You are on page 1of 37

‫مقدمة ‪:‬‬

‫إن تقدم مجتمعنا و تطوره مشروط بتقدم العلوم القانونية و مواكبتها للمستجدات العالمية‪،‬‬
‫بغية الحفاظ على السلم و األمان‪ ،‬و يرجع تقسيم قواعد القانون إلى زمن بعيد و كان‬
‫الرومان هم الذين قسموا القانون إلى عام و خاص‪.‬‬

‫و ينقسم القانون الخاص إلى عدة فروع تتمثل في القانون الجنائي‪ ،‬و قانون المسطرة‪.‬‬
‫الجنائية ‪ ،‬و القانون التجاري‪ ،‬و القانون البحري‪ ،‬و القانون الجوي و قانون الشغل و‬
‫القانون القضائي الخاص و القانون الدولي الخاص‪.‬‬

‫فالقانون المدني هو أبرز فروع القانون الخاص و يعرف اليوم بأنه القانون الذي يحكم‬
‫العالقات الخاصة سواء تمت بين األفراد في ما بينهم أو بينهم و بين الدولة‪.‬‬

‫فمن المعلوم أن القانون المدني هو قانون األموال و األشخاص‪ ،‬كما أن الحقوق المالية تنظم‬
‫ضمن قانون اإللتزمات و العقود‪ ،‬و هذا القانون يحدد معنى المال و بيان الحقوق المالية‬
‫المختلفة و أسباب اكتسابها و السلطات التي تكفلها لصاحبها و طرق تداولها و أسباب‬
‫زوالها‪.‬‬

‫و من هذا المنطلق فإن العقود تلعبا دورا جوهريا في الحفاظ على الحقوق الشخصية و‬
‫المالية لألفراد‪ ،‬بحيث تقتضي هذه العقود توفر مجموعة من األركان و الشروط و‬
‫لصحتها و إنتاج كافة أثارها في ما بين المتعاقدين أو األغيار‪.‬‬

‫فإن تخلف ركن من هذه األركان فإن المشرع المغربي أقر في القانون اإللتزمات و العقود‬
‫المغربي جزائين اثنين إما البطالن أو اإلبطار تبعا للحالة التي عليها العقد‪.‬‬
‫•أهمية البحث‬

‫إن اختيارنا لهذا الموضوع في هذه الضرفية لم يكن بمحض الصدف بل جاء تزامنا للعرقلة‬
‫التي شهدها العالم بدءا من ظهور فيروس كورونا إلى وقتنا الحاضر‪ ،‬و كما نعلم و يعلم‬
‫العالم بأسره أن العقود تلعب دورا هاما في الحياة اإلقتصادية و العالقات الشخصية و‬
‫غيرها من المجالت المدنية‪ ،‬فقد ثأترت هذه األخيرة بفعل اإلنغالقات التي اتخدتها الدول‬
‫تدبيرا إلحتياطات االزمة للتصدي لهذه الجائحة‪ ،‬كان بصمة أمل دفعتنا لتصليط الضوء‬
‫على موضوعنا و شرح و تحليل ما قد يصحب هذه العقود من جزاءات‪ ،‬لهذا فإن أهمية‬
‫بحثنا انصب حول جزائين من الجزاءات التي أشار لهم المشرع المغربي في قانون‬
‫اإللتزمات و العقود‪.‬‬

‫•صعوبات البحث‬
‫فكثيرة هي الصعوبات التي واجهتنا في طريقنا لدراسة و تحليل الموضوع بدقة التطرق‬
‫لتفاصيله و حيتياته صغيرة كانت ام كبيرة‪ ،‬نظرا لما شهده طلبة العالم بأسره في ظل‬
‫جائحة كورونا و ما تركته على القطاعات المهمة صحتا و تعليما و أمنا (‪ )....‬و هذا ما‬
‫انطوى أيضا علينا في انجاز بحثنا حيث واجهنا صعوبتا في التنقل و الحصول على‬
‫المراجع المكتوبة كتبا و رساالت و أطاريح و غيرها من جهة‪ ،‬و صعوبة الحضور و‬
‫التأطير من جهة أخرى‪ ،‬هذا ما زادنا و زاد المشرفين على بحثنا إصرارا و طموحا في‬
‫تحدي هذه الصعوبات و العراقيل‪ ،‬و الحمد هلل جل و على فإن المنظومة التعليمية عامة و‬
‫الجامعية خاصة وفرت لنا العديد و العديد من مراجع الدكاترة و الفالسف و الفقهاء التي‬
‫أمدت بفائض من المعلومات و ساعدتنا على إصابة الهذف و تضقيق المعطيات و‬
‫المضمون‪N.‬‬

‫•إشكالية البحث‬

‫إن أساس البحوث عامة هو ما يثير الباحث من إشكاالت التي تدفعه إلى البحث و التعمق‬
‫في المبحوث‪ ،‬و موضوع بحثنا كغيره من البحوث اشتمل على عديد من اإلشكاالت انصبت‬
‫نحو اشكال رئيسي تمثل في ‪ :‬ما هي القواعد المنظمة لبطالن العقود و إبطالها‬
‫و هذا االشكال الرئيسي بدوره تتفرع عنه مجموعة من اإلشكاالت يمكن صياغتها كاآلتي ‪:‬‬
‫ما هي االحكام المنظمة للبطالن؟‬
‫بما يمتاز جزاء البطالن عن غيره من الجزاءات؟‬
‫ما هي الحاالت التي يتم تقرير البطالن فيها؟‬
‫ما هي أثار هذا البطالن؟‬
‫ما هي األحكام المنظمة إلبطال؟‬
‫ما هي الخصائص المميزة لإلبطال؟‬
‫ما هي الحاالت التي تقتضي اإلبطال؟‬
‫ما هي االثار المترتبة عن اإلبطال؟‬

‫•المنهج المعتمد ‪:‬‬

‫اعتمدنا في تحليل بحثنا على مجموعة من المناهج العلمية لتفسير الموضوع و تمثلت هذه‬
‫المناهج في ‪:‬‬
‫المنهج اإلستنباطي ‪ :‬و هو منهج من مناهج العلوم القانونية الذي يقوم بتفسير الظواهر و‬
‫النصوص القانونية من منطلق عام وصوال إلى ما هو خاص‪ ،‬ارتأينا في بحثنا هذا اإلعتماد‬
‫عليه لدراسة موضوع سؤالنا‪.‬‬
‫المنهج التاريخي ‪ :‬يعتبر المنهج التاريخي من المناهج الهامة في العلوم عامة و العلوم‬
‫القانونية خاصة‪ ،‬وقد لجأنا إليه من خالل تفسيرنا لموضوعنا من النظرية التقليدية إلى‬
‫النظرية الحديثة‪.‬‬
‫المنهج المقارن ‪ :‬يرتكز هذا المنهج على اجراء مقارنة بين مسألتين بحثيتين أو بين‬
‫ظاهرتين من أجل التعميق فهما و تحديد أوجه الشبه و اإلختالف بينهما فضال عن إبراز‬
‫خصائص و مميزات كل موضوع من موضوعات المقارنة‪ ،‬و قد استندنا إليه في تمييز بين‬
‫موضرع سؤالنا و الموضوعات المشابهة له‪.‬‬

‫•خطة البحث‬
‫تبعا لموضوع بحثنا و طمعا في تحليل الغامض و المبهم من مركز إشكاليتنا ‪ ،‬ارتأينا تقسيم‬
‫هذا الموضوع إلى ما أنست نفوسنا‪ ،‬أال و هو تقسيم موضوعنا إلى‪:‬‬
‫الفصل االول ‪ :‬بطالن العقود‬
‫الفصل الثاني ‪ :‬إبطال العقود‬
‫الفصل األول‪ :‬بطالن العقود‬
‫المبحث األول ‪ :‬ماهية البطالن و خصائصه‪.‬‬

‫إن الحديث عن ماهية البطالن و الخصائص التي يمتاز بها تقتضي منا تقسيم هذا المبحث‬
‫إلى مطلبين اتنين بحيث سنطرق إلى ماهية البطالن في المطلب األول ‪ ،‬و نترك أمر إبراز‬
‫خصائصه إلى المطلب التاني‪.‬‬

‫المطلب األول ‪ :‬مفهوم البطالن‪.‬‬


‫لم يعرف المشرع المغربي مؤسسة البطالن‪ ،‬على غرار ما قامت به المؤسسات التشزيعية‬
‫االخرى‪ ،‬وقد أحسن صنعا في ذلك ما دامت التعاريف من اختصاص الفقه‪ ،‬و قد انقسم‬
‫الفقهاء في تعريفهم للبطالن فمنهم من اقتصر على المنظور التقليدي لنظرية البطالن و منهم‬
‫من تجاوز ذلك الى ماهو معلوم فب النظرية الحديثة للبطالن‪ ،‬هذا ما يجبرنا على ضرورة‬
‫تمييز البطالن عن غيره من النظم‪ ،‬و على هذا االساس سنقسم هذا المطلب الى مجموعة‬
‫من الفقرات فقرة لمفهوم البطالن في النظرية التقليدية و فقرة للحديث عن مفهوم البطالن‬
‫أيضا في النظرية الحديثة و فقرة أخيرة لتمييزه عن غيره من النظم‬

‫الفقرة االولى ‪ :‬مفهوم البطالن في النظرية التقليدية‬

‫البطالن هو الجزء الذي فرضه القانون على عدم توفر ركن من أركان العقد أو شرط من‬
‫شروط صحته وهو عبارة عن انعدام أثر العقد بالنسبة إلى المتعاقدين وبالنسبة إلى الغير‪،‬‬
‫والعقد الذي لم تراع قواعد القانون في تركيبه يكون باطال‪ ،‬فال ينتج أثرا قانونيا وال ينشأ‬
‫عنه حق أو التزام‪ ،‬وتختلف قوة الجزاء باختالف نوع القاعدة التي لم تراع في تكوين العقد‪،‬‬
‫فإذا كانت القاعدة حتى المصلحة العامة كان البطالن مطلقا‪ ،‬أما إذا كانت تلك القاعدة حتى‬
‫مصلحة خاصة كان البطالن نسبيا‪ ،‬فيكون للعقد وجودة إلى أن يطلب بطالنه‪.‬‬
‫وقد قسمت النظرية التقليدية البطالن إلى ثالث أقسام ‪ ،‬بطالن مطلق وبطالن نسبي و انعدام‬
‫التصرف‪N.‬‬
‫أ‪ -‬انعدام التصرف ‪ :‬و يقصد به مصير العقد الذي تخلف فيه ركن من أركانه‪ ،‬حيث يصبح‬
‫العقد منعدما‪💙 .‬‬
‫ب‪ -‬البطالن المطلق ‪ :‬فهو الجزاء العقد الذي تخلف فيه شرط من شروط االنعقاد وهي‬
‫الرضا والمحل و السبب‬
‫والسبب والشكل في العقود الشكلية‪ ،‬فال يكون وجود لهذا العقد وإال ينتج أي أثر‪.‬‬
‫ب‪ -‬البطالن النسبي ‪:‬وهو جزاء تخلف شرط من شروط الصحة كعدم توافر األهلية الالزمة‬
‫إلبرام العقد لدى كل من المتعاقدين‪ ،‬أو فساد اإلرادة بأحد عيوب الرضا وهي الغلط‬
‫واإلكراه والتدليس والغبن واالستغالل‪.‬‬
‫و تنبغي االشارة الى ان النظرية التقليدية كانت تقتصر على قسمين من البطالن‪ ،‬بطالن‬
‫نسبي ( االبطال) و بطالن مطلق💙‬
‫إن العقد الباطل بطالنا نسبيا يأخذ حكم العقد الصحيح وتترتب عليه كافة اآلثار القانونية‪،‬‬
‫حتى يتمسك بالبطالن من يكون البطالن في مصلحته‪ .‬وقد أخذ المشرع المغربي بهذا‬
‫االتجاه في ما يخص اثار البطالن بين المتعاقدين ‪.‬‬

‫الفقرة التانية ‪ :‬مفهوم البطالن في النظرية الحديثة‬

‫تعرض التقسيم الثالثي للعديد من االنتقادات‪،‬لعل أهمها تشابه االنعدام و البطالن‬


‫المطلق‪،‬فهما متساويان في العدم الذي ال تفاوت فيه‪،‬ما دام أن أحكام العقد المنعدم هي نفسها‬
‫أحكام العقد الباطل بطالنا مطلقا‪،‬حيث إنهما ال ينتجان أي أثر كما رأينا في الفقرة السالفة‬
‫لهذه االعتبارات‪،‬فإن الفقه الحديث قسم البطالن إلى درجتين فقط‪،‬هما البطالن و القابلية‬
‫لإلبطال؛و الحق يقال‪.‬إن أصل هذا التصنيف هو الفقه التقليدي قبل ابتداع فكرة انعدام‬
‫التصرف‪،‬بمعنى‪ N‬انه نفس التقسيم الذي كان يميز بين البطالن المطلق ر البطالن النسبي💙‬
‫كل ما هنالك‪،‬أن النظرية الحديثة تقيم هذا التمييز بناء على المصلحة التي تم المساس بها؛‬
‫فإن كان الهدف هو حماية المصلحة العامة فإن الجزاء هو البطالن؛أما إذا كانت المصلحة‬
‫التي تم المساس بها عند تكوين العقد هي مصلحة شخصية ألحد أطراف العقد‪،‬فإن الجزاء‬
‫هو القابلية لإلبطال‪.‬وقد أخذت جل التشريعات بهذا التصنيف الحديث‪،‬بها فيها قانون‬
‫االلتزامات و العقود المغربي كما سنرى في المبحث الثاني من هذا الفرع‬
‫الفقرة الثالثة ‪ :‬تمييز البطالن عن غيره المؤسسات‬

‫تقتضي معالجة هذه الفقرة الى ضرورة تمييز البطالن عن غيره من النظم التي قد تذخل‬
‫نوع ما في الجزاء معه و على هذا االساس سنقوم بتمييزه مع مجموعة من المؤسسات‬
‫المشابهة له ابتداءا من الفسخ و مرورا الى االبطال وقوفا عند عدم النفاذ ‪.‬‬

‫أوال ‪ :‬تمييز البطالن عن الفسخ‬ ‫‪‬‬

‫البطالن يرجع إلى عيب أصاب العقد في أحد اركانه‬


‫أما الفسخ فهو جزاء عدم تنفيذ أحد المتعاقدين اللتزاماته بعد أن يكون العقد قد انعقد‬
‫صحيحا مستوفي لكل الشروط فيكون للعاقد اآلخر إذا كان العقد ملزما للجانبين أن يتمسك‬
‫بالفسخ لكي يتحلل مما عليه من التزام ن ولذا ال يكون الفسخ إل في العقود التبادلية‬
‫أما االنحالل يرد على كل عقد نشأ صحيحا ثم ينحل وهو اما باتفاق الطرفين او باالرادة‬
‫المنفردة‬
‫اما البطالن كما سبق الدكر‪ ،‬فهو الجزاء على عدم توافر أركان العقد ‪ ،‬ومن هنا يتشابه‬
‫البطالن و االنحالل من حيث األثر المترتب عليها وهو زوال العقد‪.‬‬
‫وقد نص المشرع في قانون االلتزمات والعقود المغربي بالضبط في الفصل(‪ )312‬يترتب‬
‫على ابطال االلتزام وجوب اعادة المتعاقدين الى متل و نفس الحالة التي كانا عليها وقت‬
‫نشأته ‪ ،‬والتزام كل منهما بان يرد الخر كلىما اخد منه بمقتضى او نتيجة العقد الذي تقرر‬
‫💙ابطاله‬

