You are on page 1of 12

‫المقطع الرابــــــع ‪ :‬األهليـــــة وعيــــوب اإلرادة‬

‫مقدمة‪:‬‬

‫االصل أن اإلرادة المعبرة عن نفسها لكي تنتج آثارها يستلزم أن تصدر من شخص ذو أهلية‪ ،‬وأال تكون إرادته مشوبة‬
‫بعيب من عيوب اإلرادة‪ ،‬فكل من األهلية وعيوب اإلرادة لهما أثر في صحة التراضي الذي يعد أهم ركن من أركان العقد ‪،‬‬
‫ويترتب على تخلفه بطالن العقد بطالنًا مطلقًا‪ ،‬ومن ثمة فإن حديثنا عن صحة التراضي يتطلب منا التطرق الى تعريف‬
‫األهلية أوالً ثم عن عيوب التراضي ثانيـــًــا‪.‬‬

‫المبحث األول‪ :‬مفهوم األهليــــــــة‬

‫سوف نتطرق في هذا المبحث إلى التعريف باألهلية ونبين نوعيها ومراحل تدرجها مع سن اإلنسان‪ ،‬ثم نبين عوارضها‬
‫المتمثلة في الجنون ثم العته فالسفه والغفلة وأحكام كل منهم ‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬تعريف األهلية وتدرجها مع الســن‬

‫الفرع األول‪ :‬المقصود باألهليــــــة‬

‫يقصد باألهلية صالحية الشخص الكتساب الحقوق وتحمل االلتزامات‪ ،‬ومباشرة التصرفات القانونية التي يكون من شأنها‬
‫أن ترتب له هذا األمر أو ذلك ‪.‬‬

‫من هذا التعريف يتبين لنا أن األهلية تنقسم إلى نوعين أهلية وجوب‪ :‬وهي صالحية الشخص الكتساب الحقوق دون تحمل‬
‫أي التزامات وهي تثبت لإلنسان منذ أن يرى نزر الحياة‪.‬‬

‫أهلية أداء‪ :‬وهي صالحية الشخص ألن يباشر بنفسه التصرفات القانونية التي يكون من شانها أن تكسبه حق أو أن تحمله‬
‫التزامات على وجه يعتد به القانون ‪.‬‬

‫وأحكام األهلية تتعلق بالنظام العام في الصميم ألنها تؤثر تأثيرا بالغا في حياة الشخص القانونية واالجتماعية ‪ ،‬لذا فقد نصت‬
‫المادة ‪ 45‬ق م ج على أنه " ليس ألحد التنازل عن أهليته وال لتغيير أحكامها " ‪.‬‬

‫فإذا اتفق شخص راشد مع آخر على التنازل عن أهليته في التصرف في ماله كان هذا التنازل باطال ‪.‬‬

‫وسوف لن نتعرض ألهلية الوجوب ألنه بصدد الرضاء وال عالقة ألهلية الوجوب بذلك ‪ ،‬والذي يهمنا هو أهلية األداء‪ ،‬ألن‬
‫توافرها في المتعاقد جد ضروري العتبار رضائه بالعقد سليماً‪.‬‬

‫فأهلية األداء هي صالحية الشخص لمباشرة التصرفات القانونية ومناط أهلية األداء هو التمييز ؛ فإذا كان الشخص فاقد‬
‫التمييز تماما تكون أهليته معدومة‪ ،‬و إذا كان غير مكتمل التمييز يكون ناقص األهلية ‪ ،‬وال يكون كامل األهلية إال إذا‬
‫استكمل جميع عناصر التمييز‪.‬‬

‫الفــرع الثانــــــي ‪ :‬تدرج األهليــــة مع الســــن‬

‫يعد مناط أهلية األداء هو اإلدراك‪ ،‬والتمييز الذي يتوقف على السن لذا تختلف أهلية األداء تبعا لذلك‪.‬‬

‫ويتصف اإلنسان بأربعة مراحل أساسية‪ ،‬تتفاوت فيها أهلية األداء بين العدم والكمال‪ ،‬وهذه األدوار هــي ‪:‬‬

‫مرحلة الجنين ‪ :‬فله أهلية وجوب ناقصة ‪ ،‬ولكن ليس له أهلية أداء‪.‬‬ ‫•‬
‫مرحلة الصبي غير المميز ‪:‬وهذا الدور يبدأ من الوالدة وتنتهي ببلوغ الصبي سن الثالثة عشر من عمره و هي سن‬ ‫•‬
‫التمييز طبقا للقانون المدني الجزائري‪ ،‬وفي هذه المرحلة من الحياة يكون الصبي فاقد للتمييز‪ ،‬وبعبارة أدق‬
‫يفترض فيه القانون الجزائري ذلك ‪ ،‬فتكون أهلية األداء لديه معدومة بموجب المادة ‪ 42‬من القانون المدني‬
‫الجزائري‪ ،‬مثل قبول هبة‪ ،‬وعلى ذلك إذا صدر منه تصرف ما‪ ،‬كان تصرفه باطالً وقد نصت على ذلك المادة‬
‫‪ 828‬من القانون رقم ‪( 11-14‬قانون األسرة) بقولها (من لم يبلغ سن التمييز لصغر سنه طبقا للمادة ‪ 42‬من‬
‫القانون المدني تعتبر جميع تصرفاته باطلة‪) .‬‬

‫والذي يتولى ُمباشرة التصرفات هذا الصغيرمن يمثله قانونًا‪( ،‬الولي أو الوصي) وقد نصت على ذلك المادة ‪ 81‬من القانون‬
‫السالف الذكر بقولها‪" :‬من كان فاقد األهلية أو ناقصها لصغر السن أو الجنون أو العته‪ ،‬أو السفه ينوب عنه قانونًا ولي أو‬
‫وصي أو مقدم طبقًا ألحكام هذا القانون"‪.‬‬

‫الصبي المميز ‪:‬تبدأ من بلوغ الصبي سن الثالثة عشر من عمره حتى بلوغه سن الرشد وهي تسعة عشر(‪ )19‬سنة‬ ‫•‬
‫كاملة طبقًا للمادة ‪ 40‬من القانون المدني الجزائري‪ ،‬وتثبت أهلية األداء ناقصة (المادة ‪ 43‬ق م ج) وفي هذه‬
‫المرحلة تثبت للصبي المميز أهلية األداء فيبرم التصرفات التي تعود عليه بالنفع‪ ،‬نفعا ً محضًا دون حاجة إلى تدخل‬
‫وليه أو وصيه فقبل بمفرده أهلية وكفالة الدين‪ ،‬فيما يخص التصرفات الدائرة بين النفع والضرر كالبيع والشراء‬
‫واإليجار‪ ،‬بالنسبة له أهلية األداء ناقصة‪ ،‬فإذا أجراها تكون قابلة لإلبطال أي صحيحة‪ ،‬ولكنها تكون قابلة لإلبطال‬
‫لمصلحة القاصر دون المتعاقد األخر‪ ،‬وقد صرحت بذلك المادة ‪ 83‬من قانون األسرة الجزائري على أنّه" ‪:‬من‬
‫بلغ سن التمييز ولم يبلغ سن الرشد طبقًا للمادة ‪ 43‬من ق م ج تكون تصرفاته نافذة إذا كانت مترددة بين النفع‬
‫والضرر‪ ،‬وفي حالة النزاع يرفع األمر للقضاء‪".‬‬

‫مرحلة بلوغ سن الرشد ‪ :‬تبدأ من مرحلة بلوغ سن الرشد ببلوغ سن تسعة عشره (‪ )19‬سنة كاملة (المادة ‪ 40‬فقرة‬ ‫•‬
‫‪ )1‬فإذا بلغها مجنون أو معتوها‪ ،‬بقيت حالة قصره واستمرت الوالية على ماله لوليه أو وصيه حسب األحوال‬
‫(المادة ‪ 44‬ق‪.‬م‪.‬ج) ونصت المادة ‪ 46‬من قانون األسرة على ذلك على أنه " من بلغ سن الرشد ولم يحجر عليه‬
‫يعتبر كامل ألهلية وفقا ألحكام المادة ‪ 40‬من القانون المدني‪" .‬‬

