّ ْ َّ ْ ُ
كة العر ِب ،ث َّم تأتي الحبشة ِ له عن ْ
ل سأ ت فال وه ل ح تاس فإذا ه، ليست ِحل البيت إال أه
ْ ْ ً ُ َّ
وه ُم الذين ي ْستخ ِرجون كنزه». عم ُرب ْعده أبدا، فيخربونه خ ً
رابا ال ي ُ
ِ
ُ
(.)1595( )2
(.)7053( )3
(.)8114( )5
شرح منظومة أشراط الساعة 114
ثم قال:
ت ْقب ُ ُ
الم)س
ِ ِ
ض من كان على اإل ْ
ِ شامِر ِيح يم ٍن و ِ (وب ْعث
من أشراط الساعة :بعث ر ٍيح طي ٍبة لي ٍنة باردة تقبض أرواح املؤمنين ،ويكون ذلك
بعد زمن الدجال وعيس ى ابن مريم -عليه السالم -ويأجوج ومأجوج ،بل تكون بعد الدابة
وبعد طلوع الشمس من مغربها فال يبقى في األرض إال شرار الخلق وعليهم تقوم الساعة.
في صحيح مسلم( )1عن النواس بن سمعان -رض ي للا عنهما -في قصة الدجال ونزول
ً عيس ى -عليه السالم -وخروج يأجوج ومأجوج قال بعد ذلك« :إ ْذ بعث َّ ُ
َّللا ر ً
يحا ط ِيبة، ِ ِ
ُ َّ ْ ُ ْ ُ ُ ُ ُ ْ ْ ْ ْ ُ ْ ُ ُ
اس،اط ِهم ،فتق ِبض روح ك ِل مؤ ِم ٍن وك ِل مسلم ،ويبقى ِشرار الن ِ فتأخذهم تحت آب ِ
ُ ُ َّ ُ يتهار ُجون فيها ته ُارج ُ
الساعة». الح ُم ِر ،فعليهم تقوم ِ
وفي صحيح مسلم( )2عن عبدللا بن عمرو -رض ي للا عنهما -بعد ذكر الدجال وعيس ى
اس س ْبع سنين ،ليس ْبين ْاثن ْين عداو ٌةُ ،ث َّم ُي ْرس ُل َّ ُ
َّللا ِري ًحا ُ ُ َّ ْ ُ ُ َّ
الن -عليه السالم« -ثم يمكث
ِ ِ ِ ِ
الشام ،فال ي ْبقى على و ْج ِه األ ْرض أح ٌد في ق ْلب ِه ِم ْثق ُ
ال ذ َّر ٍة ِمن خ ْي ٍر أ ْو إيم ٍان
َّ
ل بقِ نمِ
ً
ة با ِرد
ِ ِ ِ ِ
َّ ْ
حتى تق ِبض ُه».
ْ ُ
أن أحدك ْم دخل في ك ِب ِد جب ٍل لدخلت ُه عليه َّإال قبض ْت ُهَّ ،
حتى لو َّ
(.)2937( )1
(.)2940( )2
(.)133/2( )4
115 شرح منظومة أشراط الساعة
ُ ويحتمل أن مبدأها من أحد اإلقليمين ثم تصل اآلخر وتنتشر عنده وللا أعلم".
وليس بين هذه الريح وقيام الساعة إال اليسير.
وال يعارض هذا ما في صحيح مسلم( )1من قوله -صلى للا عليه وسلم« :-ال ت ُ
زال
ٌ ُ َّ ُ ُ
القيام ِة»
ِ ِ وم ي إلى ين
ر ظاه
ِ ِ ِ الح على نو لطا ِئفة ِمن أمتي يقا ِت
ُ ْ َّ ْ وفي صحيح مسلم أيضا(« :)2ظاهرين على الح ،ال ي ُ
ض ُّر ُه ْم من خذلهم ،حتى يأ ِتي ِ ِ ِ
وه ْم كذلك». ْأم ُرهللا ُ
ِ
فإن (أمر هللا) هنا املراد به هذه الريح فهم ال يزالون على الحق حتى تقبضهم هذه
ُ
الريح قرب قيام الساعة.
املتن:
ْ
ص ِل ُح ُه الع ِل ُّي في ليلة ُي ْ
ٍ راطها امل ْه ِد ُّي
هذا و ِمن أ ِ
ش
ِمن ن ْس ِل س ِي ِد الورى األ َّو ِاه ْ ْ ُ ُ ْ ُ
وهو مح َّمد بن عب ِد ِ
هللا
ْ ْ ْ ُ
س ْبع ِس ِنين .و ْهو أقنى أ ْجلى ً
فيمأل األرض ج ِميعا عدال ْ
(.)156( )1
(.)1920( )2
شرح منظومة أشراط الساعة 116
من أشراط الساعة :ظهوراملهدي وهو محمد بن عبدللا ،من آل بيت النبي -صلى للا
عليه وسلم -وذريته ،اسمه كاسم النبي -صلى للا عليه وسلم ،-واسم أبيه كاسم أبي النبي -
صلى للا عليه وسلم ،-وهو من ذرية فاطمة بنت النبي -صلى للا عليه وسلم ورض ي للا
عنها -من ولد الحسن بن علي -رض ي للا عنهما ،-وهو أجلى الجبهة ،أقنى األنف.
فيصلحه للا،وراُ ، يخرج آخر الزمان على اختالف من الناس ،وقد ُملئت األرض ً
ظلما وج ً
ً ً
ويؤيد به الدين ،ويمأل األرض قسطا وعدال ،وتنعم األمة في عهده نعمة لم تنعمها قط،
ُ
تخرج األرض نباتها ،وتمطر السماء قطرهاُ ،ويعطي املال بغير عددُ ،ويقيم خالفة راشدة،
ُويقاتل األعداء ،ويخرج الدجال في زمانه ،وينزل عيس ى ابن مريم -عليه السالم -فيصلي وراء
املهدي ،يملك املهدي سبع سنين ،وقد تواترت به األخبار ،وآمن به األخيار إال من شذ.
وبخروجه تبدأ األمور العظام ،وتتابع األشراط.
قال:
ْ
ص ِل ُح ُه الع ِل ُّي)
في ليلة ُي ْ
ٍ راطها امل ْه ِد ُّي
(هذا و ِمن أش ِ
أخرج أحمد( )1وابن ماجه( )2وصحح إسناده أحمد شاكر( )3وهو في السلسلة
الصحيحة( )4عن علي -رض ي للا عنه -أنه قال :قال رسول للا -صلى للا عليه وسلم:-
ُ ُ ُ َّ ْ
ليلة».
البيت يصلحه هللا في ٍ
ِ «امل ْه ِد ُّي ِمنا أهل
قيل :املعنى يتوب عليه ويوفقه ُويلهمه رشده بعد أن لم يكن كذلك ،قاله ابن كثير(،)5
متلبسا ببعض النقائص فيصلحه للا ويتوب عليه.ً فاملعنى أنه يكون
وقيل :املعنى يصلحه للخالفة وتولي قيادة املسلمين ويهيؤه لذلك.
(.)645( )1
(.)4085( )2
(.)62/19( )5
117 شرح منظومة أشراط الساعة
ثم قال:
ِمن ن ْس ِل س ِي ِد الورى األ َّو ِاه) هللا د (و ْهو ُمح َّم ُد ْب ُن ع ْ
ب
ِ ِ
()3
أخرج أبو داود( )1وصححه ابن تيمية في منهاج السنة( )2وهو في السلسلة الصحيحة
عن ابن مسعود -رض ي للا عنه -عن النبي -صلى للا عليه وسلم -أنه قال« :لو لم ي ْب ِمن
ُ ً هللا ذلك اليوم َّ يوم ،لط َّول ُ
ٌ َّ
أهل بيتي،
ِ من قال: أو مني الج ر فيه يبعث ى حت إال الدنيا
واسم أبيه اسم أبي» .وأخرج أبو داود( )4وابن ماجه( )5وهو في صحيح ُ اسمه اسمي، ُ
يواطئ ُ
الجامع الصغير( )6عن أم سلمة -رض ي للا عنها -أنها قالت :سمعت رسول للا -صلى للا
ْ عليه وسلم -يقول« :امل ْه ُّ
دي من ِعترتي من ول ِد فاطمة».
وعترة الرجل :نسله ورهطه األدنون ،وهم أهل بيته -صلى للا عليه وسلم.-
قال ابن كثير في املهدي(" :)7هو محمد بن عبدللا العلوي الفاطمي الحسني".
هذا قوله:
ِمن ن ْس ِل س ِي ِد الورى األ َّو ِاه) ْ ُ ُ ْ ُ ْ
(وهو مح َّمد بن عب ِد ِ
هللا
األواه :كثير التضرع إلى للا تعالى.
ثم قال:
ْ ْ ْ ُ
س ْبع ِس ِنين .و ْهو أقنى أ ْجلى ً ْ
(فيمأل األرض ج ِميعا عدال
(.)4282( )1
(.)254/8( )2
(.)41/4( )3
.
(.)4284( )4
(.)4086( )5
دي يسقيه ُ
هللا الغيث، ُّ هْ امل تيمخر ُج في آخر ُأ َّأن رسول للا -صلى للا عليه وسلم -قال« :ي ُ
ِ ِ ِ
حاحا -الصحاح بفتح الصاد :بمعنى الصحيح، ض نباتهاُ ،ويعطي املال ص ً ُوتخر ُج األر ُ
ُ ُ ِ
ً ُ ُ ُ
واملعنى أنه يقسم املال بالسوية بين الناس -وتكث ُر املاشية ،وتعظ ُم األ َّمة ،ي ُ
عيش سبعا أو
مانيا» يعني ِحج ًجا.ث ً
وفي بعض الروايات(« :)6يملك سبع سنين أو ثمان سنين أو تسع سنين».
وللعلماء في مدة خالفته وملكه قوالن؛ الختالف هذه الروايات.
قيل :املدة على التقريب يملك ما بين سبع سنين وتسع سنين ،وقد سلك من قال بهذا
مسلك الجمع.
(.)4285( )1
( )2ص.144
(.)6736( )3
(.)8673( )4
وقيل :بل يملك سبع سنين ،وقد سلك من قال بهذا مسلك الترجيح ،فرجح رواية
الجزم بأنها سبع سنين ،ويؤيده أنها أصح الروايات وأكثرها ،ثم إن رواية الجازم مقدمة على
رواية الشاك ،فيكون القول بأنه يملك سبع سنين هو املعتمد.
ً ُ
وقد دلت هذه األحاديث على أن األمة في زمن املهدي تعظ ُم ،وتمتلئ األرض قسطا
فيعطى ُ ً
وعدال ،ويكثر الخيرُ ،
املال بغير عدد ،وينعم الناس بالعيش النهيء الواسع.
َّللا عن ُه -أن النبي -صلى ُ
للا عليه وسلم -قال: وفي صحيح مسلم( )1عن جابر -رض ي ُ
ٌ ْ ُ
مان خ ِليفة يق ِس ُم املال وال ي ُع ُّد ُه». َّ
آخ ِرالز ِ«يكون في ِ
ً ُ ُّ ُ ً ْ ْ ٌ َّ ُ ُ
آخ ِرأمتي خ ِليفة يح ِثي املال حثيا ،ال يعده عددا». ِ في ن في رواية له(« :)2يكو
وليس فيه ذكر املهدي ،لكن ال محمل له إال املهدي كما دلت على ذلك األحاديث
املتقدمة.
وفي الصحيحين( )3عن أبي هريرة -رض ي للا عنه -أن النبي -صلى للا عليه وسلم -قال:
ُ ُ ُ «كيف أ ْن ُت ْم إذا نزل ُ
ابن م ْريم ِفيك ْم ،وإم ُامك ْم ِمنك ْم». ِ
وفي صحيح مسلم( )4عن جابر -رض ي للا عنه -أنه قال :سمعت رسول للا -صلى للا
ٌ ُ َّ ُ ُ عليه وسلم -يقول« :ال ت ُ
القيام ِة،
ِ ِوم ي إلى ين
ر ِِظاه ِ الح على ن و لتِ قاي تيم أ ن مِ ة ف ئ
ِ طا زال
ابن م ْريم -عليه السالم ،-فيقو ُل ِأم ُير ُه ْم :تعال ص ِل لنا ،فيقول :ال،
ُ قال :في ْنز ُل عيس ى ُ
ِ ِ
َُّ ْ ُ ُ ْ إن ب ْعض ُك ْ
َّ
هذه األمة». ِ ِهللا ة مرِ ك ت راءم أ ضٍ ع ب على م
ً
وهذا يدل على أنهم عند نزول عيس ى -عليه السالم -يكون املتولي ألمر املسلمين رجال
منهم ويدل على أنه رجل صالح؛ ألنه يحضر للصالة ويصلي بهم ويطلب من عيس ى -عليه
السالم -أن يتقدم ويصلي لهم وهذه صفات رجل صالح يؤم املسلمين في ذلك الوقت.
(.)2914( )1
(.)2913( )2
(.)156( )4
شرح منظومة أشراط الساعة 120
وقد جاءت األحاديث في السنن واملسانيد وغيرها مفسرة لهذه األحاديث التي في
الصحيحين ،ودال ًة على أن ذلك الرجل الصالح هو املهدي .والسن ُة يفسر ُ
بعضها ً
بعضا.
ْ
َّللا عن ُه -أنه قال :قال رسول للا -صلى للا عليه وسلم« :-ين ِز ُل وعن جابر -رض ي ُ
ِعيس ى ا ْب ُن مريم ،فيقو ُل أ ِم ُير ُه ُم امل ْه ِد ُّي :تعال ص ِل ِبنا» وفيه التصريح بأن أميرهم يؤمئذ
املهدي.
()1
أخرجه الحارث بن أبي أسامة في مسنده وجود إسناده ابن القيم في املنار املنيف
وهو في السلسلة الصحيحة(.)2
وسيتحقق في ذلك الزمان ما أخبر به النبي -صلى للا عليه وسلم -من أن آخر أمر هذه
األمة يكون خالفة على منهاج النبوة وهي الخالفة الكاملة العادلة.
أخرج أحمد في مسنده( )3وهو في السلسلة الصحيحة( )4عن حذيفة -رض ي للا عنه -أنه
فيكم ما شاء َّ ُ
َّللا أن تكون َّ ُ ُّ ُ َّ ُ ُ
ثم قال :قال رسول للا -صلى للا عليه وسلم« :-تكون النبوة
يرفعها إذا شاء أن يرفعها» وهذا الذي حصل ،فقد رفعها للا بموت النبي صلى للا عليه ُ
وسلم.
ثم ُ
يرفعها َّللا أن ت ُكونَّ ،
بوة ،فتكو ُن ما شاء َّ ُ ُّ
الن َّ منهاج على
ٌ
خالفة ن
ُ
كو ت قالَّ :
«ثم
ِ ِ
إذا شاء هللا أن يرفعها» وهذا عصر الخالفة الراشدة ،فقد ساروا على نهج النبي -صلى للا
عليه وسلم -وسيرته ،وهي ثالثون سنة بعد النبي صلى للا عليه وسلم.
وظلم كأنهم ُيعضون فيهعسف ٌ ٌ
عاضا» أي يصيب الرعية فيه «ثم تكو ُن ُم ًلكا ًّقالَّ :
عضا.
( )1ص 148قال ابن القيم بعد أن ساق إسناده ومتنه عند الحارث بن أبي أسامة :إسناده جيد.
(.)276/5( )2236( )2
(.)18406( )3
يرفعها إذا شاء أن يرفعها» وقد وقع ذلك ثم ُ َّللا أن يكونَّ ، قال« :فيكو ُن ما شاء َّ ُ
ً
بعد الخالفة الراشدة ،كما وقع في زمن الحجاج مثال من املظالم والعسف ،مع مراعاة
عامتهم أحكام الشرع في الجملة.
َّ ً ُ ً ُ
برية» أي يزداد الظلم فتكون والية جبرية فيها ُع ُتو وقهر وتجبر، قال« :ث َّم تكون ُملكا ج
أوقات يتولى فيها أهل العدل والرحمة ٌ وهذه املراحل من حيث الجملة ،وإال فقد تتخللها
ً
كحال معاوية -رض ي للا عنه -فإنه كان ملكا؛ إال أنه كان ذا رحمة وعلم وتقوى وعدل،
س للا على الناس فيرزقهم أن وكحال عمر بن عبدالعزيز ،وهكذا بين فترة وأخرى ُينف ُ
يتولى عليهم من يحبهم ويحبونه ،ويدعو لهم ويدعون له كما قال النبي -صلى للا عليه
ُ ُ ُّ ُّ ُ ُ ُ َّ
يارأ ِئ َّم ِتك ُم ال ِذين ت ِح ُّبون ُه ْم ُوي ِح ُّبونك ْمُ ،ويصلون عل ْيكم وتصلون عليهم»(.)1
وسلم« :-خ ُ
ِ
ٌ َّ
مان إال وقد حمل الحسن البصري قوله -صلى للا عليه وسلم« :-ال يأتي عليكم ز
الذي بعد ُه ش ٌّر منه»( )2على األكثر واألغلب ،فقد سئل عن وجود عمر بن عبدالعزيز بعد
الحجاج؟ فقال :ال بد للناس من تنفيس(.)3
ثم بعد هذا االبتعاد عن نهج النبوة يختم للا لهذه األمة بالخير والرحمة ،ويردها إلى
ُ َّ ً ُ ً ُ
برية فتكون النهج الصحيح كما قال -صلى للا عليه وسلم -في الحديث« :ث َّم تكون ُملكا ج
ُ
نهاج الن ُب َّو ٍة». م على
ً
الفةخِ
ُ
ن تكو أن يرفعهاُ ،ث َّ
م
ْ
شاء إذا هاعأن تكونُ ،ث َّم يرف ُ
ُ ْ
ما شاء هللا
ِ ِ
ويتحقق ذلك في آخر الزمان في خالفة املهدي وعيس ى -عليه السالم ،-فاملهدي يمأل
ً ً
األرض قسطا وعدال ،وخالفته تكون بالشام ،ويكون آخر خليفة قرش ي ،ثم يكون األمر
لعيس ى -عليه السالمُ ،-وتسل ُب ُقر ٌ
يش ُملكها كما أخبر النبي صلى ُ
للا عليه وسلم(.)4
وبنزول عيس ى -عليه السالم -وصالته خلف املهدي ينقطع ذكر املهدي في األحاديث.
( )4أخرجه ابن ماجه ( )4077من حديث أبي أمامة الباهلي وهو في صحيح الجامع الصغير ()1302/2
وانظر قصة المسيح الدجال لأللباني ص.115
شرح منظومة أشراط الساعة 122
قال:
األ ْخ ُ
يار) ِبأ ْم ِر ِه
ْ
وآمنت (وقد تواتر ْت به األ ْخ ُ
بار ِِ
جمع من أهل العلم على أنها األخبار عن النبي -صلى للا عليه وسلم -في املهدي ،قد نص ٌ
ً
معنويا يفيد العلم القطعي بخروج املهدي في آخر الزمان. متواترة ً
تواترا
اآلبري (نسبة إلى ُآبر وهي قرية من قرى سجستان)" :قد قال الحافظ أبو الحسين ُ
تواترت األخبار واستفاضت عن رسول للا -صلى للا عليه وسلم -بذكر املهدي ،وأنه من
ً
أهل بيته ،وأنه يملك سبع سنين ،وأنه يمأل األرض عدال ،وأن عيس ى -عليه السالم -يخرج
فيساعده على قتل الدجال ،وأنه يؤم هذه األمة ،ويصلي عيس ى خلفه"(.)1
قال البرزنجي في كتابه اإلشاعة ألشراط الساعة(" :)2واعلم أن األحاديث الواردة فيه
على اختالف رواياتها ال تكاد تنحصر" ،وقال(" :)3إنها بلغت حد التواتر املعنوي".
وقال السفاريني في لوامع األنوار البهية(" :)4وقد كثرت بخروجه الروايات ،حتى بلغت حد
التواتر املعنوي ،وشاع ذلك بين علماء السنة؛ حتى ُعد من معتقداتهم" وأطال في تقرير
ذلك.
وذكر الشوكاني في كتابه التوضيح في تواتر ما جاء في املهدي والدجال واملسيح( )5أن
ً
األحاديث الواردة في املهدي التي أمكن الوقوف عليها منها خمسون حديثا فيها الصحيح
والحسن والضعيف وقال " :وهي متواترة بال شك وال شبهة بل يصدق وصف التواتر على ما
هو دونها في جميع االصطالحات املحررة في األصول ،وأما اآلثار عن الصحابة املصرحة
باملهدي فهي كثيرة ً
أيضا ،لها حكم الرفع إذ ال مجال لالجتهاد في مثل ذلك".
( )1نقل هذا القول جمع من األئمة منهم القرطبي في التذكرة صِّ ،1205
والم ِّ ّزي في تهذيب الكمال في أسماء
الرجال ( ،)149/25وابن القيم في المنار المنيف ص.142
( )2ص.175
( )3ص.215
(.)84/2( )4
( )5نقله عنه صديق حسن خان في كتابه اإلذاعة ص 113والكتاني في نظم المتناثر ص.227
123 شرح منظومة أشراط الساعة
وقال مثل ذلك العالمة صديق حسن خان في كتابه اإلذاعة ملا كان وما يكون بين يدي
الساعة( ،)1والكتاني في نظم املتناثر من الحديث املتواتر(.)2
ُ
الشيخ وقد ذكر بعض الذين حكوا تواتر أحاديث املهدي ونقل كالمهم في ذلك
عبداملحسن العباد -حفظه للا -في كتابه في عقيدة أهل السنة واألثر في املهدي ،وسمى ُ
الصحابة الذين رووا أحاديث املهدي عن النبي -صلى للا عليه وسلم ،-وسمى األئمة الذين
خر ُجوا األحاديث واآلثار الواردة في املهدي في كتبهم ،وسمى جماعة ممن أفرد هذا الشرط
من أشراط الساعة بالتأليف.
ُ ً
ولعلك لن تجد شرطا من أشراط الساعة أفرد بالتأليف كهذا الشرط ،ولعل من أهم
أسباب كثرة التأليف فيه ثالثة أسباب:
األول :اعتقاد الرافضة الباطل في مهديهم املزعوم.
والثاني :ظهور بعض املشككين في أحاديث املهدي أو املنكرين لظهوره.
والثالث :كثرة من ادعى املهدية لنفسه على مر التاريخ ،وما جروا على املسلمين من
الويالت والفتن بسبب الجهل وقلة الفقه ،ومحاولة افتعال واقع يمكن أن ُينزلوا النصوص
عليه ،والتسرع في تنزيل النصوص دون الرجوع ألهل العلم.
ُ ُ
وقد ا ُّد ِعيت املهدية ألناس وادعاها أناس ألنفسهم.
فممن ادعيت له :علي بن أبي طالب -ض ي هللا عنه -ادعاها له ُ
عبدللا بن سبأ ر
اليهودي الذي ادعى اإلسالم ،وزعم أن علي بن أبي طالب -رض ي للا عنه -لم ُيقتل ،وأنه لن
ً
عدال كما ملئت ً
جورا. يموت حتى ينزل من السماء ويملك األرض؛ فيمألها
وملا قيل للحسن بن علي بن أبي طالب -رض ي للا عنهما :-إن الشيعة يزعمون أن عليا
مبعوث قبل يوم القيامة قال" :كذبوا وللا ما هؤالء بشيعته ،لو علمنا أنه مبعوث ما زوجنا
نساءه وال اقتسمنا ماله".
( )1ص.112
( )2ص.227
شرح منظومة أشراط الساعة 124
بن علي بن أبي طالب ،قيل له :ابن وممن ادعيت له :محمد ابن الحنفية وهو ا ُ
الحنفية نسبة ألمه؛ ألنها كانت من بني حنيفة ،ادعى املختار بن أبي عبيد الثقفي أن محمد
ابن الحنفية هو املهدي ،وتابعه على ذلك كثير من الشيعة
ُ
وسموا الكيسانية ،وملا وقف محمد ابن الحنفية على ما قاله املختار تبرأ منه.
وكانت وفاة محمد ابن الحنفية سنة إحدى وثمانين.
وممن ادعيت له :املهدي بن املنصور أحد خلفاء بني العباس ،وكان ً
جوادا محب ًبا إلى
قوم أنه املهدي ،واحتجوا بحديث الرايات السود ،وحديث الناس سمح الخلق ،زعم ٌ
الرايات السود ال يصح( ،)1ولو صح فليس دليال على أنه املهدي الذي يخرج في آخر الزمان.
وكانت وفاته سنة تسع وستين ومئة.
ُُ
وأما الذين ادعوها ألنفسهم فكث ٌر منهم محمد بن عبدهللا بن الحسن بن علي بن أبي
ُ ً
مشهورا بالعلم والزهد حتى لقب بالنفس الزكية ،وقد طالب من سادات بني هاشم ،كان
سماه أهل بيته باملهدي ،وملا ُبويع أبو جعفر املنصور تخلف هو وأخوه إبراهيم عن الوفود
جميعا فاختفيا ،فحبس أباه وبعض أقاربه حتى ماتوا ،فلما ً عليه ،فطلبهما أبو جعفر
ٌ
محمد ذر ًعا باالختفاء ظهر واستولى على املدينة ،وجرت بينهم وبين أبي جعفر حروب ضاق
ُ
حتى قتل محمد بن عبدللا.
قال ابن كثير(" :)2تلقب باملهدي ً
طمعا أن يكون هو املذكور في األحاديث ،فلم يكن به،
ُ
وال تم له ما رجاه ،وال ما تمناه ،فإنا هلل" .وقد قتل سنة خمس وأربعين ومئة.
وممن ادعى املهدية عبيدهللا بن ميمون القداح ،كان جده يهوديا من بيت مجوس ي،
انتسب زو ًرا ً
وكذبا إلى فاطمة بنت النبي -صلى للا عليه وسلم ورض ي للا عنها.-
( )1وهو ما أخرجه ابن ماجه ( )4084عن ثوبان -رضي هللا عنه -قال :قال رسول هللا -صلى هللا عليه وسلم-
« :يقتتل عند كنزكم ثالثة ،كلهم ابن خليفة ،ثم ال يصير إلى واحد منهم ،ثم تطلع الرايات السود من قبل املشرق،
فيقتلونكم قتال لم يقتله قوم -ثم ذكر شيئا ال أحفظه فقال -فإذا رأيتموه فبايعوه ولو حبوا على الثلج ،فإنه
خليفة للا املهدي» .وانظر :سلسلة األحاديث الضعيفة (.)195/1( )85
( )2في البداية والنهاية (.)84/10
125 شرح منظومة أشراط الساعة
وسموا ً ٌ
باطنيةُ ،
أيضا بالعبيديين نسبة إلى عبيد وتسموا بالفاطميين وإنما هم أدعيا ُء
وسموا بالباطنيين؛ ألنهم ُيظهرون اإلسالم ويبطنون اإللحاد والكفر.
