Professional Documents
Culture Documents
وادلي احلبيب اذلي ما انفك يوما عن بذل أقىص طاقاته و اماكانته يف
سبيل ولويج ابب العمل و صعودي سمل املعرفة بغية وصويل أعىل درجاهتا
والرتبع عىل منربها و أرجو أن أكون قد وفقت يف حتقيق جزء من أحالمه
الراقية و مساعهيا .
وادليت العزيزة اليت سهرت يف سبيل راحتنا و هيأت لنا لك س بل النجاح .
أخيت مرمي اليت رافقتين يف مسرييت ادلراس ية و مل تدخر هجدا يف سبيل
مساعديت و ارشادي منذ اليوم الول اذلي وطئت فيه قديم هذه اللكية.
صديقيت رابب و رفيقيت يف ادلراسة و احلياة اليت مل تبخل عليا يوما جبود
عطاءها و حهبا و مل تبخل عليا مبساعدة يوما .
أخواي أمحد و خادل الذلان ما انكفا يوما عن تشجيعي عىل بلوغي أهدايف
ومبتغااي ادلرايس.
لك صديقايت و زمياليت و أساتذيت اذلين رافقوين يف مسرييت ادلراس ية
وجعلوا من وصويل اىل نبع النجاح أمجل و أيرس .
أقول للجميع شكرا
و ما توفيقي إال باهلل رب العالمين
أتقدم بالشكر إلى أستاذي
كما أتقدم بالشكر إلى أعضاء اللجنة الكرام الذين تفضلوا بالموافقة
على مناقشة موضوع هذا العمل
الخاتمة
الدف اع الشرعي
المقدمة
1
الدف اع الشرعي
إن الجريمة هي إحدى الظواهر اإلجتماعية التي حتى و إن لم تكن قدرا محتوما في حياة
الفرد فإنها حتما قدر محتوم في حياة المجموعات و الشعوب و حيث أن الجريمة إجتماعيا
تعتبر إعتداء على المصلحة العامة و النظام العام و المجتمع المدني ككل أكثر منها إعتداء على
الفرد لهذا تخول القوانين مباشرة الدعوى العمومية بإسم الدولة و المجتمع وبواسطة النيابة
العمومية ،فالدولة هي التي تحمي أموال و أرواح الناس و توكل مهمة العقاب للسلطة ال للفرد
،إال انه و في هذا اإلطار و حين عجز السلطة و الدولة عن حماية الفرد في لحظة قد يتعرض
فيها لخطر سينجر فيها عن تخلي هذا الفرد عن مهمة حماية نفسه أو ماله و إيكالها للدولة ،إلى
وقوع جرائم تعجز الدولة في حد ذاتها عن تالفي أضرارها الحاصلة و تعد على حقوق يصعب
أو يستحيل إرجاعها و "حيث تتفق اإلنسانية جمعاء على انه عند حلول خطر يهدد النفس
البشرية سواء أكان ذلك الخطر موجها لإلعتداء على النفس أوعلى المال ،على ضرورة تحرك
السلوك المادي و النفسي لوقف ذلك الخطر المتوقع أو دفعه من أجل المحافظة على الحياة أو
حماية المال من الهالك .و يبذل الفرد في سبيل تحقيق ذلك أقصى ما في وسعه من جهد ،إما
بذاته و إما بما خصصه لذلك من أجهزة آلية للدفاع عن نفسه و اله".1
و لذلك فإن "حق الدفاع الشرعي يعتبر ضمن الحقوق العامة لإلنسان التي تكلفها الشرائع
و القوانين لما يحققه من غاية إجتماعية فاإلعتداء على اإلنسان في أي صورة كانت سواء على
2
جسده أو ماله هو مخالفة لقواعد القانون و األخالق يحوي بين طياته عدم اإلعتراف بالحق"
و يعني مصطلح الدفاع رد و منع و دافع عنه حامى و إنتصر له و دافع عنه األذى أبعده
ونحاه و الدفاع عن النفس حالة من يضطر إلى اإلقدام على فعل لحماية نفسه و حق الدفاع عن
النفس يعني الحق في حماية النفس من العنف أو التهديد بأية قوة أو وسيلة ضرورية أما بالنسبة
لمصطلح الشرعي فهو إسم مذكر منسوب إلى شرع فهو يعني ما إستعمله الشارع أو المشرع
النظرية العامة لعذر تجاوز حدود حق الدفاع الشرعي :محمد نعيم فرحات_الناشر دار النهضة العربية 1981المطبعة العربية الحديثة صفحة 51
المرجع السابق صفحة 72
2
الدف اع الشرعي
في معنى خاص ،و الدفاع الشرعي هو حق يعطيه القانون للشخص بحيث يبيح له اإللتجاء
3
إلى قدر من القوة لمنع خطر اإلعتداء على نفسه و ماله أو على نفس الغير و ماله.
أعتبر الدفاع الشرعي من أقدم أسباب اإلباحة التي عرفتها القوانين الجنائية عبر العصور
حيث يرى أن قدمه قدم ظهور العقد اإلجتماعي حيث أن هذا العقد يعتبر أول من بدأ بتنظيم
حياة الشعوب مما جعلهم يتخلون عن حالة الفوضى و ينضوون تحت حاكم و سلطة سياسية و
قوانين و هي في المقابل ستمنع عن الفرد أي تعد قد يطرأ على حقوقه و هذا العقد ذاته من يبيح
و يعطي مشروعية لمن تعرض إلعتداء ال يسع السلطة وليدة العقد أن ترده عنه بسبب الظرف
اإلستثنائي لهذا اإلعتداء فالمتعرض إلعتداء يذود عن نفسه خوفا على حقوقه التي إن لم يقم
بالدفاع عنها ضاعت و هذا ما يفضي إليه المنطق كذلك ،فالدفاع الشرعي فعل يستند قبل كل
شيء إلى غريزة الطبيعة و منطق األمور في حد ذاتها.
لقد إختلف شراح القانون الجزائي حول تحديد طبيعة مسألة الدفاع الشرعي حيث يرى
بعضهم أن مسألة الدفاع الشرعي يدخل ضمن موانع المسؤولية الجزائية فإعتبرت هذه النظرية
أن الفعل في حالة الدفاع الشرعي يبدأ بداية األمر مجرما و يسري عليه كل حكم يسري على
الجريمة العادية إلى أن يثبت صاحبه أنه كان في حالة عذر و أن حقه في الفعل المرتكب تولد
في تلك اللحظة فهو جدير باإلعفاء من المسؤولية عن الفعل عندها فقط للمحكمة أن تحكم بإنعدام
المسؤولية و يتمكن من التمتع بقرينة تعفي الفاعل من المسؤولية الجزائية المنجرة عن الفعل
الذي إرتكبه.
و يرى البعض اآلخر أن موضوع الدفاع الشرعي يدخل ضمن أسباب اإلباحة حيث
يعتبر أصحاب هذه النظرية أن الفعل في حالة الدفاع الشرعي ينشأ مباحا من أوله و ذلك بالعودة
إلى الظرف الخاص الذي يتعرض له المدافع و يضطره للذود عن نفسه و الفعل الذي ينشأ
مباحا ال يمكن أن يحمل صاحبه مسؤولية إلستناد الفعل في حد ذاته إلى حق يقره المنطق و
تقننه التشريعات فهذه اإلباحة إذن "من شأنها إزالة صفة التجريم عن أفعال سبق أن جرمتها
3
الدف اع الشرعي
قواعد التجريم ،و هي عبار عن ظروف مادية إذا ما أضيفت إلى الفعل المجرم تسحب عنه
4
الصفة اإلجرامية و يصبح بعد أن كان غير مشروعا مشروعا أو مبررا أو مباحا"
لم يرد رأي واضح بالنسبة لهذه المسألة لدى شراح القانون التونسي فالفصلين 39و40
من المجلة الجزائية اللذان ينصان على أحكام الدفاع الشرعي وردا ضمن الباب الرابع الخاص
بالمسؤولية الجزائية و تحديدا في القسم األول في عدم المؤاخذة بالجرائم لكن ترى مجموعة
أن عبارات هذين الفصل تخرجهما عن موانع المسؤولية الجزائية و تجعل موضع ترتيب
المشرع لهما خاطئا فبقية فصول هذا القسم التي تستهل بعبارة " ال يعاقب " تظهر جليا أن
مقصد المشرع في هذه الحالة هو أن الفعل المرتكب مجرم في األصل إال أنه وإلعتبارلت
أخرج الفاعل في هذه الجريمة عن دائرة العقاب مع بقاء الفعل مجرما .
أما بالنسبة لهذين الفصلين اللذان يبدوان مختلفين عن بقية الفصول من هذا القسم حيث
يستهالن بعبارة "ال جريمة " فالواضح و الجلي من هذه العبارة و إختالفها عن مستهل بقية
الفصول ،أن المشرع يقر بأن الفعل في حالة هذين الفصلين ال ينشأ مجرما من أصله فهو
مباحا منذ نشأته ،حيث يعد إستثناء لبقية الفصول التي ال تنفي صفة التجريم عن الفعل إنما
تعفي مرتكبها من أي مسؤولية جزائية عن فعله ،و بالتالي يرى الرأي الغالب لدى شراح
القانون التونسي أن الدفاع الشرعي ال ينضوي تحت موانع المسؤولية الجزائية إنما يدخل ضمن
أسباب اإلباحة .
و في األخير فإن كلتا النظريتين تتفقان على أن المدافع في حالة الدفاع الشرعي حال
إحترامه لشروط و ضوابط الدفاع الشرعي يعفى من أي مسؤولية أو عقاب قد ينجر عن فعله
و يعتبر بذلك معذورا .
إن أهم ما يمكن أن يميز أحكام الدفاع الشرعي تطبيقا هي أنها أحكام منطقية موجهة إلى
إعتبار الظرف اإلستثنائي للخطر الموجب للدفاع الشرعي فتمكن المدافع من الذود عن حقوق
و مكتسبات إنسانية شرع ية سينجر عن تركها بيد المهاجم خسائر ال يمكن تالفيها بعد تمام
حق الدفاع الشرعي (دراسة مقارنة) مذكرة لنيل شهادة الليسانس في الحقوق من إعداد و تقديم فوزي األجهوري جامعة قسنطينة معهد الحقوق و
العلوم اإلدارية :السنة الجامعية 1990/1989دورة جوان 1990صفحة 14
4
الدف اع الشرعي
اإلعتداء و حصول ضرره حتى باللجوء إلى السلطة العامة فما قد ينقضي في هذه الحالة ال
يمكن أن يعود لذلك خولت التشريعات حق الذود عنها في حدود و بشروط دون أن تخول له
حق اإلنتقام أو الرد عن الفعل تشفيا .
و في هذا اإلطار و تحت ضوء هذه اللمحات حول مسألة الدفاع الشرعي حتما سيقارع
أذهاننا تساؤل حول طبيعة النظام القانوني للدفاع الشرعي ،فماهو النظام القانوني للدفاع
الشرعي ؟
تتميز مسألة الدفاع الشرعي على غرار كل المساءل القانونية الخاصة بنظام الجزاء
المترتب عن الجرائم بنظام قانوني دقيق و صارم و للتمكن منال لتطرق لهذا الموضوع وتبيان
النظام القانوني للدفاع الشرعي سنقوم بتحليل أركان قيام حالة الدفاع الشرعي كعنصر أساسي
أول و طرح آثار القيام بفعل الدفاع الشرعي كعنصر أساسي ثان .
5
الدف اع الشرعي
العنوان األول:
أركان قيام حالة الدفاع الشرعي
قضت عبارات الفصل 39من المجلة الجزائية بأنه " ال جريمة على من دفع صائال
عرض حياته أو حياة أحد أقاربه لخطر حتمي و لم تمكنه النجاة منه بوجه آخر" و قد إعتمد
5
المشرع عبارة صائل ضمن تركيبة الفصل و الصولة هي جمع صوالت و الصولة هي السطو
6
الدف اع الشرعي
و الصؤول من الرجال هو الذي يضرب الناس و يتطاول عليهم 6فالصائل هو اإلعتداء المسلط
دون وجه حق و قد أباح المشرع لمن تعرض لصولة و إعتداء ظالم أن يدافع عن نفسه بما
يقتضيه درء اإل عتداء دون أن يكون مسؤوال قانونا عن أفعاله أي تم إعفاءه من أي مسؤولية
جزائية .و للدفاع الشرعي ركنين أساسيين المتمثلين في شروط الدفاع الشرعي "أ" و موانع
إعتماد الدفاع الشرعي "ب".
يكتسي اإلعتداء المسلط على المتمتع بقرينة الدفاع الشرعي مجموعة من الصور.
من المتعارف عن اإلعتداء أن يتخذ طابعا إيجابيا كالهجوم على أحدهم و محاولة قتله أو
ضربه .
هنا يكتسي الدفاع ضد المعتدي طابع اإلباحة و تنعدم المسؤولية الجزائية للمدافع .
مع ذلك يمكن أن يكتسي اإلعتداء طابع سلبي و اإلعتداء السلبي هو اإلمتناع خالفا للفعل
اإليجاب ي و هو سلوك إرادي كاإلعتداء اإليجابي يتحدد الفرق بينهما في أن اإلرادة تكون دافعا
للحركة في اإلعتداء اإليجابي و مانعا له في اإلعتداء السلبي مثال ذلك الذي يمتنع عن تقييد
6 معجم لسان العرب إلبن منظور المجلد 11دار الفكر 1990صفحة 388
7
الدف اع الشرعي
كلبه أو أي حيوان يخشى منه لمنع أذاه عن أحدهم لهذا يجوز إكراهه على ذلك ويمكن اعتبار
ذلك دفاعا شرعيا .
و يمكن أن نستنتج ذلك بالقياس على أحكام قانون 3جوان 1966الذي يعاقب بموجبه
المشرع التونسي كل من كان قادرا على إغاثة شخص في خطر و امتنع عن ذلك سواء فرضت
قواعد مهنته مساعدة الغير أو ال .فالقانون هنا يعاقب رغم أن الفعل سلبي وليس إيجابي و هذا
دليل على أن الفعل السلبي الذي يترتب عنه أضرار هو فعل محضور و مادام الفعل يعتبر
إعتداء غير شرعي يجوز الدفاع ضده .
المبدأ أن يكون اإلعتداء المسلط على المدافع حقيقيا لكن مع ذلك يمكن أن يكون هذا
اإلعتداء وهميا كأن يتوهم المدافع حلول إعتداء " 7متى كانت الظروف و المالبسات تلقي في
روع المدافع أن هناك إعتداء جديا و حقيقيا موجها إليه " .
وقد رأى مجموعة من الفقهاء أن القول باإلعتداء الوهمي كاف لقيام حالة الدفاع الشرعي
إذا إنبنى تصور هذا اإلعتداء على أسباب معقولة و هو التوجه الذي تبناه فقه القضاء المصري
و ذهب رأي آخر إلى عدم إعتباره من مكونات الدفاع الشرعي وذهب رأي ثالث إلى تقديم
توجه وسط بينهما يرى أن تقدير حالة الخط الوهمي " 8ال يمكن أن يكون إال بإعتبار كل واقعة
و حسب الظروف بيد أنه يمكن التعميم و القول بأن من يظن أنه موضوع هجوم أن يحتمي
بالسلطة ألن له الوقت الكافي لذلك " .
7الدفاع الشرعي في ضوء القضاء و الفقه _ عبد الحميد الشورابي دار المطبوعات الجامعية أمام كلية الحقوق -إسكندرية ،مطبعة أطلس -القاهرة
1986صفحة 44
8حق الدفاع الشرعي بقلم األستاذ فوزي بلعيد المحامي مجلة القضاء و التشريع ماي 1976صفحة 33
8
الدف اع الشرعي
من المتعارف أن يكون اإلعتداء عمديا أي توفر عنصر القصد و يستوي كذلك أن يكون
اإلعتداء غير عمديا و هنا يجوز الدفاع ضده إذا اإلعتداء الذي يخشى منه إعتداء يعاقب عليه
قانونا مثال ذلك إلحاق أضرار بدنية بالمعتدى عليه قد تشكل خشية على حياته أما إذا كان
اإلعتداء يتش كل من فعل غير عمدي ال يعاقب عليه قانونا كإتالف مال فال يجوز الدفاع ضده
ألنه ال يعتبر فعل محضور قانونا .
للتمسك بقرينة الدفاع الشرعي و التمتع بظرف اإلعفاء من المسؤولية الجزائية يجب أن
تتوفر في الخطر خاصيتين في الخطر :
لقد تعرض المشرع التونسي إلى خاصية الحتمية بالفصل 39من المجلة الجزائية كشرط
أساسي لقيام حالة الدفاع الشرعي و قد إستعمل عبارة " الخطر الحاتم " في الفصل 39المذكور
للداللة على حلول الخطر و حتمية وقوعه " 9و هو ما يعطي هذه العبارة مفهوما زمنيا مرتبطا
بظروف و مالبسات قيام حالة الخطر " وبناء على ذلك ال يمكن إعتبار حالة الدفاع الشرعي
إال إذا كان اإلعتداء يشكل خطر حتميا يعرض حياة المدافع أو مكاسبه أو مكاسب غيره إلى
الخطر أو التلف دون إمكانية اللجوء إلى السلطة الحاكمة مما يضعه أمام ضرورة الدفاع أما
إن كان بإمكانه اإلستغاثة أو اللجوء إلى السلطة الحاكمة مع ذلك فضل المقاومة أو عقاب
المعتدي بنفسه فعندها لم يعد بإمكانه التمسك بالدفاع الشرعي .
