Professional Documents
Culture Documents
Document
Document
.1هدية المجوس
.2عالمية في مقهى
.3بين الجوالت
.4منور الغرفة
.5خدمة الحب
.6خروج ماجي
.7الشرطي والنشيد
.8مذكرات كلب أصفر
.9شراب الحب إليكي شونشتاين
.10الغرفة المفروشة
.11الورقة األخيرة
.12الشاعر والفالح
.13التجول في افاسيا
.14تقرير البلدية
.15برهان الحلوى
هدية المجوس
دوالر واحد وسبعة وثمانون سنتًا منها ستون سنتًا على شكل بنسات ،هذا هو كله .والتي جمعت بعد
عناء ومجادالت مع الجزار وصاحب البقالة وبائع ال ُخضار .ثالث مرات أعادت ديال حسابه ،لكنه ما
زال نفسه ..دوالر واحد وسبعة وثمانون سنتًا هو حصيلة ما كانت تملكه لـ عيد الميالد الذي سيأتي في
اليوم التالي.
ولقد كان جليًا كفاية أنه ما باليد حيلة لجني المزيد من المال ،األمر الذي جعل ديال تتخبط على األريكة
الصغيرة المهترئة في حيرةٍ من أمرها وتطلق التنهيدات العميقة ،والذي يثبت أن الحياة ما هي إال
رحلة شاقة مليئة باألحزان والصعاب.
إن المنزل الذي كانت تحوم به ديال قاضيةً وقتها ما بين النحيب تارة والتنهد تارة أخرى ،كان عبارة ً
عن شقة مفروشة تكلف ثمانية دوالرات إسبوعيًا ،لها مدخل يحتوي صندوق بريد صغير ال يتسع
لرسالة ،وباب منهك ذي جرس ال يعمل ،باإلضافة إلى لوحة عنوان باسم “السيد جيمس ديلينجهام
يونغ”.
دوالرا في األسبوع،
ً وقد كانت عائلة ديلينجهام تمر بحالة من الرخاء المادي عندما كانت تجني 30
دوالرا ،حتى تراجعت األوضاع لدرجة التفكير باختصار اسم العائلة
ً لكن ما إن تقلص الدخل إلى 20
ً
كامال .على أية حال ،ذات االسم الطويل كان المكتوب على لوحة الباب إلى “د” فقط ً
بدال من اسمها
يُختصر ليصبح “جيم” فقط ما إن تحتضنه ديال بحرارة.
ومجرد ما مسحت ديال دموعها ووضعت القليل من البودرة على خدَّيها ،وقفت حزينةً تنظر من النافذةِ
ي.
إلى قِطتها الرماديَّة وهي تمشي قرب سياج الفناء الخلفي الذي َّلونته الثلوج هو اآلخر باللون الرماد ّ
دوالرا فقط لشراء هدية جيم ،بعد أن دأبت على ادخار ً سيأتي يوم الميالد غدًا وهي ال تملك إال 1.87
دوالرا األسبوعيّة ،كانت النفقات أكبر مما تتوقع ،وما جنته أقل مما
ً كل ما تطاله يداها من العشرين
تحتاج لشراء هدية جيم الذي قضت الساعات الطوال تفكر بشيء استثنائي وبراق يليق به.
وقد كان هناك مرايا ضيقة جدًا بين نوافذ الغرفة مثل تلك الموجودة في الشقق الرخيصة ،والتي بالكاد
يتمكن فيها الشخص النحيل جدًا من مالحظة انعكاسه إلى ح ٍد ما بعد القيام بحركة سريعة ،األمر الذي
أتقنته ديال لشدة نحافتها.
استدارت ديال فجأة عن النافدة ،لتقف قبالة المرآة وتتأمل نفسها ،كانت عيناها تحمل بريقًا لماعًا انطفأ
وهي ترى وجهها الشاحب ،لكنَّها سرعان ما أطلقت العنان لشعرها الطويل لينساب كالشالل.
أما عن جيم ،فقد كان الفخر والغرور ينتابه المتالكه شيئين فقط ،أحدهما شعر ديال الطويل ،الذي
وقدرا ،واآلخر هو ساعته الذهبية الموروثة من أبيه وجده ،والتي ستجعل
ً يضاهي ُملك ملكة سبأ قيمةً
الملك سليمان بالرغم من كنوزه الهائلة وثروته الضخمة يتحسس لحيته غيرة ً منها.
تدفق شعر ديال البني كالشالل حتى ركبتيها ،لكن سرعان ما جمعته بعد أن تساقطت من عينيها دمعة
حارة تشتت على السجادة الحمراء البالية ،وارتدت معطفها وقبعتها القديمان ،لتفتح الباب وتخرج من
الشقة بكل ما بها من أسى نحو الشارع ،حيث استوقفتها الفتة تحمل “اآلنسة سفروني لجميع أنواع
الشعر” ،واندفعت من الباب لترى سيدة ً ضخمة وشديدة البياض بالكاد تبدو “سفروني”.
بعد انقضاء ساعتين ،كانت المتاجر قد نهبت إحدى ثروات جيم ،وكانت ديال تجوب المحال بحثًا عن
هدية له.
صا لشخص مثل جيم وليس ألحد غيره ،لم يكن هناك أخيرا ،من المؤكد أنّها صنعت خصي ً ً لقد وجدتها
ما يماثلها في المتاجر التي جابت جميعها ،كانت سلسلة فضية من البالتينيوم ،بسيطة ودقيقة
التصميم ،جودة مضمونها ال تقل قيمة عن مظهرها الخارجي – كما يجب أن تكون كل األشياء الجيدة،
سرا بسبب جوانبهاكانت هذه السلسلة راقية وقيمة تما ًما مثل جيم الذي لطالما استرق النظر إلى ساعته ً
الجلدية القديمة بدل من سلسلة أنيقة ،أرادت ديال بشدة أن تبدله ذلك الشعور بآخر يجعله يفخر برؤية
دوالرا ،وعادتً الوقت في كل مكان ،ومن أجل ذلك ،لم تتأن عن شراء السلسلة بواحد وعشرون
أدراجها إلى المنزل مع الـ 87سنتًا المتبقية.
عندما وصلت ديال منزلها ،هدأت ً
قليال واستعادت توازنها ،ثم أخرجت مكواة وذهبت تعمل جادة في
محاولة إلصالح شعرها ،الذي كان عبارة عن فوضى تسبب بها الكرم ممزو ًجا بالحب ،والتي هي
دائ ًما مهمة جبارة ،ال بل مهمة عظيمة.
وفي غضون أربعين دقيقة ،كان رأسها مغطى بشعرها الصغير المجعد الذي جعلها تبدو كتلميذة على
مقاعد الدراسة ،وأخذت ديال تنظر إليه في المرآة بعناية.
ي أصبحت أشبه قالت لنفسها“ :إن لم يقتلني جيم” قبل أن ينظر لي نظرة ثانية ،سيخبرني كم أن ّ
ُمنشدات الكنائس ،لكن ما عساي أن أفعل بدوالر وسبعة وثمانين سنتًا؟
وتحضير الطعام وجلست تنتظر جيم -الذي ال يتأخر البتة -حاملة بيدها في تمام السابعة ،كانت ديال انتهت من صنع القهوة
السلسلة وجالسة على زاوية الطاولة تترقب بالقرب من الباب .وعندما طالت خطوات جيم وهو يسير درج الطابق األول
مسامعها ،شحب وجهها وهمست ديال تتوسل ربها أن يجعلها تبدو جميلة في عينيه كما كانت ،لقد اعتادت ديال تالوة وتمتمتة
صالوات متواضعة تخبأ بها أبسط همومها اليوميَّة.
تسمر جيم واقفًا وأخذ يحدق ويطيل النظر بديال في نظرة ال تفهمها وال تنم عن مشاعر واضحة مثل تلك التي جهزت ديال نفسها
الستقبالها ،كان فقط يتفحصها بدقة شديدة الغرابة.
