You are on page 1of 342

‫علم اجتماع السكان‬

‫األستاذ الدكتور‬

‫علي عبد الرزاق جلبي‬

‫‪1‬‬
‫الفهرس‬
‫الصفحة‬ ‫املوضوع‬
‫الفهرس‬
‫املقدمة‬
‫الباب األول‬
‫أصول علم اجتماع السكان‬
‫الفصل األولالظواهر السكانية وضرورة دراستها في المجتمع‬
‫متهيد‬
‫اوًال‪ :‬السكان ميدان للدراسة يف علم االجتماع‬
‫ثانيًا‪ :‬الظواهر السكانية وانواعها‬
‫حجم السكان ‪Population Size‬‬ ‫‪-‬‬
‫تكوين السكان‬ ‫‪-‬‬
‫توزيع السكان‬ ‫‪-‬‬
‫الكثافة السكانية‬ ‫‪-‬‬
‫منو السكان‬ ‫‪-‬‬
‫التحول الدميوجرايف‬ ‫‪-‬‬
‫التغري الدميوجرايف‬ ‫‪-‬‬
‫ثالثًا‪ :‬ضرورة دراسة الظواهر السكانية يف اجملتمع‬
‫ضرورة دراسة حجم السكان‬ ‫‪-‬‬
‫ضرورة دراسة منو السكان‬ ‫‪-‬‬
‫الفصل الثانيعلم اجتماع السكان بين الديموجرافيا والدراسات السكانية‬
‫متهيد‬
‫أوًال‪ :‬الفكر السكاين القدمي‬
‫كونفوشيوس‬ ‫‪-‬‬
‫أفالطون‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫‪2‬‬
‫أرسطو ‪Aristotle‬‬ ‫‪-‬‬
‫ابن خلدون‬ ‫‪-‬‬
‫ثانيا‪ :‬عوامل منو الدميوجرافيا والدراسات السكانية‬
‫زيادة سكان العامل‬ ‫‪-‬‬
‫النمو الصناعي‬ ‫‪-‬‬
‫منو وتقدم البحث العلمي واالحصاء‬ ‫‪-‬‬
‫تقدم علوم البيولوجيا‬ ‫‪-‬‬
‫تزايد احملاوالت العلمية اجلادة يف دراسة السكان‬ ‫‪-‬‬
‫ظهور مؤلف روبرت مالتس (مقال يف السكان )‬ ‫‪-‬‬
‫ثالثًا‪ :‬وضع علم اجتماع السكان بني الدميوجرافيا والدراسات السكانية‬
‫ميدان الدميوجرافيا وحدوده‬ ‫‪-‬‬
‫اجلغرافيا والسكان‬ ‫‪-‬‬
‫االقتصاد والسكان‬ ‫‪-‬‬
‫علم اجتماع السكان‬ ‫‪-‬‬
‫الفصل الثالثنظرية علم اجتماع السكان‬
‫متهيد‬
‫أوًال‪ :‬تصنيف نظرية علم اجتماع السكان‬
‫احملاولة األوىل‪ :‬النظريات الطبيعية واالجتماعية‬ ‫‪-‬‬
‫احملاولة الثانية‪ :‬نظريات بيولوجية واقتصادية وثقافية‬ ‫‪-‬‬
‫احملاولة الثالثة‪ :‬نظريات املدخل احملافظ واملدخل الراديكايل‬ ‫‪-‬‬
‫ثانيًا‪ :‬مدلول النظرية العلمية‬
‫ثالثًا‪ :‬نظريات املدخل احملافظ يف تفسري الظواهر السكانية‬
‫هربرت سبنسر ‪1820-1902( H. Spencer‬م)‬ ‫‪-‬‬
‫كواردجيين ) ‪Corado Gini (1884‬‬ ‫‪-‬‬
‫الكسندر كارسوندرز ) ‪Carr Saunders (1886‬‬ ‫‪-‬‬
‫كنجزيل ديفز‬ ‫‪-‬‬

‫‪3‬‬
‫رابعًا‪ :‬نظريات املدخل الراديكايل يف تفسري الظواهر السكانية‬
‫كارل ماركس ‪K. Marx (( 1883 - 1818‬‬ ‫‪-‬‬
‫ريابوشكني‬ ‫‪-‬‬
‫سيدين كونتز‬ ‫‪-‬‬
‫كوزولوف‬ ‫‪-‬‬
‫الفصل الرابعمنهج البحث في علم اجتماع السكان‬
‫متهيد‬
‫أوًال‪ :‬املعطيات السكانية‬
‫ثانيًا‪ :‬املصادر الرئيسية للمعطيات السكانية‬
‫ثالثًا‪ :‬التعداد‬
‫رابعًا‪ :‬التسجيل احليوي‬
‫خامسًا‪ :‬البيانات اجلاهزة‬
‫سادسًا‪ :‬البحث االجتماعي للسكان‬
‫مناهج البحث االجتماعي للسكان‬ ‫‪-‬‬
‫طرق البحث االجتماعي للسكان‬ ‫‪-‬‬
‫أدوات مجع البيانات‬ ‫‪-‬‬
‫مستويات التحليل‬ ‫‪-‬‬
‫أنواع البحوث االجتماعية للسكان‬ ‫‪-‬‬
‫أمثلة على حبوث السكان‬ ‫‪-‬‬
‫الفصل الخامس‪ :‬نماذج التحليل السكاني‬
‫أوًال‪ :‬معىن التحليل وأمهيته‬
‫ثانيًا‪ :‬مناذج التحليل السكاين‬
‫التحليل الدميوجرايف للظواهر السكانية‬ ‫‪-‬‬
‫التحليل االقتصادي للسكان‬ ‫‪-‬‬
‫التحليل اجلغرايف للظواهر السكانية‬ ‫‪-‬‬
‫التحليل االجتماعي للظواهر السكانية‬ ‫‪-‬‬

‫‪4‬‬
‫الباب الثاني‬
‫السكان والمجتمع‬
‫الفصل السادس‪ :‬بناء السكان والنظم االجتماعية‬
‫أوًال‪ :‬التكوين النوعي للسكان‬
‫ثانيًا‪ :‬التكوين العمري للسكان‬
‫ثالثا‪ :‬التكوين العمري والنوعي للسكان‬
‫رابعًا‪ :‬التكوين النوعي والعمري للسكان والنظم االجتماعية‬
‫خامسًا‪ :‬التكوين املهين للسكان‬
‫الفصل السابعالخصوبة والبناء االجتماعي‬
‫متهيد‬
‫أوًال‪ :‬اخلصوبة‪ :‬معدالهتا واجتاهاهتا‬
‫ثانيًا‪ :‬التحليل االجتماعي للخصوبة‬
‫اخلصوبة واألسرة‬ ‫‪-‬‬
‫السلوك اإلجنايب والطبقات االجتماعية‬ ‫‪-‬‬
‫الطبقات االجتماعية‬ ‫‪-‬‬
‫اخلصوبة والطبقات االجتماعية‬ ‫‪-‬‬
‫السلوك اإلجنايب واملهنة كمحدد للطبقة االجتماعية‬ ‫‪‬‬
‫السلوك اإلجنايب أو الثروة كمحدد للطبقة االجتماعية‬ ‫‪‬‬
‫ثالثًا‪ :‬التباين يف معدالت اخلصوبة والقيم واملعايري االجتماعية‬
‫االختالف يف معدالت اخلصوبة‬
‫أثر االختالف يف القيم االجتماعية واملعايري على اخلصوبة‬
‫قيم التوقيت املناسب للزواج وأثرها على اخلصوبة‬ ‫‪-‬‬
‫قيم السماح بالعالقات اجلنسية قبل الزواج وأثرها على اخلصوبة‬ ‫‪-‬‬
‫قيم تعويض وفيات األطفال وأثرها على اخلصوبة‬ ‫‪-‬‬
‫قيم تدعيم الروابط القرابية وأثرها على اخلصوبة‬ ‫‪-‬‬
‫قيم االعتماد على األطفال وأثرها على اخلصوبة‬ ‫‪-‬‬

‫‪5‬‬
‫قيم تركيز السلطة يف بد الذكور وأثرها على اخلصوبة‬ ‫‪-‬‬
‫الفصل الثامن‪ :‬الهجرة ودورة األسرة‬
‫متهيد‬
‫أوًال‪ :‬تعريف اهلجرة‬
‫ثانيًا‪ :‬تصنيف اهلجرة‬
‫تصنيف اهلجرة حسب املكان‬
‫اهلجرة الداخلية‬ ‫‪-‬‬
‫اهلجرة اخلارجية‬ ‫‪-‬‬
‫تصنيف اهلجرة حسب إرادة القائمني هبا‬
‫اهلجرة اإلرادية‬ ‫‪-‬‬
‫اهلجرة االضطرارية‬ ‫‪-‬‬
‫تصنيف اهلجرة حسب الزمن الذي تستغرقه‬
‫اهلجرة الدائمة‬ ‫‪-‬‬
‫اهلجرة املؤقتة‬ ‫‪-‬‬
‫ثالثًا‪ :‬تفسري اهلجرة‬
‫رابعًا‪ :‬تقدير اهلجرة‬
‫خامسًا‪ :‬عوامل اهلجرة‬
‫سادسًا‪ :‬نتائج اهلجرة‬
‫نتائج اهلجرة الدولية‬ ‫‪-‬‬
‫نتائج اهلجرة الداخلية‬ ‫‪-‬‬
‫سابعًا‪ :‬ظاهرة اهلجرة الداخلية الريفية احلضرية يف مصر‬
‫ثامنا‪ :‬اهلجرة ودورة األسرة‬
‫الفصل التاسع‪ :‬الوفيات والطبقات االجتماعية‬

‫أوًال‪ :‬الوفيات‪ ،‬معدالهتا واجتاهاهتا‬


‫ثانيًا‪ :‬الوفيات والطبقات االجتماعية‬

‫‪6‬‬
‫املهنة والوفيات‬ ‫‪-‬‬
‫املكانة االجتماعية االقتصادية والوفيات‬ ‫‪-‬‬
‫اخلالصة‬ ‫‪-‬‬
‫ثالثًا‪ :‬توقع احلياة ومستويات التنمية البشرية يف البلدان النامية‬
‫الفصل العاشرسياسات ضبط وتوجيه الظواهر السكانية‬
‫متهيد‬
‫أوًال‪ :‬املقصود بسياسات ضبط وتوجيه الظواهر السكانية‬
‫ثانيًا‪ :‬اجتاهات منو السكان يف العامل وأنواع الضبط والتوجيه السكاين‬
‫ثالثًا‪ :‬دعائم الضبط والتوجيه السكاين‬
‫رابعًا‪ :‬سياسات ضبط وتوجيه السكان يف مصر‬
‫خامسًا‪ :‬تقييم السياسات السكانية يف مصر‬
‫الباب الثالث‬
‫السكان والتنمية‬
‫الفصل الحادي عشرالعالقات المتداخلة بين السكان والتنمية إطار المفهومات والقضايا‬
‫متهيد‬
‫أوًال‪ :‬عوامل االهتمام بالعالقات املتداخلة بني السكان والتنمية‬
‫منو سكان العامل‬ ‫‪-‬‬
‫التحول الدميوجرايف الدولة النامية‬ ‫‪-‬‬
‫تزايد املشكالت السكانية وتنوعها‬ ‫‪-‬‬
‫اهلوة الواضحة واملتزايدة بني البالد املتقدمة والنامية‬ ‫‪-‬‬
‫االختالف يف الرأي حول العالقات املتبادلة بني السكان والتنمية‬ ‫‪-‬‬
‫ثانيًا‪ :‬مفهومات تصورمتغريات السكان والتنمية‬
‫مفهوم السكان‬ ‫‪-‬‬
‫مفهوم التنمية‬ ‫‪-‬‬
‫ثالثًا‪ :‬قضايا تفسري العالقات املتبادلة بني السكان والتنمية‬
‫أثر عمليات التنمية االجتماعية واالقتصادية على االجتاهات السكانية‬ ‫‪-‬‬

‫‪7‬‬
‫أثر االجتاهات السكانية على برامج التنمية االجتماعية واالقتصادية‬ ‫‪-‬‬
‫الفصل الثاني عشربناء السكان وديناميات التنمية‬
‫متهيد‬
‫أوًال‪ :‬حجم السكان يف العامل‬
‫ثانيًا‪ :‬التكوين العمري وتباينه بني البالد املتقدمة والنامية‬
‫ثالثًا‪ :‬توزيع السكان بني الريف واحلضر يف العامل‬
‫منو سكان الريف‬ ‫‪-‬‬
‫التحضر والتنمية يف البالد املتقدمة والنامية‬ ‫‪-‬‬
‫رابعًا‪ :‬التباين السكاين والصراع الدويل‬
‫خامسًا‪ :‬القوة العاملة والبطالة يف العامل‬
‫القوة العاملة والتنمية يف البالد املتقدمة والنامية‬ ‫‪-‬‬
‫البطالة والتنمية يف البالد املتقدمة والنامية‬ ‫‪-‬‬
‫اخلالصة‬
‫الفصل الثالث عشر‪ :‬تغير السكان وبرامج التنمية‬
‫متهيد‬
‫أوًال‪ :‬منو السكان ومستويات املعيشة يف العامل‬
‫منو سكان العامل يف املاضي‬ ‫‪-‬‬
‫ديناميات النمو السكاين‬ ‫‪-‬‬
‫النمو احلديث للسكان وتباينه يف البالد املتقدمة والنامية‬ ‫‪-‬‬
‫توقعات منو سكان العامل حىت عام ‪2000‬‬ ‫‪-‬‬
‫ثانيًا‪ :‬اخنفاض معدل الوفيات وانعكاسه على التنمية‬
‫ثالثًا‪ :‬ديناميات اهلجرة الدولية ومستقبل التنمية‬
‫رابعًا‪ :‬اإلسرتاتيجيات العاملية البديلة لتخفيف اهلوة بني البالد املتقدمة والنامية‬
‫النظام االقتصادي الدويل اجلديد‬ ‫‪-‬‬
‫إشباع احلاجات األساسية‬ ‫‪-‬‬
‫استمرار مواقف التشاؤم والتفاؤل‬ ‫‪-‬‬

‫‪8‬‬
‫اخلالصة‬
‫الفصل الرابع عشرالبطالة وسياق التنمية في مصر‬
‫متهيد‬
‫أوًال‪ :‬البطالة‪ :‬احلجم والنوعية‬
‫حجم البطالة يف مصر والعامل‬ ‫‪-‬‬
‫نوعية البطالة يف مصر‬ ‫‪-‬‬
‫ثانيًا‪ :‬سياق التنمية‪ :‬اخلصائص واآلليات‬
‫خصائص سياق التنمية والبطالة‬ ‫‪-‬‬
‫آليات تكريس البطالة‬ ‫‪-‬‬
‫ثالثًا‪ :‬البطالة ومستقبل التنمية‬
‫إكساب سياق التنمية‪ :‬خصائص مقصودة‬ ‫‪-‬‬
‫تطوير آليات زيادة الطلب على العمل ورفع القيود على حرية العمل‬ ‫‪-‬‬
‫املراجع‬

‫‪9‬‬
‫المقدمة‬

‫جذبت دراسة السكان انتباه الكتاب واملفكرين من‪-‬ذ أق‪-‬دم العص‪--‬ور‪ ،‬ونتج عن الكتاب‪-‬ات ال‪-‬يت ظه‪--‬رت يف ه‪--‬ذا الص‪--‬دد‬
‫فك ‪--‬ر س ‪--‬كاين ك ‪--‬ان ل ‪--‬ه دور ب ‪--‬ارز يف نض ‪--‬ج وتط ‪--‬ور دراس ‪--‬ة الس ‪--‬كان يف املراح ‪--‬ل احلديث ‪--‬ة واملعاص ‪--‬رة من ت ‪--‬اريخ الفك ‪--‬ر‬
‫االنساين‪ .‬ولقد نشطت اليوم نظم فكرية متباينة وكرست كثريًا من جهودها من أجل املزيد من الوضوح والدق‪--‬ة يف‬
‫دراس‪--‬ة الظ‪--‬واهر الس‪--‬كانية والتنب‪--‬ؤ بأحواهلا يف املس‪--‬تقبل‪ .‬فأخ‪--‬ذ ع‪--‬امل االقتص‪--‬اد يظه‪--‬ر اهتمام‪ً-‬ا متم‪--‬ايزًا بالس‪--‬كان‪ ،‬واجته‬
‫علم‪--‬اء اجلغرافي‪--‬ا حنو تن‪--‬اول موض‪--‬وع الس‪--‬كان بالتحلي‪--‬ل والتفس‪--‬ري‪ ،‬وتبل‪--‬ورت أن‪--‬واع متباين‪--‬ة من املع‪--‬ادالت اإلحص‪--‬ائية‬
‫ال‪--‬يت ت‪--‬دل على م‪--‬دى اهتم‪--‬ام علم‪--‬اء االحص‪--‬اء بدراس‪--‬ة الس‪--‬كان‪ ،‬وب‪--‬دأ علم‪--‬اء االجتم‪--‬اع يش‪--‬قون ط‪--‬ريقهم بني ه‪--‬ذه‬
‫االهتمامات املتنوع‪-‬ة بدراس‪-‬ة الس‪-‬كان‪ .‬وانقس‪-‬مت جمموع‪-‬ة العل‪-‬وم ه‪-‬ذه يف اهتمامه‪-‬ا بدراس‪-‬ة الس‪-‬كان إىل جمموع‪-‬تني‪:‬‬
‫تع ‪--‬رف األوىل باس ‪--‬م ال ‪--‬دميوجرافيا وتتمث ‪--‬ل يف اهتم ‪--‬ام االحص ‪--‬اء بدراس ‪--‬ة الس ‪--‬كان‪ ،‬وتع ‪--‬رف الثاني ‪--‬ة باس ‪--‬م الدراس ‪--‬ات‬
‫الس‪-‬كانية وتش‪-‬مل اهتم‪-‬ام االقتص‪-‬اد واجلغرافي‪-‬ا واالجتم‪-‬اع بدراس‪-‬ة الظ‪-‬واهر الس‪-‬كانية‪ .‬وك‪-‬انت هن‪-‬اك جمموع‪-‬ة متباين‪-‬ة‬
‫من العوام ‪--‬ل ال ‪--‬يت تف ‪--‬اعلت وتض ‪--‬افرت وجعلت ه ‪--‬ذه النظم الفكري ‪--‬ة املختلف ‪--‬ة جتد يف نش ‪--‬اطها املعاص ‪--‬ر حنو دراس ‪--‬ة‬
‫الس‪--‬كان‪ ،‬وحترص يف ذات ال‪--‬وقت على أن تق‪--‬دم فهم ‪ً-‬ا مغ‪--‬ايرًا ملا ك‪--‬ان س‪--‬ائدًا يف الفك‪--‬ر الس‪--‬كاين الق‪--‬دمي من ناحي‪--‬ة‪،‬‬
‫وعلى تعمي‪--‬ق النظ‪--‬رة املتخصص‪--‬ة ال‪--‬يت تض‪--‬ع ح‪--‬دودًا فاص‪--‬لة بني اهتمام‪--‬ات ك‪--‬ل علم منه‪--‬ا واآلخ‪--‬ر يف دراس‪--‬ته للس‪--‬كان‬
‫من ناحي ‪--‬ة أخ ‪--‬رى‪ .‬وك ‪--‬انت ظ ‪--‬واهر منو الس ‪--‬كان يف الع ‪--‬امل وزي ‪--‬ادة ع ‪--‬ددهم ب ‪--‬ل وتض ‪--‬خمهم وانفج ‪--‬ارهم يف بعض‬
‫اجملتمع‪--‬ات‪ ،‬وانتش‪--‬ار أفك‪--‬ار روب‪--‬رت م‪--‬التس التش‪--‬اؤمية ال‪--‬يت تتنب‪--‬أ مبس‪--‬تقبل مظلم للبش‪--‬رية من بني العوام‪--‬ل ذات األمهي‪--‬ة‬
‫النسبية فيما حققته دراسة السكان من تطور ونضوج ووضوح على صعيد الدميوجرافيا والدراسات السكانية‪.‬‬

‫وعلى ال‪--‬رغم من أن علم اجتم‪--‬اع الس‪--‬كان يع‪--‬د علم ‪ً-‬ا ح‪--‬ديث النش‪--‬أة مبقارنت‪--‬ه بال‪--‬دميوجرافيا‪ ،‬والدراس‪--‬ات الس‪--‬كانية‬
‫األخ‪-‬رى ‪ -‬اقتص‪-‬ادية وجغرافي‪-‬ة ‪ -‬فق‪-‬د اس‪-‬تطاع أن يش‪-‬ق طريق‪-‬ه بص‪-‬عوبة بالغ‪-‬ة بني ه‪-‬ذه االهتمام‪-‬ات العلمي‪-‬ة‪ ،‬إال أن‬
‫هذا مل حيل دون أن يتحقق هلذا العلم استقالله كنظام فك‪-‬ري وأن يتمت‪-‬ع مبكان‪-‬ة ال ب‪-‬أس هبا بني غ‪--‬ريه من ف‪-‬روع علم‬
‫االجتماع من ناحية‪ ،‬وبني جمموعة الدراسات السكانية من ناحية أخرى‪.‬‬

‫وتشهد على ذلك مظاهر التطور اليت استطاع هذا العلم النامي أن حيققه‪-‬ا يف جمال حتدي‪-‬د موض‪-‬وعه‪ ،‬وبل‪-‬ورة قض‪-‬اياه‬
‫النظرية وتنمية منهجه‪ ،‬ومتيز طريقته يف حتليل وتفسري الظواهر السكانية‪ .‬فلق‪--‬د وج‪-‬د علم‪-‬اء االجتم‪-‬اع ال‪-‬ذين اهتم‪-‬وا‬

‫‪10‬‬
‫بدراس‪--‬ة الس‪--‬كان يف مي‪--‬ل ال‪--‬دميوجرافيا إىل حتلي‪--‬ل العالق‪--‬ات بني الظواهرالس‪--‬كانية فق‪--‬ط ويف اجتاه اجلغرافي‪--‬ا حنو تن‪--‬اول‬
‫الظواهرالسكانية يف عالقتها بالظواهر اجلغرافية مث‪-‬ل البيئ‪-‬ة واألرض واملن‪-‬اخ‪ ،‬ويف رغب‪-‬ة علم‪-‬اء االقتص‪-‬اد يف االس‪-‬تفادة‬
‫من املتغ ‪--‬ريات الس ‪--‬كانية يف تعمي ‪--‬ق فهمهم للظ ‪--‬واهر واملتغ ‪--‬ريات االقتص ‪--‬ادية‪ ،‬وج ‪--‬د علم ‪--‬اء االجتم ‪--‬اع يف ه ‪--‬ذه املي ‪--‬ول‬
‫واالجتاه‪--‬ات م‪--‬ربرًا قوي ‪ً-‬ا هلم يف حتقي‪--‬ق مطلبهم امللح يف ش‪--‬رعية قي‪--‬ام وبل‪--‬ورة اهتم‪--‬امهم بدراس‪--‬ة الظ‪--‬واهر الس‪--‬كانية يف‬
‫ص ‪--‬ورة علم ف ‪--‬رعي ظه ‪--‬رت ل ‪--‬ه تس ‪--‬ميات خمتلف ‪--‬ة منه ‪--‬ا املورفولوجي ‪--‬ا االجتماعي ‪--‬ة وال ‪--‬دميوجرافيا االجتماعي ‪--‬ة والس ‪--‬كان‬
‫واجملتمع وعلم اجتماع السكان أخريًا‪.‬‬

‫ويتجسد حرص علماء االجتماع على توفري الشروط النظرية واملنهجية هلـذا العلم الفرعي‪ .‬وتثبيت دعائم اس‪--‬تقالله‬
‫ومتيزه عن جمموع ‪--‬ة النظـم الفكري‪--‬ة األخ‪--‬رى يف ه ‪--‬ذا الص ‪--‬دد‪ ،‬أوًال يف وف‪--‬رة القض ‪--‬ايات األمبرييقي‪--‬ة االس‪--‬تقرائية ح‪--‬ول‬
‫املتغ ‪--‬ريات الس ‪--‬كانية واالجتماعي ‪--‬ة‪ ،‬ال ‪--‬يت تنط ‪--‬وي عليه ‪--‬ا كتاب ‪--‬ات املش ‪--‬تغلني ح ‪--‬ديثًا هبذا العلم‪ ،‬وقي ‪--‬ام حماوالت متباين ‪--‬ة‬
‫لتصنيف هذه اجملموعة الكبرية من القضايا النظري‪-‬ة وال‪-‬يت من أمهه‪-‬ا حماول‪-‬ة تص‪-‬نيف نظ‪-‬رات علم اجتم‪-‬اع الس‪-‬كان إىل‬
‫نظريات املدخل احملافظ ونظريات املدخل الراديكايل يف تفسري الظواهر السكانية‪.‬‬

‫وثانيًا‪ :‬يف االستعانة مبناهج وطرق وأدوات البحث االجتماعي يف دراسة الظواهر السكانية‪ ،‬وذلك يف التغلب على‬
‫مش ‪-- - -‬كالت التع ‪-- - -‬دادات والتس ‪-- - -‬جيالت احليوي ‪-- - -‬ة والبيان ‪-- - -‬ات اجلاهزة كمص ‪-- - -‬ادر أساس ‪-- - -‬ية للمعطي ‪-- - -‬ات الس ‪-- - -‬كانية يف‬
‫الدميوجرافيات والدراسات السكانية األخرى‪ ،‬ويف تكمل‪-‬ة ج‪-‬وانب النقص يف م‪-‬ادة ومعطي‪-‬ات ه‪-‬ذه املص‪-‬ادر‪ .‬وثالث‪ً-‬ا‪،‬‬
‫يف إجراء حتليل اجتماعي للظواهر السكانية مثل ظواهر بناء السكان وتغريه على ض‪--‬وء البن‪--‬اء االجتم‪--‬اعي للمجتم‪--‬ع‪،‬‬
‫وخصائص‪-- - -‬ه البنائي‪-- - -‬ة والدينامي‪-- - -‬ة وخاص‪-- - -‬ة األس‪-- - -‬رة‪ ،‬والطبق‪-- - -‬ات االجتماعي‪-- - -‬ة والقيم واملع‪-- - -‬ايري االجتماعي ‪-- -‬ة والتنمي ‪-- -‬ة‬
‫االجتماعي ‪--‬ة‪ .‬ورابع‪ً- -‬ا‪ :‬يف اق ‪--‬رتاح السياس ‪--‬ة الس ‪--‬كانية املناس ‪--‬بة م ‪--‬ع ظ ‪--‬روف اجملتم ‪--‬ع‪ ،‬وحتدي ‪--‬د القواع ‪--‬د الالزم ‪--‬ة لض ‪--‬بط‬
‫وتوجيه الظواهر السكانية‪.‬‬

‫وينصرف اهتمام الكتاب الذي بيدنا حنو التعريف بعلم اجتم‪-‬اع الس‪-‬كان من ه‪--‬ذه الن‪-‬واحي‪ ،‬والوق‪-‬وف على أص‪--‬وله‬
‫النظرية واملنهجية‪ ،‬وبيان كيفية الربط بني السكان واجملتمع‪ .‬ومن هن‪-‬ا قس‪-‬مت الكت‪-‬اب إىل ثالث‪-‬ة اب‪-‬واب األول ي‪-‬دور‬
‫حول أصول علم اجتماع السكان‪ ،‬وينطوي على مخسة فص‪-‬ول تع‪-‬اجل ض‪-‬رورة دراس‪-‬ة الظ‪-‬واهر الس‪-‬كانية يف اجملتم‪-‬ع‪،‬‬
‫ووض ‪--‬ع علم اجتم ‪--‬اع الس ‪--‬كان بني ال ‪--‬دميوجرافيات والدراس ‪--‬ات الس ‪--‬كانية‪ ،‬ونظري ‪--‬ة علم اجتم ‪--‬اع الس ‪--‬كان‪ ،‬ومنهج‬

‫‪11‬‬
‫البحث يف ه‪--‬ذا العلم‪ ،‬ومناذج التحلي‪--‬ل الس‪--‬كاين‪ ،‬وي‪--‬دور الب‪--‬اب الث‪--‬اين ح‪--‬ول الس‪--‬كان واجملتم‪--‬ع‪ ،‬ويش‪--‬تمل على مخس‪--‬ة‬
‫فص‪--‬ول تتن‪--‬اول بن‪--‬اء الس‪--‬كان والنظم االجتماعي‪--‬ة‪ ،‬واخلص‪--‬وبة والبن‪--‬اء االجتم‪--‬اعي‪ ،‬واهلج‪--‬رة ودور األس‪--‬رة‪ ،‬والوفي‪--‬ات‬
‫والطبقات االجتماعية‪ ،‬والسياسة السكانية‪ ،‬ويدور الباب الثالث ح‪-‬ول الس‪-‬كان والتنمي‪-‬ة ويش‪-‬مل على اربع‪-‬ة فص‪-‬ول‬
‫تتن ‪--‬اول العالق ‪--‬ات املتداخل ‪--‬ة بني الس ‪--‬كان والتنمي ‪--‬ة وبن ‪--‬اء الس ‪--‬كان وتغ ‪--‬ري الس ‪--‬كان والبطال ‪--‬ة‪ .‬وحرص ‪--‬ت يف ك ‪--‬ل ه ‪--‬ذه‬
‫املعاجلات على أن تك‪--‬ون األمثل‪--‬ة املس‪--‬تخدمة يف التحلي‪--‬ل من واق‪--‬ع جمتمعن‪--‬ا املص‪--‬ري‪ ،‬ول‪--‬ذلك اس‪--‬تفدت مبا ت‪--‬وفر حتت‬
‫ي‪--‬دي من معطي‪--‬ات وبيان‪--‬ات س‪--‬كانية تتعل‪--‬ق حبجم الس‪--‬كان يف مص‪--‬ر ومنوهم‪ ،‬وتك‪--‬وينهم العم‪--‬ري وامله‪--‬ين‪ ،‬ومع‪--‬دالت‬
‫موالي ‪--‬دهم وخص ‪--‬وبتهم وهج ‪--‬رهتم ووفي ‪--‬اهتم‪ ،‬كم ‪--‬ا اس ‪--‬تعنت ك ‪--‬ذلك بنت ‪--‬ائج بعض الدراس ‪--‬ات املص ‪--‬رية الس ‪--‬ابقة ح ‪--‬ول‬
‫الظواهر السكانية فيما قدمت من حتليالت وتفسريات للظواهر السكانية يف اجملتمع املصري‪.‬‬

‫وبن‪--‬اء على ه‪--‬ذا‪ ،‬وب‪--‬رغم أن الكت‪--‬اب ال‪--‬ذي بي‪--‬دنا يعت‪--‬رب أول كت‪--‬اب ق‪--‬د ص‪--‬در بالعربي‪--‬ة حتت ه‪--‬ذا العن‪--‬وان على ح‪--‬د‬
‫علمي‪ ،‬فأن‪--‬ا ال أدعي ب‪--‬أين أول من كتب من املش‪--‬تغلني بعلم االجتم‪--‬اع يف دراس‪--‬ة الس‪--‬كان‪ ،‬إذ هن‪--‬اك مؤلف‪--‬ات رائ‪--‬دة‬
‫س ‪--‬بقتين يف ه ‪--‬ذا اجملال أذك ‪--‬ر منه ‪--‬ا على س ‪--‬بيل املث ‪--‬ال ال احلص ‪--‬ر‪ ،‬كت ‪--‬اب س ‪--‬كان اجملتم ‪--‬ع الع ‪--‬ريب ال ‪--‬ذي وض ‪--‬عه املرح ‪--‬وم‬
‫األس ‪--‬تاذ ال ‪--‬دكتور أمحد اخلش ‪--‬اب‪ .‬وكت ‪--‬اب دراس ‪--‬ات يف الس ‪--‬كان ال ‪--‬ذي اش ‪--‬رتك يف تأليف ‪--‬ه الس ‪--‬ادة األس ‪--‬اتذة ال ‪--‬دكتور‬
‫حسن الساعايت والدكتور عبد احلميد لطفي‪ ،‬الذين أعرتف بفضلهم مجيعًا هم وغريهم فيم‪-‬ا انط‪-‬وى علي‪-‬ه كت‪-‬ايب من‬
‫أفكار‪ .‬ويف مقام االعرتاف بالفضل اسجل بكل االعتزاز والتقدير اهتم‪-‬ام اس‪-‬تاذي ال‪-‬دكتور حمم‪-‬د ع‪--‬اطف غيث هبذا‬
‫الكت ‪--‬اب وتش ‪--‬جيعه املس‪--‬تمر وحث ‪--‬ه على ض ‪--‬رورة االنته ‪--‬اء من ‪--‬ه‪ .‬كم ‪--‬ا اذك ‪--‬ر بالفض ‪--‬ل ل ‪--‬زمالئي قس ‪--‬م االجتم ‪--‬اع بكلي ‪--‬ة‬
‫اآلداب جامعة اإلسكندرية تشجيعهم وتعاوهنم يف توفري كل ما ساعد على إخراج هذا الكتاب‪.‬‬

‫وك‪--‬ل م ‪--‬ا ارج‪--‬وه أن أك‪--‬ون ق‪--‬د وفقت يف حتقي‪--‬ق م ‪--‬ا حددت‪--‬ه هلذا الكت‪--‬اب من أه ‪--‬داف‪ ،‬وأن يس‪--‬د كت‪--‬ايب ه ‪--‬ذا بعض‬
‫النقص يف املكتبة العربية‪ ،‬كما ارجو أن أجد لدى املشتغلني بدراسة السكان ال‪--‬ذين يس‪--‬مح وقتهم وتس‪--‬مح ظ‪--‬روفهم‬
‫باإلطالع على هذا الكتاب ما يعني على تاليف ما جاء به من ثغرات يف املستقبل إن شاء اهلل‪.‬‬

‫واهلل ويل التوفيق‬

‫املؤلف‬

‫‪12‬‬
‫الباب األول‬

‫أصول علم اجتماع السكان‬


‫الفصل األول‪ :‬الظواهر السكانية وضرورة دراستها يف اجملتمع‬

‫الفصل الثاين‪ :‬علم اجتماع السكان بني الدميوجرافيا والدراسات السكانية‬

‫الفصل الثالث‪ :‬نظرية علم اجتماع السكان‬

‫الفصل الرابع‪ :‬منهج البحث يف علم اجتماع السكان‬

‫الفصل اخلامس مناذج التحليل السكاين‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫الفصل األول‬

‫الظواهر السكانية وضرورة دراستها في المجتمع‬


‫تمهيد‬

‫يعت‪--‬رب الس‪--‬كان اح‪--‬د املوض‪--‬وعات العدي‪--‬دة ال‪--‬يت ت‪--‬دخل ض‪--‬من اختصاص‪--‬ات علم االجتم‪--‬اع‪ ،‬وال‪--‬يت يوليه‪--‬ا املش‪--‬تغلون ب‪--‬ه‬
‫جانب‪ً-‬ا ال ب‪-‬أس ب‪-‬ه من اهتمام‪--‬اهتم‪ ،‬ويس‪-‬تندون يف ذل‪-‬ك إىل ع‪--‬دة اعتب‪-‬ارات نس‪-‬تطيع أن نتع‪--‬رف عليه‪--‬ا من خالل النظ‪-‬ر‬
‫إىل تعري ‪--‬ف علم االجتم ‪--‬اع وحتدي ‪--‬د موض ‪--‬وعه‪ ،‬وبي ‪--‬ان أقس ‪--‬امه‪ ،‬وجماالت اهتمام ‪--‬ه أو غ ‪--‬ري ذل ‪--‬ك‪ ،‬واس ‪--‬تنادًا إىل ذل ‪--‬ك‬
‫يتصور املهتمون بدراسة السكان يف علم االجتماع جمموعة متباينة من الظواهر السكانية تنصرف إليها جه‪--‬ودهم يف‬
‫البحث والدراس‪--‬ة‪ ،‬ومن الض‪--‬روري وحنن بص‪--‬دد دراس‪--‬ة الس‪--‬كان أن نق‪--‬ف على أن‪--‬واع ه‪--‬ذه الظ‪--‬واهر الس‪--‬كانية‪ .‬كم‪--‬ا‬
‫يرتب املشتغلون بعلم االجتم‪-‬اع واملهتم‪-‬ون بدراس‪-‬ة الس‪-‬كان ع‪-‬دة نت‪-‬ائج توض‪-‬ح ض‪-‬رورة وأمهي‪-‬ة دراس‪-‬ة ه‪-‬ذه الظ‪-‬واهر‬
‫الس ‪--‬كانية يف اجملتم ‪--‬ع ومن هن ‪--‬ا وج ‪--‬دت أن ‪--‬ه من املناس ‪--‬ب وحنن نب ‪--‬دا يف إلق ‪--‬اء الض ‪--‬وء على علم اجتم ‪--‬اع الس ‪--‬كان أن‬
‫خنص‪--‬ص الفص‪--‬ل احلايل لتن‪--‬اول االعتب‪--‬ارات ال‪--‬يت ت‪--‬دخل الس‪--‬كان ض‪--‬من اهتمام‪--‬ات علم االجتم‪--‬اع‪ ،‬ولتوض‪--‬يح أن‪--‬واع‬
‫الظواهر السكانية‪ ،‬مث بيان ضرورة وأمهية دراسة هذه الظواهر السكانية يف اجملتمع‪.‬‬

‫أوًال‪ :‬السكان ميدان للدراسة في علم االجتماع‬

‫الواق‪--‬ع أن العالق‪--‬ة بني علم االجتم‪--‬اع ودراس‪--‬ة الس‪--‬كان ذات طبيع‪--‬ة خاص‪--‬ة تتم‪--‬ايز وختتل‪--‬ف عن العالق‪--‬ة ال‪--‬يت ميكن أن‬
‫جندها ترب ‪--‬ط بني ه ‪--‬ذه الدراس ‪--‬ة وغريه ‪--‬ا من عل ‪--‬وم أخ ‪--‬رى‪ .‬فعلى ال ‪--‬رغم من أن دراس ‪--‬ة الس ‪--‬كان ذاهتا أق ‪--‬دم من علم‬
‫االجتم ‪--‬اع وذل ‪--‬ك ألهنا ظه ‪--‬رت ومنت من أص ‪--‬ول ومص ‪--‬ادر متنوع ‪--‬ة ومتع ‪--‬ددة منه ‪--‬ا الفلس ‪--‬فة واالقتص ‪--‬اد واإلحص ‪--‬اء‬
‫واجلغرافي ‪--‬ا والطب والبيولوجي ‪--‬ا وغريه ‪--‬ا كم ‪--‬ا سنوض ‪--‬حه فيم ‪--‬ا بع ‪--‬د(‪ ،)1‬إال أن ه ‪--‬ذه الدراس ‪--‬ة للس ‪--‬كان م ‪--‬ا لبثت أن‬
‫أص ‪--‬بحت الي ‪--‬وم أك ‪--‬ثر ارتباط ‪ً-‬ا والتص ‪--‬اقًا بعلم االجتم ‪--‬اع عن ‪--‬ه ب ‪--‬أي علم آخ ‪--‬ر(‪ ،)2‬إىل احلد ال ‪--‬ذي اكتس ‪--‬بت مع ‪--‬ه ه ‪--‬ذه‬

‫‪ )(1‬أنظر الفصل الثاني‪.‬‬


‫)(‪2‬‬
‫‪K. Davis The Sociology of Demographic Behavior, in Merton, et al., Sociology today, Basic Book, inc., New York, p,‬‬
‫‪309‬‬

‫‪14‬‬
‫الدراسة مكانة ال بأس هبا بني غريها من دراسات ينقسم إليه‪-‬ا علم االجتم‪-‬اع‪ ،‬واص‪-‬بحت مي‪-‬دانًا متم‪-‬يزًا يف إط‪-‬اره ؛‬
‫وليس أدل على صحة ه‪-‬ذا غ‪-‬ري الوض‪-‬ع ال‪-‬ذي حتتل‪-‬ه دراس‪-‬ة الس‪-‬كان يف تنظيم الكلي‪-‬ات اجلامعي‪-‬ة يف أغلب دول الع‪-‬امل‬
‫فمن املالحظ أنه قد مت توطني هذه الدراسة وبش‪-‬كل متك‪-‬رر يف أقس‪-‬ام علم االجتم‪-‬اع ب‪-‬أغلب ه‪-‬ذه الكلي‪-‬ات‪ .‬وك‪-‬ان‬
‫علم االجتم ‪--‬اع من أك ‪--‬ثر املي ‪--‬ادين ال ‪--‬يت حص ‪--‬ل من خالهلا دارس ‪--‬و الس ‪--‬كان على درج ‪--‬ات علمي ‪--‬ة متقدم ‪--‬ة‪ :‬أض ‪--‬ف إىل‬
‫ذلك أنه سواء ختصص الطالب يف علم االجتماع أم ال‪ ،‬فمن احملتمل أن حيصل الطالب ال‪-‬ذي يلتح‪-‬ق بإح‪-‬دى ب‪-‬رامج‬
‫علم االجتم ‪--‬اع الع ‪--‬ام‪ ،‬على مقدم ‪--‬ة أولي ‪--‬ة يف دراس ‪--‬ة الس ‪--‬كان على األق ‪--‬ل‪ ،‬ه ‪--‬ذا من ناحي ‪--‬ة ومن ناحي ‪--‬ة ثاني ‪--‬ة تك ‪--‬رس‬
‫الغالبية العظمى من مراجع ومؤلفات املدخل إىل علم االجتماع‪ ،‬قسمًا منها ملعاجلة موض‪--‬وعات الس‪--‬كان مث‪--‬ل حجم‬
‫الس‪--‬كان وتك‪--‬وينهم واخلص‪--‬وبة والوفي‪--‬ات واهلج‪--‬رة وم‪--‬ا إليه‪--‬ا م‪--‬ع احتم‪--‬ال التب‪--‬اين بني ه‪--‬ذه املراج‪--‬ع من حيث مس‪--‬توى‬
‫النضج النظري واملنهجي يف معاجلة موضوعات السكان (‪.)1‬‬

‫ونستطيع أن نستطرد يف سرد غري ذلك من مظاهر تدل على أن دراسة السكان متثل اليوم ميدانًا متم‪-‬يزًا للدراس‪-‬ة يف‬
‫علم االجتم‪--‬اع‪ ،‬غ‪--‬ري أن ه‪--‬ذا ق‪--‬د يك‪--‬ون على حس‪--‬اب تن‪--‬اول االعتب‪--‬ارات والعوام‪--‬ل ال‪--‬يت أدت بعلمــاء االجتمــاع إىل‬
‫اعتبار دراسة السكان ميدانًا متميزًا يف نطاق علمهم‪.‬‬

‫وق‪--‬د نكتفي يف ه‪--‬ذا الص‪--‬دد باإلش‪--‬ارة إىل أهم ه‪--‬ذه العوام‪--‬ل واالعتب‪--‬ارات خاصــة م‪--‬ا تعل‪--‬ق مبوض‪--‬وع الدراس‪--‬ة يف علم‬
‫االجتم‪--‬اع وجماالت‪--‬ه واهتمامات‪--‬ه‪ ،‬وم‪--‬ا اتص‪--‬ل مبس‪--‬تويات التحلي‪--‬ل يف نطاق‪--‬ه‪ ،‬وأخ‪--‬ريًا م‪--‬ا ك‪--‬ان ل‪--‬ه ص‪--‬لة بالنظري‪--‬ة يف ه‪--‬ذا‬
‫العلم‪.‬‬

‫وليس هنال‪-- - -‬ك أوض‪-- - -‬ح من كتب املدخل إىل علم االجتم‪-- - -‬اع يف الق‪-- - -‬اء الض‪-- - -‬وء على موض‪-- - -‬وع ه‪-- - -‬ذا العلم وجماالت‬
‫اهتمامه‪ .‬كما أن عدم وجود االتفاق بني هذه الكتب يف هذا الصدد يسمح لنا باحلرية يف اختيار احداها كمثال يف‬
‫حتدي ‪--‬د موض ‪--‬وع ه ‪--‬ذا العلم وجماالت اهتمام ‪--‬ه‪ .‬ول ‪--‬ذلك فق ‪--‬د اكتفين ‪--‬ا مما ذهب الي ‪--‬ه ب ‪--‬روم وس ‪--‬ليزنيك & ‪Broom‬‬
‫‪ Selznick‬ب‪--‬أن « علم االجتم‪--‬اع يس‪--‬عى إىل اكتش‪--‬اف البن‪--‬اء األساس‪--‬ي للمجتم‪--‬ع االنس‪--‬اين والتع ‪--‬رف على الق ‪--‬وى‬
‫الرئيسية اليت تربط بني مجاعاته أو تضعف العالقة بينها وكذلك دراسة الظروف تعمل على استمرار أو تغ‪--‬ري اجملتم‪--‬ع‬
‫واحلي‪-‬اة االجتماعي‪--‬ة»(‪ .)2‬وإن ك‪--‬ان ه‪--‬ذا الق‪--‬ول ي‪--‬دل على ش‪--‬يء فإمنا ي‪--‬دل على أن اجملتم‪--‬ع من حيث بنائ‪--‬ه وتغ‪--‬ريه ميث‪--‬ل‬
‫)(‪1‬‬
‫‪W. G., Moore, Sociology & Demography, in, P N. Hauser, & D. Duncan, edt., The Study of Population, The‬‬
‫‪, P. 832.‬م‪University of Chicago Press, 1959‬‬
‫)(‪2‬‬
‫‪.‬م‪L. Broom & Selznick, Sociology, Harber & Row, Pub. New York, 19553 .2 ,‬‬

‫‪15‬‬
‫موض‪--‬وع الدراس‪--‬ة علم االجتم‪--‬اع‪ ،‬وملا ك‪--‬ان املش‪--‬تغلون بعلم االجتم‪--‬اع حيرص‪--‬ون على بي‪--‬ان أقس‪--‬ام ه‪--‬ذا املوض‪--‬وع أو‬
‫جماالت اهتمامه على حد تعبريهم‪ ،‬فإننا جند فيما ذهب إليه جرين ‪ Green‬أن اجملتمع كموضوع للدراس‪-‬ة يف علم‬
‫االجتم‪--‬اع – يتك‪--‬ون من الس‪--‬كان والتنظيم وال‪--‬زمن واملك‪--‬ان واملص‪--‬احل(‪ ،)1‬أق‪--‬رب مث‪--‬ال على توض‪--‬يح أقس‪--‬ام وجماالت‬
‫اهتم ‪--‬ام علم االجتم ‪--‬اع‪ .‬وبن ‪--‬اء علي ‪--‬ه ميكن الق ‪--‬ول أن النظ ‪--‬ر الس ‪--‬كان باعتب ‪--‬ارهم أح ‪--‬د مكون ‪--‬ات اجملتم ‪--‬ع‪ ،‬وواح ‪--‬دًا من‬
‫جماالت اهتم ‪--‬ام ه ‪--‬ذا العلم ك ‪--‬ان يف مقدم ‪--‬ة االعتب ‪--‬ارات والعوام ‪--‬ل ال ‪--‬يت جعلت من الس ‪--‬كان مي ‪--‬دانًا للدراس ‪--‬ة يف علم‬
‫االجتم‪--‬اع‪ ،‬وك‪--‬ان من نتيج‪--‬ة نظ‪--‬رهتم إىل الس‪--‬كان باعتب‪--‬ارهم أهم عنص‪--‬ر يف البن‪--‬اء االجتم‪--‬اعي‪ ،‬وال‪--‬ذي يتوق‪--‬ف علي‪--‬ه‬
‫وج‪--‬ود خمتل‪--‬ف العناص‪--‬ر األخ‪--‬رى ه‪--‬ذا البن‪--‬اء وخاص‪--‬ة اجلماع‪--‬ات واألدوار والقيم والثقاف‪--‬ة والنش‪--‬اط وم‪--‬ا اليه‪--‬ا‪ ،‬وطاملا‬
‫كان وجود اجلماعات وتكوينها يتوقف على وجود الس‪-‬كان‪ ،‬وك‪-‬ان ظه‪--‬ور األدوار حاج‪-‬ة إىل من يؤديه‪--‬ا أو يلعبه‪--‬ا‬
‫من السكان‪ ،‬وطاملا كان السكان هم الذين يكونون النفسهم القيم والعـادات والتقــاليد وغريه‪--‬ا من أس‪-‬اليب الثقاف‪-‬ة‬
‫اليت توجه حياهتم‪ ،‬وهــم أيضًا غاية أي جهد أو نشاط انساين يف اجملتمع‪ ،‬وهم يف الوقت نفسه وس‪-‬يلة ه‪--‬ذا النش‪-‬اط‪،‬‬
‫إذ ال ميكن أن يقوم النشاط يف جمال الزراع‪-‬ة الص‪-‬ناعة أو التعليم أو السياس‪-‬ة أو ال‪-‬دين أو الرتفي‪-‬ه بغ‪-‬ري الس‪-‬كان‪ ،‬ومث‪-‬ل‬
‫هذا النشاط ال يهدف احد غري السكان(‪ .)2‬ولقد كانت هذه النظرة إىل الس‪-‬كان من أهم االعتب‪-‬ارات والعوام‪--‬ل ال‪-‬يت‬
‫أدت إىل اعتبارهم مي‪-‬دانًا للدراس‪-‬ة يف علم االجتم‪-‬اع‪ .‬كم‪-‬ا وج‪-‬د ه‪-‬ذا االعتب‪-‬ار م‪-‬ا يدعم‪-‬ه فيم‪-‬ا درج علي‪-‬ه املش‪-‬تغلون‬
‫بعلم االجتم‪--‬اع عن‪--‬د حتلي‪--‬ل الظ‪--‬واهر االجتماعي‪--‬ة‪ ،‬من االعتم‪--‬اد على املعطي‪--‬ات الدميرجرافي‪--‬ة أو الس‪--‬كانية واإلف‪--‬ادة من‬
‫هذا التحليل على املستويات املتباينة وخاصة األسرة واملدينة ومجاعات األقليات والتدرج االجتماعي والقيم والنس‪-‬ق‬
‫السياس ‪--‬ي وم ‪--‬ا إىل ذل ‪--‬ك‪ .‬إذ ميكن االس ‪--‬تفادة من حجم األس ‪--‬رة وع ‪--‬دد أطفاهلا‪ ،‬والتك ‪--‬وين العم ‪--‬ري ومع ‪--‬دل الن ‪--‬وع‬
‫داخله‪--‬ا والعم‪--‬ر عن‪--‬د ال‪--‬زواج وم‪--‬ا إىل ذل‪--‬ك باعتباره‪--‬ا حق‪--‬ائق ومعطي‪--‬ات ودميوجرافي‪--‬ة هام‪--‬ة يف تن‪--‬اول وحتلي‪--‬ل ظ‪--‬اهرة‬
‫األس‪--‬رة‪ ،‬وك‪--‬ذلك ميكن اإلف‪--‬ادة من أمناط اخلص‪--‬وبة ومع‪--‬دالت الوفي‪--‬ات والتك‪--‬وين الن‪--‬وعي والعم‪--‬ري وحجم األس‪--‬رة‬
‫وتي‪--‬ارات اهلج‪--‬رة وغريه ‪--‬ا من معطي‪--‬ات وحق ‪--‬ائق دميوجرافي‪--‬ة يف دراس‪--‬ة املدين‪--‬ة وإلق ‪--‬اء الض ‪--‬وء على مس‪--‬توى التحض ‪--‬ر‬
‫واحلي‪-‬اة احلض‪-‬رية ال‪-‬يت متيزه‪-‬ا‪ .‬وعن‪-‬دما ينص‪-‬رف االهتم‪-‬ام حنو حتلي‪-‬ل املص‪-‬ادر االجتماعي‪-‬ة للتح‪-‬يز والتمي‪-‬يز بني مجاع‪-‬ات‬
‫األقليات‪ ،‬فإنه يستطيع االستفادة من معطيات وحق‪-‬ائق دميوجرافي‪-‬ة وس‪-‬كانية مث‪-‬ل احلجم والتك‪-‬وين واإلقام‪-‬ة وغريه‪-‬ا‬
‫يف هذا التحلي‪-‬ل كم‪-‬ا ميكن اإلف‪-‬ادة من مث‪-‬ل ه‪-‬ذه احلق‪-‬ائق واملعطي‪-‬ات الدميوجرافي‪-‬ة يف حتلي‪-‬ل البن‪-‬اء السياس‪-‬ي والس‪-‬لوك‬

‫)(‪1‬‬
‫‪. P. 21.‬م‪A. Green, Sociology, New York, 1960‬‬
‫)(‪2‬‬
‫‪. p. 3.‬م‪T. L. Smith, Foundation of Population Study, J. B. Lippincott Company. New York, 1960‬‬

‫‪16‬‬
‫االنتخ ‪--‬ايب واالجتاه ‪--‬ات السياس ‪--‬ية‪ ،‬أو يف اختاذه ‪--‬ا كمؤش ‪--‬رات على الطبق ‪--‬ة واملكان ‪--‬ة االقتص ‪--‬ادية واالجتماعي ‪--‬ة وإلق ‪--‬اء‬
‫الضوء على طبيعة التدرج االجتماعي والبناء الطبقي يف اجملتمع‪ ...‬اخل(‪.)1‬‬

‫ومثة اعتب ‪--‬ار او عام ‪--‬ل ث ‪--‬الث ل ‪--‬ه أمهيت ‪--‬ه يف النظ ‪--‬ر إىل السـكان كميـدان للبحث يف علم االجتم ‪--‬اع‪ ،‬وه ‪--‬و أن حتليــل‬
‫وتن ‪--‬اول الظ ‪--‬واهر الس ‪--‬كانية يف عالقته ‪--‬ا ب ‪--‬الظواهر االجتماعي ‪--‬ة يزي ‪--‬د من ق ‪--‬درتنا على الوص ‪--‬ول إىل أعلى مسـتوى يف‬
‫التعمـيـم وجتريد املعطيات والوق‪-‬ائع األمبرييقي‪-‬ة‪ ،‬ويزي‪-‬د بالت‪-‬ايل من ق‪-‬درتنا على تط‪-‬وير النظري‪-‬ة‪ ،‬وه‪-‬ذا ه‪-‬و نفس اهلدف‬
‫ال ‪--‬ذي تس ‪--‬عى إلي ‪--‬ه نظري ‪--‬ة علم االجتم ‪--‬اع‪ ،‬ب ‪--‬ل ه ‪--‬و من االهتمـامـات الرئيس ‪--‬ية لنظري ‪--‬ة علم االجتم ‪--‬اع للتع ‪--‬رف على‬
‫العموميات يف االنساق االجتماعي‪-‬ة‪ ،‬وهك‪-‬ذا ميكن الق‪-‬ول ب‪-‬أن ح‪-‬رص املش‪-‬تغلون بعلم االجتم‪-‬اع على تن‪-‬اول الظ‪-‬واهر‬
‫االجتماعية ال ينفصل عن حرص‪-‬هم على بل‪-‬ورة وص‪-‬قل نظري‪-‬ة علمهم‪ .‬إذ عن‪-‬دما ي‪-‬درس االجتاه البن‪-‬ائي ال‪-‬وظيفي مثًال‬
‫االمناط املتك‪--‬ررة للفع‪--‬ل االجتم‪--‬اعي «األبني‪--‬ة» ونتائجه‪--‬ا «الوظ‪--‬ائف» فإنـه يه‪--‬دف من وراء ذلـك إىل ص‪--‬ياغة القض‪--‬ايا‬
‫العامـة ال‪--‬يت توض‪--‬ح الوظ‪--‬ائف اجلوهري‪--‬ة والض‪--‬رورية يف اس‪--‬تمرار وبق‪--‬اء أي جمتم‪--‬ع‪ .‬وبن‪--‬اء على ذل‪--‬ك ي‪--‬ذهب أص‪--‬حاب‬
‫هذا االجتاه إىل أن بق‪-‬اء اجملتمع‪-‬ات االنس‪-‬انية واس‪-‬تمرارها يتوق‪-‬ف على وج‪-‬ود التناس‪-‬ل بني س‪-‬كاهنا على ق‪-‬در أدىن من‬
‫التحكم يف وفياهتا‪ ...‬ومن هن ‪--‬ا ك ‪--‬انت اخلص ‪--‬وبة والوفي ‪--‬ات ظ ‪--‬واهر سوس ‪--‬يولوجية ترتب ‪--‬ط بوظ ‪--‬ائف ض ‪--‬رورية أخ ‪--‬رى‬
‫للمجتمع‪--‬ات االنس‪--‬انية أك‪--‬ثر منه‪--‬ا ظ‪--‬واهر بيولوجي‪--‬ة‪ ....‬وباملث‪--‬ل ميكن اش‪--‬تقاق قض‪--‬ايا تعميمي‪--‬ة أخ‪--‬رى بن‪--‬اء على ه‪--‬ذا‬
‫االجتاه النظ ‪--‬ري يلخص وق ‪--‬ائع امبرييقي ‪--‬ة متعلق ‪--‬ة بظ ‪--‬واهر ميوجرافي ‪--‬ة مغ ‪--‬ايرة مث ‪--‬ل اهلج ‪--‬رة وهي قض ‪--‬ايا تفي ‪--‬د يف تط ‪--‬وير‬
‫وبلورة هذا االجتاه النظري من ناحية ثانية(‪ .)2‬ولكل من هذه العوامل جمتمع‪-‬ة ولغريه‪-‬ا من عوام‪-‬ل واعتب‪-‬ارات سنش‪-‬ري‬
‫إليه‪--‬ا يف أم‪--‬اكن متفرق‪-‬ة من ه‪--‬ذا الكت‪-‬اب‪ ،‬اعت‪-‬رب الس‪-‬كان مي‪-‬دانًا للبحث يف علم االجتم‪-‬اع وك‪-‬ان من نتيج‪-‬ة ذل‪-‬ك أن‬
‫ظهر وتطور واح‪-‬د من ف‪-‬روع علم االجتم‪-‬اع أخ‪-‬ذ تس‪-‬ميات خمتلف‪-‬ة منه‪-‬ا الس‪-‬كان واجملتم‪-‬ع وال‪-‬دميوجرافيا االجتماعي‪-‬ة‬
‫وآخره ‪--‬ا علم اجتم ‪--‬اع الس ‪--‬كان ليجم ‪--‬ع أش ‪--‬تات مثار ذل ‪--‬ك اجله ‪--‬د ال ‪--‬ذي بذل ‪--‬ه علم ‪--‬اء االجتم ‪--‬اع يف دراس ‪--‬ة الظ ‪--‬واهر‬
‫السكانية‪ ،‬والـذي سنجتهد يف بقية فصول هذا الكتاب يف إلقاء الضوء عليه‪.‬‬

‫ثانيًا‪ :‬الظواهر السكانية وانواعها‬

‫)(‪1‬‬
‫‪W. E. Moore, Socioiogy & Demography, Op. Cit, pp. 839 - 844.‬‬
‫)(‪2‬‬
‫‪Ibid., PP 845 - 837.‬‬

‫‪17‬‬
‫وانطالقًا من هذه االعتبارات يف دراسة السكان وغريها يضع املشتغلون بعلم االجتماع تصورًا للسكان‪ ،‬وما يرتب‪-‬ط‬
‫ب‪--‬ه من ظ‪--‬واهر س‪--‬كانية متنوع‪--‬ة‪ ،‬إذ ينظ‪--‬ر بعض‪--‬هم إىل ك‪--‬ل كتل‪--‬ة بش‪--‬رية تع‪--‬رف باس‪--‬م الس‪--‬كان على أهنا جس‪--‬م بش‪--‬ري‬
‫ينم ‪--‬و ويتح ‪--‬رك‪ ،‬ومن مث ف ‪--‬إهنم يتص ‪--‬ورون أن ه ‪--‬ذا اجلس ‪--‬م بن ‪--‬اء ‪ Structure‬كم ‪--‬ا أن ه ‪--‬ذا البن ‪--‬اء يط ‪--‬رأ علي ‪--‬ه التغ ‪--‬ري‬
‫‪ .Change‬وينظ‪--‬ر البعض اآلخ‪--‬ر إىل الس‪--‬كان على أن‪--‬ه عنص‪--‬ر يف البن‪--‬اء االجتم‪--‬اعي للمجتم‪--‬ع وإن‪--‬ه ب‪--‬رغم أن ه‪--‬ذا‬
‫العنصر يتمتع مثل غريه من عناصر البناء بقدر من الثب‪-‬ات واالس‪-‬تقرار النس‪-‬يب إال أن‪-‬ه يتغ‪-‬ري أيض‪ً-‬ا ش‪-‬أنه ش‪-‬أن غ‪-‬ريه من‬
‫عناص ‪--‬ر بنائي ‪--‬ة أخ ‪--‬رى‪ .‬ومن هن ‪--‬ا أمكن هلؤالء الب ‪--‬احثني أن يفرق ‪--‬وا بني ع ‪--‬دد من الظ ‪--‬واهر الس ‪--‬كانية ترتب ‪--‬ط بالس ‪--‬كان‬
‫كعنصر بنائي وبني عدد آخر من هذه الظواهر ترتتب على تغري السكان‪ ،‬حبيث حيصرون الظواهر الس‪--‬كانية املرتبط‪--‬ة‬
‫ببن‪--‬اء الس‪--‬كان يف ظ‪--‬واهر حجم الس‪--‬كان وتك‪--‬وينهم وت‪--‬وزيعهم وكث‪--‬افتهم‪ ،‬وحيددون الظ‪--‬واهر الس‪--‬كانية ذات الص‪--‬لة‬
‫بتغري السكان يف ظواهر منو السكان وتغري الس‪-‬كان وحتول وزي‪-‬ادة الس‪-‬كان وتض‪--‬خم الس‪-‬كان وانفج‪-‬ار الس‪-‬كان وم‪--‬ا‬
‫إليه ‪--‬ا من ظ ‪--‬واهر س ‪--‬كانية‪ ،‬جند من الض ‪--‬روري علين ‪--‬ا قب ‪--‬ل التعم ‪--‬ق يف علم اجتم ‪--‬اع الس ‪--‬كان توض ‪--‬يح املقص ‪--‬ود هبذه‬
‫الظواهر السكانية وانواعها‪.‬‬

‫حجم السكان ‪Population Size‬‬ ‫‪.1‬‬

‫ما املقصود حبجم السكان؟ وكيف ميكن التعرف على حجم السكان؟ تساؤالن من كثري من التس‪--‬اؤالت ال‪--‬يت ميكن‬
‫لنا أن نطرحها حول موضوع حجم السكان‪ ،‬واليت نعترب اإلجابه عنها كافية يف بيان مدلول حجم السكان‪.‬‬

‫وي ‪--‬دلنا البحث عن اإلجاب ‪--‬ة املناس ‪--‬بة على ه ‪--‬ذه التس ‪--‬اؤالت يف ذل ‪--‬ك اجلانب من ت ‪--‬راث علم االجتم ‪--‬اع ال ‪--‬ذي يهتم‬
‫بتحليل الظواهر السكانية‪ ،‬على أن املقصود حبجم السكان‪ ،population size‬ه‪-‬و ع‪-‬دد األف‪-‬راد يف مك‪-‬ان معني‬
‫ويف وقت حمدد‪ ،‬وأنه ال يقتصر األمر عن‪-‬د دراس‪-‬ة حجم الس‪-‬كان على جمرد معرف‪-‬ة كم ف‪-‬رد يعيش‪-‬ون يف مك‪-‬ان م‪--‬ا أو‬
‫على مساحة من األرض حمددة جغرافيا أو سياسيا‪ ،‬واثناء فرتة زمنية حمددة وإمنا يتجاوز ذلك إىل معرفة م‪-‬ا إذا ك‪-‬ان‬
‫ه‪--‬ذا الع‪--‬دد اك‪--‬رب او اص‪--‬غر من ع‪--‬دد األف‪--‬راد يف نفس املك‪--‬ان ولكن يف وقت س‪--‬ابق من ه‪--‬ذا ال‪--‬وقت املعني‪ ،‬وإىل معرف‪--‬ة‬
‫ماهو املقدار الذي سيصل إليه هذا العدد يف املستقبل أو يف وقت آخر الحق(‪.)1‬‬

‫)(‪1‬‬
‫‪. p. 5.‬م‪W. S. Thompson & D. T. Lewis, Population Problems, Tata Mc Graw - Hill, Pub, New Deihi, 1965‬‬
‫(صدر لهذا الكتاب ترجمة عربية إشراف دكتور راشد البراوي بعنوان مشكالت السكان مكتبة االنجلو المصرية‪ ،‬القاهرة‪1968 ،‬م )‪.‬‬

‫‪18‬‬
‫وإذا ك‪--‬ان باإلمك‪--‬ان الوص‪--‬ول إىل معرف‪--‬ة حجم الس‪--‬كان عن طري‪--‬ق ع‪--‬د او احص‪--‬اء ع‪--‬دد األف‪-‬راد ال‪--‬ذين يعيش‪--‬ون على‬
‫مس‪-‬احة من األرض ص‪--‬غرية نس‪-‬بيا وأثن‪-‬اء ف‪-‬رتة زمني‪-‬ة حمددة كم‪-‬ا ه‪--‬و احلال ق‪-‬دميا أو يف اجملتمع‪--‬ات البس‪-‬يطة مثال‪ ،‬نظ‪-‬را‬
‫لصغر عدد األفراد على هذه املساحة وسهولة عدهم‪ ،‬وإذا كان من الص‪-‬عب معرف‪-‬ة حجم الس‪-‬كان على مس‪-‬احة من‬
‫األرض كبرية نسبيا كما هو احلال اليوم‪ ،‬فإنه من املالحظ أن اإلنسان مل يقف عاجزًا أمام ه‪--‬ذه الص‪--‬عوبة ب‪--‬ل ح‪--‬اول‬
‫التغلب عليها بواسطة أساليب أخرى ابتكرها من أج‪-‬ل معرف‪-‬ة حجم الس‪-‬كان ع‪-‬رفت بني املتخصص‪-‬ني باس‪-‬م مص‪-‬ادر‬
‫البيان‪--‬ات الس‪--‬كانية‪ .‬إذ ب‪--‬دأ يهتم اإلنس‪--‬ان يف العص‪--‬ر احلديث ويف ك‪--‬ل بالد الع‪--‬امل تقريب‪--‬ا ب‪--‬إجراء تع‪--‬داد للس‪--‬كان على‬
‫ف ‪--‬رتات زمني ‪--‬ة متقارب ‪--‬ة وأخ ‪--‬ذ حيرص على إج ‪--‬راء التس ‪--‬جيالت احليوي ‪--‬ة حلاالت املوالي ‪--‬د والوفي ‪--‬ات وال ‪--‬زواج والطالق‬
‫وغريه‪--‬ا‪ ،‬ومل يت‪--‬وان عن إج‪--‬راء البح‪--‬وث ال‪--‬يت تتن‪--‬اول الظ‪--‬واهر الس‪--‬كانية‪ ،‬حبيث اعت‪--‬ربت ه‪--‬ذه احملاوالت مبثاب‪--‬ة مص‪--‬ادر‬
‫أساسية ميكن عن طريقها أن يصل اإلنسان إىل املعارف الالزمة إللقاء الض‪-‬وء على حجم الس‪-‬كان يف اجملتم‪-‬ع‪ .‬وك‪-‬ل‬
‫هذه املوضوعات سنعود للحديث عنها بالتفصيل عند تناولنا بالتحليل منهج البحث يف علم اجتماع السكان‪.‬‬

‫تكوين السكان‬ ‫‪.2‬‬

‫يعت‪--‬رب تك‪--‬وين الس‪--‬كان ‪ composition‬من أهم املتغ‪--‬ريات يف الدراس‪--‬ة الس‪--‬كانية إلن‪--‬ه يغطي ك‪--‬ل اخلص‪--‬ائص ال‪--‬يت‬
‫ميكن قياس‪-‬ها بالنس‪-‬بة لألف‪-‬راد ال‪-‬ذين يكون‪-‬ون س‪-‬كان جمتم‪-‬ع معني‪ .‬فس‪-‬كان أي قط‪-‬ر أو منطق‪-‬ة ليس‪-‬وا جمرد ع‪-‬دده‪ ،‬ب‪-‬ل‬
‫هم جمموع الذكور واإلناث وخمتلف أفراده يف فئات الس‪-‬ن املتباين‪-‬ة‪ ،‬ومن مهن وح‪-‬رف وثقاف‪-‬ة أو مس‪-‬تويات تعليمي‪-‬ة‬
‫وزواجية وريفية وحضرية متعددة وخمتلفة‪.‬‬

‫وعندما حياول عامل السكان دراس‪-‬ة تك‪-‬وين الس‪-‬كان ب‪-‬املعىن الس‪-‬ابق‪ ،‬فه‪-‬و ال يهتم فق‪-‬ط ب‪-‬التغريات ال‪-‬يت حتدث يف ه‪-‬ذا‬
‫التك ‪--‬وين يف حلظ ‪--‬ة زمني ‪--‬ة معين ‪--‬ة‪ ،‬وإمنا يهتم ك ‪--‬ذلك ب ‪--‬التغريات ال ‪--‬يت حتدث يف ه ‪--‬ذا التك ‪--‬وين وأس ‪--‬باب ه ‪--‬ذه التغ ‪--‬ريات‬
‫ونتائجها على حياة اجملتمع املدروس‪.‬‬

‫توزيع السكان‬ ‫‪.3‬‬

‫وال يقل متغري توزيع السكان ‪ distribution‬يف أمهيته عن متغري تك‪-‬وين الس‪-‬كان إلن‪-‬ه يرتب‪-‬ط ب‪-‬ه‪ ،‬ويت‪-‬درج توزي‪-‬ع‬
‫الس ‪--‬كان بني املنطق ‪--‬ة الكب ‪--‬رية مث ‪--‬ل الق ‪--‬ارة أو املنطق ‪--‬ة الص ‪--‬غرية مث ‪--‬ل املدين ‪--‬ة أو القري ‪--‬ة‪ .‬أوق ‪--‬د يتم تقس ‪--‬يم الس ‪--‬كان على‬
‫اس ‪--‬اس درج ‪--‬ة التحض ‪--‬ر والتص ‪--‬نيع إىل الفئ ‪--‬ات التالي ‪--‬ة‪ :‬س ‪--‬كان املن ‪--‬اطق الص ‪--‬ناعية احلض ‪--‬رية املتقدم ‪--‬ة‪ ،‬وس ‪--‬كان املن ‪--‬اطق‬

‫‪19‬‬
‫الص‪--‬ناعية احلض‪--‬رية اجلدي‪--‬دة‪ ،‬وس‪--‬كان املن‪--‬اطق الص‪--‬ناعية الس‪--‬ابقة على مرحل‪--‬ة احلض‪--‬رية(‪ .)1‬وق‪--‬د يقس‪--‬م الس‪--‬كان داخلي‪--‬ا‬
‫إىل الس‪--‬كان ال‪--‬ذين يعيش‪--‬ون يف املن‪--‬اطق احمللي‪--‬ة الريفي‪--‬ة ال‪--‬يت تعتم‪--‬د على املزارع‪ ،‬والس‪--‬كان ال‪--‬ذين يعيش‪--‬ون يف املن‪--‬اطق‬
‫احلضرية أو الضواحي‪ ...‬ويهتم عامل السكان بدراسة توزيع السكان يف هذه املن‪-‬اطق وك‪-‬ذلك ب‪-‬التغريات ال‪-‬يت حتدث‬
‫يف أعدادهم وأسباب هذه التغريات‪ ،‬وذلك كله يف ضوء اعتبارين أساسيني‪:‬‬

‫األول‪ :‬رب ‪-- -‬ط املتغ ‪-- -‬ريات ذات الص ‪-- -‬لة ببن ‪-- -‬اء الس ‪-- -‬كان مث ‪-- -‬ل متغ ‪-- -‬ريي التك ‪-- -‬وين والتوزي ‪-- -‬ع أو اخلص ‪-- -‬ائص بالعملي ‪-- -‬ات‬
‫الدميوجرافي ‪--‬ة ـ مث ‪--‬ل املوالي ‪--‬د والوفي ‪--‬ات واهلج ‪--‬رة اس ‪--‬تنادا إىل أن العالق ‪--‬ة بني متغ ‪--‬ريات تك ‪--‬وين الس ‪--‬كان أو ت ‪--‬وزيعهم‬
‫والعمليات الدميوجرافية تعترب عالقة تبادلية‪ ،‬مبعىن أن كل طرف منها يؤثر ويتأثر بالطرف اآلخر‪.‬‬

‫والثاني‪ :‬حماولة بيان الصلة بني هذه املتغريات باجلوانب املتباينة للمجتمع موضوع الدراسة‪.‬‬

‫الكثافة السكانية‬ ‫‪.4‬‬

‫يشري مفهوم الكثافة السكانية إىل العالقة ما بني السكان ومساحة األرض اليت يقطنها هؤالء السكان‪.‬‬

‫وتقاس الكثافة السكانية من خالل قسمة عدد السكان على مس‪-‬احة األرض‪ ،‬ويع‪-‬رب عنه‪-‬ا مبجم‪-‬وع ع‪-‬دد األش‪-‬خاص‬
‫(‪)2‬‬
‫يف اهلكتار الواحد‪ ،‬أو يف الكيلو املرت مربع أو امليل املربع‪.‬‬

‫نمو السكان‬ ‫‪.5‬‬

‫م‪-‬ا املقص‪-‬ود بنم‪-‬و الس‪-‬كان ‪ growth‬وم‪-‬ا الظ‪-‬روف ال‪-‬يت نبهت إىل دراس‪-‬ة منو الس‪-‬كان؟ وكي‪-‬ف ميكن التع‪-‬رف على‬
‫منو الس‪--‬كان؟ ه‪--‬ذه أيض‪--‬ا أمثل‪--‬ة من كث‪--‬ري من التس‪--‬اؤالت ال‪--‬يت ميكن أن تث‪--‬ار يف أذهانن‪--‬ا ح‪--‬ول موض‪--‬وع منو الس‪--‬كان‪.‬‬
‫ويوضح لنا البحث عن اإلجاب‪-‬ات املناس‪-‬بة على ه‪-‬ذه التس‪-‬اؤالت أن املقص‪-‬ود بنم‪-‬و الس‪-‬كان يف اجملتم‪-‬ع‪ ،‬ه‪-‬و اختالف‬
‫حجم السكان يف هذا اجملتمع عرب الفرتات الزمنية املتباينة ويرتبط مفهوم النمو يف السكان مبفه‪--‬ومي تض‪--‬خم الس‪--‬كان‬
‫وأزمة السكان‪ .‬وكلها مفاهيم ال تنفصل عن فكرة حركة السكان وتغريها‪ .‬ذلك ألنه طاملا ك‪-‬ان الس‪-‬كان كتل‪-‬ة من‬
‫البشر تعيش يف حالة استاتيكية ثابتة‪ ،‬وإمنا تتميز باحلركة والتغري‪ ،‬فإننا قد نالح‪-‬ظ أن الس‪-‬كان يف ح‪-‬ركتهم وتغ‪-‬ريهم‬
‫إما إهنم قد يسريوا يف اجتاه النمو نتيجة للزيادة يف أعدادهم بفعل العوامل املختلفة مثل املوالي‪-‬د واهلج‪-‬رة وإم‪--‬ا يس‪-‬ريوا‬
‫)(‪1‬‬
‫‪, pp. 6 - 8.‬م‪W. Thompson, & D. Lewis, Population Problems, Mcgrow Hill Book Comp., New Delhi, 1965‬‬
‫)(‪2‬‬
‫‪International Union for the Scientific Study of Population, Multilingual Demographic Dictionary, Adapted by‬‬
‫‪, p. 44.‬م‪Ordina Editions, Belgium 1982‬‬

‫‪20‬‬
‫يف اجتاه ع ‪--‬دم النم ‪--‬و نتيج ‪--‬ة للنقص ‪--‬ان يف أع ‪--‬دادهم بفع ‪--‬ل عوام ‪--‬ل أخ ‪--‬رى مث ‪--‬ل الوفي ‪--‬ات واهلج ‪--‬رة أو غريه ‪--‬ا‪ ،‬ف ‪--‬إن ه ‪--‬ذه‬
‫احلركة بالزي‪-‬ادة أو النقص‪-‬ان يف أع‪-‬داد الس‪-‬كان وحجمهم تس‪-‬مي تغ‪-‬ريا أو منوا أو حرك‪-‬ة‪ ،‬وق‪-‬د يك‪-‬ون النم‪-‬و أو التغ‪-‬ري‬
‫يف ص‪--‬ورة هائل‪--‬ة أو ض‪--‬خمة مما ق‪--‬د ي‪--‬رتتب علي‪--‬ه تض‪--‬خم الس‪--‬كان‪ ،‬األم‪--‬ر ال‪--‬ذي ق‪--‬د يس‪--‬تتبع ب‪--‬دوره انواع‪--‬ا من األزم‪--‬ات‬
‫االجتماعية واالقتصادية يف اجملتم‪-‬ع مما جيع‪-‬ل البعض ينظ‪-‬رون إىل منو الس‪-‬كان يف ه‪-‬ذه احلال‪-‬ة على أن‪-‬ه أزم‪-‬ة س‪-‬كانية أو‬
‫انفجار اسكانيا‪.‬‬

‫التحول الديموجرافي‬ ‫‪.6‬‬

‫إن العملية اخلاصة بتحول السكان من حال‪-‬ة تك‪-‬ون فيه‪-‬ا اخلص‪-‬وبة والوفي‪-‬ات مرتفع‪-‬ة إىل حال‪-‬ة أخ‪-‬رى تتم‪-‬يز باخنف‪-‬اض‬
‫اخلصوبة والوفيات واليت شهدهتا جمموعة كبرية من الدول‪ ،‬تسمى حتول دميوجرايف أو حتول سكاين(‪.)1‬‬

‫وتش‪-‬هد عملي‪-‬ة االنتق‪--‬ال من مرحل‪-‬ة قب‪-‬ل التح‪-‬ول ال‪-‬دميوجرايف إىل مرحل‪-‬ة م‪--‬ا بع‪--‬د التح‪-‬والت الدميوجرافي‪-‬ة‪ ،‬إرتباط‪--‬ا م‪--‬ا‬
‫بني اخنفاض الوفيات واخنفاض اخلصوبة‪ ،‬مما ينتج عنها منو سكاين انتقايل‪.‬‬

‫التغير الديموجرافي‬ ‫‪.7‬‬

‫للتغ‪--‬ري الس‪-‬كاين ثالث‪-‬ة عناص‪--‬ر‪ ،‬املوالي‪-‬د والوفي‪-‬ات واهلج‪-‬رة وم‪--‬ع ت‪-‬وايل ح‪-‬االت امليالد والوفي‪-‬ات واالنتق‪--‬ال‪ ،‬ف‪-‬إن الع‪--‬دد‬
‫اإلمجايل للسكان يف منطقة ما قد يتغري(‪.)2‬‬

‫ثالثًا‪ :‬ضرورة دراسة الظواهر السكانية في المجتمع‬

‫حناول فيما يلي إلقاء الض‪-‬وء على ض‪-‬رورة دراس‪-‬ة الظ‪-‬واهر الس‪-‬كانية من خالل تن‪-‬اول اجلوانب اهلام‪-‬ة يف الس‪-‬كان من‬
‫وجه‪-‬ة نظ‪-‬ر علم االجتم‪-‬اع وهي اجلوانب البنائي‪-‬ة مث‪-‬ل حجم الس‪-‬كان‪ ،‬واجلوانب الدينامي‪-‬ة مث‪-‬ل تغ‪-‬ري أو منو الس‪-‬كان‪.‬‬
‫وملا كن‪--‬ا حريص‪--‬ني على الرب‪--‬ط بني الس‪--‬كان واجملتم‪--‬ع ف‪--‬إن ذل‪--‬ك يقتض‪--‬ينا أن ال نتوق‪--‬ف عن‪--‬د تن‪--‬اول املع‪--‬ارف ال‪--‬يت ت‪--‬بني‬
‫ض‪--‬رورة دراس‪--‬ة حجم الس‪--‬كان ومنوهم وفهمهم‪--‬ا واس‪--‬تيعاهبا‪ ،‬وإمنا س‪--‬نجتهد يف األغلب يف بي‪--‬ان قيم‪--‬ة ه‪--‬ذه املع‪--‬ارف‬
‫بالنس ‪--‬بة للمجتم ‪--‬ع طاملا ك ‪--‬ان يف اعتقادن ‪--‬ا أن العلم ليس فق ‪--‬ط للعلم وإمنا أيض‪ً- -‬ا ه ‪--‬و علم للمجتم ‪--‬ع‪ ،‬ومن هن ‪--‬ا ك ‪--‬ان‬
‫حرصنا على بيان ضرورة دراسة حجم السكان ومنوهم يف مصر‪.‬‬
‫)(‪1‬‬
‫‪International Union for the Scientific Study of Population, Multilingual Demographic | Dictionary Adapted by‬‬
‫‪, p. 104.‬م‪Etienne Van De Walle, Ordina Editions, Belgium 1982‬‬
‫‪ )(2‬توماس وآخرون‪ ،‬دليل السكان‪ ،‬مكتب مرجع السكان‪ ،‬واشنطن ‪1980‬م ص ‪.63‬‬

‫‪21‬‬
‫ضرورة دراسة حجم السكان‬ ‫‪]1‬‬

‫واجلدير باالعتبار هنا أنه إذا كنا اليوم جند اهتمام‪ً-‬ا بالس‪-‬كان على اس‪-‬اس علــمي ينص‪--‬رف حنو دراس‪-‬ة حجم الس‪-‬كان‬
‫والتغ‪--‬ري يف ه‪--‬ذا احلجم خالل ال‪--‬زمن‪ ،‬والتع‪--‬رف على أس‪--‬باب ه‪--‬ذا التغ‪--‬ري‪ ،‬ف‪--‬إن ه‪--‬ذا االهتم‪--‬ام ال يرج‪--‬ع يف النهاي‪--‬ة إىل‬
‫أسباب علمية اكادميية حبتة فقط تتمثل فيما توفره هذه الدراسة من إمكانيات فهم هذه الظواهر السكانية وتفسريها‬
‫والتحكم فيها والتنبؤ بأحواهلا يف املستقبل(‪ )1()1‬وإمنا يرجع ك‪-‬ذلك ويف احملل األول إىل م‪--‬ا تس‪-‬اهم ب‪-‬ه ه‪--‬ذه الدراس‪-‬ة‬
‫يف جمال الرفاهي ‪--‬ة االنس ‪--‬انية من خالل زي ‪--‬ادة ال ‪--‬وعي االجتم ‪--‬اعي يف اجملتم ‪--‬ع‪ ،‬واق ‪--‬رتاح احلل ‪--‬ول املناس ‪--‬بة للمش ‪--‬كالت‬
‫الس ‪--‬كانية ومن خالل توف ‪--‬ري احلق ‪--‬ائق املوض ‪--‬وعية ال ‪--‬يت ميكن أن تس ‪--‬تند إليه ‪--‬ا اخلط ‪--‬ط االجتماعي ‪--‬ة القومي ‪--‬ة والق ‪--‬رارات‬
‫والسياسات واالسرتاتيجيات على املستويات احمللية والعاملية‪.‬‬

‫الوعي االجتماعي‬

‫ملا ك ‪--‬ان اإلدراك الص ‪--‬حيح واملعرف ‪--‬ة احلقيقي ‪--‬ة والفهم الس ‪--‬ليم هي مفت ‪--‬اح ال ‪--‬وعي الف ‪--‬ردي واالجتم ‪--‬اعي‪ ،‬ك ‪--‬ان إدراك‬
‫حقيق‪-- -‬ة حجم الس‪-- -‬كان ومعرف‪-- -‬ة التغ‪-- -‬ريات يف ه‪-- -‬ذا احلجم وفهم أس‪-- -‬بابه مبثاب‪-- -‬ة مطلب أساس‪-- -‬ي لتنمي‪-- -‬ة وعي األف‪-- -‬راد‬
‫وتكوين الوعي االجتماعي بينهم‪ .‬وذلك ألن الفرد الذي تتاح له فرصة اإلملام بعدد األفراد الذين يهمونه الشك يف‬
‫أنه سيستفيد من هذه احلقيقة يف توفري ما حيتاج إليه هؤالء األف‪-‬راد يف حي‪-‬اهتم‪ ،‬ويف ت‪-‬رتيب معيش‪-‬تهم‪ .‬وميكن لألف‪-‬راد‬
‫يف اجملتمع أن يسامهوا بناء على م‪--‬ا ت‪-‬وفر ل‪-‬ديهم من معرف‪-‬ة تتعل‪-‬ق حبجمهم والتغ‪--‬ريات يف احلجم واس‪-‬بابه‪ ،‬يف مس‪-‬اعدة‬
‫أجه ‪--‬زة اجملتم ‪--‬ع يف القي ‪--‬ام بواجبه ‪--‬ا حنو توف ‪--‬ري وت ‪--‬دبري وس ‪--‬ائل العيش الالزم ‪--‬ة هلذا الع ‪--‬دد من الس ‪--‬كان يف تل ‪--‬ك الف ‪--‬رتة‬
‫الزمنية‪ .‬فمعرفة الفرد لعدد األفراد ال‪-‬ذين يهمون‪-‬ه جتعل‪-‬ه يعي ب‪-‬أن م‪-‬ا اس‪-‬تطاع أن ي‪-‬وفره من وس‪-‬ائل عيش تكفي او ال‬
‫تكفي هذا العدد األمر ال‪-‬ذي جيعل‪-‬ه يفك‪-‬ر يف وس‪-‬يلة يعي‪-‬د هبا الت‪-‬وازن بني ه‪-‬ذا الع‪-‬دد من ناحي‪-‬ة وبني م‪-‬ا حيتاجون‪-‬ه من‬
‫وسائل عيش من ناحية أخرى‪ ،‬فإما أن يفكر يف اال يزيد هذا العدد أو يفكر يف وسيلة الزيادة وسائل عيشهم‪ .‬كم‪-‬ا‬
‫أن معرف ‪--‬ة األف ‪--‬راد يف اجملتم ‪--‬ع حلجمهم جتعلهم يق ‪--‬درون أن م ‪--‬ا اس ‪--‬تطاع اجملتم ‪--‬ع وأجهزت ‪--‬ه أن ي ‪--‬وفره هلم من خ ‪--‬دمات‬
‫ومش ‪--‬روعات إنتاجي ‪--‬ة وغريه ‪--‬ا‪ ،‬يكفي أو ال يكفي ه ‪--‬ذا الع ‪--‬دد األم ‪--‬ر ال ‪--‬ذي جيعلهم يفك ‪--‬رون يف وس ‪--‬يلة يعي ‪--‬دون هبا‬
‫التوازن بني هذا العدد أو حجم السكان من ناحية وبني م‪-‬ا حيت‪-‬اج إلي‪-‬ه ه‪-‬ذا الع‪-‬دد من خ‪-‬دمات ومش‪-‬روعات إنتاجي‪-‬ة‬

‫)‪(1) (1‬‬
‫‪W. S. Thompson & D. lewis, population problems, p. 5.‬‬

‫‪22‬‬
‫أو وسائل عيش‪ ،‬فيساعدون على تقليل هذا احلجم أو على زيادة مستوى اإلنتاج يف ه‪--‬ذه املش‪--‬روعات أو على رف‪--‬ع‬
‫معدالت األداء هبا وهكذا‪.‬‬

‫الرفاهية االجتماعية‬

‫والواقع أن احلقائق املتعلقة حبجم السكان والتغريات يف ه‪-‬ذا احلجم تس‪-‬هم يف جمال الرفاهي‪-‬ة االجتماعي‪-‬ة واإلنس‪-‬انية‪،‬‬
‫ألهنا تس‪--‬اعد على اق‪--‬رتاح احلل‪--‬ول املناس‪--‬بة للمش‪--‬كالت الس‪--‬كانية وعلى توف‪--‬ري احلق‪--‬ائق املوض‪--‬وعية ال‪--‬يت ميكن أن تس‪--‬تند‬
‫إليها اخلطط االجتماعية والسياسات واالسرتاتيجيات على املستويات احمللية والعاملية‪ .‬إذ أن رجال الصناعة والصحة‬
‫والتعليم واجلامع ‪--‬ات واملش ‪--‬رعون يهتم ‪--‬ون بك ‪--‬ل م ‪--‬ا ميكن أن ت ‪--‬وفره دراس ‪--‬ة حجم الس ‪--‬كان من حق ‪--‬ائق ويتوق ‪--‬ون إىل‬
‫معرفتها‪ ،‬مبثل م‪-‬ا يع‪-‬ين هبا ك‪-‬ل املهتم‪-‬ون ب‪-‬العلوم االجتماعي‪-‬ة وال‪-‬ذين خيص‪-‬ون دراس‪-‬ة الس‪-‬كان مبث‪-‬ل ه‪-‬ذه العناي‪-‬ة‪ .‬ذل‪-‬ك‬
‫ألن مث‪--‬ل ه‪--‬ذه احلق‪--‬ائق تعت‪--‬رب معلوم‪--‬ات ض‪--‬رورية وأساس‪--‬ية والب‪--‬د منه‪--‬ا يف وض‪--‬ع السياس‪--‬ات املتعلق‪--‬ة باإلنت‪--‬اج وإقام‪--‬ة‬
‫املشروعات اإلنتاجي‪-‬ة‪ ،‬ويف رس‪-‬م ب‪-‬رامج اخلدمات الص‪-‬حية والتعليمي‪-‬ة والعالجي‪-‬ة وغريه‪-‬ا‪ .‬أو بعب‪-‬ارة أخ‪-‬رى تع‪-‬د ه‪-‬ذه‬
‫احلقائق مطلبًا ضروريًا ال بد من توفره عند التخطيط لكل هذه األمور‪.‬‬

‫وميكن أن يفي ‪--‬د أيض ‪ً-‬ا احلق ‪--‬ائق املرتتب ‪--‬ة على دراس ‪--‬ة حجم الس ‪--‬كان وخاص ‪--‬ة تلـك املتعلق ‪--‬ة ب ‪--‬اختالف ه ‪--‬ذا احلجم بني‬
‫مكان وآخر‪ ،‬أو بعبارة أدق ميكن أن تفيد احلقائق املتعلق‪--‬ة بتوزي‪-‬ع الس‪-‬كان على األم‪--‬اكن واملقاطع‪--‬ات داخ‪-‬ل احلدود‬
‫اجلغرافي‪-- -‬ة والسياس‪-- -‬ية للمجتم‪-- -‬ع أو على املن‪-- -‬اطق الريفي‪-- -‬ة واحلض‪-- -‬رية والص‪-- -‬حراوية ميكن أن تفي‪-- -‬د يف حتدي‪-- -‬د نوعي‪-- -‬ة‬
‫املش‪--‬روعات اإلنتاجي‪--‬ة ال‪--‬يت تتف‪--‬ق وحجم الس‪--‬كان يف ك‪--‬ل منطق‪--‬ة‪ ،‬ويف حتدي‪--‬د حجم اخلدمات االجتماعي‪--‬ة ال‪--‬يت تل‪--‬زم‬
‫ع‪--‬دد الس‪--‬كان املختل‪--‬ف يف ك‪--‬ل منطق‪--‬ة‪ .‬وال ش‪--‬ك أيض ‪ً-‬ا أن الوق‪--‬وف على أس‪--‬باب االختالف يف حجم الس‪--‬كان بني‬
‫الريف واحلضر‪ ،‬وزيادة عدد السكان يف الريف عنه يف احلضر‪ ،‬نتيجة لزيادة معدل املواليد يف الريف عنه يف احلضر‪،‬‬
‫يس ‪--‬اعد من ناحي ‪--‬ة أخ ‪--‬رى على حس ‪--‬ن توزي ‪--‬ع اخلدمات بني الري ‪--‬ف واحلض ‪--‬ر‪ .‬كم ‪--‬ا أن الوق ‪--‬وف على أس ‪--‬باب ترك ‪--‬ز‬
‫الس‪--‬كان يف من‪--‬اطق دون أخ‪--‬رى‪ ،‬وعوام‪--‬ل حترك الس‪--‬كان ص‪--‬وب من‪--‬اطق معين‪--‬ة دون أخ‪--‬رى نتيج‪--‬ة لزي‪--‬ادة اهلج‪--‬رة من‬
‫الري‪--‬ف إىل احلض‪--‬ر مثًال‪ ،‬أم‪--‬ر الزم لكي تتحق‪--‬ق عملي‪--‬ات توزي‪--‬ع م‪--‬وارد اجملتم‪--‬ع وإقام‪--‬ة املش‪--‬روعات وترك‪--‬يز اخلدمات‬
‫االجتماعية املختلفة على حنو حيقق الغرض منها‪.‬‬

‫‪23‬‬
‫وال تقتصر الفائ‪-‬دة من دراس‪-‬ة حجم الس‪-‬كان‪ ،‬على املس‪-‬اعدة يف وض‪-‬ع اخلط‪-‬ط والسياس‪-‬ات وحتدي‪-‬د االس‪-‬رتاتيجيات‬
‫واختاذ القرارات اليت تتعلق حبياة السكان وترتيبها يف احلدود القومي‪-‬ة ويف نط‪-‬اق جمتم‪-‬ع بعين‪-‬ه وإمنا حيت‪-‬اج اجملتم‪-‬ع وه‪-‬و‬
‫يضع سياسته الدولية وحيدد إسرتاتيجيته بني االسرتاتيجيات العاملية ويتخذ قراراته السياسية واالقتـصادية والعس‪--‬كرية‬
‫يف تعامله مع بقية الدول على الصعيد العاملي‪ ،‬إىل أن يقف على احلقائق املتعلقة حبجم السكان وتوزيعهم على العامل‬
‫وأس‪--‬باب اختالف احلجم بني ال‪--‬دول والتغ‪--‬ريات فيه‪--‬ا‪ .‬ذل‪--‬ك ألن ه‪--‬ذه احلق‪--‬ائق الس‪--‬كانية املتعلق‪--‬ة حبجم الس‪--‬كان تعت‪--‬رب‬
‫مبثابة معلومات جوهرية يف التعرف على قوة الدولة وعظمته‪-‬ا بني غريه‪-‬ا من دول الع‪-‬امل وجمتمعات‪-‬ه‪ .‬فعلى ال‪-‬رغم من‬
‫أن عامل احلجم ليس هو العامل الوحيد يف حتديد قوة وعظم‪-‬ة الدول‪-‬ة‪ ،‬ذل‪-‬ك ألن هن‪-‬اك عناص‪--‬ر أخ‪-‬رى مث‪-‬ل ال‪-‬ثروات‬
‫الطبيعية ودرج‪-‬ة التق‪-‬دم االقتص‪-‬ادي والتكنول‪-‬وجي واالجتم‪-‬اعي وغريه‪-‬ا تس‪-‬هم يف زي‪-‬ادة مق‪-‬دار ه‪-‬ذه الق‪-‬وة والعظم‪-‬ة‪.‬‬
‫إال أن ‪--‬ه ال ي ‪--‬زال العام ‪--‬ل احلجم قيمت ‪--‬ه وتق ‪--‬ديره يف ه ‪--‬ذا الص ‪--‬دد‪ .‬إذ من املالح ‪--‬ظ أن مجي ‪--‬ع ال ‪--‬دول العظمى تق ‪--‬وم على‬
‫أع ‪--‬داد ض ‪--‬خمة من الس‪--‬كان‪ ،‬وه ‪--‬ذا م ‪--‬ا يكش‪--‬ف عن‪--‬ه حتلي‪--‬ل بيان‪--‬ات التع ‪--‬دادات العاملي‪--‬ة‪ .‬فلق ‪--‬د بل‪--‬غ تع ‪--‬داد الس‪--‬كان يف‬
‫الوالي ‪--‬ات املتح ‪--‬دة األمريكي ‪--‬ة يف إح ‪--‬دى التع ‪--‬دادات الس ‪--‬ابقة على الس ‪--‬نوات احلالي ‪--‬ة‪ )165( ،‬ملي ‪--‬ون نس ‪--‬مة واالحتاد‬
‫السوفييت (‪ )200‬مليون نسمة‪ ،‬وأملانيا الغربية (‪ )52‬مليون نسمة‪ ،‬واململكة املتحدة الربيطانية (‪ )51‬مليون نسمة‪،‬‬
‫وفرنسا (‪ )42‬مليون نسمة (‪.)1()1‬‬

‫ولق‪--‬د ك‪--‬انت ه‪--‬ذه األع‪--‬داد الض‪--‬خمة للس‪--‬كان يف مث‪--‬ل ه‪--‬ذه البالد مس‪--‬ئولة لدرج‪--‬ة كب‪--‬رية عن زي‪--‬ادة ق‪--‬وة ه‪--‬ذه ال‪--‬دول‬
‫وعظمته ‪--‬ا يف الن ‪--‬واحي العس ‪--‬كرية والدفاعي ‪--‬ة واالقتص ‪--‬ادية‪ .‬فعلى ال ‪--‬رغم من أن اجليش يف امريك ‪--‬ا وروس ‪--‬يا واجنل ‪--‬رتا‬
‫وغريها ق‪-‬د حق‪-‬ق درج‪-‬ة من الق‪-‬وة والعظم‪-‬ة مل تص‪-‬ل إليه‪-‬ا ق‪-‬وة اجليش يف غريه‪-‬ا من بالد أخ‪-‬رى وذل‪-‬ك نتيج‪-‬ة للتق‪-‬دم‬
‫التكنول ‪--‬وجي‪ .‬إال أن االس ‪--‬لحة ال ‪--‬يت يس ‪--‬تخدمها اجليش على اختالفه ‪--‬ا ك ‪--‬انت حتت ‪--‬اج إىل رج ‪--‬ال يقودوهنا وخيدموهنا‬
‫ويصلحوهنا‪ ،‬ومل جتد هذه الدول ما مينع من تعبئتهم من واقع العدد الضخم لسكاهنا‪ .‬وهلذا يقال أنه كلما زاد ع‪--‬دد‬
‫السكان كلما اس‪-‬تطاعات الدول‪-‬ة أن تع‪-‬بئ نس‪-‬بة كب‪-‬رية منهم يف اجليش‪ ،‬وكلم‪-‬ا زادت الق‪-‬وة العس‪-‬كرية للدول‪-‬ة كلم‪-‬ا‬
‫اس‪--‬تطاعت أن متارس تأثريه‪--‬ا يف اجملال ال‪--‬دويل على غريه‪--‬ا من دول أض‪--‬عف منه‪--‬ا عس‪--‬كريًا‪ ،‬وه‪--‬ذا م‪--‬ا تلمس‪--‬ه يف حال‪--‬ة‬
‫الدول املذكورة سلفًا هذا من ناحية‪.‬‬

‫(‪)1 ()1‬‬
‫دكتور أحمد الخشاب‪ ،‬سكان المجتمع العربي‪ ،‬مكتبة القاهرة الحديثة‪ ،‬ص ‪.30-27‬‬

‫‪24‬‬
‫وأما من الناحية الثانية فإننا جند أن زي‪-‬ادة ع‪--‬دد الس‪-‬كان وض‪--‬خامة حجمهم تكف‪--‬ل هلم الفرص‪--‬ة لل‪-‬دفاع عن بالدهم‪،‬‬
‫ألنه من الصعب على اجليوش الغازية واملستعمرة أن تقهر هذا الع‪-‬دد املتزاي‪-‬د كم‪-‬ا ال يس‪-‬هل احتالل أراض‪-‬ي يس‪-‬كنها‬
‫عدد كبري من السكان‪ .‬ولعل ما حدث بني الواليات املتحدة األمريكية وبني فيتن‪-‬ام يف ت‪-‬اريخ احلروب العاملي‪-‬ة‪ ،‬اخ‪-‬ري‬
‫دلي‪--‬ل على ه‪--‬ذه احلقيق‪--‬ة‪ .‬فلق‪--‬د ح‪--‬ال الع‪--‬دد املتزاي‪--‬د لس‪--‬كان فيتن‪--‬ام وت‪--‬وزيعهم على رقع‪--‬ة كب‪--‬رية من األرض‪ ،‬دون أن‬
‫حتق‪-‬ق الوالي‪-‬ات املتح‪-‬دة األمريكي‪-‬ة أه‪-‬دافها يف قه‪-‬ر الفيتن‪-‬اميني‪ ،‬والس‪-‬يطرة عليهم ب‪-‬رغم م‪-‬ا يتم‪-‬يز ب‪-‬ه اجليش األم‪--‬ريكي‬
‫من تف‪-- -‬وق تكنول‪-- -‬وجي‪ .‬ومن الناحي‪-- -‬ة الثالث‪-- -‬ة جند أن‪-- -‬ه إذا ك‪-- -‬ان العنص‪-- -‬ر البش‪-- -‬ري ميث‪-- -‬ل ع‪-- -‬امًال ل‪-- -‬ه أمهيت ‪--‬ه يف النش ‪--‬اط‬
‫االقتص ‪--‬ادي‪ ،‬ويتوق ‪--‬ف اإلنت ‪--‬اج االقتص ‪--‬ادي الض ‪--‬خم على ت ‪--‬وفر األي ‪--‬دي العامل ‪--‬ة ب ‪--‬احلجم املناس ‪--‬ب‪ ،‬ف ‪--‬إن زي ‪--‬ادة ع ‪--‬دد‬
‫السكان يف اجملتمع وض‪-‬خامة حجم‪-‬ه‪ ،‬تس‪-‬مح بت‪-‬وفر أع‪-‬داد كب‪-‬رية من املهن‪-‬يني للعم‪-‬ل‪ ،‬األم‪-‬ر ال‪-‬ذي يص‪-‬دق مع‪-‬ه الق‪-‬ول‬
‫بأن‪--‬ه كلم‪--‬ا ت‪--‬وفرت األي‪--‬دي العامل‪--‬ة‪ ،‬واش‪--‬تغلت يف االنت‪--‬اج زاد معدل‪--‬ه ومتكنت الدول‪--‬ة من اس‪--‬تخدامه يف ممارس‪--‬ة قوهتا‬
‫وتأثريها يف اجملال الدويل واستطاعت أن حترم دوال أخرى منه وهتب دوال غريها هذا االنتاج‪.‬‬

‫حجم السكان في مصر‬

‫مل تكن ض ‪--‬رورة دراس ‪--‬ة حجم الس ‪--‬كان يف زي ‪--‬ادة ال ‪--‬وعي االجتـمـاعي وحتقي ‪--‬ق الرفاهي ‪--‬ة االجتماعي ‪--‬ة كم ‪--‬ا تؤك ‪--‬دها‬
‫املعارف العلمية الس‪-‬ابقة‪ ،‬أم‪-‬رًا مطلوب‪ً-‬ا لذات‪-‬ه كم‪-‬ا أن اإلملام هبا واس‪-‬تيعاهبا ال ميث‪-‬ل ه‪-‬دفًا يف ح‪-‬د ذات‪-‬ه‪ ،‬وإمنا ك‪-‬ان الب‪-‬د‬
‫من أن توظف هذه املعارف خلدمة اجملتمع وح‪-‬ل مش‪-‬كالته‪ .‬ومل تكن ه‪-‬ذه احلق‪-‬ائق كله‪-‬ا غائب‪-‬ة عن ذهن االنس‪-‬ان يف‬
‫مص ‪--‬ر‪ .‬ذل ‪--‬ك ألن ‪--‬ه عن ‪--‬دما يوج ‪--‬ه نظ ‪--‬ر الطالب يف املعاه ‪--‬د واجلامع ‪--‬ات حنو احلق ‪--‬ائق املتعلق ‪--‬ة حبجم الس ‪--‬كان وأمهي ‪--‬ة‬
‫دراستها‪ ،‬من خالل الربامج املخصصة للدراسة العلمي‪-‬ة للظ‪-‬واهر الس‪-‬كانية‪ ،‬يتوق‪-‬ع أن يك‪-‬ون مث‪-‬ل ه‪-‬ؤالء الطالب هم‬
‫رس ‪--‬له لتن ‪--‬وير الس ‪--‬كان وزي ‪--‬ادة وعيهم هبذه احلق ‪--‬ائق‪ .‬وعن ‪--‬دما ك ‪--‬ان اجملتم ‪--‬ع حريص ‪ً-‬ا على تنظيم تع ‪--‬داد الس ‪--‬كان على‬
‫ف‪--‬رتات زمني‪--‬ة متقارب‪--‬ة‪ ،‬وعن‪--‬دما اهتم بإقام‪--‬ة مك‪--‬اتب التس‪--‬جيل احلي‪--‬وي وتعميم وجوده‪--‬ا يف أرج‪--‬اء األرض املص‪--‬رية‪،‬‬
‫وعندما اعتمدت امليزانيات الالزمة ملراكز البحوث ومشروعاهتا كان يتوقع من كل هذه اإلجراءات أن حيص‪--‬ل على‬
‫احلق ‪--‬ائق الس ‪--‬كانية ح ‪--‬ول حجم الس ‪--‬كان ومنوهم من مص ‪--‬ادرها األساس ‪--‬ية‪ ،‬ح ‪--‬ىت يتس ‪--‬ىن ل ‪--‬ه إقام ‪--‬ة اخلط ‪--‬ط القومي ‪--‬ة‬
‫واملشروعات والسياسات واالسرتاتيجيات والقرارات على أساس من العلم واملعرفة بظ‪-‬روف س‪-‬كانه‪ .‬وميث‪-‬ل اجلدول‬

‫‪25‬‬
‫الت‪--‬ايل ع ‪--‬دد الس‪--‬كان يف مص ‪--‬ر حس‪--‬ب التع ‪--‬دادات املختلف ‪--‬ة ويع ‪--‬د واح‪--‬دًا من نت‪--‬ائج ه ‪--‬ذه االهتمام ‪--‬ات بدراس‪--‬ة حجم‬
‫السكان(‪.)1()1‬‬

‫جدول رقم (‪)1‬‬

‫‪1947‬م‬ ‫‪1937‬م‬ ‫‪1927‬م‬ ‫‪1907‬م‬ ‫‪1897‬‬ ‫‪1882‬‬ ‫السنة‬


‫عدد السكان‬
‫‪18.97‬‬ ‫‪15.9‬‬ ‫‪14.1‬‬ ‫‪11.3‬‬ ‫‪9.7‬‬ ‫‪6.8‬‬
‫باملاليني‬
‫‪1996‬م(‪2()2‬‬
‫‪1986‬م‬ ‫‪1976‬م‬ ‫‪1966‬م‬ ‫‪1960‬م‬ ‫السنة‬
‫)‬
‫عدد السكان‬
‫‪59.3‬‬ ‫‪48.3‬‬ ‫‪36.6‬‬ ‫‪30.1‬‬ ‫‪26.1‬‬
‫باملاليني‬

‫ضرورة دراسة نمو السكان‬ ‫‪]2‬‬

‫س‪--‬بق أن أوض‪--‬حنا املقص‪--‬ود بنم‪--‬و الس‪--‬كان وكيفي‪--‬ة التع‪--‬رف علي‪--‬ه يف اجملتم‪--‬ع‪ ،‬وحناول هن‪--‬ا حتلي‪--‬ل ض‪--‬رورة دراس‪--‬ة منو‬
‫السكان‪ .‬والواقع أن هناك جمموعة من العوامل املختلفة اليت حفزت العلماء إىل االهتمام بدراسة منو السكان وحتليل‬
‫آث‪--‬اره س‪--‬نتناوهلا بالتفص ‪--‬يل فيم‪--‬ا بع ‪--‬د‪)3()3(.‬ولق ‪--‬د ك‪--‬ان من نتيج‪--‬ة ه ‪--‬ذا االهتم‪--‬ام أن ت‪--‬وفر يف ت‪--‬راث الدراس‪--‬ة العلمي‪--‬ة‬
‫للس‪--‬كان وحتليله‪--‬ا على ض‪--‬وء قض‪--‬ايا اجملتم‪--‬ع اجتاهني أساس‪--‬يني يف دراس‪--‬ة منو الس‪--‬كان‪ ،‬األول حيل‪--‬ل ه‪--‬ذه الظ‪--‬اهرة يف‬
‫ض ‪--‬وء منو وس ‪--‬ائل العيش‪ ،‬والث ‪--‬اين يتن ‪--‬اول ظ ‪--‬اهرة النم ‪--‬و يف عالقاهتا بالعوام ‪--‬ل ال ‪--‬يت ت ‪--‬ؤثر يف مع ‪--‬دل املوالي ‪--‬د والوفي ‪--‬ات‬
‫وحناول فيما يلي توضيح وجهة نظر كل اجتاه‪ ،‬حىت يتسىن لنا استخالص الدروس والنت‪-‬ائج ال‪-‬يت ت‪-‬دلل على جوهري‪-‬ة‬
‫وضرورة دراسة منو السكان‪.‬‬

‫االيكولوجيا البشرية ودراسة العالقة بين نمو السكان ووسائل العيش‪:‬‬ ‫(ا)‬
‫(‪ )1()1‬المصدر‪:‬الجهاز المركزي للتعبئة العامة واإلحصاء‪ ،‬الكتاب اإلحصائي لجمهوية مصر العربية يونيو ‪1991‬م‪ ،‬ص ‪.14‬‬
‫(‪ )2()2‬الجهاز المركزي للتعبئة العامة واإلحصاء‪ ،‬الكتاب اإلحصائي السنوي ‪1997‬م‪ ،‬ص ‪.12‬‬
‫(‪ )3()3‬انظر الفصل الثاني‬

‫‪26‬‬
‫ت‪--‬رد حماول‪--‬ة رب‪--‬ط منو الس‪--‬كان ب‪--‬النمو يف وس‪--‬ائل العيش إىل تل‪--‬ك احملاوالت ال‪--‬يت تنبهت إىل أمهي‪--‬ة دراس‪--‬ة منو الس‪--‬كان‬
‫وح ‪--‬اولت أن تبحث عن إجاب ‪--‬ة على ك ‪--‬ل التس ‪--‬اؤالت والتوقع ‪--‬ات ال ‪--‬يت أثارهتا الزي ‪--‬ادة املس ‪--‬تمرة واملخيف ‪--‬ة يف أع ‪--‬داد‬
‫السكان يف العامل مث‪-‬ل‪ :‬ه‪-‬ل ك‪-‬انت ه‪-‬ذه الزي‪-‬ادة يف ع‪-‬دد الس‪-‬كان تقابله‪-‬ا زي‪-‬ادة مباش‪-‬رة يف وس‪-‬ائل العيش؟ أم ك‪-‬انت‬
‫الزيادة يف السكان تف‪-‬وق ع‪-‬ادة الزي‪-‬ادة يف وس‪-‬ائل العيش أم العكس؟ وم‪-‬ا هي الوس‪-‬ائل ال‪-‬يت اس‪-‬تعان هبا اإلنس‪-‬ان على‬
‫حق هذا التوازن يف اجلانبني؟‪.‬‬

‫وك‪-- -‬انت االيكولوجي‪-- -‬ة البش‪-- -‬رية ‪ Human Ecology‬باعتباره‪-- -‬ا فرع ‪ً- -‬ا من ف‪-- -‬روع علم االجتم‪-- -‬اع يف مقدم‪-- -‬ة‬
‫احملاوالت اليت اهتمــت بالبحــث عن إجابة على كل هذه التساؤالت‪ ،‬وغريها على النحو التايل‪:‬‬

‫فك ‪--‬ان عليه ‪--‬ا أوًال أن تس ‪--‬جل احلق ‪--‬ائق املتعلق ‪--‬ة باجلانــب األول من ط ‪--‬ريف ه ‪--‬ذه العالق ‪--‬ة وه ‪--‬و منو الس ‪--‬كان يف الع ‪--‬امل‪.‬‬
‫فرجعت إىل الرتاث الذي يوضح منو السكان يف العامل‪ ،‬ووجدت أن نقطة البداية يف تعقب تاريخ منو البش‪-‬رية يرج‪-‬ع‬
‫إىل بداي‪--‬ة ظه‪--‬ور املخلوق‪--‬ات البش‪--‬رية على وج‪--‬ه البس‪--‬يطة تل‪--‬ك ال‪--‬يت ك‪--‬انت تس‪--‬تعني مبجموع‪--‬ة من األدوات يف توف‪--‬ري‬
‫وسائل عيشها وبقائها‪ .‬ولوحظ أن ديفي ‪ Devy‬يذهب يف ه‪-‬ذا الص‪-‬دد إىل أن‪-‬ه من‪-‬ذ ملي‪-‬ون س‪-‬نة تقريب‪ً-‬ا ك‪-‬ان هن‪-‬اك‬
‫‪ 125.000‬من املخلوقات تستعني هبذه الوسائل‪ .‬مث وص‪-‬ل ه‪-‬ذا الع‪-‬دد إىل ‪ 5.3‬ملي‪-‬ون نس‪-‬مة يف ع‪-‬ام ‪ 8000‬قب‪-‬ل‬
‫امليالد‪ ،‬ويف ع ‪--‬ام ‪ 4000‬قب ‪--‬ل امليالد تض ‪--‬اعف ه ‪--‬ذا الع ‪--‬دد إىل ‪ 86.5‬ملي ‪--‬ون‪ .‬ويف وقت ميالد املس ‪--‬يح ق ‪--‬در س ‪--‬كان‬
‫الع‪-‬امل حبوايل ‪ 132‬ملي‪-‬ون نس‪-‬مة مث ارتف‪-‬ع ه‪-‬ذا الع‪-‬دد يف ع‪-‬ام ‪ 1650‬إىل ح‪-‬وايل ‪ 545‬ملي‪-‬ون نس‪-‬مة ويق‪-‬در يف ع‪-‬ام‬
‫‪1990‬م بنحو‪ 5.2‬بليون نسمة‪ .‬وقدر املع‪-‬دل الس‪-‬نوي للزي‪-‬ادة الطبيعي‪-‬ة يف س‪-‬كان الع‪-‬امل يف الف‪-‬رتة م‪-‬ا بني ‪1985‬م‬
‫‪1990 -‬م حبوايل (‪ )17‬يف األلف‪ .‬وانتهى البحث حول النمو السكاين يف العامل إىل احلقائق التالية‪:‬‬

‫أن سكان العامل كانوا يف زيادة مستمرة‪.‬‬ ‫‪.1‬‬


‫شهدت السنوات احلديثة تزايدًا يف معدل منو السكان بدرجة مل يسبق إليها يف تاريخ البشرية(‪ .)1()1‬وذلك‬ ‫‪.2‬‬
‫بناء على جتميع احلقائق السكانية من مصادرها املختلفة واملتوافرة أو من التعدادات العاملية والتسجيالت‬
‫احليوية والبحوث وغريها‪ ،‬مث رصدها يف جدول يلخصها ويوضحها على النحو التايل‪:‬‬

‫جدول رقم (‪)2‬‬

‫(‪D. M. Heer, Society & Population, Prentice Hall of India New Delhi, 1969 )1‬م‪pp. 2 - 3 (1) ,‬‬

‫‪27‬‬
‫يرغب تقدير سكان العالم من عام ‪ 1650‬حتى عام ‪1995‬م(‪)2()2‬‬

‫معدل الزيادة السنوية كل ألف من السنوات‬


‫السكان بالمليون‬ ‫السنة‬
‫السابقة‬
‫‪-‬‬ ‫‪545‬‬ ‫‪1650‬‬
‫‪3‬‬ ‫‪728‬‬ ‫‪1750‬‬
‫‪4‬‬ ‫‪908‬‬ ‫‪1800‬‬
‫‪5‬‬ ‫‪1.171‬‬ ‫‪1850‬‬
‫‪6‬‬ ‫‪1.608‬‬ ‫‪1900‬م‬
‫‪9‬‬ ‫‪2.517‬‬ ‫‪1950‬م‬
‫‪18‬‬ ‫‪2.903‬‬ ‫‪1958‬م‬
‫‪)3()3(17‬‬ ‫‪3.220‬‬ ‫‪1964‬م‬
‫‪)4()4(17‬‬ ‫‪5.292‬‬ ‫‪1991‬م‬
‫‪5.685‬‬ ‫‪1995‬م‬
‫مث أخ‪--‬ذت االيكولوجي‪--‬ا البش‪--‬رية بع‪--‬د ذل‪--‬ك تس‪--‬تخلص احلق‪--‬ائق املتعلق‪--‬ة باجلانب الث‪--‬اين من ط‪--‬ريف العالق‪--‬ة وه‪--‬و وس‪--‬ائل‬
‫العيش يف الع‪--‬امل‪ ،‬وك‪--‬انت تسرتش‪--‬د يف حتليله‪--‬ا لل‪--‬رتاث حبث ‪ً-‬ا عن ه‪--‬ذه احلق‪--‬ائق‪ ،‬ببعض املس‪--‬لمات منه‪--‬ا أن‪--‬ه ليس هن‪--‬اك‬
‫كائن إنساين واحد يستطيع أن ينمو وينض‪-‬ج دون االعتم‪-‬اد على ب‪-‬ين جنس‪-‬ه وأن اجملتمع‪-‬ات اإلنس‪-‬انية تعتم‪-‬د ب‪-‬دورها‬
‫على اجملتمع‪--‬ات احليواني‪--‬ة‪ ،‬واألن‪--‬واع النباتي‪--‬ة وعلى الن‪--‬واحي الفيزيقي‪--‬ة للبيئ‪--‬ة مث‪--‬ل اهلواء واملاء ودرج‪--‬ة احلرارة وغريه‪--‬ا‬
‫وذل ‪--‬ك كل ‪--‬ه يف حماولته ‪--‬ا توف ‪--‬ري وس ‪--‬ائل العيش‪ .‬ورك ‪--‬زت دراس ‪--‬تها على العالق ‪--‬ة املتبادل ‪--‬ة بني الس ‪--‬كان وبني بيئ ‪--‬اهتم‬
‫الفيزيقية والبيولوجي‪-‬ة وذل‪-‬ك اعتم‪-‬ادًا على مفه‪-‬وم نس‪-‬ق البيئ‪-‬ة ‪ ،Eco – System‬ال‪-‬ذي قص‪-‬د ب‪-‬ه جمم‪-‬وع النبات‪-‬ات‬
‫واحليوان ‪--‬ات والبش ‪--‬ر املرتبط ‪--‬ة ببعض ‪--‬ها م ‪--‬ع اخلواص الفيزيقي ‪--‬ة لب ‪--‬يئتهم‪ .‬ولق ‪--‬د س ‪--‬اعدت ه ‪--‬ذه املفهوم ‪--‬ات واملس ‪--‬لمات‬
‫االيكولوجي‪--‬ا البش‪--‬رية يف الوص‪--‬ول إىل جمموع‪--‬ة من النت‪--‬ائج ال‪--‬يت توض‪--‬ح أن النم‪--‬و املاض‪--‬ي لس‪--‬كان الع‪--‬امل مل يكن ممكن‪ً-‬ا‬
‫ب‪--‬دون أن حيدث اإلنس‪--‬ان تغ‪--‬ريات حامسة يف نس‪--‬ق بيئت‪--‬ه م‪--‬ع العلم ب‪--‬أن املقص‪--‬ود ب‪--‬التغريات ليس التغ‪--‬ريات الكمي‪--‬ة ال‪--‬يت‬
‫جتع‪--‬ل عالق‪--‬ة اإلنس‪--‬ان احلديث ببيئت‪--‬ه تتف‪--‬وق على عالق‪--‬ة اإلنس‪--‬ان الب‪--‬دائي ببيئت‪--‬ه – وإمنا يقص‪--‬د هبا تل‪--‬ك التغ‪--‬ريات يف‬
‫(‪Ibid, p. 3 (2))2‬‬
‫(‪ )3()3‬الجهاز المركزي للتعبئة واإلحصاء‪ ،‬الكتاب اإلحصائي السنوي لجمهورية مصر العربية ‪1991‬م‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.328‬‬
‫(‪ )4()4‬فايز محمد العيسوي‪ ،‬أسس الجغرافيا البشرية‪ ،‬دار المعرفة الجامعية‪1996 ،‬م‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،‬ص ‪.62‬‬

‫‪28‬‬
‫النس‪--‬ق االيكول‪--‬وجي وخاص‪--‬ة التغ‪--‬ري يف التكنولوجي‪--‬ا والتنظيم تغ‪--‬ريًا يعم‪--‬ل على زي‪--‬ادة اإلنت‪--‬اج بق‪--‬در اإلمك‪--‬ان إىل ح‪--‬د‬
‫يف ‪--‬وق مق ‪--‬دار اإلنت ‪--‬اج ال ‪--‬ذي ك ‪--‬انت تتيح ‪--‬ه كمي ‪--‬ة العم ‪--‬ل يف الف ‪--‬رتة الس ‪--‬ابقة‪ ،‬وك ‪--‬انت تل ‪--‬ك التغ ‪--‬ريات متث ‪--‬ل إح ‪--‬دى‬
‫امليكانيزم‪-‬ات األساس‪-‬ية ال‪-‬يت متكن بواس‪-‬طتها اإلنس‪-‬ان أن حياف‪-‬ظ على الت‪-‬وازن بني الزي‪-‬ادة يف الس‪-‬كان وبني الزي‪-‬ادة يف‬
‫وسائل العيش‪ .‬هذا فضًال عن أهنا تؤكد أن تزايد وسائل العيش مل يكن تزايدًا آليًا يساير نسبة التزايد يف السكان‪.‬‬

‫وقد يلقى تتبع بعض التغريات يف التكنولوجي‪-‬ا والتنظيم تل‪-‬ك ال‪-‬يت أث‪-‬رت يف ق‪-‬درة اإلنس‪-‬ان على توف‪-‬ري وس‪-‬ائل العيش‬
‫أم‪--‬ام الزي‪--‬ادة اهلائل‪--‬ة يف الس‪--‬كان يف ك‪--‬ل مرحل‪--‬ة من مراح‪--‬ل الت‪--‬اريخ‪ ،‬يلقي الض‪--‬وء على ه‪--‬ذه احلق‪--‬ائق(‪ )1()1‬ف‪--‬إذا ب‪--‬دأنا‬
‫باإلنسان األول‪ :‬ميكن القول بدون شك أن اللغة كانت متخلفة وأنه مل يعرف استخدام الن‪-‬ار‪ .‬ولق‪-‬د أدى اس‪-‬تخدام‬
‫النار بعد ذلك وتطور وسائل العيش إىل زيادة السكان‪ .‬كما أدى التحسن يف األدوات املخصصة للصيد فيم‪-‬ا بع‪--‬د‪،‬‬
‫وخاصة من اهلراوة إىل الرمح إىل الس‪-‬هم إىل الق‪-‬وس‪ ،‬أدى إىل تط‪-‬ور اجلماع‪-‬ات االنس‪-‬انية الص‪-‬غرية إىل قبائ‪-‬ل الرح‪-‬ل‪،‬‬
‫مث إىل اجملتمعات القبلية املستقرة‪ ،‬وأدى اخرتاع الفأس وأساليب الزراعة البدائية إىل زي‪--‬ادة يف الغ‪--‬ذاء وم‪--‬وارد العيش‪،‬‬
‫مما ك‪--‬ان ل‪--‬ه أث‪--‬ره على منو الس‪--‬كان‪ .‬وأرج‪--‬ع (ديفي) تض‪--‬اعف الس‪--‬كان إىل ‪ 16‬م‪--‬رة يف الف‪--‬رتة من ‪ 8000‬س‪--‬نة قب‪--‬ل‬
‫امليالد إىل ‪ 4000‬سنة قبل امليالد‪ ،‬إىل تطور أساليب زراعة البساتني‪ .‬وكان وجود احليوانات املستأنس‪--‬ة إىل ج‪--‬انب‬
‫اس‪-- -‬تخدام احملراث وري األرض الزراعي‪-- -‬ة‪ ،‬واس‪-- -‬تخدام الس‪-- -‬ماد واحملرك‪-- -‬ات ذات العجالت وغريه‪-- -‬ا‪ ،‬يف اجملتمع‪-- -‬ات‬
‫الزراعية‪ ،‬يسهم يف تزايد اإلنتاج‪ .‬وظه‪-‬رت ب‪-‬دايات اجملتم‪-‬ع الص‪-‬ناعي احلض‪-‬ري‪ ،‬يف أورب‪-‬ا‪ ،‬يف نفس ال‪-‬وقت م‪-‬ع رحل‪-‬ة‬
‫ك‪--‬وملبس إىل أمريك‪--‬ا‪ ،‬تل‪--‬ك الرحل‪--‬ة وغريه‪--‬ا من رحالت املستكش‪--‬فني – إىل ه‪--‬ذا الع‪--‬امل اجلدي‪--‬د – ك‪--‬انت هلا أمهيته‪--‬ا‬
‫بالنسبة للتقدم التكنولوجي والتنظيمي لسببني‪:‬‬

‫جلب املستكشفون معهم يف عودهتم من هذا العامل‪ ،‬أنواعًا بالغة األمهية من النباتات الزراعية مل تكن معروف‪--‬ة‬ ‫‪-1‬‬
‫من قب ‪--‬ل يف أورب ‪--‬ا وآس ‪--‬يا‪ ،‬مث ‪--‬ل البط ‪--‬اطس والفاص ‪--‬وليا والطم ‪--‬اطم وغريه ‪--‬ا‪ .‬ولق ‪--‬د ب ‪--‬دأت بالد أورب ‪--‬ا الش ‪--‬مالية‬
‫واجنل‪--‬رتا وهولن‪--‬دا والبالد االس‪--‬كندنافية وأملاني‪--‬ا وبولن‪--‬دا وروس‪--‬يا ت‪--‬زرع ه‪--‬ذه النبات‪--‬ات وخاص‪--‬ة البط‪--‬اطس ال‪--‬يت‬
‫ك‪--‬ان إنت‪--‬اج الف‪--‬دان منه‪--‬ا يس‪--‬اوي يف قيمت‪--‬ه الغذائي‪--‬ة انت‪--‬اج اث‪--‬نني أو أربع‪--‬ة أفدن‪--‬ة من احلب‪--‬وب املعروف‪--‬ة يف ه‪--‬ذه‬
‫البالد قبل ذل‪-‬ك حبيث أص‪-‬بحت البط‪-‬اطس هي النب‪-‬ات الوحي‪-‬د يف غ‪-‬ذاء س‪-‬كان ه‪-‬ذه البالد‪ ،‬األم‪-‬ر ال‪-‬ذي ميكن‬
‫القول معه أن زيادة السكان يف هذه البالد كانت تسري جنبًا إىل جنب مع الزيادة يف انتاج الغذاء‪.‬‬

‫)‪(1) (1‬‬
‫‪D. M. Heer, Socity & Population, pp. 3 - 4.‬‬

‫‪29‬‬
‫أخذ املستكشفون معهم إىل هذه العامل أنواعًا من احليوانات املستأنسة ‪ -‬وخباصة احلص‪-‬ان ‪ -‬مما ك‪-‬ان ل‪-‬ه أث‪-‬ره‬ ‫‪-2‬‬
‫يف التطور الفين اهلائل يف بالد العامل اجلديد (أمريكا)‪ .‬فلقد استفاد اهلنود سكان السهول الشاس‪-‬عة يف أمريك‪-‬ا‬
‫الشمالية من وجود احلصان – واستغنوا به عن الثور – كم‪-‬ا اس‪-‬تفادوا من األس‪-‬اليب التكنولوجي‪-‬ة ال‪-‬يت محله‪-‬ا‬
‫األوروبيون املهاجرون إليهم‪ ،‬وأثر ذلك يف وسائل العيش لديهم‪.‬‬

‫كما متيزت اجملتمعات الصناعية احلضرية من ناحية أخ‪-‬رى‪ ،‬بابتك‪-‬ار اآلل‪-‬ة البخاري‪-‬ة ال‪-‬يت جعلت ف‪-‬ائض الطاق‪-‬ة ل‪-‬دى‬
‫اإلنس ‪--‬ان ي ‪--‬أيت من مص ‪--‬ادر غ ‪--‬ري حي ‪--‬ة‪ ،‬مث ‪--‬ل الفحم والب ‪--‬رتول والغ ‪--‬از الط ‪--‬بيعي‪ .‬وك ‪--‬ان من نت ‪--‬ائج اس ‪--‬تخدام ه ‪--‬ذه‬
‫االبتكارات يف أوربا وأمريكا وغريها‪ ،‬أن متكن اإلنسان من مضاعفة اإلنت‪-‬اج‪ ،‬وتوف‪-‬ري ض‪-‬روريات احلي‪-‬اة من طع‪-‬ام‬
‫وملبس وم ‪-- -‬وارد وأن يتخلص أيض‪ً- - -‬ا من خط ‪-- -‬ر النقص يف انت ‪-- -‬اج الغ ‪-- -‬ذاء يف املن ‪-- -‬اطق ال ‪-- -‬يت ال يت ‪-- -‬وافر فيه ‪-- -‬ا الغ ‪-- -‬ذاء‬
‫واخلدمات‪ ،‬بفضل تطور وسائل النقل(‪.)1‬‬

‫وعمومًا كان التقدم يف وسائل العيش ه‪-‬ائًال وس‪-‬ريعًا‪ ،‬كم‪-‬ا ك‪-‬ان منو الس‪-‬كان متزاي‪-‬دًا وس‪-‬ريعًا يف أورب‪-‬ا وأمريك‪-‬ا‪،‬‬
‫وذل‪--‬ك نتيج‪--‬ة للث‪--‬ورة الص‪--‬ناعية‪ ...‬وهك‪--‬ذا ك‪--‬انت الزي‪--‬ادة يف س‪--‬كان الع‪--‬امل تقابله‪--‬ا زي‪--‬ادة مماثل‪--‬ة يف وس‪--‬ائل العيش‬
‫اس‪--‬تنادًا إىل أن االنس‪--‬ان ك‪--‬ان يس‪--‬تعني يف حف‪--‬ظ الت‪--‬وازن بني الزي‪--‬ادة يف اجلانبني يف ك‪--‬ل جمتم‪--‬ع ع‪--‬رب ت‪--‬اريخ البش‪--‬رية‪،‬‬
‫على تطوير بيئته التكنولوجية والتنظيمية‪.‬‬

‫نمو السكان ووسائل العيش في مصر‬

‫وإذا أردن‪--‬ا أن نتحق‪--‬ق من م‪--‬دى انطب‪--‬اق ه‪--‬ذه احلق‪--‬ائق على ظ‪--‬روف الس‪--‬كان يف مص‪--‬ر ونبحث عن اإلجاب‪--‬ة على‬
‫جمموعة من التساؤالت السابقة مثل هل كانت هناك زيادة يف سكان مصر؟ وما نوع الزيادة اليت ش‪--‬هدها س‪--‬كان‬
‫مص ‪--‬ر يف الس‪--‬نوات احلديث‪--‬ة؟ وإذا ك‪--‬انت هن‪--‬اك زي‪--‬ادة يف منو س‪--‬كان مص ‪--‬ر‪ ،‬فه ‪--‬ل ك‪--‬انت الزي‪--‬ادة تقابله ‪--‬ا زي‪--‬ادة يف‬
‫وس‪--‬ائل العيش؟ وم‪--‬ا هي األس‪--‬اليب ال‪--‬يت اس‪--‬تند إليه‪--‬ا اإلنس‪--‬ان املص‪--‬ري يف حف‪--‬ظ ه‪--‬ذا الت‪--‬وازن؟ وإذا ب‪--‬دأنا ب‪--‬البحث‬
‫عن احلق‪--‬ائق ال‪-‬يت تلقي الض‪--‬وء على منو الس‪-‬كان يف مص‪--‬ر‪ .‬فإنن‪-‬ا جند أن‪-‬ه من الص‪--‬عب التكهن بع‪--‬دد س‪-‬كان مص‪--‬ر يف‬
‫العصور القدمية إذ قدر بعض الكتاب سكان مصر يف عصر قدماء املصريني حبوايل (‪ )40‬مليون نسمة‪ ،‬وه‪--‬و رقم‬
‫خي‪--‬ايل ال ميكن قبول‪--‬ه‪ .‬ألن التق‪--‬ديرات املعقول‪--‬ة لتل‪--‬ك احلقب‪--‬ة‪ ،‬ومنه‪--‬ا تق‪--‬دير (ش‪--‬امبليون ت‪--‬رتاوح بني أربع‪--‬ة أو مثاني‪--‬ة‬

‫)(‪1‬‬
‫‪Ibid., pp. 4 - 6.‬‬

‫‪30‬‬
‫ماليني نس‪--‬مة‪ .‬كم‪--‬ا ق‪--‬در (ه‪--‬ريودوت) ع‪--‬دد الس‪--‬كان يف عه‪--‬د البطال‪--‬ة حبوايل ثالث‪--‬ة ماليني نس‪--‬مة‪ .‬كم‪--‬ا ق‪--‬دره أح‪--‬د‬
‫املؤرخني يف القرن األول بعد امليالد بنحو مخس‪-‬ة ماليني‪ .‬وق‪-‬دره آخ‪-‬ر بنح‪-‬و مخس‪-‬ة ماليني نس‪-‬مة عن‪-‬د فتح الع‪--‬رب‬
‫ملص ‪--‬ر‪ ،‬واألرجح أن ع ‪--‬دد الس ‪--‬كان مل يتج ‪--‬اوز ه ‪--‬ذا ال ‪--‬رقم يف أواخ ‪--‬ر العص ‪--‬ور الوس ‪--‬طى‪ .‬ولق ‪--‬د تض ‪--‬منت كتاب ‪--‬ات‬
‫الرحال‪--‬ة ال‪--‬ذين زاروا مص‪--‬ر خالل الق‪--‬رن الث‪--‬امن عش‪--‬ر تق‪--‬ديرات جزافي‪--‬ة لع‪--‬دد الس‪--‬كن‪ ،‬إذ ق‪--‬دره (تريك‪--‬ون) حبوايل‬
‫مليوين نسمة‪ .‬كم‪-‬ا ق‪-‬در الرحال‪-‬ة (فول‪-‬يت) س‪-‬كان مص‪-‬ر ع‪-‬ام ‪1761‬م بنح‪-‬و ‪ 2.3‬ملي‪-‬ون نس‪-‬مة‪ .‬وق‪-‬در (جوم‪-‬ارد)‬
‫سكان مصر كلها باستثناء العرب الرحل حبوايل ‪ 2.5‬مليون نسمة‪ ،‬وهو نفس التقدير الذي وضعه (منجن) بع‪--‬د‬
‫ذل‪-‬ك لس‪-‬كان مص‪-‬ر ع‪-‬ام ‪1822‬م‪ .‬ويف ع‪-‬ام ‪ 1846‬ق‪-‬در (ري‪-‬ين) س‪-‬كان مص‪-‬ر بنح‪-‬و ‪ 4.5‬ملي‪-‬ون نس‪-‬مة‪ ،‬مث ج‪-‬اء‬
‫تقدير (روس) للسكان عام ‪1875‬م بنحو ‪ 5.2‬ملي‪-‬ون نس‪-‬مة‪ )1(.‬وج‪-‬اء حجم س‪-‬كان مص‪--‬ر يف أول تع‪--‬داد منظم‬
‫هلا ع ‪-- -‬ام ‪1882‬م بنح ‪-- -‬و ‪ 6.8‬ملي ‪-- -‬ون نس ‪-- -‬مة‪ .‬مث ت ‪-- -‬والت التع ‪-- -‬دادات أع ‪-- -‬وام ‪1897‬م‪1907 ،‬مم‪1917 ،‬مم‪،‬‬
‫‪1927‬مم‪1960 ،‬مم‪1986 ،‬مم‪ .‬وأخ‪-‬ريًا تع‪--‬داد ‪1996‬مم وق‪-‬در س‪-‬كان مص‪--‬ر يف ه‪--‬ذه التع‪--‬دادات على النح‪-‬و‬
‫الت ‪-- -‬ايل‪ 9.7 :‬ملي ‪-- -‬ون‪ 11.3 ،‬ملي ‪-- -‬ون‪ 12.8 ،‬ملي ‪-- -‬ون‪ 14.2 ،‬ملي ‪-- -‬ون ‪ 26.1‬ملي ‪-- -‬ون‪ 48.3 ،‬ملي ‪-- -‬ون و‪59.3‬‬
‫مليون‪ ...‬اخل وهكذا على التوايل وهذا ما يوضحه اجلدول التايل رقم (‪)3‬‬

‫جدول رقم (‪)3‬‬

‫عدد سكان ج‪.‬م‪.‬ع في سنوات التعداد(‪1882( )2‬م – ‪1996‬مم)‬

‫متوسط معدالت النمو السنوي بين التعدادات‬ ‫السكان بالمليون‬ ‫السنة‬

‫‪-‬‬ ‫‪6881‬‬ ‫‪1882‬‬


‫‪2.42‬‬ ‫‪9747‬‬ ‫‪1897‬‬
‫‪1.48‬‬ ‫‪11287‬‬ ‫‪1907‬م‬
‫‪1.26‬‬ ‫‪12751‬‬ ‫‪1917‬م‬
‫‪1.09‬‬ ‫‪14218‬‬ ‫‪1927‬م‬

‫‪ )(1‬دكتور علي الجريتلي‪ ،‬السكان والموارد البشرية في مصر‪ ،‬مطبعة مصر ‪1963‬م‪ ،‬ص ‪.18 - 9‬‬
‫‪ )(2‬يشمل البدو في محافظات الحدود‪.‬‬

‫‪31‬‬
‫‪1.14‬‬ ‫‪15933‬‬ ‫‪1937‬م‬
‫‪1.75‬‬ ‫‪1902‬م‪2‬‬ ‫‪1947‬م‬
‫‪2.38‬‬ ‫‪26085‬‬ ‫‪1960‬م‬
‫(‪)1‬‬
‫‪2.54‬‬ ‫‪30076‬‬ ‫‪1966‬م‬
‫‪2.31‬‬ ‫‪36627‬‬ ‫‪1976‬م‬
‫(‪)2‬‬
‫‪2.75‬‬ ‫‪4254‬‬ ‫‪1986‬م‬
‫‪2.08‬‬ ‫‪59272‬‬ ‫‪1996‬م‬

‫فق‪--‬د ك‪--‬ان ع‪--‬دد الس‪--‬كان يف مص‪--‬ر يف ع‪--‬ام ‪1882‬م (‪ )6.810‬مليون‪ً-‬ا وارتف‪--‬ع إىل ‪ 9.749‬يف ع‪--‬ام ‪1897‬م مع‪--‬دل‬
‫منو ‪ %2.42‬اخنفض يف العش‪-- - - -‬ر س‪-- - - -‬نوات التالي‪-- - - -‬ة إىل ‪ %1.48‬مث إىل ‪ %1.26‬مث إىل ‪ %1.09 ،%1.26‬يف‬
‫(‪)3‬‬
‫العشرين سنة التالية‪.‬‬

‫صورة هنا صـ ‪42‬‬

‫مث بدأ منو السكان يأخذ يف االرتفاع التدرجيي يف اخلمسني سنة األخرية ابتداء من ع‪--‬ام ‪1937‬مم فبل‪-‬غ ‪% 1.14‬‬
‫مث ‪ % 2.38 ،%1.78‬على التوايل ويف الفرتة ‪1966‬مم – ‪1976‬مم بلغ مع‪--‬دل النم‪-‬و ‪ %2.31‬ويرج‪-‬ع ذل‪-‬ك‬
‫إىل حتسن األحوال الصحية واخنفاض معدل الوفيات‪.‬‬

‫وك‪--‬ان من املتوق‪--‬ع أن ع‪--‬دد الس‪--‬كان سيتض‪--‬اعف بع‪--‬د أربع‪--‬ة وس‪--‬تني عام‪ً-‬ا إذا ك‪--‬ان املع‪--‬دل الس‪--‬نوي للزي‪--‬ادة ‪% 1.1‬‬
‫وبع ‪--‬د ثالثني عام ‪ً-‬ا إذا ك ‪--‬ان ‪ %2.33‬س ‪--‬نويًا وبع ‪--‬د مخس ‪--‬ة وعش ‪--‬رين عام ‪ً-‬ا فق ‪--‬ط إذا ك ‪--‬ان ه ‪--‬ذا املع ‪--‬دل ‪ %2.8‬وق ‪--‬د‬
‫تض‪--‬اعف ع‪--‬دد الس‪--‬كان يف مص‪--‬ر يف ثالث‪--‬ة وأربعني س‪--‬نة بني ع‪--‬امي ‪1917‬مم‪1960 ،‬مم حيث ك‪--‬ان مع‪--‬دل النم‪--‬و‬
‫‪ %1.6‬س‪--‬نويًا وس‪--‬وف يتض‪--‬اعف ه‪--‬ذا الع‪--‬دد م‪--‬رة أخ‪--‬رى يف أق‪--‬ل من ثالثني س‪--‬نة(‪ )4‬حيث بل‪--‬غ مع‪--‬دل النم‪--‬و ‪ 2.3‬يف‬
‫عام ‪1986‬م‪.‬‬
‫‪ )(1‬يشمل ‪ 1425‬خارج الجمهورية (بيانات أولية )‬
‫‪ )(2‬الجهاز المركزي للتعبئة العامة واإلحصاء ‪ ،‬الكتاب اإلحصائي السنوي ‪1997 ،‬م ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ص ‪.15 - 12‬‬
‫‪ )(3‬الجهاز المركزي للتعبئة العامة واإلحصاء السكان والتنمية في مصر ‪1987 ،‬م ‪ ،‬ص ‪.18‬‬
‫‪ )(4‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.5‬‬

‫‪32‬‬
‫وه ‪--‬ذه احلق ‪--‬ائق توض ‪--‬ح باملث ‪--‬ل أن س ‪--‬كان مص ‪--‬ر يف زي ‪--‬ادة مس ‪--‬تمرة‪ ،‬وأن الس ‪--‬نوات احلديث ‪--‬ة ش ‪--‬هدت تط ‪--‬ورًا وزي ‪--‬ادة‬
‫ملحوظة يف عدد سكان مصر مل يسبق إليها يف تاريخ البالد‪.‬‬

‫وإذا حاولن‪--‬ا بع‪--‬د ذل‪--‬ك أن نبحث عن احلق‪--‬ائق ال‪--‬يت تلقي الض‪--‬وء على األس‪--‬اليب ال‪--‬يت ح‪--‬اول أن يس‪--‬تند إليه‪--‬ا اإلنس‪--‬ان‬
‫املص ‪--‬ري يف حتقي ‪--‬ق الت ‪--‬وازن بني منو الس ‪--‬كان من ناحي ‪--‬ة وبني وس ‪--‬ائل العيش من ناحي ‪--‬ة أخ ‪--‬رى‪ .‬جند أن ه ‪--‬ذا البحث‬
‫تعرتض‪--‬ه ص‪--‬عوبات ع‪--‬دم ت‪--‬وفر الكتاب‪--‬ات املوث‪--‬وق هبا عن التط‪--‬ور التكنول‪--‬وجي والتنظيمي ملص‪--‬ر من‪--‬ذ العص‪--‬ور القدمية‪.‬‬
‫ولكن هذه الصعوبات ليست قائمة بالنسبة للتطور االقتصادي احلديث أو املعاصر ملصر وخاصة يف القرن العشرين‪.‬‬
‫وب‪--‬النظر إىل االقتص‪--‬اد املص‪--‬ري يف ه‪--‬ذه الف‪--‬رتة نالح‪--‬ظ تض‪--‬خم دور اإلنت‪--‬اج ال‪--‬زراعي يف ال‪--‬دخل الق‪--‬ومي‪ ،‬ال‪--‬ذي يرب‪--‬و‬
‫على ثلث الدخل القومي يف مصر‪ .‬وزي‪-‬ادة ع‪-‬دد املش‪-‬تغلني يف الزراع‪-‬ة من س‪-‬كان مص‪-‬ر بنس‪-‬بة ‪ %65‬وأن‪-‬ه ب‪-‬رغم من‬
‫أن االنقالب الص ‪--‬ناعي ق ‪--‬د م ‪--‬ر على مص ‪--‬ر‪ ،‬إّال أن ‪--‬ه مل ي ‪--‬رتك أث ‪--‬رًا عميق ‪ً-‬ا‪ ،‬فق ‪--‬ل ح ‪--‬ظ البالد من التكنولوجي ‪--‬ا احلديث ‪--‬ة‪،‬‬
‫واخنفض‪--‬ت نس‪--‬بة املش‪--‬تغلني بالص‪--‬ناعة‪ .‬كم‪--‬ا أن انت‪--‬اج الف‪--‬رد من الزراع‪--‬ة ك‪--‬ان منخفض‪ً-‬ا بالقي‪--‬اس إىل إنتاجي‪--‬ة الف‪--‬رد يف‬
‫الدول النامية‪ ....‬إذ توضح اإلحصائيات‪ ،‬أنه مل حيدث زيادة كبرية يف اإلنتاج ال‪--‬زراعي يف الف‪--‬رتة م‪--‬ا بني ‪1939‬مم‬
‫– ‪1913‬مم‪ .‬وبرغم أن انتاج القطن ق‪-‬د زاد ‪ %33‬وإنت‪-‬اج احلب‪-‬وب زاد أيض‪ً-‬ا ‪ ،%27‬خالل الف‪-‬رتة ‪1942‬مم –‬
‫‪1950‬مم‪ ،‬إال أن زي ‪--‬ادة الس ‪--‬كان يف الف ‪--‬رتة نفس ‪--‬ها ك ‪--‬ان مع ‪--‬دهلا ‪ ،%75‬مث هب ‪--‬ط انت ‪--‬اج الف ‪--‬دان من القطن والقمح‬
‫والذرة والقصب ومعىن هذا أن انتاج وسائل العيش من الزراعة مل يتمش مع زيادة السكان‪.‬‬

‫واإلنتاج الزراعي يف مصر رغم تقدمه امللموس والتحسينات املستمرة اليت أدخلت علي‪-‬ه اص‪--‬بح قاص‪--‬رًا على مالحق‪--‬ة‬
‫الزي‪--‬ادة املس‪--‬تمرة يف الس‪--‬كان فبينم‪--‬ا زاد ع‪--‬دد الس‪--‬كان من ‪ 9.7‬ملي‪--‬ون نس‪--‬مة س‪--‬نة ‪1897‬م إىل ‪ 48.3‬ملي‪--‬ون س‪--‬نة‬
‫‪1986‬مم أي بنس ‪--‬بة ‪ 400‬تقريب ‪ً-‬ا زادت املس ‪--‬احة احملص ‪--‬ولية من ‪ 6.8‬إىل ‪ 11.2‬ملي ‪--‬ون ف ‪--‬دان يف نفس الف ‪--‬رتة أي‬
‫بنسبة ‪ %65‬فقط ومن الواضح أن املساحة اليت حتقق بقاء نصيب الفرد ع‪-‬ام ‪2000‬م على م‪-‬ا ك‪-‬ان علي‪-‬ه ‪1897‬م‬
‫(‪ 0.7‬من الفدان) هي ‪ 45‬مليون فدان(‪ .)1‬مما يزيد على أربعة أضعاف املساحة احلالية‪.‬‬

‫وقد أدى ختلف معدل منو املساحة احملصولية عن معدل النمو الس‪-‬كاين إىل نقص كمي‪-‬ة العم‪-‬ل ال‪-‬زراعي بس‪-‬بب زي‪-‬ادة‬
‫القوى العاملة يف الزراعة عن حاجتها احلقيقة‪.‬‬

‫‪ )(1‬قدر على أساس أن حجم السكان المتوقع هو ‪ 64.2‬مليون نسمة عام ‪.200‬‬
‫المصدر‪ :‬الجهاز المركزي للتعبئة واإلحصاء ‪ ،‬الكتاب االحصائي السنوي ‪ ،‬مرجع سابق‪.‬‬

‫‪33‬‬
‫فهل ساهم اإلنتاج الصناعي يف حتقيق ه‪-‬ذا الت‪-‬وازن؟ الواق‪-‬ع أن الص‪-‬ناعة ق‪-‬د دخلت مص‪-‬ر بع‪-‬د منتص‪-‬ف الق‪-‬رن التاس‪-‬ع‬
‫عشر على يد األجانب واقتصرت يف البداية على القطن‪ ،‬مث السكر‪ ،‬والدخان‪ ،‬والورق‪ ،‬مث انشا بنك مص‪--‬ر ش‪--‬ركاته‬
‫الصناعية‪ .....‬وزاد االس‪-‬تثمار الص‪-‬ناعي يف املنش‪-‬آت واآلالت من ‪ 2‬ملي‪-‬ون إىل ‪ 23‬مليون‪ً-‬ا بني ع‪-‬امي ‪1952‬مم –‬
‫‪1939‬مم‪ ،‬وإىل ‪ 28‬مليون ‪ً- -‬ا ع‪-- -‬ام ‪1955‬مم‪ .‬كم‪-- -‬ا زاد االنت‪-- -‬اج الص‪-- -‬ناعي من ‪ 28‬إىل ‪ 59‬إىل ‪ 118‬يف األع‪-- -‬وام‬
‫‪1935‬مم‪1945 ،‬مم‪1956 ،‬مم على الت ‪-- -‬وايل وب ‪-- -‬رغم ذل ‪-- -‬ك مل تتج ‪-- -‬اوز الزي ‪-- -‬ادة يف ع ‪-- -‬دد املش ‪-- -‬تغلني بالص ‪-- -‬ناعة‬
‫‪ 700.000‬نس‪-- -‬مة‪ .‬ومل ي‪-- -‬زد ع‪-- -‬دد املص‪-- -‬انع زي‪-- -‬ادة ت‪-- -‬وازي ع‪-- -‬دد الس‪-- -‬كان بنح‪-- -‬و مخس‪-- -‬ة ماليني نس‪-- -‬مة بني ع‪-- -‬امي‬
‫‪1927‬مم‪1947 ،‬مم(‪.)1‬‬

‫ومل يتخذ التصنيع سياسة حمددة واضحة املعامل إال بعد قيام الثورة يف عام ‪1952‬مم الذي يعترب حبق نقط‪--‬ة التح‪--‬ول‬
‫يف تاريخ الصناعة يف مصر‪ .‬فق‪-‬د ك‪-‬انت املش‪-‬روعات الص‪-‬ناعية قب‪-‬ل ذل‪-‬ك هتدف إىل ال‪-‬ربح العاج‪-‬ل وح‪-‬ده دون النظ‪-‬ر‬
‫ألي‪--‬ة اعتب‪--‬ارات قومي‪--‬ة ول‪--‬ذلك مل تظه ‪--‬ر الص ‪--‬ناعات اإلنتاجي‪--‬ة ال‪--‬يت تس‪--‬تلزم رؤوس األم ‪--‬وال الكب‪--‬رية والعم‪--‬ال املدربني‬
‫املهرة‪.‬‬

‫وبابت‪-‬داء مرحل‪-‬ة التح‪-‬ول الص‪-‬ناعي ارتفعت مجل‪-‬ة قيم‪-‬ة اإلنت‪-‬اج الص‪-‬ناعي مبق‪-‬دار ‪ %285‬فيم‪-‬ا بني ع‪-‬امي ‪1951‬مم‬
‫‪1952‬مم‪1967 ،‬مم‪1968 ،‬مم ويف حني أن نس‪-- - -‬بة ال‪-- - -‬دخل من الص‪-- - -‬ناعة ك‪-- - -‬انت تع‪-- - -‬ادل ‪ %8.7‬من ال‪-- - -‬دخل‬
‫القومي الكلي‪ ،‬فقد ارتفعت هذه النسبة إىل حوايل ‪ %22‬يف عام ‪1965‬مم‪ ،‬كما ارتفعت القيمة املضافة اإلمجالية‬
‫يف النشاط الصناعي (الصناعة والتعدين) مبق‪-‬دار ‪ %163‬فيم‪-‬ا بني ع‪-‬امي ‪1971 /70‬مم‪1975 ،‬مم ويف حني أن‬
‫نس ‪--‬بة الن ‪--‬اتج من الص ‪--‬ناعة يف ع ‪--‬ام ‪1965‬مم‪1966 /‬مم تع ‪--‬ادل ‪ %21.7‬من امجايل الن ‪--‬اتج احمللي بتكلف ‪--‬ة عوام ‪--‬ل‬
‫االنتاج جند أهنا بلغت ‪ %17.8 ،%13.4‬عامي ‪86/1987 ،80/81‬مم(‪.)2‬‬

‫وتش‪--‬مل الص‪--‬ناعات التحويلي‪--‬ة تص‪--‬نيع املنتج‪--‬ات الزراعي‪--‬ة احمللي‪--‬ة من القطن واألرز والقمح وقص‪--‬ب الس‪--‬كر واأللب‪--‬ان‬
‫واخلضر والفاكهة ومستخرجات املناجم كم‪-‬ا ازده‪-‬رت كث‪-‬ري من الص‪-‬ناعات اهلام‪-‬ة كاألمسدة والص‪-‬ناعات الكيماوي‪-‬ة‬
‫ال ‪--‬يت تش ‪--‬مل الس ‪--‬وبر فوس ‪--‬فات والن ‪--‬رتات وح ‪--‬امض الك ‪--‬ربيت والكح ‪--‬ول والص ‪--‬ابون والثق ‪--‬اب واألدوي ‪--‬ة والبالس ‪--‬تيك‪،‬‬
‫وتس‪--‬اهم ص‪--‬ناعة الغ‪--‬زل والنس‪--‬يج ب‪--‬أكرب نس‪--‬بة من ال‪--‬دخل الص‪--‬ناعي(‪ .)3‬وت‪--‬رتكز معظم الص‪--‬ناعات الك‪--‬ربى يف الق‪--‬اهرة‬

‫‪ )(1‬دكتور علي الجريتلي ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.103 - 91‬‬


‫‪ )(2‬الجهاز المركزي للتعبئة واإلحصاء ‪ ،‬الكتاب اإلحصائي السنوي لجمهورية مصر العربية ‪ ،‬اعداد مختلفة‬
‫‪ )(3‬الجهاز المركزي للتعبئة العامة واإلحصاء السكان والتنمية في مصر ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.156‬‬

‫‪34‬‬
‫واإلس ‪--‬كندرية وأس ‪--‬وان وتنف ‪--‬رد الق ‪--‬اهرة وح ‪--‬دها حبوايل ‪ % 22‬من املنش ‪--‬آت الص ‪--‬ناعية‪ ،‬تليه ‪--‬ا يف ذل ‪--‬ك حمافظ ‪--‬ات‬
‫اإلس ‪--‬كندرية مث الغربي ‪--‬ة مث الدقهلي ‪--‬ة‪ ،‬وتبل ‪--‬غ نس ‪--‬بة املص ‪--‬انع هبذه احملافظ ‪--‬ات األربع ‪--‬ة ح ‪--‬وايل نص ‪--‬ف املنش ‪--‬آت الص ‪--‬ناعية‬
‫وتتجه السياسة الصناعية حنو إنشاء املصانع الصغرية واملتوسطة يف املناطق الريفي‪-‬ة واملدن الص‪--‬غرية ب‪-‬الوجهني البح‪-‬ري‬
‫والقبلي – فالريف املصري مل يصل بعد إىل املستوى الصناعي املطل‪-‬وب وال ش‪-‬ك أن البطال‪-‬ة اجلزئي‪-‬ة والبطال‪-‬ة املقنع‪--‬ة‬
‫ترتب ‪--‬ط مباش ‪--‬رة مبش ‪--‬كلة النم ‪--‬و الس ‪--‬كاين ال ميكن حله ‪--‬ا إال بوض ‪--‬ع ب ‪--‬رامج قوي ‪--‬ة للص ‪--‬ناعات الريفي ‪--‬ة هتدف إىل تعليم‬
‫العم‪--‬ال ال‪--‬زراعني بعض احلرف الزراعي‪--‬ة مث‪--‬ل ص‪--‬ناعة التعليب وص‪--‬ناعة الس‪--‬جاد والكليم وإص‪--‬الح األدوات الزراعي‪--‬ة‬
‫واملنزلية وصيانتها والغزل والنسيج وغريها لتأهليهم للنشاط الصناعي وزيادة دخلهم وحىت تتك‪--‬ون ن‪--‬واة لق‪--‬وة العم‪--‬ل‬
‫الصناعية املناسبة يف الريف بدًال من اجتاه سكانه للهجرة إىل املدينة حيث يزاولون حرفًا تافهة أو غري مشروعة (‪.)1‬‬

‫وخالل العقود الثالثة األخرية بلغ متوسط نسبة مسامهة القطاعني يف منو الناتج احمللي اإلمجايل ‪ % 20‬مع مالحظ‪--‬ة‬
‫أن النص‪--‬يب النس‪--‬يب للزراع‪--‬ة يف الن‪--‬اتج احمللي اإلمجايل ق‪--‬د اخنفض من ‪ 30‬س‪--‬نة ‪1960‬م إىل ‪ % 16‬س‪--‬نة ‪1992‬م‪،‬‬
‫ومل يكن هذا التغ‪-‬ري لص‪-‬احل التص‪-‬نيع يف االقتص‪-‬اد املص‪-‬ري‪ ،‬ف‪-‬إذا اس‪-‬تبعدنا الب‪-‬رتول ومنتجات‪-‬ه من القط‪-‬اع الص‪-‬ناعي جند‬
‫أن نص ‪--‬يبه النس ‪--‬يب ق ‪--‬د اخنفض أيض ‪ً-‬ا من ‪ %22‬س ‪--‬نة ‪1966 /65‬مم إىل أق ‪--‬ل من ‪ %5‬خالل الف ‪--‬رتة ‪1982‬مم –‬
‫‪1992‬مم‪ .‬وهذا ما يوضحه اجلدول التايل‪:‬‬

‫جدول رقم (‪)4‬‬

‫معدل النمو للناتج المحلي اإلجمالي والتوظف بالقطاعات الرئيسية‬

‫‪1992 – 87‬مم‬ ‫‪1992 – 87‬مم‬


‫القطاع‬
‫التوظف‬ ‫الناتج احمللي اإلمجايل‬ ‫التوظف‬ ‫الناتج احمللي اإلمجايل‬
‫‪0.05‬‬ ‫‪2.2‬‬ ‫‪2.3‬‬ ‫‪3.7‬‬ ‫الزراعة‬
‫‪3.50‬‬ ‫‪7.6‬‬ ‫‪5.1‬‬ ‫‪6.6‬‬ ‫الصناعة‬
‫‪-‬‬ ‫‪43.6‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫البرتول‬
‫‪3.10‬‬ ‫‪8.4‬‬ ‫‪3.6‬‬ ‫‪6.1‬‬ ‫إمجايل الناتج احمللي‬
‫‪1992 – 87‬مم‬ ‫‪1992 – 87‬مم‬

‫‪ )(1‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.157‬‬

‫‪35‬‬
‫التوظف‬ ‫الناتج احمللي اإلمجايل‬ ‫التوظف‬ ‫الناتج احمللي اإلمجايل‬
‫‪1.16‬‬ ‫‪2.7‬‬ ‫‪1.3‬‬ ‫‪2.1‬‬ ‫زراعة‬
‫‪1.45‬‬ ‫‪5.7‬‬ ‫‪3.7‬‬ ‫‪6.2‬‬ ‫صناعة‬
‫‪-‬‬ ‫‪0.6-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪7.3‬‬ ‫برتول‬
‫‪2.99‬‬ ‫‪4.0-‬‬ ‫‪2.3‬‬ ‫‪6.3‬‬ ‫إمجايل‬

‫وعلى ذل ‪--‬ك ميكن أن ن ‪--‬ربز املالمح الرئيس ‪--‬ية لألداء االقتص ‪--‬ادي يف مص ‪--‬ر خالل الف ‪--‬رتة املاض ‪--‬ية‪ ،‬ويف ه ‪--‬ذا اخلص ‪--‬وص‬
‫ميكن الوصول إىل النتائج اخلمس التالية‪:‬‬

‫ابتل‪--‬ع النم‪--‬و الس‪--‬كاين اجلزء األك‪--‬رب من النم‪--‬و يف ال‪--‬دخل‪ ،‬واألخط‪--‬ر من ذل‪--‬ك أن النم‪--‬و االقتص‪--‬ادي لن يس‪--‬اعد‬ ‫‪)1‬‬
‫مبفرده على إبطاء الزيادة السكانية‪.‬‬
‫مل يتمتع النمو االقتصادي يف مصر خباصية القدرة الذاتية على االستمرار لفرتة طويلة‪ .‬فقد اعتمد ه‪-‬ذا النم‪-‬و‪،‬‬ ‫‪)2‬‬
‫يف معظم األوقات‪ ،‬على اخلارج‪ .‬وبتعبري آخر فإن مصادر منو الدخل كانت تت‪--‬أثر بعوام‪--‬ل خارجي‪--‬ة ال ت‪--‬دخل‬
‫يف نطاق سيطرة صناع القرار ورامسي السياسات‪.‬‬
‫اقرتان النمو االقتصادي باختالالت اقتص‪-‬ادية خط‪-‬رية‪ ،‬فعج‪-‬ز م‪-‬يزان املدفوعات وعج‪-‬ز امليزاني‪-‬ة كان‪-‬ا مص‪-‬درين‬ ‫‪)3‬‬
‫إلعاق ‪--‬ة عملي ‪--‬ة التنمي ‪--‬ة‪ ،‬ومن احملتم ‪--‬ل أن ب ‪--‬رامج التكي ‪--‬ف اهليكلي‪ ،‬لعالج ه ‪--‬ذه االختالالت‪ ،‬س ‪--‬تحد من آف ‪--‬اق‬
‫التقدم على طريق التنمية البشرية‪ ،‬ولتجنب ذلك تبدو الكفاءة العالية يف ادارة السياسات أمرًا ال غىن عنه‪.‬‬
‫على ال‪--‬رغم من تواض‪--‬ع مس‪--‬توى النم‪--‬و االقتص‪--‬ادي إال أن‪--‬ه مل يعتم‪--‬د على منط انت‪--‬اجي ك‪--‬ثيف العم‪--‬ل‪ ،‬ومن مث‬ ‫‪)4‬‬
‫أدى هذا النمط من النمو إىل مشكلة بطالة متفاقمة‪ ،‬ونظرا ألن جتارب املاضي اتص‪-‬فت مبا ميكن تس‪-‬ميته منوًا‬
‫بأقل قدر من الوظائف‪ ،‬فإن إسرتاتيجية التنمية البشرية جيب أن تأخ‪-‬ذ يف االعتب‪-‬ار خل‪-‬ق ف‪-‬رص العم‪-‬ل املالئم‪-‬ة‬
‫كجزء من السياسات العامة للتشغيل‪.‬‬

‫‪36‬‬
‫ميكن للسياس‪--‬ات أن متزج بني النم‪--‬و االقتص‪--‬ادي وتوزي‪--‬ع ال‪--‬دخل أن ت‪--‬ؤدي إىل جمتم‪--‬ع أكثرعدال‪--‬ة ويق‪--‬وم على‬ ‫‪)5‬‬
‫املس‪--‬اواة‪ ،‬وق‪--‬د اق‪--‬رتن ارتف‪--‬اع مع‪--‬دالت منو ال‪--‬دخل يف مص‪--‬ر بتزاي‪--‬د االجتاه إىل املس‪--‬اواة يف توزي‪--‬ع ال‪--‬دخول‪ ،‬يف‬
‫حني أن النمو املتباطئ اقرتن مبزيد من عدم العدالة يف هذا التوزيع(‪.)1‬‬

‫وك ‪--‬ل ه ‪--‬ذه احلق ‪--‬ائق توض ‪--‬ح أن االنت ‪--‬اج الص ‪--‬ناعي مل يس ‪--‬هم يف حتقي ‪--‬ق الت ‪--‬وازن بني زي ‪--‬ادة ع ‪--‬دد الس ‪--‬كان وبني توف ‪--‬ري‬
‫أساليب العيش للسكان الالزمة هلذا العدد من السكان‪.‬‬

‫ولعـل ما حتاوله مصر اليوم من عمليات تنمية اقتصادية واجتماعية يف كافة اجملاالت حيقق هذا التوازن‪.‬‬

‫التنمية االجتماعية ودراسة العالقة بين نمو الســكان والــتغيرات في معــدالت المواليد والوفيات‬ ‫(ب)‬

‫ت‪-‬رد حماول‪-‬ة رب‪-‬ط منو الس‪-‬كان ب‪-‬التغريات يف مع‪-‬دالت املواليــد والوفيــات إىل ذلــك االجتاه ال‪-‬ذي تنب‪-‬ه إىل أمهي‪-‬ة دراس‪-‬ة‬
‫منو السكان‪ ،‬وحاول أن يبحث عن أس‪-‬باب ه‪-‬ذا النم‪-‬و على ض‪-‬وء الف‪-‬ارق بني مع‪-‬دالت املوالي‪-‬د ومع‪-‬دالت الوفي‪-‬ات‪.‬‬
‫ومن مث انص‪--‬رف اهتم‪--‬ام ه‪--‬ذه احملاول‪--‬ة إىل حتلي‪--‬ل العوام‪--‬ل ال‪--‬يت ت‪--‬ؤدي على التغ‪--‬ريات يف مع‪--‬دالت املوالي‪--‬د والوفي‪--‬ات يف‬
‫واقع وظروف التنمية االجتماعية هلذا اجملتمع(‪.)2‬‬

‫نمو السكان والتغير في معدالت الوفيات في العالم‪.‬‬

‫لق‪--‬د ك‪--‬انت مع‪--‬دالت املوالي‪--‬د والوفي‪--‬ات يف الع‪--‬امل ح‪--‬ىت الثالثني س‪--‬نة املاض‪--‬ية مرتفع‪--‬ة ج‪--‬دًا‪ ،‬ووص‪--‬ل ك‪--‬ل منهم‪--‬ا إىل‬
‫مستوى يساوي يف معظمه املستوى الذي يصل إليه اآلخر‪ ،‬غري أن معدالت الوفيات كانت متي‪--‬ل إىل االختالف من‬
‫س‪--‬نة األخ‪--‬رى بش‪--‬كل يلفت النظ‪--‬ر‪ .‬ففي الس‪--‬نوات ال‪--‬يت متيزن بنقص الغ‪--‬ذاء وخباص‪--‬ة س‪--‬وء التغذي‪--‬ة وص‪--‬لت مع‪--‬دالت‬
‫الوفيات إىل معدالت عالية‪ .‬كما ارتفع معدل الوفيات نتيجة لألمراض املعدية املتباينة‪ ،‬حيث قض‪--‬ى املوت على رب‪--‬ع‬
‫سكان أوربا تقريبًا‪ ،‬نتيجة لألوبئة اليت فاجات البالد األوروبية يف الفرتة من بني ع‪--‬امي ‪1347‬م – ‪1352‬م ولكن‬
‫بدا معدل الوفيات يف االخنفاض ببطء يف القرن الثامن عشر‪ ،‬نتيجة لتوافر الغذاء‪.‬‬

‫مث بدأ مع‪-‬دل الوفي‪-‬ات يف االخنف‪--‬اض الس‪-‬ريع م‪-‬ع هناي‪-‬ة الق‪-‬رن التاس‪-‬ع عش‪-‬ر‪ ،‬نتيج‪-‬ة لتض‪-‬افر جمموع‪-‬ة من العوام‪-‬ل‪ :‬مث‪-‬ل‬
‫وفرة الغذاء‪ ،‬والتحسن املتزايد يف الصحة‪ ،‬وخاصة الصحة يف املدن‪ ،‬وحتسن ط‪-‬رق تص‪-‬ريف الفض‪-‬الت‪ ،‬وتوف‪-‬ري مي‪-‬اه‬
‫‪ )(1‬تقرير التنمية البشرية في مصر عام ‪1994‬مم‪ ،‬وثيقة العدد‪ ،‬مجلة الدراسات اإلعالمية‪ ،‬المركز العربي االقليمي للدراسات االعالمية للسكان‬
‫والتنمية والبيئة‪ ،‬عدد ‪ 75‬ابريل يونيه ‪1994‬مم‪ .‬ص ص ‪204 - 2 - 3‬‬
‫)(‪2‬‬
‫‪D. M. Heer, Op. Cit., pp. 8 - 9.‬‬

‫‪37‬‬
‫الش ‪--‬رب‪ ،‬والتق ‪--‬دم الط ‪--‬يب يف جمال الوقاي ‪--‬ة من األم ‪--‬راض املعدي ‪--‬ة عن طري ‪--‬ق التطعيم والتق ‪--‬دم يف جمال ش ‪--‬فاء األم ‪--‬راض‬
‫املعدية عن طريق املضادات احليوية‪.‬‬

‫كم ‪--‬ا اختلفت مع ‪--‬دالت الوفي ‪--‬ات من س ‪--‬نة إىل أخ ‪--‬رى يف البالد غ ‪--‬ري املتق ‪--‬دم اقتص ‪--‬اديًا – النامي ‪--‬ة – إذ ظلت ه ‪--‬ذه‬
‫املع‪--‬دالت عالي‪--‬ة ح‪--‬ىت هناي‪--‬ة احلرب العاملي‪--‬ة الثاني‪--‬ة‪ ،‬مث أخ‪--‬ذت يف االخنف‪--‬اض بس‪--‬رعة مل يس‪--‬بق إليه‪--‬ا مثي‪--‬ل ح‪--‬ىت يف البالد‬
‫املتقدم ‪--‬ة‪ .‬وذل ‪--‬ك نتيج ‪--‬ة الت ‪--‬وفر بعض العوام ‪--‬ل الس ‪--‬ابقة‪ ،‬غ ‪--‬ري أن مع ‪--‬دالت الوفي ‪--‬ات ظلت كم ‪--‬ا هي مرتفع ‪--‬ة مبقارنته ‪--‬ا‬
‫مبعدالت وفيات األمم غري املتخلفة‪ ،‬نتيجة ملعانات ه‪--‬ذه البالد من س‪-‬وء التغذي‪-‬ة والظ‪-‬روف املعيش‪-‬ية غ‪--‬ري الص‪--‬حية(‪.)1‬‬
‫أو نتيجة حلالة التخلف االجتماعي اليت كانت وال تزال تعيشها عمومًا‪.‬‬

‫نمو السكان والتغير في معدالت الوفيات في مصر‬

‫وب‪--‬النظر إىل مع‪--‬دالت الوفي‪--‬ات يف مص‪--‬ر‪ ،‬باعتباره‪--‬ا من العوام‪--‬ل ال‪--‬يت تس‪--‬هم يف منو الس‪--‬كان‪ ،‬وذل‪--‬ك من أج‪--‬ل معرف‪--‬ة‬
‫اختالفها من سنة إىل أخرى‪ .‬جند أن الوفيات كانت عالية للغاي‪-‬ة يف ب‪-‬ادئ األم‪-‬ر إذ وص‪-‬لت تق‪-‬ديراهتا س‪-‬نة ‪1835‬م‬
‫إىل ‪ 200.000‬وكانت نسبة وفيات األطفال دون الس‪-‬نة من أعم‪-‬ارهم يف اوائ‪-‬ل الق‪--‬رن املاض‪--‬ي تص‪--‬ل إىل ‪ 500‬يف‬
‫األل‪--‬ف‪ ،‬ويرج‪--‬ع ذل‪--‬ك إىل تفش‪--‬ي األم‪--‬راض املعدي‪--‬ة وس‪--‬وء التغذي‪--‬ة‪ ،‬وختل‪--‬ف األح‪--‬وال الص‪--‬حية وت‪--‬أخر الطب الوق‪--‬ائي‬
‫والعالجي‪ .‬مث هبطت نس ‪--‬بة الوفي ‪--‬ات تباع ‪ً-‬ا من ‪--‬ذ أوائ ‪--‬ل الق ‪--‬رن العش ‪--‬رين‪ ،‬إال أهنا ظلت ح ‪--‬ىت احلرب العاملي ‪--‬ة الثاني ‪--‬ة يف‬
‫مستوى مرتفع‪ ،‬وزادت النسبة يف اعقاب هذه احلرب أثر تفشي احلمى مث املالريا مث الكولريا حىت ع‪--‬ام ‪1947‬م‪ ،‬مث‬
‫هبطت نس‪-- -‬بة الوفي‪-- -‬ات العام‪-- -‬ة من ‪ 28‬يف األل‪-- -‬ف ع‪-- -‬ام ‪1945‬م إىل ‪ 19‬يف األل‪-- -‬ف ع‪-- -‬ام ‪1950‬م‪ ،‬مث إىل ‪ 12‬يف‬
‫(‪)2‬‬
‫وال ي‪-‬زال مع‪--‬دل الوفي‪-‬ات يف ج‪ .‬م‪ .‬ع مرتفع‪ً-‬ا‬ ‫األلف س‪-‬نة ‪1958‬م وتق‪--‬در حبوايل ‪ 7.5‬يف األل‪-‬ف ع‪--‬ام ‪1990‬م‬
‫إذا م ‪--‬ا ق ‪--‬ورن مبع ‪--‬دالت بعض ال ‪--‬دول ال ‪--‬يت س ‪--‬بقتها يف التق ‪--‬دم االقتص ‪--‬ادي حيث بل ‪--‬غ ‪ 6.2‬يف األل ‪--‬ف ع ‪--‬ام ‪1996‬م‪.‬‬
‫ويرج‪--‬ع اخنف‪--‬اض مع‪--‬دالت الوفي‪--‬ات يف مص‪--‬ر إىل ع‪--‬دة عوام‪--‬ل هي اس‪--‬تخدام ط‪--‬رق الطب الوق‪--‬ائي والعالجي‪ ،‬وتط‪--‬ور‬

‫)(‪1‬‬
‫‪D. M. Heer, Op. Cit.., pp. 10 - 11.‬‬
‫‪)(2‬‬
‫الجهاز المركزي للتعبئة العامة واالحصاء ‪ ،‬الكتاب االحصائي السنوي ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.36‬‬

‫‪38‬‬
‫اخلدمة الصحية‪ ،‬وحتسني مياه الشرب‪ .‬ولعل أدراك أثر مثل هذه العوامل يف اخنفاض معدل الوفيات تك‪-‬ون ل‪-‬ه أمهيت‪-‬ه‬
‫يف وضع املشروعات اليت تعمل على إدخال التحسينات مثل هذه اجملاالت‪.‬‬

‫نمو السكان والتغير في معدالت المواليد في العالم‬

‫وب ‪--‬النظر إىل مع ‪--‬دالت املوالي ‪--‬د‪ ،‬نالح ‪--‬ظ أن ق ‪--‬درة االنس ‪--‬ان البيولوجي ‪--‬ة على احلم ‪--‬ل ق ‪--‬درة حمدودة مبقارنته ‪--‬ا ب ‪--‬األنواع‬
‫احليوانية األخرى وال تستطيع املرأة أن حتمل أكثر من ‪ 12‬مرة يف املتوسط طوال فرتة النسل‪ .‬كما يقل عدد النساء‬
‫الاليت يلدن هذا العدد فعًال‪.‬‬

‫وك‪--‬انت مع‪--‬دالت املوالي‪--‬د يف جمتمع‪--‬ات أورب‪--‬ا يف الف‪--‬رتة الس‪--‬ابقة على الث‪--‬ورة الص‪--‬ناعية تتم‪--‬يز بالثب‪--‬ات نس‪--‬بيًا مبقارنته‪--‬ا‬
‫مبعدالت الوفيات‪ .‬أضف إىل ذلك أن معدل الوفي‪-‬ات ك‪-‬ان ي‪-‬ؤثر بطريق‪-‬ة غ‪-‬ري مباش‪-‬رة يف مع‪-‬دل املوالي‪-‬د‪ ،‬نتيج‪-‬ة لألث‪-‬ر‬
‫املباش‪--‬ر ملع‪--‬دل الوفي‪--‬ات يف س‪--‬ن ال‪--‬زواج يف أك‪--‬ثر ه‪--‬ذه البالد‪ .‬إذ ك‪--‬ان ال‪--‬زواج يرتب‪--‬ط بالوراث‪--‬ة‪ ،‬وأن‪--‬ه مل يكن باإلمك‪--‬ان‬
‫عقد الزواج‪ ،‬إال إذا ورث الزوج أرضًا بعد وف‪-‬اة وال‪-‬ده‪ .‬ففي الف‪-‬رتات ال‪-‬يت ينخفض فيه‪-‬ا مع‪-‬دل الوفي‪-‬ات‪ ،‬يق‪-‬ل ع‪-‬دد‬
‫الرج ‪--‬ال ال ‪--‬ذين يرث ‪--‬ون األرض‪ ،‬ويرتف ‪--‬ع عم ‪--‬ر من يرث ‪--‬ون أرض ‪ً-‬ا عن ‪--‬د زواجهم‪ ،‬فتق ‪--‬ل خص ‪--‬وبتهم أو ع ‪--‬دد موالي ‪--‬دهم‪،‬‬
‫والعكس ص ‪--‬حيح‪ .‬كم‪--‬ا أن مع ‪--‬دالت املوالي‪--‬د واخلص ‪--‬وبة يف اجملتمع ‪--‬ات ال‪--‬يت م ‪--‬رت بتق ‪--‬دم اقتص ‪--‬ادي من ج‪--‬راء الث‪--‬ورة‬
‫الصناعية العلمية بعد ذلك‪ ،‬كانت منخفضة‪ ،‬أم‪-‬ا مع‪-‬دالت املوالي‪-‬د واخلص‪--‬وبة يف البالد غ‪-‬ري املتقدم‪-‬ة اقتص‪-‬اديًا ك‪-‬انت‬
‫مرتفع ‪--‬ة(‪ .)1‬وب ‪--‬البحث عن العوام ‪--‬ل ال ‪--‬يت أدت إىل التبــاين يف مع ‪--‬دالت املوالي ‪--‬د والوفي ‪--‬ات باالرتف ‪--‬اع واالخنف ‪--‬اض يف‬
‫الفرتات الزمنية املختلفة وباملقارنة بني اجملتمع‪-‬ات املتقدم‪-‬ة وغ‪-‬ري املتقدم‪-‬ة اقتص‪-‬اديًا‪ ،‬وج‪-‬د أن ه‪-‬ذا التب‪-‬اين يف املع‪-‬دالت‬
‫املذكورة يرتب‪--‬ط بالتب‪--‬اين يف ظ‪--‬روف تق‪--‬دم أو تنمي‪--‬ة أو ختل‪--‬ف ه‪--‬ذه اجملتمع‪--‬ات حيث لوح‪--‬ظ أن‪--‬ه نتيج‪--‬ة لالختالف بني‬
‫ه‪--‬ذه اجملتمع‪--‬ات يف وض‪--‬ع املرأة والنظ‪--‬ر إليه‪--‬ا واالهتم‪--‬ام بتعليمه‪--‬ا واتاح‪--‬ة ف‪--‬رص العم‪--‬ل أمامه‪--‬ا‪ ،‬ك‪--‬ان من بني العوام‪--‬ل‬
‫املسئولة عن اخنفاض معدالت املواليد واخلص‪-‬وبة يف اجملتمع‪-‬ات غ‪-‬ري املتقدم‪-‬ة األم‪-‬ر ال‪-‬ذي ميكن مع‪-‬ه الق‪-‬ول ب‪-‬أن دراس‪-‬ة‬
‫منو السكان من خالل التعرف على الفارق بني معدالت الوفيات واملواليد والوقوف على عوام‪--‬ل ه‪--‬ذا االختالف يف‬
‫املع‪--‬دالت املذكورة رمبا يق‪--‬ف كمؤش‪-‬ر على م‪--‬دى تنمي‪-‬ة أو ختل‪-‬ف اجملتم‪-‬ع وبالت‪-‬ايل ي‪-‬ؤثر يف ك‪-‬ل جه‪--‬د انس‪-‬اين ص‪--‬ادق‬
‫يرتب‪--‬ط بظ‪--‬روف اجملتم‪--‬ع ويه‪--‬دف إىل تغريه‪--‬ا إىل م‪--‬ا ه‪--‬و أفض‪--‬ل ومن هن‪--‬ا تب‪--‬دو أمهي‪--‬ة دراس‪--‬ة منو الس‪--‬كان يف عالقته‪--‬ا‬
‫باملواليد والوفيات‪.‬‬
‫)(‪1‬‬
‫‪D. M. Heer, Op. Cit. pp 11-12‬‬

‫‪39‬‬
‫نمو السكان والتغير في معدالت المواليد في مصر‬

‫وبالنظر إىل تطور معدالت املواليد يف مصر نالحظ أن ميكن الرجوع يف دراس‪-‬تها إىل اك‪-‬ثر من مخس‪-‬ني عام‪ً-‬ا‪ .‬فمن‪-‬ذ‬
‫أوائ‪--‬ل الق‪--‬رن احلايل‪ ،‬ظلت نس‪--‬بة املوالي‪--‬د يف مص‪--‬ر يف مس‪--‬توى يع‪--‬د من أعلى املس‪--‬تويات يف الع‪--‬امل واتس‪--‬مت بالثب‪--‬ات‬
‫واالس ‪--‬تقرار‪ .‬ولكن ع ‪--‬دد املوالي ‪--‬د زاد من ‪ 360‬أل ‪--‬ف إىل ‪ 610‬بني س ‪--‬نيت ‪1897‬م‪1925 ،‬م‪ .‬مث زاد ه ‪--‬ذا الع ‪--‬دد‬
‫أيضًا بني عامي ‪1925‬م‪1964 ،‬م بنسبة ‪ .% 30‬وقد ج‪-‬اوز متوس‪-‬ط ع‪-‬دد املوالي‪-‬د امللي‪-‬ون خالل اخلمس س‪-‬نوات‬
‫األخ‪--‬رية‪ ،‬ونظ‪--‬رًا لثب‪--‬ات اخلص‪--‬وبة وهب‪--‬وط نس‪--‬بة الوفي‪--‬ات خالل العش‪--‬ر س‪--‬نوات ال‪--‬يت تلت احلرب العاملي‪--‬ة الثاني‪--‬ة‪ ،‬أخ‪--‬ذ‬
‫عدد السكان يف التزايد املطرد بل وبلغت نسبة الزيادة الطبيعة احلالية يف مصر ضعف ما كانت عليه يف أوائ‪--‬ل الق‪--‬رن‬
‫احلايل(‪ .)2‬برغم أن معدل الزيادة الس‪-‬كانية اس‪-‬تمر يف االرتف‪-‬اع م‪-‬ا بني ع‪-‬ام ‪1940‬م ح‪-‬ىت ع‪-‬ام ‪1964‬م أخ‪-‬ذ بع‪-‬دها‬
‫يتج ‪--‬ه حنو االخنف ‪--‬اض خاص ‪--‬ة م ‪--‬ا بني ع ‪--‬امي ‪1967‬م – ‪1970‬م إال أن ‪--‬ه أخ ‪--‬ذ يف االرتف ‪--‬اع م ‪--‬رة ثاني ‪--‬ة م ‪--‬ا بني ع ‪--‬امي‬
‫‪1970‬م حىت عام ‪1975‬م(‪ .)3‬ومع أن معدل الزيادة الطبيعية أخذ يف االخنفاض إال أنه ظل مع‪--‬دًال مرتفع‪ً-‬ا باملقارن‪--‬ة‬
‫مبعدالت الزيادة الطبيعية يف بالد أخرى‪ .‬حيث بلغ هذا املعدل يف مص‪-‬ر ع‪-‬ام ‪1996‬م أرب‪-‬ع م‪-‬رات يف األل‪-‬ف‪ .‬ولق‪-‬د‬
‫أسهم هذا املع‪-‬دل املرتف‪-‬ع للزي‪-‬ادة الطبيعي‪-‬ة يف ع‪-‬دد الس‪-‬كان يف مص‪-‬ر زي‪-‬ادة حجمهم وه‪-‬ذا م‪-‬ا يوض‪-‬حه اجلدول الت‪-‬ايل‬
‫رقم (‪ .)5‬ولعل ادراك حقيقة معدالت املواليد واختالفها‪ ،‬باختالف السنوات‪ ،‬مث تزايدها على هذا النح‪--‬و وأث‪--‬ره يف‬
‫منو الس ‪--‬كان وفهم العوام ‪--‬ل املؤثرة فيه ‪--‬ا توض ‪--‬ح أمهي ‪--‬ة وجوهري ‪--‬ة دراس ‪--‬ة مع ‪--‬دالت املوالي ‪--‬د والوفي ‪--‬ات‪ ،‬متهي ‪--‬دًا للتكهن‬
‫ب ‪--‬أحوال الس ‪--‬كان يف املس ‪--‬تقبل والتق ‪--‬دم باملش ‪--‬روعات واملقرتح ‪--‬ات ال ‪--‬يت حتول دون أن يتج ‪--‬اوز ع ‪--‬دد الس ‪--‬كان ح ‪--‬دودًا‬
‫يصعب معها توفري وسائل العيش هلم‪.‬‬

‫جدول رقم (‪)5‬‬


‫(‪)4‬‬
‫معدالت المواليد والوفيات والزيادة الطبيعية لكل ألف من السكان‬

‫في ج‪.‬م‪.‬ع في بعض السنوات من ‪1940‬م إلى ‪1996‬م‬

‫معدل الزيادة الطبيعية‬ ‫معدل الوفيات‬ ‫معدل المواليد‬ ‫السنة‬


‫‪)(2‬‬
‫دكتور علي الجريتلي ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬من ص ‪.45 - 43‬‬
‫‪)(3‬‬
‫الجهاز المركزي للتعبئة العامة واالحصاء السكان والتنمية في مصر ‪ ،‬مرجع سابق‪.‬‬
‫‪)(4‬‬
‫الجهاز المركزي للتعبئة واإلحصاء ‪ ،‬الكتاب االحصائي السنوي ‪1997‬م ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.36‬‬

‫‪40‬‬
‫‪15.0‬‬ ‫‪26.3‬‬ ‫‪41.4‬‬ ‫‪1940‬م‬
‫‪22.2‬‬ ‫‪20.4‬‬ ‫‪42.6‬‬ ‫‪1948‬م‬
‫‪24.3‬‬ ‫‪16.4‬‬ ‫‪40.7‬‬ ‫‪1956‬م‬
‫‪26.2‬‬ ‫‪16.9‬‬ ‫‪43.1‬‬ ‫‪1960‬م‬
‫‪26.3‬‬ ‫‪15.7‬‬ ‫‪42.0‬‬ ‫‪1964‬م‬
‫‪25.0‬‬ ‫‪14.2‬‬ ‫‪39.2‬‬ ‫‪1967‬م‬
‫‪22.1‬‬ ‫‪16.1‬‬ ‫‪38.2‬‬ ‫‪1968‬م‬
‫‪22.5‬‬ ‫‪15.5‬‬ ‫‪37.0‬‬ ‫‪1969‬م‬
‫‪20.0‬‬ ‫‪15.1‬‬ ‫‪35.1‬‬ ‫‪1970‬م‬
‫‪21.9‬‬ ‫‪13.2‬‬ ‫‪35.1‬‬ ‫‪1971‬م‬
‫‪19.9‬‬ ‫‪14.5‬‬ ‫‪34.4‬‬ ‫‪1972‬م‬
‫‪22.6‬‬ ‫‪13.1‬‬ ‫‪35.7‬‬ ‫‪1973‬م‬
‫(‪)1‬‬
‫‪23.0‬‬ ‫‪12.7‬‬ ‫‪35.7‬‬ ‫‪1974‬م‬
‫(‪)2‬‬
‫‪25.5‬‬ ‫‪12.2‬‬ ‫‪35.7‬‬ ‫‪1975‬م‬
‫‪24.8‬‬ ‫‪11.8‬‬ ‫‪36.6‬‬ ‫‪1976‬م‬
‫‪29.3‬‬ ‫‪10.9‬‬ ‫‪40.2‬‬ ‫‪1979‬م‬
‫‪27.5‬‬ ‫‪10.0‬‬ ‫‪37.5‬‬ ‫‪1980‬م‬
‫‪27.0‬‬ ‫‪10.0‬‬ ‫‪37.0‬‬ ‫‪1981‬م‬
‫‪30.4‬‬ ‫‪9.4‬‬ ‫‪39.8‬‬ ‫‪1985‬م‬
‫‪29.5‬‬ ‫‪9.2‬‬ ‫‪38.7‬‬ ‫‪1986‬م‬
‫‪28.3‬‬ ‫‪9.1‬‬ ‫‪37.4‬‬ ‫‪1987‬م‬
‫‪28.5‬‬ ‫‪8.6‬‬ ‫‪36.6‬‬ ‫‪1988‬م‬
‫‪25.2‬‬ ‫‪8.6‬‬ ‫‪33.3‬‬ ‫‪1989‬م‬
‫‪23.8‬‬ ‫‪7.1‬‬ ‫‪30.9‬‬ ‫‪1990‬م‬
‫‪22.3‬‬ ‫‪6.9‬‬ ‫‪29.2‬‬ ‫‪1991‬م‬

‫‪ )(1‬بيانات أولية‪.‬‬
‫‪ )(2‬بيانات أولية‪.‬‬

‫‪41‬‬
‫‪19.6‬‬ ‫‪6.6‬‬ ‫‪26.2‬‬ ‫‪1992‬م‬
‫‪20.9‬‬ ‫‪6.5‬‬ ‫‪27.4‬‬ ‫‪1993‬م‬
‫‪22.2‬‬ ‫‪6.7‬‬ ‫‪28.9‬‬ ‫‪1994‬م‬
‫‪20.7‬‬ ‫‪7.0‬‬ ‫‪27.7‬‬ ‫‪1995‬م‬
‫‪21.4‬‬ ‫‪6.2‬‬ ‫‪27.6‬‬ ‫‪1996‬م‬

‫الفصل الثاني‬

‫علم اجتماع السكان بين الديموجرافيا والدراسات السكانية‬

‫تمهيد‬

‫إن االهتمام بدراسة الظواهر الس‪-‬كانية يف الفك‪-‬ر االنس‪-‬اين اهتم‪-‬ام ق‪-‬دمي‪ ،‬إذ يالح‪-‬ظ املتتب‪-‬ع هلذا الت‪-‬اريخ وال‪-‬ذي تت‪-‬وفر‬
‫ل ‪--‬ه فرص ‪--‬ة حتلي ‪--‬ل ال ‪--‬رتاث‪ ،‬أن دراس ‪--‬ة الس ‪--‬كان ق ‪--‬د ج ‪--‬ذبت انتب ‪--‬اه الكت ‪--‬اب واملفك ‪--‬رين من ‪--‬ذ أق ‪--‬دم العص ‪--‬ور‪ .‬ونتج عن‬
‫الكتابات ال‪-‬يت تركه‪-‬ا بعض الفالس‪-‬فة واملفك‪-‬رين من أمث‪-‬ال كونفوش‪-‬يوس يف الص‪-‬ني وأفالط‪-‬ون وأرس‪-‬طو عن‪-‬د اليون‪-‬ان‬
‫وابن خلدون بني العرب فكرًا سكانيًا لواله ما وصلت دراسة الس‪-‬كان يف املراح‪-‬ل احلديث‪-‬ة املعاص‪--‬ر من ت‪-‬اريخ الفك‪-‬ر‬
‫اإلنساين إىل م‪-‬ا حققت‪-‬ه من نض‪-‬ج ووض‪-‬وح‪ .‬ولق‪-‬د نش‪-‬طت يف اآلون‪-‬ة املعاص‪-‬رة من ت‪-‬اريخ الفك‪-‬ر اإلنس‪-‬اين نظم فكري‪-‬ة‬
‫متباينة من أجل فهم الظواهر السكانية وحتليلها وتفسري مش‪-‬كالهتا والتنب‪-‬ؤ بأحواهلا يف املس‪-‬تقبل‪ .‬وعن‪-‬د متابع‪-‬ة مس‪-‬رية‬
‫الفك ‪--‬ر اإلنس ‪--‬اين يف مراحل ‪--‬ه احلديث ‪--‬ة‪ ،‬ق ‪--‬د جيد املرء من ‪--‬ا يف ت ‪--‬راث العل ‪--‬وم االجتماعي ‪--‬ة على وج ‪--‬ه اخلص ‪--‬وص اهتمام‪ً- -‬ا‬
‫بالسكان يظهره ع‪-‬امل االقتص‪-‬اد‪ ،‬أو ق‪-‬د يالح‪-‬ظ أن علم‪-‬اء اجلغرافي‪-‬ا يتن‪-‬اولون موض‪-‬وع الس‪-‬كان بالتحلي‪-‬ل والتفس‪-‬ري أو‬
‫ق‪--‬د يص‪--‬ادف بعض املع‪--‬ادالت اإلحص‪--‬ائية ال‪--‬يت ت‪--‬دلل على م‪--‬دى اهتم‪--‬ام علم‪--‬اء االحص‪--‬اء بدراس‪--‬ة الس‪--‬كان‪ ،‬أو ق‪--‬د جيد‬
‫من حياول فهم الظواهر السكانية يف ضوء الظواهر االجتماعية األخرى يف اجملتمع‪ ،‬أو يربط بني السكان واجملتم‪-‬ع أو‬

‫‪42‬‬
‫يقوم بتحليل الظواهر السكانية استنادًا إىل قضايا علم االجتماع‪ .‬ولقد كانت هناك جمموعة متباينة من العوام‪--‬ل ال‪--‬يت‬
‫تف‪--‬اعلت وتض‪--‬افرت وجعلت ه‪--‬ذه النظم الفكري‪--‬ة تتج‪--‬ه يف نش‪--‬اطها املعاص‪--‬ر حنو دراس‪--‬ة الظ‪--‬واهر الس‪--‬كانية‪ .‬ومن هن‪--‬ا‬
‫فكرنا يف تقس‪-‬يم موض‪-‬وعات الفص‪-‬ل احلايل إىل قس‪-‬م يتن‪-‬اول الفك‪-‬ر الس‪-‬كاين الق‪-‬دمي وآخ‪-‬ر حيل‪-‬ل العوام‪-‬ل ال‪-‬يت عجلت‬
‫بنم‪--‬و الدراس‪--‬ات الس‪--‬كانية وعلم اجتم‪--‬اع الس‪--‬كان وال‪--‬دميوجرافيا‪ ،‬وث‪--‬الث يهتم ببي‪--‬ان وض‪--‬ع علم اجتم‪--‬اع الس‪--‬كان‪،‬‬
‫موضوع ختصصنا‪ ،‬بني الدميوجرافيا والدارسات السكانية‪ ،‬ومتيزه عنها من حيث املوضوع والتحليل واهلدف‪.‬‬

‫أوًال‪ :‬الفكر السكاني القديم‬

‫ونعين بالفكر السكاين القدمي جممل اآلراء ووجهات النظر ال‪-‬يت أض‪-‬افها أولئــك املفك‪-‬رون والكت‪-‬اب ال‪-‬ذين وج‪-‬دوا يف‬
‫املراح‪--‬ل األوىل من ت‪--‬اريخ الفك‪--‬ر اإلنس‪--‬اين أو م‪--‬ا بع‪--‬دها‪ ،‬تل‪--‬ك اآلراء ال‪--‬يت تن‪--‬اولت ض‪--‬من م‪--‬ا تن‪--‬اولت خمتل‪--‬ف الظ‪--‬واهر‬
‫السكانية بالتحليل والتفسري‪ .‬والذي جيعلنا نعترب ه‪-‬ذه اآلراء من قبي‪-‬ل الفك‪-‬ر الس‪-‬كاين ه‪-‬و م‪-‬ا متيزت ب‪-‬ه من خص‪-‬ائص‬
‫ومميزات أبعد ما تكون عن خصائص ومميزات التفكري العلمي احلديث واملعاصر حول السكان وظواهره‪ .‬ولكن م‪--‬ع‬
‫هــذا‪ ،‬كــان هلذا الفك‪--‬ر الســكاين أث‪--‬ره الواض‪--‬ح يف التمهي‪--‬د ملا نش‪--‬هده الي‪--‬وم من دراس‪--‬ات س‪--‬كانية ودميوجرافي‪--‬ا وعلم‬
‫اجتم‪-‬اع الس‪-‬كان‪ .‬ومن هن‪-‬ا وج‪-‬دنا أن‪-‬ه من املنطقي أن ن‪-‬دخل إىل ه‪-‬ذه اجله‪-‬ود األخ‪-‬رية بع‪-‬د الوق‪-‬وف على أبع‪-‬اد ه‪-‬ذا‬
‫الفك ‪--‬ر الس ‪--‬كاين وك ‪--‬ذلك بع ‪--‬د التع ‪--‬رف على مميزات ‪--‬ه وخصائص ‪--‬ه واختالف ‪--‬ه عم ‪--‬ا ج ‪--‬اء ب ‪--‬ه العلم ‪--‬اء بع ‪--‬د ذل ‪--‬ك من آراء‬
‫ووجهات نظر فيما يتعلق بالظواهر السكانية‪.‬‬

‫فلق‪--‬د ك‪--‬ان الفك‪--‬ر اإلنس‪--‬اين الق‪--‬دمي مبثاب‪--‬ة حمص‪--‬لة لالهتم‪--‬ام بدراس‪--‬ة الس‪--‬كان من ج‪--‬انب ع‪--‬دد من املفك‪--‬رين والكت‪--‬اب‬
‫الذين جذبت انتباهاهتم هذه الظواهر منذ أقدم العص‪-‬ور‪ .‬إذ يس‪-‬تطيع ك‪-‬ل من يس‪-‬تعرض ت‪-‬راث الفك‪-‬ر اإلنس‪-‬اين ابت‪-‬داء‬
‫من ه ‪--‬ذه العص ‪--‬ور أن يلح ‪--‬ظ أن مث ‪--‬ل ه ‪--‬ذا االهتم ‪--‬ام املبك ‪--‬ر ب ‪--‬الظواهر الس ‪--‬كانية ك ‪--‬ان متض ‪--‬منًا وعلى حنو ظ ‪--‬اهر يف‬
‫كتابات الفالسفة االجتماعيني والسياسيني الذين كانوا قد اهتموا يف األصل ب‪--‬أثر الس‪--‬كان على األنس‪--‬اق االقتص‪--‬ادية‬
‫والسياس‪--‬ية‪ ،‬ومن بني ه‪--‬ؤالء الكت‪--‬اب ميكن أن ن‪--‬ذكر على وج‪--‬ه اخلص‪--‬وص‪ :‬كونفوش‪--‬يوس بني الص‪--‬ينيني‪ ،‬وأفالط‪--‬ون‬
‫وأرسطو بني اليونانيني‪ ،‬وابن خلدون بني العرب‪.‬‬

‫‪43‬‬
‫كونفوشيوس‬

‫إذا أع ‪--‬ار كونفوش ‪--‬يوس وغ ‪--‬ريه من الكت ‪--‬اب الص ‪--‬ينيني ك ‪--‬ل اهتمــامهم لفكــرة التناس ‪--‬ب بني مس ‪--‬احة األرض وع ‪--‬دد‬
‫السكان‪ .‬واعتقد كونفوشيوس أن من مسئولية احلكوم‪-‬ة أن تنق‪-‬ل الس‪-‬كان من املن‪-‬اطق املزدمحة بالســكان إىل املنـاطق‬
‫األقـل يف عدد السكان‪ .‬وأوض‪-‬ح أيض‪ً-‬ا العوام‪-‬ل العدي‪-‬دة ال‪-‬يت ت‪-‬ؤثر يف منو السـكان‪ ،‬وحص‪-‬رها يف عوام‪-‬ل نقص الغ‪-‬ذاء‬
‫واحلرب‪ ،‬والزواج املبكر‪ ،‬والتكاليف املبالغ فيها عند الزواج(‪.)1‬‬

‫أفالطون‬

‫وكان موضوع احلجم األمث‪-‬ل للسـكان ‪ Optimum Size of Population‬يف الوح‪-‬دة السياس‪-‬ة اليوناني‪-‬ة‬
‫ونع‪--‬ين املدين‪-‬ة الدول‪-‬ة‪ ،‬ب‪-‬املعىن ال‪-‬ذي تق‪--‬وم في‪-‬ه احلكوم‪--‬ة باحملافظ‪-‬ة على رفاهي‪-‬ة وأمن املواط‪--‬نني من خالل م‪--‬ا متارس‪-‬ه من‬
‫))‬
‫إرادة يف هذا الـصـدد‪ ،‬هو احملور الذي دارت حوله كــل األفكـار ال‪-‬يت تركه‪-‬ا لن‪-‬ا أفالط‪-‬ون يف مؤلفات‪-‬ه (( اجلمهوري‪-‬ة‬
‫و(( القوانني )) فيما يتعلق بدراسة السكان‪.‬‬

‫حيث جند (افالط‪--‬ون) يش‪--‬ري يف كتاب‪--‬ه اجلمهوري‪--‬ة إىل أن‪--‬ه ينبغي على احلك‪--‬ام أن يثبت‪--‬وا ع‪--‬دد الس‪--‬كان يف املدين‪--‬ة عن‪--‬د‬
‫حــد أمثـل‪ ،‬على أن يعوض‪--‬وا م‪--‬ا فق‪--‬د من ج‪--‬راء األم‪--‬راض واحلروب‪ ،‬وحياولوا أال يزي‪--‬د ه‪--‬ذا الع‪--‬دد عن احلد األمث‪--‬ل‪،‬‬
‫حىت يبقى الدولة يف احلد املتوسط‪ ،‬وذلك عن طريق تنظيم عقود الزواج(‪.)2‬‬

‫مث يزي‪--‬د (افالط‪--‬ون) ه‪--‬ذا األم‪--‬ر تفص‪--‬يًال بع‪--‬د ذل‪--‬ك يف كتاب‪--‬ه (( الق‪--‬وانني (( من حيــث مق‪--‬دار الع‪--‬دد األمث‪--‬ل للس‪--‬كان يف‬
‫املدينة‪ ،‬ومربراته‪ ،‬ومن حيث األساليب اليت ميكـن هبــا للحكومة أن تضغط من أج‪-‬ل احلف‪-‬اظ على ه‪-‬ذا احلـد‪ .‬ف‪-‬ذهب‬
‫إىل أن العدد األمثل للمواطنني يف املدينة جيب أن يك‪-‬ون (‪ )5040‬م‪-‬واطن م‪-‬ع مالحظ‪-‬ة أن العبي‪-‬د ال حيس‪-‬بون ض‪-‬من‬
‫املواطنني‪ .‬ويوضح (افالطون) مربرات اختياره هلذا العدد على أنه حدا أمثل قائًال‪ :‬أن هذا الع‪--‬دد يقب‪-‬ل القس‪-‬مة على‬
‫ك‪--‬ل األع‪--‬داد من ال‪--‬رقم (‪ )10 - 1‬كم‪--‬ا أن‪--‬ه يقب‪--‬ل القس‪--‬مه على ال‪--‬رقم (‪ .)12‬وإلمكاني‪--‬ة قب‪--‬ول ه‪--‬ذا الع‪--‬دد األمث‪--‬ل‬
‫القسمة على (‪ )12‬على وجه اخلصوص‪ ،‬له أمهية يف نظر افالطون‪ ،‬ألنه كان يعتقد أن‪--‬ه من املناس‪--‬ب تقس‪--‬يم أراض‪--‬ي‬

‫)(‪1‬‬
‫‪, p. 5.‬م‪K. C. Kammeyer, An Introduction to population, Clandlen pab., Comp. London, 1971‬‬
‫‪)(2‬‬
‫دكتور أحمد الخشاب ‪ ،‬سكان المجتمع العربي ‪ ،‬ص ‪68 - 17‬‬

‫‪44‬‬
‫املدين‪-‬ة اليوناني‪-‬ة إىل اث‪-‬ين عش‪-‬ر ج‪-‬زءًا ه‪-‬ذا من ناحي‪-‬ة‪ ،‬ومن ناحي‪-‬ة أخ‪-‬رى‪ ،‬ك‪-‬ان (افالط‪-‬ون) يظن أن ه‪-‬ذا الع‪-‬دد األمث‪-‬ل‬
‫داللة ومغزى دينيًا وأسطوريًا لدى املواطنني األمر الذي يؤدي باملواطنني إىل تقديس هذا العدد يف حياهتم(‪.)1‬‬

‫أم‪--‬ا بالنس‪--‬بة لألس‪--‬اليب ال‪--‬يت ميكن للحكوم‪--‬ة بواس‪--‬طتها أن تض‪--‬غط من أج‪--‬ل احلف‪--‬اظ على ه‪--‬ذا احلد‪ ،‬جند (افالط‪--‬ون)‬
‫يقرر أنه إذا زاد عدد س‪-‬كان املدين‪-‬ة عن ه‪-‬ذا احلـد األمث‪-‬ل جيب أن يت‪-‬دخل احلك‪-‬ام النقاص‪-‬ه عن طري‪-‬ق حتدي‪-‬د ال‪-‬زواج‬
‫والنسل ومنع اهلجرة إىل البالد‪ .‬وإذا نقص عدد سكان املدينة عن هذا احلد جيب تشجيع النس‪--‬ل‪ .‬وأن جتازي األس‪--‬ر‬
‫باملال‪ ،‬ويب ‪--‬اح لألج ‪--‬انب التجنس باجلنس ‪--‬ية اليوناني ‪--‬ة‪ ،‬وتس ‪--‬تطيع الدول ‪--‬ة أن تت ‪--‬دخل لت ‪--‬دبري ال ‪--‬زواج والنس ‪--‬ل من خالل‬
‫وضع القي‪-‬ود ال‪-‬يت حتول دون ذل‪-‬ك‪ ،‬ك‪-‬أن تقص‪-‬ر وراث‪-‬ة األرض على ع‪-‬دد حمدود فق‪-‬ط من األبن‪-‬اء ال‪-‬ذكور يف األس‪-‬رة‪،‬‬
‫وحتصل احلكومة على ما يزيد على ذل‪-‬ك‪ ،‬أو من خالل توقي‪-‬ع اجلزاءات أو تق‪-‬دمي النص‪-‬يحة أو توجي‪-‬ه الت‪-‬وبيخ والل‪-‬وم‬
‫أو حىت عن طريق إرسال األعداد الزائدة عن احلد من السكان إىل املستعمرات(‪.)2‬‬

‫أرسطو ‪Aristotle‬‬

‫غ‪--‬ري أن أرس‪--‬طو ق‪--‬د اجته يف معاجلت‪--‬ه ملوض‪--‬وع الس‪--‬كان اجتاه ‪ً-‬ا أك‪--‬ثر واقعي‪--‬ة من أس‪--‬تاذه أفالط‪--‬ون‪ ،‬ه‪--‬ذا فض ‪ً-‬ال عن أن‪--‬ه‬
‫تناول عديدًا من املسائل السكانية مثل توزيع السكان‪ ،‬ومنو السكان واحلد األمثل للسكان‪.‬‬

‫إذ جنده يشري إىل توزي‪-‬ع الس‪-‬كان على وح‪-‬دات اجملتم‪-‬ع‪ ،‬ويقس‪-‬مها بني األس‪-‬رة مث القري‪-‬ة مث املدين‪-‬ة‪ ،‬مث يع‪-‬اجل موض‪-‬وع‬
‫توزيع الســكان على املهــن‪ ،‬ويقسـمهم إىل من يقوم‪-‬ون ب‪-‬املهن الطبيعي‪-‬ة (الزراع‪-‬ة والص‪-‬يد‪ ،‬وتربي‪-‬ة احلي‪-‬وان)‪ ،‬واىل من‬
‫يقوم‪--‬ون مبهن غ‪--‬ري طبيعي‪--‬ة مث‪--‬ل التج‪--‬ارة والص‪--‬ناعة‪ .‬كم‪--‬ا تن‪--‬اول ارس‪--‬طو التوزي‪--‬ع العم‪--‬ري للس‪--‬كان واج‪--‬رى اتفرق‪--‬ة بني‬
‫الرجل واملرأة على أساس االستعدادات اجلسمية والعقلية‪.‬‬

‫وفيم‪--‬ا يتعل‪--‬ق مبوض‪--‬وع منو الس‪--‬كان‪ ،‬جند أرس‪--‬طو حيذر من النم‪--‬و غ‪--‬ري املتناس‪--‬ب بني طبق‪--‬ات املدين‪--‬ة‪ .‬وم‪--‬ا ت‪--‬رتب على‬
‫ذل‪--‬ك من ث‪--‬ورات‪ .‬فيش‪--‬به املدين‪--‬ة باجلس‪--‬م اإلنس‪--‬اين وي‪--‬رى أن‪--‬ه كم‪--‬ا جيب أن تنم‪--‬و أج‪--‬زاء اجلس‪--‬م اإلنس‪--‬اين بالتناس‪--‬ب‬
‫فك ‪--‬ذلك جيب أن ينم ‪--‬و الس ‪--‬كان بتناس ‪--‬ب مماث ‪--‬ل حبيث ال يطغي ع ‪--‬دد الس ‪--‬كان يف طبق ‪--‬ة م ‪--‬ا على الع ‪--‬دد يف الطبق ‪--‬ة‬
‫أخرى(‪.)3‬‬

‫)(‪1‬‬
‫‪K. C, Kammeyer, Op. Cit., p. 6.‬‬
‫)(‪2‬‬
‫‪Ibid, p. 6,‬‬
‫‪)(3‬‬
‫دكتور أحمد الخشاب ‪ ،‬سكان المجتمع العربي ‪ ،‬ص ‪.71 - 69‬‬

‫‪45‬‬
‫واذا ك ‪--‬ان (ارس ‪--‬طو) ق ‪--‬د ع ‪--‬ىن مبوض ‪--‬وع احلد األمث ‪--‬ل للس ‪--‬كان‪ ،‬فان ‪--‬ه مل ي ‪--‬بني على خالف (افالط ‪--‬ون) ه ‪--‬ذا الع ‪--‬دد‬
‫بالتحدي‪--‬د‪ .‬ولكن‪--‬ه اعتق‪--‬د يف ض‪--‬رورة وج‪--‬ود حجم ثابــت للسـكان‪ ،‬تتحكم في‪--‬ه احلكوم‪--‬ة‪ .‬ذل‪--‬ك الن الدول‪--‬ة العظمى‬
‫على حد تعب‪-‬ريه ليس‪-‬ت هي الدول‪-‬ة ذات احلجم الكب‪-‬ري من الس‪-‬كان‪ .‬ويص‪-‬عب ان تظه‪-‬ر يف مث‪-‬ل ه‪-‬ذه الدول‪-‬ة حكوم‪-‬ة‬
‫ص‪--‬احلة‪ .‬ومن هن‪--‬ا ك‪--‬ان االعتق‪--‬اد يف ض‪--‬رورة ت‪--‬دخل الدول‪--‬ة واحلكوم‪--‬ة باألســاليب ال‪--‬يت ميكن أن حتق‪--‬ق التناس‪--‬ب بني‬
‫حجم الس‪--‬كان يف املدين‪--‬ة وبني م‪--‬واردهم وخاص‪--‬ة مس‪--‬احة االرض وق‪--‬درهتا على اش‪--‬باع حـاجـات السـكان‪ ،‬إىل احلد‬
‫الذي جنده يوافق على االجهاض او التخلص من اي طفل يولد وبه عيب يف التكوين (‪.)1‬‬

‫ابن خلدون‬

‫ويقدم لنا عبد الرمحن ابن خلدون املفكر االجتماعي العريب‪ ،‬يف غضون الق‪-‬رن الراب‪-‬ع عش‪-‬ر امليالدي‪ ،‬بعض األفك‪-‬ار‬
‫ال ‪--‬يت أث ‪--‬رت فيم ‪--‬ا بع ‪--‬د يف تطـوير االهتم ‪--‬ام بدراس ‪--‬ة السـكان‪ .‬حيث ي ‪--‬ذهب ابن خل ‪--‬دون إىل أن اجملتمع ‪--‬ات متر خالل‬
‫مراح ‪--‬ل تطوري ‪--‬ه حمددة ت ‪--‬ؤثر على ع ‪--‬دد املوالي ‪--‬د والوفي ‪--‬ات يف ك ‪--‬ل مرحل ‪--‬ة‪ .‬إذ يش ‪--‬هد اجملتم ‪--‬ع يف املرحل ‪--‬ة األوىل من‬
‫تط‪--‬وره زي‪--‬ادة يف مع‪--‬دالت املوالي‪--‬د ونقص‪--‬ا يف مع‪--‬دالت الوفي‪--‬ات‪ ،‬مبا ي‪--‬ؤثر على منو الس‪--‬كان ويزي‪--‬د ع‪--‬ددهم‪ .‬وعن‪--‬دما‬
‫ينتق ‪--‬ل اجملتم ‪--‬ع إىل املرحل ‪--‬ة األخ ‪--‬رية من تط ‪--‬وره‪ ،‬يش ‪--‬هد ظروف ‪--‬ا دميوجرافي ‪--‬ة خمالف ‪--‬ة متام ‪--‬ا‪ ،‬حيث ينخفض فيه ‪--‬ا مع ‪--‬دل‬
‫اخلص‪--‬وبة واملوالي‪--‬د‪ ،‬ويرتف‪--‬ع مع‪--‬دل الوفي‪--‬ات‪ ...‬ويوض‪--‬ح ابن خل‪--‬دون ت‪--‬أثري ك‪--‬ل مرحل‪--‬ة من تط‪--‬ور اجملتم‪--‬ع على املوالي‪--‬د‬
‫والوفي ‪--‬ات‪ ،‬وذل ‪--‬ك باعتق ‪--‬اده يف أن اخلص ‪--‬وبة العالي ‪--‬ة يف املرحل ‪--‬ة األوىل من تط ‪--‬ور اجملتم ‪--‬ع ترج ‪--‬ع اىل نش ‪--‬اط الس ‪--‬كان‬
‫وثقتهم ومقدرهتم‪ .‬أما يف املرحلة األخرية من تط‪-‬ور اجملتم‪-‬ع فتظه‪--‬ر اجملاع‪--‬ات واألوبئ‪-‬ة‪ ،‬والث‪-‬ورات واالض‪--‬طرابات‪ ،‬مما‬
‫يقلل من نشاط السكان‪ ،‬ويقلل من نسلهم(‪.)2‬‬

‫مناقشة وتعقيب‬

‫واذا ج ‪--‬از لن ‪--‬ا أن نتوق ‪--‬ف للتعقيب على ه ‪--‬ذا الفك ‪--‬ر الس ‪--‬كاين كم ‪--‬ا انط ‪--‬وت علي ‪--‬ه كتاب ‪--‬ات كونفوش ‪--‬يوس‪ ،‬وافالط ‪--‬ون‬
‫وأرسطو وابن خلدون فإنه ميكن القول‪:‬‬

‫أن الفكر اإلنساين الق‪-‬دمي ك‪-‬ان جتلى يف كتاب‪-‬ات كونفوش‪-‬يوس وافالط‪-‬ون وارس‪-‬و باس‪-‬تثناء ابن خل‪-‬دون‪ ،‬ك‪-‬ان‬ ‫‪.1‬‬
‫يتم‪--‬يز بعنايت‪--‬ه أساس‪--‬ا بالعالق‪--‬ة بني حجم الس‪--‬كان وأه‪--‬داف الدول‪--‬ة أو اجملتمـع او ب‪--‬القيم املرغ‪--‬وب فيه‪--‬ا داخ‪--‬ل‬
‫)(‪1‬‬
‫‪K. C, Kammeyer, Op, Cit., p. 6‬‬
‫‪.Ibid. p. 7 )(2‬‬

‫‪46‬‬
‫هذه الدولة‪ .‬حيث ربط كونفوشيوس بني عدد السكان ومساحة األرض وربط أفالطون بني حجم الس‪--‬كان‬
‫ورفاهي‪--‬ة وامن املواط‪--‬نني‪ ،‬ورب‪--‬ط أرس‪--‬طو بني حجم الس‪--‬كان والتناس‪--‬ب بني منو الطبق‪--‬ات جتنب‪--‬ا حلدوث الث‪--‬ورة‬
‫واالضطراب‪ .‬وكل هذا الربط يوضح أن الفكر الس‪-‬كاين الق‪--‬دمي ك‪-‬ان ينص‪--‬رف حنو النت‪-‬ائج التطبيقي‪-‬ة والعملي‪-‬ة‬
‫فقط‪ ،‬وقل اهتمامه بالنتائج والقض‪-‬ايا النظري‪-‬ة ال‪-‬يت تف‪-‬رتض وج‪-‬ود عالق‪-‬ات بني الظ‪-‬واهر الس‪-‬كانية وبني غريه‪-‬ا‬
‫من ظواهر اجتماعية تفيد يف تفسري هذه الظواهر والتنبؤ هبا كما هو احلال يف ما يع‪--‬رف الي‪-‬وم باس‪-‬م نظري‪-‬ات‬
‫السكان‪.‬‬
‫إن الفك ‪--‬ر الس ‪--‬كاين كم ‪--‬ا اتض ‪--‬ح يف كتاب ‪--‬ات أفالط ‪--‬ون وارس ‪--‬طو على وج ‪--‬ه اخلص ‪--‬وص‪ ،‬ك ‪--‬ان اهتمام ‪--‬ا غ ‪--‬ري‬ ‫‪.2‬‬
‫مقصود يف ذاته وإمنا يدخل ضمن ختطيطهما األمثل للصورة اليت رمساها للمدينة اليونانية الفاضلة ومتثل جزءا‬
‫من تأمالهتما اليت انطبعت بطابع مثايل يصور ما ينبغي إن يكون‪.‬‬
‫إن الفك‪--‬ر اإلنس‪--‬اين كم‪--‬ا أفص‪--‬حت عن‪--‬ه كتاب‪--‬ات كونفوش‪--‬يوس وافالط‪--‬ون وارس‪--‬طو وابن خل‪--‬دون‪ ،‬مل يعتم‪--‬د‬ ‫‪.3‬‬
‫على البيان ‪--‬ات الس ‪--‬كانية ال ‪--‬يت تس ‪--‬تند إليه ‪--‬ا الدراس ‪--‬ات اإلحص ‪--‬ائية‪ ،‬ومل يس ‪--‬تعن باملؤش ‪--‬رات وال باملالحظ ‪--‬ات‬
‫األمبرييقي ‪--‬ة ال ‪--‬يت توفره ‪--‬ا البح ‪--‬وث امليداني ‪--‬ة(‪ ،)1‬بق ‪--‬در م ‪--‬ا ك ‪--‬ان يعتم ‪--‬د على األفك ‪--‬ار الفلس ‪--‬فية أو التص ‪--‬ورات‬
‫امليتافيزيقية‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬عوامل نمو الديموجرافيا والدراسات السكانية‬