بالتالي و بالقراءة العكسية للفصل 39من لمجلة الجزائية فإن عدم التعرض لخطر حاتم
ينفي صفة الدفاع الشرعي عن المدافع و هو الموقف الذي تبنته محكمة التعقيب في 10قرارها
التعقيبي الجزائي عدد 14709المؤرخ في 28أكتوبر 1987الذي إعتبرت فيه " أن أحكام
9محاضرات األستاذة هدى طالب علي المادة :قانون جزائي عام سنة ثانية إجازة أساسية قانون خاص كلية الحقوق و العلوم السياسية سوسة السنة
الجامعية 2014 - 2013
قرار تعقيبي جزائي عدد 14709مؤرخ في 28أكتوبر 1987نشرية محكمة التعقيب القسم الجزائي 1987صفحة 10 147
9
الدف اع الشرعي
الدفاع الشرعي تستلزم الوقوع في الخطر الحاتم لذلك فإن تجريد المعتدي من سالحه قبل إحتدام
الخصام ينفي صفة الدفاع الشرعي "
وتبنت محكمة التعقيب التونسية ذات الموقف في مناسبة أخرى في 11قرارها التعقيبي
الجزائي عدد 21690المؤرخ في 2أفريل 2008الذي إعتبرت فيه أنه " طالما لم يثبت وقوع
الخطر الحاتم فإن ردة الفعل العنيفة بوسيلة خطرة عرضت حياة المعتدي إلى خطر تكزن غير
مالئمة و صولة الصائل مما يجعل فعل الدفاع غير مشمول بأحكام الفصل 39من المجلة
الجزائية .
لكن تطبيق هذا الشرط على المدافع في حالة الدفاع الشرعي يدفعنا ضرورة إلى تفصيل
الوضعيات المختلفة للخطر .
• الخطر الوشيك
لم يشترط المشرع لقيام حالة الدفاع الشرعي أن يكون اإلعتداء قد بدأ حقا بل يكفي من
أجل ذلك أن يكون الخطر على وشك الحلول ألنه لو تأخر الدفاع في هذه الحالة لحصل الضرر
فشرط الحلول ال يعني فقط حلول اإلعتداء بل يكفي لقيام فعل الدفاع حلول الخطر دون إمكانية
اللجوء إلى السلطة الحاكمة قبل وقوع الضرر و من الضروري هنا أن يكون الفعل المدافع
ضده فعل يخشى منه وقوع جريمة من الجرائم التي يجوز فيها الدفاع الشرعي مثال ذلك من
أخرج مسدسا فارغا و هم بتعبئته بالرصاص.
و يدخل كذلك تحت طائلة الخطر الوشيك اإلعتداء الذي بدأ و إعتقد المدافع أنه سيتواصل
إذا لم يقم بفعل الدفاع مثال ذلك من هجم على أحدهم و أسقطه أرضا ثم ذهب إلحضار عصا
غليظة موجودة في ذات مكان اإلعتداء .
قرار تعقيبي جزائي عدد 21690مؤرخ في 2أفريل 2008نشرية محكمة التعقيب القسم الجزائي 2008صفحة 29311
10
الدف اع الشرعي
• الخطر المستقبلي
يعتبر الخطر مستقبليا إذا لم يكن الخطر حاال في الحين كالتهديد بالقتل في المستقبل مثال
و ال يدخل الخطر المستقبلي تحت طائلة الدفاع الشرعي و ال يعتبر مبررا له ألن المهدد بالخطر
في هذه الحالة بإمكانه أن يحتمي برجال السلطة كما أن الخطر المستقبلي هو خطر إحتمالي
أي من المحتمل وقوعه كما من المحتمل عدم وقوعه .
لكن هذا الحل يضعنا أمام إشكال في بعض الوضعيات فمثال من كان محبوسا في مكان
ما و علم بأنه هناك من ينوي قتله أو البحار الذي يتواجد في سفينة في البحر و علم أن البحارة
ينوون قتله في هاذين الحالتين يستحيل على المهدد بالخطر المستقبلي أن يحتمي برجال السلطة
و اإلحتياطات التي قد يتخذها المدافع جائزة و لو ترتب عنها جرح أو موت أحدهم .
و يدخل كذلك تحت طائلة الدفاع الشرعي ضد الخطر المستقبلي الذي يضع فخا أو
أجهزة حماية من شأنها أن تحدث أضرار بالمعتدي على بيت أو بستان و إقتحم لص المكان
فأحدثت به أجهزة الحماية أو الفخ أضرار .
• إنتهاء الخطر
ال يمكن اإلستفادة من عذر الدفاع الشرعي و الدخول تحت قرينته إذا تم فعل الدفاع بعد
إنقضاء الخطر و زواله و يعود ذلك إلى " 12أن الدفاع الشرعي يتميز عن مجرد الجزاء أو
إصالح الضرر ألنه يهدف إلى الحيلولة دون إتمام مخالفة القانون و يقتضي ذلك أن يكون
الخطر الزال قائما يحدق بالغير أما إذا تم و إنتهى فإن أي رد فعل ضد مصدر الخطر يكون
نوعا من الجزاء يقرره الفرد بنفسه ضد المعتدي أو نوعا من اإلنتقام و هو ما يخالف القانون".
و يمكن تقسيم حالة إنتهاء الخطر إلى وضعيتين تكون األولى بزوال الخطر بعد عدول
الجاني عن إرتكاب فعلته أو الحيلولة دون إرتكاب فعلته بفعل فاعل كتجريده من سالحه مثال
الدفاع الشرعي في ضوء القضاء و الفقه _ عبد الحميد الشورابي دار المطبوعات الجامعية أمام كلية الحقوق -إسكندرية ،مطبعة أطلس -القاهرة
1986 12صفحة 49
11
الدف اع الشرعي
أما الحالة الثانية فتكون بعد حدوث الضرر و اإلنتهاء منه فالقيام هنا بالدفاع ضد المعتدي
ال فائدة منه في دفع الضرر ألنه حصل و رد الفعل هنا ضد المعتدي ال يعدو أن يكون إنتقاما
فالدفاع الشرعي شرع لمنع حدوث اإلعتداء أو اإلستمرار فيه و لم يشرع لإلنتقام أو القصاص
من المعتدي ألن ذلك من مشموالت السلطة .
و يتم تقدير وقت زوال الخطر حسب السلطة التقديرية للقاضي عن طريق مقاييس
موضوعية أما إذا تم الدفاع بعد زوال الخطر لتوهم المدافع إستمرار الخطر فيعتبر عند ذلك
غلط و تتم مساءلته عن الجريمة بوصفها غير عمدية أو تنتفي مسؤوليته تماما إذا إنبنى توهمه
على أسباب على أسباب معقولة و يبقى تقدير كل ذلك موكل إلى سلطة القاضي .
لكي يتمتع المدافع بقرينة الدفاع الشرعي و يدخل تحت طائلة اإلعفاء من المسؤولية
الجزائية يجب أن يكتسي الهجوم طابع الالمشروعية و الالمبرر ألنه لو كان الهجوم مشروعا
لكان الدفاع ضده غير مشروع و غير مبرر بل و البد من اإلنصياع له .
ال يجوز لمن صدر نحوه فعل مباح أن يقوم بفعل الدفاع و إن قام بذلك فال يمكن لهذا
الفعل أن يكتسب قرينة الدفاع الشرعي .
قرار تعقيبي جزائي عدد 14709مؤرخ في 28أكتوبر 1987نشرية محكمة التعقيب القسم الجزائي 1987صفحة 14713
12
الدف اع الشرعي
فال يجوز الدفاع ضد عون األمن عند القيام بمهامه في حدودها و ال يجوز للسارق كذلك
أن يستعمل فعل الدفاع الشرعي ضد ساكن المنزل الذي يهاجمه دفاعا عن ممتلكاته وال يجوز
الدفاع الشرعي لمقاومة الطبيب الذي يجري عملية جراحية .
و ال يمكن كذلك أن يدخل تحت قرينة الدفاع الشرعي اإلبن الذي يقوم بمقاومة و صد
تعنيف األب له المقصود منه تأديبه ألن فعل األب هنا هو فعل مباح قانونا فبمقتضى "الفصل
319من المجلة الجزائية يتمتع األب بحق تأديب إبنه بالضرب أو بإستعمال أي عنف آخر معه
و لكن إذا ما تجاوز األب الحد المعقول في القيام 14
ال يؤدي إلى ضرر بدني معتبر أو دائم "
بتأديب إبنه يمكن لإلبن الذود عن نفسه و دفع الهجوم و يعتبر ذلك دفاعا شرعيا و هذا ما ذهب
إليه فقه القضاء من خالل " القرار التعقيبي عدد 516الصادر في 7أوت ( 1961مجلة
القضاء و التشريع عدد 3مارس )1962الذي يؤخذ منه خصوصا بأن الهجوم الذي للوالد
على إبنه ال يمكن أن يتعدى العنف الخفيف" .15
لكن يطرح هذا العنصر إشكاال بخصوص وضعيتين تتمثل األولى في صورة إنقالب
دور البادئ بالهجوم و صيرورته معتد عليه و الثانية في حالة عثور الزوج على زوجته مع
عشيقها فيهب دفاعا عن شرفه فيدافعان عن نفسيهما و يقتالنه.
بالنسبة للصورة األ ولى للصورة األولى و هي صورة إنقالب دور البادئ باإلعتداء
فيصير معتدا عليه ففي هذه الحالة يمكن له أن يتمسك بقرينة الدفاع الشرعي إذا ما تجاوز
المدافع حدود ما يلزم للدفاع عن نفسه .
أما بالنسبة للصورة الثانية و هي عثور الزوج على زوجته مع عشيقها فيهب للدفاع عن
ش رفه فيدافعان عن نفسيهما و يقتالنه فلقد إجتمعت اآلراء على أن فعل الزوج في هذه الحالة
ليس فعال مباحا ألنه ال حق له في القصاص منهما بل يعتبر ذلك من مشموالت السلطة لذلك ال
يكتسي فعله صفة اإلباحة و إنما فقط تمنحه ظرف تخفيف و إذا ما إكتسى الفعل صفة الهجوم
القانون الجنائي العام فرج القصير مركز النشر الجامعي تونس 2006صفحة 6114
15حق الدفاع الشرعي بقلم األستاذ فوزي بلعيد المحامي مجلة القضاء و التشريع ماي 1976صفحة 32
13
الدف اع الشرعي
غير ال شرعي تسنى الدفاع ضده دفاعا شرعيا لكن ذلك سيفضي إلى نتيجة غير عادلة إستنكرها
العديد من النقاد فالزانيين في هذه الحالة سيتمتعان بقرينة الدفاع الشرعي و يعفيان من
المسؤولية الجزائية عن القتل كذلك سيفلتان من العقاب من أجل جريمة الزنا ألن الزوج الهالك
وحده من له الحق في إثارة دعوى الزنا .
هو غير المسؤول قانونا أي الذي يرتكب فعال محضورا لكن من غير الممكن مساءلته
لسبب من األسباب التي أوردها القانون مثال ذلك الصغير غير المميز أو المكره أو المجنون
فإذا صدر من أحد هؤالء فعل يخشى منه الموت جاز الدفاع ضده .و ذلك يعود إلى حق المهدد
بالخطر في الدفاع عن نفسه درء للضرر الذي يمكن أي يصيبه و إنعدام حق الدولة في عقاب
هذه الفئة ال ينفي حق المهدد بالخطر في الدفاع عن نفسه ألن العقاب شيء وحماية النفس من
ضرر حاتم يمكن أن يصيبه شيء آخر .
• هجوم الحيوان
كل من ت عرض لهجوم حيوان يهدد حياته او سالمته الجسدية إلى خطر يجوز له الدفاع
ضده لدفع الخطر و لو كان ذلك بقتله و ال يسأل عن ذلك جزائيا .
ورد صلب الفصل 39من المجلة الجزائية تعداد قائمة حصرية في األشخاص الذين
يجوز الدفاع ضدهم تحت قرينة الدفاع الشرعي و هم :أوال دفاع الشخص عن نفسه و قد
صادق عليه جميع المفسرين و نص عليه بكل صراحة الفصل المذكورأعاله .
و ثانيا دفاع الشخص عن أقاربه و لقد حصر المشرع التونسي الدفاع الشرعي على الغير
و ضبطه بالفقرة 2من الفصل 39من المجلة الجزائية و هم على سبيل الحصر األقارب من
طبقة األصول و الفروع و اإلخوة و األخوات و الزوج و الزوجة و من زاد على ذلك يعتبر
غير و إذا كان الدفاع عن النفس أو األقارب المذكورين في النص يعد شرعيا بموجب القانون
14
الدف اع الشرعي
فإن الدفاع عن غير هؤوالء المذكورين ال يمكن أن يعتبر دفاعا شرعيا بل يخضع في تقديره
إلى سلطة القاضي و هذا ما يمكن أن نتبينه من صياغة الفقرة الثانية من الفصل 39من المجلة
الجزائية الذي ينص على أنه " :إذا كان الشخص المعرض للخطر من غير هؤوالء األقارب
فللقاضي اإلجتهاد في تقدير درجة المسؤولية " فمثال من يقوم بالتصدي لهجوم إستهدف خاله
أو عمه أو خطيبته ال تعتبر حالة دفاع شرعي بل تخضع إلى تقدير القاضي و يعتمد القاضي
في تقدير ما إذا كان الدفاع عن هؤوالء شرعيا أو ال و تقدير درجة المسؤولية المعايير التي
يراها مناسبة كعالقة األطراف ببعضها البعض و الظروف المحيطة بالواقعة و األشخاص .
و خالفا للمشرع التونسي خول المشرع الفرنسي الدفاع عن الغير دون ضبط و ال حصر
،و 16يبدو أن المشرع التونسي قد تأثر عن وضعه للفصل 39من القانون الجنائي بالفصل
314من مجموعة القوانين التونسية الصادرة سنة 1861الذي نص على أن الدفاع الشرعي
ال يقبل إال لدرء الخطر عن النفس و األهل بل لقد زاد الفصل 39في تضييق النطاق إذ عدل
عن إستعمال كلمة األهل باألقارب المذكورين أعاله .
لكن نجد أن هذا الحل متناقض تماما مع 17أحكام القانون عدد 48المؤرخ في 3جوان
1966و خاصة الفصل األول منه و المتضمن ما يلي " يعاقب بالسجن مدة خمسة أعوام
و بخطية قدرها عشرة آال ف دينار كل من أمسك عمدا عن منع فعل موصوف جناية أو جنحة
واقعة على جسم الشخص و كان قادرا على منعه بفعله الحالي دون خشية خطر على نفسه أو
على الغير" و نرى المشرع متناقض فمن جهة ال يمنح من يدافع من غير المذكورين بالقائمة
الحصرية للفصل 39من المجلة الجزائية الحق في اإلحتماء بقرينة الدفاع الشرعي و من جهة
يلزم التدخ ل لدفع الضرر عن أي إنسان معرض لخطر و وضع عقابا لمن يمتنع عن ذلك دون
موجب .
حق الدفاع الشرعي بقلم األستاذ فوزي بلعيد المحامي مجلة القضاء و التشريع ماي 1976صفحة 3316
23917 القانون الجزائي التونسي القسم العام مصطفى بن جعفر الطبعة األولى :اإليداع القانوني أكتوبر 2009صفحة
15
الدف اع الشرعي
18و من البديهي أن تدخل المرء لدفع ضرر عن غيره يتولد عنه في غالب األحيان
جريمة و من المنطقي درء المسؤولية عن مرتكبها مادام المشرع هو الذي ألزم المواطن بالقيام
بذلك الدور و هكذا يبدو لنا و أن الفقرة الثانية من الفصل 39من المجلة الجزائية ال يتالءم مع
بقية الن صوص في القانون الجزائي التونسي .و قد وقع المناداة بإلغائها و تعميم حق الدفاع عن
الغير إال أنه ظهرت تيارات معارضة لهاته النظرية أنها قد تفسح المجال لإلنتقام من الغير مع
ذلك فإن هذا النقد ال يكتسي وجاهة إذ أن للدفاع الشرعي جملة من الشروط الدقيقة و الصارمة
تعاقب المتعسف و تنفي عنه صفة الدفاع الشرعي و تمنح القاضي سلطة في تقدير حالة الدفاع
الشرعي فإذا تجاوز المدافع حدود حق الدفاع أعتبرت جريمة و جاز عقابه.
نظم المشرع التونسي المصالح التي يجوز الذود عنها في حالة الدفاع الشرعي صلب
الفصلين 39و 40من المجلة الجزائية و قد حددها تحديدا حصريا فشرع للمعتدى عليه إذا
هدد خطر حياته أو مكاسبه و ممتلكاته أو حياة الغير و مكاسبه و ممتلكاته .
خص المشرع الدفاع عن النفس بالفصل 39من المجلة الجزائية حين نص بفقرته األولى
على أنه " ال جريمة على من دفع صائال صير حياته أو حياة أحد أقاربه معرضا لخطر حتمي
" فأباح المشرع بذلك الدفاع الشرعي ضد كل فعل يهدد حياة المستهدف و أعفاه من أي مسؤولية
جزائية إذ من حق من تسلط عليه إعتداء صير حياته في خطر 19صد اإلعتداء المسلط عليه
من طرف الغير ،و لو أدى ذلك إلى إستعمال العنف و إحداث أضرار ببدن المعتدى عليه.
فالدفاع يكون شرعيا إذا كانت الغاية منه المحافظة على حياة المعتدى عليه 20و يعود هذا
18حق الدفاع الشرعي بقلم األستاذ فوزي بلعيد المحامي مجلة القضاء و التشريع ماي 1976صفحة 33
11119 المجلة الجزائية معلق عليها تعليق األستاذ عبادة الكافي مطابع سنابكت - 2014الطبعة الثانية تونس 2016صفحة
20حق الدفاع الشرعي بقلم األستاذ فوزي بلعيد المحامي مجلة القضاء و التشريع ماي 1976صفحة 33
16
الدف اع الشرعي
اإلعفاء إلى أن أعزما يحق للمرء الذود عنه هو حياته قبل كل شيء بما جبل عليه اإلنسان من
حب الذات و قوة غريزة البقاء .
ورد حق الدفاع الشرعي عن المال في القانون التونسي صلب الفصل 40من المجلة
الجزائية إذ ورد هذا الفصل متضمنا قرينة الدفاع الشرعي في الذود عن المكاسب والممتلكات
فأعفى المدافع من المسؤولية الجزائية و نفى صفة التجريم عن أفعاله و ذلك في ظروف خاصة
و على سبيل الحصر و هي أن يكون اإلعتداء المسلط على الملك يتمثل في تسور أو خلع أو
ثقب أ و سرقة أو نهب بإستعمال القوة و فعل دفاع متمثل في ضرب أو قتل أو جرح .