للا املذكورُ ،
وقد عظمت غربة اإلسالم ومحنته إبان ملكهم ،وكان ملكهم مئتين وثمانين سنة
وكسرا ،ثم صاروا كأمس الذاهب ،كأن لم يغنوا فيها ،وقد مات ُعبيدللا بن ميمون القداح
سنة اثنتين وعشرين وثالث مئة.
ومنهم محمد بن عبدهللا بن تومرت البربري مدعي املهدية باملغرب ،ذكر عنه الذهبي
أنه ادعى أنه حسني ،وأنه ٌ
إمام معصوم ،وهو باإلجماع مخصوم(.)1
ً
وابن تومرت هو مؤسس دولة املوحدين ،وكانت عقيدته خليطا من آراء الفرق
ٌ
حروب طاحنة، كالرافضة واملعتزلة واألشعرية والخوارج ،وقد دارت بينه وبين املرابطين
وقد تهور في سفك الدماء دماء أعدائه ودماء أتباعه .قال الذهبي" :دخل وللا في الدماء
لنيل الرياسة املردية"(.)2
قال ابن القيم" :أما مهدي املغاربة محمد بن تومرت فإنه رجل كذاب ظالم متغلب
بالباطل ،ملك بالظلم والتغلب والتحيل ،فقتل النفوس ،وأباح حريم املسلمين ،وسبى
ذراريهم ،وأخذ أموالهم ،وكان شرا على امللة من الحجاج بن يوسف بكثير"(.)3
وقد كانت وفاته سنة أربع وعشرين وخمس مئة.
ومنهم محمد أحمد بن عبدهللا مدعي املهدية بالسودان ،وهو ينتسب إلى آل البيت،
قديما إلى السودان واستوطنوا هناك ،وقد بزغ ذكره ووقعت له حروب هاجرت أسرته ً
كثيرة مع الدولة العثمانية من جهة ومع اإلنجليز من جهة أخرى ،وقد انتصر فيها حتى
سمع به القاص ي والدانيُ ،وأخذ عليه دعواه أنه املهدي مع أنه ال تنطبق عليه صف ُ
ات
املهدي ،ودعواه التلقي املباشر عن النبي -صلى للا عليه وسلم -في اليقظة ،فكان ينسب
(.)541/19( )2
أقواله إلى النبي -صلى للا عليه وسلم ،-وكان ُيلزم الناس بدعوته بل ُيكفرهم ويقاتلهم
عليها.
وقد كانت وفاته سنة اثنتين وثالث مئة وألف.
ٌ
ومنهم محمد بن عبدهللا القحطاني وكان قد اقتحم جماعة املسجد الحرام في ُمستهل
سنة أربع مئة وألف أثناء تأدية املصلين صالة الفجر ،وأعلنوا مهديهم املزعوم.
وقد انتهكوا عدة حرمات :انتهكوا حرمة البلد الحرام ،وانتهكوا حرمة املسجد الحرام
وعطلوا الصالة فيه ً
أياما ،وانتهكوا حرمة الشهر الحرام؛ ألن ذلك وقع في شهر للا املحرم،
وانتهكوا حرمة دماء املسلمين.
وقد اعتمدوا في إثبات مهديهم على الرؤى ،ومتى كانت الرؤى تثبت بها األحكام؟!
ُ ُْ ُ ُ ُ
األحكام واإللهام فليس منها تؤخذ أما الرؤى والكشف
ُ ً
فضال أن تستباح بها الدماء ،وقد انتهت هذه الفتنة بقتل مدعي املهدية ومن معه وأراح
للا املسلمين من شرهم.
وقد ظهر كثير ممن ادعى املهدية لكن عامتهم ممن أصابهم مرض في عقولهم ،ولم يكن
لكثير منهم أتباع أو ذكر.
ثم أشار إلى كلمة جليلة لسفيان الثوري أتبعها ببصيرة في أزمنة الفتن.
املتن:
َّ ال ت َّتب ْع ُه قال ُ
ور ُّي ِ الث ه ِ بابك جا امل ْه ِد ُّي و ِإن على ِ
ُ
ِإل ِيه أ ُمور ُه ْم ور َّد ُه ْم اج ِتماع ُه ْم عل ِيه حتى ترى ْ
َّ ْ و ْهي ُل ُز ُ ٌ
الحل ِم والتب ُّي ِن ِ وم الفت ِن
ِ في ة هذ ِه ب ِصير و ِ
العلما ص ُدور ُ ح ْل ٌم أوى إلى ُ فما أوى ش ٌيء ِإلى ش ٍيء كما
ِ ِ ِ
ْ ْ ُ ُ
خ ٌير ِمن ان تكون رأس ض ِير تاب ًعا في الخ ِير ِ ن و ك وأن ت
الندامات فب ْئس َّ ُ َّ َّ ْ
الد ِغل ْه ِ ِ أم وكان ِت العر ُب تك ِنى العجل ْه
ُ ْ ْ ْ ْ ُ
الحك ِم وال ت ِح ْد عن ف ْه ِم ِه ْم و ْ ْ
فالزم أخي غرز أه ِل ال ِعل ِم َّ
127 شرح منظومة أشراط الساعة
الشرح:
قال:
َّ ال ت َّتب ْع ُه قال ُ
ور ُّي
ِ الث ه ِ بابك جا امل ْه ِد ُّي
(و ِإن على ِ
ُ
ِإل ِيه) أ ُمور ُه ْم ور َّد ُه ْم حتى ترى ْ
اج ِتماع ُه ْم عل ِيه
أخرج أبو نعيم في حلية األولياء( )1عن حفص بن غياث أنه قال :قلت لسفيان الثوري:
يا أبا عبدللا إن الناس قد أكثروا في املهدي فما تقول فيه؟ قال" :إن م َّر املهدي على بابك
فال تكن منه في ش يء حتى يجتمع الناس عليه".
ٌ
وكلمة سفيان الثوري هذه بصيرة في الفتن ،وقاعدة رصينة ،وأصل ومنهج في زمن كثر
فيه العبث باملغيبات وأشراط الساعة كأنه يقول له :ال بد من لزوم الحلم والتأني والتبين
ُ
في األمر ،حتى ُيتحقق أنه هو املهدي حقا ،وعالمة ذلك اجتماع الناس عليه.
ومن تتبع أخبار مدعي املهدية ،وما حصل بسببهم من فساد في األرض وإراقة للدماء
علم جاللة كلمة سفيان الثوري هذه.
قال:
َّ ْ ُل ُز ُ ْ ٌ
الحل ِم والتب ُّي ِن ِ وم وهي
الفت ِن
ِ هذ ِه ب ِصيرة في(و ِ
ص ُدور ُ أوى إلى ُ ْ
العلما) ِ ِ ِحل ٌم
فما أوى ش ٌيء ِإلى ش ٍيء كما
عقد بهذا ما أخرجه الدارمي في مسنده( )2عن عطاء -رحمه للا -أنه قال" :ما أوى ش ٌيء
إلى ش ٍيء أ ْزين من حلم إلى علم".
قال:
ْ ْ ُ ُ
خ ٌير ِمن ان تكون رأس ض ِير) تاب ًعا في الخ ِير
ِ نو ك (وأن ت
(.)31/7( )1
(.)470/1( )2
شرح منظومة أشراط الساعة 128
ُ
عقد بهذا ما أخرجه ابن أبي شيبة في املصنف( ،)1والبيهقي في شعب اإليمان( )2عن ابن
ْ
مسعود -رض ي للا عنه -أنه قال" :إنها ستكون هنا ٌت ،وأمور ُمش ِبهات ،فعليك بالتؤدة،
خيرمن أن تكون ر ً فتكون ً
أسا في الشر". الخير ٌ ِ
ِ في اتابع
قال:
ُ َّ َّ
الندامات فب ْئس َّ (وكانت العر ُب ت ْكنى العجل ْ
الد ِغل ْه) ِ ِ م أ ه ِ ِ
هذا من قول أبي حاتم ابن حبان ُ
البستي في روضة العقالء(" :)3وكانت العرب تكني
العجلة أم الندامات".
ُ ُ (فبئس الدغلة) َّ
الدغ ُل :الفساد ،أي بئست الخصلة الفاسدة.
قال:
ُ ْ ْ ْ ُ
الحك ِم)وال ت ِح ْد عن ف ْه ِم ِه ْم و(فالز ْم أخ َّي غ ْرز أ ْه ِل ال ِعل ِم
ُ
فالعلماء هم سفينة نوح ،من تخلف عنها وال سيما في أزمنة الفتن فهو من املغرقين،
والفتن إذا أقبلت تشبهت فلم يعرفها إال العلماء ،وإذا أدبرت عرفها الناس كلهم ،واألشراط ُ
واملالحم من هذا القبيل ،قال الشاعر:
ُ ُ ُ
ص ُد ُورها ً
أشباها عليك ُ قب ُل
ِ وت واض ًيا األمور م ِ
ِ تب َّين أعجاز
وقال آخر:
ُْ
كأعقاب ِه لم تل ِف ِه يتن َّد ُم
ِ األمر يبدون للفتى ِ لو ا َّن صدور
وقال آخر:
ً كأ َّن لُ . ْ
اليوم عينا على غ ِد
ِ في ه هاألمور ِبر ِ ِ
ي أ ِ بأعقاب
ِ ب ِص ٌير
فأهل العلم هم أهل البصيرة النافذة الذين نور للا قلوبهم فميزوا الحق من الباطل
(.)37188( )1
(.)9886( )2
( )3ص.216
129 شرح منظومة أشراط الساعة
املتن:
األشراط الكبرى
َّ ْ ً ْ َّ
الدج ِال ِمن أكب ُر ِفتنة ليس مع األي ِام والليا ِلي
ُُ ُ َّ
وهاك ِم ْن أ ْوصا ِف ِه في الكت ِب ِلذاك قد حذر ُه ك ُّل ن ِبي
يم أ ْعو ُر أ ْدفى قص ٌير وع ِق ٌ ر ُ م جان أ ْ
ح أ ْ ه ُر أ ْقم ُر ه ٌ
ِ ِ ز
يض الن ْح ِر
َّ يم وعر ُ أ ْجلى جس ٌ ر الش ْ
ع
َّ ُ
فال جأ ْفح ُج أ ْجع ُد ُ
ِ ِ ِ
ُ ْ
يقرؤها املسلم ِمن غ ِير ْام ِترا وبين عين ِيه ُيرى قد كفرا
يح كالغيث ملا است ْدبرْت ُه الر ُ يح ُك َّل بلد يس ُ ل ي ْد ُخ ُ
ِ ِ ِ ٍ
ْ ُّ وم ْ ُْ َّ
ور كذاك األقص ى ِ الط د
ِ جِ س ى ص ق ي س ة ٍ يب طو ةٍ ك عن م
ف ش ْه ِر ْ وأ ْ ب ُعون ُم ْك ُث ُه في ق ْ
عام وش ْهر ِين و ِنص ِ ٍ ر ِ د ر
ْ
واأللبابا الع ُقول ُ وي ْبه ُر العجابا ُي ْعطى من الخوارق ُ
ِِ ِ
ْ ُ ٌ َّ َّ ُ
أنها ُر ُه ومعه ف ج نة نا ُر ُه نار وأما ٌ جنت ُه
ض ب ُق ْدرة هللا وهذي ب ْع ُ ض السما واأل ْر ُ َّ ه يب أ ْمر ُ ُتج ُ
ِ ِ ِ ِ
س ْب ُعون ألفا م ْ ً ْ أ ْ ي ُه ُ باع ُ أ ْت ُ
يجان ِ الس
ِ ي و ذ ن ِ هان ِ ب ص ود ه
من النساء ومن األ ْ ُّ
راب ِ ع ِ ِ ِ ِ ابي ر ٌ
ع م ْ ج و رك الت الع ْج ُم و و ُ
عل ِيه فالغ ُّر بنو ت ِم ِيم
ُ ُ
ريم الك ة م أما أش ُّد ُأ َّ
ِ ِ
على ي ِد امل ِس ِيح ن ْج ِل م ْري ِم اعل ِم الك ُه بباب ُلد ف ْ ُ
ه
ٍ ِ ِ
الشرح:
ُْ ُ ٌ ٌ آيات ع ٌ ُ ُ
ظام خارقة للعادة ،خارجة عن املألوف ،تؤ ِذن بانتهاء ِ ٍ عشر ى بر الك األشراط
وقرب قيام الساعة ،ولم يقع ش ٌيء منها بعد ،وإذا وقعت تتابعتُ ، ُ
بعضها بإثر ِ الدنيا،
بعض.
في مسند اإلمام أحمد( )1وهو في السلسلة الصحيحة( ،)1عن عبدللا بن عمرو -رض ي
ْ ُ
ات خرز ٌ َّللا عن ُهما -أنه قال :قال رسول للا -صلى ُ ُ
ات للا عليه وسلم« :-اآلي
(.)7040( )1
131 شرح منظومة أشراط الساعة
شواهد من حديث ُ ضا» .ولهضها ب ْع ً ات في س ْلك ،فإ ْن ُي ْقطع الس ْل ُك ،ي ْتب ْع ب ْع ُ م ْن ُظوم ٌ
ِ ِ ِ ِ ٍ ِ
جماعة من الصحابة.
ُ ٌ ُ
أخرجه مسلم في صحيحه( )2عن وهذه األشراط الكبرى جمعها حديث واحد ،هو ما
َّللا عن ُه -أنه
أبي سريحة –بفتح السينُ -حذيفة بن أسيد –بفتح الهمزة -الغفاري -رض ي ُ
َّ صلى ُ َّ َّ
هللا عليه وسلم -علينا ونحن نتذاك ُر ،فقال :ما تذاكرون؟ قالوا: قال« :اطلع النبي -
َّ عشر آيات ،فذكر ُّ ْ ُ
والدجال، الدخان، ٍ نذك ُر الساعة ،قال :إنها لن تقوم حتى ترون قبلها
وطلوع الشمس من مغربهاُ ،ونزول عيس ى ابن مريم -عليه َّ ُ َّ
السالم ،-ويأجوج، ِ ِ ِِ ِ والدابة،
ٌ ٌ ٌ ُ
العرب،
ِ بجزيرة
ِ سف وخ ، ب
ِِغر بامل سف وخ ، ق شر
ِِ بامل سف خ : سوف
ٍ خ ومأجوج ،وثالثة
طر ُد الناس إلى محش ِرهم». خر ُج من اليمن ت ُ
ِ
وآخ ُرذلك ٌ
نارت ُ ِ
نزول عيس ى -عليه السال ُم ،-ثم يأجوج ومأجوج، وهذه األشراط أو ُلها الدجال ،ثم ُ
قطع معه بترتيب ُمعين فيها. تحشر الناس ،وباقي اآليات لم يرد ما ُي ُ ُ وآخرها ُ
النار التي
قال:
َّ ْ ً ْ َّ
الدج ِال) أكب ُر ِفتنة ِمن (ليس مع األي ِام والليا ِلي
(.)2901( )2
شرح منظومة أشراط الساعة 132
كثير الفتنةُ .سمي باملسيح؛ ألنه عظيم الخلقةُ ، ُ جل من بني آدم املسيح الدجال ر ٌ
وسميواه بعضهم بــ(الخاء) املسيخ وهو تصحيف ،وإنما هو بــ(الحاء)ُ . ممسوح العين ،ور ُ
ُ ُ
لفظ الدجال ً
علما وتغطيت ُه للحق .وقد أصبح وتمويه ُه
ُ الدجال؛ لكثرة دجله ،وهو كذ ُب ُه
ُ
عليه ،فإذا أطلق لفظ الدجال لم يتبادر إلى الذهن غيره.
ُ
أعظم الفتن منذ أن خلق للا آدم -عليه السال ُم -إلى قيام الساعة.في صحيح ُ وفتنة الدجال
سمعت رسول للا -صلى ُ
للا عليه ُ َّللا عن ُه -أنه قال:مسلم( )1عن هشام بن عامر -رض ي ُ
ُ ُ ً
أكبر فتنة الساعة خ ْل ٌ أ ْكب ُر من َّ
الد َّج ِال» واملراد: وسلم -يقول« :ما ْبين خ ْل آدم إلى قيام َّ
ِ ِ ِ ِ ِ
من الدجال.
للا عليهَّللا عن ُه -أنه قال :قال رسول للا -صلى ُ وثبت في املسند( )2عن جابر -رض ي ُ
اعة أكب ُرمن فتنة َّ َّ ُ ُ ٌ
الد َّج ِال». ِ ِ وسلم« :-ما كانت فتنة وال تكون حتى تقوم الس
َّ ُ
قالِ ( :لذاك قد حذر ُه ك ُّل ن ِبي).
َّللا عن ُه -أنه قال :قال رسول للا -صلى ُ
للا عليه ▪ في الصحيحين( )3عن أنس -رض ي ُ
ْ ُ َّ َّ ْ ْ ُ
ر
وسلم« :-ما ِمن ن ِب ٍي إال وقد أنذرأمته األعو الكذاب».
َّ ُ ُ ُ
هللا -صلى▪ وفي الصحيحين( )4عن ابن عمر -رض ي َّللا عن ُهما -أنه قال« :قام رسول ِ
الد َّجال فقالِ :إنيفأثنى على هللا بما هو ْأه ُل ُهُ ،ث َّم ذكر َّ ْ
اس
َّ
الن في - م
َّ
وسل عليه َّ ُ
َّللا
ِ ِ
ُ ْ ُ َّ ْ ْ
وه ،وما ِمن ن ِب ٍي إال وقد أنذره قومه». ُأل ْنذ ُر ُك ُم ُ
ِ
ُ
وصدق ُ
والحذر من فتنته، وإظهار كذبه، ُ اإليمان بوجوده ُ والغرض من هذا التحذير: ُ
االلتجاء إلى للا تعالى في التعوذ من فتنته.
ُُ
قال( :وهاك ِم ْن أ ْوصا ِف ِه في الكت ِب).
(.)2946( )1
(.)2148( )1
(.)6796( )2
(.)11711( )3
(.)11712( )5
(.)23685( )1
(.)97/13( )2
(.)7905( )3
(.)22763( )5
(.)4320( )6
ُ
َّللا عن ُه -أنه قال« :ص ِح ْبت ْابن
في صحيح مسلم( )1عن أبي سعيد الخدري -رض ي ُ
َّ
صا ِئ ٍد إلى مكة» وفيه قوله ألبي سعيد:
َّ َّ «أل ْست سم ْعت ُسول هللا ص َّلى َّ ُ
َّللا عليه وسلم يقو ُل :إنه ال ُيول ُد له؟»أي :الدجال وفي ِ ِ ر
ُ
يم ال ُيول ُد له؟ قال أبو سعيد :قلت :بلى».
رواية(« :)2هو ع ِق ٌ
(.)2927( )1
(.)2927( )2
( )4أخرجه أبو داود ( )4320وصححه األلباني في صحيح الجامع الصغير (.)483/1( )2459
(.)522/1( )6
137 شرح منظومة أشراط الساعة
قال النووي في شرح مسلم بعد أن ساق كالم القاض ي عياض في الجمع بين
أيضا أبو عبدللا القرطبي في التذكرة(.)2 ُ
ورجحه ً الروايات(" :)1هو في نهاية من ُ
الحسن"،
يلتبس على أحد ،حتى قال -صلى ُ
للا عليه ُ ٌ
ظاهر ال وعلى كل؛ فعيب عين الدجال
ُ َّ
الهل ُك فإن وسلم -كما في املسند( )3من حديث ابن عباس -رض ي ُ
َّللا عن ُهما« :-فإما هلك
رَّبكم ل ْيس ْ
بأعور».
ناس جاهلون وضلوا فتمسكوا أنتم واله َّل ُكُ :
جمع هالك ،واملعنى :إذا هلك بالدجال ٌ ُ
بهذه الصفة من صفات الدجال ،وهي أن الدجال أعور وإن ربكم -جل وعال -ليس بأعور.
عاجز عن إزالة نقصه كيف ُيصد ُق في ٌ ففيه ٌ
تنبيه إلى أن من كان ناقص الخلقة وهو
ُ
دعواه األلوهية؟!
ْ
ثم قال( :أفح ُج).
تباع ُد ما بين الساقين ،وقيل :تداني صدور القدمين مع ُ
تباعد العقبين، الفح ُجُ :
وسبق هذا في وصف ذي السويقتين الحبش ي الذي ُ
يهدم الكعبة ،وسبق ُ
دليل وصف
الدجال بأنه أفحج.
ثم قال( :أ ْجع ُد).
أجعد الشعر وسبق ُ
دليله. ُ ُ
أجعد :أي
َّللا عن ُهما -أنه قال :ذكر رسول للا وفي صحيح مسلم( )4عن النواس بن سمعان -رض ي ُ
ُ ٌ ُ ٌ َّ
اب قطط ،ع ْين ُه طا ِفئة ،كأ ِني أش ِب ُه ُه «إنه ش ٌّ -صلى ُ
للا عليه وسلم -الدجال ،وفيه قوله:
ُ ُ ُ
هالة ُ ُ بن قطن ر ٌ العزى ُ الع َّزى بن قطن»ُ ،
وعبد ُ بع ْبد ُ
بنت خويلد هلك في جل من خزاعة أمه ٍ ِ ِ
الجاهلية.
( )2ص.1281
(.)2934( )1
(.)2942( )3
139 شرح منظومة أشراط الساعة
ْ ُ ُ ُ
وفي رواية ملسلم(« :)2ث َّم ته َّجاها ك ف ريقرؤ ُه ك ُّل مسلم».
ْ ُ َّللا عن ُه -عند مسلم(« :)3م ْك ُت ٌ
وب ْبين ع ْين ْي ِه :كا ِف ٌر ،يقرؤ ُه وفي حديث ُحذيفة -رض ي ُ
ُ ْ
ك ُّل ُمؤ ِم ٍن كا ِت ٍب وغ ْي ِركا ِت ٍب».
ثم قال( :ي ْد ُخ ُل ُك َّل بلد يس ُ
يح). ٍ ِ
َّللا عنها -في صحيح مسلم( )4عن النبي -صلى ُ
للا في حديث فاطمة بنت قيس -رض ي ُ
يح ،و ِإني َّللا عن ُه -أن الدجال قال« :إني أنا املس ُعليه وسلم -في قصة تميم الداري -رض ي ُ
ِ ِ
ْ ً َّ ْ ُ ُ ُ ْ ُْ
ض فال أدع ق ْرية إال هبط ُتها في أ ْرب ِعين
ِ
فأسيرفي األ ْ
ر ِ ،جرُ فأخ ،وج
ِ
ُ
ر الخ في لي نذ ؤ وشك أن يأ ِ
َّ ً
ل ْيلة غيرمكة وط ْيبة».
ً ُ
خارج على األرض كلها ال يد ُع قرية إال هبطها ،إال ما يأتي استثناؤه في البيت ال ٌ فالدج ُ
الذي بعد هذا.
ويلقى املؤمنون منه شدة ،ففي صحيح مسلم( )5عن أم شريك أنها سمعت النبي -صلى
شريك :يا رسول اس من َّ
الد َّجال في الجبال .قالت ُّ َّ َّن َّ
الن ُ ُ
ٍ أم ِ ِ للا عليه وسلم -يقول« :لي ِفر
يومئذ؟ قال :هم ٌ
قليل». ُ
العرب َّللا فأين َّ
ٍ ِ
ثم قال( :كالغيث ملا است ْدبرْت ُه الر ُ
يح). ِ ِ
اع ُه
للا عليه وسلم -كما في صحيح مسلم(« :)6يا ر ُسول هللا ،وما إ ْسر ُ
ِ ِ
ُسئل النبي -صلى ُ
يح».است ْدبرْت ُه الر ُ في األ ْرض؟ قال :ك ْالغ ْيث ْ
ِ ِ ِ
(.)2933( )2
(.)2934( )3
(.)2942( )4
(.)2945( )5
(.)2937( )6
شرح منظومة أشراط الساعة 140
واملر ُاد بالغيث :الغيم أي ُيسر ُع في األرض إسراع الغيم الذي جاءته ُ
الريح من خلفه،
ُ ٌ
وهو كناية عن ُسرعته الشديدة التي تجعله يطوف األرض في أيام قليلة.
ثم قال:
ْ ُّ وم ْ ُْ َّ
ور كذاك األقص ى) ِ الط د ِ جِ س ى ص ق ي س ة ٍ يب ط و ة
ٍ ك (عن م
في حديث فاطمة بنت قيس السابق في صحيح مسلم( )1قال الدجال عن نفسه بعد أن
ُ َّ
اهما ،كلما قرية إال هبطها« :غير م َّكة وط ْيبة؛ ف ُهما ُمح َّرمتان عل َّي ك ْلت ُ ُ ً
ذكر أنه ال يدع
ِ ِ
ص ُّد ِني ف ص ْل ًتا ،ي ُ َّ ْ ُ
استقبل ِني مل ٌك بي ِد ِه السي
ْ ْ
اح ًدا -منهما أر ْد ُت أ ْن أ ْد ُخل و ً ْ
احدة -أو و ِ ِ
ً ُ ْ ع ْنهاَّ ،
وإن على ك ِل نق ٍب منها مال ِئكة ي ْح ُر ُسونها».
للا عليه َّللا عن ُه -أنه قال :قال رسول للا -صلى ُ وفي الصحيحين( )2عن أنس -رض ي ُ
َّ ْ وامل ِدينة ،وليس ن ْق ٌ ُ ُ َّ َّ ُ َّ َّ ْ َّ
قابها إال ِ أن ن م ِ ب ة ك م إال ،ال ج الد هؤ ط ي س إال وسلم« :-ليس ِمن بل ٍد
ْ ُ ُ ُ ْ ْ ُ
فات ،يخ ُر ُج صافين تح ُر ُسها ،فين ِز ُل بالسبخ ِة ،فت ْرجف امل ِدينة ثالث رج ٍ ِ ة عليه املال ِئك
ومنا ِف ٍ ». إل ْيه م ْنها ُك ُّل كافر ُ
ٍِ ِ ِ
للا عليه َّللا عن ُه -أن رسول للا -صلى ُ وفي صحيح مسلم( )3عن أبي هريرة -رض ي ُ
ُ َّ ْ ُ ُ ُ ُ ُ َّ ْ ُ ُ ْ وسلم -قال« :ي ْأتي املس ُ
ص ِرف يح ِمن ِقب ِل املش ِر ِقِ ،ه َّمت ُه امل ِدينة ،حتى ين ِزل دبر أح ٍد ،ثم ت ِ
َّ ُ
املال ِئكة و ْجه ُه ِقبل الش ِام ،و ُهن ِالك ي ْه ِل ُك».
