Professional Documents
Culture Documents
دروس في مادة:
السنة الجامعية2022-2021:
-محتوى المادة-
.1تعريف األنثروبولوجيا:
في مستهل القرن العشرين كان العلماء المهتمون بمعالم تاريخ اإلنسان غير اإلعتيادية
والمثيرة والمحيرة يعرفون باإلنتثروبولوجيين؛ وهم أوالئك الذين كانوا يبحثون عن أبعد
أسالف اإلنسان وعن طروادة وعن الموطن األصلي للهنود األمركيين وعن عالقة نور
الشمس الساطع ولون البشرة وعن أصل العجلة وعن الدبوس وعن الفخار ،ارادوا أن يعرفوا
كيف توصل اإلنسان إلى ذلك ،لماذا يحكم بعض الناس ملك ويحكم بعضهم شيخ مسن ويحكم
آخرون محاربون وال تحكم النساء أحدا؟ ولماذا تنقل بعض الشعوب الملكية إلى سلسلة نسب
الذكور وبعضها إلى سلسلة نسب اإلناث وآخرون إلى كال الجنسين بالتساوي؟ ولماذا يمرض
بعض الناس ويموتون حين يعتقدون أنهم مسحورون؟ ويضحك آخرون من الفكرة ذاتها؟
بحثوا عن القضايا الكلية في حياة البشر وسلوكهم ،وأثبتوا أن الناس في مختلف القارات
والمناطق كانوا متشابهين أكثر من كونهم مختلفين واكتشفوا نظائر كثيرة في تقاليد البشر
يمكن تفسير بعضها باالتصال التاريخي ،بقول آخر أصبحت األنثروبولوجيا علم التشابهات
واالختالفات البشرية.
تشير العديد من المصادر إلى أن األنثروبولوجيا تعرف بأنها دراسة اإلنسان وإنجازاته،
ويرجع استقرار ترجمة كلمة أنثروبولوجيا بعلم اإلنسان في الكتابات العربية إلى أن الكلمة
مشتقة من كلمتين يونانيتين هما أنتروبوس Anthroposبمعنى "اإلنسان" ولوجوس
Logosبمعنى " العلم " ومن تم فالترجمة الحرفية لكلمة أنثروبولوجيا هي "علم اإلنسان"،
والشك ن هذا التعريف يحتاج على حد تعبير كروبر A.L Krouberإلى مزيد من اإليضاح
ليصبح أكثر تحديدا وأكثر دقة طالما ال نستطيع الزعم بأن علوم األخرى مثل الفيسيولوجيا أو
علم وظائف األعضاء أو علم النفس يمكن اعتبارها جزءا من األنثروبولوجيا أو علم اإلنسان
ألنهما يوجهان اهتمامهما إلى اإلنسان أيضا ،بيد أن هناك فارق جوهري يميز األنثروبولوجيا
عن اهتمامات هذين العلمين يتمثل أساسا في أن األنثروبولوجيا تهتم بدراسة االنسان كأنساق
اجتماعية في حين تتجه الفيسيولوجيا وعلم النفس في دراسته كانساق فردية ،وهذا ما دفع
4
كروبر وآخرون إلى القول بأنها تهتم باإلنسان وأعماله وسلوكه في جماعاته المختلفة وساللته
المتابينة.
ويعود تاريخ استخدام هذا المصطلح حسب االنجليزي هادون للحضارتين االغريقية
والرومانية ،حيث استخدمه أرسطو لإلشارة إلى الشخص الذي يتحدث عن نفسه ،ويتضح من
هذا المعنى اللفظي الصطالح األنثروبولوجيا أن موضوع هذا العلم هو اإلنسان واإلنسان هو
اإلطار الوحيد الذي يحدد الوضوعات التي يدرسها هذا العلم أما الزمان والمكان فال يقيدان
الموضوعات التي تدخل في نطاقه؛ بمعنى أنه العلم الذي يدرس االنسان وأجداده وأصوله
منذ أقدم العصور واألزمنة حتى الوقت الحالي ،فهو يدرس اإلنسان في كل زمان ومكان وال
يتقيد بفترات الزمن أو بحواجز المكان ،لكنه يتقيد ببحث موضوع واحد ال يخرج عنه وهو
اإلنسان.
لكن هذا التعريف يعبر عن تصور األنثروبولوجيين األمريكيين ألهم مجاالت األنثروبولوجيا
والتي تعني في نظرهم دراسة اإلنسان من الناحيت العضوية والثقافية على حد سواء ،في
5
حين توجد تعريفات أشمل لعلم األنثروبولوجيا ولعل تعريف كلود ليفي ستراوس يعتبر
أفضلها ،حيث يقول :إن األنثروبولوجيا تهدف إلى معرفة كلية وشمولية لإلنسان في عالقته
بامتداداته التاريخية ومحيطه الجغرافي.
-األمريكيون:
تعني في نظرهم دراسة اإلنسان من الناحيت العضوية والثقافية على حد سواء .ويستخدم
األمريكيون مصطلح األنثروبولوجيا الجسمية الفيزيقية Anthropology Physical
لإلشارة إلى دراسة الجانب العضوي أو الحيوي لإلنسان بينما يستخدمون مصطلح
األنثروبولوجيا الثقافية Cultural Anthropologyليعني مجموع التخصصات التي تدرس
النواحي االجتماعية والثقافية لحياة اإلنسان ،يدخل في ذلك الدراسات التي تتعلق بحياة
اإلنسان القديم أو حضارات ما قبل التاريخ والتي يشار إليها بعلم األركيولوجيا،
،Archeologyكما تتناول األنثروبولوجيا الثقافية دراسة لغات الشعوب البدائية واللهجات
المحلية والتأثيرات المتبادلة بين اللغة والثقافة بصفة عامة وذلك في إطار ما يعرف بعلم
اللغويات Linguisticsعالوة على ذلك يوجد مجاالن دراسيان آخران ذوا أهمية كبيرة
وهما اإلثنولوجيا Ethnologyواإلثنوجرافيا .Ethnographyويمكن ابراز التصور
األمريكي لمجاالت األنثروبولوجيا في الشكل التالي:
6
األنثروبولوجيا
علم اللغويات
األركيولوجيا
اإلثنولوجيا
اإلثنوغرافيا
-البريطانيون:
لقد اختار اإلنجليز تسمية أخرى وهي األنثروبولوجيا االجتماعية Anthropology
Socialونظروا إليها باعتبارها علما قائما بذاته ال يدرج تحته أي من األركيولوجيا أو
اللغويات ،وبدأ هذا التصور األنثروبولوجي مع التحول العظيم في البراديغم )(Paradigm
النظري في التقليد البريطاني في عام 1922مباشرة مع نشر كتاب برونيسالف مالينوفسكي
أرغونوتس غرب المحيط الهادئ ،ونشر كتاب رادكليف براون سكان جزر االندمان ،فهذان
الكتابان شكال ومؤلفاتهم طال ب الجيل التالي وسلما الفرضيات القادرة على البقاء لقيام
األنثروبولوجيا االجتماعية البريطانية ،ويمكن ابراز التصور البريطاني لمجاالت
األنثروبولوجيا في الشكل التالي:
7
األنثروبولوجيا
اإلثنولوجيا
اإلثنوغرافيا
األنثروبولجيا اإلقتصادية
األنثروبولوجيا السياسية
أنثروبولوجيا القرابة
واألسرة
-الفرنسيون:
إن ما يدرجه األمريكيون تحت عبارة األنتروبولوجيا الثقافية يصطلح الفرنسيون على
اإلشارة إليه باألثنولوجيا أو األثنوجرافيا في بعض األحيان وهم يدرسونها تحت مظلة علم
االجتماع ،وتعتبر األنثروبولوجيا في فرنسا متميزة كمدرسة أنثروبولوجية قومية صادقة مع
التقليد الفكري الفرنسي بشكل واسع ،ومؤثرة بأفكارها في مناطق عديدة كبريطانيا ،ألمانيا
وأمريكا ،لتجعل من فرنسا بلدا يستحق مكانته عن جدارة باعتباره المنتج الرائد للفكر
اإلجتماعي وللممارسة اإلثنوغرافية ،ويمكن ابراز التصور الفرنسي لمجاالت األنثروبولوجيا
في الشكل التالي:
8
-األلمان:
تستخدم كلمة األنثروبولوجيا في ألمانيا خاصة قبل ( 1945تغير مفهوم المصطلع في ألمانيا
بعد الحرب) لإلشارة إلى الدراسة الطبيعية لإلنسان بينما تستخدم كلمة أثنولوجيا لتشير إلى
علم الشعوب Voelkerkundeإال أن االتجاهات تتعدد في المدارس األلمانية األثنولوجية،
هناك مثال اهتمامات بالنواحي النظرية الفلسفية وهناك أيضا اهتمامات بالنواحي المادية في
الثقافات اإلنسانية ،وقد برز مؤخرا اتجاه جديد نحو الدراسات الميدانية ،كما تشير بعض
المصادر إلى أن االثنولوجيا تنقسم في ألمانيا إلى فرعين مستقلين ،فبينما يهتم علم الشعوب
بالشعوب المعتبرة الغريبة ،يدرس علم الشعب الثقافة األلمانية بصورة حصرية ،ويمكن
إبراز التصور األلماني لمجاالت األنثروبولوجيا في الشكل التالي:
األنثروبولوجيا
علم الشعب
9
معتقدات أو مؤسسات) في حالة األشياء المادية ،تستمر هذه العمليات بشكل عام في المتحف
والتي يمكن اعتبارها في هذا الصدد امتدادًا للميدان.
بالمقارنة مع اإلثنوغرافيا ،فإن اإلثنولوجيا تمثل الخطوة األولى نحو التجميع والتوليف.
بدون استبعاد المالحظة المباشرة فإن اإلثنولوجيا تميل وتقدم استنتاجات واسعة بما يكفي
بحيث يصعب بناءها فقط على المعرفة المباشرة واألولية فقط .هذا التجميع والتوليف يمكن
إجراءه في ثالثة اتجاهات :جغرافيًا ،تاريخيًا ،منهجيا ،بهذا المعنى يتم تطبيق مصطلح
اإلثنولوجيا ،على سبيل المثال ،في مكتب اإلثنولوجيا األمريكية التابع لمعهد سميثسونيان أو
في معهد اإلثنولوجيا بجامعة باريس وفي جميع الحاالت ،اإلثنولوجيا تشمل وتتضمن
اإلثنوغرافيا كخطوة أولية لها وتشكل امتدادًا لها ،على األقل لفترة طويلة وفي العديد من
البلدان ،اعتبرت هذه االزدواجية كافية في حد ذاتها.
على العكس من ذلك ،أينما نصادف مصطلحات األنثروبولوجيا االجتماعية أو الثقافية ،نجدها
مرتبطة بمرحلة ثانية وأخيرة من التجميع والتوليف التي تعتبر استنتاجات اإلثنوغرافيا
واإلثنولوجيا أساسا لها ،في البلدان األنجلوسكسونية ،تهدف األنثروبولوجيا إلى اإلحاطة
الشاملة باإلنسان ،مع اإللمام بالموضوع بكل امتداده التاريخي والجغرافي؛ وتطمح إلى
معرفة قابلة للتطبيق على كل مراحل التطور البشري منذ الجنس البشري األول إلى غاية
األجناس الحديثة؛ مع تقديم استنتاجات إيجابية أو سلبية ،لكنها صالحة لكل المجتمعات
البشرية ،من أكبرالمدن الحديثة الكبيرة إلى أصغر قبيلة ميالنيزية (في غينيا الجديدة).
بهذا المعنى ،يمكن القول أنه توجد بين األنثروبولوجيا واإلثنوغرافيا نفس العالقة التي
حددناها أعاله بين اإلثنولوجيا واإلثنوغرافيا ،بالتالي ال تشكل اإلثنوغرافيا واإلثنولوجيا
واألنثروبولوجيا ثالثة تخصصات مختلفة أو ثالثة مفاهيم مختلفة لنفس الدراسات .بل في
الواقع تمثل ثالث مراحل أو ثالث لحظات من نفس البحث ،وتفضيل واحد من هذه
المصطلحات يعبر فقط عن االهتمام السائد والموجه نحو نوع من البحث ،والذي ال يمكن
10
المحاضرة :02تاريخ األنثروبولوجيا
يصف مؤرخو العلوم » األنثروبولوجية « بأنها أحدث العلوم االجتماعية على اإلطالق وأنها
ال تزال تتطور وتتقدم لتأخذ مكانتها المستقلة والفريدة بين العلوم األخرى التي تشاركها
دراسة اإلنسان وطبيعة الحياة البشرية ومراحل تطورها .ورغم حداثة األنثروبولوجيا التي لم
تتبلور كدراسة متخصصة وعلم مستقل عن الفلسفة االجتماعية إال في أواخر القرن التاسع
عشر فان وصف ثقافات الشعوب والحضارات اإلنسانية وعقد المقارنات بينها قد جذبا بانتباه
كثيرا من المفكرين والكتاب منذ قديم الزمان ،لقد حاول كثيرون عبر التاريخ تقديم
المالحظات الخاصة بالطبيعة اإلنسانية والوجود البشري كما افترضوا بعض التفسيرات
بصدد االختالفات القائمة بين الشعوب سواء في النواحي الجسمية أو في التقاليد والعرف
والمعتقدات .بناء على ماسبق يمكن عرض تاريخ األنثروبولوجيا عبر مجموعة من المراحل
دون تناول األنثروبولوجيا كفرع معرفي فقط؛ ذلك أنه لفهم والفترات التاريخية
األنثروبولوجيا تاريخيا البد من العودة إلى المرحلة اليونانية التي يعتبرها األروبيون مصدر
المعرفة للعديد من العلوم.
11
في الدولة فإن األطفال يفقدون جميع حقوق المواطنة .لقد أكد هذا الوصف األنثروبولوجي
للمؤرخ هيرودوتس على أن منهاجه في شرح ثقافة الشعوب وأنظمتهم االجتماعية ،يتوافق
بشكل كبير مع أسس المنهج اإلثنوغرافي ،خاصة أنه أجرى أيضا العديد من المقابالت
وسجل األقوال مثلما يفعل األنثروبولوجيون اليوم.