و يعتبر الفصل 40من المجلة الجزائية صورة خاصة للدفاع الشرعي ال تخضع للشروط
العامة المضمنة بالفصل 39من نفس المجلة ،فالمشرع أباح في هذا الفصل فعل الدفاع في
حالتين إثنين بغض النظر عن الشروط العامة الواردة بالفصل 39و هما :
" 21الصورة األولى :يقع فيها التصدي إلى اإلعتداء الواقع ليال على البيوت المسكونة
و توابعها مثال صورة سارق تسلق جدار البيت ليال فيمكن لصاحب المنزل أن يدافع عن نفسه
بإطالق النار على المشبوه فيه و يكون منتفعا بقرينة شرعية في الدفاع الشرعي .
الصورة الثانية :التي يقع فيها التصدي لمرتكبي السرقة و سلب األموال بالقوة معنى
ذلك أنه إذا وقع الدفع ضد سارق إستعمل القوة إلقتراف جريمته فيعتبر دفاع شرعي ولو أدى
هذا األمر إلى إلحاق ضرر جسيم أو قتل المعتدي .
-ما يجب إيضاحه بدء هو ان القتل أو الضرب أو الجرح في الصورة األولى يصبح
مجرما لو وقع لنفس الغرض أي الدفاع عن األمالك لكن وقع نهارا .
محاضرات األستاذ توفيق بن مريم المادة :قانون جزائي عام سنة ثانية إجازة تطبيقية قانون خاص كلية الحقوق و العلوم السياسية سوسة السنة
الجامعية 201521 - 2014
17
الدف اع الشرعي
-أما بالنسبة للصورة الثانية و التي خصها المشرع بالفقرة الثانية من الفصل 40من
المجلة الجزائية التي تشرع مقاومة مرتكبي السلب بالقوة و لم تحدد زمانا أو مكانا معينين
فيستوي أن يحدث هذا الدفاع و لو تمت محاولة السرقة في النهار شرط أن تتوفر إلنطباق هذه
الفقرة ما يلي :
-أن يكون الفعل الواقع من المدافع و الذي قد يحدث جرحا أو قتال هو فعل للمقاومة .
يدخل في المفهوم القديم للدفاع عن الشرف حالتين تكون األولى إذا تعرض المدافع بذاته
إلى فعل من الغير يهدد بهتك عرضه و شرفه و تكون الثانية في حال ضبط الزوج زوجته
بحالة تلبس مع عشيقها فيهب دفاعا ن شرفه و هذه الحالة من حاالت الدفاع كانت مباحة قديما
و تعتبر من حاالت الدف اع الشرعي و من أسباب اإلعفاء من المسؤولية الجزائية إال أن جل
التشريعات الوضعية اليوم أخرجت هذه الحالة عن حاالت الدفاع الشرعي وأوكلت مهمة عقاب
الزوجة الزانية و عشيقها إلى السلطة و في حال قام الزوج بالذود بنفسه عن شرفه ينزل ما قام
به منزلة التجريم بما يسمى ج ريمة قتل الزوجة المتلبسة بالزنا و ال يمكنه اإلستفادة من عذر
الدفاع الشرعي فقط من الممكن منحه ظرف تخفيف لما سمي بعذر اإلثارة الناتجة عن المفاجأة
بالزنا و لم يتبقى اليوم حسب المفهوم الحديث للدفاع عن الشرف سوى الحاالت التي بمقتضاها
يتعرض المدافع في حد ذاته إلى فعل يهدد بهتك عرضه و شرفه الشخصي .
و بالعودة إلى الفصل 39من المجلة الجزائية الذي وسع فيه المشرع نسبيا من دائرة
األشخاص الذين يكون الدفاع عنهم شرعيا فإنه ضيق في دائرة المصالح التي يجوز الدفاع
عنها فأخذ النص بظاهر العبرات يجعل من الدفاع الشرعي ال يشمل غيرالدفاع عن الحياة إال
المجلة الجزائية معلق عليها تعليق األستاذ عبادة الكافي مطابع سنابكت - 2014الطبعة الثانية تونس 2016صفحة 116 22
18
الدف اع الشرعي
أن هذا التأويل الضيق لعبارة الحياة ال يستوي و غير مقبول ألن المصالح التي تستحق الدفاع
عنها ليست فقط البقاء على قيد الحياة هي كذلك " سالمة الجسم و العرض و المال و هذا هو
الحل الذي إعتمده فقه القضاء الفرنسي على أساس الفصل 328من المجلة الجنائية الفرنسية
الصادرة سنة 1810الذي يقترب نصه كثيرا من نص الفصل 39من المجلة الجزائية التونسية،
فقد قرر فقه القضاء و الفقه الفرنسيين على أساس الفصل 328المذكور أن الضرر الذي يجوز
التصدي له في نطاق الدفاع الشرعي هو الذي يهدد المعتدى عليه بالموت أو الذي يمكن أن
23
يمس بجسمه أو بعرضه أو بماله "
فوسع فقه القضاء الفرنسي في مفهوم الحياة و جعله يشمل أكثر من مجرد الدفاع عن
النفس من الموت و لقد إتجهت عديد التشريعات ذات المنحى فتوسعت في مجال المصالح التي
يجوز الذود عنها و نزلتها منزلة الحياة كالمشرع المصري و المشرع المغربي والمشرع
الجزائري و لقد ذهب فقه القضاء التونسي إلى ذات التوجه و إعتبر الدفاع عن العرض من
قبيل الدفاع الشرعي و ذلك في القرار التعقيبي الجزائي عدد 789المؤرخ في 9جانفي 1945
24
حين إعتبر أن " الدفاع عن العرض كالدفاع عن الحياة و يعفي مرتكبه من العقاب "
إال أنه تم تعديل هذا الموقف و التراجع عنه حيث إعتبرت محكمة التعقيب في قرارات
لها الحقة أن "اإلعتداء على العرض و الشرف ال يعتبر إعتداء على الحياة و بالتالي ال يدخل
في نطاق الدفاع الشرعي فإعتبرت محكمة التعقيب في قرارها التعقيبي الجزائي عدد 2454
المؤرخ في 24ماي 1978أن الدفاع عن الشرف ال يعد من الدفاع الشرعي المنصوص
عليه بالفصل 39من المجلة الجزائية " 25و في قرارها التعقيبي الجزائي عدد 4519المؤرخ
في 16جويلية 1980أن القانون التونسي ال يعتبر من قبيل الدفاع الشرعي الدفاع عن
العرض .26و ما يمكن قوله في هذا اإلطار أننا نعيب على فقه القضاء هذا التأويل الضيق
والحرفي للفصل 39من المجلة الجزائية الذي يتنافى مع مقصد المشرع الذي ال يمكن أن
القانون الجنائي العام فرج القصير مركز النشر الجامعي تونس 2006صفحة 63 23
قرار تعقيبي جزائي عدد 789المؤرخ في 9جانفي 1945وارد بالمجلة الجنائية بتعليق األستاذ بلقاسم القروي الشابي طبع و نشر المطبعة
الرسمية للجمهورية التونسية 1992صفحة 2624
قرار تعقيبي جزائي عدد 2454مؤرخ في 24ماي 1978نشرية محكمة التعقيب 1978القسم الجزائي صفحة 242
25
قرار تعقيبي جزائي عدد 4519مؤرخ في 16جويلية 1980نشرية محكمة التعقيب القسم الجزائي 198026
19
الدف اع الشرعي
يقصي حق الفرد في الدفاع عن عرضه خاصة و أنه يجرم اإلعتداءات بالفواحش التي تفضي
إلى المساس بالعرض و الشرف .
على أساس ما تقدم يمكن أن نؤكد على أن التأويل الواسع لكلمة حياة الواردة بالفصل 39
الذي يسمح بجعل الدفاع عن العرض شرعيا هو الذي يتماشى مع مقصد المشرع و مع ما
أراده هذا األخير عند وضعه لنص هذا الفصل للمحافظة على مصلحة الفرد و المجتمع ،وذلك
بدون أن يكون هذا التأويل متعارضا مع مبدأ شرعية الجرائم و العقوبات نظرا لكون هذا المبدأ
ال يفرض التأويل الضيق لنصوص القانون الجزائي إال حماية للحريات الفردية و منعا للتعسف
27
المؤدي إلى التوسع في التجريم".
أما بالسبة للفصل 40من المجلة الجزائية نجد أن المشرع افترض أن يكون فعل الدفاع
عن طريق القتل أو الجرح أو الضرب لكن ذلك ال يعني أن فعل الدفاع في حالة الفصل 40من
المجلة الجزائية محضور إذا تم بطرق أخرى .
و يمكن لفعل الدفا ع أن يكون إيجابيا كما يمكن أن يكون سلبيا أي باإلمتناع مثال ذلك من
يحتمي بدرع تؤدي إلى تحطيم األداة المستعملة في الضرب أو من يمتنع عن ربط حيوانه الذي
هاجم المعتدي دفاعا عن نفسه .أما بالنسبة للوسائل التي تعمل تلقائيا كالفخاخ التي توضع لصد
القانون الجنائي العام فرج القصير مركز النشر الجامعي تونس 2006صفحة 6427
20
الدف اع الشرعي
مرتكبي عمليات النه ب و السرقة فيشترط أن يكون األذى الذي تحدثه داخال في حدود الدفاع
الشرعي و متناسبا مع الخطر .
و لعدم ورود صراحة شروط معينة في فعل الدفاع بالفصلين 39و 40من المجلة
الجزائية ضبط الفقه شرطين أ ساسيين ألزم توفرهما لكي يكتسي فعل الدفاع طابع المشروعية
و هما :
و ما نعنيه هنا بالضرورة هو حالة اإلضطرارية أي إضطرار المدافع للقيام بفعل الدفاع
موضوع الحكم و إستحالة دفع الضرر عن نفسه بغيرها من الوسائل .أما التعرض لمضايقات
ال يعني حتما حصول ضرر ،و التصدي إليها بالضرب أو بإستعمال الغاز المشل للحركة أو
الصاعق الكهربائي فإنه ال يبرر التمسك بالدفاع الشرعي .
و يطرح في هذا السياق إشكالين يتعلق األول بإمكانية لجوء المتعرض لإلعتداء إلى
السلطة العامة مع ذلك فضل الدفاع عن نفسه بنفسه فهنا ال يمكن للمدافع أن يستفيد من قرينة
الدفاع الشرعي ألن الفصل 39من المجلة الجزائية نص صراحة أنه " لم يمكنه النجاة منه
بوجه آخر " و يتعلق الثاني بإمكانية هروب المدافع من المعتدي فهل يحول ذلك دون إستفادته
من قرينة الدفاع الشرعي ؟
"القاعدة أن للمهدد بالخطر الصمود و مواجهة الهجوم بأفعال الدفاع المالئمة و لكن هناك
من ذلك مثال الرياضي البارع الذي يتعرض 28
حاالت يتعين على المهد بالخطر أن يهرب "
لهجوم من قبل شخص أعرج يحمل سالحا فيتصدى له و يشبعه ضربا مخافة أن يقال فر من
أعرج أو في حال مثال كان المهاجم مجنونا أو عاجزا كالسكران الذي ال يقدر على المشي جيدا
حتى أو الطفل الصغير و هذا ما إعتبرته محكمة التعقيب في قرارها التعقيبي الجزائي عدد
1525المؤرخ في 20أفريل 1977و الذي إعتبرت فيه أنه " إذا كان رد الفعل من قبل
28محاضرات األستاذة هدى طالب علي قانون جزائي عام سنة ثانية إجازة أساسية قانون خاص كلية الحقوق و العلوم السياسية بسوسة السنة
الجامعية 2014 - 2013
21
الدف اع الشرعي
المتعرض لإلعتداء بالقتل مبالغا فيه و كان بإمكانه تفاديه بوسيلة أخرى كالفرار أو بعنف أقل
إال أنه ينبغي لفت اإلنتباه إلى أنه بإستثناء الحاالت المذكورة 29
ال يعتبر بحالة دفاع شرعي "
أعاله كالمجنون و السكران و الطفل و األعرج فإنه إن كان المعتدي شخصا مدركا و بكامل
قواه البدنية ومتسلطا فإنه حتى و إن أمكن الفرار منه " فإن الدفاع يبقى حق و واجب يجعل
الفعل مباحا ومبررا لكونه من قبل الدفاع الشرعي ،و لكن بشرط عدم اإلفراط في رد الفعل
30
ألن الدفاع الضروري ال يكون شرعيا إال إذا كان متناسبا"
ال يكفي توفر شرط ضرورة الدفاع إلعتبار الدفاع شرعيا بل يجب كذلك توفر شرط
التناسب بين فعل الدفاع و جسامة الخطر لكن تعترضنا هنا صعوبة تكمن في تحديد معيار لهذا
التناسب فاإلقرار بوجود تناسب من عدمه يحتاج إلى دقة بالغة نظرا لتنوع اإلعتبارات
والظروف التي تحيط بكل قضية لذلك يخضع إثبات تناسب فعل الدفاع مع جسامة الخطر
المهدد إلى السلطة التقديرية المطلقة للقاضي الذي يعتمد في ذلك حجم الخطر و درجة عنفه ثم
المقارنة و اإلستنتاج فإذا تجاوز الدفاع جسامة الخطر إنتفت صفة الدفاع الشرعي و ما يمكن
إعتباره في هذه الحالة هو إسعاف المتهم بظروف التخفيف إلعتقاده بأنه كان في حالة دفاع
شرعي و هذا ما أكده فقه القضاء حيث رأى أن " الدفاع على معنى الفصل 39من المجلة
31
الجزائية ال يكون شرعيا إال إذا تناسب مع نوع و جسامة الخطر الذي يهدد المعتدى عليه "
و لتوفر التناسب يجب أن يتوفر توازن بين الوسائل المستعملة أو الضرر الحاصل و خطر
الهجوم .
لكن يستوي كذلك عدم تماثل الوسيلة المستعملة في الدفاع مع الضرر الحاصل و يكون
الضرر أحيانا أشد و اخطر بكثير من ذلك و يعتبر ذلك دفاعا شرعيا في حالت معينة تقرها
السلطة التقديرية للقاضي مثال لو تسلط إعتداء على المدافع من قبل شخصان و إلتقط هذا األخير
قرار تعقيبي جزائي عدد 1525مؤرخ في 20افريل 1977نشرية محكمة التعقيب القسم الجزائي سنة 1977صفحة 19429
صفحة30 القانون الجنائي العام فرج القصير مركز النشر الجامعي تونس 2006
31تبين المحكمة الجنائية بتونس في حكمها المؤرخ في 10جوان 1995أنه " يجب ان تكون الطريقة المستعملة لرد الصائل متناسبة مع نوع
التعدي و جسامته (م ق ت 1995عدد 6ص 154أنظر كذلك ت ج عدد 1525مؤرخ في 20أفريل .1977
22
الدف اع الشرعي
قضيبا معدنيا و لوح به في الهواء إلخافتهما فأصاب أحدهما فقتله عد ذلك دفاعا شرعيا و أعتبر
ما قام به المدافع متناسب مع فعل اإلعتداء.
و يطرح إشكال آخر على الصعيد العملي فالشخص الذي يتعرض إلعتداء سيحاول
التصدي إلى الهجوم الواقع عليه و الذي يعرضه لخطر حتمي بأي وسيلة كانت و لن يتمحص
فيما إذا كانت وسيلته في التصدي ستسبب خطر للمهاجم ال يتناسب و فعل الهجوم لذلك أوكل
المشرع مهمة تقدير التناسب إلى قضاة الموضوع و يبقى البحث عن شرط التناسب أسهل فيما
يخص حاالت الهجوم الواقعة باأليادي المجردة فإلتقاط سكين أو إستعمال سالح ناري ضد
مهاجم أعزل ذي بنية جسدية متقاربة و بنية الشخص الذي وقع عليه الهجوم يبين جليا إنتفاء
التناسب بين جسامة الخطر و فعل الدفاع .
و من الصور التي لم يتعرض لها فقه القضاء التونسي سوء تقدير الهجوم فهل يعتبر
دفاعا شرعيا فع ل األب الذي يشاهد شخصا بصدد إطالق النار على إبنه فيقوم األب بقتله
ويتبين في األخير أن األمر ال يعدوا أن يكون مزاحا ؟
إعتبرت محكمة التعقيب ذلك دفاعا شرعيا في قرارها الصادر بتاريخ 5جوان 1984
32
حيث قامت بتقدير الواقعة تقديرا شخصيا .
كذلك ينبغي لنا التطرق إلى صورة وضع نوع من القنابل و المفرقعات و الكمائن في
حدود الممتلكات لتنفجر تلك القنابل عند دخول أجنبي و قد تعرض فقه القضاء الفرنسي إلى
هذه الوضعية في قضية شهيرة و قد "إعتبرت محكمة التعقيب أن الهجوم في هذه الحالة غير
مضبوط و مبين حتى يتسنى درءه بطريقة معينة و لزوم تناسب الهجوم مع الدفاع ضروري
33
حتى ال يكون الدفاع ذريعة إلرتكاب الجرائم ألتفه األسباب.
32 القانون الجزائي التونسي القسم العام مصطفى بن جعفر الطبعة األولى :اإليداع القانوني أكتوبر 2009صفحة 241
حق الدفاع الشرعي بقلم األستاذ فوزي بلعيد المحامي مجلة القضاء و التشريع ماي 1976صفحة 3433
23
الدف اع الشرعي
" مأموري الضبط هم طائفة من الموظفين العموميين المنوط بهم إستخدام القوة الجبرية
35
لتنفيذ األوامر و القوانين "
و مأموري الضبط حسب القانون التونسي هم رجال الضابطة العدلية و رجال الضابطة
اإلدارية و يدخل في هذا الصنف كل من رجال الشرطة و رجال الحرس الوطني و رجال
الجيش الوطني و أعوان الديوانة الوطنية و أعوان السجون و اإلصالح و حكام التحقيق ووكالء
الجمهورية و مساعديهم و كل موظف يضفي عليه القانون صفة الضبطية.