‫نس‪--‬تخلص مما س‪--‬بق أن الفك‪--‬ر الس‪--‬كاين ال‪--‬ذي عربن‪--‬ا عن‪--‬ه من خالل كتاب‪--‬ات كونفوش‪--‬يوس وافالط‪--‬ون وارس‪--‬طو وابن‬
‫خلدون‪ ،‬ميث‪-‬ل املرحل‪-‬ة األوىل يف االهتم‪-‬ام بدراس‪-‬ة الظ‪-‬واهر الس‪-‬كانية خالل ت‪-‬اريخ الفك‪-‬ر اإلنس‪-‬اين‪ .‬ول‪-‬واله م‪-‬ا ب‪-‬دات‬
‫بع ‪--‬ده مراح ‪--‬ل اخ ‪--‬رى يف االهتم ‪--‬ام بدراس ‪--‬ة الظ ‪--‬واهر الس ‪--‬كانية‪ .‬فلق ‪--‬د مه ‪--‬د ه ‪--‬ذا الفك ‪--‬ر الس ‪--‬كاين لظه ‪--‬ور ك ‪--‬ل ص ‪--‬ور‬
‫االهتم‪-‬ام احلديث‪-‬ة واملعاص‪--‬رة وال‪-‬يت متثلت فيم‪-‬ا يع‪--‬رف بال‪-‬دميوجرافيا والدراس‪-‬ات الس‪-‬كانية‪ ،‬على النح‪-‬و ال‪-‬ذي س‪-‬نزيده‬
‫تفص‪--‬يًال فيم‪-‬ا بع‪--‬د(‪ .)2‬وح‪-‬يت يتس‪-‬ين لن‪-‬ا قب‪-‬ل التعم‪-‬ق يف ص‪--‬ور االهتم‪-‬ام احلديث‪-‬ة ه‪--‬ذة أن نتن‪-‬اول بالتحلي‪-‬ل تل‪-‬ك العوام‪--‬ل‬
‫اليت تضافرت وتفاعلت معًا يف إحداث ذلك التطور يف االهتمام بدراسة الظواهر السكانية من الفكر الس‪--‬كاين ق‪--‬دميًا‬
‫إىل الدراسات العلمية السكانية حديثًا‪.‬‬

‫)(‪1‬‬
‫‪Ibid. p. 7.‬‬
‫‪ )(2‬انظر الفصل الثاني ‪ -‬ثالثًا‪.‬‬

‫‪47‬‬
‫والواق ‪--‬ع أن هن ‪--‬اك ع ‪--‬ددًا كب ‪--‬ريًا من العوام ‪--‬ل ال ‪--‬يت تض ‪--‬افرت وتف ‪--‬اعلت مع‪ً- -‬ا يف إح ‪--‬داث التط ‪--‬ور يف االهتم ‪--‬ام بدراس ‪--‬ة‬
‫الظواهر السكانية يف تاريخ الفكر اإلنساين واالسراع بظهور الدراسات السكانية‪ ،‬ميكن اجيازها على النحو التايل‪:‬‬

‫زيادة سكان العالم‬ ‫‪]1‬‬

‫تعترب الزيادة الرهيبة يف أعداد السكان اليت سجلها اإلنسان يف ك‪-‬ل بق‪-‬اع الع‪-‬امل إب‪-‬ان الق‪-‬رن التاس‪-‬ع عش‪-‬ر‪ ،‬وم‪-‬ا ت‪-‬رتب‬
‫عليه‪--‬ا من مش‪--‬اكل احلرك‪--‬ة الس‪--‬كانية واهلج‪--‬رة الداخلي‪--‬ة والبطال‪--‬ة ومش‪--‬اكل العم‪--‬ال‪ ،‬وم‪--‬ا عرف‪--‬ه اجملتم‪--‬ع اإلنس‪--‬اين ألول‬
‫مرة نتيجة لذلك من ضروب االحنراف يف اجملال الفردي واجلمعي ال‪-‬يت ت‪-‬رددت بني خيان‪-‬ة األمان‪-‬ة واجلرمية (‪ )1‬ك‪-‬انت‬
‫يف مقدمة العوامل اليت أدت إىل تطور االهتمام بدراسة الظواهر السكانية‪.‬‬

‫النمو الصناعي‬ ‫‪]2‬‬

‫أدى النمو الصناعي وتأثريه على اجملاالت التجارية واالقتصادية واإلنتاجية واالس‪--‬تهالكية وعلى حي‪--‬اة املدين‪--‬ة وش‪--‬ئون‬
‫العم‪--‬ال إىل زي‪--‬ادة ال‪--‬وعي ومنو االهتمام‪--‬ات بالدراس‪--‬ات الس‪--‬كانية على املس‪--‬تويات القومي‪--‬ة والعاملي‪--‬ة‪ ،‬ذل‪--‬ك ألن النم‪--‬و‬
‫الص ‪--‬ناعي على املس ‪--‬توى الق ‪--‬ومي ك ‪--‬ان يص ‪--‬احبه هج ‪--‬رة الس ‪--‬كان إىل املدن الص ‪--‬ناعية وك ‪--‬انت ه ‪--‬ذه اإلع ‪--‬داد امله ‪--‬اجرة‬
‫تض‪--‬غط على احلكوم‪--‬ات لت‪--‬وفر هلا م‪--‬ا حتتاج‪--‬ه من خ‪--‬دمات‪ .‬فوج‪--‬دت احلكوم‪--‬ات ب‪--‬دورها أن توف‪--‬ري رفاهي‪--‬ة الس‪--‬كان‬
‫وتوف‪-‬ري احتياجاهتا حيت‪-‬اج إىل رس‪-‬م خط‪-‬ط واقعي‪-‬ة‪ ،‬وه‪-‬ذه األخ‪-‬رية تتطلب إج‪-‬راء دراس‪-‬ات س‪-‬كانية لكي تق‪-‬وم اخلط‪-‬ط‬
‫على أس‪-- -‬اس من فهم الواق‪-- -‬ع ومن هن‪-- -‬ا اهتمت ه‪-- -‬ذه ال‪-- -‬دول واحلكوم‪-- -‬ات بإنش‪-- -‬اء األجه‪-- -‬زة املتخصص‪-- -‬ة للقي‪-- -‬ام هبذه‬
‫الدراسات اليت ميكن االعتماد عليها يف رسم سياساهتا‪.‬‬

‫كم‪-- -‬ا أن النم‪-- -‬و الص‪-- -‬ناعي على املس‪-- -‬توى ال‪-- -‬دويل ك‪-- -‬ان ي‪-- -‬ؤدي بال‪-- -‬دول املنتج‪-- -‬ة إىل أن هتتم ب‪-- -‬األحوال االقتص‪-- -‬ادية‬
‫واملم‪--‬يزات النوعي‪--‬ة والس‪--‬كانية للش‪--‬عوب املس‪--‬تهلكة ال‪--‬يت تتب‪--‬ادل معه‪--‬ا الس‪--‬لع وذل‪--‬ك لتحدي‪--‬د سياس‪--‬اهتا اإلنتاجي‪--‬ة وف‪--‬ق‬
‫احتياجات الشعوب املستهلكة‪ ،‬وبالتايل أخذت تعىن بدراسة املسائل السكانية على املس‪--‬توى ال‪--‬دويل ومعاجلته‪--‬ا على‬

‫‪)(1‬‬
‫دكتور محمد عاطف غيث ‪ ،‬تطبيقات في علم االجتماع ‪ ،‬دار الكتب الجامعية ‪ ،‬اإلسكندرية ‪1970 ،‬م ‪ ،‬ص ‪.182 - 181‬‬

‫‪48‬‬
‫هذا النطاق وتساهم يف إنشاء املنظمات الدولية هلذا الغرض وتعينها على مواص‪-‬لة عمله‪-‬ا ح‪-‬ىت تت‪-‬وفر هلا احلق‪-‬ائق ال‪-‬يت‬
‫حتتاج إليها يف رسم سياساهتا الدولية(‪.)1‬‬

‫نمو وتقدم البحث العلمي واالحصاء‬ ‫‪]3‬‬

‫س‪--‬اعد منو وتق‪--‬دم البحث العلمي من حيث املن‪--‬اهج واألس‪--‬اليب وزي‪--‬ادة اإلقب‪--‬ال عليه‪--‬ا يف الدراس‪--‬ات الس‪--‬كانية س‪--‬اعد‬
‫على بل ‪--‬ورة فك‪-- -‬رة األس‪-- -‬اس أو املس‪-- -‬توى اإلقليمي ‪ Regionalism‬باعتب‪-- -‬اره األس‪-- -‬اس ال‪-- -‬ذي يق‪-- -‬رب الدراس‪-- -‬ات‬
‫الس ‪--‬كانية من الواق ‪--‬ع‪ ،‬ويبع ‪--‬دها عن االجتاه ‪--‬ات النظري ‪--‬ة‪ ،‬وجيس ‪--‬د مب ‪--‬دأ النس ‪--‬بية االجتماعي ‪--‬ة ال ‪--‬ذي يؤك ‪--‬د أن املش‪--‬اكل‬
‫الس ‪--‬كانية ختتل ‪--‬ف ب ‪--‬اختالف األح ‪--‬وال اإلقليمي ‪--‬ة القائم ‪--‬ة يف البيئ ‪--‬ات احمللي ‪--‬ة‪ ،‬وجيع‪-- -‬ل احلل ‪--‬ول العلمي ‪--‬ة ال ‪--‬يت تقرتحه ‪--‬ا‬
‫الدراسات السكانية على هذا األساس نابعة من طبيعة اإلقليم ذاته‪.‬‬

‫كم‪-‬ا ح‪-‬دثت تط‪-‬ورات منهجي‪-‬ة أخ‪-‬رى‪ ،‬وظه‪-‬رت من‪-‬اهج جدي‪-‬دة تفي‪-‬د يف حتلي‪-‬ل اجتاه‪-‬ات اخلص‪-‬وبة‪ ،‬وتزاي‪-‬د اس‪-‬تخدام‬
‫املسوح امليدانية يف حتديد العوامل العلية املؤثرة معدل املواليد وتوقيت امليالد(‪.)2‬‬

‫وت‪-‬رتب على تق‪--‬دم علم اإلحص‪--‬اء أن أتيحت الفرص‪--‬ة أم‪--‬ام الدراس‪-‬ات الس‪-‬كانية لإلف‪-‬ادة من طرق‪-‬ه وأس‪-‬اليبه يف ع‪--‬رض‬
‫البيانات الس‪-‬كانية يف رس‪-‬وم بياني‪-‬ة واش‪-‬كال‪ ،‬ويف حتلي‪-‬ل ه‪-‬ذه البيان‪-‬ات واس‪-‬تخالص النت‪-‬ائج ال‪-‬يت ميكن االنتف‪-‬اع هبا يف‬
‫رسم وتنفيذ اخلطط االجتماعية‪.‬‬

‫تقدم علوم البيولوجيا‬ ‫‪]4‬‬

‫وأدى التق‪--‬دم ال‪--‬ذي ط‪--‬رأ على عل‪--‬وم البيولوجي‪--‬ا احليوي‪--‬ة واالنثربولوجي‪--‬ا الطبيعي‪--‬ة من ج‪--‬راء تطبيقه‪--‬ا للمق‪--‬اييس املقنن‪--‬ة‬
‫واملن ‪--‬اهج الكمي ‪--‬ة إىل توف ‪--‬ري كث ‪--‬ري من املعلوم ‪--‬ات ح ‪--‬ول الص ‪--‬فات النوعي ‪--‬ة للس ‪--‬كان واخلص ‪--‬ائص الفيزيقي ‪--‬ة والتعليمي ‪--‬ة‬
‫والنفس ‪--‬ية هلم وإىل توف ‪--‬ري كث ‪--‬ري من احلق ‪--‬ائق ال ‪--‬يت أف ‪--‬ادت منه ‪--‬ا الدراس ‪--‬ة العلمي ‪--‬ة للس ‪--‬كان يف منوه ‪--‬ا وبل ‪--‬ورت نظرياهتا‬
‫وقضاياها‪.‬‬

‫كم‪--‬ا أدى التق‪--‬دم ال‪--‬ذي أص‪--‬اب العل‪--‬وم اليوجيني‪--‬ة ‪ Eugenics‬تل‪--‬ك ال‪--‬يت هتتم بتحس‪--‬ني نوعي‪--‬ة الس‪--‬كان والس‪--‬الالت‬
‫البش‪--‬رية‪ ،‬وااليوثونيكي‪--‬ة ‪ Euthenics‬تل‪--‬ك ال‪--‬يت هتتم بتحس‪--‬ني مس‪--‬توى اخلدمات االجتماعي‪--‬ة والثقافي‪--‬ة والبيئي‪--‬ة ال‪--‬يت‬

‫‪ )(1‬دكتور أحمد الخشاب ‪ ،‬سكان المجتمع العربي‪.‬‬


‫)(‪2‬‬
‫‪.‬م‪D. Kirk, Popuiation, Internatonal Encyclopedia of Social Sciences, the MacMillan Comp. New York, 1968‬‬

‫‪49‬‬
‫ت‪-- -‬ؤثر يف الص‪-- -‬فات النوعي‪-- -‬ة(‪ ،)1‬وجع‪-- -‬ل من الس‪-- -‬هل على الدراس‪-- -‬ة العلمي‪-- -‬ة للس‪-- -‬كان أن ختط‪-- -‬و خطواهتا حنو ص‪-- -‬ياغة‬
‫مفاهيمها ونظرياهتا‪.‬‬

‫تزايد المحاوالت العلمية الجادة في دراسة السكان‬ ‫‪]5‬‬

‫ولق‪--‬د ظه‪--‬ر يف ه‪--‬ذة الف‪--‬رتة – هناي‪--‬ة الق‪--‬رن الث‪--‬امن عش‪--‬ر وبداي‪--‬ة الق‪--‬رن التاس‪--‬ع عش‪--‬ر ع‪--‬دد متزاي‪--‬د من احملاوالت العملي‪--‬ة‬
‫اجلادة يف دراس‪--‬ة الس‪--‬كان من أمثلته‪--‬ا تل‪--‬ك احملاوالت ال‪--‬يت أس‪--‬هم هبا ك‪--‬ل من بني‪--‬امني ف‪--‬رانكلني وتوم‪--‬اس جيفرس‪--‬ون‬
‫وغريهم واليت بدأت تستفيد بالتقدم الذي طرأ على البحث العلمي واإلحصاء ونتائج العل‪-‬وم البيولوجي‪-‬ة وااليوجيني‪-‬ة‬
‫وغريها يف فهم وتفسري هذه الظواهر السكانية‪.‬‬

‫ظهور مؤلف روبرت مالتس (مقال في السكان )‬ ‫‪]6‬‬

‫غري أن أهم حماولة علمية يف هذه الفرتة كانت تتمثل يف ظهور أول طبعة املؤلف (مقال عن السكان) ال‪--‬ذي نش‪--‬ر يف‬
‫اجنلرتا بدون توضيح السم مؤلفه عام ‪1798‬م‪ .‬ويف سنة ‪1803‬م نشرت طبعة ثانية للمقال نفسه منقحة ومعدلة‪،‬‬
‫ذك‪--‬ر عليه‪--‬ا اس‪--‬م مؤلفه‪--‬ا القس توم‪--‬اس روب‪--‬رت م‪--‬التس ‪ T. R. Maithus‬ال‪--‬ذي يعت‪--‬رب حبق أب‪--‬ا للدراس‪--‬ة العلمي‪--‬ة‬
‫للس‪--‬كان‪ ،‬ألن‪--‬ه اس‪--‬تطاع إن جيع‪--‬ل امسه مرادف‪--‬ا هلذه الدراس‪--‬ة من حيث نش‪--‬أهتا وظهوره‪--‬ا كنظ‪--‬ام فك‪--‬ري مس‪--‬تقل ق‪--‬ائم‬
‫بذاته‪ ،‬وذلك ألن دراسته تعد يف نظر الكثريين مبثابة ثورة يف موض‪-‬وع الس‪-‬كان ليس نتيج‪-‬ة ملا تنط‪-‬وي علي‪-‬ه دراس‪-‬اته‬
‫ه‪--‬ذه من أفك‪-‬ار تع‪--‬رب عن أص‪--‬الة وج‪-‬دة‪ ،‬وإمنا ألهنا تلفت نظ‪-‬ر غ‪--‬ريه من الن‪-‬اس‪ ،‬وال زالت جتذب االنتب‪-‬اه ح‪-‬ىت ال‪-‬وقت‬
‫احلاض ‪--‬ر‪ ،‬ملا تنط ‪--‬وي علي ‪--‬ه من مس ‪--‬حة تش ‪--‬اؤمية‪ .‬ولع ‪--‬ل م ‪--‬ا جع ‪--‬ل ه ‪--‬ذه اآلراء والدراس ‪--‬ات تعت ‪--‬رب مبثاب ‪--‬ة نقط ‪--‬ة حتول يف‬
‫الدراس‪--‬ات الس‪--‬كانية‪ ،‬أهنا جعلت ع‪--‬ددا كب‪--‬ريا من العلم‪--‬اء والب‪--‬احثني املهتمني باملس‪--‬ائل الس‪--‬كانية يعت‪--‬ربون إن ه‪--‬دفهم‬
‫األول‪ ،‬ه ‪--‬و دحض آراء ودراس ‪--‬ات م ‪--‬التس‪ ،‬وتفني ‪--‬د م ‪--‬ا تنط ‪--‬وي عليه ‪--‬ا من آراء يف ض ‪--‬وء نت ‪--‬ائج الدراس ‪--‬ات العلمي ‪--‬ة‬
‫السكانية واليت كانت تنتهي يف العادة بآراء أكثر تفاؤال مما كانت عليه نظرية مالتس ذاهتا(‪.)2‬‬

‫‪ )(1‬دكتور أحمد الخشاب ‪ ،‬سكان المجتمع العربي‪.‬‬


‫‪ )( 2‬المرجع السابق‪.‬‬

‫‪50‬‬
‫وتوض‪--‬ح ك‪--‬ل ه‪--‬ذه األس‪--‬باب‪ ،‬ملاذا ك‪--‬ان البعض يعت‪--‬رب م‪--‬التس أول من أرس‪--‬ى دع‪--‬ائم الدراس‪--‬ة العلمي‪--‬ة للس‪--‬كان وجع‪--‬ل‬
‫منه ‪--‬ا كيان ‪--‬ا مس ‪--‬تقال يعتم ‪--‬د على املن ‪--‬اهج العلمي ‪--‬ة وخاص ‪--‬ة اإلحص ‪--‬ائية منه ‪--‬ا‪ ،‬وت ‪--‬دخل أيض ‪--‬ا ض ‪--‬من جمموع ‪--‬ة العل ‪--‬وم‬
‫االجتماعي ‪--‬ة‪ .‬ومن هن ‪--‬ا ك ‪--‬ان من الض ‪--‬روري الق ‪--‬اء الض ‪--‬وء على آراء م ‪--‬التس‪ ،‬باعتباره ‪--‬ا من أهم العوام ‪--‬ل املعجل ‪--‬ة يف‬
‫إحداث التطور يف االهتمام بدراسة الظواهر السكانية‪.‬‬
‫(‪)1‬‬
‫توماس روبرت مالتس ‪1766‬م – ‪1836‬م‬

‫ك ‪--‬ان مق ‪--‬ال م ‪--‬التس (حبث يف أص ‪--‬ول مش ‪--‬كلة اإلنس ‪--‬ان) ينط ‪--‬وي على نق ‪--‬د م ‪--‬ا ورد يف حبث ج ‪--‬ودوين ‪Godwin‬‬
‫املتعل ‪--‬ق بالعدال ‪--‬ة السياس ‪--‬ية ‪1793‬م‪ ،‬وك ‪--‬ذلك على نق ‪--‬د كوندرس ‪--‬يه ‪ Condorcet‬ح ‪--‬ول ت ‪--‬اريخ تط ‪--‬ور ال ‪--‬روح‬
‫اإلنسانية‪ ،‬هذا فضال عن مقومات نظريته يف السكان‪.‬‬

‫وق ‪--‬د ك ‪--‬انت جلودوين جمموع ‪--‬ة من اآلراء لقت زيوع ‪--‬ا وانتش ‪--‬ارا يف ذلـك الوقــت‪ ،‬وال ‪--‬يت من أمهه ‪--‬ا أن املش ‪--‬كالت‬
‫الجتماعي‪--‬ة من فق‪--‬ر وآالم وام‪--‬راض ترج‪--‬ع إىل املؤسس‪--‬ات االجتماعي‪--‬ة والنظم ال‪--‬يت تس‪--‬ود اجملتم‪--‬ع‪ ،‬تل‪--‬ك ال‪--‬يت تتحم‪--‬ل‬
‫تبعية ما يعانيه اجملتمع من مثل هذه املش‪-‬كالت‪ .‬وبن‪-‬اء على ذل‪-‬ك‪ ،‬ض‪-‬من ج‪-‬ودوين وكوندروس‪-‬يه‪ ،‬مؤلفيهم‪-‬ا جمموع‪-‬ة‬
‫من اآلراء ال‪-‬يت تغمره‪--‬ا النزع‪--‬ة التفاؤلي‪-‬ة ح‪-‬ول مس‪-‬تقبل تط‪-‬ور العلم والعق‪--‬ل واملعرف‪-‬ة التكنولوجي‪-‬ة والس‪-‬كان‪ ،‬على حنو‬
‫جيعلهم ق‪--‬ادرين على اجياد الوس‪--‬ائل ال‪--‬يت تعينهم على جتنب ك‪--‬ل زي‪--‬ادة يف الس‪--‬كان(‪ .)2‬غ‪--‬ري أن م‪--‬التس ي‪--‬رد على ه‪--‬ذه‬
‫اآلراء يف مقال‪--‬ه ق‪--‬ائال (آن اإلنس‪--‬ان ه‪--‬و نفس‪--‬ه وليس‪--‬ت املؤسس‪--‬ات او النظم ال‪--‬يت تس‪--‬ود اجملتم‪--‬ع‪ ،‬هي مص‪--‬در الش‪--‬رور‬
‫واملش‪--‬كالت وجيب ان يب‪--‬دا األف‪--‬راد بإص‪--‬الح عي‪--‬وهبم املتمثل‪--‬ة يف التوال‪--‬د الس‪--‬ريع واملتواص‪--‬ل ال‪--‬ذي ال يتناس‪--‬ب م‪--‬ع م‪--‬ا‬
‫ميكن احلصول عليه من مواد العيش والغذاء)‪.‬‬

‫ولقد كانت الظروف اليت عاشتها اجنلرتا يف هناية القرن الثامن عشر واملغايرة لتل‪--‬ك املش‪--‬اهد الرومانس‪--‬ية ال‪--‬يت انط‪--‬وت‬
‫عليها كتابات جودوين وكوندرس‪-‬ه من بني الش‪-‬واهد ال‪-‬يت اس‪-‬تند عليه‪-‬ا م‪-‬التس يف رده على اراء ه‪-‬ذين الك‪-‬اتبني ويف‬
‫االنطالق حنو صياغة نظريته يف السكان‪.‬‬

‫فلق ‪--‬د متيز الق ‪--‬رن الث ‪--‬امن عش ‪--‬ر ب ‪--‬النمو اهلائ ‪--‬ل يف السـكان‪ ،‬من ‪ 5‬ماليني نس ‪--‬مة ع ‪--‬ام ‪1700‬م إىل ‪ 9.3‬ملي ‪--‬ون ع ‪--‬ام‬
‫‪1801‬م‪ .‬وارجعت ه‪-‬ذه الزي‪-‬ادة إىل اخنف‪-‬اض مع‪-‬دل الوفي‪-‬ات وزي‪-‬ادة مع‪-‬دل املوالي‪-‬د‪ ،‬نتيج‪-‬ة الزي‪-‬ادة يف ع‪-‬دد ح‪-‬االت‬
‫)(‪1‬‬
‫‪, p. 53.‬م‪R. Thombison, Population Dynamices, Random House, New York, 1965‬‬
‫)(‪2‬‬
‫‪W. S. Thompson &. D. lewis, Op. Cit., p. 16.‬‬

‫‪51‬‬
‫الزواج‪ .‬غري أن هذه الزيادة يف عدد السكان‪ ،‬كان يواجهها تدهورًا يف كمية الغذاء نتيجة الحنسار األرض الزراعية‬
‫عموم ‪ً-‬ا‪ ،‬وزي‪--‬ادة األرض املخصص‪--‬ة للمحاص‪--‬يل‪ .‬فت‪--‬دهورت كمي‪--‬ة الغ‪--‬ذاء الناجتة عن األرض‪ ،‬يف مقاب‪--‬ل تزاي‪--‬د إنت‪--‬اج‬
‫اللح ‪--‬وم وه ‪--‬و غ ‪--‬ذاء غ ‪--‬ري مت ‪--‬وافر للطبق ‪--‬ات الفق ‪--‬رية‪ .‬ه ‪--‬ذا فض ‪ً-‬ال عن تزاي ‪--‬د نس ‪--‬ب الض ‪--‬رائب للوف ‪--‬اء بالتزام ‪--‬ات ق ‪--‬وانني‬
‫الفقراء(‪ .)1‬فقد دفع هذا الواقع احلزين يف اجنلرتا يف ذلك الوقت مالتس إىل صياغة نظريته على النحو التايل‪:‬‬

‫مقومات نظرية مالتس‬

‫اس ‪--‬تقرأ م ‪--‬التس املعلوم ‪--‬ات والبيان ‪--‬ات واإلحص ‪--‬ائيات ال ‪--‬يت أج ‪--‬ريت يف بالده اجنل ‪--‬رتا ويف الوالي ‪--‬ات املتح ‪--‬دة األمريكي ‪--‬ة‬
‫وفرنسا ويف غريها من البالد األوربية‪ ،‬حول ع‪-‬دد الس‪-‬كان من ناحي‪-‬ة ومع‪-‬دل اإلنت‪-‬اج من األرض من ناحي‪-‬ة أخ‪-‬رى‪،‬‬
‫وانتهى إىل النتائج العامة التالية‪:‬‬

‫إن قدرة اإلنسان على التناسل وفعاليتها تعمل على زيادة عدد السكان‪.‬‬ ‫‪-1‬‬
‫إن عدد السكان يتضاعف يف كل جيل أو يف كل ‪ 25‬عامًا إذا مل يعوقهم عائق قوي‪ ،‬على النحو التايل‪:‬‬ ‫‪-2‬‬
‫إذا ب‪--‬دأنا مثًال بع‪--‬دد س‪--‬كان مق‪--‬داره ملي‪--‬ون نس‪--‬مة‪ ،‬فإن‪--‬ه بع‪--‬د ‪ 25‬عام‪ً-‬ا يص‪--‬بح الع‪--‬دد ‪ 2‬ملي‪--‬ون نس‪--‬مة‪ ،‬وبع‪--‬د‬ ‫‪-3‬‬
‫‪ 25‬سنة أخرى يصبح العدد ‪ 4‬ماليني وبعد ‪ 25‬سنة ثالثة يصبح ‪ 8‬ماليني‪ ،‬مث ‪ ،16‬مث ‪ 32‬مليون نس‪--‬مة‬
‫وهكذا‪.‬‬
‫إن ق ‪--‬درة األرض أو مص ‪--‬ادر الطبيع ‪--‬ة عموم ‪ً-‬ا على انت ‪--‬اج م ‪--‬ا يتطلب ‪--‬ه البق ‪--‬اء اإلنس ‪--‬اين من غ ‪--‬ذاء ق ‪--‬درة حمدودة‬ ‫‪-4‬‬
‫وختضع لقانون الغلة املتناقصة‪.‬‬
‫ويتلخص ق‪-- -‬انون الغل‪-- -‬ة املتناقص‪-- -‬ة يف أن لك‪-- -‬ل مس‪-- -‬احة من األرض الزراعي‪-- -‬ة ح‪-- -‬دًا يبل‪-- -‬غ عن‪-- -‬ده اإلنت ‪--‬اج احلد‬ ‫‪-5‬‬
‫األقصى‪ ،‬بالنسبة ملا يستخدم فيها من العمل ورأس املال حبيث لو زاد مقدار املس‪-‬تخدم منه‪--‬ا عن ه‪--‬ذا احلد‪،‬‬
‫ألخ ‪--‬ذ اإلنت ‪--‬اج ال ‪--‬ذي تغل ‪--‬ه األرض يف التن ‪--‬اقص الت ‪--‬درجيي‪( ،‬ب ‪--‬الفرق بني الزي ‪--‬ادة يف تك ‪--‬اليف األي ‪--‬دي العامل ‪--‬ة‬
‫واإلنتاج )(‪.)2‬‬
‫إن زيادة إنتاج املواد الغذائية تتدرج على حنو حسايب‪ ،‬مبعىن أنه إذا بدأ مثًال بانتاج حجمه ‪ 1‬فإنه بع‪--‬د ‪25‬‬ ‫‪-6‬‬
‫سنة يصبح احلجم بعد الزيادة ‪ 2‬وبعد ‪ 25‬سنة أخرى يصبح احلجم بعد الزيادة ‪ 3‬وهكذا‪.‬‬

‫)(‪1‬‬
‫‪R. Pressat, Population, Op. Cit., p.5.‬‬
‫)(‪2‬‬
‫‪T. Thombison, Popuation Dynamics, Op. Cit., pp. 55 - 56.‬‬

‫‪52‬‬
‫إن العالقة بني الزيادة يف عدد السكان وبني الزيادة يف حجم إنت‪-‬اج الغ‪--‬ذاء هي العالق‪-‬ة بني زي‪-‬ادة تن‪-‬درج يف‬ ‫‪-7‬‬
‫ش‪-‬كل هندس‪-‬ي وزي‪-‬ادة تت‪-‬درج يف ش‪-‬كل حس‪-‬ايب أو مبع‪--‬ىن آخ‪-‬ر أن هن‪-‬اك تناس‪-‬بًا عكس‪-‬يًا بني الزي‪-‬ادة يف ع‪--‬دد‬
‫السكان وبني الزيادة يف مواد الغذاء‪.‬‬

‫فإذا كانت زيادة السكان حتددها املتوالية اهلندسية‬

‫‪Geometrical progression‬‬

‫‪128‬‬ ‫‪64‬‬ ‫‪32‬‬ ‫‪16‬‬ ‫‪4 2 1‬‬

‫فإن زيادة مواد الغذاء حتددها املتوالية احلسابية التالية‬

‫‪Arithmetical Progression‬‬

‫‪8 7 6 5 4 3 2 1‬‬

‫ومعىن ذلك أنه بعد ‪ 7‬أجيال ستكون نسبة الغذاء إىل ع‪--‬دد الس‪--‬كان هي (‪ )128:8‬وهي نس‪--‬بة رهيب‪--‬ة تنط‪--‬وي على‬
‫شقاء السكان‪.‬‬

‫ولتجنب ه ‪--‬ذا املص ‪--‬ري الق ‪--‬امت‪ ،‬ينص ‪--‬ح م ‪--‬التس بإتب ‪--‬اع ن ‪--‬وعني من املوان ‪--‬ع للح ‪--‬د من الزي ‪--‬ادة الس ‪--‬كانية‪ ،‬األول‬ ‫‪-8‬‬
‫أخالقي‪ ،‬يتمثل يف العفة والرهبنة والزه‪-‬د أو ت‪-‬أخري س‪-‬ن ال‪-‬زواج والث‪-‬اين موان‪-‬ع قس‪-‬رية تفرض‪-‬ها الطبيع‪-‬ة‪ ،‬مث‪-‬ل‬
‫العمل يف املهن غريالص‪-‬حية والفق‪-‬ر واإلم‪-‬راض واألوبئ‪-‬ة والقح‪-‬ط واجملاع‪-‬ات واحلروب‪ .‬وإليه‪-‬ا يرج‪-‬ع الفض‪-‬ل‬
‫يف املوازنة بني أعداد السكان وبني موارد العيش احملدود يف العامل( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫وأخريًا يصل مالتس إىل نتيج‪-‬ة مهم‪-‬ة مؤاده‪-‬ا أن اإلنس‪-‬انية ال ميكن أن تعيش يف س‪-‬الم وس‪-‬عادة وازده‪-‬ار ‪-‬‬ ‫‪-9‬‬
‫ما مل يغري اإلنسان من طبيعته الغامشة ويعمل على كبح مجاح نزواته وشهواته‪.‬‬

‫مناقشة وتعقيب على نظرية مالتس‬

‫)(‪1‬‬
‫‪Ibid, p. 55 - 56.‬‬

‫‪53‬‬
‫لق ‪--‬د أنص ‪--‬ت املفك ‪--‬رون والعلم ‪--‬اء املش ‪--‬تغلون بدراس ‪--‬ة اإلنس ‪--‬ان والظ ‪--‬واهر االجتماعي ‪--‬ة والس ‪--‬كانية إىل م ‪--‬ا قال ‪--‬ه روب ‪--‬رت‬
‫مالتس‪ ،‬بل لقد أوقفهم ما ذهب إليه وما آثارته آراؤه من موجات تشاؤمية‪ ،‬األمر الذي جعلهم ينظرون بعني ثاقب‪--‬ة‬
‫إىل هذه اآلراء واألفكار حيث كان من نتيجة هذا التوق‪-‬ف وتل‪-‬ك النظ‪-‬رة أن اس‪-‬تطاع بعض ه‪--‬ؤالء العلم‪-‬اء الكش‪-‬ف‬
‫عن أخط‪-‬اء م‪-‬التس وإلق‪-‬اء الض‪-‬وء على الثغ‪-‬رات ال‪-‬يت تعيب فك‪-‬ره وال‪-‬يت دعت إىل إع‪-‬ادة النظ‪-‬ر يف بن‪-‬اء ه‪-‬ذا الفك‪-‬ر من‬
‫جديد وفتح الطريق أمام ذلك التطور الذي شهده االهتمام بدراسة الظواهر السكانية فيما بعد‪.‬‬

‫ونستطيع أن نوجز القول فيما يتعلق بأخطاء وثغرات فكر مالتس إذا استعدنا يف ذاكرتن‪--‬ا م‪--‬ا س‪--‬بق أن أش‪--‬رنا إلي‪--‬ه من‬
‫نت‪-‬ائج ت‪-‬رتبت على اجتاه‪-‬ات دراس‪-‬ة منو الس‪-‬كان أم‪-‬ا يف ض‪-‬وء االيكولوجي‪-‬ا البش‪-‬رية أو على اس‪-‬اس التنمي‪-‬ة االجتماعي‪-‬ة‬
‫واعتم‪--‬دنا علي‪--‬ه يف توض‪--‬يح أمهي‪--‬ة وض‪--‬رورة دراس‪--‬ة ظ‪--‬واهر منو الس‪--‬كان يف اجملتم‪--‬ع(‪ ،)1‬فمن ناحي‪--‬ة ذهب م‪--‬التس إىل أن‬
‫منو الغذاء حتكمه متوالية حسابية نتيجة لتأثري قانون الغلة املتناقصة وإنتاج الغذاء يرتاجع باس‪-‬تمرار أم‪-‬ام منو الس‪-‬كان‪.‬‬
‫ولق ‪--‬د كش ‪--‬ف اجتاه االيكولوجي ‪--‬ا البش ‪--‬رية أن االنس ‪--‬ان ك ‪--‬ان يس ‪--‬تعني يف حف ‪--‬ظ الت ‪--‬وازن بني الزي ‪--‬ادة يف منو الس ‪--‬كان‬
‫ووس ‪--‬ائل العيش يف ك ‪--‬ل جمتم ‪--‬ع ع ‪--‬رب مراح ‪--‬ل ت ‪--‬اريخ البش ‪--‬رية بتط ‪--‬ور بيئت ‪--‬ه التكنولوجي ‪--‬ة والتنظيمي ‪--‬ة وأن الث ‪--‬ورات ال ‪--‬يت‬
‫أح‪--‬دثها االنس‪--‬ان ع‪--‬رب ه‪--‬ذه املراح‪--‬ل ق‪--‬د ت‪--‬رتبت عليه‪--‬ا زي‪--‬ادة ملحوظ‪--‬ة يف إنت‪--‬اج الغ‪--‬ذاء وه‪--‬ذا معن‪--‬اه أن انت‪--‬اج الغ‪--‬ذاء مل‬
‫يكن يق‪--‬ل عن الزي‪--‬ادة يف منو الس‪--‬كان على خالف م‪--‬ا ك‪--‬ان يتوق‪--‬ع م‪--‬التس‪ ،‬ألن‪--‬ه أغف‪--‬ل تط‪--‬ور وتغ‪--‬ري الكفاي‪--‬ة الفني‪--‬ة يف‬
‫االنتاج وأثر الثورة التكنولوجية يف زيادة اإلنتاج‪ .‬ومن ناحية ثالثة كان مالتس يعتقد أن منو الس‪--‬كان حتكم‪--‬ة متوالي‪--‬ة‬
‫هندسية‪ .‬ولقد كشف اجتاه التنمية االجتماعية يف دراسته للعالقات بني منو الس‪-‬كان واملوالي‪-‬د والوفي‪-‬ات وأوض‪-‬ح أث‪-‬ر‬
‫ظروف التنمية االجتماعية يف اجملتمع على اخنفاض معدل املواليد واخلصوبة يف اجملتمع‪ ،‬خاصة نتيج‪-‬ة الرتف‪--‬اع مكان‪-‬ة‬
‫املرأة يف اجملتم‪--‬ع‪ ،‬والتوس‪--‬ع يف تعليمه ‪--‬ا‪ ،‬وإتاح‪--‬ة الفرص ‪--‬ة أمامه ‪--‬ا للعم‪--‬ل ومش‪--‬اركتها للرج‪--‬ل يف القض ‪--‬ايا العام ‪--‬ة‪ ،‬ه ‪--‬ذا‬
‫فضًال عن أثر التوسع يف استخدام موانع احلمل‪ ،‬وكل هذه األم‪-‬ور تق‪-‬ف مبثاب‪-‬ة أدل‪-‬ة قاطع‪-‬ة على ع‪-‬دم ص‪-‬دق نظريت‪-‬ه‪،‬‬
‫وعلى عدم حتقق تنبؤاته وتوقعاته بالزيادة الرهيبة يف أعداد السكان‪.‬‬

‫ثالثًا‪ :‬وضع علم اجتماع السكان بين الديموجرافيا والدراسات السكانية‬

‫ولقد أدى النقد الذي وجه إىل مسامهات مالتس يف دراسة الظواهر السكانية إىل قيام عل‪-‬وم اجتماعي‪-‬ة خمتلف‪-‬ة أو قي‪-‬ام‬
‫علم‪--‬اء ينتم‪--‬ون إىل عل‪--‬وم اجتماعي‪--‬ة عدي‪--‬دة ومتباين‪--‬ة باالهتم‪--‬ام بدراس‪--‬ة الظ‪--‬واهر الس‪--‬كانية أمًال يف الوص‪--‬ول إىل نت‪--‬ائج‬
‫‪ )(1‬انظر الفصل االول‪.‬‬

‫‪54‬‬
‫جديدة تتجاوز من ناحي‪-‬ة األخط‪-‬اء والثغ‪-‬رات يف آراء م‪-‬التس‪ ،‬وتض‪-‬في من ناحي‪-‬ة أخ‪-‬رى الط‪-‬ابع التف‪-‬اؤيل على تن‪-‬اول‬
‫وحتلي‪--‬ل الظ‪--‬واهر الس‪--‬كانية عن طري‪--‬ق حمو ذل‪--‬ك األث‪--‬ر التش‪--‬اؤمي ال‪--‬ذي تركت‪--‬ه كتاب‪--‬ات م‪--‬التس فـي هـذا الصـدد‪.‬ولق‪--‬د‬
‫لوح ‪--‬ظ بع ‪--‬د ذلـك‪ ،‬أن جمموع ‪--‬ات العل ‪--‬وم االجتماعي ‪--‬ة ه ‪--‬ذه ق ‪--‬د اختلفت يف اهتماماهتا بدراس ‪--‬ة الظ ‪--‬واهر الس ‪--‬كانية‬
‫ومتايزت فيم ‪--‬ا بينه ‪--‬ا وانقس ‪--‬مت إىل فئ ‪--‬تني من الدراس ‪--‬ات‪ ،‬حبيث اش ‪--‬تملت الفئ ‪--‬ة األوىل على اهتم ‪--‬ام علم االحص ‪--‬اء‬
‫بدراس‪-- - - - -‬ة الظ‪-- - - - -‬واهر الس‪-- - - - -‬كانية وال‪-- - - - -‬ذي ع‪-- - - - -‬رف بني املش‪-- - - - -‬تغلني هبذا الن‪-- - - - -‬وع من الدراس‪-- - - - -‬ة باس‪-- - - - -‬م ال‪-- - - - -‬دميوجرافيا‬
‫‪ Demography‬واش ‪--‬تملت الفئ ‪--‬ة الثاني ‪--‬ة على اهتم ‪--‬ام عل ‪--‬وم اجتماعي ‪--‬ة أخ ‪--‬رى مث ‪--‬ل اجلغرافي ‪--‬ا واالقتص ‪--‬اد وعلم‬
‫االجتماع وغريها واليت اطلق عليه‪-‬ا ايض‪ً-‬ا املش‪-‬تغلون واملهتم‪-‬ون بدراس‪-‬ة الظ‪-‬واهر الس‪-‬كانية اس‪-‬م الدراس‪-‬ات الس‪-‬كانية‬
‫‪.)1( Population Studies‬‬

‫وملا ك‪--‬ان اهتمامن‪--‬ا األساس‪--‬ي ينص‪--‬رف حنو إلق‪--‬اء الض‪--‬وء على علم اجتم‪--‬اع الس‪--‬كان فإنن‪--‬ا لن نتعم‪--‬ق يف تن‪--‬اول ص‪--‬ور‬
‫االهتمام‪--‬ات األخ‪--‬رى بدراس‪--‬ة الظ‪--‬واهر الس‪--‬كانية‪ ،‬ونع‪--‬ين ال‪--‬دميوجرافيا‪ ،‬واالقتص‪--‬اد واجلغرافي‪--‬ا‪ ،‬إال بالق‪--‬در ال‪--‬ذي خيدم‬
‫فهمن ‪--‬ا لعلم اجتم ‪--‬اع الس ‪--‬كان‪ ،‬ول ‪--‬ذلك فق ‪--‬د حاولن ‪--‬ا التع ‪--‬رف على اهتم ‪--‬ام ال ‪--‬دميوجرافيا بدراس ‪--‬ة الظ ‪--‬واهر الس ‪--‬كانية‬
‫وك‪--‬ذلك اهتم‪--‬ام اجلغرافي‪--‬ا هبذه الظ‪--‬واهر مث اهتم‪--‬ام االقتص‪--‬اد أيض ‪ً-‬ا‪ ،‬وذل‪--‬ك ح‪--‬ىت يتس‪--‬ىن لن‪--‬ا معرف‪--‬ة طبيع‪--‬ة ك‪--‬ل اهتم‪--‬ام‬
‫منها‪ ،‬واالختالف بين‪-‬ه وبني علم االجتم‪-‬اع الس‪-‬كان األم‪-‬ر ال‪-‬ذي يس‪-‬هم ‪ -‬يف تق‪-‬ديرنا ‪ -‬يف إلق‪-‬اء الض‪-‬وء على وض‪-‬ع‬
‫علم اجتماع السكان بني هذه العلوم‪.‬‬

‫اإلحصاء والسكان (الديموجرافيا)‬

‫يرج‪--‬ع اهتم‪--‬ام اإلحص‪--‬اء بدراس‪--‬ة الس‪--‬كان ق‪--‬دميًا إىل عص‪--‬ر الروم‪--‬ان‪ ،‬حيث ك‪--‬ان املل‪--‬ك (س‪--‬رفيس ت‪--‬اليوس) يطلب من‬
‫ش‪--‬عبه أن يس‪--‬امهوا يف االحتف‪--‬االت الس‪--‬نوية ال‪--‬يت يقيمه‪--‬ا من خالل تق‪--‬دمي قط‪--‬ع من العمل‪--‬ة‪ ،‬يق‪--‬دم الرج‪--‬ال نوع ‪ً-‬ا منه‪--‬ا‬
‫وتق‪--‬دم النس‪--‬اء نوع ‪ً-‬ا ثاني ‪ً-‬ا ويق‪--‬دم االطف‪--‬ال نوع ‪ً-‬ا ثالث ‪ً-‬ا‪ ،‬وك‪--‬ان ه‪--‬ذا املل‪--‬ك يتوص‪--‬ل إىل معرف‪--‬ة ع‪--‬دد الس‪--‬كان وت‪--‬وزيعهم‬
‫اجلنسي والعمري عن طريق عدد وحصر أو إحصاء هذه العمالت(‪.)2‬‬

‫‪ )(1‬انظر في هذا الصدد‬


‫‪a) T. R. Ford & G. F. Dejong, Social Demography, Prentice - Hall, Inc., N. N. J‬‬
‫‪b) D. Kirk, Population, op. cit., p. 342.‬‬
‫)(‪2‬‬
‫‪, p. 19,‬م‪T. L. Smith, Fundamentals of Population Study, J. B. Lip - Pincott Comp, New Yore, 1960‬‬

‫‪55‬‬
‫غ‪--‬ري أن ه‪--‬ذا االهتم‪--‬ام االحص‪--‬ائي الق‪--‬دمي ب‪--‬الظواهر الس‪--‬كانية‪ ،‬مل يكن اهلدف املباش‪--‬ر من‪--‬ه التوص‪--‬ل إىل قض‪--‬ية عام‪--‬ة أو‬
‫نظرية عن عدد السكان‪ ،‬بقدر ما كان يهدف إىل استخدامها يف أغراض ادارية وحربية‪.‬‬

‫والواق‪--‬ع أن م‪--‬ا نش‪--‬ره (ج‪--‬ون ج‪--‬رونت ‪ )Gruant‬يف ع‪--‬ام ‪ 1662‬من مالحظ‪--‬ات على ق‪--‬وائم املوتى يعت‪--‬رب من أهم‬
‫املعادالت اإلحصائية يف دراسة السكان بعد ذلك‪ ،‬بل هي أحد الدعائم اليت استندت إليها الدراسة العلمي‪-‬ة للس‪-‬كان‬
‫يف نش ‪--‬أهتا وتطوره ‪--‬ا‪ ،‬إىل احلد ال ‪--‬ذي اعت ‪--‬ربه البعض ليس فق ‪--‬ط مؤسس ‪ً-‬ا لعلم اإلحص ‪--‬اء وإمنا أيض ‪ً-‬ا مؤسس ‪ً-‬ا للدراس ‪--‬ة‬
‫العلمية للسكان‪.‬‬

‫فلق ‪--‬د ك ‪--‬ان الس ‪--‬كان موض ‪--‬وعًا للتفك ‪--‬ري غامض‪ً- -‬ا وأيض‪ً- -‬ا موض ‪--‬وعًا للتأم ‪--‬ل غ ‪--‬ري دقي ‪--‬ق أك ‪--‬ثر من ‪--‬ه موض ‪--‬وعًا للمالحظ ‪--‬ة‬
‫والتحلي‪--‬ل‪ ،‬وك‪--‬ان يظن أن اجملتم‪--‬ع يتط‪--‬ور بفع‪--‬ل ارادة ق‪--‬وى طبيعي‪--‬ة يتع‪--‬ذر فهمه‪--‬ا‪ .‬وج‪--‬اء (ج‪--‬رونت) ببحوث‪--‬ه الوض‪--‬عية‬
‫اليت هتدف إىل تغيري هذا التفكري الغامض وتقضي على االثار اخليالية ل‪-‬ه‪ .‬فك‪-‬انت حبوث‪-‬ه مبثاب‪-‬ة البداي‪-‬ة يف عملي‪-‬ة تط‪-‬ور‬
‫الدراس‪--‬ة العلمي‪--‬ة للس‪--‬كان وال‪--‬يت مل تتوق‪--‬ف ح‪--‬ىت االن‪ .‬ومل تكن البح‪--‬وث ال‪--‬يت أجراه‪--‬ا (ج‪--‬رونت) حتم‪--‬ل مع‪--‬ىن البحث‬
‫الدقيق باملفهوم املعروف عنها االن‪ .‬وإمنا كانت حبوثًا جيريها بنفسه باعتباره مفكرًا ذكيًا حقق جناح‪ً-‬ا كب‪--‬ريًا يف ع‪--‬دد‬
‫من أوجه النشاط االجتماعي املتباينة يف عص‪-‬ره‪ ،‬حيث ك‪-‬ان يعم‪-‬ل يف التج‪-‬ارة ولعب دور القائ‪-‬د يف جيش املدين‪-‬ة يف‬
‫نفس الوقت‪ .‬ولقد خلق التزامه الشخصي مبشكالت احلياة يف املدينة‪ ،‬فض‪ً-‬ال عن اس‪-‬تقالله النس‪-‬يب عن دوائ‪-‬ر العلم‪-‬اء‬
‫يف ذل‪--‬ك ال‪--‬وقت‪ ،‬ظروف ‪ً-‬ا موائم‪--‬ة س‪--‬اعدت على قيام‪--‬ه ب‪--‬ذلك الن‪--‬وع من البح‪--‬وث ال‪--‬يت ك‪--‬ان جيريه‪--‬ا بنفس‪--‬ه‪ ،‬وال‪--‬يت مل‬
‫حياول أن يتصورها واحد من سابقيه أو معاصريه(‪.)1‬‬

‫وك ‪--‬انت س ‪--‬جالت الوفي ‪--‬ات‪ ،‬هي ال ‪--‬يت متد (ج ‪--‬رونت) باملادة اخلام لبحوث ‪--‬ه‪ .‬وت ‪--‬رد تل ‪--‬ك الس ‪--‬جالت إىل بداي ‪--‬ة الق ‪--‬رن‬
‫السادس عشر‪ ،‬واليت أخذت صورة نشرة أسبوعية تص‪-‬در ك‪-‬ل ثالث‪-‬اء لتض‪-‬م قائم‪-‬ة بأمساء الوفي‪-‬ات وأحيان‪ً-‬ا م‪-‬ا تص‪-‬در‬
‫قائمة بأمساء املواليد يف دوائر متباينة وعديدة من لندن‪.‬‬

‫وك‪--‬انت ه‪--‬ذه الق‪--‬وائم والس‪--‬جالت تعكس املخ‪--‬اطر ال‪--‬يت تكمن وراء ح‪--‬االت الوفي‪--‬ات وتق‪--‬ف مبثاب‪--‬ة مؤش‪--‬رًا ل‪--‬ه قيمت‪--‬ه‬
‫البالغ ‪--‬ة يف أوق ‪--‬ات االوبئ ‪--‬ة ‪ Epidemic‬وخاص ‪--‬ة الط ‪--‬اعون ‪ Plague‬تل ‪--‬ك ال ‪--‬يت يك ‪--‬ون فيه ‪--‬ا من احلكم ‪--‬ة مغ ‪--‬ادرة‬
‫املدينة إىل بالد أخرى أكثر صحة‪ .‬ولقد جعل (جرونت) من هذه القوائم للموتى هدفًا وموضوعًا للتحليل العلمي‪،‬‬

‫)(‪1‬‬
‫‪R. Pressat, Population, op. cit., pp. 1 - 2.‬‬

‫‪56‬‬
‫على حنو جدي‪--‬د وم‪--‬دهش‪ .‬واحلقيق‪--‬ة أن (ج‪--‬رونت) مل يكن جمرد رج‪--‬ل احص‪--‬ائي ميس‪--‬ك يف ي‪--‬ده ج‪--‬داول املوتى‪ ،‬وامنا‬
‫أص‪--‬بحت ه‪--‬ذه اجلداول يف نظ‪--‬ره الوس‪--‬ائل ال‪--‬يت يعتم‪--‬د عليه‪--‬ا يف حتدي‪--‬د العوام‪--‬ل االقتص‪--‬ادية واالجتماعي‪--‬ة والبيولوجي‪--‬ة‬
‫للتغريات يف معدالت الوفيات(‪.)1‬‬

‫وتعد استنتاجات (جرونت) حول معدل األنواع عن‪-‬د امليالد ‪ Rate of sexes‬وبني جمموع‪-‬ة الس‪-‬كان كك‪-‬ل من‬
‫أهم االكتش ‪--‬افات اإلحص ‪--‬ائية ال ‪--‬يت توص ‪--‬ل إليه ‪--‬ا (ج ‪--‬رونت) من خالل مالحظات ‪--‬ه أمهي ‪--‬ة التفرق ‪--‬ة بني أع ‪--‬داد ال ‪--‬ذكور‬
‫واإلناث‪ ،‬األمر الذي مل يكن واضحًا يف وقته‪ .‬وكذلك املقارنة بني حاالت املواليد والوفيات والحظ أن هناك ‪13‬‬
‫حاله من املواليد يف مقابل ‪ 14‬حالة وف‪-‬اة يف مدين‪-‬ة لن‪-‬دن‪ ،‬بينم‪-‬ا ك‪-‬ان هن‪-‬اك ‪ 73‬حال‪-‬ة موالي‪-‬د مقاب‪-‬ل ‪ 52‬حال‪-‬ة وف‪-‬اة‬
‫يف املقاطع‪--‬ات الريفي‪-‬ة للمدين‪-‬ة‪ .‬ف‪-‬انتهى إىل أن منو الس‪-‬كان العاص‪--‬مة يرج‪-‬ع إىل ت‪-‬دفق وهج‪-‬رة الن‪-‬اس من البالد احمليط‪-‬ة‬
‫اليها‪.‬‬

‫كم‪-‬ا أمكن (جلرونت) أن يرس‪-‬م ج‪-‬دول حي‪-‬اة‪ ،‬حيث اعتم‪-‬د على م‪-‬ا ت‪-‬وفر ل‪-‬ه من ح‪-‬االت للوف‪-‬اة مص‪-‬نفة وف‪-‬ق س‪-‬بب‬
‫الوف‪-- - - -‬اة‪ ،‬بلغت ‪ 130,000‬حال‪-- - - -‬ة وقعت بني األع‪-- - - -‬وام ‪1629‬م‪1638 ،‬م‪ ،‬وبني األع‪-- - - -‬وام ‪1647‬م‪1658 ،‬م‪.‬‬
‫وبالرغم من أن أصالة وجدة (جرونت) تكمن يف قدرته على استخدام هذه املادة وتص‪--‬نيفها يف وض‪--‬ع توزي‪--‬ع تقري‪--‬يب‬
‫حسب العمر‪ ،‬ويف إج‪-‬راء ن‪-‬وع من االس‪-‬تقراء ال‪-‬ذي يتس‪-‬م بالبس‪-‬اطة ح‪-‬ول ح‪-‬االت الوف‪-‬اة النامجة عن املرض يف حال‪-‬ة‬
‫الطفول‪-‬ة‪ .‬إال أن ه‪-‬ذا االس‪-‬تخدام والتص‪-‬نيف والتوزي‪-‬ع للس‪-‬كان ك‪-‬ان يفتق‪-‬ر إىل التع‪-‬رف على األس‪-‬باب احملددة للوف‪-‬اة‪،‬‬
‫ومع ذلك جنده يضع جدوًال معقوًال حلدوث حاالت الوفاة يف مقابل ‪ 100‬من حاالت امليالد على النحو التايل‪:‬‬

‫يف سن ‪ 6‬سنوات يعيش ‪ 64‬مولودًا‪ .‬ويف سن ‪ 16‬سنة يعيش ‪ 40‬مولودًا‪.‬‬

‫ويف سن ‪ 26‬سنة يعيش ‪ 35‬مولودًا‪.‬‬


‫ويف سن ‪ 36‬سنة يعيش ‪ 16‬مولودًا‪.‬‬
‫ويف سن ‪ 46‬سنة يعيش ‪ 10‬مواليد‪.‬‬
‫ويف سن ‪ 56‬سنة يعيش ‪ 6‬مواليد‪.‬‬
‫ويف سن ‪ 66‬سنة يعيش ‪ 3‬مواليد‪.‬‬

‫)(‪1‬‬
‫‪Ibid., pp. 1 - 2,‬‬

‫‪57‬‬
‫ويف سن ‪ 76‬سنة يعيش ‪ 1‬مواليد‪.‬‬
‫ويف سن ‪ 80‬سنة ال يعيش أحدًا‪.‬‬

‫غ ‪--‬ري آن (ج ‪--‬رونت) مل يتج ‪--‬اوز ج ‪--‬دول احلي ‪--‬اة ه ‪--‬ذا حنو عملي ‪--‬ة حس ‪--‬اب توق ‪--‬ع احلي ‪--‬اة(‪ .)1‬ومن ناحي ‪--‬ة أخ ‪--‬رى‪ ،‬جند أن‬
‫ج‪-‬رونت ق‪-‬د أج‪-‬رى عدي‪-‬دًا من احلس‪-‬ابات الدميوجرافي‪-‬ة‪ ،‬ال‪-‬يت توض‪-‬ح م‪-‬دى وعي‪-‬ه حبال‪-‬ة االعتم‪-‬اد املتبادل‪-‬ة بني البيان‪-‬ات‬
‫السكانية‪.‬‬

‫فلقد حاول عن طريق رب‪-‬ط ج‪-‬دول احلي‪-‬اة بتص‪-‬نيف الس‪-‬كان وفق‪ً-‬ا للعم‪-‬ر‪ ،‬أن يق‪-‬در ع‪-‬دد ال‪-‬ذكور الق‪-‬ادرين على محل‬
‫السالح‪ .‬هذا فضًال عن أنه ق‪-‬ام حبس‪-‬اب ع‪-‬دد اإلن‪-‬اث يف عم‪-‬ر اخلص‪-‬وبة‪ ،‬ومن مث توص‪-‬ل إىل ع‪-‬دد األس‪-‬ر‪ ،‬ويف النهاي‪-‬ة‬
‫ق‪--‬در حجم س‪--‬كان لن‪--‬دن حبوايل ‪ 348,000‬نس‪--‬مة‪ ،‬وذل‪--‬ك اعتم‪--‬ادًا على أع‪--‬داد املوالي‪--‬د س‪--‬نويًا‪ .‬وه‪--‬و حجم خيتل‪--‬ف‬
‫بالطبع عن احلجم الذي اقرتحه معاصروه لسكان لندن والذي بلغ ‪ 7‬مليون نسمة‪.‬‬

‫وإذا ك‪-‬ان البعض يأخ‪-‬ذ على (ج‪-‬رونت) أن‪-‬ه ق‪-‬د توص‪-‬ل إىل نت‪-‬ائج غ‪-‬ري دقيق‪-‬ة فإنن‪-‬ا ال ميكن أن نش‪-‬ك يف ج‪-‬دة واص‪-‬الة‬
‫استنتاجاته‪ ،‬ويف أن دراسته للواقع االجتماعي كانت جديدة ومنسقة‪ .‬مث سرعان ما تط‪-‬ور اهتم‪-‬ام اإلحص‪-‬اء بدراس‪-‬ة‬
‫الظ‪-- -‬واهر الس‪-- -‬كانية وأض‪-- -‬حي من أهم مميزات الفك‪-- -‬ر اإلحص‪-- -‬ائي احلديث واملعاص‪-- -‬ر يف دراس‪-- -‬ة الظ‪-- -‬واهر الس‪-- -‬كانية‬
‫واستخدام مفهوم حمدد للتعبري عن ميدان اهتمامه يف هذا الصدد‪ ،‬هو مفهوم الدميوجرافيا‪.‬‬

‫ميدان الديموجرافيا وحدوده‬

‫وك‪--‬ان العالم‪--‬ة الفرنس‪--‬ي (جيالرد) ه‪--‬و أول من اس‪--‬تخدم كلم‪--‬ة دميوجرافي‪--‬ا ‪ Demography‬ألول م‪--‬رة يف مؤلف‪--‬ه‬
‫عناصر اإلحصاءات اإلنسانية(‪.)2‬‬

‫والواق‪-- -‬ع أن ه‪-- -‬ذه الكلم‪-- -‬ة ق‪-- -‬د متت ص‪-- -‬ياغتها ش‪-- -‬قني يون‪-- -‬انني األول ‪ Demos‬ويع‪-- -‬ين الن‪-- -‬اس أو الس‪-- -‬كان والث‪-- -‬اين‬
‫‪ Graphien‬ويعين رسم أو كتابة‪ .‬حبيث تدل الكلمة كلها يف معناها العام على الكتابة عن الناس(‪.)3‬‬

‫ولق‪--‬د اس‪--‬تعرض (ويلك‪--‬وكس ‪ )Wellcox‬كتاب‪--‬ه (دراس‪--‬ات يف ال‪--‬دميوجرافيا االمريكي‪--‬ة) ع‪--‬ام ‪1940‬م‪ ،‬ع‪--‬ددًا من‬
‫التعريف‪-‬ات املختلف‪-‬ة ال‪-‬يت ظه‪-‬رت هلذه الكلم‪-‬ة‪ ،‬فالح‪-‬ظ التب‪-‬اين فيم‪-‬ا بينه‪-‬ا‪ ،‬وانتهى إىل أن ه‪-‬ذه الكلم‪-‬ة تس‪-‬تخدم الي‪-‬وم‬
‫)(‪1‬‬
‫‪Ibid, pp. 2 - 3.‬‬
‫)(‪2‬‬
‫‪D. Mitchell, a Dictionary of Sociology.‬‬
‫)(‪3‬‬
‫‪D. Kirk, Population, Op. Cit., p. 341‬‬

‫‪58‬‬
‫عمومًا لتدلل على دراسة الظواهر ذات الصلة بالسكان مثل املواليد والوفيات واهلجرة وك‪-‬ذلك دراس‪-‬ة العوام‪-‬ل ال‪-‬يت‬
‫ت‪--‬ؤثر ه‪--‬ذه الظ‪--‬واهر(‪ .)1‬ويك‪--‬اد يتف‪--‬ق ه‪--‬ذا التعري‪--‬ف م‪--‬ع التعري‪--‬ف ال‪--‬ذي أورده (دنيس رونج ‪ )Wrong‬ق‪--‬ائًال (ب‪--‬ان‬
‫ال‪-‬دميوجرافيا تتن‪-‬اول أع‪--‬داد الس‪-‬كان وت‪-‬وزيعهم يف منطق‪--‬ة م‪--‬ا‪ ،‬والتغ‪--‬ريات ال‪-‬يت تط‪-‬رأ على أع‪--‬دادهم وت‪-‬وزيعهم على م‪--‬ر‬
‫األي‪-‬ام والعوام‪-‬ل الرئيس‪-‬ية ال‪-‬يت ت‪-‬ؤدي إىل ه‪-‬ذه التغ‪-‬ريات‪ ،‬وم‪-‬ادام الن‪-‬اس يول‪-‬دون وميوت‪-‬ون ويغ‪-‬ريون من أم‪-‬اكن اق‪-‬امتهم‬
‫باس‪--‬تمرار‪ ،‬فإن‪--‬ه تظه‪--‬ر هن‪--‬اك عوام‪--‬ل ثالث‪--‬ة‪ ،‬هي املوالي‪--‬د والوفي‪--‬ات واهلج‪--‬رة‪ ،‬تس‪--‬اهم أك‪--‬ثر من غريه‪--‬ا يف حتدي‪--‬د حجم‬
‫الس ‪--‬كان ومنوهم ول ‪--‬ذلك فإهنا متث ‪--‬ل املوض ‪--‬وعات األساس ‪--‬ية يف ال ‪--‬دميوجرافيا) (‪ .)2‬وه ‪--‬ذا أيض‪ً- -‬ا يواف ‪--‬ق م ‪--‬ا ذهب إلي ‪--‬ه‬
‫(هوس ‪--‬ر ‪ Hauser‬ودنك ‪--‬ان ‪ )Duncan‬يف تعريفهم ‪--‬ا لل ‪--‬دميوجرافيا باعتباره ‪--‬ا دراس ‪--‬ة للحجم والتوزي ‪--‬ع املك ‪--‬اين‬
‫وتكوين السكان والتغ‪-‬ريات يف احلجم والتوزي‪-‬ع والتك‪-‬وين‪ ،‬وعوام‪-‬ل التغ‪-‬ري مث‪-‬ل املوالي‪-‬د والوفي‪-‬ات والتنقالت املكاني‪-‬ة‬
‫واحلراك االجتماعي أو التغري يف املكانة االجتماعية(‪.)3‬‬

‫غري أن (لني مسيث ‪ )Smith‬كان أكثر عناية بتوضيح معامل هذه الدراسة للظواهر السكانية قائًال (أن ال‪--‬دميوجرافيا‬
‫يف تناوهلا لظواهر احلجم والتوزيع والتكوين والتغري‪ ،‬هتتم باحلقائق اليت ميكن التعبري عنها يف ص‪--‬ورة كمي‪--‬ة ألن مادهتا‬
‫تقوم على األرقام‪ ،‬فهي بذلك تتوقف عن‪-‬د ح‪-‬د التحلي‪-‬ل اإلحص‪-‬ائي للس‪-‬كان‪ ،‬األم‪-‬ر ال‪-‬ذي جيع‪-‬ل البعض يطل‪-‬ق عليه‪-‬ا‬
‫اس ‪-- -‬م التحلي ‪-- -‬ل ال ‪-- -‬دميوجرايف أو ال ‪-- -‬دميوجرافيا الش ‪-- -‬كلية ‪ Formal Demography‬حيث أهنا جتري معاجلات‬
‫للعالق ‪--‬ات الكمي ‪--‬ة بني الظ ‪--‬واهر الدميوجرافي ‪--‬ة وحترره ‪--‬ا من ارتباطه ‪--‬ا بغريه ‪--‬ا من الظ ‪--‬واهر )(‪ .)4‬أو تل ‪--‬ك ال ‪--‬يت تتم ‪--‬يز‬
‫باس‪-‬تخدام أس‪-‬اليب يف التحلي‪-‬ل كمي‪-‬ة يف طبيعته‪-‬ا تس‪-‬اعد على قي‪-‬اس املع‪-‬دالت الدميوجرافي‪-‬ة‪ ،‬مث‪-‬ل اخلص‪-‬وبة الوفي‪-‬ات‪،‬‬
‫اهلجرة‪ ،‬أو غريها‪ ،‬أو بعبارة أدق تستخدم النماذج الرياضية يف التحليل(‪.)5‬‬

‫مناقشة وتعقيب‬

‫والواقع أنه برغم أمهية استخدام اإلحصاء يف دراسة الظواهر السكانية‪ ،‬وأثرها يف تطور هذه الدراسة‪ ،‬نظرًا العتماد‬
‫دراس‪-‬ة الظ‪-‬واهر الس‪-‬كانية على احلق‪-‬ائق الكمي‪-‬ة واملعلوم‪-‬ات الرقمي‪-‬ة يف ختيالهتا وحبوثه‪-‬ا األم‪-‬ر ال‪-‬ذي جعله‪-‬ا يف حاج‪-‬ة‬
‫ماسة إىل ما وفره علم اإلحصاء من أساليب حيتاج إليها يف حتليل هذه احلقائق وبسطها وتوض‪--‬يحها‪ ،‬وإىل األس‪-‬اليب‬
‫)(‪1‬‬
‫‪D. Mitchell, op. cit., p. 52.‬‬
‫‪)(2‬‬
‫دنيس رونج ‪ ،‬علم السكان ‪ ،‬ترجمة عربية إعداد دكتور صبحي عبد الحكيم ‪ ،‬مكتبة مصر ‪1963 ،‬م ‪ ،‬ص ‪.5‬‬
‫)(‪3‬‬
‫‪, p. 8.‬م‪J. Matras, Population & Societies, Prentice Hall, Icn., New Jersey, 1973‬‬
‫)(‪4‬‬
‫‪D. Mitchell, Op. Cit., p. 53.‬‬
‫)(‪5‬‬
‫‪K. W. Kammeyer, op. cit., p. 2.‬‬

‫‪59‬‬
‫ال ‪--‬يت تعني ‪--‬ه على اس ‪--‬تخالص النت ‪--‬ائج والتوص ‪--‬ل إىل الق ‪--‬وانني العام ‪--‬ة ال ‪--‬يت حتدد وتلخص ه ‪--‬ذه احلق ‪--‬ائق‪ .‬األم ‪--‬ر ال ‪--‬ذي ق ‪--‬د‬
‫يؤك‪--‬د ض‪--‬رورة أن يك‪--‬ون دارس الس‪--‬كان متخصص ‪ً-‬ا يف دراس‪--‬ة اإلحص‪--‬اء أو ملم‪ً-‬ا هبا‪ .‬وح‪--‬ىت يتمكن من التوص‪--‬ل إىل‬
‫مع ‪--‬دالت املوالي ‪--‬د والوفي ‪--‬ات والزي ‪--‬ادة الطبيعي ‪--‬ة واهلج ‪--‬رة‪ ،‬ينبغي أن يك ‪--‬ون على دراي ‪--‬ة وإملام بأس ‪--‬اليب الع ‪--‬د والقس ‪--‬مة‬
‫واإلض ‪--‬افة والتنس ‪--‬يب ومعاجلة املع ‪--‬ادالت الرياض ‪--‬ية وفهم إبعاده ‪--‬ا وقوانينه ‪--‬ا ولكي يس ‪--‬تطيع أن يض ‪--‬ع رس ‪--‬وما بياني ‪--‬ة‬
‫توض‪--‬ح ه‪--‬رم الس‪--‬كان وج‪--‬داول احلي‪--‬اة وغريه‪--‬ا‪ ،‬علي‪--‬ه إن يك‪--‬ون مطلع‪--‬ا على ه‪--‬ذه األس‪--‬اليب اإلحص‪--‬ائية‪ .‬ولكن على‬
‫ال‪--‬رغم من ه‪--‬ذه األمهي‪--‬ة ال‪--‬يت تعل‪--‬ق على اإلحص‪--‬اء يف دراس‪--‬ة الظ‪--‬واهر الس‪--‬كانية إال إن االعتم‪--‬اد عليه‪--‬ا كلي‪--‬ة يف ه‪--‬ذه‬
‫الدراسة يوقعنا يف أخطاء منها‪:‬‬

‫أن‪--‬ه إذا ك‪--‬انت ال‪--‬دميوجرافيا الش‪--‬كلية ت‪--‬وفر لن‪--‬ا احلق‪--‬ائق يف ص‪--‬ورة رقمي‪--‬ة كمي‪--‬ة‪ ،‬وتس‪--‬تطيع هبا إن تض‪--‬ع تنب‪--‬ؤات‬ ‫‪.1‬‬
‫دقيق ‪--‬ة ح ‪--‬ول حجم الس ‪--‬كان ومنوهم املس ‪--‬تقبل وم ‪--‬ا إليه ‪--‬ا‪ ،‬إال إن مي ‪--‬ل مع ‪--‬دالت املوالي ‪--‬د والوفي ‪--‬ات واهلج ‪--‬رة‬
‫وغريه‪--‬ا من العوام‪--‬ل املؤثرة يف حجم ومنو الس‪-‬كان إىل التغ‪--‬ري يض‪--‬ع مش‪-‬كلة أم‪--‬ام جه‪--‬ود ال‪-‬دميوجرايف وت‪-‬ؤثر يف‬
‫(‪)1‬‬
‫تنبؤاته‪ ،‬وتؤدي به إىل الوقوع يف اخلطا‪.‬‬
‫أن الدميوجرافيا الشكلية حتصر جهودها كلية داخل نطاق احلقائق السكانية الرقمية‪ ،‬وجتته‪--‬د يف الكش‪--‬ف عن‬ ‫‪.2‬‬
‫العالق ‪--‬ات بينه ‪--‬ا يف ه ‪--‬ذا النط ‪--‬اق فق ‪--‬ط‪ .‬مبع ‪--‬ىن أهنا تغف ‪--‬ل تفس ‪--‬ري ه ‪--‬ذه الظ ‪--‬واهر الس ‪--‬كانية يف ض ‪--‬وء العوام ‪--‬ل‬
‫االجتماعية من ثقافة ومعايري‪ ،‬وقيم وادوار‪ ،‬ومكانات وطبقات وأس‪-‬رة وغريه‪--‬ا‪ ،‬األم‪--‬ر ال‪-‬ذي يض‪--‬طلع ب‪-‬ه علم‬
‫اجتماع السكان‪.‬‬
‫تعت ‪--‬رب ال ‪--‬دميوجرافيا واح ‪--‬دة من املداخل املنهجي ‪--‬ة غ ‪--‬ري الكافي ‪--‬ة يف ذاهتا لدراس ‪--‬ة الظ ‪--‬واهر الس ‪--‬كانية‪ ،‬ذل ‪--‬ك الن‬ ‫‪.3‬‬
‫الدميوجرافيا منذ نش‪-‬أهتا يف أواس‪-‬ط الق‪-‬رن الس‪-‬ابع عش‪-‬ر‪ ،‬وق‪-‬د اعتم‪-‬دت على األس‪-‬لوب اإلحص‪-‬ائي يف اإلدراك‬
‫والتوص ‪-- -‬ل إىل املعرف ‪-- -‬ة وظ ‪-- -‬ل ه ‪-- -‬ذا األس ‪-- -‬لوب ه ‪-- -‬و األس ‪-- -‬اس املنهجي ال ‪-- -‬ذي تعتم ‪-- -‬د علي ‪-- -‬ه حتلي ‪-- -‬ل العملي ‪-- -‬ات‬
‫الدميوجرافية‪ ،‬األمر ال‪-‬ذي جعله‪-‬ا ترك‪-‬ز على أقس‪-‬ام ض‪-‬يقة نس‪-‬بيا من الواق‪-‬ع املوض‪-‬وعي‪ .‬وتعت‪-‬رب ه‪-‬ذه العملي‪-‬ات‬
‫والظ ‪--‬واهر الدميوجرافي ‪--‬ة مبثاب ‪--‬ة جمموع ‪--‬ات إحص ‪--‬ائية‪ ،‬مما أص ‪--‬اب ال ‪--‬دميوجرافيا بالقص ‪--‬ور‪ ،‬وك ‪--‬ان مص ‪--‬درا من‬
‫مصادر اخلطا اليت حالت دون قيام الدميوجرافيا كعلم مستقل لوقت طويل‪ .‬فلقد حاول االعتم‪--‬اد الزائ‪--‬د على‬
‫اإلحص ‪--‬ائيات الدميوجرافي ‪--‬ة والبيان ‪--‬ات وال ‪--‬يت تع ‪--‬د بيان ‪--‬ات توفره ‪--‬ا اإلدارات احلكومي ‪--‬ة‪ ،‬أك ‪--‬ثر منه ‪--‬ا مالحظ ‪--‬ات‬

‫)(‪1‬‬
‫‪K. W. Kammeyer, Op. Cit., p.‬‬

‫‪60‬‬
‫دميوجرافي‪--‬ة‪ ،‬ح‪--‬ال ذل‪--‬ك دون منو وتط‪--‬ور اخلي‪--‬ال ال‪--‬دميوجرايف‪ ،‬والتوص‪--‬ل إىل ص‪--‬يغة تأليفي‪--‬ة‪ ،‬ومن مث ك‪--‬ان خل‪--‬و‬
‫الدميوجرافيا من النظرية ‪ -‬باملقارنة بعلوم أخرى مثل االقتصاد واالجتماع ‪ -‬واح‪-‬دا من أهم االنتق‪--‬ادات ال‪-‬يت‬
‫هلا وجاهتها واليت وجهت حديثا إىل الدميوجرافيا(‪.)1‬‬

‫الجغرافيا والسكان‬

‫لعلم‪-‬اء اجلغرافي‪-‬ا اهتم‪-‬ام ق‪-‬دمي بدراس‪-‬ة الظ‪-‬واهر الس‪-‬كانية‪ ،‬فبينم‪-‬ا ك‪-‬انت اجلغرافي‪-‬ا يف أول ازده‪--‬ار هلا يف الق‪--‬رن التاس‪-‬ع‬
‫عش‪--‬ر هتتم وترك‪--‬ز أساس‪ً-‬ا على الع‪--‬امل احلي‪--‬وي والف‪--‬يزيقي‪ ،‬اال ان‪--‬ه ك‪--‬ان هن‪--‬اك من بني علم‪--‬اء اجلغرافي‪--‬ا يف ذل‪--‬ك ال‪--‬وقت‬
‫(‪)2‬‬
‫من كان يقوم بتسجيل أعداد السكان ومعرفة توزيعهم على أماكن االستيطان والتجمعات السياسية‪.‬‬

‫وم‪--‬ع حل‪--‬ول الق‪--‬رن العش‪--‬رين حتول اهتم‪--‬ام اجلغراف‪--‬يني وتض‪--‬افرت جه‪--‬ودهم حنو تط‪--‬وير ذل‪--‬ك الف‪--‬رع من علمهم ال‪--‬ذي‬
‫اشتهر بينهم حتت اسم اجلغرافيا البشرية ‪ Human Geography‬والذي اخذ يربط بني اجلغرافيا والس‪--‬كان يف‬
‫اطار واحد‪.‬‬

‫عوامل نمو الجغرافيا البشرية‬

‫ولقد كانت هناك عدة اعتبارات أو عوامل قد دفعت إىل اقامة وتطوير اجلغرافيا البشرية هي‪:‬‬

‫إن اجلغرافي‪-- -‬ا تعت‪-- -‬رب مكون‪-- -‬ات الفض‪-- -‬اء ‪ Space - Content‬من أرض وترب‪-- -‬ة وم‪-- -‬وارد وم‪-- -‬اء ومن‪-- -‬اخ‪،‬‬ ‫‪)1‬‬
‫وس‪--‬كان‪ ...‬مبثاب‪--‬ة املوض‪--‬وع الرئيس‪--‬ي للدراس‪--‬ة والبحث يف إطاره‪--‬ا(‪ .)3‬أو بعب‪--‬ارة أخ‪--‬رى أن اجلغرافي‪--‬ا ه‪--‬و العلم‬
‫ال ‪--‬ذي ي ‪--‬درس األرض أو البيئ ‪--‬ة والعوام ‪--‬ل أو اخلص ‪--‬ائص الطبيعي ‪--‬ة املم ‪--‬يزة هلا من خص ‪--‬ب األرض أو ج ‪--‬دهبا او‬
‫مناخه‪-‬ا وم‪-‬ا تنط‪-‬وي علي‪-‬ه من م‪-‬وارد طبيعي‪-‬ه‪ .‬وملا ك‪-‬انت األرض أو البيئ‪-‬ة ليس‪-‬ت بيئ‪-‬ة طبيعي‪-‬ة فحس‪-‬ب ب‪-‬ل هي‬
‫بيئ‪-‬ة بش‪-‬رية متكامل‪-‬ة‪ ،‬ألهنا ال ختل‪-‬و من س‪-‬كان‪ ،‬ومن هن‪-‬ا ظه‪-‬ر اهتم‪-‬ام اجلغرافي‪-‬ا بالس‪-‬كان والظ‪-‬واهر الس‪-‬كانية‪،‬‬
‫وذل ‪--‬ك من أج ‪--‬ل فهم التفاع ‪--‬ل بني العوام ‪--‬ل الطبيعي ‪--‬ة من خص ‪--‬ب األرض وج ‪--‬دهبا ومناخه ‪--‬ا ودرج ‪--‬ة جاذبيته ‪--‬ا‬
‫للسكان أو ط‪-‬ردهم اهلا‪ ،‬أو التفاع‪-‬ل بني الس‪-‬كان والبيئ‪-‬ة وعالقتهم مبوارده‪-‬ا الطبيعي‪-‬ة‪ .‬ولق‪-‬د ت‪-‬رتب على ذل‪-‬ك‬

‫)(‪1‬‬
‫‪E. A. Acherman, Geography & Demography, in: p. M. Hauser, &, O Duncan edt The study of Population, The‬‬
‫م‪Univer. of Chicago press, 1959‬‬
‫)(‪2‬‬
‫‪Z. Pavlik, The influence of Population Changes on Socio Economic Development in international Population‬‬
‫‪, jussp. P. Belguimp. 508 - 509.‬م‪Conference, Mexico, 1977‬‬
‫)(‪3‬‬
‫‪Ibid. p. 117.‬‬

‫‪61‬‬
‫أن اعترب غالبية اجلغرافيني أن السكان هم املرجع الذي ميكن منه مالحظ‪-‬ة ك‪-‬ل العناص‪-‬ر األخ‪-‬رى يف مكون‪-‬ات‬
‫الفض ‪--‬اء‪ ،‬وفهم مغزاه ‪--‬ا وداللته ‪--‬ا ول ‪--‬ذلك اجته ‪--‬دوا يف تط ‪--‬وير اجلغرافي ‪--‬ا البش ‪--‬رية كمي ‪--‬دان ف ‪--‬رعي يق ‪--‬دم اخللفي ‪--‬ة‬
‫األساسية لكل فروع اجلغرافيا األخرى على حد تعبريهم(‪.)1‬‬
‫أدت نظ‪-- - -‬رة اجلغراف‪-- - -‬يني إىل موض‪-- - -‬وع الدراس‪-- - -‬ة يف علمهم وال‪-- - -‬يت متيزهم عن غ‪-- - -‬ريهم من اب‪-- - -‬احثني‪ ،‬وجتعلهم‬ ‫‪)2‬‬
‫يركزون على املشاكل التوزيعية‪ ،‬إىل إدراك عدم االنتظام يف توزيع س‪--‬كان الع‪--‬امل على األرض‪ ،‬واالختالف‪--‬ات‬
‫بينهم من مك‪-- -‬ان إىل آخ‪-- -‬ر يف اجلوانب العرقي‪-- -‬ة والعنص‪-- -‬رية والط‪-- -‬ابع اجملتمعي للس‪-- -‬كان وغريه‪-- -‬ا(‪ .)2‬ومن هن‪-- -‬ا‬
‫اعتربوا اجلغرافيا البشرية مبثابة ذلك القسم من علمهم الذي قد يثري فهمهم ملثل هذه املوضوعات‪.‬‬
‫ك‪--‬ان تس‪--‬ليم اجلغراف‪--‬يني ب‪--‬أن تك‪--‬ون مكون‪--‬ات الفض‪--‬اء تتم‪--‬يز ب‪--‬التغري املس‪--‬تمر مبثاب‪--‬ة عام‪--‬ل من بني العوام‪--‬ل ال‪--‬يت‬ ‫‪)3‬‬
‫جعلتهم ينصرفون إىل دراسة وفهم تغري هذه املكونات وذلك يف ضوء االختالفات الطبيعية والنباتية والثقافية‬
‫وحرك‪--‬ة الرتب‪--‬ة واملن‪--‬اخ والس‪--‬كان‪ .‬وك‪--‬ان من نتيج‪--‬ة ذل‪--‬ك أن نظ‪--‬روا إىل الس‪--‬كان باعتب‪--‬ارهم ق‪--‬وة تق‪--‬ع يف قلب‬
‫الق‪--‬وى ال‪--‬يت ت‪--‬ؤثر يف تغ‪--‬ري املكون‪--‬ات‪ ،‬ومن مث اعتق‪--‬دوا أن‪--‬ه من الض‪--‬روري على اجلغرافي‪--‬ا البش‪--‬رية أن تأخ‪--‬ذ ه‪--‬ذه‬
‫املوضوعات يف اعتبارها‪.‬‬

‫نتائج اهتمام الجغرافيا البشرية بدراسة السكان‬

‫وهك‪--‬ذا منت وتط‪--‬ورت اجلغرافي‪--‬ا البش‪--‬رية لتق‪--‬وم بوص‪--‬ف وحتلي‪--‬ل اجلوانب التوزيعي‪--‬ة للس‪--‬كان‪ ،‬إىل احلد ال‪--‬ذي أمثر مع‪--‬ه‬
‫هذا االهتمام من جانب اجلغرافيا بدراسة الظواهر السكانية عدة نتائج هام‪-‬ة تتعل‪-‬ق بتص‪-‬ميم ومجع البيان‪-‬ات الس‪-‬كانية‬
‫وحتلي ‪--‬ل وت ‪--‬ركيب الف‪-- -‬روق املكاني ‪--‬ة للس ‪--‬كان ودراس ‪--‬ة اجلوانب التوزيعي ‪--‬ة للخص‪-- -‬ائص والتع‪-- -‬رف على أمناط اإلقام ‪--‬ة‬
‫واالستيطان وهكذا‪ .‬ولقد انتهت اجلغرافيا البشرية فيما يتعلق بتص‪-‬ميم ومجع البيان‪-‬ات الدميوجرافي‪-‬ة‪ ،‬إىل أن‪-‬ه جيب أن‬
‫جيري ك‪-‬ل تع‪-‬داد يف إط‪-‬ار جغ‪-‬رايف وأن يرتب‪-‬ط ج‪-‬امع البيان‪-‬ات بالوح‪-‬دات املكاني‪-‬ة املوزع‪-‬ة على س‪-‬طح األرض‪ .‬وه‪-‬ذا‬
‫معن‪-‬اه إن تص‪--‬ور اخلص‪--‬ائص املكاني‪-‬ة الوح‪-‬دات ق‪-‬د يس‪-‬هل عملي‪-‬ة التع‪--‬داد لدرج‪-‬ة كب‪-‬رية‪ ،‬وجيع‪--‬ل لنتائج‪-‬ه مع‪--‬ىن واض‪--‬ح‪.‬‬
‫ول‪--‬ذلك ليس من املدهش أو الغ‪--‬ريب أن تك‪--‬ون اجله‪--‬ود اجلغرافي‪--‬ة املبك‪--‬رة وال‪--‬يت هلا ص‪--‬لة بال‪--‬دميوجرافيا ق‪--‬د ظه‪--‬رت يف‬
‫جمال تص‪--‬ميم التع‪--‬دادات كم‪--‬ا انتهت اجلغرافي‪--‬ا البش‪--‬رية وهي بص‪--‬دد حتلي‪--‬ل وت‪--‬ركيب الف‪--‬روق املكاني‪--‬ة الس‪--‬كانية‪ ،‬إىل‬
‫ضرورة إجراء حتليًال للفروق املكانية للسكان‪ ،‬ومقارنة تسلسل أو تتابع النتائج‪ ،‬الن هذا يس‪--‬اعد على الكش‪--‬ف عن‬
‫دكتور السيد محمد غالب ‪ ،‬دكتور محمد صبحي عبد الحكيم ‪ ،‬السكان جغرافيا وديموخرافيًا ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪4‬‬ ‫‪)(1‬‬

‫)(‪2‬‬
‫‪E. A. Ackerman, Op. Cit., p. 723.‬‬

‫‪62‬‬
‫االجتاه ‪--‬ات يف أمناط التوزي ‪--‬ع املك ‪--‬اين‪ ،‬مث ‪--‬ل الري ‪--‬ف واحلض ‪--‬ر وذل ‪--‬ك يف التع ‪--‬دادات املختلف ‪--‬ة‪ .‬وبص ‪--‬دد دراس ‪--‬ة اجلوانب‬
‫التوزيعية للخصائص السكانية‪ ،‬اجتهت اجلغرافيا البشرية إىل دراس‪-‬ة املوالي‪-‬د والوفي‪-‬ات واجتاه‪-‬ات اخلص‪-‬وبة‪ ،‬وتوزيعه‪-‬ا‬
‫على املن‪--‬اطق ال‪--‬يت ينقس‪--‬م إليه‪--‬ا جمتم‪--‬ع البحث‪ ،‬يف التع‪--‬دادات املختلف‪--‬ة‪ ،‬ح‪--‬ىت ميكن الكش‪--‬ف عن اجتاهاهتا يف املس‪--‬تقبل‬
‫كم‪--‬ا اهتمت بدراس‪--‬ة اهلج‪--‬رة ونتائجه‪--‬ا التوزيعي‪--‬ة وحرك‪--‬ات الالج‪--‬ئني‪ ،‬هبدف التع‪--‬رف على مش‪--‬كالت التغ‪--‬ري املك‪--‬اين‬
‫للس‪--‬كان‪ .‬ووج‪--‬دت اجلغرافي‪--‬ا البش‪--‬رية أن‪--‬ه من الض‪--‬روري دراس‪--‬ة العالق‪--‬ة بني التوزي‪--‬ع الس‪--‬كاين وأمناط االس‪--‬تيطان أو‬
‫وظائفه‪ ،‬وتتب‪-‬ع التط‪-‬ورات يف التوزي‪-‬ع نتيج‪-‬ة لت‪-‬أثره باالس‪-‬تيطان أو املوق‪-‬ع واس‪-‬تغالل األرض‪ ،‬ح‪-‬ىت ميكن الكش‪-‬ف عن‬
‫اجتاهات التغري يف هذا التوزيع يف املستقبل(‪.)1‬‬

‫مناقشة وتعقيب‬

‫ومن الواض ‪--‬ح أذن أن اجلغرافي ‪--‬ا يف اهتمامه ‪--‬ا بدراس ‪--‬ة الظ ‪--‬واهر الس ‪--‬كانية ك ‪--‬انت هلا وجه ‪--‬ة نظره ‪--‬ا اخلاص ‪--‬ة هبا‪ ،‬وهلا‬
‫ج ‪--‬وانب االهتم ‪--‬ام ال ‪--‬يت ترك ‪--‬ز عليه ‪--‬ا‪ ،‬كم ‪--‬ا أن هلا أه ‪--‬دافها ال ‪--‬يت تس ‪--‬عى إليه ‪--‬ا من وراء ه ‪--‬ذا االهتم ‪--‬ام‪ .‬فهي تنظ ‪--‬ر إىل‬
‫الس‪--‬كان باعتب‪--‬ارهم عنص‪--‬رًا هام‪ً-‬ا يف مكون‪--‬ات الفض‪--‬اء أو األرض والبيئ‪--‬ة‪ ،‬وعن‪--‬د دراس‪--‬تها للس‪--‬كان وانطالق‪ً-‬ا من ه‪--‬ذه‬
‫النظ‪-‬رة ترك‪-‬ز اجلغرافي‪-‬ا على ج‪-‬وانب حمددة هي التوزي‪-‬ع واالختالف املك‪-‬اين على وج‪-‬ه ااخلص‪-‬وص‪ ،‬ألن ذل‪-‬ك يس‪-‬اعد‬
‫يف تص ‪--‬ورها على بل ‪--‬وغ ه ‪--‬دفها اخلاص هبا وه ‪--‬و اإلس ‪--‬هام يف إث ‪--‬راء فهم البن ‪--‬اء الت ‪--‬وزيعي لعالق ‪--‬ة اإلنس ‪--‬ان ب ‪--‬األرض‪.‬‬
‫والش‪--‬يء اجلدير بال‪--‬ذكر يف ه‪--‬ذا الص‪--‬دد أن اهتم‪--‬ام اجلغرافي‪--‬ا بدراس‪--‬ة الظ‪--‬واهر الس‪--‬كانية‪ ،‬ال ينص‪--‬رف حنو دراس‪--‬ة ه‪--‬ذه‬
‫الظ‪--‬واهر ل‪--‬ذاهتا وباعتباره‪--‬ا حمورًا للبحث والتفك‪--‬ري اجلغ‪--‬رايف‪ ،‬وإمنا باعتباره‪--‬ا دراس‪--‬ة ثانوي‪--‬ة أو فرعي‪--‬ة تابع‪--‬ة الهتمامه‪--‬ا‬
‫األساسي باألرض‪ ،‬وأن مثل هذه الدراسة قد تساعد على حتقيق اهلدف األساسي لعلمهم‪ .‬او بعبارة أخرى يس‪--‬تفيد‬
‫اجلغرافي‪-- -‬ون من املادة واحلق‪-- -‬ائق الس‪-- -‬كانية والدميوجرافي‪-- -‬ة يف إث‪-- -‬راء فهمهم وتفس‪-- -‬ريهم للظ‪-- -‬واهر اجلغرافي‪-- -‬ة ال‪-- -‬يت متث‪-- -‬ل‬
‫موض ‪--‬وع الدراس ‪--‬ة واالهتم ‪--‬ام يف مي ‪--‬دان علمهم‪ .‬أذن تبقى مس ‪--‬ألة تفس ‪--‬ري احلق ‪--‬ائق الس ‪--‬كانية ذاهتا واختالف وتب ‪--‬اين‬
‫اجملتمع‪--‬ات من ه‪--‬ذه الناحي‪--‬ة معلق‪--‬ة‪ ،‬وتظه‪--‬ر احلاج‪--‬ة إىل اخلوض فيه‪--‬ا‪ ،‬ليتف‪--‬رغ علم اجتم‪--‬اع الس‪--‬كان للنظ‪--‬ر فيه‪--‬ا على‬
‫النحو الذي سنوضحه فيما بعد‪.‬‬

‫االقتصاد والسكان‬

‫)(‪1‬‬
‫‪Ibid, pp. 718 - 720.‬‬

‫‪63‬‬
‫ال خيتل‪--‬ف االقتص‪--‬اد عن ك‪--‬ل من اإلحص‪--‬اء واجلغرافي‪--‬ا يف عالقت‪--‬ه القدمية بالس‪--‬كان واهتمام‪--‬ه من‪--‬ذ وقت بعي‪--‬د بدراس‪--‬ة‬
‫الظواهر السكانية‪ ،‬ولقد تطور هذا االهتمام ع‪-‬رب ال‪-‬زمن‪ ،‬وأص‪-‬بح لالقتص‪-‬اد نظ‪-‬رة خاص‪-‬ة يف دراس‪-‬ته لظ‪-‬واهر الس‪-‬كان‬
‫وحدد لنفسه موضوعات متم‪-‬يزة‪ ،‬وأه‪-‬دافا معين‪-‬ه‪ ،‬وك‪-‬ان من نتيج‪-‬ة ه‪-‬ذا كل‪-‬ه‪ ،‬أن اختل‪-‬ف االقتص‪-‬اد من ه‪-‬ذه الناحي‪-‬ة‬
‫عن اإلحصاء واجلغرافيا يف دراس‪-‬ته للظ‪-‬واهر الس‪-‬كانية‪ ،‬ومتايز بالت‪-‬ايل عن علم اجتم‪-‬اع الس‪-‬كان كم‪-‬ا سنوض‪-‬حه فيم‪-‬ا‬
‫بعد‪.‬‬

‫تطور الدراسة االقتصادية للسكان‬

‫ومييز الب‪-- -‬احثون يف تتبعهم لت‪-- -‬اريخ اهتم‪-- -‬ام االقتص‪-- -‬اد بدراس‪-- -‬ة الظ‪-- -‬واهر الس‪-- -‬كانية بني مراح‪-- -‬ل ثالث‪ ،‬ك‪-- -‬ان اهتم‪-- -‬ام‬
‫االقتصاد بالسكان يف كل مرحلة منها خيتلف عن غريها حيث ذهب‪-‬وا إىل أن علم‪-‬اء االقتص‪--‬اد ك‪-‬انوا يف أول عه‪--‬دهم‬
‫لالهتمام بالسكان حيثون على زيادة أعدادهم‪ ،‬مث نبهوا يف مرحلة ثانية إىل خط‪-‬ورة الزي‪-‬ادة الس‪-‬كانية‪ ،‬وأخ‪-‬ريًا جعل‪-‬وا‬
‫هذه الزيادة مشروطة بتوفري ما أمسوه باحلل األمثل‪.‬‬

‫اإلقتصاد والحث على زيادة السكان‬

‫وب‪--‬الرغم من أن املعطي‪--‬ات الدميوجرافي‪--‬ة واالقتص‪--‬ادية املتعلق‪--‬ة بال‪--‬دخل وال‪--‬ثروة واالج‪--‬ور وال‪--‬ربح من ناحي‪--‬ة‪ ،‬واخلاص‪--‬ة‬
‫باخلص ‪--‬وبة والوفي ‪--‬ات واهلج ‪--‬رة من ناحي ‪--‬ة أخ ‪--‬رى‪ ،‬ك ‪--‬انت معطي ‪--‬ات غ ‪--‬ري كافي ‪--‬ة وغ ‪--‬ري مت ‪--‬وفرة‪ .‬إال أن هن ‪--‬اك بعض‬
‫اإلجاب‪--‬ات املبدئي‪--‬ة على كث‪--‬ري من املوض‪--‬وعات ال‪--‬يت ترب‪--‬ط بني االقتص‪--‬اد والس‪--‬كان‪ ،‬ق‪--‬دمها بعض علم‪--‬اء االقتص‪--‬اد يف‬
‫الفرتة السابقة على القرن الثامن عشر(‪.)1‬‬

‫مث تزايد االهتمام باحلركات السكانية بعد ذلك يف أوروبا وأثناء القرن ‪ 18‬امليالدي نتيج‪--‬ة الكتش‪--‬اف الع‪--‬امل اجلدي‪--‬د‬
‫والتغري يف البناء السياسي‪ ،‬ومنو التجارة الدولي‪-‬ة‪ ،‬والتط‪-‬ورات يف جمال احلرب والفن‪ ،‬وحتس‪-‬ني أس‪-‬اليب اإلنت‪-‬اج ونق‪--‬ل‬
‫البضائع‪ .‬وعلقت أمهية كبرية على القوة العس‪-‬كرية والسياس‪-‬ية واالقتص‪-‬ادية‪ ،‬وأص‪-‬بح من املس‪-‬لم ب‪-‬ه أن أي ت‪-‬دهور يف‬
‫إحداها يؤدي إىل التدهور يف األخرى‪.‬‬

‫كم‪--‬ا ك‪--‬ان ينظ‪--‬ر إىل األرض والعم‪--‬ل باعتبارمها من أهم عوام ‪--‬ل اإلنت‪--‬اج‪ ،‬وأك‪--‬ثر مص ‪--‬ادر الق ‪--‬وة اإلنتاجي‪--‬ة أمهي‪--‬ة وهي‬
‫تف‪--‬وق يف ذل‪--‬ك أمهي‪--‬ة رأس املال واملش‪--‬روعات‪ ،‬ب‪--‬ل والتكنولوجي‪--‬ا أيض‪ً-‬ا‪ .‬وهلذا ك‪--‬انت تعل‪--‬ق أمهي‪--‬ة كب‪--‬رية على الس‪--‬كان‬
‫)(‪1‬‬
‫‪J. J. Spengler, Economics & Demography, in P. M. Hauser & 0. D. Duncan The Study of Population, Op. Cit, p794.‬‬

‫‪64‬‬
‫ومنوهم نتيج‪-‬ة الالعتق‪--‬اد يف أن ه‪--‬ذا النم‪-‬و ق‪-‬د ي‪-‬رتتب علي‪-‬ه منوًا مص‪--‬احبًا يف الق‪--‬وى العامل‪-‬ة ال‪-‬يت تعت‪-‬رب املص‪--‬در الرئيس‪-‬ي‬
‫للق ‪--‬وى اإلنتاجي ‪--‬ة‪ ،‬فض ‪ً-‬ال عن توف ‪--‬ريه للعمال ‪--‬ة الص ‪--‬احلة لالس ‪--‬تخدام الكفء‪ .‬وملا ك ‪--‬انت الق ‪--‬وى العامل ‪--‬ة يف البل ‪--‬د هي‬
‫املصدر الرئيسي لقوهتا اإلنتاجي‪-‬ة‪ ،‬وك‪-‬ان من ال‪-‬واجب زي‪-‬ادة الق‪-‬وى العامل‪-‬ة‪ ،‬فلق‪-‬د ت‪-‬رتب على ه‪-‬ذا ظه‪-‬ور احلاج‪-‬ة إىل‬
‫زي‪--‬ادة الس‪--‬كان‪ .‬ول‪--‬ذلك ك‪--‬ان احلث على زي‪--‬ادة الس‪--‬كان ه‪--‬و املطلب املش‪--‬رتك بني الكث‪--‬ريين ممن كتب‪--‬وا عن السياس‪--‬ة‬
‫السكانية أو من اضطلعوا بتكوينها يف ذلك الوقت‪ ،‬فدعوا إىل ض‪--‬رورة زي‪-‬ادة ع‪--‬دد الس‪-‬كان‪ ،‬وأش‪-‬اروا إىل األس‪-‬اليب‬
‫املباش ‪--‬رة وغ ‪--‬ري املباش ‪--‬رة ال ‪--‬يت تس ‪--‬اعد على حتقي ‪--‬ق ه ‪--‬ذا اهلدف‪ ،‬وخاص ‪--‬ة أس ‪--‬اليب زي ‪--‬ادة اخلص ‪--‬وبة‪ ،‬ومع ‪--‬دل املوالي ‪--‬د‪،‬‬
‫واخنف‪--‬اض مع‪--‬دل الوفي‪--‬ات‪ ،‬ومن‪--‬ع اهلج‪--‬رة من البالد‪ ،‬وتش‪--‬جيع اهلج‪--‬رة إليه‪--‬ا‪ .‬كم‪--‬ا داف‪--‬ع الكث‪--‬ريون عن ه‪--‬ذه األس‪-‬اليب‬
‫إىل احلد الذي فرض بعضها بالقانون يف عدد من البالد(‪.)1‬‬

‫االقتصاد وخطورة زيادة السكان‬

‫لق ‪--‬د أص ‪--‬بح االجتاه الواض ‪--‬ح حنو احلث على زي ‪--‬ادة الس ‪--‬كان يف الق ‪--‬رن ‪19‬م موض ‪--‬ع ج ‪--‬دل ونق ‪--‬اش‪ ،‬وظه ‪--‬رت فك ‪--‬رة‬
‫جدي‪-‬دة تعل‪-‬ق ك‪-‬ل زي‪-‬ادة يف الس‪-‬كان ومنوهم على توف‪-‬ري وس‪-‬ائل العيش وف‪-‬رص العم‪-‬ل ذي األج‪-‬ر املناس‪-‬ب‪ ...‬وانتهى‬
‫األمر إىل اعتبار األساليب القائم‪-‬ة للحث على زي‪-‬ادة الس‪-‬كان ليس‪-‬ت فق‪-‬ط أس‪-‬اليب غ‪-‬ري ض‪-‬رورية وإمنا اعت‪-‬ربت أيض‪-‬ا‬
‫اساليب ضارة ألهنا كانت ترفع من شأن اخلصوبة وزيادة السكان على حساب توفري وسائل العيش‪ ،‬وك‪--‬انت حتول‬
‫املوارد من االستخدام املنتج غري املنتج‪ .‬ولقد ظلت هذه النظرة اجلديدة‪ ،‬واليت س‪-‬اهم يف ص‪-‬ياغتها آدم مسيث وج‪-‬ون‬
‫استيوارت مل‪ ،‬ومالتس وريكاردو‪ ،‬ظلت هي النظرة السائدة للسكان خالل احلرب العاملية األوىل(‪.)2‬‬

‫فلق ‪--‬د ح ‪--‬اول (آدم مسيث) ‪ A. Smith‬أن يطب ‪--‬ق على دراس ‪--‬ة املس ‪--‬ألة الس ‪--‬كانية الق ‪--‬انون املأخوذ ب ‪--‬ه يف االقتص ‪--‬اد‬
‫واملع‪-‬روف باس‪-‬م ق‪-‬انون الع‪-‬رض والطلب وال‪-‬ذي مبقتض‪-‬اه يتحق‪-‬ق الت‪-‬وازن يف اجملتم‪-‬ع‪ .‬واف‪-‬رتض (مسيث) أن‪-‬ه إذا ك‪-‬انت‬
‫هن ‪--‬اك زي ‪--‬ادة يف ع ‪--‬دد الس ‪--‬كان ون ‪--‬درة يف ف ‪--‬رص العم ‪--‬ل‪ ،‬ف ‪--‬إن س ‪--‬وء األح ‪--‬وال املادي ‪--‬ة واالقتص ‪--‬ادية املرتتب ‪--‬ة على ذل ‪--‬ك‪،‬‬
‫ستحول دون إقبال األفراد على الزواج مما يرتتب عليه قلة اإلجناب إىل أن تتهيأ الظروف ويعود الت‪-‬وازن اإلجتم‪-‬اعي‬
‫م‪--‬رة ثاني‪--‬ة‪ .‬وك‪--‬ذلك إذا زادت ف‪--‬رص العم‪--‬ل وك‪--‬ان هن‪--‬اك اخنف‪--‬اض يف كثاف‪--‬ة الس‪--‬كان‪ ،‬ف‪--‬إن األج‪--‬ور ترتف‪--‬ع وتتحس‪--‬ن‬
‫األحوال املادية فيقدم األفراد على الزواج ويزيد معدل اإلجناب إىل أن تعود حالة الس‪-‬كان إىل مرحل‪-‬ة الت‪-‬وازن‪ .‬كم‪-‬ا‬

‫)(‪1‬‬
‫‪Ibid. p. 794.‬‬
‫)(‪2‬‬
‫‪Ibid. p. 795.‬‬

‫‪65‬‬
‫حاول (جون ستيوارت مل) ‪ G. Mill‬من جانبه تطبيق مبدأ آخر من مبادئ االقتصاد على املسألة ونعين ب‪--‬ه مب‪--‬دا‬
‫أو ق‪-‬انون تن‪-‬اقص الغل‪-‬ة ‪ ،Returns diminishing‬إذ ي‪-‬ذهب (م‪-‬ل) إىل أن‪-‬ه بع‪-‬د مرحل‪-‬ة معين‪-‬ة وغ‪-‬ري طويل‪-‬ة من‬
‫تقدم الزراع‪-‬ة‪ ،‬فإن‪-‬ه تبع‪ً-‬ا لق‪-‬انون اإلنت‪-‬اج من األرض ومهم‪-‬ا ك‪-‬ان مس‪-‬توى امله‪-‬ارات ومق‪-‬دار املعرف‪-‬ة ال‪-‬يت ت‪-‬رتتب عليه‪-‬ا‬
‫زي‪--‬ادة العم‪--‬ل يف األرض‪ .‬ف‪--‬إن اإلنت‪--‬اج ال يزي‪--‬د بدرج‪--‬ة مس‪--‬اوية اجله‪--‬د العم‪--‬ل املتزاي‪--‬د ه‪--‬ذا‪ ،‬وأن‪--‬ه مهم‪--‬ا تض‪--‬اعف ه‪--‬ذا‬
‫اجله‪--‬د ف‪--‬إن اإلنت‪--‬اج لن يتض‪--‬اعف طاملا ك‪--‬انت األرض ال تس‪--‬تطيع أن تتج‪--‬اوز أقص‪--‬ى ح‪--‬د ممكن أن يص‪--‬ل إلي‪--‬ه اإلنت‪--‬اج‬
‫املس‪--‬تخلص منه‪--‬ا‪ ،‬وطاملا ك‪--‬ان زي‪--‬ادة جه‪--‬د العم‪--‬ل ق‪--‬د تزي‪--‬د النفق‪--‬ات ال‪--‬يت ال يعوض‪--‬ها مق‪--‬دار اإلنت‪--‬اج الزائ‪--‬د من زي‪--‬ادة‬
‫جه‪--‬د العم‪--‬ل ه‪--‬ذا‪ .‬وينطب‪--‬ق ه‪--‬ذا األم‪--‬ر أيض ‪ً-‬ا على الص‪--‬ناعة حيث إن اإلنت‪--‬اج الص‪--‬ناعي لن يزي‪--‬د الزي‪--‬ادة املطلوب‪--‬ة‪ ،‬م‪--‬ا‬
‫دامت مواد الصناعة تستخرج من األرض‪ ،‬وكلما زاد مع‪-‬دل م‪-‬ا نس‪-‬تخرجه منه‪-‬ا كلم‪-‬ا ق‪-‬ل م‪-‬ا تعطي‪-‬ه لن‪-‬ا من غل‪-‬ة(‪.)1‬‬
‫واألم‪--‬ر ي‪--‬زداد ص‪--‬عوبة إذا ك‪--‬ان اإلنت‪--‬اج من األرض والص‪--‬ناعة ال يزي‪--‬د بنس‪--‬بة تواج‪--‬ه الزي‪--‬ادة يف أع‪--‬داد الس‪--‬كان‪ ،‬ولق‪--‬د‬
‫حذر مالتس من هذا اخلطر يف كتاباته السابق اإلشارة إليها‪ .‬كم‪-‬ا ع‪-‬ارض علم‪-‬اء االقتص‪-‬اد األس‪-‬اليب ال‪-‬يت حتث على‬
‫زي ‪--‬ادة الس ‪--‬كان‪ ،‬اس ‪--‬تنادًا إىل فك ‪--‬رهتم عن القيم ‪--‬ة وإىل أن ه ‪--‬ذه الزي ‪--‬ادة تفق ‪--‬د املوارد وتقل ‪--‬ل من الكفاي ‪--‬ة‪ ....‬وأخ ‪--‬ذوا‬
‫ي‪--‬دافعون عن زي‪--‬ادة دخ‪--‬ل الف‪--‬رد ورف‪--‬ع مس‪--‬توى املعيش‪--‬ة‪ ،‬واعتق‪--‬دوا بإمكاني‪--‬ة حتقي‪--‬ق ه‪--‬ذا اهلدف إذا مل يتزاي‪--‬د الس‪--‬كان‬
‫زيادة دائمة ومستمرة‪ .‬وهكذا أخذوا ينظرون إىل عملية زيادة قوة الدولة السياس‪-‬ية والعس‪-‬كرية بواس‪-‬طة زي‪-‬ادة ع‪--‬دد‬
‫سكاهنا‪ ،‬على أهنا عملية عدمية اجلدوى طاملا كانت تعوق التقدم يف مستوى املعيشة‪.‬‬

‫ولكن هذه النظرة قد القت العديد من االنتقادات مع هناية القرن التاسع عشر‪ ،‬وبداية الق‪-‬رن العش‪-‬رين‪ ،‬فمن ناحي‪-‬ة‬
‫ب ‪--‬دأت تظه ‪--‬ر أس ‪--‬اليب جدي ‪--‬دة للتحكم يف منو الس ‪--‬كان‪ ،‬ويف نفس ال ‪--‬وقت‪ ،‬ح ‪--‬دثت ظ ‪--‬روف أدت إىل زي ‪--‬ادة ال ‪--‬دخل‬
‫القومي يف أوروبا‪ ،‬منها تطور التكنولوجيا‪ ،‬والتوسع يف اإلنتاج الزراعي(‪.)2‬‬

‫االقتصاد والدخل األمثل للسكان ‪Income - Optimum‬‬

‫ونتيج‪--‬ة ل‪--‬ذلك حتول اهتم‪--‬ام علم‪--‬اء االقتص‪--‬اد عن التنبي‪--‬ه إىل خط‪--‬ورة وزي‪--‬ادة الس‪--‬كان إىل رب‪--‬ط ه‪--‬ذه الزي‪--‬ادة مبا أمسوه‬
‫الدخل األمثل‪ .‬وذهبوا إىل أنه إذا كان منو السكان يصاحبه زيادة يف الكثافة الس‪--‬كانية يف من‪--‬اطق وبالد جدي‪--‬دة‪ ،‬م‪--‬ع‬
‫‪)(1‬‬
‫الدكتور احمد األخشاب ‪ ،‬سكان المجتمع العربي ‪ ،‬مرجع سابق ص ‪.76‬‬
‫)(‪2‬‬
‫‪J. J. Spengler, Op. Cit., p. 795.‬‬

‫‪66‬‬
‫زيادة يف تقسيم العمل‪ ،‬وأيضًا زيادة يف القوة اإلنتاجية والدخل اال أن هذه الزيادة ح‪-‬دود وعن‪-‬دما تبل‪-‬غ الزي‪-‬ادة ح‪-‬دًا‬
‫ه‪--‬و األمث‪--‬ل‪ ،‬ف‪--‬إن الزي‪--‬ادة يف كثاف‪--‬ة الس‪--‬كان داخ‪--‬ل البل‪--‬د س‪--‬وف ي‪--‬رتتب عليه‪--‬ا قل‪--‬ة يف ال‪--‬داخل‪ ،‬واخنفاض ‪ً-‬ا يف مس‪--‬توى‬
‫املعيشة‪ ...‬اخل‪.‬‬

‫نظرة االقتصاد للظواهر السكانية‬

‫واس ‪--‬تنادًا إىل ه ‪--‬ذا التط ‪--‬ور يف اهتم ‪--‬ام االقتص ‪--‬اد ب ‪--‬الظواهر الس ‪--‬كانية‪ ،‬أص ‪--‬بحت الالقتص ‪--‬اد نظرت ‪--‬ه اخلاص ‪--‬ة يف دراس ‪--‬ته‬
‫وحتليله هلذه الظواهر‪ ،‬وأيضًا له موضوعاته احملدودة وأهدافه املتميزة من وراء هذا االهتمام‪.‬‬

‫إذ ينظر عامل االقتصاد إىل موضوع الدراسة يف نط‪-‬اق اهتمام‪-‬ه على أن‪-‬ه ميث‪-‬ل نس‪-‬قًا من املتغ‪-‬ريات املعتم‪-‬دة فيم‪-‬ا بينه‪-‬ا‪،‬‬
‫وأن عملي ‪--‬ة االس ‪--‬تفادة من معطي ‪--‬ات ومتغ ‪--‬ريات خارجي ‪--‬ة على االقتص ‪--‬اد‪ ،‬يتوق ‪--‬ف على قيم ‪--‬ة ودالل ‪--‬ة ومغ ‪--‬زى ه ‪--‬ذه‬
‫املعطي‪--‬ات واملتغ‪--‬ريات ال‪--‬يت تفي‪--‬د يف حتلي‪--‬ل املتغ‪--‬ريات االقتص‪--‬ادية‪ ،‬وذل‪--‬ك اس‪--‬تنادًا إىل أن املتغ‪--‬ريات االقتص‪--‬ادية متداخل‪--‬ة‬
‫ومتش ‪--‬ابكة وان العالق ‪--‬ة بينه ‪--‬ا وبني املتغ ‪--‬ريات الس ‪--‬كانية عالق ‪--‬ة متبادل ‪--‬ة وليس ‪--‬ت يف اجتاه واح ‪--‬د‪ .‬وهلذا توج ‪--‬د هنال ‪--‬ك‬
‫جوانب وموضوعات مهمة ميكن من خالهلا حتليل االقتصاد والسكان هي‪:‬‬

‫املتغ ‪--‬ريات الس ‪--‬كانية‪ :‬الوفي ‪--‬ات واخلص ‪--‬وبة والزي ‪--‬ادة الطبيعي ‪--‬ة واهلج ‪--‬رة والكثاف ‪--‬ة الس ‪--‬كانية وتوزي ‪--‬ع الس ‪--‬كان‪،‬‬ ‫‪]1‬‬
‫ومعدل منو السكان والتكوين العمري والنوعي واملهين والتعليمي‪..‬‬

‫املتغريات االقتصادية‪ :‬الدخل القومي‪ ،‬والثروة واملوارد والتجارة وتوزيع الدخل واألجور واملصاحل والعمال‪--‬ة‬ ‫‪]2‬‬
‫واالدخار واالستثمار واالستهالك واملهن‪.‬‬

‫ويس‪-- -‬لم االقتص‪-- -‬اد ب‪-- -‬أن التغ‪-- -‬ري يف ه‪-- -‬ذه املتغ‪-- -‬ريات االقتص‪-- -‬ادية ق‪-- -‬د ي‪-- -‬ؤثر يف التغ‪-- -‬ري يف املتغ‪-- -‬ريات الس‪-- -‬كانية والعكس‬
‫ص‪--‬حيح(‪ ،)1‬ومن هن‪--‬ا ك‪--‬ان اهتم‪--‬ام االقتص‪--‬اد بدراس‪--‬ة الظ‪--‬واهر الس‪--‬كانية هبدف االس‪--‬تفادة من املعطي‪--‬ات الس‪--‬كانية يف‬
‫حتليل وتفسري الظواهر االقتصادية موضوع اهتمامه وميدان ختصصه‪.‬‬

‫مناقشة وتعقيب‬

‫)(‪1‬‬
‫‪Ibid, pp. 794 - 799.‬‬

‫‪67‬‬
‫تنطوي الفقرات السابقة واليت توض‪-‬ح اهتم‪-‬ام االقتص‪-‬اد بدراس‪-‬ة الظ‪-‬واهر الس‪-‬كانية على بعض احلق‪-‬ائق ال‪-‬يت ت‪-‬دل على‬
‫أن ه‪--‬ذا االهتم‪--‬ام ليس مقص‪--‬ودا لذات‪--‬ه باعتب‪--‬اره حمورا للبحث والتفك‪--‬ري االقتص‪--‬ادي‪ .‬فمن ناحي‪--‬ة يعت‪--‬رب علم االقتص‪--‬اد‬
‫الس‪-‬كان مبثاب‪-‬ة متغ‪--‬ريًا خارجي‪-‬ا على نس‪-‬ق املتغ‪--‬ريات االقتص‪--‬ادية موض‪--‬وع اهتمام‪--‬ه‪ ،‬وك‪-‬ل م‪--‬ا هنال‪-‬ك ه‪--‬و احتم‪-‬ال ت‪-‬أثري‬
‫املتغ ‪--‬ريات االقتص ‪--‬ادية ب ‪--‬املتغريات الس ‪--‬كانية يف تغريه ‪--‬ا أو العكس ومن هن ‪--‬ا ك ‪--‬ان اهتم ‪--‬ام االقتص ‪--‬اد بدراس ‪--‬ة الظ ‪--‬واهر‬
‫الس‪--‬كانية وك‪--‬ان يتم‪--‬يز ه‪--‬ذا االهتم‪--‬ام بطبيع‪--‬ة خاص‪--‬ة جتعل‪--‬ه جمرد دراس‪--‬ة ثانوي‪--‬ة وفرعي‪--‬ة الهتمام‪--‬ه األساس‪--‬ي بدراس‪--‬ة‬
‫الظواهراالقتصادية وهذا ما اتسم به اهتمام االقتصاد بالظواهر السكانية طوال تارخيه الطويل ابت‪-‬داء من ترك‪-‬يزه على‬
‫امهية زيادة السكان يف توفري القوة العاملة وزيادة الربح مث اشارته إىل خطورة زيادة السكان ملا يف ذلك من أثر على‬
‫اخنف‪--‬اض اإلنت‪-‬اج واملوارد ومس‪-‬توى املعيش‪-‬ة مث تعليق‪--‬ه زي‪-‬ادة الس‪-‬كان على م‪--‬ا امساه بال‪-‬دخل األمث‪-‬ل‪ .‬إذن ك‪-‬ان اهتم‪-‬ام‬
‫االقتص‪--‬اد بالس‪--‬كان مبا ق‪--‬د يفي‪--‬د حتليل‪--‬ه لظ‪--‬واهره االقتص‪--‬ادية مث‪--‬ل الق‪--‬وة العامل‪--‬ة وال‪--‬ريح واإلنت‪--‬اج‪ ،‬واملوارد وال‪--‬دخل‪...‬‬
‫اخل‪ .‬ألنه كان يعتقد يف جدوى املعطيات الس‪-‬كانية وأمهيته‪-‬ا يف حتلي‪-‬ل الظ‪-‬واهر االقتص‪-‬ادية دون غريه‪-‬ا من معطي‪-‬ات‪.‬‬
‫وبناء عليه ميكن القول بان اهلدف من اهتمام االقتصاد بدراسة الظواهر السكانية مل يكن تفسري وفهم ه‪-‬ذه الظ‪-‬واهر‬
‫بق‪--‬در االس‪--‬تفادة من املعطي‪--‬ات الس‪--‬كانية يف حتلي‪--‬ل وتفس‪--‬ري الظ‪--‬واهر االقتص‪--‬ادية‪ .‬وهك‪--‬ذا ظلت مس‪--‬ألة تفس‪--‬ري احلق‪--‬ائق‬
‫الس ‪-- -‬كانية ذاهتا دون معاجلة أو تن ‪-- -‬اول‪ .‬وتأك ‪-- -‬دت احلاج ‪-- -‬ة إىل نظ ‪-- -‬ام فك ‪-- -‬ري خبوض يف ه‪-- - -‬ذه املس ‪-- -‬الة‪ ،‬طاملا ك ‪-- -‬ان‬
‫الدراسات السكانية اإلحصائية واجلغرافية واالقتصادية بعيدة عن هذا التن‪-‬اول‪ ،‬لنج‪-‬د علم اجتم‪-‬اع الس‪-‬كان ق‪-‬د ظه‪--‬ر‬
‫لينظر فيما أغفلته الدراسات السكانية السابقة ويستجيب إىل هذه احلاجة‪.‬‬

‫علم اجتماع السكان‬

‫مل يظه ‪--‬ر علم اجتم ‪--‬اع الس ‪--‬كان إذن من ف ‪--‬راغ‪ ،‬وإمنا ظه ‪--‬ر حلاج ‪--‬ة ملح ‪--‬ة إلي ‪--‬ه‪ ،‬وال ش ‪--‬ك أن ه ‪--‬ذا العلم خيتل ‪--‬ف يف‬
‫جوانب كثرية عن الدميوجرافيا وغريها من دراسات سكانية جغرافية واقتص‪-‬ادية خاص‪-‬ة‪ ،‬واخ‪-‬ذ ينص‪-‬رف يف اهتمام‪-‬ه‬
‫حنو موضوعات متميزة‪ ،‬مما ادى اىل تطوير وتنمو هذا العلم وبلوغه مكانة ال بأس هبا بني ف‪--‬روع علم االجتم‪--‬اع من‬
‫ناحية وبني الدراسات السكانية من ناحية أخرى‪.‬‬

‫‪68‬‬
‫ظهورعلم اجتماع السكان‬

‫ظه‪--‬رعلم اجتم‪--‬اع الس‪--‬كان اس‪--‬تجابة للحاج‪--‬ة إىل فهم وتفس‪--‬ري الظ‪--‬واهر الس‪--‬كانية ذاهتا‪ ،‬ودراس‪--‬تها باعتباره‪--‬ا ظ‪--‬واهر‬
‫أساس‪-‬ية غ‪--‬ري ثانوي‪-‬ة‪ ،‬خاص‪--‬ة وان ال‪-‬دميوجرافيا والدراس‪-‬ات الس‪-‬كانية اجلغرافي‪-‬ة واالقتص‪--‬ادية يف اهتمامه‪--‬ا بدراس‪-‬ة ه‪--‬ذه‬
‫الظواهر قد انصرفت بعيدا عن تلبية هذه احلاجة‪.‬‬
‫(‪)1‬‬
‫ويرد ظهور علم اجتماع السكان اىل عهد قريب حدد بالفرته ما بني عامي ‪1920‬م و‪1930‬م‪.‬‬

‫اختالف علم اجتماع السكان عن الديموجرافيا والدراسات السكانية األخرى‬

‫اختل‪--‬ف علم اجتم‪--‬اع الس‪--‬كان عن ال‪--‬دميوجرافيا والدراس‪--‬ات الس‪--‬كانية ‪ -‬اجلغرافي‪--‬ة واالقتص‪--‬ادية ‪ -‬من حيث ت‪--‬وقيت‬
‫ظه ‪--‬وره‪ ،‬يف إن علم اجتم ‪--‬اع الس ‪--‬كان يع ‪--‬د علم ‪--‬ا ح ‪--‬ديثا نس ‪--‬بيا باملقارن ‪--‬ة باالهتم ‪--‬ام الق ‪--‬دمي لل ‪--‬دميوجرافيا والدراس ‪--‬ات‬
‫الس‪--‬كانية األخ‪--‬رى بدراس‪--‬ة الظ‪--‬واهر الس‪--‬كانية‪ ...‬وم‪--‬ع ذل‪--‬ك أص‪--‬بحت دراس‪--‬ة الس‪--‬كان الي‪--‬وم أك‪--‬ثر ارتباط‪--‬ا والتص‪--‬اقا‬
‫بعلم االجتم ‪--‬اع وق ‪--‬ويت عالقته ‪--‬ا هبذا العلم وت ‪--‬دعمت مكانته ‪--‬ا يف ميدان ‪--‬ه‪ ،‬على النح ‪--‬و ال ‪--‬ذي س ‪--‬بق وان اش ‪--‬رنا إلي ‪--‬ه‬
‫بالتفصيل يف احلديث عن السكان كميدان للبحث يف علم االجتماع‪.‬‬

‫ويض ‪--‬اف إىل م ‪--‬ا س ‪--‬بق اختالف علم اجتم ‪--‬اع الس ‪--‬كان عن ال ‪--‬دميوجرافيا والدراس ‪--‬ات الس ‪--‬كانية األخ ‪--‬رى‪ ،‬من حيث‬
‫النظ‪--‬ر إىل الظ‪--‬واهر الس‪--‬كانية‪ ،‬واهلدف من حتليله‪--‬ا‪ .‬فلق‪--‬د س‪--‬ارت ال‪--‬دميوجرافيا يف خطني اث‪--‬نني عن‪--‬د دراس‪--‬تها للظ‪--‬واهر‬
‫السكانية األول يهتم بدراسة املواليد واخلصوبة‪ ،‬والثاين يتناول دراسة الوفي‪-‬ات واهلج‪-‬رة‪ ،‬وذل‪-‬ك كل‪-‬ه هبدف التحلي‪-‬ل‬
‫(‪.)2‬‬
‫الكمي للعالقات املتبادلة بني هذه املوضوعات‬

‫ويض‪--‬اف إىل م‪--‬ا س‪--‬بق اختالف علم اجتم‪--‬اع الس‪--‬كان عن اجلغرافي‪--‬ا البش‪--‬رية واالقتص‪--‬اد حيث رك‪--‬زت اجلغرافي‪--‬ا على‬
‫املشكالت التوزيعية موضوع اهتمامها املتعلق بدراسة األرض والبيئة‪ .‬واهتم االقتصاد بدراسة الظواهر الس‪-‬كانية إىل‬
‫احلد ال ‪--‬ذي ميكن مع ‪--‬ه االس ‪--‬تفادة من نت ‪--‬اج ه ‪--‬ذه الدراس ‪--‬ة يف تفس ‪--‬ري نس ‪--‬ق املتغ ‪--‬ريات االقتص ‪--‬ادية موض ‪--‬وع البحث يف‬
‫نطاقه‪.‬‬

‫)(‪1‬‬
‫‪D. Kirk, population, Op. Cit., p. 343.‬‬
‫)(‪2‬‬
‫‪K. Davis, Sociology of Demographic Behavior, Op. Cit., p.‬‬

‫‪69‬‬
‫ولكن عن‪--‬دما يهتم علم اجتم‪--‬اع الس‪--‬كان بدراس‪--‬ة الظ‪--‬واهر الس‪--‬كانية س‪--‬واء املرتب‪--‬ط منه‪--‬ا ببن‪--‬اء الس‪--‬كان مث‪--‬ل احلجم‬
‫والتكوين والتوزيع‪ ،‬أو مال له صلة بتغري السكان مثل النمو والزيادة والتضخم وما إليها‪ ،‬فإن علم اجتماع السكان‬
‫ال يكتفي يف ذل‪-- -‬ك بتحلي‪-- -‬ل العالق‪-- -‬ات بني ه‪-- -‬ذه الظ‪-- -‬واهر وإمنا يتج‪-- -‬اوز ذل‪-- -‬ك حماول‪-- -‬ة فهم طبيع‪-- -‬ة ه‪-- -‬ذه العالق‪-- -‬ات‬
‫وتفس‪--‬ريها‪ ،‬وال ميي‪--‬ل إىل جتري‪--‬د ه‪--‬ذه الظ‪--‬واهر عن ارتباطه‪--‬ا بغريه‪--‬ا من الظ‪--‬واهر وإمنا يبحث عن تفس‪--‬ري ه‪--‬ذه الظ‪--‬واهر‬
‫الس‪--‬كانية يف ض‪--‬وء ظ‪--‬واهر أخ‪--‬رى على عالق‪--‬ة قوي‪--‬ة هبا‪ ،‬ونع‪--‬ين ظ‪--‬واهر البن‪--‬اء االجتم‪--‬اعي للمجتم‪--‬ع وذل‪--‬ك اس‪--‬تنادًا إىل‬
‫اعتبار السكان عنصرًا هامًا يف هذا البناء‪ ،‬وأن فهم ظواهر السكان على حنو أفضل لن يتحقق إال بإرجاعها إىل بقية‬
‫عناص‪-‬ر البن‪-‬اء االجتم‪-‬اعي للمجتم‪-‬ع‪ .‬ذل‪-‬ك ألن‪-‬ه ال ميكن فهم ظ‪-‬واهر اخلص‪-‬وبة مثًال ب‪-‬دون دراس‪-‬ة البن‪-‬اء األس‪-‬ري‪ ،‬وال‬
‫يتحقق الفهم املناسب لظاهرة اهلجرة الداخلية بدون فهم لظاهرة التحضر‪.‬‬

‫مجاالت اهتمام علم اجتماع السكان‬

‫قسم املشتغلون بعلم اجتماع السكان جماالت اهتمامهم يف دراسة الظواهر الس‪--‬كانية إىل ع‪--‬دد من املي‪--‬ادين واجملاالت‬
‫حناول فيم‪-‬ا يلي إجياز أمهه‪-‬ا ملا ل‪-‬ه من قيم‪-‬ة يف زي‪-‬ادة توض‪-‬يح االختالف بني علم اجتم‪-‬اع الس‪-‬كان وبني ال‪-‬دميوجرافيا‬
‫والدراسات السكانية ويعد ميدان بناء الس‪-‬كان وم‪-‬ا ينط‪-‬وي علي‪-‬ه من ظ‪-‬واهر س‪-‬كانية مث‪-‬ل حجم الس‪-‬كان وتك‪-‬وينهم‬
‫وتوزيعهم‪ ،‬وميدان تغري السكان وما يشتمل عليه من ظواهر سكانية مثل النمو والزيادة وما إليها‪ ،‬من أكثر امليادين‬
‫جذبًا الهتمام علماء االجتماع املشتغلني بدراسة الظواهر السكانية‪.‬‬

‫ميدان بناء السكان‬

‫إذ يق‪-‬وم ه‪-‬ؤالء الب‪-‬احثون بتحلي‪-‬ل ظ‪-‬واهر بن‪-‬اء األس‪-‬رة وحجمه‪-‬ا‪ ،‬اس‪-‬تنادًا إىل نت‪-‬ائج الدراس‪-‬ات السوس‪-‬يولوجية ألمناط‬
‫األسرة وتغريها ويقومون بتحليل ظواهر تفكك األسرة مثل الطالق يف ض‪--‬وء نت‪--‬ائج الدراس‪--‬ات السوس‪--‬يولوجية لتغ‪--‬ري‬
‫بناء األسرة ووظائفها االقتصادية والتعليمية والدينية‪.‬‬

‫وجيرون حتليًال للتك ‪-- -‬وين ال ‪-- -‬زواجي يف األس ‪-- -‬رة على ض ‪-- -‬وء طبيع ‪-- -‬ة التنظيم االجتم ‪-- -‬اعي للمجتم ‪-- -‬ع(‪ .)1‬ويس ‪-- -‬تخدمون‬
‫املؤش‪--‬رات املتباين‪--‬ة على الطبق‪--‬ة واملكان‪--‬ة االقتص‪--‬ادية واالجتماعي‪--‬ة‪ ،‬يف حتلي‪--‬ل االختالف‪--‬ات يف مع‪--‬دالت اخلص‪--‬وبة كم‪--‬ا‬
‫يوض ‪--‬حون أث ‪--‬ر القيم االجتماعي ‪--‬ة واملع ‪--‬ايري والع ‪--‬ادات والتقالي ‪--‬د يف تب ‪--‬اين ه ‪--‬ذه املع ‪--‬ادالت(‪ .)2‬كم ‪--‬ا حياولون تتب ‪--‬ع أث ‪--‬ر‬
‫)(‪1‬‬
‫‪K. Davis, Sociology of Demographic Behavior, Op. Cit.‬‬
‫)(‪2‬‬
‫‪P. W. E. Morre, Sociology & Demography, Op. Cit., p. 841.‬‬

‫‪70‬‬
‫التحض‪--‬ر والتص‪--‬نيع واحلراك االجتم‪--‬اعي وغريه‪--‬ا من الظ‪--‬واهر االجتماعي‪--‬ة على اخلص‪--‬وبة والس‪--‬لوك اإلجنايب‪ .‬ويربط‪--‬ون‬
‫بني احلق ‪--‬ائق املتعلق ‪--‬ة بالبن ‪--‬اء امله ‪--‬ين والق ‪--‬وى العامل ‪--‬ة يف اجملتم ‪--‬ع وبني نت ‪--‬ائج دراس ‪--‬ات علم االجتم ‪--‬اع ل ‪--‬رتتيب املهن يف‬
‫اجملتمع‪ ،‬والتدرج املهين واالجتماعي والطبقي‪ ،‬ومتايز األدوار واختالفها ب‪--‬اختالف التنظيم االجتم‪--‬اعي للمجتم‪--‬ع‪ ،‬يف‬
‫حماولة لفهم بناء القوى العاملة وتفسري ظواهره(‪.)1‬‬

‫ميدان التغير السكاني‬

‫إن اعتقاد الدميوجرافيا بأن الشكل الوحيد للتغري السكاين والذي يتمثل يف الزي‪-‬ادة والنقص‪--‬ان ال‪-‬ذي يط‪-‬رأ على حجم‬
‫الس‪--‬كان‪ ،‬وجعلهم يهتم‪--‬ون بدراس‪--‬ة التغ‪--‬ريات يف مع‪--‬دالت الوفي‪--‬ات واخلص‪--‬وبة واهلج‪--‬رة والتغ‪--‬ريات يف بن‪--‬اء الس‪--‬كان‬
‫باعتبارها من أهم عوام‪-‬ل التغ‪-‬ري الس‪-‬كاين‪ .‬غ‪-‬ري أن علم اجتم‪-‬اع الس‪-‬كان يف دراس‪-‬ته لظ‪-‬واهر التغ‪-‬ري الس‪-‬كاين ال يرك‪-‬ز‬
‫على مع ‪--‬دالت الوف ‪--‬اة أو اخلص ‪--‬وبة أو اهلج ‪--‬رة أو غريه ‪--‬ا يف ح ‪--‬د ذاهتا‪ ،‬وإمنا يتن ‪--‬اول العوام ‪--‬ل االجتماعي ‪--‬ة ال ‪--‬يت حتكم‬
‫مع‪--‬دالت الوفي‪--‬ات واخلص‪--‬وبة واهلج‪--‬رة‪ .‬ويهتم ك‪--‬ذلك بتحلي‪--‬ل النت‪--‬ائج االجتماعي‪--‬ة على مع‪--‬دالت الوفي‪--‬ات واخلص‪--‬وبة‬
‫واهلج‪--‬رة‪ ،‬واملس‪--‬تويات التعليمي‪--‬ة وحرك‪--‬ات اهلج‪--‬رة وغريه‪--‬ا‪ ،‬وحياول بل‪--‬ورة مناذج تش‪--‬تمل على التفاع‪--‬ل بني املتغ‪--‬ريات‬
‫السكانية واالجتماعية ويعتمد عليها يف تفسري منو السكان وتغريهم (‪.)2‬‬

‫نمو وتطور علم اجتماع السكان‬

‫إذن فق‪-- -‬د تف‪-- -‬اعلت عوام‪-- -‬ل وظ‪-- -‬روف متباين‪-- -‬ة أدت إىل ظه‪-- -‬ور علم االجتم‪-- -‬اع الس‪-- -‬كاين باعتب‪-- -‬اره أح‪-- -‬د ف‪-- -‬روع علم‬
‫االجتماع‪ ،‬ونوعًا من أنواع الدراس‪-‬ات الس‪-‬كانية يق‪-‬ف إىل ج‪-‬انب غريه‪-‬ا من دراس‪-‬ات س‪-‬كانية جغرافي‪-‬ة واقتص‪-‬ادية‪.‬‬
‫ولق‪-‬د أخ‪-‬ذ ه‪-‬ذا العلم يف النم‪-‬و والتط‪-‬ور بش‪-‬كل واض‪-‬ح‪ .‬وليس أدل على ذل‪-‬ك من تل‪-‬ك املظ‪-‬اهر والنت‪-‬ائج ال‪-‬يت حققه‪-‬ا‬
‫وكنا قد اش‪-‬رنا س‪-‬ابقًا إىل بعض املظ‪-‬اهر الدال‪-‬ة على منو وتط‪-‬ور ذل‪-‬ك العلم (‪ )3‬وسنخص‪-‬ص بقي‪-‬ة فص‪-‬ول ه‪-‬ذا الكت‪-‬اب‬
‫لتوضيح نتائج التطور اليت حققها املشتغلون به‪ ،‬تلك اليت تتمثل يف جمموعة األفكار والقضايا النظرية ال‪-‬يت تق‪-‬دموا هبا‬
‫لتفس‪--‬ري الظ‪--‬واهر الس‪--‬كانية ويف جمموع‪--‬ة القواع‪--‬د املنهجي‪--‬ة ال‪--‬يت اعتم‪--‬دوا عليه‪--‬ا يف التحق‪--‬ق من ه‪--‬ذه التفس‪--‬ريات‪ ،‬ويف‬

‫)(‪1‬‬
‫‪K. Davis, Sociology of Demographic Behavior, Op. Cit.‬‬
‫)(‪2‬‬
‫‪Ibid, p.‬‬
‫‪ )(3‬انظر الفصل األول ‪ ،‬السكان كميدان للدراسة في علم االجتماع‪.‬‬

‫‪71‬‬
‫التحلي ‪--‬ل االجتم ‪--‬اعي للظ ‪--‬واهر الس ‪--‬كانية‪ ،‬وفيم ‪--‬ا اق ‪--‬رتحوه من سياس ‪--‬ات الض ‪--‬بط وتوجي ‪--‬ه ه ‪--‬ذه الظ ‪--‬واهر مث يف دراس ‪--‬ة‬
‫الظواهر السكانية يف عالقتها بالتنمية االجتماعية‪.‬‬

‫الفصل الثالث‬

‫نظرية علم اجتماع السكان‬


‫تمهيد‬

‫اختلفت اآلراء بص‪--‬دد الدراس‪--‬ات الس‪--‬كانية وحتدي‪--‬د مكانته‪--‬ا بني العل‪--‬وم ال‪--‬يت اس‪--‬تطاعت أن تبل‪--‬ور م‪--‬ا انتهت إلي‪--‬ه من‬
‫نتائج وقضايا يف صورة نظريات‪ .‬إذ ي‪-‬ذهب البعض إىل أن الدراس‪-‬ات الس‪-‬كانية ق‪-‬د وص‪--‬لت بالفع‪--‬ل إىل مرحل‪-‬ة العلم‬
‫بعد أن مجعت احلقائق ووضعت الفروض وحاولت أن تنظمها يف صورة نظرية‪ ،‬بل أن بعض املشتغلني بالسكان قد‬
‫توصلوا بالفعل إىل قوانني سكانية(‪ .)1‬ولكن يرى البعض االخر أن الدراس‪-‬ات الس‪-‬كانية يف ال‪-‬وقت احلاض‪--‬ر تفتق‪--‬ر إىل‬
‫النظري ‪--‬ة‪ ،‬بينم ‪--‬ا تتم ‪--‬يز ب ‪--‬وفرة النت ‪--‬ائج اجلزئي ‪--‬ة بفض ‪--‬ل اجله ‪--‬ود املتابع ‪--‬ة ال ‪--‬يت أج ‪--‬ريت يف مي ‪--‬داهنا جلم ‪--‬ع ه ‪--‬ذه النت ‪--‬ائج دون‬
‫االهتمام بصياغتها يف بناء منسق من املعرفة يفسر على أساسه سلوكيات السكان‪ ،‬ويرجعون هذا النقص إىل التقدم‬
‫الذي أحرزته الدراسات السكانية يف ميدان البحوث االمبرييقية واىل انشغاهلا بتط‪-‬وير من‪-‬اهج متم‪-‬ايزة جلم‪-‬ع البيان‪-‬ات‬
‫وحتليله‪--‬ا‪ ،‬من ناحي‪--‬ة‪ ،‬واىل م‪--‬ا يتم‪--‬يز ب‪--‬ه موض‪--‬وع الدراس‪--‬ة الس‪--‬كانية وانتمائ‪--‬ه إىل ع‪--‬دد من العل‪--‬وم املتداخل‪--‬ة من ناحي‪--‬ة‬
‫أخرى(‪.)2‬‬

‫والنظرية السكانية عموما عبارة عن جمموعة من القضايا املرتابطة اليت تقوم على أس‪-‬اس املالحظ‪-‬ة والتج‪-‬ريب‪ ،‬وتق‪-‬دم‬
‫تفسريا لظاهرة ما من الظواهر السكانية‪ ،‬أو تنبؤا بعالقات ميكن مالحظتها والتحقق منها(‪.)3‬‬

‫فهل ختتلف نظرية علم اجتماع السكان يف وضعها وطبيعته‪--‬ا عن النظري‪-‬ات يف الدراس‪-‬ات الس‪-‬كانية األخ‪-‬رى؟ وه‪--‬ل‬
‫هناك حماوالت لتصنيف نظرية علم السكان؟ وما هي أبعاد كل نظرية منها؟‬

‫‪)(1‬‬
‫الدكتور محمد السيد غالب والدكتور محمد صبحي عبد الحكيم ‪ ،‬السكان ديموجرافيا وجغرافيا ‪ ،‬مكتبة األنجلو المصرية ‪ ،‬القاهرة ‪1962 ،‬م ‪ ،‬ص‬
‫‪.8‬‬
‫)(‪2‬‬
‫‪.‬م‪C. B. Nam, Population & Society, EDT., Houghton Mifflin Company, New York, 196961 ,‬‬
‫)(‪3‬‬
‫‪Hauser & Duncan, the Study of Population, Op. Cit., p. 13. 1‬‬

‫‪72‬‬
‫والواقع أن اإلجابة على هذه التساؤالت متث‪-‬ل اهلدف ال‪-‬ذي تس‪-‬عى إلي‪-‬ه موض‪-‬وعات الفص‪-‬ل احلايل وال‪-‬يت قس‪-‬مناها إيل‬
‫تصنيف نظرية علم اجتماع السكان‪ ،‬واملقصود بنظرية العلم عموم‪--‬ا‪ ،‬ونظري‪-‬ات املدخل احملاف‪-‬ظ‪ ،‬مث نظري‪-‬ات املدخل‬
‫الراديكايل يف تفسري الظواهر السكانية‪.‬‬

‫أوًال‪ :‬تصنيف نظرية علم اجتماع السكان‬

‫يواجه كل من يهتم بتتبع نظرية علم اجتماع الس‪-‬كان حبقيق‪-‬ة ال ش‪-‬ك فيه‪-‬ا‪ ،‬وهي أن كتاب‪-‬ات املش‪-‬تغلون ح‪-‬ديثا هبذا‬
‫العلم ال تك‪-‬ون بن‪-‬اء متماس‪-‬كا موح‪-‬دا أو نظري‪-‬ة منس‪-‬قة بق‪--‬در م‪--‬ا متث‪-‬ل جمموع‪--‬ة متباين‪-‬ة ومتع‪--‬ددة من األفك‪-‬ار والقض‪--‬ايا‬
‫النظري ‪--‬ة‪ ،‬إذا يفتق ‪--‬ر مي ‪--‬دان علم االجتم ‪--‬اع يف ال ‪--‬وقت احلاض ‪--‬ر إىل إط ‪--‬ار م ‪--‬رجعي واح ‪--‬د جيم ‪--‬ع بني خمتل ‪--‬ف القض ‪--‬ايا‬
‫األمبرييقي‪-- -‬ة واالس‪-- -‬تقرائية ح‪-- -‬ول التغ‪-- -‬ريات الس‪-- -‬كانية واالجتماعي‪-- -‬ة وال‪-- -‬يت ميكن أن نطل‪-- -‬ق عليه‪-- -‬ا نظري‪-- -‬ة دميوجرافي‪-- -‬ة‬
‫اجتماعية‪ .‬وهذا ال يعين عدم توفر القضايا الالزمة لذلك‪ ،‬بقدر ما يدل على أن هذه القضايا مل يتم جتميعه‪--‬ا مع‪--‬ا يف‬
‫إطار منظم واحد أو يف صورة نسق نظري(‪.)1‬‬

‫ومن هن ‪--‬ا ك ‪--‬ان من املتوق ‪--‬ع أن تنط ‪--‬وي دراس ‪--‬ة نظري ‪--‬ة علم اجتم ‪--‬اع الس ‪--‬كان على حماوالت متباين ‪--‬ة لتص ‪--‬نيف ه ‪--‬ذه‬
‫اجملموعة الكبرية من القضايا النظرية‪ .‬وملا كانت كل حماولة منها تستند إىل معيار خمتلف يف تصنيف القضايا النظري‪--‬ة‬
‫فمن املتوقع أن ال جند اتفاقا بني حماوالت التصنيف هذه‪.‬‬

‫وعموما ترد حماوالت تصنيف نظرية علم اجتماع السكان إىل ثالث حماالت على النحو التايل‪:‬‬

‫المحاولة األولى‪ :‬النظريات الطبيعية واالجتماعية‬

‫وتقوم على تقسيم النظريات إىل نوعني‪ ،‬نظريات طبيعية ونظريات اجتماعية‪.‬‬

‫النظريــات الطبيعيــة‪ :‬وهي ال‪--‬يت جيم‪--‬ع بينه‪--‬ا اعتق‪--‬اد واح‪--‬د م‪--‬ؤداه أن ال‪--‬ذي يتحكم يف منو الس‪--‬كان ه‪--‬و طبيع‪--‬ة‬ ‫‪-1‬‬
‫اإلنس‪--‬ان نفس‪--‬ه وطبيع‪--‬ة الع‪--‬امل ال‪--‬ذي يعيش في‪--‬ه‪ .‬وان‪--‬ه إذا ك‪--‬ان لإلنس‪--‬ان س‪--‬يطرة على ه‪--‬ذا النم‪--‬و فهي س‪--‬يطرة‬
‫حمدودة‪ .‬ويوض‪--‬ح لن‪--‬ا ه‪--‬ذا االعتق‪--‬اد كي‪--‬ف ك‪--‬ان أص‪--‬حاب ه‪--‬ذه النظري‪--‬ات حياولون إجياد ق‪--‬انون النم‪--‬و الس‪--‬كان‬
‫يتمكنون به من معرفة ما حدث يف املاضي وما سيحدث يف املستقبل‪ ،‬وكانت القوانني ال‪-‬يت توص‪--‬لوا إليه‪--‬ا يف‬

‫)(‪1‬‬
‫‪T. R, Ford & G, F. Dejong Social Demography, Prentice Hall, Inc., Eng., Cliff, N. Jp. 19.‬‬

‫‪73‬‬
‫الغ‪--‬الب تنك‪--‬ر ك‪--‬ل ت‪--‬دخل لإلنس‪--‬ان وللقيم اإلنس‪--‬انية واالجتاه‪--‬ات يف ه‪--‬ذا النم‪--‬و وتعت‪--‬ربه أم‪--‬را طبيعي‪--‬ا ال ميكن‬
‫لإلنس ‪-- -‬ان أن يعوق ‪-- -‬ه(‪ .)1‬وي ‪-- -‬دخل ض ‪-- -‬من ه ‪-- -‬ذه الفئ ‪-- -‬ة من أص ‪-- -‬حاب النظري ‪-- -‬ات س ‪-- -‬ادلر ودوبل ‪-- -‬دي وسبنس ‪-- -‬ر‬
‫وكواردوجيين‪.‬‬
‫النظريات االجتماعية‪ :‬وهي ال‪-‬يت جيم‪-‬ع بينه‪-‬ا اعتق‪-‬اد واح‪-‬د م‪-‬ؤداه أن منو الس‪-‬كان ال يرج‪-‬ع إىل ق‪-‬انون ط‪-‬بيعي‬ ‫‪-2‬‬
‫ث ‪--‬ابت وامنا يرج ‪--‬ع إىل الظ ‪--‬روف االجتماعي ‪--‬ة ال ‪--‬يت حتي ‪--‬ط بأعض ‪--‬اء اجملتم ‪--‬ع‪ ،‬وه ‪--‬ذه الظ ‪--‬روف تض ‪--‬م جمموع ‪--‬ة من‬
‫العوام‪--‬ل املختلف‪--‬ة ال‪--‬يت يتح‪--‬دد ع‪--‬ددها وفق‪--‬ا للهيئ‪--‬ات االجتماعي‪--‬ة املختلف‪--‬ة يف اجملتم‪--‬ع اإلنس‪--‬اين‪ .‬وي‪--‬دخل ض‪--‬من‬
‫أصحاب هذا النوع من النظريات السكانية كارل ماركس‪ ،‬أرسني دميون‪ ،‬وكارسوندرز‪.‬‬

‫المحاولة الثانية‪ :‬نظريات بيولوجية واقتصادية وثقافية‬

‫وتتمث‪-‬ل يف تل‪-‬ك احملاوالت ال‪-‬يت تص‪--‬نف نظري‪-‬ات الس‪-‬كان على ض‪--‬وء العوام‪--‬ل ال‪-‬يت ت‪-‬ؤثر يف منو الس‪-‬كان‪ ،‬إىل نظري‪-‬ات‬
‫بيولوجية ونظريات ثقافية اجتماعية ونظريات اقتصادية‪.‬‬

‫النظريات التي حاولت إبراز أهمية العوامل البيولوجية‪ :‬تذهب ه‪-‬ذه النظري‪-‬ات إىل أن اخنف‪-‬اض اخلص‪-‬وبة‬ ‫‪.1‬‬
‫ال‪--‬ذي ح‪--‬دث يف ال‪--‬دول املتقدم‪--‬ة يرج‪--‬ع بص‪--‬فة أساس‪--‬ية إىل اخنف‪--‬اض الق‪--‬درة الفيزيولوجي‪--‬ة أو البيولوجي‪--‬ة على‬
‫اإلجناب‪ .‬غ‪--‬ري أن أص‪--‬حاب ه‪--‬ذا االجتاه اختلف‪--‬وا فيم‪--‬ا يتعل‪--‬ق بالعوام‪--‬ل املؤثرة على ه‪--‬ذه الق‪--‬درة‪ .‬فبينم‪--‬ا ي‪--‬رى‬
‫(س ‪--‬ادلر ‪1930‬م) أن ارتف ‪--‬اع الكثاف ‪--‬ة الس ‪--‬كانية ي ‪--‬ؤدي بطريق ‪--‬ة طبيعي ‪--‬ة إىل تن ‪--‬اقص الق ‪--‬درة على اإلجناب‪.‬‬
‫ويذهب (دبلدي) إىل أن زيادة التغذية يؤدي إىل هذه القدرة‪ .‬ويشري سبنسر ‪ )1880‬إىل أن تعقيد احلي‪--‬اة‬
‫االجتماعية والتنظيم االجتماعي يتطلب من اإلنسان أن يبذل جهودا إضافية للمحافظة على حياته الذاتية‪.‬‬
‫وان ذلك يؤدي إىل خفض قدرته على التوالد‪ .‬مث ع‪-‬اد االجتاه ال‪-‬بيولوجي إىل الظه‪-‬ور م‪-‬رة أخ‪-‬رى يف الق‪-‬رن‬
‫العش‪--‬رين على ي‪--‬د العالم‪--‬ة اإليط‪--‬ايل (كواردوجي‪--‬ين ‪1912‬م) ال‪--‬ذي اعتق‪--‬د أن لك‪--‬ل جمتم‪--‬ع دورة بيولوجي‪--‬ة‬
‫تؤثر على كثافة السكان وتنعكس عليها‪ .‬ففي املرحلة األوىل تكون اخلصوبة مرتفعة يف مجيع الطبق‪--‬ات‪ ،‬مث‬
‫متيل إىل االخنفاض يف الطبقات العليا مما يؤثر على اإلجناب يف مجيع الطبقات‪ .‬ويف اخلمسينات تبىن العالمة‬

‫)(‪1‬‬
‫‪, p. 45.‬م‪W. Thompison, Population Problems, Mc Graw - Hill, New York 1953‬‬

‫‪74‬‬
‫(ج ‪--‬وزوي دي كاس ‪--‬رتو) أيض ‪--‬ا االجتاه ال ‪--‬بيولوجي حبيث أص ‪--‬بح ميث ‪--‬ل اح ‪--‬دث من ح ‪--‬اول تفس ‪--‬ري الظ ‪--‬واهر‬
‫السكانية بالرجوع إىل بعض العوامل البيولوجية(‪.)1‬‬
‫النظريــات الــتي حــاولت إبــراز أهميــة العوامــل االقتصــادية‪ :‬إن احملور األساس‪--‬ي ال‪--‬ذي ت‪--‬دور حول‪--‬ه ه‪--‬ذه‬ ‫‪.2‬‬
‫النظري‪-- -‬ات‪ ،‬ه‪-- -‬و أن ال‪-- -‬زواج واإلجناب يتح‪-- -‬ددان وفق‪-- -‬ا للظ‪-- -‬روف االقتص‪-- -‬ادية الس‪-- -‬ائدة‪ .‬ويرج‪-- -‬ع التفس‪-- -‬ري‬
‫االقتصادي للظواهر السكانية إىل عهد قدمي‪ ،‬ب‪-‬ل ه‪-‬و أول تفس‪-‬ري قدم‪-‬ه املفك‪-‬رون هلذه الظ‪-‬اهرة‪ .‬فق‪-‬د اعتق‪-‬د‬
‫املفك‪-- -‬رون التقلي‪-- -‬ديون أن الظ‪-- -‬روف االقتص‪-- -‬ادية هي ال‪-- -‬يت حتدد مع‪-- -‬دالت ال‪-- -‬زواج واإلجناب‪ ،‬وك‪-- -‬ان (آدم‬
‫مسيث) من بني ممثلي هذا االجتاه‪ .‬ويف هناية القرن التاسع عش‪-‬ر وبداي‪-‬ة الق‪-‬رن العش‪-‬رين‪ ،‬تط‪-‬ورت النظري‪-‬ات‬
‫الكالس‪--‬يكية‪ ،‬وب‪--‬دا مفه‪--‬وم احلجم األمث‪--‬ل للس‪--‬كان يظه‪--‬ر يف كتاب‪--‬ات علم‪--‬اء االقتص‪--‬اد‪ ،‬ابت‪--‬داء من كتاب‪--‬ات‬
‫(أدم مسيث )‪ .‬وك‪--‬ان (كين‪--‬اي) أول من ع‪--‬رب بوض‪--‬وح عن نظري‪--‬ة احلجم األمث‪--‬ل للس‪--‬كان يف كتاب‪--‬ه مب‪--‬ادئ‬
‫االقتص‪-‬اد السياس‪-‬ي ال‪-‬ذي نش‪-‬ر ع‪-‬ام ‪ ،1888‬وع‪-‬رف ه‪-‬ذا احلجم بأن‪-‬ه ذل‪-‬ك ال‪-‬ذي يبل‪-‬غ عن‪-‬ده اإلنت‪-‬اج أعلى‬
‫مس‪--‬توى م‪--‬ع اف‪--‬رتاض اثب‪--‬ات مس‪--‬توى املعرف‪--‬ة وس‪--‬ائر الظ‪--‬روف الس‪--‬ائدة‪ .‬مث تن‪--‬اول (كارس‪--‬و ن‪--‬درز) من بع‪--‬ده‬
‫مفه‪--‬وم احلجم األمث‪--‬ل للس‪--‬كان‪ ،‬يف كتاب‪--‬ه املش‪--‬كلة الس‪--‬كانية ال‪--‬ذي نش‪--‬ر ع‪--‬ام ‪1992‬م‪ ،‬وكتاب‪--‬ه عن س‪--‬كان‬
‫(‪)2‬‬
‫العامل عام ‪1936‬م‬
‫النظريات التي حاولت تفسير نمو السكان في ضوء عوامل ثقافية اجتماعيــة‪ :‬وهي جمموع‪--‬ة النظري‪--‬ات‬ ‫‪.3‬‬
‫ال‪--‬يت تعتم‪--‬د على التفاع‪--‬ل الثق‪--‬ايف دون غ‪--‬ريه‪ ،‬كتل‪--‬ك ال‪--‬يت حتاول تفس‪--‬ري الس‪--‬لوك اإلجنايب ومن مث منو الس‪--‬كان‬
‫(‪)3‬‬
‫بالرجوع إىل النسق القيمي السائد يف اجملتمع‪ ،‬أو بالرجوع إىل مفهوم الثقافة التقليدية‪.‬‬

‫المحاولة الثالثة‪ :‬نظريات المدخل المحافظ والمدخل الراديكالي‬

‫وهي تلك احملاوالت اليت ترد نظريات السكان إىل مدخلني‪:‬‬

‫)(‪1‬‬
‫‪W. S. Theompson & D. T. Lewis, Op. Cit., pp. 38 - 40.‬‬
‫‪ )(2‬وداد سليمان مرقص ‪ ،‬العوامل االجتماعية المؤثرة في الخصوبة ‪ ،‬رسالة ماجستير غير منشورة كلية اآلداب ‪ ،‬جامعة القاهرة ‪1972 ،‬م ‪ ،‬ص ‪.66‬‬
‫)(‪3‬‬
‫‪K. Davis, The Theory of Change & Response in Modern demographic History, in: T. K, Ford & G, F, Dejong, Social‬‬
‫‪De - mography, Op. cit., p. 26.‬‬

‫‪75‬‬
‫األول‪ :‬نظري ‪--‬ات املدخل احملاف ‪--‬ظ‪ ،‬ال ‪--‬ذي ي ‪--‬رى أن اجملتم ‪--‬ع ميي ‪--‬ل دائم ‪--‬ا حنو الت ‪--‬وازن‪ ،‬وان ‪--‬ه يف مراح ‪--‬ل التغ ‪--‬ري خيت ‪--‬ل ه ‪--‬ذا‬
‫التوازن ولكن هناك قوى اجتماعي‪-‬ة أو بيولوجي‪-‬ة تعم‪-‬ل دائم‪-‬ا على إع‪-‬ادة ه‪-‬ذا الت‪-‬وازن م‪-‬رة ثاني‪-‬ة‪ .‬وي‪-‬دخل يف‬
‫اطار هذا املدخل النظري جمموعة نظريات سبنسر وسادلر وكارسوندرز وكنجزيل ديفز‪.‬‬

‫ويمثل المـدخل الثـاني‪ :‬جمموع‪--‬ة النظري‪--‬ات ال‪--‬يت ع‪--‬رفت باس‪--‬م املدخل الراديك‪--‬ايل ال‪--‬ذي ي‪--‬رى أن‪--‬ه إذا ك‪--‬انت العوام‪--‬ل‬
‫املادي‪-‬ة تلعب دورا رئيس‪-‬يا يف حتدي‪-‬د مع‪-‬دالت اخلص‪-‬وبة ف‪-‬ان اإلط‪-‬ار الثق‪-‬ايف الس‪-‬ائد يف اجملتم‪-‬ع وال‪-‬ذي غالب‪-‬ا م‪-‬ا‬
‫يكون انعكاسا هلذه الظروف يؤثر بدوره يف معدالت اخلصوبة ه‪-‬ذه‪ .‬ومن هن‪-‬ا ت‪-‬رى جمموع‪-‬ة ه‪-‬ذه النظري‪-‬ات‬
‫أن رفض ه‪--‬ذه العوام‪--‬ل واإلط‪--‬ار املرتب‪--‬ط هبا وحماول‪--‬ة تغي‪--‬ريه إىل ص‪--‬ورة أخ‪--‬رى ه‪--‬و الطري‪--‬ق املؤدي إىل تقلي‪--‬ل‬
‫مع ‪-- -‬دالت اخلص ‪-- -‬وبة واإلجناب‪ .‬وي ‪-- -‬دخل يف إط ‪-- -‬ار نظري ‪-- -‬ات املدخل الراديك ‪-- -‬ايل ك ‪-- -‬ارل م ‪-- -‬اركس وكون ‪-- -‬تز‬
‫(‪.)1‬‬
‫وريابوشكني وكوز لوف وغريهم‬

‫وإذا كان علينا أن خنتار من بني حماوالت التصنيف الثالث السابقة إحداها كوس‪-‬يلة لع‪--‬رض نظري‪-‬ات علم االجتم‪-‬اع‬
‫السكاين‪ .‬فإننا سنعتمد على احملاولة الثالثة اليت تصنف نظريات السكان إىل مدخلني‪ ،‬مدخل حماف‪--‬ظ ويض‪--‬م نظري‪--‬ات‬
‫سبنس‪-- -‬ر وك‪-- -‬وراد وجي‪-- -‬ين وكارس‪-- -‬وندرز وكنج‪-- -‬زيل ديف‪-- -‬ز‪ ،‬وم‪-- -‬دخل راديك‪-- -‬ايل ويش‪-- -‬مل نظري‪-- -‬ات ك‪-- -‬ارل م‪-- -‬اركس‬
‫وريابوش‪--‬كني وكون‪--‬تز وكوزول‪--‬ف يف حتقي‪--‬ق ه‪--‬ذا اهلدف‪ .‬كم‪--‬ا أنن‪--‬ا نعتق‪--‬د أن فهمن‪--‬ا املدلول النظري‪--‬ة العلمي‪--‬ة يس‪--‬اعدنا‬
‫على استجالء معامل كل نظرية منها وتق‪-‬دير قيمته‪-‬ا‪ .‬ول‪-‬ذلك آثرن‪-‬ا أن نوض‪-‬ح م‪-‬دلول النظري‪-‬ة العلمي‪-‬ة أوال مث مناقش‪-‬ة‬
‫مقومات نظريات املدخلني احملافظ والراديكايل بعد ذلك‪.‬‬

‫ثانيًا‪ :‬مدلول النظرية العلمية‬

‫ينبغي لنا أن نتذكر املع‪-‬اين املختلف‪-‬ة للنظري‪-‬ة كم‪-‬ا ج‪-‬اءت هبا بعض الكتاب‪-‬ات ح‪-‬ول ه‪-‬ذا املوض‪-‬وع (‪ )2‬ويكفي يف ه‪-‬ذا‬
‫الص‪--‬دد أن ن‪--‬وجز املعرف‪--‬ة ال‪--‬يت ت‪--‬وفرت ح‪--‬ول املقص‪--‬ود بالنظري‪--‬ة العلمي‪--‬ة وخاص‪--‬ة ج‪--‬وانب االتف‪--‬اق بني ه‪--‬ذه الكتاب‪--‬ات‬
‫األمر الذي يسهم يف إلقاء الضوء على معىن النظرية‪ .‬وهو غاية ما هندف إليه يف هذا املقام‪.‬‬

‫إذ من املالح‪--‬ظ أن ه‪--‬ذه الكتاب‪--‬ات تتف‪--‬ق فيم‪--‬ا بينه‪--‬ا من حيث إهنا تق‪--‬ف عن‪--‬د ح‪--‬د وص‪--‬ف مكون‪--‬ات النظري‪--‬ة‪ ،‬وحتدي‪--‬د‬
‫شروطها وإبراز خصائصها والتعرض لبعض وظائفها‪.‬‬
‫‪ )(1‬وداد سليمان مرقص ‪ ،‬المرجع السابق ص ‪.68‬‬
‫‪ )(2‬دكتور عبد الرازق حلي‪ .‬قضايا علم االجتماع المعاصر االسكندرية ‪ ،‬دار المعرفة الجامعية ‪1980‬م ‪ ،‬ص ‪93 - 86‬‬

‫‪76‬‬
‫فمن حيث المكونات‪ :‬تعت‪--‬رب النظري‪--‬ة مبثاب‪--‬ة نس‪--‬ق اس‪--‬تنباطي ينط‪--‬وي على جمموع‪--‬ة من القض‪--‬ايا أو الف‪--‬روض‬ ‫‪)1‬‬
‫(‪)1‬‬
‫ال‪-‬يت حتت‪-‬ل بعض‪-‬ها مكان‪-‬ة املق‪-‬دمات‪ ،‬وحتت‪-‬ل األخ‪-‬رى وض‪-‬ع النت‪-‬ائج‪ ،‬وذل‪-‬ك على ح‪-‬د تعب‪-‬ري (ب‪-‬راث وات )‬
‫أو هي نس ‪--‬ق يش ‪--‬تمل على مفهوم ‪--‬ات وقض ‪--‬ايا وتعميم ‪--‬ات وق ‪--‬وانني‪ ،‬كم ‪--‬ا ذهب (تيماش ‪--‬يف) أو هي إط ‪--‬ار‬
‫مك‪--‬ون من حس‪--‬ابات ص‪--‬ورية‪ ،‬ورم‪--‬وز وقواع‪--‬د‪ ،‬وتفس‪--‬ري ج‪--‬وهري ومق‪--‬والت وق‪--‬وانني فيم‪--‬ا ي‪--‬رى (روزنت‪--‬ال‬
‫ويادين )‪.‬‬
‫ومن حيث الشــروط‪ :‬جيب أن تك ‪--‬ون مفهوماهتا حمددة بدق ‪--‬ة‪ ،‬وأن تتس ‪--‬ق القض ‪--‬ايا املكون ‪--‬ة هلا بعض ‪--‬ها م ‪--‬ع‬ ‫‪)2‬‬
‫البعض اآلخ‪-- -‬ر‪ ،‬وان تص‪-- -‬اغ يف ش‪-- -‬كل يس‪-- -‬هل اش‪-- -‬تقاق القض‪-- -‬ايا بطريق‪-- -‬ة اس‪-- -‬تنباطية وان ختض‪-- -‬ع للتحقي‪-- -‬ق‬
‫األمب ‪--‬رييقي وذل ‪--‬ك يف نظ ‪--‬ر (تيماش ‪--‬يف )(‪ )2‬أو جيب أن تص ‪--‬اغ يف نس ‪--‬ق اس ‪--‬تنباطي‪ ،‬وان جتد تايي ‪--‬دا هلا يف‬
‫الوقائع األمبرييقية‪ ،‬على حد تعبري (س‪-‬يلتز )‪ ،‬أو جيب أن تص‪--‬اغ يف نس‪-‬ق معق‪--‬د من املعرف‪-‬ة التعميمي‪-‬ة يفس‪-‬ر‬
‫جوانب الواقع‪.‬‬
‫وفيما يتعلق بالخصائص‪ :‬جند أن النظرية هي البناء الذي جيمع أشتات النتائج املبعثرة ويوح‪-‬د بينه‪--‬ا‪ ،‬وإهنا‬ ‫‪)3‬‬
‫تضم قضايا خصبة ومثمرة تستكشف الطريق حنو مالحظات أبعد مدى وتعميمات تطور من جمال املعرفة‬
‫وهي تس‪-- -‬تقي من املالحظ‪-- -‬ات والتعميم‪-- -‬ات‪ ،‬كم‪-- -‬ا تص‪-- -‬در عن إحس‪-- -‬اس خفي وخالق يقف‪-- -‬ز وراء األدل‪-- -‬ة‬
‫والوق‪--‬ائع واملالحظ‪--‬ة وهي ليس‪--‬ت هنائي‪--‬ة وذل‪--‬ك على ح‪--‬د تعب‪--‬ري (تيماش‪--‬يف )‪ ،‬كم‪--‬ا أن النظري‪--‬ة تتس‪--‬م بأهنا‬
‫أك ‪--‬ثر ارتباط ‪--‬ا بالوق ‪--‬ائع االمبرييقي ‪--‬ة‪ ،‬وهي ليس ‪--‬ت ص ‪--‬ياغة اس ‪--‬تاتيكية أو هنائي ‪--‬ة‪ ،‬فهي قابل ‪--‬ة باس ‪--‬تمرار للتغ ‪--‬ري‬
‫واملراجعة على حد تعبري (كلري سيلنز) وزمالئها‪ .‬وهي ترتبط بأشياء ومصطلحات أخري قد ختتلف عنه‪--‬ا‬
‫يف بعض اجلوانب والوظائف‪ ،‬مثل املفاهيم والتطبيق أو املمارسة وذلك يف نظر (روزنتال ويادين )(‪.)3‬‬
‫وبـ ــالنظر إلى وظـ ــائف النظريـ ــة‪ :‬جند أن النظري ‪-- -‬ة تس ‪-- -‬هم يف جمال وص ‪-- -‬ف الظ ‪-- -‬واهر وتص ‪-- -‬نيفها وحتليله ‪-- -‬ا‬ ‫‪)4‬‬
‫وتفس ‪--‬ريها والتنب ‪--‬ؤ حبدوثها يف املس ‪--‬تقبل‪ .‬أو تق ‪--‬وم بإع ‪--‬ادة ص ‪--‬وغ الواق ‪--‬ع على حنو عقلي وذل ‪--‬ك فيم ‪--‬ا ي ‪--‬رى‬
‫(روزنتال ويادين) وغريهم‪.‬‬

‫)(‪1‬‬
‫‪C, Seiitize, ET. Al., Recearch Methods in Social Relations, p. 480.‬‬
‫)(‪2‬‬
‫‪, p,.‬م‪N. Timasheff, Sociological Theory its Nature & Growth Random House, N, Y 1955‬‬
‫)(‪3‬‬
‫‪M. Rosental & P, Yadin, A Dictionary of Philosophy, p. 440.‬‬

‫‪77‬‬
‫والواقع أن فهم واستيعاب معىن النظري‪-‬ة‪ ،‬من حيث مكوناهتا وش‪-‬روطها وخصائص‪-‬ها ووظائفه‪-‬ا على النح‪-‬و الس‪-‬ابق‬
‫عملية البد منها خاصة وحنن نشرع يف تناول نظرية علم اجتماع السكان‪ ،‬ذلك ألن مثل هذا التحديد يسهل علين‪--‬ا‬
‫أوال فهم واستيعاب مضمون كل نظرية مث يساعدنا ثانيا على تقدير هذه النظريات وتوجيه النقد هلا‪.‬‬

‫ثالثًا‪ :‬نظريات المدخل المحافظ في تفسير الظواهر السكانية‬

‫هربرت سبنسر ‪1820( H. Spencer‬م – ‪1902‬م)‬ ‫‪]1‬‬

‫وهو مفك‪-‬ر اجتم‪-‬اعي مش‪-‬هور ع‪-‬رف باهتمام‪-‬ه ب‪-‬التطور ال‪-‬بيولوجي االجتم‪-‬اعي للق‪-‬وى الطبيعي‪-‬ة فليس من الغ‪-‬ريب أن‬
‫يهتم بدراس‪-‬ة مس‪-‬ائل الس‪-‬كان على ه‪-‬ذا األس‪-‬اس‪ .‬ولق‪-‬د ع‪-‬رض سبنس‪-‬ر قض‪-‬ايا النظري‪-‬ة الس‪-‬كانية ض‪-‬من كتاب‪-‬ه املعن‪-‬ون‬
‫(مب‪--‬ادئ البيولوجي‪--‬ا) ال‪--‬ذي نش‪--‬ره يف ع‪--‬ام ‪1901‬م‪ ،‬ولق‪--‬د ك‪--‬ان يه‪--‬دف من ه‪--‬ذه املعاجلة معارض‪--‬ة آراء (دوبل‪--‬دي )‪،‬‬
‫حيث اعتقد‪:‬‬

‫أن الغ‪--‬ذاء اجلي‪--‬د يزي‪--‬د من الق‪--‬درة على التناس‪--‬ل الن احلي‪--‬اة عن‪--‬د كث‪--‬ري من املخلوق‪--‬ات تب‪--‬دا يف وقت من الع‪--‬امل‬ ‫ا‪.‬‬
‫يك ‪--‬ون في ‪--‬ه ال ‪--‬دفء كب ‪--‬ريا واملؤون ‪--‬ة الغذائي ‪--‬ة مت ‪--‬وفرة وال ‪--‬يت تس ‪--‬هل ب ‪--‬دورها حي ‪--‬اة الف ‪--‬رد مما ي ‪--‬ؤدي إىل تزاي ‪--‬د‬
‫السكان‪.‬‬
‫واعتقد كذلك أن هنالك تعارضا بني التناسل والنضوج الذايت & ‪ Genesis Individuation‬الن‬ ‫ب‪.‬‬
‫املخلوق‪--‬ات كلم‪--‬ا ارتفعت وتط‪--‬ورت من األش‪--‬كال ال‪--‬دنيا اللحي‪--‬اة‪ ،‬نقص‪--‬ت خص‪--‬وبتها ف‪--‬إذا ك‪--‬انت األجس‪--‬ام‬
‫العض‪--‬وية ل‪--‬دينا ذات ق‪--‬درة ض‪--‬عيفة ج‪--‬دا مما جيعله‪--‬ا تس‪--‬تطيع احملافظ‪--‬ة على نفس‪--‬ها فألهنا تتك‪--‬اثر بدرج‪--‬ة كب‪--‬رية‬
‫حىت ال تفىن‪ ،‬وإذا كانت األشكال العليا لألجسام العضوية تنفق جزءا كبريا من قوهتا ونشاطها احلي‪--‬وي يف‬
‫انضاج ذاتيتها وبناء شخصيتها فانه ال يتبقى هلا إال القليل البذله يف جمال التوليد واإلجناب (‪.)1‬‬
‫وي ‪--‬دعم سبنس ‪--‬ر اعتق ‪--‬اده الس ‪--‬ابق بن ‪--‬اء على م ‪--‬ا الحظ ‪--‬ه من قل ‪--‬ة النس ‪--‬ل بني الس ‪--‬يدات املش ‪--‬تغالت يف املهن‬ ‫ج‪.‬‬
‫الفكري‪--‬ة والاليت كن ينتس‪--‬بني إىل طبق‪--‬ات علي‪--‬ا وب‪--‬رغم أن تغ‪--‬ذيتهن افض‪--‬ل من تغذي‪--‬ة س‪--‬يدات الطبق‪--‬ة الفق‪--‬رية‬
‫وأهنن ينلن رعاية صحية افضل إال أن تناسلهن يكون ضعيفا بسبب االجهاد ال‪-‬ذهين وعج‪-‬زهن عن إرض‪-‬اع‬
‫اطفاهلن ورعايتهم ومدهم بالغذاء الطبيعي‪.‬‬

‫)(‪1‬‬
‫‪W. S. Thompson & D. T. Lewis, Op. Cit., pp. 41 - 42.‬‬

‫‪78‬‬
‫وعليه قرر سبنسر بأن‪-‬ه كلم‪-‬ا ازداد م‪-‬ا بذل‪-‬ه الف‪-‬رد من جه‪-‬ود لتأكي‪-‬د ذات‪-‬ه ووج‪-‬وده وجناح‪-‬ه ض‪-‬عفت جه‪-‬وده‬ ‫د‪.‬‬
‫يف التناسل واخللف‪.‬‬
‫وعلى ض‪--‬وء ه‪--‬ذه القض‪--‬ايا تنب‪--‬ا سبينس‪--‬ر ب‪--‬ان مش‪--‬كلة تزاي‪--‬د الس‪--‬كان س‪--‬تختفي م‪--‬ع م‪--‬ا يص‪--‬احبها من ش‪--‬رور‬ ‫ه‪.‬‬
‫أخرى ما دام االنسان ينشد الرقي ويبذل جهودا كبرية يف سبيل ذلك(‪.)2‬‬

‫مالحظات نقدية على نظرية سبينسر‬

‫متت ‪--‬از أفك ‪--‬ار (سبينس ‪--‬ر) عن أفك ‪--‬ار (س ‪--‬ادلر ودوبل ‪--‬دي) بأهنا متث ‪--‬ل عمال نظري ‪--‬ا مكتم ‪--‬ل البن ‪--‬اء‪ ،‬فض ‪--‬ال عن أهنا دخلت‬
‫مي‪--‬دان الس‪--‬كان بع‪--‬د (م‪--‬التس) واس‪--‬تندت إىل عوام‪--‬ل التط‪--‬ور االجتم‪--‬اعي يف تفس‪--‬ري منو الس‪--‬كان وحتقي‪--‬ق الت‪--‬وازن بني‬
‫أف ‪--‬راده يف اجملتم ‪--‬ع‪ ،‬إذ ج ‪--‬اءت أفك ‪--‬اره لتحق ‪--‬ق ص ‪--‬ورة النس ‪--‬ق االس ‪--‬تنباطي ال ‪--‬ذي ينط ‪--‬وي على جمموع ‪--‬ة قض ‪--‬ايا بعض ‪--‬ها‬
‫مسلمات مثل تسليمه بأثر الغذاء على القدرة على التناسل وافرتاضه بان هناك تعارضا بن التناسل والنضوج الذايت‪،‬‬
‫مث انتهاؤه إىل النتيجة العام‪-‬ة بأن‪-‬ه زاد م‪-‬ا بذل‪-‬ه الف‪-‬رد من جه‪-‬د يف إنض‪-‬اج ذات‪-‬ه كلم‪-‬ا قلت قدرت‪-‬ه على التناس‪-‬ل واخ‪-‬ريا‬
‫قانون‪--‬ه ال‪--‬ذي تنه‪--‬ا على أساس‪--‬ه ب‪--‬ان مش‪--‬كلة الس‪--‬كان س‪--‬تحل يف املس‪--‬تقبل‪ ...‬اخل‪ .‬ولكن م‪--‬ع ذل‪--‬ك ك‪--‬انت هن‪--‬اك بعض‬
‫املالحظات النقدية على هذه األفكار منها ما يأيت‪:‬‬

‫أنه برغم حرص (سبنسر) على تدعيم فروضه بناء على شواهد من الواقع إال انه اغف‪--‬ل ع‪--‬ددا آخ‪-‬ر من الش‪-‬واهد ال‪-‬يت‬
‫ختالف هذا الفرض وهي أن اخلصوبة املتناقصة اال ترجع إىل تغيريات فزيولوجي‪-‬ة يف بن‪-‬اء اإلنس‪-‬ان بق‪--‬در م‪--‬ا ترج‪-‬ع إىل‬
‫الرغبة واالختيار يف حتديد حجم األسرة باستعمال ما وفره العلم احلديث من وسائل حديثه لضبط النسل‪ .‬أن هن‪--‬اك‬
‫عوامل اجتماعيه اخرى عديدة غري التعليم تؤثر يف القدرة على التناسل‪ ،‬ذلك أن املرأة اليت نالت ق‪--‬درا من التعليم ال‬
‫بد أن تكون قد جتاوزت أهم فرتات خصوصيتها واليت تتميز هبا املرحلة العمرية (‪ )30 - 20‬سنة(‪.)2‬‬

‫كواردجيني )‪Corado Gini (1884‬‬ ‫‪]2‬‬

‫وهو مفكر اجتماعي إيطايل اهتم لدرجة كبرية بدراسة التغري السكاين باعتباره مؤشرا على تطور وتغري اجملتمع‪.‬‬

‫)(‪2‬‬
‫‪Ibid., p. 42.‬‬
‫‪)(2‬‬
‫دكتور حسن الساعاتي ‪ ،‬ودكتور عبد الحميد لطفي ‪ ،‬دراسات في علم السكان ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ص ‪101 - 99‬‬

‫‪79‬‬
‫ولقد عرض (جيين) لقضاياه النظرية يف مؤلفه الذي أعط‪-‬اه عن‪-‬وان (اث‪-‬ر الس‪-‬كان يف تط‪-‬ور اجملتم‪-‬ع) وال‪-‬ذي نش‪-‬ره ع‪-‬ام‬
‫‪1912‬م‪ .‬وعلى ال ‪--‬رغم من ه ‪--‬ذه القض ‪--‬ايا النظري ‪--‬ة ق ‪--‬د ع ‪--‬اجلت منو الس ‪--‬كان‪ ،‬إال أهنا ك ‪--‬انت تنحص ‪--‬ر يف معظمه ‪--‬ا يف‬
‫حتلي‪--‬ل العالق‪--‬ة بني الس‪--‬كان وتط‪--‬ور أو تغ‪--‬ري بن‪--‬اء اجملتم‪--‬ع وخاص‪--‬ة من الن‪--‬واحي البيولوجي‪--‬ة واملوروفولوجي‪--‬ه أو البنائي‪--‬ة‬
‫واالقتصادية والثقافية واثر السكان أيضا يف وقوع األزمات االجتماعية داخل اجملتمع‪.‬‬

‫والواقع أنه بإمكاننا تلخيص القضايا النظرية (جليين) على النحو التايل‪:‬‬

‫يسلم بان اجملتمع مير مبراحل ثالث‪ ،‬هي النشأة والتكوين‪ ،‬والتقدم واالزدهار‪ ،‬واالضمحالل والفناء‪.‬‬ ‫ا‪-‬‬
‫اف‪--‬رتض ان‪--‬ه يف ك‪--‬ل مرحل‪--‬ة من مراح‪--‬ل تط‪--‬ور وتغ‪--‬ري اجملتم‪--‬ع ه‪--‬ذه ميكن أن نالح‪--‬ظ خص‪--‬ائص حمددة متيز منو‬ ‫ب‪-‬‬
‫الس‪-- -‬كان ونت‪-- -‬ائج ت‪-- -‬رتتب على ه‪-- -‬ذا النم‪-- -‬و ت‪-- -‬ؤثر يف خمتل‪-- -‬ف ج‪-- -‬وانب اجملتم‪-- -‬ع البيولوجي‪-- -‬ة واملوروفولوجي‪-- -‬ة‬
‫واالقتصادية وغريها‪.‬‬
‫مث اخذ يبحث عن الشواهد الواقعية اليت تؤكد االرتباط بني منو السكان وتغري اجملتمع فالحظ‪.‬‬ ‫ج‪-‬‬

‫( مرحلة النشأة) تغير السكان ونتائجه‬ ‫(‪)1‬‬

‫أن اجملتمعات يف مرحلة النشأة التكوين تتميز مبعدل خصوبة مرتفع وكان يصاحب ذلك النمو السكاين عدم وج‪-‬ود‬
‫اختالفات اجتماعية واضحة بني سكانه وفئاته إىل طبقات مثال‪ ،‬وهذا م‪-‬ا ك‪-‬ان علي‪-‬ه احلال يف جمتمع‪-‬ات مث‪-‬ل ك‪-‬ريت‬
‫وط ‪--‬روادة وأثين ‪--‬ا وإس ‪--‬ربطة وح ‪--‬ىت اجملتمع ‪--‬ات احلديث ‪--‬ة النش ‪--‬أة وال ‪--‬يت تك ‪--‬ونت عن طري ‪--‬ق اهلج ‪--‬رة الدولي ‪--‬ة مث ‪--‬ل أمريك ‪--‬ا‬
‫واس ‪--‬رتاليا وكن‪-- -‬دا ونيوزيالن ‪--‬دا‪ ،‬ولكن نتيج‪-- -‬ة ملا ك‪-- -‬ان ي‪-- -‬رتتب على اخلص‪-- -‬وبة املرتفع‪-- -‬ة من زي‪-- -‬ادة يف حجم الس ‪--‬كان‬
‫وكث ‪--‬افتهم ب ‪--‬دا ينعكس أث ‪--‬ر ذل ‪--‬ك على بن ‪--‬اء اجملتم ‪--‬ع‪ ،‬وأخ ‪--‬ذ يص ‪--‬احبه تباين ‪--‬ا يف األوض ‪--‬اع االجتماعي ‪--‬ة واختالف ‪--‬ا يف‬
‫الطبقات (‪.)1‬‬

‫(مرحلة التقدم واالزدهار )‪ :‬تغير السكان وعوامله‬ ‫(‪)2‬‬

‫)(‪1‬‬
‫‪W. S. Thompson & D. T. Lewis, Op. Cit., p. 42.‬‬

‫‪80‬‬
‫وعن‪--‬دما ينتق‪--‬ل اجملتم‪--‬ع إىل مرحل‪--‬ة التق‪--‬دم واالزده‪--‬ار حيدث تن‪--‬اقص يف اخلص‪--‬وبة نتيج‪--‬ة الن املوالي‪--‬د يف اجملتم‪--‬ع جييئون‬
‫عن نسبة صغرية من سكان اجليل السابق على هذه املرحلة‪ ،‬والن النسبة األخ‪-‬رى من ه‪--‬ؤالء الس‪-‬كان ق‪-‬د دخلت يف‬
‫عداد الوفيات قبل زواجه‪-‬ا أو مل يس‪-‬تطيع ج‪-‬زءا منه‪-‬ا أن ينجب نس‪-‬ل بع‪-‬د ال‪-‬زواج‪ .‬ه‪-‬ذا فض‪-‬ال عن أن نس‪-‬بة االنس‪-‬ال‬
‫بني الطبقات الصاعدة إىل أعلى السلم االجتماعي تتجه عموما حنو االخنفاض‪ .‬وحىت عن‪-‬دما حتاول نس‪-‬بة من س‪-‬كان‬
‫الطبق‪--‬ات ال‪--‬دنيا الص‪--‬عود يف الس‪--‬لم االجتم‪--‬اعي لتمأل الف‪--‬راغ الن‪--‬اجم عن اخنف‪--‬اض أنس‪--‬ال الطبق‪--‬ة العلي‪--‬ا‪ ،‬فإهنا م‪--‬ا تلبث‬
‫ب ‪--‬دورها أن تلقى مص ‪--‬ري س ‪--‬ابقتها‪ ،‬األم ‪--‬ر ال ‪--‬ذي ينعكس أث ‪--‬ره على نقص اخلص ‪--‬وبة عموم ‪--‬ا يف اجملتم ‪--‬ع‪ .‬ويض ‪--‬اف إىل‬
‫العوامل السابقة املؤثرة يف اخلصوبة وتناقصها وبالتايل نقص عدد السكان‪ ،‬يف هذه املرحلة من مراحل تطور اجملتمع‪،‬‬
‫ما يرتتب على اهلجرة واحلروب التوسعية من نتائج تلك اليت تقع على عاتق أكثر األفراد قوة ومغامرة ومحاس وطين‬
‫واستعداد للتضحية من اجل الوطن وهم الشباب حيث يفقد اجملتمع أصلح عناصره خصوبة ويقل عدد سكانه‪.‬‬

‫النتائج االقتصادية لنقص السكان‬

‫ي‪-- -‬رتتب على النقص يف ع‪-- -‬دد الس‪-- -‬كان وزي‪-- -‬ادة اس‪-- -‬تغالل املس‪-- -‬تعمرات والبالد املغلوب‪-- -‬ة أن ينتعش االقتص‪-- -‬اد ويرتف‪-- -‬ع‬
‫مس‪--‬توى املعيش‪--‬ة وتعم الرفاهي‪--‬ة ويط‪--‬رد التص ‪--‬نيع وتنم‪--‬و املدن وتزده ‪--‬ر التج‪--‬ارة‪ .‬كم‪--‬ا ي‪--‬رتتب على النم‪--‬و االقتص ‪--‬ادي‬
‫بدوره تغريا آخر وازدهارا يف الفنون واملوسيقى واألدب ويش‪-‬عر اجملتم‪-‬ع بالس‪-‬عادة واالطمئن‪-‬ان على مس‪-‬تقبله ويص‪--‬بح‬
‫أكثر دميقراطية‪.‬‬

‫كما يرتتب على النمو االقتصادي بدوره تغريًا آخر وازدهارًا يف الفنون واملوسيقى واألدب ويشعر اجملتم‪--‬ع بالس‪--‬عادة‬
‫واالطمئنان على مستقبله ويصبح أكثر دميقراطية‪.‬‬

‫(مرحلة االضمحالل والفناء)‪ :‬تغير السكان وعوامله‬ ‫(‪)3‬‬

‫ويف ه‪--‬ذه املرحل‪--‬ة من تط‪--‬ور اجملتم‪--‬ع يق‪--‬ل ع‪--‬دد الس‪--‬كان يف كث‪--‬ري من أج‪--‬زاء اجملتم‪--‬ع حيث يتن‪--‬اقض ع‪--‬دد الس‪--‬كان يف‬
‫املن‪--‬اطق الريفي‪--‬ة نتيج‪--‬ة لنم‪--‬و التص‪--‬نيع والتوس‪--‬ع يف هج‪--‬رة العمال‪--‬ة من الري‪--‬ف إىل احلض‪--‬ر‪ ،‬ه‪--‬ذا فض‪--‬ال عن ت‪--‬أثري عام‪--‬ل‬
‫(‪)1‬‬
‫النقص الشديد يف معدل اخلصوبة العام املشار إليها يف املراحل السابقة‬

‫النتائج المترتبة على تغير السكان‬


‫)(‪1‬‬
‫‪Ibid., p. 43.‬‬

‫‪81‬‬
‫إمهال األرض الزراعية نتيجة لنقص األيدي العاملة‪ ،‬وزيادة حالة الفالحني سوءا‪ ،‬وتدهور أح‪--‬واهلم االقتص‪--‬ادية‪ ،‬ويف‬
‫املدينة يقل الطلب على الصناعات ويزيد اإلنت‪-‬اج على االس‪-‬تهالك‪ ،‬فتح‪-‬ل األزم‪--‬ات االقتص‪--‬ادية وي‪-‬زداد التع‪--‬ارض بني‬
‫أوض‪--‬اع الطبق‪--‬ات العمالي‪--‬ة يف املدن والطبق‪--‬ات العلي‪--‬ا‪ ،‬حيث ينش‪--‬ب الص‪--‬راع الطبقي بينهم مما ي‪--‬دفع الدول‪--‬ة للت‪--‬دخل‬
‫ح‪--‬ىت تس‪--‬تطيع محاي‪--‬ة نفس‪--‬ها‪ ،‬فتلج‪--‬ا إىل ف‪--‬رض الض‪--‬رائب وتش‪--‬تد رقابته‪--‬ا على احلي‪--‬اة االقتص‪--‬ادية ف‪--‬تزداد حال‪--‬ة اجملتم‪--‬ع‬
‫سوءا واضمحالال مما قد يعجل بفنائه واختفائه من على مسرح التاريخ‪.‬‬

‫اقتراحات جيني‬

‫ال ي‪--‬رتك (جي‪--‬ين) اجملتم‪--‬ع يص‪--‬ل يف تط‪--‬وره إىل ه‪--‬ذه املرحل‪--‬ة‪ ،‬وامنا يق‪--‬رتح حال يس‪--‬اعد على جتنب ه‪--‬ذه النتيج‪--‬ة احلتمي‪--‬ة‬
‫للتطور ويتمثل يف قوله بأنه ميكن عن طريق اهلجرة وإجياد املستعمرات اجلديدة حتقيق ذلك(‪.)1‬‬

‫مالحظات نقدية على نظرية جيني‬

‫على ال‪--‬رغم من أن أفك‪--‬ار (جي‪--‬ين) متت‪--‬از أيض‪--‬ا بأهنا متث‪--‬ل عمال نظري‪--‬ا يك‪--‬اد يص‪--‬ل إىل ح‪--‬د االكتم‪--‬ال من حيث البن‪--‬اء‪،‬‬
‫ه ‪--‬ذا فض ‪--‬ال على أهنا ق ‪--‬د أض ‪--‬يفت إىل مي ‪--‬دان الس ‪--‬كان يف ف ‪--‬رتة الحق ‪--‬ة على أفك ‪--‬ار (م ‪--‬التس )‪ ،‬واس ‪--‬تندت العوام ‪--‬ل‬
‫االجتماعية يف تفس‪-‬ري منو الس‪-‬كان وتغ‪-‬ريه‪ .‬وأن ه‪-‬ذه االفك‪-‬ار ق‪-‬د ج‪-‬اءت لتحقي‪-‬ق ص‪-‬ورة قريب‪-‬ة نوع‪-‬ا من فك‪-‬رة النس‪-‬ق‬
‫االستنباطي الذي ينطوي على جمموع‪-‬ة قض‪-‬ايا بعض‪-‬ها أخ‪-‬ذ ص‪-‬فة املس‪-‬لمات مث‪-‬ل التس‪-‬ليم بفك‪-‬رة تط‪-‬ور اجملتم‪-‬ع خالل‬
‫مراحل حمددة‪ ،‬وافرتاضه فهم وتفسري منو السكان على ضوء التغري االجتماعي يف جوانب اجملتمع املختلفة من خالل‬
‫العالق‪-‬ة املتبادل‪-‬ة بني التغ‪--‬ري يف الس‪-‬كان والتغ‪--‬ري يف ه‪--‬ذه اجلوانب‪ ،‬إال أن‪-‬ه م‪--‬ع ذل‪-‬ك مل يس‪-‬تخلص من ه‪--‬ذه القض‪--‬ايا ال‪-‬يت‬
‫استش‪--‬هد يف الربهن‪--‬ة عليه‪--‬ا ببعض ش‪--‬واهد من ت‪--‬اريخ اجملتم‪--‬ع اإلنس‪--‬اين نتيج‪--‬ة عام‪--‬ة واح‪--‬دة أو قانون‪--‬ا عام‪--‬ا يفس‪--‬ر ه‪--‬ذا‬
‫النمو للسكان‪ .‬كما أن استش‪-‬هاده هبذه الش‪-‬واهد مل يكن يس‪-‬تقرا في‪-‬ه ك‪-‬ل الوق‪-‬ائع املرتبط‪-‬ة بفكرت‪-‬ه األم‪-‬ر ال‪-‬ذي جع‪-‬ل‬
‫هذه القضايا ال تعرب عن الواقع كثريا مما أثار حوهلا املالحظات النقدية التالية‪:‬‬

‫يالحظ أن (جيين) يفرتض وجود قوة طبيعي‪-‬ة تعم‪-‬ل على حتدي‪-‬د ع‪-‬دد الس‪-‬كان باالرتف‪-‬اع واالخنف‪-‬اض تتمث‪-‬ل‬ ‫ا]‬
‫يف العوام‪-‬ل البيولوجي‪-‬ة وض‪-‬عف الق‪-‬درة على التناس‪-‬ل وه‪-‬و اف‪-‬رتاض يص‪-‬عب قبول‪-‬ه ذل‪-‬ك ألن العلم ق‪-‬د أوض‪-‬ح‬
‫خطا التفسري استنادا إىل طبيعة غامضة ال يستطيع االنسان التحكم فيها وضبطها‪.‬‬

‫)(‪1‬‬
‫‪Ibid., p. 43.‬‬

‫‪82‬‬
‫استمد (جيين) الوقائع اليت بىن عليها نظريته هذه من تاريخ بعض الشعوب ويف مقدمتها اليونان والروم‪--‬ان‪.‬‬ ‫ب]‬
‫ولكن يالح‪-‬ظ أن هن‪-‬اك ش‪-‬عوبا مث‪-‬ل الص‪-‬ني واهلن‪-‬د ق‪-‬د أخ‪-‬ذت يف تطوره‪-‬ا اجتاه‪-‬ا مغ‪-‬ايرا الجتاه تط‪-‬ور اجملتم‪-‬ع‬
‫كما تصوره (جيين )‪.‬‬
‫كم‪--‬ا أن اجملتمع‪--‬ات األخ‪--‬رية تتم‪--‬يز بدرج‪--‬ة عالي‪--‬ة من اخلص‪--‬وبة وال ختتل‪--‬ف من طبق‪--‬ة إىل أخ‪--‬رى‪ ،‬وعلي‪--‬ه ف‪--‬ان‬ ‫ج]‬
‫هذه النظرية ال ميكن أن تنطبق على كل اجملتمعات ويف كل األوقات كما ذهب هو‪.‬‬
‫هناك عوامل أخرى غري اهلجرة واحلروب تؤثر يف اخنفاض مع‪--‬دل منو الس‪-‬كان من أمهه‪--‬ا اجملاع‪--‬ات والوفي‪-‬ات‬ ‫د]‬
‫واإلجهاض واخنفاض نسبة املواليد وهي عوامل مل يتنب‪-‬ه إليه‪-‬ا (جي‪-‬ين) وق‪-‬د ي‪-‬ؤثر ظهوره‪-‬ا يف أن يس‪-‬ري تط‪-‬ور‬
‫اجملتمع يف اجتاه خيتلف كليا عن االجتاه الذي تصوره (جيين) مع وجود عوامل اهلجرة واحلروب‪.‬‬
‫أن دراسة الشعوب اليت أصاهبا االضمحالل مثل بولندا وقرطاجة وبوهيميا من ناحية وبابل واش‪-‬ور وتركي‪-‬ا‬ ‫ه]‬
‫وإمرباطوري‪--‬ة جنك‪--‬يز خ‪--‬ان من ناحي‪--‬ة أخ‪--‬رى يوض‪--‬ح أن هن‪--‬اك عوام‪--‬ل غ‪--‬ري العوام‪--‬ل الس‪--‬كانية ك‪--‬انت س‪--‬ببا يف‬
‫هذا االضمحالل تتمثل يف عوامل حربية حبتة‪ ،‬وأن هذه اجملتمع‪-‬ات يف تطوره‪-‬ا مل تس‪-‬ر يف نفس اخلط ال‪-‬ذي‬
‫وضعه (جيين) لنشأة اجملتمعات ومنوها واضمحالهلا(‪.)1‬‬

‫الكسندر كارسوندرز ‪1886( Carr Saunders‬م)‬ ‫‪]3‬‬

‫ب ‪--‬احث إجنل ‪--‬يزي اهتم بدراس ‪--‬ة الظ ‪--‬واهر الس ‪--‬كانية وع ‪--‬رض قض ‪--‬اياه النظري ‪--‬ة يف مؤل ‪--‬ف ل ‪--‬ه بعن ‪--‬وان‪( :‬س ‪--‬كان الع ‪--‬امل)‬
‫وتتلخص قضاياه النظرية فيما يلي‪:‬‬

‫يسلم (كار سوندرز) بأن السكان يف أي جمتمع إما أن يكونوا قلة أو كثرة أو عند حد أمثل‪.‬‬ ‫ا‪.‬‬

‫ويرى أنه ميكن أن نفرق بني أن‪-‬واع خمتلف‪-‬ة من كثاف‪-‬ات الس‪-‬كان‪ ،‬هي الكثاف‪-‬ة الفيزيقي‪-‬ة والكثاف‪-‬ة اإلحص‪-‬ائية‬
‫والكثافة اإلقتصادية‪.‬‬

‫وأن مفهوم الكثافة السكانية مفهوم نسي‪ ،‬ألن الزيادة والقلة مسائل نسبية‪ .‬وال جيب أن حنكم على جمتم‪--‬ع‬
‫بأن‪--‬ه قلي‪--‬ل الس‪--‬كان ألن ع‪--‬دده قلي‪--‬ل يف الكيل‪--‬و م‪--‬رت املرب‪--‬ع وال جيوز ب‪--‬أن نق‪--‬ر ب‪--‬أن ع‪--‬دد الس‪--‬كان يف جمتم‪--‬ع م‪--‬ا‬
‫كثريا إذا كان ع‪-‬دد الس‪-‬كان يف الكيل‪-‬و م‪-‬رت كث‪-‬ريا ألن ه‪-‬ذا الع‪-‬دد ق‪-‬د يك‪-‬ون قليًال وهن‪-‬اك م‪-‬وارد ث‪-‬روة كث‪-‬رية‬

‫)(‪1‬‬
‫‪, pp. 28 - 43.‬م‪P. Sorokin, Comtemporary Sociological Theories, New York 1928‬‬

‫‪83‬‬
‫مث ‪--‬ل البالد الغني ‪--‬ة باألهنار واملع ‪--‬ادن والص ‪--‬ناعات‪ .‬وق ‪--‬د يك ‪--‬ون الع ‪--‬دد كث ‪--‬ريا واملوارد قليل ‪--‬ة مث ‪--‬ل اجملتمع ‪--‬ات‬
‫الصحراوية‪.‬‬

‫مث يف ‪--‬رتض (ك ‪--‬ار س ‪--‬وندرز) ب ‪--‬أن هن ‪--‬اك عالق ‪--‬ة بني حجم الس ‪--‬كان وبني م ‪--‬وارد ال ‪--‬ثروة يف اجملتم ‪--‬ع من أرض‬ ‫ب‪.‬‬
‫زراعية ميكن استغالهلا أو ثروة معدنية ميكن استخراجها أو غريها من موارد الزمة لإلنتاج‪.‬‬

‫حبيث حيكم على هذا العدد بأنه قليل أو خفيف إذا كان العدد ال يساعد على قيام املشروعات اليت تس‪--‬تغل‬
‫هذه املوارد ويعجز عن أن يوفر املنتجات اليت حيتاجه‪--‬ا ه‪--‬ذا الع‪--‬دد وال يزي‪-‬د الق‪--‬درة اإلنتاجي‪-‬ة للف‪--‬رد ويك‪-‬ون‬
‫هذا العدد كثيفًا إذا كانت هذه الزيادة يف عدده تؤدي إىل تناقص اإلنتاج املستخرج من موارده‪.‬‬

‫ويوصف اجملتمع بأنه قد وصل إىل حجم أمثل إذا كان يف حالة وسط بني القلة والكثرة وبلغ إنتاجه أقص‪--‬اه‬
‫مع عدم الزيادة يف عدده‪.‬‬

‫مث أخ‪--‬ذ (ك‪--‬ار س‪--‬وندرز) حيص‪--‬ر األدل‪--‬ة على ص‪--‬حة افرتاض‪--‬ه وذل‪--‬ك ب‪--‬النظر إىل حقيق‪--‬ة دخ‪--‬ل الف‪--‬رد يف اجملتم‪--‬ع‬ ‫ج‪.‬‬
‫واملرتتب على موارد الثروة به‪ .‬ولقد وضع نتائجه يف اجلدول التايل‪:‬‬

‫الدخل‬
‫متوسط اإلنتاج باجلنيه‬ ‫عدد السكان باملليون‬
‫حجم السكان‬
‫‪100‬‬ ‫‪5‬‬ ‫جمتمعات تتسم بقلة السكان‬
‫‪120‬‬ ‫‪6‬‬
‫‪130‬‬ ‫‪7‬‬
‫‪125‬‬ ‫‪8‬‬ ‫أو حبجم أمثل‬
‫‪130‬‬ ‫‪9‬‬ ‫أو بكثافة سكانية عالية‬
‫‪120‬‬ ‫‪10‬‬
‫‪105‬‬ ‫‪11‬‬

‫‪84‬‬
‫وبن‪--‬اء على ه‪--‬ذه الش‪--‬واهد ي‪--‬ذهب (ك‪--‬ار س‪--‬وندرز) إىل أن‪--‬ه ميكن اس‪--‬تخالص مقي‪--‬اس ميكن بوس‪--‬اطته التع‪--‬رف‬ ‫د‪.‬‬
‫إىل مس‪--‬توى القل‪--‬ة أو الك‪--‬ثرة أو املثلى ال‪--‬ذي ق‪--‬د يص‪--‬ل إلي‪--‬ه الس‪--‬كان ويتمث‪--‬ل يف أن‪--‬ه إذا ك‪--‬ان متوس‪--‬ط دخ‪--‬ل‬
‫الف‪--‬رد اخ‪-‬ذ يف الزي‪-‬ادة‪ ،‬دل ه‪--‬ذا على أن ع‪--‬دد الس‪-‬كان يف ه‪--‬ذا اجملتم‪-‬ع عن‪-‬د ح‪-‬د القل‪-‬ة‪ ،‬أم‪--‬ا إذا ك‪-‬ان متوس‪-‬ط‬
‫الدخل يف حالة استقرار كان عدد السكان عند احلد األمثل‪ ،‬وإذا كان املتوسط متجه‪--‬ا حنو اهلب‪--‬وط ت‪--‬درجييا‬
‫فان عدد السكان يكون عند حد متزايد(‪.)1‬‬

‫مالحظات نقدية على نظرية دار سوندرز‬

‫متتاز أفكار (كار سوندرز) بقرهبا من صورة النسق االستنباطي الذي ينطوي على قضايا مسلمة وافرتاضات لتفس‪--‬ري‬
‫ظ‪--‬اهرة منو الس‪--‬كان على ض‪--‬وء م‪--‬وارد ال‪--‬ثروة يف اجملتم‪--‬ع‪ ،‬مث حماول‪--‬ة التحق‪--‬ق من ه‪--‬ذه االفرتاض‪--‬ات اس‪--‬تنادا إىل ش‪--‬واهد‬
‫وأدل‪--‬ة من الواق‪--‬ع‪ .‬وم‪--‬ع ه‪--‬ذا فلم يس‪--‬تطع (كارس‪--‬وندرز) أن يس‪--‬تخلص نتيج‪--‬ة عام‪--‬ة أو ق‪--‬انون يفس‪--‬ر ب‪--‬ه منو الس‪--‬كان‪.‬‬
‫ومن هنا استطاع البعض أن يوجه لنظريته املالحظات النقدية التالية‪:‬‬

‫مل يتوخ (كار سوندرز) الدقة يف حتديد مفهوماته خاصة وانه عندما مال إىل حتديد حجم امثل للس‪-‬كان يف‬ ‫ا)‬
‫ضوء عامل واحد هو موارد الثروة‪ ،‬فان‪-‬ه ق‪-‬د اغف‪-‬ل م‪-‬ا انتهت إلي‪-‬ه نت‪-‬ائج الدراس‪-‬ات الس‪-‬كانية احلديث‪-‬ة وبياهنا‬
‫ل‪--‬دور عوام‪--‬ل التنظيم االجتم‪--‬اعي واملس‪--‬توى التكنول‪--‬وجي والف‪--‬ين والثق‪--‬ايف والص‪--‬حي وغريه‪--‬ا يف حتدي‪--‬د ه‪--‬ذا‬
‫احلجم(‪.)2‬‬
‫تتسم نظرية (كار سوندرز) بطابع استاتيكي غري دينامي وذلك ألهنا مل تأخذ يف اعتباره‪-‬ا الظ‪-‬روف املتغ‪-‬رية‬ ‫ب)‬
‫الناجتة عن التق ‪--‬دم التكنول ‪--‬وجي وارتف ‪--‬اع مس ‪--‬توى املعيش ‪--‬ة‪ ،‬وم ‪--‬ا ي ‪--‬رتتب على املوارد املتاح ‪--‬ة من املتغ ‪--‬ريات‪،‬‬
‫كاكتش‪-‬اف آب‪-‬ار الب‪-‬رتول مثال‪ ،‬وذل‪-‬ك الن احلجم األمث‪-‬ل للس‪-‬كان ق‪-‬د يتغ‪--‬ري بتغ‪--‬ري ه‪--‬ذه الظ‪-‬روف وبالت‪-‬ايل ال‬
‫ميكن الكش‪--‬ف عن ه‪--‬ذا احلجم بص‪--‬فة مطلق‪--‬ة بالنس‪--‬بة جملتم‪--‬ع معني ه‪--‬ذا من ناحي‪--‬ة‪ ،‬ومن ناحي‪--‬ة أخ‪--‬رى ف‪--‬ان‬
‫تعري‪--‬ف احلجم األمث‪--‬ل للس‪--‬كان وال‪--‬ذي يبل‪--‬غ عن‪--‬ده الن‪--‬اتج املتوس‪--‬ط أقص‪--‬اه ال ينطب‪--‬ق على ال‪--‬دول النامي‪--‬ة الن‬
‫املهم يف هذه الدول ه‪-‬و احلص‪-‬ول على أقص‪-‬ى ق‪-‬در من االس‪-‬تثمارات وليس وص‪-‬ول متوس‪-‬ط ال‪-‬دخل الف‪-‬ردي‬
‫إىل أقصاه‪.‬‬

‫‪)(1‬‬
‫دكتور أحمد الخشاب ‪ ،‬سكان المجتمع الغربي ‪ ،‬مرجع سابق ص ص ‪.203 - 202‬‬
‫‪)(2‬‬
‫دكتور أحمد الخشاب ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.204‬‬

‫‪85‬‬
‫تفتق‪--‬ر نظري‪--‬ة (ك‪--‬ار س‪--‬وندرز) إىل الق‪--‬درة على التنب‪--‬ؤ ذل‪--‬ك ألن‪--‬ه إذا افرتض‪--‬نا ان‪--‬ه ميكن حتدي‪--‬د احلجم األمث‪--‬ل‬ ‫ج)‬
‫للس‪--‬كان بالنس‪--‬بة جملتم‪--‬ع م‪--‬ا يف ف‪--‬رتة معين‪--‬ة‪ ،‬ف‪--‬ان ه‪--‬ذه النظري‪--‬ة ال تس‪--‬اعد حتدي‪--‬د السياس‪--‬ة الس‪--‬كانية ال‪--‬يت جيب‬
‫إتباعها حىت ميكن القضاء على الفجوة بني احلجم الفعلي واحلجم األمثل للسكان‪.‬‬

‫كنجزلي ديفز‬ ‫‪]4‬‬

‫ع‪--‬امل اجتم‪--‬اعي أم‪--‬ريكي أع‪--‬ار موض‪--‬وع الس‪--‬كان جانب‪--‬ا كب‪--‬ريا من اهتمامات‪--‬ه ووض‪--‬ع ع‪--‬دة مؤلف‪--‬ات ومق‪--‬االت يف ه‪--‬ذا‬
‫الص‪--‬دد‪ ،‬وع‪--‬رض قض‪--‬اياه النظري‪--‬ة يف مق‪--‬ال ل‪--‬ه بعن‪--‬وان (( نظري‪--‬ة التغ‪--‬ري واالس‪--‬تجابة يف الت‪--‬اريخ ال‪--‬دميوجرايف احلديث) )‬
‫وميكن أن نلخص قضاياه النظرية على النحو التايل‪:‬‬

‫يرفض (كنجزيل ديفز) النظريات اليت حتاول تفسري التغري االجتم‪-‬اعي ب‪-‬الرجوع إىل عام‪-‬ل اجتم‪-‬اعي واح‪-‬د‬ ‫ا‪-‬‬
‫فق ‪--‬ط‪ ،‬كالعام ‪--‬ل االقتص ‪--‬ادي مثال أو العام ‪--‬ل الثق ‪--‬ايف ألهنا حتاول تبس ‪--‬يط األم ‪--‬ور وتته ‪--‬رب من التفس ‪--‬ريات‬
‫املعق ‪--‬دة وفيم ‪--‬ا يتعل ‪--‬ق بتغ ‪--‬ريات اخلص ‪--‬وبة فه ‪--‬و يع ‪--‬رتض على التفس ‪--‬ريات ال ‪--‬يت ت ‪--‬رى أن ه ‪--‬ذه التغ ‪--‬ريات ختض ‪--‬ع‬
‫لعام ‪--‬ل اقتص ‪--‬ادي حبت كقل ‪--‬ة املوارد املتاح ‪--‬ة‪ .‬ويع ‪--‬رتض ك ‪--‬ذلك على التفس ‪--‬ريات ال ‪--‬يت تعتم ‪--‬د على العام ‪--‬ل‬
‫الثقايف ‪ -‬دون غريه ‪ -‬كتل‪-‬ك ال‪-‬يت حتاول تفس‪-‬ري الس‪-‬لوك اإلجنايب ب‪-‬الرجوع إىل (النس‪-‬ق القيمي) الس‪-‬ائد يف‬
‫اجملتمع‪ ،‬أو بالرجوع إىل مفهوم الثقافة التقليدية (‪.)1‬‬

‫وه‪--‬و ي‪--‬رى أن‪--‬ه لفهم التغ‪--‬ريات ال‪--‬يت يتع‪--‬رض هلا اجملتم‪--‬ع‪ ،‬جيب النظ‪--‬ر إىل ه‪--‬ذا األخ‪--‬ري على أن‪--‬ه ميي‪--‬ل دائم‪ً-‬ا حنو‬
‫الت ‪--‬وازن االجتم ‪--‬اعي وأن ه ‪--‬ذا الت ‪--‬وازن االجتم ‪--‬اعي يتع ‪--‬رض دائم ‪--‬ا لض ‪--‬غوط وم ‪--‬ؤثرات ق ‪--‬د تنب ‪--‬ع من داخ ‪--‬ل‬
‫اجملتم‪-‬ع او من خارج‪-‬ه أو هتدد توازن‪-‬ه وهتدم أحيان‪-‬ا ه‪-‬ذا الت‪-‬وازن‪ .‬وتوج‪-‬د يف اجملتم‪-‬ع ق‪-‬وى اجتماعي‪-‬ة تعم‪-‬ل‬
‫دائما على إعادة التوازن يف داخله(‪.)2‬‬

‫والتوازن الذي مييل إليه اجملتمع يف نظر (ديفز) ‪ -‬ليس توازنا بني عدد السكان واملوارد املتاح‪--‬ة ‪ -‬وه‪--‬و م‪--‬ا‬
‫اعتق‪--‬ده (م‪--‬التس )‪ ،‬ولكن‪--‬ه ت‪--‬وازن بني ع‪--‬دد الس‪--‬كان ومتطلب‪--‬ات البن‪--‬اء االجتم‪--‬اعي – وه‪--‬و يقص‪--‬د مبتطلب‪--‬ات‬

‫)(‪1‬‬
‫‪, p. 635.‬م‪K. Davis, Human Society, The McMillan, New York 1969‬‬
‫)(‪2‬‬
‫‪K. Davis, The Theory of Change & response in modern dem - ographic history, T. R Ford & G. F. Dejong. Social‬‬
‫‪Demography, Op. Cit., p. 22 - 26.‬‬

‫‪86‬‬
‫البن‪-‬اء االجتم‪-‬اعي املوارد ال‪-‬يت جيب ختصيص‪--‬ها للمحافظ‪-‬ة على البن‪-‬اء االجتم‪-‬اعي‪ ،‬أو بعب‪-‬ارة أخ‪-‬رى لتحقي‪-‬ق‬
‫األهداف الدينية والرتبوية والفنية والرتفيهية والسياسة اليت يرمي إليها اجملتمع(‪.)1‬‬

‫مث يف‪--‬رتض (كنج‪--‬زيل ديف‪--‬ز) أن‪--‬ه إذا اخت‪--‬ل ه‪--‬ذا الت‪--‬وازن‪ ،‬نتيج‪--‬ة لزي‪--‬ادة ع‪--‬دد الس‪--‬كان أو لالث‪--‬نني مع‪--‬ا‪ ،‬ميي‪--‬ل‬ ‫ب‪-‬‬
‫الس ‪--‬كان إىل التكي ‪--‬ف م ‪--‬ع ه ‪--‬ذه الظ ‪--‬روف من خالل اس ‪--‬تجابات متنوع ‪--‬ة أو م ‪--‬ا يس ‪--‬ميه (ديف ‪--‬ز) ب ‪--‬املتغريات‬
‫الوس ‪--‬طية كت ‪--‬أخري س ‪--‬ن ال ‪--‬زواج‪ ،‬أو االلتج ‪--‬اء إىل اإلجه ‪--‬اض أو إىل تنظيم األس ‪--‬رة‪ ،‬وق ‪--‬د حتدث اس ‪--‬تجابة‬
‫الس‪--‬كان على مراح‪--‬ل متع‪--‬ددة ك‪--‬ان يلجئ‪--‬وا يف ب‪--‬ادئ األم‪--‬ر إىل ت‪--‬أخري س‪--‬ن ال‪--‬زواج‪ ،‬مث يلجئ‪--‬وا مثال إىل ويف‬
‫مراحل تالية يلجأون إىل تنظيم األسرة أو التعقيم(‪.)2‬‬

‫وحياول (ديف‪--‬ز) تط‪--‬بيق نظريت‪--‬ه على التط‪--‬ورات الس‪--‬كانية ال‪--‬يت ح‪--‬دثت يف ال‪--‬دول اإلجه‪--‬اض املتقدم‪--‬ة وأهم‬ ‫ج‪-‬‬
‫هذه الظروف هبوط مع‪-‬دل املوالي‪-‬د‪ .‬والس‪-‬ؤال ال‪-‬ذي حياول اإلجاب‪-‬ة علي‪-‬ه م‪-‬ؤداه م‪-‬ا هي التغ‪-‬ريات ال‪-‬يت أدت‬
‫إىل ذلك؟ يرى (ديفز) أن قّلة املوارد املتاحة ليست هي السبب الذي أدى هبوط مع‪--‬دل املوالي‪--‬د يف ال‪--‬دول‬
‫املتقدم‪--‬ة‪ .‬وال‪--‬دليل على ذل‪--‬ك أن الس‪--‬كان ازدادوا زي‪--‬ادة كب‪--‬رية يف ال‪--‬دول األوروبي‪--‬ة يف الق‪--‬رن التاس‪--‬ع عش‪--‬ر‬
‫ويف الياب‪--‬ان يف بداي‪--‬ة الق‪--‬رن العش‪--‬رين نتيج‪--‬ة هلب‪--‬وط مع‪--‬دل الوفي‪--‬ات‪ ،‬ه‪--‬ذا ويف نفس ال‪--‬وقت ال‪--‬ذي ارتف‪--‬ع في‪--‬ه‬
‫مستوى املعيشة ارتفاعا كبريا‪.‬‬

‫أما السبب احلقيقي الذي أدى إىل هبوط عدد املواليد ‪ -‬على حد تقدير (ديفز) فه‪--‬و إمكاني‪-‬ة االس‪-‬تفادة من الرفاهي‪-‬ة‬
‫املتزاي ‪--‬دة ومن الف ‪--‬رص اجلدي ‪--‬دة املتاح ‪--‬ة ف ‪--‬تزداد بالت ‪--‬ايل تك ‪--‬اليف التنش ‪--‬ئة االجتماعي ‪--‬ة ال ‪--‬يت هتدف على إع ‪--‬داد الطف ‪--‬ل‬
‫لالستفادة من هذه الفرص اجلديدة‪ .‬فالتغري الذي حدث يف مستوى الرفاهية واإلمكانيات اجلدي‪--‬دة ال‪--‬يت أتيحت أم‪--‬ام‬
‫األف ‪--‬راد أدى إىل ظه ‪--‬ور اس ‪--‬تجابات متنوع ‪--‬ة كتأجي ‪--‬ل س ‪--‬ن ال ‪--‬زواج يف ايرلن ‪--‬دا وانتش ‪--‬ار وس ‪--‬ائل من ‪--‬ع احلم ‪--‬ل يف فرنس ‪--‬ا‬
‫وااللتجاء إىل اإلجهاض يف اليابان وأحيان‪ً-‬ا أخ‪-‬رى تك‪-‬ون اس‪-‬تجابة الس‪-‬كان متع‪-‬ددة املراح‪-‬ل وعلى س‪-‬بيل املث‪-‬ال‪ ،‬فق‪-‬د‬
‫جلأ الياب‪--‬انيون يف ب‪--‬ادئ األم‪--‬ر إىل اإلجه‪--‬اض مث إىل وس‪--‬ائل من‪--‬ع احلم‪--‬ل‪ ،‬مث إىل التعقيم واهلج‪--‬رة اخلارجي‪--‬ة‪ ،‬واخ‪--‬ريا إىل‬
‫تأخري سن الزواج(‪.)3‬‬

‫)(‪1‬‬
‫‪K. Davis, Human Society, Op. Cit., pp. 634 - 535.‬‬
‫)(‪2‬‬
‫‪K. Davis The Theory of Change & response in modem demographic history, Op.., p. 26 - 28.‬‬
‫)(‪3‬‬
‫‪Ibid, pp. 28 - 30.‬‬

