Professional Documents
Culture Documents
العقود الادارية
العقود الادارية
15 -١٢المطلب االول /أن يكون أحد أطراف العقد اإلداري شخصا ً
من أشخاص القانون العام
17 المطلب الثاني /أن يكون العقد اإلداري متصالً بمرفق -١٤
19 المطلب الثالث /أن يتضمن العقد اإلداري شروطا ً استثنائية -١٥
غير مألوفة
21 الخاتمة
23 المصادر
-1-
ات ِِّمَّا َع ِملُوا ۖ َولِيُ َوفِِيَ ُه ْم أَ ْع َما ََلُْم َو ُه ْم ََل
﴿ َولِ ُك ٍِّل َد َر َج ٌ
يُظْلَ ُمو َن﴾
-2-
إلى نبي الهدى وإمام التقى شفيعي محمد (صلى •
هللا عليه وسلم )….
إلى نبع الحنان ,ومن لراحتي لم تغمض لها اجفان •
,و ُجعلت تحت أقدامها الجنان أمي….
إلى سندي في طريقي ,ومن بفضله جعل الكتاب •
رفيقي أبي…
إلى زهور ايامي ,ومن وجدت فيهم ابتسامتي , •
وعند الضيق هم امامي إخوتي…..
إلى من هم ورثة األنبياء ,وللجاهلين دواء ,وللناس •
ضياء أساتذتي....
-3-
شكر وعرفان
لقد حثنا هللا في كتابه العزيز على شكر الناس " قائال" َوفَ ْوقَ كُل ذي ع ْلم َ
عليم" (سورة يوسف
آية )76صدق هللا العظيم.
نشكر هللا العلي القدير الذي أنعم علينا بنعمة العقل والدين القائل في محكم التنزيل عن أبي
هريرة -رضي هللا عنه -قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم " من ال يشكر الناس ال يشكر هللا".
وأيضا وفاء وتقديرا ً واعترافا منا بالجميل نتقدم بجزيل الشكر ألولئك المخلصين الذين لم يألوا
جهدا ً في مساعدتنا في مجال البحث العلمي ،ونخص بالذكر االستاذ الفاضل ( أ.م.د .حسن طالل
يونس) على هذه الدراسة وصاحب الفضل في توجيهنا ومساعدتنا في تجميع المادة البحثية وايضا ً
اللجنة المشرفة على مناقشتنا في هذا البحث ،فجزاكم هللا خيرا ً .
ونتقدم بشكرنا الى عمادة كلية الحقوق في جامعة الموصل التي قدمت لنا الدعم الكبير والمساعدة
وخصوصا ً عميد الكلية الدكتور وسام نعمت السعدي.
وأخيرا ،نتقدم بجزيل شكري إلى كل من مدوا لنا يد العون والمساعدة في إخراج هذه البحث على
أكمل وجه.
-4-
ملخص البحث
إن اإلدارة العامة في سبيل ممارستها لنشاطها والقيام بأعمالها تبرم نوعين من العقود :عقودا ً
مدنية ،وعقودا ً إدارية؛ ولهذا ظهرت الحاجة إلى تمييز العقد اإلداري عن العقد المدني اللذين
تبرمهما اإلدارة العامة ،الختالف النظام القانوني الذي يخضع له كل من العقدين ،فضالً عن تحديد
الجهة المختصة بنظر المنازعات التي تنشأ عن أي منهما ،ولهذا جاءت هذه الدراسة لبحث وتناول
خصائص العقود اإلدارية وتمييزها عن غيرها من العقود األخرى ،حيث تتمثل هذه الخصائص
في أن يكون أحد طرفي العقد اإلداري شخصا ً معنويا ً عاما ً يتعاقد بوصفه سلطة عامة ،وأن يتصل
العقد اإلداري بنشاط مرفق عام بقصد تسييره أو تنظيمه ،وأن يتسم بالطابع الممتد للعقود اإلدارية،
وهو انتهاج أسلوب القانون العام.
-5-
المقدمة
تقوم جهة اإلدارة بإبرام نوعين من العقود عقودا ً مدنية ،وأخرى إدارية ،ويحكم كل نوع من العقود
قواعد قانونية خاصة به مما يؤدي إلى الحاجة للتمييز بينهما ،حيث يترتب على التمييز بينهما
نتائج هامة تتعلق بالنظام القانوني الذي يخضع له العقد ،فضالً عن تحديد الجهة التي تختص
بالنظر في المنازعات التي تنشأ عن أي منهما .ويتميز العقد اإلداري عن العقد المدني في أن
الشخص المعنوي العام يكون أحد أطرافه ،وكما يعتمد هذا الشخص المعنوي العام في إبرامه
وتنفيذه للعقد اإلداري على أساليب القانون العام ووسائله ،إما بتضمينه شروطا ً استثنائية غير
مألوفة في عقود القانون الخاص ،سواء أكانت هذه الشروط واردة في ذات العقد ،أم مقررة
بمقتضى القوانين واللوائح ،أم بمنح المتعاقد مع جهة اإلدارة حقوقا ً ال مقابل لها في عقود القانون
الخاص بسبب كونه ال يعمل لمصلحة فردية ،بل يعمل للمصلحة العامة؛ حيث يقوم بمعاونة السلطة
اإلدارية ،ويشترك معها في إدارة المرفق العام أو استغالله أو تسييره تحقيقا ً للمنفعة العامة.1
كما يفترق العقد اإلداري عن القرار اإلداري؛ في أن العقد اإلداري هو تعبير عن أكثر من إرادة،
بينما القرار اإلداري هو إفصاح عن إرادة واحدة هي إرادة الجهة اإلدارية فالعقد اإلداري هو
اتفاق تبرمه جهة اإلدارة مع أحد األشخاص ،وتحدد فيه حقوق والتزامات الطرفين ،بخالف
القرار اإلداري الذي هو عمل قانوني صادر عن إرادة منفردة من جانب اإلدارة وحدها .2هذا
وقد استقر الفقه والقضاء سواء في فرنسا أو مصر على تعريف العقد اإلداري بأنه ((:االتفاق الذي
يكون أحد أطرافه شخصا ً معنويا ً عاما ً بقصد إدارة أحد المرافق العامة أو تسييرها ،وتظهر فيه
النية في األخذ بأسلوب القانون العام ،وذلك بتضمين العقد شروطا ً استثنائية غير مألوفة في التعامل
بين األفراد بعضهم بعضاً ،سواء بتمتع اإلدارة بامتيازات وسلطات ال يتمتع بها األفراد ،أو بمنح
المتعاقد سلطات استثنائية في مواجهة الغير ال يتمتع بها لو تعاقد مع غيره من األفراد ،كأن يكون
صاحب احتكار فعلي أو منحه حق االستيالء على بعض العقارات المملوكة للغير فترة مؤقتة ))
. 3كما أن للعقد اإلداري أركان العقد المدني ذاتها من تراض و محل وسبب وشكل .4
1د .محمود عاطف البناء العقود اإلدارية ،دار الفكر العربي ،القاهرة ،الطبعة األولى،۲۰۰۷ ،ص ٦وما بعدها.
-كذلك ينظر :د .عزيزة الشريف ،دراسات في نظرية العقد اإلداري وتطبيقاتها في الكويت مطبوعات جامعة الكويت ،كلية الحقوق
الطبعة األولى ،۱۹۹۸ ،ص ۱۹وما بعدها.
2ويرى بعض الفقه ،أن معيار التمييز بين العقد اإلداري والقرار اإلداري هو عنصر الرضا ،فبينما هو غير موجود في القرار
اإلداري ،فإنه قائم في العقد اإلداري ،بخصوص هذا الرأي يراجع:
A.de LAUBADERE (A. de), F. Moderne P. Delvolvé, Traite des Contrats administratifs, T. 1, 1983, P. 56
ets.
3د .أنس جعفر ،العقود اإلدارية ،دار النهضة العربية ،القاهرة ،الطبعة الثالثة ،۲۰۰۳ ،ص .۱۳
4د .يوسف خليل السلوم ،الظروف الطارئة وإعادة التوازن المالي للعقد اإلداري ،دار الجامعة الجديدة ،اإلسكندرية ، ۲۰۲۲ ،ص.۲٥
-كذلك ينظر :د .عبد العزيز عبد المنعم خليفة ،األسس العامة للعقود اإلدارية ،دار الفكر الجامعي ،اإلسكندرية ،۲۰۰٥ ،ص.۷
-6-
أهمية البحث:
تأتي أهمية البحث انطالقا ً من أهمية العقود اإلدارية في وقتنا الحاضر ،وما صاحبها من تطورات
متسارعة أدت إلى تنوعها ،واختالف طبيعتها عما كانت عليه في السابق إضافة لرغبة الدول
الملحة في تحقيق اإلصالح االقتصادي ،وإنجاز مشروعات البنية التحتية األساسية ،األمر الذي
يؤدي إلى إبرام هذه الدول الكثير من العقود اإلدارية ،من أجل إنشاء المرافق العامة ،والمحافظة
على حسن سيرها بانتظام واطراد ،ومن ثم الوصول إلى تحقيق المصلحة العامة ،ولذلك ظهرت
أهمية إبراز وتناول خصائص العقود اإلدارية التي تبرمها الدولة عن عقودها المدنية ،خاصة أن
إبرام العقود اإلدارية يتضمن شروطا ً استثنائية غير مألوفة في عقود القانون الخاص ،وذلك لتحقيق
المصلحة العامة.
