You are on page 1of 53

‫بعض القصص القصيرة من ‪ 100‬قصة مختارة ‪ ،‬للكاتب أو هنري ‪:‬‬

‫‪ ‬هبة المجوس‬

‫‪ ‬كوزموبوليت في مقهى‬

‫‪ ‬بين الجوالت‬

‫‪ ‬غرفة السقف الزجاجي‬

‫‪ ‬خدمة الحب‬

‫‪ ‬ظهور ماجي للعالم‬

‫‪ ‬الشرطي والنشيد الوطني‬

‫‪ ‬مذكرات كلب اصفر‬

‫‪ ‬عاطفة ايكي شونشتاين‬

‫‪ ‬الغرفة المفروشة‬

‫‪ ‬الورقة االخيرة‬

‫‪ ‬الشاعر والفالح‬

‫‪ ‬تجوال في افازيا‬

‫‪ ‬تقرير بلدي‬

‫‪ ‬دليل الكيك‬
‫‪I‬‬

‫هبة المجوس‬

‫دوالر وسبعة وثمانون سنًتا‪ .‬هذا كان كل شيء‪ .‬وستون سنًتا منها كانت عبارة عن قروش‪.‬‬
‫قروش تم جمعها واحدة واحدة أو اثنتين في كل مرة من خالل الضغط على البقال ورجل‬
‫الخضار والجزار حتى تحمر وجنتها من االتهام الصامت بالبخل الذي ينطوي عليه التعامل‬
‫الوثيق‪ .‬عدت ديال هذا الرصيد ثالث مرات‪ .‬دوالر وسبعة وثمانون سنًتا‪ .‬وغًدا سيكون عيد‬
‫الميالد‪.‬‬

‫لم يتبقى شيء يمكن القيام به سوى االنهيار على األريكة الصغيرة المتهالكة والصراخ‪ .‬لذا‬
‫ً‬
‫تأمال أخالقًيا بأن الحياة تتكون من الشهقات والشماتات قامت ديال بذلك‪ .‬وهذا ما يثير‬
‫واالبتسامات‪ ،‬مع سيطرة الشماتات‪.‬‬

‫بينما تتراجع سيدة المنزل تدريجًيا من المرحلة األولى إلى المرحلة الثانية‪ ،‬دعنا نلقي نظرة‬
‫على المنزل‪ .‬شقة مفروشة بقيمة ‪ 8‬دوالرات في األسبوع‪ .‬لم يكن وصفها بالضبط مفتوً حا‪،‬‬
‫ولكن بالتأكيد كانت هذه الكلمة على استعداد اللنضمام إلى فرقة التسول‪ .‬في البهو أسفله‬
‫كان هناك صندوق بريد ال يمكن أن يتسع لخطاب واحد‪ ،‬وزر كهربائي ال يمكن أن يستدرج‬
‫منه أي إصبع بشري ضغطة‪ .‬كان هناك أيًض ا بطاقة ملحقة بها باسم "السيد جيمس ديلينغهام‬
‫يونغ"‬
‫‪.‬‬

‫تم رمي "ديلينغهام" إلى الرياح خالل فترة سابقة من االزدهار عندما كان مالكه يتقاضى‬
‫دوالرا في األسبوع‪ .‬اآلن‪ ،‬عندما انخفضت الدخل إلى ‪20‬‬ ‫تفً‬
‫بدتحرو‬
‫بد‬ ‫دوالرا‪،‬‬ ‫ً‬ ‫‪30‬‬
‫"ديلينغهام" غير واضحة‪ ،‬كما لو كانت تفكر جدًيا في التقليص إلى "د" متواضعة وغير‬
‫متواضعة‪ .‬ولكن كلما عاد السيد جيمس ديلينغهام يونغ إلى المنزل ووصل إلى شقته في‬
‫الطابق العلوي‪ ،‬كان يسمى "جيم" وكان يعانق بشدة من قبل السيدة جيمس ديلينغهام يونغ‪،‬‬
‫التي تم تقديمها لكم سابًقا باسم ديال‪ .‬وهذا أمر جيد جًدا‪.‬‬

‫انتهت ديال من بكائها وراجعت وجنتيها باستخدام قطعة البودرة‪ .‬وقفت بجانب النافذة‬
‫ونظرت بتثاقل إلى قطة رمادية تسير على سياج رمادي في فناء خلفي أيًض ا رمادي‪ .‬سيكون‬
‫غًدا عيد الميالد‪ ،‬ولديها فقط دوالر وسبعة وثمانون سنًتا لشراء هدية لجيم‪ .‬لقد كانت توفير‬
‫كل قرش يمكنها لشهور‪.‬‬
‫‪2‬‬ ‫هنري‪ 100-‬قصة مختارة‬

‫الرا في األسبوع ال تذهب بعيًدا‪ .‬كانت المصاريف أكبر مما مع هذه النتيجة‪ .‬عشرون دوً ‬
‫حسبته‪ .‬دائً ما ما تكون‪ .‬فقط دوالر وسبعة وثمانون سنًتا لشراء هدية لجيم‪ .‬جيمها‪ .‬قضت‬
‫طا لشيء جميل له‪ .‬شيء رائع ونادر وثمين ‪ -‬شيء قلياًل العديد من الساعات السعيدة تخطيً ‬
‫ما يقترب من كونه يستحق شرف أن يكون مملوً كا لجيم‪.‬‬

‫كان هناك مرآة بين النوافذ في الغرفة‪ .‬ربما رأيت مرآةً بين النوافذ في شقة بقيمة ‪ 8‬دوالرات‪.‬‬
‫يمكن لشخص نحيف جًدا ورشيق جًدا أن يحصل‪ ،‬من خالل مشاهدة انعكاسه في تسلسل‬
‫سريع من الشرائط الطولية‪ ،‬على تصور دقيق إلى حد ما لمظهره الخارجي‪ .‬ديال‪ ،‬التي‬
‫كانت نحيفة‪ ،‬كانت قد استوعبت هذا الفن‪.‬‬

‫فجأة‪ ،‬اندفعت من النافذة ووقفت أمام المرآة‪ .‬كانت عينيها تتأألل ببريق مشرق‪ ،‬ولكن وجهها‬
‫فقد لونه في غضون عشرين ثانية‪ .‬سحبت شعرها بسرعة ودعته ينزل إلى طوله الكامل‪.‬‬

‫كان هناك اثنان من الممتلكات لجيمز ديلينغهام يونغ يفتخران بهما بشدة‪ .‬األولى كانت ساعة‬
‫جيم الذهبية التي كانت لوالده وجده‪ .‬األخرى كانت شعر ديال‪ .‬إذا عاشت ملكة سبأ في الشقة‬
‫المقابلة عبر الفتحة الهوائية‪ ،‬لكان ديال قد دعت شعرها يعلو من النافذة يوً ما ما ليجف فقط‬
‫لتخفيض قيمة مجوهرات وهدايا جاللتها‪ .‬لو كان الملك سليمان ناظر البناية‪ ،‬بكل كنوزه‬
‫مرورا بجانبه‪ ،‬فقط ليرى‬
‫مكدسة في القبو‪ ،‬لكان جيم سيكون قد أخرج ساعته في كل مرة‬ ‫ً‬
‫كيف يقتنص لحيته بالغيرة‪.‬‬

‫لذلك‪ ،‬سقط شعر ديال الجميل حولها‪ ،‬يتدفق ويتأألل مثل شالل من المياه البنية‪ .‬وصل إلى‬
‫أسفل ركبتيها وجعل نفسه تقريًبا ثوًبا لها‪ .‬ثم قامت بتجميعه مرة أخرى بشكل عصبي‬
‫وسريع‪ .‬لمحت للحظة واحدة ووقفت في مكانها بينما تساقطت دموع قليلة على السجادة‬
‫الحمراء المتعبة‪.‬‬

‫تبعتها جاكيتها البني القديم‪ ،‬ووضعت قبعتها البنية القديمة‪ .‬مع دوران التنانير وبريق متألق‬
‫ال يزال في عينيها‪ ،‬تحوم خارج الباب وتنزل الدرج إلى الشارع‪.‬‬

‫حيث توقفت‪ ،‬كان االلفتة تقرأ‪" :‬السيدة صوفروني‪ .‬لوازم الشعر بجميع أنواعه‪ ".‬طارت‬
‫ديال مرة أللعلى‪ ،‬وجمعت نفسها‪ ،‬وهي تنفس بسرور‪ .‬المدام‪ ،‬ذات الحجم الكبير‪ ،‬شاحبة‪،‬‬
‫بيضاء جًدا‪ ،‬بالكاد تبدو كـ"صوفروني"‪.‬‬

‫"هل ستشتري شعري؟" سألت ديال‪.‬‬

‫شعرا"‪ ،‬قالت السيدة‪" .‬خلعي قبعتك ودعيني ألقي نظرة على مظهره‪.‬‬
‫"أشتري‬ ‫ً‬
‫هنري‪ 100-‬قصة مختارة‬
‫‪3‬‬

‫اندفعت التسريحة البنية الداكنة أللسفل‪.‬‬

‫دوالرا"‪ ،‬قالت السيدة‪ ،‬مرفعًة الشعر بيد ماهرة‪.‬‬


‫"عشرون‬ ‫ً‬

‫لشهور‪ .‬مع هذه النتيجة‪ .‬عشرون‬ ‫دوالرا في األسبوع ال تذهب بعيًدا‪ .‬كانت المصاريف ً‬
‫أكبر مما حسبته‪ .‬دائً ما ما تكون‪ .‬فقط دوالر وسبعة وثمانون سنًتا لشراء هدية لجيم‪ .‬جيمها‪.‬‬
‫قضت العديد من الساعات السعيدة تخطيً ‬ ‫طا لشيء جميل له‪ .‬شيء رائع ونادر وثمين ‪ -‬شيء‬
‫قلياًل ما يقترب من كونه يستحق شرف أن يكون مملوً كا لجيم‪.‬‬

‫كان هناك مرآة بين النوافذ في الغرفة‪ .‬ربما رأيت مرآةً بين النوافذ في شقة بقيمة ‪ 8‬دوالرات‪.‬‬
‫يمكن لشخص نحيف جًدا ورشيق جًدا أن يحصل‪ ،‬من خالل مشاهدة انعكاسه في تسلسل‬
‫سريع من الشرائط الطولية‪ ،‬على تصور دقيق إلى حد ما لمظهره الخارجي‪ .‬ديال‪ ،‬التي‬
‫كانت نحيفة‪ ،‬كانت قد استوعبت هذا الفن‪.‬‬

‫فجأة‪ ،‬اندفعت من النافذة ووقفت أمام المرآة‪ .‬كانت عينيها تتأألل ببريق مشرق‪ ،‬ولكن وجهها‬
‫فقد لونه في غضون عشرين ثانية‪ .‬سحبت شعرها بسرعة ودعته ينزل إلى طوله الكامل‪.‬‬

‫كان هناك اثنان من الممتلكات لجيمز ديلينغهام يونغ يفتخران بهما بشدة‪ .‬األولى كانت ساعة‬
‫جيم الذهبية التي كانت لوالده وجده‪ .‬األخرى كانت شعر ديال‪ .‬إذا عاشت ملكة سبأ في الشقة‬
‫المقابلة عبر الفتحة الهوائية‪ ،‬لكان ديال قد دعت شعرها يعلو من النافذة يوً ما ما ليجف فقط‬
‫لتخفيض قيمة مجوهرات وهدايا جاللتها‪ .‬لو كان الملك سليمان ناظر البناية‪ ،‬بكل كنوزه‬
‫مرورا بجانبه‪ ،‬فقط ليرى‬
‫مكدسة في القبو‪ ،‬لكان جيم سيكون قد أخرج ساعته في كل مرة‬ ‫ً‬
‫كيف يقتنص لحيته بالغيرة‪.‬‬

‫لذلك‪ ،‬سقط شعر ديال الجميل حولها‪ ،‬يتدفق ويتأألل مثل شالل من المياه البنية‪ .‬وصل إلى‬
‫أسفل ركبتيها وجعل نفسه تقريًبا ثوًبا لها‪ .‬ثم قامت بتجميعه مرة أخرى بشكل عصبي‬
‫وسريع‪ .‬لمحت للحظة واحدة ووقفت في مكانها بينما تساقطت دموع قليلة على السجادة‬
‫الحمراء المتعبة‪.‬‬

‫تبعتها جاكيتها البني القديم‪ ،‬ووضعت قبعتها البنية القديمة‪ .‬مع دوران التنانير وبريق متألق‬
‫ال يزال في عينيها‪ ،‬تحوم خارج الباب وتنزل الدرج إلى الشارع‪.‬‬

‫حيث توقفت‪ ،‬كان االلفتة تقرأ‪" :‬السيدة صوفروني‪ .‬لوازم الشعر بجميع أنواعه‪ ".‬طارت‬
‫ديال مرة أللعلى‪ ،‬وجمعت نفسها‪ ،‬وهي تنفس بسرور‪ .‬المدام‪ ،‬ذات الحجم الكبير‪ ،‬شاحبة‪،‬‬
‫بيضاء جًدا‪ ،‬بالكاد تبدو كـ"صوفروني"‪.‬‬

‫"هل ستشتري شعري؟" سألت ديال‪.‬‬


‫‪4‬‬ ‫هنري‪ 100-‬قصة مختارة‬

‫شعرا"‪ ،‬قالت السيدة‪" .‬خلعي قبعتك ودعيني ألقي نظرة على مظهره‪".‬‬
‫"أشتري‬ ‫ً‬

‫اندفعت التسريحة البنية الداكنة أللسفل‪.‬‬

‫دوالرا"‪ ،‬قالت السيدة‪ ،‬مرفعًة الشعر بيد ماهرة‪.‬‬


‫"عشرون‬ ‫ً‬

‫"أعطه لي بسرعة"‪ ،‬قالت ديال‪.‬‬

‫أما الساعتان التاليتان فانقضيتا بأجنحة وردية‪ .‬دعونا ننسى االستعارة المبتذلة‪ .‬كانت تبحث‬
‫في المتاجر عن هدية لجيم‪.‬‬

‫وجدتها‬ ‫ً‬ ‫أخيرا‪ .‬بالتأكيد‪ ،‬كانت مصممة لجيم وال ألي شخص آخر‪ .‬لم يكن هناك آخر مثلها‬
‫في أي من المتاجر‪ ،‬وقد قامت بعكس كل متجر منها‪ .‬كانت سلسلة فوب من البالتينوم‬
‫بتصميم بسيط ونقي‪ ،‬تعلن قيمتها بشكل صحيح من خالل مادتها وليس من خالل الزخرفة‬
‫الزائفة ‪ -‬كما يجب أن تفعل كل األشياء الجيدة‪ .‬كانت حتى تستحق أن تكون جزً ءا من‬
‫الساعة‪ .‬بمجرد أن رأتها‪ ،‬عرفت أنها يجب أن تكون لجيم‪ .‬كانت تشبهه‪ .‬الهدوء والقيمة ‪-‬‬
‫دوالرا من أجلها‪ ،‬وسارعت‬
‫هذا الوصف ينطبق على االثنين‪ .‬أخذوا منها واحًدا وعشرون‬ ‫ً‬
‫إلى العودة إلى المنزل مع السنتين والسبعة والثمانين سنًتا‪.‬‬

‫بفضل تلك السلسلة المثبتة على ساعته‪ ،‬قد يكون جيم قلًقا من الوقت بشكل مناسب في أي‬
‫مكان‪ .‬بالرغم من جمال الساعة‪ ،‬كان يلقي أحياًنا نظرة سرية عليها بسبب الحزام الجلدي‬
‫القديم الذي كان يستخدمه بداًل من السلسلة‪.‬‬

‫عندما وصلت ديال إلى المنزل‪ ،‬تالشى سكرها قلياًل بفعل الحذر والعقالنية‪ .‬أخرجت مكواة‬
‫شعرها وأضاءت الغا ز وبدأت في إصالح التلف الذي سببته السخاء المضاف إلى الحب‪.‬‬
‫وهو دائً ما مهمة ضخمة‪ ،‬أيها األصدقاء‪ ،‬مهمة ضخمة‪.‬‬

‫في غضون أربعين دقيقة‪ ،‬كانت رأسها مغطى بأجزاء صغيرة ومتقاربة من الشعر تجعلها‬
‫تبدو تماً ما مثل صبي مدرسة غائب‪ .‬نظرت إلى تصويرها في المرآة لفترة طويلة وبعناية‬
‫وبنقد‪.‬‬

‫ى‪ ،‬سيقول إنني أشبه فتاة‬


‫"إذا لم يقتلني جيم"‪ ،‬قالت لنفسها‪" ،‬قبل أن يلقي نظرة ثانية علّ ‬
‫جوقة في كوني آيالند‪ .‬ولكن ماذا يمكنني أن أفعل ‪ -‬أوه! ماذا يمكنني أن أفعل بدوالر وسبعة‬
‫وثمانين سنًتا؟"‬
‫هنري‪ 100-‬قصة مختارة‬ ‫‪5‬‬

‫في الساعة السابعة تم تحضير القهوة ووضع مقالة القلي على ظهر الموقد‪ ،‬ساخنة وجاهزة‬
‫لطهي شرائح اللحم‪.‬‬

‫متأخرا أبًدا‪ .‬ثنت ديال السلسلة بيدها وجلست على زاوية الطاولة بالقرب من‬
‫لم يكن جيم‬ ‫ً‬
‫الباب الذي يدخل دائً ما منه‪ .‬ثم سمعت خطوته على الدرج في الطابق األول‪ ،‬واشتدت وجهها‬
‫للحظة واحدة فقط‪ .‬كان لديها عادة تقول فيها صلوات صامتة صغيرة حول أبسط األشياء‬
‫اليومية‪ ،‬واآلن همست‪" :‬رجاً ء يا هلال‪ ،‬اجعله يعتقد أنني ما زلت جميلة‪".‬‬

‫فتح الباب ودخل جيم وأغلقه‪ .‬بدا نحيً فا وجاًدا للغاية‪ .‬يا له من رجل مسكين‪ ،‬كان في‬
‫ً‬
‫ومكبال بعائلة! كان بحاجة إلى معطف جديد وكان بال قفازات‪.‬‬ ‫العشرينيات فقط ‪-‬‬

‫دخل جي م داخل الباب‪ ،‬كمن يقف بال حراك ككلب صيد عند رائحة القنص‪ .‬كانت عينيه‬
‫تعبيرا فيها لم تستطع أن تقرأه‪ ،‬وكان يرعبها‪ .‬لم يكن ذلك‬
‫ُمثّبتة على ديال‪ ،‬وكانت هناك‬ ‫ً‬
‫غضًبا‪ ،‬وال مفاجأة‪ ،‬وال عدم اعتراف‪ ،‬وال رعًبا‪ ،‬وال أي من المشاعر التي كانت مستعدة‬
‫لها‪ .‬كان يحدق بها بثبات بهذا التعبير الغريب على وجهه‪.‬‬

‫خرجت ديال بتلوى من فوق الطاولة وذهبت نحوه‪.‬‬

‫"جيم‪ ،‬حبيبي"‪ ،‬صرخت‪" ،‬ال تنظر إلّ ‬ ‫ي بهذه الطريقة‪ .‬قصرت شعري وباعته ألنني لم‬
‫أستطع أن أعيش عبر عيد الميالد من دون أن أقدم لك هدية‪ .‬سينمو مرة أخرى ‪ -‬لن تمانع‪،‬‬
‫أليس كذلك؟ كان علي فقط أن أفعل ذلك‪ .‬شعري ينمو بسرعة كبيرة‪ .‬قل 'عيد ميالد سعيد!'‬
‫جيم‪ ،‬ولنكن سعداء‪ .‬ال تعرف ما هو جميل ‪ -‬ما هو هدية جميلة لديك‪".‬‬

‫"قصيتي شعرك؟" سأل جيم‪ ،‬بصعوبة‪ ،‬كما لو أنه لم يصل إلى هذه الحقيقة الواضحة حتى‬
‫بعد أصعب الجهود العقلية‪.‬‬