‫تانيا ‪ :‬تمييز البطالن عن االبطال‬ ‫‪‬‬

‫ادا كان البطالن هو الجزاء المدني الذي يطال العقد فيجعله باطال أي ال وجود له من الناحية‬
‫القانونية وال ينتج أي أثر قانونية ال بالنسبة للمتعاقدين وال بالنسبة للغير‪ ،‬وما يجعل العقد‬
‫باطال تخلف ركن من أركانها ( تخلف ركن الرضا أو السبب أو المحل أو ركن الشكل‬
‫بالنسبة للعقود الشكلية أو التسليم بالنسبة للعقود العينية‪ ،‬أو بسبب اختالل شرط من شروطه‬
‫( حالة صدور الرضا من غير مميز أو في حالة كان المحل غير ممكن أو غير قابل للتعيين‬
‫أو كان المحل أو السبب غير مشروعين ) ‪.‬‬
‫االبطال‬
‫فان اإلبطال هو جزاء قد يطال العقد موجود من الناحية القانونية والمنتج لكافة أثاره بالنسبة‬
‫لجميع أطراف العقد وللغير‪ ،‬لكن هذا العقد اختل شرط من شروطه إما أن الرضا كان غير‬
‫صحيح كأن يصدر من غير ذي أهلية ( قاصر – ناقص األهلية ) أو كان العقد مشوبا بعيب‬
‫من عيوب الرضا ( اإلكراه – التدليس – الغبن – الغلط ‪N.)...‬‬
‫في هذه األحوال يكون العقد معرض لإلبطال إذا تقدم صاحب المصلحة بطلب إبطاله‬

‫ثالثا ً ‪ :‬تمييز البطالن عن عدم النفاذ‬ ‫‪‬‬

‫العقد غير النافذ هو عقد صحيح من الناحية القانونية وينتج كافة أثاره بالنسبة ألطراف‬
‫العقد‪ ،‬لكن هذه األثر ال تسري في حق الغير‪.‬‬
‫ومن أمثلة هذه العقود نجد العقود الصورية أو السرية‪.‬على المتعاقدين فيما بينهم‬
‫فهذه العقود ينحصر أثرها على أطراف العقد دون الغير و لذلك فالبطالن شيء وعدم النفاذ‬
‫شيء اخر‬

‫المطلب التاني ‪ :‬خصائص البطالن‬

‫و كغيره من النظم فان البطالن كجزاء على تخلف ركن من اركان العقد يمتاز عن غيره‬
‫بمجموعة من الخصائص التي سنتطرق لها على النحو االتي‬
‫•الخاصية األولى‪ :‬بطالن جزء من العقد يبطل العقد بمجموعه ما لم يكن العقد قابال للبقاء‬
‫دون الجزء الذي لحقه البطالن‬
‫أورد المشرع المغربي في القانون المدني نصا على هذه الخاصية في المادة‬
‫‪308‬فقالت‪:‬بطالن جزء من االلتزام يبطل االلتزام في مجموعة إال إذا أمكن اخذا االلتزام‬
‫أن يبقى قائما بدون الجزء الذي لحقه البطالن وفي هذه الحالة االخيرة يبقى االلتزام قائماج‬
‫باعتباره عقد متمييزا عن العقد 💙األصلي‬
‫و مضمون هذا الفصل أنه في حالة ما تخلف او بطل جزء من اإللتزام فإن هذا يؤدي ال‬
‫محالة إلى بطالن اإللتزام األصلي‪ ،‬و يرد استثناء على هذه الحالة أنه يمكن اإلبقاء على‬
‫الجزء الصحيح من االلتزام دون الجزء الذي لحقه البطالن‪.‬‬

‫•الخاصية الثانية‪ :‬بطالن االلتزام األصلي يقتضي بطالن االلتزامات التابعة و ال عكس‬
‫فحسب المادة‪307‬من قانون االلتزامات و العقود المغربي فااللتزام األصلي هو الذي يقوم‬
‫بذاته دون الحاجة إلى غيره أما االلتزام‬
‫التابع فهو القائم بغيره الذي ال يتصور وجوده بدون التزام أصلي يرتكز عليه ويكون تابعا‬
‫له‬
‫وحسب المواد ‪1150‬و‪ 1233‬من نفس القانون أعاله‪ ،‬فبطالن االلتزام التبعي ال يؤشر‬
‫على صحة االلتزام األصلي الذي يبقى قائما و منتجا ألثاره‬

‫•الخاصية الثالثة ‪ :‬العقد الباطل اليقبل اإلجازة وال التصديق عليه‬


‫‪-‬حيث نص المشرع في المادة ‪10‬من القانون المدني أن اجازة االلتزام الباطل بقوة القانون‬
‫أو التصديق عليه ال يكون لهما أدنى أثر‪.‬فاإلجازة هي أن يوافق المتعاقد على تثبيت عقد‬
‫سابق قد عقده‪،‬أما التصيق على العقد أو إقراره فهو تصرف يصدر من أجنبي عن العقد‪،‬وبه‬
‫يضيف هذا األجنبي أثر العقد إلى نفسه‪،‬كإقرار الموكل لتصرف جاوز الوكيل فيه حدود‬
‫الوكالة أما العقد الباطل فهو عقد معدوم‪،‬اليقبل اإلجازة وال التصديق عليه‪،‬كما أن البطالن‬
‫من متعلقات النظام العامم اإلجازة أواإلقرار ال تهدم اعتبار النظام العام‬

‫•الخاصية الرابعة ‪ :‬البطالن ال يصححه التقادم ولكن الدعوى بالبطالن تتقادم‬


‫اتجه أغلب الفقه و االجتهاد إلى القول بتقادم الدعوى البطالن بمرور ثالثين سنة استنادا‬
‫لنص المادة ‪ 2262‬التي تقضي بتقادم جميع الدعاوى بمرور ثالثين عاما و هذا ما جاء به‬
‫الفقه الفرنسي‬
‫أما نظيره المغربي فقد أخد بموجب المادة ‪ 387‬أن "كل الدعاوى التاشئة عن االلتزام‬
‫تتقادم بخمس عشرة سنة ‪.‬والدفع بالبطالن ‪ ،‬فمن المجمع عليه أنه ال يتقادم أبدا حيث نصت‬
‫المادة ‪ 315‬صراحة على عدم تقادم الدفع باإلبطال‬

‫•الخاصية الخامسة ‪ :‬الباطل ال يحتاج إلى إبطال‬

‫‪ -‬إن العقد الباطل بقوة القانون يعتبر باطال منذ صدوره أي غير منعقد بين عاقديه‪،‬فهو‬
‫عدم في نظر القانون‪.‬وعندئد‪ N‬ال يتوقف تقرير بطالنه على حكم من القاضي ‪،‬ألن القانون هو‬
‫الذي قرر بطالنه من أصله‪ ،‬فضال عن أنه لو توقف بطالنه على قضاء القاضي لكان قبل‬
‫صدور الحكم منعقدا غير باطل‪،‬مع أن المفروض أنه باطل بحكم القانون‬

‫•الخاصية السادسة ‪ :‬لكل ذي مصلحة في البطالن أن يتمسك به و للمحكمة أن تقضي‬


‫بالبطالن من تلقاء نفسها ولو لم يطلبه أحد المتقاضين ‪.‬‬

‫‪ -‬إن سبب البطالن في العقود الباطلة بقوة القانون يعود إلى كون العقد قد خولف فيه نظام‬
‫التعاقد‪،‬فالبطالن مقرر إذن رعاية للمصلحة العامة ال صيانة لمصلحة عامة لذلك فإن لكل‬
‫دي مصلحة في البطالن أن يدعي به ‪.‬ودو مصلحة هو كل من له حق يتأثر بصحة العقد أو‬
‫ببطالنه‬

‫المبحث التاني ‪:‬حاالت البطالن و أثار‬

‫و اتباعا لتسلسل الذي انسناه من بداية البحث الى نقطة وصولنا هذه في معالجة موضوع‬
‫سؤالنا ‪،‬و بهذا الصدد نرى ضرورة تقسيم هذا المبحث كغيره من المباحث السالفة الى‬
‫مطلبين بحيث سنخصص المطلب االول من مبحثنا للحديث عن الحاالت التي يتم تقرير‬
‫البطالن فيها ‪ ،‬و مطلب تاني البراز االثار التي تترتب على هذه الحاالت من البطالن‬
‫المطلب االول ‪ :‬حاالت البطالن‬

‫و قد اشار للمشرع المغربي في قانون االلتزمات و العقود المغربي و بالضبط في الباب‬


‫االول من القسم الخامس المتعلق ببطالن االلتزمات و ابطالها في مجموعة من الفصول‬
‫على حاالت البطالن و سنتطرق اليها على النحو التالي‬

‫الفقرة االولى ‪ :‬البطالن لتخلف ركن من األركان‬

‫تماشيا مع الفصل (‪ (306‬من قانون االلتزمات و العقود العقود المغربي " و يكون االلتزام‬
‫باطال بقوة القانون اذا كان ينقصه أحد األركان االزمة لقيامه‪.‬‬
‫و بهذا يقرر البطالن المطلق في حالة تخلف أحد أركان العقد وذلك في الحاالت االتية‬
‫إذا انعدم الرضاء ‪ ،‬كما لو تم إبرام العقد عن طريق شخصي عدم األهلية غير مميز أو‬
‫مجنون أو تحت تأثير الغلط المانع أو اإلكراه المادي ‪ ،‬وفى حالة عدم تطابق القبول مع‬
‫اإليجاب‬
‫إذا كان المحل غير موجود أو مستحيل أو غير مشروع أو غير معين أو غير قابل للتعيين‬
‫إذا تخلف السبب أو اتسم بعدم المشروعية ‪.‬‬
‫إذا تخلف الشكل الذي يتطلبه القانون كركن في العقد كما هو الحال في اشتراط الرسمية‬
‫إلبرام الرهن الرسمي وهبة العقار ‪.‬‬

‫الفقرة الثانية ‪ :‬البطالن بمقتضى نص في القانون‬

‫إذا ورد في القانون نص خاص يقضى ببطالن العقد بطالن مطلق ‪ ،‬مثال ذلك اشتراط‬
‫تحديد مدة معينه النعقاد الوعد بالتقاعد قد وبيع الوفاء ‪ ،‬وبيع أموال الدولة الخاصة يعتبر‬
‫طريق المزاد عند اشتراط القانون ذلك ‪.‬‬
‫استقر القضاء على الحكم بإبطال التصرف المبنى على الغش نحو القانون ‪ ،‬أي إذا كان‬
‫الغرض منه االحتيال على تطبيق القانون ( الغلط في القانون ) للتهرب من حكم يتعلق‬
‫بالنظام العام‪.‬‬

‫المطلب التاني ‪ :‬أثار البطالن‬

‫إن الحديث عن األثار التي يرتب جزاء البطالن عن الحاالت التي يتم فيها تقريره اذا ما‬
‫تمت اخالل بأحد اركان العقد يستلزم من ابراز هذه األثار على مستوى المتعاقدين في ما‬
‫بينهم و كذا على مستوى الغير و على هذا األساس سنقسم هذا المطلب بدوره كما أنسنا‬
‫أعاله بحيث سنخصص الفقرة األولى فسنخصصها إلبراز أثارالبطالن في ما بين‬
‫المتعاقدين و سنترك أمر الحديث عن أثار البطالن بالنسبة للغير في الفقرة التانية‪ ،‬وصوال‬
‫إلى األثار العرضية للبطالن و هذا ما سنراه في الفقرة الثالثة‪.‬‬

‫الفقرة االولى ‪ :‬اثر البطالن فيما بين المتعاقدين‬

‫يترتب على بطالن العقد عدم جواز المطالبة بتنفيذه ‪ ،‬وزواله بأثر رجعي بحق يعود‬
‫المتعاقدان إلى الحالة التي كانا عليها قبل العقد ‪.‬‬

‫( أ ) عدم جواز المطالبة بالتنفيذ‬


‫يترتب على بطالن العقد زواله ‪ ،‬وال تتولد عنه اآلثار المقصودة من إبرامه فإذا كان العقد‬
‫الذي تقرر بطالن لم يبدأ تنفيذه بعد من أي من الطرفين ‪ ،‬فال يلتزم أي من المتعاقدين بشىء‬
‫نحو اآلخر ‪ .‬ال يجوز ألي منهما أن يطالب اآلخر بتنفيذ إلتزاماته التي يرتبها العقد فيما لو‬
‫كان صحيحا ً ‪ .‬فإذا طالب أحد العاقدين بشي من ذلك كان للطرف اآلخر أن يدفع هذه‬
‫المطالبة بالبطالن ‪ .‬فإذا كنا بصدد بيع باطل أو تم إبطاله وطالب المشتري البائع بتسليم‬
‫المبيع كان للبائع أن يدفع هذه المطالبة بالبطالن ‪ .‬ونفس الشئ عند المطالبة بالثمن يحوز‬
‫للمشتري توقي ذلك بالدفع بالبطالن ‪)1 ( .‬‬
‫( ب ) اإللتزام بالرد ‪.‬‬
‫يترتب على صدور حكم بإبطال العقد أو ببطالنه زواله بأثر رجعى ‪ .‬يبطل العقد بأثر‬
‫رجعى ويعتبر كأن لم يكن ويزول كل أثر له ‪ .‬فالحكم القضائي يكون كاشفا ً وليس منشئا ً‬
‫لحالة البطالن أو اإلبطال ‪.‬‬
‫ويعني األثر الرجعى عودة المتعاقدين إلى الحالة التي كانا عليها قبل العقد ‪ .‬ويلتزم كل منها‬
‫بأن يرد لآلخر ما حصل عليه بموجب العقد الذي تم إبطاله ويستوي في ذلك العقد الباطل و‬
‫العقد القابل لإلبطال ‪.‬‬

‫ويثور ذلك في حالة ما إذا تم تنفيذ العقد الباطل كليا ً أو جزئيا ً من أحد الطرفين أو منهما معا ً‬
‫ثم يتقرر البطالن بعد ذلك هنا يتعين ‪ ،‬إعماال لألثر للرجعى للبطالن ‪ ،‬إعادة المتعاقدين‬
‫للحالة التي كانا عليها قبل التعاقد ‪ .‬فإذا تنفيذ عقد بيع باطل وجب رد المبيع للبائع ورد الثمن‬
‫للمشتري ‪.‬‬

‫وأساس اإللتزام بالرد هو دفع غير المستحق ‪ .‬فمن المقرر أنه استرداد غير المستحق إذا‬
‫كان الوفاء قد تم تنفيذاً اللتزام لم يتحقق سببه أو اللتزام زال سببه بعد أن تحقق ‪ .‬فنتيجة‬
‫لألثر الرجعى لبطالن العقد أو إلبطاله يعتبر كل متعاقد أخذ ما أعطاه إليه المتعاقد اآلخر‬
‫من غير أن يكون له حق فيه ‪ ،‬ومن ثم يلتزم برده إليه ‪.‬‬