لقد انغمس أرسطو بدوره في التأمالت الفلسفية عن طبيعة الجنس البشري ،وفي
األنثروبولوجيا الفلسفية الخاصة به ناقش االختالفات بين البشر والحيوانات على وجه العموم
واستنتج أنه رغم وجود حاجات مشتركة بينهم وبين الحيوانات ،فاإلنسان وحده هو الذي
يحظى بالعقل والحكمة واألخالق ،لقد أكد أيضا أن البشر في األساس إجتماعيون بطبيعتهم؛
وفي األنثروبولوجيا وعلوم أخرى يقوم مثل هذا النمط الشمولي من الفكر والذي يبحث عن
ترسيخ التشابهات وليس اإلختالفات بين جماعات الناس دورا بارزا إلى هذا اليوم ،ومنه
يتضح تأثير الفكر اليوناني في هذا العلم.
يذكر المؤ ّرخون أنّه في هذه العصور الوسطى (المظلمة) تدهور التفكير العقالني ،وأدينت
أيّة أفكار تخالف التعاليم المسيحيّة ،أو ما تق ّدمه الكنيسة من تفسيرات للكون والحياة اإلنسانية،
سواء في منشئها أو في مآلها ،ولكن إلى جانب ذلك ،كانت مراكز أخرى وجّهت منطلقات
المعرفة ،وح ّددت طبيعة الحضارة الغربية في تلك العصور ،كبالط الملوك مثالً ،الذي كان
يض ّم في العادة ،فئات من المثقفين كرجال اإلدارة والسياسة والشعراء ،يضاف إلى ذلك
التوسّع في دراسة القانون (جامعة بولونيا) ودراسة الفلسفة والالهوت (جامعة باريس) م ّما
كانت لـه آثار واضحة في الحياة األوربية العامة (السياسية واالجتماعية والثقافية والدينية)
ومهّد بالتالي للنهضة التي شهدتها أوروبا بعد هذه العصور.
قد ظهرت في هذه المرحلة محاوالت ع ّدة للكتابة عن بعض الشعوب ،إالّ أنّها اتّسمت غالبا ً
بالوصف التخيّلي ،بعيدة عن المشاهدة المباشرة على أرض الواقع ،مثال ذلك ما قام به
األسقف /إسيدور Isidore /الذي عاش ما بين ( )636 -560حيث أع ّد في القرن السابع
12
الميالدي موسوعة عن المعرفة ،وأشار فيها إلى بعض تقاليد الشعوب المجاورة وعاداتهم،
ولكن بطريقة وصفية عفوية ،تتّسم بالسطحية والتحيّز ،وم ّما ذكرهّ ،
أن قرب الشعوب من
أوربا أو بعدها عنها ،يح ّدد درجة تق ّدمها ،فكلّما كانت المسافة بعيدة ،كان االنحطاط والتهور
الحضاري مؤ ّكدا لتلك الشعوب ،ووصف الناس الذين يعيشون في أماكن نائية بأنّهم من
سالالت غريبة ال َخلق ،حيث تبدو وجوههم بال أنوف ،وقد ظلّت تلك المعلومات سائدة وشائعة
حتى القرن الثالث عشر ،حيث ظهرت موسوعة أخرى أع ّدها الفرنسي باتولو ماكوس
Batholo Macusوالتي حظيت بشعبية كبيرة ،على الرغم من أنّها لم تختلف كثيراً عن
سابقتها في االعتماد على الخيال.
يتفق المؤرّخون على أن عصر النهضة في أوربا ،بدأ في نهاية القرن الرابع عشر الميالدي،
حيث شرع األوروبيون بعملية دراسة انتقائية للعلوم والمعارف اإلغريقية والعربية ،مترافقة
بحركة ريادية نشطة لالستكشافات الجغرافية ،وتبع ذلك االنتقال من المنهج الفلسفي إلى
المنهج العلمي التجريبي ،في دراسة الظواهر الطبيعية واالجتماعية ،والذي تبلور وتكامل في
القرن السابع عشر ،إن هذه التغيرات مجتمعة أدت إلى ترسيخ عصر النهضة أو ما سمي
(عصر التنوير) وأسهمت بالتالي في بلورة االنثربولوجيا في نهاية القرن التاسع عشر ،كعلم
يدرس تطور الحضارة البشرية في إطارها العام وعبر التاريخ اإلنساني ،األمر الذي استلزم
توافر الموضوعات الوصفية عن ثقافات الشعوب وحضاراتها ،في أوروبا وخارجها ،من
أجل المقارنات ،والتعرف إلى أساليب حياة هذه الشعوب وترتيبها بحسب مراحل تطورية
معينة ،بحيث يضع ذلك أساسا لنشأة علم األنثروبولوجيا.
بالعودة إلى األنشطة اإلستكشافات الجغرافية البد من التطرق إلى رحاالت كريستوف
كولومبوس ( ،)1506-1451الذي يرى البعض أنه من الناحية األنثروبولوجية تعتبر
مذكراته المتضمنة رحالته ومشاهداته واتصاالته مع "أهالي" العالم الجديد قد زخرت
بالمعرفة والبيانات والتفصيالت اإلثنوغرافية ،وفي الحقيقية أن هذا األمر لم يقف عن هذا
الحد بل اتصفت كتاباته أيضا بالميل نحو الموضوعية ومحاولة تقصي األسباب وراء ما
13
شاهده أو سمع عنه من تقاليد أوطقوس أو ممارسات يومية وتلك صفة قلما وجدت في
الكتابات اإلثنوغرافية التي كانت سائدة حينذاك .وتظهر موضوعية كريستوف كلومبوس في
وصفه للسكان األصليين في جزر الكاريبيان في المحيط األطلسي على النحو التالي ّ " :
إن
أهل تلك الجزركلّهم عراة تماماً ،الرجال منهم والنساء ،كما ولدتهم أ َّمهاتهم ،ومع ذلك فث ّمة
ّ
عورتهن بورق الشجر ،أو قطعة من نسيج األلياف تصنع لهذا بعض النساء اللواتي يغطين
الغرض ،ليست لديهم أسلحة ومواد من الحديد أو الصلب وهم ال يصلحون الستخدامها على
أيّة حال ،وال يرجع السبب في ذلك إلىضعف أجسادهم ،وإنّما إلى كونهم خجلون ومسالمون
بشكل يثير اإلعجاب ،وكتب في وصفه لسكان أمريكا األصليين " :إنّهم يتمتّعون بحسن
ال َخلق وال ُخلُق ،وق ّوة البنية الجسدية ،كما أنّهم يشعرون بحرية التصرّف فيما يمتلكون ،إلى
ح ّد أنّهم ال يتر ّددون في إعطاء من يقصدهم أيّا ً من ممتلكاتهم ،عالوة على أنّهم يتقاسمون ما
عندهم برضى وسرور .لم تثمر رحاالت كرستوف كلومبوس وكشفه للعالم عن مادة
إثنوغرافية قديمة فحسب وإنما كانت لها أهمية تاريخية كبرى في مجالي الفكر والسياسة،
األمر الذي جعل بعض المؤرخين األوروبيين المهتمين بالتقسيم الزمني للتاريخ يتفقون ‘لى
أن اكتشاف أمريكا في 1492قد أدخل أوروبا في حقبة جديدة.
لم يعد وصف الرحالة كافيا بل بدأ المفكرون والباحثون في استخالص أفكار نظرية من تلك
المادة اإلتنوغرافية التي يوفرها المستكشف أو الرحالة مثال ،ولم تعد الكتابات تستمد
مصداقيتها من الخيال بل أصبحت تتجه نحو البحث الميداني وكانت أهم الخطوات في مجال
البحث الميداني ضمن حقل األنثروبولوجيا تلك التي قام بها الفرنسي ميشيل دي مونتاني
) M.De Montaigne (1892-1532الذي أجرى مقابالت مع مجموعة من السكان
األصليين الذين كان بعض المكتشفين قد أحضروهم إلى أوربا ،واستخدم مونتاني هؤالء
األسرى كإخباريين أي أنه جمع منهم معلومات عن العادات والتقاليد السائدة في موطنهم
األصلي وخرج من ذلك بمقولة أنه لفهم العالم البد من دراسة التنوع الحضاري للبشر
واستقصاء أسبابه ،لذلك يتسنى ألوروبا أن تفهم ثقافات الشعوب األخرى باعتبار أن لها
منطلقاتها و أخالقياتها الخاصة بها وبالتالي نجد هذا الفيلسوف الفرنسي قد طرح مقدما فكرة
" النسبية األخالقية " Moral Relativityعلى حد تعبير ايدموند ليتش.
14
وإلى جانب مونتاني هناك عالمين فرنسيين آخرين من مفكري القرن الثامن عشر واللذان
يرى األنثروبولوجيون في أعمالهما جذورا للفكر األنثروبولوجي النظري وهما مونتسكيو B
) .De Montesquieu (1758-1689وجان جاك روسو)،J.Rousseau (1778-1711
حيث تظهر أهمية مونتسكيو بالنسبة لألنثروبولوجيا اإلجتماعية بصفة خاصة عندما تطلع
على كتاب إيفانز بريتشارد بعنوان " تاريخ الفكر األنثروبولوجي " فنجده يبدأ بمونتيسكيو،
أما عن جان جاك روسو الذي يعتبره كلود ليفي شتراوس بمثابة "المعلم واألخ " والذي تأثر
به تأثرا كبيرا ،نظرا لما تضمنته كتاباته من تناول للمادة اإلتنوغرافية عن الشعوب
المستكشفة ،ولعل من األشياء الهامة في كتابات روسو من وجهة نظر األنثروبولوجيا أنه
استطاع أن يخلص نفسه من التحيز الثقافي لمجتمعه ،و أن ينقد قيمه بينما يشيد ويستحسن
.
طرق حياة الشعوب بالمجتمعات األخرى
أما في القرن العشرين وفي الفترة الممتدة ما بين عامي 1900إلى عام 1924فإن علم
األنثروبولوجيا وصل مرحلة التبلور والصياغة لوحدات التحليل والتفكير الخاصة به،
وتميزت هذه الفترة بكثرة األبحاث الميدانية حول المجتمعات البدائية وبقايا آثار اإلنسان
القديم أو ما يسمى بالدراسات ما قبل التاريخ ( األركيولوجي ) وانتشار تدريس
15
األنثروبولوجيا في الجامعات العالمية ،وأصبح هناك تمييزا بين األنثروبولوجيا من ناحية
واإلثنولوجيا من ناحية أخرى ،ولو أنهما يشتركان في نفس موضوع البحث ،ويرجع الفضل
الكبير فيتطبيق الدراسات الميدانية بطريقة منهجية لعالم األنثروبولجيا اإلنجليزي هادون،
عندما كان على أس بعثة علمية من جامعة كامبردج لدراسة منطقة توريس في المحيط
الهادي ،واستغرقت تلك الدراسة عامين ( ، )1900-1898كذلك برز عالم اإلجتماع
واألنثروبولوجيا مالينوفسكي وراد كليف براون وآخرون.
16
المحاضرة :03مدخل إلى علم اإلثنوغرافيا
ال يمثل علم اإلثنوغرافيا طريقة واحدة خاصة بجمع البيانات ،بل هو أسلوب بحث يتميز
بأهدافه المتمثلة في فهم المعاني االجتماعية وأنشطة الناس في "حقل" معين ونهج يتضمن
ارتباط وثيق مع هذا األسلوب ،بحيث غالبا ما يشاركه في هذا الفهم .كما ترتكز اإلثنوغرافيا
على الرأي القائل بأن الهدف الرئيسي للعلوم االجتماعية هو فهم تصرفات الناس وتجاربهم
في العالم وطرق الحياة التي تنشأ من خالل دوافعهم وما تعكسه تجاربهم الخاصة .وبمجرد
أن يكون هذا هو الهدف المركزي للبحث ،يتم اكتساب المعرفة بالعالم االجتماعي عن طريق
جمع المعلومات باأللفة ،لذلك تعتبر اإلثنوغرافيا مركزية وأساسية كطريقة ألنها تتضمن هذا
الجمع باأللفة من خالل الممارسة اليومية ومعاني الفعل االجتماعي.
وللوصول إلى المعاني االجتماعية ومراقبة السلوك والعمل بشكل وثيق مع أصحاب الميدان
وربما المشاركة في هذا المجال معهم ،هناك عدة طرق يمكن استخدامها في علم اإلثنوغرافيا
لجمع البيانات ،مثل المقابالت المتعمقة ،ومالحظة المشاركين ،والوثائق الشخصية ،
وتحليل الخطاب للغة الطبيعية .على هذا النحو فإن اإلثنوغرافيا لديها مجال عمل متميز في
العلوم االجتماعية.
لقد كانت هناك "حكايات للمسافرين" لعدة قرون ،تعود حتى إلى العصور القديمة ،والتي تعد
شكالً من أشكال البحوث اإلثنوغرافيا التي يزعم أنها تمثل بعض جوانب الواقع االجتماعي،
على أساس التعارف والمراقبة عن كثب ،على الرغم من أنها تعكس في كثير من األحيان
التحيز الثقافي والسياسي لهؤالء المالحظين ،وقد بدأت أبحاث اإلثنوغرافيا بشكل مضبوط
مع بداية القرن العشرين مع اثنين من التطورات الفكرية المستقلة بالكامل ،األولى في
بريطانية ،واألخرى في أمريكا الشمالية.
األول تمثل في ظهور األنثروبولوجيا االجتماعية التقليدية الكالسيكية في بريطانيا ،مع كوكبة
من المفكرين مثل مالينوفسكي ،بواس ،رادكليف براون وإيفانز بريتشاد .بحيث أن معظمهم
كان بريطانيا أو عمل في بريطانيا باستثناء بواس ،وهذا ما يفسر العالقة الوثيقة بين
17
األنثروبولوجيا االجتماعية واالستعمار البريطاني .وعلى الرغم من أن األنثروبولوجيا
االجتماعية لم تعد بمثابة الخادمة لالستعمار ،إال أن أصولها كانت مرتبطة باحتياجات
اإلمبراطورية البريطانية العظمى لفهم الثقافات والمجموعات التي كانت تسعى لحكمها
بمجرد اكتمال فترة االستعمار واندماجها في عائلة األمم البريطانية إذا أمكن ذلك.
