You are on page 1of 233

‫ﺷﺒﻜﺔ‬


‫ﺷﺒﻜﺔ‬
www.alukah.net


‫ﺷﺒﻜﺔ‬
www.alukah.net

‫فن اخلطابة‬


‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫فن اخلطابة‬ ‫‪4‬‬

‫‪¢‬‬
‫التاريخ‪1441 /2 /9 :‬هـ‬ ‫ ‬‫د‪ /‬عائض بن عبد الله القرين‬

‫الحمــد للــه والصــاة والســام عــى رســول اللــه وعــى آلــه وصحبــه ومــن وااله‪ ،‬وبعــد‪:‬‬
‫فقــد قــرأت بتمعــن واهتــام كتــاب (فــن الخطابــة) ألخــي الشــيخ‪ :‬حســن محمــد شــامر‪،‬‬
‫ـت األســلوب الســهل البديــع‬ ‫إمــام وخطيــب جامــع اإلمــام مســلم بخميــس مشــيط‪ ،‬فوجـ ُ‬
‫العــذب والفكــرة الرائعــة والرتتيــب الجميــل لألفــكار بقلــم خطيــب بــارع ي ـزاول الخطابــة‬
‫ويعيــش يف ميــدان الكلمــة‪ ،‬فجمــع بــن العلــم الذهنــي والتجربــة امليدانيــة‪ ،‬وأنــا أعتــر‬
‫مــا كتبــه أخــر يف هــذا الكتــاب إضافــة جميلــة رائــدة للخطبــاء‪ ،‬وخطــوات منظمــة مباركــة‬
‫لــرواد املنابــر‪ ،‬فقــد ابعتــد فيــه عــن التّق ّعــر والتكلّــف والطــرح الفلــي وجعلــه قري ًبــا ميـ ّ ً‬
‫ـرا‬
‫مش ـ ّوقًا للقــارئ‪ ،‬واضــح األهــداف‪ ،‬ظاهــر املقاصــد‪ ،‬عــذب العبــارة‪ ،‬قــوي االستشــهاد‪ ،‬وقــد‬
‫ختمــه بنــاذج لخطــب معتدلــة رائعــة جميلــة تصلــح أن تكــون أمثلــة للخطبــاء؛؛ لينســجوا‬
‫عــى موالهــا ويحتــذوا حذوهــا‪ ،‬فشــكر اللــه لــه عملــه‪ ،‬وكتــب أجــره‪ ،‬وألهمــه رشــده‪ ،‬وجعــل‬
‫مــا كتــب يف مي ـزان حســناته‪.‬‬

‫عائض بن عبد الله القرين‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
www.alukah.net

5 ‫فن اخلطابة‬


‫ﺷﺒﻜﺔ‬
www.alukah.net


‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪7‬‬ ‫فن اخلطابة‬

‫المقدمة‬

‫الحمــد هلل رب العالميــن والصــاة والســام علــى أنصــح البلغــاء وإمــام‬


‫األنبيــاء ســيدنا محمــد ‪ ‬وعلــى آلــه وأصحابــه الــررة األنقيــاء‪،‬‬
‫أمــا بعــد‪.‬‬

‫فــإن مــن أعلــى المقامــات‪ ،‬وأهــم المهمــات‪ ،‬النهــوض هبــذه األمــة‬


‫وتبليــغ رســالة اإلســام‪ ،‬وذلــك بأنصــح لســان‪ ،‬وأعظــم بيــان‪ ،‬ولــن يتســنى‬
‫ذلــك إال بتحصيــل المعلومــات‪ ،‬واكتســاب‪ ،‬المهــارات وتنميــة الثقافــات‪.‬‬

‫قديمــا تفتخــر باكتشــاف شــاعر أو خطيــب أو فــارس‪،‬‬


‫ً‬ ‫وكانــت العــرب‬
‫وكانــوا يــرون الشــاعر وزارة إعــام إلبــراز القبيلــة‪ ،‬وإظهــار أمجادهــا حتــى‬
‫جــاء اإلســام‪.‬‬

‫وأوجــب خطبــة الجمعــة لتكــون عيــدً ا ُمصغـ ًـرا للمســلمين كل أســبوع‪،‬‬


‫يجــددون إيماهنــم ويتدارســون دينهــم‪ ،‬ويثقفــون أنفســهم‪ ،‬ويرفعــون الجهــل‬
‫عنهــم‪.‬‬

‫فصيحــا بلي ًغــا كلمــا كان أمــر الجمعــة قو ًيــا‪ ،‬وقــد‬


‫ً‬ ‫وكلمــا كان الخطيــب‬
‫مــ َّن اهلل ‪ ‬علــى داود ‪ ‬بــأن أعطــاه البالغــة والبيــان فقــال‪:‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫فن اخلطابة‬ ‫‪8‬‬

‫ﮋﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﮊ(((‪ .‬وبالمقابــل اآلخــر دعــا موســى ‪ ‬ر َّبــه‬


‫أن يرزقــه الفصاحــة والبيــان ﮋ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﮊ((( ‪.‬‬

‫ويف عصرنــا هــذا أصبحــت ُ‬


‫الخطبــة مــن أعظــم منصــات الدعــوة إلــى‬
‫ســيما يف ظــل‬
‫ً‬ ‫اهلل‪ ،‬وأصبحــت البــاب الواســع للتأثيــر يف عقــول المســلمين‬
‫االنفتــاح‪ ،‬والصراعــات الثقافيــة والسياســية‪ ،‬وكثــرة الدعــوات والفلســفات‬
‫والمســتجدات‪ ،‬فكانــت مهمــة الخطيــب عظيمــة‪.‬‬

‫وإن لــم يواكــب زمانــه فســيظل خطي ًبــا تقليدً يــا بــا أثــر أو روح‪ ،‬وبالتالــي‬
‫يفقــد المنــر دوره ومكانته‪.‬‬

‫فــكان أحــرى بالخطبــاء أن يعتنــوا بالخطبــة والمنــر‪ ،‬وأن يعظموهــا يف‬


‫نفوســهم قبــل غيرهــم فنحــن اليــوم أشــد حاجــة ممــا مضــى‪ ،‬وبحاجــة ماســة‬
‫إلــى ُخطبــاء قادريــن علــى التغييــر يف النــاس‪ ،‬قادريــن علــى إقناعهــم بدينهــم‬
‫وبمعتقداهتــم وثوابتهــم وقيمهــم ‪ ،‬بحاجــة إلــى خطبــاء يخرجــون النــاس مــن‬
‫الظلمــات إلــى النــور‪ ،‬ومــن الغفلــة إلــى اليقظــة‪ ،‬ومــن الشــقاوة إلــى الســعادة‪،‬‬
‫ومــن شــهوة المعاصــي إلــى لــذة الطاعــات‪.‬‬

‫ومــن هنــا اجتهــدت محتس ـ ًبا أجــري علــى اهلل أن أســاهم بشــيء يســير‬
‫الخطبــاء‪ ،‬وكتابــة شــيء مــن الخــرة والتجربــة لعلهــا أن ُتضيــف شــي ًئا‬
‫إلخــواين ُ‬
‫ـدي‪ ،‬ولكــن لعلمــي بتواضعهــم‬
‫لديهــم مــع علمــي أهنــم يمتلكــون أكثــر ممــا لـ َّ‬
‫سورة ص آية (‪.)20‬‬ ‫(((‬
‫سورة طه آية (‪.)28-27‬‬ ‫(((‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪9‬‬ ‫فن اخلطابة‬


‫ـت هــذه الكلمــات ع َّلهــا أن تكــون شــاهدة لنــا جمي ًعــا يــوم نلقــاه‪ ،‬سـ ً‬
‫ـائل اهلل‬ ‫كتبـ ُ‬
‫خالصــا لوجهــه‪.‬‬
‫ً‬ ‫‪ ‬أن ينفــع هبــا‪ ،‬وأن يجعــل العمــل‬

‫وكتبه‬

‫حسين محمد شامر‬

‫ظهيرة الثالثاء ‪1440/11/25‬هـ‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫فن اخلطابة‬ ‫‪10‬‬

‫‪ -1‬اخلطابة‬

‫ليــس هنــاك شــك يف أن الخطابــة تعتمــد على مشــافهة الجمهــور‪ ،‬وهتدف‬


‫هــذه المشــافهة علــى اإلقنــاع والتأثير وإال فقــدت تأثيرها‪.‬‬

‫(خ َطـ َ‬
‫ـب) وخطــب النــاس ألقــى عليهــم خطبــة‪.‬‬ ‫والخطابــة يف اللغــة‪ :‬مــن َ‬
‫وخ َطـ َ‬
‫ـب فالنــة أي طلبهــا للــزواج(((‪.‬‬ ‫َ‬

‫وخ ْطـ ٌ‬
‫ـب يســير أي من الخاطــب والمخاطبة‬ ‫وتقــول‪ :‬هــذا َخ ْطـ ٌ‬
‫ـب جليل‪َ ،‬‬
‫وهــي مراجعــة الكالم‪.‬‬

‫أمــا الخطابــة فتعنــي يف االصطــاح‪ :‬فــن مشــافهة أو مخاطبــة الجمهــور‬


‫تشــتمل علــى اإلقنــاع واالســتمالة(((‪.‬‬

‫ويقــول ابــن رشــد‪ :‬الخطابــة هــي‪« :‬قــوة تتكلــف اإلقنــاع الممكــن يف كل‬
‫واحــد مــن األشــياء المفــردة»(((‪.‬‬

‫ويقــول أفالطــون‪« :‬هــي فــن القــول يجعــل مــن يملكــون ناصيتــه بارعيــن‬
‫يف الــكالم ومــا دام الــكالم تعبيـ ًـرا عــن الفكــرة فإنــه يجعلهــم أذكيــاء يف شــيء‬
‫مــا»(((‪.‬‬
‫القاموس المحيط ص ‪.102‬‬ ‫(((‬
‫انظر مجمع اللغة العربية ص ‪.243‬‬ ‫(((‬
‫تلخيص الخطابة ص ‪.10‬‬ ‫(((‬
‫الخطابة وااللقاء للدكتور محمد سليم هياجنة‪.‬‬ ‫(((‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪11‬‬ ‫فن اخلطابة‬


‫وممــا ســبق مــن تعريفــات يتضــح لنــا أن الخطابــة تعتمــد علــى ركــن مهــم‬
‫وهــو الجمهــور وهــو الهــدف األول واآلخيــر‪ .‬فهــي ُتمثــل حلقــة وصــل بيــن‬
‫الخطيــب وجمهــوره‪.‬‬

‫وهــذه الخطابــة تقــوم علــى إرشــاد النــاس وتعليمهــم مــا ينفعهــم يف‬
‫دينهــم ودنياهــم‪.‬‬

‫والخطيــب مهمتــه إيصــال هــذه الخطبــة بأبلــغ بيــان‪ ،‬وأفصــح لســان‬


‫حتــى يتــم الغــرض مــن الخطابــة‪.‬‬

‫وأهم عنصرين يف الخطابة‪:‬‬

‫اإلقناع‪ -‬والتأثير‪.‬‬

‫وعمــدة ذلــك قولــه ‪ :‬ﮋ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ‬


‫ﮠﮊ ( (( ‪.‬‬

‫ومــن األشــياء المهمــة للخطيــب أن يعــرف نــوع جماهيــره وهــذه النوعية‬


‫الجماهيريــة تنحصر يف اآليت‪:‬‬

‫سورة النساء اآلية (‪.)63‬‬ ‫(((‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫فن اخلطابة‬ ‫‪12‬‬

‫‪ -2‬أنواع اجلماهري‪:‬‬

‫‪-1‬اجلمه��ور املؤي��د ‪ :‬وهــو الجمهــور المؤيــد لفكرتــك ولموضوعــك‪،‬‬


‫فهــذا الجمهــور تبــدأ بإثــارة عاطفتــه وتعزيــز قيمــه وتشــجيعه‪.‬‬

‫‪-2‬اجلمه��ور املع��ارض‪ :‬وهــذا الجمهــور ُيعــارض فكرتــك وأســلوبك‪،‬‬


‫وربمــا منهجــك‪ ،‬فهــذا الجمهــور تبــدأ معــه بدايــة قويــة يف تشــويقه‪.‬‬
‫فمثـ ًـا‪ :‬ذهبـ َ‬
‫ـت إلــى جامــع نيابــة عــن خطيبهــم المؤيديــن لــه المحبيــن‬
‫لخطبــه فربمــا عارضــوا وجــودك مكانــه‪ ،‬فهنــا تبــدأ موضوعاتــك‬
‫بقــوة وتشــويق لجــذب عقولهــم واحــذر مــن كل كلمــة تســتثيرهم‬
‫ألنــك تحــت النقــد القــوي‪.‬‬

‫املاي��د‪ :‬وهــو الجمهــور الــذي ال ُيعــارض وجــودك وال‬


‫‪-3‬اجلمه��ور ُ‬
‫يؤيــده‪ ،‬إنمــا جــاء ليســتمع و ُيصلــي ثــم ينصــرف‪ .‬فهــذا الجمهــور‬
‫يحتــاج إلــى إبــداع وإقنــاع وإمتــاع حتــى يقبــل فكرتــك‪.‬‬

‫‪ -4‬اجلمه��ور غ�ير املهت��م‪ :‬ربمــا هــذا الجمهــور ُيغلــب عليــه الالمبــاالة‬
‫فينظــر إليــك وقــت صعــودك المنــر يتفقــد شــكلك ومظهــرك ثــم‬
‫ال ُيعيــرك اهتما ًمــا‪ ،‬فهــذا ابــدأ معــه بالقصــة حتــى تنتهــي منهــا‪ ،‬ثــم‬
‫عززهــا بمــا تريــد مــن حقائــق وأفــكار وقيــم‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪13‬‬ ‫فن اخلطابة‬

‫‪ -5‬مجه��ور العام��ة‪ :‬وهــذا الجمهــور مــن عامــة النــاس وال أقصــد أهنــم‬
‫أميــون ال يعرفــون الكتابــة وال القــراءة‪ ،‬فهــذا نــوع مــن العامــة‪ ،‬لكــن‬
‫مهندســا لكنهــم غيــر مؤهليــن علم ًيــا‬
‫ً‬ ‫معلمــا‪،‬‬
‫ً‬ ‫العامــة قــد يكــون طبي ًبــا‪،‬‬
‫شــرع ًيا فهــؤالء يحتاجــون إلــى الكالم الســهل المنظم‪ ،‬وإلــى تحريك‬
‫عاطفيتهــم بالقصــص واألمثلــة بعيــدً ا عــن التعقيــد والمصطلحــات‬
‫غيــر المفهومــة‪.‬‬

‫‪-6‬مجه��ور املتخصص�ين‪ :‬وهــم أهــل الثقافــة العاليــة والتخصصــات‬


‫كأن يخطــب ُ‬
‫الخطــب يف مجمــع أطبــاء أو أكاديمييــن كمســاجد‬
‫الجامعــات فهــذا ال بــد أن يعتمــد يف كالمــه علــى اإلقنــاع العقلــي‪،‬‬
‫والمنطقيــة‪ ،‬واإلحصائيــات‪.‬‬

‫فهــذه نوعيــة الجماهيــر التــي قــد يواجههــا الخطيــب يف خطبتــه فــا بــد‬
‫ـم ُيخاطبهــم بمــا يتناســب معهــم‪.‬‬
‫لــه أن يعــرف حــال مســتمعيه ومــن ثـ َّ‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫فن اخلطابة‬ ‫‪14‬‬

‫‪ -3‬أنواع اخلطابة‪:‬‬

‫مــع العلــم والتقــدم والثــورات المعلوماتيــة إال أن الخطابــة لــم تفقــد‬


‫مكانتهــا بــل أصبحــت ذات شــأن وأهميــة وتنوعــت أنواعهــا‪ ،‬وأخذت أشـ ً‬
‫ـكال‬
‫عديــدة مثــل‪:‬‬

‫اخلط��ب السياس��ية‪ :‬وهــي التــي ُتلقــى مــن قِ َبــل القائــد السياســي‪،‬‬


‫‪ُ )1‬‬

‫وهــي ُتعنــى بالخطــوط العامــة للدولــة‪.‬‬

‫اخلط��ب العس��كرية‪ :‬وهــي التــي ُتلقــى علــى الجنــود يف الميــدان‬


‫‪ُ )2‬‬

‫لشــحذ هممهــم‪ ،‬وتحريضهــم علــى القتــال‪.‬‬

‫اخلط��ب القضائي��ة‪ :‬وهــي كل مــا يتعلــق بالخصومــات‪ ،‬والنزاعــات‪،‬‬


‫‪ُ )3‬‬

‫وإصــاح ذات البيــن‪.‬‬

‫اخلط��ب العلمي��ة‪ :‬وهــي التــي يلقيهــا العلمــاء والباحثــون‪ ،‬وأهــل‬


‫‪ُ )4‬‬

‫االكتشــافات العلميــة‪.‬‬

‫اخلط��ب احملفلي��ة‪ :‬وهــي التــي ُتلقــى يف المحافــل العامــة ويف‬


‫‪ُ )5‬‬

‫المناســبات‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪15‬‬ ‫فن اخلطابة‬

‫اخلط��ب الديني��ة‪ :‬وهــي التــي ُتلقــى يف ُخطــب الجمعــة لغــرض‬


‫‪ُ )6‬‬
‫التذكيــر والوعــظ‪ ،‬وهــذا النــوع هــو محــور حديثنــا يف هــذا الكتــاب‪،‬‬
‫ومــا توفيقــي إال بــاهلل‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫فن اخلطابة‬ ‫‪16‬‬

‫‪ -4‬أهمية اخلطبة‪:‬‬

‫الخطبــة يف اإلســام أصــل أصيــل‪ ،‬وشــأن جليــل‪ ،‬ومقصــد نبيــل‪ ،‬وهــي‬ ‫ُ‬
‫لســان اإلســام الــذي يــر ُّد بــه الخطيــب علــى عبــث العابثيــن‪ ،‬وكيــد المعتدين‪،‬‬
‫و ُيصحــح بــه عقائــد المســلمين‪ ،‬و ُيثبــت بــه إيمــان المؤمنيــن‪.‬‬

‫ولمــا كانــت المهمــة األولــى لنبينــا ‪ ‬تبليــغ رســالة ر ِّبــه‪،‬‬


‫الحجــة هيــأ لــه المنــر وجعلــه لــه يو ًمــا يف األســبوع‪ ،‬وهــو يــوم الجمعة‪،‬‬
‫وإقامــة ُ‬
‫وجعــل الجمعــة خيــر األيــام وجعلهــا عيــدً ا للمســلمين فــكان مناسـ ًبا أن تكــون‬
‫الدعــوة إلــى اهلل يف هــذا اليــوم هــي مــن أعظــم ال ُقربــات ﮋ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ‬
‫فالخطبــة دعــوة إلــى اهلل ‪‬‬ ‫ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮊ((( ‪ُ .‬‬
‫المتميــزون عمودهــا البيــان‪،‬‬
‫يتنافــس يف درجاهتــا المتنافســون‪ ،‬ويتميــز عربهــا ُ‬
‫ورســولها اللســان‪.‬‬

‫وألن الدعــوة تحتــاج إلــى ألســنة ُملتهبــة‪ ،‬وقلــوب صادقــة فــإن ذلــك‬
‫يســتدعي إلــى اإلبــداع‪ ،‬وإخــراج ُخطبــاء متميزيــن‪ ،‬فــإن ُخطبــة واحــدة بلســان‬
‫فصيــح ومعتقــد صحيــح أبلــغ مــن ألــف مدفــع يف التأثيــر علــى عقــول النــاس‪.‬‬
‫ـب البــارع الــذي هــدى اهلل بلســانه الخلق‬
‫فهــا هــو رســولنا ‪ ‬الخطيـ ُ‬
‫الكثيــر بعدمــا نزلــت عليــه ﮋﭿ ﮀ ﮁﮊ((( ‪.‬‬
‫سورة فصلت آية (‪.)33‬‬ ‫(((‬
‫سورة الشعراء آية (‪.)214‬‬ ‫(((‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪17‬‬ ‫فن اخلطابة‬


‫صعــد علــى الصفــا ثــم نــادى‪« :‬يــا صباحــاه»‪ .‬اجتمــع النــاس حولــه‬
‫وتكاثــروا بيــن رجــل يجــيء إليــه‪ ،‬ورجــل يبعــث رســوله ليــرى الخــر‪ ،‬فلمــا‬
‫المطلــب‪ ،‬يــا بنــي فهــر‪ ،‬يــا بنــي لــؤي أرأيتم‬
‫اجتمعــوا حولــه قــال‪« :‬يــا بنــي عبــد ُ‬
‫لــو أخبرتكــم أن خيـ ًـا بســفح هــذا الجبــل تُريــد أن تُغيــر عليكــم صدقتمــوين؟»‬
‫قالــوا‪ :‬نعــم‪ .‬قــال‪« :‬فــإين نذيــر لكــم بيــن يــدي عذاب شــديد»‪ .‬فقــال‪ :‬أبــو لهب‪:‬‬
‫ت ًبــا لــك ســائر اليــوم ألهــذا جمعتنــا؟ فأنــزل اهلل ﮋ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌﮊ((( (((‪.‬‬

‫فهــذه الخطبــة المحمديــة يف هــذا التوقيــت‪ ،‬ويف هــذا المــكان‪ ،‬وهبــذا‬


‫األســلوب تعتــر أعظــم ُخطبــة‪ ،‬بــل ُتعتــر ُ‬
‫المحــرك األول للدعــوة الجهريــة‬
‫والخطابــة اإلســامية‪ ،‬وضــوء المنــر الــذي ال ينطفــي‪ ،‬وكــم أثــرت هــذه‬
‫الكلمــات يف قلــوب الســامعين‪ ،‬وكــم أبــدع فيهــا رســول اهلل ‪‬‬
‫وتفنــن يف عــرض خطبتــه وأوجــز فيهــا وأبلــغ حتــى أذهــب برباعتهــا عقــول‬
‫الفصحــاء‪ ،‬واألدبــاء‪ ،‬والشــعراء‪ ،‬حتــى اكتــوى قلــب أبــي لهب بتلــك العبارات‬
‫فأخــرج مكنــون فــؤاده العفــن‪.‬‬

‫ثــم بعــد ذلــك فــرض اهلل علــى المســلمين صــاة الجمعــة وأصبحــت‬
‫عالقــة الرســول ‪ ‬بالمنــر عالقــة أســبوعية يلتقــي خاللهــا عقــول‬
‫وقلــوب النــاس ممــا جعــل لهــذه الخطبــة‪ ،‬وهــذا المنــر أهميــة كبيــرة ومكانــة‬
‫عظيمــة فتوالــت وتتابعــت علــى هــذا المنــر أجيــال وأجيــال‪ ،‬وتنافــس عليهــا‬
‫أفصــح الرجــال‪ ،‬وأصبــح هــذا المنــر أعظــم مجــال إلرشــاد النــاس وتعليمهــم‬
‫أخرجه البخاري(‪ )4803‬وأخرجه مسلم (‪.)208‬‬ ‫(((‬
‫سورة المسد آية (‪.)1‬‬ ‫(((‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫فن اخلطابة‬ ‫‪18‬‬

‫أمــور دينهــم ودنياهــم حتــى قــال فيلســوف فرنســي‪ :‬لــو نملــك مبــدأ كمــا‬
‫يملكــه المســلمون لغ َّيرنــا وجــه العالــم أو كلمــة نحوهــا‪.‬‬

‫فــا تــزال خطبــة الجمعــة إلــى يومنــا هــذا تحتــل مكانــة عظيمــة وموق ًعــا‬
‫متميـ ًـزا يف نفــوس المســلمين وهــي إحــدى وســائل الدعــوة إلــى اهلل‪ ،‬وهــي مــن‬
‫ـض‬‫أهــم رســائل الرتبيــة والتوجيــه والتأثيــر ولهــا ثمــرات كثيــرة فهــي التــي تفـ َّ‬
‫المشــاكل وتقطــع الخصومــات‪ ،‬وهــي التــي ُتهــدأ النفــوس الثائــرة‪ ،‬وهــي‬
‫التــي ُتثيــر حماســة ذوي النفــوس الفاتــرة‪ ،‬وهــي التــي ترفــع الحــق‪ ،‬وتخفــض‬
‫الباطــل‪ ،‬و ُتقيــم العــدل‪ ،‬وتــر ُد المظالــم‪ ،‬وهــي صــوت المظلوميــن‪ ،‬وهــي‬
‫لســان الهدايــة‪،‬‬

‫والخطابــة ُتثيــر حميــة الجيــوش‪ ،‬وتدفعهــم إلــى لقــاء المــوت‪ ،‬و ُتزيــد‬
‫قواهــم المعنويــة‪ ،‬ولذلــك كان قــواد الجيــوش المظفريــن ُخطبــاء(((‪.‬‬

‫ومازالــت هــذه الخطبــة وســيلة حيــة أحيــت قلوبــا مــن المــوت وأيقظــت‬
‫أســرا كانــت‬
‫ً‬ ‫أرواحــا إلــى خالقهــا‪ ،‬وأصلحــت‬
‫ً‬ ‫ضمائــر نائمــة‪ ،‬وأعــادت‬
‫يف غيهــا تعبــث‪ ،‬وجمعــت بيو ًتــا كانــت ممزقــة‪ ،‬وأدخلــت ً‬
‫أمــا يف قلــوب‬
‫محطمــة‪ ،‬وأضــاءت ســراج التفــاؤل يف نفــوس متشــائمة‪ ،‬وفتحــت مدنــا كانــت‬
‫مســتعصية‪.‬‬

‫وال تقولوا وماذا تصنع ُ‬


‫الخطب؟‬

‫إن ُخطــب ديموســتين صبــت الحيــاة يف عــروق أمــة كانــت تفقــد الحيــاة‬
‫الخطابة ألبي زهرة ص‪ 21‬بتصرف‪.‬‬ ‫(((‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪19‬‬ ‫فن اخلطابة‬


‫وهــي كلمــات وقفــت ســدً ا مني ًعــا يف وجــه أعظــم قائــد عرفتــه القــرون األولــى‬
‫األســكندر ووجــه أبيــه مــن قبــل فيليــب‪ُ ،‬‬
‫وخطبــة طــارق هــي التــي فتحــت‬
‫األندلــس‪ُ ،‬‬
‫وخطبــة الحجــاج أخضعــت يو ًمــا العــراق‪ ،‬وأطفــأت نــار الفتنــة‬
‫التــي كانــت مشــتعلة فيــه‪ ،‬ثــم وجهتــه إلــى المعركــة الماجــدة‪ ،‬ففتــح واحــدٌ‬
‫مــن قــواد الحجــاج أكثــر ممــا فتحــت فرنســا يف عصرهــا كلهــا‪ ،‬وبلــغ الصيــن‪،‬‬
‫وحمــل اإلســام إلــى هــذه البــاد وكلهــا فاســتقر فيهــا إلــى يــوم القيامــة‪ ،‬ذلــك‬
‫هــو قتيبــة بــن مســلم‪.‬‬

‫ولمــا اجتــاح نابليــون روســيا مــا أعــاد لهــا حريتهــا وال ر َّد عليهــا عزمهــا‬
‫إال خطــب (فختــه) التــي صــارت لقومــه كالمعلقــات(((‪.‬‬

‫هتاف المجد لعلي الطنطاوي ‪ ‬ص‪.23‬‬ ‫(((‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
www.alukah.net

‫فن اخلطابة‬ 20


‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪21‬‬ ‫فن اخلطابة‬

‫عقبات في طريق الخطيب‪:‬‬

‫هنــاك وال شــك يف طريــق الخطيــب عقبــات ومصاعــب قــد تواجهــه يف‬
‫بدايــة الطريــق فيتخلــص منهــا‪ ،‬والبعــض اآلخــر يحتــاج إلــى مجاهــدة وصــر‬
‫وتع ُّلــم‪ ،‬والبعــض يتالشــى منــه ذلــك كلــه بطــول العهــد والممارســة‪ ،‬وهكــذا‬
‫يف جميــع شــؤون الحيــاة ال بــد مــن الصــر والمجاهــدة‪ ،‬وليــس هنــاك مســتحيل‬
‫يف عالــم الخطابــة‪ ،‬وإليــك بعــض هــذه العقبــات التــي هــي مــن أشــهر مــا تواجــه‬
‫كل خطيــب‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫فن اخلطابة‬ ‫‪22‬‬

‫العقبة األولى‪ :‬الخوف من الجمهور‪:‬‬

‫أمــر شــائع ومنتشــر‪ ،‬وليــس فقــط‬


‫الخــوف مــن التحــدث أمــام النــاس ٌ‬
‫عنــد الخطيــب وحــده بــل كل مــن يتحــدث أمــام جمهــور وقــد يتفــاوت هــذا‬
‫الخــوف مــن شــخص آلخــر‪ ،‬وأحيا ًنــا ينتقــل هــذا الخــوف مــن بدايــة التوتــر‬
‫إلــى الهلــع‪ ،‬وهنــاك دراســة منشــورة أن أكثــر المخــاوف يف حيــاة النــاس هــي‬
‫الحديــث أمــام الجمهــور‪ ،‬بــل إن ذلــك علــى رأس قائمــة المخــاوف‪ ،‬وأن‬
‫هنــاك واحــدً ا مــن كل خمســة أشــخاص يعتــر الحديــث أمــام النــاس خو ًفــا‬
‫مطل ًقــا وممكــن نســميه القلــق االجتماعــي‪.‬‬

‫مهو ًنــا أو مهـ ِّـو ًل فاألمــر واقــع يعيشــه كل متحــدث أمــام‬


‫وحتــى ال أكــون ِّ‬
‫أيضــا هنــاك عــاج وحــل يســتطيع أن يتخلــص المــرء منــه ‪.‬‬
‫النــاس لكــن ً‬

‫خصوصــا والمــرء عمو ًمــا‬


‫ً‬ ‫وقبــل ذلــك ال بــد أن تعــرف أيهــا الخطيــب‬
‫الفــرق بيــن الخــوف والقلــق والفوبيــا حتــى تتغلــب علــى هــذه العقبــة‪.‬‬

‫نارا ‪.‬‬
‫عدوا أو سب ًعا أو ً‬
‫فاخلوف‪ :‬ردة فعل لخطر قائم كأن تلقى ً‬

‫الفوبي��ا‪ :‬أن تخــاف شــي ًئا ممــا ال تخــاف منــه عــاد ًة مــع المبالغــة يف ذلــك‬
‫كالخــوف مــن الظــام والمرتفعــات فهــو خــوف بــا منطــق‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪23‬‬ ‫فن اخلطابة‬

‫القل��ق‪ :‬وهــو ردة فعــل لخطــر متوقــع أو متخيــل‪ ،‬وهــذا أغلــب مــا يقــع‬
‫فيــه المتحدثــون عمو ًمــا‪ ،‬فنجــده قل ًقــا مــن خطبــة الغــد ويتخيــل مــاذا يقــع‬
‫فيهــا؟ ويتخيــل وقوعــه يف الخطــأ وأمــام اآلخريــن فيتحــول هــذا إلــى خــوف‬
‫ُيصاحــب الخطيــب‪.‬‬

‫وهنا أتساءل هل خوف الخطيب فطري أم مكتسب؟‬

‫هــذا التســاؤل يف غايــة األهميــة؛ ألنــه يرشــدنا إلــى الحــل والتغلــب علــى‬
‫هــذه العقبــة‪ ،‬فأ ًيــا كانــت اإلجابــة فاإلنســان يــدرك أن التعامــل مــع الخــوف‬
‫ممكــن وهــو شــعور مــازم حتــى رحيلــه مــن القلــب‪ ،‬وأن هــذا الخــوف‬
‫يتالشــى بمواجهتــه والتدريــب عليــه‪ ،‬وأن هنــاك أســباب رئيســية لهــذا الخــوف‬
‫منهــا ‪:‬‬

‫األول‪ :‬مخــاوف صــادرة عــن تصــور تجــارب ســابقة آلخريــن‪ ،‬فمثـ ًـا‪:‬‬
‫تســمع لشــخص وهــو يتحــدث عــن خطــورة المنــر ومواجهــة الجمهــور‪ ،‬وأن‬
‫فال ًنــا ســقط مغشـ ًيا عليــه‪ ،‬وآخــر ُأرتـ ّ‬
‫ـج عليــه‪ ،‬وثالــث توقــف عــن الــكالم علــى‬
‫المنــر فهــذه تجعــل الخطيــب يعيــش خو ًفــا بســبب تجــارب اآلخريــن‪.‬‬

‫الثانــي‪ :‬مخــاوف متوارثــة وتحذيــرات محبِطــة مــن آخريــن‪ ،‬فهــذا‬


‫ُيحــذرك بشــكل مبالــغ فيــه‪ ،‬وآخــر يجعــل الخطبــة أعظــم خــوف تواجهــه حتــى‬
‫ُتصبــح ُ‬
‫الخطبــة عنــدك مســتحيلة‪.‬‬

‫الثالــث‪ :‬تصــور المجهــول فأكثــر النــاس يعيــش قل ًقــا مــن المجهــول‪،‬‬


‫وهــذا حــال الخطيــب يف بدايتــه فهــو يتنبــأ بالفشــل والســقوط فيشــعر بخــوف‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫فن اخلطابة‬ ‫‪24‬‬

‫وقلــق وهــو لــم يمــارس واقــع المنــر فيعيــش مــع المجهــول وبالتالــي ُيحاصره‬
‫الخــوف‪ ،‬وكــم مــن شــخص يملــك العلــم والقــدرة‪ ،‬ولكــن يخشــى أن يخوض‬
‫التجربــة فيفـ ِّـوت علــى نفســه الخيــر الكثيــر‪.‬‬

‫وأحــب أن أخــرك شــي ًئا قبــل أن أبــدأ بفقــرات العــاج اعلــم ‪-‬رحمــك‬
‫اهلل‪ -‬أنــه ال يوجــد خطيــب أو متحــدث لــم تمـ َّـر بــه عقبــة الخــوف فــكل مــن‬
‫تــراه يتحــدث علــى المنــر أمــام اآلالف قــد مـ َّـر بتجــارب وعقبــات وأخطــاء‬
‫وأمــور تضحــك منهــا العجائــز فــا تقلــق فــكل ذلــك يتالشــى مــع التدريــب‬
‫والتجــارب‪.‬‬

‫وإليك بعض اإلرشادات للتخلص من هذه العقبة‪:‬‬

‫ً‬
‫أول‪ :‬استعن باهلل‬

‫ﮋ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥﮊ((( ‪ .‬وقوله ‪« ‬إذا استعنت فاستعن‬


‫مضمــارا إلبــراز العضــات والفصاحــة؛‬
‫ً‬ ‫بــاهلل»‪ .‬وتذكــر أن الخطبــة ليســت‬
‫إنمــا هــي عبــادة عظيمــة ووظيفــة األنبيــاء عليهــم الســام‪ ،‬وربمــا كلمــة ُتغيــر‬
‫هبــا عقــول ومفاهيــم كثيــر النــاس‪ ،‬فــا تعتمــد علــى قوتــك وال عقليتــك وال‬
‫ذكائــك وال بحفظــك لكلمــات وأبيــات بــل اســتعن بــاهلل‪ ،‬وتــوكل علــى اهلل‬
‫فهــو العليــم الحكيــم فت ـرَّأ مــن حولــك وقوتــك والجــأ إليــه ولــن تخيــب‪.‬‬
‫سورة الفاتحة آية (‪.)5‬‬ ‫(((‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪25‬‬ ‫فن اخلطابة‬


‫ثانيًا‪ :‬تدرب قبل االرتقاء‬

‫التدريــب‪ :‬هــو عبــارة عــن نشــاط ُيركَّــز فيــه المــرء وذلــك لتطويــر‬
‫قدراتــه ومعارفــه ومهاراتــه‪ ،‬وهــذا التدريــب يكســب المــرء ثقــة يف نفســه‬
‫ويطــور مهاراتــه و ُيعالــج أخطــاءه‪ ،‬وأحــوج النــاس إلــى هــذا التدريــب هــم‬
‫ُ‬
‫الخطبــاء والدعــاة‪.‬‬

‫يقــول أبــو داود بــن حريــز‪« :‬رأس الخطابــة الطبــع‪ ،‬وعمودهــا‬


‫الدُّ ربــة‪ ،‬وجناحهــا روايــة الــكالم»(((‪ .‬فالدربــة والممارســة والتدريــب تصنــع‬
‫فصيحــا‪ ،‬وكان ابــن الجــوزي ‪ ‬يصنــع بعــض‬
‫ً‬ ‫خطي ًبــا بار ًعــا ومتحد ًثــا‬
‫ويرصهــا ثــم يتحــدث إليهــا‪ ،‬وكان الخطيــب الشــهير ديموســتيس‬
‫ُّ‬ ‫الحجــارة‬
‫اليونــاين يذهــب إلــى البحــر ويضــع يف فمــه حصــاة ثــم يقــف ليخطــب‪ ،‬وكان‬
‫يتخيــل األمــواج جمو ًعــا حاشــدة يتحــدث إليهــا حتــى بــرع يف خطابتــه‪.‬‬

‫‪ -‬وهناك بعض الطرق للتدريب‪:‬‬

‫أ‪-‬اجتمــاع مجموعــة مــن األشــخاص وليكــن خمســة أو ســتة ثــم‬


‫يجعلــون بينهــم تنافســا يف اإللقــاء وذلــك لكســر حاجــز الخــوف‪.‬‬

‫ب‪-‬أن يذهــب الخطيــب إلــى شــخص متمــرس يف الخطابــة واإللقــاء ثــم‬


‫يطلــب منــه ســماع كلمــة أو خطبــة أو قصيــدة لتقويــم لســانه وتعزيــز‬
‫إيجابياته وتحســين ســلبياته‪.‬‬
‫فن الخطابة للشيخ علي محفوظ ص ‪.18‬‬ ‫(((‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫فن اخلطابة‬ ‫‪26‬‬

‫ج‪-‬الذهــاب يف البدايــة إلــى جوامــع القــرى وأهــل الباديــة فهــذا ُيشــجع‬


‫الخطيــب ويقــوى فيــه عــادة مواجهــة اآلخريــن‪.‬‬

‫ثالثًا‪ :‬تصور األسوأ‬

‫وأنــت ُم ْقــدم علــى الخطابــة ومواجهــة الجمهــور ســائل نفســك مــا‬


‫أســوأ شــيء ســيحدث لــك؟ هــل ســرتبك؟ هــل ســيتصبب العــرق منــك؟ هــل‬
‫ســيضحك عليــك لحاضــرون؟ هــل ســيغمي عليــك؟ تصـ َّـور هــذه األمــور كلها‬
‫نفســا عمي ًقــا‪ ،‬وقــارن بينهــا وبيــن نجاحــك‪ ،‬وإبداعــك‬
‫ســتقع لــك‪ ،‬ثــم خــذ ً‬
‫وعــش لحظــات نظــرات الحاضريــن‬ ‫يف الخطبــة كأول مــرة تخطــب فيهــا‪ِ ،‬‬

‫وكلماهتــم وهــي ُتثنــي عليــك وتتعجــب مــن جمــال خطبتــك‪ ،‬وجميــل صنيعك‬
‫عشــها بــكل تفاصيلهــا فإهنــا ســتطرد أســوأ مــا تتصــوره‪ ،‬وهبــذه المقارنة ســتجد‬
‫نفســك تنطلــق إلــى المزيــد‪ ،‬وإنــه لــن يحــدث لــك إال كل خيــر‪.‬‬

‫راب ًعا‪ :‬ركز يف حديثك‬

‫وحضــر جيــدً ا لموضوعــك واقــرأه كثيـ ًـرا وردد الكلمــات‬


‫َّ‬ ‫بمعنــى اســتعد‬
‫التــي تشــعر بأهنــا صعبــة النطــق أو اســتبدلها بغيرهــا‪ ،‬فكثيــر مــن المبتدئيــن يف‬
‫الخطابــة يهتــم بالموقــف و ُيفكــر فيــه ويغفــل جانــب الرتكيــز يف الموضــوع فإذا‬
‫ركــزت يف الموضــوع واســتعديت جيــدً ا وعرفــت مــاذا تقــول؟ سـ ُيخفف عنــك‬
‫كثيـ ًـرا مــن عــبء الموقــف‪ ،‬وإيــاك ثــم إيــاك أن تصعــد المنــر وأنــت تتحــدث‬
‫أمــام النــاس دون ترتيــب لكلماتــك وتحضيــر لهــا خاصــة يف بداياتــك‪ ،‬فموقف‬
‫مثــل هــذا قــد يفســد عليــك موهبتــك‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪27‬‬ ‫فن اخلطابة‬


‫خام ًسا‪ :‬تفقد املكان قبل املواجهة‬

‫إن ممــا يعيــن علــى تخفيــف حالــة التوتــر والخــوف أن تأخــذ جولــة‬
‫بســيطة علــى المــكان الــذي ســتلقي فيــه ُخطبتــك أو كلمتــك‪ ،‬فمثـ ًـا اذهــب‬
‫إلــى الجامــع الــذي ســتخطب فيــه واصعــد إلــى المنــر بــكل ثقــة وخــذ نظــرة‬
‫علــى المســجد‪ ،‬وتخيــل أنــك بــدأت الخطبــة وعــش جـ َّـو الخطبــة وحضــور‬
‫ـورا نزولــك بعــد أدائــك للخطبــة فهــذا يزيــل عنــك‬
‫المصليــن‪ ،‬ثــم انــزل متصـ ً‬
‫شــي ًئا كبيـ ًـرا مــن الضغــوط ويعطيــك خلفيــة ســابقة عــن المــكان الــذي ســتقف‬
‫فيــه خطي ًبــا‪.‬‬

‫ساد ًسا‪ :‬اهتم بوقفتك وصوتك‬

‫عندمــا تقــف أول مــرة علــى المنــر فيجــب عليــك أن تعتنــي بوقفتــك‬
‫نفســا عمي ًقــا و ُتخرجــه ببــطء مــن‬
‫وصوتــك‪ ،‬فتقــف وصــدرك لألمــام ثــم تأخــذ ً‬
‫فمــك‪ ،‬وهكــذا يكــون وقــت األذان قبــل البــدء يف الخطبــة فبهــذا ُيســاعدك على‬
‫الطمأنينــة وزوال الوتــر‪ ،‬فــإذا وقفــت فباعــد بيــن قدميــك واتــكأ عليهمــا م ًعــا‪،‬‬
‫فاالتــكاء علــى قــدم دون األخــرى يجعــل وقفتــك ضعيفــة وثقتــك مهــزوزة بــل‬
‫قــف منفــوخ الصــدر متك ًئــا علــى رجليــك بثبــات راف ًعــا صوتــك يف البدايــة دون‬
‫صــراخ أو إزعــاج وإنمــا صــوت مســموع خاصــة يف بدايــة الخطبــة ألن هــذا‬
‫سـ ُيلغي تــردد الصــوت الــذي يصحــب المتوتــر غال ًبــا‪.‬‬

‫فهــذه بعــض الخطــوات العمليــة للتغلــب علــى عقبــة الخــوف عنــد‬


‫الخطيــب المبتــدئ‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫فن اخلطابة‬ ‫‪28‬‬

‫العقبة الثانية‪ :‬صعوبة اختيار الموضوع‬

‫هــذه المشــكلة هــي مشــكلة عامــة عنــد ُ‬


‫الخطبــاء‪ ،‬فكيــف يختــار‬
‫الموضــوع فلديــه كل جمعــة خطبــة وموضــوع جديــد‪ ،‬فمــاذا يقــول وكيــف‬
‫يختــار موضوعــه؟‬

‫وهذه ميكن تقسيمها إىل أقسام‪:‬‬

‫‪ )1‬موضوعات مومسية‪:‬‬

‫وهــذه ســهلة جــدً ا علــى الخطيــب فهنــاك مواســم متكــررة مثــل‪ :‬صيــام‬
‫رمضــان ومــا يتعلــق بأحكامــه وآدابــه‪ ،‬وكذلــك الحــج فهــذه ال تحتــاج إلــى‬
‫بحــث وحلــول‪.‬‬

‫‪ )2‬موضوعات متعلقة بأحداث وتواريخ‬

‫مثــل غــزوة بــدر‪ ،‬هجــرة الرســول ‪ ‬بــدع رجــب‪ ،‬واإلســراء‬


‫والمعــراج وغيرهــا فهــذه موضوعــات جاهــزة والحديــث عنهــا متوفــر‬
‫ومســتفيض‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪29‬‬ ‫فن اخلطابة‬


‫‪ )3‬موضوعات الوزارة واألوقاف‪.‬‬

‫فهنــاك بيــن الفــرة واألخــرى تــأيت عناويــن جاهــزة وموضوعــات محددة‬


‫أيضــا ال تكلــف‬
‫مــن قبــل وزارة الشــؤون اإلســامية وإدارات األوقــاف‪ ،‬فهــذه ً‬
‫الخطيــب عنــاء البحــث عــن الموضــوع‪.‬‬

‫‪ )4‬موضوعات عامة‪.‬‬

‫وهــذه المشــغلة لعقــول وقلــوب الخطبــاء مــاذا ســأخطب غــدً ا؟ مــا‬


‫الموضــوع الــذي ســأخطب عنــه الجمعــة القادمــة ؟‬

‫ويف نظري وخالل تجربتي أن هذه المشكلة تعود إلى سببين‪:‬‬

‫األول‪ :‬ضعف التحصيل العلمي‪.‬‬

‫الثاني‪ :‬الفوضى التي يعيشها الخطيب‪.‬‬

‫ً‬
‫معقــول أن يكــون الخطيــب بعيــدً ا عــن التخطيــط وال يملــك‬ ‫فليــس‬
‫برنامجــا ألهدافــه وخطبــه فصعوبــة اختيــار الموضــوع ناشــئة عــن هذيــن‬
‫ً‬
‫األمريــن‪ ،‬ومــن أجــل تــايف هــذه العقبــة فإليــك هــذه الخطــوات‪:‬‬

‫أول‪ :‬احتفــظ بمذكــرة ال تفارقــك واكتــب فيهــا كل فكــرة أو موضــوع‬


‫ً‬
‫يخطــر علــى بالــك فالفكــرة تــأيت وإن لــم تقيدهــا ذهبــت وتالشــت‪.‬‬

‫قسم الخطب على عدة موضوعات ً‬


‫فمثل‪:‬‬ ‫ثان ًيا‪ِّ :‬‬
‫رقائــق ومواعــظ‪ ،‬أحــكام فقهيــة‪ ،‬تفســير آيــات مــن القــرآن‪ ،‬وقفــات مــن‬
‫الســيرة‪ ،‬قضايــا اجتماعيــة وأســرية‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫فن اخلطابة‬ ‫‪30‬‬

‫ثــم انتقــل مــن تجزئــة الموضوعــات الكــرى إلــى عناويــن مثل‪:‬رقائــق‬


‫ومواعــظ فهــذا موضــوع كبيــر يحتــاج إلــى ســنوات لكــن تســتطيع أن تجــزأه يف‬
‫الســنة إلــى ســت خطــب‪.‬‬

‫الخطبة األولى‪ :‬سالمة القلب‪.‬‬

‫الخطبة الثانية‪ :‬موت القلب‪.‬‬

‫الخطبة الثالثة‪ :‬أثر العبادات على القلب‪.‬‬

‫وهكــذا‪ ،‬أو بعــض الخطبــاء يجعــل هــذا الموضــوع علــى شــكل سلســلة‬
‫ويجعلهــا يف شــهر أو شــهرين‪ ،‬والبعــض اآلخــر ينــوع بيــن الخطــب‪ ،‬فخطــب‬
‫يف العقيــدة‪ ،‬وأخــرى يف الســيرة‪ ،‬وثالثــة يف التفســير‪ ،‬وهكــذا‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬معرفة حال المستمعين‪:‬‬


‫ً‬

‫وهــذه مهمــة الخطيــب الناجــح أن يعــرف أحــوال مســتمعيه وجماهيــره‬


‫ثــم يحدثهــم عمــا يبحثــون عنــه ‪ ،‬ويتــم اختيــار الموضوعــات علــى حســب‬
‫حاجــة النــاس‪ ،‬وإذا علــم الخطيــب أحــوال مســتمعيه ودرســهم ســهل عليــه‬
‫اختيــار الموضــوع‪.‬‬

‫راب ًعا‪ :‬العناية بكتب الموسوعات‪.‬‬

‫وهــذه الموســوعات تتجلــى فيهــا العناويــن والموضوعــات بشــكل كبيــر‬


‫ومــن هــذه الموســوعات التــي تعينــك علــى اختيــار الموضــوع بســهولة‪ :‬كتــاب‬
‫«نضــرة النعيــم» كتــاب «إحيــاء علــوم الديــن» كتــاب «موســوعة األخــاق»‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪31‬‬ ‫فن اخلطابة‬


‫لعلــوي الســقاف‪ ،‬و«رســائل ابــن رجــب» و«رســائل ابــن أبــي الدنيــا»‬
‫و«اآلداب الشــرعية» البــن مفلــح‪ ،‬فهــذه الكتــب تســاعدك كثيـ ًـرا علــى اختيــار‬
‫موضوعاتــك بســهولة‪ ،‬وذلــك مــن خــال المــرور علــى فهــارس تلــك الكتــب‬
‫إن لــم تســتطع قراءهتــا‪.‬‬

‫مبكرا‪.‬‬
‫ً‬ ‫خامسا‪ :‬اختيار الموضوع‬
‫ً‬

‫الخطيــب إذا ب َّكــر يف اختيــار الموضــوع كان أعظــم لضبطــه وراحــة نفســه‬
‫وأذكــر أننــي وهلل الحمــد مــا نزلــت مــن منــر جمعــة إال وعنــوان وموضــوع‬
‫الخطبــة القادمــة جاهــز فــا أجــد صعوبــة أبــدً ا يف اختيــار الموضــوع وهلل‬
‫الحمــد‪.‬‬

‫فالتبكيــر يف اختيــار الموضــوع ُيريــح الخطيــب ويم ِّكنــه مــن ضبــط‬


‫خطبتــه وإتقاهنــا‪ ،‬بعكــس ذلــك الخطيــب الــذي يــأيت عليــه صبــاح الخميــس‬
‫وهــوال يــدري عــن أي موضــوع يتحــدث‪ ،‬وأمــا مــن صلــى فجــر الجمعــة ثــم‬
‫بــدأ يبحــث عــن موضــوع فهــذا مــن الظلــم أن يكــون خطي ًبــا‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫فن اخلطابة‬ ‫‪32‬‬

‫العقبة الثالثة‪ :‬التقليد‬

‫وهــي آفــة وعقبــة كــؤود يف طريــق الخطبــاء ســواء المبتدئــون أو‬


‫المتقدمــون‪ ،‬وهــذه العقبــة أعنــي التقليــد تقتــل المواهــب وتحطــم القــدرات‬
‫ـخاصا دون أن تكتشــف مواهبهــم‪ ،‬ال مانــع مــن االســتفادة مــن‬
‫وتستنســخ أشـ ً‬
‫خطبــاء مبدعيــن وتقليدهــم يف طريقــة طرحهــم‪ ،‬وإعدادهــم للخطبــة‪ ،‬وشــيء‬
‫مــن المحــاكاة يف وقفاهتــم ولطائفهــم‪ ،‬فهــذا يضيــف إلــى الخطيــب شــي ًئا مــن‬
‫النجــاح لكــن المشــكلة يف التقليــد الســامج الــذي يتقمــص فيــه الخطيــب‬
‫شــخصية غيــره ويــذوب فيهــا حتــى تــراه يصــل إلــى التصنــع والتكلــف ينحــر‬
‫الخطبــة مــن الوريــد إلــى الوريــد ويــؤذي آذان الســامعين خاصــة إذا كان‬
‫مشــهورا بيــن النــاس‪.‬‬
‫ً‬ ‫المق َّلــد معرو ًفــا‬

‫فــاهلل ســبحانه أعطــى كل واحــد مــن الخلــق قــدرات وموهــب وصو ًتــا‬
‫وطبيعــة ليســت يف غيــره ﮋ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭﭮ ﭯ ﭰﭱﮊ((( ‪ .‬فأنــت شــخص‬
‫مختلــف عــن اآلخريــن لــك شــخصيتك وإمكاناتــك وطبيعتــك فالبــد أن‬
‫تظهرهــا علــى المنــر وتبــدع يف إظهارهــا ال أن تختفــي خلــف شــخصية غيــرك‪.‬‬

‫فبعــض الخطبــاء يقلــد خطي ًبــا يف صوتــه فيبــدأ بدايــة قويــة ثــم تأخــذه‬
‫سورة البقرة آية (‪)148‬‬ ‫(((‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪33‬‬ ‫فن اخلطابة‬


‫ســعلة وكحــة ويتوقــف ويتنحنــح ألنــه حــاول تقليــد فــان‪ ،‬وآخــر يف نــرة‬
‫الصــوت فيكــون األداء ضعي ًفــا ألن طبقــات الصــوت تختلــف عــن ذلــك‬
‫الخطيــب‪.‬‬

‫فاحــذر أيهــا الخطيــب مــن التقليــد وذوبــان الشــخصية فإهنــا منقصــة‬


‫للعقــل‪ُ ،‬مذهبــة لبهــاء الخطيــب‪ ،‬ومتلفــة لجمــال الخطبــة‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫فن اخلطابة‬ ‫‪34‬‬

‫العقبة الرابعة‪ :‬التحكم في زمن الخطبة‬

‫مــن المهــم أن يــدرك الخطيــب أن ســماع الخطبــة عمــل وواجــب وليــس‬


‫ـرى بــه أن يضبــط ســاعته وخطبتــه وقــد‬
‫راحــة يتســلى فيهــا المســتمع‪ ،‬ولهــذا حـ ّ‬
‫ب ّيــن ‪ ‬أن االهتمــام بالوقــت وقصــر الخطبــة مــن فقــه الرجــل‬
‫قــال أبــو وائــل‪ :‬خطبنــا عمــار بــن ياســر فأوجــز وأبلــغ‪ ،‬فلمــا نــزل قالــوا لــه‪:‬‬
‫لقــد أبلغــت وأوجــزت فلــو كنــت تنفســت يعنــى أطلــت فقــال‪ :‬إين ســمعت‬
‫رســول اهلل ‪ ‬يقــول‪« :‬إن طــول صــاة الرجــل وقصــر خطبتــه مئنــة‬
‫ـحرا(((»‪.‬‬
‫مــن فقهــه فأطيلــوا الصــاة واقصــروا الخطبــة وإن مــن البيــان سـ ً‬

‫ومــن خــال هــذا الحديــث وقــع الخطبــاء بيــن إفــراط وتفريــط‪ ،‬فتجــد‬
‫خطي ًبــا يخطــب النــاس يف ســبع دقائــق أو عشــر وهــذا يف رأي اســتهتار وعــدم‬
‫جديــة‪ ،‬فمهمــا بلــغ الخطيــب مــن فصاحــة مــاذا ســيقول يف دقائــق ســبع أو‬
‫عشــر خاصــة يف وقتنــا الــذي قلــت فيــه معرفــة العربيــة وجوامــع الكلــم‪ ،‬فهــذا‬
‫تفريــط يف حــق المنــر‪ ،‬وتجــد خطي ًبــا آخــر يتحــدث خمســين دقيقــة إلــى ســاعة‬
‫حتــى يمـ َّـل الســامعون ومــا أجمــل التوســط‪ ،‬قــال جابــر بــن ســمرة‪ :‬صليــت مــع‬
‫رســول اهلل ‪« ‬فكانــت صالتــه قصــدً ا وخطبتــه قصــدً ا»(((‪.‬‬
‫رواه مسلم يف صحيحه (‪.)869‬‬ ‫(((‬
‫رواه مسلم يف صحيحه(‪.)866‬‬ ‫(((‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪35‬‬ ‫فن اخلطابة‬

‫قــال ابــن حجــر ‪ ‬قولــه (قصــدً ا) القصــد يعنــي الوســط ال قصيــرة‬


‫وال طويلــة(((‪.‬‬

‫وأفضــل شــيء للخطيــب وللســامع أن تكــون الخطبــة مــن عشــرين دقيقــة‬


‫إلــى خمــس وعشــرين يركــز فيهــا علــى الموضــوع ويــؤدي فيهــا هدفــه وغايتــه‬
‫منهــا ويــراوح بيــن هذيــن الوقتيــن حســب الحاجــة يف الموضــوع‪ ،‬يقــول ابــن‬
‫القيــم ‪ ‬يف وصــف خطبــة الرســول ‪« :‬وكان ُيقصــر يف‬
‫خطبتــه أحيا ًنــا ويطيلهــا أحيا ًنــا بحســب حاجــة النــاس»(((‪.‬‬

‫وقــد تأملــت خطــب مــن ســبقنا مــن الخلفــاء الراشــدين وخطــب الوعــاظ‬
‫مــن التابعيــن وخطــب األموييــن‪ ،‬وخطــب ســحبان بــن وائــل‪ ،‬وزيــاد بــن أبيــه‬
‫وغيرهــم‪ ،‬فكانــت بيــن الطــول والقصــر‪ ،‬وكانــوا أهــل فــن وبراعــة ويمتلكــون‬
‫مفاتــح البيــان ويتفننــون بيــن طــول بــا إمــال وقصــر بــا إخــال‪ ،‬فكانــت‬
‫ناصيــة الفصاحــة بيــن أيديهــم‪.‬‬

‫فليحــرص الخطيــب علــى إعــداد خطبتــه علــى وقــت وزمــن محــدد ال‬
‫يتجــاوزه ثــم يبنــي عمــاد خطبتــه عليــه‪ ،‬وقــد ن َّبــه ابــن مســعود ‪ ‬علــى‬
‫مســألة مهمــة لــكل متحــدث حيــث كان ‪ ‬عنــه يحــدث النــاس كل‬
‫ـب حديثــك ونشــتهيه ولوددنا‬ ‫خميــس فقــال رجــل‪ :‬يــا أبــا عبــد الرحمــن إنــا نحـ َّ‬
‫أنــك حدثتنــا كل يــوم فقــال ابــن مســعود‪ :‬مــا يمنعنــي أن أحدثكــم إال كراهيــة‬
‫الســآمة‬
‫أن أملكــم إن رســول اهلل ‪ ‬كان يتخولنــا بالموعظــة كراهيــة ّ‬
‫علينــا(((‪.‬‬
‫التلخيص الجيد البن حجر(‪.)64/2‬‬ ‫(((‬
‫انظر زاد المعاد (‪.)191/1‬‬ ‫(((‬
‫أخرجه البخاري (‪ )68‬ومسلم (‪.)2821‬‬ ‫(((‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫فن اخلطابة‬ ‫‪36‬‬