‫"قصيته وباعته"‪ ،‬قالت ديال‪" .‬أليس أنا نفسي بغض النظر عن شعري؟"‬

‫نظر جيم حول الغرفة بفضول‪.‬‬

‫"تقولين أن شعرك قد ذهب؟" قال بنبرة تشبه تقريًبا السخرية‪.‬‬

‫"ال تحاول البحث عنه"‪ ،‬قالت ديال‪" .‬لقد تم بيعه‪ ،‬أقول لك ‪ -‬تم بيعه وذهب‪ .‬إنه عشية عيد‬
‫الميالد‪ ،‬يا صبي‪ .‬كن لطيًفا معي‪ ،‬ألنني قصصته من أجلك‪ .‬ربما تم تعداد شعر رأسي"‪،‬‬
‫استمرت بهذا اللطف المفاجئ‪" ،‬ولكن ال أحد يستطيع أبًدا أن يحصي محبتي لك‪ .‬هل أضع‬
‫الشرائح على الشواية‪ ،‬جيم؟"‬
‫‪6‬‬ ‫هنري‪ 100-‬قصة مختارة‬

‫من خارج غيبوبته‪ ،‬بدا جيم وكأنه استيقظ بسرعة‪ .‬احتضن ديال‪ .‬لنلقي نظرة سريعة وذات‬
‫تصفح متحفظ إلى كائن غير مهم في اتجاه آخر‪ .‬ثمانية دوالرات في األسبوع أو مليون‬
‫دوالر في السنة ‪ -‬ما الفرق؟ عاِلم الرياضيات أو شخص ذكي سيقدم لك اإلجابة الخاطئة‪.‬‬
‫جلب المجوس هدايا ثمينة‪ ،‬ولكن هذا لم يكن واحًدا منها‪ .‬سيتم إلقاء الضوء على هذا الزعم‬
‫المظلم الحًقا‪.‬‬

‫جيم استخرج عبوة من جيب معطفه ورماها على الطاولة‪.‬‬

‫"ال ترتكبي أي خطأ‪ ،‬ديل"‪ ،‬قال‪" ،‬بشأني‪ .‬ال أعتقد أن هناك شيًئا في القص أو الحالقة أو‬
‫الشامبو يمكن أن يجعلني أحب فتاتي أقل‪ .‬ولكن إذا كنت ستفتحين تلك الحزمة‪ ،‬قد ترى‬
‫لماذا أخذتني بعيًدا في البداية‪".‬‬

‫أصابع بيضاء وناعمة مزقت الحبل والورق‪ .‬ثم صرخة نشوة‪ ،‬وبعد ذلك‪ ،‬أللسف! تغيير‬
‫سريع ونسائي إلى دموع ونحيب هستيري‪ ،‬مما استدعى فورا استخدام جميع قوى الراحة‬
‫لسيد الشقة‪.‬‬

‫هناك كانت المشطات ‪ -‬مجموعة من المشطات‪ ،‬الجانبية والخلفية‪ ،‬التي كانت ديال تعبد‬
‫طوياًل في نافذة على الشارع العريض‪ .‬مشطات جميلة من الزيبرا النقي‪ ،‬بحواف مرصعة‬
‫بالجواهر ‪ -‬بالظل الذي يتناسب مع الشعر الجميل المختفي‪ .‬إنها مشطات غالية الثمن‪ ،‬كانت‬
‫تعلم ذلك‪ ،‬وقلبها كان يتوقف ببساطة ويتوقعها دون أمل في الحصول عليها‪ .‬واآلن كانت‬
‫لها‪ ،‬ولكن الشعر الذي كان يجب أن يزين تلك الزينات المرغوبة قد رحل‪.‬‬

‫وأخيرا كانت قادرة على أن تنظر ألعلى بعيون محاطة بالضباب‬


‫لكنها عانقتها بصدرها‪،‬‬ ‫ً‬
‫وابتسامة وتقول‪" :‬شعري ينمو بسرعة كبيرة‪ ،‬جيم!"‬

‫ثم قفزت ديال كقطة محترقة قلياًل وصاحت‪" :‬أوه‪ ،‬أوه!"‬

‫لم يكن جيم قد رأى هدية جميلته بعد‪ .‬عرضتها له بحماس على راحة يدها المفتوحة‪ .‬بدا‬
‫المعدن الثمين الممل بوهج يتأألل بانعكاس من روحها الساطعة والحماسية‪.‬‬

‫"أليس رائً عا‪ ،‬جيم؟ بحثت في كل أنحاء المدينة ألجدها‪ .‬سيتعين عليك أن تنظر إلى الوقت‬
‫مئة مرة في اليوم اآلن‪ .‬أعطني ساعتك‪ .‬أريد أن أرى كيف تبدو عليها‪".‬‬

‫بداًل من االمتثال‪ ،‬سقط جيم على األريكة ووضع يديه تحت خلف رأسه وابتسم‪.‬‬
‫هنري‪ 100-‬قصة مختارة‬
‫‪7‬‬

‫"ديل"‪ ،‬قال‪" ،‬لنضع هدايا عيد الميالد الخاصة بنا جانًبا ونحتفظ بها لفترة‪ .‬إنها جميلة جًدا‬
‫اللستخدام في الوقت الحالي‪ .‬لقد باعت الساعة للحصول على المال لشراء مشطاتك‪ .‬واآلن‬
‫افترضي أن تضعي الشرائح على الشواية‪".‬‬

‫المجوس‪ ،‬كما تعلمون‪ ،‬كانوا حكماء ‪ -‬حكماء بشكل رائع ‪ -‬جلبوا هدايا للرضيع في المذود‪.‬‬
‫ابتكروا فن إعطاء هدايا عيد الميالد‪ .‬كانت هداياهم وبحكمة‪ ،‬بال شك‪ ،‬حكيمة‪ ،‬وربما تحمل‬
‫امتياز تبديلها في حالة التكرار‪ .‬وها أنا قد عرضت عليكم بتواضع قصة غير مثيرة عن‬
‫طفلين أغبياء في شقة‪ ،‬قد ضحيا بأغلى كنوز بيتهما بغباء بسبب بعضهما البعض‪ .‬ولكن في‬
‫كلمة أخيرة إلى الحكماء في هذه األيام‪ ،‬لنقل أن كل من يقدم الهدايا هؤالء االثنان كانا األكثر‬
‫حكمة‪ .‬من بين جميع من يقدمون الهدايا ويستلمونها‪ ،‬مثلما هما األكثر حكمة‪ .‬في كل مكان‬
‫هما حكماء‪ .‬هما المجوس‪.‬‬
‫‪8‬‬ ‫هنري‪ 100-‬قصة مختارة‬

‫‪II‬‬

‫عالمي في المقهى‬

‫عند منتصف الليل‪ ،‬كانت الكافيتيريا مزدحمة‪ .‬بشكل ما‪ ،‬تمكنت الطاولة الصغيرة التي‬
‫جلست عليها من الهروب من أعين القادمين‪ ،‬وكانت هناك كراسي فارغة على الجانبين تمد‬
‫أذرعها بضيافة مادية لتدفق الزبائن‪.‬‬

‫ثم جلس عالمي في واحدة منهما‪ ،‬وكنت سعيًدا بذلك‪ ،‬فلدي نظرية تقول أنه منذ آدم لم يكن‬
‫هناك مواطن حقيقي للعالم‪ .‬نسمع عنهم‪ ،‬ونرى عالمات أجنبية على األمتعة بكثرة‪ ،‬ولكننا‬
‫نجد مسافرين بداًل من عالميين‪.‬‬

‫أدعو لنظرك في المشهد ‪ -‬الطاوالت ذات األعلى من الرخام‪ ،‬ومجموعة المقاعد المبطنة‬
‫بالجلد على الجدران‪ ،‬والشركة المبهجة‪ ،‬والسيدات االلتي يرتدين أزياء نصف رسمية‪،‬‬
‫والتحدث بورقة ناعمة مرئية للذوق واالقتصاد والثراء أو الفن‪ ،‬والجرسون الكادح والمحب‬
‫للعطاء‪ ،‬والموسيقى التي تستجيب بحكمة للجميع مع هجماتها على الملحنين؛ مزيج من‬
‫الحديث والضحك ‪ -‬وإذا أردت‪ ،‬يمكن أن يكون هناك "فيرتسبورغر" في أكواب زجاجية‬
‫طويلة تنحني نحو شفتيك مثل كرز ناضج يتأرجح على فرعه أمام منقار طائر غراب‪.‬‬
‫أخبرني نحات من موش تشانك أن المشهد هو حًقا باريسي‪.‬‬

‫العالمي الذي جلس في الكافيتيريا اسمه إ‪ .‬رشمور كوغالن‪ ،‬وستسمع عنه في الصيف المقبل‬
‫في جزيرة كوني‪ .‬أخبرني أنه سينشئ "جذًبا" جديًدا هناك‪ ،‬ويقدم تسلية ملكية‪ .‬ثم انطلقت‬
‫محادثته عبر خطوط العرض وخطوط الطول‪ .‬أخذ العالم الكبير والمستدير في يده‪ ،‬على‬
‫األقل بهذا التعبير‪ ،‬بطريقة مألوفة واستهتارية‪ ،‬وبدا أنه ال يتعدى حجم بذرة كرز ماراسكينو‬
‫في فاكهة العنب المقدمة على طاولة مطعم‪ .‬تحدث بانزعاج عن خط االستواء‪ ،‬وقفز من‬
‫قارة إلى أخرى‪ ،‬وسخر من المناطق‪ ،‬وامتص المحيطات العالية بمنديله‪ .‬بلغفة من يده‪،‬‬
‫سيتحدث عن سوق معين في حيدر آباد‪ .‬زفير! سيأخذك للتزلج على الجليد في البالند‪ .‬زيب!‬
‫اآلن ستركب األمواج مع الكاناكاس في كيااليكاهيكي‪ .‬بريستو! سيجذبك عبر مستنقع بلوط‬
‫في والية أركنساس‪ ،‬ثم سيجففك للحظة على سهول القلويات في مزرعته في إيداهو‪ ،‬ثم‬
‫سيعصف بك في مجتمع أرشدوكات فيينا‪ .‬أحياًنا‪ ،‬سيخبرك عن نزلة برد اصيب بها في‬
‫نسيم البحيرة في نبات شوشوال ‪ .‬لقد كنت ستوجه‪.‬‬

‫الرسالة إلى "إ‪ .‬رشمور كوغالن‪ ،‬السيد‪ ،‬األرض‪ ،‬النظام الشمسي‪ ،‬الكون"‪ ،‬وكنت واثًقا من‬
‫أنها سترسل له‪.‬‬
‫هنري‪ 100-‬قصة مختارة‬
‫‪9‬‬

‫كنت واثًقا أنني‬ ‫ً‬ ‫أخيرا وجدت العالم الحقيقي الوحيد منذ آدم‪ ،‬واستمعت إلى حديثه الشامل‬
‫حول العالم مخشًيا أن أكتشف فيه نغمة المسافر المتنقل العادي‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬لم تتراجع آراؤه‬
‫أبًدا‪ ،‬كان محايًدا تجاه المدن والبلدان والقارات تماً ما كما تجاه الرياح أو الجاذبية‪.‬‬

‫الكوكب الصغير‪ ،‬تفكرت بسعادة في‬ ‫وبينما كان إيه‪ .‬رشمور كوجالن يتفوه بحديثه عن هذا‬
‫لمدينة بومباي‪ .‬في قصيدة لها‪ ،‬قال‬ ‫شخصية عالمية عظيمة كتبت للعالم كله وكرست نفسها‬
‫منهم‪ ،‬يتجولون هنا وهناك‪،‬إن هناكً ‬ ‫فخرا ومنافسة بين مدن األرض‪ ،‬وأن "الذين يتكاثرون‬
‫وكلما ساروا "عبر شوارع مجهولة‬ ‫ول كنهم يلتصقون بأطراف مدنهم كالطفل بفستان أمه"‪.‬‬
‫وغباء وحنان‪ ،‬مما يجعل من اسمها‬ ‫تصدح بالضجيج"‪ ،‬يتذكرون مدينتهم األم بأكثر وفاء‬
‫الذي يخرج منهمً ‬
‫رمزا للوفائية على الوفائية‪ .‬وأثارت سعادتي ألنني اكتشفت أنني قد ضبطت‬
‫السيد كيبلين وهو غافل‪ .‬هنا وجدت رجاًل ليس مصنوًعا من التراب؛ إنه ليس لديه فخر‬
‫ضيق بمكان والدته أو بلده‪ ،‬وإذا تباهى‪ ،‬سيتباهى بكوكبه المستدير بأكمله ضد المريخيين‬
‫وسكان القمر‪.‬‬

‫اندلعت المحادثة حول هذه المواضيع من إيه‪ .‬رشمور كوجالن بسبب الركن الثالث على‬
‫طاولتنا‪.‬وأثناء ما كان إ‪ .‬رشمور كوغالن يتحدث لي عن تضاريس السكك الحديدية‬
‫السيبيرية‪ ،‬دخلت الفرقة إلى مزيج موسيقي‪ .‬والجزء األخير كان "ديكسي"‪ ،‬وبينما تندفع‬
‫النغمات المنشطة خارً جا‪ ،‬تعمل تصفيًقا كبيرا من معظم الطاوالت تقريًبا على إغماضها‪.‬‬ ‫ً‬
‫وتستحق هذه المشهد الملحوظ فقرة للقول إنه يمكن مشاهدته كل مساء في العديد من المقاهي‬
‫في مدينة نيويورك‪ .‬تم استهالك أطنان من المشروبات على مر السنين من أجل تفسيره‪.‬‬
‫بعضهم قد تحدث بسرعة بأن جميع الجنوبيين في المدينة يتجهون إلى المقاهي عند غروب‬
‫الشمس‪ .‬يثير هذا التصفيق لنغمة الـ "ديكسي" في مدينة شمالية البعض من الدهشة‪ ،‬ولكنه‬
‫ليسً ‬ ‫أمرا غير قابل للحل‪ .‬الحرب مع إسبانيا‪ ،‬والمحاصيل الوفيرة لسنوات من النعناع‬
‫والبطيخ‪ ،‬والفائزين بالرهانات البعيدة في مضمار سباق نيو أورليانز‪ ،‬والوالئم الرائعة التي‬
‫تقدمها المواطنون من إنديانا وكانساس الذين يشكلون جمعية نورث كاروالينا‪ ،‬جعلت من‬
‫الجنوب نوًعا من الهوس في مانهاتن‪ .‬ستقول لك منتجة األظافر بلطف أن أصبعك السبابي‬
‫ولكنالعديدمنالسيداتاأليسر يذكرهاً ‬
‫ولكن العديد من‬ ‫كثيرا بأصبع رجل في ريتشموند‪ ،‬فرجينيا‪ .‬بالطبع‪،‬‬
‫يجب أن يعملن اآلن ‪ -‬تعرف‪ ،‬الحرب‪ ،‬تعرفون‪.‬‬

‫عندما بدأت أغنية "ديكسي" ُتعزف‪ ،‬قفز شاب ذو شعر داكن من مكان مجهول بصرخة‬
‫حربية على طريقة موسبي وهو يرفع قبعته ذات الحافة الناعمة بجنون‪ .‬ثم تجول في وسط‬
‫الدخان‪ ،‬وجلس على الكرسي الشاغر في طاولتنا وأخرج سجائر‪.‬‬
‫‪10‬‬ ‫هنري‪ 100-‬قصة مختارة‬

‫كان المساء في فترة التواصل االجتماعي‪ ،‬عندما يتالشى التحفظ‪ .‬أحدنا طلب ثالث أكواب‬
‫من بيرة "فيرتسبور غر" من النادل؛ فأبدى الشاب ذو الشعر الداكن انضمامه للطلب من‬
‫ً‬
‫سؤاال ألنني أردت تجربة نظريتي‪.‬‬ ‫خالل ابتسامة وإيماءة برأسه‪ .‬سرعت ألسأله‬

‫"هل تمانع من إخباري"‪ ،‬بدأت‪" ،‬هل أنت من ‪" -‬‬

‫ضرب إي‪ .‬رشمور كوغالن الطاولة بقبضة يده وتوقفت عن الكالم‪.‬‬

‫"عفوا"‪ ،‬قال‪" ،‬لكن هذا سؤال ال أحب أن ُيطرح أبًدا‪ .‬ما الذي يهم أين يأتي اإلنسان منه؟‬
‫ً‬
‫هل من العدل أن نحكم على اإلنسان بعنوان عنوان بريده البريدي؟ لقد رأيت كنتاكيين‬
‫يكرهون الويسكي‪ ،‬وفيرجينيين لم ينحدروا من بوكاهونتاس‪ ،‬وإنديانيين لم يكتبوا رواية‪،‬‬
‫ومكسيكيين لم يرتدوا‬ ‫ً‬ ‫سرواال من القماش الفاخر مزيًنا بدوالرات فضية مخيطة على‬
‫الخياطة‪ ،‬وإنجليزيين مضحكين‪ ،‬ويانكيز مبذرين‪ ،‬وجنوبيين باردي الدم‪ ،‬وغربيين ذوي‬
‫أفق ضيق‪ ،‬ونيويوركيين مشغولين جًدا ليتوقفوا لساعة في الشارع لمشاهدة كاتب بقال ذو‬
‫ذراع واحد يعّبئ توت الكرنب في أكياس ورقية‪ .‬دع اإلنسان يكون إنساًنا وال ُتعاقبه بتصنيفه‬
‫ضمن أي منطقة‪".‬‬

‫"عذرا لي"‪ ،‬قلت‪" ،‬ولكن فضولي لم يكن عبثًيا تماً ما‪ .‬أعرف الجنوب‪ ،‬وعندما يعزف الفرقة‬
‫ً‬
‫"ديكسي"‪ ،‬أحب أن أراقب‪ .‬لقد شكلت اعتقاًدا بأن الرجل الذي يصفق لهذه األغنية بعنف‬
‫خاص ووالء منطقي قطعي هو بالتأكيد من سكان سيكاكوس‪ ،‬نيو جيرسي‪ ،‬أو من منطقة‬
‫بين مري هيل اليسيوم ونهر هارلم في هذه المدينة‪ .‬كنت على وشك أن أختبر رأيي من‬
‫خالل السؤال من هذا السيد عندما تدخلت مع نظريتك الخاصة ‪ -‬األكبر‪ ،‬يجب أن أعترف‪".‬‬

‫ثم تحدث الشاب ذو الشعر الداكن إلي‪ ،‬وأصبح من الواضح أن عقله يتحرك أيًضا على‬
‫أسسه الخاصة‪.‬‬

‫"أود أن أكون زهرة بحرية"‪ ،‬قال بسرية‪" ،‬على قمة واٍد ‪ ،‬وأن أغني تو‪-‬رالو‪-‬رالو‪ ".‬وكان‬
‫ذلك واضً حا جًدا‪ ،‬لذلك توجهت مرة أخرى إلى كوغالن‪" .‬لقد طافت عيني العالم اثنتي‬
‫عشرة مرة"‪ ،‬قال‪" ،‬أعرف إسكيمو في أوبرنافيك الذي يرسل إلى سينسيناتي لشراء ربطات‬
‫عنقه‪ ،‬ورأيت راعي ماعز في أوروغواي فاز بجائزة في منافسة ألغاز إفطار باتل كريك‪".‬‬
‫أدفع‬ ‫إيجارا على غرفة في القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬وأخرى في يوكوهاما طوال السنة‪ .‬لدي حذاء ً‬
‫متوقع لي في مقهى في شنغهاي‪ ،‬وال يجب علي أن أخبرهم كيفية طهي بيضي في ريو دي‬
‫جانيرو أو سياتل‪ .‬إنه عالم قديم صغير‪ .‬ما فائدة التفاخر بأنك من الشمال أو الجنوب أو‬
‫القصر القديم في الوادي‪ ،‬أو طريق يوكليد في كليفالند‪ ،‬أو قمة بايك‪ ،‬أو مقاطعة فيرفاكس‬
‫في فرجينيا‪ ،‬أو سهول هوليجان‪ ،‬أو أي مكان؟ سيكون العالم أفضل عندما نتوقف عن أن‬
‫هنري‪ 100-‬قصة مختارة‬ ‫‪11‬‬

‫نكون أغبياء حول مدينة متعفنة أو عشرة فدادين من أراضي مستنقعية فقط ألنناُ ولدنا‬
‫هناك‪".‬‬

‫"يبدو أنك متسموا حًقا بروح عالمية"‪ ،‬قلت بإعجاب‪" .‬لكن يبدو أيًضا أنك ستنقد الوطنية‪".‬‬

‫"بقايا عصر الحجر"‪ ،‬أعلن كوغالن بحماس‪" .‬نحن جميً عا إخوة ‪ -‬الصينيون واإلنجليز‬
‫والزولو والباتاغونيين‪ ،‬وسكان منعطف نهر كاو‪ .‬سيأتي يوً ما ُتمحى فيه كل هذه الفخر‬
‫البسيط بمدينتك أو واليتك أو منطقتك أو بلدك‪ ،‬وسنصبح جميًعا مواطنين للعالم‪ ،‬كما ينبغي‬
‫لنا أن نكون‪".‬‬