‫المطلب الثانــــي‪ :‬عـــوارض األهليــــة‬

‫عوارض األهلية هي أمور تدرك البالغ الرشيد‪ ،‬تؤدي إلى إنعدام أهليته أو تنقصها‪ ،‬وهي تنقسم حسب طبيعتها إلى‬
‫عوارض تصيب عقل اإلنسان فتعدم إدراكه وتمييزه وهي الجنون والعته‪.‬‬

‫عوارض تلحق اإلنسان في تدبيره فتنقصه وهذه السفه والعته‪ ،‬والذي ينقص اإلدراك‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫‪ -Ü‬عارض يصعب على اإلنسان التعبير بما يريد ويتضمن العاهات الجسمانية‪.‬‬

‫الفرع األول ‪ :‬العوارض التي تصيب عقل اإلنسان فتعدم إدراكــه‬

‫العوارض التي تصيب العقل‪ -‬الجنون والعته ‪.‬‬

‫فالجنون‪ :‬اضطراب يلحق العقل فعدم عند صاحبه اإلدراك والتمييز‪.‬‬

‫أما العته ‪ :‬فقد اختلف في تعريفه‪ ،‬فقيل أنه نوع من الجنون يتميز بأن صاحبه ال يلجأ إلى العنف وقال البعض أنه ال يعدم‬
‫اإلدراك كلية ‪.‬‬

‫ويأخذ ا لمعتوه حكم الصبي المميز‪ ،‬والتفرقة هذه تأخذ بها الشريعة اإلسالمية‪ ،‬وأيضا القانون المدني الجزائري‪ ،‬ألنه نص‬
‫على أن العته له ُحكمان‪ ،‬بموجب المادة ‪ 42‬يأخذ حكم المجنون وطبقا للمادة ‪ 43‬يأخذ حكم السفيه‪.‬‬

‫ونخلص مما تقدم أن كل من الجنون والعته (إذا كان يعدم اإلدراك كالجنون) عاهة تلحق عقل اإلنسان فتعدم فيه اإلدراك‬
‫والتمييز‪ ،‬وبالتالي تعدم أهلية األداء لديه‪ ،‬وتنص المادة ‪ 42‬من القانون المدني الجزائري على ذلك بأنّه‪ " :‬ال يكون أهالً‬
‫لمباشرة حقوقه المدنية من كان فاقد التمييز لصغر في السن أو عته أو جنون‪" ..‬‬

‫العوارض التي تصيب اإلنسان في تدبيره السفه والعته ؛ فالسفيه هو من يبذر المال على غير مقتضى العقل و الشرع‬
‫سواء أكان ذلك في وجود الخير أو الشر‪ ،‬والسفيه كامل العقل ولكن العلة في تدبير أمره ألنه يسرف في إنفاق ماله ‪.‬‬
‫أما العته المقصود هنا فهو الذي سبق بيانه من انه ال يفقد صاحبه التمييز واإلدراك كلية ‪ ،‬وحكمه يأخذ حكم السفيه‬
‫والصبي المميز‪ ،‬وهو نقص األهلية طبقا لنص مادة ‪ 43‬مدني‪.‬ج إذ تنص على أنه " كل من بلغ سن التمييز ولم يبلغ سن‬
‫الرشد ‪ ،‬وكل من بلغ سن الرشد وكان سفيها أو معتوها‪ ،‬يكون ناقص األهلية وفق لما يقرره القانون " ‪.‬‬

‫الفرع الثانـي‪ :‬العاهات الجسمانية‬

‫قد يصاب اإلنسان بعاهة في جسمه‪ ،‬فال تمس عقله‪ ،‬وال تصيب تدبيره ولذلك يبقى كامل ألهلية‪ ،‬غير أنه يتعذر عليه‬
‫بسب العاهة أو العجز الجسماني التعبير السليم عن إرادته‪ ،‬ويخشى أن يقع فريسة الغلط عند إبرامه التصرفات‪ ،‬ولذلك أقر‬
‫القانون نظام المساعدة القضائية‪ ،‬كما جاء في المادة ‪ 80‬من القانون المدني الجزائري على أنه‪ " :‬إذا كان الشخص أصم‬
‫أبكم أو أعمى أصم أو أعمى أبكم‪ ،‬وتعذر عليه بسبب تلك العاهة التعبير عن إرادته‪ ،‬جاز للمحكمة أن تعين له مساعد‬
‫قضائيا يعاونه في التصرفات التي تقتضيها مصلحته‪ ،‬ويكون قابل لإلبطال كل تصرف عين من أجله مساعد قضائي إذا‬
‫اصدر من الشخص الذي تقررت مساعدته بدون حضور المساعد بعد تسجيل قرار المساعدة"‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬عيـوب اإلدارة‬

‫إن عيوب الرضا تلحق إرادة أحد المتعاقدين أو كليهما فتفسد التراضي بينهما دون أن تزيله‪ ،‬فالرضا قد يكون موجود‪،‬‬ ‫ّ‬
‫غير ّ‬
‫أن اإلرادة ال تكون سليمة إ ّما ألنها جاءت نتيجة وهم كاذب‪ ،‬أو لكونها جاءت عن تحايل من الطرف الثاني في العقد‪،‬‬
‫وإما لكونها كانت بسبب ضغط أو إكراه مادي أو معنوي ‪ ،‬أو تكون نتيجة إستغالل‪.‬‬

‫والعيوب التي تفسد الرضا في القانون المدني الجزائري بموجب المواد من ‪ 81‬إلى ‪ 90‬أربعة‪ :‬الغلط ‪ ،‬التدليس‪ ،‬ثم‬
‫وأخيرا الغبن أو االستغالل‬
‫ً‬ ‫اإلكــــراه ‪،‬‬

‫المطلب األول‪ :‬الغلـــط‬

‫قد يكون الغلط في ذاتية الشيء محل التعاقد فيكون مانعا للتعاقد ‪ ،‬وقد يكون في السبب وقد يكون في الصفات العرضية‬
‫للشيء ‪.‬‬

‫الفرع األول ‪ :‬الغلط المانع‬

‫هذا الغلط يعدم الرضاء ويقع في ماهية العقد أو في ذاتية محل االلتزام‪ ،‬أو في سببه وفي هذه الحالة يحول دون إنشاء‬
‫العقد ‪ .‬بتصور غلط في ماهية العقد ‪ :‬كأن يعتقد أحد طرفي في العقد أنه يتلقى الشيء المبيع على سبيل الهبة في حين‬
‫الطرف ألخر كان بصدد بيعه‪ ،‬أو كمن يودع شيء لدى األخر فيعتقد أنه يهبه له‪.‬‬

‫أما الغلط في ذاتية محل االلتزام‪ ،‬فمثاله كمن يملك حصانين أحدهما أبيض واألخر أسود فقرر بيع األسود ‪ ،‬بينما اعتقد‬
‫المشتري أنه يشتري الحصان األبيض ‪ ،‬كذلك الغلط في طابق البناء عندما يعتقد المشتري بأنه اشترى الطابق األول في‬
‫حين البائع قد باعه الطابق الثالث ‪.‬‬

‫أما الغلط في وجود السبب كما لو اتفق الورثة مع الموصى له على اقتسام األموال الشائعة بينهم ثم يتضح أن الوصية باطلة‬
‫الن الموصى قد عدل عنها قبل وفاته ‪.‬‬

‫الفـــرع الثانـي‪ :‬الغلط الذي ال يؤثر على العقـــد‬

‫هذا النوع من الغلط ال يمس صحة العقد ألنه ال يتعلق بأية صفة جوهرية فيه فهو غير مبطل للرضا ألنه لم يكن الدافع إلى‬
‫التعاقد‪ ،‬ومن الحاالت التي ال يعتقد فيها بالغلط بما يلي‪:‬‬