ي بهذه الطريقة! لقد قصصت شعري وبعته ألنني لم أود تركت ديال الطاولة وتوجهت نحوه قائلة“ :عزيزي جيم! ال تنظر إل ّ
سيطول شعري سريعًا! هيا قل لي “ميالد سعيد” ودعنا نكون َّ تفويت عيد الميالد دون أن أجلب لك هدية! لن تمانع ،أليس كذلك؟
سعداء ،أنت ال تعرف بعد كم هي جميلة الهدية التي أحضرتها لك”
ت شعرك؟” سأل جيم ببطء كما لو أنه لم يفهم رغم أنَّه كان قد فكر مليًا في ذلك. “لقد قصص ِ
“قصصته وبعته ،هل ستتوقف عن حبي كالسابق؟ لكني أنا ما زلت أنا ،لم أتغير حتى لو قصصت شعري” قالت ديال.
ت شعرك؟”. ً
تسائال“ :ماذا تقولين؟ حقًا قصص ِ بدأت عينا جيم تتفحصان الغرفة بفضول ،ثم أردف م
مرا
أزالت أصابع ديال البيضاء الرقيقة غالف العلبة ،ولوهلة ،تملكها الفرح حتى غصت بدمعة حارة لم تخفيها وتبعها بكاء ً
صا بعدما أدركت أن العلبة تحتوي مشبك شعر رائع مصنوع من المحار ومرصع بالجواهر يتناسب تما ًما مع أحزنهما ،خصو ً
لون شعرها المميز ،لقد كان يبدو باهظ الثمن ولطالما راودتها الرغبة بإقتناء شيء مثله دون القدرة على تنفيذها ،لكن اآلن ،لن
يجدي امتالكه نفعًا بعدما خسرت شعرها الجميل.
أمسكت ديال المشبك بقوة ونظرت بعينين تملؤهما الحزن وعلى وجهها ابتسامة بريئة ،ثم قالت“ :ال بأس! شعري ينمو بسرعة
يا جيم!”
قفزت ديال كطفلة صغيرة وصرخت متعجبة بعد أن أدركت أن جيم لم ير هديته الجميلة بعد ،قدمتها نحوه بيدين مفتوحتين بكل
حماس ،وبدت السلسلة الثمينة أقل رونقًا في حضور روحها الصافية.
“أليست رائعة يا جيم؟ لقد بحثت في جميع أنحاء المدينة للعثور عليها ،ستنظر إلى الوقت مائة مرة في اليوم،
أعطني ساعتك! أريد أن أرى كيف يبدوان معًا!”.
وبدال من اإلستجابة لرغبتها ،جلس جيم على األريكة وانحنى إلى الوراء مبتس ًما ،ثم قال“ :دعينا نترك هدايا عيد الميالد جانبًا،
إنَّها هدايا جميلة حقًا ،لكن بصراحة ،لقد بعت ساعتي حتى أتمكن من شراء مشبك الشعر لك ،على أية حال ،أين طعام الليلة؟”.
المجوس الذين كانوا حكما ًء رائعين قدموا لقد جاءت فكرة جلب الهدايا في عيد الميالد كما تعلمون من
لليسوع الهبات -كما ذكر في إنجيل متى -وكونهم حكماء ،كانت هداياهم أيضًا كذلك وتعبر في محتواها
عن ما يفوق قيمتها ،أبطال قصتنا الساذجة هنا كانا طفالن رقيقان ضحيا في سبيل بعضهما البعض
بكل ما يملكان من الكنوز .لكن في كلمة أخيرة لحكماء هذه األيام ،بودي أن أذكر أن بطالنا كانا األكثر
وإن من بين كل الذين قدموا واستقبلوا أية هدايا ،سيضل المجوس هم األفضل عبر األزمنة حكمةَّ ،
واألماكن.
العالمي في مقهى
في منتصف الليل كان المقهى مزدحم ،وعن طريق الصدفة كانت الطاولة الصغيرة التي
جلست عليها قد هربت من أعين الزائرين وفيها كرسيان شاغران يمدان يديهما بضيافة
للرعاة .
ثم جلس عالمي في أحدهم ،وكنت سعيدا ،ألنني حملت نظرية مفادها أنه منذ آدم لم يكن
هناك مواطن حقيقي في العالم .نسمع عنهم ،ونرى ملصقات أجنبية على الكثير من
األمتعة ،لكننا نجد المسافرين بدال من العالمي.
أدعوك إلى النظر في المشهد -الطاوالت المغطاة بالرخام ،ومجموعة المقاعد الجدارية
المنجدة بالجلد ،وشركة المثليين ،والسيدات اللواتي يرتدين مراحيض نصف الدولة،
ويتحدثن في جوقة مرئية رائعة من الذوق أو االقتصاد أو البذخ أو الفن ،والحارز
المحبوبة ،والموسيقى التي تخدم بحكمة للجميع من خالل غاراتها على الملحنين؛ مزيج
الكالم والضحك -وإذا صح التعبير ،فإن Würzburgerفي المخاريط الزجاجية
الطويلة التي تنحني إلى شفتيك ككرز ناضج يتمايل على فرعه إلى منقار جاي اللص.
أخبرني نحات من ماوش تشونك أن المشهد كان باريسيا حقا.
تم تسمية العالمي الخاص بي راشمور كوجالن ،وسيتم سماعه من الصيف المقبل في
كوني آيالند .أخبرني أنه سينشئ "جاذبية" جديدة هناك ،وتقدم تحويال ملكيا .ثم رنت
محادثته على طول أوجه التشابه بين خط العرض والطول .أخذ العالم العظيم المستدير في
يده ،إذا جاز التعبير ،بشكل مألوف ،بازدراء ،ولم يبدو أكبر من بذرة كرز ماراسكينو في
فاكهة عنب مائدة .تحدث باحترام عن خط االستواء ،وتخطى من القارة إلى أخرى ،وسخر
من المناطق ،ومسح أعالي البحار بمنديله .بموجة من يده كان يتحدث عن بازار معين في
حيدر أباد .نفحة! كان سيجعلك على الزالجات في البالند .الرمز البريدي! اآلن ركبت
القواطع مع كاناكا في كيااليكاهيكي .بريستو! لقد جرك عبر مستنقع ما بعد البلوط في
أركنساس ،وتركك تجف للحظة على السهول القلوية في مزرعته في أيداهو ،ثم دورك إلى
مجتمع دوقات فيينا .أنون سيخبرك عن نزلة برد أصيب بها في نسيم بحيرة شيكاغو
وكيف عالجها إسكاميال في بوينس أيريس مع ضخ ساخن من حشائش تشوتشوال.
كنت ستوجه الرسالة إلى " E. Rushmore Coglan, Esq., the Earth, Solar
," System, the Universeوكنت قد أرسلتها بالبريد ،وأنت تشعر بالثقة في أنه سيتم
تسليمها إليه.
كنت متأكدا من أنني وجدت أخيرا العالم الحقيقي الوحيد منذ آدم ،واستمعت إلى خطابه
العالمي خوفا خشية أن أكتشف فيه المالحظة المحلية لمجرد العالم .لكن آرائه لم ترفرف
أو تتدلى أبدا؛ كان محايدا تجاه المدن والبلدان والقارات مثل الرياح أو الجاذبية.
وكما تثرثر راشمور كوجالن من هذا الكوكب الصغير فكرت بفرح في عالمي عظيم
تقريبا كتب للعالم بأسره وكرس نفسه لبومباي .في قصيدة عليه أن يقول إن هناك فخرا
وتنافسا بين مدن األرض ،وأن "الرجال الذين يتكاثرون منهم ،يتاجرون صعودا وهبوطا،
لكنهم يتشبثون بمدنهم كطفل بثوب األم" .وكلما ساروا "من خالل الشوارع الصاخبة غير
المعروفة" يتذكرون مدينتهم األصلية "األكثر إخالصا وحماقة ومولعا؛ مما يجعل اسمها
مجرد التنفس رابطهم على رباطهم" .واستيقظت فرحتي ألنني أمسكت بالسيد كيبلينغ وهو
يغفو .هنا وجدت رجال لم يصنع من الغبار؛ رجال لم يكن لديه تفاخر ضيق بمسقط رأس
أو بلد ،شخص ،إذا تفاخر على اإلطالق ،سيتفاخر بكرة أرضه المستديرة بأكملها ضد
المريخ وسكان القمر.
