Professional Documents
Culture Documents
إن تقدم مجتمعنا و تطوره مشروط بتقدم العلوم القانونية و مواكبتها للمستجدات العالمية،
بغية الحفاظ على السلم و األمان ،و يرجع تقسيم قواعد القانون إلى زمن بعيد و كان
الرومان هم الذين قسموا القانون إلى عام و خاص.
و ينقسم القانون الخاص إلى عدة فروع تتمثل في القانون الجنائي ،و قانون المسطرة.
الجنائية ،و القانون التجاري ،و القانون البحري ،و القانون الجوي و قانون الشغل و
القانون القضائي الخاص و القانون الدولي الخاص.
فالقانون المدني هو أبرز فروع القانون الخاص و يعرف اليوم بأنه القانون الذي يحكم
العالقات الخاصة سواء تمت بين األفراد في ما بينهم أو بينهم و بين الدولة.
فمن المعلوم أن القانون المدني هو قانون األموال و األشخاص ،كما أن الحقوق المالية تنظم
ضمن قانون اإللتزمات و العقود ،و هذا القانون يحدد معنى المال و بيان الحقوق المالية
المختلفة و أسباب اكتسابها و السلطات التي تكفلها لصاحبها و طرق تداولها و أسباب
زوالها.
و من هذا المنطلق فإن العقود تلعبا دورا جوهريا في الحفاظ على الحقوق الشخصية و
المالية لألفراد ،بحيث تقتضي هذه العقود توفر مجموعة من األركان و الشروط و
لصحتها و إنتاج كافة أثارها في ما بين المتعاقدين أو األغيار.
فإن تخلف ركن من هذه األركان فإن المشرع المغربي أقر في القانون اإللتزمات و العقود
المغربي جزائين اثنين إما البطالن أو اإلبطار تبعا للحالة التي عليها العقد.
•أهمية البحث
إن اختيارنا لهذا الموضوع في هذه الضرفية لم يكن بمحض الصدف بل جاء تزامنا للعرقلة
التي شهدها العالم بدءا من ظهور فيروس كورونا إلى وقتنا الحاضر ،و كما نعلم و يعلم
العالم بأسره أن العقود تلعب دورا هاما في الحياة اإلقتصادية و العالقات الشخصية و
غيرها من المجالت المدنية ،فقد ثأترت هذه األخيرة بفعل اإلنغالقات التي اتخدتها الدول
تدبيرا إلحتياطات االزمة للتصدي لهذه الجائحة ،كان بصمة أمل دفعتنا لتصليط الضوء
على موضوعنا و شرح و تحليل ما قد يصحب هذه العقود من جزاءات ،لهذا فإن أهمية
بحثنا انصب حول جزائين من الجزاءات التي أشار لهم المشرع المغربي في قانون
اإللتزمات و العقود.
•صعوبات البحث
فكثيرة هي الصعوبات التي واجهتنا في طريقنا لدراسة و تحليل الموضوع بدقة التطرق
لتفاصيله و حيتياته صغيرة كانت ام كبيرة ،نظرا لما شهده طلبة العالم بأسره في ظل
جائحة كورونا و ما تركته على القطاعات المهمة صحتا و تعليما و أمنا ( )....و هذا ما
انطوى أيضا علينا في انجاز بحثنا حيث واجهنا صعوبتا في التنقل و الحصول على
المراجع المكتوبة كتبا و رساالت و أطاريح و غيرها من جهة ،و صعوبة الحضور و
التأطير من جهة أخرى ،هذا ما زادنا و زاد المشرفين على بحثنا إصرارا و طموحا في
تحدي هذه الصعوبات و العراقيل ،و الحمد هلل جل و على فإن المنظومة التعليمية عامة و
الجامعية خاصة وفرت لنا العديد و العديد من مراجع الدكاترة و الفالسف و الفقهاء التي
أمدت بفائض من المعلومات و ساعدتنا على إصابة الهذف و تضقيق المعطيات و
المضمونN.
•إشكالية البحث
إن أساس البحوث عامة هو ما يثير الباحث من إشكاالت التي تدفعه إلى البحث و التعمق
في المبحوث ،و موضوع بحثنا كغيره من البحوث اشتمل على عديد من اإلشكاالت انصبت
نحو اشكال رئيسي تمثل في :ما هي القواعد المنظمة لبطالن العقود و إبطالها
و هذا االشكال الرئيسي بدوره تتفرع عنه مجموعة من اإلشكاالت يمكن صياغتها كاآلتي :
ما هي االحكام المنظمة للبطالن؟
بما يمتاز جزاء البطالن عن غيره من الجزاءات؟
ما هي الحاالت التي يتم تقرير البطالن فيها؟
ما هي أثار هذا البطالن؟
ما هي األحكام المنظمة إلبطال؟
ما هي الخصائص المميزة لإلبطال؟
ما هي الحاالت التي تقتضي اإلبطال؟
ما هي االثار المترتبة عن اإلبطال؟
اعتمدنا في تحليل بحثنا على مجموعة من المناهج العلمية لتفسير الموضوع و تمثلت هذه
المناهج في :
المنهج اإلستنباطي :و هو منهج من مناهج العلوم القانونية الذي يقوم بتفسير الظواهر و
النصوص القانونية من منطلق عام وصوال إلى ما هو خاص ،ارتأينا في بحثنا هذا اإلعتماد
عليه لدراسة موضوع سؤالنا.
المنهج التاريخي :يعتبر المنهج التاريخي من المناهج الهامة في العلوم عامة و العلوم
القانونية خاصة ،وقد لجأنا إليه من خالل تفسيرنا لموضوعنا من النظرية التقليدية إلى
النظرية الحديثة.
المنهج المقارن :يرتكز هذا المنهج على اجراء مقارنة بين مسألتين بحثيتين أو بين
ظاهرتين من أجل التعميق فهما و تحديد أوجه الشبه و اإلختالف بينهما فضال عن إبراز
خصائص و مميزات كل موضوع من موضوعات المقارنة ،و قد استندنا إليه في تمييز بين
موضرع سؤالنا و الموضوعات المشابهة له.
•خطة البحث
تبعا لموضوع بحثنا و طمعا في تحليل الغامض و المبهم من مركز إشكاليتنا ،ارتأينا تقسيم
هذا الموضوع إلى ما أنست نفوسنا ،أال و هو تقسيم موضوعنا إلى:
الفصل االول :بطالن العقود
الفصل الثاني :إبطال العقود
الفصل األول :بطالن العقود
المبحث األول :ماهية البطالن و خصائصه.
إن الحديث عن ماهية البطالن و الخصائص التي يمتاز بها تقتضي منا تقسيم هذا المبحث
إلى مطلبين اتنين بحيث سنطرق إلى ماهية البطالن في المطلب األول ،و نترك أمر إبراز
خصائصه إلى المطلب التاني.
البطالن هو الجزء الذي فرضه القانون على عدم توفر ركن من أركان العقد أو شرط من
شروط صحته وهو عبارة عن انعدام أثر العقد بالنسبة إلى المتعاقدين وبالنسبة إلى الغير،
والعقد الذي لم تراع قواعد القانون في تركيبه يكون باطال ،فال ينتج أثرا قانونيا وال ينشأ
عنه حق أو التزام ،وتختلف قوة الجزاء باختالف نوع القاعدة التي لم تراع في تكوين العقد،
فإذا كانت القاعدة حتى المصلحة العامة كان البطالن مطلقا ،أما إذا كانت تلك القاعدة حتى
مصلحة خاصة كان البطالن نسبيا ،فيكون للعقد وجودة إلى أن يطلب بطالنه.
وقد قسمت النظرية التقليدية البطالن إلى ثالث أقسام ،بطالن مطلق وبطالن نسبي و انعدام
التصرفN.
أ -انعدام التصرف :و يقصد به مصير العقد الذي تخلف فيه ركن من أركانه ،حيث يصبح
العقد منعدما💙 .
ب -البطالن المطلق :فهو الجزاء العقد الذي تخلف فيه شرط من شروط االنعقاد وهي
الرضا والمحل و السبب
والسبب والشكل في العقود الشكلية ،فال يكون وجود لهذا العقد وإال ينتج أي أثر.
ب -البطالن النسبي :وهو جزاء تخلف شرط من شروط الصحة كعدم توافر األهلية الالزمة
إلبرام العقد لدى كل من المتعاقدين ،أو فساد اإلرادة بأحد عيوب الرضا وهي الغلط
واإلكراه والتدليس والغبن واالستغالل.
و تنبغي االشارة الى ان النظرية التقليدية كانت تقتصر على قسمين من البطالن ،بطالن
نسبي ( االبطال) و بطالن مطلق💙
إن العقد الباطل بطالنا نسبيا يأخذ حكم العقد الصحيح وتترتب عليه كافة اآلثار القانونية،
حتى يتمسك بالبطالن من يكون البطالن في مصلحته .وقد أخذ المشرع المغربي بهذا
االتجاه في ما يخص اثار البطالن بين المتعاقدين .
تقتضي معالجة هذه الفقرة الى ضرورة تمييز البطالن عن غيره من النظم التي قد تذخل
نوع ما في الجزاء معه و على هذا االساس سنقوم بتمييزه مع مجموعة من المؤسسات
المشابهة له ابتداءا من الفسخ و مرورا الى االبطال وقوفا عند عدم النفاذ .