ب ناء على ما سبق يتضح سبب تطور اإلثنوغرافيا في بداية القرن العشرين وليس في ذروة
الفتوحات االستعمارية في القرن التاسع عشر .لقد كان علماء األنثروبولوجيا المذكورين سلفا
رائدين في مقاربة تتضمن تعارفًا وثيقًا مع مجموعات وثقافات ما قبل الثورة الصناعية عن
طريق االنغماس والمراقبة عن قرب.
التطور الثاني كان عمل مدرسة شيكاغو في علم االجتماع ،والذي استخدم تقنيات المالحظة
الستكشاف ال مجموعات الموجودة على هامش المجتمع الصناعي الحضري في الواليات
المتحدة خالل سنوات 1920و .1930مع بعض االستثناء في اختيار هذه المجموعات ،كان
ال تركيز على المحرومين ،المستبعدين ،الهامشيين والغريبين ،وهو التركيز الذي وصفه
فيما بعد إرفينج جوفمان كمحاولة للتطرق إلى "وجهة نظر الغريب من الداخل أو الداخل
الهامشي" .لقد أورثوا علم االجتماع دراسات مهمة للعديد من المجموعات الفرعية المنحرفة
مثل :تجار المخد رات وعصابات الشوارع ومهن حضارية غير اعتيادية مختلفة كالمضيفات
رقصات األجرة ،وعوالم اجتماعية غير معروفة نسبيًا مثل تلك الموجودة في المنازل
المتساقطة وقاعات هزلية والمهاجرون البولنديون وثقافة األحياء الشعبية اليهودية وثقافة
األحياء الفقيرة (باإلضافة إلى ثق افة النخبة الثرية في كاليفورنيا جولد كوست) .وفي كل هذه
الحاالت شارك المحققون بفاعلية في اإلعداد وضبط الدراسات بشكل وثيق ،بحيث تضع
المدرسة في اعتبارها مثلما كان يقول روبرت بارك الذي يعتبر من أوائل الباحثين في
شيكاغو ،لطلبته الجامعيين في الطور االول " للبحوث الحقيقية المالحظة المباشرة
ضرورية".
في حين أن األنثروبولوجيا االجتماعية تسمى هذا النهج من البحوث "اإلثنوغرافيا" ،فإن
علماء االجتماع يميلون إلى تسميتها بمالحظة المشاركين أو البحث الميداني ،ولكن هذا يعني
18
تقريبا نفس المفهوم عندما يتعلق بالطريقة التي أجريت بها األبحاث ،لكن رغم أن هناك
بعض االختالفات بين هذين التيارين الفكريين ،إال أنه توجد الكثير من أوجه التشابه ،بحيث
تلخصت مهمة كل منهما في عبارة وولكوت (" )1973وصف ثقافي" ،فبينما سعت
األنثروبولوجيا االجتماعية الستكشاف الجماعات والثقافات ما قبل الصناعية مما تحتم على
اإلثنوغرافيين تبني دو ًرا بحثيًا أوليًا ليس له عالقة بالميدان أو غريبا عنه .فالمجموعات التي
درسها رواد مدرسة شيكاغو كانت غير مألوفة وغريبة قليال مقارنة بالطبقة المتوسطة
واألميركيين بالغرب األوسط .فدورهم البحثي باعتبارهم "من الداخل األمريكي وليسوا
غرباء" ليست مضمونة .منذ ذلك الحين ،انتقل علم اإلثنوغرافيا إلى العلوم االجتماعية
األخرى ،ال سيما التعليم ،والدراسات الصحية والعمل االجتماعي واالختالفات بين استخدام
البحوث االجتماعية واألنثروبولوجيا االجتماعية من طرف اإلثنوغرافيا ازدادت اتساعا ،
على الرغم من حقيقة أن األنثروبولوجيا االجتماعية اآلن توازي علم االجتماع في التركيز
على البحوث الحضرية والصناعية.
19
" يتضمن البحث الميداني دراسة الوضعية الحقيقية للحياة ،ولهذا يالحظ الباحثون الميدانيون
األشخاص في األماكن التي يعيشون فيها ،ويشاركونهم حتى في أنشطتهم اليومية .أما
األساليب التي يمكن استخدامها في هذه الدراسات فتكون مرنة ومفتوحة وغير هيكلية "
ومع ذلك ،حتى في هذه الحالة ،تشمل علم اإلثنوغرافيا على منهج ومنهجية ،وهو ما يعني
أنها أكثر من مجرد طريقة لجمع البيانات .على هذا األساس ،فإن اإلثنوغرافيا "الصغيرة"
ليست دائما بهذا الحجم .وبتعريفها بهذه الطريقة ،ال تزال اإلثنوغرافيا "الصغيرة" تتضمن
أحكا ًما وأسس حول :موضوع البحث ،وهو دراسة األشخاص في بيئات تحدث بشكل
طبيعي ،دور الباحث في هذا السياق ،وهو فهم وشرح ما يفعله األشخاص في هذا اإلطار عن
طريق المشاركة المباشرة فيه؛ والبيانات التي يتم جمعها والتي تحدث بشكل طبيعي يجب أن
يتم التقاطها دون فرض المعنى عليها من الخارج .تنبع هذه القضايا التقنية من مجموع بناء
نظري وفلسفي -وهي بالتالي منهجية بحيث "اإلثنوغرافيا مفهوم كالعمل الميداني " أكثر من
مجرد مجموعة من القواعد اإلجرائية لجمع البيانات (أي أن اإلثنوغرافيا هي أكثر من مجرد
طريقة جمع البيانات) .هذا هو السبب في أنه من غير الصحيح مساواة اإلثنوغرافيا بتقنية
واحدة معينة لجمع البيانات ،مثل مالحظة المشاركين ،على الرغم من أن هذا قد يكون أحد
الطرق الرئيسية لجمع البيانات في علم اإلثنوغرافيا .كما تستخدم اإلثنوغرافيا " الصغيرة"
عدة طرق تسمح للوصول إلى المعاني االجتماعية ،ومراقبة األنشطة ،والمشاركة بشكل
وثيق فيها مع المجموعة.
إن الكتابات والتقارير حول اإلثنوغرافيا التي قدمها هامرسلي وأتكينسون Hammersley
،and Atkinsonوالتي تضم بيرجس Burgessأو ما يمثل أهم المؤلفين البريطانيين
البارزين حول هذا الموضوع ،توضح نوعية هذا العلم كمنهج ومنهجية (انظر
1983 Hammersley and Atkinson؛ 1998 Hammersley and Atkinson؛
1990 انظر أيضا ً أعمالهما المنفصلة1992 ،1990 .1989 Hammersley :؛
1992 ، Atkinson؛ .)1984 ،Burgess 1982وفي تعريف موجز ،يصف هامرسلي
( )2-1 :1990ما يدعى هنا " في علم اإلثنوغرافيا كعمل ميداني ،أو" اإلثنوغرافيا
20
الصغيرة في المصطلح العادي ،وضع أسس ومراجع لطريقة جمع البيانات وكذلك القضايا
المنهجية األوسع .ووفقا ل Hammersleyعلم اإلثنوغرافيا هو البحث مع الميزات التالية:
• يتم دراسة سلوك الناس في السياقات اليومية العادية بدالً من تجارب وظروف غير طبيعية
يتم إنشاءها من طرف الباحث.
• يتم جمع البيانات من خالل تقنيات مختلفة ولكن في المقام األول عن طريق المالحظة.
• يعتبر جمع البيانات مرنًا وغير منظم لتجنب الترتيبات واالستعدادات المسبقة التي تفرض
قيود فئوية على ما يقوله ويفعله الناس.
• يكون التركيز عادة على نسق أو مجموعة واحدة وعلى أدنى نطاق.
• يتضمن تحلي ل البيانات إسناد معاني اإلجراءات البشرية الموضحة والموصوفة .أي
تفسيرها بشكل واقعي من خالل ربط تلك اإلجراءات واألفعال بسياقها الطبيعي.
21
المحاضرة :04االنتقادات الموجهة لإلثنوغرافيا
إذا تركنا جانبا النقد الساخر للمعنى المشترك ،فهناك نقدان رئيسيان لإلثنوغرافيا في العلوم
االجتماعية ،ينبثقان من مصادر متعاكسة تقريباً .يأتي نقد العلوم الطبيعية من دعاة نموذج
البحوث االجتماعية المرتكزة على العلوم الطبيعية ،ويتهم اإلثنوغرافيا بالسقوط في الشوائب
أو عدم احترام معايير العلم ،والتي تشكل المقياس المناسب للعلوم االجتماعية .ثم يأتي نقد ما
بعد الحداثة أساسًا ضمن النموذج اإلنساني للبحث االجتماعي ،حيث يأتي علماء اإلثنوغرافيا
أنفسهم للتعبير النقدي عن ممارساتهم ضمن الحوافز ،وتحت الدوافع الناجمة عن نظريات ما
بعد الحداثة .في شكله المتطرف يقوم هذا النقد بتجزئة اإلثنوغرافيا إلى عملياتها التأسيسية،
ويتهمها بالذوبان في الفراغ أو في استخدام القياس القديم.
يرى تيار نموذج العلوم الطبيعية في العلوم االجتماعية أن هذه األخيرة يجب أن تكون نموذجًا
عن العلوم الطبيعية "وهو موقف يُعرف بـ "الوضعية" حيث تتعامل العلوم االجتماعية مع
مشكال ت مشابهة لتلك الخاصة بالعلوم الطبيعية .إذ يجب عليها البحث عن السببية االجتماعية
عند شرح النشاط البشري والتطلع إلى تفسيرات استنتاجية ؛ كما يجب أن تتعامل مع األنظمة
والكل .لكن اإلثنوغرافيا حسب النقد ال يرقى إلى مستوى معايير هذا النموذج.
وتجدر اإلشارة إلى أن هناك سمات بارزة في علم اإلثنوغرافيا تستحق إعادة التأكيد إلظهار
عدم التوافق أو اإلساءة التي تقدمها لنموذج البحث االجتماعي المرتكز على العلوم الطبيعية.
تركز اإلثنوغرافيا على األنشطة العادية للناس في األماكن الطبيعية ،وتستخدم أساليب جمع
ا لبيانات غير المصممة والمرنة ،وتفرض على الباحث أن يشارك بنشاط في هذا المجال أو
مع األشخاص قيد الدراسة بحيث يستكشف معاني هذا النشاط البشري لدى األفراد أنفسهم
ولدى المجتمع بشكل أوسع .إن صيغة هذه السمات تخالف العديد من المبادئ األساسية لدى
العلوم الطبيعية ،فب عض هذه المبادئ تتعلق بدور الباحث ،إذ ال يسمح نموذج البحث العلمي
الطبيعي للباحث بأن يصبح متغيرًا في التجربة ،رغم ذلك فإن علماء اإلثنوغرافيا ال
ينفصلون عن البحث ،فحسب درجة مشاركتهم في اإلعداد هم أنفسهم جزء من الدراسة ،وهذا
22
ما يؤدي للتأثير في الحقل أو البيئة من خالل االنتشار والوجود .على هذا األساس إذا
استخدمت مالحظة المشاركين في جمع البيانات ،فإن اإلثنوغرافيا يمكن أن تقحم االستبطان
،أو ما يسميه أدلر ( )8-97 :1998بالمالحظة التلقائية ،حيث أن تجارب وتغييرات الباحث
الخاصة أثناء المشاركة في الحقل تصبح جز ًءا من البيانات ،وهذا شيء ينتقد منذ فرانسيس
بيكون باعتباره غير علمي .أما المبادئ األخرى فتتعلق بأساليب جمع البيانات ،فيمكن
لألساليب غير الهيكلية والمرنة وذات النهاية المفتوحة أن تقحم البحث في عملية تجميع غير
منتظم للبيانات ،إذ يمنع عدم وجود هيكل للتجميع من التقييم الجيد للبيانات ألن االختالفات
التي تظهر في البيانات يمكن أن تعزى إلى االختالفات في طريقة جمعها.
الخلفية المنطقية لمناهج العلوم الطبيعية المهيكلة والمصممة للغاية تقلل االختالفات الدخيلة
من أجل عزل الشوائب في البيانات .لهذا السبب في أن القواعد اإلجرائية في نماذج العلوم
الطبيعية للبحث االجتماعي مصممة للقضاء على اآلثار الدخيلة لكل من الباحث واألداة
المستخدمة لجمع البيانات.
يرى كل من دينزين ولينكولن 1998أنه من أجل تلبية بعض معايير العلوم الطبيعية ،قام
بعض اإلثنوغرافيين بتحسين قواعد إجراءاتهم البحثي ،مؤكدين على علمية وجدية ممارستها.
فقد تم تنظيم ممارسة اإلثنوغرافيا وجعلها صارمة ورسمية بحيث ال يمكن فقط أن يكون علم
اإلثنوغرافيا نموذجًا للعلوم الطبيعية بل أصبح جز ًءا منه ،إذ يمكن استخدام اإلثنوغرافيا
كمرحلة أولية في الدراسات الكمية باإلضافة إلى إعطاء حسابات سببية ،واستخدام أساليب
منظمة لجمع البيانات وتقديم بعضها في شكل رقمي وإحصائي.
لكن بعض علماء اإلثنوغرافيا اآلخرون قاموا بالرد على نموذج العلوم الطبيعية للبحوث
االجتماعية بتأكيدهم الشديد على أولوية النماذج البديلة التي ال تسعى إلى مالئمة أساليب
ونهج العلوم الطبيعية ،داعين بدالً من ذلك ما يسميه هيوز ( )1990النموذج اإلنساني للبحث
االجتماعي ،كما فعل جوفمان ( )1961في اإلثنوغرافيا المستشفى .وفي حين يرى نموذج
البحث العلمي الطبيعي أن الكائن البشري متأثر بالقوى االجتماعية الخارجية ،بحيث هذا
السلوك هو نتيجة للسببية االجتماعية ،يعيد النموذج اإلنساني تأكيد فكرة على أن الناس
23
نشطون ومبدعون ومطلعون .وتتلخص هذه القدرات في مفهوم أن الناس "تقدم معنى" ؛
لديهم القدرة على منح معنى لعالمهم ،وتقتصر هذه المعاني دائ ًما على الموقع الهيكلي
والمؤسسي للشخص ،لكن الناس يمتلكون "وعيًا عمليًا" -أي ،مجموعة من المعارف التي
تمكنهم من معرفة الحياة االجتماعية من الداخل -ويمتلكون القدرة للتعبير على هذا الفهم.