تم التعجيل بالتعبير عن هذه الموضوعات من راشمور كوجالن أسرع -المزيد من
كوغالن في الزاوية الثالثة إلى طاولتنا .بينما كان كوجالن يصف لي التضاريس على
طول السكك الحديدية السيبيرية ،انزلقت األوركسترا إلى مزيج .كان الهواء الختامي
"ديكسي" ،ومع هبط المالحظات المبهجة ،كانت تعمل بالطاقة تقريبا من خالل التصفيق
الكبير لأليدي من كل طاولة تقريبا.
يجدر القول إن هذا المشهد الرائع يمكن مشاهدته كل مساء في العديد من المقاهي في مدينة
نيويورك .تم استهالك الكثير من المشروب على النظريات لحساب ذلك .لقد خمن البعض
على عجل أن جميع الجنوبيين في المدينة يتجولون في المقاهي عند حلول الليل .هذا
التصفيق للهواء "المتمرد" في مدينة شمالية يحير قليال؛ لكنه ليس غير قابل للحل .الحرب
مع إسبانيا ،ومحاصيل النعناع والبطيخ السخية لسنوات عديدة ،وعدد قليل من الفائزين في
مضمار سباق نيو أورليانز ،والمآدب الرائعة التي قدمها مواطنو إنديانا وكانساس الذين
يشكلون جمعية كارولينا الشمالية ،جعلت الجنوب إلى حد ما "بدعة" في مانهاتن .سوف
يلبس مانيكيرك بهدوء أن السبابة اليسرى تذكرها كثيرا برجل نبيل في ريتش موند،
فيرجينيا .أوه ،بالتأكيد؛ لكن الكثير من السيدات يجب أن يعملن اآلن -الحرب ،كما تعلم.
عندما كان يتم لعب "ديكسي" ،قفز شاب ذو شعر داكن من مكان ما مع صرخة حرب
عصابات موسبي ولوح بشكل محموم قبعته ذات الحواف الناعمة .ثم ضل طريقه من
خالل الدخان ،وسقط إلى الكرسي الشاغر على طاولتنا وسحب السجائر.
كان المساء في الفترة التي يتم فيها إذابة االحتياطي .ذكر أحدنا ثالثة من
Würzburgersإلى النادل؛ اعترف الشاب ذو الشعر الداكن بإدراجه في األمر بابتسامة
وإيماءة .سارعت إلى طرح سؤال عليه ألنني أردت تجربة نظرية لدي.
"هل تمانع أن تخبرني "،بدأت" ،سواء كنت من "-
ضرب راشمور كوجالن الطاولة وكنت في صمت.
قال" :عفوا ،لكن هذا سؤال ال أحب أن أسمعه أبدا .ما الذي يهم من أين يأتي الرجل؟ هل
من العدل الحكم على رجل من خالل عنوان مكتب البريد الخاص به؟ لماذا ،لقد رأيت
سكان كنتاكي الذين يكرهون الويسكي ،والفيرجينيين الذين لم ينحدرون من بوكاهون تاس،
والهنود الذين لم يكتبوا رواية ،والمكسيكيون الذين لم يرتدوا سراويل مخملية مع دوالرات
فضية مخيطة على طول اللحامات ،واإلنجليز المضحكون ،واليانكيز المنفقون،
والجنوبيون ذوو الدم البارد ،والغربيون ضيقو األفق ،وسكان نيويورك الذين كانوا
مشغولون جدا لدرجة أن يتوقفوا لمدة ساعة في الشارع لمشاهدة كاتب بقالة مسلح واحد
يقوم بالتوت البري في أكياس ورقية .دع الرجل يكون رجال وال تعيقه عن تسمية أي قسم.
قلت" :عفوا ،لكن فضولي لم يكن خامال تماما .أعرف الجنوب ،وعندما تعزف الفرقة
"ديكسي" أحب أن أراقب .لقد شكلت االعتقاد بأن الرجل الذي يصفق لهذا الهواء مع
العنف الخاص والوالء القطاعي ظاهريا هو دائما من مواليد سيكوكس ،نيوجيرسي ،أو
المنطقة الواقعة بين موراي هيل ليسيوم ونهر هارلم ،هذه المدينة .كنت على وشك أن
أضع رأيي على المحك من خالل االستفسار عن هذا الرجل عندما قاطعت نظريتك
األكبر ،يجب أن أعترف.
واآلن تحدث إلي الشاب ذو الشعر الداكن ،وأصبح من الواضح أن عقله يتحرك أيضا على
طول مجموعة األخاديد الخاصة به.
قال في ظروف غامضة" :أود أن أكون بريوينكل ،على قمة الوادي ،وأغني أيضا-
".ralloo-ralloo
من الواضح أن هذا كان غامضا جدا ،لذلك التفت مرة أخرى إلى كوغالن.
قال" :لقد كنت في جميع أنحاء العالم اثنتي عشرة مرة" .أعرف إسكيماو في أوبرنافيك
الذي يرسل إلى سينسيناتي من أجل ربطات عنقه ،ورأيت راعي الماعز في أوروغواي
الذي فاز بجائزة في مسابقة ألغاز طعام اإلفطار في باتل كريك.
انا ادفع ايجار لغرفة في القاهرة ،مصر ،وآخر في يوكوهاما على مدار السنة .لدي نعال
في انتظاري في بيت الشاي في شنغهاي ،وليس علي أن أخبرهم كيف أطبخ بيضي في
ريو دي جانيرو أو سياتل .إنه عالم قديم صغير عظيم .ما فائدة التباهي بأن تكون من
الشمال ،أو الجنوب ،أو منزل مانور القديم في ديل ،أو شارع إقليدس ،كليفالند ،أو بايك
بيك ،أو مقاطعة فيرفاكس ،فيرجينيا ،أو شقق هوليجان أو أي مكان؟ سيكون عالما أفضل
عندما نتوقف عن كوننا أغبياء بشأن بعض المدن العفنة أو عشرة أفدنة من المستنقعات
لمجرد أننا ولدنا هناك.
قلت بإعجاب" :يبدو أنك كوزموبوليت حقيقي"" .لكن يبدو أيضا أنك ستشجب الوطنية".
أعلن كوغالن بحرارة" :بقايا العصر الحجري" .نحن جميعا إخوة -صينيون وإنجليز
وزولوس وباتاغونيون والشعب في منعطف نهر كاو .في يوم من األيام ،سيتم القضاء
على كل هذا الفخر الصغير في مدينة أو والية أو قسم أو بلد ،وسنكون جميعا مواطنين في
العالم ،كما يجب أن نكون.
"لكن بينما تتجول في األراضي األجنبية "،أصررت" ،ال تعود أفكارك إلى مكان ما -
بعض العزيز و"-
" ناري بقعة" ،قاطع كوجالن بتقلب" .تجربة األرض ،الكروية ،قطعة كبيرة من المادة
الكوكبية ،المسطحة قليال في القطبين ،والمعروفة باسم األرض ،هي مسكني ".لقد قابلت
العديد من المواطنين في هذا البلد في الخارج .لقد رأيت رجاال من شيكاغو يجلسون في
جندول في البندقية في ليلة ضوء القمر ويتفاخرون بقناة الصرف الخاصة بهم .لقد رأيت
جنوبيا عند تقديمه إلى ملك إنجلترا هذا الملك ،دون ضرب عينيه ،المعلومات التي تفيد بأن
جده من جانب والدته كانت مرتبطة بالزواج من بيركنز ،من تشارلستون .كنت أعرف أحد
سكان نيويورك الذي اختطفه بعض قطاع الطرق األفغان للحصول على فدية .أرسل شعبه
المال وعاد إلى كابول مع الوكيل" .أفغانستان؟" قال له السكان األصليون من خالل مترجم
فوري .حسنا ،ليس بطيئا جدا ،هل تعتقد ذلك؟ يقول" :أوه ،ال أعرف" ،ويبدأ في إخبارهم
عن سائق سيارة أجرة في الجادة السادسة وبرودواي .هذه األفكار ال تناسبني .أنا لست
مرتبطا بأي شيء ليس قطره 8000ميل .فقط ضعني في األسفل مثل .Eراشمور
كوجالن ،مواطن في المجال األرضي.