‫( جـ ) نطاق اإللتزام بالرد ‪.‬‬

‫إن قاعدة اإللتزام بالرد ليست مطلقة بل ترد عليها بعض القيود التي ترجع العتبارات الواقع‬
‫واستقرار المعامالت ومراعاة بعض المصالح الجديرة بالحماية ‪.‬‬
‫أوال ‪ :‬األصل أن يكون الرد عينا ً بحيث يرد كل متعاقد لآلخر ما حصل عليه بموجب‬
‫العقد ‪ ،‬إال إنه قد يتعذر على المتعاقد ‪ ،‬أحيانا ً ‪ ،‬رد عين ما حصل عليه ‪ ،‬كما إذا كان الشئ‬
‫قد هلك أو تلف ‪ .‬هنا يمكن إلزام المتعاقد الذي بحسب قيمة الشئ المبيع مثالً‪ .‬وذلك أن‬
‫التعويض المعادلة بقوم مقام الرد العيني ‪ .‬وال يعتبر هذا التعويض من قبيل الثمن وال‬
‫يخضع ألحكامه ‪ ،‬وإنما يخضع ألحكام التعويض وحدها ‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬إذا ترتب علي تنفيذ العقد الباطل انتقال حيازة شئ إلى أحد الطرفين ‪ ،‬هذا يتعين‬
‫حمايته إذا كان حسن النية ال يعلم بسبب البطالن وتتمثل الحماية فى عدة وجوه ‪.‬‬
‫يعامل معاملة الحائز حسن النية فيما يتعلق بالثمار فهو يلتزم برد الشئ الذي تسلمه ويحتفظ‬
‫لنفسه بالثمار سواء استهلكها أم ال ‪ .‬ويلتزم برد الفوائد والثمرات من يوم رفع دعوى‬
‫البطالن ‪.‬‬
‫يعامل المتعاقد معاملة الحائز الذي يلتزم برد ما يحوزه وذلك بالنسبة للمصروفات التي قد‬
‫يكون أنفقها عليه ‪.‬‬
‫إذا كان المتعاقد الحائز حسن النية فال يلتزم بدفع أي تعويض مقابل االنتفاع بالشئ الذي‬
‫يلتزم برده إلى الطرف اآلخر ‪ .‬زمن ثم ال محل ألي تعويض معادل عن االستهالك في‬
‫الفترة ما بين تسلم الشئ وإبطال العقد ‪.‬‬
‫ال يلتزم المتعاقد حسن النية ‪ ،‬في حالة الهالك الكلي للشئ الذي يحوزه ‪ ،‬إال بدفع مقدار ما‬
‫عاد عليه من فائدة ترتبت على هذا الهالك مثل أنقاض المنزل ‪ .‬وفى حالة سوء النية فإنه‬
‫يكون مسئوال عن الهالك أو تلفه ‪ ،‬ولو كان ذلك ناشئا ً عن حادث مفاجئ إال إذا أثبت أن‬
‫الشئ أو يتلف ولو كان باقيا ً في يد صاحبه ‪.‬‬

‫ثالثا ‪ :‬يستحيل إعمال األثر الرجعى لبطالن عينا ً في العقود الزمنية ‪ ،‬مثل عقد اإليجار وعقد‬
‫العمل ‪ ،‬حيث يستحيل ماديا إزالة بعض اآلثار التي ترتبت عليها في الماضي ‪ ،‬فال يمكن رد‬
‫المنفعة التي حصل عليها المستأجر أورد العمل الذي أداه العامل هنا يلتزم المستأجر بأن‬
‫يدفع تعويضا عن االنتفاع الذي حصل عليه ‪ ،‬ويتم تقدير هذا التعويض ‪ ،‬في الغالب ‪،‬‬
‫بمقدار األجرة ‪ ،‬لكنه ال يعد أجرة ‪ ،‬وال تضمنه ضمانات األجرة ‪ ،‬فال يكفله امتياز‬
‫المؤجر ‪ ،‬وال يتقادم بمدة األجرة ‪ .‬ويلتزم صاحب العمل بأن يرد للعامل تعويضا معادال لما‬
‫أداه من عمل وبذل من جهد ‪ .‬يقدر القاضي غالبا ‪ ،‬هذا التعويض يما يعادل ما كان يستحقه‬
‫العامل من أجر ‪ ،‬إال أن ذلك التعويض ال يعد أجرا وال يخضع لحكامه ‪.‬‬

‫رابعا ‪ :‬إذا تم إبطال العقد بسبب نقص األهلية ‪ ،‬فإن المتعاقد ناقص األهلية يلتزم فقط برد ما‬
‫عاد عليه من منفعة بسبب العقد ‪ .‬قرر المسرع هذا المبدأ لحماية ناقصي األهلية واستثناهم‬
‫من قاعدة اإللتزام بالرد ‪ .‬فناقص األهلية ال يلتزم برد ما حصل عليه بموجب العقد الباطل‬
‫إال في حدود ما عاد عليه من منفعة ماديه كانت أو معنوية ‪ .‬فإذا باع القاصر عقارا وقبض‬
‫ثمنه وأنفق أغلبه في اللهو وأنفق جزءا يسيرا منه في ضروريات الحياة ‪ ،‬فهو ال يلتزم ‪ ،‬في‬
‫حالة إبطال العقد ‪ ،‬إال برد هذا اليسير من الثمن للمشتري ‪.‬‬
‫وبالرغم من أن النص يتكلم عن ناقص األهلية إال إن حكمه واجب التطبيق ‪ ،‬من باب‬
‫أولى ‪ ،‬على عديم األهلية ألنه أجدر بالحماية ويعد ذلك أعماال للقاعدة العامة التي قررها‬
‫المشرع بقوله إذا لم تتوافر أهلية التعاقد فمين تسلم غير المستحق فال يكون ملتزما إال بالقدر‬
‫الذي أثري بت ‪.‬‬
‫واألصل في اإلنسان اكتمال األهلية وعلى من يدعى نقص األهلية إلثبات ذلك ‪ .‬فمتى ثبت‬
‫نقص األهلية كان الحكم هو عدم إلتزامه برد ما حصل عليه من العقد الباطل ‪ .‬ويقع على‬
‫الطرف اآلخر الذي يريد استرداد ما لدى ناقص األهلية ‪ ،‬عبء اإلثبات ما عاد عليه من‬
‫منفعة بسبب تنفيذ العقد ‪ ،‬أي ينبغي على المتعاقد اآلخر إقامة الدليل على أن ناقص األهلية‬
‫قد استفاد مما أخده منه ‪ .‬وتعبر محكمة النقض عن ذلك قبولها أن عبء اإلثبات في بيان أن‬
‫ناقص األهلية قد أثري وفى تقدير مدي أثرائه يقع على عاتق الدافع الذي يطلب رد ما دفع‬
‫فإذا عجز عن اإلثبات كان ذلك موجبا ً في ذاته لرفض طلبه ‪.‬‬

‫خامسا ً ‪ :‬قضت القاعدة الرومانية الشهيرة بأنه ال يحوز للطرف الملوث أن يتمسك بتلوثه ‪.‬‬
‫وأعماال لتلك القاعدة تضمن المشروع التمهيدي للقانون المدني نصا يقضى بأنه ال يجوز‬
‫لمن وفى بالتزام مخالف لآلداب أن يسترد ما دفعه إال إذا كان هو فى التزامه لم يخالف‬
‫اآلداب ‪ .‬بمعنى ذلك إن حق المطالبة بالرد قاصر على الطرف الذي لم يخالف اآلداب ‪.‬‬
‫فمستأجر األرض لزراعتها مخدرات ال يجوز له استرداد ما دفعه‬

‫‪.‬‬
‫الفقرة التانية ‪ :‬أثر البطالن بالنسبة للغير‬

‫في طريقنا إلبراز األثار المترتبة على البطالن بالنسبة للغير سنتعرض للقاعدة العامة ‪ ،‬ثم‬
‫لالستثناءات الواردة عليها‪.‬‬
‫البطالن على مستوى الغير تتمثل في االتي فبخصوص القاعدة العامة المترتبة المتعلقة‬
‫باثار‬
‫إذا تم إبطال العقد فإنه يعتبر كأن لم يكن ويزول كل أثر له سواء فيما بين المتعاقدين أو‬
‫بالنسبة للغير ‪.‬‬
‫والغير هنا هو كل من تلقى حقا ً من أحد المتعاقدين على الشئ الذي ورد عليه العقد الباطل ‪،‬‬
‫حيث يتعاقد الغير مع المتصرف إليه في العقد الباطل بقصد اكتساب حق متعلق بالشئ‬
‫موضوع هذا العقد ‪ .‬يقوم المتصرف إليه في العقد الباطل بترتيب حق للغير علي الشئ‬
‫موضوع هذا العقد ‪ ،‬كأن يبيعه أو يرهنه أو يؤجره أو يرتب عليه حق ارتفاق ‪.‬‬
‫يؤدي منطق البطالن إلى زوال هذه الحقوق ‪ ،‬فإذا رتب المشتري على العين التي اشتراها‬
‫بعقد باطل أو قابل لإلبطال رهنا أو حق ارتفاق مثال ‪ ،‬ثم تقرر بطالن البيع ‪ ،‬فإن البائع‬
‫يسترد العين خالية من الحقوق العينية التي رتبها المشترى ‪ .‬وكذلك لو باع المشترى العين‬
‫إلى آخر ‪ ،‬فإن البائع يستردها من المشترى الثاني ‪ ،‬مؤدي ذلك أن الحق الذي يتلقاه الغير‬
‫على الشئ الذي ورد عليه العقد الباطل يزول بالتبعية لبطالن هذا العقد ‪ .‬فبطالن سند‬
‫المتصرف‪ N‬يستتبع زوال سند المتصرف إلية ‪ ،‬أن الشخص ال يستطيع أن ينقل إلى غيره‬
‫أكثر مما يملك ‪.‬‬
‫فإذا كان أحد الطرفين في العقد الباطل قد تصرف فال حقه إلى الغير ‪ ،‬فإن حق الغير يزول‬
‫بالتبعية لزوال هذا العقد بالبطالن ‪ .‬فلو أن محمداً اشترى قطعة أرض من محمود بعقد باطل‬
‫أو قابل لإلبطال ثم باعها ألحمد ‪ ،‬وبعد ذلك تقرر بطالن العقد فإن محمود البائع يسترد‬
‫األرض من المشترى ( أحمد ) ‪ .‬وإذا كان قد رتب على األرض رهنا ً أو حق ارتفاق أو‬
‫حق انتفاع فانه يسترد األرض خالية من الرهن أو االرتفاق أو االنتفاع ‪.‬‬
‫وزوال العقد بالبطالن ال يحتج به فقط على الغير أو الخلف الخاص بالمعنى السابق ‪ ،‬بل‬
‫يحتج به من باب أولى على الدائنين ‪ .‬ويعتبر محكمة النقض عن ذلك بقولها أن الحكم‬
‫بإبطال العقد الصادر من المدين يكون حجة على دائنة ألن المدين يعتبر ممثال لدائنه في‬
‫الخصومات التي يكون هذا المدين طرفا فيها ‪ ،‬ويستتبع الحكم إلغاء اآلثار المترتبة على هذا‬
‫العقد وقت انعقاده بالنسبة للمتعاقدين والغير حتي ولو لم يصدر الحكم في مواجهة الدائن ‪( .‬‬
‫‪)1‬‬

‫( ب ) اإلستثناء الواردة على القاعدة ‪.‬‬


‫إن اعمال القاعدة السابقة على إطالقها أن يؤدي إلى المساس بالمعامالت ‪ ،‬فقد يترتب على‬
‫تطبيق مبدأ األثر الرجعى للبطالن على إطالق غلى األضرار‪ N‬الفادح بالغير حسن النية الذي‬
‫استند إلى الوضع الظاهر ورتب معامالت على أساس قيام العقد الباطل ‪ .‬ويقضى الصالح‬
‫العام يوجب مراعاة استقرار التعامل برعاية اإلئتمان العام واالعتداد بالثقة المشروعة التي‬
‫يركن الناس إليها في معامالتهم ‪.‬‬

‫لكل هذه االعتبارات أورد المشرع بعض اإلستثناءات التي بمقتضاها تظل الحقوق التي‬
‫يكتسبها الغير على الشئ المتصل بالعقد الباطل وذلك في حاالت معينه ‪ ،‬ويمكن التمييز في‬
‫هذا الصدد بين عقود التصرف ‪ ،‬وعقود اإلدارة واالعتداد باألوضاع الواقعية ‪.‬‬
‫أوال ‪ :‬عقود التصرف وهنا يقرر المشرع حماية الغير المتصرف إلية في الحاالت اآلتية ‪:‬‬
‫‪ .1‬يستطيع الغير حسن النية حماية حقه باالستناد إلى قاعدة في المنقول سند الملكية ‪ .‬فإذا‬
‫كان محل التعامل منقوال وحازه الغير بسبب صحيح وحسن نية ‪ ،‬فيصبح مالكا ً ‪ ،‬وال يمكن‬
‫مطالبته برده ‪ .‬فلو أن محمد باع منقوال لحمد ‪ ،‬ثم باع أحمد المنقول لمحمود أو رهنه له‬
‫وانتقلت حيازة المنقول لمحمد خالصا من الحقوق التي رتبها أحمد لمحمود ‪ ،‬ولكن محمود‬
‫الذي تسلم المنقول بحسن النية وهو يجهل ما يشوب سند أحمد من أسباب البطالن ‪ ،‬يمكنه‬
‫االستناد إلى قاعدة الحيازة في المنقول ليكسب على أساسها ملكية المنقول أو الحق العيني‬
‫عليه رغم أنه تعاقد مع غير مالك ‪.‬‬

‫‪ .2‬إذا كان محل التعامل عقاراً كان للغير حسن النية أن يكتسب ملكيته بالتقادم الخمسي‬
‫دون أن يتأثر بإبطال سند من تصرف إلية في العقار فلو باع محمد عقاراً ألحمد ‪ ،‬ثم باع‬
‫أحمد العقار لمحمود الذي حازه بحسن نية ‪ ،‬ثم تم إبطال البيع األول ‪ ،‬هذا اإلبطال ال يؤثر‬
‫على حق محمود إذا حاز العقار مدة خمس عشرة سنة حيث يكتسب ملكيته بالتقادم الطويل ‪،‬‬
‫أو إذا سجل عقده وحاز العقار مدة خمس سنوات بحسن نية حيث يكتسب ملكيته بالتقادم‬
‫الخمسي ‪ .‬هنا يشترط ألعمال التقادم الخمسي أن يكون سند ملكية المتصرف‪ N‬باطالً بطالنا ً‬
‫نسيبا ً أي أن يكون بيع محمد ألحمد قابال لإلبطال ‪ ،‬ذلك أن العقد الباطل بطالنا ً مطلقا ً ال يعد‬
‫سببا ً صحيحا ً يجيز التملك بالتقادم الخمسي ‪.‬‬