‫الغلط في الصفات العرضية ‪ :‬أو الثانوية للشيء أو الشخص كالغلط مثال في نوع الورق بالنسبة لكتاب اشتراه‬ ‫•‬
‫شخص أو كالغلط التافه بالنسبة للسن في حالة عقد اإلرادة المرتب لمدى الحياة إذا تعلق هذا الغلط بسن من تقرر‬
‫له اإليراد‪.‬‬
‫الغلط في البواعث العرضية ‪ :‬ال يؤثر هذا النوع في العقد طالما لم يكن باعتا دافعا إلى التعاقد لمن يبيع عقارا‬ ‫•‬
‫معتقد أنه في مرض الموت ثم يشفى‪.‬‬
‫الغلط في قيمة الشيء ‪ :‬طالما لم تكن هذه القيمة هي دافع الرئيسي إلى تعاقد‪ ،‬وطالما لم تتوفر شروط لعين‪ ،‬كما‬ ‫•‬
‫لو باع شخص شيء بثمن معين كان يجهل أنه يساوي أكثر ذلك‪ ،‬غير أن القضاء الفرنسي قد أدخل في االعتبار‬
‫الغلط في القيمة إذا كان القيمة هي الصفة جوهرية في لشيء كما لو باع الشخص لوحة جاهال قيمتها الكبيرة ألنها‬
‫من رسم عمل فنان مشهور‪.‬‬

‫الفـــرع الثالــــث ‪ :‬شروط الغلط المعيب لإلرادة‬

‫لقد حاول المشرع الجزائري في المواد ‪ 81‬إلى ‪ 85‬من القانون المدني التوفيق بين قواعد القانون في قيام العقد على‬
‫رضى صحيح ‪ ،‬ومقتضيات التعامل التي تناقض مع جواز مفاجأة العقد ببطالن العقد‪ ،‬وعليه اشترط في الغلط الذي يوجب‬
‫إبطال العقد أن يكون جوهريا من ناحية‪ ،‬وداخال في نطاق العقد من ناحية أخرى ‪.‬‬

‫أوالً‪ :‬أن يكون الغلط جوهري‬

‫المقصود بالغلط الجوهري ‪ :‬هو أنه ليس كل غلط يقع فيه المتعاقد يؤدي إلى قابلية العقد الذي يبرمه إلى اإلبطال بل يجب‬
‫أن يكون الغلط جوهريا ‪ .‬وقد سبق القول أن الغلط يكون جوهريا إذا كان هو الدافع الرئيسي إلى التعاقد ‪.‬‬

‫ويتضح هنا بأن هذا المعيار هو معيار ذاتي أو شخصي ‪ ،‬وليس معيارا ماديا فيجب أن ينصب أثر الغلط على إرادة‬
‫المتعاقدين ذاتها ‪.‬‬

‫ثانيًا‪ :‬اتصال الغلط بالمتعاقد اآلخر‬

‫لم ينص المشرع الجزائري على هذا الشرط صراحة‪ ،‬غير أنه يتبين من نص المادة ‪ 82‬قانون مدني جزائري أنه لزم‬
‫هذا الشرط إذ تنص "يعتبر الغلط جوهريا على األخص إذا وقع في صفة الشيء يراها المتعاقدان جوهرية أو يجب‬
‫اعتبارها كذلك نظر لشروط العقد أو لحسن النية "‪.‬‬

‫ولذا نرى أن الغلط يتصل بالمتعاقد األخر بان وقع بدوره فيه‪ ،‬أو كان على علم بأن المتعاقد قد وقع فيه‪ ،‬او في األقل كان من‬
‫السهل أن تبين ذلك ‪.‬‬

‫تنص المادة ‪ 81‬القانون المدني الجزائري على انه ‪" :‬يجوز للمتعاقد الذي وقع في غلط جوهري وقت إبرام العقد‪ ،‬أن‬
‫يطلب إبطاله‪ ".‬كما تقر المادة ‪ 82‬بأنه‪ " :‬يكون الغلط جوهريا إذا بلغ حدا من الجسامة بحيث يمتنع معه المتعاقد عن‬
‫إبرام العقد لو لم يقع في هذا الغلط‪".‬‬

‫ففي نظر المشرع الجزائري الغلط الجوهري هو الدافع الرئيسي للتعاقد‪ ،‬ويعتبر الغلط جوهريًا على األخص إذا وقع في‬
‫نظرا لشروط العقد ولحسن النية‪.‬‬
‫صفة الشيء ويراها المتعاقد أنها جوهرية‪ ،‬أو يجب اعتبارها كذلك ً‬

‫وكذلك إذا وقع في ذات المتعاقد أو في صفة من صفاته‪ ،‬وكذلك كون هذه الصفة الدافع الرئيسي للتعاقد (حسب المادة‬
‫‪ 3/82‬ق‪.‬م‪.‬ج) وواضح من المواد ‪ 81‬و‪ 82‬ق‪.‬م‪.‬ج أن المراد بالغلط الجوهري ذلك الذي يبلغ في تقدير المتعاقد حدًّا من‬
‫الجسامة لو تكشف له ال تمنع عن إبرام العقد فالمعين‪ ،‬هو معيار ذاتي أو شخصي وليس موضوعي أو مجرد‪ ،‬يقوم على‬
‫أساس تقدير المتعاقد لهذا الموضوع‪ ،‬معتدا بإرادة العاقد نفسه ومدى تأثير الغلط بإرادته ‪.‬‬

‫هذا وقد ضربت الفقرتين ‪ 2‬و‪ 3‬من المادة ‪ 82‬من القانون المدني الجزائري أمثلة لهذا الغلط الجوهري‪ ،‬فنصت على‬
‫أنه‪" :‬ويعتبر الغلط جوهريًا إذا وقع في صفة الشيء فيراها المتعاقد بأنها جوهرية‪ ،‬أو يجب إعتبارها كذلك نظرا ً لشروط‬
‫العقد ولحسن النية‪ ،‬وإذا وقع في ذات المتعاقد أو في صفة من صفاته‪ ،‬وكانت تلك الذات أو هذه الصفة السبب الرئيسي‬
‫في التعاقد‪".‬‬

‫يتبين أن أحد المثالين يتعلق بالغلط في الشيء‪ ،‬واألخر يتعلق بالغلط في الشخص‪ ،‬والغلط في جوهر الشيء محل التعاقد ‪،‬‬
‫كمن يشتري شيء على أنه من الذهب‪ ،‬فيتبين له أنه من النحاس‪ ،‬وأما الغلط في شخص المتعاقد األخر‪ ،‬إذا كانت شخصيته‬
‫هي السبب الرئيسي في التعاقد ‪ ،‬كمن يؤجر مسكنا لسيدة كان المؤجر يعتقد أن سلوكها ال غبار عليه‪ ،‬ثم اتضح أنها كانت‬
‫تحترف الدعارة فيما مضى ‪.‬‬
‫وتطبيقًا لنظرية الغلط الجوهري‪ ،‬فان الغلط في صفة عرضة أو ثانوية للشيء أو الشخص‪ ،‬أو الغلط في قيمة الشيء‪ ،‬أو‬
‫الغلط في الباعة الدافع إلى التعاقد‪ ،‬وكذا الغلط في األرقام أو الحساب كلها ال تؤثر أصال على سالمة الرضا وال تعيب‬
‫اإلرادة‪.‬‬

‫وفي حكم قضت به المحكمة العليا بتاريخ ‪ 14‬نوفمبر ‪ 1988‬حكمت بأنه يجوز للمتعاقد الذي وقع في غلط جوهري وقت‬
‫إبرام العقد أن يطلب إبطاله وأنه يعتبر الغلط جوهريا إذا وقع في ذات المتعاقد أو في صفة من صفاته وكانت تلك الذات أو‬
‫الصفة السبب الرئيسي في التعاقد‪ .‬وفي حكم أخر قررت بان الغلط في صفة من الصفات ألساسية لشخص يمكن أن يشوب‬
‫اإلرادة في مجال عقد الزواج‪ ،‬كما هو الحال عند إخفاء الزوج أو سكوته عن عجزه الجنسي حين العقد ‪.‬‬