‫‪87‬‬
‫ومل يتع ‪--‬رض (ديف ‪--‬ز) لتفس ‪--‬ري الوض ‪--‬ع الس ‪--‬كاين الس ‪--‬ائد يف ال ‪--‬دول النامي ‪--‬ة ولكن يب ‪--‬دو يف ض ‪--‬وء نظريت ‪--‬ه – إن الزي ‪--‬ادة‬
‫السكانية الكبرية اليت حدثت يف ه‪-‬ذه ال‪-‬دول أدت إىل اختالل الت‪-‬وازن بني متطلب‪-‬ات البن‪-‬اء االجتم‪-‬اعي وبني الس‪-‬كان‬
‫مما أدى إىل الض ‪-- -‬يق االقتص ‪-- -‬ادي‪ ،‬وال ب ‪-- -‬د إذن من أن تع ‪-- -‬ود ه ‪-- -‬ذه اجملتمع ‪-- -‬ات إىل حال ‪-- -‬ة الت ‪-- -‬وازن وذل ‪-- -‬ك من خالل‬
‫استجابات متنوعة‪ .‬وقد متثلت هذه االستجابات يف بادئ األمر يف هجرة الفالحني من الري‪--‬ف إىل املدن‪ ،‬كمحاول‪--‬ة‬
‫لتحقيق التوازن بني األرض املتاح‪-‬ة وع‪-‬دد الع‪-‬املني يف الزراع‪-‬ة ولكن اكتظ‪-‬اظ املدن بالس‪-‬كان بع‪-‬د ف‪-‬رتة معين‪-‬ة س‪-‬وف‬
‫يؤدي بالضرورة إىل ظهور أنواع أخرى من االستجابات‪ ،‬سواء أكانت تلقائية أو موجهة وفقا هلذا التحلي‪--‬ل وميكن‬
‫اعتب‪--‬ار ب‪--‬رامج تنظيم األس‪--‬رة ال‪--‬يت حتاول بعض ال‪--‬دول النامي‪--‬ة تطبيقه‪--‬ا ‪ -‬اس‪--‬تجابة موازن‪--‬ة للتغ‪--‬ريات ال‪--‬يت ط‪--‬رأت على‬
‫العالقة بني حجم السكان ومتطلبات البناء االجتماعي‪.‬‬

‫مالحظات نقدية على نظرية كنجزلي ديفز‬

‫تعد نظرية (ديفز) من أك‪-‬ثر نظري‪-‬ات املدخل احملاف‪-‬ظ حرص‪-‬ا على التمس‪-‬ك بفك‪-‬رة الت‪-‬وازن‪ ،‬ب‪-‬ل ك‪-‬انت فك‪-‬رة الت‪-‬وازن‬
‫أوض‪--‬ح م‪--‬ا تك‪--‬ون يف بن‪--‬اء نظريت‪--‬ه‪ ...‬ويك‪--‬اد (ديف‪--‬ز) يق‪--‬رتب بأفك‪--‬اره النظري‪--‬ة وقض‪--‬اياه من ص‪--‬ورة النس‪--‬ق االس‪--‬تنباطي‬
‫ال‪--‬ذي بن‪--‬اه على قض‪--‬ايا مس‪--‬لمة وحتدي‪--‬دات‪ ،‬مث اش‪--‬تق منه‪--‬ا تفس‪--‬ريه االفرتاض‪--‬ي لظ‪--‬اهرة منو الس‪--‬كان‪ ،‬واجته‪--‬د يف توف‪--‬ري‬
‫الش‪--‬واهد من واق‪--‬ع اجملتمع‪--‬ات الغربي‪--‬ة ال‪--‬يت يعيش‪--‬ها للربهن‪--‬ة على ص‪--‬دق ه‪--‬ذه االفرتاض‪--‬ات حماوًال الوص‪--‬ول إىل قض‪--‬ايا‬
‫عام‪--‬ة تس‪--‬اعد على التنب‪--‬ؤ هبذا النم‪--‬و يف املس‪--‬تقبل‪ .‬ولكن م‪--‬ع ه‪--‬ذا ميكن الق‪--‬ول ب‪--‬أن نظري‪--‬ة (ديف‪--‬ز) تواج‪--‬ه عموم‪--‬ا نفس‬
‫املشاكل اليت يواجهها اإلطار النظري اليت صدرت عنه نظرية (ديفز) ونعين به اإلطار البن‪-‬ائي ال‪-‬وظيفي وال‪-‬ذي جيس‪-‬د‬
‫حقيق ‪--‬ة املدخل احملاف ‪--‬ظ‪ .‬ه ‪--‬ذا فض ‪--‬ال عن أن نظري ‪--‬ة (ديف ‪--‬ز) تعت ‪--‬رب نظري ‪--‬ة اس ‪--‬تاتيكية غ ‪--‬ري دينامي ‪--‬ة‪ ،‬ألهنا إذا ك ‪--‬انت ق ‪--‬د‬
‫اس‪--‬توعبت بعض ج‪--‬وانب الواق‪--‬ع واس‪--‬تمدت من‪--‬ه الش‪--‬واهد ال‪--‬يت تؤك‪--‬د افرتاض‪--‬اهتا‪ ،‬إال أهنا ق‪--‬د أغفلت جانب ‪ً-‬ا آخ‪--‬ر من‬
‫ج‪-‬وانب الواق‪-‬ع ال‪-‬ه أمهيت‪-‬ه يف الوص‪-‬ول بالنظري‪-‬ة إىل أعلى مس‪-‬توى من التجري‪-‬د‪ ،‬ونع‪-‬ين ب‪-‬ه ج‪-‬انب الواق‪-‬ع ال‪-‬ذي تش‪-‬هده‬
‫اجملتمعات النامية يف العامل الثالث والذي خيتلف جوهريا عن ما شهدته اجملتمعات املتقدمة من ظروف التنمية‪.‬‬

‫رابعًا‪ :‬نظريات المدخل الراديكالي في تفسير الظواهر السكانية‬

‫كارل ماركس )‪K. Marx (1818 – 1883‬‬ ‫‪]1‬‬

‫‪88‬‬
‫كان ماركس مفكرا اجتماعيا املانيًا‪ ،‬اش‪-‬تهر ه‪-‬و وزميل‪-‬ه إجنل‪-‬ز بوض‪-‬ع دع‪-‬ائم االش‪-‬رتاكية العلمي‪-‬ة ومل يف‪-‬رد (م‪-‬اركس)‬
‫ملوض‪--‬وع الس‪--‬كان مؤلف‪ً-‬ا خاص‪ً-‬ا وإمنا ع‪--‬رض البعض اآلراء النظري‪--‬ة املتعلق‪--‬ة بالس‪--‬كان ض‪--‬من مؤلف‪--‬ه املعن‪--‬ون (رأس املال‬
‫‪ )Capital‬الذي نشر سنة ‪1928‬م وفيما يلي أهم هذه اآلراء‪:‬‬

‫يسلم (ماركس) بأن اجملتمع مير مبراحل متباينة يف تغريه‪ ،‬استنادًا إىل تغري االنتاج والنظام االقتصادي‪.‬‬ ‫•‬
‫ويفرتض أن تزايد السكان يرتبط مبعدل التشغيل يف النظام االقتصادي‪.‬‬ ‫•‬
‫ووج‪--‬د م‪--‬ا ي‪--‬دعم افرتاض‪--‬ه ه‪--‬ذا بن‪--‬اء على دراس‪--‬ته لنظ‪--‬ام االنت‪--‬اج الرأمسايل‪ ،‬حيث الح‪--‬ظ وج‪--‬ود ف‪--‬ائض يف‬ ‫•‬
‫الس‪--‬كان نتيج‪--‬ة ملع‪--‬دل التش‪--‬غيل املتن‪--‬اقص واختص‪--‬ار النفق‪--‬ات وت‪--‬راكم رأس املال‪ .‬او بعب‪--‬ارة أخ‪--‬رى وج‪--‬د‬
‫(م‪--‬اركس) أن‪--‬ه يف مرحل‪--‬ة االنت‪--‬اج الرأمسايل يتزاي‪--‬د رأس املال الث‪--‬ابت (االنت‪--‬اج) بس‪--‬رعة تف‪--‬وق تزاي‪--‬د راس‬
‫املال املتغري (العمال )‪ .‬او يؤدي تراكم رأس املال يف صورة سلع انتاجي‪--‬ة إىل نقص احلاج‪--‬ة إىل العم‪--‬ال مما‬
‫جيعل وجودهم يف االنتاج زائدًا عن احلاجة نسبيًا فيتحولون إىل فائض سكاين(‪.)1‬‬
‫ويتوق ‪--‬ع (م ‪--‬اركس) بن ‪--‬اء على ه ‪--‬ذه احلق ‪--‬ائق ع ‪--‬دم وج ‪--‬ود ف ‪--‬ائض يف الس ‪--‬كان م ‪--‬ع وج ‪--‬ود نظ ‪--‬ام االنت ‪--‬اج‬ ‫•‬
‫االشرتاكي نتيجة للتشغيل الكامل واملتوازن بني رأس املال والعمال‪ .‬أو بعبارة أخرى يتحقق الت‪--‬وازن بني‬
‫الزيادة يف رأس املال الثابت واملتغري‪ ،‬حبيث ال يوجد فائض سكاين ويقل الفقر والبؤس‪.‬‬
‫ويصل (ماركس) من حتليالته إىل الق‪-‬ول بأن‪-‬ه ليس هن‪-‬اك ق‪-‬انون ع‪-‬ام ث‪-‬ابت للس‪-‬كان وإمنا لك‪-‬ل مرحل‪-‬ة من‬ ‫•‬
‫مراح‪--‬ل تط‪--‬ور اجملتم‪--‬ع واإلنت‪--‬اج ق‪--‬انون خ‪--‬اص هبا ينطب‪--‬ق عليه‪--‬ا وح‪--‬دها‪ ،‬ووج‪--‬ود ق‪--‬انون واح‪--‬د للس‪--‬كان ال‬
‫يتحقق إال يف حاالت النبات واحليوان‪ ،‬ويشرتط أال يتدخل اإلنسان يف تكاثرها‪.‬‬
‫تتالشي مشكلة زيادة السكان مع تط‪-‬ور اجملتم‪-‬ع ووص‪-‬وله إىل مرحل‪-‬ة اإلنت‪-‬اج االش‪-‬رتاكي‪ .‬وه‪-‬ذا معن‪-‬اه أن‬ ‫•‬
‫الفقر والبؤس باعتبارمها مرتبطني مبش‪-‬كلة تزاي‪-‬د الس‪-‬كان ال ي‪-‬دينان بوجودمها إىل عام‪-‬ل بيول‪-‬وجي يزي‪-‬د او‬
‫ينقص ق‪-- -‬درة اإلنس‪-- -‬ان على اخلل‪-- -‬ف والتناس‪-- -‬ل أو إىل غريه‪-- -‬ا من عوام‪-- -‬ل طبيعي‪-- -‬ة وإمنا يرج‪-- -‬ع إىل النظ‪-- -‬ام‬
‫االقتصادي الذي يعجز عن تشغيل أفراد اجملتمع تشغيًال كامًال(‪.)2‬‬

‫مالحظات نقدية على نظرية ماركس‬

‫)(‪1‬‬
‫‪, p. 20.‬م‪J. J. Spengler & O. D., Duncan, Population Theory & Policy. The Free Press of Gelenco, Illinois, 1950‬‬
‫)(‪2‬‬
‫‪Ibid. p. 2l,‬‬

‫‪89‬‬
‫يؤخ ‪--‬ذ على (م ‪--‬اركس) ان ‪--‬ه على ال ‪--‬رغم من ان ‪--‬ه ق ‪--‬د ع ‪--‬اب على س ‪--‬ابقيه ومنهم (م ‪--‬التس) حتيزهم إلح ‪--‬دى‬ ‫ا]‬
‫الطبقات احلاكمة يف اجملتمع‪ ،‬إال انه قد وقع يف نفس اخلط‪-‬ا وحتيز إلح‪-‬دى ه‪-‬ذه الطبق‪-‬ات (احملكوم‪-‬ة) مما أث‪-‬ر‬
‫يف قضاياه النظرية ونتائج حتليالته‪.‬‬

‫تصور ماركس أن النظام االشرتاكي يقل فيه ضغط الس‪-‬كان على املوارد وحتل في‪-‬ه مش‪-‬اكل تزاي‪-‬د الس‪-‬كان‪،‬‬ ‫ب]‬
‫ولكن منو الس ‪--‬كان من ناحي ‪--‬ة أخ ‪--‬رى حمك ‪--‬وم بعوام ‪--‬ل أخ ‪--‬رى منه ‪--‬ا احلري ‪--‬ة الشخص ‪--‬ية فيم ‪--‬ا يتعل ‪--‬ق ب ‪--‬الزواج‬
‫واخللف‪ ،‬وهي عوامل ال ميكن إنكار أثرها يف جتاوز احلدود والضغوط على موارد اجملتمع(‪.)1‬‬

‫ريابوشكين‬ ‫‪]2‬‬

‫عالم‪--‬ة روس‪--‬ي ض‪--‬من آراءه يف الس‪--‬كان مق‪--‬ال قدم‪--‬ه إىل م‪--‬ؤمتر الس‪--‬كان األخ‪--‬ري وردد في‪--‬ه ق‪--‬وانني التط‪--‬ور االجتم‪--‬اعي‬
‫ال‪--‬ربجوازي‪ .‬ولق‪--‬د ط‪--‬ور (ري‪--‬ابو ش‪--‬كني) من ه‪--‬ذه الق‪--‬وانني ووس‪--‬ع من نطاقه‪--‬ا يف تفس‪--‬ريه لظ‪--‬واهر منو الس‪--‬كان‪ .‬فعلى‬
‫الرغم من أن ريابو شكني ينطلق من نفس القض‪-‬ايا املس‪-‬لمة ال‪-‬يت انطل‪-‬ق منه‪-‬ا (م‪-‬اركس) إال أن‪-‬ه يق‪-‬دم قض‪-‬ايا افرتاض‪-‬ية‬
‫وتفسريية ختتلف يف مضموهنا عن قضايا (ماركس) على النحو التايل‪:‬‬

‫يذهب (ريابو شكني) إىل أن زيادة السكان تتوقف على طبيعة النظام االقتصادي السائد يف اجملتمع‪.‬‬ ‫ا‪.‬‬
‫واخذ حيلل الشواهد على هذا التفسري بالنسبة للنظام االقتصادي الرأمسايل فوجد أن هناك فائضا بالس‪--‬كان‬ ‫ب‪.‬‬
‫نتيج ‪--‬ة للطبيع ‪--‬ة االس ‪--‬تغاللية واملتعارض ‪--‬ة بني الق ‪--‬ائمني على ش ‪--‬ؤون اإلنت ‪--‬اج االقتص ‪--‬ادي أي بني الرأمساليني‬
‫والعم‪--‬ال‪ .‬إذ يق‪--‬وم التع‪--‬ارض بينهم يف األه‪--‬داف والوس‪--‬ائل‪ ،‬ذل‪--‬ك ألن اإلنت‪--‬اج الرأمسايل يق‪--‬وم على ق‪--‬رارات‬
‫املنظمني الذين يهدفون يف احملل األول اجتناء أقص‪-‬ى ربح‪ ،‬وال يلق‪-‬ون ب‪-‬اال إىل اث‪-‬ر ق‪-‬راراهتم على العمال‪-‬ة أو‬
‫على املس‪--‬توى املعيش‪--‬ي للربوليتاري‪--‬ا‪ .‬ويعتم‪--‬د الرأمساليون على وس‪--‬ائل االحتك‪--‬ار وترك‪--‬يز ال‪--‬ثروة والنف‪--‬وذ يف‬
‫أي ‪--‬دي قل ‪--‬ة قليل ‪--‬ة واس ‪--‬تخدام اآلالت على نط ‪--‬اق واس ‪--‬ع وإحالهلا حمل العم ‪--‬ال وينش ‪--‬رون بني العم ‪--‬ال أفك ‪--‬ار‬
‫تش ‪--‬جيع اهلج ‪--‬رة أو حتدي ‪--‬د النس ‪--‬ل ال ‪--‬يت يق ‪--‬دم عليه ‪--‬ا العم ‪--‬ال خوف ‪--‬ا من البطال ‪--‬ة والفق ‪--‬ر واالس ‪--‬تغالل ال ‪--‬ذي‬
‫يتعرضون له‪.‬‬

‫‪)(1‬‬
‫دكتور حسن الساعاتي ودكتور عبد الحميد لطفي ‪ ،‬دراسات في السكان ‪ ،‬مرجع سابق ص ص‪110 - 111 .‬‬

‫‪90‬‬
‫ووجد (ريابو شكني) أنه يف مقابل ذلك ويف ظل نظ‪-‬ام اإلنت‪-‬اج االش‪-‬رتاكي فليس هن‪-‬اك ف‪-‬ائض يف الس‪-‬كان‬ ‫ج‪.‬‬
‫نتيج‪--‬ة للطبيع‪--‬ة املتوازن‪--‬ة يف األه‪--‬داف والوس‪--‬ائل ايض‪--‬ا بني الق‪--‬ائمني على ش‪--‬ئونه‪ .‬ذل‪--‬ك الن اهلدف الرئيس‪--‬ي‬
‫من اإلنتاج هنا هو إشباع الرغبات وليس حتقي‪-‬ق ال‪-‬ربح لفئ‪-‬ة قليل‪-‬ة‪ .‬أم‪-‬ا الوس‪-‬ائل ال‪-‬يت يس‪-‬تعان هبا فتتمث‪-‬ل يف‬
‫االس‪--‬تفادة من كاف‪--‬ة املوارد املتاح‪--‬ة وخاص‪--‬ة العم‪--‬ل ال‪--‬ذي يعت‪--‬رب املص‪--‬در الرئيس‪--‬ي لل‪--‬ثروة ‪ -‬ومقياس‪--‬ا للقيم‪،‬‬
‫واس ‪--‬تخدام كاف ‪--‬ة الطاق ‪--‬ات مبا يف ذل ‪--‬ك الطاق ‪--‬ة الذري ‪--‬ة(‪ .)1‬وك ‪--‬ان (ري ‪--‬ابو ش ‪--‬كني) يس ‪--‬تند يف ذل ‪--‬ك إىل ع ‪--‬دة‬
‫حقائق إحصائية تشري إىل زيادة اإلنتاج يف االحتاد الس‪-‬وفييت بنس‪-‬بة ‪ % 55‬بني ع‪--‬امي ‪1913‬م‪1938 ,‬م‬
‫وزي‪--‬ادة نس‪--‬بة الس‪--‬لع االس‪--‬تهالكية إىل ‪ %31‬بينم‪--‬ا مل ي‪--‬زد ع‪--‬دد الس‪--‬كان إال بنس‪--‬بة ‪ % 60‬كم‪--‬ا زاد ع‪--‬دد‬
‫عمال الصناعة إىل مخسة أمثال ما كان عليه من قبل ذلك(‪.)2‬‬

‫مالحظات على آراء ريابو شكين‬

‫تعد مقالته ترديدا آلراء (ماركس) الذي صب جم غضبه على (مالتس) واهتمه بالرجعية والتفاه‪--‬ة وك‪--‬ذلك‬ ‫‪.1‬‬
‫امت ‪--‬دادا آلراء (اجنل ‪--‬ز) ال ‪--‬ذي ذهب إىل أن ال ‪--‬ربجوازي خيالف املس ‪--‬تقبل‪ ،‬بينم ‪--‬ا ي ‪--‬درك العام ‪--‬ل أن اخللي ‪--‬ة ال ‪--‬يت‬
‫ينتمي إليها سوف تنتصر حتم‪-‬ا يف الكف‪-‬اح الطبقي‪ ،‬ومن مث حيدوه األم‪-‬ل يف املس‪-‬تقبل املش‪-‬رق بع‪-‬د التخلص‬
‫من ريق ‪--‬ه الرأمسالية‪ .‬وم ‪--‬ع ذل ‪--‬ك ف ‪--‬ان (اجنل ‪--‬ز) ك ‪--‬ان ال يس ‪--‬تبعد أن يك ‪--‬ون لتحدي ‪--‬د النس ‪--‬ل مك ‪--‬ان يف اجملتم ‪--‬ع‬
‫االش‪--‬رتاكي املنتص‪--‬ر حبيث يس‪--‬مح لألف‪--‬راد بتحدي‪--‬د حجم األس‪--‬رة بع‪--‬د انتف‪--‬اء االس‪--‬تغالل‪ ،‬كم‪--‬ا أش‪--‬ار إىل أن‪--‬ه‬
‫ميكن تصور حالة نظرية حتدث فيها زيادة كربى يف عدد السكان تقتضي معها وضع حدا للزيادة‪.‬‬

‫إذا كانت آراء ماركس و( ريابو شكني) تعطي لنا أمثلة بارزة على الفكر املاركسي يف موضوع السكان‪،‬‬ ‫‪.2‬‬
‫إال أنه من املمكن القطع بأنه فكر جامد ال يقبل التغري أو التعديل على ضوء الظروف املتغرية‪ .‬فهو يف ذات‪--‬ه‬
‫يتطور مع الزمن ويلوح يف كتابات السوفيت منذ وفاة (ستالني )‪ ،‬اهنم ال يعتربون أفكار (ماركس واجنلز)‬
‫من األفك ‪--‬ار املقدس ‪--‬ة ال ‪--‬يت ال تقب ‪--‬ل اجلدل‪ ،‬ب ‪--‬ل يرحب ‪--‬ون باالجته ‪--‬اد والتجدي ‪--‬د‪ ،‬والول م ‪--‬رة نق ‪--‬را خلرش ‪--‬وف‬
‫س‪--‬كرتري احلزب الش‪--‬يوعي الس‪--‬ابق نق‪--‬دا للفك‪--‬رة القائل‪--‬ة ب‪--‬ان احلرب الش‪--‬يوعية والرأمسالية واقع‪--‬ة ال حمال‪--‬ة وهي‬

‫‪ )(1‬دكتور علي الجريتلي ‪ ،‬السكان والموارد االقتصادية ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص‪66‬‬


‫‪ )(2‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.67‬‬

‫‪91‬‬
‫أساس‪--‬ية يف بن‪--‬اء الفلس‪--‬فة املاركس‪--‬ية بينم‪--‬ا ك‪--‬ان الع‪--‬امل يف نفس ال‪--‬وقت يت‪--‬ابع بأم‪--‬ل جه‪--‬وده الكب‪--‬رية يف حتقي‪--‬ق‬
‫التعايش السلمي بني املعسكرين الشرقي والغريب‪.‬‬

‫ينط ‪--‬وي الفك ‪--‬ر املاركس ‪--‬ي يف موض ‪--‬وع الس ‪--‬كان‪ ،‬على وجه ‪--‬ات نظ ‪--‬ر متباين ‪--‬ة إذ يؤي ‪--‬د (ت ‪--‬وريز زعيم احلزب‬ ‫‪.3‬‬
‫الش‪--‬يوعي الفرنس‪--‬ي بق‪--‬وة ق‪--‬وانني مكافح‪--‬ة اإلجه‪--‬اض وناش‪--‬د األطب‪--‬اء الش‪--‬يوعيني ع‪--‬دم االنس‪--‬ياق وراء رغب‪--‬ة‬
‫الن‪--‬اس يف حتدي‪--‬د النس‪--‬ل واهتم دعات‪--‬ه ب‪--‬أهنم فاش‪--‬يون يكره‪--‬ون اإلنس‪--‬انية‪ .‬غ‪--‬ري أن ه‪--‬ذا املوق‪--‬ف ال‪--‬ذي يزي‪--‬د من‬
‫تشدده عن موق‪-‬ف غالة الكاثوليكي‪-‬ة مل يس‪-‬لم من النق‪-‬د‪ .‬فق‪-‬د نش‪-‬ر (ج‪-‬اك دروجي) عض‪-‬و احلزب الش‪-‬يوعي‬
‫الفرنسي أيضا حبثا عنوانه (أطفال بالرغم منا) ط‪--‬الب في‪-‬ه بإلغ‪--‬اء التش‪-‬ريعات القاس‪-‬ية ال‪-‬يت ص‪--‬درت يف فرنس‪-‬ا‬
‫ع‪-- -‬ام ‪1930‬م‪ ،‬وال‪-- -‬يت تنص على احلد من اإلجه‪-- -‬اض وع‪-- -‬دم حتدي‪-- -‬د النس‪-- -‬ل‪ .‬كم‪-- -‬ا يالح‪-- -‬ظ االختالف يف‬
‫وجه ‪--‬ات النظ ‪--‬ر يف موض ‪--‬وع الس ‪--‬كان بني الص ‪--‬ني الش ‪--‬عبية واالحتاد الس ‪--‬وفييت‪ .‬إذ ال يع ‪--‬ارض بعض فالس ‪--‬فة‬
‫احلزب الش ‪--‬يوعي يف الص ‪--‬ني تنظيم األس ‪--‬رة عن طري ‪--‬ق ال ‪--‬زواج املت ‪--‬أخر وزي ‪--‬ادة الف ‪--‬رتة ال ‪--‬يت تنقض ‪--‬ي بني جي ‪--‬ل‬
‫وآخ ‪--‬ر حرص ‪--‬ا على ص ‪--‬حة األم والطف ‪--‬ل ورفاهي ‪--‬ة األس ‪--‬رة‪ ،‬وح ‪--‬ىت ال ي ‪--‬ؤدي اإلف ‪--‬راط يف النس ‪--‬ل إىل إره ‪--‬اق‬
‫الوالدين واضعاف قوهتم يف العمل واإلنتاج إىل فتور والء الكثرة إىل نظام احلكم اجلديد(‪.)1‬‬

‫سيدني كونتز‬ ‫‪]3‬‬

‫ب ‪--‬احث اهتم بدراس ‪--‬ة الظ ‪--‬واهر الس ‪--‬كانية‪ ،‬وض ‪--‬ع آراءه يف الس ‪--‬كان يف مؤلف ‪--‬ات عدي ‪--‬دة وت ‪--‬أثر بأفك ‪--‬ار (م ‪--‬اركس) يف‬
‫تفسري الظواهر السكانية على ضوء العوامل االقتصادية‪ .‬ولكنه وسع من نطاق هذا التفسري على النحو التايل‪:‬‬

‫يتفق مع (ماركس) يف األخذ بنفس القضايا املسلمة حول تغري اجملتمع وظواهره‪.‬‬ ‫‪)1‬‬

‫ولكن ‪--‬ه يص ‪--‬يغ تفس ‪--‬ريه الفرض ‪--‬ي لظ ‪--‬اهرة منو الس ‪--‬كان على حنو مغ ‪--‬اير إذ ي ‪--‬رى أن منو الس ‪--‬كان يتوق ‪--‬ف على‬ ‫‪)2‬‬

‫عوامل اقتصادية ثالثة‪ ،‬هي مقدار العمل‪ ،‬ونوع العمل‪ ،‬ووظيفة األسرة‪.‬‬

‫‪ )(1‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.67‬‬

‫‪92‬‬
‫مقــدار العمــل المطلــوب‪ ،‬وق ‪--‬د أش ‪--‬ار (آدم مسيث) من قب ‪--‬ل إىل أن ف ‪--‬رص العم ‪--‬ل املتاح ‪--‬ة هي ال ‪--‬يت‬ ‫ا‪.‬‬
‫حتدد مع‪-‬دالت ال‪-‬زواج واإلجناب وق‪-‬د س‪-‬بقت اإلش‪-‬ارة إىل أن زي‪-‬ادة ف‪-‬رص العم‪-‬ل يف ال‪-‬دول الغربي‪-‬ة‬
‫قد ارتبطت هببوط معدل املواليد لذلك أضاف (كونتز) عاملني اقتصاديني آخرين لتفسري اجتاهات‬
‫اخلصوبة هي نوع العمل املطلوب والوظائف االقتصادية اليت تقوم هبا األسرة(‪.)1‬‬
‫نوع العمل المطلوب‪ ،‬أو زي‪--‬ادة الطلب على العم‪--‬ل غ‪--‬ري املاهر وه‪--‬و ن‪--‬وع من العم‪--‬ل ال حيت‪-‬اج إىل‬ ‫ب‪.‬‬
‫تكاليف أعداد كبرية ‪ -‬تؤدي إىل ارتفاع اخلصوبة‪ ،‬يف حني أن زيادة الطلب على العم‪--‬ل املاهر ال‬
‫ت ‪--‬ؤدي بالض ‪--‬رورة إىل ارتف ‪--‬اع اخلص ‪--‬وبة ألن ه ‪--‬ذا الن ‪--‬وع من العم ‪--‬ل يتطلب تك ‪--‬اليف أع ‪--‬داد كب ‪--‬رية‬
‫وبالت ‪--‬ايل ال تس ‪--‬تطيع األس ‪--‬رة اإلنف ‪--‬اق على ع ‪--‬دد كب ‪--‬ري من األطف ‪--‬ال ال ‪--‬ذين تع ‪--‬دهم حلي ‪--‬اهتم املهني ‪--‬ة‪،‬‬
‫وبذلك فسر (كونتز) العالقة بني اخلصوبة والدخل‪ ،‬وانتهى إىل أنه إذا كان األغنياء أقل إجناب‪--‬ا من‬
‫الفق‪--‬راء ف‪--‬إن ذل‪--‬ك يرج‪--‬ع إىل أن املهن ال‪--‬يت ميارس‪--‬ها األول‪--‬ون تتطلب اع‪--‬دادًا لف‪--‬رتة طويل‪--‬ة وتك‪--‬اليف‬
‫كثرية‪.‬‬
‫وقد استطاع الباحث أن يفسر التط‪-‬ورات الس‪-‬كانية احلديث‪-‬ة يف ض‪-‬وء ه‪-‬ذا التحلي‪-‬ل فق‪-‬ال أن‪-‬ه توج‪-‬د‬
‫زي ‪--‬ادة يف الطلب على العم ‪--‬ل ال ‪--‬ذي حيت ‪--‬اج إىل أع ‪--‬داد كث ‪--‬رية التكلف ‪--‬ة‪ ،‬كم ‪--‬ا ه ‪--‬و ش ‪--‬أن العم ‪--‬ل غ ‪--‬ري‬
‫الي ‪--‬دوي ال ‪--‬ذي يتطلب ش ‪--‬يئا من امله ‪--‬ارة التحقي ‪--‬ق إنتاجي ‪--‬ة مرتفع ‪--‬ة‪ ،‬ف ‪--‬إن ذل ‪--‬ك ي ‪--‬ؤدي إىل اخنف ‪--‬اض‬
‫اخلصوبة رغم زيادة الطلب على العمل(‪.)2‬‬
‫الوظـائف االقتصـادية لألسـرة‪ :‬أش‪--‬ار (كون‪--‬رت) إىل أن التغ‪--‬ري ال‪--‬ذي ط‪--‬رأ على الوظ‪--‬ائف االقتص‪--‬ادية‬ ‫ج‪.‬‬
‫لألس ‪--‬رة فحوهلا عم ‪--‬ا ك ‪--‬انت علي ‪--‬ه يف اجملتمع ‪--‬ات الزراعي ‪--‬ة من وح ‪--‬دة إنتاجي ‪--‬ة حتت ‪--‬اج إىل أي ‪--‬د عامل ‪--‬ة‬
‫كث‪--‬رية إىل م‪--‬ا ص‪--‬ارت يف اجملتمع‪--‬ات الص‪--‬ناعية إىل وح‪--‬دة اس‪--‬تهالكية بس‪--‬بب ختلي الزوج‪--‬ة واألوالد‬
‫عن وظيفتهم اإلنتاجي‪--‬ة داخ‪--‬ل األس‪--‬رة أفق‪--‬د األطف‪--‬ال قيمتهم االقتص‪--‬ادية وادي بالت‪--‬ايل إىل اخنف‪--‬اض‬
‫اخلص‪--‬وبة‪ .‬ومن ناحي‪--‬ة أخ‪--‬رى فق‪--‬د خ‪--‬رجت املرأة إىل مي‪--‬دان العم‪--‬ل وأص‪--‬بحت تش‪--‬ارك يف اإلنت‪--‬اج‬
‫خ ‪--‬ارج املنزل مما جعله ‪--‬ا ت ‪--‬رغب يف احلد من اإلجناب لكي ال تنقط ‪--‬ع عن العم ‪--‬ل ف ‪--‬رتة مما يفق ‪--‬دها‬
‫األجر الذي تتقاضاه‪.‬‬

‫‪)(1‬‬
‫وداد سليمان مرقص ‪ ،‬العوامل االجتماعية المؤثرة في نمو السكان ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ص ‪72 .70‬‬
‫‪)(2‬‬
‫سيدني كونتز ‪ ،‬النظريات السكانية وتفسيرها االقتصادي ‪ ،‬ترجمة عربية إعداد أحمد إبراهيم عيسى ‪ ،‬دار الكاتب العربي‪.‬‬

‫‪93‬‬
‫مالحظات نقدية على نظرية كونتز‬

‫على ال ‪--‬رغم من أن (كون ‪--‬تز) ق ‪--‬د ب ‪--‬ين أفك ‪--‬اره ح ‪--‬ول الس ‪--‬كان يف ص ‪--‬ورة تق ‪--‬رتب من النس ‪--‬ق االس ‪--‬تنباطي للنظري ‪--‬ة ال ‪--‬يت‬
‫تش ‪--‬تمل على مس ‪--‬لمات وف ‪--‬روض مث حبث م ‪--‬ا ي ‪--‬دعمها من ش ‪--‬واهد يف الواق ‪--‬ع‪ .‬إال أن ه ‪--‬ذه األفك ‪--‬ار ق ‪--‬د انط ‪--‬وت على‬
‫بعض الثغرات اليت أثارت املالحظات النقدية التالية‪:‬‬

‫لقد أضاف (كونتز) عامًال مهما إىل التفسري املاركسي لنم‪-‬و الس‪-‬كان وه‪-‬و ن‪-‬وع العم‪-‬ل وم‪-‬ا يتطلب‪-‬ه من تك‪-‬اليف‬ ‫‪‬‬
‫لإلع‪--‬داد والت‪--‬دريب والتنش‪--‬ئة وأث‪--‬ره يف مع‪--‬دالت اخلص ‪--‬وبة‪ .‬وجتاه‪--‬ل هبذا أث‪--‬ر العوام‪--‬ل االجتماعي‪--‬ة األخ‪--‬رى على‬
‫اإلجناب‪.‬‬
‫لق‪-‬د اس‪-‬تند (كون‪-‬تز) إىل م‪-‬ا الحظ‪-‬ه من ظ‪-‬واهر س‪-‬كانية يف الع‪-‬امل الغ‪-‬ريب‪ ،‬ومل يهتم مبا ه‪-‬و مالح‪-‬ظ من ظ‪-‬واهر يف‬ ‫‪‬‬
‫الدول النامية‪ ،‬واستمرار معدالت املواليد واخلصوبة يف مستوى مرتفع رغم انتشار البطالة فيها(‪.)1‬‬

‫كوزولوف‬ ‫‪]4‬‬

‫ب‪--‬احث س‪--‬وفيييت أع‪--‬ار الظ‪--‬واهر الس‪--‬كانية كث‪--‬ريًا من اهتمام‪--‬ه‪ ،‬ووض‪--‬ع آرائ‪--‬ه يف الس‪--‬كان ض‪--‬من ع‪--‬دد من مؤلفات‪--‬ه وإن‬
‫ك‪--‬انت أفك‪--‬اره ق‪--‬د ج‪--‬اءت مبثاب‪--‬ة تردي‪--‬دا ألفك‪--‬ار (م‪--‬اركس) إال أن‪--‬ه ق‪--‬د ط‪--‬ور من تفس‪--‬رياته ووس‪--‬ع من نطاقه‪--‬ا لتش‪--‬مل‬
‫الظواهر السكانية واجتاهات اخلصوبة يف الدول النامية وميكن إجياز هذه األفكار على النحو التايل‪:‬‬

‫يب‪--‬دا (كوزول‪--‬وف) حتليل‪--‬ه للظ‪--‬واهر الس‪--‬كانية يف ال‪--‬دول النامي‪--‬ة انطالق‪--‬ا من نفس املس‪--‬لمات املاركس‪--‬ية ح‪--‬ول‬ ‫‪.1‬‬
‫تغري اجملتمع وظواهره‪.‬‬
‫ولكن‪--‬ه ح‪--‬اول بع‪--‬د ذل‪--‬ك يف حماولت‪--‬ه توس‪--‬يع نط‪--‬اق التفس‪--‬ري املاركس‪--‬ي لظ‪--‬واهر الس‪--‬كان تق‪--‬دمي تفس‪--‬ري ف‪--‬رض‬ ‫‪.2‬‬
‫جديد إذ يرى أن منو السكان يف ال‪-‬دول النامي‪-‬ة يتوق‪-‬ف على عوام‪-‬ل مادي‪-‬ة تتمث‪-‬ل يف مع‪-‬دل الوفي‪-‬ات ونوعي‪-‬ة‬
‫النشاط االقتصادي‪.‬‬
‫م‪--‬يز (كوزول‪--‬وف) بني ن‪--‬وعني من العوام‪--‬ل املؤثرة يف اإلجناب‪ ،‬العوام‪--‬ل املباش‪--‬رة والعوام‪--‬ل غ‪--‬ري املباش‪--‬رة‬ ‫ا‪.‬‬
‫وي ‪--‬رى أن األوىل متع ‪--‬ددة ومتنوع ‪--‬ة وتش ‪--‬كل بعض العوام ‪--‬ل البيولوجي ‪--‬ة كالق ‪--‬درة على اإلجناب وبعض‬
‫العوام ‪--‬ل النفس ‪--‬ية كالرغب ‪--‬ة يف اإلجناب وك ‪--‬ذلك بعض العوام ‪--‬ل االقتص ‪--‬ادية االجتماعي ‪--‬ة‪ ،‬كالق ‪--‬درة على‬

‫‪ )(1‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ص ‪.74 - 72‬‬

‫‪94‬‬
‫احلص‪--‬ول على وس‪--‬ائل تنظيم النس‪--‬ل والق‪--‬درة املادي‪--‬ة على تربي‪--‬ة األطف‪--‬ال‪ .‬وق‪--‬رر أن ك‪--‬ل عام‪--‬ل من ه‪--‬ذه‬
‫العوامل املباشرة مرتبط جمموعة من العوامل األخرى فالقدرة على اإلجناب مثال تتوقف على طول فرتة‬
‫(‪)1‬‬
‫احلياة الزوجية وهذه بدورها تتوقف على سن الزواج عادة وفقا لعوامل اجتماعية واقتصادية‬
‫أم‪--‬ا العوام‪--‬ل غ‪--‬ري املباش‪-‬رة فهي العوام‪--‬ل املادي‪-‬ة‪ ،‬وم‪--‬ع أن تأثريه‪-‬ا على اخلص‪--‬وبة غ‪--‬ري مباش‪-‬ر‪ ،‬إال أهنا حتدد‬
‫أث ‪--‬ر العوام ‪--‬ل األخ ‪--‬رى‪ ،‬ب ‪--‬ل وحتدد أحيان ‪--‬ا وج ‪--‬ود ه ‪--‬ذه العوام ‪--‬ل ذاهتا وهي ال ‪--‬يت يك ‪--‬ون هلا يف التحلي ‪--‬ل‬
‫النهائي أكرب األثر على معدالت اخلصوبة‪.‬‬
‫ال‪--‬دليل على ذل‪--‬ك أن الرغب‪--‬ة يف تك‪--‬وين أس‪--‬رة كب‪--‬رية‪ ،‬وهي رغب‪--‬ة منتش‪--‬رة يف معظم ال‪--‬دول النامي‪--‬ة ترج‪--‬ع‬ ‫ب‪.‬‬
‫يف أص ‪--‬لها الت‪--‬ارخيي إىل ص ‪--‬عوبة الظ‪--‬روف املادي‪--‬ة ال‪--‬يت تواج‪--‬ه ه ‪--‬ذه اجملتمع ‪--‬ات يف املاض ‪--‬ي‪ ،‬أمهه ‪--‬ا ارتف ‪--‬اع‬
‫معدل الوفيات‪ .‬وكان الرأي العام والقواعد األخالقية‪ ،‬وقواعد الزواج والتعاليم الديني‪--‬ة ‪ -‬كله‪--‬ا تعم‪--‬ل‬
‫على تدعيم التقاليد القومية املشجعة على اإلجناب وهذه العوامل األيديولوجية اليت تكونت حول نظام‬
‫األس ‪--‬رة الكب ‪--‬رية ‪ -‬مثله ‪--‬ا مث ‪--‬ل األمناط األيديولوجي ‪--‬ة األخ ‪--‬رى ‪ -‬أص ‪--‬بحت على م ‪--‬رور ال ‪--‬زمن مس ‪--‬تقلة‬
‫اس ‪--‬تقالال نس ‪--‬بيا عن العوام ‪--‬ل املادي ‪--‬ة ال ‪--‬يت أوج ‪--‬دهتا – ونتيج ‪--‬ة ل ‪--‬ذلك فإن ‪--‬ه ع ‪--‬ادة ال ت ‪--‬زال األس ‪--‬ر الكب ‪--‬رية‬
‫موج ‪--‬ودة يف اجملتمع ‪--‬ات النامي ‪--‬ة‪ .‬ورغم اختف ‪--‬اء الس ‪--‬بب املادي األساس ‪--‬ي ال ‪--‬ذي أوج ‪--‬دها‪ ،‬وه ‪--‬و ارتف ‪--‬اع‬
‫معدل الوفيات‪.‬‬
‫غ ‪--‬ري أن بعض العوام ‪--‬ل املادي ‪--‬ة األخ ‪--‬رى املؤثرة على ارتف ‪--‬اع اخلص ‪--‬وبة م ‪--‬ا زالت تلعب دوره ‪--‬ا يف بعض‬ ‫ج‪.‬‬
‫اجملتمع‪-- -‬ات النامي ‪--‬ة وهي عوام‪-- -‬ل مرتبط ‪--‬ة بطبيع‪-- -‬ة النش ‪--‬اط االقتص‪-- -‬ادي يف ه‪-- -‬ذه ال ‪--‬دول‪ ،‬ذل ‪--‬ك النش ‪--‬اط‬
‫االقتص ‪--‬ادي ال‪--‬ذي يتطلب أي‪--‬دي عامل‪--‬ة رخيص ‪--‬ة وكث‪--‬رية‪ .‬إم ‪--‬ا اعتم‪--‬اد ال‪--‬دول النامي‪--‬ة على الزراع ‪--‬ة دون‬
‫غريه ‪--‬ا من األنش ‪--‬طة االقتص ‪--‬ادية األخ ‪--‬رى ف ‪--‬ريجع إىل سياس ‪--‬ة االس ‪--‬تعمار ال ‪--‬يت ك ‪--‬انت ت ‪--‬رغب دائم ‪--‬ا يف‬
‫احلص ‪--‬ول على املواد اخلام‪ ،‬فك ‪--‬انت تش ‪--‬جع الزراع ‪--‬ة وتعم ‪--‬ل على ت ‪--‬أخري الص ‪--‬ناعة‪ .‬وق ‪--‬د أدى ذل ‪--‬ك إىل‬
‫االكتظاظ النسيب بالسكان يف املناطق الزراعية وإىل ختلف الصناعة‪ ،‬وهذا هو أصل املشكلة االقتصادية‬
‫والدميوجرافية اليت تعاين منها الدول النامية (‪.)2‬‬

‫‪ )(1‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪75‬‬


‫‪ )(2‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.76‬‬

‫‪95‬‬
‫ومن هنا يتضح مدى التماثل بني آراء (ماركس) وآراء (كوزولوف )‪ ،‬إذ كان األول يرى أن الرأمساليني هم الذين‬
‫يش‪-- - -‬جعون الطبق‪-- - -‬ة العامل‪-- - -‬ة على ك‪-- - -‬ثرة اإلجناب لكي جيدوا دائم ‪ً- - -‬ا فائض ‪ً- - -‬ا من العمال‪-- - -‬ة ميكنهم من خفض األج‪-- - -‬ور‬
‫باستمرار‪ ،‬وأشار الثاين إىل أن الدول االستعمارية هي السبب يف الزيادة السكانية اليت تعاين منها الدول النامي‪--‬ة ألهنا‬
‫كانت تريد احلصول على املواد اخلام فتشجع الزراع‪-‬ة وتعم‪-‬ل على ت‪-‬أخري الص‪-‬ناعة‪ .‬ويب‪-‬دو إذن أن (كوزول‪-‬وف) ق‪-‬ام‬
‫مبحاولة لتطوير النظرية املاركسية يف السكان حبيث تتالءم مع األوضاع السائدة يف الدول النامية(‪.)1‬‬

‫الفصل الرابع‬

‫منهج البحث في علم اجتماع السكان‬


‫تمهيد‬

‫‪ )(1‬وداد سليمان ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.86 - 70‬‬

‫‪96‬‬
‫تنتمي دراس‪--‬ة الس‪--‬كان إىل تل‪--‬ك اجملموع‪--‬ة من العل‪--‬وم األمبرييق‪--‬ة ال‪--‬يت تص‪--‬ل إىل معلوماهتا وبياناهتا ومعطياهتا عن طري‪--‬ق‬
‫املالحظة وتسجيل األحداث اليت تقع بطريقة طبيعية يف العامل اخلارجي‪ ،‬وذل‪-‬ك مبقارنته‪-‬ا بتل‪-‬ك املعلوم‪-‬ات ال‪-‬يت جتم‪-‬ع‬
‫بواس ‪--‬طة التج ‪--‬ارب ال ‪--‬يت جتري يف املعم ‪--‬ل يف ظ ‪--‬روف مض ‪--‬بوطة إىل درج ‪--‬ة م ‪--‬ا بواس ‪--‬طة اجملرب‪ ،‬ومن هن ‪--‬ا ف ‪--‬إن دراس ‪--‬ة‬
‫السكان ال ختتلف من هذه الناحية عن علوم مثل الفلك واجلغرافيا وااليكولوجيا واالقتصاد واالجتماع‪.‬‬

‫والواق‪--‬ع أن املعطي‪--‬ات ال‪--‬يت تبحث عنه‪--‬ا تل‪--‬ك العل‪--‬وم القائم‪--‬ة على املالحظ‪--‬ة منتش‪--‬رة بطبيعته‪--‬ا‪ ،‬مبع‪--‬ىن أن الب‪--‬احث الف‪--‬رد‬
‫والق‪-‬ائم باملالحظ‪-‬ة ال يأم‪-‬ل أو يس‪-‬تطيع شخص‪-‬يًا إال مجع نس‪-‬بة بس‪-‬يطة من املعطي‪-‬ات الالزم‪-‬ة الختب‪-‬ار القض‪-‬ايا النظري‪-‬ة‬
‫والتفسريية ذات الداللة بالنسبة للعلم الذي ينتمي إليه‪ .‬وانتشار معطيات هذه العلوم يف املكان والزمان جيع‪--‬ل مجعه‪--‬ا‬
‫يف حاج ‪--‬ة إىل عدي ‪--‬د من املالحظني ال ‪--‬ذين يتمكن ‪--‬ون من االنتش ‪--‬ار يف ه ‪--‬ذا النط ‪--‬اق‪ .‬ول ‪--‬ذلك ف ‪--‬إن معطي ‪--‬ات دراس ‪--‬ة‬
‫الس ‪--‬كان جتم ‪--‬ع مبعرف ‪--‬ة مالحظني م ‪--‬دربني يف عملي ‪--‬ات الع ‪--‬د يغط ‪--‬ون مس ‪--‬احة كب ‪--‬رية من األرض أو مبعرف ‪--‬ة ف ‪--‬رق من‬
‫املوظفني املدربني على التس ‪--‬جيل جلم ‪--‬ع وتس ‪--‬جيل اإلح ‪--‬داث احليوي ‪--‬ة أو احلرك ‪--‬ات الس ‪--‬كانية يف ه ‪--‬ذا املك ‪--‬ان ويتطلب‬
‫توف‪--‬ري معلوم‪--‬ات ثابت‪--‬ة ح‪--‬ول عملي‪--‬ات التغ‪--‬ري الس‪--‬كاين تك‪--‬رار عملي‪--‬ات تع‪--‬داد الس‪--‬كان من وقت ألخ‪--‬ر واس‪--‬تمرار مجع‬
‫املعلومات املسجلة عرب الزمن(‪ .)1‬ومن هنا كان التعداد والتسجيل احليوي مبثابة مصادر أساسية للمعلوم‪-‬ات ومن‪-‬اهج‬
‫حيوي‪-- -‬ة يف حبث الظ‪-- -‬واهر الس‪-- -‬كانية س‪-- -‬واء يف علم اجتم‪-- -‬اع الس‪-- -‬كان أو يف الدراس‪-- -‬ات الس‪-- -‬كانية‪ .‬والش‪-- -‬يء اجلدير‬
‫باملالحظة قبل اخلوض يف تفاصيل مناهج البحث يف علم اجتماع السكان موضوع الفصل احلايل أوًال باعتباره نوع ‪ً-‬ا‬
‫من أنواع الدراسات السكانية يعتم‪-‬د على نفس املن‪-‬اهج واإلج‪-‬راءات املنهجي‪-‬ة املتبع‪-‬ة يف خمتل‪-‬ف الدراس‪-‬ات الس‪-‬كانية‬
‫وخاص‪--‬ة إج‪--‬راءات التع‪--‬داد والتس‪--‬جيل احلي‪--‬وي كط‪--‬رق يف توف‪--‬ري البيان‪--‬ات واملعطي‪--‬ات الس‪--‬كانية يف ه‪--‬ذا الص‪--‬دد يعتم‪--‬د‬
‫أيض ‪ً- -‬ا‪ ،‬وثاني ‪ً- -‬ا باعتب‪-- -‬اره واح‪-- -‬دًا من ف‪-- -‬روع علم االجتم‪-- -‬اع النامي‪-- -‬ة ح‪-- -‬ديثًا يعتم‪-- -‬د على من‪-- -‬اهج وإج‪-- -‬راءات البحث‬
‫االجتم ‪--‬اعي لتعين ‪--‬ه من ناحي ‪--‬ة يف التغلب على مش ‪--‬كالت التع ‪--‬داد والتس ‪--‬جيل احلي ‪--‬وي وتس ‪--‬اعد من ناحي ‪--‬ة ثاني ‪--‬ة على‬
‫تكمل‪--‬ه ج‪--‬وانب النقص يف املادة واملعطي‪--‬ات ال‪--‬يت يوفره‪--‬ا التع‪--‬داد والتس‪--‬جيل احلي‪--‬وي‪ .‬ول‪--‬ذلك حناول يف الفص‪--‬ل احلايل‬
‫حتليل مناهج البحث يف علم اجتماع الس‪-‬كان وجمموع‪-‬ة القواع‪-‬د املنهجي‪-‬ة الالزم‪-‬ة لدراس‪-‬ة الظ‪-‬واهر الس‪-‬كانية يف ه‪-‬ذا‬
‫امليدان‪.‬‬

‫أوًال‪ :‬المعطيات السكانية‬


‫)(‪1‬‬
‫‪P. M. Hauser & O. D. Duncan, The Data and Methods, in: The Study of Population edt., P. M Hauser, & 0. D,‬‬
‫‪, p. 45.‬م‪Duncan, The Univ. of Chicago Press, 1959‬‬

‫‪97‬‬
‫تقسم املعطيات واملعلومات واحلقائق والبيانات اليت يتعامل معها دارس السكان س‪--‬واء يف ال‪--‬دميوجرافيا أو الدراس‪--‬ات‬
‫السكانية اجلغرافية أو االقتصادية أو علم االجتماع إىل أربع جمموعات‪:‬‬

‫المجموعة األولى‬

‫وتشمل اخلصائص السكانية األساسية الالزمة لكل دراس‪-‬ة س‪-‬كانية‪ ،‬وال‪-‬يت تتعل‪-‬ق باملوالي‪-‬د والوفي‪-‬ات واهلج‪-‬رة وحجم‬
‫الس‪--‬كان وتوزي‪--‬ع الس‪--‬كان وم‪--‬ا إليه‪--‬ا وكله‪--‬ا معطي‪--‬ات أو حق‪--‬ائق جيد دارس الس‪--‬كان رص‪--‬يدًا ض‪--‬خمًا منه‪--‬ا يف تق‪--‬ارير‬
‫التعداد او كراساته ويف امللخصات اإلحصائية ويف الكتاب السنوي لإلحصاء أو غريها (‪.) 1‬‬

‫المجموعة الثانية‬

‫وتتكون من اخلصائص االجتماعية للس‪-‬كان مث‪-‬ل العم‪-‬ر والن‪-‬وع واجلنس أو العنص‪-‬ر وال‪-‬يت ت‪-‬ؤثر وتت‪-‬أثر بعوام‪-‬ل املوالي‪-‬د‬
‫والوفي ‪--‬ات واهلج ‪--‬رة وتك ‪--‬وين الس ‪--‬كان والبيان ‪--‬ات املتعلق ‪--‬ة بتل ‪--‬ك اخلص ‪--‬ائص االجتماعي ‪--‬ة ق ‪--‬د جندها مت ‪--‬وفرة يف نفس‬
‫املصادر الثالثة السابق اإلشارة إليها يف اجملموعة األوىل‪.‬‬

‫المجموعة الثالثة‬

‫وتش‪--‬مل األح‪--‬داث االجتماعي‪--‬ة وأح‪--‬وال الس‪--‬كان‪ ،‬وذل‪--‬ك مث‪--‬ل ال‪--‬زواج والطالق وال‪--‬دخل الس‪--‬نوي ومس‪--‬توى التعليم‬
‫واملهنة واإلسكان أو العمل والبطال‪-‬ة والس‪-‬لوك االنتخ‪-‬ايب وعض‪-‬وية احلزب والص‪-‬حة ومع‪-‬دل املرض واجلرمية واألفع‪-‬ال‬
‫االحنرافية واإلقامة يف الريف واحلضر وملكية املنازل والسيارات‪ ...‬اخل‪.‬‬

‫والواق‪--‬ع أن الت‪--‬داخل واض‪--‬ح بني متغ‪--‬ريات اجملموع‪--‬ة الثالث‪--‬ة وبني املتغ‪--‬ريات أو املعطي‪--‬ات الس‪--‬كانية مث‪--‬ل امليالد والوف‪--‬اة‬
‫واهلج‪--‬رة وتك‪--‬وين الس‪--‬كان وحجمهم‪ .‬ف‪--‬الزواج والطالق وال‪--‬دخل والتعليم ت‪--‬ؤثر كله‪--‬ا يف مع‪--‬دل املوالي‪--‬د‪ .‬كم‪--‬ا ميكن‬
‫أن يؤثر الدخل وتوفر فرص العمل يف حالة اإلسكان ويف معدل اهلجرة‪.‬‬

‫وعلى ال‪--‬رغم من أن‪--‬ه جيب البحث يف البيان‪--‬ات واملعطي‪--‬ات املتعلق‪--‬ة مبتغ‪--‬ريات اجملموع‪--‬ة الثالث‪--‬ة حس‪--‬ب املوض‪--‬وع‪ ،‬إال أن‬
‫غالبي ‪--‬ة ه ‪--‬ذه املعطي ‪--‬ات جندها مت ‪--‬وفرة يف تق ‪--‬ارير التع ‪--‬دادات وكراس ‪--‬اته‪ ،‬ومك ‪--‬اتب اإلحص ‪--‬ائيات احليوي ‪--‬ة والتس ‪--‬جيل‬
‫احلي‪--‬وي وخاص‪--‬ة بيان‪--‬ات ال‪--‬زواج والطالق وامليالد والوف‪--‬اة أم‪--‬ا املعلوم‪--‬ات واحلق‪--‬ائق املتعلق‪--‬ة باجلرمية واجلن‪--‬اح جندها يف‬

‫)(‪1‬‬
‫‪J. P, Wiseman & M. S Field Projects for Sociology Students, Schenkman Pub. San Francisco. Pp. 188 - 190.‬‬

‫‪98‬‬
‫إحصائيات وتقارير البحث اجلنائي والبوليس ونشاط احملاكم وإحصائيات السجون ومكاتب رعاية األحداث‪ .‬كم‪-‬ا‬
‫جند احلق‪--‬ائق املتعلق‪--‬ة ب‪--‬القوى العامل‪--‬ة واملوارد البش‪--‬رية والعمال‪--‬ة يف مك‪--‬اتب العم‪--‬ل والتعبئ‪--‬ة واإلحص‪--‬اء‪ .‬أم‪--‬ا البيان‪--‬ات‬
‫املتعلقة باإلنتاج الزراعي والصناعي والتعدين والصيد وجممل اإلنتاج القومي والتجارة والبنوك وغريها جندها متوفرة‬
‫يف أقس‪--‬ام اإلدارات الزراعي‪--‬ة والص‪--‬ناعية والتجاري‪--‬ة واملص‪--‬رفية وم‪--‬ا إليه‪--‬ا‪ ،‬كم‪--‬ا حتت‪--‬وي امللخص‪--‬ات اإلحص‪--‬ائية وتق‪--‬ارير‬
‫مراك ‪--‬ز البح‪-- -‬وث على بيان‪-- -‬ات خمت‪-- -‬ارة ح‪-- -‬ول كث‪-- -‬ري من اجلوانب الس‪-- -‬ابقة أو غريه‪-- -‬ا من ج‪-- -‬وانب احلي‪-- -‬اة االجتماعي ‪--‬ة‬
‫األخرى‪.‬‬

‫المجموعة الرابعة‬

‫وتنط ‪--‬وي على جمموع ‪--‬ة املعطي ‪--‬ات والبيان ‪--‬ات املتعلق ‪--‬ة باملكون ‪--‬ات البنائي ‪--‬ة للمجتمع ‪--‬ات وذل ‪--‬ك مث ‪--‬ل درج ‪--‬ة التحض ‪--‬ر‬
‫والتصنيع والتنمية واحلراك االجتماعي والطبقة االجتماعي‪-‬ة واألس‪-‬رة والقيم والثقاف‪-‬ة‪ .‬ومتث‪-‬ل متغ‪-‬ريات اجملموع‪-‬ة الرابع‪-‬ة‬
‫أكثر املتغريات أمهية‪ ،‬ألهنا متثل تصورات بنائية ابتكرها دارسوا السكان وخاصة يف علم االجتماع لتفسري التب‪--‬اين أو‬
‫االختالف يف متغ ‪--‬ريات اجملموع ‪--‬ة األوىل والثاني ‪--‬ة والثالث ‪--‬ة‪ .‬مث ‪--‬ل تفس ‪--‬ري التب ‪--‬اين يف مع ‪--‬دل اجلرمية ونس ‪--‬بة ال ‪--‬ذكورة إىل‬
‫األنوثة بإرجاعه إىل درجة التحضر أو تفسري االختالف يف معدل الصحة والتكوين العمري يف ضوء درج‪--‬ة التص‪--‬نيع‬
‫وهكذا(‪.)1‬‬

‫ثانيًا‪ :‬المصادر الرئيسية للمعطيات السكانية‬

‫ويتم احلص‪--‬ول على معظم معطي‪--‬ات دراس‪--‬ة الس‪--‬كان س‪--‬واء يف ال‪--‬دميوجرافيا أو الدراس‪--‬ات الس‪--‬كانية بأنواعه‪--‬ا املختلف‪--‬ة‬
‫ومنها علم اجتماع السكان من خالل عملية االتصال املباشر بالسكان ف‪--‬رادى لتق‪--‬دمي املعلوم‪--‬ات اخلاص‪--‬ة هبم يف ظ‪--‬ل‬
‫ظ ‪--‬روف معين ‪--‬ة أو ح ‪--‬ىت املعلوم‪-- -‬ات املتعلق‪-- -‬ة بغ‪-- -‬ريهم من األش ‪--‬خاص أو يتم احلص‪-- -‬ول على بعض معطي ‪--‬ات الدراس ‪--‬ة‬
‫الس ‪--‬كانية من خالل ط ‪--‬رق غ ‪--‬ري مباش ‪--‬رة تغنين ‪--‬ا يف ال ‪--‬وقت نفس ‪--‬ه عن املعطي ‪--‬ات ال ‪--‬يت مت احلص ‪--‬ول عليه ‪--‬ا مباش ‪--‬رة من‬
‫األشخاص‪ .‬وتنطوي املص‪-‬ادر املباش‪-‬رة للمعطي‪-‬ات الس‪-‬كانية على ثالث‪-‬ة أن‪-‬واع أوهلا ع‪-‬رف بني دارس‪-‬ي الس‪-‬كان باس‪-‬م‬
‫التعداد ‪ Census‬سواء الشامل منه أو بالعينة وثانيها نظ‪-‬ام التس‪-‬جيل احلي‪-‬وي‪ ،‬وثالثهم‪-‬ا البحث االجتم‪-‬اعي املي‪-‬داين‬
‫الذي جيريه عامل االجتماع‪ ،‬أما املصدر غري املباشر للمعطيات السكانية فهو الذي ع‪-‬رف بني دارس‪-‬ي الس‪-‬كان باس‪-‬م‬

‫)(‪1‬‬
‫‪Ibid. pp. 190 - 192.‬‬

‫‪99‬‬
‫البيان ‪--‬ات اجلاهزة‪ ،‬وميث ‪--‬ل خمتل ‪--‬ف اإلحص ‪--‬ائيات واملعطي ‪--‬ات والبيان ‪--‬ات ال ‪--‬يت يتم احلص ‪--‬ول عليه ‪--‬ا يف إط ‪--‬ار واجب ‪--‬ات أو‬
‫إعمال إدارية متباينة وال‪-‬يت ت‪-‬وفر معطي‪-‬ات لدراس‪-‬ة الس‪-‬كان كنتيج‪-‬ة فرعي‪-‬ة أو جانبي‪-‬ة لقيامه‪-‬ا مبهامه‪-‬ا وواجباهتا ه‪-‬ذه‪،‬‬
‫ويتطلب ك ‪--‬ل مص ‪--‬در من ه ‪--‬ذه املص ‪--‬ادر للمعطي ‪--‬ات الس ‪--‬كانية س ‪--‬لطة مركزي ‪--‬ة منظم ‪--‬ة ع ‪--‬ادة م ‪--‬ا تك ‪--‬ون الدول ‪--‬ة‪ ،‬كم ‪--‬ا‬
‫يتطلب مجع اإلحصائيات السكانية من خالل أي‪-‬ة مص‪-‬ادر منه‪-‬ا تعبئ‪-‬ة م‪-‬وارد اقتص‪-‬ادية ض‪-‬خمة ألهنا عملي‪-‬ات مكلف‪-‬ة‪.‬‬
‫ويتوق ‪--‬ف اكتم ‪--‬ال ودق ‪--‬ة م ‪--‬ا ت ‪--‬وفره ه ‪--‬ذه املص ‪--‬ادر من معطي ‪--‬ات ولدرج ‪--‬ة كب ‪--‬رية على االجتاه ‪--‬ات واملس ‪--‬توى الفك ‪--‬ري‬
‫(‪.)1‬‬
‫للسكان موضوع الدراسة السكانية وهكذا‬

‫ثالثًا‪ :‬التعداد‬

‫هن‪--‬اك ج‪--‬وانب كث‪--‬رية للتع‪--‬داد كمص‪--‬در مباش‪--‬ر للمعطي‪--‬ات الس‪--‬كانية وطريق‪--‬ة أساس‪--‬ية يف دراس‪--‬ة الس‪--‬كان منه‪--‬ا ت‪--‬اريخ‬
‫التعداد‪ ،‬وعاملي‪-‬ة التع‪-‬داد وتعريف‪-‬ة والقيم‪-‬ة العام‪-‬ة ل‪-‬ه وأس‪-‬ه وخصائص‪-‬ه واملوض‪-‬وعات ال‪-‬يت يتناوهلا وإجراءات‪-‬ه وص‪-‬عوباته‬
‫أو ثغراته قد يساعد حتليلها يف إلقاء الضوء على حقيقة التعداد يف مجلته‪.‬‬

‫تاريخ التعداد‬

‫للتعداد كطريقة يف توفري املعطيات السكانية تاريخ طويل إذ يشري االجنيل إىل ضرورة معرفة أعداد السكان من أجل‬
‫الضرائب وحتديد إمكاني‪-‬ة توف‪-‬ري املوارد العس‪-‬كرية للدول‪-‬ة‪ .‬كم‪-‬ا ي‪-‬رد البعض عملي‪-‬ة حص‪-‬ر الس‪-‬كان أو ع‪-‬دهم إىل ع‪-‬ام‬
‫‪ 3000‬قب ‪--‬ل امليالد حيث ع ‪--‬رف الب ‪--‬ابليون أمهي ‪--‬ة ه ‪--‬ذا الع ‪--‬د‪ .‬ويف ع ‪--‬ام ‪ 3000‬قب ‪--‬ل امليالد ع ‪--‬رف الص ‪--‬ينيون ض ‪--‬رورة‬
‫التعداد‪ .‬وإن كانت طبيع‪-‬ة ه‪-‬ذه التع‪-‬دادات غ‪-‬ري معروف‪-‬ة كم‪-‬ا ك‪-‬انت بالغ‪-‬ة الغم‪-‬وض باملقارن‪-‬ة بالتع‪-‬دادات ال‪-‬يت نعرفه‪-‬ا‬
‫يف العصر احلديث‪.‬‬

‫وحيدد البعض ع ‪--‬ام ‪ 1666‬كبداي ‪--‬ة حقيقي ‪--‬ة ألول تع ‪--‬داد يف الع ‪--‬امل ق ‪--‬ام ب ‪--‬ه الكوبي ‪--‬ك ‪ ،Quebec‬مث أج ‪--‬ري ع ‪--‬ام‬
‫‪ 1790‬أول تعداد يف الواليات املتح‪-‬دة األمريكي‪-‬ة يلي‪-‬ه تع‪-‬داد إجنل‪-‬رتا يف ع‪-‬ام ‪ ،1801‬مث يف اهلن‪-‬د ع‪-‬ام ‪ ،1881‬ويف‬
‫مصر عام ‪.)2( 1882‬‬

‫عالمية التعداد‬

‫)(‪1‬‬
‫‪P. M, Hauser, & 0. D. Duncan, The Data and Methods, Op. cit., pp. 47 - 48.‬‬
‫)(‪2‬‬
‫‪, pp. 3 - 4.‬م‪C. B. Nam, Population & Society, EDT., Houghton Mifflin Company, New York, 1968‬‬

‫‪100‬‬
‫ويف ع‪--‬ام ‪1960‬م أخ‪--‬ذ ح‪--‬وايل ‪ % 80‬من بالد الع‪--‬امل بنظ‪--‬ام التع‪--‬داد وه‪--‬ذا ميث‪--‬ل أعلى نس‪--‬بة س‪--‬جلت لس‪--‬كان الع‪--‬امل‬
‫خالل التاريخ‪ .‬بالرغم من أنه قد عدم دقة عمليات الع‪-‬د يف بعض ه‪-‬ذه التع‪-‬دادات كم‪-‬ا عن‪-‬ه الربن‪-‬امج الع‪-‬املي للتع‪-‬داد‬
‫الت ‪--‬ابع لألمم املتح ‪--‬دة يف ع ‪--‬ام ‪1960‬م‪ .‬وه ‪--‬ذا راج ‪--‬ع إىل أن معظم عملي ‪--‬ات الع ‪--‬د تتم على أس ‪--‬اس تق ‪--‬ديرات أع ‪--‬داد‬
‫السكان أكثر منه عدًا فعليًا‪ .‬كما أن توفر فرص التعداد قد اختلف من مكان آلخر إىل درجة كبرية‪ .‬إذ يق‪-‬رر لين‪-‬در‬
‫‪ Linder‬أن ثلثي سكان أفريقيا قد توفرت هلم فرص التعداد خالل عام ‪1950‬م فق‪--‬ط بينم‪-‬ا مت ع‪--‬د ‪ % 100‬من‬
‫س‪--‬كان أوروب‪--‬ا خالل ه ‪--‬ذه الف ‪--‬رتة‪ ،‬وبينم‪--‬ا تأخ‪--‬ذ بعض البالد بنظ‪--‬ام التع ‪--‬داد ال‪--‬دوري ك‪--‬ل مخس س‪--‬نوات أو عش‪--‬رة‪،‬‬
‫فهناك بالد مل جير فيها أية تعداد باملرة(‪.)1‬‬

‫تعريف التعداد‬

‫هناك تعريفات متباينة للتعداد منها أن التعداد عبارة عن عملية إحصائية هلا قيمة كبرية لكل بل‪--‬د وه‪--‬و املص‪--‬در األول‬
‫للحق ‪--‬ائق الس ‪--‬كانية الالزم ‪--‬ة للتخطي ‪--‬ط االجتم ‪--‬اعي واالقتص ‪--‬ادي على املس ‪--‬توى الع ‪--‬املي والق ‪--‬ومي‪ ،‬ويعت ‪--‬رب ض ‪--‬روري‬
‫للسياس‪-- -‬ة احلكومي‪-- -‬ة يف اجملاالت املختلف‪-- -‬ة وذل‪-- -‬ك لتس‪-- -‬هيل نش‪-- -‬اطها يف احلاض‪-- -‬ر واملس‪-- -‬تقبل كم‪-- -‬ا أن هلا ض ‪--‬رورهتا يف‬
‫(‪)2‬‬
‫التحليالت العلمية لتوزيع وتغري السكان‬

‫ويف تعريف ث‪-‬ان للتع‪-‬داد حيدد بأن‪-‬ه عملي‪-‬ة مجع وتنس‪-‬يق ونش‪-‬ر للمعطي‪-‬ات الس‪-‬كانية واالقتص‪-‬ادية واالجتماعي‪-‬ة املتعلق‪-‬ة‬
‫بك‪--‬ل األش‪--‬خاص يف بل‪--‬د م‪--‬ا أو يف غريه‪--‬ا من املن‪--‬اطق احملددة يف وقت حمدد أو أوق‪--‬ات معين‪--‬ة‪ .‬والتع‪--‬داد عملي‪--‬ة مكلف‪--‬ة‬
‫وحيتاج خطة مسبقة وإعداد وعمل متقن يؤدي إىل إجياز النتائج(‪.)3‬‬

‫ويف تعريف ثالث حتدد كلمة التع‪-‬داد يف االس‪-‬تعمال احلديث بأهنا ع‪-‬د مجي‪-‬ع الس‪-‬كان على املس‪-‬توى الق‪-‬ومي‪ ،‬وحيص‪--‬ل‬
‫علي‪--‬ه عن طري‪--‬ق زي‪--‬ارة مباش‪--‬رة لك‪--‬ل ش‪--‬خص أو اس‪--‬رة يف اجملتم‪--‬ع وهي عملي‪--‬ة كب‪--‬رية ومعق‪--‬دة ويتم التع‪--‬داد يف ت‪--‬اريخ‬
‫(‪)4‬‬
‫حمدد وجتري أغلب الدول تعداداهتا على فرتات منتظمة كل مخس او عشر سنوات‬

‫)(‪1‬‬
‫‪P. M. Hauser, & O. D. Duncan. The Data and Methods, Op, Cit., p. 46.‬‬
‫)(‪2‬‬
‫‪Statistical office of The United Nations, The Utility and Modern Conception of Population Ceusus, in: C. B. Nam,‬‬
‫‪Population and Society, op. cit., P. 6.‬‬
‫‪ )(3‬جورج باركلي ‪ ،‬أساليب تحليل البيانات السكانية ‪ ،‬ترجمة عربية إشراف دكتور المنعم ناصر الشافعي ‪ ،‬دار الكتب‪.‬الجامعية‪.‬القاهره ‪1968‬م ص ‪4‬‬
‫()‪4‬‬
‫‪C. B. Nam, Op. cit, p. 4.‬‬

‫‪101‬‬
‫وإذا أردن‪--‬ا أن ن‪--‬وجز ه‪--‬ذه التعريف‪--‬ات يف تعري‪--‬ف واح‪--‬د ش‪--‬امل للتع‪--‬داد ميكن الق‪--‬ول ب‪--‬أن التع‪--‬داد عملي‪--‬ة إحص‪--‬ائية تق‪--‬وم‬
‫على ع‪--‬د مجي‪--‬ع الس‪--‬كان على املس‪--‬توى الق‪--‬ومي عن طري‪--‬ق الزي‪--‬ارة املباش‪--‬رة لك‪--‬ل ش‪--‬خص أو أس‪--‬ره يف البل‪--‬د ويف وقت‬
‫حمدد أو أوقات معينة أو على فرتات منتظمة كل مخس او عشر سنوات‪ ،‬مث يتم تنس‪-‬يق احلق‪-‬ائق ال‪-‬يت مت مجعه‪-‬ا وتنش‪-‬ر‬
‫بع‪--‬د ذل‪-‬ك ليس‪-‬تفاد منه‪--‬ا يف التخطي‪-‬ط االجتم‪-‬اعي واالقتص‪--‬ادي ووض‪--‬ع السياس‪-‬ات احلكومي‪-‬ة وغريه‪-‬ا على املس‪-‬تويات‬
‫القومية والعاملية‪.‬‬

‫أهمية التعداد‬

‫واس ‪--‬تنادا إىل ه ‪--‬ذا التعري ‪--‬ف أمكن حتدي ‪--‬د أمهي ‪--‬ة التع ‪--‬داد وفائدت ‪--‬ه يف تع ‪--‬يني االلتزام ‪--‬ات العس ‪--‬كرية والض ‪--‬ريبية والعملي ‪--‬ة‬
‫لألفراد يف اجملتم‪-‬ع‪ .‬مث يف التع‪-‬رف على عوام‪-‬ل اهلج‪-‬رة واخلص‪-‬وبة واخلص‪-‬ائص االقتص‪-‬ادية وحمددات األمن االجتم‪-‬اعي‬
‫اليت صاحبت التنمية االجتماعية واالقتصادية يف كث‪-‬ري من البل‪-‬دان‪ .‬وتوف‪-‬ري املعطي‪-‬ات ح‪-‬ول اخلص‪-‬ائص اهلام‪-‬ة للس‪-‬كان‬
‫وال‪--‬يت حتتاجه‪--‬ا احلكوم‪--‬ات واملص‪--‬احل والتعليم والعم‪--‬ل وهيئ‪--‬ات البحث ومجه‪--‬ور املواط‪--‬نني (‪ ،)1‬س‪--‬واء يف التخطي‪--‬ط أو‬
‫السياسة أو التنفيذ أو يف مواجهة وحل املشاكل اليومية وامللحة‪.‬‬

‫أسس التعداد‬

‫هن‪--‬اك أس‪--‬س خمتلف‪--‬ة لع‪--‬د الس‪--‬كان‪ ،‬إم‪--‬ا ع‪--‬د الن‪--‬اس املوج‪--‬ودين يف حلظ‪--‬ة زمني‪--‬ة معين‪--‬ة وه‪--‬ذا م‪--‬ا يع‪--‬رف بتع‪--‬داد الس‪--‬كان‬
‫الفعلي‪ ،‬أو ع ‪--‬د الن ‪--‬اس املوج ‪--‬ودين ع ‪--‬ادة يف مك ‪--‬ان معني وه ‪--‬و م ‪--‬ا يع ‪--‬رف بتع ‪--‬داد الس ‪--‬كان النظ ‪--‬ري‪ .‬وملا ك ‪--‬ان ه ‪--‬ذان‬
‫األساس ‪--‬ان لع ‪--‬د الس ‪--‬كان ينتج عنهم ‪--‬ا حجم ‪--‬ان خمتلف ‪--‬ان للس ‪--‬كان يف نفس الدول ‪--‬ة أو البل ‪--‬د ألن الن ‪--‬اس الغ ‪--‬ائبون عن‬
‫منازهلم مؤقتًا يعدون يف مكان طبقًا لألساس األول‪ ،‬ويف مكان آخر طبقًا لألساس الثاين‪ ،‬من هنا ظهر أس‪--‬اس ث‪--‬الث‬
‫لعد السكان عرف باس‪-‬م األس‪-‬لوب الكام‪-‬ل أو الص‪-‬حيح يف ع‪-‬د الس‪-‬كان وال‪-‬ذي يتب‪-‬ع األس‪-‬س املش‪-‬رتكة يف التع‪-‬دادين‬
‫الفعلي والنظري (‪.)2‬‬

‫الخصائص الجوهرية للتعداد‬

‫ولقد أمكن حتديد وحصر عدد من اخلصائص اجلوهرية اليت يتميز هبا التعداد اجليد على النحو التايل‪:‬‬
‫()‪1‬‬
‫‪Statistical office of The United Nations, The Utility and Modern Conception of Population Ceusus, in : C, B, Nam,‬‬
‫‪Population Society, Op, Cit., P. 6.‬‬
‫‪ )(2‬جورج باركلي ‪ ،‬أساليب تحليل البيانات السكانية ‪ ،‬مرجع سابق ص ‪6‬‬

‫‪102‬‬
‫الرقابة‪ :‬مبعىن أن كل تعداد تراقبه وجتربه احلكومة القومية وأحيانًا بالتعاون مع أجهزهتا احمللية‪.‬‬ ‫‪.1‬‬
‫األرض المحددة‪ :‬مبعىن أن ما يغطيه التعداد ال بد أن ال يتجاوز منطقة حمددة بدقة‪.‬‬ ‫‪.2‬‬
‫الشمول‪ :‬مبعىن أن عملية العد جيب أن تشمل كل عضو يف اجملتمع داخل التعداد بدون حذف أو تكرار‪.‬‬ ‫‪.3‬‬
‫التوقيت‪ :‬مبعىن أنه جيب أن جيري التعداد يف حلظة زمنية حمددة‪.‬‬ ‫‪.4‬‬
‫الوحــدات الفرديــة‪ :‬مبع‪--‬ىن أن البيان‪--‬ات متث‪--‬ل ك‪--‬ل ف‪--‬رد بطريق‪--‬ة تس‪--‬اعد على توف‪--‬ري املعلوم‪--‬ات ح‪--‬ول ك‪--‬ل أعض‪--‬اء‬ ‫‪.5‬‬
‫األسرة واجلماعة أو اجملتمع ككل‪.‬‬
‫االكتمال والنشر‪ :‬مبعىن أن التعداد ال يصل إىل شكله النهائي إال إذا اكتملت بياناته ونشر على اجلمهور (‪.) 1‬‬ ‫‪.6‬‬

‫إجراءات التعداد‬

‫أو خطوات إعداده وتشتمل على عمليات التخطيط للتعداد وتنفيذ التعداد مث إخراج التعداد‪:‬‬

‫تخطيط التعداد‬ ‫أ‪.‬‬

‫تعت‪--‬رب عملي‪--‬ة التخطي‪--‬ط للتع ‪--‬داد مبثاب‪--‬ة اخلط ‪--‬وة األوىل يف إع ‪--‬داده ويتوق‪--‬ف عليه ‪--‬ا جناح التع ‪--‬داد والوص ‪--‬ول إىل أهداف‪--‬ه‪،‬‬
‫ويس ‪--‬تلزم التخطي ‪--‬ط للتع ‪--‬داد مراجع ‪--‬ة الس ‪--‬لطة احلاكم ‪--‬ة من أج ‪--‬ل التع ‪--‬داد‪ ،‬وتق ‪--‬دير التك ‪--‬اليف وتوف ‪--‬ري امليزاني ‪--‬ة واختي ‪--‬ار‬
‫األس ‪--‬ئلة ال ‪--‬يت س ‪--‬توجه إىل اجلمه ‪--‬ور مث اختي ‪--‬ار أداة مجع البيان ‪--‬ات وحتدي ‪--‬د املن ‪--‬اطق اجلغرافي ‪--‬ة ال ‪--‬يت يش ‪--‬ملها التع ‪--‬داد مث‬
‫الت ‪-- -‬دريب واإلع ‪-- -‬داد وختطي ‪-- -‬ط النش ‪-- -‬رات واجلداول واالحتياج ‪-- -‬ات وإعالم اجلمه ‪-- -‬ور (‪ )2‬مث مجع البيان ‪-- -‬ات وتنس ‪-- -‬يقها‬
‫وتصنيفها وحتليلها مث نشر نتائج التعداد يف صورة تسهل معها االفادة من هذه النتائج‪.‬‬

‫تنفيذ التعداد‬ ‫ب‪.‬‬

‫حيتاج تنفيذ التعداد إىل عدة خطوات أساسية من أمهها‪ ،‬التأكد من مشول التعداد وعدم تكرار واكتم‪--‬ال املنطق‪--‬ة ال‪--‬يت‬
‫قص ‪--‬دت تغطيته‪-- -‬ا‪ ،‬مث تص‪-- -‬ميم كش‪-- -‬ف حبث أو اس‪-- -‬تخبار يش‪-- -‬تمل على االستفس‪-- -‬ارات والتس‪-- -‬اؤالت ال ‪--‬يت ي ‪--‬راد مجع‬

‫()‪1‬‬
‫‪Statistical office of The United Nations, The Utility and Modern Conception of Population Census, in : C. B. Nam,‬‬
‫‪Population and Society, op. cit., P. 7.‬‬
‫()‪2‬‬
‫‪U. S. Bureau of The Census, Fact Finder for the Nations, in: CB, Nam Population & Society, Op. Cit, p. 15.‬‬

‫‪103‬‬
‫اس‪--‬تجابات حوهلا‪ ،‬مث إج‪--‬راء مق‪--‬ابالت م‪--‬ع مجه‪--‬ور املبح‪--‬وثني بواس‪--‬طة الع‪--‬دادين ‪ ،Enumerators‬وأخ‪--‬ريًا معاجلة‬
‫املعلوم‪--‬ات ال‪--‬يت مت مجعه‪--‬ا للوص‪--‬ول إىل معطي‪--‬ات منس‪--‬قة ومنتظم‪--‬ة وميكن اإلف‪--‬ادة منه‪--‬ا‪ ،‬وتنقس‪--‬م ك‪--‬ل خط‪--‬وة من ه‪--‬ذه‬
‫اخلط‪--‬وات إىل سلس‪--‬لة من األس‪--‬اليب احملددة ت‪--‬ؤثر بطريق‪--‬ة فردي‪--‬ة أو مجعي‪--‬ة على ص‪--‬دق وثب‪--‬ات ودق‪--‬ة املعطي‪--‬ات ال‪--‬يت مت‬
‫مجعها(‪.)1‬‬

‫شمول التعداد‬

‫يبدو أن التباين الكبري وانتشار مواقع اإلقامة اإلنسانية وحترك السكان وصعوبة التوصل إليهم‪ ،‬ميث‪-‬ل عقب‪-‬ة أساس‪-‬ية يف‬
‫مواجه ‪--‬ة اجله ‪--‬ود حنو التع ‪--‬داد الكام ‪--‬ل أو الش ‪--‬امل وب ‪--‬رغم اجله ‪--‬ود املتتالي ‪--‬ة والتموي ‪--‬ل اهلائ ‪--‬ل ال ي ‪--‬زال التع ‪--‬داد بعي ‪--‬دًا عن‬
‫الكم‪--‬ال‪ .‬ومل يتم بع‪--‬د اكتش‪--‬اف األس‪--‬اليب املناس‪--‬بة لس‪--‬د ه‪--‬ذا النقص‪ .‬وم‪--‬ع ص‪--‬عوبة حتدي‪--‬د االكتم‪--‬ال يف التع‪--‬داد ف‪--‬إن‬
‫املعطيات اليت مت التوصل إليها تعترب مكتملة مبا فيه الكفاية وتصلح ألغراض حبثية متباينة‪ .‬على أن‪--‬ه من الض‪--‬روري أن‬
‫نصحح مثل هذه املعطيات حىت يسهل استخدامها يف جماالت البحث واإلدارة األخرى‪.‬‬

‫تصميم كشف البحث‬

‫وميث‪--‬ل تص‪--‬ميم كش‪--‬ف البحث أو االس‪--‬تخبار وإع‪--‬داد التعليم‪--‬ات الالزم‪--‬ة لإلجاب‪--‬ة علي‪--‬ه جانب‪ً-‬ا هام‪ً-‬ا من ج‪--‬وانب ط‪--‬رق‬
‫حبث الظ‪--‬واهر الس‪--‬كانية وأدوات مجع معطياهتا‪ .‬والواق‪--‬ع أن ه‪--‬ذه األدوات تعت‪--‬رب إىل درج‪--‬ة كب‪--‬رية نت‪--‬اج خلربة ودراي‪--‬ة‬
‫األش‪--‬خاص ال‪--‬ذين يص‪--‬مموهنا أك‪--‬ثر منه‪--‬ا تطبيق‪--‬ات لنظم قائم‪--‬ة على إج‪--‬راءات موض‪--‬وعية أو حمددة بدق‪--‬ة‪ .‬ولق‪--‬د تغ‪--‬ري‬
‫مض‪--‬مون كش‪--‬ف حبث التع‪--‬داد تغ‪--‬ريًا واض‪--‬حًا‪ ،‬خالل ق‪--‬رن ونص‪--‬ف من االس‪--‬تعانة بأس‪--‬لوب التع‪--‬داد كم‪--‬ا ك‪--‬ان لت‪--‬وفر‬
‫األجه‪--‬زة املتقدم‪--‬ة أث‪--‬ر على تق‪--‬نني وموض‪--‬وعية كش‪--‬ف البحث من حيث الش‪--‬كل‪ .‬وإن ك‪--‬انت بن‪--‬ود مض‪--‬مون كش‪--‬ف‬
‫البحث واملوض‪-‬وعات ال‪-‬يت تعكس حاج‪-‬ات احلكوم‪-‬ة واجملتم‪-‬ع يف حال‪-‬ة بدائي‪-‬ة نس‪-‬بيًا‪ .‬وب‪-‬الرغم من التق‪-‬دم ال‪-‬ذي حتق‪-‬ق‬
‫يف هذا امليدان بفضل اخلربة والتطبيق املنظم حلقائق علم االجتماع خاصة فيم‪-‬ا يتعل‪-‬ق باملقابل‪-‬ة الشخص‪--‬ية‪ ،‬فلق‪--‬د أدت‬
‫التطورات يف استخدام األسئلة املفتوحة النهاية واملقفول‪-‬ة واملقنن‪-‬ة وغ‪-‬ري املقنن‪-‬ة والتسلس‪-‬ل القمعي لألس‪-‬ئلة واألس‪-‬اليب‬
‫غري املباشرة واألساليب االسقاطية وغريها إىل تزايد اجلهود يف سبيل توفري طرق أكثر تنسيقًا وموض‪-‬وعية يف تص‪-‬ميم‬
‫كشف البحث وتطوير مضمونة‪ .‬وإن كانت هذه اجلهود حديثة نسبيًا وال تزال يف ب‪-‬دايتها‪ ،‬وعموم‪ً-‬ا تنط‪-‬وي عملي‪-‬ة‬

‫)(‪1‬‬
‫‪P. M, Hauser, & O. D. Duncan. The Data and Methods, Op. Cit., p. 55.‬‬

‫‪104‬‬
‫تص‪-‬ميم كش‪-‬ف البحث على مش‪-‬كالت االتص‪-‬ال واملفهوم‪-‬ات واملع‪-‬اين الرمزي‪-‬ة واالس‪-‬تجابة والص‪-‬دق والثب‪-‬ات والدق‪-‬ة‬
‫يف القي ‪--‬اس وهي مش ‪--‬كالت ت ‪--‬ؤثر يف املعطي ‪--‬ات ال ‪--‬يت جيري عليه ‪--‬ا دارس الس ‪--‬كان حتليالت ‪--‬ه‪ ،‬وإن ك ‪--‬انت أيض‪ً- -‬ا اخلربة‬
‫والتطبيق املنظم حلقائق علم االجتماع كفيلة بالتغلب على مثل هذه املشكالت(‪.)1‬‬

‫ك ‪--‬أن هتتم اهليئ ‪--‬ة القائم ‪--‬ة على أم ‪--‬ر التع ‪--‬داد باالختب ‪--‬ار املب ‪--‬دئي ‪ Pretest‬لكش ‪--‬ف البحث والتعليم ‪--‬ات واإلج ‪--‬راءات‪،‬‬
‫وميث‪-‬ل ه‪-‬ذا االختب‪-‬ار جترب‪-‬ة تس‪-‬اعد على الدق‪-‬ة وص‪-‬قل األدوات وزي‪-‬ادة خ‪-‬ربة الب‪-‬احثني والتحكم يف أخط‪-‬اء االس‪-‬تجابة‬
‫والقياس وتساعد على توفري حقائق ميكن استخدامها يف التحقق من صدق وثبات نتائج التعداد‪.‬‬

‫المقابلة الشخصية‬

‫وتتمث‪--‬ل يف املوق‪--‬ف ال‪--‬ذي حيص‪--‬ل من خالل‪--‬ه الع‪--‬داد (الق‪--‬ائم بعملي‪--‬ة التع‪--‬داد) على اإلجاب‪--‬ات ال‪--‬يت تثريه‪--‬ا استفس‪--‬ارات‬
‫البحث ل‪--‬دى املفح‪--‬وص‪ .‬والواق‪--‬ع أن عملي‪--‬ة املقابل‪--‬ة الشخص‪--‬ية كخط‪--‬وة أساس‪--‬ية يف عملي‪--‬ة التع‪--‬داد تع‪--‬د مبثاب‪--‬ة األس‪-‬اس‬
‫الذي يستند إليه صدق وثبات املعلومات اليت مت احلصول عليها وتتح‪-‬دد دقته‪-‬ا‪ ،‬وتظه‪-‬ر يف موق‪-‬ف املقابل‪-‬ة الشخص‪-‬ية‬
‫ع‪--‬دة مش‪--‬كالت منه‪--‬ا معوق‪--‬ات االتص‪--‬ال من دواف‪--‬ع وح‪--‬واجز نفس‪--‬ية‪ ،‬واللغ‪--‬ة وع‪--‬دم الق‪--‬درة على التنب‪--‬ؤ بتت‪--‬ابع الس‪--‬لوك‬
‫ال‪--‬ذي ق‪--‬د يتم يف موق‪--‬ف التفاع‪--‬ل بني الع‪--‬داد واملفح‪--‬وص‪ .‬كم‪--‬ا يرج‪--‬ع خط‪--‬أ االس‪--‬تجابة يف املقابل‪--‬ة الشخص‪--‬ية إىل قي‪--‬ام‬
‫الع‪-‬داد ع‪-‬ادة جيم‪-‬ع املعلوم‪-‬ات عن ك‪-‬ل أعض‪-‬اء األس‪-‬رة من عض‪-‬و واح‪-‬د فق‪-‬ط منه‪-‬ا ع‪-‬ادة م‪-‬ا يك‪-‬ون عض‪-‬و املنزل الب‪-‬الغ‬
‫والذي يسهل وجوده يف املنزل عند القيام بعملية التعداد (‪ .)2‬ولقد ابتك‪-‬رت أس‪-‬اليب متباين‪-‬ة مبعرف‪-‬ة علم‪-‬اء االجتم‪-‬اع‬
‫خاصة للتقليل من أسباب اخلطا هذه والتغلب على هذه املشكالت من أمهها استخدام أسلوب العد ال‪--‬ذايت ‪Self -‬‬
‫‪| enumeration‬‬

‫جمهور التعداد‬

‫وإذا ك‪-‬ان مجه‪--‬ور التع‪--‬داد يتمث‪-‬ل يف كاف‪-‬ة الس‪-‬كان أو يف إمجايل جمم‪--‬وع الس‪-‬كان يف البل‪-‬د ال‪-‬ذي جيري ب‪-‬ه التع‪--‬داد ف‪-‬إن‬
‫نوعية املشكالت اليت تواجه القائمني على أمر التعداد ختتلف عم‪-‬ا إذا ك‪-‬ان اجلمه‪--‬ور يتمث‪-‬ل يف ج‪-‬زء فق‪--‬ط من ه‪--‬ؤالء‬
‫أو يف عين‪--‬ة جيري عليه‪--‬ا التع‪--‬داد للدالل‪--‬ة على أح‪--‬وال الك‪--‬ل‪ .‬ذل‪--‬ك ألن عملي‪--‬ة اختي‪--‬ار ج‪--‬زء لكي ميث‪--‬ل كال جيري علي‪--‬ه‬
‫التع‪--‬داد وتس‪--‬تخلص من‪--‬ه اس‪--‬تنتاجات تنطب‪--‬ق على الك‪--‬ل يعت‪--‬رب مش‪--‬كلة يف ح‪--‬د ذات‪--‬ه‪ .‬ذل‪--‬ك ألن األس‪--‬اليب احملددة ال‪--‬يت‬
‫)(‪1‬‬
‫‪Ibid, pp. 56 - 57.‬‬
‫)(‪2‬‬
‫‪Ibid, pp. 56 - 57.‬‬

‫‪105‬‬
‫يس‪--‬تعان هبا يف اختي‪--‬ار أو س‪--‬حب العين‪--‬ة املناس‪--‬بة ختتل‪--‬ف ب‪--‬اختالف طبيع‪--‬ة اجملتم‪--‬ع والظ‪--‬واهر ال‪--‬يت تق‪--‬وم بدراس‪--‬تها‪ .‬ففي‬
‫اجملتم‪--‬ع ال‪--‬ذي يتك‪--‬ون من وح‪--‬دات متجانس‪--‬ة متام ‪ً-‬ا ال يش‪--‬كل اختي‪--‬ار أي‪--‬ة وح‪--‬دة منه‪--‬ا مش‪--‬كلة ب‪--‬ل خيدم اهلدف‪ .‬وإمنا‬
‫يك ‪--‬ون األم ‪--‬ر ص ‪--‬عبًا إذا ك ‪--‬ان اجملتم ‪--‬ع مكون ‪ً-‬ا من وح ‪--‬دات غ ‪--‬ري متجانس ‪--‬ة‪ .‬وق ‪--‬د اس ‪--‬تطاعت التط ‪--‬ورات يف اإلحص ‪--‬اء‬
‫والرياضة واليت أدخلت على النظريات واملناهج أن جتعل مثل هذا االختيار أمرًا سهًال وموضوعيًا‪ .‬إذ مكنت الطرق‬
‫والنظريات اإلحصائية الباحثني من حساب نسبة اخلطأ يف عملية املعاينة‪ ،‬وجعلته يقف على ق‪--‬در الثق‪--‬ة يف الفروق‪--‬ات‬
‫بني النت‪--‬ائج ال‪--‬يت حص‪--‬ل عليه‪--‬ا من العين‪--‬ة وبني تل‪--‬ك النت‪--‬ائج ال‪--‬يت ق‪--‬د حيص‪--‬ل عليه‪--‬ا من التع‪--‬داد الكام‪--‬ل‪ ،‬حبيث جعلت‬
‫تلك التطورات يف النظرية والتطبيق من التعداد بالعينة وسيلة هلا قيمتها اهلامة يف الدراسات الس‪-‬كانية وخاص‪-‬ة نتيج‪-‬ة‬
‫االبتكار أساليب تصميم العينات العشوائية والبسيطة واملساحية وما اليها‪ .‬ولقد اتسع نطاق استخدام طريقة التعداد‬
‫بالعينة وقل استخدام نظام التعداد الكام‪-‬ل حيث تع‪-‬ددت يف ذات ال‪-‬وقت أغ‪-‬راض التع‪-‬داد وتط‪-‬ور نط‪-‬اق املوض‪-‬وعات‬
‫ال‪--‬يت ي‪--‬راد مجي‪--‬ع املعلوم‪--‬ات حوهلا‪ ،‬وحتس‪--‬ينه لنوعي‪--‬ة املعطي‪--‬ات وتقليل‪--‬ه للتك‪--‬اليف وال‪--‬وقت‪ ،‬وع‪--‬دد األش‪--‬خاص املعتم‪--‬د‬
‫عليهم يف عملية العد(‪.)1‬‬

‫معالجة المعطيات‬

‫وميكن تقس ‪--‬يم عملي ‪--‬ات معاجلة املعطي ‪--‬ات ال ‪--‬يت يوفره ‪--‬ا التع ‪--‬داد إىل عملي ‪--‬ة املراجع ‪--‬ة ‪ Editing‬والرتم ‪--‬يز والتص ‪--‬نيف‬
‫واجلدولة وإخراج النتائج يف صورة تقرير منشور واخلطوة اهلامة يف عمليات املراجع‪--‬ة والرتم‪--‬يز هي ال‪--‬يت تع‪--‬رف باس‪--‬م‬
‫تص‪--‬نيف املعطي‪--‬ات وتص‪--‬ميم فئ‪--‬ات وانس‪--‬اق التص‪--‬نيف ي‪--‬رد إليه‪--‬ا الكم اهلائ‪--‬ل من املعطي‪--‬ات ال‪--‬يت مت مجعه‪--‬ا وتطويعه‪--‬ا‬
‫ألغ ‪--‬راض البحث والتط‪-- -‬بيق‪ .‬والواق‪-- -‬ع أن عملي‪-- -‬ة التص‪-- -‬نيف تع‪-- -‬د عملي‪-- -‬ة مش‪-- -‬رتكة بني ك‪-- -‬ل العل‪-- -‬وم وهي واح ‪--‬دة من‬
‫العمليات ال‪-‬يت ق‪-‬د يك‪-‬ون هلا ت‪-‬أثريًا حيوي‪ً-‬ا على حتلي‪-‬ل املعطي‪-‬ات وعلى االس‪-‬تنتاجات ال‪-‬يت ميكن استخالص‪-‬ها ذل‪-‬ك ألن‬
‫هن‪--‬اك بن‪--‬ودًا يس‪--‬هل تص‪--‬نيفها مث‪--‬ل الن‪--‬وع والعم‪--‬ر وبالت‪--‬ايل فإهنا ال تواج‪--‬ه مش‪--‬كالت كب‪--‬رية يف تص‪--‬نيفها أم‪--‬ا البن‪--‬ود مث‪--‬ل‬
‫اللون واجلنس واحلالة الزواجية فإهنا تثري مشكالت كربى فيم‪-‬ا يتعل‪-‬ق بتص‪--‬ميم تص‪--‬نيف مالئم هلا من الناحي‪-‬ة النظري‪-‬ة‬
‫والتطبيقية وقد تشتمل أنساق وفئات التصنيف على فئات فرعية هلا طابعًا متعس‪-‬فًا أو على حتدي‪-‬دات وتعريف‪--‬ات غ‪--‬ري‬
‫واضحة‪ ،‬أو حيتمل أن يكون هناك تباين بني تصور الفئات وبني الواق‪-‬ع ال‪-‬ذي يش‪-‬ري إلي‪-‬ه‪ ،‬وإن ك‪-‬ان األخ‪-‬ذ مبث‪-‬ل ه‪-‬ذه‬
‫املقوالت يفرض نظامًا على عامل الظ‪-‬واهر ويس‪-‬هل علي‪-‬ه تن‪-‬اول ومعاجلة املعطي‪-‬ات عن‪-‬د البحث‪ ،‬إال أهنا ق‪-‬د ت‪-‬ؤدي إىل‬

‫)(‪1‬‬
‫‪Ibid, pp. 58 - 59.‬‬

‫‪106‬‬
‫أخط ‪--‬اء‪ ،‬فيص ‪--‬بح الط ‪--‬ابع التعس ‪--‬في للتص ‪--‬نيف ل ‪--‬ه أث ‪--‬ره على التحلي ‪--‬ل واالس ‪--‬تنتاج فيم ‪--‬ا يتعل ‪--‬ق باخلص ‪--‬ائص االقتص ‪--‬ادية‬
‫واالجتماعية والنفسية اليت قد يعين هبا دارسوا السكان وذلك مث‪-‬ل مؤش‪-‬رات املكان‪-‬ة االقتص‪-‬ادية واالجتماعي‪-‬ة واملهن‪-‬ة‬
‫والصناعة ومنط الشخصية والسمات واالجتاهات وما اليها‪.‬‬

‫وقد تظهر أثناء التحلي‪-‬ل مش‪-‬كلة أخ‪-‬رى تتعل‪-‬ق باالتس‪-‬اق ال‪-‬داخلى لالس‪-‬تجابات على اجملموع‪-‬ة الكب‪-‬رية من البن‪-‬ود ال‪-‬يت‬
‫يش‪--‬تمل عليه‪--‬ا كش‪--‬ف التع‪--‬داد‪ .‬وهن‪--‬ا جتدر اإلش‪--‬ارة إىل ذل‪--‬ك التق‪--‬دم الف‪--‬ين الكب‪--‬ري ال‪--‬ذي دخ‪--‬ل على أس‪--‬اليب معاجلة‬
‫املعلومات والثورة التكنولوجية اليت حدثت يف نط‪-‬اق االحص‪--‬اء والرياض‪--‬ة ملعاجلة الكم اهلائ‪-‬ل من املعطي‪-‬ات واالس‪-‬هام‬
‫يف دقتها ونوعيتها ومراجعتها والتحكم فيها بسرعة هائلة باستخدام احلاسبات اآللية(‪.)1‬‬

‫إخراج التعداد‬ ‫ج‪.‬‬

‫عادة ما يتم إخ‪-‬راج نت‪-‬ائج التع‪-‬داد يف ص‪-‬ورة تقري‪-‬ر منش‪-‬ور ح‪-‬ىت تتحق‪-‬ق الفائ‪-‬دة املرج‪-‬وة من‪-‬ه ويظه‪-‬ر تقري‪-‬ر التع‪-‬داد يف‬
‫ص‪--‬ورة ج‪--‬داول احص‪--‬ائية بس‪--‬يطة أو مركب‪--‬ة حس‪--‬ب الس‪--‬ن والن‪--‬وع باالض‪--‬افة إىل اخلص‪--‬ائص الس‪--‬كانية األخ‪--‬رى‪ ،‬ذل‪--‬ك‬
‫اعتق ‪--‬ادًا يف أن ‪--‬ه ال يك ‪--‬ون هلذه اخلص ‪--‬ائص الس ‪--‬كانية أي ‪--‬ة مع ‪--‬ين مبع ‪--‬زل عن فئ ‪--‬ات الس ‪--‬ن والن ‪--‬وع‪ ،‬حيث تعتم ‪--‬د احلال ‪--‬ة‬
‫الزواجي‪-- - -‬ة على عم‪-- - -‬ر الش‪-- - -‬خص ونوع‪-- - -‬ه‪ .‬وال يك‪-- - -‬ون للع‪-- - -‬زاب أو املتزوجني واملطلقني أي مع‪-- - -‬ىن إذا فص‪-- - -‬لناهم عن‬
‫أعمارهم‪ .‬ولقد أصبح تقسيم السكان حسب فئات العمر اخلمسية (أقل من ‪ 5‬سنوات إىل أقل من ‪ 10‬هكذا) ه‪--‬و‬
‫األسلوب املعي‪-‬اري واملتقن يف ج‪-‬داول التع‪-‬داد‪ .‬وذل‪-‬ك ألن ترك‪-‬يز البيان‪-‬ات ال يك‪-‬ون مفي‪-‬دًا ومن هن‪-‬ا اتبعت كث‪-‬ري من‬
‫التحليالت الس‪--‬كانية توزي‪--‬ع العم‪--‬ر اخلمس‪--‬ية وأن ك‪--‬ان ه ‪--‬ذا ال مين‪--‬ع من تقلي‪--‬ل ع ‪--‬دد الفئ‪--‬ات العمري‪--‬ة عن طري‪--‬ق ض ‪--‬م‬
‫بعضها إىل بعض وتكوين فئات أوسع(‪.)2‬‬

‫صعوبات التعداد‬

‫هن‪--‬اك جمموع‪--‬ة كب‪--‬رية من الص‪--‬عوبات والثغ‪--‬رات ال‪--‬يت ينط‪--‬وي عليه‪--‬ا التع‪--‬داد ميكن تقس‪--‬يمها إىل ص‪--‬عوبات موض‪--‬وعية‬
‫وأخرى غري موضوعية أو ذاتية على النحو التايل‪:‬‬

‫)(‪1‬‬
‫‪Ibid, pp. 56 - 57.‬‬
‫‪)(2‬‬
‫جورج باركلي ‪ ،‬أساليب تحليل البيانات السكانية ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ص ‪.14 - 9‬‬

‫‪107‬‬
‫الصعوبات الموضوعية‬

‫ملا كان التع‪-‬داد عمًال ال يق‪-‬در علي‪-‬ه غ‪-‬ري احلكوم‪-‬ة ل‪-‬ذا ك‪-‬انت موض‪-‬وعاته وبن‪-‬وده ومعطيات‪-‬ه رهن السياس‪-‬ة االجتماعي‪-‬ة‬
‫ال ‪--‬يت حتددها احلكوم ‪--‬ة وتت ‪--‬أثر ك ‪--‬ذلك مبا متلي ‪--‬ه احلكوم ‪--‬ة يف ه ‪--‬ذا الص ‪--‬دد‪ .‬ولق ‪--‬د ح ‪--‬ال الفص ‪--‬ل الواض ‪--‬ح بني الكنيس ‪--‬ة‬
‫والدولة يف كثري من البالد األوروبية واألمريكية دون ظهور الروابط واحلقائق الدينية يف تعدادات السكان(‪ .)1‬وتؤثر‬
‫العقبات اجلغرافية يف السفر والتنقل وظروف اجلو الص‪-‬عبة وخماطر احليوان‪-‬ات والنفق‪-‬ات واجله‪-‬د الالزم يف م‪-‬ا يس‪-‬تطيع‬
‫التع ‪--‬داد مجع ‪--‬ه من معطي ‪--‬ات س ‪--‬كانية‪ .‬كم ‪--‬ا يت ‪--‬أثر التع ‪--‬داد باالختالف ‪--‬ات الثقافي ‪--‬ة والعنص ‪--‬رية ومس ‪--‬تويات التعليم بني‬
‫الس‪--‬كان يف جمتم‪--‬ع التع‪--‬داد (‪ .) 2‬وتع‪--‬د ك‪--‬ل ه‪--‬ذه الظ‪--‬روف مبثاب‪--‬ة ص‪--‬عوبات مفروض‪--‬ة على التع‪--‬داد وحتول دون حتقي‪--‬ق‬
‫الكثري من أهدافه‪.‬‬

‫الصعوبات الذاتية‬

‫ومتدنا املعطي‪--‬ات الس‪--‬كانية ال‪--‬يت يوفره‪--‬ا التع‪--‬داد باوص‪--‬اف توزيعي‪--‬ة للمجتمع‪--‬ات الس‪--‬كانية أك‪--‬ثر مما متدنا حبق‪--‬ائق بنائي‪--‬ة‬
‫عن اجلماع ‪--‬ات واملواق ‪--‬ف االجتماعي ‪--‬ة‪ ،‬إذ يفتق ‪--‬ر التع ‪--‬داد االحص ‪--‬ائيات تتعل ‪--‬ق باألس ‪--‬رة مثًال‪ .‬وإذا ك ‪--‬انت معطي ‪--‬ات‬
‫التعداد قد تناولت أنواعًا كثرية من العملي‪-‬ات االجتماعي‪-‬ة‪ ،‬ف‪-‬إن ه‪-‬ذه املعطي‪-‬ات ترتب‪-‬ط بالتجمع‪-‬ات املذكورة أك‪-‬ثر مما‬
‫تتعلق باجلماعات‪ .‬وبالرغم من أن املعطيات املتعلقة بالتجمع‪-‬ات كم‪-‬ا يوفره‪-‬ا التع‪-‬داد ميكن اإلف‪-‬ادة منه‪-‬ا كمؤش‪-‬رات‬
‫على اخلص‪--‬ائص البنائي‪--‬ة‪ .‬إال أن املعطي‪--‬ات من الن‪--‬وع ال‪--‬ذي حيتاج‪--‬ه التحلي‪--‬ل الس‪--‬كاين من وجه‪--‬ة نظ‪--‬ر ع‪--‬امل االجتم‪--‬اع‬
‫وخاصة ما تعلق حمددات التباين السكاين والتغري ليست متوفرة من حيث الشكل والكمية املناسبة يف التعداد (‪.)3‬‬

‫ويتوق ‪--‬ف ص‪-- -‬دق وثب‪-- -‬ات معطي‪-- -‬ات التع‪-- -‬داد على الق‪-- -‬درة على حتدي‪-- -‬د األش‪-- -‬خاص ال‪-- -‬ذين جيب أن حتص ‪--‬ل منهم على‬
‫املعلوم‪--‬ات الالزم‪--‬ة‪ ،‬كم‪--‬ا يت‪--‬أثر الص‪--‬دق بع‪--‬دم رغب‪--‬ة أو ع‪--‬دم ق‪--‬درة األف‪--‬راد ال‪--‬ذين جتم‪--‬ع منهم املعلوم‪--‬ات الض‪--‬رورية أو‬
‫الش‪--‬ك يف أمهي‪--‬ة وض‪--‬رورة التع‪--‬داد(‪ ،)4‬وادالئهم باجاب‪--‬ات متناقض‪--‬ة فيم‪--‬ا يتعل‪--‬ق بأعم‪--‬ارهم‪ ،‬وق‪--‬د يتطلب ذل‪--‬ك س‪--‬ؤال‬
‫الش‪-‬خص عن س‪-‬نة امليالد ب‪-‬دًال من الس‪-‬ؤال عن العم‪-‬ر ال‪-‬ذي يعتق‪--‬د أن‪-‬ه ق‪-‬د أمته‪ ،‬وق‪-‬د يتب‪-‬ع طرق‪ً-‬ا أخ‪-‬رى خمتلف‪--‬ة لتوجي‪-‬ه‬
‫الس‪--‬ؤال عن العم‪--‬ر‪ ،‬فق‪--‬د يس‪--‬ال عن آخ‪--‬ر ميالد للش‪--‬خص أو عن أق‪--‬رب عي‪--‬د ميالد ل‪--‬ه‪ ،‬وك‪--‬ذلك يت‪--‬أثر االدالء بالس‪--‬ن‬

‫)(‪1‬‬
‫‪P. M. Hauser, & OD, Duncan. The Data and Methods, Op. Cit., p. 47.‬‬
‫)(‪2‬‬
‫‪DC. B. Nam, Population & Society, op. cit., p. 5.‬‬
‫)(‪3‬‬
‫‪PM. Hauser, & OD, Duncan, The Data and Methods, op. cit., p. 49.‬‬
‫)(‪4‬‬
‫‪C. B. Nam, Population & Society, Op, Cit., p. 4.‬‬

‫‪108‬‬
‫بعادات معينة وخاصة لدى السيدات‪ ،‬وهكذا ال ختلو احلقائق اليت جتم‪--‬ع بواس‪--‬طة التع‪--‬داد من الغم‪--‬وض واإلهبام كم‪--‬ا‬
‫أن هناك صعوبات كثرية تواجه حصر هذه احلق‪--‬ائق إذ يص‪--‬عب وض‪--‬ع بعض الن‪-‬اس يف فئ‪-‬ات معين‪-‬ة أو يص‪--‬عب تب‪-‬ويب‬
‫‪.)1‬‬
‫بيانات النشاط االقتصادي (‬

‫رابعًا‪ :‬التسجيل الحيوي‬

‫وميثل التسجيل احليوي املصدر الثاين للمعطيات السكانية وينطوي على جوانب كثرية منها ت‪-‬اريخ التس‪-‬جيل احلي‪-‬وي‬
‫وتعريفه والقيمة العامة له‪ ،‬واملوضوعات اليت يتناوهلا وصعوباته أو ثغراته‪ ،‬نتوقع مع حتليل هذه اجلوانب إلقاء الضوء‬
‫على التسجيل احليوي‪.‬‬

‫تاريخ التسجيل الحيوي‬

‫ليس لعملية مجع املعطيات احليوية جذورثابتة يف التاريخ كما ه‪-‬و احلال‪-‬ة بالنس‪-‬بة للتع‪-‬داد‪ ،‬ولكنه‪-‬ا عملي‪-‬ة ت‪-‬رد بأص‪-‬وهلا‬
‫إىل العصور الوسطى‪ ،‬حيث مجعت يف ذلك الوقت بعض اإلحصائيات احليوي‪-‬ة من طبق‪--‬ات س‪-‬كانية معين‪-‬ة‪ .‬مث أص‪--‬بح‬
‫نظام التسجيل احليوي نظامًا عامليًا‪ ،‬ومع ذلك مل تتمكن إال بالد قليلة من إقامة نظم كاملة للتسجيل احليوي(‪.)2‬‬

‫تعريف التسجيل الحيوي‬

‫اختلفت تعريفات التسجيل احليوي حبيث يذهب بعض‪-‬ها إىل أن املقص‪-‬ود بتس‪-‬جيل األح‪-‬داث احليوي‪-‬ة هي األح‪-‬داث‪،‬‬
‫ال ‪--‬يت تق ‪--‬ع خالل س ‪--‬نة ميالدي ‪--‬ة عموم‪ً- -‬ا وهي عملي ‪--‬ة تتم عن طري ‪--‬ق مش ‪--‬روعات التس ‪--‬جيل املص ‪--‬ممة لقي ‪--‬د مجي ‪--‬ع ه ‪--‬ذه‬
‫األح ‪--‬داث من موالي ‪--‬د ووفي ‪--‬ات وهج ‪--‬رة وح ‪--‬االت ال ‪--‬زواج والطالق وقت ح ‪--‬دوثها‪ ،‬وخيتل ‪--‬ف التس ‪--‬جيل احلي ‪--‬وي عن‬
‫التعداد يف أن األول تسجيل لألحداث والثاين تس‪-‬جيل لألش‪-‬خاص‪ .‬وعملي‪-‬ة التس‪-‬جيل احلي‪-‬وي عملي‪-‬ة إجباري‪-‬ة وجماهلا‬
‫أض‪--‬يق من جمال التع‪--‬داد‪ ،‬وتعت‪-‬رب عمًال مكتبي‪ً-‬ا موزع‪ً-‬ا على الع‪--‬امل بطول‪-‬ه وه‪--‬و من الس‪-‬هولة مبك‪-‬ان إىل احلد ال‪-‬ذي اعت‪-‬رب‬
‫عمًال روتينيًا (‪.)3‬‬

‫ويف تعري ‪--‬ف آخ ‪--‬ر للتس ‪--‬جيل احلي ‪--‬وي ي ‪--‬ذهب إىل أن ‪--‬ه يهتم بتس ‪--‬جيل األح ‪--‬داث احليوي ‪--‬ة مث ‪--‬ل امليالد والوف ‪--‬اة وال ‪--‬زواج‬
‫والطالق والتبين واالنفصال واهلجر وتتعلق هذه األحداث بدخول الف‪-‬رد أو خروج‪-‬ه من احلي‪-‬اة‪ ،‬إىل ج‪-‬انب التغ‪-‬ري يف‬
‫‪)(1‬‬
‫جورج باركلي ‪ ،‬أساليب تحليل البيانات السكانية ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.10‬‬
‫)(‪2‬‬
‫‪C. B. Nam, Population & Society, Op. Cit., p. 4‬‬
‫‪)(3‬‬
‫جورج باركلي ‪ ،‬أساليب تحليل البيانات السكانية ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ص ‪.-4 14‬‬

‫‪109‬‬
‫حالته املدنية اليت قد حتدث له خالل حياته‪ ،‬وما احص‪-‬ائيات التس‪-‬جيل احلي‪-‬وي وس‪-‬ائل فيه‪-‬ا من التغ‪-‬ريات يف الس‪-‬كان‬
‫بني التعدادات املختلفة كما تفيد اغراض اخرى (‪.)1‬‬

‫وهك‪--‬ذا ميكن الق‪--‬ول ب‪--‬أن التس‪--‬جيل احلي‪--‬وي نظ‪--‬ام حك‪--‬ومي القيم‪--‬ة الدول‪--‬ة يف ص‪--‬ورة مك‪--‬اتب تنتش‪--‬ر يف أرج‪--‬اء البالد‬
‫لتس‪-‬جيل األح‪-‬داث احليوي‪-‬ة بطريق‪-‬ة رولي‪-‬ة وإجباري‪-‬ة تل‪-‬ك األح‪-‬داث ال‪-‬يت تتعل‪-‬ق ب‪-‬ادخول الف‪-‬رد أو خروج‪-‬ه من احلي‪-‬اة‪،‬‬
‫وخاص‪--‬ة ح‪-‬االت املوالي‪-‬د والوفي‪-‬ات واهلج‪-‬رة وال‪-‬زواج والطالق والتب‪-‬ين واالنفص‪--‬ال واهلج‪-‬ر‪ ،‬وذل‪-‬ك يف وقت ح‪-‬دوثها‬
‫أثناء العام‪.‬‬

‫أهمية والتسجيل الحيوي‬

‫تتمثل أمهية التسجيل احليوي يف اعتباره مصادرًا هامًا وأساسيا ومباشرة للمعطيات الس‪-‬كانية ح‪-‬ول عوام‪-‬ل منو وتغ‪-‬ري‬
‫الس ‪--‬كان وخاص ‪--‬ة عوام ‪--‬ل املوالي ‪--‬د والوفي ‪--‬ات واهلج ‪--‬رة‪ ،‬كم ‪--‬ا تس ‪--‬اعدنا على قي ‪--‬اس التغ ‪--‬ريات يف الس ‪--‬كان بني الف ‪--‬رتات‬
‫املختلف ‪--‬ة س ‪--‬واء يف حجم الس ‪--‬كان أو تكوين ‪--‬ه أو توزيع ‪--‬ه‪ ،‬أو حجم األس ‪--‬رة وتكوينه ‪--‬ا ب ‪--‬النظر إىل واقع ‪--‬ات ال ‪--‬زواج‬
‫والطالق والتب ‪--‬ين واالنفص ‪--‬ال واهلج ‪--‬ر على وج ‪--‬ه اخلص ‪--‬وص وال ش ‪--‬ك يف أن ه ‪--‬ذه املعطي ‪--‬ات تفي ‪--‬د يف التع ‪--‬رف على‬
‫اجتاهات التطور حاليًا ويف املستقبل‪ ،‬األمر الذي مكن االعتماد عليه يف وضع اخلطط والربامج املناسبة‪.‬‬

‫صعوبات التسجيل الحيوي‬

‫يواج‪--‬ه التس‪--‬جيل احلي‪--‬وي جمموع‪--‬ة كب‪--‬رية من الص‪--‬عوبات‪ ،‬فعلى ال‪--‬رغم من أن التس‪--‬جيل احلي‪--‬وي يتن‪--‬اول جمتمع ‪ً-‬ا معين ‪ً-‬ا‬
‫املفروض أنه اجملتمع السكاين بأكمله‪ ،‬إال أن هذه العملي‪-‬ة تنط‪-‬وي على بعض العي‪-‬وب‪ ،‬فق‪-‬د تس‪-‬تبعد أج‪-‬زاء مهم‪-‬ة من‬
‫اجملتم ‪--‬ع نتيج ‪--‬ة اإلمهال تعميم عملي ‪--‬ة التس ‪--‬جيل يف قطاع ‪--‬ات اجملتم ‪--‬ع بأكمل ‪--‬ه (‪ ،)2‬أو ق ‪--‬د يك ‪--‬ون هن ‪--‬اك ت ‪--‬راخ يف تنفي ‪--‬ذ‬
‫قوانني وتعليمات التسجيل فتحذف بعضها‪ ،‬وختتلف البيانات احملذوفة باختالف نوع الواقعات‪ ،‬فقد يكون تسجيل‬
‫املوالي‪--‬د‪ .‬أك‪--‬ثر دق‪--‬ة واكتم‪--‬اال من تس‪--‬جيل الوفي‪--‬ات‪ .‬كم‪--‬ا خمتل‪--‬ف دق‪--‬ة ومس‪--‬توى تس‪--‬جيل املوالي‪--‬د‪ .‬والوفي‪--‬ات من دق‪--‬ة‬
‫تسجيل الزواج واهلجرة حىت ولو كانت كلها ختضع لنظام واح‪-‬د‪ ،‬كم‪-‬ا ختتل‪-‬ف مس‪-‬تويات الدق‪-‬ة من منطق‪-‬ة ألخ‪-‬رى‬
‫داخ‪--‬ل نفس البل‪--‬د‪ ،‬وق‪--‬د يك‪--‬ون التس‪--‬جيل احلي‪--‬وي عرض‪--‬ه األخط‪--‬اء التص‪--‬نيف واحتس‪--‬اب بعض املوالي‪--‬د أحي‪--‬اء والدات‬
‫ميت ‪--‬ة‪ ،‬وبعض الزجيات الثاني ‪--‬ة زجيات أوىل‪ ،‬كم ‪--‬ا يتع ‪--‬رض التس ‪--‬جيل األخط ‪--‬اء يف تس ‪--‬جيل األح ‪--‬داث حس ‪--‬ب زماهنا‬
‫()‪1‬‬
‫‪G. B. Nam, Population & Society, Op. Cit., p. 4.‬‬
‫‪)(2‬‬
‫جورج باركلي ‪ ،‬أساليب تحليل البيانات السكانية ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ص ‪.15‬‬

‫‪110‬‬
‫ومكاهنا أو يتأخر التسجيل فرتة زمنية لإلمهال يف التبليغ مثًال‪ ،‬أو ألن معلومات التسجيل حيصل من أناس هلم عالقة‬
‫مباشرة بالواقعات اليت مت تسجيلها‪ ،‬فالوفاة ‪ -‬مثًال ‪ -‬تبلغ من شخص غري املتويف‪ ،‬بل قد تكون صلته باملتويف بعيدة‬
‫أو غ‪--‬ري وثيق‪--‬ة مما ي‪--‬ؤثر يف حتري‪--‬ف املعلوم‪--‬ات ال‪--‬يت ي‪--‬دىل هبا‪ ،‬وق‪--‬د ال يك‪--‬ون هن‪--‬اك ح‪--‬افز كب‪--‬ري لإلدالء ببي‪--‬ان دقي‪--‬ق عن‬
‫ه ‪--‬ذه الواقع ‪--‬ات‪ ،‬كم ‪--‬ا أن ‪--‬ه من الص ‪--‬عب معاجلة كلم ‪--‬ة املول ‪--‬ود احلي يف س ‪--‬جل إحص ‪--‬ائي ألن احلي ‪--‬اة غ ‪--‬ري مض ‪--‬مونة يف‬
‫اللحظ ‪--‬ات واألي ‪--‬ام األوىل من الطفول ‪--‬ة‪ .‬كم ‪--‬ا يص ‪--‬عب إتب ‪--‬اع تعليم ‪--‬ات نظ ‪--‬ام التس ‪--‬جيل كامل ‪--‬ة‪ ،‬أو إتب ‪--‬اع التعليم ‪--‬ات‬
‫بطريقة واحدة بني القائمني على التسجيل يف املكاتب املخصصة لذلك(‪ .)1‬كما تعرتض التسجيل احليوي الكث‪--‬ري من‬
‫الص ‪--‬عوبات املوض ‪--‬وعية والذاتي ‪--‬ة الس ‪--‬ابق اإلش ‪--‬ارة إليه ‪--‬ا بالنس ‪--‬بة للتع ‪--‬داد خاص ‪--‬ة وأهنم ‪--‬ا يش ‪--‬رتكان مع‪ً- -‬ا يف اعتبارمها‬
‫مصدرين مباشرين للمعطيات السكانية‪.‬‬

‫خامسًا‪ :‬البيانات الجاهزة‬

‫كان حرص الباحثني على االقتصاد يف الوقت واجلهد واإلمكانيات يف عملية البحث ودراس‪--‬ة الظ‪--‬واهر الس‪--‬كانية من‬
‫أهم الدوافع ال‪-‬يت جعلتهم يفك‪-‬رون يف اس‪-‬تخدام بيان‪-‬ات يف متن‪-‬اول الي‪-‬د ج‪-‬اهزة ومع‪-‬دة ألغ‪-‬راض غ‪-‬ري أغ‪-‬راض البحث‬
‫العلمي ودراس‪--‬ة الس‪--‬كان أخ‪--‬ذت ص‪--‬ورًا متع‪--‬ددة من أمهه‪--‬ا الس‪--‬جالت اإلحص‪--‬ائية والتق‪--‬ارير الرمسية حبيث ك‪--‬ان حتلي‪--‬ل‬
‫البيان ‪--‬ات ال ‪--‬يت توفره ‪--‬ا ه ‪--‬ذه األس ‪--‬اليب من أهم ط ‪--‬رق دراس ‪--‬ة الس ‪--‬كان ال ‪--‬يت هلا أمهيته ‪--‬ا واس ‪--‬تخداماهتا وخصائص ‪--‬ها‬
‫ووسائلها وعيوهبا‪.‬‬

‫تعريف طريقة تحليل البيانات الجاهزة‬

‫وهي طريق ‪--‬ة غ ‪--‬ري مباش ‪--‬رة تس ‪--‬تعني بالبيان ‪--‬ات ال ‪--‬يت توفره ‪--‬ا الس ‪--‬جالت اإلحص ‪--‬ائية والتق ‪--‬ارير الرمسية‪ ،‬حبيث تس ‪--‬تعني‬
‫بالس‪-- -‬جالت اإلحص‪-- -‬ائية ال‪-- -‬يت تص‪-- -‬در عن تع‪-- -‬دادات الس‪-- -‬كان والتق‪-- -‬ارير الرمسية ال‪-- -‬يت تص‪-- -‬درها املؤسس‪-- -‬ات الص‪-- -‬حية‬
‫واالقتص ‪-- -‬ادية واحلكومي ‪-- -‬ة والص ‪-- -‬ناعية والتعليمي ‪-- -‬ة والرتبوي ‪-- -‬ة واجلوازات واهلج ‪-- -‬رة واملؤسس ‪-- -‬ات التجاري ‪-- -‬ة واملص ‪-- -‬رفية‬
‫والسياس‪-- -‬ية والنقابي‪-- -‬ة والق‪-- -‬وى العامل‪-- -‬ة والعس‪-- -‬كرية وغريه‪-- -‬ا وال‪-- -‬يت تنط‪-- -‬وي على بيان‪-- -‬ات تتعل‪-- -‬ق بالس‪-- -‬كان ون‪-- -‬وعهم‬
‫وأعمارهم وحجمهم ومهنهم واملستويات الصحية واملواليد والوفي‪-‬ات واألج‪-‬ور وس‪-‬اعات العم‪-‬ل والكفاي‪-‬ة اإلنتاجي‪-‬ة‬
‫ومعدالت اجلرمية ومعدالت التعليم (‪)2‬والقوى العاملة واملوارد البشرية واإلنتاج القومي‪ ...‬اخل‪.‬‬
‫‪)(1‬‬
‫جورج باركلي ‪ ،‬أساليب تحليل البيانات السكانية ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.130 - 126‬‬
‫)(‪2‬‬
‫‪C. Selltize, et, al., Research Methods in Social Relations, Op. Cit, p. 316.‬‬

‫‪111‬‬
‫خصائص ومميزات طريقة تحليل البيانات الجاهزة‬

‫تعكس طبيعة البيانات اليت تعتمد عليها ه‪-‬ذه الطريق‪-‬ة بعض اخلص‪--‬ائص واملم‪-‬يزات اهلام‪-‬ة‪ .‬منه‪-‬ا أن بيان‪-‬ات الس‪-‬جالت‬
‫اإلحص‪-‬ائية مثًال ق‪-‬د مت مجعه‪-‬ا على ف‪-‬رتات متباين‪-‬ة األم‪-‬ر ال‪-‬ذي يس‪-‬اهم ب‪-‬دوره يف جع‪-‬ل ه‪-‬ذه البيان‪-‬ات تعني يف الوق‪-‬وف‬
‫على اجتاهات التطور يف جوانب احلياة االجتماعية اليت تعربعنها هذه البيانات‪.‬‬

‫كما أن هذه البيانات قد مجعت يف اجملرى الطبيعي لوقوع األحداث مما يعكس موض‪--‬وعيتها‪ ،‬باملقارن‪-‬ة بالبيان‪-‬ات ال‪-‬يت‬
‫يقوم جبمعها باحثون قد يؤثر وجودهم يف تعاون أفراد اجملتمع ويف حتيزهم‪.‬‬

‫كما تتم‪-‬يز ه‪-‬ذه البيان‪-‬ات بأهنا متنح الب‪-‬احث فرص‪-‬ة التعام‪-‬ل م‪-‬ع م‪-‬ادة س‪-‬بق مجعه‪-‬ا تع‪-‬رب عن وح‪-‬دات ك‪-‬ربى يف اجملتم‪-‬ع‬
‫هي القري ‪--‬ة أو املدين ‪--‬ة أو الدول ‪--‬ة كك ‪--‬ل‪ .‬وتعتم ‪--‬د على اجملم ‪--‬وع الكلي للس ‪--‬كان من خالل احلص ‪--‬ر الش ‪--‬امل أو التع ‪--‬داد‬
‫أكثر من اعتمادها على العينات مما يضفي عليها قيمة وداللة يف التفسري والتعميم‪.‬‬

‫استخدامات طريقة تحليل البيانات الجاهزة‬

‫تتعدد اس‪-‬تخدامات طريق‪-‬ة حتلي‪-‬ل البيان‪-‬ات اجلاهزة وتتن‪-‬وع بني االس‪-‬تفادة منه‪-‬ا يف التحق‪-‬ق من بعض الف‪-‬روض العلمي‪-‬ة‬
‫وهذا ما حوله (دور كامي) عندما ح‪-‬اول التحق‪-‬ق من الف‪-‬رض القائ‪-‬ل بالعالق‪-‬ة بني االنتح‪-‬ار والتكام‪-‬ل االجتم‪-‬اعي عن‬
‫طري ‪--‬ق حتلي ‪--‬ل الس ‪--‬جالت اإلحص ‪--‬ائية عن االنتح ‪--‬ار بني اجلماع ‪--‬ات الديني ‪--‬ة الكاثوليكي ‪--‬ة والربوتس ‪--‬تانتية وبني الع ‪--‬زاب‬
‫واملتزوجني وغريهم‪.‬‬

‫وق‪--‬د تس‪--‬تخدم أيض‪ً-‬ا الس‪--‬جالت اإلحص‪--‬ائية يف اس‪--‬تكمال بعض مراح‪--‬ل حبث جيري ح‪--‬ول ظ‪--‬اهرة معين‪--‬ة‪ ،‬ولتكن مثال‬
‫ظاهرة اجلرمية حبيث تستخدم السجالت اإلحصائية والتقارير الرمسية يف مرحلة التعرف على حجم اجلرمية واجتاهاهتا‬
‫وهكذا‪.‬‬

‫‪112‬‬
‫وتس‪--‬تخدم الس‪--‬جالت اإلحص‪--‬ائية ك‪--‬ذلك يف اختي‪--‬ار ح‪--‬االت للبحث تتم‪--‬يز خص‪--‬ائص حمددة ميكن اعتباره‪--‬ا من بني‬
‫عينة البحث األكثر تعمقًا‪ ،‬ذلك أن هذه السجالت تفيد يف التعرف على اخلصائص املتباينة جلمهور الس‪-‬كان‪ ،‬األم‪-‬ر‬
‫الذي يسهل معه اختيار حاالت ضمن هذه الفئات املختلفة هلا بعض اخلصائص املفضلة يف البحث(‪.)1‬‬

‫عيوب طريقة تحليل البيانات الجاهزة‬

‫من أهم عي ‪--‬وب ه ‪--‬ذه الطريق ‪--‬ة أن التس ‪--‬جيالت اإلحص ‪--‬ائية والتق ‪--‬ارير الرمسية تس ‪--‬تخدم مف ‪--‬اهيم ال تتف ‪--‬ق م ‪--‬ع املف ‪--‬اهيم‬
‫املس‪--‬تخدمة يف البحث ودراس‪--‬ة الس‪--‬كان‪ .‬وأن كث‪--‬ريًا من بيان‪--‬ات ه‪--‬ذه الس‪--‬جالت مش‪--‬كوك فيه‪--‬ا وخاص‪--‬ة فيم‪--‬ا يتعل‪--‬ق‬
‫بالدخل وميل األفراد يف هذا الصدد إىل تقدمي بيانات غري دقيقة هتربًا من الضرائب مثًال‪.‬‬

‫سادسًا‪ :‬البحث االجتماعي للسكان‬

‫واض‪-- -‬ح اذن أن اجلزء األك‪-- -‬رب من املعطي‪-- -‬ات ال‪-- -‬يت يس‪-- -‬تخدمها دارس الس‪-- -‬كان س‪-- -‬واء يف ال‪-- -‬دميوجرافيا أو الدراس‪-- -‬ات‬
‫الس ‪--‬كانية هي ال ‪--‬يت ت ‪--‬رد يف التع ‪--‬دادات الدوري ‪--‬ة للس ‪--‬كان ال ‪--‬يت جتريه ‪--‬ا معظم ال ‪--‬دول‪ ،‬وك ‪--‬ذلك تل ‪--‬ك البيان ‪--‬ات اجلاهزة‬
‫والس‪-- -‬جالت الرمسية‪ .‬غ‪-- -‬ري أن دراس‪-- -‬ة الس‪-- -‬كان يف علم االجتم‪-- -‬اع ال تكتفي هبذه املص‪-- -‬ادر املباش‪-- -‬رة وغ‪-- -‬ري املباش‪-- -‬رة‬
‫للمعطيات السكانية خاصة وأن هذه املصادر والطرق تعرتضها صعوبات كث‪-‬رية س‪-‬بقت اإلش‪-‬ارة إليه‪-‬ا‪ ،‬وإمنا وس‪-‬عت‬
‫الدراس ‪--‬ة السوس ‪--‬يولوجية من نط ‪--‬اق ه ‪--‬ذه املص ‪--‬ادر والط ‪--‬رق التض ‪--‬يف إج ‪--‬راءات منهجي ‪--‬ة تعني يف التغلب على ه ‪--‬ذه‬
‫الص ‪--‬عوبات وس ‪--‬د الثغ ‪--‬رات من ناحي ‪--‬ة‪ ،‬وحتق ‪--‬ق أه ‪--‬داف ه ‪--‬ذا العلم يف إج ‪--‬راء التحلي ‪--‬ل االجتم ‪--‬اعي للظ ‪--‬واهر الس ‪--‬كانية‬
‫وتفسري تباين هذه الظواهر يف اجملتم‪-‬ع من ناحي‪-‬ة أخ‪-‬رى‪ .‬إذ يعتم‪-‬د علم اجتم‪-‬اع الس‪-‬كان اساس‪ً-‬ا يف دراس‪-‬ته للظ‪-‬واهر‬
‫الس‪-‬كانية على البحث االجتم‪-‬اعي هلذه الظ‪-‬واهر فض‪ً-‬ال عن اس‪-‬تعانته ب‪-‬اإلجراءات والط‪-‬رق املنهجي‪-‬ة ال‪-‬يت يعتم‪-‬د عليه‪-‬ا‬
‫أساسًا يف الدميوجرافيا والدراسات السكانية األخرى‪.‬‬

‫وميث ‪--‬ل البحث االجتم ‪--‬اعي للس ‪--‬كان إج ‪--‬راءًا منهجي ‪ً-‬ا مباش ‪--‬رًا يف توف ‪--‬ري املعطي ‪--‬ات الس ‪--‬كانية ويع ‪--‬د مبثاب ‪--‬ة أس ‪--‬لوبًا ب ‪--‬ديًال‬
‫للحص ‪--‬ول على البيان ‪--‬ات ال ‪--‬يت توفره ‪--‬ا التع ‪--‬دادات ونظم التس ‪--‬جيل احلي ‪--‬وي والبيان ‪--‬ات اجلاهزة‪ .‬فه ‪--‬و يش ‪--‬به من ناحي ‪--‬ة‬
‫التع‪--‬داد من حيث أن‪--‬ه يعتم‪--‬د على س‪--‬ؤال املبح‪--‬وثني عن خصائص‪--‬هم‪ ،‬وق‪--‬د يش‪--‬به من ناحي‪--‬ة أخ‪--‬رى أس‪--‬لوب تس‪--‬جيل‬
‫)(‪1‬‬
‫‪Ibid, pp. 317 - 322.‬‬

‫‪113‬‬
‫الواقع‪-‬ات احليوي‪-‬ة‪ ،‬ألن‪-‬ه ق‪-‬د يلج‪-‬أ إىل س‪-‬ؤال الن‪-‬اس عن الواقع‪-‬ات ال‪-‬يت ح‪-‬دثت ألف‪-‬راد أس‪-‬رهم أو جلرياهنم يف الش‪-‬هر أو‬
‫الس‪-‬نة الس‪-‬ابقة وم‪--‬ع ذل‪-‬ك خيتل‪-‬ف البحث االجتم‪-‬اعي للس‪-‬كان عن ك‪-‬ل من التع‪--‬داد والتس‪-‬جيل احلي‪-‬وي يف أن الغ‪--‬رض‬
‫من ‪--‬ه يك ‪--‬ون أك ‪--‬ثر حتدي ‪--‬دًا‪ ،‬حيث تص ‪--‬مم البح ‪--‬وث االجتماعي ‪--‬ة للحص ‪--‬ول على معلوم ‪--‬ات حمددة أو لعين ‪--‬ة حمددة من‬
‫السكان‪ ،‬وقد أتاحت اساليب املعاينة (أو سحب العين‪-‬ات) وتق‪--‬دمها إمكاني‪-‬ات جدي‪-‬دة للبحث وعملت على مرون‪-‬ة‬
‫عملية مجع البيانات وميتاز استخدامها بقلة التكاليف وضمان أكرب لدقة املعلوم‪-‬ات اخلاص‪-‬ة ب‪-‬اجملتمع موض‪-‬وع البحث‬
‫(‪.)1‬‬

‫والواق ‪--‬ع أن دراس ‪--‬ة الس ‪--‬كان يف علم االجتم ‪--‬اع ليس ‪--‬ت هلا مناهجه ‪--‬ا اخلاص ‪--‬ة هبا‪ ،‬وال ينفص ‪--‬ل البحث الس ‪--‬كاين عن‬
‫مي ‪--‬ادين البحث املماثل ‪--‬ة‪ ،‬وإمنا ميكن ل ‪--‬دارس الس ‪--‬كان يف علم االجتم ‪--‬اع أن جيري حبوث ‪--‬ه يف ه ‪--‬ذا املي ‪--‬دان اس ‪--‬تنادًا إىل‬
‫من ‪--‬اهج وط ‪--‬رق وأدوات البحث يف نط ‪--‬اق ختصص ‪--‬ه بش ‪--‬رط أن يس ‪--‬توعب ال ‪--‬دروس ال ‪--‬يت تفرض ‪--‬ها ه ‪--‬ذه االج ‪--‬راءات‬
‫املنهجية وحىت يتمكن من اختيار ما يتناسب منها مع موضوع البحث الذي جيريه واهلدف الذي يسعى إىل حتقيقه‪.‬‬

‫مناهج البحث االجتماعي للسكان‬

‫يستطيع دارس السكان من وجهة نظر علم االجتم‪-‬اع أن جيد يف من‪-‬اهج البحث االجتم‪-‬اعي وخاص‪--‬ة املنهج التج‪-‬ريب‬
‫واملنهج الت‪--‬ارخيي م‪--‬ا يعين‪--‬ه على حتقي‪--‬ق أهداف‪--‬ه من ناحي‪--‬ة وعلى جتاوز ثغ‪--‬رات اإلج‪--‬راءات املنهجي‪--‬ة األخ‪--‬رى يف دراس‪--‬ة‬
‫السكان‪.‬‬

‫ف ‪--‬املنهج التجري ‪--‬يب باعتب ‪--‬اره ي ‪--‬درس الظ ‪--‬واهر احلاض ‪--‬رة أو الراهن ‪--‬ة وحياول التوص ‪--‬ل إىل الق ‪--‬وانني العام ‪--‬ة أو الثابت ‪--‬ة عن‬
‫الظواهر‪ ،‬ويعتمد يف ذلك على املالحظة والقياس والتجربة ويصوغ قوانينه يف صورة رياضية‪ .‬يقدم لدارس الس‪--‬كان‬
‫من وجه‪--‬ة نظ‪--‬ر علم االجتم‪--‬اع ب‪--‬ديال لط‪--‬رق التع‪--‬داد والتس‪--‬جيل احلي‪--‬وي‪ ،‬وجيعل‪--‬ه يتج‪--‬اوز ح‪--‬دود التع‪--‬داد والتس‪--‬جيل‬
‫احلي‪--‬وي وال يق‪--‬ف عن‪--‬د ح‪--‬د األوص‪--‬اف التوزيعي‪--‬ة للتجمع‪--‬ات الس‪--‬كانية‪ ،‬وإمنا ميكن‪--‬ه من إج‪--‬راء مالحظ‪--‬ات وقياس‪--‬ات‬
‫للظواهر السكانية يف اجملتمع أو أحد قطاعاته الريفية واحلضرية‪ ،‬والتوصل إىل العالقات الثابت‪--‬ة بني الظ‪--‬واهر الس‪--‬كانية‬
‫واختبار الفروض العلمية املتعلقة بتفسري تباينات هذه الظواهر يف اجملتمع‪.‬‬

‫‪)(1‬‬
‫جورج باركلي ‪ ،‬أساليب تحليل البيانات السكانية ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.18 - 17‬‬

‫‪114‬‬
‫أما املنهج التارخيي باعتباره يدرس ظواهر املاضي حيث يقوم الباحث بالتنقيب عنها يف وثائق التاريخ وذلك جلمعها‬
‫وحماولة التحقق منه باتباع طرق التحليل وال‪-‬رتكيب هبدف البحث عن العالق‪-‬ات الس‪-‬ببية بني احلوادث املاض‪-‬ية‪ ،‬كم‪-‬ا‬
‫ميد دارس الس ‪-- -‬كان من وجه ‪-- -‬ة نظ ‪-- -‬ر علم االجتم ‪-- -‬اع بأس ‪-- -‬لوب منهجي ميكن ‪-- -‬ه من التغلب على ص ‪-- -‬عوبات التع ‪-- -‬داد‬
‫والتسجيل احليوي وعدم قدرهتا على تتبع التطور التارخيي للظواهر السكانية يف التوص‪--‬ل إىل املعطي‪--‬ات الس‪--‬كانية ال‪--‬يت‬
‫تفي‪--‬د يف تتب‪--‬ع تط‪--‬ور الظ‪--‬واهر الس‪--‬كانية يف املاض‪--‬ي والتع‪--‬رف على دينامياهتا وعوام‪--‬ل تغريه‪--‬ا‪ ،‬مث التوص‪--‬ل إىل العالق‪--‬ات‬
‫السببية بينها واليت ميكن على ضوئها صياغة القوانني اليت حتدد اجتاهات التغ‪-‬ري يف املس‪-‬تقبل‪ ،‬وال‪-‬يت ميكن اس‪-‬تنادًا إليه‪-‬ا‬
‫وضع اخلطط والربامج لتجنب مشكالت هذا التطور‪.‬‬

‫طرق البحث االجتماعي للسكان‬

‫تس‪--‬تعني دراس‪--‬ية الس‪--‬كان من وجه‪--‬ة نظ‪--‬ر علم االجتم‪--‬اع بط‪--‬رق املس‪--‬ح االجتم‪--‬اعي ودراس‪--‬ة احلال‪--‬ة إىل ج‪--‬انب طريق‪--‬ة‬
‫البيان‪-- -‬ات اجلاهزة يف التوص ‪-- -‬ل إىل املعطي ‪-- -‬ات الس ‪-- -‬كانية الالزم ‪-- -‬ة لتحقي ‪-- -‬ق أه ‪-- -‬داف ه ‪-- -‬ذه الدراس ‪-- -‬ة وإج‪-- -‬راء التحلي‪-- -‬ل‬
‫االجتماعي هلا‪.‬‬

‫والواقع أن التعداد الشامل او بالعينة يقرتب يف إجراءاته من املسح االجتماعي وأخذ عن املسح االجتم‪-‬اعي كطريق‪--‬ة‬
‫يف البحث االجتم‪--‬اعي الش‪--‬يء الكث‪--‬ري‪ ،‬حبيث إن ك‪--‬ل تط‪--‬ور حيدث يف نط‪--‬اق املس‪--‬ح االجتم‪--‬اعي ينعكس على التع‪--‬داد‬
‫ويس ‪--‬اعد على بلورت ‪--‬ه ونض ‪--‬جه وه ‪--‬ذا م ‪--‬ا أش ‪--‬رنا إلي ‪--‬ه بإجياز عن ‪--‬د تن ‪--‬اول التع ‪--‬داد كطريق ‪--‬ة يف التوص ‪--‬ل اىل املعطي ‪--‬ات‬
‫الس ‪--‬كانية‪ .‬فلق ‪--‬د أخ ‪--‬ذ التع ‪--‬داد عن املس ‪--‬ح االجتم ‪--‬اعي م ‪--‬ا حتق ‪--‬ق ل ‪--‬ه من خ ‪--‬ربة يف جمال تص ‪--‬ميم أدوات مجع البيان ‪--‬ات‬
‫وصياغة األسئلة وتقنينها وترتيبه‪-‬ا وض‪-‬مان ص‪-‬دقها وثباهتا‪ ،‬وكيفي‪-‬ة م‪-‬ع ه‪-‬ذه البيان‪-‬ات وتس‪-‬جيلها‪ ،‬مث معاجلته‪-‬ا‪ ...‬اخل‬
‫ولع‪--‬ل م‪--‬ا ميت‪--‬از ب‪--‬ه املس‪--‬ح االجتم‪--‬اعي من مرون‪--‬ة وتن‪--‬وع جيعل‪--‬ه يتج‪--‬اوز ص‪--‬عوبات التع‪--‬داد‪ ،‬إذ يس‪--‬تطيع دارس الس‪--‬كان‬
‫إج ‪--‬راء مس ‪--‬ح ع ‪--‬ام أو متخص ‪--‬ص أو مس ‪--‬ح ش ‪--‬امل أو بالعين ‪--‬ة أو مس ‪--‬ح دوري دون تقي ‪--‬د بالسياس ‪--‬ة االجتماعي ‪--‬ة ال ‪--‬يت‬
‫حتددها احلكوم‪--‬ة‪ ،‬كم‪--‬ا يس‪--‬تطيع أن يأخ‪--‬ذ يف اعتب‪--‬اره االختالف‪--‬ات الثقافي‪--‬ة والعنص‪--‬رية ومس‪--‬تويات التعليم بني مجه‪--‬ور‬
‫املس‪-- -‬ح ح ‪-- -‬ىت ال تت ‪-- -‬اثر معطيات ‪-- -‬ه من حيث درج ‪-- -‬ة التمثي ‪-- -‬ل وميدنا البحث حبق ‪-- -‬ائق متباين ‪-- -‬ة عن اجلماع ‪-- -‬ات واملواق ‪-- -‬ف‬
‫االجتماعي‪--‬ة وأنواع‪--‬ا كث‪--‬رية من العملي‪--‬ات االجتماعي‪--‬ة واملؤش‪--‬رات عن اخلص ‪--‬ائص البنائي‪--‬ة مل يس‪--‬تطع التع‪--‬داد التوص‪--‬ل‬

‫‪115‬‬
‫إلي‪--‬ه‪ .‬وي‪--‬زداد ت‪--‬وفر مث‪--‬ل ه‪--‬ذه احلق‪--‬ائق باتب‪--‬اع طريق‪--‬ة دراس‪--‬ة احلال‪--‬ة يف توف‪--‬ري املعطي‪--‬ات الس‪--‬كانية من وجه‪--‬ة نظ‪--‬ر علم‬
‫االجتماع خاصة وان دراسة احلال‪-‬ة جتري جلماع‪-‬ات معين‪-‬ة أو مواق‪-‬ف أو جمتمع‪-‬ات حملي‪-‬ة كالقري‪-‬ة أو املدين‪-‬ة أو غريه‪-‬ا‬
‫من (‪ )1‬اجلماع ‪--‬ات ال ‪--‬يت متث ‪--‬ل تص ‪--‬ورات بنائي ‪--‬ة تص ‪--‬لح أك ‪--‬ثر من غريه ‪--‬ا للتحلي ‪--‬ل السوس ‪--‬يولوجي للظ ‪--‬واهر الس ‪--‬كانية‬
‫وتساعد على تقدمي التفسريات السوسيولوجية التباين الظواهر السكانية يف اجملتمع‪.‬‬

‫أدوات جمع البيانات‬

‫وبإمك ‪--‬ان دارس الس ‪--‬كان من وجه ‪--‬ة نظ ‪--‬ر علم االجتم ‪--‬اع أن يس ‪--‬تعني ب ‪--‬أدوات مجع البيان ‪--‬ات يف البحث االجتم ‪--‬اعي‬
‫وخاصة املقابلة الشخصية واالستخبار‪ ،‬إذ يتجاوز االستخبار العقب‪-‬ات اجلغرافي‪-‬ة يف الس‪-‬فر والتنق‪-‬ل والنفق‪-‬ات واجله‪-‬د‬
‫الالزم األمر الذي ال يتوفر للتعداد‪ ،‬طاملا أمكن إرسال االستخبار بالربيد أو من خالل الصحف واجملالت اليومية أو‬
‫األسبوعية وطاملا كان الب‪-‬احث يف اس‪-‬تخدامه للمقابل‪-‬ة الشخص‪-‬ية أو االس‪-‬تخبار يع‪-‬رف نوعي‪-‬ة األش‪-‬خاص ال‪-‬ذين جيب‬
‫أن حيص ‪--‬ل منهم على املعلوم ‪--‬ات ويس ‪--‬تطيع أن يكس ‪--‬ب من خالل املقابل ‪--‬ة ود وج ‪--‬انب املبح ‪--‬وثني مما يس ‪--‬هل عليهم‬
‫عملي‪--‬ة اإلجاب‪--‬ة عن التس‪--‬اؤالت‪ ،‬ويقض‪--‬ي على ك‪--‬ل ص‪--‬ور الش‪--‬ك ل‪--‬ديهم‪ ،‬وك‪--‬ذلك يس‪--‬تطيع أن يض‪--‬ع يف أدوات‪--‬ه بن‪--‬ودا‬
‫تس‪--‬اعد يف التغلب على اإلجاب‪--‬ات املتناقض‪--‬ة ومراجعته‪--‬ا‪ ،‬من ناحي‪--‬ة اخ‪--‬رى تس‪--‬اعد ه‪--‬ذه البن‪--‬ود والفئ‪--‬ات على س‪--‬هولة‬
‫تص‪--‬نيف وترم‪--‬يز البيان‪--‬ات فيم‪--‬ا بع‪--‬د‪ ،‬مما يزي‪--‬د من درج‪--‬ة دق‪--‬ة وض‪--‬بط وص‪--‬دق وثب‪--‬ات البيان‪--‬ات األم‪--‬ر ال‪--‬ذي يفتق‪--‬ر إلي‪--‬ه‬
‫التعداد والتسجيل احليوي كما سبق وأن أشرنا إىل ذلك‪.‬‬

‫مستويات التحليل‬

‫جتم‪--‬ع املعطي‪--‬ات الس‪--‬كانية يف التع ‪--‬داد أو التس‪--‬جيل احلي‪--‬وي بطريق ‪--‬ة فردي‪--‬ة متام ‪ً-‬ا‪ ،‬حبيث يس‪--‬تدل منه ‪--‬ا على اخلص ‪--‬ائص‬
‫الس‪-‬كانية لألم‪--‬ة أو الدول‪-‬ة كك‪-‬ل‪ .‬ونتيج‪-‬ة ل‪-‬ذلك يتم حتلي‪-‬ل املعطي‪-‬ات الس‪-‬كانية املت‪-‬وفرة عن ه‪--‬ذه املص‪--‬ادر وخاص‪--‬ة يف‬
‫الدميوجرافيا والدراسات السكانية‪ ،‬على مستوى األمة أو الدول‪-‬ة كك‪-‬ل‪ .‬غ‪-‬ري ان‪-‬ه يف البحث االجتم‪-‬اعي للس‪-‬كان ق‪-‬د‬
‫جتم ‪--‬ع البيان ‪--‬ات بطريق ‪--‬ة فردي ‪--‬ة او بطريق ‪--‬ة مجاعي ‪--‬ة‪ ،‬حبيث يس ‪--‬تدل منه ‪--‬ا على اخلص ‪--‬ائص الس ‪--‬كانية لألم ‪--‬ة أو الدول ‪--‬ة أو‬
‫املدين ‪--‬ة أو القري ‪--‬ة أو الض ‪--‬احية أو املنطق ‪--‬ة املتخلف ‪--‬ة أو مجاع ‪--‬ة األس ‪--‬رة أو األص ‪--‬دقاء‪ ،‬أو العم ‪--‬ل أو الفص ‪--‬ل الدراس ‪--‬ي او‬
‫الطبقة االجتماعية أو غريها‪ .‬وعلى ه‪-‬ذا األس‪-‬اس ف‪-‬إن دراس‪-‬ة الس‪-‬كان من وجه‪-‬ة نظ‪-‬ر علم االجتم‪-‬اع جتري حتليالهتا‬

‫‪ )(1‬دكتور غريب سيد أحمد ودكتور عبد الباسط محمد ‪ ،‬البحث االجتماعي ‪ ،‬الجزء االول ‪ ،‬دار الجامعات المصرية ‪1975 ،‬م ‪ ،‬ص ص ‪- 130‬‬
‫‪ ، 133‬وص ص ‪.108 - 107‬‬

‫‪116‬‬
‫للمعطي‪--‬ات الس‪--‬كانية على مس‪--‬تويات متباين‪--‬ة ق‪--‬د تك‪--‬ون األس‪--‬رة أو الطبق‪--‬ة أو املدين‪--‬ة أو القري‪--‬ة أو اجملتم‪--‬ع األك‪--‬رب‪ ،‬مما‬
‫يساعد على حتقيق أهداف علم اجتماع السكان يف تقدمي تفسريه لتباين الظواهر السكانية يف اجملتمع‪.‬‬

‫أنواع البحوث االجتماعية للسكان‬

‫حيدد ن ‪--‬وع البحث االجتم ‪--‬اعي للس ‪--‬كان بن ‪--‬اء على اهلدف ال ‪--‬ذي يس ‪--‬عى إلي ‪--‬ه دارس الس ‪--‬كان‪ ،‬ول ‪--‬ذلك ي ‪--‬ؤدي تن ‪--‬وع‬
‫األهداف يف هذا الصدد إىل تن‪-‬وع البح‪-‬وث االجتماعي‪-‬ة للس‪-‬كان‪ ،‬وتص‪-‬نف البح‪-‬وث يف جمال الس‪-‬كان‪ ،‬كم‪-‬ا تص‪-‬نف‬
‫يف أي جمال آخر من جماالت الدراسة االجتماعية إىل أربعة أنواع أساسية على ضوء اهلدف منها كما يلي‪:‬‬

‫البح‪--‬وث الكش‪--‬فية او االس‪--‬تطالعية وهي ال‪--‬يت هتتم باس‪--‬تطالع أبع‪--‬اد الظ‪--‬اهرة للتمهي‪--‬د اخلط‪--‬وات أخ‪--‬رى ض‪--‬رورية‬ ‫‪.1‬‬
‫بع‪--‬دها يف عملي‪-‬ة البحث العلمي‪ ،‬وه‪--‬ذه البح‪-‬وث ال يتطلب فيه‪--‬ا الب‪-‬دء بف‪--‬روض علمي‪-‬ة‪ ،‬وإمنا هي حتاول االجاب‪-‬ة‬
‫على سؤال يبدأ بكلمة االستفهام‪ ،‬ماذا؟‬
‫البح‪-‬وث الوص‪-‬فية ال‪-‬يت ترك‪-‬ز على رص‪-‬د الظ‪-‬اهرة موض‪-‬وع الدراس‪-‬ة كم‪-‬ا هي يف واقعه‪-‬ا وس‪-‬ياقها بقص‪-‬د االجاب‪-‬ة‬ ‫‪.2‬‬
‫على السؤال الذي يبدأ بكلمة االستفهام‪ ،‬كيف؟‬
‫البحوث التشخيصية اليت هتتم بإبراز العوامل واملتغريات األساسية اليت حتدث الظاهرة وتؤثر فيها وهي دراسات‬ ‫‪.3‬‬
‫(‪)1‬‬
‫غالبًا ما تقوم على اختبار فروض علمية حول الظاهرة‬
‫البحوث التقوميية واخلاص‪-‬ة بتق‪-‬ومي املش‪-‬روعات االجتماعي‪-‬ة وخط‪-‬ط التنمي‪-‬ة االجتماعي‪-‬ة‪ ،‬ومنه‪-‬ا يف جمال الس‪-‬كان‪،‬‬ ‫‪.4‬‬
‫البحوث اليت تدرس مشروعات مثل تنظيم األسرة أو البحوث اليت تعمل على تقومي السياسات السكانية‪.‬‬
‫والشيء اجلدير بالذكر وحنن بصدد تصنيف البحوث السكانية‪ ،‬على النحو السابق‪ ،‬أن هذا التصنيف ال خيرج‬
‫عن كون‪--‬ه تص‪--‬نيفًا تص‪--‬وريًا بقص‪--‬د البحث والدراس‪--‬ة والتحلي‪--‬ل فهن‪--‬اك حبوث ق‪--‬د جتم‪--‬ع يف أه‪--‬دافها بني واح‪--‬د أو‬
‫أكثر من األهداف السابقة‪.‬‬

‫أمثلة على بحوث السكان‬

‫وإذا عرفن ‪--‬ا أن اخلط ‪--‬ط واملش ‪--‬روعات وال ‪--‬ربامج ال ‪--‬يت تس ‪--‬تعني هبا احلكوم ‪--‬ات على حتقي ‪--‬ق أه ‪--‬داف التنمي ‪--‬ة االجتماعي ‪--‬ة‬
‫املختلفة‪ ،‬تق‪-‬وم على أس‪-‬اس من نت‪-‬ائج البح‪-‬وث العلمي‪-‬ة‪ ،‬وك‪-‬انت البح‪-‬وث تص‪-‬نف حس‪-‬ب أه‪-‬دافها‪ ،‬فإن‪-‬ه ميكن لن‪-‬ا أن‬

‫()‪1‬‬
‫‪C. Selltize, et, al., Research Methods in Social Relations, Op. Cit, pp. 50 - 51.‬‬

‫‪117‬‬
‫نأخ‪--‬ذ أه‪--‬داف التنمي‪--‬ة االجتماعي‪--‬ة يف مراحله‪--‬ا املختلف‪--‬ة وحندد على ض‪--‬وئها أن‪--‬واع البح‪--‬وث الكش‪--‬فية واالس‪--‬تطالعية‬
‫والوصفية التشخيصية والتقوميية يف جمال السكان على النحو التايل‪:‬‬

‫البحوث الكشفية واالستطالعية في نطاق السكان‬

‫لكي خنرج بص ‪--‬ورة واض ‪--‬حة عن البن‪--‬اء ال‪--‬دميوجرايف للمجتم‪--‬ع‪ ،‬يل‪--‬زم األم ‪--‬ر دراس‪--‬ة أبع ‪--‬اد ه ‪--‬ذا البن‪--‬اء من حيث حجم‬
‫الس‪--‬كان وحتدي‪--‬د ع‪--‬ددهم‪ ،‬وت‪--‬ركيب الس‪--‬كان او خصائص‪--‬هم من فئ‪--‬ات العم‪--‬ر والن‪--‬وع وال‪--‬دين وال‪--‬زواج‪ ،‬ومس‪--‬تويات‬
‫التعليم وتوزي‪--‬ع الس‪--‬كان على الري‪--‬ف واحلض‪--‬ر وم‪--‬ا اليه‪--‬ا‪ .‬كم‪--‬ا يتطلب األم‪--‬ر دراس‪--‬ة عوام‪--‬ل تغ‪--‬ري الس‪--‬كان من موالي‪--‬د‬
‫ووفي‪-‬ات وهج‪-‬رة حبيث هنتم بدراس‪-‬ة ن‪-‬وع املوالي‪-‬د والتع‪--‬رف على مع‪--‬دل اخلص‪--‬وبة‪ ،‬ونس‪-‬ب املتزوجني يف فئ‪-‬ات العم‪-‬ر‬
‫املختلف‪--‬ة‪ ،‬ونس‪--‬ب املتزوجني ب‪--‬أكثر من واح‪--‬دة‪ .‬وت‪--‬رتيب الف‪--‬رد يف األس‪--‬رة وتص‪--‬نيف الوفي‪--‬ات حس‪--‬ب الس‪--‬ن والن‪--‬وع‬
‫وس‪-‬بب الوف‪-‬اة(‪ .)1‬وحتلي‪-‬ل اهلج‪-‬رة بأنواعه‪-‬ا داخلي‪-‬ة وخارجي‪-‬ة‪ ،‬وحتدي‪-‬د من‪-‬اطق اجلذب والط‪-‬رد للس‪-‬كان وإلق‪-‬اء الض‪-‬وء‬
‫على عوام‪-- -‬ل اهلج‪-- -‬رة وال ميكن إنك‪-- -‬ار احلاج‪-- -‬ة إىل دراس‪-- -‬ة الق‪-- -‬وى العامل‪-- -‬ة واملوارد البش‪-- -‬رية والعمال‪-- -‬ة وغريه‪-- -‬ا‪ ،‬من‬
‫موضوعات حتدد على ضوئها نسبة املعتمدين وهم األشخاص حتت سن ‪ 16‬سنة أو فوق س‪--‬ن ‪ 65‬س‪--‬نة وهم أف‪--‬راد‬
‫اجلماعة غ‪-‬ري املنتج‪-‬ة اقتص‪-‬اديًا‪ ،‬وإىل أي ح‪-‬د تش‪-‬كل عبئ‪ً-‬ا على بقي‪-‬ة أف‪-‬راد الق‪-‬وى العامل‪-‬ة يف اجملتم‪-‬ع وال‪-‬يت تق‪-‬وم بش‪-‬غل‬
‫وظ ‪-- -‬ائف على املس ‪-- -‬تويات املتباين ‪-- -‬ة يف الدول ‪-- -‬ة ويف اجملاالت والتخصص ‪-- -‬ات املختلف ‪-- -‬ة ومعرف ‪-- -‬ة نوعي ‪-- -‬ة التخصص ‪-- -‬ات‬
‫والكف‪--‬اءات املوج‪--‬ودة يف اختي‪--‬ار املش‪--‬روعات املناس‪--‬بة هلا‪ .‬كم‪--‬ا ال يص‪--‬ح أن نغف‪--‬ل دراس‪--‬ة متغ‪--‬ريات س‪--‬كانية وظ‪--‬روف‬
‫من أمهه‪-- -‬ا التعليم والص‪-- -‬حة واإلس‪-- -‬كان واخلدمات االجتماعي‪-- -‬ة وأن ن‪-- -‬وفر إحص‪-- -‬اءات عن ع‪-- -‬دد املدارس والفص‪-- -‬ول‬
‫والطلب ‪--‬ة يف ك ‪--‬ل مرحل ‪--‬ة تعليمي ‪--‬ة‪ ،‬وع ‪--‬دد املدرس ‪--‬ني وم ‪--‬ؤهالهتم ومس ‪--‬توياهتم العلمي ‪--‬ة‪ ،‬وك ‪--‬ذلك ع ‪--‬دد املستش ‪--‬فيات‬
‫واألس ‪--‬رة‪ ،‬وع‪-- -‬دد املرض‪-- -‬ى مقس ‪--‬مني حس ‪--‬ب الس ‪--‬ن والن ‪--‬وع وع‪-- -‬دد األطب ‪--‬اء ومس ‪--‬اعديهم واملمرض‪-- -‬ني واملمرض ‪--‬ات‬
‫واألجهزة الطبية املتوفرة‪ ،‬وكذلك عدد الوحدات الس‪-‬كنية‪ ،‬وتقس‪-‬يمها حس‪-‬ب املس‪-‬تويات االقتص‪--‬ادية وع‪--‬دد األف‪-‬راد‬
‫يف ك ‪--‬ل وح ‪--‬دة س ‪--‬كنية‪ ،‬وك ‪--‬ذلك معرف ‪--‬ة ع ‪--‬دد مراك ‪--‬ز اخلدم ‪--‬ة أو املؤسس ‪--‬ات يف جماالت رعاي ‪--‬ة الطفول ‪--‬ة والش ‪--‬باب‬
‫واملسنني وذوي العاهات والوحدات اجلمعة واجلمعيات التعاونية الزراعية وغريها(‪.)2‬‬

‫‪ )(1‬الدكتور عبد الباسط حسن ‪ ،‬البحوث الميدانية وأهميتها في التخطيط للتنمية الريفية في العالم العربي ‪ ،‬المجلة االجتماعية القومية المركز القومي‬
‫للبحوث االجتماعية والجنائية ‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬المجلد السابع ‪ ،‬العدد الثالث ‪ ،‬ص ص ‪74 - 49‬‬
‫‪( )2‬الدكتور عبد الباسط حسن ‪ ،‬مرجع سابق ص ص ‪.74 - 49‬‬

‫‪118‬‬
‫والستخالص النتائج ال‪-‬يت تلقي الض‪-‬وء على أبع‪-‬اد ه‪-‬ذا البن‪-‬اء ال‪-‬دميوجرايف أو الكش‪-‬ف عنه‪-‬ا فق‪-‬د يق‪-‬وم الب‪-‬احث برس‪-‬م‬
‫هرم سكاين بن‪-‬اء على بيان‪-‬ات التع‪-‬دادات املتعلق‪-‬ة بالس‪-‬ن والن‪-‬وع‪ ،‬لتحدي‪-‬د ال‪-‬رتكيب الن‪-‬وعي والعم‪-‬ري للس‪-‬كان‪ ،‬وه‪-‬و‬
‫يتبع عدة إجراءات منهجية للوصول إىل صورة هذا اهلرم‪ ،‬الذي يستطيع على ضوئه أن يق‪--‬ارن بني ت‪--‬ركيب الس‪--‬كان‬
‫يف جمتمع‪--‬ه واجملتمع‪--‬ات األخ‪--‬رى ويس‪--‬تخلص جمموع‪--‬ة من النت‪--‬ائج ال‪--‬يت ت‪--‬دلل على طبيع‪--‬ة ت‪--‬ركيب الس‪--‬كان وإمكانيات‪--‬ه‬
‫وح‪--‬دوده وق‪--‬د يق‪--‬وم الب‪--‬احث أيض‪ً-‬ا بوض‪--‬ع رس‪--‬وم بياني‪--‬ة عن ج‪--‬وانب أخ‪--‬رى من البن‪--‬اء ال‪--‬دميوجرايف ك‪--‬ان يوض‪--‬ح مثال‬
‫الرتكيب املهين أو توزيع الس‪-‬كان على الري‪-‬ف واحلض‪-‬ر أو م‪-‬ا يقابله‪-‬ا‪ .‬إم‪-‬ا البح‪-‬وث واالستقص‪-‬اءات ال‪-‬يت جتري الس‪-‬د‬
‫النقص يف بيانات التعداد والتسجيل احليوي‪ ،‬مثل حتديد العالقات بني مكون‪-‬ات البن‪-‬اء ال‪-‬دميوجرايف‪ ،‬أو بني ال‪-‬رتكيب‬
‫العمري وتوزيع السكان على الريف واحلضر‪ ،‬وبني الرتكيب النوعي وهذا التوزيع وبني الرتكيب التعليمي والتوزيع‬
‫السابق‪ ،‬وهكذا فإن هذه البحوث تثري مشكالت من نوع آخر‪ ،‬سنشري إليها بع‪-‬د تن‪-‬اول اجملاالت األخ‪-‬رى للبح‪-‬وث‬
‫املتعلقة بالسكان‪ ،‬ويتطلب األمر دراسة تغري هذا البناء من حيث التعرف على العوامل اليت ت‪-‬ؤثر يف ه‪-‬ذا التغ‪-‬ري وه‪-‬ل‬
‫يسري اجتاه الزيادة حنو الزيادة او النقص يف عدد السكان وحجمهم‪ ،‬وحتديد فعالية ك‪-‬ل عام‪-‬ل من عوام‪-‬ل التغ‪-‬ري مث‪-‬ل‬
‫املوالي‪--‬د والوفي‪--‬ات واهلج‪--‬رة وك‪--‬ذلك التع‪--‬رف على آث‪--‬ار التغ‪--‬ري يف بن‪--‬اء الس‪--‬كان‪ ،‬وذل‪--‬ك أيض‪ً-‬ا من خالل االعتم‪--‬اد إم‪--‬ا‬
‫على اإلحص ‪--‬اءات االجتماعي ‪--‬ة ال ‪--‬يت يوفره ‪--‬ا التع ‪--‬داد او على تل ‪--‬ك ال ‪--‬يت يوفره ‪--‬ا التس ‪--‬جيل احلي ‪--‬وي أو تل ‪--‬ك ال ‪--‬يت ميكن‬
‫التوصل إليها من خالل البحوث واالستقص‪-‬اءات‪ .‬غ‪-‬ري إن دراس‪-‬ة ه‪-‬ذه املوض‪-‬وعات تث‪-‬ري ب‪-‬دورها جمموع‪-‬ة أخ‪-‬رى من‬
‫الصعوبات واملشكالت‪ ،‬يف مقدمتها قضية املنهج العلمي االجتماعي نفس‪-‬ه‪ ،‬وقدرت‪-‬ه على النف‪--‬اذ إىل احلق‪--‬ائق‪ ،‬وق‪-‬درة‬
‫الب ‪--‬احث على التفس ‪--‬ري‪ ،‬والكش ‪--‬ف عن العوام ‪--‬ل الكامن ‪--‬ة وراء الظ ‪--‬واهر االجتماعي ‪--‬ة وك ‪--‬ذلك قض ‪--‬ية االعتم ‪--‬اد على‬
‫العين‪--‬ات وح‪--‬دودها وتص‪--‬ميم وس‪--‬ائل مجع البيان‪--‬ات يف إط‪--‬ار حيق‪--‬ق ش‪--‬روط الثب‪--‬ات والص‪--‬دق فض‪ً-‬ال عن توف‪--‬ري الب‪--‬احثني‬
‫املدربني على مجع البيانات وغريهم القادرين على إجراء التحليالت اإلحصائية والوصول إىل النتائج الالزمة‪.‬‬

‫البحوث الوصفية والتشخيصية في السكان‬

‫قد تشتمل اخلطة القومية على قيام مشروعات سكانية‪ ،‬مث‪-‬ل تل‪-‬ك املش‪-‬روعات املتعلق‪-‬ة بتنظيم األس‪-‬رة وال‪-‬يت ق‪-‬د تش‪-‬ري‬
‫إىل زي‪--‬ادة النس‪--‬ل أو ع‪--‬دم زيادت‪--‬ه أو س‪--‬ن التش‪--‬ريعات ال‪--‬يت حتدد أو تس‪--‬مح ب‪--‬اهلجرة التلقائي‪--‬ة الداخلي‪--‬ة أو اخلارجي‪--‬ة‪ ،‬أو‬
‫تنظيم مش‪--‬روعات للهج‪--‬رة القومي‪--‬ة والتهج‪--‬ري إىل من‪--‬اطق أخ‪--‬رى‪ .‬وجيي هن‪--‬ا دور البحث االجتم‪--‬اعي للس‪--‬كان ليح‪--‬دد‬
‫بعض اجملاالت ال ‪--‬يت يس ‪--‬عى إىل الرتك ‪--‬يز عليه ‪--‬ا ومجع اإلحص ‪--‬اءات االجتماعي ‪--‬ة حوهلا مس ‪--‬امهة من ‪--‬ه يف الكش ‪--‬ف عن‬
‫‪119‬‬
‫العقب‪-- -‬ات ال‪-- -‬يت تواج‪-- -‬ه تنفي‪-- -‬ذ اخلط‪-- -‬ط على حنو حيق‪-- -‬ق اهلدف منه‪-- -‬ا‪ ،‬أو تش‪-- -‬خيص املش‪-- -‬كالت ال‪-- -‬يت تع‪-- -‬رتض طري‪-- -‬ق‬
‫املش ‪--‬روعات وحتول دون أدائه ‪--‬ا لوظائفه ‪--‬ا‪ .‬إذ ميكن اإلش ‪--‬ارة يف ه ‪--‬ذا الص ‪--‬دد إىل دور القيم واالجتاه ‪--‬ات يف الس ‪--‬لوك‬
‫اإلجنايب من حيث تقب‪-- -‬ل سياس‪-- -‬ة تنظيم األس‪-- -‬رة‪ ،‬واإلقب‪-- -‬ال على اس‪-- -‬تخدام وس‪-- -‬ائل من‪-- -‬ع احلم‪-- -‬ل إذا ك‪-- -‬انت السياس‪-- -‬ة‬
‫املوض‪--‬وعة تقتض‪--‬ي ذل‪--‬ك إىل دور وس‪--‬ائل االتص‪--‬ال يف توف‪--‬ري ج‪--‬و االقتن‪--‬اع هبذه السياس‪--‬ة وأس‪--‬اليبها‪ ،‬وإىل أث‪--‬ر التعليم‬
‫وعمل املرأة على سلوكها اإلجنايب واجملاراه األهداف ب‪-‬رامج تنظيم األس‪-‬رة وإىل دراس‪-‬ة اخلص‪-‬وبة وعالقته‪-‬ا بالطبق‪-‬ات‬
‫االجتماعية أو باملستوى االقتصادي االجتماعي‪ ،‬على أن تأخذ ه‪--‬ذه الدراس‪-‬ة يف اعتباره‪--‬ا دور أجه‪--‬زة تنظيم األس‪-‬رة‬
‫ذاهتا يف تنفي ‪--‬ذ السياس ‪--‬ية املطلوب ‪--‬ة‪ ،‬وذل ‪--‬ك من حيث الق ‪--‬وى البش ‪--‬رية ال ‪--‬يت تعم ‪--‬ل داخ ‪--‬ل ه ‪--‬ذه األجه ‪--‬زة ومش ‪--‬كالهتم‬
‫واجتاهاهتم وقيمهم جتاه هذه السياسة نفسها واقتناعهم مبا يقومون به من عمل وعلى اإلمكانيات املادية والفني‪--‬ة ال‪--‬يت‬
‫تستخدمها يف تنفيذ أهداف السياسة اليت ينادون هبا‪ .‬وأن تدور البحوث حول تشريعات اهلج‪--‬رة التلقائي‪--‬ة‪ ،‬لتكش‪--‬ف‬
‫عن مش‪--‬كالت تطبيقه‪--‬ا وحتدي‪--‬د ص‪--‬ور االس‪--‬تثناءات ال‪--‬يت تظه‪--‬ر لالفالت من ه‪--‬ذه الق‪--‬وانني ومن ع‪--‬دم تط‪--‬بيق الق‪--‬انون‬
‫على ك‪--‬ل احلاالت‪ ،‬والظ‪--‬روف ال‪--‬يت تت‪--‬دخل يف ه‪--‬ذا الص‪--‬دد نتيج‪--‬ة للت‪--‬أثري ال‪--‬ذي متارس‪--‬ه بعض الق‪--‬وى االجتماعي‪--‬ة يف‬
‫اجملتم‪--‬ع وهك‪--‬ذا‪ .‬كم‪--‬ا ت‪--‬دور البح‪--‬وث وجتم‪--‬ع اإلحص‪--‬اءات االجتماعي‪--‬ة ح‪--‬ول جتارب التهج‪--‬ري أو اهلج‪--‬رة القس‪--‬رية أو‬
‫االض‪--‬طرارية‪ ،‬لتكش‪--‬ف عن مش‪--‬كالت املهج‪--‬رين يف البل‪--‬د وال‪--‬يت تع‪--‬وق تكيفهم م‪--‬ع الظ‪--‬روف اجلدي‪--‬دة‪ .‬والعقب‪--‬ات ال‪--‬يت‬
‫يضعها السكان األصليون أمام القادمني اجلدد نتيجة لتعارض املصاحل واختالف األهداف‪ ،‬وتلقى الض‪--‬وء على ص‪--‬ور‬
‫السلوكيات االحنرافية اليت تنشأ عن التعارض بني املعايري االجتماعية للسكان األصليني والقادمني اجلدد وهكذا‪.‬‬

‫البحوث التقويمية في مجال السكان‬

‫وعن‪-- -‬دما نص‪-- -‬ل إىل املرحل‪-- -‬ة ال‪-- -‬يت تلي قي‪-- -‬ام املش‪-- -‬روعات وتنفي‪-- -‬ذ اخلط‪-- -‬ط وس‪-- -‬ن التش‪-- -‬ريعات هبدف إح‪-- -‬داث التنمي‪-- -‬ة‬
‫االجتماعي ‪-- -‬ة يف جماالت الس ‪-- -‬كان‪ ،‬تظه ‪-- -‬ر جماالت اللبح ‪-- -‬وث وجتم ‪-- -‬ع إحص ‪-- -‬اءات اجتماعي ‪-- -‬ة هتدف إىل تق ‪-- -‬ومي ه ‪-- -‬ذه‬
‫املش ‪--‬روعات واخلط ‪--‬ط التش ‪--‬ريعية عن طري ‪--‬ق مقارن ‪--‬ة النت ‪--‬ائج ال ‪--‬يت حققته ‪--‬ا بالفع ‪--‬ل مبا ك ‪--‬ان مس ‪--‬تهدفًا منه ‪--‬ا‪ ،‬ذل ‪--‬ك ألن‬
‫التق‪--‬ومي عب‪--‬ارة عن منهج علمي يس‪--‬تهدف الكش‪--‬ف عن حقيق‪--‬ة الت‪--‬أثري الكلي أو اجلزئي لربن‪--‬امج من ب‪--‬رامج التنمي‪--‬ة يف‬
‫النطاقني القومي أو احمللي‪ ،‬ووسيلته يف هذا هو الكشف عن حقيقة التغريات املادية واملعنوية‪.‬‬

‫‪120‬‬
‫وتستلزم عملي‪-‬ات التق‪-‬ومي توف‪-‬ري املع‪-‬ايري ال‪-‬يت ميكن اختاذه‪-‬ا أساس‪ً-‬ا للمقارن‪-‬ة‪ ،‬أو التوص‪-‬ل إىل املؤش‪-‬رات‪ ،‬أو ق‪-‬د تس‪-‬تلزم‬
‫حتديد املدخالت ‪ In put‬والعائد ‪ Out put‬باملفهوم االقتصادي وإن كان هذا املفهوم األخري يصعب اتباعه يف‬
‫املش ‪--‬روعات االجتماعي ‪--‬ة‪ .‬فق ‪--‬د ت ‪--‬رتكز البح ‪--‬وث ح ‪--‬ول مش ‪--‬روع تنظيم األس ‪--‬رة لتق ‪--‬ومي م ‪--‬ا مت حتقيق ‪--‬ه من األه ‪--‬داف‬
‫األساس ‪--‬ية ل ‪--‬ه والكش ‪--‬ف عن العوام ‪--‬ل ال ‪--‬يت س ‪--‬اعدت على حتقيقه ‪--‬ا‪ ،‬على ض ‪--‬وء جمموع ‪--‬ة من املؤش ‪--‬رات مث ‪--‬ل مع ‪--‬دل‬
‫اخلص ‪--‬وبة أو املوالي ‪--‬د‪ ،‬وع ‪--‬دد املرتددين على أجه ‪--‬زة تنظيم األس ‪--‬رة أو ع ‪--‬دد ال ‪--‬ذين يس ‪--‬تخدمون بالفع ‪--‬ل وس ‪--‬ائل من ‪--‬ع‬
‫احلم‪--‬ل‪ ...‬اخل‪ .‬أو ق‪--‬د جيري حبث‪ً-‬ا تقوميي‪ً-‬ا لواح‪--‬د من مش‪--‬روعات التهج‪--‬ري‪ ،‬من أج‪--‬ل تق‪--‬دير م‪--‬ا مت حتقيق‪--‬ه من األه‪--‬داف‬
‫األساس‪--‬ية ل‪--‬ه‪ ،‬على ض‪--‬وء مؤش‪--‬رات التكي‪--‬ف م‪--‬ع ظ‪--‬روف احلي‪-‬اة اجلدي‪--‬دة والتق‪--‬دم يف جمال العم‪--‬ل أو الدراس‪--‬ة وارتف‪--‬اع‬
‫مستوى املعيشة أو دخل األسرة‪ ،‬وقلة املشكالت يف العمل واألسرة واجملتمع احمللي‪ ....‬اخل‪.‬‬

‫مراحل البحث في مجال السكان‬

‫ومير البحث العلمي الذي جيري لكل مثال من أمثلة البحوث السابقة بعدة مراحل هي‪:‬‬

‫مرحلة اإلعداد للبحث‪ :‬ابتداء من صوغ املشكلة وحتديد هدف البحث‪ ،‬واختيار املشكلة يف ض‪-‬وء الق‪-‬راءات‬ ‫‪.1‬‬
‫واخلربات الس ‪--‬ابقة‪ ،‬وحتدي ‪--‬د املنهج املس ‪--‬تخدم يف البحث‪ ،‬وك ‪--‬ذا ط ‪--‬رق وأدوات مجع البيان ‪--‬ات وحتدي ‪--‬د عين ‪--‬ة‬
‫البحث وطريقة تصميمها وحجمها‪ ،‬وإعداد جمتمع البحث وهتيئته إلجراء البحث‪ ،‬وتدريب باحثي امليدان‪.‬‬
‫مرحل‪--‬ة إج‪--‬راء البحث‪ :‬وتتمث‪--‬ل يف مجع البيان‪--‬ات من املص‪--‬ادر امليداني‪--‬ة ال‪--‬يت ح‪--‬ددها الب‪--‬احث‪ ،‬وي‪--‬دخل يف ه‪--‬ذه‬ ‫‪.2‬‬
‫املرحلة‪ ،‬عملية مراجعة البيانات‪.‬‬
‫مرحلة عرض البيانات وحتليلها‪ :‬وتشمل وصف البيانات وحتليلها واستخالص النتائج‪.‬‬ ‫‪.3‬‬
‫مرحل ‪--‬ة تفس ‪--‬ري نت ‪--‬ائج البحث يف ض ‪--‬وء إط ‪--‬اره النظ ‪--‬ري واملنهجي أو م ‪--‬ا ق ‪--‬د يلج ‪--‬ا إلي ‪--‬ه الب ‪--‬احث من نظري ‪--‬ات‬ ‫‪.4‬‬
‫والبحث عن الدالالت العملية للنتائج من خالل اقرتاح عدة توصيات متكن تطبيقها يف الواقع‪.‬‬

‫‪121‬‬
‫الفصل الخامس‬

‫نماذج التحليل السكاني‬


‫تمهيد‬

‫تع‪--‬ددت الظ‪--‬واهر الس‪--‬كانية وتب‪--‬اينت أنواعه‪--‬ا ومتايزت بني حجم الس‪--‬كان وتك‪--‬وينهم وت‪--‬وزيعهم ومنوهم‪ ،‬وس‪--‬ارعت‬
‫علوم كثرية ونظم فكرية متباينة إىل دراس‪-‬ة وفهم ه‪-‬ذه الظ‪-‬واهر‪ ،‬وانقس‪-‬مت يف ه‪-‬ذا الص‪-‬دد إىل جمموع‪-‬ة ال‪-‬دميوجرافيا‬
‫وجمموع‪-‬ة الدراس‪-‬ات الس‪-‬كانية‪ .‬وك‪-‬ان علم اجتم‪-‬اع الس‪-‬كان من بني جمموع‪-‬ة الدراس‪-‬ات الس‪-‬كانية وفرع‪ً-‬ا من ف‪-‬روع‬
‫علم االجتم‪--‬اع ال‪--‬ذي اجته‪--‬د يف تنمي‪--‬ة وتط‪--‬وير جمموع‪--‬ة ال حص‪--‬ر هلا من القض‪--‬ايا النظري‪--‬ة ال‪--‬يت ميكن أن تفي‪--‬د يف جمال‬
‫فهم وتفس‪--‬ري ه‪--‬ذه الظ‪--‬واهر‪ .‬واش‪--‬رتك ه‪--‬ذا العلم م‪--‬ع غ‪--‬ريه من نظم فكري‪--‬ة هتتم بدراس‪--‬ة الس‪--‬كان يف اهتمام‪--‬ه ب‪--‬البحث‬
‫عن املعطي‪--‬ات الس‪--‬كانية ال‪--‬يت ميكن يف ض‪--‬وئها التثبت من دق‪--‬ة وص‪--‬حة قض‪--‬ايا النظري‪--‬ة وتفس‪--‬رياته للظ‪--‬واهر الس‪--‬كانية‪،‬‬
‫فوج ‪--‬ه األنظ‪-- -‬ار حنو املص‪-- -‬ادر الرئيس‪-- -‬ية للمعطي‪-- -‬ات الس‪-- -‬كانية‪ ،‬وكش‪-- -‬ف عن طري‪-- -‬ق دراس‪-- -‬تها وبني كيفي ‪--‬ة اس ‪--‬تخدام‬

‫‪122‬‬
‫إج ‪--‬راءات البحث االجتم ‪--‬اعي يف التغلب على الص ‪--‬عوبات ال ‪--‬يت تواج ‪--‬ه دراس ‪--‬ة الس ‪--‬كان يف توف ‪--‬ري املعطي ‪--‬ات الس ‪--‬كانية‬
‫وزيادة رصيد دراسة السكان منها‪ ،‬إسهامًا منه يف تط‪-‬وير ق‪-‬درة ه‪-‬ذه الدراس‪-‬ة على اختب‪-‬ار القض‪-‬ايا النظري‪-‬ة ال‪-‬يت تعني‬
‫على فهم الظ ‪--‬واهر الس ‪--‬كانية كم ‪--‬ا أش ‪--‬رنا س ‪--‬لفًا‪ .‬وعن ‪--‬دما واج ‪--‬ه ه ‪--‬ذا العلم حقيق ‪--‬ة ت ‪--‬وفر رك ‪--‬ام ض ‪--‬خم من املعطي ‪--‬ات‬
‫السكانية عن هذه املص‪-‬ادر‪ ،‬وص‪-‬عوبة االس‪-‬تعانة هبا يف ح‪-‬د ذاهتا يف حتقي‪-‬ق اهلدف املنش‪-‬ود‪ ،‬وانتهى إىل ض‪-‬رورة حتلي‪-‬ل‬
‫ه ‪--‬ذه املعطي‪--‬ات اعتق ‪--‬ادًا من‪--‬ه يف امهي‪--‬ة التحلي‪--‬ل كوس‪--‬يلة يف اختص ‪--‬ار ه ‪--‬ذه املعطي‪--‬ات وتركيزه ‪--‬ا يف ص ‪--‬ورة نت‪--‬ائج عام ‪--‬ة‬
‫تتض‪--‬ح على أساس‪--‬ها ص‪--‬حة او ع‪--‬دم ص‪--‬حة القض‪--‬ايا التفس‪--‬ريية للظ‪--‬واهر الس‪--‬كانية‪ .‬ومن هن‪--‬ا خصص‪--‬ت الفص‪--‬ل احلايل‬
‫إللق ‪--‬اء الض ‪--‬وء على حقيق ‪--‬ة التحلي ‪--‬ل وأمهيت ‪--‬ه‪ ،‬ومتي ‪--‬يز التحلي ‪--‬ل االجتم ‪--‬اعي للظ ‪--‬واهر الس ‪--‬كانية عن أن ‪--‬واع التحليالت‬
‫السكانية األخرى‪.‬‬

‫أوًال‪ :‬معنى التحليل وأهميته‬

‫ي ‪--‬ذهب البعض يف حتدي ‪--‬د مع ‪--‬ىن التحلي ‪--‬ل إىل الق ‪--‬ول بأن ‪--‬ه عب ‪--‬ارة عن عملي ‪--‬ة تلخيص ك ‪--‬ل م ‪--‬ا مت مجع ‪--‬ه من معطي ‪--‬ات أو‬
‫بيان‪-‬ات أو حق‪-‬ائق‪ ،‬وذل‪-‬ك من خالل تص‪-‬نيف ه‪-‬ذه املعطي‪-‬ات وإجيازه‪-‬ا وجتمي‪-‬ع ش‪-‬تاهتا يف ص‪-‬ورة نت‪-‬ائج أك‪-‬ثر عمومي‪-‬ة‬
‫من جزئيات املعطيات والبيانات اليت مت مجعها‪ ،‬أو بأية طريقة أخرى تس‪-‬اعد على حتقي‪-‬ق اهلدف ال‪-‬ذي ك‪-‬انت تس‪-‬عى‬
‫إليه عملية مجع املعطيات (‪ ،)1‬سواء أكانت اإلجابة على سؤال أو التحقق من فرض علمي أو ما إىل ذلك‪.‬‬

‫وي‪--‬رى البعض االخ‪--‬ر يف حتدي‪--‬د مع‪--‬ىن التحلي‪--‬ل أن‪--‬ه إذا ك‪--‬انت املالحظ‪--‬ة متدنا باملعطي‪--‬ات يف ص‪--‬ورهتا اخلام أو يف ص‪--‬ورة‬
‫أع‪--‬داد مطلق‪--‬ة لألش‪--‬خاص أو األح‪--‬داث‪ ،‬ق‪--‬د مت توزيعه‪--‬ا على فئ‪--‬ات عدي‪--‬دة‪ ،‬وب‪--‬رغم م‪--‬ا ق‪--‬د تب‪--‬دو علي‪--‬ه ه‪--‬ذه املعطي‪--‬ات‬
‫اخلام من ‪--‬ذ الوهل ‪--‬ة األوىل من أهنا حق ‪--‬ائق بس ‪--‬يطة‪ ،‬إال أهنا يف حقيق ‪--‬ة األم ‪--‬ر تعت ‪--‬رب حمص ‪--‬لة تركيب ‪--‬ات معق ‪--‬دة وخليط‪ً- -‬ا‬
‫تتداخل فيه عناصر وعوامل كثرية ومتباينة وحيتاج األمر إىل حل هذا التداخل وتقلي‪-‬ل درج‪-‬ة التعقي‪-‬د وفص‪-‬ل العوام‪-‬ل‬
‫وع‪--‬زل الظ‪--‬واهر وتوض‪--‬يح الت‪--‬أثريات غ‪--‬ري العادي‪--‬ة وه‪--‬ذا م‪--‬ا يعني‪--‬ه التحلي‪--‬ل‪ ،‬وال‪--‬ذي بدون‪--‬ه يص‪--‬عب فهم كيفي‪--‬ة تفاع‪--‬ل‬
‫الظواهر ومنوها‪ ،‬والتنبؤ بتطورها يف املس‪-‬تقبل‪ .‬على أن التحلي‪-‬ل عملي‪-‬ة ال هناي‪-‬ة هلا‪ ،‬وكلم‪-‬ا ح‪-‬دث تق‪-‬دم بش‪-‬أنه كلم‪-‬ا‬
‫(‪)2‬‬
‫اكتشفنا عناصر وعوامل جديدة‬

‫)(‪1‬‬
‫‪, pp341 - 342‬م‪W. Goode & Hatt, Methods in Social Research, Mc Graw Hill Comp New York | 1952‬‬
‫)(‪2‬‬
‫‪, p. 3.‬م‪L. Henry, Population, Analysis & Modells, Edward Amold LHD, London, 1976‬‬

‫‪123‬‬
‫والواق‪--‬ع أن ال‪--‬رأيني الس‪--‬ابقني يف حتدي‪--‬د مع‪--‬ىن التحلي‪--‬ل يلقي‪--‬ان الض‪--‬وء على حقيقت‪--‬ه من ج‪--‬وانب متباين‪--‬ة ف‪--‬األول يوض‪--‬ح‬
‫خطوات‪--‬ه والث‪--‬اين يش‪--‬ري إىل أهداف‪--‬ه حبيث ميكن الق‪--‬ول ب‪--‬أن التحلي‪--‬ل عب‪--‬ارة عن عملي‪--‬ة مكمل‪--‬ة لعملي‪--‬ة مجع املعطي‪--‬ات من‬
‫مص‪--‬ادرها املختلف‪--‬ة س‪--‬واء أك‪--‬ان تع‪--‬داد أو تس‪--‬جيل حي‪--‬وي أو بيان‪--‬ات ج‪--‬اهزة أو حبث اجتم‪--‬اعي كم‪--‬ا حيدث يف حال‪--‬ة‬
‫دراس ‪--‬ة الس ‪--‬كان‪ ،‬أو ه ‪--‬و خط ‪--‬وة الحق ‪--‬ة خلط ‪--‬وة مجع املعطي ‪--‬ات‪ ،‬وه ‪--‬و يف ذات ‪--‬ه ينط ‪--‬وي على خط ‪--‬وات متباين ‪--‬ة منه ‪--‬ا‬
‫التلخيص والتص ‪-- -‬نيف واالجياز أو التعب ‪-- -‬ري عن احلق ‪-- -‬ائق يف ص ‪-- -‬ورة م ‪-- -‬وجزة كم ‪-- -‬ا ه ‪-- -‬و احلال يف ج ‪-- -‬داول البيان‪-- -‬ات أو‬
‫املعطي‪--‬ات‪ ،‬مث اس‪--‬تخالص النت‪--‬ائج األك‪--‬ثر عمومي‪--‬ة‪ .‬وهتدف عملي‪--‬ة التحلي‪--‬ل إىل توض‪--‬يح الت‪--‬داخل بني املعطي‪--‬ات وبي‪--‬ان‬
‫تاثري العوامل املختلفة‪ ،‬حىت يسهل فهم كيفي‪-‬ة تفاع‪-‬ل الظ‪-‬واهر ومنوه‪-‬ا والتنب‪-‬ؤ بتطوره‪-‬ا املس‪-‬تقبل‪ .‬وتأسيس‪ً-‬ا على ه‪-‬ذا‬
‫التحدي ‪--‬د ملع ‪--‬ىن التحلي ‪--‬ل ميكن إدارك أمهيت ‪--‬ه يف دراس ‪--‬ة الظ ‪--‬واهر‪ ،‬ذل ‪--‬ك ألن عملي ‪--‬ة التحلي ‪--‬ل تع ‪--‬رب عن ج ‪--‬وهر الدراس ‪--‬ة‬
‫وتش ‪--‬ري إىل اجلانب االب ‪--‬داعي يف خطواهتا‪ ،‬وتظه ‪--‬ر لن ‪--‬ا ق ‪--‬درة ال ‪--‬دارس وخربت ‪--‬ه وعم ‪--‬ق خيال ‪--‬ه وتفك ‪--‬ريه يف التوص ‪--‬ل إىل‬
‫النتائج العامة اليت تعني على فهم الظواهر وتفسريها والتنبؤ هبا يف املستقبل‪.‬‬

‫ثانيًا‪ :‬نماذج التحليل السكاني‬

‫تلتزم دراسة السكان سواء يف الدميوجرافيا أو يف الدراسات السكانية مبقومات التحلي‪--‬ل الس‪--‬ابقة من حيث اخلط‪--‬وات‬
‫واأله‪-- -‬داف‪ ،‬حيث يتف‪-- -‬ق دارس‪-- -‬و الس‪-- -‬كان فيم‪-- -‬ا بينهم من حيث قي‪-- -‬امهم بتص‪-- -‬نيف املعطي‪-- -‬ات الس‪-- -‬كانية وج ‪--‬دولتها‬
‫واس‪--‬تخالص النت‪--‬ائج العام‪--‬ة وذل‪--‬ك كل‪--‬ه هبدف البحث عن العوام‪--‬ل املؤثرة يف الظ‪--‬واهر الس‪--‬كانية ومنوه‪--‬ا وتطوره‪--‬ا يف‬
‫املس ‪--‬تقبل‪ .‬وإن ك ‪--‬ان هن ‪--‬اك اختالف بينهم يف ه ‪--‬ذا الص ‪--‬دد فه ‪--‬و يتمث ‪--‬ل يف نوعي ‪--‬ة العوام ‪--‬ل ال ‪--‬يت يبحث ‪--‬ون عنه ‪--‬ا وال ‪--‬يت‬
‫يعتقدون يف أثرها على الظواهر السكانية‪ .‬وبناء على ذلك يتوقع حدوث اختالف بينهم يف مض‪--‬مون التحلي‪--‬ل ال‪--‬ذي‬
‫جيرون‪--‬ه للمعطي‪--‬ات الس‪--‬كانية ويف نوعي‪--‬ة األه‪--‬داف ال‪--‬يت يس‪--‬عون إليه‪--‬ا‪ ،‬وبالت‪--‬ايل ظه‪--‬ور مناذج متباين‪--‬ة للتحلي‪--‬ل الس‪--‬كاين‬
‫يهمن‪--‬ا أن نتع‪--‬رف على ك‪--‬ل منوذج منه‪--‬ا ح‪--‬ىت يتس‪--‬ىن لن‪--‬ا الوق‪--‬وف على طبيع‪--‬ة التحلي‪--‬ل االجتم‪--‬اعي للظ‪--‬واهر الس‪--‬كانية‬
‫موضوع اهتمامنا يف هذا الصدد‪.‬‬

‫التحليل الديموجرافي للظواهر السكانية‬ ‫‪]1‬‬

‫‪124‬‬
‫تنظ ‪--‬ر ال ‪--‬دميوجرافيا الش ‪--‬كلية إىل الس ‪--‬كان على أهنم نس ‪--‬ق يتك ‪--‬ون من عناص ‪--‬ر احلجم والتك ‪--‬وين والتوزي ‪--‬ع وعملي ‪--‬ات‬
‫املواليد والوفي‪-‬ات واهلج‪-‬رة ومتث‪-‬ل ه‪-‬ذه العناص‪-‬ر الس‪-‬كانية والعملي‪-‬ات حمور االهتم‪-‬ام األساس‪-‬ي يف ال‪-‬دميوجرافيا فيق‪-‬وم‬
‫الدميوجرايف عند التحليل بوصف نسق السكان والبحث عن العالقات الوثيق‪--‬ة بني مكونات‪-‬ه وعمليات‪-‬ه‪ .‬ألن‪-‬ه يف‪--‬رتض‬
‫أن حجم النس‪--‬ق يتغ‪--‬ري نتيج‪--‬ة للتغ‪--‬ري يف عملي‪--‬ات الس‪--‬كان‪ ،‬إذ ميوت بعض أعض‪--‬اء النس‪--‬ق‪ ،‬ويول‪--‬د غ‪--‬ريهم‪ ،‬ويه‪--‬اجر‬
‫بعض ث ‪--‬الث منهم‪ ،‬ب ‪--‬أن ي ‪--‬نزحوا بعي ‪--‬دًا عن ‪--‬ه‪ .‬كم ‪--‬ا يف ‪--‬رتض أن عملي ‪--‬ات املوالي ‪--‬د والوفي ‪--‬ات واهلج ‪--‬رة ت ‪--‬ؤثر يف تك ‪--‬وين‬
‫السكان العمري والنوعي ومكان اإلقامة‪ .‬إذ تؤثر حركة الس‪-‬كان وهج‪-‬رهتم داخ‪-‬ل البل‪-‬د من منطق‪--‬ة إىل أخ‪-‬رى‪ ،‬يف‬
‫توزيعهم حسب االقامة‪ .‬وبناء على ذلك يعين دارس الدميوجرافيا ب‪-‬البحث عن العالق‪-‬ات بني مكون‪-‬ات النس‪-‬ق ه‪-‬ذه‬
‫وبني عملياته (‪.)1‬‬

‫فعن‪-‬دما ينص‪--‬رف ال‪-‬دميوجرايف إىل دراس‪-‬ة ظ‪--‬اهر الوفي‪-‬ات مثًال‪ ،‬وحياول حتلي‪-‬ل البيان‪-‬ات واملعطي‪-‬ات ال‪-‬يت تت‪-‬وفر ل‪-‬ه ح‪-‬ول‬
‫ه‪--‬ذه الظ‪--‬اهرة من املص‪--‬ادر املتبادل‪--‬ة فإن‪--‬ه يل‪--‬تزم خط‪--‬وات التلخيص والتص‪--‬نيف واإلجياز ح‪--‬ىت يس‪--‬تطيع أن حيق‪--‬ق أه‪--‬داف‬
‫دراسته الدميرجرافية يف الكشف عن عالقة هذه الظاهرة مبكونات النسق السكاين األخرى‪.‬‬

‫وعادة ما يبدأ التحليل الدميوجرايف بتحويل األعداد اليت توافرت عن ظاهرة الوفي‪--‬ات من مص‪--‬ادر املعطي‪--‬ات الس‪--‬كانية‬
‫املختلف ‪--‬ة‪ ،‬إىل نس ‪--‬ب أو مع ‪--‬دالت وهي عملي ‪--‬ة يتم فيه ‪--‬ا تلخيص أو جتري ‪--‬د البيان ‪--‬ات واملعطي ‪--‬ات املتعلق ‪--‬ة بالوفي ‪--‬ات يف‬
‫اجملتمعات ذات احلجم املختلف واليت يصعب املقارنة بينها‪ ،‬وحتويلها إىل وحدات ميكن املقارنة بينها‪.‬‬

‫ويعترب أسلوب حتويل االرقام اخلام إىل نسبة مئوية أو الفية هو األسلوب الشائع بني دارسي السكان يف هذا الصدد‪.‬‬
‫حبيث حتسب نسبة الوفيات عن طريق قسمة عدد الوفيات يف أحد السنوات على ع‪-‬دد س‪-‬كان اجملتم‪-‬ع يف نفس ه‪-‬ذه‬
‫السنة وضرب الن‪-‬اتج يف ‪ .1000‬ويس‪-‬مى الن‪-‬اتج نس‪-‬بة أو مع‪-‬دل الوفي‪-‬ات اخلام‪ .‬وحيس‪-‬ب مع‪-‬دل املوالي‪-‬د اخلام بنفس‬
‫الطريقة‪ ،‬كما حيسب معدل اهلجرة بنفس الطريقة أيضًا ولكن عندما وج‪--‬د دارس‪--‬و الس‪--‬كان يف ال‪--‬دميوجرافيا أن ه‪--‬ذه‬
‫النس‪--‬ب واملع‪--‬دالت اخلام متث‪--‬ل مجل‪--‬ة الس‪--‬كان‪ .‬وت‪--‬رتتب على جتمي‪--‬ع معطي‪--‬ات س‪--‬كانية متباين‪--‬ة مث‪--‬ل اجلم‪--‬ع بني التف‪--‬اح‬
‫والربتق ‪--‬ال مثًال‪ ،‬فهي أبع ‪--‬د م ‪--‬ا تك ‪--‬ون عن الدق ‪--‬ة يف وص ‪--‬ف الظ ‪--‬اهرة الس ‪--‬كانية وال تس ‪--‬اعد على تص ‪--‬نيف املعطي ‪--‬ات‪.‬‬
‫فك‪--‬روا يف ض‪--‬رورة تنقي‪--‬ة ه‪--‬ذه املع‪--‬دالت اخلام وحتويله‪--‬ا إىل مع‪--‬دالت نوعي‪--‬ة حس‪--‬ب الن‪--‬وع أو العم‪--‬ر أو املتزوجني أو‬
‫املطلقني أو م‪--‬ا إىل ذل‪--‬ك‪ ،‬وب‪--‬دؤوا يف تلخيص البيان‪--‬ات واملعطي‪--‬ات بأس‪--‬لوب املع‪--‬دالت النوعي‪--‬ة‪ ،‬وحتوي‪--‬ل األرق‪--‬ام اخلام‬
‫)(‪1‬‬
‫‪T. R. Ford, &, F. Dejong, Social demography Op. Cit., pp. 7 - 8‬‬

‫‪125‬‬
‫لظاهرة الوفيات مثًال إىل معدالت وفيات نوعية من خالل قسمة عدد الوفي‪-‬ات يف عم‪-‬ر معني على ع‪--‬دد الس‪-‬كان يف‬
‫نفس الفئ ‪--‬ة العمري ‪--‬ة مض ‪--‬روبًا معني ذك ‪--‬ور أو إن ‪--‬اث على ع ‪--‬دد الس ‪--‬كان من نفس النوعي ‪--‬ة مض ‪--‬روبًا يف ‪ 1000‬اخل‪.‬‬
‫وبنفس الطريقة ميكن حس‪-‬اب مع‪-‬دل املوالي‪-‬د الن‪-‬وعي ومع‪-‬دل اهلج‪-‬رة النوعي‪-‬ة‪ .‬مث يب‪-‬دأ دارس الس‪-‬كان يف ال‪-‬دميوجرافيا‬
‫بع‪--‬د ذل‪--‬ك يف تط‪--‬بيق معادالت‪--‬ه االحص‪--‬ائية ومعاجلات‪--‬ه الرياض‪--‬ية ال‪--‬يت تس‪--‬اعده يف إج‪--‬راء ه‪--‬ذه اخلط‪--‬وة الثاني‪--‬ة من حتليل‪--‬ه‬
‫لظ ‪--‬اهرة الوفي ‪--‬ات وحتقي ‪--‬ق مزي ‪--‬د من الدق ‪--‬ة يف تص ‪--‬نيف ه ‪--‬ذه الظ ‪--‬اهرة ح ‪--‬ىت يتس ‪--‬ىن ل ‪--‬ه االنتق ‪--‬ال إىل اخلط ‪--‬وة التالي ‪--‬ة يف‬
‫التحليل وهي جدولة البيانات (‪.)2‬‬

‫والواق‪--‬ع أن عملي‪--‬ة تك‪--‬وين اجلداول واخلرائ‪--‬ط والرس‪--‬ومات متث‪--‬ل خط‪--‬وة ض‪--‬رورية وهام‪--‬ة عملي‪--‬ة التحلي‪--‬ل ال‪--‬دميوجرايف‬
‫للظ ‪--‬واهر الس ‪--‬كانية‪ ،‬ألهنا تس ‪--‬اعد على املقارن ‪--‬ة بني املعطي ‪--‬ات وتس ‪--‬مح باس ‪--‬تخالص النت ‪--‬ائج العام ‪--‬ة‪ .‬إذ يق ‪--‬وم دارس‬
‫الس‪-‬كان يف ال‪-‬دميوجرافيا بوض‪--‬ع مع‪--‬دالت الوفي‪-‬ات النوعي‪-‬ة وال‪-‬يت ق‪-‬ام حبس‪-‬اهبا للس‪-‬كان يف جمتمع‪--‬ه أو يف أقس‪-‬ام متباين‪-‬ة‬
‫من هذا اجملتمع وخالل فرتة زمنية معينة يف جدول تكراري‪ ،‬كما هو احلال يف املثال التايل‪:‬‬

‫جدول رقم (‪)7‬‬

‫يوضح معدل الوفيات النوعية للرجال في نبراسكا والمسيسي منذ عام ‪1920‬م – ‪1960‬م‬

‫مالمسيسي‬ ‫نبراسكا‬ ‫السنة‬

‫‪12.2‬‬ ‫‪10‬‬ ‫‪1920‬م‬


‫‪12‬‬ ‫‪9.6‬‬ ‫‪1930‬م‬
‫‪10.7‬‬ ‫‪9.6‬‬ ‫‪1940‬م‬
‫‪9.5‬‬ ‫‪9.6‬‬ ‫‪1950‬م‬
‫‪10‬‬ ‫‪9.5‬‬ ‫‪1960‬م‬

‫)(‪2‬‬
‫‪J. P, Wiseman, & S. Aron, Field Projects for Sociology Students, Op. cit. pp. 192 193.‬‬

‫‪126‬‬
‫ومتكن‪--‬ه ه‪--‬ذه اجلدول‪--‬ة واملقارن‪--‬ة بني مع‪--‬دالت الوفي‪--‬ات يف والي‪--‬ات نرباس‪--‬كا واملسيس‪--‬ي بالوالي‪--‬ات املتح‪--‬دة األمريكي‪--‬ة‬
‫وخالل فرتة زمنية منذ عام ‪1920‬م إىل عام ‪1960‬م‪ ،‬من استخالص عدة نتائج عامة‪:‬‬

‫أن هناك فروقات واضحة يف معدالت الوفيات بني الواليتني عرب هذه الفرتة الزمنية‪.‬‬ ‫‪.1‬‬
‫أن تفس‪-- -‬ري ه‪-- -‬ذا االختالف ميكن أن ن‪-- -‬رده إىل النس‪-- -‬ق ال‪-- -‬دميوجرايف وخاص‪-- -‬ة م‪-- -‬ا تعل‪-- -‬ق ب‪-- -‬الرتكيب العنص‪-- -‬ري‬ ‫‪.2‬‬
‫واختالف نس‪--‬بة الس‪--‬ود وال‪--‬بيض يف ه‪--‬ذه الوالي‪--‬ات‪ .‬إذ تكش‪--‬ف املعطي‪--‬ات الس‪--‬كانية من ناحي‪--‬ة إىل أن هن‪--‬اك‬
‫نس‪--‬بة كب‪--‬رية من الس‪--‬ود يف املسيس‪--‬يب عنه‪--‬ا نرباس‪--‬كا وأن مع‪--‬دل وفي‪--‬ات الس‪--‬ود يف الوالي‪--‬ات املتح‪--‬دة عموم ‪ً-‬ا‬
‫اعلى من‪--‬ه بالنس‪--‬بة لل‪--‬بيض(‪ ،)1‬وهك‪--‬ذا جيري دارس الس‪--‬كان يف ال‪--‬دميوجرافيا حتليل‪--‬ه للظ‪--‬واهر الس‪--‬كانية باتب‪--‬اع‬
‫خط‪-- - -‬وات التلخيص والتص‪-- - -‬نيف واجلدول‪-- - -‬ة مث اس‪-- - -‬تخالص النت‪-- - -‬ائج‪ ،‬وتفس‪-- - -‬ريها يف إط‪-- - -‬ار نس‪-- - -‬ق اهتم‪-- - -‬امهم‬
‫ال‪-‬دميوجرايف‪ .‬والرب‪-‬ط بني مكون‪-‬ات النس‪-‬ق وعمليات‪-‬ه كم‪-‬ا اش‪-‬رنا إىل ذل‪-‬ك س‪-‬لفًا‪ .‬األم‪--‬ر ال‪-‬ذي حيدد نقط‪-‬ة من‬
‫نق ‪-- -‬اط االختالف األخ ‪-- -‬رى بني دراس ‪-- -‬ة الس ‪-- -‬كان يف ال ‪-- -‬دميوجرافيا وبينه ‪-- -‬ا وبني الدراس ‪-- -‬ات الس ‪-- -‬كانية وعلم‬
‫اجتماع السكان‪.‬‬

‫التحليل االقتصادي للسكان‬ ‫‪]2‬‬

‫ينظر االقتصاد إىل الس‪-‬كان باعتب‪-‬ارهم من بني املتغ‪-‬ريات ال‪-‬يت تفي‪-‬د يف حتلي‪-‬ل املتغ‪-‬ريات االقتص‪-‬ادية‪ .‬ويف‪-‬رتض أن التغ‪-‬ري‬
‫يف املتغ ‪--‬ريات االقتص ‪--‬ادية مث ‪--‬ل‪ ،‬ال ‪--‬ثروة واملوارد واالس ‪--‬تثمار واالس ‪--‬تهالك أو م ‪--‬ا إليه ‪--‬ا ق ‪--‬د ي ‪--‬ؤثر يف التغ ‪--‬ري يف املتغ ‪--‬ريات‬
‫السكانية مثل املواليد والوفي‪-‬ات واهلج‪-‬رة أو تك‪-‬وين الس‪-‬كان أو ت‪-‬وزيعهم‪ ...‬اخل‪ .‬والعكس ب‪-‬العكس‪ ..‬ومن مث جيته‪-‬د‬
‫علم ‪--‬اء االقتص ‪--‬اد عن ‪--‬د دراس ‪--‬تهم للس ‪--‬كان يف البحث عن العالق ‪--‬ات بني ه ‪--‬ذه املتغ ‪--‬ريات وكيفي ‪--‬ة التفاع ‪--‬ل بينه ‪--‬ا وت ‪--‬أثري‬
‫بعضها يف بعضها اآلخر‪.‬‬

‫فعن‪--‬دما ينص ‪--‬رف االقتص ‪--‬اد إىل دراس‪--‬ة ظ ‪--‬اهرة منو الس‪--‬كان مثًال‪ ،‬وحياول حتلي‪--‬ل البيان‪--‬ات واملعطي‪--‬ات ال‪--‬يت ت‪--‬وفرت ل‪--‬ه‬
‫ح‪--‬ول ه‪--‬ذه الظ‪--‬اهرة من املص‪--‬ادر املتباين‪--‬ة‪ ،‬فإن‪--‬ه يل‪--‬تزم بال ش‪--‬ك بنفس خط‪--‬وات التحلي‪--‬ل ونع‪--‬ين التلخيص والتص‪--‬نيف‬
‫واالجياز ح ‪--‬ىت يتس ‪--‬ىن ل ‪--‬ه حتقي ‪--‬ق أه ‪--‬داف دراس ‪--‬ته االقتص ‪--‬ادية يف الكش ‪--‬ف عن عالق ‪--‬ة ه ‪--‬ذه الظ ‪--‬اهرة مبكون ‪--‬ات النس ‪--‬ق‬

‫)(‪1‬‬
‫‪Ibid, pp. 194 - 195.‬‬

‫‪127‬‬
‫االقتص‪-‬ادي موض‪-‬وع اهتمام‪-‬ه‪ .‬فيق‪-‬وم االقتص‪-‬ادي أوًال بتحوي‪-‬ل االع‪-‬داد اخلام ال‪-‬يت ت‪-‬وفرت ل‪-‬ه عن ظ‪-‬اهرة منو الس‪-‬كان‬
‫من مص‪-- -‬ادر املعطي ‪--‬ات الس ‪--‬كانية املختلف‪-- -‬ة وخاص‪-- -‬ة التع‪-- -‬داد والتس ‪--‬جيل احلي ‪--‬وي أو البيان ‪--‬ات اجلاهزة‪ ،‬إىل نس ‪--‬ب أو‬
‫معدالت عامة أو نوعية‪ ،‬مث يقوم بتصنيفها حسب اإلقامة يف الري‪-‬ف واحلض‪--‬ر مثًال‪ ،‬وحياول بع‪--‬د ذل‪-‬ك حتلي‪-‬ل التفاع‪--‬ل‬
‫بني ظاهرة منو السكان وبني العوامل االقتصادية موضوع اهتمامه وختصصه‪ .‬وذلك على النحو التايل‪:‬‬

‫جدول رقم (‪)8‬‬

‫التوزيع العددي والنسبي لسكان الحضر والريف في جمهورية مصر العربية في سنوات التعداد ‪1907‬م –‬
‫‪1986‬م‬

‫الجملة‬ ‫‪%‬‬ ‫ريف‬ ‫‪%‬‬ ‫خضر‬ ‫السنة‬


‫‪11183000‬‬ ‫‪81‬‬ ‫‪9058000‬‬ ‫‪19‬‬ ‫‪2125000‬‬ ‫‪1907‬م‬
‫‪12670300‬‬ ‫‪79‬‬ ‫‪10029700‬‬ ‫‪19‬‬ ‫‪2640600‬‬ ‫‪1917‬م‬
‫‪14083276‬‬ ‫‪74‬‬ ‫‪10367436‬‬ ‫‪26‬‬ ‫‪3715840‬‬ ‫‪1927‬م‬
‫‪15811084‬‬ ‫‪72‬‬ ‫‪11429001‬‬ ‫‪28‬‬ ‫‪4382083‬‬ ‫‪1937‬م‬
‫‪18805826‬‬ ‫‪67‬‬ ‫‪12603510‬‬ ‫‪33‬‬ ‫‪6202316‬‬ ‫‪1947‬م‬
‫‪25771495‬‬ ‫‪63‬‬ ‫‪16120368‬‬ ‫‪37‬‬ ‫‪8651097‬‬ ‫‪1960‬م‬
‫‪29724099‬‬ ‫‪60‬‬ ‫‪17687312‬‬ ‫‪40‬‬ ‫‪12036787‬‬ ‫‪1966‬م‬
‫(‪)1‬‬
‫‪36627000‬‬ ‫‪56‬‬ ‫‪20590000‬‬ ‫‪44‬‬ ‫‪16037000‬‬ ‫‪1976‬م‬
‫(‪)2‬‬
‫‪48254237‬‬ ‫‪56‬‬ ‫‪27038734‬‬ ‫‪44‬‬ ‫‪21215504‬‬ ‫‪1986‬م‬

‫والنتيجة اليت ميكن استخالصها من معطيات هذا اجلدول (‪:)3‬‬

‫‪ ))1‬ال يشمل الموجودين بالخارج ليلة التعداد‬


‫‪ ((2‬الجهاز المركزي للتعبئة العامة واإلحصاء ‪ ،‬الكتاب االحصائي السنوي ‪ ،‬مرجع سابق‬
‫‪ )(3‬دكتور اسماعيل محمد هاشم ‪ ،‬المدخل إلى علم االقتصاد ‪ ،‬دار الجامعات المصرية ‪1974 ،‬م ‪ ،‬ص‪563 .‬‬

‫‪128‬‬
‫أن الف‪--‬رتة من ع‪--‬ام ‪1927‬م إىل ‪1986‬م متث‪--‬ل ف‪--‬رتة طوهلا ‪ 59‬عام ‪ً-‬ا أي م‪--‬ا يزي‪--‬د على نص‪--‬ف ق‪--‬رن تقريب ‪ً-‬ا وق‪--‬د‬ ‫‪.1‬‬
‫بلغت فيه‪-‬ا زي‪-‬ادة الس‪-‬كان ‪ %243‬وهي زي‪-‬ادة كب‪-‬رية هتدد بانفج‪-‬ار الس‪-‬كان وت‪-‬دعونا إىل البحث عن أس‪-‬باب‬
‫هذه الزيادة‪.‬‬
‫أن الس‪--‬بب الرئيس‪--‬ي يف تف‪--‬اقم املش‪--‬كلة الس‪--‬كانية يف مص‪--‬ر يتمث‪--‬ل يف غلب‪--‬ة النش‪--‬اط ال‪--‬زراعي والبيئ‪--‬ة الزراعي‪--‬ة ال‪--‬يت‬ ‫‪.2‬‬
‫يعيش فيها الفالح املصري وقلة النشاط الصناعي واخلدمات األخرى‪.‬‬
‫الدليل على ذلك أن م‪-‬ا يق‪-‬رب من ‪ %56‬من الس‪-‬كان يعيش‪-‬ون يف الري‪-‬ف ويعمل‪-‬ون بالنش‪-‬اط الغ‪-‬الب في‪-‬ه وه‪-‬و‬ ‫‪.3‬‬
‫الزراعة‪.‬‬
‫ومن ناحية أخرى أث‪-‬رت زي‪-‬ادة الس‪-‬كان على البني‪-‬ان االقتص‪-‬ادي للمجتم‪-‬ع‪ ،‬وأدت إىل انتش‪-‬ار الفق‪-‬ر‪ ،‬واخنف‪-‬اض‬ ‫‪.4‬‬
‫مس‪--‬توى ال‪--‬دخل واملعيش‪--‬ة‪ ،‬وزي‪--‬ادة ع‪--‬دد الع‪--‬اطلني‪ ،‬وارتف‪--‬اع االس‪--‬عار وقص‪--‬ور الطاق‪--‬ة االنتاجي‪--‬ة‪ ،‬وارتف‪--‬اع قيم‪--‬ة‬
‫الواردات من اخلارج‪ ،‬وضعف ميزان املدفوعات‪ ....‬اخل(‪.)1‬‬
‫وتوض‪--‬ح ه‪--‬ذه النت‪--‬ائج العام‪--‬ة املرتتب‪--‬ة على عملي‪--‬ة التحلي‪--‬ل االقتص‪--‬ادي لظ‪--‬اهرة س‪--‬كانية هي ظ‪--‬اهرة منو الس‪--‬كان‪،‬‬ ‫‪.5‬‬
‫كي ‪--‬ف يتج ‪--‬ه ع ‪--‬امل االقتص ‪--‬اد يف دراس ‪--‬ته للظ ‪--‬واهر الس ‪--‬كانية إىل حتقي ‪--‬ق تص ‪--‬وراته ح ‪--‬ول العالق ‪--‬ة بني الظ ‪--‬واهر‬
‫االقتص‪--‬ادية والس‪--‬كانية‪ ،‬ويهتم ببي‪--‬ان أث‪--‬ر املتغ‪--‬ريات االقتص‪--‬ادية مث‪--‬ل طبيع‪--‬ة النش‪--‬اط االقتص‪--‬ادي يف اجملتم‪--‬ع على‬
‫املتغ‪--‬ريات الس‪--‬كانية وهي منو الس‪--‬كان ويهتم ك‪--‬ذلك ببي‪--‬ان أث‪--‬ر املتغ‪--‬ريات الس‪--‬كانية على املتغ‪--‬ريات االقتص‪--‬ادية‪،‬‬
‫خاصة الدخل‪ ،‬العمال‪-‬ة‪ ،‬واألس‪-‬عار‪ ،‬والطاق‪-‬ة االنتاجي‪-‬ة‪ ،‬وال‪-‬واردات‪ ،‬وم‪-‬يزان املدفوعات وكله‪-‬ا متغ‪-‬ريات ت‪-‬دخل‬
‫يف بناء النسق االقتصادي موضوع اهتمامه وختصصه الذي مييزه عن غريه من نظم فكرية أخرى‪.‬‬