‫"ولكن أثناء تجوالك في األراضي األجنبية"‪ ،‬استمررت‪" ،‬هل تعود أفكارك إلى مكان ما ‪-‬‬
‫إلى مكان عزيز و ‪"-‬‬
‫"ليس هناك أي مكان"‪ ،‬تدخل كوغالن بانفعال‪" .‬الجزء األرضي الكروي الكوكبي‪ ،‬الُ مَّ ‬
‫سطح‬
‫قليال على القطبين‪ ،‬والمعروف باسم األرض‪ ،‬هو مسكني‪ .‬لقد التقيت بالعديد من المواطنين ً‬
‫المحصورين في هذا البلد في الخارج‪ .‬لقد رأيت‬ ‫رجاال من شيكاغو يجلسون في قارب في ً‬
‫البندقية في ليلة مضيئة بالقمر ويفاخرون بقناة تصريف المياه الخاصة بهم‪ .‬لقد رأيت رجاًل‬
‫من الجنوب بعد تقديمه لملك إنجلترا يمّد د لهذا العاهل‪ ،‬دون أن يطرق عينيه‪ ،‬بمعلومات أن‬
‫جدته من جهة أمه كانت مرتبطة بزواج بيركينز‪ ،‬من تشارلستون‪ .‬كان لدي نيويوركي تم‬
‫اختطافه للحصول على فدية من قبل بعض اللصوص في أفغانستان‪ .‬أرسل أهله المال وعاد‬
‫إلى كابول مع الوسيط‪" .‬أفغانستان؟" قال له األهالي من خالل مترجم‪" .‬حسًنا‪ ،‬ليست بطيئة‬
‫كثيرا‪ ،‬أليس كذلك؟" "أوه‪ ،‬ال أعلم"‪ ،‬قال هو‪ ،‬وبدأ يخبرهم عن سائق سيارة أجرة في الجادة‬
‫ً‬
‫السادسة وبرودواي‪ .‬هذه األفكار ال تناسبني‪ .‬لست مقيًدا بأي شيء ال يزيد قطره عن ‪8000‬‬
‫ميل‪ .‬فقط ضعني كـ إيه‪ .‬رشمور كوغالن‪ ،‬مواطن كوكبي‪'.‬‬

‫صاماخاللالضجيجوالدخانودعني رفيق العالمية الكبير وتركني‪ ،‬ألنه اعتقد أنه رأى شخً ‬
‫ص ا ما خالل الض جيج‬
‫يعرفه‪ .‬لذلك تركت مع البريوينكل المتطلع‪ ،‬الذي تقلصت قدرته على التعبير عن تطلعاته‬
‫للجلوس‪ ،‬وهو موسيقي‪ ،‬على قمة واد‪.‬‬

‫جلست وأنا أفكر في مواطن العالم الواضح لدي وتساءلت عن كيفية تفوق الشاعر الكتشافه‪.‬‬
‫كان هو اكتشافي و القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬وأخرى في يوكوهاما طوال السنة‪ .‬لدي حذاء متوقع لي‬
‫في مقهى في شنغهاي‪ ،‬وال يجب علي أن أخبرهم كيفية طهي بيضي في ريو دي جانيرو‬
‫أو سياتل‪ .‬إنه عالم قديم صغير‪ .‬ما فائدة التفاخر بأنك من الشمال أو الجنوب أو القصر القديم‬
‫في الوادي‪ ،‬أو طريق يوكليد في كليفالند‪ ،‬أو قمة بايك‪ ،‬أو مقاطعة فيرفاكس في فرجينيا‪،‬‬
‫أو سهول هوليجان‪ ،‬أو أي مكان؟ سيكون العالم أفضل عندما نتوقف عن أن نكون أغبياء‬
‫حول مدينة متعفنة أو عشرة فدادين من أراضي مستنقعية فقط ألنناُ ولدنا هناك‪".‬‬
‫‪12‬‬ ‫هنري‪ 100-‬قصة مختارة‬

‫"يبدو أنك متسموا حًقا بروح عالمية"‪ ،‬قلت بإعجاب‪" .‬لكن يبدو أيًضا أنك ستنقد الوطنية‪".‬‬

‫"بقايا عصر الحجر"‪ ،‬أعلن كوغالن بحماس‪" .‬نحن جميًعا إخوة ‪ -‬الصينيون واإلنجليز‬
‫والزولو والباتاغونيين‪ ،‬وسكان منعطف نهر كاو‪ .‬سيأتي يوً ما ُتمحى فيه كل هذه الفخر‬
‫البسيط بمدينتك أو واليتك أو منطقتك أو بلدك‪ ،‬وسنصبح جميً عا مواطنين للعالم‪ ،‬كما ينبغي‬
‫لنا أن نكون‪".‬‬

‫"ولكن أثناء تجوالك في األراضي األجنبية"‪ ،‬استمررت‪" ،‬هل تعود أفكارك إلى مكان ما ‪-‬‬
‫إلى مكان عزيز و ‪"-‬‬
‫"ليس هناك أي مكان"‪ ،‬تدخل كوغالن بانفعال‪" .‬الجزء األرضي الكروي الكوكبي‪ ،‬الُ مَّ ‬
‫سطح‬
‫قليال على القطبين‪ ،‬والمعروف باسم األرض‪ ،‬هو مسكني‪ .‬لقد التقيت بالعديد من المواطنين ً‬
‫المحصورين في هذا البلد في الخارج‪ .‬لقد رأيت‬ ‫رجاال من شيكاغو يجلسون في قارب في ً‬
‫البندقية في ليلة مضيئة بالقمر ويفاخرون بقناة تصريف المياه الخاصة بهم‪ .‬لقد رأيت رجاًل‬
‫من الجنوب بعد تقديمه لملك إنجلترا يمّد د لهذا العاهل‪ ،‬دون أن يطرق عينيه‪ ،‬بمعلومات أن‬
‫جدته من جهة أمه كانت مرتبطة بزواج بيركينز‪ ،‬من تشارلستون‪ .‬كان لدي نيويوركي تم‬
‫اختطافه للحصول على فدية من قبل بعض اللصوص في أفغانستان‪ .‬أرسل أهله المال وعاد‬
‫إلى كابول مع الوسيط‪" .‬أفغانستان؟" قال له األهالي من خالل مترجم‪" .‬حسًنا‪ ،‬ليست بطيئة‬
‫كثيرا‪ ،‬أليس كذلك؟" "أوه‪ ،‬ال أعلم"‪ ،‬قال هو‪ ،‬وبدأ يخبرهم عن سائق سيارة أجرة في الجادة‬
‫ً‬
‫السادسة وبرودواي‪ .‬هذه األفكار ال تناسبني‪ .‬لست مقيًدا بأي شيء ال يزيد قطره عن ‪8000‬‬
‫ميل‪ .‬فقط ضعني كـ إيه‪ .‬رشمور كوغالن‪ ،‬مواطن كوكبي‪'.‬‬

‫صاماخاللالضجيجوالدخانودعني رفيق العالمية الكبير وتركني‪ ،‬ألنه اعتقد أنه رأى شخً ‬
‫ص ا ما خالل الض جيج‬
‫يعرفه‪ .‬لذلك تركت مع البريوينكل المتطلع‪ ،‬الذي تقلصت قدرته على التعبير عن تطلعاته‬
‫للجلوس‪ ،‬وهو موسيقي‪ ،‬على قمة واد‪.‬‬

‫جلست وأنا أفكر في مواطن العالم الواضح لدي وتساءلت عن كيفية تفوق الشاعر الكتشافه‪.‬‬
‫كان هو اكتشافي و أنا كنت مؤمًنا به‪ .‬كيف كان ذلك؟ 'الرجال الذين يتكاثرون منهم‪،‬‬
‫يتاجرون ذهاًبا وإياًبا‪ ،‬ولكنهم يتمسكون بحوافر مدنهم كطفل يتشبث بفستان والدته‪'.‬‬

‫ليس كذلك بالنسبة لـ إيه‪ .‬رشمور كوغالن‪ .‬كان له العالم بأسره ‪-‬‬

‫تم تعطيل تأمالتي بضجيج هائل ونزاع في جزء آخر من المقهى‪ .‬رأيت فوق رؤوس الزبائن‬
‫الجالسين إيه‪ .‬رشمور كوغالن وشخص آخر لم أعرفه يشتبكان في معركة رهيبة‪ .‬قاتلوا‬
‫بين الطاوالت كالتيتان‪ ،‬وتحطمت النظارات‪ ،‬وسقط الرجال قبعاتهم وتعرضوا للضرب‪،‬‬
‫وصاحت امرأة سمراء‪ ،‬وبدأت امرأة شقراء في الغناء "تيزينج"‪.‬‬
‫هنري‪ 100-‬قصة مختارة‬ ‫‪13‬‬

‫كان مواطني العالم يحتفظ بكرامة وسمعة األرض عندما تقدم الجرسونات على شكل زحف‬
‫طائر معروف وأخرجوهما خارً جا ما زالوا يقاومون‪.‬‬

‫دعوت مكارثي‪ ،‬أحد الجرسونات الفرنسيين‪ ،‬وسألته عن سبب النزاع‪.‬‬

‫'الرجل ذو الربطة الحمراء' (هذا كان مواطن العالم لدي)‪ ،‬قال لي‪' ،‬غضب بسبب األمور‬
‫التي قيلت عن الرصيف السيء وإمدادات المياه في المكان الذي جاء منه بسبب الرجل‬
‫اآلخر‪'.‬‬

‫'لماذا'‪ ،‬قلت بحيرة‪' ،‬ذلك الرجل هو مواطن للعالم ‪ -‬عالمي‪ .‬إنه ‪'-‬‬

‫'كانه أصاًل من ماتاوامكيج‪ ،‬ماين'‪ ،‬واصل مكارثي‪' ،‬ولن يتحمل أي انتقادات عن المكان‪'.‬‬

‫‪III‬‬

‫بين الجوالت‬

‫بدا القمر في شهر مايو بإشراقه الساطع على منزل السيدة ميرفي الخاص باإلقامة‪ .‬بالرجوع‬
‫إلى التقويم ستكتشف مساحة كبيرة من األراضي التي سقطت عليها أشعته أيًض ا‪ .‬كان الربيع‬
‫في عزه‪ ،‬وكان موسم الحمى القشعرية على وشك القدوم‪ .‬كانت الحدائق خضراء بأوراقها‬
‫الجديدة وكان هناك مشترين للتجارة في الغرب والجنوب‪ .‬كانت الزهور ووكالء منتجعات‬
‫الصيف تتفتح‪ ،‬والهواء واإلجابات على الوسون كانت تصبح أكثر لطًفا‪ ،‬وأصوات آالت‬
‫العزف‪ ،‬والنوافير‪ ،‬ولعبة البينوكل كانت تعزف في كل مكان‪.‬‬

‫كانت نوافذ منزل السيدة ميرفي إللقامة مفتوحة‪ .‬كانت مجموعة من المستأجرين يجلسون‬
‫على الشرفة العالية على سجادات دائرية ومسطحة تشبه الفطائر األلمانية‪.‬‬

‫في إحدى نوافذ الطابق الثاني من الجهة األمامية‪ ،‬كانت السيدة مكاسكي‪.‬‬

‫انتظرت زوجها‪ .‬كان العشاء يبرد على الطاولة‪ ،‬حيث ذهبت حرارته إلى السيدة مكاسكي‪.‬‬
‫عند الساعة التاسعة جاء السيد مكاسكي‪ .‬كان يحمل معاطفه على ذراعه والسيجارة في‬
‫أسنانه‪ ،‬واعتذر للمستأجرين الذين كانوا على الدرج عن اإلزعاج أثناء اختياره لبقع الحجر‬
‫بينهم لوضع حجمه ‪ 9‬بعرض د ‪.‬‬

‫عندما فتح باب غرفته‪ ،‬تلقى مفاجأة‪ .‬بداًل من غطاء المدفأة المعتاد أو مهراوة البطاطس التي‬
‫عليه تفاديها‪ ،‬جاءت الكلمات فقط‪.‬‬

‫اعتقد السيد مكاسكي أن القمر اللطيف في مايو قد نفض قلب زوجته‪.‬‬


‫‪14‬‬ ‫هنري‪ 100-‬قصة مختارة‬

‫أن تعتذر لشبه القمامة في‬‫"سمعتك"‪ ،‬جاءت البدائل الشفهية ألدوات المطبخ‪" .‬يمكنك‬
‫ستمشي على عنق زوجتك‬ ‫الشوارع لوضع قدميك الباطنتين على ذيول فساتينهن‪ ،‬ولكنك‬
‫مضى وقت طويل منذ أن‬ ‫مثل حبل المالبس دون حتى "قبلة لقدمي"‪ ،‬وأنا متأكدة أنه قد‬
‫يمكن شراؤه بعد أن انفقت‬ ‫تركت أللمور تأخذ مجراها من النافذة ألجلك‪ ،‬والطعام بارد كما‬
‫أجورك في جاليغر كل سبت مساً ء‪ ،‬وكان رجل الغاز هنا مرتين اليوم‪".‬‬
‫"امرأة!" قال السيد مكاسكي‪ ،‬ملقياً معطفه وقبعته على كرسي‪" ،‬صوتك يشكل إهانة لشهيتي‪.‬‬
‫عندما تنتقد األدب تقومين بإزالة الجبس بين الطوب في أسس المجتمع‪ .‬إنه ليس أكثر من‬
‫ممارسة انتقام سيد عندما تسألين رأي السيدات اللواتي يعوقن الطريق لكي تتدخلين بينهن‪.‬‬
‫هل ستخرجين وجهك البغيض من النافذة وتهتمين بالطعام؟"‬

‫انهضت السيدة مكاسكي بثقل وذهبت إلى الموقد‪ .‬كان هناك شيء في طريقتها يحذر السيد‬
‫مكاسكي‪ .‬عندما انخفضت زوايا فمها فجأة كما يحدث مع الميزان يشير ذلك عادة إلى هبوط‬
‫أواني الفخار والقصدير‪.‬‬

‫"وجه خنزير‪ ،‬أليس كذلك؟" قالت السيدة مكاسكي وألقت مقالة مليئة باللحم المقدد والشجرة‬
‫نحو سيدها ‪.‬‬

‫السيد مكاسكي لم يكن مبتدًئا في الجدل‪ .‬كان يعرف ما يجب أن يأتي بعد الطبق الرئيسي‪.‬‬
‫على الطاولة كانت لحمة لحم مشوية من لحم الخنزير‪ ،‬مزينة بأوراق نبات الشامروك‪ .‬رد‬
‫عليه بذلك‪ ،‬واستدعى الرد المناسب بنكهة فطيرة الخبز في طبق فخاري‪ .‬قطعة من جبنة‬
‫سويسرية ألقيت بدقة من قبل زوجها أصابت السيدة مكاسكي تحت عين واحدة‪ .‬عندما ردت‬
‫بإبريق قهوة متجه بدقة مليء بسائل ساخن أسود نصف عطري‪ ،‬يجب أن يكون النزاع قد‬
‫انتهى وفًقا أللطباق‪.‬‬
‫ً‬
‫مأكوال بقيمة ‪ 50‬سنًتا‪ .‬دع البهيميين الرخيصة يعتبرون القهوة ولكن السيد مكاسكي لم يكن‬
‫نهاية العشاء‪ ،‬إن أرادوا ذلك‪.‬دعهم يرتكبون هذا الخطأ‪ .‬كان أذكى بكثير‪ .‬الصحون باألصابع‬
‫لم تكن خارج نطاق تجربته‪ .‬لم تكن متوفرة في "بنسيون ميرفي"؛ ولكن ما يعادلها كان على‬
‫مقر بة‪ .‬بانتصار‪ ،‬أرسل وعاء الغسيل المصنوع من الجرانيت نحو رأس خصمه الزوجي‪.‬‬
‫تجنبت السيدة مكاسكي في الوقت المناسب‪ .‬أمسكت بمكواة مسطحة‪ ،‬والتي أملت أن تكون‬
‫نوًعا من المشروبات القلبية‪ ،‬بها آمال في إنهاء النزاع الذوقي‪ .‬ولكن صرخة عالية وموجعة‬
‫من الطابق السفلي جعلتها هي والسيد مكاسكي يتوقفان في نوع من وقف إجباري‪.‬‬

‫الشرطي كليري واقً فا بأذن واحدة مستدركة‪ ،‬يستمع‬ ‫في الرصيف عند زاوية المنزل‪ ،‬كان‬
‫"إنهم جون مكاسكي وزوجته يفعلونها مرة أخرى"‪،‬‬ ‫إلى دوي أدوات المنزل التي تتحطم‪.‬‬
‫أصعد وأوقف الضجة‪ .‬لن أفعل ذلك‪ .‬إنهم زوجان‬ ‫تأمل الشرطي‪" .‬أتساءل هل يجب أن‬
‫يستمر طوياًل ‪ .‬بالتأكيد‪ ،‬سيكون عليهما أن يقترضا‬ ‫متزوجان‪ ،‬ولديهما قليل من المتعة‪ .‬لن‬

‫مزيًدا من األطباق للمواصلة‪ ".‬وفي تلك اللحظة توجه الصراخ العالي إلى الطابق السفلي‪،‬‬
‫هنري‪ 100-‬قصة مختارة‬ ‫‪1‬‬
‫‪5‬‬

‫مشيرا إلى الخوف أو الضرورة الماسة‪" .‬على األرجح القطة"‪ ،‬قال الشرطي كليري‪ ،‬وسار‬
‫ً‬
‫بسرعة في اتجاه آخر‪.‬‬

‫المستأجرون على الدرج اضطربوا‪ .‬السيد تومي‪ ،‬وهو مسوق تأمين من مواليد المهنة‬
‫ومحقق من مهنة‪ ،‬دخل لتحليل الصراخ‪ .‬عاد باألخبار بأن طفل ميرفي الصغير مايك ُف ِ قَد ‪.‬‬
‫بعد المرسل‪ ،‬خرجت السيدة ميرفي ‪ -‬وهي تحمل معها مائتي رطل من الدموع والهستيريا‪،‬‬
‫متعلقة بالهواء وتصرخ نحو السماء لفقدان ثالثين‬ ‫ن‬
‫ل ً‬
‫انتقالم‬
‫انتقا‬ ‫رطال من النمش والشقاوة‪.‬‬
‫التأثير العميق‪ ،‬بالتأكيد؛ ولكن السيد تومي جلس بجوار السيدة بيردي‪ ،‬صانعة قبعات‪،‬‬
‫وتوأمت أيديهما بتعاطف‪ .‬التوأمتان العانس‪ ،‬السيدتان والشيء المشتكيتان دائً ما من الضجة‬
‫فورا إذا كان أي شخص قد نظر وراء الساعة‪.‬في القاعات‪ ،‬سألتاً ‬
‫الكابتن غريج‪ ،‬الذي جلس بجوار زوجته البدينة على الدرج العلوي‪ ،‬قام وأغلق معطفه‪" .‬تم‬
‫فقد الصغير؟" صاح‪" .‬سأفتش في المدينة‪ ".‬لم تسمح له زوجته أبًدا بالخروج بعد الغروب‪.‬‬
‫ولكنها اآلن قالت‪" :‬اذهب‪ ،‬لودوفيك!" بصوت باريتوني‪" .‬من يستطيع أن ينظر إلى حزن‬
‫تلك األم دون أن يتدفق لمساعدتها لديه قلب من حجر‪" ".‬أعطني حوالي ثالثين أو ‪ -‬ستين‬
‫سنًتا‪ ،‬يا حبيبتي"‪ ،‬قال الكابتن‪" .‬األطفال الضائعين أحياًنا يتجولون بعيًدا‪ .‬قد أحتاج لتذاكر‬
‫القطار‬
‫‪".‬‬
‫الرجل العجوز ديني‪ ،‬الذي كان يجلس في غرفة القاعة بالطابق الرابع في الخلف‪ ،‬والذي‬
‫كان يحاول قراءة صحيفة بجوار مصباح الشارع‪ ،‬انتقل إلى الصفحة التالية لمتابعة المقال‬
‫عن إضراب النجارين‪ .‬صاحت السيدة ميرفي نحو القمر‪" :‬أوه‪ ،‬مايك‪ ،‬من فضلك‪ ،‬أين‬
‫ذهبت صغيري؟"‬
‫"متى رأيته آخر مرة؟" سأل الرجل العجوز ديني‪ ،‬مع عين واحدة على تقرير اتحاد‬
‫الصناعات البنائية‪.‬‬
‫"أوه‪ "،‬صرخت السيدة ميرفي‪" ،‬كان أمس‪ ،‬أو ربما منذ أربع ساعات! ال أعرف‪ .‬ولكنه‬
‫ُف ِ قَد ‪ ،‬صغيري مايك‪ .‬كان يلعب على الرصيف صباح اليوم فقط ‪ -‬أو كان يوم األربعاء؟ أنا‬
‫مشغولة جًدا بالعمل حتى يصعب علي االحتفاظ بالتواريخ‪ .‬لكنني فحصت المنزل من األعلى‬
‫حتى القبو‪ ،‬وُف ِ قَد ‪ .‬أوه‪ ،‬من أجل حب الجنة ‪" -‬‬