و قد ورد بالفصل 10مجلة اإلجراءات الجزائية " يباشر وظائف الضابطة العدلية
تحت إشراف الوكيل العام للجمهورية و المدعين العموميين لدى محاكم اإلستئناف ،كل في
حدود منطقته ،من سيأتي ذكرهم :
القانون الجنائي العام فرج القصير مركز النشر الجامعي تونس 2006صفحة 6834
35الدفاع الشرعي في ضوء القضاء و الفقه _ عبد الحميد الشورابي دار المطبوعات الجامعية أمام كلية الحقوق -إسكندرية ،مطبعة أطلس -القاهرة
1986صفحة 92
24
الدف اع الشرعي
)2حكام النواحي
)5مشائخ التراب
) 6أعوان اإلدارات الذين منحوا بمقتضى قوانين خاصة السلطة الالزمة للبحث عن
بعض الجرائم أو تحرير التقارير فيها
و ورد بالفصل 16من المجلة العسكرية " يمارس وظائف الظابطة العدلية العسكرية :
)2الضباط الذين يعينهم لهذه الغاية رئيس أركان الجيش العامة أو من يقوم مقامه أو قائد
الدرك العام و ضباط صف الشرطة الجيش و الدرك
و يدخل كذلك أعوان اإلدارات ضمن مأموري الضابطة العدلية إذ " نص المشرع بعدة
نصوص خاصة على أن أعوان اإلدارة لهم صفة الضابطة العدلية في حدود الجرائم الخاصة
باإلدارة المعنية ،و كذلك الصورة بالنسبة إلى أعوان إدارة القمارق و أعوان إدارة الجباية و
أعوان البنك المركزي و مراقبي التأمين و أعوان إدارة اإلقتصاد في تنظيم التجارة و حماية
المستهلك و أعوان إدارة الفالحة في حماية الغابات و األراضي الفالحية و النباتات و الصيد
البحري و أعوان إدارة تكنولوجيا اإلتصاالت في تنظيم اإلتصاالت و التجارة اإللكترونية
25
الدف اع الشرعي
وحماية المعطيات الشخصية و أعوان إدارة الشؤون إلجتماعية في تنظيم عالقة الشغل
والضمان اإلجتماعي و التعويض عن األضرار الناتجة عن حوادث الشغل و األمراض المهنية
و أعوان إدارة النقل في تنظيم النقل البري و الجوي و البحري و أعوان إدارة البيئة وأعوان
إدارة التجهيز في حماية التهيئة العمرانية و أعوان إدارة الثقافة في حماية التراث األثري و
التاريخي و حماية الملكية األدبية و تنظيم قطاع الفيديو و أعوان إدارة السياحة في تنظيم
36
السياحة و أعولن إدارة الصحة في تنظيم قطاع الصحة ".
أما بالنسبة لمأموري الضبط اإلداري فيضم أوال محافظي الشرطة و ضباطها و رؤساء
مركزهم و ضباط الحرس الوطني و ضباط صفه و رؤساء مراكزهم
و يضم كذلك أعوان الديوانة الذين حددهم القانون األساسي الخاص بهم و هم :المتفقد
المساعد و مالزم الديوانة و رئيس مكتب الديوانة و رئيس فرقة .
و يدخل كذلك في مأموري الضبط اإلداري أعوان السجون و اإلصالح الذين ينص عليهم
القانون .
األصل في األمر عدم جواز إعتماد الدفاع الشرعي ضد مأموري الضبط إذ أنهم يباشرون
مهامهم المنوطة بعهدتهم بمقتضى نص قانوني أو إذن من السلطة مما يضفي على أفعالهم صفة
المشروعية إذ ورد بالفصل 42من المجلة الجزائية " ال عقاب على من إرتكب فعال بمقتضى
دروس في اإلجراءات الجزائية د.علي كحلون مجمع األطرش للكتاب المختص الطبعة األولى تونس 2009صفحة14936 -148-197
26
الدف اع الشرعي
نص قانوني أو إذن من السلطة التي لها النظر" و هذا ما يحيلنا في األصل إلى واجب اإلنصياع
و الطاعة ممن وقع عليه الفعل حتى و إن تجاوز هذا الموظف حدود وظيفته شرط أن يكون
حسن النية أي معتقدا في مشروعية فعله سواء إنبنى حسن النية على أسباب معقولة أم ال .
يكون تجاوز حدود الوظيفة من قبل مأموري الضبط في حالتين و هي إما إعتقاد مأموري
الضبط أن الفعل الذي يقوم به من إختصاصه ،او أن يقوم بتنفيذ أمر رئيس إعتقد أنه مطابق
للقانون .
بالنسبة للحالة األولى فتكون حين يعتقد مأمور الضبط أنه يقوم بفعل من إختصاصه بينما
يخرج إختصاصه عن ذ لك و يكون خروجه وليد عدم الدقة في معرفة حدوده كأن يأمر عضو
النيابة بالقبض على شخص في جريمة ال يجيز القانون القبض فيها ،لكن ال يمكن أن تعتبر
الحالة تجاوز حدود وظيفي إذا كان عمل الموظف من نوع آخر كأن يأمر عضو النيابة بتوقيع
عقاب ففي هذه الحالة إستبدل الموظف إختصاصه و ال يمكنه القول بأنه تجاوز حدود مهامه .
أما بالنسبة للحالة الثانية التي يقوم فيها مأموري الضبط بتنفيذ أمر رئيس إعتقد أنه مطابق
للقانون و تكون هذه الوضعية إذا صدر األمر من رئيس له سلطة توجيه األوامر لكن يكون
األمر المقضي به غير مطابق للقانون أو يتجاوزه و ظن الموظف أن هذا األمر قانوني و يجب
عليه تنفيذه من ذلك مثال أن يقوم مأمور الضبط بالقبض على أحدهم بناء على أمر باطل ،ففي
هاتين الحالتين الواردتين أعاله و رغم تجاوز مأموري الضبط حدود وظائفهم إال أنه ال يجوز
الدفاع الشرعي ضدهم من قبل الخ اضع لألمر حتى بعلمه أن ما يقوم به مأمور الضبط فيه
تجاوز لحدود مهامهم و في حال قام المعني باألمر بالدفاع ضدهم ال يمكنه أن يحتج بقرينة
الدفاع الشرعي.
27
الدف اع الشرعي
و يقصد بحسن النية في هذا السياق " أن يكون مأمور الضبط معتقدا مشروعية عمله و
37
أنه داخل نطاق إختصاص وظيفته "
كالقبض على شخص ظن خطأ أنه المجرم أو تفتيش المنزل الخطأ لتشابه في البيانات
بينه و بين المنزل الوارد صلب أمر التفتيش ،فال يجوز كذلك في هذه الحالة الدفاع ضد
مأموري الضبط و أي فعل صادر من صاحب المنزل الذي وقع تفتيشه أو من الشخص الذي
تم القبض عليه خطأ ال يدخل في الدفاع الشرعي .
إستثناء للمبدأ الذي يحجر مقاومة مأموري الضبط و يخرج ذلك من حدود الدفاع الشرعي
،تكتسي مقاومة مأموري الضبط صفة الدفاع الشرعي و يجوز الدفاع ضدهم وعدم اإلنصياع
ألوامرهم في حاالت خاصة كاآلتي :
و يكون ذلك في حال تجاوز مأمور الضبط حدود وظيفته عن سوء نية و يمكن إدراك
سوء نية مأمور الضبط من خالل الوقائع المحيطة بالفعل أو التدابير المتخذة .
مثال ذلك البض على شخص و دفعه لتحقيق مصالح شخصية أو القيام بتعذيب المتهم
ففي هذه الحالة يخرج عمل مأمور الضبط عن نطاق المشروعي و يظهر جليا سوء نية مأمور
الضبط و يمكن للمدافع القيام بالدفاع ضده و يعتبر دفاعه شرعيا .
يجوز القيام بالدفاع ضد مأموري الضبط و يعتبر ذلك دفاعا شرعيا إذا خرج مأمور
الضبط عن حدود وظيفته خروجا جليا بإستبدال إختصاصه بإختصاص آخر مختلف ينتفي معه
37الدفاع الشرعي في ضوء القضاء و الفقه _ عبد الحميد الشورابي دار المطبوعات الجامعية أمام كلية الحقوق -إسكندرية ،مطبعة أطلس -القاهرة
1986صفحة 94
28
الدف اع الشرعي
إحتمال الشبهة أو الغلط على عكس حالة الحظر التي تقتضي تجاوز يسير منبني على عدم
الدقة في معرفة حدود عمله .
يبيح المشرع الدفاع الشرعي و يستثني من حاالت المنع الواردة ضد مأموري الضبط
الحاالت التي ينشأ عنها خوف من موت أو جراح بليغة قد تنتج عن فعل مأموري الضبط فإذا
كانت أعمالهم يمكن أن ينشأ عنها موت أو جروح بالغة إعتبر الدفاع دهم دفاعا شرعيا .
و يمكن تعريف الجراح البالغة بكونها " هي التي يمكن أن تؤدي إلى الوفاة أو التي تخلف
38
عاهة مستديمة أو عجز خطير " .
وال يمكن للقانون أن يلزم األفراد بتحمل إعتداء قد ينتج عنه موت أو جرح جروح بليغة
من أجل طاعة مأموري الضبط طاعة عمياء ال خروج عنها حتى و إن بني الفعل في بدايته
على أسس قان ونية و أمر شرعي من السلطة فإن هذا األمر حتما سيتحول ليكتسي طابع
الالمشروعية إذا بلغ درجة من الخطورة قد تخلف أضرارا فادحة أو مستدامة بالخاضع لألمر
قد يخشى منه موت أو جراح بالغة .
من الحتمي أن القانون يحثنا على طاعة و اإللتزام بأمر السلطة لكن إذا كان هذا اإللتزام
ستنجر عنه نتائج يخشى منها خول المشرع حق الدفاع الشرعي ليس لعقاب الفاعل بل لتجنب
نتائج يخشى في حال تحققها عدم القدرة على إصالح الضرر بعد حصوله.
كذلك ينبغي اإلشارة إلى أنه ال يشترط لقيام فعل الدفاع في هذه الحالة أن يكون الضرر
قد بدأ حقا ليدافع المعتدى عليه خشية تواصل اإلعتداء و لمنع تفاقم الضرر ،بل يكفي لقيام حالة
الدفاع الشرعي أن ينشأ تخوف من ذلك شرط أن يكون هذا التخوف مبني على أسباب معقولة
و هو ما يوكل في تقديره إلى السلطة التقديرية لقضاة الموضوع .
38الدفاع الشرعي في ضوء القضاء و الفقه _ عبد الحميد الشورابي دار المطبوعات الجامعية أمام كلية الحقوق -إسكندرية ،مطبعة أطلس -القاهرة
1986صفحة 95
29
الدف اع الشرعي
لق د حدد المشرع صلب الفصلين المذكورين أعاله الحاالت التي يجوز فيها الدفاع بالقتل
على سبيل الحصر:
لقد ورد بالفصل 39من المجلة الجزائية أنه " ال جريمة على من دفع صائال عرض
حياته أو حياة أحد أقاربه لخطر حتمي و لم تمكنه النجاة منه بوجه آخر ".
إن الحاالت التي ال تعرض حياة المعتدى عليه إلى خطر الموت أو الجراح البليغة ،بمعنى
لو تسلط إعتداء ال يدخل ضمن األحوال المذكورة التي أباح فيها المشرع الدفاع أي أن تكون
الجريمة المسلطة على المعتدى عليه ال تدخل ضمن الجرائم التي أباح المشرع الدفاع ضدها
بالقتل أعتبر المدافع متجاوزا لحدود الدفاع الشرعي حتى لو كان القتل الوسيلة الوحيدة لدرء
اإلعتداء مثال ذلك اإلعتداء باللكم بنية الضرب دون نية القتل أو تخليف جراح بليغة أو تسليط
إعتداء على المعتدى عليه الذي ينوي سرقة شيء أو نية كسر يد المعتدي للحيلولة دون اإلعتداء
عليه بالضرب قصد تنفيذ أمر معين ال يتخوف منه على حياة المعتدى عليه أو أحد أقاربه
المذكورين ضمن قائمة الفصل ، 39ال يجوز فيها دفع صولة الصائل بالقتل حتى لو كان القتل
الوسيلة الوحيدة لدفع هذا اإلعتداء .
مثال ذلك دخل لص نهارا إلى ب يت فتعرض له المالك فإنهال عليه اللص بهراوة قصد
كسر ساقه فقام المالك بإطالق النار على اللص فقتله يعتبر ذلك تجاوزا لحد الدفاع الشرعي.
30
الدف اع الشرعي
بإستثناء هذه الحاالت أعتبر فعل الدفاع دفاعا شرعيا إذا كانت صولة الصائل تتمثل في
فعل يتخوف منه موت أو جراح بليغة .و قد سبق أن عرفنا الجراح البليغة بكونها " هي التي
39
يمكن أن تؤدي إلى الوفاة أو إلى تخلف عاهة مستديمة أو عجز خطير"
إستنادا إلى ذلك فإن الخطر الذي عبر عنه المشرع بصولة صائل الذي يعرض حياة
المعتدى عليه أو أحد أقاربه المذكورين لخطر حتمي جاز الدفاع ضده بالقتل و ينسحب نفس
احكم إذا كانت صولة الصائل تهدد بإحداث جراح بليغة التي نزلها الفقهاء منزلة القتل لخطورة
الفعل الذي يهدد بجراح بليغة إذ أنها من الممكن أن تخلف الموت أو عاهة مستدامة أو عجز
خطير.
و يمكن تقدير ما إذا كان الخطر يهدد بفعل من األفعال المذكورة أعاله المتمثلة في الموت
أو جراح بليغة ،أم ال باإلعتماد على ظروف و مالبسات اإلعتداء و تخضع حتما إلى السلطة
التقديرية لقضاة الموضوع .
كذلك الشأن بالنسبة للمعتدى عليه الذي بإمكانه تقدير نوع الخطر و ما إذا كان من قبيل
التهديد بالموت أو جراح بليغة أم أنه ال يصل ذلك الحد ،حسب الظروف المحيطة بالواقعة
ومالبساتها.
صحيح أن المشرع أباح في هاذين الحالتين أي حالة التهديد بالموت أو بجراح بليغة ،
الدفاع ضد المعتدي بقتله إال أن ذلك ال يجب أن يخرج عن شرط التناسب أي أ،ه " ال يعني أن
الدفاع الشرعي بالقتل جائز دون قيود كلما توفرت إحدى هاتين الحالتين بل البد من توافر
التناسب العام بادئ األمر بأن تكون الجريمة التي سيلجأ إليها متناسبة مع اإلعتداء الذي تعرض
له أي يجب أن يثبت أن القتل كان الوسيلة الوحيدة للمدافع لرد اإلعتداء في الظروف التي مر
40
بها "
39الدفاع الشرعي في ضوء القضاء و الفقه _ عبد الحميد الشورابي دار المطبوعات الجامعية أمام كلية الحقوق -إسكندرية ،مطبعة أطلس -القاهرة
1986صفحة 95
40الموسوعة الجنائية الحديثة الكتاب األول القصد الجنائي و المساهمة و المسؤولية الجنائية و الشروع و الدفاع الشرعي و عالقة السببية أحمد أبو
الروس المكتب الجامعي الحديث األزاريطة اإلسكندرية صفحة 137-136
31
الدف اع الشرعي
كذلك و حسب شروط الفصل 39من المجلة الجزائية إلباحة القتل في هذه الحاالت
واإلستفادة من قرينة الدفاع الشرعي يجب أن يثبت المعتدى عليه أنه لم تمكنه النجاة منه بوجه
آخر من ذلك مثال كان بإمكان المعتدى عليه اإلستنجاد بالسلطة العامة إال أنه فضل الدفاع بنفسه
و قام بقتل المعتدي فإن وجدت هذه الوضعية و حتى بتوفر كل الظروف السابقة ال يمكن
للمعتدى عليه أن يستفيد من قرينة إباحة الدفاع بالقتل في الدفاع الشرعي و يعتبر خارجا عن
حدود الدفاع الشرعي .
يعتبر الفصل 40من المجلة الجزائية في القانون التونسي حالة خاصة للدفاع الشرعي
ال تخضع للشروط العامة الواردة بالفصل 39من المجلة الجزائية .
أوال :إذا كان القتل أو الجرح أو الضرب واقعا ليال لدفع تسور أو خلع مسيجات أو ثقب
جدران أو مدخل مسكن أو محالت تابعة له .
ثانيا :إذا كان الفعل واقع لمقاومة مرتكبي سرقة أو سلب بالقوة ".
فأباح المشرع الدفاع بالقتل في هذه الحالة التي تعتبر خاصة مثله مثل الدفاع ضد فعل
يهدد بالجرح أو بالضرب و لم يشترط المشرع إثبات لزوم أحد هذه األفعال دون سواه أي لم
يشترط إثبات التناسب بين فعل الدفاع القائم و جسامة الخطر المهدد مثال ذلك لو تسلق أحدهم
جدار منزل ليال يمكن لصاحب المنزل أن يدافع عن نفسه بإطالق النار و قتل المشبوه فيه
ويكون منتفعا بقرينة الدفاع الشرعي و ال يسأل عن فعله و لو كان بإمكانه الدفاع بطريقة أخف
كفعل الجرح أو الضرب .
و قد أباح المشرع بمقتضى هذا الفصل فعل الدفاع بالقتل مثله مثل الحالتين اإلستثنائيتين
للفصل 39من القاعدة العامة للدفاع الشرعي التي تمنع الدفاع بالقتل .
32
الدف اع الشرعي
و نتطبق هذه اإلباحة في صورتين إثنين و هما الصورتين الواردتين حصرا بالفصل 40
من المجلة الجزائية :
أ -الصورة األولى :الحاالت التي يقع فيها التصدي إلى اإلعتداء الواقع ليال على البيوت
المسكونة و توابعها .
و هنا إبتداء علينا توضيح مفهوم المسكن أو المحل المسكون حسب التشريع التونسي
وهو الذي عرفه المشرع التونسي صلب الفصل 267من المجلة الجزائية بأنه " كل بناء أو
مركب أو خيمة أو مكان مسيج معد للسكنى "...