‫معنى الغلط الداخل في نطاق العقد ‪:‬‬

‫يجب أن يكون الغلط داخل في نطاق العقد‪ ،‬بمعنى أن يكون األمر الذي دفع العاقد إلى إبرامه معلو ًما من المتعاقد األخر‪،‬‬
‫ومعنى هذا االتصا ل أن يقع المتعاقد األخر في نفس الغلط‪ ،‬أو أن يكون على علم به ‪ ،‬أو يكون من السهل أن يتبينه ‪.‬‬

‫ولقد أدى التطور الفقهي القضائي في هذا الشأن باالهتمام بنية المتعاقد ذاته‪ ،‬وضرورة حماية المتعاقد األخر الذي قد‬
‫يفاجأ بإبطال العقد لغلط ما في صفة في الشيء لم يكن يدري شيئا من أهميتها‪ ،‬وعليه فإنه ال يجوز التمسك بالغلط على وجه‬
‫يتعارض مع حسن النية (طبقا للمادة ‪ 1/85‬ق م ج ) ويقصد بحسن النية في هذا الشأن‪ ،‬نزاهة التعامل‪ ،‬ذلك أن الحق في‬
‫إبطال العقد كغيره من الحقوق‪ ،‬ال يجوز التعسف في استعماله‪ ،‬بما يتعارض مع حسن النية‪ ،‬وبقى باألخص ملزما بالعقد‬
‫الذي قصد إبرامه إذا أظهر الطرف األخر استعداده لتنفيذ هذا العقد طبقا للمادة ‪ 2/85‬من القانون المدني الجزائري‪ ،‬وبالتالي‬
‫يظل من يشتري شيئا معقدا خطأ أن له قيمة أثرية مرتبطا بعقد البيع‪ ،‬إذا عرض البائع استعداده ألن يسلمه نفس الشيء التي‬
‫انصرفت نيته إلى شرائه ‪.‬‬

‫إن طلب إبطال الغلط حق ال يجوز استعماله استعماالً تعسفيًا‪ ،‬فإذا انتفت الفائدة من استعماله‪ ،‬أو كان يهدف إلى تحقيق‬
‫مصلحة غير مشروعة كان استعماله تعسفي‪ ،‬فيبطل هذا االستعمال ويبقى العقد صحي ًحا ‪.‬‬

‫الغلط في حكم القانـــــون ‪:‬‬

‫تنص المادة ‪ 83‬من القانون المدني الجزائري على أنّه‪" :‬يكون العقد قابال لإلبطال لغلط في القانون إذا توافرت فيه‬
‫شروط الغلط في الواقع طبق للمادتين ‪ 81‬و ‪ 82‬ما لم يقض القانون بغير ذلك‪".‬‬

‫فالغلط في القانون يجعل العقد قابال لإلبطال كالغلط في الوقائع تماما ‪ ،‬بشرط أن يكون غلطا جوهريا ‪ ،‬أي بلغ حدا من‬
‫الجسامة بحيث لواله ما أبرم المتعاقد العقد‪ ،‬وقد يعترض على كون الغلط في القانون عيب يجعل العقد قابالً لإلبطال بأن‬
‫هنالك قاعدة تقول ال عذر يجهل القانون‪ ،‬فكيف يقبل الجهل بالقانون ويعتبر غلط مؤديًا للبطالن العقد‪.‬‬

‫غير أن قاعدة ال عذر بجهل القانون ال يعمل بها إال في القوانين المتعلقة بالنظام العام‪ ،‬مثل القوانين الجنائية‪ ،‬والقواعد‬
‫صا في القوانين التي تستدعي معرفتها على عامة الناس‪ ،‬فالعذر‬ ‫اآلمرة في القانون المدني‪ ،‬أما في غير هذه القوانين وخصو ً‬
‫مقبول‪ ،‬والجهل بها يعتبر غلطا مؤديا للقابلية لإلبطال‪ ،‬مثال ذلك ما قضت به المحاكم من أن توقيع الورثة على محضر‬
‫جرد الشركة المستعمل على وصي تجاوز فيها الموصى الثلث وهم يجهلون أن ما زاد عن الثلث يتوقف على إجازتهم‪،‬‬
‫طا في القانون يجعل تصديقهم على محضر الجرد غير مفيد إجازتهم لما زاد على الثلث‪ ،‬وما قضى به من قيام‬ ‫يعتبر غل ً‬
‫شخص بالوفاء بااللتزام طبيعي وهو يعتقد أنه مدني يعتبر غلطا في القانون يجعل الوفاء قابال لإلبطال‪.‬‬

‫بأن قيام شخص بهبة لزوجته التي طلقها طالقًا رجعيًا وانتهيت عدتها وهو يعتقد أنها مازالت في العدة‪،‬‬
‫وقضى كذلك ّ‬
‫وبالتالي يستطيع أن يرجعها بعد غلط في القانون يجعل الهبة قابلة لإلبطال ‪.‬‬

‫إذا وقع غلط في الحساب أو في التشابه فإنه ال يؤثر في صحة العقد‪ ،‬ويكتفي إستدراكه وتصحيحه أو قد نصت على ذلك‬
‫المادة ‪ 84‬بقولها "ال يؤثر في صحة العقد مجرد الغلط في الحساب وال غلطات القلم‪ ،‬ولكن يجب تصحح الغلط" ‪.‬‬
‫المطلب الثانــــــي‪ :‬التدليــــس‬

‫تعريف التدليس‪ :‬هو إيقاع أحد األشخاص في الغلط يكون الدافع له إلبرام التصرف القانوني‪ ،‬فالتدليس ليس بحد ذاته هو‬
‫العيب الذي يؤثر على اإلرادة وإنما الغلط الذي يقع فيه الشخص نتيجة إيهامه بغير الحقيقة عن طريق بعض الحيل التي‬
‫يستعملها الغير أو الشخص المتعاقد اآلخر‪.‬‬

‫فالتدليس في هذه الحالة يفسد الرضا بسبب ما أوجبه في ذهن المتعاقد من غلط دفعه للتعاقد‪ ،‬وبذلك فهو يفترض قيام‬
‫عنصرين عنصر مادي وعنصر شخصي ‪.‬‬

‫العنصر المادي ‪ :‬يتمثل في إستعمال الحيل ‪.‬‬

‫العنصر الشخصي ‪ :‬يتمثل في أن تودي هذه الحيل التي لجأ إليها أحد المتعاقدين أو النائب عنه من الجسامة بحيث لوالها لما‬
‫أبرم الطرف الثاني العقد ‪.‬‬

‫تنص المادة ‪ 86‬ق‪ .‬م ‪.‬ج على أنه "يجوز إبطال العقد للتدليس إذا كانت الحيل التي لجأ إليها أحد المتعاقدين أو النائب‬
‫عنه من الجسامة بحيث لوالها لما أبرم الطرف الثاني العقد"‪.‬‬

‫يتبين من النص السابق أن التدليس بعيب الرضا‪ ،‬إذا توفرت فيه شروط معينة ‪.‬‬

‫فإن وجه االختالف بين الغلط والتدليس ليس باألهمية التي تجعل المشرع‬ ‫وحسب رأي الدكتور خليل أحمد حسن قدادة ّ‬
‫صا خِ الفًا للغلط‪ ،‬والذي يظهر في أن الوهم الدّافع في الغلط يكون دائ ًما تلقائيًا‪ ،‬بينما الوهم الدافع في‬
‫يضع له تنظي ًما خا ً‬
‫أن الوهم الدافع للتعاقد في الغلط ال يقترن بوسائل احتيالية‬ ‫التدليس ليس تلقائيًا‪ ،‬وإنما يرجع إلى شخص المتعاقد اآلخر‪ ،‬كما ّ‬
‫تؤدي إليه في نفس المتعاقد‪ ،‬أما التدليس فدائ ًما يقترن بوسائل احتيالية تؤدي إلى الوقوع في الغلط ‪ ،‬وهذا ما هو واضح من‬
‫المادة ‪ 86‬من القانون المدني الجزائري ‪.‬‬