‫التحليل الجغرافي للظواهر السكانية‬ ‫‪]3‬‬

‫تنظ‪--‬ر اجلغرافي‪--‬ا إىل الس‪--‬كان باعتب‪--‬ارهم عنص‪--‬رًا هام ‪ً-‬ا يف مكون‪--‬ات نس‪--‬ق الفض‪--‬اء واالرض والبيئ‪--‬ة‪ ،‬وتف‪--‬رتض أن هن‪--‬اك‬
‫عالق‪-- -‬ة بني متغ‪-- -‬ريات الس‪-- -‬كان مث‪-- -‬ل ت‪-- -‬وزيعهم وكث‪-- -‬افتهم ومنوهم وم‪-- -‬ا اليه‪-- -‬ا‪ ،‬وبني املتغ‪-- -‬ريات اجلغرافي‪-- -‬ة مث‪-- -‬ل املن‪-- -‬اخ‬
‫والتض‪--‬اريس والرتب‪--‬ة واملوارد الطبيعي‪--‬ة وم‪--‬ا إليه‪--‬ا‪ ،‬وحتاول البحث عن كيفي‪--‬ة ت‪--‬أثري ه‪--‬ذه العوام‪--‬ل اجلغرافي‪--‬ة يف الظ‪--‬واهر‬
‫السكانية‪.‬‬

‫‪ )(1‬دكتور اسماعيل محمد هاشم ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ص ‪601 - 595‬‬

‫‪129‬‬
‫إذ عندما ينصرف اهتمام اجلغرايف إىل دراسة ظاهرة توزيع السكان مثًال‪ ،‬استنادًا إىل اعتب‪--‬اره ه‪--‬ذه الظ‪--‬اهرة الس‪--‬كانية‬
‫من أهم املوضوعات اليت تع‪-‬ىن هبا اجلغرافي‪-‬ا‪ ،‬ألن خريط‪-‬ة توزي‪-‬ع الس‪-‬كان يف الع‪-‬امل هي واح‪-‬دة من أهم ثالث خرائ‪-‬ط‬
‫على اإلطالق يف الدراس ‪--‬ات اجلغرافي ‪--‬ة إىل ج ‪--‬انب خريط ‪--‬ة تض ‪--‬اريس الع ‪--‬امل وخريط ‪--‬ة املط ‪--‬ر الس ‪--‬نوي يف الع ‪--‬امل‪ ،‬وأن‬
‫خريط ‪--‬ة توزي ‪--‬ع الس ‪--‬كان س ‪--‬واء يف الع ‪--‬امل أو يف أي ‪--‬ة منطق ‪--‬ة من املن ‪--‬اطق‪ ،‬تعت ‪--‬رب املرآة ال ‪--‬يت تعكس فيه ‪--‬ا مجي ‪--‬ع العناص ‪--‬ر‬
‫اجلغرافي ‪--‬ة والطبيعي ‪--‬ة والبش ‪--‬رية جمتمع ‪--‬ة ومتفاعل ‪--‬ة أو هي مبثاب ‪--‬ة الص ‪--‬ورة النهائي ‪--‬ة للتفاع ‪--‬ل بني عناص ‪--‬ر البيئ ‪--‬ة الطبيعي ‪--‬ة‬
‫والعناص‪-- -‬ر البش ‪--‬رية (‪ .)1‬فإنن ‪--‬ا جنده يل ‪--‬تزم بنفس خط ‪--‬وات التحلي ‪--‬ل العلمي للمعطي ‪--‬ات الس ‪--‬كانية ال ‪--‬يت تت ‪--‬وفر ل ‪--‬ه من‬
‫مص ‪--‬ادرها املتباين ‪--‬ة ح ‪--‬ول ه ‪--‬ذه الظ ‪--‬اهرة‪ .‬ويس ‪--‬ري يف خط ‪--‬وات التلخيص والتص ‪--‬نيف واالجياز ح ‪--‬ىت يتمكن من حتقي ‪--‬ق‬
‫أهداف دراسته اجلغرافية يف الكشف عن عالقة هذه الظاهرة السكانية مكونات النسق اجلغرايف موضوع ختصصه‪.‬‬

‫فيقوم اجلغرايف أوًال بتحويل االعداد اخلام ال‪-‬يت ت‪-‬وفرت ل‪-‬ه عن ظ‪-‬اهرة توزي‪-‬ع الس‪-‬كان من مص‪-‬ادر املعطي‪-‬ات الس‪-‬كانية‬
‫املختلفة وخاصة التعداد والتسجيل احليوي والبيانات اجلاهزة‪ ،‬مث حيوهلا إىل نسب أو مع‪--‬دالت‪ ،‬مث يب‪-‬دأ بع‪--‬د ذل‪-‬ك يف‬
‫تص ‪--‬نيف ه ‪--‬ذه املع ‪--‬دالت املع ‪--‬ربة عن الظ‪--‬اهرة املدروس‪--‬ة‪ ،‬ح‪--‬ىت يتمكن بع ‪--‬د ذل‪--‬ك من القي‪--‬ام ب‪--‬اخلطوة التالي‪--‬ة يف عملي‪--‬ة‬
‫التحليل وهي التعبري عن هذه الظاهرة يف صورة خرائط على النحو السابق‪.‬‬

‫ويعترب اجلغرايف عملية تكوين اخلرائط مبثابة خطوة اساسية يف كل حتليل جيريه للظواهر اجلغرافية وغريها من الظواهر‬
‫الس‪--‬كانية ال‪--‬يت ق‪--‬د يهتم هبا إلهنا تس‪--‬هل ل‪--‬ه عملي‪--‬ة املقارن‪--‬ة بني املعطي‪--‬ات وتس‪--‬اعده من ناحي‪--‬ة أخ‪--‬رى على اس‪--‬تخالص‬
‫النت‪--‬ائج العام‪--‬ة‪ .‬ول‪--‬ذلك جنده يس‪--‬تخلص من خريط‪--‬ة توزي‪--‬ع الس‪--‬كان يف الع‪--‬امل ال‪--‬يت كوهنا على النح‪--‬و الس‪--‬ابق النت‪--‬ائج‬
‫التالية‪:‬‬

‫أنه إذا ك‪-‬ان ع‪-‬دد س‪-‬كان الع‪-‬امل ق‪-‬د بل‪-‬غ حنو ثالث‪-‬ة آالف ملي‪-‬ون نس‪-‬مة‪ ،‬ف‪-‬إن ه‪-‬ذا الع‪-‬دد ال يت‪-‬وزع على س‪-‬طح‬ ‫‪.1‬‬
‫االرض توزيع‪ً-‬ا ع‪-‬ادًال‪ .‬وليس أدل على ع‪-‬دم التس‪-‬اوي يف توزي‪-‬ع الس‪-‬كان من أن ح‪-‬وايل نص‪-‬ف س‪-‬كان الع‪-‬امل‬
‫يعيشون فوق ‪ %50‬من مساحة اليابس‪ ،‬بينما ال يعيش فوق ‪ % 75‬من مساحة األرض سوى ‪ %5‬فق‪--‬ط‬
‫من جمموع سكان العامل‪.‬‬

‫يوجد خارطة صـ ‪154‬‬

‫‪)(1‬‬
‫دكتور محمد السيد غالب ودكتور صبحي عبد الحكيم ‪ ،‬ديموجرافيا السكان ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص‪121 .‬‬

‫‪130‬‬
‫ملا كان منط توزيع السكان يف العامل حيدد حسب مناطق الرتكيز السكاين الرئيسية ومناطق الرتكيز السكاين‬ ‫‪.2‬‬
‫الثانوي‪--‬ة‪ ،‬واملن‪--‬اطق اخلالي‪--‬ة من الس‪--‬كان تقريب‪ً-‬ا (الالمعم‪--‬ورة) فإن‪--‬ه لوح‪--‬ظ أن‪--‬ه يف املنطق‪--‬ة األوىل حيتش‪--‬د بعض‪--‬هم‬
‫وهم ح ‪--‬وايل نص ‪--‬ف س ‪--‬كان الع ‪--‬امل ف ‪--‬وق مس ‪--‬احة ال تتع ‪--‬دى ‪ %10‬من مس ‪--‬احة الي ‪--‬ابس املعم ‪--‬ور وال ‪--‬يت تض ‪--‬م‬
‫الص‪--‬ني والياب‪--‬ان واهلن‪--‬د وباكس‪--‬تان وأندونيس‪--‬يا وحيتش‪--‬د بعض‪--‬هم الث‪--‬اين وه‪--‬و ح‪--‬وايل مخس س‪--‬كان الع‪--‬امل ف‪--‬وق‬
‫مساحة ال تزيد عن ‪ %5‬من مجلة سكان اليابس املعمور وتضم االحتاد السوفيتيي واملانيا واململك‪--‬ة املتح‪--‬دة‪،‬‬
‫اما املناطق اخلالية من السكان أو الالمعمورة فال تقل مساحتها عن نصف مساحة اليابس (‪.)1‬‬
‫يت‪--‬أثر توزي‪--‬ع س‪--‬كان الع‪--‬امل على النح‪--‬و الس‪--‬ابق بعوام‪--‬ل املن‪--‬اخ والتض‪--‬اريس حيث تتم‪--‬يز بعض املس‪--‬احات ال‪--‬يت‬ ‫‪.3‬‬
‫حرمت من السكان وخاصة القارة املتجمدة اجلنوبية باخنفاض احلرارة‪ ،‬ألن الربودة القارص‪--‬ة ال تش‪--‬جع على‬
‫االس‪-‬قرار ال‪-‬دائم باس‪-‬تثناء من‪-‬اطق التع‪-‬دين الغني‪-‬ة مبوارده‪-‬ا الباطني‪-‬ة‪ ،‬كم‪-‬ا تتم‪-‬يز بعض املس‪-‬احات األخ‪-‬رى ال‪-‬يت‬
‫حرمت من السكان وهي املناطق الص‪-‬حراوية باجلف‪-‬اف وارتف‪-‬اع درج‪-‬ة احلرارة وتتم‪-‬يز املن‪-‬اطق اجلبلي‪-‬ة العالي‪-‬ة‬
‫(‪)2‬‬
‫بقل‪--‬ة الس‪--‬كان واخنف‪--‬اض كث‪--‬افتهم‪ ،‬بينم‪--‬ا يعيش معظم س‪--‬كان الع‪--‬امل ف‪--‬وق الس‪--‬هول بغض النظ‪--‬ر عن املن‪--‬اخ‬
‫وهكذا جيري اجلغرايف حتليل‪-‬ه للظ‪-‬واهر الس‪-‬كانية باتب‪-‬اع خط‪-‬وات التلخيص والتص‪-‬نيف ويع‪-‬د اخلرائ‪-‬ط ويرس‪-‬م‬
‫اجلداول مث يقوم باستخالص النتائج‪ ،‬ويقدم تفسريه للنتائج اليت توضح اختالف الظ‪-‬اهرة املدروس‪-‬ة يف ض‪--‬وء‬
‫إطار اهتمامه وهو النسق اجلغرايف الذي يتكون من عناصر املناخ والتضاريس والرتبة واملوارد‪.‬‬

‫التحليل االجتماعي للظواهر السكانية‬ ‫‪]4‬‬

‫ينظر علم االجتماع إىل السكان باعتبارهم أهم عنصر يف البناء االجتماعي للمجتمع‪ ،‬ويفرتض أن هناك تف‪--‬اعًال بني‬
‫الظ ‪--‬واهر الس ‪--‬كانية وبني غريه ‪--‬ا من مكون ‪--‬ات البن ‪--‬اء االجتم ‪--‬اعي للمجتم ‪--‬ع‪ .‬ويس ‪--‬تفيد ع ‪--‬امل االجتم ‪--‬اع يف دراس ‪--‬ته‬
‫للظواهر السكانية ويف صياغته للعالقة بينها وبني مكونات البناء االجتماعي األخرى‪ ،‬ويس‪--‬تفيد من اإلط‪--‬ار التحليلي‬
‫لنسق الفعل االجتماعي والذي جيري من خالله كل دراسة للسلوك االجتماعي يف نطاق هذا العلم‪.‬‬

‫ويتخذ نسق الفعل االجتماعي من السلوك التف‪-‬اعلي وخاص‪-‬ة س‪-‬لوك ال‪-‬دور حمورًا الهتمام‪-‬ه الرئيس‪-‬ي يف حتليل‪-‬ه لص‪-‬ور‬
‫التفاع ‪--‬ل االجتم ‪--‬اعي املختلف ‪--‬ة بني األف ‪--‬راد يف اجملتم ‪--‬ع‪ .‬ويعت ‪--‬رب نس ‪--‬ق األس ‪--‬رة يف مقدم ‪--‬ة ص ‪--‬ور التفاع ‪--‬ل االجتم ‪--‬اعي‬

‫‪ )(1‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ص ‪218 - 215‬‬


‫‪ ((2‬المرجع السابق ‪ ،‬صص ‪.238 - 219‬‬

‫‪131‬‬
‫والسلوك التفاعلي وسلوك الدور الذي ميكن أن يعين هبا علماء االجتماع املشتغلون بدراسة الظواهر السكانية ذلك‬
‫ألن ك‪--‬ل عض‪--‬و يف الس‪--‬كان ينتمي إىل أس‪--‬رة‪ ،‬ويش‪--‬غل أدوارًا عدي‪--‬دة داخ‪--‬ل النس‪--‬ق األس‪--‬ري‪ ،‬مث‪--‬ل دور األب وال‪--‬زوج‬
‫والعم واجلد واألخ وزوج األخت‪ ...‬اخل وحتدد ه ‪--‬ذه األدوار عالقات ‪--‬ه باألعض ‪--‬اء اآلخ ‪--‬رين يف النس ‪--‬ق (‪ )1‬ولك ‪--‬ل دور‬
‫توقعات سلوكية معينة‪ ،‬يرتتب عليها أن يتمتع كل عضو يف األسرة مبكانة اجتماعية متمايزة عن غريه وتضفي علي‪--‬ه‬
‫قدرًا من السلطة والقوة داخل نسق األسرة‪ ...‬اخل حبيث يظه‪-‬ر بن‪-‬اء االس‪-‬رة بع‪-‬د ذل‪-‬ك‪ ،‬ليق‪-‬وم ب‪-‬أداء الوظ‪-‬ائف احملددة‬
‫هلا كجماعة اجتماعية أو كنظام اجتماعي‪ .‬وإن كان الوصف املناسب لألسرة كنسق فعل اجتم‪-‬اعي يتج‪-‬اوز نط‪-‬اق‬
‫اهتمامن‪-‬ا يف ه‪-‬ذا الكت‪-‬اب‪ ،‬ألن هن‪-‬اك م‪-‬داخل سوس‪-‬يولوجية عدي‪-‬دة لدراس‪-‬ة األس‪-‬رة كم‪-‬ا سنش‪-‬ري إىل ذل‪-‬ك فيم‪-‬ا بع‪-‬د‪،‬‬
‫إال أن اهتمام كث‪-‬ري من علم‪-‬اء االجتم‪-‬اع واملهتمني بدراس‪-‬ة الظ‪-‬واهر الس‪-‬كانية ببي‪-‬ان كي‪-‬ف تتفاع‪-‬ل األس‪-‬رة من حيث‬
‫بنائه‪--‬ا ووظائفه‪--‬ا باعتباره‪--‬ا نس‪--‬ق للفع‪--‬ل االجتم‪--‬اعي م‪--‬ع الظ‪--‬واهر الس‪--‬كانية‪ ،‬أم‪--‬رًا ال ميكن إنك‪--‬اره نظ‪--‬رًا لتزاي‪--‬د ع‪--‬دد‬
‫الدراسات اليت أجروها يف هذا الصدد‪ ،‬واليت سنشري إليها بالتفصيل بعد ذلك‪.‬‬

‫ومن ناحي‪--‬ة ثاني‪--‬ة ملا ك‪--‬ان ك‪--‬ل عض‪--‬و من الس‪--‬كان ينتمي إىل نس‪--‬ق فع‪--‬ل اجتم‪--‬اعي أك‪--‬رب من األس‪--‬رة يوج‪--‬د يف اجملتم‪--‬ع‬
‫وهو نسق الطبقة االجتماعية وال‪-‬يت هلا أيض‪ً-‬ا يف ت‪-‬راث علم االجتم‪-‬اع م‪-‬داخل عدي‪-‬دة لدراس‪-‬تها‪ ،‬وهلا أس‪-‬اليب متباين‪-‬ة‬
‫يف تصنيف الطبقات وحتديد مكونات البناء الطبقي للمجتمع وأسس التمايز والرتتيب أو الت‪-‬درج االجتم‪-‬اعي داخل‪-‬ه‬
‫(‪ .)2‬ك‪-- -‬ان ه‪-- -‬ذا دافع ‪ً- -‬ا لبعض علم‪-- -‬اء االجتم‪-- -‬اع املهتمني بدراس‪-- -‬ة الظ‪-- -‬واهر الس‪-- -‬كانية إىل بي‪-- -‬ان التفاع‪-- -‬ل بني الطبق‪-- -‬ة‬
‫والظ‪--‬واهر الس‪--‬كانية‪ ،‬وتوض‪--‬يح العالق‪--‬ة بني الفروق‪--‬ات الطبقي‪--‬ة وبني املوالي‪--‬د والوفي‪--‬ات واهلج‪--‬رة‪ ،‬وإلق‪--‬اء الض‪--‬وء على‬
‫طبيعة العالقة بني ديناميات البناء الطبقي يف اجملتمع والتكوين العمري والنوعي واملهين للسكان‪ .‬كما كان اكتساب‬
‫كل عضو من السكان للمعايري االجتماعية والتقاليد والعادات والقيم واالجتاهات اليت تنمو نتيجة للتفاعل بين‪--‬ه وبني‬
‫أعض‪--‬اء االنس‪--‬اق االجتماعي‪--‬ة املتباين‪--‬ة ال‪--‬يت ينتمي إليه‪--‬ا وخاص‪--‬ة األس‪--‬رة والطبق‪--‬ة‪ ،‬من ناحي‪--‬ة ثالث‪--‬ة‪ ،‬من بني التص‪--‬ورات‬
‫ال ‪--‬يت دفعت ع ‪--‬ددًا آخ ‪--‬ر من علم ‪--‬اء االجتم ‪--‬اع واملش ‪--‬تغلني بدراس ‪--‬ة الظ ‪--‬واهر الس ‪--‬كانية إىل دراس ‪--‬ة العالق ‪--‬ة بني املع ‪--‬ايري‬
‫االجتماعي ‪--‬ة والع ‪--‬ادات والتقالي ‪--‬د والقيم واالجتاه ‪--‬ات وبني الظ ‪--‬واهر الس ‪--‬كانية(‪ )3‬خصوص‪ً- -‬ا وق ‪--‬د ت ‪--‬وفر يف نط ‪--‬اق علم‬
‫االجتماع رصيدًا من احلقائق والنتائج حول هذه العناصر البنائية يف اجملتمع‪.‬‬

‫)(‪1‬‬
‫‪T. R. Ford, & G. F. Dejong, Social Demography, Op. Cit., p. 8.‬‬
‫‪)(2‬‬
‫دكتور غريب سيد أحمد ‪ ،‬الطبقات االجتماعية ‪ ،‬دار الكتب الجامعية ‪ ،‬اإلسكندرية ‪1972 ،‬م ‪ ،‬ص ص ‪.155 - 46‬‬
‫)(‪3‬‬
‫‪T. R. Ford, & G. F. Dejong, Social Demography, Op. Cit., pp. 9 - 10.‬‬

‫‪132‬‬
‫ويستطيع عامل االجتماع املهتم بدراسة الظواهر السكانية أن يوس‪-‬ع من نط‪-‬اق حتليل‪-‬ه هلذه الظ‪-‬واهر إذا اس‪-‬تعان بإط‪-‬ار‬
‫حتليلي أمشل من إط‪--‬ار نس‪--‬ق الفع‪--‬ل االجتم‪--‬اعي‪ ،‬وميكن‪--‬ه يف ال‪--‬وقت ذات‪--‬ه جتنب الوق‪--‬وع يف اخط‪--‬اء النظ‪--‬رة الض‪--‬يقة ال‪--‬يت‬
‫أخذت على نس‪-‬ق الفع‪-‬ل االجتم‪-‬اعي واالقتص‪-‬ار يف حتلي‪-‬ل الظ‪-‬واهر االجتماعي‪-‬ة والس‪-‬كانية على تص‪-‬وراته فق‪-‬ط‪ .‬ذل‪-‬ك‬
‫ألن نس‪-‬ق الفع‪-‬ل االجتم‪-‬اعي ينهض يف أساس‪-‬ه على كث‪-‬ري من القض‪-‬ايا النظري‪-‬ة ال‪-‬يت يردده‪-‬ا أص‪-‬حاب نظري‪-‬ات املدخل‬
‫احملاف ‪--‬ظ يف دراس ‪--‬ة الظ ‪--‬واهر الس ‪--‬كانية وال ‪--‬يت س ‪--‬بق أن عرض ‪--‬نا هلا بالتفص ‪--‬يل عن ‪--‬د احلديث عن نظري ‪--‬ة علم اجتم ‪--‬اع‬
‫السكان‪ .‬أما إطار التحلي‪-‬ل األمشل ال‪-‬ذي نعني‪-‬ه هن‪-‬ا فه‪-‬و ذل‪-‬ك ال‪-‬ذي يس‪-‬تند إىل خمتل‪-‬ف االفك‪-‬ار والقض‪-‬ايا النظري‪-‬ة ال‪-‬يت‬
‫يردده‪--‬ا اص‪--‬حاب نظري‪--‬ات املدخل الراديك‪--‬ايل يف دراس‪--‬ته للظ‪--‬واهر الس‪--‬كانية‪ ،‬وال‪--‬ذي يش‪--‬ري إىل أن‪--‬ه إذا ك‪--‬انت هن‪--‬اك‬
‫عالقة بني الظواهر السكانية وبني األس‪-‬رة والطبق‪-‬ة والقيم االجتماعي‪-‬ة وم‪-‬ا إليه‪-‬ا‪ ،‬ف‪-‬إن ه‪-‬ذه األنس‪-‬اق ذاهتا تع‪-‬د حمص‪-‬لة‬
‫لظروف وعوامل امشل يعيشها اجملتمع‪ ،‬من أمهها ظروف ختل‪-‬ف أو تق‪-‬دم ه‪-‬ذا اجملتم‪-‬ع‪ ،‬ووض‪-‬عه بني خمتل‪-‬ف اجملتمع‪-‬ات‬
‫األخ‪--‬ر يف الع‪--‬امل وال‪--‬يت تعيش نفس ظروف‪--‬ه وبني اجملتمع‪--‬ات األخ‪--‬رى يف الع‪--‬امل ال‪--‬يت تعيش ظروف‪ً-‬ا افض‪--‬ل بني اجملتمع‪--‬ات‬
‫املتقدم‪-‬ة واجملتمع‪-‬ات املتخلف‪-‬ة ونظ‪-‬رة اجملتمع‪-‬ات األوىل إىل الثاني‪-‬ة باعتباره‪-‬ا حقًال للم‪-‬واد اخلام ال‪-‬يت حتتاجه‪-‬ا ولألي‪-‬دي‬
‫العاملة الرخيصة أو على أهنا سوق جتاري ملنتاجتها وخاصة ما يعرف بأساليب منع احلم‪-‬ل‪ ،‬مما ق‪-‬د يفس‪-‬ر دعم بعض‬
‫هذه اجملتمعات حلمالت وبرامج تنظيم األسرة يف اجملتمعات املتخلفة‪ ...‬اخل‪.‬‬

‫وملا ك ‪--‬ان ت ‪--‬راث علم االجتم ‪--‬اع ينط ‪--‬وي على م ‪--‬داخل عدي ‪--‬دة ومتباين ‪--‬ة لدراس ‪--‬ة التخل ‪--‬ف والتنمي ‪--‬ة‪ ،‬فإن ‪--‬ه ميكن لع ‪--‬امل‬
‫االجتم‪--‬اع املهتم بدراس‪--‬ة الظ‪--‬واهر الس‪--‬كانية أن يس‪--‬تعني يف حتليل‪--‬ه هلذه الظ‪--‬واهر ببعض التص‪--‬ورات ال‪--‬يت تفي‪--‬د يف بي‪--‬ان‬
‫التفاعل بني عمليات التنمية االجتماعية وبني الظواهر السكانية‪.‬‬

‫إذ يب‪-‬دو أن العالق‪-‬ات املتبادل‪-‬ة بني العملي‪-‬ات الس‪-‬كانية والتنمي‪-‬ة ق‪-‬د أص‪-‬بحت يف اآلون‪-‬ة احلاض‪-‬رة أك‪-‬ثر وض‪-‬وحًا‪ .‬ذل‪-‬ك‬
‫ألن التغري الدميوجرايف عرب الزمن ال ميكن عزله عن اإلطار الشامل لعملية التنمية‪ .‬وتتحكم أمناط التنظيم االجتماعي‬
‫واإلدارة لدرج‪--‬ة كب‪--‬رية يف الس‪--‬لوك ال‪--‬دميوجرايف‪ ،‬ويض‪--‬في جتاه‪--‬ل ه‪--‬ذه الرواب‪--‬ط يف معاجلة قض‪--‬ايا الس‪--‬كان على ه‪--‬ذه‬
‫املعاجلة طابع ‪ً-‬ا س ‪--‬اذجًا‪ .‬ولق ‪--‬د عرض ‪--‬ت يف م ‪--‬ؤمتر بوخارس ‪--‬ت ع ‪--‬ام ‪1974‬م‪ ،‬جمموع ‪--‬ة من وجه ‪--‬ات النظ ‪--‬ر ال ‪--‬يت تع ‪--‬اجل‬
‫العالقة بني السكان والتنمية‪ ،‬وذلك على ضوء عدد من نتائج البحوث احلديثة والوثائق يف هذا الصدد (‪.)1‬‬

‫)(‪1‬‬
‫‪ - Study group, Population‬ا‪G. Mc Nicoll, Population & Development, Outlines for A Structuralist approach, 51 .‬‬
‫‪, pp1‬م‪Council, Cairo 1978‬‬

‫‪133‬‬
‫واس‪--‬تنادًا إىل ه‪--‬ذه التص‪--‬ورات ميكن ل‪--‬دارس الس‪--‬كان يف علم االجتم‪--‬اع أن يق‪--‬وم بتحلي‪--‬ل الظ‪--‬واهر الس‪--‬كانية‪ ،‬ويل‪--‬تزم‬
‫بنفس خطوات التحليل وخاصة التلخيص والتص‪-‬نيف واجلدول‪-‬ة واس‪-‬تخالص النت‪-‬ائج يف س‪-‬بيل الوص‪-‬ول إىل األه‪-‬داف‬
‫اليت يسعى إليها من وراء ه‪-‬ذه الدراس‪-‬ة وال‪-‬يت تتمث‪-‬ل يف الكش‪-‬ف عن التفاع‪-‬ل بني الظ‪-‬واهر الس‪-‬كانية وظ‪-‬واهر األس‪-‬رة‬
‫والطبقة االجتماعية والقيم والتنمية‪ ،‬واليت جتعل للتحليل االجتم‪-‬اعي للظ‪-‬واهر الس‪-‬كانية طابع‪ً-‬ا متم‪-‬يزًا عن بقي‪-‬ة مناذج‬
‫التحليل االجتماعي األخرى كما ستوضحه الفصول التالية‪.‬‬

‫‪134‬‬
‫الباب الثاني‬
‫السكان والمجتمع‬
‫الفصل السادس‪ :‬بناء السكان والنظم االجتماعية‬

‫الفصل السابع‪ :‬الخصوبة والبناء االجتماعي‬

‫الفصل الثامن‪ :‬الهجرة ودورة األسرة‬

‫الفصل التاسع‪ :‬الوفيات والطبقات االجتماعية‬

‫الفصل العاشر‪ :‬سياسات ضبط وتوجيه الظواهر السكانية‬

‫الفصل السادس‬

‫بناء السكان والنظم االجتماعية‬


‫تمهيد‬

‫‪135‬‬
‫حددنا من قبل املقصود ببن‪-‬اء الس‪-‬كان يف ظ‪-‬واهر حجم الس‪-‬كان وتك‪-‬وين الس‪-‬كان وت‪-‬وزيعهم وكث‪-‬افتهم‪ .‬وأش‪-‬رنا إىل‬
‫أن التحليل االجتماعي للظواهر السكانية حياول توضيح التفاعل بني الظ‪--‬واهر االجتماعي‪--‬ة والظ‪--‬واهر الس‪--‬كانية‪ .‬مبع‪--‬ىن‬
‫بي‪-- -‬ان الت‪-- -‬أثري املتب‪-- -‬ادل بني الن‪-- -‬وعني من الظ‪-- -‬واهر‪ .‬وألغ‪-- -‬راض الفهم والش‪-- -‬رح والتوض‪-- -‬يح سنقتص‪-- -‬ر يف بي‪-- -‬ان التحلي‪-- -‬ل‬
‫االجتماعي لظواهر بناء السكان على دراسة تكوين السكان وكيف يؤثر يف الظواهر والنظم االجتماعية األخرى‪.‬‬

‫ويش ‪--‬تمل تك ‪--‬وين الس ‪--‬كان على عناص ‪--‬ر العم ‪--‬ر والن ‪--‬وع واملهن ‪--‬ة واجلنس والل ‪--‬ون ومك ‪--‬ان اإلقام ‪--‬ة يف الري ‪--‬ف أو احلض ‪--‬ر‬
‫والتعليم وال‪--‬زواج(‪ .)1‬ويرج‪--‬ع اهتم‪--‬ام دارس‪--‬و الس‪--‬كان بظ‪--‬اهرة تك‪--‬وين الس‪--‬كان إىل ع‪--‬دة أس‪--‬باب‪ ،‬منه‪--‬ا أن املعطي‪--‬ات‬
‫املتعلق‪--‬ة ب‪--‬التكوين تفي‪--‬د يف توف‪--‬ري أوص‪--‬اف للس‪--‬كان تس‪--‬مح باملقارن‪--‬ة بينهم‪ ،‬ويف إتاح‪--‬ة الفرص‪--‬ة للتع‪--‬رف على املوارد‬
‫البشرية يف اجملتمع ويف فهم البناء االجتماعي وتغريه(‪.)2‬‬

‫وسنقتصر بيان التحليل االجتماعي لبناء السكان على دراسة التك‪-‬وين العم‪-‬ري والن‪-‬وعي وامله‪-‬ين‪ ،‬ملا هلذه العناص‪-‬ر يف‬
‫بناء السكان من أمهية ونتائج اقتصادية واجتماعية متباينة‪ .‬ذلك ألن التكوين النوعي والعمري للس‪-‬كان يكش‪-‬ف عن‬
‫ج‪--‬وانب هام‪--‬ة وعدي‪--‬دة يف اجملتم‪--‬ع من حيث إن‪--‬ه يوض‪--‬ح حجم الق‪--‬وى العامل‪--‬ة وعبء فئ‪--‬ة املعتم‪--‬دين من بني األطف‪--‬ال‬
‫واملسنني‪.‬‬

‫ويطلق مصطلح التكوين العمري والنوعي للسكان على األسلوب الذي تتوزع به إعداد السكان على فئ‪--‬ات عمري‪--‬ة‬
‫ونوعي‪-‬ة متباين‪-‬ة فس‪-‬كان أي جمتم‪-‬ع ليس‪-‬وا جمرد ع‪--‬دده‪ ،‬وإمنا هم أف‪-‬راد خيتلف‪--‬ون فيم‪-‬ا بينهم من حيث الن‪-‬وع إىل ذك‪-‬ور‬
‫وإناث ومن حيث العمر إىل أطفال وشباب وشيوخ‪.‬‬

‫وع‪--‬ادة م‪--‬ا يق‪--‬وم دارس الس‪--‬كان بتن‪--‬اول ال‪--‬رتكيب العم‪--‬ري والن‪--‬وعي ك‪--‬ل على ح‪--‬دة مث حياول بع‪--‬د ذل‪--‬ك أن جيم‪--‬ع يف‬
‫حتليله بني الرتكيبني حىت يستطيع الكشف عن النتائج املرتتبة عليهما مرة واحدة‪.‬‬

‫أوًال‪ :‬التكوين النوعي للسكان‬

‫يطلق دارس السكان على عملية انقسام السكان إىل ذكور وإناث مفهوم التكوين النوعي للسكان الذي قد حيس‪--‬ب‬
‫بناء على عدد الذكور واإلناث يف كل مجاعة سكانية‪ .‬ولكن برغم احلاجة إىل مثل ه‪--‬ذه اإلع‪--‬داد يف أغ‪--‬راض كث‪-‬رية‪،‬‬
‫)(‪1‬‬
‫‪W. Thompson, & D. Lewis, Population, Op. Cit, p. 56.‬‬
‫)(‪2‬‬
‫‪A. H. Hawley, Population Composition : The Study of Population, edt, P, M, Hauser & 0, D, Duncan, The Univ of‬‬
‫‪, p. 361.‬م‪Chicago, 1959‬‬

‫‪136‬‬
‫وجد أن هذه اإلعداد متثل أعدادًا مطلقة تعترب من قبيل األعداد اخلام‪ ،‬واالعتماد على هذه األعداد يف عملية املقارن‪--‬ة‬
‫بني السكان يف جمتمعات خمتلفة أو فرتات زمنية متباينة غري كاف يف حد ذات‪--‬ه‪ .‬األم‪--‬ر ال‪--‬ذي دعي دارس الس‪--‬كان إىل‬
‫االس‪--‬تفادة من فك‪--‬رة النس‪--‬ب واملع‪--‬دالت باعتباره‪--‬ا فك‪--‬رة تس‪--‬اعد على فهم احلق‪--‬ائق واملعطي‪--‬ات ال‪--‬يت مت مجعه‪--‬ا‪ ،‬مث يف‬
‫تلخيص املعطي ‪--‬ات وإب ‪--‬راز العالق ‪--‬ة بينه ‪--‬ا‪ .‬والع ‪--‬دد النس ‪--‬يب ال يعتم ‪--‬د يف داللت ‪--‬ه على مق ‪--‬دار ع ‪--‬ددين اث ‪--‬نني مطلقني وإمنا‬
‫تعتم‪--‬د ه‪--‬ذه الدالل‪--‬ة على العالق‪--‬ة بني ه‪--‬ذين الع‪--‬ددين‪ .‬وحتس‪--‬ب النس‪--‬بة من خالل قس‪--‬مة ع‪--‬دد ال‪--‬ذكور املطل‪--‬ق مثًال يف‬
‫اجلماع‪--‬ة الس‪--‬كانية على ع‪--‬دد اإلن‪--‬اث لنفس اجلماع‪--‬ة وض‪--‬رب الن‪--‬اتج يف ‪ 100‬أو ‪ ،1000‬لكي حنص‪--‬ل على النس‪--‬بة‬
‫املئوية أو االلفية(‪.)1‬‬

‫واستطاع دارس السكان هبذه الطريقة التوصل إىل مقياس لبي‪-‬ان الت‪-‬وازن بني الن‪-‬وعني يف الس‪-‬كان‪ ،‬ع‪--‬رف باس‪-‬م نس‪-‬بة‬
‫النوع أو النسبة النوعية ‪ ،Sex - rate‬ويقص‪-‬د هبا ع‪-‬دد ال‪-‬ذكور بالنس‪-‬بة إىل ك‪-‬ل مائ‪-‬ة أن‪-‬ثي وحنص‪-‬ل عليه‪-‬ا بقس‪-‬مة‬
‫ع‪-- -‬دد ال‪-- -‬ذكور الكلي على ع‪-- -‬دد اإلن‪-- -‬اث الكلي وض‪-- -‬رب الن‪-- -‬اتج يف ‪ ،100‬كم‪-- -‬ا ميكن أن حتس‪-- -‬ب النس‪-- -‬بة بالنس‪-- -‬بة‬
‫للمجم ‪--‬وع الكلي للس ‪--‬كان أو بالنس ‪--‬بة إىل ج ‪--‬زء معل ‪--‬وم منهم‪ .‬وه ‪--‬ذا املقي ‪--‬اس يس ‪--‬مح بعق ‪--‬د املقارن ‪--‬ات املباش ‪--‬رة بني‬
‫التكوين ‪--‬ات النوعي ‪--‬ة للمجموع ‪--‬ات الس ‪--‬كانية ال ‪--‬يت هتتم بدراس ‪--‬تها بغض النظ ‪--‬ر عن احلجم ومك ‪--‬ان اإلقام ‪--‬ة وال ‪--‬رتكيب‬
‫العنص‪--‬ري‪ .‬وهن‪--‬اك بعض احلق ‪--‬ائق ال‪--‬يت كش‪--‬فت عنه‪--‬ا دراس‪--‬ة التك‪--‬وين الن‪--‬وعي للس‪--‬كان وحققت ق‪--‬درًا من العمومي‪--‬ة‬
‫منها‪:‬‬

‫أن النس‪--‬بة النوعي‪--‬ة املعت‪--‬ادة يف اجملموع‪--‬ات الس‪--‬كانية ت‪--‬رتاوح بني ‪ 100 - 95‬وأن أي‪--‬ة نس‪--‬بة تتج‪--‬اوز ه‪--‬ذا‬ ‫‪.1‬‬
‫املدي تتطلب التفسري املناسب‪.‬‬
‫أن معدل الوفيات يف صفوف الذكور أعلى منه يف صفوف اإلناث ويتطلب أي اختالف عن ذلك بالنسبة‬ ‫‪.2‬‬
‫للمجموعة السكانية املدروسة البحث عن األسباب(‪.)2‬‬

‫وعلى ضوء هذه القضايا وغريها جيري دارس الس‪-‬كان حتليل‪-‬ه لظ‪-‬اهرة التك‪-‬وين الن‪-‬وعي وذل‪-‬ك وفق‪ً-‬ا للتخص‪-‬ص ال‪-‬ذي‬
‫ينتمي إلي ‪--‬ه إذ يتج ‪--‬ه ع ‪--‬امل االجتم ‪--‬اع حنو الكش ‪--‬ف عن أث ‪--‬ر زي ‪--‬ادة النس ‪--‬بة النوعي ‪--‬ة أو زي ‪--‬ادة ع ‪--‬دد اإلن ‪--‬اث على ع ‪--‬دد‬
‫الذكور يف اجملتمع‪ ،‬على مع‪-‬دل ال‪-‬زواج وتك‪-‬وين األس‪-‬رة‪ ،‬أو إلق‪-‬اء الض‪-‬وء على أس‪-‬باب وعوام‪-‬ل ه‪-‬ذا االختالف كم‪-‬ا‬

‫)(‪1‬‬
‫‪W, Thompson, & D, Lewis, Population Problems, Op, Cit. p. 8.‬‬
‫‪)(2‬‬
‫وارن تومبسون ودفيد لويس ‪ ،‬مشكالت السكان ‪ ،‬ترجمة عربية إعداد دكتور راشد البراوي ‪ ،‬مكتبة األنجلو ‪1968 ،‬م ‪ ،‬ص ص ‪115 - 113‬‬

‫‪137‬‬
‫يتمث ‪--‬ل يف قيم ‪--‬ة املول ‪--‬ود حس ‪--‬ب نوع ‪--‬ه يف اجملتم ‪--‬ع‪ ....‬وه ‪--‬ذا م ‪--‬ا ميكن توض ‪--‬يحه من خالل النظ ‪--‬ر إىل التك ‪--‬وين الن ‪--‬وعي‬
‫للسكان يف مصر‪.‬‬

‫التكوين النوعي للسكان في مصر‪.‬‬

‫تتذبذب نسبة الذكور يف التعدادات ال‪-‬يت ج‪-‬رت بني األع‪-‬وام ‪1927‬م ‪1996 -‬م يف مص‪-‬ر بني ‪ 105 - 99‬ذك‪-‬ر‬
‫لك ‪--‬ل مائ ‪--‬ة أن ‪--‬ثى‪ ،‬وإن ك ‪--‬انت ه ‪--‬ذه النتيج ‪--‬ة تعت ‪--‬رب مؤش ‪--‬رًا على املس ‪--‬اواة بني ع ‪--‬دد ال ‪--‬ذكور واالن ‪--‬اث يف مص ‪--‬ر‪ ،‬إال أن‬
‫املنخفاض هذه النسبة عن املعدل العادي لنسبة الذكور قد يرجع إىل قلة العناية باملواليد اإلناث بني املصريني‪.‬‬

‫كما أن النسبة النوعية خالل الفرتة من ‪1927‬م ‪1966 -‬م يف املناطق احلضرية تفوق النس‪--‬بة يف املن‪--‬اطق الريفي‪--‬ة يف‬
‫مصر(‪.)1‬‬

‫ثانيًا‪ :‬التكوين العمري للسكان‬

‫يكاد يكون التكوين العمري للسكان أو توزيعهم حسب فئات السن املختلف‪-‬ة أهم وأخط‪-‬ر العوام‪-‬ل الدميوجرافي‪-‬ة يف‬
‫داللته ‪--‬ا على ق ‪--‬وة الس ‪--‬كان اإلنتاجي ‪--‬ة ومق ‪--‬دار حي ‪--‬ويتهم‪ ،‬كم ‪--‬ا أن ‪--‬ه يش ‪--‬ري إىل اجتاه منوهم ويلقي الض ‪--‬وء على نس ‪--‬ب‬
‫املوالي‪-‬د والوفي‪-‬ات بينهم إذ ميث‪-‬ل العم‪-‬ر أح‪-‬د املتغ‪-‬ريات الدميوجرافي‪-‬ة األساس‪-‬ية وأح‪-‬د العوام‪-‬ل احملددة العملي‪-‬ة اإلجناب‪،‬‬
‫ويلعب دورًا جوهريًا يف حتليل ديناميات السكان‪.‬‬

‫إذ ترتبط بالعمر القدرات احليوية والوظائف البيولوجية والفعلية للسكان‪ .‬كما يعل‪-‬ق اجملتم‪-‬ع أمهي‪-‬ة كب‪-‬رية على أعم‪-‬ار‬
‫أف‪--‬راده وإن ك‪--‬ان هن‪--‬اك ن‪--‬وع من التغ‪--‬ري يف نس‪--‬ق القيم ال‪--‬ذي يرتب‪--‬ط ب‪--‬العمر وخاص‪--‬ة نتيج‪--‬ة لالخنف‪--‬اض اهلائ‪--‬ل يف مع‪--‬دل‬
‫الوفيات‪ .‬إذ كانت القيمة اليت تضفي على اجلماعات العمرية الكبرية بني ‪ 80 - 60‬عامًا تتمثل يف النظ‪--‬ر إىل ه‪--‬ذه‬
‫الفئة بنوع من االحرتام والوق‪-‬ار إلنس‪-‬ان عركت‪-‬ه احلي‪-‬اة‪ ،‬وأن األك‪-‬رب ه‪-‬و األق‪-‬وى واألعق‪-‬ل وه‪-‬و ال‪-‬ذي لدي‪-‬ه رص‪-‬يد من‬
‫املعرفة اإلنسانية واخلربات العملية يف احلياة‪.‬‬

‫ولقد تغريت أخريًا قيمة العمر الكبري وأصبح الشباب ليسوا على استعداد التقبل أوام‪-‬ر وتص‪-‬ورات اآلخ‪-‬رين‪ ،‬وحلت‬
‫عملي‪--‬ة الفص‪--‬ل بني اجلماع‪--‬ات العمري‪--‬ة حمل االرتب‪--‬اط ال‪--‬ذي ك‪--‬ان قائم ‪ً-‬ا من قب‪--‬ل وأخ‪--‬ذ البعض يتح‪--‬دث عن جمموع‪--‬ة‬

‫)(‪1‬‬
‫‪, pp. 33 - 34.‬م‪Central Agency for Puplice Mobilization & Statistics, Population & Development, 1973‬‬

‫‪138‬‬
‫العمر العشرية‪ ،‬ويتحدث آخرون عن جمموعة املسنني‪ ،‬وأخذ التعارض يظهر بوضوح بني ه‪--‬ذه اجملموع‪--‬ات العمري‪--‬ة‪،‬‬
‫وت‪--‬رتب على الت‪--‬درج الواض‪--‬ح بني الس‪--‬كان على أس‪--‬اس العم‪--‬ر انقس‪--‬ام اجملتم‪--‬ع إىل جمموع‪--‬ات عمري‪--‬ة مس‪--‬تقلة ب‪--‬ذاهتا‪.‬‬
‫وأبرز هذا الوض‪-‬ع خاص‪-‬ية اجتماعي‪-‬ة جدي‪-‬دة يف اجملتم‪-‬ع هي خاص‪-‬ية االنتم‪-‬اء لألجي‪-‬ال املتباين‪-‬ة‪ ،‬أو انتم‪-‬اء الس‪-‬كان إىل‬
‫مجاعات عمرية خمتلفة يف استجاباهتم للعامل اخلارجي‪ ،‬وخرباهتا الس‪-‬ابقة‪ ،‬وأم‪-‬اهلم املتباين‪-‬ة يف املس‪-‬تقبل األم‪-‬ر ال‪-‬ذي ق‪-‬د‬
‫ي‪-- -‬ربز أمامن‪-- -‬ا ج‪-- -‬ذور التكام‪-- -‬ل والص‪-- -‬راع بني األجي‪-- -‬ال يف اجملتم‪-- -‬ع وهبذه النظ‪-- -‬رة األمهي‪-- -‬ة متغ‪-- -‬ري العم‪-- -‬ر ي‪-- -‬زداد فهمن‪-- -‬ا‬
‫مليكانيزمات الثبات والتغري يف اجملتمع(‪.)1‬‬

‫وهناك حماولتان أساسيتان للتمييز بني اجملموعات السكانية حسب مناذج التكوين العمري‪:‬‬

‫المحاول ــة االولى‪ :‬تتمث ‪--‬ل يف التمي ‪--‬يز بني اجملموع ‪--‬ات الس ‪--‬كانية يف ض ‪--‬وء فك ‪--‬رة الس ‪--‬كان الث ‪--‬ابت ‪Stable‬‬ ‫‪.1‬‬
‫‪ Population‬وهي فك‪-‬رة متث‪-‬ل منوذج‪ً-‬ا رياض‪-‬يًا ال تنطب‪-‬ق على اي جمموع‪-‬ة س‪-‬كانية يف الواق‪-‬ع‪ ،‬وإمنا تفي‪-‬د‬
‫يف التمييز بني اجملموعات السكانية على اساس اقرتاهبا من هذا النموذج‪.‬‬
‫وتتلخص ه‪--‬ذه الفك‪--‬رة يف الق‪--‬ول بأن‪--‬ه إذا ظلت مع‪--‬دالت املوالي‪--‬د والوفي‪--‬ات يف ك‪--‬ل مجاع‪--‬ة عمري‪--‬ة كم‪--‬ا هي‬
‫ثابتة طوال فرتة طويلة من الزمن فإنه يرتتب على ذلك بالضرورة معدل ث‪-‬ابت للنم‪-‬و ميكن حس‪-‬ابه وتك‪-‬وين‬
‫عم‪--‬ري ث‪--‬ابت ك‪--‬ذلك ميكن حس‪--‬ابه أيض‪ً-‬ا‪ .‬وعلى ض‪--‬وء ه‪--‬ذه الفك‪--‬رة أمكن تقس‪--‬يم اجملموع‪--‬ات الس‪--‬كانية إىل‬
‫أربعة مناذج من حيث التكوين العمري‪.‬‬
‫منوذج ينخفض في ‪--‬ه مع ‪--‬دل اخلص ‪--‬وبة والوفي ‪--‬ات‪ ،‬وينخفض في ‪--‬ه ع ‪--‬دد األش ‪--‬خاص يف ك ‪--‬ل مجاع ‪--‬ة عمري ‪--‬ة‬ ‫ا‪.‬‬
‫تدرجييًا من اجلماعة الصغرية إىل مجاعة أكرب‪.‬‬
‫منوذج ينخفض في‪--‬ه مع‪--‬دل اخلص‪--‬وبة ويظ‪--‬ل مع‪--‬دل الوفي‪--‬ات عن‪--‬د مس‪--‬توى ع‪--‬ال‪ ،‬حيث ينح‪--‬در التوزي‪--‬ع‬ ‫ب‪.‬‬
‫العمري تدرجييًا من اجلماعات العمرية الصغرية إىل اجلماعات الكبرية‪.‬‬
‫منوذج يرتفع فيه معدل اخلصوبة ويظل معدل الوفيات منخفضًا‪ ،‬حيث ينحدر التوزيع العم‪--‬ري بس‪--‬رعة‬ ‫ج‪.‬‬
‫كبرية من اجلماعات العمرية الصغرية إىل اجلماعات الكبرية‪.‬‬
‫منوذج يرتف‪-- -‬ع في‪-- -‬ه ك‪-- -‬ل من مع‪-- -‬دل اخلص‪-- -‬وبة والوفي‪-- -‬ات‪ ،‬وينخفض في‪-- -‬ه بس‪-- -‬رعة التوزي‪-- -‬ع العم‪-- -‬ري من‬ ‫د‪.‬‬
‫اجلماعات العمرية الصغرية إىل اجلماعات الكبرية(‪.)2‬‬
‫)(‪1‬‬
‫‪R. Pressat, Population, Op. Cit., pp. 190 - 20.‬‬
‫)(‪2‬‬
‫‪D. Hear, Society & Population, Op. Cit., pp. 20 - 82.‬‬

‫‪139‬‬
‫المحاولة الثانيـة‪ :‬تتمث‪--‬ل يف التمي‪--‬يز بني ثالث جمموع‪--‬ات س‪--‬كانية يف ض‪--‬وء ال‪--‬رتكز يف فئ‪--‬ة الس‪--‬ن الص‪--‬غرية أو‬ ‫‪.2‬‬
‫املتوسطة أو الكبرية والقوى اإلنتاجية واحليوية والتطلع للمستقبل‪.‬‬
‫متثل اجملموعة األوىل الس‪-‬كان ال‪-‬ذين ي‪-‬رتكزون يف فئ‪-‬ة الس‪-‬ن الص‪-‬غرية أق‪-‬ل من ‪ 15‬س‪-‬نة ويرم‪-‬ز هلم ب‪-‬اهلرم‬ ‫ا‪.‬‬
‫الس ‪--‬كاين املثلث وه ‪--‬و يف دور الش ‪--‬باب أو الفت ‪--‬وة ألهنم ميت ‪--‬ازون باحليوي ‪--‬ة والق ‪--‬درة على اإلجناب ألهنم‬
‫يسريون حنو االزدياد ويدفعهم معظم نشاطهم االقتصادي حنو التعمري للمستقبل‪.‬‬
‫ومتث‪--‬ل اجملموع‪--‬ة الثاني‪--‬ة الس‪--‬كان ال‪--‬ذين ي‪--‬رتكزون يف فئ‪--‬ات الس‪--‬ن املتوس‪--‬طة م‪--‬ا بني (‪ ).15 - 64‬س‪--‬نة‬ ‫ب‪.‬‬
‫ويرم ‪--‬ز هلم ب ‪--‬اهلرم الس ‪--‬كاين املس ‪--‬تطيل‪ ،‬ويعت ‪--‬ربون يف حال ‪--‬ة نض ‪--‬ج واو كهول ‪--‬ة وميت ‪--‬ازون بقل ‪--‬ة املوالي ‪--‬د‬
‫والوفيات‪ .‬ويقع العبء األكرب على السكان يف هذه اجملموعة ألهنم ميثل‪-‬ون الق‪-‬وة العامل‪-‬ة ال‪-‬ذين يعول‪-‬ون‬
‫بقية أفراد اجملتمع‪.‬‬
‫وميث‪--‬ل اجملموع‪--‬ة الثالث‪--‬ة الس‪--‬كان ال‪--‬ذين ي‪--‬رتكزون يف فئ‪--‬ة الس‪--‬ن الكب‪--‬رية ‪ 64‬س‪--‬نة ف‪--‬أكثر وال‪--‬ذين يرم‪--‬ز هلم‬ ‫ج‪.‬‬
‫هبرم س‪--‬كاين بيض‪--‬اوي وهم يف حال‪--‬ة ش‪--‬يخوخة‪ ،‬حيث اال يزي‪--‬د ص‪--‬غار الس‪--‬ن بينهم على ‪ %15‬ويق‪--‬ل‬
‫(‪.)2‬‬
‫معدل املواليد وتزداد نسبة الشيخوخة‬

‫التكوين العمري للسكان في مصر‬

‫وبالنظر إىل التكوين العمري للسكان يف مصر على ضوء احملاوالت السابقة‪ ،‬نالحظ ما يلي‪:‬‬

‫أن مصر تنتمي إىل اجملموعة السكانية األوىل‪ ،‬اليت يرتكز فيها السكان يف فئات السن الصغرية أق‪--‬ل من ‪15‬‬ ‫‪.1‬‬
‫س ‪--‬نة‪ ،‬وال ‪--‬يت يرم ‪--‬ز إليه ‪--‬ا ب ‪--‬اهلرم الس ‪--‬كاين املثلث حيث بلغت نس ‪--‬بة الس ‪--‬كان حتت ‪ 15‬س ‪--‬نة حس ‪--‬ب تع ‪--‬داد‬
‫‪1986‬م‪ % 40 ،‬من إمجايل الس‪--‬كان ووص‪--‬لت نس‪--‬بة الس‪--‬كان يف الفئ‪--‬ة العمري‪--‬ة ‪%43.7 ،44 - 15‬‬
‫واجملموع‪--‬ة العمري‪-‬ة ‪ % 64،12.4 -45‬بينم‪-‬ا مل يتج‪-‬اوز أف‪-‬راد اجملموع‪--‬ة العمري‪-‬ة ال‪-‬يت تزي‪-‬د على س‪-‬ن ‪65‬‬
‫سنة‪.%3.9 .‬‬
‫ملا ك‪--‬انت مص‪--‬ر تتم‪--‬يز بنس‪--‬بة عالي‪--‬ة من الس‪--‬كان يف اجلماع‪--‬ة العمري‪--‬ة الص‪--‬غرية‪ ،‬أق‪--‬ل من ‪ 15‬س‪--‬نة ف‪--‬إن ه‪--‬ذه‬ ‫‪.2‬‬
‫النس‪--‬بة املرتفع‪--‬ة جتع‪--‬ل عم‪--‬ل‪ ،‬أو عبء املعتم‪--‬دين وهم األش‪--‬خاص حتت س‪--‬ن ‪ 16‬س‪--‬نة أو ف‪--‬وق ‪ 65‬س‪--‬نة أو‬

‫‪)(2‬‬
‫دكتور محمد غالب ودكتور صبحي عبد الحكيم ‪ ،‬السكان جغرافيا وديموجرافيا ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ص ‪.111 - 108‬‬

‫‪140‬‬
‫األشخاص يف اجلماعات غ‪-‬ري املنتج‪-‬ة اقتص‪-‬اديًا‪ ،‬جتع‪-‬ل ه‪-‬ذا العبء للمعتم‪-‬دين‪ ،‬عبئ‪ً-‬ا أو محًال ثقيًال على بقي‪-‬ة‬
‫الفئات العمرية املنتجة اقتصاديًا يف مصر‪.‬‬

‫غري أنه من املالحظ أن هن‪-‬اك ظروف‪ً-‬ا خاص‪-‬ة مبص‪-‬ر ت‪-‬دخلت يف ختفي‪-‬ف ه‪-‬ذا العبء وذل‪-‬ك نتيج‪-‬ة ل‪-‬دخول نس‪-‬بة عالي‪-‬ة‬
‫من األطف‪--‬ال من فئ‪-‬ة العم‪-‬ر أق‪-‬ل من ‪ 15‬س‪-‬نة يف الق‪--‬وى العامل‪-‬ة بلغت ‪ ،%12‬وإن ك‪-‬ان إجب‪-‬ار ه‪--‬ؤالء األطف‪--‬ال على‬
‫الدخول يف سوق العمل أمرًا غري مرغوب في‪-‬ه‪ ،‬ألهنم الزال‪-‬وا يف س‪-‬ن ع‪-‬دم النض‪-‬وج وس‪-‬ابق على املش‪-‬اركة الفعال‪-‬ة يف‬
‫القوى العاملة‪ .‬ويسود اشتغال األطفال يف املناطق الريفية اليت تكون الزراعة هي النشاط الغالب فيها‪.‬‬

‫كما أدى أيضًا اخنفاض نسبة املسنني الذين تزي‪-‬د أعم‪-‬ارهم على ‪ 65‬س‪-‬نة وال‪-‬يت بلغت ‪ % 3.9‬على ختفي‪-‬ف العبء‬
‫من هذه الناحية‪ ،‬وعلى تقليل تكاليف انواع معينة من اخلدمات االقتصادية واالجتماعية املخصصة هلم‪ ،‬مثل التأمني‬
‫االجتماعي واخلدمات الصحية وغريها من االلتزامات املماثلة اليت تكون احلكومة مسئولة عنها‪.‬‬

‫يعت‪--‬رب س‪--‬كان مص ‪--‬ر يف دور الش‪--‬باب والفت‪--‬وة وأهنم ميت‪--‬ازون باحليوي‪--‬ة والق ‪--‬درة على اإلجناب ويس‪--‬ريون حنو‬ ‫‪.3‬‬
‫االزدياد ويدفعهم نشاطهم االقتصادي حنو التعمري اللمستقبل‪.‬‬

‫إذ تكشف مقارنة البناء العمري للسكان يف التعدادات االخرية من ‪1927‬م‪1986 -‬م عن زيادة عدد األطفال يف‬
‫اجلماع‪-‬ة العمري‪-‬ة من ص‪-‬فر إىل أرب‪-‬ع س‪-‬نوات ومن ‪ 5‬إىل ‪ 14‬س‪-‬نة‪ ،‬ولكن م‪-‬ع اخنف‪-‬اض يف اجلماع‪-‬ات العمري‪-‬ة ‪- 15‬‬
‫‪ ،26‬ومن ‪ 49 - 30‬عنه يف التع‪-‬دادات الس‪-‬ابقة وميكن إرج‪-‬اع ذل‪-‬ك إىل االخنف‪-‬اض الث‪-‬ابت يف مع‪-‬دل الوفي‪-‬ات بني‬
‫األطفال واىل الثبات النسيب ملعدل املواليد‪.‬‬

‫وعموم ‪ً-‬ا نالح ‪--‬ظ أن االجتاه يف التوزي ‪--‬ع العم ‪--‬ري خالل الف ‪--‬رتة من ‪1917‬م ‪1986 -‬م ق ‪--‬د ط ‪--‬را علي ‪--‬ه التغ ‪--‬ري حيث‬
‫تزايد عدد الس‪-‬كان يف خمتل‪-‬ف الفئ‪-‬ات العمري‪-‬ة ولق‪-‬د أدت الزي‪-‬ادة يف نس‪-‬بة األطف‪-‬ال خاص‪-‬ة إىل الزي‪-‬ادة يف االنف‪-‬اق يف‬
‫جماالت اخلدمة العامة والتعليم والصحة والرفاهية االجتماعية(‪.)1‬‬

‫ثالثا‪ :‬التكوين العمري والنوعي للسكان‬

‫)(‪1‬‬
‫‪Central Agency for Public Mobilization & Statistics, Population & Development. Op. Cit., pp. 29 - 32.‬‬

‫‪141‬‬
‫ويس ‪--‬تطيع دارس الس ‪--‬كان أن يكش ‪--‬ف بس ‪--‬رعة عن االختالف ‪--‬ات اهلام ‪--‬ة يف ال ‪--‬رتكيب العم ‪--‬ري والن ‪--‬وعي بني خمتل ‪--‬ف‬
‫اجملموعات السكانية‪ ،‬وذلك بالنظر إىل اجلداول املتضمنة للبيانات عن ك‪-‬ل ن‪-‬وع س‪-‬واء أك‪-‬ان التب‪-‬ويب طبق‪ً-‬ا لس‪-‬نوات‬
‫العم‪--‬ر الفردي‪--‬ة أو طبق‪ً-‬ا اجملموع‪--‬ات ك‪--‬ل منه‪--‬ا مخس س‪--‬نوات‪ .‬تل‪--‬ك اجلداول ال‪--‬يت متدنا هبا نت‪--‬ائج التع‪--‬دادات والتس‪--‬جيل‬
‫احلي ‪--‬وي والبيان ‪--‬ات اجلاهزة‪ .‬ولزي ‪--‬ادة األم ‪--‬ر تبس ‪--‬يطًا جلا دارس الس ‪--‬كان إىل أس ‪--‬لوب التعب ‪--‬ري بالرس ‪--‬م البي ‪--‬اين عن امناط‬
‫الرتكيب العمري والن‪-‬وعي‪ .‬وك‪-‬ان أس‪-‬هل أن‪-‬واع التمثي‪-‬ل بالرس‪-‬م البي‪-‬اين فهم‪ً-‬ا ه‪-‬و ذل‪-‬ك الن‪-‬وع ال‪-‬ذي يطل‪-‬ق علي‪-‬ه اس‪-‬م‬
‫اهلرم الس‪--‬كاين ‪ )1(Population Pyramid‬ذل‪--‬ك ألن الرس‪--‬م البي‪--‬اين الن‪--‬اتج يأخ‪--‬ذ ش‪--‬كل اهلرم املثلث من حيث‬
‫القاعدة العريضة اليت متثل أصغر األعمار‪ ،‬مث متيل اجلوانب إىل الضيق التدرجيي صوب القمة وذل‪--‬ك نتيج‪--‬ة ألن عام‪--‬ل‬
‫الوف ‪--‬اة يقل ‪--‬ل دائم‪ً- -‬ا من أع ‪--‬داد األجي ‪--‬ال كلم ‪--‬ا ك ‪--‬ربت (‪ )2‬والغ ‪--‬رض من بن ‪--‬اء أهرام ‪--‬ات الس ‪--‬كان املس ‪--‬اعدة يف عق ‪--‬د‬
‫املقارن ‪--‬ات بني س ‪--‬كان خيتلف ‪--‬ون من ه ‪--‬ذه الن ‪--‬واحي‪ .‬وق ‪--‬د يب ‪--‬ين اهلرم الس ‪--‬كاين على اإلع ‪--‬داد املطلق ‪--‬ة أو على النس ‪--‬ب‬
‫املئوية‪ ،‬وذلك حسب نوع املقارنة اليت يريدها الدارس‪ .‬الن االهرامات املبنية على األع‪-‬داد ميكن اس‪-‬تخدامها ملقارن‪-‬ة‬
‫إحج‪--‬ام الس‪--‬كان واش‪--‬كاهلا‪ ،‬وهي أعظم نفع ‪ً-‬ا‪ .‬أم‪--‬ا األهرام‪--‬ات املبني‪--‬ة على أس‪--‬اس النس‪--‬ب فإهنا توض‪--‬ح كي‪--‬ف خيتل‪--‬ف‬
‫ع‪-‬دد من اجملموع‪-‬ات الس‪-‬كانية من حيث ال‪-‬رتكيب العم‪-‬ري والن‪-‬وعي وذل‪-‬ك ب‪-‬دون النظ‪-‬ر إىل حجمه‪-‬ا الكلي‪ .‬وس‪-‬واء‬
‫استخدمت األعداد أو النسب املئوية فقد ج‪-‬رى الع‪-‬رف على قي‪-‬د العم‪-‬ر على احملور الرأس‪-‬ي وقي‪-‬د األع‪-‬داد أو النس‪-‬ب‬
‫املئوي ‪--‬ة من الس ‪--‬كان يف ك ‪--‬ل من على احملور األفقي وتوض ‪--‬ع ال ‪--‬ذكور إىل يس ‪--‬ار اخلط الراس ‪--‬ي وتوض ‪--‬ع اإلن ‪--‬اث على‬
‫ميينه(‪.)3‬‬

‫ومتر عملي‪--‬ة رس‪--‬م اهلرم الس‪--‬كاين بع‪--‬دة خط‪--‬وات‪ ،‬أوًال‪ ،‬جدول‪--‬ة املعطي‪--‬ات الس‪--‬كانية ح‪--‬ول التك‪--‬وين العم‪--‬ري والن‪--‬وعي‬
‫للس‪--‬كان كم‪--‬ا تت‪--‬وافر يف مص‪--‬ادر املعطي‪--‬ات الس‪--‬كانية س‪--‬واء التع‪--‬داد أو التس‪--‬جيل احلي‪--‬وي أم البيان‪--‬ات اجلاهزة مث التعب‪--‬ري‬
‫ثانيًا عن هذه املعطيات بالرسم البياين‪ .‬فإذا فكرنا مثًال يف التعبري عن التكوين العمري والنوعي للس‪--‬كان يف مص‪--‬ر يف‬
‫فرتة زمنية حمددة أو فرتات زمنية خمتلفة األغراض املقارنة واستخالص نتائج تفيد يف فهم وتفسري التب‪--‬اين يف التك‪--‬وين‬
‫العمري والنوعي يف الفرتتني‪ .‬فإن أول خطوة ميكن القيام هبا هي االستفادة من املعطيات السكانية اليت وفرها تعداد‬
‫السكان يف مصر عام ‪1960‬م مثًال واليت يعرب عنها اجلدول التايل‪:‬‬

‫‪ )(1‬وارن تومبسون ودافيد لويس ‪ ،‬مشكلة السكان ‪ ،‬ترجمة عربية إعداد دكتور راشد البراوي ‪ ،‬مكتبة االنجلو ‪1968‬م ‪ ،‬ص ‪152 - 151‬‬
‫)(‪2‬‬
‫‪R. Preasat, Op. Cit., p. 21.‬‬
‫‪ )(3‬وارين تومبسون ‪ ،‬ودافيد لويس ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪154 - 153‬‬

‫‪142‬‬
‫جدول رقم (‪)9‬‬
‫(‪)1‬‬
‫يوضح التوزيع العددي والنسبي للسكان حسب فئات السن والنوع في تعداد عام ‪1960‬م في مصر‬

‫إناث‬ ‫ذكور‬
‫الفئات‬
‫‪%‬‬ ‫باأللف‬ ‫‪%‬‬ ‫باأللف‬
‫‪29.8‬‬ ‫‪3848‬‬ ‫‪31.2‬‬ ‫‪4083‬‬ ‫أقل من ‪10‬‬
‫‪19.9‬‬ ‫‪2568‬‬ ‫‪21.2‬‬ ‫‪2766‬‬ ‫‪10-‬‬
‫‪14.9‬‬ ‫‪1929‬‬ ‫‪13.6‬‬ ‫‪1781‬‬ ‫‪20-‬‬
‫‪13.3‬‬ ‫‪1723‬‬ ‫‪12.7‬‬ ‫‪1654‬‬ ‫‪30-‬‬
‫‪9.2‬‬ ‫‪1191‬‬ ‫‪9.4‬‬ ‫‪1228‬‬ ‫‪40-‬‬
‫‪6.3‬‬ ‫‪819‬‬ ‫‪6.3‬‬ ‫‪817‬‬ ‫‪50-‬‬
‫‪4.1‬‬ ‫‪523‬‬ ‫‪3.7‬‬ ‫‪485‬‬ ‫‪60-‬‬
‫‪2.5‬‬ ‫‪3.5‬‬ ‫‪1.9‬‬ ‫‪254‬‬ ‫‪ 70‬فأكثر‬
‫‪100‬‬ ‫‪12.196‬‬ ‫‪1000‬‬ ‫‪13068‬‬ ‫اجلملة‬

‫مث االستفادة باملثل من املعطيات الس‪-‬كانية ال‪-‬يت يوفره‪-‬ا تع‪-‬داد الس‪-‬كان يف مص‪-‬ر ع‪-‬ام ‪1966‬م على س‪-‬بيل املث‪-‬ال أيض‪ً-‬ا‬
‫واليت يعرب عنها اجلدول التايل‪:‬‬

‫جدول رقم (‪)10‬‬


‫(‪)2‬‬
‫يوضح التوزيع العددي والنسبي للسكان حسب فئات السن والنوع في تعداد عام ‪1960‬م في مصر‬

‫‪ )(1‬الجهاز المركزي للتعبئة العامة واالحصاء المرأة المصرية في عشرين عامًا ‪1953‬م ‪1971 -‬م ‪ ،‬يناير ‪1974‬م ‪ ،‬ص ‪.8‬‬
‫‪ )(2‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.8‬‬

‫‪143‬‬
‫إناث‬ ‫ذكور‬
‫الفئات‬
‫‪%‬‬ ‫باأللف‬ ‫‪%‬‬ ‫باأللف‬
‫‪28.6‬‬ ‫‪4227‬‬ ‫‪30.1‬‬ ‫‪4036‬‬ ‫أقل من ‪10‬‬
‫‪22.2‬‬ ‫‪3286‬‬ ‫‪33.9‬‬ ‫‪36.6‬‬ ‫‪10-‬‬
‫‪14.4‬‬ ‫‪2130‬‬ ‫‪12.6‬‬ ‫‪1893‬‬ ‫‪20-‬‬
‫‪12.8‬‬ ‫‪1890‬‬ ‫‪11.9‬‬ ‫‪1785‬‬ ‫‪30-‬‬
‫‪9.3‬‬ ‫‪1380‬‬ ‫‪9.5‬‬ ‫‪1433‬‬ ‫‪40-‬‬
‫‪6.2‬‬ ‫‪915‬‬ ‫‪6.2‬‬ ‫‪937‬‬ ‫‪50-‬‬
‫‪4.2‬‬ ‫‪617‬‬ ‫‪3.9‬‬ ‫‪486‬‬ ‫‪60-‬‬
‫‪2.3‬‬ ‫‪344‬‬ ‫‪1.9‬‬ ‫‪280‬‬ ‫‪ 70‬فأكثر‬
‫‪100‬‬ ‫‪14790‬‬ ‫‪1000‬‬ ‫‪15056‬‬ ‫اجلملة‬

‫مث نق‪--‬وم بع‪--‬د ذل‪--‬ك ب‪--‬التعبري عن احلق‪--‬ائق الرقمي‪--‬ة يف اجلدولني يف ص‪--‬ورة رس‪--‬وم بياني‪--‬ة تس‪--‬مح بع‪--‬د ذل‪--‬ك باملقارن‪--‬ة وبي‪--‬ان‬
‫االختالف يف التكوينني العمري والنوعي لسكان مصر يف الفرتتني املذكورتني على النحو التايل‪:‬‬

‫والواق ‪--‬ع أن الرس ‪--‬وم البياني ‪--‬ة ال ‪--‬يت توض ‪--‬ح أهرام ‪--‬ات الس ‪--‬كان ملص ‪--‬ر يف ع ‪--‬ام ‪1960‬م‪1966 ،‬م وال ‪--‬يت تش ‪--‬مل عليه ‪--‬ا‬
‫الصفحة التالية تسمح لنا باستخالص النتائج التالية‪:‬‬

‫يوجد صورة صـ ‪171‬‬

‫أن هن ‪--‬اك زي ‪--‬ادة ملحوظ ‪--‬ة يف أع ‪--‬داد الس ‪--‬كان يف مص ‪--‬ر ق ‪--‬د ت ‪--‬وزعت على فئ ‪--‬ات العم ‪--‬ر والن ‪--‬وع املختلف ‪--‬ة‬ ‫‪.1‬‬
‫للسكان‪.‬‬
‫أن الزي‪--‬ادة امللحوظ‪--‬ة ق‪--‬د ترك‪--‬زت يف فئ‪--‬ات العم‪--‬ر الص‪--‬غرية أق‪--‬ل من ‪ 10‬س‪--‬نوات ‪ 20 -‬س‪--‬نة‪ .‬األم‪--‬ر ال‪--‬ذي‬ ‫‪.2‬‬
‫أدى إىل اتساع قاعدة اهلرم السكاين واختالف شكله يف تعداد عام ‪1966‬م عنه يف تعداد عام ‪1960‬م‪.‬‬
‫أن نس ‪--‬بة الزي ‪--‬ادة يف أع ‪--‬داد ال ‪--‬ذكور إىل أع ‪--‬داد االن ‪--‬اث تك ‪--‬اد تك ‪--‬ون ثابت ‪--‬ة بني التع ‪--‬دادين ويف فئ ‪--‬ات العم ‪--‬ر‬ ‫‪.3‬‬
‫املتباينة‪.‬‬

‫‪144‬‬
‫أنه بالرغم من أن حجم القوى العاملة يف اجملتمع قد تزايد بني التعدادين‪ ،‬وكما يشري إليه أعداد الذكور يف‬ ‫‪.4‬‬
‫الفئ ‪--‬ات العمري ‪--‬ة ‪ 60 - 20‬عام ‪ً-‬ا من ‪ 5.5‬ملي ‪--‬ون ع ‪--‬ام ‪1960‬م ‪--‬إىل ‪ 5.9‬ملي ‪--‬ون ع ‪--‬ام ‪1969‬م‪ .‬إال أن‬
‫الزي‪--‬ادة املقابل‪--‬ة يف نس‪--‬بة املعتم‪--‬دين من ال‪--‬ذكور يف الفئ‪--‬ات العمري‪--‬ة أق‪--‬ل من ‪ 10‬س‪--‬نوات ومن ‪ 60‬إىل أك‪--‬ثر‬
‫من ‪ 70‬س ‪--‬نة‪ ،‬وال ‪--‬يت ك ‪--‬انت ‪ 4.6‬ع ‪--‬ام ‪1960‬م ووص ‪--‬لت إىل ‪ 5.2‬ع ‪--‬ام ‪1966‬م‪ ،‬ك ‪--‬انت نس ‪--‬بة كب ‪--‬رية‪.‬‬
‫األم ‪--‬ر ال ‪--‬ذي ميكن اإلف ‪--‬ادة من ‪--‬ه يف رس ‪--‬م خط ‪--‬ط التنمي ‪--‬ة االقتص ‪--‬ادية واالجتماعي ‪--‬ة‪ ،‬حيث أن ارتف ‪--‬اع نس ‪--‬بة‬
‫الص ‪-- -‬غار واملس ‪-- -‬نني ت ‪-- -‬دفع اجملتم ‪-- -‬ع إىل توج ‪-- -‬ه ج ‪-- -‬انب كب ‪-- -‬ري من ال ‪-- -‬دخل الس ‪-- -‬نوي إىل اإلنف ‪-- -‬اق على الس ‪-- -‬لع‬
‫االس‪--‬تهالكية واخلدمات بأنواعه‪--‬ا‪ ،‬وخاص‪--‬ة التعليمي‪--‬ة والطبي‪--‬ة كم‪--‬ا يتطلب يف نفس ال‪--‬وقت زي‪--‬ادة االس‪--‬تثمار‬
‫خللق فرص عمل جديدة ملن يتسابقون للدخول يف سن العمل من هؤالء الصغار يف املستقبل‪.‬‬

‫وهك‪-- -‬ذا تتض‪-- -‬ح قيم‪-- -‬ة ه‪-- -‬ذه التحليالت للتكوي‪-- -‬نني العم‪-- -‬ري والن‪-- -‬وعي للس‪-- -‬كان ارس‪-- -‬م خط‪-- -‬ط التنمي‪-- -‬ة االجتماعي‪-- -‬ة‬
‫واالقتص‪--‬ادية ال‪--‬يت هتدف إىل االس‪--‬تفادة الكامل‪--‬ة من املوارد املتاح‪--‬ة واإلمكاني‪--‬ات البش‪--‬رية املت‪--‬وفرة يف اجملتم‪--‬ع‪ .‬وباملث‪--‬ل‬
‫ميكن اإلف‪-‬ادة من مقارن‪-‬ة اهرام‪-‬ات الس‪-‬كان يف بالد خمتلف‪-‬ة يف اس‪-‬تخالص نت‪-‬ائج يس‪-‬تعان هبا يف رس‪-‬م السياس‪-‬ات على‬
‫املستويات الدولية‪.‬‬

‫رابعًا‪ :‬التكوين النوعي والعمري للسكان والنظم االجتماعية‬

‫حيدث االختالف يف التكوي‪--‬نني الن‪--‬وعي والعم‪--‬ري للس‪--‬كان ع‪--‬دة آث‪--‬ار او نت‪--‬ائج على اجملتم‪--‬ع من الن‪--‬واحي االقتص‪--‬ادية‪،‬‬
‫والدميوجرافية‪ ،‬والسياسية واألسرية وغريها‪.‬‬

‫النظام االقتصادي‬

‫إذ تعت‪--‬رب أك‪--‬ثر النت‪--‬ائج االقتص‪--‬ادية أمهي‪--‬ة لالختالف‪--‬ات يف التكوي‪--‬نني الن‪--‬وعي والعم‪--‬ري للس‪--‬كان تل‪--‬ك ال‪--‬يت تتمث‪--‬ل يف أث‪--‬ر‬
‫البناء العمري على نسبة االعتماد‪ ،‬إذ كلما كانت نسبة االعتماد منخفض‪--‬ة‪ ،‬كلم‪-‬ا ك‪-‬ان من الس‪-‬هل على األش‪-‬خاص‬
‫يف الفئات العمرية املنتجة اقتصاديًا أن يتعاونوا ويساعدوا أولئك األشخاص يف اجلماعات العمرية املعتمدة‪.‬‬

‫وترتبط النتيج‪-‬ة االقتص‪-‬ادية الثاني‪-‬ة واهلام‪-‬ة لالختالف‪-‬ات يف بن‪-‬اء العم‪-‬ر مبتوس‪-‬ط العم‪-‬ر بني أف‪-‬راد الق‪-‬وى العامل‪-‬ة‪ .‬وذل‪-‬ك‬
‫ألن الق‪--‬وى العامل‪--‬ة الص‪--‬غرية يف الس‪--‬ن ق‪--‬د تك‪--‬ون هلا مميزات مفاده‪--‬ا أن عماهلا س‪--‬يكونون أك‪--‬ثر مرون‪--‬ة وق‪--‬ادرين على‬

‫‪145‬‬
‫حتص‪-‬يل امله‪-‬ارات اجلدي‪-‬دة والتعليم وأك‪-‬ثر اس‪-‬تعدادًا لك‪-‬ل ه‪-‬ذه األم‪-‬ور من غ‪-‬ريهم‪ ،‬وتك‪-‬وين الق‪-‬وى العامل‪-‬ة الكب‪-‬رية يف‬
‫السن أكثر مسئولية وأكثر خربة‪.‬‬

‫ويرتبط األث‪-‬ر االقتص‪-‬ادي الث‪-‬الث لالختالف يف بن‪-‬اء العم‪-‬ر باالس‪-‬تهالك‪ ،‬إذ حتت‪-‬اج اجملتمع‪-‬ات ذات النس‪-‬بة الكب‪-‬رية من‬
‫األطف ‪--‬ال إىل إنف ‪--‬اق مق ‪--‬ادير كب ‪--‬رية من املال على الطع ‪--‬ام والتعليم‪ ،‬وحتت ‪--‬اج اجملتمع ‪--‬ات ذات النس ‪--‬بة الكب ‪--‬رية من كب ‪--‬ار‬
‫السن‪ ،‬إىل اإلنفاق املتزايد على الرعاية الطبية‪.‬‬

‫أما األثر االقتصادي الرابع لالختالف يف البناء العمري‪ ،‬فريتبط بفائض العمالة الذي ي‪--‬ؤثر ب‪--‬دوره يف مع‪--‬دل املرتب‪--‬ات‬
‫واألج‪--‬ور‪ .‬إذ أدى اخنف‪--‬اض نس‪--‬بة األف‪--‬راد يف فئ‪--‬ة العم‪--‬ر م‪--‬ا بني ‪ 29 - 20‬س‪--‬نة يف ع‪--‬ام ‪1950‬م بالوالي‪--‬ات املتح‪--‬دة‬
‫األمريكية وهو جزء كبري من القوى العاملة‪ ،‬إىل زيادة أجورهم ومرتباهتم‪.‬‬

‫وعندما تزايد عدد أفراد هذه الفئة العمرية عام ‪1960‬م‪ ،‬أدى ذلك إىل اخنفاض مستويات أجورهم ومرتباهتم(‪.)1‬‬

‫وهناك أيضًا نتائج دميوجرافية مرتتبة على االختالف يف التكوينني النوعي والعمري للسكان‪ .‬إذ يالحظ أن اجملموعة‬
‫الس‪-‬كانية ال‪-‬يت ي‪-‬رتكز أفراده‪-‬ا يف فئ‪-‬ات العم‪-‬ر الص‪-‬غرية ميي‪-‬ل مع‪-‬دل وفي‪-‬اهتم اخلام إىل االخنف‪-‬اض عن اجملموع‪-‬ة الس‪-‬كانية‬
‫اليت يرتكز أفرادها يف فئات العمر الكبرية‪ ،‬وذلك الن معدل الوفي‪-‬ات يزي‪-‬د يف اجلماع‪--‬ات العمري‪-‬ة املتقدم‪--‬ة يف الس‪-‬ن‪.‬‬
‫ويالح‪--‬ظ أيض ‪ً-‬ا أن مع‪--‬دالت اهلج‪--‬رة ختتل‪--‬ف ب‪--‬اختالف ال‪--‬رتكيب العم‪--‬ري والن‪--‬وعي للس‪--‬كان‪ ،‬مبا أن الص‪--‬غار يكون‪--‬ون‬
‫أكثر رغبة يف التنقل عن الكبار ومن مث تزيد معدالت اهلجرة يف اجلماعات السكانية يف السن الصغرية عن مع‪--‬دالت‬
‫اهلجرة يف اجلماعات السكانية يف السن الكبرية‪.‬‬

‫النظام األسري‬

‫وت‪--‬ؤثر ك‪--‬ذلك االختالف‪--‬ات يف التك‪--‬وين العم‪--‬ري والن‪--‬وعي للس‪--‬كان على احلي‪--‬اة األس‪--‬رية وخاص‪--‬ة احتم‪--‬االت ال‪--‬زواج‬
‫بالنس‪-‬بة للرج‪-‬ال والنس‪-‬اء‪ .‬ف‪-‬إذا افرتض‪--‬نا أن الرج‪-‬ال ي‪-‬تزوجون ع‪-‬ادة من نس‪-‬اء أص‪-‬غر يف الس‪-‬ن قليال منهم‪ ،‬ف‪-‬إن النس‪-‬اء‬
‫يف أي‪-‬ة جمموع‪-‬ة س‪-‬كانية يق‪-‬ل فيه‪-‬ا متوس‪-‬ط العم‪-‬ر ي‪-‬واجهن ص‪-‬عوبة كب‪-‬رية يف العث‪-‬ور على ش‪-‬ركاء حلي‪-‬اهتن من الرج‪-‬ال‪،‬‬
‫وذلك لوجود نسبة كبرية من النساء يف الفئة العمرية املتوسطة تزيد على نسبة الرجال يف نفس الفئة‪.‬‬

‫)(‪1‬‬
‫‪D. Heer, Society & Population, Op. Cit., pp. 83 - 84.‬‬

‫‪146‬‬
‫ويسبب الفاقد الكبري من الرجال يف احلرب صعوبة إضافية تواجه النساء الاليت يبحثن عن فرصة للزواج‪.‬‬

‫النظام السياسي‬

‫كم ‪--‬ا ي ‪--‬ؤثر أيض ‪ً-‬ا التب ‪--‬اين يف التك ‪--‬وين العم ‪--‬ري والن ‪--‬وعي للس ‪--‬كان على بن ‪--‬اء الق ‪--‬وة ومن مث على الن ‪--‬واحي السياس ‪--‬ية يف‬
‫اجملتم ‪--‬ع‪ .‬ذل ‪--‬ك ألن ‪--‬ه إذا ك ‪--‬ان الس ‪--‬كان من اجملموع ‪--‬ة ال ‪--‬ذين ي ‪--‬رتكزون يف الفئ ‪--‬ة العمري ‪--‬ة الكب ‪--‬رية‪ ،‬ف ‪--‬إن ال ‪--‬ذين س ‪--‬يعطون‬
‫أص‪--‬واهتم ق‪--‬د يكون‪--‬ون من بني من تق‪--‬دمت هبم الس‪--‬ن وهم غالب ‪ً-‬ا م‪--‬ا يتم‪--‬يزون من الناحي‪--‬ة السياس‪--‬ية بالنزع‪--‬ة احملافظ‪--‬ة‪،‬‬
‫وخيتل‪-‬ف األم‪-‬ر عن‪-‬ه يف الس‪-‬كان عن اجملموع‪-‬ة ال‪-‬يت ت‪-‬رتكز يف فئ‪-‬ات العم‪-‬ر الص‪-‬غرية‪ ،‬كم‪-‬ا أن املخططني االجتم‪-‬اعني يف‬
‫األمم النامي ‪--‬ة ال ‪--‬يت ي ‪--‬رتكز فيه ‪--‬ا األف ‪--‬راد يف فئ ‪--‬ات الس ‪--‬ن الكب ‪--‬رية يواجه ‪--‬ون ص ‪--‬عوبة يف وض ‪--‬ع املواط ‪--‬نني الكب ‪--‬ار‪ ،‬ويف‬
‫ختص‪--‬يص أدوار مفي‪--‬دة هلم وذات مغ‪--‬زى بالنس‪--‬بة للتنمي‪--‬ة االجتماعي‪--‬ة وتق‪--‬ل ه‪--‬ذه الص‪--‬عوبة يف ال‪--‬دول ال‪--‬يت ي‪--‬رتكز فيه‪--‬ا‬
‫األفراد فئات السن الصغرية(‪.)1‬‬

‫خامسًا‪ :‬التكوين المهني للسكان‬

‫ق‪--‬د يث‪--‬ار يف ذهن بعض‪--‬نا وه‪--‬و بص‪--‬دد فهم الظ‪--‬واهر الس‪--‬كانية‪ ،‬ع‪--‬دد آخ‪--‬ر من األس‪--‬ئلة منه‪--‬ا‪ ،‬كم ع‪--‬دد األف‪--‬راد ال‪--‬ذين‬
‫يقوم‪--‬ون بإنت‪--‬اج الس‪--‬لع واخلدمات يف اجملتم‪--‬ع؟ وكم منهم ليس ل‪--‬ه عم‪--‬ل؟ وه‪--‬ل تتغ‪--‬ري نس‪--‬بة الع‪--‬املني إىل غ‪--‬ري الع‪--‬املني‬
‫خالل ال‪--‬زمن؟ وم‪--‬ا هي خص‪--‬ائص تك‪--‬وين الق‪--‬وى العامل‪--‬ة من حيث العم‪--‬ر والن‪--‬وع والتعليم وال‪--‬زواج واإلقام‪--‬ة؟ وه‪--‬ل‬
‫يتغري تكوين العمالة أو التكوين امله‪-‬ين؟ وكي‪-‬ف يت‪-‬وزع ه‪-‬ذا التك‪-‬وين للعمال‪-‬ة على املهن املختلف‪-‬ة؟ وم‪-‬ا ال‪-‬ذي ي‪-‬ؤثر يف‬
‫تغي‪--‬ري ه‪--‬ذا التوزي‪--‬ع؟ والواق‪--‬ع أن مث‪--‬ل ه‪--‬ذه األس‪--‬ئلة إمنا ترتب‪--‬ط مبوض‪--‬وع التك‪--‬وين امله‪--‬ين للس‪--‬كان‪ ،‬وس‪--‬نحاول فيم‪--‬ا يلي‬
‫البحث عن اإلجابات املناسبة حوهلا حىت ميكننا تك‪-‬وين ص‪-‬ورة واض‪-‬حة ح‪-‬ول ه‪-‬ذا املوض‪-‬وع ال‪-‬ذي يرتب‪-‬ط بش‪-‬كل أو‬
‫بآخر مبيدان بناء السكان‪.‬‬

‫مفهوم القوى العاملة‪ :‬يتحدد مصطلح الق‪-‬وى العامل‪-‬ة ‪ Labor force‬يف نس‪-‬بة الس‪-‬كان ال‪-‬ذين ميكن أن‬ ‫‪)1‬‬
‫توظ‪--‬ف طاق‪--‬اهتم يف النش‪--‬اط االقتص‪--‬ادي س‪--‬واء أك‪--‬انوا يس‪--‬همون بالفع‪--‬ل يف ه‪--‬ذا النش‪--‬اط وإنت‪--‬اج الس‪--‬لع ام يف‬
‫توف‪--‬ري اخلدمات أم على العكس من ذل‪--‬ك ك‪--‬انوا ق‪--‬ادرين أم راغ‪--‬بني يف العم‪--‬ل ولكنهم ال زال‪--‬وا يبحث‪--‬ون عن‬
‫فرصة عمل(‪.)2‬‬
‫)(‪1‬‬
‫‪Ibid. pp. 85 - 86.‬‬
‫)(‪2‬‬
‫‪Central Agency for Public Mobilization & Statistics, Population & Development, | Op, Cit, p. 205.‬‬

‫‪147‬‬
‫فقد تشتمل القوى العاملة على من يقومون باملهن الزراعية واألطباء واملهن الصناعية وقد متتد القوى العاملة لتش‪--‬مل‬
‫ك‪--‬ل أولئ‪--‬ك األف‪--‬راد ال‪--‬ذين يعمل‪--‬ون احلس‪--‬اهبم اخلاص وال‪--‬ذين يعمل‪--‬ون حلس‪--‬اب غ‪--‬ريهم وال‪--‬ذي يعمل‪--‬ون لق‪--‬اء أو مقاب‪--‬ل‬
‫أج ‪--‬ور ومرتب ‪--‬ات أو إتع ‪--‬اب‪ .‬وق ‪--‬د يض ‪--‬م مفه ‪--‬وم الق ‪--‬وى العامل ‪--‬ة األف ‪--‬راد الع ‪--‬املني يف الق ‪--‬وات العس ‪--‬كرية‪ ،‬إال إذا ك ‪--‬ان‬
‫املفه‪--‬وم املس‪--‬تخدم‪ ،‬ه‪--‬و مفه‪--‬وم الق‪--‬وى العامل‪--‬ة املدني‪--‬ة ‪ Civil Labore force‬حبيث ال ي‪--‬دخل يف إط‪--‬ار الق‪--‬وى‬
‫العامل‪--‬ة ك‪--‬ل الس‪--‬كان ال‪--‬ذين تق‪--‬ع أعم‪--‬ارهم حتت س‪--‬ن ( ‪ )14‬عام ‪ً-‬ا‪ ،‬وك‪--‬ذلك األش‪--‬خاص ال‪--‬ذين خيت‪--‬ارون ه‪--‬ذا الس‪--‬ن‬
‫وال ‪--‬ذين يقوم ‪--‬ون باإلعم ‪--‬ال املنزلي ‪--‬ة دون أن حيص ‪--‬لوا على أج ‪--‬ر حمدد أو مس ‪--‬تمر مقاب ‪--‬ل ذل ‪--‬ك ومن ه ‪--‬ؤالء الطلب ‪--‬ة‪،‬‬
‫والزوجات‪ ،‬واملسنون والعمال املومسيون ونزالء املؤسسات واملرضى والعجزة (‪.)2‬‬

‫تغير نسق القوة العاملة والتكوين المهني‪ :‬هناك جمموعة عوامل تؤثر يف تغري نسق القوى العاملة وبالت‪--‬ايل‬ ‫‪)2‬‬
‫ت ‪--‬ؤثر يف التك ‪--‬وين امله ‪--‬ين للس ‪--‬كان‪ .‬فق ‪--‬د ي ‪--‬دخل األف ‪--‬راد النس ‪--‬ق ألول م ‪--‬رة من خالل البحث عن عم ‪--‬ل أو‬
‫ضمانة بعد سن ‪ 14‬عامًا‪ ،‬وه‪-‬ذا مياث‪-‬ل عملي‪-‬ة امليالد يف النس‪-‬ق ال‪-‬دميوجرايف‪ .‬أو ق‪-‬د خيرج بعض‪-‬هم من نس‪-‬ق‬
‫الق ‪--‬وى العامل ‪--‬ة هنائي‪ً- -‬ا من خالل عملي ‪--‬ة التقاع ‪--‬د أو غريه ‪--‬ا مث ‪--‬ل احلال يف عملي ‪--‬ة الوفي ‪--‬ات‪ .‬أو ق ‪--‬د يتخل ‪--‬ف‬
‫بعض‪-‬هم عن النس‪-‬ق مؤقت‪-‬ا مث يع‪-‬ودون إلي‪-‬ه يف وقت مت‪-‬أخر‪ ،‬أو ق‪-‬د يغ‪-‬ري الش‪-‬خص أيض‪ً-‬ا مهنت‪-‬ه داخ‪-‬ل النس‪-‬ق‪،‬‬
‫وحيقق حراكًا اجتماعيًا أفقيا أو رأسيًا مما يذكرنا بعملية اهلجرة يف النسق الدميوجرايف‪ .‬هذا فض‪ً-‬ال عن ت‪--‬أثر‬
‫نسق القوى العاملة وتغريه بفعل عوامل دميوجرافية حمددة وذلك مثل تأثره بالوفيات واهلجرة وهكذا (‪.) 3‬‬
‫خص ــائص الق ــوى العامل ــة والتك ــوين المه ــني‪ :‬يتغ ‪--‬ري حجم الق ‪--‬وى العامل ‪--‬ة‪ ،‬ونس ‪--‬بة اس ‪--‬كانه‪ ،‬وخصائص ‪--‬ه‬ ‫‪)3‬‬
‫االجتماعي ‪--‬ة واالقتص ‪--‬ادية والدميوجرافي ‪--‬ة‪ ،‬نتيج ‪--‬ة للتغ ‪--‬ريات ال ‪--‬يت حتدث يف اجملتمع ‪--‬ات وم ‪--‬ا حتقق ‪--‬ه من تق ‪--‬دم‬
‫وتنمية‪.‬‬

‫وإن‪-‬ه ملن الواض‪-‬ح أن التك‪-‬وين العم‪-‬ري للس‪-‬كان ل‪-‬ه أث‪-‬ر مباش‪-‬ر على مع‪-‬دل مس‪-‬امهته أو مش‪-‬اركته يف اإلنت‪-‬اج إذ يض‪-‬طر‬
‫األفراد يف سنوات التعليم إىل عدم الدخول يف سوق العمل لكي يتمكن‪--‬وا من تك‪--‬ريس وقتهم كل‪--‬ه للتعليم والت‪--‬دريب‬
‫باعتبارها خطوات الزمة أو سابقة أو ممهدة وتسبق مشاركتهم الفعالة يف القوى العاملة يف املستقبل‪.‬‬

‫)(‪2‬‬
‫‪W. Thompson, & D. Lewis, Population Problems, Op. Cit., p. 109.‬‬
‫)(‪3‬‬
‫‪T. R. Ford & G. F. Dejong. Social Demography, Op. Cit., pp. 10 - 11.‬‬

‫‪148‬‬
‫ويعفون أيضًا من العمل يف مرحلة معينة من أعمارهم نتيجة الختالف املكانة املهنية‪ ،‬وق‪--‬وانني العم‪--‬ل‪ ،‬والق‪--‬درة على‬
‫العم ‪--‬ل‪ .‬كم ‪--‬ا أن مش ‪--‬اركة املرأة يف ق ‪--‬وة العم ‪--‬ل تك ‪--‬ون أق ‪--‬ل من مش ‪--‬اركة الرج ‪--‬ل نتيج ‪--‬ة لطبيع ‪--‬ة وظيفته ‪--‬ا يف اجملتم ‪--‬ع‪،‬‬
‫وأحيانًا لضرورة تكريس وقتها لألعمال املنزلية قبل أو بعد الزواج‪.‬‬

‫وخيتل ‪--‬ف أيض‪ً- -‬ا مع ‪--‬دل املش ‪--‬اركة يف ق ‪--‬وة العم ‪--‬ل ب ‪--‬اختالف البيئ ‪--‬ة ونتيج ‪--‬ة لالختالف الكب ‪--‬ري بني اجملتمع ‪--‬ات الريفي ‪--‬ة‬
‫واحلض ‪--‬رية ب ‪--‬النظر إىل طبيع ‪--‬ة العم ‪--‬ل أو بأخ ‪--‬ذ طبيع ‪--‬ة العم ‪--‬ل يف اعتبارن ‪--‬ا‪ ،‬وتص ‪--‬نيفه امله ‪--‬ين واجلوانب املتباين ‪--‬ة للنش ‪--‬اط‬
‫االقتصادي وأيضًا أثر العادات والتقاليد السائدة يف اجملتمع‪.‬‬

‫التكـ ــوين العمـ ــري والقـ ــوى العاملـ ــة‪ :‬إن ق‪-- -‬درة األف‪-- -‬راد على اإلنت‪-- -‬اج أو حاج‪-- -‬اهتم االس‪-- -‬تهالكية ختتل‪-- -‬ف‬ ‫‪)4‬‬
‫ب ‪--‬اختالف العم ‪--‬ر وهلذا ف ‪--‬إن للتك ‪--‬وين العم ‪--‬ري نت ‪--‬ائج بعي ‪--‬دة على الق ‪--‬درة الش ‪--‬املة على اإلنت ‪--‬اج يف اجملتم ‪--‬ع‪،‬‬
‫وحجم االستهالك وعليهما معًا‪.‬‬

‫فاألطف ‪--‬ال ال يش ‪--‬اركون ب ‪--‬املرة يف النش ‪--‬اط االقتص ‪--‬ادي وهم يف الس ‪--‬نوات األوىل من حي ‪--‬اهتم‪ ،‬وباملث ‪--‬ل‪ ،‬ف ‪--‬إن مس ‪--‬امهة‬
‫املس‪--‬نني حمدود للغاي‪--‬ة يف النش‪--‬اط االقتص‪--‬ادي وعلى أي‪--‬ة ح‪--‬ال‪ ،‬ف‪--‬إن نس‪--‬بة احتياج‪--‬ات ه‪--‬ذه اجلماع‪--‬ات العمري‪--‬ة للس‪--‬لع‬
‫االس‪-‬تهالكية واخلدمات أق‪-‬ل من نس‪-‬بة احتياج‪-‬ات الش‪-‬باب ال‪-‬ذين يتم‪-‬يزون بق‪-‬درة إنتاجي‪-‬ة عالي‪-‬ة‪ .‬ول‪-‬ذلك ف‪-‬إن دراس‪-‬ة‬
‫أثر التكوين العمري أو الفئات العمرية على اإلنتاج واالستهالك يف اجملتم‪--‬ع تتطلب تص‪--‬نيفها عموم‪ً-‬ا إىل ثالث فئ‪--‬ات‬
‫رئيس‪--‬ية متم‪--‬يزة‪ .‬ه‪--‬ذا ب‪--‬رغم أن‪--‬ه من الص‪--‬عب وض‪--‬ع تص‪--‬نيف دقي‪--‬ق وحمدد هلا وذل‪--‬ك ألهنا ختتل‪--‬ف ب‪--‬اختالف اجملتمع‪--‬ات‬
‫وهذه الفئات الثالثة هي األطفال والبالغون واملسنون‪.‬‬

‫التكوين المهني للسكان في مصر ونتائجه‪ :‬إذا اعتربنا أن سن اخلمس عشرة سنة ه‪--‬و هناي‪--‬ة الفئ‪--‬ة األوىل‪،‬‬ ‫‪)5‬‬
‫وسن اخلمسة وستني هو هناية الفئة الثانية‪ ،‬فإننا جند أن معدل نسبة األطفال يف اجملتمع املص‪--‬ري (حتت ‪15‬‬
‫سنة) بلغ ‪ %40‬حسب تعداد ‪1986‬م يف مقابل ‪ % 35.2‬يف كل من فرنس‪-‬ا واجنل‪-‬رتا الس‪-‬ويد‪ ،‬وح‪-‬وايل‬
‫‪ %29‬يف الواليات املتحدة‪.‬‬

‫ومعدل املسنني (فوق ‪ 65‬سنة) بلغ ‪ % 3.9‬يف مصر يف مقاب‪--‬ل ‪ % 12.1‬فرنس‪--‬ا و‪ % 10‬يف الس‪--‬ويد و‪% 8.5‬‬
‫يف الواليات املتحدة‪.‬‬

‫‪149‬‬
‫وكان معدل الب‪-‬الغني يف مص‪--‬ر (بني ‪ 65 ،15‬س‪-‬نة) ‪ % 56.1‬يف مقاب‪-‬ل ‪ % 62.2‬يف الوالي‪-‬ات املتح‪-‬دة و‪64.6‬‬
‫‪ %‬يف فرنسا‪ % 7.65 ،‬يف ايطاليا(‪.)1‬‬

‫وهك‪--‬ذا ك‪--‬ان مع‪--‬دل األطف‪--‬ال يف األل‪--‬ف يف مص‪--‬ر ‪ 794‬ومع‪--‬دل املس‪--‬نني ‪ ،65‬بينم‪--‬ا ك‪--‬ان مع‪--‬دل األطف‪--‬ال واملس‪--‬نني‬
‫بالنسبة لكل ألف من البالغني ‪ 850‬يف مقابل ‪ 548‬فقط يف فرنسا منهم ‪ 360‬طفًال و‪ 198‬مسنًا‪.‬‬

‫وه‪--‬ذه املقارن‪--‬ات ت‪--‬بني أن التك‪--‬وين العم‪--‬ري يف مص‪--‬ر ل‪--‬ه آث‪--‬ار س‪--‬يئة أو ض‪--‬ارة على اإلنت‪--‬اج يف مص‪--‬ر‪ ،‬وخاص‪--‬ة باملقارن‪--‬ة‬
‫ببعض البالد ال‪--‬يت مل تص‪--‬ل إىل مرحل‪--‬ة الثب‪--‬ات ال‪--‬دميوجرايف بع‪--‬د أن اكتم‪--‬ل منوه‪--‬ا االقتص‪--‬ادي‪ ،‬مث‪--‬ل الربازي‪--‬ل ال‪--‬يت ك‪--‬ان‬
‫فيها معدل األطفال ‪ ،% 41.9‬واملسنني ‪ % 2.5‬والبالغني ‪ % 55.6‬واهلند اليت كان هبا ‪ % 37.5‬و‪ % 35‬و‬
‫‪ % 59‬على التوايل أطفال ومسنني وبالغني‪.‬‬

‫وأنه ملن اجلدير بالذكر أن نس‪-‬بة األف‪-‬راد يف س‪-‬ن العمال‪-‬ة يف البالد النامي‪-‬ة أق‪-‬ل من نظ‪-‬ريه يف البالد املتقدم‪-‬ة‪ ،‬وأك‪-‬ثر من‬
‫ذل ‪--‬ك يف جمموع ‪--‬ة البالد الس ‪--‬ابقة ك ‪--‬انت نس ‪--‬بة الطفول ‪--‬ة عالي ‪--‬ة ونس ‪--‬بة املس ‪--‬نني منخفض ‪--‬ة ب ‪--‬الرغم من أن ه ‪--‬ذه الفئ ‪--‬ات‬
‫األخ‪-‬رية تس‪-‬تهلك كمي‪-‬ات كب‪-‬رية من الس‪-‬لع إال أهنا غالب‪ً-‬ا م‪-‬ا تس‪-‬هم بفعالي‪-‬ة يف اإلنت‪-‬اج‪ ،‬وأن‪-‬ه ملن اجلدير بال‪-‬ذكر أيض‪ً-‬ا‬
‫أن نسبة األفراد املسنني يف البالد املتقدمة تفوق عدد مجاعة غري املنتجني‪.‬‬

‫وب‪--‬الرغم من أن فئ‪--‬ة املنتجني متث‪--‬ل نص‪--‬ف س‪--‬كان اجملتم‪--‬ع‪ ،‬فهي تس‪--‬اهم حبوايل ‪ % 9.2‬من الق‪--‬درة اإلنتاجي‪--‬ة‪ ،‬ومتث‪--‬ل‬
‫‪ %70‬من وح‪-‬دات االس‪-‬تهالك‪ ،‬بينم‪-‬ا تس‪-‬اهم يف اجله‪-‬ات األخ‪-‬رى حبوايل ‪ % 8‬من الق‪-‬درة اإلنتاجي‪-‬ة ومتث‪-‬ل ‪%30‬‬
‫من الوحدات االستهالكية يأخذ منها فئة األطفال نصيب األسد‪.‬‬

‫التوزيع السكاني والقوى العاملة‬

‫ميثل األطفال حتت ‪ 15‬سنة أو من هم يف هناية التعليم‪ ،‬ح‪-‬وايل ‪ % 41‬من إمجايل الس‪-‬كان يف تع‪-‬داد ع‪-‬ام ‪1986‬م‪.‬‬
‫وميثل من هم أقل من ‪ 16‬سنة حوايل ‪ %45‬وهذه النسبة أعلى يف احلضر عنها يف الري‪--‬ف‪ .‬ونس‪--‬بة األف‪-‬راد الق‪--‬ادرين‬
‫على العمل بني (‪ )64 - 16‬سنة أكثر من نصف إمجايل السكان‪.‬‬

‫)(‪1‬‬
‫‪Central Agency for Public Mobilization & Statistics. Op. cit., p. 206‬‬

‫‪150‬‬
‫وختتلف نسبة املنتجني يف أي جمتمع باختالف فئات العم‪-‬ر‪ ،‬فنس‪-‬بة األطف‪--‬ال ال‪-‬ذكور حتت ‪ 16‬س‪-‬نة نس‪-‬بة عالي‪-‬ة عن‬
‫اإلناث يف نفس الفئة العمرية‪ ،‬ولكن نسبة الذكور أقل من اإلن‪-‬اث يف فئ‪-‬ة العم‪-‬ر بني ‪ 49 ،20‬واألطف‪--‬ال حتت ‪16‬‬
‫س ‪--‬نة يس ‪--‬امهون يف الق ‪--‬وة العامل ‪--‬ة حبوايل ‪ %13‬ومعظم ه ‪--‬ذه املس ‪--‬امهة جتيء من اجملتمع ‪--‬ات الريفي ‪--‬ة‪ .‬إذ تتزاي ‪--‬د نس ‪--‬بة‬
‫األطف‪--‬ال يف الق‪--‬وى العامل‪--‬ة أرب‪--‬ع م‪--‬رات يف املن‪--‬اطق الريفي‪--‬ة عنه‪--‬ا يف املن‪--‬اطق احلض‪--‬رية‪ ،‬وه‪--‬ذا ميث‪--‬ل خاص‪--‬ية متم‪--‬يزة هلذا‬
‫النمط من االقتصاد يف بالدنا الذي حيتاج فيه العمل الزراعي إىل مشاركة األطفال‪.‬‬

‫ونسبة الذكور يف القوى العاملة عالية يف املناطق الريفية عمومًا عنها يف املناطق احلضرية‪ ،‬ألهنا تص‪--‬ل إىل ح‪--‬وايل ‪71‬‬
‫‪ %‬يف ذلك اجلانب من مصر املعروف بالوجه البحري‪ ،‬وحوايل ‪ % 76‬يف ذلك اجلانب من مصر املعروف بالوجه‬
‫القبلي‪.‬‬

‫ويف املن‪--‬اطق احلض‪--‬رية ي‪--‬رتاوح مع‪--‬دل ال‪--‬ذكور يف الق‪--‬وى العامل‪--‬ة بني ‪ % 59‬و‪ % 61‬م‪--‬ع اس‪--‬تبعاد حمافظ‪--‬ة اإلمساعيلية‬
‫ال‪--‬ذي يرتف‪--‬ع فيه‪--‬ا املع‪--‬دل ‪ %63‬والتب‪--‬اين كب‪--‬ري بني اإلن‪--‬اث نتيج‪--‬ة الن مع‪--‬دل اإلن‪--‬اث يف الق‪--‬وى العامل‪--‬ة بني ‪ %3‬و‬
‫‪ %9‬يف املناطق احلضرية‪ ،‬ومعدل اإلناث يف القوى العاملة الريفية يف الوجه البحري يتض‪-‬اعف ويزي‪-‬د على نظ‪-‬ريه يف‬
‫الوجه القبلي (‪.)1‬‬

‫وتقدر نس‪-‬بة غ‪-‬ري الع‪-‬املني (البطال‪-‬ة) حبوايل ‪ % 2.2‬من الق‪-‬وى العامل‪-‬ة ولق‪-‬د وص‪-‬ل أعلى مع‪-‬دل للبطال‪-‬ة إىل ‪%5.4‬‬
‫يف املدن الكربى وإىل حوايل نصف هذا املعدل ‪ %2.9‬يف املدن األخرى وذلك يف عام ‪1986‬م‪.‬‬

‫ولكن نسبة البطالة وصلت إىل أقل من ‪ %7.1‬يف احملافظات وينتمي معظم غ‪--‬ري الع‪--‬املني إىل الفئ‪--‬ة العمري‪--‬ة م‪--‬ا بني (‬
‫‪ )29 - 20‬سنة ألن هذه اجلماعة تسهم يف إمجايل البطالة بنسبة كبرية وصلت ‪.)2( % 30.3‬‬

‫وعلى أي ‪--‬ة ح ‪--‬ال ف ‪--‬إن نس ‪--‬بة البطال ‪--‬ة إىل الق ‪--‬وى العامل ‪--‬ة داخ ‪--‬ل ه ‪--‬ذه اجملموع ‪--‬ة العمري ‪--‬ة أق ‪--‬ل من النس ‪--‬بة املص ‪--‬احبة يف‬
‫اجلماعات العمرية األصغر‪ .‬وأعلى نسبة من البطالة هي ‪ 5%‬بني الفئة العمرية ‪ 14 - 10‬سنة‪.‬‬

‫توزيع القوى العاملة حسب النشاط االقتصادي والعمر‬

‫)(‪1‬‬
‫‪Ibid. p. 207.‬‬
‫‪)(2‬‬
‫انظر الفصل األخير حيث يتناول بالتفصيل البطالة في مصر‬

‫‪151‬‬
‫بلغت نس‪--‬بة الق‪--‬وى العامل‪--‬ة ال‪--‬ذكور املش‪--‬تغلني يف الزراع‪--‬ة بالنس‪--‬بة إلمجايل ع‪--‬دد ال‪--‬ذكور يف الق‪--‬وى العامل‪--‬ة أعاله‪--‬ا يف‬
‫الفئتني العمريتني أقل من ‪ 15‬سنة وأكثر من ‪ 65‬سنة‪ .‬وهذا يع‪-‬ين إن معظم ه‪-‬ؤالء ال‪-‬ذين ي‪-‬دخلون س‪-‬وق العم‪-‬ل يف‬
‫مرحلة مبكرة من العمر وأولئك الذين يظلون يف سوق العمل بعد الستني يعملون يف الزراع‪--‬ة بينم‪--‬ا تق‪--‬ل ه‪--‬ذه النس‪--‬بة‬
‫يف مجاع‪-‬ات العم‪-‬ر املتوس‪-‬طة العكس يف جمال الص‪-‬ناعة واخلدمات األن نس‪-‬بة املش‪-‬اركة يف الق‪-‬وى العامل‪-‬ة تنخفض بني‬
‫الص‪-‬غار والكب‪-‬ار بينم‪-‬ا ترتف‪-‬ع بني متوس‪-‬ط العم‪-‬ر‪ .‬وأك‪-‬ثر من ذل‪-‬ك ف‪-‬إن مع‪-‬دل ال‪-‬ذكور الع‪-‬املني يف الزراع‪-‬ة إىل إمجايل‬
‫ال ‪--‬ذكور يف الق ‪--‬وى العامل ‪--‬ة وص ‪--‬ل إىل ‪ % 59‬وه ‪--‬و أعلى ‪ % 28‬من نس ‪--‬بة الع ‪--‬املني يف اخلدمات وأعلى أيض‪ً- -‬ا من‬
‫نسبة الذين يشاركون يف الصناعة وهي ‪.)1(%31‬‬

‫)(‪1‬‬
‫‪Ibid, p208.‬‬

‫‪152‬‬
‫الفصل السابع‬

‫الخصوبة والبناء االجتماعي‬


‫تمهيد‬

‫ح‪--‬ددنا املقص‪--‬ود بظ‪--‬واهر تغ‪--‬ري الس‪--‬كان يف ظ‪--‬واهر منو الس‪--‬كان وح‪--‬ركتهم أو زي‪--‬ادهتم ونقص‪--‬اهنم وذل‪--‬ك بفع‪--‬ل عوام‪--‬ل‬
‫املواليد او اخلصوبة واهلجرة والوفيات‪ .‬فالسكان باعتبارهم كتل‪-‬ة بش‪-‬رية وجس‪-‬مًا عض‪-‬ويًا متحرك‪ً-‬ا يعم‪-‬ل على جتدي‪-‬د‬
‫نفس‪--‬ه بالتناس‪--‬ل واإلجناب ويق ‪--‬دم إلي‪--‬ه أع ‪--‬دادا جدي‪--‬دة هم املوالي‪--‬د وينتق ‪--‬ل أف‪--‬راده إىل فئ‪--‬ات الس‪--‬ن املختلف ‪--‬ة س‪--‬نة بع ‪--‬د‬
‫أخ‪--‬رى‪ ،‬فيش‪--‬ب األطف‪--‬ال ويش‪--‬كلون الق‪--‬وى العامل‪--‬ة يف الس‪--‬كان ويه‪--‬رم الش‪--‬باب وميوت الش‪--‬يوخ‪ ،‬وتس‪--‬مى الزي‪--‬ادة أو‬
‫النقص ‪--‬ان ال ‪--‬يت تنجم عن الف ‪--‬رق بني املوالي ‪--‬د والوفي ‪--‬ات بالزي ‪--‬ادة أو النقص ‪--‬ان الطبيعي ‪--‬ة‪ .‬بينم ‪--‬ا ق ‪--‬د يف ‪--‬د إىل الس ‪--‬كان‬
‫مه‪--‬اجرون من اخلارج في‪--‬ؤدي ه‪--‬ذا إىل زي‪--‬ادة غ‪--‬ري طبيعي‪--‬ة ب‪--‬الوفود‪ ،‬أو ق‪--‬د ي‪--‬نزح من الس‪--‬كان مه‪--‬اجرون إىل اخلارج‪،‬‬
‫في ‪--‬ؤدي ذل ‪--‬ك إىل نقص غ ‪--‬ري ط ‪--‬بيعي ب ‪--‬النزوح يف ع ‪--‬دد الس ‪--‬كان ومع ‪--‬ىن ذل ‪--‬ك أن تغ ‪--‬ري الس ‪--‬كان بالزي ‪--‬ادة يتوق ‪--‬ف على‬
‫اإلضافة اليت تنتج عن املواليد واملهاجرين إىل البلد أو اجملتم‪-‬ع املدروس يف ف‪-‬رتة معين‪-‬ة‪ ،‬كم‪-‬ا أن تغ‪--‬ري الس‪-‬كان ب‪-‬النقص‬
‫ينتج عن الوفي‪--‬ات ال‪--‬يت حتدث يف ه‪--‬ذا اجملتم‪--‬ع‪ ،‬أو عن ع‪--‬دد من خيس‪--‬رهم بس‪--‬بب ال‪--‬نزوح من‪--‬ه‪ .‬أو أن الزي‪--‬ادة تتوق‪--‬ف‬
‫على املوالي ‪--‬د واهلج ‪--‬رة إىل اجملتم ‪--‬ع والنقص يتوق ‪--‬ف على الوفي ‪--‬ات وال ‪--‬نزوح من اجملتم ‪--‬ع‪ ،‬وإذا مل حتدث هج ‪--‬رة ف ‪--‬إن‬
‫النقص أو الزيادة يف السكان تتوقف فقط على املواليد والوفيات وميكن وض‪-‬ع ه‪-‬ذه العالق‪-‬ة يف ص‪-‬ورة معادل‪-‬ة بس‪-‬يطة‬
‫على النحو التايل‪:‬‬

‫الزيادة أو النقصان = (عدد املواليد ‪ -‬عدد الوفيات) ‪( -‬عدد الوافدين ‪ -‬عدد النازحني)‪.‬‬

‫وملا ك‪--‬ان الف‪--‬ارق بني املوالي‪--‬د والوفي‪--‬ات يس‪--‬مى الزي‪--‬ادة أو النقص الطبيعي‪--‬ة‪ ،‬والف‪--‬ارق بني الواف‪--‬دين والن‪--‬ازحني يس‪--‬مى‬
‫الزيادة أو النقص غري الطبيعية أو صايف اهلجرة فإنه ميكن التعبري عن ذلك باملعادلة التالية‪:‬‬

‫الزيادة أو النقص خالل فرتة معينة = الزيادة أو النقص الطبيعية ‪ -‬الزيادة أو النقص غري الطبيعية‬

‫‪153‬‬
‫وقد تكون الزيادة الطبيعية ذات إشارة سالبة‪ ،‬إذا ك‪-‬ان ع‪-‬دد الوفي‪-‬ات أك‪-‬ثر من ع‪-‬دد املوالي‪-‬د‪ ،‬وه‪-‬ذا يس‪-‬بب نقص‪ً-‬ا يف‬
‫مجل ‪--‬ة الس ‪--‬كان‪ ،‬وتك ‪--‬ون الزي ‪--‬ادة غ ‪--‬ري طبيعي ‪--‬ة أو ص ‪--‬ايف اهلج ‪--‬رة ذات إش ‪--‬ارة س ‪--‬البة‪ ،‬إذا زاد ع ‪--‬دد الن ‪--‬ازحني على ع ‪--‬دد‬
‫الوافدين اىل اجملتمع(‪.)1‬‬

‫ويتجه اهتمام دارس السكان حنو حتليل عوامل املواليد أو اخلصوبة والوفيات واهلج‪-‬رة باعتباره‪-‬ا عوام‪-‬ل علي‪-‬ة يف تغ‪-‬ري‬
‫السكان‪ ،‬وحياول التعرف على معدالهتا واجتاهات تطورها يف املستقبل‪.‬‬

‫غ‪--‬ري أن حتليلن‪--‬ا االجتم‪--‬اعي لظ‪--‬واهر تغ‪--‬ري الس‪--‬كان يف ه‪--‬ذا الفص‪--‬ل والفص‪--‬ول ال‪--‬يت تلي‪--‬ه إن ك‪--‬ان س‪--‬يرتكز على ظ‪--‬واهر‬
‫اخلصوبة واهلج‪-‬رة والوفي‪-‬ات‪ ،‬فإن‪-‬ه س‪-‬وف ال يقتص‪-‬ر على جمرد رص‪-‬د مع‪-‬دالهتا واجتاهاهتا‪ ،‬وإمنا سينص‪-‬رف أساس‪ً-‬ا حنو‬
‫بيان العالقات القائمة واملتبادلة بني هذه الظواهر السكانية وبني بقية النظم والظواهر االجتماعية األخ‪--‬رى يف اجملتم‪--‬ع‬
‫وخاص‪--‬ة ظ‪--‬واهر األس‪--‬رة والطبق‪--‬ات االجتماعي‪--‬ة والقيم نتيج‪--‬ة لع‪--‬دة اعتب‪--‬ارات‪ :‬فاألس‪--‬رة هي املص‪--‬در األول ال‪--‬ذي ميد‬
‫اجملتم ‪--‬ع ب ‪--‬أفراده تل ‪--‬ك ال ‪--‬يت تتك ‪--‬ون ب ‪--‬الزواج‪ ،‬ويتزاي ‪--‬د ع ‪--‬ددها م ‪--‬ع ك ‪--‬ل ميالد جدي ‪--‬د‪ ،‬ويتن ‪--‬اقص م ‪--‬ع وف ‪--‬اة أي ف ‪--‬رد من‬
‫أعض ‪--‬ائها أو هجرت ‪--‬ه‪ .‬كم ‪--‬ا أن األس ‪--‬رة هي املس ‪--‬ؤولة عن حف ‪--‬ظ خ ‪--‬ربات اجملتم ‪--‬ع وعادات ‪--‬ه وتقالي ‪--‬ده‪ ،‬وقيم ‪--‬ة ومع ‪--‬ايريه‬
‫وثقافته ونقلها إىل أجياهلا اجلديدة‪ .‬ويؤثر املستوى االقتصادي واالجتماعي الذي يعرب عن مفهوم الطبقة االجتماعية‬
‫على ظ ‪--‬واهر الس ‪--‬كان وخباص ‪--‬ة الس ‪--‬لوك اإلجنايب ويفس ‪--‬ر االختالف ‪--‬ات بني الن ‪--‬اس يف ه ‪--‬ذا الس ‪--‬لوك‪ .‬وحيدد الس ‪--‬ن عن ‪--‬د‬
‫ال‪--‬زواج وإجناب الطف‪--‬ل األول والف‪--‬رتة بني إجناب الطف‪--‬ل األول واألطف‪--‬ال اآلخ‪--‬رين ون‪--‬وعهم‪ ...‬وهك‪--‬ذا كم‪--‬ا تس‪--‬اهم‬
‫القيم االجتماعي‪--‬ة يف تنظيم وتوجي‪--‬ه حي‪--‬اة الس‪--‬كان يف اجملتم‪--‬ع داخ‪--‬ل األس‪--‬رة وخارجه‪--‬ا وحتدد س‪--‬لوكياهتم الس‪--‬كانية‬
‫لدرج ‪--‬ة كب ‪--‬رية ول ‪--‬ذلك نعتق ‪--‬د أن فهم الظ ‪--‬واهر الس ‪--‬كانية مث ‪--‬ل املوالي ‪--‬د واخلص ‪--‬وبة واهلج ‪--‬رة والوفي ‪--‬ات حيت ‪--‬اج إىل فهم‬
‫مص ‪--‬در ه‪-- -‬ذه الظ‪-- -‬واهر الس‪-- -‬كانية واإلط‪-- -‬ار ال‪-- -‬ذي خترج عن‪-- -‬ه وه‪-- -‬و األس ‪--‬رة من حيث مفهومه‪-- -‬ا ووظائفه ‪--‬ا وتغريه ‪--‬ا‬
‫واس‪-‬تقرارها‪ ...‬اخل‪ ،‬كم‪-‬ا أن فهم ه‪--‬ذه الظ‪-‬واهر الس‪-‬كانية حيت‪-‬اج إىل فهم البن‪-‬اء الطبقي يف اجملتم‪-‬ع وقيام‪--‬ه على دع‪--‬ائم‬
‫املهن ‪-- -‬ة والتعليم وال ‪-- -‬دخل أو غريه ‪-- -‬ا وتفس ‪-- -‬ري االختالف يف الس ‪-- -‬لوك الس ‪-- -‬كاين نتيج ‪-- -‬ة لالختالف يف وض ‪-- -‬ع األف ‪-- -‬راد‬
‫واجلماعات يف هذا البناء الطبقي‪ .‬كما حيتاج تفس‪-‬ري االختالف يف ه‪--‬ذا الس‪-‬لوك الس‪-‬كاين إىل التع‪--‬رف على أث‪-‬ر القيم‬
‫االجتماعية يف تنظيم احلي‪-‬اة االجتماعي‪-‬ة وهك‪-‬ذا‪ .‬والواق‪-‬ع أن ه‪-‬ذا الرب‪-‬ط بني الظ‪-‬واهر الس‪-‬كانية واألس‪-‬رة أو الطبق‪-‬ة أو‬

‫‪((1‬‬
‫صالح محمد سليمان ‪ ،‬مفاهيم أساسية في السكان ‪ ،‬المركز الدوري التعليم الكبار ‪ ،‬سرس الليان ‪1973 ،‬م‪.‬‬

‫‪154‬‬
‫القيم يوض ‪--‬ح طبيع ‪--‬ة التحلي ‪--‬ل االجتم ‪--‬اعي للظ ‪--‬واهر الس ‪--‬كانية ويع ‪--‬رب عن فهم ه ‪--‬ذه الظ ‪--‬واهر يف ض ‪--‬وء عناص ‪--‬ر البن ‪--‬اء‬
‫االجتماعي للمجتمع‪.‬‬

‫أوًال‪ :‬الخصوبة‪ :‬معدالتها واتجاهاتها‬

‫يف ‪--‬رق دارس ‪--‬و الس ‪--‬كان عن ‪--‬د تن ‪--‬اوهلم ملوض ‪--‬وع املوالي ‪--‬د بني اإلجناب أو النس ‪--‬ل أو اخلص ‪--‬وبة ‪ Fertility‬وبني الق ‪--‬درة‬
‫البيولوجي ‪--‬ة على احلم ‪--‬ل أو ال ‪--‬والدة أو اخلص ‪--‬وبة احليوي ‪--‬ة ‪ Fecundity‬على أس ‪--‬اس أن العملي ‪--‬ة األوىل هي عملي ‪--‬ة‬
‫إجناب األطف ‪--‬ال فعًال ونس ‪--‬بة اإلجناب هي نس ‪--‬بة املوالي ‪--‬د األطف ‪--‬ال للنس ‪--‬اء يف س ‪--‬ن احلم ‪--‬ل‪ .‬أم ‪--‬ا اخلص ‪--‬وبة احليوي ‪--‬ة فهي‬
‫سواء تزوجت املرأة أم مل تتزوج أو ألهنا متنع احلمل(‪ .)1‬أو أهنا جتهض نفسها وهي غري املرأة العقيم‪.‬‬

‫وملقارن‪-‬ة املوالي‪-‬د يف األقط‪-‬ار املختلف‪--‬ة حيس‪-‬ب مع‪--‬دل املوالي‪-‬د الع‪--‬ام وذل‪-‬ك بإجياد النس‪-‬بة األلفي‪-‬ة للموالي‪-‬د عام‪--‬ة إىل ع‪--‬دد‬
‫السكان مجيعًا يف عام ما على النحو التايل‪:‬‬
‫عدد المواليد‬
‫* ‪1000‬‬ ‫عدد السكان عامة‬
‫نسبة املواليد العامة =‬

‫وملا كان عدد املوالي‪-‬د يتوق‪-‬ف على ع‪-‬دد النس‪-‬اء يف س‪-‬ن اإلجناب وه‪-‬و م‪-‬ا بني ‪ 50 15‬س‪-‬نة‪ ،‬ك‪-‬ان ال ب‪-‬د من إج‪-‬راء‬
‫املقارنة أو إجياد نسبة اإلجناب اليت تسمى عادة باخلصوبة وذلك على النحو التايل‪:‬‬
‫عدد المواليد‬
‫نجاب) ‪1000 * ( 50−15‬‬ ‫عدد النساء في سن اال‬
‫نسبة اخلصوبة =‬

‫ويس‪-- -‬مى املع‪-- -‬دل الس‪-- -‬ابق مع‪-- -‬دل اخلص‪-- -‬وبة الع‪-- -‬ام ‪ General Fertility rate‬ولكن عن‪-- -‬دما وج‪-- -‬د بن‪-- -‬اء على‬
‫الدراس‪--‬ات الس‪--‬كانية‪ ،‬أن النس‪--‬اء ال يكن يف درج‪--‬ة واح‪--‬دة من حيث الق‪--‬درة على اإلجناب يف فئ‪--‬ات الس‪--‬ن املختلف‪--‬ة‪،‬‬
‫حيث ك ‪--‬انت املرأة دون العش ‪--‬رين من عمره ‪--‬ا أق ‪--‬ل إجناب‪ً- -‬ا من املرأة بني العش ‪--‬رين والثالثني مث تق ‪--‬ل ق ‪--‬درة املرأة على‬

‫‪ )(1‬يرتبط مفهوم منع الحمل ‪ Contraception‬مفهوم ضبط النسل ‪ Birth Control‬ومفهوم تنظيم األسرة ‪ Family Planning‬رغم االختالف الكبير‬
‫بين هذه المفهومات األمر الذي غاب عن ذهن الكثيرين فأدى إلى الخلط بينها ومن هنا وجدنا أنه من المناسب اإلشارة بوضوح إلى هذه المفهومات‪ .‬إذ‬
‫يقصد بضبط النسل توقيفه مرحليًا لفترات معينة وهو يختلف عن عملية تحديد النسل ‪ Limiting Birth‬الذ يعني إيقاف اإلنجاب بعد عدد معين‪ .‬إذن‬
‫ضبط النسل أكثر من مجرد صورة سلوكية لتحديد حجم االسرة وإنما هو عملية تنظيم الخصوبة األسرة ‪ ،‬وهو يتجاوز فكرة المجاب عدد من األطفال‬
‫المرغوب فيهم ويهتم بالتخطيط الزمني للفترات التي تتوسط كل مرحلة وأخرى من مرات اإلنجاب ويرتبط مفهوم ضبط النسل مفهوم منع الحمل طالمة‬
‫كانت عملية الضبط تعتمد على توقيف النسل مرحليًا ‪ ،‬وعلى وسيلة أو أكثر من وسائل الحمل وهي كثيرة مثل ‪ :‬الغطاء المطاطي للذكر ‪Condom‬‬
‫والحجاب المانع ‪ Deaphrage‬والدوش ‪ Douch‬واإلنسحاب ‪ Withdrawal‬والحبوب ‪ Pill‬واللولب ‪ intro - uterne‬ولكن مفهوم تنظيم األسرة‬
‫أوسع كثيرًا من مجرد ضبط النسل او تحديده ‪ ،‬أو منعه ‪ ،‬فهو قد يشمل واحدًا منهما أو هما معًا ‪ ،‬حسبما تقتضي سياسة وهدف أو إستراتيجية األسرة ‪،‬‬
‫لذلك فإنه مفهوم ينطوي على مضامين سوسيولوجية ‪ ،‬تتمثل في عملية ترشيد التنشئة االجتماعية لألطفال ‪ ،‬وتحديد األدوار االجتماعية ‪ ،‬وتوزيع‬
‫المسئوليات ‪ ،‬وتحقيق التضامن بين أعضاء األسرة ‪ ،‬األبناء واآلباء ‪ ،‬أو بين الزوجين ‪ ،‬والعمل على المواءمة بين أهداف األسرة ووظائفها االجتماعية‬
‫وبين وسائل تحقيق هذه األهداف وإنجاز تلك الوظائف‪.R. Pressat, Population, Op. Cit., pp. 55 - 65 .‬‬

‫‪155‬‬
‫اإلجناب ت‪--‬درجييًا‪ ،‬ل‪--‬ذلك ك‪--‬ان ال ب‪--‬د من إجياد نس‪--‬بة أو مع‪--‬دل خص‪--‬وبة خ‪--‬اص أو ن‪--‬وعي وذل‪--‬ك بقس‪--‬مة األف‪--‬راد ال‪--‬ذين‬
‫يولدون األمهات يف فئة عمرية معينة على النحو التايل‪:‬‬

‫( عدد المواليد أحياء في فئة عمرية معينة * ‪1000‬‬ ‫)‪ 30−20‬مثال‬


‫نسبة اخلصوبة =‬
‫عدد اال ناثفي نفس الفئة العمرية‬

‫وبن ‪--‬اء علي ‪--‬ه ميكن حس ‪--‬اب مع ‪--‬دل خص ‪--‬وبة كلي ‪--‬ة عن طري ‪--‬ق مجي ‪--‬ع مع ‪--‬دالت اخلص ‪--‬وبة النوعي ‪--‬ة يف فئ ‪--‬ات العم ‪--‬ر جلمي ‪--‬ع‬
‫اإلناث‪ ،‬مث ضرب الناتج يف طول الفئة وقسمته على ‪.)1(1000‬‬

‫وعن‪-‬دما تق‪-‬وم ال‪-‬دميوجرافيا بدراس‪-‬ة ظ‪-‬اهرة اخلص‪--‬وبة أو املوالي‪-‬د هبدف وص‪-‬ف ه‪-‬ذه الظ‪-‬اهرة الس‪-‬كانية وحتليله‪-‬ا وبي‪-‬ان‬
‫العالقة الكمية بينها وبني غريها من ظ‪-‬واهر س‪-‬كانية أخ‪-‬رى‪ ،‬فإهنا تس‪-‬تعني مبث‪-‬ل ه‪-‬ذه املفهوم‪-‬ات واملع‪-‬دالت يف إج‪-‬راء‬
‫هذه الدراسة‪.‬‬

‫فمثًال ق ‪--‬د جند هن ‪--‬اك دراس ‪--‬ة دميوجرافي ‪--‬ة للس ‪--‬لوك اإلجنايب واملوالي ‪--‬د واخلص ‪--‬وبة يف مص ‪--‬ر‪ ،‬تق ‪--‬وم ه ‪--‬ذه الدراس ‪--‬ة يف أول‬
‫خطوة هلا برصد نسبة املواليد الفعلية بني فئ‪-‬ات الس‪-‬ن املختلف‪-‬ة يف أك‪-‬ثر من س‪-‬نة أج‪-‬رى عنه‪-‬ا تع‪-‬داد‪ ،‬فهي على ذل‪-‬ك‬
‫جتري وص‪--‬فًا هلذه الظ‪--‬اهرة بن‪--‬اء على م‪--‬ا ت‪--‬وافر من أرق‪--‬ام وحق‪--‬ائق كمي‪--‬ة‪ ،‬مث تتج‪--‬اوز ذل‪--‬ك بالتوص‪--‬ل إىل حتلي‪--‬ل ينتهي‬
‫بتحديد معدل اخلصوبة الكلية يف اجملتمع ويف اخلطوة التالية جتتهد يف مقارنة ما توص‪--‬لت إلي‪-‬ه من نت‪-‬ائج مبا ك‪-‬ان علي‪-‬ه‬
‫الس‪--‬لوك اإلجنايب أو املوالي‪--‬د واخلص‪--‬وبة يف ف‪--‬رتات س‪--‬ابقة‪ ،‬من الف‪--‬رتات الس‪--‬نوات ال‪--‬يت أج‪--‬ريت فيه‪--‬ا التع‪--‬دادات‪ ،‬ح‪--‬ىت‬
‫ميكن أن نس‪--‬تنتج من ه‪--‬ذه املقارن‪--‬ة اجتاه اخلص‪--‬وبة يف مص‪--‬ر حنو الزي‪--‬ادة أو النقص‪--‬ان‪ ،‬وق‪--‬د ال تتوق‪--‬ف ال‪--‬دميوجرافيا عن‪--‬د‬
‫ه‪--‬ذه اخلط‪--‬وة‪ ،‬وإمنا ق‪--‬د حتاول بع‪--‬د ذل‪--‬ك أن تق‪--‬ارن مع‪--‬دل اخلص‪--‬وبة ال‪--‬ذي حتدده مبع‪--‬دل اخلص‪--‬وبة يف جمتمع‪--‬ات أخ‪--‬رى‬
‫أوروبية أو عربية أو غريها‪ .‬وهكذا مير التحليل الدميوجرايف بعدة خطوات هي الوصف والتصنيف واملقارنة‪.‬‬

‫وي‪--‬بني اجلدول الت‪--‬ايل نت‪--‬ائج وص‪--‬ف اخلص‪--‬وبة يف أك‪--‬ثر من س‪--‬نة أمكن خالهلا التوص‪--‬ل إىل بيان‪--‬ات عن الس‪--‬لوك اإلجنايب‬
‫يف مص‪--‬ر وهي ع‪--‬ام (‪1947‬م ‪1992 -‬م )‪ ،‬ويوض‪--‬ح أيض‪ً-‬ا مع‪--‬دل اخلص‪--‬وبة الكلي‪--‬ة‪ .‬وي‪--‬ورد نت‪--‬ائج وص‪--‬ف اخلص‪--‬وبة‬
‫وحتليل معدهلا الكلي يف سنوات التعداد املختلفة‪.‬‬

‫ويستطيع التحليل الدميوجرايف أن يستخلص من بيانات اجلدول رقم (‪ )11‬عدة نتائج‪:‬‬

‫‪)(1‬‬
‫صالح محمد سليمان ‪ ،‬مفاهيم اساسية في السكان ‪ ،‬مرجع سابق ص ص ‪41 - 40‬‬

‫‪156‬‬
‫ال تزال معدالت اخلصوبة يف مصر متتاز باالرتفاع‪ ،‬رغم أن اجتاه هذه املعدالت يسري صوب االخنفاض من‬ ‫‪.1‬‬
‫(‪ )5,28‬عام (‪1980‬م) ‪ -‬إىل (‪ )3,92‬عام (‪1992‬م)‪.‬‬
‫ال تزال معدالت اخلص‪-‬وبة يف مص‪-‬ر متت‪-‬از باالرتف‪-‬اع خاص‪-‬ة بني فئ‪-‬ات العم‪-‬ر (‪ )24 – 20‬و(‪)29 - 25‬‬ ‫‪.2‬‬
‫و(‪ )34 – 30‬وإن أعلى فئة عمرية يزيد فيها معدل اخلصوبة‪ ،‬كانت هي فئة العمر (‪ )29 – 25‬سنة‪.‬‬
‫وق ‪--‬د ج ‪--‬اء ت ‪--‬رتيب مص ‪--‬ر طبق ‪ً-‬ا ل ‪--‬دليل التنمي ‪--‬ة البش ‪--‬رية يف الع ‪--‬امل ض ‪--‬من جمموع ‪--‬ة البالد ذات التنمي ‪--‬ة البش ‪--‬رية‬ ‫‪.3‬‬
‫املتوسطة‪ ،‬ومبقارنة معدل اخلصوبة يف مصر مبا وصل إليه معدل اخلصوبة بني جمموعة هذه البالد‪ ،‬اتض‪--‬ح أن‬
‫املع‪-- -‬دل األخ‪-- -‬ري ق‪-- -‬د بل‪-- -‬غ ‪ 2.7‬ع‪-- -‬ام ‪1992‬م بينم‪-- -‬ا زاد مع‪-- -‬دل اخلص‪-- -‬وبة يف مص‪-- -‬ر ووص‪-- -‬ل إىل ‪ 3,9‬ع‪-- -‬ام‬
‫‪1992‬م(‪.)1‬‬

‫جدول صـ ‪187‬‬
‫(‪)6()5()4()3()2‬‬

‫وعن ‪--‬دما حياول التحلي ‪--‬ل ال ‪--‬دميوجرايف أن ينتهي من الوص ‪--‬ف والتص ‪--‬نيف واملقارن ‪--‬ة يف حماول ‪--‬ة إلجياد العالق ‪--‬ة بني ه ‪--‬ذه‬
‫الظ‪-‬اهرة الس‪-‬كانية‪ ،‬وهي اخلص‪--‬وبة وبني غريه‪-‬ا من الظ‪-‬واهر الدميوجرافي‪-‬ة األخ‪-‬رى مث‪-‬ل التوزي‪-‬ع اإلقام‪-‬ة للس‪-‬كان على‬
‫سبيل املثال أو توزيعهم بني الريف واحلضر‪.‬‬

‫فإننا جنده يوضح نتائجه يف صورة قوائم أو جداول على النحو التايل‪:‬‬

‫جدول رقم (‪)12‬‬


‫(‪)7‬‬
‫معدالت الخصوبة الكلية حسب فئات سن األم والمناطق في الفترة (‪1990‬م – ‪1992‬م)‬

‫‪ )(1‬البرنامج اإلنمائي لألمم المتحدة ‪ ،‬تقرير التنمية البشرية لعام ‪1996‬م ‪ ،‬نيويورك ‪1996 ،‬م ‪ ،‬ص ‪.178‬‬
‫‪ )(2‬لكل ألف سيدة‪.‬‬
‫‪ )(3‬الجهاز المركزي ‪ -‬الزيادة السكانية في ج‪ .‬م‪ .‬ع ‪ ،‬ص ‪.81‬‬
‫‪ )(4‬الجهاز المركزي ‪ -‬الزيادة السكانية في ج‪ .‬م‪ .‬ع ‪ ،‬ص ‪.81‬‬
‫‪ )(5‬الجهاز المركزي ‪ -‬الزيادة السكانية في ج‪ .‬م‪ .‬ع ‪ ،‬ص ‪.81‬‬
‫‪ )(6‬المرأة في عشرون عامًا ‪ -‬ص ‪21‬‬
‫‪ )(7‬لكل الف سيدة‪.‬‬

‫‪157‬‬
‫ريف‬ ‫ريف‬ ‫المحافظا‬
‫اإلجمال‬ ‫حضر الوجه حضر الوجه‬
‫الوجه‬ ‫الوجه‬ ‫ت‬ ‫فئات سن األم‬
‫ي‬ ‫القبلي‬ ‫البحري‬
‫القبلي‬ ‫البحري‬ ‫الحضرية‬
‫‪63‬‬ ‫‪122‬‬ ‫‪64‬‬ ‫‪42‬‬ ‫‪23‬‬ ‫‪24‬‬ ‫‪15-19‬‬
‫‪208‬‬ ‫‪295‬‬ ‫‪297‬‬ ‫‪179‬‬ ‫‪164‬‬ ‫‪121‬‬ ‫‪20-24‬‬
‫‪222‬‬ ‫‪287‬‬ ‫‪235‬‬ ‫‪205‬‬ ‫‪171‬‬ ‫‪188‬‬ ‫‪25-29‬‬
‫‪155‬‬ ‫‪231‬‬ ‫‪137‬‬ ‫‪160‬‬ ‫‪123‬‬ ‫‪121‬‬ ‫‪30-34‬‬
‫‪43‬‬ ‫‪82‬‬ ‫‪45‬‬ ‫‪37‬‬ ‫‪19‬‬ ‫‪26‬‬ ‫‪35-44‬‬
‫معدل اخلصوبة الكلية‬
‫‪3.93‬‬ ‫‪5.97‬‬ ‫‪4.10‬‬ ‫‪3.58‬‬ ‫‪2.80‬‬ ‫‪2.69‬‬
‫(‪)15-49‬‬

‫ويستطيع التحليل الديموجرافي لبيانات الجدول السابق استخالص مجموع النتائج التالية‪:‬‬

‫أن اخلص ‪--‬وبة الكلي ‪--‬ة تنخفض يف احملافظ ‪--‬ات احلض ‪--‬رية عنه ‪--‬ا يف احملافظ ‪--‬ات الريفي ‪--‬ة من (‪ )2,19‬إىل (‪)4.1‬‬ ‫‪.1‬‬
‫وجه حبري و(‪ )5.97‬وجه قبلي‪.‬‬
‫أن اخلص ‪--‬وبة الكلي ‪--‬ة تنخفض يف حض ‪--‬ر الوج ‪--‬ه البح ‪--‬ري عن حض ‪--‬ر الوج ‪--‬ه القبلي من (‪ )2.8‬إىل (‪)3.58‬‬ ‫‪.2‬‬
‫على التوايل‪.‬‬

‫وه‪--‬ذا ه‪--‬و النم‪--‬ط الس‪--‬ائد يف معظم اجملتمع‪--‬ات إذ غالب‪ً-‬ا م‪--‬ا يب‪--‬دأ هب‪--‬وط اخلص‪--‬وبة يف املن‪-‬اطق احلض‪--‬رية مث تنتش‪--‬ر منه‪--‬ا إىل‬
‫املناطق الريفية‪.‬‬

‫ثانيًا‪ :‬التحليل االجتماعي للخصوبة‬

‫غري أن التحليل االجتماعي للظواهر السكانية باملعىن الذي أوضحناه سلفًا‪ ،‬يهتم بتفس‪-‬ري ه‪-‬ذه الظ‪-‬واهر الس‪-‬كانية عن‬
‫طري ‪--‬ق ربطه ‪--‬ا بغريه ‪--‬ا من ظ ‪--‬واهر ونظم اجتماعي ‪--‬ة‪ .‬ذل ‪--‬ك ألن ‪--‬ه إذا ك ‪--‬ان التحلي ‪--‬ل ال ‪--‬دميوجرايف يوض ‪--‬ح لن ‪--‬ا أن مع ‪--‬دل‬
‫اخلص‪--‬وبة يف الري‪--‬ف يزي‪--‬د عن نظ‪--‬ريه يف احلض‪--‬ر‪ ،‬ف‪--‬إن رب‪--‬ط ه‪--‬ذه الظ‪--‬اهرة وإرجاعه‪--‬ا إىل مص‪--‬درها يف ك‪--‬ل من اجملتم‪--‬ع‬
‫ال ‪--‬ريفي واحلض ‪--‬ري ي ‪--‬ثري بال ش ‪--‬ك فهمن ‪--‬ا ومعرفتن ‪--‬ا ألص ‪--‬ول ه ‪--‬ذه الظ ‪--‬اهرة ف ‪--‬إذا ك ‪--‬انت اخلص ‪--‬وبة يف اجملتم ‪--‬ع ال ‪--‬ريفي‬

‫‪158‬‬
‫واحلض ‪--‬ري أو الس‪-- -‬لوك اإلجنايب واملوالي‪-- -‬د تص‪-- -‬در عن األس ‪--‬رة ف‪-- -‬األمر يتطلب أن نق‪-- -‬ف على ه‪-- -‬ذا املص‪-- -‬در من حيث‬
‫وجوده واستمراره وتغريه أو من حيث بنائه ووظائفه وتغريه إذا أردنا أن نعمق فهمنا للظواهر املدروسة‪.‬‬

‫وإذا كانت األسرة عبارة عن منظمة دائمة نسبيًا تتكون من الزوج والزوج‪-‬ة م‪-‬ع األطف‪-‬ال أو ب‪-‬دوهنم‪ ،‬ف‪-‬إن الوظ‪-‬ائف‬
‫اجلنس‪-- -‬ية واألبوي‪-- -‬ة كم‪-- -‬ربر أول هلذا النظ‪-- -‬ام تعت‪-- -‬رب من مميزاهتا يف ك‪-- -‬ل الثقاف‪-- -‬ات‪ .‬وم‪-- -‬ع ه‪-- -‬ذا ف‪-- -‬إن األس‪-- -‬رة ال تقتص‪-- -‬ر‬
‫بالض‪--‬رورة على ه‪--‬ؤالء األف‪--‬راد أو تل‪--‬ك الوظ‪--‬ائف فق‪--‬د تك‪--‬ون أك‪--‬رب من ذل‪--‬ك فتش‪--‬مل األج‪--‬داد واألق‪--‬ارب واألص‪--‬هار‬
‫واألحفاد الذين يكونون وحدة تسمى يف بعض األحيان العائلة أو غريها‪.‬‬

‫وقد تقوم األسرة بوظائف أخ‪-‬رى مث‪-‬ل اخلدمات االقتص‪--‬ادية ألعض‪--‬ائها أو التعليم والتوجي‪-‬ه‪ ،‬والرتفي‪-‬ه‪ ،‬وال‪-‬دفاع عنهم‬
‫ض‪--‬د أي خط‪--‬ر‪ ،‬وهك‪--‬ذا ك‪--‬انت الكتاب‪--‬ات املهتم‪--‬ة بدراس‪--‬ة األس‪--‬رة ت‪--‬دور ح‪--‬ول توض‪--‬يح مفهومه‪--‬ا إم‪--‬ا على أهنا مجاع‪--‬ة‬
‫مكونة من عدد من األفراد تقوم بينهم عالقات وتفاعالت معينة‪ ،‬أو على أهنا نظام اجتماعي‪.‬‬

‫والواقع أن الفرق بني اجلماع‪-‬ة والنظ‪-‬ام ليس كب‪-‬ريًا ألن كليهم‪-‬ا ن‪-‬وع من التنظيم االجتم‪-‬اعي يفرتق‪-‬ان أو يقرتب‪-‬ان على‬
‫اساس درجة التجريد ال‪-‬يت ي‪-‬درس على ض‪-‬وئها ك‪-‬ل منهم‪-‬ا‪ ،‬واألس‪-‬رة ب‪-‬دون ش‪-‬ك مجاع‪-‬ة ب‪-‬اعرتاف ك‪-‬ل العلم‪-‬اء تقريب‪ً-‬ا‬
‫ولكن عموميتها يف اجملتمع اإلنساين من ناحية‪ ،‬وأمهيتها القصوى الستمرار اجلنس البشري وقيامها على أسس تكاد‬
‫أن تك‪-- -‬ون ثابت‪-- -‬ة من ناحي‪-- -‬ة أخ‪-- -‬رى هي ال‪-- -‬يت ميي‪-- -‬ل كث‪-- -‬ري من علم‪-- -‬اء االجتم‪-- -‬اع ويفض‪-- -‬لون دراس‪-- -‬تها على أهنا نظ‪-- -‬ام‬
‫(‪)1‬‬
‫اجتماعي‬

‫ويقص ‪--‬د بنظ ‪--‬ام األس ‪--‬رة جمموع ‪--‬ة املمارس ‪--‬ات املتف ‪--‬ق عليه ‪--‬ا يف اجملتم ‪--‬ع لض ‪--‬بط عملي ‪--‬ة االرتب ‪--‬اط بني اجلنس ‪--‬ني ال ‪--‬ذكور‬
‫واإلناث يف الزواج واألسرة واإلجناب وتنشئة األطفال‪.‬‬

‫وي‪-- -‬دور البحث ح‪-- -‬ول األس‪-- -‬رة كنظ‪-- -‬ام اجتم‪-- -‬اعي‪ ،‬يف نط‪-- -‬اق تن‪-- -‬اول جمتم‪-- -‬ع األس‪-- -‬رة ومتي‪-- -‬يز منطه‪-- -‬ا‪ ،‬وعناص‪-- -‬ر بنائه‪-- -‬ا‬
‫االجتم‪-‬اعي من س‪-‬لطة وتبعي‪-‬ة وتوزي‪-‬ع للمراك‪-‬ز واألدوار والقيم وبي‪-‬ان طبيع‪-‬ة العالق‪-‬ة بني ه‪-‬ذه العناص‪-‬ر من تكام‪-‬ل أو‬
‫تص‪--‬دع أو غريه‪--‬ا كم‪--‬ا يهتم بدراس‪--‬ة وظ‪--‬ائف األس‪--‬رة القدمية واجلدي‪--‬دة‪ ،‬وحتدي‪--‬د مظ‪--‬اهر التغ‪--‬ري يف الوظ‪--‬ائف وأس‪--‬بابه‪،‬‬
‫فاألسرة كنظ‪-‬ام متع‪-‬ددة الوظ‪-‬ائف‪ .‬كم‪-‬ا يهتم ب‪-‬التغيري يف األس‪-‬رة وتص‪-‬دع نظامه‪-‬ا وحتدد ه‪-‬ذه النظ‪-‬رة لألس‪-‬رة كنظ‪-‬ام‬
‫اجتماعي األسرة باعتباره أيض‪ً-‬ا نس‪-‬قًا مفتوح‪ً-‬ا ت‪-‬ؤثر وتت‪-‬أثر يف بقي‪-‬ة النظم األخ‪-‬رى القائم‪-‬ة يف اجملتم‪-‬ع ويتكام‪-‬ل معه‪-‬ا‪.‬‬

‫‪)(1‬‬
‫دكتور محمد عاطف غيث ‪ ،‬علم اإلجتماع ‪ ،‬دار المعارف مصر سنة ‪1963‬م ‪ ،‬ص ص ‪.479 - 476‬‬

‫‪159‬‬
‫ومن أهم م ‪--‬ا انتهت إلي‪--‬ه دراس‪--‬ة األس‪--‬رة كنظ‪--‬ام اجتم‪--‬اعي ه ‪--‬و التمي‪--‬يز بني ع ‪--‬دد من األمناط ال‪--‬يت ظه ‪--‬رت لألس‪--‬رة يف‬
‫اجملتم ‪--‬ع اإلنس ‪--‬اين‪ ،‬مث ‪--‬ل التمي ‪--‬يز بني األس ‪--‬رة املقدس ‪--‬ة والدنيوي ‪--‬ة واملس ‪--‬تقرة والغ ‪--‬ري مس ‪--‬تقرة‪ ،‬واألس ‪--‬رة ذات االقتص ‪--‬اد‬
‫املتن ‪--‬وع‪ ،‬واألس ‪--‬رة املس ‪--‬تقلة أو املعتم ‪--‬دة‪ ،‬واألس ‪--‬رة الزواجي ‪--‬ة والوحدوي ‪--‬ة‪ ،‬وأخ ‪--‬ريًا األس ‪--‬رة املمت ‪--‬دة واملركب ‪--‬ة‪ .‬واألس ‪--‬رة‬
‫الزواجية أو النووية واألسرة التوجيهية(‪.)1‬‬

‫الخصوبة واألسرة‬

‫وعلى ضوء ما انتهت إليه حتليالت األسرة يف الريف واحلضر من حيث حجمها ومنطها وعناصر بنائها من عالق‪--‬ات‬
‫وأدوار ومراكز وسلطة ووظائفها وتغريها‪ ...‬اخل‪ .‬تبلورت نتائج متيز بني أمناط معينة لألس‪-‬رة ذات البن‪-‬اء االجتم‪-‬اعي‬
‫املتم‪--‬يز والوظ‪--‬ائف االجتماعي‪--‬ة املتم‪--‬يزة تنتش‪--‬ر يف اجملتمع‪--‬ات احلض‪--‬رية متكنن‪--‬ا من تفس‪--‬ري الس‪--‬لوك اإلجنايب واخلص‪--‬وبة يف‬
‫الريف وزيادة معدهلا على نظريه يف احلضر على النحو التايل)‪:(2‬‬

‫ختتل‪--‬ف األس‪--‬رة ‪ Family‬كجماع‪--‬ة مكون‪--‬ة من ال‪--‬زوج والزوج‪--‬ة وأوالدمهاغري املتزوجني ال‪--‬ذين يقيم‪--‬ون يف‬ ‫‪.1‬‬
‫س ‪--‬كن واح ‪--‬د عن العائل ‪--‬ة ‪ Extended Family‬كجماع ‪--‬ة تقيم يف س ‪--‬كن واح ‪--‬د ولكنه ‪--‬ا تتك ‪--‬ون من‬
‫ال ‪-- -‬زوج والزوج ‪-- -‬ة وأوالدمها ال ‪-- -‬ذكور واإلن ‪-- -‬اث غ‪-- - -‬ري املتزوجني واألوالد املتزوجني وأبن ‪-- -‬ائهم وغ ‪-- -‬ريهم من‬
‫األقارب كالعم والعمة واالبنة األرمل والذين يقيمون يف نفس السكن ويعيشون حياة اجتماعي‪--‬ة واقتص‪--‬ادية‬
‫واحدة حتت إشراف رئيس العائلة‪ ،‬وختتلف األسرة عن العائلة من حيث‪:‬‬
‫أن حجم األسرة يصغر عن حجم العائلة‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫أن وجود األسرة يرتدد أكثر يف املدينة ووجود العائلة يرتدد أكثر يف القرية‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫أن األسرة هي اجلماعة القرابية الوحيدة يف جمتمع املدينة‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫أن العائل‪--‬ة بالنس‪--‬بة للمدين‪--‬ة (انتم‪--‬اء ع‪--‬دة ع‪--‬ائالت إىل أص‪--‬ل أو ج‪--‬د واح‪--‬د) متث‪--‬ل أص‪--‬غر مجاع‪--‬ة قرابي‪--‬ة يف‬ ‫‪‬‬
‫القرية(‪.)3‬‬
‫‪ )(1‬دكتور محمد عاطف غيث ‪ ،‬مرجع سابق ص ‪477‬‬
‫‪ )(2‬للمزيد من التفاصيل حول األسرة والخصوبة يمكن الرجوع إلى ‪:‬‬
‫‪(a) G. H. Elder, & C. E. Bowerman Structure & Child Rearing Pattern: The Effect of Family Size and Sex composition‬‬
‫‪American Sociological Review, XXVIIII Dec. (1963) 892 - 905.‬‬
‫‪(b) C. F. Westoff & R. H Potvin, Higher Education, Religion and Woman ' s family - Size Orientation, American‬‬
‫‪Sociological Review, XXXI, 4, 1996, 489 – 496.‬‬
‫(‪ ) C‬وداد سليمان مرقص ‪ ،‬العوامل المؤثرة في خصوبة المرأة العاملة ‪ ،‬ماجستير ‪ ،‬غير منشورة ‪ ،‬جامعة القاهرة ‪1973‬م‪.‬‬
‫‪ )(3‬دكتور محمد عاطف غيث ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ص ‪478 - 447‬‬

‫‪160‬‬
‫وحيق‪--‬ق انتش‪--‬ار العائل‪--‬ة ذات احلجم الكب‪--‬ري والرواب‪--‬ط القرابي‪--‬ة املتع‪--‬ددة ومنطه‪--‬ا املمت‪--‬د ع‪--‬ددًا من الوظ‪--‬ائف يف‬ ‫‪.2‬‬
‫اجملتم‪--‬ع الق‪--‬روي ال تس‪--‬تطيعه األس‪--‬رة ب‪--‬املعىن الس‪--‬ابق‪ ،‬فهي حتق‪--‬ق األعض‪--‬ائها األمن االقتص‪--‬ادي واالجتم‪--‬اعي‬
‫ال ‪--‬ذي حيتاجون ‪--‬ه وال جيدون ‪--‬ه ل ‪--‬دى غريه ‪--‬ا من النظم‪ ،‬إذ حيت ‪--‬اج العم ‪--‬ل ال ‪--‬زراعي يف الري ‪--‬ف باعتب ‪--‬اره النش ‪--‬اط‬
‫األساس‪-‬ي واملم‪-‬يز للحي‪-‬اة الريفي‪-‬ة إىل ع‪--‬دد كب‪-‬ري من األي‪-‬دي العامل‪-‬ة‪ .‬ومبا أن األس‪-‬رة هي الوح‪-‬دة االقتص‪--‬ادية‬
‫واإلنتاجي‪--‬ة يف ه‪--‬ذا اجملتم‪--‬ع فإن‪--‬ه كلم‪--‬ا ك‪--‬ان حجم أعض‪--‬ائها كب‪--‬ريًا كلم‪--‬ا زاد دخله‪--‬ا ومكنه‪--‬ا ذل‪--‬ك من توف‪--‬ري‬
‫األمن االقتص‪--‬ادي ألعض‪--‬ائها‪ ،‬ف‪--‬إذا تع‪--‬رض أح‪--‬د أعض‪--‬ائها للم‪--‬رض أو فق‪--‬د ف‪--‬إن اش‪--‬رتاك األس‪--‬رة يف النش‪--‬اط‬
‫االقتص‪--‬ادي ميكنه‪--‬ا من مواجه‪--‬ة ه‪--‬ذه الص‪--‬عوبة والتغلب عليه‪--‬ا‪ .‬وإذا واج‪--‬ه بعض‪--‬هم األخ‪--‬ر حمن‪--‬ة من احملن أو‬
‫دخل يف نزاع مع غريه من سكان هذا اجملتمع ف‪-‬إهنم جيدون تأيي‪-‬دًا وتعض‪-‬يدًا ل‪-‬دى أق‪-‬ارهبم وأهلهم أي يت‪-‬وفر‬
‫هلم األمن االجتم ‪--‬اعي‪ ،‬وه ‪--‬ذا الوض ‪--‬ع يفس ‪--‬ر لن ‪--‬ا يف الواق ‪--‬ع الق ‪--‬ول ال ‪--‬دارج بني الفالحني ب ‪--‬أن األوالد ع ‪--‬زوة‬
‫وجيعلنا ندرك حقيقة سلوكهم اإلجنايب وخصوبتهم املتزايدة‪.‬‬
‫يعلق على الزواج باعتب‪-‬اره الطري‪-‬ق الق‪-‬انوين الس‪-‬ليم إلنش‪-‬اء األس‪-‬رة يف اجملتم‪-‬ع وعلى األطف‪-‬ال باعتب‪-‬ارهم مثار‬ ‫‪.3‬‬
‫ه ‪--‬ذه الرابط ‪--‬ة القانوني ‪--‬ة‪ .‬أمهي ‪--‬ة اقتص ‪--‬ادية كب ‪--‬رية يف اجملتم ‪--‬ع ال ‪--‬ريفي‪ ،‬إذ تش ‪--‬ارك الزوج ‪--‬ة بكث ‪--‬ري من العملي ‪--‬ات‬
‫اإلنتاجية‪ .‬داخل املنزل وخارجه وتساعد بذلك زوجها على توفري م‪--‬وارد العيش واحلي‪--‬اة ألس‪--‬رهتما‪ .‬ويعم‪--‬ل‬
‫األطف‪--‬ال يف س‪--‬ن مبك‪--‬رة يف الري‪--‬ف خاص‪--‬ة وأن العم‪--‬ل ال‪--‬زراعي يتطلب أي‪--‬دي عامل‪--‬ة كث‪--‬رية ورخيص‪--‬ة وغ‪--‬ري‬
‫مدرب ‪--‬ة‪ ،‬وب ‪--‬دًال من أن يك ‪--‬ون األطف ‪--‬ال عبئ ‪ً-‬ا اقتص ‪--‬اديا يص ‪--‬بحون ق ‪--‬وة اقتص ‪--‬ادية يع ‪--‬اونون وال ‪--‬ديهما مما يزي ‪--‬د‬
‫رغبتهم‪--‬ا يف إجناب الكث‪--‬ري من األطف‪--‬ال‪ ،‬وه‪--‬ذا يفس‪--‬ر لن‪--‬ا ق‪--‬وًال دارج ‪ً-‬ا آخ‪--‬ر بني س‪--‬كان اجملتم‪--‬ع ال‪--‬ريفي ب‪--‬أن‬
‫األوالد رزق‪.‬‬
‫يتم ‪--‬يز البن ‪--‬اء االجتم ‪--‬اعي لألس ‪--‬رة يف الري ‪--‬ف بأهنا أس ‪--‬رة أبوي ‪--‬ة حيت ‪--‬ل فيه ‪--‬ا ال ‪--‬ذكور مرك ‪--‬زًا أعلى ويتمتع ‪--‬ون‬ ‫‪.4‬‬
‫بالسلطة‪ ،‬حيث يعيش االبناء املتزوجون مع رب األسرة يف نفس السكن يف حني تنتق‪--‬ل الفت‪--‬اة املتزوج‪--‬ة من‬
‫م ‪--‬نزل أس ‪--‬رهتا وتنفص ‪--‬ل عنهم مبج ‪--‬رد زواجه ‪--‬ا يف بيت زوجه ‪--‬ا‪ ،‬خاص ‪--‬ة إذا م ‪--‬ا ت ‪--‬زوجت من غ ‪--‬ري األق ‪--‬ارب‪.‬‬
‫وحيم‪--‬ل الش‪--‬اب ال‪--‬ذكر اس‪--‬م األس‪--‬رة وحيق‪--‬ق اس‪--‬تمرارها يف حني تتب‪--‬ع الفت‪--‬اة زوجه‪--‬ا بع‪--‬د زواجه‪--‬ا‪ ،‬وجيد ه‪--‬ذا‬
‫النظام األبوي تدعيمًا ل‪-‬ه يف نظ‪-‬ام الوراث‪-‬ة ال‪-‬ذي يض‪-‬من للرج‪-‬ل ض‪-‬عف نص‪-‬يب املرأة يف املرياث فتنتق‪-‬ل إليهم‬
‫ث‪--‬روة األس‪--‬رة وحيق‪--‬ق وج‪--‬ودهم اس‪--‬تقرارها‪ .‬وحيق‪--‬ق األبن‪--‬اء ال‪--‬ذكور نوع ‪ً-‬ا من الض‪--‬مان االجتم‪--‬اعي لوال‪--‬ديهم‬

‫‪161‬‬
‫ألهنم يكون ‪--‬ون مس ‪--‬ئولني عن الكب ‪--‬ار يف حال ‪--‬ة املرض والش ‪--‬يخوخة وعن اإلن ‪--‬اث وإع ‪--‬التهم يف حال ‪--‬ة الرتم ‪--‬ل‬
‫وغريه‪--‬ا لع‪--‬ل ه‪--‬ذه احلق‪--‬ائق تفس‪--‬ر لن‪--‬ا تفض‪--‬يل الس‪--‬كان يف الري‪--‬ف لل‪--‬ذكور من األبن‪--‬اء وزي‪--‬ادة نس‪--‬بة ال‪--‬ذكور‬
‫(‪)1‬‬
‫عموما عن اإلناث يف هذا اجملتمع‪.‬‬
‫حتدد مكانة املرأة يف األس‪-‬رة الريفي‪-‬ة واجملتم‪-‬ع ال‪-‬ريفي كك‪-‬ل بن‪-‬اء على م‪-‬ا تق‪-‬وم ب‪-‬ه من أدوار باعتباره‪-‬ا زوج‪-‬ة‬ ‫‪.5‬‬
‫وأم وترتب ‪--‬ط ه ‪--‬ذه املكان ‪--‬ة بوظيفته ‪--‬ا اإلجنابي ‪--‬ة يف األس ‪--‬رة وبع ‪--‬دد األطف ‪--‬ال ال ‪--‬ذكور ال ‪--‬ذين تنجبهم يف حياهتا‪.‬‬
‫وتتس‪--‬م ه‪--‬ذه املكان‪--‬ة بالتبعي‪--‬ة لزوجه‪--‬ا فهي ختض‪--‬ع لس‪--‬لطة ال‪--‬زوج وتق‪--‬وم مبا يس‪--‬ند إليه‪--‬ا من أدوار أخ‪--‬رى يف‬
‫نطاق األسرة سبقت اإلشارة إليها‪ .‬إذن ترتفع مكانة الزوجة اخلصيبة اليت استطاعت أن تنجب عددا كبريًا‬
‫من ال‪--‬ذكور وتق‪--‬ل مكان‪--‬ة الزوج‪--‬ة العقيم أو ال‪--‬يت مل تنجب يف حياهتا غ‪--‬ري اإلن‪--‬اث وينخفض وض‪--‬عها داخ‪--‬ل‬
‫األسرة ويعرضها ذلك للطالق أو لفقد زوجها عن غريها‪ .‬وملا كانت املرأة يف اجملتمع الريفي حريص‪--‬ة على‬
‫حتقي ‪--‬ق مكان ‪--‬ة اجتماعي ‪--‬ة عالي ‪--‬ة يف نط ‪--‬اق أس ‪--‬رهتا ف ‪--‬إن ذل ‪--‬ك ي ‪--‬دفعها إىل مزي ‪--‬د من اإلجناب ويزي ‪--‬د مع ‪--‬دل‬
‫خصوبتها‪.‬‬
‫يس ‪--‬اهم انتش ‪--‬ار منط األس ‪--‬رة املمت ‪--‬دة أو العائل ‪--‬ة يف الري ‪--‬ف يف التقلي ‪--‬ل من عبء التنش ‪--‬ئة االجتماعي ‪--‬ة ال ‪--‬ذي‬ ‫‪.6‬‬
‫يتحمله الوال‪-‬دان‪ ،‬وجيع‪-‬ل مس‪-‬ئولية تربي‪-‬ة األطف‪-‬ال مش‪-‬اعة بني ع‪-‬دد كب‪-‬ري من الب‪-‬الغني يف نط‪-‬اق ه‪-‬ذه األس‪-‬رة‪.‬‬
‫وجيع ‪-- -‬ل األم تقتص ‪-- -‬ر على مس ‪-- -‬ؤوليتها األس ‪-- -‬رية يف اإلجناب وخيلص ‪-- -‬ها من الش ‪-- -‬عور بالتن ‪-- -‬افر بني األدوار أو‬
‫الض ‪--‬غوط االجتماعي ‪--‬ة ال ‪--‬يت ق ‪--‬د تش ‪--‬عر هبا يف نط ‪--‬اق األس ‪--‬رة‪ .‬ونتيج ‪--‬ة ملش ‪--‬اركتها يف غ ‪--‬ري ذل ‪--‬ك من نش ‪--‬اطات‬
‫خارج نطاقها كما هو احلال يف اجملتمع احلضري‪.‬‬
‫تتم‪--‬يز األس‪--‬رة يف الري‪--‬ف بتمس‪--‬كها مبجموع‪--‬ة من القيم ال‪--‬يت توج‪--‬ه حياهتا وس‪--‬لوكها يف خمتل‪--‬ف ج‪--‬وانب ه‪--‬ذه‬ ‫‪.7‬‬
‫احلياة‪ ،‬إذ كان من نتيجة انتشار قيم الزواج املبكر بالنسبة لإلناث‪ ،‬وقيم العم‪-‬ل يف األرض بالنس‪-‬بة لل‪-‬ذكور‬
‫أن ق ‪--‬ل اإلقب ‪--‬ال بني الريف ‪--‬يني على تعليم البن ‪--‬ات وزاد اإلقب ‪--‬ال على إجناب ال ‪--‬ذكور كم ‪--‬ا ك ‪--‬ان النتش ‪--‬ار قيم‬
‫االعتق‪-‬اد بالق‪-‬در بني املس‪-‬لمني وغ‪-‬ريهم من املنتمني إىل ديان‪-‬ات أخ‪-‬رى يف الري‪-‬ف‪ ،‬أث‪-‬ره يف املي‪-‬ل بعي‪-‬دًا ‪ -‬عن‬
‫اجله ‪--‬ود الواعي ‪--‬ة لض ‪--‬بط حجم األس ‪--‬رة ولع ‪--‬دم األخ ‪--‬ذ باألس ‪--‬اليب الص ‪--‬حية ال ‪--‬يت تقل ‪--‬ل من ف ‪--‬رص املرض أو‬
‫التعرض للوفاة(‪.)2‬‬
‫)(‪1‬‬
‫‪, pp. 23‬م‪A. Khalifa et al., Status of woman in Relation to Fertility & Family planning in Egypt, N. C. S. R. Cairo. 1973‬‬
‫‪- 25.‬‬
‫)(‪2‬‬
‫‪Ibid, pp. 25 - 27.‬‬

‫‪162‬‬
‫السلوك اإلنجابي والطبقات االجتماعية‬

‫متثل اخلصوبة واحدًا من مظاهر السلوك اإلجنايب‪ ،‬وذلك ألهنا ت‪-‬دل على ع‪-‬دد األطف‪-‬ال ال‪-‬ذين ق‪-‬د اجنبتهم املرأة خالل‬
‫فرتة خصوبتها اليت ترتاوح ما بني ‪ 45 - 15‬سنة من عمرها‪ .‬أما السلوك اإلجنايب فقد يتسع مفهومه ليشمل السن‬
‫عند الزواج وإجناب الطفل األول‪ ،‬والفرتة بني إجناب الطفل األول والذي يلي‪-‬ه وع‪--‬دد م‪--‬رات ال‪-‬زواج وك‪-‬ذلك نوعي‪-‬ة‬
‫األطفال املفض‪-‬لني ذك‪-‬ورًا وإناث‪ً-‬ا‪ ،‬والع‪-‬دد املفض‪-‬ل منهم واالجتاه حنو تنظيم األس‪-‬رة والرغب‪-‬ة يف ختطيطه‪-‬ا‪ ....‬اخل‪ .‬وإذا‬
‫ك‪--‬ان فهم اخلص‪--‬وبة واالختالف بني األف‪--‬راد بص‪--‬ددها يتوق‪--‬ف على عناص‪--‬ر البن‪--‬اء االجتم‪--‬اعي للمجتم‪--‬ع مث‪--‬ل األس‪--‬رة‬
‫والطبقة والقيم وغريها‪.‬‬

‫وكن‪--‬ا ق‪--‬د أوض‪--‬حنا من قب‪--‬ل إمكاني‪--‬ة تفس‪--‬ري اخلص‪--‬وبة على ض‪--‬وء األس‪--‬رة وأمناطه‪--‬ا بني الري‪--‬ف واحلض‪--‬ر‪ .‬واآلن حناول‬
‫تفس ‪--‬ري الس ‪--‬لوك اإلجنايب هبذا املع ‪--‬ىن الش ‪--‬امل عن طري ‪--‬ق ربط ‪--‬ه بغ ‪--‬ريه من عوام ‪--‬ل بنائي ‪--‬ة وثقافي ‪--‬ة متيز البن ‪--‬اء االجتم ‪--‬اعي‬
‫برمت‪--‬ه‪ .‬وملا ك‪--‬ان ال‪--‬رتكيب الطبقي يف اجملتم‪--‬ع ميث‪--‬ل اهليك‪--‬ل الع‪--‬ام للبن‪--‬اء االجتم‪--‬اعي الق‪--‬ائم‪ ،‬ورمبا ك‪--‬ان رب‪--‬ط الس‪--‬لوك‬
‫اإلجنايب هبذا ال‪--‬رتكيب أو باملس‪--‬تويات االقتص‪--‬ادية واالجتماعي‪--‬ة املختلف‪--‬ة داخل‪--‬ة يس‪--‬اعد على إث‪--‬راء فهمن‪--‬ا هلذا الس‪--‬لوك‬
‫يف اإلطار االجتماعي واالقتصادي والثقايف للمجتمع‪.‬‬

‫والواق‪--‬ع أن دراس‪--‬ة العالق‪--‬ة بني الس‪--‬لوك اإلجنايب والطبق‪--‬ة االجتماعي‪--‬ة أو الفروق‪--‬ات الطبقي‪--‬ة يف ه‪--‬ذا الس‪--‬لوك ق‪--‬د ش‪--‬غل‬
‫الب ‪--‬احثني خالل العش ‪--‬رين عام ‪ً-‬ا املاض ‪--‬ية(‪ .)1‬وق ‪--‬د نبعت ه ‪--‬ذه الدراس ‪--‬ة عن املناقش ‪--‬ات ال ‪--‬يت تن ‪--‬اولت العالق ‪--‬ة بني حجم‬
‫األسرة والتقدم االقتصادي واالجتماعي‪ ،‬واليت ربط فيه‪-‬ا الب‪-‬احثون بني اختف‪-‬اء األش‪-‬كال املمت‪-‬دة لألس‪-‬رة وبني زي‪-‬ادة‬
‫مع ‪--‬دالت التص ‪--‬نيع والتحض ‪--‬ر‪ ،‬وحناول فيم ‪--‬ا يلي تلخيص بعض احلق ‪--‬ائق ال ‪--‬يت انته ‪--‬وا إليه ‪--‬ا يف توض ‪--‬يح مفه ‪--‬وم الطبق ‪--‬ة‬
‫االجتماعية والرتكيب الطبقي أو التدرج الطبقي واحلراك االجتماعي واملستويات االقتص‪-‬ادية االجتماعي‪-‬ة يف اجملتم‪-‬ع‪،‬‬
‫مث نوضح خالصة ذلك دراسة العالقة بني السلوك اإلجنايب والطبقات االجتماعية‪.‬‬

‫‪ )(1‬للمزيد من التفاصيل حول الخصوبة والطبقات االجتماعية يمكن الرجوع إلى ما يلي ‪:‬‬
‫‪) – 58 .42 - 35‬م ‪(a) R. Freedman, The Sociology of Human Fertility Bibliography, current Sociology, XIXL (196162 -‬‬
‫‪68‬‬
‫‪(b) E. R. Weiss, Altaner, The influence of Socio Economic Condition on the fertility of Women in Third World,‬‬
‫‪Univer, of Que - bce, Montrial‬‬
‫(‪ )C‬فاتن إسماعيل ‪ ،‬دراسة العالقة بين التعليم واإلنجاب ‪ ،‬ماجستير ‪ ،‬غير منشورة ‪ ،‬جامعة القاهرة ‪1985‬م‬

‫‪163‬‬
‫الطبقات االجتماعية‬

‫كان موضوع االختالفات بني الناس إىل مستويات اجتماعية واقتصادية متباينة من أكثر موضوعات البحث يف علم‬
‫االجتماع إث‪-‬ارة للج‪-‬دل واخلالف بني الب‪-‬احثني يف ه‪-‬ذا املي‪-‬دان‪ ،‬س‪-‬واء من حيث التس‪-‬ليم بع‪-‬دم املس‪-‬اواة بني الن‪-‬اس يف‬
‫هذه املس‪-‬تويات أو ح‪-‬ىت يف حتدي‪-‬د األس‪-‬س ال‪-‬يت يق‪-‬وم عليه‪-‬ا ه‪-‬ذا االختالف وبالت‪-‬ايل ك‪-‬ل مس‪-‬توى طبقي‪ ...‬وإمكاني‪-‬ة‬
‫االنتقال بني هذه املستويات وقد امثر هذا اجلدل عدة حقائق‪:‬‬

‫ال ش ‪--‬ك يف أن األف ‪--‬راد واجلماع ‪--‬ات ختتل ‪--‬ف عن بعض ‪--‬ها فيم ‪--‬ا تق ‪--‬وم ب ‪--‬ه من وظ ‪--‬ائف عن ‪--‬دما يتف ‪--‬اعلون‪ ،‬مث ‪--‬ل‬ ‫‪.1‬‬
‫وظ ‪--‬ائف احلص ‪--‬ول على الطع ‪--‬ام‪ ،‬أو القت ‪--‬ال أو غريه ‪--‬ا‪ .‬وعن ‪--‬دما تثبت ه ‪--‬ذه الوظ ‪--‬ائف املختلف ‪--‬ة بفع ‪--‬ل الثقاف ‪--‬ة‬
‫ونأخ‪--‬ذ ص‪--‬ورة مناذج حتدد املوق‪--‬ف االجتم‪--‬اعي للش‪--‬خص ال‪--‬ذي يش‪--‬غل ه‪--‬ذا الوض‪--‬ع أو غ‪--‬ريه تكتس‪--‬ب ه‪--‬ذه‬
‫الوظيفة اسم الدور االجتماعي‪.‬‬
‫وملا ك ‪--‬ان بإمك ‪--‬ان الف ‪--‬رد القي ‪--‬ام ب ‪--‬أدوار متع ‪--‬ددة نتيج ‪--‬ة النتمائ ‪--‬ه إىل مجاع ‪--‬ات متباين ‪--‬ة يف وقت واح ‪--‬د داخ ‪--‬ل‬ ‫‪.2‬‬
‫اجملتم‪--‬ع‪ ،‬فإن‪--‬ه ي‪--‬رتتب على ذل‪--‬ك أن تك‪--‬ون هن‪--‬اك بعض األدوار أك‪--‬ثر أمهي‪--‬ة وقيم‪--‬ة من أدوار أخ‪--‬رى‪ .‬وبالت‪--‬ايل‬
‫تتم‪--‬يز أدوار األف‪--‬راد حبيث ينتج عن التق‪--‬دير املختل‪--‬ف واملتم‪--‬ايز لألدوار االجتماعي‪--‬ة حس‪--‬ب األمهي‪--‬ة والقيم‪--‬ة‬
‫ظهور ما يعرف باسم املرك‪-‬ز‪ ،‬ه‪-‬و ال‪-‬ذي ي‪-‬دل على املرتب‪-‬ة ال‪-‬يت يقرهنا أعض‪-‬اء اجملتم‪-‬ع ب‪-‬دور معني أو جمموع‪-‬ة‬
‫أدوار ويرتتب على ذلك أيضًا ظهور مراك‪-‬ز متع‪-‬ددة‪ ،‬ت‪-‬رتب يف سلس‪-‬لة متدرج‪-‬ة وتك‪-‬ون يف النهاي‪-‬ة ال‪-‬رتتيب‬
‫الطبقي(‪.)1‬‬
‫والواق ‪--‬ع أن ك ‪--‬ل اجملتمع ‪--‬ات اإلنس ‪--‬انية املعاص ‪--‬رة والقدمية تنط ‪--‬وي على ن ‪--‬وع معني من ال ‪--‬رتتيب الطبقي على‬ ‫‪.3‬‬
‫أساس اختالف أدوار الناس ومراكزهم يف احلي‪-‬اة االجتماعي‪-‬ة‪ ..‬وتعت‪-‬رب الطبق‪-‬ات االجتماعي‪-‬ة ج‪-‬وهر ال‪-‬رتتيب‬
‫الطبقي يف ك ‪--‬ل جمتم ‪--‬ع‪ ،‬ول ‪--‬ذلك س ‪--‬واء اس ‪--‬تخدم الب ‪--‬احثون مفه ‪--‬وم ال ‪--‬رتتيب الطبقي يف التعب ‪--‬ري عن اختالف‬

‫‪)(1‬‬
‫دكتور محمد عاطف غيث ‪ ،‬علم اإلجتماع ‪ ،‬دار الكتب الجامعية ‪1973‬م ‪ ،‬ص ص ‪.365 - 335‬‬

‫‪164‬‬
‫الن ‪--‬اس يف اجملتمع ‪--‬ات إىل مس ‪--‬تويات اجتماعي ‪--‬ة واقتص ‪--‬ادية أو اس ‪--‬تخدموا مفه ‪--‬وم الطبق ‪--‬ة االجتماعي ‪--‬ة ف ‪--‬إهنم‬
‫يريدون من ذلك بيان طبيعة الرتكيب الطبقي يف اجملتمع ودعائمه‪.‬‬
‫حبيث جند بعض الب ‪--‬احثني يوض ‪--‬حون طبيع ‪--‬ة ال ‪--‬رتكيب الطبقي يف اجملتم ‪--‬ع على أس ‪--‬اس الق ‪--‬ول بأن ‪--‬ه إذا ك ‪--‬ان‬ ‫‪.4‬‬
‫الن ‪--‬اس خيتلف ‪--‬ون فيم ‪--‬ا بينهم على أس ‪--‬اس مراك ‪--‬زهم وك ‪--‬انت مهم ‪--‬اهتم وث ‪--‬رواهتم وأس ‪--‬اليب حي ‪--‬اهتم وأم ‪--‬اكن‬
‫إق‪-- -‬امتهم وأجناس‪-- -‬هم وأدي‪-- -‬اهنم ي‪-- -‬ؤثرون إىل ح‪-- -‬د كب‪-- -‬ري يف نف‪-- -‬وذهم وق‪-- -‬وهتم النس‪-- -‬بية عن غ‪-- -‬ريهم من أف‪-- -‬راد‬
‫ومجاعات يف اجملتمع وبالتايل يؤثرون يف مدي قبوهلم االجتماعي ومسعتهم االجتماعية فإنه بإمكاننا أن تعترب‬
‫املهن‪--‬ة وال‪--‬ثروة من ناحي‪--‬ة والقب‪--‬ول االجتم‪--‬اعي والس‪--‬معة من ناحي‪--‬ة أخ‪--‬رى مبثاب‪--‬ة مق‪--‬اييس موض‪--‬وعية وذاتي‪--‬ة‬
‫يستند إليها البناء الطبقي يف اجملتمع‪.‬‬
‫بينما جند بعض ثان من الباحثني يوضحون طبيعة ال‪-‬رتكيب الطبقي يف اجملتم‪-‬ع على أس‪-‬اس التفاع‪-‬ل وتك‪-‬راره‬ ‫‪.5‬‬
‫وكثافت ‪--‬ه بني خمتل ‪--‬ف األف‪--‬راد واجلماع ‪--‬ات يف اجملتم ‪--‬ع حبيث ميكن إن ي ‪--‬دل التفاع ‪--‬ل املس ‪--‬تمر بني أعض ‪--‬اء ع ‪--‬دة‬
‫مجاع ‪--‬ات على انتم ‪--‬ائهم إىل طبق ‪--‬ة واح ‪--‬دة‪ ،‬وذل ‪--‬ك من خالل املي ‪--‬ل إىل ال ‪--‬تزاور بني ه ‪--‬ذه األس ‪--‬ر واجلماع ‪--‬ات‬
‫وتب ‪--‬ادل املودة والتع ‪--‬اون او االش ‪--‬رتاك يف ن ‪--‬اد أو مجعي ‪--‬ة واح ‪--‬دة أو ال ‪--‬زواج ويك ‪--‬ون من نتيج ‪--‬ة التفاع ‪--‬ل بني‬
‫أعضاء هذه اجلماعات املتفاعلة يف أسلوب احلياة ال‪-‬ذي حيدد من خالل مظ‪-‬اهر متع‪--‬ددة مث‪-‬ل امللبس وش‪-‬كله‬
‫ومكان ومنوذج اإلقامة وموقعه يف اجملتمع احمللي‪ ،‬وطريقة التزين والنظافة والكالم أو اللهج‪--‬ة‪ ،‬ومبا يفض‪--‬لونه‬
‫أو يكرهون‪-‬ه وخاص‪-‬ة ك‪-‬ل م‪-‬ا يتعل‪-‬ق بط‪-‬ريقتهم يف احلي‪-‬اة‪ ،‬ويك‪-‬ون التش‪-‬ابه واالش‪-‬رتاك يف أس‪-‬لوب احلي‪-‬اة دليًال‬
‫على االنتماء إىل طبقة واحدة يف اجملتمع‪.‬‬
‫وهكذا تأكد بناء على وجهات النظر السابقة أن الطبق‪-‬ة االجتماعي‪-‬ة متث‪-‬ل ظ‪-‬اهرة جمتمعي‪-‬ة وحقيق‪-‬ة موج‪-‬ودة‬ ‫‪.6‬‬
‫وطبيعي ‪--‬ة وهي مجاع ‪--‬ة منظم ‪--‬ة نس ‪--‬بيًا وتتماس ‪--‬ك عن طري ‪--‬ق جمموع ‪--‬ة القيم واملع ‪--‬ايري واملع ‪--‬اين ال ‪--‬يت تكمن وراء‬
‫مركزه‪--‬ا الق‪--‬انوين واالقتص‪--‬ادي وامله‪--‬ين يف اجملتم‪--‬ع‪ ،‬وي‪--‬رتتب على ه‪--‬ذا التماس‪--‬ك داخلي‪ً-‬ا ش‪--‬عورًا طبيعي‪ً-‬ا يرب‪--‬ط‬
‫بني أفراد هذه اجلماعة وعداءًا خارجيًا مع الطبقات االجتماعية األخرى‪ .‬والواق‪--‬ع أن الطبق‪--‬ات كجماع‪--‬ات‬
‫تعت‪--‬رب مفتوح‪--‬ة تس‪--‬مح يف نفس ال‪--‬وقت للكث‪--‬ري من األف‪--‬راد إم‪--‬ا بال‪--‬دخول فيه‪--‬ا أو ب‪--‬اخلروج منه‪--‬ا األم‪--‬ر ال‪--‬ذي‬
‫ي‪--‬رتتب علي‪--‬ه حرك‪--‬ة اجتماعي‪--‬ة أو تنقًال اجتماعي ‪ً-‬ا يغ‪--‬ري الن‪--‬اس على أساس‪--‬ه مراك‪--‬زهم راس‪--‬يًا إىل أعلى أو إىل‬

‫‪165‬‬
‫أس ‪--‬فل أو أفقي ‪--‬ا من مجاع‪-- -‬ة أو طبق‪-- -‬ة اجتماعي ‪--‬ة إىل أخ ‪--‬رى يف نفس املس ‪--‬توى االجتم ‪--‬اعي واالقتص ‪--‬ادي يف‬
‫اجملتمع(‪.)1‬‬
‫وق ‪--‬د جند فريق ‪ً-‬ا من الب ‪--‬احثني يف علم االجتم ‪--‬اع يوض ‪--‬حون طبيع ‪--‬ة ال ‪--‬رتكيب الطبقي يف اجملتم ‪--‬ع على أس ‪--‬اس‬ ‫‪.7‬‬
‫خمتل ‪--‬ف عن األس ‪--‬س الس ‪--‬ابقة‪ ،‬ه ‪--‬و الوظيف ‪--‬ة ال ‪--‬يت جتم ‪--‬ع بني ع ‪--‬دد من األش ‪--‬خاص يف عملي ‪--‬ة اإلنت ‪--‬اج داخ ‪--‬ل‬
‫اجملتم ‪--‬ع‪ ،‬حبيث أن ‪--‬ه إذا ك ‪--‬ان تنظيم اإلنت ‪--‬اج يف اجملتم ‪--‬ع يق ‪--‬وم على الزراع ‪--‬ة وحيت ‪--‬اج إىل ع ‪--‬دد من األش ‪--‬خاص‬
‫يقوم‪--‬ون بالعم‪--‬ل ال‪--‬زراعي وع‪--‬دد آخ‪--‬ر يق‪--‬وم بتوف‪--‬ري أدوات العم‪--‬ل ووس‪--‬ائله ف‪--‬إن جمموع‪--‬ة األش‪--‬خاص ال‪--‬ذين‬
‫يش‪-‬رتكون يف القي‪-‬ام بالوظيف‪--‬ة األوىل وهي العم‪-‬ل يف الزراع‪--‬ة يكون‪-‬ون طبق‪--‬ة الفالحني‪ ،‬وجمموع‪--‬ة األش‪-‬خاص‬
‫ال‪--‬ذين يش‪--‬رتكون يف القي‪--‬ام بالوظيف‪--‬ة الثاني‪--‬ة وهي ملكي‪--‬ة أدوات العم‪--‬ل أو األرض يكون‪--‬ون طبق‪--‬ة االقط‪--‬اعني‬
‫وهكذا يك‪-‬ون العم‪-‬ل واإلنت‪-‬اج ه‪-‬و أس‪-‬اس البن‪-‬اء الطبقي والتغ‪-‬ري يف العم‪-‬ل واإلنت‪-‬اج ه‪-‬و أس‪-‬اس التغ‪-‬ري الطبقي‬
‫أو االنتق‪--‬ال بني املس‪--‬تويات االجتماعي‪--‬ة واالقتص‪--‬ادية‪ ،‬طاملا ك‪--‬ان العم‪--‬ل واإلنت‪--‬اج حيت‪--‬اج إىل وس‪--‬ائل تتط‪--‬ور‬
‫باس‪--‬تمرار وتتحس‪--‬ن ع ‪--‬رب الت‪--‬اريخ وي‪--‬رتتب على ه ‪--‬ذا التحس‪--‬ن تعارض ‪ً-‬ا بني الطبق ‪--‬ات‪ ،‬وان ه ‪--‬ذا التع ‪--‬ارض ال‬
‫ميكن القض ‪--‬اء علي ‪--‬ه إال من خالل التغي ‪--‬ري اجلذري ال ‪--‬ذي يتن ‪--‬اول العم ‪--‬ل واإلنت ‪--‬اج وتنظيم ‪--‬ه وحيول ‪--‬ه إىل تنظيم‬
‫جديد يغري شكل وبناء اجملتمع برمته‪.‬‬

‫الخصوبة والطبقات االجتماعية‬

‫والواق‪--‬ع أن اجلدل والنق‪--‬اش ال‪--‬ذي أداره الب‪--‬احثون يف علم االجتم‪--‬اع من أج‪--‬ل فهم وتفس‪--‬ري االختالف‪--‬ات يف الس‪--‬لوك‬
‫اإلجنايب على ضوء االختالفات يف املستويات االجتماعية واالقتصادية وال‪--‬رتكيب الطبقي يف اجملتم‪--‬ع ميكن أن منيز في‪--‬ه‬
‫بني حماولتني التحلي‪-- -‬ل ه‪-- -‬ذا الفهم للس‪-- -‬لوك اإلجنايب يف عالقت‪-- -‬ه ب‪-- -‬الرتكيب الطبقي ترب‪-- -‬ط احملاول‪-- -‬ة األوىل بني الس‪-- -‬لوك‬
‫اإلجنايب وين الوضع الطبقي لألفراد داخل اجملتمع‪ ،‬وترتب‪-‬ط احملاول‪-‬ة الثاني‪-‬ة بني الس‪-‬لوك اإلجنايب وإمكاني‪-‬ة تنق‪-‬ل األف‪-‬راد‬
‫بني األوضاع الطبقية داخل هذا اجملتمع(‪.)2‬‬

‫المحاولة األولى‬

‫‪)(1‬‬
‫دكتور محمد عاطف غيث ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ص ‪365 - 335‬‬
‫‪)(2‬‬
‫الدكتور السيد محمد الحسيني ‪ ،‬الطبقة اإلجتماعية والسلوك اإلنجابي ‪ ،‬دراسات سكانية ‪ ،‬جهاز تنظيم األسرة ‪ ،‬العدد ‪ ، 33‬يونية ‪1976‬م‪.‬‬

‫‪166‬‬
‫نتجت احملاولة األوىل يف تفسري السلوك اإلجنايب على ضوء الوضع الطبقي لألفراد داخ‪-‬ل اجملتم‪-‬ع عن خمتل‪-‬ف نظري‪-‬ات‬
‫الس‪--‬كان خاص‪--‬ة ال‪--‬يت أض‪--‬افها (دوبل‪--‬دي) بقول‪--‬ه أن ع‪--‬دد الس‪--‬كان ي‪--‬زداد بني الفق‪--‬راء وينقص بني األغني‪--‬اء نتيج‪--‬ة لع‪--‬دم‬
‫ت‪--‬وفر الغ‪--‬ذاء أو ت‪--‬وفره‪ ،‬وتل‪--‬ك ال‪--‬يت أس‪--‬هم فيه‪--‬ا (سبنس‪--‬ر) بقول‪--‬ه أن نس‪--‬اء الطبق‪--‬ات العلي‪--‬ا يق‪--‬ل تناس‪--‬لهن نتيج‪--‬ة للجه‪--‬د‬
‫ال‪--‬ذي بذلت‪--‬ه يف تأكي‪--‬د وإنض‪--‬اج ذواهتن‪ ،‬وأيض ‪ً-‬ا نظري‪--‬ة (جي‪--‬ين) ال‪--‬يت أك‪--‬د فيه‪--‬ا أن نس‪--‬بة اخلص‪--‬وبة بني الطبق‪--‬ات العلي‪--‬ا‬
‫منخفض‪--‬ة ونظري‪--‬ة (كارس‪--‬و ن‪--‬درو) ال‪--‬يت رب‪--‬ط فيه‪--‬ا بني زي‪--‬ادة وقل‪--‬ة الس‪--‬كان وبني زي‪--‬ادة ونقص دخ‪--‬ل الف‪--‬رد‪ ،‬ونظري‪--‬ة‬
‫(كون‪--‬رت) ال‪--‬يت أك‪--‬د فيه‪--‬ا العالق‪--‬ة بني ارتف‪--‬اع واخنف‪--‬اض منو الس‪--‬كان وبني زي‪--‬ادة وقل‪--‬ة العم‪--‬ل من ناحي‪--‬ة ونوعي‪--‬ة العم‪--‬ل‬
‫املاهر من ناحية أخرى‪ ...‬اخل(‪.)1‬‬

‫والواق‪-‬ع أن‪-‬ه بن‪-‬اء على ه‪-‬ذه القض‪-‬ايا النظري‪-‬ة ال‪-‬يت ترب‪-‬ط بني الس‪-‬لوك اإلجنايب من خالل التعب‪-‬ري عن‪-‬ه مبفه‪-‬وم اخلص‪-‬وبة أو‬
‫غريه من مفهومات أخرى س‪-‬بقت اإلش‪-‬ارة إليه‪-‬ا وبني املس‪-‬توى االقتص‪-‬ادي االجتم‪-‬اعي لألف‪-‬راد يف اجملتم‪-‬ع أو الوض‪-‬ع‬
‫الطبقي هلم من خالل التعب‪--‬ري عن‪--‬ه مبفه‪--‬وم ال‪--‬دخل أو املهن‪--‬ة وطبيع‪--‬ة العم‪--‬ل أو التعليم أو ال‪--‬ثروة أو غريه‪--‬ا من األس‪--‬س‬
‫اليت يتمايز بناء عليها األفراد واجلماع‪-‬ات يف اجملتم‪-‬ع فق‪-‬د انطل‪-‬ق الب‪-‬احثون يف علم االجتم‪-‬اع جيرون البح‪-‬وث الواقعي‪-‬ة‬
‫اليت تدعم او تؤكد ضرورة إعادة النظر يف هذه العالقة على النحو التايل‪:‬‬

‫السلوك اإلنجابي والمهنة كمحدد للطبقة االجتماعية‬

‫وتعت ‪--‬رب دراس ‪--‬ية (كيس ‪--‬ر) ‪ Kiser‬ال ‪--‬يت أجراه ‪--‬ا على مجاع ‪--‬ات من س ‪--‬كان الوالي ‪--‬ات املتح ‪--‬دة يف الف ‪--‬رتة م ‪--‬ا بني ع ‪--‬امي‬
‫‪1900‬م ‪1910 -‬م يف مقدمة الدراسات اليت انتهت إىل أن املستويات املهنية العلي‪-‬ا ال تنجب أطف‪--‬اًال بنفس مع‪--‬دل‬
‫املستويات املهنية الدنيا‪ ،‬حيث كان سكان املهن العليا ينجبون مبعدل أكرب من سكان املهن الدنيا‪.‬‬

‫ولكن دراس‪--‬ة (ل‪--‬ورمير) ‪ Loimer‬و(أس‪--‬بورن) ‪ Osbern‬ال‪--‬يت أج‪--‬ريت ح‪--‬ول اخلص ‪--‬وبة بني املس‪--‬تويات املهني‪--‬ة يف‬
‫ع ‪--‬ام ‪1928‬م يف الوالي ‪--‬ات املتح ‪--‬دة أيض‪ً- -‬ا‪ .‬وال ‪--‬يت ح ‪--‬ددت اخلص ‪--‬وبة مبفه ‪--‬وم ع ‪--‬دد األطف ‪--‬ال ال ‪--‬ذين تنجبهم النس ‪--‬اء‬
‫املتزوج ‪--‬ات خالل ع ‪--‬ام‪ .‬وح ‪--‬ددت املس ‪--‬تويات املهني ‪--‬ة يف الفالحني والعم ‪--‬ال غ ‪--‬ري امله ‪--‬رة وامله ‪--‬رة ورج ‪--‬ال األعم ‪--‬ال‬
‫والكتابيني وأصحاب املهن الفنية العليا وقد انتهت إىل نتيجة مغايرة للدراسة السابقة‪ ،‬مضموهنا أن عدد األطفال أو‬

‫‪ )(1‬انظر الفصل الثالث حول نظرية علم إجتماع السكان‬

‫‪167‬‬
‫اخلصوبة كانت تتناقص كلما ارتفع املستوى الطبقي املهين املشار إليه‪ .‬أو أن سكان املهن العلي‪--‬ا ينجب‪--‬ون مبع‪--‬دل أق‪--‬ل‬
‫من سكان املهن الدنيا‪.‬‬

‫وق‪--‬د انتهت دراس‪--‬ة مص‪--‬رية ع‪--‬ام ‪1966‬م يف إح‪--‬دى الق‪--‬رى (س‪--‬نديون) وال‪--‬يت ح‪--‬اولت أن ترب‪--‬ط أيض ‪ً-‬ا بني اخلص‪--‬وبة‬
‫مبفهوم عدد األفراد الذين مت إجناهبم خالل عام وبني املستويات املهنية اليت تبدا بالعمال ال‪-‬زراعني واملوظفني والعم‪-‬ال‬
‫غري الزراعيني واملستأجرين والتجار ومالك األرض الزراعية انتهت إىل نفس النتيجة اليت انتهت إليها دراس‪--‬ة (كيس‪--‬ر‬
‫)‪ ،‬وال‪--‬يت مؤداه‪--‬ا أن س‪--‬كان املهن العلي‪--‬ا ينجب‪--‬ون مبع‪--‬دل اك‪--‬رب من س‪--‬كان املهن ال‪--‬دنيا حبيث ك‪--‬ان مع‪--‬دل إجناب مالك‬
‫األرض ‪ 6,6‬ومعدل إجناب العمال الزراعيني ‪.3,9‬‬

‫السلوك اإلنجابي والدخل أو الثروة كمحدد للطبقة االجتماعية‬

‫وتعت‪--‬رب أيض‪ً-‬ا دراس‪--‬ة (نوتس‪--‬تاين) ‪ Notestein‬ال‪--‬يت أجراه‪--‬ا على س‪--‬كان املن‪--‬اطق الفق‪--‬رية يف مخس م‪--‬دن أمريكي‪--‬ة يف‬
‫مقدمة الدراسات اليت ربطت بني اخلصوبة أو عدد األطف‪-‬ال ال‪-‬ذين اجنبتهن النس‪-‬اء وبني املس‪-‬توى الطبقي ال‪-‬ذي ح‪-‬دد‬
‫فقط من خالل الدخل املنخفض وهو ما يقل عن ‪ 1200‬دوالرا سنويًا والدخل املرتفع وهو م‪--‬ا يزي‪--‬د على ‪2000‬‬
‫دوالرا سنويًا واليت انتهت إىل إن سكان الدخل املرتفع ينجبون مبعدل أقل من سكان الدخل املنخفض‪.‬‬

‫ولكن ج ‪--‬اءت دراس ‪--‬ة (هاتشنس ‪--‬ون) ‪ Hutchinsen‬ال ‪--‬يت أج ‪--‬ريت يف اس ‪--‬تكهومل للعالق ‪--‬ة بني اخلص ‪--‬وبة واملس ‪--‬توى‬
‫الطبقي احملدد بن ‪--‬اء على ال ‪--‬دخل فق ‪--‬ط ج ‪--‬اءت مغ ‪--‬ايرة متام ‪ً-‬ا وخمتلف ‪--‬ة من نت ‪--‬ائج دراس ‪--‬ة (نوتس ‪--‬تاين )‪ ،‬ألهنا أك ‪--‬دت أن‬
‫سكان الدخل املرتفع ينجبون مبعدل أكرب من سكان الدخل املنخفض‪.‬‬

‫وهي نفس النتيج‪--‬ة ال‪--‬يت توص‪--‬لت إليه‪--‬ا دراس‪--‬ة (ه‪--‬اجود) ‪ Hagood‬يف إح‪--‬دى املن‪--‬اطق الريفي‪--‬ة ال‪--‬يت أج‪--‬ريت لبحث‬
‫العالقة بني اخلصوبة وبني املس‪-‬توى الطبقي احملدد بن‪-‬اء على ال‪-‬دخل فق‪-‬ط‪ .‬حيث انتهت إىل أن س‪-‬كان ال‪-‬دخل املرتف‪-‬ع‬
‫ينجبون مبعدل أكرب من سكان الدخل املنخفض‪.‬‬

‫‪168‬‬
‫هذا مع مالحظة أن النتيجة ال‪-‬يت توص‪-‬لت إليه‪-‬ا إح‪-‬دى الدراس‪-‬ات املص‪-‬رية عن اخلص‪-‬وبة وارتباطه‪-‬ا بعوام‪-‬ل اجتماعي‪-‬ة‬
‫مث ‪--‬ل ال ‪--‬دخل وال ‪--‬ثروة‪ ،‬تؤك ‪--‬د أن س ‪--‬كان األس ‪--‬ر ذات ال ‪--‬دخل وال ‪--‬ثروة األك ‪--‬ثر‪ ،‬يتم ‪--‬يزون بص ‪--‬غر حجم أس ‪--‬رهم‪ ،‬أم ‪--‬ا‬
‫السكان ذوي الدخل والثروة األقل يتميزون بكرب حجم أسرهم‪ ،‬أو بعبارة أخرى أن سكان الدخل األعلى ينجبون‬
‫مبعدل أقل من سكان الدخل املنخفض وهي نتيجة تتفق مع نتائج دراسة (نوتس‪-‬تاين) من ناحي‪-‬ة‪ ،‬وختتل‪-‬ف عن نت‪-‬ائج‬
‫دراسة (هاتشنسون) و(هاجرون) من ناحية أخرى(‪.)1‬‬

‫والواقع أنه إذا كانت هناك إمكانية لتفسري هذا التناقض يف نتائج دراسة العالقة بني اخلص‪--‬وبة والوض‪--‬ع الطبقي س‪--‬واء‬
‫ح‪--‬دد على أس‪--‬اس املهن‪--‬ة أو على أس‪--‬اس ال‪--‬دخل‪ ،‬فإن‪--‬ه جيب االس‪--‬تفادة من نت‪--‬ائج املناقش‪--‬ات ال‪--‬يت أجراه‪--‬ا الب‪--‬احثون يف‬
‫علم االجتم ‪--‬اع ح ‪--‬ول طبيع ‪--‬ة ه ‪--‬ذا الوض ‪--‬ع الطبقي يف اجملتم ‪--‬ع‪ ،‬وتوقف ‪--‬ه على ع ‪--‬دد متب ‪--‬اين من األس ‪--‬س ال يقتص ‪--‬ر على‬
‫الدخل أو املهنة فقط وإمنا يتأثر إىل حد كبري بعدد من املقاييس املوضوعية والذاتية واليت البد من أخذها يف االعتبار‬
‫إذا أردنا أن نصل إىل الوضوح وعدم التناقض يف هذا الصدد‪.‬‬

‫وه‪--‬ذا م‪--‬ا حاولت‪--‬ه دراس‪--‬ية مص‪--‬رية حديث‪--‬ة أج‪--‬ريت ح‪--‬ول الس‪--‬لوك اإلجنايب والطبق‪--‬ة االجتماعي‪--‬ة وفيه‪--‬ا أك‪--‬دت االرتب‪--‬اط‬
‫اجلوهري بني امللكية والدخل واملهنة والتعليم ومنط السكن واملقتنيات املنزلية وفرص احلي‪-‬اة وال‪--‬وعي الطبقي كمع‪--‬ايري‬
‫موض ‪--‬وعية وذاتي ‪--‬ة يف حتدي ‪--‬د الوض ‪--‬ع الطبقي وأوض ‪--‬حت أن دراس ‪--‬ة االختالف يف الس ‪--‬لوك اإلجنايب بني أف ‪--‬راد اجملتم ‪--‬ع‬
‫مبع ‪--‬ىن حجم األس ‪--‬رة وتفض ‪--‬يل إجناب ال ‪--‬ذكور وقيم ‪--‬ة األبن ‪--‬اء وغريه ‪--‬ا على ض ‪--‬وء الوض ‪--‬ع الطبقي‪ ،‬ق ‪--‬د أوض ‪--‬حت أن‬
‫مستويات الطبقية الدنيا يفضل أفرادها األس‪-‬رة الكب‪-‬رية احلجم وإجناب ال‪-‬ذكور ويقدس‪-‬ون قيم‪-‬ة األبن‪-‬اء ويعتق‪--‬دون أن‬
‫إجناب أك ‪--‬رب ع ‪--‬دد ممكن من األبن ‪--‬اء يض ‪--‬في مكان ‪--‬ة على الرج ‪--‬ل واملرأة بعكس املس ‪--‬تويات الطبق ‪--‬ة العلي ‪--‬ا ال ‪--‬يت تفض ‪--‬ل‬
‫األسرة الصغرية احلجم وهكذا(‪.)2‬‬

‫المحاولة الثانية‬

‫ونتجت ه ‪--‬ذه احملاول ‪--‬ة يف تفس ‪--‬ري الس ‪--‬لوك اإلجنايب على ض ‪--‬وء إمكاني ‪--‬ة تنق ‪--‬ل األف ‪--‬راد اجتماعي ‪--‬ا بني األوض ‪--‬اع الطبقي ‪--‬ة‬
‫))‬
‫داخل اجملتمع من خمتلف نظري‪-‬ات الس‪-‬كان أيض‪ً-‬ا وك‪-‬انت يف مق‪-‬دمتها القض‪-‬ايا النظري‪-‬ة ال‪-‬يت أض‪-‬افها (( أرس‪-‬ني دميون‬

‫‪ )(1‬المرجع السابق‪.‬‬
‫‪ )(2‬دكتور السيد محمد الحسيني ‪ ،‬الطبقة االجتماعية والسلوك اإلنجابي ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬نفس الصفحات‬

‫‪169‬‬
‫تل‪-‬ك ال‪-‬يت أش‪-‬ارت إىل أن تنم‪-‬و الس‪-‬كان يس‪-‬ري يف اجتاه الزي‪-‬ادة يف األق‪-‬اليم ال‪-‬يت يس‪-‬هل فيه‪-‬ا انتق‪-‬ال أعض‪-‬اؤها يف الس‪-‬لم‬
‫(‪.)3‬‬
‫االجتماعي‬

‫والواق‪--‬ع أن‪--‬ه بن‪--‬اء على ه‪--‬ذه القض‪--‬ايا النظري‪--‬ة يف الرب‪--‬ط بني الس‪--‬لوك اإلجنايب من ناحي‪--‬ة وإمكاني‪--‬ة االنتق‪--‬ال من مس‪--‬توى‬
‫طبقي إىل آخ‪--‬ر يف اجملتم‪--‬ع أنطل‪--‬ق الب‪--‬احثون يف علم االجتم‪--‬اع جيرون البح‪--‬وث الواقعي‪--‬ة ال‪--‬يت ت‪--‬دعم أو تؤك‪--‬د ض‪--‬رورة‬
‫إع ‪--‬ادة النظ‪--‬ر يف ه ‪--‬ذه العالق‪--‬ة على النح‪--‬و الت‪--‬ايل إذ أك‪--‬د املس‪--‬ح االجتم‪--‬اعي يف (ان‪--‬ديانابولس) ‪ Indianapolis‬يف‬
‫دراس ‪-- -‬ته للقيم املرتبط ‪-- -‬ة بالس ‪-- -‬لوك اإلجنايب والتنق ‪-- -‬ل االجتم ‪-- -‬اعي إىل مس ‪-- -‬تويات اجتماعي ‪-- -‬ة أعلى‪ ،‬أن قيم األس ‪-- -‬ر يف‬
‫املس‪--‬تويات االجتماعي‪--‬ة ال‪--‬دنيا حنو الس‪--‬لوك اإلجنايب وتكب‪--‬ري حجم األس‪--‬رة تتغ‪--‬ري م‪--‬ع انتق‪--‬ال ه‪--‬ذه األس‪--‬ر إىل املس‪--‬تويات‬
‫االجتماعية األعلى وتصبح أكثر ميًال حنو التصغري‪.‬‬

‫أم دراس ‪--‬ة (تني) ‪ Tien‬يف ع ‪--‬ام ‪1961‬م وال ‪--‬يت أج ‪--‬ريت على عين ‪--‬ة مكون ‪--‬ة من ‪ 126‬مدرس ‪ً-‬ا وأس ‪--‬تاذا يعمل ‪--‬ون يف‬
‫جامعيت سيدين وملبورن اسرتاليا ولدوا مجيعهم يف هذه البلدة وتزوجوا مرة واح‪-‬دة فق‪--‬ط من‪-‬ذ عش‪-‬ر س‪-‬نوات فك‪-‬انت‬
‫هتدف إىل اختبار فرضني أساسيني‪:‬‬

‫األول‪ :‬أن األس ‪-- -‬رة الكب ‪-- -‬رية احلجم ترتب ‪-- -‬ط بع ‪-- -‬دم التنق ‪-- -‬ل االجتم ‪-- -‬اعي وأن األس ‪-- -‬ر الص ‪-- -‬غرية احلجم ترتب ‪-- -‬ط بالتنق ‪-- -‬ل‬
‫االجتماعي‪.‬‬

‫والثــاني‪ :‬أن قص‪--‬ر الف‪--‬رتة بني ال‪--‬زواج وإجناب أول طف‪--‬ل يرتب‪--‬ط بالتنق‪--‬ل وأن ط‪--‬ول الف‪--‬رتة فيم‪--‬ا بني ال‪--‬زواج واإلجناب‬
‫أول طفل يرتبط بعدم التنقل‪.‬‬

‫وكانت النتائج اليت توص‪-‬لت إليه‪-‬ا ه‪-‬ذه الدراس‪-‬ة ال تؤي‪-‬د الف‪-‬رض األول ال‪-‬ذي يرب‪-‬ط بني ص‪-‬غر حجم األس‪-‬رة والتنق‪-‬ل‬
‫االجتماعي وال يؤيد الفرض الثاين الذي يربط بني قصر الفرتة بني الزواج واإلجناب وبني التنقل‪.‬‬

‫وإن ك ‪--‬انت ه ‪--‬ذه البح ‪--‬وث تش ‪--‬ري من ناحي ‪--‬ة أخ ‪--‬رى إىل ن ‪--‬وع من التن ‪--‬اقض بني نت ‪--‬ائج العالق ‪--‬ة بني الس ‪--‬لوك اإلجنايب‬
‫وإمكاني ‪--‬ة التنق ‪--‬ل االجتم ‪--‬اعي بني األوض ‪--‬اع االجتماعي ‪--‬ة املختلف ‪--‬ة داخ ‪--‬ل اجملتم ‪--‬ع ف ‪--‬إن الش ‪--‬يء اجلدير بال ‪--‬ذكر أن ه ‪--‬ذه‬
‫الدراسات والبحوث مل حتاول االستفادة الكاملة من نتائج املناقشات اليت أجراه‪--‬ا الب‪--‬احثون يف علم االجتم‪--‬اع ح‪--‬ول‬
‫إمكانيات التنقل االجتماعي داخل اجملتمع وتوقفه على عدد كبري ومتباين من األسس اليت تؤكد ضرورة فهم التنقل‬
‫)(‪3‬‬
‫‪W. Thompson & L. Lewis. Population Problems, Op. Cit, p. 46.‬‬

‫‪170‬‬
‫االجتماعي يف السياق االجتم‪-‬اعي الع‪-‬ام ال‪-‬ذي حيدد ه‪-‬ذا التنق‪-‬ل ويتحكم في‪-‬ه وي‪-‬وفر أو ال ي‪-‬وفر الظ‪-‬روف ال‪-‬يت تس‪-‬هله‬
‫أو تعوقه داخل اجملتمع‪.‬‬

‫ثالثًا‪ :‬التباين في معدالت الخصوبة والقيم والمعايير االجتماعية‬

‫ولكي نوض‪--‬ح أن التب‪--‬اين يف مع‪--‬دالت اخلص‪--‬وبة يف اجملتم‪--‬ع يرج‪--‬ع إىل التب‪--‬اين يف القيم واملع‪--‬ايري االجتماعي‪--‬ة الس‪--‬ائدة يف‬
‫هذا اجملتمع‪ ،‬أو لكي نتحقق من الفرض القائل ب‪-‬أن التب‪-‬اين يف مع‪-‬دالت اخلص‪-‬وبة ال يرج‪-‬ع إىل العوام‪-‬ل البيولوجي‪-‬ة أو‬
‫الق ‪--‬درة البيولوجي ‪--‬ة على اإلجناب ل ‪--‬دى النس ‪--‬اء يف اجملتم ‪--‬ع‪ ،‬وإمنا تتحكم املع ‪--‬ايري الثقافي ‪--‬ة والقيم املتعلق ‪--‬ة حبجم األس ‪--‬رة‬
‫وتك‪--‬وين الوح‪--‬دات اجلنس‪--‬ية (ال‪--‬زواج)‪ ،‬وت‪--‬وقيت االتص‪--‬ال اجلنس‪--‬ي‪ ،‬واإلجه‪--‬اض وغريه‪--‬ا يف مس‪--‬توى اخلص‪--‬وبة‪ ،‬طاملا‬
‫كانت هذه املعايري جزءًا ال يتجزا من النظم االجتماعي‪-‬ة يف ه‪-‬ذا اجملتم‪-‬ع‪ ،‬وال جيب أن تك‪-‬ون متناقض‪-‬ة أو غ‪-‬ري متس‪-‬قة‬
‫معها‪ ،‬فعلينا أن جنعل وحدات املقارنة يف البحث عن الشواهد اليت تساعدنا يف التحقق من هذا الفرض‪ ،‬هي اجملتم‪--‬ع‬
‫يف مجلته أو اجملتمع‪-‬ات يف ف‪-‬رتات زمني‪-‬ة متباين‪-‬ة‪ ،‬ومن هن‪-‬ا ك‪-‬ان حتليلن‪-‬ا االجتم‪-‬اعي ألث‪-‬ر القيم االجتماعي‪-‬ة يف مع‪-‬دالت‬
‫اخلصوبة يف اجملتمع يبدأ أوًال بتوض‪-‬يح االختالف يف مع‪-‬دالت اخلص‪-‬وبة يف اجملتم‪-‬ع كك‪-‬ل‪ ،‬ويف ع‪-‬دد من اجملتمع‪-‬ات يف‬
‫ف ‪--‬رتات تارخيي ‪--‬ة خمتلف ‪--‬ة‪ ،‬مث ينتهي باس ‪--‬تعراض نت ‪--‬ائج البح ‪--‬وث الس ‪--‬ابقة ال ‪--‬يت أج ‪--‬ريت يف ه ‪--‬ذا اجملتم ‪--‬ع‪ ،‬ويف ع ‪--‬دد من‬
‫اجملتمعات األخرى يف فرتات تارخيية خمتلفة مث نتناول االختالف يف القيم واملعايري وأثره على اخلصوبة(‪.)1‬‬

‫االختالف في معدالت الخصوبة‬ ‫[‪]1‬‬

‫مبقارن ‪--‬ة مع ‪--‬دالت اخلص ‪--‬وبة يف اجملتمع ‪--‬ات األوروبي ‪--‬ة واألمريكي ‪--‬ة يف الف ‪--‬رتة التارخيي ‪--‬ة الس ‪--‬ابقة على تنميته ‪--‬ا اقتص ‪--‬اديا‬
‫واجتماعيا الفرتة السابقة على األخذ بالتصنيع‪ ،‬مبعدالت اخلصوبة يف جمتمع‪-‬ات أخ‪-‬رى متخلف‪-‬ة مث‪-‬ل س‪-‬كان األك‪-‬واخ‬
‫يف أمريكا واهلند أو سكان جزيرة كوكس اتضح ما يلي‪:‬‬