‫صامتة‪ ،‬قوية‪ ،‬ضخمة‪ ،‬وقفت المدينة الكبيرة دائً ما ضد منتقديها‪ .‬يطلقون عليها أنها صلبة‬
‫كالحديد؛ يقولون إنه ال نبض للشفقة ينبض في صدرها؛ يقارنون شوارعها بالغابات المتخالفة‬
‫وصحاري الحمم البركانية‪ .‬ولكن تحت القشرة الصلبة للكركند يمكن العثور على طعام لذيذ‬
‫وشهي‪ .‬ربما كانت تشبيً ها مختلًفا أحكم‪ .‬لكن ال أحد يجب أن يأخذ ذلك على محمل الجد‪ .‬لن‬
‫نطلق على أحد لفظة "كركند" إال بوجود مخالب جيدة وكافية‪.‬‬
‫‪16‬‬ ‫هنري‪ 100-‬قصة مختارة‬

‫ال يوجد كارثة تلمس قلب اإلنسانية المشتركة مثل تاهب طفل صغير‪ .‬أقدامهم غير مؤكدة‬
‫وضعيفة جًدا؛ الطرق وعرة وغريبة جًدا‪.‬‬

‫عجل الكابتن غريغز إلى الزاوية‪ ،‬وصعد الجادة إلى مكان بيلي‪" .‬أعطني شراًبا قوًّيا من‬
‫الجاوداردي"‪ ،‬قال للمنادي‪" .‬هل رأيت طفل ضائع يبلغ من العمر ست سنوات‪ ،‬وجهه متسخ‬
‫وساقيه معوجتين حول هنا؟"‬

‫احتفظ السيد تومي بيد السيدة بيردي على الدرج‪" .‬فكر في ذلك الجرو الصغير العزيز"‪،‬‬
‫قالت السيدة بيردي‪" ،‬فقد من جنب أمه‬

‫‪ -‬ربما سقط بالفعل تحت حوافر الخيول المرتدية‬


‫‪ -‬أوه‪ ،‬أليس ذلك مروًعا؟"‬

‫"أليس كذلك؟" وافق السيد تومي‪ ،‬وهو يضغط على يدها‪" .‬قلي إنني سأبدأ وأساعد في‬
‫البحث عنهم!"‬

‫"ربما"‪ ،‬قالت السيدة بيردي‪" ،‬يجب أن تفعل ذلك‪ .‬ولكن يا إلهي‪ ،‬السيد تومي‪ ،‬أنت مثير‬
‫جًدا ‪ -‬ومتهور ‪ -‬ماذا لو حدث لك حادث في حماسك‪ ،‬ثم ماذا سيحدث ‪"-‬‬

‫قرأ الرجل العجوز ديني عن اتفاق التحكيم‪ ،‬وبه إصبع واحد على األسطر‪.‬‬

‫في الطابق الثاني المقابل‪ ،‬خرج السيد والسيدة مكاسكي من النافذة ليستعيدا نفسيهما‪ .‬كان‬
‫السيد مكاسكي يجمع الشمندر من بين ثيابه باستخدام إصبعه األوسط المعوج‪ ،‬وزوجته كانت‬
‫تمسح عيًنا لم تكن األمالح من لحم الخنزير المشوي قد فيدتها‪ .‬سمعوا الصياح من األسفل‪،‬‬
‫وأخرجوا رؤوسهم من النافذة‪.‬‬

‫"إنه الصغير مايك الذي ُف ِ قَد "‪ ،‬قالت السيدة مكاسكي بصوت همس‪" ،‬المالك الجميل الصغير‬
‫الذي يشكل عبً ءا‪ ،‬الفتى!"‬
‫"الصبي الصغير الذي ضاع؟" قال السيد مكاسكي وهو يميل من النافذة‪.‬‬
‫"حسًنا‪ ،‬اآلن‪ ،‬هذا أمر سيء بما فيه الكفاية‪ .‬األطفال‪ ،‬يكونون مختلفين‪ .‬إذا كانت امرأة‪،‬‬
‫فسأكون مستعًدا‪ ،‬ألنهم يتركون السالم وراءهم عندما يرحلون‪".‬‬

‫تجاهلت اللكمة‪ ،‬وأمسكت السيدة مكاسكي بذراع زوجها‪.‬‬

‫"جون"‪ ،‬قالت بشكل مشوق‪" ،‬ضاع صبي السيدة ميرفي‪ .‬إنها مدينة كبيرة جًدا لفقدان األوالد‬

‫الصغار‪ .‬كان عمره ست سنوات‪ .‬جون‪ ،‬نفس العمر الذي كان سيكون عليه صبينا الصغير‬
‫إذا كان لدينا واحًدا قبل ست سنوات‪".‬‬
‫هنري‪ 100-‬قصة مختارة‬ ‫‪17‬‬

‫"لم نكن لدينا أبًدا"‪ ،‬قال السيد مكاسكي‪ ،‬متردًدا مع الواقع‪.‬‬

‫"لكن لو كان لدينا‪ ،‬جون‪ ،‬فكر في مدى الحزن الذي سيكون في قلوبنا هذه الليلة‪ ،‬مع هروب‬
‫صبينا الصغير في المدينة وسرقته في أي مكان على اإلطالق‪".‬‬

‫"تتحدثين بسفاهة"‪ ،‬قال السيد مكاسكي‪" .‬بات سيكون اسمه‪ ،‬على اسم والدي القديم في‬
‫كانتريم‪".‬‬

‫"أنت تكذب!" قالت السيدة مكاسكي‪ ،‬بدون غضب‪" .‬شقيقي كان يستحق عشرة من أسرة‬
‫مكاسكي الوحشية‪ .‬باسمه سيتم تسمية الصبي‪ ".‬مالت على حافة النافذة ونظرت إلى الهمس‬
‫والزحام أدناه‪.‬‬

‫"جون"‪ ،‬قالت السيدة مكاسكي بلطف‪" ،‬آسفة ألنني كنت عجولة معك‪".‬‬

‫"كان عبقرية سريعة‪ ،‬كما تقولين"‪ ،‬قال زوجها‪" ،‬والخضروات المسرعة والقهوة المشبعة‬
‫بالحيوية‪ .‬إنه ما يمكنك تسميته بالغداء السريع‪ ،‬وال تقولي كذبة‪".‬‬

‫جلست السيدة مكاسكي ذراعها داخل ذراع زوجها وأخذت يده الخشنة بين يديها‪.‬‬

‫"استمعي إلى صراخ ا لسيدة ميرفي الفقيرة"‪ ،‬قالت‪" .‬إنه أمر رهيب أن يتم فقدان صغير‬
‫بالمدينة الكبيرة هذه‪ .‬إذا كان صغيرنا فيالن‪ ،‬جون‪ ،‬لكنت سأحطم قلبي‪".‬‬

‫بصورة محرجة‪ ،‬سحب السيد مكاسكي يده‪ .‬لكنه وضعها حول كتفي زوجته القريبتين‪.‬‬

‫"هذا غباء‪ ،‬بالطبع"‪ ،‬قال بصوت عال‪" ،‬ولكني سأكون منزعً جا قلياًل أنا أيًضا‪ ،‬إذا تم‬
‫اختطاف ‪ -‬بات أو أي شيء من هذا القبيل‪ .‬ولكن لم يكن هناك أطفال لنا‪ .‬أحياًنا كنت قاسًيا‬
‫وصعًبا معك‪ ،‬جودي‪ .‬انسي ذلك‪".‬‬

‫مالوا مًعا‪ ،‬ونظروا إلى الدراما القلبية التي يجري أداؤها أسفلهم‪.‬‬

‫لطالما جلسوا هكذا‪ .‬الناس اندفعوا على الرصيف‪ ،‬يزدحمون‪ ،‬يسألون‪ ،‬يمألون الهواء‬
‫بالشائعات والتخمينات غير المقنعة‪ .‬السيدة ميرفي تسير هنا وهناك في وسطهم‪ ،‬كجبل ناعم‬
‫يتدفق عليه شالل مسموع من الدموع‪ .‬حضر وانصرف الرسل‪.‬‬

‫ُرِف َ عت أصوات عالية واضطراب متجدد أمام دار النزل‪.‬‬

‫"ماذا يحدث اآلن‪ ،‬جودي؟" سأل السيد مكاسكي‪.‬‬

‫"إنه صوت السيدة ميرفي"‪ ،‬قالت السيدة مكاسكي‪ ،‬وهي تستمع‪" .‬تقول إنها عثرت على‬
‫‪18‬‬ ‫هنري‪ 100-‬قصة مختارة‬

‫مايك الصغير نائً ما وراء لفة اللينوليوم القديمة تحت السرير في غرفتها‪".‬‬

‫ضحك السيد مكاسكي بصوت عال‪.‬‬


‫"هذا هو فيالنك"‪ ،‬صاح بسخرية‪" .‬بالطبع‪ ،‬الصبي الذي لم نكن لدينا أبًدا سيكون قد فعل‬
‫هذه الحيلة إذا ضل وسرق‪ ،‬بقوة‪ ،‬اسمه فيالن‪ ،‬وشاهده وهو يختبئ تحت السرير مثل كلب‬
‫مشعوذ‪".‬‬

‫نهضت السيدة مكاسكي بثقل‪ ،‬وتوجهت نحو خزانة األطباق‪ ،‬وزاويتا فمها تهدالن‪.‬‬

‫عاد الشرطي كليري حول الزاوية بينما تفرق الحشد‪ .‬فوجئ‪ ،‬وقلب أذنه نحو شقة مكاسكي‬
‫حيث بدت ضجة الحديد واألواني واألدوات المطبخ الملقاة بقوة كما كانت من قبل‪ .‬أخرج‬
‫الشرطي كليري ساعته‪.‬‬

‫"بواسطة الثعابين المرحلة!" صاح‪" .‬جون مكاسكي وسيدته كانوا يتقاتلون لمدة ساعة وربع‬
‫بالتوقيت‪ .‬يمكن للسيدة أن تعطيه ‪ 40‬باونًدا‪ .‬قوة لذراعه‪".‬‬

‫تجول الشرطي كليري مرة أخرى حول الزاوية‪.‬‬

‫طَّ ‬ ‫ي مسن ديني صحيفته واستعجل صعود الساللم أللعلى في الوقت الذي كانت فيه السيدة‬
‫ميرفي على وشك إغالق الباب لليلة‪.‬‬

‫‪IV‬‬

‫غرفة السقفية‬
‫تبدأ السيدة باركر أواًل بعرض لك الصالونين المزدوجين‪ .‬لن تجرؤ على تقاطعها أثناء‬
‫وصفها لمزاياهم وميزات السيد الذي استأجرهما لمدة ثماني سنوات‪ .‬بعد ذلك‪ ،‬ستتمكن من‬
‫تهتهت إعتراًفا بأنك لست طبيًبا أو طبيب أسنان‪ .‬كانت طريقة السيدة باركر في التعامل مع‬
‫هذا االعتراف بحيث لن تتمكن فيما بعد من الترفيه عن نفس الشعور نحو والديك‪ ،‬اللذين‬
‫تركوا باإلهمال تدريبك في إحدى المهن التي تتناسب مع صالونات السيدة باركر‪.‬‬

‫بعد ذلك‪ ،‬ستصعد طابًقا واحًدا من الساللم وستلقي نظرة على الطابق الثاني بسعر ‪ 8‬دوالر‪.‬‬
‫دوالرا كما كان يدفعه السيد توزنبيري‬
‫مقتنًعا بأسلوبها في الطابق الثاني أنها تستحق ‪12‬‬ ‫ً‬
‫دائً ما له حتى غادر ليتولى إدارة مزرعة برتقال أخيه في فلوريدا بالقرب من بالم بيتش‪،‬‬
‫حيث تقضي السيدة ماكنتاير دائً ما فصول الشتاء والتي تملك الغرفة األمامية المزدوجة مع‬
‫حمام خاص‪ ،‬نجحت في التصرف بشكل غير متفهم بأنك تريد شيًئا أرخص من ذلك‪.‬‬
‫هنري‪ 100-‬قصة مختارة‬ ‫‪1‬‬
‫‪9‬‬

‫إذا نجوت من ازدراء السيدة باركر‪ ،‬سيتم أخذك لترى غرفة السيد سكيدر الواسعة في‬
‫الطابق الثالث‪ .‬لم تكن غرفة السيد سكيدر شاغرة‪ .‬إنه يكتب مسرحيات ويدخن سجائر فيها‬
‫طوال اليوم‪ .‬ولكن تم استدعاء كل من يبحث عن غرفة لزيارة غرفته إللعجاب باللمبريكينز‪.‬‬
‫بعد كل زيارة‪ ،‬سيقوم السيد سكيدر‪ ،‬من الرعب الذي تسببه إمكانية طرده‪ ،‬بدفع جزء من‬
‫إيجاره‪.‬‬

‫ثم ‪ -‬أوه‪ ،‬ثم ‪ -‬إذا الزلت تقف على قدم واحدة ويدك الحارة تمسك بالدوالرات الرطبة الثالثة‬
‫في جيبك‪ ،‬وصرخت بصوت مبحوح بفقرك البشع والمذنب‪ ،‬لن تكون السيدة باركر مرشدك‬
‫أبًدا‪ .‬ستصدر صوًتا عالًيا "كالرا"‪ ،‬ستظهر لك ظهرها‪ ،‬وستسير بسرور إلى الطابق السفلي‪.‬‬
‫ثم ستقوم كالرا‪ ،‬خادمة اللون‪ ،‬بمرافقتك عبر السلم المغطى الذي يخدم كالطابق الرابع‪،‬‬
‫وستريك غرفة السقف الزجاجي‪ .‬تحتل مساحة ‪ 7‬في ‪ 8‬قدً ما في منتصف القاعة‪ .‬على‬
‫جانبيها خزانة ظالمية أللدوات أو غرفة تخزين‪.‬‬

‫في الغرفة كانت سرير حديد ومغسلة وكرسي‪ .‬والرف كان الدرج‪ .‬بدت جدرانها األربع‬
‫عارية تضغط عليك كجوانب عملة نقدية‪ .‬يدك تالمس حلقك‪ ،‬وتلتهم الهواء‪ ،‬تنظر ألعلى‬
‫كمن ينظر من األعماق‪ ،‬وتتنفس مرة أخرى‪ .‬من خالل زجاج السقف الزجاجي الصغير‬
‫كنت ترى مربً عا من االلنهاية الزرقاء‪.‬‬

‫"دوالران‪ ،‬سيد"‪ ،‬ستقول كالرا بأسلوبها النصف مزاحي والنصف توسكيجيني‪.‬‬

‫في يوم من األيام‪ ،‬جاءت اآلنسة ليسون تبحث عن غرفة‪ .‬كانت تحمل آلة كتابة مصممة‬
‫ليتم حملها من قبل سيدة أكبر بكثير‪ .‬كانت فتاة صغيرة جًدا‪ ،‬مع عيون وشعر يستمر في‬
‫النمو بعد أن توقفا‪ ،‬ويبدو دائً ما وكأنهما يقوالن‪" :‬يا للهول‪ ،‬لماذا لم تستمر معنا؟"‬

‫أظهرت لها السيدة باركر الصالونين المزدوجين‪" .‬في هذه الخزانة"‪ ،‬قالت‪" ،‬يمكن أن‬
‫تحتفظ بجسم هيكلي أو بنج أو فحم ‪"-‬‬
‫"ولكنني لست طبيبة وال طبيبة أسنان"‪ ،‬قالت اآلنسة ليسون بارتجاف‪.‬‬

‫منحتها السيدة باركر نظرة االعتراض والتعاطف والسخرية والبرودة الثلجية التي كانت‬
‫تحتفظ بها ألولئك الذ ين لم يتأهلوا كأطباء أو طبيبات أسنان‪ ،‬وقادت الطريق إلى الطابق‬
‫الثاني‪.‬‬
‫"ثمانية دوالرات؟"‪ ،‬قالت اآلنسة ليسون‪" .‬يا إلهي! لست هيتي إذا بدا وكأني غبية‪".‬‬
‫‪20‬‬ ‫هنري‪ 100-‬قصة مختارة‬

‫"أنا مجرد فتاة عاملة فقيرة‪ .‬أرني شيًئا أعلى وأقل‪ ".‬قفز السيد سكيدر ورش المشباك بأعقاب‬
‫السجائر بسمع الطرقة على بابه‪.‬‬

‫"عذرا‪ ،‬السيد سكيدر"‪ ،‬قالت السيدة باركر‪ ،‬بابتسامتها الشيطانية على مظهره الشاحب‪" .‬لم‬
‫ً‬
‫أكن أعلم أنك هنا‪ .‬طلبت من السيدة أن تلقي نظرة على لمبريكينزك‪".‬‬
‫"إنها جميلة للغاية ألي شيء"‪ ،‬قالت اآلنسة ليسون‪ ،‬وهي تبتسم بالطريقة التي يفعلها المالئكة‬
‫تما‬
‫ًما‪.‬‬
‫ً‬
‫مشغوال جًدا في محو بطلة أحدث مسرحيته (غير بعد أن غادرا‪ ،‬أصبح السيد سكيدر‬
‫المنتجة) ذات الشعر األسود الطويل وإدخال واحدة صغيرة ومشاغبة ذات شعر غامق‬
‫ومالمح حيوية‪.‬‬
‫"سيقفز أنا هيلد على الفور"‪ ،‬قال السيد سكيدر لنفسه‪ ،‬وهو يضع قدميه على اللمبريكينز‬
‫ويختفي في سحابة دخان تشبه الحبار الجوي‪.‬‬

‫قريًبا‪ ،‬تحدث نداء "كالرا!" إلى العالم حالة محفظة اآلنسة ليسون‪ .‬استولى عليها جني‬
‫غامض‪ ،‬صعد بها إلى درجة ظالمية‪ ،‬دفعها إلى قبو مع وميض ضوء في قمته ومرتجً فا‬
‫الكلمات التهديدية والكابالستية "دوالران!"‬

‫"سأأخذها!" أنهت اآلنسة ليسون بانخفاضها على السرير الحديدي الصرير‪.‬‬

‫كل يوم تذهب اآلنسة ليسون للعمل‪ .‬في الليل تأتي بأوراق مكتوب عليها وتقوم بعمل نسخ‬
‫باستخدام آلة الكتابة‪ .‬في بعض األحيان ليس لديها عمل في الليل‪ ،‬وفي هذا الوقت ستجلس‬
‫على درج السطح العالي مع المستأجرين اآلخرين‪.‬‬

‫لم يكن من المقرر أن تكون اآلنسة ليسون ضيفة لغرفة السقف الزجاجي عندما تم رسم‬
‫الخطط لخلقها‪ .‬كانت قلبها مرح ومليء باألفكار الغريبة والرقيقة‪ .‬في إحدى المرات‪ ،‬سمحت‬
‫للسيد سكيدر بقراءة ثالث فصول من كوميديته العظيمة (غير المنشورة) "إنها ليست مزحة؛‬
‫أو‪ ،‬وريث المترو"‪.‬‬

‫كان هناك احتفال بين السادة المستأجرين عندما يكون آللنسة ليسون وقت للجلوس على‬
‫الدرج لساعتين تقريًبا‪ .‬ولكن اآلنسة لونغنيكر‪ ،‬الشقراء الطويلة التي تدرس في مدرسة عامة‬
‫وتقول "حًقا!" لكل شيء قلته‪ ،‬تجلس على أعلى الدرج وتنفخ‪ .‬واآلنسة دورن‪ ،‬التي تطلق‬
‫النار على البط في كوني كل يوم أحد وتعمل في متجر‪ ،‬تجلس على أسفل الدرج وتنفخ‪.‬‬
‫تجلس اآلنسة ليسون على الدرج األوسط‪ ،‬وسرعان ما سيتجمع الرجال حولها‪.‬‬