ادا كان البطالن هو الجزاء المدني الذي يطال العقد فيجعله باطال أي ال وجود له من الناحية
القانونية وال ينتج أي أثر قانونية ال بالنسبة للمتعاقدين وال بالنسبة للغير ،وما يجعل العقد
باطال تخلف ركن من أركانها ( تخلف ركن الرضا أو السبب أو المحل أو ركن الشكل
بالنسبة للعقود الشكلية أو التسليم بالنسبة للعقود العينية ،أو بسبب اختالل شرط من شروطه
( حالة صدور الرضا من غير مميز أو في حالة كان المحل غير ممكن أو غير قابل للتعيين
أو كان المحل أو السبب غير مشروعين ) .
االبطال
فان اإلبطال هو جزاء قد يطال العقد موجود من الناحية القانونية والمنتج لكافة أثاره بالنسبة
لجميع أطراف العقد وللغير ،لكن هذا العقد اختل شرط من شروطه إما أن الرضا كان غير
صحيح كأن يصدر من غير ذي أهلية ( قاصر – ناقص األهلية ) أو كان العقد مشوبا بعيب
من عيوب الرضا ( اإلكراه – التدليس – الغبن – الغلط N.)...
في هذه األحوال يكون العقد معرض لإلبطال إذا تقدم صاحب المصلحة بطلب إبطاله
العقد غير النافذ هو عقد صحيح من الناحية القانونية وينتج كافة أثاره بالنسبة ألطراف
العقد ،لكن هذه األثر ال تسري في حق الغير.
ومن أمثلة هذه العقود نجد العقود الصورية أو السرية.على المتعاقدين فيما بينهم
فهذه العقود ينحصر أثرها على أطراف العقد دون الغير و لذلك فالبطالن شيء وعدم النفاذ
شيء اخر
و كغيره من النظم فان البطالن كجزاء على تخلف ركن من اركان العقد يمتاز عن غيره
بمجموعة من الخصائص التي سنتطرق لها على النحو االتي
•الخاصية األولى :بطالن جزء من العقد يبطل العقد بمجموعه ما لم يكن العقد قابال للبقاء
دون الجزء الذي لحقه البطالن
أورد المشرع المغربي في القانون المدني نصا على هذه الخاصية في المادة
308فقالت:بطالن جزء من االلتزام يبطل االلتزام في مجموعة إال إذا أمكن اخذا االلتزام
أن يبقى قائما بدون الجزء الذي لحقه البطالن وفي هذه الحالة االخيرة يبقى االلتزام قائماج
باعتباره عقد متمييزا عن العقد 💙األصلي
و مضمون هذا الفصل أنه في حالة ما تخلف او بطل جزء من اإللتزام فإن هذا يؤدي ال
محالة إلى بطالن اإللتزام األصلي ،و يرد استثناء على هذه الحالة أنه يمكن اإلبقاء على
الجزء الصحيح من االلتزام دون الجزء الذي لحقه البطالن.
•الخاصية الثانية :بطالن االلتزام األصلي يقتضي بطالن االلتزامات التابعة و ال عكس
فحسب المادة307من قانون االلتزامات و العقود المغربي فااللتزام األصلي هو الذي يقوم
بذاته دون الحاجة إلى غيره أما االلتزام
التابع فهو القائم بغيره الذي ال يتصور وجوده بدون التزام أصلي يرتكز عليه ويكون تابعا
له
وحسب المواد 1150و 1233من نفس القانون أعاله ،فبطالن االلتزام التبعي ال يؤشر
على صحة االلتزام األصلي الذي يبقى قائما و منتجا ألثاره
-إن العقد الباطل بقوة القانون يعتبر باطال منذ صدوره أي غير منعقد بين عاقديه،فهو
عدم في نظر القانون.وعندئد Nال يتوقف تقرير بطالنه على حكم من القاضي ،ألن القانون هو
الذي قرر بطالنه من أصله ،فضال عن أنه لو توقف بطالنه على قضاء القاضي لكان قبل
صدور الحكم منعقدا غير باطل،مع أن المفروض أنه باطل بحكم القانون
-إن سبب البطالن في العقود الباطلة بقوة القانون يعود إلى كون العقد قد خولف فيه نظام
التعاقد،فالبطالن مقرر إذن رعاية للمصلحة العامة ال صيانة لمصلحة عامة لذلك فإن لكل
دي مصلحة في البطالن أن يدعي به .ودو مصلحة هو كل من له حق يتأثر بصحة العقد أو
ببطالنه
و اتباعا لتسلسل الذي انسناه من بداية البحث الى نقطة وصولنا هذه في معالجة موضوع
سؤالنا ،و بهذا الصدد نرى ضرورة تقسيم هذا المبحث كغيره من المباحث السالفة الى
مطلبين بحيث سنخصص المطلب االول من مبحثنا للحديث عن الحاالت التي يتم تقرير
البطالن فيها ،و مطلب تاني البراز االثار التي تترتب على هذه الحاالت من البطالن
المطلب االول :حاالت البطالن
تماشيا مع الفصل ( (306من قانون االلتزمات و العقود العقود المغربي " و يكون االلتزام
باطال بقوة القانون اذا كان ينقصه أحد األركان االزمة لقيامه.
و بهذا يقرر البطالن المطلق في حالة تخلف أحد أركان العقد وذلك في الحاالت االتية
إذا انعدم الرضاء ،كما لو تم إبرام العقد عن طريق شخصي عدم األهلية غير مميز أو
مجنون أو تحت تأثير الغلط المانع أو اإلكراه المادي ،وفى حالة عدم تطابق القبول مع
اإليجاب
إذا كان المحل غير موجود أو مستحيل أو غير مشروع أو غير معين أو غير قابل للتعيين
إذا تخلف السبب أو اتسم بعدم المشروعية .
إذا تخلف الشكل الذي يتطلبه القانون كركن في العقد كما هو الحال في اشتراط الرسمية
إلبرام الرهن الرسمي وهبة العقار .
إذا ورد في القانون نص خاص يقضى ببطالن العقد بطالن مطلق ،مثال ذلك اشتراط
تحديد مدة معينه النعقاد الوعد بالتقاعد قد وبيع الوفاء ،وبيع أموال الدولة الخاصة يعتبر
طريق المزاد عند اشتراط القانون ذلك .
استقر القضاء على الحكم بإبطال التصرف المبنى على الغش نحو القانون ،أي إذا كان
الغرض منه االحتيال على تطبيق القانون ( الغلط في القانون ) للتهرب من حكم يتعلق
بالنظام العام.
إن الحديث عن األثار التي يرتب جزاء البطالن عن الحاالت التي يتم فيها تقريره اذا ما
تمت اخالل بأحد اركان العقد يستلزم من ابراز هذه األثار على مستوى المتعاقدين في ما
بينهم و كذا على مستوى الغير و على هذا األساس سنقسم هذا المطلب بدوره كما أنسنا
أعاله بحيث سنخصص الفقرة األولى فسنخصصها إلبراز أثارالبطالن في ما بين
المتعاقدين و سنترك أمر الحديث عن أثار البطالن بالنسبة للغير في الفقرة التانية ،وصوال
إلى األثار العرضية للبطالن و هذا ما سنراه في الفقرة الثالثة.
يترتب على بطالن العقد عدم جواز المطالبة بتنفيذه ،وزواله بأثر رجعي بحق يعود
المتعاقدان إلى الحالة التي كانا عليها قبل العقد .
ويثور ذلك في حالة ما إذا تم تنفيذ العقد الباطل كليا ً أو جزئيا ً من أحد الطرفين أو منهما معا ً
ثم يتقرر البطالن بعد ذلك هنا يتعين ،إعماال لألثر للرجعى للبطالن ،إعادة المتعاقدين
للحالة التي كانا عليها قبل التعاقد .فإذا تنفيذ عقد بيع باطل وجب رد المبيع للبائع ورد الثمن
للمشتري .
وأساس اإللتزام بالرد هو دفع غير المستحق .فمن المقرر أنه استرداد غير المستحق إذا
كان الوفاء قد تم تنفيذاً اللتزام لم يتحقق سببه أو اللتزام زال سببه بعد أن تحقق .فنتيجة
لألثر الرجعى لبطالن العقد أو إلبطاله يعتبر كل متعاقد أخذ ما أعطاه إليه المتعاقد اآلخر
من غير أن يكون له حق فيه ،ومن ثم يلتزم برده إليه .
إن قاعدة اإللتزام بالرد ليست مطلقة بل ترد عليها بعض القيود التي ترجع العتبارات الواقع
واستقرار المعامالت ومراعاة بعض المصالح الجديرة بالحماية .
أوال :األصل أن يكون الرد عينا ً بحيث يرد كل متعاقد لآلخر ما حصل عليه بموجب
العقد ،إال إنه قد يتعذر على المتعاقد ،أحيانا ً ،رد عين ما حصل عليه ،كما إذا كان الشئ
قد هلك أو تلف .هنا يمكن إلزام المتعاقد الذي بحسب قيمة الشئ المبيع مثالً .وذلك أن
التعويض المعادلة بقوم مقام الرد العيني .وال يعتبر هذا التعويض من قبيل الثمن وال
يخضع ألحكامه ،وإنما يخضع ألحكام التعويض وحدها .