للا عليه وسلم -أن النبي - وفي مسند اإلمام أحمد( )4عن بعض أصحاب النبي -صلى ُ
كل منه ٍل ،وال باحا ،ي ُبل ُغ فيها َّ مك ُث في األرض أربعين ص ً ُ
ي ه
َّ
إن للا عليه وسلم -قال« :و صلى ُ
ِ
ُّ
ومسجد ِ ، ور
ِ الط ومسجد
ِ دينة،
ومسجد امل ِ ِ رام،
مسجد الح ِ ِ مساجد: ِ يقر ُب أربعة
ْ
األقص ى».
ثم قال:
(.)2942( )1
(.)1380( )3
ُْ
ف ش ْه ِر) ْ
عام وش ْهر ِين و ِنص ِ
ٍ (وأ ْرب ُعون ُمكث ُه في ق ْد ِر
َّللا عن ُهما -في صحيح مسلم( )1أن النبي -صلى ُ
للا عليه في حديث النواس بن سمعان -رض ي ُ
كسنةٌ ، ٌ ً ُ ُ وسلمُ -
كشهر،
ٍ ويوم ٍ يوم ا:يوم نبعور أ قال: ؟ضِ ر األ في ه بث ل «وما له: فقيل ئلس
وسائر َّأيامه َّ ٌ
كأي ِامكم». ُ ِ كجمعة،
ٍ ويوم
ٌ
سبعة وثالثون وإذا جمعت السنة والشهر ُ
والجمعة أي األسبوع واأليام الباقية وهي
عاما وشهرين ونصف شهر. كثه في األرض ً يوما ،إذا جمعت ذلك كان ُم ُ ً
ثم قال:
ْ ُُ
العقول واأللبابا وي ْبه ُر العجابا من الخوارق ُ
ِِ ِ ( ُي ْعطى
َّ ٌ َّ ُ
أ ْنها ُر ُه ومع ُه ف ج نة نار وأما نا ُر ُه ٌ جنت ُه
ض) هللا وهذي ب ْع ُ ِبق ْدر ِة
ُ
ض أ ْمر ُه َّ
السما واأل ْر ُ ُتج ُ
يب
ِ ِ
ُ
يمتحن أعظم فتنة منذ أن خلق للا آدم إلى قيام الساعة بسبب ما ُ سبق أن فتنة الدجال
ُ
للا به العباد من الخوارق العظيمة التي ُيعطاها الدجال ،التي تبه ُر العقول وتحير األلباب
ً
جنة ونا ً اُ ،
فجنته ٌ ً ً
نار ونا ُره جنة ،وأن معه أنهار املاء ،وأن ر وابتالء ،ومن ذلك أن معه فتنة
تأكل منه أنعامهمزرعا ُفتنب ُت لهم ً فتمطرهم واأل ض ُ
ر
من استجاب له يأمر السماء ُ
مانا ،ومن ال يستجيب له وي ُرد على الدجال وترجع إليهم مواشيهم س ً ُ وأنفسهم ُبقدرة للا،
ُ ُ ُ أمره ُت ُ
والجدب والقحط وموت األنعام ،ونقص األموال واألنفس والثمرات. صيبهم السنة
يقتل ذلك الشاب الذي ُ
تتبعه كنوز األرض ،كيعاسيب النحل ،وأنه ُ ومن فتنته أنه
ٌ ً
سيأتي خبره ثم ُيحييه ،وهذا كله ليس تخييال بل هو حقيقة امتحن للا بها عباده في ذلك
فيكفر املرتابون ويزداد الذين آمنوا ً
إيمانا. ُ الزمن،
(.)2937( )1
شرح منظومة أشراط الساعة 142
َّللا عن ُه -أنه قال :قال رسول للا -صلى أخرج مسلم في صحيحه( )1عن ُحذيفة -رض ي ُ
معه ج َّن ٌة ٌ
ونار ،فنا ُر ُه الشعرُ ، َّ َّ ُ ْ ُ ْ ُ ْ ى ُ ُ َّ
فال ج ، رس الي ن يالع ر و أع ال ج «الد : - م وسل عليه ُ
للا
ِ ِ
نار». ج َّن ٌة وج َّن ُت ُه ٌ
َّللا عن ُه -أنه قال :قال رسول للا -صلى أيضا عن ُحذيفة -رض ي ُ وفي صحيح مسلم(ً )2
ْ
يان ،أح ُد ُهما -رأي ران يج ِر ْ ِ
ْ ُ ْ َّ َّ
للا عليه وسلم« :-ألنا أعل ْم بما مع الدج ِال منه؛ معه نه ِ
ْ ُ ُ
الن ْهر َّالذي ي ُ
راه نار تأ َّج ُج ،فإ َّما أ ْدرك َّن أح ٌد ،ف ْليأت َّ ض ،واآلخ ُر -رأي الع ْينٌ - ماء ْأبي ُ الع ْينٌ -
ِ ِ ِ ِ
َّ
ض ،ث َّم ل ُيطأ ِط ْئ رأس ُه فيشرب منه؛ فإنه ٌ ْ ْ ْ ْ ُ ْ
ماء با ِر ٌد». نا ًرا ول ُيغم ْ
ِ
َّللا عن ُهما -في ذكر الدجال وفي صحيح مسلم( )3من حديث النواس بن سمعان -رض ي ُ
وم كس ٍنة، وما :ي ٌ أن الصحابة قالوا« :يا رسول هللا ،وما ُل ْب ُث ُه في األرض؟ قال« :أربعون ي ً
ِ ِ
كأي ِامكم». كج ُمعة ،وسائ ُر َّأيامه َّ وم ُ وم كشهر ،وي ٌ وي ٌ
ِ ِ ٍ ٍ
الريح ،قال :فيأتي القوم دبرتهإسراع ُه في األ ض؟ قال :كالغيث إذا است ُ ُ قالوا« :فما
ِ ِ ر ِ
روحفت ْنبت ،فت ُ ُ
ض ر واأل ، ر ط م
ُ
فت ْ ماء السفيأمر َّ ُ ، فيدعوهم فيؤمنون به ،ويستجيبون ل ُ
ه ُ
ِ ِ ِِ
ُ ُ -أي ترجع آخر النهار -عليهم سار ُ
حت ُهم -أي ماشيتهم -أطول ما كانت ذ ًرى -الذرى :األعالي
ُ
ضروعا لكثرة ً ضروعا -أي أطوله ً جمع ذروة ،وذروة كل ش يء أعاله -وأسبغ ُه واألسنمة ،وهو ُ
ثم يأتي القوم فيدعوهم في ُر ُّدون وأمد ُه خواصر -أي لكثرة امتالئها من الشبعَّ - اللبنَّ -
ُ ُ ُ عليه قول ُ
أموال ِه ْم ،وي ُم ُّر
ِ محلين ،ليس بأيديهم ش ٌيء ِمن فينصرف عنهم فيصبحون م ِ ِ ، ه ِ
َّ فتتبع ُه ُ ُ ُ ُ
حل -يعاسيب النحل: ِ الن عاسيبِ كي ها كنوز ، ك ِ نوز ك أخرجي ِبالخ ِرب ِة ،فيقول لهاِ :
ً ً
فيضرب ُه
ُ بابا، ممتلئا ش ً ثم يدعو رجال هي ذكور النحل وقال القاض ي عياض :هي جماعاتهاَّ -
وجه ُه فيقب ُل يته َّل ُل ُ دعوهُ ، ثم ي ُ فيقطع ُه ج ْزلتين ،رمية الغرضَّ ، ُ ،
ً
ضربة يف بالس ِ
َّ
ِ ِ ِ
يضح ُك».
َّللا عن ُه -أن هذا الرجل الذي وجاء في الصحيحين( )1عن أبي سعيد الخدري -رض ي ُ
يخرج إلى الدجال من مدينة النبي -صلى يقتله الدجال هو خير الناس أو من خير الناسُ ، ُ
(.)2934( )1
(.)2934( )2
(.)2937( )3
143 شرح منظومة أشراط الساعة
للا عليه وسلم -فيقول للدجال« :أشهد أنك الدجال َّالذي حدثنا سول هللا -ص َّلى ُ
هللا ُ
ر ِ
ُ ُّ ُ ُ َّ
عليه وسلم -حديثه ،فيقول الدجال :أرأيتم إن قتلت هذا ث َّم أ ْحييت ُه هل تشكون في
ً ُ
األمر؟ فيقولون :ال ،فيقتله ث َّم ُي ْح ِييه ،فيقول :وهللا ما كنت فيك أشد بصيرة مني
اليوم ،فيريد الدجال أن يقتله فال يسلط عليه».
وعند ابن ماجه( )2وهو في صحيح الجامع الصغير( )3عن أبي ُأمامة الباهلي -رض ي َّللاُ
ألعرابي: ل يقو أن ه ت فتن من للا عليه وسلم -قال في الدجالَّ :
«وإن عن ُه -أن النبي -صلى ُ
ٍ ِ
شيطانان في له لوأمك أت ْشه ُد أني رُّبك؟ فيقو ُل :نعم ،فيتمث ُ أرأيت إن بع ْث ُت لك أباك َّ
ِ
َّ
فيقوالن :يا ُبن َّي ات ِب ْع ُه ،فإنه رُّبك».
ِ وأمه،
صورة أبيه ِ ِ
يكثر ولهذه الخوارق العظيمة التي ُيعطاها الدجال ،ولغلبة الجهل في هذا الزمان ُ
ٌ ُ
اب ونساء، وأخالط من الناس غالبهم أعر ٌ يتبعه اليهود والعجم والترك، أتباع ُه ،وأكثر من ُ
وقد ذكرهم في البيتين بعد هذا فقال:
يجان الس ي و ذ س ْب ُعون أ ْل ًفا م ْ
ن هان ب صأ ْ ي ُه ُ
ود ه (أ ْت ُ
باع ُ
ِ ِ ِ ِ
من النساء ومن األ ْ ُّ
راب) ِ ع ِ ِ ِ ِ ابي ر ع الترك وج ْم ٌ الع ْج ُم وو ُ
َّللا عن ُه -أن رسول للا - أما اليهود فأخرج مسلم في صحيحه( )4عن أنس بن مالك -رض ي ُ
ًْ للا عليه وسلم -قال« :ي ْتب ُع ال َّد َّجال من ي ُهود ْ صلى ُ
ُ
عليهم أصبهان س ْب ُعون ألفا ِ ِ
ُ َّ
يالسة». ِ الط
ُ ُ ٌ والطيالسةُ :
يوضع ضرب من األكسية من لبس اليهود معروف جمع طيلسان ،وهو
على الرأس أو على الكتف.
(.)4077( )2
(.)2944( )4
شرح منظومة أشراط الساعة 144
ًْ
يهودية أصبهان مع ُه سبعون ألفا من ُ
الدجال من ِ
ُ
«يخرج وفي رواية اإلمام أحمد(:)1
ُ
السيجان». اليهود عليهم ِ ِ
يجانُ : ُ
جمع ساج ،وهو الطيلسان. والس
ِ
ُّ
الت ُ
رك واألعاجم ففي مسند اإلمام أحمد( )2عن أبي بكر الصديق -رض ي للا عنه- وأما
خر ُج من أرض باملشرق ُي ُ وسلم -أن َّ
الد َّج ُ
ال ي ُ َّ صلى ُ َّ قال« :ح َّدثنا رسو ُ
قال ِِ ٍ عليه هللا - هللا ل
ْ ُّ ْ ُ ْ ُ أقوامَّ ، ُ ُ
ان املطرقة». كأن ُوجوههم املج ٌ لها :خراسان ،يتب ُعه
سمعت رسول للا -صلى ُ
للا ُ َّللا عن ُه -أنه قال: وفي املسند ً
أيضا( )3عن أبي هريرة -رض ي ُ
ْ ً ُ ُ َّ
ال خوز وك ْرمان في سبعين ألفا وجوههم كاملج ِان «لينزلن الدج عليه وسلم -يقول:
ُْ ْ
"إسناده جي ٌد قوي حسن".
ُ املطرق ِة» قال ابن كثير(:)4
قال ابن كثير -رحم ُه ُ
َّللا" :)5(-فيكون بد ُء ظهوره من أصبهان ،من حارة بها ُيقال لها:
وينصره من أهلها سبعون ألف يهودي؛ عليهم األسلحة والسيجان ،وهي ُ اليهودية،
ُ ألفا من التتار ٌ ينصره سبعون ً
ُ ُ ُ
وخلق من أهل خراسان". الطيالسة الخضر ،وكذلك
وجمع رابي) أي كثير (من النساء ومن األعراب). ثم قالٌ ( :
ُ
اإلمام أحمد في املسند( )6وهو في السلسلة الصحيحة( )7عن أما النساء فقد أخرج
ُ ُ
جابر بن عبدللا -رض ي َّللا عن ُهما -أن رسول للا -صلى للا عليه وسلم -قالِ « :ن ِ
عمت
ُ ُ
نقب من أنقابها مل ٌك ال يدخلها -أي الدجال-
ِ ٍ كل على ، ُ
الدجال خرج إذا املدينة األر ُ
ض
ٌ ُ
جفات ،ال يبقى مناف ٌ وال منافقة إال خرج
ٍ ر ثالث هابأهل
ِ املدينة جفت
فإذا كان كذلك ر ِ
( )13344( )1وحسّنه محققوه.
(.)8453( )3
(.)205/19( )5
(.)14112( )6
(.)3081( )7
145 شرح منظومة أشراط الساعة
(.)2244( )4
(.)2937( )5
شرح منظومة أشراط الساعة 146
َّ
اض ًعا كف ْي ِه على أ ْج ِنح ِة ملك ْي ِنِ ،إذا مهرودتين وهما ثوبان مصبوغان بورس ثم زعفران -و ِ
َّ ُ ُّ ُ ٌ ُّ ْ ُ َّ ُ ُ ْ ْ
طأطأ رأسه قطر ،وإذا رفعه تحدر منه جمان كاللؤل ِؤ ،فال ي ِحل ِلكا ِف ٍر ي ِجد ِريح نف ِس ِه ِإال
ُ ْ ُُ ُ ُ ْ ُ َّ ُ ُ ُْ ُ ُْ ْ ُ ْ ُ ُ ْ
اب ل ٍد فيقتله». ِ بب ه كرِ د ي ى حت ه ب ل طي ف ،ه فر ط ي هت ني ث يح هي ت نمات ،ونفسه ي
للا عليه َّللا عن ُه -أنه قال :قال النبي -صلى ُ وفي صحيح مسلم( )1عن أبي هريرة -رض ي ُ
هللا ،ذاب كما وفأم ُه ْم ،فإذا ر ُآه ع ُد ُّ السال ُمَّ ،- ابن م ْريم -عل ْيه َّ وسلم« :-في ْنز ُل عيس ى ُ
ِ ِ ِ ِ
ُ ُ ْ ْ وب امل ْل ُح في املاءْ ، ُ
َّللا بي ِد ِهُ ،في ِر ِيه ْم دم ُه في حتى ي ْهلك ،ولك ْن يقتل ُه َّ ُ
ِ ِ
فلو ترك ُه النذاب َّ
ِ ِ ُ ذ ي
ح ْرب ِت ِه» وبقتله تنتهي فتنته العظيمةُ ،وينجي للا املؤمنين من شره.
املتن:
ال؟الدج ُ هل ْاب ُن صياد ُهو َّ
ٍ العلما إ ْش ُ
كال ُ وشاع بين
ِ ِ
ُ َّ ليس به على َّ
و ِإنما كان ِمن الكه ِان الص ِح ِيح الداني ِِ
ْ ْ ُ
وعل ٌم بالع ِليِ ،فِ ْ
ه الك نمع ٍ ِ
ر ش الدج ِالِ :ح ْفظ أ َّو ِل
ُي ْنجي من َّ
ِ ِ
ُ
اإليمان أ ْم ُن العال ِم والع ْل ُ ْ
ِ و م ِ الفت ِن العظا ِئ ِمفالج ْه ُل أص ُل ِ
بالن ْفس من َّ َّ ْ َّ ُّ ٌ
الدج ِال ِ ِ والنأ ُي الل
ِ الج ي ذ ِ اهلل
ِ ب
ِ ذت عو
الشرح:
ال؟) الدج ُهل ْاب ُن صياد ُهو َّ
ٍ العلما إ ْش ُ
كال ُ (وشاع بين
ِ ِ
ُ
الصحابة -رض ي ُ ُ ٌ
َّللا عن ُهم- هذه املسألة معدودة من املشكالت املعضالت التي اختلف فيها
والعلماء بعدهم.
ً ً
أمر ُه
شديدا ،وأشكل ُ قال الخطابي(" :)2وقد اختلف الناس في ابن صياد اختالفا
حتى قيل فيه كل قول".
ٌ ُ ُ
فأمره كل ُه مشكل على األمة ،وهو فتنة ومحنة". وقال القرطبي(" :)3وعلى ُ
الجملة
(.)2897( )1
ُ
املسيح وأمره ُم ٌ
شتبه في أنه هل هو ُ ُ
وقصته مشكلة وقال النووي(" :)1وقال العلماء:
الدجال املشؤوم أم غيره؟ والشك في أنه دج ٌ
ال من الدجاجلة".
وابن صياد :اسمه صافي ،وقيل :عبدللا بن صياد أو صائد ،كان من يهود املدينة،
صغيرا عند قدوم النبي -صلى ُ
للا عليه وسلم -إلى املدينة. ً وكان
ابنه عمارة من سادات التابعين ،وخيار املسلمين؛ وذكر ابن كثير( )2أنه أسلم ،وكان ُ
وغيره ،وكان اإلمام ٌ
مالك ال ُيقدم عليه في ُ اتفقوا على توثيقه ،روى عنه اإلمام ٌ
مالك
أحدا ،وقد ترجم البن صياد الذهبي في كتابه تجريد أسماء الصحابة( )3وقال" :هوالفضل ً
تابعي له رؤية".
ً
وقال ابن حجر في اإلصابة( )4بعد أن ذكر ُجملة من األحاديث في شأن ابن صياد" :وفي
الجملة ال معنى لذكر ابن صياد في الصحابة؛ ألنه إن كان الدجال فليس بصحابي ً
قطعا؛ ُ
كافرا ،وإن كان غير ُه فهو حال ُلقيه النبي -صلى ُ
للا عليه وسلم -لم يكن مسلما". ألنه يموت ً
فيصد ُق ويكذب؛ فانتشر ُ
ُ ً ُ ً
خبره بين أحيانا يتكهن وقد كان ابن صياد دجاال ،وكان
الناس ،وشاع أنه الدجال ،وملا شاع بين الناس أمر ابن صياد ،وأنه هو الدجال ،أراد النبي
للا عليه وسلم -أن يطلع على أمره ويتبين حاله ويختبره. -صلى ُ
َّ ُ ْ ْ
َّللا عن ُه -انطل مع «أن ُعمر -ر ِض يَّللا عن ُهماَّ :-
في الصحيحين( )5عن ابن ُعمر -رض ي ُ
الصبيان مع بوه ي ْلع ُ
حتى وج ُد ُوسلم -في ْهط قبل ْابن ص َّيادَّ ،
ٍ ٍ ر
َّ
عليه صلى ُ
هللا
َّ
النبي -
ِ ِ ِ
بطن من األنصار -وقدْ مرتفع كالحصن ،وبنو مغالةٌ : ٌ عند ُأ ُطم بني مغالة -األ ُط ُم :بناءٌ
ُ
ِ
َّ ُ َّ َّ ْ ُ ُ
الحلم ،فل ْم يش ُع ْر حتى ضرب النبي -صلى هللا عليه وسلم -ظ ْهر ُه بي ِد ِه، قارب ابن ص َّياد ُ
ٍ
ْ ْ ُ ُ
أشه ُد َّأنك رسو ُل َّللا؟ فنظر إل ْي ِه ابن صياد فقال: ُ َّ
ث َّم قال ال ِبن صياد :أتشهد ِأني رسول ِ
( )1يف شرح مسلم (.)46/18
( )2في البداية والنهاية (.)204/19
( )3ص.322
(.)149/5( )4
ُ َّ َّ ُ ُ َّ ُ ُ ْ َّ ُ ُ
َّللا -صلى هللا عليه ل
َّللا ،فرفضه رسو ِ ل
األ ِم ِيين ،فقال ابن صي ٍاد :أتشهد ِأني رسو ِ
ْ ْ ُ َّ َّ
وبر ُس ِل ِه ،فقال له :ماذا ترى؟ قال ْاب ُن ص َّي ٍاد :يأ ِت ِيني ص ِاد ٌق باَّلل ُ
وسلم -وقال :آمنت ِ
َّ َّ
وسلمُ :-خلط عل ْيك ْ صلى ُ َّ
األم ُر ،ثم قال له النبي -صلى ِ هللا عليه وك ِاذ ٌب ،فقال النبي -
ُّ ُّ ْ ُ َّ
الدخ». هللا عليه وسلمِ :-إني خبأت لك خ ِب ًيئا ،فقال ابن صياد :هو ُ
الكهان ،فعرف النبي -صلى ُ ُ
للا عليه يريد الدخان ،لكنه قطع العبارة على طريقة
وسلم -مادته وأنها شيطانية.
َّ ٓ ۡ
ٱلسما ُء ِب ُدخ ٍان ُّم ِب ٍين﴾[الدخان،]10: واملر ُاد بالدخان هنا قوله تعالى﴿ :فٱ ۡرت ِق ۡب ي ۡوم تأ ِتي
كما ورد في رواية أخرى(.)1
ُّ ُّ
«الدخ». وقيل :إنه لم يهتد من اآلية إال إلى هذا اللفظ الناقص:
«اخس ْأ ،فل ْن ت ْع ُدو ق ْد ك ،قال ُعم ُر -ض ي َّ ُ
َّللا
ْ
للا عليه وسلم:- فقال النبي -صلى ُ
رِ ر
ْ ُْ َّ َّ ُ ُْ
هللا عليه وسلم :-إن يكن ُه -أي صلى ُ أض ِر ْب ُعنق ُه ،فقال النبي - َّللا ْ َّ
عنه :-دعني يا رسول ِ
ْ ُْ ْ ُ َّ
ابن صياد الدجال -فلن تسلط عليه ،وإن ل ْم يكن ُه فال خ ْيرلك في قت ِل ِه». إن يكن ُ
ً َّ وفي رواية(« :)2أن النبي -ص َّلى ُ
هللا عليه وسلم -قال له :ما ترى؟ قال :أرى ع ْرشا على
ْ َّ َّللا -ص َّلى َّ ُ املاء ،فقال ُسو ُل َّ
َّللا عل ْي ِه وسلم :-ترى ع ْرش ِإ ْب ِليس على الب ْح ِر ،وما ترى؟ ِ ر
َّ َّللا -ص َّلى َّ ُ ُ ُ َّ ً ْ ً ْ ْ
َّللا عل ْي ِه وسلم- قال :أرى ص ِادقي ِن وك ِاذبا أو ك ِاذبي ِن وص ِادقا ،فقال رسول ِ
ُلبس عل ْيه ،د ُع ُ
وه». ِ ِ
َّ صلى ُ َّ ُ َّ ْ ْ ُ ُ
هللا عليه وسلم- وقال ابن عمر -رض ي َّللا عن ُهما« :-انطل بعد ذلك رسول ِ
َّللا -
أن ي ْسمع من ْابن ص َّياد ً
شيئا
ُ ْ ُ ْ
ل ت خ ي و هو ، اد يَّ ص الن ْخل َّالتي فيها ُ
ابن
َّ
إلى ب بن ك ْ
ع و ُأب ُّي ُ
ٍ ِ ِ ِ ٍ ِ ِ ٍ
َّ َّ أن ير ُاه ْاب ُن ص َّياد -أي يستغفله ليسمع ً ْ ْ
شيئا من كالمه ويعلم حاله -فرآه الن ِبي -صلى ٍ قبل
ٌ َّ
صوت خفي ٌ اش في ق ِطيف ٍة ،ل ُه ِفيها ز ْمزمة -أي ِ ٍ ر ف على ع ضطج ٌ
ُ ِ
وسلم -وهو ُم ْ ُ
هللا عليه
ُ ُ َّ َّ صلى ُ َّ َّ َّ ُ ْ ُّ ْ
بجذ ِوع هللا عليه وسلم -وهو يت ِقي بكالم غير مفهوم -فرأت أم اب ِن صي ٍاد رسول ِ
َّللا -
الن ْخل ،فقال ْت ال ْبن ص َّياد :يا صاف -و ُهو اس ُم ابن ص َّياد -هذا ُمح َّم ٌد -ص َّلى ُ
هللا عليه
َّ
ٍ ِ ٍ ِ ِ ِ
َّ ُ ْ َّ ُ َّ َّ ُ َّ ُ َّ
َّللا -صلى هللا عليه وسلم :-لو تركته بين»(.)1 ِ ل سور قالف اد
ٍ ي ص ابن ثارف - م وسل
متوقفا في أمر ابن صياد؛ ألنه لم ُيوح إليه فيه ً للا عليه وسلم-وقد كان النبي -صلى ُ
ُ
يحلف عند النبي -صلى ُ
للا عليه َّللا عن ُه-
ش يء ،هل هو الدجال أو غيره؟ وكان ُعمر -رض ي ُ
للا عليه وسلم،- نكر عليه ذلك رسول للا -صلى ُ وسلم -أن ابن صياد هو الدجال ،وال ُي ُ
ُ وكان بعض الصحابة -رض ي ُ
َّللا عن ُهم -يرى رأي ُعمر ،ويحلف أن ابن صياد هو الدجال؛
كما ثبت ذلك عن جابر وابن ُعمر وأبي ذر رض ي ُ
َّللا عن ُهم.