‫أن مع ‪--‬دالت املوالي ‪--‬د يف أوروب ‪--‬ا الغربي ‪--‬ة وخاص ‪--‬ة إجنل ‪--‬رتا ك ‪--‬انت عالي ‪--‬ة نس ‪--‬بيًا‪ ،‬إذ بل ‪--‬غ مع ‪--‬دل التناس ‪--‬ل يف الف ‪--‬رتة‬ ‫‪‬‬
‫السابقة على التصنيع ‪ % 35‬وبلغ معدل التناس‪-‬ل يف ع‪-‬ام ‪ 4 ,2 - 1861‬وك‪-‬انت املرأة يف إجنل‪-‬رتا يف الف‪-‬رتة‬
‫م‪--‬ا بني ‪1945 - 1861‬م تنجب س‪--‬تة أطف‪--‬ال يف املتوس‪--‬ط‪ .‬ولق‪--‬د اخنفض‪--‬ت ه‪--‬ذه املع‪--‬دالت الي‪--‬وم لت‪--‬رتاوح م‪--‬ا‬
‫بني ‪.1,7 ،0,9‬‬
‫)(‪1‬‬
‫‪R. Freedman, Norms for family size in underdeveloped Areas, in M. MICKLIN, Population, Environment and Social‬‬
‫‪, pp. 171 - 195.‬م‪Organization, the Dryden Press, Illinois, 1973‬‬

‫‪171‬‬
‫أن مع ‪--‬دالت املوالي ‪--‬د يف جزي ‪--‬رة ك ‪--‬وكس يف الف ‪--‬رتة م ‪--‬ا بني ‪1947 - 1880‬م ك ‪--‬انت ت ‪--‬رتاوح بني ح ‪--‬وايل‬ ‫‪‬‬
‫‪ .%60 ،%55‬وك‪-‬ان إمجايل مع‪-‬دل النس‪-‬ل بني س‪-‬كان ه‪-‬ذه اجلزي‪-‬رة ‪ ،2 4‬وأن املرأة يف ه‪-‬ذه اجلزي‪-‬رة ك‪-‬انت‬
‫تنجب أكثر من مثانية أطفال يف املتوسط‪.‬‬
‫وأن املرأة من س‪-‬كان األك‪-‬واخ يف أمريك‪-‬ا ك‪-‬انت تل‪-‬د أك‪-‬ثر من عش‪-‬رة أطف‪-‬ال يف املتوس‪-‬ط ويف اهلن‪-‬د ك‪-‬انت تل‪-‬د‬ ‫‪‬‬
‫أكثر من ستة أطفال يف املتوسط‪.‬‬

‫وك‪--‬ل ه‪--‬ذه النت‪--‬ائج توض‪--‬ح أن هن‪--‬اك اختالف‪--‬ا يف مع‪--‬دالت اخلص‪--‬وبة يف اجملتم‪--‬ع الواح‪--‬د يف الف‪--‬رتات التارخيي‪--‬ة املختلف‪--‬ة‪،‬‬
‫وأن هناك تقاربًا بني معدالت املواليد بني جمتمعات خمتلفة أوروبا من ناحية واهلند وسكان األكواخ وسكان جزي‪--‬رة‬
‫كوكس من ناحية أخرى) يف ظروف حض‪-‬ارية واح‪-‬دة (ظ‪-‬روف التخل‪-‬ف قب‪-‬ل إدخ‪-‬ال التص‪-‬نيع يف ال‪-‬دول األوروبي‪-‬ة‪،‬‬
‫وظ ‪--‬روف التخل ‪--‬ف قب ‪--‬ل إدخ ‪--‬ال التص ‪--‬نيع يف ال ‪--‬دول األوروبي ‪--‬ة‪ ،‬وظ ‪--‬روف التخل ‪--‬ف ال ‪--‬يت تعيش ‪--‬ها جمتمع ‪--‬ات مث ‪--‬ل اهلن ‪--‬د‬
‫الي ‪--‬وم)‪ ،‬والواق ‪--‬ع أن ‪--‬ه ميكن تفس ‪--‬ري ه ‪--‬ذا التب ‪--‬اين أو التق ‪--‬ارب يف مع ‪--‬دالت اخلص ‪--‬وبة يف ض ‪--‬وء املع ‪--‬ايري والقيم الثقافي ‪--‬ة يف‬
‫اجملتمع‪ ،‬ذلك ألن االختالفات يف مستويات اخلص‪-‬وبة بني اجملتمع‪-‬ات إمنا يرتب‪-‬ط ب‪-‬االختالف يف املع‪-‬ايري الثقافي‪-‬ة والقيم‬
‫(‪)1‬‬
‫املتعلقة باإلجناب‪ ،‬وهذه األخرية ترتبط بدورها بطبيعة اجملتمع وظروفه التارخيية‪.‬‬

‫أثر االختالف في القيم االجتماعية والمعايير على الخصوبة‬ ‫[‪]2‬‬

‫يس‪--‬لم علم االجتم‪--‬اع أن‪--‬ه عن‪--‬دما يواج‪--‬ه الكث‪--‬ري من أعض‪--‬اء اجملتم‪--‬ع مش‪--‬كلة ق‪--‬د يك‪--‬ون هلا نت‪--‬ائج اجتماعي‪--‬ة هام‪--‬ة‪ ،‬مث‪--‬ل‬
‫مش‪-‬كلة اإلجناب وم‪--‬ا ي‪-‬رتتب عليه‪--‬ا من نت‪-‬ائج على الف‪--‬رد واجلماع‪--‬ة واجملتم‪-‬ع‪ ،‬ف‪-‬إهنم مييل‪-‬ون ع‪--‬ادة إىل تك‪-‬وين ح‪-‬ل هلذه‬
‫املش‪-- -‬كلة ذي ط‪-- -‬ابع معي‪-- -‬اري‪ .‬حبيث يص‪-- -‬بح ه‪-- -‬ذا احلل كمجموع‪-- -‬ة من قواع‪-- -‬د الس‪-- -‬لوك يف موق‪-- -‬ف معني ج‪-- -‬زءًا من‬
‫مكونات الثقافة يف هذا اجملتمع ويقوم أف‪-‬راد اجملتم‪-‬ع بع‪-‬د ذل‪-‬ك بغرس‪-‬ها أو بتعوي‪-‬د األعض‪-‬اء اآلخ‪-‬رين على االمتث‪-‬ال هلا‬
‫من خالل التلويح هلم بالثواب والعقاب على حنو صريح أو ضمين‪.‬‬

‫وتعت‪--‬رب مش‪--‬كلة كم ع‪--‬دد األطف‪--‬ال ال‪--‬ذين جيب أن تنجيهم الزوج‪--‬ة من الش‪--‬يوع واالنتش‪--‬ار بني اجملتمع‪--‬ات‪ ،‬ه‪--‬ذا فض‪ً-‬ال‬
‫عما هلا من نتائج شخصية واجتماعية كثرية إىل احلد الذي مل جند مع‪-‬ه جمتمع‪ً-‬ا واح‪-‬دًا ق‪-‬د تق‪-‬اعس عن تك‪-‬وين املع‪-‬ايري‬
‫‪ )(1‬المزيد من التفاصيل حول الخصوبة والقيم الثقافية والدين وما إليها يمكن الرجوع إلى ما يلي ‪:‬‬
‫الحلقة الدراسية حول المسائل السكانية ورفاهية المواطن العربي ‪ ،‬جمهورية مصر العربية ‪ ،‬اإلسكندرية ‪1975‬م‪.‬‬ ‫ا‪.‬‬
‫المؤتمر اإلسالمي عن اإلسالم وتنظيم األسرة ‪ ،‬الرباط ‪1971 ،‬م‪.‬‬ ‫ب‪.‬‬
‫دكتور عبد الباسط محمد عبد المعطي ‪ ،‬القيم الثقافية القروية ‪ ،‬والمسألة السكانية في العالم العربي ‪ ،‬دراسات سكانية العدد ‪ 28‬يناير‬ ‫ج‪.‬‬
‫‪1976‬م‪.‬‬

‫‪172‬‬
‫االجتماعي ‪--‬ة ال ‪--‬يت توج ‪--‬ه أف ‪--‬راد اجملتم ‪--‬ع يف ح ‪--‬ل مش ‪--‬اكل اجتماعي ‪--‬ة أخ ‪--‬رى‪ ،‬مث ‪--‬ل م ‪--‬ىت ت ‪--‬تزوج؟ وم ‪--‬ىت تك ‪--‬ون العالق ‪--‬ات‬
‫اجلنسية مسموحًا هبا؟‬

‫وه‪--‬ذا م‪--‬ا كش‪--‬فت عن‪--‬ه نت‪--‬ائج املس‪--‬وح االجتماعي‪--‬ة بالعين‪--‬ة تل‪--‬ك ال‪--‬يت أج‪--‬ريت يف ع‪--‬دد من اجملتمع‪--‬ات يف اهلن‪--‬د والش‪--‬رق‬
‫القريب واليت وجه فيها إىل أفراد العينات عدة أسئلة كان من أمهها‪ :‬كم عدد األطف‪-‬ال ال‪-‬ذين تري‪-‬دون إجناهبم؟ وكم‬
‫الع ‪--‬دد املناس ‪--‬ب بالنس ‪--‬بة لآلخ ‪--‬رين؟‪ .‬إذ على ال ‪--‬رغم من أن هن ‪--‬اك نس ‪--‬بة من اإلجاب ‪--‬ات ت ‪--‬رتك ه ‪--‬ذا األم ‪--‬ر إىل الق ‪--‬در‬
‫وتستشهد بإرادة اهلل‪ ،‬أو تسخر من هذا الن‪-‬وع من األس‪-‬ئلة‪ ،‬إال أن النس‪-‬بة الغالب‪-‬ة من ه‪-‬ذه النت‪-‬ائج تفص‪-‬ح عن وج‪-‬ود‬
‫اتفاق واضح بني سكان هذه اجملتمعات حول حجم األس‪-‬رة املرغ‪-‬وب في‪-‬ه‪ ،‬ظه‪-‬ر يف جتم‪-‬ع اإلجاب‪-‬ات يف قيم منوذجي‪-‬ة‬
‫معقولة أكثر منها موزعة على حنو عشوائي‪ ،‬تلك القيم اليت متارس نوعًا من التأثري والضبط والضغوط على اخلصوبة‬
‫والسلوك اإلجنايب‪ ،‬وحتديد عدد األطفال املرغوب فيهم واملناسب أو حتديد حجم األسرة املناسب‪ ،‬حبيث أص‪--‬بح من‬
‫السهل استنادا إىل هذه النتائج تصنيف هذه القيم االجتماعية إىل الفئات التالية‪:‬‬

‫القيم االجتماعية واملعايري املتعلقة بالتوقيت املناسب للزواج مبكرًا أو متأخرًا‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫القيم واملعايري االجتماعية املتعلقة بالسماح أو عدم السماح بالعالقات اجلنسية قبل الزواج‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫القيم االجتماعية واملعايري املتعلقة بتعويض فاقد احلد األدىن من عدد األطفال بسبب زيادة معدل الوفيات‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫القيم االجتماعية واملعايري املتعلقة بتدعيم الروابط القرابية‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫القيم االجتماعية واملعايري املتعلقة باالعتماد على األطفال‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫القيم االجتماعية واملعايري املتعلقة برتكيز السلطة يف يد الذكور‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫وحناول فيم ‪--‬ا يلي اس ‪--‬تعراض نت ‪--‬ائج البح ‪--‬وث ال ‪--‬يت توض ‪--‬ح أث ‪--‬ر ه ‪--‬ذه القيم االجتماعي ‪--‬ة واملع ‪--‬ايري يف زي ‪--‬ادة أو اخنف ‪--‬اض‬
‫معدالت املواليد واخلصوبة يف اجملتمع‪.‬‬

‫قيم التوقيت المناسب للزواج وأثرها على الخصوبة‪ :‬أوضحت نتائج املس‪-‬وح ال‪-‬يت أج‪-‬ريت على عين‪-‬ات‬ ‫‪)1‬‬
‫من سكان الصني أن ارتف‪-‬اع مع‪-‬دل اخلص‪-‬وبة بينهم يرج‪-‬ع إىل متس‪-‬ك ه‪-‬ؤالء الس‪-‬كان مبعي‪-‬ار مش‪-‬رتك ي‪-‬وجب‬
‫عليهم ال ‪--‬زواج مت ‪--‬أخرًا‪ ،‬لدرج ‪--‬ة أهنم اجيته ‪--‬دون يف س ‪--‬نوات اخلص ‪--‬وبة الباقي ‪--‬ة والتالي ‪--‬ة هلذا الس ‪--‬ن املت ‪--‬أخر على‬
‫تعويض ما افاهتم‪ ،‬فتزداد معدالت اخلصوبة بينهم‪ ،‬ومن ناحية أخرى أوضحت نتائج املسوح األخ‪-‬رى ال‪-‬يت‬

‫‪173‬‬
‫أج ‪--‬ريت على بعض عين ‪--‬ات من س ‪--‬كان اهلن ‪--‬د أن ارتف ‪--‬اع مع ‪--‬دل اخلص ‪--‬وبة بينهم يرج ‪--‬ع إىل االتف ‪--‬اق الس ‪--‬ائد‬
‫بينهم على إن يك‪--‬ون ال‪--‬زواج مبك‪--‬رًا ج‪--‬دًا إىل احلد ال‪--‬ذي ت‪--‬زداد مع‪--‬ه ف‪--‬رص اإلجناب م‪--‬ع ط‪--‬ول م‪--‬دة ال‪--‬زواج‪.‬‬
‫وهك‪-‬ذا ك‪-‬ان للقيم االجتماعي‪-‬ة املتعلق‪-‬ة بتحدي‪-‬د الت‪-‬وقيت املناس‪-‬ب لل‪-‬زواج‪ ،‬س‪-‬واء مبك‪-‬رًا أو مت‪-‬أخرًا أث‪-‬ر على‬
‫زيادة معدالت اخلصوبة يف اجملتمعات املتباينة‪.‬‬
‫قيم السماح بالعالقات الجنسية قبـل الـزواج وأثرهـا على الخصـوبة‪ :‬أوض‪--‬ح علم‪--‬اء الت‪--‬اريخ االقتص‪--‬ادي‬ ‫‪)2‬‬
‫يف كتاب ‪--‬اهتم أن امللكي ‪--‬ة وترتيب ‪--‬ات العم ‪--‬ل يف ع ‪--‬دد من بالد غ ‪--‬رب أوروب ‪--‬ا يف الف ‪--‬رتة الس ‪--‬ابقة على التص ‪--‬نيع‪،‬‬
‫ك‪--‬انت تش‪--‬جع العزوب‪--‬ة أو التبت‪--‬ل أو تأجي‪--‬ل ال‪--‬زواج وذل‪--‬ك من أج‪--‬ل احملافظ‪--‬ة على مس‪--‬تويات اقتص‪--‬ادية معين‪--‬ة‬
‫جيب أن تت‪-- -‬وفر ل‪-- -‬دى ال‪-- -‬زوجني لكي يتمكن‪-- -‬ا من ال‪-- -‬زواج واإلجناب‪ .‬وك‪-- -‬انت ه ‪-- -‬ذه الرتتيب‪-- -‬ات فض ‪ً- -‬ال عن‬
‫الض ‪--‬وابط على العالق ‪--‬ات اجلنس ‪--‬ية قب ‪--‬ل ال ‪--‬زواج وع ‪--‬دم الس ‪--‬ماح هبا‪ ،‬أثره ‪--‬ا يف املنخف ‪--‬اض مع ‪--‬دل اخلص ‪--‬وبة يف‬
‫البالد‪.‬‬

‫ومن ناحية أخرى‪ ،‬كان اختفاء هذه الضوابط واملعايري او القيم االجتماعية يف اجملتمعات غري الصناعية‪ ،‬ويف املراحل‬
‫األوىل من التنمي‪--‬ة الص‪--‬ناعية واحلض‪--‬رية احلديث‪--‬ة هلا‪ ،‬من بني األس‪--‬باب ال‪--‬يت نتجت عنه‪--‬ا زي‪--‬ادة مع‪--‬دالت اخلص‪--‬وبة بني‬
‫السكان‪.‬‬

‫قيم تعـ ــويض وفيـ ــات األطفـ ــال وأثرهـ ــا على الخصـ ــوبة‪ :‬تش‪-- -‬ري نت‪-- -‬ائج بعض املس‪-- -‬وح االجتماعي‪-- -‬ة إىل أن‬ ‫‪)3‬‬
‫اجملتمعات اليت تتميز مبعدل وفيات عال ومتغري غالبًا‪ ،‬يسود بني سكاهنا اعتقاد ضمين أو ص‪--‬ريح ب‪--‬أن الكث‪--‬ري‬
‫من أعضاء األسرة وخاصة األطفال سرعان ما يفقدون بالوفاة‪ .‬ومن مث تعلق أمهية كبرية على إجناب املزي‪--‬د‬
‫من األطف‪--‬ال‪ ،‬ومن هن‪--‬ا تنمي ه‪--‬ذه اجملتمع‪--‬ات أو متارس ض‪--‬غوطًا قوي‪--‬ة ت‪--‬دفع إىل إجناب األطف‪--‬ال مبك‪--‬رًا بع‪--‬د‬
‫ال ‪--‬زواج وقب ‪--‬ل أن يلقى أح ‪--‬د أو كال الوال ‪--‬دين حتفهم ‪--‬ا وأيض ‪--‬ا من أج ‪--‬ل أن تك ‪--‬ون حص ‪--‬يلتهما من اإلجناب‬
‫كب‪-- -‬رية كض‪-- -‬مان هلم‪-- -‬ا يف مواجه‪-- -‬ة ك‪-- -‬وارث فق‪-- -‬د احلد األدىن من ع‪-- -‬دد األطف‪-- -‬ال الض‪-- -‬روري‪ .‬وهلذا تك‪-- -‬ون‬
‫اخلص‪--‬وبة العالي‪--‬ة يف مث‪--‬ل ه‪--‬ذه الظ‪--‬روف مبثاب‪--‬ة تكي‪--‬ف من ج‪--‬انب اجملتم‪--‬ع م‪--‬ع مع‪--‬دل الوفي‪--‬ات الع‪--‬ايل واملتغ‪--‬ري‬
‫وتصبح املعتقدات واألساليب اليت جتد قبوًال بني السكان يف ه‪-‬ذه اجملتمع‪-‬ات وتش‪-‬جع على اخلص‪-‬وبة العالي‪-‬ة‪،‬‬
‫مبثاب‪--‬ة ميك‪--‬انيزم يقل‪--‬ل من خماطر التع‪--‬رض لع‪--‬دم بق‪--‬اء األطف‪--‬ال وقلتهم‪ .‬ولق‪--‬د أك‪--‬دت نت‪--‬ائج البح‪--‬وث ايض‪ً-‬ا أن‬
‫ه ‪--‬ذه الض ‪--‬غوط املعياري ‪--‬ة من أج ‪--‬ل املزي ‪--‬د من املوالي ‪--‬د ق ‪--‬د تس ‪--‬تمر ملدة طويل ‪--‬ة ح ‪--‬ىت بع ‪--‬د أن تتن ‪--‬اقص بالفع ‪--‬ل‬
‫‪174‬‬
‫مع‪--‬دالت الوفي‪--‬ات يف ه‪--‬ذه اجملتمع‪--‬ات‪ ،‬طاملا ك‪--‬انت ه‪--‬ذه الض‪--‬غوط ترتب‪--‬ط ارتباط‪--‬ا وثيق ‪ً-‬ا جبوانب كث‪--‬رية من‬
‫البن‪--‬اء اإلجتم‪--‬اعي‪ ،‬ويس‪--‬تغرق مث‪--‬ل ه‪--‬ذا التغ‪--‬ري وقت ‪ً-‬ا ط‪--‬ويًال‪ ..‬وك‪--‬ل ه‪--‬ذه احلق‪--‬ائق تفس‪--‬ر لن‪--‬ا اهلوة اهلائل‪--‬ة بني‬
‫اخنفاض معدل الوفيات واخنفاض معدل اخلصوبة‪.‬‬
‫قيم تــدعيم الروابــط القرابيــة وأثرهــا على الخصــوبة‪ :‬ملا ك ‪--‬انت اجملتمع ‪--‬ات النامي ‪--‬ة تعل ‪--‬ق أمهي ‪--‬ة بالغ ‪--‬ة على‬ ‫‪)4‬‬
‫الوحدات العائلية والقرابية وحتافظ على هذه الوحدات نظرًا العتماده‪-‬ا يف القي‪-‬ام ب‪-‬الكثري من أوج‪-‬ه النش‪-‬اط‬
‫على األق‪--‬ارب وخاص‪--‬ة األطف‪--‬ال فإهنا جتد يف زي‪--‬ادة مع‪--‬دالت املنص‪--‬وبة م‪--‬ا بعينه‪--‬ا يف ه‪--‬ذا الص‪--‬دد‪ ،‬ه‪--‬ذا فض‪ً-‬ال‬
‫عن أن قدرة الوحدات العائلي‪-‬ة والقرابي‪-‬ة على حتقي‪-‬ق األه‪-‬داف ذات القيم‪-‬ة من الناحي‪-‬ة االجتماعي‪-‬ة‪ ،‬تتوق‪-‬ف‬
‫على حجمه‪--‬ا أو ع‪--‬دد أفراده‪--‬ا‪ ،‬ول‪--‬ذلك ف‪--‬إن اختالف حجم الوح‪--‬دات العائلي‪--‬ة والقرابي‪--‬ة من جمتم‪--‬ع آلخ‪--‬ر‪،‬‬
‫يوضح التباين يف اخلص‪-‬وبة‪ ،‬حيث وج‪-‬د من نت‪-‬ائج املس‪-‬وح ال‪-‬يت أج‪-‬ريت يف ه‪-‬ذا الص‪-‬دد‪ ،‬أن اجملتمع‪-‬ات ذات‬
‫األنساق القرابية املتحدة أو املشرتكة يف أصل واحد أو جد واحد‪ ،‬تؤكد على قيمة زي‪--‬ادة مع‪--‬دل اخلص‪--‬وبة‪.‬‬
‫أما اجملتمعات ذات األنساق القرابية املتصلة بالنسب وتضم وحدات أسرية نووية‪ ،‬واليت ع‪--‬ادة م‪--‬ا حيدث هبا‬
‫انشقاق وانفصال‪ ،‬فإهنا متيل إىل تدعيم قيمة اخلصوبة املنخفضة طاملا كانت العالقات االجتماعية بينها أق‪--‬ل‬
‫ق‪--‬وة من اجملتمع‪--‬ات ذات األنس‪--‬اق القرابي‪--‬ة املش‪--‬رتكة‪ ،‬ولق‪--‬د تأك‪--‬دت ه‪--‬ذه النتيج‪--‬ة أيض‪ً-‬ا يف ض‪--‬وء نت‪--‬ائج ع‪--‬دد‬
‫آخر من البحوث اليت أجريت على أثر التنظيم القاريب خاصة األنساق القرابي‪--‬ة يف إنت‪--‬اج اخلص‪--‬وبة العالي‪--‬ة يف‬
‫اجملتمعات اإلفريقية‪ .‬ويف ضوء نتائج جمموع‪-‬ة من البح‪-‬وث ال‪-‬يت أج‪-‬ريت على اث‪-‬ر نس‪-‬ق األس‪-‬رة املتص‪-‬اهرة يف‬
‫اهلند والذي ال يسمح بزواج املطلق مرة ثانية‪ ،‬تقليل اخلصوبة‪ ،‬وأيضًا يف ضوء نتائج البح‪--‬وث ال‪--‬يت اج‪--‬ريت‬
‫على األنس ‪--‬اق األس ‪--‬رية النووي ‪--‬ة ح ‪--‬ىت يف اجملتمع ‪--‬ات النامي ‪--‬ة ويف اجملتمع ‪--‬ات األوروبي ‪--‬ة يف الف ‪--‬رتة الس ‪--‬ابقة على‬
‫التصنيع‪ ،‬وأثرها على اخنفاض مستويات اخلصوبة‪.‬‬
‫قيم االعتم ـ ــاد على األطف ـ ــال واثره ـ ــا على الخص ـ ــوبة‪ :‬تتطلب جمموع‪-- - -‬ة واس‪-- - -‬عة من أوج‪-- - -‬ه النش‪-- - -‬اط يف‬ ‫‪)5‬‬
‫اجملتمع ‪--‬ات غ ‪--‬ري الص ‪--‬ناعية أو النامي ‪--‬ة‪ ،‬مث ‪--‬ل نش ‪--‬اطات اإلنت ‪--‬اج واالس ‪--‬تهالك واملس ‪--‬اعدة يف أوق ‪--‬ات األزم ‪--‬ات‬
‫واملرض وك‪--‬رب الس‪--‬ن وغريه ‪--‬ا‪ ،‬االعتم‪--‬اد الش‪--‬ديد على األطف ‪--‬ال حبيث تنم‪--‬و يف ه ‪--‬ذه اجملتمع ‪--‬ات جمموع ‪--‬ة قيم‬
‫ت ‪--‬دعو إىل االعتم ‪--‬اد على األطف ‪--‬ال حبيث جند مثًال أن الفالح ق ‪--‬د تعلم من ثقافت ‪--‬ه أن يعتم ‪--‬د على أطفال ‪--‬ه يف‬
‫العم‪--‬ل يف الزراع‪--‬ة أو حلمايت‪--‬ه من ك‪--‬رب الس‪--‬ن أو لغ‪--‬ري ذل‪--‬ك من املس‪--‬ائل اجلوهري‪--‬ة‪ .‬والواق‪--‬ع أن ه‪--‬ذا الن‪--‬وع من‬

‫‪175‬‬
‫القيم ي ‪--‬ؤثر إىل ح ‪--‬د كب ‪--‬ري يف مع ‪--‬دالت اخلص ‪--‬وبة يف مث ‪--‬ل ه ‪--‬ذه اجملتمع ‪--‬ات‪ ،‬وه ‪--‬ذا م ‪--‬ا تؤك ‪--‬ده نت ‪--‬ائج املس ‪--‬وح‬
‫الدوري‪--‬ة ال‪--‬يت أج‪--‬ريت على عين‪--‬ات من الس‪--‬كان الياب‪--‬انيني م‪--‬ا بني ع‪--‬امي ‪1950‬م ‪1961 -‬م ال‪--‬يت ش‪--‬هدت‬
‫اخنفاض ‪-- -‬ا يف مع ‪-- -‬دل اخلص ‪-- -‬وبة من ‪ 28‬إىل ‪ %16‬وك ‪-- -‬ان اغلب الس ‪-- -‬كان يف ه ‪-- -‬ذا اجملتم ‪-- -‬ع ع ‪-- -‬ام ‪1950‬م‬
‫يعتق ‪--‬دون بض ‪--‬رورة االعتم‪--‬اد على األطف ‪--‬ال يف الك‪--‬رب‪ ،‬مما ك‪--‬ان ل‪--‬ه أث‪--‬ره يف اخلص ‪--‬وبة املرتفع ‪--‬ة يف تل‪--‬ك الف ‪--‬رتة‬
‫ووص‪-- -‬وله إىل ‪ 28%‬ويف ع‪-- -‬ام ‪1961‬م حيث اخنفض‪-- -‬ت اخلص‪-- -‬وبة إىل ‪ % 16‬وج‪-- -‬د إن نس‪-- -‬بة قليل‪-- -‬ة من‬
‫السكان هي اليت كانت تتمسك باالعتقاد يف ضرورة االعتماد على األطفال يف الكرب‪.‬‬

‫كم‪--‬ا تؤك‪--‬د نت‪--‬ائج حبث آخ‪--‬ر أج‪--‬ري على عين‪--‬ات من س‪--‬كان ت‪--‬ايوان ‪ Taiwan‬اث‪--‬ر القيم التقليدي‪--‬ة املتعلق‪--‬ة بت‪--‬وريث‬
‫ال ‪--‬ذكور يف ظه‪-- -‬ور اإلمجاع الق‪-- -‬وي بينهم على الرغب‪-- -‬ة يف اإلجناب أك‪-- -‬ثر من أربع‪-- -‬ة أطف‪-- -‬ال يف املتوس‪-- -‬ط بني الغالبي ‪--‬ة‬
‫العظمى من ه ‪--‬ؤالء الس ‪--‬كان ب ‪--‬رغم اخنف ‪--‬اض مع ‪--‬دالت الوفي ‪--‬ات بينهم من ناحي ‪--‬ة‪ ،‬واألخ ‪--‬ذ بفك ‪--‬رة تنظيم األس ‪--‬رة من‬
‫ناحية أخرى وموافقة السكان عليها‪ ،‬وقيام نسبة صغرية منهم مبمارسة أساليب تنظيم األسرة‪.‬‬

‫وتؤك‪--‬د نت‪--‬ائج نفس البحث ال‪--‬ذي أج‪--‬ري على س‪--‬كان جزي‪--‬رة ت‪--‬ايوان أيض‪ً-‬ا‪ ،‬إمجاع الس‪--‬كان على ض‪--‬رورة إجناب ه‪--‬ذا‬
‫العدد‪ ،‬نظرًا ملا يساهم به وجود األطفال يف األسرة كضمان أو محاية لألباء‪ ،‬ورعايتهم يف الكرب‪.‬‬

‫قيم تركيز السلطة في يـد الـذكور وأثرهــا على الخصــوبة‪ :‬الواق‪--‬ع أن الدراس‪--‬ات ال‪--‬يت أج‪--‬ريت على البن‪--‬اء‬ ‫‪)6‬‬
‫الداخلي لألسرة يف اهلند وسيالن وتايوان وجزر بورتريكو وغريه‪--‬ا من البالد‪ ،‬توض‪--‬ح أن مترك‪--‬ز الس‪--‬لطة يف‬
‫ي ‪--‬د ال ‪--‬ذكر وس ‪--‬يطرته‪ ،‬وع ‪--‬دم مناقش ‪--‬ته للموض ‪--‬وعات والقض ‪--‬ايا ذات الص ‪--‬لة باألس ‪--‬رة وحجمه ‪--‬ا وتنظيمه ‪--‬ا‬
‫ومش ‪--‬كالهتا م ‪--‬ع الزوج ‪--‬ة‪ ،‬ومتس ‪--‬ك الس ‪--‬كان هبذا األم ‪--‬ر واإلمجاع علي ‪--‬ه كقيم ‪--‬ة وتقلي ‪--‬د يض ‪--‬في عليهم مكان ‪--‬ة‬
‫وأمهي ‪--‬ة‪ ،‬ل ‪--‬ه أث ‪--‬ره يف زي ‪--‬ادة مع ‪--‬دالت اخلص ‪--‬وبة إىل ح ‪--‬د كب ‪--‬ري‪ .‬ه ‪--‬ذا م ‪--‬ا يفس ‪--‬ر لن ‪--‬ا رفض الس ‪--‬كان يف ه ‪--‬ذه‬
‫اجملتمعات إحدى الوسائل البسيطة يف منع احلمل وهي وسيلة قطع االتصال اجلنسي‪ ،‬تلك الوسيلة اليت قل‪--‬ل‬
‫بواس‪--‬طتها س‪--‬كان إجنل‪--‬رتا وفرنس‪--‬ا على حنو واض‪--‬ح مع‪--‬دالت موالي‪--‬دهم يف الف‪--‬رتة احلديث‪--‬ة‪ ،‬وال‪--‬يت ال حتت‪--‬اج إىل‬
‫مواد ميكانيكية أو تكنولوجية معقدة كما هو احلال بالنسبة لغريها من وسائل منع احلمل‪.‬‬

‫‪176‬‬
‫الفصل الثامن‬

‫الهجرة ودورة األسرة‬


‫تمهيد‬

‫متث‪-‬ل اهلج‪-‬رة ع‪-‬امال ل‪-‬ه فعاليت‪-‬ه يف تغ‪-‬ري الس‪-‬كان‪ ،‬ولق‪-‬د انص‪-‬رف اهتم‪-‬ام دارس‪-‬ي الس‪-‬كان حنو ه‪-‬ذه الظ‪-‬اهرة وانته‪-‬وا إىل‬
‫ع ‪--‬دد من احلق ‪--‬ائق ال ‪--‬يت تلقي الض ‪--‬وء على املقص ‪--‬ود هبا وعوامله ‪--‬ا وتق ‪--‬ديرها ونتائجه ‪--‬ا‪ .‬واجته ‪--‬د علم ‪--‬اء االجتم ‪--‬اع‬
‫املشتغلون بدراسة السكان يف توضيح فعالي‪-‬ة عوام‪-‬ل اجتماعي‪-‬ة معين‪-‬ة يف ح‪-‬دوث اهلج‪-‬رة ويف مقدم‪-‬ة ه‪-‬ذه العوام‪-‬ل م‪-‬ا‬
‫عرف بدورة األسرة ولذلك خصصت الفصل احلايل لتحليل هذه احلقائق حول اهلجرة‪.‬‬

‫أوًال‪ :‬تعريف الهجرة‬

‫‪177‬‬
‫واهلج‪--‬رة كعملي‪--‬ة س‪--‬كانية تزاي‪--‬دت مع‪--‬دالهتا يف ع‪--‬امل الي‪--‬وم على حنو ملح‪--‬وظ نتيج‪--‬ة التغ‪--‬ري نظ‪--‬ام العم‪--‬ل واإلنت‪--‬اج يف‬
‫أغلب جمتمعاته‪ ،‬من الزراعة إىل الصناعة‪ ،‬ومن نظام يف اإلنتاج الزراعي يقوم على استقرار جمتمعاته‪ ،‬وأصبح ع‪--‬اجزًا‬
‫على أن يوفر العمل اجلمي‪-‬ع الس‪-‬كان إىل نظ‪-‬ام يف اإلنت‪-‬اج يق‪-‬وم على التص‪-‬نيع حيث جتذب ف‪-‬رص العم‪-‬ل ال‪-‬يت يوفره‪-‬ا‪،‬‬
‫أعدادًا كبرية من السكان فتضطرهم إىل التنقل السكاين أينما توجد هذه املنشآت الصناعية‪.‬‬

‫ومن هن ‪--‬ا ينظ ‪--‬ر إىل اهلج ‪--‬رة باعتباره ‪--‬ا عالم ‪--‬ة ب ‪--‬ارزة على التغ ‪--‬ري االجتم ‪--‬اعي طاملا ك ‪--‬انت عملي ‪--‬ة التص ‪--‬نيع تص ‪--‬احبها‬
‫حرك‪--‬ات س‪--‬كانية من الري‪--‬ف إىل احلض‪--‬ر ومن مدين‪--‬ة إىل أخ‪--‬رى يف نفس البل‪--‬د ومن جمتم‪--‬ع إىل آخ‪--‬ر‪ .‬ولق‪--‬د عل‪--‬ق على‬
‫ه‪--‬ذه احلرك‪--‬ات الس‪--‬كانية أمهي‪--‬ة كب‪--‬رية م‪--‬ع بداي‪--‬ة ه‪--‬ذا الق‪--‬رن ويف خمتل‪--‬ف بالد الع‪--‬امل األورويب واألم‪--‬ريكي واألف‪--‬ريقي‬
‫(‪.) 1‬‬
‫واآلسيوي‬

‫وهلذا حددت عملية اهلجرة بأهنا عملية انتقال او حتول أو تغري فيزيقي لفرد او مجاعة من منطقة اعتادوا اإلقام‪--‬ة فيه‪--‬ا‬
‫إىل منطقة أخرى داخل حدود بلد واحد أو من منطقة إىل أخرى خارج ح‪-‬دود ه‪-‬ذا البل‪-‬د(‪ .)2‬وق‪-‬د تتم ه‪-‬ذه العملي‪-‬ة‬
‫بإرادة الفرد أو اجلماعة أو بغري إرادهتم وإمنا باضطرارهم إىل ذلك قس‪-‬رًا أو ه‪-‬دف خطط‪-‬ه اجملتم‪-‬ع وق‪-‬د تك‪-‬ون عملي‪-‬ة‬
‫االنتقال والتحول يف املكان املعتاد لإلقامة من منطقة إىل أخرى‪ ،‬على حنو دائم أو مؤقت وهكذا‪.‬‬

‫مفهوم الهجرة والمفهومات المرتبطة به‬

‫وبناء على هذا التحديد ملفهوم اهلجرة ينبغي لنا أن نرسم احلدود الفاصلة بني ه‪--‬ذا املفه‪--‬وم وبني غ‪--‬ريه من مفهوم‪--‬ات‬
‫أخ ‪--‬رى مش ‪--‬اهبة ل ‪--‬ه إس ‪--‬هامًا من ‪--‬ا يف إزال ‪--‬ة اللبس والغم ‪--‬وض يف ه ‪--‬ذا الص ‪--‬دد فامله ‪--‬اجرين ‪ Migrants‬خيتلف ‪--‬ون عن‬
‫املتنقلني ‪ Movers‬ذل ‪--‬ك ألن امله ‪--‬اجر ال ‪--‬ذي يغ ‪--‬ري مك ‪--‬ان إقامت ‪--‬ه املعت ‪--‬اد من منطق ‪--‬ة إىل أخ ‪--‬رى خيتل ‪--‬ف عن ال ‪--‬ذين‬
‫ينتقلون من بيت إىل آخر حىت ولو اضطرهم ذلك إىل ختطي حدود بلدهم‪ ..‬ألن نقل مكان اإلقامة يف حالة اهلج‪--‬رة‬
‫ي‪--‬رتتب علي‪--‬ه بالض‪--‬رورة نق‪--‬ل حي‪--‬اة اإلنس‪--‬ان امله‪--‬اجر برمته‪--‬ا أم‪--‬ا ال‪--‬ذي ينتق‪--‬ل بني مس‪--‬كن وآخ‪--‬ر ق‪--‬د يظ‪--‬ل ميارس حيات‪--‬ه‬
‫كلها يف مكان السكن األول‪.‬‬

‫كم‪--‬ا أن هن‪--‬اك فارق ‪ً-‬ا واض‪--‬حًا بني التنق‪--‬ل االجتم‪--‬اعي واهلج‪--‬رة‪ ،‬ذل‪--‬ك أن التنق‪--‬ل االجتم‪--‬اعي ‪Social Mobility‬‬
‫يعترب من قبيل تغيري املركز االجتماعي واالقتصادي ورمبا يتم هذا التغيري داخل منطق‪--‬ة واح‪-‬دة يف اجملتم‪-‬ع دون حاج‪-‬ة‬
‫( )‪1‬‬
‫‪, p. 3.‬م‪J. J Clifford, Readings in the Sociology of Migration, Pergamon press. 1966‬‬
‫)(‪2‬‬
‫‪D. M. Heer, Population and Society, op. cit., p. 69‬‬

‫‪178‬‬
‫إىل االنتق‪--‬ال إىل منطق‪--‬ة أخ‪--‬رى‪ ،‬كم‪--‬ا أن اهلج‪--‬رة باعتباره‪--‬ا عملي‪--‬ة تغي‪--‬ري ف‪--‬يزيقي يف مك‪--‬ان اإلقام‪--‬ة املعت‪--‬اد وبالت‪--‬ايل تغ‪--‬ري‬
‫جذري يف حياة املهاجر فهي تنطوي بني طياهتا على عملية تنقل اجتم‪-‬اعي‪ ،‬ذل‪-‬ك ألن امله‪--‬اجر ق‪-‬د حيق‪--‬ق أثن‪-‬اء إقامت‪-‬ه‬
‫يف منطقة املهجر مستوى من احلي‪-‬اة االجتماعي‪-‬ة ويص‪-‬ل إىل بعض املراك‪-‬ز‪ ،‬ويتمت‪-‬ع مبكان‪-‬ة اجتماعي‪-‬ة اقتص‪-‬ادية مل تكن‬
‫له يف املنطقة اليت انتقل منها وهجرها وهكذا (‪.)1‬‬

‫ثانيًا‪ :‬تصنيف الهجرة‬

‫وبإمكاننا أن نستخلص من هذا التعريف املدلول اهلجرة ما يشري إىل وجود أنواع متباينة للهجرة‪ ،‬وقد تص‪--‬نف ه‪--‬ذه‬
‫األن‪--‬واع أم‪--‬ا على أس‪--‬اس املك‪--‬ان ال‪--‬ذي يتم االنتق‪--‬ال إلي‪--‬ه أو على أس‪--‬اس إرادة الق‪--‬ائم هبا أو على أس‪--‬اس ال‪--‬زمن ال‪--‬ذي‬
‫تستغرقه هذه العملية‪.‬‬

‫تصنيف الهجرة حسب المكان‬ ‫ا]‬

‫إىل هجرة داخلية وأخرى خارجية أو دولية‪.‬‬

‫الهجرة الداخلية‬ ‫[‪]1‬‬

‫تشري اهلجرة الداخلية إىل عملية انتق‪-‬ال األف‪-‬راد واجلماع‪-‬ات من منطق‪-‬ة إىل أخ‪-‬رى داخ‪-‬ل اجملتم‪-‬ع أو إىل منطق‪-‬ة أخ‪-‬رى‬
‫يف نفس هذا اجملتمع‪.‬‬

‫والواقع أن هناك فواصل جتعل اهلجرات الداخلية اليت يشهدها العامل بعامة يزيد حجمها عن حجم اهلجرات الدولي‪--‬ة‬
‫واخلارجي ‪--‬ة‪ ،‬ومن أهم ه ‪--‬ذه العوام ‪--‬ل أن اهلج ‪--‬رة الداخلي ‪--‬ة قليل ‪--‬ة التك ‪--‬اليف‪ ،‬ال تع ‪--‬رض الق ‪--‬ائم هبا ملش ‪--‬اكل ال ‪--‬دخول‬
‫واخلروج من دول‪--‬ة إىل أخ‪--‬رى‪ ،‬وال متث‪--‬ل اللغ‪--‬ة مش‪--‬كلة يف القي‪--‬ام هبا مبث‪--‬ل م‪--‬ا حيدث للمه‪--‬اجرين من دول‪--‬ة إىل أخ‪--‬رى‬
‫خمتلف‪-‬ة يف لغته‪-‬ا وحيت‪-‬اج األم‪-‬ر من امله‪-‬اجر ض‪-‬رورة اإلملام هبا‪ ،‬كم‪-‬ا أن االس‪-‬تعداد النفس‪-‬ي للهج‪-‬رة الداخلي‪-‬ة أك‪-‬ثر من‪-‬ه‬
‫بالنس ‪--‬بة للهج ‪--‬رة الدولي ‪--‬ة(‪ ،)2‬وتتم ‪--‬يز اهلج ‪--‬رة الداخلي ‪--‬ة بأهنا تي ‪--‬ارات تأخ ‪--‬ذ اجتاه ‪--‬ات عكس ‪--‬ية‪ ،‬مبع ‪--‬ىن أن من ‪--‬اطق ط ‪--‬رد‬
‫السكان جتذب يف نفس الوقت مهاجرين إليها‪ ،‬كما أن مناطق اجلذب السكاين تطرد السكان إىل خارجها‪.‬‬

‫‪)(1‬‬
‫دكتور عبد الكريم اليافي ‪ ،‬الهجرات وتحركات السكان ‪ ،‬مجلة عالم الفكر ‪ ،‬المجلد الخامس ‪ ،‬العدد الرابع ‪1975 ،‬م ‪ ،‬ص ‪.901‬‬
‫دكتور السيد محمد غالب ودكتور محمد صبحي عبد الحكيم ‪ ،‬السكان جغرافيًا وديموجرافيًا ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.162‬‬ ‫‪)(2‬‬

‫‪179‬‬
‫وهنا يصدق قول البعض بصدد اهلجرة عمومًا‪ ،‬أنه يف كل حركة تنقل كربى من جمتم‪--‬ع إىل آخ‪--‬ر مي‪--‬ل إىل التع‪--‬ويض‬
‫(‪)1‬‬
‫عن طريق حركة‪ .‬معاكسة من جانب السكان‪.‬‬

‫وباإلمكان تقسيم اهلجرة الداخلية ذاهتا إىل نوعني‪:‬‬

‫هج ‪--‬رة من إقليم إىل آخ ‪--‬ر أو من والي ‪--‬ة إىل أخ ‪--‬رى ومن منطق ‪--‬ة إىل ثاني ‪--‬ة أو من حمافظ ‪--‬ة إىل أخ ‪--‬رى داخ ‪--‬ل‬ ‫‪.1‬‬
‫الدولة الواحدة وبني منطقتني حتمالن نفس الصفات الثقافية واحلضرية‪.‬‬
‫هجرة ريفية حضرية وهي من أشهر أنواع اهلجرات وأوضحها تلك اليت يتم فيها انتقال األفراد من املناطق‬ ‫‪.2‬‬
‫الريفي ‪--‬ة إىل املن ‪--‬اطق احلض ‪--‬رية‪ ،‬وت ‪--‬زداد ه ‪--‬ذه الظ ‪--‬اهرة داخ ‪--‬ل اجملتمع ‪--‬ات كلم ‪--‬ا زادت املدن من خصائص ‪--‬ها‬
‫كمراك‪--‬ز ج‪--‬ذب‪ .‬وكلم‪--‬ا اتس‪--‬ع نط‪--‬اق مراك‪--‬ز الص‪--‬ناعة اجلدي‪--‬دة يف ال‪--‬وقت ال‪--‬ذي ي‪--‬زداد فيه‪--‬ا س‪--‬كان املن‪--‬اطق‬
‫الريفية فيزيد عن حاجة العمل الزراعي احلقيقي‪.‬‬

‫ولق‪-- -‬د ب‪-- -‬دات اهلج‪-- -‬رة الريفي‪-- -‬ة احلض‪-- -‬رية تت‪-- -‬دفق إىل املدن على أث‪-- -‬ر االنقالب الص‪-- -‬ناعي يف بالد كث‪-- -‬رية ويف مق‪-- -‬دمتها‬
‫الوالي‪--‬ات املتح‪--‬دة األمريكي‪--‬ة واجنل‪--‬رتا وفرنس‪--‬ا وأملاني‪--‬ا وايطالي‪--‬ا وروس‪--‬يا وغريه‪--‬ا من البالد ال‪--‬يت ش‪--‬هدت ث‪--‬ورة ص‪--‬ناعية‬
‫وظه‪--‬رت فيه‪--‬ا احلاج‪--‬ة إىل أي‪--‬دي عامل‪--‬ة ولكن م‪--‬ع إس‪--‬هام اهلج‪--‬رة يف توف‪--‬ري ه‪--‬ذه العملي‪--‬ة‪ ،‬ف‪--‬إن اهلج‪--‬رة ب‪--‬دأت تش‪--‬كل‬
‫إحدى املشاكل الكربى اليت تعانيها اجملتمعات الصناعية‪.‬‬

‫الهجرة الخارجية‬ ‫[‪]2‬‬

‫وتشري إىل انتقال ع‪-‬دد من أف‪-‬راد اجملتم‪-‬ع إىل جمتم‪-‬ع آخ‪-‬ر طلب‪ً-‬ا للعم‪-‬ل أو ف‪-‬رارًا من االض‪-‬طهاد أو تطلع‪ً-‬ا لف‪-‬رص أحس‪-‬ن‬
‫يف احلياة أو غريها‪.....‬‬

‫وتنحصر اهلجرات اخلارجية أو الدولية الرئيسية اليت شهدها العامل يف العصر احلديث فيما يلي‪:‬‬

‫اهلج ‪--‬رة األوروبي ‪--‬ة فيم ‪--‬ا وراء البح ‪--‬ار إىل أمريك ‪--‬ا‪ ،‬واهلج ‪--‬رات الدولي ‪--‬ة داخ ‪--‬ل أوروب ‪--‬ا واهلج ‪--‬رات اإلفريقي ‪--‬ة واهلج ‪--‬رات‬
‫اآلس‪--‬يوية‪ .‬ولق‪--‬د س‪--‬امهت ه‪--‬ذه األن‪--‬واع من اهلج‪--‬رات يف إقام‪--‬ة جمتمع‪--‬ات بأس‪--‬رها‪ ،‬ف‪--‬إذا أخ‪--‬ذنا مثًال اهلج‪--‬رة األوروبي‪--‬ة‬
‫واألفريقية إىل الواليات املتحدة األمريكية كمثال نوضح على ضوئه كيف كانت ه‪-‬ذه البالد موطن‪ً-‬ا للب‪-‬دائيني ال‪-‬ذين‬
‫ك‪--‬انوا بع‪--‬ددهم القلي‪--‬ل يش‪--‬غلون مس‪--‬احات شاس‪--‬عة من األرض اخلص‪--‬بة أو األرض الغني‪--‬ة بإمكاني‪--‬ات التع‪--‬دين وكي‪--‬ف‬
‫‪)(1‬‬
‫دكتور محمد عاطف غيث ‪ ،‬تطبيقات في علم االجتماع ‪ ،‬دار الكتب الجامعية ‪1970 ،‬م ‪ ،‬ص ص‪206 - 207 .‬‬

‫‪180‬‬
‫كانت تيارات اهلجرة إىل ه‪-‬ذه األراض‪-‬ى س‪-‬ببًا أساس‪-‬يًا يف إقام‪-‬ة جمتم‪-‬ع جدي‪-‬د ل‪-‬ه حض‪-‬ارة جدي‪-‬دة‪ .‬ولق‪-‬د متت تي‪-‬ارات‬
‫اهلج‪--‬رة الرئيس‪--‬ية يف الوالي‪--‬ات املتح‪--‬دة على ف‪--‬رتات ب‪--‬دأت هبج‪--‬رة االيرلن‪--‬ديني ال‪--‬ذين ترك‪--‬وا م‪--‬وطنهم األص‪--‬لي بس‪--‬بب‬
‫(‪)1‬‬
‫جماعة البطاطس واألملان الذين تركوا بالدهم حبثًا عن اللجوء السياسي يف هذه القارة اجلديدة‬

‫وكانت أغلب اهلجرات إىل أمريكا يف الفرتة الثانية من بني االيطاليني وسكان شرق أوروبا‪ ،‬وك‪-‬انت احلرب العاملي‪-‬ة‬
‫الثانية متثل الفرتة الثالثة للهجرة إىل الواليات املتحدة واليت تزايد على أثرها معدل املهاجرين إليه‪--‬ا من خمتل‪--‬ف أرج‪--‬اء‬
‫العلم‪ .‬أم ‪--‬ا اهلج ‪--‬رة اإلفريقي ‪--‬ة إىل أمريك ‪--‬ا فق ‪--‬د ب ‪--‬دأت تت ‪--‬دفق بع ‪--‬د رحل ‪--‬ة كول ‪--‬ومبس إليه ‪--‬ا‪ ،‬وك ‪--‬انت اهلج ‪--‬رة جربي ‪--‬ة يف‬
‫معظمه ‪--‬ا حيث ك‪--‬ان يتم نق ‪--‬ل الزن‪--‬وج إىل املس‪--‬تعمرات األمريكي‪--‬ة لالجتار فيهم واس‪--‬تخدامهم للعم‪--‬ل كعبي‪--‬د‪ ،‬إىل أن‬
‫(‪)2‬‬
‫ألغيت هذه التجارة وحصل هؤالء الزنوج على حريتهم‪.‬‬

‫والزالت اهلج‪--‬رة اخلارجي‪--‬ة ح‪--‬ىت اآلن من املس‪--‬ائل ال‪--‬يت تش‪--‬غل ب‪--‬ال اجملتمع‪--‬ات وب‪--‬دأت تس‪--‬ن الق‪--‬وانني ال‪--‬يت تنظمه‪--‬ا إم‪--‬ا‬
‫بالتحديد أو املنع أو بتعيني أصناف املهاجرين الذين ميكن قبوهلم‪.‬‬

‫تصنيف الهجرة حسب إرادة القائمين بها‬ ‫ب]‬

‫إىل هجرة إرادية وهجرة قسرية أو اضطرارية أو خمططة‪:‬‬

‫الهجرة اإلرادية‬ ‫‪)1‬‬

‫وتشمل أنواع اهلجرة الداخلية أو اخلارجية اليت يقوم هبا األفراد أو اجلماعات بإرادهتم يف التنقل من مكان أو منطق‪-‬ة‬
‫أو بلد إىل آخر وتغيري مكان إقامتهم املعتاد دون ضغط أو إجبار رمسي‪.‬‬

‫الهجرة االضطرارية‬ ‫‪)2‬‬

‫ونع‪--‬ين هبا نق‪--‬ل أف‪--‬راد أو مجاع‪--‬ات من أم‪--‬اكن إق‪--‬امتهم األص‪--‬لية إىل أم‪--‬اكن أخ‪--‬رى أو بعب‪--‬ارة أخ‪--‬رى إجب‪--‬ار الس‪--‬لطات‬
‫لبعض األفراد واجلماع‪-‬ات على ال‪-‬نزوح من منطق‪-‬ة معين‪-‬ة أو إخالئه‪-‬ا خش‪-‬ية كارث‪-‬ة ك‪-‬الزلزال أو الفيض‪-‬ان أو احلروب‬
‫وما إليها(‪ .)3‬ولذلك قد يدخل يف هذا النوع كل ما يشري إليه مفهوم التهجري‪ ،‬واألمثلة على ذل‪-‬ك الن‪-‬وع من اهلج‪-‬رة‬

‫‪ ((1‬دكتور السيد محمد غالب ‪ ،‬دكتور محمد صبحي عبد الحكيم ‪ ،‬السكان جغرافيًا وديموجرافيًا ‪ ،‬مرجع سابق‪ .‬ص ص ‪ 122‬ـ ‪.125‬‬
‫()‪2‬‬
‫‪D. M. Heer, Population and Society, op. cit., p. 72‬‬
‫‪ )(3‬دكتور محمود عودة ‪ ،‬الهجرة إلى مدينة القاهرة ‪ ،‬دوافعها وانماطها آثارهان المجلة االجتماعية القومية ‪ ،‬يناير ‪1974‬م ‪ ،‬العدد األول ‪ ،‬المجلد‬
‫الحادي عشر ‪ ،‬ص ص ‪ 5‬ـ ‪.60‬‬

‫‪181‬‬
‫االض‪--‬طرارية على املس‪--‬توى ال‪--‬دويل واحمللي أمثل‪--‬ة كث‪--‬رية وال حص‪--‬ر هلا‪ ،‬إذ ك‪--‬انت هج‪--‬رة اليه‪--‬ود من أملاني‪--‬ا يف أعق‪--‬اب‬
‫احلركة النازية وهجرهتم أيضًا إىل فلس‪-‬طني قب‪-‬ل وبع‪-‬د النكب‪-‬ة‪ ،‬من أهم األمثل‪-‬ة على اهلج‪-‬رة االض‪-‬طرارية أو املخطط‪-‬ة‪،‬‬
‫وتعت ‪--‬رب عملي ‪--‬ات اهلج ‪--‬رة إىل مديري ‪--‬ة التحري ‪--‬ر ومنطق ‪--‬ة أبيس والنوب ‪--‬ة اجلدي ‪--‬دة يف مص ‪--‬ر‪ ،‬امثل ‪--‬ة على اهلج ‪--‬رة الداخلي ‪--‬ة‬
‫االضطرارية أو على املستوى احمللي وهكذا‪.‬‬

‫تصنيف الهجرة حسب الزمن الذي تستغرقه‬ ‫ج]‬

‫إىل هجرة دائمة وأخرى مؤقتة‪.‬‬

‫الهجرة الدائمة‬ ‫‪-1‬‬

‫ومتث‪--‬ل اهلج‪--‬رة الدائم‪--‬ة عملي‪--‬ة انتق‪--‬ال من منطق‪--‬ة اإلقام‪--‬ة املعت‪--‬اد إىل منطق‪--‬ة أخ‪--‬رى وم‪--‬ا يص‪--‬احبها من تغ‪--‬ري كام‪--‬ل لك‪--‬ل‬
‫ظروف حياة املهاجرين املقيمني الذين يرتكون حمل إقامتهم األصلي هنائيًا وال يعودون إليه مرة أخرى‪.‬‬

‫الهجرة المؤقتة‬ ‫‪-2‬‬

‫متثل اهلجرة اليت ينتقل فيها األفراد اجلماعات من منطقة إىل أخرى انتقاًال مؤقت‪ً-‬ا‪ ،‬ومن أمثلته‪-‬ا اهلج‪-‬رة بس‪-‬بب العم‪-‬ل‬
‫خ ‪--‬ارج أو داخ ‪--‬ل البل ‪--‬د لف ‪--‬رتة مؤقت ‪--‬ة‪ ،‬مثلم ‪--‬ا حيدث مثًال بالنس ‪--‬بة هلج ‪--‬رة عم ‪--‬ال الرتاحي ‪--‬ل يف مواس ‪--‬م العم ‪--‬ل أو هج ‪--‬رة‬
‫العمال‪--‬ة الفني‪--‬ة وغ‪--‬ريهم إىل بعض البالد ال‪--‬يت تت‪--‬وفر فيه‪--‬ا ف‪--‬رص العم‪--‬ل ومس‪--‬تويات األج‪--‬ور املرتفع‪--‬ة ويطل‪--‬ق على ه‪--‬ذا‬
‫النوع من املهاجرين اسم املهاجرين العائدين والذين يرتددون بني حني وآخر على موطنهم األصلي نظرا الرتب‪--‬اطهم‬
‫هبذا املوطن األسباب اجتماعية واقتصادية‪.‬‬

‫ثالثًا‪ :‬تفسير الهجرة‬

‫النظريات المفسرة للهجرة الدولية‬ ‫‪]1‬‬

‫ينظ‪--‬ر إىل اهلج‪--‬رة باعتباره‪--‬ا عملي‪--‬ة معق‪--‬دة وغ‪--‬ري متجانس‪--‬ة‪ .‬وباإلمك‪--‬ان حتليله‪--‬ا من منظ‪--‬ورات عدي‪--‬دة ويف إط‪--‬ار مناذج‬
‫تصورية متباينة‪ ،‬وتستطيع دراسات اهلجرة أن تركز على األفراد أو على األبني‪-‬ة‪ ،‬أو جتري على مس‪-‬تويات ك‪-‬ربى أو‬
‫صغرى‪ .‬وتأخذ هذه الدراسات يف اعتبارها ذلك اجملال الواسع من العمليات التارخيية واملواقف املعاصرة‪.‬‬

‫‪182‬‬
‫والفكرة األساسية يف الرتاث املهتم باهلجرة يف خمتل‪-‬ف العل‪-‬وم ‪ -‬وخاص‪-‬ة بني البالد األق‪-‬ل تق‪-‬دمًا وتل‪-‬ك األك‪-‬ثر تق‪-‬دمًا‬
‫أو اهلجرة من اجلنوب إىل الشمال‪ ،‬تتلخص يف أن السكان يهاجرون إىل الشمال‪.‬‬

‫ورمبا كانت أول األفكار حول اهلجرة الدولية واليت تبلورت يف إطار نظري قد ظهرت منذ قرنني يف دراسة أجراها‬
‫ع‪--‬امل االجتم‪--‬اع الس‪--‬ويدي (كرجير) ‪ kryger‬ع‪--‬ام ‪ 1764‬ح‪--‬ول أس‪--‬باب اهلج‪--‬رة الدولي‪--‬ة‪ .‬وك‪--‬ان يرك‪--‬ز فيه‪--‬ا على‬
‫عوام‪--‬ل الط‪--‬رد ‪ Push factors‬حيث ك‪--‬انت الس‪--‬ويد بل‪--‬دًا فق‪--‬ريًا يع‪--‬اين من اخنف‪--‬اض األج‪--‬ور يف بعض القطاع‪--‬ات‪،‬‬
‫والضرائب غري العادلة وتدهور نظام التأمني االجتماعي‪.‬‬

‫وبعد أقل من قرن ق‪-‬ام العدي‪-‬د من الب‪-‬احثني مث‪-‬ل (ريفانش‪-‬تني) ‪1855( Revenstein‬م) يف اجنل‪-‬رتا و( روش‪-‬ربج)‬
‫‪ Rouchberg‬يف النمس‪-- - -‬ا (‪1893‬م) بط‪-- - -‬رح نظري‪-- - -‬ات ح‪-- - -‬ول اهلج‪-- - -‬رة الدولي‪-- - -‬ة‪ .‬وح‪-- - -‬دد الفرنس‪-- - -‬ي (النس‪-- - -‬ري)‬
‫‪ lavasseur‬يف ع‪--‬ام ‪1885‬م العوام‪--‬ل األساس‪--‬ية للهج‪--‬رة الدولي‪--‬ة يف ع‪--‬املني مها االتص‪--‬ال وتع‪--‬دد العالق‪--‬ات القائم‪--‬ة‬
‫بني البلدان املرسلة واملستقبلة للمهاجرين‪.‬‬

‫مث قدم (يل) ‪ lee‬يف عام ‪1966‬م تلخيصًا لكل ما هو متاح من معرفة واجتاهات عامة وحصرها يف جمموعة سائدة‬
‫من العوامل يف كل من املناطق املرسلة واملستقبلة للهجرة الدولية‪.‬‬

‫وأخريًا قدم كل من (جرينود) ‪ Greenwood‬و(ماكدويل) ‪ McDowell‬ع‪--‬ام ‪1992‬م مس‪--‬حًا للمح‪--‬ددات‬


‫الكربى للهجرة الدولية‪.‬‬

‫نظرية عوامل الطرد والجذب‬ ‫ا]‬

‫وق‪--‬د تص‪--‬نف أس‪--‬باب اهلج‪--‬رة الدولي‪--‬ة إىل جمموع‪--‬تني اثن‪--‬تني فق‪--‬ط ‪ -‬عوام‪--‬ل الط‪--‬رد ‪ Push‬وعوام‪--‬ل اجلذب‪ .‬ويوض‪--‬ح‬
‫الشكل التايل أهم هذه العوامل‪.‬‬

‫يوجد شكل تةضيحي صـ ‪216‬‬

‫ولقد ناقش ع‪-‬دد كب‪-‬ري من الب‪-‬احثني مث‪-‬ل (جولي‪-‬ين) ‪ Golini‬ع‪-‬ام ‪1991‬م و( هاي‪-‬دن) ‪ Heyden‬ع‪-‬ام ‪1991‬م‬
‫الطرق اليت تؤثر من خالهلا هذه العوامل يف اهلجرة من اجلنوب إىل الشمال‪.‬‬

‫‪183‬‬
‫وميكن أن تك‪--‬ون عوام‪--‬ل الط‪--‬رد عوام‪--‬ل بنائي‪--‬ة مث‪--‬ل النم‪--‬و الس‪--‬كاين الع‪--‬املي الس‪--‬ريع وأث‪--‬ره على عملي‪--‬ات التن‪--‬افس على‬
‫الغذاء واملوارد األخرى‪.‬‬

‫والنم ‪--‬و الس ‪--‬كاين أك ‪--‬ثر وض ‪--‬وحًا يف البالد الفق ‪--‬رية وال ‪--‬يت تناض ‪--‬ل فعًال يف مواجه ‪--‬ة مش ‪--‬كالت غ ‪--‬ذاء ك ‪--‬ربى‪ .‬ويتمث ‪--‬ل‬
‫الس‪--‬بب البن‪--‬ائي اآلخ‪--‬ر يف تل‪--‬ك الفج‪--‬وة املرتبط‪--‬ة بالرفاهي‪--‬ة ‪ Welfore gap‬بني الش‪--‬مال واجلن‪--‬وب‪ .‬وهن‪--‬اك أيض ‪ً-‬ا‬
‫ق‪-‬وي بنائي‪-‬ة أخ‪-‬رى عدي‪-‬دة ولكنه‪-‬ا كله‪-‬ا ترتب‪-‬ط فيم‪-‬ا بينه‪-‬ا يف بن‪-‬اء س‪-‬يب واح‪-‬د‪ .‬وميكن أيض‪ً-‬ا أن ترتب‪-‬ط عوام‪-‬ل الط‪-‬رد‬
‫بدوافع فردية وذلك كما يوضحه الشكل السابق(‪.)1‬‬

‫واحلرب كعام‪--‬ل من عوام‪--‬ل الط‪--‬رد بني األمم أو داخله‪--‬ا ع‪--‬ادة تنش‪--‬ب بس‪--‬بب جمموع‪--‬ة عوام‪--‬ل من الت‪--‬وترات العرقي‪--‬ة‬
‫‪ tensions‬ال‪--‬يت ت‪--‬دوم ط‪--‬ويًال وك‪--‬ذلك غي‪--‬اب العدال‪--‬ة االقتص‪--‬ادية‪ ،‬وبإمك‪--‬ان احلرب أن حتدث ت‪--‬دفقًا كب‪--‬ريًا يف تي‪--‬ار‬
‫اهلجرة فمثًال هناك توترات بني بالد مثل جنوب أفريقيا وإسرائيل يف عالقاهتا جبرياهنا‪.‬‬

‫كم ‪--‬ا يوج ‪--‬د االض ‪--‬طهاد يف أج ‪--‬زاء كث ‪--‬رية من الع ‪--‬امل‪ ،‬كم ‪--‬ا ه ‪--‬و احلال يف الس ‪--‬ودان ويوغس ‪--‬الفيا س ‪--‬ابقًا والس ‪--‬لفادور‪.‬‬
‫وتؤدي التوترات العرقية إىل القتل يف أوقات احلرب وإىل االضطهاد يف أوقات السلم‪ .‬كم‪-‬ا أن اجملاع‪--‬ات ال‪-‬يت ي‪-‬رتتب‬
‫عليه ‪--‬ا مع ‪--‬دل وفي ‪--‬ات ع ‪--‬ال تنتش ‪--‬ر فعًال يف بالد كث ‪--‬رية‪ ،‬مث ‪--‬ل أجنوال وبتس ‪--‬وانا وج ‪--‬ابون وموزم ‪--‬بيق وروان ‪--‬دا‪ ،‬وحيتم ‪--‬ل‬
‫ظه‪--‬ور اجملاع‪--‬ات يف البالد الفق‪--‬رية ال‪--‬يت يق‪--‬ل فيه‪--‬ا إنت‪--‬اج الغ‪--‬ذاء وك‪--‬ذلك حيتم‪--‬ل ظه‪--‬ور اجملاع‪--‬ات يف أوق‪--‬ات الت‪--‬وترات‬
‫السياسية العرقية‪.‬‬

‫وحيتم‪--‬ل أن يك‪--‬ون الفق‪--‬ر أك‪--‬رب عام‪--‬ل وحي‪--‬د يق‪--‬ف خل‪--‬ف ت‪--‬دفق تي‪--‬ارات اهلج‪--‬رة احلالي‪--‬ة ويف املس‪--‬تقبل‪ ،‬ومن الص‪--‬عب‬
‫بالطبع أن حندد فجوات الفق‪-‬ر ‪ poverty gaps‬ولكنه‪-‬ا تش‪-‬كل بالتأكي‪-‬د الق‪-‬وى األساس‪-‬ية املعاص‪-‬رة ويف املس‪-‬تقبل‬
‫ال‪-- -‬يت ت‪-- -‬دفع إىل اهلج‪-- -‬رة الدولي‪-- -‬ة‪ .‬فالع‪-- -‬دد الكب‪-- -‬ري من الفق‪-- -‬راء يف أي بل‪-- -‬د س‪-- -‬وف يزي‪-- -‬دون من التن‪-- -‬افس على املوارد‪،‬‬
‫ويض‪-- -‬يفون إىل مع ‪-- -‬دالت اجلرمية والعن ‪-- -‬ف ويقلل ‪-- -‬ون من مس ‪-- -‬تويات املعيش ‪-- -‬ة‪ ..‬وبني ه ‪-- -‬ذا الع ‪-- -‬دد ميكن أن جند معظم‬
‫املهاجرين‪.‬‬

‫وغالب ‪ً-‬ا م ‪--‬ا ك ‪--‬انت مناقش ‪--‬ة الك ‪--‬وارث البيئي ‪--‬ة ‪ Eenvironmental catastrophes‬على أهنا س ‪--‬بب يش ‪--‬يع يف‬
‫املس ‪--‬تقبل ويق ‪--‬ف خل ‪--‬ف تي ‪--‬ارات اهلج ‪--‬رة الك ‪--‬ربى‪ .‬بإمك ‪--‬ان حمط ‪--‬ات الق ‪--‬وى النووي ‪--‬ة واملص ‪--‬انع ال ‪--‬يت تنتج أس ‪--‬لحة ذري ‪--‬ة‬
‫)(‪1‬‬
‫‪Woifang Lutz, The future Population of the World. edt, International Institute for Applied systems Analysis pp.‬‬
‫‪442 - 350.‬‬

‫‪184‬‬
‫وبيولوجية وكيماوية أن تلوث مناطق كربى كما حدث يف عام ‪1986‬م وترتب على واقع‪-‬ة ش‪-‬رنوبل يف أوكراني‪-‬ا‪.‬‬
‫ومع تناقص احلماية من ثقب األوزون يف اجلو‪ ،‬ف‪-‬إن هن‪-‬اك من‪-‬اطق كب‪-‬رية س‪-‬وف ختل‪-‬و من س‪-‬كاهنا‪ .‬ومعظم الك‪-‬وارث‬
‫البيئي ‪--‬ة تق ‪--‬ع يف البل ‪--‬دان النامي ‪--‬ة‪ .‬فالفيض ‪--‬انات واجلف ‪--‬اف ‪ Drought‬وتأك ‪--‬ل الرتب ‪--‬ة والتص ‪--‬حر ‪desertification‬‬
‫تعترب من بني املشكالت الدارجة واملنتشرة‪.‬‬

‫والتفرق‪-- -‬ة بني عوام‪-- -‬ل اجلذب والط‪-- -‬رد ع‪-- -‬ادة غ‪-- -‬ري واض‪-- -‬حة‪ .‬ف‪-- -‬الثروة ميكن أن تش‪-- -‬كل ع‪-- -‬امًال من عوام‪-- -‬ل اجلذب يف‬
‫جمتمع‪--‬ات الش‪--‬مال‪ ،‬وجتذب امله‪--‬اجرين من البالد الفق‪--‬رية‪ ،‬غ‪--‬ري أن ه‪--‬ذا العام‪--‬ل ميكن وص‪--‬فه أيض ‪ً-‬ا على أن‪--‬ه عام‪--‬ل من‬
‫عوامل الطرد‪ ،‬كنقص الثروة يف بالد اجلنوب(‪.)1‬‬

‫التفسير البنائي الوظيفي للهجرة الداخلية‬ ‫ب]‬

‫اهلجرة من الريف إىل املدينة والصلة بني القرية واملدينة قدمية ق‪-‬دم الت‪-‬اريخ‪ ،‬فال يك‪-‬اد يوج‪-‬د جمتم‪-‬ع انس‪-‬اين مل تقم في‪-‬ه‬
‫عالقات من هذا النوع‪ .‬وكان (زيل) من أوائل علماء االجتماع اهتمامًا مبا قد تنطوي عليه عالقة الغريب املهاجر‪،‬‬
‫س‪--‬واء أك‪--‬ان قادم ‪ً-‬ا من الري‪--‬ف أو مدين‪--‬ة أخ‪--‬رى ‪ ،-‬باملدين‪--‬ة وكي‪--‬ف يعامل‪--‬ه اجملتم‪--‬ع املض‪--‬يف‪ .‬ك‪--‬ذلك ك‪--‬ان (زي‪--‬ل) يف‬
‫مقالت‪-‬ه املدين‪-‬ة واحلال‪-‬ة العقلي‪-‬ة من أوائ‪-‬ل من تنبه‪-‬وا إىل أن احلي‪-‬اة يف املدين‪-‬ة تش‪-‬كل ذهني‪-‬ة خاص‪-‬ة‪ ،‬حض‪-‬رية‪ ،‬يتم‪-‬يز على‬
‫أساس‪--‬ها س‪--‬لوك وط‪--‬راز حي‪--‬اة الس‪--‬كان ومن مث جيد امله‪--‬اجر إليه‪--‬ا أمناط‪--‬ا وأس‪--‬اليب حي‪--‬اة خمتلف‪--‬ة عم‪--‬ا تع‪--‬ود علي‪--‬ه‪ .‬فق‪--‬د‬
‫شكلت أفكار (زميل) وغريه من علماء االجتماع بداية االهتمام االجتماعي النظري باهلجرة إىل املدينة‪.‬‬

‫(ففيرب) ‪ weber‬الذي كان يرى أن من أهم وظائف املدينة الوظيفة التسويقية فهي املكان الذي يتس‪--‬وق القروي‪--‬ون‬
‫ويبيعون ما يفيض من غالل‪ ،‬أوض‪-‬ح أن الري‪-‬ف وإن ك‪-‬ان يف ف‪-‬رتة تارخيي‪-‬ة حيت‪-‬اج إىل أي‪-‬د عامل‪-‬ة كث‪-‬رية لت‪-‬أمني الغ‪-‬ذاء‪،‬‬
‫إال أن التطورات الصناعية واالزدهار االقتصادي مكنت من تقليل االعتماد على هذه األي‪-‬دي الكث‪-‬رية وجع‪-‬ل املدين‪-‬ة‬
‫مكانًا أفضل للسكين‪ ،‬مما أدى إىل بداية االجتاه حنو التوازن السكاين بني الريف واحلضر(‪.)2‬‬

‫ولكن وعلى الرغم من وجود هذه الصلة التارخيية‪ ،‬فإن ما تقدمه املدينة من خدمات ومرافق وحريات وفرص عمل‬
‫وغ‪--‬ري ذل‪-‬ك جتعله‪--‬ا حمط أنظ‪-‬ار امله‪--‬اجرين ومطمحهم‪ .‬فاملدين‪-‬ة تتم‪-‬يز بأهنا مرك‪-‬ز النش‪-‬اط االقتص‪--‬ادي حيث تق‪--‬ام فيه‪--‬ا‬

‫)(‪1‬‬
‫‪Ibid, pp. 348 - 350.‬‬
‫‪ )(2‬نور باقادر العمودي ‪ ،‬الهجرة الريفية الحضرية ‪ ،‬دراسة في تكيف المهاجرين إلى مدينة جدة ‪ ،‬دار المنتخب العربي ‪ ،‬بيروت ‪1994 ،‬م ‪ ،‬ص ص‬
‫‪.21‬‬

‫‪185‬‬
‫العملي‪-‬ات والص‪--‬فقات التجاري‪-‬ة اذ هبا مراك‪-‬ز املال واالقتص‪--‬اد‪ ،‬إض‪--‬افة إىل أن هبا ال‪-‬وزارات واملص‪--‬احل اإلداري‪-‬ة املختلف‪--‬ة‬
‫واملؤسس ‪--‬ات التدريبي ‪--‬ة والتعليمي ‪--‬ة والعلمي ‪--‬ة‪ .‬ه ‪--‬ذا وتتم ‪--‬يز احلي ‪--‬اة االجتماعي ‪--‬ة والثقافي ‪--‬ة يف املدين ‪--‬ة ب ‪--‬التنوع وبن ‪--‬وع من‬
‫التس ‪--‬امح االجتم ‪--‬اعي ال ‪--‬ذي يعطي فرص‪ً- -‬ا يف ال ‪--‬رتويح عن النفس والتعب ‪--‬ري عن ال ‪--‬ذات‪ ،‬ك ‪--‬ذلك تتم ‪--‬يز املدين ‪--‬ة ب ‪--‬وفرة‬
‫اخلدمات الكهرباء واملاء والسكن املريح وكافة وسائل احلياة العصرية املرحية‪ .‬واملدن مكان فرص العمل‪.‬‬

‫لكل هذه األسباب كانت املدينة حمط أنظار املهاجرين‪ .‬بينما كان الريف باملقارنة متخلفا وساكنًا ال حيقق للش‪--‬باب‬
‫املتعلم ما يطمح إىل الوصول إليه‪ ،‬إال يف حدود ضيقة هذا وغالبًا ما تسيطر على احلياة الريفية ع‪-‬ادات وتقالي‪-‬د قدمية‬
‫جتع‪-- -‬ل احلري‪-- -‬ات والتن‪-- -‬وع والتع‪-- -‬دد الثق‪-- -‬ايف ال‪-- -‬ذي تقدم‪-- -‬ه املدين‪-- -‬ة ذا بري‪-- -‬ق خ‪-- -‬اص‪ .‬فف‪-- -‬رص العم‪-- -‬ل والتعليم واحلراك‬
‫االجتماعي واملهين غالبًا ما تكون يف املدينة أفضل مما هي عليه يف الريف‪ .‬وتعاين املن‪--‬اطق الريفي‪--‬ة يف أج‪--‬زاء كب‪--‬رية يف‬
‫الع ‪--‬امل من ختل ‪--‬ف تنم ‪--‬وي مقارن ‪--‬ة باملدين ‪--‬ة‪ ،‬أدى إىل رك ‪--‬ود اقتص ‪--‬ادي فيه ‪--‬ا مما ي ‪--‬دفع بأع ‪--‬داد متزاي ‪--‬دة من ش ‪--‬باهبا إىل‬
‫اهلج‪-- -‬رة‪ .‬وه‪-- -‬ذه الظ‪-- -‬روف االجتماعي‪-- -‬ة دفعت بعض الدارس‪-- -‬ني إىل الق‪-- -‬ول بنظري‪-- -‬ات اجتماعي‪-- -‬ة حتاول تفس‪-- -‬ري حي‪-- -‬اة‬
‫املهاجرين وقدرهتم على التعامل مع أوضاع املدينة(‪.)1‬‬

‫نظرية التغير االجتماعي‬ ‫‪)1‬‬

‫تفس‪--‬ر ه‪--‬ذه النظري‪--‬ة اهلج‪--‬رة من خالل ربطه‪--‬ا ب‪--‬التغري االجتم‪--‬اعي ال‪--‬ذي مير ب‪--‬ه اجملتم‪--‬ع فيق‪--‬دم (زلنس‪--‬كي) ‪zelinsky‬‬
‫تفسريه للهجرة من خالل ذكر مخس مراحل تارخيية متر هبا هي‪:‬‬

‫مرحلة اجملتمع التقليدي‪ :‬وكانت اهلجرة فيه حمدودة وذات طابع دوري‪ ،‬إذ كان اجملتمع ككل حمصورًا مكاني‪ً-‬ا‬ ‫‪‬‬
‫حبسب املمارسات العرفية والتقاليد‪.‬‬
‫مرحل‪--‬ة اجملتم‪--‬ع االنتق‪--‬ايل‪ :‬وال‪--‬ذي يتم‪--‬يز بارتف‪--‬اع س‪--‬ريع يف مع‪--‬دالت اإلجناب ومن مث زي‪--‬ادة يف الس‪--‬كان نتجت‬ ‫‪‬‬
‫عنها هجرة واسعة وبالذات اهلجرة الريفية ‪ -‬احلضرية‪.‬‬
‫مرحلة اجملتمع االنتقايل يف مراحله املتأخرة‪ :‬حيث تتقلص معدالت الزيادة الطبيعية للسكان ويص‪--‬احبها ت‪--‬دهور‬ ‫‪‬‬
‫يف معدالت اهلجرة‪.‬‬

‫‪ )(1‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.22‬‬

‫‪186‬‬
‫اجملتمع املتق‪-‬دم ال‪-‬ذي يتم‪-‬يز بت‪-‬دين مع‪-‬دالت اإلجناب والوف‪-‬اة وت‪-‬دين مع‪-‬دالت اهلج‪-‬رة الريفي‪-‬ة احلض‪-‬رية واس‪-‬تبداهلا‬ ‫‪‬‬
‫باهلجرة بني احلواضر أو املدن واالنتقال داخل احلواضر ذاهتا‪.‬‬
‫مس‪-‬تقبل اجملتم‪-‬ع املتق‪-‬دم‪ :‬ويتم‪-‬يز بت‪-‬دين اهلج‪-‬رة وإن م‪-‬ا تبقى منه‪-‬ا س‪-‬يكون هج‪-‬رة بني املدن أو داخله‪-‬ا‪ .‬على أن‬ ‫‪‬‬
‫م ‪--‬ا قدم ‪--‬ه (زلنس ‪--‬كي) متيز بأن ‪--‬ه تفس ‪--‬ري منح ‪--‬از للتجرب ‪--‬ة الغربي ‪--‬ة اساس‪ً- -‬ا وليس بالض ‪--‬رورة يص ‪--‬ور م ‪--‬ا م ‪--‬رت ب ‪--‬ه‬
‫اجملتمعات األخرى غري الغربية‪.‬‬

‫نظرية التنظيم االجتماعي‬ ‫‪)2‬‬

‫ويق ‪--‬دم (م‪-- -‬اجنالم) ‪ Mangalam‬نظري‪-- -‬ة التنظيم االجتم‪-- -‬اعي للهج‪-- -‬رة‪ ،‬حيث يتب‪-- -‬ىن منظ‪-- -‬ور (ت‪-- -‬الكوت بارس ‪--‬ونز)‬
‫ويطبقه على موضوع اهلجرة‪ ،‬فيذكر ثالثة عناص‪-‬ر‪ :‬جمتم‪-‬ع املنش‪-‬ا وجمتم‪-‬ع املقص‪-‬د وامله‪-‬اجر باعتباره‪-‬ا عناص‪-‬ر تتفاع‪-‬ل‬
‫ويعتم ‪--‬د بعض ‪--‬ها على بعض آخ ‪--‬ذًا عنص ‪--‬ر ال ‪--‬زمن واألنظم ‪--‬ة االجتماعي ‪--‬ة املش ‪--‬كلة للنس ‪--‬ق االجتم ‪--‬اعي جماًال التفاع ‪--‬ل‬
‫االجتماعي(‪.)1‬‬

‫وعلى املس‪-‬توى الف‪--‬ردي‪ ،‬ك‪-‬ان الرتك‪-‬يز على عملي‪-‬ة ت‪-‬أقلم وتكي‪-‬ف امله‪-‬اجر م‪--‬ع اجملتم‪-‬ع املض‪--‬يف‪ .‬فلق‪--‬د اق‪-‬رتح (س‪-‬رياز)‬
‫‪ Cerase‬أن ع‪--‬ودة امله‪--‬اجر ميكن أن متيز إىل ثالث‪--‬ة أن‪--‬واع انطالق ‪ً-‬ا من مس‪--‬توى تأقلم‪--‬ه وتكيف‪--‬ه يف اجملتم‪--‬ع املض‪--‬يف‪.‬‬
‫أوهلا أن من يفش‪--‬لون يف التكي‪--‬ف م‪--‬ع اجملتم‪--‬ع املض‪--‬يف ويع‪--‬ودون إىل وطنهم األم باعتب‪--‬ارهم (( مه‪--‬اجرين فاش‪--‬لني) )‪.‬‬
‫ويف‪--‬رتض أن ه‪--‬ؤالء امله‪--‬اجرين ميكن إع‪--‬ادة اس‪--‬تيعاهبم بس‪--‬رعة يف جمتمعهم األص‪--‬لي‪ ،‬دون إن يك‪--‬ون هلم ت‪--‬أثري تغي‪--‬ريي‬
‫على اجملتم‪--‬ع‪ .‬أم‪--‬ا اجملموع‪--‬ة الثاني‪--‬ة فإهنا تتك‪--‬ون من أولئ‪--‬ك ال‪--‬ذين ال يع‪--‬ودون إىل جمتمعهم األص‪--‬لي إال وقت اإلحال‪--‬ة‬
‫على املعاش‪.‬‬

‫ومن مث لن يك‪--‬ون هلم أي ت‪--‬أثري ي‪--‬ذكر على النس‪--‬ق االجتم‪--‬اعي أو االقتص‪--‬ادي‪ .‬أم‪--‬ا اجملموع‪--‬ة الثالث‪--‬ة فهم أولئ‪--‬ك ال‪--‬ذين‬
‫ع ‪--‬ادوا بع ‪--‬د أن حقق ‪--‬وا بعض النج ‪--‬اح يف اجملتم ‪--‬ع املض ‪--‬يف‪ ،‬ول ‪--‬ذا ف ‪--‬إهنم يكون ‪--‬ون كلهم طم ‪--‬وح ونش ‪--‬اط ومس ‪--‬تعدين‬
‫(‪.)2‬‬
‫لالخرتاع واإلبداع يف جمتمعهم األصلي‬

‫وختتل‪-- -‬ف اجملتمع‪-- -‬ات الرأمسالية احلديث‪-- -‬ة يف سياس‪-- -‬اهتا االجتماعي‪-- -‬ة فيم‪-- -‬ا يتعل‪-- -‬ق بامله‪-- -‬اجرين‪ ،‬ففي الوالي‪-- -‬ات املتح‪-- -‬دة‬
‫األمريكي‪--‬ة‪ ،‬ح‪--‬ىت الثالثين‪--‬ات‪ ،‬ك‪--‬انت احلكوم‪--‬ة األمريكي‪--‬ة هتتم بسياس‪--‬ة االنص‪--‬هار الثق‪--‬ايف للمه‪--‬اجرين يف بوتق‪--‬ة اجملتم‪--‬ع‬
‫‪ )(1‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.23‬‬
‫‪ )(2‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.25‬‬

‫‪187‬‬
‫األم ‪--‬ريكي ‪ Melting pot‬وذل‪--‬ك عن طري‪--‬ق إع ‪--‬ادة تنش‪--‬ئة وتثقي‪--‬ف امله ‪--‬اجر ليص ‪--‬بح أمريكي ‪ً-‬ا وذل‪--‬ك على أس‪--‬اس‬
‫ثقافة اجملموعة البيضاء والربوتستانتية املسيطرة على حساب ختلي املهاجرين عن ثقافتهم‪ .‬ويف‪--‬رتض ه‪--‬ذا النم‪--‬وذج أن‬
‫على املهاجر تعلم لغة وقوانني بل وعادات الوطن املضيف بل وعليه أن يتعلم الوالء ل‪--‬ه‪ .‬ل‪--‬ذا فتحت احلكوم‪--‬ة مراك‪--‬ز‬
‫التعليم وتأهي ‪--‬ل امله ‪--‬اجرين ليص ‪--‬بحوا مواط ‪--‬نني‪ .‬وتق ‪--‬وم املؤسس ‪--‬ات التعليمي ‪--‬ة والثقافي ‪--‬ة واالجتماعي ‪--‬ة بتنش ‪--‬ئة أطف ‪--‬ال‬
‫امله ‪--‬اجرين لينص ‪--‬هروا يف اجملتم ‪--‬ع املض ‪--‬يف‪ .‬على أن كن ‪--‬دا البل ‪--‬د اجملاور للوالي ‪--‬ات املتح ‪--‬دة األمريكي ‪--‬ة وال ‪--‬ذي يس ‪--‬تقبل‬
‫مه‪--‬اجرين‪ ،‬تتب‪--‬ىن سياس‪--‬ة خمتلف‪--‬ة كلي ‪ً-‬ا‪ ،‬تق‪--‬وم على القب‪--‬ول بالتعددي‪--‬ة الثقافي‪--‬ة وإعط‪--‬اء الفرص‪--‬ة لك‪--‬ل مجاع‪--‬ة ثقافي‪--‬ة احلق‬
‫بالتعبري عن ذاهتا الثقافية‪ ،‬بل ولقد قامت وحدة البالد على أساس القبول بامتني متجاورتني )أمة متحدثة باالجنليزي‪--‬ة‬
‫وأخرى بالفرنسية )‪.‬‬

‫رابعًا‪ :‬تقدير الهجرة‬

‫تكش‪-‬ف عملي‪-‬ة تق‪-‬دير اهلج‪-‬رة أو قياس‪-‬ها عن كث‪-‬ري من الص‪-‬عوبات ال‪-‬يت ين‪-‬در أن تص‪-‬ادفنا وحنن جنري تق‪-‬ديرًا أو قياس‪ً-‬ا‬
‫للخصوبة أو الوفيات‪.‬‬

‫ول‪-- -‬ذلك يش‪-- -‬ري بعض الكت‪-- -‬اب عن اهلج‪-- -‬رة إىل بعض االعتب‪-- -‬ارات ال‪-- -‬يت جيب اال هنمله‪-- -‬ا وحنن حناول تق‪-- -‬دير اهلج‪-- -‬رة‬
‫بأنواعها املختلفة وأيضًا إىل مصادر البيانات اليت تفيدنا يف عملية التقدير أو القياس(‪.)1‬‬

‫بعض االعتبارات في تقدير الهجرة‬

‫يف مقدمة هذه االعتبارات ضرورة وضع حتديد واضح ملفهوم املك‪-‬ان املعت‪-‬اد لإلقام‪-‬ة طاملا ك‪-‬انت اهلج‪-‬رة عملي‪-‬ة تغي‪-‬ري‬
‫هذا املكان من منطقة إىل أخرى أو من جمتمع إىل غريه ذلك ألن األفراد أو اجلماعات قد يكون هلم أكثر من مكان‬
‫واحد معتاد الإلقامة وه‪-‬ذا ينطب‪-‬ق مثًال على الطلب‪-‬ة والعس‪-‬كريني ون‪-‬زالء الس‪-‬جون‪ ،‬األم‪-‬ر ال‪-‬ذي يص‪-‬عب مع‪-‬ه الوص‪-‬ول‬
‫إىل تقدير صحيح وثابت هلذا املكان مما قد يكون له أثره على ثبات وصدق تقديرات اهلجرة(‪.)2‬‬

‫)(‪1‬‬
‫‪D. M., Heer, Population & Society, Op, Cit., P. 68.‬‬
‫)(‪2‬‬
‫‪Ibid, p. 69.‬‬

‫‪188‬‬
‫كم‪--‬ا تل‪--‬زم احلاج‪--‬ة امللح‪--‬ة أيض‪ً-‬ا إىل وض‪--‬ع تعري‪--‬ف واع ملفه‪--‬وم مث‪--‬ل املوطن األص‪--‬لي ‪ Place of Origin‬ومك‪--‬ان‬
‫املعيش ‪--‬ة أو املص‪-- -‬ري ‪ Destination‬والتفرق‪-- -‬ة بني املفه‪-- -‬ومني ألن ان‪-- -‬دماجهما يف نظ‪-- -‬ر امله‪-- -‬اجرين ومجعهم يف ه‪-- -‬ذا‬
‫التص ‪--‬ور بني وح ‪--‬دة الس ‪--‬كن أو اإلقام ‪--‬ة وبني األم ‪--‬ة والق ‪--‬ارة‪ ،‬وبني املن ‪--‬اطق ال ‪--‬يت يعيش ‪--‬ون فيه ‪--‬ا ويربط ‪--‬ون مص ‪--‬ريهم هبا‬
‫يؤدي إىل نتائج أيضًا خمتلطة وغري دقيقة يف تقدير وقياس اهلجرة‪.‬‬

‫وحيت‪--‬اج األم‪--‬ر ك‪--‬ذلك إىل ض‪--‬رورة حتدي‪--‬د الف‪--‬رتة الزمني‪--‬ة ال‪--‬يت تق‪--‬در خالهلا اهلج‪--‬رة‪ ،‬على أن تك‪--‬ون ه‪--‬ذه الف‪--‬رتة حمددة‬
‫زمني‪ً-‬ا حبوايل س‪--‬نة واح‪--‬دة‪ ،‬وأال تزي‪--‬د عن ذل‪--‬ك أو تط‪--‬ول‪ .‬وذل‪--‬ك ألن إج‪--‬راء عملي‪--‬ة تق‪--‬دير اهلج‪--‬رة خالل ف‪--‬رتة طويل‪--‬ة‬
‫نسبيًا ولتكن يف بداية هذه الفرتة أو يف هنايتها ال يوصلنا إىل العدد احلقيقي إلمجايل حاالت اهلجرة طوال هذه الفرتة‬
‫وذلك ألن األفراد واجلماعات قد يقومون بعدد من التغريات يف اإلقامة كل س‪-‬نة أو أك‪-‬ثر خالل ه‪-‬ذه الف‪-‬رتة ول‪-‬ذلك‬
‫فإن إجراء تقدير اهلجرة خالل ف‪-‬رتة تزي‪-‬د على حقيق‪-‬ة ه‪-‬ذه التغ‪-‬ريات وبالت‪-‬ايل ال يس‪-‬اعدنا على إج‪-‬راء التق‪-‬دير ال‪-‬دقيق‬
‫والصادق حلقيقة اهلجرة‪.‬‬

‫وحيس ‪--‬ب مع ‪--‬دل اهلج ‪--‬رة اخلام عن طري ‪--‬ق حص ‪--‬ر ع ‪--‬دد األف ‪--‬راد يف أح ‪--‬د املن ‪--‬اطق وال ‪--‬ذين ينتقل ‪--‬ون بني ع ‪--‬دد متب ‪--‬اين من‬
‫املن‪--‬اطق الفرعي‪--‬ة‪ .‬وحيس‪--‬ب مع‪--‬دل اهلج‪--‬رة اخلام إىل منطق‪--‬ة فرعي‪--‬ة منه‪--‬ا داخ‪--‬ل اجملتم‪--‬ع األك‪--‬رب‪ ،‬عن طري‪--‬ق قس‪--‬مة ع‪--‬دد‬
‫امله ‪--‬اجرين خالل الس ‪--‬نة إىل ه ‪--‬ذه املنطق ‪--‬ة الفرعي ‪--‬ة إىل إمجايل ع ‪--‬دد الس ‪--‬كان يف منتص ‪--‬ف الع ‪--‬ام بالنس ‪--‬بة هلذه املنطق ‪--‬ة‬
‫نفسها‪.‬‬

‫وحيسب معدل اهلجرة من املوطن األصلي إىل اخلارج خالل ف‪-‬رتة ع‪--‬ام‪ ،‬عن طري‪-‬ق قس‪-‬مة ع‪--‬دد امله‪--‬اجرين إىل اخلارج‬
‫من هذا املوطن على عدد السكان يف نفس الوقت يف منتصف العام‪.‬‬

‫وحيسب معدل اهلج‪-‬رة إىل مك‪-‬ان املعيش‪-‬ة أو املص‪-‬ري عن طري‪-‬ق قس‪-‬مة ع‪-‬دد امله‪-‬اجرين إىل ال‪-‬داخل على ع‪-‬دد الس‪-‬كان‬
‫يف هذا املكان يف منتصف العام(‪.)1‬‬

‫وميكن أيض ‪ً-‬ا حس ‪--‬اب مع ‪--‬دل اهلج ‪--‬رة الص ‪--‬ايف باعتب ‪--‬اره من أك ‪--‬ثر مع ‪--‬دالت اهلج ‪--‬رة ش ‪--‬يوعًا وذل ‪--‬ك من خالل حس ‪--‬اب‬
‫الف ‪--‬ارق بني مع ‪--‬دل اهلج ‪--‬رة من املوطن األص ‪--‬لي ومع ‪--‬دل اهلج ‪--‬رة إىل م ‪--‬وطن املعيش ‪--‬ة‪ ،‬وقس ‪--‬مة الع ‪--‬دد الن ‪--‬اتج على ع ‪--‬دد‬
‫السكان يف منتصف العام‪ .‬وباإلمكان أيضًا حساب معدالت اهلجرة من حيث النوع والعمر وهكذا‪.‬‬

‫)(‪1‬‬
‫‪Ibid, p. 70.‬‬

‫‪189‬‬
‫مصادر بيانات الهجرة‬

‫تتع‪-- -‬دد املص‪-- -‬ادر ال‪-- -‬يت يس‪-- -‬تعان هبا يف احلص‪-- -‬ول على البيان‪-- -‬ات الالزم‪-- -‬ة لتق‪-- -‬دير اهلج‪-- -‬رة بني التع‪-- -‬دادات والتس ‪--‬جيالت‬
‫والبيان‪--‬ات اجلاهزة واملس‪--‬وح أو االستقص‪--‬اءات‪ .‬إذ تنط‪--‬وي التع‪--‬دادات على بيان‪--‬ات ت‪--‬دل على املوطن األص‪--‬لي وعلى‬
‫موطن املعيشة وعلى التنقل من منطقة إىل أخرى‪.‬‬

‫كما تفيد البيانات اليت توفرها نظم التسجيل اإلجباري لكل تنقل من منطقة إىل أخرى ومن خالل مكاتب السجل‬
‫املدين مثًال‪ ،‬ولكل تنقل من جمتمع إىل آخر من خالل مكاتب اجلوازات واجلنسية وتلك ال‪-‬يت تص‪--‬در تص‪--‬اريح للعم‪-‬ل‬
‫باخلارج او اهلجرة أو غريها‪.‬‬

‫وتستطيع البيانات ال‪-‬يت توفره‪-‬ا املس‪-‬وح االجتماعي‪-‬ة وال‪-‬يت يتم فيه‪-‬ا س‪-‬ؤال مجه‪-‬ور املس‪-‬ح أين ك‪-‬انوا يعيش‪-‬ون يف ت‪-‬اريخ‬
‫س‪--‬ابق‪ ،‬أن متدنا مبا يعينن‪--‬ا على تق‪--‬دير اهلج‪--‬رة‪ ،‬ه‪--‬ذا ب‪--‬رغم م‪--‬ا يع‪--‬اب على ه‪--‬ذا الن‪--‬وع من املس‪--‬وح من قص‪--‬ور يف تق‪--‬دير‬
‫الع ‪--‬دد اإلمجايل التنقالت ألن‪--‬ه ال يس ‪--‬تطيع أن ي ‪--‬وفر بيان ‪--‬ات عن بعض األف ‪--‬راد ال ‪--‬ذين ك ‪--‬انوا ق ‪--‬د انتقل ‪--‬وا من منطق ‪--‬ة إىل‬
‫أخرى ولكنهم فارقوا احلياة يف فرتة سابقة على وقت إجراء املسح (‪.)1‬‬

‫حجم الهجرة وخصائص المهاجرين‬

‫يس ‪--‬اعد حص ‪--‬ر ع ‪--‬دد امله ‪--‬اجرين س ‪--‬نويًا يف التع ‪--‬رف على حجم اهلج ‪--‬رة وتفي ‪--‬د مقارن ‪--‬ة ه ‪--‬ذا احلجم حبجم اهلج ‪--‬رة يف‬
‫س‪--‬نوات أخ‪--‬رى يف التع‪--‬رف على الزي‪--‬ادة أو النقص أو يف تعقب اجتاه التغ‪--‬ري يف حجم اهلج‪--‬رة‪ .‬وال حتت‪--‬اج الفائ‪--‬دة ال‪--‬يت‬
‫تعود علينا من هذا التقدير احلجم اهلجرة والتغري فيه إىل تأكيد ذلك ألن معرفة احلجم والتغري فيه تقف مبثاب‪-‬ة مؤش‪-‬رًا‬
‫على من ‪--‬اطق اجلذب والط ‪--‬رد للس ‪--‬كان‪ ،‬ومتد باألس ‪--‬اس يف وض ‪--‬ع ب ‪--‬رامج ومش ‪--‬روعات التخطي ‪--‬ط املت ‪--‬وازن م ‪--‬ع ه ‪--‬ذه‬
‫احلركات يف اهلجرة‪.‬‬

‫ومن املتوقع أن يكون للمهاجرين بعض اخلصائص النوعي‪-‬ة والعمري‪-‬ة والتعليمي‪-‬ة واملهني‪-‬ة والطبيعي‪-‬ة وغريه‪-‬ا‪ ،‬تل‪-‬ك ال‪-‬يت‬
‫متيزهم من غري املهاجرين‪ .‬ولذلك كان التعرف على هذه اخلصائص ال يقل أمهية عن التعرف على حجمهم والتغ‪--‬ري‬
‫يف هذا احلجم‪ ،‬طاملا كانت دراسة هذه اخلص‪--‬ائص كافي‪-‬ة يف فهم نوعي‪-‬ة امله‪--‬اجرين وبالت‪-‬ايل توق‪-‬ع تكيفهم وتش‪-‬كلهم‬
‫مع ظروف املناطق اليت ينتقلون إليها‪ ،‬ولقد دلت الدراسات املتعلق‪--‬ة خص‪--‬ائص امله‪--‬اجرين على أن أعلى نس‪-‬بة للتنق‪--‬ل‬
‫)(‪1‬‬
‫‪Ibid, p. 70.‬‬

‫‪190‬‬
‫واهلجرة تكون بني صغار السن أكثر منها بني املتقدمني يف السن‪ ،‬وأن الرجال أكثر ميًال من النس‪--‬اء إىل اهلج‪--‬رة وأن‬
‫األشخاص الذين تلقوا تعليمًا جامعي‪ً-‬ا أك‪-‬ثر فخ‪-‬رًا ب‪-‬اهلجرة من غ‪-‬ريهم‪ ،‬وأن‪-‬ه تق‪-‬ل ف‪-‬رص اهلج‪-‬رة بني األش‪-‬خاص ال‪-‬ذين‬
‫ميلك‪--‬ون مش‪--‬روعات خاص‪--‬ة أو مهن‪ .‬ألن عليهم إذا فك‪--‬روا يف اهلج‪--‬رة أن يكون‪--‬وا عمالء ج‪--‬دد ملش‪--‬روعاهتم وي‪--‬وفروا‬
‫اإلمكانيات الالزمة اإلقامة مثل هذه املشروعات‪ .‬كم‪-‬ا جيد الع‪-‬املون ال‪-‬ذين يعيش‪-‬ون على مرتب‪-‬اهتم من وظ‪-‬ائفهم من‬
‫الواجب أن يفكروا يف اهلجرة إذا فقدوا هذه الوظائف وهكذا (‪.)1‬‬

‫خامسًا‪ :‬عوامل الهجرة‬

‫عن‪--‬د تن‪--‬اول العوام‪--‬ل أو ال‪--‬دوافع أو األس‪--‬باب ال‪--‬يت ت‪--‬ؤدي إىل ح‪--‬دوث اهلج‪--‬رة بأنواعه‪--‬ا داخلي‪--‬ة أو خارجي‪--‬ة‪ ،‬إرادي‪--‬ة أو‬
‫اض ‪--‬طرارية‪ ،‬مؤقت ‪--‬ة أم دائم ‪--‬ة أو غريه ‪--‬ا ينبغي تقس ‪--‬يم ه ‪--‬ذه العوام ‪--‬ل والتمي ‪--‬يز بينه ‪--‬ا على أس ‪--‬اس جمموع ‪--‬ة العوام ‪--‬ل ال ‪--‬يت‬
‫تكمن يف البالد املرس‪--‬لة للمه‪--‬اجرين وتع‪--‬رف باس‪--‬م عوام‪--‬ل الط‪--‬رد مث جمموع‪--‬ة العوام‪--‬ل ال‪--‬يت تكمن يف البالد املس‪--‬تقبلة‬
‫للمهاجرين وتعرف باسم عوامل اجلذب ذلك ألن جمموعيت هذه العوامل تتفاعل وتتض‪-‬افر فيم‪-‬ا بينه‪-‬ا لتحدي‪-‬د حجم‬
‫اهلجرة واجتاهاهتا‪.‬‬

‫إذ تتمث‪--‬ل عوام‪--‬ل الط‪--‬رد يف اهلج‪--‬رة الدولي‪--‬ة ـ يف ظ‪--‬روف البالد املرس‪--‬لة للمه‪--‬اجرين من الناحي‪--‬ة اجلغرافي‪--‬ة واالقتص‪--‬ادية‬
‫والدميوجرافي ‪--‬ة والسياس ‪--‬ية‪ ،‬حبيث ك ‪--‬انت هج ‪--‬رة الص ‪--‬ينيني اخلارجي ‪--‬ة إىل جن ‪--‬وب ش ‪--‬رق آس ‪--‬يا ترج ‪--‬ع إىل الظ ‪--‬روف‬
‫االقتصادية لبالدهم املتمثلة يف زيادة عدد الس‪-‬كان واخنف‪-‬اض مس‪-‬توى املعيش‪-‬ة وح‪-‬دوث اجملاع‪-‬ات مما جعلهم ي‪-‬رتكون‬
‫بالدهم إىل جمتمعات تبعد يف املس‪-‬افة كث‪-‬ريًا عن م‪-‬وطنهم‪ .‬وك‪-‬انت هج‪-‬رة اليه‪-‬ود من املاني‪-‬ا يف أعق‪-‬اب احلرك‪-‬ة الناري‪-‬ة‬
‫وهج‪--‬رهتم إىل فلس‪--‬طني قب‪--‬ل وبع‪--‬د النكب‪--‬ة ترج‪--‬ع إىل ظ‪--‬روف سياس‪--‬ية لبالدهم‪ .‬وك‪--‬انت هج‪--‬رة األوروب‪--‬يني إىل الع‪--‬امل‬
‫اجلدي ‪--‬د (الوالي ‪--‬ات املتح ‪--‬دة األمريكي ‪--‬ة ترج ‪--‬ع إىل الظ ‪--‬روف الدميوجرافي ‪--‬ة واجلغرافي ‪--‬ة حبيث ك ‪--‬انت زي ‪--‬ادة الس ‪--‬كان يف‬
‫أوروبا وضآلة مساحة األرض من بني الظروف اليت أدت إىل هذه اهلجرة (‪.)2‬‬

‫كم ‪-- -‬ا تتمث ‪-- -‬ل عوام ‪-- -‬ل الط ‪-- -‬رد يف اهلج ‪-- -‬رة الداخلي ‪-- -‬ة يف ظ ‪-- -‬روف البالد املرس ‪-- -‬لة للمه ‪-- -‬اجرين اجلغرافي ‪-- -‬ة واالقتص ‪-- -‬ادية‬
‫والدميوجرافي ‪--‬ة والسياس ‪--‬ية‪ :‬إذا أدى الق ‪--‬رب يف املوق ‪--‬ع اجلغ ‪--‬رايف بني حمافظيت الق ‪--‬اهرة وزي ‪--‬ادة امله ‪--‬اجرين من س ‪--‬كان‬
‫البح‪--‬رية من ناحي‪--‬ة أخ‪--‬رى إىل زي‪--‬ادة نس‪--‬بة امله‪--‬اجرين من س‪--‬كان املنوفي‪--‬ة والقاص‪--‬دين الق‪--‬اهرة وزي‪--‬ادة امله‪--‬اجرين من‬

‫)(‪1‬‬
‫‪Ibid, p. 72.‬‬
‫‪)(2‬‬
‫دكتور السيد محمد غالب ودكتور محمد صبحي عبد الحكيم ‪ ،‬السكان جغرافيا وديموجرافيا مرجع سابق ص ص ‪.159 - 158‬‬

‫‪191‬‬
‫س‪--‬كان البح‪--‬رية والقاص‪--‬دين اإلس‪--‬كندرية يف هج‪--‬رهتم الداخلي‪--‬ة‪ .‬كم‪--‬ا أدت الظ‪--‬روف االقتص‪--‬ادية للمن‪--‬اطق الريفي‪--‬ة إىل‬
‫طرد السكان منها إىل مناطق أخرى هي يف الغالب املناطق احلض‪-‬رية واملدن الص‪-‬ناعية‪ .‬إذ ك‪-‬ان نظ‪-‬ام امللكي‪-‬ة الزراعي‪-‬ة‬
‫يف الري‪--‬ف وترك‪--‬ز امللكي‪--‬ة يف أي‪--‬دي قل‪--‬ة بس‪--‬يطة من العوام‪--‬ل ال‪--‬يت أدت إىل زي‪--‬ادة األي‪--‬دي العامل‪--‬ة غ‪--‬ري املالك‪--‬ة‪ ،‬ومن مث‬
‫زي‪--‬ادة البطال‪--‬ة مما دفعهم إىل البحث عن ف‪--‬رص للعم‪--‬ل يف النش‪--‬اطات االقتص‪--‬ادية ال‪--‬يت تت‪--‬وفر يف القري‪--‬ة وإمنا تنتش‪--‬ر يف‬
‫املدن مثل الصناعة أو التجارة‪.‬‬

‫كم‪--‬ا ت‪--‬رتب على تفتت امللكي‪--‬ة الزراعي‪--‬ة نتيج‪--‬ة لنظ‪--‬ام الوراث‪--‬ة أو غريه‪--‬ا ص‪--‬غر حجم املس‪-‬احات املزروع‪--‬ة وقل‪--‬ة اإلنت‪--‬اج‬
‫واخنفاض مستوى املعيشة مما ي‪-‬ؤثر ك‪-‬ذلك يف ط‪-‬رد الس‪-‬كان حبث‪ً-‬ا عن ف‪-‬رص عم‪-‬ل ومس‪-‬توى معيش‪-‬ة أفض‪-‬ل‪ .‬كم‪-‬ا وأن‬
‫االجتاه إىل استخدام اآلالت احلديث‪-‬ة يف الزراع‪-‬ة ق‪-‬د يس‪-‬اعد على تفش‪-‬ي البطال‪-‬ة يف الري‪-‬ف‪ ،‬وبالت‪-‬ايل ط‪-‬رد الس‪-‬كان من‪-‬ه‬
‫(‪)1‬‬
‫إىل املدن‬

‫كما أدت الزيادة الطبيعية بني املوالي‪-‬د والوفي‪-‬ات يف الري‪-‬ف إىل زي‪-‬ادة مع‪-‬دالت ال‪-‬زواج أيض‪ً-‬ا‪ ،‬وإىل متيز البالد املرس‪-‬لة‬
‫للمهاجرين ميزة دميوجرافية أخرى تطرد السكان من هذه البالد إىل غريها‪.‬‬

‫ولقد كانت الظروف السياسية املميزة للبالد املرسلة للمهاجرين مث‪-‬ل م‪-‬ا ح‪-‬دث يف اندونيس‪-‬يا والياب‪-‬ان وح‪-‬دث أثن‪-‬اء‬
‫ح ‪--‬رب أكت ‪--‬وبر وإخالء من ‪--‬اطق القن ‪--‬اة من بني الظ ‪--‬روف ال ‪--‬يت أدت إىل ط ‪--‬رد الس ‪--‬كان وهج ‪--‬رهتم داخلي‪ً- -‬ا إىل من ‪--‬اطق‬
‫أخرى‪.‬‬

‫عوامل الجذب‬

‫وتنحص ‪--‬ر عوام ‪--‬ل اجلذب للمه ‪--‬اجرين ال ‪--‬دوليني يف ظ ‪--‬روف البالد املس ‪--‬تقبلة هلم من الناحي ‪--‬ة اجلغرافي ‪--‬ة والدميوجرافي ‪--‬ة‬
‫واالقتص‪-‬ادية والسياس‪-‬ية أيض‪ً-‬ا‪ ،‬إذ أدت عوام‪-‬ل اجلذب اجلغرافي‪-‬ة يف الوالي‪-‬ات املتح‪-‬دة األمريكي‪-‬ة من حيث مس‪-‬احات‬
‫األرض الواس‪-- -‬عة وخص‪-- -‬وبتها وثرواهتا التعديني‪-- -‬ة وغريه‪-- -‬ا إىل أن يغ‪-- -‬ادر األوروبي‪-- -‬ون ق‪-- -‬ارهتم إىل األمريك‪-- -‬تني رغم أن‬
‫مس ‪--‬توى املعيش ‪--‬ة يف بالدهم مل يكن منخفض‪ً- -‬ا بدرج ‪--‬ة ت ‪--‬دفعهم إىل اهلج ‪--‬رة‪ .‬وأيض‪ً- -‬ا أدت عوام ‪--‬ل اجلذب السياس ‪--‬ية‬
‫وإمكانية اللجوء السياسي باألملان إىل ترك بالدهم إىل الواليات املتحدة األمريكية‪.‬‬

‫‪)(1‬‬
‫الدكتور محمود عودة ‪ ،‬الهجرة إلى مدينة القاهرة ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ص ‪.11 ، 12‬‬

‫‪192‬‬
‫وتنحصر عوامل اجلذب للمهاجرين داخليًا من منطقة إىل أخرى يف ظروف البالد املستقبلة هلم من الناحية اجلغرافي‪--‬ة‬
‫واالقتصادية والسياسية أيضًا‪.‬‬

‫إذ أدت عوام ‪--‬ل اجلذب اجلغرافي ‪--‬ة واملن ‪--‬اخ األك ‪--‬ثر مالءم ‪--‬ة أن حتظى بالد مث ‪--‬ل فلوري ‪--‬دا وكاليفورني ‪--‬ا مبع ‪--‬دل ع ‪--‬ال من‬
‫اهلجرة الداخلية من مناطق وواليات أخرى إىل هاتني الواليتني األمريكتني (‪.)1‬‬

‫وتدفع عوامل اجلذب االقتصادية يف أحد املناطق مثل توفر مشروعات العمل وفرص العمل والدخل املرتف‪--‬ع والتعليم‬
‫والسكن املالئم إىل اهلجرة الداخلية إليها من مناطق أخرى وكانت اهلج‪-‬رة بس‪-‬بب احلص‪-‬ول على فرص‪-‬ة عم‪-‬ل تتمث‪-‬ل‬
‫يف أكرب نسبة من املهاجرين من الريف إىل احلضر يف مصر(‪.)2‬‬

‫وتدفع عوامل اجلذب السياسية يف أحد املناطق مثل االضطهاد أو التفرق‪-‬ة العنص‪--‬رية إىل هج‪-‬رة الزن‪-‬وج يف أمريك‪-‬ا من‬
‫اجلنوب إىل الشمال حيث يقل االضطهاد والتفرقة العنصرية يف الشمال عنه يف اجلنوب (‪.)3‬‬

‫سادسًا‪ :‬نتائج الهجرة‬

‫ميكن أن تنحصر نتائج اهلجرة فيما يلي وذلك بالنظر إىل نتائج كل من اهلجرة الدولية والداخلية كل على حدة‪.‬‬

‫نتائج الهجرة الدولية‬

‫ي ‪--‬رتتب على اهلج ‪--‬رة الدولي ‪--‬ة نت ‪--‬ائج وآث ‪--‬ار يف االقتص ‪--‬اد وت ‪--‬ركيب الس ‪--‬كان س ‪--‬واء يف البالد املس ‪--‬تقبلة أو البالد املرس ‪--‬لة‬
‫للمهاجرين على النحو التايل‪:‬‬

‫أثر الهجرة الدولية في االقتصاد‬

‫)(‪1‬‬
‫‪D. M. Heer, Op. Cit., p. 75,‬‬
‫‪ )(2‬دكتور محمود عودة ‪ ،‬المرجع السابق ‪13 - 12 ،‬‬
‫)(‪3‬‬
‫‪D, M, Heer, Op, Cit., p. 74,‬‬

‫‪193‬‬
‫تؤثر اهلجرة الدولية يف استثمار املوارد الطبيعية يف البالد املستقبلة للمهاجرين وجتعلها تكتسب أيدي عاملة جدي‪--‬دة‪.‬‬
‫ألن امله ‪--‬اجرين يكون ‪--‬ون يف الغ ‪--‬الب من ال ‪--‬ذكور ال ‪--‬ذين يقع ‪--‬ون س ‪--‬ن اإلنت ‪--‬اج والعم ‪--‬ل إذ ك ‪--‬انت من نتيج ‪--‬ة اهلج ‪--‬رات‬
‫الدولي‪--‬ة إىل ك‪--‬ل من األمريك‪--‬تني واس‪--‬رتاليا‪ ،‬تغ‪--‬ريت مع‪--‬امل االقتص‪--‬اد الع‪--‬املي حيث ك‪--‬ان للمه‪--‬اجرين إىل البل‪--‬دتني دور‬
‫ب ‪--‬ارز يف اس ‪--‬تثمار موارده ‪--‬ا وإض ‪--‬افة إمكاني ‪--‬ات بش ‪--‬رية إليه ‪--‬ا ومنو م ‪--‬وارد ال ‪--‬ثروة واالقتص ‪--‬اد الع ‪--‬املي مما ض ‪--‬اعف إنت ‪--‬اج‬
‫السلع وأدى إىل منو اإلنتاج(‪.)1‬‬

‫أثر الهجرة الدولية على التركيب السكاني‬

‫ت‪--‬ؤثر اهلج‪--‬رة الدولي‪--‬ة يف تركيب‪--‬ة الس‪--‬كان من حيث الن‪--‬وع والعم‪--‬ر وبالت‪--‬ايل من حيث اخلص‪--‬وبة وال‪--‬زواج‪ .‬إذ أن‪--‬ه غالب‪ً-‬ا‬
‫يك ‪--‬ون امله ‪--‬اجرون من ال ‪--‬ذكور‪ ،‬األم ‪--‬ر ال ‪--‬ذي تزي ‪--‬د مع ‪--‬ه ه ‪--‬ذه النس ‪--‬بة يف البالد املس ‪--‬تقبلة وتنخفض يف البالد املرس ‪--‬لة‬
‫للمهاجرين ففي بالد مثل األرجنتني واسرتاليا باعتبارمها مستقبلتني للمهاجرين‪ ،‬زادت نسبة الذكور عن اإلناث أم‪--‬ا‬
‫يف بالد مث‪--‬ل بريطاني‪--‬ا واملاني‪--‬ا باعتبارمها مرس‪--‬لتني للمه‪--‬اجرين ف‪--‬إن نس‪--‬بة ال‪--‬ذكور تنخفض عن نس‪--‬بة اإلن‪--‬اث بش‪--‬كل‬
‫ملحوظ‪.‬‬

‫ومن األمثل‪--‬ة على أث‪--‬ر اهلج‪--‬رة الدولي‪--‬ة يف تركيب‪--‬ة الس‪--‬كان من حيث الس‪--‬ن م‪--‬ا الحظ‪--‬ه علم‪--‬اء الس‪--‬كان يف فرنس‪--‬ا من‬
‫ارتف‪--‬اع نس‪--‬بة متوس‪--‬طي الس‪--‬ن والعم‪--‬ر‪ ،‬واخنف‪--‬اض نس‪--‬بة ص‪--‬غار الس‪--‬ن هبا واخنف‪--‬اض مع‪--‬دالت اخلص‪--‬وبة‪ ،‬وذل‪--‬ك نتيج‪--‬ة‬
‫للهج‪--‬رات املختلف‪--‬ة ال‪--‬يت اس‪--‬تقبلتها فرنس‪--‬ا يف الف‪--‬رتة م‪--‬ا بني احلربني الع‪--‬امليتني‪ ،‬وأن امله‪--‬اجرين ع‪--‬ادة هم من متوس‪--‬طي‬
‫السن‪.‬‬

‫كم ‪--‬ا ت ‪--‬ؤثر اهلج ‪--‬رة من ناحي ‪--‬ة ثالث ‪--‬ة يف تركيب ‪--‬ة الس ‪--‬كان من حيث اجلنس والعنص ‪--‬ر وه ‪--‬ذا يتض ‪--‬ح يف البالد املس ‪--‬تقبلة‬
‫للمه‪--‬اجرين مث‪-‬ل الوالي‪-‬ات املتح‪-‬دة األمريكي‪-‬ة وجن‪-‬وب أفريقي‪-‬ا وفلس‪-‬طني‪ ،‬وك‪-‬ان ه‪--‬ذا الن‪-‬وع من اهلج‪-‬رات ي‪-‬ؤدي إىل‬
‫قيام مشكالت اجتماعية خطرية تتمثل يف مشكلة الزنوج يف الواليات املتحدة األمريكية‪ ،‬ومشكلة التفرقة العنص‪--‬رية‬
‫يف جنوب أفريقيا‪ ،‬ومشكلة إسرائيل يف فلسطني‪.‬‬

‫‪)(1‬‬
‫دكتور السيد محمد غالب ‪ ،‬ودكتور محمد صبحي عبد الحكيم مرجع سابق ‪ ،‬ص ص ‪161 - 160‬‬

‫‪194‬‬
‫ولق ‪--‬د أدت ه ‪--‬ذه اهلج ‪--‬رات الدولي ‪--‬ة يف البالد املذكورة إىل زي ‪--‬ادة االختالف بني الس ‪--‬كان من حيث اجلنس والعنص ‪--‬ر‬
‫وإىل ع‪--‬دم التج‪--‬انس االجتم‪--‬اعي بينهم‪ ،‬مما ي‪--‬رتتب علي‪--‬ه ظه‪--‬ور مش‪--‬كالت التفرق‪--‬ة العنص‪--‬رية املش‪--‬ار إليه‪--‬ا‪ ،‬ب‪--‬ل وقي‪--‬ام‬
‫احلروب يف بعض األحيان كما هو احلال بالنسبة ملثال الكيان اإلسرائيلي يف فلسطني‪.‬‬

‫نتائج الهجرة الداخلية‬

‫ترتك اهلجرة الداخلية آثارًا متعددة على اجملتمع الريفي واحلضري كما يلي‪:‬‬

‫إذ ينقص حجم العمالة يف الريف نتيجة ملوجات اهلجرة إىل املدن ويرتفع أجر العامل الزراعي‪.‬‬ ‫‪.1‬‬
‫ي ‪--‬رتكز العم ‪--‬ال يف املدن واإلنت ‪--‬اج الص ‪--‬ناعي وهي إح ‪--‬دى ف ‪--‬روع اإلنت ‪--‬اج العدي ‪--‬دة نتيج ‪--‬ة املوج ‪--‬ات اهلج ‪--‬رة‬ ‫‪.2‬‬
‫املتزاي‪--‬دة من الري‪--‬ف إىل احلض‪--‬ر مما ي‪--‬رتتب علي‪--‬ه اختالل الت‪--‬وازن بني خمتل‪--‬ف ف‪--‬روع اإلنت‪--‬اج واخلدمات وع‪--‬دم‬
‫التناسق بني القوى اليت تعمل على تطوير اجملتمع‪ .‬كما أدى تركز العمالة يف الص‪--‬ناعة إىل اخنف‪--‬اض األج‪--‬ور‪،‬‬
‫األمر الذي ترتب عليه اخنفاض مستوى املعيشة وظهور كثري من املشاكل االجتماعية‪ .‬إذ كان ه‪-‬ذا الوض‪-‬ع‬
‫أوضح ما يكون بعد الثورة الصناعية يف أوروبا واستقبال املدن لعدد متزايد من العمال الوافدين من الري‪--‬ف‬
‫مما أدى إىل اخنفاض أجورهم إىل ما يسمى بأجر الكفاف وال‪-‬ذي تس‪-‬بب يف حال‪-‬ة الب‪-‬ؤس ال‪-‬يت ك‪-‬ان يعيش‪-‬ها‬
‫العم‪--‬ال يف ذل‪--‬ك ال‪--‬وقت وال‪--‬يت أث‪--‬ارت تي‪--‬ارات الفك‪--‬ر االش‪--‬رتاكي ال‪--‬يت رك‪--‬زت كتاباهتا الرئيس‪--‬ية ح‪--‬ول ب‪--‬ؤس‬
‫الطبقة العاملة(‪.)1‬‬
‫أدت زي ‪--‬ادة الكثاف ‪--‬ة الس ‪--‬كانية يف املدن نتيج ‪--‬ة للهج ‪--‬رة الداخلي ‪--‬ة إىل ظه ‪--‬ور كث ‪--‬ري من املش ‪--‬اكل ال ‪--‬يت ميكن‬ ‫‪.3‬‬
‫حصرها يف مشاكل اإلسكان واملواصالت والصحة العامة والرتفيه ومؤسسات اخلدمة العامة‪.‬‬
‫ت ‪--‬رتب على زي ‪--‬ادة الس ‪--‬كان يف املدن نتيج ‪--‬ة لتي ‪--‬ارات اهلج ‪--‬رة انتش ‪--‬ار كث ‪--‬ري من مظ ‪--‬اهر الس ‪--‬لوك املنح ‪--‬رف‪،‬‬ ‫‪.4‬‬
‫وارتفاع معدالت اجلرائم على اختالف أمناطها‪.‬‬
‫أدت اهلج‪-- -‬رة الداخلي‪-- -‬ة من الري‪-- -‬ف إىل احلض‪-- -‬ر إىل تفك‪-- -‬ك الرواب‪-- -‬ط االجتماعي‪-- -‬ة للف‪-- -‬رد بين‪-- -‬ه وبني خمتل‪-- -‬ف‬ ‫‪.5‬‬
‫اجلماعات اليت يرتبط هبا ارتباطًا قرابيًا ويف مقدمتها األسرة املمتدة وأسرة التوجيه‪.‬‬

‫‪)(1‬‬
‫دكتور أحمد الخشاب سكان المجتمع العربي ‪ ،‬مرجع سابق ص ص ‪278 - 275‬‬

‫‪195‬‬
‫أدت اهلج‪--‬رة الداخلي‪--‬ة املتزاي‪--‬دة من الري‪--‬ف إىل احلض‪--‬ر م‪--‬ع زي‪--‬ادة االهتم‪--‬ام بس‪--‬كان | املدين‪--‬ة إىل ختل‪--‬ف أه‪--‬ل‬ ‫‪.6‬‬
‫الريف عن أهل احلضر‪ ،‬وإىل قيام هوة ثقافية بني قطاعي اجملتمع الواح‪-‬د‪ ،‬وال ش‪-‬ك يف أن ه‪-‬ذه اهلج‪-‬رة هتدد‬
‫وحدة اجملتمع وكيانه (‪.)1‬‬

‫سابعًا‪ :‬ظاهرة الهجرة الداخلية الريفية الحضرية في مصر‬

‫نتناول هنا موضوع اهلجرة الريفية أي اهلجرة من الريف إىل احلضر من ثالثة جوانب مهم‪--‬ة‪ ،‬هي أمناطه‪--‬ا‪ ،‬ودوافعه‪--‬ا‬
‫واآلثار املرتتبة عليها‪ .‬وذل‪-‬ك يف حماول‪-‬ة لالس‪-‬تفادة من البيان‪-‬ات املنش‪-‬ورة عن اهلج‪-‬رة بص‪-‬فة عام‪-‬ة وعن اهلج‪-‬رة الريفي‪-‬ة‬
‫بص ‪--‬فة خاص ‪--‬ة باإلض ‪--‬افة إىل بيان ‪--‬ات مس ‪--‬تقاة من دراس ‪--‬ات ميداني ‪--‬ة س ‪--‬ابقة على عين ‪--‬ة من الس ‪--‬كان يف ع ‪--‬دد من ق ‪--‬رى‬
‫البحرية والدقهلية والشرقية والغربية والقليوبية واملنوفية وكفر الشيخ ودمياط‪.‬‬

‫الهجرة من الريف إلى الحضر‬

‫متثل اهلجرة من الريف إىل احلضر اجلزء األكرب من اهلجرة الداخلية‪ .‬وبالرغم من قلة البيانات بالنس‪--‬بة هلذا النم‪--‬ط من‬
‫اهلجرة إال أن هناك وسائل متعددة ميكن أن يستعني هبا الباحث للتغلب على هذه الصعوبة (‪.)2‬‬

‫ومتث‪--‬ل بيان‪--‬ات التع‪--‬داد إح‪--‬دى ه‪--‬ذه الوس‪--‬ائل‪ ،‬إذ اتض‪--‬ح أن هن‪--‬اك اجتاه ‪ً-‬ا إىل زي‪--‬ادة نس‪--‬بة الس‪--‬كان يف املدن من تع‪--‬داد‬
‫آلخر يف مصر كما يوضحه اجلدول التايل‪:‬‬

‫جدول رقم (‪)13‬‬

‫يوضح التوزيع العددي والنسبي لسكان الحضر والريف من (‪1907‬م – ‪1966‬م)‬

‫سكان الريف‬ ‫سكان الحضر‬ ‫جملة السكان‬ ‫سنة التعداد‬


‫النسبة المئوية‬ ‫العدد بالمليون‬ ‫النسبة المئوية‬ ‫العدد بالمليون‬ ‫بالمليون‬
‫‪81‬‬ ‫‪8.058‬‬ ‫‪10‬‬ ‫‪2.125‬‬ ‫‪11.183‬‬ ‫‪1907‬م‬
‫‪79‬‬ ‫‪10.030‬‬ ‫‪21‬‬ ‫‪2.640‬‬ ‫‪29.731‬‬ ‫‪1917‬م‬
‫‪ )(1‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.277‬‬
‫‪ )(2‬دكتور مرزوق عارف عبد الرحيم الهجرة الريفية والحضرية في مصر ‪ ،‬الحلقة الدراسية لعلم االجتماع الريفي في مصر ‪1971 ،‬م ‪ ،‬ص ‪.209‬‬

‫‪196‬‬
‫‪74‬‬ ‫‪10.367‬‬ ‫‪26‬‬ ‫‪3.716‬‬ ‫‪12.670‬‬ ‫‪1927‬م‬
‫‪72‬‬ ‫‪11.459‬‬ ‫‪28‬‬ ‫‪4.283‬‬ ‫‪14.083‬‬ ‫‪1937‬م‬
‫‪67‬‬ ‫‪12.603‬‬ ‫‪33‬‬ ‫‪6.202‬‬ ‫‪15.811‬‬ ‫‪1947‬م‬
‫‪63‬‬ ‫‪16.120‬‬ ‫‪17‬‬ ‫‪9.651‬‬ ‫‪18.805‬‬ ‫‪1960‬م‬
‫‪60‬‬ ‫‪17.689‬‬ ‫‪40‬‬ ‫‪12.042‬‬ ‫‪25.771‬‬ ‫‪1966‬م‬
‫ويستنتج من هذا الجدول الحقائق التالية‪:‬‬

‫أن هناك تدرجًا بالنقص يف سكان الريف وتدرجًا مصاحبًا بالزيادة يف سكان احلضر‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫تضاعف سكان احلضر فيما بني ‪1907‬م ‪1966 -‬م‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫ترجع الزيادة يف السكان إىل التنمية املطردة يف القطاع الصناعي واخلدمات واجتذاهبا للكثري من سكان الريف‬ ‫‪‬‬
‫(‪.)1‬‬

‫صافي الهجرة‬

‫وللتع ‪--‬رف على حرك ‪--‬ة الس ‪--‬كان باس ‪--‬تخالص ص ‪--‬ايف اهلج ‪--‬رة بني ع ‪--‬امي ‪1960‬م ‪1965 -‬م أمكن وض ‪--‬ع اجلدول‬
‫التايل‪:‬‬

‫جدول رقم (‪)14‬‬

‫يوضح صافي الهجرة للسكان بين المحافظات (الفترة ما بين ‪1960‬م – ‪1965‬م) باأللف‬

‫الجملة‬ ‫المهاجرون اإلناث‬ ‫المهاجرون الذكور‬ ‫البيان‬

‫‪314‬‬ ‫‪174‬‬ ‫‪140‬‬ ‫القاهرة‬


‫‪72‬‬ ‫‪35‬‬ ‫‪37‬‬ ‫اإلسكندرية‬
‫‪8‬‬ ‫‪4‬‬ ‫‪4‬‬ ‫بورسعيد‬
‫‪8‬‬ ‫‪6‬‬ ‫‪6‬‬ ‫اإلمساعيلية‬
‫‪20‬‬ ‫‪10‬‬ ‫‪10‬‬ ‫السويس‬

‫‪ )(1‬مرجع سابق‪.‬‬

‫‪197‬‬
‫‪46‬‬ ‫‪23‬‬ ‫‪23‬‬ ‫اجليزة‬
‫‪19‬‬ ‫‪5‬‬ ‫‪14‬‬ ‫أسوان‬
‫‪4‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪4‬‬ ‫حمافظات احلدود‬

‫محافظات انتقل إليها السكان من جهات أخرى‪:‬‬ ‫[‪]1‬‬

‫جدول رقم (‪)15‬‬

‫تابع صافي الهجرة للسكان‬

‫الجملة‬ ‫المهاجرون اإلناث‬ ‫المهاجرون الذكور‬ ‫البيان‬

‫‪11‬‬ ‫‪5‬‬ ‫‪6‬‬ ‫دمياط‬


‫‪2‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪-‬‬ ‫الدقهلية‬
‫‪20‬‬ ‫‪11‬‬ ‫‪9‬‬ ‫الشرقية‬
‫‪6‬‬ ‫‪4‬‬ ‫‪2‬‬ ‫القليوبية‬
‫‪27‬‬ ‫‪11‬‬ ‫‪16‬‬ ‫كفر الشيخ‬
‫‪45‬‬ ‫‪23‬‬ ‫‪22‬‬ ‫الغريبة‬
‫‪74‬‬ ‫‪38‬‬ ‫‪36‬‬ ‫املنوفية‬
‫‪13‬‬ ‫‪5‬‬ ‫‪8‬‬ ‫البحرية‬
‫‪54‬‬ ‫‪25‬‬ ‫‪29‬‬ ‫بين سويف‬
‫‪32‬‬ ‫‪13‬‬ ‫‪19‬‬ ‫الفيوم‬
‫‪72‬‬ ‫‪32‬‬ ‫‪40‬‬ ‫املنيا‬
‫‪11‬‬ ‫‪7‬‬ ‫‪4‬‬ ‫أسيوط‬
‫‪28‬‬ ‫‪13‬‬ ‫‪15‬‬ ‫سوهاج‬
‫‪198‬‬
‫‪60‬‬ ‫‪29‬‬ ‫‪31‬‬ ‫قنا‬

‫محافظات انتقل منها السكان إلى غيرها‪:‬‬ ‫[‪]2‬‬

‫ويوضح هذا اجلدول‪:‬‬

‫أن هن ‪--‬اك حمافظ ‪--‬ات مس ‪--‬تقبلة للمه ‪--‬اجرين وأخ ‪--‬رى ط ‪--‬اردة هلم وتتمث ‪--‬ل احملافظ ‪--‬ات املس ‪--‬تقبلة يف احملافظ ‪--‬ات‬ ‫ا‪.‬‬
‫احلضرية‪.‬‬
‫يزيد عدد املهاجرين اىل احملافظات املستقبلة وخاصة الق‪--‬اهرة واإلس‪--‬كندرية من ال‪--‬ذكور عن ع‪--‬دد امله‪--‬اجرين‬ ‫ب‪.‬‬
‫من اإلناث‪.‬‬
‫يزي ‪--‬د ع ‪--‬دد الن ‪--‬ازحني من احملافظ ‪--‬ات الط ‪--‬اردة وال ‪--‬يت ينتق ‪--‬ل الس ‪--‬كان منه ‪--‬ا إىل غريه ‪--‬ا من ال ‪--‬ذكور عن ع ‪--‬دد‬ ‫ج‪.‬‬
‫النازحني من اإلناث‪ ،‬ويتضح ذلك بني حمافظات دمياط وكفر الشيخ والبحرية وبين سويف‪.‬‬
‫يزيد عمومًا عدد الذكور من املهاجرين على عدد اإلناث بني احملافظات‪.‬‬ ‫د‪.‬‬

‫دوافع الهجرة‬

‫تتشابك دوافع السكان إىل اهلجرة من اقليم القليم ومن الريف إىل احلضر‪ ،‬حيث ترتكز يف البحث عن فرص العمل‬
‫أو األجور املرتفعة أو األرض الزراعية اجليدة‪ ،‬أو عملي‪-‬ة التص‪-‬نيع والتق‪-‬دم التكنول‪-‬وجي أو التغ‪-‬ري الثق‪-‬ايف‪ ،‬حبيث أمكن‬
‫تقس‪-‬يم او حتدي‪-‬د دواف‪-‬ع اهلج‪-‬رة إىل هج‪-‬رة العم‪-‬ل‪ ،‬وهج‪-‬رة الطلب‪-‬ة‪ ،‬وهج‪-‬رة اإلن‪-‬اث لل‪-‬زواج واهلج‪-‬رة بس‪-‬بب التقاع‪-‬د‪،‬‬
‫وأخ‪--‬ريًا اهلج‪--‬رة االجباري‪--‬ة أو بس‪--‬بب دواف‪--‬ع أخ‪--‬رى‪ .‬وتنط‪--‬وي اجلداول التالي‪--‬ة على نت‪--‬ائج بعض البح‪--‬وث ال‪--‬يت تن‪--‬اولت‬
‫دوافع اهلجرة بني حمافظات مصر(‪.)1‬‬

‫ويمكن استخالص النتائج التالية من بيانات الجداول التالية‪:‬‬

‫متث‪--‬ل اهلج‪--‬رة بس‪--‬بب طلب العم‪--‬ل (دافع ‪ً-‬ا اقتص‪--‬اديًا( أك‪--‬رب نس‪--‬بة فهي متث‪--‬ل ‪ % 40.7‬من إمجايل ع‪--‬دد امله‪--‬اجرين‬ ‫‪.1‬‬
‫النازحني و‪ % 37‬من بني عدد الوافدين‪.‬‬

‫‪)( 1‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.228‬‬

‫‪199‬‬
‫متث‪--‬ل اهلج‪--‬رة بس‪--‬بب ال‪--‬زواج داف‪--‬ع اجتم‪--‬اعي املرتب‪--‬ة الثاني‪--‬ة بني العوام ‪--‬ل حيث بلغت ‪ % 18.8‬بني الن‪--‬ازحني و‬ ‫‪.2‬‬
‫‪ % 23.3‬بني الوافدين‪.‬‬
‫متث‪--‬ل اهلج‪--‬رة بس‪--‬بب نق‪--‬ل مك‪--‬ان العم‪--‬ل مرتب‪--‬ة ثالث‪--‬ة بني العوام‪--‬ل حيث بلغت ‪ 14.9‬من الن‪--‬ازحني ‪ % 8,5‬بني‬ ‫‪.3‬‬
‫الوافدين‪.‬‬
‫متثل اهلجرة بسبب النكبات املفاجأة ‪ % 3.1‬بني النازحني و‪ % 5.3‬بني الوافدين (‪.)1‬‬ ‫‪.4‬‬

‫هنا جدولني صـ ‪234‬‬

‫اآلثــار المترتبــة على الهجــرة‪ :‬ت ‪--‬رتتب على اهلج ‪--‬رة من الري ‪--‬ف إىل احلض ‪--‬ر‪ ،‬آث ‪--‬ار اقتص ‪--‬ادية واجتماعي ‪--‬ة ودميوجرافي ‪--‬ة‬
‫خمتلفة‪.‬‬

‫اآلثـار االقتصــادية للهجـرة‪ :‬تلعب اهلج‪--‬رة دورًا هام‪ً-‬ا يف منو االقتص‪--‬اد وزي‪--‬ادة ال‪--‬دخل وال‪--‬ثروة‪ ،‬وختفي‪--‬ف البطال‪--‬ة‪ .‬إذ‬
‫ساعدت اهلجرة من الريف إىل املدن الصناعية الكربى كمدن كفر الدوار واحمللة الك‪-‬ربى وحل‪-‬وان‪ ،‬وك‪-‬ذلك اهلج‪-‬رة‬
‫إىل املن ‪--‬اطق املستص ‪--‬لحة أو احلديث ‪--‬ة الزراع ‪--‬ة أو االس ‪--‬تغالل‪ ،‬كم ‪--‬ا يف من ‪--‬اطق مديري ‪--‬ة التحري ‪--‬ر وابيس إىل منو االقتص ‪--‬اد‬
‫وزيادة الدخل والتخفيف من حالة البطالة اليت كان يعاين منها املهاجرون يف بالدهم األصلية‪.‬‬

‫اآلث ــار الديموجرافي ــة للهج ــرة‪ :‬ت ‪--‬ؤثر اهلج ‪--‬رة على ال ‪--‬رتكيب العم ‪--‬ري والن ‪--‬وعي للمه ‪--‬اجرين وعلى تك ‪--‬وينهم امله ‪--‬ين‬
‫والعمالة وغريها‪ .‬إذ تأخذ نسبة الذكور يف اجملتمع احلضري يف االرتف‪-‬اع الت‪-‬درجيي وتف‪-‬وق نس‪-‬بة اإلن‪-‬اث‪ ،‬نتيج‪-‬ة ألن‬
‫نسبة املهاجرين من بني الذكور تفوق نسبة املهاجرين من بني اإلناث‪ ،‬ووجد من ناحية التوزيع العم‪--‬ري أن من هم‬
‫يف سن ‪ 15‬سنة و‪ 40‬سنة تزيد نسبتهم يف املدن عنها يف القرى خبالف مراحل السن األخ‪--‬رى‪ ،‬وذل‪--‬ك ألن اهلج‪--‬رة‬
‫حتدث يف س‪-- -‬ن العمال‪-- -‬ة بدرج‪-- -‬ة أك‪-- -‬رب من ب‪-- -‬اقي فئ‪-- -‬ات الس‪-- -‬ن تارك‪-- -‬ة وراءه‪-- -‬ا من هم يف س‪-- -‬ن اإلعال‪-- -‬ة من األطف‪-- -‬ال‬
‫والش‪--‬يوخ‪ .‬ومن ناحي‪--‬ة ال‪--‬رتكيب امله‪--‬ين‪ ،‬يه‪--‬اجر العم‪--‬ال نص‪--‬ف الفن‪--‬يني أو غ‪--‬ري الفن‪--‬يني من الزراع‪--‬ة إىل الص‪--‬ناعة حيث‬
‫تتاح هلم فرصة التدريب على األعمال اجلديدة وحيققون حراكًا مهنيًا يؤثر يف التكوين املهين للمجتمع‪.‬‬
‫‪ )(1‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.236‬‬

‫‪200‬‬
‫اآلثــار االجتماعيــة للهجــرة‪ :‬تتمث‪--‬ل أهم اآلث‪--‬ار االجتماعي‪--‬ة للهج‪--‬رة يف عملي‪--‬ة التكي‪--‬ف االجتم‪--‬اعي للمه‪--‬اجرين م‪--‬ع‬
‫البالد املستقبلة هلم نظرًا الختالف ثقافتها عن ثقافة جمتمعاهتم األصلية واليت غالبًا ما تكون جمتمع‪--‬ات ريفي‪-‬ة‪ .‬وتعم‪-‬ل‬
‫اهلجرة على ازدحام األحياء الفقرية يف عواصم املدن‪ ،‬مما يرتتب عليه الكثري من املشكالت االجتماعية ويف مق‪--‬دمتها‬
‫اجلرمية واالحنراف‪ ،‬كما أن اهلجرة تضغط على األنشطة االقتصادية واحلرفية يف مناطق االستقبال‪ .‬أم‪--‬ا من‪--‬اطق الط‪--‬رد‬
‫وهي اجملتمع‪--‬ات الريفي‪--‬ة‪ ،‬فتخت‪--‬ار اهلج‪--‬رة منه‪--‬ا من هم على درج‪--‬ة عالي‪--‬ة من التعليم وال‪--‬ذكاء وأص‪--‬حاب املهن الفني‪--‬ة‬
‫واألعمال وحترم املناطق الريفية من قيادهتم ومن الطبقات الالزمة لتقدمها االجتماعي(‪.)1‬‬

‫ثامنًا‪ :‬الهجرة ودورة األسرة‬

‫نس ‪--‬تعرض فيم ‪--‬ا يلي خالص ‪--‬ة حبث أج ‪--‬راه أح ‪--‬د املش ‪--‬تغلني يف علم االجتم ‪--‬اع واملهتمني بدراس ‪--‬ة الظ ‪--‬واهر الس ‪--‬كانية‪،‬‬
‫وكان البحث يتناول ظاهرة اهلجرة‪ ،‬ح‪-‬ىت يتس‪-‬ىن لن‪-‬ا الوق‪-‬وف على كيفي‪-‬ة إج‪-‬راء حتلي‪-‬ل اجتم‪-‬اعي لظ‪-‬اهرة اهلج‪-‬رة من‬
‫ناحي ‪--‬ة وكي ‪--‬ف أن البحث االجتم ‪--‬اعي للظ ‪--‬واهر الس ‪--‬كانية يتج ‪--‬اوز كث ‪--‬ريًا عن الثغ ‪--‬رات ال ‪--‬يت تؤخ ‪--‬ذ على األس ‪--‬اليب‬
‫الدميوجرافية يف تناول هذه الظواهر‪.‬‬

‫فلقد بدأ الباحث باستعراض تراث اهلجرة‪ ،‬مث أخذ يكشف عن الثغرات يف هذا الرتاث‪ ،‬وشرع بعد ذل‪--‬ك يف حتدي‪--‬د‬
‫ه‪--‬دف حبث‪-‬ه واختي‪-‬ار اإلج‪-‬راءات املنهجي‪-‬ة املناس‪-‬بة‪ ،‬ال‪-‬يت أوص‪--‬لته إىل ع‪--‬دد من النت‪-‬ائج تل‪-‬ك ال‪-‬يت ألقت الض‪--‬وء على أث‪-‬ر‬
‫دورة األسرة يف عملية اهلجرة‪.‬‬

‫تراث الهجرة‬

‫ينط‪--‬وي ت‪--‬راث اهلج‪--‬رة على املس‪--‬توى الع‪--‬املي على جمموع‪--‬ة من النت‪--‬ائج العام‪--‬ة ال‪--‬يت تلقي الض‪--‬وء على ه‪--‬ذه الظ‪--‬اهرة من‬
‫ع‪--‬دة ج‪--‬وانب‪ ،‬بعض‪--‬ها يوض‪--‬ح عوام‪--‬ل اهلج‪--‬رة واألخ‪--‬رى حتل‪--‬ل عوام‪--‬ل التي‪--‬ار العكس‪--‬ي للهج‪--‬رة والثالث‪--‬ة ت‪--‬بني عوام‪--‬ل‬
‫اجلذب يف املناطق املستقبلة للمهاجرين‪ ،‬واألخرية تكشف عن خصائص املهاجرين‪.‬‬

‫‪ )(1‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪236‬‬

‫‪201‬‬
‫فهن‪-‬اك قائم‪-‬ة طويل‪-‬ة تض‪--‬م خمتل‪-‬ف العوام‪--‬ل واألس‪-‬باب ال‪-‬يت ت‪-‬ؤدي إىل اهلج‪-‬رة بعض‪--‬ها عوام‪--‬ل اقتص‪--‬ادية وبعض‪--‬ها اآلخ‪-‬ر‬
‫عوام‪--‬ل اجتماعي‪-‬ة وبعض‪--‬ها الث‪-‬الث عوام‪--‬ل شخص‪--‬ية وختتل‪-‬ف األمهي‪-‬ة النس‪-‬بية هلذه العوام‪--‬ل على اس‪-‬اس اختالف نوعي‪-‬ة‬
‫اهلج‪--‬رة ومنطه‪--‬ا‪ ،‬من الري‪--‬ف إىل املدين‪--‬ة أو من البل‪--‬د إىل خارج‪--‬ه‪ ،‬مث بتب‪--‬اين املس‪--‬افة ال‪--‬يت تقطعه‪--‬ا عملي‪--‬ة اهلج‪--‬رة‪ ،‬واجلو‬
‫اجلغرايف‪...‬اخل(‪.)1‬‬

‫وعموم ‪ً- -‬ا تك‪-- -‬ون اهلج‪-- -‬رة يف املن‪-- -‬اطق األق‪-- -‬ل دخًال ومس‪-- -‬توى املعيش‪-- -‬ة واالس‪-- -‬تهالك إىل امله‪-- -‬اجرين إليه‪-- -‬ا من املن‪-- -‬اطق‬
‫األخرى‪ .‬تلك املناطق األفضل من هذه النواحي‪ .‬وجتذب املناطق ال‪-‬يت تتج‪-‬ه بس‪-‬رعة حنو التص‪-‬نيع امله‪-‬اجرين إليه‪-‬ا من‬
‫املناطق األخرى‪.‬‬

‫وقد لوحظ أن تفسري التيار العكسي للهجرة من خالل الفروق االقتصادية الشاملة ال يع‪--‬رب عن حقيق‪--‬ة ه‪--‬ذه الظ‪--‬اهرة‬
‫ألن التي‪--‬ارات العكس‪--‬ية لعملي‪--‬ة اهلج‪--‬رة ق‪--‬د تنتج عن جمموع‪--‬ة متباين‪--‬ة من العوام‪--‬ل‪ ،‬فامله‪--‬اجر العائ‪--‬د ق‪--‬د يك‪--‬ون من بني‬
‫العاملني الذين فشلوا يف حتسني دخوهلم أو الذين لديهم أسباب شخصية أعادهتم إىل ديارهم‪.‬‬

‫أو قد تكون عودته نتيجة لعدم تكيفه مع اجلماع‪-‬ات الفرعي‪-‬ة املختلف‪-‬ة فيم‪-‬ا بني بعض‪-‬ها من حيث الف‪-‬رص االقتص‪-‬ادية‬
‫واملهن والعنصر والنوع والعمر‪ ...‬اخل‪ .‬ولعدم توفر املعلومات لديه حول الفرص املناسبة للحياة يف منطقة اهلجرة‪.‬‬

‫أما عن عوامل اجلذب يف املناطق املستقبلة للمهاجرين فقد انطوى الرتاث على إش‪--‬ارات ح‪--‬ول اخلص‪--‬ائص واملم‪--‬يزات‬
‫الثقافي‪--‬ة هلذه املن‪--‬اطق والف‪--‬رص اهلائل‪--‬ة املت‪--‬وفرة يف جماالت التعليم والرتفي‪--‬ه واخلدمات واإلفالت من رواب‪--‬ط اجلماع‪--‬ات‬
‫األولية‪ ،‬وفقدان املعايري‪ ....‬والتمتع باحلرية أو بالظروف الصحية واملناخية فضًال عن الفرص االقتصادية‪ ....‬اخل‪.‬‬

‫ولكن لوح ‪--‬ظ على ه ‪--‬ذا ال ‪--‬رتاث أن ‪--‬ه ينط ‪--‬وي على نت ‪--‬ائج تلقي الض ‪--‬وء على عوام ‪--‬ل اهلج ‪--‬رة وتغف ‪--‬ل عوام ‪--‬ل أخ ‪--‬رى هلا‬
‫أمهيتها يف فهم هذه الظاهرة منها دواف‪-‬ع امله‪-‬اجرين الفردي‪-‬ة‪ ،‬وك‪-‬ان ه‪-‬ذا يرج‪-‬ع يف ج‪-‬انب من‪-‬ه إىل أن أغلب دراس‪-‬ات‬
‫اهلج‪--‬رة ق‪--‬د اقتص‪--‬رت على جمموع‪--‬ة معين‪--‬ة وتي‪--‬ارات حمددة للهج‪--‬رة‪ ،‬مث‪--‬ل الزن‪--‬وج أو خ‪--‬رجيي املدارس العلي‪--‬ا‪ ،‬أو األس‪--‬ر‬
‫املهج‪--‬رة مبعرف‪--‬ة اإلدارة املركزي‪--‬ة أو غريه‪--‬ا وأغفلت عين‪--‬ات أخ‪--‬رى مث‪--‬ل فئ‪--‬ة امله‪--‬اجرين ال‪--‬ذين يتخ‪--‬ذون ق‪--‬رار اهلج‪--‬رة‬
‫بأنفسهم وفئة الذين يهاجرون بفعل قرار اختذه ارباب اسرهم‪ .‬كما ترجع أيضًا هذه الثغرة من ناحية أخ‪--‬رى إىل أن‬
‫دراسات اهلجرة كانت تعتمد على معطيات التعداد والتسجيل احليوي ومل تستفد باملعطيات اليت ميكن أن تتوافر هلا‬

‫)(‪1‬‬
‫‪H, S, Shryock, The, farmily as a factor in Migration, Cit., p. 456.‬‬

‫‪202‬‬
‫من تط‪--‬بيق أس‪--‬اليب البحث االجتم‪--‬اعي وخاص‪--‬ة املقابل‪--‬ة الشخص‪--‬ية واالس‪--‬تبيان او قائم‪--‬ة البحث على عين‪--‬ات متنوع‪--‬ة‬
‫من املهاجرين(‪.)1‬‬

‫دورة األسرة واثرها في الهجرة‬

‫ومن خالل اس‪--‬تعراض ت‪--‬راث اهلج‪--‬رة والوق‪--‬وف على ثغرات‪--‬ه على النح‪--‬و الس‪--‬ابق ح‪--‬دد موض‪--‬وع الدراس‪--‬ة وه‪--‬دفها يف‬
‫الكش‪--‬ف عن أث‪--‬ر دورة األس‪--‬رة يف اهلج‪--‬رة باعتباره‪--‬ا ع‪--‬امًال ل‪--‬ه فاعليت‪--‬ه يف ه‪--‬ذه الظ‪--‬اهرة‪ ،‬وم‪--‬ع ه‪--‬ذا ق‪--‬د أغفلت‪--‬ه اجله‪--‬ود‬
‫السابقة يف تراث اهلجرة‪ .‬وحددت دورة األسرة يف مراحل الزواج مث اإلجناب وزيادة الدخل‪ ،‬مث زواج األبناء وكرب‬
‫سن الوالدين‪ .‬وأجريت الدراسة على عينتني من املهاجرين‪ ،‬األوىل وهي العين‪-‬ة األص‪--‬لية ومتث‪-‬ل جمموع‪-‬ة األف‪-‬راد ال‪-‬ذين‬
‫اختذوا ق‪--‬رار اهلج‪--‬رة بأنفس‪--‬هم‪ ،‬والثاني‪--‬ة هي العين‪--‬ة الثانوي‪--‬ة وتتك‪--‬ون من جمموع‪--‬ة األف‪--‬راد ال‪--‬ذين ك‪--‬انت هج‪--‬رهتم نتيج‪--‬ة‬
‫لق ‪--‬رار اختذه رب األس ‪--‬رة ال ‪--‬يت ينتم ‪--‬ون إليه ‪--‬ا‪ ،‬واس ‪--‬تعانت الدراس ‪--‬ة يف مجع البيان ‪--‬ات بقائم ‪--‬ة حبث تش ‪--‬مل جمموع ‪--‬ة من‬
‫األسئلة حول األسباب اليت أدت إىل اهلجرة‪.‬‬

‫وأوضح حتليل البيانات اليت مت مجعها من هذه الدراسة وخاصة يف ض‪-‬وء متغ‪-‬ري عم‪-‬ر امله‪-‬اجر وال‪-‬ذي قس‪-‬م على فئ‪-‬ات‬
‫اقل من ‪ 14‬سنة وبني ‪ 24 - 14‬وبني ‪ 44 - 25‬مث أكثر من ‪ 44‬عام‪ .‬أن نسبة اهلجرة يف الفئ‪-‬ة العمري‪-‬ة األوىل‬
‫أق ‪--‬ل من ‪ 14‬س ‪--‬نة ك ‪--‬انت منخفض ‪--‬ة‪ ،‬مث ارتفعت النس ‪--‬بة وخاص ‪--‬ة بني النس ‪--‬اء يف الفئ ‪--‬ة العمري ‪--‬ة الثاني ‪--‬ة ‪،24 - 14‬‬
‫وبع‪--‬دها اخنفض‪--‬ت ه‪--‬ذه النس‪--‬بة م‪--‬رة ثاني‪--‬ة بني امله‪--‬اجرين من فئ‪--‬ة العم‪--‬ر ‪ ،45 - 25‬ل‪--‬رتتفع م‪--‬رة أخ‪--‬رى يف فئ‪--‬ة العم‪--‬ر‬
‫أك‪--‬ثر من ‪ 44‬س‪--‬نة‪ ،‬وذل‪--‬ك بالنس‪--‬ب التالي‪--‬ة على الت‪--‬وايل (‪ .) % 43 ،% 23،% 36 ،% 10‬والتفس‪--‬ري ال‪--‬ذي‬
‫أعطى هلذه البيانات كان من خالل دورة األسرة وتغري حالة اإلناث خالل هذه ال‪-‬دورة‪ ،‬وال‪-‬يت يك‪-‬ون االعتم‪-‬اد فيه‪-‬ا‬
‫أوًال على األب‪ ،‬مث االس ‪--‬تقالل عن األس ‪--‬رة بفض ‪--‬ل ال ‪--‬زواج واإلقام ‪--‬ة يف منطق ‪--‬ة خيتاره ‪--‬ا ال ‪--‬زوج على أس ‪--‬اس املص ‪--‬احل‬
‫االقتصادية‪ .‬مث مرحلة الرتمل أو غياب الزوج‪ ....‬اخل‪.‬‬

‫كما أوضح حتليل البيانات اليت مت مجعها من هذه الدراسة وخاصة يف ضوء متغري آخر وهو سبب اهلجرة صحة هذا‬
‫التفسري وزيادة معدل املهاجرين يف الفئة العمرية ‪ 44 - 25‬سنة‪ ،‬حيث وجد ان ‪ % 40‬من املهاجرين ك‪--‬انوا من‬
‫بني ال‪--‬ذكور ال‪--‬ذين ه‪--‬اجروا بس‪--‬بب العم‪--‬ل أو االلتح‪--‬اق بوظيف‪--‬ة أو مهن‪--‬ة أو االرتب‪--‬اط بعم‪--‬ل يف املنطق‪--‬ة امله‪--‬اجر إليه‪--‬ا‬

‫)(‪1‬‬
‫‪Ibid, p. 456.‬‬

‫‪203‬‬
‫واحلص ‪--‬ول على املس ‪--‬كن املناس ‪--‬ب والتغ ‪--‬ري يف احلال ‪--‬ة الزواجي ‪--‬ة وتك ‪--‬وين مس ‪--‬كن خ ‪--‬اص‪ .‬وإن ك ‪--‬ان عام ‪--‬ل البحث عن‬
‫السكن والتغري يف احلالة الزواجية هو العام‪-‬ل الس‪-‬ائد واألك‪-‬ثر ب‪-‬روزًا بني بقي‪-‬ة العوام‪-‬ل ال‪-‬يت أورده‪-‬ا أف‪-‬راد العين‪-‬ة بص‪-‬دد‬
‫أسباب اهلجرة‪.‬‬

‫ولق ‪--‬د اتض ‪--‬ح نفس ه ‪--‬ذا األث ‪--‬ر ال ‪--‬دورة األس ‪--‬رة يف هج ‪--‬رة أعض ‪--‬ائها من خالل حتلي ‪--‬ل البيان ‪--‬ات ومقارنته ‪--‬ا على أس ‪--‬س‬
‫أخ ‪--‬رى‪ ،‬مث ‪--‬ل الن ‪--‬وع واحلال ‪--‬ة الزواجي ‪--‬ة واألس ‪--‬رية‪ ،‬والتعليم وال ‪--‬دخل‪ ...‬اخل‪ .‬فلق ‪--‬د ك ‪--‬ان أث ‪--‬ر ال ‪--‬زواج واض ‪--‬حًا يف ك ‪--‬ل‬
‫احلاالت‪ ،‬فوج‪--‬د إن معظم النس‪--‬اء ال‪--‬ذين ي‪--‬تزوجون يغ‪--‬ريون من عن‪--‬اوين إق‪--‬امتهن وأن معظم ال‪--‬ذين ه‪--‬اجروا ك‪--‬انوا ق‪--‬د‬
‫اختذوا قرار اهلجرة نتيجة للزواج‪.‬‬

‫وهك ‪--‬ذا توض ‪--‬ح النت ‪--‬ائج أن اهلج ‪--‬رة ترتب ‪--‬ط ب ‪--‬دائرة األس ‪--‬رة من زواج‪ ،‬وتك ‪--‬وين مس ‪--‬كن مس ‪--‬تقل‪ ،‬مث اإلجناب وزي ‪--‬ادة‬
‫ال‪--‬دخل‪ ،‬مث زواج األبن‪--‬اء وك‪--‬رب س‪--‬ن الوال‪--‬دين‪ .‬إذ ع ‪--‬ادة م ‪--‬ا يب‪--‬دأ الزوج‪--‬ان اجلدد بإقام ‪--‬ة مس‪--‬كن خ‪--‬ارج نط‪--‬اق حمي‪--‬ط‬
‫إقامتهم املعتاد‪ ،‬وإن كان هناك بعض احلاالت ال‪-‬يت يعيش فيه‪-‬ا الزوج‪-‬ان م‪-‬ع أق‪-‬ارهبم‪ .‬إمنا حيدث أن يتح‪-‬رك الزوج‪-‬ان‬
‫سواء وقت الزواج أم بعده‪.‬‬

‫وعمومًا تؤدي عوامل زيادة دخل األسرة بعد الزواج وك‪-‬رب حجمه‪-‬ا بإجناب ع‪-‬دد من األطف‪-‬ال إىل أن تفك‪-‬ر األس‪-‬رة‬
‫يف البحث عن سكن أك‪-‬رب يف مك‪-‬ان آخ‪-‬ر لإلقام‪-‬ة يف قلب املدين‪-‬ة أو يف م‪-‬نزل منفص‪-‬ل بالض‪-‬واحي‪ ،‬إذ تلعب ظ‪-‬روف‬
‫توفر خدمات التعليم بالنسبة لألبناء‪ ،‬وغريها من خصائص البيئة دورا له أمهيته يف اختي‪-‬ار مك‪-‬ان املنزل اجلدي‪-‬د‪ .‬وم‪-‬ع‬
‫مرور الوقت يلتحق األبناء باملدارس العليا‪ ،‬وتقوي روابط أعضاء األسرة مبكان اإلقامة اجلديد‪ ،‬ويكون رب األسرة‬
‫قد استقر يف عمله‪ ،‬وأصبحت له مكانته املرموقة يف جمتمعه‪ .‬وعند هذه املرحل‪-‬ة من دورة األس‪-‬رة‪ ،‬ت‪-‬زداد الق‪-‬وى ال‪-‬يت‬
‫تدفع إىل االستقرار على القوى اليت تدفع إىل التحرك وهجرة هذا املكان‪ .‬ولكن عندما يب‪--‬دأ حجم األس‪--‬رة يتخلخ‪--‬ل‬
‫نتيج‪-‬ة ل‪-‬رتك األبن‪-‬اء م‪-‬نزل األس‪-‬رة للبحث عن عم‪-‬ل او لل‪-‬زواج‪ ،‬أو نتيج‪-‬ة لوف‪-‬اة أعض‪-‬ائها الكب‪-‬ار‪ ،‬هن‪-‬ا تت‪-‬وفر الظ‪-‬روف‬
‫وتتأك ‪--‬د الق ‪--‬وى ال ‪--‬يت ت ‪--‬دفع إىل اهلج ‪--‬رة‪ ،‬ألن املنزل يف ه ‪--‬ذه احلال ‪--‬ة يب ‪--‬دو كب ‪--‬ريًا يتج ‪--‬اوز حاج ‪--‬ات األعض ‪--‬اء الب ‪--‬اقني يف‬
‫األس‪--‬رة‪ ،‬وق‪--‬د يق‪--‬ل دخ‪--‬ل األس‪--‬رة‪ ،‬أو ق‪--‬د يك‪--‬ون من الص‪--‬عب فيزيقي‪ً-‬ا على األزواج الكب‪--‬ار أو األرام‪--‬ل إن يس‪--‬تمروا يف‬
‫هذا املكان‪ .‬ويف هذه املرحلة من دورة األسرة‪ ،‬نتوق‪-‬ع بعض التح‪-‬رك ورغب‪-‬ة إىل الع‪-‬ودة م‪-‬رة ثاني‪-‬ة إىل احملي‪-‬ط الص‪-‬غري‪،‬‬
‫(‪)1‬‬
‫ومشاركة األبناء املتزوجني مسكنهم أو االلتحاق بإحدى مؤسسات الرعاية‬
‫)(‪1‬‬
‫‪Ibid, p. 460.‬‬

‫‪204‬‬
‫الفصل التاسع‬

‫الوفيات والطبقات االجتماعية‬


‫تمهيد‬

‫الوفي‪--‬ات كعام‪--‬ل فع‪--‬ال يف تغ‪--‬ري الس‪--‬كان‪ ،‬وألمهيت‪--‬ه كمؤش‪--‬ر على كث‪--‬ري من الس‪--‬مات ال‪--‬يت ميكن يف ض‪--‬وئها التمي‪--‬يز بني‬
‫جمتم‪--‬ع وآخ‪--‬ر‪ ،‬فق‪--‬د حظي باهتم‪--‬ام الب‪--‬احثني يف جمال الس‪--‬كان االعتب‪--‬ارات كث‪--‬رية‪ ،‬ب‪--‬ل إن االهتم‪--‬ام بدراس‪--‬ته ق‪--‬د س‪--‬بق‬
‫االهتم‪--‬ام بدراس‪--‬ة املوالي‪--‬د واخلص‪--‬وبة ذاهتا‪ .‬ه‪--‬ذا راج‪--‬ع ب‪--‬الطبع إىل أن اإلنس‪--‬ان يس‪--‬عى على تقلي‪--‬ل الوفي‪--‬ات أك‪--‬ثر من‬

‫‪205‬‬
‫س‪--‬عيه لتقلي‪--‬ل املوالي‪--‬د‪ ،‬وك‪--‬ان يتوق‪--‬ع إن يس‪--‬اهم اهتمام‪--‬ه بدراس‪--‬ة وفهم ه‪--‬ذه الظ‪--‬اهرة يف حتقي‪--‬ق ه‪--‬ذا اهلدف‪ .‬ومن هن‪--‬ا‬
‫تقدمت طرق قياس الوفيات تقدمًا إحصائيا ملحوظًا بينما ال تزال الطرق الفنية لقياس اخلصوبة بعيدة عن الكمال‪.‬‬

‫وينظ ‪--‬ر الن ‪--‬اس إىل الزي ‪--‬ادة الكب ‪--‬رية يف ف ‪--‬رص احلي ‪--‬اة ال ‪--‬يت وفره ‪--‬ا الطب كمكس ‪--‬ب اللجنس البش ‪--‬ري‪ ،‬ويقب ‪--‬ل األف ‪--‬راد‬
‫واجلماع ‪--‬ات على ك ‪--‬ل األس ‪--‬اليب الطبي ‪--‬ة ال ‪--‬يت ت ‪--‬ؤدي إىل إطال ‪--‬ة العم ‪--‬ر‪ ،‬ويقبل ‪--‬ون على التناس ‪--‬ل كوس ‪--‬يلة حلف ‪--‬ظ الن ‪--‬وع‬
‫البش ‪--‬ري‪ .‬ويف ال ‪--‬وقت نفس ‪--‬ه خيتل ‪--‬ف املوق ‪--‬ف إزاء الوس ‪--‬ائل احلديث ‪--‬ة يف حتدي ‪--‬د النس ‪--‬ل أو منع ‪--‬ه أو تنظيم ‪--‬ه وخاص ‪--‬ة يف‬
‫اجملتمع ‪--‬ات الريفي ‪--‬ة واملت ‪--‬أخرة‪ ...‬اخل‪ )1(.‬ويس ‪--‬تعني دارس ‪--‬و الس ‪--‬كان يف تن ‪--‬اوهلم لظ ‪--‬اهرة الوفي ‪--‬ات بع ‪--‬دد من األس ‪--‬اليب‬
‫واملفاهيم لقياس معدل الوفيات واجتاه‪-‬ات تطوره‪-‬ا‪ ،‬ويس‪-‬تندون إليه‪-‬ا يف بل‪-‬ورة أس‪-‬اليب أخ‪-‬رى لتوق‪-‬ع احلي‪-‬اة أو التنب‪-‬ؤ‬
‫بأمد احلياة املتوقع بالنسبة للفرد عند والدته يف اجملتمع‪ ،‬ويسهم علماء االجتماع املهتمون بدراسة الظواهر السكانية‬
‫يف ه‪-- - -‬ذا اجملال ببي‪-- - -‬ان الف‪-- - -‬روق يف مع‪-- - -‬دل الوفي‪-- - -‬ات يف ض‪-- - -‬وء النظم االجتماعي‪-- - -‬ة املتباين‪-- - -‬ة‪ ،‬ويف مق‪-- - -‬دمتها الطبق‪-- - -‬ات‬
‫االجتماعية‪.‬‬

‫أوًال‪ :‬الوفيات‪ ،‬معدالتها واتجاهاتها‬

‫ينظ ‪--‬ر إىل مع ‪--‬دل وفي ‪--‬ات األطف ‪--‬ال الرض ‪--‬ع ‪ Infant Mortality‬باعتب ‪--‬اره مؤش ‪--‬رًا ل ‪--‬ه داللت ‪--‬ه على درج ‪--‬ة التق ‪--‬دم‬
‫االجتم‪--‬اعي واالقتص‪--‬ادي ال‪--‬ذي حقق‪--‬ه الس‪--‬كان ال‪--‬ذي ينتمي إليهم ه‪--‬ؤالء األطف‪--‬ال‪ .‬ب‪--‬ل وأك‪--‬ثر من ذل‪--‬ك يعت‪--‬رب ه‪--‬ذا‬
‫املؤشر من بني الشواهد اليت تدلل على الكيفية اليت تتم هبا عملية التنمية يف هذا البل‪--‬د‪ ،‬وذل‪--‬ك رغم وج‪--‬ود مؤش‪--‬رات‬
‫أخ‪-‬رى مث‪-‬ل مع‪-‬دالت وفي‪-‬ات األموم‪-‬ة ‪ Maternal‬ومع‪-‬دالت املوالي‪-‬د احي‪-‬اء ‪ )2( Still birth Rate‬هلا قيمته‪-‬ا‬
‫اهلامة يف هذا الصدد‪ .‬وت‪-‬رد ه‪-‬ذه األمهي‪-‬ة للوفي‪-‬ات كمؤش‪-‬ر على عملي‪-‬ة التنمي‪-‬ة يف اجملتم‪-‬ع ألن‪-‬ه ق‪-‬د لوح‪-‬ظ أن الوفي‪-‬ات‬
‫تعتمد إىل درجة كبرية على الظروف الصحية واملعارف الطبية وإتباع العادات الصحية‪ ،‬وظروف اجملاعات واألوبئ‪-‬ة‬
‫واحلروب‪ ،‬أكثر مما تعتمد على التاريخ املاضي لألفراد(‪.)3‬‬

‫‪)(1‬‬
‫دنيس رونج ‪ ،‬علم السكان ‪ ،‬ترجمة عربية إعداد دكتور محمد صبحي عبد الحكيم ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ص ‪.43 - 42‬‬
‫)(‪2‬‬
‫‪, p. 24,‬م‪R. K. Kelsall, Population, Longman London, 1975‬‬
‫)(‪3‬‬
‫‪L. Hanry, Population, Analysis & Models, Op. Cit, p. 135.‬‬

‫‪206‬‬
‫ولقد سبق أن عاجلنا موض‪-‬وع التنمي‪-‬ة االجتماعي‪-‬ة ودراس‪-‬ة العالق‪-‬ة بني منو الس‪-‬كان والوفي‪-‬ات واملوالي‪-‬د(‪ .)1‬واملهم هن‪-‬ا‬
‫أن نتع ‪--‬رف على كيفي ‪--‬ة حس ‪--‬اب مع ‪--‬دالت الوفي ‪--‬ات وحتدي ‪--‬د اجتاهاهتا وم ‪--‬ا هي أهم األس ‪--‬اليب املس ‪--‬تخدمة يف ه ‪--‬ذا‬
‫الصدد‪ ،‬قبل االنتقال إىل بيان الفروق االجتماعية االقتصادية يف الوفيات‪.‬‬

‫ورمبا كان معدل الوفيات اخلام ‪ Crude death rate‬هو املقياس األكثر استخداما لدراسة الوفيات ومقارنتها‪.‬‬
‫ذل ‪--‬ك ال ‪--‬ذي حيدد بأن ‪--‬ه نس ‪--‬بة ع ‪--‬دد الوفي ‪--‬ات ال ‪--‬يت حتدث بني س ‪--‬كان معي ‪--‬نني خالل س ‪--‬نة حمددة إىل حجم الس ‪--‬كان يف‬
‫منتصف هذا العام‪.‬‬

‫ولكن ملا ك‪-‬ان مع‪-‬دل الوفي‪-‬ات اخلام ال ميدنا مبؤش‪-‬ر دقي‪-‬ق على ظ‪-‬روف الوفي‪-‬ات طاملا ك‪-‬انت الوفي‪-‬ات تت‪-‬أثر ب‪-‬التكوين‬
‫العم ‪--‬ري(‪ .)2‬خاص ‪--‬ة وأن ‪--‬ه من املع ‪--‬روف يف ض ‪--‬وء املالحظ ‪--‬ة اليومي ‪--‬ة أن خط ‪--‬ر املوت خيتل ‪--‬ف لدرج ‪--‬ة كب ‪--‬رية ب ‪--‬اختالف‬
‫العم‪--‬ر‪ .‬وب‪--‬رغم أن هن‪--‬اك عوام‪--‬ل أخ‪--‬رى تلعب دوره‪--‬ا يف ه‪--‬ذا الص‪--‬دد مث‪--‬ل احلال‪--‬ة الزواجي‪--‬ة‪ ،‬إال أن ه‪--‬ذه العوام‪--‬ل دورًا‬
‫ثانويًا باملقارنة بدور العمر‪.‬‬

‫وهلذا ال ميكن إجراء دراسة حول الوفيات دون أخذ العمر يف االعتبار‪ .‬ونتيجة لذلك اصبح معدل الوفيات اخلام ال‬
‫ميث ‪--‬ل مؤش ‪--‬رًا جي ‪--‬دًا على املوق ‪--‬ف الص ‪--‬حي للبل ‪--‬د موض ‪--‬وع الدراس ‪--‬ة‪ .‬الن ذل ‪--‬ك يعتم ‪--‬د كث ‪--‬ريًا على التوزي ‪--‬ع العم ‪--‬ري‬
‫للس‪--‬كان(‪ .)3‬ومن هن‪--‬ا فك‪--‬ر دارس‪--‬و الس‪--‬كان يف إج‪--‬راء مقارن‪--‬ات دقيق‪--‬ة للوفي‪--‬ات يف جمموع‪--‬ات الس‪--‬كان املختلف‪--‬ة من‬
‫خالل حساب منفصل ملعدالت الوفيات يف كل مجاعة عمرية ونوعية أيضًا للسكان‪ .‬ولقد ع‪--‬رف ه‪--‬ذا املع‪--‬دل باس‪-‬م‬
‫معدل الوفاة النوعي ‪ Specific Death Rate‬وحيسب على أساس املعادلة التالية‪:‬‬
‫عدد الوفيات في سن أو نوع معين‬
‫* ‪100‬‬ ‫عدد السكان في نفسالسن أو النوع‬
‫معدل الوفيات النوعي =‬

‫وبن ‪--‬اء على ه ‪--‬ذه املع ‪--‬دالت ميكن لدارس ‪--‬ي الس ‪--‬كان إج ‪--‬راء دراس ‪--‬ة ح ‪--‬ول مع ‪--‬دالت الوفي ‪--‬ات يف جمموع ‪--‬ات س ‪--‬كانية‬
‫متباينة‪ ،‬وهذا ما حاولته دراسة للوفيات مقارنة بني الواليات املتحدة األمريكية وب‪-‬ريو ع‪-‬ام ‪1961‬م‪ .‬وي‪-‬بني اجلدول‬
‫التايل معدالت الوفيات النوعية والعمرية الذكور الواليات املتحدة االمريكية وب‪-‬ريو وال‪-‬يت أمكن حس‪-‬اهبا وفق‪ً-‬ا ملع‪--‬دل‬
‫الوفيات النوعي املشار اليه‪.‬‬

‫‪)(1‬‬
‫انظر الفصل األول ‪ ،‬ضرورة دراسة نمو السكان في المجتمع‪.‬‬
‫)(‪2‬‬
‫‪D. M Heer, Population & Society, Op. Cit., p 34.‬‬
‫)(‪3‬‬
‫‪L. Hanry, Population, Analysis & Models, Op. Cit, p. 35.‬‬

‫‪207‬‬
‫جدول رقم (‪)18‬‬
‫(‪)1‬‬
‫يوضح وفيات الذكور في أمريكاوبيرو عام ‪1961‬م‬

‫الواليات‬ ‫الواليات‬
‫بيرو‬ ‫العمر‬ ‫بيرو‬ ‫العمر‬
‫المتحدة‬ ‫المتحدة‬
‫‪13.6‬‬ ‫‪7.3‬‬ ‫‪45-49‬‬ ‫‪176.3‬‬ ‫‪29.2‬‬ ‫صفر‬
‫‪18.4‬‬ ‫‪12.4‬‬ ‫‪50-54‬‬ ‫‪17‬‬ ‫‪1.1‬‬ ‫‪1-4‬‬
‫‪25.2‬‬ ‫‪17.9‬‬ ‫‪55-59‬‬ ‫‪7‬‬ ‫‪0.5-‬‬ ‫‪5-9‬‬
‫‪35.8‬‬ ‫‪27.9‬‬ ‫‪60-64‬‬ ‫‪2.5‬‬ ‫‪0.5-‬‬ ‫‪10-14‬‬
‫‪53‬‬ ‫‪41.4‬‬ ‫‪65-69‬‬ ‫‪4.5‬‬ ‫‪1.2‬‬ ‫‪15-19‬‬
‫‪76.3‬‬ ‫‪57.5‬‬ ‫‪70-74‬‬ ‫‪6.4‬‬ ‫‪1.7‬‬ ‫‪20-24‬‬
‫‪114.9‬‬ ‫‪83.4‬‬ ‫‪75-79‬‬ ‫‪7‬‬ ‫‪1.7‬‬ ‫‪25-29‬‬
‫‪278.7‬‬ ‫‪128.4‬‬ ‫‪80-84‬‬ ‫‪7.4‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪30-34‬‬
‫‪278.7‬‬ ‫‪219.6‬‬ ‫‪ 85‬فأكثر‬ ‫‪8.4‬‬ ‫‪2.8‬‬ ‫‪35-39‬‬
‫‪10.4‬‬ ‫‪4.5‬‬ ‫‪40-44‬‬

‫ويبني اجلدول بوضوح بعض النتائج العامة‪:‬‬

‫أنه يف ك‪-‬ل مجاع‪-‬ة عمري‪-‬ة تعل‪-‬و مع‪-‬دالت وفي‪-‬ات ال‪-‬ذكور يف ب‪-‬ريو عن مع‪-‬دالت وفي‪-‬ات ال‪-‬ذكور يف الوالي‪-‬ات‬ ‫‪.1‬‬
‫املتحدة‪.‬‬
‫أن هناك فروقات واضحة يف الوفيات مع اختالف فئات العمر يف اجملموعتني السكانيتني‪.‬‬ ‫‪.2‬‬

‫)(‪1‬‬
‫‪D. M Heer, Population & Society, Op. Cit., p 34.‬‬

‫‪208‬‬
‫أن معدالت الوفي‪-‬ات العمري‪-‬ة يف كال البل‪-‬دين يأخ‪-‬ذ توزيعه‪-‬ا ش‪-‬كل ح‪-‬رف ‪ ،U‬حيث تعل‪-‬و نس‪-‬بيًا مع‪-‬دالت‬ ‫‪.3‬‬
‫الوفيات يف السنوات األوىل للحياة‪ ،‬مث تنخفض سريعًا مع الطفولة‪ ،‬وتصل إىل حد أدين بني فئ‪-‬ة العم‪-‬ر ‪10‬‬
‫‪ ،14 -‬مث ترتفع تدرجييًا وبثبات حىت تصل منتهاها مع كرب فئة العمر‪.‬‬

‫وقد يستخدم دارس السكان مقاييس أخرى متدنا بالصورة الكلية لظروف الوفيات من حيث معدالهتا واجتاهاهتا يف‬
‫الس‪--‬كان موض‪--‬وع االهتم‪--‬ام‪ .‬فق‪--‬د يلج‪--‬ا دارس الس‪--‬كان إىل بن‪--‬اء ن‪--‬وعني من اجلداول األك‪--‬ثر ش‪--‬يوعا يف ه‪--‬ذا الص‪--‬دد‪،‬‬
‫يعرف بعضها باسم جدول احلياة ‪ Table Period life‬وال‪-‬ذي يلخص ظ‪-‬روف الوفي‪-‬ات حس‪-‬ب الن‪-‬وع والعم‪-‬ر‬
‫ال‪--‬يت تس‪--‬ود خالل س‪--‬نة معين‪--‬ة أو ف‪--‬رتة قص‪--‬رية أخ‪--‬رى‪ ،‬ويع‪--‬رف البعض الث‪--‬اين اجلداول باس‪--‬م ج‪--‬دول حي‪--‬اة األجي‪--‬ال أو‬
‫اجلماع‪--‬ات ‪ Chart or generation life table‬وال‪-‬ذي يلخص خ‪-‬ربة الوف‪-‬اة حس‪-‬ب الن‪-‬وع والعم‪-‬ر جلماع‪--‬ة‬
‫معينة (مجاعة من األشخاص ولدوا يف نفس الوقت) واليت متتد حياهتم عرب سنوات كثرية (‪.)1‬‬

‫واملث ‪--‬ال ال‪-- -‬ذي نستش‪-- -‬هد ب‪-- -‬ه على ه‪-- -‬ذا الن‪-- -‬وع من الدراس‪-- -‬ة‪ ،‬يتمث‪-- -‬ل يف حماول‪-- -‬ة ك‪-- -‬ل من دوبلن ولوتك‪-- -‬ا وس ‪--‬بجلمان‬
‫‪ Duplin & lotka & sbiegelman‬مجع معطيات حول ظاهرة الوفيات لالس‪-‬تفادة منه‪--‬ا يف رس‪-‬م ج‪-‬دول‬
‫حياة يوضح تطور توقع احلياة خالل فئات العمر لبين اإلنسان من‪-‬ذ العص‪--‬ور املبك‪-‬رة ح‪-‬ىت ع‪--‬ام ‪1965‬م‪ .‬وإن ك‪-‬انت‬
‫معطيات هذا اجلدول ال تتمت‪-‬ع بالثب‪-‬ات كلي‪-‬ة خاص‪-‬ة بالنس‪-‬بة للف‪-‬رتات املبك‪-‬رة من ت‪-‬اريخ اإلنس‪-‬ان‪ ،‬االن اإلحص‪-‬ائيات‬
‫الدالة عليها كانت مبعثرة لدرجة يص‪-‬عب االس‪-‬تفادة منه‪-‬ا يف متثي‪-‬ل مرحل‪-‬ة من مراح‪-‬ل احلض‪-‬ارة‪ .‬وم‪-‬ع ه‪-‬ذا أمكن من‬
‫خالل حق‪--‬ائق ه‪--‬ذا اجلدول اس‪--‬تخالص ع‪--‬دد من النت‪--‬ائج ال‪--‬يت تلقي الض‪--‬وء على اجتاه‪--‬ات الوفي‪--‬ات ع‪--‬رب مراح‪--‬ل تط‪--‬ور‬
‫اإلنسان منها‪:‬‬

‫أن متوس‪--‬ط ط‪--‬ول احلي‪--‬اة بالنس‪--‬بة لإلنس‪--‬ان إن ك‪--‬ان ق‪--‬د م‪--‬ر مبع‪--‬دالت متباين‪--‬ة‪ ،‬إال أن‪--‬ه مل يظ‪--‬ل حتت ‪ 20‬س‪--‬نة‬ ‫‪.1‬‬
‫دائمًا‪ ،‬ألن هذا قد يؤدي إىل اختفاء اجلنس البشري‪.‬‬
‫يصل متوسط طول احلياة إىل ما بني ‪ 75 - 70‬سنة يف معظم البالد املتقدمة‪.‬‬ ‫‪.2‬‬
‫يع‪--‬د ه‪--‬ذا الط‪--‬ول الواض‪--‬ح لتوق‪--‬ع احلي‪--‬اة عن‪--‬د امليالد مبثاب‪--‬ة نتيج‪--‬ة لتق‪--‬دم احلض‪--‬ارة الغربي‪--‬ة‪ .‬وه‪--‬ذا م‪--‬ا يوض‪--‬حه‬ ‫‪.3‬‬
‫اجلدول التايل‪:‬‬

‫)(‪1‬‬
‫‪Ibid, p. 460‬‬

‫‪209‬‬
‫جدول رقم (‪)19‬‬
‫(‪)1‬‬
‫يوضح متوسط الحياة لإلنسان منذ فجر التاريخ حتى الوقت الحاضر‬

‫متوسط الحياة‬ ‫المؤلف‬ ‫المنطقة‬ ‫الفترة‬

‫‪ 18‬سنة‬ ‫آجنل‬ ‫اليونان‬ ‫العصر احلديدي والربونزي املبكر‬


‫‪ 22‬سنة‬ ‫بريسور‬ ‫روما‬ ‫حوايل ‪ 2000‬سنة مضت‬
‫‪ 33‬سنة‬ ‫رسل‬ ‫اجنلرتا‬ ‫العصور الوسطى‬
‫‪ 33.5‬سنة‬ ‫هايل‬ ‫روسيا‬ ‫‪1687-91‬‬
‫‪ 35.5‬سنة‬ ‫وجيبسورث‬ ‫موساشتس ونيوهامبشري‬ ‫قبل عام ‪1789‬‬
‫‪ 40.9‬سنة‬ ‫فار‬ ‫اجنلرتا وويلز‬ ‫‪1938-1854‬‬
‫‪ 49.2‬سنة‬ ‫كلوفر‬ ‫الواليات املتحدة‬ ‫‪1900-1902‬‬
‫‪ 66.7‬سنة‬ ‫جريفل‬ ‫الواليات املتحدة‬ ‫‪1964‬‬
‫‪ 73.6‬سنة‬ ‫‪-‬‬ ‫السويد‬ ‫‪1961-1965‬‬

‫كما ابتكر دارسو السكان مقاييس أخرى للوفاة ال تتأثر بالتحريف الن‪-‬اتج عن الف‪--‬روق يف التك‪-‬وين العم‪-‬ري‪ .‬يع‪--‬رف‬
‫بعضها باسم معدل الوفاة العمري املقنن ويعرف اآلخر باسم معدل الوفاة العمري املصحح(‪.)2‬‬

‫وليس هن‪--‬ا جمال لل‪--‬دخول يف تفاص‪--‬يل ه‪--‬ذه املق‪--‬اييس طاملا ك‪--‬ان ه‪--‬دفنا أن نوض‪--‬ح الف‪--‬روق يف مع‪--‬دالت الوفي‪--‬ات على‬
‫ض‪--‬وء النظم االجتماعي‪--‬ة موض‪--‬وع اهتمامن‪--‬ا‪ ،‬وكم‪--‬ا أش‪--‬رنا س‪--‬لفًا س‪--‬نركز على الف‪--‬روق يف مع‪--‬دالت الوفي‪--‬ات يف ض‪--‬وء‬
‫النظام الطبقي يف اجملتمع واختالف الناس إىل مستويات اجتماعية اقتصادية متباينة‪.‬‬
‫(‪)3‬‬
‫ثانيا‪ :‬الوفيات والطبقات االجتماعية‬

‫)(‪1‬‬
‫‪R. Pressat, Population, op. cit., p. 38.‬‬
‫)(‪2‬‬
‫‪D. M Heer, Population & Society, op. cit., p 35.‬‬
‫)(‪3‬‬
‫‪E. G. Stockwell, Sociocconomic Status and Mortality in the United States, in, C, B. Uam, Population & Society, Op.‬‬
‫‪Cit., p. 164,‬‬

‫‪210‬‬
‫تعت‪--‬رب املعرف‪--‬ة املتعلق‪--‬ة بالفروق‪--‬ات يف املكان‪--‬ة االقتص‪--‬ادية االجتماعي‪--‬ة وعالقته‪--‬ا بالفروق‪--‬ات يف مع‪--‬دل الوفي‪--‬ات موض‪--‬ع‬
‫اهتمام من جانب األشخاص الذين يعملون على حتسني مستويات الصحة والرفاهية‪.‬‬

‫وحىت منذ ‪ 1833‬عندما وجه (كوربوكس) ‪ Corboux‬االنتباه ألول مرة لوج‪-‬ود ه‪-‬ذه احلق‪-‬ائق‪ ،‬احتلت دراس‪-‬ة‬
‫الوفيات يف اجلماعات االجتماعية واالقتصادية املختلفة اهتمام الكثري من الباحثني يف خمتلف امليادين‪ .‬ويف ض‪-‬وء ه‪-‬ذا‬
‫االهتم ‪--‬ام املتواص ‪--‬ل‪ ،‬من املش ‪--‬وق أن نلح ‪--‬ظ وج ‪--‬ود تب ‪--‬اين يف معرفتن ‪--‬ا املتعلق ‪--‬ة بالت ‪--‬أثري ال ‪--‬دقيق للعوام ‪--‬ل االجتماعي ‪--‬ة‬
‫واالقتص‪--‬ادية على مع‪--‬دالت الوفي‪--‬ات مبقارنته‪--‬ا ب‪--‬أثر غريه‪--‬ا من اخلص‪--‬ائص الدميوجرافي‪--‬ة أو الس‪--‬كانية األخ‪--‬رى األك‪--‬ثر‬
‫عمومية‪.‬‬

‫وب‪--‬الرغم من الن‪--‬درة النس‪--‬بية للم‪--‬ادة املنش‪--‬ورة ال‪--‬يت توض‪--‬ح العالق‪--‬ة بني خص‪--‬ائص مث‪--‬ل الن‪--‬وع واجلنس والعم‪--‬ر واملكان‪--‬ة‬
‫االجتماعية االقتصادية‪.‬‬

‫وب ‪--‬الرغم من إن اجلمي ‪--‬ع ق ‪--‬د أدرك من ‪--‬ذ الق ‪--‬دم تل ‪--‬ك النتيج ‪--‬ة العام ‪--‬ة ال ‪--‬يت توض ‪--‬ح أن الوفي ‪--‬ات ترتب ‪--‬ط عكس ‪--‬يًا باملكان ‪--‬ة‬
‫االجتماعية واالقتص‪-‬ادية‪ ،‬إال أن الدراس‪-‬ات ال‪-‬يت أج‪-‬ريت هبدف اختب‪-‬ار ه‪-‬ذه العالق‪-‬ة قليل‪-‬ة للغاي‪-‬ة‪ .‬وهك‪-‬ذا فه‪-‬ذا اجملال‬
‫يعد بوضوح واحدا من اجملاالت اليت حتتاج إىل مزيد من البحوث‪.‬‬

‫المهنة والوفيات‬ ‫‪-1‬‬

‫ويرج‪--‬ع النقص النس‪--‬يب يف الدراس‪--‬ات ال‪--‬يت تن‪--‬اولت العالق‪--‬ة بني املكان‪--‬ة االجتماعي‪--‬ة واالقتص‪--‬ادية والوفي‪--‬ات يف ج‪--‬انب‬
‫منها إىل صعوبة توفر املعطيات الضرورية‪ .‬وكذلك مل ت‪-‬وفر ش‪-‬هادات الوفي‪-‬ات أي‪-‬ة معلوم‪--‬ات تتعل‪-‬ق بوض‪--‬ع املرض يف‬
‫عالقته بواحدة من الطبقات االجتماعية واالقتصادية أو غريها إىل جانب املهنة‪.‬‬

‫وعلى أي ‪--‬ة ح ‪--‬ال‪ ،‬ف ‪--‬إن مهن ‪--‬ة الش ‪--‬خص تعت ‪--‬رب ع ‪--‬امًال حامسًا للغاي ‪--‬ة يف حتدي ‪--‬د مكانت ‪--‬ه االجتماعي ‪--‬ة واالقتص ‪--‬ادية‪ .‬ومن‬
‫املع‪--‬رتف ب‪--‬ه أن الن‪--‬اس يف الطبق‪--‬ات االجتماعي‪--‬ة العلي‪--‬ا‪ ،‬كم‪--‬ا تش‪--‬ري إليه‪--‬ا املهن‪--‬ة‪ ،‬تتم‪--‬يز مبع‪--‬دل وفي‪--‬ات منخفض بش‪--‬كل‬
‫ظاهرة عن تلك املعدالت يف الطرف اآلخر للمقياس االجتماعي‪.‬‬

‫‪211‬‬
‫وكم‪--‬ا تش‪--‬ري إىل ذل‪--‬ك جمموع‪--‬ة من الكت‪--‬اب‪ ،‬ب‪--‬أن العم‪--‬ل ال‪--‬ذي يق‪--‬وم ب‪--‬ه الش‪--‬خص‪ ،‬والظ‪--‬روف ال‪--‬يت يعم‪--‬ل يف ظله‪--‬ا‪،‬‬
‫واملرتب ‪--‬ات ال ‪--‬يت حيص ‪--‬ل عليه ‪--‬ا‪ ،‬حتدد إىل درج ‪--‬ة كب ‪--‬رية ظ ‪--‬روف حيات ‪--‬ه‪ ،‬كاملس ‪--‬كن ال ‪--‬ذي يعيش في ‪--‬ه‪ ،‬واملالبس ال ‪--‬يت‬
‫يرتديها‪ ،‬والطعام الذي يأكله‪ ،‬وطريقة الرتفيه ولذلك فإن مهنة الشخص تعترب أحد العوامل املمكنة ال‪-‬يت حتدد حالت‪-‬ه‬
‫الصحية وتعينه طوال حياته‪.‬‬

‫وهلذه األسباب‪ ،‬أجريت دراسات عديدة يف الواليات املتح‪-‬دة وغريه‪-‬ا‪ ،‬يف حماول‪-‬ة الفهم العالق‪-‬ة بني املهن‪-‬ة والوفي‪-‬ات‬
‫على حنو أكثر وضوحًا‪ .‬فلقد أج‪-‬رى (داري‪-‬ك) ‪ Daric‬مس‪-‬حًا ش‪-‬امًال لل‪-‬رتاث املتعل‪-‬ق بالفروق‪-‬ات املهني‪-‬ة يف الوفي‪-‬ات‬
‫ح ‪--‬ىت ع ‪--‬ام ‪1950‬م‪ .‬كم ‪--‬ا غطت منش ‪--‬ورات مكتب التس ‪--‬جيل الع ‪--‬ام يف اجنل ‪--‬رتا وويل ‪--‬ز ‪ ،1851‬العالق ‪--‬ة بني املهن ‪--‬ة‬
‫والوفي‪-‬ات‪ .‬وخلص (لوج‪-‬ان) ‪ Logan‬جه‪-‬ود ه‪-‬ذا املكتب من‪-‬ذ ه‪-‬ذه الف‪-‬رتة ح‪-‬ىت تع‪-‬داد ‪1951‬م‪ ،‬وب‪-‬دأت دراس‪-‬ات‬
‫(دوبلن) ‪ Duplin‬وزمالئ‪-- - -‬ه يف الوالي‪-- - -‬ات املتح‪-- - -‬دة يف ش‪-- - -‬ركة الت‪-- - -‬أمني على احلي‪-- - -‬اة ابت‪-- - -‬داء من الف‪-- - -‬رتة ‪1911‬م ـ‬
‫‪1913‬م‪.‬‬

‫ولق ‪--‬د نش ‪--‬ر مكتب التع ‪--‬داد قب ‪--‬ل ع ‪--‬ام ‪1911‬م ج ‪--‬داول توض ‪--‬ح عالق ‪--‬ة الوفي ‪--‬ات باملهن ‪--‬ة يف الف ‪--‬رتة م ‪--‬ا بني ‪- 1890‬‬
‫‪1900‬م‪ .‬ومع أن هذه الدراسات املبكرة كانت مهتم‪-‬ة بفحص مس‪-‬تويات الوفي‪-‬ات املم‪-‬يزة ملهن معين‪-‬ة‪ ،‬مل ت‪-‬وفر أي‪-‬ة‬
‫معلومات تتعلق بوجود فروقات يف الوفيات م‪-‬ع اختالف الطبق‪-‬ات على أس‪-‬اس املهن‪ .‬ب‪-‬الرغم من أن املقب‪-‬ول عموم‪ً-‬ا‬
‫أن معدالت الوفيات كانت عالية بني األشخاص يف املهن اليدوية‪.‬‬

‫ومل تكن املعطي‪--‬ات املتعلق‪--‬ة باالختالف‪--‬ات املهني‪--‬ة يف الوفي‪--‬ات ق‪--‬د ت‪--‬وفرت ح‪--‬ىت ع‪--‬ام ‪1934‬م‪ ،‬عن‪--‬دما أج‪--‬رى (وت‪--‬ين)‬
‫‪ Whitney‬دراس‪-- -‬ته الكالس‪-- -‬يكية ال‪-- -‬يت نش‪-- -‬رت بع‪-- -‬د ه‪-- -‬ذا الت‪-- -‬اريخ‪ ،‬إذ ق‪-- -‬ارن ‪ Whitney‬مس‪-- -‬تخدمًا أس‪-- -‬لوب‬
‫(إدوارد) ‪ Edwards‬يف التص‪--‬نيف‪ ،‬بني مع‪--‬دالت الوفي‪--‬ات بني املهن ويف الوالي‪--‬ات ال‪--‬يت ك‪--‬انت فيه‪--‬ا بيان‪--‬ات املهن‪--‬ة‬
‫على شهادات الوفي‪-‬ات كامل‪-‬ة متام‪ً-‬ا يف توض‪-‬يح االرتب‪-‬اط بينه‪-‬ا اس‪-‬تنادًا إىل بيان‪-‬ات تع‪-‬داد الس‪-‬كان‪ .‬وتش‪-‬ري النت‪-‬ائج هن‪-‬ا‬
‫إىل وجود عالق‪-‬ة عكس‪-‬ية بني الطبق‪-‬ة املهني‪-‬ة والوفي‪-‬ات إذ بل‪-‬غ مع‪-‬دل الوفي‪-‬ات ‪ 1 .13‬يف األل‪-‬ف بني األش‪-‬خاص غ‪-‬ري‬
‫املهرة يف مقابل ‪ 7‬يف األلف بني املهنيني‪ .‬وأشارت حديثًا دراس‪-‬ة أج‪-‬ريت على نت‪-‬ائج تع‪-‬داد ‪1950‬م إىل أن العالق‪-‬ة‬
‫العكسية بني املكانة املهنية والوفيات ال ت‪-‬زال قائم‪-‬ة يف الوالي‪-‬ات املتح‪-‬دة‪ ،‬وأن مس‪-‬توى الوفي‪-‬ات بني الطبق‪-‬ات املهني‪-‬ة‬
‫الدنيا ال يزال ضعف املستوى املوجود بني اجلماعات اإلدارية واملهنية تقريبا(‪.)1‬‬
‫)(‪1‬‬
‫‪Ibid, p. 165.‬‬

‫‪212‬‬
‫وب ‪--‬الرغم من أن دراس ‪--‬ات (وت ‪--‬ين وغ ‪--‬ريه) ‪ Whitney‬و‪ Marigama‬و‪ Cura luick -‬تش ‪--‬ري بوض ‪--‬وح إىل‬
‫وج‪--‬ود ت‪--‬درج عكس‪--‬ي ملح‪--‬وظ عن‪--‬دما ترتب‪--‬ط الوفي‪--‬ات بالطبق‪--‬ة املهني‪--‬ة يف الوالي‪--‬ات املتح‪--‬دة‪ ،‬فهن‪--‬اك ص‪--‬عوبات معين‪--‬ة‬
‫ترتبط بالطريقة اليت استخدمت فيها املهنة كمؤشر على املكانة االجتماعية واالقتصادية‪.‬‬

‫ونش‪-‬أت ه‪--‬ذه الص‪--‬عوبات عن ج‪-‬وانب قص‪--‬ور عدي‪-‬دة نامجة عن البيان‪-‬ات املت‪-‬وفرة وأي ش‪-‬خص حياول البحث يف ه‪--‬ذا‬
‫اجملال أو يستخدم املادة املتعلقة بالوفيات حسب املهن جيب ان يأخذ ه‪--‬ذه اجلوانب للقص‪--‬ور يف اعتب‪-‬اره‪ .‬ومتث‪-‬ل أك‪-‬ثر‬
‫الص‪--‬عوبات وض‪--‬وحا فيم‪--‬ا يتعل‪--‬ق بالعالق‪--‬ة بني الوفي‪--‬ات واملهن‪--‬ة يف عملي‪--‬ة حس‪--‬اب مع‪--‬دالت الوفي‪--‬ات‪ .‬ولكي حنس‪--‬ب‬
‫مع ‪--‬دل الوفي ‪--‬ات حس ‪--‬ب املهن ‪--‬ة ال ب ‪--‬د من ت ‪--‬وفر ع ‪--‬ددين‪ .‬ع ‪--‬دد األش ‪--‬خاص من يف ك ‪--‬ل مهن ‪--‬ة خالل الف ‪--‬رتة املدروس ‪--‬ة‪،‬‬
‫والعدد الكلي لألشخاص الذين حيصون يف كل مهنة خالل نفس الفرتة‪.‬‬

‫وهذه األعداد للوهل‪-‬ة األوىل يب‪-‬دو أهنا مت‪-‬وفرة متام‪ً-‬ا من خالل ش‪-‬هادات الوف‪-‬اة ومص‪-‬ادر التع‪-‬داد املنش‪-‬ور‪ .‬ولكن على‬
‫(‪)1‬‬
‫أية حال‪ ،‬فإن إمكانية املقارنة بني هاتني اجملموعتني من احلقائق والبيانات ق‪-‬د تك‪-‬ون موض‪--‬ع ش‪-‬ك ألس‪-‬باب كث‪-‬رية‬
‫فال يتب‪--‬ع املص‪--‬درين نفس اإلج‪--‬راءات يف تس‪--‬جيل املهن‪--‬ة‪ .‬ومن ناحي‪--‬ة أخ‪--‬رى‪ ،‬تطلب ش‪--‬هادات الش‪--‬خص الوف‪--‬اة دائم‪ً-‬ا‬
‫للمهن‪--‬ة العادي‪--‬ة ولن ميرض‪ ،‬وحتدد املهن‪--‬ة ع‪--‬ادة ن‪--‬وع العم‪--‬ل ال‪--‬ذي يق‪--‬وم ب‪--‬ه خالل معظم حيات‪--‬ه‪ .‬ويس‪--‬جل التع‪--‬داد من‬
‫ناحي‪-‬ة ثالث‪-‬ة‪ ،‬يف الف‪-‬رتة ‪1960‬م‪ ،‬املهن‪-‬ة ال‪-‬يت ك‪-‬ان يعم‪-‬ل فيه‪-‬ا الش‪-‬خص يف نفس وقت التع‪-‬داد‪ .‬وملا ك‪-‬ان نس‪-‬بة كب‪-‬رية‬
‫من املس‪-‬نني بني الق‪--‬وى العامل‪-‬ة يعمل‪-‬ون يف مهن خمتلف‪--‬ة كلي‪-‬ة عن املهن ال‪-‬يت ك‪-‬انوا يعمل‪-‬ون فيه‪--‬ا خالل اجلانب األك‪--‬رب‬
‫من حياهتم العملية‪ ،‬فمن املمكن أن تك‪-‬ون املهن املس‪-‬جلة يف التع‪--‬داد مغ‪--‬ايرة عن تل‪-‬ك املهن املس‪-‬جلة نتيج‪-‬ة ل‪-‬ذلك يف‬
‫شهادات الوفاة‪.‬‬

‫وقد تتأثر أيضًا إمكانية املقارنة بني شهادة الوفاة وبيانات التعداد باحلقيقة القائلة بأن شهادة الوفاة تسجل مهنة ك‪--‬ل‬
‫األش‪--‬خاص املرض‪--‬ى س‪--‬واء أك‪--‬انوا يعمل‪--‬ون أثن‪--‬اء الوف‪--‬اة أو ك‪--‬انوا من املتعطلني أو املتعاق‪--‬دين‪ .‬ومن ناحي‪--‬ة أخ‪--‬رى يق‪--‬دم‬
‫التعداد يف الف‪-‬رتة الس‪-‬ابقة على ع‪-‬ام ‪1960‬م بيان‪-‬ات املهن‪-‬ة ال‪-‬يت ال تش‪-‬ري إال إىل ه‪-‬ؤالء األش‪-‬خاص فق‪-‬ط ال‪-‬ذين ميثل‪-‬ون‬
‫األعض‪--‬اء الفع‪--‬الني يف الق‪--‬وة العامل‪--‬ة س‪--‬واء أك‪--‬انوا من الع‪--‬املني فعًال أو ال‪--‬ذين يبحث‪--‬ون عن عم‪--‬ل مهن‪--‬ة معين‪--‬ة‪ ،‬يف وقت‬
‫التعداد‪ .‬وهذا معناه أنه عندما حتسب معدالت الوفيات وفقًا للطبقات املهنية‪ ،‬فإن األساس السكاين ال يش‪--‬تمل على‬
‫ك‪-‬ل األش‪-‬خاص املعرض‪-‬ني اخلط‪-‬ر الوف‪-‬اة‪ ،‬وأي اختالف‪-‬ات بني املهن تتعل‪-‬ق بالع‪-‬دد احملص‪-‬ي مبقارنت‪-‬ه بالع‪-‬دد ال‪-‬ذي ينتمي‬
‫)(‪1‬‬
‫‪Ibid, p. 165.‬‬

‫‪213‬‬
‫إىل طبقة مهنية معينة‪ ،‬بالرغم من أنه مل يكن يعم‪-‬ل يف ذل‪-‬ك ال‪-‬وقت‪ ،‬م‪--‬ا ميكن أن ي‪-‬ؤثر بش‪-‬كل واض‪--‬ح على مع‪--‬دالت‬
‫الوفيات حسب املهنة الناجتة عن ذلك‪.‬‬

‫المكانة االجتماعية االقتصادية والوفيات‬ ‫‪-2‬‬

‫وبالرغم من أن املناقشات السابقة مل تشتمل على كل الطرق اليت تتأثر فيها إمكانية املقارنة بني البيانات ال‪-‬يت حتص‪-‬ل‬
‫عليها من شهادات الوفاة وتلك اليت توفرها تقارير التعداد‪ ،‬إال أهنا أش‪-‬ارت بوض‪-‬وح إىل أوج‪-‬ه القص‪-‬ور يف اس‪-‬تخدام‬
‫بيان ‪--‬ات املهن ‪--‬ة كم ‪--‬ا يوفره ‪--‬ا التع ‪--‬داد ومص ‪--‬ادر التس ‪--‬جيالت احليوي ‪--‬ة يف حتلي ‪--‬ل الف ‪--‬روق االجتماعي ‪--‬ة واالقتص ‪--‬ادية يف‬
‫الوفيات‪ .‬وبالنظر إىل أوجه القصور هذه‪ ،‬فليس من املدهش أن جند هن‪-‬اك م‪-‬داخل عدي‪-‬دة وبديل‪-‬ة ق‪-‬د اس‪-‬تخدمت يف‬
‫دراس‪--‬ة العالق‪--‬ة بني العوام‪--‬ل االجتماعي‪--‬ة واالقتص‪--‬ادية ومس‪--‬تويات الوفي‪--‬ات‪ ،‬ومن ه‪--‬ذه احملاوالت لعب املس‪--‬ح بالعين‪--‬ة‬
‫دورًا بارزًا (‪.)1‬‬

‫وق ‪--‬د تعت ‪--‬رب دراس ‪--‬ة (سيدنس ‪--‬رتيكر) ‪ sydenstricker‬املبك ‪--‬رة ملدين ‪--‬ة ه ‪--‬اجر ت ‪--‬اون ‪ Hagers Town‬من بني‬
‫مس ‪--‬وح ه ‪--‬ذا البل ‪--‬د ال ‪--‬يت ص ‪--‬ممت للكش ‪--‬ف عن أث ‪--‬ر البيئ ‪--‬ة االجتماعي ‪--‬ة واالقتص ‪--‬ادية على الص ‪--‬حة‪ ،‬ب ‪--‬رغم أهنا مل تع ‪--‬ين‬
‫خصيص‪ً-‬ا بالوفي‪-‬ات‪ .‬ه‪-‬ذه الدراس‪-‬ة‪ ،‬ال‪-‬يت ق‪-‬امت على مس‪-‬ح لـ ‪ 1.800‬أس‪-‬رة يف مدين‪-‬ة ‪ Hagers Town‬وب‪-‬دأت‬
‫يف خري‪--‬ف ع‪--‬ام ‪1921‬م‪ ،‬وأوض‪--‬حت أن مس‪--‬تويات الص‪--‬حة‪ ،‬كم‪--‬ا ح‪--‬ددت بواس‪--‬طة تك‪--‬رار ح‪--‬دوث املرض تص‪--‬بح‬
‫فقرية بشكل ملح‪-‬وظ كلم‪-‬ا تن‪-‬اقص دخ‪-‬ل األس‪-‬رة‪ .‬وأك‪-‬ثر من ذل‪-‬ك وج‪-‬د أن مق‪-‬دار الرعاي‪-‬ة الطبي‪-‬ة ال‪-‬يت حيص‪-‬ل عليه‪-‬ا‬
‫الفرد يقل مع اخنفاض حالة ال‪-‬دخل‪ ،‬وأن ‪ % 43‬فق‪-‬ط من ح‪-‬االت املرض بني الفق‪-‬راء ك‪-‬انوا ي‪-‬رتددون على الط‪-‬بيب‬
‫يف مقاب‪--‬ل ‪ % 70‬من األس‪--‬ر الغني‪--‬ة‪ .‬ب‪--‬الرغم من أن‪--‬ه ق‪--‬د ل‪--‬وحظت بعض االختالف‪--‬ات بني مجاع‪--‬ات ال‪--‬دخل عن‪--‬د حتلي‪--‬ل‬
‫بيان ‪-- -‬ات مجاع ‪-- -‬ات عمري ‪-- -‬ة وأس ‪-- -‬باب معين ‪-- -‬ة‪ ،‬وانتهى (سيدنس ‪-- -‬رتيكر) ‪ ،sydenstricker‬إىل أن هن ‪-- -‬اك حقيق ‪-- -‬تني‬
‫واض ‪--‬حتني األوىل‪ ،‬هي أن مع ‪--‬دل املرض املالح ‪--‬ظ ك ‪--‬ان عالي ‪ً-‬ا بالنس ‪--‬بة للفق ‪--‬راء عن ‪--‬ه بالنس ‪--‬بة ملن هم أفض ‪--‬ل منهم من‬
‫الناحي ‪--‬ة االقتص ‪--‬ادية‪ ،‬واحلقيق ‪--‬ة األخ ‪--‬رى هي أن ه ‪--‬ذه األس ‪--‬رة عموم‪ً- -‬ا وال ‪--‬يت ك ‪--‬انت تتج ‪--‬اوز املتوس ‪--‬ط يف الظ ‪--‬روف‬
‫االقتصادية يف هذا اجملتمع تتمتع برعاية طبية كبرية عن بقية السكان‪.‬‬

‫)(‪1‬‬
‫‪Ibid, p. 166.‬‬

‫‪214‬‬
‫ودرست أيضًا العالقة بني الص‪-‬حة واحلال‪-‬ة االجتماعي‪-‬ة واالقتص‪-‬ادية بع‪-‬د ذل‪-‬ك بس‪-‬نوات قليل‪-‬ة يف ربي‪-‬ع ع‪-‬ام ‪1933‬م‪.‬‬
‫ويف ه‪--‬ذا ال‪--‬وقت أوض‪--‬حت دراس‪--‬ة مس‪--‬حية أج‪--‬ريت يف (‪ )10‬مقاطع‪--‬ات أن هن‪--‬اك زي‪--‬ادة ملحوظ‪--‬ة يف ح‪--‬دوث املرض‬
‫كلم ‪--‬ا تن ‪--‬اقص دخ ‪--‬ل األس ‪--‬رة يف خالل الع ‪--‬ام وأوض ‪--‬ح باملث ‪--‬ل املس ‪--‬ح الص ‪--‬حي الق ‪--‬ومي ال ‪--‬ذي أج ‪--‬ري م ‪--‬ا بني نوفم ‪--‬رب‬
‫‪1935‬م‪1936،‬م‪ ،‬ارتباط ‪ً-‬ا قوي ‪ً-‬ا بني الص ‪--‬حة واحلال ‪--‬ة االقتص ‪--‬ادية‪ .‬وتوض ‪--‬يح ذل ‪--‬ك‪ ،‬ه ‪--‬و أن مع ‪--‬دل األم ‪--‬راض املزمن ‪--‬ة‬
‫الذي بلغ ‪ 160‬يف األلف بني األشخاص املتقاعدين ‪ Relief‬تناقص باستمرار كلما زاد الدخل لدرجة إن املع‪--‬دل‬
‫بني األش‪--‬خاص ذوي ال‪--‬دخل الس‪--‬نوي ‪ 5.000‬أو أك‪--‬ثر ك‪--‬ان ح‪--‬وايل ‪ 107‬يف األل‪--‬ف من الس‪--‬كان وأك‪--‬ثر من ذل‪--‬ك‬
‫وج‪--‬د املس‪--‬ح الص‪--‬حي الق‪--‬ومي أن احلال‪--‬ة االقتص‪--‬ادية واالجتماعي‪--‬ة ترتب‪--‬ط ارتباط‪ً-‬ا عكس‪--‬يًا بعملي‪--‬ة تك‪--‬رار وق‪--‬ع احلوادث‬
‫والوفاة‪ ،‬وتلقي الرعاية الطبية(‪.)1‬‬

‫لق‪--‬د ب‪--‬رهن ح‪--‬ديثًا على األث‪--‬ر العكس‪--‬ي للحال‪--‬ة االجتماعي‪--‬ة واالقتص‪--‬ادية املنخفض‪--‬ة على مس‪--‬تويات الص‪--‬حة‪ ،‬من خالل‬
‫نت‪--‬ائج مث‪--‬ل ال‪--‬يت تؤك‪--‬د وج‪--‬ود عالق‪--‬ة مباش‪--‬رة بني دخ‪--‬ل األس‪--‬رة ونس‪--‬بة املرض وح‪--‬االت اإلص‪--‬ابة ال‪--‬يت تتلقى اهتمام ‪ً-‬ا‬
‫ورعاية طبية‪ ،‬وعالقة عكسية بني الدخل وعدد أيام العمل اليت يفقدها الشخص نتيجة ملرض مزمن أو إصابات‪.‬‬

‫وتنطوي مداخل منهجي‪-‬ة أخ‪-‬رى وال‪-‬يت اس‪-‬تخدمت لدراس‪-‬ة العالق‪-‬ة بني احلال‪-‬ة االجتماعي‪-‬ة واالقتص‪-‬ادية والص‪-‬حة على‬
‫استخدام بيانات التع‪-‬داد لتقس‪-‬يم البل‪-‬د إىل مس‪-‬تويني اجتم‪-‬اعيني اقتص‪-‬اديني اث‪-‬نني‪ .‬فلق‪-‬د أوض‪-‬ح (بيم‪-‬ال) ‪Pemnell‬‬
‫مثًال‪ ،‬أن وجود واستخدام خدمات املستشفيات ارتبط عكسيًا باحلال‪-‬ة االقتص‪-‬ادية عن‪-‬دما رتبت ‪ 48‬والي‪-‬ة ومقاطع‪-‬ة‬
‫يف كولومبي‪--‬ا طبق‪ً-‬ا ملتوس‪--‬ط دخ‪--‬ل الف‪--‬رد س‪--‬نويًا‪ .‬وباملث‪--‬ل اوض‪--‬ح دورن) ‪ Dorn‬باس‪--‬تخدامه لبيان‪--‬ات تع‪--‬داد ‪1935‬م‬
‫وتوزي‪--‬ع املن‪--‬اطق الريفي‪--‬ة يف أوه‪--‬ايو على فئ‪--‬تني اثن‪--‬تني عريض‪--‬تني‪ ،‬أوض‪--‬ح أن مع‪--‬دالت الوفي‪--‬ات يف املن‪--‬اطق ذات احلال‪--‬ة‬
‫االقتص‪--‬ادية الفق‪--‬رية‪ ،‬مث‪--‬ل من‪--‬اطق التع‪--‬دين والزراع‪--‬ة املت‪--‬دهورة بلغت ح‪--‬وايل ‪ % 10‬زي‪--‬ادة على املع‪--‬دالت املن‪--‬اظرة يف‬
‫املن‪--‬اطق ذات احلال‪--‬ة االقتص‪--‬ادية األوف‪--‬ر‪ .‬وك‪--‬ان مع‪--‬دل الوفي‪--‬ات بالنس‪--‬بة لل‪--‬ذكور يف املن‪--‬اطق األخ‪--‬رية ‪ 3 .8‬يف األل‪--‬ف‬
‫مبقارنت ‪--‬ه مبع ‪--‬دل ‪ % 3 .9‬يف املن ‪--‬اطق الفق ‪--‬رية‪ .‬أم ‪--‬ا اإلن ‪--‬اث فك ‪--‬انت املع ‪--‬دالت ‪ %9 .7‬ويف املقاب ‪--‬ل ‪ %7 .8‬على‬
‫التوايل‪.‬‬

‫وحديثًا الحظ (التندرفر ‪ Altenderfer‬باستخدام بيانات دخل الف‪-‬رد يف ت‪-‬رتيب ‪ 92‬مدين‪-‬ة يف الوالي‪-‬ات املتح‪-‬دة‬
‫وال‪--‬يت يزي‪--‬د ع‪--‬دد س‪--‬كاهنا على ‪ 100.000‬نس‪--‬مة الح‪--‬ظ أن مع‪--‬دالت الوفي‪--‬ات متي‪--‬ل إىل االخنف‪--‬اض بش‪--‬كل واض‪--‬ح‬
‫)(‪1‬‬
‫‪Ibid, p. 166.‬‬

‫‪215‬‬
‫كلما ارتفع الدخل يف املدينة ولقد وجد أن مث‪-‬ل ه‪-‬ذه العالق‪-‬ة العكس‪-‬ية بالنس‪-‬بة لك‪-‬ل ح‪-‬االت الوفي‪-‬ات بني األطف‪-‬ال‪،‬‬
‫واملواليد مويت‪ ،‬والوفيات بسبب أمراض مزمنة وألسباب العدوى‪ .‬وأمدتنا دراسة االحقة أجريت على ‪ 973‬مدين‪--‬ة‬
‫ع‪--‬دد س‪--‬كاهنا ‪ 10.000‬من الس‪--‬كان‪ ،‬ومرتب‪--‬ة وف‪--‬ق مع‪--‬دالت وفي‪--‬ات األطف‪--‬ال أم‪--‬دتنا بنت‪--‬ائج مماثل‪--‬ة‪ ،‬ويف املدن ذات‬
‫مع‪--‬دل وفي‪--‬ات األطف‪--‬ال املنخفض ك‪--‬ان متوس‪--‬ط دخ‪--‬ل الف‪--‬رد الس‪--‬نوي ‪ 722‬دوالر يف مقاب‪--‬ل ‪ 595‬دوالر بني املدن‬
‫اليت كان فيها معدل الوفيات كبريًا(‪.)1‬‬

‫واملدخل أو املنهج الث ‪--‬الث‪ ،‬وال ‪--‬ذي تزاي ‪--‬د اس ‪--‬تخدامه على حنو ش ‪--‬امل نتيج ‪--‬ة لت ‪--‬وفر البيان ‪--‬ات بدرج ‪--‬ة ملحوظ ‪--‬ة‪ .‬ك ‪--‬ان‬
‫يتض‪-‬من أيض‪ً-‬ا اس‪-‬تخدام بيان‪-‬ات التع‪-‬داد‪ ،‬وباس‪-‬تخدام معلوم‪-‬ات ش‪-‬هادة الوفي‪-‬ات مبا يف ذل‪-‬ك مك‪-‬ان اإلقام‪-‬ة‪ ،‬مث اختب‪-‬ار‬
‫الوفي‪--‬ات يف عالقته‪--‬ا خبص‪--‬ائص اقتص‪--‬ادية واجتماعي‪--‬ة تناوهلا التع‪--‬داد‪ ،‬املن‪--‬اطق اجلغرافي‪--‬ة الص‪--‬غرية املتجانس‪--‬ة نس‪--‬بيًا ال‪--‬يت‬
‫ينقس‪--‬م إليه‪--‬ا املدن الك‪--‬ربى ألغ‪--‬راض إحص‪--‬ائية‪ .‬وعلى أي‪--‬ة ح‪--‬ال‪ ،‬عن‪--‬دما اس‪--‬تخدمت بيان‪--‬ات ش‪--‬هادة الوف‪--‬اة على املهن‪--‬ة‬
‫لتصنيف اجلماعات االجتماعية واالقتصادية وباستخدام وحدات التعداد كوحدات للتحليل لوحظ بعض النقص‪.‬‬