إشكالية البحث:
تتمثل المشكلة في عدم التمييز بين ما تبرمه اإلدارة من عقود ،فمن المسلم به أن اإلدارة تبرم
نوعين من العقود ،عقود مدنية ،وعقود إدارية ،ويترتب على التمييز بينهما نتائج هامة تتعلق
بالنظام القانوني الذي يخضع له العقد ،سواء أكان عقدا ً إداريا ً أم عقدا ً مدنياً ،فضالً عن تحديد
الجهة التي تختص بالنظر في المنازعات التي تنشأ عن أي منهما ،ولعالج هذه المشكلة قمنا بتناول
خصائص العقود اإلدارية التي تبرمها اإلدارة حتى نميزها عن العقود المدنية التي تبرمها اإلدارة،
وهذا هو السبب الذي دفعني الختيار هذا الموضوع ،وبحثه في هذه الدراسة.
-7-
المبحث األول
ماهو العقد اإلداري
تمهيد وتقسيم:
من المسلم به أن عقود اإلدارة ال تخضع كلها لنظام قانوني واحد ،إذ قد يكون العقد عقدا ً من عقود
القانون الخاص يختص بنظر المنازعات الناشئة عنه القضاء العادي حيث تكون اإلدارة فيه على
قدم المساواة مع األفراد ،كما قد يكون العقد عقدا ً إداريا ً تسري عليه أحكام القانون العام ،حيث
يبدو مركز اإلدارة مميزا ً وأسمى من مركز المتعاقد معها ،ففي هذه الحالة ينعقد االختصاص بنظر
المنازعات الناشئة عنه للقضاء اإلداري ،ولذلك سنقسم هذا المبحث إلى المطالب الثالثة التالية:
المطلب األول :تعريف العقد اإلداري
المطلب الثاني :العقود اإلدارية بتحديد القانون
المطلب الثالث :العقود اإلدارية بطبيعتها
-8-
المطلب األول :تعريف العقد اإلداري
برى معظم الفقه الفرنسي أن تعريف العقد واحد في مختلف فروع القانون ،ولكن النظام القانوني
يختلف من عقد إلى آخر ،ويعرف العقد بصورة عامة بأنه(( :اتفاق إرادات تنشأ عنه التزامات)،
إال أن للعقد اإلداري نظامه القانوني وأحكامه وشروطه و مركز طرفيه الذي يختلف فيه عن سواه
من العقود األخرى. 5
فقد ذهب الفقيه الفرنسي (( ) Laubadereلوبادير) إلى تعريف العقد اإلداري على أنه(( :توافق
إرادتين على إنشاء التزام ،وال يعد كل توافق عقداً)) ،فهو ينكر الصفة العقدية على التصرفات
الفردية التي تجريها اإلدارة ذات المظهر التعاقدي ،ويشترط أن يتم االتفاق بين اإلرادتين من
خالل األشكال واإلجراءات المقررة في القانون اإلداري .6
هذا وقد حاول غالبية من الفقه المصري وضع تعريف محدد للعقد اإلداري ،حيث يرون أن العقد
اإلداري هو العقد الذي يبرمه شخص معنوي عام بقصد تسيير مرفق عام أو تنظيمه ،وتظهر في
نية اإلدارة األخذ بأحكام القانون العام ،وآية ذلك أن يتضمن شروطا ً استثنائية غير مألوفة في
القانون الخاص ،أو يخول المتعاقد مع اإلدارة االشتراك مباشرة في تسيير المرفق العام)). 7
وعرفه البعض بأنه (( :هو العقد الذي يبرمه شخص معنوي عام بقصد إدارة أو تسيير مرفق
عام أو تنظيمه ،وتظهر فيه نية جهة اإلدارة في األخذ بأحكام القانون العام ،وذلك بتضمين العقد
شرطا ً أو شروطا ً غير مألوفة في القانون الخاص)). 8
وترتيبا ً على ذلك فقد أستقر الرأي في الفقه والقضاء اإلداريين على تعريف العقد اإلداري بأنه:
((اتفاق يكون أحد أطرافه شخصا ً معنويا ً عاما ً بقصد إدارة أحد المرافق العامة أو تسييرها ،وتظهر
فيه النية في األخذ بأسلوب القانون العام ،وذلك من خالل تضمين العقد شروطا ً استثنائية غير
مألوفة في تعامالت األفراد ،سواء بتمتع اإلدارة بامتياز وسلطات استثنائية في مواجهة الغير ،كأن
يكون صاحب احتكار فعلي ،أو بمنحه الحق في االستيالء على بعض العقارات المملوكة للغير
فترة مؤقتة )).9
5 DE LAUBADERE,A.& GAUDEMET, Y, DROIT ADMINISTRATIF T. 1 éd 1990, L. G. D. J., Paris, P. 616 .
-كذلك انظر :د .مصطفى عفيفي ،األسس العامة للعقود اإلدارية ،دراسة مقارنة نظريا ً بالنظام القانوني للعقود الخاصة وتطبيقيا ً
بالوسائل القضائية لتسوية المنازعات العقدية ،دار الفكر الجامعي ،اإلسكندرية ، ۲۰۰٥ ،ص .۸۲
6 Aiad SHWEKAT: Les droits et les obligations des Parties du Contrat administratif dans Les droit
Francais et Libyen Etude Comparative, thèse, UNIVERSITE de Toulouse I Capitole (uTI Capitole), 2016,
P. 19-20.
7د .سليمان محمد الطماوي ،األسس العامة في العقود اإلدارية ،دراسة مقارنة ،دار الفكر العربي القاهرة ،الطبعة الخامسة، ۱۹۹۱ ،
ص .٥۲
– كذلك ينظر :د .عزيزة الشريف ،دراسات في نظرية العقد اإلداري ،دار النهضة العربية ،القاهرة ، ۱۹۸۱ص .۲۹
كذلك ينظر :د .جابر جاد نصار ،العقود اإلدارية ،دار النهضة العربية ،القاهرة ،۲۰۰۲ ،ص – .۹كذلك ينظر :د .محمد عبد العزيز
بكر ،فكرة العقد اإلداري عبر الحدود ،دار النهضة العربية القاهرة ،الطبعة األولى ، ۲۰۰۰ ،ص .٥۰ ، ٤۹
– كذلك ينظر :د .محمد سعيد أمين العقود اإلدارية معيار تمييزها ،أهم صورها ،أحكام إبرامها وفقا ً لقانون المناقصات والمزايدات
الجديد والئحته التنفيذية وطبيعة االختصاص القضائي بالمنازعات الناشئة عنها والتحكيم فيها ،دون ناشر ،طبعة ، ۲۰۰٥ص . ۹
8د .صالح الدين فوزي ،قانون المناقصات والمزايدات رقم ( )۸۹لسنة ، ۱۹۹۸المشاكل العملية والحلول القانونية ،دار النهضة
العربية ،القاهرة ، ۲۰۰۰ ،ص .۱٤
9 )1 LAURENT RISHER, Droit des contrats administratifs, 5e édition,L.G.D.J, 2006, PP. 23-24 .
– كذلك ينظر :د .ثروت بدوي النظرية العامة في العقود اإلدارية ،دار النهضة العربية ،القاهرة ، ۱۹۹٦ ,ص .۱۲
– كذلك ينظر :د .عمرو حسبو د .جمال جبريل العقود اإلدارية دار النهضة العربية ،القاهرة ، ۲۰۰۳ص . ۲٥
-9-
وتذهب أيضا ً المحكمة اإلدارية العليا في مصر إلى تعريف العقد اإلداري بأنه (( :ذلك العقد الذي
يبرمه أحد األشخاص المعنوية العامة إلدارة وتسيير مرفق عام ابتغاء تحقيق مصلحة عامة ،متبعا ً
في هذا األساليب المقررة في القانون العام ،بما يعني انطواءه على نوع أو آخر من الشروط غير
مألوفة االتباع في عقود القانون الخاص)). 10
هذا ونرى أن التعريف الراجح للعقد اإلداري هو التعريف المستفاد من أحكام القضاء اإلداري
وآراء الفقه في كل من مصر وفرنسا ،وهو أنه عقد يبرمه شخص معنوي عام ،بقصد تنظيم مرفق
عام أو تسييره ،مستخدما ً وسائل القانون العام .وإذا كان هذا هو التعريف الذي يستفاد بصفة عامة
من أحكام القضاء اإلداري وآراء الفقه ،إال أن األمر يحتاج إلى تفصيل سنتناوله في المطالب
القادمة من البحث؛ نظرا ً للخالف الذي يثور حول مدلول كل أو بعض عناصر التعريف ،وحول
ضرورة توافرها جميعا ً أو كفاية بعضها في بعض األحيان.