‫خصوً ‬ ‫صا السيد سكيدر‪ ،‬الذي قد صورها في عقله بالدور الرئيسي في دراما رومانسية‬
‫خاصة (غير معلنة) في الحياة الحقيقية ‪.‬‬
‫هنري‪ 100-‬قصة مختارة‬ ‫‪21‬‬

‫أسألك أن تسمحوا للدراما أن تتوقف بين ما يتجول الجوقة إلى أمام المسرح ويسقط دمعة من‬
‫التراجيديا على سمنة السيد هوفر‪ .‬أعدوا األنابيب لمأساة الشحم‪ ،‬وبؤس الوزن‪ ،‬وكارثة‬
‫السمنة‪ .‬لو تم اختبارها‪ ،‬ربما كان يمكن لفالستاف أن يضفي المزيد من الرومانسية للطن‬
‫مقارنة بأضلع روميو التي تمزقت‪ .‬قد يتنهد العاشق‪ ،‬لكنه ال يجب أن ينفخ‪ .‬لرجال الدهون‬
‫يتم إحالتهم إلى قطار موموس‪ .‬عبًثا يدق قلب أصدق قلب فوق حزام بقياس ‪ 52‬بوصة‪.‬‬
‫ارحل‪ ،‬هوفر! هوفر‪ ،‬البالغ من العمر خمسة وأربعين عاً ما‪ ،‬محمر الوجنتين وغبي‪ ،‬قد‬
‫ينجح في أخذ هيلين نفسها‪ .‬هوفر‪ ،‬البالغ من العمر خمسة وأربعين عاً ما‪ ،‬محمر الوجنتين‬
‫وغبي وسمين‪ ،‬هو طعام للهالك‪ .‬لم تكن هناك أي فرصة بالنسبة لك‪ ،‬هوفر‪.‬‬
‫وبينما جلس مستأجرو غرفة السيدة باركر هكذا في مساء صيفي‪ ،‬نظرت اآلنسة ليسون إلى‬
‫السماء وصرخت بضحكتها الصغيرة‪:‬‬

‫"لماذا‪ ،‬هذا بيلي جاكسون! أستطيع أن أراه من هنا أيًضا‪".‬‬

‫نظر الجميع إلى أعلى ‪ -‬بعضهم إلى نوافذ ناطحات السحاب‪ ،‬وبعضهم يبحثون عن طائرة‬
‫هوائية موجهة بواسطة جاكسون‪.‬‬

‫"إنها تلك النجمة"‪ ،‬شرحت اآلنسة ليسون‪ ،‬مشيرة بإصبعها الصغير‪" .‬ليس النجمة الكبيرة‬
‫التي تومض ‪ -‬النجمة الزرقاء الثابتة بالقرب منها‪ .‬يمكنني أن أراها كل ليلة من خالل سقفي‬
‫الزجاجي‪ .‬سميتها بيلي جاكسون‪".‬‬

‫"حسًنا حًقا!" قالت اآلنسة لونغنيكر‪" .‬لم أكن أعلم أنك عالم فلك‪ ،‬اآلنسة ليسون‪".‬‬

‫"أوه‪ ،‬نعم"‪ ،‬قالت النجمة الصغيرة بالنظر إلى نمط أكمامهم المقرر ارتداؤها الخريف المقبل‬
‫في المريخ‪" .‬‬

‫"حسًنا حً قا!" قالت اآلنسة لونغنيكر‪" .‬النجمة التي تشيرين إليها هي غاما‪ ،‬من كوكبة‬
‫كاسيوبيا‪ .‬إنها تقريًبا من الدرجة الثانية‪ ،‬وعبورها عبر المريديان هو ‪" -‬‬
‫"أوه"‪ ،‬قال السيد إيفانز الشاب جًدا‪" ،‬أعتقد أن اسم بيلي جاكسون هو اسم أفضل بكثير لها‪.‬‬

‫"نفس الشيء هنا"‪ ،‬قال السيد هوفر‪ ،‬وهو يتنفس بصوت عاٍ ل متحدًيا اآلنسة لونغنيكر‪.‬‬
‫"أعتقد أن اآلنسة ليسون لديها نفس الحق في تسمية النجوم مثل أي من تلك العرافين القدماء‪".‬‬

‫"حسًنا‪ ،‬حًقا!" قالت اآلنسة لونغنيكر‪.‬‬


‫"أتساءل ما إذا كان نجً ما ساقً ‬
‫طا"‪ ،‬الحظت اآلنسة دورن‪" .‬أصابت تسع طيور وأرنًبا من‬
‫عشرة في المعرض في كوني األحد‪".‬‬
‫‪22‬‬ ‫هنري‪ 100-‬قصة مختارة‬

‫"هو ال يظهر بشكل جيد من هنا"‪ ،‬قالت اآلنسة ليسون‪" .‬يجب أن تراه من غرفتي‪ .‬تعلمين‬
‫أنه يمكن رؤية النجوم حتى في النهار من قاع بئر‪ .‬في الليل‪ ،‬غرفتي تبدو كبئرة منجم فحم‪،‬‬
‫وتجعل بيلي جاكسون يبدو كمشبك الماس الكبير الذي تثبت به ليلة رداءها‪".‬‬

‫حدث وقت بعد ذلك عندما لم تحضر اآلنسة ليسون أوراًقا مهمة لتنسيقها في المنزل‪ .‬وعندما‬
‫ذهبت في الصباح‪ ،‬بداًل من العمل‪ ،‬ذهبت من مكتب إلى مكتب ودعت قلبها يتساقط في تناثر‬
‫رفض بارد تم نقله عبر الفتيان المتكبرين في المكتب‪ .‬استمر ذلك‪.‬‬

‫جاء مساء عندما تسلقت اآلنسة ليسون بتعب درج السيدة باركر في الوقت الذي عادت فيه‬
‫دائً ما من العشاء في المطعم‪ .‬ولكنها لم تتناول العشاء‪.‬‬

‫بمجرد أن دخلت القاعة‪ ،‬قابلها السيد هوفر واستغل فرصته‪ .‬سألها أن تتزوجه‪ ،‬واستقرت‬
‫سمنته فوقها كالثلجة الواقعة‪ .‬تجنبته‪ ،‬وأمسكت بالدرابزين‪ .‬حاول أن يمسك بيدها‪ ،‬ورفعتها‬
‫وضربته بضعف في وجهه‪ .‬خطوة بخطوة ذهبت إلى أعلى‪ ،‬وجرت نفسها بواسطة‬
‫الدرابزين‪ .‬مرت بجانب باب السيد سكيدر بينما كان يقوم بإضافة الحبر األحمر إلى‬
‫توجيهات المسرح في كوميديته (الغير مقبولة) لـ ميرتل ديلورم (اآلنسة ليسون)‪ ،‬للرقص‬
‫بشكل دوراني من الجهة اليسرى إلى جانب الكونت‪ .‬وصعدت الدرج المفروش بالسجاد‬
‫ً أخيرا وفتحت باب غرفة السقف المزجج‪.‬‬
‫كانت ضعيفة جًدا لتشغيل اللمبة أو لتخليع مالبسها‪ .‬سقطت على السرير الحديدي‪ ،‬حيث ال‬
‫يمكن أن يتجاوز جسدها الهش الربيع المتآكل‪ .‬وفي تلك الغرفة الداكنة‪ ،‬رفعت جفنيها الثقيلين‬
‫ببطء وابتسمت‪ .‬فكان بيلي جاكسون يضيء عليها‪ ،‬هادًئا ومشرًقا وثابًتا من خالل السقف‬
‫المزجج‪ .‬لم يكن هناك عالم حولها‪ .‬كانت غارقة في حفرة من الظالم‪ ،‬مع تلك المربع‬
‫الصغير من الضوء الباهت ُيحدد النجم الذي سمته بشكل غريب وبطريقٍ ة فاشلة‪ .‬يجب أن‬
‫تكون اآلنسة لونغنيكر على حق؛ إنه نجم غاما‪ ،‬من كوكبة كاسيوبيا‪ ،‬وليس بيلي جاكسون‪.‬‬
‫ومع ذلك‪ ،‬لم تستطع أن تتركه يكون نجم غاما‪.‬‬

‫وبينما هي مستلقية على ظهرها‪ ،‬حاولت مرتين أن ترفع ذراعها‪ .‬في المرة الثالثة‪ ،‬وصلت‬
‫إصبعين نحيلين إلى شفتيها ونفخت قبلة من عمق الحفرة السوداء إلى بيلي جاكسون‪ .‬سقطت‬
‫ذراعها ببالهة‪.‬‬

‫"وداًعا‪ ،‬بيلي"‪ ،‬همست بضعف‪".‬أنِ ت ماليين األميال‪m‬بعيًدا ولن تلمعي حتى مرة واحدة‪.‬‬
‫ولكنِك بقيِ ‬ ‫ت حيث يمكنني رؤيتِك معظم الوقت هناك على األعلى عندما لم يكن هناك سوى‬
‫الظالم للنظر إليه‪ ،‬أليس كذلك؟‪ ...‬ماليين األميال‪ ...‬وداًعا‪ ،‬بيلي جاكسون‪".‬‬
‫فال في العاشرة في اليوم التالي‪ ،‬وُاضطرت‬
‫عثرت كالرا‪ ،‬الخادمة الملونة‪ ،‬على البابُ مقً ‬
‫لفتحه بالقوة‪ .‬لم تكن الخل وصفع المعصمين وحتى الريش المحترق ذات جدوى‪ ،‬وركض‬
‫شخص ما ليتصل بالهاتف الستدعاء سيارة اإلسعاف‪.‬‬
‫هنري‪ 100-‬قصة مختارة‬ ‫‪23‬‬

‫في الوقت المناسب‪ ،‬اقتربت سيارة اإلسعاف من البابُ مصدرة أصوات الجرس العالية‪،‬‬
‫جاهزا‪ ،‬نشيً ‬
‫طا‪،‬‬ ‫ونزل الطبيب الشاب والقادر‪ ،‬في معطفه األبيض المصنوع من الكتان‪،‬‬ ‫ً‬
‫وواثًقا‪ ،‬ووجهه الناعم نصفه بجاذبية ونصفه بعبوسية‪ ،‬وارتقى الدرجات بسرور‪.‬‬

‫"استدعاء سيارة اإلسعاف إلى العنوان ‪ ،"49‬قال بإيجاز‪" .‬ما هي المشكلة؟"‬

‫"آه نعم‪ ،‬دكتور"‪ ،‬شمتت السيدة باركر‪ ،‬كما لو أن مشكلتها كانت أكبر من مشكلة وجود‬
‫مشكلة في المنزل‪" .‬ال يمكنني التفكير في ما يمكن أن يكون المشكلة معها‪ .‬لم يكن هناك‬
‫شيء يمكن فعله إلحضارها إلى وعيها‪ .‬إنها سيدة شابة‪ ،‬آه‪ ،‬اآلن آه‪ ،‬إيلسي ليسون‪ .‬لم يحدث‬
‫من قبل في منزلي ‪" -‬‬

‫"ما هي الغرفة؟" صاح الطبيب بصوت مرعب‪ ،‬وهو صوت لم تكن السيدة باركر معتادة‬
‫عليه‪.‬‬

‫"الغرفة السقفية‪ .‬إنها ‪" -‬‬

‫يبدو أن طبيب اإلسعاف كان على دراية بموقع الغرف السقفية‪ .‬لقد ذهب إلى األعلى على‬
‫الدرج‪ ،‬أربع خطوات في كل مرة‪ .‬تبعته السيدة باركر ببطء‪ ،‬كما تقتضي كرامتها‪.‬‬

‫في الهبوط األول التقت به وهو يعود يحمل الفلكي في ذراعيه‪ .‬توقف وفضح لسانه الماهر‪،‬‬
‫وليس بصوت عاٍ ل‪ .‬تدحرجت السيدة باركر تدريجًيا كقماشة صلبة تنزل من مكانها على‬
‫الجدار‪ .‬بقيت ثنايا في ذهنها وجسدها بعد ذلك‪ .‬أحياًنا كان غرفتها المتسائلين الفضوليين‬
‫يسألونها عما قاله الطبيب لها‪.‬‬

‫"اترك ذلك يكون"‪ ،‬ستجيب‪" .‬إذا استطعت أن تحصل على مغفرة ألني سمعته فسأكون‬
‫راضًيا‪".‬‬
‫توجه الطبيب من سيارة اإلسعاف بثقله من خالل زحام الفضول الذين يتبعون مطاردة‬
‫الفضول‪ ،‬حتى انكمشوا على جانب الرصيف‪ ،‬لوجهه كان وكأنه شخص يحمل موتاه‬
‫الخاصة‪.‬‬

‫لوحظ أنه لم يضع الجثة التي كان يحملها على السرير المعد لها في سيارة اإلسعاف‪ ،‬وكان‬
‫كل ما قاله هو‪" :‬قود بسرعة‪ ،‬ويلسون" للسائق‪.‬‬

‫صغيرا‪ ،‬والجملة‬
‫خبرا‬ ‫ً‬
‫هذا كل شيء‪ .‬هل هو قصة؟ في صحيفة الصباح التالية‪ ،‬شاهدتً ‬
‫األخيرة فيها قد تساعدك (كما ساعدتني) على ربط األحداث مً عا‪.‬‬

‫تحدثت عن استقبال امرأة شابة في مستشفى المنظر جميل (‪ )Bellevue hospital‬بعد‬


‫نقلها من رقم ‪ 49‬شرق ‪ -‬شارع‪ ،‬والتي كانت تعاني من ضعف ناجم عن الجوع‪ .‬اختتمت‬
‫‪24‬‬ ‫هنري‪ 100-‬قصة مختارة‬

‫بالقول‪" :‬الدكتور وليام جاكسون‪ ،‬طبيب اإلسعاف الذي راجع الحالة‪ ،‬يقول أن المريضة‬
‫ستتعافى‪".‬‬

‫‪V‬‬

‫خدمة الحب‬
‫عندما يحب اإلنسان فنه‪ ،‬ال يبدو أي عمل خدمي صعًبا‪ .‬هذا هو فرضيتنا‪ .‬سيقوم هذا القصة‬
‫باستخالص استنتاج منها‪ ،‬وسيظهر في الوقت نفسه أن الفرضية غير صحيحة‪ .‬سيكون ذلك‬
‫وإنجازا في سرد القصص أقدمً ‬
‫قليال من سور الصين العظيم‪.‬‬ ‫أمرا جديًدا في المنطق‪،‬‬ ‫ً‬
‫ً‬
‫جو الرابي خرج من المناطق الوسطى في الغرب األوسط مع إلهام لفن الرسم‪ .‬في سن‬
‫الست سنوات رسم صورة لمضخة المدينة مع مواطن بارز يمر بها بسرعة‪ .‬تم وضع هذا‬
‫الجهد في إطار وتعليقه في نافذة صيدلية بجانب إذن الذرة ذات عدد غير متساوي من‬
‫الصفوف‪ .‬في العشرينات غادر إلى نيويورك مرتدياً ربطة عنق فاخرة ورأسمال مقيد بشكل‬
‫أقوى قلياًل ‪.‬‬

‫قامت ديليا كاروثرز بأداء أشياء في ستة أوكتافات بواعد واعدة في قرية صغيرة تحت‬
‫أشجار الصنوبر في الجنوب‪ ،‬حتى قام أقاربها بتقديم مساهمات كافية في قبعتها المزخرفة‬
‫لكي تذهب "شمااًل " وتكمل تعليمها‪ .‬لم يستطيعوا رؤية جمالها‪ ،‬ولكن هذه هي قصتنا‪.‬‬
‫التقى جو وديليا في أتيليه حيث اجتمع عدد من طالب الفن والموسيقى لمناقشة اإلضاءة‬
‫وفاغنر والموسيقى وأعمال ريمبراندت وصور والدتوفل وورق الحائط وشوبان وأولونج‪.‬‬

‫أصبح جو وديليا مغرمين ببعضهما البعض‪ ،‬أو بكل منهما على حدة‪ ،‬حسبما تفضل‪ ،‬وفي‬
‫وقت قصير تزوجا ‪ -‬ألنه (انظر أعاله)‪ ،‬عندما يحب اإلنسان فنه‪ ،‬ال يبدو أي عمل خدمي‬
‫صعًبا‪ .‬بدأ السيد والسيدة الرابي بإقامة منزلية في شقة‪ .‬كانت شقة وحيدة ‪ -‬شيء ما يشبه‬
‫المالحظة الصوتية للميز الشارب في أسفل الطرف األيسر من لوحة المفاتيح‪ .‬وكانوا سعداء؛‬
‫ألن لديهم فنهم وكانوا لبعضهم‪ .‬ونصيحتي للشاب الثري ستكون ‪ -‬بيع كل ما تمتلكه وامنحه‬
‫للفقراء ‪ -‬لمراقب المبنى مقابل امتياز العيش في شقة مع فنك وديليا‪.‬‬

‫سيؤيد سكان الشقق تصريحي بأنهم هم من لديهم السعادة الحقيقية فقط‪.‬‬


‫هنري‪ 100-‬قصة مختارة‬ ‫‪25‬‬

‫إذا كان المنزل سعيًدا‪ ،‬فإنه ال يمكن أن يكون ضيً قا جًدا ‪ -‬دع الخزانة تنهار وتتحول إلى‬
‫طاولة البلياردو؛ دع المدفأة تتحول إلى آلة تجديف‪ ،‬والمكتب إلى غرفة نوم احتياطية‪،‬‬
‫ومغسلة اليدين إلى بيانو عمودي؛ دع الجدران األربعة تتقارب إذا أرادت ذلك‪ ،‬حتى تكون‬
‫أنت وديليا بينهما‪ .‬ولكن إذا كان المنزل من نوع آخر‪ ،‬دعه يكون واسً عا وطوياًل ‪ -‬ادخل‬
‫من بوابة الذهب‪ ،‬وعلق قبعتك في هاتيراس‪ ،‬ورداءك في رأس الكريوس‪ ،‬واخرج من خالل‬
‫البرادور‪.‬‬

‫كان جو يرسم في فصل الماجستير العظيم ‪ -‬تعرف شهرته‪ .‬رسومه مرتفعة‪ ،‬دروسه خفيفة‬
‫‪ -‬إضاءته العالية قد جلبت له شهرة‪ .‬كانت ديليا تدرس تحت إشراف روزنستوك ‪ -‬تعرف‬
‫سمعته كشخص يشوش على مفاتيح البيانو‪.‬‬
‫كانوا سعداء للغاية طالما استمرت أموالهم‪ .‬وهكذا هو الحال مع الجميع ‪ -‬لكنني لن أكون‬
‫قادرا قريًبا جًدا‬
‫ساخرا‪ .‬كانت أهدافهم واضحة ومحددة تماً ما‪ .‬كان من المقرر أن يكون جوً ‬
‫ً‬
‫على إنتاج لوحات يشتريها السادة الكبار ذوو اللحى الرفيعة والمحافظ الممتلئة من بعضهما‬
‫البعض في استوديوهاته المتياز شرائها‪ .‬كان من المقرر أن تصبح ديليا ملمة ثم مستصغرة‬
‫للموسيقى‪ ،‬حتى إذا رأت مقاعد األوركسترا والصناديق لم يباع فيها تعاني من التهاب الحلق‬
‫وتتناول اإلربيان وترفض الصعود إلى المسرح‪.‬‬

‫ولكن في رأيي‪ ،‬كانت أفضل جزء في الحياة المنزلية في الشقة الصغيرة ‪ -‬الدردشات‬
‫الحميمة والنقاشات النشطة بعد الدراسة في نهاية اليوم؛ العشاء المريح وفطور خفيف‬
‫ومنعش؛ تبادل الطموحات ‪ -‬طموحات متشابكة إما مع بعضها البعض أو أقل مهمية ‪-‬‬
‫المساعدة واإللهام المتبادل؛ و ‪ -‬اعذرني على بساطتي ‪ -‬الزيتون المحشو وشطائر الجبن‬
‫في الحادية عشر مساً ء‪.‬‬

‫ولكن بعد فترة تراجع اإللهام الفني‪ .‬هذا يحدث أحياًنا‪ ،‬حتى إذا لم يقوم أحد بإيقافه‪ .‬كل شيء‬
‫يخرج وال شيء يأتي‪ ،‬كما يقول العامة‪ .‬كان هناك نقص في المال لدفع أجور السيد ماجستير‬
‫والسيد روزنستوك‪ .‬عندما يحب اإلنسان فنه‪ ،‬ال يبدو أي عمل خدمي صعًبا‪ .‬لذلك‪ ،‬قالت‬
‫ديليا إنها يجب أن تقدم دروًسا في الموسيقى للحفاظ على القدر‪.‬‬
‫لمدة يومين أو ثالثة‪ ،‬خرجت لجمع تالميذ لها‪ .‬في إحدى الليالي‪ ،‬عادت إلى البيت مبتهجة‪.‬‬