‫ولق‪--‬د متت مناقش‪--‬ة ال‪--‬دفاع عن أو رفض منهج وح‪--‬دات التع‪--‬داد يف مواق‪--‬ع أخ‪--‬رى من ال‪--‬رتاث ول‪--‬ذلك س‪--‬وف ال يفي‪--‬د‬
‫ه‪--‬ذا النق‪--‬اش م‪--‬رة ثاني‪--‬ة هن‪--‬ا‪ .‬فلق‪--‬د ق‪--‬دم (جول‪--‬رت وج‪--‬ور الني‪--‬ك) ‪ Goulter & Guralnick‬عرض ‪ً-‬ا للمش‪--‬كالت‬
‫وقائم ‪--‬ة بيليوجرافي ‪--‬ة هلذا املوض ‪--‬وع(‪ .)2‬وأج ‪--‬رى (الن) ‪ Allen‬دراس ‪--‬ة واعي ‪--‬ة باس ‪--‬تخدام مؤش ‪--‬رات قيم ‪--‬ة املس ‪--‬كن أو‬
‫األج‪--‬ر الش‪--‬هري‪ ،‬كم‪--‬ا ج‪--‬اء يف التع‪--‬داد‪ ،‬للعالق‪--‬ة بني احلال‪--‬ة االقتص‪--‬ادية والوفي‪--‬ات يف أوه‪--‬ايو‪ .‬ويف األع‪--‬وام ‪1930‬م‪،‬‬
‫‪1940‬م‪1950 ،‬م‪ ،‬وج‪--‬د إن األث‪--‬ر العكس‪--‬ي للبيئ‪--‬ة االجتماعي‪--‬ة واالقتص‪--‬ادية الفق‪--‬رية على مس‪--‬تويات الوفي‪--‬ات أك‪--‬ثر‬
‫وض‪-‬وحًا‪ .‬ويف الدراس‪-‬ات احلديث‪-‬ة ك‪-‬ذلك‪ ،‬على س‪-‬بيل املث‪-‬ال‪ ،‬ك‪-‬انت وفي‪-‬ات األطف‪-‬ال بني الس‪-‬كان ال‪-‬بيض تقريب‪ً-‬ا أق‪-‬ل‬
‫بثالث م ‪--‬رات عن ‪--‬ه يف املن ‪--‬اطق االقتص ‪--‬ادية ال ‪--‬دنيا يف املدين ‪--‬ة‪ .‬ووج ‪--‬دت دراس ‪--‬ات مماثل ‪--‬ة أج ‪--‬ريت يف ع ‪--‬دد من املدن‬
‫األخ ‪--‬رى واس ‪--‬تخدمت جمموع ‪--‬ة متباين ‪--‬ة من املؤش ‪--‬رات أيض‪ً- -‬ا أن مس ‪--‬تويات الوفي ‪--‬ات ترتب ‪--‬ط ارتباط‪ً- -‬ا عكس ‪--‬يًا باحلال ‪--‬ة‬
‫االجتماعي‪--‬ة واالقتص‪--‬ادية‪ .‬ويف ش‪--‬يكاغو يف ع‪--‬ام ‪1920‬م ‪1940 -‬م زاد توق‪--‬ع احلي‪--‬اة عن‪--‬د امليالد بالنس‪--‬بة لك‪--‬ل من‬
‫ال‪--‬ذكور واإلن‪--‬اث بش‪--‬كل ملح‪--‬وظ م‪--‬ع احلال‪--‬ة االجتماعي‪--‬ة واالقتص‪--‬ادية عن‪--‬دما ص‪--‬نفت بيان‪--‬ات التع‪--‬داد يف ه‪--‬ذه املدين‪--‬ة‬
‫وفقًا ملتوسط اإلجيار الشهري‪.‬‬

‫)(‪1‬‬
‫‪Ibid, p. 167.‬‬
‫)(‪2‬‬
‫‪Ibid, p. 167.‬‬

‫‪216‬‬
‫وباملثل‪ ،‬برهنت دراسة أجريت يف نيوهافن ‪ Haven‬يف عام ‪1930‬م بوضوح على أن معدالت الوفيات متي‪--‬ل إىل‬
‫االرتف ‪--‬اع كلم ‪--‬ا اخنفض املس ‪--‬توى االقتص ‪--‬ادي واالجتم ‪--‬اعي‪ ،‬وه ‪--‬ذا م ‪--‬ا ب ‪--‬رهنت علي ‪--‬ه دراس ‪--‬ات باف ‪--‬الو ‪ Buffalo‬يف‬
‫نيويورك عام ‪1940‬م وهوسنت ‪ Houston‬يف تكساس يف عام ‪1950‬م‪.‬‬

‫وكل هذه الدراسات املذكورة سابقًا قد أشارت إىل وجود عالقة عكس‪-‬ية واض‪-‬حة بني الوفي‪-‬ات واحلال‪-‬ة االجتماعي‪-‬ة‬
‫واالقتصادية‪.‬‬

‫وعلى أية حال‪ ،‬ال تربهن ك‪-‬ل الدراس‪-‬ات على ه‪-‬ذه النتيج‪-‬ة‪ :‬فعلى س‪-‬بيل املث‪-‬ال‪ ،‬أوض‪-‬حت دراس‪-‬ة تبعي‪-‬ة للمش‪-‬اركني‬
‫يف مس‪--‬ح (سيدنس‪--‬رتيكر) ‪ Sydenstricker‬يف ‪ Hagerstown‬منط ‪ً-‬ا ش‪--‬اذًا عن‪--‬دما ك‪--‬ان مع‪--‬دل املرض مرتبط ‪ً-‬ا‬
‫باحلال‪--‬ة االقتص‪--‬ادية‪ ،‬وباملث‪--‬ل‪ ،‬انتهي مس‪--‬حًا ملدين‪--‬ة ‪ Buller Country, pa‬خالل ص‪--‬يف ع‪--‬ام ‪1954‬م وال‪--‬ذي‬
‫اس‪--‬تخدم تص‪--‬نيف ‪ Edwards‬امله‪--‬ين كمؤش‪--‬ر على احلال‪--‬ة االجتماعي‪--‬ة واالقتص‪--‬ادية‪ ،‬انتهى إىل أن‪--‬ه ليس هن‪--‬اك ف‪--‬ارق‬
‫واضح يف حدوث املرض بني الطبقات املتباينة والعديدة‪.‬‬

‫ولقد أصبح وج‪-‬ود االختالف ظ‪-‬اهرًا للغاي‪-‬ة عن‪-‬دما أخ‪-‬ذت يف االعتب‪-‬ار ح‪-‬االت معين‪-‬ة أخ‪-‬رى‪ .‬ولتوض‪-‬يح ذل‪-‬ك‪ ،‬فلق‪-‬د‬
‫كانت النتيجة على خالف العالقة العكسية القوية‪ ،‬بني احلالة االجتماعي‪--‬ة واالقتص‪--‬ادية ووفي‪--‬ات األطف‪--‬ال يف هوس‪--‬نت‬
‫‪ Houston‬وظه ‪-- - - - -‬ر أن ه ‪-- - - - -‬ذه العالق ‪-- - - - -‬ة ال وج ‪-- - - - -‬ود هلا متام‪ً- - - - - -‬ا يف دراس ‪-- - - - -‬ة س ‪-- - - - -‬ريكس ‪ Syracuse‬ودراس ‪-- - - - -‬ة‬
‫‪ Providence. R. I‬وبالرغم من أن بعض الدراسات تشري إىل إن هذه العالقة ال وجود هلا بالنسبة لألمراض‬
‫املزمن‪-‬ة إال أهنا ال ت‪-‬زال هن‪-‬اك دراس‪-‬ات غريه‪-‬ا تش‪-‬ري إىل أن ه‪-‬ذه العالق‪-‬ة العكس‪-‬ية من الق‪-‬وة بالنس‪-‬بة للوفي‪-‬ات ال‪-‬يت ت‪-‬رد‬
‫إىل املرض وكذلك بالنسبة اللوفيات النامجة عن أسباب العدوى‪ ..‬وأكثر من ذلك وحىت هذه الدراسات اليت تواف‪--‬ق‬
‫على وج ‪--‬ود االختالف ال تواف ‪--‬ق على م ‪--‬ا إذا ك ‪--‬ان االختالف ق ‪--‬د أص ‪--‬بح ص ‪--‬غريًا أوال ي ‪--‬زال ه ‪--‬و نفس ‪--‬ه أو ح ‪--‬ىت أك ‪--‬ثر‬
‫وض‪--‬وحًا مما ك‪--‬ان علي‪--‬ه يف املاض‪--‬ي‪ ،‬ومث‪--‬ل ه‪--‬ذه املالحظ‪--‬ات املتعارض‪--‬ة فيم‪--‬ا يتعل‪--‬ق بوج‪--‬ود وطبيع‪--‬ة وم‪--‬دى الفروق‪--‬ات‬
‫االجتماعية واالقتصادية يف الوفيات تشري بوضوح إىل احلاجة إىل مزيد من البحث يف هذا اجملال(‪.)1‬‬

‫الخالصة‬
‫)(‪1‬‬
‫‪Ibid, p. 168.‬‬

‫‪217‬‬
‫يش‪--‬ري املس‪--‬ح الس‪--‬ابق لل‪--‬رتاث املتعل‪--‬ق بالفروق‪--‬ات االجتماعي‪--‬ة واالقتص‪--‬ادية يف الوفي‪--‬ات يف الوالي‪--‬ات املتح‪--‬دة إىل ن‪--‬وع‬
‫البحث الذي أجري يف هذا اجملال وإىل طبيعة النتائج اليت مت التوصل إليها‪ .‬ففي املاضي‪ ،‬ب‪-‬رهنت النتيج‪-‬ة العام‪-‬ة لك‪-‬ل‬
‫هذه الدراسات‪ ،‬اليت استخدم الكثري منها مداخل أو طرق منهجي‪-‬ة خمتلف‪-‬ة بش‪-‬كل ظ‪-‬اهر‪ ،‬ب‪-‬رهنت على وج‪-‬ود عالق‪-‬ة‬
‫عكس‪--‬ية حمددة بني مع‪--‬دالت الوفي‪--‬ات واحلال‪--‬ة االجتماعي‪--‬ة واالقتص‪--‬ادية‪ .‬وعلى أي‪--‬ة ح‪--‬ال‪ .‬يب‪--‬دو يف ال‪--‬وقت احلديث أن‬
‫هناك بعض التعارض فيم‪-‬ا إذا ك‪-‬ان ه‪-‬ذا الف‪-‬ارق موج‪-‬ودًا أم ال‪ ،‬س‪-‬واء بالنس‪-‬بة للوفي‪-‬ات عموم‪ً-‬ا أو للوفي‪-‬ات األس‪-‬باب‬
‫معين‪--‬ة‪ .‬وأك‪--‬ثر من ذل‪--‬ك‪ ،‬ح‪--‬ىت عن‪--‬دما ك‪--‬ان يواف‪--‬ق على وج‪--‬ود مث‪--‬ل ه‪--‬ذا الف‪--‬ارق‪ ،‬فلم يكن هن‪--‬اك اتف‪--‬اق عم‪--‬ا إذا ك‪--‬ان‬
‫هذا الفارق حمددًا أم ال‪ .‬والشيء احملتمل هو أن وجود الفروق االجتماعية واالقتصادية يف الوفيات‪ ،‬س‪--‬واء أص‪--‬بحت‬
‫بس‪--‬يطة أو كب‪--‬رية‪ .‬فإهنا ختتل‪--‬ف فعلي ‪ً-‬ا من مك‪--‬ان إىل آخ‪--‬ر‪ .‬ومن ناحي‪--‬ة أخ‪--‬رى ق‪--‬د يعتم‪--‬د وج‪--‬ود وطبيع‪--‬ة العالق‪--‬ة على‬
‫متغريات خمتارة لقياس احلالة االجتماعية االقتصادية مثًال‪ ،‬الدخل يف مقابل األج‪-‬ر‪ ،‬أو املهن‪-‬ة‪ ،‬أو اإلج‪-‬راءات املنهجي‪-‬ة‬
‫املس‪-‬تخدمة‪ .‬ولق‪-‬د ب‪-‬رهنت دراس‪-‬ة حديث‪-‬ة على إن ك‪-‬ل ه‪-‬ذه العوام‪-‬ل ق‪-‬د متارس ت‪-‬أثريًا على طبيع‪-‬ة الف‪-‬روق االجتماعي‪-‬ة‬
‫االقتصادية يف الوفيات(‪.)1‬‬

‫ولكي نوضح املوقف احلاضر‪ ،‬ولكي حندد م‪-‬ا إذا ك‪-‬ان الف‪-‬ارق االجتم‪-‬اعي االقتص‪-‬ادي التقلي‪-‬دي ال ي‪-‬زال موج‪-‬ودًا أم‬
‫ال‪ ،‬أو م‪--‬ا إذا ك‪--‬ان مييز ك‪--‬ل أو بعض ج‪--‬وانب الوفي‪--‬ات فق‪--‬ط أو م‪--‬ا إذا ك‪--‬ان حمدودًا‪ ،‬نق‪--‬رر أن األم‪--‬ر يتطلب سلس‪--‬لة‬
‫مستمرة من الدراسات املقارنة‪ .‬وأكثر من ذلك‪ ،‬جيب أن تش‪-‬ري مقارن‪-‬ة املن‪-‬اطق ووص‪-‬ف االجتاه‪-‬ات الزمني‪-‬ة بوض‪-‬وح‬
‫إىل م‪--‬ا ال‪--‬ذي جيب إن يق‪--‬ارن وم‪--‬ا ينبغي أن يتض‪--‬من من خص‪--‬ائص معين‪--‬ة عن‪--‬دما تس‪--‬تخدم إج‪--‬راءات منهجي‪--‬ة متباين‪--‬ة‪،‬‬
‫ومص‪--‬ادر للبيان‪-‬ات خمتلف‪--‬ة‪ ،‬وجمتمع‪--‬ات يف املقارن‪-‬ة – وعن‪-‬دما يت‪-‬وافر ل‪-‬دينا فق‪--‬ط سلس‪-‬لة مس‪-‬تمرة من الدراس‪-‬ات ح‪-‬ول‬
‫الط ‪--‬رق ال ‪--‬يت ت ‪--‬ؤثر هبا عوام ‪--‬ل مكاني ‪--‬ة خمتلف ‪--‬ة على الوفي ‪--‬ات س ‪--‬وف يت ‪--‬وافر ل ‪--‬دينا أساس‪ً- -‬ا س ‪--‬ليمًا لتحدي ‪--‬د أث ‪--‬ر احلال ‪--‬ة‬
‫االجتماعية االقتصادية على الوفيات‪.‬‬

‫ثالثًا توقع الحياة ومستويات التنمية البشرية في البلدان النامية‬

‫وس‪-‬بق إن أوض‪--‬حنا كي‪-‬ف أن دارس الس‪-‬كان يس‪-‬تطيع إن يس‪-‬تفيد من م‪--‬ا جيمع‪--‬ه من بيان‪-‬ات ح‪-‬ول ظ‪--‬اهرة الوفي‪-‬ات يف‬
‫رس ‪-- -‬م ج ‪-- -‬دول حي ‪-- -‬اة أو مجاع ‪-- -‬ة أي جمتم ‪-- -‬ع (‪ ،)2‬ميكن بن ‪-- -‬اءا علي ‪-- -‬ه توض ‪-- -‬يح تط ‪-- -‬ور توق ‪-- -‬ع احلي ‪-- -‬اة أو أم ‪-- -‬د احلي ‪-- -‬اة‬

‫)(‪1‬‬
‫‪Ibid, p. 168.‬‬
‫‪ )(2‬انظر ص ‪ .231‬الفصل‪..‬‬

‫‪218‬‬
‫‪ Expectation of life‬هلذه اجلماعة أو اجملتمع خالل فرتة زمنية معلومة‪ .‬ويقاس أمد احلياة باستخدام أساليب‬
‫إحص‪--‬ائية تعتم‪-‬د على ج‪-‬دول احلي‪-‬اة وحيس‪-‬ب دائم‪ً-‬ا عن‪-‬د امليالد أو عن‪-‬د أي‪-‬ة فئ‪-‬ة عمري‪-‬ة‪ .‬وه‪--‬و ببس‪-‬اطة عب‪-‬ارة عن ع‪--‬دد‬
‫السنوات اليت يتوق‪-‬ع أن يعيش‪-‬ها الف‪-‬رد الواح‪-‬د يف أي‪-‬ة س‪-‬نة معلوم‪-‬ة وه‪-‬و حيس‪-‬ب باس‪-‬تمرار لل‪-‬ذكور واإلن‪-‬اث ك‪-‬ل على‬
‫حدة(‪.)1‬‬

‫والي‪--‬وم تط‪--‬ور اس‪--‬تخدام مقي‪--‬اس توق‪--‬ع احلي‪--‬اة أو متوس‪--‬ط العم‪--‬ر املتوق‪--‬ع وأص‪--‬بح يس‪--‬تعان ب‪--‬ه يف حتدي‪--‬د مس‪--‬تويات التنمي‪--‬ة‬
‫البش‪--‬رية يف بل‪--‬دان الع‪--‬امل‪ .‬وق‪--‬د حتق‪--‬ق ه‪--‬ذا التط‪--‬ور من خالل اجله‪--‬ود الدولي‪--‬ة وح‪--‬رص الربن‪--‬امج اإلمنائي لألمم املتح‪--‬دة‬
‫من‪--‬ذ بداي‪--‬ة التس‪--‬عينات على إص‪--‬دار تقري‪--‬ر س‪--‬نوي للتنمي‪--‬ة البش‪--‬رية يتم من خالل‪--‬ه ت‪--‬رتيب دول الع‪--‬امل طبق ‪ً-‬ا ملس‪--‬تويات‬
‫التنمي ‪--‬ة البش ‪--‬رية يعتم ‪--‬د على دلي ‪--‬ل التنمي ‪--‬ة البش ‪--‬رية باعتب ‪--‬اره مركب ‪ً-‬ا من مؤش ‪--‬رات منطي ‪--‬ة قابل ‪--‬ة للمقارن ‪--‬ة بني ال ‪--‬دول‪،‬‬
‫وتص‪--‬نيف ال‪--‬دول إىل ثالث‪--‬ة جمموع‪--‬ات‪ :‬دول ذات تنمي‪--‬ة بش‪--‬رية عالي‪--‬ة (قيم‪--‬ة ال‪--‬دليل ‪ 0.8‬ف‪--‬أكثر) ودول ذات تنمي‪--‬ة‬
‫بش ‪--‬رية متوس ‪--‬طة قيم ‪--‬ة ال ‪--‬دليل بني ‪ 0.5‬و‪ )0.8‬مث دول ذات تنمي ‪--‬ة بش ‪--‬رية منخفض ‪--‬ة (قيم ‪--‬ة ال ‪--‬دليل أق ‪--‬ل من ‪)0.5‬‬
‫ودلي ‪--‬ل التنمي ‪--‬ة البش ‪--‬رية عب ‪--‬ارة عن مقي ‪--‬اس نس ‪--‬ي م ‪--‬ركب من ثالث ‪--‬ة مؤش ‪--‬رات هي العم ‪--‬ر املتوق ‪--‬ع عن ‪--‬د امليالد ومع ‪--‬دل‬
‫القراءة والكتابة للبالغني ومتوسط نصيب الفرد من الناتج احمللي اإلمجايل معربًا عنه بالدوالر األم‪--‬ريكي‪ .‬ويالح‪--‬ظ أن‬
‫املؤش‪-‬رين األول والث‪-‬اين هلم‪-‬ا ص‪-‬فة الرص‪-‬يد ويعكس‪-‬ان أوض‪-‬اع الص‪-‬حة والتغذي‪-‬ة واملعرف‪-‬ة يف الدول‪-‬ة أم‪-‬ا املؤش‪-‬ر الث‪-‬الث‬
‫فله صفة التدفق الذي يعرب عن قدرة الفرد على احلصول على املوارد الالزمة حلياة كرمية(‪.)2‬‬

‫متوسط العمر المتوقع في البلدان النامية‬ ‫‪]1‬‬

‫ويف دراس‪--‬ة حديث‪--‬ة أج‪--‬ريت ح‪--‬ول العم‪--‬ر املتوق‪--‬ع يف البل‪--‬دان النامي‪--‬ة يش‪--‬ري الب‪--‬احث يف البداي‪--‬ة إىل جمموع‪--‬ة مالحظ‪--‬ات‬
‫ح‪--‬ول واق‪--‬ع البيان‪--‬ات املتاح‪--‬ة يف ه‪--‬ذا الص‪--‬دد‪ .‬مث يس‪--‬تخلص أهم النت‪--‬ائج ح‪--‬ول العم‪--‬ر املتوق‪--‬ع يف ه‪--‬ذه البل‪-‬دان بن‪--‬اء على‬
‫املقارنات بني هذه البيانات‪.‬‬

‫والواق ‪--‬ع أن البيان ‪--‬ات املتاح ‪--‬ة ح ‪--‬ول الوفي ‪--‬ات يف البل ‪--‬دان النامي ‪--‬ة ق ‪--‬د حتس ‪--‬نت بش ‪--‬كل واض ‪--‬ح ع ‪--‬رب عش ‪--‬رات الس ‪--‬نوات‬
‫األخرية‪ .‬وأصبحت التسجيالت احليوي‪-‬ة أك‪-‬ثر اكتم‪-‬اًال ت‪-‬درجييًا خاص‪-‬ة يف أمريك‪-‬ا الالتيني‪-‬ة وش‪-‬رق آس‪-‬يا‪ .‬أم‪-‬ا البيان‪-‬ات‬
‫ال‪-‬يت تس‪-‬مح بتق‪-‬دير وفي‪-‬ات الرض‪-‬ع واألطف‪-‬ال ق‪-‬د اتس‪-‬ع نط‪-‬اق مجعه‪-‬ا من خالل التع‪-‬دادات واملس‪-‬وح خاص‪-‬ة تل‪-‬ك ال‪-‬يت‬
‫‪ )(1‬دكتور فتحي محمد أو عيانة ‪ ،‬جغرافية السكان ‪ ،‬دار المعرفة الجامعية ‪ ،‬اإلسكندرية ‪1995‬م ‪ ،‬ص‪164 .‬‬
‫‪ )(2‬تقرير التنمية البشرية في مصر عام ‪1994‬م ‪ ،‬وثيقة العدد ‪ ،‬الدراسات اإلعالمية ‪ ،‬المركز العربي االقليمي للدراسات اإلعالمية للسكان والتنمية‬
‫والبيئة ‪ ،‬العدد ‪ 75‬ابريل ‪ -‬يونية ‪1994‬م ‪ ،‬ص ‪185 - 187‬‬

‫‪219‬‬
‫أجريت مبعرفة الربنامج العاملي ملسح اخلصوبة (‪ )W F S‬وحديثًا جدًا بواسطة املسوح الدميوجرافية والصحية (‪D‬‬
‫‪ )H S‬وبرغم هذه التحسينات‪ ،‬ال يزال نقص البيانات اليت ميكن االعتماد عليها ميثل عقب‪-‬ة خط‪-‬رية يف عملي‪-‬ة حتلي‪-‬ل‬
‫الوفي‪--‬ات يف البالد النامي‪--‬ة‪ .‬فمثًال ليس‪--‬ت هن‪--‬اك مس‪--‬وح حديث‪--‬ة أو تس‪--‬جيل للبيان‪--‬ات يف البالد ال‪--‬يت تع‪--‬اين من احلرب أو‬
‫(‪)1‬‬
‫النضال الوطين‬

‫وعمومًا لقد حدث تقدم هائل يف خفض الوفيات يف املناطق األقل منوًا يف عشرات السنني احلديثة‪.‬‬

‫وعرب فرتة (‪ )40‬عامًا من عام ‪1950‬م وحىت عام ‪1990‬م‪ ،‬كان متوسط توقع احلي‪-‬اة عن‪-‬د امليالد يف املن‪-‬اطق األق‪-‬ل‬
‫منوًا ق‪--‬د ق‪--‬در بزي‪--‬ادة ‪ 21‬عام‪--‬ا من ح‪--‬وايل (‪ )41‬يف ع‪--‬ام ‪1950‬م ـ ‪1955‬م إىل (‪ )62‬عام‪ً-‬ا يف الف‪--‬رتة من ‪1990‬م‬
‫‪1995 -‬م‪ ،‬وذل ‪--‬ك طبق‪ً- -‬ا لتق ‪--‬ديرات واس ‪--‬قاطات س ‪--‬كان الع ‪--‬امل األخ ‪--‬ري ال ‪--‬ذي أجرت ‪--‬ه األمم املتح ‪--‬دة‪ .‬وق ‪--‬د تض ‪--‬اءل‬
‫الفارق بني املناطق األك‪-‬ثر واألق‪-‬ل منوًا خالل ه‪-‬ذه الف‪-‬رتة من ‪ 26‬عام‪ً-‬ا يف بداي‪-‬ة ‪1950‬م إىل ‪ 12‬عام‪ً-‬ا يف الف‪-‬رتة م‪-‬ا‬
‫بني ‪1990‬م ـ ‪1995‬م‪.‬‬

‫وعلى أية حال‪ ،‬فإن هناك درجة هائلة من التباين على املستويات اإلقليمي‪-‬ة وك‪-‬ذلك لوح‪-‬ظ أن الفروق‪-‬ات بني البالد‬
‫ك‪--‬ان كب‪--‬ريًا أيض ‪ً-‬ا‪ .‬فك‪--‬ان التق‪--‬دم بطيئ‪ً-‬ا يف أفريقي‪--‬ا‪ ،‬وال ي‪--‬زال توق‪--‬ع احلي‪--‬اة يق‪--‬در عن‪--‬د ح‪--‬وايل ‪ 50‬عام‪--‬ا فق‪--‬ط يف ش‪--‬رق‬
‫ووسط وغرب أفريقي‪-‬ا‪ .‬أم‪-‬ا الوفي‪-‬ات فهي منخفض‪-‬ة يف مشال وجن‪-‬وب أفريقي‪-‬ا حيث بل‪-‬غ توق‪-‬ع احلي‪-‬اة ‪ 63 ،62‬عام‪ً-‬ا‬
‫خاص‪-- -‬ة يف الف‪-- -‬رتة من ‪1990‬م ‪1995 -‬م(‪ .)2‬وك‪-- -‬انت تق‪-- -‬ديرات توق‪-- -‬ع احلي‪-- -‬اة عن‪-- -‬د امليالد يف آس‪-- -‬يا يف الف‪-- -‬رتة من‬
‫‪1985‬م – ‪1990‬م عاليا عامة عما هو مالحظ يف أفريقيا وترتاوح من ‪ 60‬يف وسط وجنوب آسيا إىل ‪ 70‬عاما‬
‫يف شرق آسيا‪ ...‬اما تقديرات توقع احلياة يف مناطق أمريكا الالتيني‪-‬ة فال ت‪-‬زال عالي‪-‬ة يف املتوس‪-‬ط‪ ،‬عن تل‪-‬ك املالحظ‪-‬ة‬
‫يف آس ‪--‬يا وت ‪--‬رتاوح بني ‪ 68‬عام ‪--‬ا يف أمريك ‪--‬ا اجلنوبي ‪--‬ة و‪ 69‬عام ‪--‬ا يف أمريك ‪--‬ا الوس ‪--‬طى والك ‪--‬اريي‪ .‬وه ‪--‬ذا م ‪--‬ا توض ‪--‬حه‬
‫بيانات اجلدول التايل‪:‬‬

‫جدول صـ ‪ ،258‬صـ ‪259‬‬

‫)(‪1‬‬
‫‪The Future Population of the World world, Op. Cit, pp. 135 - 136.‬‬
‫)(‪2‬‬
‫‪Ibid, p. 134.‬‬

‫‪220‬‬
‫(‪)4()3()2()1‬‬
‫هوامش للجدول‬

‫توقع الحياة ومستويات التنمية البشرية‬ ‫‪]2‬‬

‫ويفس‪-‬ر ارتف‪--‬اع مع‪--‬دل الوفي‪-‬ات ووفي‪-‬ات األطف‪--‬ال يف غ‪--‬رب أفريقي‪-‬ا إىل مس‪-‬توى التنمي‪-‬ة االجتماعي‪-‬ة واالقتص‪--‬ادية وإىل‬
‫عوام ‪--‬ل بيئي ‪--‬ة‪ .‬ويفس ‪--‬ر مع ‪--‬دل الوفي ‪--‬ات املنخفض ووفي ‪--‬ات األطف ‪--‬ال يف ش ‪--‬رق أفريقي ‪--‬ا وجنوهبا إىل النم ‪--‬و االقتص ‪--‬ادي‬
‫امللحوظ خالل األعوام ‪1970‬م ‪1980 -‬م وارتفاع نسبة أعداد النساء الاليت تلقني رعاية أموم‪-‬ة مث‪-‬ل تطعيم ض‪-‬د‬
‫التيتانوس‪ ،‬واالهتمام بتقدمي الرعاية للمواليد على يد أخصائيني صحيني مدربني‪ ،‬وزيادة نسبة األطفال ال‪--‬ذين مشلهم‬
‫(‪)5‬‬
‫التطعيم‪.‬‬

‫‪ )(1‬المناطق األكثر نموًا تشمل أمريكا الشمالية ‪ ،‬اليابان ‪ ،‬اوروبا واستراليا ونيوزيلنده‪.‬‬
‫‪ )(2‬المناطق االقل نموًا تشمل كل مناطق أفريقيا ‪ ،‬أمريكا الالتينية ‪ ،‬آسيا (ما عدا اليابان)‪.‬‬
‫‪ )(3‬تشمل المكسيك‪.‬‬
‫‪ )(4‬ال تشمل المكسيك (تقدير التنمية البشرية ‪ ،‬األمم المتحدة ‪1995 ،‬م)‪.‬‬
‫)(‪5‬‬
‫‪Ibid, p. 136-137.‬‬

‫‪221‬‬
‫الفصل العاشر‬

‫سياسات ضبط وتوجيه الظواهر السكانية‬


‫تمهيد‬

‫ليس اهلدف من دراس ‪--‬ة الس ‪--‬كان جمرد حص ‪--‬ر ع ‪--‬ددهم ووص ‪--‬ف تك ‪--‬وينهم وخصائص ‪--‬هم وإلق ‪--‬اء الض ‪--‬وء على بن ‪--‬ائهم‬
‫ورصد حركاهتم ومنوهم والتعرف على تغرياهتم والتدقيق يف اختيار الوسائل واملناهج العلمي‪--‬ة ال‪--‬يت تفي‪--‬د يف مث‪--‬ل ه‪--‬ذه‬
‫الدراس‪-‬ة وإمنا هتدف دراس‪-‬ة الس‪-‬كان أيض‪ً-‬ا إىل التع‪--‬رف على املش‪-‬كالت الس‪-‬كانية يف اجملتم‪-‬ع واق‪-‬رتاح احلل‪-‬ول املناس‪-‬بة‬
‫هلا‪ ،‬وصياغة القضايا النظرية اليت تتنبأ بوضع السكان وأحواهلم يف املستقبل‪.‬‬

‫ولعل حتقي‪-‬ق الت‪-‬وازن بني ع‪-‬دد الس‪-‬كان يف اجملتم‪-‬ع وبني املت‪-‬اح من وس‪-‬ائل للعيش إمنا يق‪-‬ف يف مقدم‪-‬ة املش‪-‬كالت ال‪-‬يت‬
‫تواجه كل جمتمع واليت جيتهد علماء السكان يف اقرتاح التوصيات العلمية ال‪-‬يت من ش‪-‬أهنا حتقي‪-‬ق ه‪--‬ذا الت‪-‬وازن وعن‪-‬دما‬
‫تتبلور هذه التوصيات العلمية يف صورة إجراءات يتخذها اجملتم‪-‬ع فإهنا ت‪-‬رقى إىل مس‪-‬توى برن‪-‬امج عم‪-‬ل يع‪-‬رف باس‪-‬م‬
‫ضبط وتوجيه الظ‪-‬واهر الس‪-‬كانية أو السياس‪-‬ية الس‪-‬كانية ال‪-‬يت ختتل‪-‬ف ب‪-‬اختالف ظ‪-‬روف اجملتم‪-‬ع وتتن‪-‬وع بتن‪-‬وع أحوال‪-‬ه‬
‫وال ‪--‬يت تس ‪--‬تند يف تنفي ‪--‬ذها إىل ع ‪--‬دة دع ‪--‬ائم‪ .‬ومل تكن مص ‪--‬ر أق ‪--‬ل اهتمام ‪--‬ا عن غريه ‪--‬ا من بالد الع ‪--‬امل يف حماول ‪--‬ة ض ‪--‬بط‬
‫وتوجي‪--‬ه الظ‪--‬واهر الس‪--‬كانية أو يف تب‪--‬ين سياس‪--‬ة س‪--‬كانية خاص‪--‬ة هبا ونابع‪--‬ة من ظروفه‪--‬ا ويف االعتم‪--‬اد على جمموع‪--‬ة من‬
‫الدعائم يف تنفيذها‪.‬‬

‫ومن هنا سأحاول في الفصل الحالي اإلجابة على األسئلة التالية‪:‬‬

‫ما املقصود بسياسات ضبط وتوجيه الظواهر السكانية؟ وما أنواع الضبط يف هذا اجملال؟‬ ‫‪‬‬
‫وما أهم الدعائم اليت يستند إليها الضبط والتوجيه‪ ،‬وما آليات وعمليات ضبط وتوجيه السكان يف مصر؟‬ ‫‪‬‬

‫أوال‪ :‬المقصود بسياسات ضبط وتوجيه الظواهر السكانية‬

‫‪222‬‬
‫عندما حيدد البعض املقصود بسياسات ضبط الظواهر السكانية يف معاجلة املوقف السكاين املوجود يف شعب من‬

‫الشعوب(‪ ،)1‬فإهنم يزيدون األمر صعوبة وتعقيدًا أكثر منه وضوحًا وحتديدًا‪.‬‬

‫ذلك ألن هذا التحديد قد يثري التساؤالت اآلتية‪:‬‬

‫ما املقصود باملعاجلة هنا؟ وما املقصود باملوقف السكاين أيضا؟‬

‫كم‪--‬ا أن حتدي‪--‬د سياس‪--‬ات الض‪--‬بط والتوجي‪--‬ه على أهنا عملي‪--‬ة تك‪--‬ريس ذك‪--‬اء اإلنس‪--‬ان وقدرات‪--‬ه من اج‪--‬ل تنظيم حيات‪--‬ه‬
‫ليعيش وحيقق حياة أفضل‪ ،‬ال يساهم أيضًا يف توضيح هذا املفهوم ألنه قد فات على ه‪-‬ذا التحدي‪-‬د إن يوض‪-‬ح كيفي‪-‬ة‬
‫تنظيم حياة اإلنسان ونوع احلياة األفضل اليت يكرس هلا هذا الذكاء وتلك القدرات‪.‬‬

‫واألم ‪--‬ر ال حيت ‪--‬اج إىل أك ‪--‬ثر من الق ‪--‬ول ب ‪--‬ان سياس ‪--‬ات الض ‪--‬بط والتوجي ‪--‬ه هي العملي ‪--‬ة ال ‪--‬يت حياول هبا اجملتم ‪--‬ع واإلنس ‪--‬ان‬
‫احملافظة على التوازن بني حجم السكان يف شعب من الشعوب وبني وسائل العيش املتاحة يف هذا اجملتمع‪ ،‬حبيث انه‬
‫إذا كانت هناك زيادة يف حجم السكان ناجتة عن منوهم مبعدل سريع بفعل عوامل املواليد واهلجرة إىل اجملتمع تفوق‬
‫م‪-‬ا ت‪-‬وفر يف ه‪-‬ذا اجملتم‪-‬ع من وس‪-‬ائل للعيش ف‪-‬ان اجملتم‪-‬ع ق‪-‬د يت‪-‬دخل ب‪-‬القوانني والتش‪-‬ريعات واإلج‪-‬راءات الكفيل‪-‬ة باحلد‬
‫من ه‪--‬ذه الزي‪--‬ادة وك‪--‬ذلك إذا ك‪--‬ان هن‪--‬اك نقص يف ع‪--‬دد الس‪--‬كان ن‪--‬اجم عن نقص املوالي‪--‬د وزي‪--‬ادة مع‪--‬دل اهلج‪--‬رة من‬
‫اجملتم‪--‬ع مبع‪--‬دل ال ي‪--‬وازي م‪--‬ا يت‪--‬وفر يف ه‪--‬ذا اجملتم‪--‬ع من وس‪--‬ائل للعيش ف‪--‬ان اجملتم‪--‬ع ق‪--‬د يت‪--‬دخل ب‪--‬القوانني والتش‪--‬ريعات‬
‫واإلج ‪--‬راءات ال ‪--‬يت تفي ‪--‬د يف إع ‪--‬ادة الت ‪--‬وازن بني حجم الس ‪--‬كان ووس ‪--‬ائل العيش‪ .‬وح ‪--‬ىت اجملتمع ‪--‬ات ال ‪--‬يت ال تت ‪--‬دخل يف‬
‫حتقي‪--‬ق الت‪--‬وازن‪ ،‬ف‪--‬ان ه‪--‬ذا ي‪--‬دل على وج‪--‬ود عملي‪--‬ات ض‪--‬بط وتوجي‪--‬ه تعينه‪--‬ا يف ه‪--‬ذا املوق‪--‬ف أيض‪--‬ا‪ .‬على أن‪--‬ه جيب اال‬
‫يغيب عن أذهانن‪--‬ا أن ت‪--‬دخل اجملتم‪--‬ع يك‪--‬ون فق‪--‬ط مقتص‪--‬رًا على أح‪--‬د ج‪--‬وانب ه‪--‬ذا الت‪--‬وازن وخاص‪--‬ة يف ذل‪--‬ك اجلانب‬
‫املتعلق حبجم السكان‪ ،‬وإمنا قد ميتد تدخل اجملتمع ليشمل اجلانب اآلخ‪-‬ر حلال‪-‬ة الت‪-‬وازن‪ ،‬ونعي وس‪-‬ائل العيش وائ‪-‬ه يف‬
‫اجملتمع الذي تقل في‪-‬ه وس‪-‬ائل العيش عن حجم الس‪-‬كان فإن‪-‬ه ق‪-‬د يعم‪-‬ل على حتس‪-‬ني الظ‪-‬روف ال‪-‬يت من ش‪-‬أهنا أن تزي‪-‬د‬
‫من هذه الوسائل العريش وذلك عن طريق برامج التنمية وخاصة يف جماالت الزراعة والصناعة‪ ....‬اخل‬

‫معىن هذا إن سياسات الضبط والتوجيه الظواهر الس‪-‬كانية ت‪-‬دل على املوق‪-‬ف االجيايب ال‪-‬ذي حياول ب‪-‬ه اإلنس‪-‬ان حتقي‪-‬ق‬
‫الت ‪--‬وازن بني مع ‪--‬دل منو الس ‪--‬كان ومع ‪--‬دل وس ‪--‬ائل العيش يف اجملتم ‪--‬ع ال ‪--‬ذي يعيش في ‪--‬ه ولق ‪--‬د س ‪--‬بق إن أوض ‪--‬ح لن ‪--‬ا اجتاه‬
‫)(‪1‬‬
‫‪M. Thompson, & Lewis, Op. Cit., p. 227.‬‬

‫‪223‬‬
‫االيكولوجي‪--‬ا البش‪--‬رية يف تفس‪--‬ري العالق‪--‬ة بني منو الس‪--‬كان ووس‪--‬ائل العيش كي‪--‬ف ك‪--‬ان اإلنس‪--‬ان يت‪--‬دخل باس‪--‬تمرار وين‬
‫موقفًا إجيابيًا ليح‪-‬اول من خالل‪-‬ه تغي‪-‬ري ظ‪-‬روف جمتمع‪-‬ه وإدخ‪-‬ال التط‪-‬ورات وإجياد االكتش‪-‬افات والقي‪-‬ام ب‪-‬الثورات ال‪-‬يت‬
‫من شأهنا أن تزيد معدل منو وسائل العيش يف اجملتمع(‪.)1‬‬

‫ونستطيع هنا أيضًا إن نوض‪-‬ح إن ه‪-‬ذا املوق‪-‬ف االجيايب ال‪-‬ذي ك‪-‬ان يق‪-‬وم ب‪-‬ه اإلنس‪-‬ان خالل ت‪-‬اريخ حيات‪-‬ه من‪-‬ذ وج‪-‬وده‬
‫على وج ‪--‬ه األرض ح ‪--‬ىت الي ‪--‬وم‪ ،‬مل يكن قاص ‪--‬رًا فق ‪--‬ط على الت ‪--‬دخل يف ج ‪--‬انب وس ‪--‬ائل العيش وحماول ‪--‬ة تط ‪--‬وير وتنمي ‪--‬ة‬
‫وزيادت ‪--‬ه باألس ‪--‬اليب التنظيمي ‪--‬ة والتكنولوجي ‪--‬ة املش ‪--‬ار إليه ‪--‬ا‪ ،‬ورمبا ك ‪--‬ان ه ‪--‬ذا املوق ‪--‬ف االجيايب ميت ‪--‬د إىل منو الس ‪--‬كان‬
‫بالتعديل والتطور من خالل اساليب عرفها اإلنس‪-‬ان وم‪-‬رت أيض‪-‬ا بتط‪-‬ورات واض‪-‬حة‪ .‬حيث اتض‪-‬ح من خالل وث‪-‬ائق‬
‫الت‪--‬اريخ أن فك‪--‬رة التحكم يف ع‪--‬دد الس‪--‬كان تعت‪--‬رب فك‪--‬رة قدمية جلأ إليه‪--‬ا الن‪--‬اس من أزم‪--‬ان س‪--‬حيقة يف الت‪--‬اريخ ليالئم‪--‬وا‬
‫بني إعدادهم وبني موارد الثروة الطبيعي‪-‬ة ال‪-‬يت حتي‪-‬ط هبم وك‪-‬انت أس‪-‬اليب وأد األطف‪-‬ال إي قتلهم وهم يف امله‪-‬د وقت‪-‬ل‬
‫املسنني والشيوخ واملرضى حبجة عدم مشاركتهم يف اإلنتاج االقتصادي معروفة بني ش‪-‬عوب الع‪-‬امل الق‪-‬دمي يف اليون‪-‬ان‬
‫والروم‪--‬ان وب‪--‬اقي ش‪--‬عوب البح‪--‬ر األبيض املتوس‪--‬ط وق‪--‬د م‪--‬ارس الش‪--‬عب الع‪--‬ريب ه‪--‬ذه الع‪--‬ادة يف العص‪--‬ور اجلاهلي‪--‬ة وقب‪--‬ل‬
‫بزوغ فجر اإلسالم إىل أن حرمها القرآن الكرمي‪.‬‬

‫وعلى ال‪--‬رغم من أن الكت‪--‬اب االجتم‪--‬اعيني ق‪--‬د فس‪--‬روا ظ‪--‬اهرة وأد األطف‪--‬ال بأس‪--‬باب تتعل‪--‬ق بالش‪--‬رف والكرام‪--‬ة إال أن‬
‫التفسري االقتصادي كان يرى أسبابًا أخرى يف تفسري هذه الظاهرة متث‪-‬ل يف أن ع‪--‬دم ت‪-‬وافر مص‪--‬ادر ال‪-‬ثروة يف العص‪--‬ور‬
‫القدمية‪ ،‬والعبء الثقيل الذي كان ينتج عن إعالة أطفال جدد وخاصة اإلناث منهم كان يض‪--‬طر اإلنس‪-‬ان الق‪--‬دمي إىل‬
‫قت ‪--‬ل ووأد أوالده وهم ص ‪--‬غار ح ‪--‬ىت ال تتع ‪--‬ارض م ‪--‬ع قدرات ‪--‬ه على توف ‪--‬ري وس ‪--‬ائل معيش ‪--‬تهم(‪ ،)2‬ولكن س ‪--‬رعان م ‪--‬ا ختلى‬
‫اإلنس‪-- -‬ان عن ه‪-- -‬ذه األس‪-- -‬اليب يف التحكم يف منو الس‪-- -‬كان وحتول عنه‪-- -‬ا إىل اإلجه‪-- -‬اض كوس‪-- -‬يلة لتخفي‪-- -‬ف الض‪-- -‬غط‬
‫الس ‪--‬كاين هبدف اإلقالل من الس ‪--‬كان‪ ،‬وظ ‪--‬ل اإلجه ‪--‬اض ميارس ح ‪--‬ىت الي ‪--‬وم س ‪--‬واء من خالل الق ‪--‬وانني ال ‪--‬يت ص ‪--‬درت‬
‫التنظيم‪--‬ه أو ح‪--‬ىت يف الس‪--‬ر والتكتم الش‪--‬ديد ولكن عن‪--‬دما ت‪--‬بني لإلنس‪--‬ان أن ه‪--‬ذه الوس‪--‬ائل تتن‪--‬اىف م‪--‬ع اإلنس‪--‬انية وتتس‪--‬م‬
‫بالوحشية والرببرية أبدع تفكري اإلنسان وسائل علمية حديثة تض‪-‬بط الس‪-‬كان س‪-‬رعان م‪-‬ا انتش‪-‬رت بني س‪-‬كان الع‪-‬امل‬
‫كأساليب أخذت تتطور باستمرار يف تنظيم األسرة‪.‬‬

‫‪ )(1‬انظر الفصل األول ‪ ،‬ضرورة دراسة نمو السكان‪.‬‬


‫‪ )(2‬دكتور صالح الدين نامق ‪ -‬مشكلة في مصر ‪ ،‬دار النهضة العربية ‪1972‬م ‪ ،‬ص ‪.230 - 224‬‬

‫‪224‬‬
‫ثانيًا‪ :‬اتجاهات نمو السكان في العالم وأنواع الضبط والتوجيه السكاني‬

‫من املع ‪--‬روف أن هن ‪--‬اك ثالث ‪--‬ة اجتاه ‪--‬ات س ‪--‬كانية خمتلف ‪--‬ة تس ‪--‬ود يف الع ‪--‬امل‪ .‬وه ‪--‬ذه االجتاه ‪--‬ات تعت ‪--‬رب حمص ‪--‬لة ملس ‪--‬تويات‬
‫اإلجناب والوفيات واهلج‪-‬رة الداخلي‪-‬ة والدولي‪-‬ة وت‪-‬ؤثر ه‪-‬ذه املس‪-‬تويات أو العوام‪-‬ل ب‪-‬درجات خمتلف‪-‬ة يف مع‪-‬دالت النم‪-‬و‬
‫الس‪-- -‬كاين كم‪-- -‬ا ت‪-- -‬ؤثر يف البن‪-- -‬اء الدميوجرافي‪-- -‬ة للمجتم‪-- -‬ع‪ .‬وأك‪-- -‬ثر من ذل‪-- -‬ك ارتبطت التغ‪-- -‬ريات الدميوجرافي‪-- -‬ة مباش‪-- -‬رة‬
‫ب‪-‬الظروف االجتماعي‪-‬ة واالقتص‪-‬ادية وهن‪-‬اك من الش‪-‬واهد م‪-‬ا ي‪-‬دلل على أن اجملتمع‪-‬ات الص‪-‬ناعية ال ت‪-‬دخر أي جه‪-‬د يف‬
‫تبين أو اختاذ إجراءات ضبط سكانية مناس‪-‬بة ملواجه‪-‬ة ه‪-‬ذه التغ‪-‬ريات على حنو يتف‪-‬ق م‪-‬ع املوارد االقتص‪-‬ادية ولق‪-‬د أدى‬
‫تبين هذه اإلجراءات إىل تقدم هذه الدول نتيجة للزيادة املستمرة يف الدخل القومي والتحسني املستمر يف مس‪--‬تويات‬
‫املعيشة للسكان‪.‬‬

‫اتجــاه الســكان نحــو االنخفــاض‪ :‬ويتمث ‪--‬ل أول االجتاه ‪--‬ات الس ‪--‬كانية يف بطء النم ‪--‬و يف الس ‪--‬كان وال ‪--‬ذي متيز‬ ‫‪]1‬‬
‫بدرج‪--‬ة أو حبال‪--‬ة من الثب‪--‬ات وال‪--‬ذي ق‪--‬د يق‪--‬ود أو ي‪--‬ؤدي إىل االخنف‪--‬اض يف مع‪--‬دل الس‪--‬كان على املدى الطوي‪--‬ل‬
‫ويسود هذا االجتاه يف غرب ومشال أوروبا ومشال أمريكا واسرتاليا ونيوزيلندا‪ .‬إذ تنخفض مع‪--‬دالت الوفي‪--‬ات‬
‫بع‪--‬د ف‪-‬رتة طويل‪-‬ة نس‪-‬بيًا تتم‪-‬يز باخنف‪--‬اض مماث‪-‬ل يف مع‪--‬دالت اخلص‪--‬وبة ولكن‪-‬ه اخنف‪--‬اض بطيء إىل احلد ال‪-‬ذي ك‪-‬ان‬
‫في ‪--‬ه الف ‪--‬ارق بني مع ‪--‬دالت املوالي ‪--‬د والوفي ‪--‬ات طفيف ‪ً-‬ا للغاي ‪--‬ة ولق ‪--‬د وص ‪--‬ل ه ‪--‬ذا الف ‪--‬ارق ح ‪--‬ده األدىن قب ‪--‬ل وق ‪--‬وع‬
‫احلرب العاملية الثاني‪-‬ة‪ .‬مث زادت مع‪-‬دالت املوالي‪-‬د بع‪-‬د ذل‪-‬ك م‪-‬ع الزي‪-‬ادة املط‪-‬ردة يف مع‪-‬دالت الوفي‪-‬ات يف بعض‬
‫هذه املناطق‪ .‬وعلى أية حال كان ه‪-‬ذا التغ‪-‬ري نتيج‪-‬ة طبيعي‪-‬ة وميكن النظ‪-‬ر إلي‪-‬ه على أن‪-‬ه ظ‪-‬اهرة طارئ‪-‬ة أو مؤقت‪-‬ة‬
‫حاملا تع‪--‬ود إىل وض‪--‬عها الس‪--‬ابق مبع‪--‬ىن أن النم‪--‬و البطيء يف الس‪--‬كان ميي‪--‬ل إىل الثب‪--‬ات‪ ،‬أو ح‪--‬ىت إىل االخنف‪--‬اض يف‬
‫بعض هذه املناطق‪.‬‬
‫اتجاه السكان نحو الزيادة‪ :‬ويتمث‪-‬ل ث‪-‬اين االجتاه‪-‬ات الس‪-‬كانية يف النم‪-‬و الس‪-‬ريع للس‪-‬كان م‪-‬ع زي‪-‬ادة ملحوظ‪-‬ة‬ ‫‪]2‬‬
‫يف السنوات احلديثة‪ .‬ويسود هذا االجتاه خاصة يف بالد شرق أوروبا‪ ،‬وجن‪-‬وب أمريك‪-‬ا ومشال أفريقي‪-‬ا وبعض‬
‫بالد آس ‪--‬يا‪ .‬وك ‪--‬انت الياب ‪--‬ان إىل وقت ق ‪--‬ريب واح ‪--‬دة من ه ‪--‬ذه البالد ولكن منو الس ‪--‬كان فيه ‪--‬ا ب ‪--‬دا يتغ ‪--‬ري حنو‬
‫االجتاه البطيء ويص‪--‬احب ه‪--‬ذا االجتاه الث‪--‬اين يف منو الس‪--‬كان اخنفاض‪ً-‬ا مس‪--‬تمرًا يف مع‪--‬دالت الوفي‪--‬ات م‪--‬ع زي‪--‬ادة‬

‫‪225‬‬
‫مناظرة يف معدالت املواليد عمومًا بالرغم من أنه قد لوحظ االخنف‪--‬اض الطفي‪--‬ف يف مع‪--‬دالت املوالي‪--‬د يف بعض‬
‫ه‪--‬ذه البالد‪ .‬وهك‪-‬ذا ينش‪-‬أ هن‪-‬اك ف‪-‬ارق كب‪-‬ري بني مع‪--‬دالت املوالي‪-‬د والوفي‪-‬ات ي‪-‬ؤدي إىل النم‪-‬و الس‪-‬ريع والزي‪-‬ادة‬
‫الثابتة يف السكان‪.‬‬
‫وتواج‪--‬ه البالد ال‪--‬يت تتم‪--‬يز بالزي‪--‬ادة الس‪--‬ريعة يف الس‪--‬كان مش‪--‬اكل اجتماعي‪--‬ة واقتص‪--‬ادية طاحن‪--‬ة ويك‪--‬ون أمامه‪--‬ا‬
‫حتدي هتيئة اجلهود لتنمية مواردها االقتصادية مع أخذها يف االعتبار زيادة مستوى املعيشة لس‪--‬كاهنا واألغلبي‪--‬ة‬
‫منهم ال‪-‬ذين ال يزال‪-‬ون يعيش‪-‬ون ظروف‪ً-‬ا يص‪--‬عب أن ت‪-‬وفر هلم ض‪--‬رورات احلي‪-‬اة األساس‪-‬ية‪ .‬ويص‪--‬دق ه‪--‬ذا الوض‪--‬ع‬
‫حقًا عندما تفوق الزيادة يف السكان النمو يف معدل اإلنتاج كما هو احلال يف بعض البالد النامية(‪.)1‬‬
‫اتجـ ــاه السـ ــكان نحـ ــو الـ ــتردد بين االنخفـ ــاض والزيـ ــادة‪ :‬وب‪-- -‬النظر إىل االجتاه الث‪-- -‬الث للس‪-- -‬كان جند أن منو‬ ‫‪]3‬‬
‫الس‪--‬كان يف ض‪--‬وء ه‪--‬ذا االجتاه ال يس‪--‬ري على حنو منتظم فأحيان‪--‬ا ق‪--‬د يتم‪--‬يز باالرتف‪--‬اع وأحيان‪ً-‬ا أخ‪--‬رى يتج‪--‬ه حنو‬
‫االخنف‪--‬اض وذل‪--‬ك حس‪--‬ب الظ‪--‬روف وينتش‪--‬ر ه‪--‬ذا النم‪--‬ط يف إفريقي‪--‬ا الوس‪--‬طى ويف بعض ج‪--‬زر الباس‪--‬فيكي ويف‬
‫بعض املن‪--‬اطق من آس‪--‬يا‪ ،‬ويتم‪--‬يز مبع ‪--‬دل موالي‪--‬د مرتف ‪--‬ع للغاي‪--‬ة ي‪--‬رتاوح بني ‪ 50 - 40‬يف األل‪--‬ف كم‪--‬ا يتم‪--‬يز‬
‫مبع ‪--‬دل مس ‪--‬او ومرتف ‪--‬ع من الوفي ‪--‬ات وال ‪--‬ذي ق ‪--‬د يف ‪--‬وق مع ‪--‬دالت املوالي ‪--‬د يف بعض الس ‪--‬نوات نتيج ‪--‬ة للط ‪--‬اعون‬
‫واالض‪--‬طرابات واجملاع‪--‬ات وأن‪--‬ه ملن املالح‪--‬ظ أن ه‪--‬ذا النم‪--‬وذج أو الن‪--‬وع س‪--‬رعان م‪--‬ا خيتفي نتيج‪--‬ة لتق‪--‬دم عل‪--‬وم‬
‫الطب وظ‪-- -‬روف تص‪-- -‬ريف الفض‪-- -‬الت الص‪-- -‬حية بني الس‪-- -‬كان واحلمالت الناجح‪-- -‬ة يف القض‪-- -‬اء على الط‪-- -‬اعون‬
‫واالوبئة وتطور وسائل االتصال بني كل أرجاء الع‪-‬امل‪ .‬وهك‪-‬ذا اخنفض مع‪-‬دل الوفي‪-‬ات بس‪-‬رعة وبينم‪-‬ا ك‪-‬انت‬
‫مع‪--‬دالت املوالي‪--‬د من ناحي‪--‬ة أخ‪--‬رى تتج‪--‬ه حنو أقص‪--‬ى مع‪--‬دل هلا‪ .‬وه‪--‬ذا االخنف‪--‬اض يف مع‪--‬دالت الوفي‪--‬ات س‪--‬وف‬
‫يستمر مع استمرار ظروف التنمية االقتصادية واالجتماعية يف هذه البالد (‪.)2‬‬

‫أنواع سياسات الضبط والتوجيه السكاني‬

‫لك ‪--‬ل واح ‪--‬د من األمناط الس ‪--‬كانية الس ‪--‬ابقة نتائج ‪--‬ه احملددة على ك ‪--‬ل من الظ ‪--‬روف االجتماعي ‪--‬ة واالقتص ‪--‬ادية يف ه ‪--‬ذه‬
‫البالد ال ‪--‬يت اض ‪--‬طرت معه ‪--‬ا اجملتمع ‪--‬ات على اختالفه ‪--‬ا إىل تب ‪--‬ين واألخ ‪--‬ذ ب ‪--‬إجراءات ض ‪--‬بط س ‪--‬كانية مغ ‪--‬ايرة يف إط ‪--‬ار‬
‫موارده‪--‬ا وإمكاني‪-‬ات تنميته‪--‬ا‪ .‬وعلى أي‪-‬ة ح‪-‬ال أن البالد ال‪-‬يت يس‪-‬ود فيه‪--‬ا االجتاه الث‪-‬الث يف منو الس‪-‬كان مل تكن ق‪-‬ادرة‬

‫)(‪1‬‬
‫‪Central Agency for Public & Statistics, Population & Development, Op. Cit., pp. 345 - 348.‬‬
‫)(‪2‬‬
‫‪Ibid, p. 347-348.‬‬

‫‪226‬‬
‫على تك‪--‬وين اجتاه اجيايب حنو الظ‪--‬واهر الس‪--‬كانية وذل‪--‬ك نتيج‪--‬ة لظروفه‪--‬ا غ‪--‬ري املالئم‪--‬ة‪ .‬وك‪--‬انت ه‪--‬ذه البالد يف املاض‪--‬ي‬
‫تعتم‪-‬د على احلل‪-‬ول اآللي‪-‬ة ملش‪-‬اكلها‪ ،‬حيث ك‪-‬انت األوبئ‪-‬ة واجملاع‪-‬ات تس‪-‬هم يف حتدي‪-‬د الزي‪-‬ادة يف الس‪-‬كان‪ .‬وعلى أي‪-‬ة‬
‫ح‪-‬ال ف‪-‬إن ه‪-‬ذه العوام‪-‬ل الطبيعي‪-‬ة مل تس‪-‬تمر ت‪-‬ؤثر بفعالي‪-‬ة نتيج‪-‬ة لتحس‪-‬ني الظ‪-‬روف الص‪-‬حية والطبي‪-‬ة ومن مث أص‪-‬بح من‬
‫الضروري تكوين اجتاه اجيايب ملواجهة هذه املشكالت‪.‬‬

‫إجراءات العمل على زيادة السكان‪ :‬ومتث‪--‬ل البالد االس‪--‬كندنافية ومنه‪--‬ا الس‪--‬ويد على وج‪--‬ه اخلص‪--‬وص أب‪--‬رز‬ ‫‪)1‬‬
‫مث‪-‬ال على ال‪-‬دول ال‪-‬يت يس‪-‬ود فيه‪-‬ا االجتاه األول يف منو الس‪-‬كان وال‪-‬ذي ص‪-‬احب في‪-‬ه االخنف‪-‬اض يف مع‪-‬دل الوفي‪-‬ات‬
‫اخنفاضًا مماثًال وسريعًا يف معدل املواليد‪ .‬ويف الثلث األول من الق‪--‬رن العش‪-‬رين اث‪-‬ر مع‪--‬دل املوالي‪-‬د ه‪--‬ذا يف اخنف‪--‬اض‬
‫عدد السكان‪ ،‬نتيجة الخنفاض نسبة املواليد السنوية إىل ح‪-‬وايل ‪ % 60‬بالنس‪-‬بة اللوفي‪-‬ات‪ ،‬ونتيج‪-‬ة هلذا اض‪-‬طرت‬
‫ه ‪--‬ذه البالد إىل البحث عن سياس ‪--‬ة س ‪--‬كانية مناس ‪--‬بة هتدف إىل زي ‪--‬ادة الس ‪--‬كان ولق ‪--‬د كش ‪--‬فت دراس ‪--‬ة مس ‪--‬توى‬
‫املعيشة عن أن نسبة كبرية من السكان كانوا يعيشون حتت املستوى املطلوب‪.‬‬

‫وهك ‪--‬ذا وجهت عناي ‪--‬ة متزاي ‪--‬دة حنو حتس ‪--‬ني مس ‪--‬توى املعيش ‪--‬ة أك ‪--‬ثر مما توج ‪--‬ه حنو زي ‪--‬ادة الس ‪--‬كان‪ .‬وأخ ‪--‬ذت السياس ‪--‬ة‬
‫الس ‪--‬كانية يف الس ‪--‬ويد ببعض املب ‪--‬ادئ األساس ‪--‬ية أمهه ‪--‬ا ك ‪--‬ان يتمث ‪--‬ل يف توجي ‪--‬ه ك ‪--‬ل أس ‪--‬رة حنو أن حتدد بنفس ‪--‬ها ع ‪--‬دد‬
‫األطفال حسب ما يتوفر لديها من موارد وباإلضافة إىل ذلك وس‪-‬عت نط‪-‬اق املس‪-‬اعدات يف جمال الص‪-‬حة واخلدمات‬
‫االجتماعية لكي تسهم يف رفع مستوى املعيشة وأخذت يف اعتبارها احلقيقة القائلة بأن الزيادة يف ع‪--‬دد األطف‪--‬ال عن‬
‫العدد املرغوب فيه خيفض من مستوى معيشة األسرة مهما كان دخلها‪ .‬وهذه اإلج‪--‬راءات معم‪--‬ول هبا يف اجملتمع‪--‬ات‬
‫املتقدمة اليت ال يبدأ فيها األفراد يكسبون عيشهم اال بعد أن ي‪--‬تزودوا باإلمكاني‪--‬ات الض‪--‬رورية الالزم‪--‬ة لتنميتهم ذهني‪ً-‬ا‬
‫وفيزيقيًا وبالتعليم أيضًا وبالرعاية الصحية واالجتماعية الالزمة(‪.)1‬‬

‫ومن بني هذه املبادئ أيضًا‪ ،‬املبدأ القائل بأن الزيادة يف السكان ال جيب أن تتعارض م‪--‬ع رف‪-‬ع مس‪-‬توى املعيش‪-‬ة وعلى‬
‫العكس جيب التضحية باهلدف األول من اجل حتقيق اهلدف الثاين‪ .‬وهلذا السبب أولت الدولة عظيم رعايته‪--‬ا لزي‪--‬ادة‬
‫اخلدمات التعليمي‪--‬ة وتط‪--‬وير ال‪--‬ربامج االجتماعي‪--‬ة االقتص‪--‬ادية لص‪--‬احل األس‪--‬رة واألف‪--‬راد ليعيش‪--‬وا حي‪--‬اة س‪--‬عيدة وص‪--‬حية‪.‬‬
‫وهذا يتطلب تعليق أمهية كبرية على ضمان‬

‫)(‪1‬‬
‫‪Ibid, p. 349.‬‬

‫‪227‬‬
‫مستوى اقتصادي ملساندة األسرة يف احلصول على ما حتتاجه لتحقيق السعادة ألعضائها‪.‬‬

‫إجـراءات العمـل على خفض نمـو السـكان‪ :‬تعت‪--‬رب الياب‪--‬ان مبثاب‪--‬ة مث‪--‬اًال واض‪--‬حًا على الن‪--‬وع الث‪--‬اين الجتاه منو‬ ‫‪)2‬‬
‫الس‪--‬كان ال‪--‬ذي يتم‪--‬يز بالزي‪--‬ادة الس‪--‬ريعة يف الس‪--‬كان وال‪--‬ذي يص‪--‬حب في‪--‬ه االخنف‪--‬اض املس‪--‬تمر يف مع‪--‬دل الوفي‪--‬ات ع‪--‬ادة‬
‫اخنفاضًا بطيئًا يف مع‪-‬دل | املوالي‪-‬د‪ ،‬والنتيج‪-‬ة أن االختالف أو الف‪-‬ارق بني املع‪-‬دلني ك‪-‬ان كب‪-‬ريًا‪ .‬ولق‪-‬د دخلت الياب‪-‬ان‬
‫هذه املرحلة من التحول أو التغيري الدميوجرايف عام ‪ 1870‬وعندئذ كانت البالد قد بدأت تب‪--‬ذل جه‪--‬ودًا ض‪--‬خمة يف‬
‫جمال التص‪-‬نيع‪ .‬ويف نفس ال‪-‬وقت ك‪-‬انت الياب‪-‬ان حريص‪-‬ة على رف‪-‬ع مس‪-‬تويات التعليم بني الس‪-‬كان ال‪-‬يت ت‪-‬ؤدي ب‪-‬دورها‬
‫إىل رفع املستويات الصحية والقضاء على اجملاعات‪ ،‬واألوبئة واملخاطر اليت كانت ق‪-‬د تعرض‪--‬ت هلا يف املاض‪--‬ي‪ .‬ولق‪--‬د‬
‫قضى أيضًا على التقاليد البالية اليت كانت سائدة بني كل طبقات السكان‪.‬‬

‫ولق‪--‬د ك‪--‬ان من نتيج‪--‬ة ه‪--‬ذه التنمي‪--‬ة الص‪--‬ناعية والثقافي‪--‬ة زي‪--‬ادة س‪--‬ريعة نس‪--‬بيًا يف الس‪--‬كان من ‪ 30‬مليون‪--‬ا يف ‪ 1870‬إىل‬
‫‪ 72‬مليون ‪--‬ا يف ‪1950‬م إىل ‪ 83‬مليون ‪--‬ا يف ‪1970‬م ويف البداي ‪--‬ة ك ‪--‬انت سياس ‪--‬ة الدول ‪--‬ة متجه ‪--‬ة حنو تش ‪--‬جيع زي ‪--‬ادة‬
‫النسل‪.‬‬

‫وعلى أي‪-‬ة ح‪-‬ال فق‪-‬د أدى ه‪-‬ذا االجتاه إىل الت‪-‬دهور يف الظ‪-‬روف االقتص‪-‬ادية يف البالد ه‪-‬ذا ب‪-‬رغم اجله‪-‬ود ال‪-‬يت تب‪-‬ذهلا يف‬
‫زي‪--‬ادة اإلنت‪--‬اج الص‪--‬ناعي وال‪--‬زراعي وباالس‪--‬تعانة باملس‪--‬اعدات اخلارجي‪--‬ة‪ ،‬ونتيج‪--‬ة ل‪--‬ذلك املخفض دخ‪--‬ل الف‪--‬رد يف ه‪--‬ذا‬
‫اجملتمع بدرجة كبرية(‪.)1‬‬

‫ومل ت‪--‬درك الياب‪--‬ان أمهي‪--‬ة وض‪--‬ع سياس‪--‬ة س‪--‬كانية تتف‪--‬ق م‪--‬ع اجلوانب االقتص‪--‬ادية واالجتماعي‪--‬ة‪ ،‬وأدى إغفاهلا للج‪--‬انب‬
‫الدميوجرايف إىل مشاكل متعددة حيث إنه مل يكن هناك توازن بني مع‪-‬دالت التنمي‪-‬ة ومع‪-‬دالت منو الس‪-‬كان‪ .‬ول‪-‬ذلك‬
‫ق‪--‬امت احلكوم‪--‬ة باختاذ خط‪--‬وات اجيابي‪--‬ة مث‪--‬ل إص‪--‬دار ق‪--‬وانني تش‪--‬رع اس‪--‬تخدام وس‪--‬ائل من‪--‬ع احلم‪--‬ل وق‪--‬انون آخ‪--‬ر ي‪--‬بيح‬
‫اإلجه‪--‬اض وأدخلت احلكوم‪--‬ة يف معاه‪--‬د تعليم الفتي‪--‬ات نوع ‪ً-‬ا من ب‪--‬رامج الت‪--‬دريب على اس‪--‬تخدام وس‪--‬ائل من‪--‬ع احلم‪--‬ل‬
‫وك‪--‬انت من مس‪--‬ئولية ه‪--‬ؤالء الفتي‪--‬ات بع‪--‬د التخ‪--‬رج أن يقمن بتوجي‪--‬ه وإرش‪--‬اد األمه‪--‬ات على وس‪--‬ائل من‪--‬ع احلم‪--‬ل ه‪--‬ذه‬
‫وأكثر من ذلك بدأت مجعيات كثرية لتنظيم محالت حول فكرة تنظيم األسرة واستخدام أساليب من‪--‬ع احلم‪--‬ل‪ .‬وم‪--‬ع‬
‫أخ‪--‬ذ النت‪--‬ائج الس‪--‬ليمة لإلجه‪--‬اض يف االعتب‪--‬ار تض‪--‬اعف جه‪--‬ود الس‪--‬لطات حنو توزي‪--‬ع وس‪--‬ائل من‪--‬ع احلم‪--‬ل على نط‪--‬اق‬

‫)(‪1‬‬
‫‪Ibid, p. 350-351.‬‬

‫‪228‬‬
‫واس‪-‬ع باعتباره‪-‬ا الطريق‪-‬ة املناس‪-‬بة الوحي‪-‬دة لتنظيم األس‪-‬رة ولق‪-‬د أدت ه‪-‬ذه السياس‪-‬ية الس‪-‬كانية ال‪-‬يت أخ‪-‬ذت هبا الياب‪-‬ان‬
‫إىل اخنف ‪--‬اض ملح ‪--‬وظ يف مع ‪--‬دالت املوالي ‪--‬د ونتيج ‪--‬ة ل ‪--‬ذلك املخفض ‪--‬ت الزي ‪--‬ادة الطبيعي ‪--‬ة وأخ ‪--‬ذ النم ‪--‬و الس ‪--‬كاين وض ‪--‬عه‬
‫الطبيعي يف إطار التنمية االجتماعية واالقتصادية عمومًا(‪.)1‬‬

‫ثالثا‪ :‬دعائم الضبط والتوجيه السكاني‬

‫واض ‪--‬ح إذن أن إج‪-- -‬راءات الض‪-- -‬بط الس‪-- -‬كانية ختتل‪-- -‬ف ب‪-- -‬اختالف ظ‪-- -‬روف البالد ال‪-- -‬يت تأخ‪-- -‬ذ هبا‪ ،‬ألهنا تنب ‪--‬ع من ه ‪--‬ذه‬
‫الظ‪--‬روف وأهنا توض‪--‬ع لتحقي‪--‬ق عملي‪--‬ة الت‪--‬وازن املش‪--‬ار إليه‪--‬ا س‪--‬لفًا بني حجم الس‪--‬كان ووس‪--‬ائل العيش‪ .‬وإذا ك‪--‬ان ه‪--‬ذا‬
‫التوازن ال يتحقق إال من خالل تدخل اجملتمع باختاذ اإلج‪-‬راءات الكفيل‪-‬ة والالزم‪-‬ة لتنفي‪-‬ذ ه‪-‬ذه اإلج‪-‬راءات‪ ،‬ف‪-‬ان س‪-‬ن‬
‫القوانني والتشريعات وصدور اللوائح ميثل قمة تدخل اجملتمع من أجل حتقيق التوازن املنشود‪.‬‬

‫ومن هن ‪--‬ا يعت ‪--‬رب البعض أن الق ‪--‬انون من أهم دع ‪--‬ائم تنفي ‪--‬ذ اإلج ‪--‬راءات الس ‪--‬كانية ول ‪--‬ذلك حناول فيم ‪--‬ا يلي تتب ‪--‬ع ت ‪--‬اريخ‬
‫التشريعات اليت كان من شأهنا التأثري يف عملي‪-‬ات اخلص‪--‬وبة واهلج‪-‬رة باعتباره‪--‬ا من أهم العملي‪-‬ات الس‪-‬كانية ال‪-‬يت ت‪-‬ؤثر‬
‫بدورها يف حجم السكان وتوزيعهم اجلغرايف وتكوينهم‪.‬‬

‫التشريعات وسياسة زيادة معدالت نمو السكان‬ ‫‪-1‬‬

‫ك‪--‬انت التش‪--‬ريعات ال‪--‬يت حتاول الت‪--‬أثري يف اخلص‪--‬وبة‪ :‬من‪--‬ذ م‪--‬دة طويل‪--‬ة وح‪--‬ىت ال‪--‬وقت احلاض‪--‬ر معظمه‪--‬ا من الن‪--‬وع ال‪--‬ذي‬
‫يشجع زيادة النسل ‪ .Pronantalist‬إذ يعترب قانون حامورايب ‪ Hammorabi‬الذي صدر يف الق‪-‬رن العش‪-‬رين‬
‫قبل امليالد يف بلدة بابليون ‪ Babylon‬هو أول حماولة تشريعية هتدف إىل زيادة اخلصوبة‪ .‬كما ص‪-‬درت تش‪-‬ريعات‬
‫أخرى لتحقيق سياسات زيادة النسل يف روما يف عهد القيصر أو أغس‪-‬طس ‪ Augusts‬بني الق‪--‬رنني ‪ 19 ،18‬قب‪-‬ل‬
‫امليالد تضمنت بنودًا متباينة متعلقة بتشريع ال‪-‬زواج وزي‪-‬ادة النس‪-‬ل أض‪-‬ف إىل ذل‪-‬ك أن‪-‬ه من املفض‪-‬ل يف ش‪-‬غل املناص‪-‬ب‬

‫)(‪1‬‬
‫‪Ibid, p. 352.‬‬

‫‪229‬‬
‫العام ‪--‬ة أن ي ‪--‬راعى ع ‪--‬دد األطف ‪--‬ال يف األس ‪--‬رة املرش ‪--‬ح هلا‪ .‬وأن يعطي احلق لألمه ‪--‬ات يف األس ‪--‬رة كب ‪--‬رية احلجم بارت ‪--‬داء‬
‫مالبس مميزة وحلي‪.‬‬

‫غ‪-- -‬ري أن ‪-- -‬ه من املالح ‪-- -‬ظ أن ه ‪-- -‬ذه الق ‪-- -‬وانني مل يكن ه ‪-- -‬دفها األساس ‪-- -‬ي تش ‪-- -‬جيع النس ‪-- -‬ل يف الس ‪-- -‬كان عموم ‪ً- -‬ا وإمنا بني‬
‫األرستقراطيني فقط الذين مل يكن إجناهبم بالعدد الكايف اليت ترتاح ل‪-‬ه احلكوم‪--‬ة وملا ك‪-‬ان األرس‪-‬تقراطيون ال ي‪-‬رتكون‬
‫احلكوم‪--‬ة تق‪--‬وم بتنظيم س‪--‬لوكهم ال‪--‬زواجي ومن مث فإن‪--‬ه ميكن الق‪--‬ول أن ه‪--‬ذه الق‪--‬وانني مل يكن هلا أي أث‪--‬ر أو ال ميكن‬
‫االعتماد عليها‪.‬‬

‫وعندما أصبحت املسيحية هي الدين الرمسي يف روما الغيت متامًا ه‪-‬ذه الق‪-‬وانني نظ‪-‬رًا ألن املس‪-‬يحية تعل‪-‬ق قيم‪-‬ة كب‪-‬رية‬
‫على التبتل(‪.)1‬‬

‫ويف الق ‪--‬رن الس ‪--‬ابع عش ‪--‬ر‪ ،‬س ‪--‬نت تش ‪--‬ريعات أخ ‪--‬رى تش ‪--‬جع على زي ‪--‬ادة النس ‪--‬ل يف ك ‪--‬ل من فرنس ‪--‬ا وإس ‪--‬بانيا إذ ك ‪--‬ان‬
‫الرجال الذين يتزوجون مبكرًا أو الذين لديهم أسر كبرية العدد يعفون جزئيًا أو كليا عن الضرائب يف إسبانيا‪.‬‬

‫وص‪-‬در يف فرنس‪-‬ا أيض‪ً-‬ا تش‪-‬ريع مماث‪-‬ل يض‪-‬اف إلي‪-‬ه أن حيص‪--‬ل النبالء ال‪-‬ذين يرزق‪-‬ون بعش‪-‬رة أطف‪-‬ال ش‪-‬رعيني أو أك‪-‬ثر ال‬
‫زالوا أحياء على إعانات سنوية ولق‪-‬د ك‪-‬انت هن‪-‬اك ظ‪-‬روف متر هبا فرنس‪-‬ا وإس‪-‬بانيا تعم‪-‬ل على تنفي‪-‬ذ ه‪-‬ذه السياس‪-‬ات‬
‫الس ‪--‬كانية‪ .‬فق ‪--‬د ك ‪--‬انت احلكوم ‪--‬ة اإلس ‪--‬بانية ختاف أن يص ‪--‬يبها الغ ‪--‬زو العس ‪--‬كري بفاق ‪--‬د س ‪--‬كاين كب ‪--‬ري‪ ،‬كم ‪--‬ا أن ع ‪--‬دد‬
‫السكان يف إسبانيا قد اخنفض من حوايل ‪ 10‬ماليني نسمة إىل حوايل ‪ 6‬ماليني نسمة يف عام ‪.1700‬‬

‫وكان غزو بروسيا لفرنسا خالل حرب ع‪-‬ام ‪ 1870‬وم‪-‬ا ت‪-‬رتب علي‪-‬ه من فاق‪-‬د بش‪-‬ري وك‪-‬ذلك فاق‪-‬د احلرب العاملي‪-‬ة‬
‫األوىل‪ ،‬من أهم العوامل اليت دفعت احلكومة الفرنس‪-‬ية إىل إص‪--‬دار ق‪-‬رار ي‪-‬وجب الت‪-‬وازي بني مع‪--‬دل املوالي‪-‬د يف فرنس‪-‬ا‬
‫وبني نظريه يف املانيا‪.‬‬

‫كما نظمت فرنسا حديثًا الربامج املعروفة باسم املعونات األسرية ‪ family allowances‬تشجيعًا لزيادة النسل‬
‫يف البالد ويف غريه ‪--‬ا من األمم وليق ‪--‬دم املعون ‪--‬ات املالي ‪--‬ة ألرب ‪--‬اب األس ‪--‬ر ال ‪--‬يت تنس ‪--‬ل أطف ‪--‬اًال بغض النظ ‪--‬ر عن ح ‪--‬اجتهم‬
‫الشخصية هلذه املعونات‪.‬‬

‫)(‪1‬‬
‫‪D. M. Heer, Society & Population, Op. Cit., p. 102.‬‬

‫‪230‬‬
‫ولق‪--‬د م‪--‬ر ه‪--‬ذا الربن‪--‬امج بتط‪--‬ور ت‪--‬درجيي إذ ك‪--‬ان الربن‪--‬امج يق‪--‬وم بالبداي‪--‬ة ع‪--‬ام ‪1918‬م على أس‪--‬اس اختي‪--‬اري تط‪--‬وعي‬
‫تق ‪--‬وم مبقتض ‪--‬اه الش ‪--‬ركات الص ‪--‬ناعية بتموي ‪--‬ل ه ‪--‬ذا الربن ‪--‬امج من أج ‪--‬ل توزي ‪--‬ع املعون ‪--‬ات األس ‪--‬رية‪ .‬وأض ‪--‬فى تش ‪--‬ريع ع ‪--‬ام‬
‫‪1932‬م طابعًا قوميا على برنامج املعونات البشرية واصبح كل العاملني يف الصناعة حيصلون طبقًا ل‪-‬ه على معون‪-‬ات‬
‫مالي‪--‬ة ت‪--‬دفع يف مقاب‪--‬ل ك‪--‬ل مول‪--‬ود‪ .‬مث أوض‪--‬حت املعون‪--‬ات األس‪--‬رية يف ع‪--‬ام ‪1961‬م إىل م‪--‬ا يس‪--‬اوي ‪ 5 %‬من إمجايل‬
‫الدخل القومي‪.‬‬

‫كم‪--‬ا ت‪--‬رتب على الفاق‪--‬د البش‪--‬ري يف اإلحتاد الس‪--‬وفييت من ج‪--‬راء احلرب العاملي‪--‬ة الثاني‪--‬ة أن اهتمت احلكوم‪--‬ة الس‪--‬وفيتية‬
‫بتنظيم برنامج املعونة األس‪-‬ر ال‪-‬يت تض‪-‬م ‪ 3‬اطف‪-‬ال أو أك‪-‬ثر وص‪-‬لت مبقتض‪-‬اه املعون‪-‬ة األس‪-‬رية بع‪-‬د ميالد الطف‪-‬ل اخلامس‬
‫إىل حوايل ‪ % 51‬من متوسط أجر رب األسرة‪.‬‬

‫والواق‪--‬ع أن األخ‪--‬ذ بربن‪--‬امج املعون‪--‬ات األس‪--‬رية لتش‪--‬جيع النس‪--‬ل مل يقتص‪--‬ر أم‪--‬ره على البالد الس‪--‬ابقة وإمنا ح‪--‬اولت أمم‬
‫أخ‪--‬رى كث‪--‬رية تطبيق‪--‬ه وخاص‪--‬ة أس‪--‬رتاليا وبلجيك‪--‬ا والربازي‪--‬ل وبلغاري‪--‬ا وكن‪--‬دا وش‪--‬يلي وتشيكوس‪--‬لوفاكيا وفنلن‪--‬دا وأملاني‪--‬ا‬
‫الغربية وبريطانيا العظمى واجملر وايرلندا وإيطاليا وهولندا وغريها(‪.)1‬‬

‫غ ‪--‬ري أن الوالي ‪--‬ات املتح ‪--‬دة األمريكي ‪--‬ة ق ‪--‬د اعتم ‪--‬دت على ن ‪--‬وع آخ ‪--‬ر من الق ‪--‬وانني يف تش ‪--‬جيع النس ‪--‬ل إذ ك ‪--‬ان الق ‪--‬انون‬
‫الفدرايل للضريبة على الدخل هو أهم هذه القوانني الذي يقضي ب‪-‬أن خيض‪-‬ع الع‪-‬زاب مع‪-‬دل ض‪-‬ريبة يزي‪-‬د على املع‪--‬دل‬
‫املطب‪--‬ق على املتزوجني ألن‪--‬ه يعتق‪--‬د أن املتزوجني ق‪--‬د يقتس‪--‬مان دخليهم‪--‬ا وي‪--‬دفع ك‪--‬ل واح‪--‬د منهم‪--‬ا ض‪--‬ريبة على دخل‪--‬ه‬
‫الن‪--‬اتج أك‪--‬ثر مما ي‪--‬دفع على دخل‪--‬ه قب‪--‬ل ه‪--‬ذه القس‪--‬مة‪ .‬ه‪--‬ذا فض ‪ً-‬ال عن الق‪--‬وانني األخ‪--‬رى ال‪--‬يت تس‪--‬تثين من الض‪--‬ريبة على‬
‫دخ ‪--‬ل األس ‪--‬رة مبل ‪--‬غ ‪ 600‬دوالر لك ‪--‬ل طف ‪--‬ل‪ .‬وه ‪--‬ذا معن ‪--‬اه أن الق ‪--‬وانني املتعلق ‪--‬ة بالض ‪--‬ريبة على ال ‪--‬دخل يف الوالي ‪--‬ات‬
‫املتحدة تقف إىل جانب األسر اليت تعول أطفاًال أكثر مما تقف إىل جانب غريهم من املواطنني‪.‬‬

‫أم ‪--‬ا التش ‪--‬ريعات املؤثرة يف اهلج ‪--‬رة‪ ،‬وذل ‪--‬ك هبدف زي ‪--‬ادة مع ‪--‬دالت منو الس ‪--‬كان فاهنا ترج ‪--‬ع إىل الق ‪--‬رنني ‪ 17‬و‪،18‬‬
‫حيث س ‪--‬ادت أيديولوجي ‪--‬ة التج ‪--‬اريني وال ‪--‬يت ش ‪--‬جعت الكث ‪--‬ري من احلكوم ‪--‬ات يف أوروب ‪--‬ا على اختاذ الت ‪--‬دابري ال ‪--‬يت تنم ‪--‬ع‬
‫اهلجرة من الدولة ‪ emigration‬وتشجيع اهلجرة إىل الدولة ‪.) 2( immigration‬‬

‫)(‪1‬‬
‫‪Ibid, pp. 102-103.‬‬
‫)(‪2‬‬
‫‪Ibid, p. 107.‬‬

‫‪231‬‬
‫إذ أصدرت فرنسا يف هناية القرن ‪ ،17‬تشريعًا يقض‪-‬ي بتوقي‪-‬ع عقوب‪-‬ة اإلع‪-‬دام على األش‪-‬خاص ال‪-‬ذين حياولون اهلج‪-‬رة‬
‫من الدولة أو الذين قد يساعدون غ‪--‬ريهم على اهلج‪-‬رة ويس‪-‬تثىن من ذل‪-‬ك امله‪--‬اجرون إىل أي‪-‬ة مس‪-‬تعمرة فرنس‪-‬ية يف أي‬
‫مكان‪.‬‬

‫ويف عام ‪ 1721‬سنت بروسيا قانونًا آخر‪ ،‬يعمل على استقرار الذين يهاجرون إىل الدولة‪ ،‬اعتم‪--‬ادا على املب‪--‬الغ ال‪--‬يت‬
‫رص‪--‬دها إم‪--‬رباطور بروس‪--‬يا هلذا الغ‪--‬رض‪ ،‬وك‪--‬ان بعض قياص‪--‬رة روس‪--‬يا يق‪--‬دمون اإلعان‪--‬ات للمه‪--‬اجرين إىل الدول‪--‬ة من‬
‫املستعمرات اخلارجية والذين كانوا يف معظمهم يقدمون إليها من أملانيا‪.‬‬

‫مث بدأت الواليات املتحدة األمريكية اجلديدة خالل القرن ‪ 19‬ترحب باملاليني من املهاجرين إليها‪.‬‬

‫وأع‪--‬دت أس‪--‬رتاليا سياس‪--‬ة قومي‪--‬ة هبا إغ‪--‬راء وج‪--‬ذب ع‪--‬دد س‪--‬نوي من امله‪--‬اجرين إىل الدول‪--‬ة يس‪--‬اوي ‪ % 1‬من إمجايل‬
‫س‪-‬كاهنا(‪ )1‬وغالب‪ً-‬ا م‪-‬ا تس‪-‬اهم أس‪-‬رتاليا يف تك‪-‬اليف س‪-‬فرهم إليه‪-‬ا‪ ،‬كم‪-‬ا تش‪-‬جع إس‪-‬رائيل اهلج‪-‬رة إليه‪-‬ا من أي مك‪-‬ان يف‬
‫العامل‪ ،‬وتقدم املعونات الالزمة‪.‬‬

‫التشريعات وسياسة خفض معدالت نمو السكان‬ ‫‪-2‬‬

‫ومن أول التش ‪-- - -‬ريعات ال ‪-- - -‬يت ال تش ‪-- - -‬جع على زي ‪-- - -‬ادة النس ‪-- - -‬ل الق ‪-- - -‬انون ال ‪-- - -‬ذي ص ‪-- - -‬در ع ‪-- - -‬ام ‪ 1712‬يف روتيم ‪-- - -‬ربج‬
‫‪( Wuttemperg‬أملانيا الغربية اآلن) والذي حيرم الزواج اال يف حالة القدرة على تكوين أسرة وإعالتها‪.‬‬

‫وك‪-‬انت الياب‪-‬ان هي أول دول‪-‬ة تأخ‪-‬ذ بسياس‪-‬ة ع‪-‬دم تش‪-‬جيع النس‪-‬ل يف الف‪-‬رتة ال‪-‬يت تلت احلرب العاملي‪-‬ة الثاني‪-‬ة‪ ،‬وك‪-‬انت‬
‫هناك ظروف قوية دفعتها إىل األخذ هبذه السياسة‪ | ،‬فقد عم الدمار البالد واخنفضت مس‪-‬تويات املعيش‪-‬ة يف الياب‪-‬ان‬
‫م ‪--‬ا ي ‪--‬وازي ‪ %52‬من املس ‪--‬توى ال ‪--‬ذي ك ‪--‬ان علي ‪--‬ه قب ‪--‬ل احلرب‪ ،‬وج ‪--‬ردت الياب ‪--‬ان من ممتلكاهتا يف منش ‪--‬وريا وكوري ‪--‬ا‬
‫وتايوان وميكرونيا واضطرت اليابان إىل أن تستقبل ‪ 6.6‬مليون جندي من األسرى واملسرحني املهاجرين إليه‪--‬ا من‬
‫اخلارج‪ ،‬ولتنفي‪--‬ذ سياس‪--‬ة ع‪--‬دم تش‪--‬جيع النس‪--‬ل أص‪--‬درت الياب‪--‬ان تش‪--‬ريعًا حيث على اإلجه‪--‬اض ألس‪--‬باب ص‪--‬حية‪ .‬وأك‪--‬د‬
‫جملس ممثلي التغذية يف اليابان ضرورة اختاذ اإلجراءات اليت من شأهنا أن يقل معدل املواليد‪.‬‬

‫)(‪1‬‬
‫‪Ibid, p. 103-106.‬‬

‫‪232‬‬
‫مث ص‪--‬در تش‪--‬ريع آخ‪--‬ر ي‪--‬بيح اإلجه‪--‬اض ألس‪--‬باب اقتص‪--‬ادية‪ ،‬مث ع‪--‬دل الق‪--‬انون لي‪--‬بيح اإلجه‪--‬اض إذا طلب ذل‪--‬ك الط‪--‬بيب‬
‫املع‪--‬اجل‪ ،‬وخ‪--‬ول للمرض‪--‬ى واملول‪--‬دات احلق يف تق‪--‬دمي النص‪--‬ح واإلرش‪--‬اد يف جمال ض‪--‬بط النس‪--‬ل األم‪--‬ر ال‪--‬ذي ت‪--‬رتب علي‪--‬ه‬
‫زي‪--‬ادة ح‪--‬االت اإلجه‪--‬اض من ‪ 250.000‬حال‪--‬ة ع‪--‬ام ‪1949‬م إىل ملي‪--‬ون حال‪--‬ة ع‪--‬ام ‪1952‬م كم‪--‬ا اخنفض مع‪--‬دل‬
‫اخلص‪--‬وبة بش‪-‬كل واض‪--‬ح يف الياب‪-‬ان من ‪ 2.2‬إىل ‪ 11.000‬أو أق‪-‬ل ع‪--‬ام ‪1957‬م‪ .‬وم‪--‬ع حل‪-‬ول ع‪--‬ام ‪1967‬م جلأت‬
‫الص‪--‬ني إىل عدي‪--‬د من اإلج‪--‬راءات لتنفي‪--‬ذ سياس‪--‬ة خفض مع‪--‬دالت النم‪--‬و الس‪--‬كاين‪ ،‬منه‪--‬ا ع‪--‬دم تش‪--‬جيع ال‪--‬زواج املبك‪--‬ر‬
‫وتوفري وسائل منع احلمل وجعل اإلجهاض عملية شرعية (‪.)1‬‬

‫ولقد تبنت احلكومة اهلندية مع بداية عام ‪1852‬م سياسة قومية لتنظيم النسل‪ ،‬تزايد االنفاق عليه‪--‬ا م‪--‬ع بداي‪--‬ة اخلط‪--‬ة‬
‫اخلمس‪--‬ية الثالث‪--‬ة ال‪--‬يت ب‪--‬دأت ع‪--‬ام ‪1961‬م وتقض‪--‬ي ه‪--‬ذه السياس‪--‬ة بإنش‪--‬اء وح‪--‬دة لتنظيم األس‪--‬رة يف ك‪--‬ل منطق‪--‬ة ريفي‪--‬ة‬
‫يقطنها ‪ 75.000‬شخص ويف كل منطقة حضرية يسكنها ‪ 50.000‬نسمة‪ ،‬وتشرف على كل وحدة طبيبة أن‪-‬ثى‬
‫يس ‪--‬اعدها ع ‪--‬دد من املمرض ‪--‬ات واملول ‪--‬دات‪ ،‬للقي ‪--‬ام بتنظيم املق ‪--‬ابالت التعليمي ‪--‬ة ح ‪--‬ول تنظيم األس ‪--‬رة وتق ‪--‬دمي النص ‪--‬ائح‬
‫للنساء احلوامل واألمهات اجلدد‪ ،‬وصرف وسائل ضبط النسل املتوافرة‪ ،‬هذا فضًال عن منح املكاف‪--‬آت لك‪--‬ل ذك‪--‬ر أو‬
‫أنثى يوافق على إجراء عملية تعقيم له‪.‬‬

‫ويعت‪--‬رب برن‪--‬امج تنظيم األس‪--‬رة يف ت‪--‬ايوان ‪ Taiwan‬من أجنح ال‪--‬ربامج يف العص‪--‬ر احلديث ألن‪--‬ه يش‪--‬مل اجلزي‪--‬رة كله‪--‬ا‪،‬‬
‫وبدا عام ‪1964‬م وتستخدم فيه وسيلة واحدة ملنع احلمل هي اللولب‪ ،‬ال‪-‬ذي يق‪-‬وم األطب‪-‬اء برتكيب‪-‬ه لإلن‪-‬اث يف س‪-‬ن‬
‫احلم ‪--‬ل يف العي ‪--‬ادات اخلاص ‪--‬ة‪ ،‬على أن تتحم ‪--‬ل األن ‪--‬ثي ج ‪--‬زءًا من مثن ‪--‬ه‪ ،‬وتتحم ‪--‬ل الدول ‪--‬ة اجلزء الب ‪--‬اقي ال ‪--‬ذي ت ‪--‬وفره من‬
‫رصيد هيئة التنمية الدولية يف الواليات املتحدة‪ ،‬ولقد ترتب على ذلك الربن‪--‬امج أن وص‪--‬لت نس‪--‬بة النس‪--‬اء املتزوج‪--‬ات‬
‫الاليت يس ‪--‬تخدمن إح ‪--‬دى وس ‪--‬ائل من ‪--‬ع احلم ‪--‬ل إىل ‪ % 21‬ع ‪--‬ام ‪1965‬م األم ‪--‬ر ال ‪--‬ذي ميكن الق ‪--‬ول مع ‪--‬ه أن مع ‪--‬دل‬
‫اخلصوبة يف هذا البلد اخنفض من ‪ 5.4‬عام ‪1962‬م إىل ‪ .4‬يف عام ‪1965‬م(‪.)2‬‬

‫وعموم ‪ً-‬ا‪ ،‬اتب‪--‬ع ع‪--‬دد كب‪--‬ري من األمم‪ ،‬وخاص‪--‬ة يف آس‪--‬يا ب‪--‬رامج لتنظيم األس‪--‬رة من بينه‪--‬ا س‪--‬يالن‪ ،‬وجاميك‪--‬ا‪ ،‬وماليزي‪--‬ا‪،‬‬
‫وسنجابور وكوريا اجلنوبية وتونس وتركيا ومجهورية مصر وغريها‪.‬‬

‫)(‪1‬‬
‫‪Ibid, p. 105-106.‬‬
‫)(‪2‬‬
‫‪Ibid, p.106.‬‬

‫‪233‬‬
‫ومن ناحية أخرى كانت األمم اليت تتبع سياسات خفض معدالت منو السكان تستعني بالتشريعات اليت متنع اهلجرة‬
‫متام‪ً-‬ا إليه‪--‬ا أو تض‪--‬ع قي‪--‬ودًا ش‪--‬ديدة عليه‪--‬ا‪ .‬إذ ب‪--‬دأت الوالي‪--‬ات املتح‪--‬دة األمريكي‪--‬ة يف ع‪--‬ام ‪1921‬م و‪1924‬م إص‪--‬دار‬
‫التشريعات اليت حتدد بدرجة كبرية عدد امله‪-‬اجرين إليه‪-‬ا وذل‪-‬ك عن طري‪-‬ق حتدي‪-‬د حص‪-‬ص معين‪-‬ة من امله‪-‬اجرين إليه‪-‬ا‬
‫من البالد ال‪--‬يت تق‪--‬ع يف نط‪--‬اق الك‪--‬رة غ‪--‬ري األوروبي‪--‬ة وحتدد حصص ‪ً-‬ا أخ‪--‬رى للمه‪--‬اجرين إليه‪--‬ا من ك‪--‬ل دول‪--‬ة من دول‬
‫جنوب غرب أوروبا وحصة مغايرة لبالد أوروبا الشمالية والشرقية‪.‬‬

‫ويف عام ‪1968‬م املنخفض حجم هذه احلص‪-‬ص عموم‪ً-‬ا إىل ‪ 000 .170‬مه‪-‬اجر إىل الدول‪-‬ة من نص‪-‬ف الك‪-‬رة غ‪-‬ري‬
‫األوروبية و‪ 000 .120‬من نصف الكرة األوروبية‪ .‬وكانت النوعي‪-‬ة املفض‪-‬لة من امله‪-‬اجرين إىل الدول‪-‬ة من املهن‪-‬يني‬
‫ولذلك اهتمت الواليات املتحدة باهنا ترتكب جرمية استنزاف العقول من بقية بالد العامل(‪.)1‬‬

‫رابعا‪ :‬سياسات ضبط وتوجيه السكان في مصر‬

‫كان وندل كليالند مؤلف كتاب مش‪-‬كلة الس‪-‬كان يف مص‪-‬ر ع‪-‬ام ‪1926‬م أول من وج‪-‬ه األنظ‪-‬ار حنو ض‪-‬رورة وض‪-‬ع‬
‫وتصور إجراءات ضبط وتوجيه سنكانية ملصر‪ ،‬وذهب إىل أنه ملا كانت الصناعة املصرية غ‪-‬ري ق‪-‬ادرة على االزده‪-‬ار‪،‬‬
‫وأن التوس‪-‬ع يف استص‪--‬الح األراض‪--‬ي الزراعي‪-‬ة لن يق‪--‬وي على مس‪-‬ايرة تزاي‪-‬د الس‪-‬كان فان‪-‬ه ينبغي أال يزي‪-‬د ع‪--‬دد س‪-‬كان‬
‫مص ‪--‬ر يف املس ‪--‬تقبل ب ‪--‬ل جيب أن ينقص وال يك ‪--‬ون ذل ‪--‬ك ممكن ‪ً-‬ا إال بإتب ‪--‬اع سياس ‪--‬ة حازم ‪--‬ة لتحدي ‪--‬د النس ‪--‬ل أو بتط ‪--‬بيق‬
‫سياسة للهجرة على نطاق واسع وأن تنشر الدعوة هلذه الفكرة بني مجيع الطبقات(‪.)2‬‬

‫مث ظهر حبث آخر أعده ايلي نصيف‪ ،‬انتهى فيه إىل أن مصر ال تشكو من زيادة الس‪--‬كان‪ ،‬وإمنا تكمن املش‪--‬كلة وراء‬
‫سوء توزيع السكان يف مناطق القطر وان التقدم والرقي يلزمه كثافة سكانية عالية‪ ،‬ويذهب حاف‪--‬ظ عفيفي يف كتاب‪--‬ه‬
‫على هامش السياسة عام ‪1938‬م إىل أنه قد يفك‪-‬ر بعض املص‪-‬ريني يف أن العم‪-‬ل على تقلي‪-‬ل النس‪-‬ل يف املس‪-‬تقبل حيل‬
‫هذه املشكلة ولكن ال جيب إن يغيب عن أذهان هؤالء ومن يرون رأيهم إن مستقبل األمم الصغرية العدد مظلم من‬
‫وجه‪--‬ات كث‪--‬رية‪ ..‬وأن العم‪--‬ل على زي‪--‬ادة الس‪--‬كان م‪--‬يت س‪--‬ايره العم‪--‬ل على حتس‪--‬ني الص‪--‬حة العام‪--‬ة‪ ،‬والتعليم الع‪--‬ام ه‪--‬و‬
‫غاية جيب أن ترمي إليه سياستنا استنادًا إىل النهوض االقتصادي يف جمال الزراعة‪.‬‬

‫)(‪1‬‬
‫‪Ibid, p. 100-107.‬‬
‫‪)(2‬‬
‫السيد عبد الحميد الدالي ‪ -‬العناصر الحيوية لمشكلة السكان في مصر ‪ ،‬مكتبة النهضة المصرية القاهرة ‪1954‬م ‪ ،‬ص ‪.269‬‬

‫‪234‬‬
‫ومل يكن األمر قاصرًا على الدعوة إىل حتديد النسل أو العمل على تشجيعه بل ظهر من ينادي بسياسة عدم الت‪-‬دخل‬
‫باعتبارها اخلطة املثلى يف حتقي‪-‬ق الت‪-‬وازن بني زي‪-‬ادة الس‪-‬كان واحملافظ‪-‬ة على مس‪-‬توى مالئم للمعيش‪-‬ة‪ .‬وهن‪-‬اك من ك‪-‬ان‬
‫ينادي أيضا بالعمل على وضع دعائم االقتصاد حديث‪ ،‬وذلك بإصالح البناء الزراعي والصناعات الضخمة الس‪--‬يما‬
‫الثقيل‪--‬ة منه‪--‬ا‪ ،‬ك‪--‬ذلك إق‪--‬رار الص‪--‬ناعات الص‪--‬غرية يف ك‪--‬ل ركن من ارك‪--‬ان البالد وق‪--‬د يك‪--‬ون من ش‪--‬أن التنظيم العلمي‬
‫للص ‪--‬ناعة والزراع ‪--‬ة توف ‪--‬ري ع ‪--‬دد كب ‪--‬ري من العم ‪--‬ال‪ ،‬ولكن التوس ‪--‬ع يف كاف ‪--‬ة املي ‪--‬ادين اإلنتاجي ‪--‬ة ي ‪--‬تيح دائم‪ً- -‬ا الفرص ‪--‬ة‬
‫الستيعاب هذا العدد وأكثر منه(‪.)1‬‬

‫وكان هذا هو املناخ الذي نبتت فيه الدعوة احلديثة إىل إتباع سياسة تنظيم األس‪-‬رة يف مص‪-‬ر‪ ،‬إىل ج‪-‬انب الس‪-‬ري ق‪-‬دمًا‬
‫يف ب‪--‬رامج التنمي‪--‬ة أمًال يف ختفيض نس‪--‬بة املوالي‪--‬د إىل ح‪--‬وايل ‪ 25‬يف اآلل‪--‬ف خالل العش‪--‬رين س‪--‬نة القادم‪--‬ة‪ ،‬وخاص‪--‬ة بع‪--‬د‬
‫أن اتض‪-‬ح من حبث ح‪-‬ول اجتاه‪-‬ات اخلص‪-‬وبة وتنظيم األس‪-‬رة والتع‪-‬رف على الوس‪-‬ائل ال‪-‬يت تس‪-‬تخدم يف تنظيم األس‪-‬رة‪،‬‬
‫يف ثالث‪--‬ة أن‪--‬واع من البيئ‪--‬ات احلض‪--‬رية والنص‪--‬ف حض‪--‬رية والريفي‪--‬ة – اتض‪--‬ح أن ص‪--‬غر حجم األس‪--‬رة أك‪--‬ثر ش‪--‬يوعًا بني‬
‫اجلامعيني يليهم املتعلمني تعليم ‪ً- -‬ا ثانوي ‪ً- -‬ا أو متوس‪-- -‬طًا‪ ،‬ويك‪-- -‬اد تنظيم األس‪-- -‬رة إن يك‪-- -‬ون منع‪-- -‬دمًا بني املتعلمني تعليم ‪ً- -‬ا‬
‫ابت‪-‬دائيًا وبني األم‪--‬يني‪ ،‬وط‪-‬بيعي إن يك‪-‬ون أك‪-‬ثر انتش‪-‬ارًا يف احلض‪--‬ر نظ‪-‬رًا الرتف‪--‬اع نس‪-‬بة التعليم عن‪-‬ه يف الري‪-‬ف أو البيئ‪-‬ة‬
‫نص‪-- -‬ف حض‪-- -‬رية‪ ،‬وال توج‪-- -‬د ش‪-- -‬واهد على إن س‪-- -‬كان الري‪-- -‬ف والطبق‪-- -‬ة العام‪-- -‬ة يف املدن مييل‪-- -‬ون إىل تقلي‪-- -‬د اجلامعيني‬
‫وأصحاب الدخل املرتفع يف ممارسة تنظيم األسرة‪.‬‬

‫وك‪--‬انت دع ‪--‬وة عب‪--‬اس عم‪--‬ار أح‪--‬د وزراء الش‪--‬ئون االجتماعي‪--‬ة يف أوائ‪--‬ل الث‪--‬ورة إىل مواجه ‪--‬ة مش‪--‬كلة تزاي‪--‬د الس‪--‬كان‪،‬‬
‫وعالج التفاوت امللح‪-‬وظ بني ع‪-‬دد الس‪-‬كان واملوارد املتاح‪-‬ة أول خط‪-‬وة حنو تنفي‪-‬ذ سياس‪-‬ة تنظيم األس‪-‬رة يف مص‪-‬ر ‪-‬‬
‫إذ ت‪--‬الف هلذا الغ ‪--‬رض جلن‪--‬ة الس‪--‬كان لكي تس‪--‬اهم بنص ‪--‬يب يف خل‪--‬ق ال‪--‬وعي الس‪--‬كاين‪ ،‬ه ‪--‬دفها األول ه ‪--‬و املوازن‪--‬ة املن‬
‫يرغب يف ذلك بني عدد أفراد األسرة وبني دخل الزوج وال ترمي هذه املوازن‪-‬ة إىل من‪-‬ع احلم‪-‬ل أو حتدي‪-‬د النس‪-‬ل‪ ،‬ب‪-‬ل‬
‫إىل تشجيعه وتأمينه وتنظيمه‪ ،‬مبا يكفل إجياد أس‪-‬رة س‪-‬عيدة مس‪-‬تقرة األوض‪-‬اع‪ ،‬وإىل تق‪-‬دمي النص‪-‬ح للزوج‪-‬ات ال طال‪-‬ة‬
‫الف ‪--‬رتة بني احلم ‪--‬ل واآلخ ‪--‬ر إىل س ‪--‬نتني على األق ‪--‬ل‪ ،‬محاي ‪--‬ة لص ‪--‬حة األم‪ ،‬كم ‪--‬ا تعم ‪--‬ل أيض ‪--‬ا على عالج العقم‪ .‬وب ‪--‬دأت‬

‫‪ )(1‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.384 - 372‬‬

‫‪235‬‬
‫اللجن ‪--‬ة عمله ‪--‬ا بنش ‪--‬ر بعض األحباث االقتص ‪--‬ادية اإلحص ‪--‬ائية والطبي ‪--‬ة وأنش ‪--‬أت ‪ 25‬وح ‪--‬دة لتنظيم األس ‪--‬رة كوح ‪--‬دات‬
‫جتريبية من اجل اكتساب املعرفة ومتهيدًا للتوسع يف املستقبل(‪.)1‬‬

‫مث حتولت هذه اللجنة إىل مجعية أهلي‪-‬ة ومل تع‪-‬د تلقي الرعاي‪-‬ة من املس‪-‬ؤلني وتض‪-‬اعف دوره‪-‬ا‪ .‬وعن‪-‬دما ب‪-‬دأت املش‪-‬كلة‬
‫تتف‪--‬اقم ظه‪--‬رت ب‪--‬وادر قل‪--‬ق املس‪--‬ئولني وع‪--‬ادت األنظ‪--‬ار واالقرتاح‪--‬ات تت‪--‬داول بني املهتمني مبش‪--‬كلة الس‪--‬كان وب‪--‬ادرت‬
‫احلكوم‪--‬ة ب‪--‬إدراج قض‪--‬ية تنظيم األس‪--‬رة يف املواثي‪--‬ق القومي‪--‬ة واعتربهتا ه‪--‬دفًا من أه‪--‬داف اجملتم‪--‬ع اجلدي‪--‬د‪ ،‬واتس‪--‬ع نط‪--‬اق‬
‫الدعاي ‪--‬ة لتنظيم األس ‪--‬رة بك ‪--‬ل وس ‪--‬ائل اإلعالم احلديث ‪--‬ة‪ ،‬وخاص ‪--‬ة اإلذاع ‪--‬ة والتلفزي ‪--‬ون وكلفت مراك ‪--‬ز رعاي ‪--‬ة الطف ‪--‬ل‬
‫والوح‪--‬دات اجملمع‪--‬ة بتق‪--‬دمي النص‪--‬ح واإلرش‪--‬اد لألمه‪--‬ات وتع‪--‬ريفهن مبزاي‪--‬ا األس‪--‬رة الص‪--‬غرية‪ ،‬وب‪--‬دأ توزي‪--‬ع وس‪--‬ائل تنظيم‬
‫األس ‪--‬رة يف املستش ‪--‬فيات واملستوص ‪--‬فات ومراك ‪--‬ز رعاي ‪--‬ة الطف ‪--‬ل على ذوي األس ‪--‬رة الكب ‪--‬رية مبب ‪--‬الغ رمزي ‪--‬ة ورص ‪--‬دت‬
‫امليزانيات لتقوم كليات الطب ومعاهد البحوث بإجراء الدراسات الالزمة الستنباط أدوية فعال‪--‬ة حتوز الثق‪--‬ة ومأمون‪--‬ة‬
‫العواقب ورصد اجتاهات الشعب حنو انسب الوسائل يف تنظيم األسرة(‪.)2‬‬

‫فلقد أكد ميثاق العمل الوطين يف عام ‪1961‬م أن مشكلة التزايد يف إعداد السكان اهي اخطر العقبات ال‪--‬يت تواج‪--‬ه‬
‫جهود الشعب املصري يف انطالقه حنو رفع مستوى اإلنتاج يف بالده بطريقة فعال‪-‬ة ق‪-‬ادرة وه‪-‬ذا م‪-‬ا واف‪-‬ق علي‪-‬ه بي‪-‬ان (‬
‫‪ )30‬مارس وورقة أكتوبر فيما بعد‪.‬‬

‫ونشأ اجمللس األعلى لتنظيم األسرة الذي خيتص بالتخطي‪-‬ط الش‪-‬امل ل‪-‬ربامج تنظيم األس‪-‬رة باجلمهوري‪-‬ة ووض‪-‬ع برن‪-‬امج‬
‫زم‪-- -‬ين للتنفي‪-- -‬ذ واملتابع‪-- -‬ة والتق‪-- -‬ومي وبالعم‪-- -‬ل على دراس‪-- -‬ة وتش‪-- -‬جيع وتنس‪-- -‬يق املس‪-- -‬ائل الس‪-- -‬كانية الطبي‪-- -‬ة واإلحص‪-- -‬ائية‬
‫واالجتماعية واالقتصادية والبحوث العلمية يف هذا اجملال‪ ،‬وبتنظيم التعاون بني األجهزة املختلفة اليت تساهم يف هذه‬
‫الربامج‪ .‬وخصصت امليزاني‪-‬ات لتعميم وح‪-‬دات رعاي‪-‬ة الطفول‪-‬ة واألموم‪-‬ة يف ك‪-‬ل قري‪-‬ة ومرك‪-‬ز وش‪-‬ياخة على مس‪-‬توى‬
‫اجلمهورية لتقوم بتقدمي النصح واإلرشاد لألمهات وتعريفهن مبزايا األسرة الصغرية ومتدهن بوس‪-‬ائل تنظيم النس‪-‬ل‪...‬‬
‫اخل‪.‬‬

‫ومل تكن هذه اجلهود وغريها تلك اليت تستهدف ضبط السكان والتحكم يف منوه منفصلة عن جهود أخرى مرتامي‪--‬ة‬
‫تس ‪--‬تهدف تنمي ‪--‬ة وس ‪--‬ائل العيش أو إح ‪--‬داث التنمي ‪--‬ة جواهنا االقتص ‪--‬ادية واالجتماعي ‪--‬ة والسياس ‪--‬ية وتؤك ‪--‬د على تض ‪--‬افر‬

‫‪ )(1‬دكتور علي الجريتلي ‪ -‬السكان والموارد االقتصادية ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.181 - 177‬‬
‫‪ )(2‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.186 - 182‬‬

‫‪236‬‬
‫عوام‪-- -‬ل اإلنت‪-- -‬اج من م‪-- -‬وارد ث‪-- -‬روة طبيعي‪-- -‬ة ورأس م‪-- -‬ال وتنظيم يف وح‪-- -‬دة مؤتلف‪-- -‬ة هبدف زي‪-- -‬ادة اإلنت‪-- -‬اج من الس‪-- -‬لع‬
‫واخلدمات‪ ،‬وتضمن حسن توزيع هذا الن‪-‬اتج اإلض‪-‬ايف حبيث ال حتص‪-‬ل طبق‪-‬ة أو افئ‪-‬ة من اجملتم‪-‬ع على ك‪-‬ل ه‪-‬ذا الن‪-‬اتج‬
‫اإلضايف دون بقية الفئات األخرى وتنطوي أيضا على عملية تغيري وحتول فكري وثقايف يقضي على األفكار القدمية‬
‫البالي‪--‬ة وحيرر العق‪--‬ول وخيلص اإلنس‪--‬ان من كاف‪--‬ة القي‪--‬ود‪ .‬إذ ب‪--‬دأ اإلنت‪--‬اج يف جمال ال‪--‬ثروة الطبيعي‪--‬ة وخاص‪--‬ة الب‪--‬رتول يف‬
‫التزايد وحتقق الكثري يف جمال التصنيع ووضعت األس‪-‬س لقي‪-‬ام قاع‪-‬دة ص‪-‬ناعية ض‪-‬خمة‪ ،‬بن‪-‬اء على م‪-‬ا ت‪-‬وفر من مص‪-‬ادر‬
‫الطاق‪--‬ة الكهربائي‪--‬ة بع‪--‬د إمتام بن‪--‬اء الس‪--‬د الع‪--‬ايل‪ ،‬وب‪--‬دأ نش‪--‬اط اإلنت‪--‬اج ال‪--‬زراعي يتس‪--‬ع من خالل زي‪--‬ادة املس‪--‬احة القابل‪--‬ة‬
‫الزراع ‪-- -‬ة وحتس ‪-- -‬ني اخلدمات من خالل أس ‪-- -‬اليب التكنولوجي ‪-- -‬ة يف الزراع ‪-- -‬ة وتزاي ‪-- -‬د أع ‪-- -‬داد اخلرجيني ذوي الكفاي ‪-- -‬ات‬
‫اإلنتاجية العالية‪ .‬وأدخلت التحسينات عل األجهزة اإلدارية‪ ...‬اخل وصدرت القوانني ال‪-‬يت تنظم عدال‪-‬ة توزي‪-‬ع الن‪-‬اتج‬
‫وحتمل األعب‪-‬اء وأج‪-‬ريت التع‪-‬ديالت ال‪-‬يت ك‪-‬ان من ش‪-‬أهنا أن حتدث تغي‪-‬ريًا فكري‪ً-‬ا وثقافي‪ً-‬ا وتزي‪-‬د من حترر اإلنس‪-‬ان من‬
‫كافة قيوده‪.‬‬

‫غ ‪--‬ري أن ه ‪--‬ذه السياس ‪--‬ة الس ‪--‬كانية ال ‪--‬يت تع ‪--‬رب عن موق ‪--‬ف اجيايب من قب ‪--‬ل اإلنس ‪--‬ان يف مص ‪--‬ر للتحكم يف منو الس ‪--‬كان من‬
‫ناحية والتنمية من أجل زيادة وسائل العيش وتوزيعه‪-‬ا بالع‪-‬دل على كاف‪-‬ة فئ‪-‬ات الس‪-‬كان من ناحي‪-‬ة أخ‪-‬رى‪ ،‬ال زالت‬
‫بعيدة عن أن حتقق التوازن املنشود يف هذا الصدد‪ ،‬نتيجة لعدد من العقبات والصعوبات اليت ال تزال هلا فاعليتها‪.‬‬

‫فمن ناحية أوضحت نتائج أحد البحوث املصرية احلديثة أن درجة االملام بأمور ضبط السكان ترتبط طرديًا بالطبق‪--‬ة‬
‫االجتماعي‪--‬ة والبع‪--‬د احلض‪--‬ري مبع‪--‬ىن أن اإلملام يك‪--‬اد ينع‪--‬دم يف الطبق‪--‬ات ال‪--‬دنيا واجملتمع‪--‬ات الريفي‪--‬ة وهم ميثل‪--‬ون الغالبي‪--‬ة‬
‫العظمى من س ‪--‬كان مص ‪--‬ر(‪ .)1‬وه ‪--‬ذا معن ‪--‬اه أن وح ‪--‬دات رعاي ‪--‬ة الطفول ‪--‬ة واألموم ‪--‬ة‪ ،‬وجملس تنظيم األس ‪--‬رة‪ ،‬وب ‪--‬رامج‬
‫الدعاية اليت تقوم هبا أجهزة اإلذاعة والتليفزيون وغريها‪ ،‬ال يزال جه‪-‬دها بعي‪-‬دا عن أن حيق‪-‬ق أه‪-‬دافها وأهنا تع‪-‬اين من‬
‫قصور جيب تالفيه‪ .‬وهنا قد تتبادر إىل أذهاننا عدة تساؤالت‪ :‬هل التقصري يرجع إىل أن برامج الدعاي‪--‬ة ح‪--‬ول تنظيم‬
‫األسرة من خالل احملاضرات والتعبري عنها على صفحات اجلرائد ومن خالل برامج اإلذاعة والتليفزيون ال تص‪--‬ل إىل‬
‫اجلمهور احلقيقي الذي حيتاج إىل ه‪-‬ذه الدعاي‪-‬ة واإلقن‪-‬اع طاملا ك‪-‬ان ه‪-‬ذا اجلمه‪-‬ور ال يتعام‪-‬ل م‪-‬ع ه‪-‬ذه األجه‪-‬زة نتيج‪-‬ة‬
‫لنقص التعليم أو لع‪-‬دم اقتنائه‪-‬ا؟‪ .‬وأن اجلمه‪-‬ور ال‪-‬ذي تص‪-‬ل إلي‪-‬ه ه‪-‬ذه الدعاي‪-‬ة واإلقن‪-‬اع ليس يف حاج‪-‬ة إلي‪-‬ه ألن‪-‬ه يق‪-‬وم‬

‫‪)(1‬‬
‫دكتور السيد محمد الحسيني ‪ ،‬بحث سابق االشارة اليه‪.‬‬

‫‪237‬‬
‫بالفعل بعملية التحكم يف السكان‪ ،‬وهل العاملني يف وحدات رعاية الطفول‪-‬ة واألموم‪--‬ة ومراك‪-‬ز تنظيم األس‪-‬رة ل‪-‬ديهم‬
‫من اإلمكانيات والكفاءات وبالعدد الكايف ما ميكنهم من القيام هبذه املهمة؟‪ ...‬اخل‪.‬‬

‫ومن ناحي‪-‬ة ثاني‪-‬ة ح‪-‬الت ظ‪-‬روف احلرب املتتالي‪-‬ة يف ع‪-‬امي ‪1967‬م و‪1973‬م دون أن حتق‪-‬ق سياس‪-‬ة التنمي‪-‬ة أه‪-‬دافها‬
‫نظ ‪--‬رًا ملا ت ‪--‬رتب عليه ‪--‬ا من وض ‪--‬ع اقتص ‪--‬ادها داخ ‪--‬ل إط ‪--‬ار اقتص ‪--‬اد احلرب ال ‪--‬ذي يل ‪--‬زم ب ‪--‬أن جتيء متطلبات ‪--‬ه يف املقدم ‪--‬ة‬
‫واألس‪--‬بقية يف األولوي‪--‬ات على أي ش‪--‬يء آخ‪--‬ر مما انعكس أث‪--‬ره وال ش‪--‬ك على ب‪--‬رامج اإلنت‪--‬اج وتوف‪--‬ري إمكانياهتا‪ .‬كم‪--‬ا‬
‫متث‪--‬ل ظ‪--‬روف الفق‪--‬ر عقب‪--‬ة أخ‪--‬رى أم‪--‬ام التنمي‪--‬ة‪ ،‬ملا ي‪--‬رتتب علي‪--‬ه من اخنف‪--‬اض يف ال‪--‬دخل وهب‪--‬وط يف مس‪--‬توى اإلنت‪--‬اج‪،‬‬
‫واخنف ‪--‬اض يف مس ‪--‬توى التعليم والثقاف ‪--‬ة‪ ،‬وع ‪--‬دم اس ‪--‬تخدام العلم ومنجزات ‪--‬ه‪ ،‬واخنف ‪--‬اض الق ‪--‬درة على االدخ ‪--‬ار‪ ،‬وبالت ‪--‬ايل‬
‫ضعف القدرة على االستثمار (‪.)1‬‬

‫ويعت‪-‬رب ض‪-‬يق الس‪-‬وق ال‪-‬داخلي واخلارجي مبثاب‪-‬ة عقب‪-‬ة أخ‪-‬رى أم‪-‬ام التنمي‪-‬ة ألن الس‪-‬وق ال‪-‬داخلي يف مص‪-‬ر أض‪-‬يق من إن‬
‫يتحمل مجيع الزيادة املنتظرة يف اإلنتاج االقتصادي‪ ،‬والسوق اخلارجي والتص‪-‬دير يص‪-‬عب إقامت‪-‬ه إم‪-‬ام املنافس‪-‬ة العاملي‪-‬ة‬
‫من جانب إنتاج الدول الصناعية املتقدمة‪ ...‬اخل‪.‬‬

‫كما ميثل ارتفاع أسعار اآلالت واملعدات التكنولوجية الالزمة للتنمية يف السنوات األخرية عقبة أخرى أم‪--‬ام التوس‪--‬ع‬
‫يف هذا اجملال لتطور اإلنتاج كما متثل مشكالت التنظيم اإلداري وهج‪--‬رة الكف‪--‬اءات وامله‪--‬ارات العمالي‪--‬ة املتزاي‪--‬دة من‬
‫بني هذه العقبات أمام التنمية أيضًا‪ ...‬اخل‪.‬‬

‫خامسًا‪ :‬تقييم السياسات السكانية في مصر‬

‫حناول تتبع معامل هذا التقييم يف ضوء نت‪-‬ائج دراس‪-‬ة س‪-‬ابقة مشلت ه‪-‬ذه الدراس‪-‬ة مس‪-‬حًا توثيقي‪ً-‬ا حتليلي‪ً-‬ا ش‪-‬امًال لك‪-‬ل م‪-‬ا‬
‫ت‪-‬وفر من ب‪-‬رامج ومش‪-‬روعات س‪-‬كانية من‪-‬ذ ب‪-‬دء االهتم‪-‬ام الرمسي للدول‪-‬ة باملش‪-‬كلة الس‪-‬كانية يف بداي‪-‬ة الس‪-‬تينات وح‪-‬ىت‬
‫عام ‪1991‬م‪.‬‬

‫وق‪--‬د استخلص‪--‬ت الدراس‪--‬ة أن‪--‬ه من‪--‬ذ ع‪--‬ام ‪1966‬م وح‪--‬ىت ع‪--‬ام ‪1980‬م مل تع‪--‬رف مص‪--‬ر اس‪--‬وي برناجمًا س‪--‬كانيًا واح‪--‬دًا‬
‫هو الربنامج القومي لتنظيم األسرة‪ ،‬مث أضيف إليه مبوجب اإلسرتاتيجية السكانية الص‪--‬ادرة عن اجمللس األعلى لتنظيم‬
‫األسرة والسكان العام ‪1980‬م برنامج س‪-‬كاين ث‪-‬ان يس‪-‬تهدف إع‪-‬ادة رس‪-‬م خريط‪-‬ة مص‪-‬ر الس‪-‬كانية من خالل إنش‪-‬اء‬
‫‪)(1‬‬
‫دكتور صالح الدين نامق ‪ -‬مشكلة السكان في مصر ‪ ،‬مرجع سابق ص ‪.182‬‬

‫‪238‬‬
‫جمتمع‪--‬ات جدي‪--‬دة يف الص‪--‬حراء‪ ،‬وبص‪--‬دور الق‪--‬رار اجلمه‪--‬وري رقم ‪ 19‬لس‪--‬نة ‪1985‬م يف ش‪--‬أن تنظيم اجمللس الق‪--‬ومي‬
‫للسكان أضيفت ثالثة برامج سكانية أخرى هي برامج السيطرة على نسبة األمية‪ ،‬وب‪-‬رامج التوس‪-‬ع يف تش‪-‬غيل املرأة‪،‬‬
‫وبرن‪--‬امج رعاي‪--‬ة الطف‪--‬ل املص‪--‬ري‪ ،‬ويف ع‪--‬ام ‪1986‬م ق‪--‬ام اجمللس الق‪--‬ومي للس‪--‬كان يف أعق‪--‬اب تش‪--‬كيله وإنش‪--‬اء أمانت‪--‬ه‬
‫(‪)1‬‬
‫الفنية بإصدار اسرتاتيجية السكان حىت عام ‪2000‬‬

‫البرنامج القومي لتنظيم األسرة‬ ‫‪]1‬‬

‫ميكن القول بان الربنامج الق‪-‬ومي لتنظيم األس‪-‬رة وم‪-‬ا مشله من مش‪-‬روعات س‪-‬كانية ه‪-‬و األداة األساس‪-‬ية ال‪-‬يت اعتم‪-‬دت‬
‫عليها الدول‪-‬ة يف تنفي‪-‬ذ سياس‪-‬تها الس‪-‬كانية من‪-‬ذ إعالهنا يف منتص‪-‬ف عق‪-‬د الس‪-‬تينات وح‪-‬ىت بداي‪-‬ة التس‪-‬عينات حيث ظ‪-‬ل‬
‫الربن ‪--‬امج الق ‪--‬ومي الوحي ‪--‬د من ‪--‬ذ ب ‪--‬دء تنفي ‪--‬ذه يف ف ‪--‬رباير ع ‪--‬ام ‪1966‬م يف أعق ‪--‬اب إنش ‪--‬اء اجمللس األعلى لتنظيم األس ‪--‬رة‬
‫وح ‪--‬ىت ع ‪--‬ام ‪1980‬م‪ ،‬كم ‪--‬ا اس ‪--‬تمر بع ‪--‬د ذل ‪--‬ك يف أداء ذل ‪--‬ك ال ‪--‬دور ح ‪--‬ىت اآلن إىل ج ‪--‬انب بعض ال ‪--‬ربامج التكميلي ‪--‬ة‬
‫األخرى واليت سبقت اإلشارة إليها‪ ،‬وق‪-‬د حظي ه‪-‬ذا الربن‪-‬امج من‪-‬ذ بداي‪-‬ة تنفي‪-‬ذه باالهتم‪-‬ام األعظم من ج‪-‬انب الدول‪-‬ة‬
‫حيث اعتربت املشكلة يف مصر هي باألساس مشكلة النمو السكاين السريع نتيجة الرتفاع مستوى اخلصوبة‪ ،‬وه‪--‬ذا‬
‫االجتاه يف حد ذاته يعرب عن التوجه السياسي جتاه املشكلة السكانية يف مصر طوال هذه الفرتة‪.‬‬

‫فق‪--‬د ع‪--‬ين الربن‪--‬امج الق‪--‬ومي لتنظيم األس‪--‬رة عن‪--‬د بداي‪--‬ة تنفي‪--‬ذه بتحقي‪--‬ق درج‪--‬ة عالي‪--‬ة من مشول وانتش‪--‬ار خ‪--‬دمات تنظيم‬
‫األس ‪--‬رة كي تغطي ك ‪--‬ل حمافظ ‪--‬ات مص ‪--‬ر يف أق ‪--‬ل وقت ممكن وبأق ‪--‬ل التك ‪--‬اليف‪ ،‬ل ‪--‬ذلك فق ‪--‬د ك ‪--‬ان ص ‪--‬ائبًا أن يعتم ‪--‬د‬
‫الربن‪--‬امج على اس‪--‬تخدام الوح‪--‬دات الص‪--‬حية القائم‪--‬ة واملنتش‪--‬رة يف ك‪--‬ل أحناء الدول‪--‬ة‪ ،‬كم‪--‬ا ع‪--‬ين أيض‪ً-‬ا بت‪--‬دريب األطب‪--‬اء‬
‫على تركيب الوسائل الرمحية واهتم الربنامج يف ذات الوقت بتوفري حبوب منع احلمل‪.‬‬

‫ه‪--‬ذه البداي‪--‬ة النش‪--‬طة للربن‪--‬امج يف س‪--‬نته األوىل ق‪--‬د ارتطمت ب‪--‬املوقف السياس‪--‬ي يف أعق‪--‬اب ح‪--‬رب ع‪--‬ام ‪1967‬م وم‪--‬ا‬
‫ص ‪--‬احبها من ظ ‪--‬روف اجتماعي ‪--‬ة واقتص ‪--‬ادية مما أدى إىل حال ‪--‬ة من الرك ‪--‬ود خالل ع ‪--‬امي ‪1967‬م‪1968 ،‬م تبعته ‪--‬ا‬
‫حماوالت الحي‪-‬اء الربن‪-‬امج م‪--‬رة أخ‪-‬رى وش‪-‬كلت جلن‪-‬ة وزاري‪-‬ة يف ع‪--‬ام ‪1969‬م لتق‪--‬ييم األنش‪-‬طة الس‪-‬ابقة ووض‪--‬ع خط‪-‬ة‬
‫جدي ‪--‬دة للمس ‪--‬تقبل يف ض ‪--‬وء م ‪--‬ا اس ‪--‬تجد من ظ ‪--‬روف‪ ،‬ومن أهم نت ‪--‬ائج تل ‪--‬ك الف ‪--‬رتة أهنا ق ‪--‬د ش ‪--‬هدت تغ ‪--‬ريًا إجيابي ‪ً-‬ا يف‬
‫االجتاهات الرمسية للدولة حنو تنظيم األسرة مت ترمجته‪-‬ا يف إنش‪-‬اء الربن‪-‬امج الق‪-‬ومي لتنظيم األس‪-‬رة ال‪-‬ذي يعتم‪-‬د أساس‪-‬ا‬

‫‪)(1‬‬
‫نادية حليم وآخرون ‪ ،‬تقويم السياسية السكانية في مصر ‪ ،‬المركز القومي للبحوث االجتماعية والجنائية‪ .‬القاهرة ‪1994 ،‬م ص ص ‪.260 - 259‬‬

‫‪239‬‬
‫على املدخل الطيب الذي يركز بدوره على عوامل العرض وإتاحة مراكز تقدمي اخلدمة وتوفري الوسائل الفعالة وتوفري‬
‫مقدمي اخلدمة الطبية‪ ،‬ويف نفس الوقت شهدت تلك الفرتة اخنفاضًا ملموسًا ومس‪-‬تمرًا يف مع‪-‬دل املوالي‪-‬د حيث ك‪-‬ان‬
‫(‪)1‬‬
‫‪ 2.41‬يف األلف ‪1966‬م مث اخنفض إىل ‪ 35‬يف األلف عام ‪1970‬م‬

‫وق‪-‬د ش‪-‬هدت الف‪-‬رتة من ع‪-‬ام ‪1971‬م ح‪-‬ىت ع‪-‬ام ‪1974‬م اهتمام‪ً-‬ا عاملي‪ً-‬ا متزاي‪-‬دًا جتاه املش‪-‬كالت الس‪-‬كانية يف ال‪-‬دول‬
‫النامية‪.‬‬

‫وقد توجت تلك اجلهود الدولية بعقد مؤمتر السكان العاملي ببوخارست لعام ‪1974‬م والذي نبه إىل خطورة النم‪-‬و‬
‫السكاين السريع وآثاره السلبية على جهود التنمية االجتماعية واالقتصادية بالدول النامية‪،‬‬

‫ه‪-‬ذا االهتم‪-‬ام الع‪-‬املي وتوجهات‪-‬ه ك‪-‬ان ل‪-‬ه انعكاس‪-‬اته يف مص‪-‬ر خالل تل‪-‬ك الف‪-‬رتة وال‪-‬يت من أبرزه‪-‬ا قي‪-‬ام ص‪-‬ندوق األمم‬
‫املتح‪--‬دة لألنش‪--‬طة الس‪--‬كانية بتموي‪--‬ل تنفي‪--‬ذ برن‪--‬امج املش‪--‬روعات األول للس‪--‬كان وتنظيم األس‪--‬رة يف مص‪--‬ر بالتع‪--‬اون م‪--‬ع‬
‫منظمات اليونسكو واليونيسيف‪ ،‬ومنظمة العمل الدولية‪ ،‬ومنظمة الصحة العاملية حتت إشراف وتنسيق جهاز تنظيم‬
‫األسرة يف ذلك الوقت‪.‬‬

‫وعلى املس ‪--‬توى السياس ‪--‬ي ورغم ظ ‪--‬روف احلرب ال ‪--‬يت عاش ‪--‬تها البالد خالل ه ‪--‬ذه الف ‪--‬رتة ص ‪--‬درت أول وثيق ‪--‬ة رمسية‬
‫للسياس ‪-- -‬ة الس ‪-- -‬كانية يف مص ‪-- -‬ر يف أكت ‪-- -‬وبر ع ‪-- -‬ام ‪1973‬م أك ‪-- -‬دت على أن منو الس ‪-- -‬كان يعتم ‪-- -‬د جزئي‪ً- - -‬ا على التنمي ‪-- -‬ة‬
‫االجتماعي ‪--‬ة واالقتص ‪--‬ادية وأن أي زي ‪--‬ادة يف الطلب على خ ‪--‬دمات تنظيم األس ‪--‬رة يتوق ‪--‬ف على مع ‪--‬دل وطبيع ‪--‬ة التغ ‪--‬ري‬
‫االجتم‪--‬اعي واالقتص‪--‬ادي يف اجملتم‪--‬ع‪ ،‬ويع‪--‬د ه‪--‬ذا التوج‪--‬ه السياس‪--‬ي اجلدي‪--‬د من ج‪--‬انب الدول‪--‬ة جتاه املش‪--‬كلة الس‪--‬كانية‬
‫(‪.)2‬‬
‫متفقًا ومواكبًا للتوجيهات العاملية والدولية هبذا الشأن‬

‫وإمجاًال للمحص ‪--‬لة النهائي ‪--‬ة إلجنازات تل ‪--‬ك الف ‪--‬رتة ميكن الق ‪--‬ول إن ال ‪--‬ربامج املنف ‪--‬ذة ق ‪--‬د حققت بالفع ‪--‬ل زي ‪--‬ادة يف ع ‪--‬دد‬
‫وحدات تنظيم األسرة العاملة‪ ،‬وزيادة يف توزي‪-‬ع الوس‪-‬ائل املختلف‪-‬ة ملن‪-‬ع احلم‪-‬ل‪ ،‬كم‪-‬ا ش‪-‬هدت ه‪-‬ذه الف‪-‬رتة اخنفاض‪ً-‬ا يف‬
‫معدالت املواليد‪.‬‬

‫‪ )(1‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.262‬‬


‫‪ )(2‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.264‬‬

‫‪240‬‬
‫أما الفرتة من عام ‪1975‬م حىت عام ‪1980‬م فقد أبرزت التوجهات السكانية العاملية اجلديدة يف تل‪--‬ك الف‪--‬رتة وال‪--‬يت‬
‫تبل‪--‬ورت يف التوص‪--‬يات ال‪--‬يت ص‪--‬درت عن م‪--‬ؤمتر الس‪--‬كان الع‪--‬املي بوخارس‪--‬ت لع‪--‬ام ‪1974‬م أبع‪--‬ادًا ومقرتح‪--‬ات خمتلف‪--‬ة‬
‫للمش‪-‬كلة الس‪-‬كانية وكيفي‪-‬ة مواجهته‪-‬ا‪ ،‬ه‪-‬ذا التوج‪-‬ه اجلدي‪-‬د ق‪-‬د انعكس أث‪-‬ره بص‪-‬ورة مباش‪-‬رة على الفك‪-‬ر الس‪-‬كاين يف‬
‫مص ‪--‬ر يف ذل ‪--‬ك ال ‪--‬وقت حيث أعي ‪--‬د تع ‪--‬ديل السياس ‪--‬ة الس ‪--‬كانية يف ع ‪--‬ام ‪1975‬م ال ‪--‬رتكز على االع ‪--‬رتاف بأبع ‪--‬اد ثالث ‪--‬ة‬
‫للمشكلة السكانية يف مص‪-‬ر هي النم‪-‬و الس‪-‬كاين الس‪-‬ريع‪ ،‬والتوزي‪-‬ع اجلغ‪--‬رايف غ‪-‬ري املت‪-‬وازن للس‪-‬كان‪ ،‬وت‪-‬دين اخلص‪--‬ائص‬
‫السكانية‪ ،‬هذا التعديل ركز على نوعية السكان وبيئتهم االجتماعية واالقتص‪--‬ادية واث‪-‬ر ذل‪-‬ك على النم‪-‬و الس‪-‬كانية يف‬
‫هناي‪--‬ة األم‪--‬ر‪ ،‬ومن ه‪--‬ذا املنطل‪--‬ق فق‪--‬د تب‪--‬ىن جه‪--‬از تنظيم األس‪--‬رة والس‪--‬كان املدخل التنم‪--‬وي ملواجه‪--‬ة املش‪--‬كلة الس‪--‬كانية‬
‫ب‪-‬ديًال عن املدخل الط‪-‬يب ال‪-‬ذي س‪-‬اد الف‪--‬رتة الس‪-‬ابقة ومن مث فق‪--‬د رك‪-‬ز على العوام‪--‬ل ال‪-‬يت من ش‪-‬أهنا زي‪-‬ادة الطلب على‬
‫تنظيم األسرة‪.‬‬

‫ورغم تل‪--‬ك اجله‪--‬ود ال‪--‬يت ب‪--‬ذلت وال‪--‬ربامج واملش‪--‬روعات ال‪--‬يت نف‪--‬ذت خالل تل‪--‬ك الف‪--‬رتة ال‪--‬دعم الربن‪--‬امج الق‪--‬ومي لتنظيم‬
‫األسرة إال أن هذه الفرتة قد متيزت يف ذات الوقت بتحوالت اجتماعية واقتصادية جذرية جنمت عن انته‪-‬اء ظ‪-‬روف‬
‫احلرب ال‪--‬يت اس‪--‬تمرت من‪--‬ذ ع‪--‬ام ‪1967‬م إىل ع‪--‬ام ‪1973‬م مث انته‪--‬اج الدول‪--‬ة السياس‪--‬ة االنفت‪--‬اح االقتص‪--‬ادي ب‪--‬دءًا من‬
‫ع‪--‬ام ‪1974‬م مما أدى إىل انتع‪--‬اش اقتص‪--‬ادي يف الس‪--‬نوات األوىل من انته‪--‬اج تل‪--‬ك السياس‪--‬ة‪ ،‬ك‪--‬ل ه‪--‬ذه الظ‪--‬روف ق‪--‬د‬
‫أدت إىل ارتفاع معدل املواليد مرة ثانية بعكس ما كان متوقعًا بعد أن اختذ اجتاهًا هبوطيًا من‪--‬ذ ع‪--‬ام ف‪--‬رتة احلرب‪ ،‬إال‬
‫أن معدل املواليد ق‪-‬د اس‪-‬تمر يف االرتف‪-‬اع لس‪-‬نوات تالي‪-‬ة مما نب‪-‬ه إىل وج‪-‬ود فج‪-‬وة بني جه‪-‬ود تنظيم األس‪-‬رة واس‪-‬تخدام‬
‫الوسائل وبني مستويات اخلصوبة يف مصر(‪.)1‬‬

‫وأدى االرتف‪--‬اع املس‪--‬تمر يف مع‪--‬دالت املوالي‪--‬د خالل الف‪--‬رتة الس‪--‬ابقة رغم اجله‪--‬ود وال‪--‬ربامج الس‪--‬كانية املبذول‪--‬ة إىل قي‪--‬ام‬
‫جه ‪--‬از تنظيم األس ‪--‬رة والس ‪--‬كان بوض ‪--‬ع إط ‪--‬ار إس ‪--‬رتاتيجية قومي ‪--‬ة للس ‪--‬كان واملوارد البش ‪--‬رية وبرن ‪--‬امج تنظيم األس ‪--‬رة‬
‫تض‪-- -‬منت مع‪-- -‬دال مس‪-- -‬تهدفًا لنم‪-- -‬و الس‪-- -‬كان من خالل خفض مع‪-- -‬دالت املوالي‪-- -‬د واه‪-- -‬داف خاص‪-- -‬ة ببع‪-- -‬دي التوزي‪-- -‬ع‬
‫واخلصائص‪.‬‬

‫وقد أدت تل‪-‬ك ال‪-‬ربامج جمتمع‪-‬ة وم‪-‬ا ت‪-‬وفر من خالهلا من دعم م‪-‬ايل إىل دعم الربن‪-‬امج الق‪-‬ومي لتنظيم األس‪-‬رة يف مص‪-‬ر‬
‫حيث زاد ع‪--‬دد وح‪--‬دات تنظيم األس‪--‬رة العامل‪--‬ة خالل تل‪--‬ك الف‪--‬رتة من ‪ 3862‬وح‪--‬دة يف ع‪--‬ام ‪1981‬م إىل ‪4043‬‬
‫‪ )(1‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.269‬‬

‫‪241‬‬
‫وح‪--‬دة يف هناي‪--‬ة ع‪--‬ام ‪1985‬م بنس‪--‬ب مرتفع‪--‬ة‪ ،‬باإلض‪--‬افة إىل إدخ‪--‬ال احلقن كوس‪--‬يلة من الوس‪--‬ائل املس‪-‬تخدمة يف مص‪--‬ر‬
‫اعتبارًا من عام ‪1984‬م‪.‬‬

‫واملثري للدهشة أنه رغم كل هذه اجلهود اليت بذلت يف تلك الف‪-‬رتة إال أن مع‪-‬دل املوالي‪-‬د ق‪-‬د اس‪-‬تمر يف االرتف‪-‬اع ح‪-‬ىت‬
‫بل‪--‬غ ‪ 8 .39‬يف االف ع‪--‬ام ‪1985‬م مما دع‪--‬ا القي‪--‬ادة السياس‪--‬ة يف مص‪--‬ر إىل ال‪--‬دعوة لعق‪--‬د م‪--‬ؤمتر ق‪--‬ومي للس‪--‬كان حيث‬
‫انعقد يف مارس ‪1984‬م‪.‬‬

‫وقد انتهى هذا املؤمتر إىل جمموعة من التوص‪-‬يات متت ترمجته‪-‬ا يف ص‪-‬دور الق‪-‬رار اجلمه‪-‬وري رقم ‪ 19‬لس‪-‬نة ‪1985‬م‬
‫بإنشاء اجمللس القومي للسكان برئاسة السيد رئيس اجلمهورية‪.‬‬

‫وبالنسبة للفرتة من عام ‪1986‬م حىت عام ‪1991‬م فقد استهلت هذه الفرتة بإعادة صياغة السياسة السكانية ملص‪--‬ر‬
‫يف إعقاب تشكيل اجمللس القومي للسكان حيث تضمنت هذه السياسة ثالثة أهداف عامة تتمثل يف‪:‬‬

‫خفض معدل النمو السكاين‪.‬‬ ‫‪.1‬‬


‫حتقيق توزيع جغرايف أفضل‪.‬‬ ‫‪.2‬‬
‫االرتقاء باخلصائص السكانية‪.‬‬ ‫‪.3‬‬

‫ك ‪--‬ونت إس ‪--‬رتاتيجية للس ‪--‬كان ح ‪--‬ىت ع ‪--‬ام ‪ 2000‬وال ‪--‬يت مشلت ثالث اس ‪--‬رتاتيجيات أساس ‪--‬ية مقابل ‪--‬ة لألبع ‪--‬اد الثالث‬
‫للمشكلة السكانية يف مصر‪.‬‬

‫وق ‪--‬د انتقلت األمان ‪--‬ة الفني ‪--‬ة للمجلس الق ‪--‬ومي للس ‪--‬كان يف ذل ‪--‬ك ال ‪--‬وقت إىل خط ‪--‬وة أبع ‪--‬د تتمث ‪--‬ل يف اس ‪--‬تخالص خط ‪--‬ة‬
‫مخس‪--‬ية من اإلس‪--‬رتاتيجية ال‪--‬يت مت وض‪--‬عها لع‪--‬ام ‪ 2000‬حتت مس‪--‬مى (( املك‪--‬ون الس‪--‬كانية )) يف اخلط‪--‬ة اخلمس‪--‬ية ‪- 87‬‬
‫(‪.)1‬‬
‫‪1992‬م‬

‫وقد أدت ه‪-‬ذه اجله‪-‬ود جمتمع‪-‬ة واآلث‪-‬ار الرتاكمي‪-‬ة جله‪-‬ود الف‪-‬رتات الس‪-‬ابقة إىل ح‪-‬دوث زي‪-‬ادة مط‪-‬ردة يف حرك‪-‬ة توزي‪-‬ع‬
‫الوسائل املختلفة وبالتايل زيادة أعداد النساء املستخدمات لتلك الوسائل‪ ،‬ومل يقف األم‪--‬ر عن‪--‬د ه‪--‬ذا احلد ب‪--‬ل أن منط‬
‫اس‪--‬تخدام الوس‪--‬ائل املختلف‪--‬ة ق‪--‬د تغ‪--‬ري ايض ‪ً-‬ا حنو اس‪--‬تخدام الوس‪--‬ائل األك‪--‬ثر فاعلي‪--‬ة مث‪--‬ل الل‪--‬ولب كم‪--‬ا أدخلت وس‪--‬ائل‬
‫جديدة ذات فاعلية عالية مثل احلقن‪.‬‬
‫‪ )(1‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.273‬‬

‫‪242‬‬
‫وإذا نظرن‪-‬ا إىل حمص‪--‬لة ك‪-‬ل ه‪--‬ذه اجله‪--‬ود وخاص‪--‬ة تل‪-‬ك ال‪-‬يت ش‪-‬هدهتا الف‪--‬رتة األخ‪-‬رية فإنن‪-‬ا نالح‪-‬ظ اخنفاض‪--‬ا ملحوظ‪ً-‬ا يف‬
‫مس‪--‬تويات اخلص‪--‬وبة مل تش‪--‬هده أي ف‪--‬رتة س‪--‬ابقة وه‪--‬و اخنف‪--‬اض يتف‪--‬ق م‪--‬ع االرتف‪--‬اع املس‪--‬تمر يف نس‪--‬ب املعرف‪--‬ة ومع‪--‬دالت‬
‫استخدام وسائل تنظيم األسرة‪ ،‬أما أثر ذلك على اخلصوبة فقد كان ملموسًا أيضًا خالل الفرتة األخرية حيث تش‪--‬ري‬
‫بيانات التسجيل احليوي إىل اخنفاض معدالت املواليد من ‪ 39.8‬يف األلف عام ‪1985‬م إىل ‪ 30.8‬يف االل‪-‬ف ع‪-‬ام‬
‫‪1991‬م كما بلغ معدل اخلصوبة الكلي حوايل ‪ 4.5‬طفال كمتوسط للفرتة ‪1981‬م ‪1991 -‬م‪.‬‬

‫غ‪--‬ري أن حتفظ ‪ً-‬ا ال ب‪--‬د من التنوي‪--‬ه إلي‪--‬ه مرتبط ‪ً-‬ا ب‪--‬دور احلكوم‪--‬ة يف دعم ه‪--‬ذا الربن‪--‬امج فاملش‪--‬اهد ح‪--‬ىت اآلن أن ميزاني‪--‬ات‬
‫ب‪--‬رامج الس‪--‬كان م‪--‬ا زالت تعتم‪--‬د كله‪--‬ا على ال‪--‬دعم اخلارجي ال‪--‬ذي ي‪--‬أيت أساس‪--‬ا من ص‪--‬ندوق األمم املتح‪--‬دة لألنش‪--‬طة‬
‫السكانية وعلى وكالة التنمية الدولية األمريكية ووكاالت التنمية األخرى‪.‬‬

‫هذه التمويالت اليت ميكن أن يؤدي حجمها لسبب أو آخر إىل تعويق اجلهود املبذولة يف هذا الصدد‪.‬‬

‫مالحظات على البرامج المكملة‬ ‫‪]2‬‬

‫اش ‪--‬تمل الربن‪--‬امج الق ‪--‬ومي للم ‪--‬رأة على العدي ‪--‬د من املش ‪--‬روعات ال ‪--‬يت تعتم ‪--‬د على وج ‪--‬ود قي ‪--‬ادات نس ‪--‬ائية يف اجملتمع ‪--‬ات‬
‫احمللي‪-‬ة وتش‪-‬جيع املرأة على االس‪-‬تقالل االقتص‪-‬ادي واالش‪-‬رتاك يف التنمي‪-‬ة ف‪-‬إن املالحظ‪-‬ة العام‪-‬ة على ه‪-‬ذه ال‪-‬ربامج مجيع‪ً-‬ا‬
‫أن نطاقها ما زال حمدودًا وقدرهتا على التغطية ما زالت غ‪-‬ري فعال‪-‬ة باإلض‪-‬افة إىل م‪-‬ا يواج‪-‬ه م‪-‬ا ه‪-‬و مطب‪-‬ق منه‪-‬ا بالفع‪-‬ل‬
‫من قصور يف امليزانيات واالعتماد بصورة كبرية على الدعم اخلارجي مما يعرضها باستمرار إىل الضعف واحتماالت‬
‫عدم االستمرارية(‪.)1‬‬

‫وعلى الرغم من حداثة وجود ما يسمى بالربنامج القومي الس‪-‬تخدام األرض وتض‪-‬مينه إس‪-‬رتاتيجية الس‪-‬كان الص‪-‬ادرة‬
‫ع‪-‬ام ‪1980‬م إال أن اجله‪-‬ود يف ه‪-‬ذا اإلط‪-‬ار جه‪-‬ود ت‪-‬دخل يف إط‪-‬ار خط‪-‬ط الدول‪-‬ة العام‪-‬ة يف جماالت التوس‪-‬ع العم‪-‬راين‬
‫يف املدن اجلديدة والتوابع‪ ،‬ويف جمال استصالح األراض‪--‬ي لزي‪-‬ادة الرقع‪--‬ة الزراعي‪-‬ة‪ ،‬ويف جمال إص‪--‬الح القري‪-‬ة باعتب‪-‬ار م‪--‬ا‬
‫هلذا القطاع من أمهية يف خط‪-‬ط التنمي‪-‬ة العام‪-‬ة‪ .‬وق‪-‬د ك‪-‬ان من االهتم‪-‬ام بإع‪-‬ادة توزي‪-‬ع الس‪-‬كان على خريط‪-‬ة مص‪-‬ر من‬
‫منطلق كونه حًال ضروريًا ملعاجلة البعد الذي يتناول توزي‪-‬ع الس‪-‬كان يف إس‪-‬رتاتيجية الس‪-‬كان‪ ،‬وهلذا أدخ‪-‬ل ه‪--‬ذا اجملال‬
‫يف هذه اإلسرتاتيجية حتت مسمى الربنامج القومي الستخدام األرض متناوًال اجلهود سابقة الذكر‪.‬‬

‫‪ )(1‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.277‬‬

‫‪243‬‬
‫واجلدير بال‪-- -‬ذكر أن اس‪-- -‬تعراض اجله‪-- -‬ود املتحقق‪-- -‬ة يف جمال املدن اجلدي‪-- -‬دة أب‪-- -‬رزت معوق‪-- -‬ات كث‪-- -‬رية يف جمال املتحق‪-- -‬ق‬
‫بالقياس إىل املستهدف‪.‬‬

‫وفيما يتعلق مبجال تنمي‪-‬ة القري‪-‬ة املص‪-‬رية ف‪-‬ان الواق‪-‬ع يش‪-‬هد وج‪-‬ود جه‪-‬ود متع‪-‬ددة ال‪-‬وزارات وأجه‪-‬زة متباين‪-‬ة‪ ،‬غ‪-‬ري أن‪-‬ه‬
‫من الواضح أيضًا أهنا تفتقد إىل التنسيق الذي كان من املفرتض أن يقوم به جهاز بناء القرية املصرية‪.‬‬

‫وباس ‪--‬تعراض املوق ‪--‬ف من الربن ‪--‬امج الق ‪--‬ومي حملو األمي ‪--‬ة وانته ‪--‬اء بإنش ‪--‬اء اجمللس األعلى لتعليم الكب ‪--‬ار وحمو األمي ‪--‬ة ع ‪--‬ام‬
‫‪1985‬م وتشكيل اللجنة الوطنية املص‪-‬رية للع‪-‬ام ال‪-‬دويل حملو األمي‪-‬ة ع‪-‬ام ‪1990‬م‪ ،‬واخلط‪-‬ة املع‪-‬دة حلمل‪-‬ة قومي‪-‬ة ش‪-‬املة‬
‫حملو األمية من إعداد اجمللس املشار إلي‪-‬ه‪ .‬إال أن األمي‪-‬ة م‪-‬ا زالت متد أذياهلا زاحف‪-‬ة إىل ك‪-‬ل رب‪-‬وع اجلمهوري‪-‬ة ‪ -‬ريفه‪-‬ا‬
‫وحض‪--‬رها ‪ -‬ومتمكن‪--‬ة يف الري‪--‬ف بص‪--‬ورة أك‪--‬رب‪ ،‬واحلمل‪--‬ة املش‪--‬ار إليه‪--‬ا مل تتح‪--‬ول إىل خط‪--‬ط إجرائي‪--‬ة للتنفي‪--‬ذ‪ ،‬وأع‪--‬داد‬
‫األم‪--‬يني ال‪--‬يت مت التخطي‪--‬ط هلا على أساس‪--‬ه مل يع‪--‬د يع‪--‬رب عن الواق‪--‬ع نظ‪--‬رًا لع‪--‬دم حتقي‪--‬ق االس‪--‬تيعاب الكام‪--‬ل للمل‪--‬زمني أو‬
‫القضاء على ظاهرة التسرب من التعليم‪.‬‬

‫الباب الثالث‬

‫‪244‬‬
‫السكان والتنمية‬
‫الفصل الحادي عشر‪ :‬العالقات المتداخلة بين السكان والتنمية اطار المفهومات والقضايا‬

‫الفصل الثاني عشر‪ :‬بناء السكان وديناميات التنمية‬

‫الفصل الثالث عشر‪ :‬تغير السكان وبرامج التنمية‬

‫الفصل الرابع عشر‪ :‬البطالة وسياق التنمية في مصر اليات الحاضر واحتماالت المستقبل‬

‫الفصل الحادي عشر‬

‫العالقات المتداخلة بين السكان والتنمية إطار المفهومات والقضايا‬


‫تمهيد‬

‫ذكرن‪--‬ا يف مواق‪--‬ع س‪--‬ابقة من ه‪--‬ذا الكت‪--‬اب أن علم االجتم‪--‬اع املهتم بدراس‪--‬ة الظ‪--‬واهر الس‪--‬كانية يس‪--‬تطيع أن يوس‪--‬ع من‬
‫نطاق حتليله هلذه الظواهر ويتناوهلا يف ضوء ظروف وعوامل أمشل غري األسرة والطبقة والقيم واملعايري الثقافي‪-‬ة‪ ،‬وهي‬
‫ظروف أخرى يعيشها اجملتمع ككل ونعين ظروف التخلف او التنمية يف هذا اجملتمع‪.‬‬

‫‪245‬‬
‫خاص‪--‬ة وأن قض‪--‬ية العالق‪--‬ات املتبادل‪--‬ة بني الس‪--‬كان والتنمي‪--‬ة االجتماعي‪--‬ة واالقتص‪--‬ادية حتت‪--‬ل مكان‪--‬ة ب‪--‬ارزة بني جمموع‪--‬ة‬
‫القضايا اليت حتظى باالهتمام العاملي واليت تطرح مشكالت وحتديات عاملية يف احلاضر واملستقبل‪ ،‬ومل يكن االهتم‪--‬ام‬
‫هبذه القض‪--‬ية اهتمام ‪ً-‬ا ح‪--‬ديثًا‪ ،‬وإمنا أص‪--‬بحت متث‪--‬ل واح‪--‬دة من القض‪--‬ايا ال‪--‬يت يع‪--‬ين هبا الع‪--‬امل خالل عش‪--‬رات الس‪--‬نوات‬
‫األخ‪--‬رية‪ .‬ب‪--‬ل وق‪--‬د أص‪--‬بحت العالق‪--‬ات املتبادل‪--‬ة بني العملي‪--‬ات الس‪--‬كانية والتنمي‪--‬ة يف اآلون‪--‬ة احلاض‪--‬رة أك‪--‬ثر وض‪--‬وحًا‪،‬‬
‫ول ‪--‬ذلك ك ‪--‬ان جتاهله ‪--‬ا يف معاجلة قض ‪--‬ايا الس ‪--‬كان يع ‪--‬رب عن الس ‪--‬ذاجة وقل ‪--‬ة الدراي ‪--‬ة ونقص ال ‪--‬وعي وض ‪--‬حالة الفهم‪.‬‬
‫ول‪--‬ذلك كل‪--‬ه وج‪--‬دنا من املناس‪--‬ب ختص‪--‬يص الب‪--‬اب احلايل ملعاجلة قض‪--‬ايا الس‪--‬كان والتنمي‪--‬ة‪ .‬والرتك‪--‬يز على التص‪--‬ورات‬
‫املتاحة يف هذا الصدد حول العالق‪-‬ات املتبادل‪-‬ة بني الس‪-‬كان والتنمي‪-‬ة‪ ،‬م‪-‬ع اإلش‪-‬ارة إىل العالق‪-‬ات املتداخل‪-‬ة بني ظ‪-‬واهر‬
‫بن‪--‬اء الس‪--‬كان وعملي‪--‬ات التنمي‪--‬ة االجتماعي‪--‬ة مث إىل العالق‪--‬ات املتش‪--‬ابكة واملعق‪--‬دة بني ظ‪--‬واهر تغ‪--‬ري الس‪--‬كان وعملي‪--‬ات‬
‫التنمي‪-- -‬ة‪ .‬حبيث جعلت أول م‪-- -‬ا جيب أن أوض‪-- -‬حه يف الفص‪-- -‬ل األول من ه‪-- -‬ذا الب‪-- -‬اب ه‪-- -‬و تص‪-- -‬ور العالق‪-- -‬ات املتبادل‪-- -‬ة‬
‫واملمكن‪--‬ة بني الس‪--‬كان والتنمي‪--‬ة‪ ،‬واألس‪--‬باب ال‪--‬يت أدت إىل االهتم‪--‬ام بقض‪--‬ية العالق‪--‬ات ه‪--‬ذه بني الب‪--‬احثني على الص‪--‬عيد‬
‫الع‪--‬املي‪ ،‬ونوض‪--‬ح املفهوم‪--‬ات ال‪--‬يت اس‪--‬تعانوا هبا يف التعب‪--‬ري عن ه‪--‬ذه العالق‪--‬ات واملتغ‪--‬ريات‪ ،‬وك‪--‬ذلك أهم القض‪--‬ايا ال‪--‬يت‬
‫طرحوه‪--‬ا يف ه‪--‬ذا الص‪--‬دد والل‪--‬يت توض‪--‬ح اث‪--‬ر متغ‪--‬ريات الس‪--‬كان على التنمي‪--‬ة وتل‪--‬ك ال‪--‬يت ت‪--‬بني اث‪--‬ر متغ‪--‬ريات الرتبي‪--‬ة على‬
‫السكان‪ ،‬وإىل أي حال تلقى هذه القضايا قبوال أو نقدًا بني الباحثني‪.‬‬

‫أوًال‪ :‬عوامل االهتمام بالعالقات المتداخلة بين السكان والتنمية‬

‫هن ‪--‬اك جمموع ‪--‬ة كب ‪--‬رية من العوام ‪--‬ل واألس ‪--‬باب ال ‪--‬يت تض ‪--‬افرت مع‪ً- -‬ا وأدت إىل اث ‪--‬ارة االهتم ‪--‬ام بني الب ‪--‬احثني بدراس ‪--‬ة‬
‫العالقات املتداخلة بني السكان والتنمية‪ ،‬من أمهه‪-‬ا عوام‪-‬ل منو س‪-‬كان الع‪-‬امل والتح‪-‬ول ال‪-‬دميوجرايف يف ال‪-‬دول النامي‪-‬ة‪،‬‬
‫مث تزاي ‪--‬د املش ‪--‬كالت الس ‪--‬كانية وتنوعه ‪--‬ا‪ ،‬واهلوة بني البالد املتقدم ‪--‬ة والنامي ‪--‬ة وأخ ‪--‬ريًا االختالف يف ال ‪--‬رأي ح ‪--‬ول ه ‪--‬ذه‬
‫العالقات‪ ،‬وحناول فيما يلي إلقاء الضوء على هذه العوامل‪.‬‬

‫[‪ ]1‬نمو سكان العالم‬

‫كش‪--‬فت االجتاه‪--‬ات الدميوجرافي‪--‬ة عن زي‪--‬ادة غ‪--‬ري مس‪--‬بوقة يف منو س‪--‬كان الع‪--‬امل‪ ،‬ولق‪--‬د ذاعت ش‪--‬هرة الطبيع‪--‬ة االس‪-‬تثنائة‬
‫هلذه االجتاه ‪--‬ات خالل عش ‪--‬رات الس ‪--‬نني املاض ‪--‬ية‪ ،‬إذ بلغت عملي ‪--‬ة النم ‪--‬و بعي ‪--‬د املدى لس ‪--‬كان الع ‪--‬امل يف اثن ‪--‬اء ه ‪--‬ذه‬
‫السنوات ذروهتا‪ ،‬واتضح هذا يف الزيادة املنحدرة يف معدالت النمو السكاين‪ ،‬فلق‪-‬د ان‪-‬دفعت زي‪-‬ادة منو س‪-‬كان الع‪-‬امل‬

‫‪246‬‬
‫واليت كانت ‪ % - 0.5‬يف املتوسط سنويًا يف القرن ‪ 19‬م و‪ % - .8‬س‪-‬نويًا يف النص‪-‬ف األول من الق‪-‬رن احلايل ‪-‬‬
‫اندفعت هذه الزيادة لتصل إىل ‪ %1.8‬سنويًا يف الفرتة ما بني ‪1970‬م ‪1950 -‬م‪ ،‬حيث تزاي‪-‬د س‪-‬كان الع‪-‬امل بني‬
‫هذين التارخيني من حوايل ‪ 2.3‬الف مليون إىل ‪ 3.6‬الف مليون‪ .‬ووصل ه‪--‬ذا الع‪--‬دد يف منتص‪--‬ف ع‪--‬ام ‪1974‬م إىل‬
‫ح‪-‬وايل ‪ 3.9‬ال‪-‬ف ملي‪-‬ون‪ ،‬وذل‪-‬ك مبع‪--‬دل س‪-‬نوي مق‪--‬داره ‪ ،12‬كم‪-‬ا يق‪--‬در ع‪--‬دد الس‪-‬كان يف الع‪--‬امل بنح‪-‬و ‪6.3 ،5.3‬‬
‫بليون نسمة يف عام ‪1990‬م‪2000 ،‬م ومبعدل منو سنوي قدره‪ )1( % 1.7‬ومل حيدث وأن تزايد السكان من قبل‬
‫على ه‪--‬ذا النح‪--‬و وبالس‪--‬رعة نفس‪--‬ها‪ ،‬ومن هن‪--‬ا أمجع الب‪--‬احثون على أن‪--‬ه ال ميكن اإلبق‪--‬اء على املس‪--‬تويات احلالي‪--‬ة لنم‪--‬و‬
‫السكان على هذا النح‪-‬و بالتحدي‪-‬د او ح‪-‬ىت خالل ف‪-‬رتة تتج‪-‬اوز الق‪-‬رن أو الق‪-‬رنني‪ .‬ول‪-‬و فرض‪-‬نا ألس‪-‬باب توض‪-‬يحية أن‪-‬ه‬
‫ال ميكن انقاص املستويات احلالية لنمو السكان باستمرار‪ ،‬فإن حجم السكان قد يص‪--‬ل خالل ف‪--‬رتة وج‪--‬يزة إىل ‪7.5‬‬
‫مرة ضعف حجمه احلايل تقريبًا‪ ،‬وهنا قد يوافق معظم الباحثني على أنه ح‪-‬ىت النم‪-‬و التكنول‪-‬وجي والعلمي املص‪--‬احب‬
‫لنمو السكان ال حيتمل أن يكون ق‪-‬ادرًا على أن ي‪-‬وفر هلؤالء الس‪-‬كان مس‪-‬تويات املعيش‪-‬ية ال‪-‬يت تعتم‪-‬د على االس‪-‬تهالك‬
‫الع‪--‬املي للطاق‪--‬ة؟‪ ،‬وغريه‪--‬ا من املوارد األخ‪--‬رى ال‪--‬يت متيز البالد الص‪--‬ناعية الي‪--‬وم‪ ،‬ول‪--‬ذلك ق‪--‬د يعتق‪--‬د بعض منهم أن مث‪--‬ل‬
‫هذا احلجم الكبري للسكان قد يرتب وضعًا خطرًا بالنسبة لبقاء اجلنس البشري‪.‬‬

‫وقد ال يوافق الكثري من الباحثني على هذا الرأي األخري‪ ،‬ولكن مع ذلك يظل هناك قدرًا من النقاش واجلدل ح‪--‬ول‬
‫نت‪-‬ائج ق‪-‬رن آخ‪-‬ر من الزم‪-‬ان ميض‪-‬ي بنفس درج‪-‬ة النم‪-‬و الس‪-‬ريعة للس‪-‬كان‪ ،‬وال‪-‬ذي ق‪-‬د ينجم عن‪-‬ه حجم س‪-‬كاين يزي‪-‬د (‬
‫‪ )55‬م ‪--‬رة على حجم الس ‪--‬كان حالي‪ً- -‬ا‪ .‬ومن هن ‪--‬ا ظه ‪--‬رت املعض ‪--‬لة وب ‪--‬دات قض ‪--‬ية العالق ‪--‬ات املتداخل ‪--‬ة بني الس ‪--‬كان‬
‫والتنمية تشغل اهتمام الباحثني‪ ،‬وذهب البعض إىل انه مع التحديث وحتسن ظروف املعيشة اليت تعد مبثابة جانب‪ً-‬ا من‬
‫جوانب عملية التنمية ق‪-‬د يتوق‪-‬ع ح‪-‬دوث اخنف‪-‬اض يف مع‪-‬دل املوالي‪-‬د‪ ،‬وذل‪-‬ك اس‪-‬تنادًا إىل الش‪-‬واهد التارخيي‪-‬ة ال‪-‬يت تؤك‪-‬د‬
‫أن‪-‬ه كلم‪-‬ا تق‪-‬دم التح‪-‬ديث ف‪-‬إن الس‪-‬كان ميرون بتط‪-‬ور دميوجرايف ينقص من مع‪-‬دالت النم‪-‬و بش‪-‬كل واض‪-‬ح‪ .‬ولكن ق‪-‬د‬
‫ال تكون التنمية قادرة على حتقيق هذا املستوى العايل‪ .‬ومن ناحية أخرى جند أن البعض اآلخر ك‪--‬ان ينظ‪--‬ر إىل النم‪--‬و‬
‫الس‪--‬كاين بك‪--‬ل ت‪--‬رحيب ع‪--‬رب معظم الت‪--‬اريخ اإلنس‪--‬اين‪ ،‬ويعت‪--‬ربه عالم‪--‬ة على الص‪--‬حة االجتماعي‪--‬ة والرفاهي‪--‬ة‪ ،‬وعلى أن‪--‬ه‬
‫مص ‪--‬در لق ‪--‬وة األس ‪--‬رة والقبيل ‪--‬ة ب ‪--‬ل والدول ‪--‬ة كك ‪--‬ل‪ .‬وملا ك ‪--‬ان النم ‪--‬و املس ‪--‬تمر للس ‪--‬كان حيتم ‪--‬ل أن يعم ‪--‬ل على ظه ‪--‬ور‬
‫جمموع‪--‬ات متباين‪--‬ة من الض‪--‬غوط ال‪--‬يت ك‪--‬انت هلا نتائجه‪--‬ا يف أوق‪--‬ات متباين‪--‬ة من ه‪--‬ذا الت‪--‬اريخ‪ ،‬مثلم‪--‬ا ظه‪--‬ر اخلوف من‬
‫()‪1‬‬
‫‪U. N. Secretary - General, Population change & Economic and Social Development, The Population Debate,‬‬
‫‪, pp. 45 - 46.‬م‪, Vol. 1, U N: New York, 1975‬م‪World Population conference, Bucharest 1974‬‬

‫‪247‬‬
‫االجتاهات السكانية مع حلول القرن الثامن عشر‪ ،‬ويف البالد اليت أخ‪-‬ذت بالتص‪-‬نيع مبك‪-‬رًا‪ ،‬فم‪-‬ا ك‪-‬ان من ه‪-‬ذه البالد‬
‫األوروبي‪--‬ة من‪--‬ذ البداي‪--‬ة إال أن وقفت من ه‪--‬ذا النم‪--‬و الس‪--‬ريع للس‪--‬كان واس‪--‬تهلت عملي‪--‬ات التص‪--‬نيع هبا‪ ،‬وم‪--‬ع ه‪--‬ذا فق‪--‬د‬
‫ص‪--‬احب عملي‪--‬ة التنمي‪--‬ة يف مراحله‪--‬ا املبك‪--‬رة زي‪--‬ادة يف س‪--‬رعة منو الس‪--‬كان‪ ،‬ذل‪--‬ك ألن حتس‪--‬ني مس‪--‬تويات املعيش‪--‬ة‪ ،‬مث‪--‬ل‬
‫زي ‪--‬ادة م ‪--‬واد الغ ‪--‬ذاء وظ ‪--‬روف التغذي ‪--‬ة‪ ،‬وتق ‪--‬دم املعرف ‪--‬ة والتكنولوجي ‪--‬ا املطبق ‪--‬ة يف جماالت الص ‪--‬حة العام ‪--‬ة والطب‪ ،‬تع ‪--‬د‬
‫مس‪--‬ئولة لدرج‪--‬ة كب‪--‬رية عن التعجي‪--‬ل بعملي‪--‬ة منو الس‪--‬كان‪ ،‬من خالل االخنف‪--‬اض الس‪--‬ريع يف مع‪--‬دالت الوفي‪--‬ات‪ .‬وهلذا‬
‫زادت مع ‪--‬دالت منو الس ‪--‬كان يف ه ‪--‬ذه البالد عن ‪--‬دما اض ‪--‬طلعت بعملي ‪--‬ة التنمي ‪--‬ة يف بداي ‪--‬ة الق ‪--‬رن الث ‪--‬امن عش ‪--‬ر‪ .‬وجند أن‬
‫زي ‪--‬ادة منو الس ‪--‬كان من خالل اخنف ‪--‬اض مع ‪--‬دالت(‪ )1‬الوفي ‪--‬ات وثب ‪--‬ات مع ‪--‬دالت املوالي ‪--‬د‪ ،‬ميث ‪--‬ل فق ‪--‬ط اح ‪--‬د اجلوانب يف‬
‫عملي‪-‬ة التح‪-‬ول ال‪-‬دميوجرايف األمشل‪ ،‬ذل‪-‬ك ألن جمموع‪-‬ة أخ‪-‬رى من املؤثرات ال‪-‬يت ترتب‪-‬ط بعملي‪-‬ة التح‪-‬ديث‪ ،‬مث‪-‬ل زي‪-‬ادة‬
‫مع ‪--‬دالت التعليم وارتف ‪--‬اع مكان ‪--‬ة املرأة والتغ ‪--‬ريات يف وظ ‪--‬ائف األس ‪--‬رة وأدوار أعض ‪--‬ائها‪ ،‬ت ‪--‬ؤدي ب ‪--‬دورها إىل خفض‬
‫مع‪--‬دل اخلص‪--‬وبة‪ .‬ومن هن‪--‬ا ك‪--‬ان منو الس‪--‬كان وتوقف‪--‬ه على مع‪--‬دالت املوالي‪--‬د والوفي‪--‬ات وت‪--‬أثر األخ‪--‬رية بعوام‪--‬ل ترتب‪--‬ط‬
‫بعملي‪--‬ة التح‪--‬ديث‪ ،‬مبثاب‪--‬ة أح‪--‬د األس‪--‬باب ال‪--‬يت نبهت األذه‪--‬ان حنو ض‪--‬رورة فهم وتن‪--‬اول العالق‪--‬ات املتبادل‪--‬ة بني الس‪--‬كان‬
‫والتنمية‪.‬‬

‫[‪ ]2‬التحول الديموجرافي الدولة النامية‬

‫ومل تكن املخ‪-‬اوف املرتتب‪-‬ة على ه‪--‬ذا التح‪-‬ول ال‪-‬دميوجرايف يف ال‪-‬دول النامي‪-‬ة راجع‪--‬ة إىل س‪-‬رعة النم‪-‬و الس‪-‬كاين يف ه‪--‬ذه‬
‫البالد يف حد ذاته‪ ،‬واليت كانت سرعة متوقعة‪ ،‬وإمنا كانت راجعة إىل مقدار هذه الزي‪--‬ادة يف املقارن‪--‬ة مبع‪--‬دالت النم‪--‬و‬
‫الس‪--‬كاين يف البالد املتقدم‪--‬ة‪ ،‬وال‪--‬ذي ك‪--‬ان يزي‪--‬د قليًال ع‪--‬رب ف‪--‬رتات طويل‪--‬ة على ‪ ،%0.1-‬ومل يص‪--‬ل أب‪--‬دًا إىل ‪% 1.5‬‬
‫أو زاد عن ‪--‬ه‪ ،‬جند أن مع ‪--‬دل النم ‪--‬و الس ‪--‬كاين يف البالد النامي ‪--‬ة ق ‪--‬د وص ‪--‬ل إىل ح ‪--‬وايل ‪ % - .5‬س ‪--‬نويًا يف اثن ‪--‬اء العق ‪--‬ود‬
‫األوىل من ه‪--‬ذا الق‪--‬رن‪ ،‬مث ارتف‪--‬ع إىل ‪ % 1‬أو يزي‪--‬د يف الف‪--‬رتة م‪--‬ا بني ع‪--‬امي ‪1920‬م ‪1950 -‬م‪ ،‬وبل‪--‬غ ‪ %2‬فيم‪--‬ا‬
‫بني عامي ‪1950‬م ‪1960 -‬م‪ .‬وقدرت الزيادة يف السكان م‪-‬ع مطل‪-‬ع ع‪-‬ام ‪1970‬م حبوايل ‪ % 2.4‬س‪-‬نويًا‪ ،‬وه‪-‬و‬
‫معدل يدل على تضاعف أعداد السكان خالل فرتة تقل عن ‪ 29‬عامًا‪.‬‬

‫األم ‪--‬ر ال ‪--‬ذي ق ‪--‬د ت ‪--‬رتتب علي ‪--‬ه مش ‪--‬كالت خط ‪--‬رية‪ .‬خاص ‪--‬ة وأن دخ ‪--‬ول البالد النامي ‪--‬ة مرحل ‪--‬ة االخنف ‪--‬اض الس ‪--‬ريع يف‬
‫معدالت الوفيات منذ العقدين املاضيني كان وراء هذه الزيادة يف سكاهنا‪ ،‬وهو املصدر الرئيسي الذي أثار االهتم‪--‬ام‬
‫)(‪1‬‬
‫‪Ibid, p, 45-46.‬‬

‫‪248‬‬
‫بالعالق‪--‬ة بني الس‪--‬كان والتنمي‪--‬ة ذل‪--‬ك ألن‪--‬ه ق‪--‬د ال يواف‪--‬ق أح‪--‬د على أن الطريق‪--‬ة املعقول‪--‬ة النق‪--‬اص مع‪--‬دالت منو الس‪--‬كان‬
‫تكون من خالل زيادة معدالت الوفيات‪ ،‬كما أنه ال ميكن أن تكون معدالت اخلصوبة املنخفضة فق‪--‬ط هي الطريق‪--‬ة‬
‫املناس ‪--‬بة خلفض مع ‪--‬دالت منو الس ‪--‬كان (‪ .) 2‬وامنا يع ‪--‬د منط اخلص ‪--‬وبة املنخفض إىل ج ‪--‬انب منط الوفي ‪--‬ات املنخفض ه ‪--‬و‬
‫النم ‪--‬ط الوحي ‪--‬د ال ‪--‬ذي ميكن قبول ‪--‬ه كش ‪--‬رط ج ‪--‬وهري وعنص ‪--‬ر أساس ‪--‬ي يف حتقي ‪--‬ق الرفاهي ‪--‬ة االنس ‪--‬انية لك ‪--‬ل من الف ‪--‬رد‬
‫واجملتم‪--‬ع‪ ،‬وك‪--‬ذلك يع‪--‬د مبثاب‪--‬ة ه‪--‬دفًا جوهري‪ً-‬ا ألي‪--‬ة سياس‪--‬ة تنموي‪--‬ة‪ ،‬وهلذا ك‪--‬ان التح‪--‬ول ال‪--‬دميوجرايف يف البالد النامي‪--‬ة‪،‬‬
‫والذي متيز بسرعة النمو الس‪-‬كاين وزي‪-‬ادة مق‪-‬داره‪ ،‬وبس‪-‬بب بلوغ‪-‬ه مرحل‪-‬ة االخنف‪-‬اض الس‪-‬ريع يف مع‪-‬دل الوفي‪-‬ات‪ ،‬من‬
‫بني األسباب اليت أثارت االهتمام ينتاول قضية العالقة بني السكان والتنمية‪.‬‬

‫[‪ ]3‬تزايد المشكالت السكانية وتنوعها‬

‫بالرغم من أن االهتمام مبشكالت السكان قد بدأ بالقلق من اخلصوبة العالية ومعدل النمو املتزايد للسكان وأخ‪--‬ذت‬
‫املناقش ‪--‬ات اجلادة ال ‪--‬يت تلت مانش ‪--‬ره توم ‪--‬اس م ‪--‬التس يف ع ‪--‬ام ‪ 1798‬يف مقال ‪--‬ه ح ‪--‬ول مب ‪--‬دأ الس ‪--‬كان يث ‪--‬ري املزي ‪--‬د من‬
‫االهتم ‪--‬ام واالس ‪--‬تجابات وخباص ‪--‬ة تل ‪--‬ك ال ‪--‬يت أخ ‪--‬ذت تب ‪--‬ادر بال ‪--‬دفاع عن تنظيم األس ‪--‬رة مث ‪--‬ل جه ‪--‬ود ش ‪--‬ارلس برادل ‪--‬و‬
‫‪ Bradlaugh‬واين بيس‪--‬انت ‪ Besant‬يف اجنل‪--‬رتا‪ ،‬وم‪--‬ارجريت س‪--‬اجنر ‪ Sanger‬يف الوالي‪--‬ات املتح‪--‬دة‪ ،‬وأخ‪--‬ذت‬
‫تكشف طابع الثورات والعواصف احمللية‪ ،‬ح‪-‬ىت أتس‪-‬ع جمال االهتم‪-‬ام مبش‪-‬كالت الس‪-‬كان وخاص‪--‬ة من‪-‬ذ احلرب العاملي‪-‬ة‬
‫الثاني‪-‬ة على حنو مل يس‪-‬بق إلي‪-‬ه يف ت‪-‬اريخ البش‪-‬رية (‪ .)1‬وم‪--‬ا لبث ه‪--‬ذا االهتم‪-‬ام الع‪--‬املي أن اتس‪-‬ع ليش‪-‬مل ج‪-‬وانب أخ‪-‬رى‬
‫من املشكالت السكانية‪ ،‬وخباصة معدالت الوفيات املتباينة‪ ،‬ونسبة االصابة ب‪--‬املرض ومش‪--‬كالت توزي‪--‬ع الس‪--‬كان‪ ،‬مبا‬
‫يف ذل‪--‬ك التوزي‪--‬ع الع‪--‬املي واالقليمي وال‪--‬ريفي واحلض‪--‬ري والعواص‪--‬م‪ .‬مث مش‪--‬كالت نوعي‪--‬ة الس‪--‬كان ومش‪--‬كالت فئ‪--‬ات‬
‫سكانية حمددة‪ ،‬مثل كبار السن والشباب والنساء‪ ،‬ومشكالت القوة العاملة واالستخدام والبطالة‪ ،‬ومشكالت عدم‬
‫التج ‪--‬انس الس ‪--‬كاين واالختالف ‪--‬ات يف الع ‪--‬رق والس ‪--‬اللة وال ‪--‬دين والقيم وأس ‪--‬لوب احلي ‪--‬اة يف عالقاهتا ب ‪--‬الفرص املتباين ‪--‬ة‬
‫واملكان‪--‬ة السوسيواقتص‪--‬ادية‪ .‬وك‪--‬ذلك اتس‪--‬ع الكث‪--‬ري من ه‪--‬ذا االهتم‪--‬ام ليش‪--‬مل مس‪--‬ائل س‪--‬كانية أخ‪--‬رى ترب‪--‬ط الس‪--‬كان‬
‫باملوارد الطبيعية والغذاء وتدهور البيئة وباجلملة التنمية االجتماعية واالقتصادية خاصة يف البالد النامية (‪.)2‬‬

‫)(‪2‬‬
‫‪Ibid, p, 46-47.‬‬
‫)(‪1‬‬
‫‪P. M Hauser, World Population & Development, Challenges & Prospects, Syracuse University Press, New York,‬‬
‫‪, P. 1.‬م‪1979‬‬
‫)(‪2‬‬
‫‪Ibid, p, 1.‬‬

‫‪249‬‬
‫[‪ ]4‬الهوة الواضحة والمتزايدة بين البالد المتقدمة والنامية‬

‫إذ تؤك‪--‬د الوث‪--‬ائق واالحص ‪--‬ائيات أن مع ‪--‬دالت النم‪--‬و الس‪--‬كاين احلالي‪--‬ة يف البالد املتقدم ‪--‬ة مع ‪--‬دالت منخفض ‪--‬ة باملقارن‪--‬ة‬
‫بغريه‪--‬ا‪ .‬ولق‪--‬د أص‪--‬بح واض‪--‬حًا أن البالد ذات املع‪--‬دالت املنخفض‪--‬ة يف منوه‪--‬ا الس‪--‬كاين ق‪--‬د حققت مع‪--‬دالت تنمي‪--‬ة أك‪--‬ثر‬
‫سرعة وفعالية‪ .‬وجتد البالد النامية بالطبع نفسها اآلن يف ظروف جتعلها مغايرة يف جوانب كثرية أخ‪-‬رى عن ظ‪-‬روف‬
‫تلك البالد املتقدمة سواء حاليًا أو حىت يف بداية املرحلة اليت أخذت فيها تسري يف طري‪--‬ق التص‪--‬نيع‪ .‬وتش‪--‬ري الس‪--‬جالت‬
‫االحصائية إىل أن البالد النامية مل تكن قادرة يف معظم جوانب التنمي‪-‬ة على تقلي‪-‬ل اهلوة ال‪-‬يت تفص‪-‬ل بينه‪-‬ا وبني البالد‬
‫املتقدمة‪ .‬بل أنه يف احلقيقة‪ ،‬ومع قليل من االستثناءات قد اتسعت ه‪-‬ذه اهلوة نتيج‪-‬ة للنم‪-‬و الس‪-‬كاين الس‪-‬ريع يف البالد‬
‫النامية‪ ،‬خاصة وأنه قد حدثت نتائج عكسية يف جوانب تنموية معين‪-‬ة يف ه‪-‬ذه البالد بفض‪-‬ل املع‪-‬دالت الس‪-‬ريعة النم‪-‬و‬
‫الس ‪--‬كان‪ .‬كم ‪--‬ا أن النم ‪--‬و الس ‪--‬كاين يرتب ‪--‬ط بزي ‪--‬ادة احلاج ‪--‬ات اخلاص ‪--‬ة واملتطلب ‪--‬ات يف جماالت الغ ‪--‬ذاء والص ‪--‬حة والتعليم‬
‫واإلسكان وغريها‪ ،‬وهي احتياج‪-‬ات جوهري‪-‬ة خاص‪-‬ة يف البالد النامي‪-‬ة‪ .‬كم‪-‬ا يتوق‪-‬ف احلف‪-‬اظ على املس‪-‬تويات املناس‪-‬بة‬
‫للمعيش‪--‬ة وحتقي‪--‬ق ه‪--‬ذه االحتياج‪--‬ات االجتماعي‪--‬ة على زي‪--‬ادة مجل‪--‬ة الن‪--‬اتج الق‪--‬ومي وانت‪--‬اج الس‪--‬لع املس‪--‬تهلكة واخلدمات‬
‫بنفس س‪-- -‬رعة النم‪-- -‬و الس‪-- -‬كاين‪ ،‬م‪-- -‬ع اخ‪-- -‬ذ تك‪-- -‬وين الس‪-- -‬كان وت‪-- -‬وزيعهم يف االعتب‪-- -‬ار‪ .‬وملا ك‪-- -‬انت املط‪-- -‬الب املتزاي‪-- -‬دة‬
‫واالحتياجات اليت يتسبب فيها منو الس‪-‬كان يف البالد النامي‪-‬ة‪ ،‬ال متث‪-‬ل الزي‪-‬ادة يف الق‪-‬درة االنتاجي‪-‬ة ال‪-‬يت تكفي لرف‪-‬ع أو‬
‫حىت باحلفاظ على مستويات املعيشة املنخفضة فعًال حىت يف هذه البالد‪ ،‬ث‪--‬ارت املخ‪--‬اوف وأخ‪--‬ذ ينظ‪--‬ر إىل مش‪--‬كالت‬
‫تنمي‪--‬ة البالد الفق‪--‬رية باعتباره‪--‬ا واح‪--‬دة من التح‪--‬ديات الرئيس‪--‬ية ال‪--‬يت تواج‪--‬ه الع‪--‬امل وأخ‪--‬ذ اجملتم‪--‬ع ال‪--‬دويل يرك‪--‬ز اهتمام‪--‬ه‬
‫وعلى حنو متزايد ب‪-‬اجلهود ال‪-‬يت تعج‪-‬ل بالتنمي‪-‬ة‪ ،‬وعلى حف‪-‬ز وتوص‪-‬يل التع‪-‬اون ال‪-‬دويل‪ ،‬وعلى حماوالت ختفي‪-‬ف التب‪-‬اين‬
‫بني البالد املتقدم‪-- -‬ة واملتخلف‪-- -‬ة أو النامي‪-- -‬ة‪ ،‬وحماول‪-- -‬ة التفك‪-- -‬ري يف حل‪-- -‬ول لتقلي‪-- -‬ل اهلوة بينه‪-- -‬ا وذل‪-- -‬ك من خالل دراس‪-- -‬ة‬
‫العالقات املتبادلة بني السكان والتنمية(‪.)1‬‬

‫[‪ ]5‬االختالف في الرأي حول العالقات المتبادلة بين السكان والتنمية‬

‫وعلى ال‪--‬رغم من أن مس‪--‬ألة العالق‪--‬ات املتبادل‪--‬ة بني االجتاه‪--‬ات الدميوجرافي‪--‬ة والتغ‪--‬ري االجتم‪--‬اعي واالقتص‪--‬ادي أو بني‬
‫السكان والتنمية قد شغلت اهتمام الباحثني وأصبحت موضع نقاشهم منذ فرتة طويلة‪ .‬إال أهنم ال يزالوا خيتلفون يف‬
‫الرأي حول هذه املسألة‪ .‬ولعل هذا مرجعه إىل تعقد مشكلة العالقة بني السكان والتنمية نتيجة لالختالفات الكبرية‬
‫)(‪1‬‬
‫‪U. N. Secretary General, Op. Cit., pp. 47 - 48.‬‬

‫‪250‬‬
‫يف الظ ‪--‬روف االجتماعي ‪--‬ة واالقتص ‪--‬ادية والدميوجرافي ‪--‬ة بني بالد الع ‪--‬امل‪ ،‬ونتيج ‪--‬ة ألن اخلربة ب ‪--‬النمو الس ‪--‬كاين والتط ‪--‬ور‬
‫ال‪--‬دميوجرايف مل تك‪--‬ون واح‪--‬دة يف احناء ‪ 1‬الع‪--‬امل املتباين‪--‬ة أو يف الف‪--‬رتات الزمني‪--‬ة املختلف‪--‬ة‪ ،‬وك‪--‬ذلك نتيج‪--‬ة لالختالف‪--‬ات‬
‫الواس‪--‬عة يف مس‪--‬تويات واجتاه‪--‬ات التنمي‪--‬ة املص‪--‬احبة هلذه الظ‪--‬روف الدميوجرافي‪--‬ة يف ك‪--‬ل زم‪--‬ان ومك‪--‬ان‪ ،‬ب‪--‬ل وأك‪--‬ثر من‬
‫ذل ‪--‬ك نتيج ‪--‬ة لالختالف ‪--‬ات الك ‪--‬ربى يف بعض اخلص ‪--‬ائص اجلوهري ‪--‬ة يف الدافعي ‪--‬ة والتقلي ‪--‬د والنظم والظ ‪--‬روف السياس ‪--‬ية‬
‫اجملتمعات العامل‪ .‬ه‪-‬ذا فض‪ً-‬ال عن أن الب‪-‬احثني واخلرباء من عل‪-‬وم متباين‪-‬ة أو ح‪-‬ىت من داخ‪-‬ل نفس العلم‪ ،‬ق‪-‬د نظ‪-‬روا إىل‬
‫ه ‪--‬ذه املس ‪--‬ألة وق ‪--‬اموا بتفس ‪--‬ريها من زواي ‪--‬ا متباين ‪--‬ة ووجه ‪--‬ات نظ ‪--‬ر خمتلف ‪--‬ة‪ ،‬فلم يتوص ‪--‬لوا إال إىل نت ‪--‬ائج أك ‪--‬ثر اختالف ‪ً-‬ا‪.‬‬
‫ول‪-‬ذلك كل‪-‬ه ال ينبغي أن تص‪-‬يبنا الدهش‪-‬ة من ع‪-‬دم وج‪-‬ود اتف‪-‬اق يف ال‪-‬رأي بني الب‪-‬احثني واخلرباء ال‪-‬ذين تن‪-‬اولوا مس‪-‬ألة‬
‫العالقة بني السكان والتنمية(‪ .)1‬وألن‪-‬ه ب‪-‬رغم أن‪-‬ه ليس هن‪-‬اك اتف‪-‬اق كام‪-‬ل على ك‪-‬ل نت‪-‬ائج النم‪-‬و الس‪-‬كاين وانعكاس‪-‬اته‬
‫على التنمي ‪--‬ة االجتماعي ‪--‬ة واالقتص ‪--‬ادية‪ ،‬وب ‪--‬رغم ت ‪--‬وفر الق ‪--‬در الكب ‪--‬ري من البحث يف ه ‪--‬ذا الص ‪--‬دد‪ ،‬إال أن ‪--‬ه أمكن حص ‪--‬ر‬
‫اجملموع‪--‬ة الكب‪--‬رية من وجه‪--‬ات النظ‪--‬ر‪ ،‬وتص‪--‬نيفها إىل جمموع‪--‬تني من املواق‪--‬ف املتعارض‪--‬ة أوهلا ذل‪--‬ك ال‪--‬رأي القائ‪--‬ل ب‪--‬أن‬
‫مع ‪--‬دالت النم‪--‬و الس‪--‬كاين العالي‪--‬ة واحلالي‪--‬ة تش‪--‬كل عقب‪--‬ة يف طري‪--‬ق التنمي‪--‬ة االجتماعي‪--‬ة واالقتص ‪--‬ادية‪ ،‬ويص ‪--‬عب التغلب‬
‫عليها‪ ،‬وذلك من خالل ما تثريه من تأثري غري متوافق على توافر وتعبئة املوارد اليت حتتاجها عمليات التنمية‪.‬‬

‫مث هن‪--‬اك ال‪--‬رأي اآلخ‪--‬ر القائ‪--‬ل أن‪--‬ه م‪--‬ع سياس‪--‬ات اقتص‪--‬ادية اجتماعي‪--‬ة معين‪--‬ة‪ ،‬ميكن أن يك‪--‬ون للع‪--‬دد الكب‪--‬ري من الس‪--‬كان‬
‫فائدته‪ ،‬او على األقل ال ميثل عقبة أمام التنمية‪ .‬ومل مينع هذا اخلالف يف الرأي ظه‪-‬ور موق‪-‬ف وس‪-‬ط ياخ‪-‬ذ ب‪-‬ه أولئ‪-‬ك‬
‫الذين يعرتفون بالفوائد املمكنة املرتتبة على النمو السكاين‪ ،‬وال‪-‬ذين ي‪-‬رون أيض‪ً-‬ا يف املع‪-‬دالت العالي‪-‬ة للزي‪-‬ادة الس‪-‬كانية‬
‫عقبة خط‪-‬رية يف طري‪-‬ق التنمي‪-‬ة االجتماعي‪-‬ة واالقتص‪-‬ادية ح‪-‬ىت يف املن‪-‬اطق ال‪-‬يت تس‪-‬تطيع أن تفي‪-‬د من املع‪-‬دل الكب‪-‬ري لنم‪-‬و‬
‫الس‪--‬كان وال‪--‬ذي حيدث ت‪--‬درجييًا(‪ .)2‬وإذا ك‪--‬ان ه‪--‬ذا االختالف يف ال‪--‬رأي ح‪--‬ول مس‪--‬ألة العالق‪--‬ات املتبادل‪--‬ة بني الس‪--‬كان‬
‫والتنمي‪--‬ة ميث‪--‬ل أح‪--‬د عوام‪--‬ل االهتم‪--‬ام هبذه املس‪--‬ألة ف‪--‬إن هن‪--‬اك حاج‪--‬ة إىل ب‪--‬ذل مزي‪--‬د من اجله‪--‬د هبدف إث‪--‬راء فهمن‪--‬ا هلذه‬
‫املسألة‪ ،‬خاصة وأنه قد اتضح أن اجلهود السابقة قد اقتص‪-‬رت يف دراس‪-‬تها هلذه العالق‪-‬ات على النم‪-‬و الس‪-‬كاين فق‪-‬ط‪،‬‬
‫وامهلت االختالف يف حجم الس‪--‬كان واملوارد الطبيعي‪--‬ة املتاح‪--‬ة وال‪--‬دخل احلقيقي لك‪--‬ل ف‪--‬رد والبن‪--‬اء الص‪--‬ناعي والتعليم‬
‫ومس‪--‬تويات امله‪--‬ارة وإمكاني‪--‬ات املش‪--‬اركة يف الس‪--‬وق الع‪--‬املي والظ‪--‬روف والعوام‪--‬ل السياس‪--‬ية واالجتماعي‪--‬ة والثقافي‪--‬ة‪،‬‬
‫األمر الذي يعمل على استمرار االهتمام هبذه املسألة أيضًا‪.‬‬
‫)(‪1‬‬
‫‪Ibid, p, 45.‬‬
‫)(‪2‬‬
‫‪Ibid, p, 45-48.‬‬

‫‪251‬‬
‫ثانيًا‪ :‬مفهومات تصورمتغيرات السكان والتنمية‬

‫وك ‪--‬ان من الط ‪--‬بيعي أن يبل ‪--‬ور الب ‪--‬احثون يف اهتم ‪--‬امهم مبس ‪--‬الة العالق ‪--‬ات املتبادل ‪--‬ة بني الس ‪--‬كان والتنمي ‪--‬ة جمموع ‪--‬ة من‬
‫املفهومات اليت تعينهم على تصور هذه العالق‪-‬ات‪ .‬ولع‪-‬ل أهم ه‪-‬ذه املفهوم‪-‬ات الس‪-‬كان من ناحي‪-‬ة والتنمي‪-‬ة من ناحي‪-‬ة‬
‫أخرى‪ .‬ذلك ألن ما قدموه لنا من تص‪-‬ورات هلذه املفهوم‪-‬ات ق‪-‬د أث‪-‬رى عملي‪-‬ة فهم وتفس‪-‬ري مس‪-‬ألة العالق‪-‬ات املتبادل‪-‬ة‬
‫بني السكان والتنمية فيما بعد‪.‬‬

‫مفهوم السكان‬ ‫‪)1‬‬

‫وك ‪--‬ان مفه ‪--‬وم الس ‪--‬كان يس ‪--‬تخدم مبع ‪--‬ىن أك ‪--‬ثر مشوًال واتس ‪--‬اعًا‪ ،‬إلهنم مل يقص ‪--‬روه على ج ‪--‬وانب حمددة من الس ‪--‬كان‬
‫وخباص ‪--‬ة اخلص ‪--‬وبة العالي ‪--‬ة ومع ‪--‬دالت النم ‪--‬و‪ .‬وإمنا أض ‪--‬افوا ل ‪--‬ه ج ‪--‬وانب أخ ‪--‬رى كث ‪--‬رية‪ ،‬مث ‪--‬ل الوفي ‪--‬ات واالختالف يف‬
‫معدالهتا والصحة‪ ،‬ومعدل االصابة باملرض‪ ،‬فضًال عن جوانب تكوين السكان مبا يف ذلك التكوين العمري ودرج‪--‬ة‬
‫التجانس أو عدم التجانس يف السكان من أنواع العرف واجلنس والثقافة والدين ‪ -‬ويضاف إىل ذلك أيضًا ج‪--‬وانب‬
‫توزي‪--‬ع الس‪--‬كان االقليمي‪ ،‬واحلض‪--‬ري وال‪--‬ريفي والعواص‪--‬م وغ‪--‬ري العواص‪--‬م‪ .‬وي‪--‬دخل بالض‪--‬رورة ض‪--‬من توزي‪--‬ع الس‪--‬كان‪،‬‬
‫عملي ‪--‬ات اهلج ‪--‬رة الدولي ‪--‬ة والداخلي ‪--‬ة‪ ،‬مبا يف ذل ‪--‬ك خص ‪--‬ائص امله ‪--‬اجرين الواف ‪--‬دين و)الن ‪--‬ازحني) ونت ‪--‬ائج اهلج ‪--‬رة على‬
‫املوطن األصلي وعلى املناطق اليت يقصدوهنا يف هجرهتم (‪.)1‬‬

‫وهن‪--‬اك أيض‪ً-‬ا نوعي‪--‬ة الس‪--‬كان كمحص‪--‬لة لك‪--‬ل املوروث‪--‬ات االجتماعي‪--‬ة والتكويني‪--‬ة‪ ،‬وأث‪--‬ر عملي‪--‬ات التنش‪--‬ئة االجتماعي‪--‬ة‪،‬‬
‫وعوام ‪--‬ل التعليم واكتس‪--‬اب امله‪--‬ارات خاص ‪--‬ة يف نوعي‪--‬ة الس‪--‬كان‪ .‬ويض ‪--‬م ه ‪--‬ذا التص ‪--‬ور للس‪--‬كان بالض ‪--‬رورة موض ‪--‬وعًا‬
‫أوسع يتعل‪-‬ق باس‪-‬تثمار املوارد البش‪-‬رية وتك‪-‬وين رأس املال البش‪-‬ري‪ ،‬وباإلض‪-‬افة إىل ج‪-‬انب آخ‪-‬ر ج‪-‬وهري يف الس‪-‬كان‬
‫يتعل‪-‬ق ب‪-‬القوة العامل‪-‬ة واملش‪-‬اركة الفارق‪-‬ة للعناص‪-‬ر املتباين‪-‬ة من الس‪-‬كان يف الق‪-‬وة العامل‪-‬ة‪ ،‬وخباص‪-‬ة مش‪-‬اركة النس‪-‬اء‪....‬‬
‫ولق ‪--‬د ح ‪--‬رص الب ‪--‬احثون على اس ‪--‬تخدام ه ‪--‬ذا التص ‪--‬ور األوس ‪--‬ع للس ‪--‬كان‪ ،‬ألهنم وج ‪--‬دوا أن ك ‪--‬ل واح ‪--‬د من ج ‪--‬وانب‬
‫السكان السابقة يرتبط بالتنمية س‪-‬واء كعام‪-‬ل مع‪-‬وق أو معج‪-‬ل هلا‪ ،‬وأن‪-‬ه غالب‪ً-‬ا م‪-‬ا تع‪-‬رب التغ‪-‬ريات يف ه‪-‬ذه اجلوانب من‬
‫السكان‪ ،‬على األق‪-‬ل جزئي‪ً-‬ا‪ ،‬عن مؤش‪-‬رات التق‪-‬دم أو الت‪-‬أخر يف مس‪-‬تويات التنمي‪-‬ة(‪ .)2‬وملا كن‪-‬ا ق‪-‬د س‪-‬بق لن‪-‬ا أن عاجلن‪-‬ا‬

‫)(‪1‬‬
‫‪P. M. Hauser, Op. Cit., P. 23.‬‬
‫)(‪2‬‬
‫‪Ibid, p, 45.‬‬

‫‪252‬‬
‫الكث‪--‬ري من ج‪--‬وانب الس‪--‬كان الس‪--‬ابق اإلش‪--‬ارة إليه‪--‬ا وخباص‪--‬ة حجم الس‪--‬كان ومنوهم وتك‪--‬وينهم وت‪--‬وزيعهم وغريه‪--‬ا من‬
‫جوانب ينطوي عليها هذا التصور الشامل للسكان (‪ .)1‬آثرنا أن نكتفي هبذا القدر يف تناول مفهوم السكان‪.‬‬

‫مفهوم التنمية‬ ‫‪)2‬‬

‫وإذا حاولن ‪--‬ا أن نوض ‪--‬ح م ‪--‬ا ال ‪--‬ذي ك ‪--‬ان يقص ‪--‬ده الب ‪--‬احثون مبفه ‪--‬وم التنمي ‪--‬ة عن ‪--‬د دراس ‪--‬تهم ملس ‪--‬ألة العالق‪--‬ة بني الس ‪--‬كان‬
‫والتنمي ‪--‬ة فاملالح ‪--‬ظ أن ‪--‬ه ق ‪--‬د ط ‪--‬رأ تط ‪--‬ور على اس ‪--‬تخدامهم هلذا املفه ‪--‬وم ذل ‪--‬ك ألن ‪--‬ه ك ‪--‬ان هن ‪--‬اك مي ‪--‬ل مبك ‪--‬ر بني ه ‪--‬ؤالء‬
‫الب ‪--‬احثني وك ‪--‬ذلك بني رج ‪--‬ال االدارة احلكومي ‪--‬ة‪ ،‬مبا فيهم املخطط ‪--‬ون إىل اس ‪--‬تخدام بعض املؤش ‪--‬رات ال ‪--‬يت ميكن هبا‬
‫الدالل ‪--‬ة على فك‪-- -‬ر التنمي‪-- -‬ة‪ .‬فك‪-- -‬انوا يس‪-- -‬تخدمون إمجايل الن‪-- -‬اتج الق‪-- -‬ومي‪ )G.N.P( .‬إو إمجايل االنت‪-- -‬اج الوط ‪--‬ين أو‬
‫العائلي (‪ )G. D. P‬أو حىت كانوا يستخدمون بعض مقاييس الدخل لكل فرد ‪ .Per Capita‬وكانت فكرهتم‬
‫عن التنمي‪--‬ة ال‪--‬يت دلل‪--‬وا عليه‪--‬ا هبذه املؤش‪--‬رات أو املق‪--‬اييس أن‪--‬ه جمرد تنمي‪--‬ة اقتص‪--‬ادية ولكن س‪--‬رعان م‪--‬ا أدرك الب‪--‬احثون‬
‫وتزاي ‪--‬د االع ‪--‬رتاف بينهم‪ ،‬ب ‪--‬أن مث ‪--‬ل ه ‪--‬ذه املؤش ‪--‬رات ليس ‪--‬ت إال مؤش ‪--‬رات مبس ‪--‬طة ب ‪--‬ل ح ‪--‬ىت مض ‪--‬للة يف تص ‪--‬ور فك ‪--‬رة‬
‫التنمية‪ ،‬وخاصة بعدما أص‪-‬بح من الواض‪-‬ح وبش‪-‬كل متزاي‪-‬د أن التنمي‪-‬ة تنط‪-‬وي على ج‪-‬وانب اجتماعي‪-‬ة ب‪-‬املعىن األوس‪-‬ع‬
‫هلذه الكلم ‪--‬ة‪ .‬واحلقيق ‪--‬ة أن التنمي ‪--‬ة تش ‪--‬تمل بالض ‪--‬رورة على ك ‪--‬ل ج ‪--‬وانب اجملتم ‪--‬ع وثقافت ‪--‬ه‪ .‬ولق ‪--‬د اس ‪--‬تجاب الب ‪--‬احثون‬
‫وغ ‪--‬ريهم من هيئ ‪--‬ات حملي ‪--‬ة وعاملي ‪--‬ة هلذا التغ ‪--‬ري يف تص ‪--‬ور مفه ‪--‬وم التنمي ‪--‬ة‪ ،‬وختط ‪--‬وا هبذا م ‪--‬ا وراء مؤش ‪--‬ر إمجايل النت ‪--‬اج‬
‫القومي لكل فرد‪ ،‬وأجروا قياسات أكثر داللة وقيمة‪ ،‬وساهم معهد حبوث األمم املتحدة للتنمية االجتماعية يف ه‪--‬ذا‬
‫اجلهد‪ .‬وقدم قائمة من مثانية عشر مؤشرًا للتنمي‪-‬ة االجتماعي‪-‬ة واالقتص‪-‬ادية‪ ،‬فض‪ً-‬ال عن دلي‪-‬ل ت‪-‬أليفي وحي‪-‬د للتنمي‪-‬ة ق‪-‬د‬
‫استند يف تصميمه على هذه القائمة(‪ .)2‬إشارة إىل برنامج األمم املتحدة اإلمنائي‪.‬‬

‫ولكن ليس ه‪-‬ذا ه‪-‬و اجملال املناس‪-‬ب الس‪-‬تعراض أو ح‪-‬ىت تلخيص ال‪-‬رتاث املت‪-‬وفر ح‪-‬ول تص‪-‬ور التنمي‪-‬ة وقياس‪-‬ها‪ ،‬واملهم‬
‫أن ن ‪--‬درك أن ‪--‬ه ك ‪--‬ان من الض ‪--‬رورة أن ن ‪--‬دخل يف االعتب ‪--‬ار عن ‪--‬د تص ‪--‬ورنا لفك ‪--‬رة التنمي ‪--‬ة عوام ‪--‬ل أخ ‪--‬رى غ ‪--‬ري العام ‪--‬ل‬
‫االقتصادي‪ ،‬حىت يساعد ذلك على توسيع فهمنا للعالقات املتبادلة بني السكان والتنمية‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬قضايا تفسير العالقات المتبادلة بين السكان والتنمية‬

‫‪ )(1‬الفصل األول من الكتاب الحالي‪.‬‬


‫)(‪2‬‬
‫‪Ibid, p, 23.‬‬

‫‪253‬‬
‫ولق‪--‬د ت‪--‬رتب على االهتم‪--‬ام املتزاي‪--‬د بدراس‪--‬ة العالق‪--‬ات املتبادل‪--‬ة بني الس‪--‬كان والتنمي‪--‬ة خالل العش‪--‬ر س‪--‬نوات الس‪--‬ابقة‪،‬‬
‫كم‪-‬ا أش‪-‬رنا س‪-‬لفًا‪ ،‬ظه‪--‬ور ع‪--‬دد كب‪-‬ري من القض‪--‬ايا االفرتاض‪--‬ية والعام‪--‬ة وال‪-‬يت تفي‪-‬د يف جمال فهم وتفس‪-‬ري ه‪--‬ذه العالق‪-‬ات‬
‫بني الس‪-‬كان والتنمي‪-‬ة‪ ،‬األم‪-‬ر ال‪-‬ذي عكس على حنو أو آخ‪-‬ر ذل‪-‬ك التض‪-‬ارب وع‪-‬دم االختالف يف ال‪-‬راي بني الب‪-‬احثني‬
‫يف ه‪--‬ذا الص‪--‬دد‪ ،‬على النح‪--‬و ال‪--‬ذي أش‪--‬رنا إلي‪--‬ه من قب‪--‬ل أيض ‪ً-‬ا‪ .‬ولكن ه‪--‬ذا مل يق‪--‬ف ح‪--‬ائال دون التوص‪--‬ل إىل تص‪--‬نيف‬
‫يرتب هذه اجملموعة الكبرية واملتباينة من القضايا‪ ،‬وينظمها يف جمموعات‪ ،‬األوىل جمموعة القضايا اليت تركز على أث‪--‬ر‬
‫عملي ‪--‬ات التنمي ‪--‬ة االجتماعي ‪--‬ة واالقتص ‪--‬ادية على االجتاه ‪--‬ات الس ‪--‬كانية‪ ،‬والث ‪--‬اين جمموع ‪--‬ة القض ‪--‬ايا ال ‪--‬يت ترك ‪--‬ز على أث ‪--‬ر‬
‫االجتاهات السكانية على عمليات التنمية االجتماعية واالقتصادية‪ .‬وتقتضي أهداف الفهم والتوضيح أن نتناول ك‪-‬ل‬
‫جمموعة من هذه القضايا على النحو التايل‪:‬‬

‫‪ -1‬أثر عمليات التنمية االجتماعية واالقتصادية على االتجاهات السكانية‬

‫والواق‪-‬ع أن جمموع‪-‬ة القض‪-‬ايا ال‪-‬يت ترك‪-‬ز على أث‪-‬ر عملي‪-‬ات التنمي‪-‬ة االجتماعي‪-‬ة واالقتص‪-‬ادية على االجتاه‪-‬ات الس‪-‬كانية‪،‬‬
‫ترتبط بنظرية التحول الدميوجرايف اليت تفرتض أن هناك ثالث‪-‬ة أمناط س‪-‬كانية أساس‪-‬ية مير هبا ك‪-‬ل جمتم‪-‬ع‪ ،‬مها اخلص‪--‬وبة‬
‫والوفي‪--‬ات العالي‪--‬ة‪ ،‬واخلص‪--‬وبة العالي‪--‬ة مث منط الوفي‪--‬ات املنخفض‪--‬ة واخلص‪--‬وبة املنخفض‪--‬ة‪ ،‬وان ك‪--‬ل منط من‪--‬ه يتوق‪--‬ف على‬
‫مستوى معني للتنمية االجتماعية واالقتصادية اليت متر هبا البالد وأنه يف ضوء الشواهد التارخيية للمجتمع‪-‬ات املتقدم‪-‬ة‬
‫يف الغ ‪--‬رب‪ ،‬ق ‪--‬د ثبتت ص ‪--‬حة ه ‪--‬ذه االفرتاض ‪--‬ات (‪ ،)1‬وك ‪--‬ذلك من املتوق ‪--‬ع ح ‪--‬دوث عملي ‪--‬ات مماثل ‪--‬ة بالنس ‪--‬بة للس ‪--‬كان‬
‫والتنمية يف البالد النامية(‪.)2‬‬

‫أثر عمليات التنمية االجتماعية واالقتصادية على االتجاهات السكانية في البالد المتقدمة‬ ‫ا‪.‬‬

‫تش‪-‬ري الس‪-‬جالت التارخيي‪-‬ة املت‪-‬وفرة عن بالد أوروب‪-‬ا الغربي‪-‬ة إىل أن مع‪-‬دالت املوالي‪-‬د والوفي‪-‬ات يف أواخ‪-‬ر الق‪-‬رن الث‪-‬امن‬
‫عشر وأوائل القرن التاسع عشر كانت معدالت عالية نسبيًا ت‪-‬رتاوح م‪-‬ا بني ‪ 40 - 35‬يف األل‪-‬ف وذل‪-‬ك مبع‪-‬دل منو‬
‫سكاين س‪-‬نوي ال يزي‪-‬د على ‪ ،% - .5‬ولق‪-‬د س‪-‬اهم تن‪-‬اقص الغل‪-‬ة املس‪-‬تمر ونقص الغ‪-‬ذاء‪ ،‬وانتش‪-‬ار األوبئ‪-‬ة واحلروب‬
‫والص‪--‬راعات الداخلي‪--‬ة‪ ،‬باعتباره‪--‬ا مؤش‪--‬رات على ظ‪--‬روف التنمي‪--‬ة يف ه‪--‬ذه البالد‪ ،‬يف وج‪--‬ود ه‪--‬ذا االجتاه ال‪--‬دميوجرايف‬
‫ومنط اخلصوبة والوفيات املرتفعان‪.‬‬
‫‪ )(1‬راجع ‪ ،‬أحمد خليفي ‪ ،‬السياسات السكانية والتحول الديموجرافي في العالم الثالث ‪ ،‬دراسة نموذج الجزائر ‪ ،‬رسالة ماجستير غير منشورة كلية‬
‫اآلداب جامعة اإلسكندرية ‪1991 ،‬م‪.‬‬
‫)(‪2‬‬
‫‪U. N. Secretary General, Op. Cit., p. 50.‬‬

‫‪254‬‬
‫مث ح ‪--‬دث اخنف ‪--‬اض ت ‪--‬درجيي يف مع ‪--‬دل الوفي ‪--‬ات‪ ،‬ومل يط ‪--‬را على اخلص ‪--‬وبة أي اخنف ‪--‬اض لبعض ال ‪--‬وقت‪ ،‬وح ‪--‬ىت عن ‪--‬دما‬
‫ح‪--‬دث اخنف‪--‬اض يف اخلص‪--‬وبة‪ ،‬فإن‪--‬ه مل يكن بق‪--‬در مس‪--‬او ل‪--‬ذلك ال‪--‬ذي ح‪--‬دث يف مع‪--‬دل الوفي‪--‬ات وذل‪--‬ك خالل العق‪--‬د‬
‫الثالث واألخري من القرن التاسع عشر‪ ،‬وكانت النتيجة زي‪-‬ادة عام‪--‬ة يف منو الس‪-‬كان بلغت ‪ %1‬أو أك‪-‬ثر وهي زي‪-‬ادة‬
‫غري مسبوقة باملقارنة مبعدالت النمو املستمر واليت كانت معروفة سابقًا‪.‬‬

‫ومع مرور الوقت ح‪-‬دث اخنف‪-‬اض يف اخلص‪-‬وبة‪ ،‬حيث ب‪-‬دأت مع‪-‬دالت املوالي‪-‬د يف اهلب‪-‬وط وك‪-‬انت مع‪-‬دالت النم‪-‬و يف‬
‫البداي ‪--‬ة ثابت ‪--‬ة‪ ،‬مث أخ ‪--‬ذت يف االخنف ‪--‬اض بع ‪--‬د ذل ‪--‬ك‪ ،‬وه ‪--‬ذا يع ‪--‬ين اكتم ‪--‬ال دائ ‪--‬رة التح ‪--‬ول ال ‪--‬دميوجرايف والوص ‪--‬ول إىل‬
‫مس‪-- -‬تويات للخص‪-- -‬وبة والوفي‪-- -‬ات منخفض‪-- -‬ة‪ ،‬وال‪-- -‬يت أص‪-- -‬بحت متيز اجملتم‪-- -‬ع احلديث(‪ .)1‬ولق‪-- -‬د ح‪-- -‬دث التغ‪-- -‬ري يف ه‪-- -‬ذه‬
‫االجتاهات السكانية كمحصلة لعمليات التحديث املبكرة وبدأ عملية التصنيع وظهور منوذج جديد لألسرة الصغرية‬
‫وانتشار منط الزواج األورويب‪ ،‬الذي مر بتطور من تأجيل سن الزواج حىت بعد منتصف العشرين من العم‪--‬ر أو فيم‪--‬ا‬
‫بع‪--‬ده‪ ،‬وظه‪--‬ور ح‪--‬االت التعنس ‪ Spimster hood‬الدائم‪--‬ة والكث‪--‬رية ال‪--‬يت ح‪--‬افظت على م‪--‬ا يزي‪--‬د من ‪ %50‬من‬
‫النس ‪--‬اء يف س ‪--‬ن احلم ‪--‬ل دون التع ‪--‬رض ملخ ‪--‬اطر اخلص ‪--‬وبة‪ ،‬وتط ‪--‬ور إىل منط ال ‪--‬زواج الغ ‪--‬ريب األورويب ال ‪--‬ذي اعتم ‪--‬د على‬
‫التحكم يف اخلصوبة باستخدام خمتلف األساليب املتاحة يف ضبط النسل ومنع احلمل‪.‬‬

‫وتؤك ‪--‬د الش ‪--‬واهد الس ‪--‬ابقة أن ‪--‬ه ك ‪--‬انت هن ‪--‬اك عالق ‪--‬ة وثيق ‪--‬ة وال ت ‪--‬زال بني التغ ‪--‬ري ال ‪--‬دميوجرايف وبني التنمي ‪--‬ة االجتماعي ‪--‬ة‬
‫واالقتص‪-- -‬ادية من خالل عملي‪-- -‬ة التح‪-- -‬ديث‪ .‬كم‪-- -‬ا تؤك‪-- -‬د اخلربة التارخيي‪-- -‬ة أن العالق‪-- -‬ات بني التغ‪-- -‬ري ال‪-- -‬دميوجرايف وبني‬
‫عملي‪-‬ات التنمي‪-‬ة الزراعي‪-‬ة ك‪-‬انت دائم‪ً-‬ا عالق‪-‬ات وثيق‪-‬ة‪ .‬ومل ت‪-‬ؤثر الث‪-‬ورة الص‪-‬ناعية والث‪-‬ورة الزراعي‪-‬ة ال‪-‬يت ك‪-‬انت جانب‪ً-‬ا‬
‫مكمًال هلا‪ ،‬فقط وبعمق يف نظم اإلنتاج وإمنا أثرت أساسًا يف التغري والتطور الدميوجرايف وسامهت ه‪--‬ذه التغ‪--‬ريات يف‬
‫تغ‪--‬ري البن‪--‬اء االجتم‪--‬اعي برمت‪--‬ه‪ ،‬مبا يف ذل‪--‬ك أمناط االجناب الس‪--‬كاين وغريه‪--‬ا من عملي‪--‬ات وأبني‪--‬ة دميوجرافي‪--‬ة‪ .‬إذ أت‪--‬اح‬
‫النمو االقتصادي احلديث خاصة‪ ،‬الفرصة أما حدوث اخنفاض كبري يف معدالت الوفيات‪ ،‬وزي‪--‬ادة دافعي‪--‬ة ومتطلب‪--‬ات‬
‫االخنفاض يف معدالت املواليد وانتشار منط األسرة النووية الصغرية(‪.)2‬‬