قام كوزموبوليت الخاص بي بوداع كبير وتركني ،ألنه اعتقد أنه رأى شخصا ما من خالل
الثرثرة ويدخن الذي يعرفه .لذلك تركت مع periwinkleالمحتمل ،الذي تم تخفيضه
إلى Würzburgerدون مزيد من القدرة على التعبير عن تطلعاته إلى جثم ،رخي ،على
قمة الوادي.
جلست أفكر في كوزموبوليتي الواضح وأتساءل كيف تمكن الشاعر من تفويته .لقد آمنت
به .كيف كان األمر؟ "الرجال الذين يتكاثرون منهم يتاجرون صعودا وهبوطا ،لكنهم
يتشبثون بمدنهم" عندما كانوا طفال بثوب األم ".ليس كذلك راشمور كوغالن .مع العالم
كله من أجله -
توقفت تأمالتي بسبب ضوضاء وصراع هائلين في جزء آخر من المقهى .رأيت فوق
رؤوس الرعاة الجالسين انخرط راشمور كوجالن وشخص غريب عني في معركة رائعة.
قاتلوا بين الطاوالت مثل الجبابرة ،وتحطمت النظارات ،وقبض الرجال على قبعاتهم
وسقطوا ،وصرخت امرأة سمراء ،وبدأت شقراء في غناء "."Teas ing
كان كوزموبوليت الخاص بي يحافظ على فخر وسمعة األرض عندما أغلق النوادل على
كال المقاتلين بتشكيل إسفين الطيران الشهير وحملهم في الخارج ،وال يزالون يقاومون.
اتصلت بمكارثي ،أحد الحامقين الفرنسيين ،وسألته عن سبب الصراع.
"الرجل ذو ربطة العنق الحمراء" (كان ذلك كوزموبوليتي) ،قال" ،أصبح ساخنا بسبب
األشياء التي قيلت عن األرصفة وإمدادات المياه في المكان الذي جاء منه من قبل الرجل
اآلخر".
"لماذا "،قلت ،في حيرة من أمري" ،هذا الرجل مواطن في العالم -عالمي.
قال" :في األصل من ماتاوامكياغ ،مين "،تابع مكارثي ،ولن يقف من أجل عدم طرق
المكان.
بين الجوالت
كان القمر يتألق على النزل الخاص الذي تملكه السيدة مورفي والربيع في ابانه ،
والرياض منضرة بورق الشجر الجديد ،والزهور تتفتح ،والهواء يرق ،والموسيقى
تزدهر في كل مكان.
وكانت نوافذ نزل السيدة مورفي مفتحة ،وعدد من النزالء يجلسون في درج المدخل على
حصر مستديرة منبسطة كالفطائر.
وفي نافذه من نوافذ الطابق الثاني المطلة على الطريق ،كانت السيدة ماكاسكي تنتظر
زوجها ،وقد برد العشاء على الطاولة ،فأعادت تسخينه السيدة ماكاسكي .
وعاد السيد ماكاسكي في التاسعة يحمل معطفه على ذراعه ،وغليونه بين اسنانه ،بعد ان
اعتذر للنزالء الجالسين على الدرج القالق راحتهم ،وهو يتلمس بينهم مكانا على درج
السلم لنعله الكبير .
وعندما فتح باب غرفته واجهته مفاجأة ،فبدال من أن تستقبله أغطية القدور وأدوات
المطبخ كما تعود ،استقبله سيل من األلفاظ ليس إال .
وأدرك السيد ماكاسكي أن قمر الربيع اللطيف قد رقق صدر زوجته .
وانطلقت قذائف االبدال الشفية ألدوات المطبخ على الصورة التالية (( :لقد سمعتك ..انك
تستطيع ان تعتذر لرعاع الطريق عن مس نعلك لحواشي ثيابهم .ولكنك قد تخطو على
رقبة زوجتك دون أن تفكر أن تفكر حتى في تقبيل قدمها ،لقد رأيتك تفعل ذلك وأنا مطلة
من النافذة ،والطعام يبرد ،وأي طعام هذا الذي نحصل عليه ،وأنت تنفق أجرك كله على
الخمر ،ومحصل الغاز جاء اليوم مرتين مطالبا بماله )) .قال السيد ماكاسكي وهو يرمي
معطفه وقبعته على مقعد (( :أن ضوضاءك يا امرأة مسبة لشهوتي للطعام ،فأنت عندما
تعمدين الى البذاءة تخلخلين أساس المجتمع ،وانه ليس اكثر من استشارة بفظاظة سيد
فاضل عندما تطالبينه بالشجار مع سيدات يزحمن الطريق ،ويحلن دون الخطو بينهن أال
يمكن ان تدخلي وجهك هذا – وجه الخنزير -من النافذة ،وتعدي الطعام ؟ . ))..فنهضت
السيدة ماكاسكي متثاقلة ومضت الى الموقد ،وكان في سحنتها نذير للسيد ماكاسكي ،فان
زوايا فمها كانت في العادة عندما تتدلى فجأة ،وتصبح كشعبتي بارومتر ،تنبئ عما البد
من حدوثه من قذف اآلنية والمالعق والسكاكين .فقالت ((:وجه خنزير ،أهو كذالك ؟ )).
ثم قذفت وجه زوجها بمقالة مملوءة بشرائح اللفت ولحم الخنزير.
وما كان السيد ماكاسكي حديث العهد بسرعة البديهة ،فقد عرف ما يعقب التمهيد ،فرد
اإلهانة بقطعة من لحم الخنزير المشوي مزخرفة بورق البرسيم ،وجدها على المائدة ،
وكان الجواب الذي تلقاه عليها فطيرة من فطائر الزبيب في صحن من الفخار .وأصابت
ما تحت عين السيدة ماكاسكي قطعة ضخمة من الجبن سددها زوجها باحكام .وعندها
استجابت بابريق ممتلئ بالقهوة الساخنة ذات العبق الخفيف .كان المفروض أن تضع
الحرب اوزارها بهذا الختام ،تبعا ً لتقاليد المائدة .ولكن السيد ماكاسكي لم يكن من رواد
المطاعم الرخيصة .وللبوهيميين الفقراء إذا شاءوا أن يختموا طعامهم بالقهوة ،ويخطئوا
هذا الخطأ االجتماعي الفاحش ،أما هو فأسمى منهم وأحرص على آداب اللياقة .إن طاسة
الماء التي تغسل فيها األيدي والفاكهة لم تكن غريبة عليه ،ورغم أن مثل هذه الطاسات لم
يكن لها وجود في منزل السيدة مورفي ،فقد كان لها فيه نظائر ،فكاد يفلق رأس منازلته
في بيت الزوجية بحوض الغسيل الحجري ،لوال أنها زاغت منه في الوقت المناسب ،
وتناولت هي األخرى مكواة ماطا بها كل آمالها في أن تكون نشوة الكأس التي تضع حداً
لهذه المبارزة الغذائية ،ولكن صرخة عالية معولة متصاعدة من أسفل السلم دفعتها هي
وزوجها أن عن النزال في شبه هدنة عقدت بغير اتفاق .
وعند ركن البيت على ناصية الطريق ،كان الشرطي كليري يقف ناشراً إحدى اذنيه ،
مصغيا لصليل اآلنية التي يتقاذفها الخصمان .
وقال الشرطي لنفسه (( :هذا جون ماكاسكي وقرينته في معمعة القتال من جديد .أتراني
أصعد وأفض النزاع ؟ كال ..إنهما زوجان من حقهما أن ينعما بحياة ما أقل فيها ملذات
األزواج ،ولن تدوم المعركة طويال ،ومن المؤكد أنهما سيتحتم عليها إستعارة صحون
أكثر من الجيران ليبقياها مشتعلة األوار )).