المطلب الثاني :العقود اإلدارية بتحديد القانون
يقصد بالعقود اإلدارية بتحديد القانون أن المشرع هو الذي يتدخل ليضفي الصفة اإلدارية على
بعض العقود ،فيصفها تصريحا ً بالصفة اإلدارية ،أو يقرر اختصاص القضاء اإلداري بالنظر فيما
تثيره تلك العقود من منازعات. 11
وال شك أنه ال مجال لالجتهاد إذا نص المشرع على اعتبار أحد العقود عقدا ً إدارياً ،أو نص
صراحة على اختصاص القضاء اإلداري بنظر بعض أنواع العقود ،مما يعني أنها عقود إدارية
تخضع ألحكام القانون اإلداري .12
وهذا ما فعله المشرع الفرنسي في بداية األمر عندما حدد عقود معينة جعل االختصاص بنظر
منازعاتها إلى القضاء اإلداري ،وقد اتفق الفقهاء على تسمية هذه العقود باسم العقود اإلدارية
المسماة)) حددها المشرع باالسم ال بالصفات وال بطبيعتها وال مميزاتها الذاتية ،ومن ثم فإنه في
حال إبرام تلك العقود فإنها تخضع األحكام القانون العام ،ويختص بنظرها القضاء اإلداري .13
وتتمثل هذه العقود في فرنسا بصفة أساسية في العقود الخاصة باإلضاءة وتوزيع المياه وغاز
االستصباح -عقود األشغال العامة – عقود بيع أمالك الدولة – عقود القروض العامة التي تبرمها
الدولة -العقود التي تتضمن شغالً للدومين العام. 14
– كذلك ينظر :د .جورجي ساري ،تطور طريقة ومعيار تمييز وتحديد العقد اإلداري في القانون المصري والفرنسي ،دار النهضة
العربية ،القاهرة ، ۱۹۹٦ ،ص ٤٤وما بعدها.
–كذلك ينظر :د .أنس جعفر ،مرجع سابق ،ص .۱۳
– كذلك ينظر :د .محمد رفعت عبد الوهاب مبادئ وأحكام القانون اإلداري ،منشورات الحلبي الحقوقية ،بيروت ، ۲۰۰۳ ،ص .٤۹٤
– كذلك ينظر :د .عمر حلمي معيار تمييز العقد اإلداري ،دار النهضة العربية ،القاهرة ،۱۹۹۳ ،ص 8وما بعدها.
10د .مجدي حافظ موسوعة أحكام المحكمة اإلدارية العليا من عام ۱۹٥٥حتى عام ،۲۰۱۰الجزء الثامن دار محمود للنشر ،القاهرة،
، ۲۰۱٤ص .٤۹٦۱
11د .إبراهيم طه الفياض ،القانون اإلداري ،مكتبة الفالح ،الكويت ،الطبعة الثالثة ،۲۰۱٤ ،ص ٤۳۳وما بعدها.
– كذلك ينظر :د .رمضان بطيخ د .منى رمضان بطيخ الفلسفة التشريعية الحديثة لضوابط وضمانات إبرام العقود اإلدارية ،مكتبة
الفالح ،الكويت ،الطبعة األولى ،۲۰۲۱ ،ص .۳۲
12د .عبد المنعم عبد الحميد .شرف العقود اإلدارية ،جامعة المنوفية ،مطبعة كلية الحقوق ,الطبعة األولى ،۲۰۰۲ ،ص .۲۲
– كذلك ينظر :د .أحمد سالمة بدر العقود اإلدارية وعقد البوت ،B.O.Tدار النهضة العربية القاهرة ،۲۰۰۳ ،ص .۲
13د .عزيزة الشريف ،دراسات في نظرية العقد اإلداري ،مرجع سابق ،ص .٥
-كذلك ينظر :د .مال هللا الحمادي ،حقوق وضمانات المتعاقد مع اإلدارة والتحكيم في العقد اإلداري ،منشورات الحلبي الحقوقية،
بيروت ،الطبعة األولى ، ۲۰۱٤ ،ص .٦۸
14د .رمضان بطيخ د .منى رمضان بطيخ ،مرجع سابق ،ص .۳۲
– كذلك ينظر :د .محمد عبد الواحد الجميلي ،ماهية العقد اإلداري ،دار النهضة العربية ،القاهرة ، ۱۹۹٥ ,ص . ٤۳
- 10 -
وبالنسبة للقانون المصري فإن المشرع ،بموجب قوانين مجلس الدولة المصري المتعاقبة ابتدا ًء
من القانون رقم ( )۹لسنة ، ۱۹٤۹والقانون رقم ( )۱٦٥لسنة ، ۱۹٥٥والقانون رقم ()٥٥
لسنة ، ۱۹٥۹وأخيرا ً القانون رقم ( )٤۷سنة ، ۱۹۷۲ربط بين العقود المسماة وصفتها اإلدارية،
حتى يمكن اعتبارها عقودا ً إدارية يختص بنظر منازعاتها القضاء اإلداري ،فنصت المادة العاشرة
بالفقرة ( )۱۱من القانون رقم ( )٤۷لسنة ۱۹۷۲على أن (:يفصل مجلس الدولة بجهة قضاء
إداري – ۱۱(( ....في المنازعات الخاصة بعقود االلتزام أو األشغال العامة أو التوريد أو بأي
عقد إداري آخر)).15
ويستفاد من ورود عبارة (( أو بأي عقد إداري آخر )) في هذا النص ،أنها وصمت كافة العقود
المسماة التي سبقتها في النص بالصيغة اإلدارية ،وكذلك مدت اختصاص القضاء اإلداري ليشمل
كل العقود اإلدارية ولو لم تكن من العقود المسماة ،سواء تلك التي ورد ذكرها بالنص المذكور أو
بغيره.
وهذا ما فعله أيضا ً المشرع العراقي ،حيث اعتبر أن عقود االلتزام وعقود األشغال العامة وعقود
التوريد عقودا ً إدارية بنص القانون ،وذلك وفقا ً لما قرره في المادة الثانية من المرسوم بقانون رقم
( )۲۰لسنة ۱۹۸۱المعدل بقانون رقم ( )٦۱لسنة ۱۹۸۱بشأن إنشاء الدائرة اإلدارية في المحكمة
الكلية؛ حيث نصت عل ى أن (( :تختص الدائرة اإلدارية وحدها بنظر المنازعات التي تنشأ بين
الجهات اإلدارية والمتعاقد اآلخر في عقود االلتزام وعقود األشغال العامة والتوريد أو أي عقد
إداري آخر )). 16
ويستفاد من هذا النص ومذكرته اإليضاحية أن المشرع العراقي ،حين نص على هذه العقود
الثالثة ،إنما قررها على سبيل المثال ،وذلك بإضافة عبارة " أو أي عقد إداري آخر" ،كما أشار
في مذكرته اإليضاحية إلى أن العقود اإلدارية تدخل بطبيعتها في نطاق القانون اإلداري.