ثانيا :إذا ترتب علي تنفيذ العقد الباطل انتقال حيازة شئ إلى أحد الطرفين ،هذا يتعين
حمايته إذا كان حسن النية ال يعلم بسبب البطالن وتتمثل الحماية فى عدة وجوه .
يعامل معاملة الحائز حسن النية فيما يتعلق بالثمار فهو يلتزم برد الشئ الذي تسلمه ويحتفظ
لنفسه بالثمار سواء استهلكها أم ال .ويلتزم برد الفوائد والثمرات من يوم رفع دعوى
البطالن .
يعامل المتعاقد معاملة الحائز الذي يلتزم برد ما يحوزه وذلك بالنسبة للمصروفات التي قد
يكون أنفقها عليه .
إذا كان المتعاقد الحائز حسن النية فال يلتزم بدفع أي تعويض مقابل االنتفاع بالشئ الذي
يلتزم برده إلى الطرف اآلخر .زمن ثم ال محل ألي تعويض معادل عن االستهالك في
الفترة ما بين تسلم الشئ وإبطال العقد .
ال يلتزم المتعاقد حسن النية ،في حالة الهالك الكلي للشئ الذي يحوزه ،إال بدفع مقدار ما
عاد عليه من فائدة ترتبت على هذا الهالك مثل أنقاض المنزل .وفى حالة سوء النية فإنه
يكون مسئوال عن الهالك أو تلفه ،ولو كان ذلك ناشئا ً عن حادث مفاجئ إال إذا أثبت أن
الشئ أو يتلف ولو كان باقيا ً في يد صاحبه .
ثالثا :يستحيل إعمال األثر الرجعى لبطالن عينا ً في العقود الزمنية ،مثل عقد اإليجار وعقد
العمل ،حيث يستحيل ماديا إزالة بعض اآلثار التي ترتبت عليها في الماضي ،فال يمكن رد
المنفعة التي حصل عليها المستأجر أورد العمل الذي أداه العامل هنا يلتزم المستأجر بأن
يدفع تعويضا عن االنتفاع الذي حصل عليه ،ويتم تقدير هذا التعويض ،في الغالب ،
بمقدار األجرة ،لكنه ال يعد أجرة ،وال تضمنه ضمانات األجرة ،فال يكفله امتياز
المؤجر ،وال يتقادم بمدة األجرة .ويلتزم صاحب العمل بأن يرد للعامل تعويضا معادال لما
أداه من عمل وبذل من جهد .يقدر القاضي غالبا ،هذا التعويض يما يعادل ما كان يستحقه
العامل من أجر ،إال أن ذلك التعويض ال يعد أجرا وال يخضع لحكامه .
رابعا :إذا تم إبطال العقد بسبب نقص األهلية ،فإن المتعاقد ناقص األهلية يلتزم فقط برد ما
عاد عليه من منفعة بسبب العقد .قرر المسرع هذا المبدأ لحماية ناقصي األهلية واستثناهم
من قاعدة اإللتزام بالرد .فناقص األهلية ال يلتزم برد ما حصل عليه بموجب العقد الباطل
إال في حدود ما عاد عليه من منفعة ماديه كانت أو معنوية .فإذا باع القاصر عقارا وقبض
ثمنه وأنفق أغلبه في اللهو وأنفق جزءا يسيرا منه في ضروريات الحياة ،فهو ال يلتزم ،في
حالة إبطال العقد ،إال برد هذا اليسير من الثمن للمشتري .
وبالرغم من أن النص يتكلم عن ناقص األهلية إال إن حكمه واجب التطبيق ،من باب
أولى ،على عديم األهلية ألنه أجدر بالحماية ويعد ذلك أعماال للقاعدة العامة التي قررها
المشرع بقوله إذا لم تتوافر أهلية التعاقد فمين تسلم غير المستحق فال يكون ملتزما إال بالقدر
الذي أثري بت .
واألصل في اإلنسان اكتمال األهلية وعلى من يدعى نقص األهلية إلثبات ذلك .فمتى ثبت
نقص األهلية كان الحكم هو عدم إلتزامه برد ما حصل عليه من العقد الباطل .ويقع على
الطرف اآلخر الذي يريد استرداد ما لدى ناقص األهلية ،عبء اإلثبات ما عاد عليه من
منفعة بسبب تنفيذ العقد ،أي ينبغي على المتعاقد اآلخر إقامة الدليل على أن ناقص األهلية
قد استفاد مما أخده منه .وتعبر محكمة النقض عن ذلك قبولها أن عبء اإلثبات في بيان أن
ناقص األهلية قد أثري وفى تقدير مدي أثرائه يقع على عاتق الدافع الذي يطلب رد ما دفع
فإذا عجز عن اإلثبات كان ذلك موجبا ً في ذاته لرفض طلبه .
خامسا ً :قضت القاعدة الرومانية الشهيرة بأنه ال يحوز للطرف الملوث أن يتمسك بتلوثه .
وأعماال لتلك القاعدة تضمن المشروع التمهيدي للقانون المدني نصا يقضى بأنه ال يجوز
لمن وفى بالتزام مخالف لآلداب أن يسترد ما دفعه إال إذا كان هو فى التزامه لم يخالف
اآلداب .بمعنى ذلك إن حق المطالبة بالرد قاصر على الطرف الذي لم يخالف اآلداب .
فمستأجر األرض لزراعتها مخدرات ال يجوز له استرداد ما دفعه
.
الفقرة التانية :أثر البطالن بالنسبة للغير
في طريقنا إلبراز األثار المترتبة على البطالن بالنسبة للغير سنتعرض للقاعدة العامة ،ثم
لالستثناءات الواردة عليها.
البطالن على مستوى الغير تتمثل في االتي فبخصوص القاعدة العامة المترتبة المتعلقة
باثار
إذا تم إبطال العقد فإنه يعتبر كأن لم يكن ويزول كل أثر له سواء فيما بين المتعاقدين أو
بالنسبة للغير .
والغير هنا هو كل من تلقى حقا ً من أحد المتعاقدين على الشئ الذي ورد عليه العقد الباطل ،
حيث يتعاقد الغير مع المتصرف إليه في العقد الباطل بقصد اكتساب حق متعلق بالشئ
موضوع هذا العقد .يقوم المتصرف إليه في العقد الباطل بترتيب حق للغير علي الشئ
موضوع هذا العقد ،كأن يبيعه أو يرهنه أو يؤجره أو يرتب عليه حق ارتفاق .
يؤدي منطق البطالن إلى زوال هذه الحقوق ،فإذا رتب المشتري على العين التي اشتراها
بعقد باطل أو قابل لإلبطال رهنا أو حق ارتفاق مثال ،ثم تقرر بطالن البيع ،فإن البائع
يسترد العين خالية من الحقوق العينية التي رتبها المشترى .وكذلك لو باع المشترى العين
إلى آخر ،فإن البائع يستردها من المشترى الثاني ،مؤدي ذلك أن الحق الذي يتلقاه الغير
على الشئ الذي ورد عليه العقد الباطل يزول بالتبعية لبطالن هذا العقد .فبطالن سند
المتصرف Nيستتبع زوال سند المتصرف إلية ،أن الشخص ال يستطيع أن ينقل إلى غيره
أكثر مما يملك .
فإذا كان أحد الطرفين في العقد الباطل قد تصرف فال حقه إلى الغير ،فإن حق الغير يزول
بالتبعية لزوال هذا العقد بالبطالن .فلو أن محمداً اشترى قطعة أرض من محمود بعقد باطل
أو قابل لإلبطال ثم باعها ألحمد ،وبعد ذلك تقرر بطالن العقد فإن محمود البائع يسترد
األرض من المشترى ( أحمد ) .وإذا كان قد رتب على األرض رهنا ً أو حق ارتفاق أو
حق انتفاع فانه يسترد األرض خالية من الرهن أو االرتفاق أو االنتفاع .
وزوال العقد بالبطالن ال يحتج به فقط على الغير أو الخلف الخاص بالمعنى السابق ،بل
يحتج به من باب أولى على الدائنين .ويعتبر محكمة النقض عن ذلك بقولها أن الحكم
بإبطال العقد الصادر من المدين يكون حجة على دائنة ألن المدين يعتبر ممثال لدائنه في
الخصومات التي يكون هذا المدين طرفا فيها ،ويستتبع الحكم إلغاء اآلثار المترتبة على هذا
العقد وقت انعقاده بالنسبة للمتعاقدين والغير حتي ولو لم يصدر الحكم في مواجهة الدائن ( .
)1
لكل هذه االعتبارات أورد المشرع بعض اإلستثناءات التي بمقتضاها تظل الحقوق التي
يكتسبها الغير على الشئ المتصل بالعقد الباطل وذلك في حاالت معينه ،ويمكن التمييز في
هذا الصدد بين عقود التصرف ،وعقود اإلدارة واالعتداد باألوضاع الواقعية .