"علم االجتماع التفسيري" ،مثل مقاربة جوفمان الدرامية ،والظاهرتية االجتماعية لشوتز أو
علم اإلثنومثودولوجيا لكرافينكل ،أظهروا المعرفة المعقدة الضرورية للناس العاديين بشكل
روتيني إلدارة السلوك االجتماعي وإنجازه ،على هذا األساس "اإلثنوغرافيا اإلنسانية" هي
نمط من أشكال اإلثنوغرافيا التي تسعى إلى استكشاف قدرات بناء الحقيقة .في الواقع غالبا ً ما
يصور أصحاب هذا التيار "العمل الميداني في مفهوم اإلثنوغرافية" باعتباره أكثر الوسائل
التي يمكن االعتماد عليها للكشف عن هذه المعاني .وهكذا ترى "اإلثنوغرافيا اإلنسانية"
نفسها على أنها طريقة جد متميزة للوصول إلى الواقع االجتماعي .ومن هذا المنظور ،يجب
أن تكشف األبحاث اإلثنوغرافية عن واقع الناس الذي يشكل ممارسات تفسيرية بدالً من أن
تهتم بمصالح نماذج العلوم الطبيعية للبحث االجتماعي .ومن بين المدافعين عن هذه الوضعية
،الدراسات الكالسيكية لإلثنوغرافيا مثل دراسات بلومر ( )1969وفيلستيد (، )1970
واألبحاث األحدث من قبل هيوز ( )1990وهولشتاين وغوبريوم (.)1998
الرد الثالث هو محاو لة تجاوز االنقسام القديم بين العلوم الطبيعية والنماذج اإلنسانية للبحث
االجتماعي ،والتناقضات المرتبطة بين الكم والنوع واألرقام والمعنى .ويتحقق هذا التجاوز
من خالل االعتماد على الموضوعات داخل ما بعد الحداثة .حيث تتشابه "األعداد" و
"المعنى" على جميع المستويات ( ، )Dey 1993: 17–28وغالبا ً ما تتطلب بعضها البعض
أو أن تكون متضمنة في بعضها البعض .تعتمد األشكال األولية للتعداد (مثل العد) على
معاني الوحدة المحسوبة معاً ،وغالبًا ما تُفهم المعاني االجتماعية بشكل أفضل عند التعبير
عنها بالنسبة لعدد المشاهدات المشار إليها أو عدد التجارب التي تصفها (حول استخدام
أشكال مختلفة من العد في البحث النوعي مثلما يشير بريمان .1988
24
المحاضرة :05القواعد المنهجية لإلثنوغرافيا:
يمكن تعريف فلسفة البحث االجتماعي على أنها دراسة نظريات المعرفة التي تؤكد على
طرق بحثيه معينة .وبالمعنى الكالسيكي ،تقدم مناهج البحث االجتماعي إمكانية اختبار تقنيات
جمع البيانات التي يتم من خاللها إجراء األبحاث ،أي أنها توفر التدريب العملي في كيفية
إجراء البحوث .مع ذلك فقد جعلتنا التطورات في النظرية االجتماعية والفلسفية ندرك أن هذه
التقنيات أو القواعد اإلجرائية موجودة ضمن إطار فلسفي ونظري أوسع ،والذي يمكن أن
يطلق عليه "المنهجية".
هذه الوضعيات المنهجية تقحم الباحثين في االلتزامات النظرية سواء كانوا مدركين لها أم ال
،ألنها تنطوي على افتراضات حول طبيعة المجتمع (تسمى االفتراضات "األنطولوجية")
واالفتراضات حول طبيعة المعرفة (تسمى االفتراضات "اإلبستمولوجية") .كما يمكن أن
تستلزم هذه الوضعيات المنهجية أيضًا أنواعًا مختلفة من الممارسات البحثية ،حيث أنها تدفع
الباحثين الستخدام تقنيات مختلفة لجمع البيانات .وبذلك ينتهي بهم األمر إلى إنتاج أنواع
مختلفة تما ًما من البيانات .وقد سميت دراسة هذا السياق المنهجي األوسع لطرق البحث
بفلسفة البحث االجتماعي Hughes 1990؛ انظر أيضا ً . Ackroyd and Hughes
1981
إن أكثر االدعاءات إثارة للجدل في هذه الحجة ليست أن أساليب البحث تحصل على سلطتها
وشرعيتها من نظريات معينة من المعرفة ،ولكن يختار الباحثون تقنيات جمع البيانات
لتوظيفها في أي جزء من البحث بسبب االلتزام المسبق بهذا الموضع المنهجي بدالً من
االبتعاد عن النفعية العملية .من الممكن تصور أن هذا التفضيل قائم على أساس علمي ،حيث
يعتقد الباحثون أن إحدى المنهجيات ومجموعة األساليب والتقنيات تكون أكثر علمية من
25
غيرها -إذ يمكن أن تكون ذاتية وشخصية .وقد يفتقر الباحث إلى الكفاءة لفهم وتطبيق
أسلوب واحد أو آخر :بما أنه ال يمكننا االعتماد أو الخوف من أجهزة الكمبيوتر ،أو ال نحب
ال تحدث إلى الناس ،فإننا نتجنب تلك الطرق التي تنطوي على أوجه القصور لدينا .لكن مهما
كان السبب ،لدينا تحيز .فوفقا لهيغوس: Hughes
-إن طرق جمع البيانات المستخدمة لجعل العالم االجتماعي قابل للقياس والفهم ليست أدوات
محايدة ،لكنها تعمل في موضع منهجي معين.
-بما أن المنهجيات تضع القواعد اإلجرائية التي من خاللها يمكن الحصول على المعرفة
موثوقة والموضوعية ،فإن اختيار أسلوب جمع البيانات ال تمليه المشكلة المطروحة ،ولكن
إلى حد كبير عن طريق التفضيالت المسبقة في ذاتية الباحث.
-يجب تحديد االختالفات في أنواع البيانات المنتجة في الخيارات المنهجية من قبل الباحث
بدالً من القرارات المتعلقة بالمشكلة المطروحة.
-على المستوى التقني ،قد يكون من المرغوب ،بل ومن الضروري ،الجمع بين أساليب
متعددة ،ولكن على المستوى األنطولوجي والمعرفي يمكن أن يؤدي ذلك إلى تزاوج
وضعيات منهجية غير متوافقة.
في شرحه لفلسفة البحث االجتماعي ،أوجز جون هيغوس Hughes Johnنموذجين من
البحوث االجتماعية التي استندت على وضعيتين منهجيتين مختلفتين ،األولى نموذج العلوم
الطبيعية القائم على الوضعية والثانية النموذج اإلنساني القائم على الطبيعة .هذان النموذجان
متعارضان بشكل حصري.
يستند نموذج العلوم الطبيعية للبحث االجتماعي على الوضعية .يتم تلخيص السمات األساسية
لهذا الموقف المنهجي في كلمة "إيجابي" ،والتي تستحضر في اللغة اإلنجليزية صورة
"اليقين" و "الدقة" و "الموضوعية" .وخصائصه األساسية هي أن األساليب والمفاهيم
26
والقواعد اإلجرائية للعلوم الطبيعية يمكن تطبيقها على دراسة الحياة االجتماعية .وهذا ينطوي
على افتراضات علمية حول طبيعة المجتمع ،حيث يُنظر إلى الحياة االجتماعية على أنها
تتكون من هياكل موضوعية مستقلة عن األشخاص المعنيين ،وتتألف من مجموعات ومن
النظم التي تتجاوز الوعي لدى األفراد .وبالتالي هناك "عالم حقيقي" مستقل عن تصورات
الناس عنه :فالعالم االجتماعي يكشف لنا ،وليس مبني من طرفنا .وبالتالي ،فإن المعرفة
الموضوعية ممكنة ،ألن هناك حقيقة ثابتة غير قابلة للتغيير يمكن ألي بحث أن يصل إليها
بدقة وعمق .باإلضافة إلى ذلك هناك المزيد من االفتراضات اإلبستمولوجية :معرفة الحياة
االجتماعية ال يمكنها الكشف إال على ما يمكن مالحظته خارجيا عن طريق الحواس وما
يمكن أيضا الكشف عنه من خالل العالقات السببية الموجودة في الحياة االجتماعية .على هذا
األساس تتبع االفتراضات اإلبستمولوجية أنه من الممكن والمرغوب فيه تطوير بيانات شبيهة
بالقانون حول العالم االجتماعي عن طريق منهج الفرضية االستنتاجية واستخدام التفسيرات
االستنتاجية االستداللية .هذه العبارات تعني في جوهرها استنباط البيانات العامة من النظرية
أو القانون ،ليتم من خاللها تشكيل الفروض ،ثم اختبارها بعد ذلك في حالة التنبؤ والمالحظة.
على هذا األساس ،فإن البيانات الخاصة بنموذج العلوم الطبيعية للبحوث االجتماعية تسمى
"صلبة" ،بحيث أنها غير ملوثة بالعمليات التفسيرية والمعنوية للناس ،سواء كان هؤالء
األشخاص هم موضوع البحث أو الباحثين أنفسهم.
منذ بداية الستينيات ،كان هناك هجوم فكري على الوضعية ،من بعض األشخاص كـ :توماس
كون ،كارل بوبر ومن تيارات مختلفة في علم االجتماع التفسيري ،مثل الظاهراتية
واإلثنوميثودولوجيا .هذا ما أدى إلى هجوم فكري على نموذج العلوم الطبيعية للبحوث
االجتماعية وأيضا ً على قواعده اإلجرائية التي تأكد على صدق المعرفة باعتبارها موثوقة
وموضوعية .لذلك كان هناك هجوم على فكرة االستبيانات ،كطرق موثوق بها لجمع
البيانات ،بغض النظر عن مدى جودتها ونجاعتها .لقد تم الطعن في جوهر المناهج القديمة
والمتعارف عليها ،مع مستوى من النقد الالذع الذي اقترب ما وصفه باوسون (1999
27
) Pawsonبحرب النموذج أو البراديغم .على هذا األساس ظهرت تقاليد جديدة أو على نحو
أكثر مالءمة ،أعيد اكتشافها ،ألن أفكارها كانت قديمة ،والتي أعطت شرعية لقواعد
إجرائية جديدة وبالتالي أساليب جديدة لجمع وتحليل البيانات (مثل تحليل المحادثة) أو إعادة
اختراع وتعميم تلك الغير مستخدمة منذ فترة طويلة ( اإلثنوغرافيا ،التحليل الوثائقي ،
المقابالت المتعمقة ومالحظة المشاركين) .ويصف هوغوس Hughesهذه البحوث بالنموذج
اإلنساني للبحث االجتماعي (وهي عبارة تستخدمها أيضًا بيرجر 1963وبروين ، )1966
وترتكز على منهجية المذهب الطبيعي (وتسمى هذه المنهجية أحيانًا النموذج التفسري أو
التأويلي.
التيار الطبيعي هو اتجاه يهتم بدراسة الحياة االجتماعية في ظروف حقيقية تحدث بشكل
طبيعي ،أي تجربة ،مالحظة ،وصف ،فهم ،وتحليل مالمح الحياة االجتماعية في مواقف
محددة عندما تحدث بشكل مستقل عن التالعب العلمي .إن التركيز على المواقف الطبيعية
يؤدي إلى هذا االتجاه الذي يوصف بأنه "طبيعي" ،بحيث يظهر من خالل االنتباه إلى ما
يشعر به الب شر ،ويدركون ،ويفكرون ويفعلون في المواقف الطبيعية التي ال يتم تجريبها أو
التحكم فيها تجريبياً .وتعرف هذه الحاالت التي تحدث بشكل طبيعي أحيانًا بالحاالت " وجهًا
لوجه" أو التفاعل التافه أو الحياة اليومية .كما يتم التأكيد على تحليل "معاني" الناس من
وجهة نظرهم :المشاعر ،التصورات ،العواطف ،األفكار ،المزاج ،المعتقدات والعمليات
التفسيرية ألفراد المجتمع كما هم أنفسهم يفهمونها ويوضحونها.
من الواضح أن المبرر المنهجي الرئيسي لإلثنوغرافيا يأتي من التيار الطبيعي والنموذج
اإلنساني للبحث االجتماعي .هذا يقدم لنا ما أطلقنا عليه في السابق النوع "اإلنساني" من
اإلثنوغرافيا .وهو ما يفكر فيه معظم الناس عندما يتأملون في علم اإلثنوغرافيا وما يفعله
معظم علماء اإلثنوغرافيا عندما يمارسون العمل الميداني" :االقتراب من الداخل" " ،سرد
الموضوع كما هو" " ،تقديم تقرير من الداخل" " ،سرد حقيقي للظواهر الطبيعية" ،مع
إعطاء "وصف سميك" وبيانات "غنية جدًا" .إنه البحث الذي يتخلى عن نماذج العلوم
28
الطبيعية لممارسة البحث ،مثل اختبار الفرضيات ،التحليل االستنتاجي ،الوصف والقياس عن
طريق األرقام؛ إنه يتخلى حتى عن خطابات وطموحات العلوم الطبيعية لصالح فهم السلوك
الذي يحدث بشكل طبيعي بشروطه الخاصة .لكن رغم ذلك ،فإن نوع اإلثنوغرافيا الذي
نطلق عليه "علميًا" أو "وضعيا" يعتمد على عناصر كلتا المنهجيتين ويرتبط بنموذجي
البحث .إنه يفعل ذلك بقبول اإلجماع التقليدي بأن العلم الطبيعي هو المعيار الذي يجب أن
ي َُح َكم من خالله البحث ومن خالل القول بأن هناك عالما ً "حقيقياً" يمكن الوصول إليه .ومع
ذلك ،فهه يعتقد أن علم اإلثنوغرافيا ربما يكون أكثر علمية من األساليب الكمية ألنه يمكن
الباحثين من الوصول بشكل أفضل إلى هذا العالم "الحقيقي".