ُ ُ
يحلف هللا ِعبد ِ ▪ في الصحيحين( )2عن محمد بن املنكدر أنه قال« :رأيت جابر بن ِ
ُ ُ ُ ُ أن ابن صائد َّ
الد َّج ُ باهلل َّ
يحلف على سمعت عمر ِ باهلل؟! قالِ :إني ِ تحلف ِ ال ،فقلت :أ ِ ٍ ِ
َّ صلى ُ َّ ُ َّ َّ ُ
هللا عليه وسلم». نك ْره النبي ذلك عند النبي -صلى هللا عليه وسلم ،-فلم ي ِ
أش ُّك َّ ُ ُ ُ
أن املسيح وهللا! ما▪ وأخرج أبو داود( )3عن نافع أنه قال :كان ابن عمر يقولِ « :
صي ٍاد». الد َّجالُ :
ابن َّ َّ
ْ
َّللا عن ُه« :-ألن أحمد في املسند( )4عن زيد بن وهب أنه قال :قال أ ُبو ذر -رض ي ُ ُ ▪ وأخرج
ً َّ َّ ً ال أح ُّب إل َّي م ْن أ ْن أ ْ أ ْحلف ع ْشر مرار أ َّن ْابن صائد ُهو َّ
احدة أن ُه ل ْيس ِ و ة ر م ف لِ ح ِ ِ ُ جالد َّ
ٍِ ِ ٍ ِ
ِب ِه».
كثيراُ ،وي ُ
دافع عن يسمع ما يقوله الناس فيه؛ فيتأذى من ذلك ً ُ وقد كان ابن صياد
للا عليه وسلم -من نفسه بأنه ليس الدجال ،ويحتج على ذلك بأن ما أخبر به النبي -صلى ُ
ُ
تنطبق عليه. صفات الدجال ال
َّللا عن ُه -أنه قال« :خر ْجنا ُح َّج ً
اجا أ ْو في صحيح مسلم( )1عن أبي سعيد الخدري -رض ي ُ
ْ ُ ُ
يت أنا و ُهو ،ف ْ َّ ق َّ ْ ْ ً ُع َّما ًرا ومعنا ُ
است ْوحشت الن ُ
اس ،وب ِق ابن صا ِئ ٍد ،قال :فنزلنا من ِزال ،فتفر
( )4330( )3وصحح إسنا َده الحافظ ابن حجر في فتح الباري (.)325/13
( )21319( )4وصحح إسنادَه الحافظ ابن حجر في فتح الباري (.)329/13
شرح منظومة أشراط الساعة 150
(.)2927( )1
(.)2927( )2
(.)2942( )4
151 شرح منظومة أشراط الساعة
صر ا ِن ًّيا فجاء فبايع وأ ْسلم، الدار َّي كان ر ُج ًال ن ْ يما َّ وال ِلر ْهب ٍة ،ول ِك ْن جم ْع ُت ُك ْم أل َّن تم ً
ِ ِ
َّ وح َّدثني حد ًيثا اف َّالذى ُك ْن ُت أحدث ُك ْم ع ْن مسيح َّ ُ ُ
الد َّج ِال ،ح َّدث ِني أن ُه ر ِكب ِفي ِ ِ ِ ِ ِ و ِ
ُ ْ ً ْ ْ ً
س ِفين ٍة ب ْح ِرَّي ٍة مع ثال ِثين ر ُجال ِم ْن لخ ٍم و ُجذام .فل ِعب ِب ِه ُم امل ْو ُج ش ْهرا ِفي الب ْح ِر ،ث َّم أ ْرفؤوا
الش ْمس ،فجل ُسوا في أ ْق ُرب َّ َّ ْ ْ َّ ْ
الس ِفين ِة، ِ ِ ِ ب -أي التجؤواِ -إلى ج ِزير ٍة ِفي البح ِر حتى م ِ ِ
ر غ
ْ ُ ُ َّ ٌ ُ ْ
فدخلوا الج ِزيرة فل ِقي ْت ُه ْم د َّابة أ ْهل ُب ك ِث ُير الشع ِر ،ال ي ْد ُرون ما ق ُبل ُه ِم ْن ُد ُب ِر ِه ِم ْن كثر ِة
ْ ُ ْ ُ ُ ْ ْ ْ ُ َّ
الشع ِر ،فقالوا :و ْيل ِك ما أن ِت؟ فقالت :أنا الج َّساسة ،قالوا :وما الج َّساسة؟ قالت :أ ُّيها
ُ
بيت يتعب ُد فيه الرهبان -ف ِإن ُه ِإلى خب ِرك ْم
َّ الد ْير -الد ُيرٌ : الر ُجل في َّ ْالق ْو ُم! ْانط ِل ُقوا إلى هذا َّ
ِ ِ ِ ِ
باأل ْشواق قال :ملَّا س َّم ْت لنا ر ُج ًال فرقنا م ْنها أ ْن تكون ش ْيطانة ،قال :ف ْانطل ْقنا سراعاً ً ُ ْ
ِ ِ ِ ِ ِ
الد ْير ،فإذا فيه أ ْعظ ُم إ ْنسان أ ْينا ُه قط خل ًقا ،وأش ُّد ُه وثاقا ،م ْج ُموعة يداهُ
ٌ ً ْ ُّ ح َّتى دخ ْلنا َّ
ِ ٍ ر ِ ِ ِ
ُ ْ ْ ُ ْ ْ ُ
ِإلى ُعن ِق ِه ،ما ب ْين ُركبت ْي ِه ِإلى ك ْعب ْي ِه ِبالح ِد ِيد ،قلنا :و ْيلك ما أنت؟ قال :ق ْد قد ْرت ْم على
اس ِمن العر ِب ،ر ِك ْبنا ِفي س ِفين ٍة ب ْح ِرَّي ٍة،
ْ خبري ،فأ ْخب ُرو ِني ما أ ْن ُت ْم؟ ق ُالوا :ن ْح ُن ُأن ٌ
ْ ْ ُ ْ ً ُ َّ ْ ْ ِ ِ
ْ ْ ْ
فصادفنا الب ْحر ِحين اغتلم -أي هاج -فل ِعب ِبنا املوج شهرا ،ثم أرفأنا ِإلى ج ِزيرِتك ه ِذ ِه،
ُ ُ َّ ٌ ْ ْ ْ ْ
فجل ْسنا ِفي أق ُرِبها ،فدخلنا الج ِزيرة ،فل ِقيتنا د َّابة أ ْهل ُب ك ِث ُير الشع ِر ال ُي ْدرى ما ق ُبل ُه ِم ْن
ُ ْ ُ ُْ ْ ْ ْ ُْ َّ ْ
ُد ُب ِر ِه ِم ْن كثر ِة الشع ِر ،فقلنا :و ْيل ِك ما أن ِت؟ فقالت :أنا الج َّساسة ،قلنا :وما الج َّساسة؟
اعا، الد ْير فإ َّن ُه إلى خبر ُك ْم ب ْاأل ْشواق .فأ ْقب ْلنا إل ْيك سر ً الر ُجل في َّ اع ِم ُدوا إلى هذا َّ قالتْ :
ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ
ْ ُ ْ
وفز ْعنا م ْنها ،ول ْم نأم ْن أ ْن تكون ش ْيطانة ،فقال :أخب ُروني ع ْن نخل ب ْيسان .قلنا :ع ْ ْ ً ُ ْ
ي ِ أ ن ِ ِ ِ ِ ِ
ْ
وش ُك أن ش ْأنها ت ْستخب ُر؟ قال :أ ْسألك ْم ع ْن نخلها ه ْل ُيثم ُر؟ قلنا ل ُه :نع ْم .قال :أما إ َّن ُه ُ
ي
ْ ُ ْ ْ ُ ُ ْ
ِ ِ ِ ِ ِ ِ
ْ ْ ْ ُ
ال ُتثمر .قال :أخب ُروني ع ْن ُبح ْيرة الطبرَّية .قلنا :ع ْ َّ ْ ْ
ي شأ ِنها ت ْستخ ِب ُر؟ قال :ه ْل ِفيها ِ أ ن ِ ِ ِ ِ ِ ِ
ْ ْ ْ ْ ُ ُ
وش ُك أن يذهب .قال :أخ ِب ُرو ِني ع ْن ع ْي ِن ُ
م ٌاء؟ قالواِ :هي ك ِثيرة امل ِاء .قال :أما ِإن ماءها ي ِ
َّ
ْ ُ ْ ْ ْ ُزغر .ق ُالوا :ع ْ
ي شأ ِنها ت ْستخ ِب ُر؟ قال :ه ْل ِفي الع ْي ِن م ٌاء؟ وه ْل ي ْزر ُع أ ْهلها ِبم ِاء الع ْي ِن؟ أ ن
ُ ْ ُ ْ ْ ُ ْ ُْ ِ ُ ْ ْ ُق ْلنا ل ُ
بي األ ِم ِيين ما ِ ن ن ع ي ن و
ِ ِ ر ب خ أ :ال ق ا. ه ائ ِ م ن م ِ ن و ع ر ز ي ا ه ل ه أ و ، اء ِ امل ة ير ث ك
ِ ِ ي ه ، م ع ن : ه
ْ ُ ْ ْ َّ ُ
فعل؟ قالوا :ق ْد خرج ِم ْن مكة ونزل يث ِرب ،قال :أقاتل ُه العر ُب؟ قلنا :نع ْم .قال :ك ْيف
وه .قال ل ُه ْم :ق ْد كان اع ُ صنع به ْم؟ فأ ْخب ْرن ُاه أ َّن ُه ق ْد ظهر على م ْن يليه من ْالعرب وأط ُ
ِ ِ ِ ِ ِِ
ُ ْ ُ ُْ يع ُ ذلك؟ قلنا :نع ْم .قال :أما إ َّن ذاك خ ْي ٌر ل ُه ْم أ ْن ُيط ُ ْ ُ
وه ،و ِإ ِني مخ ِبركم ع ِنيِ ،إ ِني أنا ِ ِ ِ
ْ ً َّ وش ُك أ ْن ُيؤذن لي في الخ ُروج ،فأخ ُرج فأ ِسير في األ ْ ْ ُ ْ ْ ُ ْاملس ُ
ض فال أدع قرية ِإال ِ ر ِ ِ ِ ِ ِ أ ي ن ِِ إ و ، يح ِ
ْ ُ ْ ْ ُ َّ ْ ُ ُ َّ َّ ً ْ
هبط ُتها ِفي أ ْرب ِعين ل ْيلة غ ْير مكة وط ْيبة ف ُهما ُمح َّرمت ِان علي ِكلتاهما ،كلما أردت أن أدخل
شرح منظومة أشراط الساعة 152
ُ
ص ُّد ِني ع ْنها ،و ِإ َّن على ك ِل ف ص ْل ًتا ي ُ َّ ْ ُ ْ ْ
استقبل ِني مل ٌك ِبي ِد ِه السي اح ًداِ -م ْن ُهما و ً ْ
احدة -أو و ِ ِ
ُ ُ َّ ْ ً ْ ُ ْ ْ
َّللا -صلى هللا عليه وسلم -وطعن نق ٍب ِمنها مال ِئكة يح ُرسونها .قالت :قال رسول ِ
ْ ُْ ُ ْ ُ ْ ْ ْ ُ ْ ُ ْْ ْ
ِب ِمخصرِت ِه ِفي ِاملنب ِر« :ه ِذ ِه طيبة ه ِذ ِه طيبة ه ِذ ِه طيبة -يع ِني امل ِدينة -أال هل كنت
ُْ ُ َّ َّ ُ َّ َّ ُْ ُ
اس :نع ْم ،ف ِإن ُه أ ْعج ِبني ح ِديث ت ِم ٍيم أن ُه و اف ال ِذى كنت الن ُ ح َّدثتك ْم ذ ِلك؟ فقال
ْ َّ َّ َّ ْ ُ ُُ ْ
أح ِدثك ْم عن ُه وع ِن امل ِدين ِة ومكة ،أال ِإن ُه ِفي ب ْح ِر الش ِام أ ْو ب ْح ِر اليم ِن ،ال ب ْل ِم ْن ِقب ِل
ْ ْ ْ ْ ْ ْ ْ ْ
املش ِر ِق ما ُهوِ ،م ْن ِقب ِل املش ِر ِق ما ُهوِ ،م ْن ِقب ِل املش ِر ِق ما ُهو ،وأ ْومأ ِبي ِد ِه ِإلى املش ِر ِق».
َّللا صلى هللا عليه وسلم ». َّللا عنها« :-فحف ْظ ُت هذا م ْن ُسول َّ فاطمة -رض ي ُ ُ
قالت
ِ ر ِ ِ ِ
يخرج في آخر الزمان ،وهو فهذا الحديث يدل على أن ابن صياد ليس بالدجال الذي ُ
َّللا ،-ويدل على أن الدجال حي اآلنُ ،ويوش ُك فيصل في هذا املقام كما قال ابن كثير -رحم ُه ُ ٌ
أن ُيؤذن له في الخروج فيخرج.
هذا قوله:
الدج ُ
ال؟ هل ْاب ُن صياد ُهو َّ
ٍ العلما إ ْش ُ
كال (وشاع بين ُ
ِ ِ
ُ َّ ليس به على َّ
و ِإنما كان ِمن الكه ِان) الص ِح ِيح الداني ِِ
ثم ختم الكالم عن هذه الفتنة العظيمة باإلشارة إلى بعض اإلرشادات النبوية التي تكو ُن
سببا في النجاة منها والوقاية من شرها ،فقال: ً
ْ ْ ْ ُ
ظ أ َّ ( ُي ْنجي من َّ
ف)...
ِ ه الك ن مِ ر
ٍ ش ع ل ِ و ف ح
ِ : ال
ِ جالد ِ ِ
ُ
األول مما ُينجي من الدجال :حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف.
َّللا عن ُه -أن النبي -صلى ُ
للا عليه أخرج مسلم في صحيحه( )1عن أبي الدرداء -رض ي ُ
وسلم -قال« :من حفظ ع ْشرآيات من َّأول ُسورة الك ْهف ُعصم من َّ
الد َّج ِال». ِ ِ ِ ِ ِ ٍ ِ ِ
والصواب روايةُ َّ ْ :
ُ
ف». «من أو ِل سور ِة الك ْه ِ
ِ ف» آخر ْ
الكه ِ وفي رواية « :من ِ ِ
()2
(.)809( )1
(.)809( )2
153 شرح منظومة أشراط الساعة
للا عليه وسلم -إلى قراءة فواتح سورة الكهف على الدجال ،فقال وأرشد النبي -صلى ُ
َّللا عن ُهما« :-فمن أ ْدرك ُهكما في صحيح مسلم( )1من حديث النواس بن سمعان -رض ي ُ
ف». هْ الك ة ور نك ْم ،ف ْلي ْقرْأ عليه فو اتح ُ
س
ُ
ِم
ِ ِ ِ
ْ
وعل ٌم بالع ِلي) ُسبحان ُه وتعالى. ثم قالِ ( :
وأن للا عليه وسلم -كما في صحيح مسلم(« :)2تع َّل ُموا َّأنه ْ
أعو ُرَّ ، وقد قال النبي -صلى ُ
َّللا -تبارك وتعالى -ليس بأ ْعور». َّ
َّ
«تعلموا َّأنه لن يرى ٌ
أحد منكم رَّبه حتى يموت» وقال كما في صحيح مسلم(:)3
مؤمنهم ُ
وكافرهم. الناس عند خروجه ُ ُ والدجال ير ُاه
للاَّللا عن ُه -أن رسول للا -صلى ُ وفي صحيح مسلم( )4عن أبي سعيد الخدري -رض ي ُ
سال ُح امل ال فيتو َّج ُه قبل ُه ر ُج ٌل من املُ ْؤمنين ،فت ْل ُ
قاه عليه وسلم -قال« :ي ْخ ُر ُج َّ
الد َّج ُ
ِ ِِ ِ ِ
قوم من أتباع الدجال معهم السالح -فيقولون لهْ :أين ت ْع ِم ُد؟ الد َّجال -املسالحٌ :
ِ
مسال ُح َّ
ِ
ُْ
أع ِم ُد إلى هذا الذي خرج ،قال :فيقولون له :أوما تؤ ِم ُن برِبنا؟ فيقو ُل :ما برِبنا فيقو ُلْ :
ُ ْ ْ ُُ ْ ُ وه ،فيقو ُل ب ْع ُ فاء ،فيقولونْ :اق ُت ُل ُ
قد نهاك ْم رُّبك ْم أن تقتلوا أح ًدا ض :أليس ٍ
ض ُه ْم لب ْ
ع ِ خ ٌ
اس هذا َّ ُّ َّ ُْ ُدون ُه ،قال :في ْنطل ُقون به إلى َّ
ال الد َّج ُ الن ُ الد َّج ِال ،فإذا ر ُآه املؤ ِم ُن ،قال :يا أيها ِ
َّ َّ
الذي ذكر سو ُل هللا صلى َّ ُ
َّللا عليه وسلم». ِ ر
ُ َّ
اس -أو من خ ِير ِ الن خر ُج إليه يوم ِئ ٍذ ر ُج ٌل هو خير وفي رواية في الصحيحين(« :)5في ُ
َّ صلى ُ َّ الناس -فيقو ُل له :أشه ُد َّأنك َّ َّ
هللا عليه وسلم- ال الذي ح َّدثنا رسو ُل هللا - الد َّج ُ
ِ
ُّ ُ ُ ْ َُّ ُ ْ ُ َّ ُ َّ ُ
األمر؟ فيقولون: حديثه ،فيقول الدجال :أرأيتم إن قتلت هذا ثم أحييته ،أتشكون في ِ
(.)2937( )1
(.)169( )2
(.)169( )3
(.)2938( )4
ً َّ ُّ ُ ُ ْ ُ ُ ْ ُ َّ ُُ ُ
وهللا ما كنت فيك قط أشد بصيرة ِم ِني ال .قال :فيقتله ثم يح ِي ِيه .فيقو حين يح ِي ِيهِ : ل
َّ ُ ُ ريد َّ اآلن! قالُ :في ُ
ال أن يقتله فال ُيسلط عليه». الد َّج ُ
ً ً
فهذا الرجل أتى الدجال ،وكان عارفا بربه ،حتى قال« :ما بربنا خفاء» ،وكان عاملا
للا عليه وسلم -وحديثه فيقول« :يا أيها الناس هذا الدجال الذي ذكر بسنة نبيه -صلى ُ
ُ ُ َّ سول هللا ص َّلى ُ
الدجال الذي حدثنا رسول هللا - «أشهد أنك هللا عليه وسلم» ويقول: ر
ُ في ُ وسلم -حديثه»ُ ، َّ ص َّلى ُ
عصم ويحفظ بعلمه باهلل ،وبعلمه بحديث رسول للا - هللا عليه
ٌ صلى ُ
للا عليه وسلم -فالتسلح بالعلم واإليمان نجاة من الفتن.
اإليمان أ ْم ُن العال ِم)
ُ
و موالع ْل ُ م ئ ظا الع ن ت الف صُ
ل (فالج ْه ُل أ ْ
ِ ِ ِ ِ ِ ِ
ُ ُ ُ
ظهر حاله إال ألهل اإليمان ،كما قال النبي -صلى للا عليه وسلم:- والدجال ال ي
ْ ُ ُ ْ
وب ْبين ع ْين ْي ِه :كا ِف ٌر ،يقرؤ ُه ك ُّل ُمؤ ِم ٍن؛ كا ِت ٍب وغ ْي ِركا ِت ٍب»(.)1 «م ْك ُت ٌ
ُّ ٌ
الل).
ِ الج ي ذ
ثم قال( :تعو ِ ِ ِ
اهلل ب ذ
َّ َّللا -ص َّلى ُ َّ ُ
هللا عليه وسلم- في الصحيحين( )2عن عائشة -رض ي َّللا عنها« -أن رسول ِ
ْ ُ ُ ُ ُ َّ كان ي ْد ُ
وأعوذ بك ِم ْن ِفتن ِة امل ِس ِيح اب الق ْب ِر، ِ ذ ع ن م
ِ بك وذ أع ي إن
ِ مالل ُه َّ الصالة: في و ع
ْ ْ ْْ ُ ُ َّ ْ وذ بك م ْن ف ْتنة ْامل ْ ُ ُ َّ َّ
ات .الل ُه َّم ِإ ِني أعوذ ِبك ِمن املأث ِم واملغر ِم». ِ م امل و ا ي ح الدجال ،وأع ِ ِ ِ ِ
َّللا عن ُه -أنه قال :قال رسول للا -صلى ُ
للا وفي صحيح مسلم( )3عن أبي هريرة -رض ي ُ
ُ َّ
باَّلل ِمن أ ْرب ٍع يقو ُل :الل ُه َّم ِإني أ ُعوذ ِبك ِمن عليه وسلم« :-إذا تش َّهد أح ُد ُك ْم ف ْلي ْستع ْذ َّ
ِ ِ ِ
ْ ْ ْ عذاب جه َّنم ،وم ْ
ات ،و ِم ْن ش ِر ِفتن ِة امل ِس ِيح ْ
اب القب ِر ،و ِمن ِفتن ِة املحيا واملم ِ
ْ ْ
ِ ذ ع ن ِ ِ
الد َّج ِال». َّ
وسا قال البنه :أدعوت بها في صالتك؟ فقال :ال ،قال: اإلمام مسلم(" :)4بلغني أن طا ً ُ قال
أعد صالتك".
(.)588( )3
وهذا فيه حرص السلف على تعليم أبنائهم هذا الدعاء العظيم.
َّ َّ ْ ُ َّ ْ
س ِمن الدج ِال). ثم قال( :والنأي بالنف ِ
َّللا عن ُهما -عن النبي -صلى ثبت عند أحمد( )1وأبي داود( )2عن عمران بن حصين -رض ي ُ
ْ ْ الد َّجال ف ْلي ْنأ منه ،من سمع ب َّللا عليه وسلم -أنه قال« :من سمع ب َّ ُ
الد َّج ِال فلينأ ِمنه، ِ ِ ِ ِ
مؤمن فما ُ
يزال ِبه ملا معه ٌ َّ
يحس ُب أن ُه يأتيه جل َّ
الر الد َّجال ف ْلي ْنأ منهَّ ،
فإن من سمع ب َّ
ِ ِ ِ ِ ِ
َّ َّ ُّ
حتى يتبعه». من الشبه
نسأل للا أن ُيعيذنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن.
ُ ُ َّ ُ
ِم ْن ك ِل ِف ْتن ٍة وك ِل ه ْو ِل ِبك ال ِعياذ يا ع ِظيم الط ْو ِل
املتن:
ِبالش ِام ع ْدال حك ًما
ً
ين ِز ُل
ْ
الم عُث َّم ْاب ُن م ْريم من األ ْ
ِ ِ ٍ
ُُ
جاء
ِ م ْع ملك ِينِ ،م ْن عل ٍو يضاء وذا لدى املنار ِة الب ِ
ْ ْ ُ ْ ٌ ُ ُ ْ َّ ُ ْ
ِمنه جمان أو يطأ ِطئ قطرا تحدرا رأسه ُير ِف ْع ف ِإن
ُ ْ ُ
يرى حيث نف ِس ِه و ُمنتهى ي ُموت ِم ْن نف ِس ِه م ْن كفرا
ْ ُ
ُ
الح ُروبا ويض ُع كس ُر ُه، ي ِ الص ِليبا و َّ الخن ِزير، ِ فيقت ُل
وليس ي ْقب ُل سوى اإل ْ ْ
الم س
ِ ِ ِ نام ِ األ لى إ ِ م ل الس ِ رج ُع وي ِ
الع ْدناني ن ِب َّينا ُمت ِب ًعا
َّ
رآن الق
ُ
و السنة ب ي ْح ُك ُ
م
ِ ِ
ْ الش ْح ُ َّ ْ يش ُ
والبغ ُ
ضاء ناء وتذه ُب خاء الر ُ َّ زما ِن ِه في يع ِ
الشرح:
ْ ْ ُ ْ َّ ُ
الم)
قال( :ثم ابن مري ٍم ِمن األع ِ
األعالم :جمع علم ،والعل ُم :العالمة واألمارة.
(.)4319( )2
شرح منظومة أشراط الساعة 156
فنزول عيس ى ابن مريم -عليه السالم -في آخر الزمان من عالمات الساعة وأشراطها
الكبرى ،وهو ٌ
ثابت بالكتاب والسنة املتواترة واإلجماع.
فمن الكتاب:
ۡ ً قوله تعالى﴿ :وملَّا ُ
ض ِرب ۡٱب ُن م ۡريم مثال ِإذا ق ۡو ُمك ِمن ُه ي ِص ُّدون﴾[الزخرف ]5٧:إلى قوله
لساع ِة﴾[الزخرف ،]61:واملقصود :أن نزول عيس ى -عليه السالم -قبل يوم تعالى﴿ :و إ َّن ُ ۥه لع ۡل ٌم ل َّ
ِ ِ ِ
َُّ ٌ
القيامة عالمة على قرب الساعة ،ويدل لذلك قراءة ابن عباس ومجاهد وغيرهما﴿ :و ِإن ۥه
ٌ ٌ لعل ٌم ل َّ
لساع ِة﴾ أي عالمة وأمارة على الساعة. ِ
للا عن ُهما -في وأخرج اإلمام أحمد( )1وحسن إسناده محققوه عن ابن عباس -رض ي ُ
لساع ِة﴾[الزخرف ]61:قال" :هو خروج عيس ى ابن مريم -عليه تفسير قوله تعالى ﴿و إ َّن ُ ۥه لع ۡل ٌم ل َّ
ِ ِ ِ
السالم -قبل يوم القيامة".
َّ ۡ ۡ ويدل لذلك ً
أيضا من القرآن قوله تعالى﴿ :وق ۡو ِل ِه ۡم ِإنا قتلنا ٱمل ِسيح ِعيس ى ۡٱبن
وه و َٰلكن ُشبه ل ُه ۡم﴾[النساء ]15٧:إلى قوله تعالى﴿ :وإن منۡ وه وما صل ُب ُ ٱَّلل وما قت ُل ُ م ۡريم ُسول َّ
ر
ِ ِ ِ ِ ِ
يدا﴾[النساء.]159: أ ۡهل ۡٱلك َٰتب إ َّال ل ُي ۡؤمن َّن بهۦ ق ۡبل م ۡوتهۦ وي ۡوم ۡٱلق َٰيمة ي ُكو ُن عل ۡيه ۡم شه ً
ِ ِ ِ ِ ِِ ِ ِِ ِ ِ ِ ِ
بعد أن أبطل سبحانه وتعالى ما ادعته اليهود من قتل عيس ى -عليه السالم -وأخبر
ۡ َٰ َّ
سبحانه أنه رفع عيس ى -عليه السالم -إلى السماء ،قال سبحانه﴿ :و ِإن ِم ۡن أ ۡه ِل ٱل ِكت ِب ِإال
أحد إال سيؤمن بعيس ى -عليه ل ُي ۡؤمن َّن بهۦ ق ۡبل م ۡوته﴾[النساء ]159:أي ما من أهل الكتاب ٌ
ِِ ِ ِِ
السالم -حين نزوله في آخر الزمان قبل موت عيس ى عليه السالم.