أوال :عقود التصرف وهنا يقرر المشرع حماية الغير المتصرف إلية في الحاالت اآلتية :
.1يستطيع الغير حسن النية حماية حقه باالستناد إلى قاعدة في المنقول سند الملكية .فإذا
كان محل التعامل منقوال وحازه الغير بسبب صحيح وحسن نية ،فيصبح مالكا ً ،وال يمكن
مطالبته برده .فلو أن محمد باع منقوال لحمد ،ثم باع أحمد المنقول لمحمود أو رهنه له
وانتقلت حيازة المنقول لمحمد خالصا من الحقوق التي رتبها أحمد لمحمود ،ولكن محمود
الذي تسلم المنقول بحسن النية وهو يجهل ما يشوب سند أحمد من أسباب البطالن ،يمكنه
االستناد إلى قاعدة الحيازة في المنقول ليكسب على أساسها ملكية المنقول أو الحق العيني
عليه رغم أنه تعاقد مع غير مالك .
.2إذا كان محل التعامل عقاراً كان للغير حسن النية أن يكتسب ملكيته بالتقادم الخمسي
دون أن يتأثر بإبطال سند من تصرف إلية في العقار فلو باع محمد عقاراً ألحمد ،ثم باع
أحمد العقار لمحمود الذي حازه بحسن نية ،ثم تم إبطال البيع األول ،هذا اإلبطال ال يؤثر
على حق محمود إذا حاز العقار مدة خمس عشرة سنة حيث يكتسب ملكيته بالتقادم الطويل ،
أو إذا سجل عقده وحاز العقار مدة خمس سنوات بحسن نية حيث يكتسب ملكيته بالتقادم
الخمسي .هنا يشترط ألعمال التقادم الخمسي أن يكون سند ملكية المتصرف Nباطالً بطالنا ً
نسيبا ً أي أن يكون بيع محمد ألحمد قابال لإلبطال ،ذلك أن العقد الباطل بطالنا ً مطلقا ً ال يعد
سببا ً صحيحا ً يجيز التملك بالتقادم الخمسي .
.3إذا اكتسب الغير حسن النية حقا ً عينيا ُ على العقار الذي ورد عليه العقد الباطل وذلك قبل
تسجيل دعوى البطالن أو التأشير بالحكم الصادر فيها في هامش تسجيل العقد الباطل ،فإن
هذا الحق يظل قائما ً ال يؤثر فيه البطالن .مؤدي ذلك أن الحق الذي كسبه الغير بحسن نية
ال يسقط بالرغم من إبطال سند ملكية من قرر له هذا الحق .وإذا كسب الغير حقا ً عينيا ً بعد
تسجيل دعوى البطالن أو التأشير بها فإن هذا الحق يزول نتيجة لبطالن سند من تصرف
إليه ،أما إذا كان الغير قد كسب حقه قبل تسجيل دعوى البطالن أو التأشير بها فإن هذا
الحق يبقي إذا كان حسن النية .مثال بيع محمد قطعة أرض لمحمود الذي يبيعها بدوره
ألحمد ،ثم يرفع محمد دعوى إلبطال عقد البيع ويسجلها ويحكم ببطالن العقد .هنا يحتفظ
احمد باألرض وال يتأثر ببطالن سند محمود الذي باع له ،ذلك أن احمد سجل عقده وهو
حسن النية ولم يكن يعلم عند شرائه لألرض بسبب البطالن .لذلك فإن محمود ال يستطيع .
رغم الحكم باإلبطال ،رد األرض لمحمود فإنه يلتزم بدفع تعويض معادل .
.4لم يكتف المشرع بالمبدأ السابق بل أورد تطبيقا ً خاصا ً له بالنسبة للدائن المرتهن وهنا ً
رسميا ً إذا كان حسن النية .يبقى قائما ً لمصلحة الدائن المرتهن الصادر من المالك الذي
تقرر إبطال سند ملكيته أو فسخه أو زواله ألي سبب آخر ،إذا كان هذا الدائن حسن النية
في الوقت الذي أبرم فيه الرهن .إذا رهن محمد األرض التي اشتراها ألحمد ثم تثرر
بطالن العقد الذي اشترى به ،فإن الرهن يبقى قائما ً طالما تم شهره قبل تسجيل صحيفة
دعوى البطالن وكان أحمد حسن النية ال يعلم بسبب البطالن .ويترتب على البطالن أن
البائع يسترد األرض من محمد إال أنها تظل تحمله بالرهن لصالح أحمد ،ويلتزم محمد
بتعويض البائع عما يصيبه من ضرر بسبب وجود هذا الرهن .
و بصدد حديثنا عن األثار العرضية للبطالن البد لنا من الوقوف على مجموعة من
النظريات و من أهم هذه النظريات نجد نظرية انتقاص العقد،و نظرية تحول العقد و إظافة
إلى نظرية الخطأعند تكوين العقد و هذا نا سنراه الحقا ً
وال يتم إعمال فكرة تحول العقد إال في حالة وجود مجال إلعمال البطالن الجزئي ،ويتم
ذلك في حالتين :
األولى :إذا كان البطالن قد شمل العقد بأكمله ،والثانية :إذا كان هناك شق باطل في العقد
ويترتب على إستبعاده عدم توافر أركان العقد المقصود أصال ،أو كان من شأن إستبعاد هذا
الشق الباطل تغيير طبيعة العقد أو تكييفه .
والواقع إن التحول وسيلة فنية تستهدف اإلبقاء على الرابطة العقدية الباطلة في ثوب جديد
مختلف عن العقد المقصود أصال ،فالتحول يرد على وصف العقد أو تكييفه وطبيعته إما
البطالن الجزئي فيرد على كم العقد دون المساس بطبيعته
بطالن التصرف األصلي :يجب إن يكون التصرف باطال أو قابال لإلبطال ثم يقضي
ببطالنه فالتحول ال يرد على العقد الصحيح ،فإذا كان التصرف صحيحا فال يجوز إن
يتحول إلى تصرف آخر ولو تضمن أركانه ،حتى لو تبين ان العاقدين كانا يفضالنه على
العقد األصلي لو تبينا حقيقة امره ،فالهبه الصحيحة ال تتحول الى وصية حتى لو تضمنت
فى نفس الوقت شروط الوصية ،ولو تبين ان المتعاقدين يفضالن الوصية على الهبه.
ويجب ان ينصب البطالن على كل العقد او على شق منه ال يقبل االنفصال عن جملة
التصرف ،فإذا كان من الممكن فصل الشق الباطل دون تغيير طبيعه العقد فإنه يتم إنتقاص
العقد اي اعمال البطالن الجزئي وليس التحول.
تضمن التصرف Nاألصلي لجميع عناصر تصرف آخر :يجب ان يشتمل التصرف األصلي
على جميع العناصر الالزمة لقيام التصرف Nاآلخر .فالتصرف الباطل يضم بين طياته
أركان تصرف آخر صحيح.
يجب استيفاء أركان العقد الجديد من خالل العقد الباطل وليس من خارجه ،فال يجوز إجراء
التحول إذا كان العقد الجديد يقتضي ادخال عنصر خارجي غير موجود بالعقد األصلي ،
فالعقد الباطل يجب ان يتضمن جميع عناصر التصرف اآلخر الذي يتحول اليه فلو اشترى
شخص منزال تبين انه تهدم ووقع البيع باطال النعدام المحل ،فال يجوز تحول العقد الى
منزل آخر يملكه البائع حتى لو تبين ان ذلك يتفق مع قصد المتعاقدين لو تبينا ذلك ..
ويشترط فى التحول عدم إجراء اي تغيير فى المتعاقدين ،ذلك ان فكرة تحول العقد الباطل
الى عقد صحيح تفترض قيام العقد الجديد بين نفس العاقدين بصفاتهما التي اتصفا بها فى
العقد القديم ،فليس فى سلطة القاضي إجراء اي تغيير فى هذه الصفات لخروج ذلك عن
نطاق التحول ،لذلك فان تحول العقد يكون ممتنعا إذا كان ذلك يستلزم ادخال متعاقد جديد
لينعقد العقد …
يؤدي التحول الى ظهور تصرف آخر مغاير للتصرف األصلي فى الطبيعه واآلثار ،فالبيع
فى مرض الموت يمكن ان يتحول الى وصية ،والرهن الباطل يمكن ان يتحول الى حق
حبس .
إتجاه نية المتعاقدين المحتلمة إلى التصرف الجديد :ال يتم التحول إال إذا قام الدليل على أن
نية المتعاقدين كانت تنصرف إلى االرتباط بالعقد الجديد لو تبينا ما بالعقد االصلى من
أسباب البطالن .
وليس المقصود هنا اإلدارة الحقيقة ألن هذه اإلدارة انصرفت فى واقع األمر إلى العقد
األصلى الباطل .ولكن يكفي هنا اإلدارة المحتملة أى نية الطرفين االحتمالية ،أى أنه يكفي
ممجرد احتمال هذا الرضاء ،فالقاضى يستخلص من ظروف الحال أنه كان من المحتمل
رضا الطرفين بالعقد الجديد إذ كان التصرف الجديد محققا ً للغاية العملية التى يهدف إليها
المتعاقدان .
والتعرف على هذه اإلدارة االحتمالية يعد من مسائل الواقع التى بتقديرها قاضى الموضوعN
وال معقب عليه فى ذلك متي أقام قضاءه على أسباب سائغه
يقتضي هذا المبحث كغيره من المباحث أعاله ضرورة تقسيمه هو األخر إلى مطلبين،
مطلب أول للحديث عن ماهية اإلبطال ،و مبحث أخر إلبراز خصائصه المميزة له.