في أحد الجوانب الهامة ،يتطابق نوعا اإلثنوغرافيا في ما يرونه الهدف المناسب
لإلثنوغرافيا ،على الرغم من أنهما ينطلقان من مواقف منهجية متعارضة تماما .فكالهما له
فكرة ساذجة بإمكانية تقديم حقائق موضوعية حول الظاهرة قيد الدراسة ،والتي تسمح
اإلثنوغرافيا بتقديمها على شكل تصريحات أفضل وبيانات حقيقية تعكس الفهم "الحقيقي"
لهذه الظاهرة .وهكذا فإن اإلثنوغرافيا بشكل فريد من نوعه تجعل إشكالية العالم االجتماعي
غير مثيرة للمشاكل ،ألنها الوحيدة التي لديها القدرة للكشف عن العالم االجتماعي كما هو في
الواقع .ولهذا السبب الحظ سيلفرمان ( )1985أن أنواع اإلثنوغرافيا الطبيعية والوضعية
تسعى إلى القضاء على آثار الباحث من أجل تمثيل الصورة "الحقيقية" والفهم "الحقيقي"
بشكل أفضل للظاهرة المدروسة ،فاألول عن طريق التوصية بأن يقوم اإلثنوغرافيين بتبني
الثقافة واإلطار العام ليصبحوا "من الداخل" ،أما الثاني من خالل التوصية بتوحيد جميع
إجراءات وأدوات البحث .وبهذا المعنى ،فإن كال النوعين من اإلثنوغرافيا يشتركان في ما
يعرف بـ "الواقعية الساذجة" .يتعارض "ما بعد الحداثة" مع كال النوعين من اإلثنوغرافيا
في هذا األمر ،حيث يهاجم األسس التي يدعيان أنها تمثل "الواقع" والمعايير التي يدعيان
بشرعيتها ودقة بياناتها .هذا التحدي يجعل اإلثنوغرافيا "المجال األكثر إثارة للجدل في
البحث النوعي اليوم" ()Denzin and Lincoln 1998: xvi؛ وهذا ما يصفه دنزين
ولينكولن ( )1998بـ "األزمة المزدوجة" في اإلثنوغرافيا المعاصرة ،حيث يتم التشكيك في
صحة بياناته وادعاءاتها بالتمثيلية من قبل بعض العلماء اإلثنوغرافيين .ومن ثم ،يشير
29
أتكينسون وهامرسلي ( )1998عن حق إلى أنه ال يوجد توجه فلسفي أو نظري واحد يمكن
أن يطرح ادعاء فريد يوفر األساس المنطقي لإلثنوغرافيا ،حيث أن كل تيار يؤيد ويقر
نسخة من البحث اإلثنوغرافي.
30
المحاضرة :06نشأة منهجية اإلثنوغرافيا
يرجع تاريخ مولد منهجية اإلثنوغرافيا عادة لفترة بين أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن
العشرين ،وقد تطورت المنهجية داخليا لتصبح إثنولوجيا ،والذي يعتبر فرع من المعرفة
انشق في النصف األول من القرن التاسع عشر من األنثروبولوجيا التقليدية .وكانت
اإلثنولوجيا تهتم أكثر ما تهتم بدراسة البشر وثقافتهم وتصنيف مالمحهم وصفاتهم البارزة.
وقبل ظهور منهجية اإلثنوغرافيا ،لم يجمع علماء اإلثنولوجيا المعلومات من خالل المالحظة
المستمرة ،وبدال من ذلك ،قاموا بدراسة وفحص سجالت الدوائر والبعثات الحكومية ،مراكز
التوثيق ،روايات الرحالت والتقارير التي كتبت عنها.
لم تصبح منهجية اإلثنوغرافيا علما بارزا بقوة فجأة في األنثروبولوجيا ،وباألحرى فإنه نشأ
وظهر بالتدرج من خالل أعمال مؤلفين متعددين ،من بينهم عالم األنثروبولوجيا ذي األصول
البولندية ،مالينوفسكي ( ،)1942-1884واإلنجليزي ردكليف براون ( .)1955-1881لقد
استوعبت األنثروبولوجيا االجتماعية اإلنجليزية ذات الطابع اإلثنوغرافي المناخ الفكري
السائد زمنها ألصحاب الفلسفة الوضعية طبقا لما ذكره رادكليف براون باعتبارها علما
طبيعيا للمجتمع .وقد كان هجوم هذا األخير العدواني الجدلي العنيف موجه ضد
األنثروبولوجيا التأملية المكتبية السائدة ،التي كانت تعتمد على مصادر ثانوية بدال من التعهد
مالحظة مباشرة للحقائق االجتماعية. باستخدام
ويعتبر مالينوفسكي عادة أول من وضع منهجا لمنهجية اإلثنوغرافيا ،ففي مقدمته الشهيرة
لكتابه " مغامرو المحيط الباسيفيكي الغربي "1922الذي يعرض بحثه حول جزر
تروبرياند ،أين يصف مالينوفسكي المبادئ المنهجية التي تشكل الجزء األساسي من الهدف
الرئيسي لإلثنوغرافيا ،وهو "فهم وجهة نظر لمواطن وعالقته بالحياة وذلك لمعرفة رؤيته
لعالمه" ،وعاش مالينوفسكي وسط أهل الجزر لمدة عامين وتعلم لغتهم والحظ الحياة
االجتماعية للقرية بشكل مباشر وشارك في أنشطة الحياة اليومية.
31
ومنذ العشرينيات من القرن العشرين وما بعدها ،أدمج منهج اإلثنوغرافيا مع علم االجتماع
حيث تبناه الباحثون في جامعة شيكاغو ثم تم إدماجه مع علم النفس .فعل عكس ما قد يتصوره
المرء ،ظهرت اإلثنوغرافيا كمنهج سليم وصحيح من بداية األربعينيات وما بعدها من خالل
مناهج نظرية متعددة وألغراض مختلفة .نذكر منها:
ظهر منهج البحث اإلثنوغرافي ألول مرة في نهاية القرن التاسع العشر على يد مقدمي
أبحاث علم االجتماع بالجامعة .بدأ البحث اإلمبريقي في هذا القسم تحت إرشاد وتوجيه عالمي
االجتماع وليام توماس ( )1947-1863وروبرت بارك ( .)1944-1864اللذان أوليا اهتماما
كبيرا للتغيرات التي كانت تحدث في مدينتهما .لقد كان بارك على الخصوص يرى أن على
علماء االجتماع االهتمام بالمشاكل الحضرية ،وأكد أنه ال ينبغي ترك مثل هذه األمور لكتاب
الروايات المهتمين بالشؤون االجتماعية مثل الكاتب الفرنسي إميل زوال.
كان قسم علم االجتماع بالجامعة غير راض بالمرة عن البيانات اإلحصائية التي قدمها المسح
الشامل الذي كلفت وكاالت حكومية بالقيام به ،ونتيجة لذلك وبإشراف بارك ،بدأ برنامج بحث
بعيد المدى بهدف تم تحديده وهو دراسة الظواهر الحضرية بشكل مباشر في مواقعها المحددة
والمعتادة.
خالل الثالثينيات من القرن العشرين التحق بكلية علم النفس بشيكاغو أعضاء هيئة تدريس
جدد من بينهم :لويس ويرث ،هربرت بلومر ،لويد وارنر وهيوز .باإلضافة إلى طالبهم:
وليام وايت ،هوارد بيكر ،بالنشر جير ،أنسلم ستراوس ،ميلفي دالتون ،إيرفنج جوفمان
،فريد ديفيز ،روسالي واك .الذين أصدروا سلسلة من الدراسات التي أحدثت ثورة في
نظريات االنحراف ،التعليم ،العمل .وفي تلك الفترة أصبح البحث اإلثنوغرافي تأسيسيا بعد
أن أصبح يدرس للطلبة ويخضع للتفكير والدراسة المنهجية وأصبح في النهاية مدونا بقانون
في الكتب المقررة في الستينيات.
32
وقد خرج منهج البحث اإلثنوغرافي إلى الوجود كما نعرفه اليوم ،من خالل عمل هيوز
( . ) 1983-1897كان هذا األخير مقتنعا أن المالحظة بالمشاركة هي طريقة لجمع البيانات
تمكن من موضوعية أوجه نشاط وخبرات فاعلين معينين.
.3النظرية التفاعلية:
حظى منهج المالحظة بالمشاركة بدور مميز وأهمية نظرية محددة في النظرية التفاعلية،
وهي منحى نظري نشأ في فترة الثالثينيات والخمسينيات من القرن العشرين بواسطة
هربرت بلومر (.)1987-1900
مع أن مدرسة شيكاغو التي نشأت في نطاق علم االجتماع والتفاعلية التي نشأت في نطاق
قسم الفلسفة ،كانتا حقيقتين مميزتين ومختلفتين فإنه كانت هناك صالت وتأثيرات متعددة
بينهما .بحيث قدمت مناهج البحث الخاصة ببارك ،القواعد األساسية والمقدمات المنطقية
الميثودولوجية لنظريات بلومر.
كان بلومر يعتقد ان البحث االجتماعي يجب أن يتبنى نهجا "طبيعيا" وأن يعتمد على العمل
الميداني كي يمسك بتالبيب منظور العمال االجتماعيين وأن يرى الحقيقة من وجهة نظرهم.
وفي هذا تناقض بلومر مع ميد معلمه الخاص الذي كان يزكي المنهج التجريبي الذي كان
علماء النفس يستخدمونه.
-1الربط بين الرمز والتفاعالت ،مظهرا كيف تنشأ المعاني في سياق السلوك
والتصرفات
-2األخذ بنظر المبحوثين.
-3دراسة الشخصية ' ذات الموقف' للتفاعل.
-4التعميم من المقدمات المتعلقة بالسمات واألوصاف إلى النظريات.
33
لقد كانت هذه المبادئ جنبا إلى جنبا مع تعاليم هيوز مصدر إلهام لجيل من الباحثين .بعدما
عرف عنهم أنهم أبناء شيكاغو الجدد ميزوا أنفسهم عن علم االجتماع االنحراف والمهن ،من
خالل تقديمهم ألبحاث منهجية ونظامية ،ومن ابرز األمثلة لها بحث باكر ( ، )1961وهو
دراسة إثنوغرافية عن الطلبة في مدرسة طبية استغرق إعدادها ثالث سنوات.
خالل الخمسينيات من القرن العشرين ،وجنبا إلى جنب مع النظرية التفاعلية وأعمال
جوفمان ،برز منهج جديد أنشأه هارولد كارفينكل وأطلق عليه فيما بعد "منهجية الجماعة".
وكان يعني باستخدامه هذا اللفظ دراسة الوسائل والطرق التي يستخدمها الناس في حياتهم
اليومية ،وذلك من أجل معرفة وإدراك وتصنيف أفعالهم وافعال اآلخرين .وقد طور كارفينكل
أفكاره في نهاية األربعينيات بينما كان يحضر حلقات دراسية يعقدها شوتز ،وكان كارفينكل
ف ي ذلك الوقت طالبا شابا عند تالكوت بارسونز .وقد تسببت نظريات هذا األخير في صياغة
التمارين والدراسات اإلرشادية التي ألفها كارفينكل لطالبه ،بحيث كان الهدف من هذه
التمارين مخالفة معيار قديم .لقد وجهت الدعوة لبعض الطالب أن يتصرفوا من 15د إلى
1سا كاملة كما لو كانوا نزالء في بيوتهم الخاصة ،ويتناولون طعامهم بسعر محدد في
األسبوع أو الشهر ،وكانت مهمتهم في حاالت أخرى دخول محل أو دكان والتحدث مع
الزبون كما لو كانوا عضوا من جماعة البائعين في المحل .لم تكن دراسة كارفينكل الخاصة
هذه شيئا مبتكرا بشكل كامل ،كانت تشبه األعمال المثيرة الدالة على الجسارة أو البراعة التي
ينتجها منتج األفالم أو التلفزيون كالكاميرا الخفية .كانت ايضا تشبه تجارب المختبرات في
نهاية األربعينيات من القرن العشرين التي كان يديرها أخصائيون نفسيون حول الضغط
النفسي للخضوع لضغط الجماعة أو التمرد والعصيان ضده .وعلى أي حال لم يكن كارفينكل
مهتما باآلليات النفسية الفردية ،لكنه كان مهتما باألحرى بقوة افتراضات ودعاوى الفطرة
السليمة وبمقاومة النظام الخلقي واالجتماعي .في الحقيقة سعى كارفينكل من خالل دراسته
أن يظهر ويدلل على أن جوهر النظام االجتماعي يتكون ليس فقط من قيم المجتمع المشتركة،
ولكن أيضا من مصطلحات وتقاليد الفطرة السليمة ،والثقة والتوقعات واآلمال المتبادلة.
34
وجذب الجزء النظري المركزي لمنهجية الجماعة عمل مؤلفين متعددين :فاستمر في دراسة
الشروط ( الثقة ،التوقعات واآلمال المعيارية...إلخ) التي تدعم النظام االجتماعي (بارسونز)،
وفي فحص ودراسة خصائص االتجاه الطبيعي مع (شوتز) والذي يمثله استنتاج واستدالل
الفطرة السليمة في العالم الطبيعي والعادي.
في النصف الثاني من الخمسينيات تولى كارفينكل أيضا تنفيد سلسلة من المالحظات
اإلثنوغرافية في إطار المنظمات مثل دراسة هيئة محلفين بقاعة إحدى المحاكم ،ودراسة هيئة
األطباء النفسيين في جامعة كاليفورنيا .وقد تسبب هذا المنهج في دراسة سلسلة من الدراسات
اإلثنوغرافية التي أدارها زمالء كارفينكل وتالمذته خالل الستينيات والسبعينيات في
مجموعة منوعة في إطار مؤسسي :أقسام الشرطة ،مكاتب رؤساء التحرير في الصحف
اليومية ،دورات العالج النفسي فنادق الطريق...،إلخ.
ومنذ النصف الثاني من الستينيات وما بعدها ،شدت نظريات كارفينكل انتباه عدد متزايد من
مناصريه ،حيث مثل سيكوريل الجانب المنهجي لإلثنوميثودولوجيا أو عنصرها األكثر
عرضة للحوار مع العلوم االجتماعية التقليدية ،وقد ساهم البحث الذي أعده عن التعليم وعن
العالقة بين الشرطة ومحضري التشريح والعالقة بين الطبيب ومرضاه في خلق منهج
إثنوغرافي ذي طابع إثنوميثودولوجي.