شهيدا ً يدا﴾[النساء ]159:يكون عيس ى -عليه السالم- ﴿وي ْوم ْالقيامة ي ُكو ُن عل ْيه ْم شه ً
ِ ِ ِ ِ
عليهم بأعمالهم التي شاهدها منهم قبل رفعه إلى السماء وبعد نزوله إلى األرض ،فعيس ى -
عليه السالم -لم ُيقتل ولم ُيصلب؛ بل رفعه للا إليه ،وهو حي اآلن ،وهو في السماء،
وسينزل قبل قيام الساعة.
(.)2918( )1
157 شرح منظومة أشراط الساعة
(.)156( )3
شرح منظومة أشراط الساعة 158
الوجه األول :الرد على اليهود في زعمهم أنهم قتلوا عيس ى -عليه السالم ،-فبين للا
تعالى كذبهم ،وأن عيس ى -عليه السالم -هو الذي سيقتلهم ويقتل رئيسهم الدجال.
والوجه اآلخر :الرد على النصارى في دعواهم أن عيس ى ابن للا -تعالى للا ،-وأن
ً عيس ى ثالث ثالثة ،وأنه ُ
صلب لتكفير خطايا أتباعه ،فينزل مكذ ًبا ذلك ومبطال دعاويهم
ً
فيه وفي أمه ،فيكسر الصليب الذي جعلوه عالمة على موته ،ويقتل الخنزيرُ ،ويهلك للا
ُ
امللل كلها في زمانه فال تبقى إال ملة اإلسالم.
ً ْ
ثم قال( :ين ِز ُل ع ْدال حك ًما) .
عنه -أنه قال :قال رسول للا -صلى للا ُ في الصحيحين( )2من حديث أبي هريرة -رض ي ُ
ً ُ ْ ْ للا عليه وسلم« :-و َّالذي ن ْفس ي بيده ،ل ُ
ابن م ْريم حك ًما ع ْدال».
يك ُم ُ وشك َّن أن ين ِزل ِف ِ ي ِِ ِ ِ
ً ًْ ً ً ً
«إماما مقسطا وحكما عدال» .ثم بين وفي رواية ملسلم(« :)3حك ًما عادال» ،وفي رواية له(:)4
يضاء).
مكان نزوله فقالِ ( :بالش ِام وذا لدى املنار ِة الب ِ
(.)9270( )1
(.)155( )3
(.)155( )4
159 شرح منظومة أشراط الساعة
للا عنهما -في حديثه الطويل في ذكر في صحيح مسلم( )1عن النواس بن سمعان -رض ي ُ
ْ الدجال ثم ذكر نزول عيس ى -عليه السالم -قالْ :
«فبينما هو كذلك -أي الدجالِ -إذ بعث
ْ ْ ْ ْ ُ ْ َّ ُ
اض ًعا ْ ْ
َّللا امل ِسيح ابن م ْريم ،فين ِزل ِعند املنار ِة البيض ِاء ش ْر ِق َّي ِدمش بين م ْه ُرودتي ِن ،و ِ
ُ ٌ ُّ ْ ُ َّ ُ ُ ْ ْ َّ
كف ْي ِه على أ ْج ِنح ِة ملك ْي ِنِ ،إذا طأطأ رأسه قطر ،وإذا رفعه تحدرمنه جمان كاللؤل ِؤ».
ُ الجمان :حب ٌ
ات من الفضة تصنع على هيئة اللؤلؤ الكبار واملراد :أنه يتحدر منه املاء
والحسن.مانا؛ لشبهه به في الصفاء ُ على هيئة اللؤلؤ في صفائه ،فسمي املاء ُج ً
قال« :فال يح ُّل لكافر يج ُد يح نفسه إ َّال مات ،ونف ُس ُه ي ْنتهي ح ْي ُث ي ْنتهي ط ْر ُفهُ،
ِ ِ ِ ِ ِ ِ ٍ ِ ِر
ْ ُ ُ ُ ُ َّ ْ ُ ُ ْ ُ َّ ُ ُ ُْ
اب ل ٍد ،فيقتله ،ثم يأتي فيطلبه -أي يطلب عيس ى -عليه السالم -الدجال -حتى يد ِركه بب ِ
ُ ُ ُ ُ َّ ُ ْ ٌ ْ
وه ِه ْم و ُيح ِدث ُه ْم بدرج ِات ِه ْم في ْ ُ
ِعيس ى ابن م ْريم قوم قد عصم ُهم َّللا منه ،فيمسح عن وج ِ
ْ
َّ
الجنة».
ثم قال:
(.)2937( )1
شرح منظومة أشراط الساعة 160
ُ
الح ُروبا) كس ُر ُه ،ويض ُع قت ُل الخ ْنزير ،و َّ ُ
ي ِ الص ِليبا ِ ِ (في
السالم -إذا نزل في آخر الزمان ،وسبق حديث الصحيحين(:)1 هذا من أعمال عيس ى -عليه َّ
ِ
ابن م ْريم حك ًما ع ْد ًال ،في ْكسر َّ
الص ِليب،
ُ
يك ُم ُ ْ ْ
وشك َّن أن ين ِزل ِف ُ ْ َّ
ِ «وال ِذي نف ِس ي بي ِد ِه ،لي ِ
ْ ُْ
الج ْزية» وفي رواية« :ويضع الحرب». ِ ع ض يو ، ير
ز ِ ن الخ
ِ ل ت ويق
ٌ ً ْ ُ
توبيخ الخن ِزير) واملعنى :أنه يأمر بقتله مبالغة في تحريم أكله ،وفيه قال( :فيقت ُل ِ
عظيم للنصارى الذين يدعون أنهم على طريقة عيس ى -عليه السالم -ثم يستحلون أكل ٌ
حالل في شريعتهم.تكذيب للنصارى في دعواهم أنه ٌ ٌ الخنزير ،ويبالغون في محبته ،ففي قتله
ٌ
كس ُر ُه) والصليب عند النصارى عالمة على صلب عيس ى -عليه َّ
ثم قال( :والص ِليبا ي ِ
ٌ ٌ ٌ
وتكذيب لهم في إبطال لدعواهم وكشف لزيفهم السالم -وموته ،ففي كسر الصليب
صلب. دعواهم أنه ابن للا وأنه ثالث ثالثة وأنه ُ
الح ُروبا) ويكون وضع الحرب بعد قتل الدجال ومن معه من اليهود ثم قال( :ويض ُع ُ
ً
جميعا. وبعد موت يأجوج ومأجوج؛ حيث يؤمن أهل األرض
أخرج النسائي( )2وهو في السلسلة الصحيحة( )3عن سلمة بن ُنفيل الكندي -رض ي ُ
للا
جل فقال: عليه وس َّلم -إذ جاءه ر ٌ ِ
عنه -أنه قال« :بينا أنا جالس عند سول هللا -ص َّلى ُ
هللا ر
ُ
ٌ َّ يا سول هللاَّ ،
أقوام أال قتال وأن قد وضعت إن الخيل قد ُس ِيبت ُووضع السالح وزعم ر
ُ َّ الحرب أوزا ها .قال سول هللا -ص َّلى ُ
القتال ،وال عليه وسلم« :-كذبوا ،اآلن جاء ِ هللا ر ر
ُ ُ َّ ُ ُ ُ
يزال من َّأمتي أ َّم ٌة يقا ِتلون في سبيل هللا ،ال ُُّ
وم، ق
ْ ٍ لوب ق َّللا زيغي هم، خالف ن م هميضر ِ
وجاعة ،وال تض ُع ْالح ْر ُب أ ْوزارها ح َّتى ي ْخ ُرج يأ ُج ُ َّ ُ
حتى تقوم السمنهم ،يقاتلون َّ رزقهم ْ ُ
ي
ومأ ُج ُ ْ
وج».
وهذا معنى قوله -صلى ُ
للا عليه وسلم -عن عيس ى -عليه السالم« :-ويض ُع الحرب»،
ومعنى قوله -صلى ُ
للا عليه وسلم -عن زمان عيس ى -عليه السالم« :-وتض ُع الحروب
للا عليه وسلم -فيما أخرجه اإلمام أحمد( )1وقال ابن أ ْوزارها» ،وهو معنى قوله -صلى ُ
ناجل». م يوف كثير(" :)2إسناده جيد قوي صالح"« :ويرج ُع الس ْلم ،وي َّتخ ُذ ُّ
الس
ِ ِ ِ ِ
ٌ
واملناجل :جمع منجل ،وهي حديدة ُيقضب بها الزرع.
واملعنى :أن الحرب تضع أوزارها ويشتغل الناس بالحرث والزراعة؛ لذا قال بعد ذلك:
وليس ي ْقب ُل سوى اإل ْ ْ
الم)
ِ س ِ ِ نام
ِ األ لى إِ م ل الس
ِ رج ُع
(وي ِ
ُ ُ ُ
«وتمأل األر ُ (ُ )4
الس ِلم كما يمأل ِ من ض عند ابن ماجه( )3وهو في صحيح الجامع الصغير :
ُ ُ واحدة فال ُيعبد َّإال ُ
ً ُ اإل ُ
الحرب أوزارها». وتضع هللا، املاء ،وتكون الكلمة ناء من ِ ِ
َّ وفي مسند اإلمام أحمد( )5وصححه محققوه« :وي ْ
اإلسالم» أي يدعوِ إلى اس الن عو د
ُ َّ َّ «فيهل ُك ُ
هللا في زما ِنه ا ِمللل كلها إال اإلسالم». عيس ى -عليه السالم -الناس إلى اإلسالم ُ ِ
ْ (وي ُ
نام) الفعل (رجع) يتعدى بنفسه في اللغة الفصحى ،فتقول: ِ األ لى إ الس ِ
م ل رجع ِ ِ
ُ ٌ ُ ُ
رجع ُت ُه عن الش يء أي رددت ُه عنه ،وتقول :رجع ُه ،ويرج ُعه ،وهذيل تعديه بالهمزة فتقول:
ُ
أرجع ُه ُويرج ُع ُه –بضم حرف املضارعة ،-ولغة تعديته بنفسه هي الفصحى ،وبها جاء
َٰٓ ُ َٰ ٓ القرآن﴿ :فإن َّ جعك َّ ُ
ٱَّلل ِإل َٰى طا ِئف ٍة ِم ۡن ُه ۡم﴾[التوبة﴿ ،]٨3:فرج ۡعنك ِإلى أ ِمك﴾[طه،]40: ِ ر
ٓ ُ ُ َٰ
﴿ت ۡر ِج ُعونها ِإن كنت ۡم ص ِد ِقين﴾[الو اقعة.]٨٧:
وفي رواية(« :)6ويضع الجزية» مكان «ويضع الحرب» واملعنى :أنه ال يقبل الجزية ،وال
ٌ
يقبل من الكفار إال اإلسالم أو القتال ،فمشروعية الجزية في شريعتنا مقيدة بنزول عيس ى
ُ للا عليه وسلم-؛ فهو -صلى ُ -عليه السالم -بإخبار نبينا -صلى ُ
للا عليه وسلم -املبين
(.)10260( )1
(.)221/19( )2
(.)4077( )3
(.)9270( )5
ُْ ابن م ْريم حك ًما عاد ًال ،فلي ْكسر َّن َّ
الص ِليب ،وليقتل َّن «وَّللا لي ْنزل َّن ُ
َّ للنسخ بقوله لنا:
ِ ِ ِ ِ
الج ْزية». الخ ْنزير ،وليضع َّ
ن
ِ ِ ِ
ثم قال:
َّ
ُمت ِب ًعا ن ِب َّينا الع ْدناني) رآن
ُ
الق و ة
ُّ َّ
ن الس ب (ي ْح ُك ُ
م
ِ ِ ِ
ُ
إذا نزل عيس ى -عليه السالم -في آخر الزمان ،فإنه يحكم بشريعة نبينا -صلى للا عليه
للا عليه وسلم-؛ ألن دين وسلم -وال ينزل بشرع جديد ،بل يكون من أتباع نبينا -صلى ُ
اإلسالم خاتم األديان وهو باق إلى قيام الساعة ال ُينسخ ،فيكون عيس ى -عليه السالم-
للا عليه وسلم. حاكما من حكام هذه األمة ،ومجد ًدا ألمر اإلسالم؛ إذ ال نبي بعد نبينا صلى ُ ً
عنه -أن رسول للا -صلى ُ
للا عليه للا ُ
مسلم في صحيحه( )1عن أبي هريرة -رض ي ُ ٌ أخرج
ُ ُ يك ْم ُُ
ابن مريم فأ َّمك ْم ِمنك ْم؟» قال الوليد بن مسلم وسلم -قال« :كيف أنتم إذا نزل ِف
أحد رواة الحديث :ف ُقل ُت البن أبي ذئب :إن األوزاعي حدثنا عن الزهري عن نافع عن أبي
ُ ُ ُ ُ ُ ُْ
هريرة« :و ِإم ُامك ْم ِمنك ْم» قال اب ُن أبي ذئب :تدري ما أمكم منكم؟ قل ُت :تخب ُرني .قال:
َّللا عليه وسلم. فأم ُكم بكتاب رب ُكم تبارك وتعالى و ُسنة نبي ُكم صلى ُ
عنهما -أنه قال :سمعت ر ُسو ُل َّللا للا ُ وفي صحيح مسلم( )2عن جابر بن عبدللا -رض ي ُ
ٌ ُ َّ ُ ُ -صلى للا عليه وسلم -يقول« :ال ت ُ
ومِ ي إلى ين ر ظاه
ِ ِ ِ الح على نو لزال طا ِئفة ِمن أمتي يقا ِت
السال ُم ،-فيقو ُل ِأم ُير ُه ْم :تعال ص ِل بنا. القيامة .قال :في ْنز ُل عيس ى ُ
ابن م ْريم -عل ْيه َّ
ِ ِ ِ ِ ِ
َُّ ُ ْ ُ إن ب ْعض ُك ْم على ب ْ
فيقو ُل :الَّ .
هذه األمة». هللا ِ
راء تك ِرمة ِ ض أمٍ ع
وهذا اإلمام الذي يصلي عيس ى -عليه السالم -خلفه هو املهدي كما سبق ،وفي صالة
عيس ى -عليه السالم -خلف املهدي مع أن عيس ى -عليه السالم -أفضل منه واملهدي ٌ
فرد من
ً ٌ
داللة على أن عيس ى -عليه السالم -نزل ً
حاكما بشريعة نبينا تابعا لنبينا، أفراد هذه األمة
صلى ُ
للا عليه وسلم.
ثم قال:
(.)155( )1
(.)156( )2
163 شرح منظومة أشراط الساعة
(.)2937( )1
(.)9270( )2
(.)6821( )3
(.)2182( )4
(.)10261( )5
(.)221/19( )6
شرح منظومة أشراط الساعة 164
(.)155( )1
(.)192/2( )2
(.)47( )3
(ر ْج ٌل) يقال :رج ُل الشعر ،ورج ُل الشعر أي شعره بين السبوطة والجعودة.
الص ْد ِر) أي ُمتس ُعه.
يض َّ
(وعر ُ
ِ
(آد ُم) أي أسمر ،وهذا يخالف ما تقدم من وصفه بالبياض مع الحمرة.
(ج ْع ٌد) والجعد من الشعر خالف السبط ،يقال" :جعد الشعر" أي في شعره تثن
وتكس ٌر ،وهذا يخالف ما تقدم من وصفه بالسبوطة.
ْ ٌ
اس) أي بين الطول والقصر.
ِ الن في ة (ربع
يماس) الديماس :الحمام .واملقصود :وصفه بصفاء اللون ونضارة د (كأ َّنما خرج م ْ
ن
ِ ِ ِ
الجسم ،وكثرة ماء الوجه .وهذه الصفات كلها قد صحت بها األحاديث.
واإلشكال هو في صفتين:
في لون بشرته.
وفي صفة شعره.
ُ
أما لون البشرة فقد ُوصف بالبياض والحمرة ُووصف باألدمة وهي السمرة ،وال
ٌ ٌ ُ
قر ُب من البياض والحمرة.
صافية ،ت ُ تعارض فأدمته خفيفة
جمع بينهما بهذا القرطبي( )1والنووي(.)2
وأما صفة الشعر فقال النووي في شرح مسلم(" :)3املراد بالجعد هنا :جعودة
الجسم ،وهو اجتماعه واكتنازه ،وليس املراد جعودة الشعر".
(.)400/1( )1
(.)233/2( )2
(.)227/2( )3
شرح منظومة أشراط الساعة 166
ً ً
وال مانع من أن يكون صفة للشعر؛ فإن األكثر في الجعودة أن تكون صفة للشعر،
فيجمع بين وصف شعره بالجعودة ووصفه بالسبوطة بأنه بين الجعودة والسبوطة، ُ
ويؤيده أنه ُوصف بأنه رج ُل الشعر ،ومعنى رجل الشعر أنه بين السبوطة والجعودة.
وأما أدلة هذه الصفات :ففي الصحيحين( )1عن أبي هريرة -رض ي للا عنه -أنه قال:
السالمُ،
يت ُموس ى عليه َُّ ْ ُ قال رسول للا -صلى ُ
للا عليه وسلم« :-ليلة أس ِري بي ل ِق
ٌ َّ يت عيس ى ،فنعت ُه النبي -ص َّلى َّ ُُ
َّللا عليه وسلم ،-فإذا رْبعة ِ فنعت ُه» إلى أن قال« :ول ِق
ْ ُ َّ
يماس» يعني الحمام.
ٍ د ن
ِ ِم جرخ ماأن أحمر ،ك
وفي صحيح البخاري( )2عن ابن عباس -رض ي للا عنهما -أنه قال :قال رسول للا -صلى
فأحم ُر ،ج ْع ٌد ،عر ُ
يض فأما عيس ى ْ وموس ى و ْإبراهيمَّ ، للا عليه وسلم« :-رأ ْي ُت عيس ى ُ ُ
ِ ِ ِ ِ
الص ْد ِر».
َّ
للا عليه وسلم- وفي الصحيحين( )3عن ابن عمر -رض ي للا عنهما -أن رسول للا -صلى ُ
ُ َّ ُ ُ ٌ ُ قالْ :
جل آد ُم س ْبط الش ْع ِر» وذكر عيس ى بالكعبة ،فإذا ر ٌِ ف و أط ي ن ِ أيت ر م ئ
ِ نا أنا مان «بي
عليه السالم.
َّ
الل ْ وفي رواية ملسلم عنه( )4أن النبي -صلى ُ
نام
ِ امل في ة لي ي ن
ِ ا ر «أ قال: - م لوس عليه للا
ْ َّ ُ
ض ِر ُب ِملت ُه ْبين من ِكب ْي ِه، ع ْند الك ْعبة ،فإذا ُج ٌل آد ُم كأ ْحسن ما ترى من ُأ ْدم الرجال ،ت ْ
ِ ِ ِ ِ ِ ر ِ ِ
َّ
ر ِج ُل الش ْع ِر» وذكر عيس ى عليه السالم.
ثم قال:
وام) عوقيل :س ْبع ًة من األ ْ نام األ في ين ع ب
ر ْ أ ث
ْ ُ ُ
(يمك
ِ ِ ِ ِ ِ
هذا البيت في مدة بقاء عيس ى -عليه السالم -في األرض بعد نزوله ،فقيل :يمكث أربعين
عاما ،استدل بما أخرجه عاما ،وقيل :يمكث سبعة أعوام .فمن قال :إنه يمكث أربعين ً ً
(.)3438( )2
(.)169( )4
167 شرح منظومة أشراط الساعة
(.)2940( )1
(.)98/2( )2
شرح منظومة أشراط الساعة 168
ُ
سنين؛ بل أظهر ما تحمل عليه :أن تكون السبع مدة بقاء أهل اإليمان بين وفاة عيس ى -
عليه السالم -ومجيء الريح التي تقبض أرواحهم ،فيكون قوله -صلى للا عليه وسلم«ُ :-ثمَّ
ً ٌ
عداوة ،ثم ُي ْرس ُل ُ
هللا ر ً ُ ُ
يحا باردة» للمدة التي ِ ِ اثنين
ِ بين ليس ،يننِ س
ِ سبع الناس يمكث
يمكثها الناس بعد وفاة عيس ى -عليه السالم -وقبل الريح التي تقبض أرواح املؤمنين؛ ألن
روحه بالريح ،وإنما يتوفى ويصلي عليه املسلمون ،ويبقى عيس ى -عليه السالم -ال ُتقبض ُ
أهل اإليمان بعده سبع سنين ،ثم يرسل للا الريح التي تقبض أرواحهم ،فال يبقى في األرض
إال شرار الخلق وعليهم تقوم الساعة.
وبهذا يزول اإلشكال بين الروايات ويندفع التعارض؛ لذا صدر بالقول بأنه يمكث
أربعين ً
عاما وذكر السبع بصيغة التمريض.
املتن:
ُ ْ ْ
ِم ْن ن ْس ِل يا ِف ٍث ون ْس ِل آدما ُ
هذا ويأجوج ومأجوج هماُ ُ ُ
ُ ْ ْ ُ
ُو ُج ُ
وه ُه ْم ِمث ُل ا ِملج ِن املطر ِق ص ِف ِه ْم في الخب ِر املص َّد ِق م ْن و ْ
ِ
الصحيح ف ْ ص ْه ُب الشعاف ب َّ ُ ُ ْ ُ ُُ ُْ ُ
اعت ِن ِ ِ ِ ِ ِ وف و ِصغار األعي ِن ِ ناأل ف ذل
به ُ ْ ْ ْ ُّ
دان
ِ ي م ِِ ِلخ ٍ
ل وما وان
ِ ل األ و كال
ِ ش األ في رك الت ك
الشرح:
من أشراط الساعة الكبرى :خروج يأجوج ومأجوج في آخر الزمان ،وهو ثابت بالكتاب
والسنة املتواترة.
ُ ُ ۡ ۡ ُ ُ ۡ
فمن الكتاب قوله -تعالى﴿ :-حت ٰٓى إذا فتحت يأجوج ومأجوج﴾[األنبياء ،]96:أي فتح السد.
ُ ُ
ُ ُ ُ ُ
نسلونُ :يسرعون. ِ وي املرتفع، املكان الحدب: ، ] 96 [األنبياء: ﴾ نو ل نس ي
ٍ ِبد ح ل﴿وهم ِمن ِ
ك
ٌ ُ
فخروجهم شرط من يوم القيامة بخروجهم،ٱقترب ۡٱلو ۡع ُد ۡٱلح ُّ ﴾[األنبياء ،]9٧:أي ُ ۡ
﴿و
ُ ٌ
أشراط الساعة وعالمة على قرب قيامها.
مخبرا عن ذي القرنينُ ﴿ :ث َّم أ ۡتبع سب ًبا﴾[الكهف ]9٢:أي سلك ً
طريقا. وقال -تعالىً -
169 شرح منظومة أشراط الساعة
ٱلس َّد ۡي ِن﴾[الكهف ]93:وهما جبالن ،أي وصل إلى ما بين هذين الجبلين ﴿ح َّت َٰٓى إذا بلغ ب ۡين َّ
ِ
الحاجزين ملا وراءهما ،وهذه الثغرة بين الجبلين يخرج منها يأجوج ومأجوج على بالد الترك
ً
فسادا. فيعيثون فيها
ً ۡ َّ
﴿وجد ِمن ُد ِون ِهما ق ۡو ًما ال يك ُادون يفق ُهون ق ۡوال﴾[الكهف ،]93:ل ُبعد ألسنتهم عن ألسنة
الناس.
ُ ْ
﴿قالوا﴾[الكهف ،]94:أي قال هؤالء القوم الذين ال يكادون يفقهون قوال لذي القرنين
ُ
يشكون يأجوج ومأجوج.
ۡ ۡ ُ ۡ ُ ُ ۡ ُ ۡ ۡ ۡ َّ ۡ َٰ
ض﴾[الكهف ،]94:بالقتل وأخذ ِ ر ٱأل يفِ ن و د سِ ف م وج ج أ مو وج ج أ ي ن إِ ِن ي ن
ر قٱل ا ذ ي ﴿
األموال.
ً
﴿فه ۡل ن ۡجع ُل لك خ ۡر ًجا﴾[الكهف ،]94:أي ُجعال.
َّ
على أن ت ۡجعل ب ۡيننا وب ۡين ُه ۡم س ًّدا * قال ما مك ِني ِف ِيه رِبي خ ۡي ٌر﴾ [الكهف ،]95-94:أي ما ﴿ َٰٓ
أعطاني ربي من امللك والسلطان خير مما تعطونني من املال.
ُ ُ
﴿فأ ِعينو ِني ِبق َّو ٍة﴾[الكهف ،]95:أي بالرجال واآلالت.
ُ
مانعا من مجيئهم إليكم. حاجزا ً ً ﴿أ ۡجع ۡل ب ۡينك ۡم وب ۡين ُه ۡم ر ۡد ًما﴾[الكهف ،]95:أي
ۡ ُ
﴿ءاتو ِني ُزبرٱلح ِد ِيد﴾[الكهف ،]96:أي قطع الحديد ،فأحضروها ،فطفق يبني.
ٱلصدف ۡي ِن﴾[الكهف ،]96:أي ساوى بين جانبي الجبلين بهذا الردم ﴿ح َّت َٰٓى إذا ساو َٰى ب ۡين َّ
ِ
الذي بناه.
ُ ُ ُ ْ
﴿قال ٱنفخوا﴾[الكهف ،]96:أي أشعلوا النار على هذه القطع.
﴿ح َّت َٰٓى ِإذا جعل ُ ۥه نا ًرا﴾[الكهف ،]96:أي احمرت قطع الحديد.
ذابا أ ُ
صبه عليه. ﴿قال ء ُاتون ٓي ُأ ۡفر ۡغ عل ۡيه ق ۡط ًرا﴾[الكهف ،]96:أي أحضروا ُن ً
حاسا ُم ً
ِ ِ ِ ِ
وه﴾[الكهف ،]9٧:أي لم يستطع يأجوج ومأجوج أن يصعدوا فوق ٱس َٰط ُع ٓو ْا أن ي ۡظه ُر ُ
﴿فما ۡ
السد.