‫‪ .3‬إذا اكتسب الغير حسن النية حقا ً عينيا ُ على العقار الذي ورد عليه العقد الباطل وذلك قبل‬
‫تسجيل دعوى البطالن أو التأشير بالحكم الصادر فيها في هامش تسجيل العقد الباطل ‪،‬فإن‬
‫هذا الحق يظل قائما ً ال يؤثر فيه البطالن ‪ .‬مؤدي ذلك أن الحق الذي كسبه الغير بحسن نية‬
‫ال يسقط بالرغم من إبطال سند ملكية من قرر له هذا الحق ‪ .‬وإذا كسب الغير حقا ً عينيا ً بعد‬
‫تسجيل دعوى البطالن أو التأشير بها فإن هذا الحق يزول نتيجة لبطالن سند من تصرف‬
‫إليه ‪ ،‬أما إذا كان الغير قد كسب حقه قبل تسجيل دعوى البطالن أو التأشير بها فإن هذا‬
‫الحق يبقي إذا كان حسن النية ‪ .‬مثال بيع محمد قطعة أرض لمحمود الذي يبيعها بدوره‬
‫ألحمد ‪ ،‬ثم يرفع محمد دعوى إلبطال عقد البيع ويسجلها ويحكم ببطالن العقد ‪ .‬هنا يحتفظ‬
‫احمد باألرض وال يتأثر ببطالن سند محمود الذي باع له ‪ ،‬ذلك أن احمد سجل عقده وهو‬
‫حسن النية ولم يكن يعلم عند شرائه لألرض بسبب البطالن ‪ .‬لذلك فإن محمود ال يستطيع ‪.‬‬
‫رغم الحكم باإلبطال ‪ ،‬رد األرض لمحمود فإنه يلتزم بدفع تعويض معادل ‪.‬‬

‫‪ .4‬لم يكتف المشرع بالمبدأ السابق بل أورد تطبيقا ً خاصا ً له بالنسبة للدائن المرتهن وهنا ً‬
‫رسميا ً إذا كان حسن النية ‪ .‬يبقى قائما ً لمصلحة الدائن المرتهن الصادر من المالك الذي‬
‫تقرر إبطال سند ملكيته أو فسخه أو زواله ألي سبب آخر ‪ ،‬إذا كان هذا الدائن حسن النية‬
‫في الوقت الذي أبرم فيه الرهن ‪ .‬إذا رهن محمد األرض التي اشتراها ألحمد ثم تثرر‬
‫بطالن العقد الذي اشترى به ‪ ،‬فإن الرهن يبقى قائما ً طالما تم شهره قبل تسجيل صحيفة‬
‫دعوى البطالن وكان أحمد حسن النية ال يعلم بسبب البطالن ‪ .‬ويترتب على البطالن أن‬
‫البائع يسترد األرض من محمد إال أنها تظل تحمله بالرهن لصالح أحمد ‪ ،‬ويلتزم محمد‬
‫بتعويض البائع عما يصيبه من ضرر بسبب وجود هذا الرهن ‪.‬‬

‫الفقرة الثالثة ‪ :‬األثار العرضية المترتبة عن البطالن‬

‫و بصدد حديثنا عن األثار العرضية للبطالن البد لنا من الوقوف على مجموعة من‬
‫النظريات و من أهم هذه النظريات نجد نظرية انتقاص العقد‪،‬و نظرية تحول العقد و إظافة‬
‫إلى نظرية الخطأعند تكوين العقد و هذا نا سنراه الحقا ً‬

‫اوال ‪ :‬نظرية انتقاض العقد‬

‫البطالن الجزئي ( إنتقاص وتصحيح العقد )‬


‫هناك حاالت ال يقتصر سبب البطالن فيها على جزء من العقد دون إن يصيب كل العقد ‪،‬‬
‫إي إن مخالفة القانون ال تشمل العقد بأكمله بل تنحصر في شق أو شرط منه ‪ ،‬هنا يلجأ‬
‫المشرع إلى أحد أسلوبين ‪– :‬‬
‫أ ‪ :‬البطالن الجزئي أو إنتقاص العقد ‪ ،‬حيث يتم إستبعاد الجزء الباطل ‪ ،‬ويظل الباقي‬
‫صحيح باعتباره عقد مستقل ويتحقق ذلك في الغرض الذي ال يكون العقد فيها باطال‬
‫بأكمله ‪ ،‬وإنما يكون باطال أو قابال للبطالن في جزء منه وصحيح في الجزء اآلخر ‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬تصحيح البطالن ‪ ،‬حيث يتم إبطال الحكم المخالف للقانون في العقد وتصحيحه بما‬
‫يتفق مع الحكم األمر الذي نص عليه المشرع‪.‬‬
‫() – البطالن الجزئي أو االنتقاص ‪.‬‬
‫إذا كان العقد في شق منه باطال أو قابال لإلبطال ‪ ،‬فهذا الشق وحده هو الذي يبطل إال إذا‬
‫تبين إن العقد ما كان ليتم بغير الشق الذي وقع باطال ‪ ،‬أو قابال لإلبطال فيبطل العقد كله ‪..‬‬
‫يعتبر ذلك الحكم عن فكره البطالن الجزئي أو إنتقاص العقد فالبطالن هو جزءا على مخالفة‬
‫القانون ‪ ،‬ومن ثم يتعين إكماله في إطار الهدف ‪ ،‬ويجب بالتالي إن يقتصر البطالن على‬
‫الشق المخالف للقانون في التصرف القانوني ‪ ،‬فإذا تضمن التصرف‪ N‬أو العقد شقا أو شرط‬
‫غير مشروع ‪ ،‬فإن ذلك الجزء هو الذي يبطل ويظل الباقي منه صحيح ويرتب آثاره ‪.‬‬
‫والهدف من ذلك هو الرغبة في إنقاذ العقد وتفادي البطالن الكلي بقدر اإلمكان ‪ ،‬فإبقاء العقد‬
‫خير من إبطاله ويساهم ذلك في استقرار المعامالت واقتصاد الجهد والنفقات ولكن يشترط‬
‫ألعمال تلك النظرية شرطان‪.‬‬
‫أوال ‪ :‬قابلية العقد أو التصرف للتجزئة ‪:‬‬
‫يشترط إلبطال العقد في شق منه مع بقائه قائم ثم قي باقي أجزائه ‪ .‬أن يكون المحل مما‬
‫يقبل القسمة أو االنقسام بطبيعته ومعنى ذلك إذا كان محل العقد ال يقبل لالنقسام بطبيعته فانه‬
‫يترتب على بطالن جزء منه بطالن لعقد بأكمله ‪.‬‬
‫يتضح مما سبق إن يشترط إلكمال نظرية البطالن الجزئي إن يكون الجزء المتبقي من العقد‬
‫باطال للوجود المستقل ‪ ،‬فيجب إن تتوافر آخر فيه العناصر القانونية األساسية الالزمة‬
‫لوجوده ويجب إال يترتب على إستبعاد الجزء الباطل حدوث تغيير في تكيف العقد ‪ ،‬فإذا‬
‫حدث مثل هذا التغيير نكون بصدد تحول العقد‪N..‬‬
‫ثانيا ‪ :‬عدم تعارض اإلنقاص مع إرادة المتعاقدين ‪:‬‬
‫يقوم البطالن الجزئي على أساس تفسير إرادة المتعاقدين بمعنى عدم وجود مانع لديها مع‬
‫اإلبقاء على الجزء الصحيح في العقد ‪،‬إن انتقاص العقد مشروط بأال يتعارض مع قصد‬
‫الطرفين ‪ ،‬حتى ال يتعارض مع مبدأ حرية التعاقد ‪ ،‬فإذا تبين إن أحد المتعاقدين لم يكن‬
‫ليرضي إبرام العقد بغير الشق المعيب امتد البطالن إلى العقد بأكمله ‪..‬‬
‫ويتحقق ذلك في الحاالت التي يكون الشق الباطل هو الباعث الدافع إلى التعاقد وال يشترط‬
‫إن يكون الشق الباطل دافعا لكل من المتعاقدين ‪ ،‬بل يكفي إن يتضح إن أيا من العاقدين ما‬
‫كان ليقبل بغير الشق المصيب ‪ ،‬فإذا تبين إن الجزء أو الشرط الباطل هو الباعث الدافع‬
‫ألحد المتعاقدين فإن العقد يبطل بكامله بشرط إن يكون في إمكان المتعاقد اآلخر إدراك ذلك‬
‫وذلك إكماال لمبدأ الثقة المشروعة كأساس لمقتضيات استقرار التعامل ‪.‬‬
‫ويجب على القاضي إن يتحرى إرادة األطراف ليتبين عما إذا كان سيتم إبرام العقد لو لم‬
‫يوجد الشق الباطل ‪ ،‬واإلرادة المقصودة هي اإلرادة المحتملة ألنه في الغالب ال يدور بذهن‬
‫المتعاقدين توقع البطالن ‪ ،‬فإذا تبين علم األطراف ساعة إبرام العقد ببطالن شق أو شرط‬
‫منه كان قرينه على ارتضاء البطالن الجزئي ‪..‬‬
‫ويقع عبء اإلثبات ‪ :‬على من يتمسك ببطالن العقد بأكمله ‪ ،‬فإذا تبين للقاضي إن سبب‬
‫البطالن قاصر على شرط أو شق منه فإن على القاضي إن يعمل إحكام البطالن الجزئي ‪.‬‬
‫( ب ) تصحيح البطالن أو تصحيح العقد ‪– :‬‬
‫يضع المشرع ‪ ،‬أحيانا ‪ ،‬بعض القواعد القانونية التي تتعلق بالنظام العام الحمائي ويرمي‬
‫هذا النظام إلى توفير الحماية لبعض الفئات الضعيفة التي يقتضى مركزها االقتصادي غير‬
‫المتوازن مع الطرف اآلخر وضع شروط وضمانات معينة تكفل حمايتها ‪ ،‬مثل العامل‬
‫والمستأجر ‪ ،‬فإذا تم إبرام العقد بالمخالفة لتلك الضمانات والشروط تعرض للبطالن ‪ ،‬ولكن‬
‫البطالن هنا يقتصر على األجزاء المخالفة ‪ ،‬وتحل النصوص اآلمرة محل الشروط الباطلة ‪،‬‬
‫ومن ثم يتم تصحيح العقد واستبقائه ‪ ،‬وال يجوز اإلبطال الكلي للعقد الن ذلك يؤدي إلى‬
‫تفويت المصلحة المقصودة‪. N‬‬
‫فإذا تم إبرام عقد عمل باجر يقل عن الحد األدنى الذي فرضه المشرع ‪ ،‬هنا يتم إبطال بند‬
‫االتفاق على تحديد األجرة ‪ ،‬والبطالن هنا مطلق لتعلق األمر بالنظام العام الحمائي ‪ ،‬ويظل‬
‫عقد العمل صحيحا قائما بشرط تصحيح ذلك الشق بما يتفق مع إحكام القانون ‪ ،‬إي رفع‬
‫األجر إلى القدر الذي يتمشى وصحيح القانون وكذلك الحال إذا تضمن عقد إيجار الشقة‬
‫شروطا أو تحديدا لألجرة بالمخالفة للنصوص اآلمرة التي قررها المشرع في قانون إيجار‬
‫اإلمكان ‪ ،‬هنا يتم تصحيح العقد بما يتفق وصحيح القانون‬
‫وكذلك الحال عندما يضع المشرع حدا أقصى ألحد االلتزامات الناشئة عن العقد ‪ .‬ويوجب‬
‫تخفيض االتفاق المخالف إلى هذا الحد وإعادة ما دفع زائدا عليه ‪ ،‬كوضع حد أقصى لسعر‬
‫الفائدة ‪ ،‬فإذا اتفق على فوائد تزيد عن هذا الحد وجب تخفيضها ورد ما دفع زائدا على هذا‬
‫القدر ‪ ،‬وإذا اتفق على البقاء في الشيوع مدة تزيد على خمس سنوات أنقصت المدة إلى‬
‫خمس سنوات ‪ .‬وإذا اتفق على إنشاء ملكية األسرة لمدة تزيد على خمس عشر سنة أنقصت‬
‫المدة إلى خمس عشر سنة ‪..‬‬
‫يتضح مما سبق إن تصحيح العقد يختلف عن االنتقاص أو البطالن الجزئي من عدة وجوه ‪:‬‬
‫–‬
‫‪ .1‬يتم التصحيح في بعض حاالت البطالن المطلق لشرط في العقد لمخالفته للنظام العام ‪،‬‬
‫إما األنقاض أو البطالن الجزئي فيتحقق غالبا في حاالت القابلية لإلبطال ( البطالن‬
‫النسبي ) باإلضافة إلى بعض حاالت البطالن المطلق ‪.‬‬
‫‪ .2‬يقتصر البطالن الجزئي على إستبعاد الشق الباطل مع بقاء الشق اآلخر صحيحا ‪ ،‬إما‬
‫تصحيح العقد فيتم عن طريق التعديل إي استبدال الشروط الباطلة بشروط صحيحة متفقة‬
‫مع نصوص القانون وليس مجرد اإلنقاص ‪ ،‬هذا باإلضافة إلى إعادة ما تم دفعه بالمخالفة‬
‫للقاعدة األمرة التي وضعها المشرع ‪.‬‬
‫‪ .3‬يشترط إلعمال البطالن الجزئي إال يكون متعارضا مع قصد إي من المتعاقدين ‪ ،‬إما‬
‫التصحيح فيقع بقوة القانون دون النظر إلى ما كانت ستتجه إليه إرادة المتعاقدين ‪ ،‬ويجب‬
‫على القاضي إجراء التصحيح حتى لو تبين إن المتعاقد ما كان ليبرم العقد بغير الشق أو‬
‫الشرط الذي وقع باطال وتم تعديله ‪..‬‬
‫تانيا ‪ :‬نظرية تحول العقد‬

‫المقصود بتحول العقد هو ‪.‬‬


‫إذا كان هناك تصرف باطل ‪ ،‬ويتضمن عناصر تصرف آخر صحيح ‪ ،‬هذا يتحول‬
‫التصرف الباطل إلى هذا التصرف الصحيح ‪ ،‬إذا تبين إن إرادة المتعاقدين كانت تنصرف‬
‫إلى إبرام هذا العقد ‪ ،‬وبعبارة آخرى إذا لحق البطالن العقد ‪ ،‬إما ألنه نشأ باطال ‪ ،‬أو قابال‬
‫لإلبطال ثم تقرر إبطاله وتبين إن هذا العقد يتضمن عناصر عقد آخر صحيح لم يقصده‬
‫المتعاقدان ‪ ،‬هنا يقوم هذا العقد على إنقاص العقد الباطل ‪ ،‬أو أن العقد الباطل يتحول إلى‬
‫العقد الصحيح مثال ذلك ‪:‬بطالن الكمبيالة التي ال تستوفي شروطها الشكلية حيث تتحول إلى‬
‫سند دين عادي ‪ ،‬كذلك إذا لم تتوافر شروط المحرر الرسمي في ورقة ‪ ،‬فإنها تتحول من‬
‫محرر رسمي باطل إلى ورقة عرفية متى استوفت شروطها ‪ ،‬وبصفة خاصة إذا توافر لها‬
‫شرط التوقيع وتظهير الكمبيالة لنقل ملكيتها إذا وقع بطالن لنقص بياناته فانه يتحول إلى‬
‫تظهير توكيلي بقبض قيمة الكمبيالة ‪ .‬وإذا تم إبطال القسمة التي ترد على التمليك بسبب‬
‫نقص أهلية أحد الشركاء ‪ ،‬فان هذه القسمة تتحول إلى قسمة مهيأة ‪ ،‬أي قسمة انتفاع إذا كان‬
‫المتقاسم ناقص األهلية مأذونا له في اإلدارة ‪ ،‬وإذا كان هناك عقد بيع مدون في ورقة‬
‫رسمية وكان الثمن فيه تافها إلى الحد الذي يجعل البيع باطال لتخلف ركن الثمن ‪ ،‬ففي هذه‬
‫الحالة يتحول البيع إلى هبه صحيحة لتوفر عناصرها ‪.‬‬