‫"جو‪ ،‬عزيزي"‪ ،‬قالت بفرح‪" ،‬لدي تلميذة‪ .‬وأوه‪ ،‬أروع األشخاص! ابنة الجنرال ‪ -‬الجنرال‬
‫إيه بينكني ‪ -‬على شارع الحادية والسبعين‪ .‬منزل رائع‪ ،‬جو ‪ -‬يجب أن ترى الباب األمامي!‬
‫أر شيًئا مثله من قبل‪.‬‬
‫يمكنك أن تسميه بيزنطًيا‪ .‬والداخل! أوه‪ ،‬جو‪ ،‬لمَ ‬
‫"تلميذتي هي ابنة الجنرال كليمنتينا‪ .‬أنا أحبها جًدا بالفعل‪ .‬إنها شيء رقيق ‪ -‬ترتدي دائً ما‬
‫اللون األبيض‪ .‬وأسلوبها اللطيف والبسيط!"‬
‫‪26‬‬ ‫هنري‪ 100-‬قصة مختارة‬

‫لم تبلغ سوى الثامنة عشرة من العمر‪ .‬سأقدم ثالث دروس في األسبوع؛ وتخيل‪ ،‬جو! ‪5‬‬
‫دوالر للدرس‪ .‬ال يمانعني ذلك قلياًل ؛ ألنه عندما أحصل على تالميذ إضافيين أو ثالثة‪،‬‬
‫يمكنني استئناف دروسي مع السيد روزنستوك‪ .‬اآلن‪ ،‬قومي بتمتين تلك التجاعيد بين‬
‫حاجبيك‪ ،‬عزيزي‪ ،‬ولنتناول عشاً ء لطيًفا‪.‬‬

‫"هذا كل شيء على ما يرام بالنسبة لك‪ ،‬ديليا"‪ ،‬قال جو مهاجً ما علبة البازالء بسكين النحت‬
‫والفأس‪" ،‬ولكن ماذا عني؟ أتظن أنني سأسمح لك بالكدح من أجل األجور بينما أنا أتالعب‬
‫في عوالم الفن العالي؟ ال‪ ،‬بأعظم عظام بينفنوتو تشيليني! أعتقد أنني يمكنني بيع الصحف‬
‫أو وضع الرصف‪ ،‬وجلب دوالرين أو اثنين‪".‬‬

‫جاءت ديليا وعلقت على عنقه‪.‬‬

‫"جو‪ ،‬عزيزي‪ ،‬أنت سخيف‪ .‬يجب أن تستمر في دراستك‪ .‬ليس كما لو قد توقفت موسيقاي‬
‫وبدأت في العمل في شيء آخر‪ .‬بينما أقدم الدروس‪ ،‬أتعلم‪ .‬أنا دائماً مع موسيقاي‪ .‬ويمكننا‬
‫أن نعيش بسعادة مثل المليونيرات بـ ‪ 15‬دوالر في األسبوع‪ .‬ال يجب أن تفكر في ترك السيد‬
‫ماجستير‪".‬‬

‫"حسًنا"‪ ،‬قال جو ممًدا يده لصحن الخضروات المجوف باللون األزرق‪" .‬لكني أكره أن‬
‫ً‬
‫وعزيزا في القيام ت تلعبين دوراً رائًعا‬
‫تقومي بإعطاء الدروس‪ .‬ليس هذا فًنا‪ .‬ولكنك أنِ ‬
‫بذلك‪".‬‬

‫"عندما يحب اإلنسان فنه‪ ،‬ال يبدو أي عمل خدمي صعًبا"‪ ،‬قالت ديليا‪.‬‬

‫ثنى الماجستير على السماء في تلك الرسمة التي قمت بها في الحديقة‪ "،‬قال جو‪" .‬ومنحني‬
‫تينكل إذًنا بتعليق واحدتين منها في نافذته‪ .‬قد أبيع واحدة إذا رأى النوع المناسب من الغباء‬
‫المالي إياها‪".‬‬

‫"أنا واثقة أنك ستفعل ذلك"‪ ،‬قالت ديليا بلطف‪" .‬واآلن دعونا نشكر الجنرال بينكني وهذا‬
‫لحم العجل المحمر‪".‬‬

‫مبكرا‪ .‬كان جو متحمًسا بشأن‬


‫إفطارا‬ ‫ً‬
‫خالل كل أسبوع من األسبوع التالي‪ ،‬تناول الرابيز‬ ‫ً‬
‫بعض الرسومات التي قام بعملها في سنترال بارك في الصباح‪ ،‬وقامت ديليا بإعداد إفطاره‪،‬‬
‫واهتمت به‪ ،‬ومدحته‪ ،‬وقبلته في السابعة صباً حا‪ .‬الفن عشيق جذاب‪ .‬وكانت الساعة السابعة‬
‫معظم األوقات عندما عاد في المساء‪.‬‬
‫هنري‪ 100-‬قصة مختارة‬ ‫‪27‬‬

‫في نهاية األسبوع‪ ،‬قامت ديليا بإلقاء ثالثة فواتير بقيمة خمسة دوالرات على الطاولة‬
‫المركزية لمقاس ‪ 10 × 8‬بوصة في غرفة االستقبال بالشقة المقاسة ‪ 10 × 8‬قدً ما‪.‬‬

‫"في بعض األحيان "‪ ،‬قالت بتعب طفيف‪" ،‬تجعلني كليمنتينا متعبة‪ .‬أخشى أنها ال تمارس‬
‫كثيرا‪ .‬وثم ترتدي دائً ما اللون األبيض تماً ما‪،‬‬
‫بما فيه الكفاية‪ ،‬ويجب أن أخبرها بنفس األشياءً ‬
‫وهذا يصبحً ممال‪ .‬لكن الجنرال بينكني رجل قدير رائع! كنت أتمنى لو كنت تعرفه‪ ،‬جو‪".‬‬

‫أحياًنا يأتي وقت يكون جنرال بينكني معنا عندما أكون مع كليمنتينا على البيانو ‪ -‬هو أرمل‪،‬‬
‫تعرف ‪ -‬ويقف هناك يجر أذناب شاربه األبيض‪" .‬وكيف تسير النغمات النصفية والنصفية‬
‫النصفية؟" يسأل دائً ما‪.‬‬

‫"أتمنى لو تستطيع رؤية الجدران الخشبية في غرفة الرسم تلك‪ ،‬جو! وتلك الستائر‬
‫المصنوعة من سجادة األستراخان‪ .‬وكليمنتينا لديها سعال صغير غريب‪ .‬آمل أن تكون أقوى‬
‫وزيرا‬
‫مما تبدو عليه‪ .‬حًقا‪ ،‬أصبحت معتزة بها‪ ،‬إنها لطيفة وأصيلة‪ .‬أخو جنرال بينكني كان‬ ‫ً‬
‫لبوليفيا مرة واحدة‪".‬‬

‫وبعد ذلك‪ ،‬بمظهر من مونت كريستو‪ ،‬أخرج جو عشرة وخمسة واثنين وواحد ‪ -‬جميعها‬
‫ورقات نقدية قانونية ‪ -‬ووضعها بجانب أرباح ديليا‪.‬‬
‫"باعت ذلك اللوحة المائية للمعلم لرجل من بيوريا"‪ ،‬أعلن بكل حماسة‪.‬‬

‫"ال تمزح معي"‪ ،‬قالت ديليا ‪" -‬ليس من بيوريا!"‬


‫"من بعيد جًدا‪ .‬أتمنى لو تستطيع رؤيته‪ ،‬ديليا‪ .‬رجل سمين يرتدي وشاً حا من الصوف وعوًدا‬
‫ألسنان من الريش‪ .‬رأى الرسم في نافذة تينكل وظن أنه مطحنة هوائية في البداية‪ .‬لكنه كان‬
‫شجاًعا واشتراه على أي حال‪ .‬طلب آخر ‪ -‬رسم زيتي لمحطة الشحن لشركة الكاوانا ‪-‬‬
‫حاضرا‪".‬‬
‫ليأخذه معه‪ .‬دروس الموسيقى! أعتقد أن الفن ال يزال‬ ‫ً‬

‫"أنا مسرورة ألنك استمريت"‪ ،‬قالت ديليا بحماسة‪" .‬أنت متأكد من الفوز‪ ،‬عزيزي‪ .‬ثالثة‬
‫دوالرا! لم نكن نمتلك هذا المبلغ من المال من قبل‪ .‬سنتناول المحار الليلة‪".‬‬
‫وثالثون‬ ‫ً‬

‫"وستيك اللحم مع الفطر"‪ ،‬قال جو‪" .‬أين شوكة الزيتون؟"‬

‫دوالرا على طاولة الصالون‬


‫في السبت الموالي‪ ،‬وصل جو إلى المنزل أواًل ‪ .‬وضع ‪18‬‬ ‫ً‬
‫وغسل ما يبدو أنه الكثير من الطالء الداكن من يديه‪.‬‬
‫نصف ساعة الحًقا وصلت ديليا‪ ،‬وكانت يدها اليمنى ملفوفة بحزم غير مشكلة من القماش‬
‫والضمادات‪.‬‬
‫‪28‬‬ ‫هنري‪ 100-‬قصة مختارة‬

‫"ما هذا؟" سألها جو بعد التحيات المعتادة‪.‬‬


‫ضحكت ديليا‪ ،‬ولكن ليس بفرح كبير‪.‬‬

‫"كليمنتينا"‪ ،‬شرحت‪" ،‬أصرت على تناول رابيت ويلش بعد درسها‪ .‬إنها فتاة غريبة‪ .‬رابيت‬
‫ويلش في الخامسة مساً ء‪ .‬الجنرال كان هناك‪ .‬يجب أن تكون قد رأيته يركض للحصول‬
‫على صينية الطهي‪ ،‬جو‪ ،‬تماً ما كما لو لم يكن هناك خادم في البيت‪ .‬أعلم أن كليمنتينا ليست‬
‫في صحة جيدة؛ إنها عصبية جًدا‪ .‬عندما خدمت الرابيت‪ ،‬أسكبت الكثير منها الساخنة جًدا‬
‫فوق يدي ومعصمي‪ .‬كان األمر مؤلً ما جًدا‪ ،‬جو‪ .‬وكانت الفتاة العزيزة آسفة جًدا! ولكن‬
‫الجنرال بينكني! ‪ -‬جو‪ ،‬تقريًبا ذهب هذا الرجل العجوز إلى الجنون‪ .‬ركض إلى األسفل‬
‫صا"‬
‫وأرسل شخً ‬

‫صا في البدروم ذهبوا إلى صيدلية من أجل بعض الزيت واألشياء‬


‫قالوا إن رجل الفرن أو شخً ‬
‫كثيرا اآلن‪".‬‬
‫لتجميعها‪ .‬األمر لم يعد يؤلم‬ ‫ً‬
‫"ما هذا؟" سأل جو‪ ،‬وهو يأخذ اليد برفق ويسحب بعض الخيوط البيضاء تحت الضمادات‪.‬‬

‫"إنه شيء ناعم"‪ ،‬قالت ديليا‪" ،‬كان عليه زيت‪ .‬أوه‪ ،‬جو‪ ،‬هل باعت لوحة أخرى؟" لقد رأت‬
‫المال على الطاولة‪.‬‬

‫"هل فعلت ذلك؟" قال جو‪" .‬استفسري من الرجل من بيوريا‪ .‬حصل على محطته اليوم‪،‬‬
‫وهو غير متأكد ولكنه يعتقد أنه يرغب في لوحة من المتنزهات ورؤية لنهر هدسون‪ .‬في‬
‫أي وقت من بعد ظهر اليوم أصبتي بحروق يدك‪ ،‬ديلي؟"‬
‫"الساعة الخامسة‪ ،‬أعتقد"‪ ،‬قالت ديلي بأسلوب مؤلم‪" .‬الحديد ‪ -‬أقصد الرابيت ‪ -‬خرج من‬
‫النار حوالي تلك الساعة‪ .‬يجب أن تكون قد رأيت جنرال بينكني‪ ،‬جو‪ ،‬عندما ‪" -‬‬

‫"اجلسي هنا للحظة‪ ،‬ديليا"‪ ،‬قال جو‪ .‬جذبها إلى الكوتش‪ ،‬جلس بجانبها ووضع ذراعه حول‬
‫كتفيها‪" .‬ماذا كنت تفعلين خالل األسبوعين الماضيين‪ ،‬ديلي؟" سألها‪.‬‬

‫لم تستمر للحظة أو لحظتين مع عين مليئة بالحب والعناد‪ ،‬وهمرت ببعض العبارات بشكل‬
‫غامض عن جنرال بينكني؛ ولكن بعد ذلك انخفضت رأسها وخرجت الحقيقة والدموع‪.‬‬

‫"لم أتمكن من الحصول على أي تالميذ"‪ ،‬اعترفت‪" .‬ولم أتحمل أن تتوقف عن دروسك؛‬
‫فحصلت على وظيفة ككوي القمصان في غسيل األموال الكبير في شارع الرابع‬
‫هنري‪ 100-‬قصة مختارة‬ ‫‪29‬‬

‫والعشرين‪ .‬وأعتقد أنني قمت بعمل جيد جًدا عندما قمت بتخيل جنرال بينكني وكليمنتينا‪،‬‬
‫أليس كذلك‪ ،‬جو؟ وعندما وضعت فتاة في مكان الغسيل مكواة ساخنة على يدي هذا المساء‪،‬‬
‫كنت طريقي كل الطريق من العودة إلى المنزل وأنا أختلق تلك القصة عن الرابيت الويلزي‪.‬‬
‫ألست غاضًبا‪ ،‬جو؟ وإذا لم أكن قد حصلت على العمل‪ ،‬ربما لم تكن قد باعت لوحاتك لذلك‬
‫الرجل من بيوريا‪".‬‬
‫"لم يكن من بيوريا"‪ ،‬قال جو ببطء‪.‬‬

‫"حسًنا‪ ،‬ال يهم من أين كان‪ .‬كم أنت ذكي‪ ،‬جو ‪ -‬و ‪ -‬قبلني‪ ،‬جو ‪ -‬وما الذي جعلك تشك في‬
‫أنني ال أعطي دروس موسيقى لكليمنتينا؟"‬

‫"لم أشك"‪ ،‬قال جو‪" ،‬حتى الليلة‪ .‬ولم أكن سأفعل ذلك حتى‪ ،‬لكنني أرسلت هذا القطن والزيت‬
‫من غرفة المحرك هذا المساء لفتاة في الطابق العلوي تعرضت يدها للحروق من مكواة‬
‫التجعيد‪ .‬لقد قمت بتشغيل المحرك في تلك الغسيل خالل األسبوعين الماضيين‪".‬‬

‫"وبعد ذلك لم تفعل ‪" -‬‬


‫"مشتري من بيوريا"‪ ،‬قال جو‪" ،‬والجنرال بينكني هما إبداعين لنفس الفن ‪ -‬ولكنك لن تطلق‬
‫عليهما إما الرسم أو الموسيقى‪ .‬وبعد ذلك ابتسما سويًا‪ ،‬وبدأ جو‪:‬‬

‫"عندما يحب المرء فنه ال يبدو العمل متعًبا ‪"-‬‬

‫ولكن ديليا أوقفته بيدها على شفتيه‪" .‬ال"‪ ،‬قالت ‪" -‬فقط " عندما يحب المرء"‪.‬‬

‫‪VI‬‬

‫ظهور ماجي‬
‫في كل ليلة سبت‪ ،‬كان نادي "البرسيم األخضر االجتماعي" يقيم حفاًل راقصاً في قاعة‬
‫"جيف آند تيك الرياضي" في الجهة الشرقية‪ .‬من أجل حضور إحدى هذه الرقصات‪ ،‬يجب‬
‫عضوا في "جيف آند تيك"‪ ،‬أو إذا كنت تنتمي إلى القسم الذي يبدأ بالقدم اليمنى‬
‫أن تكون‬ ‫ً‬
‫في الرقص الفالس‪ ،‬فيجب أن تعمل في مصنع صناديق ورق "راينجولد"‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬كان‬
‫أي عضو في "البرسيم األخضر"‬ ‫ً‬ ‫مخوال بمرافقة أو مرافقة شخص خارجي إلى رقصة‬
‫واحدة‪ .‬ولكن في الغالب‪ ،‬كل عضو في "جيف آند تيك" كان يأتي مع فتاة من مصنع صناديق‬
‫‪30‬‬ ‫هنري‪ 100-‬قصة مختارة‬

‫الورق التي يحبها‪ ،‬وقليلون هم الغرباء الذين يمكنهم أن يفتخروا بأنهم شاركوا في الرقصات‬
‫العادية‪.‬‬

‫العريض وأسلوبها الخاص في الرقص ثنائي الخطوة بالقدم‬ ‫بسبب عيونها المملة وفمها‬
‫إلى الرقصات مع آنا مكارتي وصديقها‪ .‬كانت آنا وماجي‬ ‫اليسرى‪ ،‬كانت ماجي تول تذهب‬
‫وكانوا أعز األصدقاء على اإلطالق‪ .‬لذا‪ ،‬كانت آنا دائً ما‬ ‫يعمالن جنًبا إلى جنب في المصنع‪،‬‬
‫منزل ماجي كل ليلة سبت حتى يمكن لصديقتها أن تذهب‬ ‫تجعل جيمي بيرنز يأخذها أمام‬
‫معهما إلى الرقصة‪.‬‬
‫جمعية "جيف آند تيك الرياضي" عاشت حسب اسمها‪ .‬تم تجهيز قاعة الجمعية في شارع‬
‫أورتشارد باختراعات تعزز من تكوين العضالت‪ .‬وباستخدام األلياف التي تم تطويرها بهذه‬
‫الطريقة ‪ ،‬كان أعضاء الجمعية يشاركون في مواجهات مرحة مع الشرطة والمنظمات‬
‫االجتماعية والرياضية المنافسة‪ .‬وبين هذه األنشطة األكثر جدية‪ ،‬جاءت حفالت ليلة السبت‬
‫مع فتيات مصنع صناديق الورق كعامل تنقية وكواجهة فّ عالة‪ .‬أحياًنا يمر الخبر‪ ،‬وإذا كنت‬
‫من النخبة التي تصعد بحذاء البالية على الدرج الخلفي المظلم‪ ،‬قد ترى حادثة خفيفة الوزن‬
‫وُ مرضية تقريًبا تحدث داخل الحبال‪.‬‬

‫في أيام السبت‪ُ ،‬يغلق مصنع صناديق ورق "راينجولد" في الساعة ‪ 3‬مساً ء‪ .‬في أحد بعد‬
‫الظهرات مثل تلك‪ ،‬سارت آنا وماجي مً عا في الطريق إلى المنزل‪ .‬عند باب ماجي‪ ،‬قالت‬
‫آنا كالعادة‪" :‬كن جاهزة في السابعة‪ ،‬تماً ما ماجي؛ وسيأتي جيمي وأنا ألخذِك "‪.‬‬

‫ولكن ما هذا؟ بداًل من الشكر المتواضع والممتن من الشخص غير المرافق‪ ،‬كان بإمكانك‬
‫أن تالحظ رأًسا مرتفًعا‪ ،‬وابتسامة فخورة عند زوايا الفم العريض‪ ،‬وحتى وميًض ا في العين‬
‫البنية المملة‪.‬‬
‫"شكرا‪ ،‬آنا" ‪ ،‬قالت ماجي‪" ،‬لكن ال حاجة لك وال لجيمي أن تتعبوا هذه الليلة‪ .‬لدي صديق‬
‫ً‬
‫رجل سيأتي ليصطحبني إلى الحفلة‪".‬‬

‫انقضت آنا الجميلة على صديقتها‪ ،‬هزتها‪ ،‬وعاتبتها وناشدتها‪ .‬هل يمكن أن تكون ماجي تول‬
‫قد جذبت رجاًل ؟ ماجي‪ ،‬البسيطة‪ ،‬العزيزة‪ ،‬المخلصة‪ ،‬الغير جذابة‪ ،‬الرائعة كصديقة‪،‬والغير‬
‫مطلوبة كشريكة في الرقصة ثنائية الخطوة أو في مقعد مضاء بضوء القمر في الحديقة‬
‫الصغيرة‪ .‬كيف حدث ذلك؟ متى حدث؟ ومن هو؟‬
‫هنري‪ 100-‬قصة مختارة‬ ‫‪31‬‬