ً ۡ َٰ ُ ْ ُ ۡ
﴿وما ٱستطعوا ل ۥه نقبا﴾[الكهف ،]9٧:ولم يستطيعوا أن يثقبوه من أسفله لصالبته.
شرح منظومة أشراط الساعة 170
ٌ َٰ
﴿قال هذا ر ۡحمة ِمن َّرِبي﴾[الكهف ،]9٨:أي قال ذو القرنين :هذا السد رحمة من ربي
يحول بين يأجوج ومأجوج واإلفساد في األرض.
ٓ
﴿ف ِإذا جاء و ۡع ُد رِبي﴾[الكهف ،]9٨:أي اقترب الوقت الذي جعله للا -تعالى -لخروجهم
قبل قيام الساعة.
َّ ٓ
مستويا باألرض. ً ً
منهدما ﴿جعل ُ ۥه دكاء﴾[الكهف ،]9٨:أي جعل ذلك السد املحكم
ض﴾ [الكهف ،]99-9٨:أي يوم عوج في ب ۡ﴿وكان و ۡع ُد ربي ح ًّقا * وتر ۡكنا ب ۡعض ُه ۡم ي ۡومئذ ي ُم ُ
ٍ ِ ٍِ ِ
خر ُج يأجوج ومأجوج يموج بعضهم في بعض أي يضطربون ويفسدون في
ُ ُيدك السد وي ُ
األرض.
َٰ ثم بعد ذلك يجمع للا الخلق للحساب كما قال -تعالى﴿ :-و ُنفخ في ُّ
ور فجم ۡعن ُه ۡم
ِ ٱلص ِ ِ
ج ۡم ًعا﴾[الكهف.]99:
ُ
واألحاديث من السنة الدالة على خروج يأجوج ومأجوج في آخر الزمان قد بلغت مبلغ
التواتر منها ما في الصحيحين( )1عن زينب بنت جحش -رض ي للا عنها -زوج النبي -صلى للا
َّ َّ َّللا -ص َّلى ُ
«أن سول َّ عليه وسلمَّ :-
هللا عليه وسلم -دخل عل ْيها ي ْو ًما ف ِز ًعا يقو ُل :ال إله إال ِ ر
َّ ُْ ُْ ُْ ُ
َّللاْ ،وي ٌل ل ْلعرب من شر قد اقترب ،فتح اليوم من ر ْ
ْ َّ ُ
هذه ،وحل
ِ ل ثمِ وج ج أ وم وج ج أ ي مِ د ِ ِ ٍ ِ ِ ِ ِ
ُ ُ ْ ُ ْ ْ ُ ْ َّ ْ ْ ْ
ش -رض ي هللا عنها :-فقلت :يا رسول بإصبعي ِه اإلبه ِام والتي ت ِليها ،قالت زينب بنت جح ٍ
ُ ُ َّللا أفن ْهل ُك وفينا َّ َّ
الص ِال ُحون؟ قال :نع ْم إذا كثرالخبث». ِ ِ
واألحاديث في ذلك كثيرة وستأتي اإلشارة إلى بعضها في دارسة األبيات إن شاء للا.
قال:
ِم ْن ن ْس ِل يا ِف ٍث ون ْس ِل آدما) وج وم ْأ ُج ُ
وج ُهما (هذا وي ْأ ُج ُ
يأجوج ومأجوج أمتان عظيمتان من ذرية آدم -عليه السالم ،-والدليل على أنهما من ذرية
آدم -عليه السالم -ما أخرجه البخاري في صحيحه( )2عن أبي سعيد الخدري -رض ي للا
عز َّ
وجل -يوم عنه -عن سول للا -صلى للا عليه وسلم -أنه قال« :يقو ُل َّ ُ
َّللا َّ - ر
(.)4741( )2
171 شرح منظومة أشراط الساعة
ْ ُ ْ َّ َّ ْ القيامة :يا آد ُم ،فيقو ُل :ل َّبيك رَّبنا وس ْعد ْيكُ ،
َّللا يأ ُم ُرك أن تخ ِرج فينادى بص ْو ٍت :إن ِ ِ
ْ ً ْ ُ َّ ُ النار ،قال :يا رب وما ب ْ َّ ً من ُذرَّيتك ب ْ
ف ِت ْسع ِمئ ٍة و ِتسعة ِ ِ ٍ أل ل ك ن م :قال ؟ار
ِ الن ث ع ِ ِ إلى اث ع ِ ِ ِ
َٰ َّ يب الول ُ
يد﴿ ،وترى ٱلناس ُسكر َٰى وما ُهم ِ
وت ْسعين ،فحينئ ٍذ تض ُع الحام ُل ح ْملها ،ويش ُ
ِ ِ ِ ِ ِ ِ
حتى تغ َّير ْت ُو ُج ُ
الناس َّ َّ ٱَّلل شد ٌيد﴾[الحج ،]٢:فش َّ َٰ
ب ُس َٰكر َٰى ولك َّن عذاب َّ
وه ُه ْم، ِ على ذلك ِ ِ ِ ِ
ْ ً ْ ْ ُ ْ ُ ْ ْ َّ ُ َّ
فقال النبي -صلى هللا عليه وسلمِ :-من يأجوج ومأجوج ِتسع ِمئ ٍة و ِتسعة و ِتس ِعين،
ُ
واح ٌد».ِ م نكوم
ِ
ُ
«من ذ ِرَّي ِتك» جعلهم من ذرية آدم -عليه السالم ،-فيأجوج وجه الداللة منه في قولهِ :
ومأجوج من البشر من ذرية آدم وحواء.
وقال بعضهم :إنهم من ذرية آدم ال من حواء ،وذلك أن آدم احتلم فاختلط مني ُه
بالتراب فخلق للا من ذلك يأجوج ومأجوج ،وهذا ال دليل عليه ال من نقل وال من عقل ،وال
يجوز االعتماد في هذا الباب على ما يحكيه بعض أهل الكتاب بل هذا القول مخالف لنص
ۡ ُ
القرآن من أن جميع الخلق اليوم من ذرية نوح -عليه السالم ،-قال -تعالى﴿ :-وجعلنا ذ ِرَّيت ُ ۥه
فأهل األرض كل ُهم من ذرية نوح -عليه السالم-؛ ألنه ملا غرق الناس
ُ ُه ُم ۡٱلبا ِقين﴾[الصافاتُ ]٧٧:
نوح ومن كان معه في السفينة تناسل الناس من أوالد نوح الثالثة :سام في الطوفان ونجى ٌ
ومأجوج من ساللة يافث بن نوح ،وهو أبو الترك. ُ ُ
ويأجوج وحام ويافث،
ُيروى عن سعيد بن املسيب أنه كان يقول« :ولد نوح -عليه السالم -ثالثة :سام وحام
ويافث ،وولد سام :العرب وفارس والروم وفي كل هؤالء خير ،وولد حام :السودان والبربر
ُّ
()1
والقبط ،وولد يافث :الترك والصقالبة ويأجوج ومأجوج» أخرجه الحاكم في املستدرك ِ
وهو املشهور عند املؤرخين قال الناظم:
ُ أ ُ
س ٌام وح ٌام ثم يافث اعلموا والد نوح الذين أسلموا
ليافث ص ٌ
يت فكن ُمحققا ٌ
حام سبقا ٌ
سام ثم عرف
هذا البيت يضبط ذرية أوالد نوح عليه السالم.
(.)8429( )1
شرح منظومة أشراط الساعة 172
(عرف سام) قوله( :عرف) العين للعرب ،والراء للروم ،والفاء للفرس ،وهؤالء ذرية
سام بن نوح.
(ثم حام سبقا) قوله( :سب ) السين للسودان ،والباء للبربر ،والقاف للقبط ،وهؤالء
ذرية حام بن نوح.
يت) قوله( :صيت) الصاد للصقالبة ،والياء ليأجوج ومأجوج ،والتاء (ليافث ص ٌ
ِ
للترك ،وهؤالء ذرية يافث بن نوح.
ُ ُ
وقد قال علي بن الجهم القرش ي في أرجوزته في التاريخ املسماة باملحبرة:
ُ يأجوج واألتر ُ
ُ ٌ
والصقالب اك ويافث في نسله عجائ ُب
هذا قوله:
ِم ْن ن ْس ِل يا ِف ٍث ون ْس ِل آدما) وج ُهما وج وم ْأ ُج ُ (هذا وي ْأ ُج ُ
ثم انتقل إلى ذكر وصفهم الذي جاءت به األحاديث الصحيحة فقال:
ُ ْ ْ ُ
وه ُه ْم ِمث ى ى ى ى ى ُل ا ِملج ى ى ى ى ى ِن املط ى ى ى ى ىر ِق ُو ُج ى ى ى ى ى ُ ص ى ى ى ِف ِه ْم ف ى ى ىىي الخب ى ى ى ِراملص ى ى ى َّد ِق (م ى ى ى ْن و ْ
ِ
صى ىحيح ف ى ى ْ صى ى ْه ُب الشى ىعاف بال َّ ُ غاراأل ْع ى ى ى ى ى ُ ف األ ُن ى ى ى ى ىوف وص ى ى ى ى ى ُ ُ ُْ ُ
اعت ِن ِ ِ ِ ِ ِ ن ِ ي ِ ِ ذل ى ى ى ى ى
دان) ى ى ى ى ى ى ى ى ى ي وم ى ى ى ى ى ى ى ى ىىا لخ ْل ى ى ى ى ى ى ى ى ى به ى ى ى ى ى ى ى ى ى ُ
م وان ى ى ى ى ى
ْ
ل األ و كال ى ى ى ى ى ش
ْ
األ ىيى ى ى ى ى ف ك ْ ُّ
ِ ٍ ِِ ِ ِ ِ كى ى ى ى ى ِ
ر الت
ويأجوج ومأجو ُج ُيشبهون أبناء جنسهم من الترك ُ هذه الصفات هي صفات الترك،
املغول ،أخرج أحمد في املسند( )1عن ابن حرملة عن خالته -رض ي للا عنها -أنها قالت:
ٌ َّ صلى ُ َّ ُ
دغة عقر ٍب فقال: ِ ل ن مِ ه ع إصب ب عاص ِ وهو - م وسل عليه هللا «خطب رسول ِ
هللا -
راضأجوج ،ع ُ أجوج وم ُ َّإن ُكم تقولون :ال ع ُد َّو ،و َّإن ُكم ال تزالون ُتقاتلون ع ُد ًّوا ح َّتى يأتي ي ُ
ِ ِ
كأن ُوجوه ُه ُم امل ُّ هب الشعاف ،من كل حدب ينسلونَّ ، ُ ص ُ العيونُ ، غار ُ الوجوه ،ص ُ ُ
جان ٍ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ
ُ ُ
املطرقة» .قال الهيثمي في مجمع الزوائد(" :)2رواه أحمد والطبراني ورجالهما رجال
الصحيح" ،وقال البوصيري في إتحاف الخيرة(" :)3رواته ثقات".
(.)22331( )1
(.)240/19( )1
شرح منظومة أشراط الساعة 174
أي ال طاقة ألحد بقتالهم ،قال -صلى للا عليه وسلم -كما في صحيح مسلم( )1من
بقتال ِهم».
دان ألح ٍد ِ
حديث النواس بن سمعان -رض ي للا عنهما« :-ال ي ِ
اليدان :مثنى يد ومعناه :ال قدرة وال طاقة ألحد بقتالهمُ ،يقال" :ما لي بهذا األمر يدان"
وعبر باليد ألن الدفع إنما يكون باليد وكأن يديه معدومتان لعجزه و"ما لي بهذا األمر يد"ُ ،
عن الدفع.
املتن:
ُ
وج ِم ْن ك ِل حد ْب و أ ْقبل ْت ي ْأ ُج ُ ْ
حتى ِإذا ما و ْع ُد رِبنا اقتر ْب
ُّ ْ
ور ِعباد ِ
هللا ِ الط لى إ ز
ح ِر ِ أ ْو ى ِإلى ْاب ِن م ْري ٍم ِإلهي
ْ ُ ْ ُ ْ ُ لح ُاس ل ُ
الد ين ِسلونا الب ِوالقوم في ِ صو ِن ينحازونا والن ُ ِ
ُ ُ َّ ُ ُ ْ
وأ ْمعنوا في ِت ِيه ِه ْم وأوغلوا حتى ِإذا ما أفسدوا وقتلوا
ْ
هللا وق ْد ِشيبت دما ور َّدها ُ السما وو َّج ُهوا ُنشاب ُه ْم إلى َّ
ِ
ضط ِر إلى ُمجيب د ْعوة املُ ْ جأر عيس ى والورى في ُّ
الض ِر
ِ ِ ِ ِ
ْ ُ ُ
يت ُرك ُه ْم ف ْرس ى ،وأ ْزجى الوطفا هللا عل ِيه ْم نغفا فأ ْرسل
اس بعيش ن ْ وي ْنع ُم الن ُ ْ ُ ُ ْ ْ ُ
ض ِر ِ ٍ يق ِذف أجسامهم في البح ِر
الشرح:
قال:
ْ ْ ْ ُ ُ ْ ُ ْ
ْ
و أقبلت يأجوج ِمن ك ِل حدب) (حتى ِإذا ما و ْع ُد رِبنا اقتر ْب
ُ
نسلون *ي ب د ح ل
ُ
ك نم م ه وج وم ۡأ ُج ُ
وج و ُ كما قال تعالى﴿ :ح َّت َٰٓى إذا ُفتح ۡت ي ۡأ ُج ُ
ٍ ِ ِ ِ ِ ِ
ۡ ۡ ُ ۡ ُّ ۡ
وٱقترب ٱلوعد ٱلح ﴾[األنبياء]9٧-96:
ُّ ْ
هللا)
ِ باد ع
ِ ِور الط لىإ ز
ح ِر ِ (أ ْو ى ِإلى ْاب ِن م ْري ٍم ِإلهي
(.)2937( )1
175 شرح منظومة أشراط الساعة
في صحيح مسلم( )1عن النواس بن سمعان -رض ي للا عنهما -بعد ذكر قتل عيس ى -عليه
ْ ْ ُ «إذ أو ى ُ ْ
قد أخر ْجت هللا إلى عيس ىِ :إني السالم -الدجال قال -صلى للا عليه وسلم:-
ْ ْ ُ َّ ُ ْ ُّ ْ
َّللا يأ ُجوج ومأ ُجوج ،و ُه ْم ور ،ويبعث ِ الط ِعب ًادا ِلي ال يد ِان ألح ٍد ِبقت ِال ِه ْم فح ِرز ِعب ِادي إلى
آخرهم ِمن ُكل حدب ي ْن ِس ُلون ،في ُم ُّر أو ا ِئ ُل ُه ْم على ُبح ْير ِة طبرَّية فيشربون ما فيها وي ُم ُّر ُ
ِ ٍ ِ
ْ ُ َّْ صح ُاب ُه َّ نبي هللا عيس ى وأ ْ مر ًة ٌ ُ ْ ْ
حتى يكون رأس الثو ِر ماء ،ويحص ُر ُّ ِ ِ بهذ ِه َّ فيقولون :لقد كان ِ
صح ُاب ُه ُفيرس ُل ُ
هللا بي هللا عيس ى وأ ْ ُّ ن ب فيرغ ُ ْ ،وم الي م ألحده ْم خ ْي ًرا من مئة دينار ألحد ُك ُ
ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ٍِ ِ ِ ِ
ُ َّ
ود يكون في أنوف اإلبل والغنم ،واحد ُتها نغفة -في ِرق ِاب ِه ْم فُ :د ٌ عليهم النغف -النغ ْ
الذئب الشاة وافترسها إذا قتلها- ُ ص ِب ُحون ف ْرس ى -أي قتلى والواحد فريس ،من فرس في ْ ُ
صح ُاب ُه إلى األ ْرض ،فال يج ُدون في األ ْ ط نب ُّي هللا عيس ى وأ ْ ُ َّ ْ ُ ْ ْ
ض ِ ر ِ ِ ِ ِ ِ ب
ِ ه ي م ث ة
ٍ د اح
ِ و س كمو ِت ن ٍ
ف
صح ُاب ُه م ْوضع ش ْبر إ َّال مأل ُه زه ُم ُه ْم -أي رائحتهم الكريهة -ون ْت ُن ُه ْم في ْرغ ُب نب ُّي هللا عيس ى وأ ْ
ِ ِ ِ ِ ِ ٍِ
طيرا أعناقها في الطول والكبر كأعناق الب ْخ ِت -أي يرسل ً َّللا ط ْي ًرا كأ ْعناق ُ إلى هللا ُفي ْرس ُل َّ ُ
ِ ِ
ِ
َّللا .ث َّم ُي ْرس ُل َّ ُ ُ ُ ْ
البختية ،وهي إبل طوال األعناق -فت ْحمل ُه ْم فتطر ُح ُه ْم ح ْيث شاء َّ ُ ُ اإلبل ُ
َّللا ِ ِ
الزلف ِة -والزلفة :املرآة، حتى ي ْت ُركها ك َّ مط ًرا ال ي ُك ُّن منه ب ْي ُت مدر وال وبر ،في ْغس ُل األ ْ ض َّ
ر ِ ٍ ٍ
ْ فينظفها -ث َّم ُيق ُ ُ واملراد أن املاء ي ُعم جميع األرض ُ
ض :أن ِبتي ثمرت ِك ،و ُر ِدي بركت ِك، ِ ر ال ِلأل ْ
حتى أنَّ الر َّمانة ،وي ْستظ ُّلون بق ْحفها ،و ُيبا ُك في الر ْسلَّ ، ُّ ُ ُ ُْ
ِ ِ ر ِ ِ ِ ِ ن م
ِ ة اب ص ع
ِ ال ل ك ئذ تأ فيوم ٍ
ْ ْ َّ ْ ْ
اللقحة ِمن البق ِر لتك ِفي الق ِبيلة ِمن ِ و ، اس ِ الن ن م
ِ ام ئ الف
ِ ي فاإلب ِل لت ِ
ك ِ ن م
ِ ة ح ق الل ِ
َّ ْ ْ َّ
اس». اللقحة ِمن الغن ِم لتك ِفي الف ِخذ ِمن الن ِ اس ،و ِ الن ِ
َّ ْ ُ ً ْ
حتى ينت ُهوا إلى بهذه م َّرة م ٌاء» «ث َّم ي ِس ُيرون وزاد مسلم في رواية( )2بعد قوله« :لقد كان ِ
ْ ُ ْ ُ
س- جب ِل الخم ِر -الخمر :الشجر امللتف الذي يستر من فيه- -وهو جبل بي ِت امل ِ ِ
د ق
ُ َّ فيقولون :لق ْد قت ْلنا من في األ ْرض ،ه ُل َّم ف ْلن ْق ُت ْل من في َّ
السم ِاء ،في ْر ُمون بنش ِاب ِه ْم إلى ِ
ً ُ ُّ ُ ْ ْ ُ ُ ُ َّ
السم ِاء -والنشاب :النبل والسهام ،واحدته نشابة -فيرد هللا علي ِهم نشابهم مخضوبة
دما». ً
(.)2937( )1
(.)2937( )2
شرح منظومة أشراط الساعة 176
وفي مسند اإلمام أحمد( )1وهو في السلسلة الصحيحة( )2عن أبي سعيد الخدري -رض ي
أجوج وم ُ
أجوج للا عنه -أنه قال :سمعت رسول للا -صلى للا عليه وسلم -يقولُ « :يفت ُح ي ُ
ُ ُ عز َّ َّللا َّ - الناس كما قال َّ ُ َّ ي ُ
نسلو ﴾[األنبياء،]96: ن وجلِ ﴿ : -من ك ِل حد ٍب ي ِ ِ على ن و خرج
ُ ُ ُ ْ ْ
صونهم ،ويض ُّمون إليهم فيغشون األرض ،وينحاز املسلمون عنهم إلى مدا ِئ ِنهم وح ِ
حتى بالنهر فيشربون ما فيهَّ ، إن بعضهم لي ُم ُّر َّ مواشيهم ،ويشربون مياه األ ض ،حتى َّ
ِ ر ِ ِ
ٌ ً إن من بعدهم لي ُم ُّر بذلك َّ ي ُتركوه يب ًسا ،حتى َّ
ماء م َّرة ،حتى النه ِر ،فيقو ُل :قد كان هاهنا
ُ ْ ُ ْ ٌ َّ َّ إذا لم ي ْ
ض ،قد ِ ر األ ل أه هؤالء
ِ هم: ل ئ ِ قا قال دينة
ٍ م أو ن ٍ ص حِ في د أح إال اس ِ الن من ب
َّ ْ َّ ُ ُ ُّ ُ َّ ُ َّ ُ فر ْغنا منهم ،بقي ْ
رجع ِ فت ، ماء
ِ الس إلى بها مي ر ي م ث ه ت رب ح هم د أح ز ه ي م ث قال: ، ماء
ِ الس ل أه ِ
ودا في ْ فبينا ُهم على ذلك ،بعث ُ
هللا ُد ً بة د ًما؛ للبالء والف ْتنةْ ، ً
أعنا ِقهم، ِ ِ ِ إليه ُمخت ِض
َّ
صبحون م ْوتى ال ُيسم ُع لهم ِح ًّسا ،فيقو ُل ِ
أعناقهمُ ،
في ِ
خر ُج في ْ ُ ي ذي ال راد ف الج ِ كنغ ِ
نظر ما فعل هذا الع ُد ُّو ،قال :فيت َّ ُ ْ ْ
جر ُد ر ُج ٌل منهم املسلمون :أال ر ُج ٌل يشري لنا نفسه؛ في
ْ َّ ْ َّ َّ ْ
لذلكُ ،محت ِس ًبا لنف ِسه قد أطنها على أنه مقتو ٌل -وفي رواية( :)3ق ْد وطن نفس ُه على أن
أبشروا أال مين املسل عشر م يا : نادي بعض ُهم على بعض ُ
في فيجد ُهم موتى ُ ُ ل ي ْق ُت ُلوه ،-فينز ُ
ِ ِ ٍ ِ
ُ ُ ُ
َّللا قد كفاكم عدوكم في ُ َّ فإن َّ َّ
واشيهم ،فما سرحون م ِ ِ وي هم، صون
ِ وح هم ن ِ ئ
ِ دا م من ن جو خر
ُ َّ ْ ُ
لحوم ُهم ،فتشك ُر عنه كأحس ِن ما تشك ُر عن ش ي ٍء من يكون لها ِرع ٌي -أي ش يء ترعاه -إال
ط» .ت ْشكر أي تسمن وتمتلئ ً ُّ ْ َّ
شحما. بات أصابته ق الن ِ
وأخرج أحمد في املسند( )4وصحح إسناده أحمد شاكر( )5وابن ماجه( )6والحاكم في
ُ
املستدرك( )7عن عبدللا بن مسعود -رض ي للا عنه -أنه قال« :ملَّا كان ليلة أسري برسو ِل
ْ
(.)11731( )1
(.)4079( )3
(.)3556( )4
(.)484/3( )5
(.)4081( )6
(.)8502( )7
177 شرح منظومة أشراط الساعة
(.)10632( )1
(.)3153( )2
(.)4080( )3
وعند ابن ماجه( )1وهو في السلسلة الصحيحة( )2عن النواس بن سمعان -رض ي للا
عنهما -أنه قال :قال رسول للا -صلى للا عليه وسلم« :-سيوق ُد املسلمون ْ
من ِق ِس ِي ِ
ْ ُ َّ
يأجوج ومأجوج ونش ِاب ْهم و أت ِرس ِت ْهم سبع سنين».
وما في هذه األحاديث هو الذي عقد ُه في قوله:
ُ و أ ْقبل ْت ي ْأ ُج ُ
وج ِم ْن ك ِل حد ْب
ْ
(حتى ِإذا ما و ْع ُد رِبنا اقتر ْب
ُّ ْ
هللا
ِ باد ع
ِ ِور الط لى إ ز
ح ِر ِ أ ْو ى ِإلى ْاب ِن م ْري ٍم ِإلهي
حازونا) أي أن الناس يفرون من يأجوج ومأجوج ويتحصنون ُ ُ ُ ن ْ ُ
(والناس ِللحصو ِ ين
منهم في حصونهم.
(والق ْو ُم) أي يأجوج ومأجوج.
ُ ْ ُ
الد ين ِسلونا) أي ُيسرعون كما قال -تعالى﴿ :-و ُهم ِمن ك ِل حد ٍب الب ِ
(في ِ
ُ
نسلون﴾[األنبياء]96: ي ِ
ُ ُ َّ ُ ْ
وأ ْمعنوا في ِت ِيه ِه ْم وأوغلوا) (حتى ِإذا ما أفس ُدوا وقتلوا
ْ ْ
لقد قتلنا كما في حديث النواس بن سمعان السابق في صحيح مسلم(« :)3فيقولون:
السماء». يف هل َّم ْفلنق ُت ْل م ْ
ن
ُ
ض راأل في نمْ
ِ ِ ِ
هؤالء أ ْه ُ ُ
قائل ُ
ض ِ راأل ل ِ : م ه وفي حديث أبي سعيد الخدري السابق عند أحمد(« :)4قال
ماء».
الس ِ قد فرغنا م ُنهم بقي أ ْه ُل َّ
ِ
ْ
هللا وق ْد ِشيبت دما) ور َّدها ُ السما (وو َّج ُهوا ُنشاب ُه ْم إلى َّ
ِ
ً
مخضوبة ً ُ
دما. يرد للا عليهم نشابهم
ضط ِر) إلى ُمجيب د ْعوة املُ ْ ر (جأر عيس ى والورى في ُّ
الض
ِ ِ ِ ِ ِ
(.)4076( )1
(.)1940( )2
(فأ ْ سل ُ
هللا عل ِيه ْم نغفا) هو الدود ر
ْ ُ
(يت ُرك ُه ْم ف ْرس ى) أي قتلى.
(وأ ْ جى) أي ساق وجمع كما قال تعال ى ﴿أل ۡم تر أ َّن َّ
ٱَّلل ُي ۡز ِجي سح ًابا﴾[النور ]43:أي ز
يسوقه.
ُ
نهمار املطرُ ،يقال :سحابة وطفاء إذا كانت مسترخية الجوانب ف :ا ُ (الوطفا) الوط
ُ ُ ُ ْ فيرسل ُ
هللا ً ُ
فتطرحهم البخ ِت فتحملهم كأعناق
ِ اطير لكثرة مائها كما في صحيح مسلم(« :)1
هللا مط ًرا ال ي ُك ُّن منه ب ْي ُت مدر وال وبر ،في ْغس ُل األ ْ ض َّ
حتى هللاُ ،ث َّم يرس ُل ُ
حيث شاء ُ ُ
ر ِ ٍ ٍ ِ
ي ْت ُركها ك َّ
الزلف ِة».