‫وأح ــذرك أيه ــا الخطي ــب م ــن الن ــزول عل ــى رغب ــات وأه ــواء الن ــاس‪،‬‬
‫فمكان ــة المن ــر عظيم ــة وأمان ــة جس ــيمة‪ ،‬فبع ــض الن ــاس يري ــدك أن تخط ــب‬
‫يف خم ــس دقائ ــق لم ــرض يف قلب ــه‪ ،‬أو يقول ــن ل ــك نح ــن يف عص ــر الس ــرعة‬
‫والنـــاس مشـــغولة فـــا تنخـــدع هبـــذه األقـــوال أو تســـتعجل يف خطبـــك‬
‫ليجتم ــع عن ــدك الن ــاس ف ــاهلل ‪ ‬س ــائلك ع ــن ه ــذا كل ــه فاجع ــل يف ذهن ــك‬
‫ـت إال أن تك ــون‬
‫التوس ــط ومرض ــاة اهلل ‪ ،‬واعل ــم ‪-‬رحم ــك اهلل‪ -‬إن أ َب ْي ـ َ‬
‫فقيهـــا متب ًعـــا لـــكالم نبيـــك ‪ ‬فأطـــل يف الصـــاة‪ ،‬فـــإن خطبـــت‬
‫ً‬
‫عش ــر دقائ ــق فاجع ــل صالت ــك عش ــرين دقيق ــة فه ــذا م ــن فق ــه الرج ــل‪ ،‬ف ــإن‬
‫قص ــرت الخطب ــة يف عش ــر والص ــاة يف خم ــس دقائ ــق فه ــذا اس ــمه تالع ــب‬
‫فقه ــا‪.‬‬
‫ولي ــس ً‬

‫قــال أبــو هــال العســكري‪ :‬والقــول القصــد أن اإليجــاز واإلطنــاب‬


‫نحتــاج إليــه يف جميــع الــكالم وكل نــوع منــه وكل واحــد منهمــا موضــوع‪،‬‬
‫فالحاجــة إلــى اإليجــاز يف موضعــه كالحاجــة إلــى اإلطنــاب يف مكانــه‪ ،‬فمــن‬
‫أزال التدبيــر يف ذلــك عــن جهتــه واســتعمل اإلطنــاب يف موضــوع اإليجــاز‬
‫أخطــأ(((‪.‬‬

‫وينبغــي أال ينخــدع الخطيــب يف حــب بعــض المســتمعين لإلطالــة‬


‫ومطالبتــه بذلــك‪ ،‬فهنــاك أنــاس كثيــرون ال يرغبــون يف اإلطالــة بــل ربمــا‬
‫بعضهــم يــرك مســجده القريــب مــن منزلــه ويذهــب إلــى مســجد بعيــد بســبب‬
‫إطالــة خطيبهــم للخطبــة‪.‬‬
‫كتاب الصناعتين ص ‪.239‬‬ ‫(((‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪37‬‬ ‫فن اخلطابة‬


‫وال ينســى الخطيــب أننــا يف زمــن انشــغل فيــه الكثيــرون هبــذه الدنيــا‬
‫وآخــرون لديهــم أمــراض وأنــاس كبــار يف الســن وأحيانًــا يكــون المســجد‬
‫صغيـ ًـرا فيضطــر الباقــون للصــاة خــارج المســجد‪ ،‬وقــد يكــون الجــو بــار ًدا أو‬
‫ـارا‪ ،‬فليجعــل الخطيــب هــذه األمــور يف ذهنــه وخيـ ٌـر لــه التوســط بحيــث ال‬
‫حـ ً‬
‫يزيــد عــن الخمــس وعشــرين دقيقــة وال يقــل عــن ثلــث ســاعة فهــي مقبولــة‬
‫عنــد الجميــع‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫فن اخلطابة‬ ‫‪38‬‬

‫العقبة الخامسة‪ :‬ضعف اللغة‬

‫هنــاك ضعــف شــديد يف اللغــة العربيــة عنــد كثيــر مــن الخطبــاء مــن حيــث‬
‫اإلعــراب والتشــكيل والبيــان وال ينبغــي للمــرء أن يرتقــي المنــر إال وهــو‬
‫ُيحســن التمييــز بيــن الفاعــل والمفعــول وبيــن الضمــة والفتحــة فهــذا ُيســبب‬
‫كبيــرا يف المعنــى و ُيذهــب جمــال الخطبــة وهباءهــا‪ ،‬وممــا ُيذكــر يف‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫خلــا‬
‫شــناعة هــذا األمــر أن خطي ًبــا كان يخطــب عــن قصــة الصحابــي الجليــل ماعــز‬
‫متحمســا للخطبــة متأثـ ًـرا ومؤثـ ًـرا لكــن كان يعيبــه زالت لســانه‬
‫ً‬ ‫‪ ‬وكان‬
‫حتــى وصــل إلــى وقــوف ماعــز ‪ ‬عنــد رســول اهلل ‪ ‬فقــال‬
‫ـت يــا رســول اهلل بفتــح التــاء فأفســد المعنــى كلــه عيــا ًذا بــاهلل ‪ ،‬وانظــر‬
‫لــه‪ :‬زنيـ َ‬
‫إلــى الكلمــة كيــف تحولــت مــن معنــى إلــى معنــى بســبب التشــكيل ‪.‬‬

‫ففــي هــذا األمــر بالــذات ال ينبغــي للمــرء أن يصعــد علــى المنــر حتــي‬
‫يحســن اللغــة واإلعــراب وأن يتعلــم العربيــة‪ ،‬وأنــه ممــن يســتحق أن يوصــف‬
‫بالخطيــب الفصيــح ال َّلســن‪ ،‬خاصــة أن الخطيــب ســيقرأ آيــات وأحاديــث‬
‫ـوال للعلمــاء فــا بــد أن ينطــق هبــا نط ًقــا سـ ً‬
‫ـليما قــال أبــو حاتــم البســتي‪:‬‬ ‫وأقـ ً‬
‫أحــوج النــاس إلــى لــزوم األدب وتعلــم الفصاحــة أهـ ُـل العلــم لكثــرة قراءهتــم‬
‫األحاديــث وخوضهــم أنــواع العلــم(((‪.‬‬
‫روضة العقالء ص ‪.132‬‬ ‫(((‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪39‬‬ ‫فن اخلطابة‬


‫فاللســان أداة الخطيــب األولــى فــا بــد أن تكــون ســليمة بعيــدة عــن‬
‫ال َّلحــن والخطــأ‪ ،‬وال يعنــي هــذا أال يلحــن الخطيــب أو يــزل يف كلمــة أو‬
‫كلمتيــن فالخطــأ وارد والزلــل قــد يحصــل والكمــال هلل‪ ،‬لكــن المنهــي عنــه‬
‫عرضــا‪ ،‬وبمعنــى آخــر‬
‫مرضــا يف الخطيــب ال ً‬
‫الخطــأ واللحــن الــذي يكــون ً‬
‫أن يكــون ســليم النطــق جيــدً ا يف تعبيــره يخــرج الحــروف واضحــة جليــة مــن‬
‫مخارجهــا ويبتعــد كل البعــد عــن اللحــن‪ ،‬وال يتعثــر يف كلمــه وال يــردد‪.‬‬

‫وقــد ذكــر الجاحــظ عيو ًبــا للســان مثــل التمتمــة‪ ،‬اللثغــة‪ ،‬التأتــأة‪،‬‬
‫والحبســة‪ ،‬وهــذه العيــوب تؤثــر علــى الخطبــة والخطيــب لكــن مــع المتابعــة‬
‫ُ‬
‫والمعالجــة ُيقضــى عليهــا مــع مــرور الوقــت وقــد يجــد مشــقة يف بدايــة األمــر‬
‫لكــن مــع العزيمــة واإلصــرار والهمــة والصــر ســوف يتغلــب على هــذه العقبة‬
‫بمشــيئة اهلل‪ ،‬وهنــاك كالم جميــل للشــيخ محمــد أبــي زهــرة ‪ ‬يف أهميــة‬
‫تصحيــح الــكالم والنطــق قــال‪ :‬وال ينطــق بغيــر مــا توجبــه قواعــد النحــو يف‬
‫آخــر الكلمــات فــإن ذلــك يفســد المعنــى والنطــق‪ ،‬والخطــأ اآلخــر الكلمــات‬
‫فــوق أنــه يفســد المعنــى ويذهــب برونــق الخطابــة وحســن وقعهــا وجمــال‬
‫تأثيرهــا‪ ،‬وال يظنــن الخطيــب أن جــودة المعنــى وإحكامــه قــد يذهبــان ببعــض‬
‫األخطــاء فــإن الهنَّــات الصغيــرة إذا كثــرت أحدثــت تأثيــرا ســلب ًيا للخطبــة‪،‬‬
‫وأفســدت تأثيــر المعــاين المحكمــة‪ ،‬ثــم إن المســتمع يالحــظ مــا ال يلحظــه‬
‫الخطيــب(((‪.‬‬
‫الخطابة لمحمد أبي زهرة ص‪.146‬‬ ‫(((‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫فن اخلطابة‬ ‫‪40‬‬

‫ونقــل أبــو حاتــم البســتي يف روضتــه عــن عبــد الرحمــن بــن مهــدي قولــه‪:‬‬
‫مــا ندمــت علــى شــيء كندمــي أين لــم أنظــر يف العربيــة(((‪.‬‬

‫قــال إســحاق القاضــي‪ :‬ســمعت ابــن أخــي األصمعــي يقــول‪ :‬ســمعت‬


‫عمــي يقــول‪ :‬تعلمــوا النحــو فــإن بنــي إســرائيل كفــروا بكلمــة واحــدة كانــت‬
‫مشــدَّ دة فخففوهــا‪ .‬قــال اهلل‪ :‬يــا عيســى إين و ّلدتــك‪ .‬فقــرأوا يــا عيســى إين‬
‫َو َلدَ تــك مخفــف فكفــروا(((‪.‬‬

‫هل يمكن التغلب على هذه العقبة؟‬

‫نعــم يســتطيع الخطيــب التخلــص مــن هــذا العيــب والتغلــب علــى هــذه‬
‫العقبــة بطــرق منهــا‪:‬‬

‫‪-1‬الطريق��ة األوىل‪ :‬دراســة علــم النحــو والبيــان وذلــك بمعرفــة‬


‫مفاتيــح النحــو بحيــث يميــز الخطيــب بيــن المرفــوع‪ ،‬والمنصــوب‪،‬‬
‫والمجــرور‪ ،‬والمجــزوم‪ ،‬والفاعــل‪ ،‬والمفعــول ومــا أشــبه ذلــك‪ ،‬ثــم‬
‫يطبــق مــا تعلمــه علــى خطبتــه‪.‬‬

‫‪-2‬الطريق��ة الثاني��ة‪ :‬حضــور درس خــاص بالنحــو ســواء عنــد عالــم‬


‫بالنحــو أو متابعــة ذلــك عــر قنــوات متخصصــة يف اليوتيــوب‪،‬‬
‫وتســجيل الفوائــد‪ ،‬ومراجعتهــا‪ ،‬وهــذا متوفــر بكثــرة ويوفــر وقتًــا‬
‫علــى المتعلــم‪.‬‬
‫روضة العقالء ص‪.221‬‬ ‫(((‬
‫روضة العقالء ص‪.363‬‬ ‫(((‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪41‬‬ ‫فن اخلطابة‬

‫‪-3‬الطريق��ة الثالث��ة‪ :‬إن لــم تتوفــر الطريقتــان األوليــان فــا أمــل مــن أن‬
‫يعــرض الخطيــب خطبتــه علــى إنســان متمكــن ُيصحح لــه العبارات‪،‬‬
‫و ُيشــكل لــه أواخــر الكلمــات‪ ،‬وهــذا ليــس عي ًبــا وال مذمــة بــل يــدل‬
‫علــى حــرص الخطيــب ونجاحــه‪ ،‬ومــع التعلــم والتدريــب ونطــق‬
‫الخطبــة ُم ّشــكلة‪ ،‬كل ذلــك يعيــن الخطيــب علــى النطــق الســليم‬
‫حتــى تصبــح عنــده ملكــه‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫فن اخلطابة‬ ‫‪42‬‬

‫العقبة السادسة‪ :‬الع ْ‬


‫ُجب‬

‫بالرغــم مــن معانــاة الخطيــب يف إعــداد الخطبــة وإلقائهــا واالســتعداد‬


‫وخطــرا أال وهــو حــب الظهــور‬
‫ً‬ ‫لهــا إال أن هنــاك مــا هــو أعظــم معانــاة‬
‫والعجــب‪ .‬فالمنــر يقطــع العنــق إن لــم يجتهــد صاحبــه يف تربيــة نفســه علــى‬
‫التواضــع واإلخــاص وأن يجعــل هدفــه وغايتــه النصــح هلل ولرســوله وألئمــة‬
‫المســلمين وعامتهــم فــاهلل يقــول‪ :‬ﮋ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﮊ(((‪.‬‬
‫واهلل غنــي عــن الشــرك وعــن صاحبــه‪ ،‬يقــول اهلل ‪ ‬يف الحديــث القدســي‪:‬‬
‫«أنــا أغنــى الشــركاء عــن الشــرك مــن عمــل عمـ ًـا أشــرك فيــه معــي غيــري تركته‬
‫وشــركه»(((‪.‬‬

‫وكثيــر مــن الخطبــاء ينســى تزكيــة نفســه وتربيتهــا ال ســيما أن الخطيــب‬


‫جمهــورا ُيعجــب بــه و ُيثنــي عليــه ويســمع كلمــات المديــح والثنــاء‬
‫ً‬ ‫يواجــه‬
‫فيعرتيــه ضعــف ونقــص فيصــاب بالعجــب والغــرور وربمــا يفقــد بوصلــة‬
‫اإلخــاص ويبقــى تحــت ضغــط مزالــق الشــيطان وهــوى النفــس‪.‬‬

‫عرف العلماء العجب بتعريفات أهمها‪:‬‬


‫وقد َّ‬
‫العجــب‪ :‬الزهــو الكــر ورجـ ٌـل معجــب‪ :‬مزهــو بمــا يكــون منــه حسـنًا أو‬
‫قبيحــا(((‪.‬‬
‫ً‬
‫سورة الزمر آية (‪.)65‬‬ ‫(((‬
‫صحيح مسلم (‪.)985‬‬ ‫(((‬
‫لسان العرب البن منظور (‪.)582/1‬‬ ‫(((‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪43‬‬ ‫فن اخلطابة‬


‫اصطالحــا‪ :‬اســتعظام النعمــة والركــون إليهــا مــع نســيان‬
‫ً‬ ‫والعجــب‬
‫إضافتهــا للمنعــم(((‪.‬‬

‫فالعجــب يتفــرع عنــه الزهــو والتعالــي ورؤية النفــس والكرب‪ ،‬ولهــذا ورد‬
‫يف الحديــث أن رجـ ًـا يمشــي يف حلــة تعجبــه نفســه مرجــل ُج َّمتــه إذ خســف اهلل‬
‫بــه فهــو يتجلجــل إلى يــوم القيامــة(((‪.‬‬

‫فهــذا الرجــل أعجبتــه حلتــه وشــعره فخســف اهلل بــه فكيــف بالخطيــب‬
‫فصيحــا بلي ًغــا يجتمــع حولــه النــاس ويتوافــدون إليــه مــن كل مــكان ويثنــون عليه؟‬
‫ً‬

‫فهــذا المنــر فتنــه وســطوة يجــب أن يتنبــه الخطيــب لمداخــل الشــيطان‬


‫وهــوى النفــس‪ ،‬يقــول ابــن القيــم ‪ :‬ال شــيء أفســد لألعمــال مــن‬
‫العجــب ورؤيــة النفــس(((‪.‬‬

‫وهــذا العجــب وال شــك يــؤدي إلــى الريــاء والكــر والغــرور وحــب‬
‫الشــهرة‪ ،‬وكل واحــدة مــن هــذه األربــع كفيلــة هبــاك صاحبهــا‪.‬‬

‫قــال عمــر ‪ :‬إن الرجــل إذا تواضــع رفــع اهلل حكمتــه وقــال‪:‬‬
‫انتعــش نعشــك اهلل‪ ،‬فهــو يف نفســه صغيــر ويف أعيــن النــاس كبيــر‪ ،‬وإذا تكــر‬
‫وعــدا طــوره رهصــه اهلل يف األرض‪ ،‬وقــال‪ :‬اخســأ خســأك اهلل فهــو يف نفســه‬
‫كبيــر ويف أعيــن النــاس صغيــر حقيــر حتــى أنــه ألحقــر عندهــم مــن الخنزيــر(((‪.‬‬
‫إحياء علوم الدين للغزالي (‪.)371/3‬‬ ‫(((‬
‫رواه الناري (‪ )5789‬ومسلم (‪.)2088‬‬ ‫(((‬
‫الفوائد ص ‪.152‬‬ ‫(((‬
‫إحياء علوم الدين (‪.)361/3‬‬ ‫(((‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫فن اخلطابة‬ ‫‪44‬‬

‫‪ -‬مظاهر العجب عند الخطيب‪:‬‬

‫‪-1‬المـ َّن علــى اهلل فإنــه يــرى أن لــه ح ًقــا يف الــروز والظهــور لمــا يملكــه‬
‫مــن إمكانــات‪.‬‬

‫‪-2‬مــدح النفــس والثنــاء عليهــا لحاجــة وغيــر حاجــة‪ ،‬وربمــا يــذم نفســه‬
‫ليمدحها‪.‬‬

‫‪ -3‬عدم قبول النصيحة‪ ،‬ويرى أنه شخص فوق كل نصيحة‪.‬‬

‫‪ -4‬تأثره وغضبه من إبداء أي ملحوظة على خطبته وأسلوبه‪.‬‬

‫‪ -5‬تصيد أخطاء اآلخرين وإظهار أنه أفضل منهم‪.‬‬

‫‪ -6‬االعتداد بالرأي وازدراء آراء اآلخرين‪.‬‬

‫‪ -7‬حزنه وغضبه عند قلة الحضور‪.‬‬

‫‪-8‬عــدم مشــاركة اآلخريــن يف أنشــطتهم واقرتاحاهتــم ألنــه يــرى أهنــم‬


‫أقــل منــه‪.‬‬

‫‪ -‬وهذه اآلفة لها أسباب من أعظمها‪:‬‬

‫‪ -1‬الغفلة عن النفس والجهل بعيوهبا وآفاهتا وترك محاسبتها‪.‬‬

‫‪-2‬الجهــل بأســماء اهلل وصفاتــه فهــو ســبحانه المتكــر وهــو اللطيــف‬


‫الــذي لطــف هبــذا العبــد ففتــح عليــه وأعطــاه القــدرة علــى الــكالم‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪45‬‬ ‫فن اخلطابة‬


‫والفصاحــة وحــرم غيــره‪ ،‬فعندمــا ينســى الخطيــب معرفتــه بربــه‬
‫ينســاه اهلل فيكلــه إلــى نفســه عيــا ًذا بــاهلل‪.‬‬

‫‪-3‬التصــدر قبــل النضــج‪ ،‬وهــذه آفــة الصغــار الذيــن يتصــدرون الخطابة‬


‫وهــو ال يــزال يف الثانــوي أو بدايــة الجامعــة فإهنــا تتمكــن منهــم أكثــر‬
‫مــن غيرهم‪.‬‬

‫‪ -‬وأما عالج هذه اآلفة فيكون كالتالي‪:‬‬

‫الحــرص علــى العلــم‪ :‬فالعلــم الشــرعي الــذي يــراد بــه وجــه اهلل يهذب‬
‫النفــس و ُيصلــح القلــب ويزيــد اإليمــان‪ ،‬فــإذا تربــى الخطيــب علــى هــذا خــرج‬
‫الكــر والعجــب مــن فنــاء القلــب وحـ ّـل مكانــه التواضــع والزهــد‪.‬‬

‫تدبــر آيــات الوعيــد‪ :‬يف أهــل الكــر والعجــب وتأمــل صحيــح الســنة‬
‫فــإن تلــك اآليــات واألحاديــث مخيفــة وخطيــرة فهــي تحــول بيــن المــرء‬
‫والقبــول‪ ،‬فمــا فائــدة مديــح النــاس واهلل ســاخط علــى العبــد؟ مــاذا يســتفيد‬
‫الخطيــب مــن فصاحتــه وإقبــال النــاس عليــه وهــو مفتــون ويريــد اهلل بــه ســو ًءا‬
‫ﮋ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫﯬ ﮊ((( ‪.‬‬

‫قــراءة ســير الصالحيــن‪ :‬فإهنــا تبعــث يف النفــس النشــاط وتخلــد‬


‫يف القلــب ذكــرى الخائفيــن الزاهديــن‪ ،‬فهــي هدايــة لمــن أراد الســير علــى‬
‫خطاهــم والنجــاة مــن عــذاب اهلل‪.‬‬
‫سورة المائدة آية (‪.)41‬‬ ‫(((‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫فن اخلطابة‬ ‫‪46‬‬

‫مجاهــدة النفــس‪ :‬وذلــك بحبســها علــى التواضــع ومحبــة اآلخريــن‬


‫وتعويــد النفــس علــى كراهــة المــدح فــكل مــن ُيثنــي عليــك هــو مخلــوق‬
‫ضعيــف ال يملــك لــك حــوال وال قــوة وتط َّلــع إلــى مــدح رب العالميــن الــذي‬
‫ال يكــون بعــده إال رضــا قبــول‪.‬‬

‫ردَّ الفضــل إلــى اهلل‪ :‬عــود لســانك وأيقــظ جنانــك بــأن كل نعمــة‬
‫عنــدك فهــي مــن اهلل‪ ،‬وكلمــا أســأت وقصــرت فمــن نفســك واســتغفر وعــش‬
‫علــى هــذا حتــى تلقــى ربــك‪.‬‬

‫مصاحبــة الصالحيــن والعلمــاء‪ :‬العلمــاء وأهــل الصــاح خاصــة‬


‫لمــن لهــم تاريــخ وجهــود علميــه ودعويــه نــور وبرهــان ُيســتضاء هبــم يف دياجير‬
‫آفــات النفــس فمصاحبتهــم والجلــوس إليهــم يكشــف لــك جوانــب عظيمــة‪،‬‬
‫ويعطيــك تجــارب وخــرات تنفعــك وتزيــدك بصيــرة ودرايــة وســيطرة علــى‬
‫نفســك وتفكيــرك وتكتشــف نفســك وضعفــك مــع هــؤالء العظمــاء‪.‬‬

‫الدعــاء‪ :‬وهــو مــن أعظــم أســباب التوفيــق ومــن أكــر أســباب النجــاح‬
‫ﮋﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩﯪ ﮊ((( ‪ .‬فالدعــاء يبيــن حقيقــة ضعفــك وعجــزك‪،‬‬
‫وأن األمــر كلــه هلل فتدعــو اهلل أن يرزقــك التواضــع والقبــول‪ ،‬وأن ُيجنبــك الكرب‬
‫والعجــب وتلــزم هــذا قبــل صعــودك المنــر وبعــد نزولــك وأن تدعــوه ســبحانه‬
‫بالثبــات وحســن العمــل‪.‬‬

‫فهــذه أهــم األســباب لعــاج العجــب‪ :‬فلتحــرص عليهــا عافانــا اهلل‬


‫وإيــاك مــن هــذا البــاء‪.‬‬

‫سورة الفرقان آية (‪.)77‬‬ ‫(((‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪47‬‬ ‫فن اخلطابة‬

‫العقبة السابعة‪ :‬انشغال الناس عن الخطبة‪.‬‬

‫الخطبــة هــي حالــة مشــركة بيــن المتكلــم والســامع‪ ،‬وكل واحــد فيهمــا‬
‫لــه حالــة خاصــة‪ ،‬ولــكل واحــد فيهمــا هــدف‪ ،‬وال أحــد يســتطيع تقديــر‬
‫نســبة التأثيــر أو ضماهنــا ‪ ،‬ويجــب علــى الخطيــب أن يــدرك جيــدً ا أن النــاس‬
‫يتعرضــون للتشــبع والــرود والملــل‪ ،‬وغالــب مــا يتعرضــون لهــذه الحالــة عنــد‬
‫ســماعهم للخطبــة أضــف إلــى ذلــك حــرص الشــيطان علــى إفســاد ســماعهم‬
‫بالنعــاس أو بالتشــاغل عــن الخطبــة‪.‬‬

‫نائمــا وثال ًثــا‬


‫ناعســا وآخــر ً‬
‫وأحيا ًنــا يتعــرض الخطيــب لمواقــف فيــرى ً‬
‫ـغل عنــه ورابــع يلتفــت يمينــة ويســرة غيــر آبـ ٍـه بــكالم الخطيــب‪ ،‬ويف هــذه‬
‫منشـ ً‬
‫الحــاالت فــا ريــب أن الخطيــب يتضايــق ويصيبــه الحــرج والضجــر‪.‬‬

‫فهــل يــا تــرى للخطيــب يــدٌ يف هــذا األمــر؟ وهــل يكــون الخطيــب ســب ًبا‬
‫ممكنًــا يف هــذا؟‬

‫ربمــا يكــون الخطيــب ســب ًبا رئيســيا يف انشــغال النــاس ونعاســهم يف‬
‫الخطبــة‪ ،‬وذلــك لألســباب التاليــة‪:‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫فن اخلطابة‬ ‫‪48‬‬

‫ً‬
‫أول‪ :‬موضوع اخلطبة‪:‬‬

‫فقــد يكــون موضــوع الخطبــة غيــر مناســب للحاضريــن‪ ،‬فقــد يكــون‬


‫علم ًيــا أو أعلــى مقا ًمــا مــن فهــم الحاضريــن‪.‬‬

‫ثانيًا‪ :‬تطويل اخلطبة‪:‬‬

‫ُّ‬
‫يمــل إن كانــت طويلــة غيــر مرتبــة؛ ألن تركيــز‬ ‫المســتمع للخطبــة‬
‫المســتمع يقـ ُّـل تدريج ًيــا مــع طــول الخطبــة‪ ،‬وهــذا يؤثــر عليــه ويصيبــه الكلــل‬
‫والملــل وربمــا يخــرج مــن المســجد‪.‬‬

‫ثالثًا‪ :‬أن يكون احلديث موج ًها إىل فئة معينة‪:‬‬

‫عندمــا يــأيت الخطيــب ويركــز حديثــه علــى فئــة معينــة‪ ،‬فمثـ ًـا يتحــدث‬
‫عــن المــرأة ويخاطبهــا وكأهنــا حاضــرة دون إشــراك الحاضريــن يف الموضــوع‬
‫فإهنــم ينشــغلون عــن الخطيــب؛ ألن الموضــوع أصبــح ال يعنيهــم‪.‬‬

‫راب ًعا‪ :‬عدم الرتكيز يف موضوع اخلطبة‪:‬‬

‫ـم يتحــدث وال تعلــم مــاذا يريــد أن يصــل‬


‫فبعــض الخطبــاء ال تــدري عـ َّ‬
‫إليــه مــن خطبتــه‪ ،‬ليــس لهــا زمــام وال خطــام يأتيــك بعشــر موضوعــات يف‬
‫خطبــة واحــدة‪ ،‬فــإذا كان الخطيــب غيــر مركــز يف خطبتــه فكيــف تريــد اآلخرين‬
‫أن يركــزوا؟‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪49‬‬ ‫فن اخلطابة‬


‫خام ًسا‪ :‬سوء اإللقاء‪:‬‬
‫البعــض مــن الخطبــاء قطعــة ثلــج بــاردة يميــت روح الخطبــة بــروده‬
‫وإلقائــه‪ ،‬وكأنــه يكلــم نفســه أو جالــس يف صالــة منزلــه يتحــدث مــع زوجتــه‬
‫وعلــى وتيــرة واحــدة‪ ،‬وبصــوت واحــد مــن البدايــة إلــى النهايــة‪ ،‬وبالتالــي‬
‫سينشــغل عنــه الحاضــرون‪ ،‬ويصيبهــم بالنــوم والملــل هبــذا اإللقــاء‪.‬‬

‫وعلــى الخطيــب دراســة وفهــم حالــه وحــال مســتمعيه‪ ،‬وأن يطــور مــن‬
‫نفســه يف جــذب المســتمعين وســيأيت الحديــث عــن ذلــك يف إعــداد الخطبــة‬
‫وفــن اإللقــاء‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫فن اخلطابة‬ ‫‪50‬‬

‫العقبة الثامنة‪ :‬نقد اآلخرين‬

‫يجـــب عليـــك أن تضـــع يف قـــرارة نفســـك أنـــك معـــرض للنقـــد‬


‫ضروســا‪ ،‬وســتجد مــن التحطيــم مــا ال يعلمــه‬
‫ً‬ ‫وســتواجه يف حياتــك حر ًبــا‬
‫إال اهلل م ــادام أن ــك تعط ــي وتؤث ــر ب ــل ق ــد يص ــل األم ــر إل ــى تصنيف ــك‬
‫وتفســـير كلماتـــك ويصـــل إلـــى الدخـــول إلـــى نيتـــك وإلـــى الوشـــاية‬
‫ب ــك فهن ــاك أق ــوام قتله ــم الحس ــد والحق ــد ف ــا يرغب ــون رؤيت ــك وأن ــت‬
‫مب ــدع‪.‬‬

‫وأم ــام ه ــذا كل ــه علي ــك أن تص ــر وتغل ــق ب ــاب أذني ــك ع ــن كل‬
‫هـــؤالء‪ ،‬وتذكـــر أن رســـولك ‪ ‬خـــاض هـــذه المعركـــة‬
‫فقي ــل عن ــه س ــاحر وش ــاعر ومجن ــون وقب ــل ذل ــك جعل ــوا هلل ول ــدً ا‪،‬‬
‫وقالـــوا يـــد اهلل مغلولـــة‪ ،‬واهلل ثالـــث ثالثـــة ‪ ‬اهلل عـــن ذلـــك‬
‫عل ـ ًـوا كبي ـ ًـرا‪.‬‬

‫لــم يســلم المر ُء مــن قـ ٍ‬


‫ـال ومن قيال‬ ‫ـان جبريـ ًـا‬
‫واهلل لــو صحــب اإلنسـ ُ‬
‫ترتيــا‬
‫ً‬ ‫تُتلــى إذا ُرتِّــل القــرآن‬ ‫أقــوال مصنفــة‬
‫ً‬ ‫قــد قيــل يف اهلل‬
‫وتضليــا‬
‫ً‬ ‫زورا عليــه بهتانًــا‬
‫ً‬ ‫أن لــه أبنًــا وصاحبــة‬
‫قــد قيــل َّ‬
‫فكيــف لــو قيــل فينــا بعــض مــا قيال‬ ‫هــذى مقالتهــم يف اهلل خالقهــم‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪51‬‬ ‫فن اخلطابة‬


‫وقــد قــال موســى ‪« :‬يــا رب أســألك أن ال يذكــرين أحــد إال‬
‫بخيــر»‪ ،‬فقــال اهلل ‪« :‬مــا فعلــت ذلــك لنفســي»(((‪.‬‬

‫وقــال اإلمــام أحمــد ‪ ‬يخاطــب بعــض أصحابه‪ :‬اعلمــوا ‪-‬رحمكم‬


‫اهلل‪ -‬أن الرجــل مــن أهــل العلــم إذا منحــه اهلل شــي ًئا مــن العلــم‪ ،‬وحرمــه قرنــاؤه‬
‫وأشــكاله حســدوه فرمــوه بمــا ال ليــس فيــه وبئســت الخصلــة يف أهــل العلــم(((‪.‬‬

‫وقيل عن الشافعي‪ :‬من يظن أنه يسلم من كالم الناس فهو مجنون‪.‬‬

‫ولكن كيف تواجه النقد؟‬

‫المرء وخاصة الخطيب يمر يف هذه المرحلة بثالثة أمور‪:‬‬

‫األول‪ :‬املدح والثناء‪.‬‬

‫فكيف تتعامل معه؟‬

‫المرء بطبيعته يحب المدح والثناء حتى قال الشاعر‪:‬‬

‫حــب الثنــاء طبيعــة اإلنســان‬


‫ُ‬ ‫يهــوى الثنــاء مبــر ٌز ومقصــر‬

‫فــإذا كان الخطيــب اله ًثــا وراء المديــح ويصنــع خطبتــه مــن أجــل مــدح‬
‫النــاس وثنائهــم فهــذا خســر الدنيــا واآلخــرة؛ ألنــه جعــل عملــه وخطبتــه‬
‫ودعوتــه لغيــر اهلل وإنمــا مــن أجــل كســب النــاس‪ ،‬واألمــر اآلخــر ســيصبح‬
‫حلية األولياء ألبي نعيم (‪.)198/3‬‬ ‫(((‬
‫أخرجه البيهقي يف المناقب (‪.)259/2‬‬ ‫(((‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫فن اخلطابة‬ ‫‪52‬‬

‫أســيرا لمــا يقولــه النــاس عنــه‪ ،‬وســيعلق ســعادته وفالحــه ونجاحــه برضــا‬
‫ً‬
‫اآلخريــن عنــه‪ ،‬وهــذا ســيجعله يعيــش مرهتنًــا أللســن النــاس‪.‬‬

‫ونصيحــة لــكل خطيــب أال يــكل إلــى اآلخريــن تقديــر قيمتــه‪ ،‬والنــاس‬
‫يتغيــرون وال يبقــون علــى حــال فاليــوم يمدحونــك وغــدً ا يســبونك؛ ألنــك‬
‫جعلتهــم ميزا ًنــا أو ســلعة يتفــاوت مــع الزمــن ســعرها‪ .‬إن جــاءك مــدح فهــذا‬
‫عاجــل بشــرى المؤمــن‪ ،‬وذلــك فضــل اهلل يؤتيــه مــن يشــاء‪ ،‬وإن مدحــوك بغيــر‬
‫ٍ‬
‫حــق وبشــيء ليــس فيــك فلمــاذا تفــرح وتغــر وأنــت تعــرف أن هــذا كذ ًبــا‬
‫مفصحــا‪.‬‬
‫ً‬ ‫ونفا ًقــا؟ فأنــت أعلــم بنفســك مــن غيــرك فمادحــك يهــذي وإن كان‬

‫األمر الثاني‪ :‬النقد البناء‪.‬‬

‫لــوال التناصــح بيــن المؤمنيــن لمــا قــام ســوق اإليمــان والتقــوى‬


‫فالمؤمنــون نصحـ ٌة والمنافقــون غششــة‪ ،‬فــإذا جــاءك نقــد بنــاء مــن أخ ناصــح‬
‫لــك فاشــكره علــى ذلــك وخــذ بنصيحتــه ونقــده ألنــه يريــد لــك الخيــر وتقبــل‬
‫النقــد وال تتضايــق منــه مــادام أنــه مــن أجــل بنائــك‪ ،‬وال تغلــق البــاب أمــام‬
‫ناصــح صــادق وأخ أميــن ومحــب متجــرد؛ ألن قبــول النصــح مــن عالمــات‬
‫اإليمــان والتواضــع ورد النصيحــة مــن عالمــات النفــاق والكــر‪.‬‬

‫األمر الثالث‪ :‬النقد اهلَّدام‪.‬‬

‫اعلــم أن رأي النــاس ليــس حقيقــة مس ـ َّلمة‪ ،‬وإنمــا هــو رأي فاجعــل مــا‬
‫يقولونــه مجــرد فائــدة‪ ،‬وأمــا النقــد المؤلــم والهــدام فاحــذر كل الحــذر أن‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪53‬‬ ‫فن اخلطابة‬


‫يفــت يف عضــدك أو أن يأخــذ منــك وق ًتــا وتفكيـ ًـرا‪ ،‬أرســل كل نقــد هــدام إلــى‬
‫ســلة الالمبــاالة‪.‬‬

‫ِ‬
‫فاقض عليه بطريقتين‪:‬‬ ‫وعندما يصل إليك نقد هدام‬

‫ﮋﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ‬ ‫األوىل ‪ :‬التس��بيح‬


‫ﮀﮊ((( ‪.‬‬

‫الثانية‪ :‬اإلهمال وعدم الرد‪.‬‬


‫وهــذه طريقــة نافعــة ال تحتــاج منــك مزيــد جهــد مــا عليــك ســوى إهمــال‬
‫هــذا النقــد وعــدم الــرد عليــه‪ ،‬وال ســيما إن وصلــك نقــد وتجريــح عــر إحــدى‬
‫وســائل االتصــال فــا تــرد وال تعرهــا اهتما ًمــا وخيــر مــن إجابــة مثــل هــؤالء‬
‫هــو الســكوت‪.‬‬

‫سورة الحجر آية (‪.)98-97‬‬ ‫(((‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫فن اخلطابة‬ ‫‪54‬‬

‫العقبة الثامنة‪ :‬المستجدات والنوازل‪.‬‬

‫الخطيــب هــو صــوت ضميــر األمــة وقلبهــا النابــض وهنــاك أحــداث‬


‫تقــع ونــوازل تحــدث ومنكــرات تعــج يف المجتمــع والنــاس ترغــب يف ســماع‬
‫الخطيــب خاصــة أولئــك الخطبــاء الذيــن لهــم كلمــة وجمهــور‪ ،‬فيقــع الخطيب‬
‫صفحــا عــن كل مــا يجــري أو يتكلــم يف كل نازلــة‬
‫ً‬ ‫يف حــرج شــديد‪ ،‬هــل يضــرب‬
‫أو حادثــة‪.‬‬

‫ومــن هنــا وقــع البعــض يف هــذا اإلشــكال بيــن إفــراط وتفريــط‪ ،‬فالبعــض‬
‫عرضــا للتحليــات السياســية ونقــل األحــداث وعــرض‬
‫ً‬ ‫جعــل المنــر‬
‫المصائــب دون رؤيــة شــرعية فهنــا يضــر النــاس وال ينفعهــم بــل ربمــا أدت‬
‫خطبتــه إلــى فتنــة وتأجيــج يؤلــم المســتمع‪.‬‬

‫والبعــض اآلخــر بعيــد كل البعــد عــن قضايــا األمــة والمجتمــع ال يحمــل‬


‫هــم أمتــه وال مجتمعــه وال ُيشــارك يف إنــكار منكــر وال أمــر بمعــروف فهــذا‬
‫أيضــا عيــب وخلــل يف الخطيــب‪.‬‬
‫ً‬

‫والمطلــوب أن يكــون الخطيــب حاضـ ًـرا يف قضايــا أمتــه ومجتمعــه وأن‬


‫ملمــا بالواقــع حاضــر البديهــة‪ ،‬وأن ينــزل الميــدان ويتفاعــل مــع قضايــا‬
‫يكــون ً‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪55‬‬ ‫فن اخلطابة‬


‫النــاس‪ ،‬ومســتجدات العصــر‪ ،‬ويتصــدى لنــوازل المجتمــع بحكمــة وعقــل‪،‬‬
‫فالنــاس تحتــاج إلــى مــن يحدثهــم عــن أزماهتــم ومشــاكلهم وهموهــم‪ ،‬وهــذا‬
‫الخطيــب الناجــح‪ ،‬وهكــذا كان ‪ ‬يف خطبــه ومواعظــه يراعــي‬
‫الواقــع ويتحــدث يف أزمــات األمــة‪ ،‬وهكــذا كان الخلفــاء مــن بعــده؛ ألن‬
‫اإلســام ديــن شــمول وكمــال‪.‬‬

‫قــال المــاوردي‪ :‬اآلداب آداب شــريعة وآداب سياســة فــآداب الشــريعة‬


‫مــا أ َّدى الفــرض‪ ،‬وآداب السياســة مــا َع َمـ َـر األرض‪.‬‬

‫‪-‬وينبغي للخطيب أن يُراعي جوانب عديدة وهو يتحدث يف املستجدات والنوازل‪:‬‬

‫أول‪:‬أن يــدرك أنــه خطيــب جمعــة يقــوم برســالة ربانيــة فــا بــد أن يتجــرد‬
‫ً‬
‫فيهــا هلل وللرســول ‪ ‬ال إلــى هــوى أو نفــس أو حــزب‬
‫أو جماعــة وأن يكــون الباعــث لكالمــه وجــه اهلل والــدار اآلخــرة‪.‬‬

‫ثان ًيا‪:‬أن يبتعــد عــن تحكيــم عاطفتــه ونظرتــه القاصــرة‪ ،‬فــإن مثــل هــذا‬
‫يــدل علــى النقــص وقلــة العلــم‪ ،‬ويجعــل المســتمعين يف حيــرة‬
‫مــن أمرهــم؛ ألن العاطفــة هــي المســيطرة وليــس النــص والعقــل‪.‬‬

‫ثالثا‪:‬يحــذر الخطيــب مــن ألفــاظ الجــزم واليقيــن يف المســتجدات‬


‫ً‬
‫فيقــول مثـ ًـا‪ :‬أجــزم أن هــذا وراءه كــذا وكــذا‪ ،‬أو أنــا علــى يقيــن‬
‫أن هــذه األمــر فيــه كــذا وكــذا؛ ألن جزمــه أو يقينــه قــد يتحــول‬
‫إلــى ظــن فيمــا بعــد‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫فن اخلطابة‬ ‫‪56‬‬

‫حكمــا إال بدليــل شــرعي وخاصــة‬


‫ً‬ ‫راب ًعا‪:‬أال يعطــي رأ ًيــا يف النازلــة وال‬
‫فيمــا يتعلــق بالشــرع‪.‬‬

‫خامسا‪:‬إذا كانــت النازلــة علــى مســتوى األمــة وأزمــة كــرى فليتوقــف‬


‫ً‬
‫عــن الخــوض فيهــا‪ ،‬وليــرك ألهــل العلــم الكبــار المجــال يف‬
‫خــوض هــذه النازلــة‪ ،‬ومــن ثــم ال بــأس يف نقلهــا بعــد االطــاع‬
‫علــى أقــوال أهــل‪.‬‬

‫وأم��ا ح��ال اخلطي��ب مع وجود املنك��رات املعلن��ة والظاهرة فإنه يس��تطيع احلديث‬
‫عنها بطرق‪:‬‬

‫الطريقة األوىل‪ :‬التعميم‪.‬‬


‫وهــذا منهــج نبينــا ‪ ‬مــا بــال أقــوام فيــأيت بخطبــة عــن خطــورة‬
‫الذنــوب والمعاصــي‪ ،‬وأثرهــا علــى الفــرد والمجتمع‪.‬‬

‫الطريقة الثانية‪ :‬ختصيص منكر بعينه‪.‬‬


‫كأن يتحدث عن الرياء وانتشار المعازف والغناء أو التربج‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪57‬‬ ‫فن اخلطابة‬

‫‪-‬فهنا ال بد أن ُيراعي اخلطيب أمورا‪:‬‬

‫أول‪:‬عــدم ذكــر وقائــع معينــة‪ ،‬كأن تقــول حــدث البارحــة يف مدينــة‬


‫ً‬
‫كــذا يف محــل كــذا؛ ألنــك ال تــدري مالبســات الحادثــة فتقــع‬
‫يف حــرج‪.‬‬

‫شـــخصا أو مؤسســـة يف خطبتـــك؛ ألن هـــذا اهتا ًمـــا‬


‫ً‬ ‫ثان ًيا‪:‬ال تذكـــر‬
‫صريحـــا‪ ،‬وقد يكون تشـــهيرا فقد ذكر أحد المشـــايخ أنه صلى‬
‫ً‬
‫ً‬
‫عاقل متزنًـــا‪ ،‬ولكن أخذته‬ ‫عند خطيـــب‪ ،‬وكان هذا الخطيـــب‬
‫الغيـــرة وذكر أن هناك مؤسســـة‪ ،‬وذكـــر أهنا تفعـــل المنكرات‬
‫ومنها كـــذا وكذا‪ ،‬وكان أحـــد أعضاء هذه المؤسســـة حاضرا‪،‬‬
‫وبعـــد هنايـــة الخطبـــة قام هـــذا الرجـــل أمـــام النـــاس وقال‪:‬‬
‫الخطيـــب ذكر المؤسســـة وفيهـــا كذا وكـــذا مـــن المنكرات‪،‬‬
‫وأنا أحد المســـؤولين يف هـــذه المؤسســـة وإين أدعو الخطيب‬
‫أن يثبـــت هذا اإلدعاء ومعه أســـبوع وإال ســـأحاكمه‪ ،‬ويف آخر‬
‫األمـــر تبين أنه ســـمع ولـــم يتثبت فتدخـــل الفضـــاء واعتذر‬
‫الخطيـــب‪ ،‬فلينتبـــه الخطيـــب مـــن ذكـــر األســـماء والهيئات‬
‫والمؤسسات‪.‬‬

‫ثال ًثا‪:‬ال ُتبالـــغ يف ذكر منكـــر أو تخاطب النـــاس بأنه أصبـــح ظاهرة أو‬
‫محصـــورا يف جهة‬
‫ً‬ ‫منكـــرا‬
‫ً‬ ‫أنـــه لم يســـلم منه أحـــد فربمـــا يكون‬
‫معينة وبشـــكل بسيط‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫فن اخلطابة‬ ‫‪58‬‬

‫راب ًعا‪:‬ركــز حديثــك عــن المنكــرات يف جانــب الرتغيــب والرتهيــب بــأن‬


‫ترغــب يف التوبــة ورحمــة اهلل للتائــب فربمــا معــك مــن قنــط مــن‬
‫رحمــة اهلل فافتــح لــه بــاب األمــل‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪59‬‬ ‫فن اخلطابة‬

‫ثقافة الخطيب‬

‫مهمــا أبــدع الخطيــب يف حديثــه‪ ،‬وتمكــن مــن األداء فــإن أهــم عامــل‬
‫رئيســي يف نجاحــه هــو مــا يملكــه مــن رصيــد معــريف وثقــايف‪ ،‬فثقافــة الخطيــب‬
‫ومــا يكرتثــه مــن معلومــات ومعــارف هــي الركيــزة األولــى يف تفوقــه وإبداعــه‪.‬‬

‫وينبغــي للخطيــب أن يــدرك أننــا يف زمــن ثــورة المعلومــات والمعرفــة‪،‬‬


‫وأن المــرء يســتطيع يف الخطبــة إظهــار أيــة معلومــة يبحــث عنهــا وذلــك مــن‬
‫خــال جهــاز بحجــم كــف اليــد لواحــدة‪ ،‬وهنــاك فضائيــات ومواقــع تزخــر‬
‫بالمعــارف والعلــوم فــكان الزا ًمــا أن يواكــب الخطيــب هــذا العصــر بــأن‬
‫يمتلــك الثقافــة والرصيــد الكبيــر مــن المعرفــة وينمــي ثقافتــه ومعرفتــه عمو ًمــا‬
‫وخصوصــا‪.‬‬
‫ً‬

‫ملمــا بالموضــوع محي ًطــا بجميــع‬


‫فمســتوى الخصــوص أن يكــون ً‬
‫جوانبــه‪ ،‬ومســتوى العمــوم أن يكــون إلما ًمــا بفنــون العلــم وأن يقــرأ يف كل فــن‬
‫ولــو علــى ســبيل االطــاع العــام‪.‬‬

‫وهناك مصادر متنوعة تزيد من رصيد ثقافة الخطيب من أبرزها‪:‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫فن اخلطابة‬ ‫‪60‬‬

‫ً‬
‫أول‪ :‬القرآن الكريم‬

‫مــا أجمــل الخطيــب وهــو يزيــن خطبتــه وكالمــه بآيــات مــن كتــاب اهلل‪،‬‬
‫هــذا الكتــاب المبيــن الــذي فيــه خيــر األوليــن واآلخريــن ﮋ ﭮ ﭯ‬
‫ﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺ‬
‫ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ‬
‫ﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐ ﮑﮒﮓ‬
‫ﮔ ﮕ ﮖ ﮊ((( ‪.‬‬

‫فالقــرآن قولــه فصــل وحكمــه عــدل ال صــواب غيــره ﮋ ﮪ ﮫ ﮬ‬


‫ﮭ ﮮﮯ ﮰ ﮱ ﯓﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﮊ((( ‪.‬‬

‫وقصص القرآن مؤثرة وذات عربة‪ ،‬وموعظة حسنة‪ ،‬ومثل حي‪.‬‬

‫والقــرآن بالنســبة للخطيــب كمثــل الــروح للجســد‪ ،‬وهــو الحجــة التــي‬


‫ُتنيــر العقــول‪ ،‬والبنيــة التــي ال تــزول‪.‬‬

‫فما واجب الخطيب نحو القرآن؟‬

‫واجــب الخطيــب أن يحفــظ مــا يســتطيع مــن القــرآن‪ ،‬وكلمــا زاد حفظــه‬
‫سورة المائدة آية(‪.)16-15‬‬ ‫(((‬
‫سورة األنعام آية(‪.)115‬‬ ‫(((‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪61‬‬ ‫فن اخلطابة‬


‫زاد هبــاء الخطبــة‪ ،‬وزاد بيانــه وفصاحتــه‪ ،‬فالخطيــب الــذي يحفــظ القــرآن‪ ،‬لــه‬
‫قبــول وهبــاء ويظهــر تأثيــر القــرآن علــى لســانه وقســمات وجهــه واســتحضاره‬
‫لألدلــة ونقــاء فكــره وصفــاء قلبــه‪.‬‬

‫فــإذا لــم يتمكــن للخطيــب حفــظ القــرآن فــا أقــل مــن عشــرة أجــزاء‪،‬‬
‫فــإن عــدم ذلــك فواجــب عليــه وجو ًبــا أن يحســن قراءتــه تالوتــه وتجويــدً ا فمن‬
‫العيــب الــذي ال ُيغتفــر أن يكــون الخطيــب جاهـ ًـا بأحــكام القــرآن وتجويــده‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫فن اخلطابة‬ ‫‪62‬‬

‫ثانيًا‪ :‬التفسري‪:‬‬

‫الخطيــب المثقــف المبــدع يكــون لــه حــظ كبيــر مــن التفســير‪ ،‬فيمــر علــى‬
‫تفســير أو تفســيرين يعــرف هبــا كالم ربــه وســبب النــزول‪ ،‬وليكتـ ِ‬
‫ـف بتفاســير‬
‫علمــا وأمتــن كال ًمــا كتفســير الطــري‬
‫القدمــاء فعليهــا نقــاء وصفــاء‪ ،‬وهــي أدق ً‬
‫وابــن كثيــر و البغــوي‪ ،‬ومــن المتأخريــن تفســير القاســمي‪ ،‬وتفســير الســعدي‬
‫عليهــم جمي ًعــا رحمــة اهلل‪.‬‬

‫وأنصحــك أخــي الخطيــب بــرك الخــوض يف التفاســير العمليــة‪،‬‬


‫والجدليــة‪ ،‬واألعــداد ومســائل اإلعجــاز التــي تربــط كل إعجــاز واكتشــاف‬
‫بالقــرآن؛ ألن المســائل العلميــة واالكتشــافات غيــر ثابتــة فربمــا تربــط اكتشــافا‬
‫علم ًيــا بآيــة ثــم فــرة يتغيــر هــذا العلــم فيظــن النــاس بالقــرآن ظــن الســوء‪،‬‬
‫فاقتصــر علــى العلــم الشــرعي وفهــم القــرآن‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪63‬‬ ‫فن اخلطابة‬

‫ثالثًا‪ :‬ال ُسنة املطهرة‪:‬‬

‫وهي المصدر الثاين للداعية بعد القرآن‪ ،‬وهي شارحة ومفسرة للقرآن‬
‫وموضحة للمجمل ومفصلة له قال ‪ :‬أال إين أوتيت الكتاب‬
‫ومثله معه‪ ،‬ال يوشك رجل شبعان على أريكته يقول‪ :‬عليكم هبذا القرآن فما‬
‫وجدتم فيه من حالل فأحلوه وما وجدتم فيه من حرام فحرموه(((‪.‬‬

‫خصوصــا؛‬
‫ً‬ ‫والســنة مصــدر ضخــم لثقافــة المســلم عمو ًمــا والخطيــب‬
‫ألهنــا ينبــوع لجميــع مــكارم األخــاق وأحــكام الشــريعة‪ ،‬وفيهــا التوجيهــات‬
‫واإلرشــادات‪.‬‬

‫فما واجب الخطيب نحو السنة؟‬

‫ينبغــي للخطيــب أن يكــون لــه ورد يومــي مــن قــراءة الســنة وخاصــة‬
‫الكتــب الســتة كالبخــاري ومســلم‪ ،‬وأصحــاب الســنن األربعــة‪ ،‬وأنصــح‬
‫العلمــاء والخطبــاء بكتــاب «جامــع األصــول» البــن األثيــر فهــو يف غايــة‬
‫األهميــة‪ ،‬وكذلــك «جامــع األصــول التســعة» جمــع صالــح الشــامي‪ ،‬فهــذه‬
‫الكتــب مهمــة لتطويــر الخطيــب وتعزيــز ثقافتــه ورفــع الجهــل عنــه‪ ،‬وتنمــي‬
‫ذكاءه وثقتــه بنفســه‪ ،‬وتزيــده تنو ًعــا وتمكنًــا مــن الخطابــة‪.‬‬

‫أخرجه أبو داواد وصححه األلباين (‪.)4604‬‬ ‫(((‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫فن اخلطابة‬ ‫‪64‬‬

‫ثالثًا‪ :‬السرية النبوية‬

‫ال أعلــم شــي ًئا يؤثــر يف النــاس بعــد القــرآن مثــل ســيرة النبي ‪‬‬
‫فــإن لهــا وق ًعــا يف النفــوس ال مثيــل لــه‪ ،‬وخاصــة عندمــا تصــدر مــن قلــب‬
‫محــب وملــم بحيــاة الرســول ‪ ‬فالخطيــب الــذي يغفــل عــن‬
‫الســيرة وعرضهــا علــى المنــر غيــر محظــوظ باإلبــداع‪ ،‬فأيــام الرســول النضــرة‬
‫وســيرته العطــرة وقــود إيمــاين كبيــر وميــدان يتالعــب فيــه الخطيــب بمشــاعر‬
‫المســتمعين ويلهــب قلوهبــم بحيــاة أعظــم رجــل عرفتــه البشــرية‪.‬‬

‫فما واجب الخطيب نحو السيرة؟‬

‫أن يعتنــي الخطيــب بــزاد الســيرة وأن يكــون لديــه إلمــام كبيــر بــكل‬
‫تفاصيــل الســيرة النبويــة والشــمائل المحمديــة‪ ،‬وأن يحــرص علــى الصحيــح‬
‫مــن الســنة ويكتفــي هبــا‪ ،‬وأن يكــون لمنــره نصيــب كبيــر مــن الســيرة‪ ،‬ومواقــف‬
‫الرســول ‪ ‬يف الشــدة والرخــاء‪ ،‬يف الفــرح والحــزن والســلم‬
‫والحــرب‪ ،‬يف مســجده ومنزلــه بحيــث يمــر علــى جوانــب عديــدة مــن حياتــه؛‬
‫ألن حياتــه وســيرته منهــج والنــاس يف أشــد الحاجــة لهــذا المنهــج‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪65‬‬ ‫فن اخلطابة‬

‫راب ًعا الفقه‪:‬‬

‫ينبغــي علــى الخطيــب أن يتصــل بكتــب الفقــه وأن يكــون لــه حــظ وافــر‬
‫مــن دراســة األحــكام الفقهيــة بأدلتهــا حتــى يــر َّد علــى الشــبه والمنكــرات‪ ،‬وأن‬
‫يفقــه النــاس يف دينهــم‪ ،‬فــا يســقط عنــه واجــب التفقــه‪ ،‬وعليــه أن يلــم بفقــه‬
‫العبــادات والمعامــات كامـ ًـا‪ ،‬وأن تكــون لديــه ركيــزة وأســاس يف هــذا الفــن‪،‬‬
‫وعليــه أن ُيخصــص مــن وقتــه جــز ًءا لقــراءة كتــب الفقــه‪.‬‬

‫فما واجب الخطيب نحو الفقه؟‬

‫أول‪:‬أن يلتــزم بشــيخ يشــرح لــه كتــاب فقــه مختصــر‪ ،‬وإن لــم يتمكــن‬
‫ً‬
‫لذلــك فمراجعــة أشــرطة العلمــاء الكبــار‪ ،‬كابــن بــاز‪ ،‬وابــن‬
‫عثيميــن‪ ،‬وابــن جربيــن رحمــة اهلل عليهــم أو مــن بقيــة العلمــاء‬
‫وســيجدها متوفــرة علــى قنواهتــم علــى اليوتيــوب وهــي كثيــرة‬
‫ومتوفــرة ال عــذر ألحــد‪.‬‬

‫ثان ًيا‪:‬دراســة المســائل الفقهيــة بحيــث يجعــل لــه كل يــوم مســألة‬


‫أو مســألتين يقــرأ فيهمــا‪ ،‬و ُيحــرر ويبحــث حتــى تتكــون لديــه‬
‫تصــورات فقهيــه حــول مســألة ويــزداد ملكــة فيهــا‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫فن اخلطابة‬ ‫‪66‬‬

‫ثال ًثا‪:‬يحــدد لــه كتا ًبــا يف الســنة يقــرأه مــن أولــه إلــى آخــره وأنصحــه‬
‫بثالثــة كتــب‪:‬‬

‫الشــرح الممتــع البــن عثيميــن‪« ،‬التســهيل للبعلــي» شــرح الشــيخ عبد اهلل‬
‫الفــوزان‪« ،‬شــرح عمــدة الفقــه» لعبــد اهلل بــن عبــد العزيــز بــن جرببــن ‪‬‬
‫لتكــن لــه ورد ســنوي يقــرأ فيــه كل ســنة ‪.‬‬

‫راب ًعا‪:‬ليكــن لــه حــظ مــن قــراءة أحاديــث األحــكام مثــل‪ :‬بلــوغ المــرام‪،‬‬
‫وعمــدة األحــكام‪ ،‬والمحــرر البــن عبــد الهــادي يقــرأ فيهــا وإن‬
‫كان عنــده همــة فليحفــظ البلــوغ والعمــدة ففيهــا نفــع عظيــم‬
‫وعلــم غزيــر‪.‬‬

‫هــذا مــا يتعلــق بواجــب الخطيــب يف تعلمــه للفقــه‪ ،‬فــإن الموفــق مــن‬
‫فقــه اهلل وعلمــه بأحــكام الشــريعة فتعلــم واعلــم «مــن يــرد اهلل بــه خيـ ًـرا يفقــه‬
‫يف الديــن»‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪67‬‬ ‫فن اخلطابة‬

‫خام ًسا‪ :‬العقيدة‪.‬‬

‫حيــاة النــاس يف هــذا العصــر مليئــة بالشــهوات والشــبهات‪ ،‬وال شــك أن‬
‫الطــرق شــتى وطريــق الحــق واحــد‪ ،‬والخطيــب الناجــح يقضي على الشــهوات‬
‫بالتقــوى ‪ ،‬ويقضــي علــى الشــبهات بالعلــم والعقيــدة الصحيحــة‪ ،‬وقــد كثــر يف‬
‫هــذا الزمــن اإللحــاد والبــدع والصيحــات والطعــن يف المحكمــات‪ ،‬وهــذا كلــه‬
‫يحتــاج إلــى عقيــدة راســخة تتحطــم أمامهــا كل شــبهة‪ ،‬وهــذا واجــب الخطيــب‬
‫أن يكــون محصنًــا بعقيــدة ســليمة حتــى يكــون مؤثــرا يف قلــوب النــاس ويدفــع‬
‫كل شــبهة وبدعــة‪.‬‬

‫فما واجب اخلطيب حنو العقيدة؟‬

‫ً‬
‫أول‪ :‬قــراءة كتــب العقيــدة وحضــور دروســها‪ ،‬وأن يتلقــى شــرح متــون‬
‫العقيــدة علــى متخصصيــن‪.‬‬

‫ثان ًيــا‪ :‬أن يتــدرج يف كتــب العقيــدة فيقــرأ مــا يتعلــق بتوحيــد الربوبيــة‬
‫واأللوهيــة‪ ،‬ومــا يتعلــق باألســماء والصفــات فيقــرأ الثالثــة األصــول‪،‬‬
‫والمســائل األربــع‪ ،‬وكشــف الشــبهات‪ ،‬ثــم كتــاب التوحيــد للشــيخ محمــد‬
‫بــن عبــد الوهــاب ‪ ،‬ويقــرأ يف الواســطية لمحمــد خليــل هــراس؛ ألهنــا‬
‫عقيــدة يف األســماء والصفــات‪ ،‬ويقــرأ يف عقيــدة أهــل الســنة والجماعــة‪،‬‬
‫ويثقــف نفســه يف المذاهــب الباطلــة والملــل حتــى يــرد علــى شــبهاهتم‪،‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫فن اخلطابة‬ ‫‪68‬‬