كما أن المشرع العراقي أيضا ً في القانون رقم ( )٤۹لسنة ۲۰۱٦بشأن المناقصات العامة ،في
المادة ( ) ۷۹منه ،اعتنى بتحديد االختصاص القضائي للدائرة اإلدارية .17
15نشر القانون رقم ( )٤۷لسنة ۱۹۷۲بشأن مجلس الدولة بالجريدة الرسمية ،العدد رقم ( ،)٤۰بتاريخ .۱۹۷۲/۱۰/٥
16أود أن أشير هنا إلى أن دولة الكويت تأخذ بنظام القضاء الموحد ،فتم إنشاء الدائرة اإلدارية في إطار المحكمة الكلية ،وعهد إليها
باختصاص الفصل في بعض المنازعات اإلدارية ،بموجب المرسوم بقانون رقم ( )۲۰لسنة ، ۱۹۸۱نشر بجريدة الكويت اليوم ،العدد
( ،)۱۳٤٤السنة السابعة والعشرون ،صدر بتاريخ .۱۹۸۱/۲/۱۷
17انظر :المادة ( )۷۹من القانون رقم ( )٤۹لسنة ۲۰۱٦بشأن المناقصات العامة ،نشر هذا القانون بجريدة الكويت اليوم ،العدد
، ۱۲۹۹السنة الثانية والستون ،بتاريخ .۲۰۱٦/۷/۳۱
- 11 -
المطلب الثالث :العقود اإلدارية بطبيعتها
إذا كانت هناك عقود إدارية بنص القانون ،فإن الجانب األكبر منها غير محدد ،ومن هنا سعى
القضاء نحو توسيع اختصاصاته في مجال العقود اإلدارية ،فمجلس الدولة الفرنسي لم يكتف
بالعقود المسماة ،وقد ظهرت المعايير المميزة للعقد اإلداري نتيجة لتطور قضائي طويل ،حيث
يعتبر العقد ذا صفة إدارية إذا كان قد تم إبرامه بواسطة أحد األشخاص المعنوية العامة ،وكان
محله قيام المتعاقد اآلخر باإلسهام في تنفيذ وأداء خدمة ذات نفع بإدارة وتسيير مرفق عام ،أو
عندما يتضمن هذا العقد طائفة من الشروط غير المألوفة في نطاق القانون الخاص.18
هذا وقد اعتبر مجلس الدولة الفرنسي أنه وعلى الرغم من أن العقد المبرم بين شركتين خاصتين
إال أن إحدى تلك الشركتين تابعة للبلدية ،وقد أبرمت العقد لهدف تسيير مرفق عام ،وبالتالي
اعتبرت العقد وفقا ً لتكييفه القانوني الصحيح عقدا ً إدارياً ،وفصلت في النزاع فيه .19
ولذلك فإن مجلس الدولة الفرنسي يكتفي بتوافر أحد الشرطين العتبار العقد إدارياً ،الشرط األول:
أن تكون اإلدارة طرفا ً في العقد بنفسها أو من ينوب عنها من أشخاص القانون الخاص ،والشرط
ال وثيقا ً بمرفق عام ،أو تضمين العقد شروطا ً استثنائية غير مألوفة في
الثاني :اتصال العقد اتصا ً
عقود القانون الخاص.20
ونجد ذلك في المادة ( )۲٥من القانون رقم ( )۲يوليو ، ۱۹۹۰حيث حدد المشرع الفرنسي بأن
العقود المبرمة بين البريد أو فرنس تليكوم والمنتفعين بأنها ضمن عقود القانون العام ،وكما أن
العقود المبرمة بالتطبيق القانون العقود العام لها طابع العقود اإلدارية. 21
األمر الذي يتضح لنا من خالله اتجاه مجلس الدولة الفرنسي في مجال تكييفه للعقد اإلداري إلى
األخذ بمعيار تخييري فيما بين اتصال العقد بمرفق عام أو توافر الشروط االستثنائية غير المألوفة،
ومتى كان هذا العقد موقعا ً من قبل شخص معنوي عام أو لمصلحته ،وقد أعانه على ذلك المشرع
الفرنسي في بعض األحيان على نحو ما ذكرناه سابقا ً. 22
وأما الوضع في مصر فاألمر مختلف تماماً؛ إذ إن المحكمة الدستورية العليا كونها محكمة التنازع
بين جهتي القضاء اإلداري والقضاء العادي قد وضعت تعريفا ً للعقد اإلداري ،حيث عرفته بأنه :
(( هو الذي يكون أحد طرفيه شخصا ً معنويا ً عاما ً يتعاقد بوصفه سلطة عامة ،وأن يتصل العقد
18د .نواف كنعان ،القانون اإلداري ،الكتاب الثاني الدار العلمية الدولية ودار الثقافة ،عمان ،۲۰۰۱ص .۳۱٦
– كذلك ينظر :د .زياد عادل ،الوجيز في القرارات والعقود اإلدارية ،ألفا للوثائق ،عمان ،البوابة الشمالية للجامعة األردنية ،الطبعة
األولى ،۲۰۲۲ ،ص .۸۹
19د .يوسف سلوم ،مرجع سابق ،ص .۹۱
كذلك ينظر:
C.E, 21/3/2007, Inedit au recueil Lebon 7éme et 2éme sous sections reunites, Lecture du Mercredi,
No281796.
20 Christophe GUETTIER, Droit des Contrats administratifs, Paris, Thémis, 2008, PP. 107 et s.
– كذلك ينظر :د .رمضان بطيخ د .منى رمضان بطيخ ،مرجع سابق ،ص . ٥۳
21د .يوسف السلوم ،مرجع سابق ،ص ٦۷وما بعدها.
كذلك ينظر:
F. Moderne: Faut Vraiment administrative, L'ensemble des marches publics, D. 1999, Chron, P. 169 .
22د .مال هللا الحمادي ،مرجع سابق ،ص .۱۰٥
- 12 -
بنشاط مرفق عام بقصد تسييره أو تنظيمه ،وأن يتسم بالطابع الممتد للعقود اإلدارية ،وهو انتهاج
أسلوب القانون العام)). 23
كما ذهبت أيضا ً محكمة النقض المصرية إلى هذا القول نفسه في تمييز العقد اإلداري؛ حيث قضت
بأنه (( :لما كان مناط العقد اإلداري أن يكون أحد طرفيه شخصا ً معنويا ً عاما ً يتعاقد بوصفه سلطة
عامة ،وأن يتصل العقد بنشاط مرفق عام بقصد تسييره أو تنظيمه ،وأن يتسم بالطابع المميز للعقود
اإلدارية ،وهو انتهاج أسلوب القانون العام فيما يتضمنه من شروط استثنائية غير مألوفة في روابط
القانون العام)) .24
كما أن قضاء مجلس الدولة المصري قد انتهج نهج كل من عليه المحكمة الدستورية العليا ومحكمة
النقض في قضائهما سالف البيان ،حيث أكدت على ذلك المحكمة اإلدارية العليا المصرية فقضت
بأنه (:يتعين االعتبار العقد إداريا ً أن تكون اإلدارة بوصفها سلطة عامة طرفا ً فيه ،وأن يتصل
العقد بنشاط مرفق عام بقصد تسييره أو تنظيمه ،وأن يتميز بانتهاج أسلوب القانون العام فيما
يتضمنه من شروط استثنائية غير مألوفة في روابط القانون الخاص)). 25
وأما الوضع في العراق ،فقد سلكت محكمة التمييز العراقية المسلك ذاته الذي سلكته المحكمة
اإلدارية العليا المصرية ،حيث قضت بأن (( :العقود التي تبرمها اإلدارة مع األفراد ال تعتبر عقودا ً
إدارية إال إذا تعلقت بـ بتسيير مرفق عام أو تنظيمه وأظهرت اإلدارة نيتها في األخذ بشأنها بأسلوب
القانون العام وأحكامه ،واقتضاء حقوقها بطريق التنفيذ المباشر ،وذلك بتضمين العقد شروطا ً
استثنائية غير مألوفة بمنأى عن أسلوب القانون الخاص ،أو تحيل فيها اإلدارة على اللوائح بها)).26
ومن جماع ما تقدم نجد أن القضاء الفرنسي يستلزم توافر أي من عنصري اتصال العقد بالمرفق
العام ،أو توافر الشروط االستثنائية في العقد ،إلى جانب كون اإلدارة طرفا ً فيه حتى يصطبغ
بالطابع اإلداري ،بينما القضاء المصري -والذي حذا حذوه القضاء العراقي -يستلزم ضرورة
توافر هذين العنصرين معاً ،إضافة إلى كون اإلدارة طرفا ً في العقد .ونؤيد اتجاه كل من القضاء
المصري والعراقي ؛ ألن اإلدارة تستطيع إبرام عقود إدارية وعقود مدنية ،فكيف نستطيع هنا
التمييز بين عقدها اإلداري وعقدها المدني في هذه الحالة إذا كان كالهما قد تضمن شروطا ً
استثنائية؟ ،ونرى هنا أن الفيصل هو اللجوء إلى بحث مدى توافر العنصر اآلخر وهو اتصال
العقد بالمرفق العام.
23حكم المحكمة الدستورية العليا في القضية رقم ( )۱لسنة ۱۲ق ،تنازع ،جلسة ،۱۹۹۱/۱/٥مجموعة األحكام التي أصدرتها
المحكمة ،ج ٤يناير ۱۹۸۷حتى آخر يونيو ، ۱۹۹۱ص ،٥۳٦قاعدة رقم .۲٦
24نقض مدني رقم ( ، )۷٦۷س ٥٤ق ،جلسة ، ۱۹۸۸ /۲٦/۲مجموعة المكتب الفني ،ج ،۱ص ، ٦۸۸قاعدة رقم (.)۱۳٥
25القضية رقم ( ) ۱۳۸٦لسنة ۳۳ق.ع ،جلسة ، ۱۹۹٤ / ۱ / ۱۸الموسوعة اإلدارية الحديثة الجزء رقم ( ، )٤۹ص . ٤٦
26الطعن رقم ( )٤۳لسنة ( )۹۷تجاري جلسة ، ۱۹۹۷ /۸/۱۲موسوعة مبادئ القضاء اإلداري التي أقرتها محكمة التمييز في سبعة
عشر عاما ً ( ،)۱۹۹۹ – ۱۹۸۲الكتاب الثالث ،الطبعة األولى ،۲۰۰۰ ،إدارة الفتوى والتشريع بدولة الكويت ،ص ۱۳وما بعدها.