رس ُل َّ ُ
وفي حديث أحمد وابن ماجه( )2السابق قول عيس ى -عليه السالم« :-فأدعو َّللا في ِ
حر». الب في م لقيه السماء باملاء فيحم ُل ُهم في ْقذ ُف بأجسامه ْم ُ
في َّ
ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ
ْ ُ اس بعيش ن ْ (وي ْنع ُم الن ُ
ض أن ِبتي
ِ رلأل «يقال :()3
السابق مسلم حديث في كما ) ر
ِ ض ِ ٍ
ثمرت ِك ،و ُر ِدي بركت ِك »...الحديث.
وخالصة ما دلت عليه األحاديث :أن يأجوج ومأجوج أمتان عظيمتان من بني آدم،
وأن خروجهم يكون في زمن عيس ى -عليه السالم -بعد قتله الدجال ،وأن خروجهم بالء
عظيم وشر مستطير على أهل األرض ،وأنه ال طاقة ألحد بقتالهم ،وأن الناس يتحصنون
منهم في الحصون ،وأنهم بعد تكبرهم وزعمهم أنهم قهروا أهل األرض والسماء يرغب عيس ى
-عليه السالم -وأصحابه إلى للاُ ،فيسلط للا عليهم الدود في رقابهم ،فيصبحون قتلى
طيرا ،فتحملهم حيث يشاء للاُ ،ويرسل ً
مطرا كموت نفس واحدة ،ثم يرسل للا إليهم ً
يغسل األرض من نتنهم ،حتى يترك األرض كاملرآة النقية ،وأنه بعد هالكهم يطيب العيش،
ُ
وتخرج األرض بركتها ،وتقع األمنة في األرض.
(.)2937( )1
الس ِد فالذي دل عليه القرآن أنه في جهة املشرق ،قال -تعالى﴿ :-ح َّت َٰٓى ِإذا بلغ وأما مكان َّ
َّ َّ ۡ َّ
ٱلش ۡ ۡ
س﴾[الكهف ،]90:والشمس تطلع من املشرق كما قال -تعالى﴿ :-ف ِإن ٱَّلل يأ ِتي ِ م ع ل ِ ط م
ۡ ۡ َّ
ٱلش ۡ
س ِمن ٱملش ِر ِق﴾[البقرة.]258: ِ م ِب
وال ُيعرف مكان هذا السد بالتحديد ،وقد حاول بعض امللوك واملؤرخين أن يتعرفوا
على مكانه.
ً
ومن ذلك أن الخليفة الواثق بعث بعض أمرائه ووجه معه جيشا سرية لينظروا إلى
السد ُويعاينوه وينعتوه له إذا رجعوا ،فوصلوا من بالد إلى بالد ومن ملك إلى ملك حتى
ً
عظيما ،وعليه وصلوا إليه ،ورأوا بناءه من الحديد ومن النحاس ،وذكروا أنهم رأوا فيه ً
بابا
أقفال عظيمة وأن عنده حر ًسا من امللوك املتاخمة له ،وأنه منيف شاهق ال ُيستطاع وال
ً
ما حوله من الجبال ،ثم رجعوا إلى بالدهم ،وكانت غيبتهم أكثر من سنتين ،وشاهدوا أهواال
وعجائب.
هذه القصة ذكرها ابن كثير -رحمه للا تعالى -في تفسيره( )1ولم يذكر لها ً
سندا ،فاهلل
أعلم بصحتها.
ُ ً
الس َّد
أيت َّ وفي صحيح البخاري معلقا( :)2قال رجل للنبي -صلى للا عليه وسلم« :-ر
ُ مثل ُ
الب ْر ِد املح َّب ِر –أي الثوب الذي فيه خطوط -فقال -صلى هللا عليه وسلم : -قد
رأيت ُه» .ونحن ال يعنينا تحديد مكان السد بل حسبنا أن نقف عند ما أخبر للا -تعالى -به،
وما ثبت عن نبينا -صلى للا عليه وسلم -وهو أن سد يأجوج ومأجوج باق إلى أن يأتي
ُ
الوقت املحدد لدكه وخروج يأجوج ومأجوج ،وذلك عند ُدنو الساعة كما قال -تعالى:-
ۡ ًّ َّ ٓ ٓ ٌ َٰ
﴿قال هذا ر ۡحمة ِمن َّرِبي ف ِإذا جاء و ۡع ُد رِبي جعل ُ ۥه دكاء وكان و ۡع ُد رِبي حقا * وتركنا
َٰ وج في ب ۡعض و ُنفخ في ُّ
ورفجم ۡعن ُه ۡم ج ۡم ًعا﴾[الكهف.]99-9٨:
ِ ٱلص ٍ ِ ِ
ُ ُ ۡ ُ ۡ ۡ
بعضهم يوم ِئ ٍذ يم ِ
وهذا الشرط فيه دليل على قصور علم البشر وعدم إدراكهم لكل ما على أرضهم مع
ما فتح للا عليهم من آالت وإمكانات.
(.)196/5( )1
( )137/4( )2وقال ابن كثير في البداية والنهاية (" :)556/2هكذا ذكره البخاري معلقا بصيغة الجزم ،ولم
أره مسندا من وجه متصل أرتضيه ،غير أن ابن جرير رواه في تفسيره مرسال".
181 شرح منظومة أشراط الساعة
(.)345/3( )1
شرح منظومة أشراط الساعة 182
الشرح:
قال:
ض العر ْب)
َّ
الش ْرق والغ ْرب وفي أ ْ
ر في ب وف ُت ْرتق ْ س(م ْنها ثالث ُة ُخ ُ
ِ ِ ِ ٍ ِ
ٌ ٌ ُ
خسوف :خسف باملشرق ،وخسف باملغرب، ٍ ثالثة من أشراط الساعة الكبرى:
ٌ
وخسف في جزيرة العرب.
للا به املكان إذا ذهب في األرض ،وخسف ُ ُ والخسف :الذهاب في األرضُ ،يقال :خسف
األرض إذا غاب به فيها.
في صحيح مسلم( )1من حديث ُحذيفة بن أسيد -رض ي للا عنه -أن رسول للا -صلى
ْ ٌ ْ ُ ُ َّ ُ للا عليه وسلم -قالَّ « :
ات :خ ْسف باملش ِر ِق، الساعة ال تكون حتى تكون عش ُر آي ٍ إن َّ
ٌ ٌ ْ
وخ ْسف باملغ ِر ِب ،وخ ْسف في ج ِزير ِة العر ِب »...الحديث.
ْ للا عليه وسلم -قالَّ « :إنها ل ْن ت ُقوم َّ
وفي رواية( )2أن النبي -صلى ُ
حتى تر ْون ق ْبلها عشر
ٌ ْ ٌ ْ ٌ ُ ُ
وف :خ ْسف باملش ِر ِق ،وخ ْسف باملغ ِر ِب ،وخ ْسف بج ِزير ِة ات» ،وفيه قوله« :وثالثة خس ٍ آي ٍ
العر ِب».
وعند الطبراني في الكبير( )3واألوسط( )4عن أم سلمة -رض ي للا عنها -أنها قالت :سمعت
ٌ ْ ٌ ُ
باملشر ِق ،وخ ْسف
ِ ف سخ بعدي ن رسول للا -صلى للا عليه وسلم -يقول« :سيكو
ض وفيهم رباأل
ُ
ف خس ف في جزيرة العرب قالتُ :ق ْل ُت :يا رسول هللا ُ
أي
ْ ٌ
باملغر ِب ،وخس
ِ ِ ِ ِ ِ
َّ ُ َّ ُ َّ
هللا -صلى هللا عليه وسلم :-إذا كان أكث ُر ِ
أهلها الخبث» الصالحون ،قال لها رسول ِ
ويشهد له ما قبله ،وفيه داللة على أن الخسف يكون بسبب كثرة الفساد والخبث
ين َم َ روام ٱلسيئَات أَ َُيس َ
ف ٱَّلل ِبم والسيئات كما قال للا -تعالى﴿ :-أَفََم َن ٱل َ
ض﴾[النحل .]45
ٱألَر َ
(.)2901( )1
(.)2901( )2
(.)580( )3
(.)3647( )4
183 شرح منظومة أشراط الساعة
وف سبعد ،وإلى هذا أشار بقوله( :م ْنها ثالث ُة ُخ ُوالصحيح أن هذا الشرط مما لم يقع ُ
ٍ ِ
ٌ َّ ُ ُت ْرتق ْ
ض العر ْب) نعم وقعت خسوف كثيرة في ِ
الش ْرق والغ ْرب وفي أ ْ
ر ِ ِ في ( ر ظ تن ت أي ) ب
مواضع متفرقة لكنها ليست الواردة في الحديث ،فالخسوف الثالثة املذكورة في الحديث
تكون عظيمة وعامة.
ُ
قال الحافظ ابن حجر(" :)1وقد ُوجد الخسف في مواضع ولكن ُيحتمل أن يكون املراد
ائدا على ما ُوجد ،كأن يكون أعظم منه ً
مكانا أو قد ًرا". بالخسوف الثالثة قد ًرا ز ً
ويدل لكون الخسوف الثالثة املذكورة في الحديث لم تقع أن بقية األشراط الكبرى لم
ُ ٌ ُ يقع منها ش ٌيء ُ
متتابع ،ملا سبق من قوله -صلى للا عليه وسلم« :-اآليات ووقوعها بعد،
تبع ُ
بعضها ً
بعضا»(.)2 لك ي ْ ٌ
نظومات في سلك فإن ُيقطع الس ُ خرز ٌ
ات م
ِ ِ ِ ٍ
وذهب البرزنجي في اإلشاعة( )3إلى أنها مما وقع ،والصحيح ما تقدم من أنها لم تقع بعد.
بعض العلماء الخسف الذي وقد ورد أنه سيكون خسف بالبصرة في العراق وفسر به ُ
يكون باملشرق ،أخرج أبو داود( )4وهو في صحيح الجامع الصغير( )5عن أنس -رض ي للا عنه-
الناس ُيمصرون أمصا ً اَّ ، ُ َّ َّ
وإن ر ِ أن رسول للا -صلى للا عليه وسلم -قال له« :يا أنس ،إن
ُ
البصيرة -فإن أنت مررت بها ،أو دخلتهاَّ ، ُ صرا منها ُي ُ
ِم ً
فإياك قال له :البصرة -أو قال:
وسباخها -والسباخ :جمع سبخة وهي األرض التي تعلوها امللوحة -وكالءها -والكالء: ِ
ُ ُ ُ
أمرائها ،وعليك بضواحيها -الضواحي: املوضع الذي تربط فيه السفن -وسوقها ،وباب ِ
ْ ٌ ْ ٌ ْ ٌ ُ َّ جمع ضاحية وهي الناحية البارزة وهو أ ٌ
ورجف مر بالعزلة -فإنه يكون بها خسف وقذف
ً ُ ٌ
صبحون ِقردة وخنازير». وقوم ي ِبيتون ي ِ
( )3ص.105
(.)4307( )4
وورد في املوقوف عن الصحابة ما يشهد له ،منه ما أخرجه معمر بن راشد في جامعه
()1
ٌ ْ ُ ُ ْ
صرة خ ْسف فعل ْيك عن عبدللا بن عمرو -رض ي للا عنهما -أنه قال« :يكون ِفي الب
وسباخها». َّ
احيها و إياك ِ
ِبضو ِ
ُ
ففسر بالجيش العظيم الذي ي ُؤم البيت الحرام.
خسف جزيرة العرب ُ وأما
ُ ً
ثبت في األحاديث أن عائذا من قريش يعوذ بالبيت قرب الساعة ،ومعه قوم قليل
ٌ
جيش من هذه األمة حتى إذا كان ببيداء املدينة ليست معهم منع ٌة وال ُعدةُ ،
فيبعث إليه
ُ
خسف بالجيش.
وأكثر العلماء الذين ألفوا في هذا الباب يرون أن املقصود بهذه األحاديث املهدي وأن
الخسف بجيش البيداء من عالمات ظهوره.
في صحيح مسلم( )2عن أم سلمة -رض ي للا عنها -أنها قالت :قال رسول للا -صلى للا
كانوا بب ْيداء ِمن األرْ ُ ُْ ُ ْ ْ ٌ وذ عائ ٌذ بالب ْ ُ ُ
ض ِ فإذا ،ث ع ب ه ِ ي إل ث ع بفي ، تِ ي ِ عليه وسلم« :-يع
ُ
خ ِسف ِبه ْم».
أيضا عن حفصة -رض ي للا عنها -أن رسول للا -صلى للا عليه وفي صحيح مسلم(ً )3
ٌ ٌ وذ بهذا الب ْي ِت -ي ْعني الك ْعبة -ق ْو ٌم ليس ْت ْ ُ ُ
لهم منعة وال عد ٌد وال ُع َّدة، ِ وسلم -قال« :سيع
ْ ُ
ض خ ِسف ِبه ْم». األ ن م داء كانوا بب ْ
ي
ُ
إذا ى شَّ ،
حت ٌ ُي ْبع ُث إليهم ج ْ
ي
ِ ر ِ ِ
وفي رواية ملسلم( )4عنها -رض ي للا عنها -أنها سمعت النبي -صلى للا عليه وسلم -قال:
ْ ُ ُ ش ي ْغ ُزون ُهَّ ، «لي ُؤ َّم َّن هذا الب ْيت ج ْي ٌ
ضُ ،يخسف بأ ْوس ِط ِه ْم ِ
كانوا بب ْيداء ِمن األ ْ
ر إذا ى حت
ْ َّ َّ ُ ْ ُ ُوينادي َّأو ُل ُه ْ
آخر ُه ْم ،ث َّم ُيخسف ِبه ْم ،فال ي ْبقى إال الش ِر ُيد الذي ُيخ ِب ُرعن ُهم».
ْ ْ
ِ م ِ
(.)20464( )1
(.)2882( )2
(.)2883( )3
(.)2883( )4
185 شرح منظومة أشراط الساعة
أيضا عن عائشة -رض ي للا عنها -أن النبي -صلى للا عليه وسلم- وفي صحيح مسلم(ً )1
حتى إذا اسا من ُأ َّمتي ي ُؤ ُّمون بالب ْيت بر ُجل من ُقرْيش ْ
قد لجأ بالب ْيتَّ ، قال« :العج ُب َّ
إن ن ً
ِ ٍ ِ ٍ ِ ِ
ُ ُ
كانوا بالب ْيد ِاء خ ِسف ِبه ْم».
املذكور في حديث ُحذيفة بن أسيد هو الذي يكونُ فقد يكون خسف جزيرة العرب
ً
قاصدا املهدي. بهذا الجيش العظيم الذي يؤم البيت الحرام
ُ
وإذا ُحمل خسف جزيرة العرب على هذا؛ فسيكون هذا الخسف أول اآليات؛ ألن
ظهور املهدي يكون قبل ظهور املسيح الدجال واآليات الكبرى ،لكن يبقى أن الخسف الذي
باملشرق والخسف الذي باملغرب ،لم يرد ما يدل على ترتيبه في أشراط الساعة الكبرى.
ثم قال:
ْ ْ ُ ٌ
ج ِميع ُه ْم ُمؤ ِمن ُه ْم وم ْن كف ْر)واض ٌح يغش ى البش ْر
(كذا دخان ِ
دخان ٌ
مبين يغش ى الناس في آخرالزمان ،قال -تعالى:- ٌ من أشراط الساعة الكبرى:
في حديث ُحذيفة بن أسيد السابق في صحيح مسلم( )2أن النبي -صلى للا عليه وسلم-
ْ ُ ُ َّ ُ قالَّ « :
إن َّ
ات» وذكر منها الدخان.الساعة ال تكون حتى تكون قبلها عش ُرآي ٍ
أيضا عن أبي هريرة -رض ي للا عنه -عن النبي -صلى للا عليه وفي صحيح مسلم(ً )1
ًّ ْ وسلم -أنه قالُ ِ « :
مال ِستا» وذكر منها الدخان. بادروا باألع ِ
(.)2884( )1
وقد اختلف العلماء في املراد بالدخان وهل هو مما ظهر وانقض ى أو هو مما لم يظهر
بعد؟
ً
فقيل :إن هذا الدخان هو ما أصاب قريشا في زمن النبي -صلى للا عليه وسلم -من
الشدة والجوع عندما دعا عليهم النبي -صلى للا عليه وسلم -حين لم يستجيبوا له،
فأصبحوا يرون في السماء كهيئة الدخان وبهذا قال عبدللا بن مسعود -رض ي للا عنه-
وتبعه جماعة من السلف.
ام، س ْ
قد مض ْين :اللز ُ في الصحيحين( )2عن ابن مسعود -رض ي للا عنه -أنه قال« :خ ْم ٌ
ِ
ُّ ُ ْ ُ والر ُ
والدخان». وم ،والبطشة ،والقم ُر، ُّ
ف يَ و ل َز َاما﴾[الفرقا ،]77أي
سو َ
اللزام :املقصود به قوله تعالى﴿ :-فَ َقد َك بتم فَ َ
عذابا الز ًما يهلكهم نتيجة تكذيبهم ،وهو ما وقع لكفار قريش في بدر من فسوف يكون ً
القتل واألسر.
والروم :املقصود به ما في صدر سورة الروم.
والبطشة :املقصود بها غزوة بدر ،فإن ابن مسعود -رض ي للا عنه -كان يقول:
البطشة الكبرى يوم بدر(.)3
شق ٱل َق َمر﴾[القمر .]1
اعة َوٱن َ
تبَت ٱلس َ
والقمر :املقصود به قوله -تعالى﴿ :-ٱق ََ
[الد ا ]10 والدخان :املقصود به قوله -تعالى﴿ :-فَٱرتَقب يَوَ ََتِت ٱلس َماء بد َ ا مبني﴾
وفي الصحيحين( )4عن مسروق أنه قالْ « :بينما ر ُج ٌل ُيح ِد ُث في ِك ْندة ،فقال :يج ُ
يء ِ
ان يوم القيامة ،في ْأ ُخ ُذ بأ ْسماع املُنافقين و أ ْبصاره ْم ،ي ْأ ُخ ُذ املُ ْؤمن كه ْيئة ُّ
الزك ِام، ُدخ ٌ
ِ ِ ِِ ِِ ِ ِ ِ
ُ ْ ً َّ ُ ْ ُ ْ ُ ْ ْ
ود ،وكان مت ِكئا فغ ِضب فجلس ،فقال :من ع ِلم فليق ْل ،ومن فف ِزعنا ،فأتيت ابن مسع ٍ
(.)2947( )1
فإن َّأعل ُم؛ َّ أن ي ُقول ملا ال ي ْعل ُم ال ْ ْ ْ أعل ُم؛ َّ َّللا ْ ل ْم ي ْعل ْم ف ْلي ُقلُ َّ :
َّللا قال ِ م ِ ِ ل ع ال ن م
ِ فإن ِ
َّ ُ ْ ً ْ ُ
ني﴾[ص ،]86وإن قريشا أبطؤوا ع ِن ِلن ِب ِي ِه﴿ :قل َما أَس َل م َعلَيه من أَار َوَما أ ََان م َن ٱملتَ َ لف َ
َّ َّ صلى ُ َّ ْ
أع ِني عليهم بس ْب ٍع كس ْب ِع ِ مَّ هُ الل : قال ف - م وسل عليه هللا عليهم النبي - ُ اإلسال ِم ،فدعا
الر ُج ُل ما ْبين حتى هل ُكوا ِفيها ،وأك ُلوا امل ْيتة وال ِعظام ،ويرى َّ وسف .فأخذ ْت ُه ْم سن ٌة َّ ُي ُ
السماء واأل ْرض كه ْيئة ُّ
الدخ ِان». ِ ِ َّ ِ
ضط ِج ٌع ْبيننا ،فأت ُاه ر ُج ٌل وسا ،وهو ُم ْ وفي رواية( )1قال مسروقُ « :ك َّنا ع ْند عبدهللا ُج ُل ً
ِ ِ ِ
الدخان تج ُ
يء أن آية ُّ ص وي ْز ُع ُم َّ اصا ع ْند أ ْبواب ك ْندة ي ُق ُّ إن ق ًّ الر ْحمن َّ عبد َّ
ِ ِ ِ ِ ِ ِ فقال :يا أبا ِ
ُ ُّ ْ ُ ُ ُْ ْ ُ َّ ْ ُ ُ ْ
هللا وجلس وهو اس الكف ِار ،ويأخذ املؤ ِم ِنين منه كهيئ ِة الزك ِام ،فقال عبد ِ فتأخذ بأنف ِ
ُ ْ نكم ً ُ اس َّات ُقوا َّ َّ َّ ْ ُ
شيئا ،فليق ْل بما ي ْعل ُم ،ومن ل ْم ي ْعل ْم َّللا ،من ع ِلم ِم الن ُ ضبان :يا أيها غ
فإن َّ َّللا أ ْعل ُمَّ ، فإنه أ ْعل ُم ألحد ُك ْم أ ْن ي ُقول ملا ال ي ْعل ُمُ َّ : ْ ُ ْ َّ ُ ْ ُ َّ
َّللا -ع َّز وج َّل- ِ ِ فليقلَّ :للا أعلم،
ٓ ۠ ُُ ٓ ُ َّ قال لنبيه -ص َّلى َّ ُ
َّللا عليه وسلم﴿ :-ق ۡل ما أ ْسألك ۡم عل ۡي ِه ِم ۡن أ ۡج ٍر وما أنا ِمن ِ ِِِ
اس ْإدبا ًرا ،فقال:
َّ
الن ن م ى أ ا
َّ
مل - م ل
َّ
س و عليه إن ُسول هللا -ص َّلى َّ ُ
َّللا ۡٱملُتكلفين﴾[ص َّ ]86
ِ ر ِ ِ ر ِِ
ْ ُ ْ ٌ َّ ْ ُ الل ُه َّم س ْب ٌع كس ْبع ُي ُ َّ
صت ك َّل ش ٍيء -أي استأصلت كل ش يء- وسف قال :فأخذتهم سنة ح ُِ
ُّ ْ ُ ُ ُ ْ ُ ْ ْ حتى أك ُلوا ُ َّ
السم ِاء أحده ْم فيرى كهيئ ِة الدخ ِان، الجلود وامليتة من الجوع ،وينظ ُر إلى َّ
َّ ِ ِ
ْ َّ هللا ،وب ِصل ِة َّ ُ ْ
فأت ُاه أ ُبو ُس ْفيان فقال :يا ُمح َّم ُد إنك جئت تأم ُ
ْ
الر ِح ِم ،وإن قومك ِۡ ِ ة ِ ع ا بط ر ِ
ُ ٓ لهم ،قال َّ ُ قد هل ُكوا ،ف ْاد ُع َّ ْ
َّللا -ع َّز وج َّل﴿ :-فٱ ۡرت ِق ۡب يوم تأ ِتي ٱلسما ُء ِبدخ ٍان ُّم ِب ٍين *
َّ ۡ َّللا ْ
يم﴾[الد ا .»]11-10 اب أ ِل ٌ ٱلناس َٰهذا عذ ٌ َّ
يغش ى
ۡ
ُ
وقال أكثر العلماء :إن الدخان املذكورة في اآلية لم يأت بعد ،فهو من اآليات املنتظرة
وسيقع قرب قيام الساعة وإلى هذا القول ذهب ابن عباس -رض ي للا عنهما -وجماعة من
الصحابة والتابعين.
ُ ثبت عند ابن جرير الطبري( )2عن عبدللا بن أبي ُ
ابن
ِ على دوت غ « : قال أنه كة ي ل م
ُ ُ الليلة َّ ْ ُ َّ ُ ُ َّ
حتى أصبحت ،قلت :لم؟ قال: يوم فقال :ما ِنمت اس -رض ي هللا عنهما -ذات ٍ عب ٍ
( )1أخرجه البخاري ( ،)5132ومسلم (.)2798
وقال في البداية والنهاية عن تفسيره بما وقع ألهل مكة من شدة الجوع فصاروا يرون
جدا ،ولم ُينقل مثله عن أحد من في السماء كهيئة الدخان(" :)3وهذا التفسير غريب ً
الصحابة غيره ...وفي ظاهر القرآن ما يدل على وجود دخان من السماء يغش ى الناس وهذا
أمر محقق عام وليس كما روي عن ابن مسعود -رض ي للا عنه -أنه خيال في أعين قريش
من شدة الجوع".
ثم قال:
ْ ٌ ٌ ْ ُ ُ ُ َّ
س ِم ْن مغ ِرِبها عالمة ُمف ِزعة أ ْع ِظ ْم ِبها ِ
الش ْ
م (كذا طلوع
ُ ً ُ
فليس ُي ْج ِدي كا ِف ًرا ِإيمان ُه وال ع ِص ًّيا ُم ْس ِرفا ِإ ْحسان ُه)
ٌ ٌ ٌ
من أشراط الساعة الكبرى :طلوع الشمس من مغربها ،وهي آية عظيمة مفزعة،
إيذانا بقيام الساعة ،فإذا طلعت الشمس من مغربها لم ُيقبليتبعها تغير العالم العلوي ً
(.)249/7( )2
(.)265/15( )3
189 شرح منظومة أشراط الساعة
من الكافر إيمانه وال من العاص ي توبته؛ ألن الناس يصيرون كلهم بإيقانهم بدنو يوم
القيامة في حكم من عاين بأس للا ،وفي حكم من حضره املوت ،فمن تاب في تلك الحالة
لم ُيقبل ذلك منه كما ال ُيقبل اإليمان ممن عاين بأس للا ﴿فَ لَم يَك يَن َفعهم َيهَن هم لَما َرأَوام
َ َسنَا﴾[غافر ]85:وكما لم ُيقبل اإليمان ممن حضره املوت.