‫و ُيحــذر المســلمين مــن شــرهم‪ ،‬وإين أنصــح كل خطيــب بقــراءة «شــرح اعتقــاد‬
‫أهــل الســنة والجماعــة» لاللكائــي تحقيــق أحمــد ســعد حمــدان ففيــه الصيــد‬
‫الثميــن‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪69‬‬ ‫فن اخلطابة‬

‫ساب ًعا‪ :‬التاريخ وأيام اهلل‬

‫قــراءة التاريــخ ليــس للتســلية وقطــع األوقــات بــل هــو عــرة وعظــة وهــي‬
‫صفحــات يقرأهــا المســلم ليــرى أيــام اهلل يف الذيــن خلــوا مــن قبــل ﮋ ﯫ ﯬ‬
‫ﯭ ﯮ ﯯﮊ((( ‪ .‬والســعيد مــن وعــظ بغيــره والشــقي مــن اتعــظ بــه النــاس‪،‬‬
‫والتاريــخ لــه فوائــد دنيويــة وأخرويــة‪ ،‬فيعلــم أن الدنيــا فانيــة فــا يبقــى أحــد‬
‫عليهــا‪ ،‬فيتذكــر أخبــار الماضيــن وحــوداث المتقدميــن‪.‬‬

‫وأمــا األخرويــة فــإن العاقــل اللبيــب إذا تفكــر ورأى تقلــب الدنيــا بأهلهــا‬
‫وتتابــع نكباهتــا إلــى أعيــان قاطنيهــا‪ ،‬وأهنــا ســلبت نفوســهم وذخائرهــم‪،‬‬
‫وأعدمــت أصغارهــم وأكبارهــم‪ ،‬فلــم تبـ ِـق علــى جليــل وال حقيــر‪ ،‬ولــم يســلم‬
‫مــن نكدهــا غنــي وال فقيــر (((‪.‬‬

‫فما واجب اخلطيب حنو التاريخ؟‬

‫يجــب علــى الخطيــب أن ُيذكِّــر النــاس بأيــام اهلل‪ ،‬و ُيبصرهــم بعواقــب‬
‫المعاصــي والذنــوب ويحذرهــم مــن زوال النعــم التــي بيــن أيديهــم‪ ،‬ويربــط‬
‫ذلــك بقصــص القــرآن‪ ،‬ومــا ورد يف التاريــخ مــن عــر‪ ،‬ويبيــن عواقــب الظلــم‬
‫سورة يوسف آية (‪)111‬‬ ‫(((‬
‫الكامل يف التاريخ البن األثير (‪.)10/1‬‬ ‫(((‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫فن اخلطابة‬ ‫‪70‬‬

‫والبغــي والعــدوان وأال يغفــل ذلــك األمــر حتــى يكــون النــاس علــى حــذر مــن‬
‫زوال النعــم وتبــدل األحــوال‪.‬‬

‫كذلــك ينبغــي أن يكــون الخطيــب مثق ًفــا يف اللغــة وكتب األمثلــة واألدب‬
‫فإهنــا تزيــد يف بيانــه‪ ،‬وتقويــم لســانه‪ ،‬وأن يعتنــي بكتــب الرقائــق واألخــاق‬
‫ويقــرأ يف كتــب التطويــر والفكــر اإلســامي وبعــض المجــات الدوريــة‬
‫المحكمــة فذلــك يثــري معلوماتــه و ُيســهل عليــه إعــداد خطبــه‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪71‬‬ ‫فن اخلطابة‬

‫آداب يلتزم بها اخلطيب‬

‫الخطيــب لــه شــأن كبيــر فهــو يؤثــر يف األرواح ويمتلــك القبــول والقلوب‬
‫بتوفيــق اهلل ومــن كان هــذا طبعــه ومهمتــه فعليــه أن يتحلــى بــآداب وصفــات‬
‫يرتقــى يف منازلهــا حتــى يبلــغ بكلمتــه شــغاف القلــوب‪ ،‬والخطيــب يف نظــر‬
‫النــاس قــدوة ومحــل تدقيــق تتطلــع إليــه العيــون وتميــل إليــه األفئــدة وتقتــدي‬
‫بــه أجيــال‪.‬‬

‫ومن أهم اآلداب والصفات اليت يتحلى بها اخلطيب‪:‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫فن اخلطابة‬ ‫‪72‬‬

‫أوهلا‪ :‬صدق احلديث‬

‫يقول ‪ :‬ﮋﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹﮊ((( ‪.‬‬

‫يــا اهلل مــا أعظــم هــذه اآليــة وأشــدها علــى النفــس إهنــا أمــر ربــاين أن‬
‫يكــون المســلم يف صــف وموكــب الصادقيــن‪ ،‬وأعظــم النــاس خل ًقــا هــم‬
‫الصادقــون؛ ألن الصــدق يهــدي إلــى الــر والــر يهــدي إلــى الجنــة‪ ،‬وكلمــا كان‬
‫ـول وثقــة‪ ،‬ولذلــك مــن أهــم الصفــات‬ ‫المســلم أكثــر صد ًقــا كان أكثــر النــاس قبـ ً‬
‫التــي يتلــزم هبــا الخطيــب الصــدق‪ ،‬صدقــه يف حديثــه‪ ،‬وصدقــه يف نقــل الخــر‪،‬‬
‫صدقــه يف نقــل القصــص واألخبــار‪ ،‬قــال الفضيــل بــن عيــاض ‪« :‬مــا‬
‫مــن مضغــة أحــب إلــى اهلل مــن لســان صــدوق‪ ،‬ومــا مضغــة أبغــض إلــى اهلل مــن‬
‫لســان كــذوب»(((‪.‬‬

‫ومنهجــا تميــز علــى منــره بثــاث‬


‫ً‬ ‫والخطيــب إذا التــزم الصــدق ســلوكًا‬
‫صفــات‪( :‬الحــاوة‪ -‬الهيبــة – القبــول)‪.‬‬

‫فياأيهــا الخطيــب كــن صاد ًقــا يف كلماتــك ومشــاعرك وأحاسيســك‬


‫مازحــا‬
‫ً‬ ‫ودمعاتــك وعامــل مــن حولــك بصــدق وال ُتباشــر الكــذب ولــو كنــت‬
‫فإنــك بذلــك تبلــغ منــازل الصادقيــن‪.‬‬

‫سورة التوبة آية (‪.)119‬‬ ‫(((‬


‫روضة العقالء ص ‪.78‬‬ ‫(((‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪73‬‬ ‫فن اخلطابة‬

‫ثانيها‪ :‬العبادة‬

‫إهنــا الغايــة التــي خلــق اهلل مــن أجلهــا الجــن واإلنــس ﮋ ﭳ ﭴ ﭵ‬


‫ﭶ ﭷ ﭸ ﮊ(((‪ .‬وهــي الصلــة الروحيــة بيــن العبــد وربــه‪ ،‬وهــي الوقايــة‬
‫مــن الفتــن‪ ،‬والخطيــب داعيــة إلــى اهلل وناصــح أميــن لهــذه األمــة وكل خطيــب‬
‫وداعيــة يحتــاج يف دعوتــه إلــى وقــود وزاد يتقــوى بــه‪ ،‬ويصــر علــى وعــورة‬
‫طريــق الدعــوة‪ ،‬وليــس هنــاك زاد أعظــم مــن العبــادة والقــرب مــن اهلل ‪‬‬
‫يقــول ابــن الجــوزي ‪ :‬وإن قلــوب النــاس لتعــرف حــال الشــخص‬
‫وتحبــه أو تأبــاه وتذمــه أو تمدحــه وفــق مــا يتحقــق بينــه وبيــن اهلل ‪ ‬فإنه‬
‫يكفيــه كل هــم ويدفــع عنــه كل شــر‪ ،‬ومــا أصلــح عبــد مــا بينــه وبين الخلــق دون‬
‫أن ينظــر إلــى الحــق إال انعكــس مقصــوده وعــاد حامــده ذا ًمــا(((‪.‬‬

‫فمــن أعظــم أســرار نجــاح الخطيــب‪ ،‬وأكــر أســباب توفيقــه‪ ،‬وإقبــال‬


‫النــاس عليــه هــو صالحــه وعبادتــه فليكــن للخطيــب حــظ مــن قيــام الليــل‪،‬‬
‫ومــن الصيــام وورد مــن القــرآن والذكــر حتــى يكــون لكالمــه القبــول والتأثيــر‪.‬‬

‫سورة الذريات آية (‪.)56‬‬ ‫(((‬


‫صيد الخاطر البن الجوزي ص‪.108‬‬ ‫(((‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫فن اخلطابة‬ ‫‪74‬‬

‫ثالثها‪ :‬التواضع‪.‬‬

‫فــاهلل ســبحانه قــد يتفضــل علــى الخطيــب بالقبــول ومحبــة النــاس‬


‫لــه وإقبالهــم عليــه فيصــاب بالغــرور والكــر واإلعجــاب بالنفــس وازدراء‬
‫الخلــق‪ ،‬وهــذه وربــي عاجــل بشــرى هالكــه وعقابــه‪ ،‬ولهــذا علــى الخطيــب‬
‫أن يكــون فطنًــا حصي ًفــا‪ ،‬وأن يغلــق بــه الشــر عنــه‪ ،‬ويعلــم أن كل مــا هــو فيــه‬
‫مــن رب العالميــن‪ ،‬فعليــه أن يظهــر التذلــل والتواضــع متخشــعا هلل ‪‬‬
‫وليتذكــر قــول اهلل‪ :‬ﮋ ﯱ ﯲ ﯳﮊ((( ‪ .‬قــال معــاذ بــن جبــل ‪‬‬
‫«ال يبلــغ عبــد ذرى اإليمــان حتــى يكــون التواضــع أحــب إليــه مــن الشــرف»(((‪.‬‬

‫وليتقبــل النصــح والتوجيهــات وليجلــس إلــى الكبيــر والصغيــر والغنــي‬


‫ً‬
‫وفضــا‬ ‫علمــا‬
‫والفقيــر‪ ،‬ويــروض نفســه علــى التواضــع‪ ،‬وأنــه أقــل النــاس ً‬
‫وليتذكــر دو ًمــا أن الشــرف وعلــو القــدر يف التواضــع وليــس يف الكــر والتعالي‪.‬‬

‫وعلــى الخطيــب أن يبتعــد عــن كلمــات التعظيــم لذاتــه‪ ،‬وتحقيــر‬


‫اآلخريــن‪ ،‬كأن يقــول عــن نفســه‪ :‬ونحــن نــرى كــذا وكــذا‪ ،‬ويف نظرنــا كــذا‬
‫وكــذا‪ ،‬فهــذه األلفــاظ وإن لــم يقصدهــا الخطيــب توحــي بالتعالــي والغــرور‪.‬‬

‫سورة آية (‪.)88‬‬ ‫(((‬


‫الزهد البن المبارك (‪.)52/2‬‬ ‫(((‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪75‬‬ ‫فن اخلطابة‬

‫رابعهما‪ :‬حسن املنطق‬

‫القلــوب ُجبلــت علــى حــب األلفــاظ الطيبــة الحســنة وصــدق اهلل‬


‫‪ :‬ﮋ ﯦ ﯧ ﯨﮊ((( ‪ .‬فالخطيــب الناجــح يتخيــر مــن األلفــاظ‬
‫أحســنها ومــن الكلمــات أجملهــا‪.‬‬

‫فالخطيــب الليــن لــه تأثيــر عجيــب فهــذا فرعــون الطاغيــة‪ ،‬والــذي قــد‬
‫علــم اهلل طغيانــه وكفــره يخاطــب هــارون وموســى ﮋ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ‬
‫ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮊ(((‪.‬‬

‫فهــذا المســلم الجالــس أمامــك يســتمع لخطابــك هــو أحــق بالكلمــة‬


‫اللينــة‪ ،‬والمنطــق الحســن وكان ‪ُ ‬يســيطر علــى القلــوب هبــذا‬
‫ُ‬
‫الخلــق العظيــم ويقــول ألمتــه وأصحابــه‪« :‬إن الرفــق ال يكــون يف شــيء إال زانــه‬
‫وال ُينــزع مــن شــيء إال شــانه»(((‪.‬‬

‫قال الشاعر‪:‬‬

‫لــم ي ْقضهــا إال الــذي يترفــق‬ ‫ولــو ســار ألــف مدجــج يف حاجــة‬

‫سورة البقرة آية (‪.)83‬‬ ‫(((‬


‫سورة طه آية (‪.)44-43‬‬ ‫(((‬
‫رواه مسلم (‪.)2594‬‬ ‫(((‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫فن اخلطابة‬ ‫‪76‬‬

‫وقد أحسن من قال‪« :‬من النت كلمته وجبت محبته»‬

‫فيتنــزه الخطيــب مــن ألفــاظ التجريــح وال ُفحــش والبــذاءة والســب‬


‫والشــتم‪ ،‬وتعييــر المذنبيــن «فليــس المؤمــن بالطعــان وال اللعــان وال الفاحــش‬
‫وال البــذيء»‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪77‬‬ ‫فن اخلطابة‬

‫خامسهما‪ :‬سرعة البديهة‬

‫وأقصــد ســداد الــرأي عنــد حــدوث مفاجــأة؛ ألن الخطيــب عرضــة ألي‬
‫حــدث مفاجــئ أو ربمــا يقاطعــه أحــد الحضــور‪ ،‬أو تقــع مشــكلة أو رفع صوت‬
‫أثنــاء الخطبــة‪ ،‬أو شــخص يريــد أن يحــرج الخطيــب بســؤال أو اعــراض‪،‬‬
‫فعليــه أن يكــون حاضــر الذهــن ســريع البديهــة‪ ،‬إمــا أن ُيحســن الجــواب أو‬
‫ُيحســن الخــروج مــن الموقــف‪.‬‬

‫وهنــا أذكــر قصــة البــن الجــوزي ‪ ‬كان يخطــب يف مجلــس وعــظ‬


‫فقــام رجــل بغيــض فقــال‪ :‬يــا ســيدي نريــد كلمــة ننقلهــا عنــك‪ ،‬أيهمــا أفضــل‬
‫أبــو بكــر أم علــي؟ والنــاس ينظــرون وينتظــرون اإلجابــة فقــال ‪ :‬اجلــس‬
‫ثــم قــام الرجــل وأعــاد ســؤاله‪ ،‬فأقعــده ثــم قــام‪ ،‬فقــال‪ :‬اقعــد فأنــت أفضــل مــن‬
‫كل أحد(((‪.‬‬

‫وقصــد ابــن الجــوزي بكلمــة (أفضــل) يعنــي مــن الفضــول والتدخــل‬


‫فيمــا ال يعنــي‪ ،‬فقــد يقــول الخطيــب كلمــة ف ُيفهــم علــى غيــر محملهــا فينصــرف‬
‫يف وقتهــا أو ربمــا ينســى آيــة أو حدي ًثــا أو مقالــة فيكــون لديــه ُحســن تصــرف‬
‫وســرعة بديهــة‪.‬‬

‫انظر سير أعالم النبالء للذهبي(‪.)371/21‬‬ ‫(((‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫فن اخلطابة‬ ‫‪78‬‬

‫سادسهما‪ :‬الصرب‬

‫نقــل ابــن القيــم ‪ ‬عــن اإلمــام أحمــد قولــه‪« :‬إن اهلل ســبحانه ذكــر‬
‫الصــر يف القــرآن يف تســعين موضو ًعــا»(((‪.‬‬

‫والصــر جــواد ال يكبــو وصــارم ال ينبــو يقــول ‪ :‬ﮋ ﯯ ﯰ‬


‫ﯱ ﯲ ﯳﯴ ﮊ((( ‪.‬‬

‫وقــال ‪« :‬ومــا أعطــي أحــد عطــا ًءا خيــر وأوســع مــن‬


‫الصبــر» (((‪.‬‬

‫واالنســان ال يســتغني عــن الصــر عمو ًمــا‪ ،‬ولكنــه يف حــق الخطيــب‬


‫أعظــم‪ ،‬فهنــاك أمــور كثيــرة قــد تخــرج الخطيــب عــن طــوره كســماعه لألخبــار‬
‫المؤلمــة‪ ،‬ورؤيتــه للمنكــرات‪ ،‬أو يــرى ســوء تصــرف مــن أحــد الحاضريــن‪ ،‬أو‬
‫يشــعر بعــدم اســتجابة النــاس لكالمــه ووعظــه وال يــرى نتيجــة لخطبــه‪ ،‬فعليــه‬
‫أن يصــر ويتصــر ويضبــط نفســه وال يســتعجل لئــا يدفعــه ذلــك إلــى تصــرف‬
‫وأيضــا قــد يجــد مــن‬
‫ينــدم عليــه أو يدفعــه الغضــب إلــى حالــة يــأس وتشــاؤم‪ً ،‬‬
‫يمكــر بــه‪ ،‬ويطعــن يف دعوتــه و ُيوشــي بــه فليتذكــر قولــه ‪ :‬ﮋ ﯯ ﯰ‬
‫ﯱ ﯲ ﯳﯴ ﮊ‪.‬‬
‫عدة الصابرين البن القيم (‪.)113‬‬ ‫(((‬
‫سورة النحل آية (‪.)127‬‬ ‫(((‬
‫رواه البخاري (‪.)1469‬‬ ‫(((‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪79‬‬ ‫فن اخلطابة‬


‫والصبــر ينفــع أحيانًــا إذا صبــروا‬ ‫ِ‬
‫حدث‬ ‫جميل على ما أناب من‬
‫ً‬ ‫صبرا‬
‫ً‬
‫الضرر‪.‬‬
‫ُ‬ ‫مســك‬
‫علــى الزمــان إذا مــا ّ‬ ‫الصبــر أفضــل شــيء تســتعين بــه‬
‫ُ‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫فن اخلطابة‬ ‫‪80‬‬

‫سابعهما‪ :‬طلب رضا اهلل‬

‫وهــذه غايــة النبيــل المخلــص يف عملــه بــأن يكــون رضــا اهلل نصــب‬
‫عينيــه‪ ،‬فنحــن يف زمــن فتــن ومغريــات‪ ،‬وكــم مــن خطيــب أعــد خطبتــه‪ ،‬وأجــاد‬
‫يف إلقائهــا ولفــت انتبــاه الحاضريــن لكــن كان قصــده غيــر اهلل‪ ،‬فمــاذا ســينفعه‬
‫مــدح المادحيــن؟‬

‫تنافســا محمو ًمــا علــى الفالشــات والكاميــرات‪ ،‬والــكل‬


‫ً‬ ‫واليــوم تجــد‬
‫ـم رائحة‬
‫ـهورا‪ ،‬ومــن طلــب الشــهرة وســعى لهــا لم يشـ َّ‬
‫ـارزا مشـ ً‬
‫يريــد أن يكــون بـ ً‬
‫اإلخــاص والتوفيــق‪ ،‬فــا تســع يف رضــا مخلــوق أو مســؤول أو جماعــة بــل‬
‫اجعــل رضــا اهلل فــوق رضــا المخلوقيــن‪ ،‬وســل اهلل دو ًمــا اإلخــاص والعافيــة‪،‬‬
‫وتذكــر قولــه ‪« :‬مــن التمــس رضــا النــاس بســخط اهلل ســخط اهلل‬
‫عليــه وأســخط عليــه النــاس‪ ،‬ومــن التمــس رضــا اهلل بســخط النــاس رضــي اهلل‬
‫عنــه وأرضــا عنــه النــاس»(((‪.‬‬

‫أخرجه ابن حيان بسند حسن (‪)277‬‬ ‫(((‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪81‬‬ ‫فن اخلطابة‬

‫ثامنهما‪ :‬التثبت مما يقول‬

‫عالمنــا الــذي نعيشــه اليــوم عالــم مملــوء بالشــك واألكاذيــب‪ ،‬وكل فــرة‬
‫وأخــرى تــأيت الشــائعات وتقاطــع المعلومــات حتــى تدفــع المــرء إلــى أخذهــا‬
‫بعيــن اليقيــن والثقــة‪ ،‬ويف ظــل وســائل التواصــل ونقــل األخبــار والمعلومــات‪،‬‬
‫يجــب أن يكــون الخطيــب هادئًــا متزنًــا متثبتًــا مــن كل مــا يقولــه‪ ،‬يقــول‬
‫‪ :‬ﮋ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﮊ(((‪.‬‬

‫فالتثبــت والتبيــن مطلــوب‪ ،‬ولعلــى أعطيــك قصــة حدثــت لــي وربمــا‬


‫حدثــت لكثيريــن‪:‬‬

‫بعــد وفــاة الشــيخ العالمــة محمــد بــن عثيميــن ‪ ‬خطبــت عــن‬


‫حياتــه وأن األمــة فقــدت عالمــا كبيـ ًـرا وأوردت قصــة يف فضــل الشــيخ أن امــرأة‬
‫رأت رؤيــا أن شــخصا يطــوف بالبيــت وهــو عريــان‪ ،‬وكان هــذا الــكالم منقـ ً‬
‫ـول‬
‫عــر المذيــاع فقــال الشــيخ‪ :‬أن هــذا الرجــل صالــح‪ ،‬وأن اهلل قــد غفــر لــه‪ ،‬فهــو‬
‫عريــان مــن الذنــوب يعنــي ليــس عليــه ذنــب‪ ،‬فقالــت المــرأة مباشــرة الرجــل‬
‫العريــان والــذي يطــوف هــو أنــت يــا شــيخ محمــد‪ ،‬فبكــى الشــيخ وتأثــر‪.‬‬

‫هــذه القصــة لــم أســمعها بنفســي ولكــن مــن كثــرة مــا أشــيعت يف‬
‫سورة الحجرات اآلية (‪.)6‬‬ ‫(((‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫فن اخلطابة‬ ‫‪82‬‬

‫المجالــس‪ ،‬وكلمــات الدعــاة يف المســاجد واللقــاءات ومــن مشــايخ ثقــات‬


‫نقلتهــا يعنــي أصبحــت قصــة متواتــرة ال يدخلهــا الشــك‪ ،‬وبعــد فــرة إذ بــي‬
‫أســمع مــن الشــيخ عبــد اهلل الطيــار أحــد طــاب الشــيخ ينقــل القصــة للشــيخ‬
‫ابــن عثيميــن‪ ،‬ويقــول يــا شــيخ محمــد هــل هــذه القصــة حقيقيــة أو مــرت‬
‫ـككت يف األمــر‬
‫ُ‬ ‫عليــك‪ ،‬فيقــول الشــيخ تصــدق مــن كثــرة مــا ُســئلت عنهــا شـ‬
‫حتــى اتصلــت بالمذيــع وقلــت‪ :‬يــا فــان هــل حصــل مثــل هــذا؟ فقــال المذيــع‬
‫لقــد رجعــت إلــى التســجيل ولــم يحــدث أبــدً ا‪.‬‬

‫فانظــر كيــف تناقــل النــاس هــذا الخــر وهــو غيــر صحيــح حتــى شــك‬
‫عظيمــا بــأال أنقــل خ ـرًا أو قصــة إال وهــي‬
‫ً‬ ‫درســا‬
‫الشــيخ يف نفســه‪ ،‬فأخــذت ً‬
‫يقيــن ال شــك فيهــا‪ ،‬فليكــن هــذا مذهبــك تثبــت وال تكتفــي بحدثنــي مــا لــم‬
‫تتأكــد بنفســك حتــى ال تقـ َّـل ثقــة النــاس بكالمــك وخطابــك‪ ،‬وإذا ثبــت لديــك‬
‫الخــر أو األمــر فانظــر هــل هنــاك جــدوى ومصلحــة مــن نشــره وتحفيــز لمــن‬
‫يســمعك فانشــره وأظهــره‪ ،‬وإال فأعــرض عنــه وأطـ ِـوه‪ ،‬ويكفيــك قــول الرســول‬
‫‪« :‬كفــى بالمــرء كذ ًبــا أن ُيحــدث بــكل مــا ســمع»(((‪.‬‬

‫رواه مسلم (‪.)5‬‬ ‫(((‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪83‬‬ ‫فن اخلطابة‬

‫اخلطيب والسياسة‬

‫مــن أصعــب الموضوعــات الشــائكة يف حيــاة الخطيــب التحــدث يف‬


‫السياســة وطــرق أمــور قــد تكــون حساســة يف الســاحة‪ ،‬وألن النــاس تميــل‬
‫وترغــب إلــى الخطيــب الــذي يتحــدث يف السياســة ويالمــس مشــاعر النــاس‬
‫فيــرون أنــه خطيــب مفـ َّـوه ال يشــق لــه غبــار حتــى انتشــرت ثقافــة عنــد النــاس‬
‫أن الــذي ال يخطــب يف السياســة‪ ،‬وال يواكــب األحــداث خطيــب فاشــل بــارد‪،‬‬
‫وربمــا عــزف النــاس عنــه‪ ،‬والنــاس بطبيعتهــا تميــل إلــى اإلثــارة والحمــاس‪،‬‬
‫ولكــن الخطيــب الحصيــف العاقــل ال ينــزل إلــى رغبــات اآلخريــن بــل ينظــر‬
‫إلــى المصلحــة العامــة ومــا ينفــع المســلمين‪ ،‬ومــن حســن إســام المــرء تركــه‬
‫مــا ال يعنيــه‪.‬‬

‫ولكــن قــد يتســاءل البعــض هــل نــرك قضايــا األمــة ومشــاكلها ونتحــدث‬
‫يف الصــاة والصــوم والذكــر واألمــة تنحــر مــن الوريــد إلــى الوريــد؟‬

‫هذا تساؤل مطروح وهو حق مشروع والجواب عليه يكون كاآليت‪:‬‬

‫أول‪ :‬الخطيــب مأمــور بالحديــث عــن قضايــا األمــة ومشــاكلها فمــن لــم‬
‫ً‬
‫يحمــل هــم أمتــه فليــس منهــا‪ ،‬والنــاس يريــدون معرفــة الحــق وموقــف كل‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫فن اخلطابة‬ ‫‪84‬‬

‫واحــد منهــم‪ ،‬فقضايــا التفــرق والخــاف والضعــف والحزبيــات والمنكــرات‬


‫وتخلــف النصــر وغيرهــا مــن الموضوعــات التــي ال بــد أن يتطــرق إليهــا‬
‫الخطيــب وهــذا واجبــه ومطلــوب منــه‪ ،‬لكــن التحــدث يف السياســة وتحــول‬
‫المنابــر إلــى نشــرة أخبــار وســب الدولــة الفالنيــة واألميــر الفــاين والعالــم‬
‫الفــاين‪ ،‬ونقــل أخبــار الدمــاء والقتــل‪ ،‬وأن الحاكــم الفــاين ظالــم‪ ،‬ونقــل‬
‫أخبــار األمــراء والــوزراء‪ ،‬أو إثــارة النــاس ومــلء قلوهبــم بالحقــد والضغائــن‬
‫الســنة والجماعــة وليــس مــن‬
‫علــى والة األمــر فهــذا ليــس منهــج أهــل ُ‬
‫عقيدهتــم‪.‬‬

‫ومــاذا ســيجني المســتمع مــن هــذا كلــه؟ ومــا الــذي يف يديــه حتــى يفعله؟‬
‫بــل هــو تحميــل همــوم علــى همــوم‪ ،‬وســيخرج مــن المســجد ينســى مــا قيــل لــه‬
‫مــع أول بائــع فجــل أو كــراث عنــد بــاب المســجد فهــذه طبيعــة النــاس فــا‬
‫ترجــو منهــم شــي ًئا ال يســتطيعونه‪ ،‬وال تحملهــم مــا ال يطيقونــه‪.‬‬

‫ثان ًي��ا‪ :‬السياســة لهــا أهلهــا وأرباهبــا واليــوم صديــق وغــدً ا عــدو‪ ،‬وليــس‬
‫هنــاك صديــق دائــم وال عــدو دائم‪ ،‬وليســت من اختصــاص الخطيــب‪ ،‬فواجب‬
‫الخطيــب تعبيــد النــاس لــرب العالميــن‪ ،‬وربطهــم بالقــرآن والســنة‪ ،‬وإحيــاء‬
‫عقيــدة الــوالء والــراء‪ ،‬وحثهــم علــى األلفــة والرتاحــم والتالحــم‪ ،‬فقــد مـ َّـل‬
‫النــاس مــن الفواجــع‪ ،‬والقــوارع‪ ،‬وســماع أخبــار السياســة فعندهــم مــا يكفيهــم‬
‫مــن تويــر وقنــوات وواتــس حتــى قســت القلــوب مــن هــذه األخبــار‪ ،‬وهــم‬
‫ينتظــرون مــن الخطيــب غســل قلوهبــم بموعظــة ال بتكــرار مــا هــم يعلمــون‬
‫أكثــر مــن الخطيــب‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪85‬‬ ‫فن اخلطابة‬


‫فتجنــب ‪-‬رعــاك اهلل‪ -‬مــا يضــرك وال ينفعــك وال يغرنــك مــا يقولــه‬
‫همســا يف المنــر لكنــه يحمــل‬
‫البعــض عنــك‪ ،‬وكــم مــن شــخص ال تســمع لــه ً‬
‫همو ًمــا كالجبــال يف قلبــه خو ًفــا وحرقــة علــى األمــة والمجتمــع‪ ،‬وينبغــي أن‬
‫يراعــي الخطيــب الواقــع والحــال‪ ،‬وأن يكــون ألمع ًيــا ال تقــوده العواطــف‬
‫ونــزوات اآلخريــن يقــول ‪ :‬ﮋ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪﮊ((( ‪.‬‬

‫يقــول الشــيخ الســعدي ‪ ‬يف تفســير اآليــة أنــه إذا ترتــب علــى‬
‫التذكيــر مضــرة أرجــح تــرك التذكيــر خــوف وقــوع المنكــر(((‪.‬‬

‫سورة األعلى آية (‪.)9‬‬ ‫(((‬


‫أدب الموعظة لمحمد الحمد ص‪.89‬‬ ‫(((‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
www.alukah.net

‫فن اخلطابة‬ 86


‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪87‬‬ ‫فن اخلطابة‬

‫صفات اخلطيب أثناء خطبته‬

‫للخطيــب صفــات وآداب يلتــزم هبــا أثنــاء وقوفــه أمــام النــاس وإلقائــه‬
‫الخطبــة ومــن هــذه الصفــات ‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫فن اخلطابة‬ ‫‪88‬‬

‫ً‬
‫أول‪ :‬احلماس‪.‬‬

‫وقدوتنــا يف هــذا الخطيــب األول ‪ ‬فــكان إذا خطــب‬


‫احمــرت عينــاه وعــا صوتــه‪ ،‬واشــتد غضبــه حتــى كأنــه منــذر جيــش يقــول‬
‫صبحكــم ومســاكم(((‪.‬‬

‫فالحماســة عنصــر فعــال يف الخطبــة‪ ،‬ويجعــل الخطبــة ســاخنة‪ ،‬ويشــحن‬


‫أعمــاق الحاضريــن بالعاطفــة‪ ،‬ويزيدهــم شــدة وانتباهــا وحضــورا‪ ،‬ويؤثــر‬
‫فيهــم تأثيـ ًـرا بال ًغــا‪ ،‬أمــا إذا خــرج الخطيــب للنــاس بــار ًدا متخشـ ًعا قطعــة ثلــج‬
‫فقــد أمــات النــاس ومــا أحياهــم‪ ،‬وأفقــد المنــر قيمتــه وهويتــه‪ ،‬إال أنــه ينبغــي‬
‫أن تكــون الحماســة منضبطــة ومتزنــة مناســبة لــكل فكــرة يطرحهــا‪.‬‬

‫أخرجه مسلم يف صحيحه (‪.)155/6‬‬ ‫(((‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪89‬‬ ‫فن اخلطابة‬

‫ثانيًا‪ :‬اللباس واملظهر‬

‫أن يكــون الخطيــب حســن المظهــر‪ ،‬ألن جمــال المظهــر حــث عليــه‬
‫اإلســام ودعــا إلــى ذلــك قــال ‪ :‬ﮋ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﮊ((( ‪.‬‬

‫وخطــب ‪ ‬يو ًمــا علــى المنــر ثــم قــال‪« :‬مــا علــى أحدكــم‬
‫لــو اشــرى ثوبيــن ليــوم الجمعــة ســوى ثوبــي مهنتــه»(((‪.‬‬

‫فهــذا الخطــاب لعمــوم المســلمين‪ ،‬وإن مــن قــام مقــام الخطابــة والوعــظ‬
‫لهــو جديـ ٌـر بــه أن يكــون أشــد اهتما ًمــا وعنايــة بمظهــره ولباســه؛ ألنــه موضــع‬
‫نظــر النــاس إليــه؛ وألن ُحســن المظهــر وجمــال الملبــس يعطــي ثقــة يف نفــس‬
‫وتأثيــرا علــى قلوهبــم فهكــذا‬
‫ً‬ ‫الخطيــب‪ ،‬ووق ًعــا يف نفــوس المســتمعين‪،‬‬
‫جبلــت النفــوس‪ ،‬ويتأكــد هــذا يف حــق الخطيــب مــن غيــر إســراف وال خيــاء‪،‬‬
‫ويســتحب لبــس الثيــاب البيــض لقولــه ‪« :‬البســوا البيــاض فإنهــا‬
‫خيــر ثيابكــم»(((‪.‬‬

‫ومــن لــوازم ُحســن المظهــر تعاهــد شــاربه وهتذيــب لحيتــه بالمشــط‬


‫وتطييــب بدنــه وثيابــه‪ ،‬فهــذا كلــه مــن ُســنة المصطفــى صلــى اهلل عليــه ســلم‪،‬‬
‫سورة األعراف اآلية (‪.)31‬‬ ‫(((‬
‫أخرجه أبو داود (‪ )1078‬وصححه األلباين‪.‬‬ ‫(((‬
‫أخرجه أبو داود (‪.)3878‬‬ ‫(((‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫فن اخلطابة‬ ‫‪90‬‬

‫ـول نظي ًفــا حتــى‬


‫ومنهــج الســلف‪ ،‬ويحــرص كل الحــرص علــى أن يكــون مقبـ ً‬
‫تقبلــه قلــوب النــاس‪ ،‬وليســتاك بالمســواك‪ ،‬وأال يصعــد علــى المنــر إال وقــد‬
‫أفطــر‪ ،‬فبعــض الخطبــاء لألســف يخطــب بالنــاس بعــد نــوم وخــواء بطــن‪،‬‬
‫وهــذا ممــا ينفــر النــاس منــه أو يهمــل تنظيــف إبطيــه فتخــرج منــه رائحــة كريهــة‬
‫فهــذا كلــه يســيء إلــى الخطيبوينفــر النــاس مــن حولــه ‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪91‬‬ ‫فن اخلطابة‬

‫ثالثًا‪ :‬وقفة اخلطيب‬

‫أهــم عامــل نفســي للخطيــب هــو وقوفــه أمــام الجمهــور‪ ،‬فــإذا كان‬
‫مرتاحــا يف وقفتــه مطمئنًــا كان أوعــى لهــدوء نفســه وثقتهــا‪ ،‬وإذا أحــس‬
‫ً‬
‫بانزعــاج يف وقوفــه علــى المنــر أصابــه التعــب والضيــق‪ ،‬ولذلــك كان لزا ًمــا‬
‫أن يقــف الخطيــب علــى مــكان مرتفــع عــن النــاس حتــى يتمكــن مــن رؤيتهــم‪،‬‬
‫وكذلــك يتمكــن النــاس مــن رؤيتــه؛ ألن تبــادل الرؤيــة يســاعد علــى التأثيــر‪،‬‬
‫وأن يضفــي علــى هــذه الوقفــة اعتـ ً‬
‫ـدال ومهابــة ويــرز صــدره لألمــام‪ ،‬وال بــأس‬
‫أن يتــكأ علــى عصــا أو علــى طــرف المنــر حتــى يتوثــق مــن الوقفــة وراحــة‬
‫الجســم‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫فن اخلطابة‬ ‫‪92‬‬

‫راب ًعا‪ :‬عدم العجلة يف اإللقاء‬

‫تقول عائشــة ‪« :‬ما كان رســول اهلل ‪ ‬يســرد ســردكم‬


‫هــذا ولكنــه كان يتكلــم بــكالم ب ِّينــه فصـ ٌـل يحفظــه مــن جلــس إليــه»(((‪.‬‬

‫فالتمهــل يف اإللقــاء دليــل الثقــة ورباطــة الجــأش ‪ ،‬وبالتمهــل وعــدم‬


‫العجلــة يســتطيع الخطيــب إرســال رســالته‪ ،‬وتحقيــق هدفــه بــكل ســهولة‪،‬‬
‫والمقصــود بعــدم العجلــة هــو توضيــح الكلمــات بصــوت واضــح‪ ،‬وحــروف‬
‫بينــة‪ ،‬ومعــان مفهومــة وليــس المقصــود التمــاوت والــرود وتمطيــط الحــروف‬
‫فليكــن هــذا معلو ًمــا للخطيــب‪.‬‬

‫أخرجه الرتمذي (‪ )3639‬وأبو داود (‪ )4838‬وأصله يف الصحيحين‪.‬‬ ‫(((‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪93‬‬ ‫فن اخلطابة‬

‫مكتبة اخلطيب ومراجعه‬

‫مــن الضــروري أن يكــون لــدى الخطيــب تحصيــل علمــي‪ ،‬وبحــوث‬


‫علميــة‪ ،‬وســاعات مــن الطلــب والبحــث؛ ألن الخطيــب يتمــدد وعيــه وفكــره‬
‫علمــا ازداد‬
‫بمــا يتحصــل عليــه مــن البحــث والقــراءة‪ ،‬وإذا ازداد الخطيــب ً‬
‫وع ًيــا وقيمــة يف نظــر المســتمعين‪.‬‬

‫والخطيــب الــذي ال يلقــي للعلــم بـ ً‬


‫ـال‪ ،‬وال يســتقطع مــن وقتــه للطلــب‬
‫ســيصبح عالــة علــى غيــره وليــس لــه تأثيــر ومكانــة يف النفــوس‪.‬‬

‫وتأكــد جز ًمــا أن النــاس يدركــون قيمــة الخطيــب مــن ســعة علمــه وغزارة‬
‫ثقافتــه‪ ،‬وال يخفــى عليهــم الخطيــب التقليــدي الــذي تكــون مصــادر خطبــه‬
‫القــص واللصــق ال كثرهــم اهلل‪.‬‬

‫ومــن هنــا حتــى يتميــز الخطيــب ال بــد أن يمتلــك مكتبــة خاصــة بــه يف‬
‫صباحــا ومســا ًءا ينتقــي منهــا أطايــب الــكالم‪ ،‬وفوائــد‬
‫ً‬ ‫منزلــه يطــوف عليهــا‬
‫العلــم وفرائــده‪ ،‬وأن يمكــث بالســاعات يقــرأ ويتأمــل‪ ،‬ويبحــث ويســجل‬
‫الفوائــد ويحفــظ أحســن مــا كتــب فــا أعلــم لــذة هــي أعظــم مــن لــذة العلــم‬
‫ومدارســته‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫فن اخلطابة‬ ‫‪94‬‬

‫يقــول الجاحــظ العالــم بشــأن الكتــاب وأهميتــه‪ :‬الكتــاب نعــم الجليــس‬


‫والعــدَّ ة‪ ،‬ونعــم األنيــس لســاعة الوحــدة‪ ،‬ونعــم المعرفــة ببــاد الغربــة‪ ،‬ونعــم‬
‫القريــن والدخيــل‪ ،‬ونعــم الوزيــر والنزيــل‪ ،‬والكتــاب هــو الجليــس الــذي ال‬
‫يضــر بــك‪ ،‬والصديــق الــذي ال ُيغريــك وال يعاملــك بالمكــر‪ ،‬وال يخدعــك‬
‫بالنفــاق‪ ،‬وال يحتــال لــك بالكــذب‪ ،‬إن نظــرت فيــه أطــال إمتاعــك‪ ،‬وشــحن‬
‫طباعــك‪ ،‬وبســط لســانك‪ ،‬وجـ َّـود بنانــك‪َّ ،‬‬
‫وفخــم ألفاظــك(((‪.‬‬

‫فإن كنت أخي اخلطيب يف بداية الطلب فهذه نصائح لك‪:‬‬

‫أول‪:‬ابــدأ بالكتــب الســهلة المبســطة الواضحــة التــي ال تحتــاج إلــى‬


‫ً‬
‫شــرح والخاليــة مــن التعقيــد‪.‬‬

‫ثان ًيا‪:‬استشــر مشــايخ وطلبــة علــم موثوقيــن قبــل شــراء الكتــب‬


‫وتكويــن مكتبتــك‪.‬‬

‫ثالثا‪:‬التــدرج يف القــراءة ســواء مــن ناحيــة الكتــب أو وقــت القــراءة‪.‬‬


‫ً‬
‫فاقــرأ مثـ ًـا قصــص الصحابــة والتابعيــن يف بدايتــك‪ ،‬وحــدد مثـ ًـا‬
‫نصــف ســاعة يوم ًيــا ثــم زدهــا إلــى ســاعة وهكــذا حتــى تصبــح‬
‫القــراءة عنــدك عــادة يوميــة‪.‬‬

‫راب ًعا‪:‬احــرص علــى الكتــب المحققــة والمشــكولة فهــي تفيــدك يف‬


‫البدايــة وتســاعد يف الفهــم‪.‬‬
‫كتاب الحيوان للجاحظ (‪.)38/1‬‬ ‫(((‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪95‬‬ ‫فن اخلطابة‬


‫ومــن أجــل إتمــام الفائــدة أورد لــك جـ ً‬
‫ـدول بأهــم المصــادر والمراجــع‬
‫التــي تكـ ِّـون هبــا مكتبتــك‪:‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫فن اخلطابة‬ ‫‪96‬‬

‫ً‬
‫أول‪ :‬التفسري‬

‫القــرآن هــو أهــم العلــوم وأعظمهــا فليكــن لــك ورد يوم ًيــا مــن القــرآن‬
‫والحفــظ ثــم تفســير معانيــه‪.‬‬

‫ومن أهم كتب التفسير ما يلي‪:‬‬

‫أجل التفاسير وأعظمها‪.‬‬


‫تفسير ابن جرير الطربي‪ ،‬وهذا تفسير من ّ‬

‫تفســير معالــم التنزيــل للبغــوي وهــو ســهل‪ ،‬عبــارة عــن مختصــر‬


‫مــن تفســير الثعالبــي‪ ،‬وقــد ابتعــد عــن نقــل أقــوال المبتدعــة واألحاديــث‬
‫الموضوعــة‪.‬‬

‫كثيرا‪.‬‬
‫تفسير ابن كثير وهو أشهر التفاسير بالمأثور‪ ،‬ويعتني بالرواية ً‬

‫الجامــع ألحــكام القــرآن للقرطبــي‪ ،‬وهــو تفســير جميــل يذكــر مســائل‬


‫الخــاف مــع األقــوال وأدلتهــا ويعتنــي باألحــكام الفقهيــة‪.‬‬

‫فتــح القديــر للشــوكاين وقــد جمــع بيــن التفســير بالروايــة والدرايــة‪،‬‬


‫ويهتــم باللغــة كثيـ ًـرا‪ ،‬اختصــر هــذا التفســير محمــد األشــقر يف زبــدة التفســير‬
‫مــن فتــح القديــر‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪97‬‬ ‫فن اخلطابة‬


‫محاســن التأويــل للقاســمي‪ ،‬وهــو كتــاب ماتــع نفيــس ملــيء بالفوائــد‬
‫واالســتنباطات‪.‬‬

‫تيســير الكريــم الرحمــن للســعدي‪ ،‬وهــو شــيخ الشــيخ ابــن عثيميــن‬


‫رحمــة اهلل عليهمــا جمي ًعــا‪ ،‬وهــذا التفســير ســهل وعباراتــه مفهومــة‪.‬‬

‫أضــواء البيــان للشــنقيطي‪ ،‬وهــو تفســير القــرآن بالقــرآن يف غايــة األهميــة‬


‫لطالــب العلــم المتقــدم ملــيء بالفوائــد األحــكام‪ ،‬اللغــة‪ ،‬الشــعر‪ ،‬واألصــول‪.‬‬

‫تفســير الجالليــن للســيوطي والمحلي اشــركا يف تفســيره‪ ،‬وهــو مختصر‬


‫و ُيبيــن معــاين الكلمــات وأســباب النــزول بــا تطويل‪.‬‬

‫كثيــرا‬
‫ً‬ ‫البحــر المحيــط ألبــي ح َّيــان األندلســي‪ ،‬وهــو كتــاب يعتنــي‬
‫وكثيــرا مــا يتــم تفســير اآليــة بالبديــع والبيــان‪.‬‬
‫ً‬ ‫باألعــراب وألفــاظ القــرآن‪،‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫فن اخلطابة‬ ‫‪98‬‬

‫ثانيًا‪ :‬كتب األحاديث‬

‫ األربع��ون القدس��ية لعلــي القــاري‪ ،‬وهــي أربعــون حدي ًثــا قدســية‪،‬‬


‫وبعضهــا فيــه ضعــف‪.‬‬

‫اإلحتاف��ات الس��نية باألحادي��ث القدس��ية للمنــاوي‪ ،‬وهــي مرتبــة علــى‬


‫الحــروف‪ ،‬فيهــا قرابــة المائتيــن وســبعين حدي ًثــا‪.‬‬

‫جام��ع األحادي��ث القدس��ية للصبابطــي‪ ،‬وهــذا الكتــاب جامــع أورد فيه‬


‫المصنــف ‪ 1150‬حدي ًثــا ال يخلــو منهــا الضعيــف‪ ،‬وقــد ُب ِّيــن ذلــك يف‬
‫الحكــم علــى األحاديــث‪.‬‬

‫أما األحاديث النبوية‪:‬‬

‫ صحيح البخاري‪ ،‬وهي أجل كتب اإلسالم وأصحها بعد القرآن‪.‬‬

‫صحي��ح مس��لم‪ ،‬وهــو يف المرتبــة الثانيــة بعــد البخــاري عنــد جمهــور‬


‫المحدثيــن‪.‬‬

‫ُ‬
‫س��نن أب��ي داود‪ ،‬وهــذا ال يســتغنى عنــه فقيــه؛ ألنــه جمــع أحاديــث‬
‫الســنة األربعــة‪.‬‬
‫األحــكام وهــو يف مقدمــة كُتــب ُ‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪99‬‬ ‫فن اخلطابة‬

‫ ُسنن الرتمذي ألبي عيسى الرتمذي وهو كثير الفوائد‪.‬‬

‫ ُسنن النسائي ألبي عبد الرحمن النسائي‪.‬‬

‫ُ‬
‫س��نن اب��ن ماج��ة ألبــي عبــد اهلل محمــد بن ماجــة تميــز بحســن الرتتيب‬
‫والتبويب‪.‬‬

‫ صحيح ابن ُخزمية ألبي بكر بن إسحاق وهو من الكتب المهمة‪.‬‬

‫ُ‬
‫س��نن البيهق��ي ألبــي بكــر أحمــد البيهقــي‪ ،‬وهــو مســتوعب ألكثــر‬
‫الســنة واألحــكام‪.‬‬
‫أحاديــث ُ‬
‫مس��ند اإلم��ام أمح��د‪ ،‬ويعتــر مــن دواويــن اإلســام ال يســتغنى عنــه‬
‫طالــب علــم‪ ،‬وقــد رتبــه أحمــد الســاعايت وســماه الفتــح الربــاين يف‬
‫ترتيــب مســند اإلمــام أحمــد الشــيباين‪.‬‬

‫معج��م الطربان��ي الكب�ير ألبــي القاســم الطــراين بلغــت أحاديثــه‬


‫الواحــد وعشــرين أل ًفــا وهــو أكــر المعاجــم يف اإلســام‪.‬‬

‫أما كتب شروح الحديث‪:‬‬

‫ فتح الباري شرح صحيح البُخاري وهو أعظم من شرح ال ُبخاري‪.‬‬

‫ عدة القاري يف شرح صحيح البُخاري للعيني وهو شرح ُم ّطول‪.‬‬

‫ إرشاد الساري إىل شرح صحيح البُخاري للقسطالين‪.‬‬

‫وإذا قرأ طالب العلم إرشاد الساري وفتح الباري يكفيه عن بقية الشروح‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫فن اخلطابة‬ ‫‪100‬‬

‫ شرح مسلم للنووي‪ ،‬وهو شرح متوسط عظيم النفع‪ ،‬جم الفوائد‪.‬‬

‫املعل��م بفوائ��د صحيح مس��لم للمــازري‪ ،‬ويعتــر مختصـ ًـرا مهذ ًبــا يصلح‬
‫لــكل مبتــدئ‪.‬‬

‫لســنن أبــي داود فيــه فوائــد ال‬ ‫مع��امل ُ‬


‫الس��نن للخطابــي هــو شــرح ُ‬
‫تجدهــا يف غيــره‪.‬‬

‫تهذي��ب ُ‬
‫الس��نن البــن القيــم‪ ،‬وهــو مفيــد لطالــب العلــم خاصــة فيمــا‬
‫يتعلــق بالعلــل‪.‬‬

‫ عون املعبود شرح ُسنن أبي داود ويعترب حاشية مفيدة‪.‬‬

‫حتف��ة األحوذي ش��رح جام��ع الرتم��ذي للمباركفــوري وهو كتــاب نفيس‬


‫وشــرح ماتع‪.‬‬

‫عارض��ة األح��وذي البــن العربــي يميــل إلــى الفوائــد الفقهيــة واللطائف‬


‫العلمية‪.‬‬

‫حاش��ية على س��نن النس��ائي للســندي‪ ،‬ويســمى المجتبــى فيــه تعليقات‬


‫مفيدة‪.‬‬

‫ حاشية على ُسنن ابن ماجة ً‬


‫أيضا للسندي‪.‬‬

‫ش��رح الس��نة للبغ��وي‪ ،‬وهــو مرتب علــى الكتــب واألبــواب من أحســن‬


‫الســنة‪.‬‬
‫كتب ُ‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪101‬‬ ‫فن اخلطابة‬

‫جام��ع العل��وم واحلك��م البــن رجــب‪ ،‬وهــو شــرح لخمســين حدي ًثــا من‬
‫جوامــع الدين‪.‬‬

‫وهن��اك كت��ب تعت�بر مراج��ع للخطي��ب ال يس��تغنى عنها يف حتض�ير خطبه‬


‫وكلمات��ه مثل‪:‬‬

‫ سلسلة األحاديث الصحية لأللباين‪.‬‬

‫صحيح اجلامع الصغري وزيادته لأللباين‪ ،‬وكذلك ضعيف الجامع‪.‬‬

‫ جامع األصول البن األثير‪ ،‬وجامع أصول الكتب التسعة للشامي‪.‬‬

‫ واجلامع الصحيح مما ليس يف الصحيحني ُ‬


‫لمقبل بن هادي الوادعي‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫فن اخلطابة‬ ‫‪102‬‬

‫ثالثًا‪ :‬كتب السرية‪:‬‬

‫ السرية النبوية البن هشام‪ ،‬وأصلها سيرة ابن إسحاق‪.‬‬

‫خمتص��ر الس�يرة لعبــد الغنــي المقدســي‪ ،‬وهــي رســالة صغيــرة لكنهــا‬


‫نفيســة‪.‬‬

‫ الفصول يف سرية الرسول البن كثير‪.‬‬

‫ُ‬
‫س��بل ال ّرش��اد يف س�يرة خ�ير العب��اد للصالحــي‪ ،‬وهــو مــن أكثــر كتــب‬
‫الســيرة فوائــد‪.‬‬

‫ الرحيق املختوم لصفي الرحمن المباركفوري كتاب متوسط‪.‬‬

‫ خمتصر السرية لمحمد بن عبد الوهاب‪.‬‬

‫ هذا احلبيب يا حمب ألبي بكر الجزائري‪.‬‬

‫ السرية النبوية يف ضوء املصادر األصلية لمهدي رزق اهلل‪.‬‬

‫ السرية النبوية الصحيحة ألكرم العمري‪.‬‬

‫ نور اليقني للخضري‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪103‬‬ ‫فن اخلطابة‬


‫ موسوعة السرية النبوية للصالبي‪.‬‬

‫ اللؤلؤ املكنون يف سرية النيب املأمون لموسى بن راشد العازمي‪.‬‬

‫ دالئل النبوية للبيهقي‪ ،‬وفيه أكثر المعجزات النبوية‪.‬‬

‫ الشفاء بتعريف حقوق املصطفى للقاضي عياض يحتاجه كل مسلم‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫فن اخلطابة‬ ‫‪104‬‬

‫رابعا ‪:‬الكتب اليت تعتين بالعقيدة‪:‬‬

‫ كتاب التوحيد البن خزيمة‪ ،‬وهو أنفس الكتب عند أهل ُ‬


‫السنة‪.‬‬

‫ الشريعة لآلجري وهو عقيدة السلف‪.‬‬

‫عقي��دة الس��لف وأصح��اب احلدي��ث ألبــي عثمــان الصابــوين كتــاب‬


‫مختصــر وماتــع‪.‬‬

‫ اإلبانة ُ‬
‫الصغرى البن بطة العكربي‪ ،‬و ُيسمى الشرح واإلبانة‪.‬‬

‫ كتاب ُ‬
‫السنة لإلمام أحمد بن حنبل‪.‬‬

‫ ُ‬
‫السنة ألبي عاصم‪.‬‬

‫للخلل وهو رد على ال ِّفرق الضالة‪.‬‬


‫ّ‬ ‫ ُ‬
‫السنة‬

‫ال��رد عل��ى اجلهمي��ة للدارمــي‪ ،‬ويعتــر أحســن مــا كتــب يف الــرد علــى‬
‫الجهميــة‪.‬‬

‫ شرح أصول اعتقاد أهل ُ‬


‫السنة والجماعة لاللكائي‪.‬‬

‫ كتاب التوحيد للشيخ محمد بن عبد الوهاب‪.‬‬

‫ شرح العقيدة الطحاوية البن أبي العز الحنفي‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪105‬‬ ‫فن اخلطابة‬

‫ش��رح الواس��طية لمؤلفهــا ابــن تيميــه شــرحها الهــراس وابــن عثيميــن‬


‫والفــوزان‪.‬‬

‫السنة‪.‬‬ ‫ شرح ُ‬
‫السنة للربهباري ملخص ألهم معتقدات أهل ُ‬

‫ الفتوى احلموية والتدمرية واإلميان جميعها البن تيمية‪.‬‬

‫الكافي��ة الش��افية يف االنتص��ار للفرق��ة الناجي��ة البــن القيــم‪ ،‬وهــي‬


‫عبــارة عــن نظــم ‪ 5949‬بيتًــا شــرحها الســعدي يف توضيــح الكافيــة‬
‫الشــافية‪.‬‬

‫ الصواعق املرسلة واجتماع اجليوش املعطلة البن القيم‪.‬‬


‫أص��ول اإلمي��ان ‪ -‬القواعد األربع – كش��ف ُ‬
‫الش��بهات – مس��ائل اجلاهلية‬
‫للشــيخ محمــد بــن عبــد الوهــاب‪ ،‬وهنــاك كتــب متخصصــة يف‬
‫األســماء وكذلــك يف البــدع والمذاهــب مــن أهمهــا‪:‬‬

‫القواع��د املُثل��ى الب��ن عثيمني ‪-‬احل��وادث والبدع للطرطوش��ي‪ -‬االعتصام‬


‫للش��اطيب‪ ،‬وكذلــك األدي��ان والف��رق لشــيبة الحمد‪ ،‬واملوس��وعة املُيس��رة‬
‫يف األدي��ان إصــدار النــدوة العالميــة‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫فن اخلطابة‬ ‫‪106‬‬

‫خام ًسا‪ :‬الفقه وأصوله‬


‫ املختصر يف الفقه للخرقي وهو متن معتمد يف مذهب الحنابلة‪.‬‬

‫املغ�ني البــن قدامــة‪ ،‬وهــو شــرح لمختصــر الخرقــي‪ ،‬وهــذا الشــرح‬


‫المقــارن‪.‬‬
‫مرجــع وأم يف الفقــه ُ‬

‫العم��دة البــن قدامــة‪ ،‬وهــو نفيــس ومتميــز عليــه شــروح كثيــرة‪ ،‬مثــل‬
‫العــدة شــرح العمــدة وقــد شــرحه الشــيخ عبــد اهلل بــن عبــد العزيــز‬
‫الجربيــن ‪ ‬يف ثــاث مجلــدات‪.‬‬

‫املقن��ع البــن ُقدامــة‪ ،‬وهــو تدريــب لطالــب العلــم علــى ترجيــح‬


‫الروايــات‪.‬‬

‫ً‬
‫فعــا مــن أجــل الكتــب‬ ‫املُب��دع شــرح ُ‬
‫المقنــع البــن ُمفلــح وهــو‬
‫الحافلــة بنقــول األئمــة وأقــوال العلمــاء‪.‬‬

‫زاد املس��تقنع للحجــاوي‪ ،‬وهــو أشــهر متــون الحنابلــة‪ ،‬ومــن شــروحه‬


‫المهمة‪:‬‬

‫* الشرح املمتع البن عثيمين‪.‬‬ ‫ ‬

‫* الشرح املختصر على الزاد للفوزان‪.‬‬ ‫ ‬

‫* حاشية الروض املربع للقاسم‪.‬‬ ‫ ‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪107‬‬ ‫فن اخلطابة‬

‫اإلقن��اع لطال��ب االنتف��اع للحجــاوى‪ ،‬وهــو متــن جميــل وعمــدة يف‬


‫المذهــب ومــن أفضــل شــروحه كشــف القنــاع عــن متــن اإلقنــاع‬
‫كثيــرا مــن القضــاة‪ ،‬وأصحــاب الفتــوى مــن‬
‫ً‬ ‫للبهوتــى‪ ،‬ورأيــت أن‬
‫كبــار العلمــاء يعتمــد علــى هــذا الشــرح؛ ألن مســائله محــررة تعتمــد‬
‫علــى الدليــل‪.‬‬

‫دلي��ل الطال��ب لنيل املطال��ب لمرعــى الكرمي‪ ،‬وهــو مختصر مشــهور‪،‬‬


‫ولــه شــرح معــروف مشــهور‪ ،‬وهــو منــار الســبيل البــن ضويــان‪.‬‬

‫ أخصر املختصرات البن بلبان‪ ،‬وهو متن وجيز يسهل حفظه‪.‬‬

‫وهنــاك كتــب تعتــر أمهــات يف المذاهــب األخــرى‪ ،‬كـــ«األم» للشــافعي‬


‫و«بدائ��ع الصنائ��ع» للكاســاين‪ ،‬و«ال��كايف يف قص��ة أه��ل املدين��ة» البــن عبــد‬
‫الــر‪ ،‬وكذلــك «التمهي��د» و«االس��تيعاب»‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫فن اخلطابة‬ ‫‪108‬‬