‫شـــــروط التدليس‪:‬‬ ‫•‬

‫‪ -1‬استعمال طرق احتيالية بقصد التضليل ‪.‬‬

‫أن تحمل هذه الطرق إلى التعاقد ‪.‬‬ ‫‪-1‬‬

‫‪ -3‬أن تكون صادرة من المتعاقد األخر أو أن يكون ذلك المتعاقدين عالما بها ‪.‬‬

‫الشرط األول ‪ :‬استعمال طرق احتياليــة‬

‫الطرق االحتيالية هي وسائل مادية لتضليل العالقة يقوم بها المدلس حتى يتولد الغلط في ذهب المتعاقد فيحمله على التعاقد‪،‬‬
‫فهذه طرق تتكون من عنصرين أحدهما مادي واآلخر معنوي ‪.‬‬

‫أوالً‪ :‬العنصر المادي‬

‫يقصد بالعنصر المادي تلك األعمال االحتيالية التي من شأنها أن تولد في ذهن العاقد صورة تخالف الواقع بحيث توهم‬
‫المتعاقد المدلس عليه وتحمله على التعاقد ‪.‬‬

‫والوسائل التي تتكون منها الحيل غير محدودة فكل ما يقع من أفعال وأقوال يترتب عليها وقوع الشخص في الغلط ‪،‬‬
‫كالمظاهر الكاذبة التي ال تطابق الواقع من تظاهر بالوجاهة واليسار‪ ،‬واصطناع أوراق أو مستندات أو كشوف من البنك‬
‫ومثاله " كما لو قدّم بائع المحل التجاري أوراق تبين أربا ًحا يحققها المحل ُمبالغًا في قيمتها "‪.‬‬

‫ووسائل التدليس تختلف بحسب المتعاقد المدلس عليه‪ ،‬والمعيار هنا شخصي يتوقف على ظروف المتعاقد وسنه وجنسه‬
‫ودرجة تعليمه وهي على وجه العموم تتم بمظاهر خارجية‪ ،‬غير أنه قد تم التدليس بمظاهر غير مادية وخارجية كما في‬
‫حالة الكذب والكتمان ‪.‬‬
‫أما الكتمان هو السكوت عمدًا عن ظرف معين يهم المتعاقد األخر معرفته يعتبر كافيًا لقيام التدليس‪ ،‬خاصة إذا تبين أن‬
‫المدلس عليه ما كان ليبرم العقد لو علم باألمر الذي كتمه عنه المتعاقد األخر‪ ،‬كأن يبيع شخص منزال آلخر ويكتم عنه أنه قد‬
‫صدر قرار بنزع ملكية هذا المنزل للمنفعة العامة ‪.‬‬

‫ويكون الكتمان تدليسا أيضا إذا كانت طبيعة العقد يستلزم الكالم نظرا لما يفترض من ثقة متبادلة بين الطرفين‪.‬‬

‫ثانيًا‪ :‬العنصر المعنوي‬

‫يقصد بالعنصر المعنوي نية التضليل لدى المدلس لإليقاع بالطرف اآلخر وحمله على التعاقد ؛ أي أن التدليس هو‬
‫الدافع للتعاقد بحيث لواله لما رضي المدلس عليه بالعقد ‪ ،‬وفي هذا لشأن كان لفقه التقليدي يميز بين نوعين من التدليس‬
‫الرئيسي والتدليس العرضي ورتب قابلية العقد للبطالن علة النوع األول ‪ ،‬أ ّما النوع الثاني فرتب عليه حق المطالبة‬
‫بالتعويض‪.‬‬

‫فالتدليس العرضي والذي يتصور فيه المتعاقد بقول التعاقد بشروط أشد فهو ال يؤدي إلى بطالن عد على عكس التدليس‬
‫الرئيسي وأضحى هذا التمييز منتقد لدى الكثير من الفقهاء المحدثين‪ ،‬ولم يرد القانون المدني بشأنه أي ذكر فالتدليس تضليل‬
‫وسواء دفع إلى التعاقد أو اقتصر أثره على القبول فإنه يعيب الرضا وينجر عنه إبطال العقد ‪.‬‬

‫الشرط الثانــــي ‪ :‬أن يحمل التدليس إلى التعاقــــد‬

‫يجب أن يكون التدليس هو الذي دفع المتعاقد الثاني إلى التعاقد بحيث ما كان ليتعاقد لوال وجود الحيل التدليسية وأن تكون‬
‫من الجسامة بحيث لوالها لما أبرم الطرف الثاني العقد‪ ،‬فالمعيار الشخصي وقاضي الموضوع هو الذي يقر فيما إذا كان‬
‫دافعا للتعاقد أم ال‪.‬‬

‫واالحتيال وقدرته على اإليقاع في التدليس يقاس بمعيار شخصي ال على معيار موضوعي؛ بمعنى أننا ننظر إلى الشخص‬
‫المدلس عليه ونرى مدى تأثير هذا االحتيال على إرادته هو دون أن ننظر إلى هذا االحتيال ودرجة تأثيره بالنسبة على الغير‬
‫وهو بذلك يشابه الغلط ودرجة تأثيره على اإلرادة والغير ‪.‬‬

‫صادرا من المتعاقد اآلخر أو على علمه به على األقل‬


‫ً‬ ‫الشرط الثالث ‪ :‬التدليس‬

‫يصدر التدليس من أحد المتعاقدين على اآلخر وهذا هو الوضع المألوف‪ ،‬وهذا ما نصت عليه المادة ‪ 1116‬من القانون‬
‫المدني الفرنسي‪ ،‬متأثرة بأحكام القانون الروماني في هذا الشأن‪ ،‬حيث كان التدليس جريمة جنائية فال يسأل عليها إال فاعلها‬
‫سا إال أنه كان على علم فاعلها أما مسؤول عنه أو قد أيده في ذلك‬
‫أما القضاء فقد اعتبر المتعاقد الذي وإن لم يرتكب تدلي ً‬
‫الفقه‪ ،‬وبهذا الرأي اخذ المشرع الجزائري في نص مادة ‪ 87‬مدني بقوله "إذا صدر التدليس من غير المتعاقدين فليس‬
‫للمتعاقد المدلس عليه أن يطلب إبطال العقد ما لم يثبت أن المتعاقد األخر كان يعلم ‪ ،‬أو كان من المفروض حت ًما أن يعلم‬
‫بهذا التدليس"‪.‬‬

‫فإذا صدر التدليس من شخص ثالث (أي غير المتعاقدين) فإنه طبقًا للنص المذكور أعاله يكون له تأثير على العقد إذا‬
‫كان المتعاقد اآلخر قد استفاد عال ًما بذلك أو من المفروض حت ًما أن يعلم به عند إنشاء العقد‪ ،‬ومجمل القول هو أنه للمتعاقد‬
‫المدلس عليه أن يطلب بطالن العقد استنادًا إلى عيب في الرضا بسبب التدليس‪ ،‬وعليه أن يثبت أن من تعاقد معه كان يعلم‬
‫عند العقد بوجود تدليس صادر من الغير أو كان من المفروض حتما أن يعلم بذلك أما إذا كان المستفيد غير عالم فال يحق‬
‫للمدلس عليه أن يطلب بطالن العقد حتى ال يفاجأ المتعاقد معه ‪ ،‬وهو الشخص النية ‪.‬‬

‫وللمتعاقد ضحية التدليس االختيار بين دعويين من دعاوى المسؤولية المدنية وإن اختلفا في طبيعتهما فكانت إحداهما‬
‫تعاقدية طبقًا للمادة ‪ 86‬من ق‪.‬م ‪.‬ج واألخرى تقصيرية طبقا للمادة ‪ 124‬من القانون المدني الجزائري‪ ،‬فدعوى اإلبطال‬
‫مستقلة عن دعوى التعويض‪ ،‬ودعوى التعويض مستقلة عن دعوى اإلبطال ‪ ،‬مما يُجيز القيام بهما م ًعا أو منفصلتين عن‬
‫بعضهما‪ ،‬وإذا ما اتصل التقادم بواحدة فال مانع من رفع األخرى أمام القضاء طالما أن اآلجال مازالت مفتوحة لذلك طبقا‬
‫لنصوص المواد ‪ 308 ،102 ،101‬من القانون المدني الجزائري‪.‬‬
‫المطلب الثالــــــث ‪ :‬اإلكـــــــــــراه‬