و قد ألحق المشرع صلب الفصل 40من المجلة الجزائية بالمسكن المحالت التابعة له و
المسيجات و أنزلها نفس المنزلة من جواز الدفاع عنها بالقتل على إعتبار و كأنها مسكن .
و تتمثل حسب الفصل 268من المجلة الجزائية المحالت التابعة للمسكن في "الصحون
و محالت تربية الطيور و اإلصطبالت و المباني المالصقة ألحد المحالت المبينة بالفصل
المتقدم و لو كان لها سياج خصوصي فالسياج العام للمحل أو بحرمه العام تعتبر من المحالت
المسكونة "
و تعتبر مسيجات حسب الفصل 269من المجلة الجزائية كل " معاطن أو مرابض أو
أماكن مسيجة كل أر ض محوطة بخفير أو مواثيق أو بمشبك من القصب أو غيره أو بألواح أو
بتخوم من نبات حي أ و يابس أو بحائط كيفما كانت مواد تركيبه و كيفما كان ارتفاع وعمق و
حالة قدم أو تهدم تلك األنواع من المسيجات و لو لم تكن لها أبواب تغلق بمفاتيح أو بغيرها أو
كانت األبواب ذات فرج أو مفتوحة عادة .
و المعاطن أ و المرابض غير القارة المعدة لوضع الحيوانات باألراضي بأي كيفية كان
صنعها تعبر أيضا مسيجات ".
و يبدوا ان المشرع قد إعتمد مفهوما واسعا للمسكن و ملحاقته سعيا منه لحماية حرمة
المسكن و حرمة ممتلكات األفراد إذ عادة ما يضع الشخص ممتلكاته في تلك األماكن.
33
الدف اع الشرعي
و قد إشترط المشرع في هذه الصورة أن يكون اإلعتداء ليال كشرط أساسي حتى يعتبر
فعل الدفاع من قبيل الدفاع الشرعي لكن لم تقدم المجلة الجزائية تعريفا لليل و بالرجوع إلى
مجلة المرافعات المدنية و التجارية نجد أن المشرع أورد صلبها تعريف لليل يتمثل في تعريف
فلكي ينحصر في الحيز الزمني من اليوم الفاصل بين غروب الشمس و شروقها لكن هذا
التعريف ال يتماشى مع التعريف المفترض في المادة الجزائية إذ أن ظرفية الليل في المادة
الجزائية يعتبر ظرفا خاصا و مسموحا فيه بقتل من يعتدي على مساكن الغير وأمالكهم لما
تعنيه هذه الفترة من ظالم و هدوء و سكينة حيث يكون أغلب الناس في تلك الفترة قد إلتحقوا
بمنازلهم يلتمسون فيها راحتهم و يقضونه عادة في النوم ،فدخول اللص المسكن ليال يجعله
يستتر بعنصر الظالم و يكون في مأمن من مشاهدة المارة و يصعب على الضحية اإلستنجاد
بغيره لصد إعتداء السارق .
و إستنادا إلى ذلك ال يمكن إعتماد تعريف الليل الوارد صلب مجلة المرافعات المدنية و
التجارية و يبقى تقدير ما إذا كانت وقائع القضية تعتبر وقت في الليل أو نفيها موكال للسلطة
التقديرية لقاضي الموضوع و إستنادا إلى ذلك إذا كان اإلعتداء المسلط الذي وقع ضده الدفاع
واقعا في النهار أو أعتبر واقعا في النهار تنتفي شروط الفقرة األولى من الفصل 40من المجلة
الجزائية و أعتبر فعل القتل عن نطاق الدفاع الشرعي و عن إباحة الدفاع بالقتل .
و من الوجيه هنا طرح تساؤل حول ما إذا تسلطت ذات األفعال على مسكن جبلي أو
ريفي معزول عن العمران فالظروف هنا تتشابه و األكيد أن إباحة المشرع لفعل القتل على
معنى هذا الفصل مبني على الظرف الذي يحيط بساكن المنزل ليال و هو العزلة و صعوبة
إستنجاده بالناس و هو ذات ظرف المسكن المعزول و لو وقع اإلعتداء عليه نهار ،فهل بإمكان
من وض ع في هذا الظرف أن يستفيد من قرينة الدفاع الشرعي على معنى الفصل 40من المجلة
الجزائية .
34
الدف اع الشرعي
"هذه الحالة في إعتقادي تبقى خاضعة لتقدير قضاة األصل الذين بإمكانهم إعتبار مثل
41
هذه الحالة من حاالت التبرير الواردة ضمن الفصل 40من المجلة الجزائية ".
حتى تتوفر أسباب إباحة فعل الدفاع بالقتل و ينتفع المدافع بقرينة الدفاع الشرعي يجب
أن يكون المدافع كذلك يجهل نية الداخل عن طريق التسور أو الخلع إذ أن الحكمة من إباحة
القتل العمد في هذه الحالة " هي خطورة الفعل من حيث جسامة األضرار التي يمكن أن تنشأ
42
عنها و ال شك أن هذه الحكمة تنتفي حينما يتحدد الغرض من الدخول و يعلم به المدافع ".
فإن علم المدافع نية الداخل عليه أن يقدر دفاعه حسب نية هذا الداخل فإن كان صاحب
المنزل يعلم أن الداخل ال ينوي جريمة و مع ذلك قام بقتله مثال ذلك من قام بقتل متسلق
المسي جات ليال الذي لم يكن ينوي القيام بإعتداء إنما قام بذلك لكونه على موعد مع إبنة صاحب
المنزل و قام هذا األخير بقتله عقابا له.
فالمشرع أعفى بمقتضى الفقرة األ ولى من هذا الفصل المدافع من إثبات أركان الدفاع
الشرعي و إكتفى بتحديد األفعال التي تبرر هذه الحالة و زمان وقوعها لكن تبقى هذه القرينة
غير مطلقة إذ بإمكان النيابة دحضها بإثبات عكسها كما ذكرنا في وضعية متسلق المسيجات
من أجل موعد .
ب -الصورة الثانية :الحاالت التي يقع فيها التصدي لمرتكبي سرقة أو سلب األموال
بالقوة
41المجلة الجزائية معلق عليها تعليق األستاذ عبادة الكافي مطابع سنابكت - 2014الطبعة الثانية تونس 2016صفحة 111
الدفاع الشرعي في ضوء القضاء و الفقه _ عبد الحميد الشورابي دار المطبوعات الجامعية أمام كلية الحقوق -إسكندرية ،مطبعة أطلس -القاهرة
1986 42صفحة 99
35
الدف اع الشرعي
و يشترط إلباحة فعل القتل في هذه الصورة شرطين إثنين يتمثالن في :
و لم يشترط المشرع في هذه الصورة زمانا معينا ليكتسي فعل الدفاع بالقتل طابع اإلباحة
على عكس الصورة األولى التي إشترط فيها المشرع قيام فعل الدفاع بالقتل ليال .
و لكن ظهرت في اآلونة األخيرة أصوات ناقدة للفقرة الثانية من الفصل 40من المجلة
الجزائية حيث إرتئ الناقدون أن هذا النص خارج إطاره التاريخي فبالعودة للظروف التاريخية
لسن هذا النص ندرك أن الفصل 40المذكور هو ترجمة حرفية للفصل 320قديم من المجلة
الجنائية الفرنسية التي وضعت سنة 1810لتفهمنا غرض المشرع الفرنسي من وضع الفقرة
الثانية من الفصل 320الذي كان يرمي من وراءها إلى التصدي إلى قطاع الطرق « les
» brigandsو التي كانت جرائمهم سائدة في ذلك العصر و قد إستعمل المشرع الفرنسي
كلمة » « pillageأي ما معناه السلب لوصف أفعالهم ،و استعملت نفس الكلمة " السلب "
في الفقرة األخيرة من الفصل 40من المجلة الجزائية التونسية. 43
فهذا النص إذا سن في ظروف و حالة إجتماعية مغايرة للحالة اإلجتماعية و األمنية
السائدة اليوم في تونس مما يخرج هذا النص عن إطاره التاريخي و يجعله مصدر قلق وحيرة
للقاضي الجزائي الذي يضطر أحيانا بمقتضاه إلى إعفاء من تولى قتل من حاولوا سرقة هاتفه
الجوال بإستعمال القوة من المسؤولية الجزائية .
و ترى هذه النظرية النقدية أن إباحة مثل هذه التصرفات سيفتح الباب أمام كل أنواع
التجاوزات لكن عموما إتجهت المحاكم في مثل هذه المواقف إلى عدم إعتبار حالة التبرير إال
نادرا مما يجعل هذا النص من أقل النصوص تطبيقا في المجلة الجزائية .
المجلة الجزائية معلق عليها تعليق األستاذ عبادة الكافي مطابع سنابكت - 2014الطبعة الثانية تونس 2016صفحة 117 43
36
الدف اع الشرعي
37
الدف اع الشرعي
38
الدف اع الشرعي
يعتبر الدفاع الشرعي إستعمال القوة الالزمة لرد اإلعتداء أو الصائل في حال حلول خطر
و يوكل تقدير قيام حالة الدفاع الشرعي من إنتفاءه إلى محكمة الموضوع .
و يكون ذلك حسب وقائع و مالبسات الحادثة و " يجب لقيام حالة الدفاع الشرعي أن
يكون تقدير المتهم لفعل اإلعتداء الذي إستوجب عنده الدفاع مبنيا على أسباب معقولة من شأنها
أن تبرر ما وقع منه ،و من حق المحكمة أن تراقب هذا التقدير لترى ما إذا كان مقبوال سوغه
44
البداهة بالنظر إلى ظروف الحادث و عناصره المختلفة "
كما تقوم محكمة الموضوع بعد إستخالص الوقائع بإستخالص الصورة الصحيحة
للواقعة و إعتمادا على تلك الصورة تقوم بتقدير وجود حالة الدفاع الشرعي من إنتفاءها ،إذ
تقوم المحكمة بعد جمعها األدلة و العناصر المطروحة أمامها بإستخالص الصورة الصحيحة
للواقعة حسب ما يؤدي إليه إقتناعها و لها أن تقوم بطرح ما يخالف إقتناعها من الصور األخرى
دراسة علمية في أسباب اإلباحة و موانع العقاب ممدوح عزمي 2000دار الفكر الجامعي 30شارع سوتير -األزاريطة صفحة 15744
39
الدف اع الشرعي
التي أفضى ت قديرها إلى عدم صحتها و ذلك باإلستناد إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق و لها
إثباتات موجودة في األوراق .
و تقوم المحكمة في هذا اإلطار بتقدير القوة الالزمة لرد اإلعتداء و ما إذا كانت هذه
القوة تدخل في حدود الدفاع الشرعي أم تتجاوزه ،إال أنها إذا أثبتت في حكمها ما يؤكد أن
المدافع لم يتجاوز حدود الدفاع الشرعي ثم إستخلصت نتيجة تخالف ما أثبتته أي نتيجة تقر
بتجاوز المتهم لحدود الدفاع الشرعي فعندئذ و في خضم هذا التناقض بين األدلة و تطبيق
لقانون و بين الحقيقة و الحكم يمكن لمحكمة القانون أن تتدخل لتصحح هذا اإلستخالص بما
يتطابق مع األدلة المثبة و حقيقة الحادثة و تحكم بما يقتضيه المنطق و القانون.
و يجب كذلك في إطار تقدير قيام حالة الدفاع الشرعي من قبل المحكمة أن يقع األخذ
بعين اإلعتبار الحالة النفسية للمتهم وقت إرتكاب الجريمة و كذلك األخذ بالظروف
والمالبسات المحيطة به ،فحكم المحكمة يجب أن يتجه وجهة شخصية يراعي فيها مختلف
الظروف الدقيقة التي أحاطت بالمدافع وقت رد العدوان إذ من غير الصواب أن تتم محاسبته
على إعتبار أنه كان شخص ذو تفكير هادئ عند القيام بفعل الدفاع و إرتكاب الجريمة و ال
يستوي أن يقع الحكم مستقال و بعيدا عن جميع المالبسات التي أحاطت به وقت الحادثة ،
فالحالة النفسية التي تخالج ذات الشخص الذي يفاجأ باإلعتداء و تجعله في ظروف حرجة دقيقة
تتطلب منه معالجة الموقف بسرعة و على الفور للتمكن من الخروج من المأزق وتفادي الخطر
الذي يهدده ال يصح معها محاسبته على أساس التفكير الهادئ و المطمئن المتزن الذي من
الصعب أن يتمتع به شخص أحاطت به مثل هذه الظروف و المالبسات .
و هنا ينبغي علينا اإلشارة إلى أن الدفاع الشرعي لم يشرع لمعاقبة المعتدي إنما لرد
العدوان فمن كان رد فعله القائم ضد االمعتدي ال يعدوا كونه عقابا للمعتدي و تم إثبات ذلك
باألدلة و البراهين القاطعة كأن يقوم المعتدى عليه بقتل المعتدي بعد أن وقع اإلعتداء و إنتهى
منه أو قام بذلك بعد زوال حالة الخطر عد فعله خارجا عن الدفاعى الشرعي .
40
الدف اع الشرعي
تقول القاعدة بأنه من يتمسك بالدفاع الشرعي عليه أن يقيم الدليل على إدعاءه و يكون
ذلك بشتى الوسائل كاإلقرار أو شهادة الشهود أو إستخالص أدلة أو براهين .
ثار جدل حول من عليه أن يقوم بإثبات قيام الدفاع الشرعي و على عاتق من تقع هذه
المسؤولية فهل ذلك من مهام النيابة العمومية و يبقى المتهم في هذه الحالة متمتع بقرينة البراءة
حتى و إن لم يقم بإثبات براءته إلى أن تثبت النيابة عكس ذلك أم أن هذا األمر يقع على عاتق
المتهم الذي يعتبر مدانا إلى أن يثبت هو بنفسه عكس ذلك ؟
و قد أفضى هذا الجدل إلى ظهور عدة آراء يمكن تقسيمها إلى إتجاهين إثنين :
ذهب هذا اإلتجاه إلى أن عبء اإلثبات ال يقع على عاتق المتهم فقد ذهب رأي في هذا
اإلتجاه إلى أن عبء اإلثبات يقع على عاتق اإلدعاء العام بوصفه سلطة اإلتهام في الدعوى
الجنائية و أنه علي ه إثبات توافر الجريمة و أركانها و عدم مشروعية الفعل اإلجرامي الذي
إنجرت عنه الجريمة ،و المتهم في هذه الحالة يتمتع بقرينة البراءة و ال يتحمل عبء إثبات هذه
الجريمة أو نفيها و هناك من رأى أن هذا العبء الملقى على النيابة العامة في إثبات توفر
أركان الجريمة من ع دمها يقتصر فقط على الحاالت التي يتمتع فيها المتهم بتوافر حق الدفاع
الشرعي و على اإلدعاء العام أن يثبت إنتفاء هذا الحق و إال سلم بقيامه .
و ذهب رأي آخر في هذا اإلتجاه إلى أن هذا العبء ملقى على القاضي الذي يجب عليه
من تلقاء نفسه أن يتحرى عن توافر الدفاع الشرعي .
41
الدف اع الشرعي
و إستندت آراء هذا اإلتجاه إلى قرينة البراءة التي يتمتع بها المتهم ف" المتهم بريء حتى
تثبت إدانته" و بناء على ذلك على النيابة العامة إثبات عدم توفر أحد أسباب اإلباحة التي تؤدي
إلى نفي الجريمة .
" إال انه يؤخذ من هذه اآلراء أن منطقها يؤدي إلى القول بأن هناك قرينة تفيد بأن المتهم
كان في حالة دفاع شرعي و على اإلدعاء العام أو القاضي حسب األحوال نفي هذه القرينة و
45
إثبات عكسها و هذا أمر مغالى فيه ".
ذهب الرأي الغالب لدى الفقهاء إلى أن واجب اإلدعاء العام ينتهي عند حد إثبات الجريمة
بينما يقع على عاتق المتهم إثبات الوقائع التي تنفي وجود الجريمة بينما يقع على عاتق المتهم
إثبات الوقائع التي تنفي وجود الجريمة و ينسحب ذات األمر على الدفاع الشرعي .
و هذا التوجه هو التوجه الذي توخاه فقه القضاء الفرنسي الذي قضى بأنه على المتهم
إثبات توافر الشروط القانونية للدفاع الشرعي حيث رأت محكمة التعقيب الفرنسية أن عبء
إثبات أي سبب من أسباب اإلباحة يقع على عاتق المتهم .
تتمثل هذه الحاالت الممتازة في حالتي الفصل 40من المجلة الجزائية و الذي سبق وأن
ذكرن ا بانه حالة خاصة للدفاع الشرعي ال يخضع للشروط العامة للدفاع الشرعي الواردة
بالفصل 39من المجلة الجزائية.
و قد أورد المشرع في هذا الفصل على عكس الفصل 39قرينة قانونية على توافر شروط
الدفاع الشرعي مما يعفي المتهم من اإلثبات و يجعل المدافع يمتاز بمركز أقوى من موقع
المعتدي عليه .
42
الدف اع الشرعي
من الوجيه هنا طرح تساؤل حول نوع هذه القرينة هل هي قرينة مطلقة أم أنها قرينة
بسيطة تقبل دحضها بإثبات عكسها ؟
يبدوا من خالل عبارات النص أن القرينة التي أوردها المشرع صلب الفصل 40من
المجلة الجزائية هي قرينة قاطعة إذ يكفي أن يستعمل المدافع حقه في الدفاع الشرعي ضمن
األ حوال و الشروط المنصوص عليها بالفصل ليستفيد من قرينة الدفاع الشرعي و يتخلص من
كل مساءلة قانونية و يعفى من أي إثبات فالمشرع أعفى بمقتضى الفقرة األولى من هذا الفصل
المدافع من إثبات أركان الدفاع الشرعي و إكتفى بتحديد األفعال التي تبرر هذه الحالة و زمان
وقوعها فليس عليه أن يبين توفر شروط ذلك الفعل فيما يتعلق بشرطي التناسب واللزوم حيث
أصبح ذلك الفعل مباحا .