‫"سترون هذا الليلة"‪ ،‬قالت ماجي‪ ،‬مشرقة بحماس من أولى ثمار قطفتها في كروم الحب‪.‬‬
‫"إنه راق وممتاز حًقا‪ .‬إنه أطول ببوصتين من جيمي‪ ،‬ولبسه مواكب للموضة‪ .‬سأقدمه لك‪،‬‬
‫آنا‪ ،‬بمجرد أن نصل إلى القاعة‪".‬‬

‫كانت آنا وجيمي من أوائل أعضاء "البرسيم األخضر" الذين وصلوا في تلك الليلة‪ .‬كانت‬
‫عيون آنا معنية بشكل مشرق بباب القاعة لتلتقط أول لمحة لـ "صيد" صديقتها‪.‬‬

‫في الساعة ‪ ،8:30‬دخلت اآلنسة تول إلى القاعة مع رفيقها‪ .‬سريًعا‪ ،‬اكتشفت عينها‬
‫االنتصارية صديقتها تحت جناح جيمي المخلص‪.‬‬

‫"يا إلهي!" صرخت آنا‪" ،‬ماجي لم تنجح بتاًتا ‪ -‬ال‪ ،‬بالطبع! رفيق رائع؟ حسًنا‪ ،‬أعتقد ذلك!‬
‫أسلوب؟ انظر إليه‪".‬‬

‫"اذهب إلى أي مدى تريد"‪ ،‬قال جيمي بصوت يحمل فيه خشونة‪" .‬قم بالحصول عليه إذا‬
‫كنت تريد ذلك‪ .‬هؤالء األشخاص الجدد دائً ما ما ينجحون مع الزمالء‪ .‬ال تهتم بي‪ .‬أعتقد أنه‬
‫ليس هو من يضغط على كل الليمون‪ .‬ها!"‬
‫"استمتع بالصمت‪ ،‬جيمي‪ .‬تعلم ما أعنيه‪ .‬أنا سعيدة من أجل ماجي‪ .‬أول رجل لديها على‬
‫اإلطالق‪ .‬أوه‪ ،‬إليهم يأتون‪".‬‬

‫عبر األرض‪ ،‬ابحرت ماجي كما يبحر يخٌت على طراز مغري‪ ،‬يتبعها مدمرة راقية‪.‬‬
‫وبالفعل‪ ،‬رفيقها برر إعجاب الصديقة المخلصة به‪ .‬كان أطول ببوصتين من العبي جيف‬
‫آند تيك الرياضي المعتادين؛ شعره الداكن مجعد‪ ،‬وعينيه وأسنانه تلمعان في كل مرة يمنح‬
‫فيها ابتسامته المتكررة‪.‬‬

‫رجال نادي البرسيم األخضر لم يضعوا ثقتهم في سحر الشكل الخارجي بقدر ما وضعوه‬
‫في قوته‪ ،‬وإنجازاته في الصراعات المباشرة‪ ،‬ومحافظته على الحرية من القمع القانوني‬
‫الذي كان يهدد به باستمرار‪ .‬العضو في الجمعية الذي يرغب في جلب فتاة من مصنع‬
‫صناديق الورق إلى عربته االنتصارية ال يستعين بأساليب بو بروميل‪ .‬لم ُيعتبر ذلك وسائل‬
‫شرفية للحرب‪ .‬العضالت‬ ‫ِّ‬ ‫المتورمة‪ ،‬المعطف الذي يجرح أزراره على الصدر‪ ،‬وهواء‬
‫اإلقتناع الواعي بتفوق الذكور في علم الخلق‪ ،‬وحتى عرض هادئ للساقين المعوجتين‬
‫كعوامل مهيمنة وساحرة في المبارزات الرقيقة للحب ‪ -‬كانت هذه هي األسلحة والذخائر‬
‫المعتمدة لفرسان "البرسيم األخضر"‪ .‬لذا شاهدوا تلك االنحناءات والوضعيات الجذابة للزائر‬
‫بهذه الزوايا الجديدة لذقنهم‪.‬‬

‫"صديق لي‪ ،‬السيد تيري أوسوليفان"‪ ،‬هذه كانت صيغة ماجي للتعريف‪ .‬قادته حول‬
‫‪32‬‬ ‫هنري‪ 100-‬قصة مختارة‬

‫الغرفة‪ ،‬قدمته لكل عضو جديد يصل إلى نادي "البرسيم األخضر"‪ .‬بدت اآلن جميلة تقريًبا‪،‬‬
‫مع ال تألق الفريد في عينيها الذي يأتي للفتاة مع من يحبها ألول مرة وللقطة صغيرة مع‬
‫فأرها األول‪.‬‬

‫أخيرا"‪ ،‬هذا هو الكالم الذي انتشر بين فتيات مصنع صناديق الورق‪.‬‬
‫"ماجي تول لديها رفيق‬ ‫ً‬
‫"انظروا إلى زوج ماجي" ‪ -‬هكذا عّبر أعضاء "جيف آند تيك" عن استهانتهم االلمبالية‪.‬‬

‫عادةً في حفالت الرقص األسبوعية‪ ،‬كانت ماجي تحتفظ بمكان على الجدار مع ظهرها‪.‬‬
‫متفان إلى الرقص‪ ،‬حتى أنها كانت ترى‬
‫شعرت وعبرت عن شكر كبير عندما دعاها شريٌك‬ ‫ٍ‬
‫أن متعته تضيع وتتناقص‪ .‬حتى أصبحت معتادة على مالحظة آنا تقرص الحادة جيمي‬
‫بكوعها كإشارة له لدعوة صديقتها للمشي فوق قدميه خالل الرقصة ثنائية الخطوة‪.‬‬

‫تيريأوسوليفانكاناألميرلكن في هذه الليلة‪ّ ،‬‬


‫تيري أوسوليفان كان‬ ‫تحولت اليقطينة إلى عربة وستة خيول‪.‬‬
‫الساحر المنتصر‪ ،‬وماجي تول كانت تطير أجنحة فراشتها ألول مرة‪ .‬وعلى الرغم من‬
‫تداخل أساليب عالم الخيال مع تلك من علم الحشرات‪ ،‬لن تسيل قطرة واحدة من عصير‬
‫اإللهام من ميلوديا ماجي في تلك الليلة الكاملة‪.‬‬

‫اقتحمت الفتيات لتستمد منها مقدمات للتعريف برفيقها‪ .‬أما شبان "البرسيم األخضر"‪ ،‬بعد‬
‫عامين من العمى‪ ،‬فقد تمكنوا فجأة من رؤية سحر مس تول‪ .‬قاموا بثني عضالتهم القوية‬
‫أمامها وطلبوها للرقص‪.‬‬
‫هكذا حققت ماجي نجاً حا‪ .‬ولكن لتيري أوسوليفان سقطت أوسمة الليلة بكثافة وسرعة‪ّ .‬‬
‫هز‬
‫رأسه‪ ،‬وابتسم وقام بأداء سبعة حركات الكتساب الرشاقة في غرفتك أمام نافذة مفتوحة لمدة‬
‫وجوا‪ .‬كانت كلماته تنزلق‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫طرازا وأسلوًبا عشر دقائق يومًيا‪ .‬رقص كما لو كان فان‪ ،‬وقدم‬
‫على لسانه بسهولة‪ ،‬ورقص مرتين على التوالي مع فتاة مصنع صناديق الورق التي جلبها‬
‫ديمبسي دونوفان‪.‬‬

‫ديمبسي كان قائد الجمعية‪ .‬كان يرتدي بدلة رسمية‪ ،‬وكان بإمكانه شد العارضة مرتين بيد‬
‫واحدة‪ .‬كان واحًدا من مساعدي "بيج مايك" أوسوليفان‪ ،‬ولم يتعرض أبًدا للمتاعب‪ .‬ال يجرؤ‬
‫أي شرطي على اعتقاله‪.‬‬

‫في كل مرة كان يكسر فيها رأس رجل يجري عربة باليدين أو يطلق النار على عضو في‬
‫جمعية هاينريك ب‪ .‬سويني للرحالت واألدب في الركبة‪ ،‬كان سيأتي ضابط ويقول‪:‬‬

‫"الكابتن يود أن يراك لبضع دقائق في المكتب عندما تجد الوقت‪ ،‬ديمبسي‪ ،‬يا ولدي‪".‬‬
‫هنري‪ 100-‬قصة مختارة‬ ‫‪33‬‬

‫ولكن هناك كان سيتواجد بعض ا لسادة هناك مع سالسل ذهبية كبيرة وسيجارات سوداء؛‬
‫وشخص ما سيقدم قصة مضحكة‪ ،‬ومن ثم سيعود ديمبسي ويعمل نصف ساعة مع أثقال‬
‫أمرا آمًنا للغاية‬
‫الدمبل بوزن ستة باوند‪ .‬لذا‪ ،‬كان األداء على حبل مشدود عبر نياغارا كانً ‬
‫مقارنة بالرقص مرتين مع فتاة مصنع صناديق الورق التابعة لديمبسي دونوفان‪ .‬عند الساعة‬
‫العاشرة‪ ،‬تألق وجه "بيج مايك" أوسوليفان الجولي والمستدير على الباب لمدة خمس دقائق‬
‫على الساحة‪ .‬كان دائً ما يلقي نظرة لمدة خمس دقائق‪ ،‬يبتسم للفتيات ويقدم سيجارات بيرفكتو‬
‫الحقيقية أللوالد المسرورين‪ .‬كان ديمبسي دونوفان عند جانبه فوً را‪ ،‬يتحدث بسرعة‪ .‬نظر‬
‫"بيج مايك" بعناية إلى الراقصين‪ ،‬ابتسم‪ ،‬وأغلق برأسه وانصرف‪ .‬توقفت الموسيقى‪ .‬تشتت‬
‫الراقصون إلى الكراسي على طول الجدران‪ .‬أطلق تيري أوسوليفان‪ ،‬بإشارته المثيرة‪ ،‬فتاة‬
‫جميلة باللون األزرق لشريكها وعاد للبحث عن ماجي‪ .‬دخل ديمبسي على الفور في منتصف‬
‫األرض وقابله‪.‬‬

‫كان لدينا غريزة رائعة ورثناها من روما تجعل تقريًبا الجميع يتجهون للنظر إليهما ‪ -‬كان‬
‫هناك شعور غامض بأن مصارعين اثنين قد التقيا في الساحة‪ .‬توجه اثنان أو ثالثة من‬
‫أعضاء "جيف آند تيك" ذوي أكمام المعطف الضيقة باتجاههما‪.‬‬

‫"لحظة‪ ،‬السيد أوسوليفا ن"‪ ،‬قال ديمبسي‪" .‬آمل أن تستمتع‪ .‬أين قلت أنك تعيش؟"‬
‫كان مصارعا الجالدين متكافئين تماً ما‪ .‬قد يكون لدى ديمبسي حوالي عشرة باوند من الوزن‬
‫ليعطيه‪ .‬كان أوسوليفان لديه عرض مع سرعة‪ .‬لديمبسي كان لديه عين جليدية‪ ،‬وفتحة‬
‫سيطرة في الفم‪ ،‬وفك ال يمكن تدميره‪ ،‬وبشرة تشبه بشرة الجميلة‪ ،‬وبرودة بطل‪ .‬أظهر‬
‫ً‬
‫وقليال من السيطرة على سخريته البارزة‪ .‬كانوا أعداً ء الزائر مزيًدا من النار في استهانته‬
‫حسب القانون المكتوب عندما كانت الصخور ذات تركيب سائل‪ .‬كانوا كل واحد منهم‬
‫رائعين للغاية‪ ،‬وقويين للغاية‪ ،‬وال يمكن مقارنتهما‪ .‬يجب أن يبقى أحدهم فقط على قيد الحياة‪.‬‬
‫ي في‬
‫"أعيش في شارع جراند"‪ ،‬قال أوسوليفان بسخرية‪" .‬وال توجد مشكلة في العثور علّ ‬
‫المنزل‪ .‬أين تعيش أنت؟" تجاهل ديمبسي السؤال‪.‬‬

‫"أنت تقول إن اسمك أوسوليفان"‪ ،‬واصل‪" .‬حسًنا‪" ،‬بيج مايك" يقول أنه لم يرك من قبل‪".‬‬

‫"كثير من األشياء لم يرها من قبل"‪ ،‬قال المفضل في الحفلة‪" .‬عادًة‪ "،‬تابع ديمبسي بصوته‬
‫الحلو المجهد‪" ،‬أوسوليفان في هذه المنطقة يعرفون بعضهم البعض‪ .‬لقد قمت بمرافقة أحد‬
‫أعضاء جمعيتنا السيدات هنا‪ ،‬ونريد فرصة للتأكد‪ .‬إذا كان لديك شجرة عائلية‪ ،‬دعنا نرى‬
‫جذورا؟"‬
‫بعض فروع أوسوليفان التاريخية تظهر عليها‪ .‬أم هل تريد منا أن نكشفها منك‬ ‫ً‬

‫"لو كنت تريد منا أن نهتم بشؤوننا الخاصة"‪ ،‬اقترح أوسوليفان بلطف‪.‬‬
‫‪34‬‬ ‫هنري‪ 100-‬قصة مختارة‬

‫أضاءت عيون ديمبسي‪ .‬رفع إصبعه المستوحى وكأن فكرة رائعة قد أصابته‪.‬‬
‫"لقد فهمتها اآلن"‪ ،‬قال بلطف‪" .‬إنها مجرد خطأ صغير‪ .‬أنت لست أوسوليفان‪ .‬أنت قرد ذو‬
‫عذرا لعدم التعرف عليك في البداية‪".‬‬
‫ذيل حلقي‪ً .‬‬
‫ومعرفة أوسوليفان ومن جهة‪ ،‬قام بحركة سريعة‪ ،‬لكن آندي جيوغهان كان مستعًدا وأمسك‬
‫بذراعه‪.‬‬

‫أومَّقت ديمبسي رأسه إلى آندي ووليام ماكماهان‪ ،‬أمين نادي الجمعية‪ ،‬وتوجه بسرعة نحو‬
‫باب في الخلف من القاعة‪ .‬انضم أعضاء آخرين في جمعية "جيف آند تيك" بسرعة إلى‬
‫الفريق الصغير‪ .‬تم اآلن أخذ تيري أوسوليفان بين أيدي لجنة القواعد وحكام االجتماعات‬
‫االجتماعية‪ .‬تحدثوا إليه بإيجاز وبلطف‪ ،‬وأخذوه خارج الباب نفسه في الخلف‪.‬‬
‫هذا الحركة من أعضاء "كلوفر ليف" يحتاج إلى توضيح‪ .‬كان هناك غرفة أصغر خلف‬
‫قاعة الجمعية يستأجرونها من قبل النادي‪ .‬في هذه الغرفة‪ُ ،‬تحل المشكالت الشخصية التي‬
‫ً‬
‫تنشأ على أرض الرقص‪ ،‬رجال بجوار رجل‪ ،‬باستخدام أسلحة الطبيعة‪ ،‬تحت إشراف اللجنة‪.‬‬
‫ال يمكن ألي سيدة أن تقول إنها شهدت مشاجرة في حفلة "كلوفر ليف" خالل سنوات عدة‪.‬‬
‫يضمن أعضاؤه السادة ذلك‪.‬‬

‫بسهولة و سالسة قام ديمبسي واللجنة بعملهم التمهيدي حتى لم يالحظ الكثيرون في القاعة‬
‫إيقاف االنتصار االجتماعي ألوسوليفان الساحر‪ .‬من بين هؤالء كانت ماغي‪ .‬بحثت عن‬
‫مرافقها‪.‬‬
‫شجارا مع رفيقك ليزي‪،‬‬
‫"سيجارة!" قالت روز كاسيدي‪" .‬ألم تكنين هنا؟ ديمبس دونوفان بدأ‬ ‫ً‬
‫وخرجوا لغرفة الذبح معه‪ .‬كيف يبدو شعري بهذه الطريقة‪ ،‬ماغي؟"‬
‫وضعت ماغي يدها على صدر قميصها المصنوع من النسيج المموج‪.‬‬

‫"ذهب للقتال مع ديمبسي!" قالت بانفاس متقطعة‪" .‬يجب أن يتم إيقافهم‪ .‬ديمبسي دونوفان ال‬
‫يمكنه أن يقاتله‪ .‬لماذا‪ ،‬سيقتله!"‬

‫"آه‪ ،‬ماذا تهتمين!" قالت روزا‪" .‬أليس بعضهم يتشاجرون في كل حفلة؟"‬


‫ولكن ماغي كانت خارجة‪ ،‬تمر بطريقها المتعرجة خالل متاهة الراقصين‪ .‬اقتحمت الباب‬
‫الخلفي إلى القاعة المظلمة ثم دفعت كتفها الصلب على باب غرفة المعركة الفردية‪ .‬فانفتح‬
‫الباب‪ ،‬وفي لحظة دخولها ألقت عينها على المشهد ‪ -‬اللجنة واقفة حولها مع ساعات مفتوحة؛‬
‫ديمبسي دونوفان في قميصه بأكمام قصيرة يرقص بحركات خفيفة‪ ،‬بنعومة حذرة كمالكم‬
‫حديث‪ ،‬على مسافة قريبة من خصمه؛ تيري أوسوليفان واقفاً بذراع مطوية ونظرة قاتلة في‬
‫عينيه الداكنتين‪ .‬ودون أن تضعف من سرعة دخولها‪ ،‬قفزت إلى األمام بصرخة ‪ -‬قفزت‬
‫في الوقت ال مناسب لتمسك وتتعلق بذراع أوسوليفان الذي ارتفع فجأة‪ ،‬وأخذت منه السكين‬
‫هنري‪ 100-‬قصة مختارة‬ ‫‪35‬‬

‫الطويلة وااللمعة التي سحبها من صدره‪.‬‬


‫سقطت السكين واندلعت على األرض‪ .‬فوالذ بارد مسلوب في غرف منظمة "األخذ‬
‫والعطاء"! شيء كهذا لم يحدث من قبل‪ .‬وقف الجميع ساكنين لمدة دقيقة‪ .‬ركل آندي جيوغان‬
‫السكين بطرف حذائه بفضول‪ ،‬كما يفعل عالم اآلثار الذي اكتشف سالحاً قديماً غير معروف‬
‫في تاريخه‪.‬‬

‫ثم همس أوسوليفان شيًئا غير مفهوم بين أسنانه‪ .‬تبادل ديمبسي وأعضاء اللجنة نظرات‪ .‬ثم‬
‫نظر ديمبسي إلى أوسوليفان بدون غضب كما ينظر إلى كلب ضال‪ ،‬وأومأ برأسه في اتجاه‬
‫الباب‪" .‬الدرج الخلفي‪ ،‬جوزيبي"‪ ،‬قال بإيجاز‪" .‬شخص ما سيقذف قبعتك بعدك‪ ".‬توجهت‬
‫ماغي نحو ديمبسي دونوفان‪ .‬كان هناك بقعة حمراء مشرقة على خديها‪ ،‬وعبرها عنها‬
‫دموع بطيئة‪ .‬لكنها نظرت إليه بشجاعة في العين‪" .‬كنت أعلم ذلك‪ ،‬ديمبسي"‪ ،‬قالت وعيونها‬
‫تبدو باهتة حتى في دموعها‪" .‬كنت أعلم أنه إيطالي‪ .‬اسمه طوني سبينيلي‪ .‬تسرعت عندما‬
‫قالوا لي إنك وهو كنتما تتشاجران‪ .‬هؤالء اإليطاليون دائً ما يحملون سكاكين‪ .‬ولكنك ال تفهم‪،‬‬
‫ديمبسي‪ .‬لم يكن لي رفيق في حياتي أبًدا‪ .‬تعبت من أن أأتي مع آنا وجيمي كل ليلة‪ ،‬لذا‬
‫ترتبت معه أن يدعو نفسه أوسوليفان وأحضرته معي‪ .‬كنت أعلم أنه لن يحدث شيء له إذا‬
‫جاء كإيطالي‪ .‬أعتقد أنني سأستقيل من النادي اآلن‪ ".‬توجه ديمبسي إلى آندي جيوغان‪.‬‬
‫"ارمي ذلك السكين خارج النافذة"‪ ،‬قال‪" ،‬وقل لهم في الداخل أن السيد أوسوليفان تلقى‬
‫رسالة هاتفية للذهاب إلى قاعة تاماني‪ ".‬ثم توجه مرة أخرى إلى ماغي‪.‬‬