35
المحاضرة :07استخدام المنهج اإلثنوغرافي في بحوث االعالم
خاضت بحوث استخدام الوسائط اإلعالمية في نهاية السبعينيات تجربة ما اصطلح على
تسميته بــ "التحول اإلثنوغرافي" في العرف البريطاني الفكري العريض للدراسات الثقافية
التي أسسها البريطاني ريتشارد هوجارت والمؤرخ وعالم االجتماع اإلنجليزي إدوارد بي
ثومبسون والروائي الماركسي ريموند ويليامز ،في أواخر الخمسينيات .وقد كان هذا التحول
إيذانا بظهور منهج جديد داخل نطاق دراسات وسائل االتصال التي كانت يطلق عليها بشكل
منوع اسم إثنوغرافيا الجمهور أو اإلثنوغرافيا النقدية.
قبل التحول اإلثنوغرافي كان محللو وسائل االتصال ينسبون للتلفزيون قوى هائلة في توجيه
األذواق وآراء الناس والتحكم فيها ،وقد نشأت وجهة النظر النظرية هذه من المذهب
الماركسي في فرنسا عن طريق الفيلسوف لويس ألثوسير وفي ألمانيا عن طريق تيودور
أدورنو وماركس هوركهايمر من مدرسة فرنكفورت ،الذي اكد ان وسائل االتصال كانت
أدوات تستخدمها الدولة للدعاية اإليديولوجية السائدة ونشرها .ولم يكن العلماء والباحثون
الذين كانوا يعملون في مجال الدراسات الثقافية معارضين تماما لوجهة النظر هذه بقدر ما
أقروا بأن التلفزيون كان وسيلة قوية لإلغراء واإلقناع ،لكنهم انتقدوا الحتمية النصية للمذهب
أو النظرية .وطبقا لرأي ستيوارت هول فإنه على العكس من ذلك ،لم تكن جماهير
المستهلكين مستقبلين سلبيين للمعاني على اإلطالق ،بل انهم كانوا يقدمون معانيهم الخاصة
بهم ،وكان بإمكانهم حتى رفض تلك المعاني التي كانت تقترحها النصوص التلفزيونية.
بالطبع كان النص يسعى لنقل فحوى الرسائل ،ولكن إذا لم تتقبلها الجماهير بسرعة وبشكل
فعلي فإن النصوص تصبح بال أي وقع أو تأثير .لم تكن مشاهدة التلفزيون بالنشاط المنعزل
الذي يعرض في هدوء تام ،وأنت جالس وحدك في غرفة مظلمة ،كما كان يتخيل العلماء.
فعلى العكس كان نشاط يؤدى في سياق عائلي محلي عريض يحدد التلقي ويقرره ،على
سبيل المثال :يشاهد الناس برامج التلفزيون أثناء تناولهم لوجبة الغداء بينما يناقش الملتفون
حول مائدة الطعام ويتدخلون في انسياب وتدفق وسائل اإلعالم ،وبالتالي يقطعون تواصلهم
36
معها ،وتبعا لهذا يصبح هناك مساحة بين المنتج (للبرنامج) والمستهلك النهائي (المشاهد)
حيث تحدد أوجه النشاط العائلي ظروف تلقي البرنامج ،وبعواقب ال يمكن التكهن بها بسهولة.
من أجل هذا أصدرت إثنوغرافيا التلقي مقاالت نقد ضد نظريات وسائل االتصال السائدة
حتى اآلن .األول ضد نظريات االتصال التي كانت تستخدم بكثرة ،والثاني ضد المنهجيات
التي كانت ومازالت تستخدم بكثرة في دراسات استهالك الوسائط اإلعالمية .لقد استطاعت
اإلثنوغرافيا وصف ممارسات االستهالك من وجهة النظر الفعلية الواقعية للجماهير الحقيقية،
من خالل رسم الخطوط الكبرى للمعاني التي ينسبها مستهلكو وسائل االتصال للنصوص
والتقنيات التي يلقونها في حياتهم اليومية.
.2المراكز والباحثون:
كان هناك ثالث معاهد أساسية مشاركة في إثنوغرافيا التلقي :مركز الدراسات الثقافية
المعاصرة ( )CCCSفي جامعة برمنجهام ،ومركز األبحاث للتجديد واالبتكار والثقافة
والتكنولوجيا بجامعة برونل ببريطانيا ،ومعهد لودويج أوهالند األلماني للدراسات الثقافية
اإلمبريقية ) (EKWبجامعة توبنغن .ومع ذلك كانت أول دراسة تستفيد استفادة شاملة من
منهج البحث اإلثنوغرافي مشروعا أمريكيا استغرق تنفيذه ثالثة سنوات من طرف جيمس لو
1980Lullحول الفوائد االجتماعية للتلفزيون من خالل العائالت (.تم القيام بهذه الدراسة
في ويسكونسين بكاليفورنيا ،حيث أجريت المالحظات والمقابالت على عينة مكونة من 300
أسرة ،أمضى المالحظون فترات ما بعد الظهر وأمسيات كاملة في صحبة أعضاء األسرة،
كما كانوا يلعبون مع أطفالها ويشاهدون التلفزيون معهم)
وقرب نهاية الثمانينيات بدأ جيمس لول ،دورثي هوبسون ،دافيد مورلي ،روجر سيلفرستون،
شون موريس ،أين آنج وجانس رادواي وآخرون في التفكير مليا في مناهج أبحاثهم وفي
اختبار فعالية وصحة استكشافاتهم ،وذلك ألنهم لم يضعوا في اعتبارهم من قبل مطلقا مدى
تأثير وجود الباحث في مجال خاص جدا كمجال األسرة على سلوك المبحوثين الذين تتم
مالحظتهم.
37
المحاضرة :08استخدام المنهج اإلثنوغرافي لدى دافيد مورلي.
إذا كان عمل مورلي إلى حد كبير في تيار بحث حول العائالت والتقنيات -ولدت في سياق
التقدم المتزايد لتكنولوجيات االتصال المنزلي ( ، VCRالحواسيب الصغيرة ،الخ) -
استفادت دراسة جمهور برنامج ( nationwideمورلي )1980من االهتمام المستمر.
تميزت هذه الدراسة بمنظور نظري يتناقض مع التيار السائد في ذلك الوقت ،وكانت بمثابة
نقطة تحول في أبحاث وسائل اإلعالم.
إذن كان التركيز على تحليل البرامج اإلخبارية العامة أو المجاالت السياسية ،وكان " جمهور
برنامج )1980( " nationwideنقطة البداية الستجواب واالستعالم فيما يسمى برامج
االتصال السياسي الموجهة لجمهور كبير وغير متجانس ،وبالتالي بدأت سلسلة كاملة من
األبحاث حول األنواع الشعبية (الرياضة ،المنوعات ،أوبرا ،المسلسالت البوليسية ،وما
إلى ذلك) .إن أسئلة التمثيل من حيث النوع :األنثوي/المذكر والطبقة االجتماعية
والمجموعات العرقية هي محور هذا البحث.
على نفس مستوى التفكير في نموذج "الترميز وفك الترميز" لستيوارت هول ،كان الهدف
على وجه الخصوص من دراسة "النص" في جمهور برنامج ، nationwideتحديد أنماط
التفسير والتأويل من خالل متغيرات الطبقة االجتماعية والنوع أو الجنس .وقد أظهرت نتائج
هذه الدراسة مدى تعقيد وتنوع نماذج فك الترميز ،واستحالة إدراكها في فكرة الطبقة
االجتماعية لوحده ا .لقد تم تصور هذه الدراسة على أنها التبرير النظري لما يسمى بمدرسة
الدراسات الثقافية ،إال أنها كانت موضوعًا للعديد من ردود الفعل النقدية وفي نفس الوقت
تواصل إلهامها للعديد من التعليقات.
إن كتاب التلفزيون العائلي لمورلي سنة ،1986الذي كتب في سياق يعترف فيه بالدور
النشط للمتلقي في بناء معنى الرسائل ،أين يتم التأكيد على أهمية سياق التلقي ،يشير إلى
التحول من دراسة النصوص نحو دراسة الجماهير .إن فكرة "فك الترميز" تفسح المجال ل
"سياق االستماع" .بخالف الدراسة السابقة جمهور برنامج ، nationwideيهتم مورلي هنا
38
بعملية االستماع للتلفزيون ،ويحاول فهم النشاط في حد ذاته وليس من حيث االستجابات
المحددة لبرنامج معين.
سوف "يستكشف" مورلي (باستخدام منهج إثنوغرافي) التفاعالت بين مختلف أفراد العائلة
حول الشاشة الصغيرة ،في سياق استقبال "طبيعي" للتلفزيون :فضاء محلي.
في هذه الدراسة تمت مالحظة ومقابلة 18عائلة إنجليزية تتكون من شخصين بالغين وطفلين
على األقل ،معظمهم من الطبقة العاملة .كان الهدف المحدد حسب مورلي هو استكشاف
االختالفات داخل كل أسرة ولكن أيضا بين العائالت .ويركز بشكل أساسي على مسألة
عالقات القوة بين الجنسين ،لكنه ال يتخلى عن إطار تحليل بنية الجمهور من حيث الطبقة
والتعليم واأليديولوجية ،إلخ ،المطورة على الصعيد الوطني .بدال من ذلك ،يقترح أن يتم
تضمين قضايا الطبقة أو الدخل كخصائص ثانوية وليس كعامل يشتغل مباشرة في تحليل
األبعاد االجتماعية لالستماع والتفسير.
على نطاق أوسع ،ينطوي هذا المشروع لدى مورلي على إعادة صياغة سياقات دراسة
استهالك التلفزيون في إطار سوسيوتقني وثقافي أوسع ،والتزام كبير في عمل إثنوغرافي
تجريبي ،من المحتمل أن يسمح بفهم تعقيدات ظاهرة التلقي .والهدف من ذلك هو فهم
ديناميكيات استغال ل وترويض التكنولوجيا في األسر ،أي دمجها في البيت بشكل يومي ،
وكيفية ادارة كل أسرة عالمها االقتصادي واالجتماعي والتكنولوجي ( ما يدعوه مورلي
39
االقتصاد األخالقي) .تُفهم معاني التلفزيون على أنها خصائص ناشئة للممارسات السياقية
للتلقي؛ ويتم تصور هذه الممارسات على أنه يجري بناءها في بيئات اجتماعية صغرى
تشكلها األسرة والتفاعالت التي تحدث داخلها.
40
المحاضرة :09الوضعيات النظرية لدافيد مورلي:
تضمنت مسألة التلقي العديد من تقاليد البحث في سائل اإلعالم؛ فبعضها بنيت من خالل
اإلجابة التي اقترحتها .ومع ذلك ،اعتمادا على المقاربات والنماذج التي يتم بناء الخطابات من
خاللها ،تبدو الحجج المقدمة متناقضة .وتؤدي الجوانب المنهجية للباحثين دورا حاسما ،لكن
االختالفات تبدو أنها تكمن أكثر في الصور التي يتم بناؤها حول كل عنصر من عناصر
عملية التلقي .سواء كان المشاهد (القارئ) أو النص الذي يواجهه أو عالقة أحدهم باآلخر.
في إطار عمل الدراسات الثقافية للتلقي ،ال يزال التفكير النظري لمورلي حول جمهور
وسائل اإلعالم واحدًا من أهمها ،وال سيما فيما يتعلق بمسألة التأويل (فك الترميز) .ومن
خالل معالجة إشكالية التلقي بأسلوب يسعى إلى الربط المباشر بين العمليات الخطابية
والنصية واالجتماعية ،أصبح باإلمكان إعادة تركيز أسئلة الجمهور والسلطة في حيز
الممارسات التفسيرية .إنها مقدمة لمفهوم السياق المحلي (مركزي منهجية مورلي) ،الذي
جعل من الممكن التركيز على الحيز المحدد للتعبير عن هذه المستويات المتعددة من التصميم
لبلوغ أهداف هذه الدراسات.
-ما هي عواقب مثل هذا اإلطار لفهم الجمهور التلفزيوني وممارسات المستهلكين؟
-كيف تكون إشكالية السياق المحلي ذات صلة؟
-كيف تبدأ فكرة ديناميكية األسرة في التدخل؟
-كيف ينبغي أن نفهم االنتقال من "التلفزيون" إلى "التكنولوجيا المنزلية" وما هي
اآلثار؟
-فيما يتعلق بالمواقف النظرية ،في النهاية ،هل هذا اإلصرار على دراسة عملية التلقي
في هذا السياق األوسع تجد مبرراتها؟
41
.1دراسة جمهور برنامج nationwideوعالقة النص/القارئ:
إن أهمية دراسة جمهور برنامج nationwideتستحق بعض االهتمام للحظة ،خاصة أنها
توضح سؤال العالقة الذي يناقش النص والقارئ.
في البداية تألف العمل جمهور برنامج nationwideمن تحليل البرنامج التلفزيوني ،وتمييز
السم ات الرسمية الخاصة به ،والطرق المختلفة الستجواب الجمهور واألشكال المحددة
للتنظيم النصي المستخدم .في الخطوة الثانية ،كان الهدف هو فحص كيفية تفسير البرنامج من
قبل أفراد من مختلف الطبقات االجتماعية ،بهدف تحديد دور األطر الثقافية في تحديد
التفسيرات الفردية.
يكم ن اهتمام هذه الدراسة في إدخال قضايا الطبقة والجنس في صميم دراسة عمليات
االتصال اإلعالمي .وقد تمت معالجة هذه القضايا في األصل في أعمال هوجارت ،وليامز ،
وكذلك في عمل مجموعة تيلكيل على وجه الخصوص .كما يمكن فهم جمهور برنامج
- nationwideبكلمات مورلي -على أنه ترجمة عملية لنموذج "الترميز وفك الترميز"
الخاص بفريق ستيوارت هول .كان الهدف من البحث هو تحديث الحواجز التوجيهية المشفرة
في الرسالة ،من أجل معر فة إلى أي مدى فك التشفير الذي تقوم به المستقبالت ينتمي أو ال
ينتمي إلى "قراءاتها المفضلة" .كانت المهمة التالية هي دراسة إلى أي مدى تم "تغيير" هذه
التفسيرات ،او بمعنى آخر ،لفحص كيف تم تحديدها من خالل عملية توزيع -محكومة
وموجهة اجتماعيا برموز ثقافية.
42
المأخوذة من مناطق أو مؤسسات أخرى (مثل النقابات العمالية أو الثقافات الفرعية
"المنحرفة") التي تتعارض إلى حد كبير مع تلك الخاصة بالبرنامج.