لكن القول بان هذه القرينة قرينة مطلقة يؤدي بالسلطات إلى عدم اإلستمرار في إجراءات
التحقيق و حفظ الملف نهائيا لعدم وجود جريمة أصال إنتفاء الركن الشرعي لها وبهذا يتخلص
من كل مساءلة ألن الفعل الذي قام به من األفعال المباحة و هذا األمر الذي ال يمكن قبوله
منطقيا و ال من الناحية القانونية ألن فعل اإلعتداء بالقتل ليس من الجرائم البسيطة كما يمكن
أن يتخذ البعض هذه القرينة إن تم إعتبارها قاطعة كمطية للقيام بجرائمهم و كغطاء لطمس
نيتهم المبيتة و عزمهم على القتل و إفالتهم من العقاب حتى مع علمهم بإنعدام خطورة متسلق
السياج على حياتهم و أموالهم و حتى أن فعل متسلق السياج ليال ليس فيها أي نية في اإلعتداء
إنما كان لغرض آخر .
بالعودة إلى ال محاكم الفرنسية و إلى ما إستقر عليه فقه القضاء الفرنسي حول الفصل
329من المجلة الجزائية الفرنسية الذي يقابل الفصل 40من المجلة الجزائية التونسية والذي
إستمد منه المشرع التونسي أحكام هذا الفصل نجد أن فقه القضاء الفرنسي إعتبر هذه القرينة
قرينة بسيطة يمكن نفيه ا عندما يتبين أن المتهم كان على علم يقيني بعدم وجود خطر يتهدده و
قد مر فقه القضاء الفرنسي لإلستقرار على هذا الرأي بطورين :
43
الدف اع الشرعي
إعتبر فقه القضاء الفرنسي في هذا الطور أن هذه القرينة قاطعة الدليل و أن األحكام التي
تدل على إعتبار هذه القرينة قاطعة ال تقبل العكس و قد صدرت جملة من األحكام في هذا
اإلطار عن القاضي الجزائي الفرنسي تؤكد هذا التوجه من ذلك قضيتين شهيرتين تتمثل األولى
في قضية السيدة "جوفوس" التي قتلت أحد جيرانها الذي يحضر أثناء الليل بعد تسلقه سور
حديقة قصرها لوضع " رسالة غرام" أسفل شباك إبنتها.
و تتمثل القضية الثانية في قضية السيد "بوشرون" الذي أتهم هو و إبنه بقتل عشيق إبنته
الذي كان يعلم مسبقا بوجود تلك العالقة و إنتظره في منزله و عند تسلقه سور الحديقة في
الظالم قتله ،و قد أقرت إبنته أنه كان يعلم بذلك و أنه دخل لمقابلتها .
و قد علق الفقه على أن هذه األحكام بأن ظروف إرتكاب األفعال هي التي أملت تلك
األحكام و تعتبر بذلك دليال قاطعا على تبني فقه القضاء الفرنسي لفكرة القرينة القانونية القاطعة
.
في هذه المرحلة قام فقه القضاء الفرنسي بتغيير إعتباره لطبيعة القرينة القانونية لهذا
النص حيث بات يعتبرها قرينة بسيطة يمكن نفيها بإثبات عكسها و ذلك بعد إدانة محكمة
الجنايات بباريس ألحد األشخاص ألنه قام بجرح شخصا فاجأه في مكتبه ليال و كان اإلثنين
على موعد مع بعضيهما و بات من الجلي بعد هذا الحكم أن فقه القضاء الفرنسي بات يعتبر
هذه القرينة قرينة بسيطة تقبل دحضها بإثبات عكسها .
44
الدف اع الشرعي
و هذا الرأي الذي يعتبر قرينة الفصل 40من المجلة الجزائية هو ذات التوجه الذي توخاه
فقه القضاء التونسي تباعا حيث رأى فقه القضاء التونسي أن إعتبار هذه القرينة متوقفا على
علم المدافع بنية الداخل من عدمها و ما إذا كانت نيته في حال حصل لصاحب المنزل علم بها
تنصب إلى فعل إعتداء على أنفس أو أموال أم أنها ال تدخل ضمن هذه األفعال فإذا كان صاحب
المنزل يعلم أن نية متسلق جدران منزله ليال ال ينوي جريمة إنما قام بذلك لكونه على موعد
مع إبنة صاحب المنزل مع ذلك قام بقتله فإن ذلك ال يدخله تحت قرينة الدفاع الشرعي و تنتفي
بذلك هذه القرينة و ينقلب فعله من أصل اإلباحة إلى التجريم .
تنقسم هذه اآلثار إلى آثار على الصعيد الجزائي و آثار على الصعيد المدني :
إستهل المشرع كل من الفصل 39و الفصل 40من المجلة الجزائية بعبارة " ال جريمة
" مما يعني أن "الدفاع الشرعي يدخل على الفعل المجرم فيصيره فعال مباحا و ينزع عنه
46
الطابع اإلجرامي "
و رغم أن أحكام هذين الفصلين وردا تحت الباب الرابع في المسؤولية الجزائية وتحديدا
في القسم األول منه و عنوانه " في عدم المؤاخذة بالجرائم " فقد إرتأت بعض اآلراء أن آثار
الدفاع الشرعي " ال تنصب على المسؤولية الجزائية و إنما تتعلق بالركن الشرعي للجريمة
فتلغيه و تعيد الفعل إلى أصل اإلباحة و هو ما تدل عليه بصفة ال لبس فيها عبارة "ال جريمة"
الواردة في مطلع هاذين الفصلين .
47
و هذا األثر اإلباحي للدفاع الشرعي هو الذي يميزه عن موانع المسؤولية ".
46موقع :Facebookصفحة مكتب المحامي األستاذ منير بن صالحة مقال نشر في 6جانفي 2016تاريخ اإلطالع 2017/5/31
موقع رجال القانون Forum des juristes 47مقال نشر في 2نوفمبر 2010تاريخ اإلطالع 2017/5/31
45
الدف اع الشرعي
و ترى بعض اآلراء األخرى أن آثار الدفاع الشرعي ال تصب في أسباب اإلباحة إنما
هو سبب من أسباب موانع المسؤولية الجزائية حيث يدخل ظرف الدفاع على الفاعل في الدفاع
الشرعي فيعفيه من المسؤولية عن فعله و يجعل من الظرف الخاص للدفاع الشرعي عذرا و
سببا من أسباب اإلعفاء من المسؤولية الجزائية .
لكن في كلتا الحالتين فإن هذين النظرتين تتفقان على أن المدافع في حالة الدفاع الشرعي
حال إحترامه لشروط و ضوابط الدفاع الشرعي يعفى من أي عقاب قد ينجر عنه فعله هذا فهو
معذور .
بما أن الدفاع الشرعي في حال إلتزام المدافع بشروطه و ضوابطه يعفي صاحبه من أي
عقوبة على المستوى الجزائي فمن المنطقي أن تكون لهذا الحكم إنعكاسات على الصعيد المدني
تباعا فلقد قام المشرع التونسي بمقتضى القانون المدني بإعفاء المدافع في حالة الدفاع الشرعي
من كل مسؤولية قد تنتج عن دفاعه شرط أن يكتسي هذا الدفاع الصبغة الشرعية فيؤدي ذلك
إلى إسقاط المسؤولية المدنية فال يمكننا الحديث عن الخطأ المؤسس للمسؤولية مادام المدافع لم
يصدر منه أي خطأ فالخطأ هنا خطأ المعتدي و كل ما قام به المدافع هو الدفاع عن نفسه .
و ذلك ما نص عليه الفصل 104من مجلة اإللتزامات و العقود صراحة حيث قضى
المشرع صلب هذا الفصل بأنه " ال ضمان على من أضطر إلى الدفاع الشرعي كما ال ضمان
بمضرة حصلت بأمر طارئ أو قوة قاهرة إذا لم يكن هناك خطأ ينسب للمدعى عليه قبل وقوع
الحادثة أو في أثناءها.
و الدفاع الشرعي هو حالة من إلتجأ إلى دفع صولة صائل أراد التعدي على النفس أو
المال سواء كان ذلك للمدافع أو لغيره ".
46
الدف اع الشرعي
للمدافع أن يتمسك أمام محكمة الموضوع بأنه كان في حالة دفاع شرعي لكن عليه أن
يتقيد بجملة من اإلجراءات الدقيقة و الضرورية التي إن تخلف عن تقديمها ،المتهم أو لسان
دفاعه ،أو تأخر ال يمكن للمحكمة أن تنظر إلى دفعه بأنه كان في حالة دفاع شرعي أثناء إرتكابه
للجريمة بعين اإلعتبار .
-يجب على المتهم أو لسان دفاعه أن يتمسك بوجود الدفاع الشرعي ويثيره على وجه
ثابت إما في أوراق الدعوى أو في نفس الحكم أو في المذكرات المقدمة .
-يجب أن يقدم هذا التمسك و مستنداته إلى المحكمة قبل إقفال باب المرافعة أمام محكمة
الموضوع .
-من الممكن الدفع بوجود الدفاع الشرعي ألول مرة أمام محكمة اإلستئناف .
-ال يمكن إثارة التمسك بالدفاع الشرعي ألول مرة أمام محكمة التعقيب إال في حاالت
إستثنائية خاصة سنقوم بذكرها الحقا.
يرتبط الدفاع الشرعي بالنظام العام لذلك تجوز إثارته في أية مرحلة من مراحل الدعوى
:
يعتبر الدفاع الشرعي من الدفوعات الموضوعية التي يوكل تقديرها لمحاكم الموضوع
و هو ما إعتبره فقه القضاء التونسي في قراره التعقيبي الجزائي عدد 31312المؤرخ في 29
47
الدف اع الشرعي
ماي 1991الذي نصت فيه محكمة التعقيب على أنه " الدفاع الشرعي مسألة مادية موكلة
48
إلجتهاد محاكم األصل حسبما إستقر عليه فقه محكمة التعقيب ".
يجب على محكمة الموضوع التعرض للدفاع الشرعي في أسباب حكمها في الحاالت
التالية :
-1إذا قدم المتهم دفعا صريحا بتوافر الدفاع الشرعي و أثير أمام محكمة الموضوع كان
عليها أن تتعرض لذلك إما بالقبول فتحكم بالبراءة أو تحكم بعقوبة الجنحة إذا رأت أنه هناك
تجاوز لحدود الدفاع الشرعي ،أو ترفضه و تحكم بالعقوبة المقررة للجريمة بعيدا عن الدفاع
الشرعي و يجب في هذا اإلطار أن يكون كامل الحكم مبررا ومعلال بأسباب منطقية وكافية
للوصول إلى ذلك الحكم .
أما إذا قامت المحكمة بإغفال الرد على الدفع بالدفاع الشرعي أو تجاهلته أو قامت بالرد
بأسباب غير كافية أو غير مقبولة فإن حكمها في هذه الحالة يكون معيبا .
فعدم رد الحكم صراحة على تمسك المتهم بحق الدفاع الشرعي قصور فمتى كان من
الثابت من محضر جلسة المحاكمة أن لسان دفاع المتهم قد تمسك بأن المتهم قد كان في حالة
دفاع شرعي مستندا في ذلك إلى وقائع ذكرها مع ذلك إدانته المحكمة دون أن ترد على هذا
الدفع مما يجعل من هذا الحكم قاصرا.
إذًا الدفع بقيام حالة الدفاع الشرعي من الدفوع الجوهرية التي يجب على المحكمة أن
تناقشها في حكمها و ترد عليها إذ أنه من شأن هذا الدفع لو صح أن يؤثر في مسؤولية المتهم
و إذا كان الحكم قد قضى بإدانة المتهم دون أن يتعرض لهذا الدفع أو يرد عليه بما يفنده يجعل
الحكم مشوبا بما يعيبه .
-2إذا لم يقدم المتهم دفعا صريحا بالدفاع الشرعي و كانت وقائع الدعوى تفضي إلى
وجوده فعندئذ على محكمة الموضوع أن تبحث من تلقاء نفسها في مالبسات القضية وظروف
قرار تعقيبي جزائي عدد 31312مؤرخ في 29ماي 1991نشرية محكمة التعقيب القسم الجزائي سنة 1991صفحة 10848
48
الدف اع الشرعي
الحادثة عن وجود حالة الدفاع الشرعي من عدمه فتثبته في الحكم أو تنفيه و لو لم يقدم المتهم
دفعا به.
فإذا قامت المحكمة بإستخالص ما يرشح قيام حالة الدفاع الشرعي من وقائع الدعوى
تعين عليها التعرض إلحتمال أن المتهم قام بالجريمة في إطار الدفاع الشرعي و عليها كذلك
أن تقول كلمتها في هذا األمر و تجاهلها لهذا األمر و عدم قيامها باألمر الالزم يجعل حكمها
قاصرا و معيبا .
و بالتالي نستنتج في هذا اإلطار أن عدم تحدث المحكمة من تلقاء نفسها عن حالة الدفاع
الشرعي التي ترشح له وقائع الدعوى بما يثبتها أو ينفيها يعيب الحكم .
-3إذا وقع كذلك التمسك بقيام حالة الدفاع الشرعي أمام محكمة الموضوع بألفاظ ضمنية
إذ يجوز التمسك بقيام حالة الدفاع الشرعي سواء كان ذلك بلفظ صريح أو بألفاظ ضمنية ضمن
الدفوعات التي يقدمها محامي المتهم للمحكمة و تجاهل المحكمة للدفع بتوافر الدفاع الشرعي
و إن كان ضم نيا و الحكم على المتهم باإلدانة دون التعرض لهذا الدفع و الرد عليه بالقبول أو
بالرفض يجعل الحكم معيبا .
أما إذا لم تتوفر إحدى هذه الحاالت فليس على محكمة الموضوع أن تتكلم عن الدفاع
الشرعي .
-يمكن للم تهم أن يدفع من تلقاء نفسه بتجاوزه لحدود الدفاع الشرعي الذي يكون عذرا
مخففا للحكم و يكون هذا الدفع بذات شروط الدفع بتوافر الدفاع الشرعي و يستوي أن يكون
كذلك دفعا صريحا أو ضمنيا فتقوم المحكمة إما بقبول هذا الدفع أو ترفضه فتحكم بإنتفاءه .
بالنسبة للحالة األولى أي إذا قامت المحكمة بقبول هذا الدفع فإنها ستنفي عن المتهم جريمة
القتل العمد و ستعفيه من العقوبة المقررة لهذه الجريمة و بدال من ذلك ستحكم عليه بعقوبة
مخففة .
49
الدف اع الشرعي
أما بالنسبة للحالة الثانية و هي رفض المحكمة لدفع المتهم بتجاوزه لحدود الدفاع الشرعي
و حكمها بإنتفاءه فستقوم عندئذ بالحكم على المتهم بالعقوبة المقررة لجريمة القتل العمد بعيدا
عن الدفاع الشرعي .
و يمكن كذلك للمحكمة في هذا الدفع أن تحكم بما هو مخالف لهاتين الحالتين فتحكم ببراءة
المتهم إذا تبين لها من خالل وقائع و مالبسات الحادثة أن المتهم كان في حالة دفاع شرعي
أثناء إرتكابه للجريمة و قام بف عل الدفاع دون أن يتجاوز حدود الدفاع الشرعي لكنه في خطأ
منه قام بالدفع بتجاوز حدود الدفاع الشرعي ظنا منه أنه قام بتجاوز حدود الدفاع المباحة له .
-كما يستوي أن تقوم المحكمة بإثارة تجاوز حدود الدفاع الشرعي من تلقاء نفسها إذا
كانت وقائع و مالبسات الحادثة ترجح بوجود حق الدفاع الشرعي مع تجاوزه من قبل المتهم
أثناء قيامه بفعل الدفاع .
و في هذا السياق ينبغي لنا أن نشير إلى أن إثارة تجاوز حدود الدفاع الشرعي و الدفع به
ال يستوي إال بعد نشوء حق الدفاع الشرعي و قيامه إذ أن إثارة تجاوز حدود الدفاع الشرعي
مردودة إلى البحث في ذلك الذي يرجح قيام حق الدفاع الشرعي و نشأته أما إن كانت وقائع و
صورة الحادثة ال تقيم هذا الحق فإنه ال يمكن للمتهم أو للمحكمة في هذه الحالة أن يتحدثا عن
تجاوز حدود الدفاع الشرعي أو الدفع به أو إثارته .
يمكن للمتهم أن يثير الدفاع الشرعي و يتمسك به أمام محكمة التعقيب شرط أن يكون قد
سبق و أثار هذا الدفع في الطور اإلبتدائي أو اإلستئنافي أي شرط أن يكون قد دفع به أمام
محكمة الموضوع .
و يشترط كذلك لقبول إثارة الدفاع الشرعي أمام محكمة التعقيب أن يكون حكم محكمة
الموضوع في توافره من عدمه يشوبه خلل أو قصور و يكون ذلك في الحاالت التالية :
50
الدف اع الشرعي
-إذا قامت المحكمة بإغفال الرد على الدفع بالدفاع الشرعي أو تجاهلته أو قامت بالرد
بأسباب غير كافية أو غير مقبولة .
-إذا قامت المحكمة بإثارة الدفاع الشرعي من تلقاء نفسها و إستخلصت من وقائع الدعوى
ما يرشح قيامه مع ذلك قامت بتجاهل األمر و حكمت باإلدانة دون التعرض للدفاع الشرعي
في أسباب حكمها .
-إذا تجاهلت المحكمة تمسك المتهم بالدفاع الشرعي بألفاظ ضمنية و حكمت باإلدانة
دون التعرض إليه أو الرد عليه بالقبول أو بالرفض .
و ال يصح مناقشة الدفاع الشرعي أمام محكمة التعقيب في غير هذه الحاالت .