وفي نفس اللحظة التي كان الشرطي يحدث فيها نفسه هذا الحديث ،شقت أجواز الفضاء
تلك الصرخة المتصاعدة من الطابق األسفل ،منذرة بالويل والثبور ،وقال الشرطي
كليري لنفسه وهو يخطي مسرعا في االتجاه المعاكس (( :لعلها هرة تموء)).
وفزع النزالء الجالسون على سلم المدخل .ولما كان توني محاميا ً في شركة تأمين ،تولى
مهنته فيها وراثةً عن أبيه ،وكان التحقيق في دمه ،فقد دخل البيت ليكشف عما وراء هذا
الصراخ ،وعاد ينبئ النزالء أن مايك ابن السيدة مورفي قد ضاع ،وأعقبته السيدة مورفي
نفسها منطلقة من الباب حاملة تسعين كيلوجراما ً من الدموع واللوعات ،ضاربة بقبضتها
الهواء ،مستصرخة السماء لضياع أربعة عشر كيلوجراما ً من النمش والفساد ..وسمها
نذالة اذا اردت ،أن يعمد السيد توني في هذا الوقت الحرج الى اآلنسة بيردي بائعة
البرانيط النمسوية ،فيجلس الى جوارها ،وتتالقى أيديهما كما تتالقى أيدي المحبين ،أما
العانستان األختان ويلش اللتان كانتا تشكوان على الدوام مما يشيع في مدخل البيت من
ضوضاء ،فقد تساءلتا في لهفة عما إذا كان أحد قد بحث عن الغالم الضائع في ساعة
الحائط .
ونهض الصاغ جريج من جلسته بجوار زوجته البدينة على أعلى درجة في السلم ،وزر
سترته وصاح في تعجب (( :أضاع الغالم حقا ؟ إني سأقلب عليه المدينة ظهرا لبطن )).
وكانت زوجته ال تسمح له في مبارحة المنزل اذا جن الليل ،ولكنها االن قالت له في
صوت رجالي عا ٍل (( :اذهب يا لودفيج ،إن الذي يستطيع أن ينظر الى فجيعة هذه األم
دون أن ينهض لنجدتها ،البد أن يكون قلبه قدّ من حجر )).
وقال الصاغ(( :أعطيني يا حبيبتي ثالثين او ستين سنتا ً ،فإن الطفل إذا ضل فكثيراً ما
يبالغ في الشطط ،وقد تحتاج لركوب األوتوبيس )).
أما العجوز ديني الساكن في البهو الصيفي للطابق الرابع ،والذي جلس على أدنى درجات
السلم يحاول قراءة جريدة تحت ضوء مصباح الشارع ،فقد قلب صفحة ليكمل قراءة
موضوع إضراب النجارين.
فصرخت السيدة مورفي تخاطب القمر (( :مايك ..مايك..أيها القمر..باهلل عليك أال تخبرني
أين فلذة كبدي الصغير ؟)).
سألها العجوز ديني(( :متى رأيته آخر مرة؟))
أجابت السيدة مورفي(( :أوه منذ األمس أو لعله قبل أربع ساعات ،لست أدري لكنه ضاع ،
مايك ولدي الصغير ..إنه كان يلعب في الشارع هذا الصباح أو لعل ذلك كان باألمس إني
مغرقة في العمل ومن الصعب تذكر الوقت وقد بحثت في المنزل من السطح إلى القبر فلم
أعثر له على أثر ،لقد ضاع ،أوه ،ال بحق السماء ال )).
لكم صبرت المدينة شامخة صامتة عابسة من األزل على سباب الشاتمين ،إنهم يتهمونها
ت موحشة ، أنها قاسية كالحديد ،وأن صدرها ال يخفق يرحمة ،ويقارنون شوارعها بغابا ٍ
وصحاري رمالها من حمم البراكين ،ولكن الصدفة الصلبة في جسم السرطان تحتها لحم
لذيذ ،ولعل إستعارة أخرى كانت تكون أنسب للمقام ،ولكن مع ذلك ال ينبغي ألحد أن
يمتعض من هذا التشبيه ،وما كنا لنشبه أحد بالسرطان ما لم يكن له من المخالب المفترسة
ما يبرر هذا اإلتهام .
إن قلب اإلنسانية ال تمسه كارثة أروع من ضالل طفل صغير ،قدماه ضعيفتان حائرتان ،
والطريق موحش وما أكثر ما فيه من مزالق .
اندفع الصاغ جريج إلى ناصية الطريق ،ومنها إلى الشارع الكبير ،حيث وصل إلى حانة
ي بكأس من الويسكي ،أرأيت شيطانا ً صغيرا في السادسة من بيلي ،وقال للخمار (( :إل ّ
مكان ما بهذه النواحي ،أرأيته باهلل ؟)).
ٍ عمره أعوج الساقين ،قذر الوجه ضاع في
وظل السيد تومي محتفظا ً بيد اآلنسة بيردي وهو يجالسها على السلم ،وقالت اآلنسة:
((تصور هذا الطفل الصغير العزيز وهو يضيع من حضن أمه ،ومن يدري فقد يكون وقع
تحت سنابك جيا ٍد راكضة ،أليس هذا فظيعا ً ؟)).
وقال تومي وهو يعصر يدها مؤيداً(( :بالضبط ،فما قولك في أن أخرج وأساعد في البحث
عنه؟)).
قالت اآلنسة بيردي (( :ال بأس ولكن تذكر يا سيد أنك مغامر جسور ،فماذا لو أصابك في
حماستك حادث ؟ وماذا يكون من ))..
واستمر العجوز ديني يقرأ عن إتفاقية التحكيم ،متابعا ً السطور بإصبعه.
وفي واجهة الطابق الثاني كان آل ماكاسكي قد أطال من النافذة يلتقطان أنفاسهما للجولة
الثانية ،والسيد ماكاسكي يغترف اللفت المطبوخ من صدريته بسبابته المعقوفة ،في حين
أن زوجته كانت تدعك عينا لم يفدها لحم الخنزير المشوي وما فيه من ملح الطعام .لقد
سمعا الصرخة الصاعدة من تحت ،فأطال برأسيهما من النافذة ،وقالت السيدة ماكاسكي
في صوت رزين (( :إن مايك الصغير قد ضاع ،ذلك الطفل الجميل العفريت الشقي )).
قال السيد م اكاسكي وهو يطل من النافذة(( :لعله نسي في مكان ما،هذا شيء سيء ،إن
األطفال ليختلفون من هذه الناحية عن النساء ،فلو كانت امرأة تلك التي فقدت لما همني
شيء ،فإنهن يتركن وراءهن الهدوء والسالم )).
وتجاهلت السيدة ماكاسكي الضربة وأمسكت بذراع زوجها وقالت في حنان(( :إن ابن
السيدة مورفي الصغير مفقود ،وإنها لمدينة ضخمة على طفل ضائع ،انه في السادسة من
عمره ،وهذا ما كان ينبغي أن يكون عمر ولدنا لو كنا أنجبنا ولداً منذ ستة أعوام ))
قال السيد ماكاسكي وهو يتأمل في هذه الحقيقة (( :جيدٌ أننا لم ننجب قط))
قال زوجته (( :إذا فعلنا يا جون ،فكر فيما كان يغمر قلبينا من األسى هذه الليلة لو أن
صبينا فيالن خرج من البيت فالتقمته المدينة ،فلم يوجد في مكان )).
قال السيد ماكاسكي(( :ان هذا الذي تقولين حمق وخرق ،فان ولدنا كان ينبغي أن يسمى
باسم أبي الشيخ المقيم في كاتريم ))
قالت السيدة ماكاسكي بال غضب(( :أنت كاذب فإن أخي كان يساوي مائة من آل ماكاسكي
الفالحين ،وولدنا يجب أن يسمى باسم خاله)) ،ومدن رأسها من النافذة لتنظر إلى ما
يجري تحتها من لفظ وضوضاء ،ثم قالت بلطف(( :جون إني آسفة ،لقد تسرعت معك))
،قال زوجها(( :انما تسرعت الفطائر واللفت والقهوة ،ولعلها كانت تصبيرة ،وعلى أي
حال فال بأس وال تعودي إلى البهتان)).