‫سابعا ‪ :‬أصول الفقه وقواعده‪:‬‬

‫ الرسالة للشافعي‪ ،‬وهو أول كتاب ُصنف يف األصول‪.‬‬

‫ التقريب واإلرشاد للباقالين‪.‬‬

‫ اإلحكام يف أصول األحكام لآلمدي‪.‬‬

‫ مجع اجلوامع ُ‬
‫للسبكي‪.‬‬

‫ تيسري التحرير شرح كتاب التحرير لمحمد أمين‪.‬‬

‫ إرشاد الفحول للشوكاين‪.‬‬

‫ شرح الورقات للمحلي‪.‬‬

‫ روضة الناظر‪ ،‬وجنة املناظر البن ُقدامة‪.‬‬

‫ شرح خمتصر الروضة للطويف‪.‬‬

‫ الكوكب املنري البن النجار‪.‬‬

‫ املدخل البن بدران‪.‬‬

‫ معامل يف أصول الفقه للجيزاين‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪109‬‬ ‫فن اخلطابة‬


‫ أصول الفقه الذي ال يسع الفقيه جهله للسلمي‪.‬‬

‫ اجلامع يف أصول الفقه لعبد الكريم النملة‪.‬‬

‫أما القواعد الفقهية‪:‬‬

‫ األشباه والنظائر البن نجيم الحنفي‪.‬‬

‫ الفروق للقرايف‪.‬‬
‫ القواعد ُ‬
‫الكربى للعز بن عبد السالم‪.‬‬

‫ القواعد النورانية البن تيمية‪.‬‬

‫ القواعد البن رجب‪.‬‬

‫ القواعد واألصول اجلامعة للسعدي‪.‬‬

‫ منظومة القواعد للسعدي وشرحها للشيخ سعد الشثري‪.‬‬

‫ موسوعة القواعد الفقهية وهي موسوعة ضخمة يف القواعد‪.‬‬

‫ القواعد والفوائد األصولية البن اللحام‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫فن اخلطابة‬ ‫‪110‬‬

‫ساد ًسا‪ :‬كتب التاريخ‪.‬‬

‫ تاريخ األمم وامللوك للطربي‪.‬‬

‫ الكامل يف التاريخ البن األثير‪.‬‬

‫ تاريخ اإلسالم للذهبي‪.‬‬

‫ البداية والنهاية البن كثير‪.‬‬

‫ تاريخ اخللفاء للسيوطي‪.‬‬

‫ أخبار مكة للفاكهي‬

‫فهذه أظنها كافية وشافية‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪111‬‬ ‫فن اخلطابة‬

‫ساب ًعا‪ :‬كتب الرتاجم‪.‬‬

‫ حلية األولياء ألبي نعيم األصبهاين‪.‬‬

‫ سري أعالم النبالء للذهبي‪.‬‬

‫ صفة الصفوة البن الجوزي‪.‬‬

‫ش��ذرات الذه��ب يف أخب��ار م��ن ذه��ب البــن العمــاد ومــا أجملــه مــن‬
‫موســوعة تاريخيــة‪.‬‬

‫وأما تراجم الصحابة ‪‬‬

‫ اإلصابة البن حجر‪.‬‬

‫ ُأ ْسد الغابة البن األثير‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫فن اخلطابة‬ ‫‪112‬‬

‫ثامنًا‪ :‬كتب اآلداب واألخالق‪.‬‬

‫ً‬
‫تــداول‪،‬‬ ‫البي��ان والتب�ين للجاحــظ‪ ،‬وهــو مــن أكثــر كتــب الجاحــظ‬
‫وأشــهرها‪ ،‬وهــو كتــاب ال يســتغنى عنــه الخطيــب‪ ،‬وفيــه مــن أحــوال‬
‫الخطبــاء وال ُبلغــاء‪.‬‬

‫ أدب الكتاب البن قتيبة‪ ،‬وكذلك كتاب عيون األخبار‪.‬‬

‫ً‬
‫عقــا‬ ‫روض��ة العق�لاء البــن حبــان البســتي‪ ،‬وهــو كتــاب يزيــدك‬
‫وحكمــة‪.‬‬

‫ العقد الفريد البن عبد ربه‪ ،‬و ُيعترب خزانة أدبية‪.‬‬

‫أدب الدني��ا والدي��ن للمــاوردي‪ ،‬ويتعلــق بــاآلداب الدينيــة‬


‫و ا ال جتما عيــة ‪.‬‬

‫جام��ع بي��ان العل��م وفضل��ه البــن عبــد الــر يتعلــق بــآداب العلمــاء‬
‫وطــاب العلــم‪.‬‬

‫ غذاء األلباب للسفاريني‪.‬‬

‫ اآلداب الشرعية البن مفلح‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪113‬‬ ‫فن اخلطابة‬

‫ إحياء علوم الدين للغزالي‪.‬‬

‫ التبيان يف آداب محلة القرآن للنووي‪.‬‬

‫ التحفة العراقية البن تيمية‪.‬‬

‫ كتب ابن تيمية‪ ،‬وابن القيم رمحة اهلل عليهما‪.‬‬

‫ الرتغيب والرتهيب للمنذري‪.‬‬

‫ حلية طالب العلم لبكر أبو زيد‪.‬‬

‫ موسوعة األخالق للسقاف‪.‬‬

‫ نضرة النعيم لمجموعة من العلماء‪.‬‬

‫ السنن الواردة يف الفنت وغوائلها ألبي عمر الداين‪.‬‬

‫ النهاية يف الفنت واملالحم البن كثير‪.‬‬

‫ اإلشاعة ألشراط الساعة للربزنجي‪.‬‬

‫ إحتاف اجلماعة لحمود التوتجري‪.‬‬

‫ أشراط الساعة للوابل‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫فن اخلطابة‬ ‫‪114‬‬

‫تاس ًعا‪ :‬كتب الرتبية واملرأة‪.‬‬

‫ حنو تربية إسالمية راشدة لمحمد شاكر الشريف‪.‬‬

‫ تربية األوالد لعبد اهلل ناصح العلوان‪.‬‬

‫ تربية الشباب للدويش‪.‬‬

‫ منهاج الطفل املسلم ألحمد سليمان‪.‬‬

‫ حول الرتبية والتعليم للكبار‪.‬‬

‫ حراسة الفضيلة لبكر أبو زيد‪.‬‬

‫ شخصية املرأة املسلمة لمحمد الهاشمي‪.‬‬

‫ عودة احلجاب لمحمد إسماعيل المقدم‪.‬‬

‫ جامع أحكام النساء لمصطفى العدوي‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪115‬‬ ‫فن اخلطابة‬

‫عاش ًرا‪ :‬كتب اللغة‬

‫ مجهرة اللغة البن دريد األزدي‪.‬‬

‫ تهذيب اللغة لألزهري‪.‬‬

‫ الصحاح للجوهري‪.‬‬

‫ الفروق اللغوية ألبي هالل العسكري‪.‬‬

‫ لسان العرب البن منظور‪.‬‬

‫ القاموس احمليط للفيروز آبادي‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫فن اخلطابة‬ ‫‪116‬‬

‫احلادي عشر‪ :‬كتب البالغة‪.‬‬

‫ أسرار البالغة للجرجاين‪.‬‬

‫ دالئل اإلعجاز للجرجاين‪.‬‬

‫هــذا مــا أســعفني يف الوقــت ومــا اســتحضرته ذاكــريت لمكتبــة الخطيــب‬


‫الــذي يســعى إلــى التميــز واإلبــداع‪ ،‬وحاولــت أن آيت بأشــهر وأهــم الكتــب‬
‫والمؤلفــات يف جميــع الفنــون والتخصصــات وليــس شــرطا أن تحصــل عليهــا‬
‫جملــة واحــدة ولكــن خذهــا علــى فــرات زمنيــة حتــى تتكــون لديــك هــذه‬
‫الكنــوز العلميــة‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪117‬‬ ‫فن اخلطابة‬

‫ً‬ ‫ً‬
‫كيف تكون خطيبا مبدعا؟‬

‫بعــد ســرد المعلومــات المهمــة‪ ،‬والتــي يحتــاج إليهــا كل خطيــب‪ ،‬وقــد‬


‫أصبــح مه ًيــا لالنطــاق واإلبحــار يف عالــم التميــز واإلبــداع نــأيت إلــى أهــم‬
‫فكــرة يف هــذا الكتــاب وهــي‪:‬‬

‫مبدعا ال يشق لك غبار في الخطابة؟‬


‫‪-‬كيف تكون ً‬

‫قبــل أن أســرد عليــك الطريقــة يجــب أن تعلــم يقينًــا أن العجــز والتقصيــر‬


‫هــو طبعــك‪ ،‬وأنــك مهمــا ملكــت مفاتــح اإلبــداع فأنــت عبــد ضعيــف ليــس‬
‫لــك غنــى عــن رحمــة اهلل‪ ،‬وأن اإلخــاص واالفتقــار إلــى اهلل هــو مــن أهــم‬
‫وأعظــم أســباب اإلبــداع والتميــز فــإذا علمــت ذلــك فخــذ هــذه الخطــوات‪:‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫فن اخلطابة‬ ‫‪118‬‬

‫اخلطوة األوىل‪ :‬اإلعداد اجليد‬

‫‪-‬كل خطيب ال خيلو من حالني يف خطبته‪:‬‬

‫إمــا أن يخطــب بــا إعــداد وتحضيــر وإنمــا يعتمــد علــى معلوماتــه‬


‫وخربتــه يف مواجهــة الجمهــور فتكــون خطبتــه غيــر مؤثــرة ومملــة‪ ،‬وإمــا أن‬
‫يخطــب بعــد إعــداد وتحضيــر فيكــون لهــا أثــر وقبــول‪ ،‬وهــذا مطلــب الخطيــب‬
‫الصــادق الناجــح‪ ،‬ولألســف بعــض الخطبــاء ال يعتنــي باإلعــداد الجيــد وال‬
‫يتعــب يف خطبتــه‪ ،‬وربمــا ســحبها مــن النــت مطبوعــة جاهــزة ثــم يــأيت متالع ًبــا‬
‫مقلــدً ا ثقيــل الــروح مذمومــا بغيضــا‪.‬‬

‫فالخطبــة التــي ال يعــد لهــا الخطيــب وال يبــذل جهــدً ا كبيـ ًـرا فيهــا فإهنــا‬
‫ال ُت ِقــم ح ًقــا‪ ،‬وال تدفــع باطـ ًـا وال تحيــي قلو ًبــا‪ ،‬وال تزيــد إيما ًنــا‪ ،‬وال ترفــع‬
‫ً‬
‫جهــا‪ ،‬ومــن كان ديدنــه تجهيــز خطبتــه قبــل وقتهــا بســاعات أو صبــاح‬
‫الجمعــة‪ ،‬فهــذا قــد أضــاع األمانــة وض ّيــع حــق المســلمين‪ ،‬وكان همــه دراهــم‬
‫معــدودات يتكســب هبــا مــن األوقــاف‪.‬‬

‫فواجــب كل خطيــب أن يبــذل جهــده ووقتــه يف إعــداد خطبتــه‪ ،‬وال يصعد‬


‫المنــر إال بعــد إعــداد وتجهيــز‪ ،‬فالخطبــة اليــوم هــي المتنفــس للمســلمين‪،‬‬
‫وهــي أهــم وســيلة دعويــة‪ ،‬والنــاس تغيــرت أحوالهــم‪ ،‬وانشــغلوا بأمــور‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪119‬‬ ‫فن اخلطابة‬


‫حياهتــم‪ ،‬وقســت القلــوب‪ ،‬وقـ َّـل أو نــدر البــكاء مــن خشــية اهلل‪ ،‬وهــم بحاجــة‬
‫لغســل هــذه القلــوب وتوعيتهــم‪ ،‬وهدايتهــم إلــى طريــق الحــق‪ ،‬وهــذا كلــه‬
‫يحتــاج إلــى تركيــز وتحضيــر واجتهــاد مــن كل خطيــب‪.‬‬

‫مؤثرا؟‬
‫فكيف تعد خطبتك حتى تكون ً‬

‫ً‬
‫أول‪ :‬اختيار موضوع اخلطبة‪.‬‬

‫المــرء بطبيعتــه ســريع الملــل‪ ،‬يتطلــع دائمــا إلــى الجديــد‪ ،‬ويكــره‬


‫التكــرار‪ ،‬وإعــادة الــكالم المســتهلك‪ ،‬فلذلــك واجــب علــى الخطيــب أن‬
‫يختــار موضــوع خطبتــه بــكل دقــة‪ ،‬وأن يجعــل لهــا عنوانًــا جذا ًبــا يواكــب‬
‫اهتمامــات النــاس‪.‬‬

‫واختيار الموضوع يتم عن طريق ثالثة أمور‪:‬‬

‫‪ -‬األمر األول‪ :‬حدث أسبوعي‪.‬‬

‫‪ -‬األمر الثاني‪ :‬ظاهرة اجتماعية أو أسرية تستحق خط ًبا ووقفات‪.‬‬

‫‪ -‬األمر الثالث‪ :‬حاجة الناس وهموهم‪.‬‬

‫ثانيًا‪ :‬الرتكيز‪.‬‬
‫وهــذا أهــم عامــل يف نجــاح الخطبــة‪ ،‬وهــو الرتكيــز يف موضــوع الخطبــة‬
‫فيجعــل قلبــه ومشــاعره وأحاسيســه وعقلــه يف الخطبــة وموضوعهــا وال‬
‫يتجــاوز ذلــك مطل ًقــا‪ ،‬فأعــداد كبيــرة مــن الخطبــاء ال تركــز يف خطبها‪ ،‬فيتشــتت‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫فن اخلطابة‬ ‫‪120‬‬

‫المســتمع ويتعــب يف الحصــول علــى موضــوع ينتفــع منــه أو فائــدة يرجوهــا‪،‬‬


‫فعندمــا تختــار موضو ًعــا كالطــاق مثـ ًـا‪ :‬فاجعــل تركيــزك يف الموضــوع نفســه‬
‫ثــم اخــر أهــم مــا يجــب أن تتحــدث عنــه‪ ،‬وركــز يف كلماتــك وعباراتــك التــي‬
‫فدائمــا‬
‫ً‬ ‫بعضــا‪،‬‬
‫تكــون مؤثــرة أكثــر مــن غيرهــا‪ ،‬والــكالم الكثيــر ُينســي بعضــه ً‬
‫اجعــل عادتــك يف خطبتــك الرتكيــز يف كال الخطبتيــن‪.‬‬

‫ثالثًا‪ :‬مجع العناصر‪.‬‬


‫الخطيــب ملــزم بوقــت محــدد وقصيــر غال ًبــا‪ ،‬وكلمــا كان الوقــت‬
‫قصيــرا كان الرتكيــز وجمــع العناصــر واإلعــداد أكثــر وجو ًبــا‪،‬‬
‫ً‬ ‫للحديــث‬
‫فبعــد أن اختــار الخطيــب موضوعــه وبعــد أن كان تركيــزه منص ًبــا علــى نفــس‬
‫الموضــوع يبــدأ بجمــع عناصــره وترتيبهــا علــى شــكل نقــاط يســير عليهــا‪.‬‬

‫ جمع اآليات القرآنية مع معرفة تفسيرها‪.‬‬

‫ جمع األحاديث الشريفة التي تناسب الموضوع تما ًما‪.‬‬

‫ االطالع على أهم أقوال العلماء والحكماء يف الموضوع‪.‬‬

‫ جمع إحصاءات وأرقام وتوثيقها من مصادرها‪.‬‬

‫ جمع األمثال واألبيات الشعرية المؤثرة يف نفس الموضوع‪.‬‬

‫بعــد جمــع العناصــر كلهــا يف الموضــوع تبــدأ يف تنســيقها‪ ،‬وتجعــل أهــم‬


‫مــا تريــد قولــه يف الخطبــة الثانيــة؛ ألن مــن عــادة الخطبــاء الناجحيــن الرتكيــز‬
‫علــى رســالة الخطبــة وهدفهــا‪ ،‬وأن تكــون يف اآلخيــر‪ ،‬حتــى تثبــت يف النفــوس؛‬
‫ألن غالــب النــاس يحفــظ آخــر الحديــث وينطبــع يف ذاكرتــه‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪121‬‬ ‫فن اخلطابة‬


‫راب ًعا‪ :‬املقدمة واخلامتة‪.‬‬

‫أعظــم مــا يشــد انتبــاه الســامعين قــوة الحديــث يف البدايــة‪ ،‬وإذا لــم‬
‫تتمكــن يف بدايــة الخطبــة فلــن تســتطيع بعــد ذلــك‪ ،‬والقــوة يف بدايــة الحديــث‬
‫ليســت برفــع الصــوت أو الصــراخ بــل هــي فــن وموهبــة‪ ،‬وهــي رســولك إلــى‬
‫قلــوب ســامعيك‪.‬‬

‫واملقدمة حتى تكون ناجحة مميزة ال بد أن تشتمل على أمور ثالثة‪:‬‬

‫األمراألول‪ :‬براعــة االســتهالل بمعنــى آخــر ُحســن االســتفتاح‪،‬‬


‫ومحاولــة جــذب المســتمعين‪ ،‬وشــد انتباههــم بقصــة وبســجع ال‬
‫تكلــف فيــه‪ ،‬أو بســؤال يفاجــئ المســتمعين‪.‬‬

‫األمر الثاني‪ :‬توضيح المقصد‪ ،‬وهو الموضوع والغاية منه‪.‬‬

‫األمر الثالث‪ :‬ترتيب الخطاب وتقسيمه‪.‬‬

‫واملقدمة جيب أن ختلو من ثالثة أشياء حتى ال تكون فاسدة‪:‬‬

‫األول‪:‬عــدم التطويــل ألهنــا إن طالــت م ّلهــا المســتمع‪ ،‬وانصــرف عنهــا‬


‫فــا تســتغرق دقيقتيــن إلــى ثــاث‪ ،‬وإن زادت فــا ينبغــي أن‬
‫تتجــاوز خمــس دقائــق‪.‬‬

‫الثاني‪:‬أال تكــون عســيرة علــى األفهــام قاســية عباراهتــا؛ ألهنــا ُتنفــر‬


‫النــاس‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫فن اخلطابة‬ ‫‪122‬‬

‫الثالث‪:‬أن تكــون مناســبة ومتناســقة مــع الموضــوع فليــس مــن الالئــق‬


‫والمقبــول أن يكــون موضــوع الخطبــة عــن األفــراح والــزواج‬
‫ثــم تــأيت بقولــه ‪ :‬ﮋ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀﮁﮊ((( ‪.‬‬

‫والخاتمــة ال تقــل أهميــة عــن المقدمــة‪ ،‬وكانــت العــرب تعتنــي بالخاتمة‬


‫لمــا لهــا مــن أهميــة فهــي تعتــر خالصــة للــكالم كلــه‪ ،‬ومــن مميــزات الخاتمــة‬
‫الناجحة‪:‬‬

‫أن تكون موجزة وقصيرة‪.‬‬

‫أال يكون فيها كالم مكرر أو إعادة لما سبق م كالم‪.‬‬

‫أن تكــون واضحــة وقويــة‪ ،‬وتكــون بمثابــة الرســالة التــي ينبغي أن تســتقر‬
‫يف ذهن الســامع‪.‬‬

‫سورة العنكبوت آية (‪.)75‬‬ ‫(((‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪123‬‬ ‫فن اخلطابة‬

‫اخلطوة الثانية‪ :‬اإللقاء‬

‫اإللقاء باختصار هو فن مشافهة الجمهور للتأثير عليهم‪.‬‬

‫واخلطيب يف كل خطبة مطلوب منه ثالثة أمور‪:‬‬

‫إقناع‪ ،‬إمتاع‪ ،‬إبداع‪ ،‬وهذه الثالثة تصنع منه خطي ًبا مبد ًعا‪.‬‬

‫واإللقــاء هــو زبــدة اإلعــداد والتحضيــر والجهــد المبــذول للخطبــة‪،‬‬


‫فعندمــا تســتعد لخطبتــك وتجمــع لهــا‪ ،‬وتتعــب يف إعدادهــا ثــم يكــون إلقــاؤك‬
‫لهــا بــار ًدا عاد ًيــا فإنــك لــم تفعــل شــي ًئا‪ ،‬فــكل مــا تبذلــه مــن أجــل الخطبــة فــإن‬
‫نجاحــه متوقــف علــى اإللقــاء‪.‬‬

‫ــدرس وعلــم مســتقل والحديــث عنــه يحتــاج إلــى‬


‫واإللقــاء فــن ُي َّ‬
‫مؤلفــات‪ ،‬ولكــن لعلــي أختصــر منــه مــا ينفــع الخطيــب يف خمســة جوانــب‪:‬‬

‫اجلانب األول‪ :‬فصاحة اللسان‪.‬‬

‫يقول ‪ :‬ﮋﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﮟﮊ((( ‪.‬‬

‫فالغــرض األساســي مــن إرســال الرســل بلســان أقوامهــم‪ ،‬إنمــا هــو‬


‫للبيــان والتبييــن وهــي مهمــة الخطيــب‪.‬‬
‫سورة إباهيم آية (‪.)4‬‬ ‫(((‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫فن اخلطابة‬ ‫‪124‬‬

‫وهــذا التبييــن ال بــد أن يكــون بلســان مبيــن فصيــح‪ ،‬فتكــون تعبيراتــه‬


‫خاليــة مــن العيــوب ويتجنــب اللحــن‪ ،‬وأن تكــون كلماتــه بعيــدة عــن التعقيــد‬
‫اللفظــي‪ ،‬وأن يبتعــد عــن إيــراد الكلمــات المتقاربــة يف حروفهــا حتــى ال يقــع‬
‫يف الــردد والتلعثــم كأن يستشــهد ببيــت فيــه صعوبــة مثــل‪:‬‬

‫ِ‬
‫بمكان َق ْفرِ وليس ُق ْر َب قبر حرب قبر‬ ‫ٍ‬
‫حرب‬ ‫وقبر‬

‫فهــذا البيــت يزيــد يف تعقيــد النطــق لتقــارب حروفــه يف المخــارج‬


‫فليبتعــد عــن هــذا التنافــر‪ ،‬وممــا ينبغــي مراعاتــه أن يبتعــد عــن مســتقبح‬
‫الــكالم ومبتذلــه‪ ،‬وأال يتعمــق تعمي ًقــا شــديدً ا يف اســتخدام األلفــاظ التــي ال‬
‫يعلــم معناهــا إال القلــة القليلــة كأن يقــول‪« :‬إن المؤمــن مثــل ال ِّت ْبــر» والتــر‬
‫هــو الذهــب‪ ،‬فلمــاذا يســتخدم كلمــة أكثــر النــاس ال تعلــم معناهــا أو يســتخدم‬
‫كلمــة المهنــد بـ ً‬
‫ـدل مــن الســيف‪ ،‬فالهــدف أن يفهــم المعنــى الحاضــرون وليس‬
‫الهــدف االســتعراض بالمخــزون المعــريف‪.‬‬

‫وممــا ينبغــي العنايــة بــه وضــوح العبــارة وتــرك الســجع المتكلــف فهــذا‬
‫مــن أكــر ســلبيات الخطبــة‪ ،‬وهــو صــارف عــن رســالة المنــر‪ ،‬وهــو ســبب يف‬
‫إخــراج الخطبــة بــا روح وال تأثيــر‪ ،‬أمــا الســجع غيــر المتكلــف فهــو الســحر‬
‫األخــاذ‪ ،‬ومــاء عــروق الخطبــة‪ ،‬فل ُيحســن الخطيــب اســتخدام الســجع كالملــح‬
‫يف الطعــام بــا إفــراط أو تفريــط قــال ‪ :‬ﮋ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ‬
‫ﭧ ﮊ(((‪.‬‬
‫سورة ص آية (‪.)86‬‬ ‫(((‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪125‬‬ ‫فن اخلطابة‬

‫اجلانب الثاني‪ :‬التحكم بطبقات الصوت‬

‫مــن أشــهر األســباب التــي تقتــل روح الخطبــة‪ ،‬وتصــرف قلــوب النــاس‬
‫عنهــا الرتابــة وكأن الخطيــب رجــل آلــي رتيــب‪.‬‬

‫وانظــر معــي متأمـ ًـا هــدي النبــي ‪ ‬يف أداء الخطبــة وتحكمــه‬
‫بالصــوت فــإذا خطــب عــا صوتــه‪ ،‬واشــتد غضبــه‪ ،‬فرفــع الصــوت والحماســة‬
‫مــن هديــه ‪.‬‬

‫ومــن هنــا فالخطيــب الناجــح يعتنــي بطبقــات الصــوت‪ ،‬فيعلم متــى يرفع‬
‫صوتــه؟ ومتــى يخفضــه؟ متــى ُيكــرر العبــارة ومتــى ُيســرع؟ ومتــى يبطــئ؟ كل‬
‫ذلــك يضفــي علــى خطبتــه رون ًقــا مــن الجمــال والحيويــة‪.‬‬

‫تأمــل معــي هــذا المشــهد لرســول اهلل ‪ ‬وهــو يخطــب يف‬


‫النــاس‬

‫يقــول النعمــان بــن بشــير ‪-‬رضــى اهلل‪ -‬عنــه‪ :‬ســمعت رســول اهلل‬
‫‪ ‬يخطــب يقــول‪« :‬أنذرتكــم النــار أنذرتكــم النــار‪ ،‬أنذرتكــم‬
‫النــار‪ ،‬حتــى لــو أن رجــا يف الســوق لســمعه مــن مقامــي هــذا»(((‪.‬‬

‫تأمــل كيــف كــرر (أنذرتكــم النــار) فــا شــك أن هــذه الكلمــات كانــت‬
‫بصــوت قــوي مســموع حتــى لــو كان أحــد يف الســوق لســمعه؛ ألن الصــوت‬
‫يؤثــر ويوقــظ المســتمع ويشــدُّ ه‪.‬‬
‫أخرجه أحمد يف مسنده بسند صحيح (‪.)18398‬‬ ‫(((‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫فن اخلطابة‬ ‫‪126‬‬

‫فخذها قاعدة‪ :‬صوتك هو بطاقة اتصالك بالمستمعين‪.‬‬

‫وينبغي أن تنطلق منه إشارات ثالث يلحظها أي مستمع‪:‬‬

‫الثقة ‪ -‬الشجاعة – اليقين‬

‫خذ هذا التمرين‪:‬‬

‫حديــث الرســول ‪« ‬يــا عائشــة لقــد قلــت كلمــة لــو مزجــت‬


‫بمــاء البحــر لمزجتــه»(((‪.‬‬

‫كيــف تؤثــر يف المســتمع مــن خــال قــراءة الحديــث علــى المنــر مــن‬
‫خــال نــرات الصــوت‪:‬‬

‫يا عائشة‪ :‬ترفع صوتك ً‬


‫قائل‪ :‬يا عااااائشةُ‪.‬‬

‫لقد قلت كلمة تخفض صوتك ً‬


‫قليل وتقف على (كلم ْه) بالتسكين‪.‬‬

‫وتردد كلم ْة – كلم ْة حتى ُتشدَّ إليك الحاضرين‪.‬‬

‫لو مزجت بماء البحر‪ :‬تطيل نربة الصوت على ماء البحر‪.‬‬

‫لمزجتــه‪ :‬هنــا تخفــض الصــوت هبــدوء ثــم تصمــت قل ًيــا وتعيــد‬


‫(لمزجتــه)‪.‬‬

‫هبــذا األســلوب تســتطيع امتــاك قلــوب الحاضريــن والتحكــم يف‬


‫مشــاعرهم‪.‬‬
‫أخرجه أو داود (‪ )4875‬وصححه األلباين‪.‬‬ ‫(((‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪127‬‬ ‫فن اخلطابة‬

‫طرق التحكم بالصوت‬

‫السرعة‪ :‬عنــد ورود الكلمــات المعروفــة للمســتمع مثــال ذلــك‪:‬‬


‫الصــاة علــى الرســول ‪ ،‬ذكــر الخلفاء الراشــدين‪،‬‬
‫ذكــر أســماء العلمــاء والرتحــم عليهــم وهكــذا يف كل مــا هــو‬
‫معــروف ومكــرر‪.‬‬

‫البطء‪:‬يف الكلمــات الصعبــة ومواضــع الشــواهد‪ ،‬واإلحصــاءات‪،‬‬


‫والدعــاء‪ ،‬واإلشــارة‪ ،‬وتحريــك المشــاعر‪.‬‬

‫الوقفة‪ :‬عند السؤال‪ ،‬وعند تفاعل الحضور‪ ،‬وهناية القصة‪.‬‬

‫الرفع‪ :‬عند الغضب‪ ،‬والتهديد‪ ،‬وإيراد المنكرات‪ ،‬والتهويل‪.‬‬

‫ـوارا‬
‫إذا نجحــت يف ضبــط هــذه األســاليب ثــق تما ًمــا أنــك قطعــت مشـ ً‬
‫كبيـ ًـرا يف قــوة التأثيــر علــى اآلخريــن ‪.‬‬

‫التعامل مع مكرب الصوت واملنرب‬

‫أول‪:‬قــف يف منتصــف المنــر‪ ،‬وحبــذا أن يكــون مرتفعــا تــرى النــاس‬


‫ً‬
‫ويرونــك‪.‬‬

‫ثان ًيا‪:‬قــف منتصــب القامــة معتمــدً ا علــى كلتــا قدميــك دون االتــكاء‬
‫علــى أحدهمــا‪.‬‬

‫ثالثا‪:‬احــذر مــن العبــث بمكــر الصــوت (لواقــط الميكرفــون) فــإن‬


‫ً‬
‫احتجــت إلــى تثبيتــه لوضــع معيــن فليكــن مــرة واحــدة‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫فن اخلطابة‬ ‫‪128‬‬

‫راب ًعا‪:‬ال تجعــل الالقــط ُيغطــي عليــك الرؤيــة حتــى تســتطيع التواصــل‬
‫مــع جمهــورك‪.‬‬

‫ً‬
‫تشويشــا أو‬ ‫خامسا‪:‬ال تقــرب مــن الالقــط كثيــرا حتــى ال ُتســبب‬
‫ً‬
‫مزعجــا‪.‬‬
‫ً‬ ‫تحــدث صو ًتــا‬

‫اجلانب الثالث‪ :‬التحكم باإلشارات‬

‫وضوحــا وجــا ًء وكان‬


‫ً‬ ‫اإلشــارة أبلــغ مــن العبــارة‪ ،‬وهــي تزيــد المعنــى‬
‫الرســول ‪ ‬يســتخدم اإلشــارة يف تثبيــت المعنــى وإيضاحــه‪،‬‬
‫ويعطــي الموعظــة قيمــة وأثـ ًـرا فــكان يقــول‪« :‬أنــا وكافــل اليتيــم كهاتيــن وأشــار‬
‫بالســبابة والوســطى»(((‪ .‬وكان ‪ ‬يقــول‪« :‬المؤمــن للمؤمــن‬
‫كالبنيــان يشــد بعضــه بعضــا وشــبك بيــن أصابعــه»(((‪ .‬وغيرهــا كثيــر‪.‬‬

‫فاإلشارة والعبارة شريكان وكل منهما يف خدمة صاحبه‬

‫إشــارة مذعــور ولــم تتكلــ ِم‬ ‫أشــارت بطــرف العين خيفــة أهلها‬
‫المتيــم‬
‫َّ‬ ‫وســهل بالحبيــب‬
‫ً‬ ‫وأهــا‬
‫ً‬ ‫فأيقنــت أن الطــرف قــد قــال مرح ًبا‬

‫ومــن الضــروري جــدً ا أن تتناســب حركتــك مــع عباراتــك؛ ألهنــا إن لــم‬


‫تـ ِ‬
‫ـأت يف ســببه فإهنــا تعتــر ضر ًبــا مــن العبــث‪ ،‬وليــس لهــا فائــدة ُتذكــر‪.‬‬

‫وينبغــي أن تكــون اإلشــارة قبــل الــكالم؛ ألهنــا ِّ‬


‫ممهــدة أمــا إذا جــاءت‬
‫أخرجه البخاري(‪.)5659‬‬ ‫(((‬
‫أخرجه البخاري (‪ )2446‬ومسلم (‪.)2585‬‬ ‫(((‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪129‬‬ ‫فن اخلطابة‬


‫اإلشــارة بعــد الــكالم فليــس لهــا معنــى‪ ،‬وتكــون اإلشــارات قليلــة وليســت‬
‫كثيــرة‪.‬‬

‫‪-‬نصائح تتعلق باإلشارات واحلركات‪:‬‬

‫‪-1‬األصــل أن يكــون الخطيــب علــى المنــر متزنــا خفيــف الحركــة فهــو‬


‫يــدل علــى ثقتــه بنفســه ورزانتــه‪ ،‬وقــد ذكــر الجاحــظ أن أبــا شــمر إذا‬
‫ناقــش لــم ُيحــرك يديــه وال منكبيــه‪ ،‬ولــم ُيقلــب عينيــه‪ ،‬ولــم ُيحــرك‬
‫رأســه حتــى كأن كالمــه يخــرج مــن صخــرة»(((‪.‬‬

‫‪-2‬اإلكثــار مــن اإلشــارة والحركــة صارفــة لالنتبــاه ومشــتتة لألذهــان‬


‫فــا تكثــر منهــا بــل اســتخدمها يف تثبيــت معنــى فقــط‪.‬‬

‫‪-3‬ال ُت ِشــر بأصابعــك إلــى المســتمعين فهــي ُترســل رســالة اهتــام فــإن‬
‫اضطــرك الموقــف فأشــر إليهــم براحــة كفــك‪.‬‬

‫‪ -4‬اجعل إشارتك لتوضيح المعنى وليس للتشويش‪.‬‬

‫اجلانب الرابع‪ :‬التشويق‬

‫أساســا قو ًيــا مــن أســس التأثيــر وهــو عامــل جــذب وكان‬


‫ً‬ ‫التشــويق يعتــر‬
‫مــن هديــه ‪ ‬يف حديثــه التشــويق‪ ،‬وهنــاك عــدة وســائل يســتطيع‬
‫الخطيــب مــن خاللهــا التأثيــر واإلبــداع‪:‬‬
‫المتحدث الجيد لعبد الكريم بكار ص ‪.28‬‬ ‫(((‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫فن اخلطابة‬ ‫‪130‬‬

‫ً‬
‫أول‪-‬أســلوب القصــة‪ :‬فالقصــة لهــا أثــر كبيــر يف النفــس‪ ،‬وقــد امتــأ‬
‫القــرآن بالقصــص‪ ،‬وتكــررت قصــة موســى وفرعــون ثال ًثــا‬
‫وعشــرين مــرة‪ ،‬فــإذا أحســن الخطيــب اســتخدام القصــة ســيؤثر‬
‫فيمــن حولــه‪ ،‬ولكــن يبتعــد عــن القصــة المنكــرة والغريبــة‬
‫والطويلــة‪.‬‬

‫ثان ًيا‪:‬أســلوب األســئلة‪ :‬فإهنــا ُتثيــر االهتمــام‪ ،‬وتجعــل المســتمع‬


‫حاضــرا‪ ،‬و ُتربــي يف نفــوس المســتمعين التفكيــر‪ ،‬وكان‬ ‫ً‬
‫‪ ‬يســتعمل هــذا األســلوب‪.‬‬

‫أتدرون من المفلس؟‬

‫أتدرون أي يوم هذا؟‬

‫أي بلد هذا؟ ‪ -‬أي شهر هذا؟‬

‫ثال ًثا‪:‬أسلوب األرقام‪ :‬ويدخل فيه اإلحصاءات واألعداد‪ ،‬وكان‬


‫‪ ‬يكثر من هذا ثالثة ال ُيكلمهم اهلل‪ ،‬اثنان منهومان‪،‬‬
‫سبعة يظلهم اهلل‪ ،‬وهكذا من أسلوب التشويق باألرقام‪.‬‬

‫راب ًعا‪:‬الســكوت‪ :‬وهــذا أســلوب تشــويق وتحفيــز فمثـ ًـا إن وجــدت‬


‫ً‬
‫قليــا فكلهــم ســينتبه‬ ‫المســتمعين مشــغولين عنــك فاصمــت‬
‫لــك ليعلــم سـ َّـر ســكوتك‪ ،‬كذلــك الســكوت بعــد إبــداء معلومــة‬
‫كأن تقــول‪ :‬نســبة الطــاق يف المملكــة ثــم تســكت قليـ ًـا حتــى‬
‫يتفرغــوا لســماع هــذه النســبة‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪131‬‬ ‫فن اخلطابة‬

‫اجلانب اخلامس‪ :‬توزيع النظرات‬

‫وهــذه المســألة فيهــا خــاف عنــد أهل العلــم ويف خطبــة الجمعــة بالذات‬
‫هــل يلتفــت بوجهــه إلــى النــاس فقــط ؟ أم يجــوز لــه االلتفــات يمينًــا وشـ ً‬
‫ـمال؟‬
‫وهــذا ليــس محلهــا لكــن يف العمــوم ينبغــي للخطيــب أن يــوزع نظراتــه عنــد‬
‫الحاجــة‪ ،‬وأال يكتفــي بخفــض رأســه إلــى الورقــة دون أن يرفــع رأســه‪ ،‬ولــو‬
‫مــرات متفرقــة فهــذا أفضــل للتواصــل‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫فن اخلطابة‬ ‫‪132‬‬

‫اخلطوة الثالثة‪ :‬االرجتال أم الورقة؟‬


‫األصــل يف الخطابــة االرتجــال‪ ،‬وكان ‪ ‬يخطــب ارتجـ ً‬
‫ـال‪،‬‬
‫وكذلــك الصحابــة مــن بعــده‪ ،‬ومــا اشــتهر القــس بــن ســاعدة‪ ،‬وعلــي بــن أبــي‬
‫طالــب‪ ،‬وأكثــم بــن صيفــي‪ ،‬وســحبان بــن وائــل وغيرهــم إال مــن إبداعهــم يف‬
‫خطــب االرتجــال‪.‬‬

‫واالرجتال نوعان‪:‬‬

‫األول‪:‬االرتجــال يف المعــاين واألفــكار بــأن تكــون مرتجلــة‪ ،‬ويف الحــال‬


‫بمعنــى آخــر هــي الخطبــة بــدون إعــداد مســبق أو تحضيــر فهــي‬
‫مرتجلــة‪.‬‬

‫الثاني‪:‬إلقــاء الخطبــة بــدون ورقة مــع اإلعداد المســبق لهــا والتحضير‪،‬‬


‫وهــذا ما أقصــده يف هــذه الفقرة‪.‬‬

‫والخطبــة مــن ورقــة دائمــا ُيضعــف الخطيــب‪ ،‬ويجعــل خطبتــه ناقصــة‪،‬‬


‫ويجعــل تأثيــره قليـ ًـا‪ ،‬وينشــغل عــن النــاس بنظــره يف الورقــة خاصــة أن بعــض‬
‫الخطبــاء مــن أول خطبتــه إلــى آخرهــا وعينــه يف ورقتــه وبصــوت رتيــب‪،‬‬
‫عندهــا يــام النــاس عندمــا يقولــون بــأن الخطــب لــم يعــد لهــا أثــرا‪ ،‬فــا‬
‫حــرارة وال تفاعــل وال حماســة‪ ،‬وربمــا تلعثــم الخطيــب وهــو يتأمــل الكلمــات‬
‫ليســرجعها بقــوة فهــذه الطريقــة قبيحــة قاتلــة لــروح المنابــر‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪133‬‬ ‫فن اخلطابة‬


‫يقــول محمــد أبــو زهــرة ‪ :‬القــدرة علــى االرتجــال ألــزم الصفــات‬
‫للخطيــب بــل ال يعــد الخطيــب يف نظــري يف صــف الخطبــاء الممتازيــن إال إذا‬
‫كان مــن القادريــن عليــه والذيــن ال ُيفــرق اإلنســان بيــن أســلوهبم المرتجــل‬
‫المحضــرة(((‪.‬‬
‫ّ‬ ‫وأســلوب ُخطبهــم‬

‫وأنــا ال أنصــح الخطيــب بــرك اإلعــداد قــدر المســتطاع‪ ،‬ولكــن ُيــدرب‬


‫نفســه علــى االرتجــال‪.‬‬

‫وسائل التدريب على االرجتال‪:‬‬

‫ً‬
‫أول‪:‬ســماع أشــرطة الخطبــاء المتميزيــن يف خطــب االرتجــال أو‬
‫مشــاهداهتم يف قنواهتــم الخاصــة يف اليوتيــوب أو الحضــور لهــم‬
‫إن تيســر ذلــك‪.‬‬

‫ثان ًيا‪:‬إعــداد كلمــات قصيــرة ثــم حفظهــا جيــدً ا وإلقاؤهــا علــى نفســك‬
‫عــدة مــرات‪.‬‬

‫ثالثا‪:‬إلــزام النفــس بعــدم التحــدث بورقــة يف مجامــع النــاس‪ ،‬ويف‬


‫ً‬
‫اللقــاءات ويف أي مناســبة‪.‬‬

‫راب ًعا‪:‬معرفــة آثــار الكلمــة االرتجاليــة علــى قلــوب المســتمعين وأهنــا‬


‫أبلــغ وأنفــع‪.‬‬
‫الخطابة محمد أبو زهرة ص ‪.142‬‬ ‫(((‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫فن اخلطابة‬ ‫‪134‬‬

‫حماذير اخلطب االرجتالية‪:‬‬

‫جمــال أخــا ًذا‪ ،‬وســيطرة علــى العقــول‬


‫ً‬ ‫فكمــا أن للخطــب االرتجاليــة‬
‫فــإن هنــاك محاذيــر يجــب علــى الخطيــب أن يتجنبهــا‪ ،‬وأن تكــون معلومــة‬
‫لديــه حتــى ال يفســد خطبتــه‪.‬‬

‫األول‪ :‬عدم التشتت‪:‬‬


‫فبعــض الخطبــاء يحلــو لــه الــكالم علــى المنــر فينســى موضــوع خطبتــه‬
‫فيــأيت بــكالم مــن المشــرق وآخــر مــن المغــرب‪ ،‬وكلمــا أراد أن يختــم حديثــه‬
‫جاءتــه فكــرة أو كلمــة فيســتطرد حتــى أن بعضهــم ُيريــد أن يختــم فــا يجــد‬
‫لذلــك سـ ً‬
‫ـبيل‪.‬‬

‫الثاني‪ :‬إهمال احلفظ أو ضعفه‬


‫إذا كان الخطيــب ســيؤدي خطبــة بــا حفــظ أو تكــرار فليخطــب مــن‬
‫ورقــة‪ ،‬فكثيــر مــن المتحدثيــن علــى المنابــر يهمــل مســألة الحفــظ‪ ،‬حفــظ‬
‫الشــواهد والكلمــات واألبيــات واإلحصــاءات‪ ،‬فليســت القضيــة كلمــات‬
‫ُيرددهــا الخطيــب دون خطــام أو زمــام‪ ،‬ويقــال خطبــة ارتجاليــة فربمــا تعــرض‬
‫الخطيــب لصدمــة االســتغالق فيرتــج عليــه أو ُيصيبــه النســيان لقلــة اهتمامــه‬
‫بالحفظفيضــع نفســه يف حــرج‪.‬‬

‫فأ ْغلِــق‬
‫صعــد ثابــت بــن قطنــه المنــر يف سجســتان فقــال‪ :‬الحمــد هلل‪ُ . . .‬‬
‫عليــه نســي مــاذا يريــد قولــه فنــزل وهــو يقــول‪:‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪135‬‬ ‫فن اخلطابة‬


‫الخطيب‬
‫ُ‬ ‫فإن ال أكن فيهم خطي ًبا فإنني بسيفي إذا جدَّ الوغي‬

‫فقيل له‪ :‬لو قلتها فوق المنرب لكنت أخطب الناس(((‪.‬‬

‫وصعــد رجــل علــى المنــر ولمــا وقــف ضــاع كل شــيء فوقعــت عينــاه‬
‫علــى صلعــة رجــل فقــال‪ :‬اللهــم العــن هــذه الصلعــة‪ .‬فتحــول الجامــع إلــى‬
‫مســرح مــن الضحــك‪.‬‬

‫فال بد من الحفظ وتكرار وإعداد وإال فالورقة خير من االرتجال‪.‬‬

‫الثالث‪ :‬الكالم اإلنشائي‪:‬‬


‫مــن المزالــق والمحاذيــر أن يعمــد الخطيــب إلــى اإلنشــاء يف خطبتــه‬
‫المرتجلــة فيــأيت بكلمــات ســطحية إنشــائية ليقطــع هبــا وقــت الخطبــة؛ ألنــه‬
‫يــؤدي واج ًبــا ملقــى علــى عاتقــه فيكــون إعــداده للخطبــة رؤوس أقــام والبقية‬
‫إنشــاء كأنــه يف حصــة تعبيــر‪.‬‬

‫خالصة الكالم‬
‫إذا كان الخطيــب منضب ًطــا يف حماســته‪ ،‬مســتعدً ا لخطبتــه‪ ،‬محرت ًما عقول‬
‫المســتمعين‪ ،‬واســع الثقافــة‪ ،‬حســن البديهــة‪ ،‬فاالرتجــال يف حقــه مطلــوب بــل‬
‫إن قلــت واج ًبــا فلــن ُأالم يف هــذا‪.‬‬
‫أمــا إن كان الخطيــب مبتدئًــا ‪ ،‬غيــر منضبــط يف حماســته‪ ،‬ضعيــف‬
‫الحفــظ‪ ،‬فالواجــب يف حقــه أن يلقــي خطبتــه مــن ورقــة مكتوبــة‪ ،‬وال مالمــة‬
‫عليــه يف ذلــك ألهنــا أضبــط لــه‪.‬‬

‫انظر فن الخطابة ومهارات الخطيب إسماعيل علي ص‪.102‬‬ ‫(((‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫فن اخلطابة‬ ‫‪136‬‬

‫اخلطوة الرابعة‪ :‬التوازن يف الطرح‬


‫لغــة الخطيــب المتوازنــة المعتدلــة تســتهوي عقــول الحاضريــن‪ ،‬وتجــد‬
‫ً‬
‫قبــول عنــد النــاس‪ ،‬وعندمــا يتقــن الخطيــب التــوازن واالعتــدال يف الطــرح‬
‫ناجحــا‪ ،‬ألن الغالــب علــى الخطبــاء لغــة التهويــل أو التهويــن‬
‫ً‬ ‫يكــون مبد ًعــا‬
‫وخيــر األمــور الوســط‪ ،‬وكلمــا كان الخطيــب متزنًــا كلمــا دل علــى حكمتــه‬
‫ورجاحــة عقلــه ألن التــوازن يف الطــرح مــن لــوازم قولــه ‪ :‬ﮋ ﮦ ﮧ‬
‫ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮭ ﮊ((( ‪.‬‬

‫يقول بن عباس ‪« :‬كونوا ربانيين حكماء فقهاء»(((‪.‬‬

‫وقــال أبــان بــن ســليم‪« :‬كلمــة حكمــة هلل مــن أخيــك خيــر لــك مــن مــال‬
‫يعطيــك ألن المــال يطغيــك‪ ،‬والكلمــة هتديــك»‪.‬‬

‫يقول الشاعر‪:‬‬

‫وقــوم‬ ‫ٍ‬ ‫َو ِز ْن قبــل‬ ‫ٍ‬


‫بحكمة‬ ‫إذا ما أردت النطق فانطق‬
‫نطــق مــا تقــول ِّ‬
‫ٍ‬
‫بــوزن كالبنــاء المحكــم‬ ‫ٌ‬
‫ونطــق‬ ‫فمــن لــم يزن ما قــال ال عقل عنده‬

‫فينبغــي للخطيــب أن يتجنــب العبــارات القاســية‪ ،‬والنظــرة الســوداوية‪،‬‬


‫وتضخيــم األمــور؛ ألن قائــدا يقــود النــاس بكلماتــه وعباراتــه ولــه تأثيــر علــى‬
‫سورة النحل آية (‪.)125‬‬ ‫(((‬
‫فتح الباري البن حج (‪.)192 /1‬‬ ‫(((‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪137‬‬ ‫فن اخلطابة‬


‫نفســية الســامع يجــب أن يعتنــي بمشــاعر النــاس وأحاسيســهم‪ ،‬فالخطيــب‬
‫فــرق‪ُ ،‬يصلــح وال يفســد‪ ،‬يؤ ِّلــف وال ين ِّفــر‪ُ ،‬يثبــت النــاس يف‬
‫يجمــع وال ُي ِّ‬
‫المواقــف واألزمــات‪.‬‬

‫لما مات رسول اهلل ‪ ‬حدث للمسلمين صدمة نفسية شديدة‬


‫ومصيبة كادت أن تذهب معها عقول الصحابة فقام أبو بكر ‪ ‬وصعد‬
‫إلى المنرب وث َّبت الناس ً‬
‫قائل‪« :‬من كان يعبد محمدً ا فإن محمدً ا قد مات‪ ،‬ومن‬
‫كان يعبد اهلل فإن اهلل حي ال يموت» ثم قرأ قوله ‪ :‬ﮋ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ‬
‫ﭸ ﭹ ﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃﮄﮊ((( ‪ .‬فكانت تلك العبارات‬
‫واآليات موقظة لهم من تلك الصدمة‪.‬‬

‫فالخطيــب الموفــق حريــص علــى انتقــاء عباراتــه متز ًنــا يف الطــرح يغطــي‬
‫كل موضــوع‪ ،‬ويضــع كل شــيء يف موضعــه بعيــدً ا عــن التأجيــج واإلثــارة‬
‫وشــحن النفــوس وتعكيرهــا‪ ،‬متوازنًــا يف الرتغيــب والرتهيــب‪ ،‬والعــذاب‬
‫والرحمــة والتفــاؤل والتشــاؤم‪.‬‬

‫إن رأى النــاس يف غفلــة وبعيديــن عــن اهلل أدهبــم بســياط المواعــظ‪ ،‬وإن‬
‫صــب عليهــم مــاء األمــن والطمأنينــة‪ ،‬وإن رآهــم يف‬ ‫ٍ‬
‫خــوف‬ ‫رأى النــاس يف‬
‫َّ‬
‫تشــاؤم ويــأس فتــح لهــم أبــواب التفــاؤل واألمــل‪ ،‬وإن رأى النــاس يف قطيعــة‬
‫وتنافــر‪ ،‬أخذهــم لســفينة الوصــال إلــى شــاطئ األلفــة والرتاحــم‪.‬‬

‫وتحظــو بــه بيــن األرائــك حــور‬ ‫ّعــم بالــ ُه‬


‫فهــذا الــذي يف الخلــدُ ُين ُ‬
‫سورة آل عمران آية ‪.144‬‬ ‫(((‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫فن اخلطابة‬ ‫‪138‬‬

‫ومن مسالك التوازن واحلكمة يف الطرح ما يلي‪:‬‬

‫املسلك األول‪ :‬التودد للحاضرين‬


‫والتودد الذي أقصده هو التواصل الجالب للمحبة واالحرتام يقول‬
‫تعالي‪ :‬ﮋﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮊ((( ‪.‬‬

‫ويقــول ‪« :‬أال أخبركــم بمــن ُيحــرم علــى النــار وبمــن تحرم‬


‫النــار عليــه؟ علــى كل ه ِّيــن ل ِّيــن قريــب ســهل»(((‪.‬‬

‫التــودد للنــاس وكســب محبتهــم وثقتهــم واحرتامهــم طريــق الوصــول‬


‫إلــى قلوهبــم‪ ،‬ونقــل مــا ُيقــال لهــم‪.‬‬

‫املسلك الثاني‪ :‬احرتام مشاعرهم‬


‫كثيــر مــن أفعالنــا التــي نفعلهــا‪ ،‬وأقوالنــا التــي ننطــق هبــا ال نُلقــي لهــا‬
‫بـ ً‬
‫ـال‪ ،‬فقــد تكــون مؤلمــة أو جارحــة للمشــاعر‪ ،‬أو موقظــة لألوجــاع‪ ،‬ومهمــة‬
‫الخطيــب مراعــاة الخواطــر‪ ،‬واحــرام المشــاعر وتنزيــه ســماع النــاس عــن‬
‫ال ُفحــش‪ ،‬والبــذاءة‪ ،‬وســيء األقــوال «إنمــا ُبعثــت ألتمــم مــكارم األخــاق»‬
‫فالخطيــب الناجــح ال يجــرح مشــاعر المخطــئ وال يوجــه الــكالم مباشــرة‬
‫ألحــد‪ ،‬وال يســب األمــوات‪ ،‬وال يهمــز وال يلمــز‪ ،‬وإنمــا يــأيت بالعمــوم دون‬
‫تجريــح‪.‬‬
‫سورة فصلت آية (‪.)34‬‬ ‫(((‬
‫أخرجه الرتمذي (‪ )2488‬وصححه األلباين (‪.)2488‬‬ ‫(((‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪139‬‬ ‫فن اخلطابة‬


‫املسلك الثالث‪ :‬تربيتهم على التفاؤل والتبشري‪.‬‬
‫القلــوب بطبيعتهــا هتــوي إلــى الخطيب المتفائــل الذي يبعــث يف النفوس‬
‫األمــل‪ ،‬ويــزرع الثقــة‪ ،‬ويشــدُّ حبــال العزيمــة‪ ،‬وكان ‪ُ ‬يعجبــه‬
‫الفــأل الحســن‪ ،‬والكلمــة الصالحــة‪ ،‬وكان يتفــاءل باألســماء واألماكــن‪،‬‬
‫دائمــا إلــى األشــياء نظــرة إيجابيــة‬
‫وينظــر ً‬

‫أكثــر النــاس اليــوم يشــكو همو ًمــا‪ ،‬وغمو ًمــا‪ ،‬وأوجا ًعــا‪ ،‬ومشــاكل‬
‫أســرية‪ ،‬وماليــة‪ ،‬ومصاعــب الحيــاة فيــأيت إلــى خطيــب الجمعة فيســمع كلمات‬
‫التحطيــم واليــأس واالهتــام‪ ،‬و ُي ْشــعر المســتمع علــى أنــه ســبب الكــوارث يف‬
‫األرض‪.‬‬

‫بعــض الخطبــاء يصنــع الفشــل و ُيصــدِّ ر النكــد وينتــج اليــأس واإلحبــاط‪،‬‬


‫فمــا أجمــل الخطيــب وهــو يفتــح نافــذة األمــل للمذنبيــن ال ُيســهل عليهــم‬
‫الذنــب وال يعظمــه علــى اهلل‪ ،‬مــا أجمــل الخطيــب وهــو يدخــل إلــى القلــوب‬
‫بــروح التفــاؤل ورســم الفــرح‪ُ ،‬يبشــرهم برحمــة اهلل و ُيحذرهــم مــن ســخط اهلل‪،‬‬
‫يزيــد مــن طاعــة الطائــع و ُيشــجعه‪ُ ،‬يحــذر العاصــي وبالتوبــة ُيقنعــه‪.‬‬

‫ويف جانــب آخــر ال ينبغــي للخطيــب أن يكــون متمل ًقــا مداهنًــا ال يقــول‬
‫الحــق وال يأمــر بمعــروف وال ينهــى عــن منكــر بــل المقصــود مراعــاة المصالح‬
‫والمفاســد والحكمــة يف موعظتــه وكســب قلــوب النــاس ال تنفيرهــم‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫فن اخلطابة‬ ‫‪140‬‬

‫اخلطوة اخلامسة‪ :‬التجديد يف اخلطاب‬

‫دائمــا مــا نســمع كثيـ ًـرا عــن الخطــاب الدينــي‪ ،‬ومســألة التجديــد فيــه‪،‬‬
‫ً‬
‫والمتأمــل بعيــن البصيــرة‪ ،‬والســاعي إلــى الحــق يجــد أن الخطــاب الدينــي‬
‫يحتــاج ً‬
‫فعــا إلــى تجديــد ولكــن بشــروط‪:‬‬

‫أوهلا‪:‬أال يكــون فيــه تغييــر للثوابــت والمحكمــات‪ .‬فالبعــض يريــد‬


‫التجديــد يف ثوابــت الديــن أو أحــكام الشــريعة بحجــة مواكبــة‬
‫العصــر فهــذا ليــس تجديــدً ا بــل هد ًمــا‪.‬‬

‫ثانيها‪:‬أن يكون التجديد يف الخطاب فقط‪ ،‬وليس يف اإلسالم‪.‬‬

‫ثالثها‪:‬أال يعــزل التجديــدُ مصــادر الشــريعة عــن حيــاة النــاس‬


‫و تحكيمهــا ‪.‬‬

‫رابعها‪ :‬أال يتعارض التجديد مع حكم من أحكام الشرع‪.‬‬

‫وهبــذه الشــروط يكــون التجديــد يف الخطــاب مأذو ًنــا ومحمــو ًدا‪ ،‬فينبغــي‬
‫للخطيــب أن ُيجــدد مــن خطابــه ويتجــاوز الخطــب التقليديــة‪.‬‬

‫والتجديــد مطلــوب حتــى يف اإليمــان بمفهومــه الشــرعي يقــول‬


‫‪« :‬إن اإليمــان ليخلــق يف جــوف أحدكــم كمــا يخلــق الثــوب‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪141‬‬ ‫فن اخلطابة‬


‫فاســألوا اهلل أن ُيجــدد اإليمــان يف قلوبكــم»(((‪.‬‬

‫وقــد ورد يف الحديــث‪« :‬أن اهلل يبعــث يف هــذه األمــة علــى رأس كل مئــة‬
‫مــن ُيجــدد دينهــا»(((‪.‬‬

‫الســنة النبويــة‪،‬‬
‫فمصطلــح التجديــد يف المفهــوم الشــرعي معــروف يف ُ‬
‫ومــن هنــا التجديــد مطلــب لمــا فيــه مــن قــوة التأثيــر وقــد ســئلت اللجنــة‬
‫الدائمــة يف عهــد العالمــة ابــن بــاز ‪ ‬عــن التجديــد يف الخطــاب والدعــوة‬
‫فقالــت‪ :‬واألحســن أن ُيجــدد الخطيــب الخطبــة بقــدر مــا تيســر لــه ذلــك لمــا‬
‫فيــه مــن زيــادة العلــم والتشــويق وقــوة التأثيــر(((‪.‬‬

‫كيف ُيجدد الخطيب خطابه على المنرب؟‬

‫أن ينتقــل مــن ضيــق األفــق والــرأي والمذهــب إلــى ســعة كمــال الشــريعة‬
‫وشــمولها‪ ،‬وأن ُيجــدد يف األســلوب الخطابــي‪.‬‬

‫أن ُيجــدد يف األدلــة والشــواهد‪ ،‬وأن يكــون يف خطبتــه شــمول ًيا وإليــك‬
‫أمثلــة يف التجديــد المقصــود‪.‬‬

‫لو فرضنا أن خطيبا سيخطب عن الغيبة كمثال‪.‬‬

‫فكيف ُيجدد يف الخطاب عن هذا الموضوع؟‬


‫أخرجه الطرباين وصححه األلباين (‪ )1590‬يف صحيح الجامع‪.‬‬ ‫(((‬
‫أخرجه أبو داود (‪ )4291‬وصححه األلباين‪.‬‬ ‫(((‬
‫فتاوي اللجنة الدائمة (‪.)238 /8‬‬ ‫(((‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫فن اخلطابة‬ ‫‪142‬‬

‫‪-‬اخلطبة التقليدية‪:‬‬

‫يبــدأ بقولــه‪ :‬أيهــا المســلمون إن الغيبــة كبيــرة مــن كبائــر الذنــوب وقــد‬
‫حــذر منهــا الشــرع الحنيــف ثــم يــأيت باألدلــة‪.‬‬