-يمكن القول أن المجموعات المتدربة ،ومجموعات النقابة ومجموعات أصحاب
المتاجر وطالب الجامعات السود يتشاركون نفس الموقف ،ولكن فك ترميزهم
لبرنامج تلفزيوني يتأثر باتجاهات مختلفة حسب الخطابات والمؤسسات التي ينتمون
إليها .على هذا األساس يؤكد مورلي على أهمية االختالفات الثقافية في نفس الفئة.
-إذا ربطنا فك الترميز باالنتماءات السياسية ،فعندئذ يبدو أن المجموعات التي تهيمن
عليها التيارات المحافظة كالطالب في طور التكوين ،المعلمين ومديري البنوك -
تنتج قراءات مسيطرة ،في حين أن الذين تهيمن عليهم خطابات العمل أو التيار
االشتراكي هم أكثر عرضة إلنتاج قراءات تفاوضية أو معارضة .
" -لفهم المعاني المحتملة لر سالة معينة ،نحتاج إلى خريطة ثقافية للجمهور الذين توجه
إليهم هذه الرسالة -خريطة توضح مختلف الموارد الثقافية والموارد الرمزية المتاحة
للمجموعات الفرعية الموضوعة بشكل مختلف داخل هذا الجمهور .ستساعد هذه
الخريطة على إظهار كيفية إنتاج المعاني االجتماعية للرسالة من خالل تفاعل الرموز
المضمنة في النص مع الرموز التي تنتجها األجزاء المختلفة للجمهور.
يعتبر مورلي ( )1992مشاهدة التلفزيون نشاطًا يوميًا معقدًا ،بحيث أنه في األساس محلي
وممارسًا بشكل رئيسي في المنزل " :يتم تلقي التلفزيون في سياق قوي ومعقد بالفعل" .تثير
الطبيعة الفعلية "السياقية" للتلقي أسئلة ذات صلة حول كيفية استخدام التلفزيون في المنزل،
وحول عملية اتخاذ القرار الختيار البرامج ،وما إلى ذلك .إن مفهوم السياق الداخلي يسمح
بفهم أفضل لهذه الظاهرة.
البيئة أو "اإلطار" لتلقي الرسائل " -بشكل خاص" أو "مع العائلة" -تفترض أن
االستخدامات المنتجة منها تتشكل حسب متطلبات هذه البيئات نفسها .والسؤال المطروح إذن
43
هو :كيفية فهم إنتاج العمليات االتصالية ضمن اإلطار "الطبيعي" للتلقي بحد ذاته وإعادة
تعريفه في هذا اإلطار ومن خالل هذه العمليات -وفي هذا السياق كيف يتم دمج التقنيات
المحلية وتعبئتها من قبل هذه الهياكل.
لقد أدى الحديث عن تقنيات االتصاالت في المجال المنزلي إلى تركيز مورلي على تحليله
لكيفية أن تصبح هذه التقنيات "مضمنة" بشكل جيد وموضح في الديناميكيات الداخلية لتنظيم
الفضاء المحلي .كما أنه يضيف بعدا هاما للتحليل من حيث أنه يضع مكان التلقي على مفترق
طرق الخطاب المحلي (الخاص) والعام.
من خالل دراسات التلقي ،يبقى فهم مكان التلفزيون في المجتمع المعاصر قضية رئيسية
بالنسبة لمورلي .يُعرِّف اإلطار المقترح التلفزيون بأنه وسيط أساسي محلي ،يجب أن يُنظر
إليه في سياق األسرة وفي السياق األوسع للحقائق االجتماعية والسياسية واالقتصادية (حقائق
يتم إعادة صياغتها باستمرار ضمن العالقات الداخلية) ،كما يُنظر إلى التلفزيون باعتباره
جزءاً من الثقافة التقنية وثقافة االستهالك ،محلية ووطنية ،خاصة وعامة على السواء.
اعتبر مورلي 1992التلفزيون وسيلة تنتمي لجميع تقنيات االتصال المحلية « :يجب أن
ينظر إلى التلفزيون اآلن ،ليس بمعزل ،بل كواحد من عدد من تكنولوجيات المعلومات
واالتصاالت ،يشغل وقتًا محليًا ومساحة إلى جانب مسجل الفيديو ،والكمبيوتر والهاتف ،
باإلضافة إلى جهاز والكمان ،وآلة الرد والستيريو والراديو» .
هنا ،تتضمن التكنولوجيا الشيء نفسه ،من حيث الممارسات التي يولدها ،والمعاني التي
يثيرها .فالتكنولوجيا ليس لها قيمة مادية فحسب ،بل لها قيمة رمزية ،وهذا المعنى يتشكل من
خالل االستخدامات التي تنتج عنها ،ومن هن ا تأتي أهمية فهم كيفية دمجها في الحياة األسرية
اليومية.
44
بناء على ما سبق يقترح مورلي فهم التكنولوجيا كنظام تقني وما ّدي واجتماعي وثقافي يشمل
القواعد واالستخدامات والعالقات.
.5ديناميكيات العائلة:
من خالل التلفزيون العائلي ،يقدم مورلي تصوراً جديداً للجمهور :يتم إجالء المتفرج الفردي
لصالح مجموعة -العائلة -المشاهدة .تصبح الوحدة األساسية "المنزلية" ولم تعد االستماع
فردي.
يهدف هذا البعد من تحليل ديناميكيات األسرة إلى تحديد األسرة كمكان نشط للممارسات
االجتماعية والممارسات تحت تأثير كل من البيئة االجتماعية والثقافية بالمعنى الواسع،
والخصائص المحددة الموجودة ضمن كل عائلة (مورلي : )1992المنازل ،العائالت ،مقيدة
،متضاربة ،متناقضة .لديهم تاريخهم الخاص ،تقاليدهم ،أساطيرهم الخاصة ،أسرارهم
الخاصة .إنهم واألفراد الذين يؤلفونهم أكثر أو أقل انفتاحًا أو إغالقًا بالتأثيرات الخارجية ،أو
أكثر أو أقل مناعة من نداءات المعلنين والعاملين في مجال الترفيه للشراء أو التسلية من
خالل التلفزيون» .
إن إشكالية ديناميكيات العائلة تجعل من الممكن مناقشة الطريقة التي يفسر بها المشاهدون
الرسائل ،وتوفر إطارًا فكريا مفيدًا لفحص العالقات االجتماعية -عائلية في المقام األول -
والتي يتم من خاللها مشاهدة التلفزيون.
يجب أن تسمح دراسة ديناميكيات العائلة كما تم تنفيذها من قبل مورلي بتحليل االستماع
الفردي في سياق العالقات األسرية ،من خالل التفاعالت التي تحدث فيها .يجب أن يأخذ هذا
السياق في الحسبان العوامل الضرورية في ممارسة االستماع ،والتي تنطوي على قضايا
السلطة والمسؤولية والسيطرة في مكان معين وفي أوقات معينة.
45
المحاضرة :10الوضعية المنهجية لدافيد مورلي:
في جميع أعماله حول التلقي ،يتخذ مورلي موقفا يتطلب االلتزام بالعمل التجريبي ،وعلى
وجه التحديد :العمل اإلثنوغرافي .أثار العمل المبكر ،جمهور برنامج nationwide
وتلفزيون العائلة ،العديد من االنتقادات المنهجية .بالعودة إلى جمهور برنامج
،nationwideيعترف مورلي بأنه قد تناول األسئلة المنهجية من وجهة نظر واقعية
(فقط الموارد المتاحة ونوع البيانات المطلوبة تم أخذها في االعتبار) .هذه الخيارات
المنهجية تتكبد ما قد يدعوه الخبير االقتصادي "تكلفة الفرصة".
يفترض مورلي أن مشاهدة التلفزيون نشاط معقد ،يتواجد مع مجموعة متنوعة من
الممارسات المحلية األخرى وال يمكن فهمه إال في سياقها .وهو بذلك يطرح الحاجة إلى
تقديم وصف مفصل لتعقد هذا النشاط ،وفائدة وجهة النظر اإلثنوغرافية .من خالل
السماح للباحث بدخول عالم األسرة ،فإن النهج اإلثنوغرافي سيمكن من فهم األنماط
المرجعية على المستويين الفردي واالجتماعي ،من خالل جعل األسر تصف تصرفاتها
وإيماءاتها فيما يتعلق بالتكنولوجيات.
إحدى األدوات المفضلة لدى Morleyهي الصورة اإلثنوغرافية ،التي توفر بيانات
مثيرة لالهتمام حول االستخدامات المحلية للتكنولوجيات .هذا النهج هو نقطة انطالق
للبحث في العالقات ا لداخلية من خالل االستهالك واالستخدامات ،والتي يمكن أن تكون
مفيدة جدا لتصميم األجهزة والبرمجيات لما يسمى التقنيات المحلية.
من أهم التطورات في أبحاث الجمهور اإلقرار بأهمية سياق االستماع ،وباألخص السياق
المحلي للتلفزيون .بدأ الباحثون في الدراسات الثقافية هذه الحركة نحو الدور الفعال
للمتلقي في إنتاج المعنى ،ومع النصوص ذات المغزى قام مورلي بتعميق أبعاد سياق
التلقي .أجريت عدد من التحقيقات حول كيفية استهالك مضامين التلفزيون في محيطه
46
الطبيعي ،وفي نفس الوقت تم االعتراف بالجانب السياقي القوي للتلقي .تبدو األسئلة
المطروحة من وجهة النظر البحثية هذه ذات صلة وثيقة بالموضوع :كيف تتم عمليات
االتصال في أطرها الطبيعية؟ وكيف يتم في هذا السياق دمج وتعبئة وسائل اإلعالم
والتكنولوجيا في هذه العوالم الخاصة؟
يتم تحليل وسائل اإلعالم التلفزيونية ليس من وجهة نظر خارجية ،ولكن من وجهة نظر
اندماجها الفعال في المجال الداخلي ،ضمن ديناميكيات األسرة .من ناحية ،يتم تحليل
التكنولوجيا كنظام يتكون من قواعد واستخدامات يتم إعادة تعريفها باستمرار من خالل
التفاعالت العائلية .ومن ناحية أخرى ،تتشكل العالقات األسرية وممارسات التلقي تبادليا،
في السياق المحلي للتلقي التلفزيوني .يمكن أن يكون هذا التصور للتكنولوجيا في السياق
الداخلي مفيدًا لتحليل عوامل االستحواذ على التكنولوجيا ،بقدر ما يمنحها من معنى منتج
من طرف السياق ومن خالل العالقات التي يتضمنها.
تعد الخيارات المنهجية لمورلي جز ًءا من مجموعة من أبحاث التلقي التي تتميز بالتوجه
إثنوميثودولوجي :إثنوغرافيا الجماهير ،التحقق من العمليات التأويلية الموضوعة من
طرف المتلقي .تستند الجهود البحثية على وحدات مختلفة من التحليل :الفرد (كموضوع
اجتماعي أو ذاتية فردية) الجماعة والعالقات الذاتية المشتركة في تجربة الحياة اليومية.
47
األنشطة اليومية .وتكمن الفائدة من هذه المناهج أساسًا في إمكانيات الفهم السياقي التي
تسمح بها خاصة من خالل تسهيل عملية فهم الصالت بين الجوانب المختلفة للظاهرة قيد
الدراسة.
بشكل عام ،تساعد المناهج النوعية على فهم جيد للعمليات التي من خاللها تحصل وسائل
اإلعالم أو التكنولوجيات على معنى وتقوم بتحديث مجموعة متنوعة من الممارسات:
فالنهج التأويلي يوفر إمكانية "مشاهدة التلفزيون" على الخصوص في سياق موسع
لدراسة االستهالك كرمز ،وبعبارة أخرى مثل المشاركة في خلق عالم رمزي للمعنى .أما
فيما يتعلق باتساع مدى البحث ،فإن االنتقادات التقليدية للدراسات اإلثنوغرافية للجماهير
تتعلق بدائرتها البحثية التي تكون في الغالب ضيقة للغاية وتحد من نطاقها.
48
المحاضرة :11إجراءات البحث اإلثنوغرافي:
يقدم لوكنت وشينسول LeCompte and Schensul 1999خطوة بخطوة اإلجراء للقيام
بدراسة إثنوغرافية ،والكثير من هذه العملية مشابهة للمناهج النوعية األخرى.
المرحلة األولى هي تحديد المشكلة أو الظاهرة التي ينبغي استكشافها .واألسئلة األكثر
مالءمة لإلثنوغرافيا تشمل دراسة كيف تعي مجموعة معينة من الناس أو ترى ظاهرة
محددة .والهدف النهائي لمجرى البحث اإلثنوغرافي هو محاولة فهم العالم كما تراه
المجموعة موضع الدراسة.
واألمر الوثيق الصلة باختيار السؤال البحثي ،وهو اختيار الموقع الميداني؛ أي المكان الفعلي
أو األماكن الفعلية التي سيتم فيها جمع المعلومات ،وفي بعض الحاالت يتم تطوير السؤال
البحثي أوال وبعدها يتم اختيار موقع ميداني مناسب .وفي حاالت أخرى قد يجد الباحث موقعا
ميدانيا مثيرا لالهتمام فيطور سؤاال مناسبا للموقع.
وبغض النظر عن كيفية تحديد الموقع ،يجب على الباحث بعدها الوصول إلى منفذ (الدخول)
وتقرير ما الذي سيدرسه ،وكما هو الحال عموما مع البحوث الميدانية ،فإن الباحث
اإلثنوغرافي سيستخدم بشكل عام تعيين قصدي ويمكن صقل هذا التعيين باستخدام الرواة
الرئيسيين وهم األعضاء منذ مدة طويلة في المجموعة تحت الدراسة الذين لديهم معرفة
خبيرة بإجراءات المجموعة ،ونشاطاتهم وأنماط اتصاالتها .وباستخدام المعرفة التي يقدمها
الرواة يقرر الباحث ما هي السملوكيات التي سيراقبها ومتى وأين سيراقبها ،وأي األفراد
سيختار للمقابالت المكثفة وأي الوثائق الرئيسية يمكن أن تكون ذات صلة لتحليلها.