من أجل تفسير ماهية اإلبطال و تحليلها و فهم مضامينها البذ لنا من تخصيص فقرة أولى
من هذا المطلب لمفهوم اإلبطال بعدها ننتقل لتمييزه عن غيره من النظم في فقرة ثانية .
اإلبطال هو الجزاء الذي يؤدي إلى انحالل العقد بعد انعقاده ،وذلك نتيجة إخالل في ركن
الرضا ،إما بسبب قصور األهلية وإما بسبب عدم سالمة اإلرادة لوجود أحد عيوب الرضا،
ويمكن أن يكون نتيجة تطبيق نص خاص ،كما في بيع ملك الغير الذي يعد قابال ُ لإلبطال
لمصلحة المشتري ،وفقا ً لما جاء في المادة
و كغيره من النظم فإن اإلبطال يمتاز عن غيره بمجموعة من الخصائص التي تجعله مختلفا
عن باقي الجزاءات المدنية األخرى ،و سنتطرق إليها على النحو األتي :
أ ـ اإلبطال يقبل التجزئة :القاعدة العامة هي أن العقد كل ال يتجزأ ،فإذا لحق به سبب من
أسباب اإلبطال فيبطل كله .ولكن قد يتضمن العقد شرائط عدة ،وقد يرتب التزامات عدة،
ويلحق اإلبطال بعض هذه الشرائط أو االلتزامات ،فعندئذ ال يبطل العقد كله ،وإنما يبطل
الجزء الذي لحقه اإلبطال منه ،ويبقى الجزء اآلخر صحيحا ً شريطة أن تكون نية المتعاقدين
قد اتجهت إلى مثل هذه التجزئة .أما إذا كان الجزء الذي لحق به اإلبطال هو الدافع للتعاقد
فيبطل العقد كله .وهذا ما كرسته المادة ( )144من القانون المدني السوري .فإذا اشترى
شخص آنيتين معتقداً أنهما أثريتان ،ثم تبين بعد ذلك أن إحداهما أثرية واآلخرى ليست كذلك
فيحق للمشتري أن يطالب بإبطال العقد ،بسبب الغلط الذي وقع فيه ،فيما يخص اآلنية غير
األثرية ،ويبقي على العقد فيما يخص اآلنية األثرية ،ما لم يتبين أن المشتري ما كان ليتعاقد
من غير اآلنية التي وقع عليها الغلط ،عندئ ٍذ يبطل العقد بأكمله .ويقع عبء إثبات ذلك على
المشتري نفسه .ويؤدي تجزئة اإلبطال إلى انتقاص العقد ،وال يكفي من أجل تجزئة العقد أن
يكون محله قابالً للتجزئة ،وإنما يشترط أن تتجه نية المتعاقدين إلى هذه التجزئة .وبالمقابل
إذا تبين أن محل العقد غير قابل للتجزئة ،وكان العقد في شق منه قابالً لإلبطال ،فإن العقد
كله يبطل .كما لو اشترى شخص عربة مع حصان ،ثم بعد ذلك نفق الحصان بسبب مرض
أصيب به قبل العقد ،ولم يعلم البائع المشتري بذلك.
ب ـ ال يستفيد من اإلبطال إال المتعاقد الذي شرع اإلبطال لحماية مصالحه :قرر القانون
اإلبطال لحماية المصالح الخاصة للمتعاقدين ،وبالتالي ال يحق التمسك به إال للمتعاقد الذي
تقرر اإلبطال لحماية مصالحه الخاصة ،وال يحق ذلك للمتعاقد اآلخر .وقد قرر القانون
اإلبطال إما لحماية مصالح ناقص األهلية ،وإما لحماية مصالح من شاب إرادته عيب من
عيوب اإلرادة .وعندما يكون اإلبطال بموجب نص قانوني خاص ،يحدد هذا النص المتعاقد
الذي شرع اإلبطال لحماية مصالحه ،كالمشتري في بيع ملك الغير وفقا ً لما جاء في المادة (
)434من القانون المدني السوري .ويجب على الشخص الذي تقرر اإلبطال لمصلحته أن
يتمسك به أمام محكمة الموضوع N،وال يحق له أن يتمسك به ألول مرة أمام محكمة النقض،
زد على ذلك أنه ال يحق للمحكمة الناظرة في الدعوى أن تثير اإلبطال من تلقاء نفسها.
والحق في اإلبطال هو حق مالي ،وبالتالي فهو ينتقل إلى الخلف العام لصاحب الحق فيه عن
طريق الميراث أو الوصية ،كما أنه يجوز لخلفه الخاص أن يتمسك به ،وكذلك يجوز لدائنيه
أن يتمسكوا به عن طريق الدعوى غير المباشرة ،وكذلك يجوز لنائبه القانوني أن يتمسك به
نيابة عنه .ويترتب على ذلك أن دعوى اإلبطال يمكن أن ترفع من الشخص الذي تقرر
اإلبطال لحماية مصلحته ،أو من نائبه القانوني ،أو خلفه العام ،أو خلفه الخاص ،أو دائنيه.
ج ـ اإلبطال يزول باإلجازة :يكون العقد القابل لإلبطال منعقداً ،وبالتالي ينتج جميع آثاره
القانونية .ولكنه مهدد بالزوال فيما لو تمسك صاحب الحق باإلبطال بحقه .ولكن هذا األمر
جوازي له ،فهو الذي يقرر ما إذا كانت مصلحته تكمن في إبطال العقد أو في اإلبقاء عليه.
ويترتب على ذلك أنه يحق لصاحب الحق في اإلبطال أن يجيز العقد ،فيزول حقه في إبطاله
وفقا ً لما نصت عليه المادة ( )140من القانون المدني السوري .واإلجازة هي تصرف إرادة
منفردة تؤدي إلى زوال الحق في إبطال العقد ،واستقرار العقد استقراراً نهائياً .وبالتالي
يشترط لصحة اإلجازة أن يكون المجيز عند اإلجازة عالما ً بأن له الحق في إبطال العقد وأن
تتجه إرادته إلى النزول عن حقه في إبطال العقد ،وأن تكون اإلجازة نفسها سليمة من
أسباب قابلية اإلبطال ،وبالتالي يشترط لصحة اإلجازة زوال السبب الذي أدى إلى إبطال
العقد ،كما يشترط أن تتوافر في المجيز األهلية القانونية الالزمة إلبرام العقد الذي يجيزه.
ويمكن أن تكون اإلجازة صريحة ،وال يشترط فيها لفظ معين ،وإنما تقع بأي لفظ أو بيان
يدل عليها من دون لبس أو غموض .كما يمكن أن تكون اإلجازة ضمنية تستخلص من
العمل الذي يقوم به صاحب الحق في اإلبطال ،كأن يقوم مثالً وهو عالم بحقه في إبطال
العقد بتنفيذ التزاماته الناجمة عن ذلك العقد ،أو أن يقوم المشتري في بيع ملك الغير
بالتصرف بالمبيع وهو يعلم بحقه في إبطال ذلك البيع .ويقع عبء إثبات اإلجازة على
المتعاقد غير المجيز ،ويحق له إثباتها بجميع وسائل اإلثبات .ويترتب على اإلجازة سقوط
الحق في اإلبطال ،واستقرار العقد ،وينقلب صحيحا ً منذ تاريخ انعقاده.
ويجب عدم الخلط بين اإلجازة واإلقرار N.فاإلجازة تصدر من المتعاقد صاحب الحق في
إبطال العقد الذي يحدده المشرع ،أما اإلقرار فهو أيضا ً تصرف إرادة منفردة ،ولكنه يصدر
من شخص أجنبي عن العقد يقصد به إضافة آثار ذلك العقد إليه ،كما في بيع ملك الغير،
الذي يعد قابالً لإلبطال لمصلحة المشتري ،وغير نافذ بحق المالك الحقيقي إال إذا أقره ،وفقا ً
لما ذهبت إليه المادتان 434و 435من القانون المدني السوري.
د ـ اإلبطال يسقط بالتقادم :يسقط حق اإلبطال بالتقادم .ومدة التقادم هي سنة تبدأ من تاريخ
زوال نقص األهلية ،أو تاريخ اكتشاف الغلط أو التدليس ،أو يوم زوال اإلكراه .وإذا لم يتم
اكتشاف الغلط أو التدليس ،أو لم يزل اإلكراه فإن حق اإلبطال يسقط بمرور خمس عشرة
سنة من تاريخ انعقاد العقد ،وفقا ً لما جاء في المادة ( )141من القانون المدني السوري.
وفي الغبن االستغاللي تبدأ هذه المدة من تاريخ انعقاد العقد ،وفقا ً لما نصت عليه المادة (
)130من القانون نفسه؛ وذلك ألن هذه المدة هي مدة سقوط ،وليست مدة تقادم ،وبالتالي ال
يسري عليها الوقف وال االنقطاع .وال يجوز لصاحب الحق في اإلبطال التمسك به بعد
سقوط هذا الحق بالتقادم ال عن طريق دعوى أصلية وال عن طريق الدفع في دعوى قائمة،
وذلك لصراحة نص المادة ( )141/1من القانون المدني السوري ،وذلك ألن العقد ينقلب
صحيحا ً بانقضاء مدة التقادم .ولكن محكمة النقض الفرنسية قررت أن دعوى البطالن
النسبي ـ أي اإلبطال ـ تسقط بالتقادم ،ولكن الدفع بالبطالن النسبي ال يسقط بالتقادم حتى لو
كانت الدعوى قد سقطت بالتقادم ،وذلك ألن القول بغير دلك يؤدي إلى إجبار المدين على
تنفيذ عقد باطل ولو كان البطالن نسبياً ،وهذا األمر يجافي العدالة.