‫فلقد متيز تاريخ التنمية االجتماعي‪-‬ة واالقتص‪-‬ادية بس‪-‬مات دائم‪-‬ة وحمددة أدت إىل ح‪-‬دوث التح‪-‬ول ال‪-‬دميوجرايف‪ ،‬ومن‬
‫بني أكثره‪--‬ا أمهي‪--‬ة تي‪--‬ار االخرتاع‪--‬ات واالبتك‪--‬ارات ال‪--‬يت أح‪--‬دثت ث‪--‬ورة يف العملي‪--‬ات اإلنتاجي‪--‬ة‪ ،‬مث الزي‪--‬ادة املص‪--‬احبة يف‬

‫)(‪1‬‬
‫‪Ibid, p, 49.‬‬
‫)(‪2‬‬
‫‪Ibid, p, 50-51.‬‬

‫‪255‬‬
‫التعليم وتق ‪--‬دم املعرف ‪--‬ة الطبي ‪--‬ة وتطبيقاهتا‪ ،‬والتحس ‪--‬ينات يف جمال التطعيم وإج ‪--‬راءات الص ‪--‬حة العام ‪--‬ة‪ ،‬وظ ‪--‬روف العم ‪--‬ل‬
‫األفضل‪ ،‬واملقدرة املتزايدة على ختزين ونقل الغذاء وغريها من السلع والزيادة يف دخل األسرة‪ ،‬وما ي‪-‬رتتب علي‪-‬ه من‬
‫اخنفاض يف معدالت الوفيات يف كل اجلماعات العمرية‪ ،‬وخباصة ح‪-‬ديثي ال‪-‬والدة‪ .‬وم‪-‬ا ت‪-‬رتب علي‪-‬ه ب‪-‬دوره من زي‪-‬ادة‬
‫يف توق ‪--‬ع احلي ‪--‬اة وهك ‪--‬ذا نظ ‪--‬ر إىل التح ‪--‬ول إىل املس ‪--‬تويات املنخفض ‪--‬ة يف ك ‪--‬ل من اخلص ‪--‬وبة والوفي ‪--‬ات باعتب ‪--‬اره ج ‪--‬زءًا‬
‫مكمًال للتحول يف التنظيم االجتماعي واالقتصادي الذي عادة ما يشار إليه على أنه حتديث (‪.)1‬‬

‫اثر عمليات التنمية االجتماعية واالقتصادية على االتجاهات السكانية في البالد النامية‬ ‫ب‪.‬‬

‫واملتوق‪-‬ع طبق‪ً-‬ا لنظري‪-‬ة التح‪-‬ول ال‪-‬دميوجرايف أن حتدث يف البالد النامي‪-‬ة مراح‪-‬ل وأمناط س‪-‬كانية مماثل‪-‬ة لتل‪-‬ك ال‪-‬يت وقعت‬
‫يف البالد املتقدم‪--‬ة‪ .‬فلق‪--‬د ب‪--‬دات البالد النامي‪--‬ة بزي‪--‬ادة س‪--‬ريعة يف س‪--‬كاهنا خالل الس‪--‬نوات ال‪--‬يت تلت احلرب‪ ،‬وذل‪--‬ك من‬
‫خالل االخنف‪--‬اض املنح‪--‬در للوفي‪--‬ات وبق‪--‬اء اخلص‪--‬وبة ثابت‪--‬ة دون تغ‪--‬ري تقريب ‪ً-‬ا أو مل تنخفض اخلص‪--‬وبة قليًال أو ب‪--‬املرة يف‬
‫العق ‪--‬ود املذكورة‪ .‬وتع ‪--‬د املع ‪--‬دالت احلالي ‪--‬ة لنم ‪--‬و الس ‪--‬كان يف البالد النامي ‪--‬ة أعلى بكث ‪--‬ري من مثيالهتا ال ‪--‬يت ل ‪--‬وحظت يف‬
‫البالد املتقدم‪--‬ة وعن‪--‬دما ك‪--‬ان منو الس‪--‬كان يف ه‪--‬ذه البالد س‪--‬ريعًا ومتعجًال‪ .‬فبينم‪--‬ا بل‪--‬غ مع‪--‬دل املوالي‪--‬د يف البالد النامي‪--‬ة‬
‫‪ 44‬يف األلف تقريبًا‪ ،‬كان معدل املواليد يف البالد املتقدمة ‪ 35‬يف األلف تقريبًا أو أقل‪.‬‬

‫وهناك شواهد تدل على أن معدالت املواليد يف عدد من البالد النامي‪-‬ة (‪ 14‬دول‪-‬ة على األق‪-‬ل) ق‪-‬د اخنفض‪--‬ت‪ ،‬وذل‪-‬ك‬
‫حبلول عام ‪1960‬م‪ .‬كما أن هن‪-‬اك مؤش‪-‬رات ت‪-‬دل على أن هن‪-‬اك بداي‪-‬ة يف اخنف‪-‬اض اخلص‪-‬وبة يف بالد مث‪-‬ل س‪-‬ريالنكا‬
‫واهلن ‪--‬د‪ .‬ويعتق ‪--‬د الكث ‪--‬ري من ال ‪--‬دميوجرافيني أن التح ‪--‬ول يف اخلص ‪--‬وبة أم ‪--‬ر ك ‪--‬ان وش ‪--‬يك الوق ‪--‬وع يف بالد نامي ‪--‬ة أخ ‪--‬رى‪،‬‬
‫وذل‪--‬ك بن‪--‬اء على نت‪--‬ائج جمموع‪--‬ة املس‪--‬وح ال‪--‬يت درس‪--‬ت االجتاه‪--‬ات حنو حجم األس‪--‬رة وممارس‪--‬ة تنظيم األس‪--‬رة‪ ،‬ويتوق‪--‬ع‬
‫ال ‪--‬دميوجرافيون أن ‪--‬ه كلم ‪--‬ا اخنفض ‪--‬ت مع ‪--‬دالت الوفي ‪--‬ات بس ‪--‬رعة يف البالد النامي ‪--‬ة‪ ،‬فإن ‪--‬ه يف اللحظ ‪--‬ة ال ‪--‬يت ب ‪--‬دأت فيه ‪--‬ا‬
‫اخلص ‪--‬وبة يف االخنف ‪--‬اض فإن ‪--‬ه ق ‪--‬د ح ‪--‬دث بس ‪--‬رعة أك ‪--‬رب عم ‪--‬ا الحظن ‪--‬اه يف البالد املتقدم ‪--‬ة‪ ،‬وه ‪--‬ذا يش ‪--‬ري إىل أن التح ‪--‬ول‬
‫ال‪--‬دميوجرايف يف البالد النامي‪--‬ة ق‪--‬د يأخ‪--‬ذ دورت‪--‬ه يف ف‪--‬رتة قص‪--‬رية عنه‪--‬ا يف البالد املتقدم‪--‬ة‪ .‬ولكن املؤك‪--‬د أن‪--‬ه ق‪--‬د ح‪--‬دث‬
‫اخنفاض من‪-‬دفع يف مع‪-‬دالت الوفي‪-‬ات يف البالد النامي‪-‬ة يف العق‪-‬ود احلديث‪-‬ة‪ ،‬حيث اخنفض‪-‬ت مع‪-‬دالت الوفي‪-‬ات من ‪29‬‬

‫)(‪1‬‬
‫‪Ibid, p, 51.‬‬

‫‪256‬‬
‫‪ 34 -‬يف األل‪-- - - -‬ف تقريبي ‪ً- - - -‬ا يف ع‪-- - - -‬ام ‪1939‬م ‪1935 -‬م ووص‪-- - - -‬ل إىل ‪ 16‬يف األل‪-- - - -‬ف يف األع‪-- - - -‬وام ‪1975‬م –‬
‫‪1970‬م(‪.)1‬‬

‫وتؤكد النتائج السابقة أن ما توقعت‪-‬ه نظري‪-‬ة التح‪-‬ول ال‪-‬دميوجرايف بالنس‪-‬بة لألمناط الس‪-‬كانية يف البالد النامي‪-‬ة من حيث‬
‫األمناط الس‪--‬كانية مل يكن أوًال مماثًال ملا ح‪--‬دث يف البالد املتقدم‪--‬ة وثاني ‪ً-‬ا مل يس‪--‬ري حس‪--‬ب املراح‪--‬ل ال‪--‬يت تص‪--‬ورهتا ه‪--‬ذه‬
‫النظرية‪ .‬ذلك ألن معدالت النمو السكاين يف البالد النامية ك‪--‬انت أعلى بكث‪--‬ري من مثيالهتا يف البالد املتقدم‪--‬ة‪ ،‬وك‪--‬ان‬
‫مع‪--‬دل املوالي‪--‬د يف البالد النامي‪--‬ة أك‪--‬رب من مثيل‪--‬ه يف ال‪--‬دول املتقدم‪--‬ة‪ ،‬وظ‪--‬ل مع‪--‬دل اخلص‪--‬وبة ثابت‪ً-‬ا لف‪--‬رتة طويل‪--‬ة‪ ،‬وعن‪--‬دما‬
‫ب ‪--‬دأت يف االخنف ‪--‬اض فإن ‪--‬ه يتوق ‪--‬ع س ‪--‬ريها بس ‪--‬رعة أك ‪--‬رب عم ‪--‬ا الحظن ‪--‬اه يف البالد املتقدم ‪--‬ة‪ ،‬كم ‪--‬ا أن اخنف ‪--‬اض مع ‪--‬دالت‬
‫الوفي‪-‬ات يف البالد النامي‪-‬ة ك‪-‬ان من‪-‬دفعًا عن نظ‪-‬ريه يف البالد املتقدم‪-‬ة‪ .‬ه‪-‬ذا فض‪ً-‬ال عن أن دائ‪-‬رة التح‪-‬ول ال‪-‬دميوجرايف يف‬
‫البالد النامية مل تكتم‪-‬ل‪ ،‬ذل‪-‬ك ألن‪-‬ه إذا ك‪-‬انت هن‪-‬اك أمناط مرتفع‪-‬ة اللخص‪-‬وبة والوفي‪-‬ات يف البداي‪-‬ة‪ ،‬تاله‪-‬ا اخنف‪-‬اض يف‬
‫الوفي‪-‬ات وثب‪-‬ات أو تغ‪--‬ري طفي‪-‬ف يف املوالي‪-‬د‪ ،‬ومل تص‪--‬ل بع‪--‬د البالد النامي‪-‬ة إىل مس‪-‬تويات اخلص‪--‬وبة والوفي‪-‬ات املنخفض‪--‬ة‬
‫حسب ما تتوقعه نظرية التحول الدميوجرايف‪ ،‬األمر الذي يفسر جانب‪ً-‬ا من اهلوة بني البالد املتقدم‪--‬ة والنامي‪-‬ة ال‪-‬يت س‪-‬بق‬
‫أن أش‪-- - -‬رنا اليه‪-- - -‬ا‪ .‬أم‪-- - -‬ا اجلانب الث‪-- - -‬اين هلذه اهلوة فيمكن أن ن‪-- - -‬دلل علي‪-- - -‬ه من خالل مس‪-- - -‬تويات التنمي‪-- - -‬ة االجتماعي‪-- - -‬ة‬
‫واالقتص ‪--‬ادية ال ‪--‬يت ح ‪--‬دثت يف ه ‪--‬ذه البالد‪ ،‬وك ‪--‬انت مس ‪--‬ئولة إىل ح ‪--‬د م ‪--‬ا عن التح ‪--‬والت الدميوجرافي ‪--‬ة الس ‪--‬ابقة‪ .‬فمن‬
‫ناحي‪--‬ة ق‪--‬د اس‪--‬همت التحس‪--‬ينات يف ظ‪--‬روف احلي‪--‬اة العام‪--‬ة يف خفض مع‪--‬دالت الوفي‪--‬ات يف البالد النامي‪--‬ة‪ ،‬حيث أص‪--‬بح‬
‫فائض الغ‪-‬ذاء أك‪-‬ثر انتظام‪ً-‬ا وتأكي‪-‬دًا‪ ،‬وق‪-‬ل ح‪-‬دوث اجملاع‪-‬ات عم‪-‬ا ك‪-‬ان معت‪-‬ادًا واخنفض‪-‬ت الوفي‪-‬ات ك‪-‬ذلك من خالل‬
‫النج‪--‬اح امللح‪--‬وظ يف احلد من األم‪--‬راض الوبائي‪--‬ة بواس‪--‬طة إج‪--‬راءات الص‪--‬حة العام‪--‬ة‪ ،‬والتطعيم اإلجب‪--‬اري والتحس‪--‬ن يف‬
‫رعاية الطفولة واألمومة‪ .‬ولذلك كان التق‪-‬دم يف املعرف‪-‬ة التكنولوجي‪-‬ة املطبق‪-‬ة يف مي‪-‬ادين الطب والص‪-‬حة العام‪-‬ة‪ ،‬ك‪-‬ان‬
‫مس ‪--‬ئوًال إىل ح ‪--‬د كب ‪--‬ري عن االخنف ‪--‬اض يف مع ‪--‬دل الوفي ‪--‬ات‪ ،‬ذل ‪--‬ك االخنف ‪--‬اض يف مع ‪--‬دالت الوفي ‪--‬ات ال ‪--‬ذي يعت ‪--‬رب أك ‪--‬ثر‬
‫وض ‪--‬وحًا وانتظام ‪--‬امن التحس ‪--‬ينات االقتص ‪--‬ادية احملددة يف ظ ‪--‬روف املعيش ‪--‬ة يف البالد النامي ‪--‬ة وال ‪--‬يت تعتق ‪--‬د أن التح ‪--‬ديث‬
‫املس‪--‬تمر هلا ق‪--‬د حيم‪--‬ل يف طيات‪--‬ه ب‪--‬ذور اخنف‪--‬اض اخلص‪--‬وبة‪ ،‬نتيج‪--‬ة الحنس‪--‬ار منط األس‪--‬رة املمت‪--‬دة والتح‪--‬ول إىل ن‪--‬وع من‬
‫العالق ‪--‬ات االجتماعي ‪--‬ة يعم ‪--‬ل على احلافز حنو تك ‪--‬وين األس ‪--‬رة النووي ‪--‬ة الص ‪--‬غرية نس ‪--‬بيًا‪ .‬ومن بني املص ‪--‬احبات للنم ‪--‬و‬
‫االقتص ‪--‬ادي احلديث ال ‪--‬ذي بدأت ‪--‬ه البالد النامي ‪--‬ة‪ ،‬وال ‪--‬ذي ك ‪--‬ان مس ‪--‬ئوًال عن بداي ‪--‬ة االخنف ‪--‬اض يف اخلص ‪--‬وبة على النح ‪--‬و‬

‫)(‪1‬‬
‫‪Ibid, p, 52.‬‬

‫‪257‬‬
‫املش‪--‬ار إلي ‪--‬ه س ‪--‬ابقًا‪ ،‬ميكن أن ن ‪--‬ذكر إدخ ‪--‬ال والتوس ‪--‬ع يف االبتك ‪--‬ارات العلمي ‪--‬ة واملعرفي ‪--‬ة يف عملي ‪--‬ة اإلنت ‪--‬اج وتنظيمه ‪--‬ا‪،‬‬
‫وزي ‪--‬ادة حجم املش ‪--‬روعات والتح ‪--‬ول يف اإلنت ‪--‬اج جتاه أوج ‪--‬ه النش ‪--‬اط غ ‪--‬ري الزراعي ‪--‬ة‪ ،‬وحتول الس ‪--‬كان من الري ‪--‬ف إىل‬
‫املناطق احلضرية (‪ )1‬ويتوقع مع هذا التحول االقتصادي احلديث والتغ‪-‬ريات البنائي‪-‬ة املص‪-‬احبة لن‪-‬وع من احلراك املك‪-‬اين‬
‫وامله‪--‬ين املتزاي‪--‬د من جي‪--‬ل إىل ال‪--‬ذي يلي‪--‬ه‪ ،‬وانتق‪--‬ال النش‪--‬اطات االقتص‪--‬ادية من األس‪--‬رة إىل املش‪--‬روعات العام‪--‬ة وكب‪--‬رية‬
‫احلجم‪ ،‬ويستلزم التحديث االقتصادي زيادة حادة يف املتطلبات التعليمية واملهارية‪ ،‬والواقع أن ه‪-‬ذه الق‪-‬وى ميكن أن‬
‫تس‪--‬هم يف خل‪--‬ق ظ‪--‬روف واجتاه‪--‬ات ودواف‪--‬ع حيتم‪--‬ل معه‪--‬ا أن حيدث اخنف‪--‬اض يف اخلص‪--‬وبة‪ .‬ولكن إذا اخنفض‪--‬ت وفي‪--‬ات‬
‫األطفال واملواليد الرض‪-‬ع على النح‪-‬و ال‪-‬ذي ح‪-‬دث يف البالد النامي‪-‬ة‪ ،‬وبينم‪-‬ا ظلت اخلص‪-‬وبة ثابت‪-‬ة أو غ‪-‬ري متغ‪-‬رية أو يف‬
‫اجتاهه‪-‬ا حنو التغ‪-‬ري‪ ،‬ف‪-‬إن الع‪-‬دد املتزاي‪-‬د لألطف‪-‬ال الب‪-‬اقني على قي‪-‬د احلي‪-‬اة س‪-‬وف ميارس ض‪-‬غطًا قوي‪ً-‬ا على م‪-‬وارد األس‪-‬رة‬
‫وجيع‪--‬ل حجم االس‪--‬رة املتزاي‪--‬د يف ذات‪--‬ه مبثاب‪--‬ة ض‪--‬غط اقتص‪--‬ادي على م‪--‬وارد اجملتم‪--‬ع ال‪--‬ذي يع‪--‬اين من ن‪--‬درة ه‪--‬ذه املوارد‬
‫اص‪ً- -‬ال‪ .‬ذل ‪--‬ك ألن تطل ‪--‬ع اآلب ‪--‬اء لتوف ‪--‬ري حي ‪--‬اة أفض ‪--‬ل ألطف ‪--‬اهلم‪ ،‬مبا يف ذل ‪--‬ك التعليم املناس ‪--‬ب‪ ،‬واملس ‪--‬تويات العالي ‪--‬ة يف‬
‫املعيشة‪ ،‬يزيد من التكاليف وملا كانت املستويات االقتصادية ومدخرات البالد النامية ككل‪ ،‬أقل من مثيل‪--‬ه يف البالد‬
‫املتقدم ‪--‬ة (‪ ،)2‬ح ‪--‬دث اجلانب اآلخ ‪--‬ر من اهلوة بني الن ‪--‬وعني من البالد‪ ،‬وت ‪--‬ركت أثره ‪--‬ا على االمناط الس ‪--‬كانية وظلت‬
‫معها معدالت اخلصوبة والنمو السكاين عند مستويات عالية‪.‬‬

‫مناقشة‬

‫وإذا جاز لنا أن نتوقف ملناقشة القضايا املفسرة للعالقة ما بني الس‪-‬كان والتنمي‪-‬ة يف ض‪-‬وء جمموع‪-‬ة اآلراء ال‪-‬يت أخ‪-‬ذت‬
‫ترك‪--‬ز على أث‪--‬ر التنمي‪--‬ة على الس‪--‬كان وال‪--‬يت اس‪--‬تندت يف جمموعه‪--‬ا إىل نظري‪--‬ة التح‪--‬ول ال‪--‬دميوجرايف على النح‪--‬و ال‪--‬ذي‬
‫أوضحناه س‪-‬لفًا‪ .‬ف‪-‬الواقع أن‪-‬ه ق‪-‬د ت‪-‬وافرت حتت ي‪-‬دنا من الش‪-‬واهد م‪-‬ا يف‪-‬رض علين‪-‬ا إع‪-‬ادة النظ‪-‬ر فيم‪-‬ا ج‪-‬اءت ب‪-‬ه نظري‪-‬ة‬
‫التحول الدميوجرايف من قضايا‪ .‬ذلك النه مثًال إذا كانت هذه النظرية تتصور ان األمناط الس‪--‬كانية متر مبراح‪--‬ل حمددة‬
‫تكون فيها اخلصوبة والوفيات عالية‪ ،‬مث تقل الوفيات‪ ،‬وبعد ذلك تنخفض اخلصوبة فإن هناك م‪--‬ا ي‪--‬دل على ح‪--‬دوث‬
‫اخنفاض يف معدالت اخلصوبة‪ ،‬قبل حدوث االخنفاض يف معدل الوفي‪-‬ات‪ ،‬وه‪--‬ذا م‪--‬ا تؤك‪-‬ده الش‪-‬واهد ال‪-‬يت مجعت عن‬
‫اخلص‪--‬وبة والوفي‪-‬ات يف ك‪-‬ل من فرنس‪-‬ا واملاني‪-‬ا خالل الق‪-‬رن التاس‪-‬ع عش‪-‬ر (‪ .)3‬وإذا ك‪-‬انت نظري‪-‬ة التح‪-‬ول ال‪-‬دميوجرايف‬

‫)(‪1‬‬
‫‪Ibid, p, 50-57.‬‬
‫)(‪2‬‬
‫‪Ibid, p, 52-54.‬‬
‫)(‪3‬‬
‫‪Ibid, p, 50.‬‬

‫‪258‬‬
‫قد رتبت هذه املراحل يف األمناط السكانية على مس‪-‬تويات التنمي‪-‬ة االجتماعي‪-‬ة واالقتص‪-‬ادية‪ ،‬واعتق‪-‬دت أن التح‪-‬ديث‬
‫ي‪--‬رتتب علي‪--‬ه اخنف‪--‬اض يف اخلص‪--‬وبة والوفي‪--‬ات‪ ،‬ف‪--‬إن هن‪--‬اك بعض البالد ال‪--‬يت ظه‪--‬ر فيه‪--‬ا اخنف‪--‬اض يف مع‪--‬دل املوالي‪--‬د قب‪--‬ل‬
‫دخوهلا مرحلة التحديث كما أن االخنفاض يف اخلصوبة ق‪-‬د ح‪-‬دث أساس‪ً-‬ا نتيج‪-‬ة الس‪-‬تخدام أس‪-‬اليب ش‪-‬عبية‪ ،‬وب‪-‬دون‬
‫معرف‪--‬ة لألس‪--‬اليب احلديث‪--‬ة او ب‪--‬رامج تنظيم األس‪--‬رة‪ ،‬األم‪--‬ر ال‪--‬ذي يؤك‪--‬د أن نش‪--‬ر املعلوم‪--‬ات ح‪--‬ول وس‪--‬ائل من‪--‬ع احلم‪--‬ل‬
‫وتوف ‪--‬ري أس ‪--‬اليبه ك ‪--‬ان هلا ت ‪--‬أثري حمدود للغاي ‪--‬ة على اخلص ‪--‬وبة وهك ‪--‬ذا يكش ‪--‬ف لن ‪--‬ا ج ‪--‬انب من اخلربة بواق ‪--‬ع اجملتمع ‪--‬ات‬
‫املتقدم‪--‬ة عن ن‪--‬وع من االختالف‪--‬ات م‪--‬ع م‪--‬ا ج‪--‬اءت ب‪--‬ه نظري‪--‬ة التح‪--‬ول ال‪--‬دميوجرايف‪ ،‬األم‪--‬ر ال‪--‬ذي أث‪--‬ار تس‪--‬اؤًال م‪--‬ؤداه‪،‬‬
‫ماهي درجة التح‪-‬ديث الض‪-‬رورية إلح‪-‬داث اخنف‪-‬اض يف اخلص‪-‬وبة؟ ذل‪-‬ك الس‪-‬ؤال ال‪-‬ذي مل تتمكن النظري‪-‬ة من اإلجاب‪-‬ة‬
‫علي‪--‬ه‪ .‬كم‪--‬ا إن اختالف واق‪--‬ع اجملتمع‪--‬ات النامي‪--‬ة من حيث أمناط الس‪--‬كان ومع‪--‬دالت اخلص‪--‬وبة والوفي‪--‬ات‪ ،‬ومن حيث‬
‫مس‪-‬تويات التنمي‪-‬ة وتأثريه‪-‬ا على االجتاه‪-‬ات الدميوجرافي‪-‬ة‪ ،‬على النح‪-‬و املش‪-‬ار إلي‪-‬ه س‪-‬ابقًا‪ ،‬اختالف‪ً-‬ا عن م‪-‬ا ك‪-‬انت ه‪-‬ذه‬
‫النظرية قد توقعته بالنس‪-‬بة ل‪-‬دول الع‪-‬امل الن‪-‬امي يث‪-‬ري تس‪-‬اؤًال آخ‪-‬ر م‪-‬ؤداه م‪-‬ا ال‪-‬ذي ميكن أن نستخلص‪-‬ه من القض‪-‬ايا ال‪-‬يت‬
‫اهتمت ببيان أثر التنمية على السكان؟‪ .‬ولعل ما يعرب عن‪-‬ه ال‪-‬راي القائ‪-‬ل الض‪-‬رورة أن تك‪-‬ون السياس‪-‬ات ال‪-‬يت وض‪-‬عت‬
‫للت‪--‬أثري يف اجتاه‪--‬ات الس‪--‬كان ج‪--‬زءًا مكمًال إلس‪--‬رتاتيجية التنمي‪--‬ة العام‪--‬ة‪ ،‬وإن‪--‬ه ال ميكن التخطي‪--‬ط للتنمي‪--‬ة ب‪--‬دون االعتب‪--‬ار‬
‫ال‪-- -‬واجب للعوام‪-- -‬ل الدميوجرافي‪-- -‬ة وحماول‪-- -‬ة الت‪-- -‬أثري فيه‪-- -‬ا‪ ،‬أو أن‪-- -‬ه من الض‪-- -‬روري اجلم‪-- -‬ع بني التغ‪-- -‬ري الس‪-- -‬كاين والتق‪-- -‬دم‬
‫االجتماعي واالقتصادي‪ ،‬مبعىن أن السياسات الس‪-‬كانية ينبغي أن تت‪-‬داخل م‪-‬ع ب‪-‬رامج التنمي‪-‬ة االجتماعي‪-‬ة واالقتص‪-‬ادية‬
‫وال ميكن أن يكون واحد منها بديًال لآلخر‪ .‬فالسياسات السكانية يف حد ذاهتا ال حتل مشكالت التنمي‪-‬ة وإمنا ميكن‬
‫لالث‪-‬نني مع‪ً-‬ا املس‪-‬امهة يف تق‪--‬دمي ه‪--‬ذه احلل‪-‬ول‪ .‬ولع‪--‬ل يف ه‪--‬ذه اآلراء م‪--‬ا ميكن أن يفي‪-‬د يف إث‪-‬راء فهمن‪-‬ا للعالق‪-‬ات املتبادل‪-‬ة‬
‫بني السكان والتنمية‪ ،‬ويف ترشيد خربة العامل الثالث يف هذا الصدد‪.‬‬

‫‪ -2‬أثر االتجاهات السكانية على برامج التنمية االجتماعية واالقتصادية‬

‫والوق‪--‬ع أن جمموع‪--‬ة القض‪--‬ايا ال‪--‬يت ترك‪--‬ز على أث‪--‬ر االجتاه‪--‬ات الس‪--‬كانية على عملي‪--‬ات التنمي‪--‬ة االجتماعي‪--‬ة واالقتص‪--‬ادية‪،‬‬
‫تنطلق من تصور يسلم بالدور املزدوج لإلنسان باعتباره عامًال أساسيًا وهدفًا هنائيًا للتغ‪--‬ري االجتم‪-‬اعي واالقتص‪--‬ادي‪.‬‬
‫وأن الس ‪--‬كان ي ‪--‬ؤثرون أساس‪ً- -‬ا من خالل ه ‪--‬ذا ال ‪--‬دور املزدوج أوًال باعتب ‪--‬ارهم منتجني وثاني‪ً- -‬ا باعتب ‪--‬ارهم مس ‪--‬تهلكني‬
‫ويؤثرون يف العوامل االجتماعية واالقتصادية‪ .‬وق‪-‬د انقس‪-‬م العلم‪-‬اء والب‪-‬احثون إزاء ه‪--‬ذا التص‪--‬ور إىل جمموع‪--‬تني األوىل‬
‫تأخ‪--‬ذ ب‪--‬الرأي القائ‪--‬ل ب‪--‬أن االجتاه‪--‬ات الس‪--‬كانية وخباص‪--‬ة مع‪--‬دالت املوالي‪--‬د والنم‪--‬و املتزاي‪--‬د للس‪--‬كان س‪--‬وف تس‪--‬اهم يف‬
‫‪259‬‬
‫ت‪--‬دهور أو جتمي‪--‬د التنمي‪--‬ة االجتماعي‪--‬ة واالقتص‪--‬ادية أو ق‪--‬د تع‪--‬وق التح‪--‬ول ال‪--‬دميوجرايف االجتم‪--‬اعي‪ .‬ب‪--‬ل أحيان‪ً-‬ا م‪--‬ا ك‪--‬ان‬
‫بعضهم يصرح بأن النمو السكاين السريع قد خيلق دائرة مفرغة من الفقر ومنو السكان(‪.)1‬‬

‫وك‪--‬انت ه‪--‬ذه اجملموع‪--‬ة األوىل من الب‪--‬احثني تنطل‪--‬ق يف ه‪--‬ذا الص‪--‬دد من الفك‪--‬ر التقلي‪--‬دي املتعل‪--‬ق بالس‪--‬كان وال‪--‬ذي ك‪--‬ان‬
‫يعين لدرجة كبرية حبجم السكان يف عالقتها مبا يعرف باسم املوارد وأن ما جتود به الطبيع‪--‬ة من أفض‪--‬ال مث‪--‬ل األرض‬
‫واملاء واملعادن ورمبا املناخ‪ ،‬تتاح يف حدود معينة للسكان الذين يستطيعون الس‪-‬يطرة عليه‪-‬ا‪ .‬ول‪-‬ذلك ك‪-‬انوا يؤك‪-‬دون‬
‫األمهية احلامسة ملوارد األرض يف عالقتها بالسكان‪ ،‬وذهبوا إىل أن النم‪-‬و الس‪-‬كاين املس‪-‬تمر ي‪-‬ؤدي إىل ض‪-‬غوط متزاي‪-‬دة‬
‫على األرض ويصل يف النهاية إىل حالة من الكساد االقتصادي وإىل جمموعة سكانية تعيش على الكفاف(‪.)2‬‬

‫وتأخ‪--‬ذ اجملموع‪--‬ة الثاني‪--‬ة ب‪--‬الرأي القائ‪--‬ل ب‪--‬أن ك‪--‬ل مس‪--‬توى ع‪--‬ال للتنمي‪--‬ة االجتماعي‪--‬ة (مبا يف ذل‪--‬ك التنمي‪--‬ة االقتص‪--‬ادية)‬
‫يتطلب حجمًا أكرب من السكان‪ ،‬وأن الشواهد التارخيية تؤكد لنا أن عوامل احلجم العددي الصغرية ونقص الكثاف‪--‬ة‬
‫السكانية قد أسهمت يف إعاقة التقدم طاملا كان االنسال السكاين يعترب مبثابة مطلب ج‪--‬وهري الوج‪--‬ود اجملتم‪--‬ع‪ ،‬ومن‬
‫مث يعترب أيضًا أساسًا يف تنميته(‪ .)3‬وكان أصحاب هذا الرأي ال يؤكدون على الطبيعة يف ذاهتا وإمنا انصب تأكي‪--‬دهم‬
‫على اجلهود اإلنسانية يف توفري املوارد من خالل وس‪-‬يلتني أساس‪-‬يتني إذ جتع‪-‬ل التكنولوجي‪-‬ا مبعناه‪-‬ا الواس‪-‬ع من املمكن‬
‫االس‪-‬تفادة من البيئ‪-‬ة الطبيعي‪-‬ة‪ ،‬فك‪-‬ان من الص‪-‬عب اس‪-‬تخراج الرواس‪-‬ب املعدني‪-‬ة مث‪-‬ل الب‪-‬رتول مثًال باعتباره‪-‬ا أنواع‪ً-‬ا من‬
‫املوارد الطبيعي‪--‬ة‪ ،‬إال بع‪--‬د ت‪--‬وافر املعرف‪--‬ة العلمي‪--‬ة والفني‪--‬ة ال‪--‬يت س‪--‬اعدت على حتدي‪--‬د أماكنه‪--‬ا‪ ،‬وتنظيم االس‪--‬تفادة منه‪--‬ا‪،‬‬
‫يص ‪--‬دق نفس الش ‪--‬يء على الرتب ‪--‬ة ال ‪--‬يت ال ميكن اس ‪--‬تزراعها إال إذا وج ‪--‬دت احملاص ‪--‬يل املناس ‪--‬بة‪ ،‬وهبذه الطريق ‪--‬ة تس ‪--‬هم‬
‫التحس‪--‬ينات التكنولوجي‪--‬ة فعًال يف وج‪--‬ود املوارد االقتص‪--‬ادية‪ .‬كم‪--‬ا أن هن‪--‬اك وس‪--‬يلة اخ‪--‬رى لتوف‪--‬ري املوارد‪ ،‬وذل‪--‬ك من‬
‫خالل إقامة املباين والطرق وتوفري املع‪-‬دات واألجه‪-‬زة‪ ،‬أو من خالل توف‪-‬ري رأس املال الط‪-‬بيعي وتنمي‪-‬ة املوارد البش‪-‬رية‬
‫ذاهتا‪ .‬كم ‪--‬ا أن التنمي ‪--‬ة التكنولوجي ‪--‬ة كمح ‪--‬رك اول للتغ ‪--‬ري االقتص ‪--‬ادي تتطلب حبوث وجتارب حتت ‪--‬اج إىل راس املال‬
‫البش‪--‬ري املدرب‪ .‬وهك‪--‬ذا ي‪--‬ؤثر التح‪--‬ول من النظ‪--‬ر إىل املوارد باعتباره‪--‬ا أح‪--‬د هب‪--‬ات الطبيع‪--‬ة إىل النظ‪--‬ر إليه‪--‬ا باعتباره‪--‬ا‬
‫مبثابة تك‪-‬وين رأس م‪-‬ايل وبش‪-‬ري ي‪-‬ؤثر يف إدراك العالق‪-‬ة بني الس‪-‬كان والتنمي‪-‬ة ويزي‪-‬ده نض‪-‬وجًا واكتم‪-‬اًال (‪)4‬وتقل‪-‬ل من‬

‫)(‪1‬‬
‫‪Ibid, p, 54.‬‬
‫)(‪2‬‬
‫‪Ibid, p, 45.‬‬
‫)(‪3‬‬
‫م‪Z - pay Lik, The Infiunce of population changes on socio - in, international Population conference, Mixico, 1977‬‬
‫‪, p. 505.‬م‪UIESP, Belgigve, Vol. 1977‬‬
‫)(‪4‬‬
‫‪U. N. Secretary General, Op. cit., p. 505‬‬

‫‪260‬‬
‫املبالغ‪--‬ة يف تق‪--‬دير النت‪--‬ائج املتباين‪--‬ة للحجم والكثاف‪--‬ة ومنو الس‪--‬كان على التنمي‪--‬ة ال‪--‬يت نظ‪--‬ر إليه‪--‬ا على أهنا تس‪--‬ري يف خ‪--‬ط‬
‫واحد‪ .‬النه يعترب األخذ بالنظرة املنفصلة أو املنعزلة حلجم السكان أم‪-‬رًا جيانب‪-‬ه الص‪-‬واب‪ ،‬كم‪-‬ا يعت‪-‬رب املبالغ‪-‬ة يف تق‪-‬دير‬
‫النت ‪--‬ائج الس ‪--‬لبية احلجم الس ‪--‬كان بالنس ‪--‬بة للعملي ‪--‬ات االجتماعي ‪--‬ة واالقتص ‪--‬ادية تث ‪--‬ري الص ‪--‬خب ب ‪--‬دون داع‪ .‬ذل ‪--‬ك ألن‬
‫القض ‪--‬ايا ال ‪--‬يت ت ‪--‬دعو لص ‪--‬احل احلد من منو الس ‪--‬كان إىل احلجم األص ‪--‬غر للس ‪--‬كان‪ ،‬ذات طبيع ‪--‬ة ايكولوجي ‪--‬ة‪ ،‬ألهنا تعت ‪--‬رب‬
‫السكان مستغلني كلية للموارد اليت ال ميكن تعويض‪-‬ها ومفس‪-‬دين للبيئ‪-‬ة ومس‪-‬تغلني للرتب‪-‬ة‪ ،‬ولكن ه‪-‬ذا الق‪-‬ول ميي‪-‬ل إىل‬
‫جتاهل احلقيقة اليت مفادها أن السكان هم أيضًا محاة هذه الرتبة ال‪-‬يت ق‪-‬اموا باس‪-‬تثمارها من خالل م‪-‬ا ب‪-‬ذلوه من جه‪-‬د‬
‫وعم ‪--‬ل فيه ‪--‬ا ع ‪--‬رب األجي ‪--‬ال‪ ،‬بطريق ‪--‬ة جتعلهم مس ‪--‬تثمرين وخالقني للقيم االقتص ‪--‬ادية واملادي ‪--‬ة ال ‪--‬يت ت ‪--‬زين حياتن ‪--‬ا وأهنم‬
‫يع‪--‬دون مبثاب‪-‬ة أح‪-‬د واهم العوام‪--‬ل املمكن‪-‬ة للتنمي‪-‬ة يف املس‪-‬تقبل‪ .‬والواق‪-‬ع أن‪-‬ه كلم‪-‬ا ك‪-‬ان النس‪-‬ق كب‪-‬ريًا من حيث احلجم‬
‫الع‪--‬ددي‪ ،‬كلم‪--‬ا ك‪--‬انت الظ‪--‬روف أفض‪--‬ل أم‪--‬ام تنمي‪--‬ة االقتص‪--‬ادية إلن‪--‬ه يقل‪--‬ل من اعتم‪--‬اده على املس‪--‬اعدات اخلارجي‪--‬ة من‬
‫أجل التنمية (‪.)1‬‬

‫مناقشة‬

‫وإذا كانت اآلراء السابقة والتصورات فيما يتعلق مبسالة العالق‪-‬ة بني الس‪-‬كان والتنمي‪-‬ة‪ ،‬ترك‪-‬ز على أث‪-‬ر الس‪-‬كان على‬
‫التنمي ‪--‬ة‪ ،‬ف ‪--‬إن بعض ‪--‬ها ال ‪--‬ذي يتص ‪--‬ور أن ه ‪--‬ذا الت ‪--‬أثري يس ‪--‬ري يف اجتاه واح ‪--‬د من الس ‪--‬كان إىل التنمي ‪--‬ة وبالت ‪--‬ايل يتوق ‪--‬ع أن‬
‫السكان ميكن أن يكون معوقًا للتنمية‪ ،‬ويدعو إىل ضرورة احلد من الزيادة السكانية باتباع األساليب املتاح‪-‬ة يف ه‪-‬ذا‬
‫الصدد‪.‬‬

‫ف ‪--‬إن البعض اآلخ ‪--‬ر من ه ‪--‬ذه اآلراء يتص ‪--‬ور أن الت ‪--‬أثري يع ‪--‬د نت ‪--‬اج او حمص ‪--‬لة لش ‪--‬بكة معق ‪--‬دة من العالق ‪--‬ات بني حجم‬
‫الس ‪--‬كان والنم ‪--‬و والتك ‪--‬وين والتوزي ‪--‬ع من ناحي ‪--‬ة وبني املتغ ‪--‬ريات االجتماعي ‪--‬ة واالقتص ‪--‬ادية العدي ‪--‬دة ووثيق ‪--‬ة الص ‪--‬لة من‬
‫ناحي‪--‬ة أخ‪--‬رى‪ .‬وي‪--‬دعو إىل زي‪--‬ادة الس‪--‬كان باعتب‪--‬ارهم أس‪--‬اس وج‪--‬ود اجملتم‪--‬ع‪ ،‬ودعام‪--‬ة جوهري‪--‬ة لتنميت‪--‬ه‪ ،‬ويؤك‪--‬د أمهي‪--‬ة‬
‫اجلهود اإلنسانية يف التحول التكنولوجي كمحرك اول للتغري االقتصادي وتوفري رأس املال الطبيعي‪ ،‬وض‪--‬رورة تنمي‪--‬ة‬
‫املوارد البش‪--‬رية ذاهتا‪ ،‬على النح‪--‬و ال‪--‬ذي يتس‪--‬ق م‪--‬ع النتيج‪--‬ة ال‪--‬يت خلص‪--‬نا إليه‪--‬ا من حتلين‪--‬ا للقض‪--‬ايا ال‪--‬يت ك‪--‬انت تع‪--‬اجل أث‪--‬ر‬
‫التنمية االجتماعية واالقتصادية على االجتاهات الس‪-‬كانية‪ ،‬وال‪-‬يت مؤداه‪--‬ا أن من الض‪--‬روري أن تك‪-‬ون السياس‪-‬ات ال‪-‬يت‬
‫وض‪-‬عت للت‪-‬أثري يف اجتاه‪-‬ات الس‪-‬كان ج‪-‬زءًا مكمًال لإلس‪-‬رتاتيجية العام‪-‬ة للتنمي‪-‬ة‪ ،‬وإن‪-‬ه من الض‪-‬روري اجلم‪-‬ع بني التغ‪-‬ري‬
‫)(‪1‬‬
‫‪Z. Pavlik, op. cit., pp. 506 - 507.‬‬

‫‪261‬‬
‫السكاين والتقدم االجتماعي واالقتصادي‪ ،‬إذ بإمكان االثنني معًا اإلسهام يف ح‪--‬ل املش‪--‬كالت املطروح‪--‬ة‪ ،‬وبالت‪--‬ايل يف‬
‫ترشيد خربة العامل الثالث يف هذا الصدد‪ .‬وتطوير فهمنا للعالقات املتبادلة بني السكان والتنمية‪.‬‬

‫الفصل الثاني عشر‬

‫بناء السكان وديناميات التنمية‬


‫تمهيد‬

‫اهتم الفصل السابق مبعاجلة العالقات املتداخلة بني السكان والتنمية بوجه عام‪ ،‬وحرص على تناول عوام‪--‬ل اإلهتم‪--‬ام‬
‫هبذه املس‪-‬ألة‪ ،‬واملفهوم‪--‬ات ال‪-‬يت مت اإلس‪-‬تعانة هبا يف تص‪--‬ور متغ‪--‬ريات الس‪-‬كان والتنمي‪-‬ة‪ ،‬والقض‪--‬ايا ال‪-‬يت آثاره‪--‬ا الب‪-‬احثون‬

‫‪262‬‬
‫يف ه‪--‬ذا الص‪--‬دد‪ ،‬وانتهت التحليالت ال‪--‬يت تنط‪--‬وي عليه‪--‬ا ه‪--‬ذا الفص‪--‬ل إىل ع‪--‬دد من النت‪--‬ائج اهلام‪--‬ة‪ ،‬ال‪--‬يت تؤك‪--‬د الطبيع‪--‬ة‬
‫اجلدلي‪--‬ة والتفاعلي‪--‬ة بني الس‪--‬كان والتنمي‪--‬ة‪ ،‬وان ك‪--‬ل ج‪--‬انب منه‪--‬ا ينط‪--‬وي على ج‪--‬وانب متباين‪--‬ة‪ ،‬ت‪--‬ؤثر وتت‪--‬أثر ببعض‪--‬ها‬
‫اآلخر‪ ،‬وأنه من اخلطا القول بأن التأثري بينهما يسري يف خط واحد‪ ،‬غري أن‪--‬ه ميكن جتنب املش‪--‬كالت املرتتب‪--‬ة على ك‪--‬ل‬
‫متغ ‪--‬ري منه ‪--‬ا‪ ،‬من خالل أخ ‪--‬ذمها مع ‪--‬ا يف االعتب ‪--‬ار دون اهتم ‪--‬ام جبانب منهم ‪--‬ا على حس ‪--‬اب اآلخ ‪--‬ر‪ ،‬ومن مث ميكن أن‬
‫ت‪--‬زول املخ‪--‬اوف املعلن‪--‬ة من زي‪--‬ادة منو الس‪--‬كان واعتباره‪--‬ا معوق‪--‬ة للتنمي‪--‬ة‪ ،‬وتتأك‪--‬د األمهي‪--‬ة ال‪--‬يت تعل‪--‬ق على الس‪--‬كان من‬
‫حيث حجمهم وتك ‪--‬وينهم وت ‪--‬وزيعهم يف دف ‪--‬ع عجل‪--‬ة التنمي ‪--‬ة‪ ،‬وحياول الفص ‪--‬ل احلايل تعم ‪--‬ق ج ‪--‬انب ه ‪--‬ام من ج ‪--‬وانب‬
‫السكان وهو اما اصطلحنا على تسميته ببناء السكان باعتباره ينط‪-‬وي على عناص‪-‬ر بنائي‪-‬ة فرعي‪-‬ة مث‪-‬ل حجم الس‪-‬كان‬
‫وتكوينهم العمري واإلقامي يف الريف واحلضر وتباينهم‪ ،‬وتكوينهم امله‪-‬ين ومش‪-‬اركتهم يف الق‪-‬وة العامل‪-‬ة ومس‪-‬تويات‬
‫اس‪--‬تخدامهم وعط‪--‬التهم وذل‪--‬ك هبدف بي‪--‬ان العالق‪--‬ات املتبادل‪--‬ة واملتفاعل‪--‬ة بني ه‪--‬ذه العناص‪--‬ر البنائي‪--‬ة يف الس‪--‬كان وبني‬
‫عملي ‪--‬ات التنمي ‪--‬ة االجتماعي ‪--‬ة واالقتص ‪--‬ادية‪ ،‬ل ‪--‬نرى كي ‪--‬ف ميكن أن نص ‪--‬ل إىل نت ‪--‬ائج أخ ‪--‬رى ت ‪--‬دعم أو ختالف جمموع ‪--‬ة‬
‫النتائج اليت توصلنا إليها يف الفصل السابق‪ ،‬حول مسألة العالقة بني السكان والتنمية بوجه عام‪.‬‬

‫أوال‪ :‬حجم السكان في العالم‬

‫يفرض علينا طبيعة املوضوع الذي نتناوله ونوعية املسألة اليت نعاجله‪-‬ا وهي مس‪-‬ألة العالق‪-‬ة بني الس‪-‬كان والتنمي‪-‬ة هن‪-‬ا‪،‬‬
‫مس‪--‬توى التحلي‪--‬ل ال‪--‬ذي جيب أن نل‪--‬تزم ب‪--‬ه‪ ،‬ولع‪--‬ل حتلي‪--‬ل ه‪--‬ذه املس‪--‬ألة على املس‪--‬توى الع‪--‬املى يع‪--‬د أم‪--‬را مالئم‪--‬ا منهجي‪--‬ا‪،‬‬
‫طاملا ك‪--‬ان هن‪--‬اك إع‪--‬رتاف ب‪--‬أن متغ‪--‬ريات الس‪--‬كان ختتل‪--‬ف بني جمموع‪--‬تني من بالد الع‪--‬امل أنقس‪--‬متا على ه‪--‬ذا النح‪--‬و يف‬
‫ض‪--‬وء مس‪--‬توى التنمي‪--‬ة ال‪--‬يت وص‪--‬لت إليه‪--‬ا‪ ،‬إىل جمتمع‪--‬ات الع‪--‬امل املتقدم‪--‬ة وجمتمع‪--‬ات الع‪--‬امل الن‪--‬امي‪ ،‬ول‪--‬ذلك ف‪--‬إن حتليلن‪--‬ا‬
‫ملسألة العالقة بني السكان والتنمية‪ ،‬وملختلف جوانب بناء السكان أو حىت تغريه‪ ،‬سيلتزم هبذا املس‪--‬توى‪ ،‬وحياول أن‬
‫جيرى مقارانت‪--‬ه املتغ‪--‬ريات الس‪--‬كان والتنمي‪--‬ة بني جمتمع‪--‬ات الع‪--‬امل املتق‪--‬دم من ناحي‪--‬ة وجمتمع‪--‬ات الع‪--‬امل الن‪--‬امي من ناحي‪--‬ة‬
‫أخ‪--‬رى‪ ،‬ولع‪--‬ل أول م‪--‬ا يص‪--‬ادفنا وحنن ننظ‪--‬ر إىل ج‪--‬انب بن‪--‬اء الس‪--‬كان‪ ،‬وم‪--‬ا ي‪--‬دخل ح‪--‬ول عن‪--‬وان حجم الس‪--‬كان‪ ،‬وه‪--‬و‬
‫الع‪--‬دد ال‪--‬ذي وص‪--‬ل إلي‪--‬ه الس‪--‬كان يف أق‪--‬رب حلظ‪--‬ة زمني‪--‬ة أج‪--‬ريت هلا تق‪--‬ديرات أو تع‪--‬دادات يعتم‪--‬د عليه‪--‬ا‪ ،‬حيث بل‪--‬غ‬
‫إمجايل س‪-‬كان الع‪--‬امل حس‪-‬ب تق‪--‬دير ع‪--‬ام ‪1970‬م «‪ »3,600‬ملي‪-‬ون نس‪-‬مة‪ ،‬منهم «‪ »1,100‬ملي‪-‬ون تقريب‪-‬ا يف البالد‬
‫املتقدم‪--‬ة و«‪ »2,500‬ملي‪--‬ون تقريب‪ً-‬ا يف البالد النامي‪--‬ة‪ ،‬وه‪--‬ذا يع‪--‬ين أن نس‪--‬بة حجم الس‪--‬كان يف البالد املتقدم‪--‬ة إىل نس‪--‬بة‬

‫‪263‬‬
‫حجم الس ‪--‬كان يف البالد النامي ‪--‬ة هي ‪ % 75:25‬أو ‪ ،)1(3/1‬ومل يص ‪--‬ل ع ‪--‬دد س ‪--‬كان الع ‪--‬امل بطبيع ‪--‬ة احلال إىل ه ‪--‬ذه‬
‫احلجم مرة واحدة وإمنا مر بتغريات خمتلفة‪ ،‬سنعود إليها عند تناولنا ملوضوع منو السكان فيما بعد‪.‬‬

‫واملهم ان ك‪--‬ان ه‪--‬ذا الع‪--‬امل ميث‪--‬ل ح‪--‬يزا حمدودا وال ميكن أن يس‪--‬توعب مث‪--‬ل ه‪--‬ذا الع‪--‬دد اإلس‪--‬تحال بل‪--‬وغ الس‪--‬كان ه‪--‬ذا‬
‫العدد الذي وصل إليه ويدل ثانيا على أن هناك اختالفا وتباينًا واضحا بني البالد املتقدمة والبالد املتخلفة‪ ،‬يتمثل يف‬
‫ضآلة حجم السكان يف البالد املتقدمة باملقارنة بالبالد املتخلفة األمر الذي ساهم بدوره يف اهلوة امللحوظة واملتزايدة‬
‫بني الن‪--‬وعني من البالد‪ ،‬ويف مقاب‪--‬ل ه‪--‬ذا احلجم املتف‪--‬اوت لس‪--‬كان الع‪--‬ام‪ ،‬ك‪--‬ان هن‪--‬اك مس‪--‬تويات متباين‪--‬ة للمعيش‪--‬ة بني‬
‫البالد املتقدم ‪--‬ة والنامي ‪--‬ة‪ ،‬اذ ق ‪--‬در مس ‪--‬توى املعيش ‪--‬ة (م ‪--‬ع بداي ‪--‬ة ه ‪--‬ذا الق ‪--‬رن) ويف البالد النامي ‪--‬ة ان ‪--‬ه يس ‪--‬اوي ‪ 5/1‬من‬
‫مس‪--‬توى املعيش‪--‬ة على البالد املتقدم‪--‬ة ولق‪--‬د اتس‪--‬ع ه‪--‬ذا الف‪--‬ارق م‪--‬ع حل‪--‬ول ع‪--‬ام ‪1970‬م إىل درج‪--‬ة بل‪--‬غ فيه‪--‬ا مس‪--‬توى‬
‫املعيشة يف البالد املتقدم‪-‬ة ض‪-‬عف نظ‪-‬ريه يف البالد النامي‪-‬ة مبا يس‪-‬اوي (‪ )14‬م‪-‬رة‪ .‬وح‪-‬ىت عن‪-‬دما ق‪-‬ام جملس التنمي‪-‬ة فيم‪-‬ا‬
‫وراء البحار حديثا جدا بتحليل البيانات املقارنة والحظ انه خالل الفرتة ما بني ‪1960‬م و‪1973‬م‪ ،‬برغم ال‪--‬ربامج‬
‫املختلفة املتخصصة املساعدة البالد النامية من أجل رفع مستوى املعيشة هبا‪ ،‬من خالل برامج األمم املتحدة وهيئاهتا‬
‫املتخصص‪--‬ة وب‪--‬رامج املس‪--‬اعدة الفني‪--‬ة املتباين‪--‬ة العام‪--‬ة واخلاص‪--‬ة‪ ،‬فلق‪--‬د زادت اهلوة بني البالد املتقدم‪--‬ة والنامي‪--‬ة بش‪--‬كل ل‪--‬ه‬
‫داللته‪ ،‬فمنذ عام ‪1960‬م وحىت ع‪--‬ام ‪1973‬م اخنفض‪--‬ت نس‪-‬بة إمجايل الن‪-‬اتج الق‪--‬ومي يف البالد النامي‪-‬ة من ‪%19‬إىل‬
‫‪ %17‬وتناقصت نسبة العائد من التص‪-‬دير الع‪-‬املي يف ه‪-‬ذه البالد من ‪ % 21‬إىل ‪ ،% 18‬واخنفض‪-‬ت نس‪-‬بة اإلنف‪-‬اق‬
‫على التعليم العام يف نفس هذه البالد من ‪ % 15‬إىل ‪ ،%11‬وك‪-‬ذلك هب‪-‬ط إمجايل اإلنف‪-‬اق على الص‪-‬حة العام‪-‬ة من‬
‫‪ % 11‬إىل ‪ %6‬بينما ارتفع معدل اإلنفاق العسكري وعلى حنو مزعج وسافر من ‪ % 9‬إىل ‪.)2( % 13‬‬

‫يف ض‪--‬وء ه‪--‬ذه اهلوة املتزاي‪--‬د يف حجم الس‪--‬كان ويف مس‪--‬تويات املعيش‪--‬ة بني البالد املتقدم‪--‬ة والنامي‪--‬ة‪ ،‬تع‪--‬الت الص‪--‬يحات‬
‫من أج‪-‬ل البحث عن حل‪-‬ول هلذا املوق‪-‬ف املتفج‪-‬ر وتبل‪-‬ورت يف جمموع‪--‬ة اس‪-‬رتاتيجيات بديل‪-‬ة س‪-‬نعود إىل احلديث عنه‪--‬ا‬
‫فيما بعد‪.‬‬

‫ثانيًا‪ :‬التكوين العمري وتباينه بين البالد المتقدمة والنامية‬

‫)(‪1‬‬
‫‪P. M. Hauser, op. cit. pp. 12 – 13.‬‬
‫)(‪2‬‬
‫‪Ibid, p, 26-27.‬‬

‫‪264‬‬
‫وطاملا كان حجم السكان ميث‪-‬ل ع‪-‬دد األف‪-‬راد يف حلظ‪-‬ة زمني‪-‬ة حمددة وأن ه‪-‬ؤالء األف‪-‬راد خيتلف‪-‬ون فيم‪-‬ا بينهم من حيث‬
‫األعم‪-‬ار إىل فئ‪-‬ات من هم أق‪-‬ل من س‪-‬ن العم‪-‬ل‪ ،‬مث فئ‪-‬ة من هم يف س‪-‬ن العم‪-‬ل مث من جتاوزوا س‪-‬ن العم‪-‬ل مثال‪ ،‬وك‪-‬ان‬
‫حجم السكان قد اختلف بني البالد املتقدم‪-‬ة والنامي‪-‬ة‪ ،‬ف‪-‬املتوقع أن يك‪-‬ون هن‪-‬اك اختالف فيم‪-‬ا بينهم من حيث فئ‪-‬ات‬
‫العمر أو التكوين العمري وبالتايل نتوقع اختالفا يف معدالت اإلعتمادية مث نتوقع نتائج متباين‪--‬ة على ب‪--‬رامج التنمي‪--‬ة يف‬
‫كل حالة‪.‬‬

‫فلق ‪--‬د لوح ‪--‬ظ أن نس ‪--‬بة الش ‪--‬باب يف البالد املتقدم ‪--‬ة منخفض ‪--‬ة أك ‪--‬ثر منه ‪--‬ا يف البالد النامي ‪--‬ة وه ‪--‬ذا يرج ‪--‬ع إىل اخلص ‪--‬وبة‬
‫املنخفضة أساسا يف البالد املتقدمة‪ ،‬كذلك ترتب على تناقص وفيات املواليد واألطفال يف البالد النامية‪ ،‬زيادة نس‪--‬بة‬
‫املعتمدين الصغار وذلك كلما كتب البقاء هلم‪.‬‬

‫فمع بقاء كل العوام‪-‬ل األخ‪-‬رى ثابت‪-‬ة‪ ،‬ف‪-‬إن الس‪-‬كان ال‪-‬ذين يض‪-‬مون نس‪-‬بة كب‪-‬رية من األش‪-‬خاص أق‪-‬ل أو أزي‪-‬د من س‪-‬ن‬
‫العم‪-‬ل‪ ،‬ق‪-‬د يص‪--‬لون إىل إنتاجي‪-‬ة أق‪-‬ل لك‪-‬ل ف‪-‬رد من الس‪-‬كان ال‪-‬ذين يض‪--‬مون نس‪-‬بة أص‪--‬غر من ه‪--‬ؤالء األش‪-‬خاص‪ .‬وه‪--‬ذا‬
‫يعين‪ ،‬أن جمموعة السكان األوىل مقارنة مبجموعة السكان األخرية لديها أفواه كثرية ويف حاجة إىل غذاء بالنس‪--‬بة ملا‬
‫ت‪--‬وافر ل‪--‬ديها من أي‪--‬دي للعم‪--‬ل‪ ،‬وب‪--‬رهن منوذج ‪ Coale‬على م ‪--‬ا ميكن إن يتحق ‪--‬ق من مكاس‪--‬ب نتيج‪--‬ة لتقلي‪--‬ل حال‪--‬ة‬
‫االعتماد من خالل خفض اخلصوبة‪.‬‬

‫وه‪--‬ذه النت‪--‬ائج ميكن توض‪--‬يحها من خالل اقتب‪--‬اس حس‪--‬اباته ح‪--‬ول مع‪--‬دالت االعتمادي‪--‬ة‪ ،‬مبع‪--‬ىن ع‪--‬دد األش‪--‬خاص ال‪--‬ذين‬
‫يقلون أو يزيدون على سن العمل(‪ .)1‬حسب ما يوضحه اجلدول التايل‪:‬‬

‫معدالت االعتمادية‬

‫الفترة الزمنية‬
‫‪150‬‬ ‫‪60‬‬ ‫‪30‬‬ ‫صفر‬
‫السكان‬
‫‪103.2‬‬ ‫‪97.4‬‬ ‫‪96.0‬‬ ‫‪87.5‬‬ ‫سكان ‪A‬‬
‫‪58.4‬‬ ‫‪56.4‬‬ ‫‪59.5‬‬ ‫‪87.5‬‬ ‫سكان ‪B‬‬

‫)(‪1‬‬
‫‪Ibid, p, 38.‬‬

‫‪265‬‬
‫ول‪--‬و ب‪--‬دأنا افرتاض ‪--‬نا بإمجايل نس‪--‬بة املعتم‪--‬دين (من الص ‪--‬غار والكب‪--‬ار) ومق ‪--‬دارها ‪ 87.3‬يف جمموع ‪--‬ة الس‪--‬كان ‪ ،A‬ف‪--‬إن‬
‫نسبة املعتمدين ستزيد خالل ‪ 30‬عاما‪ ،‬وتصل إىل ‪ ،96.0‬مع اخلصوبة الثابت‪--‬ة‪ ،‬بينم‪--‬ا ستص‪--‬ل إىل ‪ 59.5‬وتنخفض‬
‫إىل ح ‪--‬وايل ‪ % 32‬يف جمموع ‪--‬ة الس ‪--‬كان ‪ B‬ويف خالل ‪ 60‬عام ‪--‬ا تظ ‪--‬ل نس ‪--‬بة االعتم ‪--‬اد يف الس ‪--‬كان ‪ A‬عن ‪--‬د ح ‪--‬وايل‬
‫نفس املس ‪-- -‬توى (‪ )97‬ولكن ينخفض الس ‪-- -‬كان ‪ B‬أك ‪-- -‬ثر ويص‪-- - -‬لوا إىل ‪ 56.8‬ويش ‪-- -‬ري (ك ‪-- -‬ول) إىل إن الف ‪-- -‬روق يف‬
‫اإلعتمادية تصل إىل حد أقصى خالل حوايل ‪ 40‬سنة وتظل ثابتة بعد ذلك(‪.)1‬‬

‫ويش‪--‬كل الص‪--‬غار النس‪--‬بة الك‪--‬ربى من املعتم‪--‬دين يف نقط‪--‬ة الب‪--‬دء يف كلي اجملموع‪--‬تني من الس‪--‬كان (‪ )A, B‬أك‪--‬ثر من‬
‫الكبار‪ ،‬بالرغم من أن نسبة الكبار تزيد مع اخلصوبة املنخفضة يف جمموعة السكان ‪ .B‬ففي نقطة البداي‪--‬ة‪ .‬ويف كلى‬
‫اجملموع‪--‬تني من الس‪--‬كان (‪ )A, B‬تص‪--‬ل نس‪--‬بة األش‪--‬خاص من فئ‪--‬ة العم‪--‬ر أق‪--‬ل من ‪ 15‬إىل‪ %43‬وخالل ‪ 30‬عام ‪ً-‬ا‪،‬‬
‫على أية حال‪ ،‬وبينما يستمر األشخاص أقل من ‪ 15‬عام‪--‬ا يكون‪-‬ون ‪ %45.8‬من الس‪-‬كان ‪ A‬ف‪-‬إهنم يش‪-‬كلون فق‪--‬ط‬
‫‪ % 32.8‬من الس‪--‬كان ‪ ،B‬ويف خالل ‪ 60‬عام‪--‬ا‪ ،‬وعن‪--‬دما يش‪--‬كل املعتم‪--‬دون الص‪--‬غار ‪ % 46.8‬من الس‪--‬كان ‪،A‬‬
‫ف ‪--‬إهنم يتناقص ‪--‬ون إىل ح ‪--‬وايل ‪ %29‬فق ‪--‬ط يف الس ‪--‬كان ‪ ،B‬وال يزي ‪--‬د االخنف ‪--‬اض ذو الدالل ‪--‬ة يف املعتم ‪--‬دين الص ‪--‬غار يف‬
‫الس‪--‬كان ‪ B‬فق‪--‬ط من نص‪--‬يب الف‪--‬رد من النت‪--‬ائج كم‪--‬ا ق‪--‬د أش‪--‬رنا‪ ،‬وإمنا ي‪--‬ؤدي إىل مكاس‪--‬ب أخ‪--‬رى ممكن‪--‬ة اذا اخنفض‪--‬ت‬
‫اخلصوبة‪.‬‬

‫ومع تساوي كل الظروف األخرى‪ ،‬جتع‪--‬ل النس‪-‬بة املتناقص‪--‬ة من الص‪--‬غار من املمكن زي‪-‬ادة اس‪-‬تثمار املدخرات الن‪-‬ادرة‬
‫نس ‪--‬بيا يف البالد النامي ‪--‬ة وتوجيهه ‪--‬ا إىل قن ‪--‬وات إنتاجي ‪--‬ة وبأس ‪--‬لوب مباش ‪--‬ر أك ‪--‬ثر من توجيهه ‪--‬ا لالس ‪--‬تثمار االجتم ‪--‬اعي‬
‫الالزم لرتبية الصغار‪ ،‬ح‪-‬ىت ول‪-‬و أن مث‪-‬ل ه‪-‬ذه االس‪-‬تثمارات ق‪-‬د ينظ‪-‬ر إليه‪-‬ا باعتباره‪-‬ا اس‪-‬تثمارا يف رأس املال البش‪-‬ري‪،‬‬
‫وأكثر من ذل‪-‬ك وبني جمموع‪-‬ة أخ‪-‬رى من العوام‪-‬ل ميي‪-‬ل االخنف‪-‬اض يف نس‪-‬بة الص‪-‬غار إىل زي‪-‬ادة االس‪-‬تثمار املمكن لك‪-‬ل‬
‫طفل من أجل التعليم واكتساب املهارة وهو استثمار يف املوارد البشرية ضروري لتحسني نوعية السكان‪.‬‬

‫ويف النهاي‪--‬ة وكم‪--‬ا الح‪--‬ظ ك‪--‬ول‪ ،‬ميكن للبل‪--‬د ذات اخلص‪--‬وبة العالي‪--‬ة وبإنق‪--‬اص خص‪--‬وبتها‪ ،‬إن حتق‪--‬ق كس‪--‬با ض‪--‬خما يف‬
‫زيادة احملتمل من نصيب الفرد من املنتج فقط مرة‪ .‬واحدة‪ ،‬وميكن أن حيدث هذا نتيج‪--‬ة لالخنف‪--‬اض األويل يف مع‪--‬دل‬
‫املواليد‪ ،‬بينما تنخفض نسبة الصغار‪ ،‬فإن نسبة األشخاص يف عمر العم‪-‬ل ال تت‪-‬أثر‪ ،‬وه‪-‬ذا معن‪-‬اه‪ ،‬ان‪-‬ه إذا اعتربن‪-‬ا عم‪-‬ر‬
‫الدخول إىل القوة العاملة ‪ 16‬سنة‪ ،‬فيحتاج األمر إىل ‪ 16‬سنة وبعدها يبدأ االخنفاض يف معدل املواليد قب‪-‬ل أن يب‪-‬دأ‬
‫()‪1‬‬
‫‪Ibid, p, 39.‬‬

‫‪266‬‬
‫االخنف‪--‬اض يف الق‪--‬وة العامل‪--‬ة‪ ،‬ول‪--‬ذلك يوج‪--‬د هن‪--‬اك اخنف‪--‬اض كب‪--‬ري نس‪--‬بيا يف نس‪--‬بة املعتم‪--‬دين الص‪--‬غار يف عالقتهم ب‪--‬القوة‬
‫العاملة فقط خالل اجليل األول من اخنفاض اخلصوبة(‪.)1‬‬

‫ويوض‪--‬ح التحلي‪--‬ل الس‪--‬ابق أن التك‪--‬وين العم‪--‬ري للس‪--‬كان يف البالد املتقدم‪--‬ة خيتل‪--‬ف عن نظ‪--‬ريه يف البالد النامي‪--‬ة‪ ،‬حيث‬
‫تزيد نس‪-‬بة الص‪-‬غار ومن هم يف س‪-‬ن أق‪-‬ل من س‪-‬ن العم‪-‬ل من املعتم‪-‬دين يف البالد النامي‪-‬ة عن‪-‬ه يف البالد املتقدم‪-‬ة‪ ،‬حيث‬
‫لوح‪-‬ظ أن ع‪-‬دد األطف‪-‬ال م‪-‬ا بني ‪ 14 - 5‬س‪-‬نة مب‪-‬دئيا هي الف‪-‬رتة الزمني‪-‬ة ال‪-‬يت تع‪-‬رف بف‪-‬رتة التعليم األوىل واإلبت‪-‬دائي‬
‫واإلع‪--‬دادي ق‪--‬د تزي‪--‬د مبع‪--‬دل ‪ % 66‬يف البالد النامي‪--‬ة‪ ،‬وذل‪--‬ك باملقارن‪--‬ة بنظ‪--‬ريه يف البالد املتقدم‪--‬ة ال‪--‬ذي بل‪--‬غ ‪% 35‬‬
‫فق‪--‬ط‪ ،‬ومن ناحي‪--‬ة أخ‪--‬رى لوح‪--‬ظ اخنف‪--‬اض إمجايل الن‪--‬اتج الف‪--‬ردي يف البالد النامي‪--‬ة واخنف‪--‬اض مس‪--‬توى اإلنت‪--‬اج‪ ،‬وزي‪--‬ادة‬
‫ع‪--‬دد األف‪--‬واه ال‪--‬يت حتت‪--‬اج إىل غ‪--‬ذاء وقل‪--‬ة ف‪--‬رص االس‪--‬تثمار اإلنت‪--‬اجي وض‪--‬الة ف‪--‬رص التعليم واكتس‪--‬اب امله‪--‬ارات‪ ،‬بينم‪--‬ا‬
‫ك ‪--‬ان تن ‪--‬اقص من هم يف أق ‪--‬ل من س ‪--‬ن العم ‪--‬ل يف البالد املتقدم ‪--‬ة‪ ،‬تقابل ‪--‬ه زي ‪--‬ادة االس ‪--‬تثمار اإلنت ‪--‬اجي‪ ،‬واالس ‪--‬تثمار يف‬
‫املوارد البشرية‪ ،‬وزيادة فرص التعليم واكتساب املهارات‪ ،‬األمر الذي كان من نتيجته تزايد اهلوة بني البالد املتقدمة‬
‫والنامية(‪ )2‬من ناحية أخرى‪.‬‬

‫ثالثًا‪ :‬توزيع السكان بين الريف والحضر في العالم‬

‫ويف ك‪--‬ل أرج‪--‬اء الع‪--‬امل أو البالد املتقدم‪--‬ة وك‪--‬ذلك البالد النامي‪--‬ة أدى الرتك‪--‬يز املتزاي‪--‬د للس‪--‬كان يف جمموع‪--‬ات حض‪--‬رية‬
‫كبرية فضال عن تيارات اهلجرة املصاحبة لذلك إىل ظهور مش‪-‬كالت ش‪-‬ديدة ‪ -‬بيئي‪-‬ة وطبيعي‪-‬ة وشخص‪--‬ية واجتماعي‪-‬ة‬
‫واقتصادية وحكومية‪ ،‬إذ تعترب ص‪-‬ور الب‪-‬ؤس اإلنس‪-‬اين النامجة عن املع‪-‬دالت املتعجل‪-‬ة للتحض‪-‬ر أك‪-‬ثر وض‪-‬وحا يف البالد‬
‫النامية‪ ،‬بسبب الظروف األكثر شدة للحياة ذات الصلة بالفقر واملعدالت األكثر سرعة للتحضر واهلجرة الداخلية‪.‬‬

‫وب‪--‬رغم أن البش‪--‬رية وم‪--‬ا يتص‪--‬ل هبا ق‪--‬د مض‪--‬ى عليه‪--‬ا أك‪--‬ثر من ‪ 4‬ماليني ع‪--‬ام على س‪--‬طح األرض‪ ،‬ف‪--‬إن التحض‪--‬ر مبع‪--‬ىن‬
‫ظهور التجمعات السكانية الكبرية واليت يطلق عليه‪-‬ا اس‪-‬م املدن‪ ،‬يعت‪-‬رب ح‪-‬ديثا يف ش‪-‬أنه نس‪-‬بيا‪ ،‬ولق‪-‬د كش‪-‬فت النت‪-‬ائج‬
‫األركيولوجي‪--‬ة عن ق‪--‬رى يف العص‪--‬ر احلج‪--‬ري وج‪--‬دت من‪--‬ذ ‪ 10.000‬عام‪--‬ا مض‪--‬ت وال‪--‬يت ين‪--‬در أن يزي‪--‬د س‪--‬كاهنا على‬
‫جمموعات من «‪ »50‬أو «‪ »100‬منزل(‪.)3‬‬

‫)(‪1‬‬
‫‪Ibid, p, 39.‬‬
‫)(‪2‬‬
‫‪U. N. Secretary General, op. cit., p. 60.‬‬
‫)(‪3‬‬
‫‪P. M. Hauser, op. cit., p. 41‬‬

‫‪267‬‬
‫ومن بني متطلب‪--‬ات املعيش‪--‬ة يف جتمع‪--‬ات ميكن أن ن‪--‬ذكر التط‪--‬ور يف التكنولوجي‪--‬ا من ناحي‪--‬ة‪ ،‬والتنظيم االجتم‪--‬اعي من‬
‫ناحي‪--‬ة أخ‪--‬رى‪ ،‬ومث‪--‬ل ه‪--‬ذه التط‪--‬ورات مل تكن متاح‪--‬ة بالق‪--‬در ال‪--‬ذي يس‪--‬اهم يف وج‪--‬ود التجمع‪--‬ات ال‪--‬يت ميكن إن يطل‪--‬ق‬
‫عليها احلضر حىت منذ عام ‪ 5000‬إىل ع‪-‬ام ‪ 3500‬ق‪ .‬م وأك‪-‬ثر من ذل‪-‬ك‪ ،‬ف‪-‬إن التط‪-‬ورات التكنولوجي‪-‬ة والتنظيمي‪-‬ة‬
‫االجتماعية مل تكن متاحة لتكوين مدينة يزيد عددها على ‪ 1000.000‬حىت وقت حديث عند اليونان والرومان‪،‬‬
‫أو ح‪--‬ىت لتك‪--‬وين مدين‪--‬ة تض‪--‬م مليون‪--‬ا واح‪--‬دًا أو أك‪--‬ثر من الس‪--‬كان ح‪--‬ىت الق‪--‬رن التاس‪--‬ع عش‪--‬ر تقريب‪--‬ا‪ ،‬ويف ع‪--‬ام ‪1800‬‬
‫كان هناك ما يقل عن ‪ %3‬من سكان العامل يعيشون يف أماكن حضرية‪ ،‬وبعد ذلك بقرن‪ ،‬ظلت احلضرية متثل أقل‬
‫من ‪ 10%‬ويف ع‪--‬ام ‪1970‬م‪ ،‬وق‪--‬درت األمم املتح‪--‬دة احلض‪--‬رية يف الع‪--‬امل حبوايل ‪ ،%37‬من بينه‪--‬ا ‪ 66%‬يف البالد‬
‫املتقدم‪--‬ة‪ ،‬و‪ %25‬يف البالد النامي‪--‬ة وت‪--‬وقعت األمم املتح‪--‬دة م‪--‬ع هناي‪--‬ة الق‪--‬رن أن يعيش ح‪--‬وايل نص‪--‬ف س‪--‬كان الع‪--‬امل يف‬
‫أم‪--‬اكن حض‪--‬رية‪ ،‬منهم أك‪--‬ثر من ‪ %80‬يف بالد الع‪--‬امل املتقدم‪--‬ة‪ ،‬وأك‪--‬ثر من ‪ %40‬يف البالد النامي‪--‬ة‪ ،‬ه‪--‬ذا وق‪--‬د تزاي‪--‬د‬
‫التحض‪--‬ر يف الع‪--‬امل م‪--‬ا بني ع‪--‬امي ‪1970‬م ‪ 2000 -‬حس‪--‬ب توقع‪--‬ات األمم املتح‪--‬دة‪ ،‬مبع‪--‬دل ‪ % 2.8‬س‪--‬نويا‪ .‬وزاد‬
‫التحض‪--‬ر يف البالد النامي‪--‬ة حبوايل ‪ %3.8‬س‪--‬نويا‪ ،‬وبل‪--‬غ مع‪--‬دل النم‪--‬و ثالث م‪--‬رات ض‪--‬عف الزي‪--‬ادة يف البالد املتقدم‪--‬ة‪،‬‬
‫مبع‪--‬دل ‪ % 1.4‬س‪--‬نويا‪ ،‬وبينم‪--‬ا يس‪--‬توعب النم‪--‬و اخلض‪--‬ري يف الع‪--‬امل كك‪--‬ل ‪ %66‬من إمجايل منو س‪--‬كان الع‪--‬امل‪ ،‬فإن‪--‬ه‬
‫يس ‪-- -‬توعب يف البالد النامي ‪-- -‬ة ح ‪-- -‬وايل ‪ % 58‬من إمجايل منو ه ‪-- -‬ذه البالد‪ ،‬ويف البالد املتقدم ‪-- -‬ة‪ ،‬س ‪-- -‬وف يف ‪-- -‬وق النم ‪-- -‬و‬
‫اخلض ‪--‬ري إمجايل منو الس ‪--‬كان‪ ،‬مبع ‪--‬ىن أن اهلج ‪--‬رة من الري ‪--‬ف إىل املن ‪--‬اطق احلض ‪--‬رية س ‪--‬وف يس ‪--‬تمر لدرج ‪--‬ة أن الس ‪--‬كان‬
‫الريفيني سوف يتناقصون فعال خالل مدة ثالثني عاما وحىت هناية القرن املاضي(‪.)1‬‬

‫ويف الوقت احلاضر‪ ،‬ال يتوفر للنسبة الكب‪-‬رية من الس‪-‬كان احلض‪-‬رية يف البالد النامي‪-‬ة أي‪-‬ة أس‪-‬باب الراح‪-‬ة احلض‪-‬رية‪ ،‬مث‪-‬ل‬
‫املي ‪--‬اه النقي ‪--‬ة وش ‪--‬بكة اجملاري ووس ‪--‬ائل النق ‪--‬ل العام ‪--‬ة واإلس ‪--‬كان‪ ،‬وم ‪--‬ع ه ‪--‬ذه الظ ‪--‬روف فإن ‪--‬ه من الص ‪--‬عب أن نفك ‪--‬ر يف‬
‫املش‪--‬كالت ال‪--‬يت ق‪--‬د تواجهه‪--‬ا البالد النامي‪--‬ة‪ ،‬كلم‪--‬ا تزاي‪--‬د س‪--‬كاهنا‪ ،‬وكم‪--‬ا ه‪--‬و متوق‪--‬ع من خالل أق‪--‬ل من جي‪--‬ل بش‪--‬ري‬
‫واح ‪--‬د‪ ،‬وبني ع ‪--‬امي ‪1970‬م – ‪2000‬م‪ .‬ت ‪--‬وقعت األمم املتح ‪--‬دة أن الس ‪--‬كان احلض ‪--‬ريني يف البالد النامي ‪--‬ة ميكن أن‬
‫يزي ‪--‬دوا من ‪ 632‬ملي ‪--‬ون إىل ‪ 2‬بلي ‪--‬ون‪ .‬وم ‪--‬ع حل ‪--‬ول ع ‪--‬ام ‪2000‬م‪ ،‬وب ‪--‬الرغم من أن البالد املتقدم ‪--‬ة تك ‪--‬ون أك ‪--‬ثر‬
‫حضرية من البالد النامية‪ ،‬ف‪-‬إن ع‪-‬دد الس‪-‬كان يف املن‪-‬اطق احلض‪-‬رية ب‪-‬البالد النامي‪-‬ة‪ ،‬ق‪-‬د يزي‪-‬دون م‪-‬رتني على الس‪-‬كان يف‬
‫البالد املتقدمة‪ )2( ،‬بليون يف مقابل (‪ )1.1‬مليون‪.‬‬

‫)(‪1‬‬
‫‪Ibid, p, 42.‬‬

‫‪268‬‬
‫نمو سكان الريف‬ ‫‪]1‬‬

‫وال ينبغي تفس‪--‬ري التأكي‪--‬د على احلض‪--‬رية هن‪--‬ا على أن‪--‬ه يع‪--‬ين أن منو الس‪--‬كان الريف‪--‬يني ق‪--‬د يك‪--‬ون أق‪--‬ل أو يث‪--‬ري مش‪--‬كالت‬
‫قليلة نس‪-‬بيًا بينم‪-‬ا ك‪-‬ان من املتوق‪-‬ع أن يزي‪-‬د س‪-‬كان اخلض‪-‬ر يف الع‪-‬امل من ع‪-‬ام ‪1970‬م ح‪-‬ىت ع‪-‬ام ‪ 2000‬حبوايل ‪1.8‬‬
‫ملي‪--‬ون ش‪--‬خص‪ ،‬ك‪--‬ان من املتوق‪--‬ع أن يزي‪--‬د س‪--‬كان املن‪--‬اطق الريفي‪--‬ة يف الع‪--‬امل حبوايل ‪ 890‬ملي‪--‬ون‪ ،‬وه‪--‬و رقم ض‪--‬خم‪.‬‬
‫وبينم‪--‬ا املتوق‪--‬ع أن ي‪--‬زداد س‪--‬كان احلض‪--‬ر يف البالد النامي‪--‬ة حبوايل ‪ 1.4‬ملي‪--‬ون‪ ،‬ف‪--‬إن س‪--‬كان الري‪--‬ف س‪--‬وف يزي‪--‬دون يف‬
‫نفس ال‪--‬وقت ب‪--‬أكثر من (‪ )1‬بلي‪--‬ون‪ .‬ويف البالد املتقدم‪--‬ة‪ ،‬وبينم‪--‬ا املتوق‪--‬ع أن ي‪--‬زداد س‪--‬كان احلض‪--‬ر حبوايل ‪ 390‬ملي‪--‬ون‬
‫ويتوق ‪--‬ع أن يتن ‪--‬اقض س ‪--‬كان الري ‪--‬ف ب ‪--‬أكثر من ‪ 11‬بلي ‪--‬ون فس ‪--‬وف ال ي ‪--‬زال منو س ‪--‬كان الري ‪--‬ف م ‪--‬ابني ‪2000‬م ‪-‬‬
‫‪1970‬م وطبقًا لتوقعات األمم املتحدة يزيد على ‪ .4‬من امجايل منو السكان يف البالد النامية (‪.)1‬‬

‫وس ‪--‬يكون منو س ‪--‬كان الري ‪--‬ف يف البالد النامي ‪--‬ة حتديًا خط ‪--‬ريًا للجه ‪--‬ود ال ‪--‬يت هتدف إىل زي ‪--‬ادة نص ‪--‬يب الف ‪--‬رد من الن ‪--‬اتج‬
‫القومي‪ ،‬وكذلك اجلهود اليت تعمل على رفع مستويات املعيشة‪.‬‬

‫وهك‪-‬ذا‪ ،‬فالتأكي‪-‬د ال‪-‬ذي أعطي للتحض‪--‬ر‪ ،‬يع‪--‬ين التقلي‪-‬ل من ش‪-‬أن أث‪-‬ر النم‪-‬و ال‪-‬ريفي‪ ،‬غ‪--‬ري أن الرتك‪-‬يز على الطريق‪--‬ة ال‪-‬يت‬
‫يكون فيها للحضرية مضامني خاصة أو نتائج على التغري االجتماعي والتنمية االقتصادية هو الذي يثري اهتمامنا‪.‬‬

‫التحضر والتنمية في البالد المتقدمة والنامية‬ ‫‪]2‬‬

‫ختتل ‪--‬ف العالق ‪--‬ة بني التحض ‪--‬ر والتنمي ‪--‬ة االجتماعي ‪--‬ة واالقتص ‪--‬ادية كلي ‪--‬ة يف البالد املتقدم ‪--‬ة والنامي ‪--‬ة‪ .‬ففي البالد املتقدم ‪--‬ة‬
‫ك‪--‬ان التحض‪--‬ر س‪--‬ابقًا ومتس‪--‬اويًا م‪--‬ع التنمي‪--‬ة االقتص‪--‬ادية‪ .‬وك‪--‬ان الس‪--‬كان ق‪--‬د نزح‪--‬وا من املن‪--‬اطق الريفي‪--‬ة النائي‪--‬ة بت‪--‬أثري‬
‫األجور املرتفعة واملرتبات واملستويات العليا يف املعيشة اليت أتاحتها االنتاجية الضخمة يف املدن‪.‬‬

‫وبينما ظهرت املراكز احلض‪-‬رية يف البالد النامي‪-‬ة نتيج‪-‬ة لس‪-‬يادة وت‪-‬أثري ق‪-‬وة خمتلف‪-‬ة متام‪ً-‬ا‪ .‬إذ تتم‪-‬يز البالد النامي‪-‬ة بوج‪-‬ود‬
‫املدن الرئيس‪-‬ية ‪ Primate‬والض‪-‬خمة على حنو غ‪-‬ري متناس‪-‬ب‪ ،‬وال‪-‬يت ال تش‪-‬به املدن الك‪-‬ربى يف البالد املتقدم‪-‬ة‪ ،‬وال‪-‬يت‬
‫مل تكن حمص‪--‬لة للتنمي‪--‬ة االقتص‪--‬ادية القومي‪--‬ة‪ ،‬مث‪--‬ل تل‪--‬ك ال‪--‬يت تنتمي إىل النظم االقتص‪--‬ادية الض‪--‬خمة‪ ،‬وك‪--‬انت وظيفته‪--‬ا‬

‫)(‪1‬‬
‫‪Ibid, p, 43.‬‬

‫‪269‬‬
‫القي‪--‬ام ب‪--‬دور املرك‪--‬ز التج‪--‬اري‪ .‬وه‪--‬ذه املدن الرئيس‪--‬ية ك‪--‬انت تس‪--‬مح بعالق‪--‬ات متبادل‪--‬ة بني البل‪--‬د اآلم وبني املس‪--‬تعمر‪.‬‬
‫ولق‪--‬د بلغت ه‪--‬ذه املدن حجم ‪ً-‬ا ض‪--‬خمًا ب‪--‬دون أن يص‪--‬احب ذل‪--‬ك تنمي‪--‬ة اقتص‪--‬ادية قومي‪--‬ة‪ .‬ويف احلقيق‪--‬ة وم‪--‬ع انتكاس‪--‬ة‬
‫األمب ‪--‬ري ليالي ‪--‬ة بع ‪--‬د احلرب العاملي ‪--‬ة الثاني ‪--‬ة‪ ،‬والتم ‪--‬زق املص ‪--‬احب يف العالق ‪--‬ات االقتص ‪--‬ادية‪ ،‬ت ‪--‬رك الكث ‪--‬ري من ه ‪--‬ذه املدن‬
‫الرئيسية بدون قواعد اقتصادية أساسية‪ ،‬وال يزال الكثري من مثل هذه املدن يف انتظار التنمية االقتص‪--‬ادية لكي تكف‪--‬ل‬
‫هذا احلجم من سكاهنا احلاليني‪ .‬وهبذا املعىن‪ .‬وبدون مضامني معياريه قد يقال أن البالد النامية متر حبالة منو حضري‬
‫متزايد(‪.)1‬‬

‫وباختصار يعترب احلجم احلايل للمدن الرئيسية يف البالد النامية وجزئيًا نتاج ملا ورثته من االستعمار‪ ،‬أكثر منه حمصلة‬
‫للتنمية االقتصادية القومية‪ ،‬وفقًا لألحداث اليت سنناقشها فيما يلي‪:‬‬

‫فلقد كان العامل الثاين الذي أدى بالبالد النامية إىل أن تتخم بالسكان احلضريني ما كانت تعانيه املناطق الريفية من‬
‫اض‪-‬طرابات‪ ،‬أك‪-‬ثر من‪-‬ه حبث‪ً-‬ا عن التق‪-‬دم االقتص‪-‬ادي‪ .‬وك‪-‬ان ع‪-‬دم ت‪-‬وفر األمن راج‪-‬ع إىل محالت الغ‪-‬زو وجه‪-‬ود التح‪-‬رر‬
‫خالل احلرب العاملي‪--‬ة الثاني‪--‬ة‪ ،‬وإىل االض‪--‬طراب ال‪--‬داخلي بع‪--‬د هناي‪--‬ة احلكم االس‪--‬تعماري ونض‪--‬ال املس‪--‬تعمرات من أج‪--‬ل‬
‫حتقي‪--‬ق الوح‪--‬دة وال‪--‬وعي – تل‪--‬ك األه‪--‬داف ال‪--‬يت ك‪--‬ان حيول دوهنا ع‪--‬دم جتانس الس‪--‬كان والتمس‪--‬ك بالوض‪--‬ع التقلي‪--‬دي‬
‫وسوف نناقش هذا املوضوع فيما بعد‪.‬‬

‫وال ي‪--‬زال هن‪--‬اك عام‪--‬ل آخ‪--‬ر ل‪--‬ه أمهي‪--‬ة يكمن وراء حرك‪--‬ة اهلج‪--‬رة من الري‪--‬ف إىل احلض‪--‬ر يف البالد النامي‪--‬ة مل يظه‪--‬ر يف‬
‫البالد املتقدم ‪--‬ة‪ ،‬يتمث ‪--‬ل يف االخنف ‪--‬اض الس ‪--‬ريع يف مع ‪--‬دل الوفي ‪--‬ات ال ‪--‬ذي أش ‪--‬رنا إلي ‪--‬ه س ‪--‬لفًا‪ .‬فلق ‪--‬د ت ‪--‬رتب على اخنف ‪--‬اض‬
‫مع ‪--‬دالت الوفي ‪--‬ات نتيج ‪--‬ة للت ‪--‬أثريات اخلارجي ‪--‬ة مع ‪--‬دالت منو عالي ‪--‬ة غ ‪--‬ري مس ‪--‬بوقة مث تض ‪--‬خم الس ‪--‬كان لدرج ‪--‬ة مل تع ‪--‬د‬
‫األراض ‪--‬ي ق ‪--‬ادرة على اع ‪--‬التهم‪ ،‬بق ‪--‬در م ‪--‬ا ك ‪--‬انت متي ‪--‬ل إىل دفعهم بعي ‪--‬دًا حنو األم ‪--‬اكن احلض ‪--‬رية وميكن النظ ‪--‬ر إىل ه ‪--‬ذا‬
‫الن‪-- -‬وع من اهلج‪-- -‬رة باعتب‪-- -‬اره حتوًال أو نقًال للفق‪-- -‬ر من املن‪-- -‬اطق الريفي‪-- -‬ة إىل املن‪-- -‬اطق احلض‪-- -‬رية‪ ،‬أك‪-- -‬ثر من‪-- -‬ه انتق‪-- -‬اًال حنو‬
‫مستويات عليا يف املعيشة‪ .‬وحىت مع بعض الزيادة يف االنتاجية احلدية والدخل الذي ق‪-‬د حيدث م‪-‬ع ه‪-‬ذا التنق‪-‬ل‪ ،‬ف‪-‬إن‬
‫التغري من عامل غري مستقر‪ ،‬ال ميلك شيئًا إىل قائم بتشغيل سيارة أجرة أو سيارة نقل صغرية يف املدينة‪ ،‬تغري ال ميث‪--‬ل‬
‫(‪)2‬‬
‫كسبًا ذا مغزى يف مستوى املعيشة‬

‫)(‪1‬‬
‫‪Ibid, p, 44.‬‬
‫)(‪2‬‬
‫‪Ibid, p, 44.‬‬

‫‪270‬‬
‫وكم ‪--‬ا أن العوام ‪--‬ل املرتبط ‪--‬ة باحلض ‪--‬رية ختتل ‪--‬ف يف طبيعته ‪--‬ا بني البالد املتقدم ‪--‬ة والبالد النامي ‪--‬ة‪ ،‬فك ‪--‬ذلك ختتل ‪--‬ف نت ‪--‬ائج‬
‫عملي‪--‬ة التحض‪--‬ر يف اجملموع‪--‬تني من البالد‪ .‬فلق‪--‬د أح‪--‬دث التحض‪--‬ر يف البالد املتقدم‪--‬ة تغ‪--‬ريات عميق‪--‬ة تتض‪--‬ح وجالء يف‬
‫طريقة احلياة والتفاعل ويف طبيعة العالقات غري الشخصية ويف الضبط االجتم‪--‬اعي ويف االجتاه‪--‬ات والقيم‪ ،‬ويف النظم‬
‫االجتماعية‪ ،‬مبا يف ذلك األسرة والكنيسة‪ ،‬ويف ظهور البريوقراطية‪ ،‬ويف االستقالل املتزايد واالقتص‪--‬اد املايل‪ ،‬والنظ‪-‬ام‬
‫االجتماعي‪ ،‬ويف دور احلكومة‪ .‬كما صاحبت احلضرية كطريقة يف احلياة جمموع‪--‬ة من املش‪-‬كالت اجلدي‪-‬دة مث‪-‬ل تل‪-‬ك‬
‫املرتبط ‪--‬ة بالبيئ ‪--‬ة واس ‪--‬تنفاذ املوارد وتل ‪--‬وث املي ‪--‬اه واهلواء والضوض ‪--‬اء واملن ‪--‬اطق املختلف ‪--‬ة وإحي ‪--‬اء األقلي ‪--‬ات يف املدين ‪--‬ة‪،‬‬
‫ودوران الس ‪--‬كان والس ‪--‬لع مبا يف ذل ‪--‬ك ازدح ‪--‬ام املواص ‪--‬الت واألزم ‪--‬ات ال ‪--‬يت تص ‪--‬احب الن ‪--‬اس يف ذه ‪--‬اهبم وع ‪--‬ودهتم‪،‬‬
‫والتعليم غ‪-‬ري الك‪-‬ايف‪ ،‬والتس‪-‬هيالت الص‪-‬حية والتعليمي‪-‬ة والرتفيهي‪-‬ة‪ ،‬والتفك‪-‬ك االجتم‪-‬اعي والشخص‪-‬ي ال‪-‬ذي يتض‪-‬ح يف‬
‫االحنراف‪ ،‬واجلرمية وإدم ‪--‬ان الكحولي ‪--‬ات واملخ ‪--‬درات وتفك ‪--‬ك األس ‪--‬رة والبطال ‪--‬ة‪ ،‬ونقص ف ‪--‬رص االس ‪--‬تخدام والفق ‪--‬ر‬
‫واستغالل املستهلك وتشغيل األطفال والنساء ومشكالت السياسة واحلكومة‪ ،‬مبا يف ذلك العالقات بني احلكوم‪--‬ات‬
‫على املس ‪--‬تويات املختلف ‪--‬ة القومي ‪--‬ة واالقليمي ‪--‬ة واحمللي ‪--‬ة‪ ،‬والفس ‪--‬اد احلك ‪--‬ومي ومص ‪--‬ادر ال ‪--‬دخل احلك ‪--‬ومي والض ‪--‬رائب‬
‫واملشكالت العامة اليت تواج‪-‬ه احملافظ‪-‬ات‪ .‬وال ميكن أن نتن‪-‬اول هن‪-‬ا إال القلي‪-‬ل فق‪-‬ط من ج‪-‬وانب احلض‪-‬رية كطريق‪-‬ة يف‬
‫احلياة يف البالد املتقدمة‪.‬‬

‫ومن بني التغ ‪--‬ريات اجلوهري ‪--‬ة ال ‪--‬يت أح ‪--‬دثتها املعيش ‪--‬ة احلض ‪--‬رية يف البالد املتقدم ‪--‬ة‪ ،‬تل ‪--‬ك ال ‪--‬يت ق ‪--‬د نش ‪--‬أت عن الزي ‪--‬ادة‬
‫الضخمة يف التفاعل اإلنساين املمكن‪.‬‬

‫فلقد حتول اجملتمع احمللي الصغري يف املوقف السابق على احلضرية إىل جمتمع مجاهريي ‪ Mass Society‬يق‪--‬وم على‬
‫االتص ‪--‬االت الثانوي ‪--‬ة‪ ،‬وعالق ‪--‬ات املنفع ‪--‬ة والض ‪--‬بط االجتم ‪--‬اعي الرمسي والق ‪--‬انون‪ ،‬وح ‪--‬ىت النظ ‪--‬ام االجتم ‪--‬اعي األساس ‪--‬ي‬
‫ونقصد األسرة‪ ،‬قد مرت بتغريات كبرية يف الواقع احلضري‪ ،‬ومالت إىل أن تأخذ شكل النواة‪ ،‬بعد أن كانت ممت‪--‬دة‬
‫سابقًا‪ ،‬وكذلك حققت اإلقامة املستقلة‪ ،‬كما طرأت على وظائفها تغريات كبرية سواء بالفقد أو بالضعف(‪.)1‬‬

‫ومن بني التغ ‪--‬ريات العميق ‪--‬ة ال ‪--‬يت واكبت احلي ‪--‬اة احلض ‪--‬رية يف البالد املتقدم ‪--‬ة ن ‪--‬ذكر األدوار املتغ ‪--‬رية لل ‪--‬زوج والزوج ‪--‬ة‪،‬‬
‫واآلب ‪--‬اء واألطف ‪--‬ال واألخ ‪--‬وات واألق ‪--‬ارب م ‪--‬ع بعض ‪--‬هم األخ ‪--‬ر‪ .‬ومن بني املس ‪--‬ائل ذات األمهي ‪--‬ة املتزاي ‪--‬دة ال ‪--‬دور املتغ ‪--‬ري‬

‫)(‪1‬‬
‫‪Ibid, p, 45-46.‬‬

‫‪271‬‬
‫للم ‪--‬رأة من وظ ‪--‬ائف الزوج ‪--‬ة واألم وم ‪--‬ديرة املنزل وال ‪--‬يت ك ‪--‬انت حمددة نس ‪--‬بيًا‪ ،‬إىل دخ ‪--‬ول النس ‪--‬اء إىل ك ‪--‬ل ج ‪--‬وانب‬
‫جماالت احلياة اليت كانت قد استبعدت منها سابقًا‪.‬‬

‫وقد يقال يف احلقيق‪-‬ة‪ ،‬أن التغ‪-‬ري يف دور املرأة يتمث‪-‬ل يف عملي‪-‬ة التغ‪-‬ري من ك‪-‬ائن أنث‪-‬وي إىل ك‪-‬ائن أنس‪-‬اين‪ .‬ومن األم‪-‬ور‬
‫ذات األمهي‪--‬ة املتزاي‪--‬دة ميكن أن ن‪--‬ذكر املش‪--‬اركة املتزاي‪--‬دة للم‪--‬رأة يف الق‪--‬وة العامل‪--‬ة‪ ،‬مبا يف ذل‪--‬ك املرأة املتزوج‪--‬ة وأيض ‪ً-‬ا‬
‫تل‪--‬ك ال‪--‬يت هلا أبن‪--‬اء أو ال‪--‬يت ليس هلا أبن‪--‬اء ويف النهاي‪--‬ة‪ ،‬وأيض ‪ً-‬ا من األم‪--‬ور اجلوهري‪--‬ة تط‪--‬ور العقلي‪--‬ة احلض‪--‬رية ‪Urban‬‬
‫‪ mentality‬وهي تتضمن تغريًا اساس‪-‬يًا يف االهتم‪-‬ام الع‪-‬ام أو التوج‪-‬ه ‪ Orientation‬وب‪-‬دًال من االعتق‪-‬اد يف أن‬
‫القوى فوق الطبيعي‪-‬ة تلعب دورًا يف مص‪-‬ري البش‪-‬رية‪ ،‬ظه‪-‬رت وجه‪-‬ة النظ‪-‬ر ال‪-‬يت تعتق‪-‬د أن مص‪-‬ري البش‪-‬رية يكمن اساس‪ً-‬ا‬
‫يف داخل الكائنات البشرية ذاهتا من خالل املعرفة وتطبيقاهتا‪.‬‬

‫وه‪--‬ذه املتغ‪--‬ريات وغريه‪--‬ا كث‪--‬ري مما يص‪--‬احب التحض‪--‬ر كطريق‪--‬ة يف احلي‪--‬اة‪ ،‬ق‪--‬د ح‪--‬دث تقريب‪ً-‬ا يف الع‪--‬امل الغ‪--‬ريب ويف البالد‬
‫املتقدم‪-‬ة عموم‪ً-‬ا‪ .‬وهي تغ‪-‬ريات مل تكن واض‪-‬حة أساس‪ً-‬ا وبنفس املس‪-‬توى يف املن‪-‬اطق احلض‪-‬رية داخ‪-‬ل البالد املتقدم‪-‬ة يف‬
‫حتقيق زيادة ضخمة يف التفاعل االجتماعي املمكن ال‪-‬ذي زاد من حجم الس‪-‬كان وكث‪-‬افتهم نتيج‪-‬ة ل‪-‬ذلك‪ .‬ويف البالد‬
‫النامي‪--‬ة‪ ،‬وب‪--‬رغم وج‪--‬ود احتم‪--‬االت مماثل‪--‬ة‪ ،‬إال أهنا مل تتحق‪--‬ق ألن‪--‬ه ب‪--‬رغم أن حجم الس‪--‬كان والكثاف‪--‬ة املت‪--‬وفرة يف البالد‬
‫النامي‪--‬ة إال أن التفاع‪--‬ل االجتم‪--‬اعي عموم ‪ً-‬ا ك‪--‬ان حمص‪--‬ورًا إىل ح‪--‬د كب‪--‬ري داخ‪--‬ل أقس‪--‬ام متباين‪--‬ة من املدين‪--‬ة تع‪--‬د معزول‪--‬ة‬
‫نس‪--‬بيًا عن غريه‪--‬ا نتيج‪--‬ة اللتج‪--‬انس يف العنص‪--‬ر أو الس‪--‬اللة‪ ،‬وال‪--‬دين واللغ‪--‬ة أو النش‪--‬اط امله‪--‬ين‪ .‬ويف ظ‪--‬ل ظ‪--‬روف العزل‪--‬ة‬
‫النس ‪--‬بية ه ‪--‬ذه مبع ‪--‬ىن االتص ‪--‬االت االجتماعي ‪--‬ة احملدودة والتف ‪--‬اعالت ق ‪--‬د تس ‪--‬تمر النظم التقليدي ‪--‬ة والع ‪--‬ادات واملعتق ‪--‬دات‬
‫وأمناط السلوك يف مقاومة التغري‪ ،‬ولذلك فهي تعمل فعًال على إعاقة التنمية(‪.)1‬‬

‫ولع‪--‬ل أك‪-‬ثر املش‪-‬كالت احلض‪--‬رية إحلاح‪ً-‬ا يف البالد النامي‪-‬ة تل‪-‬ك ال‪-‬يت تتض‪--‬ح بني الق‪--‬ادمني اجلدد إىل املن‪-‬اطق احلض‪--‬رية أو‬
‫امله‪-‬اجرين ال‪-‬داخليني فلق‪-‬د اعت‪-‬اد ه‪-‬ؤالء الق‪-‬ادمون على إن يقطن‪-‬وا يف أم‪-‬اكن املعيش‪-‬ة الرخيص‪-‬ة وال‪-‬يت تق‪-‬ل الرغب‪-‬ة فيه‪-‬ا‬
‫وال ‪--‬يت غالب ‪ً-‬ا م ‪--‬ا تأخ ‪--‬ذ ص ‪--‬ورة جتمع ‪--‬ات من األك ‪--‬واخ‪ .‬إذ تعيش ك ‪--‬ل األس ‪--‬رة يف احلي عموم ‪ً-‬ا يف ك ‪--‬وخ مص ‪--‬نوع من‬
‫الص‪--‬فيح أو خش‪--‬ب الص‪--‬ناديق ب‪--‬دون مي‪--‬اه جاري‪--‬ة‪ ،‬وجمار أو أي ح‪--‬د أدىن أخ‪--‬ر من وس‪--‬ائل الراح‪--‬ة احلض‪--‬رية‪ .‬وجند أن‬
‫املهاجرين الداخليني‪ ،‬الذين ينحدرون عادة من املناطق الريفية أو القرى الصغرية‪ ،‬بطبيعتهم غري معدين كلي‪--‬ة للحي‪--‬اة‬
‫احلضرية فينقصهم التعليم واملهارة املهنية‪ ،‬أو حىت األلفة باملال وبأقسام الزمن‪.‬‬
‫)(‪1‬‬
‫‪Ibid, p, 46.‬‬

‫‪272‬‬
‫كما تواجه املنطق‪-‬ة ال‪-‬يت يقص‪-‬دها امله‪-‬اجر ال‪-‬داخلي كث‪-‬ريًا من املش‪-‬كالت الص‪-‬عبة‪ ،‬ه‪-‬ذا فض‪ً-‬ال عن أن التي‪-‬ارات اهلج‪-‬رة‬
‫تأثريات كبرية على املناطق األصلية اليت وفدوا منه‪-‬ا‪ ،‬كم‪-‬ا أن هلا نت‪-‬ائج على املن‪-‬اطق ال‪-‬يت ه‪-‬اجروا إليه‪-‬ا‪ .‬وامله‪-‬اجرون‬
‫ميت‪--‬ازون ب‪--‬أهنم منتق‪--‬ون من ناحي‪--‬ة العم‪--‬ر‪ ،‬والن‪--‬وع والتعليم واملهن‪--‬ة وغ‪--‬ري ذل‪--‬ك من اخلص‪--‬ائص الس‪--‬كانية‪ ،‬ول‪--‬ذلك ف‪--‬إهنم‬
‫يغريون لدرجة كبرية من التكوين السكاين لكل من منطقتهم األصلية واملنطقة اليت هاجروا إليها(‪.)1‬‬

‫وت‪--‬ؤثر احلض‪--‬رية واهلج‪--‬رة الداخلي‪--‬ة يف التنمي‪--‬ة بش‪--‬كل حي‪--‬وي من خالل ع‪--‬دد من الط‪--‬رق‪ ،‬كم‪--‬ا تث‪--‬ري مش‪--‬كالت ص‪--‬عبة‬
‫أمام احلكومات تتعلق بتنمية كال املنطقتني الريفية واحلضرية‪ ،‬واختاذ قرارات صعبة يف توزيع املوارد النادرة عليها‪.‬‬

‫كما تواجه حكومات البالد النامية أيضًا مشكالت صعبة بالنسبة لرتكيز ميزانيات التنمية وبراجمها داخل القطاعات‬
‫احلض ‪--‬رية‪ ،‬وه ‪--‬ل ينبغي أن توج‪--‬ه ميزاني‪--‬ات التص ‪--‬نيع إىل املدن الرئيس‪--‬ية‪ ،‬وال‪--‬يت يت‪--‬اح هلا العم‪--‬ل ب‪--‬وفرة‪ ،‬أم حنو املن‪--‬اطق‬
‫احلض‪--‬رية الص‪--‬غرية لتقلي‪--‬ل ع‪--‬دم الت‪--‬وازن يف التوزي‪--‬ع احلض‪--‬ري للس‪--‬كان؟ وكم من االهتم‪--‬ام جيب أن يوج‪--‬ه حنو املن‪--‬اطق‬
‫املتخلف ‪--‬ة من خالل إجياد مق ‪--‬اييس للنم‪--‬و احلض ‪--‬ري‪ ،‬وه ‪--‬ل ينبغي ب‪--‬ذل اجله ‪--‬د لتحقي‪--‬ق منط التوزي‪--‬ع احلض ‪--‬ري للس‪--‬كان‬
‫واملعروف بالنمط اهلرمي(‪.)2‬‬

‫وهن‪--‬اك ك‪--‬ذلك س‪--‬ؤال ج‪--‬وهري يرتب‪--‬ط مبع‪--‬دل النم‪--‬و اخلض‪--‬ري ذات‪--‬ه‪ ،‬فلق‪--‬د ح‪--‬اولت الكث‪--‬ري من البالد النامي‪--‬ة‪ ،‬وبس‪--‬بب‬
‫مشكالت صعبة كثرية يف املناطق احلضرية هبا‪ ،‬أن تقلل من معدالت النمو اخلضري أو توقف النمو اخلضري كلي‪--‬ة‪.‬‬
‫ولكن تدلنا شواهد التاريخ يف البالد املتقدمة على أن‪-‬ه ال ميكن مقاوم‪--‬ة النم‪-‬و اخلض‪--‬ري أو تغي‪-‬ري جمراه وهك‪-‬ذا‪ ،‬ب‪-‬اءت‬
‫اجله‪--‬ود حنو تقلي‪--‬ل النم‪--‬و اخلض‪--‬ري يف البالد النامي‪--‬ة بالفش‪--‬ل كك‪--‬ل‪ .‬ولق‪--‬د أص‪--‬بح من املع‪--‬رتف ب‪--‬ه‪ ،‬على أي‪--‬ة ح‪--‬ال‪ ،‬أن‬
‫اجله‪--‬ود حنو إعاق‪--‬ة النم‪--‬و اخلض‪--‬ري ليس‪--‬ت فق‪--‬ط عميق‪--‬ة‪ ،‬وإمنا أيض‪--‬ا هي جه‪--‬ود مض‪--‬ادة لك‪--‬ل م‪--‬ا ه‪--‬و مثم‪--‬ر وألن‪--‬ه ب‪--‬رغم‬
‫املش‪--‬كالت ال‪--‬يت يس‪--‬بب التحض‪--‬ر يف وجوده‪--‬ا‪ ،‬إال أن‪--‬ه يع‪--‬د مطلب‪--‬ا ض‪--‬روريا أك‪--‬ثر من‪--‬ه قي‪--‬دًا على التنمي‪--‬ة ول‪--‬ذلك هن‪--‬اك‬
‫حاجة إىل فهم أفضل للنمو اخلضري أو تنمية أو تطوير اسرتاتيجيات مالئمة لتوجيهه‪ ،‬وللتعامل م‪-‬ع املش‪-‬كالت ال‪-‬يت‬
‫تصاحبه‪.‬‬

‫رابعًا‪ :‬التباين السكاني والصراع الدولي‬

‫()‪1‬‬
‫‪Ibid, p, 47‬‬
‫)(‪2‬‬
‫‪Ibid, p, 48‬‬

‫‪273‬‬
‫لق ‪--‬د عم ‪--‬ل التق ‪--‬دم التكنول ‪--‬وجي لوس ‪--‬ائل االتص ‪--‬ال والنق ‪--‬ل على الزي ‪--‬ادة اهلائل ‪--‬ة يف االتص ‪--‬ال االجتم ‪--‬اعي والتفاع ‪--‬ل بني‬
‫الش‪--‬عوب ذات اخللفي‪--‬ات املتباين‪--‬ة واملختلف ‪--‬ة يف الثقاف‪--‬ة واللغ ‪--‬ة وال‪--‬دين والنس‪--‬ق القيمي‪ ،‬والعنص ‪--‬ر والس‪--‬اللة وأس‪--‬لوب‬
‫احلياة‪ .‬ولقد سامهت اهلج‪-‬رة الداخلي‪-‬ة والدولي‪-‬ة وم‪-‬ا ص‪-‬احبها من خلي‪-‬ط س‪-‬كاين كب‪-‬ري يف األمم واملن‪-‬اطق واحمللي‪-‬ات يف‬
‫إحداث نوع من عدم التج‪-‬انس الس‪-‬كاين‪ .‬ولق‪-‬د ص‪-‬احب ه‪-‬ذا التب‪-‬اين الس‪-‬كاين‪ ،‬يف ك‪-‬ل أرج‪-‬اء الع‪-‬امل ش‪-‬كًال للت‪-‬درج‬
‫االجتماعي يؤكد تدهور مكانة مجاعة األقليات اليت صاحبها عمومًا مكانة اجتماعية واقتصادية دنيا وفرصًا سياس‪--‬ية‬
‫أقل (‪.)1‬‬

‫وحىت يف الفرتات القدمية‪ ،‬كما يف روما‪ ،‬قد ترتب التباين السكاين على الغزو العسكري وكذلك على ت‪--‬دفق هج‪--‬رة‬
‫الس‪--‬كان‪ .‬ومن‪--‬ذ هناي‪--‬ة احلرب العاملي‪--‬ة الثاني‪--‬ة‪ ،‬ك‪--‬ان تب‪--‬اين الس‪--‬كان يص‪--‬احبه على حنو متزاي‪--‬د الكث‪--‬ري من االحتكاك‪--‬ات‬
‫والص ‪--‬راع الواض ‪--‬ح‪ .‬ويعت ‪--‬رب الص ‪--‬راع االجتم ‪--‬اعي أم ‪--‬رًا واض ‪--‬حًا جبالء يف ك ‪--‬ل أرج ‪--‬اء الع ‪--‬امل ويظه ‪--‬ر بص ‪--‬ورة كث ‪--‬رية‪.‬‬
‫واألمثلة على ذلك تتمثل يف الصراعات يف ايرلندا الشمالية ويف ما كانت عليه باكستان‪ .‬ويف إفريقي‪--‬ا ميكن أن نق‪--‬دم‬
‫األمثل‪-‬ة من خالل الص‪-‬راع يف نيجريي‪-‬ا ال‪-‬ذي يش‪-‬مل الب‪-‬افرانز ويف ص‪-‬راعات قبلي‪-‬ة أخ‪-‬رى‪ ،‬ويف آس‪-‬يا الت‪-‬وتر بني ماليزي‪-‬ا‬
‫والصني‪ ،‬ويف الشرق األوسط‪ ،‬الصراع ال‪-‬دائر بني املس‪-‬لمني واملس‪-‬يحيني يف لبن‪-‬ان والت‪-‬وترات م‪-‬ا بني ال‪-‬بيض والس‪-‬ود‪،‬‬
‫ليس فقط يف احتاد جنوب أفريقيا وروديسيا‪ ،‬وإمنا أيضًا يف الواليات املتحدة واململكة املتحدة‪ .‬وجند حاليًا التوترات‬
‫بني الكن ‪--‬ديني من أص ‪--‬ل فرنس ‪--‬ي وغ ‪--‬ريهم من اص ‪--‬ل املنجل ‪--‬يزي‪ .‬وتش ‪--‬تمل ه ‪--‬ذه القائم ‪--‬ة ب ‪--‬الطبع‪ ،‬على من ‪--‬اطق الت ‪--‬وتر‬
‫والص‪--‬راع داخ‪-‬ل األمم وال‪-‬ذي ينش‪-‬ا عن مص‪--‬ادر التم‪-‬ايز العرقي‪-‬ة والس‪-‬اللية واللغوي‪-‬ة والديني‪-‬ة وغريه‪-‬ا‪ ،‬وال‪-‬ذي ص‪--‬احبه‬
‫ع‪--‬دم املس‪--‬اواة يف الف‪--‬رص ومن مث يف املكان‪--‬ة االجتماعي‪--‬ة واالقتص‪--‬ادية‪ .‬وعلى البش‪--‬رية أن جتد احلل‪--‬ول املرض‪--‬ية لتحقي‪--‬ق‬
‫فرص متساوية وتعمل على رفع املكانة السياسية واالقتصادية واالجتماعية يف جمموعة هذه اجملتمعات‪.‬‬

‫وذلك الن التوترات والصراعات املصاحبة للتباين السكاين قد تس‪-‬اهم إىل درج‪-‬ة كب‪-‬رية يف إعاق‪-‬ة التنمي‪-‬ة‪ .‬ففي البالد‬
‫النامي‪--‬ة خباص‪--‬ة حيث ي‪--‬زداد التب‪--‬اين الس‪--‬كاين من خالل االرتب‪--‬اط الوثي‪--‬ق بالقبيل‪--‬ة أو ال‪--‬دين مثًال وال‪--‬ذي يه‪--‬دد الوح‪--‬دة‬
‫القومي ‪--‬ة وحيول دون حتقي ‪--‬ق االتف ‪--‬اق على األه ‪--‬داف واألس ‪--‬لوب التع ‪--‬اوين‪ .‬ويف احلقيق ‪--‬ة‪ ،‬وعلى املدى القص ‪--‬ري‪ ،‬على‬
‫األقل‪ ،‬قد يعوق التحضر السريع والصراع االجتماعي الناشئ عن التباين السكاين جهود التنمية بدرجة تف‪-‬وق ق‪-‬درة‬
‫اخلصوبة العالية والنمو السكاين السريع على إعاقة التنمية (‪.)2‬‬
‫)(‪1‬‬
‫‪Ibid, p, 48-52.‬‬
‫)(‪2‬‬
‫‪Ibid, p, 53.‬‬

‫‪274‬‬
‫خامسًا‪ :‬القوة العاملة والبطالة في العالم‬

‫القوة العاملة والتنمية في البالد المتقدمة والنامية‬

‫متث‪--‬ل الق‪--‬وة العامل‪--‬ة ألي‪--‬ة أم‪--‬ة القط‪--‬اع الرئيس‪--‬ي من الس‪--‬كان ذي الت‪--‬أثري احلاس‪--‬م يف التنمي‪--‬ة وق‪--‬د ح‪--‬ددت الق‪--‬وة العامل‪--‬ة‪،‬‬
‫طبقًا لالستعمال الدويل هلذه الكلمة‪ ،‬يف األشخاص الذين يزي‪-‬دون على احلد األدىن للعم‪-‬ر وال‪-‬ذين يعمل‪-‬ون يف مقاب‪-‬ل‬
‫أج‪-‬ر أو ربح أو ال‪-‬ذين يبحث‪-‬ون عن عم‪-‬ل‪ .‬ومتث‪-‬ل الـ ‪ 10‬س‪-‬نوات األوىل ح‪-‬د أدىن للعم‪-‬ر يف البالد النامي‪-‬ة‪ ،‬ينم‪-‬ا يتمث‪-‬ل‬
‫ه ‪--‬ذا احلد يف البالد املتقدم ‪--‬ة فيم ‪--‬ا يزي ‪--‬د على الس ‪--‬ن ال ‪--‬ذي يع ‪--‬د في ‪--‬ه االلتح ‪--‬اق باملدرس ‪--‬ة إلزامي ‪ً-‬ا (‪ 16‬س ‪--‬نة)‪ .‬ويش ‪--‬تمل‬
‫العم ‪--‬ل لق ‪--‬اء أج ‪--‬ر أو ربح على العم ‪--‬ل يف األس ‪--‬رة ب ‪--‬دون مقاب ‪--‬ل‪ ،‬والعم ‪--‬ل لتزوي ‪--‬د الس ‪--‬وق بالس ‪--‬لع واخلدمات‪ ،‬ولكن‬
‫يس ‪--‬تبعد من ه ‪--‬ذا العم ‪--‬ل املنزيل وخباص ‪--‬ة أعم ‪--‬ال الطبخ والتنظي ‪--‬ف والكنس ال ‪--‬يت ت ‪--‬ؤدي ب ‪--‬دون مقاب ‪--‬ل‪ .‬ويعت ‪--‬رب حجم‬
‫وتك‪--‬وين الق‪--‬وة العامل‪--‬ة مؤش‪--‬رًا على ثالث‪--‬ة عوام‪--‬ل رئيس‪--‬ية ونتيج‪--‬ة هلا يف ال‪--‬وقت نفس‪--‬ه‪ ،‬هي حجم وتك‪--‬وين الس‪--‬كان‬
‫وخباص‪--‬ة التك‪--‬وين العم‪--‬ري للس‪--‬كان والعوام‪--‬ل االقتص‪--‬ادية واالجتماعي‪--‬ة والثقافي‪--‬ة ال‪--‬يت حتدد املش‪--‬اركة يف ق‪--‬وة العم‪--‬ل‪.‬‬
‫ومن أهم العوامل األخرية ميكن أن نذكر التجديدات الثقافية املتباينة للنوع واألدوار العمرية فيم‪-‬ا يتعل‪-‬ق بنش‪-‬اط ق‪-‬وة‬
‫العمل‪ ،‬وهلذه التحديدات الثقافية قيمة خاصة يف حتديد معدالت املشاركة يف قوة العمل للنساء (‪.)1‬‬

‫ويتحدد معدل النشاط اخلام (نسبة الس‪-‬كان ال‪-‬ذين يفوق‪-‬ون احلد األدىن من العم‪-‬ر وال‪-‬ذين ي‪-‬دخلون يف ق‪-‬وة العم‪-‬ل من‬
‫خالل ثالث‪--‬ة مكون‪--‬ات مش‪--‬اركة ك‪--‬ل من ال‪--‬ذكور واإلن‪--‬اث يف ق‪--‬وة العم‪--‬ل وفق ‪ً-‬ا للتك‪--‬وين العم‪--‬ري والن‪--‬وعي للس‪--‬كان‬
‫ككل‪ .‬ولقد كشف ديوران‪-‬د ‪ Durand‬يف حتليل‪-‬ه املق‪-‬ارن لبيان‪-‬ات التع‪-‬دادات العاملي‪-‬ة خالل العش‪-‬رين عام‪-‬ا من ع‪-‬ام‬
‫‪1946‬م حىت عام ‪1966‬م عن منط يأخذ شكل حرف ‪ U‬املعدل النشاط اخلام طبقًا املستوى التنمية‪.‬‬

‫وأوض ‪--‬ح حتلي ‪--‬ل أمناط التغ ‪--‬ريات م ‪--‬ا بني التع ‪--‬دادات أن هن ‪--‬اك تناقص ‪ً-‬ا يف مع ‪--‬دالت النش ‪--‬اط وك ‪--‬انت س ‪--‬رعة االخنف ‪--‬اض‬
‫ترتب‪--‬ط عكس‪--‬يًا مبس‪--‬توى التنمي‪--‬ة علم ‪ً-‬ا ب‪--‬أن مع‪--‬دل االخنف‪--‬اض ك‪--‬انت حتكم‪--‬ه ع‪--‬دة عوام‪--‬ل أخ‪--‬رى غ‪--‬ري مس‪--‬توى التنمي‪--‬ة‬
‫مبفرده‪ .‬ويوضح حتليل ديوراند أيضًا‪ ،‬أنه م‪-‬ع بق‪-‬اء عام‪-‬ل العم‪-‬ر ثابت‪ً-‬ا اخنفض‪-‬ت مش‪-‬اركة ال‪-‬ذكور يف ق‪-‬وة العم‪-‬ل كلم‪-‬ا‬
‫ارتفعت مستويات التنمية‪ ،‬بينما تتب‪-‬ع مش‪-‬اركة اإلن‪-‬اث منط‪ً-‬ا ميث‪-‬ل ش‪-‬كل ح‪-‬رف ‪ U‬حيث تزي‪-‬د مش‪-‬اركتهن يف البالد‬
‫النامي ‪--‬ة وتنخفض يف املس ‪--‬توى املتوس ‪--‬ط للتنمي ‪--‬ة‪ ،‬مث يع ‪--‬ود لالرتف ‪--‬اع م ‪--‬رة ثاني ‪--‬ة م ‪--‬ع املس ‪--‬تويات العلي ‪--‬ا للتنمي ‪--‬ة‪ .‬وك ‪--‬ان‬

‫)(‪1‬‬
‫‪Ibid, p, 55‬‬

‫‪275‬‬
‫(ديوراند) يرد حوايل نصف االخنفاض يف مع‪--‬دالت النش‪-‬اط اخلام إىل املش‪-‬اركة املتناقص‪--‬ة لل‪-‬ذكور وي‪-‬رد معظم الب‪-‬اقي‬
‫إىل التغريات يف بناء السكان(‪.)1‬‬

‫وق‪--‬امت منظم‪--‬ة العم‪--‬ل الدولي‪--‬ة مبقارن‪--‬ة بيان‪--‬ات الق‪--‬وة العامل‪--‬ة يف الع‪--‬امل‪ ،‬خاص‪--‬ة البالد املتقدم‪--‬ة والبالد النامي‪--‬ة فيم‪--‬ا بني‬
‫األعوام ‪1950‬م ‪1970 -‬م‪ ،‬ووضعت منوذجًا لتوقع السكان حىت عام ‪.2000‬‬

‫وتوض ‪--‬ح الش ‪--‬واهد أن ‪--‬ه يف ع ‪--‬ام ‪1970‬م ق ‪--‬د بل ‪--‬غ مع ‪--‬دل النش ‪--‬اط اخلام للع ‪--‬امل بالنس ‪--‬بة للن ‪--‬وعني مع ‪ً-‬ا ‪ ،% 41.8‬وأن‬
‫املع‪--‬دل يف البالد املتقدم‪--‬ة ق‪--‬د بل‪--‬غ ‪ ،% 45‬وك‪--‬ان يف‪--‬وق املع‪--‬دل يف البالد النامي‪--‬ة ال‪--‬ذي بل‪--‬غ ‪ % 40.4‬وك‪--‬ان مع‪--‬دل‬
‫مشاركة القوة العاملة الن‪-‬وعي حس‪-‬ب العم‪-‬ر بالنس‪-‬بة لل‪-‬ذكور يف البالد النامي‪-‬ة أعلى من‪-‬ه يف البالد املتقدم‪-‬ة خاص‪-‬ة فئ‪-‬ة‬
‫العم‪--‬ر أق‪--‬ل من ‪ 20‬وأعلى من ‪ 55‬س‪--‬نة وك‪--‬ان مع‪--‬دل مش‪--‬اركة الق‪--‬وة العامل‪--‬ة لإلن‪--‬اث‪ ،‬عالي‪ً-‬ا يف البالد النامي‪--‬ة عن‪--‬ه يف‬
‫البالد املتقدم‪--‬ة بالنس‪--‬بة لألش‪--‬خاص ال‪--‬ذي يزي‪--‬دون عن ‪ 15‬س‪--‬نة ولكن‪--‬ه ك‪--‬ان نفس‪--‬ه يف فئ‪--‬ة العم‪--‬ر ‪ 19 - 15‬س‪--‬نة‪،‬‬
‫ويقل عن املشاركة يف فئة العمر ما بني ‪ 20‬إىل ‪ 44‬سنة‪ ،‬مث يزيدون ويرتفع يف فئة العمر أعلى من ‪ 45‬سنة‪.‬‬

‫وعموم ‪ً-‬ا ف ‪--‬إن الش ‪--‬يء الب ‪--‬ارز يف املقارن ‪--‬ة بني البالد املتقدم ‪--‬ة والنامي ‪--‬ة فيم ‪--‬ا يتعل ‪--‬ق مبع ‪--‬دالت املش ‪--‬اركة النوعي ‪--‬ة حس ‪--‬ب‬
‫العم ‪--‬ر‪ ،‬ه ‪--‬و النش ‪--‬اط املنخفض لك ‪--‬ل من ال ‪--‬ذكور واإلن ‪--‬اث يف البالد املتقدم ‪--‬ة‪ ،‬عن ‪--‬د مس ‪--‬توى العم ‪--‬ر الص ‪--‬غري بس ‪--‬بب‬
‫االلتح ‪--‬اق باملدارس‪ ،‬ومع ‪--‬دالت املش ‪--‬اركة املنخفض ‪--‬ة يف البالد املتقدم ‪--‬ة لكال الن ‪--‬وعني من األعم ‪--‬ار األعلى أو أك ‪--‬ثر‬
‫بسبب الرغبة يف التقاعد‪.‬‬

‫ومتثل النسبة العالي‪-‬ة للعمال‪-‬ة يف البالد النامي‪-‬ة خاص‪-‬ة يف الزراع‪-‬ة أيض‪ً-‬ا ع‪-‬امًال يف حتلي‪-‬ل نش‪-‬اط ق‪-‬وة العم‪-‬ل املتزاي‪-‬د لكلي‬
‫النوعني يف فئة العمر ‪ 55‬عامًا ما يزيد عليها يف هذه البالد إذ من السهل مع ه‪--‬ذا العم‪--‬ر أن يس‪--‬تمر نش‪--‬اط العم‪--‬ل يف‬
‫(‪.)2‬‬
‫الزراعة عنه يف الصناعة‬

‫وتوض‪--‬ح الش‪--‬واهد أيض‪ً-‬ا أن‪--‬ه يف ع‪--‬ام ‪1970‬م ك‪--‬انت ح‪--‬وايل نص‪--‬ف ق‪--‬وة العم‪--‬ل يف الع‪--‬امل كك‪--‬ل‪ ،‬ت‪--‬رتكز يف الزراع‪--‬ة (‬
‫‪ )% 51‬وأكثر من الربع تشارك يف اخلدمات وأكثر من اخلمس تشتغل بالصناعة وكانت نسبة كبرية من قوة العمل‬
‫يف البالد النامي ‪--‬ة تعم ‪--‬ل يف الزراع ‪--‬ة حيث بلغت ‪ % 66.6‬يف مقاب ‪--‬ل ‪ % 18.3‬يف البالد املتقدم ‪--‬ة‪ .‬وك ‪--‬انت نس ‪--‬بة‬
‫الع‪--‬املني يف الص‪--‬ناعة يف البالد املتقدم‪--‬ة تزي‪--‬د (‪ )2.4‬م‪--‬رة عنه‪--‬ا يف البالد النامي‪--‬ة بنس‪--‬بة ‪ % 37.6‬يف مقاب‪--‬ل ‪15.9‬‬
‫)(‪1‬‬
‫‪Ibid, p, 55.‬‬
‫)(‪2‬‬
‫‪Ibid, p, 56‬‬

‫‪276‬‬
‫‪ ،%‬كما تفوق نسبة العاملني يف اخلدمات يف البالد املتقدمة (‪ )2.5‬مرة نظريهتا يف البالد النامية‪ ،‬بنس‪-‬بة ‪% 44.1‬‬
‫يف مقابل ‪ % 17.5‬وينطبق نفس النمط العام املتباين على قوة العمل طبقًا للن‪-‬وع‪ ،‬وك‪-‬انت العمال‪-‬ة الزراعي‪-‬ة للنس‪-‬اء‬
‫أكرب منها بالنسبة للرجال‪.‬‬

‫وإذا نظرن‪--‬ا إىل توقع‪--‬ات مكتب منظم‪--‬ة العم‪--‬ل الدولي‪--‬ة للق‪--‬وة العامل‪--‬ة ح‪--‬ىت ع‪--‬ام ‪ 2000‬نالح‪--‬ظ أن‪--‬ه س‪--‬وف تزي‪--‬د ق‪--‬وة‬
‫العم‪--‬ل العاملي‪--‬ة بنس‪--‬بة ‪ %69‬من ‪ 1.509‬بلي‪--‬ون إىل ‪ 2.546‬بلي‪--‬ون أو مبع‪--‬دل يزي‪--‬د على (‪ )1‬بلي‪--‬ون وسيض‪--‬اف من‬
‫بني ه ‪--‬ذه الزي ‪--‬ادة (‪ )886‬ملي ‪--‬ون إىل ق ‪--‬وة العم ‪--‬ل يف البالد النامي ‪--‬ة بنس ‪--‬بة ‪ % 86‬من إمجايل الزي ‪--‬ادة وتش ‪--‬كل ه ‪--‬ذه‬
‫الزيادة يف العمل حتديًا رئيسيًا أم‪-‬ام البالد النامي‪-‬ة يف جهوده‪-‬ا لتحقي‪-‬ق التنمي‪-‬ة الكافي‪-‬ة وتوف‪-‬ري الوظ‪-‬ائف وف‪-‬رص العم‪-‬ل‬
‫القوة العمل املتضاعفة غالبًا هبا(‪.)1‬‬

‫وسيكون هناك من إمجايل الزيادة يف قوة العمل (‪ )688‬مليون أو ‪ % 66‬من الذكور‪ ،‬و( ‪ )349‬مليون أو حوايل‬
‫‪ % 34‬من اإلن‪--‬اث‪ .‬وهك‪--‬ذا‪ ،‬بينم‪--‬ا ك‪--‬انت عمال‪--‬ة ال‪--‬ذكور تتزاي‪--‬د مبع‪--‬دل ‪ %70‬يف ف‪--‬رتة ‪ 30‬عام ‪ً-‬ا‪ ،‬فس‪--‬وف تتزاي‪--‬د‬
‫عمال‪--‬ة النس‪--‬اء مبع‪--‬دل ‪ % 66‬وس‪--‬وف تتزاي‪--‬د عمال‪--‬ة ال‪--‬ذكور يف البالد النامي‪--‬ة حبوايل ‪ 66‬ملي‪--‬ون‪ .‬او مبع‪--‬دل ‪،% 86‬‬
‫وتش ‪--‬كل ‪ %99‬من إمجايل زي ‪--‬ادة عمال ‪--‬ة ال ‪--‬ذكور يف الع ‪--‬امل‪ .‬كم ‪--‬ا س ‪--‬وف تزي ‪--‬د عمال ‪--‬ة النس ‪--‬اء يف ه ‪--‬ذه البالد حبوايل‬
‫‪ 281‬ملي‪-- -‬ون‪ ،‬أو مبع‪-- -‬دل ‪ % 84‬وتش‪-- -‬كل ‪ % 81‬من امجايل زي‪-- -‬ادة عمال‪-- -‬ة النس‪-- -‬اء يف الع‪-- -‬امل‪ .‬ويف البالد املتقدم‪-- -‬ة‬
‫س‪--‬وف تزي‪--‬د عمال‪--‬ة ال‪--‬ذكور عنه‪--‬ا يف البالد النامي‪--‬ة ‪ % 86‬يف مقاب‪--‬ل ‪ ،%25‬وبينم‪--‬ا س‪--‬تزيد عمال‪--‬ة اإلن‪--‬اث يف البالد‬
‫املتقدمة حبوايل ‪ 2.4‬مرات ‪ 84%‬يف مقابل ‪.35‬‬

‫وفيم‪-‬ا يتعل‪-‬ق بتوق‪-‬ع اس‪-‬تمرار االختالف بني مع‪-‬دالت مش‪-‬اركة ق‪-‬وة العم‪-‬ل النوعي‪-‬ة حس‪-‬ب العم‪-‬ر يف البالد لوح‪-‬ظ أن‪-‬ه‬
‫كان معدل نشاط األشخاص ما بني (‪ )14 - 10‬عامًا يف البالد النامية يف عام ‪1970‬م يزي‪-‬د عش‪-‬ر م‪-‬رات عن‪-‬ه يف‬
‫البالد املتقدمة (‪ % 18.2‬مقابل ‪ )% 1.8‬فسوف يتناقص هذا االختالف مع حلول عام ‪ 2000‬ليصل إىل ‪7.5‬‬
‫م ‪--‬رات وباملث ‪--‬ل كم ‪--‬ا لوح ‪--‬ظ ان ‪--‬ه بينم ‪--‬ا ك ‪--‬ان مع ‪--‬دل املش ‪--‬اركة لألش ‪--‬خاص يف فئ ‪--‬ة العم ‪--‬ر (‪ )19 - 15‬س ‪--‬نة يف ع ‪--‬ام‬
‫‪1970‬م يف البالد النامية قد وصل إىل ‪ % 17‬ويزي‪-‬د عن املع‪-‬دل يف البالد املتقدم‪-‬ة‪ ،‬فمن املتوق‪-‬ع أن يص‪-‬ل إىل ‪%8‬‬
‫فقط يف عام ‪ 2000‬وهكذا‪ ،‬تفرتض توقعات منظمة العمل الدولية ح‪--‬دوث بعض الزي‪--‬ادة يف االلتح‪--‬اق باملدارس يف‬

‫)(‪1‬‬
‫‪Ibid, p, 56.‬‬

‫‪277‬‬
‫البالد النامية حتد من املشاركة يف القوة العاملة يف ع‪-‬ام ‪ ،2000‬ولكنه‪-‬ا ليس‪-‬ت كافي‪-‬ة خلفض اهلوة بني البالد النامي‪-‬ة‬
‫واملتقدمة (‪.)1‬‬

‫البطالة والتنمية في البالد المتقدمة والنامية‬

‫تش ‪--‬ري البطال ‪--‬ة إىل احلال ‪--‬ة ال ‪--‬يت جيته ‪--‬د فيه ‪--‬ا اإلف ‪--‬راد الق ‪--‬ادرون والراغب ‪--‬ون يف العم ‪--‬ل وجيدون يف الس ‪--‬عي حنو البحث عن‬
‫ف‪--‬رص العم‪--‬ل ولكنهم ال يس‪--‬تطيعون التوص‪--‬ل إىل ه‪--‬ذه الف‪--‬رص(‪ .)2‬ومتث‪--‬ل البطال‪--‬ة ظ‪--‬اهرة عاملي‪--‬ة هلا ش‪--‬واهدها يف دول‬
‫العامل املتقدم وأسباهبا اخلاصة هبا‪ ،‬وكذلك هلا معدالهتا وعواملها املغايرة أيضًا يف دول العامل النامي األم‪--‬ر ال‪--‬ذي أث‪--‬ار‬
‫الدوائر العلمية حنو ضرورة االهتمام بفهم هذه الظاهرة‪ ،‬وحماولة وضع احللول املناسبة هلا‪ .‬ولق‪-‬د ظه‪-‬ر للبطال‪-‬ة أن‪-‬واع‬
‫متعددة‪ ،‬وأمكن الكشف عن تكوين للبطالة ونتائج اجتماعية واقتصادية متباينة هذه الظاهرة‪.‬‬

‫وكان البد هلذه اجلهود أن تقف على طبيعة البطالة تتحسن نتائجها املختلفة قبل بذل أي جه‪-‬د فع‪-‬ال يف س‪-‬بيل احلد‬
‫من هذه النتائج‪.‬‬

‫ومتثل اجلهود اليت ظهرت يف نطاق تص‪-‬نيف البطال‪-‬ة ‪ -‬خط‪-‬وة جوهري‪-‬ة يف طري‪-‬ق التع‪-‬رف على طبيع‪-‬ة ظ‪-‬اهرة البطال‪-‬ة‪،‬‬
‫ونستطيع أن حنصر تلك اجلهود اليت عنيت بتص‪-‬نيف البطال‪-‬ة يف حماولتني اثن‪-‬تني على األق‪-‬ل األوىل تص‪-‬نيف البطال‪-‬ة إىل‬
‫ما يعرف باسم البطالة السافرة‪ ،‬وتلك اليت تعرف باسم البطالة املقنعة ‪.Disguised Unemployment‬‬

‫وتع‪-‬رف البطال‪-‬ة املقنع‪-‬ة باحلال‪-‬ة ال‪-‬يت تك‪-‬ون فيه‪-‬ا اإلنتاجي‪-‬ة احلدي‪-‬ة للعم‪-‬ل ال‪-‬زراعي مس‪-‬اوية ص‪-‬فر‪ ،‬وأن الن‪-‬اتج الكلي لن‬
‫يتغ‪--‬ري إذا مت س‪-‬حب الف‪--‬ائض من العم‪-‬ل ال‪-‬زراعي م‪--‬ع اف‪-‬رتاض ثب‪-‬ات الظ‪-‬روف األخ‪-‬رى للعم‪-‬ل على حالته‪--‬ا‪ .‬ولتوض‪--‬يح‬
‫ه‪--‬ذا الن‪--‬وع من البطال‪--‬ة ميكن الق‪--‬ول أن البطال‪--‬ة املقنع‪--‬ة تع‪--‬ين وج‪--‬ود نس‪--‬بة من الق‪--‬وة العامل‪--‬ة إنتاجيته‪--‬ا احلدي‪--‬ة ص‪--‬فر أو‬
‫س‪--‬البة يف قط‪--‬اع معني من االقتص‪--‬اد الق‪--‬ومي‪ ،‬وبالت‪--‬ايل ف‪--‬إن س‪--‬حب ه‪--‬ذه النس‪--‬بة إىل قطاع‪--‬ات أخ‪--‬رى لن ينخفض مع‪--‬ه‬
‫حجم اإلنتاج هذا مع افرتاض عدم حدوث تغريات جوهرية أخرى يف عناصر اإلنتاج الباقية(‪.)3‬‬

‫أم‪--‬ا احملاول‪--‬ة الثاني‪--‬ة يف تص‪--‬نيف أن‪--‬واع البطال‪--‬ة‪ ،‬فإهنا تف‪--‬رتض أن هن‪--‬اك ان‪--‬واع ثالث‪--‬ة مومسية‪ ،‬ودروي‪--‬ة‪ ،‬وبنائي‪--‬ة ت‪--‬ؤثر يف‬
‫إح‪--‬داث فج‪--‬وة بني جمم‪--‬وع الطلب على العم‪--‬ل‪ ،‬وبني حجم الق‪--‬وى العامل‪--‬ة‪ ،‬ي‪--‬رتتب عليه‪--‬ا ح‪--‬دوث أن‪--‬واع خمتلف‪--‬ة من‬
‫)(‪1‬‬
‫‪Ibid, p, 60.‬‬
‫)(‪2‬‬
‫‪, p. 339.‬م‪M. J. Ulmer, Economics, Theory & Pracie. Houghton Mif - flin, Comp. Baston, 1965‬‬
‫)(‪3‬‬
‫‪Ibid, p, 338-339.‬‬

‫‪278‬‬
‫البطال ‪--‬ة املومسية‪ ،‬والدوري ‪--‬ة والبنائي ‪--‬ة‪ .‬ويقص ‪--‬د بالبطال ‪--‬ة املومسية ‪ Seasonal‬تل ‪--‬ك احلاالت من البطال ‪--‬ة ال ‪--‬يت حتدث‬
‫مبعدل يتذبذب مع اختالف فصول السنة‪ ،‬وهو منط من البطالة ال يستمر على مدار السنة‪ .‬مبعىن أهنا تستغرق فرصة‬
‫العمل املناسبة ملهنة الشخص بعض فصول السنة دون غريها‪ .‬ويرتبط هبذا الن‪-‬وع من البطال‪-‬ة ن‪-‬وع آخ‪-‬ر يع‪-‬رف باس‪-‬م‬
‫البطالة االحتكاكية ‪ ،Frictional‬وميثل أولئك األشخاص ال‪-‬ذين تت‪-‬اثر مه‪-‬ارهتم يف العم‪-‬ل مبتغ‪-‬ريات دينامي‪-‬ة خاص‪-‬ة‬
‫التغ‪--‬ريات يف أس‪--‬اليب العم‪--‬ل وتكنولوجي‪--‬ة نظ‪--‬ام اإلنت‪--‬اج‪ ،‬ك‪--‬أن ي‪--‬رتتب على األخ‪--‬ذ باآللي‪--‬ة ختل‪--‬ف مه‪--‬ارات معين‪--‬ة وقل‪--‬ة‬
‫احلاجة إليها‪ ،‬وقد يظل األشخاص الذين يعانون البطالة نتيجة هلذا العامل التكنولوجي بدون عمل ملدة طويلة أو ق‪--‬د‬
‫حيص‪--‬لون على ت‪--‬دريب يس‪--‬اعدهم يف االنتق‪--‬ال إىل مهن جدي‪--‬دة‪ .‬ولكن ح‪--‬ىت أذا ع‪--‬ثر األش‪--‬خاص ال‪--‬ذين ينطب‪--‬ق عليهم‬
‫مفهوم البطالة املومسية أو االحتكاكية على عمل يف مك‪-‬ان آخ‪-‬ر‪ ،‬ف‪-‬إن الف‪-‬رتة ال‪-‬يت تنحص‪-‬ر بني انتق‪-‬اهلم إىل ه‪-‬ذا العم‪-‬ل‬
‫اجلديد تستغرق وقتًا كافيًا لظهور هذا النمط من البطالة يف بناء القوة العاملة‪.‬‬

‫أم‪--‬ا البطال‪--‬ة الدوري‪--‬ة ‪ ،Cychical‬فهي ال‪--‬يت اص‪--‬طلح عليه‪--‬ا بنقص الطلب وع‪--‬دم الق‪--‬درة على توف‪--‬ري الوظ‪--‬ائف أم‪--‬ام‬
‫ك‪--‬ل من يرغب‪--‬ون يف العم‪--‬ل ويكون‪--‬ون ق‪--‬ادرين علي‪--‬ه‪ .‬وعلي‪--‬ه تق‪--‬ل ع‪--‬دد الوظ‪--‬ائف الش‪--‬اغرة يف ظ‪--‬ل النظ‪--‬ام االقتص‪--‬ادي‬
‫ككل‪ ،‬عن إمجايل عدد األفراد الذين يبحثون عن عمل‪.‬‬

‫ويطب‪--‬ق مص‪--‬طلح البطال‪--‬ة البنائي‪--‬ة ‪ Structural‬عن‪--‬دما تظه‪--‬ر أوًال قطاع‪--‬ات معين‪--‬ة يف بن‪--‬اء الق‪--‬وة العامل‪--‬ة‪ ،‬ال يس‪--‬تطيع‬
‫األش‪--‬خاص االنتق‪--‬ال منه‪--‬ا بس‪--‬هولة إىل قطاع‪--‬ات أخ‪--‬رى حبث‪--‬ا عن وظيف‪--‬ة جدي‪--‬دة هلم‪ ،‬األم‪--‬ر ال‪--‬ذي تزي‪--‬د مع‪--‬ه مع‪--‬دالت‬
‫البطال‪--‬ة يف ه‪--‬ذه القطاع‪--‬ات عن غ‪--‬ريه من قطاع‪--‬ات االقتص‪--‬اد كك‪--‬ل‪ .‬وأك‪--‬ثر من ذل‪--‬ك متي‪--‬ل مع‪--‬دالت البطال‪--‬ة هن‪--‬ا إىل‬
‫االس ‪--‬تمرار النس ‪--‬يب ع ‪--‬رب العص ‪--‬ور‪ .‬او عن ‪--‬دما يظه ‪--‬ر ثاني ‪ً-‬ا نقص يف الطلب على أن ‪--‬واع معين ‪--‬ة من العم ‪--‬ل‪ ،‬نتيج ‪--‬ة للتغ ‪--‬ري‬
‫التكنولوجي والتحول الناتج يف أمناط الطلب‪ .‬أو عندما يظهر ثالثًا وف‪--‬رة هائل‪--‬ة يف العمال‪--‬ة على حنو ال ميكن اس‪--‬تيعابه‬
‫يف نطاق العدد املتاح من وظائف يف االقتصاد ككل (‪.)1‬‬

‫ويف ضوء هذه التصنيفات األنباء البطالة‪ ،‬ميكن تصور تك‪-‬وين البطال‪-‬ة وتوق‪-‬ع وج‪-‬ود مع‪-‬دالت مرتفع‪-‬ة بني القطاع‪-‬ات‬
‫األقل مهارة واألقل تعليم‪-‬ا وارتف‪-‬اع مع‪-‬دل البطال‪-‬ة بني كب‪-‬ار الس‪-‬ن‪ ،‬وبني اجلماع‪-‬ات العرقي‪-‬ة املختلف‪-‬ة مث‪-‬ل الزن‪-‬وج يف‬
‫الواليات املتحدة األمريكية‪ .‬وهكذا‪.‬‬

‫)(‪1‬‬
‫‪Ibid, p, 339.‬‬

‫‪279‬‬
‫البطالة بين البالد المتقدمة والنامية‬

‫على الرغم من أن نسبة البطالة عمومًا يف أوروبا الغربية كانت تقل عن ‪ 7.4‬يف عام ‪1950‬م وان نسبة البطال‪--‬ة يف‬
‫الواليات املتحدة األمريكية قد وصلت إىل ‪ % 4‬خالل العشر س‪-‬نوات ال‪-‬يت أعقبت احلرب العاملي‪-‬ة األوىل‪ .‬وان ه‪-‬ذه‬
‫النسبة تش‪-‬ري إىل اخنف‪-‬اض مع‪-‬دل البطال‪-‬ة يف البالد املتقدم‪-‬ة بع‪-‬دما ك‪-‬انت نس‪-‬بة البطال‪-‬ة يف ف‪-‬رتات الت‪-‬اريخ الس‪-‬ابقة (قب‪-‬ل‬
‫عام ‪1950‬م) مرتفعة بشكل واضح وتراوحت بني (‪ %25‬و‪ )%12‬خاصة يف املاني‪--‬ا واململك‪--‬ة املتح‪--‬دة‪ .‬إال أن‪--‬ه ال‬
‫ميكن الق‪--‬ول بن‪-‬اء على ذل‪-‬ك أن ال‪-‬دول املتقدم‪--‬ة ال تع‪--‬اين من البطال‪-‬ة أو ال تفتق‪--‬ر إىل ص‪--‬ور البطال‪-‬ة اخلط‪-‬رية ال‪-‬يت حتت‪-‬اج‬
‫إىل ح‪--‬ل‪ .‬ذل‪--‬ك ألن هن‪--‬اك دول من بينه‪--‬ا ال زالت تع‪--‬اين ‪ -‬باس‪--‬تمرار وبش‪--‬كل واض‪--‬ح ويف بعض أقاليمه‪--‬ا‪ ،‬من زي‪--‬ادة‬
‫نسبة البطال‪-‬ة‪ ،‬خاص‪-‬ة يف ايطالي‪-‬ا وايرلن‪-‬دا‪ .‬كم‪-‬ا أن مع‪-‬دل البطال‪-‬ة ق‪-‬د اس‪-‬تمر يف االرتف‪-‬اع النس‪-‬يب يف الوالي‪-‬ات املتح‪-‬دة‬
‫األمريكي‪-‬ة ع‪--‬ام ‪1950‬م ولق‪--‬د أرج‪-‬ع البعض اس‪-‬باب البطال‪-‬ة يف ال‪-‬دول املتقدم‪--‬ة إىل النقص الواض‪--‬ح يف إمجايل الطلب‬
‫على العمل‪ ،‬ولذلك كان التغلب على مشكلة البطالة يف نظرهم ينحصر يف جمرد زيادة حجم العمالة وزيادة الطلب‬
‫األم‪--‬ر ال‪--‬ذي حيتم‪--‬ل مع‪--‬ه أن تنخفض نس‪--‬بة البطال‪--‬ة م‪--‬رة أخ‪--‬رى إىل اق‪--‬ل من ‪ 4‬ولكن بعض وجه‪--‬ات النظ‪--‬ر األخ‪--‬رى‬
‫وخاصة تلك اليت متثل النزعة البنائية‪ ،‬تعرتض بشدة على هذا التفسري وت‪--‬رى أن أس‪--‬باب البطال‪--‬ة ال ت‪--‬رد إىل النقص يف‬
‫إمجايل الطلب على العم ‪--‬ل والوظ ‪--‬ائف‪ ،‬ولكنه ‪--‬ا ت ‪--‬رد إىل ع ‪--‬دم الق ‪--‬درة على التحكم يف املتغ ‪--‬ريات الس ‪--‬ريعة األخ ‪--‬رى‬
‫املؤثرة يف ف‪--‬رص العمال‪--‬ة‪ .‬ذل‪--‬ك ألن تغ‪--‬ري منط الطلب على العم‪--‬ل ق‪--‬د تطلب زي‪--‬ادة الطلب على ذوي التعليم الع‪--‬ايل‪،‬‬
‫ومن ي‪-- -‬دخلون يف فئ‪-- -‬ة ذوي الياق‪-- -‬ات البيض‪-- -‬اء مث‪-- -‬ل رج‪-- -‬ال األعم‪-- -‬ال واإلدارة‪ ،‬وق‪-- -‬ل الطلب على ذوي التعليم غ‪-- -‬ري‬
‫املتخصص وأص‪-‬حاب املهن غ‪-‬ري املاهرة‪ ،‬ومن ي‪-‬دخلون يف فئ‪-‬ة ذوي الياق‪-‬ات الزرق‪-‬اء‪ .‬ونتيج‪-‬ة ل‪-‬ذلك ك‪-‬ان التوس‪-‬ع يف‬
‫إمجايل الطلب على العم ‪--‬ل ي ‪--‬ؤدي إىل نقص يف ف ‪--‬رص العم ‪--‬ل أم ‪--‬ام املهن ال ‪--‬يت يق ‪--‬ل الطلب عليه ‪--‬ا‪ .‬األم ‪--‬ر ال ‪--‬ذي ميكن‬
‫الق‪--‬ول مع‪--‬ه أن ط‪--‬ابع الق‪--‬وة العامل‪--‬ة يف الوالي‪--‬ات املتح‪--‬دة األمريكي‪--‬ة‪ .‬ق‪--‬د خل‪--‬ق عوام‪--‬ل بنائي‪--‬ة أدت إىل اخنف‪--‬اض ف‪--‬رص‬
‫العمالة بني القطاعات األقل ثراء وأن البالد يف حاجة إىل سياسة جديدة تعمل على امتصاص اجلماعات املهنية‪.‬‬

‫ومن ناحية أخرى إذا كانت هناك خصائص عامة ميكن أن جتمع بني جمموعة ال‪--‬دول النامي‪--‬ة يف الع‪--‬امل‪ ،‬فإن‪--‬ه ميكن أن‬
‫نش‪--‬ري إىل أن‪--‬ه من أب‪--‬رز ه‪--‬ذه اخلص‪--‬ائص م‪--‬ا يعكس قص‪--‬ور اس‪--‬تخدام الف‪--‬ائض يف عنص‪--‬ر العم‪--‬ل ال‪--‬ذي يظه‪--‬ر يف ص‪--‬ورة‬
‫البطالة السافرة أو املقنعة (‪.)1‬‬
‫‪ )(1‬أحمد محمد أحمد مندور ‪ ،‬دور الصناعات الصغيرة في زيادة فرص العمالة المنتجة في الدول النامية مع إشارة خاصة لمصر ‪ ،‬رسالة ماجستير في‬
‫االقتصاد ‪ ،‬كلية التجارة جامعة اإلسكندرية ‪1977 ،‬م ‪ ،‬غير منشورة‪.‬‬

‫‪280‬‬
‫وتعترب البطالة املقنعة والبطالة اجلزئية مبثابة أكثر أش‪-‬كال البطال‪-‬ة ش‪-‬يوعًا وال‪-‬يت تعكس ف‪-‬ائض العم‪-‬ل يف ال‪-‬دول النامي‪-‬ة‪.‬‬
‫وب‪--‬رغم ع‪--‬دم ت‪--‬وفر البيان‪--‬ات الدقيق‪--‬ة على ك‪--‬ل من البطال‪--‬ة اجلزئي‪--‬ة والبطال‪--‬ة املقنع‪--‬ة يف البالد النامي‪--‬ة‪ ،‬نظ‪--‬رًا لص‪--‬عوبات‬
‫القي‪--‬اس والتعري‪--‬ف‪ ،‬إال أن اس‪--‬تخدام بعض الط‪--‬رق التقريبي‪--‬ة يف قي‪--‬اس ه‪--‬ذين الن‪--‬وعني من البطال‪--‬ة‪ ،‬س‪--‬واء على املس‪--‬توى‬
‫ال ‪--‬دويل أو على مس ‪--‬توى قط ‪--‬اع معني‪ ،‬ق ‪--‬د أوض ‪--‬ح لن ‪--‬ا أن ف ‪--‬ائض العم ‪--‬ل مبثاب ‪--‬ة نس ‪--‬بة عالي ‪--‬ة من ق ‪--‬وة العم ‪--‬ل يف ال ‪--‬دول‬
‫النامية‪ ،‬وهي نسبة تتزايد مع مرور الوقت بسبب التزايد السريع يف حجم الس‪-‬كان‪ ،‬إذ لوح‪-‬ظ على س‪-‬بيل املث‪-‬ال‪ ،‬أن‬
‫وضع البطالة يف اهلند‪ ،‬قد تفاقم يف الفرتة م‪-‬ا بني ‪1951‬م ‪1961 -‬م بس‪-‬بب التزاي‪-‬د الس‪-‬ريع يف الس‪-‬كان‪ .‬وه‪-‬ذا م‪-‬ا‬
‫أكدت ‪--‬ه نت ‪--‬ائج دراس ‪--‬ات أخ ‪--‬رى أجراه ‪--‬ا ك ‪--‬ل من (روزنس ‪--‬ت ورودن )‪ Rossenst B Rodon .‬على بعض‬
‫ال ‪--‬دول النامي ‪--‬ة‪ ،‬يف الف ‪--‬رتة م ‪--‬ا بني ‪1930‬م ‪1940 -‬م‪ ،‬باس ‪--‬تخدام االحص ‪--‬ائيات املتاح ‪--‬ة عن ف ‪--‬ائض العم ‪--‬ل يف ه ‪--‬ذه‬
‫ال ‪--‬دول‪ ،‬وك ‪--‬ذلك ق ‪--‬د ج ‪--‬اءت تق ‪--‬ارير األمم املتح ‪--‬دة يف ع ‪--‬ام ‪1951‬م جملموع ‪--‬ة الدراس ‪--‬ات ال ‪--‬يت أج ‪--‬ريت على ف ‪--‬ائض‬
‫العم‪-‬ل يف بعض البالد النامي‪-‬ة‪ ،‬مؤي‪-‬دة هلذه النت‪-‬ائج‪ .‬وك‪-‬ذلك أظه‪-‬رت (واري‪-‬نر) ‪ Warriner‬يف مؤلفه‪-‬ا عن األرض‬
‫والفقر يف منطقة الشرق األوسط ع‪-‬ام ‪1951‬م‪ ،‬أن هن‪-‬اك م‪-‬ا يق‪-‬رب من ‪ %50‬من س‪-‬كان الري‪-‬ف املص‪-‬ري يف حال‪-‬ة‬
‫بطالة مقنعة (‪.)1‬‬

‫وتوضح احلقائق السابقة أن جانبًا كبريًا من القوة العامل‪-‬ة يف البالد النامي‪-‬ة يتع‪-‬رض للبطال‪-‬ة الس‪-‬افرة أو املس‪-‬ترتة خاص‪-‬ة‬
‫البطالة املقنعة والبطالة اجلزئية‪ ،‬ولق‪-‬د أرج‪-‬ع البعض تف‪-‬اقم البطال‪-‬ة يف البالد النامي‪-‬ة إىل زي‪-‬ادة الس‪-‬كان‪ ،‬وارج‪-‬ع البعض‬
‫اآلخر ظاهرة البطالة إىل القيود املفروضة على إمكانية حتديث قوى اإلنتاج يف هذه البالد‪.‬‬

‫ولقد سامهت ه‪-‬ذه اجله‪-‬ود ك‪-‬ذلك يف الكش‪-‬ف عن النت‪-‬ائج االقتص‪-‬ادية واالجتماعي‪-‬ة املرتتب‪-‬ة على ظ‪-‬اهرة البطال‪-‬ة‪ .‬فق‪-‬د‬
‫يلح‪--‬ق ب‪--‬اجملتمع نتيج‪--‬ة البطال‪--‬ة نت‪--‬ائج اقتص‪--‬ادية تتمث‪--‬ل يف تبدي‪--‬د الطاق‪--‬ة اإلنتاجي‪--‬ة هلذا الف‪--‬ائض من الق‪--‬وة العامل‪--‬ة ال‪--‬ذي‬
‫يفوت على االقتصاد فرصة زيادة ناجتة‪ ،‬بفعل هذا اجلانب الضائع من املوارد البشرية‪ .‬ونتيجة ملا ميثله قطاع الزراع‪--‬ة‬
‫من أمهي‪--‬ة رئيس‪--‬ية يف غالبي‪--‬ة ال‪--‬دول النامي‪--‬ة‪ ،‬وإس‪--‬هامه بنس‪--‬بة يف ال‪--‬دخل الق‪--‬ومي واس‪--‬تيعاب الق‪--‬وة العامل‪--‬ة‪ ،‬ف‪--‬إن البطال‪--‬ة‬
‫املقنع‪--‬ة ال‪--‬يت تنتش‪--‬ر أساس ‪ً-‬ا يف القط‪--‬اع ال‪--‬زراعي هبذه البالد‪ ،‬يع‪--‬ين اخنف‪--‬اض إنتاجي‪--‬ة االقتص‪--‬اد الق‪--‬ومي وتبدي‪--‬د الف‪--‬ائض‬
‫االقتص‪--‬ادي وال‪--‬ذي ك‪--‬ان ميكن تعبئت‪--‬ه واس‪--‬تثماره من أج‪--‬ل النم‪--‬و االقتص‪--‬ادي (‪ .)2‬وق‪--‬د تلح‪--‬ق ب‪--‬اجملتمع نتيج‪--‬ة البطال‪--‬ة‬
‫كثري من النتائج االجتماعية واملشكالت‪ ،‬واليت تتمثل امهها يف صور اجلرمية املختلفة‪.‬‬
‫‪ )(1‬المرجع السابق‪.‬‬
‫‪ )(2‬المرجع السابق‪.‬‬

‫‪281‬‬
‫ولقد أثارت هذه الظاهرة ووجودها مبعدالت خمتلفة وأس‪-‬باب متباين‪-‬ة يف دول الع‪-‬امل الن‪-‬امي واملتق‪-‬دم‪ ،‬اهتم‪-‬ام ال‪-‬دوائر‬
‫العاملي‪--‬ة‪ ،‬يف حماول‪--‬ة لوض‪--‬ع احلل‪--‬ول املناس‪--‬بة هلا واحلد من النت‪--‬ائج املرتتب‪--‬ة عليه‪--‬ا‪ .‬وك‪--‬انت أفك‪--‬ار حتقي‪--‬ق العمال‪--‬ة الكامل‪--‬ة‪،‬‬
‫والتوازن بني الق‪-‬وى العامل‪-‬ة‪ ،‬وحتس‪-‬ني األوض‪-‬اع االقتص‪-‬ادية واالجتماعي‪-‬ة‪ ،‬وتغي‪-‬ري أمناط الطلب على العم‪-‬ل‪ ،‬والتقلي‪-‬ل‬
‫من س ‪--‬نة التقاع ‪--‬د من أهم األفك ‪--‬ار ال ‪--‬يت تبنته ‪--‬ا كث ‪--‬ري من البالد املتقدم ‪--‬ة يف التغلب على مش ‪--‬كالت البطال ‪--‬ة‪ .‬وك ‪--‬ذلك‬
‫كانت أفكار اإلسراع مبعدالت النم‪-‬و االقتص‪-‬ادي وزي‪-‬ادة ف‪-‬رص العم‪-‬ل املنتج‪-‬ة وخل‪-‬ق جماالت عم‪-‬ل متنوع‪-‬ة تتناس‪-‬ب‬
‫مع القدرات املختلفة‪ ،‬والتوسع يف الص‪-‬ناعات الص‪-‬غرية‪ ....‬اخل‪ ،‬يف مقدم‪-‬ة األفك‪-‬ار ال‪-‬يت تبنته‪-‬ا كث‪-‬ري من البالد النامي‪-‬ة‬
‫يف التغلب على مشكالت البطالة هبا‪.‬‬

‫الخالصة‬

‫ونستطيع أن نلخص من التحليالت السابقة عدة استنتاجات مهمة على النحو التايل ‪:‬‬

‫يزيد حجم السكان يف البالد النامية على نظريه يف البالد املتقدمة حبوايل ثالث‪-‬ة أض‪-‬عاف‪ ،‬بينم‪-‬ا ق‪-‬در مس‪-‬توى‬ ‫‪.1‬‬
‫املعيش ‪--‬ة يف البالد النامي ‪--‬ة مبا يس ‪--‬اوي ‪ .% 2‬من نظ ‪--‬ريه يف البالد املتقدم ‪--‬ة‪ ،‬األم ‪--‬ر ال ‪--‬ذي س ‪--‬اهم من جانب ‪--‬ه يف‬
‫زي‪-- -‬ادة اهلوة امللحوظ ‪-- -‬ة بني ه ‪-- -‬اتني اجملموع ‪-- -‬تني من البالد‪ .‬على أن البالد املتقدم ‪-- -‬ة مل تص ‪-- -‬ل إىل ه‪-- -‬ذا احلجم‬
‫لسكاهنا مرة واحدة وإمنا شهدت أيضًا منوا وزيادة‪ ،‬مل تقف حائًال دون التحديث وزيادة مستوى املعيشة‪.‬‬
‫وهذا على خالف البالد النامية مبا وصلت إليه من حجم متزايد السكاهنا يفوق حىت س‪--‬كان البالد املتقدم‪--‬ة‬
‫وك‪--‬انت يف نفس ال‪--‬وقت تع‪--‬اين من اخنف‪--‬اض مس‪--‬تويات املعيش‪--‬ة‪ ،‬األم‪--‬ر ال‪--‬ذي يؤك‪--‬د أن‪--‬ه إذا ك‪--‬ان ال ب‪--‬د من‬
‫ض ‪--‬بط الس ‪--‬كان ف ‪--‬إن من اجلوهري يف ال ‪--‬وقت نفس ‪--‬ه أال هنم ‪--‬ل عملي ‪--‬ة التح ‪--‬ديث والتنمي ‪--‬ة واملس ‪--‬امهة يف رف ‪--‬ع‬
‫مستوى املعيشية‪.‬‬
‫خيتلف التك‪-‬وين العم‪-‬ري للس‪-‬كان يف البالد النامي‪-‬ة عن نظ‪-‬ريه يف البالد املتقدم‪-‬ة‪ ،‬حيث تزي‪-‬د نس‪-‬بة املعتم‪-‬دين‬ ‫‪.2‬‬
‫الصغار عنها يف البالد املتقدمة‪ ،‬ويصحب ذلك اخنفاض إمجايل الناتج الفردي يف البالد النامية‪ ،‬وزيادة عدد‬
‫األفراد الذين حيتاجون إىل غذاء‪ .‬وقل‪-‬ة ف‪-‬رص االس‪-‬تثمار اإلنت‪-‬اجي وض‪-‬الة ف‪-‬رص التعليم واكتس‪-‬اب امله‪-‬ارات‬
‫بينما كان يقابل اخنفاض نسبة املعتمدين الصغار يف البالد املتقدمة‪ ،‬وزي‪-‬ادة االس‪-‬تثمار اإلنت‪-‬اجي ومنو املوارد‬
‫البش‪--‬رية‪ ،‬وزي‪--‬ادة ف‪--‬رص التعليم واكتس‪--‬اب امله‪--‬ارات‪ .‬األم‪--‬ر ال‪--‬ذي يؤك‪--‬د أن‪--‬ه إذا ك‪--‬ان هن‪--‬اك ض‪--‬رورة لض‪--‬بط‬

‫‪282‬‬
‫الس‪-- -‬كان يف البالد النامي‪-- -‬ة‪ ،‬فال جيب أن ينص‪-- -‬رف فق‪-- -‬ط حنو التحكم يف منو الس‪-- -‬كان‪ ،‬وإمنا ينبغي االهتم‪-- -‬ام‬
‫بتك‪--‬وين الس‪--‬كان وخباص‪--‬ة التك‪--‬وين العم‪--‬ري والنظ‪--‬ر بعني االعتب‪--‬ار إىل نس‪--‬بة املعتم‪--‬دين واحلرص على تناس‪--‬بها‬
‫مع نسبة املنتجني على حنو يسمح باالستثمار اإلنتاجي ومنو املوارد البشرية‪.‬‬
‫هناك معدالت متعجلة وواضحة للتحضر واهلجرة الداخلية يف البالد النامية ترتبت عليها ع‪-‬دة ص‪-‬ور للب‪-‬ؤس‬ ‫‪.3‬‬
‫اإلنس‪-‬اين ولظ‪-‬روف الفق‪-‬ر فلق‪-‬د زاد التحض‪-‬ر يف البالد النامي‪-‬ة ووص‪-‬ل معدل‪-‬ه إىل ثالث م‪-‬رات ض‪-‬عف الزي‪-‬ادة‬
‫يف البالد املتقدم ‪--‬ة ولكن ال تت ‪--‬وفر لس ‪--‬كان اخلض ‪--‬ر يف البالد النامي ‪--‬ة أي ‪--‬ة أس ‪--‬باب الراح ‪--‬ة احلض ‪--‬رية‪ ،‬مث ‪--‬ل املي ‪--‬اه‬
‫النقية وشبكة اجملاري ووسائل النقل واإلس‪-‬كان‪ ،‬ه‪-‬ذا م‪-‬ع توق‪-‬ع زي‪-‬ادة حجم الس‪-‬كان احلض‪--‬ريني مس‪-‬تقبال يف‬
‫هذه البالد‪ ،‬مبا يزي‪-‬د على س‪-‬كان البالد املتقدم‪-‬ة م‪-‬رتني‪ .‬ويف نفس ال‪-‬وقت ميث‪-‬ل منو الس‪-‬كان الري‪-‬ف يف البالد‬
‫النامي‪--‬ة ‪ .4 .7‬من إمجايل منو الس‪--‬كان يف البالد‪ ،‬األم‪--‬ر ال‪--‬ذي يش‪--‬كل حتديًا واض‪--‬حًا أم‪--‬ام اجله‪--‬ود ال‪--‬يت هتدف‬
‫إىل زيادة نصيب الفرد من الناتج القومي‪ ،‬وتلك اليت تعمل على رفع مستوى املعيشة‪.‬‬
‫ختتل‪-- -‬ف العالق‪-- -‬ة بني التحض‪-- -‬ر والتنمي‪-- -‬ة يف البالد النامي‪-- -‬ة عنه‪-- -‬ا يف البالد املتقدم‪-- -‬ة‪ .‬فك‪-- -‬ان التحض‪-- -‬ر يف البالد‬ ‫‪.4‬‬
‫املتقدم ‪--‬ة س ‪--‬ابقًا على التنمي ‪--‬ة أو مص ‪--‬احبًا هلا وح ‪--‬دثت هج ‪--‬رة الس ‪--‬كان من الري ‪--‬ف إىل املدين ‪--‬ة لت ‪--‬وفر األج ‪--‬ور‬
‫األفض‪--‬ل ومس‪--‬تويات املعيش‪--‬ة األنس‪--‬ب | املرتتب‪--‬ة على زي‪--‬ادة اإلنتاجي‪--‬ة يف ه‪--‬ذه املدن‪ .‬بينم‪--‬ا ك‪--‬ان التحض‪--‬ر يف‬
‫البالد النامي‪--‬ة غ ‪--‬ري مرتب‪--‬ط بالتنمي‪--‬ة ويعت‪--‬رب احلجم احلايل للم‪--‬دن الرئيس‪--‬ية يف البالد النامي‪--‬ة نت‪--‬اج ملا ورثت‪--‬ه من‬
‫االس‪--‬تعمار أك‪--‬ثر من‪--‬ه حمص‪--‬لة للتنمي‪--‬ة‪ .‬وش‪--‬هدت ه‪--‬ذه املدن الرئيس‪--‬ية حرك‪--‬ة هج‪--‬رة إليه‪--‬ا بفع‪--‬ل عوام‪--‬ل خمتلف‪--‬ة‬
‫تتمث ‪--‬ل يف االض ‪--‬طرابات وع ‪--‬دم ت ‪--‬وفر األمن يف الق ‪--‬رى فض‪ً- -‬ال عن محالت الغ ‪--‬زو وجه ‪--‬ود التح ‪--‬رر الوط ‪--‬ين‪،‬‬
‫واالخنف ‪--‬اض الس ‪--‬ريع يف مع ‪--‬دالت الوفي ‪--‬ات وأث ‪--‬ره على زي ‪--‬ادة حجم الس ‪--‬كان وعج ‪--‬ز األرض عن إعال ‪--‬ة ه ‪--‬ذا‬
‫العدد‪ ،‬ما دفع السكان إىل األماكن احلضرية‪ ،‬حيملون معهم ظروف الفقر‪.‬‬
‫وختتل‪--‬ف ك‪--‬ذلك نت‪--‬ائج التحض‪--‬ر بني البالد املتقدم‪--‬ة والنامي‪--‬ة‪ ،‬إذ أح‪--‬دث التحض‪--‬ر يف البالد املتقدم‪--‬ة نت‪--‬ائج يف‬
‫طريق ‪--‬ة احلي ‪--‬اة ويف التفاع ‪--‬ل والعالق ‪--‬ات والقيم والنظم‪ ،‬وظه ‪--‬رت مش ‪--‬كالت مغ ‪--‬ايرة مث ‪--‬ل التل ‪--‬وث وازدح ‪--‬ام‬
‫املواصالت والتعليم واإلس‪-‬كان والص‪-‬حة‪ ...‬ومل يكن م‪-‬ا ح‪-‬دث من تغ‪-‬ريات وص‪-‬احب التحض‪-‬ر كطريق‪-‬ة يف‬
‫احلي‪--‬اة يف البالد املتقدم‪--‬ة واض‪--‬حًا ك‪--‬ذلك وبنفس املس‪--‬توى يف املن‪--‬اطق احلض‪--‬رية ب‪--‬البالد النامي‪--‬ة‪ .‬ف‪--‬ربغم ت‪--‬وفر‬
‫احلجم والكثاف‪-‬ة الس‪-‬كانية يف البالد النامي‪-‬ة إال أن التفاع‪-‬ل ك‪-‬ان حمص‪-‬ورًا يف أقس‪-‬ام معزول‪-‬ة من املدين‪-‬ة بس‪-‬بب‬

‫‪283‬‬
‫عوام‪-‬ل ال‪-‬دين واللغ‪-‬ة والس‪-‬اللة واملهن‪-‬ة أو غريه‪-‬ا‪ ،‬وك‪-‬انت ظ‪-‬روف العزل‪-‬ة النس‪-‬بية ه‪-‬ذه واالتص‪-‬االت احملدودة‬
‫تعمل على اس‪-‬تمرار النظم التقليدي‪-‬ة والع‪-‬ادات وأمناط الس‪-‬لوك ال‪-‬يت تق‪-‬اوم التغ‪-‬ري وتع‪-‬وق التنمي‪-‬ة‪ ،‬األم‪-‬ر ال‪-‬ذي‬
‫يؤك‪--‬د ض‪--‬رورة أخ‪--‬ذ موض‪--‬وع توزي‪--‬ع الس‪--‬كان واإلقام‪--‬ة الريفي‪--‬ة واحلض‪--‬رية يف االعتب‪--‬ار عن‪--‬د التفك‪--‬ري يف وض‪--‬ع‬
‫سياسة للتغلب على مشكالت السكان‪ ،‬وحتقيق مستويات عليا يف التنمية‪.‬‬
‫س‪-‬اهم التحض‪-‬ر واهلج‪-‬رة الداخلي‪-‬ة والدولي‪-‬ة وم‪-‬ا يص‪-‬احبها من خلي‪-‬ط س‪-‬كاين كب‪-‬ري يف تك‪-‬وين س‪-‬كاين متب‪-‬اين‬ ‫‪.5‬‬
‫غ‪--‬ري متج‪-‬انس‪ ،‬م‪--‬ا ت‪-‬رتب علي‪-‬ه الكث‪-‬ري من ص‪--‬ور االحتك‪-‬اك والص‪--‬راع يف ك‪-‬ل أرج‪-‬اء الع‪--‬امل ظه‪--‬رت ل‪-‬ه ص‪--‬ورًا‬
‫كث‪--‬رية يف الش‪--‬رق والغ‪--‬رب ويف إفريقي‪--‬ا وآس‪--‬يا والوالي‪--‬ات املتح‪--‬دة األمريكي‪--‬ة‪ .‬وه‪--‬ذه الت‪--‬وترات والص‪--‬راعات‬
‫املصاحبة للتباين السكاين كثريًا ما كانت تعوق جهود التنمية وخباصة يف البالد النامية‪ ،‬طاملا كانت عوام‪--‬ل‬
‫التب‪--‬اين الس‪--‬كاين العرقي‪--‬ة والس‪--‬اللية‪ ،‬والثقافي‪--‬ة واللغوي‪--‬ة والديني‪--‬ة وغريه‪--‬ا حتول دون االتف‪--‬اق على األه‪--‬داف‬
‫والوسائل اليت توصل إىل طريقة التنمي‪-‬ة‪ .‬مما يؤك‪-‬د أيض‪ً-‬ا أمهي‪-‬ة أخ‪-‬ذ ج‪-‬انب التب‪-‬اين الس‪-‬كاين يف االعتب‪-‬ار عن‪-‬د‬
‫النظر إىل العالقة بني السكان والتنمية‪.‬‬
‫يف ‪--‬وق املع ‪--‬دل اخلام النش ‪--‬اط العم ‪--‬ل يف البالد املتقدم ‪--‬ة نظ ‪--‬ريه يف البالد النامي ‪--‬ة‪ .‬ويالح ‪--‬ظ أن اخنف ‪--‬اض نش ‪--‬اط‬ ‫‪.6‬‬
‫ال ‪-- -‬ذكور واإلن ‪-- -‬اث يف البالد املتقدم ‪-- -‬ة من املس ‪-- -‬تويني الص ‪-- -‬غري واألعلى يف العم ‪-- -‬ر‪ ،‬بس ‪-- -‬بب التح‪-- -‬اق الص‪-- -‬غار‬
‫باملدارس ورغب ‪-- -‬ة الكب ‪-- -‬ار يف التقاع ‪-- -‬د‪ ،‬بعكس احلال يف البالد النامي ‪-- -‬ة ال ‪-- -‬يت تزي ‪-- -‬د فيه ‪-- -‬ا نش ‪-- -‬اط الن‪-- -‬وعني من‬
‫املستويني للعمر‪ .‬وكان ارتفاع نسبة النشاط الزراعي يف البالد النامية راجعًا إىل نشاط ق‪--‬وة العم‪--‬ل واملتزاي‪--‬د‬
‫لكلى الن‪--‬وعني يف األعم‪--‬ار األعلى‪ ،‬وعموم‪--‬ا تف‪--‬وق نس‪--‬بة العمال‪--‬ة الزراعي‪--‬ة يف البالد النامي‪--‬ة نظريهتا يف البالد‬
‫املتقدمة‪ .‬بينما تزيد نسبة العمال‪-‬ة الص‪--‬ناعية يف البالد املتقدم‪--‬ة مبع‪--‬دل ‪ 2.4‬م‪--‬رة عن نظريه‪-‬ا يف البالد النامي‪-‬ة‪.‬‬
‫كم‪--‬ا أن هن‪--‬اك زي‪--‬ادة متوقع‪--‬ة يف البالد النامي‪--‬ة تش‪--‬كل حتديًا آخ‪--‬ر أم‪--‬ام جه‪--‬ود التنمي‪--‬ة يف ه‪--‬ذه البالد‪ ،‬وتوف‪--‬ري‬
‫الوظائف وفرص العم‪-‬ل هلذه الزي‪-‬ادة املتوقع‪-‬ة‪ .‬وتض‪-‬اف ه‪-‬ذه النتيج‪-‬ة إىل م‪-‬ا س‪-‬بقها من نت‪-‬ائج‪ ،‬لت‪-‬دعم وجه‪-‬ة‬
‫النظ‪--‬ر ال‪--‬يت تعت‪--‬رب اجلم‪--‬ع بني سياس‪--‬ات الس‪--‬كان وب‪--‬رامج التنمي‪--‬ة كفيًال ب‪--‬التغلب على املش‪--‬كالت يف اجلانبني‪،‬‬
‫وال ‪--‬يت ت ‪--‬دعو إىل مشول النظ ‪--‬رة اجلوانب الس ‪--‬كان لتش ‪--‬مل عناص ‪--‬ره البنائي ‪--‬ة املختلف ‪--‬ة‪ ،‬وخباص ‪--‬ة التك ‪--‬وين امله ‪--‬ين‬
‫والقوة العاملة‪.‬‬

‫‪284‬‬
‫ال ميكن الق‪--‬ول بن‪--‬اء على ض‪--‬آلة نس‪--‬بة البطال‪--‬ة يف البالد املتقدم‪--‬ة أهنا ال تع‪--‬اين من ه‪--‬ذا الن‪--‬وع من مش‪--‬كالت‬ ‫‪.7‬‬
‫العم‪-‬ل والس‪-‬كان‪ ،‬ذل‪-‬ك الن هن‪-‬اك دوال من بينه‪-‬ا ال ت‪-‬زال تع‪-‬اين من زي‪-‬ادة نس‪-‬بة البطال‪-‬ة‪ ،‬كم‪-‬ا اس‪-‬تمر مع‪-‬دل‬
‫البطال ‪-- -‬ة يف االرتف ‪-- -‬اع يف الوالي ‪-- -‬ات املتح ‪-- -‬دة األمريكي ‪-- -‬ة‪ .‬ومن ناحي ‪-- -‬ة أخ ‪-- -‬رى متيزت البالد النامي‪-- -‬ة بقص ‪-- -‬ور‬
‫اس‪--‬تخدام الف‪--‬ائض من عنص‪--‬ر العم‪--‬ل‪ ،‬وال‪--‬ذي يظه‪--‬ر يف ص‪--‬ورة البطال‪--‬ة الس‪--‬افرة واملقنع‪--‬ة واجلزئي‪--‬ة‪ .‬وتع‪--‬د ه‪--‬ذه‬
‫الص‪--‬ور للبطال‪--‬ة من أكثره‪--‬ا ش‪--‬يوعًا يف البالد النامي‪--‬ة‪ ،‬ب‪--‬ل إن نس‪--‬بتها تتزاي‪--‬د م‪--‬ع م‪--‬رور ال‪--‬وقت بس‪--‬بب التزاي‪--‬د‬
‫السريع يف حجم السكان من ناحية‪ ،‬والقيود املفروضة على إمكانية حتديث قوى اإلنتاج يف هذه البالد من‬
‫ناحية أخرى‪ .‬ونتيجة ملا ميثله قطاع الزراعة من أمهية يف الدول النامية ومسامهته بنص‪--‬يب يف ال‪--‬دخل الق‪--‬ومي‬
‫واستيعابه لنسبة كبرية من القوة العاملة‪ ،‬فإن البطالة املقنعة واجلزئية اليت تنتشر يف هذا القطاع يرتتب عليه‪--‬ا‬
‫ضعف اإلنتاجية وتبديد الفائض الذي ميكن تعبئته واستثماره من أجل النمو االقتصادي‪.‬‬

‫الفصل الثالث عشر‬

‫تغير السكان وبرامج التنمية‬


‫تمهيد‬

‫‪285‬‬
‫قس‪--‬منا معاجلة مس‪--‬ألة العالق‪--‬ة بني الس‪--‬كان والتنمي‪--‬ة األغ‪--‬راض الفهم والتوض ‪--‬يح إىل قس‪--‬مني األول ع ‪--‬اجل ج‪--‬انب بن‪--‬اء‬
‫الس‪--‬كان يف عالقت‪--‬ه املتداخل‪--‬ة بالتنمي‪--‬ة‪ ،‬وركزن‪--‬ا التحلي‪--‬ل على احلجم والتك‪--‬وين العم‪--‬ري والتوزي‪--‬ع ال‪--‬ريفي واحلض‪--‬ري‪،‬‬
‫والق ‪--‬وة العامل ‪--‬ة والبطال ‪--‬ة وأوض ‪--‬حنا العالق ‪--‬ة املتداخل ‪--‬ة بني ك ‪--‬ل عنص ‪--‬ر بن ‪--‬ائي منه ‪--‬ا وبني عملي ‪--‬ات التنمي ‪--‬ة االجتماعي ‪--‬ة‬
‫واالقتصادية وأوضحنا إن هذه اجلوانب ال ميكن إغفاهلا يف تصور السياسات االجتماعي‪-‬ة‪ ،‬وض‪-‬رورة األخ‪-‬ذ هبم‪-‬ا مع‪-‬ا‬
‫لتجنب الكث ‪--‬ري من املش ‪--‬كالت االجتماعي ‪--‬ة‪ ،‬وض ‪--‬رورة األخ ‪--‬ذ هبم ‪--‬ا مع ‪--‬ا لتجنب الكث ‪--‬ري من املش ‪--‬كالت االجتماعي ‪--‬ة‬
‫وينص ‪--‬ب التحلي ‪--‬ل يف الفص ‪--‬ل احلايل على ج ‪--‬انب س ‪--‬كاين آخ ‪--‬ر وه ‪--‬و تغ ‪--‬ري الس ‪--‬كان وس ‪--‬نهتم في ‪--‬ه مبعاجلة منو الس ‪--‬كان‬
‫ومع‪--‬دالت الوفي‪--‬ات واهلج‪--‬رة الدولي‪--‬ة‪ ،‬وحناول تعمي‪--‬ق العالق‪--‬ات املتداخل‪--‬ة بني ك‪--‬ل عنص‪--‬ر دين‪--‬امي منه‪--‬ا وبني عملي‪--‬ات‬
‫التنمية االجتماعية واالقتصادية‪ ،‬مث حناول بعد ذل‪-‬ك تن‪-‬اول اإلس‪-‬رتاتيجيات العاملي‪-‬ة البديل‪-‬ة ال‪-‬يت ط‪-‬رحت يف ت‪-‬راث علم‬
‫االجتم ‪-- -‬اع وك ‪-- -‬انت ترتب ‪-- -‬ط مبس ‪-- -‬الة العالق ‪-- -‬ة بني الس ‪-- -‬كان والتنمي ‪-- -‬ة‪ ،‬أو هتدف إىل ختفي ‪-- -‬ف اهلوة بني البالد النامي ‪-- -‬ة‬
‫واملتقدمة‪ ،‬حىت تتاح لنا فرصة استخالص بعض النتائج اليت ميكن أن تثري فهمنا هبذه املسالة وتزي‪--‬د من خ‪--‬ربة الع‪--‬امل‬
‫الثالث يف مواجهة حتديات السكان والتنمية‪.‬‬

‫أوال‪ :‬نمو السكان ومستويات المعيشة في العالم‬

‫وأول خطوة يف دراستنا لنمو السكان ومستويات املعيشة هي النظر إىل تاريخ منو السكان يف العامل‪.‬‬

‫نمو سكان العالم في الماضي‬ ‫ا]‬

‫بالرغم من انه مل يتم بعد إجراء أول تعداد للعامل حىت اآلن‪ ،‬اال ان‪-‬ه من املمكن إن يفي‪-‬د بن‪-‬اء ت‪-‬اريخ منو س‪-‬كان الع‪-‬امل‬
‫بق‪--‬در من الدق‪--‬ة املعقول‪--‬ة‪ ،‬حيث ق‪--‬در س‪--‬كان الع‪--‬امل خالل الف‪--‬رتة القدمية (العص‪--‬ر احلج‪--‬ري) (‪ 6000 - 7000‬قب‪--‬ل‬
‫امليالد) حبوايل ما بني ‪ 10 - 5‬ماليني‪ ،‬ومع بداية عصر املسيح بلغ السكان حوايل ‪ 300‬مليون‪ ،‬ومع بداية العصر‬
‫احلديث (‪ )1650‬بل ‪--‬غ الع ‪--‬دد ح ‪--‬وايل ‪ 500‬ملي ‪--‬ون‪ ،‬ويف ال ‪--‬وقت احلاض ‪--‬ر ق ‪--‬در إمجايل س ‪--‬كان الع ‪--‬امل ب ‪--‬أكثر من ‪4‬‬
‫ماليني‪.‬‬

‫وبن‪--‬اء على اس‪--‬تقرار م‪--‬ا ح‪--‬دث يف املاض‪--‬ي‪ ،‬ميكن الق‪--‬ول أن منو س‪--‬كان الع‪--‬امل ق‪--‬در مبع‪--‬دالت تص‪--‬ل إىل ‪ %2‬ك‪--‬ل ال‪--‬ف‬
‫ع‪--‬ام خالل ‪ 650.000‬ع‪--‬ام يف الفق‪--‬رة القدمية‪ ،‬مث تزاي‪--‬د مع‪--‬دل النم‪--‬و إىل مس‪--‬توى ‪ % 0.4‬إىل ك‪--‬ل ع‪--‬ام م‪--‬ع بداي‪--‬ة‬
‫العصر املسيح‪ ،‬واىل ‪ %0.8‬كل عام مع بداية العصر احلديث‪ ،‬واىل حوايل ‪ % 1‬كل ع‪--‬ام م‪--‬ا بني احلربني الع‪--‬امليتني‬

‫‪286‬‬
‫األوىل والثاني‪--‬ة‪ ،‬وإىل ح‪--‬وايل ‪ % 3‬ك‪--‬ل ع‪--‬ام م‪--‬ع منتص‪--‬ف ع‪--‬ام ‪1950‬م‪ .‬وهك‪--‬ذا تزاي‪--‬د منو س‪--‬كان الع‪--‬امل من ‪% 2‬‬
‫(‪)1‬‬
‫كل الف عام قدميا إىل ‪ % 2‬كل عام يف أواسط عام ‪1950‬م‪.‬‬

‫ولعل أهم ما ميكن استخالصه من الشواهد السابقة بعض النتائج على النحو التايل‪:‬‬

‫مل يكن من املمكن التوصل إىل املعدالت املعاصرة لنمو السكان يف أية فرتة من فرتات التاريخ املاضي‪.‬‬ ‫‪.1‬‬
‫ال ميكن إن تستمر املعدالت املعاصرة لنمو السكان لفرتة طويلة يف املستقبل‪.‬‬ ‫‪.2‬‬
‫سيرتتب على أي معدل للنمو على املدى الطويل شيء من التشبع يف ظل احلدود املعروفة للعامل‪.‬‬ ‫‪.3‬‬
‫ل‪--‬ذالك فال مف ‪--‬ر من التوص ‪--‬ل ع ‪--‬رب ال‪--‬زمن إىل مع ‪--‬دل منو س‪--‬كاين مق ‪--‬داره ص ‪--‬فر‪ .‬ويكفي لتأكي‪--‬د ه ‪--‬ذه النت‪--‬ائج‬ ‫‪.4‬‬
‫االستش ‪--‬هاد باملس ‪--‬لمة القائل ‪--‬ة ب ‪--‬أن النم ‪--‬و الالهنائي يع ‪--‬د أم ‪--‬را مس ‪--‬تحيال م ‪--‬ع احليز احملدود‪ ،‬والع ‪--‬امل ميث ‪--‬ل ح ‪--‬يزا‬
‫حمدودا‪.‬‬

‫ديناميات النمو السكاني‬ ‫ب]‬

‫ينط ‪--‬وي منو الس ‪--‬كان يف الع ‪--‬امل كك ‪--‬ل على عنص ‪--‬رين اث ‪--‬نني‪ ،‬مها اخلص ‪--‬وبة والوفي ‪--‬ات وهن ‪--‬اك ب ‪--‬الطبع اهلج ‪--‬رة الص ‪--‬افية‬
‫كعنص‪--‬ر مك‪--‬ون ث‪--‬الث‪ .‬ويفس‪--‬ر التفاع‪--‬ل بني اخلص‪--‬وبة والوفي‪--‬ات بالنس‪--‬بة للع‪--‬امل كك‪--‬ل‪ ،‬يفس‪--‬ر مع‪--‬دالت النم‪--‬و املتغ‪--‬رية‪.‬‬
‫كم‪--‬ا أهنا تس‪--‬اهم يف تك‪--‬وين فروق‪--‬ات مهم‪--‬ة يف خص‪--‬ائص الس‪--‬كان‪ .‬ولق‪--‬د اعتم‪--‬د على نظري‪--‬ة التح‪--‬ول ال‪--‬دميوجرايف يف‬
‫تفس ‪--‬ري الزي ‪--‬ادة الك ‪--‬ربى يف مع ‪--‬دل منو الس ‪--‬كان يف املاض ‪--‬ي(‪ .)2‬وك ‪--‬انت ه ‪--‬ذه النظري ‪--‬ة تف ‪--‬رتض أن مع ‪--‬دل الوفي ‪--‬ات ق ‪--‬د‬
‫اخنفض كنتيجة جانبية للتحديث – أو التغري السياسي واالقتص‪--‬ادي واالجتم‪-‬اعي – بينم‪-‬ا ظلت مس‪-‬تويات اخلص‪--‬وبة‬
‫عالي‪--‬ة‪ .‬ونتيج‪--‬ة ل‪--‬ذلك‪ ،‬فإن‪--‬ه ي‪--‬رتتب على االرتف‪--‬اع يف الزي‪--‬ادة الطبيعي‪--‬ة زي‪--‬ادة املوالي‪--‬د على الوفي‪--‬ات‪ ،‬زي‪--‬ادة كب‪--‬رية يف‬
‫معدل منو سكان العامل‪ .‬غري أن جهود البحث اليت بذلت واملناقشات اليت دارت عرب العقدين املاض‪--‬يني أوض‪--‬حت أن‬
‫ه ‪--‬ذا التفس ‪--‬ري مبس ‪--‬طًا وذل ‪--‬ك اس ‪--‬تنادًا إىل ع ‪--‬دة ش ‪--‬واهد توض ‪--‬ح أن الزي ‪--‬ادة يف مع ‪--‬دالت النم ‪--‬و ق ‪--‬د ح ‪--‬دثت يف ظ ‪--‬روف‬
‫مغايرة إىل حد كبري‪ ،‬ملا حدث قبل التحديث وكذلك أثناءه‪ .‬وبالرغم من عدم ق‪--‬درة النظري‪--‬ة على تق‪--‬دمي تفس‪--‬ري ت‪--‬ام‬
‫للتح‪-‬ول ال‪-‬دميوجرايف‪ ،‬إال أن‪-‬ه من املع‪-‬روف أن البالد املتقدم‪-‬ة ق‪-‬د بلغت حالي‪ً-‬ا مع‪-‬دالت منو منخفض‪-‬ة نس‪-‬بيًا‪ ،‬وبعض‪-‬ها‬
‫وص ‪--‬ل فعًال إىل مس ‪--‬توى منو ص ‪--‬فرًا أو أق ‪--‬ل من ‪--‬ه‪ ،‬وال ت ‪--‬زال اجملتمع ‪--‬ات النامي ‪--‬ة كك ‪--‬ل‪ ،‬باملقارن ‪--‬ة متر مبع ‪--‬دل منو س ‪--‬ريع‪،‬‬
‫)(‪1‬‬
‫‪M. P. Hauser, op. cit., p. 2.‬‬
‫)(‪2‬‬
‫‪Ibid, p, 4-5.‬‬

‫‪287‬‬
‫ب‪-‬الرغم من أن الش‪-‬واهد ال‪-‬يت ت‪-‬دل على االخنف‪-‬اض يف مع‪-‬دالت النم‪-‬و يف بعض البالد النامي‪-‬ة‪ ،‬ق‪-‬د ب‪-‬دأت ت‪-‬رتاكم‪ .‬وم‪-‬ع‬
‫ذلك فإن كل البالد املتخلفة سوف متر بزيادة سكانية هائلة‪ ،‬على األقل حىت هناية هذا القرن‪.‬‬

‫النمو الحديث للسكان وتباينه في البالد المتقدمة والنامية‬ ‫ج]‬

‫ويعترب منو السكان يف العامل ككل حمصلة للزيادة الطبيعية‪ ،‬وزيادة املواليد على الوفيات‪ ،‬ولكن هناك ق‪--‬درًا كب‪--‬ريًا من‬
‫اخلط‪--‬أ يف األع‪--‬داد املتعلق‪--‬ة بك‪--‬ل من مع‪--‬دل املوالي‪--‬د ومع‪--‬دل الوفي‪--‬ات يف الع‪--‬امل‪ .‬وهلذا ف‪--‬إن حس‪--‬اب مع‪--‬دل منو س‪--‬كان‬
‫العامل قد وقع يف نسبة خطا كبرية مرتتبة على اخلطأ يف كل من معدل املواليد ومعدل الوفيات مبفرده‪.‬‬

‫ول‪--‬ذلك ال ينبغي أن نن‪--‬دهش من ع‪--‬دم وج‪--‬ود اتف‪--‬اق بني ال‪--‬دميوجرافيني على م‪--‬ا إذا ك‪--‬ان مع‪--‬دل منو س‪--‬كان الع‪--‬امل ق‪--‬د‬
‫اخنفض فعال‪ ،‬وإذا ك ‪--‬ان ق ‪--‬د اخنفض‪ ،‬فم ‪--‬ا مق ‪--‬داره؟؟ وأك ‪--‬ثر من ذل ‪--‬ك‪ ،‬ال يوج ‪--‬د هن ‪--‬اك اتف ‪--‬اق بينهم على مق ‪--‬دار م ‪--‬ا‬
‫تساهم به اخلصوبة املتغرية والوفيات بالتحديد يف معدل منو السكان يف العامل(‪.)1‬‬

‫ول‪--‬ذلك فمن اجلوهري أن ن‪--‬ذكر‪ ،‬أن كًال من األمم املتح‪--‬دة ومكتب الوالي‪--‬ات املتح‪--‬دة للتع‪--‬داد ق‪--‬د اعتق‪--‬دا أن مع‪--‬دل‬
‫منو سكان العامل قد اخنفض خالل ‪1970‬م فافرتضت األمم املتحدة‪ ،‬يف حتديد توقعاهتا األكثر حداث‪--‬ة‪ ،‬بل‪--‬وغ مع‪--‬دل‬
‫منو الس‪--‬كان يف الع‪--‬امل ‪ 1.8‬م‪--‬ا بني ع‪--‬امي ‪1975‬م ‪1980 -‬م‪ ،‬وق‪--‬در مكتب الوالي‪--‬ات املتح‪--‬دة للتع‪--‬داد مع‪--‬دل منو‬
‫سكان الع‪-‬امل فيم‪-‬ا بني ‪ 1.7‬و‪ % 2‬ك‪-‬ل ع‪-‬ام‪ .‬وأك‪-‬ثر من ذل‪-‬ك ق‪-‬در مكتب التع‪-‬داد ان‪-‬ه للم‪-‬رة األوىل يف ض‪-‬وء اخلربة‬
‫اإلنسانية احلديثة‪ ،‬مل يرتفع معدل منو سكان العامل وأنه قد اخنفض احتماًال إىل مستوى ‪ 1.9‬كل عام‪.‬‬

‫وميي‪--‬ل االخنف‪--‬اض يف اخلص‪--‬وبة‪ ،‬إىل التقلي‪--‬ل من مع‪--‬دل منو س‪--‬كان الع‪--‬امل‪ ،‬ولكن ينبغي اال ننتظ‪--‬ر ح‪--‬ىت تت‪--‬وافر البيان‪--‬ات‬
‫األكثر دقة عن تلك املتوافرة اآلن لكي نستطيع اإلجابة على السؤال هل ح‪-‬دث اخنف‪-‬اض فعلي يف اخلص‪-‬وبة وإىل أي‬
‫حد؟ وإذا استمر معدل الوفيات يف العامل يف االخنفاض برغم الزيادة الظ‪-‬اهرة يف وفي‪-‬ات بعض البالد‪ ،‬ف‪-‬إن االخنف‪-‬اض‬
‫يف الوفيات قد يع‪-‬ادل أو ي‪-‬وازن االخنف‪-‬اض يف اخلص‪-‬وبة‪ ،‬لدرج‪-‬ة أن مع‪-‬دل منو س‪-‬كان الع‪-‬امل ق‪-‬د ال يتن‪-‬اقص بالض‪-‬رورة‬
‫مع تناقص معدل املواليد(‪.)2‬‬

‫)(‪1‬‬
‫‪Ibid, p, 10-11.‬‬
‫)(‪2‬‬
‫‪Ibid, p, 10.‬‬

‫‪288‬‬
‫وتق ‪--‬در األمم املتح ‪--‬دة مع ‪--‬دالت منو الس ‪--‬كان يف البالد النامي ‪--‬ة حبوايل ‪ % 2.2‬ك ‪--‬ل ع ‪--‬ام للف ‪--‬رتة م ‪--‬ابني ‪1975‬م ‪-‬‬
‫‪1980‬م‪ .‬ويقدر مكتب الواليات املتحدة للتعداد مع‪-‬دل منو الس‪-‬كان يف البالد النامي‪-‬ة م‪-‬ا بني ‪ 2.1‬و‪ % 2.4‬بينم‪-‬ا‬
‫تق‪-‬در األمم املتح‪-‬دة مع‪-‬دل منو البالد املتقدم‪-‬ة حبوايل ‪ % 74‬ك‪-‬ل ع‪-‬ام‪ ،‬بينم‪-‬ا يق‪-‬در مكتب الوالي‪-‬ات املتح‪-‬دة للتع‪-‬داد‬
‫هذا املعدل حبوايل ‪.%0.7-‬‬

‫وجتدر اإلشارة إىل أن هناك جمموعة من أك‪-‬ثر بالد الع‪-‬امل تق‪-‬دمًا ال‪-‬يت يب‪-‬دو أهنا وص‪-‬لت إىل مع‪-‬دل منو س‪-‬كاين مق‪-‬داره‬
‫ص‪--‬فر‪ .‬كم‪--‬ا أن هن‪--‬اك بعض البالد القليل‪--‬ة يف أوروب‪--‬ا ال‪--‬يت ق‪--‬د وص‪--‬لت إىل مع‪--‬دالت حتت الص‪--‬فر فعًال يف منو س‪--‬كاهنا‬
‫وهي النمس‪--‬ا وأملاني‪--‬ا الغربي‪--‬ة والش‪--‬رقية ولكس‪--‬مبورج‪ ،‬ال‪--‬يت زادت فيه ‪--‬ا مع ‪--‬دالت الوفي‪--‬ات على املوالي‪--‬د يف الس‪--‬نوات‬
‫احلديث ‪--‬ة‪ .‬وق ‪--‬د وص ‪--‬لت اململك ‪--‬ة املتح ‪--‬دة اآلن إىل نفس املع ‪--‬دل للموالي ‪--‬د والوفي ‪--‬ات‪ .‬وأك ‪--‬ثر من ذل ‪--‬ك‪ ،‬إذا اس ‪--‬تمرت‬
‫االجتاهات احلالية ملعدل املواليد فإن عدد من البالد األخرى سوف يص‪-‬ل مع‪-‬دل منو الس‪-‬كاين إىل أق‪-‬ل من الص‪-‬فر‪ ،‬يف‬
‫املس‪--‬تقبل الق‪--‬ريب‪ .‬ومن بني ه‪--‬ذه البالد بلجيك‪--‬ا‪ ،‬تشيكوس‪--‬لوفاكيا وال‪--‬دانيمارك‪ ،‬والس‪--‬ويد واجملر وال‪--‬نرويج وذل‪--‬ك يف‬
‫ع ‪--‬ام ‪1990‬م‪ ،‬وق ‪--‬د يتبعه ‪--‬ا يف ذل ‪--‬ك بالد مث ‪--‬ل بلغاري ‪--‬ا وفينلن ‪--‬دا واليون ‪--‬ان اوايطالي ‪--‬ا وسويس ‪--‬را‪ .‬وس ‪--‬وف تنجم عن‬
‫االس ‪--‬تمرار يف ه ‪--‬ذه االجتاه ‪--‬ات بداي ‪--‬ة اخنف ‪--‬اض يف س ‪--‬كان أوروب ‪--‬ا كك ‪--‬ل وس ‪--‬كان االحتاد الس ‪--‬وفييت م ‪--‬ع هناي ‪--‬ة الق ‪--‬رن‪،‬‬
‫وسكان الواليات املتحدة يف حوايل عام ‪ .2015‬هذا وقد مت التوصل إىل ه‪--‬ذه النت‪-‬ائج على أس‪-‬اس البيان‪-‬ات املت‪-‬وفرة‬
‫وعلى أس‪-- -‬اس التوقع‪-- -‬ات ال‪-- -‬يت أع‪-- -‬دها (ش‪-- -‬اريل وس‪-- -‬توف) ‪ Westoff‬الب‪-- -‬احث مبكتب حبوث الس‪-- -‬كان يف جامع‪-- -‬ة‬
‫برنستون‪.‬‬

‫وهذه االجتاهات يف البالد املتقدمة‪ ،‬بالطبع قد تساهم يف االخنفاض املمكن يف مع‪--‬دل منو س‪--‬كان الع‪--‬امل‪ ،‬ولكن ينبغي‬
‫أن نؤكد أن هذه البالد املتقدمة تشكل فقط ‪ 28 .7‬من إمجايل سكان العامل )‪.(1‬‬

‫توقعات نمو سكان العالم حتى عام ‪2000‬‬ ‫د]‬

‫)(‪1‬‬
‫‪Ibid, p, 11.‬‬

‫‪289‬‬
‫فم‪--‬ا ال‪--‬ذي نتوقع‪--‬ه بالنس‪--‬بة لنم‪--‬و س‪--‬كان الع‪--‬امل م‪--‬ع هناي‪--‬ة ه‪--‬ذا الق‪--‬رن؟ لق‪--‬د ح‪--‬اولت األمم املتح‪--‬دة أن جتيب على ه‪--‬ذا‬
‫السؤال‪ .‬وقدر النمو املتوق‪-‬ع للس‪-‬كان ع‪-‬ام ‪1978‬م وف‪-‬ق اس‪-‬قاط االختالف املتوس‪-‬ط‪ ،‬حبوايل ‪ 6.3‬بلي‪-‬ون م‪-‬ع حل‪-‬ول‬
‫عام ‪.2000‬‬

‫وقد يصل سكان العامل إىل حوايل ‪ 6.5‬بليون على أساس إسقاط االختالف املرتفع ويصل س‪-‬كان الع‪-‬امل إىل ح‪-‬وايل‬
‫‪ 5.9‬بليون على أساس إسقاط االختالف املنخفض وهذا ما يوضحه اجلدول رقم (‪.) 8‬‬

‫ويوضح اجلدول أيضًا توقعات السكان يف البالد املتقدمة والنامية وأن النس‪-‬بة العظمى يف النم‪-‬و املتوق‪-‬ع س‪-‬وف حتدث‬
‫يف البالد النامية‪.‬‬

‫ومن إمجاىل الزيادة املتوقعة حوايل ‪ 2.6‬مليون ش‪-‬خص من‪-‬ذ ع‪--‬ام ‪1970‬م‪ .‬وطبق‪ً-‬ا االس‪-‬قاطات االختالف املتوس‪-‬ط‪،‬‬
‫فإن ‪ 2.3‬مليون أو ‪ ،%90‬قد تضاف إىل البالد النامية‪ .‬وهكذا فإن البالد النامية‪ ،‬يف فرتة تقل بكثري عن جيل‪ ،‬م‪--‬ا‬
‫بني ‪1970‬م و‪ ،2000‬تصل الزيادة هبا إىل حد يساوي ما كان على األرض كلها من سكان عام ‪1950‬م(‪.)1‬‬

‫وملا ك‪--‬انت النت‪--‬ائج الس‪--‬ابقة تلقي الض‪--‬وء على اجلانب األول من موض‪--‬وعنا ال‪--‬ذي نع‪--‬اجل في‪--‬ه العالق‪--‬ة م‪--‬ا بني منو س‪--‬كان‬
‫الع‪--‬امل ومس‪--‬توى املعيش‪--‬ة‪ ،‬فلق‪--‬د ك‪--‬ان من الط‪--‬بيعي أن ننتق‪--‬ل إىل اخلط‪--‬وة الثاني‪--‬ة يف حتليلن‪--‬ا هلذا املوض‪--‬وع وال‪--‬يت تنص‪--‬ب‬
‫على مس ‪--‬توى املعيش ‪--‬ة يف الع ‪--‬امل كمؤش ‪--‬ر على عملي ‪--‬ات التنمي ‪--‬ة االجتماعي ‪--‬ة واالقتص ‪--‬ادية في ‪--‬ه إذ تق ‪--‬دم املعادل ‪--‬ة التالي ‪--‬ة‬
‫مؤشرًا مبسطًا للعالقات بني السكان ومستوى املعيشة‪ L = o / p :‬حيث تدل على مستوى املعيش‪-‬ة‪ ،‬وميث‪-‬ل (‪)o‬‬
‫إمجايل الن‪--‬اتج (اإلنت‪--‬اج)‪ ،‬ويش‪--‬ري ‪ p‬إىل الس‪--‬كان واملف‪--‬رتض أن‪--‬ه ال ميكن أن يزي‪--‬د مس‪--‬توى معيش‪--‬ة الش‪--‬عب بوض‪--‬وح إال‬
‫إذا ك‪-‬انت زي‪-‬ادة اإلنت‪-‬اج أك‪-‬ثر س‪-‬رعة من الس‪-‬كان(‪ )2‬وإذا ك‪-‬ان تزاي‪-‬د اإلنت‪-‬اج والس‪-‬كان بنفس املع‪--‬دل‪ ،‬يظ‪-‬ل مس‪-‬توى‬
‫املعيشة هو نفسه بالنسبة للقسم األكرب من السكان‪ ،‬وإذا كان السكان يزيدون مبعدل أكرب س‪--‬رعة من اإلنت‪--‬اج‪ ،‬ف‪--‬إن‬
‫مستوى املعيشة يتجه حنو االخنفاض وهكذا‪ ،‬مع تساوي كل العوامل األخرى‪ ،‬وإذا أمكن زي‪-‬ادة اإلنت‪-‬اج بينم‪-‬ا يظ‪-‬ل‬
‫السكان بنفس احلجم فإن النمو يف االنتاج يسهم يف حتقيق مستويات عليا للمعيشة لكل فرد‪.‬‬

‫)(‪1‬‬
‫‪Ibid, p, 12-13.‬‬
‫)(‪2‬‬
‫‪Ibid, p, 13.‬‬

‫‪290‬‬
‫جدول رقم (‪)8‬‬

‫تقدير سكان العالم في الماضي والحاضر والمستقبل (‪1750‬م – ‪2000‬م)‬

‫نسبة السكان‬ ‫السكان بالمليون‬


‫العالم‬
‫البالد‬
‫البالد المتخلفة البالد النامية‬ ‫البالد النامية‬ ‫البالد المتقدمة‬ ‫العام‬
‫المتخلفة‬
‫‪74.6‬‬ ‫‪25.4‬‬ ‫‪590‬‬ ‫‪201‬‬ ‫‪791‬‬ ‫‪1750‬م‬
‫‪74.6‬‬ ‫‪25.4‬‬ ‫‪730‬‬ ‫‪248‬‬ ‫‪978‬‬ ‫‪1800‬م‬
‫‪72.5‬‬ ‫‪27.5‬‬ ‫‪348‬‬ ‫‪915‬‬ ‫‪1.262‬‬ ‫‪1850‬م‬
‫‪65.3‬‬ ‫‪34.7‬‬ ‫‪1.077‬‬ ‫‪573‬‬ ‫‪1.650‬‬ ‫‪1900‬م‬
‫‪65.5‬‬ ‫‪34.5‬‬ ‫‪1.628‬‬ ‫‪858‬‬ ‫‪4.286‬‬ ‫‪1950‬م‬
‫‪75.1‬‬ ‫‪24.9‬‬ ‫‪2.542‬‬ ‫‪1.090‬‬ ‫‪3.632‬‬ ‫‪1970‬م‬
‫‪79.8‬‬ ‫‪20.2‬‬ ‫‪4.997‬‬ ‫‪1.264‬‬ ‫‪6.261‬‬ ‫‪2000‬م‬
‫‪78.5‬‬ ‫‪21.5‬‬ ‫‪5.128‬‬ ‫‪1.402‬‬ ‫‪6.530‬‬ ‫اختالف عال‬
‫‪78.3‬‬ ‫‪21.7‬‬ ‫‪4.866‬‬ ‫‪1.345‬‬ ‫‪6.211‬‬ ‫اختالف متوسط‬
‫‪77.9‬‬ ‫‪12.1‬‬ ‫‪4.564‬‬ ‫‪1.295‬‬ ‫‪5.859‬‬ ‫اختالف منخفض‬

‫وهذه الطريقة يف توض‪-‬يح العالق‪-‬ة بني رد فريق‪-‬ه يف توض‪-‬يح العالق‪-‬ة بني زي‪-‬ادة الس‪-‬كان ومس‪-‬توى املعيش‪-‬ة تعت‪-‬رب طريق‪-‬ة‬
‫مبس‪-- -‬طة‪ ،‬ألهنا تتجاه‪-- -‬ل العالق‪-- -‬ات املتداخل‪-- -‬ة واملعق‪-- -‬دة بني البس‪-- -‬ط ‪ numerator‬واملق‪-- -‬ام ‪ denumerator‬يف‬
‫اجلانب األمين من املعادل‪--‬ة ك‪--‬ذلك الط‪--‬ابع املركب ملس‪--‬تويات املعيش‪--‬ة تل‪--‬ك العالق‪--‬ات ال‪--‬يت مت الكش‪--‬ف عنه ‪--‬ا تفص ‪--‬يليًا‬
‫وتناولناها يف حديث سابق‪.‬‬

‫وتلقي ه‪--‬ذه املعادل‪--‬ة الض‪--‬وء على مب‪--‬دأ م‪--‬التس للس‪--‬كان‪ ،‬ويع‪--‬ين أن الس‪--‬كان يزي‪--‬دون بالض‪--‬رورة على وس‪--‬ائل العيش‪.‬‬
‫ولكن م‪--‬التس نفس‪--‬ه مل يتوق‪--‬ع الزي‪--‬ادة ال‪--‬يت ميكن مالحظاهتا يف اإلنتاجي‪--‬ة املرتتب‪--‬ة على ظه‪--‬ور العلم وتط‪--‬بيق املعرف‪--‬ة يف‬
‫تطوير التكنولوجيا‪.‬‬

‫‪291‬‬
‫وكان من نتائج هذه التطورات يف البالد املتقدمة حاليًا‪ ،‬كما أثبتت ذل‪-‬ك (كوزن‪-‬تيس) ‪ kuzents‬بالوث‪-‬ائق‪ ،‬حتقي‪-‬ق‬
‫مستوى عال للمعيشة‪ ،‬ليس فقط برغم املعدالت العالية لزيادة السكان يف ظل ظروف االبتكار التكنولوجي‪ ،‬مبا يف‬
‫ذلك االستفادة من مصادر غري بشرية للطاقة‪ .‬مكنت اإلنتاج من أن يزي‪-‬د بس‪-‬رعة تف‪-‬وق ح‪-‬ىت املع‪-‬دالت العالي‪-‬ة لنم‪-‬و‬
‫الس‪-‬كان‪ .‬ويف ض‪-‬وء خ‪-‬ربة البالد املتقدم‪-‬ة‪ ،‬س‪-‬اهم النم‪-‬و الس‪-‬كاين الس‪-‬ريع إىل ج‪-‬انب اإلنتاجي‪-‬ة املتزاي‪-‬دة بدرج‪-‬ة كب‪-‬رية‬
‫يف أن يزيد االقتصاد يف معدل إنتاجه وحيدث التوسع السريع يف األسواق لتصريف اإلنتاج املتزايد (‪.)1‬‬

‫ولكن لسوء احلظ حدث منو السكان السريع يف البالد النامية حاليًا يف سياق مغ‪-‬اير متام‪ً-‬ا‪ .‬فالس‪-‬كان يف زي‪-‬ادة هائل‪-‬ة‪،‬‬
‫ب‪-‬دون إنت‪-‬اج متزاي‪-‬د ل‪-‬ه قيمت‪-‬ه يف البالد النامي‪-‬ة‪ .‬ومتي‪-‬ل الزي‪-‬ادة الس‪-‬كانية الس‪-‬ريعة يف االقتص‪--‬اد ال‪-‬زراعي التقلي‪-‬دي ال‪-‬ذي‬
‫يص‪-- -‬حبه تغ‪-- -‬ري طفي‪-- -‬ف يف التكنولوجي‪-- -‬ا واإلنتاجي‪-- -‬ة ميي‪-- -‬ل إىل أن يواكب‪-- -‬ه عائ‪-- -‬د متن‪-- -‬اقص أك‪-- -‬ثر من ازده‪-- -‬ار االقتص‪-- -‬اد‬
‫‪ economic of scale‬وأكثر من ذلك‪ ،‬فإن النمو السريع للسكان الذي مييز اجملتمعات النامية حيدث يف وقت‬
‫تف‪-‬وق في‪-‬ه نس‪-‬بة الس‪-‬كان فعًال نس‪-‬بة املوارد‪ ،‬وذل‪-‬ك م‪-‬ع غي‪-‬اب التغ‪-‬ريات الثقافي‪-‬ة احلامسة من الن‪-‬وع ال‪-‬ذي عرفت‪-‬ه البالد‬
‫الغربي ‪--‬ة املتقدم‪-- -‬ة‪ ،‬مث ‪--‬ل االس ‪--‬تنارة‪ ،‬واإلص‪-- -‬الح وظه‪-- -‬ور العلم والتكنولوجي ‪--‬ا املتقدم‪-- -‬ة‪ .‬وأك ‪--‬ثر من ذل ‪--‬ك‪ ،‬حيدث منو‬
‫الس‪--‬كان يف البالد النامي‪--‬ة‪ ،‬وال‪--‬ذي ميت‪--‬از بنم‪--‬و أك‪--‬ثر س‪--‬رعة مما ه‪--‬و احلال يف البالد املتقدم‪--‬ة‪،‬كم‪--‬ا ذكرن‪--‬ا س‪--‬الفًا‪ ،‬حيدث‬
‫بينما ال تزال مجاهري ضخمة من السكان يعانون من األمية وقلة املهارة‪ ،‬ويغوصون يف الفقر‪ ،‬واليأس يف الغالب‪.‬‬

‫وخالل مراح‪--‬ل االنطالق االقتص‪--‬ادي املبك‪--‬ر يف البالد املتقدم‪--‬ة‪ ،‬ج‪--‬اء القس‪--‬م األك‪--‬رب من راس املال املطل‪--‬وب لتموي‪--‬ل‬
‫عملية التصنيع والتحضر من اإلنتاجية املتزايدة يف الزراعة‪ ،‬والناشئة عن التقدم يف التكنولوجيا الزراعية بينما ال ي‪-‬زال‬
‫اإلنتاج الزراعي يف البالد النامية اليوم منخفضا ما عدا املساحات احملدودة واليت تأثرت اجيابيا ب‪-‬الثورة اخلض‪-‬راء‪ ،‬ألن‪-‬ه‬
‫ال يزال هنا نقص يف رأس املال‪.‬‬

‫وق ‪--‬در مس ‪--‬توى املعيش ‪--‬ة يف البالد النامي ‪--‬ة مبا يع ‪--‬ادل مخس مس ‪--‬توى املعيش ‪--‬ة يف البالد املتقدم ‪--‬ة وم ‪--‬ع بداي ‪--‬ة الق ‪--‬رن احلايل‬
‫وحلول عام ‪1970‬م اتسع هذا الفارق لدرجة أن مستوى املعيشة للبالد املتقدمة بلغ ضعف نظريه يف ه‪--‬ذه البالد (‬
‫‪ )14‬مرة(‪.)2‬‬

‫)(‪1‬‬
‫‪Ibid, p, 24.‬‬
‫)(‪2‬‬
‫‪Ibid, p, 30-32.‬‬

‫‪292‬‬
‫وهناك على األقل جانب واحد متتاز ب‪-‬ه اجملتمع‪-‬ات النامي‪-‬ة الي‪-‬وم فعال عن اجملتمع‪-‬ات املتقدم‪-‬ة‪ ،‬وقب‪-‬ل أن تص‪-‬ل األخ‪-‬رية‬
‫إىل املس ‪--‬تويات العالي ‪--‬ة نس ‪--‬بيا يف التنمي ‪--‬ة‪ .‬وتكمن ه ‪--‬ذه امليزات يف اإلدراك الع ‪--‬ام لتل ‪--‬ك اهلوة الض ‪--‬خمة يف مس ‪--‬تويات‬
‫املعيش‪--‬ة بني األمم ال‪--‬يت متل‪--‬ك وبني تل‪--‬ك ال‪--‬يت ال متل‪--‬ك ش‪--‬يئا‪ ،‬ويف زي‪--‬ادة املط‪--‬امح القومي‪--‬ة حنو مس‪--‬تويات علي‪--‬ا للمعيش‪--‬ة‬
‫ويف وج‪-‬ود األمم املتح‪-‬دة‪ ،‬وهيئاهتا املتخصص‪-‬ة لتق‪-‬دمي املس‪-‬اعدة للمجتمع‪-‬ات األق‪-‬ل تق‪-‬دما‪ ،‬ويف ال‪-‬ربامج املختلف‪-‬ة ال‪-‬يت‬
‫تنظمها األمم املتحدة لتقدمي املساعدة للبالد النامية(‪.)1‬‬