‫وال يتم إعمال فكرة تحول العقد إال في حالة وجود مجال إلعمال البطالن الجزئي ‪ ،‬ويتم‬
‫ذلك في حالتين ‪:‬‬
‫األولى ‪ :‬إذا كان البطالن قد شمل العقد بأكمله ‪ ،‬والثانية ‪ :‬إذا كان هناك شق باطل في العقد‬
‫ويترتب على إستبعاده عدم توافر أركان العقد المقصود أصال ‪ ،‬أو كان من شأن إستبعاد هذا‬
‫الشق الباطل تغيير طبيعة العقد أو تكييفه ‪.‬‬
‫والواقع إن التحول وسيلة فنية تستهدف اإلبقاء على الرابطة العقدية الباطلة في ثوب جديد‬
‫مختلف عن العقد المقصود أصال ‪ ،‬فالتحول يرد على وصف العقد أو تكييفه وطبيعته إما‬
‫البطالن الجزئي فيرد على كم العقد دون المساس بطبيعته‬

‫(أ ) – يلزم لتحول العقد توافر الشروط الثالثة اآلتية ‪– :‬‬

‫بطالن التصرف األصلي ‪ :‬يجب إن يكون التصرف باطال أو قابال لإلبطال ثم يقضي‬
‫ببطالنه فالتحول ال يرد على العقد الصحيح ‪ ،‬فإذا كان التصرف صحيحا فال يجوز إن‬
‫يتحول إلى تصرف آخر ولو تضمن أركانه ‪ ،‬حتى لو تبين ان العاقدين كانا يفضالنه على‬
‫العقد األصلي لو تبينا حقيقة امره ‪ ،‬فالهبه الصحيحة ال تتحول الى وصية حتى لو تضمنت‬
‫فى نفس الوقت شروط الوصية ‪ ،‬ولو تبين ان المتعاقدين يفضالن الوصية على الهبه‪.‬‬
‫ويجب ان ينصب البطالن على كل العقد او على شق منه ال يقبل االنفصال عن جملة‬
‫التصرف ‪ ،‬فإذا كان من الممكن فصل الشق الباطل دون تغيير طبيعه العقد فإنه يتم إنتقاص‬
‫العقد اي اعمال البطالن الجزئي وليس التحول‪.‬‬
‫تضمن التصرف‪ N‬األصلي لجميع عناصر تصرف آخر ‪ :‬يجب ان يشتمل التصرف األصلي‬
‫على جميع العناصر الالزمة لقيام التصرف‪ N‬اآلخر ‪ .‬فالتصرف الباطل يضم بين طياته‬
‫أركان تصرف آخر صحيح‪.‬‬

‫يجب استيفاء أركان العقد الجديد من خالل العقد الباطل وليس من خارجه ‪ ،‬فال يجوز إجراء‬
‫التحول إذا كان العقد الجديد يقتضي ادخال عنصر خارجي غير موجود بالعقد األصلي ‪،‬‬
‫فالعقد الباطل يجب ان يتضمن جميع عناصر التصرف اآلخر الذي يتحول اليه فلو اشترى‬
‫شخص منزال تبين انه تهدم ووقع البيع باطال النعدام المحل ‪ ،‬فال يجوز تحول العقد الى‬
‫منزل آخر يملكه البائع حتى لو تبين ان ذلك يتفق مع قصد المتعاقدين لو تبينا ذلك ‪..‬‬
‫ويشترط فى التحول عدم إجراء اي تغيير فى المتعاقدين ‪ ،‬ذلك ان فكرة تحول العقد الباطل‬
‫الى عقد صحيح تفترض قيام العقد الجديد بين نفس العاقدين بصفاتهما التي اتصفا بها فى‬
‫العقد القديم ‪ ،‬فليس فى سلطة القاضي إجراء اي تغيير فى هذه الصفات لخروج ذلك عن‬
‫نطاق التحول ‪ ،‬لذلك فان تحول العقد يكون ممتنعا إذا كان ذلك يستلزم ادخال متعاقد جديد‬
‫لينعقد العقد …‬
‫يؤدي التحول الى ظهور تصرف آخر مغاير للتصرف األصلي فى الطبيعه واآلثار ‪ ،‬فالبيع‬
‫فى مرض الموت يمكن ان يتحول الى وصية ‪ ،‬والرهن الباطل يمكن ان يتحول الى حق‬
‫حبس ‪.‬‬
‫إتجاه نية المتعاقدين المحتلمة إلى التصرف الجديد ‪ :‬ال يتم التحول إال إذا قام الدليل على أن‬
‫نية المتعاقدين كانت تنصرف إلى االرتباط بالعقد الجديد لو تبينا ما بالعقد االصلى من‬
‫أسباب البطالن ‪.‬‬
‫وليس المقصود هنا اإلدارة الحقيقة ألن هذه اإلدارة انصرفت فى واقع األمر إلى العقد‬
‫األصلى الباطل ‪ .‬ولكن يكفي هنا اإلدارة المحتملة أى نية الطرفين االحتمالية ‪ ،‬أى أنه يكفي‬
‫ممجرد احتمال هذا الرضاء ‪ ،‬فالقاضى يستخلص من ظروف الحال أنه كان من المحتمل‬
‫رضا الطرفين بالعقد الجديد إذ كان التصرف الجديد محققا ً للغاية العملية التى يهدف إليها‬
‫المتعاقدان ‪.‬‬
‫والتعرف على هذه اإلدارة االحتمالية يعد من مسائل الواقع التى بتقديرها قاضى الموضوع‪N‬‬
‫وال معقب عليه فى ذلك متي أقام قضاءه على أسباب سائغه‬

‫تالثا ‪ :‬نظرية الخطأ عند تكوين العقد‬


‫صاغ الفقيه األلماني ( ابرنج ‪ ) Iberinge‬نظرية الخطأ في تكوين العقد‪ ،‬حيث رسم مبدأ‬
‫يقضي بأن كل متعاقد تسبب‪ ،‬ولو عن حسن نية‪ ،‬في إيجاد نظهر كاذب لعقد باطل اطمأن‬
‫المتعاقد االخر إلى أنه صحيحـ يلتزم بمقتضى هذا العقد الباطل أن يعوض على هذا المتعاقد‬
‫االخر ما أصابه من الضرر بسبب اطمئنانه إلى العقد‪ ،‬بحيث يرجع إلى الحالة التي كان‬
‫يصير إليها لو لم يتعاقد[‪ ،]28‬وتسمى نظرية الخطأ في تكوين العقد لدى جانب من الفقه‬
‫المغربي بالتعويض الناشئ عن بطالن العقد وإبطاله[‪ ،]29‬فقد يحدث في العمل أن يلحق‬
‫العقد الباطل أو الذي حكم بإبطاله ( البطالن النسبي ) ضررا بأحد الطرفين دون أن يكون‬
‫الطرف المضرور‪ N‬أي يد في هذا البطالن‪ ،‬فيكون من حق هذا األخير أن يلزم المتعاقد‬
‫االخر بالتعويض اصالحا لهذا الضرر الذي لحقه‪ ،‬ويعتبر هذا التعويض في مثل هذه‬
‫الحاالت أثرا عرضيا للعقد الباطل أو الذي قضي بإبطاله[‪ ]30‬ومن بين الحاالت التي ربط‬
‫فيها المشرع بين الحكم بالبطالن واالبطال واستحقاق التعويض‪.‬‬
‫ونجد تطبيق نظرية الخطأ في تكوين العقد المُوجبة للتعويض بسبب البطالن ما نص عليه‬
‫الفصل ‪ 60‬من قانون االلتزامات والعقود الذي نص على أن ‪ ” :‬المتعاقد الذي كان يعلم‪ ،‬أو‬
‫كان عليه أن يعلم عند إبرام العقد‪ ،‬استحالة محل االلتزام يكون ملزما بالتعويض تجاه‬
‫الطرف اآلخر “‪ ،‬فيما نجد تطبيق نظرية الخطأ في تكوين العقد المُوجبة للتعويض بسبب‬
‫اإلبطال ما نص عليه المشرع في الفصل ‪ 485‬من قانون االلتزامات والعقود المتعلق ببيع‬
‫ملك الغير الذي جاء في فقرته الثانية ‪ ” :‬وإذا رفض المالك اإلقرار‪ ،‬كان للمشتري أن‬
‫يطلب فسخ البيع وزيادة على ذلك‪ ،‬يلتزم البائع بالتعويض‪ ،‬إذا كان المشتري يجهل‪ ،‬عند‬
‫البيع أن الشيء مملوك للغير “[‪.]31‬‬
‫المالحظ من خالل هذا السرد الموجز لمالمح نظرية الخطأ في تكوين العقد كأثر من االثار‬
‫العرضية للبطالن‪ ،‬أن مبناها مُؤسس على فكرة التعويض ال فكرة اإلنقاذ كما هو الحال مع‬
‫نظرية انتقاص العقد‪ ،‬وال فكرة التحويل كما هو الشأن بالنسبة لنظرية تحول العقد‪ ،‬حيث أن‬
‫العقد في نظرية الخطأ في تكوين العقد يؤول إما للبطالن أو اإلبطال‪ ،‬دون أن تكون هناك‬
‫إمكانية إنقاذ وتحويل لهذا العقد‪َ ،‬فيلحق ببطالنه أو بإبطاله ضررا بأحد األطراف‪ ،‬األمر‬
‫الذي ينتج عنه تعويض المضرور‪ ،‬وتبعا فإن العقد وفق نظرية الخطأ في تكوين العقد ال‬
‫يظل قائما‪ ،‬بل ينتفي لبطالنه أو إلبطاله‪ ،‬على عكس نظرية تحول العقد التي تتماهى في‬
‫إبقاء العقد قائما‪ ،‬عن طريق تحويله إلى عقد أخر غير العقد الذي اتجهت إرادة األطراف‬
‫إلى إحداثه‪.‬‬
‫الفصل الثاني ‪ :‬إبطال العقود‬
‫في اتجاه التسلسل الذي سلكناه في الفصل لألول عند إبرازنا لألحكام العامة المتعلقة بنظرية‬
‫البطالن‪ ،‬و هذا التسلسل نفسه سنتبعهمن أجل إبراز أيضا األحكام المتعلقة بإبطال العقود‪ ،‬و‬
‫بهذا الصدد سنقسم هذا الفصل إلى المنهجية التنائية المتمثلة في المبحثين‪ ،‬بحيث سنخصص‬
‫المبحث األول لماهية اإلبطال و الخصائص المميزة له عن غيره من النظم‪ ،‬و مبحث ثاني‬
‫لتمحيص الحاالت التي يتم فيها اإلبطال و األثار التي يرتبها هذا األخير‬

‫المبحث األول ‪ :‬ماهية اإلبطال و خصائصه‪.‬‬

‫يقتضي هذا المبحث كغيره من المباحث أعاله ضرورة تقسيمه هو األخر إلى مطلبين‪،‬‬
‫مطلب أول للحديث عن ماهية اإلبطال‪ ،‬و مبحث أخر إلبراز خصائصه المميزة له‪.‬‬

‫المطلب األول ‪ :‬ماهية اإلبطال‬

‫من أجل تفسير ماهية اإلبطال و تحليلها و فهم مضامينها البذ لنا من تخصيص فقرة أولى‬
‫من هذا المطلب لمفهوم اإلبطال بعدها ننتقل لتمييزه عن غيره من النظم في فقرة ثانية ‪.‬‬

‫الفقرة االولى ‪ :‬مفهوم االبطال‬

‫اإلبطال هو الجزاء الذي يؤدي إلى انحالل العقد بعد انعقاده‪ ،‬وذلك نتيجة إخالل في ركن‬
‫الرضا‪ ،‬إما بسبب قصور األهلية وإما بسبب عدم سالمة اإلرادة لوجود أحد عيوب الرضا‪،‬‬
‫ويمكن أن يكون نتيجة تطبيق نص خاص‪ ،‬كما في بيع ملك الغير الذي يعد قابال ُ لإلبطال‬
‫لمصلحة المشتري‪ ،‬وفقا ً لما جاء في المادة‬

‫الفقرة التانية ‪ :‬تمييز االبطال عن غيره المؤسسات‬

‫أ ـ التمييز بين اإلبطال والبطالن وبين الفسخ واالنفساخ‪:‬‬


‫يكون سبب البطالن دائما ً مرافقا ً لتكوين العقد‪ ،‬فيمنع هذا التكوين‪ .‬أما إذا انعقد العقد لتوافر‬
‫شرائط انعقاده وقت تكوين العقد‪ ،‬ثم ظهر ما يستوجب حل الرابطة العقدية لسبب من‬
‫األسباب‪ ،‬بعد انعقادها فال يسمى هذا الحل أو االنحالل بطالناً‪ ،‬وإن كان يؤدي إلى النتائج‬
‫نفسها‪ ،‬وإنما يسمى بحسب األحوال إما إبطاالً‪ ،‬وإما فسخاً‪ .‬واإلبطال هو الجزاء الذي يؤدي‬
‫إلى انحالل الرابطة التعاقدية بعد انعقادها‪ ،‬وذلك بسبب قصور األهلية أو عدم سالمة‬
‫اإلرادة لوجود أحد عيوب الرضا أو نتيجة لنص خاص‪ .‬وأما الفسخ فهو الحق الذي يعطى‬
‫ألحد المتعاقدين بطلب حل الرابطة التعاقدية إذا لم يقم المتعاقد اآلخر بتنفيذ التزامه‪ .‬ويختلف‬
‫عن االنفساخ الذي هو انحالل الرابطة التعاقدية حكما ً عندما يستحيل تنفيذ العقد بسبب ال يد‬
‫للمتعاقد فيه‪ .‬ويترتب على ذلك أنه في حالة البطالن يكون العقد معدوما ً من األصل حيث ال‬
‫ينعقد‪ ،‬في حين أنه في اإلبطال والفسخ واالنفساخ يكون العقد موجوداً وقائماً‪ .‬ويترتب على‬
‫ذلك أن البطالن يتعلق بالنظام العام فيحق لكل من المتعاقدين أن يطلب ذلك‪ ،‬ويمكن للقاضي‬
‫أن يحكم به من تلقاء ذاته‪ ،‬في حين أنه في اإلبطال والفسخ و االنفساخ‪ ،‬المصلحة التي‬
‫يحميها المشرع هي مصلحة خاصة‪ ،‬فال يجوز التمسك بها إال من قبل صاحب المصلحة‬
‫في ذلك‪ ،‬أي من تقرر ذلك الجزاء لمصلحته‪ .‬ومن ناحية ثانية يختلف البطالن و اإلبطال‬
‫عن الفسخ واالنفساخ من حيث إن الفسخ واالنفساخ ال يكونا إال في العقود الملزمة لجانبين‪،‬‬
‫في حين أن مجال تطبيق البطالن و اإلبطال أوسع من ذلك‪ ،‬إذ إنه يشمل جميع التصرفات‬
‫القانونية الثنائية واألحادية‪ .‬ويملك القاضي سلطة تقديرية في الحكم بالفسخ‪ ،‬في حين أنه‬
‫يجب عليه أن يحكم بالبطالن أو القابلية لإلبطال في حال توافر الشروط المطلوبة قانونا ً من‬
‫دون أن يكون له أي سلطة تقديرية في ذلك‪ ،‬باستثناء قابلية اإلبطال بسبب الغبن االستغاللي‬
‫فهو جوازي أيضا ً للقاضي‪.‬‬
‫ب ـ التمييز بين اإلبطال والبطالن وبين عدم السريان‪ :‬يتميز اإلبطال والبطالن من عدم‬
‫السريان من حيث إن العقد في حالة البطالن ال ينعقد‪ ،‬وبالتالي تنعدم آثاره فيما بين‬
‫المتعاقدين ومع الغير‪ .‬أما في اإلبطال فينعقد العقد‪ ،‬ولكن إذا تمسك صاحب الحق في‬
‫اإلبطال بإبطال العقد فيؤدي ذلك إلى زوال آثاره بأثر رجعي وإعادة المتعاقدين إلى الحالة‬
‫التي كانا عليها قبل التعاقد‪ .‬وأما في حالة عدم السريان‪ ،‬فإن العقد ينتج آثاره فيما بين‬
‫المتعاقدين‪ ،‬ولكنه ال يرتب أي أثر بالنسبة للغير‪ ،‬كما هو عليه الحال في الصورية‪ ،‬إذ ينتج‬
‫العقد الحقيقي آثاره فيما بين المتعاقدين‪ ،‬ولكنه ال ينتج أي أثر بالنسبة للغير فيما إذا رفض‬
‫التمسك به‪ .‬وكذلك الحال في إيجار ملك الغير‪ ،‬إذ إنه صحيح فيما بين المتعاقدين منتج‬
‫آلثاره‪ ،‬ولكنه ال يسري بحق المالك ألنه لم يكن طرفا ً في ذلك العقد‪ .‬و بالتالي يحق له‬
‫استرداد العين المؤجرة من المستأجر‪ ،‬فيما إذا كان األخير قد تمكن من االنتفاع بها‪،‬‬
‫وتأجيرها إلى شخص آخر ويكون عقده هو النافذ‪ .‬وكذلك الحال في عقد الهبة الصادر من‬
‫المدين المعسر إضراراً‪ N‬بدائنيه‪ ،‬فإنه يكون صحيحا ً ومنتجا ً آلثاره فيما بين المتعاقدين‪ ،‬ولكنه‬
‫ال يسري بحق دائني المتبرع الذين يحق لهم الطعن فيه بدعوى عدم نفاذ التصرف‪ ،‬أو‬
‫الدعوى البولصية‪.‬‬
‫المطلب الثاني ‪ :‬خصائص اإلبطال‬