هـ ـ يحتاج اإلبطال إلى حكم قضائي باإلبطال :في حالة اإلبطال يكون العقد منعقداً ومنتجا ً
آلثاره؛ وذلك ألن جميع أركانه متوافرة ،إال أن أحد هذه األركان أصيب بخلل ،وهو ركن
الرضا ،مما يجعل العقد قابالً لإلبطال بعد انعقاده وبالتالي تكون آثاره مهددة بالزوال.
ويتبين من ذلك أن الفرق بين العقد القابل لإلبطال والعقد الصحيح هو أن كليهما ينتج آثاره
من لحظة انعقاده ،ولكن آثار العقد القابل لإلبطال مهددة بالزوال بأثر رجعي ،في حين أن
آثار العقد الصحيح غير قابلة للزوال .ولكن هذا الفرق يزول عندما يسقط الحق باإلبطال،
سواء باإلجازة أم بالتقادم ،إذ إن آثاره تصبح غير قابلة للزوال N.ويترتب على ذلك أن
اإلبطال ال يقوم بذاته ،وإنما يحتاج إلى حكم قضائي ،وال تستطيع المحكمة أن تثيره من
تلقاء ذاتها ،وإنما يتوقف الحكم به على طلب صاحب الحق فيه .وإذا طالب هذا األخير
بإبطال العقد ،وكانت شرائط اإلبطال متوافرة فال يملك القاضي أي سلطة تقديرية ،وإنما
يلزم الحكم بإبطال العقد ما لم ينص القانون صراحة على أن اإلبطال هو جوازي بالنسبة
للقاضي ،ومثال ذلك إبطال العقد بسبب الغبن االستغاللي ،إذ إن المادة ( )130/1نصت
صراحة على أن إبطال جوازي للقاضي في هذه الحال.
يكتسي اإلبطال أهمية بالغة في العقود التي تم إغفال شرط من شروط صحتها حسب
القانون المدني المغربي ،و على هذا األساس فإن اإلبطال حسب المشرع المغربي يكون
على إثر مجموعة من الحاالت و هذه األخيرة ترتب العديد من األثار سواء على مستوى
المتعاقدين في ما بينهم او على مستوى الغير ،وهذا ما يستلزم منا معالجة هذا المبحث في
مطلبين ،بحيث سنخصص المطلب األول للحاالت التي يتم فيها إبطال العقود ،ونترك أمر
إبراز األثار المترتبة على هذا اإلبطال للمطلب التاني.
و حسب الفصل 311يكون لدعوى اإلبطال محل في الحاالت المنصوص عليها في
الفصول 4و 39و 55و 56من هذا الظهير ،وفي الحاالت األخرى التي يحددها القانون
وتتقادم هذه الدعوى بسنة في كل الحاالت التي ال يحدد فيها القانون أجال مخالفا ،و ال يكون
لهذا التقادم محل إال بين من كانوا أطرافا في العقد.
الفصل 312
ال يبدأ سريان مدة التقادم المذكورة في حالة اإلكراه إال من يوم زواله وال في حالة الغلط
والتدليس Nإال من يوم اكتشافهما ،أما بالنسبة إلى التصرفات المبرمة من القاصرين فمن يوم
بلوغهم سن الرشد ،وبالنسبة إلى التصرفات المبرمة من المحجر عليهم وناقصي األهلية
فمن يوم رفع الحجر عنهم ،أو من يوم وفاتهم فيما يتعلق بورثتهم إذا مات ناقصو األهلية
وهم على هذه الحالة .وفي حالة الغبن المتعلق بالراشدين فمن يوم وضع اليد على الشيء
محل العقد.
الفصل 313
تنتقل دعوى اإلبطال إلى الورثة فيما بقي لموروثهم من مدتها .مع مراعاة األحكام المتعلقة
بانقطاع التقادم أو بوقفه.
الفصل 314
تنقضي دعوى اإلبطال بالتقادم في جميع الحاالت بمرور خمس عشرة سنة من تاريخ العقد.
الفصل 315
يسوغ التمسك بالدفع بالبطالن لمن ترفع عليه الدعوى بتنفيذ االتفاق في جميع الحاالت التي
يمكنه فيها هو نفسه أن يباشر دعوى اإلبطال.
وال يخضع هذا الدفع للتقادم المقرر في الفصول 311إلى 314السابقة.
الفصل 316
يترتب على إبطال االلتزام وجوب إعادة المتعاقدين إلى نفس ومثل الحالة التي كانا عليها
وقت نشأته ،والتزام كل منهما بأن يرد لآلخر كل مأخذه منه بمقتضى أو نتيجة العقد الذي
تقرر إبطاله .وتطبق بشأن الحقوق المكتسبة على وجه صحيح للغير الحسني النية األحكام
الخاصة المقررة لمختلف العقود المسماة.
الفصل 317
االلتزام الذي يخول القانون دعوى إبطاله ال تصح إجازته وال التصديق عليه إال إذا تضمنا
بيان جوهر االلتزام واإلشارة إلى سبب قابليته لإلبطال والتصريح بالرغبة في إصالح
العيب الذي كان من شأنه أن يؤدي إلىاإلبطال.
الفصل 318
إذا لم تحصل اإلجازة أو التصديق صراحة ،يكفي أن يتنفذ طوعا كليا أو جزئيا االلتزام
القابل لإلبطال ممن كان على بينة من عيوبه ،بعد الوقت الذي كان يمكن له فيه إجازته أو
التصديق عليه بوجه صحيح.
اإلجازة أو االعتراف أو التنفيذ االختياري إذا وقعت في الشكل والوقت اللذين يحددهما
القانون يترتب عليها التنازل عن الوسائل و الدفوع التي كان من الممكن التمسك بها ضد
االلتزام القابل لإلبطال .أما بالنسبة إلى الحقول المكتسبة على وجه صحيح للغير الحسني
النية قبل التصديق أو التنفيذ فتطبق القاعدة المقررة في آخر الفصل .316
و سنبين هذه األثار على مستويين ،بحيث سنتحدث أوال عن هذه األثار بالنسبة المتعاقدين
في ما بينهم
تم ننتقل إلظهار مختلف األثار بالنسبة للغير .
1ـ آثار اإلبطال والبطالن بين المتعاقدين:
ينعقد العقد القابل لإلبطال وينتج آثاره من وقت انعقاده ،ولكن هذه اآلثار مهددة بالزوال إذا
تمسك صاحب الحق في اإلبطال بحقه وطالب بإبطال العقد .وإذا تقرر اإلبطال فتزول آثار
العقد بأثر رجعي .أما العقد الباطل فال ينعقد ،وبالتالي ال يترتب عليه أي آثار ،وهو ال يعد
تصرفا ً قانونياً ،وإنما هو واقعة قانونية ،و يتبين من ذلك أنه ال فرق بين العقد الباطل والعقد
القابل لإلبطال الذي تقرر إبطاله من حيث اآلثار ،فيترتب على كليهما إعادة المتعاقدين إلى
الحالة التي كانا عليها قبل العقد ،وهذا هو المبدأ .ولكن يرد على ذلك استثناءات عديدة حيث
يترتب معها بعض آثار العقد الصحيح على العقد الباطل وال بد من ذلك أن يكون هناك نص
يكرس هذا االستثناء صراحة أو ضمناً.
أ ـ المبدأ N:إعادة المتعاقدين إلى الحالة التي كانا عليها قبل العقد :إذا كان العقد باطالً أو قابالً
لإلبطال وتقرر إبطاله يجب إعادة المتعاقدين إلى الحالة التي كانا عليها قبل العقد ،طبقا ً لما
جاء في المادة ( )143/1من القانون المدني السوري .ويسهل تطبيق هذا المبدأ في حال
عدم تنفيذ االلتزامات الناشئة من العقد الباطل أو القابل لإلبطال ،أما إذا تم تنفيذ هذه
االلتزامات ،فكل متعاقد يقوم باسترداد ما أداه .ففي عقد البيع الباطل يقوم البائع باسترداد
المبيع والمشتري باسترداد الثمن ،ولكن قد يستحيل في بعض الحاالت ـ كما في العقود
المستمرة ـ إعادة المتعاقدين إلى الحالة التي كانا عليها قبل العقد ،فعندئ ٍذ يحكم بتعويض
عادل .ففي عقد اإليجار الباطل يستحيل على المؤجر استرداد المنفعة من المستأجر ،لذا
يحكم على هذا األخير بتعويض معادل على أساس اإلثراء بال سبب لمصلحة المؤجر .وقد
كان القانون الروماني يستثني من هذا المبدأ حالة بطالن العقد لعدم مشروعية المحل أو
السبب إذا كان من يطالب بالبطالن قد تلوث بسبب البطالن ألنه ال يجوز له أن يتمسك
بغشه كي يطالب ببطالن العقد واسترداد ما أداه .وقد طبق القضاء الفرنسي هذه القاعدة على
الرغم من عدم تكريس التقنين المدني لها صراحة ،ثم ما لبث أن قصر القضاء الفرنسي
نطاق تطبيق هذه القاعدة على العقود المخالفة لآلداب العامة فقط ،وذلك نتيجة االنتقادات
التي وجهت إلى هذه القاعدة ،وأهمها أنها تؤدي إلى تأكيد آثار العقد الباطل ،وتعطيل مفعول
البطالن .فإذا اتفق رجل مع امرأة على ممارسة عالقات جنسية غير مشروعة مقابل مبلغ
من المال ،ثم تقرر بعد ذلك بطالن العقد لمخالفته لآلداب العامة ،فال يحق للرجل استرداد ما
دفعه ألنه ملوث بسبب البطالن .ويالحظ من خالل ذلك أن هذه القاعدة ال تمنع من رفع
دعوى البطالن والحكم به ،وإنما تمنع المتعاقد الملوث بالبطالن من استرداد ما أداه .ولم
يكرس القانون المدني السوري هذه القاعدة ،وبالتالي مبدأ إعادة المتعاقدين إلى الحالة التي
كانا عليها قبل العقد يطبق حتى لو كان العقد مخالفا ً لآلداب العامة وكان أحد المتعاقدين أو
كالهما ملوثا ً بالبطالن .ولكن كان حريا ً بالمشرع تكريس هذه القاعدة ،على أن يتم مصادرة
ما يحكم باسترداده لمصلحة الخزينة العامة ،أو لمصلحة جمعية خيرية على غرار ما أخذت
به بعض القوانين الغربيةN.