وزلقت السيدة ماكاسكي ذراعها تحت إبط زوجها ،وشبكت يدها في يده الغليظة ،وقالت:
((أتسمع ولولة السيدة مورفي المسكينة؟ إنه لشيء فظيع أن يفقد طفل صغير في هذه
المدينة الضخمة الرهيبة ،ولو كان الضائع ولدنا فيالن لحطمت صدري بيدي حسرات)).
وسحب السيد ماكاسكي يده من يدها بغلظة ،وأحاط بها اكتاف زوجته وقال في خشونة:
((هذا هو الحمق بعينه ،ولو أن ولدنا بات قد خطف أو حدث له حادث لقتلت نفسي ،
أطفاال قط ،ولئن كنت عاملتك بفظاظة أحيانا ً ،وخشونة أحيانا ً أخرى يا
ً ولكننا لم ننجب
جودي ،فانسي واغفري ما كان )).
وعادا يطالن من النافذة جالسين ،ويشهدان المأساة التي تمثل تحتهما .
وطالت جلستهما هذه ،وماج الشارع الضيق بأفواج من الناس يتساءلون ويمألون الجو
شائعات ،وتخمينات متضاربة ،والسيدة مورفي تذرع الطريق بينهم جيئة وذهابا كجبل
ندي يتدفق على سهله شالال من الدموع ،رائع الهدير ،والرسل يغذون ويروحون.
وتضاعفت الضوضاء والصياح فجأة ،فتساءل السيد ماكاسكي ((ال أدري ماذا جد اآلن يا
جودي ).
قالت السيدة ماكاسكي(( :انه صوت السيدة مورفي ،تقول أنها عثرت لصغيرها مايك نائما
وراء لفة من البساط تحت السرير)).
وقهقه ماكاسكي وهو يقول ساخرا(( :ها هو ذا ولدك فيالن ،أتظنين ولدي بات كان على
شقاوته يرضى لنفسه مثل هذه األالعيب ،إن الولد الذي لم نرزق به قط إذا ضل أو سرقته
قوى المدينة الخفية ،فلك أن تسميه فيالن ،مادام يختفي تحت السرير كالجرو األجرب)) .
ونهضت السيدة ماكاسكي متثاقلة ومضت نحو صوان األطباق وزوايا فمها مدالة .
وعندما انفض الزحام ظهر الشرطي كليري من وراء ركن البيت وبدت عليه الدهشة
عندما صوب أذنه نحو مسكن آل ماكاسكي حيث تعالى كما كان من قبل صليل المكاوي
واألطباق ،ورنين أدوات المطبخ ،وأخرج الشرطي كليري ساعته ،وقال متعجبا:
((وحق االفاعي السارحة ،أن ماكاسكي وزوجته يتعاركان منذ ساعة وربع الدقيقة ،إنه
قد يفوقها قوة عضل ،ولكنها تفوقه قطعا سالطة لسان)).
وعاد الشرطي كليري من حيث أتى ،وطوى العجوز ديني جريدته وصعد السلم عجوالً ،
عندما رأى السيدة مورفي تهم بإغالق الباب بالمزالج ،كما كانت تفعل كل ليلة .
غرفة المنور
أول ما تريك إياه السيدة باركر في بيتها ردهاته المزدوجة .وانت لن تجرؤ على مقاطعتها
في وصفها لمحاسن هذه الردهات ،ومزايا السادة الذين سكنوها ثماني سنوات .وقد
تحاول أن تعترف لها همهمة أنك لست طبيبًا وال جراح أسنان ،فتتلقى السيدة باركر هذا
االعتراف بصورة تجعلك تنصرف إلى األبد عن شعورك الطيب القديم نحو أبويك اللذين
أهمال تعليمك مهنة من المهم الالئقة بردهات السيدة باركر .
ثم تصعد وراءها في درج السلم إلى الطابق الثاني ،وترى غرفته الخلفية التي إيجارها ٨
دوالرات ،ولكنك مع اقتناعك بوصفها الخاص بغرف الطابق الثاني ،أن الغرفة تساوي
االثني عشر رياالً التي كان يدفعها فيها على الدوام السيد توزنبري ،حتى غادرها أخيراً
ليشرف على مزرعة برتقال ألخيه في فلوريدا ،بالقرب من بالم بيتش ،حيث تشتي دائما ً
السيدة ماكنير ،ساكنة الغرفة االمامية ذات الحمام الخاص ،مع إقتناعك بكل هذا فانك
تقول متلعثما ً انك تريد غرفة بإيجار أقل .وتقودك السيدة باركر -إذً أنت صمدت
الحتقارها – الى غرفة السيد سكيدر الواسعة في الطابق الثالث .ورغم أن غرفة السيد
سكيدر لم تكن خالية ،اذ كان يؤلف فيها مسرحياته ،ويدخن سجائره ،ال يبرحها طوال
اليوم ،فإن كل راغب في استئجار غرفة كان حتما عليه يزور غرفة السيد سكيدر ليعجب
بسجوفها .وفي أعقاب كل زيارة كان السيد سكيدر يضطر بدافع الذعر الناشئ من احتمال
طرده ،إلى دفع عالوة جديدة على اإليجار.
ثم اذا بقيت لك ساق تحملك ،ويدك المحمومة في جيبك متشبثة بالدوالرات الثالثة المنداة
بالعرق ،وصوتك المبحوح يعترف بفقرك المذل الشنيع ،فان السيدة باركر تنفض يدها
من إرشادك ،وتصيح صياح اإلوزة البرية منادية ( كالرا) ثم توليك ظهرها وتنزل ،ومن
ثم تقودك كالرا الخادمة الزنجية على السلم المكسو بالسجاد ،المؤدي الى الطابق الرابع ،
فتريك غرفة المنورالتي تشغل سبعة في ثمانية أقدام من وسط البهو ،ويقوم على كل من
جانبيها مخزن مظلم لسقط المتاع .
وكان في الغرفة سرير حديدي ضيق ،وحمالة مغسل ،وكرسي ورف يستعمل صوانا ً ،
وتبدو لك جدرانها األربعة كانما تنطبق عليك كجوانب نعش ،وتنساب يدك إلى عنقك ،
وتشهق ،وتتطلع الى اعالها فتحس انك تنظر اليه من قرار جب ثم تلتقط أنفاسك ثانية .
ومن خالل زجاج المنور الصغير في سقف الحجرة ترى مربعا ً صغيراً من الالنهاية
الزرقاء .
وتقول كالرا في لهجة نصفها ازدراء ونصفها من والية أالباما (دوالران..تفو!).
وجاءت االنسة ليسون ذات يوم تبحث عن غرفة ،وكانت تحمل آلة كاتبة ،صنعت
لتحملها سيدة أضخم ،فقد كانت االنسة ليسون صبية صغيرة الغد ،ظل شعرها وعيناها
يكبران حتى بعد أن كف نومها ،وكأنما يقوالن لها(( :ياهلل! لماذا ال تكبرين معنا ؟)).
وأراها السيدة باركر ردهتها المزدوجة ،وقالت لها مشيرة إلى مخدع في الجدار (( :هنا
يستطيع المرء أن يحتفظ بالهيكل العظمي أو المخدرات أو الفحم)) .وقالت اآلنسة ليسون:
(( لكنني لست طبيبة وال جراحة أسنان)).
وألقت عليها السيدة باركر تلك النظرة المنكرة ،الراثية ،الساخرة ،األشد برودة من الثلج
،والتي تدخرها ألولئك الذين فشلو في الحصول على اجازات الطب وجراحة األسنان ،ثم
قادتها إلى الغرف الخلفية في الطابق الثاني.
وقالت اآلنسة ليون (( :ثمانية دوالرات ! ياللهول! إني لست اغا خان ،وان بدوت كذلك ،
وما انا اال عاملة فقيرة ،فأريني شيئا أعلى وأقل ))
ووثب السيد سكيدر عندما سمع طرقا على الباب ،ناثراً على األرض منفضة السجائر بما
فيها من أعقاب .