فسا والدليل على هذه اآلية من القرآن قوله -تعالى﴿ :-يَوَ َيِت بَعض َءايهَت َرب َ
ك َال يَن َفع نَ ً
سبَت يف َيهَن َها َ ًا﴾[األنعا .]158 ه
َيَن َها َمل تَ ن َء َامنَت من قَبل أَو َك َ
طلوع الشمس من مغربها ففي ُ وقد دلت السنة على أن املراد ببعض اآليات هنا
الصحيحين( )1عن أبي هريرة -رض ي للا عنه -أن رسول للا -صلى للا عليه وسلم -قال« :ال
اس آم ُنوا ْ َّ ْ ْ َّ ُ ُ َّ ُ َّ ْ ُ
أجم ُعون، الن ُ س ِمن مغ ِرِبها ،فإذا طلعت فرآها الش ْم ُ حتى تطلع تقوم الساعة
سبَت يف َيهَن َها فسا َيَن َها َمل تَ ن َء َامنَت من قَبل أَو َك َ
ه
فذلك ِحينَ ﴿ :ال يَن َفع نَ ً
َ ًا﴾[األنعا .»]158
َّ النبي -ص َّلى َّ ُ أن َّ وفي صحيح مسلم( )2عن أبي ذر -ض ي للا عنهَّ « :-
َّللا عليه وسلم -قال ر
أعل ُم قالَّ : ُ
َّللا ورسول ُه ْ س؟ قالواُ َّ : َّ ي ْو ًما :أت ْد ُرون ْأين ت ْذه ُ
هذه ت ْج ِري ِ إن ُ مْ الش ه هذ
ِ ب
حتى ُيقال لها: زال كذلك َّ حتى ت ْنتهي إلى ُم ْستقرها ت ْحت الع ْرش ،فت ِخ ُّر ساجد ًة ،فال ت ُ َّ
ِ ِ ِ
َّ ْ ْ َُّ ْ ً ُ ْ ُ ُ ْ ُ ْ
طالعة ِمن مط ِل ِعها ،ثم تج ِري حتى تنتهي ا ْرت ِف ِعي ،ا ْر ِج ِعي ِمن حيث ِجئ ِت ،فت ْر ِجع فتص ِبح ِ
حتى ُيقال لها :ا ْرت ِف ِعي ،ا ْر ِج ِعي زال كذلك َّ إلى ُم ْستقرها ت ْحت الع ْرش ،فت ِخ ُّرساجد ًة ،وال ت ُ
ِ ِ ِ
ْ َّ ْ ْ
طالعة ِمن مط ِل ِعها ،ث َّم تجري ال يستن ِك ُر الن ُ ْ ُ ْ ً ُ ْ ُ ُ ْ ْ ْ ُ
اس ِمنها ِ ِ ح بِ ص ت ف ع ج ِ ر تف ، تِمن حي ِ ِ
ئ ج ث
طالعة ِمن
ً
ي ح ب قال لها :ا ْرتفعي ْ
أص ُ حتى ت ْنتهي إلى ُم ْستقرها ذاك ت ْحت الع ْرشُ ،
في شيئا َّ ً
ِ ِِ ِِ ِ ِ
ُ ْ َّ ُ َّ َّ ُ ْ ً صب ُ م ْغربك ،ف ُت ْ
هللا -صلى َّللا عليه وسلم :-أتدرون ِ ل سو ر فقال ها، بر
ِِ غ م ن م
ِ ِ ة ع طال ح ِ ِِ ِ
ُ
ذاك ْ
سبَت يف َيهَن َها َ كَ َو أ بل ق
َ ن م ت ن ام ء ن
َ َ ً َ َ َ َ ََ ت مل
َ ا ه ن ه
َي ا فس ن ع ف
َ ن ي ال
َ ﴿ ين حِ ذاك ؟ م متى
َ ًا﴾[األنعا .»]158
(.)159( )2
شرح منظومة أشراط الساعة 190
ْ ُ
وفي صحيح مسلم( )1عن عبدللا بن عمرو -رض ي للا عنهما -أنه قال« :ح ِفظت ِمن
وسلم -حد ًيثا ل ْم أ ْنس ُه ب ْع ُد؛ سم ْع ُت سول هللا -ص َّلى َّ ُ
َّللا
َّ سول هللا -ص َّلى َّ ُ
َّللا عليه
ِ ِ ر ِ ر ِ ِ
وج َّ ُ
وخ ُر ُ ْ ُ َّ ُ ُ إن َّأول اآليات ُخ ُر ً وسلم -يقو ُلَّ : َّ
الد َّاب ِة على س ِمن مغ ِرِبها، ِ
الش ْ
م وع ل ط ا، وج ِ عليه
ْ ْ ُ ْ ْ ُ ً ُّ َّ
صاحب ِتها ،فاألخرى على إث ِرها ق ِر ًيبا». اس ضحا ،وأي ُهما ما كانت قبل ِ ِ الن
واملقصود :أو ُل اآليات العظام املؤذنة بتغير أحوال العالم العلوي ،وينتهي ذلك بقيام ُ
مطلقا ،بل املراد أنها أول اآليات التي يبدأ بعدها التغير؛ ً الساعة .وليس املر ُاد أول اآليات
ُ
لذلك ال تقبل بعدها التوبة واإليمان.
في صحيح مسلم( )2عن أبي موس ى األشعري -رض ي للا عنه -عن النبي -صلى للا عليه
ط يد ُه َّ ْ ُ ُ بالل ْيل لي ُتوب ُمس ُيء َّ َّ َّ ْ ُ ُ ُ َّ
بالنه ِار النه ِار ،ويبس ِ ِ ِ وسلم -أنه قال« :إن َّللا يبسط يده
ْ َّ ْ ُ َّ َّ ُ
س ِمن مغ ِرِبها» الش ْم ُ ِليتوب ُم ِس ُيء الل ْي ِل ،حتى تطلع
أيضا عن أبي هريرة -رض ي للا عنه -أنه قال :قال رسول للا -صلى وفي صحيح مسلم(ً )3
س من م ْغربها تاب َّ ُ ُ ْ ْ ْ ُ َّ
الش ْ
َّللا عليه». ِِ ِ م للا عليه وسلم« :-من تاب قبل أن تطلع
ُ
ومفهومه :أن من تاب بعد أن تطلع الشمس من مغربها لم تقبل توبته .ويمتد عدم
قبول التوبة إلى أن تقوم الساعة.
ض ًحا في ذلك اليوم أو الذي يقرب ثم بعد أن تطلع الشمس من مغربها تخرج الدابة ُ
منه ،والحكمة من ذلك :أنه عند طلوع الشمس من مغربها ُيغلق باب التوبة ،فتخرج الدابة
ً ُ
تميز املؤمن من الكافر تكميال للمقصود من إغالق باب التوبة.
يمان اإل ب وج داب ٍة في اإل ْثر) دابة بتخفيف الباء للوزن (تس ُ
م لذا قال بعد ذلكُ ( :ث َّم ُخ ُر ُ
ِ ِ ِ ِ ِ ِ
ُْ
أ ْو ِبالكف ِر).
ُْ ُْ ُ
صفها ما ص َّح ِف ِيه ِم ْن خب ْر) (تك ِل ُم الناس وتن ِذ ُر البش ْر وو
(.)2941( )1
(.)2759( )2
(.)2703( )3
191 شرح منظومة أشراط الساعة
ُ
من أشراط الساعة الكبرى :خروج دابة األرض التي تك ِلم الناس ،وقد دل على ذلك
الكتاب والسنة واإلجماع.
فمن الكتاب قوله -تعالىَ ﴿ :-و هَا َوقَ َع ٱل َقول َعلَيهم أَ َرانَا َُلم َداب ًة م َن ٱألَرض
ت َ لمهم أَ ٱلنا َ َكانوام بيهَتنَا َال يوقنو َ ﴾[النمل ]82أي إذا وجب العذاب عليهم بتماديهم في
العصيان وتركهم أوامر للا أخرج للا لهم دابة من األرض تكلمهم.
ُ وقد ُ
اختلف في معنى تكل ُم ُهم على قولين كالهما صحيح:
األول :تخاطبهم وتحدثهم فتقول :إن الناس كانوا بآيات للا ال يصدقون.
واآلخر :تجر ُح ُهم وتس ُم ُهم باإليمان والكفر.
ُ
وقد قرئ في الشواذ (تكل ُم ُهم) من الكلم وهو الجرح ،وكال القولين مروي عن ابن
عباس -رض ي للا عنهما )1(-فهي تخاطبهم وتجر ُح ُهم.
ومن السنة حديث ُحذيفة بن أسيد السابق في صحيح مسلم( )2أن النبي -صلى للا
ُ ُ ُن َّ ُ ن ْ إن َّ عليه وسلم -قالَّ « :
ات» وذكر منها دابة األرض.
ٍ آي ر شالساعة ال تكو حتى تكو ع
أيضا عن أبي هريرة -رض ي للا عنه -أن النبي -صلى للا عليه وفي صحيح مسلم(ً )3
ًّ ْ وسلم -قالُ ِ « :
مال ِستا» وذكر منها دابة األرض. بادروا باألع ِ
ْ ُ وفي صحيح مسلم(ً )4
أيضا عن عبدللا بن عمرو -رض ي للا عنهما -أنه قال« :ح ِفظت
وسلم -حد ًيثا ل ْم أ ْنس ُه ب ْع ُد؛ سم ْع ُت سول هللا -ص َّلى َّ ُ
َّللا
َّ
عليه َّللامن سول هللا -ص َّلى َّ ُ
ِ ر ِ ِ ِ ر ِ ِ
وج َّ ُ
وخ ُر ُ ْ ُ ُ ً ُ ُ ُ َّ َّ
وسلم -يقو ُلَّ :
الد َّاب ِة على س ِمن مغ ِرِبها، ِ
الش ْ
م وع ل ط ا، وجرخ اآليات
ِ لأو َّ إن عليه
ْ ُْ ْ ْ ُ ً ُّ َّ
صاحب ِتها ،فاألخرى على إث ِرها ق ِر ًيبا»اس ضحا ،وأي ُهما ما كانت قبل ِ ِ الن
وفي مسند اإلمام أحمد( )1وهو في السلسلة الصحيحة( )2عن أبي أمامة -رض ي للا عنه-
َّ ُ ُ َّ ُ
الد َّابة فت ِس ُم الناس على يرفعه إلى النبي -صلى للا عليه وسلم -أنه قال« :تخرج
ُ َّ ُ ُ ُ
راطيمهم -الخراطيم :جمع خرطوم وهو األنف -ثم يغمرون فيكم -وهو من الغمر، ِ خ
والغمر :الكثير ،وغمرة الناس :جماعتهم وزحمتهم ،ومعنى يغمرون فيكم يكثرون .وفي رواية:
ممن اشتريته؟ « ُيع َّمرون فيكم» أي تطول أعمارهم -حتى يشتري َّ
الر ُج ُل البعير فيقو ُلَّ :
ُ َّ
فيقو ُلِ :من أح ِد املخطمين».
وفي مسند اإلمام أحمد( )3وجامع الترمذي( )4بإسناد ضعيف عن أبي هريرة -رض ي للا
ُ ُ َّ ُ
الد َّابة ومعها عصا موس ى -عليه عنه -عن النبي -صلى للا عليه وسلم -أنه قال« :تخرج
َّ ُ َّ ُ ُ ُ َّ ُ
خط ُم الكا ِفر -قال عفان -أحد رواة الحديث:- السالم -وخاتم سليمان -عليه السالم ،-فت ِ
ُ أنف الكافر -أي تس ُمه فتكون على أنفه سم ٌة ُ
ؤم ِن
ِ امل جهو جلو وت ،م ِ بالخات - بها عرف ي ِِ
َّ ُ ُ
وان -وهو ما يوضع عليه الطعام -ليجت ِمعون على الخ ِبالعصا -أي تنو ُره -حتى إن أهل ِ
ؤم ُن ،ويقو ُل هذا :يا كا ِف ُر». ُ ُ
وانهم ،فيقول هذا :يا م ِ
ِخ ِ
وقد أجمع أهل العلم على اإليمان بخروج هذه الدابة في آخر الزمان.
وقد كثرت الروايات واآلثار في تعيين هذه الدابة ووصفها ومكان خروجها ولم يصح في
ذلك ش يء ،لذا ال ينبغي االشتغال به.
ُ
فنؤمن بأنها دابة من األرض تكلم الناس وتس ُم ُهم فتميز بينهم باإليمان والكفر ،تجلو
وجه املؤمن حتى ُيشرق ،ويكون ذلك عالمة على إيمانه ،وتخطم الكافر على أنفه عالمة
على كفره والعياذ باهلل.
وقد أمر النبي -صلى للا عليه وسلم -باملبادرة باألعمال الصالحة قبل خروجها.
وأما ما عدا ذلك من أوصافها فموكول إلى عالم الغيب سبحانه وتعالى.
(.)22308( )1
(.)7937( )3
املتن:
ُ
اآلخر ْه
ِ ت ُسوق ُه ْم ِللش ِام ق ْبل حاشر ْه
ِ ٌ
نار اآليات
ِ آخ ُر
و ِ
ف ٌ ْ
ور ِاهبا اغ ًبا
ي ِس ُير ر ِ وج مرا ِتبا في الحش ِر على والن ُ
اس
أما البق َّي ُة فم ْس ُح ٌ
وب ُم ِك ْب ي ْعت ِق ْب
َّ
ِم ْن ِقل ِة ظ ْه ٍر والث ِان
ِ
ْ َّ ْ ُ
م ْن يتخلف أكلت ُه الن ُار ُ
ساروا م ْع ُه ُم ِبحيث والن ُار
الشرح:
قيام الساعةُ :
النارالتي تخرج من اليمن من آخرأشراط الساعة الكبرى وليس بعدها إال ُ
ُ
قعرة عدن تسوق الناس إلى أرض الشام.
في حديث ُحذيفة بن أسيد -رض ي للا عنه -في صحيح مسلم( )1الذي جمع األشراط
َّ ْ ْ
آخ ُر ذلك ن ٌار تخ ُر ُج ِمن اليم ِن ،تط ُر ُد الناس
العشرة الكبرى قال -صلى للا عليه وسلم« :-و ِ
إلى م ْحش ِر ِه ْم».
َّ ُ ْ
وفي رواية(« :)2ون ٌارتخ ُر ُج ِمن ق ْعر ِة عد ٍن ت ْرح ُل الناس» أي تأخذهم بالرحيل وتزعجهم.
(.)2901( )1
(.)2901( )2
شرح منظومة أشراط الساعة 194
وعند أحمد( )1والترمذي( )2وهو في صحيح الجامع الصغير( )3عن ابن عمر -رض ي للا
بحر ُُ ٌ
عنهما -أنه قال :قال -صلى للا عليه وسلم« :-ستخرج نار من حضرموت أو من ِ
ُ َّ
َّللا ،فما ُ ُ َّ
تأم ُرنا؟ قال :عليكم القيامة تحش ُر الناس .قالوا :يا رسول ِ
ِ يوم
حضرموت قبل ِ
َّ
بالش ِام» أمر بأن يسبقوا إلى الشام قبل أن تحشرهم النار.
وفي صحيح البخاري( )4عن أنس -رض ي للا عنه -أن عبدللا بن سالم -رض ي للا عنه-
ملا بلغه مقدم النبي -صلى للا عليه وسلم -إلى املدينة أتاه فسأله عن ثالث منها أنه قال
أشراط ََّّ ُل ْ
الساع ِة؟ فقال النبي -صلى هللا عليه ِ للنبي -صلى للا عليه وسلم« :-ما أو
املغرب».
ِ فنارتحشرالناس من املشر ِق إلى الساعة ٌ
ِ أشراط
ِ وسلم :-أما أو ُل
وال تعارض بين وصفها في هذا الحديث بأنها أول أشراط الساعة ،ووصفها في حديث
ُ
ُحذيفة بن أسيد بأنها آخر اآليات فإنه ُيجمع بينهما بأن آخريتها باعتبار ما ذكر معها من
اآليات الواردة في حديث حذيفة ،فهي آخر األشراط الكبرى .أما أوليتها فباعتبار أنها أول
ُ
اآليات التي ال ش يء بعدها من أمور الدنيا ،بل يقع بانتهائها النفخ في الصور ،بخالف ما ذكر
معها من اآليات الواردة في حديث حذيفة فإنه يبقى بعد كل آية منها أشياء من أمور الدنيا،
ذكره الحافظ ابن حجر في فتح الباري(.)5
فالنارآخرآيات الدنيا وأول آيات اآلخرة ،فإن الساعة تقوم بعدها.
والنار إنما تحشر شرار الخلق؛ ألنها تكون بعد الريح التي تقبض أرواح أهل اإليمان.
أيضا بين أنها تخرج من اليمن وأنها تحشر الناس من املشرق إلى املغرب،وال تعارض ً
واليمن ليس مشرق الشام؛ فإنه ُيجمع بينهما بأن ابتداء خروجها من قعر عدن فإذا
خرجت انتشرت في األرض كلها.
(.)5376( )1
(.)2217( )2
(.)3329( )4
(.)82/13( )5
195 شرح منظومة أشراط الساعة
ْ ْ ْ ْ ُ َّ
واملراد بقوله« :ت ْحش ُر الناس ِمن املش ِر ِق ِإلى املغ ِر ِب» تعميم الحشر ال خصوص
املشرق واملغرب.
ً
أوال ُويبين ذلك أن ابتداء الفتن ً
دائما من أو أن النار بعد االنتشار تحشر أهل املشرق
املشرق ،وأما جعل الغاية إلى املغرب؛ فألن الشام بالنسبة إلى املشرق مغرب ،ذكره
الحافظ ابن حجر في الفتح(.)1
والحشر يكون إلى الشام أرض املحشر ،كما في حديث ابن عمر السابق في ذكر خروج
َّ ُ َّ
َّللا ،فما ُ
تأم ُرنا؟ قال :عليكم بالش ِام»(.)2 النار «قالوا :يا رسول ِ
وعند اإلمام أحمد( )3وحسن إسناده محققوه عن حكيم بن معاوية البهزي عن أبيه
ُ ُ ُ ُ
هاهنا تحشرون، هاهنا تحشرون، معاوية بن حيدة أن النبي -صلى للا عليه وسلم -قال« :
شاة وعلى ُوجوهكم »...قال ُُ ً ُ ً ُ ُ
بكير أحد رواة الحديث:
ٍ أبي ابن ِ وم ا كبانر رونحش ت هاهنا
ُ ُ َّ
هاهنا تحشرون». فأشاربي ِده إلى الش ِام فقال« :إلى
والسبب في كون الشام أرض املحشر :أن للا -عز وجل -تكفل بأرض الشام وبارك
فيها ،وأن األمن واإليمان حين تقع الفتن آخر الزمان يكون بالشام.
ُ
وقد جاء في فضل أرض الشام والترغيب في ُسكناها أحاديث صحيحة منها ما أخرجه
اإلمام أحمد( )4عن أبي الدرداء -رض ي للا عنه -أنه قال :قال رسول للا -صلى للا عليه
ُ َّ وسلم« :-أال َّ
وإن اإليمان حين ُ
تقع الفتن بالش ِام».
وعند أبي داود( )5عن عبدللا بن حوالة -رض ي للا عنه -أنه قال :قال رسول للا -صلى
ٌ َّ ً ُ ٌ َّ األمرإلى أن تكونوا ُج ً ُ
سيصير ُ
باليمن،
ِ وجند ،ام
ِ بالش نودا مجندة جند للا عليه وسلم« :-
ْ ُ َّ ُ وج ٌ
ُ
بالعراق ،قال ابن حوالةِ :خر لي يا رسول ِ
َّللا إن أدركت ِذلك ،فقال :عليك ِ ند
(.)20011( )3
( )2483( )5وصحح إسناده األلباني في صحيح سنن أبي داود (.)246/7
شرح منظومة أشراط الساعة 196
لكن أرض الشام في آخر الزمان تكون أرض خير وبركة وأمان ،لذلك يقصدها الناس
من كل ناحية يفرون من النار.
وليس املقصود بهذا الشرط وهذه األحاديث نار اآلخرة وأنها تحشرهم بعد أن ُيبعثوا
من قبورهم ،بل املقصود النار التي تحشر الناس إلى أرض الشام في الدنيا قبل قيام
اآلخر ْه) ْ ُ ُ ْ
الساعة وإلى هذا أشار بقوله( :تسوق ُهم ِللش ِام قبل ِ
والدليل على أن هذا الحشر يكون قبل قيام الساعة :حديث ابن عمر -رض ي للا
القيامة يوم خر ُج ٌ
عنهما -السابق وفيه« :ست ُ
ِ بحر حضرموت قبل ِ
ِ من أو ضرموت ح من نار
ُ َّ
تحش ُرالناس»(.)3
ثم بين صفة حشرها الناس فقال:
ف ٌ ْ
ور ِاهبا اغ ًبا
ر ِ ي ِس ُير وج (والن ُ
اس في الحش ِر على مرا ِتبا
(.)7094( )1
(.)2842( )2
(.)6522( )1
(.)2861( )2
شرح منظومة أشراط الساعة 198
ُ ُ ُ ُ هر ،حتى َّ
في ْعطيها
بةُ ، عج
ِ امل ديقةالح له ن يكو ل جل إن َّ
الر الدواب -حتى ال ي ْبقى ظ ٌ
قد ُرعليها».
ذات القت ِب فال ي ِ
بالشا ِر ِف ِ
ُ
الشارف :الناقة املسنة .والقتب :الرحل الذي يوضع على قدر سنام البعير .واملراد:
الناقة العاملة.
وروى الطبراني في الكبير( )1واألوسط( )2وفي إسناده مقال عن عبدللا بن عمرو -رض ي
ُ ُ
بعث ٌ
أهل املشر ِق،
ِ على نار للا عنهما -أنه قال :قال رسول للا -صلى للا عليه وسلم« :-ت
ُ ُ
حيث باتواُ ،وت ُ ُ فت ُ
قيل معهم حيث قالوا ،يكون لها ما املغرب ،تبيت معهم
ِ حشرهم إلى
هم س ْ ُ
سوق ْ َّ
الجمل الكسير».
ِ قو ت ،ف ل سقط منهم وتخ
الخاتمة
ُ
فت َّم ما ق ْد ُر ْمت ُه ُمك َّمال ضال والح ْم ُد هلل الذي تف َّ
ِ
ُ ْ ُ
الم امل ْر ِء ما ق َّل ود ْل خير ك ِ
ُ حاشيت ُه ِمن حش ٍو او طو ٍل ُيم ْل
ُ ْ ْ جاء فأ ْ ْ حاف ْظ ُت جاه ً
ضحى ِمثل ِعق ٍد ن ْم ِنما فاظ ما ِ ل أ لى ع اد ِ
ْ
واغ ِف ْر ِإ ِلهي ما ِب ِه ِمن الخل ْل يا ر ِب يا ر ِب تق َّب ِل العم ْل
الك ْب ِريا الكريم يا ذا ِلو ْج ِهك ِريا ِبال خال ً
صا هو ْلت ْجعل ْن ُ
ِ ِ ِ
ُُ
املكروب
ِ وكاشف الك ْر ِب عن وب الق ِ ل ُمق ِلب يا رب ُاه
ُُ ْ
ون ِجنا ِمن شر ِك الشيطان يمان
ِ ِ اإل لى ع نا وب لق ث ِبت
ْ وم ْن ُش ُ ُُ ُ ْ
ور الخل ِ رَّبنا ِقنا ِ ر ِ وعا ِفنا قلوبنا ت ِزغ وال
ُ ُ َّ ُ
ِم ْن ك ِل ِف ْتن ٍة وك ِل هو ِل ِبك ال ِعياذ يا ع ِظيم الطو ِل
ُك َّ ْ ْ
حال ِ ل ة
ِ اع الط و مِبال ِع ِ
ل غال ِاال ِ ِت ش دوام لنا وه ْب
ْ
الزياد ْه ِ ع م نى س ُ
الح ْ نا لِ و وأ ْ السعاد ْه اخت ْم لنا بالخير و َّ
ِ ِ ِ و
(.)14513( )1
ُ ْ
واشم ْل ِبهذا من ل ُه ح ٌّ عل ْي وك َّل م ْن أ ْحسن يا ر ِب ِإل ْي
َّ النبي املُ ْ
َّ وصلي ْن وسلم ْن أ ْهل الكر ْ
صطفى خ ِير النس ْم ِ لى ع م ِ ِ
هللا تعالى أ ْعل ُم صحاب ُث َّم أ ْخت ُم بالح ْمد و ُ واآلل واأل ْ
ِ ِ ِ ِ ِ
ُ
الص ِالحات الح ْم ُد هلل َّالذي بن ْعمته تت ُّم َّ
ِ ِ ِِ ِِ ِ
َّ َّ ُ َّ
َّللا وسلم على ن ِب ِينا ُمح َّم ٍد وعلى ِآل ِه وص ْح ِب ِه أ ْجم ِعين. وصلى
شرح منظومة أشراط الساعة 200
الفهرس
المحتويات
تقديم فضيلة الشيخ الدكتور يوسف بن عبدهللا الوابل حفظه هللا لمنظومة أشراط الساعة 2 .........
منظومة أشراط الساعة 4 .........................................................................................
تقريظات منظومة أشراط الساعة 11...........................................................................
الشرح 13............................................................................................................
المقدمة 14...........................................................................................................
األشراط الصغرى18...............................................................................................
.1مبعث النبي صلى هللا عليه وسلم18........................................................................
.2موت النبي صلى هللا عليه وسلم 20........................................................................
.3فتح بيت المقدس 20...........................................................................................
.4طاعون عمواس21............................................................................................
.5استفاضة المال 22.............................................................................................
.6انتشار األمن 23................................................................................................
.7قتال الترك 24...................................................................................................
.8قتال العجم 26...................................................................................................
.9ظهور نار الحجاز 26..........................................................................................
.10ظهور الفتن 28...............................................................................................
أ) قتل الخليفة الراشد عثمان رضي هللا عنه 28.....................................................................
ب) ظهور الخوارج 30...............................................................................................
ج) وقعة الحرة 31....................................................................................................
د) أسباب السالمة من الفتن 32......................................................................................
.1اتباع النبي صلى هللا عليه وسلم 32..............................................................................
.2التعوذ باهلل من الفتن 33..........................................................................................
.3اجتناب الفتن وترك السعي في أسبابها33.......................................................................
.4لزوم الجماعة34..................................................................................................
.5االجتهاد في العبادة 35............................................................................................
.6التحلي بالصبر35.................................................................................................
.7كف اللسان واليد 36..............................................................................................
.11ظهور مدعي النبوة37......................................................................................
.12كثرة الشرط 40...............................................................................................
.13غربلة الناس وقلة األخيار وذهاب الصالحين 41......................................................
.14اتباع سنن األمم الماضية41...............................................................................
.15وقوع التناكر بين الناس 42................................................................................
.16التطاول في البنيان43.......................................................................................
.17تقارب األسواق44...........................................................................................
.18تقارب الزمان 44.............................................................................................
.19شيوع الشر 46...............................................................................................
201 شرح منظومة أشراط الساعة