ب ـ االستثناءات على مبدأ إعادة المتعاقدين إلى الحالة التي كانا عليها قبل العقد :ترد على
األثر الرجعي للبطالن و اإلبطال استثناءات عدة ،أهمها:
ً 1ـ عقد الزواج غير الصحيح :تخضع أحكام الزواج لقانون األحوال الشخصية ،وأحكام
المذهب الحنفي ،والزواج الباطل ال ينتج حكمه األصلي من حل االستمتاع الزوجي،
واستحقاق المرأة النفقة الزوجية ،وال يثبت فيه التوارث N.أما الزواج الفاسد ،وهو باطل غير
منعقد ،كالزواج من دون شهود ،إذا حصل فيه دخول يترتب عليه بعض أحكام الزواج
الصحيح وهي خمسة آثار ،وهي :استحقاق المرأة للمهر (مهر المثل على أال يزيد على
المهر المسمى) ،والنسب بجميع نتائجه ،وحرمة المصاهرة ،ووجوب عدة الفراق على
المرأة ،ونفقة العدة للمرأةN.
ً 2ـ تجزئة البطالن واإلبطال :إذا كان العقد في شق منه باطالً أو قابالً لإلبطال فإن هذا
الشق وحده يبطل ما لم يتبين أن العقد ما كان لينعقد من دون الشق الباطل أو القابل
لإلبطال ،فعندئ ٍذ يبطل العقد برمته ،وفقا ً لما ذهبت إليه المادة ( )144من القانون المدني
السوري.
ً 3ـ تحول العقد :إذا كان العقد باطالً أو قابالً لإلبطال ،وتقرر إبطاله فيؤدي ذلك إلى زواله
بأثر رجعي .ولكن قد يتضمن هذا العقد ،بع ّده واقعة مادية عناصر عقد آخر ،عندها يخرج
هذا العقد الصحيح من العقد الباطل أو القابل لإلبطال .وبمعنى آخر يتحول العقد الباطل إلى
عقد صحيح .ويعود أصل هذه النظرية إلى القانون المدني األلماني ،وكرسها القانون المدني
السوري في المادة ( )145منه .ومثال ذلك تحول سند السحب أو السفتجة الباطلة التي لم
تتوافر فيها الشروط المطلوبة قانونا ً إلى سند عادي صحيح ،وكذلك تحول عقد البيع في سند
رسمي إذا ثبت بطالنه بسبب صورية السبب إلى عقد هبة .ويشترط من أجل تطبيق نظرية
تحول العقد توافر الشروط اآلتية :أن يكون التصرف األصلي باطالً ،وأن يتضمن التصرف
األصلي عناصر تصرف آخر ،وأن تتجه إرادة المتعاقدين المحتملة إلى التصرف Nاآلخر،
ويستخلص ذلك من ظروف الحال.
ً 4ـ التنفيذ االختياري للهبة الباطلة شكالً :إذا كانت الهبة باطلة لعدم توافر الشكلية التي
يتطلبها القانون ،ومع ذلك قام الواهب أو ورثته بتنفيذها طوعا ً فال يحق لهم بعد ذلك أن
يطالبوا باسترداد ما سلموه ،وفقا ً لما نصت عليه المادة ( )457من القانون المدني السوري.
وال يعني ذلك أن الهبة انقلبت صحيحة ،وإنما ينشأ عن تنفيذ الهبة الباطلة بسبب عدم توافر
الشكلية المطلوبة النعقادها طوعا ً التزام طبيعي يمنع من قام بالتنفيذ من استرداد ما سلمه.
ً 5ـ نظرية الخطأ عند تكوين العقد :وقال بهذه النظرية الفقيه األلماني ايهرنج ،Ihering
ومفادها أن العقد يرتب ـ إضافة إلى االلتزامات الناشئة عنه ـ على كل من المتعاقدين التزاما ً
بتعويض المتعاقد اآلخر عن الضرر الذي يلحق به بسبب بطالن العقد إذا كان هو السبب
في بطالن العقد من دون علم المتعاقد اآلخر بذلك .ويؤدي البطالن إلى زوال العقد ،ولكن
التزام التعويض يبقى .وبالتالي تكون مسؤولية المتعاقد الذي تسبب ببطالن العقد عن
تعويض الضرر الذي لحق بالمتعاقد اآلخر مسؤولية عقدية مستمدة من العقد الباطل ذاته،
كما لو باع شخص شيئا ً هالكا ً ال علم للمشتري به .ولكن هذه النظرية مهجورة ،وهذا ال
يعني أن المتعاقد الذي تسبب ببطالن العقد ال يسأل عن تعويض الضرر الذي لحق بالمتعاقد
اآلخر ،وإنما يكون مسؤوالً عن ذلك ،ولكن بما أن العقد غير موجود يكون التعويض على
أساس المسؤولية التقصيرية N.ويشمل التعويض الضرر الفعلي فقط أي ما لحق المتعاقد من
خسارة جراء بطالن العقد المذكور ،وال يدخل في ذلك ما فاته من كسب .ولكن لوال وجـود
هذا العقد لما ترتب الحق بالتعويض .ويعد العقد واقعة مادية ألحقت ضرراً بالغير.
ومن تطبيقات هذه المسؤولية في القانون المدني السوري لجوء ناقص األهلية إلى طرق
احتيالية إلخفاء نقص أهليته ،ومن ثم تمسك بحقه في إبطال العقد بسبب نقص أهليته ،فإذا
أدى إبطال العقد إلى إلحاق ضرر بالمتعاقد اآلخر يحق له المطالبة بالتعويض إذا تبين أن
تلك الطرق كانت دافعة إلى التعاقد .ويكون الحكم بالتعويض على أساس المسؤولية
التقصيرية ،إذ إن اللجوء إلى طرق احتيالية يع ّد خطأ يستوجب التعويض إذا نجم عنه
ضرر .ومثال الطرق االحتيالية استعمال شهادة ميالد أو بطاقة هوية شخصية مزورة،
وكذلك الحال إذا تمسك المشتري ـ في بيع ملك الغير ـ بحقه في إبطال العقد استناداً إلى
المادة ( )436من القانون المدني السوري ،وأدى ذلك إلى إلحاق ضرر به يحق له مطالبة
البائع بالتعويض عن ذلك الضرر شريطة أن يكون حسن النية .وتقوم مسؤولية البائع سيئ
النية على أساس الخطأ ،أما البائع حسن النية فتقوم مسؤوليته على أساس تحمل التبعة .وهي
مسؤولية تقصيرية في الحالتين.
ً 6ـ حيازة الشيء محل العقد :إذا قام المتعاقدان بتنفيذ التزاماتهما الناشئة عن عقد باطل أو
قابل لإلبطال ،ثم تقرر إبطاله ،ونجم عن ذلك انتقال حيازة الشيء محل العقد من متعاقد إلى
اآلخر ،فقد تؤدي هذه الحيازة في بعض الحاالت إلى اكتساب الحائز حقا ً على الشيء يمنع
من إعادة المتعاقدين إلى الحالة التي كانا عليها قبل العقد .ومن ذلك اكتساب الحائز حسن
النية ملكية الثمار طبقا ً لما نصت عليه المادتان ( 186/1و )929من القانون المدني
السوري ،وكذلك اكتساب الحائز ملكية المنقول أو العقار غير المسجل بالسجل العقاري
الذي يحوزه نتيجة عقد باطل بالتقادم الطويل ،وفقا ً لما جاء في المادة ( )917من القانون
المدني السوري.