- 13 -
المبحث الثاني
معيار تمييز العقود اإلدارية
تمهيد وتقسيم:
تتميز العقود اإلدارية في طبيعتها عن العقود المدنية؛ وذلك ألنها تعقد بين شخص من أشخاص
القانون العام ،وشخص من أشخاص القانون الخاص ،بقصد تحقيق المصلحة العامة ،حيث إن
العقود اإلدارية مناطها هو تلبية احتياجات المرافق العامة مما يستوجب تغليب المصلحة العامة
على المصلحة الخاصة للمتعاقد مع جهة اإلدارة.
كما أنه ال شك في تساوي حقوق والتزامات المتعاقدين في العقود المدنية ،وأما في العقود اإلدارية
فإنها تكون غير متكافئة ،وذلك بسبب امتالك جهة اإلدارة االمتيازات وسلطات أثناء مرحلة إبرام
العقد وتنفيذه وحتى انتهائه ،ولذلك تظهر الحاجة لتمييز العقود اإلدارية بسبب أهميتها في تحديد
سلطات جهة اإلدارة ،وتحديد الجهة المختصة بالمنازعات الناشئة عن هذا العقد .27
وتجدر اإلشارة إلى أن الفقه يكاد يجمع على أن العقد تسبغ عليه صفة العقد اإلداري بتوافر ثالثة
شروط أو ثالث خصائص ،أولها أن تكون اإلدارة طرفا ً فيه ،ثانيها اتصال محل العقد بنشاط
مرفق عام ،ثالثها إذا تضمن شروطا ً استثنائية غير مألوفة بعقود القانون الخاص ،28وسيتم تفصيل
ذلك في المطالب الثالثة التالية:
المطلب األول :أن يكون أحد أطراف العقد اإلداري شخصا ً من أشخاص القانون العام
المطلب الثاني :أن يكون العقد اإلداري متصالً بمرفق عام
المطلب الثالث :أن يتضمن العقد اإلداري شروطا ً استثنائية غير مألوفة
د .عالء العناني ،العقود اإلدارية الحديثة ذات الطابع الدولي والتحكيم فيها ،مركز الدراسات العربية ،القاهرة ،الطبعة األولى،۲۰۱۹ ،
ص ۱۷27
28د .جابر نصار ،مرجع سابق ،ص .۲۷
- 14 -
المطلب األول :أن يكون أحد أطراف العقد اإلداري شخصا ً من أشخاص القانون العام
وهذا أمر بديهي باعتبار أن العقد اإلداري هو أساسا ً من عقود اإلدارة التي ال تكون كذلك إال إذا
كان أحد طرفيها شخصا ً من أشخاص القانون العام ،ذلك أن قواعد القانون العام إنما وضعت لتحكم
نشاط اإلدارة ال نشاط األفراد والهيئات الخاصة ،ويتمثل أشخاص القانون العام في فرنسا طبقا ً
للمادة األولى من قانون التعاقدات العامة الفرنسي رقم ( ) ۱۰۷٤لسنة ۲۰۱۸في كل من السلطات
التعاقدية والهيئات التعاقدية.29
وفي العراق طبقا ً لنص المادة الثانية من قانون المناقصات العامة رقم ( )٤۹لسنة ،۲۰۱٦تتمثل
أشخاص القانون العام في الدولة والوزارات وبلدية العراق والهيئات العامة والمؤسسات العامة
والهيئات الالمركزية اإلقليمية والمرفقية ،وأما الشركات العامة التي تمتلك الدولة رأس مالها
بالكامل أو تمتلك أغلبية رأس مالها ،فهي تعتبر أشخاصا ً قانونية خاصة ،تخضع للقانون التجاري
وهو أحد أفرع القانون الخاص .30
وفي مصر طبقا ً لنص المادة األولى من مواد إصدار قانون تنظيم التعاقدات التي تبرمها الجهات
العامة رقم ( )۱۸۲لسنة ،31 ۲۰۱۸تتمثل األشخاص العامة في الجهات التي تضمها الموازنة
العامة للدولة ،ووحدات الجهاز اإلداري ،واإلدارة المحلية والهيئات العامة الخدمية واالقتصادية،
وبعض الصناديق الخاص ،ومثال على ذلك الدولة والمحافظة والمركز والمدنية والحي والقرية،
وأيضا ً األشخاص العامة المصلحية (الهيئات العامة) ،وكذلك األشخاص االعتبارية األخرى التي
يعترف لها القانون أو القضاء بالصفة العامة كالنقابات المهنية.32
وهذا ما ذهبت إليه المحكمة اإلدارية العليا المصرية من اعتبار نقابة المهندسين من أشخاص
القانون العام ،حيث قضت المحكمة بأنه (( :إال أنها تعتبر من أشخاص القانون العام ألنها تجمع
بين مقومات هذه األشخاص ،فإنشاؤها يتم بقانون أو مرسوم أو بأي أداة تشريعية ،وأغراضها
وأهدافها ذات نفع عام ،ولها على أعضائها سلطة تأديبية ،واشتراك األعضاء في النقابات أمر
حتمي ،ولها حق تحصيل رسوم االشتراك في مواعيد دورية منتظمة ،ويترتب على ذلك أن
قراراتها تعتبر قرارات إدارية ،مما يجوز الطعن فيها باإللغاء أمام القضاء اإلداري)).33
وتجدر المالحظة هنا أن شركات القطاع العام ال تدخل ضمن عداد األشخاص المعنوية العامة،
بالرغم من ملكية الدولة لها ،وهذا ما أكدته المحكمة اإلدارية العليا المصرية في أحد أحكامها من
أن شركات القطاع العام ال تعتبر من أشخاص القانون العام ،بل تظل رغم ملكية الدولة لها شخصا ً
من أشخاص القانون الخاص ،وتعتبر العقود التي تبرمها عقودا ً مدنية .34
وقد يتبادر إلى أذهاننا تساؤل يدور حول إنابة شخص من أشخاص القانون الخاص عن شخص
عام في إبرام العقد .هل يعد العقد هنا عقدا ً إدارياً؟ نجد أن موقف مجلس الدولة المصري في هذا
الشأن قد قضى أنه متى استبان أن تعاقد الفرد أو الهيئة الخاصة إنما كان في الحقيقة لحساب
اإلدارة ومصلحتها ،فإن هذا التعاقد يكتسب صفة العقد اإلداري ،إذا ما توافرت فيه العناصر
- 15 -
األخرى ،ورتبت على ذلك أنه متى كان الثابت أن الشركة ( شركة شل) في العقدين موضوع
النزاع إنما تعاقدت الحساب ومصلحة الحكومة ،فال نزاع في أن العقدين المذكورين قد أبرما بقصد
تسيير مرفق عام ،وفي أنهما اتبعت فيهما وسائل القانون العام ،وأنهما لذلك يكتسبان صفة العقود
اإلدارية ، 35وأيد هذا االتجاه بعض الفقه بجواز وصف العقد الذي يكون أحد أطرافه شخصا ً من
أشخاص القانون الخاص وكيالً عن شخص معنوي عام بأنه عقد إداري تطبيقا ً لقواعد الوكالة .36
أما مجلس الدولة الفرنسي فقد قضى في هذا الشأن بأن العقود التي تبرمها شركات االقتصاد
المختلط – وهي من أشخاص القانون الخاص -الملتزمة بإنشاء واستغالل طريق سريع للسيارات
مع أحد المقاولين لمعاونتها في إنشاء هذا الطريق هي عقود أشغال عامة ،حيث إنها عقود لها
الطبيعة اإلدارية ،استنادا ً إلى أن هذه الشركات تتعاقد نيابة عن الدولة ولحسابها .37
ونخلص إلى أن المبدأ يقتضي العتبار العقد عقدا ً إداريا ً أن تكون اإلدارة طرفا ً فيه ،وترتيبا ً على
ذلك فإن العقود التي يبرمها األفراد أو الهيئات الخاصة فيما بينهم ال تعتبر عقودا ً إدارية ،حتى
وإن كان لإلدارة دور في إبرامها مثل التوسط أو التوفيق أو الصلح بين أطرافها .38
كما أن تدخل اإلدارة في المنازعات التعاقدية وتوقيع ممثلها على العقد المبرم بين هؤالء األفراد
ال يكفي العتبار اإلدارة طرفا ً في العقد .39
وكما أن قيام اإلدارة بالدعوة لبعض المقاولين لتقديم عطاءاتهم من أجل إقامة مجموعة من المباني
ألفراد تهدمت بيوتهم ال يجعل من العقود التي أبرمها هؤالء األفراد مع المقاولين عقودا ً إدارية،
فتدخل اإلدارة في هذه الحالة هو فقط للحصول على أفضل الشروط لمصلحة األفراد المنكوبين
ببيوتهم .40
35حكم المحكمة اإلدارية العليا في الطعن رقم ( )۱٥٥۸لسنة ۷ق.ع ،تاريخ الجلسة ( ، ۱۹٦٤ / ۷/۳مجموعة س ۹رقم ٦۳
ص.)۷٦۳
36د .عبد العزيز خليفة ،مرجع سابق ،ص .۱۹
37 R.P787 concl Lasry.j.c.p 1963 II 13375 note Auby; A.J.D.A 1963 P. 463; R.D.P 1963 P. 776, Concl.
Lasry.