وقالت السيدة باركر وهي تبتسم ابتسامتها الشيطانية لمالمحه التي شاع فيها الشحوب(( :
ال تؤاخذني يا سيد سكيدر ،فما كنت أعلم انك هنا ،وقد سألت السيدة أن تلقي نظرة على
سجوف غرفتك)) .قالت اآلنسة ليسون وعلى ثغرها ابتسامة كابتسامة المالئكة (( :إنها آية
في الجمال)).
وبعد خروجها انهمك السيد سكيدر في تغيير بطلة آخر مسرحية له ( لم تمثل ) ،وكانت
قرعاء سوداء الشعر ،إلى فتاة صغيرة القد ،لعوب لها مالمح مرحة ،وشعر كثيف براق
.
وقال مستر سكيدر يحدث نفسه ،ومعدله تواجهان سجوف الباب ،وقد استخفى في سحابة
من الدخان كخنفس بحري يسبح في الهواء(( :إن الممثلة آنا هيلد سترقص فرحا بهذا
الدور)).
وفي هذا الوقت كان نداء السيدة باركر لكالرا يعلن للعالم بناقوسه الرنان حالة اآلنسة
ليسون المالية ،وكان مارد أسود يقبض على ذراع اآلنسة ،ويقودها في السلم المظلم إلى
اللحد الذي تنجاب كوته العليا عن شعاع من النور ،ثم يغمغم بالكلمة المحملة بالسخرية
والوعيد (( رياالن )).
وتنهدت اآلنسة ليون قائلة (( :سآخذها )) ،ثم ألقت بنفسها على السرير العالي الصرير .
وكانت االنسة ليسون تخرج إلى عملها كل يوم ،ثم تعود في المساء حاملة أوراقًا مكتوبة
تنسخها على اآللة الكاتبة ،ولكنها كانت تخلو من العمل أحيانا ً ،فتجلس على درج المدخل
مع النزالء اآلخرين..
إن االنسة ليسون عندما صورت لم يخطر لها في اللوح أن تسكن في غرفة منور ،فقد
كان قلبها عامرا بالمرح ،وكان خيالها ممتلئا ً بألطف وأغرب األفكار .ولقد سمحت قبل
ذلك للسيد سكيدر أن يقرأ لها ثالث فصول من مهزلته العظيمة ( التي لم تطبع ) .
وكان الرجال من النزالء يبتهجون كلما وجدت اآلنسة ليسون فسحة من وقتها لتجالسهم
ساعة أو ساعتين على السلم ،ولكن اآلنسة لونج نكر التي تحتل درجة السلم العليا ،
وتشتغل مدرسة في مدرسة شعبية وتعلق على كل ما تقوله لها بكلمة ( حقا ً ) كانت ال
تشاطرهم هذا االبتهاج ،وكذلك كان شأن اآلنسة دورن صاحبة الدرج السفلى من السلم ،
والعاملة في محل تجاري ،والتي تمارس صيد البط في مدينة المالهي كل يوم أحد،
وكانت االنسة ليسون تحتل الدرجة الوسطى ،فال تكاد تأخذ مكانها حتى يتجمع من حولها
الرجال .
وكان هذا بنوع خاص ديدن المستر سكيدر الذي اصطفاها خياله لتمثل دور البطلة في
تمثيلية غرامية شخصية ( لم تكتب ) من واقع الحياة .
والسيد هوفر البدين الخجول األحمق الموفى على الخامسة واألربعين ،وكذلك السيد
ايفانس الشاب الذي يتصنع السعال األجوف ليدفعها إلى رجائه أن يقلع عن التدخين ،وفي
الوقت الذي كان الرجال يصفونها بأنها ألطف وأظرف من على ظهر األرض ،كانت
صاحبتا الدرجتين العليا والسفلى يقابلن هذا الرأي بتحفظ شديد .
وإني ألتوسل للقارئ ان يترك القصة تتوقف هنيهة ،يظهر فيها معلن األشخاص ،أمام
الستار ،وتحت أضواء المسرح ،ليسكب دمعة حزينة على بدانة السيد هوفر ،وليقرع
الطبول على مأساة السمنة الفاحشة ،ولعنة الضخامة الجسيمة ،وكارثة البدانة الهائلة ،ان
الطن من شحم فالستاف قد يشتمل على حب أكثر مما تحويه األوقية من هزال روميو ،
لكن المحب أن حمد منه التنهد ،فهيهات أن يحمد منه اللهاث ،وفي موكب اآللهة يساق
صا في الهوى يخفق سدى فوق كرش البدين في حبائل موماس ،فإن أشد القلوب إخال ً
قطره متران .فتأخر يا هوفر تأخر ،إن هوفر الخجول االحمق الموفي على الخامسة
واألربعين ،ببدانته الفاحشة ال يصلح إال وقودا للجحيم ،تأخر فما من امل لك قط يا هوفر
.
وإذ يجلس نزالء السيدة باركر على السلم ذات أمسية من أمسيات الصيف ،تطلعت اآلنسة
ليسون الى السماء ،وصاحت هي تضحك ضحكتها الصغيرة الطروب ( :هذا بيلي
جاكسون ،إني ألراه من هنا كذلك ) .وتطلع الكل إلى األعالي ،بعضهم ينظر إلى نوافذ
ناطحات السحاب ،وآخرون يبحثون عن طائرة ،يقودها من يدعى جاكسون .
ووضحت اآلنسة ليسون مرادها ،وهي تشير الى السماء بإصبع صغير وقالت (( :انما
اعني هذا النجم ،ليس النجم الكبير الساطع ،ولكن النجم الثابت الزرقة الذي بجواره ،إني
أراه كل ليلة من كوة المنور ،وقد سميته بيلي جاكسون )).
قالت اآلنسة لونج مكر(( :حقًا! ما كنت أعلم إنك فلكية يا آنسة ليسون)) . .وأجابت الصبية
المولعة بالتطلع إلى النجوم ((إني ألعرف ما يعرفه أي فلكي على طراز األكمام المتوقع
ارتداؤها في الخريف القادم بالمريخ)) .
قالت آنسة لونج نكر(( :حقا ! إن الكوكب الذي تشيرين إليه هو النجم الثالث في مجموعة
كاسيوبيا (الثريا) ،وهو بالتقريب في القدر الثاني ،وعبوره في خط الزوال هو )..قال
السيد ايفانس الشاب ( :أووه…أظن أن بيلي جاكسون اسما ً أفضل).
وقال السيد هوفر بصوت يتنزى احتقاراً لآلنسة لونج نكر (( :أحسب أن اآلنسة ليسون لها
من الحق ما ألي من هؤالء الفلكيين العجائز في تسمية النجوم)) .قالت آنسة لونج نكر(( :
حقاً!)) وعلقت آنسة دورن (( :أترى هذا الكوكب من النيازك الراقية ؟ أني أصيب تسع
بطات وأرنبا ً من عشر في مدينة المالهي كل يوم أحد)).
قالت آنسة ليسون (( :إنه ال يرى جيدا من هنا ،وحبذا لو رأيتموه من كوة غرفتي ،فلعلكم
تعلمون أن النجوم ترى من قاع جب حتى في وضح النهار ،إن غرفتي في الليل أشبه ما
تكون بهوة منجم الفحم ،وأن بيلي جاكسون ليبدو منها كالماسة الكبرى في دبوس تشبك به
غادة الليل غالئل قميصها )).
ومر بعد ذلك حين لم تعد اآلنسة ليسون تحضر فيه رزم األوراق الضخمة لنسخها في
البيت ،وبدال من أن تشتغل كلما خرجت في الصباح ،كانت تدور على المكاتب من واحد
الى اخر تذيب حشاشة قلبها تحت رذاذ الرفض القاسي الذي تتلقاه من غلمان هذه المكاتب
بال رحمة ودام ذلك طويال .
حتى كان ذات مساء صعدت فيه اآلنسة ليسون الدرج متعبة ،في الساعة التي كانت تعود
فيها إلى بيت السيدة باركر على الدوام ،بعد أن تتناول عشاءها في مطعم ،بيد أنها لم تكن
ذاقت طعا ًما هذا المساء .