‫و كغيره من النظم فإن اإلبطال يمتاز عن غيره بمجموعة من الخصائص التي تجعله مختلفا‬
‫عن باقي الجزاءات المدنية األخرى ‪،‬و سنتطرق إليها على النحو األتي ‪:‬‬
‫أ ـ اإلبطال يقبل التجزئة‪ :‬القاعدة العامة هي أن العقد كل ال يتجزأ‪ ،‬فإذا لحق به سبب من‬
‫أسباب اإلبطال فيبطل كله‪ .‬ولكن قد يتضمن العقد شرائط عدة‪ ،‬وقد يرتب التزامات عدة‪،‬‬
‫ويلحق اإلبطال بعض هذه الشرائط أو االلتزامات‪ ،‬فعندئذ ال يبطل العقد كله‪ ،‬وإنما يبطل‬
‫الجزء الذي لحقه اإلبطال منه‪ ،‬ويبقى الجزء اآلخر صحيحا ً شريطة أن تكون نية المتعاقدين‬
‫قد اتجهت إلى مثل هذه التجزئة‪ .‬أما إذا كان الجزء الذي لحق به اإلبطال هو الدافع للتعاقد‬
‫فيبطل العقد كله‪ .‬وهذا ما كرسته المادة (‪ )144‬من القانون المدني السوري‪ .‬فإذا اشترى‬
‫شخص آنيتين معتقداً أنهما أثريتان‪ ،‬ثم تبين بعد ذلك أن إحداهما أثرية واآلخرى ليست كذلك‬
‫فيحق للمشتري أن يطالب بإبطال العقد‪ ،‬بسبب الغلط الذي وقع فيه‪ ،‬فيما يخص اآلنية غير‬
‫األثرية‪ ،‬ويبقي على العقد فيما يخص اآلنية األثرية‪ ،‬ما لم يتبين أن المشتري ما كان ليتعاقد‬
‫من غير اآلنية التي وقع عليها الغلط‪ ،‬عندئ ٍذ يبطل العقد بأكمله‪ .‬ويقع عبء إثبات ذلك على‬
‫المشتري نفسه‪ .‬ويؤدي تجزئة اإلبطال إلى انتقاص العقد‪ ،‬وال يكفي من أجل تجزئة العقد أن‬
‫يكون محله قابالً للتجزئة‪ ،‬وإنما يشترط أن تتجه نية المتعاقدين إلى هذه التجزئة‪ .‬وبالمقابل‬
‫إذا تبين أن محل العقد غير قابل للتجزئة‪ ،‬وكان العقد في شق منه قابالً لإلبطال‪ ،‬فإن العقد‬
‫كله يبطل‪ .‬كما لو اشترى شخص عربة مع حصان‪ ،‬ثم بعد ذلك نفق الحصان بسبب مرض‬
‫أصيب به قبل العقد‪ ،‬ولم يعلم البائع المشتري بذلك‪.‬‬
‫ب ـ ال يستفيد من اإلبطال إال المتعاقد الذي شرع اإلبطال لحماية مصالحه‪ :‬قرر القانون‬
‫اإلبطال لحماية المصالح الخاصة للمتعاقدين‪ ،‬وبالتالي ال يحق التمسك به إال للمتعاقد الذي‬
‫تقرر اإلبطال لحماية مصالحه الخاصة‪ ،‬وال يحق ذلك للمتعاقد اآلخر‪ .‬وقد قرر القانون‬
‫اإلبطال إما لحماية مصالح ناقص األهلية‪ ،‬وإما لحماية مصالح من شاب إرادته عيب من‬
‫عيوب اإلرادة‪ .‬وعندما يكون اإلبطال بموجب نص قانوني خاص‪ ،‬يحدد هذا النص المتعاقد‬
‫الذي شرع اإلبطال لحماية مصالحه‪ ،‬كالمشتري في بيع ملك الغير وفقا ً لما جاء في المادة (‬
‫‪ )434‬من القانون المدني السوري‪ .‬ويجب على الشخص الذي تقرر اإلبطال لمصلحته أن‬
‫يتمسك به أمام محكمة الموضوع‪ N،‬وال يحق له أن يتمسك به ألول مرة أمام محكمة النقض‪،‬‬
‫زد على ذلك أنه ال يحق للمحكمة الناظرة في الدعوى أن تثير اإلبطال من تلقاء نفسها‪.‬‬
‫والحق في اإلبطال هو حق مالي‪ ،‬وبالتالي فهو ينتقل إلى الخلف العام لصاحب الحق فيه عن‬
‫طريق الميراث أو الوصية‪ ،‬كما أنه يجوز لخلفه الخاص أن يتمسك به‪ ،‬وكذلك يجوز لدائنيه‬
‫أن يتمسكوا به عن طريق الدعوى غير المباشرة‪ ،‬وكذلك يجوز لنائبه القانوني أن يتمسك به‬
‫نيابة عنه‪ .‬ويترتب على ذلك أن دعوى اإلبطال يمكن أن ترفع من الشخص الذي تقرر‬
‫اإلبطال لحماية مصلحته‪ ،‬أو من نائبه القانوني‪ ،‬أو خلفه العام‪ ،‬أو خلفه الخاص‪ ،‬أو دائنيه‪.‬‬
‫ج ـ اإلبطال يزول باإلجازة‪ :‬يكون العقد القابل لإلبطال منعقداً‪ ،‬وبالتالي ينتج جميع آثاره‬
‫القانونية‪ .‬ولكنه مهدد بالزوال فيما لو تمسك صاحب الحق باإلبطال بحقه‪ .‬ولكن هذا األمر‬
‫جوازي له‪ ،‬فهو الذي يقرر ما إذا كانت مصلحته تكمن في إبطال العقد أو في اإلبقاء عليه‪.‬‬
‫ويترتب على ذلك أنه يحق لصاحب الحق في اإلبطال أن يجيز العقد‪ ،‬فيزول حقه في إبطاله‬
‫وفقا ً لما نصت عليه المادة (‪ )140‬من القانون المدني السوري‪ .‬واإلجازة هي تصرف إرادة‬
‫منفردة تؤدي إلى زوال الحق في إبطال العقد‪ ،‬واستقرار العقد استقراراً نهائياً‪ .‬وبالتالي‬
‫يشترط لصحة اإلجازة أن يكون المجيز عند اإلجازة عالما ً بأن له الحق في إبطال العقد وأن‬
‫تتجه إرادته إلى النزول عن حقه في إبطال العقد‪ ،‬وأن تكون اإلجازة نفسها سليمة من‬
‫أسباب قابلية اإلبطال‪ ،‬وبالتالي يشترط لصحة اإلجازة زوال السبب الذي أدى إلى إبطال‬
‫العقد‪ ،‬كما يشترط أن تتوافر في المجيز األهلية القانونية الالزمة إلبرام العقد الذي يجيزه‪.‬‬
‫ويمكن أن تكون اإلجازة صريحة‪ ،‬وال يشترط فيها لفظ معين‪ ،‬وإنما تقع بأي لفظ أو بيان‬
‫يدل عليها من دون لبس أو غموض‪ .‬كما يمكن أن تكون اإلجازة ضمنية تستخلص من‬
‫العمل الذي يقوم به صاحب الحق في اإلبطال‪ ،‬كأن يقوم مثالً وهو عالم بحقه في إبطال‬
‫العقد بتنفيذ التزاماته الناجمة عن ذلك العقد‪ ،‬أو أن يقوم المشتري في بيع ملك الغير‬
‫بالتصرف بالمبيع وهو يعلم بحقه في إبطال ذلك البيع‪ .‬ويقع عبء إثبات اإلجازة على‬
‫المتعاقد غير المجيز‪ ،‬ويحق له إثباتها بجميع وسائل اإلثبات‪ .‬ويترتب على اإلجازة سقوط‬
‫الحق في اإلبطال‪ ،‬واستقرار العقد‪ ،‬وينقلب صحيحا ً منذ تاريخ انعقاده‪.‬‬
‫ويجب عدم الخلط بين اإلجازة واإلقرار‪ N.‬فاإلجازة تصدر من المتعاقد صاحب الحق في‬
‫إبطال العقد الذي يحدده المشرع‪ ،‬أما اإلقرار فهو أيضا ً تصرف إرادة منفردة‪ ،‬ولكنه يصدر‬
‫من شخص أجنبي عن العقد يقصد به إضافة آثار ذلك العقد إليه‪ ،‬كما في بيع ملك الغير‪،‬‬
‫الذي يعد قابالً لإلبطال لمصلحة المشتري‪ ،‬وغير نافذ بحق المالك الحقيقي إال إذا أقره‪ ،‬وفقا ً‬
‫لما ذهبت إليه المادتان ‪ 434‬و‪ 435‬من القانون المدني السوري‪.‬‬
‫د ـ اإلبطال يسقط بالتقادم‪ :‬يسقط حق اإلبطال بالتقادم‪ .‬ومدة التقادم هي سنة تبدأ من تاريخ‬
‫زوال نقص األهلية‪ ،‬أو تاريخ اكتشاف الغلط أو التدليس‪ ،‬أو يوم زوال اإلكراه‪ .‬وإذا لم يتم‬
‫اكتشاف الغلط أو التدليس‪ ،‬أو لم يزل اإلكراه فإن حق اإلبطال يسقط بمرور خمس عشرة‬
‫سنة من تاريخ انعقاد العقد‪ ،‬وفقا ً لما جاء في المادة (‪ )141‬من القانون المدني السوري‪.‬‬
‫وفي الغبن االستغاللي تبدأ هذه المدة من تاريخ انعقاد العقد‪ ،‬وفقا ً لما نصت عليه المادة (‬
‫‪ )130‬من القانون نفسه؛ وذلك ألن هذه المدة هي مدة سقوط‪ ،‬وليست مدة تقادم‪ ،‬وبالتالي ال‬
‫يسري عليها الوقف وال االنقطاع‪ .‬وال يجوز لصاحب الحق في اإلبطال التمسك به بعد‬
‫سقوط هذا الحق بالتقادم ال عن طريق دعوى أصلية وال عن طريق الدفع في دعوى قائمة‪،‬‬
‫وذلك لصراحة نص المادة (‪ )141/1‬من القانون المدني السوري‪ ،‬وذلك ألن العقد ينقلب‬
‫صحيحا ً بانقضاء مدة التقادم‪ .‬ولكن محكمة النقض الفرنسية قررت أن دعوى البطالن‬
‫النسبي ـ أي اإلبطال ـ تسقط بالتقادم‪ ،‬ولكن الدفع بالبطالن النسبي ال يسقط بالتقادم حتى لو‬
‫كانت الدعوى قد سقطت بالتقادم‪ ،‬وذلك ألن القول بغير دلك يؤدي إلى إجبار المدين على‬
‫تنفيذ عقد باطل ولو كان البطالن نسبياً‪ ،‬وهذا األمر يجافي العدالة‪.‬‬
‫هـ ـ يحتاج اإلبطال إلى حكم قضائي باإلبطال‪ :‬في حالة اإلبطال يكون العقد منعقداً ومنتجا ً‬
‫آلثاره؛ وذلك ألن جميع أركانه متوافرة‪ ،‬إال أن أحد هذه األركان أصيب بخلل‪ ،‬وهو ركن‬
‫الرضا‪ ،‬مما يجعل العقد قابالً لإلبطال بعد انعقاده وبالتالي تكون آثاره مهددة بالزوال‪.‬‬
‫ويتبين من ذلك أن الفرق بين العقد القابل لإلبطال والعقد الصحيح هو أن كليهما ينتج آثاره‬
‫من لحظة انعقاده‪ ،‬ولكن آثار العقد القابل لإلبطال مهددة بالزوال بأثر رجعي‪ ،‬في حين أن‬
‫آثار العقد الصحيح غير قابلة للزوال‪ .‬ولكن هذا الفرق يزول عندما يسقط الحق باإلبطال‪،‬‬
‫سواء باإلجازة أم بالتقادم‪ ،‬إذ إن آثاره تصبح غير قابلة للزوال‪ N.‬ويترتب على ذلك أن‬
‫اإلبطال ال يقوم بذاته‪ ،‬وإنما يحتاج إلى حكم قضائي‪ ،‬وال تستطيع المحكمة أن تثيره من‬
‫تلقاء ذاتها‪ ،‬وإنما يتوقف الحكم به على طلب صاحب الحق فيه‪ .‬وإذا طالب هذا األخير‬
‫بإبطال العقد‪ ،‬وكانت شرائط اإلبطال متوافرة فال يملك القاضي أي سلطة تقديرية‪ ،‬وإنما‬
‫يلزم الحكم بإبطال العقد ما لم ينص القانون صراحة على أن اإلبطال هو جوازي بالنسبة‬
‫للقاضي‪ ،‬ومثال ذلك إبطال العقد بسبب الغبن االستغاللي‪ ،‬إذ إن المادة (‪ )130/1‬نصت‬
‫صراحة على أن إبطال جوازي للقاضي في هذه الحال‪.‬‬