– مشار إليه لدى د .محمد عبد الواحد الجميلي ماهية العقد اإلداري ،دار النهضة العربية ،القاهرة ، ۱۹۹٥ ،ص .۷٥
38د .رمضان بطيخ د .منى بطيخ ،مرجع سابق ،ص ٥۷
39د .أحمد سالمة بدر ،مرجع سابق ،ص .۷
40د .رمضان بطيخ د .منى بطيخ ،مرجع سابق ،ص ٥۸
- 16 -
المطلب الثاني :أن يكون العقد اإلداري متصالً بمرفق عام
يجب أن يتصل العقد اإلداري في هذا الشأن بمرفق عام من حيث تنظيمه أو إدارته أو تنفيذه أو
تسييره ،سواء أكان هذا المرفق العام إداريا ً أم مهنياً؛ وذلك حتى يكتسب الصفة اإلدارية.
وقد عرفت محكمة القضاء اإلداري المصرية المرفق العام بأنه(:هو كل مشروع تنشئه الدولة أو
تشرف على إدارته ويعمل بانتظام واستمرار ،وتستعين في إنشائه بسلطات اإلدارة لتزويد الجمهور
بالحاجات العامة). 41
كما يمكن تعريف المرفق العام بأنه (:نشاط تضطلع به اإلدارة سواء بنفسها أو تحت توجيهها
ورقابتها وإشرافها بقصد إشباع حاجة عامة لدى الجمهور ،وبالتالي ال يهدف المرفق العام إلى
تحقيق ربح من ورائه) .42
قسمات المرفق العام على هذا النحو والمستمد من التعريفات السابقة ،هي التي تبرر في الواقع أن
يكون العقد اإلداري مشتمالً على قواعد غير مألوفة في القانون الخاص ومشتمالً على شروط
استثنائية وامتيازات خاصة لصالح اإلدارة العامة ،بمعنى أن احتياجات المرفق العام الذي تستهدف
العقود اإلدارية تسييره ،وتغليب وجه المصلحة العامة على مصلحة األفراد الخاصة ،هي التي
تميز هذه العقود بما تشتمل عليه من شروط استثنائية وقواعد غير مألوفة عن العقود الخاصة .43
وال صطالح المرفق العام مدلوالن مختلفان قد يقصد به المدلول العضوي أي الهيئة أو المنظمة
التي تقوم بأداء الخدمات ،وإشباع الحاجات العامة التي تقدر الدولة ضرورة إشباعها بمعرفتها أو
تحت مسئوليتها. 44
وقد يراد به المدلول الموضوعي أي النشاط الصادر من الشخص اإلداري ،وهنا ينصرف مفهوم
المرفق العام إلى كل نشاط تباشره الدولة أو تتولى تنظيمه أو اإلشراف عليه ويستهدف النفع العام،
فهو نشاط تقوم به الحكومة مباشرة ،أو يقوم به ملتزم تحت إشرافها ،45ويأخذ كل من الفقه
والقضاء بالمعنى الموضوعي لتحديد مدلول المرفق العام .46
وقد استقر قضاء مجلس الدولة الفرنسي منذ عام ۱۹٥٦على وجوب أن يكون العقد اإلداري ذا
صلة وثيقة بالمرفق العام ،بحيث يساهم في التنفيذ الفعلي للمرفق العام وكان ذلك على أثر صدور
حكمه في قضية (الزوجان بيرتان الشهيرة ،حيث قرر المجلس في هذا الحكم إضفاء الصفة
اإلدارية على العقد الذي أبرمه الزوجان سالفا الذكر شفويا ً مع جهة اإلدارة بتاريخ ۲٤نوفمبر
، ۱۹٤٤والذي تعهدا بموجبه بكفالة القيام بمهمة تغذية الرعايا الروس المقيمين بمركز إعادة
التوطين ( )Meauxلحين عودتهم إلى روسيا ،مقابل مبلغ مالي معين. 47
41حكم محكمة القضاء اإلداري الصادر في ، ۲/٦/۱۹۷٥مجموعة السنة السادسة ،ص ،٥۳٤وفتوى الجمعية العمومية لقسمي
الفتوى والتشريع بمجلس الدولة المصري رقم ( ،)۳٥۳جلسة ، ۱۹٦٥ /۳/۳۱الموسوعة اإلدارية الحديثة ،الجزء الثاني والعشرون،
ص ۱۰۹۷
42د .جورجي ساري ،مرجع سابق ،ص .٤۳
43د .رمضان بطيخ د .منى بطيخ ،مرجع سابق ،ص .٦۱
44د .عمر حلمي ،مرجع سابق ،ص .۱۱۰
45د .مال هللا الحمادي ،مرجع سابق ،ص .۹٦
46 C.E 13 OCTOBER 1951 R.P 567; A.P 567; A.J.D.A 1962, P. 98, Concl. Heuman, Note De Laubader; C.E
- 17 -
هذا ومن المالحظ اتجاه بعض األحكام الصادرة من مجلس الدولة الفرنسي والمصري إلى التوسع
في اعتبار العقود المتعلقة بالدومين الخاص عقودا ً إدارية. 48
إال أن مجلس الدولة الفرنسي قد اتجه إلى جعل العقود التي تبرمها المرافق االقتصادية الصناعية
أو التجارية مع المنتفعين بها تخرج من عداد العقود اإلدارية وبالتالي فإن القضاء العادي يختص
بنظرها .49
كما أن المحكمة الدستورية العليا المصرية تقضي في قضايا التنازع باالعتداد باألحكام الصادرة
من جهة القضاء العادي بشأن هذه المنازعات ،حيث قررت (( :إن العقود التي تكون اإلدارة طرفا ً
فيها ،ال تعتبر جميعها من العقود اإلدارية ،وإنما مرد األمر في تكييفها القانوني ،إلى مقوماتها،
وبوجه خاص إلى ما إذا كانت شروطها تدل على انتهاجها لوسائل القانون العام ،إذ كان ذلك،
وكان البين من عقد البيع المشار إليه وما أحال إليه من أحكام تكميلية ((الئحة بيع أمالك الميري))،
أنه قد خال من أي شرط استثنائي ،فال تظهر فيه جهة اإلدارة بمظهر السلطة العامة ،كما ال يتصل
موضوع هذا العقد بتسيير مرفق عام ،وإنما هو عقد بيع بالممارسة لقطعة أرض من أمالك الدولة
مما تدخل في نطاق دومينها الخاص ،وتظل نائية عن مفهوم المرفق العام ،بالنظر إلى أن هذه
األموال تشبه في خصائصها ونظامها القانوني الملكية الخاصة ،وتدار بأساليب القانون الخاص
التي تالئم أغراض استخدامها واستثمارها؛ ومن ثم يعتبر من عقود القانون الخاص التي تختص
بنظر المنازعات التي تثور بشأنها جهة القضاء العادي ......وبالتالي فإن القرارين الصادرين
من محافظ كفر الشيخ بفسخ العقد بإرادته المنفردة ،وإزالة وضع يد المشتري على األرض محل
التداعي ،ال يعتبران من قبيل القرارات اإلدارية التي تختص جهة القضاء اإلداري بنظر طلبات
إلغائها )) .50
- 18 -
المطلب الثالث :أن يتضمن العقد اإلداري شروطا ً استثنائية غير مألوفة
لقد أخذ بعض من الفقه بفكرة السلطة العامة كمعيار مميز للعقود اإلدارية ،ولذلك تدعو هذه الطائفة
من الفقه إلى ضرورة إبراز دور السلطة العامة في تمييز العقد اإلداري ،وذلك من خالل البحث
فيما يتضمنه العقد من شروط استثنائية (غير مألوفة) خارجة عن القانون الخاص ،تكشف عن نية
المتعاقدين في األخذ بأسلوب القانون العام ،وإخضاع العقد لقواعده وأحكامه .51
ومن أمثلة هذا النوع من الشروط غير المألوفة ( االستثنائية) في عالقات األفراد انفراد اإلدارة
باإلشراف والتوجيه على تنفيذ العقد ،وبتغير شروطه ،باإلضافة والحذف والتعديل ،بشرط أال
يصل إلى حد تغيير جوهر العقد كلية ،وإال جاز للطرف اآلخر طلب فسخه ،وانفراد اإلدارة بتوقيع
الجزاءات التعاقدية بالقدر الذي يتناسب وإهمال المتعاقد معها أو تقصيره ،وانفرادها بإنهاء العقد
إذا استلزمت المصلحة العامة ذلك .52
ومؤدى ذلك أن يتضمن العقد نصوصا ً خارجة عن نطاق القانون المدني؛ أي نصوصا ً غير مألوفة
(استثنائية) في عالقات األفراد بعضهم بعضاً .وتجدر اإلشارة هنا إلى أنه قد ثار جدل واسع فقها ً