‫أوالً‪ :‬تعريف اإلكــــــراه‬

‫اإلكراه كعيب من عيوب اإلرادة يقع على أحد األشخاص نتيجة لضغط يتعرض له من أحد األشخاص ‪ -‬الطرف الثاني في‬
‫العقد‪ -‬يولد في نفسه رهبة أو خوفا تجعل إرادته غير حرة عند إبرام أي تصرف قانوني ‪ ،‬بحيث لو لم يتعرض لهذا الضغط‬
‫لما تصرف بهذا النحو‪.‬‬

‫ويمكن وضع تعريف بناءا على هذه المقدمة بأنه الرهبة أو الخوف الذي ينشأ في نفس المتعاقد والذي يدفعه إلبرام‬
‫التصرف القانوني ‪ ،‬هذا التعريف الذي يتفق مع اعتبار اإلكراه عيبا من عيوب اإلرادة ويتفق مع مبدأ سلطان اإلرادة من‬
‫حيث أنه يستلزم بأن تكون اإلرادة حرة كشرط لصحتها كتصرف قانوني ‪.‬‬

‫فاإلكراه بهذه الصورة ال يؤدي إلى انعدام إرادة الشخص الذي وقع في اإلكراه كلية ‪ ،‬وإنما يؤدي إلى تضييق الحرية‬
‫الالزمة التجاه إرادة الشخص نحو األثر المتجهة إليه ‪ ،‬أما إذا أعدم اإلكراه اإلرادة كلية فإن العقد يكون في هذه الحالة باطال‬
‫بطالنا مطلقا وذلك النعدام الرضا كركن من أركان العقد ؛ كأن يمسك أحد األشخاص يد اآلخر عنوة ويجعله يوقع على العقد‬
‫فهنا اإلرادة أو الرضى لم يفسد فقط وإنما انعدمت وهذا مالم نقصده في دراستنا لإلكراه باعتباره عيبا من عيوب اإلرادة ‪.‬‬

‫ثانيًا‪ :‬أنواع اإلكــــــــراه‬

‫ينقسم اإلكراه المفسد للرضى إلى قسميــــــن ‪:‬‬

‫‪-1‬اإلكراه المادي أو الحسي‪ :‬وهو اإلكراه الذي تستخدم فيه قوة عادية تمارس على الفاعل مباشرة‪ ،‬فتشل إرادته وتفقده‬
‫حرية االختيار‪ ،‬ووسيلة اإلكراه الجسمانية كالضرب الشديد‪ ،‬أو إمساك اليد بالقوة للتوقيع على صك مزور وغيرها ‪.‬‬

‫‪-2‬اإلكراه المعنوي أو النفسي ‪ :‬وهو التهديد الذي يوجه إلى المتعاقد‪ ،‬فيخلق فيه حالة نفسية من الخوف والفزع فيندفع إلى‬
‫التعاقد ‪ ،‬ووسيلة اإلكراه المعنوي كالتهديد بالقتل‪ ،‬أو يقطع عضو من أعضاء الجسم‪ ،‬أو امتالك المال‪ ،‬أو المساس بالعرض‬
‫والشرف أو أحد األقارب ‪ ،‬فاإلكراه النفسي يعتمد غالبا على التهديد بإيقاع ضرر دون إيقاعه فعال‪.‬‬

‫واإلكراه في الفقه اإلسالمي نوعان كذلك باعتبار قوته ودرجته تأثيره اإلكراه الملجئ أو التام وهو الضغط الذي يعرض‬
‫النفس أو المال لتلف شديد أو الضرر شديد (كالتهديد بالقتل أو بإتالف األموال) وهو يعدم الرضا واإلكراه غير الملجئ‬
‫الناقص‪ ،‬وهو الذي ال يعرض النفس إلى إصابة طفيفة‪ ،‬أو المال لتلف جزئية كالتهديد بالضرب أو الحبس أو اإلتالف‬
‫الجزئي وهو يعدم الرضا‪ ،‬وال يفسد االختيار ‪.‬‬

‫شــــروط اإلكــــــــراه ‪:‬‬

‫أوالً‪ -‬استعمال وسائل اإلكراه‬

‫يتحقق اإلكراه باستعمال وسائل تكون في العادة غير مشروعة يقصد بها الوصول إلى غرض غير مشروع فيتحقق‬
‫اإلكراه أو قد تكون الوسائل مشروعة للوصول إلى اإلكراه كاالبتزاز الذي يأتيه صاحب الحق يتحصل على فوائد غير‬
‫مشروعة من المدين وال يتحقق اإلكراه إذا استعملت وسيلة مشروعة أو غير مشروعة للوصول إلى غرض مشروع ‪.‬‬

‫خطرا جسيما‬
‫ً‬ ‫وقد تكون وسائل اإلكراه عادية كالضرب والعنف أو وسائل نفسية كالتهديد باألذى‪ ،‬كأن تصوره للمكره أن‬
‫وشيكا يهدده هو شخصيا أو يهدد أحد أقاربه ‪.‬‬

‫واإلكراه الحسي أو المادي أصبح نادر الحدوث حاليًا‪ ،‬أما اإلكراه النفسي الذي يلحق أل ًما بالنفس والذي يتم عن طريق‬
‫التهديد دون إيقاعه فعالً ‪ ،‬فهو اإلكراه األكثر شيوعًا في وقتنا الحاضر‪ ،‬وال أثر يرتب عن التفرقة بين اإلكراه الحسي‬
‫واإلكراه النفسي‪ ،‬فكل منهما يعيب الرضا ويجعل العقد قابل لإلبطال‪.‬‬
‫ثانيًا‪ -‬الرهبة الناتجة عن اإلكراه هي الدافعة إلى التعاقد‬

‫فالعقد الذي يبرم تحت الرهبة الناتجة عن االكراه يجوز إبطاله‪ ،‬أما هذه الرهبة التي دفعت إلى التعاقد فان تقديرها تترك‬
‫للقاضي ويراعى في تقدير اإلكراه الحالة الشخصية للمكره المعتاد أي يؤخذ بالمعيار الذاتي كجنس من وقع عليه هذا اإلكراه‬
‫وسنه وحالته االجتماعية والصحية كاختالف الشباب القوي عن العجوز الهرم ‪ ،‬والمتعلم عن الجاهل وكل طرق أخرى‬
‫المكان والقرى أو البعد عن العمران ‪.‬‬

‫ثالثًا‪ -‬صدور اإلكراه من المتعاقد أو على األقل أن يكون متصالً به ‪.‬‬

‫إن اتصال اإلكراه بالطرف اآلخر شرط تقتضيه الرهبة في عدم مفاجئته بالمطالبة بإبطال العقد‪ ،‬وأمر تقتضيه طبيعة‬
‫األمور من حيث إن استعمال وسائل اإلكراه ال بد أن يتم عن طريق شخص ليجبر شخص آخر بنا ًءا على ما تولد في نفسه‬
‫من رهبة على إثر استعمال وسائل اإلكراه على التعاقد ‪.‬‬

‫لكن إذا وقع اإلكراه من شخص آخر غير طرف في العقد فإن المادة ‪ 89‬تشترط للمطالبة بإبطال العقد علم الطرف اآلخر‬
‫بهذا اإلكراه وممن صدر منه أو كان من المفروض حتما عليه أن يعلم بهذا اإلكراه‪.‬‬