‫المبحث الثاني ‪ :‬حاالت و أثار االبطال‬

‫يكتسي اإلبطال أهمية بالغة في العقود التي تم إغفال شرط من شروط صحتها حسب‬
‫القانون المدني المغربي‪ ،‬و على هذا األساس فإن اإلبطال حسب المشرع المغربي يكون‬
‫على إثر مجموعة من الحاالت و هذه األخيرة ترتب العديد من األثار سواء على مستوى‬
‫المتعاقدين في ما بينهم او على مستوى الغير ‪ ،‬وهذا ما يستلزم منا معالجة هذا المبحث في‬
‫مطلبين‪ ،‬بحيث سنخصص المطلب األول للحاالت التي يتم فيها إبطال العقود‪ ،‬ونترك أمر‬
‫إبراز األثار المترتبة على هذا اإلبطال للمطلب التاني‪.‬‬

‫المطلب التاني ‪ :‬حاالت االبطال‬

‫و حسب الفصل ‪ 311‬يكون لدعوى اإلبطال محل في الحاالت المنصوص عليها في‬
‫الفصول ‪ 4‬و ‪ 39‬و ‪ 55‬و ‪ 56‬من هذا الظهير‪ ،‬وفي الحاالت األخرى التي يحددها القانون‬
‫وتتقادم هذه الدعوى بسنة في كل الحاالت التي ال يحدد فيها القانون أجال مخالفا‪ ،‬و ال يكون‬
‫لهذا التقادم محل إال بين من كانوا أطرافا في العقد‪.‬‬
‫الفصل ‪312‬‬
‫ال يبدأ سريان مدة التقادم المذكورة في حالة اإلكراه إال من يوم زواله وال في حالة الغلط‬
‫والتدليس‪ N‬إال من يوم اكتشافهما‪ ،‬أما بالنسبة إلى التصرفات المبرمة من القاصرين فمن يوم‬
‫بلوغهم سن الرشد‪ ،‬وبالنسبة إلى التصرفات المبرمة من المحجر عليهم وناقصي األهلية‬
‫فمن يوم رفع الحجر عنهم‪ ،‬أو من يوم وفاتهم فيما يتعلق بورثتهم إذا مات ناقصو األهلية‬
‫وهم على هذه الحالة‪ .‬وفي حالة الغبن المتعلق بالراشدين فمن يوم وضع اليد على الشيء‬
‫محل العقد‪.‬‬
‫الفصل ‪313‬‬
‫تنتقل دعوى اإلبطال إلى الورثة فيما بقي لموروثهم من مدتها‪ .‬مع مراعاة األحكام المتعلقة‬
‫بانقطاع التقادم أو بوقفه‪.‬‬
‫الفصل ‪314‬‬
‫تنقضي دعوى اإلبطال بالتقادم في جميع الحاالت بمرور خمس عشرة سنة من تاريخ العقد‪.‬‬
‫الفصل ‪315‬‬
‫يسوغ التمسك بالدفع بالبطالن لمن ترفع عليه الدعوى بتنفيذ االتفاق في جميع الحاالت التي‬
‫يمكنه فيها هو نفسه أن يباشر دعوى اإلبطال‪.‬‬
‫وال يخضع هذا الدفع للتقادم المقرر في الفصول ‪ 311‬إلى ‪ 314‬السابقة‪.‬‬
‫الفصل ‪316‬‬
‫يترتب على إبطال االلتزام وجوب إعادة المتعاقدين إلى نفس ومثل الحالة التي كانا عليها‬
‫وقت نشأته‪ ،‬والتزام كل منهما بأن يرد لآلخر كل مأخذه منه بمقتضى أو نتيجة العقد الذي‬
‫تقرر إبطاله‪ .‬وتطبق بشأن الحقوق المكتسبة على وجه صحيح للغير الحسني النية األحكام‬
‫الخاصة المقررة لمختلف العقود المسماة‪.‬‬
‫الفصل ‪317‬‬
‫االلتزام الذي يخول القانون دعوى إبطاله ال تصح إجازته وال التصديق عليه إال إذا تضمنا‬
‫بيان جوهر االلتزام واإلشارة إلى سبب قابليته لإلبطال والتصريح بالرغبة في إصالح‬
‫العيب الذي كان من شأنه أن يؤدي إلىاإلبطال‪.‬‬
‫الفصل ‪318‬‬
‫إذا لم تحصل اإلجازة أو التصديق صراحة‪ ،‬يكفي أن يتنفذ طوعا كليا أو جزئيا االلتزام‬
‫القابل لإلبطال ممن كان على بينة من عيوبه‪ ،‬بعد الوقت الذي كان يمكن له فيه إجازته أو‬
‫التصديق عليه بوجه صحيح‪.‬‬
‫اإلجازة أو االعتراف أو التنفيذ االختياري إذا وقعت في الشكل والوقت اللذين يحددهما‬
‫القانون يترتب عليها التنازل عن الوسائل و الدفوع التي كان من الممكن التمسك بها ضد‬
‫االلتزام القابل لإلبطال‪ .‬أما بالنسبة إلى الحقول المكتسبة على وجه صحيح للغير الحسني‬
‫النية قبل التصديق أو التنفيذ فتطبق القاعدة المقررة في آخر الفصل ‪.316‬‬