وقضاء حول فكرة الشروط االستثنائية ،والتي يتضح لنا من خاللها عدم تحديد مضمون هذه
الشروط بشكل قاطع .إذ يرى البعض أن معيار الشروط االستثنائية هو المعيار الحقيقي لتمييز
عقود اإلدارة اإلدارية عن عقودها المدنية ،وهو المعيار الذي يكشف من خالله عن إرادة طرفي
العقد في األخذ بأسلوب القانون العام إلضفاء الصفة اإلدارية على العقد ،فمضمون العقد هو الذي
تتضح من خالله الشروط غير المألوفة عن القانون الخاص ،ونية جهة اإلدارة في تمسكها بمباشرة
حقوق السلطة العامة ،كما أن معرفة التصرف الذي تتخذه جهة اإلدارة في ظل نظام السلطة العامة
ال يتحقق إال عن طريق واحد وهو االختيار الذي قررته جهة اإلدارة بموافقة المتعاقد ،وذلك ما
يكشف عن وجود الشروط االستثنائية أو عدم وجودها. 53
وبينما يرى البعض اآلخر أن فكرة الشروط االستثنائية تبدو صعبة التحديد في أحكام القضاء
اإلداري ،وأنه من الصعوبة أن نجد في أحكام القضاء اإلداري تحديدا ً للشروط التي يعدها هذا
القضاء غير عادية . 54وتجدر اإلشارة إلى أنه ال يوجد تعريف محدد للشروط االستثنائية ،مما
يترك المجال لالختالف الفقهي ،إذ يرى بعض من الفقه أن أغلب الشروط التي اعتبرها القضاء
غير مألوفة ال تكون بالضرورة غير مشروعة في عقود القانون الخاص ،بل هي شروط – في
الواقع – غير معمول بها .55
بينما يرى البعض اآلخر أنها الشروط التي ال يقابلها مثيل عادة في عقود القانون الخاص؛ وذلك
ألنها تعتبر إذا أدرجت فيها باطلة لمخالفتها النظام العام ،أو ألن السلطة اإلدارية نصت عليها في
العقد بقصد تحقيق مهام متعلقة بالمصلحة العامة .56
وأيضا ً منهم من يرى أن الشروط االستثنائية (غير المألوفة) هي التي تقرر عدم المساواة بين
المتعاقدين بمنح الشخص العام مركزا ً أعلى من المتعاقد معه. 57
51هذا رأي د .ثروت بدوي ،مشار إليه لدى د .عبد المنعم شرف ،مرجع سابق ،ص .۷۷
52د .عمر حلمي ،مرجع سابق ،ص . ۱۷٥
53د .أحمد عثمان عياد مظاهر السلطة العامة في العقود اإلدارية ،دار النهضة العربية ،القاهرة ، ۱۹۷۳،ص .۹۳
54د .مال هللا الحمادي ،مرجع سابق ،ص.۱۰۸
55د .عبد المنعم شرف ،مرجع سابق ،ص ۷٦
56د .حسام عبد السميع هاشم ،الجزاءات المالية في العقود اإلدارية ،دار النهضة العربية القاهرة ، ۲۰۰۲ ،ص .۱٥
57د .أحمد سالمة بدر ،مرجع سابق ،ص . ۲٦
- 19 -
ومن األمور المستقر عليها في هذا الشأن أن تحديد الطبيعة االستثنائية غير المألوفة الشروط العقد
هي أمور يرجع تقديرها لقاضي الموضوع الذي يتوجب عليه تدقيق تلك الشروط وتحديد ماهيتها
ومفهومها عند نظر النزاع .58
ونعتقد أن عدم وجود تعريف محدد للشروط االستثنائية (غير المألوفة) ،هو أمر يعود إلى أن
نظرية القانون اإلداري تتطور باستمرار ،وبالتالي فإنه يجب بالتبعية على نظرية العقد اإلداري
أن تساير وتواكب باستمرار هذا التطور.
ولذلك نود أن نشير إلى أن هناك العديد من األمثلة التي ال يعد فيها العقد إدارياً ،ومنها عقد بيع
ممتلكات الدولة المملوكة لها ملكية خاصة ،حيث يعد من عقود القانون الخاص ،طالما تصرفت
فيه الدولة على النحو الذي يتصرف به األفراد في أموالهم ،حتى ولو استخدم عائد البيع الموازنة
عجز إيرادات المرفق البائع ،ما لم تكن الجهة اإلدارية قد استخدمت وسائل القانون العام ،والمثال
على ذلك تعاقد اإلدارة سكة حديد الدلتا على بيع الزلط المستخرج من محاجرها ،حيث إن العقد
ال يتصل بتسيير مرفق عام ،وال يعدو سوى أن يكون عقد بيع مال مملوك للدولة ملكية خاصة.59
كما ذهبت المحكمة اإلدارية العليا المصرية أيضا ً في أحد أحكامها إلى العقد محل النزاع ال يتعلق
بتسيير مرفق عام ،ولم يتضمن العقد أية شروط استثنائية ،فلذلك يدخل في عداد العقود المدنية،
مما يجعل نظر هذه المنازعة من اختصاص المحكمة العادية وهذا ما قضت به المحكمة بأنه((:إذا
كان العقد محل المنازعة ال يتعلق بتسيير مرفق عام ،وإنما يقف عند حدود بيع المحافظة لقطعة
أرض فضاء للجمعية التعاونية للبناء واإلسكان ألهالي مدينة شرم الشيخ ،إلقامة مساكن ألعضائها
عليها ،ولم يتضمن العقد بعد ذلك أية شروط استثنائية تدخله في عداد العقود اإلدارية؛ األمر الذي
يجعل المنازعة بشأنه تخرج عن اختصاص محاكم مجلس الدولة ،لتختص بها المحاكم العادية)).60
وأيضا ً منها ما ذهبت إليه المحكمة اإلدارية العليا المصرية في أحد أحكامها ،بأن عقد اشتراك
الهاتف -التليفونات – مع المشترك ال يعد عقدا ً إدارياً؛ وذلك لكونه عقدا ً من عقود القانون الخاص
التي تنظم العالقة بين المرافق االقتصادية والمنتفعين بخدماتها ،وهذا ما قضت به المحكمة بأنه:
((ومن حيث إن العقد مشار النزاع بين المدعي وبين الهيئة العامة لالتصاالت السلكية والالسلكية،
و هي مرفق اقتصادي بقصد اإلفادة من خدمة المرفق المذكور الخاصة باالتصاالت
التليفونية،....ومن حيث إنه يخلص من ذلك أن العقد سالف الذكر عقدا ً مدنيا ً ينظم عالقة مدنية،
وال يؤثر في هذا النظر ما تضمنه هذا العقد من شروط استثنائية)).61
هذا وال يتطلب وجود عدد من الشروط االستثنائية في العقد حتى يتسم بالصفة اإلدارية ،بل قد
يكون كذلك بوجود شرط استثنائي واحد غير مألوف في عقود القانون الخاص.62
61حكم المحكمة اإلدارية العليا ،الصادر في ، ٥/۲/۱۹۷۷السنة ،المجموعة ،ص ۳۸۰مشار إليه لدى د .عبد المنعم شرف ،مرجع
سابق ،ص . ٥٤
62د .محمد رفعت عبد الوهاب مرجع سابق ،ص .٤۹۸
- 20 -
الخاتمة
انصبت هذه الدراسة على خصائص العقود اإلدارية ،فقد تناولنا تعريف العقد اإلداري مع بيان
العقود اإلدارية بتحديد القانون ،والعقود اإلدارية بطبيعتها ،ثم تم بحث الخصائص الثالث للعقد
اإلداري ،وهي أن يكون أحد طرفي العقد اإلداري شخصا ً من أشخاص القانون العام ،وأن يستهدف
العقد اإلداري إدارة مرفق عام أو تسييره ،وأن يتضمن العقد اإلداري شروطا ً استثنائية غير
مألوفة .وعلى ضوء الهدف المحدد لهذه الدراسة والموضوعات التي تناولتها ،فقد انتهت هذه
الدراسة إلى عدد من النتائج المنطقية ،والتي ترتب عليها عدد من التوصيات الواقعية ،يمكن أن
نجملها فيما يلي -:
– 1إن العقود اإلدارية – في الغالب – تستمد قواعدها من النصوص التشريعية التي تقوم بتنظيم
جوانب العقد ،أو من خالل أحكام القضاء اإلداري الذي يمارس الدور االستنباطي في استخالص
القواعد التي تحكم منازعات العقود اإلدارية.