‫‪-‬اخلطبة بعد التجديد‪:‬‬

‫بعــد الحمــد هلل يبــدأ قائـ ًـا‪ :‬لــو أن رجـ ًـا قتــل ً‬
‫أخــا لــه مــن المســلمين ثــم‬
‫بعــد موتــه أخــذ الســكين وقــام بتقطيــع لحمــه‪ ،‬وأكلــه دون مراعــاة لحرمتــه ويف‬
‫منظــر مؤســف مؤلــم‪.‬‬

‫يف هــذه اللحظــة وبعــد هــذه المقدمــة ســيكون النــاس يف حالــة انتبــاه‬
‫وتعجــب فيبــدأ الخطيــب قائـ ًـا‪ :‬هــذا مــا ُيمارســه الكثيــرون يف كل يــوم أليــس‬
‫اهلل يقــول‪« :‬أيحــب أحدكــم أن يــأكل لحــم أخيــه مي ًتــا فكرهتمــوه» هــذا هــو‬
‫واقعنــا ثــم يــأيت باألدلــة وعناصــر موضوعــه‪.‬‬

‫ومــن التجديــد كذلــك شــد انتبــاه المســتمعين بالعناويــن مثــال ذلــك‪:‬‬


‫صلــة الرحــم‪.‬‬

‫هــذه الموضــوع مســتهلك يف المنابــر ولــو قــال الخطيــب عنــوان خطبتــي‬


‫صلــة الرحــم لمــا كان لــه وقــع‪ ،‬ولكــن لــو قــال عنــوان خطبتــي (الرجــل‬
‫المقطــوع) ويبــدأ‪:‬‬

‫أيهــا المســلمون‪ :‬حديثــي لكــم عــن رجــل مســلم لكنــه لألســف مقطــوع‬
‫مــن رحمــة اهلل‪ ،‬مقطــوع مــن الربكــة يف العمــر والــرزق‪ ،‬مقطــوع مــن القبــول‪،‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪143‬‬ ‫فن اخلطابة‬


‫ولــو مــات مــا قبــل اهلل لــه عمـ ًـا‪.‬‬

‫هــذه العبــارات وهبــذه المقدمــة ســتجعل الحاضريــن ينتظــرون بفــارغ‬


‫الصــر مــن هــذا الرجــل ؟‬

‫كذلــك مــن التجديــد إيــراد األدلــة الجديــدة علــى أســماعهم فالحمــد هلل‬
‫الســنة مليئــة باألدلــة والشــواهد والقصــص يف كل موضــوع؛ ألن األحاديــث‬
‫ُ‬
‫الغريبــة والجديــدة تتوقــف عندهــا األســماع ألهنــم أول مــرة يســمعون هبــا‪.‬‬

‫مشــهورا عنــد‬
‫ً‬ ‫وأذكــر أننــي خطبــت مــرة فــأوردت حدي ًثــا لــم يكــن‬
‫الكثيريــن فجــاء بعــد الخطبــة طالــب علــم فقــال الحديــث الــذي أوردتــه هــل‬
‫هــو صحيــح؟ قلــت‪ :‬نعــم يف صحيــح ال ُبخــاري مــع أين ذكــرت ذلــك يف الخطبــة‬
‫فقــال‪ :‬ســبحان اهلل أول مــرة أســمع هبــذا الحديــث‪ .‬فتوقعــت مــن كالمــه أنــه‬
‫حافــظ لدواويــن الســنة لكنــه لــم يكــن حاف ًظــا لألربعيــن النوويــة فهــذا ُيعتــر‬
‫شـ ً‬
‫ـكل مــن طلبــة العلــم فكيــف بغيــره ؟‬

‫فاألحاديــث الجديــدة علــى النــاس تســتقر وينتبهــون لهــا‪ ،‬والمقصــد‬


‫بذلــك أن نــأيت باألحاديــث الصحيحــة التــي ليســت مشــهورة عــن النــاس‪،‬‬
‫وليســت األحاديــث الغريبــة والمكذوبــة‪.‬‬

‫فالتجديــد يف الخطــاب مطلــوب ونــوع مــن أنــواع جــذب الجمهــور‪،‬‬


‫مختصــا يف األســلوب ال يف‬
‫ً‬ ‫ويجــب أن يكــون هــذا التجديــد يف الخطــاب‬
‫أصــول الشــريعة أو علــى مفهــوم أعــداء الشــريعة‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫فن اخلطابة‬ ‫‪144‬‬

‫اخلطوة السادسة‪ :‬دراسة فن اخلطابة‬

‫مفوهــا فــكل البشــر يولــدون بــا علــم‬


‫ً‬ ‫عالمــا أو خطي ًبــا‬
‫المــرء ال يولــد ً‬
‫وال معرفــة ثــم يجتهــدون ويتعلمــون ولــكل مجتهــد نصيــب‪ ،‬والناظــر يف‬
‫عالمنــا اإلســامي الحاضــر ليجــد أن كثيــرا مــن الخطبــاء يف حاجــة ملحــة‬
‫لتطويــر أنفســهم يف عالــم الخطابــة‪ ،‬وإجــادة فــن اإللقــاء‪ ،‬فالغــرب مــن أشــد‬
‫تعلمــا لهــذا الفــن فتقــام الــدورات‪ ،‬و ُتصنــف آالف الكتــب يف هــذا‬
‫النــاس ً‬
‫الفــن‪ ،‬ويدفعــون المبالــغ واألوقــات مــن أجــل هــذا الفــن‪ ،‬والمســلمون أولــى‬
‫وأحــق وعلــى رأســهم الدعــاة والخطبــاء لمــا للكلمــة مــن تأثيــر ولألســلوب‬
‫مــن جــذب‪ ،‬خطــب عمــر ‪ ‬علــى المنــر فقــال‪ :‬أنــس ســمعت رســول‬
‫اهلل ‪ ‬يقــول‪« :‬إن أخــوف مــا أخــاف علــى أمتــي كل منافــق عليــم‬
‫اللســان»(((‪.‬‬

‫فخــوف الرســول ‪ ‬علــى هــذه األمــة مــن المنافــق المتمكــن‬


‫مــن اللســان والــكالم لتأثيــره علــى النــاس‪ ،‬ويف معركــة الحــق والباطــل بيــن‬
‫الداعيــة موســى ‪ ‬والطاغيــة فرعــون طلــب موســى ‪ ‬مــن اهلل أن‬
‫يؤيــده بأخيــه هــارون‪ ،‬والســبب يف ذلــك الفصاحــة ﮋ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ‬
‫ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩﯪﮊ((( ‪.‬‬
‫أخرجه الطرباين يف الكبير (‪ )227/18‬وصححه األلباين يف صحيح الجامع (‪.)239‬‬ ‫(((‬
‫سورة القصص آية (‪.)34‬‬ ‫(((‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪145‬‬ ‫فن اخلطابة‬


‫فأخــذ الــدورات يف فــن الخطابــة واإللقــاء يطــور مــن مســتوى الخطيــب‪،‬‬
‫وهــي أهــم شــيء يف تعزيــز المعرفــة وبنــاء الثقــة‪ ،‬وتحســين قــدرة المتحــدث يف‬
‫إقنــاع اآلخرين‪.‬‬

‫وهنــاك أساســات وقواعــد يف علــم الخطابــة‪ ،‬وهنــاك كتــب يف تعليــم‬


‫فــن الخطابــة‪ ،‬قــال خالــد بــن صفــوان‪« :‬إنمــا اللســان عضــد إن مرنتــه َمـ َـرن‪،‬‬
‫فهــو باليــد تخشــنها بالممارســة‪ ،‬وكالبــدن تقويــه برفــع الحجــارة‪ ،‬والرجــل إذا‬
‫عـ َّـودت المشــي مشــت»(((‪.‬‬

‫وهــذا واصــل بــن عطــاء كان عنــده عيــب يف نطــق حــرف الــراء فقــد كان‬
‫ـروض نفســه وتمــرن ودرس يف إســقاط الــراء مــن كالمــه‪ ،‬ولم يــزل يتعلم‬
‫ألثــغ فـ ّ‬
‫و ُيكابــد حتــى نجــح يف ذلــك وتخلــص مــن العيــب الــذي كان ُيــازم كالمــه‪.‬‬

‫وعلــى كل حــال فــإن الخطيــب الباحــث عــن التميــز واإلبــداع يطــور‬


‫نفســه وذلــك مــن خــال ثالثــة أمــور‪:‬‬

‫ حضور دورات وندوات يف فن الخطابة واإللقاء‪.‬‬

‫قــراءة كتــب التطويــر وتعليــم فــن التحــدث إلــى النــاس وكســب‬


‫ثقتهــم‪.‬‬

‫مصاحبــة الناجحيــن والمهتميــن يف فــن الخطابــة واالســتفادة مــن‬


‫تجارهبــم‪.‬‬
‫فن الخطابة علي محفوظ ص ‪.18‬‬ ‫(((‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫فن اخلطابة‬ ‫‪146‬‬

‫ومــن المهــام المنوطــة علــى وزارة الشــؤون اإلســامية واألوقــاف‬


‫إقامــة هــذه الــدورات يف جميــع المناطــق‪ ،‬واالســتفادة مــن الخطبــاء الكبــار‬
‫والمميزيــن حتــى يســتفيد الخطبــاء ويطــوروا مــن أنفســهم‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪147‬‬ ‫فن اخلطابة‬

‫اخلطوة السابعة‪ :‬اهلمة العالية‬

‫مــن المفــرض طبع ًيــا أن يكــون الخطيــب صاحــب همــة عل َّيــة‪ ،‬وإرادة‬
‫قويــة‪ ،‬وعزيمــة راشــدة‪ ،‬قدوتــه يف ذلــك األنبيــاء عليهــم الســام وعلــى رأســهم‬
‫ويف مقدمتهــم رســولنا صلــوات اهلل وســامه عليــه‪.‬‬

‫يعلــو ويســمو أن يقــاس بثــاين‬ ‫ولــه كمــال الزيــن أعلــى همــة‬

‫فــأي همــه؟ وأي عزيمــة؟ وأي صــدق؟ وأي وفــاء؟ يحملــه رســول اهلل‬
‫‪‬‬

‫و َعـــا َمـــن عالهـــا‬ ‫فـــاق أهـــل المعالـــي‬

‫وهكــذا ينبغــي أن يكــون الخطيــب؛ ألنــه حامــل مشــعل الهدايــة‪ ،‬ولــواء‬


‫الحــق‪ ،‬وهدايــة الخلــق‪ ،‬يقــول ســبحانه‪ :‬ﮋ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ‬
‫ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮊ((( ‪.‬‬

‫فالخطيــب الناجــح يحمــل هــم أمتــه‪ ،‬وهــم مجتمعــه‪ ،‬وهــم دعوتــه‪،‬‬


‫وهــم إصــاح النــاس ال يهــدأ لــه قــرار‪ ،‬وال يســكن لــه قلــب‪ ،‬وهــو يــرى بعــد‬
‫ـورا‬
‫النــاس عــن رهبــم فهــو ُيزاحــم أهــل الباطــل‪ ،‬و ُيظهــر الحــق‪ ،‬تــرى كلماتــه نـ ً‬
‫سورة فصلت آية (‪.)33‬‬ ‫(((‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫فن اخلطابة‬ ‫‪148‬‬

‫ُيشــع منهــا اإلخــاص والحــرص والحرقــة علــى هدايــة النــاس‪ ،‬فينطلــق مــن‬
‫علــى منــره كالســيل إبدا ًعــا وتأل ًقــا فلــه همــة عاليــة تر ِّقيــه‪ ،‬وعلــم يهديــه‪ٌ ،‬‬
‫ورب‬
‫يؤيــده ويؤويــه‪ ،‬فكيــف ال يكــون مبد ًعــا؟‬

‫أمــا الخطيــب الــذي يصعــد علــى منــره ألهنــا وظيفــة يؤديهــا ليتقاضــى‬
‫مكافأتــه آخــر الشــهر فلــن يكــون مبد ًعــا وال مؤثـ ًـرا‪.‬‬

‫يقــول عمــر بــن الخطــاب ‪« ‬ال تصغــرن همتــك فــإين لــم أر أقعــد‬
‫للرجــل مــن ســقوط همتــه»(((‪.‬‬

‫الخطيــب الناجــح همتــه عالية يف إعــداده للخطبة ويف جمــع المعلومات‪،‬‬


‫ال يرضــى بالــدون ألن همتــه تقــوده إلى معالــي األمور وترك سفاســفها‬

‫للتَّبابـــي‬ ‫وســـيلة‬ ‫فالتـــواين‬ ‫أيهـــا المؤمنـــون ال تتوانـــوا‬


‫نهضــت بينهــم جيــوش الخــراب‪.‬‬ ‫وإذا المصلحــون يف القــوم نامــوا‬

‫‪-‬وهناك وسائل معينة على علو اهلمة عند اخلطيب‪:‬‬

‫‪ً -‬‬
‫أول‪:‬استشــعار المســؤولية‪ :‬وذلــك بــأن يستشــعر الخطيــب مكانتــه‬
‫ومســؤوليته‪ ،‬فيعمــل مــا يف وســعه‪ ،‬و ُيربــي نفســه علــى تحمــل‬
‫هــم الدعــوة‪ ،‬وإصــاح النــاس‪ ،‬ويتذكــر أهنــا أمانــة عظيمــة‪ ،‬وأن‬
‫ً‬
‫أهــا‬ ‫اهلل ‪ ‬قــد اختــاره لحمــل هــذه المســؤولية فليكــن‬
‫لهــا‪.‬‬
‫محاضرات األدباء لألصفهاين (‪.)521/1‬‬ ‫(((‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪149‬‬ ‫فن اخلطابة‬

‫‪-‬ثانيا‪:‬الغيــرة علــى ديــن اهلل‪ :‬الــذي يف نفســه غيــرة علــى الديــن‬


‫والمســلمين ال يمكــن أن يكــون ســلب ًيا ليــس لــه دور‪ ،‬وهــي‬
‫أظهــر مــا تكــون عندمــا تنتشــر المنكــرات‪ ،‬و ُتهاجم المسـ ّلمات‬
‫وألمــا‪ ،‬فتشــعل همتــه وقــو ًدا‬
‫فعندهــا يــكاد يــذوب قلبــه كمــدً ا ً‬
‫ونصحــا‪.‬‬
‫ً‬

‫‪-‬ثال ًثا‪:‬قــراءة ســيرة أهــل الهمــم العاليــة‪ :‬فالمطالعــة يف حيــاة‬


‫هــؤالء العظمــاء وســماع أخبارهــم لــه أثــر كبيــر‪ ،‬ودورهــم يف‬
‫األمــة غيــر يســير‪ ،‬فأخبارهــم تشــحذ همــة الخطيــب‪ ،‬وتزيــد‬
‫مــن وعيــه وســعيه‪.‬‬

‫‪-‬رابعا‪:‬مجاهــدة النفــس‪ :‬وذلــك بــأن ُيجاهــد الخطيــب نفســه علــى‬


‫اإلرادة والعزيمــة ويبتعــد عــن الفتــور والعجــز‪ ،‬ﮋ ﮠ ﮡ‬
‫ﮢ ﮣ ﮤﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮊ((( ‪ .‬ف ُيجاهــد نفســه علــى‬
‫حرصــا‪.‬‬
‫ً‬ ‫إصالحهــا وتزكيتهــا حتــى يكــون أكثــر تأثيـ ًـرا‪ ،‬وأشــد‬

‫‪-‬خامسا‪:‬الدعــاء‪ :‬يقــول ‪« :‬ليــس شــيء أكــرم علــى اهلل‬


‫‪ ‬مــن الدعــاء»(((‪.‬‬

‫سورة العنكبوت آية (‪.)69‬‬ ‫(((‬


‫أخرجه أحمد وحسنه األلباين (‪ )5392‬صحيح الجامع‪.‬‬ ‫(((‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
www.alukah.net

‫فن اخلطابة‬ 150


‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪151‬‬ ‫فن اخلطابة‬

‫مناذج من خطب اجلمعة‬

‫هــذه مجموعــة مــن الخطــب اخرتهتــا علــى عجــل مــن خطــب قديمــة‬
‫توفــرت لــدي مطبوعــة وقــت تأليــف هــذا الكتــاب فاستحســنت جعلهــا نمــاذج‬
‫فلعــل خطيبــا يحتاجهــا أو تكــون مفاتيــح لخطبــة لــه مســتقبال‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫فن اخلطابة‬ ‫‪152‬‬

‫الخطبة األولى‬

‫الحمــد هلل الــذي ظهــر ألوليائــه بنعــوت جاللــه وأنــار قلوهبــم بمشــاهدة‬
‫صفــات كمالــه فعلمــوا أنــه الواحــد األحــد الفــرد الصمــد الــذي ال شــريك لــه‬
‫يف ذاتــه وال يف صفاتــه وال يف أفعالــه‪ ،‬األول الــذي ليــس قبلــه شــيء والباطــن‬
‫الــذي ليــس دونــه شــيء والظاهــر الــذي ليــس فوقــه شــيء‪ ،‬وأشــهد أن ال إلــه‬
‫إال اهلل وحــده ال شــريك لــه جـ ّـل عــن المثيــل والنظيــر و‪ ‬عــن الشــريك‬
‫والظهيــر فليــس كمثلــه شــيء وهــو الســميع البصيــر‪ ،‬وأشــهد أن محمــدً ا عبــده‬
‫ورســوله وخيرتــه مــن خلقــه وأمينــه علــى وحيــه‪.‬‬

‫مــن اهلل ميمــون يلــوح ويشهـــد‬ ‫أغــر عليــه للنبـــوة خاتــم‬ ‫ٌّ‬
‫إذا قــال يف الخمــس المــؤذن أشــهد‬ ‫وضــم اإللــه اســم النبــي إلــى اســمه‬
‫فــذو العــرش محمود وهذا أحمـــد‬ ‫وشــق لــه مــن اسمــــه ليجلـَّـــــــــه‬

‫فصلى اهلل وسلم عليه كلما ذكره الذاكرون وغفل عنه الغافلون‪.‬‬

‫عباد اهلل‪ :‬ـ‬

‫أوصيكــم ونفســي بتقــوى اهلل فهــي وصيتــه لألوليــن واآلخريــن ﮋ ﮠ‬


‫ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪﮫ ﮊ [النســاء‪ ،]131 :‬فتقــوى‬
‫اهلل الــدرة المفقــودة والضالــة المنشــودة والخصلــة المحمــودة فمــن وجدهــا‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪153‬‬ ‫فن اخلطابة‬


‫عظيمــا‪.‬‬
‫ً‬ ‫وجــد خيـ ًـرا كثيـ ًـرا ومــن فقدهــا فقــد خيـ ًـرا‬

‫عنوان هذه الخطبة ‪ ( :‬موانع السعادة )‬

‫مــا هــي الســعادة وكيــف نبحــث عــن الســعادة؟ وأيــن نجدهــا؟ ومــا‬
‫الموانــع التــي تمنــع العبــد مــن الســعادة‪ ،‬فمهمــا حــاول العبــد البحــث عــن‬
‫الســعادة فلــن يجدهــا مــا دامــت هــذه الموانــع موجــودة عنــده‪ ،‬هــذه الموانــع‬
‫أربــع تحــول بيــن العبــد وبيــن ســعادته‪ ،‬تحــول بينــه وبيــن انشــراح صــدره‬
‫وطمأنينتــه هــذه األربــع هــي الكفــر والظلــم والمعاصــي والحســد‪ .‬هــذه‬
‫األربــع هــي الحواجــز والموانــع والعوائــق التــي تعيــق اإلنســان عــن الســعادة‪.‬‬

‫أول‪ :‬الكفــــر‪ .‬يقول اهلل ‪ :‬ﮋ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ‬


‫ً‬
‫ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥﭦﮊ [األنعــام‪،]125 :‬‬
‫وقــال ‪ :‬ﮋ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ‬
‫ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩ ﭪﮊ [البقــرة‪،]7 ،6 :‬‬
‫انظــروا كيــف يصــور القــرآن مــدى التعاســة والشــقاء الــذي يعيشــه هــؤالء‬
‫الكفــار ضيــق وعنــاء وخــذالن وتعاســة‪ ،‬صدورهــم ضيقــة أضيــق مــن ثقــب‬
‫ً‬
‫فضــا عــن‬ ‫اإلبــرة‪ ،‬وحــرام علــى كل قلــب كافــر أن يشــم رائحــة الســعادة‬
‫أن يعيشــها ﮋ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ‬
‫ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼﮊ [إبراهيــم‪ .،]18 :‬أعمــال‬
‫مفككــة كالهبــاء المنثــور أعمــال باطنــة ال قــوام لهــا وال نظــام‪ ،‬يعيشــون حيــاة‬
‫البهائــم وإن ا َّدعــوا الحيــاة الســعيدة فإهنــم يعيشــون فوضــى ال ُســراة لهــم‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫فن اخلطابة‬ ‫‪154‬‬

‫‪ ،‬وإن ادعــوا النظــام يعيشــون حيــارى تائهيــن مشــردين معذبيــن وإن ســكنوا‬
‫ناطحــات الســحاب‪ ،‬يعيشــون حالــة الهســتيريا حالــة الضيــاع حالهــم يقــول‪:‬‬
‫(ال ســعادة مــع الكفــر وال كفــر مــع الســعادة) إهنــم يعملــون كل شــيء مــن أجــل‬
‫تحقيــق الســعادة‪ ،‬إهنــم يضحــون بــكل شــيء مــن أجــل ســعادهتم‪ ،‬يف كل مــكان‬
‫ضحــكات‪ ،‬ويف كل زاويــة أحضــان وقبــات‪ ،‬ولكــن ال تلمــح يف وجــه أي‬
‫واحــد منهــم معنــى الرضــا‪ ،‬وال تحــس يف قلــب واحــد منهــم روح االطمئنــان‪،‬‬
‫الحيــاة قلــق وعمــل دائــم واشــتداد دائــم وضجيــج دائــم‪ ،‬إهنــا الشــقوة البائســة‬
‫المنكــودة التــي ال تزيلهــا الحضــارات الماديــة وال المظاهــر الســرمدية‪،‬‬
‫إهنــم قلقــون ُي ُّ‬
‫طــل القلــق مــن عيوهنــم وهــم أغنيــاء‪ ،‬والملــل يــأكل حياهتــم‬
‫فيهربــون إلــى المــوت بقطــار االنتحــار والجنــون‪ ،‬وقــد أكــدت وزارة الصحــة‬
‫الربيطانيــة أن جريمــة االنتحــار تعــد ثالــث أســباب الوفــاة يف الفرنســيين الذيــن‬
‫تجــاوزت أعمارهــم الســبعين عا ًمــا‪ ،‬وأنــه يف كل ثــاث وأربعيــن دقيقــة تقــع‬
‫حالــة انتحــار‪ ،‬وأن اثنــي عشــر ألــف فرنســي يقتلــون أنفســهم ســنو ًيا‪ ،‬ويــأيت‬
‫االنتحــار بعــد الســرطان وأمــراض القلــب وقبــل حــوادث الســيارات كســبب‬
‫رئيــس للوفــاة ويعــد االنتحــار أهــم أســباب الوفــاة يف بــاد الكفــر‪ ،‬فحياهتــم‬
‫تعاســة وبــؤس وشــقاء وخــوف يعيشــون قمــة االضطــراب وعــدم الطمأنينــة‬
‫ألن الجرائــم منتشــرة انتشــار النــار يف الهشــيم بســبب البحــث عــن الــذات‪،‬‬
‫فإيطاليــا تربعــت علــى قمــة دول الجريمــة العشــوائية والمنظمــة يف العالــم‬
‫حيــث ســجلت اإلحصــاءات أنــه يف كل دقيقتيــن ُتســرق ســيارة يف إيطاليــا كمــا‬
‫تختفــي ســبعمائة وثمــان وســبعون ســيارة يف اليــوم‪ ،‬وأعلــن مركــز اإلحصــاء‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪155‬‬ ‫فن اخلطابة‬


‫القومــي برومــا أنــه تــم ســرقة مائتيــن وأربــع وثمانيــن ألــف ومائتيــن وســت‬
‫وتســعين ســيارة خــال العــام الماضــي‪ .‬فأيــن الســعادة التــي يزعموهنــا؟ وأيــن‬
‫األمــن الــذي يبحثــون عنــه؟ إهنــم يعيشــون كالقطعــان مــن الغنــم بســبب فقدهم‬
‫أليمــا‪.‬‬
‫لإليمــان فــإن اهلل لعــن الكافريــن وأعــد لهــم عذا ًبــا ً‬

‫املان��ع الثان��ي‪ :‬مــن موانــع الســعادة هــو الظلــم‪ ،‬فكيــف يهنــأ لظالــم أن‬
‫يعيــش ســعيدً ا‪ ،‬وكيــف تســكن نفــس الظالــم؟ وكيــف يرغــد عيشــه واهلل‬
‫جــل وعــا يقــول‪ :‬ﮋ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼﯽ ﯾ ﯿ‬ ‫ّ‬
‫ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﮊ [إبراهيــم‪ ،]42 :‬ويقــول ‪« :‬إن اهلل ليملــي‬
‫للظالــم حتــى إذا أخــذه لــم يفلتــه» وكيــف يشــعر بالســعادة مــن ظلــم وهــو يعلم‬
‫أن الظلــم ســبب لدخــول النــار قــال ‪ :‬ﮋ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ‬
‫ﯼﮊ [الصافــات‪ ،]22 :‬يــا أيهــا الظالــم عج ًبــا لــك إن اهلل ‪ ‬حــرم‬
‫الظلــم علــى نفســه وجعلــه بيــن عبــاده محر ًمــا فتجعلــه حـ ً‬
‫ـال لــك فتظلــم عبــاد‬
‫اهلل‪ ،‬ســتعلم أيهــا الظالــم إذا وضــع الكرســي وجمــع اهلل األوليــن واآلخريــن‬
‫وتكلمــت األيــدي واألرجــل بمــا كانــوا يكســبون‪ ،‬ســوف تعلــم يــوم يقــال‬
‫لــك‪ :‬يــا ظالــم لــم ظلمــت فــان ؟مــاذا تقــول وأنــت تعلــم أن اهلل يقــول‪« :‬اشــتد‬
‫غضبــي علــى مــن ظلــم مــن لــم يجــد لــه ناصــرا غيــري» كيــف يهنــأ الظالــم يــا‬
‫عبــاد اهلل والنبــي ‪ ‬يقــول‪« :‬مــا مــن عبــد ُظلــم فشــخص ببصــره‬
‫إلــى الســماء إال قــال اهلل ‪ ‬لبيــك عبــدي ح ًقــا ألنصر َّنــك ولــو بعــد حيــن»‪.‬‬
‫أيهــا الظالــم أتظــن أن اهلل يغفــل عنــك؟ أتظــن أن المظلــوم الــذي ظلمتــه غافـ ًـا‬
‫عنــك؟ إنــه يرفــع يديــه ليـ ًـا وهنـ ً‬
‫ـارا يدعــو عليــك‪ ،‬إن دعــوة المظلــوم تســري‬
‫بالليــل والنــاس نيــام‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫فن اخلطابة‬ ‫‪156‬‬

‫فالظلـــم مرتعــه يفضــي إلــى النـــدم‬ ‫مقتــدرا‬


‫ً‬ ‫ال تظلمــن إذا مــا كنــت‬
‫يدعـــو عليــك وعـــين اهلل لــم تنــم‬ ‫تنــام عينــاك والمظلـــوم منتبــه‬
‫ٍ‬
‫منــاد أيــن الظلمــة وأعــوان‬ ‫ورد يف األثــر «إذا كان يــوم القيامــة نــادى‬
‫قلمــا أو الق هبــم دواة ُيجمعــون‬
‫الظلمــة وأشــياع الظلمــة؟ حتــى مــن بــرى لهــم ً‬
‫يف تابــوت مــن حديــد ثــم يرمــى هبــم يف نــار جهنــم» يرمــى الظالــم يف نــار جهنــم‬
‫ومــن عاونــه علــى الظلــم‪ .‬فكيــف يعيــش الظالــم ســعيدً ا واهلل قــد لعنــه قــال‬
‫‪ :‬ﮋ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽﮊ [هــود‪ ،]18 :‬وعــن عبــد اهلل بــن ســام‬
‫قــال‪( :‬إن اهلل ‪ ‬لمــا خلــق الخلــق واســتمروا علــى أقدامهــم رفعــوا‬
‫رؤوســهم إلــى الســماء فقالــوا يــا رب مــع مــن أنــت قــال مــع المظلــوم حتــى‬
‫ـارا مــن الجبابــرة بنــى قصـ ًـرا وشــيده فجــاءت‬
‫ُيــؤ َّدى إليــه حقــه) ويحكــى أن جبـ ً‬
‫عجــوز فقيــرة فبنــت إلــى جانــب القصــر ً‬
‫كوخــا تــأوي إليــه فركــب الجبــار يو ًمــا‬
‫وطــاف حــول القصــر فــرأى الكــوخ فقــال لمــن هــذا؟ فقيل المــرأة فقيــرة تأوي‬
‫إليــه فأمــر بــه َف ُهــدم فجــاءت العجــوز فرأتــه مهدو ًمــا‪ ،‬ضعيفــة فقيــرة ليــس لهــا‬
‫ظالمــا عني ًفــا‪ ،‬عجــوز فهــل تســتطيع‬
‫ً‬ ‫ـارا عنيــدً ا‬
‫أحــد ومــن تواجــه؟ تواجــه جبـ ً‬
‫أن تقــاوم ذلــك؟ إهنــا مســكينة وجرمهــا أن كوخهــا يشــوه منظــر القصــر فإلــى‬
‫مــن تلجــأ؟ وإلــى مــن تذهــب؟ إلــى الجبــار جـ ّـل وعــا إلــى الملــك إلــى القوي‬
‫فرفعــت رأســها إلــى الســماء وقالــت ‪ :‬يــا رب إذا لــم أكــن أنــا حاضــرة فأيــن‬
‫كنــت أنــت؟ فأمــر اهلل جربيــل أن يقلــب القصــر علــى مــن فيــه فقلبــه‪ .‬فمــاذا‬
‫أفــاده ملكــه ومــاذا أفــاده ســلطانه ومــاذا أفــاده حرســه؟‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪157‬‬ ‫فن اخلطابة‬


‫ليرفــع فــوق الســحب ثــم يجـــاب‬ ‫َ‬
‫تــوق دعــا المظلــوم إن دعــــاءه‬
‫وبيــن إلــه العالميــن حجــــاب‬ ‫تــوق دعــا مــن ليــس بيــن دعـــائه‬
‫ألنصــرن المظلــوم وهــو مثـــاب‬ ‫فقــد صــح أن قــال وعـــــزتي‬
‫فإنــه جهــول وإال عقلــه فمصــــاب‬ ‫فمــن لــم يصــدق ذا الحديــث‬

‫ً‬
‫رجــا مــن ضعفــاء بنــي‬ ‫وممــا يحكــى يف زمــن موســى ‪ ‬أن‬
‫إســرائيل كان لــه عائلــة وكان صيــا ًدا يصطــاد الســمك ويقـ ّـوت أهلــه وأطفالــه‬
‫وزوجتــه منــه ‪ ،‬وخــرج يو ًمــا للصيــد فوقــع يف شــبكته ســمكة كبيــرة ففــرح هبــا‬
‫ثــم أخذهــا ومضــى إلــى الســوق ليبيعهــا ويصــرف ثمنهــا يف مصالــح عيالــه‬
‫فلقيــه بعــض الظلمــة فــرأى الســمكة معــه فــأراد أن يأخذهــا فمنعــه الصيــاد‬
‫فرفــع الظالــم خشــبة بيــده فضــرب هبــا رأس الصيــاد ضربــة موجعــة وأخــذ‬
‫الســمكة منــه غص ًبــا بــا ثمــن فدعــا الصيــاد عليــه وقــال‪( :‬إلهــي جعلتنــي‬
‫ً‬
‫عاجــا فقــد ظلمنــي وال‬ ‫ضعي ًفــا وجعلتــه قو ًيــا عني ًفــا فخــذ لــي بحقــي منــه‬
‫صــر لــي إلــى اآلخــرة اللهــم فــأرين فيــه عجائــب قدرتــك) فبينمــا هــو يمشــي‬
‫حاملهــا أحياهــا اهلل الــذي يحــي العظــام وهــي رميــم فعضــت الســمكة علــى‬
‫إهبامــه عظــة شــديدة طــار هبــا عقلــه وســار ال يقــر هبــا قــراره‪ ،‬فقــام وشــكى إلــى‬
‫الطبيــب ألــم يــده فقــال الطبيــب إن دواءهــا أن تقطــع اإلصبــع لئــا يســري‬
‫األلــم إلــى بقيــة الكــف‪ ،‬فقطــع إصبعــه فانتقــل األلــم والوجــع إلــى الكــف‬
‫واليــد وازداد األلــم فقــال الطبيــب ينبغــي أن تقطــع اليــد إلــى المعصــم لئــا‬
‫يســري األلــم إلــى الســاعد فقطعهــا فانتقــل األلــم إلــى الســاعد‪ ،‬فمــا زال هكــذا‬
‫هائمــا علــى‬
‫كلمــا يقطــع عضــوا انتقــل األلــم إلــى العضــو اآلخــر حتــى خــرج ً‬
‫وجهــه مســتغي ًثا إلــى ربــه ليكشــف عنــه مــا نــزل بــه فوجــد رجـ ًـا يف الطريــق‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫فن اخلطابة‬ ‫‪158‬‬

‫فقــال مــا ســبب ألمــك فذكــر لــه قصــة الســمكة فقــال لــه الرجــل لــو رجعــت‬
‫إلــى ذلــك الرجــل واســتحللت منــه وأرضيتــه لمــا قطعــت أعضــاؤك‪ ،‬فذهــب‬
‫ذلــك الرجــل الظالــم إلــى الرجــل المظلــوم يبحــث عنــه يف بلدتــه حتــى وجــده‬
‫فوقــع بيــن يديــه يتمــرغ بيــن رجليــه ويقبــل يديــه ويدفــع لــه األمــوال ويقــول لــه‬
‫يــا ســيدي بــاهلل إال مــا عفــوت عنــي فقــال لــه ومــن أنــت قــال أنــا الــذي أخــذت‬
‫منــك الســمكة غص ًبــا فذكــر لــه مــا جــرى فقــال لــه المظلــوم قــد أحللتــك منهــا‬
‫ـي؟ فقــال نعــم‬
‫لمــا رأيــت مــن بالئــك فقــال الظالــم يــا ســيدي هــل دعــوت علـ َّ‬
‫ـي بقوتــه علــى ضعفــي فــأرين عجائــب قدرتــك‬
‫قلــت‪( :‬اللهــم إن هــذا تقـ َّـوى علـ ّ‬
‫فيــه)‪ .‬فنــزل الوحــي علــى موســى ‪« ‬يــا موســى وعــزيت وجاللــي لــوال‬
‫أن ذلــك الرجــل أرضــى خصمــه لعذبتــه مهمــا امتــدت بــه حياتــه»‪ .‬فــا ســعادة‬
‫للظالــم وال راحــة لــه ألن المظلــوم منتبــه يدعــو عليــه ودعــوة المظلــوم ال تــرد‪،‬‬
‫فيــا أيهــا الظالــم حســبك توقــف عــن الظلــم فــإن خصمــك اهلل ومــن كان اهلل‬
‫خصمــه فقــد خصمــه‪ ،‬وأنــت أيهــا المظلــوم حســبك اهلل ومــن كان اهلل حســبه‬
‫فهــو كافيــه‪.‬‬

‫عباد اهلل‪:‬‬

‫أقــول مــا تســمعون وأســتغفر اهلل العظيــم لــي ولكــم ولجميــع المســلمين‬
‫والمســلمات مــن كل ذنــب فاســتغفروه إنــه هــو الغفــور الرحيــم‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪159‬‬ ‫فن اخلطابة‬


‫اخلطبة الثانية‬

‫الحمــد هلل رب العالميــن وال عــدوان إال علــى الظالميــن‪ ،‬وأشــهد أن ال‬
‫إلــه إال اهلل إلــه األوليــن واآلخريــن وأشــهد أن محمــدً ا عبــده ورســوله‪.‬‬

‫عباد اهلل‪:‬‬

‫أيضا ارتكاب المعاصي‪:‬‬


‫ومن موانع السعادة ً‬

‫فــإن مــا أصــاب النــاس مــن ضــر وضيــق مالــي أو أمنــي فــردي أو‬
‫جماعــي فإنــه بســبب معاصيهــم وإهمالهــم ألوامــر اهلل ونســياهنم لشــريعة‬
‫اهلل‪ ،‬يقــول ‪ ‬ﮋ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ‬
‫ﰆ ﮊ [الشــورى‪ ،]30 :‬وقــال ‪ :‬ﮋ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ‬
‫ﰐ ﰑﰒﮊ [النســاء‪ ،]79 :‬فكلمــا أحــدث العبــد ذن ًبــا أحــدث اهلل لــه عقوبــة‪،‬‬
‫والذنــوب جراحــات ورب جــرح وقــع يف مقتــل‪ ،‬فقلــة التوفيــق وفســاد الــرأي‬
‫وخفــاء الحــق وفســاد القلــوب وقســوة القلــب وضيقــه ومحــق بركــة الــرزق‬
‫والعمــر وطــول الهــم والغــم كل ذلــك ســببه المعاصــي فكيــف يبحــث عــن‬
‫الســعادة مــن كان عاص ًيــا هلل؟ كيــف يطيــب لــه العيــش وهــو يغضــب ربــه جـ ّـل‬
‫وعــا؟ كيــف يجــد الســعادة مــن يقــرب مــن الشــيطان ويبتعــد عــن الرحمــن؟‬
‫إن أصحــاب المعاصــي يعيشــون يف ذل أينمــا ذهبــوا‪ ،‬فــإن المعصيــة تذهــب‬
‫الحيــاء وتجلــب الشــر فهــي هــاك ودمــار‪ ،‬قــال ‪« :‬إياكــم‬
‫ومحقــرات الذنــوب فإهنــن يجتمعــن علــى الرجــل حتــى يهلكنــه» فالمعاصــي‬
‫توهــن القلــب والبــدن‪ ،‬وإين ألعجــب مــن حــال البعــض حيــث يبحــث عــن‬
‫الســعادة والراحــة النفســية يف أوســاط المعاصــي وهــذا حالــه كحــال الــذي‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫فن اخلطابة‬ ‫‪160‬‬

‫يبحــث عــن الجوهــرة داخــل المزابــل‪ ،‬أرأيتــم ذلــك الرجــل الــذي يرتكــب‬
‫المعاصــي هــل هــو ســعيد؟ ال واهلل إنــه ال يشــعر بالســعادة بــل يعيــش الضيــق‬
‫والنكــد‪ ،‬إن الطائــع وصاحــب الطاعــة هــو الــذي يشــعر بالراحــة والســعادة‬
‫خيــرا وأبدلــه ســعادة‪ ،‬إن‬
‫ً‬ ‫ألنــه تــرك المعاصــي مــن أجــل اهلل فعوضــه اهلل‬
‫الــذي يشــرب الخمــر ويتعاطــى المخــدرات والمســكرات إنمــا يتعاطاهــا مــن‬
‫أجــل الهــروب مــن واقعــه المأســاوي ويشــعر بضيــق وبمــا يســمى [بالطفــش]‬
‫فيســتخدم هــذه المخــدرات ليهــرب مــن الجحيــم فيشــعر بلحظــات غريبــة يف‬
‫نفســه ثــم يعــود إلــى األســوأ فهــو كالــذي يتوضــأ ويغتســل بالنجاســات‪ .‬إن‬
‫أصحــاب المعاصــي يســافرون إلــى الخــارج لينزعــوا لبــاس الحيــاء والخــوف‬
‫مــن اهلل مــن أجــل ســعادهتم فيقطعــون األميــال ويضيعــون األمــوال مــن أجــل‬
‫مــاذا؟ مــن أجــل البحــث عــن الســعادة ولكــن هيهــات هيهــات مــا يزيدهــم‬
‫ذلــك إال ســو ًءا وضي ًقــا ثــم مــاذا بعــد ذلــك ؟ إهنــا الفضيحــة يف الدنيــا واآلخــرة‬
‫والــذل والصغــار واحتقــار النــاس لــه‪ ،‬الكبــار والصغــار وكل هــذا مــن أجــل‬
‫شــهوة ولــذة تــزول ســري ًعا وال يــزول أثرهــا وعارهــا‪ .‬إن الســعادة ال تجتمــع‬
‫مــع المعصيــة حتــى يجتمــع الضــب مــع الحــوت‪.‬‬

‫ٍ‬
‫مشــرق ومغــرب‬ ‫شــتَّان بيــن‬ ‫جــاءت مشــرقة وجئــت مغر ًبــا‬

‫كثيــر مــن العصــاة يبحثــون عــن الراحــة يبحثــون عــن الســعادة جربــوا‬
‫شــتى الطــرق فلــم يجدوهــا‪ ،‬مــرة مــع األفــام الرخيصــة‪ ،‬ومــرة مــع األغــاين‬
‫الهابطــة‪ ،‬ومــرة مــع اســتعراض ورقــص‪ ،‬لمــاذا كل هــذا؟ إنــه يبحــث عــن‬
‫الراحــة يبحــث عــن الســعادة فمــاذا وجــد ؟‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪161‬‬ ‫فن اخلطابة‬

‫قــال الرســول ‪« :‬تبيــت طائفــة مــن أمتــي علــى أكل وشــرب‬


‫ولهــو ولعــب ثــم يصبحــون قــردة وخنازيــر فيبعــث علــى أحيــاء مــن أحيائهــم‬
‫ريــح فتنســفهم كمــا نســفت مــن كان قبلهــم باســتحاللهم الخمــور وضرهبــم‬
‫بالدفــوف» فأيــن الســعادة التــي تزعموهنــا أيهــا العاصــون‪ ،‬إن الســعادة يف‬
‫كتــاب اهلل يف قراءتــه وتدبــره والعمــل بــه‪.‬‬

‫ومن موانع السعادة ً‬


‫أيضا احلسد‪:‬‬

‫وهــي تمنــي زوال النعمــة عــن الغيــر‪ ،‬وأكثــر النــاس شــقا ًء وتعاســة هــم‬
‫دائمــا يف عنــاء يحســد النــاس ويراقبهــم ويهتــم بأمورهــم‬
‫الح َّســاد‪ ،‬فالحســود ً‬
‫ُ‬
‫ويشــقي نفســه قــال ‪ :‬ﮋ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ‬
‫ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﮊ‬
‫[الفلــق‪ ،]5 ،1 :‬صفــة مــن صفــات اليهــود‪ ،‬وصفــة شــيطانية قبيحــة‪ ،‬فلمــاذا‬
‫تتعــب نفســك أيهــا الحاســد؟ ولمــاذا تشــقي نفســك؟ إن اهلل قســم األرزاق‬
‫علــى النــاس وقســم بينهــم معيشــتهم فحســدك لــن ينقــص مــن رزقهــم ولــن‬
‫ينقــص مــن أجرهــم‪ .‬بــل كل التعاســة لــك فــدع الخلــق لخالقهــم وارض بمــا‬
‫«دب إليكــم داء األمــم‬
‫قســم اهلل لــك تكــن أغنــى النــاس‪ ،‬قــال ‪ّ :‬‬
‫قبلكــم الحســد والبغضــاء» ومــن يتدبــر كتــاب اهلل يجــد فيــه مصيــر أهــل‬
‫الحســد كمــا يف قصــة قابيــل وهابيــل‪ ،‬وقصــة يوســف مــع إخوتــه‪ ،‬وليــس شــيء‬
‫مــن الشــر أضــر مــن الحســد ألنــه يصــل إلــى الحاســد خمــس عقوبــات قبــل أن‬
‫يصــل إلــى المحســود مكــروه‪:‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫فن اخلطابة‬ ‫‪162‬‬

‫غم ال ينقطع‪.‬‬
‫أوهلا‪ّ :‬‬

‫ثانيها‪ :‬مصيبة ال يؤجر عليها ألنه يعيش مهمو ًما‪.‬‬

‫الثالث‪ :‬مذمة ال يحمد عليها‪.‬‬

‫الرابع‪ :‬يسخط عليه الرب‪.‬‬

‫اخلامس‪ :‬تغلق عليه أبواب التوفيق‪.‬‬

‫فالحاســد ال يشــعر بســعادة وخاصــة حينمــا يــرى الحســود يف نعمــة ويف‬


‫وهــم وضيــق ألنــه‬
‫ّ‬ ‫رخــاء وســعادة‪ ،‬فــإن الحاســد يتقطــع قلبــه ويشــعر بغــم‬
‫وغيضــا فعــاد عليــه‬
‫ً‬ ‫تصــور يف صــورة شــيطان فامتــأ قلبــه حســدً ا وحقــدً ا‬
‫بالويــات والنكبــات‪ .‬فمــن أراد الســعادة فليلتــزم بكتــاب اهلل وســنة رســوله‬
‫‪ ‬وليحــذر تلــك الموانــع فإهنــا ســد منيــع أمــام الســعادة‪.‬‬

‫عباد اهلل‪:‬‬

‫صلــوا وســلموا علــى مــن أمركــم اهلل بالصــاة والســام عليــه فقــال‪:‬‬
‫ﮋ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮊ‬
‫[األحــزاب‪ ،]56 :‬اللهــم صــل وســلم وبــارك علــى ســيدنا محمــد وعلــى آلــه‬
‫وصحبــه وســلم‪.‬‬

‫اللهــم أعــز اإلســام والمســلمين وأذل الشــرك والمشــركين‪ ،‬اللهــم‬


‫طهــر قلوبنــا مــن النفــاق وأعمالنــا مــن الريــاء ‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪163‬‬ ‫فن اخلطابة‬


‫عباد اهلل‪:‬‬

‫إن اهلل يأمــر بالعــدل واإلحســان وإيتــاء ذي القربــى وينهــى عــن الفحشــاء‬
‫والمنكــر والبغــي يعظكــم لعلكــم تذكــرون‪ ،‬فاذكــروا اهلل العظيــم يذكركــم‬
‫واشــكروه علــى نعمــه يزدكــم ولذكــر ‪ ‬واهلل يعلــم مــا تصنعــون‪.‬‬

‫قلوب الطير‬

‫الحمــد هلل الــذي رفــع الســماء فســواها‪ ،‬وجعلهــا علــى غيــر عمــد تراهــا‪،‬‬
‫وعلــم خطــرات النفــس ونجواهــا‪ ،‬أحمــده ســبحانه علــى عــدد كل ذرة خلقهــا‬
‫فلــم ينســاها‪.‬‬

‫وأشــهد أن ال إلــه إال اهلل وحــده ال شــريك لــه أوجــد المخلوقــات مــن‬
‫عــدم وأنشــاها‪ ،‬وأشــهد أن ســيدنا محمــدً ا عبــده ورســوله قــرر قواعــد الملــة‬
‫وش ـ َّيد بناهــا‪.‬‬

‫قــد فــاز مــن صلــى عليــه ورددا‪.‬‬ ‫صلــوا علــى طــه النبــي المقتــدى‬

‫اللهم صل وسلم عليه وعلى آله وأصحابه خير األمة وأتقاها‪.‬‬

‫أما بعد‪:‬‬

‫فاتقــوا اهلل ‪ ‬وأطيعــوه‪ ،‬واذكــروا نعمتــه عليكــم واشــكروه‪ :‬ﮋ‬


‫ﭰ ﭱ ﭲﭳﮊ [إبراهيــم‪.]7 :‬‬

‫عنوان هذه الخطبة ( قلوب الطير)‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫فن اخلطابة‬ ‫‪164‬‬

‫أيهــا الموحــدون‪ :‬كل مــا ترونــه حولكــم وتســمعون بــه يف زمانكــم مــن‬
‫بــذل وعطــاء‬

‫واجتهــاد ‪ ،‬وعمــل مســتمر حتــى الرقــاد إنمــا ذلــك مــن أجــل الســعادة‬
‫والراحــة‪.‬‬

‫فالــكل ‪-‬يــا عبــاد اهلل‪ -‬يبحــث عــن الســعادة والراحــة‪ ،‬ولكــن اهلل ‪-‬جــل‬
‫يف عــاه وتقــدس يف ســماه‪ -‬كتــب كتابــا‪ :‬أنــه ال ســعادة وال راحــة إال يف طاعته‪،‬‬
‫وال ســعادة للعبــد حتــى يدخــل الجنــة قــال ســبحانه يف هــذه الحيــاة الدنيــا‪ :‬ﮋ‬
‫ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮊ [البلــد‪.]4 :‬‬

‫ولمــا ســئل اإلمــام أحمــد‪« :‬متــى يرتــاح المؤمــن؟ ســؤال عظيــم ســؤال‬
‫يحتاجــه كل واحــد منــا‬

‫متى يرتاح المؤمن؟ فقال ‪« :‬إذا وضع أول قدم له يف الجنة»‪.‬‬

‫فهنــا يرتــاح العبــد ويســعد ويطمئــن‪ ،‬فالجنــة ‪-‬يــا عبــاد اهلل‪ -‬هــي أول‬
‫بدايــة الراحــة‪.‬‬

‫فنســأل أنفســنا هــذا الســؤال‪ :‬هــل نحــن مــن أهلهــا؟ هــل كتــب اهلل‬
‫‪ ‬أســماءنا يف أصحــاب الجنــة؟ جنــة عرضهــا الســماوات واألرض‬
‫هــذا هــو العــرض فكيــف بطــول الجنــة؟‬

‫فيهــا مــا تشــتهي األنفــس‪ ،‬وتلــذ األعيــن‪ ،‬دار ســام تجتمــع فيهــا بالنبييــن‬
‫والصديقيــن والشــهداء والصالحيــن ﮋ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪165‬‬ ‫فن اخلطابة‬


‫ﮒ ﮓ ﮔﮊ [الواقعــة‪.]31 – 28 :‬‬

‫زوجــة واحــدة مــن الحــور العيــن لــو خرجــت فقــط بخمارهــا ألضــاءت‬
‫مــا بيــن المشــرق والمغــرب‪ ،‬فكيــف بالبــس هــذا الخمــار؟ بــل كيــف بوجــه‬
‫مــن خلــق هــذا الكــون كلــه؟ بــل كيــف بوجــه الكريــم الــذي صنــع الجنــة بيــده‬
‫لعبــاده المؤمنيــن؟‬

‫هــذه الجنــة ‪-‬يــا عبــاد اهلل‪ -‬لــن أتحــدث عنهــا وال عــن جمالهــا وال عــن‬
‫وصفهــا‪ ،‬بــل ســأتحدث عــن قــوم هــم مــن ســكاهنا‪ ،‬قــوم هــم موجــودون معنــا‪،‬‬
‫هــم بيــن أظهرنــا‪ ،‬يشــعرون بمــا يشــعر بــه أهــل الجنــة‪ ،‬قــوم وصفهــم النبــي‬
‫‪-‬صلــى اهلل عليــه وســلم‪ -‬بقلــوب الطيــر‪ ،‬لهــم أفئــدة كأفئــدة الطيــر‬
‫َ‬

‫فنسأل اهلل يف هذه الساعة أن يجعلني وإياكم منهم ‪.‬‬

‫يقــول فيهــم ‪« :‬يدخــل الجنــة أقوامــا أفئدتهــم مثــل أفئــدة‬


‫الطيــر» أخرجــه مســلم‪.‬‬

‫أجســاد مليئــة بالشــحم واللحــم‪ ،‬وبالدمــاء يف العــروق‪ ،‬لكــن داخــل هــذا‬


‫الجســد قلــب هــذا القلــب رقيــق رحيــم‪ ،‬طيــب نقــي‪ ،‬ال يعــرف خب ًثــا وال حســدً ا‬
‫وال حقــدً ا وال انتقا ًمــا وال إجرا ًمــا‪ ،‬إن أخطــأ عليــه مســلم قــال‪ :‬ســامحك اهلل‬
‫وإن آذاه مســلم قــال‪ :‬عفــا اهلل عنــك‪.‬‬

‫الجلي ــس يأمن ــه يتعام ــل م ــع الن ــاس بم ــا يف قلب ــه م ــن أخ ــاق‪ ،‬وبم ــا‬
‫يف قلبـــه مـــن رحمـــة وطيـــب وصفـــاء‪ ،‬بعكـــس مـــا يتعامـــل معـــه اآلخـــرون‬
‫بخب ــث وتصي ــد عث ــرات‪ ،‬بحث ــا ع ــن مصال ــح‪ ،‬يته ــم يف المجتم ــع بالس ــذاجة‪،‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫فن اخلطابة‬ ‫‪166‬‬

‫وبالطيبــة الزائــدة يــأيت إليــه النــاس فيقــول‪ :‬هــذا طيــب ‪ ،‬طيــب فهــو ال يــؤذي‬
‫أح ــدا‪ ،‬تأخ ــذ م ــا يف جيب ــه ال يق ــول كلم ــة‪ ،‬ه ــذا م ــن س ــكان الجن ــة ضم ــن ل ــه‬
‫النب ــي ‪ ‬أن يك ــون م ــن أه ــل الجن ــة‪ .‬ف ــإذا رأى مظلوم ــا تأث ــر‬
‫وإذا س ــمع بقص ــة فقي ــر ب ــذل الجه ــد وأعط ــاه‪ ،‬إذا عل ــم ع ــن محت ــاج دمع ــت‬
‫عين ــاه يس ــمع بمآس ــي المس ــلمين‪ ،‬فيبك ــي ويتأث ــر‪ ،‬ي ــرى أح ــوال المس ــلمين‬
‫فيبك ــي متأث ــرا ال يمك ــن أن يظل ــم أح ــدا م ــن الن ــاس‪ ،‬أو يأخ ــذ ح ــق أح ــد‪،‬‬
‫قلب ــه رحي ــم‪ ،‬قلب ــه ح ــي‪ ،‬واس ــمعوا م ــاذا وص ــف اهلل رس ــوله ‪-‬صل ــى اهلل علي ــه‬
‫وآلــه وســلم‪ -‬وتأملــوا يف هــذه اآليــة‪ :‬ﮋ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟﮊ [آل عمــران‪:‬‬
‫‪ ،]159‬ليــن ســهل يف متنــاول الجميــع‪ ،‬تأخــذ الجاريــة بيــده ‪،‬‬
‫ث ــم تط ــوف ب ــه يف ش ــوارع المدين ــة‪ ،‬م ــا أن ــف منه ــا‪ ،‬وم ــا تك ــر عليه ــا‪ :‬ﮋ ﭙ‬
‫ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﮊ [آل عمـــران‪]159 :‬‬
‫م ــا أروع ه ــذه اآلي ــة‪ ،‬وم ــا أش ــد حاج ــة الدع ــاة والخطب ــاء إل ــى الغ ــوص يف‬
‫أعم ــاق ه ــذه اآلي ــة ؟ كلم ــة طيب ــة‪ ،‬لي ــن م ــع الن ــاس‪ ،‬ال تفس ــيق‪ ،‬ال تجري ــح‪،‬‬
‫ال اســـتهانة بالنـــاس‪ ،‬ال احتقـــار لهـــم‪ ،‬يـــأيت ‪ ‬وهـــو الشـــريف‬
‫العظيـــم فيريـــد أن يطيـــل يف الصـــاة‪ ،‬يدخـــل الصـــاة‪ »« :‬يعـــرف‬
‫معن ــى‪ ، :‬فيق ــف بي ــن ي ــدي الجب ــار ‪-‬س ــبحانه‪ -‬يري ــد إطال ــة الص ــاة‬
‫فيســمع بــكاء الصبــي ‪ ،‬فيتجــوز يف صالتــه يختصــر مــن الصــاة يقــول كراهــة‬
‫أن أش ــق عل ــى أم ــه‪.‬‬

‫يجلــس مــع الضعفــاء‪ ،‬مــع المســاكين‪ ،‬مــع الفقــراء‪ ،‬يقــول‪« :‬أبغــوين‬


‫الضعفــاء‪ ،‬فإنمــا تنصــرون وترزقــون بضعفائكــم»‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪167‬‬ ‫فن اخلطابة‬

‫ثــم يختصــر اهلل األمــر كلــه يف شــأن هــذا النبــي ‪ ‬ليتعلــم‬


‫النــاس أهميــة الرحمــة والرقــة والليــن يف هــذا القلــب فيقــول اهلل لــه‪ :‬ﮋ ﮐ‬
‫ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮊ [األنبيــاء‪ ]107 :‬ﮋ ﮔ ﮊ للكافــر والمســلم‪،‬‬
‫للشــقي والتقــي‪ ،‬للســعيد وغيــر الســعيد‪ ،‬رســالته هدفهــا أن ينقــذ هــؤالء البشــر‬
‫ليعبــدوا رب البشــر‪ ،‬ولتنظــف هــذه القلــوب‪ ،‬وتتجــه إلــى عــام الغيــوب‪.‬‬

‫أيهــا الموحــدون‪ :‬لقــد فهــم كثيــر مــن النــاس أن الديــن يف مظاهــر‬


‫وشــكليات وهــذا مفهــوم مغلــوط فــإن هــذا الديــن العظيــم ليــس بالجنســيات‬
‫وال بالقبائــل‪ ،‬وال بجــواز الســفر‪ ،‬وال باأللــوان وال باألمــوال وال بالمناصــب‬
‫يقــول ‪« :‬ال ينظــر اهلل إلــى ألوانكــم وال إلــى صوركــم‪ ،‬ولكــن‬
‫ينظــر إلــى قلوبكــم»‪.‬‬

‫هذا القلب ‪-‬يا عباد اهلل‪ -‬هو أعظم ما تملكه ‪-‬يا عبد اهلل‪ -‬واهلل ليس‬
‫بالمناصب وال بالمليارات وال بالمخططات إنما هذا القلب هو موضع نظر اهلل‪.‬‬

‫اســأل نفســك اآلن مــاذا ينظــر اهلل يف هــذه المضغــة؟ مــا يجــد اهلل يف هــذه‬
‫المضغــة؟ فتــش فيهــا لحظــة واحــدة ســريعة تراجــع فيهــا نفســك‪.‬‬

‫اهلل مطلــع علــى هــذا القلــب كــم مــن نيــة لــك أن تــؤذي شــخصا؟ كــم يف‬
‫هــذا القلــب مــن أعمــال ومــن خفايــا ؟ اهلل مطلــع عليــك يف هــذه اللحظــة؟ كــم‬
‫مــن إنســان قاطعتــه؟ كــم مــن إنســان أخــذت حقــه؟ كــم مــن إنســان افرتيــت‬
‫عليــه؟اهلل ينظــر إليــك وإلــى هــذا القلــب فهــل هــي قلــوب طيــر أم قلــوب ســباع‬
‫وشــياطين؟‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫فن اخلطابة‬ ‫‪168‬‬

‫صاحــب القلــب الرقيــق ‪-‬يــا عبــاد اهلل‪ -‬مبشــر بالجنــة اســمعوا مــاذا يقول‬
‫‪ ‬يف شــأن صاحــب القلــب الرقيــق الليــن الــذي ال يعــرف الغــش‬
‫وال الظلــم‪ ،‬يقــول ‪« :‬أهــل الجنــة ثالثــة‪ :‬ذو ســلطان مقســط»‬
‫يعنــي عــادل «ورجــل رحيــم رقيــق القلــب لــكل ذي قربــى ومســلم‪ ،‬وعفيــف‬
‫متعفــف ذو عيــال» أخرجــه مســلم‬