ً 7ـ إبطال العقد بسبب نقص األهلية :إذا تقرر إبطال العقد بسبب نقص األهلية فإن ناقص
األهلية ال يلزم إال رد ما عاد عليه من منفعة نتيجة تنفيذ العقد ،طبقا ً لما جاء في المادة (
)143/2من القانون المدني السوري .40فإذا باع ناقص األهلية شيئا ً يملكه ،كجهاز هاتف
نقال ،وقبض ثمنه بعد أن سلم المبيع للمشتري كامل األهلية ،ثم بعد ذلك تمسك ناقص
األهلية بحقه في إبطال العقد نتيجة نقص أهليته ،وصدر حكم بإبطاله ،فيترتب على ذلك أن
ناقص األهلية يسترد المبيع كامالً ،ولكنه ال يلزم إال رد ما عاد عليه من منفعة بسبب تنفيذ
ذلك العقد .فإذا كان ناقص األهلية قد أنفق جزءاً من الثمن على نزواته وأهوائه ،وأنفق
الجزء اآلخر على تعليمه فال يلزم إال رد الجزء األخير ألن ذلك عاد عليه بمنفعة محتسبة
قانوناً .ويقصد بالمنفعة هنا المنفعة الفعلية ،سواء تمثلت في إشباع حاجة مادية ،كالمأكل
والملبس N،أم تمثلت في إشباع حاجة معنوية ،كالتعليم والتدريب .والتزام ناقص األهلية الرد
في مثل هذه الحال يكون على أساس اإلثراء بال سبب .ويبدو من ظاهر نص المادة (
)143/2أن تطبيقه يقتصر على ناقص األهلية ،وهو القاصر والسفيه وذو الغفلة بعد شهر
قرار الحجر عليهما .ولكن نص هذه المادة هو تطبيق لقاعدة عامة ،نصت عليها المادة (
)187من القانون المدني السوري ،مفادها إذا كان من تسلم غير المستحق ال تتوافر فيه
أهلية التعاقد فال يلتزم إال رد ما أثرى به .وبالتالي فإن حكم المادة ( )143/2يشمل أيضا ً
عديم األهلية .ويقع عبء إثبات أن ناقص األهلية قد انتفع من األداء الذي تلقاه بسبب العقد
الذي تقرر إبطاله على المتعاقد اآلخر.
ً 8ـ حاالت آخرى يرتب القانون فيها على العقد الباطل آثاره األصلية كاملة :وهنا يكون
العقد الباطل منشئا ً للحقوق وااللتزامات التي ينشئها في حال صحته وذلك ضمانا ً الستقرار
ً
وصيانة للحقوق المكتسبة ،ومن أشهر األمثلة على ذلك عقد الشركة الذي يعد التعامل،
باطالً إذا لم يكن مكتوباً ،وفقا ً لما نصت عليه المادة ( )475من القانون المدني السوري.
ومع ذلك تبقى آثاره سارية وفقا ً لشروطه المتفق عليها بين المتعاقدين إلى أن يطلب أحدهما
بطالنه ،وال يسري البطالن بأثر رجعي .وتسمى هذه الحال بـالشركة الواقعية أو الفعلية،
وهذا ما أكدته المادة ( )4من قانون الشركات رقم 3تاريخ ،13/3/2008والنافذ بدءاً من
.1/4/2008وكذلك الحال في العقد الصوري ،حيث إنه بالنظر إلى اإلرادة الحقيقية غير
موجود ،ولكنه يعد موجوداً بالنسبة للغير حسن النية الذي تعامل مع أحد الطرفين إذا تمسك
به.
2ـ أثر اإلبطال والبطالن في الغير :يقصد بالغير هنا كل شخص تلقى حقا ً ماليا ً على الشيء
محل العقد الباطل أو العقد القابل لإلبطال الذي تقرر إبطاله سواء بعوض أم على سبيل
التبرع .وبمعنى آخر يقصد بالغير الخلف الخاص للمتعاقدين .فإذا كان العقد باطالً أو قابالً
لإلبطال ،وتقرر إبطاله ،ثم تبين أن أحد المتعاقدين قد تصرف بالشيء الذي تلقاه نتيجة ذلك
العقد إلى شخص آخر ،فهل تطبق قاعدة إعادة المتعاقدين إلى الحالة التي كانا عليها قبل
العقد على الغير في مثل هذه الحال؟
أ ـ المبدأ N:سريان أثر البطالن أو اإلبطال على الغير :األصل أن أثر قاعدة إعادة المتعاقدين
إلى الحالة التي كانا عليها قبل العقد في حالتي بطالن العقد وإبطاله ال يقتصر على
المتعاقدين وحدهما ،وإنما يسري على الغير أيضا ً الذي يكون قد تلقى حقا ً على الشيء محل
ذلك العقد من أحد المتعاقدين .والسبب في ذلك هو أن المتعاقد الذي تصرف للغير بذلك
الشيء يكون قد تصرف بشيء ال يملكه؛ ألن بطالن العقد أو إبطاله يستلزم إعادة المتعاقدين
إلى الحالة التي كانا عليها قبل العقد .فإذا كان عقد البيع باطالً ،ثم تبين أن المشتري في ذلك
ثان ،فمن مقتضى قاعدة إعادة المتعاقدين إلى الحالة التي
مشتر ٍ
ٍ العقد قد تصرف بالمبيع إلى
كانا عليها قبل العقد أن يتمكن البائع من استرداد المبيع من المشتري الثاني .ولكن هذا المبدأ
يؤدي إلى عدم استقرار التعامل؛ لذلك فقد أورد المشرع استثناءات عدة عليها.
ب ـ االستثناءات :أورد المشرع والقضاء استثناءات عدة على مبدأ سريان أثر بطالن العقد
وإبطاله على الغير ،وبالتالي أضفى حماية عليه من نتائج البطالن أو اإلبطال .وتقوم حماية
الغير في مثل هذه الحال على تحقيق استقرار التعامل ،وترسيخ األمان القانوني ،ورعاية
الثقة المشروعة بين المتعاقدين .وهذه االستثناءات هي:
1ـ حماية الغير الذي اكتسب حقا ً عينيا ً على عقار بحسن نية :إذا اشترى شخص عقاراً
بموجب عقد ،وانتقلت ملكية العقار إلى اسمه في قيود السجل العقاري ،ثم بعد ذلك باع
ثان وانتقلت ملكية العقار إلى المشتري الثاني بالتسجيل في
مشتر ٍ
ٍ المشتري العقار من
السجل العقاري ،ثم رفع البائع األول دعوى ببطالن عقد البيع األول أو بإبطاله وقيد دعواه
على صحيفة العقار في السجل العقاري بعد انتقال ملكية العقار إلى المشتري الثاني في
السجل العقاري ،فإن الحكم ببطالن العقد أو بإبطاله ال يسري على المشتري الثاني مادام
حسن النية ،وهذا ما أكدته المادة ( )13من القرار 188لعام .1926ويستمد المشتري
الثاني حقه من قيود السجل العقاري وفقا ً لما استقر عليه اجتهاد محكمة النقض السورية.
ويبدو أن محكمة النقض السورية قد خالفت هذا االجتهاد المستقر في قرار صادر عنها
حديثاً ،إذ جاء فيه:
«وحيث إن تملك المدعى عليهم للعقار استناداً إلى ملكية يعقوب الباطلة فإن ملكيتهم للعقار
تكون باطلة ألن أثر البطالن ال يقتصر على المتعاقدين بل يجاوزهما إلى الغير .وحيث إنه
ال يسوغ للغير أن يتذرع بمفعول القيد العقاري ما دام هناك شوائب تشوب القيد العقاري وال
مجال لالحتجاج بحسن نية المدعى عليهم N.»...ويع ّد هذا القرار مخالفة صارخة لنص المادة
( )13من القرار 188لعام ،1926والجتهادات الهيئة العامة لمحكمة النقض في هذا
الخصوص ،مما يضفي عليه صفة الخطأ الجسيم .ويجب على المحكمة المحال عليها الملف
بعد نقض حكمها عدم التقيد بهذا القرار نتيجة مخالفته الجتهاد الهيئة العامة لمحكمة النقض،
وألحكام المادة ( )13المشار إليها أعاله.
2ـ حماية الغير الذي يحوز منقوالً ماديا ً بحسن نية :إذا تصرف أحد المتعاقدين بالشيء
الذي تلقاه بسبب عقد باطل أو قابل لإلبطال للغير بموجب تصرف قانوني ،وانتقلت حيازة
الشيء للغير ،فإن هذا األخير يكتسب ملكية الشيء إذا كان يجهل وقت حيازته سبب بطالن
العقد األول أو إبطاله استناداً إلى القاعدة التي تقول إن الحيازة في المنقول سند الحائز،
والتي تكرسها المادة 927/1من القانون المدني السوري.
3ـ عقود اإلدارة :إذا رتب المتعاقد على عقار ـ تلقاه نتيجة عقد باطل أو قابل لإلبطال ـ
إيجاراً بحسن نية في الفترة الممتدة بين انعقاد العقد ورفع دعوى البطالن أو اإلبطال ،فيبقى
عقد اإليجار صحيحا ً على الرغم من إبطال عقد المؤجر مادام من أعمال اإلدارة الحسنة،
وأن مدة اإليجار ال تتجاوز ثالث سنوات.
4ـ حماية الغير الذي يتلقى حقا ً من وارث ظاهر :يضفي القضاء الحماية على الغير الذي
يتعاقد مع وارث ظاهر ،ويبقي على تصرفات هذا األخير على الرغم من ظهور الوارث
الحقيقي ،وذلك شريطة أن يكون الوارث الظاهر حسن النية ،أي ال يعلم وقت تعاقده مع
الغير بوجود وارث آخر يحجبه.
.