‫ثانيًا‪ :‬انخفاض معدل الوفيات وانعكاسه على التنمية‬

‫ذكرنا أن تن‪-‬اقص الوفي‪-‬ات يعت‪-‬رب أح‪-‬د النت‪-‬ائج الدميوجرافي‪-‬ة املبك‪-‬رة نس‪-‬بيا للتص‪-‬نع وق‪-‬د يك‪-‬ون ملث‪-‬ل ه‪-‬ذا التن‪-‬اقص نت‪-‬ائج‬
‫مفي ‪--‬دة وأخ ‪--‬رى عكس ‪--‬ية على التنمي ‪--‬ة‪ .‬فمثال من أول النت ‪--‬ائج املفي ‪--‬دة م ‪--‬ا يظه ‪--‬ر يف ص ‪--‬ورة اإلنتاجي ‪--‬ة احملس ‪--‬نة واحملتمل ‪--‬ة‬
‫للعمل‪ ،‬وهي نتيجة ممكنة االن تناقص الوفيات جيب إن يصحبه تن‪-‬اقص اإلص‪-‬ابة ب‪-‬املرض‪ ،‬وحتس‪-‬ن يف الص‪-‬حة وال‪-‬ذي‬
‫يع‪--‬د ب‪--‬دوره أم‪--‬را فع‪--‬اال يف حتس‪--‬ن ن‪--‬اتج العم‪--‬ل‪ .‬وأك‪--‬ثر من ذل‪--‬ك‪ ،‬تنعكس الوفي‪--‬ات املتناقص‪--‬ة يف تزاي‪--‬د س‪--‬نوات اإلنت‪--‬اج‬
‫لكل شخص مع تزايد السنوات اليت يقضيها الشخص يف قوة العمل‪ .‬هذا فضًال عن الزيادة يف خص‪--‬وبة املرأة النامجة‬
‫عن بق ‪--‬اء النس ‪--‬اء أحي ‪--‬اء مبع ‪--‬دل أك ‪--‬رب خالل ف ‪--‬رتة اخلص ‪--‬وبة والق ‪--‬درة البيولوجي ‪--‬ة على اإلجناب احملس ‪--‬نة نتيج ‪--‬ة الص ‪--‬حة‬
‫األفض ‪--‬ل‪ .‬وهن ‪--‬اك بعض الش ‪--‬واهد على أن االخنف ‪--‬اض يف اخلص ‪--‬وبة النامجة عن ارتف ‪--‬اع الس ‪--‬ن عن ‪--‬د ال ‪--‬زواج وبس ‪--‬بب‬
‫التح‪-‬ديث‪ ،‬ق‪-‬د ب‪-‬دأت وإىل ح‪-‬د هائ‪-‬ل م‪--‬ع اخلص‪--‬وبة املتزاي‪-‬دة لألم يف بعض البالد وحيتم‪-‬ل أن يك‪-‬ون للمي‪-‬ل إىل اإلبق‪--‬اء‬
‫على اخلصوبة العالية نتائج عكسية على التنمية من النوع الذي قد ناقشناه فعًال‪.‬‬

‫وأك‪--‬ثر من ذل‪--‬ك‪ ،‬إن تن‪--‬اقص الوفي‪--‬ات كم‪--‬ا ق‪--‬د أش‪--‬رنا‪ ،‬حيدث أوًال بس‪--‬بب االخنف‪--‬اض يف ح‪--‬االت الوف‪--‬اة الراجع‪--‬ة إىل‬
‫اإلص ‪--‬ابة ب ‪--‬أمراض طفيلي ‪--‬ة ومعدي ‪--‬ة وغريه ‪--‬ا‪ .‬وت ‪--‬ؤثر ه ‪--‬ذه األس ‪--‬باب يف الوف ‪--‬اة يف أع ‪--‬داد املول ‪--‬ودين ح ‪--‬ديثًا والص ‪--‬غار يف‬
‫معظمهم وهك‪--‬ذا‪ ،‬ف‪--‬إن املكاس‪--‬ب األولي‪--‬ة يف الوفي‪--‬ات وال‪--‬يت ت‪--‬ؤثر يف زي‪--‬ادة نس‪--‬بة الص‪--‬غار تب‪--‬دأ قب‪--‬ل اخنف‪--‬اض اخلص‪--‬وبة‬
‫ولألسباب اليت الحظناها فعًال‪ ،‬مييل هذا إىل اإلبق‪-‬اء على بن‪-‬اء عم‪-‬ري أو تك‪-‬وين غ‪-‬ري مالئم للتنمي‪-‬ة‪ ،‬على األق‪-‬ل على‬
‫املدى القصري‪.‬‬

‫)(‪1‬‬
‫‪Ibid, p, 33.‬‬

‫‪293‬‬
‫وجيب أن نذكر أيضًا‪ ،‬على أية ح‪-‬ال‪ .‬أن املع‪--‬دل املتن‪-‬اقص لوفي‪-‬ات األطف‪-‬ال واملول‪-‬ودين ال‪-‬ذي ينجم عن‪-‬ه حجم أس‪-‬رة‬
‫كب‪-‬رية حيتم‪-‬ل أن يغ‪-‬ري األمناط التقليدي‪-‬ة يف احلي‪-‬اة األس‪-‬رية‪ ،‬لدرج‪-‬ة إن اآلب‪-‬اء يول‪-‬ون عن‪-‬ايتهم ورغبتهم يف إنق‪-‬اص ع‪-‬دد‬
‫املواليد اإلمجايل‪ .‬وهذه االعتبارات متيل بدون شك إىل زيادة الطلب على خدمات تنظيم األسرة‪.‬‬

‫ومن مث فإنه برغم أن االخنف‪-‬اض يف مع‪-‬دالت الوفي‪-‬ات يعت‪-‬رب أم‪-‬رًا مرغوب‪-‬ا في‪-‬ه كه‪-‬دف يف ذات‪-‬ه عاملي‪ً-‬ا‪ ،‬إال أن مث‪-‬ل ه‪-‬ذا‬
‫االخنفاض‪ ،‬على األقل يف بعض السياقات قد ميي‪-‬ل على املدى القص‪--‬ري إىل إعاق‪-‬ة التنمي‪-‬ة االقتص‪--‬ادية أك‪-‬ثر من ميل‪-‬ه إىل‬
‫تعجيله‪--‬ا‪ ،‬إال أن‪--‬ه ال يوج‪--‬د هن‪--‬اك جمتم‪--‬ع ب‪--‬دون ش‪--‬ك‪ ،‬ال يناض‪--‬ل من أج‪--‬ل حتقي‪--‬ق مع‪--‬دالت وفي‪--‬ات منخفض‪--‬ة وزي‪--‬ادة‬
‫طول فرتة احلياة لسكانه(‪.)1‬‬

‫ثالثًا‪ :‬ديناميات الهجرة الدولية ومستقبل التنمية‬

‫تعت ‪--‬رب حرك ‪--‬ة الس ‪--‬كان من البالد النامي ‪--‬ة الفق ‪--‬رية إىل البالد الغني ‪--‬ة واح ‪--‬دة من الس ‪--‬مات األساس ‪--‬ية املم ‪--‬يزة لالقتص ‪--‬اد‬
‫العاملي‪ .‬وهذه احلركة تشتمل على اعداد بسيطة من املهنيني والفن‪-‬يني واإلداريني (نزي‪-‬ف العق‪-‬ول ال‪-‬ذي مل نتط‪-‬رق إىل‬
‫معاجلته بوجه خاص)(‪ ،)2‬وعلى أعداد كبرية من العمال اآلخرين الذين نطلق عليهم اس‪-‬م العم‪-‬ال امله‪--‬اجرين‪ .‬وهن‪-‬اك‬
‫حالي‪ً-‬ا م‪--‬ا يق‪--‬رب من ‪ 12‬ملي‪--‬ون من مواط‪--‬ين بالد الع‪--‬امل الث‪--‬الث ذوي الفعالي‪--‬ة االقتص‪--‬ادية ال‪--‬ذين ه‪--‬اجروا وق‪--‬د حص‪--‬ل‬
‫العديد منهم على اجلنسية واكتسبوا جنسية البلد اليت يعملون فيها‪.‬‬

‫ويض ‪--‬اف إىل ه ‪--‬ذا احلجم للعم ‪--‬ال امله ‪--‬اجرين (وهم ‪ 12‬ملي ‪--‬ون) م ‪--‬ا يزي ‪--‬د على ‪ %4‬من إمجايل الع ‪--‬اطلني فض ‪ً-‬ال عن‬
‫أولئ ‪--‬ك ال ‪--‬ذين يبحث ‪--‬ون عن عم ‪--‬ل يف البالد النامي ‪--‬ة‪ .‬والش ‪--‬ك أن للمه ‪--‬اجرين ت ‪--‬أثري على اخلص ‪--‬وبة ومنو الس ‪--‬كان يف‬
‫بالدهم‪ ،‬فتتج ‪--‬ه هبم ‪--‬ا حنو االخنف ‪--‬اض ويعم ‪--‬ل ه ‪--‬ؤالء العم ‪--‬ال امله ‪--‬اجرون أص‪ً- -‬ال يف الوالي ‪--‬ات املتح ‪--‬دة‪ ،‬حيث وص ‪--‬ل‬
‫ع ‪-- -‬ددهم إىل ‪ 8.2‬ملي ‪-- -‬ون ب ‪-- -‬ل تزاي ‪-- -‬د الع ‪-- -‬دد مبع ‪-- -‬دل ‪ 230.000‬يف الع ‪-- -‬ام‪ ،‬ومعظمهم ي ‪-- -‬نزحون من املكس ‪-- -‬يك إىل‬
‫الواليات املتحدة‪.‬‬

‫)(‪1‬‬
‫‪Ibid, p, 41.‬‬
‫‪ )(2‬هناك ندوره تناولت جانبًا من نزيف العقول وركزت على هجرة الكفاءات العربية ‪ ،‬وحاولت المساهمة في ذلك النقاش الدولي الواسع حول هجرة‬
‫الكفاءات من البلدان النامية إلى البلدان المتقدمة ‪ ،‬مؤكدًا الدور المهم الذي تقوم بها الكفاءات في التنمية واعتبر هجرة الكفاءات بمثابة نكسة للتنمية في‬
‫بلدان العالم النامي‪( .‬انطوان زحالن وآخرون ‪ ،‬هجرة الكفاءات العربية مركز دراسات الوحدة العربية ‪ ،‬بيروت ‪1982‬م )‪.‬‬

‫‪294‬‬
‫وتستخدم أوروبا الغربية أيضًا ح‪-‬وايل ‪ 2.5‬ملي‪-‬ون من العم‪-‬ال ال‪-‬ذين ي‪-‬نزحون إليه‪-‬ا من البالد الفق‪-‬رية وال‪-‬يت تق‪-‬ع على‬
‫ساحل البحر األبيض املتوسط‪ .‬وكان نصيب فرنسا وأملانيا الغربية الثلث تقريبًا لكل منهما(‪.)3‬‬

‫وتس‪--‬تخدم بالد األوب‪--‬ك (أو املنتج‪--‬ة للب‪--‬رتول) يف املنطق‪--‬ة العربي‪--‬ة على األق‪--‬ل (‪ )1‬ملي‪--‬ون من العم‪--‬ال األج‪--‬انب يف ك‪--‬ل‬
‫نواحي احلياة‪ ،‬كان نصيب اململكة العربية السعودية منها حوايل النصف‪ ،‬والباقي يف البحرين وقطر وغريه‪-‬ا‪ .‬وهن‪-‬اك‬
‫أيضا مناطق اخرى من العامل يف أفريقيا وآسيا تشهد حركة سكانية مماثلة‪ ،‬مثل جنوب أفريقيا ونيوزيلندا‪.‬‬

‫وإذا حاولن ‪--‬ا أن نتع ‪--‬رف على نوعي ‪--‬ة ه ‪--‬ؤالء امله ‪--‬اجرين نالح ‪--‬ظ أن اغلب املكس ‪--‬يكيني ال ‪--‬ذين ه ‪--‬اجروا إىل الوالي ‪--‬ات‬
‫املتح ‪--‬دة ك ‪--‬انوا من ال ‪--‬ذكور غ ‪--‬ري املتزوجني وال ‪--‬ذين تق ‪--‬ل أعم ‪--‬ارهم عن الثالثني‪ ،‬وهم من غ ‪--‬ري امله ‪--‬رة وينح ‪--‬درون من‬
‫من ‪--‬اطق ريفي ‪--‬ة أص ‪--‬ال‪ ،‬وقليلي التعليم‪ ،‬وحيتم ‪--‬ل إن جندهم يعمل ‪--‬ون يف بعض املهن الزراعي ‪--‬ة وغ ‪--‬ري املاهرة يف البل ‪--‬د ال ‪--‬يت‬
‫ه ‪--‬اجروا إليه ‪--‬ا‪ .‬أم ‪--‬ا امله ‪--‬اجرون إىل أوروب ‪--‬ا الغربي ‪--‬ة فهم أيض ‪--‬ا من ال ‪--‬ذكور ومن ص ‪--‬غار الس ‪--‬ن‪ ،‬ولكنهم يف معظمهم‬
‫متزوجون وان كانوا ال يصحبون زوجاهتم أو أطفاهلم معهم‪ ،‬وتعليمهم املهين أو العام متوسط‪ ،‬ويعملون أساس‪--‬ا يف‬
‫املهن غري املاهرة أو شبه املاهرة سواء يف الصناعة أو يف التشييد‪ .‬وتتم‪-‬يز ه‪-‬ذه اهلج‪-‬رة بأهنا ذات ط‪-‬ابع م‪-‬ؤقت‪ .‬لكنه‪-‬ا‬
‫مته ‪--‬د الطري ‪--‬ق إىل ط ‪--‬ابع ش ‪--‬به دائم أو ح ‪--‬ىت اس ‪--‬تيطاين (‪ )2‬وتنطب ‪--‬ق نفس األوص ‪--‬اف على العم ‪--‬ال امله ‪--‬اجرين يف املنطق ‪--‬ة‬
‫العربية‪ .‬وإذا أردنا أن نتعرف على حجم املهاجرين املتوقع يف املستقبل نالحظ أنه‪:‬‬

‫ب‪--‬رغم األع‪--‬داد اهلائل‪--‬ة للمه‪--‬اجرين حالي‪ً-‬ا‪ ،‬فلم تص‪--‬ل الزي‪--‬ادة يف ه‪--‬ذه األع‪--‬داد إىل ذروهتا بع‪--‬د‪ .‬وه‪--‬ذا يرج‪--‬ع إىل عوام‪--‬ل‬
‫الطرد تلك اليت مل يتم بعد خفض أثرها‪ ،‬ومنها معدل منو السكان الذي يزيد على ‪ 3 .7‬يف املكسيك وتباين دخ‪--‬ل‬
‫الف ‪--‬رد بني املكس ‪--‬يك والوالي ‪--‬ات املتح ‪--‬دة وبني البالد املنتج ‪--‬ة للنف ‪--‬ط وغ ‪--‬ري املنتج ‪--‬ة يف املنطق ‪--‬ة العربي ‪--‬ة واألث ‪--‬ر العوام ‪--‬ل‬
‫السياسية واالجتماعية اليت تقف وراء هجرة العمال إىل أوروبا الغربية‪.‬‬

‫وسوف تشهد املنطقة العربية من ناحية أخرى زيادة عدد العمال املهاجرين‪ ،‬على األقل يف املدى القصري ومبا يعادل‬
‫مرتني من احلجم احلايل(‪.)3‬‬

‫)(‪3‬‬
‫‪W. R. Bohning, The Migration of workers from poor to rich countries, Facts, ence Op. cit., pp. 307 - 308.‬‬
‫)(‪2‬‬
‫‪Ibid, p, 308-309.‬‬
‫)(‪3‬‬
‫‪Ibid, p, 309.‬‬

‫‪295‬‬
‫وإذا ك‪--‬انت هن‪--‬اك ع‪--‬دة مش‪--‬كالت ت‪--‬رتتب على هج‪--‬رة العم‪--‬ال بني البالد املتقدم‪--‬ة والنامي‪--‬ة‪ ،‬بعض‪--‬ها اجتم‪--‬اعي واألخ‪--‬ر‬
‫اقتصادي والثالث دميوجرايف‪.‬‬

‫فلع ‪--‬ل النت ‪--‬ائج املرتتب ‪--‬ة على هج ‪--‬رة العم ‪--‬ال يف اجملال االقتص ‪--‬ادي‪ ،‬هي تل ‪--‬ك ال ‪--‬يت هنتم هبا هن ‪--‬ا يف دراس ‪--‬تنا للعالق ‪--‬ة بني‬
‫السكان والتنمية‪ .‬فهجرة العمالة على النحو املشار إليه سلفًا‪ ،‬متثل أحد الس‪-‬مات املم‪--‬يزة للنظ‪-‬ام االقتص‪--‬ادي الع‪--‬املي‪،‬‬
‫ويه ‪--‬دف تقس ‪--‬يم العم ‪--‬ل طبق ‪ً-‬ا هلذا النظ ‪--‬ام الع ‪--‬املي إىل نق ‪--‬ل املواد اخلام والعم ‪--‬ال وراس املال إىل ح ‪--‬د م ‪--‬ا‪ ،‬إىل خط ‪--‬وط‬
‫اإلنت‪--‬اج املكثف‪--‬ة يف البالد املتقدم‪--‬ة‪ ،‬ولكن ه‪--‬ذه العملي‪--‬ة ال ش‪--‬ك أهنا تع‪--‬وق التغ‪--‬ري البن‪--‬ائي يف البالد النامي‪--‬ة‪ ،‬وترف‪--‬ع من‬
‫سعر السلع املستهلكة وحتول دون خلق فرص للعمل كافية يف هذه البالد (‪ ،)1‬بل تلقي من عبء هذه العملية كله‪--‬ا‬
‫على أكتاف العمال املهاجرين‪ ...‬اخل‪.‬‬

‫وتشهد نتائج الدراس‪-‬ات ال‪-‬يت أج‪-‬ريت ح‪-‬ول ه‪-‬ذه الظ‪-‬اهرة وحرك‪-‬ة الس‪-‬كان بني البالد املتقدم‪-‬ة والنامي‪-‬ة‪ ،‬على الكث‪-‬ري‬
‫من اآلثار املنعكسة يف كلي اجملموعتني من البالد‪.‬‬

‫رابعًا‪ :‬اإلستراتيجيات العالمية البديلة لتخفيف الهوة بين البالد المتقدمة والنامية‬

‫[‪ ]1‬النظام االقتصادي الدولي الجديد‬

‫ويف ض ‪--‬وء اهلوة املتزاي ‪--‬دة يف مس ‪--‬تويات املعيش ‪--‬ة بني البالد النامي ‪--‬ة واملتقدم ‪--‬ة‪ ،‬وب ‪--‬رغم التطلع ‪--‬ات القومي ‪--‬ة للبالد النامي ‪--‬ة‬
‫وجه ‪--‬ود اجملتمع ‪--‬ات املتقدم ‪--‬ة يف مس ‪--‬اعدهتا‪ ،‬ميكن أن نفهم ملاذا تص ‪--‬ر البالد النامي ‪--‬ة على النظ ‪--‬ام االقتص ‪--‬ادي ال ‪--‬دويل‬
‫اجلديد‪ ،‬ولقد أص‪-‬بحت البالد النامي‪-‬ة نتيج‪-‬ة لوض‪-‬عها االقتص‪-‬ادي الس‪-‬يئ نس‪-‬بيًا‪ ،‬أك‪-‬ثر عدواني‪-‬ة يف جهوده‪-‬ا حنو حتقي‪-‬ق‬
‫ما تراه بأنه يعد مبثابة نصيب عادل هلا يف حمصول العامل‪.‬‬

‫ولق‪--‬د أص‪--‬بح ه‪--‬ذا واض‪--‬حًا جبالء يف املؤمتر الع‪--‬املي للس‪--‬كان ال‪--‬ذي عق‪--‬د يف بوخارس‪--‬ت خالل ع‪--‬ام الس‪--‬كان يف األمم‬
‫املتحدة (‪1974‬م) وكان أول مؤمتر تشارك فيه احلكومات القومي‪-‬ة‪ .‬وأخ‪-‬ذ ممثل‪-‬و البالد املتقدم‪--‬ة حيث‪-‬ون البالد النامي‪-‬ة‬
‫على زي‪--‬ادة جهوده‪--‬ا يف خفض مع‪--‬دالت املوالي‪--‬د ومع‪--‬دالت منو الس‪--‬كان‪ .‬وأص‪--‬ر الكث‪--‬ري من ممثلي البالد النامي‪--‬ة أن‪--‬ه‪،‬‬
‫بينم ‪--‬ا هن ‪--‬اك اع ‪--‬رتاف بالعالق ‪--‬ات بني عوام ‪--‬ل الس ‪--‬كان والتنمي ‪--‬ة االقتص ‪--‬ادية‪ ،‬أص ‪--‬روا أن ‪--‬ه قب ‪--‬ل أو يف نفس ال ‪--‬وقت‪ ،‬م ‪--‬ع‬

‫)(‪1‬‬
‫‪Ibid, p, 310.‬‬

‫‪296‬‬
‫مع‪--‬دالت منو الس‪--‬كان املنخفض‪--‬ة‪ ،‬هن‪--‬اك حاج‪--‬ة إىل حتقي‪--‬ق فك‪--‬رة النظ‪--‬ام االقتص‪--‬ادي الع‪--‬املي اجلدي‪--‬د‪ ،‬ال‪--‬ذي يتض‪--‬من م‪--‬ا‬
‫يلي‪:‬‬

‫إهناء كل صور االستعمار األجنيب والسيطرة واالستغالل‪.‬‬ ‫‪‬‬


‫عالقة متساوية وعادلة بني األسعار اليت حتصل عليها البالد النامية ملواردها اخلام واألسعار اليت جيب أن تدفعها‬ ‫‪‬‬
‫يف مقابل ما تستورده من سلع‪.‬‬
‫نق‪-‬ل املوارد احلقيقي‪-‬ة من البالد املتقدم‪-‬ة إىل البالد النامي‪-‬ة‪ ،‬مبا يف ذل‪-‬ك الزي‪-‬ادة يف الس‪-‬عر احلقيقي للس‪-‬لع املص‪-‬درة‬ ‫‪‬‬
‫(‪.)1‬‬
‫مبعرفة البالد النامية‬
‫حتسني ظروف الدخول يف األسواق يف البالد املتقدم‪--‬ة من خالل نظ‪--‬ام تفض‪--‬يل االس‪-‬ترياد من البالد النامي‪--‬ة ومن‬ ‫‪‬‬
‫خالل إلغاء قيود التعريفة اجلمركية وغريها وقيود إجراءات العمل‪.‬‬
‫تعويض البالد النامية عن التزامات اجلمارك والضرائب املفروضة على ما تصدره للبالد املتقدمة‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫ترتيبات لتحقيق نتائج التضخم على البالد النامية والتغلب على العجز يف نظام النقد العاملي‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫زيادة االستثمار األجنيب يف البالد النامية طبقًا الحتياجاهتا ومتطلباهتا‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫ص‪--‬ياغة جمموع‪--‬ة قواع‪--‬د دولي‪--‬ة للس‪--‬لوك تنظم أوج‪--‬ه نش‪--‬اط الش‪--‬ركات ال‪--‬يت تتخطى احلدود (متع‪--‬ددة اجلنس‪--‬يات)‬ ‫‪‬‬
‫‪.transational‬‬
‫تطوير أساليب عمليات استخراج املواد اخلام يف البالد النامية‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫زيادة يف املدخالت األساسية بكميات مواتية من أجل إنتاج الغذاء مبا يف ذلك السماد‪ ،‬من البالد املتقدمة‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫إجراءات ملحة لتخفيف عبء الديون اخلارجية(‪.)2‬‬ ‫‪‬‬

‫وأعلن المؤتمر باإلضافة إلى ذلك‪:‬‬

‫أنه ينبغي أن تكون اس‪-‬تجابة البالد املتقدم‪-‬ة ال‪-‬يت ل‪-‬ديها الق‪-‬درة على مس‪-‬اعدة البالد املت‪-‬أثرة يف التغلب على مش‪-‬كالهتا‬
‫احلالية بالتناس‪-‬ب م‪-‬ع مس‪-‬ئولياهتا‪ .‬وينبغي أن تك‪-‬ون مس‪-‬اعداهتا باإلض‪-‬افة إىل املس‪-‬توى املت‪-‬اح حالي‪ً-‬ا من املس‪-‬اعدة‪ .‬ومما‬
‫ل ‪--‬ه ص ‪--‬لة وثيق ‪--‬ة م ‪--‬ا س ‪--‬بق‪ ،‬أن م ‪--‬ؤمتر الثماني ‪--‬ة عش ‪--‬ر ش ‪--‬هرًا للممثلني ال ‪--‬وزاريني للبالد املتقدم ‪--‬ة والنامي ‪--‬ة ال ‪--‬ذي انتهى يف‬

‫)(‪1‬‬
‫‪M. P. Hauser, op. cit., p. 27.‬‬
‫)(‪2‬‬
‫‪Ibid, p, 28.‬‬

‫‪297‬‬
‫باريس يف يونيو عام ‪1977‬م‪ ،‬قد ترك الكثري من املسائل دون اتف‪-‬اق‪ .‬فلق‪-‬د أعلنت البالد النامي‪-‬ة أن املؤمتر ق‪-‬د قص‪-‬ر‬
‫يف توضيح ما ه‪-‬و ض‪-‬روري إلجياد النظ‪-‬ام االقتص‪-‬ادي اجلدي‪-‬د‪ .‬ولق‪-‬د أن‪-‬ذروا املؤمتر مبا عربن‪-‬ا عن‪-‬ه س‪-‬الفًا‪ ،‬وبرهن‪-‬وا على‬
‫األمم ليست مستعدة لقبول طلبات هذه البالد الفقرية وخباصة ما تعلق بالنظام االقتصادي العاملي اجلدي‪--‬د‪ .‬وح‪--‬ىت ل‪--‬و‬
‫أهنا اع‪-- -‬رتفت ب‪-- -‬أن البالد النامي‪-- -‬ة ك‪-- -‬انت تعتم‪-- -‬د على احتي‪-- -‬اطي ‪ provision‬من املواد اخلام ميكن أن تتبادل‪-- -‬ه م‪-- -‬ع‬
‫اآلخ ‪--‬رين‪ ،‬وأن ه ‪--‬ذه البالد يف حاج ‪--‬ة إىل مزي ‪--‬د من املس ‪--‬اعدة تف ‪--‬وق م ‪--‬ا ك ‪--‬انت حتص ‪--‬ل علي ‪--‬ه (‪ )1‬وإن ‪--‬ه ملن الواض ‪--‬ح أن‬
‫التوزيع املتساوي للناتج العاملي قد يزيد ماديًا نصيب الفرد من إمجايل الن‪--‬اتج الق‪--‬ومي يف البالد النامي‪--‬ة‪ ،‬وخيفض أيض‪ً-‬ا‬
‫وبدرجة هلا داللتها من نصيب الفرد من إمجايل الناتج القومي يف البالد املتقدمة‪.‬‬

‫وملا ك ‪--‬ان ه ‪--‬دف النظ ‪--‬ام االقتص ‪--‬ادي الع ‪--‬املي اجلدي ‪--‬د ه ‪--‬و خفض الفروق ‪--‬ات يف مس ‪--‬تويات املعيش ‪--‬ة بني البالد املتقدم ‪--‬ة‬
‫والنامي‪-‬ة‪ ،‬وأن‪-‬ه ال حيتم‪-‬ل أن تك‪-‬ون البالد املتقدم‪-‬ة مس‪-‬تعدة عن طواعي‪-‬ة واختي‪-‬ار وعن امتن‪-‬ان لتقلي‪-‬ل نص‪-‬يب الف‪-‬رد من‬
‫ناجتها‪ ،‬فإن أهداف البالد النامية ال يصعب حتقيقها من خالل الزيادة يف إمجايل الناتج العاملي‪ .‬ذلك ألن هن‪--‬اك ع‪--‬ددًا‬
‫من النت ‪--‬ائج ذات الدالل ‪--‬ة ال ‪--‬يت تش ‪--‬ري إىل أن ‪--‬ه ح ‪--‬ىت إذا مل متر البالد النامي ‪--‬ة كك ‪--‬ل بأي ‪--‬ة زي ‪--‬ادة س ‪--‬كانية أخ ‪--‬رى بع ‪--‬د ع ‪--‬ام‬
‫‪1970‬م (‪ )2‬فإن‪--‬ه عليه‪--‬ا أن حتق‪--‬ق زي‪--‬ادة يف إمجايل الن‪--‬اتج الق‪--‬ومي ت‪--‬رتاوح بني ‪ 27 - 10‬م‪--‬رة باملقارن‪--‬ة مبس‪--‬تويات‬
‫نص‪--‬يب الف‪--‬رد من إمجايل الن‪--‬اتج الق‪--‬ومي يف أمريك‪--‬ا الش‪--‬مالية وأوروب‪--‬ا‪ .‬ولكن مع‪--‬دل النم‪--‬و الس‪--‬نوي املطل‪--‬وب لتحقي‪--‬ق‬
‫ه‪--‬ذه الزي‪--‬ادة يف إمجايل الن‪--‬اتج الق‪--‬ومي يتج‪--‬اوز بوض‪--‬وح ق‪--‬دراهتا خالل ف‪--‬رتة ‪ 30‬عام‪--‬ا وم‪--‬ع منو الس‪--‬كان املس‪--‬تمر بع‪--‬د‬
‫عام ‪1970‬م‪ ،‬ال ميكن للبالد النامية مع كل االحتماالت‪ ،‬أن تص‪-‬ل إىل املس‪-‬توى األورويب لنص‪-‬يب الف‪-‬رد من إمجايل‬
‫ال‪--‬دخل الق‪--‬ومي(‪ .)3‬كم‪--‬ا أن‪--‬ه إذا ك‪--‬ان حتقي‪--‬ق نص‪--‬يب الف‪--‬رد من إمجايل ال‪--‬دخل الق‪--‬ومي املكس‪--‬يكي ع‪--‬ام ‪1970‬م‪ ،‬يع‪--‬د‬
‫بالتحديد يف إمكانية البالد النامية يف مشال أمريكا‪ ،‬لكنه يظل غري حمتمل وصعب التحقيق أمام البالد النامية يف آس‪--‬يا‬
‫وأفريقيا‪.‬‬

‫[‪ ]2‬إشباع الحاجات األساسية‬

‫واستجابة لفشل إسرتاتيجية منو إمجايل الناتج القومي يف حتسني ظروف الشعب الفقري يف البالد النامية وختفيف اهلوة‬
‫بينه ‪--‬ا وبني البالد املتقدم ‪--‬ة‪ ،‬اق ‪--‬رتح البعض إس ‪--‬رتاتيجية أخ ‪--‬رى بديل ‪--‬ة تؤك ‪--‬د أن ال ‪--‬ذي ل ‪--‬ه األولوي ‪--‬ة يف رف ‪--‬ع مس ‪--‬تويات‬
‫)(‪1‬‬
‫‪Ibid, p, 29.‬‬
‫)(‪2‬‬
‫‪Ibid, p, 30.‬‬
‫)(‪3‬‬
‫‪Ibid, p, 32.‬‬

‫‪298‬‬
‫املعيش‪--‬ة ه‪--‬و م‪--‬ا يه‪--‬دف إىل إش‪--‬باع احلاج‪--‬ات األساس‪--‬ية للس‪--‬كان الفق‪--‬راء‪ .‬ذل‪--‬ك ألن إمجايل الن‪--‬اتج الق‪--‬ومي املتزاي‪--‬د يف‬
‫البالد النامية ال ي‪-‬رتتب علي‪-‬ه بالض‪-‬رورة حتس‪-‬ني بني معظم الفق‪-‬راء‪ ،‬وك‪-‬انت الزي‪-‬ادة يف نص‪-‬يب الف‪-‬رد من إمجايل الن‪-‬اتج‬
‫القومي يصاحبها نصيب متن‪-‬اقص من إمجايل ال‪-‬دخل الق‪-‬ومي بني العناص‪-‬ر الفق‪-‬رية من الس‪-‬كان يف ع‪-‬دد من اجملتمع‪-‬ات‬
‫النامية‪ .‬وإلشباع احلاجات األساسية‪ ،‬جيب أن تكون األه‪-‬داف متمثل‪-‬ة يف الوص‪--‬ول إىل مس‪-‬توى أويل من االس‪-‬تهالك‬
‫اخلاص واالجتم‪-- -‬اعي ويش‪-- -‬مل األول الغ‪-- -‬ذاء واملس‪-- -‬كن وامللبس كم‪-- -‬ا يش‪-- -‬مل االس‪-- -‬تهالك االجتم‪-- -‬اعي مي‪-- -‬اه ص‪-- -‬احلة‬
‫للش ‪--‬رب‪ ،‬تنقي ‪--‬ة البيئ ‪--‬ة‪ ،‬وس ‪--‬ائل النق ‪--‬ل الع ‪--‬ام‪ ،‬ص ‪--‬حة‪ ،‬وتس ‪--‬هيالت للتعليم‪ .‬وق ‪--‬د تش ‪--‬مل أيض ‪ً-‬ا مس ‪--‬تويات االس ‪--‬تهالك‬
‫االجتماعي فرص املشاركة وحتقيق مزايا غري مادية‪ ،‬مثل احلقوق اإلنسانية‪ ،‬والتصويت يف السياس‪--‬ة العام‪--‬ة وال‪--‬ربامج‪،‬‬
‫والواض‪--‬ح أن إش‪--‬باع املتطلب‪--‬ات األساس‪--‬ية يف البالد النامي‪--‬ة(‪ )1‬يتطلب توزيع‪--‬ا متس‪--‬اويا لل‪--‬دخل‪ ،‬أو على األق‪--‬ل حتس‪--‬ني‬
‫نظام توزيع الدخل على اجلماعات ذات الدخل املنخفض‪.‬‬

‫كما يتطلب األخذ مبدخل االحتياجات األساسية اهتمامًا مغايرًا متام‪ً-‬ا من ذل‪-‬ك ال‪-‬ذي أك‪-‬دناه يف التحليالت الس‪-‬ابقة‬
‫ويف حساب متطلبات نصيب الف‪-‬رد من إمجايل الن‪-‬اتج الق‪-‬ومي‪ ،‬ولكن كم‪-‬ا أوض‪-‬حت البح‪-‬وث‪ ،‬ال ميكن أن نتجاه‪-‬ل‬
‫نص‪-- -‬يب الف‪-- -‬رد من إمجايل الن‪-- -‬اتج الق‪-- -‬ومي‪ ،‬ح‪-- -‬ىت إذا اس‪-- -‬تخدمنا إس‪-- -‬رتاتيجية احلاج‪-- -‬ات األساس‪-- -‬ية‪ .‬حيث أوض‪-- -‬حت‬
‫الدراس ‪--‬ات أن هن ‪--‬اك ارتباط ‪ً-‬ا عالي ‪ً-‬ا بني إش ‪--‬باع البالد النامي ‪--‬ة للحاج ‪--‬ات األساس ‪--‬ية أو وض ‪--‬ع ب ‪--‬رامج من أج ‪--‬ل حتقي ‪--‬ق‬
‫أهداف احلاج‪-‬ات األساس‪-‬ية‪ ،‬والزي‪-‬ادة يف نص‪-‬يب الف‪-‬رد من إمجايل الن‪-‬اتج الق‪-‬ومي‪ .‬وتش‪-‬ري حتليالت النج‪-‬اح يف إش‪-‬باع‬
‫احلاج‪--‬ات األساس‪--‬ية بني البالد املتقدم‪--‬ة والنامي‪--‬ة إىل أن‪--‬ه‪ ،‬ب‪--‬الرغم من أن اهلوة بينهم تض‪--‬يق يف أش‪--‬ياء مث‪--‬ل توق‪--‬ع احلي‪--‬اة‬
‫عن ‪--‬د امليالد‪ ،‬واألمي ‪--‬ة‪ ،‬إال أن اهلوة يف إش ‪--‬باع احلاج ‪--‬ات األساس ‪--‬ية ق ‪--‬د اتس ‪--‬عت بالنس ‪--‬بة ملعظم املؤش ‪--‬رات خالل ع ‪--‬ام‬
‫‪1960‬م‪.‬‬

‫ولذلك فإن إشباع احلاجات األساسية يتطلب على األقل هدفًا مزدوجًا تتمسك به البالد النامية يتمثل يف الزيادة يف‬
‫نصيب الفرد من إمجايل الناتج القومي من ناحية‪ ،‬ويف إعادة توزيع الدخل يف صاحل الفقراء من ناحية أخرى (‪.)2‬‬

‫[‪ ]3‬استمرار مواقف التشاؤم والتفاؤل‬

‫)(‪1‬‬
‫‪Ibid, p, 33.‬‬
‫)(‪2‬‬
‫‪Ibid, p, 35.‬‬

‫‪299‬‬
‫بالرغم من أن االعتبارات السابقة توضح أن مهمة التوصل إىل مستويات املعيشة األوروبية وأمريك‪--‬ا الش‪--‬مالية وح‪--‬ىت‬
‫املكسيكية تعد مبثابة مهمة ال أمل فيها وال رج‪-‬اء بالنس‪-‬بة جملموع‪-‬ة البالد النامي‪-‬ة خالل م‪-‬ا تبقى من ه‪-‬ذا الق‪-‬رن‪ ،‬وم‪-‬ع‬
‫ه‪--‬ذا فق‪--‬د أمكن حتقي‪--‬ق بعض املكاس‪--‬ب املطلق‪--‬ة‪ .‬فمثًال‪ ،‬إذا أمكن حتقي‪--‬ق ه‪--‬دف ميث‪--‬ل مع‪--‬دل منو مق‪--‬داره ‪ 75‬ك‪--‬ل ع‪--‬ام‬
‫والذي وضعته األمم املتح‪-‬دة ع‪-‬ام ‪1960‬م‪ .‬فإن‪-‬ه بإمك‪-‬ان البالد النامي‪-‬ة أن تزي‪-‬د من نص‪-‬يب الف‪-‬رد من الن‪-‬اتج‪ ،‬م‪-‬ا بني‬
‫‪1970‬م – ‪2000‬م‪ ،‬من ‪ 176‬دوالرًا إىل ‪ 337‬يف ض‪-- -‬وء التوق‪-- -‬ع ع‪-- -‬ال التب‪-- -‬اين الس‪-- -‬كاين‪ ،‬وإىل ‪ 379‬دوالرًا يف‬
‫ضوء التوقع عال منخفض التباين السكاين‪ ،‬ويرتفع مبعدل ‪.%141 ،115‬‬

‫وب ‪--‬الرغم مما ق ‪--‬د يك ‪--‬ون متوقع‪ً- -‬ا ب ‪--‬أن س ‪--‬كان البالد النامي ‪--‬ة ق ‪--‬د ت ‪--‬رحب وتتحمس هلذه الزي ‪--‬ادة املطلق ‪--‬ة يف مس ‪--‬تويات‬
‫معيش‪-‬تها‪ ،‬إال أن‪-‬ه ق‪-‬د يك‪-‬ون من املف‪--‬رتض أن‪-‬ه خاص‪--‬ة يف ض‪--‬وء أث‪-‬ر التوقع‪--‬ات املتزاي‪-‬دة‪ ،‬س‪-‬وف ال تص‪--‬بح ش‪-‬عوب األمم‬
‫النامي‪--‬ة غ‪--‬ري منتبه‪--‬ة إىل حرماهنا النس‪--‬يب‪ .‬ألهنا ق‪--‬د ال تص‪--‬ل إىل مس‪--‬توى نص‪--‬يب الف‪--‬رد من الن‪--‬اتج الق‪--‬ومي يف املكس‪--‬يك‬
‫عام ‪1970‬م‪ .‬ولذلك قد متر األمم النامية حباالت احباط متزايدة وصور االغرتاب برغم تضاعف مستوى معيش‪--‬تها‬
‫احلايل املنخفض‪ .‬وسوف تأثر النتائج السياسية الدولية والقومية املرتتبة على صور اإلحباط واالغرتاب املتزاي‪-‬د وه‪--‬ذه‬
‫بال شك تتوقف على املدى الذي سوف تشبع به احلاجات األساسية على األقل(‪.)1‬‬

‫وعن ‪--‬د ه ‪--‬ذه النقط ‪--‬ة‪ ،‬من املناس ‪--‬ب أن نع ‪--‬ود إىل أح ‪--‬د االعتب ‪--‬ارات املث ‪--‬ارة س ‪--‬لفًا‪ ،‬ه ‪--‬ل بإمك ‪--‬ان م ‪--‬وارد األرض أن متكن‬
‫‪ %70‬من سكان العامل يف البالد النامية على حتقيق املستوى املعيشي يف أوروب‪--‬ا وأمريك‪--‬ا الش‪--‬مالية‪ ،‬وح‪--‬ىت إذا أمكن‬
‫حتقي‪--‬ق ه‪--‬ذا املس‪--‬توى ب‪--‬درجات أو ص‪--‬ور متباين‪--‬ة من الس‪--‬لع واخلدمات‪ ،‬وكم‪--‬ا أش‪--‬رنا س‪--‬لفًا‪ ،‬ال توج‪--‬د هن‪--‬ا يف ال‪--‬وقت‬
‫احلاضر (حاليًا) إجابة حمددة على ه‪-‬ذا الس‪-‬ؤال‪ .‬ولكن جند ن‪-‬ادي روم‪-‬ا يف مؤل‪-‬ف (( ح‪-‬دود النم‪-‬و) ) يق‪-‬دم إجاب‪-‬ة هلا‬
‫طابع تشاؤمي‪ ،‬فسوف خيلق توقع احلدود على استهالك املواد اخلام والطاقة‪ ،‬خباص‪--‬ة خالل ف‪--‬رتات قص‪--‬رية من ال‪--‬زمن‬
‫موقف ‪--‬ا تنافس ‪--‬يا حمص ‪--‬لته ص ‪--‬فر‪ ،‬وفي ‪--‬ه ميكن أن تتحق ‪--‬ق الزي ‪--‬ادة يف مس ‪--‬تويات معيش ‪--‬ة البالد النامي ‪--‬ة فق ‪--‬ط على حس ‪--‬اب‬
‫اخنفاض مستويات معيشة البالد املتقدمة‪ .‬إال أننا لسنا يف حاجة إىل القول ب‪-‬أن ه‪-‬ذا املوق‪-‬ف ميي‪-‬ل إىل زي‪-‬ادة الت‪-‬وترات‬
‫وزيادة توقعات العنف الدويل‪.‬‬

‫ولكن هناك على الطرف اآلخر جند اإلجابة ال‪-‬يت ق‪-‬دمها (هريم‪-‬ان كهن) ‪ herman kahn‬عض‪-‬و معه‪-‬د هادس‪-‬ون‬
‫فيما نشره حتت عنوان املائتان سنة القادمات‪ .‬وتنطوي هذه اإلجابة التفاؤلية على توقع زي‪--‬ادات جوهري‪--‬ة ال‪--‬يت ب‪--‬رغم‬
‫)(‪1‬‬
‫‪Ibid, p, 36.‬‬

‫‪300‬‬
‫أهنا ليس‪-‬ت بالتأكي‪-‬د حمتمل‪-‬ة م‪-‬ع هناي‪-‬ة ه‪-‬ذا الق‪-‬رن‪ ،‬يف نص‪-‬يب الف‪-‬رد من إمجايل الن‪-‬اتج الق‪-‬ومي‪ ،‬على األق‪-‬ل لنق‪-‬رتب إم‪-‬ا‬
‫من مستويات املعيشة يف أوروبا أو أمريكا الشمالية‪ .‬ويف ضوء هذا اإلطار التف‪-‬اؤىل من املفه‪-‬وم أن نص‪-‬يب الف‪-‬رد من‬
‫ال‪--‬دخل يف البالد املتقدم‪--‬ة ميكن أن يس‪--‬تمر يف االرتف‪--‬اع ح‪--‬ىت بينم‪--‬ا ك‪--‬ان ن‪--‬اتج البالد النامي‪--‬ة يس‪--‬رع يف الزي‪--‬ادة ليض‪--‬يق‬
‫اهلوة بني األمم اليت متتلك وتلك اليت ال متتل‪-‬ك‪ .‬وإذا ك‪-‬ان ذل‪-‬ك ممكن‪ً-‬ا‪ .‬أمكن يف ال‪-‬وقت نفس‪-‬ه حتقي‪-‬ق نظ‪-‬ام اقتص‪-‬ادي‬
‫عاملي جديد له أمهيته‪ .‬ويف ضوء مثل هذه الظروف فإن توقع التوتر املتزايد والعداء والعنف سوف يقل بالتأكيد‪.‬‬

‫وإىل أن يتض‪-‬ح أي من ه‪-‬اتني اإلج‪-‬ابتني املتطرف‪-‬تني ص‪-‬حيحًا‪ ،‬فإن‪-‬ه من املؤك‪-‬د حق‪ً-‬ا أن اهلوة يف مس‪-‬تويات املعيش‪-‬ة بني‬
‫(‪)1‬‬
‫البالد النامية واملتقدمة ال حيتمل أن يضيق أكثر أو قد تزيد حىت أكثر خالل بقية هذا القرن‬

‫الخالصــة‪ :‬أوض‪--‬حت املعاجلة الس‪--‬ابقة أن حتلي‪--‬ل العالق‪--‬ات املتباين‪--‬ة واملتداخل‪--‬ة بني الس‪--‬كان والتنمي‪--‬ة يوس‪--‬ع من ط‪--‬ابع‬
‫التحلي‪--‬ل االجتم‪--‬اعي للظ‪--‬واهر الس‪--‬كانية يف علم االجتم‪--‬اع‪ ،‬ويض‪--‬في عليه‪--‬ا ط‪--‬ابع الش‪--‬مول‪ .‬ذل‪--‬ك أن ه‪--‬ذا التص‪--‬ور ق‪--‬د‬
‫ترتبت عليه عدة نتائج منها‪:‬‬

‫أوًال‪ :‬ض‪--‬رورة أن ينطل‪--‬ق ك‪--‬ل ح‪--‬ل ملش‪--‬كالت اجملتم‪--‬ع من أخ‪--‬ذ اجلانبني مع‪ً-‬ا الس‪--‬كان والتنمي‪--‬ة يف االعتب‪--‬ار‪ ،‬وأن تق‪--‬وم‬
‫السياس ‪--‬ات على التكام ‪--‬ل بني االجتاه ‪--‬ات الس ‪--‬كانية والعملي ‪--‬ات االجتماعي ‪--‬ة واالقتص ‪--‬ادية واجلم ‪--‬ع بينهم ‪--‬ا طاملا ك ‪--‬ان‬
‫الرتك‪--‬يز على ج‪--‬انب منه‪--‬ا وخباص‪--‬ة الس‪--‬كان ومنوهم ق‪--‬د أدى إىل ظه‪--‬ور ال‪--‬دعوة إىل ض‪--‬رورة احلد من زي‪--‬ادة الس‪--‬كان‬
‫واألخ‪--‬ذ ب‪--‬ربامج تنظيم األس‪--‬رة واعتب‪--‬ار الس‪--‬كان معوق ‪ً-‬ا للتنمي‪--‬ة وعلقت ك‪--‬ل املش‪--‬كالت االجتماعي‪--‬ة على ه‪--‬ذا النم‪--‬و‬
‫والزيادة السكانية ومل تثمر هذه ال‪-‬دعوة نت‪-‬ائج كث‪-‬رية يف ختفي‪-‬ف اهلوة بني البالد املتقدم‪-‬ة والنامي‪-‬ة‪ .‬ولكن ه‪-‬ذه النظ‪-‬رة‬
‫الشاملة للسكان والتنمي‪-‬ة تعتق‪-‬د أن قص‪-‬ر النظ‪-‬ر على ج‪-‬انب واح‪-‬د من النس‪-‬ق ال‪-‬دميوجرايف في‪-‬ه إغف‪-‬ال جلوانب أخ‪-‬رى‬
‫يف الس‪-- -‬كان منه‪-- -‬ا تك‪-- -‬وين الس‪-- -‬كان وت‪-- -‬وزيعهم‪ ،‬فض ‪ً- -‬ال عن ض‪-- -‬الة االهتم‪-- -‬ام باجلانب األساس‪-- -‬ي اآلخ‪-- -‬ر وه‪-- -‬و التغ‪-- -‬ري‬
‫االجتماعي واالقتصادي‪.‬‬

‫ثانيًا‪ :‬ينبغي أن نأخ‪-‬ذ يف اعتبارن‪-‬ا ج‪-‬وانب تك‪-‬وين الس‪-‬كان وخصائص‪-‬هم النوعي‪-‬ة والعمري‪-‬ة واملهني‪-‬ة واإلقامي‪-‬ة أو النظ‪-‬ر‬
‫إىل معدالت الذكور واإلناث واملستويات العمرية للس‪-‬كان يف تص‪-‬ور أي‪-‬ة سياس‪-‬ة س‪-‬كانية وع‪-‬دم إغف‪-‬ال حقيق‪-‬ة نس‪-‬بة‬
‫االعتمادي ‪--‬ة يف تص‪-- -‬ور ب ‪--‬رامج التنمي ‪--‬ة االجتماعي ‪--‬ة واالقتص‪-- -‬ادية‪ ،‬وك ‪--‬ذلك النظ ‪--‬ر بعني االعتب ‪--‬ار لبن ‪--‬اء الق ‪--‬وة العامل ‪--‬ة‬

‫)(‪1‬‬
‫‪Ibid, p, 37.‬‬

‫‪301‬‬
‫وديناميات‪--‬ه ومع‪--‬دالت البطال‪--‬ة يف ه‪--‬ذا الص‪--‬دد‪ .‬وع‪--‬دم إغف‪--‬ال التوزي‪--‬ع اإلق‪--‬امي للس‪--‬كان بني الري‪--‬ف واحلض‪--‬ر أو جتنب‬
‫مشكالت التحضر والنمو اخلضري كجزء مكمل لسياسات التنمية‪.‬‬

‫ثالث ـًا‪ :‬إن إعط ‪--‬اء أولوي ‪--‬ة لنم ‪--‬و الس ‪--‬كان وزي ‪--‬ادة خص ‪--‬وبتهم ق ‪--‬د ص ‪--‬رف النظ ‪--‬ر بعي ‪--‬دًا عن االهتم ‪--‬ام بعملي ‪--‬ات التنمي ‪--‬ة‬
‫االجتماعية واالقتصادية‪ ،‬وزيادة إمجايل الن‪-‬اتج الف‪-‬ردي ورف‪-‬ع مس‪-‬توى املعيش‪-‬ة‪ ،‬والتوزي‪-‬ع الع‪-‬ادل لل‪-‬دخل بني الس‪-‬كان‬
‫وخباص‪--‬ة يف البالد النامي‪--‬ة‪ ،‬واألخ‪--‬ذ بالنظ‪--‬ام االقتص‪--‬ادي الع‪--‬املي وإش‪--‬باع احلاج‪--‬ات األساس‪--‬ية لتخفي‪--‬ف اهلوة بني البالد‬
‫املتقدمة والنامية‪.‬‬

‫رابعًا‪ :‬وإن كانت هذه النتائج تلقي عبء املسؤولية على البالد النامية يف حتقي‪-‬ق الت‪-‬وازن بني الس‪-‬كان والتنمي‪-‬ة وح‪-‬ل‬
‫خمتلف مشكالهتا االجتماعية‪ ،‬من خالل االهتم‪-‬ام بنس‪-‬ق الس‪-‬كان – منوهم وتك‪-‬وينهم وت‪-‬وزيعهم‪ ،‬ومن خالل زي‪-‬ادة‬
‫ف‪-- -‬رص العمال‪-- -‬ة‪ ،‬والتوزي‪-- -‬ع الع‪-- -‬ادل لل‪-- -‬دخل‪ ،‬فإن‪-- -‬ه يبقى على البالد املتقدم‪-- -‬ة أن تس‪-- -‬اهم يف ه‪-- -‬ذا الص‪-- -‬دد‪ ،‬من خالل‬
‫املساعدة على حتقيق النظام االقتصادي العاملى وإجناحه‪ ،‬وتوفري احلاجات األساسية للسكان‪.‬‬

‫الفصل الرابع عشر‬

‫البطالة وسياق التنمية في مصر‬

‫آليات الحاضر واحتماالت المستقبل‬


‫تمهيد‬

‫ال خالف على أن البطال‪--‬ة يف مص‪--‬ر تعت‪--‬رب مش‪--‬كلة متفاقم‪--‬ة‪ ،‬فاإلحص‪--‬اءات تؤك‪--‬د أن حجم البطال‪--‬ة يف تزاي‪--‬د مس‪--‬تمر‪،‬‬
‫والنت‪-‬ائج املرتتب‪-‬ة على البطال‪-‬ة‪ ،‬ال خيطئه‪-‬ا ك‪-‬ل منص‪-‬ف ومهتم بقض‪-‬ايا اجملتم‪-‬ع‪ ،‬وال‪-‬زخم الواض‪-‬ح يف اهتمام‪-‬ات احلم‪-‬راء‬
‫والب‪--‬احثني يف دراس‪--‬ة العوام‪--‬ل ال‪--‬يت أف‪--‬رزت ه‪--‬ذه املش‪--‬كلة‪ ،‬ليس خافي‪ً-‬ا على أح‪--‬د واجله‪--‬ود اجلادة يف تق‪--‬دمي حل‪--‬ول هلذه‬
‫املشكلة ال تزال مستمرة‪.‬‬

‫وعلى ه‪--‬ذا الطري‪--‬ق تس‪--‬ري حماوالتن‪--‬ا املتواض‪--‬عة يف تن‪--‬اول ه‪--‬ذه املش‪--‬كلة‪ ،‬من منطل‪--‬ق ت‪--‬ارخيي مق‪--‬ارن‪ ،‬يؤس‪--‬س على النق‪--‬د‬
‫االجتماعي للوضع احلايل رؤيته يف الشروع حنو حل هلذه املشكلة‪.‬‬

‫‪302‬‬
‫حيث نتتبع احلقائق الدالة على تطور حجم البطالة يف مصر‪ ،‬عرب فرتات تارخيية خمتلف‪--‬ة ونقيم مقارن‪--‬ة بني ه‪--‬ذا احلجم‬
‫وم‪-- -‬ا وص ‪-- -‬ل إلي‪-- -‬ه حجم البطال‪-- -‬ة يف بعض دول الع ‪-- -‬امل خاص ‪-- -‬ة دول الع ‪-- -‬امل الن‪-- -‬امي وال‪-- -‬دول العربي‪-- -‬ة‪ .‬وحناول فحص‬
‫اخلص ‪--‬ائص النوعي ‪--‬ة للبطال ‪--‬ة يف مص ‪--‬ر‪ ،‬يف ض ‪--‬وء نت ‪--‬ائج حبوث س ‪--‬ابقة هلذه الظ ‪--‬اهرة‪ .‬مث جنري حتليًال نق ‪--‬ديًا للعالق ‪--‬ة بني‬
‫البطالة وسياق التنمية ونوضح كيف أن اخلصائص اليت متيز هذا السياق واليت يرتبط بعضها جبوانب داخلي‪-‬ة وأخ‪-‬رى‬
‫خارجية‪ ،‬كان هلا انعكاسها الواضح على البطالة‪ ،‬مث ختلص من هذا التحليل إىل جمموعة اآلليات اليت تك‪-‬رس البطال‪-‬ة‬
‫يف هذا السياق خاصة ضعف الطلب على العمل والقيود املفروضة على حرية العم‪-‬ل مث نق‪-‬وم بع‪-‬د ذل‪-‬ك باس‪-‬تخالص‬
‫احتم‪--‬االت املس‪--‬تقبل‪ ،‬وكي‪--‬ف احنص‪--‬رت يف احتم‪--‬ال اس‪--‬تمرار الوض‪--‬ع الق‪--‬ائم‪ ،‬واحتم‪--‬ال تنمي‪--‬ة ه‪--‬ذا الوض‪--‬ع من خالل‬
‫إكس‪--‬اب س‪--‬ياق التنمي‪--‬ة خص‪--‬ائص جدي‪--‬دة وتفعي‪--‬ل اآللي‪--‬ات املناس‪--‬بة يف احلد من مش‪--‬كلة البطال‪--‬ة‪ .‬وكن‪--‬ا نعتم‪--‬د يف ك‪--‬ل‬
‫هذه اخلطوات على اإلحصاءات املتاحة ونتائج البحوث السابقة‪.‬‬

‫أوًال‪ :‬البطالة‪ :‬الحجم والنوعية‬

‫البطالة ظاهرة عاملية ال خيلو منها أي جمتم‪-‬ع س‪-‬واء أك‪-‬ان متق‪-‬دمًا أو نامي‪ً-‬ا‪ ،‬وتظه‪-‬ر بنس‪-‬بة مقبول‪-‬ة ال تتع‪-‬دى ‪ %11‬يف‬
‫أي جمتمع‪ ،‬ولكنها تتحول إىل مشكلة عندما تتجاوز هذه النسبة‪.‬‬

‫وإذا كانت هناك أنواع كثرية للبطالة‪ ،‬يعرف بعض‪-‬ها بالبطال‪-‬ة املقنع‪-‬ة وأخ‪-‬رى بالبطال‪-‬ة االحتكاكي‪-‬ة‪ ،‬وبعض‪-‬ها الث‪-‬الث‬
‫بالبطالة االختيارية أو املومسية أو ما إليها‪ ،‬ف‪-‬إن م‪-‬ا يع‪-‬رف بالبطال‪-‬ة اإلجباري‪-‬ة أو املفتوح‪-‬ة أو الص‪-‬رحية ه‪-‬و ذل‪-‬ك الن‪-‬وع‬
‫ال‪-‬ذي يش‪-‬مل معظم ح‪-‬االت التعط‪-‬ل والبطال‪-‬ة‪ ،‬وه‪-‬و أيض‪ً-‬ا الن‪-‬وع ال‪-‬ذي جيذب االنتب‪-‬اه عن‪-‬دما يث‪-‬ار موض‪-‬وع البطال‪-‬ة ملا‬
‫يثريه من مشكالت متعددة‪.‬‬

‫وحتدد البطال‪--‬ة اإلجباري‪--‬ة أو الص‪--‬رحية يف جمموع‪--‬ة األف‪--‬راد ال‪--‬ذين رغم ق‪--‬درهتم ورغبتهم يف العم‪--‬ل وس‪--‬عيهم للحص‪--‬ول‬
‫عليه يظلون بدون عمل‪.‬‬

‫ورغم الص‪--‬عوبات ال‪--‬يت تواج‪--‬ه دراس‪--‬ة البطال‪--‬ة الص‪--‬رحية وتق‪--‬دير حجمه‪--‬ا على األق‪--‬ل‪ ،‬فق‪--‬د يص‪--‬ادفنا اختالف يف أرق‪--‬ام‬
‫البطالة تبعًا للمصدر الذي نرجع إليه يف تقديرنا‪ ،‬أو حسب الغرض من ه‪--‬ذا املص‪--‬در‪ ،‬وق‪--‬د جند يف بعض األحي‪--‬ان أن‬

‫‪303‬‬
‫معدل البطالة حيسب على مستوى الدولة ككل‪ ،‬بينما قد جترى احلسابات على مس‪-‬توى املن‪-‬اطق الريفي‪-‬ة أو احلض‪--‬رية‬
‫وذل‪--‬ك يف أحي‪--‬ان أخ‪--‬رى‪ .‬وق‪--‬د نواج‪--‬ه يف أحي‪--‬ان ثالث‪--‬ة ب‪--‬االختالف على مفه‪--‬وم البطال‪--‬ة نفس‪--‬ها من مص‪--‬در إىل آخ‪--‬ر‪،‬‬
‫حيث ميي‪--‬ل البعض إىل تعري‪--‬ف أوس‪--‬ع للبطال‪--‬ة يش‪--‬مل كاف‪--‬ة املوج‪--‬ودين خ‪--‬ارج س‪--‬وق العم‪--‬ل الرمسي‪ ،‬ول‪--‬ذلك يعت‪--‬ربون‬
‫كل من يعمل خارج هذه األسوار الرمسية يف حالة تبطل حىت ولو كان يعمل بالقطاع غري الرمسي(‪.)1‬‬

‫ومهما كان األمر فبإمكاننا على ضوء ماتوفر لدينا من بيانات رمسيه نتعرف على حجم البطالة يف مصر‪ ،‬واجتاه‪--‬ات‬
‫هذا احلجم‪ ،‬ونوعية األفراد الذين يشكلون هذه الظاهرة‪.‬‬

‫حجم البطالة في مصر والعالم‬ ‫‪)1‬‬

‫وميكن التعرف على حجم البطالة يف مصر يف الوقت احلاضر من بيانات اجلدول التايل‪:‬‬

‫النسبة إلى اإلجمالي‬ ‫العدد‬ ‫السنة‬


‫‪2.2‬‬ ‫‪175‬‬ ‫‪1960‬م‬
‫‪7.7‬‬ ‫‪850‬‬ ‫‪1976‬م‬
‫‪14.7‬‬ ‫‪2011‬‬ ‫‪1986‬م‬
‫(اجلهاز املركزي للتعبئة العامة واإلحصاءات‪ ،‬تعدادات ‪1986 ،70 ،60‬م)‬

‫وإذا ك‪--‬انت بيان‪--‬ات تع‪--‬داد ‪1986‬م تؤك‪--‬د أن حجم البطال‪--‬ة يف مص‪--‬ر يف ه‪--‬ذه الف‪--‬رتة الزمني‪--‬ة ق‪--‬د بل‪--‬غ ‪ % 14.7‬من‬
‫مجلة قوة العمل‪ ،‬فإن هذا احلجم يزيد كثريًا عن املعدل املقب‪-‬ول عاملي‪ً-‬ا‪ ،‬األم‪--‬ر ال‪-‬ذي يفض‪--‬ي ال حمال‪-‬ة إىل اعتب‪-‬ار البطال‪-‬ة‬
‫مبثابة مشكلة يف مصر‪.‬‬

‫ورمبا تأكد هذا الوضع – رغم ما قد يث‪-‬ار من اعرتاض‪-‬ات البعض يف االعتم‪-‬اد على التع‪-‬داد كمص‪-‬در لبيان‪-‬ات البطال‪-‬ة‬
‫من ناحية وعلى مفهوم البطالة الذي يأخذ به‪ ...‬اخل ذلك من حتفظات – ورما تاكدت حقيقة البطالة كمشكلة م‪--‬ا‬
‫ه ‪--‬و مت ‪--‬اح لن ‪--‬ا من بيان ‪--‬ات عن البطال ‪--‬ة يف مص ‪--‬ر‪ ،‬والبطال ‪--‬ة يف بالد الع ‪--‬امل يف ف ‪--‬رتات زمني ‪--‬ة متقارب ‪--‬ة‪ .‬إذ ت ‪--‬ذكر بعض‬
‫املص ‪--‬ادر أن حجم البطال ‪--‬ة يف مص ‪--‬ر حس ‪--‬ب التق ‪--‬ديرات الرمسية لس ‪--‬نة ‪1993‬م ي ‪--‬رتاوح بني ‪ %12 - 9‬من الق ‪--‬وى‬
‫العاملة‪ ،‬بينما تفيد التقديرات غري الرمسية إىل أن هذا املعدل يبلغ ‪.)2(%20‬‬
‫‪ )(1‬عزيزة عبد الرازق ‪ ،‬البطالة والقطاع غير الرسمي في السيد محمد الحسيني ‪ ،‬القطاع غير الرسمي في حضر مصر ‪ ،‬المركز القومي للبحوث‬
‫االجتماعية والجنائية ‪ ،‬القاهرة ‪1996 ،‬م ‪ ،‬ص ‪.215‬‬
‫‪ )(2‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪22‬‬

‫‪304‬‬
‫وتشري بعض املصادر من ناحية أخرى إىل أن حجم البطالة يف بعض دول العامل النفس الف‪--‬رتة الزمني‪--‬ة ‪1993 -‬م ‪-‬‬
‫ق ‪--‬د بل ‪--‬غ ‪ %10‬يف اململك ‪--‬ة املتح ‪--‬دة و‪ % 3.6‬يف الياب ‪--‬ان و‪ %9‬يف املاني ‪--‬ا الغربي ‪--‬ة و‪ % 12‬يف فرنس ‪--‬ا و‪ % 4.2‬يف‬
‫هولندا‪ ،‬وهذا ما توضحه بيانات اجلدول اآليت(‪:)3‬‬

‫نسبة البطالة‬ ‫الدولة‬


‫‪12‬‬ ‫فرنسا‬
‫‪11.7‬‬ ‫إيطاليا‬
‫‪10‬‬ ‫اململكة املتحدة‬
‫‪9‬‬ ‫أملانيا الغربية‬
‫‪4.2‬‬ ‫هولندا‬
‫‪11‬‬ ‫بيلجيكا‬
‫‪3.6‬‬ ‫اليابان‬

‫ومن ناحي‪--‬ة ثاني‪--‬ة ارتف‪--‬ع ع‪--‬دد الع‪--‬اطلني يف روس‪--‬يا ع‪--‬ام ‪1993‬م إىل ح‪--‬وايل ‪ 3‬ماليني عاط‪--‬ل‪ ،‬أي ح‪--‬وايل ‪% 15.7‬‬
‫من حجم الق‪--‬وة العامل‪--‬ة يف أمريك‪--‬ا الالتيني‪--‬ة ع‪--‬ام ‪1990‬م بلغت املع‪--‬دالت يف األرجن‪--‬تني ‪ % 57.4‬والربازي‪--‬ل ‪4.8‬‬
‫واملكسيك ‪ 3.6‬طبقًا لبيانات اجلدول التايل‪:‬‬

‫السنة‬
‫‪1990‬م‬ ‫‪1986‬م‬ ‫‪1980‬م‬
‫الدولة‬
‫‪7.4‬‬ ‫‪5.2‬‬ ‫‪4.8‬‬ ‫األرجنتني‬
‫‪19‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪9.7‬‬ ‫بوليفا‬
‫‪4.8‬‬ ‫‪3.6‬‬ ‫‪7.9‬‬ ‫الربازيل‬
‫‪3.6‬‬ ‫‪4.3‬‬ ‫‪4.2‬‬ ‫املكسيك‬

‫‪ )(3‬عبد اللطيف هنيدي ‪ ،‬تطور ظاهرة البطالة مع التركيز على مشكلة بطالة الخريجين الجدد ‪ ،‬ندرة األبعاد االجتماعية لسياسات االصالح االقتصادي ‪،‬‬
‫معهد التخطيط القومي القاهرة ‪1994 ،‬م ‪ ،‬ص‪91 .‬‬

‫‪305‬‬
‫ورمبا أفادتن‪--‬ا جمموع‪--‬ة ثالث‪--‬ة من البيان‪--‬ات ح‪--‬ول حجم البطال‪--‬ة ومع‪--‬دالهتا يف ال‪--‬دول العربي‪--‬ة خالل ف‪--‬رتة الثمانين‪--‬ات كم‪--‬ا‬
‫يعكسها اجلدول اآليت‪:‬‬

‫النسبة المئوية للعاطلين من القوة العاملة‬ ‫السنة‬ ‫الدولة‬


‫‪10.5‬‬ ‫‪1983‬م‬ ‫السودان‬
‫‪14.1‬‬ ‫‪1977‬م‬ ‫موريتانيا‬
‫‪12‬‬ ‫‪1982‬م‬ ‫املغرب‬
‫‪14.7‬‬ ‫‪1986‬م‬ ‫مصر‬
‫‪20.6‬‬ ‫‪1980‬م‬ ‫تونس‬
‫‪9‬‬ ‫‪1984‬م‬ ‫األردن‬
‫‪2.8‬‬ ‫‪1984‬م‬ ‫سوريا‬
‫‪21.4‬‬ ‫‪1987‬م‬ ‫اجلزائر‬
‫‪0.9-‬‬ ‫‪1984‬م‬ ‫العراق‬
‫‪1.4‬‬ ‫‪1984‬م‬ ‫الكويت‬
‫‪0.2-‬‬ ‫‪1984‬م‬ ‫اإلمارات‬
‫‪1.4‬‬ ‫‪1984‬م‬ ‫البحرين‬

‫وإذا جاز لنا أن نتوق‪-‬ف لرص‪-‬د بعض املالحظ‪-‬ات على البيان‪-‬ات الس‪-‬ابقة واملتعلق‪-‬ة بالبطال‪-‬ة يف مص‪-‬ر والع‪-‬امل فإن‪-‬ه ميكن‬
‫القول‪:‬‬

‫إن البطالة يف مصر تعد مشكلة جتاوزت احلد املقبول عامليًا‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫إن البطال‪--‬ة يف مص‪--‬ر تزي‪--‬د نس‪--‬بتها بش‪--‬كل واض‪--‬ح عن املع‪--‬دالت املس‪--‬جلة يف معظم بالد الع‪--‬امل‪ ،‬ب‪--‬دءًا بالوالي‪--‬ات‬ ‫‪‬‬
‫املتحدة األمريكية ومرورًا باليابان واجنلرتا وغريها من الدول األوروبية‪.‬‬
‫إن البطال‪--‬ة يف مص‪--‬ر تزي‪--‬د مع‪--‬دالهتا ح‪--‬ىت مقارن‪--‬ة باملع‪--‬دالت املس‪--‬جلة يف بعض ال‪--‬دول النامي‪--‬ة‪ ،‬مث‪--‬ل دول أمريك‪--‬ا‬ ‫‪‬‬
‫الالتينية‪.‬‬

‫‪306‬‬
‫إن مصر واحدة من جمموعة البالد العربية ‪ -‬اجلزائر موريتاني‪-‬ا املغ‪-‬رب األردن الس‪-‬ودان ‪ -‬ال‪-‬يت تظه‪-‬ر فيه‪-‬ا أعلى‬ ‫‪‬‬
‫معدالت بطالة‪.‬‬
‫إن البطالة يف مصر تسري يف اجتاه الزي‪-‬ادة من ف‪-‬رتة زمني‪-‬ة إىل أخ‪-‬رى‪ ،‬على عكس م‪--‬ا | لوح‪-‬ظ يف بعض البل‪-‬دان‬ ‫‪‬‬
‫النامية اليت يسري اجتاه البطالة حنو النقصان‪.‬‬

‫نوعية البطالة في مصر‬ ‫‪)2‬‬

‫أكدت نتائج بعض الدراسات أن نسبة بطال‪-‬ة املتعلمني ق‪-‬د تص‪-‬ل إىل ثل‪-‬ثي مع‪-‬دالت البطال‪-‬ة وأن أق‪-‬ل مع‪-‬دل ك‪-‬ان بني‬
‫األميني ومن يقرأ ويكتب‪.‬‬

‫وه‪--‬ذا يع‪--‬ين أن مش‪--‬كلة البطال‪--‬ة يف مص‪--‬ر مكوهنا األك‪--‬رب البطال‪--‬ة بني املتعلمني وخ‪--‬رجيي اجلامع‪--‬ات واملراح‪--‬ل الدراس‪--‬ية‬
‫املتوسطة والذين مل يسبق هلم ال‪-‬دخول يف س‪-‬وق العم‪-‬ل من قب‪-‬ل‪ ،‬إذ تش‪-‬ري التق‪-‬ديرات إىل أن تل‪-‬ك الفئ‪-‬ة متث‪-‬ل حنو ‪75‬‬
‫‪ %‬من جمم‪--‬ل ع‪--‬دد املتعطلني ال‪--‬ذين مل يس‪--‬بق هلم ال‪--‬دخول يف س‪--‬وق العم‪--‬ل من قب‪--‬ل‪ ،‬إض‪--‬افة إىل ذل‪--‬ك بعض الع‪--‬املني‬
‫السابقني يف األقط‪-‬ار العربي‪-‬ة‪ ،‬وهي جمموع‪-‬ات تنظم خليط‪ً-‬ا غ‪-‬ري متج‪-‬انس من العمال‪-‬ة احلرفي‪-‬ة واملهني‪-‬ة وه‪-‬ذه الس‪-‬مات‬
‫(‪.)1‬‬
‫ختتلف عن نوعيات البطالة املألوفة‬

‫وتض‪--‬يف نت‪--‬ائج دراس‪--‬ات حديث‪--‬ة إىل م‪--‬ا س‪--‬بق‪ ،‬وفيم‪--‬ا يتعل‪--‬ق بنوعي‪--‬ة املتعطلني ‪ -‬قائل‪--‬ة (تؤك‪--‬د اإلج‪--‬راءات الرمسية أن‬
‫أعلى معدل للبطال‪-‬ة بني خ‪-‬رجيي املدارس املتوس‪-‬طة وث‪-‬اين أعلى مع‪-‬دل بني خ‪-‬رجيي اجلامع‪-‬ات وأق‪-‬ل مع‪-‬دل بني األم‪-‬يني‬
‫عام ‪1986‬م)‪.‬‬

‫وقد يعتق‪-‬د البعض أن معظم بطال‪-‬ة املتعلمني ي‪-‬أيت معظمه‪-‬ا من املن‪-‬اطق احلض‪-‬رية‪ ،‬غ‪-‬ري أن إحص‪-‬اءات مرك‪-‬ز املعلوم‪-‬ات‬
‫ودعم اختاذ الق‪--‬رار مبجلس ال‪--‬وزراء ع‪--‬ام ‪1993‬م تؤك‪--‬د على أن حجم بطال‪--‬ة الع‪--‬املني ق‪--‬د وص‪--‬لت ‪ 1425‬ب‪--‬األلف‬
‫متعطل‪ ،‬كما يوضح اجلدول التايل‪:‬‬

‫ديسمبر‬
‫إجمالي‬ ‫إناث‬ ‫ذكور‬ ‫المتعطلون طبقًا للمؤهل‬
‫‪192.5‬‬ ‫‪83.3‬‬ ‫‪109.2‬‬ ‫خرجيو اجلامعات‬

‫‪ )(1‬عزيزة عبد الرازق ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪223‬‬

‫‪307‬‬
‫‪134.3‬‬ ‫‪57.3‬‬ ‫‪77‬‬ ‫حاملو املؤهالت فوق املتوسطة‬
‫‪1098.2‬‬ ‫‪496.4‬‬ ‫‪601.8‬‬ ‫حاملو الشهادات املتوسطة‬
‫‪1425‬‬ ‫‪637‬‬ ‫‪788‬‬ ‫اجملموع‬
‫‪9.13%‬‬ ‫‪4.08%‬‬ ‫‪50.05%‬‬ ‫النسبة إىل قوة العمل‬

‫وك‪--‬انت نس‪--‬بة املتعطلني يف احملافظ‪--‬ات الريفي‪--‬ة تف‪--‬وق بكث‪--‬ري احملافظ‪--‬ات احلض‪--‬رية حيث مل تبل‪--‬غ نس‪--‬بة بطال‪--‬ة املتعلمني يف‬
‫احملافظ‪--‬ات احلض‪--‬رية من إمجايل الق‪--‬وة العامل‪--‬ة س‪--‬وى ‪ % 8.89‬وعلي‪--‬ه تص‪--‬بح بطال‪--‬ة املتعلمني يف الري‪--‬ف تف‪--‬وق بكث‪--‬ري‬
‫مثيلتها يف احلضر ويصبح املدخل احلقيقي لعالج مشكلة البطالة يف مصر هو مواجهة جذور هذه املش‪-‬كلة يف اجملتم‪-‬ع‬
‫الريفي(‪.)1‬‬

‫ويذكر تقرير التنمي‪-‬ة البش‪-‬رية ملص‪-‬ر ع‪-‬ام ‪1997‬م إىل أن البطال‪-‬ة الس‪-‬افرة يف مص‪-‬ر مع‪-‬دالهتا ع‪-‬ادة م‪-‬ا تك‪-‬ون أعلى بني‬
‫اإلن‪-‬اث عنه‪-‬ا بني ال‪-‬ذكور‪ .‬ففي ع‪-‬ام ‪1995‬م ك‪-‬ان مع‪-‬دل البطال‪-‬ة بني اإلن‪-‬اث (‪ )% 24.1‬أك‪-‬ثر من ض‪-‬عف املع‪-‬دل‬
‫املناظر على املستوى القومي (‪ )%11.3‬وترتف‪--‬ع مع‪--‬دالت البطال‪-‬ة بني النس‪-‬اء يف الوج‪-‬ه البح‪-‬ري (‪ )% 27.6‬عنه‪--‬ا‬
‫يف الوج ‪--‬ه القبلى (‪ )% 19.6‬واحملافظ ‪--‬ات احلض ‪--‬رية (‪ .) % 21.5‬وعلى أي ‪--‬ة ح ‪--‬ال ف ‪--‬إن مش ‪--‬كلة البطال ‪--‬ة الس ‪--‬افرة‬
‫ليست املشكلة الوحيدة للنساء يف سوق العمل(‪.)2‬‬

‫وبامكاننا أن نستخلص مما سبق النتائج التالية فيما يتعلق بنوعية البطالة‪:‬‬

‫أن مشكلة البطال‪-‬ة يف مص‪-‬ر مكوهنا األك‪-‬رب من بطال‪-‬ة املتعلمني وأن أعلى مع‪-‬دل البطال‪-‬ة بني خ‪-‬رجيي املدارس‬ ‫‪.1‬‬
‫املتوسطة يليه معدل البطالة بني خرجيي اجلامعات واملعاهد العليا‪.‬‬
‫أن نس‪--‬بة املتعطلني يف الري‪--‬ف تف‪--‬وق بكث‪--‬ري نس‪--‬بة املتعطلني يف احلض‪--‬ر‪ ،‬ب‪--‬ل أن نس‪--‬بة بطال‪--‬ة املتعلمني يف الري‪--‬ف‬ ‫‪.2‬‬
‫تفوق مثيلتها يف احلضر‪.‬‬
‫أض‪--‬افت اهلج‪--‬رة اخلارجي‪--‬ة العائ‪--‬دة من البالد العربي‪--‬ة إىل حجم البطال‪--‬ة يف مص‪--‬ر‪ ،‬نس‪--‬بة من العمال‪--‬ة ال‪--‬يت تض‪--‬م‬ ‫‪.3‬‬
‫خليطًا غري متجانس من العمالة احلرفية واملهنية‪.‬‬

‫‪ )(1‬سيد رشاد غنيم االبعاد االجتماعية لمشكلة البطالة في القرية المصرية ‪ ،‬ندرة عاطف غيث العلمية ‪ ،‬دار المعرفة الجامعية ‪ ،‬اإلسكندرية ‪1996 ،‬م ‪،‬‬
‫ص ‪.47‬‬
‫‪ )(2‬المعهد القومي للتخطيط ‪ ،‬تقرير التنمية البشرية لعام ‪1997‬م ‪ ،‬مصر ‪1997 ،‬م‪.‬‬

‫‪308‬‬
‫إن نسبة البطالة بني اإلناث أعلى منها بني الذكور وتزيد نسبة بطالة اإلناث يف الوج‪-‬ه البح‪-‬ري واحملافظ‪-‬ات‬ ‫‪.4‬‬
‫احلضرية‪.‬‬

‫وإذا كانت النتائج السابقة تشري إىل أن البطالة يف مصر ختتل‪--‬ف يف ظروفه‪--‬ا من حيث احلجم والنوعي‪--‬ة عن البطال‪--‬ة يف‬
‫الع ‪--‬امل‪ ،‬فرمبا س ‪--‬اعدنا الرب ‪--‬ط بني البطال ‪--‬ة وم ‪--‬ا تتم ‪--‬يز ب ‪--‬ه من خصوص ‪--‬ية يف مص ‪--‬ر وبني الس ‪--‬ياق اجملتمعي األك ‪--‬رب ال ‪--‬ذي‬
‫أفرزها على فهم هذه املشكلة من ناحية‪ ،‬وبلورة الدعائم ال‪-‬يت ميكن أن تس‪-‬تند إليه‪-‬ا يف تص‪-‬ور مس‪-‬تقبل ه‪-‬ذه املش‪-‬كلة‬
‫من ناحية أخرى‪.‬‬

‫ثانيًا‪ :‬سياق التنمية‪ :‬الخصائص واآلليات‬

‫عن‪--‬دما نق‪--‬ول أن ظ‪--‬اهرة البطال‪--‬ة ت‪--‬ؤثر وتت‪--‬أثر حجم ‪ً-‬ا ونوع ‪ً-‬ا بالسياس‪--‬ات املتبع‪--‬ة يف البالد‪ ،‬مبع‪--‬ىن أن‪--‬ه كلم‪--‬ا احنس‪--‬ر دور‬
‫الدولة يف أهنا تنتهج سياسات وإجراءات للحد من مشكلة البطالة فإننا نتجاه‪-‬ل هبذا الق‪-‬ول عوام‪-‬ل أخ‪-‬رى وظ‪-‬روف‬
‫ت ‪--‬ؤثر ب ‪--‬دورها وتت ‪--‬أثر هبذه الظ ‪--‬اهرة‪ .‬فالبطال ‪--‬ة يف أي جمتم ‪--‬ع مل تظه ‪--‬ر بني عش ‪--‬ية وض ‪--‬حاها‪ ،‬ب ‪--‬ل مه ‪--‬دت هلا ظ ‪--‬روف‬
‫تارخيي‪--‬ة متباين‪--‬ة‪ ،‬وال تع‪--‬د نتيج‪--‬ة مباش‪--‬رة لعوام‪--‬ل داخلي‪--‬ة يف ه‪--‬ذا اجملتم‪--‬ع مث‪--‬ل السياس‪--‬ات ال‪--‬يت تتبعه‪--‬ا الدول‪--‬ة أو غريه‪--‬ا‪،‬‬
‫وإمنا تساهم أيضًا يف ظهور مش‪-‬كلة البطال‪-‬ة عوام‪-‬ل أخ‪-‬رى خارجي‪-‬ة ترتب‪-‬ط بالنظ‪-‬ام الع‪-‬املي‪ .‬ول‪-‬ذلك من املناس‪-‬ب فهم‬
‫مشكلة البطالة يف إطار هذا السياق من العوامل والظروف‪ ،‬الذي قد يتسم خبصائص معينة وميوج بآليات خمتلفة‪.‬‬

‫خصائص سياق التنمية والبطالة‬ ‫‪]1‬‬

‫رمبا ك ‪--‬ان املس ‪--‬امهة الدول ‪--‬ة من ناحي ‪--‬ة واملواط ‪--‬نني من ناحي ‪--‬ة أخ ‪--‬رى يف حتدي ‪--‬د خص ‪--‬ائص الس ‪--‬ياق االجتم ‪--‬اعي األك ‪--‬رب‬
‫للمجتمع‪ ،‬هو الذي حدا بنا إىل أن ننطلق يف بيان خصائص سباق التنمية وكيف أثر وتأثر مبشكلة البطالة‪.‬‬

‫دور الدولــة والبطالــة‪ :‬ال يق‪--‬ف األم‪--‬ر يف معاجلة دور الدول‪--‬ة عن‪--‬د ح‪--‬د بي‪--‬ان نوعي‪--‬ة السياس‪--‬ات ال‪--‬يت تتبناه‪--‬ا‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫وإمنا يتعدى ذلك حنو اجلهود اليت تبذهلا يف ترمجة هذه السياسات إىل برامج ومشروعات وخطط لتنفيذ سياساهتا‪.‬‬

‫فم‪--‬ع بداي‪--‬ة اخلط‪--‬ة اخلمس‪--‬ية الثاني‪--‬ة (‪ )91 / 90 - 87 / 86‬أو قبله‪--‬ا بقلي‪--‬ل‪ ،‬اجتهت مص‪--‬ر إىل سياس‪--‬ات التحري‪--‬ر‬
‫االقتصادي والتكيف اهليكلي‪ .‬ورمبا سبق ذلك أو صاحبه اتباع سياسات اإلصالح االقتصادي وما يتالزم معه‪--‬ا من‬
‫عملية التحول إىل القطاع اخلاص وحترير التجارة وتنظيم سوق العمل‪.‬‬

‫‪309‬‬
‫واجتهت الدولة إىل تقليص اإلنف‪--‬اق الع‪--‬ام‪ ،‬حبيث اخنفض االنف‪--‬اق الع‪--‬ام إىل ح‪-‬وايل ‪ % 46‬من الن‪-‬اتج احمللي اإلمجايل‪.‬‬
‫واخنفض مع ‪--‬دل االس‪--‬تثمار من ح‪--‬وايل ‪ %30‬ع ‪--‬ام ‪ 76‬إىل ح‪--‬وايل ‪ % 22‬ع ‪--‬امي ‪ 87 ،86‬وإىل ‪ %10‬فق ‪--‬ط بني‬
‫عامي ‪.)1( 91/ 90‬‬

‫وم ‪--‬ع احنس‪--‬ار دور الدول‪--‬ة على النح‪--‬و الس‪--‬ابق وتراج‪--‬ع االنف ‪--‬اق الع ‪--‬ام‪ ،‬واجتاه الدول‪--‬ة ت‪--‬درجييًا حنو التخلي عن سياس‪--‬ة‬
‫تعيني اخلرجيني‪ ،‬وما صاحبه من بطء شديد يف تش‪-‬غيل املزي‪-‬د منهم‪ ،‬تزاي‪-‬دت أع‪-‬داد البطال‪-‬ة الس‪-‬افرة‪ ،‬كم‪-‬ا دلت علي‪-‬ه‬
‫بيانات تعداد ‪1986‬م (وبلوغها ‪ )% 14.7‬باملقارنة ببيانات التعداد السابق ‪1976‬م‪.‬‬

‫كم‪-- -‬ا ك‪-- -‬ان االعتم‪-- -‬اد يف النم‪-- -‬و االقتص‪-- -‬ادي على االس‪-- -‬تثمارات الرأمسالية‪ ،‬واس‪-- -‬تخدام تقني‪-- -‬ات كثيف‪-- -‬ة رأس املال يف‬
‫العملي‪-‬ات اإلنتاجي‪-‬ة من بني األس‪-‬باب املؤدي‪-‬ة إىل نقص الطلب على العمال‪-‬ة‪ .‬ك‪-‬ذلك ك‪-‬ان انته‪-‬اج سياس‪-‬ة اخلصخص‪-‬ة‬
‫يف وحدات القطاع العام‪ ،‬سببًا يف التخلص من بعض العمالة الزائدة‪.‬‬

‫وك ‪--‬ذلك ك ‪--‬ان التف ‪--‬اوت االقليمي يف توزي ‪--‬ع املوارد واس ‪--‬تمرار التوزي ‪--‬ع غ ‪--‬ري املت ‪--‬وازن لالس ‪--‬تثمارات واس ‪--‬تئثار األق ‪--‬اليم‬
‫احلضرية بالنصيب األكرب أثره على انتشار البطالة يف مناطق دون غريها خاصة يف القري‪-‬ة املص‪--‬رية‪ .‬وهك‪-‬ذا انعكس‪-‬ت‬
‫سياس‪--‬ات الدول‪--‬ة اخلاص‪--‬ة باإلص‪--‬الح االقتص‪--‬ادي والتح‪--‬والت اهليكلي‪--‬ة‪ ،‬والتح‪--‬رر االقتص‪--‬ادي وحتري‪--‬ر التج‪--‬ارة وتنظيم‬
‫س ‪--‬وق العم ‪--‬ل على مع ‪--‬دالت البطال ‪--‬ة على النح ‪--‬و ال ‪--‬ذي أوض ‪--‬حناه‪ ،‬واس ‪--‬همت ال ‪--‬ربامج واملش ‪--‬روعات واخلط ‪--‬ط ال ‪--‬يت‬
‫اس ‪--‬تعانت هبا الدول ‪--‬ة يف تنفي ‪--‬ذ ه ‪--‬ذه السياس ‪--‬ة‪ ،‬خاص ‪--‬ة ب ‪--‬رامج اخلصخص ‪--‬ة‪ ،‬وخط ‪--‬ط االس ‪--‬تثمار ومش ‪--‬روعات التكي ‪--‬ف‬
‫اهليكلي وما إليها‪ ،‬على استمرار املعدالت املرتفعة للبطالة‪.‬‬

‫المواطنون والبطالة‪ :‬لق‪--‬د تزاي‪--‬دت أع‪--‬داد الس‪--‬كان خالل الف‪--‬رتة من ‪1960‬م ‪1990 -‬م مع‪--‬دل الض‪--‬عف‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫حيث كان العدد ‪ 26.08‬مليون نس‪-‬مة ع‪-‬ام ‪1960‬م تض‪-‬اعف إىل ‪ 51.7‬ملي‪-‬ون نس‪-‬مة ع‪-‬ام ‪1990‬م‪ ..‬لق‪-‬د أدى‬
‫ه ‪--‬ذا النم ‪--‬و الس ‪--‬كاين ب ‪--‬دوره إىل تف ‪--‬اقم مش ‪--‬كلة البطال ‪--‬ة‪ ،‬عن طري ‪--‬ق زي ‪--‬ادة أع ‪--‬داد الق ‪--‬وى العامل ‪--‬ة يف اجملتم ‪--‬ع املص ‪--‬ري‪،‬‬
‫وبل‪--‬وغ أع‪--‬داد املش‪--‬تغلني بالفع‪--‬ل من إمجايل الس‪--‬كان يف ع‪--‬ام ‪1990‬م‪ .)2(% 6 .25 ،‬وإذا أض‪--‬فنا إىل م‪--‬ا س‪--‬بق أن‬
‫هناك ارتفاعًا يف أعداد املوالي‪-‬د بني الطبق‪-‬ات الفق‪-‬رية وال‪-‬يت مل حيص‪-‬ل معظمه‪-‬ا على ق‪-‬در ك‪-‬اف من التعليم والثقاف‪-‬ة م‪-‬ا‬
‫ال يؤهله ‪--‬ا للح ‪--‬د من النس ‪--‬ل والتنظيم‪ ،‬األم ‪--‬ر ايل يس ‪--‬اهم ب ‪--‬دوره يف زي ‪--‬ادة أع ‪--‬داد املع ‪--‬روض من ق ‪--‬وة العم ‪--‬ل‪ ،‬ومن مث‬

‫‪ )(1‬عزيزة عبد الراوق ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪210‬‬


‫‪ )(2‬السيد رشاد عنيم ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.3‬‬

‫‪310‬‬
‫ارتف‪-- -‬اع أع‪-- -‬داد البطال‪-- -‬ة‪ .‬ويف ظ‪-- -‬ل انتش‪-- -‬ار الفق‪-- -‬ر زادت نس‪-- -‬بة التس‪-- -‬رب من العملي‪-- -‬ة التعليمي‪-- -‬ة‪ ،‬خاص‪-- -‬ة بني اإلن‪-- -‬اث‬
‫واألطف‪--‬ال‪ ،‬حيث ترس‪--‬خ الع‪--‬ادات والتقالي‪--‬د عملي‪--‬ة ع‪--‬زوف بعض األس‪--‬ر عن إرس‪--‬ال بناهتا اىل التعليم وتقل‪--‬ل من أمهي‪--‬ة‬
‫تعليم الفت ‪--‬اة ب ‪--‬النظر إىل ال ‪--‬دور ال ‪--‬ذي ح ‪--‬دده هلا اجملتم ‪--‬ع كزوج ‪--‬ة وأم‪ ،‬وت ‪--‬دفع قيم ‪--‬ة اعتب ‪--‬ار األبن ‪--‬اء رزق ‪--‬ا خاص ‪--‬ة بني‬
‫الطبق‪--‬ات الفق‪--‬رية يف الري‪--‬ف وغريه‪--‬ا إىل تب‪--‬ين دع‪--‬وى ع‪--‬دم ج‪--‬دوى التعليم بالنس‪--‬بة لألس‪--‬ر الفق‪--‬رية‪ .‬يض‪--‬اف إىل ذل‪--‬ك‬
‫ارتف‪--‬اع التكلف‪--‬ة الفعلي‪--‬ة للتعليم ومنو القن‪--‬وات التعليمي‪--‬ة غ‪--‬ري الرمسية (ال‪--‬دروس اخلصوص‪--‬ية )‪ ،‬كعوام‪--‬ل ط‪--‬اردة للفتي‪--‬ات‬
‫واألطف‪-‬ال من العملي‪-‬ة التعليمي‪-‬ة‪ ،‬ويف نفس ال‪-‬وقت جيد األطف‪-‬ال واإلن‪-‬اث أن أص‪-‬حاب العم‪-‬ل خاص‪-‬ة يف جمال القط‪-‬اع‬
‫غري الرمسي‪ ،‬يرغبون يف استخدام عمالة اقل اج‪-‬را واك‪-‬ثر طاع‪-‬ة وإذعان‪ً-‬ا‪ ،‬وق‪-‬د ت‪-‬دفع بطال‪-‬ة الب‪-‬الغني يف األس‪-‬رة اإلن‪-‬اث‬
‫واألطفال إىل سوق العمل هذا‪ ،‬وكل هذه الظروف اليت حتيط باملواطنني تسهم بدورها يف بطالة البالغني (‪.)1‬‬

‫وق‪-‬د أدى اس‪-‬تغناء ال‪-‬دول النفطي‪-‬ة عن العمال‪-‬ة الواف‪-‬دة بس‪-‬بب اخنف‪-‬اض أس‪-‬عار النف‪-‬ط وأيض‪-‬ا احلاج‪-‬ة إىل إحالل العمال‪-‬ة‬
‫الوطني‪--‬ة حمل العمال‪--‬ة الواف‪--‬دة‪ ،‬عالوة على ح‪--‬رب اخلليج وم‪--‬ا أفرزت‪--‬ه من ظ‪--‬روف غ‪--‬ري مواتي‪--‬ة وع‪--‬ودة العمال‪--‬ة الواف‪--‬دة‪.‬‬
‫(وق‪--‬د بل‪--‬غ ع‪--‬دد املص‪--‬ريني الع‪--‬املني باخلارج باخلط‪--‬ة اخلمس‪--‬ية ع‪--‬ام ‪ )2.2( 94 / 93‬ملي‪--‬ون مص‪--‬ري) أدى ذل‪--‬ك إىل‬
‫ختلص ال ‪--‬دول النفطي ‪--‬ة من ج ‪--‬زء كب ‪--‬ري من ه ‪--‬ذه العمال ‪--‬ة‪ ،‬وميث ‪--‬ل ه ‪--‬ؤالء العائ ‪--‬دون إض ‪--‬افة إىل الع ‪--‬اطلني‪ ،‬ب ‪--‬ل أن مع ‪--‬دل‬
‫البطالة بني العائدين أعلى من غري املهاجرين‪.‬‬

‫وتش ‪--‬ري الفق ‪--‬رات الس ‪--‬ابقة ض ‪--‬منا إىل جمموع ‪--‬ة من العوام ‪--‬ل اخلارجي ‪--‬ة ال ‪--‬يت س ‪--‬امهت يف تأكي ‪--‬د مش ‪--‬كلة البطال ‪--‬ة‪ ،‬حيث‬
‫انعكس ما شهده العامل الرأمسايل من أزمات على ارتفاع نسبة البطالة يف مصر‪ ،‬ورمبا كان أوضحها اخنف‪--‬اض أس‪--‬عار‬
‫النفط‪ ،‬وحرب اخلليج األخرية بني الكويت والعراق‪.‬‬

‫آليات تكريس البطالة‬ ‫‪]2‬‬

‫رمبا ك‪--‬انت أك‪--‬ثر اآللي‪--‬ات ت‪--‬أثريًا يف مع‪--‬دالت البطال‪--‬ة يف مص‪--‬ر‪ ،‬تل‪--‬ك ال‪--‬يت يتعل‪--‬ق بعض‪--‬ها بض‪--‬عف الطلب على العم‪--‬ل‪،‬‬
‫وينحصر بعضها الثاين يف تلك القيود املفروضة على حرية العمل‪.‬‬

‫‪ )(1‬السيد رشاد عنيم ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.3‬‬

‫‪311‬‬
‫ضـعف الطلب على العمـل‪ :‬إىل أي ح‪--‬د يعت‪--‬رب العم‪--‬ل ه‪--‬دفًا أساس‪--‬يًا يف اس‪--‬رتاتيجيات التنمي‪--‬ة‪ ،‬وذل‪--‬ك بغض‬ ‫‪‬‬
‫النظر عن نوعية العمل أو القطاعات اليت يتم العمل فيها؟ وإىل أي حد حيرص اجملتمع على توف‪--‬ري ف‪--‬رص العم‪--‬ل املنتج‬
‫واملتواصل أو يعلق على ذلك كل األمهية؟‬

‫ولعل اإلجابة على هذه التساؤالت توضح كيف أن زيادة الطلب االجتماعي على العمل الذي ميكن أن يتحقق من‬
‫خالل اس‪--‬رتاتيجيات التنمي‪--‬ة وخط‪--‬ط وب‪--‬رامج الدول‪--‬ة من أج‪--‬ل توف‪--‬ري ف‪--‬رص العم‪--‬ل املنتج يف القطاع‪--‬ات املختلف‪--‬ة‪ ،‬يع‪--‬د‬
‫مطلب ‪--‬ا ض ‪--‬روريا للخفي ‪--‬ف من ح ‪--‬دة مش ‪--‬كلة البطال ‪--‬ة‪ .‬ف ‪--‬الننظر إىل م ‪--‬ا ميوج ب ‪--‬ه س ‪--‬ياق التنمي ‪--‬ة‪ ،‬وخاص ‪--‬ة دور الدول ‪--‬ة‬
‫واجلمهور يف هذا الصدد‪:‬‬

‫ف‪-- -‬إذا ك‪-- -‬ان االنف‪-- -‬اق الع‪-- -‬ام ال‪-- -‬ذي بل‪-- -‬غ ح‪-- -‬وايل ‪ % 64‬من الن‪-- -‬اتج احمللي اإلمجايل يف ف‪-- -‬رتة اخلمس‪-- -‬ينات وح‪-- -‬ىت بداي‪-- -‬ة‬
‫الثمانين ‪--‬ات من أهم وس ‪--‬ائل الدول ‪--‬ة ال ‪--‬ذي لعب دوره الرئيس ‪--‬ي يف خل ‪--‬ق ف ‪--‬رص التوظي ‪--‬ف والتخفي ‪--‬ف وقتي ‪ً-‬ا من ح ‪--‬دة‬
‫مشكلة البطالة‪ .‬فإن تقليص اإلنفاق العام واخنفاض معدالته إىل ‪ %10‬فقط بني عامي ‪ ،91 / 90‬قد ظهرت معه‬
‫البطال‪-‬ة الس‪-‬افرة بص‪--‬ورة مل يس‪-‬بق هلا مثي‪-‬ل‪ .‬ذل‪-‬ك ألن تكلف‪--‬ة خل‪-‬ق ف‪-‬رص عم‪-‬ل جدي‪-‬دة بالقط‪-‬اع الرمسي ق‪-‬د تص‪--‬ل إىل‬
‫حوايل ‪ 60‬الف جنيه مصري (وقد تقل أو تزيد قليًال حسب نوع النش‪-‬اط‪ ،‬وه‪-‬ذا يع‪-‬ين أن تش‪-‬غيل ح‪-‬وايل ‪ 3‬ماليني‬
‫عاطل تطلب إمجايل استثمارات قد تفوق دخل مصر القومي (حوايل ‪ 180‬مليار جنيه مصري)‪.‬‬

‫يض ‪--‬اف إىل م ‪--‬ا س ‪--‬بق أن النم ‪--‬و الس ‪--‬ريع للقط ‪--‬اع اخلاص الرمسي يف جماالت النش ‪--‬اط االقتص ‪--‬ادي وختص ‪--‬يص النص ‪--‬يب‬
‫األكرب من االستثمارات لصاحل ه‪-‬ذا القط‪-‬اع مل يس‪-‬اهم يف اس‪-‬تيعاب العمال‪-‬ة إال على حنو حمدود‪ .‬ذل‪-‬ك ألن اجتاه ه‪-‬ذا‬
‫القط‪--‬اع إىل اس‪--‬تخدام تقني‪--‬ات كثيف‪--‬ة رأس املال يف العملي‪--‬ة االنتاجي‪--‬ة أدى إىل نقص الطلب على العمال‪--‬ة‪ ،‬ب‪--‬الرغم من‬
‫متتع مصر مبيزة نسبية من حيث وفرة األيدي العاملة مبا ميكنها االعتماد على التقنيات كثيفة العمالة ال‪-‬يت ت‪-‬وفر ف‪-‬رص‬
‫عم ‪--‬ل لكث ‪--‬ري من املتعطلني‪ .‬ومن ناحي ‪--‬ة أخ ‪--‬رى ف ‪--‬إن املخرج ‪--‬ات البش ‪--‬رية من العملي ‪--‬ة التعليمي ‪--‬ة ال تتناس ‪--‬ب يف معظم‬
‫األح‪--‬وال م‪--‬ع س‪--‬وق العم‪--‬ل املت‪--‬اح ‪ -‬يف ه‪--‬ذا القط‪--‬اع اخلاص ‪ -‬س‪--‬واء من ناحي‪--‬ة الكف‪--‬اءة أو دق‪--‬ة التخص‪--‬ص‪ ،‬مبع‪--‬ىن أن‬
‫برامج التعليم توفر عمالة يق‪-‬ل الطلب عليه‪-‬ا وعن‪-‬دما أنش‪-‬ي الص‪-‬ندوق االجتم‪-‬اعي للتنمي‪-‬ة لتجنب اآلث‪-‬ار االجتماعي‪-‬ة‪.‬‬
‫للسياسات االقتصادية ‪ -‬كان من أوائل أهدافه خلق فرص عمل جديدة وحقيقية للشباب اخلرجيني والفئات الفق‪--‬رية‬
‫الع‪--‬اجزة‪ .‬ولكن الص‪--‬ندوق طبق ‪ً-‬ا لتقري‪--‬ر األمم املتح‪--‬دة للتج‪--‬ارة والتنمي‪--‬ة مل يس‪--‬تطع أن يص‪--‬ل بس‪--‬هولة للفئ‪--‬ات األك‪--‬ثر‬

‫‪312‬‬
‫فقرًا يف حني أن كل عملياته ق‪-‬د أف‪-‬ادت فئ‪-‬ات حض‪-‬رية متوس‪-‬طة ال‪-‬دخل وحس‪-‬نة التنظيم وتس‪-‬تطيع التعب‪-‬ري عن إرادهتا‬
‫(‪)1‬‬

‫وعن ‪--‬دما اجته اجلمه ‪--‬ور حنو العم ‪--‬ل ب ‪--‬أكثر من قط ‪--‬اع يف وقت واح ‪--‬د‪ ،‬نتيج ‪--‬ة الرتف ‪--‬اع األس ‪--‬عار وت ‪--‬دهور مس ‪--‬تويات‬
‫املعيشة‪ ،‬واشتغال املوظفني والعمال سواء يف احلكومة او القطاع العام أو اخلاص‪ ،‬ساعات عمل إض‪--‬افية أو دوري‪--‬ات‬
‫متع ‪--‬ددة‪ ،‬أو قي ‪--‬ام نس ‪--‬بة كب ‪--‬رية من الع ‪--‬املني يف القط ‪--‬اع الع ‪--‬ام ويف اإلدارات احلكومي ‪--‬ة بالعم ‪--‬ل يف وظ ‪--‬ائف إض ‪--‬افية‬
‫بالقطاع غري الرمسي‪ ،‬إال أن النتائج السلبية هلذا االجتاه حنو العمل اإلضايف أنه كان يؤدي إىل اس‪--‬تيعاب ف‪--‬رص العم‪--‬ل‬
‫املتاح ‪--‬ة بواس ‪--‬طة من هلم وظ ‪--‬ائف بالفع ‪--‬ل‪ ،‬بينم ‪--‬ا حيرم من ه ‪--‬ذه الف ‪--‬رص ال ‪--‬داخلني اجلدد إىل س ‪--‬وق العم ‪--‬ل وه ‪--‬و اجتاه‬
‫يؤدي إىل تفاقم مشكلة البطالة‪.‬‬

‫إذن ت‪--‬دلل ك‪--‬ل ه‪--‬ذه األس‪--‬اليب س‪--‬واء من حيث اإلنف‪--‬اق الع‪--‬ام أو نوعي‪--‬ة االس‪--‬تثمارات أو نوعي‪--‬ة العمال‪--‬ة وتعليمه‪--‬ا أو‬
‫جهود الص‪-‬ندوق االجتم‪-‬اعي أو اجتاه اجلمه‪-‬ور حنو العم‪-‬ل اإلض‪-‬ايف‪ ،‬على الكيفي‪-‬ة ال‪-‬يت تس‪-‬اهم هبا آلي‪-‬ة ض‪-‬عف الطلب‬
‫على العمل يف زيادة حدة مشكلة البطالة يف مصر‪.‬‬

‫القيود على حرية العمل‪ :‬ويف ظل عدم وجود إعانات للبطالة وارتفاع مستوى املعيشة‪ ،‬أجتهد الكثري من‬ ‫‪‬‬
‫الع‪--‬اطلني يف البحث عن آلي‪--‬ات للتكي‪--‬ف‪ .‬وق‪--‬د متثلت أهم ه‪--‬ذه اآللي‪--‬ات يف العم‪--‬ل بالقطاع‪--‬ات واألنش‪--‬طة غ‪--‬ري الرمسية‬
‫كوسيلة للحصول على حد أدىن من الدخل ميكنهم من البقاء واالستمرار‪ .‬كما ين‪-‬درج أيض‪ً-‬ا ض‪-‬من آلي‪-‬ات التكي‪-‬ف‬
‫من ج‪--‬انب األف‪--‬راد انض‪--‬مام ع‪--‬دد كب‪--‬ري من أف‪--‬راد األس‪--‬رة لق‪--‬وة العم‪--‬ل بالقط‪--‬اع غ‪--‬ري الرمسي خاص‪--‬ة النس‪--‬اء واألطف‪--‬ال‬
‫وذل‪--‬ك لتع‪--‬ويض اخنف‪--‬اض دخ‪--‬ل األس‪--‬رة‪ .‬ولق‪--‬د أص‪--‬بح للقط‪--‬اع غ‪--‬ري الرمسي دوره الواض‪--‬ح يف اس‪--‬تيعاب العمال‪--‬ة وخل‪--‬ق‬
‫ف ‪--‬رص عم ‪--‬ل جدي ‪--‬دة تق ‪--‬ل تكلفته ‪--‬ا عن مثيلته ‪--‬ا يف القط ‪--‬اع الرمسي‪ ،‬وبالت ‪--‬ايل أص ‪--‬بح ل ‪--‬ه دوره يف التخفي ‪--‬ف من ح ‪--‬دة‬
‫مشكلة البطالة (‪.)2‬‬

‫وليس أدل على هذا الدور الذي يضطلع به القطاع غري الرمسي من حصول من مل يتق‪--‬دم للتع‪--‬يني من محل‪-‬ة املؤهالت‬
‫يف ال ‪--‬دفعات من ‪1984‬م ‪1989 -‬م على ف ‪--‬رص عم ‪--‬ل يق ‪--‬ع معظمه ‪--‬ا يف القط ‪--‬اع غ ‪--‬ري الرمسي‪ .‬ه ‪--‬ذا فض ‪ً-‬ال عن أن‬
‫اجلزء األكرب من العمالة املسرحة ‪ -‬بعد انتهاج سياسة اخلصخصة ‪ -‬قد اجته إىل القطاع غ‪--‬ري الرمسي باعتب‪-‬اره قطاع‪ً-‬ا‬

‫‪ )(1‬عزيزة عبد الرازق ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ص ‪.223 - 222‬‬


‫‪ )(2‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪ ، 218‬ص ‪.227‬‬

‫‪313‬‬
‫مرنًا يستوعب العمال‪-‬ة غ‪-‬ري املاهرة وك‪-‬ذلك العمال‪-‬ة ش‪-‬به املاهرة‪ .‬كم‪-‬ا أن العمال‪-‬ة النس‪-‬ائية يقبلن أي ن‪-‬وع من العم‪-‬ل‪،‬‬
‫وق‪--‬د اس‪--‬توعب القط‪--‬اع غ‪--‬ري الرمسي أع‪--‬دادًا كب‪--‬رية من األمي‪--‬ات إىل احلد ال‪--‬ذي بلغت مع‪--‬ه نس‪--‬بة املس‪--‬امهة االقتص‪--‬ادية‬
‫للم‪--‬رأة يف القط‪--‬اع غ‪--‬ري الرمسي ‪% 64.6‬وك‪--‬ذلك لوح‪--‬ظ أن ع‪--‬دد األطف‪--‬ال النش‪--‬طني اقتص‪--‬اديًا حس‪--‬ب مس‪--‬ح الق‪--‬وى‬
‫العامل‪-‬ة لس‪-‬نة ‪1988‬م ق‪-‬د بل‪-‬غ قراب‪-‬ة ‪ 2‬ملي‪-‬ون وم‪-‬ائيت أل‪-‬ف طف‪-‬ل ميثل‪-‬ون أك‪-‬ثر من ‪ % 11‬من مجل‪-‬ة ق‪-‬وة العم‪-‬ل وهم‬
‫يرتكزون يف القطاع غري الرمسي‪.‬‬

‫وهك‪--‬ذا يلعب القط‪--‬اع غ‪--‬ري الرمسي دورًا واض‪--‬حًا كص‪--‬مام أم‪--‬ان ملش‪--‬كلة البطال‪--‬ة‪ ،‬ويع‪--‬د اح‪--‬د احلل‪--‬ول الذاتي‪--‬ة ملش‪--‬كلة‬
‫الفقر‪.‬‬

‫ولكن على ال ‪--‬رغم من أن تكلف ‪--‬ة خل ‪--‬ق فرص ‪--‬ة عم ‪--‬ل جدي ‪--‬دة بالقط ‪--‬اع الرمسي تف ‪--‬وق بكث ‪--‬ري تكلفته ‪--‬ا بالقط ‪--‬اع غ ‪--‬ري‬
‫الرمسي‪ ،‬م‪-‬ا يتج‪-‬اوز ق‪-‬درات املوازن‪-‬ة العام‪-‬ة للدول‪-‬ة‪ .‬ذل‪-‬ك ألن التكلف‪-‬ة املتوس‪-‬طة خلل‪-‬ق فرص‪-‬ة العم‪-‬ل الواح‪-‬دة بالقط‪-‬اع‬
‫غري الرمسي قد تصل إىل ثالثة آلف جنيه مصري‪ ،‬ويصبح إمجايل االستثمارات الالزمة خللق ‪ 450‬ألف فرصة عم‪-‬ل‬
‫س ‪--‬نويًا بالقط ‪--‬اع غ ‪--‬ري الرمسي ملي ‪--‬ارا و‪ 350‬ال ‪--‬ف ملي ‪--‬ون جني ‪--‬ه‪ .‬إال أن املالح ‪--‬ظ أوًال أن اخلط ‪--‬ط القومي ‪--‬ة املتتالي ‪--‬ة ق ‪--‬د‬
‫أغفلت االهتم ‪--‬ام بالقط ‪--‬اع غ ‪--‬ري الرمسي رغم أن ‪--‬ه ميث ‪--‬ل وزن ‪ً-‬ا كب ‪--‬ريًا يف جمم ‪--‬ل االقتص ‪--‬اد الق ‪--‬ومي س ‪--‬واء من ناحي ‪--‬ة خل ‪--‬ق‬
‫الدخول أو استيعاب العمالة‪.‬‬

‫واملالحظ ثانيًا أن القطاع غري الرمسي يعترب قطاعًا غ‪-‬ري حممي حيث ال يتمت‪-‬ع الع‪-‬املون في‪-‬ه باحلماي‪-‬ة س‪-‬واء فيم‪-‬ا يتعل‪-‬ق‬
‫مبس‪--‬تويات األج‪--‬ر أو ظ‪--‬روف العم‪--‬ل أو غريه‪--‬ا‪ ..‬ك‪--‬ذلك ي‪--‬رفض الع‪--‬املون هبذا القط‪--‬اع التعام‪--‬ل م‪--‬ع املؤسس‪--‬ات املالي‪--‬ة‬
‫الرمسية أو االنتساب لالحتادات العمالية‪ ،‬بسبب كثرة اإلجراءات الرمسية والروتني (‪.)1‬‬

‫املالح‪--‬ظ ثالث ‪ً-‬ا أن القط‪--‬اع غ‪--‬ري الرمسي ال يتمت‪--‬ع مبزاي‪--‬ا د القط‪--‬اع غ‪--‬ري الرمسي ال يتمت‪--‬ع مبزاي‪--‬ا كث‪--‬رية يف جمايل الق‪--‬روض‬
‫والتكنولوجيا ويرتب‪-‬ط ب‪-‬ذلك موق‪-‬ف الدول‪-‬ة من نش‪-‬اطات القط‪-‬اع غ‪-‬ري الرمسي والقي‪-‬ود ال‪-‬يت تفرض‪-‬ها على التس‪-‬هيالت‬
‫ال‪--‬يت حتتاجه‪--‬ا منش‪--‬آت القط‪--‬اع غ‪--‬ري الرمسي يف جمايل املراف‪--‬ق واخلدمات األساس‪--‬ية‪ ..‬وال تس‪--‬تطيع منش‪--‬آت القط‪--‬اع غ‪--‬ري‬
‫الرمسي االق‪--‬رتاض الرمسي‪ ،‬حبيث ت‪--‬ؤدي قل‪--‬ة رؤوس األم‪--‬وال إىل اخنف‪--‬اض اإلنت‪--‬اج وص‪--‬غر حجم املنش‪--‬أة كم‪--‬ا أن ع‪--‬دم‬
‫احلصول على قروض رمسية قد ي‪-‬ؤدي إىل ارتف‪-‬اع تكلف‪-‬ة التموي‪-‬ل‪ ،‬وأن أس‪-‬عار منتج‪-‬ات منش‪-‬آت القط‪-‬اع غ‪-‬ري الرمسي‬

‫‪ )(1‬سعادة عثمان ‪ ،‬المداخل المنهجية لدراسة القطاع غير الرسمي عالميًا ومحلية في السيد محمد الحسيني ‪ ،‬القطاع غير الرسمي في حضر مصر ‪،‬‬
‫مرجع سابق ‪1996 ،‬م ‪ ،‬ص ‪.110‬‬

‫‪314‬‬
‫ق‪--‬د تتح‪--‬دد بت‪--‬دخل املقرض‪--‬ني‪ ،‬مما ي‪--‬ؤثر على اس‪--‬تقالهلا وق‪--‬درهتا على االس‪--‬تمرار يف ممارس‪--‬ة نش‪--‬اطاهتا‪ .‬وبس‪--‬بب عج‪--‬ز‬
‫منش‪-- -‬آت القط‪-- -‬اع غ‪-- -‬ري الرمسي عن توف‪-- -‬ري رأس املال‪ ،‬فإهنا ق‪-- -‬د تلج‪-- -‬ا إىل اختي‪-- -‬ار مواق‪-- -‬ع بعي‪-- -‬دة مفتق‪-- -‬رة إىل املراف‪-- -‬ق‬
‫واخلدمات‪ ،‬مما حيد من اتص‪--‬اهلا املباش‪--‬ر بأس‪--‬واق الس‪--‬لع واخلدمات‪ ،‬وق‪--‬د حتص‪--‬ل املنش‪--‬آت على أم‪--‬اكن س‪--‬كنية داخ‪--‬ل‬
‫املدن م‪--‬ا ق‪--‬د ي‪--‬ؤدي إىل مش‪--‬كالت بيئي‪--‬ة (‪ .)1‬وهك‪--‬ذا فإن‪--‬ه إذا ك‪--‬ان ال‪--‬دخول إىل يف القط‪--‬اع غ‪--‬ري الرمسي ج‪--‬اء باختي‪--‬ار‬
‫تلق‪-‬ائي ورغب‪-‬ة يف العم‪-‬ل احلر‪ ،‬ف‪-‬إن تل‪-‬ك القي‪-‬ود على حري‪-‬ة العم‪-‬ل يف القط‪-‬اع غ‪-‬ري الرمسي متث‪-‬ل آلي‪-‬ة أخ‪-‬رى من آلي‪-‬ات‬
‫تكريس البطالة‪.‬‬

‫ثالثًا‪ :‬البطالة ومستقبل التنمية‬

‫وعلى ض ‪-- -‬وء نت ‪-- -‬ائج التحليالت الس ‪-- -‬ابقة للبطال ‪-- -‬ة من حيث احلجم والنوعي ‪-- -‬ة من ناحي ‪-- -‬ة وس ‪-- -‬ياق التنمي ‪-- -‬ة من حيث‬
‫اخلصائص واآلليات من ناحية أخرى ميكن أن خنرج مبجوعة من االحتماالت املمكنة يف املستقبل‪.‬‬

‫االحتم‪--‬ال األول‪ ،‬تك‪--‬ريس الوض‪--‬ع الق‪--‬ائم م‪--‬ع توق‪--‬ع تف‪--‬اقم مش‪--‬كلة البطال‪--‬ة من حيث احلجم وظه‪--‬ور نوعي‪--‬ات جدي‪--‬دة‬
‫منه‪--‬ا‪ ،‬واكتس‪--‬اب س‪--‬ياق التنمي‪--‬ة خلص‪--‬ائص غ‪--‬ري متوقع‪--‬ة‪ ،‬ومنو آلي‪--‬ات غ‪--‬ري معروف‪--‬ة إض‪--‬افة إىل اس‪--‬تمرار آلي‪--‬ات ض‪--‬عف‬
‫الطلب االجتماعي على العمل وزيادة القيود على حرية العمل‪.‬‬

‫االحتم‪-- -‬ال الث‪-- -‬اين‪ ،‬تنمي‪-- -‬ة الوض‪-- -‬ع الق‪-- -‬ائم‪ ،‬م‪-- -‬ع توق‪-- -‬ع احلد من مش‪-- -‬كلة البطال‪-- -‬ة من حيث احلجم وحماص‪-- -‬رة نوعياهتا‪.‬‬
‫وإكس ‪--‬اب س ‪--‬ياق التنمي ‪--‬ة خلص ‪--‬ائص مقص ‪--‬ودة وال ‪--‬دفع بآلي ‪--‬ات معروف ‪--‬ة للح ‪--‬د من البطال ‪--‬ة‪ ،‬إض ‪--‬افة إىل التقلي ‪--‬ل من أث ‪--‬ر‬
‫اآللي ‪--‬ات احلاض ‪--‬رة‪ ،‬ورم ‪--‬ا ك ‪--‬ان من املفي ‪--‬د أن نتج ‪--‬ه مباش ‪--‬رة حنو االحتم ‪--‬ال الث ‪--‬اين‪ ،‬طاملا ك ‪--‬ان ه ‪--‬دفنا ه ‪--‬و اخلروج من‬
‫معضلة البطالة‪.‬‬

‫إكساب سياق التنمية‪ :‬خصائص مقصودة‬ ‫‪-1‬‬

‫رمبا ك‪--‬ان احنس‪--‬ار دور الدول‪--‬ة وتراج‪--‬ع اإلنف‪--‬اق الع‪--‬ام‪ ،‬والتخلي عن سياس‪--‬ة تع‪--‬يني اخلرجيني والبطء الش‪--‬ديد يف تش‪--‬غيل‬
‫الكث‪--‬ري منهم‪ ،‬داعي‪ً-‬ا إىل التفك‪--‬ري يف سياس‪--‬ات جدي‪--‬دة للتش‪--‬غيل تتمش‪--‬ى م‪--‬ع ه‪--‬ذا ال‪--‬دور ال‪--‬ذي تتبن‪--‬اه الدول‪--‬ة‪ ،‬ولع‪--‬ل من‬
‫بينه‪--‬ا فك‪--‬رة تقاس‪--‬م األعم‪--‬ال مبع‪--‬ىن (( اعم‪--‬ل أق‪--‬ل والك‪--‬ل يعم‪--‬ل )) ال‪--‬يت اكتس‪--‬بت الكث‪--‬ري من املؤي‪--‬دين يف معظم دول‬
‫الع ‪--‬امل‪ ،‬وال ‪--‬يت مبقتض ‪--‬اها يتم ختفيض أس ‪--‬بوع العم ‪--‬ل لبعض األعم ‪--‬ال إىل ثالث ‪--‬ة أو أربع ‪--‬ة أي ‪--‬ام يف األس ‪--‬بوع م ‪--‬ع ختفيض‬
‫‪)(1‬‬
‫السيد محمد الحسيني ‪ ،‬القطاع غير الرسمي في حضر مصر ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ص ‪.15 - 14‬‬

‫‪315‬‬
‫األجور املدفوعة‪ ،‬حبيث يستطيع مزيد من األفراد تقاسم األعمال املتاح‪-‬ة‪ ،‬وه‪-‬و نظ‪-‬ام ي‪-‬تيح وظ‪-‬ائف جدي‪-‬دة بالقط‪-‬اع‬
‫الرمسي وغ ‪--‬ري الرمسي ويناس ‪--‬ب الكث ‪--‬ري من النس ‪--‬اء والع ‪--‬امالت‪ ،‬وي ‪--‬وفر الكث ‪--‬ري من األم ‪--‬وال ال ‪--‬يت ت ‪--‬دفع كتامين ‪--‬ات أو‬
‫إعان‪--‬ات‪ ،‬وق‪--‬د تس‪--‬هم ه‪--‬ذه الفك‪--‬رة يف إتاح‪--‬ة املزي‪--‬د من احلري‪--‬ة للعمال‪--‬ة وحتس‪--‬ني حي‪--‬اهتم اخلاص‪--‬ة وتس‪--‬هم يف النهاي‪--‬ة يف‬
‫خفض معدالت البطالة (‪.)1‬‬

‫ويف إطار البحث عن حلول تتسم بالسياسات االستثمارية وتعمل على خلق فرص عمل منتج‪-‬ة يف اجملتم‪-‬ع املص‪-‬ري‪،‬‬
‫يوص‪-- -‬ي اخلرباء واملؤسس‪-- -‬ات الدولي‪-- -‬ة بأمهي‪-- -‬ة املش‪-- -‬روعات الص ‪-- -‬غرية كثيف ‪-- -‬ة العم‪-- -‬ل‪ ،‬ألهنا مش‪-- -‬روعات تتس‪-- -‬م بكوهنا‬
‫مشروعات حرفية ويدوية وتعتمد على عمليات جتميع أجزاء مغذية لص‪--‬ناعات أخ‪-‬رى وهي مالئم‪-‬ة للظ‪-‬روف البيئي‪-‬ة‬
‫واحمللي‪--‬ة‪ ،‬ولص‪--‬غر حجمه‪--‬ا ميكن أن حتق‪--‬ق االنتش‪--‬ار يف من‪--‬اطق جغرافي‪--‬ة خمتلف‪--‬ة بعي‪--‬دة عن املراك‪--‬ز الص‪--‬ناعية التقليدي‪--‬ة‪..‬‬
‫ومع احتماالت إحجام رؤوس األموال عن املخاطرة يف هذه املش‪-‬روعات بص‪-‬ورة كب‪-‬رية‪ ،‬ف‪-‬إن الص‪-‬ندوق االجتم‪-‬اعي‬
‫للتنمية ميكن أن يقوم بدور أكرب يف هذا اجملال طاملا كان إنشاؤه هبدف التعام‪--‬ل م‪--‬ع اآلث‪-‬ار اجلانبي‪-‬ة لربن‪-‬امج اإلص‪--‬الح‬
‫االقتص‪--‬ادي والتكي‪-‬ف اهليكلي وتش‪-‬جيع الص‪--‬ناعات الص‪--‬غرية املول‪-‬دة لل‪-‬دخل واس‪-‬تيعاب ج‪-‬انب من ق‪-‬وة العم‪-‬ل احلالي‪-‬ة‬
‫واجلدي ‪--‬دة يف مش ‪--‬روعات أش ‪--‬غال عام ‪--‬ة كثيف ‪--‬ة العمال ‪--‬ة أو مش ‪--‬روعات اقتص ‪--‬ادية ذات أه ‪--‬داف اجتماعي ‪--‬ة‪ .‬يف ‪--‬رتض أن‬
‫توجه أموال الصندوق الربنامج تنمية املشروعات الصغرية بنسبة ‪ % 50‬ألنه يعين إمكانية متوي‪--‬ل ‪ 50‬ال‪--‬ف مش‪--‬روع‬
‫بكلف‪--‬ة متوس‪--‬طة ‪ 20‬أل‪--‬ف جني‪--‬ه للمش‪--‬روع الواح‪--‬د‪ .‬وميكن أن ت‪--‬تيح تل‪--‬ك املش‪--‬روعات ح‪--‬وايل ‪ 250 - 200‬أل‪--‬ف‬
‫فرص‪--‬ة عم‪--‬ل ب‪--‬افرتاض أن املش‪--‬روع الواح‪--‬د يض‪--‬م ‪ 5‬أف‪--‬راد فق‪--‬ط‪ ..‬وميكن للص‪--‬ندوق أن يق‪--‬وم بت‪--‬دوير الق‪--‬روض خالل‬
‫مخس س‪--‬نوات مث ميكن توف‪--‬ري حنو ‪ 500‬أل‪--‬ف فرص‪--‬ة عم‪--‬ل م‪--‬ع مراع‪--‬اة معاجلة بعض العقب‪--‬ات‪ ،‬مث‪--‬ل احلد من ارتف‪--‬اع‬
‫فوائ ‪--‬د البن ‪--‬وك‪ ،‬والس ‪--‬ماح مبنح ق ‪--‬روض لغ ‪--‬ري الع ‪--‬املني باحلكوم ‪--‬ة والقط ‪--‬اع الع ‪--‬ام‪ ،‬وتس ‪--‬هيل احلص ‪--‬ول على الكهرب ‪--‬اء‬
‫والرتاخيص والتأمينات وتسويق املنتجات‪ ...‬أسوة مبا حيدث مع كبار املستثمرين (‪.)2‬‬

‫ومبق‪-- -‬دور البن ‪-- -‬ك الوط ‪-- -‬ين للتنمي ‪-- -‬ة مبا يتلق ‪-- -‬اه من منح اجنبي ‪-- -‬ة ومبوافق ‪-- -‬ة احلكوم ‪-- -‬ة‪ ،‬آخره ‪-- -‬ا املنح ‪-- -‬ة األمريكي‪-- -‬ة كن‪-- -‬واة‬
‫للمش ‪--‬روعات الص ‪--‬غرية حبوايل ‪ 13‬ملي ‪--‬ار دوالر أن يس ‪--‬اهم ب ‪--‬دعم املش ‪--‬روعات الص ‪--‬غري‪ ،‬مبا لدي ‪--‬ه من ص ‪--‬الحيات من‬
‫خالل اختصار إجراءات املوافقة على املشروعات والتخفيف من االشرتاطات وزيادة اإلعفاءات‪.‬‬

‫‪ )(1‬عزيزة عبد الراوق ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.214‬‬


‫‪ )(2‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ص ‪.243 - 242‬‬

‫‪316‬‬
‫وأم‪--‬ام جه‪--‬از تنمي‪--‬ة القري‪--‬ة حتد كب‪--‬ري يتمث‪--‬ل يف أن هن‪--‬اك ح‪--‬وايل ‪ 30‬ملي‪--‬ون م‪--‬واطن يعيش‪--‬ون يف ‪ 4792‬قري‪--‬ة‪ ،‬وتزي‪--‬د‬
‫بينهم مع‪--‬دالت البطال‪--‬ة‪ ،‬وباس‪--‬تطاعته مواجه‪--‬ة ه‪--‬ذا التح‪--‬دي باالجتاه حنو تنمي‪--‬ة الص‪--‬ناعات الريفي‪--‬ة‪ ،‬واالرتق‪--‬اء ب‪--‬املوارد‬
‫البشرية العاملة يف الصناعات احلرفية الصغرية واملتوسطة‪.‬‬

‫ويس‪--‬تطيع اجلمه‪--‬ور من خالل املنظم‪--‬ات غ‪--‬ري احلكومي‪--‬ة (اجلمعي‪--‬ات األهلي‪--‬ة) ومجعي‪--‬ات رج‪--‬ال األعم‪--‬ال أن يش‪--‬اركوا‬
‫بصورة كبرية يف إعادة تأهي‪-‬ل العم‪-‬ال وت‪-‬دريبهم ورف‪-‬ع كف‪-‬اءاهتم ومه‪-‬اراهتم وتوف‪-‬ري ف‪-‬رص العم‪-‬ل احلقيقي‪-‬ة ألع‪-‬داد من‬
‫املتعطلني‪ ،‬فض‪ً- -‬ال عن دورهم يف رف ‪--‬ع ال ‪--‬وعي االجتم ‪--‬اعي وحتف ‪--‬يز اجملتم ‪--‬ع على العم ‪--‬ل وباإلمك ‪--‬ان متوي ‪--‬ل اجلمعي ‪--‬ات‬
‫األهلي ‪--‬ة العامل ‪--‬ة يف املش ‪--‬روعات والص ‪--‬ناعات الص ‪--‬غرية بش ‪--‬رط رف ‪--‬ع القي ‪--‬ود اإلداري ‪--‬ة ال ‪--‬يت يفرض ‪--‬ها الق ‪--‬انون ‪ 32‬لس ‪--‬نة‬
‫‪1964‬م على العمل األهلي‪.‬‬

‫وبإمكان مجعيات رجال األعمال أن تلعب دورًا اجتماعيا يف خلق فرص عمل ح‪--‬ىت يزده‪--‬ر ال‪--‬دور االجتم‪--‬اعي ل‪--‬راس‬
‫املال وحيق ‪-- -‬ق بع ‪-- -‬دًا اجتماعي‪-- -‬ا جدي‪-- -‬دًا من خالل اإلس‪-- -‬هام يف تط‪-- -‬وير البحث العلمي والتكنول‪-- -‬وجي‪ ،‬وتوف‪-- -‬ري ف‪-- -‬رص‬
‫التدريب‪ ،‬والنهوض مستويات املعيشة‪ ،‬واإلحساس مبشاكل الفئات املطحونة من الشعب‪ ،‬وكفالة فرص عمل هلم‪.‬‬

‫تطوير آليات زيادة الطلب على العمل ورفع القيود على حرية العمل‬ ‫‪-2‬‬

‫ملا كانت املخرجات البشرية من العمليات التعليمية ال تتناسب عمومًا مع سوق العمل املتاح يف القط‪--‬اع اخلاص من‬
‫ناحية الكفاءة ودقة التخصص‪ ،‬وال تق‪-‬وى على التن‪-‬افس يف اقتص‪-‬اد ع‪-‬املي س‪-‬ريع التغ‪-‬ري‪ ،‬تتج‪-‬ه األنظ‪-‬ار حنو االس‪-‬تثمار‬
‫يف التدريب ورفع املهارات كأمر جمد وله املردود األكرب‪ ،‬ألنه يعمل على ختطيط املوارد البشرية وتنظيم اس‪--‬تخدامها‬
‫وترش‪--‬يد أدائه‪--‬ا‪ ،‬ورف‪--‬ع كفايته‪--‬ا اإلنتاجي‪--‬ة وتوص‪--‬ي الدراس‪--‬ات بض‪--‬رورة االهتم‪--‬ام بنظم التلم‪--‬ذة الص‪--‬ناعية‪ ،‬والت‪--‬دريب‬
‫التحويلي‪ ،‬والتكوين املهين للمتسربني‪ ،‬من مراحل التعليم املختلفة‪ ،‬والتوس‪-‬ع يف نش‪-‬اط األس‪-‬ر املنتج‪-‬ة‪ ،‬م‪--‬ع األخ‪-‬ذ يف‬
‫االعتبار ضرورة إحالل وجتديد املراكز القائمة والتوسع يف إنشاء مراك‪-‬ز جدي‪-‬دة خاص‪-‬ة يف املن‪-‬اطق الريفي‪-‬ة‪ ،‬وإدخ‪-‬ال‬
‫التطوير اجلذري للكوادر الفنية لرفع كفاءة مراكز اجلودة‪.‬‬

‫وإذا ك‪--‬ان الص‪--‬ندوق االجتم‪--‬اعي للتنمي‪--‬ة يتب‪--‬ع العدي‪--‬د من األس‪--‬اليب ومن بينه‪--‬ا حماول‪--‬ة تغي‪--‬ري هيك‪--‬ل اإلنت‪--‬اج حبيث يتم‬
‫الرتكيز على الصناعات كثيفة العمالة‪ ،‬وتتجه مش‪-‬روعات الص‪--‬ندوق حنو اس‪-‬تغالل الطاق‪-‬ات اإلنتاجي‪-‬ة القائم‪-‬ة‪ ،‬ورف‪-‬ع‬

‫‪317‬‬
‫مس‪-‬توى الكف‪--‬اءة اإلنتاجي‪-‬ة للعمال‪-‬ة املوج‪-‬ودة‪ ،‬فلم‪-‬اذا ال تتج‪-‬ه ق‪-‬روض الص‪--‬ندوق حنو ح‪-‬ل مش‪-‬كلة متوي‪-‬ل القط‪-‬اع غ‪--‬ري‬
‫الرمسي ويسهم بذلك يف رفع بعض القيود على حرية العمل يف هذا القطاع؟‬

‫وهكذا ميكن للدولة أن تعمل على دعم وتنمية فرص العمل يف كافة جماالت وأنشطة القطاع غري الرمسي من خالل‬
‫توجيه اجلزء األك‪-‬رب من اس‪-‬تثماراهتا (من خالل الص‪-‬ندوق أو غ‪-‬ريه) للوف‪-‬اء باحتياج‪-‬ات ه‪-‬ذا القط‪-‬اع من بني‪-‬ة أساس‪-‬ية‬
‫وخ ‪--‬دمات وتق ‪--‬دمي الق ‪--‬روض امليس ‪--‬رة وال م ‪--‬انع من إعط ‪--‬اء ال ‪--‬داخلني اجلدد يف ه ‪--‬ذا القط ‪--‬اع بعض احلق ‪--‬وق القانوني ‪--‬ة‪،‬‬
‫كض‪--‬مان ح‪--‬د أدىن لألج‪--‬ور وحتدي‪--‬د س‪--‬اعات العم‪--‬ل ومالئم‪--‬ة ظ‪--‬روف التش‪--‬غيل‪ ،‬ض‪--‬مانا حلق‪--‬وق اإلنس‪--‬ان‪ ،‬حبيث تعي‪--‬د‬
‫ال ‪--‬وزارات املعني ‪--‬ة النظ ‪--‬ر مبوقفه ‪--‬ا من منش ‪--‬ات القط ‪--‬اع غ ‪--‬ري الرمسي‪ ،‬وجتد الرعاي ‪--‬ة من ج ‪--‬انب وزارات الق ‪--‬وى العامل ‪--‬ة‬
‫وجه ‪--‬از احلرف ‪--‬يني ووزارة الش ‪--‬ؤون االجتماعي ‪--‬ة وغريه ‪--‬ا وأن توج ‪--‬ه اخلط ‪--‬ط القومي ‪--‬ة االهتم ‪--‬ام املطل ‪--‬وب بالقط ‪--‬اع غ ‪--‬ري‬
‫الرمسي‪ ،‬وهتيئ احلكومة بيئة تتضمن سياسات عادلة مس‪-‬تقرة لالقتص‪-‬اد الكلي‪ ،‬وإط‪-‬ارًا تنظيمي‪ً-‬ا للقط‪-‬اع الرمسي وغ‪-‬ري‬
‫الرمسي يف منظومة منسقة متماسكة تعمل على ضمان كفالة العمل املنتج الذي هو حق للجميع(‪.)1‬‬

‫المراجع‬

‫أوال‪ :‬المراجع العربية‬

‫وثائق ومؤتمرات وحلقات بحث‬ ‫(ا)‬

‫الربنامج اإلمنائي لألمم املتحدة‪1996 ،‬م‪ ،‬تقرير التنمية البشرية لعام ‪1996‬م نيويورك‪.‬‬ ‫‪.1‬‬
‫تقري ‪--‬ر التنمي ‪--‬ة البش ‪--‬رية يف مص ‪--‬ر‪ ،‬ع ‪--‬ام ‪1994‬م‪ ،‬وثيق ‪--‬ة الع ‪--‬دد جمل ‪--‬ة الدراس ‪--‬ات اإلعالمي ‪--‬ة‪ ،‬الع ‪--‬دد ‪ 75‬الق ‪--‬اهرة‬ ‫‪.2‬‬
‫‪1994‬م‪.‬‬
‫تقرير التنمية البشرية لعام ‪1997‬م‪ ،‬مصر ‪ -‬املعهد القومي للتخطيط‪1997 ،‬م‪.‬‬ ‫‪.3‬‬

‫‪ )(1‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ص ‪.243 - 242‬‬

‫‪318‬‬
‫اجلهاز املركزي للتعبئة العامة واإلحصاء‪ ،‬زيادة السكان يف مجهورية مصر العربية وحتدياهتا للتنمية‪1966 ،‬م‪.‬‬ ‫‪.4‬‬
‫اجلهاز املركزي للتعبئة العامة واإلحصاء‪ ،‬الزيادة السكنية يف ج‪ .‬م‪ .‬ع‪1970 .‬م‪.‬‬ ‫‪.5‬‬
‫اجلهاز الالمركزي للتعبئة واإلحصاء‪ ،‬املرأة املصرية يف عشرين عامًا‪1952 ،‬م ‪1972 -‬م ‪ -‬يناير ‪1974‬م‪.‬‬ ‫‪.6‬‬
‫اجلهاز املركزي للتعبئة العامة واإلحصاء ‪ -‬التقرير السنوي‪1991 ،‬م‪.‬‬ ‫‪.7‬‬
‫اجلهاز املركزي للتعبئة العامة واإلحصاء – التقرير السنوي‪1997 ،‬م‪.‬‬ ‫‪.8‬‬
‫احللق ‪--‬ة الدراس ‪--‬ية لعلم اإلجتم ‪--‬اع ال ‪--‬ريفي يف مص ‪--‬ر‪ ،‬املرك ‪--‬ز الق ‪--‬ومي للبح ‪--‬وث اإلجتماعي ‪--‬ة واجلنائي ‪--‬ة‪ ،‬الق ‪--‬اهرة‪،‬‬ ‫‪.9‬‬
‫‪1971‬م‪.‬‬
‫احللق‪-- -‬ة الدراس‪-- -‬ية ح‪-- -‬ول املس‪-- -‬ائل الس‪-- -‬كانية ورفاهي‪-- -‬ة املواطن الع‪-- -‬ريب‪ ،‬مجهوري‪-- -‬ة مص‪-- -‬ر العربي‪-- -‬ة‪ ،‬اإلس‪-- -‬كندرية‪،‬‬ ‫‪.10‬‬
‫‪1970‬م‪.‬‬
‫املؤمتر اإلسالمي عن اإلسالم وتنظيم األسرة‪ ،‬الرباط ‪1971‬م‪.‬‬ ‫‪.11‬‬
‫زحالن‪ ،‬أنطوان وآخرون‪1982 ،‬م‪ ،‬هجرة الكفاءات العربية‪ ،‬مركز دراسات الوحدة العربية‪ ،‬لبنان‪.‬‬ ‫‪.12‬‬

‫دوريات‬ ‫(ب)‬

‫احلس‪-‬يين‪ ،‬الس‪-‬يد حمم‪-‬د‪ ،‬يوني‪-‬ه ‪1976‬م‪ ،‬الطبق‪-‬ة اإلجتماعي‪-‬ة والس‪-‬لوك اإلجنايب‪ ،‬دراس‪-‬ات س‪-‬كانية‪ ،‬جه‪-‬از تنظيم‬ ‫‪.1‬‬
‫األسرة والسكان‪ ،‬العدد ‪.23‬‬
‫حس‪--‬ن‪ ،‬عب‪--‬د الباس‪--‬ط‪ ،‬البح‪--‬وث امليداني‪--‬ة وأمهيته‪--‬ا يف التخطي‪--‬ط للتنمي‪--‬ة الريفي‪--‬ة يف الع‪--‬امل الع‪--‬ريب املرك‪--‬ز الق‪--‬ومي‬ ‫‪.2‬‬
‫للبحوث االجتماعية واحلياتية‪ ،‬اجمللة اإلجتماعية القومية‪ ،‬اجمللد السابع‪ ،‬العدد الثالث‪ ،‬مصر‪.‬‬
‫عبد املعطي‪ ،‬عبد الباسط حمم‪-‬د‪ ،‬القيم الثقافي‪-‬ة والقروي‪-‬ة واملس‪-‬ألة الس‪-‬كانية يف الع‪-‬امل الع‪-‬ريب‪ ،‬دراس‪-‬ات س‪-‬كانية‪،‬‬ ‫‪.3‬‬
‫يناير‪1976 ،‬م‪.‬‬
‫اليايف‪ ،‬عبد الكرمي‪1975 ،‬م‪ ،‬اجملرات وحتركات السكان‪ ،‬جملة عامل الفكر‪ ،‬اجمللد اخلامس‪ ،‬العدد الرابع‬ ‫‪.4‬‬
‫عودة‪ ،‬حممود‪ ،‬يناير ‪1974‬م‪ ،‬اهلجرة إىل املدينة دوافعها وامناطها‪ ،‬وآثاره‪--‬ا‪ ،‬اجملل‪-‬ة اإلجتماعي‪-‬ة القومي‪-‬ة‪ ،‬مص‪--‬ر‪،‬‬ ‫‪.5‬‬
‫العدد األول‪ ،‬اجمللد احلادي عشر ص ‪.60 - 5‬‬
‫عب‪--‬د ال‪--‬رحيم‪ ،‬م‪--‬رزوق ع‪--‬ارف‪1971 ،‬م‪ ،‬اهلج‪--‬رة الريفي‪--‬ة واحلض‪--‬رية يف مص‪--‬ر‪ ،‬احللق‪--‬ة الدراس‪--‬ية لعلم اإلجتم‪--‬اع‬ ‫‪.6‬‬
‫الريفي يف مصر‪.،‬‬
‫‪319‬‬
‫رسائل علمية‬ ‫(ج)‬

‫ال‪--‬دليمي‪ ،‬اب‪--‬راهيم مص‪--‬حب‪1976 ،‬م‪ ،‬اهلج‪--‬رة املعاكس‪--‬ة دراس‪--‬ة إجتماعي‪--‬ة ألح‪--‬وال امله‪--‬اجرين من مدين‪--‬ة‬ ‫‪.1‬‬
‫بغداد إىل مشروع الشحيمية‪ ،‬رسالة ماجستري كلية اآلداب جامعة بغداد‪.،‬‬

‫القيص‪--‬ر‪ ،‬أمحد أمحد س‪--‬يد‪1986 ،‬م‪ ،‬ت‪--‬أثري اهلج‪--‬رة اخلارجي‪--‬ة على التغ‪--‬ري اإلجتماعي‪--‬ة | يف القري‪--‬ة اليمني‪--‬ة‪،‬‬ ‫‪.2‬‬
‫رسالة دكتوراة‪ ،‬كلية اآلداب‪ ،‬جامعة عني مشس‪.‬‬

‫اللهب ‪-- -‬ان‪ ،‬أمحد إمساعيل حمم ‪-- -‬د‪1986 ،‬م‪ ،‬هج ‪-- -‬رة العمال ‪-- -‬ة املص ‪-- -‬رية وأثره ‪-- -‬ا على التض ‪-- -‬خم يف اإلقتص ‪-- -‬اد‬ ‫‪.3‬‬
‫املصري‪ ،‬رسالة ماجستري‪ ،‬كلية التجارة‪ ،‬جامعة عني مشس‬

‫خليفي‪ ،‬امحد‪1962 ،‬م ‪1987 -‬م‪ ،‬السياسات السكانية والتحول الدميوغرايف يف الع‪--‬امل الث‪--‬الث‪ ،‬دراس‪--‬ة‬ ‫‪.4‬‬
‫منوذج اجلزائر‪ .‬رسالة ماجستري قسم اإلجتماع‪ ،‬كلية اآلداب‪ ،‬جامعة اإلسكندرانية‪1991 ،‬م‪.‬‬

‫البكلي‪ ،‬أمحد عبدالعزيز‪1980 ،‬م‪ ،‬احلمل املبكر والسلوك اإلجنايب‪ ،‬املؤمتر الدميوغرايف‪.‬‬ ‫‪.5‬‬

‫محودة‪ ،‬أمحد عب‪--‬د ال‪--‬رمحن‪ ،‬س‪--‬كان ليبي‪--‬ا‪1974 ،‬م‪ ،‬دراس‪--‬ة جغرافي‪--‬ة ودميوغرافي‪--‬ة‪ ،‬رس‪--‬الة ماجس‪--‬تري‪ ،‬كلي‪--‬ة‬ ‫‪.6‬‬
‫األداب‪ ،‬جامعة عني مشس‪.‬‬

‫الض ‪--‬ين‪ ،‬أمحد علي عب ‪--‬د اهلل‪1991 ،‬م‪ ،‬حتلي ‪--‬ل س ‪--‬جالت املوالي ‪--‬د يف مص ‪--‬ر باس ‪--‬تخدام مناذج تت ‪--‬ابع اإلجناب‬ ‫‪.7‬‬
‫الفعلي‪ ،‬رسالة ماجستري‪ ،‬معهد الدراسات والبحوث اإلحصائية‪ ،‬جامعة القاهرة‪.‬‬

‫فهمي‪ ،‬أمحد ف‪-- - -‬ؤاد علي‪1979 ،‬م‪ ،‬املوارد البش‪-- - -‬رية وسياس‪-- - -‬ات التنمي‪-- - -‬ة يف اإلقتص‪-- - -‬اد الكوي ‪-- -‬يت‪ ،‬رس ‪-- -‬الة‬ ‫‪.8‬‬
‫الدكتوراة‪ ،‬كلية التجارة‪ ،‬جامعة اإلسكندرية‪.‬‬

‫من‪--‬دور‪ ،‬امحد حمم‪--‬د‪1977 ،‬م‪ ،‬دور الص‪--‬ناعات الص‪--‬غرية يف زي‪--‬ادة ف‪--‬رص العمال‪--‬ة املنتج‪--‬ة يف ال‪--‬دول النامي‪--‬ة‬ ‫‪.9‬‬
‫مع إشارة خاصة ملصر‪ ،‬رسالة ماجستري‪ ،‬كلية التجارة‪ ،‬من جامعة اإلسكندرية‪.‬‬

‫م‪--‬ربيعي‪ ،‬الس‪--‬عيد حمم‪--‬د‪1979 ،‬م‪ ،‬التغ‪--‬ريات التغ‪--‬ريات الس‪--‬كانية يف اجلمهوري‪--‬ة اجلزائري‪--‬ة بني ‪1936‬م ‪-‬‬ ‫‪.10‬‬
‫‪1966‬م‪ ،‬دراسة يف جغرافية السكان‪ ،‬رسالة ماجستري‪ ،‬كلية اآلداب‪ ،‬جامعة عني مشس‪.‬‬

‫‪320‬‬
‫حسن‪ ،‬أمل فؤاد حممد‪1984 ،‬م‪ ،‬عوامل الزواج واثره على اخلصوبة‪ ،‬املركز والدميوغرايف‪ ،‬مصر‪.‬‬ ‫‪.11‬‬

‫حس‪--‬ن‪ ،‬أم‪--‬رية عب‪--‬د اجللي‪--‬ل‪1991 ،‬م‪ ،‬ظ‪--‬اهرة اهلج‪--‬رة وأثره‪--‬ا على النس‪--‬ق اإلداري‪ ،‬رس‪--‬الة ماجس‪--‬تري‪ ،‬قس‪--‬م‬ ‫‪.12‬‬
‫اإلنثرويولوجيا‪ ،‬كلية اآلداب جامعة اإلسكندرية‪.‬‬

‫مصطفى‪ ،‬إميان عبد العاطي حممد‪1988 ،‬م‪ ،‬العالقات املتبادلة بني العوامل اإلقتصادية واخلصوبة‪ ،‬دراسة‬ ‫‪.13‬‬
‫تطبيقية على مصر‪ ،‬رسالة ماجستري‪ ،‬معهد الدراسات والبحوث اإلحصائية‪ ،‬جامعة القاهرة‪.‬‬

‫زه ‪--‬ري‪ ،‬امين جعف ‪--‬ر‪1995 ،‬م‪ ،‬أث ‪--‬ر الوض ‪--‬ع اإلقتص ‪--‬ادي واإلجتم ‪--‬اعي على تفض ‪--‬يل وس ‪--‬يلة من ‪--‬ع احلم ‪--‬ل‪،‬‬ ‫‪.14‬‬
‫املركز الدميوغرايف‪ ،‬مصر‪،‬‬

‫ابراهيم‪ ،‬إميان حممد عبد الصمد‪1996 ،‬م‪ ،‬جغرافية العمران يف نطاق نزعة اإلمساعيلية‪ ،‬رس‪-‬الة دكت‪-‬وراة‪،‬‬ ‫‪.15‬‬
‫قسم جغرافية‪ ،‬كلية األداب جامعة اإلسكندرية‪.‬‬

‫الس ‪--‬راد‪ ،‬بثين ‪--‬ة عب ‪--‬د الق ‪--‬ادر‪1987 ،‬م‪ ،‬اهلج ‪--‬رة الداخلي ‪--‬ة ملدين ‪--‬ة م ‪--‬راكش واثره ‪--‬ا على واألس ‪--‬رة والتنش ‪--‬ئة‬ ‫‪.16‬‬
‫االجتماعية‪ ،‬رسالة دكتوراة‪ ،‬كلية األداب‪ ،‬جامعة عني‪.‬‬

‫دهيس‪ ،‬مجع‪-- -‬ة رحوم‪-- -‬ة‪1995 ،‬م‪ ،‬نس‪-- -‬ق القيم وفعالي‪-- -‬ة السياس‪-- -‬ات الس‪-- -‬كانية يف الع‪-- -‬امل الث‪-- -‬الث‪ ،‬رس‪-- -‬الة‬ ‫‪.17‬‬
‫ماجستري‪ ،‬قسم اإلجتماع‪ ،‬كلية األداب‪ ،‬جامعة اإلسكندرية‪.‬‬

‫عبداهلل‪ ،‬حام‪--‬د الس‪--‬يد عب‪--‬دالرمحن‪1988 ،‬م‪ ،‬اهلج‪--‬رة اخلارجي‪--‬ة والبن‪--‬اء األس‪--‬ري يف القري‪--‬ة املص‪--‬رية‪ ،‬دراس‪--‬ة‬ ‫‪.18‬‬
‫ميدانية على إحدى القرى مبحافظة الشرقية‪ ،‬رسالة ماجستري‪ ،‬كلية األداب‪ ،‬جامعة الزقازيق‪.‬‬

‫س‪--‬امل‪ ،‬حام‪--‬د عب‪--‬د احلس‪--‬ني‪1972 ،‬م‪ ،‬اهلج‪--‬رة من الري‪--‬ف إىل احلض‪--‬ر‪ ،‬م‪--‬ع حبث مي‪--‬داين بني امله‪--‬اجرين يف‬ ‫‪.19‬‬
‫مدينة بغداد‪ ،‬رسالة ماجستري‪ ،‬كلية اآلداب جامعة عني مشس‪.‬‬

‫عب ‪--‬د اللطي ‪--‬ف‪ ،‬حس ‪--‬ني اب ‪--‬راهيم‪1999 ،‬م‪ ،‬اهلج ‪--‬رة واثره ‪--‬ا على النم ‪--‬و العم ‪--‬راين‪ ،‬رس ‪--‬الة ماجس ‪--‬تري‪ ،‬قس ‪--‬م‬ ‫‪.20‬‬
‫جغرافية‪ ،‬كلية األداب‪ ،‬جامعة اإلسكندرية‪.‬‬

‫‪321‬‬
‫عب ‪--‬د احلمي ‪--‬د‪ ،‬محدي عب ‪--‬د احلارس‪1982 ،‬م‪ ،‬أث ‪--‬ر اهلج ‪--‬رة يف الس ‪--‬لوك اإلحنرايف‪ ،‬م ‪--‬ع دراس ‪--‬ة ميداني ‪--‬ة يف‬ ‫‪.21‬‬
‫حمافظة أسوان‪ ،‬دراسة دبلوم معهد العلوم اإلجتماعية‪ ،‬كلية اآلداب‪ ،‬جامعة اإلسكندرية‪.‬‬

‫قن‪--‬رب‪ ،‬محدي علي ع‪--‬زت‪1995 ،‬م‪ ،‬ال‪--‬رتكيب الس‪--‬كاين للم‪--‬دن املص‪--‬رية غ‪--‬ري املليوني‪--‬ة‪ ،‬ورس‪--‬الة دكت‪--‬وراة‪،‬‬ ‫‪.22‬‬
‫قسم جغرافية‪ ،‬كلية اآلداب‪ ،‬جامعة اإلسكندرية‪.‬‬

‫أمني‪ ،‬ربيع بك‪-‬ري‪ ،‬أمناط التف‪--‬اوت ال‪-‬ريفي احلض‪--‬ري واإلس‪-‬تفادة من أث‪-‬ره على التوزي‪-‬ع الس‪-‬كاين‪ ،‬ب‪ ،‬ت‪،‬‬ ‫‪.23‬‬
‫يف دراس‪-- -‬ة دميوغرافي‪-- -‬ة خريط‪-- -‬ة مص‪-- -‬ر الس‪-- -‬كانية يف املس‪-- -‬تقبل‪ ،‬دراس‪-- -‬ة حتليلي‪-- -‬ة‪ ،‬رس‪-- -‬الة ماجس‪-- -‬تري‪ ،‬معه‪-- -‬د‬
‫الدراسات والبحوث اإلحصائية‪ ،‬جامعة القاهرة ب‪ .‬ت‪.‬‬

‫عب‪--‬د الواح‪--‬د‪ ،‬رفي‪--‬ق حمم‪--‬ود‪1996 ،‬م‪ ،‬الس‪--‬كان وم‪--‬وارد الغ‪--‬ذاء يف حمافظ‪--‬ة كف‪--‬ر الش‪--‬يخ‪ ،‬رس‪--‬الة ماجس‪--‬تري‪،‬‬ ‫‪.24‬‬
‫قسم جغرافيا‪ ،‬كلية األداب‪ ،‬جامعة اإلسكندرية‪.‬‬

‫الس‪--‬عدي‪ ،‬ري‪--‬اض إب‪--‬راهيم‪1974 ،‬م‪ ،‬اجملرة الداخلي‪--‬ة لس‪--‬كان الع‪--‬راق ‪1946‬م ‪1965‬م‪ ،‬رس‪--‬الة دكت‪--‬وراة‬ ‫‪.25‬‬
‫‪ -‬كلية األداب جامعة عني مشس‪.،‬‬

‫جاداهلل‪ ،‬س ‪-- -‬امي‪1986 ،‬م‪ ،‬العالق‪-- -‬ة بني السياس ‪-- -‬ة والس ‪-- -‬كان‪ ،‬اآلث‪-- -‬ار السياس ‪-- -‬ية لل ‪-- -‬رتكيب العم‪-- -‬ري على‬ ‫‪.26‬‬
‫مجهورية مصر العربية‪ ،‬رسالة ماجستري‪ ،‬معهد الدراسات والبحوث اإلحصائية‪ .‬جامعة القاهرة‪.‬‬

‫خلي‪-- -‬ل‪ ،‬س‪-- -‬امية عبدالس‪-- -‬الم‪1986 ،‬م‪ ،‬مق‪-- -‬ارن لبعض خص‪-- -‬ائص الس‪-- -‬كان احملافظ‪-- -‬ة الق‪-- -‬اهرة يف تع‪-- -‬دادي‬ ‫‪.27‬‬
‫‪1960‬م ‪1976 -‬م رسالة ماجستري‪ ،‬معهد البحوث والدراسات واإلحصائية‪ ،‬جامعة القاهرة‪.‬‬

‫عبد السميع‪ ،‬سعاد ص‪-‬احل‪1986 ،‬م‪ ،‬التغ‪-‬ريات ال‪-‬يت ط‪-‬رات على التوزي‪-‬ع العم‪-‬ري واجلغ‪-‬رايف لس‪-‬كان مص‪-‬ر‬ ‫‪.28‬‬
‫خالل ق ‪--‬رن من ال ‪--‬زمن (‪1976 - 1882‬م) من واق ‪--‬ع بيان ‪--‬ات والتع ‪--‬دادات املص ‪--‬رية‪ ،‬رس ‪--‬الة ماجس ‪--‬تري‪،‬‬
‫معهد البحوث اإلحصائية‪ ،‬جامعة القاهرة‪.‬‬

‫ف ‪--‬رج‪ ،‬س ‪--‬عاد عط ‪--‬ا‪1985 ،‬م‪ ،‬اهلج ‪--‬رة الريفي ‪--‬ة اخلارجي ‪--‬ة‪ ،‬دراس ‪--‬ة يف دواف ‪--‬ع التكي ‪--‬ف | والنت ‪--‬ائج‪ ،‬رس ‪--‬الة‬ ‫‪.29‬‬
‫ماجستري‪ ،‬كلية اآلداب‪ ،‬جامعة عني مشس‪.،‬‬

‫‪322‬‬
‫خط ‪--‬اب‪ ،‬ش ‪--‬كري حمم ‪--‬د‪1976 ،‬م‪ ،‬س ‪--‬كان مدين ‪--‬ة اجليزة‪ ،‬دراس ‪--‬ة دميوغرافي ‪--‬ة‪ ،‬رس ‪--‬الة از ماجس ‪--‬تري‪ ،‬قس ‪--‬م‬ ‫‪.30‬‬
‫اجلغرافية‪ ،‬بنات جامعة عني مشس‪.‬‬

‫حسن‪ ،‬عاطف علي‪1969 ،‬م‪ ،‬اإلنفجار السكاين يف مص‪-‬ر‪ ،‬اس‪-‬بابه وكيفي‪-‬ة عالج‪-‬ه‪ ،‬رس‪-‬الة معه‪-‬د العل‪-‬وم‬ ‫‪.31‬‬
‫اإلجتماعية‪ ،‬كلية اآلداب‪ ،‬جامعة اإلسكندرية‪.‬‬

‫عب‪--‬د احلكيم‪ ،‬عب‪--‬د احلكيم حمم‪--‬د‪1985 ،‬م‪ ،‬حتلي‪--‬ل إحص‪--‬ائي حمددات حجم األس‪--‬رة الفعلي واملرغ‪--‬وب في‪--‬ه‬ ‫‪.32‬‬
‫يف ريف وحضر مصر‪ ،‬رسالة ماجستري‪ ،‬كلية اإلقتصاد‪ ،‬والعلوم السياسية‪ ،‬جامعة القاهرة‪.‬‬

‫اخلرابشة‪ ،‬عب‪-‬د احلكيم أمحد عب‪-‬د الق‪-‬ادر‪1988 ،‬م‪ ،‬إجتاه‪-‬ات ال‪-‬زواج والطالق‪ ،‬وآثاره‪-‬ا على اخلص‪-‬وبة يف‬ ‫‪.33‬‬
‫األردن ‪1975‬م ‪1985 -‬م رسالة ماجستري‪ ،‬معهد الدراسات والبحوث اإلحصائية‪ ،‬جامعة القاهرة‪.‬‬

‫حبيب‪ ،‬عب‪-‬د العزي‪-‬ز حمم‪-‬د‪1976 ،‬م‪ ،‬تغي‪-‬ري توزي‪-‬ع الس‪-‬كان حمافظ‪-‬ة بغ‪-‬داد ‪1947‬م‪1965 .‬م‪ ،‬دراس‪-‬ة يف‬ ‫‪.34‬‬
‫جغرافية السكان‪ ،‬رسالة ماجستري‪ ،‬كلية اآلداب‪ ،‬جامعة بغداد‪.‬‬

‫لؤل‪--‬ؤ‪ ،‬عبداهلل مص‪--‬طفى‪1983 ،‬م‪ ،‬أمناط ال‪--‬رتاث الش‪--‬عيب املتص‪--‬لة باملش‪--‬كلة الس‪--‬كانية يف مص‪--‬ر‪ ،‬م‪--‬ع دراس‪--‬ة‬ ‫‪.35‬‬
‫ميدانية لقريتني مصريتني‪ ،‬رسالة ماجستري‪ ،‬قسم اإلجتماع‪ ،‬كلية اآلداب‪ ،‬جامعة القاهرة‪.‬‬

‫إمساعيل‪ ،‬عبد الفت‪-‬اح ع‪-‬ز ال‪-‬دين‪1989 ،‬م‪ ،‬أث‪-‬ر العوام‪-‬ل الص‪-‬حية واإلجتماعي‪-‬ة والدميوغرافي‪-‬ة على ك‪-‬ل من‬ ‫‪.36‬‬
‫فق‪-- -‬د االجن‪-- -‬ة ووفي‪-- -‬ات األطف‪-- -‬ال الرض‪-- -‬ع يف مص‪-- -‬ر س‪-- -‬نة ‪1980‬م‪ ،‬رس‪-- -‬الة ماجس‪-- -‬تري‪ ،‬معه‪-- -‬د الدراس‪-- -‬ات‬
‫والبحوث اإلحصائية جامعة القاهرة‪.‬‬

‫جاد‪ ،‬عبداملنعم حممد‪1995 ،‬م‪ ،‬اآلثار الدميوغرافية واإلجتماعية لإلس‪--‬كان يف مص‪--‬ر‪ ،‬املرك‪--‬ز ال‪--‬دميوغرايف‪،‬‬ ‫‪.37‬‬
‫القاهرة‪.‬‬

‫منر‪ ،‬عزت صالح‪1991 ،‬م‪ ،‬دنياميات قوة العمل يف إطار البطالة مصر‪ ،‬املركز الدميوغرايف‪ ،‬القاهرة‪.‬‬ ‫‪.38‬‬

‫احلداد‪ ،‬عالء ال‪--‬دين حمم‪--‬ود‪1995 ،‬م‪ ،‬التحلي‪--‬ل اإلجتم‪--‬اعي لنم‪--‬و الس‪--‬كان يف دول الع‪--‬امل الث‪--‬الث‪ ،‬رس‪--‬الة‬ ‫‪.39‬‬
‫دبلوم معهد العلوم اإلجتماعية‪ ،‬كلية األداب‪ ،‬جامعة اإلسكندرية‪.‬‬

‫‪323‬‬
‫حسني‪ ،‬على غ‪-‬الب‪1993 ،‬م‪ ،‬البيان‪-‬ات الدميوغرافي‪-‬ة يف الع‪-‬راق وتق‪-‬دير بعض املق‪-‬اييس األساس‪-‬ية‪ ،‬رس‪-‬الة‬ ‫‪.40‬‬
‫ماجستري‪ ،‬معهد الدراسات والبحوث اإلحصائية‪ ،‬جامعة القاهرة‪.‬‬

‫حس ‪--‬ني‪ ،‬علي حمم ‪--‬د أمحد‪1989 ،‬م‪ ،‬دراس ‪--‬ة حتلي ‪--‬ل بيان ‪--‬ات الوفي ‪--‬ات احلديث ‪--‬ة يف مص ‪--‬ر م ‪--‬ع الرتك ‪--‬يز على‬ ‫‪.41‬‬
‫أسباب الوفاة‪ ،‬رسالة ماجستري‪ ،‬معهد الدراسات والبحوث اإلحصائية جامعة القاهرة‪.‬‬

‫امحد‪ ،‬عص ‪--‬مت ف ‪--‬وزي حمم ‪--‬د‪1991 ،‬م‪ ،‬حمددات واختالف ‪--‬ات يف وس ‪--‬ائل من ‪--‬ع احلم ‪--‬ل‪ ،‬يف مص ‪--‬ر‪ ،‬املرك ‪--‬ز‬ ‫‪.42‬‬
‫الدميوغرايف القاهرة‪.‬‬

‫إب ‪--‬راهيم‪ ،‬عيس ‪--‬ى على‪1978 ،‬م‪ ،‬س ‪--‬كان التوب ‪--‬ة‪ ،‬دراس ‪--‬ة جغرافي ‪--‬ة ودميوغرافي ‪--‬ة‪ ،‬رس ‪--‬الة ماجس ‪--‬تري‪ ،‬قس ‪--‬م‬ ‫‪.43‬‬
‫اجلغرافيا‪ ،‬كلية األداب‪ ،‬جامعة اإلسكندرية‪.‬‬

‫خلي ‪--‬ل‪ ،‬عيش ‪--‬ة أمحد‪1986 ،‬م‪ ،‬خص ‪--‬ائص امله ‪--‬اجرين إىل الق ‪--‬اهرة‪ ،‬رس ‪--‬الة ماجس ‪--‬تري‪ ،‬معه ‪--‬د الدراس ‪--‬ات‬ ‫‪.44‬‬
‫والبحوث اإلحصائية‪ ،‬جامعة القاهرة‪.‬‬

‫عب‪-- -‬د اهلل‪ ،‬غ‪-- -‬ادة مص‪-- -‬طفى‪1991 ،‬م‪ ،‬حمددات ص‪-- -‬حة الطف‪-- -‬ل يف مص‪-- -‬ر ‪1991‬م‪ ،‬املرك‪-- -‬ز ال‪-- -‬دميوغرايف‪،‬‬ ‫‪.45‬‬
‫القاهرة‪.‬‬

‫ش‪-- -‬ريف‪ ،‬ف‪-- -‬اتن حمم‪-- -‬د عب‪-- -‬د الغف‪-- -‬ار‪1991 ،‬م‪ ،‬أث‪-- -‬ر ال‪-- -‬زواج بني األق‪-- -‬ارب على بني‪-- -‬ة | األس‪-- -‬رة‪ ،‬رس‪-- -‬الة‬ ‫‪.46‬‬
‫الدكتوراة‪ ،‬قسم األنثروبولوجيا‪ ،‬كلية األداب‪ ،‬جامعة اإلسكندرية‪.‬‬

‫إمساعيل‪ ،‬ف ‪-- -‬اتن‪1985 ،‬م‪ ،‬دراس ‪-- -‬ة العالق ‪-- -‬ة بني التعليم واإلجناب‪ ،‬دراس ‪-- -‬ة تطبيقي ‪-- -‬ة وعلى مص‪-- -‬ر‪ ،‬رس‪-- -‬الة‬ ‫‪.47‬‬
‫ماجستري‪ ،‬كلية اإلقتصاد والعلوم السياسية‪ ،‬جامعة القاهرة‪.‬‬

‫ش‪--‬عيب‪ ،‬ف‪--‬اروق على‪1977 ،‬م‪ ،‬تق‪--‬ييم برن‪--‬امج تنظيم األس‪--‬رة واث‪--‬ره على مس‪--‬توى | اخلص‪--‬وبة يف الري‪--‬ف‬ ‫‪.48‬‬
‫واحلضر حمافظة بين سويف‪ ،‬رسالة ماجستري‪ ،‬معهد الدراسات والبحوث اإلحصائية‪ ،‬جامعة القاهرة‪.‬‬

‫مجي ‪--‬ل‪ ،‬فاطم ‪--‬ة الزه ‪--‬راء‪1990 ،‬م‪ ،‬احلم ‪--‬ل غ ‪--‬ري املكتم ‪--‬ل ووفي ‪--‬ات األطف ‪--‬ال وأث ‪--‬ره على الس ‪--‬لوك اإلجنايب‪،‬‬ ‫‪.49‬‬
‫املركز الدميوغرايف‪.‬‬

‫‪324‬‬
‫الس ‪--‬مري‪ ،‬فاطم ‪--‬ة حمم ‪--‬د‪1995 ،‬م‪ ،‬بعض النت ‪--‬ائج التنموي ‪--‬ة لنم ‪--‬و الس ‪--‬كان يف مص ‪--‬ر‪ ،‬املرك ‪--‬ز ال ‪--‬دميوغرايف‪،‬‬ ‫‪.50‬‬
‫القاهرة‪.‬‬

‫العيس‪-- -‬وي‪ ،‬ف‪-- -‬ايز حمم‪-- -‬د إب‪-- -‬راهيم‪1978 ،‬م‪ ،‬مرك‪-- -‬ز ش‪-- -‬بني الك‪-- -‬رم‪ ،‬دراس‪-- -‬ة يف جغرافي‪-- -‬ة الس‪-- -‬كان‪ ،‬رس‪-- -‬الة‬ ‫‪.51‬‬
‫ماجستري‪ ،‬قسم اجلغرافيا‪ ،‬كلية اآلداب‪ ،‬جامعة اإلسكندرية‪.‬‬

‫أب ‪--‬و عيان ‪--‬ة‪ ،‬فتحي‪ ،‬س ‪--‬كان اإلس ‪--‬كندرية‪1970 ،‬م‪ ،‬دراس ‪--‬ة جغرافي ‪--‬ة ودميوغرافي ‪--‬ة‪ ،‬ارس ‪--‬الة دكت ‪--‬وراة قس ‪--‬م‬ ‫‪.52‬‬
‫اجلغرافيا‪ ،‬كلية اآلداب‪ ،‬جامعة اإلسكندرية‪.‬‬

‫في ‪-- -‬اض‪ ،‬فتحي عبداهلل عثم ‪-- -‬ان‪1973 ،‬م‪ ،‬التغ ‪-- -‬ريات الس ‪-- -‬كانية يف الوج ‪-- -‬ه القبلي‪1960 ،‬م ‪1927 -‬م‪،‬‬ ‫‪.53‬‬
‫رسالة ماجستري‪ ،‬كلية اآلداب‪ ،‬جامعة عني مشس‪.‬‬

‫عثم ‪-- -‬ان‪ ،‬ف ‪-- -‬ردوس إب ‪-- -‬راهيم حمم ‪-- -‬د‪1976 ،‬م‪ ،‬الس ‪-- -‬كان واملوارد الغذائي ‪-- -‬ة يف حمافظ ‪-- -‬ة | البح‪-- -‬رية‪ ،‬رس‪-- -‬الة‬ ‫‪.54‬‬
‫ماجستري‪ ،‬كلية البنات‪ ،‬جامعة عني مشس‪.‬‬

‫أي‪--‬وب‪ ،‬فوزي‪--‬ة رمض‪--‬ان‪1969 ،‬م‪ ،‬اهلج‪--‬رة الداخلي‪--‬ة والتخل‪--‬ف العقلي‪ ،‬دراس‪--‬ة نظري‪--‬ة وميداني‪--‬ة‪ ،‬لعين‪--‬ة من‬ ‫‪.55‬‬
‫عمال مصانع منطقة حلوان‪ ،‬رسالة ماجستري‪ ،‬قسم اإلجتماع‪ ،‬كلية األداب‪ ،‬جامعة القاهرة‪.‬‬

‫الزي‪--‬اين‪ ،‬فيص‪--‬ل إب‪--‬راهيم‪1973 ،‬م‪ ،‬اهلج‪--‬رة اخلارجي‪--‬ة وأثره‪--‬ا يف تغ‪--‬ري البن‪--‬اء اإلجتم‪--‬اعي اجملتم‪--‬ع البح‪--‬رين‪،‬‬ ‫‪.56‬‬
‫رسالة ماجستري‪ ،‬كلية اآلداب‪ ،‬جامعة القاهرة‪.‬‬

‫املراي ‪--‬ايت‪ ،‬كام ‪--‬ل جاس ‪--‬م‪1967 ،‬م‪ ،‬التص ‪--‬نيع والنم ‪--‬و الس ‪--‬كاين والعم ‪--‬راين يف ناحي ‪--‬ة اإلس ‪--‬كندرية‪ ،‬دراس ‪--‬ة‬ ‫‪.57‬‬
‫ميدانية‪ ،‬رسالة ماجستري‪ ،‬كلية اآلداب‪ ،‬جامعة بغداد‪.‬‬

‫برسوم‪ ،‬كرم حبيب‪1969 ،‬م‪ ،‬اثر العام‪-‬ل ال‪-‬دميوغرايف‪ ،‬يف التغ‪-‬ري اإلجتم‪-‬اعي م‪-‬ع تطبيق‪-‬ه على تغي‪-‬ري البن‪-‬اء‬ ‫‪.58‬‬
‫العمراين ملدينة كفر الدوار‪ ،‬رسالة ماجستري‪ ،‬قسم اإلجتماع‪ ،‬كلية اآلداب‪ ،‬جامعة القاهرة‪.‬‬

‫حمم ‪--‬د‪ ،‬كم ‪--‬ال موس ‪--‬ى‪1970 ،‬م‪ ،‬التص ‪--‬نيع ال ‪--‬ريفي كح ‪--‬ل ملش ‪--‬كلة زي ‪--‬ادة الس ‪--‬كان يف ج‪ .‬ع‪ .‬م‪ .‬رس ‪--‬الة‬ ‫‪.59‬‬
‫دكتوراة‪ ،‬كلية األداب‪ ،‬جامعة القاهرة‪.‬‬

‫‪325‬‬
‫الفقى‪ ،‬ليلى أمحد خمت ‪--‬ار‪1988 ،‬م‪ ،‬أهم العوام ‪--‬ل اإلجتماعي ‪--‬ة ال ‪--‬يت ت ‪--‬ؤثر على اخلص ‪--‬وبة يف مص ‪--‬ر‪ ،‬رس ‪--‬الة‬ ‫‪.60‬‬
‫ماجستري‪ ،‬معهد الدراسات والبحوث‪ ،‬اإلجتماعية جامعة القاهرة‪.‬‬

‫عثم ‪--‬ان‪ ،‬ماج ‪--‬د إب ‪--‬راهيم‪1969 ،‬م‪ ،‬دراس ‪--‬ة مقارن ‪--‬ة لنم ‪--‬ط وفي ‪--‬ات الرض ‪--‬ع يف بعض ال ‪--‬دول النامي ‪--‬ة وبعض‬ ‫‪.61‬‬
‫ال ‪--‬دول املتقدم ‪--‬ة م ‪--‬ع دراس ‪--‬ته تفص ‪--‬يلية للنم ‪--‬ط الس ‪--‬ائد يف ج‪ .‬م‪ .‬ع‪ .‬خالل الف ‪--‬رتة ‪1954‬م ‪1964 -‬م‪،‬‬
‫رسالة ماجستري‪ ،‬كلية اإلقتصاد والعلوم السياسية‪ ،‬جامعة القاهرة‬

‫عب ‪--‬د ال ‪--‬رمحن‪ ،‬ماج ‪--‬دة الس ‪--‬يد حاف ‪--‬ظ‪1985 ،‬م‪ ،‬التغ ‪--‬ريات البنائي ‪--‬ة والثقافي ‪--‬ة املرتتب ‪--‬ة على اهلج ‪--‬رة الريفي ‪--‬ة‪،‬‬ ‫‪.62‬‬
‫دراسة مقارنة جملموعة من األسر املصرية‪ ،‬رسالة دكتوراة‪ ،‬كلية اآلداب جامعة عني مشس‪.‬‬

‫ج ‪-- - -‬رجس‪ ،‬جمدي رم ‪-- - -‬زي‪1990 ،‬م‪ ،‬ش ‪-- - -‬اعر موق ‪-- - -‬ف اإلس ‪-- - -‬تخدام يف س ‪-- - -‬وق العم ‪-- - -‬ل املص ‪-- - -‬ري‪ ،‬املرك ‪-- -‬ز‬ ‫‪.63‬‬
‫الدميوغرايف‪ ،‬القاهرة‪.‬‬

‫حممد‪ ،‬حممد ابراهيم منصور‪1977 ،‬م‪ ،‬السكان وازمة الغ‪-‬ذاء العاملي‪-‬ة‪ ،‬م‪-‬ع إهتم‪-‬ام خ‪-‬اص جبمهوري‪-‬ة مص‪-‬ر‬ ‫‪.64‬‬
‫العربية‪ ،‬رسالة ماجستري‪ ،‬كلية التجارة‪ ،‬جامعة اسيوط‪.‬‬

‫عطي‪--‬ة‪ ،‬حمم‪--‬د الغ‪--‬ريب عب‪--‬د الك‪--‬رمي‪1976 ،‬م‪ ،‬اهلج‪--‬رة الداخلي‪--‬ة آثاره‪--‬ا ودافعه‪--‬ا‪ ،‬دراس‪--‬ة ميداني‪--‬ة خلص‪--‬ائص‬ ‫‪.65‬‬
‫املهاجرين من قرية مشريف إىل القاهرة‪ ،‬رسالة ودكتوراة‪ ،‬كلية اآلداب‪ ،‬جامعة عني مشس‪.‬‬

‫حجازي‪ ،‬حمم‪-‬د خض‪-‬ر حمم‪-‬د‪1987 ،‬م‪ ،‬مش‪-‬كلة النم‪-‬و الس‪-‬كاين يف مص‪-‬ر وعالقته‪-‬ا بإلحتياج‪-‬ات الغذائي‪-‬ة‬ ‫‪.66‬‬
‫لإلنسان املصري‪ ،‬رسالة ماجستري‪ ،‬معهد الدراسات | والبحوث اإلحصائية‪ ،‬جامعة القاهرة‪.‬‬

‫عب‪--‬د ال‪--‬رمحن‪ ،‬حمم‪--‬د س‪--‬يد حاف‪--‬ظ‪1982 ،‬م‪ ،‬فاعلي‪--‬ة العوام‪--‬ل اإلقتص‪--‬ادية واإلجتماعي‪--‬ة يف حتدي‪--‬د مس‪--‬تويات‬ ‫‪.67‬‬
‫وامناط اخلص ‪--‬وبة‪ ،‬دراس‪--‬ة دميوغرافي‪--‬ة عن اجملتم‪--‬ع املص ‪--‬ري‪ ،‬رس‪--‬الة ماجس‪--‬تري‪ ،‬معه ‪--‬د الدراس‪--‬ات والبح‪--‬وث‬
‫اإلحصائية‪.‬‬

‫عب ‪--‬د احلاف ‪--‬ظ‪ ،‬حمم ‪--‬د شيش ‪--‬ر‪1978 ،‬م‪ ،‬األوض ‪--‬اع الدميوغرافي ‪--‬ة لفلس ‪--‬طني خالل الرب ‪--‬ع الث ‪--‬اين من الق ‪--‬رن‬ ‫‪.68‬‬
‫العشرين‪ ،‬رسالة ماجستري‪ ،‬كلية اإلقتصاد والعلوم السياسية‪ ،‬جامعة القاهرة‪.‬‬

‫‪326‬‬
‫حمم ‪--‬د‪ ،‬حمم ‪--‬د ص ‪--‬احل أمحد نبي ‪--‬ه‪1988 ،‬م‪ ،‬امهي ‪--‬ة الثقاف ‪--‬ة الس ‪--‬كانية يف أع ‪--‬داد طلب ‪--‬ة كلي ‪--‬ات الرتبي ‪--‬ة‪ ،‬دراس ‪--‬ة‬ ‫‪.69‬‬
‫ميدانية‪ ،‬رسالة ماجستري‪ ،‬كلية البنات‪ ،‬جامعة عني مشس‪.‬‬

‫اهلن ‪--‬داوي‪ ،‬حمم ‪--‬د عب ‪--‬د العزي ‪--‬ز‪1981 ،‬م‪ ،‬الس ‪--‬كان والعم ‪--‬ران بالواح ‪--‬ات اجلنوبي ‪--‬ة الص ‪--‬حراء مص ‪--‬ر الغربي ‪--‬ة‪،‬‬ ‫‪.70‬‬
‫دراسة مقارنة‪ ،‬رسالة دكتوراة‪ ،‬كلية البنات‪ ،‬جامعة عني مشس‪.‬‬

‫اخلف‪-- -‬اين‪ ،‬حمم‪-- -‬د عثم‪-- -‬ان حمم‪-- -‬ود‪1988 ،‬م ‪1989 -‬م‪ ،‬اخلص‪-- -‬ائص الس‪-- -‬كانية والتنمي‪-- -‬ة‪ ،‬دراس‪-- -‬ة تقوميي‪-- -‬ة‬ ‫‪.71‬‬
‫ملشروع السكان والتنمية بقريتني‪ ،‬رسالة ماجستري‪ ،‬قسم اإلجتماع‪ ،‬كلية اآلداب‪ ،‬جامعة القاهرة‪.‬‬

‫احلويف‪ ،‬حممد عوين عوض‪1986 ،‬م‪ ،‬التضخم السكاين‪ ،‬والتنمية اإلجتماعية ا رسالة دبلوم معهد العل‪--‬وم‬ ‫‪.72‬‬
‫اإلجتماعية‪ ،‬كلية اآلداب‪ ،‬جامعة اإلسكندرية‪.‬‬

‫عوض‪ ،‬حممد فؤاد‪1982 ،‬م‪ ،‬الكثافة يف املدن‪ ،‬رسالة ماجستري‪ ،‬كلية اهلندسة‪ ،‬جامعة اإلسكندرية‪.‬‬ ‫‪.73‬‬

‫اهلادي‪ ،‬حمم ‪--‬د خمت ‪--‬ار حمم ‪--‬د‪1997 ،‬م‪ ،‬التغ ‪--‬ريات الس ‪--‬كانية يف بلدي ‪--‬ة بنغ ‪--‬ازي ‪1954‬م‪1984 .‬م رس ‪--‬الة‬ ‫‪.74‬‬
‫دكتوراة‪ ،‬قسم اجلغرافيا‪ ،‬كلية األداب‪ ،‬جامعة اإلسكندرية‪.‬‬

‫عطي ‪--‬ة‪ ،‬حمم ‪--‬د مص ‪--‬طفى‪1983 ،‬م‪ ،‬اجلوانب الدميوجرافي ‪--‬ة ملش ‪--‬كلة التحض ‪--‬ر يف مص ‪--‬ر‪ ،‬رس ‪--‬الة ماجس ‪--‬تري‪،‬‬ ‫‪.75‬‬
‫معهد الدراسات والبحوث اإلحصائية‪ ،‬جامعة القاهرة‪.‬‬

‫س‪--‬يف‪ ،‬حمم‪--‬د منص‪--‬ور حس‪--‬ن‪1986 ،‬م‪ ،‬اهلج‪--‬رة اخلارجي‪--‬ة والتح‪--‬والت اإلقتص‪--‬ادية واإلجتماعي‪--‬ة‪ ،‬رس‪--‬الة‬ ‫‪.76‬‬
‫ماجستري‪ ،‬كلية اآلداب‪ ،‬جامعة عني مشس‪.‬‬

‫برك ‪--‬ات‪ ،‬حمم ‪--‬د حمم ‪--‬ود‪1978 ،‬م‪ ،‬دراس ‪--‬ة لبعض عناص ‪--‬ر ال ‪--‬رتكيب ال ‪--‬دميوجرايف للقري ‪--‬ة املص ‪--‬رية‪ ،‬رس ‪--‬الة‬ ‫‪.77‬‬
‫ماجستري‪ ،‬كلية الزراعة‪ ،‬جامعة عني مشس‪.‬‬

‫محدي‪ ،‬حمم‪-‬ود عب‪-‬د احلمي‪-‬د حمم‪-‬ود‪1984 ،‬م‪ ،‬أث‪-‬ر هج‪-‬رة العمال‪-‬ة الفني‪-‬ة من مص‪--‬ر على التنمي‪-‬ة اإلجتماعي‪-‬ة‬ ‫‪.78‬‬
‫واإلقتصادية‪ ،‬رسالة دبلوم معهد العلوم اإلجتماعية كلية اآلداب‪ ،‬جامعة اإلسكندرية‪.‬‬

‫سليمان‪ ،‬مدحية عبد احلكيم‪1995 ،‬م‪ ،‬بعض جوانب البطالة يف مصر‪ ،‬املركز الدميوجرايف‪ ،‬مصر‪.‬‬ ‫‪.79‬‬

‫‪327‬‬
‫خليل‪ ،‬مرفت حممد‪1995 ،‬م‪ ،‬حول اخلصوبة يف مصر ‪1991‬م‪ ،‬املركز الدميوجرايف‪.‬‬ ‫‪.80‬‬

‫الش ‪--‬ربيين‪ ،‬م ‪--‬رفت مص ‪--‬طفى حس ‪--‬ن‪1989 ،‬م‪ ،‬دور اخلدم ‪--‬ة اإلجتماعي ‪--‬ة يف مواجه ‪--‬ة املش ‪--‬كلة الس ‪--‬كانية‪،‬‬ ‫‪.81‬‬
‫رسالة دبلوم معهد العلوم اإلجتماعية‪ ،‬كلية اآلداب‪ ،‬جامعة اإلسكندرية‪.‬‬

‫الش‪-- -‬نار‪ ،‬م‪-- -‬ىن أمحد‪1995 ،‬م‪ ،‬مس‪-- -‬توى واجتاه‪-- -‬ات وحمددات اخلص‪-- -‬وبة يف مص‪-- -‬ر‪ ،‬املرك‪-- -‬ز ال‪-- -‬دميوجرايف‪،‬‬ ‫‪.82‬‬
‫القاهرة‪.‬‬

‫جنم ال‪--‬دين‪ ،‬م‪--‬ىن م‪--‬دحت عب‪--‬د ال‪--‬رؤوف‪1986 ،‬م‪ ،‬تنظيم األس‪--‬رة م‪--‬ع دراس‪--‬ة ميداني‪--‬ة مدين‪--‬ة كف‪--‬ر ال‪--‬دوار‬ ‫‪.83‬‬
‫حمافظة البحرية‪ ،‬رسالة دبلوم معهد العلوم اإلجتماعية‪ ،‬كلية اآلداب‪ ،‬جامعة اإلسكندرية‪.‬‬

‫ياس ‪-- -‬ني‪ ،‬مه ‪-- -‬ا حمم ‪-- -‬د وجي ‪-- -‬ه‪1981 ،‬م‪ ،‬العالق ‪-- -‬ة بني عناص ‪-- -‬ر املش ‪-- -‬كلة الس ‪-- -‬كانية والعوام ‪-- -‬ل اإلقتص ‪-- -‬ادية‬ ‫‪.84‬‬
‫واإلجتماعية‪ ،‬دراسة إحصائية‪ ،‬رسالة ماجستري‪ ،‬كلية اإلقتصاد والعلوم السياسية‪ ،‬جامعة القاهرة‪.‬‬

‫غ ‪--‬امن‪ ،‬م ‪--‬وزة عبي‪--‬د‪1983 ،‬م‪ ،‬اهلج‪--‬رة اخلارجي‪--‬ة والتنمي‪--‬ة‪ ،‬دراس‪--‬ة تطبيقي‪--‬ة اآلث‪--‬ار اهلج‪--‬رة الواف‪--‬دة إىل دول‬ ‫‪.85‬‬
‫اإلمارات العربية املتحدة‪ ،‬رسالة ماجستري‪ ،‬قسم اإلجتماع‪ ،‬كلية اآلداب‪ ،‬جامعة القاهرة‪.‬‬

‫س‪-- - - -‬ليمان‪ ،‬نادي‪-- - - -‬ة حليم‪1970 ،‬م‪ ،‬القيم اإلجتماعي‪-- - - -‬ة وعالقته‪-- - - -‬ا باإلجتاه حنو تنظيم ‪ -‬النس‪-- - - -‬ل‪ ،‬رس‪-- - - -‬الة‬ ‫‪.86‬‬
‫ماجستري‪ ،‬كلية األداب‪ ،‬جامعة عني مشس‪.‬‬

‫سليمان‪ ،‬نادية حليم‪1974 ،‬م‪ ،‬العوامل اإلجتماعية النفسية املؤثرة على اخلصوبة‪ ،‬رسالة دكتوراة‪ ،‬كلي‪--‬ة‬ ‫‪.87‬‬
‫اآلداب‪ ،‬جامعة عني مشس‪.‬‬

‫يعق ‪--‬وب‪ ،‬نادي ‪--‬ة ش ‪--‬كري‪1974 ،‬م‪ ،‬تنظيم األس ‪--‬رة يف اجملتم ‪--‬ع املص ‪--‬ري‪ ،‬رس ‪--‬الة دكت ‪--‬وراة‪ ،‬كلي ‪--‬ة اآلداب‪،‬‬ ‫‪.88‬‬
‫جامعة عني مشس‪.‬‬

‫خمل‪--‬وف‪ ،‬نادي‪--‬ة عطي‪--‬ة منص‪--‬ور‪1967 ،‬م‪ ،‬تنظيم األس‪--‬رة م‪--‬ع دراس‪--‬ة ميداني‪--‬ة من واق‪--‬ع مدين‪--‬ة اإلس‪--‬كندرية‪،‬‬ ‫‪.89‬‬
‫رسالة دبلوم معهد العلوم اإلجتماعية‪ ،‬كلية اآلداب‪ ،‬جامعة اإلسكندرية‪.‬‬

‫‪328‬‬
‫رض ‪--‬وان‪ ،‬نادي ‪--‬ة حمم ‪--‬د عب ‪--‬دالعال‪1982 ،‬م‪ ،‬احلم ‪--‬ل غ ‪--‬ري املرغ ‪--‬وب في ‪--‬ه م ‪--‬ع اس ‪--‬تخدام وس ‪--‬ائل من ‪--‬ع احلم ‪--‬ل‪،‬‬ ‫‪.90‬‬
‫دراسة إجتماعية ميدانية‪ ،‬رسالة دكتوراة‪ ،‬كلية اآلداب‪ ،‬جامعة عني مشس‪.‬‬

‫إدريس‪ ،‬نادي‪--‬ة حمم‪--‬ود حمم‪--‬د‪1995 ،‬م‪ ،‬حمددات وفي‪--‬ات الرض‪--‬ع واألطف‪--‬ال يف مص‪--‬ر‪ ،‬املرك‪--‬ز ال‪--‬دميوجرايف‪،‬‬ ‫‪.91‬‬
‫القاهرة‪.‬‬

‫ثابت‪ ،‬ناصر إهديري‪1974 ،‬م‪ ،‬اخلصوبة وأثرها على منو السكان‪ ،‬دراسة ميدانية إجتماعية على س‪--‬كان‬ ‫‪.92‬‬
‫اجلالية الفلسطينية األردنية بدولة الكويت‪ ،‬رسالة ماجستري‪ ،‬كلية اآلداب‪ ،‬جامعة عني مشس‪.‬‬

‫ث‪--‬ابت‪ ،‬ناص‪--‬ر إه‪--‬ديري‪1979 ،‬م‪ ،‬اهلج‪--‬رة اخلارجي‪--‬ة طبيعته‪--‬ا ودوافعه‪--‬ا وآثاره‪--‬ا‪ ،‬دراس‪--‬ة إجتماعي‪--‬ة ميداني‪--‬ة‬ ‫‪.93‬‬
‫مقارنة احلي‪-‬اة امله‪-‬اجرين الفلس‪-‬طينني من معس‪-‬كراهتم يف س‪-‬ورية إىل دول‪-‬ة الك‪-‬ويت‪ ،‬رس‪-‬الة دكت‪-‬وراه‪ ،‬كلي‪-‬ة‬
‫اآلداب جامعة عني مشس‪.‬‬

‫إبراهيم‪ ،‬نعيمة منصور‪1966 ،‬م‪ ،‬اخلصائص الدميوغرافية واإلجتماعية املصاحبة ا للنم‪-‬و الس‪-‬كاين‪ ،‬رس‪-‬الة‬ ‫‪.94‬‬
‫دكتوراة‪ ،‬كلية اآلداب‪ ،‬جامعة بغداد‪.‬‬

‫مقب ‪--‬ول‪ ،‬ه ‪--‬اين ن ‪--‬ايف حس ‪--‬ن‪1984 ،‬م‪ ،‬س ‪--‬كان الض ‪--‬فة الغربي ‪--‬ة لنه ‪--‬ر األردن دراس ‪--‬ة جغرافي ‪--‬ة ديوجرافي ‪--‬ة‪،‬‬ ‫‪.95‬‬
‫رسالة ماجستري‪ ،‬قسم اجلغرافيا كلية اآلداب‪ ،‬جامعة اإلسكندرية‪.‬‬

‫قطب‪ ،‬هنيات عبد احلميد إبراهيم‪1986 ،‬م‪ ،‬العوام‪--‬ل املس‪--‬ببة للطالق يف بعض املن‪--‬اطق الريفي‪--‬ة واحلض‪--‬رية‬ ‫‪.96‬‬
‫ملركز كفر الدوار حمافظة البحرية‪ ،‬رسالة ماجستري‪ ،‬كلية الزراعة‪ ،‬جامعة اإلسكندرية‪.‬‬

‫عب‪--‬د اهلادي‪ ،‬هوي‪--‬دا عب‪--‬د العظيم‪1989 ،‬م‪ ،‬أث‪--‬ر ال‪--‬رتكيب الس‪--‬كاين على التنمي‪--‬ة ا اإلقتص‪--‬ادية يف زميب‪--‬ابوي‬ ‫‪.97‬‬
‫يف الفرتة ‪1975‬م ‪1985 -‬م‪ ،‬رسالة ماجستري‪ ،‬معهد الدراسات والبحوث اإلفريقية‪ ،‬جامعة القاهرة‪.‬‬

‫اإلس ‪-- - -‬كندراين‪ ،‬وحي ‪-- - -‬د فهمي‪1957 ،‬م‪ ،‬التغ ‪-- - -‬ريات الس ‪-- - -‬كاين يف مدين ‪-- - -‬ة اإلس ‪-- - -‬كندرية بني ‪1927‬م ‪-‬‬ ‫‪.98‬‬
‫‪1947‬م وأثره ‪--‬ا يف مظ ‪--‬اهر احلي ‪--‬اة اإلجتماعي ‪--‬ة‪ ،‬رس ‪--‬الة دبل ‪--‬وم معه ‪--‬د العل ‪--‬وم اإلجتماعي ‪--‬ة‪ ،‬كلي ‪--‬ة اآلداب‪،‬‬
‫جامعة اإلسكندرية‪.‬‬

‫‪329‬‬
‫م‪--‬رقس‪ ،‬وداد س‪--‬ليمان‪1973 ،‬م‪ ،‬العوام‪--‬ل املؤثرة يف خص‪--‬وبة املرأة العامل‪--‬ة‪ ،‬دراس‪--‬ة ميداني‪--‬ة على جمموع‪--‬ة‬ ‫‪.99‬‬
‫من النس ‪--‬اء يف قس ‪--‬م ال ‪--‬وايلي مبحافظ ‪--‬ة الق ‪--‬اهرة رس ‪--‬الة ماجس ‪--‬تري قس ‪--‬م اإلجتم ‪--‬اع‪ ،‬كلي ‪--‬ة اآلداب‪ ،‬جامع ‪--‬ة‬
‫القاهرة‪.‬‬

‫م ‪--‬رقس‪ ،‬وداد س ‪--‬ليمان‪1978 ،‬م‪ ،‬املدخل ال ‪--‬دميوغرايف لدراس ‪--‬ة الت ‪--‬درج اإلجتم ‪--‬اعي يف اجملتم ‪--‬ع الق ‪--‬روي‪،‬‬ ‫‪.100‬‬
‫رسالة دكتوراة‪ ،‬قسم اإلجتماع‪ ،‬كلية اآلداب‪ ،‬جامعة القاهرة‪.‬‬

‫ص ‪--‬ربي‪ ،‬وف ‪--‬اء أمحد كم ‪--‬ال إب ‪--‬راهيم‪1982 ،‬م‪ ،‬منوذج س ‪--‬كاين إمنائي لدراس ‪--‬ة التغ ‪--‬ري الس ‪--‬كاين ودوره يف‬ ‫‪.101‬‬
‫عملي ‪--‬ة التنمي ‪--‬ة اإلقتص ‪--‬ادية م ‪--‬ع اإلش ‪--‬ارة إىل التجرب ‪--‬ة املص ‪--‬رية‪ ،‬رس ‪--‬الة ماجس ‪--‬تري‪ ،‬كلي ‪--‬ة اإلقتص ‪--‬اد والعل ‪--‬وم‬
‫السياسية‪ ،‬جامعة القاهرة‪.‬‬

‫ميخائي ‪--‬ل‪ ،‬وهيب زكي‪ ،‬تنظيم األس ‪--‬رة يف اجملتم ‪--‬ع املص ‪--‬ري‪ ،‬رس ‪--‬الة دكت ‪--‬وراة‪ ،‬كلي ‪--‬ة اآلداب‪ ،‬جامع ‪--‬ة عني‬ ‫‪.102‬‬
‫مشس‪.‬‬

‫عبد العال‪ ،‬حيىي شحاته‪1969 ،‬م‪ ،‬العوامل اإلجتماعي‪-‬ة والثقافي‪-‬ة املؤثرة يف حجم األس‪-‬رة بني الع‪-‬املني يف‬ ‫‪.103‬‬
‫الص‪--‬ناعة م‪--‬ع دراس‪--‬ة ميداني‪--‬ة بني الع‪--‬املني مبؤسس‪--‬ة الكهرب‪--‬اء‪ ،‬رس‪--‬الة ماجس‪--‬تري‪ ،‬كلي‪--‬ة اآلداب‪ ،‬جامع‪--‬ة عني‬
‫مشس‪.‬‬

‫أمحد‪ ،‬يس‪--‬ر عب‪--‬دالفتاح‪1984 ،‬م‪ ،‬اإلس‪--‬تخدام الفع‪--‬ال لوس‪--‬ائل من‪--‬ع احلم‪--‬ل يف مص‪--‬ر‪ ،‬املرك‪--‬ز ال‪--‬دميوجرايف‪،‬‬ ‫‪.104‬‬
‫القاهرة‪.‬‬

‫ياسني‪ ،‬يركشة طه ب‪ ،‬ت‪ ،‬حجم األسرة وعالقته بالكفاية اإلنتاجي‪--‬ة للعام‪--‬ل‪ ،‬دراس‪--‬ة ميداني‪--‬ة على عم‪--‬ال‬ ‫‪.105‬‬
‫الغزل بامليناء‪ ،‬رسالة ماجستري‪ ،‬قسم اإلجتماع‪ ،‬كلية اآلداب‪ ،‬جامعة اإلسكندرية ب‪ .‬ت‪.‬‬

‫كتب‬ ‫(د)‬

‫احلسيين‪ ،‬السيد حممد‪1996 ،‬م‪ ،‬القطاع غري الرمسي يف حضر مصر‪ ،‬املركز القومي للبحوث اإلجتماعي‪--‬ة‬ ‫‪.1‬‬
‫واجلنائية‪ ،‬مصر‪.‬‬

‫اخلشاب‪ ،‬أمحد‪1959 ،‬م‪ ،‬علم السكان والتخطيط اإلجتماعي‪ ،‬القاهرة احلديثة‪.‬‬ ‫‪.2‬‬
‫‪330‬‬
‫اخلشاب‪ ،‬أمحد‪1962 ،‬م‪ ،‬سكان اجملتمع العريب‪ ،‬مكتبة القاهرة احلديثة‪.‬‬ ‫‪.3‬‬

‫هاشم‪ ،‬إمساعيل حممد‪1963 ،‬م‪ ،‬مشكلة السكان‪ ،‬دار املعارف مبصر‪.‬‬ ‫‪.4‬‬

‫هاشم‪ ،‬إمساعيل حممد‪1973 ،‬م‪ ،‬املدخل إىل أسس علم االقتصاد‪ ،‬دار اجلامعات املصرية‪.‬‬ ‫‪.5‬‬

‫ب‪--‬اركلي‪ ،‬ج‪--‬ورج‪ ،‬اس‪--‬اليب حتلي‪--‬ل البيان‪--‬ات الس‪--‬كانية‪ ،‬ب‪ ،‬ت‪ ،‬ترمجة عربي‪--‬ة‪ ،‬إش‪--‬راف دكت‪--‬ور عب‪--‬د املنعم‬ ‫‪.6‬‬
‫ناصر الشافعي‪ ،‬دار الكتب اجلامعية‪ ،‬القاهرة ب‪ .‬ت‪.‬‬

‫الساعايت‪ ،‬حسن‪ ،‬لطفي‪ ،‬عبد احلميد‪1971 ،‬م‪ ،‬دراسات يف علم السكان‪ ،‬ط ‪ 3‬القاهرة دار املعارف‪.‬‬ ‫‪.7‬‬

‫رونج‪ ،‬دنيس‪1963 ،‬م‪ ،‬علم الس ‪--‬كان‪ ،‬ترمجة عربي ‪--‬ة إع ‪--‬داد دكت ‪--‬ور حمم ‪--‬د ص ‪--‬بحي عب ‪--‬د احلكيم‪ ،‬مكتب ‪--‬ة‬ ‫‪.8‬‬
‫مصر‪.‬‬

‫كون ‪--‬تز‪ ،‬س ‪--‬دين‪ ،‬ب‪ ،‬ت‪ ،‬النظري ‪--‬ات الس ‪--‬كانية وتفس ‪--‬ريها اإلقتص ‪--‬ادي‪ ،‬ترمجة أمحد إب ‪--‬راهيم عيس ‪--‬ى‪ ،‬دار‬ ‫‪.9‬‬
‫الكتاب العريب‪ ،‬ب‪ .‬ت‪.‬‬

‫ال‪--‬دايل‪ ،‬الس‪--‬يد عب‪--‬د احلمي‪--‬د‪1954 ،‬م‪ ،‬العناص‪--‬ر احليوي‪--‬ة ملش‪--‬كلة الس‪--‬كان يف مص‪--‬ر‪ ،‬مكتب‪--‬ة النهض‪--‬ة العربي‪--‬ة‬ ‫‪.10‬‬
‫القاهرة‪.‬‬

‫نامق‪ ،‬صالح الدين‪1955 ،‬م‪ ،‬مشكلة السكان يف مصر‪ ،‬القاهرة‪.‬‬ ‫‪.11‬‬

‫نامق‪ ،‬صالح الدين‪1966 ،‬م‪ ،‬اإلنفجارات السكانية يف العامل‪ ،‬مطبعة البيان العريب‪.‬‬ ‫‪.12‬‬

‫نامق‪ ،‬صالح الدين‪1972 ،‬م‪ ،‬مشكلة السكان يف مصر وحتدياهتا اإلقتصادية‪ ،‬مكتبة النهضة املصرية‪.‬‬ ‫‪.13‬‬

‫س ‪--‬ليمان‪ ،‬ص ‪--‬الح حمم ‪--‬د‪1973 ،‬م‪ ،‬مف ‪--‬اهيم اساس ‪--‬ية يف الس ‪--‬كان‪ ،‬املرك ‪--‬ز ال ‪--‬دويل لتعليم الكب ‪--‬ار‪ ،‬س ‪--‬رس‬ ‫‪.14‬‬
‫الليان‪.‬‬

‫الليايف‪ ،‬عبد الكرمي‪1959 ،‬م‪ ،‬يف علم السكان‪ ،‬سوريا‪.‬‬ ‫‪.15‬‬

‫النص‪ ،‬عزة‪1955 ،‬م‪ ،‬أحوال السكان يف العامل العريب‪ ،‬معهد الدراسات العربية العاملية‪ ،‬مصر‪.‬‬ ‫‪.16‬‬

‫‪331‬‬
‫عب‪--‬دالرزاق‪ ،‬عزي‪--‬زة‪1966 ،‬م‪ ،‬البطال‪--‬ة والقط‪--‬اع غ‪--‬ري الرمسي يف‪ :‬الس‪--‬يد احلس‪--‬يين‪ ،‬القط‪--‬اع غ‪--‬ري الرمسي يف‬ ‫‪.17‬‬
‫حضر مصر‪ ،‬املركز القومي للبحوث اإلجتماعية واجلنائية‪.‬‬

‫اجلريتلي‪ ،‬علي‪1962 ،‬م‪ ،‬السكان واملوارد اإلقتصادية يف مصر‪ ،‬مطبعة مصر‪.‬‬ ‫‪.18‬‬

‫جبلي‪ ،‬علي عبد الرزاق‪1980 ،‬م‪ ،‬قضايا علم اإلجتماع املعاصر‪ ،‬دار املعرفة اجلامعية‪.‬‬ ‫‪.19‬‬

‫أمحد‪ ،‬غريب سيد‪1972 ،‬م‪ ،‬الطبقات اإلجتماعية‪ ،‬دار الكتب اجلامعية‪.‬‬ ‫‪.20‬‬

‫أمحد‪ ،‬غريب سيد‪ ،‬حمم‪-‬د‪ ،‬عب‪-‬د الباس‪-‬ط غ‪-‬ريب س‪-‬يد‪ ،‬حمم‪-‬د‪ ،‬عب‪-‬د الباس‪-‬ط‪1975 ،‬م‪ ،‬البحث اإلجتم‪-‬اعي‬ ‫‪.21‬‬
‫اجلزء األول دار اجلامعات املصرية‪.‬‬

‫العيسوي‪ ،‬فايز حممد‪1996 ،‬م‪ ،‬أسس اجلغرافيا البشرية‪ ،‬دار املعرفة اجلامعية اإلسكندرية‪.‬‬ ‫‪.22‬‬

‫أبو عيانة‪ ،‬فتحي حممد‪1995 ،‬م‪ ،‬جغرافيا السكان‪ ،‬دار املعرفة اجلامعية‪ ،‬اإلسكندرية‪.‬‬ ‫‪.23‬‬

‫غيث‪ ،‬حممد عاطف‪1963 ،‬م‪ ،‬علم اإلجتماع‪ ،‬دار املعارف‪ ،‬مصر‪.‬‬ ‫‪.24‬‬

‫غيث‪ ،‬حممد عاطف‪1970 ،‬م‪ ،‬تطبيقات يف علم اإلجتماع‪ ،‬دار الكتب اجلامعية‪ ،‬اإلسكندرية‪.‬‬ ‫‪.25‬‬

‫غيث‪ ،‬حممد عاطف‪1973 ،‬م‪ ،‬علم اإلجتماع‪ ،‬دار الكتب اجلامعية‪.‬‬ ‫‪.26‬‬

‫غالب‪ ،‬حممد سيد عبد احلكيم‪ ،‬حممد صبحي‪1962 ،‬م‪ ،‬السكان دميوجرافيًا‪ ،‬مكتبة األجنلو املصرية‪.‬‬ ‫‪.27‬‬

‫عب ‪--‬د احلكيم‪ ،‬حمم ‪--‬د ص ‪--‬بحي‪1957 ،‬م‪ ،‬س ‪--‬كان مص ‪--‬ر‪ ،‬دراس ‪--‬ة ديوجرافي ‪--‬ة يف دراس ‪--‬ات جغرافي ‪--‬ة مص ‪--‬ر‪،‬‬ ‫‪.28‬‬
‫القاهرة‪.‬‬

‫العمودي‪ ،‬نور باقادر‪1994 ،‬م‪ ،‬اهلجرة الريفية احلضرية‪ ،‬دار املنتخب العريب‪ ،‬لبنان‪.‬‬ ‫‪.29‬‬

‫حليم‪ ،‬نادية وآخرون‪1994 ،‬م‪ ،‬تق‪-‬ومي السياس‪-‬ة الس‪-‬كانية يف مص‪-‬ر‪ ،‬املرك‪-‬ز الق‪-‬ومي للبح‪-‬وث اإلجتماعي‪-‬ة‬ ‫‪.30‬‬
‫واجلنائية‪ ،‬مصر‪.‬‬

‫‪332‬‬
،‫يد غالب‬-- ‫د الس‬-- ‫دكتور حمم‬-- ‫داد ال‬-- ‫ إع‬،‫ة‬-- ‫ ترمجة عربي‬،‫كان‬-- ‫يات علم الس‬-- ‫ اساس‬،‫م‬1971 ،‫ وارن‬،‫نيس‬-- ‫ب‬ .31
.‫املكتب املصري احلديث‬

،‫رباوي‬-‫د ال‬-‫ور راش‬-‫داد دكت‬-‫ة إع‬-‫ ترمجة عربي‬،‫كان‬-‫كلة الس‬-‫ مش‬،‫م‬1968 ،‫د‬-‫ دافي‬،‫ويس‬-‫ ل‬،‫ وارن‬،‫ون‬-‫تومبس‬ .32
.‫مكتبة األجنلو املصرية‬

‫ المراجع األجنبية‬:‫ثانيًا‬

‫قواميس وموسوعات‬ .1
1. D. Mitchell, A Dictionary of Sociology, Routledge & Kegan. London,
1963.
2. M. Rosental & P., Yadin, A Dictionary of Philosophy, Progress, Pub.
Moscow, 1967.
3. D. Kirk, Population, International Encyclopedia of the Social sciences,
the Macmillan comp, New York, 1968‫م‬.
‫وثائق ودوريات وحلقات بحث‬ .2
1. Center Agency for Public Mobilization & Statistics, Population &
Development, 1973.
2. C. F, Westoff & R., H. Potvin, Higher Education, Religion and
Woman's Family Size Orientation, American Sociological Review,
XXXI, 4, 1966.
3. G. H. elder, & C, E. Bowerman, Family Structure & Child Rearing
Pattern, The Effect of Family Size & Sex composition, American
Sociological Review, XXXVIII, Dec, 1963.

333
4. R. Freedman, The Sociology of Human Fertilty, A Trend Report &
Bibilography, Current Sociology, XIML, 196162 - ‫م‬.
5. G. McNicoll, Population & Development, Outlines for a Structuralist
approach, Study group, Population council, Cairo, 1978.
6. U. N. Secretary Control, Population Chang & Economic and Social
Development. The Population Debate, World Population Conference,
Bucharest; 1964‫م‬, Vol. I, New York, 1975.
7. W. R. Bohaning, The Migration of workers from Poor to Rich
Countries; Facts, Problems, Policies, International Population
Conference, Mexico, 1977.
8. Pazlik The Influence of Population on Socio - Economic
Development: International Population Conference, Mexico, 1977‫م‬.
UIESP, Belgigue, Vol. 2, 1977.
‫رسائل علمية‬ .3
1. Abdel Aziz Abdullah, Fertility and Mortality, Analysis of Results from
the 1976‫ م‬Survey, Master ' s thesis, Demographic Center of Cairo
1976.
2. Abdel Gawad Mustafa, Family Planning in Rural Egypt, General
Diploma Demographic Center of Cairo, 1976.
3. Abdel Kader Soha Mohamed, Cowervative and Modern Egypt Family,
Department of Sociology and Anthropology, American University,
1971.

334
4. Abdel Dayem Mohamed, Demographic Patterns of Tunisia, General
Diploma, Demographic Center of Cairo, 1970.
5. Abou Sead. H, Population Pressure on Land in Some Arab Countries,
General Diploma, Demographic Center of Cairo, 1979.
6. Ali Ahmed Al Hassan, a comparative Study of Factors Affecting
Neonatal Morbility and Mortality in Abbis 2 and Abbis 8Villages in
Alexandria Governorate Master's Thesis. High Institvte of Public
Health, University of Alexandria, 1978.
7. Butrose Eliose, Reporduction Department of Sociology and
Anthropology, American University, 1970.
8. TI - Tayed Bahey Ahmed, A New Trend in Family Planning
Adoption, Department of Sociology and Anthropology, American
University, 1970.
9. Fahmy Hoda Youssef, Chawging Woman in Chawging Society,
Department of Sociology and Anthropology, American University,
1978.
10.Farag Nagla Ali, How to Bring the Egyptian Population to Stationary
State, A Hypothetical Situation, General Diploma, Demographic
Center of Cairo, 1973.
11.Farouk Mohamed El - Adly, The Local Communities of New Nubia
The Effects of Migration and Resettlement With Special Reference to
family organization, Doctor ' s Thesis, Department of Sociology,
Faculty of Arts, Cairo University, 1969.

335
12.Ghan Garbu Ali, Some Selected Sociological and Demographical
Aspects of Population of Pakistan, General Diploma, Demographic,
Center of Cairo, 1973.
13.Greiss Syad, the Rote of Women and Attitude to Family, Department
of Sociology and Anthropology, American University, 1971.
14.Hafiz Mohamed, The Level of Fertility of the Married Femels
Employees of a Ma or Oil Producing, Department, American
University, 1965.
15.Hallak, M. H. Fertility, Motality & Population Growth in Syria,
General Diploma, Demographic Center of Cairo, 1970.
16.Hassan Abdel Kader Mohamed, Some Aspects of Populations Changes
and Socio - Economic Development in Mauritius, General Diploma
Demographic Center of Cairo, 1979.
17.Hode Ismail Riad, High Risk Pregnancy Among Women Under
Statute of Public Health, University of Alexandria, 1982.
18.Jin Wie, Dynamics of Mutuality and Fertility in Chinese Community
master ' s, Theses, Demographic Center of Cairo, 1982.
19.Kamel Mohamed Kamel Naguib, the Role Consan Guinity in Foetal
Loss, Master ' s thesis, High Institute of Public Health, University of
Alexandria, 1975.
20.Mahmoud Hassein El - Kady: An Epidemiology Study on Mortalities
in Alexandria, Doctorat's thesis, High Institute of Public Health,
University of Alexandria, 1982.

336
21.Maliha Massoud Abdalla, Relationship Between Nutritional Status and
Inter - Birth Spacing Dynamic in Iraq, Master's thesis High Institute of
Public Health, University of Alexandria, 1983.
22.Mohammad Yassin Mahdy, The Relation Between Employment
Patterns and Reproduction of Working Women, Doctorate's thesis
High Institute of Public Health, University of Alexandria, 1975.
23.Mokhtari Abdel Aziz, Nuptuality and Differentials in Algeria, Master's
thesis, Demogrpahic Center of Cairo, 1980.
24.Nawal Leila Mohamed, Patterns of Nuptuality and Fertility in Uran
Egyptian, Master ' s thesis, Demographic Center of Cairo, 1982.
25.Sabah Mohammed Hamid Abdel Kader, A Comparative Study of
Reproductive Profiles of Families in Abbis I and Abbis8Villages,
Master's thesis High Institute of Public Health, University of
Alexandria, 1985.
26.Sabea Hanan Hosni, Paths of Rural Transformation Department of
Sociology and Anthropology, American University, 1987.
27.Sadek Said, Mixed Marriage, An Expletory Study, Department of
Sociology and Anthropology, American University, 1980.
28.Shadia Mohammad Abdel Moniem, A Comparative Study of K. A. P,
Towards family Planning of Working and Non - Working Who Had
Recently aborted, Master's thesis, High Institute Public Health,
University of Alexandria, 1985.

337
29.Soliman Mohamed Nabil, Some Aspects of Infant Mortality in Egypt,
General Diploma, Demographic Center of Cairo, 1975.
30.Thanaa Abdel Raouf El - Menoufy, A Comparative Study of the Effect
of Child Loss in the First Year of Life on Family Formation in An
Uban and Rural Area in Alexandria Governorate, Master's thesis, 11th,
University of Alexandria, 1884. ndamental Laws Governing Human
Mortality, an Uban and Rural Area in Alexandria Governorate, High
Institute of Public Health, University of Alexa.
31.Valaoras. VG, Fundamental Laws Governing Ru General Diploma,
Demographic Center of Cairo, 1982.
32.Yunde Liu, Some Aspect of Mortality in II Demographic Center of
Cairo, 1983.
33.Zallouk Malek El - Hussain, The Social Structure of 1 Department of
Sociology and Anthropology, American University, 1975‫م‬. in India,
Diploma, Aspect of Mortality.
‫كتب‬ .4
1. A, Green, Sociology, New York, 1960.
2. H., Hawley, Population Composition, in: The Study Population,
edt, P. N. Hauser & 0. D, Duncan, The Univer, of Chicago press
1959.
3. Kahlifa, et al., Status of Woman in relation to Fertility & Family
Planning in Egypt. N. C. S. C. R., Cairo, 1973.

338
4. CB, Nam, Population & Society, edt, Houghton Mifflin Company,
New York, 1969.
5. Selltiz, et al., Research Methods in Social Relations, Holt, Rinhart
& Winston, New York, 1959.
6. M. Hear, Society & Population, Prentice Hall of India, New Delhi
& Winston, New York, 1959.
7. A. Acherman, Geography & Demography, in bP. M. Hauser, & 0.
D, Duncan ; edds, The Study of Population, The Univer. Of
Chicago Press, 1959.
8. G. Stock well, Socio - Economic Status and Mortality in the United
States, in ; C, B, Nam, Population & Society, edt ; Houghton
Mifflin Company, New York, 1969.
9. R. Weiss, Altaner, The Influence of Socio - Economic condition
on the Fertility of Woman in the Third World, Univer. Of Kuebec.
Montrial.
10. S. Shryock, The Family as a factors in migration ; in: C. B. Name
Population & Society, edt., Houghton Mifflin Cofp., New York,
1969‫م‬.
11. J. J. Clifford, Reading in The Sociology of Migration, Pergman
Press, New York, 1969.
12. J. J. Spengler & 0. D. Duncan, Population Theory & Policy, The
Free Press of Gelenco, IIIinois, 1956.

339
13. J.J Spengler, Economics & Demography, in: P. M. Hauser, & 0, D
Duncan, The Study of Population, edt., The Univer. Of Chicago
Press, 1959.
14. J. Matras, Population & Socties, Prentic Hall, Inc., New Jersey,
1973.
15. J, P. Wiseman, & M. S. Aron Field Projects for Sociology Students,
Schenkman Pub., San Francisco, 1970.
16. K, C, Kamm eyer, An Introduction to Population, Clandlen Pub
Comp, London, 1971.
17. K, Davis, The Sociology of Demographic behavior, in ; R, Merton
et al., Sociology to - day, Basic Book, Inc., New York, 1959.
18. K. Davis, Human Society, The Mcmillan Company, New York,
1969.
19. K. Davis, The Theory of Change & response, in modern
demographic history ; in: T., R. Ford & G. F. Dejonge, Social
Demography, Prentice - Hall, Inc., N. J. 1975.
20. L. Broom, & P. Selznick, Sociology, Harbor & Row, Pub, New
York, 1955.
21. L. Henry, Population, Analysis & Models, Eduard Anold. LTD,
London, 1976.
22. M. J. Ulmer, Economics, Theory & Practice. Houghton Mifflin
Company, New York, 1965.

340
23. N. Timacheff, Sociological Theory: its Nature & growth, New
York, 1955.
24. P. M. Hauser & 0. D, Duncan, The Data and Methods in: The
Study of Population, edt., The Univer, of Chicago Press, 1959.
25. P. M. Hauser World Population & Development, Challenges &
Prospects, Syracuse University Press, New York, 1979.
26. P. Sorokin, Contemporary Sociological Theories, New York, 1928.
27. R. Freedman, Norms for Family Size in Under Developed Areas, in
M. Micklin, Population, Environment and Social Organization,
The Duyden Press, Elinois ; 1973.
28. R. K. Kelsall, Population, Longman, London, 1975.
29. R. Thominison, Population, Dynamic, Raudom House, New
York, 1966.
30. Statistical Office of the United Nations, The Utility and Modern
Conception of a Population Census, in: C, B, Nam, Population &
Society edt., New York, 1969.
31. T. L. Smith, Foundation of Population Study, J. B, Lippincott
Company, New York, 1960.
32. T. R. Ford & G. F. Dejong, Social Demography, Prentice Hall,
Inc., N, J., 1975.
33. U. S. Bureau of The Census, factfinder for the nation, in: C. B.
Nam. Population & society, edt, New York, 1969.

341
34. W. G. Moore, Sociology & Demography, in: P. U. Hauser, & 0. D.
Duncan, edt., The Study of Population, The University of Chicago
Press, 1959.
35. W. G. Good & K. Hatt, Methods in Social Research, Mcgraw Hill.
Company New York, 1952.
36. W. S. Thompson & D. L. Lewis, Population Problems, Tata.,
Mcgraw Pub. New Delhi, 196‫م‬.
37. Wolfang Lutz, The Future Population of The World, edt.,
International Institute for Applied Systems Analysis, Austria, 1996.

342

You might also like