‫رجــل رحيــم رقيــق القلــب لــكل ذي قربــى ومســلم أي مســلم علــى وجــه‬
‫األرض تكــون بــه رحيمــا ولــذي القربــى والديــك‪ ،‬أمــك وأبيــك‪ ،‬كيــف قلبــك‬
‫مــع والديــك؟‬

‫يقــول النــووي ‪« :‬مــن لــم يــدع لوالديــه مــن خمــس صلــوات‬


‫ثــاث مــرات فهــو عــاق لهمــا» صــاة الفجــر الظهــر العصــر المغــرب العشــاء‪،‬‬
‫البــد أن تدعــو اهلل لوالديــك يف ثــاث صلــوات مــن هــذه الصلــوات الخمــس‪،‬‬
‫فــإن لــم يــدع اإلنســان لوالديــه فهــو عــاق لهمــا‪.‬‬

‫أمــك إذا نادتــك مــاذا تقــول؟ أبــوك إذا نــاداك مــاذا تقــول؟ ثــم بعــد‬
‫ذلــك زوجتــك وأهــل بيتــك مــن العيــب ‪-‬أيهــا النــاس‪ -‬والخطــأ أن يكــون‬
‫اإلنســان صاحــب أخــاق عاليــة‪ ،‬ورقــة وليــن مــع زمالئــه يف العمــل‪ ،‬ومــع‬
‫جماعتــه وأقربائــه وجيرانــه‪ ،‬فــإذا دخــل البيــت كان ســبعا يضــرب‪ ،‬يشــتم‪،‬‬
‫يلعــن‪ ،‬يعيــب‪ ،‬يحتقــر‪ ،‬يســتهزئ‪ ،‬أشــد النــاس حاجــة لرحمتــك ورقــة قلبــك‬
‫والــداك ثــم أهــل بيتــك‪« :‬خيركــم خيركــم ألهلــه‪ ،‬وأنــا خيركــم ألهلــي» كمــا‬
‫قــال ‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪169‬‬ ‫فن اخلطابة‬


‫أيضــا القلــب الليــن الرحيــم الرقيــق إذا ســمع كالم اهلل يخشــع‪ ،‬إذا وقــف‬
‫بيــن يــدي اهلل يخشــع‪ ،‬يكــره أعــداء اهلل‪ ،‬ويحــب أوليــاء اهلل تــذرف العينــان‬
‫دمعــا مــن خشــية اهلل‪ ،‬لــو وقفــت خاليــا مــا يــراك إال اهلل يف غرفتــك‪ ،‬نصبــت‬
‫ســجداتك‪ ،‬أغلقــت عليــك الغرفــة وقفــت بيــن يــدي اهلل‪ ،‬صليــت تذكــرت‬
‫ذنوبــك‪ ،‬تقصيــرك يف حــق اهلل‪ ،‬ســجدت بيــن يــدي اهلل‪ ،‬ذرفــت دمعــة واحــدة‬
‫هــذه الدمعــة مثــل جنــاح البعوضــة‪ ،‬اســمع مــاذا يقــول النبــي يف شــأهنا؟ يقــول‬
‫‪« :‬ال يلــج النــار رجــل بكــى مــن خشــية اهلل حتــى يعــود اللبــن يف‬
‫الضــرع» أخرجــه الرتمــذي‪.‬‬

‫دمعــة واحــدة مــن خشــية اهلل بقلــب صــادق منيــب يرحمــك اهلل هبــا فأقبــل‬
‫علــى اهلل‪ ،‬انطــرح بيــن يديــه ســتجد فتوحــات عظيمــة‪ ،‬ال يعلــم هبــا إال اهلل‪،‬‬
‫وربمــا يــوم القيامــة لــن تنفعــك موعظتــك أمــام الخلــق‪ ،‬ولــن ينفعــك بــكاؤك‬
‫أمــام النــاس‪ ،‬ولــن تنفعــك صدقتــك أمــام النــاس‪ ،‬ربمــا ال تنفعــك يف تلــك‬
‫الظلمــات إال دمعــة واحــدة دمعتهــا ال يــراك إال اهلل‪.‬‬

‫لألســف اليــوم نعــاين معانــاة شــديدة‪ ،‬وأقســم بــاهلل لــو حلفــت وأقســمت‬
‫لــن أكــون حان ًثــا‪ :‬أن أعظــم مصيبــة اليــوم لدينــا ليســت يف كثــرة األســعار‬
‫وارتفاعهــا‪ ،‬وليســت يف الميزانيــة وليســت يف انخفــاض الرواتــب وال يف‬
‫انعدامهــا عنــد البعــض‪ ،‬بــل إن أعظــم مصيبــة نصــاب هبــا هــي‪ :‬قســوة هــذا‬
‫القلــب‪ ،‬والبعــد عــن الــرب‪ ،‬واإلعــراض عــن اهلل ‪ ،‬يقــول اهلل‪ :‬ﮋ ﯳ‬
‫ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﮊ [طــه‪.]124 :‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫فن اخلطابة‬ ‫‪170‬‬

‫البعــض عندمــا يريــد أن يدخــل المســجد كأنــه يف قفــص الطيــر وليــس‬


‫بقلــب الطيــر‪ ،‬يقــول ابــن عمــر يف أثــر‪« :‬يــأيت علــى النــاس زمانًــا يجتمعــون‬
‫ويصلــون يف المســاجد وليــس فيهــم مؤمــن» يدخــل المســجد يتمنــى أن يســلم‬
‫اإلمــام بــل ربمــا إذا أخطــأ اإلمــام وابتــدع يف ديــن اهلل ال يتأثــر‪ ،‬لكــن لــو أطــال‬
‫يف الســجود أربــع تســبيحات أو خمــس تســبيحات‪ ،‬جــاء إليــه‪ ،‬وأنكــر عليــه‪،‬‬
‫وقــال‪ :‬مــا كان يفعــل النبــي هكــذا‪ ،‬وربمــا كرهــه وكــره صالتــه‪ ،‬وانتقــل إلــى‬
‫مســجد آخــر ألن هــذا اإلمــام يطيــل يف الســجود‪.‬‬

‫مــا إن يســلم اإلمــام مباشــرة إال ويدخــل البعــض يــده يف جيبــه‪ ،‬ويخــرج‬
‫الجــوال يتأمــل ويتصفــح‪ ،‬نــرى الجنائــز بــأم أعيننــا‪ ،‬ندفــن الموتــى بأيدينــا‪،‬‬
‫فــا نتأثــر‪ ،‬نســمع‪ :‬مــات فــان‪ ،‬ماتــت فالنــة النبــي ‪ ‬إذا رأى‬
‫القــر بكــى بــكاء الثكالــى‪ ،‬ثــم يقــول‪« :‬يــا إخــواين لمثــل هــذا فأعــدوا»‪ ،‬اليــوم‬
‫نجلــس علــى شــفير القــر نضحــك‪ ،‬وربمــا البعــض يســتهزأ بمــن كان يف داخــل‬
‫القــر وعنــد اللحــد‪.‬‬

‫نــرى الكــوارث والمصائــب والحــروب حولنــا‪ ،‬والفقــر والجــوع‬


‫والتمــزق‪ ،‬ونحــن يف نعيــم ال مثيــل لــه علــى وجــه األرض‪ ،‬فــا نعتــر وال‬
‫نحافــظ عليــه‪ ،‬وال نتعــظ بمــا حولنــا‪ ،‬رســولنا ‪ ‬يــأكل ال تر ًفــا‬
‫وإنمــا جو ًعــا‪ ،‬يخــرج يف الظهيــرة‪ ،‬ربــط علــى بطنــه الحجــر ‪-‬صلــى اهلل عليــه‬
‫وآلــه وســلم‪ ،-‬ثــم يجــد مــا نجــده كل يــوم‪ ،‬بــل كل وجبــة ثــم يقــول‪ :‬ﮋ ﮩ‬
‫ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮊ [التكاثــر‪.]8 :‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪171‬‬ ‫فن اخلطابة‬


‫ثــم يخــرج حزينــا منكســرا علــى هــذه النعمــة التــي لــم يســتطع أن يشــكر‬
‫اهلل عليهــا‪.‬‬

‫ســائل نفســك ‪-‬يــا عبــد اهلل‪ :-‬كيــف أحوالــك مــع اهلل؟ كيــف عالقتــك‬
‫بــاهلل؟‬

‫بعــض المقابــر أغلقــت لــم يعــد فيهــا مجــاال لدفــن الموتــى‪ ،‬مقابــر‬
‫باألمــس كانــت فســيحة واليــوم أصبحــت ممتلئــة كــم فقــدت مــن أســرتك؟‬
‫كــم فقــدت مــن أقربائــك مــن جيرانــك مــن جماعتــك مــن أصحابــك؟ كــم‬
‫تــرى؟ كــم نســمع؟ كــم ندفــن؟ كــم نصلــي؟ ومــع ذلــك القلــوب مــا زالــت‬
‫قاســية كــم زرت المستشــفى لتزيــل هــذا الكــر والغطرســة‪ :‬وأنــا فــان‪ ،‬وأنــا‬
‫ابــن فــان؟‬

‫هــل زرت المستشــفى لتســمع صرخــات اآلنِّيــن والمرضــى والمطعــون‬


‫والمصــاب بحــادث والــذي يغســل كليتيــه يأتيــه يف األســبوع ثــاث أو أربــع‬
‫مــرات‪ ،‬وأنــت تســبح اآلن يف نعيــم مــا يعلــم بــه إال اهلل تغســل كليتــك مــن اهلل‬
‫ـال واحــدً ا‪ ،‬أو تبــذل جهــدً ا‪ ،‬مــن الــذي أعطــاك؟ اهلل‪ ،‬ومــن‬ ‫دون أن تدفــع ريـ ً‬
‫الــذي حــرم ذاك؟ هــو اهلل‪.‬‬

‫لنعــد إلــى اهلل‪ ،‬لنرجــع إلــى اهلل‪ ،‬لنزيــل قســوة هــذه القلــوب‪ ،‬يقــول اهلل‬
‫‪ :‬ﮋ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢﮊ [الزمــر‪ ]22 :‬فيــا لــه مــن وعيــد عظيــم!‬

‫فنســأل اهلل ‪ ‬أن يليــن قلوبنــا‪ ،‬ونســأل اهلل أن يطهــر قلوبنــا مــن‬
‫النفــاق‪ ،‬وأعمالنــا مــن الريــاء‪ ،‬وألســنتنا مــن الكــذب‪ ،‬وأعيننــا مــن الخيانــة‪،‬‬
‫وال حــول وال قــوة إال بــاهلل‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫فن اخلطابة‬ ‫‪172‬‬

‫الخطبة الثانية‪:‬‬
‫الحمد هلل وحده‪ ،‬والصالة والسالم على من ال نبي بعده‪.‬‬

‫وبعد‪:‬‬

‫فيــا أيهــا الموحــدون‪ :‬أعظــم عطيــة ومنحــة يمنحهــا ويعطيهــا اهلل‬


‫‪-‬ســبحانه‪ -‬للعبــد هــي‪ :‬رقــة القلــب وســماحته ولينــه‪ ،‬فتشــهد ألســنة النــاس‪:‬‬
‫مــا أطيــب فــان!‬

‫مــا أعظــم هــذه الكلمــة لــو عقلناهــا ‪-‬يــا عبــاد اهلل‪ :-‬مــا أطيــب فــان! فإذا‬
‫مــات تســمع شــهود اهلل يف أرضــه‪ :‬مــا آذى أحــدً ا‪ ،‬ومــا ظلــم أحــدً ا‪ ،‬ومــا أخــذ‬
‫حــق أحــد‪ ،‬مــا أطيبــه! مــا ســمعنا أحــدً ا اشــتكى منــه!‬

‫جلســت يومــا مــن األيــام يف عــزاء وإذ هبــم يقولــون يف هــذا الميــت‬
‫بشــخص يقــول‪ :‬واهلل يــا جماعــة أعرفــه منــذ ثمانيــة عشــر عامــا‪ ،‬واهلل مــا‬
‫ســمعته اغتــاب أحــدً ا أو اشــتكى منــه أحــد يقــول‪ :‬هــذا حالــه‪ ،‬مــا آذى أحــدً ا‬
‫مــن حالــه يف بالــه‪ ،‬مــا أعظــم هــذه الكلمــات‪ ،‬ومــا أعظــم هــذه الشــهادة‪ ،‬هــذا‬
‫هــو حــال صاحــب الجنــة‪.‬‬

‫ومــن أراد ‪-‬يــا عبــاد اهلل‪ -‬أن يكــون قلبــه رقي ًقــا لينًــا‪ ،‬يشــعر بنعيــم الجنــة‬
‫قبــل أن يدخلهــا فعليــه بأربعــة أمــور مختصــرة‪:‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪173‬‬ ‫فن اخلطابة‬

‫األول‪ :‬أن يقــرأ كالم اهلل بحضــور القلــب بتدبــر‪ ،‬وتلــك وصيــة قبــل أن‬
‫تنــام أغلــق عليــك غرفتــك‪ ،‬ثــم افتــح كتــاب ربــك‪ ،‬واقــرأ عشــر دقائــق أو ربــع‬
‫ســاعة‪ ،‬تأمــل ولــو آيــة أو ثــاث آيــات كررهــا تدبرهــا تأملهــا‪ ،‬ثــم بعــد ذلــك‬
‫انظــر إلــى قلبــك بعــد هــذه العشــر دقائــق أو ربــع ســاعة‪ ،‬ثــم إذا نمــت قــل‪:‬‬
‫اللهــم مــن ظلمنــي أو أخطــأ يف حقــي‪ ،‬اللهــم إنــك أمرتنــا بالعفــو فاللهــم اعــف‬
‫عنــه‪ ،‬اللهــم اعــف عنــه‪ ،‬ثــم نــم وأنــت ســليم القلــب‪.‬‬

‫إن مــت مــن ليلتــك وقبــض اهلل روحــك‪ ،‬فيــا لــك مــن فائــز عنــد اهلل‬
‫‪ ‬واحــذر أن تنــام علــى معصيــة‪.‬‬

‫ثاني��ا‪ :‬أن تكثــر مــن ذكــر اهلل‪ ،‬أذب قلبــك بذكــر اهلل‪ ،‬يف ســيارتك يف‬
‫منزلــك‪ ،‬اذكــر اهلل دائمــا وأبــدً ا «ال يــزال لســانك رطبــا مــن ذكــر اهلل»‪ ،‬ســتجد‬
‫أن حياتــك ســتتغير‪ ،‬إن تكلــم النــاس دعهــم واذكــر ربــك‪ ،‬يقــول اهلل ‪‬‬
‫يف الحديــث القدســي‪« :‬أنــا مــع عبــدي مــا ذكــرين وتحركــت بــي شــفتاه» إذا‬
‫قلــت‪ :‬ســبحان اهلل‪ ،‬قــال اهلل‪ :‬فــان بــن فــان حتــى تعرفــك مالئكــة الســماء‪.‬‬

‫ثالث��ا‪ :‬ال تنــس المــوت‪ ،‬ال يشــغلك أي شــيء يف الدنيــا عــن المــوت‪،‬‬
‫ليكــن هــذا المــوت يف جميــع جوارحــك‪ ،‬ويف جميــع أحاسيســك‪ ،‬كــم صلينــا‬
‫علــى جنائــز ســبعين ســنة وخمســين ســنة وصلينــا علــى صاحــب ثمــاين‬
‫ســنوات‪ ،‬وصلينــا علــى صاحــب أربعــة أو خمســة أيــام المــوت ال يعــرف‬
‫صحيحــا‬
‫ً‬ ‫كبيـ ًـرا وال صغيـ ًـرا وال مل ـ ًكا وال مملــوكًا وال قو ًيــا وال ضعي ًفــا‪ ،‬وال‬
‫مريضــا‪.‬‬
‫ً‬ ‫وال‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫فن اخلطابة‬ ‫‪174‬‬

‫يقســم لــي شــخص أهنــم حفــروا قــر رجــل مــن جماعتهــم مائــة يف المائــة‬
‫أنــه ميــت وقــد جهــزوا قــره يقــول ‪ :‬و واهلل أن أحــد أوالده أقــوى ممــا تتصــور‪،‬‬
‫هــو الــذي دفــن يف هــذا القــر وبقــي هــذا الشــايب الكبيــر يف الســن بعــده خمــس‬
‫سنوات‪.‬‬

‫الموت ال يعرف قو ًيا وال ضعي ًفا فال تنس الموت‪.‬‬

‫رابع��ا‪ :‬اإلحســان إلــى الفقــراء‪ ،‬المســاكين الضعفــاء‪ ،‬يقــول‬


‫‪« :‬إن أحببــت أن يليــن قلبــك‪ ،‬فامســح رأس اليتيــم‪ ،‬وأطعــم‬
‫المســكين»‪.‬‬

‫هــذه أعظــم األســباب لتكــون مــن أصحــاب القلــوب اللينــة‪ ،‬أصحــاب‬


‫قلــوب الطيــر الذيــن هــم أصحــاب الجنــة‪.‬‬

‫فاللهم يا حي يا قيوم يا ذا الجالل واإلكرام‪.‬‬

‫اللهــم إنــا نســألك أن ترزقنــا قلوبــا طاهــرة‪ ،‬وقلوبــا لينــة‪ ،‬وقلوبــا رحيمــة‬
‫نقيــة تقيــة‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪175‬‬ ‫فن اخلطابة‬

‫رسالة إلـى مكروب‬


‫الخطبة الثالثة‬
‫الحمــد هلل الــذي جعــل إلــى رحمتــه سـ ً‬
‫ـبيل‪ ،‬وأوضــح لنــا طــرق الهدايــة‬
‫وجعــل عليهــا دليـ ًـا وأشــهد أن ال إلــه إال اهلل وحــده ال شــريك لــه لــم يتخــذ‬
‫صاحبــة ولــم يكــن لــه وكيـ ًـا‪ ،‬فهــو ربنــا وخالقنــا ولــن نتخــذ مــن دونــه بديـ ًـا‪،‬‬
‫وأشــهد أن محمــدً ا عبــده المصطفــى ونبيــه المرتضــى ورســوله الــذي ال‬
‫ينطــق عــن الهــوى إن هــو إال وحــي يوحــى صلــى اهلل عليــه وعلــى آلــه الطيبيــن‬
‫الطاهريــن صــاة دائمــة ال تــرد انتقــاال عنهــا وال تحويـ ًـا‪ .‬أمــــا بعــــد‪:‬‬

‫فأوصيكــم ونفســي بتقــوى فاطــر األرض والســماوات عالــم الســر‬


‫والخفيــات‪ ،‬وأوصيكــم باتبــاع ســنة خيــر الربيــات وااللتــزام هبــا يف شــؤون‬
‫الحيــاة فعــن طريقــه يســعد اإلنســان ويرتقــى أعلــى الدرجــات ﮋ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ‬
‫ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﮊ [آل عمــران‪.،]31 :‬‬

‫عنوان هذه الخطبة رسالة إلـى مكروب‬

‫أيهــا املسلمـون‪:‬‬

‫إن اإلنســان والشــك يف هــذه الحيــاة الدنيــا معــرض للخيــر والشــر‪،‬‬


‫معــرض للفتــن والمحــن وقــد اقتضــت ســنة اهلل أن يختــر عبــاده ببعــض‬
‫االبتــاءات ليعــرف الذيــن يصــرون والذيــن ال يصــرون ﮋ ﭠ ﭡ ﭢ‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫فن اخلطابة‬ ‫‪176‬‬

‫ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﮊ [محمــد‪ ،]31 :‬فقــد يكــون هــذا االبتــاء‬


‫لإلنســان يف نفســه أو يف أحــب مــا يملــك‪ ،‬وينبغــي علــى كل مســلم أن يعلــم‬
‫أن هــذه الدنيــا دار نكــد ومشــقة وأهنــا ال تصفــوا ألحــد يقــول ربنــا‪ :‬ﮋ ﮀ ﮁ‬
‫ﮂ ﮃ ﮄ ﮊ [البلــد‪ ،]4 :‬أي يف مشــقة وتعــب ونصــب فلــن يرتــاح أحــد مــن‬
‫البشــر حتــى يضــع أول قــدم لــه يف الجنــة‪ .‬ومصائــب الدنيا تختلف من شــخص‬
‫آلخــر وهمــوم النــاس تختلــف كذلــك وغمومهــم وكروهبــم‪ ،‬فســام علــى كل‬
‫مؤمــن مبتلــي مغمــوم‪ ،‬ســام علــى كل مؤمــن مبتلــى ضريــر‪ ،‬ســام علــى‬
‫كل مؤمــن مجــروح أو كســير‪ ،‬ســام علــى أولئــك الذيــن فجعــوا بأهاليهــم‪،‬‬
‫وســام علــى أولئــك الذيــن فجعــوا بأحبتهــم وذويهــم‪ ،‬ســام علــى كل مــن‬
‫فــارق اآلبــاء واألمهــات‪ ،‬ســام علــى كل مــن ودع الخــان واألصحــاب‬
‫واإلخــوان‪ ،‬ســام علــى كل مــن فجــع باألبنــاء والبنــات‪ ،‬ســام عليــك إذا‬
‫كريمــا طالمــا مــد يــد المعــروف إليــك إذا أودعتــه دار البــاء‬
‫ً‬ ‫ودعــت أ ًبــا‬
‫وأســلمته إلــى يــوم غــد فــكان آخــر عهــدك بــه إذ والك قفــاه منشـ ً‬
‫ـغل بمــا أقــدم‬
‫عليــه مــن اهلل ‪ ،‬ســام عليــك إذا رجعــت إلــى دارك ففقــدت صورتــه‬
‫وحنانــه تــراه يف كل زاويــة مــن البيــت وأركانــه‪ ،‬ســام عليــك إذا رجعــت إلــى‬
‫دارك فانقطــع صوتــه بينــك وبيــن أبنائــك لــم تعــد تــرى منــه ســوى ذكرياتــه‪،‬‬
‫وســام عليــك إذا ودعــت أ ًمــا حنو ًنــا طالمــا أســدت يــد المعــروف إليــك إذ‬
‫فجعــت هبــا وقــد كان ثديهــا لــك ســقاء وبطنهــا لــك وعــاء أســلمتها إلــى يــد‬
‫الــردى والبــاء ومــا وفيــت شــي ًئا مــن معروفهــا عليــك ومــا أديــت حقوقهــا مــن‬
‫الــر عليــك‪ ،‬ســام علــى مــن نــزل بــه البــاء فعظــم عليــه البــاء‪ ،‬وســام علــى‬
‫كل مــن بــات طريــح األســرة البيضــاء وعلــى كل مــن فجــع باألعضــاء‪ ،‬وســام‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪177‬‬ ‫فن اخلطابة‬


‫علــى كل مؤمــن ذي عيــن عميــت أو عــورت‪ ،‬وســام علــى كل مؤمــن ذي يــد‬
‫قطعــت أو شــلت‪ ،‬وســام علــى كل مؤمــن ذي قــدم بــرت أو كســرت‪ ،‬ســام‬
‫علــى كل مــن أحاطــت بــه الهمــوم والغمــوم وحاصرتــه المحــن والديــون‬
‫والزمتــه األمــراض والكــروب عظــم اهلل أجركــم وجــر اهلل كســركم وعوضكــم‬
‫خيــري الدنيــا واآلخــرة‪ .‬مــن لكــم غيــر اهلل يبــدد أشــجانكم ومــن لكــم غيــر‬
‫اهلل يزيــل أحزانكــم؟ ومــن لكــم غيــر اهلل يؤنســكم مــن الوحشــة ويعيــد إليكــم‬
‫مــا فقدتــم مــن النعمــة؟ ومــن لكــم غيــر اهلل إذا طردتــم مــن األبــواب إال بابــه؟‬
‫ومــن لكــم غيــر اهلل إذا ُحرمتــم وخــاب الرجــاء إال رجــاؤه؟ ومــن لكــم غيــر اهلل‬
‫أعــز مطلــوب وأشــرف مرغــوب؟ ومــن لكــم غيــر اهلل حيــن تســكب العــرات‬
‫وتلفــظ اآلهــات وتــزداد األنــات والصيحــات؟ إنــه اهلل العظيــم الكريــم أجــود‬
‫األجوديــن‪ ،‬وأكــرم األكرميــن يعطــي العبــاد قبــل أن يســألوه فــوق مــا يؤملــون‬
‫مــن الــذي ســأله فحرمــه ومــن الــذي لجــأ إليــه فطــرده؟ ومــن الــذي دعــاه فلــم‬
‫يعطــه؟ ومــن الــذي فـ ِّـر إليــه فصــده؟ مــن الــذي طــرق بابــه فأغلقــه عليــه؟ ومــن‬
‫الــذي تــاب واســتغفر فرفضــه يشــكر علــى القليــل مــن العمــل ويغفــر الكثيــر‬
‫مــن الزلــل خيــره إلينــا نــازل وشــرنا إليــه صاعــد‪ ،‬يتحبــب إلينــا بالنعــم ونتقــرب‬
‫إليــه بالمعاصــي يجيــب الدعــوات ويقيــل العثــرات‪ ،‬ويغفــر الســيئات‪ ،‬ويســر‬
‫العــورات ويكشــف الكربــات ويغيــث اللهفــات‪ ،‬أرحــم بنــا مــن أنفســنا وأرحم‬
‫علينــا وبنــا مــن اآلبــاء واألمهــات أحــق مــن ذكــر‪ ،‬وأحــق مــن شــكر‪ ،‬وأحــق‬
‫مــن عبــد‪ ،‬وأحــق مــن حمــد‪ ،‬وأنصــر مــن ابتغــي وأرأف مــن ملــك وأجــود مــن‬
‫ســئل‪ ،‬وأوســع مــن أعطــى‪ ،‬وأرحــم مــن اســرحم وأكــرم مــن قصــد وأعــز مــن‬
‫التجــئ إليــه‪ ،‬هــو الملــك ال شــريك لــه والفــرد ال نــد لــه‪ ،‬كتــب اآلثــار ونســخ‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫فن اخلطابة‬ ‫‪178‬‬

‫اآلجــال القلــوب لــه مفضيــة والســر عنــده عالنيــة‪ ،‬الغيــب لديــه مكشــوف وكل‬
‫أحــد إليــه ملهــوف وعنــت الوجــوه لنــور وجهــه وعجــزت العقــول عــن إدراك‬
‫كنهــه ســبحانه مــن عظيــم مــا أعظمــه‪ ،‬ســبحانه مــن كريــم مــا أكرمــه فعجبــا‬
‫لكثيــر مــن النــاس كيــف ينســون الرحيــم؟ عج ًبــا لكثيريــن كيــف يغفلــون عــن‬
‫الكريــم كيــف يتناســون العظيــم‪ .‬رحمتــه وســعت كل شــيء‪ ،‬رحمتــه ســبقت‬
‫غضبــه وعقابــه‪ ،‬ننســى نعمــه الكثيــرة وعطايــاه الجزيلــة حيــن يصــاب أحدنــا‬
‫بســوء ينســى أنــه متقلــب يف العافيــة ســنين فــإذا أصيــب لســاعات نســي اهلل‬
‫وتجــزع وتســخط‪ ،‬قــدم علــى النبــي ‪ ‬بســبي فــإذا امــرأة مــن‬
‫الســبي تســعى إذ وجــدت صب ًيــا يف الســبي أخذتــه وألصقتــه ببطنهــا وأرضعتــه‬
‫فقــال النبــي ‪ ‬أتــرون هــذه طارحــة ولدهــا يف النــار؟ قلنــا‪ :‬ال وهــي‬
‫تقــدر علــى أن ال تطرحــه فقــال‪« :‬اهلل أرحــم بعبــاده مــن هــذه بولدهــا» رواه‬
‫البخــاري‪ ،‬ويقــول ‪« :‬إن اهلل ‪ ‬خلــق مائــة رحمــة فأنــزل‬
‫رحمــة يتعاطــف هبــا الخالئــق جنهــا وإنســها وهبائمهــا وعنــده تســعة وتســعون»‬
‫رواه الحاكــم بســند صحيــح وأقــره الذهبــي‪.‬‬

‫أيهــا املسلمــون‪:‬‬

‫عج ًبــا ألحوالنــا وعج ًبــا ألنفســنا‪ .‬كيــف ننســى رحمــة اهلل؟ وكيــف‬
‫نســخط عمــا جــاء عــن اهلل‪ ،‬كــم مــن شــخص إذا أصيــب هبــم أو غــم أو ضاقــت‬
‫عليــه األرض بمــا رحبــت أو اشــتدت بــه الكربــات كيــف ينســى ربــه‪ ،‬بــل يصــل‬
‫الحــال بالبعــض بــأن يتســخط ويجــزع ويولــول ويهلــع‪ .‬تضيــق عليــه الدنيــا‬
‫وتســود يف وجهــه وربمــا لطــم وشــتم‪ .‬وكــم مــن رجــل إذا أصابتــه ضائقــة‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪179‬‬ ‫فن اخلطابة‬


‫ماليــة أو هــزت عرشــه الديــون نســي ربــه نســي رازقــه واتجــه إلــى البشــر‪ ،‬يديــر‬
‫جهــاز الهاتــف يتصــل باآلخريــن ترتعــش أصابــع يديــه خو ًفــا وقل ًقــا وحيــا ًء‬
‫ووجهــه يتصبــب عر ًقــا بيــن قبــول ورفــض ونســي أن يتصــل بــاهلل ‪ ،‬نســي‬
‫أن يتوضــأ ثــم يصلــي ركعتيــن ثــم يتصــل بــاهلل ســبحانه الــذي ال يــرد ســائله وال‬
‫يمنــع قاصــده‪ ،‬نســي أن اهلل بيــده مقاليــد الســماوات واألرض خزائنــه ال تنفــد‬
‫وال يعجــزه شــيء يف األرض وال يف الســماء‪ ،‬عجيــب أمــر الكثيريــن ضعــف‬
‫لديهــم اليقيــن فنســوا رب العالميــن‪ ،‬وكــم مــن شــخص أصيــب بمــرض‬
‫فالزمــه ذلــك المــرض فهــو يتســخط ويعاتــب القــدر وربمــا قــاده الجــزع‬
‫إلــى أن يذهــب إلــى الســحرة والمشــعوذين يدفــع المبالــغ الطائلــة ألولئــك‬
‫المجروميــن‪ ،‬نســى أن الخيــر كلــه يف الرضــا مــن اهلل‪ ،‬إن العبــد إذا رضــي عــن‬
‫اهلل ‪ ‬يرضــى اهلل عنــه يف الدنيــا واآلخــرة ويقــر عينيــه ويشــرح صــدره‬
‫ويرفــع قــدره ويعلــي ذكــره‪ ،‬لمــاذا ال نكــون مــع اهلل يف الســراء والضــراء وكــم‬
‫مــن باليــا رضــي أصحاهبــا زادهتــم مــن اهلل قربــى ومــن اهلل رضــا وح ًبــا‪ ،‬وكان‬
‫بعــض الســلف قــد أصيــب يف يــده فبــرت فضحــك قالــوا‪ :‬ســبحان اهلل تصــاب‬
‫يف يــدك فتضحــك فقــال‪ :‬إين ذكــرت ثوابــي عنــد اهلل ‪ ‬فضحكــت‪ .‬فكيــف‬
‫يليــق بأنــاس يشــكون مــن يرحــم إلــى مــن ال يرحــم؟ كيــف يشــكون رهبــم‬
‫الرحيــم هبــم إلــى مــن ال يرحــم؟ لــو علــم المكــروب ســعة رحمــة اهلل ‪‬‬
‫بــه مــا تألــم مــن كربــه ولــو أيقــن المكــروب بحلــم اهلل بــه ال يمكــن أن يصيبــه‬
‫بــاء يف نفســه‪ ،‬كلمــا اشــتد الكــرب يعقبــه فــرج مــن اهلل وكلمــا أحــب اهلل عبــدً ا‬
‫ابتــاه‪ ،‬هــا هــو يونــس ‪ ‬يشــتد بــه الكــرب يعيــش يف ظلمــات ثــاث‪،‬‬
‫ظلمــة الليــل‪ ،‬وظلمــة البحــر‪ ،‬وظلمــة الحــوت تشــتد عليــه األزمــات‪ ،‬تشــتد‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫فن اخلطابة‬ ‫‪180‬‬

‫عليــه الكربــات فينــادي مغيــث المســتغيثين ومفــرج الكربــات ﮋ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ‬


‫ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤﮊ [األنبيــاء‪ ،]87 :‬فتقــول المالئكــة يــارب‬
‫وهــو أعلــم ســبحانه‪ :‬هــذا صــوت معــروف مــن عبــد ملهــوف فينجيــه اهلل مــن‬
‫كربــه ويزيــل غمــه ﮋ ﮬ ﮭ ﮮ ﮊ [األنبيــاء‪ ،]88 :‬ألنــه كان مــع‬
‫اهلل‪ .‬أصيــب بعــض الســلف يف مصيبــة وعظمــت عليــه هــذه المصيبــة وكانــت‬
‫ً‬
‫رجــا بعــد رجــل حتــى‬ ‫آفــة يف جســده ومــازال يعــرض نفســه علــى النــاس‬
‫يئــس مــن عــاج هــذا الــداء وقنــط أن يشــفى مــن ذلــك البــاء‪ ،‬فدخــل يو ًمــا‬
‫مــن األيــام فــإذا رجــل يتلــو كتــاب اهلل فســمعه يقــرأ قــول اهلل ‪ :‬ﮋ ﯘ‬
‫ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﮊ [النمــل‪.]62 :‬‬

‫فقــال‪ :‬اللهــم أنــا المضطــر وأنــت المجيــب فمــا قــام مــن ســاعته إال‬
‫وهــو معــاىف‪ ،‬الملــك لمــن؟ والكــون لمــن؟ والتدبيــر لمــن؟ مــن الــذي يجيــر‬
‫وال يجــار عليــه؟ مــن الــذي يغيــث وال مغيــث ســواه؟ إنــه اهلل فكونــوا مــع‬
‫اهلل أرحــم بــك أيهــا العبــد مــن رحمــة أبيــك وأمــك‪ ،‬إن رحمــة الوالديــن ال‬
‫تســاوي مثقــال ذرة يف رحمــة اهلل ‪ ،‬وللطــف اهلل وحلمــه وأنــت تقاســي‬
‫اآلالم وتكابــد األســقام أشــد مــن رحمــة والديــك بــك‪ ،‬ولكــن يريــد أن يرفــع‬
‫درجتــك‪ ،‬ويريــد أن يحــط خطيئتــك ويريــد أن يخرجــك مــن هــذه الدنيــا صفــر‬
‫اليديــن مــن الســيئات والخطايــا حتــى إذا وافيتــه وافيتــه بوجــه مشــرق منيــر مــن‬
‫تلــك الباليــا‪ ،‬يبتليــك حتــى يســمع صوتــك حينــا ينــادي‪ :‬يــارب يــارب إلهــي‬
‫وســيدي فيســمع إنابتــك فتكــون أصــدق شــاهد علــى التوحيــد والتعلــق بــاهلل‬
‫العزيــز المجيــد‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪181‬‬ ‫فن اخلطابة‬


‫رجــل يرقــد علــى الســرير األبيــض حالتــه غريبــة وحزينــة فهــو طريــح‬
‫الفــراش منــذ عــام التصــق ظهــره بالســرير غيبوبــة تامــة ال يشــعر بمــا حولــه‬
‫أجهــزة التنفــس والنبــض واألنابيــب معلقــه بجســده ال حــراك فيــه يف كل يــوم‬
‫كانــت تــزوره امــرأة وصبــي ينظــران إليــه بحنــان وشــفقة إنه جثــة هامــدة يغيران‬
‫مالبســه ويتفقــدان أحوالــه ويســأالن الجهــاز الطبــي عنــه وال جديــد يف األمــر‪.‬‬
‫وقبــل أن تغــادر المــرأة والصبــي يرفعــان أكــف الضراعــة إلــى اهلل ثــم يغــادران‬
‫المستشــفى ويعــودان مــرة أخــرى للزيــارة الثانيــة يف نفــس اليــوم وهكــذا كل‬
‫يــوم‪ ،‬وكان هيئــة التمريــض واألطبــاء يســتغربون زيــارة تلــك المــرأة والصبــي‬
‫رغــم أنــه ال جديــد يف حيــاة المريــض كلموهــا بعــدم جــدوى زيارهتــا لــه‬
‫ودعوهــا للزيــارة مــرة يف األســبوع وكانــت ال تــرد إال بكلمــة (اهلل المســتعان)‬
‫وهكــذا وذات يــوم يــأيت الفــرج مــن فــارج الهــم ومجيــب المضطــر‪ ،‬فقبــل‬
‫موعــد زيــارة المــرأة والصبــي بوقــت قصيــر تحــرك الرجــل يف ســريره وتقلــب‬
‫مــن جنــب إلــى جنــب آخــر ثــم فتــح عينيــه وأبعــد جهــاز األوكســجين واعتــدل‬
‫يف جلســته ثــم نــادي الممرضــة وســط ذهــول الجميــع وطلــب منهــا إبعــاد‬
‫األجهــزة الطبيــة‪ ،‬فاســتدعت الطبيــب فدخــل علــى المريــض ففوجــئ بتلــك‬
‫المفاجــأة وكان يف حالــة ذهــول تــام وأجــري فحوصــات ســريعة لــه فوجــد‬
‫الرجــل يف منتهــى الصحــة و العافيــة‪ ،‬ولمــا حــان موعــد الزيــارة دخلــت المــرأة‬
‫والصبــي ومــا إن رأيــاه حتــى اختلطــت الدمــوع باالبتســامات والبــكاء بالحمــد‬
‫والدعــاء والثنــاء هلل وهنــا قــال الطبيــب للمــرأة‪ :‬هــل توقعــت أن تجديــه يو ًمــا‬
‫هبــذه الحالــة؟ فقالــت‪ :‬نعــم كنــت واهلل أتوقــع ذلــك فقــال الطبيــب هنــاك شــيء‬
‫حــدث ليــس للطبيــب أو المستشــفى دور فيــه فســألتك بــاهلل أخربينــي ومــا ســر‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫فن اخلطابة‬ ‫‪182‬‬

‫زيارتــك لزوجــك يف اليــوم مرتيــن؟ فقالــت‪ :‬كنــت أزور زوجي الزيــارة األولى‬
‫لالطمئنــان عليــه والدعــاء لــه ثــم أذهــب أنــا وابنــي إلــى الفقــراء والمســاكين يف‬
‫األحيــاء الشــعبية ونقــدم لهــم الصدقــات بغيــة التقــرب إلــى اهلل لشــفائه‪ .‬فلــم‬
‫يخيــب اهلل رجاءنــا ودعاءنــا وصــدق رســول اهلل ‪« :‬ال يــرد القــدر‬
‫إال الدعــاء » وإن الصدقــة تقــي مصــارع الســوء‪.‬‬

‫اخلطبة الثانية‬

‫الحمــد هلل عــام الغيــوب‪ ،‬مفــرج الهمــوم ومنفــس الكــروب‪ ،‬وأشــهد‬


‫أن ال إلــه إال اهلل عالــم مــا تخفيــه القلــوب‪ ،‬وأشــهد أن محمــدً ا عبــده ورســوله‬
‫ـليما‪.‬‬
‫الصــادق المصــدوق وأنــار اهلل بــه الــدروب وعلــى آلــه وصحبه وســلم تسـ ً‬
‫أمـا بعــد‪:‬‬

‫أيهــا املسلمــون‪:‬‬

‫كتــب عمــر بــن الخطــاب ‪ ‬إلــى أبــي موســى األشــعري ‪‬‬


‫يوصيــه ويذكــر لــه تلــك الوصيــة النافعــة فاســتفتح كتابــه بقولــه‪( :‬أمــا بعــد‬
‫فاعلــم أن الخيــر كلــه أن ترضــى عــن اهلل) نعــم أيهــا المســلمون الرضــا عــن اهلل‪،‬‬
‫هــذا هــو الــذي يحتاجــه الكثيــرون مــن المســلمين لقــد كثــر الجــزع والهلــع‪،‬‬
‫كثــرت الشــكوى وكثــر التســخط وتعلقــت القلــوب بالحيــاة الدنيــا ونســيت‬
‫اآلخــرة‪ ،‬تعلــق النــاس بحبــل الدنيــا الفانيــة وتعلقــوا بالبشــر وتركــوا التعلــق‬
‫بــرب البشــر‪ .‬هــا هــم الكثيــرون عندمــا يصــاب أحدهــم يلجــأ إلــى النــاس‬
‫وال يفكــر طرفــة عيــن بــرب النــاس ‪،‬انظــروا إلــى إمــام التوحيــد أبينــا إبراهيــم‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪183‬‬ ‫فن اخلطابة‬

‫‪ ‬حيــن قذفــه المشــركون يف النــار فجمــع قومــه الحطــب لمــدة شــهر‬


‫ثــم وضعــوا الحطــب يف الــوادي وأشــعلوا النــار فيــه حتــى إذا تأجــج الــوادي‬
‫بنــاره واصطلــى بجحيمــه‪ ،‬ألقــي فيــه ‪ ‬وبينمــا هــو متجــه إلــى‬
‫تلــك النــار نــزل إليــه جربيــل فقــال‪ :‬يــا إبراهيــم هــل لــك مــن حاجــة؟ فقــال‬
‫‪ :‬أمــا إليــك فــا وأمــا إلــى اهلل فحســبي اهلل ونعــم الوكيــل فقــال اهلل‬
‫‪ :‬ﮋ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﮊ [األنبيــاء‪ ،]69 :‬إنــه التعلــق بــاهلل‬
‫‪ ‬وتــرك مــا ســواه‪ .‬نحــن أيهــا المســلمون نفتقــد ذلــك الشــيء نقــول ال‬
‫إلــه إال اهلل ونعبــد ســواه‪ ،‬نقــول ربنــا الــرزاق ونطلــب الــرزق مــن ســواه‪ ،‬نقــول‬
‫إن اهلل القهــار الجبــار ونخشــى ســواه‪ ،‬حياتنــا ينبغــي أن يرتــب لهــا مــن جديــد‪،‬‬
‫وتوحيدنــا يجــب أن يعــاد فيــه النظــر‪ ،‬انظــر إلــى أحــوال الكثيريــن حينمــا‬
‫يبحثــون عــن وظائــف ومصــدر دخــل لهــم يبحثــون عــن الواســطة حتــى أن‬
‫بعضهــم أشــرك بــاهلل يف هــذه الوســائط حتــى وصــل ببعضهــم أنــه يقــول‪ :‬معــك‬
‫واســطة فإنــك ســتتوظف وســتجد وظيفــة‪ ،‬نســينا أن اهلل هــو الــذي يــرزق وهــو‬
‫الــذي يمنــع ويعطــي‪ ،‬نســينا أن اهلل هــو الــرزاق ولكــن ضعفــت الصلــة بيننــا‬
‫وبيــن اهلل‪ ،‬والموظفــون يعتمــدون علــى رواتبهــم‪ ،‬حياهتــم معتمــدة علــى آخــر‬
‫الشــهر‪ ،‬حتــى أشــرك الكثيــر بــاهلل وظنــوا أن الرواتــب هــي التــي ترزقهــم ولــذا‬
‫عدمــت الربكــة مــع أن البعــض يتقاضــى عشــرة آالف يف الشــهر‪ ،‬لمــاذا أيهــا‬
‫المســلمون نســينا اإليمــان واليقيــن؟ كلنــا يعلــم أن اهلل هــو الشــايف ينــزل البــاء‬
‫لحكمــة ويرفعــه رحمــة وإذا مرضــت فهــو يشــفين‪ ،‬فلمــاذا البعــض يذهــب إلى‬
‫الســحرة والمشــعوذين يبحــث عــن الــدواء لديهــم عصــى ربــه وكفــر بمــا أنــزل‬
‫علــى نبيــه‪ ،‬فمــن هــذا الســاحر ومــن هــذا الكاهــن الــذي يســتطيع أن يتخطــى‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫فن اخلطابة‬ ‫‪184‬‬

‫أمــر اهلل ‪‬؟ ومــن هــذا الــذي يســتطيع أن يرفــع البــاء ويدفــع األذى إن‬
‫لــم يــأذن اهلل بذلــك؟ لمــاذا الكثيــرون يلجــؤون إلــى الحــرام وإلــى الســرقة‬
‫وإلــى ســلب اآلخريــن حقوقهــم مــن أجــل المــال؟ لمــاذا يتعــدى أحدنــا‬
‫علــى اآلخريــن يظلمهــم ويهضمهــم حقوقهــم‪ .‬يدخــل يف تجــارات محرمــة‬
‫تغضــب اهلل ‪ ‬مــن أجــل أن يــأكل ويشــرب ويلبــس وكل ذلــك محــرم‬
‫ألنــه يشــك يف قضيــة الــرزق وللقمــة واحــدة خيــر مــن ألــف حــرام‪ ،‬انظــروا إلــى‬
‫المعامــات بيــن النــاس أكثرهــا قائــم علــى الغــش والخــداع كل ذلــك بســبب‬
‫البعــد عــن اليقيــن بمالقــاة رب العالميــن‪.‬‬

‫أيهــا املسلمــون‪:‬‬

‫تعلقــوا بــاهلل الجــأوا إلــى اهلل‪ ،‬كونــوا مــع اهلل‪ ،‬إن أصــاب أحدكم بأســاء أو‬
‫ضــراء فليجــرب اللجــوء إلــى اهلل‪ ،‬ليتوضــأ ثــم يصلــي أربــع ركعــات ثــم يقــول‪:‬‬
‫ً‬
‫فعــال لمــا تريــد أســألك بعــزك‬ ‫يــا غفــور يــا ودود يــا ذا العــرش المجيــد يــا‬
‫الــذي ال يــرام وبملــكك الــذي ال يضــام وأســألك بنــور وجهــك الــذي أضــاءت‬
‫لــه أركان عرشــك ثــم يدعــو بمــا شــاء‪ ،‬فمــا مــن رجــل يتوضــأ ويصلــي أربــع‬
‫ركعــات ثــم يدعــو بذلــك الدعــاء إال اســتجاب اهلل لــه بمشــيئة اهلل‪ ،‬لتكــن همــة‬
‫أحدنــا أن يرفــع الــذل عــن نفســه باللجــوء إلــى اهلل‪ ،‬واهلل لــن يخيبــه اهلل‪ ،‬ويف‬
‫ســنن أبــى داود أن رســول اهلل ‪ ‬قــال‪« :‬دعــوات المكــروب اللهــم‬
‫رحمتــك أرجــوك فــا تكلنــي إلــى نفســي طرفــة عيــن وأصلــح لــي شــأين كلــه‬
‫ال إلــه إال أنــت»‪ .‬وعنــد الرتمــذي قــال ‪« :‬دعــوة ذي النــون إذ دعــا‬
‫وهــو يف بطــن الحــوت ال إلــه إال أنــت ســبحانك إين كنــت مــن الظالميــن لــم‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪185‬‬ ‫فن اخلطابة‬


‫يــدع هبــا رجــل مســلم يف شــئ قط إال اســتجيب لــه» ويف روايــة «إين ألعلــم كلمة‬
‫ال يقولهــا مكــروب إال فــرج اهلل عنــه‪ ،‬كلمــة أخــي يونــس ‪ .»‬اســمعوا‬
‫للصــادق المصــدوق مــا دعــا هبــا رجــل مســلم يف شــيء قــط إال اســتجبت لــه‬
‫فأيــن المكروبــون؟ وأيــن المهمومــون؟ وأيــن المصابــون؟ أيــن أولئــك مــن‬
‫هــذه اآلثــار واألدعيــة‪ .‬اتركــوا التعلــق بالنــاس إهنــم ضعفــاء مســاكين عاجــزون‬
‫عــن تقديــم النفــع ودفــع الضــر‪ ،‬يــا أيهــا المســلمون جــددوا اإليمــان جــددوا‬
‫اليقيــن بــرب العالميــن‪ .‬ارفعــوا أكــف الضراعــة إلــى اهلل «إن اهلل يســتحي أن‬
‫يــرد يــدي عبــده صفـ ًـرا إذا رفعهــا إليــه» ســبحانه مــا أكرمــه ومــا أعظمــه‪ ،‬كونــوا‬
‫مــع اهلل يف ســمات الفكــر‪ ،‬كونــوا مــع اهلل يف لمحــات البصــر‪ ،‬كونــوا مــع اهلل يف‬
‫زفــرات الحشــا‪ ،‬مــع اهلل يف نبضــات القلــب‪ ،‬مــع اهلل يف مطمئــن الكــرى‪ ،‬مــع اهلل‬
‫عنــد امتــداد الســهر‪ ،‬كونــوا مــع اهلل يف الحيــاة ومــا بعدهــا يف ســكنى الحفــر‪،‬‬
‫ازهــد أخــي المســلم فيمــا عنــد النــاس حتــى يحبــك اهلل ويحبــك النــاس‪ ،‬تــوكل‬
‫علــى اهلل واعتمــد علــى اهلل‪ ،‬أيقــن بــاهلل ارض عــن اهلل تكــن أغنــى النــاس‪ .‬عــن‬
‫عبــد اهلل بــن مســعود ‪ ‬قــال‪ :‬قــال رســول اهلل ‪« :‬مــا أصــاب‬
‫ـلما قــط هــم وال حــزن فقــال‪ :‬اللهــم إين عبــدك وابــن عبــدك ناصيتــي بيــدك‬
‫مسـ ً‬
‫ـاض يف حكمــك عــدل يف قضــاؤك أســألك بــكل اســم هــو لــك ســميت بــه‬ ‫مـ ٍ‬
‫نفســك أو أنزلتــه يف كتابــك أو علمتــه أحــدً ا مــن خلقــك او اســتأثرت بــه يف‬
‫علــم الغيــب عنــدك أن تجعــل القــرآن ربيــع قلبــي‪ ،‬ونــور صــدري وجــاء حزين‬
‫وذهــاب همــي إال أذهــب اهلل همــه وحزنــه وأبدلــه هبمــا فرحــا» هــذا اليقيــن‬
‫وهــذا التعلــق بــاهلل وصــدق اللجــوء إلــى اهلل‪ .‬فاحرصــوا أيهــا المســلمون علــى‬
‫اللجــوء إلــى اهلل والصــدق مــع اهلل جــددوا إيمانكــم صححــوا مجــرى حياتكــم‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫فن اخلطابة‬ ‫‪186‬‬

‫ألحــوا علــى اهلل يف الدعــاء اســكبوا العــرات عنــد مــن يقيــل العثــرات ويغفــر‬
‫الســيئات‪ .‬هــذا وصلــوا وســلموا على البشــير النذير والســراج المنيــر صلى اهلل‬
‫وســلم عليــه كلمــا دعــا داع وســعى إلــى اهلل ســاعٍ‪ .‬اللهــم فــرج هــم المهموميــن‬
‫ونفــس الكــرب عــن المكروبيــن واقــض الديــن عــن المدينيــن واشــف مرضانــا‬
‫ومرضــى المســلمين اللهــم تقبــل اللهــم إنــا نســألك إيما ًنــا كامـ ًـا ويقينًــا …‬
‫ـليما كثيـ ًـرا‪.‬‬
‫وصلــى اهلل وســلم علــى محمــد وعلــى آلــه وصحبــه وســلم تسـ ً‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪187‬‬ ‫فن اخلطابة‬

‫الخطبة الرابعة‬
‫تجارة المفلسين‬
‫الحمــد هلل المتفضــل المحمــود‪ ،‬الرحيــم الــودود‪ ،‬الملــك المعبــود‪،‬‬
‫أحمــده ســبحانه علــى فضلــه الممــدود وأشــكره وشــاكره بالمزيــد موعــود‪،‬‬
‫وأشــهد أن ال إلــه إال اهلل وحــده ال شــريك لــه شــهادة أدخرهــا لهــول يوم يشــيب‬
‫فيــه المولــود‪ ،‬وأشــهد أن ســيدنا محمــد عبــده ورســوله أكــرم مولــود وصاحــب‬
‫اللــواء المعقــود والحــوض المــورود‪ ،‬اللهــم صــل وســلم عليــه وعلــى آلــه‬
‫وصحابتــه الذيــن هــم بالليــل عبــاد ســجود ويف النهــار علــى األعــداء أســود‪.‬‬

‫أمــا بعــد فيــا أيهــا الموحــدون‪ :‬أوصيكــم ونفســي بتقــوى اهلل فاتقــوه‬
‫تقــوى مــن خــاف واســتقام‪ ،‬وأدوا حقــوق اهلل يف اإلســام‪ ،‬واشــكروه علــى مــا‬
‫أوالكــم مــن الفضــل واإلنعــام ﮋ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﮊ [إبراهيــم‪،]7 :‬‬

‫عنوان هذه الخطبة ‪ :‬تجارة المفلسين‬

‫أيها املوحدون‬

‫يف ظــل البعــد عــن سلســبيل الوحييــن‪ ،‬ونبــع العلمــاء الراســخين اختلــط‬
‫الغــث بالســمين والشــعر بالعجيــن واشــتبك ثــوب العلمــاء بالمتعالميــن‪،‬‬
‫وانفتحــت علــى المســلمين أبــواب الفتــن والشــبهات وفســدت كثيــر مــن‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫فن اخلطابة‬ ‫‪188‬‬

‫النيــات‪ ،‬فــكان لزامــا أن نميــط اللثــام عــن المجهــول وأن تســتفيق العقــول‪.‬‬
‫فليــس الذهــب كالهلــل وال الصحيــح مثــل ذوي العلــل‪ ،‬وليــس لنــا مــن األمــر‬
‫مــن شــيء فــاهلل خالــق كل شــيء وعالــم بضميــر كل حــي‪ .‬وإن ممــا ينــدى لــه‬
‫الجبيــن ويشــيب لهولــه الجنيــن مــا يحــدث يف واقــع النــاس اليــوم مــن ُبعــد‬
‫حقيقــي عــن العقيــدة الصحيحــة‪ ،‬فانتشــرت األمــراض النفســية والســحر‬
‫والعيــن‪ ،‬والتشــكيك يف الوحييــن‪ ،‬وخــرج أنــاس يف ســوق الغفلــة ليروجــوا‬
‫بضاعــة الجهــل عــن طريــق الرقيــة وتفســير األحــام وأصبــح المجتمــع إال‬
‫مــن رحــم اهلل معلقــا بمصيــر مفســر أحــام‪ ،‬أو ٍ‬
‫راق يــروج األوهــام ولعلنــا يف‬
‫هــذه الخطبــة المختصــرة جــدا أن نغــوص يف أعمــاق الرقيــة والرقــاة نتنفــس‬
‫مــن خاللهــا بأوكســجين النصــوص الشــرعية والقواعــد المرعيــة دون شــطط‬
‫ـي الشــيء الــذي ال‬
‫فســبيلنا هــو الوســط فأعــوذ بــاهلل األعــز األكــرم مــن قولـ َ‬
‫أعلــم تخبــط األعمــى الضريــر األيهــم‪.‬‬

‫عبــاد اهلل‪ :‬هــذه الدنيــا جبلــت علــى كــدر‪ ،‬ومــن المحــال أن تبقــى بــا‬
‫كــدر‪ ،‬وربنــا اهلل جــل وعــز يبتلــي مــن عبــاده مــن يشــاء وكيــف يشــاء؟ فــا يدفــع‬
‫النقــم وال يجلــب النعــم إال هــو يقــول ســبحانه‪ :‬ﮋ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿﰀ ﰁ ﰂ‬
‫ﰃ ﰄ ﰅ ﰆﮊ ويقــول ســبحانه‪ :‬ﮋ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ‬
‫ﯷﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀﮊ والمــرء معــرض لالبتــاءات والمنغصــات‬
‫وهلل يف كل بليــة حكمــة‪ ،‬ويف كل محنــة منحــة وعلــى قــدر اإليمــان والعطــاء‬
‫يكــون قــدر البــاء قــال ‪« :‬يبتلــى الرجــل على حســب دينــه‪ ،‬فإن‬
‫كان يف دينــه ُصل ًبــا اشــتد بــاؤه‪ ،‬وإن كان يف دينــه رقــة ابتلــي حســب دينــه‪ ،‬فمــا‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪189‬‬ ‫فن اخلطابة‬


‫يــرح البــاء بالعبــد حتــى يرتكــه يمشــي علــى األرض ومــا عليــه مــن خطيئــة»‪.‬‬
‫أخرجــه الرتمــذي‪ .‬ويف زماننــا هــذا قـ َّـل الصــر علــى البــاء ويرغــب المــرء أن‬
‫يكــون ســليما معــاىف طــول دهــره وهــذا مفهــوم مغلــوط خــرج اإلمــام أحمــد‬
‫يف مســنده مــن حديــث أبــي هريــرة ‪ ‬أن أعرابيــا دخــل علــى رســول اهلل‬
‫ــك ُأ ُّم مِ ْلــدَ ٍم َق ُّ‬
‫ــط؟‬ ‫ــل َأ َخ َذ ْت َ‬ ‫ــول اهَّللِ ‪َ :‬ه ْ‬ ‫ــال َر ُس ُ‬ ‫‪َ ‬ف َق َ‬
‫ت‬‫ـال‪َ :‬مــا َو َجــدْ ُ‬ ‫ـم‪َ ،‬قـ َ‬ ‫ج ْلـ ِـد َوال َّل ْحـ ِ‬‫ـون َب ْي ـ َن ا ْل ِ‬
‫ـال َحـ ٌّـر َي ُكـ ُ‬ ‫ـال‪َ :‬و َمــا ُأ ُّم مِ ْلــدَ ٍم؟ َقـ َ‬‫َقـ َ‬
‫ـال‪:‬‬ ‫اع؟ َقـ َ‬ ‫الصــدَ ُ‬ ‫ـال‪َ :‬و َمــا َهـ َـذا ُّ‬ ‫ـط؟ َقـ َ‬ ‫اع َقـ ُّ‬
‫الصــدَ ُ‬ ‫ـال‪َ :‬ف َهـ ْـل َأ َخـ َـذ َك َهـ َـذا ُّ‬‫ـط‪َ ،‬قـ َ‬ ‫َهـ َـذا َقـ ُّ‬
‫ـط‪َ ،‬ف َل َّمــا َو َّلــى‬
‫ت َهـ َـذا َقـ ُّ‬ ‫ـال‪َ :‬مــا َو َجــدْ ُ‬ ‫ـان فِــي َر ْأ ِسـ ِـه‪َ ،‬قـ َ‬
‫النْسـ ِ‬ ‫ِ‬
‫ب َع َلــى ْ َ‬ ‫عـ ْـر ٌق َي ْضـ ِـر ُ‬
‫ِ‬
‫ل النَّـ ِ‬
‫ـار َف ْل َينْ ُظـ ْـر إِ َلــى َهـ َـذا»‪.‬‬ ‫ل مِـ ْن َأ ْهـ ِ‬ ‫ـب َأ ْن َينْ ُظـ َـر إِ َلــى َر ُجـ ٍ‬
‫ـال‪َ « :‬مـ ْن َأ َحـ َّ‬ ‫َقـ َ‬