‫المطلب التاني ‪ :‬أثار اإلبطال‬

‫و سنبين هذه األثار على مستويين‪ ،‬بحيث سنتحدث أوال عن هذه األثار بالنسبة المتعاقدين‬
‫في ما بينهم‬
‫تم ننتقل إلظهار مختلف األثار بالنسبة للغير ‪.‬‬
‫‪ 1‬ـ آثار اإلبطال والبطالن بين المتعاقدين‪:‬‬
‫ينعقد العقد القابل لإلبطال وينتج آثاره من وقت انعقاده‪ ،‬ولكن هذه اآلثار مهددة بالزوال إذا‬
‫تمسك صاحب الحق في اإلبطال بحقه وطالب بإبطال العقد‪ .‬وإذا تقرر اإلبطال فتزول آثار‬
‫العقد بأثر رجعي‪ .‬أما العقد الباطل فال ينعقد‪ ،‬وبالتالي ال يترتب عليه أي آثار‪ ،‬وهو ال يعد‬
‫تصرفا ً قانونياً‪ ،‬وإنما هو واقعة قانونية‪ ،‬و يتبين من ذلك أنه ال فرق بين العقد الباطل والعقد‬
‫القابل لإلبطال الذي تقرر إبطاله من حيث اآلثار‪ ،‬فيترتب على كليهما إعادة المتعاقدين إلى‬
‫الحالة التي كانا عليها قبل العقد‪ ،‬وهذا هو المبدأ‪ .‬ولكن يرد على ذلك استثناءات عديدة حيث‬
‫يترتب معها بعض آثار العقد الصحيح على العقد الباطل وال بد من ذلك أن يكون هناك نص‬
‫يكرس هذا االستثناء صراحة أو ضمناً‪.‬‬
‫أ ـ المبدأ‪ N:‬إعادة المتعاقدين إلى الحالة التي كانا عليها قبل العقد‪ :‬إذا كان العقد باطالً أو قابالً‬
‫لإلبطال وتقرر إبطاله يجب إعادة المتعاقدين إلى الحالة التي كانا عليها قبل العقد‪ ،‬طبقا ً لما‬
‫جاء في المادة (‪ )143/1‬من القانون المدني السوري‪ .‬ويسهل تطبيق هذا المبدأ في حال‬
‫عدم تنفيذ االلتزامات الناشئة من العقد الباطل أو القابل لإلبطال‪ ،‬أما إذا تم تنفيذ هذه‬
‫االلتزامات‪ ،‬فكل متعاقد يقوم باسترداد ما أداه‪ .‬ففي عقد البيع الباطل يقوم البائع باسترداد‬
‫المبيع والمشتري باسترداد الثمن‪ ،‬ولكن قد يستحيل في بعض الحاالت ـ كما في العقود‬
‫المستمرة ـ إعادة المتعاقدين إلى الحالة التي كانا عليها قبل العقد‪ ،‬فعندئ ٍذ يحكم بتعويض‬
‫عادل‪ .‬ففي عقد اإليجار الباطل يستحيل على المؤجر استرداد المنفعة من المستأجر‪ ،‬لذا‬
‫يحكم على هذا األخير بتعويض معادل على أساس اإلثراء بال سبب لمصلحة المؤجر‪ .‬وقد‬
‫كان القانون الروماني يستثني من هذا المبدأ حالة بطالن العقد لعدم مشروعية المحل أو‬
‫السبب إذا كان من يطالب بالبطالن قد تلوث بسبب البطالن ألنه ال يجوز له أن يتمسك‬
‫بغشه كي يطالب ببطالن العقد واسترداد ما أداه‪ .‬وقد طبق القضاء الفرنسي هذه القاعدة على‬
‫الرغم من عدم تكريس التقنين المدني لها صراحة‪ ،‬ثم ما لبث أن قصر القضاء الفرنسي‬
‫نطاق تطبيق هذه القاعدة على العقود المخالفة لآلداب العامة فقط‪ ،‬وذلك نتيجة االنتقادات‬
‫التي وجهت إلى هذه القاعدة‪ ،‬وأهمها أنها تؤدي إلى تأكيد آثار العقد الباطل‪ ،‬وتعطيل مفعول‬
‫البطالن‪ .‬فإذا اتفق رجل مع امرأة على ممارسة عالقات جنسية غير مشروعة مقابل مبلغ‬
‫من المال‪ ،‬ثم تقرر بعد ذلك بطالن العقد لمخالفته لآلداب العامة‪ ،‬فال يحق للرجل استرداد ما‬
‫دفعه ألنه ملوث بسبب البطالن‪ .‬ويالحظ من خالل ذلك أن هذه القاعدة ال تمنع من رفع‬
‫دعوى البطالن والحكم به‪ ،‬وإنما تمنع المتعاقد الملوث بالبطالن من استرداد ما أداه‪ .‬ولم‬
‫يكرس القانون المدني السوري هذه القاعدة‪ ،‬وبالتالي مبدأ إعادة المتعاقدين إلى الحالة التي‬
‫كانا عليها قبل العقد يطبق حتى لو كان العقد مخالفا ً لآلداب العامة وكان أحد المتعاقدين أو‬
‫كالهما ملوثا ً بالبطالن‪ .‬ولكن كان حريا ً بالمشرع تكريس هذه القاعدة‪ ،‬على أن يتم مصادرة‬
‫ما يحكم باسترداده لمصلحة الخزينة العامة‪ ،‬أو لمصلحة جمعية خيرية على غرار ما أخذت‬
‫به بعض القوانين الغربية‪N.‬‬
‫ب ـ االستثناءات على مبدأ إعادة المتعاقدين إلى الحالة التي كانا عليها قبل العقد‪ :‬ترد على‬
‫األثر الرجعي للبطالن و اإلبطال استثناءات عدة‪ ،‬أهمها‪:‬‬
‫ً‪ 1‬ـ عقد الزواج غير الصحيح‪ :‬تخضع أحكام الزواج لقانون األحوال الشخصية‪ ،‬وأحكام‬
‫المذهب الحنفي‪ ،‬والزواج الباطل ال ينتج حكمه األصلي من حل االستمتاع الزوجي‪،‬‬
‫واستحقاق المرأة النفقة الزوجية‪ ،‬وال يثبت فيه التوارث‪ N.‬أما الزواج الفاسد‪ ،‬وهو باطل غير‬
‫منعقد‪ ،‬كالزواج من دون شهود‪ ،‬إذا حصل فيه دخول يترتب عليه بعض أحكام الزواج‬
‫الصحيح وهي خمسة آثار‪ ،‬وهي‪ :‬استحقاق المرأة للمهر (مهر المثل على أال يزيد على‬
‫المهر المسمى)‪ ،‬والنسب بجميع نتائجه‪ ،‬وحرمة المصاهرة‪ ،‬ووجوب عدة الفراق على‬
‫المرأة‪ ،‬ونفقة العدة للمرأة‪N.‬‬
‫ً‪ 2‬ـ تجزئة البطالن واإلبطال‪ :‬إذا كان العقد في شق منه باطالً أو قابالً لإلبطال فإن هذا‬
‫الشق وحده يبطل ما لم يتبين أن العقد ما كان لينعقد من دون الشق الباطل أو القابل‬
‫لإلبطال‪ ،‬فعندئ ٍذ يبطل العقد برمته‪ ،‬وفقا ً لما ذهبت إليه المادة (‪ )144‬من القانون المدني‬
‫السوري‪.‬‬
‫ً‪ 3‬ـ تحول العقد‪ :‬إذا كان العقد باطالً أو قابالً لإلبطال‪ ،‬وتقرر إبطاله فيؤدي ذلك إلى زواله‬
‫بأثر رجعي‪ .‬ولكن قد يتضمن هذا العقد‪ ،‬بع ّده واقعة مادية عناصر عقد آخر‪ ،‬عندها يخرج‬
‫هذا العقد الصحيح من العقد الباطل أو القابل لإلبطال‪ .‬وبمعنى آخر يتحول العقد الباطل إلى‬
‫عقد صحيح‪ .‬ويعود أصل هذه النظرية إلى القانون المدني األلماني‪ ،‬وكرسها القانون المدني‬
‫السوري في المادة (‪ )145‬منه‪ .‬ومثال ذلك تحول سند السحب أو السفتجة الباطلة التي لم‬
‫تتوافر فيها الشروط المطلوبة قانونا ً إلى سند عادي صحيح‪ ،‬وكذلك تحول عقد البيع في سند‬
‫رسمي إذا ثبت بطالنه بسبب صورية السبب إلى عقد هبة‪ .‬ويشترط من أجل تطبيق نظرية‬
‫تحول العقد توافر الشروط اآلتية‪ :‬أن يكون التصرف األصلي باطالً‪ ،‬وأن يتضمن التصرف‬
‫األصلي عناصر تصرف آخر‪ ،‬وأن تتجه إرادة المتعاقدين المحتملة إلى التصرف‪ N‬اآلخر‪،‬‬
‫ويستخلص ذلك من ظروف الحال‪.‬‬
‫ً‪ 4‬ـ التنفيذ االختياري للهبة الباطلة شكالً‪ :‬إذا كانت الهبة باطلة لعدم توافر الشكلية التي‬
‫يتطلبها القانون‪ ،‬ومع ذلك قام الواهب أو ورثته بتنفيذها طوعا ً فال يحق لهم بعد ذلك أن‬
‫يطالبوا باسترداد ما سلموه‪ ،‬وفقا ً لما نصت عليه المادة (‪ )457‬من القانون المدني السوري‪.‬‬
‫وال يعني ذلك أن الهبة انقلبت صحيحة‪ ،‬وإنما ينشأ عن تنفيذ الهبة الباطلة بسبب عدم توافر‬
‫الشكلية المطلوبة النعقادها طوعا ً التزام طبيعي يمنع من قام بالتنفيذ من استرداد ما سلمه‪.‬‬
‫ً‪ 5‬ـ نظرية الخطأ عند تكوين العقد‪ :‬وقال بهذه النظرية الفقيه األلماني ايهرنج ‪،Ihering‬‬
‫ومفادها أن العقد يرتب ـ إضافة إلى االلتزامات الناشئة عنه ـ على كل من المتعاقدين التزاما ً‬
‫بتعويض المتعاقد اآلخر عن الضرر الذي يلحق به بسبب بطالن العقد إذا كان هو السبب‬
‫في بطالن العقد من دون علم المتعاقد اآلخر بذلك‪ .‬ويؤدي البطالن إلى زوال العقد‪ ،‬ولكن‬
‫التزام التعويض يبقى‪ .‬وبالتالي تكون مسؤولية المتعاقد الذي تسبب ببطالن العقد عن‬
‫تعويض الضرر الذي لحق بالمتعاقد اآلخر مسؤولية عقدية مستمدة من العقد الباطل ذاته‪،‬‬
‫كما لو باع شخص شيئا ً هالكا ً ال علم للمشتري به‪ .‬ولكن هذه النظرية مهجورة‪ ،‬وهذا ال‬
‫يعني أن المتعاقد الذي تسبب ببطالن العقد ال يسأل عن تعويض الضرر الذي لحق بالمتعاقد‬
‫اآلخر‪ ،‬وإنما يكون مسؤوالً عن ذلك‪ ،‬ولكن بما أن العقد غير موجود يكون التعويض على‬
‫أساس المسؤولية التقصيرية‪ N.‬ويشمل التعويض الضرر الفعلي فقط أي ما لحق المتعاقد من‬
‫خسارة جراء بطالن العقد المذكور‪ ،‬وال يدخل في ذلك ما فاته من كسب‪ .‬ولكن لوال وجـود‬
‫هذا العقد لما ترتب الحق بالتعويض‪ .‬ويعد العقد واقعة مادية ألحقت ضرراً بالغير‪.‬‬
‫ومن تطبيقات هذه المسؤولية في القانون المدني السوري لجوء ناقص األهلية إلى طرق‬
‫احتيالية إلخفاء نقص أهليته‪ ،‬ومن ثم تمسك بحقه في إبطال العقد بسبب نقص أهليته‪ ،‬فإذا‬
‫أدى إبطال العقد إلى إلحاق ضرر بالمتعاقد اآلخر يحق له المطالبة بالتعويض إذا تبين أن‬
‫تلك الطرق كانت دافعة إلى التعاقد‪ .‬ويكون الحكم بالتعويض على أساس المسؤولية‬
‫التقصيرية‪ ،‬إذ إن اللجوء إلى طرق احتيالية يع ّد خطأ يستوجب التعويض إذا نجم عنه‬
‫ضرر‪ .‬ومثال الطرق االحتيالية استعمال شهادة ميالد أو بطاقة هوية شخصية مزورة‪،‬‬
‫وكذلك الحال إذا تمسك المشتري ـ في بيع ملك الغير ـ بحقه في إبطال العقد استناداً إلى‬
‫المادة (‪ )436‬من القانون المدني السوري‪ ،‬وأدى ذلك إلى إلحاق ضرر به يحق له مطالبة‬
‫البائع بالتعويض عن ذلك الضرر شريطة أن يكون حسن النية‪ .‬وتقوم مسؤولية البائع سيئ‬
‫النية على أساس الخطأ‪ ،‬أما البائع حسن النية فتقوم مسؤوليته على أساس تحمل التبعة‪ .‬وهي‬
‫مسؤولية تقصيرية في الحالتين‪.‬‬
‫ً‪ 6‬ـ حيازة الشيء محل العقد‪ :‬إذا قام المتعاقدان بتنفيذ التزاماتهما الناشئة عن عقد باطل أو‬
‫قابل لإلبطال‪ ،‬ثم تقرر إبطاله‪ ،‬ونجم عن ذلك انتقال حيازة الشيء محل العقد من متعاقد إلى‬
‫اآلخر‪ ،‬فقد تؤدي هذه الحيازة في بعض الحاالت إلى اكتساب الحائز حقا ً على الشيء يمنع‬
‫من إعادة المتعاقدين إلى الحالة التي كانا عليها قبل العقد‪ .‬ومن ذلك اكتساب الحائز حسن‬
‫النية ملكية الثمار طبقا ً لما نصت عليه المادتان (‪ 186/1‬و‪ )929‬من القانون المدني‬
‫السوري‪ ،‬وكذلك اكتساب الحائز ملكية المنقول أو العقار غير المسجل بالسجل العقاري‬
‫الذي يحوزه نتيجة عقد باطل بالتقادم الطويل‪ ،‬وفقا ً لما جاء في المادة (‪ )917‬من القانون‬
‫المدني السوري‪.‬‬
‫ً‪ 7‬ـ إبطال العقد بسبب نقص األهلية‪ :‬إذا تقرر إبطال العقد بسبب نقص األهلية فإن ناقص‬
‫األهلية ال يلزم إال رد ما عاد عليه من منفعة نتيجة تنفيذ العقد‪ ،‬طبقا ً لما جاء في المادة (‬
‫‪ )143/2‬من القانون المدني السوري ‪ .40‬فإذا باع ناقص األهلية شيئا ً يملكه‪ ،‬كجهاز هاتف‬
‫نقال‪ ،‬وقبض ثمنه بعد أن سلم المبيع للمشتري كامل األهلية‪ ،‬ثم بعد ذلك تمسك ناقص‬
‫األهلية بحقه في إبطال العقد نتيجة نقص أهليته‪ ،‬وصدر حكم بإبطاله‪ ،‬فيترتب على ذلك أن‬
‫ناقص األهلية يسترد المبيع كامالً‪ ،‬ولكنه ال يلزم إال رد ما عاد عليه من منفعة بسبب تنفيذ‬
‫ذلك العقد‪ .‬فإذا كان ناقص األهلية قد أنفق جزءاً من الثمن على نزواته وأهوائه‪ ،‬وأنفق‬
‫الجزء اآلخر على تعليمه فال يلزم إال رد الجزء األخير ألن ذلك عاد عليه بمنفعة محتسبة‬
‫قانوناً‪ .‬ويقصد بالمنفعة هنا المنفعة الفعلية‪ ،‬سواء تمثلت في إشباع حاجة مادية‪ ،‬كالمأكل‬
‫والملبس‪ N،‬أم تمثلت في إشباع حاجة معنوية‪ ،‬كالتعليم والتدريب‪ .‬والتزام ناقص األهلية الرد‬
‫في مثل هذه الحال يكون على أساس اإلثراء بال سبب‪ .‬ويبدو من ظاهر نص المادة (‬
‫‪ )143/2‬أن تطبيقه يقتصر على ناقص األهلية‪ ،‬وهو القاصر والسفيه وذو الغفلة بعد شهر‬
‫قرار الحجر عليهما‪ .‬ولكن نص هذه المادة هو تطبيق لقاعدة عامة‪ ،‬نصت عليها المادة (‬
‫‪ )187‬من القانون المدني السوري‪ ،‬مفادها إذا كان من تسلم غير المستحق ال تتوافر فيه‬
‫أهلية التعاقد فال يلتزم إال رد ما أثرى به‪ .‬وبالتالي فإن حكم المادة (‪ )143/2‬يشمل أيضا ً‬
‫عديم األهلية‪ .‬ويقع عبء إثبات أن ناقص األهلية قد انتفع من األداء الذي تلقاه بسبب العقد‬
‫الذي تقرر إبطاله على المتعاقد اآلخر‪.‬‬
‫ً‪ 8‬ـ حاالت آخرى يرتب القانون فيها على العقد الباطل آثاره األصلية كاملة‪ :‬وهنا يكون‬
‫العقد الباطل منشئا ً للحقوق وااللتزامات التي ينشئها في حال صحته وذلك ضمانا ً الستقرار‬
‫ً‬
‫وصيانة للحقوق المكتسبة‪ ،‬ومن أشهر األمثلة على ذلك عقد الشركة الذي يعد‬ ‫التعامل‪،‬‬
‫باطالً إذا لم يكن مكتوباً‪ ،‬وفقا ً لما نصت عليه المادة (‪ )475‬من القانون المدني السوري‪.‬‬
‫ومع ذلك تبقى آثاره سارية وفقا ً لشروطه المتفق عليها بين المتعاقدين إلى أن يطلب أحدهما‬
‫بطالنه‪ ،‬وال يسري البطالن بأثر رجعي‪ .‬وتسمى هذه الحال بـالشركة الواقعية أو الفعلية‪،‬‬
‫وهذا ما أكدته المادة (‪ )4‬من قانون الشركات رقم ‪ 3‬تاريخ ‪ ،13/3/2008‬والنافذ بدءاً من‬
‫‪ .1/4/2008‬وكذلك الحال في العقد الصوري‪ ،‬حيث إنه بالنظر إلى اإلرادة الحقيقية غير‬
‫موجود‪ ،‬ولكنه يعد موجوداً بالنسبة للغير حسن النية الذي تعامل مع أحد الطرفين إذا تمسك‬
‫به‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ أثر اإلبطال والبطالن في الغير‪ :‬يقصد بالغير هنا كل شخص تلقى حقا ً ماليا ً على الشيء‬
‫محل العقد الباطل أو العقد القابل لإلبطال الذي تقرر إبطاله سواء بعوض أم على سبيل‬
‫التبرع‪ .‬وبمعنى آخر يقصد بالغير الخلف الخاص للمتعاقدين‪ .‬فإذا كان العقد باطالً أو قابالً‬
‫لإلبطال‪ ،‬وتقرر إبطاله‪ ،‬ثم تبين أن أحد المتعاقدين قد تصرف بالشيء الذي تلقاه نتيجة ذلك‬
‫العقد إلى شخص آخر‪ ،‬فهل تطبق قاعدة إعادة المتعاقدين إلى الحالة التي كانا عليها قبل‬
‫العقد على الغير في مثل هذه الحال؟‬
‫أ ـ المبدأ‪ N:‬سريان أثر البطالن أو اإلبطال على الغير‪ :‬األصل أن أثر قاعدة إعادة المتعاقدين‬
‫إلى الحالة التي كانا عليها قبل العقد في حالتي بطالن العقد وإبطاله ال يقتصر على‬
‫المتعاقدين وحدهما‪ ،‬وإنما يسري على الغير أيضا ً الذي يكون قد تلقى حقا ً على الشيء محل‬
‫ذلك العقد من أحد المتعاقدين‪ .‬والسبب في ذلك هو أن المتعاقد الذي تصرف للغير بذلك‬
‫الشيء يكون قد تصرف بشيء ال يملكه؛ ألن بطالن العقد أو إبطاله يستلزم إعادة المتعاقدين‬
‫إلى الحالة التي كانا عليها قبل العقد‪ .‬فإذا كان عقد البيع باطالً‪ ،‬ثم تبين أن المشتري في ذلك‬
‫ثان‪ ،‬فمن مقتضى قاعدة إعادة المتعاقدين إلى الحالة التي‬
‫مشتر ٍ‬
‫ٍ‬ ‫العقد قد تصرف بالمبيع إلى‬
‫كانا عليها قبل العقد أن يتمكن البائع من استرداد المبيع من المشتري الثاني‪ .‬ولكن هذا المبدأ‬
‫يؤدي إلى عدم استقرار التعامل؛ لذلك فقد أورد المشرع استثناءات عدة عليها‪.‬‬
‫ب ـ االستثناءات‪ :‬أورد المشرع والقضاء استثناءات عدة على مبدأ سريان أثر بطالن العقد‬
‫وإبطاله على الغير‪ ،‬وبالتالي أضفى حماية عليه من نتائج البطالن أو اإلبطال‪ .‬وتقوم حماية‬
‫الغير في مثل هذه الحال على تحقيق استقرار التعامل‪ ،‬وترسيخ األمان القانوني‪ ،‬ورعاية‬
‫الثقة المشروعة بين المتعاقدين‪ .‬وهذه االستثناءات هي‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ حماية الغير الذي اكتسب حقا ً عينيا ً على عقار بحسن نية‪ :‬إذا اشترى شخص عقاراً‬
‫بموجب عقد‪ ،‬وانتقلت ملكية العقار إلى اسمه في قيود السجل العقاري‪ ،‬ثم بعد ذلك باع‬
‫ثان وانتقلت ملكية العقار إلى المشتري الثاني بالتسجيل في‬
‫مشتر ٍ‬
‫ٍ‬ ‫المشتري العقار من‬
‫السجل العقاري‪ ،‬ثم رفع البائع األول دعوى ببطالن عقد البيع األول أو بإبطاله وقيد دعواه‬
‫على صحيفة العقار في السجل العقاري بعد انتقال ملكية العقار إلى المشتري الثاني في‬
‫السجل العقاري‪ ،‬فإن الحكم ببطالن العقد أو بإبطاله ال يسري على المشتري الثاني مادام‬
‫حسن النية‪ ،‬وهذا ما أكدته المادة (‪ )13‬من القرار ‪ 188‬لعام ‪ .1926‬ويستمد المشتري‬
‫الثاني حقه من قيود السجل العقاري وفقا ً لما استقر عليه اجتهاد محكمة النقض السورية‪.‬‬
‫ويبدو أن محكمة النقض السورية قد خالفت هذا االجتهاد المستقر في قرار صادر عنها‬
‫حديثاً‪ ،‬إذ جاء فيه‪:‬‬
‫«وحيث إن تملك المدعى عليهم للعقار استناداً إلى ملكية يعقوب الباطلة فإن ملكيتهم للعقار‬
‫تكون باطلة ألن أثر البطالن ال يقتصر على المتعاقدين بل يجاوزهما إلى الغير‪ .‬وحيث إنه‬
‫ال يسوغ للغير أن يتذرع بمفعول القيد العقاري ما دام هناك شوائب تشوب القيد العقاري وال‬
‫مجال لالحتجاج بحسن نية المدعى عليهم‪ N.»...‬ويع ّد هذا القرار مخالفة صارخة لنص المادة‬
‫(‪ )13‬من القرار ‪ 188‬لعام ‪ ،1926‬والجتهادات الهيئة العامة لمحكمة النقض في هذا‬
‫الخصوص‪ ،‬مما يضفي عليه صفة الخطأ الجسيم‪ .‬ويجب على المحكمة المحال عليها الملف‬
‫بعد نقض حكمها عدم التقيد بهذا القرار نتيجة مخالفته الجتهاد الهيئة العامة لمحكمة النقض‪،‬‬
‫وألحكام المادة (‪ )13‬المشار إليها أعاله‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ حماية الغير الذي يحوز منقوالً ماديا ً بحسن نية‪ :‬إذا تصرف أحد المتعاقدين بالشيء‬
‫الذي تلقاه بسبب عقد باطل أو قابل لإلبطال للغير بموجب تصرف قانوني‪ ،‬وانتقلت حيازة‬
‫الشيء للغير‪ ،‬فإن هذا األخير يكتسب ملكية الشيء إذا كان يجهل وقت حيازته سبب بطالن‬
‫العقد األول أو إبطاله استناداً إلى القاعدة التي تقول إن الحيازة في المنقول سند الحائز‪،‬‬
‫والتي تكرسها المادة ‪ 927/1‬من القانون المدني السوري‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ عقود اإلدارة‪ :‬إذا رتب المتعاقد على عقار ـ تلقاه نتيجة عقد باطل أو قابل لإلبطال ـ‬
‫إيجاراً بحسن نية في الفترة الممتدة بين انعقاد العقد ورفع دعوى البطالن أو اإلبطال‪ ،‬فيبقى‬
‫عقد اإليجار صحيحا ً على الرغم من إبطال عقد المؤجر مادام من أعمال اإلدارة الحسنة‪،‬‬
‫وأن مدة اإليجار ال تتجاوز ثالث سنوات‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ حماية الغير الذي يتلقى حقا ً من وارث ظاهر‪ :‬يضفي القضاء الحماية على الغير الذي‬
‫يتعاقد مع وارث ظاهر‪ ،‬ويبقي على تصرفات هذا األخير على الرغم من ظهور الوارث‬
‫الحقيقي‪ ،‬وذلك شريطة أن يكون الوارث الظاهر حسن النية‪ ،‬أي ال يعلم وقت تعاقده مع‬
‫الغير بوجود وارث آخر يحجبه‪.‬‬

‫‪.‬‬

You might also like