-۲إن تطبيق نظرية العقد اإلداري ال يستلزم بالضرورة وجود قضاء إداري مستقل كما هو
معمول به في كل من فرنسا ومصر ،فنظرية العقد اإلداري يمكن أن توجد في الدول التي لديها
نظام القضاء الموحد مثل العراق ،وذلك من خالل تطبيق هذا القضاء للمبادئ العامة والقواعد
المتعلقة بالعقد اإلداري.
-۳إن أغلب فقهاء القانون اإلداري الفرنسي والمصري العراقي قد تضمن تعريفهم للعقد اإلداري،
على أن العناصر التي يجب توافرها في العقد اإلداري هي أن يكون أحد طرفيه شخصا ً من
أشخاص القانون العام ،وأن يرمي العقد إلى تسيير مرفق عام ،وأن يؤخذ في إبرام العقد بأسلوب
القانون العام ،وهذا ما يميز العقد اإلداري عن العقد المدني.
-٤إن القضاء اإلداري المصري والعراقي يستلزم توافر ثالثة شروط مجتمعة ليصبح العقد عقدا ً
إدارياً ،أما القضاء اإلداري الفرنسي ،فإنه يستلزم توافر شرطين فقط أحدهما ضروري وحتمي،
وهو كون اإلدارة أو أحد أشخاص القانون العام طرفا ً في العقد ،أما الشرط الثاني فهو شرط
تخييري بين تعلق العقد بمرفق عام ،أو اتباع اإلدارة فيه أسلوب القانون العام.
- ٥إن معيار تمييز العقود اإلدارية في كل من فرنسا ومصر العراق ،هو معيار من صنع القضاء
اإلداري ،باعتباره قضاء انشائيا ً قبل أن يكون قضاء تطبيقياً ،ويكمن الهدف من ورائه في بيان
القانون الواجب التطبيق ،والقضاء المختص بنظر ما ينجم عن هذه العقود من منازعات.
- 21 -
ثانيا ً -توصيات الدراسة -:
– 1ندعو المشرع العراقي إلى العمل على إنشاء مجلس دولة في العراق على غرار مجلس
الدولة الفرنسي والمصري ،يختص بالفصل في كافة المنازعات اإلدارية بما فيها تلك المتعلقة
بالعقود اإلدارية؛ وذلك إليجاد محاكم إدارية مستقلة أسوة بفرنسا ومصر اللتين أخذتا بهذا النهج
المتطور ،وتفعيالً لنص المادة ( )۱۷۱من الدستور العراقي القاضي بجواز إنشاء مجلس دولة.
-۲ندعو المشرع العراقي إلى تشريع أحكام خاصة بعقود اإلدارة تتناسب مع طبيعتها سواء أكانت
على شكل قانون مستقل ،أم على شكل قواعد متفرقة في القوانين األخرى ،األمر الذي يترتب عليه
تحقيق مصلحة كل من جهة اإلدارة والمتعاقدين معها.
-۳يتعين على القاضي اإلداري دائما ً تحري قيام العقد اإلداري ،وعدم قصر نظره واختصاصه
على طائفة العقود التي سماها المشرع باسمها.
-٤نعتقد بأن أصدق معيار من المعايير المميزة للعقود اإلدارية ،هو معيار الشروط االستثنائية
الذي هو – برأينا – الدليل الساطع على أخذ جهة اإلدارة بأسلوب القانون العام؛ ولذلك فإننا نرى
ضرورة تضمين العقد أكثر من شرط استثنائي؛ حتى يسهل على القاضي استنباط نية طرفي العقد
في اللجوء إلى استخدام وسائل القانون العام ويؤدي لمزيد من الطمأنينة والقطع بإدارية العقد،
ويعود السبب في ذلك – برأينا – لعدم كفاية شرط استثنائي واحد ،حتى يمكن إسباغ الصفة
اإلدارية على العقد ،فمجرد وجود هذا الشرط الوحيد في العقد ،قد ال يعبر عن الرغبة الحقيقية في
اتجاه نية كل من طرفي العقد إلى األخذ بوسائل القانون العام ،مما يؤدي إلى مزيد من التفسيرات
والتحليالت المختلفة حول إدارية هذا العقد.
– ٥يجب أن تكون العقود اإلدارية أكثر وضوحا ً وتحديداً ،وذلك من خالل تنظيم دورات تثقيفية
وتدريبية لإلداريين المختصين في مجال العقود اإلدارية والقائمين بها وكذلك المتعاقدين المقبلين
على إبرام هذه العقود مع اإلدارة على حد سواء ،الطالعهم على تفاصيل التعاقد في استغالل أو
إدارة المرافق العامة ،وكيفية المحافظة على المال العام ،وتحقيق المصلحة العامة ،ولضمان تدارك
وقوع أخطاء أثناء تنفيذ العقود اإلدارية.
- 22 -
المصادر
المؤلفات العامة والمتخصصة
.1د .إبراهيم طه الفياض ،القانون اإلداري ،مكتبة الفالح ،الكويت ،الطبعة الثالثة.۲۰۱٤ ،
.2د .أحمد سالمة بدر العقود اإلدارية وعقد البوت ،B.O.Tدار النهضة العربية القاهرة،
.۲۰۰۳
.3د .أحمد عثمان عباد ،مظاهر السلطة العامة في العقود اإلدارية ،دار النهضة العربية،
القاهرة.۱۹۷۳ ،
.4د .أنس جعفر ،العقود اإلدارية ،دار النهضة العربية القاهرة ،الطبعة الثالثة.۲۰۰۳ ،
.5د .ثروت بدوي النظرية العامة في العقود اإلدارية دار النهضة العربية ،القاهرة.۱۹۹٦ ،
.6د .جابر جاد نصار العقود اإلدارية ،دار النهضة العربية ،القاهرة.۲۰۰۲ ،
.7د .جورجي ساري ،تطور طريقة ومعيار تمييز وتحديد العقد اإلداري في القانون المصري
والفرنسي ،دار النهضة العربية ،القاهرة.۱۹۹٦ ،
.8د .حسام عبد السميع هاشم الجزاءات المالية في العقود اإلدارية ،دار النهضة العربية،
القاهرة.۲۰۰۲ ،
.9د .رمضان بطيخ د .منى رمضان بطيخ الفلسفة التشريعية الحديثة لضوابط وضمانات
إبرام العقود اإلدارية مكتبة الفالح ،الكويت ،الطبعة األولى.۲۰۲۱ ،
د .زياد عادل الوجيز في القرارات والعقود اإلدارية ،ألفا للوثائق ،عمان ،البوابة .10
الشمالية للجامعة األردنية ،الطبعة األولى.۲۰۲۲ ،
د .سليمان محمد الطماوي ،األسس العامة في العقود اإلدارية ،دراسة مقارنة .11
دار الفكر العربي القاهرة ،الطبعة الخامسة.۱۹۹۱ ،
د .صالح الدين فوزي ،قانون المناقصات والمزايدات رقم ( )۸۹لسنة ،۱۹۹۸ .12
المشاكل العملية والحلول القانونية ،دار النهضة العربية ،القاهرة.۲۰۰۰ ،
د .عبد العزيز عبد المنعم خليفة ،األسس العامة للعقود اإلدارية ،دار الفكر .13
الجامعي ،اإلسكندرية.۲۰۰٥ ،
د .عبد المنعم عبد الحميد شرف العقود اإلدارية ،جامعة المنوفية ،مطبعة كلية .14
الحقوق ،الطبعة األولى.۲۰۰۲ ،
د .عزيزة الشريف دراسات في نظرية العقد اإلداري وتطبيقاتها في الكويت .15
مطبوعات جامعة الكويت ،كلية الحقوق الطبعة األولى.۱۹۹۸ ،
د .عزيزة الشريف ،دراسات في نظرية العقد اإلداري ،دار النهضة العربية .16
القاهرة.۱۹۸۱ ،
د .مال هللا الحمادي ،حقوق وضمانات المتعاقد مع اإلدارة والتحكيم في العقد .17
اإلداري ،منشورات الحلبي الحقوقية ،بيروت ،الطبعة األولى.۲۰۱٤ ،
د .مجدي حافظ موسوعة أحكام المحكمة اإلدارية العليا من عام ۱۹٥٥حتى .18
عام ، ۲۰۱۰الجزء الثامن دار محمود للنشر ،القاهرة.۲۰۱٤ ،
د .محمد رفعت عبد الوهاب ،مبادئ وأحكام القانون اإلداري ،منشورات الحلبي .19
الحقوقية ،بيروت.۲۰۰۳ ،
- 23 -