‫حيث تقضي المادة ‪ 89‬من القانون المدني الجزائري بأنه‪ " :‬إذا صدر اإلكراه من غير المتعاقدين فليس لمتعاقد المكره أن‬
‫يطلب إبطال اعقد إذا أثبت المتعاقد األخر كان يعلم أو كان من المفروض حتما أن يعلم بهذا اإلكراه "‪ ،‬طبقا لنص هذه‬
‫المادة فاإلكراه يعتبر عيب يؤدي إلى طلب بطالن العقد متى كان صادرا ً من أحد المتعاقدين على اآلخر‪ ،‬وتوافرت باقي‬
‫شروطه وهذا هو الوضع المألوف‪ ،‬غير أنه إذا صدر اإلكراه من الشخص ثالث غير طرف في العقد فانه ال يكون لمن وقع‬
‫عليه اإلكراه أن يطلب إبطال العقد إال إذا أثبت أن من تعاقد معه كان يعلم باإلكراه أو كان من المفروض حتما أن يعلم به‬
‫فإن أثبت من وقع عليه اإلكراه أن المتعاقد معه كان يعلم بهذا اإلكراه عدٌ متواطئا مع الغير‪.‬‬

‫يقع إثبات اإلكراه وفقا للقواعد العامة على من يدعيه فيجب على المتعاقد الذي يطلب إبطال العقد لإلكراه أبرمه تحت‬
‫تأثيره أن يقيم الدليل على وجود اإلكراه بشروطه القانونية ولما كان إثبات اإلكراه ينصب على وقائع مادية‪ ،‬فإنه يجوز إثباته‬
‫بجميع طرق اإلثبات ومنها شهادة الشهود والقرائن ‪.‬‬

‫ويسقط الحق في إبطال العقد لإلكراه إذا لم يتمسك به صاحبه خالل خمس سنوات من يوم زوال اإلكراه غير أنه ال يجوز‬
‫التمسك بحق اإلبطال لغلط أو تدليس أو إكراه إذا انقضت عشر سنوات من وقت تمام العقد ‪ ،‬كما يمكن أن يكون مصطحبا‬
‫بالتعويض عن األضرار المادية والمعنوية الناجمة عن الخطأ الذي قام به المكره ؛ والمتمثل في التهديد والوعيد والضغط‬
‫على إرادة المستهدف بصفة غير مشروعة وتقدير ذلك يخضع للسلطة التقديرية لقاضي الموضوع تحت رقابة المحكمة‬
‫العليا ‪.‬‬

‫المطلب الرابـــــع ‪ :‬االستغالل (الغبن)‬

‫أوالً‪ :‬تعريـــف الغبـــن‬

‫يقصد بالغبن عدم التعادل بين ما يعطيه المتعاقد وما يأخذه ‪ ،‬فهو بذلك المظهر الخارجي لالستغالل وهو عيب في محل‬
‫العقد ال في اإلرادة ‪.‬‬

‫أما االستغالل فهو استغالل أحد الطرفين حالة ضعف يوجد فيها المتعاقد األخر المغبون والذي فيه تلك الحالة التي يوجد‬
‫فيها واستغلها الطرف اآلخر كحالة طيش أو هوى جامح على نحو ما سنتعرض له في حينه وعيب يشوب الرضا ‪.‬‬

‫كما يعرفه الدكتور خليل أحمد حسن قدادة بأنه عدم التعادل بين ما يحصل عليه المتعاقد وبين ما يلتزم به نتيجة استغالل‬
‫المتعاقد اآلخر له ‪.‬‬

‫حيث تنص المادة ‪ 90‬ق‪.‬م‪.‬ج على أنه إذا كانت التزامات أحد المتعاقدين متفاوتة كثيرا في النسبة مع ما حصل عليه هذا‬
‫المتعاقد من فائدة بموجب العقد أو مع التزامات المتعاقد اآلخر وتبين أن المتعاقد المغبون لم يبرم العقد إال أن المتعاقد اآلخر‬
‫قد استغل فيه ما غلب عليه من طيش أو هوى جاز للقاضي بناءا على طلب المتعاقد المغبون أن يبطل العقد أو أن ينقص‬
‫التزامات هذا المتعاقد ‪.‬‬

‫واالستغالل حسب رأي الدكتور بلحاج العربي أمر نفسي أو شخصي ال يعتبر الغبن إال مظهرا ماديًا له ‪ ،‬فهو عبارة عن‬
‫استغالل أحد المتعاقدين لحالة الضعف أو المرض أو نقص التجربة التي يوجد فيها المتعاقد اآلخر‪ ،‬للحصول على مزايا ال‬
‫تقابلها منفعة لهذا األخير أو تتفاوت مع هذه المنفعة تفاوتًا ً‬
‫كبيرا غير مألوف ‪.‬‬

‫ثانيًا‪ :‬خصائص الغبن‬

‫أن ال يكون إال في عقود المعاوضة‪.‬‬ ‫•‬


‫أن يقدر بمعيـــــــار مــــادي‪.‬‬ ‫•‬
‫أن يقدر عند وقت إبرام العقــــــد‪.‬‬ ‫•‬

‫وما يجمع بين الغبن واالستغالل هو عدم التعادل بين التزامات كل من الطرفين ‪.‬‬

‫في الغبن ينظر إلى هذا التفاوت وفقا لمعايير مادية أو أرقام ثابتة يحددها القانون‪.‬‬ ‫•‬
‫في االستغالل ال ينظر إلى عدم التوازن بين االلتزامات فيه باعتباره عيب يشوب رضا أحد المتعاقدين‪.‬‬ ‫•‬

‫ولهذا كان القانون المدني الفرنسي متأثرا بالمذهب الفردي فال يعتد بالغبن إال في حاالت محدودة كالغبن في بيع العقار‬
‫والذي يجاوز ‪ 12/7‬من قيمته تحدد على أساس العرض والطلب ‪.‬‬

‫يرفض القضاء في فرنسا إبطال العقد للغبن لقاعدة عامة من العقود االحتمالية أو عقود الغرر إال إذا كان الثمن تاف ًها‪،‬‬
‫ويرفض تطبيق الغبن في التبرعات هنالك شروط تتعلق بمقدار الغبن‪ ،‬ويتجاوز نسبة ‪ 12/7‬في حالة بيع العقار وحوالة حق‬
‫المؤلف ‪ ،‬و ‪ 4/1‬في حالة القسمة ‪ ،‬و ‪ 2/1‬في حالة القرض بفائدة ‪ ،‬و ‪ %33‬في حالة بيع المحل التجاري ‪ ،‬ويجب أن يكون‬
‫العقد معاصرا لوقت انعقاد العقد ‪.‬‬

‫يقضي نص المادة ‪ 91‬مدني بأنه "يراعى في تطبيق المادة ‪ 90‬عدم اإلخالل باألحكام الخاصة بالغبن في بعض العقود "‬
‫‪ ،‬يثبت من أحكام هذا النص أن المشرع الجزائري راعى عدم اإلخالل باألحكام الخاصة بالغبن في بعض العقود أو سعر‬
‫الفائدة ‪ ،‬وكذلك نصت المادة ‪ 90‬قانون مدني ج من أنه‪" :‬يراعي في تطبيقها عدم اإلخالل باألحكام الخاصة‬

‫بالغبن في بعض العقود"‪ ،‬وهذه التطبيقات وردت على سبيل الحصر في نصوص متفرقة مبعثرة‪.‬‬

‫ثالثًا‪ :‬حاالت الغبن وردت في المواد التالية‪:‬‬

‫المادة ‪ 358‬مدني الخاصة بحالة الغبن في بيع العقار إذا بيع بغبن يزيد عن ‪. 5/1‬‬ ‫‪-‬‬

‫‪ -‬المادة ‪ 732‬مدني الخاصة بقسمة المال بين الشركاء ‪ ،‬والجزء هو نقص العقد والرجوع في القسمة إذا أثبت أحد‬
‫المتقاسمين أنه قد لحقه غبن يزيد على ‪ 5/1‬ويجب أن ترفع الدعوى خالل السنة التالية للقسمة‪.‬‬

‫المادة ‪ 420‬و‪ 426‬ق‪.‬م‪.‬ج الفقرة األولى خاصة بعدم قبول حصة الشريك بما يكون له من نفوذ أو على ما يتمتع‬ ‫‪-‬‬
‫به من ثقة مالية ‪ ،‬والنص الثاني خاص بحصة األسد عند إعفاء أحد الشركاء بالمساهمة في أرباح الشركة أو في خسائرها‬
‫فرتب على ذلك بطالن عقد الشركة‪.‬‬