و قد تعرضت محكمة التعقيب لهذا األمر و ذلك في قرارها التعقيبي الجزائي عدد
11451المؤرخ في 19مارس 1975حيث رأت فيه أن" الدفاع الشرعي مسألة موضوعية
يرجع تقديرها لمحكمة الموضوع دون رقابة عليها من محكمة التعقيب طالما كان إعتمادها أو
49
عدم إعتمادها له معلال قانونا بما له أصل ثابت في األوراق "
فمحكمة التعقيب هنا إرتأت أن تقدير الدفاع الشرعي يرجع إلى محكمة الموضوع دون
رقابة عليها مادام إعتمادها أو عدم إعتمادها له معلال بما له أصل ثابت في األوراق و بالتالي
و بالقراءة العكسية لقرار محكمة التعقيب إن كان إعتماد محكمة األصل للدفاع الشرعي أو عدم
إعتمادها له غير معلال قانونا بما له أصل ثابت في أوراق الحكم جاز إثارة الدفاع الشرعي أمام
محكمة التعقيب و إيكال أمر النظر فيه إليها .
-المبدأ :
قرار تعقيبي جزائي عدد 11451مؤرخ في 19مارس 1975نشرية محكمة التعقيب القسم الجزائي سنة 1975الصفحة عدد 18149
51
الدف اع الشرعي
ال يمكن التمسك بالدفاع الشرعي ألول مرة أمام محكمة التعقيب فاألصل في الدفاع
الشرعي أنه من الدفوع الموضوعية التي يجب التمسك بها لدى محكمة الموضوع و ال تجوز
إثارتها للمرة األولى لدى محكمة النقض .
إذ أن النظر من قبل المحكمة المختصة في توفر حالة الدفاع الشرعي من عدمه يستوجب
النظر في وقائع و مالبسات القضية و تحليلها تحليال دقيقا و إستخالص الصورة الصحيحة
للواقعة التي من خاللها يتبين للمحكمة توافر الدفاع من إنتفاءه فتحكم بوجوده أو بعدمه و كل
ذلك يعتبر نظرا في الوقائع و هو من مشموالت محكمة الموضوع .
و قد نص الفصل 181من مجلة المرافعات المدنية و التجارية الذي يتنزل ضمن " القسم
الثاني في الخصوم لدى محكمة التعقيب" من "الباب الرابع في التعقيب " على أنه :
" القرار الذي يصدر بقبول ذلك الطعن يقتصر على تصحيح الخطأ القانوني بدون إحالة
و ال يمكن أن يمس بحقوق الخصوم المكتسبة بالحكم المطعون فيه " ...
يبين هذا الفصل أن إختصاص نظر محكمة التعقيب يقتصر على تصحيح الخطأ القانوني
أي الخطأ الذي من الممكن أن ترتكبه محكمة الموضوع أثناء تطبيقها للقانون بعد إستخالصها
الصورة الصحيحة للواقعة و إعتماد خاطئ لعنصر القانون فتقوم محكمة التعقيب بتصحيحه .
و هو ما ذهب إليه فقه القضاء التونسي في عدة مناسبات و ذلك أوال في قراره التعقيبي
الجزائي عدد 6292المؤرخ في 7جويلية 1969الذي رأت فيه محكمة التعقيب أن " الدفاع
الشرعي يعتبر من الحاالت الواقعة الموكول تقديرها لحاكم الموضوع بعد إثارته لديهم وإقامة
الدليل على توفر أركانه حتى يتسنى للقاضي فحص تلك األدلة و تقرير إنتفاع بها أو طرحها
و يعلل قراره بما يمكن محكمة التعقيب من إجراء مراقبتها على صحة تطبيق القانون و هذا
50
الدفع ال يثار من أول وهلة أمام محكمة التعقيب "
قرار تعقيبي جنائي عدد 6292مؤرخ في 7جويلية 1969نشرية محكمة التعقيب القسم الجزائي سنة 1969صفحة 18150
52
الدف اع الشرعي
-اإلستثناء :
إستثناء للمبدأ المذكور أعاله يجوز التمسك بالدفاع الشرعي ألول مرة أمام محكمة
التعقيب في حالة واحدة و بشروط خاصة فإلن كان " األصل في الدفاع الشرعي أنه من الدفوع
الموضوعية التي يجب التمسك بها لدى محكمة الموضوع و ال تجوز إثارتها ألول مرة لدى
محكمة التعقيب إال أنه إذا كانت الوقائع الثابتة في الحكم باإلدانة دالة بذاتها على تحقق حالة
الدفاع الشرعي ،كما عرفه القانون ،فإن محكمة النقض يكون لها أن تتدخل على أساس ما
53
لها من الحق في تكييف الواقعة ،كما هي ثابتة بالحكم على الوجه الصحيح ".
و معنى ذلك أنه إذا لم يقم المتهم بإثارة الدفاع الشرعي أمام محكمة الموضوع و كانت
وقائع القضية دالة بذاتها على وجوده و تحدثت عنه مع ذلك لم تقم المحكمة بأخذه بعين اإلعتبار
مع علمها بوجوده و حكمت باإلدانة على المتهم جاز للمتهم أو لسان دفاعه إثارة هذا الدفع
ألول مرة أمام محكمة التعقيب .
و بالتالي يجوز مناقشة الدفاع الشرعي في هذه الحالة أمام محكمة التعقيب على غرار
الثالث حاالت التي تعرضنا لها سابقا و تعتبر هذه الحالة الوحيدة التي يجوز فيها إثارة الدفاع
الشرعي أمام محكمة التعقيب للمرة األولى عكس الحاالت الثالث األخرى المذكورة أعاله.
قرار تعقيبي جزائي عدد 11451مؤرخ في 19مارس 1975نشرية محكمة التعقيب القسم الجزائي سنة 1975الصفحة عدد 18151
قرار تعقيبي جزائي عدد 31312مؤرخ في 29ماي 1991نشرية محكمة التعقيب القسم الجزائي سنة 1991صفحة 10852
53دراسة علمية في أسباب اإلباحة و موانع العقاب ممدوح عزمي 2000دار الفكر الجامعي 30شارع سوتير -األزاريطة صفحة174
53
الدف اع الشرعي
لم يتعرض فقه القضاء التونسي إلى هذه المسألة إال أن فقه القضاء المصري إستقر على
رأي في هذه المسألة تعرض له على مرحلتين :
إتجهت محكمة النقض المصرية في مرحلة أولى إلى وجوب إعتراف المتهم بجريمته
للتمسك بالدفاع الشرعي حيث رأت " أن تمسك المتهم بحالة الدفاع الشرعي يوجب إعترافه
بما وقع منه و إال كانت المحكمة غير ملزمة بالرد عليه و يجب للتمسك بقيام حالة الدفاع
الشرعي و مطالبة المحكمة بالرد عليه في حكمها أن يكون التمسك صريحا مقرونا بالتسليم من
جانب المتهم بوقوع الفعل منه و بأن وقوعه إنما كان لدفع فعل يخشى منه على النفس أو المال
فإذا كان الظاهر من محضر جلسة المحاكمة أن المتهم قد أنكر الفعل المسند إليه و أن محاميه
لم يقل بوقوعه منه بل أسس دفاعه على أنه لم يرتكب الحادثة و كل ما قاله لينفي عنه أي إعتداء
،فهذا ليس فيه تمسك بقيام حالة الدفاع الشرعي و إذن فالمحكمة مع إيرادها الواقعة حسبما
إستخلصه من التحقيقات و خلوصها مما أوردته إلى المتهم لم تكن ملزمة بالتحدث عن قيام تلك
54
الحالة ".
في هذه المرحلة قامت محكمة النقض بتعديل موقفها فأصبحت ال تشترط ألخذ المحكمة
بقيام حالة الدفاع الشرعي إعتراف المتهم بالجريمة حيث أوردت أنه " و إن كان ال يشترط
إلعتبار المتهم في حالة دفاع أن يكون قد إعترف بالواقعة و أن يتمسك في دفاعه أمام محكمة
55
الموضوع بقيام حالة الدفاع الشرعي لديه وقت مقارفته للحادث".
" فالمبدأ األساسي الذي أخذ به التشريع المصري هو مبدأ حرية القاضي في تكوين
عقيدته من أي دليل كان تتعارض مع إيجاب إعتراف المتهم بالواقعة حتى يمكنه من أن يستفيد
من الدفع باإلباحة المترتبة على توافر حالة الدفاع الشرعي أوبعذر تجاوز حق هذا الدفاع .
54
الدف اع الشرعي
كما أن القاضي مطالب بأن يطبق على الواقعة وصفها القانوني الصحيح الذي تكشف
56
عنه األوراق ،و الذي إقتنع به دون غيره ".
" فتخلف شرط من شروط فعل اإلعتداء المستوجبة لقيام حالة الدفاع الشرعي ينفي وجود
حق الدفاع الشرعي قانوناً ،فإذا كان الخطر مشروعا ً أو كان مستقبالً فال نكون بصدد حق
الدفاع الشرعي وإنما في محيط التجريم ،كذلك إذا لم يكن الدفاع الزما ً ولم يكن موجها ً لمصدر
الخطر ،فإن سبب اإلباحة ال يقوم قانونا "57
و التناسب هو الشرط الذي يجب أن يباشر الدفاع في في نطاقه و تخلف هذا التناسب بين
جسامة الخطر و الدفاع يعني الدخول في نطاق التجاوز لحدود الدفاع الشرعي .
56الدفاع الشرعي في ضوء القضاء و الفقه _ عبد الحميد الشورابي دار المطبوعات الجامعية أمام كلية الحقوق -إسكندرية ،مطبعة أطلس -القاهرة
1986صفحة 134
55
الدف اع الشرعي
يتمثل هذا العنصر في اإلضرار بمصلحة المعتدي بقدر يفوق الخطر الذي يتهدد المعتدى
عليه و هنا ينبغي اإلشارة إلى أن جعل الحساب أمرا في فاصال في موضوع التجاوز ال يستوي
فال يمكن أن نتصور أن المدافع الذي يتعرض إلى خطر يهدد سالمته أو ماله قد يقوم بعد
الضربات التي يوجهها إلى المعتدي أثناء رده اإلعتداء فهي فقط ممكنة التقدير من ناحية المدى
و ال يمكن حسابها من ناحية الكم و العدد .
يتمثل هذا العنصر في الناحية الن فسية للمدافع و التي تتمثل في حسن النية حيث تقتضي
النية الحسنة أن ال يكون المدافع قد تعمد إحداث الضرر الذي تبين انه أشد مما يستلزمه الدفاع
مع نوع الخطر المهدد و بالتالي يقتضي هذا العنصر أن يكون المتجاوز يظن أنه ال يزال في
حدود الدفاع الشرعي و أن فعله ال يزال متانسبا مع القدر الالزم من القوة لدفع خطر اإلعتداء
و تقتضي سالمة نية المدافع عدم توافر نية قتل المعتدي ألن هذه النية تنفي إمكانية إستفادة
المعتدي من عذر تجاوز حدود الدفاع الشرعي أما إن كان اإلعتداء المسلط من الجسامة حيث
ال يمكن دفعه إال بالقتل فإن اإلباحة التامة تكون متوافرة و ال يمكن إعتبار المدافع متجاوزا
لحدود الدفاع الشرعي .
56
الدف اع الشرعي
قد يكون تجاوز المدافع في حالة الدفاع الشرعي تجاوزا عمديا أي ناتجا عن إرادة عمدية
من المدافع في تجاوز حدود الدفاع الذي يقتضيه الخطر الذي يهدده مدركا جسامة الخطر
مفضال اللجوء إلى قوة تزيد على ما كان كافيا لدرء الخطر و في هذه الحالة يعتبر فعل المتجاوز
جريمة عمدية .
و يكون ذلك نتيجة خطأ غير عمدي من المدافع في تقدير درجة جسامة العدوان فيرد
عليه بقدر من القوة يزيد عن القدر الالزم لدفع الخطر فيعتبر المدافع هنا متجاوزا لحدود الدفاع
الشرعي و يعتبر مسئوال عن فعله مسؤولية عمدية لكن أخف درجة من مسؤولية المتجاوز
لحدود الدفاع الشرعي تجاوزا عمديا.
إختلف الفقهاء حول المعيار الذي يجب أن يعتمد في تقييم درجة التجاوز لحدود الدفاع
الشرعي فمنهم من رأى أن ذلك يكون بالمقارنة بين أضرار الدفاع و أضرار اإلعتداء و منهم
من رأى أن ذلك يكون بالمقابلة بين وسائل الدفاع و وساءل اإلعتداء .
ذهب جانب من الفقه إلى أن تحقق معنى التجاوز ال يمكن تبيانه من خالل المقارنة الضرر
الذي تم درءه و الضرر الذي حدث للمعتدي نتيجة هذا الرد و إنما يكون ذلك بمقارنة الضرر
الذي أحدثه المدافع في سبيل الدفاع و ما كان في وسعه أن يحدث من أضرار أخرى لدفع
اإلعتداء دون تعد لحدود الدفاع الشرعي .
"و إشترط البعض منهم أن تكون القوة المادية المستخدمة دفاعا عن النفس أو المال
متناسبة في مداها على جسامة اإلعتداء فكلما زادت هذه الجسامة زادت القوة المادية الالزمة
57
الدف اع الشرعي
لدفعه و العكس بالعكس فإذا أثبت أن المدافع كان بوسعه رد اإلعتداء بضرر أخف من الذي
تحقق بالفعل عد إخالال بمبدأ التناسب بين الضررين مما يحقق معنى التجاوز لحدود حق الدفاع
58
".
ذهب جانب آخر من الفقه إلى القول بأن معنى التجاوز ال يمكن تقديره بالنظر إلى التناسب
بين اإلعتداء و الدفاع مجردا و إنما يجب لتحقيق التدبير الصحيح لمعنى التجاوز النظر في
التناسب بين الوسيلة التي كانت في متناول المعتدى عليه و بين الوسيلة التي إستخدمت بالفعل
و يصبح من غير الوجيه الحديث عن التجاوز إذا ثبت أن الوسيلة المستعملة كانت في ظرف
إستعمالها أنسب الوسائل لرد اإلعتداء أو كانت الوسيلة الوحيدة في متناول المدافع .
تختلف حالة التجاوز في الدفاع الشرعي عن الجريمة العادية حيث أنه حالة التجاوز تكون
بعد قيام حالة الدفاع الشرعي و تختلف حالة التجاوز كثيرا عن حالة تخلف الظرف اإلباحي ،
" فالواقعة المادية المرتكبة في الصورة الثانية تشكل جريمة عادية من غير أن يكون لتوفر
59
بعض الشروط التي أنشأت الحق أثر فعال على تلك الواقعة "
فالجريمة العادية في هذا اإلطار هي التي تتولد عن فعل الدفاع الذي يقوم به المتعرض
للخطر بعد زوال حالة الخطر أو بعد إنتهاء اإلعتداء و زوال خطره .
لذلك خولت عدة تشاريع جنائية للقضاة أو ألزمتهم بتخفيف العقوبة في حالة التجاوز في
الدفاع الشرعي دون حالة تخلف الفعل المباح أي حالة الجريمة العادية ذلك أن هذه الجريمة
تبقى محكومة إبتداء و إ نتهاء بالقاعدة التجريمية مما يعني عدم إباحة فعل اإلعتداء و عدم قيام
58
الدف اع الشرعي
الحق في الدفاع و ال تستوي مع فعل التجاوز في الدفاع فسلوك الشخص حين إنتهاء حالة
الدفاع الشرعي لزوال الخطر لهروب المعتدي مثال يشكل جريمة عادية مكتملة األركان .
أما إعتماد قوة تزيد عن القدر الضروري الذي يتطلبه الدفاع فيعد جريمة تجاوزية مكتملة
األركان ففي الجريمة العادية يبدأ السلوك و ينتهي بالالمشروعي أما في تجاوز حدود الدفاع
الشرع ي فإن السلوك يبدأ مشروعا و ينتهي بالالمشروعية بالخروج عن تلك الحدود .
تقضي القواعد العامة بأن إنتفاء التناسب بين فعل الدفاع و فعل الهجوم يفضي بالضرورة
إلى إنتفاء شرط الدفاع الشرعي و بذلك ال يكون لإلباحة في هذه الحالة محل وأعتبر فعل الدفاع
فعال غير مشروع .
و بالتالي فإن حكم القواعد العامة في تجاوز حدود الدفاع الشرعي تخرج المتجاوز في
الدفاع من نطاق اإلباحة و تدخله في نطاق التجريم و المسؤولية الكاملة عن الفعل العمدي وال
يكون لقرينة الدفاع الشرعي في هذا محل و يعتبر المتجاوز في هده الحالة حكم فعله كحكم أي
فعل عمدي و إرادي مجرم من نفس طبيعة فعله و يستويان في الحكم .
مثال ذلك من قام بتجاوز حدود الدفاع الشرعي أثناء مهاجمة أحد األشخاص له فنجم عن
تجاوزه هذا لحدود الدفاع موت الضحية أعتبر فعله كفعل من قتل عمدا أحد األشخاص و
يأخذان نفس الحكم .
لكن هذا الحكم منطقا ال يستوي فمن نتج عن خروجه لحدود الدفاع الشرعي موت المعتدي
ال يستوي مع من تسبب في إزهاق روح أحدهم عمدا بادئا باإلعتداء و نابعا إعتداءه عن إرادة
حرة لذلك ال نجد تأييدا لهذا الحكم في القانون .
59
الدف اع الشرعي
لم يرد في القانون التونسي أي نص يخص عقوبة المتجاوز لحدود الدفاع الشرعي ونظرا
لخصوصية جريمة التجاوز في الدفاع الشرعي إلعتبار إرتكابها في ظروف مختلفة عن
الجرائم العادية يجب تبعا لذلك من أن يكون العقاب في هذه الصورة مختلفا عن العقاب في
صورة الجرائم العادية بالتالي يمكن للمتجاوز أن يستفيد من ظروف التخفيف في العقاب .
و يتم التخفيف من العقاب و من صرامة القاعدة القانونية بإعتماد عدة تقنيات و آليات
تمكن من تخفيف عقوبة الجاني إذا ما إجتمعت العوامل لذل ك و قد يبدوا هذا التخفيف من حدة
القانون غير منطقي في بعض حاالت التجاوز التي ينتج عنها جرائم ذات خطورة بالغة قد
يوحي بخطورة الفاعل إال أننا بهذه النظرة قد نكون تسببنا في طمس حقيقة المتجاوز الذي بات
مصنفا مجرما بينما جريمته ليست إال وليدة الظرف القاهر و اإلستفزاز الذي تعرض له مما
يتعين معه إعتبار كل هذه العوامل عند تسليط العقوبة .