‫أيهــا الموحــدون‪ :‬إن ممــا عمــت بــه البلــوى يف زماننــا هذا كثــرة الحديث‬
‫عــن المــس والســحر والعيــن‪ ،‬وقــل أن يخلــو بيــت ال يتطرقــون لمثــل هــذه‬
‫المســميات‪ ،‬وأصبحــت هــذه القضيــة قضيــة منتشــرة وظاهــرة بيــن األنــام حتــى‬
‫اختلطــت الحقائــق باألوهــام‪ ،‬وأضحــت هنــاك مبالغــات شــديدة ســواء ممــن‬
‫يدعــي المــرض أو ممــن يدعــي الرقيــة فكانــت النتيجــة الخلــط بيــن ممارســات‬
‫الرقــاة الخاطئــة وبيــن مســألة إثبــات وجــود الســحر والمــس والعيــن‪،‬‬
‫والواجــب علينــا أن نفصــل بيــن الممارســات وبيــن نصــوص الشــريعة‪ .‬وال‬
‫شــك أن الجــن يتلبســون باإلنــس فقــد قــال ســبحانه‪ :‬ﮋ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ‬
‫ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭞﮊ وعــن عطــاء بــن أبــى ربــاح قــال‪:‬‬
‫قــال لــي ابــن عبــاس ‪ ‬أال أريــك امــرأة مــن أهــل الجنــة؟ فقلــت بلــى‪،‬‬
‫قــال‪ :‬هــذه المــرأة الســوداء أتــت النبــي صلــي اهلل عليــه وســلم فقالــت‪ :‬إين‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫فن اخلطابة‬ ‫‪190‬‬

‫أصــرع‪ ،‬وإين أتكشــف‪ ،‬فــادع اهلل ‪ ‬لــي قــال‪« :‬إن شــئت صــرت ولــك‬
‫الجنــة‪ ،‬وإن شــئت دعــوت اهلل ‪ ‬أن يعافيــك» فقالــت‪ :‬اصــر‪ .‬فقالــت‪:‬‬
‫إين أتكشــف‪ ،‬فــادع اهلل أال أتكشــف‪ .‬فدعــا لهــا‪ .‬متفــق عليــه‪ .‬وعنــد البــزار أهنــا‬
‫قالــت‪ :‬إين أخــاف الخبيــث أن يجــردين‪ .‬يعنــي الجــان‪ .‬وكذلــك حديــث عثمــان‬
‫بــن أبــي العــاص لمــا تلبــس بــه الشــيطان فذهــب إلــى رســول اهلل ‪‬‬
‫فضــرب صــدره بيــده وتفــل يف فمــه ثــم قــال‪« :‬اخــرج عــدو اهلل»‪ .‬رواه ابــن‬
‫ماجــه وصححــه األلبــاين‪ .‬ويف صحيــح البخــاري ومســلم قال ‪:‬‬
‫«مــا مــن بنــي آدم مولــود إال يمســه الشــيطان حيــن يولــد‪ ،‬فيســتهل صارخــا مــن‬
‫مــس الشــيطان‪ ،‬غيــر مريــم وابنهــا »‪ .‬وقــال شــيخ اإلســام ابــن تيميــة ‪:‬‬
‫وجــود الجــن ثابــت بكتــاب اهلل‪ ،‬وســنة رســوله‪ ،‬واتفــاق ســلف األمــة وأئمتهــا‪،‬‬
‫وكذلــك دخــول الجنــي يف بــدن اإلنســان ثابــت باتفــاق أئمــة أهــل الســنة‬
‫والجماعــة‪ .‬انتهــى كالمــه‬

‫ومــن هنــا أيهــا الموحــدون انقســم النــاس إلــى فريقيــن فريــق ينكــر‬
‫هــذا األمــر مطلقــا‪ ،‬وفريــق يغلــو إمــا غلــو يف العــاج وإمــا غلــو يف المــرض‪،‬‬
‫وغــدا أكثــر النــاس يعيشــون أوهامــا وظنونــا أفســدت عليهــم حياهتــم وأصبــح‬
‫كل واحــد خائفــا علــى نفســه مــن العيــن والســحر‪ ،‬بــل وصــل بالبعــض أنــه ال‬
‫يلبــس المالبــس الحســنة خوفــا مــن العيــن ومــا علــم المســكين أنــه وقــع يف‬
‫شــرك الخــوف مــن العيــن ﮋ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇﮈﮊ [البقــرة‪:‬‬
‫‪ ،]102‬وأصبــح البعــض يعلقــون فشــلهم وإحباطاهتــم علــى الســحر والعيــن‪،‬‬
‫فــإن اشــرى ســيارة وابتــاه اهلل بحــادث قالــوا عيــن فيبيعهــا بثمــن زهيــد‪ ،‬وإن‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪191‬‬ ‫فن اخلطابة‬


‫فشــل الرجــل يف تجارتــه قالــوا عيــن‪ ،‬وإذا رســب الولــد وفشــل يف دراســته‬
‫قالــوا عيــن‪ ،‬وإن طلــق زوجتــه قالــوا عيــن وهكــذا يف سلســلة يطــول حصرهــا‪.‬‬
‫فــإن كانــت حياتنــا هبــذا الفكــر والثقافــة فــإن المجتمــع إمــا عائــن أو معيــون أو‬
‫حاســد أو محســود‪ .‬إن الحســد والســحر والعيــن حقيقــة ال نقــاش فيهــا لكــن‬
‫المشــكلة الكــرى هــي المبالغــة الشــديدة يف هــذا الشــأن‪ ،‬وربمــا هنــاك أســباب‬
‫ســاعدت علــى تفاقــم هــذه الظاهــرة ولعــل بعــض الرقــاة يســاهمون يف هــذا‬
‫الشــيء وهــم ال يشــعرون‪ ،‬وبعضهــم حـ َّـول هــذه المهنــة الشــريفة إلــى تجــارة‬
‫خاســرة مفلســة وغــدت الرقيــة شــغل مــن ال شــغل لــه‪ ،‬ولســت هنــا ســوطا‬
‫علــى الرقــاة الصادقيــن المعروفيــن بعلمهــم ونزاهتهــم لكــن مــرادي أولئــك‬
‫الدخــاء المرتزقــة وكذلــك الســحرة والمشــعوذون الذيــن يتصيــدون الضعفاء‬
‫باســم الرقيــة الشــرعية‪ .‬فــأي راق هــذا الــذي يدخــل يــده يف صــدر المريضــة‬
‫ويمــس جســدها بحجــة القــراءة عليهــا؟ وأي فجــور وتخلــف عندمــا يدخــل‬
‫يــده يف رحــم المريضــة زاعمــا أن المــس والعــارض يف الرحــم؟ ألــم يســمعوا‬
‫قولــه ‪« :‬ألن يطعــن يف رأس أحدكــم بمخيــط مــن حديــد خير له‬
‫مــن أن يمــس امــرأة ال تحــل لــه»‪ .‬أخرجــه البيهقــي‪ ،‬ومــن الشــر كذلــك ادعــاء‬
‫بعــض الرقــاة بأنــه قــادر علــى تحديــد مــكان الجنــي مــن الشــخص المتلبــس به‪،‬‬
‫بــل بعضهــم يقــول هــذا جنــي مــن باكســتان وهــذا مــن الهنــد وهــذا ذكــر وهــذا‬
‫أنثــى فهــل عندكــم مــن علــم فتخرجــوه لنــا أم علــى اهلل تفــرون؟ والبعــض يقــرأ‬
‫قــراءة جماعيــة بمكــر الصــوت ومعــه البعــض من طالبــه يتقافــزون كالمجانين‬
‫يضعــون علــى رأس كل مريــض ومريضــة الصقــا فهــذا اللــون األزرق للســحر‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫فن اخلطابة‬ ‫‪192‬‬

‫واألخضــر للعيــن وهكــذا يف جهــل مبيــن‪ ،‬بــل تطــور األمــر إلــى القــراءة عــر‬
‫الهاتــف وأشــرطة الرقيــة‪ ،‬ونســمع بحــرق الجنــي وهــذا غيــب ال يعلمــه إال اهلل‬
‫‪ ،‬وبعــض الرقــاة يدعــي أنــه أخــرج مــن الجــن اثنيــن وبقــي اثنــان أو‬
‫ثالثــة وهــذا الفعــل كــذب وتلبيــس فكيــف رأيتهــم؟ وكيــف عرفــت أهنــم اثنــان‬
‫أو ثالثــة؟ ً‬
‫والصــل يف الجــن الكــذب واألذى فنســأل اهلل ‪ ‬أن يجنبنــا‬
‫وإياكــم أذى الشــياطين وأن يفقهنــا يف الديــن‪ .‬أقــول قولــي هــذا وأســتغفر اهلل‬

‫اخلطبة الثانية‬

‫الحمد هلل وحده والصالة والسالم على من ال نبي بعده وبعد‪:‬‬

‫فممــا يزيــد الطيــن بلــة مــا يفعلــه بعــض الرقــاة مــن عمــل خلطــات‬
‫وعالجــات تبــاع بالمئــات فيقــال خلطــة فــان وعــاج فــان يخلطهــا بأعشــاب‬
‫وعطــارة ربمــا امتــأت بالســموم هدفــه التجــارة المفلســة دون خــوف أو رادع‪،‬‬
‫وربمــا بــاع قــارورة مــاء صغيــرة بخمســين وزيــت بمائــة وهكــذا يف اســتغالل‬
‫ألحــوال المســاكين‪ .‬إهنــا أمــور عظــام يرتكبهــا بعــض الرقــاة كانــت ســببا يف‬
‫ظلــم واهتــام الصادقيــن وشــكا يف الرقيــة ومســائل الغيــب‪.‬‬

‫وهنــاك ســبب آخــر مصاحــب للســبب األول وهــي ثقافــة المجتمــع‬


‫فهنــاك أنــاس يمتحنــون اهلل ‪ ‬وكتابــه المبيــن ويجعلوهنمــا تجاربــا‬
‫ألمراضهــم واهلل ‪ ‬يقــول‪ :‬ﮋ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮬ ﮊ‬
‫[اإلســراء‪ ،]82 :‬فهــل ســيكون القــرآن شــفاء ورحمــة للعاصيــن والمنافقيــن؟‬
‫وكيــف ينفــع القــرآن رجــا ال يصلــي هلل ركعــة؟ وربنــا يقــول‪ :‬ﮋ ﮭ ﮮ ﮯ‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪193‬‬ ‫فن اخلطابة‬


‫ﮰ ﮱﮊ [اإلســراء‪ ،]82 :‬فينبغــي أال نشــك لحظــة واحــدة يف أثــر القــرآن‪،‬‬
‫وممــا ينبغــي العنايــة بــه أال نجعــل كل مــرض مرتبطــا بعيــن أو مــس كمــا يشــاع‬
‫بــأن الســرطان ســببه العيــن‪ ،‬وال توجــد دراســة معتــرة مــن قبــل المختصيــن‬
‫بــأن الســرطان ســببه العيــن‪ ،‬وكذلــك العقــم وتأخــر اإلنجــاب كثيــر مــن النــاس‬
‫يذهــب إلــى األطبــاء المختصيــن فيقــال بأنــه ســليم هــو وزوجتــه فيعمــد إلــى‬
‫الرقــاة والطــب الشــعبي واألعشــاب التــي قــد تكــون ســببا يف أمــراض خطيــرة‬
‫للزوجيــن يف المســتقبل‪ ،‬وهنــا أيهــا الزوجــان الكريمــان إن كنتمــا ســليمين‬
‫وبذلتمــا األســباب فاتــركا الرقــاة واطرقــوا بــاب اإللــه فهــو الــذي يقــول‪ :‬ﮋ‬
‫ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﮊ [النمــل‪ ،]62 :‬فهــو الــرزاق الــذي‬
‫يهــب لمــن يشــاء إناثــا ويهــب لمــن يشــاء الذكــور‪ ،‬وكذلــك يجــب أال نكلــف‬
‫النصــوص الشــرعية والرقيــة فــوق طاقتهــا فربمــا يشــكو المــرء صرعــا طبيــا أو‬
‫يشــكو مــن الضغــط والجلطــة واألورام الدماغيــة فيــرك الطــب ويذهــب إلــى‬
‫الرقــاة والكــي واألعشــاب التــي قــد تؤخــر شــفاءه عشــرات الســنين ﮋ ﭚ‬
‫ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠﮊ [النحــل‪.،]43 :‬‬

‫وأختــم خطبتــي هــذه علــى عجــل بــأن هنــاك دراســة معتــرة تشــير إلــى‬
‫أن أكثــر الحــاالت عنــد المعالجيــن إمــا أن تكــون عضويــة تحتــاج إلــى طبيــب‬
‫مختــص‪ ،‬وإمــا نفســية تحتــاج عيــادة نفســية‪ ،‬وأكثــر هــؤالء المرضــى عاطفيــون‬
‫حساســون ولــذا أكثــر المرضــى هــم مــن النســاء‪ ،‬وكذلــك أن أكثــر حــاالت‬
‫الرعشــة والخــدر الجســماين والبــكاء والتأثــر عنــد قــراءة القــرآن ليــس دليــا‬
‫علــى المــس أو الســحر أو العيــن‪ .‬فينبغــي لنــا االعتنــاء بالســنة والعلم الشــرعي‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫فن اخلطابة‬ ‫‪194‬‬

‫وعلــى الرقــاة أن يتقــوا اهلل ‪ ‬ويزيــدوا يف علمهــم وســؤال العارفيــن‬


‫ليكونــوا علــى بصيــرة‪ .‬هــذا وصلــوا وســلموا علــى البشــير النذيــر والســراج‬
‫المنيــر محمــد بــن عبــد اهلل صلــى اهلل وســلم عليــه مــا ذكــره الذاكــرون وغفــل‬
‫عنــه الغافلــون‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪195‬‬ ‫فن اخلطابة‬

‫الخطبة الخامسة‬
‫ً‬
‫مهل أيها المتعالمون‬
‫وصرفهــم يف أطــوار الخلــق كيــف‬
‫َّ‬ ‫الحمــد هلل الــذي خلــق خلقــه أطــوارا‬
‫ـم هبــم‬
‫ـذارا منــه وإنــذارا فأتـ َّ‬
‫شــاء عــز ًة واقتــدارا‪ ،‬وأرســل الرســل إلــى النــاس إعـ ً‬
‫الح َجــة البالغــة فنصــب الدليــل وأنــار الســبيل وأزاح‬
‫نعمتــه الســابقة وأقــام هبــم ُ‬
‫العلــل وقطــع المعاذيــر‪ .‬وأشــهد أن ال إلــه إال اهلل وحــده ال شــريك لــه كلم ـ ٌة‬ ‫ِ‬

‫اهلل عليهــا جميــع المخلوقــات وعليهــا‬ ‫قامــت هبــا األرض والســماوات وفطـ َـر ُ‬
‫ـت القبلــة‪ .‬وأشــهد أن محمــدً ا عبــده ورســوله ِ‬
‫وخير ُتــه من‬ ‫ونصبـ َ‬ ‫ِ‬
‫أسســت الملــة ُ‬
‫وحجتـ َه علــى عبــاده أرســله رحمـ ًة للعالميــن وقــدو ًة للعامليــن وحســر ًة‬
‫خلقــه ُ‬
‫علــى الكافريــن فصلــى اهلل ومالئك ُتــه ورســله والصالحــون مــن عبــاده عليــه‬
‫ـليما إلــى يــوم الديــن‪ .‬أمــا‬
‫وحــد اهلل و َعـ َّـرف بــه ودعــا إليــه وســلم تسـ ً‬
‫وآلــه كمــا َّ‬
‫بعــد‪:‬‬

‫فاتقــوا اهلل أيهــا المســلمون حــق التقــوى واســتعينوا بــاهلل علــى نيــل‬
‫الرضــا واعبــدوه وال تشــركوا بــه شــي ًئا واشــكروه كمــا هداكــم وإن كنتــم مــن‬
‫قبلــه لمــن الضاليــن‪ ،‬ﮋ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﮊ‬
‫[آل عمــران‪ ،]102 :‬ثــم أين أحذركــم مــن شــدة بطشــه وعظيــم عقابــه وأنذركــم‬
‫مــن يــوم يشــيب لهولــه الولــدان‪.‬‬

‫ً‬
‫[مهل أيها المتعالمون]‪.‬‬ ‫عنوان هذه الخطبة‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫فن اخلطابة‬ ‫‪196‬‬

‫أيها املسلمون‪:‬‬

‫مــا أشــد حاجــة المســلمين يف هــذا الزمــن الصعــب للرجــوع إلــى دينهــم‬
‫ومجدهــم وتراثهــم‪ ،‬ويســيروا علــى درب أجدادهم ومن ســبقوهم من الســلف‬
‫الصالــح فيتحلــون بمبادئهــم وينهجــون هنجهــم فيمتثلــون كمــا امتثلــوا بأوامــر‬
‫اهلل ونواهيــه‪ ،‬ويبذلــون يف ســبيل الــذود عــن تراثهــم والــذب عــن دوحــة الديــن‬
‫كل نفــس ونفيــس وغــال وثميــن‪ ،‬ولــن يتحقــق ذلــك للمســلمين إال بالعلــم‬
‫النافــع والعمــل الصالــح‪ ،‬فمــن رزقهــا فقــد فــاز وغنــم ومــن حرمهــا فالخيــر‬
‫كلــه حــرم‪ ،‬وال ســبيل إال باقتبــاس هذيــن النوريــن وتلقــي هذيــن العلميــن‬
‫إال مــن مشــكاة مــن قامــت األدلــة القاطعــة علــى عصمتــه وصرحــت الكتــب‬
‫الســماوية بوجــوب طاعتــه ومتابعتــه وهــو الصــادق المصــدوق الــذي ال ينطــق‬
‫عــن الهــوى إن هــو إال وحــي يوحــى‪ ،‬وممــا يؤســف لــه يف هــذا الزمــن ظهــور‬
‫ظاهــرة خطيــرة بيــن المســلمين ونذيــر بــاء وفتنــة وانتــكاس للمفاهيــم وتجرؤ‬
‫علــى اهلل ورســوله ‪ ،‬ولقد انتشــرت هــذه الظاهرة الخطيرة انتشــار‬
‫النــار يف الهشــيم ووقــع فيــه الكبــار والصغــار والرجــال والنســاء إال مــن رحــم‬
‫اهلل‪ ،‬هــذه الظاهــرة هــي ظاهــرة التعالــم والتســرع يف الفتيــا بغيــر علــم وتغييــر‬
‫األحــكام الثابتــة يف الكتــاب والســنة وق ّلــت المبــاالة بمــا يرتتــب علــى ذلــك‬
‫مــن الوعيــد الشــديد‪ ،‬ولقــد تجــرأ الكثيــرون علــى القــول بغيــر علــم وأصبــح‬
‫البشــر يتســابقون علــى الفتيــا كل يدعــي العلــم وكل يدعــي المعرفــة وهــذا‬
‫ً‬
‫وصــا‬ ‫لعمــري خطــأ عظيــم وإجــرام بحــق النفــس واآلخريــن‪ .‬وكل يدعــي‬
‫بليــا وليلــى ال تقــر لهــم بذلــك‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪197‬‬ ‫فن اخلطابة‬


‫هــا هــي الســاحة اإلســامية تضيــق ذر ًعــا مــن كثــرة المتعالميــن والمفتين‬
‫بغيــر علــم‪ ،‬انظــروا إلــى النــزاالت القائمــة بيــن هــؤالء محاولــة الظهــور‬
‫والــروز وادعــاء الفقــه وصــدق ابــن حــزم عليــه رحمــة اهلل حينمــا قــال‪( :‬ال‬
‫مصيبــة علــى العلــوم وأهلهــا أضــر مــن الدخــاء فيهــا وهــم مــن غيــر أهلهــا‪،‬‬
‫فإهنــم يجهلــون ويظنــون أهنــم يعلمــون ويفســدون ويقــدرون أهنــم يصلحــون)‬
‫وهــؤالء المتعالمــون غــول العلــم ودودة لزجــة متبلــدة أســراهبا يف ســماء‬
‫العلــم‪.‬‬

‫مث ــل العروض ــي ل ــه بح ــر ب ــا م ــاء‬ ‫هـــو الوزيـــر وال أز ٌْر يشـــدُّ بـــه‬

‫ـب الكثيرون‬
‫لقــد هتاونــوا يف أمــر الفتيــا وتســابقوا إلــى الــروز فيهــا‪ ،‬وتز َّبـ َ‬
‫قبــل أن يتحصرمــوا‪ ،‬وربمــا عرضــت يف المجلــس مســألة علميــة فــرى‬
‫العجــب العجــاب حينمــا يتكلــم فيهــا الجالســون كلهــم وكل لــه ســهم يف‬
‫تلــك المســألة‪ ،‬وربمــا عرضــت مســألة طــاق أو رضــاع أو نــكاح لــو عرضــت‬
‫علــى عمــر بــن الخطــاب ‪ ‬لجمــع لهــا أهــل بــدر‪ .‬ولقــد كان الســلف‬
‫الصالــح مــن الصحابــة والتابعيــن يهابــون الفتيــا ويتدافعوهنــا بينهــم ويذمــون‬
‫مــن يســارع إليهــا قــال عبــد الرحمــن بــن أبــي ليلــى‪( :‬أدركــت عشــرين ومائــة‬
‫مــن أصحــاب رســول اهلل ‪ ‬فمــا كان منهــم محــدّ ث إال و ّد أن‬
‫ٍ‬
‫مفــت إال و ّد أن أخــاه كفــاه الفتيــا) وقــال أبــو‬ ‫أخــاه قــد كفــاه الحديــث‪ ،‬وال‬
‫إســحاق‪( :‬كنــت أرى الرجــل وإنــه ليدخــل يســأل عــن الشــيء فيدفعــه النــاس‬
‫مــن مجلــس إلــى مجلــس حتــى ُيدفــع إلــى مجلــس ســعيد بــن المســيب كراهيــة‬
‫الفتيــا وكانــوا يدعــون ســعيد بــن المســيب الجــريء)‪ .‬هكــذا كانــوا يتدافعــون‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫فن اخلطابة‬ ‫‪198‬‬

‫الفتيــا ال يســتطيع أحــد أن يجــرؤ علــى الفتيــا‪ ،‬كلهــم كان يخشــى علــى نفســه‬
‫رغــم وجــود العلــم لديهــم وتوفــره فيهــم ولكنــه الــورع والخــوف مــن اهلل‪،‬‬
‫وعج ًبــا كانــوا ينــادون العالــم النحريــر ســعيد بــن المســيب الجــريء ونحــن يف‬
‫هــذا الوقــت أصبحنــا جريئيــن علــى الفتيــا وبغيــر علــم‪.‬‬

‫ل يف أصول نخل طِوال‪.‬‬


‫وما نحن فيمن مضى إال كبق ٍ‬

‫أيها املسلمون‪:‬‬

‫نحــن بحاجــة إلــى الــورع والتقــوى ونحــن بحاجــة إلــى ضبــط ألســنتنا‬
‫عــن القــول علــى اهلل بغيــر علــم‪ ،‬إن أمــر الفتيــا أمــر عظيــم ليــس بالهيــن وليــس‬
‫كمــا يتصــوره البعــض أنــه كلمــات تذهــب أدارج الريــاح تصطــدم بــاآلذان‬
‫ثــم تســتقر بــاألركان‪ ،‬بــل وربــي إن أعظــم خطــر يمــر علــى اإلنســان أن يقــول‬
‫بغيــر علــم وأن يفتــي النــاس بجهــل‪ ،‬قــال عبيــد اهلل بــن جعفــر‪( :‬أجرؤكــم علــى‬
‫الفتيــا أجرؤكــم علــى النــار) إن الــذي يســارع إلــى الفتيــا بغيــر علــم فهــو يضــع‬
‫نفســه جسـ ًـرا علــى جهنــم يمــر عليــه النــاس‪ ،‬يجــب علــى اإلنســان المســلم أن‬
‫يعلــم أن القــول علــى اهلل بغيــر علــم أصــل الشــرك والكفــران وأســاس البــدع‬
‫والعصيــان‪ ،‬بــل هــو أغلــظ وأعظــم الفواحــش واآلثــام قــال اهلل ‪ :‬ﮋ ﮀ‬
‫ﮁ ﮂﮃﮄﮅﮆ ﮇﮈﮉﮊﮋﮌ ﮍﮎﮏﮐﮑﮒ ﮓﮔ ﮕ‬
‫ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮊ [األعــراف‪]33 :‬‬

‫قــال مالــك بــن أنــس ‪( :‬لــم يكــن مــن أمــر النــاس وال مــن مضــى‬
‫مــن ســلفنا وال أدركــت أحــدً ا أقتــدي بــه يقــول يف شــيء هــذا حــال وهــذا‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪199‬‬ ‫فن اخلطابة‬


‫حــرام‪ ،‬ومــا كانــوا يجــرؤون علــى ذلــك‪ ،‬وإنمــا كانــوا يقولــون نكــره كــذا‬
‫ونــرى هــذا حسـنًا وينبغــي هــذا وال نــرى هــذا‪ ،‬أمــا أنــا يــا مالــك فقــد ســمعت‬
‫يف هــذا الوقــت مــن يقــول للحــرام بأنــه حــال ويقــول للحــال بأنــه حــرام‪،‬‬
‫ﮋ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮬ ﮭ ﮮ ﮯ‬
‫ﮰﮊ [يونــس‪ ) ،]59 :‬عجيــب حالنــا أيهــا المســلمون مــا أشــد جرأتنــا‬
‫علــى إصــدار األحــكام الشــرعية عــن اهلل ‪ ،‬العا ّمــي يفتــي‪ ،‬والصحيفــة‬
‫تفتــي‪ ،‬وصاحــب المعصيــة يفتــي‪ ،‬وصاحــب الجهــل يفتــي‪ ،‬والمــرأة الجاهلــة‬
‫تفتــي‪ ،‬هكــذا حالنــا‪ ،‬ومــن حفــظ حديثيــن أو ثالثــة تــرأس الفتيــا‪ ،‬ومــن قــرأ‬
‫عشــر صفحــات مــن الفقــه ركــب جــواد الفتيــا‪ ،‬ومــن كان إما ًمــا للنــاس حاف ًظــا‬
‫لجزأيــن أو ثالثــة بــرز للفتيــا‪ ،‬ومــن اســتطاع أن يتكلــم عشــر دقائــق أمــام الناس‬
‫عالمــا‪ ،‬ومــن كان خطي ًبــا ظــن أنــه عالــم هكــذا هــو حالنــا‪ .‬اســمعوا أيهــا‬
‫أصبــح ً‬
‫المســلمون كــم يلــزم المســلم أن يحفــظ مــن الحديــث حتــى يفتــي لمــا ســئل‬
‫اإلمــام أحمــد بــن حنبــل كــم يكفــي الرجــل مــن الحديــث حتــى يمكنــه أن‬
‫يفتــي؟ يكفيــه مائــة ألــف؟ قــال ال‪ .‬قيــل مائتــا ألــف؟ قــال ال‪ .‬قيــل ثالثمائــة‬
‫ألــف؟ قــال ال‪ .‬قيــل أربعمائــة ألــف؟ قــال ال‪ .‬قيــل خمســمائة ألــف؟ قــال‬
‫أرجــو ‪ .‬فمــاذا يقــول عــن نفســه مــن حفــظ عشــرة أحاديــث وقــرأ كتابيــن؟ ثــم‬
‫ظــن أنــه قــد حصــل علــى العلــم كلــه‪ .‬وقــال عليــه رحمــة اهلل‪( :‬ال يجــوز اإلفتــاء‬
‫إال لرجــل عالــم بالكتــاب والســنة وإال فــا يفتــي) مــا أكثــر المفتيــن يف هــذا‬
‫الوقــت فهــم أكثــر مــن شــعر الــرأس يف البلــدة الواحــدة‪ ،‬قــال الربيــع بــن خثيــم‪:‬‬
‫(إياكــم أن يقــول الرجــل لشــيء إن اهلل حــرم هــذا أو هنــى عنــه فيقــول اهلل كذبــت‬
‫لــم أحرمــه ولــم أنــه عنــه)‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫فن اخلطابة‬ ‫‪200‬‬

‫أيها املسلمون‪:‬‬

‫فــرق عظيــم بيــن الســلف والخلــف يف كل شــيء بيننــا وبينهــم فرق واســع‬
‫وبون شاســع‪.‬‬

‫وكل شــر يف ابتــداع الخلــف‬ ‫وكل خيــر يف اتبــاع الســلف‬

‫ولقــد كان الســلف يتورعــون عــن الفتيــا بغيــر علــم وإذا ســئل أحدهــم‬
‫عمــا ال علــم لــه بــه لــم يأنــف أن يقــول ال أعلــم هــذا أو يقــول ال أدري أو يقــول‬
‫ســل عــن هــذا غيــري بــل كان معلــم النــاس ‪ ‬ال يجيــب عــن‬
‫المســألة حتــى يأتيــه الوحــي مــن الســماء وكان ابــن مســعود ‪ ‬يقــول‪:‬‬
‫(أيهــا النــاس مــن ســئل عــن علــم يعلمــه فليقــل بــه ومــن لــم يكــن عنــده علــم‬
‫فليقــل اهلل أعلــم) وقــال علــي بــن أبــي طالــب ‪( :‬وابردهــا علــى كبــدي‬
‫(ثــاث مــرات) قالــوا ومــا ذلــك يــا أميــر المؤمنيــن قــال أن يســأل الرجــل‬
‫عمــا ال يعلــم فيقــول اهلل أعلــم) وقــال عقبــة بــن مســلم‪( :‬صحبــت ابــن عمــر‬
‫ـهرا (ســنتان وعشــرة شــهور) فــكان كثيـ ًـرا مــا ُيســأل‬
‫‪ ‬أربعــة وثالثيــن شـ ً‬
‫ـي فيقــول أتــدري مــا يريــد هــؤالء؟ يريــدون أن‬
‫فيقــول ال أدري ثــم يلتفــت إلـ ّ‬
‫يجعلــوا ظهورنــا جسـ ًـرا إلــى جهنــم) هكــذا ســلفنا كانــوا يخافــون أن يقولــوا‬
‫بغيــر علــم‪ ،‬كانــوا يتهربــون مــن الفتيــا كمــا يهــرب أحدنــا مــن األســد ‪ ،‬بــل كان‬
‫ـي مــن أن أتكلــم بمــا ال علــم‬
‫أحدهــم يقــول‪( :‬واهلل ألن تقطــع لســاين أحــب إلـ ّ‬
‫لــي بــه) أمــا نحــن الخلــف فيشــكى أمرنــا إلــى ربنــا مــا أعجلنــا علــى القــول‬
‫وحــب الــكالم والمشــاركة يف األوزار‪ ،‬أعظــم المســائل خطــورة وأعقدهــا‬
‫تجــد الكثيريــن ســباقين إلــى الخــوض والــكالم فيهــا بــل واإلفتــاء فيــه‪ ،‬أســهل‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪201‬‬ ‫فن اخلطابة‬


‫المســائل تحد ًثــا فيهــا لدينــا مســائل الطــاق والفــروج ومــا أســرع المتحدثيــن‬
‫والمتفقهيــن فيهــا والفتــوى بغيــر علــم مزلــة أقــدام وبــاب مــن أبــواب الضــال‬
‫واإلضــال‪ ،‬وإن اإلنســان ليعجــب يف هــذا الوقــت مــن تتابــع الفتــن والمحــن‬
‫عــن طريــق ســماع الفتــاوى التــي تــؤرق المســلم وتدمــي قلبــه‪ ،‬ولقــد كثــرت‬
‫الفتــاوى المخالفــة للكتــاب والســنة وانتشــرت بيــن النــاس وأصبحــت حديـ َ‬
‫ـث‬
‫ـض العلمــاء المتســاهلين بتحليــل ماحــرم اهلل عــن طريــق‬ ‫المجالــس‪ ،‬وتجــرأ بعـ ُ‬
‫ـض وأفتــى بحـ ِّـل الربــا ولــم يبـ ِ‬
‫ـال بمــا جــاء يف الكتــاب‬ ‫جهلهــم فلقــد أجــاز البعـ ُ‬
‫والســنة مــن تحريــم الربــا ولعــن مــن أكلــه قــال ‪ :‬ﮋ ﮥ ﮦ ﮧ‬
‫ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱﮊ [البقــرة‪،]278 :‬‬

‫ﮋ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ‬
‫ﯣ ﯤ ﯥ ﮊ [البقــرة‪ ،]279 :‬قــال ابــن عبــاس ‪( :‬فمــن‬
‫ـزع عنــه فحـ ٌـق علــى إمــام المســلمين أن يســتتيبه‬
‫مقيمــا علــى الربــا ال َينـ ُ‬
‫كان ً‬
‫فــإن َنـ َـز َع وإال ُضربــت عن َقــه) فهــذه اآليــات واألحاديــث واآلثــار دال ـ ٌة علــى‬
‫تحريــم الربــا ولكــن بائعــي اآلخـ ِ‬
‫ـرة بالدنيــا أحلــوا الربــا فلهــم عــذاب شــديد‪،‬‬
‫ـواز شــراء الســيارات‬ ‫وكذلــك مــن التســاهل يف الفتيــا والقـ ِ‬
‫ـول بغيــر علــم جـ ُ‬
‫مــن البنــوك والتعامــل معهــا وهــذا حيل ـ ٌة علــى الربــا‪ ،‬وقــد أفتــى ُ‬
‫عالمنــا اب ـ ُن‬
‫بحرمــة ذلــك وقــال هــو مــن التحايــل علــى الربــا‪ .‬وقــد‬ ‫ِ‬ ‫عثيميــن ‪‬‬
‫روى ابــ ُن بطــة بإســناد جيــد عــن أبــي هريــرة ‪ ‬قــال‪ :‬قــال رســول اهلل‬
‫ـب اليهــو ُد فتســتحلوا محــار َم اهلل بأدنــى‬
‫‪« :‬ال ترتكبــوا مــا ارتكـ َ‬
‫الحيــل» «ومــن دعــا إلــى ضاللــة كان عليــه مــن اإلثــم مثــل آثــام مــن تبعــه ال‬
‫ينقــص ذلــك مــن آثامهــم شــي ًئا» وكان مــن آثــام هــذه الفتــاوى تجــرؤ البعــض‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫فن اخلطابة‬ ‫‪202‬‬

‫علــى كتابــة الرســائل والمقــاالت يف الصحــف والمجــات داعيــن إلــى تحريــر‬


‫وخــروج المــرأة وال أظــن هــؤالء إال مــن قــال اهلل فيهــم‪ :‬ﮋ ﯛ ﯜ‬
‫ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫﮊ [النحــل‪:‬‬
‫‪ ،]25‬إلــى غيــر ذلــك مــن الفتــاوى والتســاهل الذيــن ظهــر مــن قبــل الكثيريــن‬
‫وصــدق ابــن مســعود ‪ ‬حينمــا قــال‪( :‬ال يــأيت عليكــم عــام إال وهــو شــر‬
‫أميــرا‬
‫ً‬ ‫مــن الــذي كان قبلــه أمــا إين لســت أعنــي عا ًمــا أخصــب مــن عــام وال‬
‫خيــر مــن أميــر ولكــن علماؤكــم وخياركــم يذهبــون (يموتــون) ثــم ال تجــدون‬
‫منهــم خل ًفــا ويجــيء قــوم يقيســون األمــور بآرائهــم فيهــدم اإلســام ويثلــم)‬
‫وكــم واهلل ثلــم يف اإلســام وتجــرأ المفســدون بســبب مــن يقولــون علــى اهلل‬
‫بغيــر علــم ويتســاهلون يف أحــكام الديــن تحــت مســمى التيســير علــى النــاس‬
‫فضلــوا وأضلــوا‪.‬‬

‫اللهم اجعلنا ممن يعملون بكتابك وسنة رسولك‪.‬‬

‫أقول قولي هذا وأستغفر اهلل العظيم …‪.‬‬

‫اخلطبة الثانية‬

‫الحمــد هلل رب العالميــن وال عــدوان إال علــى الظالميــن‪ ،‬وأشــهد أن‬
‫ال إلــه إال اهلل وحــده ال شــريك لــه إلــه األوليــن واآلخريــن وقيــوم الســماوات‬
‫واألرضيــن‪ ،‬وأشــهد أن محمــدً ا عبــده ورســوله ســيد األنبيــاء والمرســلين‬
‫صلــى اهلل وســلم عليــه وعلــى آلــه وصحبــه والتابعيــن أمــا بعــد‪:‬‬

‫فلقــد تأملــت أيهــا المســلمون يف واقعنــا جيــدً ا ويف حياتنــا المعاصــرة‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪203‬‬ ‫فن اخلطابة‬


‫فوجــدت أن العلــوم تتقــدم كل يــوم وأن العلــم يف زيــادة إال علــم الديــن‪،‬‬
‫وهــذا مصــداق كالم المصطفــى ‪« :‬مــن أشــراط الســاعة أن يقــل‬
‫العلــم ويظهــر الجهــل» فالعلــم الشــرعي يف زماننــا قــد اســتدبر‪ ،‬ولقــد دخــل‬
‫مالــك بــن أنــس علــى ربيعــة فوجــده يبكــي فقــال مــا يبكيــك؟ أمصيبــة دخلــت‬
‫عليــك؟ وارتــاع لبكائــه فقــال ال ولكــن اســتفتي مــن ال علــم لــه وظهــر يف‬
‫اإلســام أمــر عظيــم ثــم قــال‪( :‬ولبعــض مــن يفتــي هــا هنــا أحــق بالســجن مــن‬
‫الســراق) لقــد أفــرز الواقــع األليــم الــذي أطلــت فيــه الفتنــة برأســها وشــهرت‬
‫العلمانيــة ســيفها و ُغ ِّيــب فيــه كثيــر مــن العلمــاء الربانييــن فظهــر لنــا مــن يل ّبــس‬
‫علــى النــاس ويتالعــب بعقولهــم ويتمشــى مــع أهوائــه وأهوائهــم وبــرزت‬
‫القنــوات الفضائيــة يف تبنــي التســاهل يف الديــن وجعــل الديــن واألحــكام‬
‫تناســب األهــواء‪ ،‬وتبنــى بعــض مــن ينتســب إلــى العلمــاء ظاهــرة تمييــع الديــن‬
‫تحــت مــا يســمى بالتيســير فأضاعــوا هيبــة العلمــاء وهيبــة الديــن حتــى خــرج‬
‫لنــا مــن يقــدح يف العقيــدة ويــرد األحاديــث الصحيحــة ويلبــس علــى النــاس‪.‬‬

‫عالمــا عــرف عنــه التســاهل‬


‫ولقــد ذكــر أهــل العلــم أن مــن اســتفتى ً‬
‫والشــذوذ يف اآلراء واألقــوال فــا يؤخــذ منــه ومــن ســأله ثــم أخــذ بقولــه فعليــه‬
‫وزر‪ .‬ويجــب علــى كل مســلم أن يبحــث عــن الحــق وأهلــه وأن يســأل عــن‬
‫أمــر دينــه ممــن يــرى أهنــم أهــل للعلــم والفتيــا وأن يبحــث عنهــم كمــا يبحــث‬
‫عــن الدرهــم والدينــار‪ ،‬فلألســف أن الكثيريــن ال يبحثــون عــن أمــور دينهــم‬
‫فيمــا يقــع لهــم‪ ،‬فتجدهــم يســألون صغــار طــاب العلــم أو ممــن لــم يشــتهروا‬
‫بطلــب العلــم‪ ،‬بــل يســأل ويتهــاون يف األمــر ويهــرب مــن العلمــاء والمشــايخ‬
‫وأصحــاب التقــوى والحيطــة ويلقبهــم بالمتشــددين‪ ،‬فعج ًبــا أصبــح العالــم‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫فن اخلطابة‬ ‫‪204‬‬

‫التقــي متشــد ًدا أمــا العالــم المتســاهل الــذي يفتــي علــى حســب أهوائهــم‬
‫فهــو العالــم وغيــره متشــددون‪ ،‬قــال ‪« :‬يظهــر اإلســام حتــى‬
‫يختلــف التجــار يف البحــر وحتــى تخــوض الخيــل يف ســبيل اهلل ثــم يظهــروا‬
‫قــوم يقــرؤون القــرآن يقولــون مــن أقــرأ منــا؟ مــن أعلــم منــا؟ مــن أفقــه منــا؟ ثــم‬
‫قــال ألصحابــه هــل يف أولئــك مــن خيــر؟ قالــوا اهلل ورســوله أعلــم قــال أولئــك‬
‫منكــم مــن هــذه األمــة وأولئــك وقــود النــار» رواه الطــراين يف األوســط والبــزار‬
‫بإســناد ال بــأس بــه‪.‬‬

‫أيها املسلمون‪:‬‬

‫حــري بــكل مســلم وخاصــة يف هــذا الوقــت الشــائك بالمحــن وتنــوع‬


‫الفتــاوى وتســاهلها أن يبحــث عــن العالــم المخلــص الــذي اشــتهر بتقــواه‬
‫وحرصــه علــى نفــع المســلمين وهــم كثيــرون وهلل الحمــد والمنــة‪ ،‬والســاحة‬
‫تمتلــئ هبــم والمســلم يبحــث عــن األحــوط واألصــوب يف أمــور دينــه ويــدع‬
‫الشــبهات واألهــواء وأن يــدع المتســاهلين الذيــن يقودونــه إلــى الشــهوات‬
‫وإلــى االنحــراف عــن المنهــج الســوي‪ ،‬فلــو مــرض أحدنــا أو مــرض ولــده‬
‫لذهــب يفتــش عــن الطبيــب الماهــر بــل ربمــا لــو ذكــر لــه الطبيــب يف بلــد لســافر‬
‫إليــه وأمــا أمــور دينــه فــا يهتــم هبــا وربمــا ذهــب وســأل دون اهتمــام‪ ،‬وليــس‬
‫كل مــن اتصــف بصفــات الصــاح يكــون مفت ًيــا ولكنــه التســاهل والتهــاون يف‬
‫أمــر الديــن‪ ،‬وربمــا ذهــب الســائل إلــى عــدة علمــاء ومشــايخ يســألهم حتــى‬
‫تســتقر ركائبــه عنــد أســهلهم وأيســرهم أال فاتقــوا اهلل أيهــا المســلمون يف أمــور‬
‫دينكــم واحتاطــوا لهــا وابحثــوا عــن أهــل العلــم الثقــات وإياكــم والتهــاون‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪205‬‬ ‫فن اخلطابة‬


‫والتســاهل يف أمــور دينكــم واحــذروا مــن األقــوال الشــاذة المفســدة والتزمــوا‬
‫بالكتــاب والســنة‪ ،‬ثــم ليحــذر أولئــك المتعالمــون مــن التجــرؤ علــى اهلل‪،‬‬
‫وليحــذر النــاس مــن التحريــم والتحليــل بغيــر دليــل واعتــروا بأســافكم‪،‬‬
‫وعلــى طــاب العلــم والعامــة مــن المســلمين إذا لــم يعلــم أحدهــم بالحكــم‬
‫فــا يصــدره جزا ًفــا‪ ،‬بــل إن كان لــدى اإلنســان علــم فــا يكتمــه أمــا إذا لــم‬
‫يعلــم فعليــه بنصــف العلــم كلمــة ال أدري‪.‬‬

‫وصلــوا وســلموا علــى خيــر البشــرية ومنقــذ اإلنســانية محمــد بــن عبــد‬
‫اهلل عليــه أفضــل الصــاة وأزكــى التســليم‪ ،‬وصلــى اهلل وســلم وبــارك عليــه‬
‫كلمــا ظهــرت شــمس يف صبــاح وكلمــا تضــوع مســك وفــاح‪.‬‬

‫اللهــم أعــز اإلســام والمســلمين وأذل الشــرك والمشــركين‪ ،‬اللهــم‬


‫آت نفوســنا تقواهــا وزكهــا أنــت خيــر مــن زكهــا‪ .‬اللهــم اغفــر للمســلمين‬
‫والمســلمات والمؤمنيــن والمؤمنــات األحيــاء منهــم واألمــوات اللهــم انصــر‬
‫إخواننــا المســلمين يف الشيشــان وعليــك بالــروس المالعيــن اللهــم اغفــر‬
‫آلبائنــا وأمهــات‪.‬‬

‫اذكروا اهلل العظيم يذكركم وأشكروه على نعمه يزيدكم ………‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫فن اخلطابة‬ ‫‪206‬‬

‫الخطبة السادسة‬
‫واقعنا مع بيوت اهلل‬
‫الحمــد هلل القــوي األميــن‪ ،‬القاهــر الظاهــر المبيــن‪ ،‬أحمــدُ ه حمــدَ‬
‫حــركات‬
‫ُ‬ ‫أقــل األنيــن‪ ،‬وال تخفــى عليــه‬ ‫ِ‬
‫ســمعه ُ‬ ‫يعــزب عــن‬
‫الشــاكرين‪ ،‬ال ُ‬
‫الجنيــن‪ ،‬وأشــهد أن ال إلــه إال اهلل وحــده ال شــريك لــه إلــه األوليــن واآلخريــن‬
‫وأصلــي وأســلم علــى رســوله المقــدّ م علــى النبييــن وعلــى آلــه وصحابتــه‬
‫أجمعيــن‪ . .‬أمــا بعــد‪ْ :‬‬
‫إن مــن وصيــة يف بــادئ الــكالم فتقــوى الملــك العــام‪،‬‬
‫فهــي النجــاة والســبيل علــى الــدوام ﮋ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ‬
‫ﮮ ﮯ ﮰﮱﯓ ﯔﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﮊ [األحــزاب‪:‬‬
‫‪.]71 ،70‬‬

‫عنوان هذه الخطبة ‪ :‬واقعنا مع بيوت اهلل‬

‫أيها املوحدون‪:‬‬

‫فــا عجــب أن نجــد اليــوم مــن يصلــي ويأخذ الرشــوة ويــأكل الربــا ويزين‬
‫ورادع مــن‬
‫ٌ‬ ‫ويســرق ويقــع يف كبائــر الذنــوب بســهولة ٍ دون أن يكــون لــه زاجـ ٌـر‬
‫إيمــان وهــذا بســبب مــا نعانيــه مــن فـُــقدان االحتســاب يف حياتنــا وعــدم العنايــة‬
‫بجمــع الحســنات‪ .‬وســأقف وإياكــم هــذه الجمعــة حــول أعظــم عبــادة ٍ وأعظــم‬
‫مــكان‪ ،‬إهنــا الصــاة ُ والمســجد‪ .‬هــذه أعظــم وأكــر عبــادة ٍ ومــكان ٍ يرتــاده‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪207‬‬ ‫فن اخلطابة‬


‫المســلمون فكيــف واقعنــا معــه؟ إننــي ســأعطيك صــورة ً واقعيــة ً أرجــو أن‬
‫تقــف معهــا متأمــا ً وصادقــا ً مــع نفســك‪ :‬لــو أن ملــكا ً أو أميــرا ً دعــاك إلــى‬
‫منزلِــه ثــم قــدّ م لــك أصنــاف الطعــام والشــراب وجلســت تـُكلـّــمه ويكلـّــمك‪.‬‬
‫ـوس مــدة‬
‫فكيــف يكــون شــعورك‪ . .‬وهــل ترغــب الخــروج َ مــن قصــره أم الجلـ َ‬
‫ً أطــول؟ إن اإلجابــة وال شــك معروفــة ٌ للجميــع‪ .‬فهــل تش ـ ُعر بــأن المســجد‬
‫الــذي أنــت فيــه اآلن هــو بيــت الملــك ســبحانه‪ .‬وأنــك عندمــا تصلــي وتقــرأ‬
‫الفاتحــة تكلمــه ويــر ّد عليــك أمــا ســمعت قـ َ‬
‫ـول رســولك ‪ ‬يقــول‬
‫ت الصــاة بينــي وبيــن عبــدي نصفيــن ولعبــدي مــا ســأل‪ ،‬فــإذا قــال‬
‫اهلل ‪« :‬قسـ ْـم ُ‬
‫حمــدين عبــدي وإذا قــال‬ ‫العبــدُ ‪ :‬الحمــد هلل رب العالميــن‪ .‬قــال اهلل ‪ِ ‬‬

‫علــي عبــدي» رواه مســلم‪ .‬فهــل‬


‫ّ‬ ‫الرحمــن الرحيــم قــال اهلل ‪ ‬أثنــى‬
‫استشــعرت أنــك تخاطــب ر ّبــك؟ وهــل استشــعرت أخــي المبــارك ّ‬
‫أن اهلل‬
‫‪ ‬إذا أدخلــك بيتــه أنــه يحبــك ويريــدُ بــك الخيــر‪ ،‬ويريــدُ أن ُيعـــطيك مــن‬
‫فضلــه ورحمتــه‪ .‬إن اهلل ‪ ‬عندمــا ِ‬
‫أذن لــك بالدخــول إليــه يف بيتــه فإنــه يريــدُ‬
‫أن يكرمــك‪ .‬قــال ‪« :‬مــن توضــأ يف بيتــه فأحســن الوضــوء ثــم‬
‫أتــى المســجد فهــو زائــر اهلل‪ .‬وحـ ٌـق علــى المــزور أن يكــرم الزائــر» أخرجــه‬
‫الطــراين والبيهقــي‪ .‬فمــن أكــرم مــن اهلل ‪‬؟ إذا أتيــت بيتــا ًمــن بيــوت‬
‫اهلل ‪ ‬فاستشــعر أنــه يحبــك وأنــه اختــارك وتــرك غيــرك‪ .‬أنــت إذا كنــت يف‬
‫بيتــك فــا تحــب أن يدخلــه كل أحــد ٍبــل إنــك تدخــل بيتــك مــن تحــب فــإذا‬
‫أدخلــت بيتــك مــن تحــب أكرمتــه وأطعمتــه‪ ،‬انظــر كــم مــن الســكان والمنــازل‬
‫حــول المســجد مئــات مــن البشــر بــل آالف اختــارك مــن بينهــم لتــزوره‬
‫وتدخــل عليــه‪ ،‬وأمــا أولئــك فكرههــم وثبطهــم ومنعهــم مــن الدخــول عليــه يف‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫فن اخلطابة‬ ‫‪208‬‬

‫بيتــه ألهنــم محرومــون اليريــد اهلل هبــم خيــرا ًﮋ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ‬


‫ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﮊ [التوبــة‪ ،]46 :‬فافــرح إذا كنــت ممــن اختارهــم‬
‫ســبحانه لدخــول بيتــه‪.‬‬

‫تصـ ّـو ْر هــذا الحديــث العظيــم‪ .‬استشــعر قيمتــه وقــدره أنــك إذا خرجــت‬
‫إلــى بيــت اهلل فــإن اهلل يفــرح بِــك فرحــا ً عظيمــا ً يقــول ‪« :‬ال‬
‫يتوضــأ أحدكــم فيحســن وضــوءه فيســبغه ثــم يــأيت المســجد ال يريــد إال الصالة‬
‫تبشــبش اهلل إليــه كمــا يتبشــبش أهــل الغائــب بطليعتــه»‪ .‬أخرجــه ابــن خزيمــة يف‬
‫صحيحــه‪ .‬هــل استشــعرت هــذا األمــر؟! بــل مــن ح ّبــه لــك وفرحتــه بقدومــك‬
‫أنــه يبنــي لــك قصــرا ً وبيتــا ً يف الجنــة يبنيــه بنفســه لتســكنه إذا قدمــت عليــه‪.‬‬
‫يقــــول ‪« :‬مــن غــدا إلــى المســجد أو راح أعــدّ اهلل لــه نــزال ً مــن‬
‫الجنــة كلمــا غــدا أو راح»‪ .‬أخرجــه البخــاري ومســلم‪ .‬إن ّ البعــض يذهــب إلــى‬
‫وجيــه ٍ مــن الوجهــاء أو غنــي ٍ مــن األغنيــاء ي ْكتـ ُ‬
‫ـب لــه معروضــا ً وربمــا ينتظـ ُـر‬
‫األيــام الطويلــة للدخــول عليــه ويبحــث عــن مديــر مكتبــه والمنســق للمواعيــد‬
‫وربمــا احتــاج إلــى الســفر وبــذل الجهــد وقــد يجــدُ حاجتــه وقــد ال يجدهــا‬
‫بينمــا ملــك الملــوك مـ ْن بيــده خزائـ ُن الســموات واألرض‪ .‬كل ُ ملــوك األرض‬
‫عبيــدُ ه وفقــراؤه يفتــح لــك بابــه ويســتقبلك يف أي وقـ ٍ‬
‫ـت وال تــر ُد حاجتــك‪ .‬إن‬ ‫ّ‬
‫الكريــم إذا قصدتــه يف بيتــه ودخلــت عليــه وطلبتــه فــا يـ ُـرد طلبــك‪ .‬فكيــف‬
‫بأكــرم األكرميــن وأنــت تقصــدُ ه يف بيتــه‪ .‬هــل يــر ُدك خائبــا ً أو مكســورا ً؟‪ّ .‬‬
‫إن‬
‫اهلل ‪ ‬مــن ح ّبــه لــك وفرحتــه بــك ُينـ ّـزل مالئكــة ًمــن الســماء ويســخرهم‬
‫لــك يقــول ‪« :‬إن للمســاجد أوتــادا ً (روا ُد المســاجد) المالئكــة‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪209‬‬ ‫فن اخلطابة‬


‫جلســاؤهم إن غابــوا افتقدوهــم وإن مرضــوا عادوهــم وإن كانــوا يف حاجــة‬
‫ـس المالئكــة‬
‫أعانوهــم»‪ .‬أخرجــه أحمــدُ والحاكــم وقــال صحيــح‪ .‬إنــك تجالـ ُ‬
‫يف بيــت الملــك ســبحانه يدعــون لــك ويرتحمــون عليــك ويســاعدونك يف‬
‫األمــر فــوق مــا تتصــوره فــإن مرتــاد بيــت اهلل‬
‫ُ‬ ‫قضــاء حوائجــك‪ .‬بــل يصــل‬
‫‪ .‬إذا مــرض أو انشــغل أو ســافر أو غــاب عــن المســجد فــرة ً ثــم رجــع‬
‫إليــه يفــرح اهلل بــه أشــد الفــرح يقــــول ‪« :‬مــا مــن رجــل ٍ كان‬
‫توطــن المســاجد فشــغله أمــر ٌ أو علــة ٌ ثــم عــاد إلــى مــا كان إال فــرح اهلل بــه كمــا‬
‫يفــرح أهــل الغائــب بغائبهــم إذا قــدم»‪ .‬أخرجــه ابــن خزيمــة يف صحيحــه‪ .‬واهلل‬
‫‪ ‬يباهــي بالمصليــن المالئكــة لمــا ص ّلــى ‪ ‬المغــرب‬
‫خــرج مــن النــاس مــن خــرج‪ .‬وقعـــد مــن قعـــد فجـــاء ‪ ‬مسرعــــا‬
‫ً قـــد حفــزه النّفــس قــد شــمر عــن ركبـتـيـــه‪ .‬فقــال‪« :‬أبشــروا هــذا ربكــم قــد‬
‫فتــح بابــا ً مــن أبــواب الســماء يباهــي بكــم المالئكــة يقــول‪ :‬انظــروا عبــادي‬
‫قــد قضــوا فريضــة ً وهــم ينتظــرون أخــرى»‪ .‬أخرجــه أحمــدُ وابــن ماجــه‪ .‬فإنــه‬
‫ســبحانه يباهــي بــزوار مســاجده المالئكــة ألهنــم قعــدوا يف المســجد يذكرونــه‬
‫ينتظــرون الصــاة‪ .‬ومــن عظمــة بيــوت اهلل أنــك مــا تخطــو خطــوة ً إال تمحــو‬
‫ســيئة ً وخطــوة ٌ تكتــب حســنة ذاهبــا ً وراجعــا ً‪ .‬أخرجــه ابــن حبــان‪ .‬بــل يؤيــد‬
‫فضــل اهلل عليــك أكثــر وأكثــر أنــك تذهــب إليــه فيجعــل ذهابــك وخطواتــك‬
‫التــي تخطوهــا إلــى المســجد كأجــر حــاج ٍ محــرم‪ .‬قــال ‪« :‬مــن‬
‫خــرج مــن بيتــه متطهــرا ً إلــى صــاة مكتوبــة فأجــره كأجــر الحــاج والمحــرم»‪.‬‬
‫وحســنه األلبــاين‪.‬‬
‫ّ‬ ‫أخرجــه أبــو داود‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫فن اخلطابة‬ ‫‪210‬‬

‫أيها املوحدون‪:‬‬

‫هــذه بعــض األجــور والحســنات والرحمــات والنفحــات التــي يحصــل‬


‫عليهــا الداخــل إلــى بيــت اهلل‪ ،‬إننــا اليــوم ال نستشــعر هــذه المعــاين وهــذه‬
‫الرحمــات كمــا استشــعرها الســلف الصالحــون‪ ،‬يقــول الربيــع بــن خثيــم‪( :‬إين‬
‫ـس بصــوت عصفــور المســجد مــن أنســي بأهــل بيتــي) يســتأنس بعصفــور‬
‫آلنـ ُ‬
‫المســجد أكثــر مــن استئناســه بأهلــه ألن العصفــور يرتــاد المســجد ويســكن‬
‫فيــه‪ ،‬وكان المســجد فــراش عطــاء بــن أبــي ربــاح عشــرين ســنة‪ .‬وكان الســلف‬
‫إذا بلــغ أحدُ هــم أربعيــن ســنة ً أو خمســين كان منزلــه المســجد يقولــون‪:‬‬
‫(مضــى مــا مضــى للدنيــا وللشــيطان فنجعــل مــا بقــي للمســجد والرحمــان)‬
‫وكان أبــو الــدرداء يقــول لولــده‪ :‬يــا بنــي ليكــن المســجد بيتــك فــإين ســمعت‬
‫رســول اهلل ‪ ‬يقــول‪« :‬إن المســاجد بيــوت المتقيــن»‪ .‬أخرجــه‬
‫هنــاد يف زهــده بسـ ٍ‬
‫ـند صحيــح‪ .‬وقــال وكيــع بــن الجــراح‪( :‬كان األعمــش قريبــا‬
‫ًمــن ســبعين ســنة ً لــم تفتــه تكبيــرة اإلحــرام) فأيــن مــن كانــت ســيماهم الصالح‬
‫مــن هــذا واليــوم نراهــم يف آخر الصفــوف حتى يف الجمــع‪ ،‬كان الســلف يحبون‬
‫المســاجد ويستأنســون هبــا ويمشــون إليهــا قــال أبــي بــن كعــب‪ :‬كان رجــل ٌ ال‬
‫أعلــم رجــا ً أبعــد مــن المســجد منــه وكان ال تخطئــه صــاة ٌ يف المســجد‪.‬‬
‫فقلــت لــه‪ :‬لــو اشــريت حمــارا ً تركبــه يف الظلمــات ويف الرمضــاء‪ .‬فقــال‪ :‬مــا‬
‫ـب المســجد‪ .‬إين أريــد أن يكتــب لــي ممشــاي إلــى‬ ‫يســرين أن منزلــي إلــى جنـ ِ‬
‫المســجد ورجوعــي إذا رجعــت إلــى أهلــي فقــال ‪ « :‬قــد جمــع‬
‫اهلل لــك ذلــك كلـّــه»‪ .‬أخرجــه مســلم‪ .‬هكــذا كانــت حياهتــم استشــعارا ً لقضيــة‬
‫ٍ‬
‫ورغبــة‪ .‬وكانــت‬ ‫االحتســاب‪ ،‬ويتعاملــون مــع ر ّبهــم بيقيــن وشــعور ٍورهبــة ٍ‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪211‬‬ ‫فن اخلطابة‬

‫المســاجدُ عندهــم خيــرا ً مــن منازلهــم يتدبــرون قولــه ‪ :‬ﮋ ﭑ ﭒ ﭓ‬


‫ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙﮊ [النــور‪ . .،]37 :‬نســأل اهلل أن يجعلنــا منهــم إنــه علــى‬
‫ذلــك قديــر‪ . .‬أقــول قولــي هــذا …‪. .‬‬