‫المادة ‪ 2/581‬مدني خاصة بأجر الوكيل في عقد الوكالة فيخضع لتقدير القاضي‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫المادة ‪ 184‬مدني جواز تخفيض التعويض إذا أثبت المدين أن التقدير كان ُمفر ً‬
‫طا أو أن االلتزام األصلي قد نفذ في‬ ‫‪-‬‬
‫جزء منه ويكون باطالً كل اتفاق يُخالف أحكام ذلك‪.‬‬

‫االستغالل ‪ :‬لقد تفادى تعديل قانون رقم ‪ 10-05‬المؤرخ في ‪ 20‬جوان ‪ 2005‬ما سقط من النص العربي في المادة ‪، 90‬‬
‫وصف الهوى بالجامح‪ ،‬وصف الطيش بالبين فجاء نص المادة بعد التعديل كاآلتي‪ " :‬إذا كانت التزامات أحد المتعاقدين‬
‫متفاوتة كثيرا في النسبة مع ما حصل عليه هذا المتعاقد األخر‪ ،‬قد استغل فيه طيش بين أو هوى جام ًحا‪ ،‬جاز للقاضي‬
‫بنا ًءا على طلب المتعاقد المغبون‪ ،‬أن يبطل العقد أو ينقص التزامات هذا المتعاقد‪.‬‬

‫ويجب أن ترفع الدعوى بذلك خالل سنة من تاريخ العقد وإال كانت غير مقبولة "‬

‫يجوز في عقود المعارضة أن يتوفى الطرف األخر دعوى اإلبطال إذا عرض ما يراه القاضي كافيا لرفع الغبن‪.‬‬

‫يتضح من نص المادة أنه يجب أن يتوافر في العقد الذي يلحق به االستغالل عدم التعادل بين التزامات أحد المتعاقدين‬
‫والتزامات المتعاقد األخر‪ ،‬وان يكون ذلك ناتجا عن استغالل الحالة من الحاالت المبينة‪.‬‬

‫فاالستغالل على هذا النحو يعتبر عيب من عيوب اإلرادة ذلك أن المتعاقد المغبون إنما تعاقد تحت تأثير حالة طيش البين‬
‫أو الهوى الجامح‪ ،‬فإرادته في تلك الحاالت إرادة معيبة ألنها ال تتمتع بالحرية الكافية إلبرام العقود أو ألنها كانت غير‬
‫بصيرة بسبب الظروف التي تمر بها ‪.‬‬

‫·عناصر االستغالل‪:‬‬ ‫•‬

‫لقد جعل المشرع الجزائري من خالل االستغالل عيب في اإلرادة ينطبق على سائر التصرفات وتبين من نص مادة ‪90‬‬
‫قانون مدني أنه يشرط لقيام االستغالل عنصرين هما‪:‬‬

‫أوالً‪ -‬العنصر المادي‬

‫ويقصد بالعنصر المادي أو العنصر الموضوعي اختالل التعادل ّأو انعدام المقابل‪ ،‬أي أن تكون التزامات أحد المتعاقدين‬
‫ال تعادل البتة مع ما حصل عليه هذا المتعاقد من الفائدة بموجب العقد‪ ،‬وعدم التكافؤ بين التزام المغبون والتزام الطرف‬
‫شا‪ ،‬فال يكفي إذا كان عدم التعادل مألوفًا‪ ،‬وهذا األمر يترك تقدير لقاضي الموضوع على أساس‬ ‫المستفيد يجب أن يكون فاح ً‬
‫القيمة يوم العقد‪ ،‬وليس على قيمة األداءات بعد إبرام العقد وما يطرأ من تغيير‪.‬‬

‫ثانيًا‪ -‬العنصر النفسي (الذاتي)‬

‫تحقق العنصر النفسي إذا استغل أحد الطرفين الطيش البين أو الهوى الجامح لدى الطرف األخر حتى يحصل على عدم‬
‫التوازن في القيمة االلتزامات‪.‬‬

‫أ‪ -‬الطيش البين ‪:‬‬

‫يقصد به الخفة و التسرع في اتخاذ القرارات وعدم المباالة بنتائجها وهذا الطيش يجب أن يكون بينا أي واضحا‬
‫ومشهورا ‪ ،‬كالشاب الراغب في الحصول على نقود بأية وسيلة لسد حاجته إلى البذخ و التبذير ‪ ،‬فيأخذ في بيع أمواله بثمن‬
‫بخس أو في االقتراض بشروط باهضة ‪.‬‬

‫ب ‪ -‬الهوى الجامح ‪:‬‬

‫وهي الرغبة الشديدة التي تقوم في نفس المتعاقد بحيث تجعله يفقد سالمة الحكم على أعمال معينة‪ ،‬ويكون جام ًحا متى ال‬
‫يكون في اإلمكان مقاومته أو تالقيه‪ ،‬بحيث يؤثر على إرادة المغبون فيعيبها دون أن يعدمها كليةً‪ ،‬وقد يقع اإلستغالل على‬
‫الهوى الجامح وحده‪ ،‬أو على الطيش البين وحده أو عليهما معًا لدى المتعاقد المغبون‪ ،‬أما إذا كان المتعاقد ال يعلم شيئًا من‬
‫ذلك لدى ال ُمتعاقد اآلخر فالعقد صحي ًحا لعدم توافر االستغالل ‪.‬‬

‫أن يكون االستغالل دافعًا للتعاقد ‪ :‬أي أن يستفيد أحد المتعاقدين من ظروف معينة يوجد فيها المتعاقد األخر مع‬ ‫•‬
‫علمه بها‪ ،‬فيرغب بعد ذلك في االستفادة منها أو استغاللها ‪ ،‬حتى لو لم يكون له دخل في إيجادها بل ولم يتعمد دفع‬
‫الطرف األخر إلى التعاقد‪.‬‬
‫الجزاء المترتب عن االستغالل‪:‬‬ ‫•‬

‫إذا ما تحققت شروط االستغالل وتقدم المتعاقد المغبون بدعواه أمام محكمة‪ ،‬كان لهذه األخيرة أن تقضي بإبطال العقد‬
‫على أساس عيب االستغالل‪ ،‬كما يكون للمحكمة أن ال تحكم بإبطال العقد ولكنها تنقص من التزامات المتعاقدين المغبون إلى‬
‫الحد الذي تراه كافيًا لرفع الغبن ‪.‬‬

‫ومن ناحية أخرى يجوز للطرف الذي إستفاد من الغبن أن يتوقى إبطال العقد بغرض ما يراه القاضي كافيًا لرفع الغبن‪،‬‬
‫طبقًا لنص المادة ‪ 3/90‬مدني ‪ ،‬أ ًما سقوط الدعوى االستغالل طبقا للفقرة الثانية من نفس المادة فإنها تسقط بمضي سنة من‬
‫تاريخ العقد وال كانت غير مقبولة ‪ ،‬أما تقادم دعوى الغلط والتدليس واإلكراه فمضي عشر سنوات من كشف الغلط أو‬
‫التدليس أو انقطاع اإلكراه أو خمسة عشر سنة من وقت تمام العقد طبقًا لنص مادة ‪ 101‬ق‪.‬م ج ‪.‬‬

‫نستنتج م ّما سبق أنه لصحة التراضي أن يكون صادر من شخص ذي أهلية حيث تكون هذه األهلية أهلية األداء ويشترط‬
‫التمييز فيها أمر طبيعي كي يكون من الممكن أن تصدر عن تصرفات يعتمد بها القانون وهي تندرج مع التمييز وجود وعدم‬
‫ويشترط أن يكون رضاؤه خاليا من عيوب اإلرداة وهي غلط والتدليس واإلكراه واالستغالل (الغبن) التي تعيبها وتشوها‬
‫التي تؤدي في األخير إلى فساد العقد وإبطاله‪.‬‬

You might also like