و يشكل تخفيف العقاب التوجه المنطقي في وضعية إقرار مسؤولية المتجاوز في دفاعه
الشرعي و قد توجهت عديد التشريعات الجنائية المقارنة هذا التوجه حيث متعت المتجاوز
بميزة ظرف تخفيف العقاب و ذلك للطابع الحساس الذي تتمتع به هذه الوضعية الذي يعكس
مبررات تلطيف العقوبة و يبرز النظرة الخاصة التي تكنها هذه التشريعات للمتجاوز أثناء
تصديه للخطر.
إذ أن الظرف الذي يغلب عليه طابع الخوف و اإلثارة يصعب على المتعرض لإلعتداء
حينها أن يضبط نفسه نظرا للموقف الصعب و اإل نفعاالت النفسية التي قد تنتابه حينها مما
يصعب معه كبح جماح ثوة المتعرض للهجوم فيضطر بمقتضى ذلك لرد فعل يحول دون تنفيذ
العمل العدواني الذي سيحقق به أضرار حالة في حال لم يقم بمنعه ،مما يحيلنا إلى أن كل هذه
اإلعتبارات تستدعي منا بالضرورة التخفيف من عقوبة المتجاوز لحدود الدفاع الشرعي .
60
الدف اع الشرعي
و لم يفرق فقه القضاء التونسي بين المتجاوز لحدود الدفاع الشرعي عن حسن نية
والمتجاوز لها عن سوء نية عكس العديد من التشريعات التي فرقت بين هاتين الحالتين وأفردت
لكل منهما عقوبة فمثال يرى المشرع المصري أن التجاوز المقترن بالعمد يخرج صاحبه عن
دائرة أحكام المتجاوز لحدود الدفاع الشرعي و يطبق عليه أحكام الجريمة العادية و ال ينتفع
بظروف التخفيف على معنى التجاوز لحدود الدفاع الشرعي إال المتجاوز لها عن حسن نية ،
بينما عمد فقه القضاء التونسي إلى ترك تقدير عقوبة المتجاوز لحدود الدفاع سواء كان ذلك
عن حسن أو سوء نية إلى كامل سلطة القاضي الذي يمكن له أن يعدل في درجة تخفيف العقوبة
لكل صنف من هذا التجاوز و ذلك بالرجوع إلى ظروف و مالبسات الحادثة .
" تمثل تقنية ظروف التخفيف نوعا من التعديل القضائي للصرامة المجردة للقواعد
القانونية الجنائية و يمكن إعتبارها نتيجة ما أحاط بسلوك المدافع من أمور قد أثرت فيه بطريقة
أو بأخرى و غالبا ما تكزن هذه الظروف سابقة أو مزامنة للجريمة و لكنها و في كل األحوال
60
تكون في عالقة سببية معها "
و تعتمد غالبية التشريعات الجنائية على السلطة التقديرية لقضاة األصل في تقدير وجود
هذه الظروف التي تستدعي تخفيف العقوبة و تترك أمر تقديرها إلجتهاد قضاة األصل شرط
تعليلهم ألحكامهم .
و يكون ذلك بالرجوع إلى الفصل 53من المجلة الجزائية الذي يتحدث عن ظروف
التخفيف كالتالي ":إذا إقتضت أحوال الفعل الواقع ألجله التتبع ظهور ما يحمل على تخفيف
العقاب و كان القانون غير مانع من ذلك فللمجلس مع بيان تلك األحوال بحكمه أن يحط العقاب
إلى ما دون أدناه القانوني ".
60 التجاوز في الدفاع الشرعي :مذكرة لإلحرازعلى شهادة الدراسات المعمقة في العلوم القانونية الساسية إعداد الطالبة ريم الشابي السنة الجامعية
1997 /1996صفحة 161
61
الدف اع الشرعي
نتبين من خالل ع بارات الفقرة األولى من هذا الفصل مبرر التخفيف يستمد من ظروف
الفعل في حد ذات ه ال من ظروف الفاعل لكن فقه القضاء دأب منذ أمد بعيد على إعتبار األخذ
بأحوال الفاعل أيضا ضمن هذا الفصل لتبرير تخفيف العقوبة المقررة ضده .
و قد إتجه فقه القضاء التونسي كذلك إلى تسمية بعض ظروف التخفيف األخرى التي
يمكن أخذها بعين اإلعتبار في الحط من العقوبة المقررة ضد المجرم كحداثة سن المتهم وحسن
سيرته الماضية و درجة الجسامة المادية للفعل اإلجرامي و درجة مسؤولية الفاعل والبواعث
التي دفعته إلرتكاب الجريمة.
" و تجدر اإلشارة إلى أن فقه القضاء التونسي مستقر على تطبيق القواعد الواردة بالفصل
53بحذافرها و بالتالي فإن ظروف التخفيف ال تعدو أن تكون سوى مجرد أداة لتعديل العقوبة
و التي يتم ضبطها على أساس درجة الفداحة القانونية التي ينسبها النص للجريمة مع أخذ مدى
61
خطورة الجاني "
و لقد ذهب جانب من الفقه إلى إعتبار أن هذا التخفيف يجب أن يكون إلزاميا بإستثناء
الحاالت التي يكون فيها الدفاع الشرعي ستارا إلرتكاب جرائم أخرى مع سبق اإلصرار ويمكن
للقضاة أن يميزو هذه الحالة األخيرة من سواها حسب وقائع و مالبسات الحادثة وإجتهادهم
الشخصي .
إن إعمال ظروف التخفيف في جريمة تجاوز حدود الدفاع الشرعي ال يغير من نوع
الجريمة فالتجاوز الذي يأخذ صورة القتل العمد يبقى من الناحية القانونية جناية و يخضع
62
الدف اع الشرعي
للقواعد العامة المتعلقة بهذا الصنف من الجرائم فمثال يخضع إلى إجراء تحقيق وجوبي من
قبل قاضي التحقيق و ذلك طبق الفصل 47من المجلة الجزائية كما ال تسقط الدعوى العمومية
في هذه الجريمة إال بمرور عشرة أعوام كاملة طبق الفصل 5من المجلة الجزائية و يبدأ
اإلحتساب من يوم إقتراف الجريمة.
إذا نستنج أن إعمال ظروف التخفيف يستبعد المتجاوز لحدود الدفاع الشرعي من
الخضوع للعقوبات األصلية الصارمة المقررة لوصف كل جريمة على حدا حسب القواعد
العامة للجرائم و ذلك نظرا لخصوصية هذه الجريمة .
و يطرح تساءل في هذا اإلطار حول إمكانية تمتع المتجاوز لحدود الدفاع الشرعي بنظام
وقف التنفيذ ؟
مبدئيا منح هذه الميزة ال يتعارض مع مرتكب هذه الجريمة حتى و إن كان وصف جريمته
جناية فبالرجوع إلى أحكام الفصل 53من المجلة الجنائية في فقرته 12نجد أنه ينص على :
" إذا صدر الحكم في جنحة أو إذا إذا صدر الحكم بالسجن في جريمة فإن المحاكم العدلية و
مجالس اإلستئن اف يمكن لها في جميع الصور التي ال يعترض فيها القانون أن تأمر بالحكم
نفسه مع تعليل قضاءها بتأجيل تنفيذ العقوبة إذا لم يصدر الحكم سابقا على المتهم بالسجن في
جريمة أو جنحة و مع ذلك فإن التأجيل ال يمكن منحه في النوازل إال إذا كان أدنى العقوبة
المحكوم بها مع تطبيق ظروف التخفيف ال يتجاوز العامين سجنا ".
و بالتالي يمكن تمتيع المتجاوز لحدود الدفاع الشرعي بنظام وقف تنفيذ القوبة إذا توافرت
في الحكم المقضي به في حقه من أجل هذه الجريمة الشروط الواردة بالفصل أعاله و إذا توفر
في المجرم شرط أن يكون إبتدائيا ال عائدا أي أن ال يكون قد سبق الحكم عليه من أجل جنحة
أو جناية .
و يترتب عن ذلك أن المتمتع بنظام وقف تنفيذ العقوبة يجب أن يمتنع عن إرتكاب أي
جنحة أو جناية خالل فترة التجربة التي هي 5سنوات تحتسب بداية من تاريخ الحكم حسب
الفقرة 13من نفس الفصل و إال حرم من هذه الميزة.
63
الدف اع الشرعي
لقد قام المشرع التونسي بمقتضى القانون المدني بإعفاء المدافع في حالة الدفاع الشرعي
من كل مسؤولية قد تنتج عن دفاعه شرط أن يكتسي هذا الدفاع الصبغة الشرعية فال يمكننا في
هذا الحالة أن نتحدث عن الخطأ المؤسس للمسؤولية بإعتبار أن الدفاع الشرعي حق خوله
المشرع للمدافع و لقد ورد صلب الفصل 104من مجلة اإللتزامات و العقود ما يلي " :ال
ضمان على من أضطر إلى الدفاع الواجب كما ال ضمان لمضرة حصلت بأمر طارئ أو قوة
قاهرة إذا لم يكن هناك خطأ ينسب للمدعى عليه قبل وقوع الحادثة أو أثناءها".
فالفصل 104أقر هذا اإلعفاء من المسؤولية المدنية الناتجة عن فعل الدفاع إال أن ذلك
يبقى رهين إلتزام المدافع بحدود دفاعه أما إذا ما تجاوز حدود دفاعه سواء كان هذا التجاوز
عمدي أم نتيجة إهمال فإن هذا اإلعفاء ينتفي في حال ما تسبب للمعتدي في ضرر أكثر بكثير
مما كان الزما لرد اإلعتداء.
" و كنتيجة لفقدان الصبغة الشرعية و ظهور الخطأ المدني فإن المتضرر ستتاح له
إمكانية المطالبة بالتعويض عن األضرار التي لحقته نتيجة إعتداء المدافع المتجاوز فيه ،أما
إذا كانت النتيجة وليدة نية مسبقة من قبل المدافع فيقع اللجوء لتطبيق مقتضيات الفصل 82من
مجلة اإللتزامات و العقو د و الذي ينص على المبدأ األساسي في وجوب التعويض :من تسبب
في ضرر غيره عمدا منه و إختيارا بال وجه قانوني سواء أكان الضرر حسيا أو معنويا فعليه
62
جبر الضرر الناشئ عن فعله إذا ثبت أن ذلك الفعل هو الموجب للضرر مباشرة".
إذا فالمتجاوز لحدود الدفاع الشرعي مجبر على تحمل مسؤليته على المستوى المدني مما
يتوجب عليه تعويض أي ضرر قد ينتج عن تجاوزه سواء كان الضرر حسيا أو معنويا و
تختلف درجة مسؤوليته حسب ما إذا كان تجاوزه لحدود الدفاع الشرعي عمدا أو نتيجة خطأ و
لكن ما يجدر اإلشارة إليه هنا هو أن هذا المتجاوز يمكنه أن يتمتع بظروف التخفيف حتى على
مستوى المسؤولية المدنية ذلك أن لجريمة تجاوز حدود الدفاع الشرعي عذر خاص يميزها
64
الدف اع الشرعي
عن بقية جرائم العدوان و نظرا لتأثير الحكم الجزائي في الحكم المدني فإن التخفيف من حدة
المسؤولية عن الفعل على مستوى العقوبة الجزائية له تأثير في تخفيف المسؤولية المدنية سواء
أكان تجاوز حدود الدفاع الشرعي من قبل المتجاوز ناتجا عن خطأ أو كان عمدا و يعود
إنسحاب ظرف التخفيف من المسؤولية عن الفعل حتى بوجود فعل عمدي إلى الظرف الخاص
الذي يحيط بالمدافع في حالة الدفاع الشرعي و توفر كذلك الخطأ المشترك عن النتيجة الحاصلة
و هو خطأ مشترك بين المتجاوز و المعتدي .
إذا يمكن القول في هذا اإلطار أن جريمة التجاوز لحدود الدفاع الشرعي تختلف عن
جرائم العدوان من حيث األصل و كذلك من حيث الجزاء و رغم أن هذه الجريمة تستوجب
توقيع جزاء سواء كان مدني أو جزائي إال أن التجاوز يعتبر ظرفا خاصا يستوجب التخفيف و
يمكن أن نتبين ذلك من خال عدم بلوغ الجزاء حسب األحكام القضائية المعمول بها إلى الحد
األقصى المقرر للجريمة المرتكبة أصال سواء كان ذلك من ناحية العقوبة الجزائية أو التعويض
المدني .
و تختلف التشاريع فيما بينها في درجة تخفيف الجزاء عن هذه الجريمة الخاصة و ذلك
وفقا لمختلف الظروف الموضوعية و الشخصية و المالزمة لحالة التجاوز مما يجعل تمتع
مرتكبها بها كظرف من ظروف التخفيف يعود أساسا إلى مالبسات و ظروف الحادثة وتكييف
قضاة األصل لها حسب مالبسات كل حالة منها على حدة .
65
الدف اع الشرعي
الخاتمة :
66
الدف اع الشرعي
عد الدفاع الشرعي في كل التشريعات القانونية المتواترة عبر العصور كسبا يُحق للفرد
الذود عن نفسه من أي إعتداء ظالم و دون وجه حق قد يتسلط عليه و يتميز النظام القانوني
للدفاع الشرعي في القوانين الوضعية الحديثة بالدقة و الصرامة حيث يوجب دقة و تقيدا أثناء
القيام بالفعل الدفاعي الموجه نحو درء العدوان المسلط حيث أن اإلفراط في ردة الفعل قد
تخرج المدافع من دائرة الشرعية الدفاعية والفعل ا المعذور إلى دائرة التجاوز والفعل المجرم
لذلك أوجبت هذه التشريعات الحذر أثناء القيام بالفعل الدفاعي و التقيد بالرد الضروري دون
المبالغة أو التشفي و هو ما يمكن أن نلحظه في التطبيق القضائي التونسي حسب القرارات
المتوفرة حيث نجد أنه قل ما أعتبرت هذه القرارات وجود دفاع شرعي وذلك لدقة و صرامة
النظام القانوني المنطبق والذي نجد له من حيث األصل تبريرا منطقيا يكمن في رغبة المشرع
في تالف ي التعديات و منع التشفيات التي قد تكتسي طابعا شرعيا تحت مطية قرينة الدفاع
الشرعي و اإلنتقامات التي حتما ستفضي إلى الدخول في حالة من الفوضى التي تحوي في
طياتها إعالن عن قصر القانون و غياب السلطة .
67
الدف اع الشرعي
المراجع
68
الدف اع الشرعي
69
الدف اع الشرعي
• المذكرات :
-حق الدفاع الشر عي (دراسة مقارنة) :مذكرة لنيل شهادة الليسانس في الحقوق من
إعداد و تقديم فوزي األجهوري _جامعة القسنطينية معهد الحقوق و العلوم اإلدارية:
السنة الجامعية 1990 - 1989دورة جوان .1990
-التجاوز في الدفاع الشرعي :مذكرة لإلحراز على شهادة الدراسات المعمقة في العلوم
القانونية األساسية إعداد الطالبة ريم الشابي السنة الجامعية .1997 - 1996
• المقاالت :
-حق الدفاع الشرعي بقلم األستاذ فوزي بلعيد المحامي مجلة القضاء و التشريع ماي
.1976
مقال حول إثبات الدفاع الشرعي موقع منتدى المحاكم و المجالس القضائية تاريخ -
اإلطالع 31 :ماي . 2017
-مقال حول آثار الدفاع الشرعي موقع : facebookصفحة المحامي األستاذ منير بن
صالحة مقال نشر في 6جانفي 2016تاريخ اإلطالع 31ماي . 2017
-مقال حول آثار الدفاع الشرعي موقع رجال القانون : forum des juristesمقال
نشر في 2نوفمبر 2010تاريخ اإلطالع 31ماي . 2017
70
الدف اع الشرعي
-مقال حول تجاوز حدود الدفاع الشرعي موقع إستشارات قانونية مجانية_محاماة نت
تاريخ اإلطالع 10جوان . 2017
71
الدف اع الشرعي
• المعاجم :
-معجم لسان العرب إلبن منظور المجلد 11دار الفكر . 1990
-معجم المعاني الوسيط موقع على الواب .
72
الدف اع الشرعي
المالحق
73
الدف اع الشرعي
الفهرس
المقدمة 1.....................................................................................................
العنوان األول :أركان قيام حالة الدفاع الشرعي 6........................................
المبحث األول :شروط الدفاع الشرعي 7............................................................
الفرع األول :شروط الهجوم 7......................................................................
الفقرة األولى :صور الخطر 7.........................................................................
أ -اإلعتداء السلبي 7................................................................................. :
ب -اإلعتداء الوهمي 8................................................................................
ج -اإلعتداء غير العمدي9...........................................................................
الفقرة الثانية :خصائص الخطر 9.....................................................................
أ -خطر حتمي 9........................................................................................
ب -خطر غير مشروع 12...........................................................................
الفقرة الثالثة :موضوع الخطر 14....................................................................
الفقرة الرابعة :محل الخطر 16........................................................................
أ -الجرائم التي تهدد النفس 16.......................................................................
ب -الجرائم التي تهدد المال 17......................................................................
ج -الجرائم التي تهدد الشرف18....................................................................
الفرع الثاني :شروط الدفاع 20......................................................................
الفقرة األولى :ضرورة الدفاع 21.....................................................................
الفقرة الثانية :تناسب الدفاع مع جسامة الخطر 22.................................................
المبحث الثاني :موانع إعتماد الدفاع الشرعي 24...................................................
الفرع األول :حظر الدفاع ضد مأموري الضبط 24.............................................
الفقرة األولى :تعريف مأموري الضبط 24..........................................................
الفقرة الثانية :المبدأ عدم جوازالدفاع ضد مأموري الضبط 26...................................
أ -تجاوز حدود الوظيفة27...........................................................................
الدف اع الشرعي