‫إذا جمعتنــا يــا جريــر المجامــع‬ ‫أولئــك آبائــي فجئنــي بمثلهــم‬

‫اخلطبة الثانية‬

‫الحمــد هلل وحــده والصــاة والســام علــى مــن ال نبــي بعـــده‪ .‬وبعـــد‪ :‬فإن‬
‫اهلل ‪ ‬لمــا خلــق العبــاد خلقهــم ليحبــوه ويعبــدوه قــال ابــن القيــم‪ :‬مــا‬
‫خلــق اهلل األرواح إال ّ لمحبتــه ســبحانه والمحــب يشــتاق لمحبوبــه يــود رؤيتــه‬
‫والجلــوس إليــه‪ ،‬اســأل نفســك يــا عبــد اهلل هــل تحــب رؤيــة اهلل والشــوق إلــى‬
‫لقائــه؟ ال تقــل نعــم وهتــز رأســك وواقعــك غيــر ذلــك‪ ،‬إن مــن عــادة المحــب‬
‫أن يذهــب إلــى مــكان محبوبــه يذهــب إلــى بيتــه‪ .‬يقــول مجنــون ليلــى‪:‬‬

‫أقبــل ذا الجــدار وذا الجــدار‬ ‫أمــر علــى الديــار ديــار ليلــى‬


‫ولكــن حــب مــن ســكن الديــار‬ ‫ومــا حــب الديــار شــغفن قلبــي‬

‫إنــك لــن تســتطيع رؤيــة اهلل يف الدنيــا‪ .‬لكنــك تســتطيع أن تــزوره يف بيتــه‬
‫يف المســجد الــذي يبعــد عنــك خطــوات‪ .‬إننــي أقولهــا وكلــي أســى واقعنــا‬
‫مؤلــم مــع بيــوت اهلل‪ .‬لقــد أعطانــا الكريــم ســبحانه كل شــيء مــن الكنــوز‬
‫والحســنات والقصــور والدرجــات وســخر لنــا مالئكتــه ونحــن ذاهبــون إلــى‬
‫ـس ْل نفســك وعـُــدْ إلــى الــوراء قليــا ً وتأمــل هــذا‬
‫مســجده وراجعــون منــه‪ .‬فـَـ َ‬
‫الحديــث الســابق‪ « :‬مــا توضــأ عبــدٌ فأســبغ وضــوءه ثــم أتــى إلــى المســجد يريد‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫فن اخلطابة‬ ‫‪212‬‬

‫الصــاة إال فــرح اهلل بقدومــه كمــا يفــرح أهــل الغائــب بقــدوم غائبهــم»‪ .‬هــل‬
‫تبــادل ربــك هــذه المحبــة؟ هــل فعــا ً تذهــب إلــى المســجد وأنــت ســعيد؟‬
‫هــل تبقــى يف المســجد وتجلــس فيــه مستشــعرا ً حبــه لــك وفرحتــه بــك؟‬
‫لألســف واقعنــا مؤلــم‪ .‬لمــاذا نضحــك علــى أنفســنا‪ .‬فنحــن نعامــل مــن يعلــم‬
‫خائنــة األعيــن ومــا تخفــي الصــدور إن البعــض ال يصلــي يف الصفــوف األولــى‬
‫بــل يتـّــكئ علــى الجــدران والســواري عنــد البــاب حتــى إذا ســلم اإلمــام خــرج‬
‫مــن المســجد بســرعة وكأنــه يف ســجن‪ .‬هــذا واقعنــا‪ .‬ندخــل المســجد بــا روح‬
‫بــا استشــعار أننــا يف بيــت اهلل الــذي يحبنــا ويفــرح بنــا‪ .‬الكثيــر والكثيــر إذا‬
‫دخــل المســجد كأنــه يف قفــص يرغــب يف أداء هــذه الركعــات والســجدات‬
‫ليســقطها مــن عنقــه ويتخلــص منهــا كيفمــا اتفــق‪ .‬البعــض عمــره خمســون‬
‫تزيــد أو تنقــص يلعــب البلــوت بالســاعات وهــو يف فــرح وســعادة‪ .‬وإذا دخــل‬
‫المســجد تضايــق يريــد الخــروج بســرعة‪ .‬البعــض يتعلــل بمرضــه وســكره‬
‫وارتفــاع ضغطــه‪ .‬ولــو خصــم مــن راتبــه خمســمائة ريــال لوقــف بالســاعات‬
‫عنــد البنــك دون تعـ ٍ‬
‫ـب أو ُشــغل أو شــكوى‪ .‬اليــوم يف بعــض المســاجد ومــا‬
‫أكثرهــا‪ .‬تجــد رفــع األصــوات والمضايقــات‪ .‬يظــن البعــض أن قــوة شــخصيته‬
‫يف رفعــه للصــوت يف المســجد واألمــر والنهــي‪ .‬والبعــض تقاعــد مــن عملــه‬
‫فبــدال ً مــن اعتكافــه يف المســجد وحبــه والبقــاء فيــه والتعلــق بــه‪ .‬ال يجــد مــا‬
‫يمــأ فراغــه فيبــدأ شــغله مــع إمــام المســجد ومؤذنــه والشــبابيك والمكيفــات‬
‫قصــر فيهــا‪ ،‬بــل إن البعـــض يســتقدم شــخصا ً علــى‬
‫وهــذا أطــال القــراءة وذاك ّ‬
‫كفالتــه ثــم يجلــس معــه ليبيــن لــه كيــف يصلــي الصــاة التــي يريدهــا وعلــى‬
‫مزاجــه‪ .‬لــو تأخــر المــؤذن دقيقتيــن أو ثالثــا ً لرأيــت االنزعــاج ورفــع الصــوت‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪213‬‬ ‫فن اخلطابة‬

‫كل ذلــك مــن أجــل الضيــق وكراهيــة البقــاء يف المســجد بيــت اهلل ‪ .‬ربنــا‬
‫يفــرح بقدومنــا والجلــوس يف بيتــه ونحــن نتثاقــل ذلــك ونتضايــق‪ .‬لمــاذا يحبنــا‬
‫اهلل ‪ ‬ونكــره البقــاء معــه يف بيتــه‪ .‬لمــا كان حالنــا كذلــك ســلبنا اهلل لــذة‬
‫الطاعــة‪ .‬البــد أن نعيــش مــع المســاجد حبــا ً وتعلقــا ً واحرتامــا ً وتعظيمــا ً لهــا‪.‬‬
‫أن نفــرح بالقــدوم إليهــا أن نســتأنس بالبقــاء فيهــا أن نحبهــا كمــا يحبنــا اهلل إذا‬
‫قدمنــا إليهــا‪ .‬أن نأخــذ زينتهــا أيعقــل أن يــأيت البعــض بمالبــس النــوم وبرائحــة‬
‫البصــل والثــوم ورائحــة بدنــه يــؤذي المالئكــة وعبــاد اهلل المؤمنيــن‪ .‬ليحــاول‬
‫المــرء أن يغيــر مــن هــذه الســاعة نظرتــه ومشــاعره نحــو المســاجد إذا دخلــت‬
‫المســجد فاستشــعر أنــه بيــت الملــك ســبحانه فاســتحضر عظمــة المــكان إذا‬
‫دخلــت المســجد‪ ،‬استشــعر أنــك بحاجــة إلــى عفــوه فكلنــا أصحــاب ذنــوب‪.‬‬
‫منكســر‬
‫ٌ‬ ‫استشــعر أن المســجد أفضــل مــكان يف حياتــك‪ .‬فادخــل وأنــت‬
‫أدب وخشــوع ﮋ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﮊ [الجــن‪:‬‬ ‫متواضــع وكلــك ٌ‬
‫‪ ،]18‬وصلــوا وســلموا علــى البشــير النذيــر والســراج المنيــر …‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫فن اخلطابة‬ ‫‪214‬‬

‫الخطبة السابعة‬
‫جنة الدنيا‬
‫الحمــد هلل القاهــر فــوق عبــاده عـ ًـزا وســلطانًا‪ ،‬القــادر علــى مــراده فمــا‬
‫قســم خلقــه شــمائل وأيما ًنــا‪ ،‬أحمــده علــى مــا عمنــا‬
‫اتخــذ صاحبــة وال أعوا ًنــا‪َ ،‬‬
‫مــن فضلــه وأوالنــا‪ ،‬وأشــهد أن ال إلــه إال اهلل وحــده ال شــريك لــه توحيــدً ا‬
‫وإيما ًنــا‪ ،‬شــهادة تكــون لشــاهدها عـ ًـزا وأما ًنــا‪ ،‬وأشــهد أن ســيدنا محمــدً ا عبــده‬
‫ورســوله دعــا إلــى التوحيــد سـ ًـرا وإعال ًنــا‪ ،‬فهــدى اهلل بــه ُص ًمــا و ُعميا ًنــا‪ ،‬صلــى‬
‫ـارا وأعوا ًنــا‪.‬‬
‫اهلل عليــه وعلــى آلــه وأصحابــه الذيــن كانــوا علــى الحــق أنصـ ً‬

‫أما بعد‪:‬‬

‫فيــا أيهــا النــاس‪ :‬اتقــوا اهلل ‪ ‬واشــكروه وأطيعــوه واســتغفروه‪ :‬ﮋ‬


‫ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﮊ ‪.‬‬

‫عنوان هذه الخطبة ‪ :‬جن ُة الدنيا‬

‫أيهــا الموحــدون‪ :‬إن األمــة يف هــذا العصــر الــذي تموج فيه الفتــن وتتنوع‬
‫فيــه المحــن وتتصــارع فيــه الشــرور لهــي أحــوج مــا تكــون إلــى قــوة التمســك‬
‫بعــرى اإليمــان‪ ،‬وهــي بحاجــة إلــى أن تــرى حقيقة تقواهــا وإيماهنــا على أرض‬
‫الواقــع لتالمــس حقيقــة التوحيــد‪ ،‬فهــذا هنايــة المطــاف وغايـ ُة المقصــد‪ ،‬وهــذه‬
‫جمعتــي الثالث ـ ُة يف الحديــث عــن اإليمــان الــذي نحــن بحاجــة إليــه أكثــر مــن‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪215‬‬ ‫فن اخلطابة‬


‫الطعــام والشــراب حتــى تعــود األمــة إلــى بســاط الريــادة والســيادة‪ ،‬وحديثــي‬
‫اليــوم مــن أعظــم أبــواب الســعادة‪ ،‬وهــو مســراح العابديــن وجنــة الدنيــا‪ ،‬مــن‬
‫ـم أعمــال‬ ‫لــم يدخـ ْـل عالمــه يف الدنيــا لــم يتـ ْ‬
‫ـذوق طعمــه يف اآلخــرة‪ ،‬وهــو أعظـ ُ‬
‫القلــوب كلِهــا‪ ،‬إنــه الرضــا بــاهلل ‪ ‬إنــه قم ـ ُة اإليمــان وحالوتــه‪ ،‬يقــول‬
‫‪« :‬ذاق طعــم اإليمــان مــن رضــي بــاهلل ر ًبــا وباإلســام دينًــا‬
‫وبمحمــد رسـ ً‬
‫ـول»‪ .‬أخرجــه مســلم‪.‬‬

‫صباحــا ومســا ًء‪« :‬رضيــت‬‫ً‬ ‫وقــد أرشــدنا الرســول ‪ ‬أن نقــول‬


‫ـول»‪ ،‬فقــال‪« :‬مــا مــن عبـ ٍـد مســلم يقــول‬
‫بــاهلل ر ًبــا وباإلســام دينًــا وبمحمــد رسـ ً‬
‫حيــن يصبــح وحيــن يمســي ثـ َ‬
‫ـاث مــرات‪ :‬رضيــت بــاهلل ر ًبــا وباإلســام دينًــا‬
‫وبمحمـ ٍـد ‪ ‬نب ًيــا إال كان ح ًقــا علــى اهلل أن يرضيــه يــوم القيامــة»‪.‬‬
‫أخرجــه أحمــد‪.‬‬

‫فهني ًئــا لــك‪ ،‬إذا قلــت هــذه الكلمــات كان ح ًقــا علــى اهلل أن يرضيــك‪،‬‬
‫وقــال ‪« :‬يــا أبــا ســعيد‪ :‬مــن رضــي بــاهلل ر ًبــا وباإلســام دينًــا‬
‫وبمحمـ ٍـد نب ًيــا وجبــت لــه الجنــة»‪ .‬أخرجــه مســلم‪ .‬ومــن قالهــا ً‬
‫أيضــا كمــا يف‬
‫صحيــح مســلم غفــر اهلل لــه ذنبــه‪.‬‬

‫فتأمــل ‪-‬يــا عبــد اهلل‪ -‬عظيــم الجــزاء واألجــر الــذي يحصل عليه المســلم‬
‫إذا قــال هــذه الكلمــات الثــاث‪ ،‬لكــن هــل هــذا األجــر العظيــم للــذي يقــول‬
‫صباحــا‬
‫ً‬ ‫هــذا الــكالم بلســانه أم بأفعالــه؟! أنــت تقــول هــذا الذكــر ثــاث مــرات‬
‫ومســا ًء‪ ،‬فهــل رضيــت بــاهلل ر ًبــا أم مجــرد مقولـ ٍـة علــى طــرف اللســان؟! مــن‬
‫رضــي بــاهلل ر ًبــا وجبــت لــه الجنــة‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫فن اخلطابة‬ ‫‪216‬‬

‫مــن هــو الراضــي منــا بــاهلل وعــن اهلل؟! هــل رضيــت بقضــاء اهلل وقــدره يف‬
‫كل حــال؟! هــل رضيــت إذا أعطــاك أو منعــك؟! هــل رضيــت بالمــرض كمــا‬
‫ترضــى بالصحــة والعافيــة؟! هــل ترضــى بالفقــر كمــا ترضــى بالغنــى؟! إن هــذا‬
‫الرضــا يحتــاج إلــى برهــان‪ ،‬إلــى عمــل وتطبيــق‪ ،‬كثيـ ٌـر مــن المســلمين اليــوم يف‬
‫حـ ٍ‬
‫ـال يلفــت النظــر ويحيـ ُـر العقــل‪ ،‬أقبلــوا علــى الدنيــا بــكل قلوهبــم‪ ،‬تســابقوا‬
‫همهــم ومبلــغ علمهــم‪ ،‬بــل بعضهــم ال‬ ‫علــى زخارفهــا وجعلــوا المـ َ‬
‫ـال أك ـرَ ّ‬
‫يبالــي هــل مكســبه مــن حــرام أو حــال ألنــه لــم يــرض بــاهلل ر ًبــا وباإلســام‬
‫دينًــا‪.‬‬

‫وتفــر ٍق‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫وبعــد عــن رهبــم‬ ‫مــا أصــاب المســلمين مــن قســوة يف قلوهبــم‬
‫ٍ‬
‫وراض بمــا أعطــاه اهلل؟!‬ ‫ـع‬ ‫ٍ‬
‫وشــتات إال بعــدم الرضــا عــن اهلل‪َ ،‬مــن منّــا اليــوم قانـ ٌ‬
‫إلــى متــى والواحــد منــا يلهـ ُ‬
‫ـث وراء الدنيــا غيــر راض عــن ربــه يظــن الســعادة‬
‫ـال والمراكــب والقصــور والمناصــب! !‬ ‫يف المـ ِ‬

‫واجعــل نصيبــك منها راح َة البــ ِ‬


‫ـدن‬ ‫ُخـ ِـذ القناعـ َة مــن دنيــاك وارض بها‬
‫ِ‬
‫والكفن‬ ‫هــل راح منهــا بغير القطــن‬ ‫وانظـ ْـر لمــن ملـ َ‬
‫ـك الدنيا بأجمعـــها‬

‫وزيــرا أو ملــ ًكا دخــل القــر بمالــه ومناصبــه‬


‫ً‬ ‫تاجــرا أو‬
‫ً‬ ‫هــل رأيتــم‬
‫اإلس ـ َكنْدر المقــدوين حكــم نصـ َ‬
‫ـف‬ ‫ومراكبــه! ! أمــا لنــا فيمــن غــر معتــر؟! ْ‬
‫الكــرة األرضيــة وحكمهــا اثنتــي عشــرة ســن ًة لمــا كان علــى ســرير المــوت‬
‫أوصــى بثــاث وصايــا‪ ،‬قــال ألحــد حاشــيته الخاصيــن‪ :‬وصيتــي األولــى‪ :‬أال‬
‫يحمــل نعشــي إال األطبــاء‪ ،‬والثانيــة‪ :‬أن ينثــر علــى طريقــي مــن مــكان مــويت‬
‫إلــى قــري الذهــب والفضــة وكل مــا جمعتــه طيلــ َة حيــايت‪ ،‬والثالثــة‪ :‬حيــن‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪217‬‬ ‫فن اخلطابة‬


‫ترفعوننــي علــى النعــش أخرجــوا يــدَ ي مــن الكفــن واجعلوهــا معلقــة للخــارج‬
‫وهمــا مفتوحتــان‪ ،‬فاســتغرب القائــد مــن وصايــاه ثــم قــال‪ :‬يــا ســيدي‪ :‬ســأنفذ‬
‫وصايــاك دون إخــال‪ ،‬لكــن أخــرين مــا الســر يف هــذه الوصايــا! ! فأخــذ الملك‬
‫ـوت إذا‬ ‫نفســا عمي ًقــا ثــم قــال‪ :‬الوصيـ ُة األولــى‪ :‬أردت أن يعــرف النـ ُ‬
‫ـاس أن المـ َ‬ ‫ً‬
‫َح َضــر فلــن يــرده أحــد حتــى األطبــاء الذيــن نســعى إليهــم إذا أصابنــا المكــروه‪،‬‬
‫والثانيــة‪ :‬حتــى يعلــم النــاس أن كل وقــت قضينــاه يف جمــع المــال ليــس إال‬
‫ـورا‪ ،‬لــن نأخــذ معنــا منــه شــي ًئا وســيذهب لمــن بعدنــا‪ ،‬والثالثــة‪ :‬ليعلــم‬
‫هبــا ًء منثـ ً‬
‫ـاس أننــا قدمنــا إلــى هــذه الدنيــا ال نملــك شــي ًئا فارغــي األيــدي‪ ،‬وســنخرج‬
‫النـ ُ‬
‫منهــا فارغــي األيــدي‪.‬‬

‫وأصــدق مــن ذلــك قو ُلــه ‪ :‬ﮋ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ‬


‫ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴﭵ ﮊ ‪.‬‬

‫أيهــا الموحــدون‪ :‬إن ســعادة المــرء الحقيقيــة يف الرضــا بــاهلل وعــن اهلل‪،‬‬
‫أن ترضــى بــاهلل ر ًبــا وأن ترضــى عــن اهلل مدبـ ًـرا‪ ،‬وهــذا عــاج القلــب واألرق‬
‫والنكــد واالكتئــاب‪ ،‬لمــا ســئل الحســن ‪ ‬عــن ســبب مــا عليــه الخلــق‬
‫فقــال‪ :‬مــن قلــة الرضــا عــن اهلل‪ .‬قيــل‪ :‬ومــا ســبب قلــة الرضــا عــن اهلل؟! قــال‪:‬‬
‫مــن قلــة المعرفــة بــاهلل‪.‬‬

‫والرضــا أن يســك َن قل ُبــك إلــى اختيــار اهلل يف الخيــر والشــر‪ ،‬وإذا رضيــت‬
‫ومدبــرا كانــت النتيجــة ﮋ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ‬
‫ً‬ ‫كمــا‬
‫بربــك َح ً‬
‫ﭩﮊ ‪ ،‬يقــول لقمــان البنــه‪ :‬أوصيــك بخصــال تقربــك مــن اهلل وتباعــدك‬
‫مــن ســخطه‪ :‬أن تعبــد اهلل ال ُتشــرك بــه شــي ًئا‪ ،‬وأن ترضــى بــاهلل فيمــا أحببــت‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫فن اخلطابة‬ ‫‪218‬‬

‫وكرهــت‪.‬‬

‫وتعالــوا ‪-‬أيهــا الموحــدون‪ -‬نتجــول يف عالــم وحيــاة الراضيــن بــاهلل‬


‫ليتبيــن حا ُلنــا مــع حالهــم‪ ،‬إبراهيــم ‪ ‬تأملــوا قصتــه وتدبروهــا‬
‫بقلوبكــم؛ جلــس يدعــو ربــه أن يهــب لــه غال ًمــا فبشــره اهلل بغــام حليــم‪ ،‬وكان‬
‫عمــر إبراهيــم ســتة وثمانيــن عا ًمــا‪ ،‬فوهبــه اهلل إســماعيل‪َ ،‬ف َك ُبــر إســماعيل‬
‫وشــب وصــار يســعى كمــا يســعى أبــوه وأحبــه إبراهيــم ح ًبــا شــديدً ا‪ ،‬وتع ّلــق‬
‫ـم يف المنــام رؤيــا يأمــره ر ُبــه أن يذبــح َو َلــدَ ه‪ ،‬يــا هلل العجــب‪،‬‬
‫بــه فــرأى إبراهيـ ُ‬
‫بعــد انتظــار طويــل لقــدوم الغــام يأمــره الملــك العــام بذبــح ولــده‪ :‬ﮋ ﭣ ﭤ‬
‫ﭥ ﭦ ﭧﮊ ‪ ،‬يذبــح ولــده فلــذة كبــده مــن أجــل أن يرضــي ربــه‪ ،‬البعــض مــا‬
‫يســتطيع أن يطلــق لحيتــه ويقصــر ثوبــه ويهجــر األغــاين والدخــان ثــم يقــول‪:‬‬
‫رضيــت بــاهلل ر ًبــا‪ ،‬يــا بنــي‪ :‬ﮋ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇﰈ ﰉ ﰊ ﰋ‬
‫ﰌ ﰍﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔﮊ ‪ ،‬إنــه الرضــا واالستســام ألمــر اهلل ‪.‬‬

‫وهــذا رســولنا ‪ ‬يدخــل عليــه عمــر وقــد رأى الحصيــر قــد‬


‫أ َّثــر علــى جسـ ِـده وتحــت رأســه وســادة مــن جلــد‪ ،‬وعنــد رأســه جلــد معلــق‪،‬‬
‫فبكــى عمــر فقــال‪ :‬مــا يبكيــك يــا عمــر؟! فقــال‪ :‬كســرى وقيصــر فيمــا هــم فيــه‬
‫وأنــت علــى حصيــر! ! فقــال لــه ‪« :‬أمــا ترضــى أن تكــون لهــم‬
‫يف الدنيــا ولنــا يف اآلخــرة»‪ .‬كل حياتــه رضــا وتســليم‪.‬‬

‫نائمــا علــى‬
‫وهــذا عمــران بــن حصيــن ‪ ‬استســقى بطنــه فبقــي ً‬
‫ظهــره طريــح الفــراش ثالثيــن ســنة ال يقــوم وال يقعــد‪ ،‬حفــروا لــه يف ســريره‬
‫‪-‬وكان مــن جريــد النخــل‪ -‬حفــروا لــه فتحــ ًة لقضــاء حاجتــه‪ ،‬فدخــل عليــه‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪219‬‬ ‫فن اخلطابة‬


‫مطـ ِّـرف بــن الشــخير فجعــل يبكــي لمــا يــراه مــن حالــه‪ ،‬فقــال لــه عمــران‪ :‬لــم‬
‫تبكــي؟! قــال‪ :‬ألين أراك علــى هــذه الحالــة العظيمــة‪ ،‬قــال‪ :‬ال تبـ ِ‬
‫ـك فـ َّ‬
‫ـإن أحبــه‬
‫إلــي‪ ،‬ثــم قــال‪ :‬أحدثــك حدي ًثــا لعــل اهلل أن ينفــع‬ ‫إلــى اهلل ‪ ‬أح ُبــه َّ‬
‫ـي‪،‬‬ ‫ِّ‬ ‫بــه‪ ،‬واكتــم عنــي حتــى أمــوت‪ ،‬إن المالئك ـ َة تــزورين فآ َنـ ُ‬
‫ـس هبــا وتس ـل ُم علـ َّ‬
‫ـم بذلــك أن هــذا ليــس بعقوبــة بــل هــو نعمـ ٌة جســيمة‪ .‬هكــذا فهمــوا معنــى‬ ‫فأعلـ ُ‬
‫اإليمــان والرضــا بالرحيــم الرحمــن‪ .‬يقولــون‪ :‬رضينــا بــاهلل صد ًقــا وح ًقــا‪.‬‬

‫قــال ســفيان الثــوري يو ًمــا عنــد العابــدة رابعــة العدويــة‪ :‬اللهــم ارض‬
‫ٍ‬
‫راض عنــه! !‬ ‫عنــا‪ ،‬فقالــت‪ :‬أمــا تســتحي أن تســأله الرضــا عنــك وأنــت غيـ ُـر‬
‫ٍ‬
‫راض عــن اهلل ولــو قــال بلســانه ألــف مــرة‪ :‬رضيــت بــاهلل‬ ‫كــم واحــد منــا غيـ ُـر‬
‫ر ًبــا! ! فقــال‪ :‬أســتغفر اهلل‪ .‬فقــال لهــا أحــدُ الجلــوس‪ :‬متــى يكــون العبــد راض ًيــا‬
‫عــن اهلل؟! اســمع ‪-‬يــا عبــد اهلل‪ -‬حقيقــة الرضــا بــاهلل ثــم احكــم علــى نفســك‪،‬‬
‫ـروره بالمصيبـ ِـة مثــل ســروره بالنعمـ ِـة‪.‬‬
‫فقالــت‪ :‬إذا كان سـ ُ‬

‫واســمعوا لعــروة ‪ ‬وهــو يطبــق هــذه المقولــة‪ُ ،‬قتِــل ولــدُ ه ولمــا‬


‫ـت رج ُلــه‪ ،‬وكل ذلــك يف نفــس اليــوم‪ ،‬فجــاء‬ ‫أراد دفنــه أصاب ْتــه األكل ـ ُة َف ُقطِعـ ْ‬
‫النــاس يعزونــه وال يــدرون هــل يعزونــه يف ولــده أم يف رجلـ ِـه فقــال‪ :‬اللهــم لــك‬
‫ٍ‬
‫راض‬ ‫الحمــد علــى مــا أعطيــت‪ ،‬ولــك الحمــد علــى مــا أبقيــت‪ ،‬أشــهدكم أين‬
‫عــن ربــي‪ ،‬ثــم قــال‪:‬‬

‫وال حملتنــي نحــو فاحشــة رجــل‬ ‫لعمـــرك مــا أهويــت كفــي لريبــة‬
‫وال دلنــي رأيــي عليهــا وال عقلــي‬ ‫وال قــادين ســمعي وال بصــري لهــا‬
‫إال قــد أصابــت فتــى قبلــي‬ ‫وأعلـم أين لم تصـبني مصيبة من اهلل‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫فن اخلطابة‬ ‫‪220‬‬

‫رضنــا وارض عنــا يــا‬


‫هــؤالء الذيــن عرفــوا رهبــم ورضــوا بــه ر ًبــا‪ ،‬فاللهــم ِّ‬
‫رب العالمين‪.‬‬

‫اخلطبة الثانية‪:‬‬

‫الحمد هلل وحده‪ ،‬والصالة والسالم على من ال نبي بعده‪.‬‬

‫وبعد‪:‬‬

‫فيــا أيهــا الموحــدون‪« :‬ســأل موســى ربــه عــن ســت خصــال‪ :‬قــال‪ :‬يــا‬
‫يذكــر وال ينســى‪ ،‬قــال‪ :‬فــأي عبــادك‬
‫ُ‬ ‫أي عبــادك أتقــى؟! قــال‪ :‬الــذي‬
‫رب‪ُ :‬‬
‫أهــدى؟! قــال‪ :‬الــذي يتبــع الهــدى‪ ،‬قــال‪ :‬أي عبــادك أحكــم؟! قــال‪ :‬الــذي‬
‫ـم ال‬
‫يحكــم للنــاس كمــا يحكــم لنفســه‪ ،‬قــال‪ :‬فــأي عبــادك أعلــم؟! قــال‪ :‬عالـ ٌ‬
‫ـع علــم النــاس إلــى علمــه‪ ،‬قــال‪ :‬فــأي عبــادك أعــز؟!‬
‫يشــبع مــن العلــم يجمـ ُ‬
‫قــال‪ :‬الــذي إذا َقــدَ َر غفــر‪ ،‬قــال‪ :‬فــأي عبــادك أغنــى؟! قــال‪ :‬الــذي يرضــى بمــا‬
‫ُي ْؤتــى»‪ .‬صححــه األلبــاين‪.‬‬

‫فالغنــى الحقيقــي والســعادة الحقيقيــة وجنــة الدنيــا أن ترضــى عــن اهلل‪،‬‬


‫وترضــى بــه ر ًبــا‪ ،‬وأن تسـ ِّل َم أمــرك لــه‪ ،‬إن أعطــاك ترضــى‪ ،‬وإن َح َرمــك فرتضى‬
‫وال تشــكو بثــك وال حزنــك إال هلل‪ ،‬وال تتســخط وال تتــرم مــن قضــاء اهلل‪ ،‬وأن‬
‫ترضــى بمــا جــاء بــه رســولك ‪ ،‬وأن تعمــل وترضــى باإلســام‬
‫دينًــا‪ ،‬فتأتمــر بأوامــره وتجتنــب نواهيــه‪ ،‬فهــذا هــو الرضــا‪ ،‬وال َي ْب ُلـ ُ‬
‫ـغ العبــدُ مقام‬
‫الرضــا إال بأربعـ ِـة أصــول فيقــول‪ :‬إن أعطيتنــي قبلــت‪ ،‬وإن منعتنــي رضيــت‪،‬‬
‫وإن تركتنــي عبــدت‪ ،‬وإن دعوتنــي أجبــت‪ .‬فــكل مــا يجــرى يف حياتــك إنمــا‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪221‬‬ ‫فن اخلطابة‬


‫ـزع علــى الدنيــا‪ ،‬وارض‬
‫يجــري بأمــر اهلل‪ ،‬فــارض بمــا قــدَّ ره اهلل لــك وال تجـ ْ‬
‫بالقليــل واص ـرْ علــى قــدر اهلل فك ُّلــه خيـ ٌـر‪ ،‬وال تشــكو مــن يرحـ ُ‬
‫ـم إلــى مــن ال‬
‫اهلل إليــه ملكيــن فقــال‪:‬‬
‫يرحــم‪ ،‬قــال ‪« :‬إذا مــرض العبــدُ بعــث ُ‬
‫ـإن هــو إذا جــاؤوه حمــد اهلل وأثنــى عليــه رفعــا‬‫انظــروا مــا يقــول لعـ َّـواده؟! فـ ْ‬
‫ذلــك إلــى اهللِ وهــو أعلــم‪ ،‬فيقــول ســبحانه‪ :‬لعبــدي علــي ْ‬
‫إن توفي ُتــه أن أ ْدخ َلــه‬ ‫َّ‬
‫بد َلــه لحمــا خيــرا مــن ِ‬
‫لحمــه‪ ،‬ود ًمــا خيـ ًـرا مــن دمــه‪،‬‬ ‫الجنــة‪ ،‬وإن أنــا شــفيتُه أن ُأ ِ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وأن أك ّفــر عنــه ســيئاته»‪ .‬رواه مالــك وصححــه األلبــاين‪.‬‬ ‫ْ‬

‫فكــن راض ًيــا ‪-‬يــا عبــد اهلل‪ -‬وقان ًعــا بمــا آتــاك اهلل‪ ،‬وكُــ ْن ُم َحق ًقــا لهــذا‬
‫ـن العظيــم‪ ،‬وقـ ْـل بقلبــك وجوارحــك‪ :‬رضيـ ُ‬
‫ـت بــاهلل ر ًبــا وباإلســام دينًــا‬ ‫الركـ ِ‬
‫وبمحمـ ٍـد نب ًيــا‪.‬‬

‫وصلــوا وســلموا علــى معلــم اإلنســانية وهــادي البشــرية محمــد بــن عبــد‬
‫اهلل ‪ ‬مــا هلــل المهللــون وكــر المكــرون‪ ،‬وعلــى آلــه وصحابتــه‬
‫ا لطيبين‬

‫أعــز اإلســام والمســلمين وأذل الشــرك والمشــركين‪ ،‬وانصــر‬


‫اللهــم ّ‬
‫عبــادك الموحديــن‪ ،‬اللهــم ارحــم موتــى المســلمين واشــف مرضاهــم وعــاف‬
‫مبتالهــم‪.‬‬

‫رضنــا بقضائــك‪ ،‬وبــارك لنــا يف عطائــك‪ ،‬وال تكشــف عنــا غطــاءك‬


‫اللهــم ِّ‬
‫يــا رب العالميــن‪.‬‬

‫اللهم عليك بأعداء الدين من الكفرة والمنافقين يا قوي يا عزيز‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫فن اخلطابة‬ ‫‪222‬‬

‫للهــم أصلــح أحــوال الراعــي والرعيــة وأحــوال األمــة اإلســامية‪ ،‬ربنــا‬


‫آتنــا يف الدنيــا حســنة ويف اآلخــرة حســنة وقنــا عــذاب النــار‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪223‬‬ ‫فن اخلطابة‬

‫الخطبة الثامنة‬
‫رأس المكارم‬
‫الحمــد هلل الملــك الســلطان‪ ،‬العظيــم الشــأن أوجــد بقدرتــه جميــع‬
‫األكــوان‪ ،‬أحمــده علــى نعــم تجــل عــن العــد والحســبان وأشــكره علــى مــا‬
‫أواله مــن جزيــل الفضــل واإلحســان‪ ،‬وأشــهد أن ال إله إال اهلل وحده ال شــريك‬
‫لــه كثيــر الخيــر دائــم اإلحســان‪ ،‬وأشــهد أن ســيدنا محمــدا عبــده ورســوله‬
‫ســيد ولــد عدنــان صلــى اهلل وســلم عليــه وعلــى آلــه وصحابتــه حملــة العلــم‬
‫والقــرآن‪ .‬أمــا بعــد‪ :‬فاتقــوا اهلل ‪ ‬فمــن اتقــاه وقــاه‪ ،‬وأســعده يف الداريــن‬
‫وهــداه‪ ،‬ومــن تقــرب إليــه آواه ﮋ ﯸ ﯹﯺ ﯻ ﯼﯽﮊ [البقــرة‪.،]282 :‬‬

‫عنوان هذه الخطبة ‪ :‬رأس المكارم‬

‫أيهــا الموحــدون‪ :‬إن المتتبــع ألحــوال األمــة ومــا يجــري بســاحتها‬


‫يــرى األحــداث يف تعاقــب ســريع وأن األمــة مقبلــة علــى مالحــم قادمــة ال‬
‫مجــال للشــك فيهــا فقــد أفصــح عنهــا النبــي األمــي صلــوات اهلل وســامه‬
‫عليــه فالمســتقبل مــا هــو إال امتــداد للماضــي‪ .‬والمســتقبل يســطره التأريــخ‬
‫ولــن يكــون مســتقبلنا القريــب بأفضــل مــن تأريخنــا القريــب وهــذه الحقائــق‬
‫توجــب علينــا أفــرادا وجماعــات تكييــف وتربيــة نفوســنا علــى هــذه التحديات‬
‫الضخمــة ولــن ترتبــى هــذه النفــوس إال عــن طريــق التطبيــق العملــي للهــدي‬
‫النبــوي والنــاس بحاجــة ماســة للتطبيــق وليســوا بحاجــة للتشــريع ﮋ ﭹ ﭺ‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫فن اخلطابة‬ ‫‪224‬‬

‫ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﮋ ﮌ ﮍ‬
‫ﮎ ﮏ ﮐ ﮑﮒﮊ [الشــورى‪ ،]13 :‬ولقــد أعطــى اهلل ‪ ‬األنبيــاء عليهــم‬
‫الســام أكمــل وأفضــل الصفــات البشــرية‪ ،‬فهــم أرحــم النــاس وأشــجعهم‬
‫وأكرمهــم وأصربهــم ويف مقدمتهــم نبينــا صلــوات اهلل وســامه عليــه الــذي‬
‫قــال فيــه ربــه‪ :‬ﮋ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﮊ [القلــم‪ ،]4 :‬ومــن أعظــم هــذه األخــاق‬
‫التــي يجــب أن نتصــف هبــا هــي صفــة الشــجاعة فالشــجاعة عمــاد الفضائــل‬
‫ورأس المــكارم حتــى قالــت العــرب‪ :‬إن كل كريهــة ترفــع أو مكرمــة تكتســب‬
‫ال تتحقــق إال بالشــجاعة‪ .‬وأنبيــاء اهلل هــم أشــجع النــاس قارعــوا المشــركين‬
‫وواجهــوا الظلــم والتآمــر ومحــاوالت االغتيــال حتــى أن الرســول صلــى اهلل‬
‫وســلم عليــه نجــا مــن أربــع عشــرة حالــة اغتيــال‪ .‬إبراهيــم ‪ ‬وهــو‬
‫فتــى يتحــدى الكفــر وأهلــه فيكســر األصنــام فيقــوم المشــركون بإضــرام النــار‬
‫أمامــه ليقذفــوه فيهــا فمــا وهنــت عزيمتــه وال رجــع عــن دعوتــه‪ .‬وهــذا موســى‬
‫‪ ‬يقــف يف وجــه أعتــى طاغيــة عرفتــه البشــرية ﮋ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ‬
‫ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﮊ [اإلســراء‪،]102 :‬‬
‫وصــدق اهلل الــذي يقــول‪ :‬ﮋ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡﯢ‬
‫ﯣ ﯤ ﯥﮊ [األحــزاب‪ .،]39 :‬وأمــا رســولنا الكريــم فلــه الســيرة المثلــى‬
‫والقــدح المعلــى يف الرجولــة والشــجاعة والــذي يقــول عن نفســه‪« :‬ال تجدوين‬
‫بخيــا وال كذوبــا وال جبانــا»‪ .‬ويف الصحيحيــن عــن أنــس ‪ ‬قــال‪( :‬كان‬
‫النبــي ‪ ‬أحســن النــاس‪ ،‬وأشــجع النــاس‪ ،‬وأجــود النــاس)‪ .‬ومــرة‬
‫ـول اهَّللِ‬ ‫ات َلي َلـ ٍـة َفا ْن َط َلـ َـق َنــاس قِبـ َـل الصــو ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ـم َر ُسـ ُ‬ ‫ت َف َت َل َّق ُ‬
‫اهـ ْ‬ ‫َّ ْ‬ ‫ٌ َ‬ ‫َفـ ِـز َع َأ ْهـ ُـل ا ْل َمدينَــة َذ َ ْ‬
‫س ِلَبِــي َط ْل َح َة‬ ‫اجعــا و َقــدْ سـب َقهم إِ َلــى الصــو ِ‬
‫ت َو ُهـ َـو َع َلــى َفـ َـر ٍ‬ ‫َّ ْ‬ ‫َ َ ُ ْ‬ ‫‪َ ‬ر ِ ً َ‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪225‬‬ ‫فن اخلطابة‬


‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ـم ُت َرا ُعــوا َلـ ْ‬
‫ـم ُت َرا ُعــوا»‪ .‬رواه البخــاري‬ ‫ـول‪َ « :‬لـ ْ‬
‫ف َو ُهـ َـو َي ُقـ ُ‬ ‫ُعـ ْـر ٍي فــي ُعنُقــه َّ‬
‫السـ ْي ُ‬
‫ومســلم‪ .‬ولمــا كانــت معركــة أحــد وجــرى فيهــا مــا جــرى شــج وجهــه الطاهــر‬
‫ـي بــن خلــف أقســم بالــات‬
‫وكســرت رباعيتــه وســال منــه الــدم فلمــا رآه أبـ ُّ‬
‫ـوت يــا محمــد فأقبــل أبــي بــن خلــف فأخــذ‬
‫والعــزى وقــال‪ :‬ال نجــوت ُإن نجـ َ‬
‫‪ ‬حربــة مــن أحــد أصحابــه فانتفــض انتفاضــة تطايــر مــن حولــه‬
‫تطايــر َّ‬
‫الشــعراء مــن علــى ظهــر البعيــر فطعنــه طعنــة أطاحــت برأســه‬

‫وال مثــل الشــجاعة يف الحكيــم‬ ‫وكل شــجاعة يف المــرء تفنــي‬

‫أيهــا الموحــدون‪ :‬إذا اعتــاد الفتــى خــوض المنايــا فأهــون مــا يمــر بــه‬
‫الوحــول‪ ،‬وعيــش يــوم واحــد كاألســد خيــر مــن عيــش مئــة ســنة كالنعامــة‪.‬‬
‫وهكــذا ربــى ‪ ‬أصحابــه وأمتــه‪ ،‬ف َعــ ْن ســعد بــن أبــي وقــاص‬
‫ِ‬ ‫َان النَّبِــي ‪ ‬ي َع ِّلمنَــا َه ُ ِ ِ‬
‫ــؤ َلء ا ْل َكل َمــات ك ََمــا ُت َع َّل ُ‬
‫ــم‬ ‫ُ ُ‬ ‫ُّ‬
‫ــال‪ :‬ك َ‬ ‫‪َ ‬ق َ‬
‫ـن َو َأ ُعــو ُذ‬ ‫ـك مِ ـ َن ا ْل ُج ْبـ ِ‬‫ل َو َأ ُعــو ُذ بِـ َ‬ ‫خـ ِ‬ ‫ـك مِ ـ َن ا ْل ُب ْ‬‫ـم إِ ِّنــي َأ ُعــو ُذ بِـ َ‬ ‫ِ‬
‫ا ْلكتَا َب ـةُ‪« :‬ال َّل ُهـ َّ‬
‫اب ا ْل َقــر»‬ ‫ـك مِـ ْن فِ ْتنَـ ِـة الدُّ ْن َيــا َو َعـ َـذ ِ‬‫ـك مِـ ْن َأ ْن ُنـ َـر َّد إِ َلــى َأ ْر َذ ِل ا ْل ُع ُمـ ِـر َو َأ ُعــو ُذ بِـ َ‬‫بِـ َ‬
‫ويف حديــث عبــادة (بايعنــا رســول اهلل ‪ ‬ونحــن عصابــة حولــه‬
‫أن نقــول الحــق وال نخشــى يف اهلل لومــة الئــم) ولقــد ســطر أبــو بكــر الصديــق‬
‫كلمــة رائــدة حفظهــا النــاس وتكلــم عنهــا المفكــرون والعلمــاء والنبــاء‬
‫(اطلــب المــوت توهــب لــك الحيــاة)‪ .‬ولمــا قــام مســيلمة الكــذاب يف اليمامــة‬
‫وادعــى النبــوة قــال لــه أبــو بكــر‪( :‬والــذي نفســي بيــده ألقاتلنــه بقــوم يحبــون‬
‫المــوت كمــا يحــب الحيــاة)‪ .‬وقــد بيــن ‪ ‬أســوأ مــا يف الرجــل‬
‫فقــال‪« :‬شــر مــا يف الرجــل شــح هالــع وجبــن خالــع»‪ .‬أخرجــه أبــوداوود‪ .‬وهــذا‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫فن اخلطابة‬ ‫‪226‬‬

‫عمــرو بــن معــد يكــرب ‪ ‬جلــس مــع عمــر ‪ ‬فقــال لــه عمــر يــا‬
‫عمــرو أخــرين عــن أجبــن رجــل القيتــه فقــال يــا أميــر المؤمنيــن‪ :‬كنــت أشــن‬
‫الغــارة فرأيــت فارســا البســا المــة الحــرب وهــو راكــب فرســه فقلــت‪ :‬يــا أيهــا‬
‫الفــارس خــذ حــذرك فــإين قاتلــك ال محالــة فقــال لــي‪ :‬ومــن تكــون؟ فقلــت‬
‫عمــرو بــن معــد يكــرب فســكت ودنــوت منــه فوجدتــه قــد مــات مــن شــدة‬
‫الخــوف فهــذا أجبــن مــن لقيــت‪ .‬والجبــن مــن أرذل وأســوأ صفــات المــرء‬
‫والجبــان يعيــش يف ظلمــات الهــم والغــم ﮋ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱﮊ [المنافقــون‪:‬‬
‫‪ ،]4‬يمــوت يف اليــوم ألــف مــرة يخــاف مــن الحشــرات والحيوانــات والقطــط‬
‫والجــن والبشــر فكيــف يعيــش؟ وكــم يف األمــة مــن أمثــال هــؤالء؟ ذكــر ابــن‬
‫عبــد ربــه يف العقــد الفريــد ســيرة رجــل تربــى علــى الجبــن وكان مــن أجبــن‬
‫العــرب‪ ،‬يقــال لــه أبــو حيــة النميــري كان جبا ًنــا يضــرب بــه المثــل‪ ،‬أخــذ ســي ًفا‬
‫مــن خشــب‪ ،‬فكانــت قبيلتــه إذا قاتلــت أخــذ الســيف مــن الخشــب وجلــس يف‬
‫آخرهــم‪ ،‬فــإن انتصــروا ضــارب معهــم وإن هزمــوا فــر‪ ،‬وكان يســمي ســيفه‬
‫(مالعــب المنيــة) وكان يعــرض ســيفه مــن الخشــب أمامــه ويقــول‪ :‬يــا ســيف‪،‬‬
‫كــم مــن نفــس أهدرهتــا ومــن دم أســلته! ! وهــو يعلــم أنــه كــذاب جبــان‪ .‬يقــول‬
‫عمــر ‪ :‬الشــجاعة والجبــن غرائــز يف الرجــال تجــد الرجــل يقاتــل ال‬
‫يبالــي أال يــؤوب إلــى أهلــه وتجــد الرجــل يفــر مــن أمــه وأبيــه‪ .‬والشــجاع‬
‫محبــب إلــى عــدوه والجبــان مكــروه حتــى مــن أبيــه وأمــه‪ .‬والشــجاعة تــأيت‬
‫باالكتســاب والرتبيــة وهــذا مــا قصــر فيــه كثيــر مــن النــاس مــع أوالدهــم فــا‬
‫يرتكــه يتكلــم وال يــأذن لــه بالتعبيــر عــن رأيــه فيواجــه الكبــت والتضييــق‬
‫والمصــادرة ففــي الفصــل اســكت‪ ،‬ويف البيــت اســكت‪ ،‬ويف المجلــس اســكت‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪227‬‬ ‫فن اخلطابة‬


‫حتــى خــرج لنــا جيــل ال يســتطيع النطــق بكلمتيــن‪ .‬انظــروا الفــرق بيــن تربيــة‬
‫أبنــاء الصحابــة وتربيتنــا ألبنائنــا مــر عمــر ‪ ‬يومــا وإذا بصغــار يلعبــون‬
‫ـم‬ ‫ِ‬
‫يف الطريــق فلمــا رأوا عمــر فــروا لهيبتــه إال غالمــا صغيــرا فقــال لــه عمــر لـ َ‬
‫ــم تفــر معهــم؟ فقــال‪ :‬لــم أجــرم حتــى أخافــك ولــم يكــن الطريــق ضيقــا‬ ‫َل ْ‬
‫حتــى أوســع لــك‪ .‬فتبســم عمــر ومســح علــى رأســه‪ .‬هــذا الغــام هــو عبــداهلل‬
‫بــن الزبيــر الــذي تربــى يف جامعــة الشــجاعة فأمــه أســماء وأبــوه الزبيــر وأخــوه‬
‫مصعــب كلهــم ماتــوا يف ســبيل اهلل لمــا كانــت فتنــة الحجــاج‪ ،‬قــال عبــد اهلل بــن‬
‫الزبيــر ألمــه أســماء‪ :‬يــا أمــاه الحجــاج قــد أغلــق الحــرم ومعــه اثنــا عشــر ألفــا‬
‫وليــس معــي إال خمــس مئــة فمــاذا أفعــل؟ هــل أســلم نفســي؟ فقالــت‪ :‬اتــق اهلل‬
‫وقاتــل حتــى تقتــل‪ .‬قــال‪ :‬واهلل ال أخــاف القتــل ولكــن أخشــى أن يمثــل بــي‪.‬‬
‫فقالــت‪ :‬ال يضــر الشــاة ســلخها بعــد موهتــا فصمــد حتــى قتــل وصلبــه الحجــاج‬
‫فجــاءت أمــه وهــو مصلــوب فقالــت‪ :‬الســام عليــك أمــا آن لهــذا المصلــوب‬
‫أن يرتجــل وللفــارس أن ينــزل هكــذا ربــوا أبناءهــم فخــرج جيــل يحمــل الروح‬
‫علــى كفــه شــجاعة وعــزا‪ .‬أقــول قولــي هــذا ……‬

‫اخلطبة الثانية‬

‫الحمــد هلل وحــده والصــاة والســام علــى رســول اهلل وبعــد‪ :‬فيــا أيهــا‬
‫الموحــدون‪ :‬الشــجاعة مطلــب عظيــم وهــي صفــة األنبيــاء واألتقيــاء والنبــاء‬
‫وهــي ســر بقــاء البشــر واســتمرار الحيــاة‪ ،‬والشــجاعة وقايــة والجبــن مقتلــة‏ َع ْن‬
‫ـول اهَّللِ‏‏‪« :‬‏ي ِ‬
‫ـم‬‫ـم َأ ْن‏‏ َتدَ ا َعــى‏ َع َل ْي ُكـ ْ‬
‫ـك ْالُ َمـ ُ‬ ‫وشـ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ـال َر ُسـ ُ‬ ‫ـال‏‪:‬‏ َقـ َ‬
‫ـان‏ َقـ َ‬
‫‏‏ َث ْو َبـ َ‬
‫ـال‪:‬‬ ‫ـال َقائِـ ٌـل‪َ :‬ومِـ ْن قِ َّلـ ٍـة ن َْحـ ُن َي ْو َمئِـ ٍـذ؟ َقـ َ‬
‫‏الَ َك َلـ ُة إِ َلــى‏‏ َق ْص َعتِ َهــا‪.‬‏ َف َقـ َ‬
‫ك ََمـا‏‏ َتدَ ا َعــى ْ‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫فن اخلطابة‬ ‫‪228‬‬

‫اهَّلل مِـ ْن ُصــدُ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ٍ ِ‬


‫ور‬ ‫‏السـ ْيلِ‪َ ،‬و َل َين َْز َعـ َّن ُ‬
‫ـم‏ ُغ َثــا ٌء‏ َك ُغ َثــاء َّ‬‫ـم َي ْو َمئــذ كَثيـ ٌـر‪َ ،‬و َلكنَّ ُكـ ْ‬ ‫َبـ ْـل َأ ْن ُتـ ْ‬
‫ــال َقائِ ٌ‬
‫ــل‪َ :‬يــا‬ ‫ــم ا ْل َو ْهــ َن‪َ .‬ف َق َ‬ ‫ِ‬
‫اهَّلل فــي ُق ُلوبِ ُك ْ‬
‫ِ‬
‫ــم‪َ ،‬و َل َي ْقذ َفــ َّن ُ‬
‫ِ‬
‫ُــم ا ْل َم َها َبــ َة منْ ُك ْ‬
‫عَدُ ِّوك ْ‬
‫ت»‪ .‬أخرجــه أبــو‬ ‫اهي ـ ُة ا ْلمــو ِ‬
‫َ ْ‬
‫ِ‬
‫ـب الدُّ ْن َيــا َوك ََر َ‬
‫ـال‪ُ :‬حـ ُّ‬ ‫ـول اهَّللِ َو َمــا ا ْل َو ْه ـ ُن؟ َقـ َ‬‫َر ُسـ َ‬
‫داود وهــذه آفــة اآلفــات عندمــا تكثــر األمــة ويقــل يف صفوفهــا الشــجعان‪.‬‬
‫وال يظــن ظــان أن الشــجاعة هــي التهــور وقلــة أدب واســتغالل للمناصــب‬
‫ومضايقــة اآلخريــن وأخــذ أمــوال النــاس بالباطــل هــذا كلــه ال يعــد شــجاعة‬
‫بــل هــو ظلــم وتجــاوز‪ ،‬إن الشــجاعة تكــون يف الحــق والنــزال وإبــداء الــرأي‬
‫والنصــح والتحــدث يف المجامــع وأمــر بمعــروف وهنــي عــن منكــر‪ .‬ويســتطيع‬
‫المــرء أن يربــي نفســه علــى الشــجاعة واكتســاهبا مــع الوقــت وهنــاك أســباب‬
‫تعيــن علــى اكتســاب الشــجاعة منهــا‪ :‬أوال‪ :‬ترســيخ عقيــدة القضــاء والقــدر يف‬
‫النفــس‪ :‬الشــك أن المــرء يخشــى مــن قطــع األرزاق‪ ،‬وقطــع األعنــاق ولــذا‬
‫تكفــل اهلل ‪ ‬هبمــا فقــال ســبحانه‪ :‬ﮋ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ‬
‫ﮛﮜﮊ [آل عمــران‪ ،]145 :‬فهــل ســمعتم أن نفســا تمــوت بغيــر إذن اهلل؟ ولــن‬
‫تمــوت نفــس حتــى تســتكمل رزقهــا‪ .‬والرســول ‪ ‬ربــى األمــة على‬
‫هــذه العقيــدة فيقــول‪« :‬واعلــم أن األمــة لــو اجتمعــت علــى أن ينفعــوك بشــيء‬
‫لــم ينفعــوك إال بشــيء قــد كتبــه اهلل لــك‪ ،‬ولــو اجتمعــت علــى أن يضــروك‬
‫بشــيء لــم يضــروك إال بشــيء قــد كتبــه اهلل عليــك رفعــت األقــام وجفــت‬
‫الصحــف»‪ .‬أخرجــه الرتمــذي ثانيــا‪ :‬االقتنــاع بــأن أكثــر حــاالت الخــوف مــن‬
‫صناعــة الوهــم‪ .‬قــال ســبحانه ﮋ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ‬
‫ﭬﮊ [آل عمــران‪ ،]175 :‬فيتقــدم اإلنســان ويتأخــر بمــا يف قلبــه مــن وهــم‪.‬‬
‫والشــجاعة ال تقــدم أجــل المــرء ولــو لحظــة والجبــن ال يؤخــره وقــد علمنــا‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪229‬‬ ‫فن اخلطابة‬

‫‪ ‬أن نقــول‪« :‬قــدر اهلل ومــا شــاء فعــل»‪ .‬حتــى نتخلــص مــن‬
‫األوهــام‪ ،‬ثالثــا‪ :‬اإلعــداد والتدريــب‪ .‬فيــدرب نفســه علــى مواطــن الشــجاعة‬
‫ومواجهــة الشــدائد شــيئا فشــيئا‪ ،‬رابعــا‪ :‬الكــرم واإلنفــاق‪ :‬حيــث يحميــك مــن‬
‫البخــل والجبــن‪ ،‬فالبخيــل ال يمكــن أن يكــون شــجاعا بــل البخــل دليــل علــى‬
‫الضعــف والخــور‪.‬‬

‫فهــذه بعــض أســباب اكتســاب الشــجاعة التــي يحتــاج إليهــا الفــرد‬


‫والمجتمــع‪ ،‬وأشــجع النــاس مــن قــاوم هــوى نفســه وحبســها عــن الشــهوات‪،‬‬
‫وصلــوا وســلموا علــى معلــم اإلنســانية وهــادي البشــرية صلــوات اهلل وســامه‬
‫عليــه كل صبــح وعشــية‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫فن اخلطابة‬ ‫‪230‬‬

‫فهرس املوضوعات‬

‫تقريظ د‪ .‬عائض القرين‪4.....................................................‬‬


‫ً‬
‫أول‪ :‬المقدمة‪7...............................................................‬‬
‫‪ -1‬تعريف الخطبة‪10.................................................‬‬
‫‪ -2‬أنواع الجماهير‪12...............................................‬‬
‫‪ -3‬أقسام الخطابة‪14................................................‬‬
‫‪ -4‬أهمية الخطبة‪16.................................................‬‬
‫ثان ًيا‪ :‬عقبات يف طريق الخطيب‪21...........................................‬‬
‫‪ -1‬الخوف من الجمهور‪22.........................................‬‬
‫‪ -2‬اختيار الموضوع‪28.............................................‬‬
‫‪ -3‬التقليد‪32........................................................‬‬
‫‪ -4‬زمن الخطبة‪34..................................................‬‬
‫‪ -5‬ضعف اللغة‪38..................................................‬‬
‫‪ -6‬العجب والغرور‪42..............................................‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪231‬‬ ‫فن اخلطابة‬


‫‪ -7‬انشغال الناس عن الخطيب‪47..................................‬‬
‫‪ -8‬النقد‪50..........................................................‬‬
‫‪ -9‬النوازل والمستجدات‪54........................................‬‬
‫ثال ًثا‪ :‬ثقافة الخطيب‪59.......................................................‬‬
‫راب ًعا‪ :‬آداب يتحلى هبا الخطيب‪61............................................‬‬
‫خامسا‪ :‬الخطيب والسياسة‪83...............................................‬‬
‫ً‬
‫سادسا‪ :‬صفات للخطيب على المنرب‪87......................................‬‬
‫ً‬
‫‪ -1‬الحماسة‪88.......................................................‬‬
‫‪ -2‬اللباس‪89.........................................................‬‬
‫‪-3‬الوقفة‪91...........................................................‬‬
‫‪ -4‬التمهل يف اإللقاء‪92...............................................‬‬
‫ساب ًعا‪ :‬مكتبة الخطيب‪93.....................................................‬‬
‫ثامنًا‪ :‬كيف تكون مبد ًعا؟‪117................................................‬‬
‫ً‬
‫أول‪ :‬اإلعداد الجيد‪118..............................................‬‬
‫‪ -1‬اختيار الموضوع‪119.............................................‬‬
‫‪ -2‬الرتكيز‪119........................................................‬‬
‫‪ -3‬جمع العناصر والشواهد‪120.....................................‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫فن اخلطابة‬ ‫‪232‬‬

‫‪ -4‬الخاتمة‪121......................................................‬‬
‫ثان ًيا‪ :‬اإللقاء‪123............................................................‬‬
‫‪-1‬فصاحة اللسان‪123...............................................‬‬
‫‪ -2‬طبقات الصوت‪125..............................................‬‬
‫‪ -3‬الحركة واإلشارة‪128.............................................‬‬
‫‪ -4‬التشويق‪129......................................................‬‬
‫‪ -5‬توزيع النظرات‪131...............................................‬‬
‫ثال ًثا‪ :‬االرتجال والورقة‪132..................................................‬‬
‫راب ًعا‪ :‬التوازن يف الطرح‪136..................................................‬‬
‫خامسا‪ :‬تجديد الخطاب‪140.................................................‬‬
‫ً‬
‫سادسا‪ :‬دراسة فن الخطابة‪144..............................................‬‬
‫ً‬
‫ساب ًعا‪ :‬الهمة‪147.............................................................‬‬
‫نماذج من الخطب‪151.......................................................‬‬
‫‪ -1‬وقفات مع بيوت اهلل‪152.........................................‬‬
‫‪ً -2‬‬
‫مهل أيها المتعالون‪172..........................................‬‬
‫‪ -3‬تجارة المفلسين‪175..............................................‬‬
‫‪ -4‬رأس المكارم‪187.................................................‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪233‬‬ ‫فن اخلطابة‬


‫‪ -5‬رسالة إلى مكروب‪195...........................................‬‬
‫‪ -6‬قلوب الطير‪206..................................................‬‬
‫‪ -7‬موانع السعادة‪214................................................‬‬
‫‪ -8‬جنة الدنيا‪223.....................................................‬‬
‫الفهارس‪230.................................................................‬‬

‫‪‬‬

You might also like