وعندما دخلت الردهة القاها السيد هوفر ،فانتهز الفرصة السانحة وطلب يدها للزواج ،
وكانت بدانته تكبس عليها كأنها جرف جليد ينهار ،فترنحت تكاد تسقط لوال أن تعلقت
بالسياج ،وحاول أن يضم يدها اليه ،فنتشتها وصفعته على وجهه في كالل ،ومضت
تصعد السلم درجة درجة ،تجر نفسها جراً متعمدة على السياج ،ومرت بباب السيد
سكيدر وهو يعمل في تنقيح الحركة المسرحية لبطلته ميرتل ديلورم (اآلنسة ليسون) في
هزليته (التي رفضت) بحيث تدخل المسرح من جانبه تتأود حتى تصل إلى جوار الكونت
،وزحفت زحفا على السلم المغطى بالسجاد حتى وصلت في النهاية إلى باب غرفة المنور
فقتحته ودخلت .وكانت من الضعف بحيث عجزت أن تشعل اإلضاءة أو تخلع ثيابها ،
فتهالكت على السرير الحديدي يكاد قدمها المنهار يعيا عن تحريك لوالب السرير ،وفي
هدا الجحر المظلم الذي هو مأواها ،فتحت أجفانها الثقيلة ببطء وتبسمت .
ذلك أن (بيلي جاكسون) كان يشرف عليها من كوة المنور في هدوئه وثباته وثناه ،ومحا
الوجود كله من حولها ،فغرقت في وهدة من الظلمة ،ال ترى فيها اال ذلك الضوء المربع
الهافت ،المحيط بالنجم الذي سمته ذلك االسم المستغرب العقيم ،وحدثت نفسها أن اآلنسة
لونج نكر لم تجانب الصواب ،وأن هذا النجم ليس (بيلي جاكسون) ولكنه النجم الثالث من
نجوم الثريا ،بيد أن نفسها لم تطاوعها أن تطلق عليه هذا االسم الهزيل .
وبينما هي مستلقية على ظهرها ،حاولت عبثا ً أن ترفع ذراعها مرتين ،وفي المرة الثالثة
نجحت في أن تضع اصبعين نحيلين على شفتيها ،وتزرو قبلة لي الهوة المظلمة ،أرسلتها
الى (بيلي جاكسون) ثم هوى ذراعها كليالً إلى حيث كان .
وغمغمت في ضعف( :الوداع يا بيلي ،إنك تبعد ماليين األميال ،وال تسطع حتى مرة
واحدة ،ومع ذلك فقد بقيت أكثر الوقت حيث أراك في عالك ،الذي انعدم في عيني كل
شيء فيه إال الظالم ،ألم تفعل ؟ ماليين من االميال ! الوداع يا بيلي جاكسون) .
إن كالرا الخادم الزنجية قد وجدت الباب مغلقا في الساعة العاشرة من صباح اليوم الثاني
،وفتحوه عنوة ،ولما فشل الخل ،وتدليك المعاصم ،وبخور الريش المحروق في إعادتها
للحياة ،طلب أحدهم اإلسعاف بالتليفون .
وقفت سيارة اإلسعاف بالباب تعلن عن نفسها بقرع األجراس ،وصعد السلم طبيب شاب
قوي في معطف أبيض ،يبدو على وجهه السمح التأهب والنشاط والثقة ،ويختلط فيه
الظرف بالعبوس .
وقال الطبيب باقتضاب( :يوجد طلب لإلسعاف من ..٤٩هل من مصاب ؟ ) ،وقالت السيدة
باركر وهي تشد منخريها ،كما لو كان مصابها في حدوث شيء بيتها هو أكبر مصاب ( :
أجل يا دكتور ،ال أستطيع أن أتصور ما بها ،وما من شيء فعلناه ردها إلى الحياة ،إنها
صبية تدعى اآلنسة اليسى ،نعم اآلنسة اليسى ليسون ،لم تسبق السكنى في منزلي قط ).
وصاح الطبيب في صوت رهيب لم تتعوده السيدة باركر( :أية غرفة ؟) قال السيدة باركر:
(غرفة المنور ..انها)..
ومن الواضح أن طبيب اإلسعاف كان ملما ً بمكان غرف المناور ،فقد صعد السلم أربعا ً
أربعا ً ،وتبعته السيدة باركر بالبطء الذي يتالءم وكبرياءها .
وقابلته على بسطة السلم األولى ،وهو عائد ،يحمل على ذراعيه عالمة الفلك ،فوقف
لحظة ترك فيها لمبضع لسانه المتمرن الحرية في كلمة قالها همسا ً ،فلم تكد تسمعها السيدة
باركر حتى انكمشت وتضاءلت كرداء وقع من حيث كان معلقا ً على مسمار ،ومنذ ذلك
اليوم بقيت في بدنها وذهنها من هذه الكلمات غضون ،وكثيراً ما كان الفضوليون من
نزالئها يسألونها عما قال الطبيب فتجيب( :لقد كان ما كان ،ولو أني أوتيت مغفرة على
مجرد سماع ما قاله لكفاني) .
ومضى الطبيب بحمله يخط طريقه بين شرذمة الكالب التي اجتذبها حب استطالع هذا
الطراد ،بل انهم فسحوا له في الطريق وتالصقوا بالجدران مرتبكين ،ألن وجهه كان
وجه شخص يحمل ميتا ً من موتاه .
والحظوا انه لم يطرح ذلك الهيكل الذي حمله على سرير السيارة المعد ،وكان كل ما قاله
للسائق( :سق بسرعة االبالسة يا ويلسون).
هذا كل ما كان ،فهل وجدتم قصة فيه أيها القراء ؟ إنني قرأت نبأ في صحف الصباح ،
لعل آخر جملة فيه تعينكم كما اعانتني على مزج الحوادث بعضها ببعض .
جاء في النبأ أن مستشفى بلفي قد نقلت إليه فتاة شابة من رقم ٤٩شرق شارع ،تعاني
هزاالً شديداً ناتج عن الجوع والحرمان ،واختتم الخبر بهذه الكلمات ( :إن الطبيب وليم
جاكسون الطبيب الذي أشرف على إسعاف الحالة يقول أن الفتاة تتماثل للشفاء ) .
في خدمة الحب
ومشت ماجي إلى دمبسي دونوفان ،وفي وجنتيها نقطتان حمراوان براقتان تسيل عليهما
الدموع ،ثم حدقت في عينيه بشجاعة وقالت وقد خبا ما كان فى عينيها من إشراق حتى
مع البكاء :
«لقد كنت أعرف ذلك يا دمبسي .كنت أعرف أنه افريقي ،
وان اسمه توني سبينلي ،وقد بادرت بالدخول عندما علمت أنكما
ستتالكمان .ان هؤالء االفريقيين يتسلحون بالخناجر على الدوام،
ولكنك لن تفهمني يا دمبسي .انني ما كان لي صاحب في حياتي قط ولقد مللت القدوم في
صحبة أنا وجيمي كل ليلة ،فتآمرت معه على أن يسمي نفسه أوسوليفان ،وأحضرته
معي ،وكنت أدرك أن دخوله المرقص كاسباني محال .أظن من الخير أن أستقيل من
النادي اآلن ؟ »
والتفت دمبسي الندي كوجان وقال مشيراً إلى الخنجر :
-ارم قاطعة الجبن هذه من النافذة ،وقل لهم في الداخل أن مستر
أوسوليفان قد تلقى إشارة تليفونية بالذهاب إلى مرقص تاماني!
ثم استدار إلى ماجي يقول :
-وأنت يا ماجي هل لديك مانع من أن أوصلك إلى البيت ؟ مـا
رأيك في مساء السبت التالي ؟ هل تأتين إلى المرقص في صحبتي إذا جئت إليك ؟
وما أعجب السرعة التي استحالت بها عينا ماجي من الخمول إلى
اإلشراق من جديد ،وهي تجيبه متلعثمة :
-أصحيح يا دمبسي :هل ترفض البطة أن تعوم ؟ .