وبمجرد رسم خريطة استراتيجية التعيين ،يبدأ العمل الميداني .والكثير من المناقشات السابقة
بشأن جمع البيانات خالل المالحظة الميدانية ينطبق أيضا على البحوث اإلثنوغرافية ،فيجب
49
على الباحثيين أخذ مالحظات وافرة .ويقد إيمرسون Emersonوفريتز Fretzوشو
Show 1995اقتراحات إلنشاء أربعة أنماط من المالحظات الميدانية:
الوصف المكثف :وصف قصير يكتب أو يسجل في الميدان الذي يسلط الضوء على -
العوامل األكثر أهمية التي تمت مالحظتها أو أثيرت خالل المقابلة .وهذا الوصف
يساعد في إبراز ما الذي يجب تأكيده في التقارير الالحقة.
-الوصف الموسع :وتجري كتابته بعد فترة المراقبة أو بعد المقابلة ،بتسجيل تفصيالت
غير مدرجة في الوصف المكثف ،ويجب أن تكون هذه الوثائق تامة وعميقة بأكبر
قدر ممكن ،وفي البحوث اإلثنوغرافية تتوفر الكثير من التفصيالت أفضل من أن
تكون غير كافية.
-يوميات/محاضرة الميدان :تسجل ردود فعل الباحث الشخصية ،وانطباعاته وتأمالته
حول العمل الميداني أو المقابلة وتكون في المقام األول تعليقات شخصية أكثر منها
تقريرا دقيقا.
-مالحظة التحليل والتفسير :هي محاوالت من قبل الباحث لدمج البيانات الرصدية
وبيانات المقابالت في نظام تحليل متماسك ،وهذه هي محاوالت الباحث األولى
للعثور على نظام أة أنماط في البيانات.
ويتبع تحليل البيانات في بحوث اإلثنوغرافيا نفس األنماط كما في أشكال البحوث النوعية
األخرى ،فالباحث يبحث عن أنماط وثيمات عامة في البيانات .وفي نهاية المطاف،
ستظهر فئات تحليلية وسيتم التحقق منها مرة أخرى مقابل البيانات لمعرفة ما إذا كانت
تقدم تفسيرات ثابتة أو متسقة .وفي نفس الوقت يقوم الباحث بتفسير البيانات وبتقديم بعض
األسس المفهومية لفهم عا أكبر لتصورات المجموعات وسلوكياتهم.
50
معنى على أساس المفاهيم العلمية العامة ،والمبادئ والنظريات ،في حين أن نهج Emic
يعطي معنى للخصال واألنماط الثقافية على أساس منظور الرواة داخل نظام المعاني
الداخلي في ثقافتهم.
وكما هو الحال بأشكال البحث النوعي األخرى ،فإن المرحلة األخيرة من البحوث
اإلثنوغرافية هو إعداد التقرير المكتوب .ويبدأ التقرير عموما ببيان عن الغرض أو
السؤال البحثي الموجه ،ووصف للمنهاج الذي يتضمن مشاعر الباحث الشخصية حول
الموضوع العام ،ويكون متبوعا بالدليل كاألمثلة التي توضح المواضيع الرئيسية للبيانات
وتفسيرات الباحث للبيانات والتأثيرات المتوقعة للنظرية وللممارسة المستقبلية .وكما هو
الحال في تقارير البحث النوعية ،قد يكون تقرير البحث اإلثنوغرافي مسهبا نوعا ما.
51
المحاضرة :12أدوات البحث اإلثنوغرافي:
أين يتوجب عليه أن يتكلم لغتهم ويستخدم في تفكيره نفس التصورات أو المفاهيم السائدة،
ويشعر بالقيم التي يعتنقونها ويعمل معهم ويشاركهم طعامهم واحتفاالتهم وحتى ارتداء
مالبسهم .ويتعين عليه أيضا طوال فترات الدراسة كتابة تقارير يومية Filed Notesعن
كل صغيرة وكبيرة تقابله أثناء دراسته وعندما يتحصل الباحث االثنوغرافي عن كل ما
يخص أسلوب المعيشة في المجتمع المدروس ،يبدأ في التحليل والكشف عن عناصر البناء
االجتماعي من تصرفات ،عادات ،ردود أفعال ...وغيرها ،وذلك حتى تصبح دراسة مفهومة
وواضحة.
52
قضاء الباحث لفترة كافية بين أفراد المجتمع المدروس في معيشتهم مرتبط بحجم
المجتمع وطبيعة المشكلة المراد دراستها.
أن يكون الباحث طوال فترة المالحظة على صلة وثيقة باألهالي ،خاصة بإشراكه في
معظم جوانب حياتهم.
على الباحث االثنوغرافي أن يستخدم في حديثه مع أفراد المجتمع المدروس لغتهم ألن
المترجم قد يفشل في نقل األفكار والمعاني بدقة كاملة ،فعامل اللغة هام في تطبيق هذا
المنهج.
ضرورة المالحظة الشاملة لكل جوانب الحياة االجتماعية ،وان اقتصرت الدراسة
على جزء ما ،وذلك قصد فهم الجانب التفصيلي وتحديد وظائفه.
على الباحث أن يتخلى عن قيمه وحضارته قدر المستطاع مؤقتا حتى يستطيع تحقيق
المالحظة الموضوعية ،بالوصف الدقيق للظاهرة المدروسة ولكن عندما ينتقلون إلى
مرحلة الفهم واإلدراك العميق فإنهم يحتاجون للكثير من الحدس ،ويجب عدم إغفال
أهمية مزاح الباحث وطباعه ،فقد يحدث أن يخفق أحد الباحثين في دراسة مجتمع
معين ولكنه ينجح في مجتمع آخر.
يحتاج الباحث لمهارة أدبية في نقل ووصف وتحليل البناء االجتماعي إلى لغته ،إذ
عليه أن يبين ويشرح معنى الظواهر االجتماعية ويبرز معناها بوضوح لينجح في
عمله.
فيما يتعلق بتدوين التقارير اليومية ،نالحظ أن أفضل الظروف لتسجيل المعلومات هي
مكان المحادثة وأثناء حدوثها ،إذ يترتب على ذلك إبعاد عامل التحيز في االختبار؛ أي
التحيز في تسجيل معلومات معينة ،وإهمال معلومات أخرى ،أو عامل ضعف الذاكرة
اإلنسانية ،وقد تؤدي هذا التسجيل أو تدوين المعلومات إلى إثارة شكوك األفراد
الخاضعين للمالحظة ،وقد يؤدي أيضا إلى تشويه الصورة الطبيعية للظاهرة.
53
.2طريقة المقابلة غير الموجهة : Unguided Interview
مقابلة البحث هي تقنية مباشرة ،تستعمل من أجل مسائلة األفراد بكيفية منعزلة ،لكن أيضا
في بعض الحاالت مساءلة جماعات بطريقة نصف موجهة تسمح بأخذ معلومات كيفية بهدف
التعرف العميق على األشخاص.
يستخدم الباحث االثنوغرافي أثناء الدراسة الميدانية ،باإلضافة إلى طريقة المالحظة
بالمشاركة طريقة "المقابلة غير الموجهة" وتتمثل في مقابلة بعض أفراد مجتمع الدراسة أو
كلهم حسب عينة الدراسة فيحاول في المقابالت األولية اكتساب ثقتهم ،حيث يبدأ الباحث في
توجيه األسئلة ألفراد العينة محل الدراسة ،مع اتاحت لهم الفرصة لإلجابة المطولة دون
توجيه اإلجابة وجهة م عينة ،وعندما ينتقلون في الحديث من موضوع آلخر ال يحاول قطع
الحديث وإنما على العكس تماما يشجعهم بكلمة أو أخرى تزيد من حماسهم في االسترسال في
الحديث حول الموضوع الذي يهم الباحث.
ويمكن لهذا الباحث تدوين تلك المعلومات أو تسجيلها باآلالت الحديثة ،إذا كان قد اكتسب
ثقتهم ،وفي حالة عدم اكتساب تلك الثقة يمكن تدوين النقاط األساسية بطريقة ال تثير الشك،
وفي بعض األحيان ال يكتسب الباحث أية معلومات أثناء المقابلة غير الموجهة ،وإنما عليه
تدوين كل ما يسمعه بعد المقابلة مباش رة حتى ال ينسى بعض عناصرها ،وتتلخص أهمية
هذه الطري قة في اتاحتها لفرصة إظهار سمات شخصية األفراد وذلك بإعطاء المعلومات
التفصيلية عن الموضوعات التي تدور حولها األسئلة.
وتتمثل في استخدام استمارة متكونة من مجموعة من األسئلة موضوعة بدقة حول موضوع
معين ،وتشمل االستمارة كذلك اإلجابات المحتملة بحيث يمكن ملؤها بسرعة وتفريغها في
جداول وعلى الباحث أن يقرأ كل سؤال أمام الشخص المراد دراسته ثم تسجيل إجابته بوضع
عالمة أمام إحدى اإلجابات المكتوبة ،هذه الطريقة غير شائعة في الدراسات الخاصة
بالمجتمعات الريفية البدائية ،كونها تثير شكو ك األفراد لعدم تعودهم عليها وخاصة وأنه في
54
الغالب ال يعرف القراءة والكتابة ولم يحدث أن قابله شخص ما وأخذ يسجل أقواله ،لذا
ينحصر استخدامها فقط في المجتمعات الحضارية.
هذه الطريقة غير شائعة وتستخدم في األنثروبولوجيا االجتماعية أثناء الدراسات الميدانية
لبعض االختبارات النفسية لتحديد خصائص شخصية أفراد المجتمع المدروس ،مثل " اختبار
روشاخ* " Rorschach Testونشير هنا إلى أن القليل من علماء األنثروبولوجيا المتعلقة
بعلم االجتماع ،يستخدمون هذا النوع من اإلختبار ،وذلك لتكون الحصة األوفر في
استخ دامات علماء االنثروبولوجبا الثقافية الذين يتخصصون في تحديد العالقة بين الشخصية
والحضارة في مجتمع ما.
وقبل أن يتطرق Mauss Marcelلطرق المالحظة ،وضع مخططا يعتبره األنسب لدراسة
مجتمع ما ،يشمل ثالث خطوات متتابعة ومترابطة ومتكاملة ( يدعى مخطط دراسة مجتمع):
55
المورفولوجيا االجتماعيةMorpholologie sociale :
يتكون كل مجتمع من جماهير ودراسة هذا المجتمع باعتباره يتكون من جماهير وفي ميدانه
يشكل ما نسمه" مورفولوجيا اجتماعية "حيث تسمح بفهم الديموغرافيا Démographie
والجغرافيا البشريةGéographie humaine .
تدرس الظواهر في حد ذاتها ووظائفها ،خالل حركيتها ،وقد صنفها حسب درجة ماديتها إلى:
-التقنيات les techniques :تشمل كل الفنون والحرف الخاصة باإلنتاج بما في ذلك
كل العلوم فال يوجد مجتمع بدائي يكون مجردا من العلوم ،باإلضافة طبعا إلى الحرب
التي اعتبرها Mauss Marcelضمن التقنيات كونها تعتبر فن التخريب.
-االستطيقا L’esthétique :وتهتم بالجانب الجمالي للمجتمع الذي يعتبر ماديا بنسبة
كبيرة حتى عندما يظهر مثاليا.
-االقتصاد L’économie :يهتم بكل الظواهر االقتصادية وكل ما يتعلق باألموال،
باإلضافة إلى الظواهر القانونية.
-الظواهر العامة Phénomènes généraux :وتشمل هذه الظواهر اللغة في
المرتبة األولى ويليها الظواهر الوطنية داخل الوطن ذاته والظواهر الخارجية.
56
المالحق
صور لدراسات إثنوغرافية
قائمة المصادر والمراجع:
بارث فريديريك وآخرون ،ترجمة باقادر أبوبوكر احمد وإيمان الوكيلي ،األنثروبولوجيا حقل -
علمي واحد وأربع مدارس ،المركز العربي لألبحاث ودراساة السياسات ،بيروت.2017 ،
عامر مصباح ،المدخل إلى علم األنثروبولوجيا ،دار الكتاب الحديث ،القاهرة.2020 ، -
بيرتي ج بيلتو ،ترجمة سعد الدين كاظم ،دراسة األنثروبولوجيا المفهوم والتاريخ ،بيت الحكمة، -
بغداد.2010 ،
توماس هيالند إريكسن ،فين سيفرت نيلسن ،تر :عبده الريس ،تاريخ األنثروبولوجيا ،المركز -
القومي للترجمة ،القاهرة.2014 ،
حسين فهيم ،قصة األنثروبولوجيا ،سلسلة عالم المعرفة ،المجلس الوطني للثقافة والفنون -
واآلداب ،الكويت ،فبراير .1986
زينب حسن زيود ،األنثروبولوجيا علم دراسة اإلنسان طبيعيا واجتماعيا وحضاريا ،دار -
االعصار العلمي.2015 ،
عيسى الشماس ،مدخل إلى علم اإلنسان ،منشورات إتحاد كتاب العرب ،دمشق ،2004 ،ص.28 -
فاروق مصطفى اسماعيل ،األنثروبولوجيا الثقافية ،الهيئة المصرية العامة للكتاب ،القاهرة، -
.1980
محمد عبده محجوب ،مقدمة في األنثروبولوجيا المجاالت النظرية والتطبيقية ،دار المعرفية -
الجامعية ،القاهرة.2000 ،
مصطفى تلوين ،مدخل عام في األنثروبولوجيا ،دار الفرابي ،بيروت.2011 ، -
شريهان حوامدة ،نشأة اأنثروبولوجيا في العصر القديم ،بتاريخ ،2022/01/13على ،19:54 -
https://e3arabi.com
زاهيد مصطفى ،مدخل إلى الفكر األنثروبولوجي ،بتاريخ ،2022/02/31 :على ،22:03 -
https://www.aranthropos.com/%D9%85%D8%AF%D8%AE%D9%84-
%D8%A5%D9%84%D9%89-%D8%A7%D9%84%D9%81%D9%83%D8%B1-
%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%86%D8%AB%D8%B1%D9%88%D8%A8%
/D9%88%D9%84%D9%88%D8%AC%D9%8A
يوسف زروق ،األنثروبولوجيا في عصر النهضة االوروبية ،بتاريخ ،2022/01/27 :على -
http://sociomaroc.blogspot.com/2012/08/blog-post_29.html ،19:22