‫"قولي يا ماغ‪ "،‬قال‪" ،‬سأرافقك إلى البيت‪ .‬وماذا عن السبت المقبل؟ هل ستأتيين معي إلى‬
‫الحفل إذا جئت ألصطحبك؟"‬
‫كان من الملفت للنظر كيف يمكن لعيون ماغي أن تتغير بسرعة من الباهتة إلى البنية‬
‫االلمعة‪.‬‬
‫"معك‪ ،‬ديمبسي؟" تلعثمت قائلًة‪" ،‬قول ‪ -‬هل يمكن للبطة أن تسبح؟"‬

‫‪VII‬‬

‫الشرطي والنشيد‬
‫على مقعده في مدريسون سكوير‪ ،‬حركت موقف سوابي بعدم راحة‪ .‬عندما تزقزق اإلوز‬
‫البري في الليالي الباردة‪ ،‬وعندما تصبح النساء بال معاطف جلدية لطيفة مع أزواجهن‪،‬‬
‫وعندما يتحرك سوابي بعدم راحة على مقعده في الحديقة‪ ،‬يمكنك أن تعلم أن فصل الشتاء‬
‫على األبواب‪.‬‬
‫ورقة يابسة سقطت في حجرة سوابي‪ .‬هذه بطاقة جاك فروست‪ .‬جاك لطيف مع سكان‬
‫تحذيرا مناسًبا من دعوته السنوية‪ .‬في زوايا أربع‬
‫مدريسون سكوير الدائمين‪ ،‬ويعطي‬ ‫ً‬
‫‪36‬‬ ‫هنري‪ 100-‬قصة مختارة‬

‫شوارع‪ ،‬يسلم بطاقته الورقية إلى رياح الشمال‪ ،‬الخادم في قصر كل شيء في الهواء الطلق‪،‬‬
‫حتى يتسنى لسكانها التجهيز‪.‬‬

‫أدركت عقل سوابي أن الوقت قد حان له أن يقرر أن يجمع نفسه في لجنة فريدة من نوعها‬
‫للوسائل والوسائل لتوفير الحماية من الصرامة القادمة‪ .‬ولذلك تحرك بعدم راحة على مقعده‪.‬‬
‫طموحات الشتاء لسوابي لم تكن من أعلى الطموحات‪ .‬فيها لم تكن هناك اعتبارات للرحالت‬
‫البحرية إلى البحر األبيض المتوسط‪ ،‬أو للسماء الجنوبية المنومة‪ ،‬أو للتجوال في خليج‬
‫فيزوف‪ .‬كانت ما نفسه يتوق إليه هو ثالثة أشهر على الجزيرة‪ .‬ثالثة أشهر من اإلقامة‬
‫والسرير المؤكد والرفقة المؤنسة‪ ،‬بعيدين عن بورياس وعناصر الشرطة‪ ،‬بدا لسوابي أنها‬
‫جوهر ما يرغب فيه الشخص‪.‬‬

‫لسنوات طويلة‪ ،‬كانت بيوت الرعاية الكريمة لبالكويل هي مخبئه للشتاء‪ .‬تماً ما كما أن‬
‫نيويوركرز األكثر حً ‬
‫ظا قد اشتروا تذاكرهم إلى بالم بيتش والريفييرا كل شتاء‪ ،‬هكذا قام‬
‫سوابي بالترتيبات المتواضعة لرحيله السنوي إلى الجزيرة‪ .‬واآلن قد حان الوقت‪ .‬في الليلة‬
‫السابقة‪ ،‬فشلت ثالث صحف سبتية‪ ،‬تم توزيعها تحت معطفه‪ ،‬حول كاحليه وفوق حجرته‪،‬‬
‫في صد الماء البارد وهو ينام على مقعده بالقرب من نافورة الرش في الميدان القديم‪ .‬لذا‬
‫ظهرت الجزيرة كبيرة وفورية في ذهن سوابي‪.‬ازدرى التدابير المتخذة بإسم اإلحسان‬
‫للمعتمدين على المدينة‪.‬‬
‫في رأي سوابي‪ ،‬كانت القانون أكثر تلطً فا من اإلحسان‪ .‬كان هناك دورة ال نهائية من‬
‫المؤسسات‪ ،‬المحلية واإلحسانية‪ ،‬التي يمكنه أن يبدأ فيها ويحصل على مأوى وطعام يتناسب‬
‫مع الحياة البسيطة‪ .‬ولكن بالنسبة لروح سوابي الفخورة‪ ،‬فإن هدايا اإلحسان مرتبطة بعبء‪.‬‬
‫إذا ل م تكن في عملة نقدية‪ ،‬يجب أن تدفع بذلك بإذالل الروح مقابل كل منفعة يتم تلقيها على‬
‫يد اإلحسان‪ .‬كما كان لقيصر بروتوس له‪ ،‬يجب أن يكون لكل سرير خيري عشرته من‬
‫حمام‪ ،‬ولكل رغيف خبز تعويضه من استفتاء خاص وشخصي‪ .‬ولهذا من األفضل أن يكون‬
‫الشخص ضيًفا للقانون‪ ،‬الذي‪ ،‬رغم أنه مجرى وفًقا للقواعد‪ ،‬إال أنه ال يتدخل بشكل مفرط‬
‫في الشؤون الخاصة للسيد‪.‬‬

‫بعدما قرر سوابي الذهاب إلى الجزيرة‪ ،‬انطلق على الفور لتحقيق رغبته‪ .‬كان هناك طرق‬
‫سهلة عديدة للقيام بذلك‪ .‬أسهلها كان تناول وجبة فاخرة في مطعم مكلف‪ ،‬ثم بعد إعالن‬
‫اإلعسار‪ ،‬تسليم نفسه بصمت وبدون ضجيج لشرطي‪ .‬والقاضي اللطيف سيتولى الباقي‪.‬‬

‫ترك سوابي مقعده وتجول خارج الميدان وعبر بحر األسفلت المستوي‪ ،‬حيث تتداخل‬
‫ً‬
‫شماال على برودواي‪ ،‬وتوقف أمام مقهى متأللئ‪،‬‬ ‫برودواي والشارع الخامس‪ ،‬ثم توجه‬
‫حيث يتجمع كل ليلة أفضل منتجات العنب ودودة الحرير والبروتوبالزما‪.‬‬

‫كان لدى سوابي ثقة في نفسه من أدنى زر فيسته حتى أعلى‪ .‬كان محلوًقا‪ ،‬وكانت معطفه‬
‫الئًقا وكان عنقه األسود المرتبط بشكل جميل معلًقا حول رقبته قد تم تقديمه له من قبل راهبة‬
‫هنري‪ 100-‬قصة مختارة‬ ‫‪37‬‬

‫خدمية في عيد الشكر‪ .‬إذا استطاع أن يصل إلى طاولة في المطعم دون أن يشك فيه أحد‪،‬‬
‫سيحقق النجاح‪ .‬لن يثير الجزء الذي سيظهر فوق الطاولة أي شك في عقل النادل‪ .‬كان يفكر‬
‫سوابي أن الدجاج المحمص مع زجاجة من شابلي وكمامبر هما شيء مناسب‪ ،‬وبعد ذلك‬
‫كوب قهوة قوي وسيجارة‪ .‬دوالر واحد للسيجارة سيكون كافًيا‪ .‬لن يكون المبلغ اإلجمالي‬
‫مرتفًعا لدرجة أن يستدعي أي تجسيد عظيم اللنتقام من إدارة المقهى‪ ،‬ومع ذلك سيشعر‬
‫بالشبع والسعادة بالنسبة لرحلته إلى مالذه الشتوي‪.‬‬

‫ولكن حينما دخل سوابي باب المطعم‪ ،‬وقعت عين رئيس النادل على سرواله الممزق وحذائه‬
‫المهترئ‪ .‬أدينته يداً قويتان وجاهزتان حولته بصمت وعجلة إلى الرصيف وأبعدت عنه‬
‫النهاية االإلفتراضية للواقف المهدد‪.‬‬

‫مال سوابي عن برودواي‪ .‬بدا أن طريقه إلى الجزيرة المرغوبة لن يكون طريًقا لذيًذ ا‪ .‬يجب‬
‫أن يفكر في وسيلة أخرى لدخول العالم القليل‪.‬‬

‫في زاوية من الجادة السادسة‪ ،‬كانت أضواء كهربائية وسلع عرضت بذكاء وراء زجاج‬
‫حجرا صخرًيا ورماه عبر الزجاج‪.‬‬
‫مصقول تجعل نافذة المحل ملفتة للنظر‪ .‬أخذ سوابي‬ ‫ً‬
‫جاء الناس يركضون حول الزاوية‪ ،‬وكان الشرطي في الصدارة‪ .‬وقف سوابي ومعه يديه‬
‫في جيوبه‪ ،‬وابتسم عند رؤية أزرار النحاس‪.‬‬

‫"أين الرجل الذي فعل ذلك؟" سأل الضابط بحماس‪.‬‬

‫"أال تعتقد أنه من الممكن أن يكون لدي شيء للقيام به؟" قال سوابي‪ ،‬ليس بدون سخرية‪،‬‬
‫ولكن بصداقة‪ ،‬كما ُيحيي اإلنسان الحظ السعيد‪.‬‬

‫رفضت عقل الشرطي قبول سوابي حتى كدليل‪ .‬الرجال الذين يكسرون النوافذ ال يبقون‬
‫للتفاوض مع خدام القانون‪ .‬إنهم يهربون‪ .‬رأى الشرطي رجاًل يركض في منتصف الطريق‬
‫ليلحق بسيارة‪ .‬انضم إلى المطاردة ومعه عصاه المرسومة‪ .‬أما سوابي‪ ،‬فباستياء في قلبه‪،‬‬
‫تمشى ببطء على طول الشارع‪ ،‬فشل مرتين‪.‬‬
‫في الجانب المقابل من الشارع كان هناك مطعم ليس له طموحات كبيرة‪ .‬كان يخدم الشهية‬
‫الكبيرة والمحافظ المتواضعة‪ .‬كانت أدواته المنزلية وجوهه كثيفة‪ ،‬وكانت حساءه‬
‫ومفروش اته رقيقة‪ .‬دخل سوابي هذا المكان بأحذيته المتهمة وسرواله المكشوف دون أي‬
‫تحدي‪ .‬جلس عند طاولة واستهلك شريحة لحم بقر‪ ،‬وفطائر البانكيك‪ ،‬والدونات‪ ،‬والفطيرة‪.‬‬
‫ثم خَّير النادل الحقيقة أن القرش األدق وهو نفسه غريبان‪.‬‬

‫"اآلن‪ ،‬انشغل واتصل بشرطي"‪ ،‬قال سوابي‪" .‬وال تجعل سيد ينتظر‪".‬‬

‫"ال شرطي لك"‪ ،‬قال النادل‪ ،‬بصوت يشبه كعك الزبدة وعين تشبه الكرز في كوكتيل‬
‫مانهاتن‪" .‬يا‪ ،‬كون!"‬
‫‪38‬‬ ‫هنري‪ 100-‬قصة مختارة‬

‫بدقة‪ ،‬ألقى اثنان من النوادل سوابي على أذنه اليسرى على الرصيف الخشن‪ .‬انتهض‪ ،‬وكأنه‬
‫قطعة قائمة‪ ،‬وهز الغبار عن مالبسه‪ .‬بدت االعتقال كحلم وردي‪ .‬بدا الجزيرة بعيدة جًدا‪.‬‬
‫ضحك شرطي واقف أمام صيدلية على بعد بابين منه وسار في الشارع‪.‬‬

‫سافر سوابي خمسة مبان قبل أن تسمح له شجاعته بالتعرض اللعتقال مجدًدا‪ .‬هذه المرة‪،‬‬
‫قدمت الفرصة ما سماها لنفسه بسخرية "سهلة"‪ .‬امرأة شابة من مظهر متواضع وجذاب‬
‫كانت تقف أمام نافذة عرض‪ ،‬تنظر بإهتمام نشيط إلى مجموعة من فناجين الحالقة وحامالت‬
‫الحبر‪ ،‬وعلى بعد مترين من النافذة‪ ،‬كان يتكأ شرطي ذو مالمح صارمة على حنفية ماء‪.‬‬
‫كان التصميم الخاص بسوابي أن يتجسد دور "المتحرش" الذي يكرهه الناس‪.‬‬

‫المظهر الراقي واألنيق لضحيته وقربه من الشرطي الذي يتحلى بضمير حسن‪ ،‬دفعه‬
‫للتصديق أنه سرعان ما سيرى لمسة الشرطة الرسمية السارة على ذراعه التي ستضمن له‬
‫إقامته خالل فصل الشتاء على الجزيرة الصغيرة الجميلة‪.‬‬

‫صوب ربطة العنق الجاهزة للسيدة الخدمية‪ ،‬وجر األصفاد الخاصة به للخارج‪،‬‬ ‫سوابي ّ‬ ‫َّ‬
‫ووضع قبعته بزاوية جذابة وتحرك بجانب السيدة الشابة‪ .‬أطلق عليها نظرات‪ ،‬ثم أصابه‬
‫السعال وأصوات البصق المفاجئة‪ ،‬ابتسم‪ ،‬تبسم‪ ،‬ومر بجرأة من خالل القائمة الوقحة‬
‫والمحتقرة لممارسي التحرش‪ .‬الحظ سوابي بزاوية من عينه أن الشرطي كان يراقبه‬
‫بتركيز‪ .‬ابتعدت السيدة الشابة بضع خطوات‪ ،‬ثم عادت وأعطت اهتمامها المركز إلى فناجين‬
‫الحالقة‪ .‬تبع سوابي خطواتها‪ ،‬وواثًقا قفز بجرأة إلى جانبها‪ ،‬رفع قبعته وقال‪:‬‬

‫"أهاًل هناك‪ ،‬بيديليا! أليست ترغبين في أن تأتي وتلعبي في حديقتي؟"‬

‫الشرطي كان ال يزال يراقب‪ .‬كان يمكن للسيدة الشابة المضطهدة أن تمد يدها بإصبعها‬
‫وسيكون سوابي في الطريق إلى مالذه الجزيري تقريًبا‪ .‬بالفعل‪ ،‬تخيل أنه يستطيع أن يشعر‬
‫بالدفء اللطيف لدى دخوله محطة الشرطة‪ .‬واجهته السيدة الشابة ومدت يدها‪ ،‬ثم أمسكت‬
‫بأكمام معطف سوابي‪.‬‬
‫"بالتأكيد‪ ،‬مايك"‪ ،‬قالت بفرح‪" ،‬إذا ساعدتني على الحصول على دلو من الصابون‪ .‬لو كنت‬
‫سأتحدث إليك من قبل‪ ،‬لكن الشرطي كان يراقب"‪.‬‬

‫بينما كانت السيدة الشابة تلعب دور األشجار اللثوية حول جذعه‪ ،‬مر سوابي بجانب‬
‫الشرطي‪ُ ،‬مغمًض ا في حالة من الكآبة‪ .‬يبدو أنه محكوم عليه بالحرية‪.‬‬
‫في الزاوية التالية‪ ،‬تخلص من رفيقته وركض‪ .‬توقف في المنطقة حيث يمكن العثور على‬
‫الشوارع األخف والقلوب والوعود واللحن‪ .‬النساء بالفرو والرجال بالمعاطف الكبيرة‬
‫يتحركون بسعادة في الهواء الشتوي‪ .‬انتاب سوابي خوف مفاجئ من أنه تم تحصينه ضد‬
‫االعتقال بسبب تعويذة رهيبة‪ .‬جلب هذا الفكر قلياًل من الذعر معه‪ ،‬وعندما وصل إلى‬
‫شرطي آخر يرتبك أمام مسرح رائع‪ ،‬أمسك بقشة "سلوك غير منظم"‪.‬‬
‫هنري‪ 100-‬قصة مختارة‬ ‫‪39‬‬

‫على الرصيف‪ ،‬بدأ سوابي في الصراخ بلغة سافرة بصوته الخشن‪ .‬رقص‪ ،‬وعوى‪ ،‬وتهت‪،‬‬
‫وأزعج بذلك العاللم‪.‬‬

‫دار الشرطي عصاه‪ ،‬ووجه ظهره لسوابي‪ ،‬وقال لمواطن‪:‬‬


‫"هذا أحد فتيان جامعة ييل يحتفلون بالدرجة الصفرية التي منحوها لكلية هارتفورد‪.‬‬
‫يصيحون بصوت عالي‪ ،‬لكنهم ال يسببون ضرر‪ .‬لدينا تعليمات بأال نتدخل معهم"‪.‬‬

‫بيأس‪ ،‬توقف سوابي عن صخبه الباطل‪ .‬هل لن يضع أي شرطي يده عليه؟ في خياله‪ ،‬بدت‬
‫الجزيرة كأركاديا ال يمكن الوصول إليها‪ .‬أغلق معطفه الرقيق ضد الرياح الباردة‪.‬‬

‫سيجارا بضوء متأرجح‪ .‬قدم مظلته الحريرية‬


‫ً‬ ‫ً‬
‫رجال متجهً ما يضيء في محل سيجار‪ ،‬رأى‬
‫ووضعها بجانب الباب عندما دخل المحل‪ .‬دخل سوابي إلى الداخل‪ ،‬وأخذ المظلة وانطلق‬
‫بها ببطء‪ .‬تبع الرجل الذي كان يضيء السيجار بسرعة‪.‬‬

‫"مظلتي"‪ ،‬قال بجلدية‪.‬‬

‫"أوه‪ ،‬هل هي؟" سخر سوابي‪ ،‬مضيًفا اإلهانة إلى السرقة الصغيرة‪" .‬حسًنا‪ ،‬لماذا ال تستدعي‬
‫شرطًيا؟ أنا أخذتها‪ .‬مظلتك! لماذا ال تستدعي شرطًيا؟ هناك واقًفا واحًدا في الزاوية‪".‬‬

‫أبطأ صاحب المظلة خطواته‪ .‬فعل السوابي النفس‪ ،‬مع قدرة مؤكدة أن الحظ سيعود للعدوان‬
‫عليه‪ .‬نظر الشرطي إلى االثنين بفضول‪.‬‬

‫"بالطبع"‪ ،‬قال صاحب المظلة ‪" -‬هذا ‪ -‬أو بمعنى آخر ‪ -‬حسًنا‪ ،‬أنت تعرف كيف يحدث هذا‬
‫الخطأ ‪ -‬أنا ‪ -‬إذا كانت مظلتك هذه‪ ،‬آمل أن تعذرني ‪ -‬أخذتها هذا الصباح في مطعم ‪ -‬إذا‬
‫اعترفت بأنها لك‪ ،‬إذا ‪ -‬آمل أن تعذرني ‪" -‬‬

‫"بالطبع إنها ملكي"‪ ،‬قال سوابي بشراسة‪.‬‬


‫تسرع لمساعدة امرأة شقراء طويلة في‬
‫الرجل الذي كان يمتلك المظلة انسحب‪ .‬الشرطيَّ ‬
‫عباءة أوبرا عبر الشارع أمام ترام كان قادً ما من على بعد مدتين من الكتل‪.‬‬
‫سار سوابي شرًقا عبر شارع تعرض ألضرار بسبب التحسينات‪ .‬ألقى المظلة بغضب داخل‬
‫حفرة‪ .‬تذمر من الرجال الذين يرتدون خوذات ويحملون عصي‪ .‬ألنه أراد أن يقع في‬
‫قبضتهم‪ ،‬يبدو أنهم يعتبرونه ملً كا ال يرتكب أي خطأ‪.‬‬
‫ً‬ ‫أخيرا‪ ،‬وصل سوابي إلى أحد الشوارع الشرقية حيث كان اللمعان والضجيج ضعيفين‪ .‬حدد‬
‫وجهه نحو ميدان ماديسون‪ ،‬ألن الغريزة العائدة للبيت تبقى حتى عندما يكون المنزل مقعد‬
‫في حديقة‪.‬‬
‫‪40‬‬ ‫هنري‪ 100-‬قصة مختارة‬

‫ولكن في زاو ية هادئة بشكل غير عادي‪ ،‬توقف سوابي‪ .‬هنا كانت كنيسة قديمة‪ ،‬غريبة‬
‫ومتداخلة ومشطبة‪ .‬من خالل إحدى النوافذ الملونة بلون البنفسج‪ ،‬توهج ضوء ناعم‪ ،‬حيث‪،‬‬
‫بال شك‪ ،‬كان العازف يلهو على المفاتيح‪ ،‬متأكًدا من إتقانه للنشيد السبتي القادم‪ .‬لقد انسكب‬
‫إلى أذني سوابي موسيقى حلوة أدركته وأبقته مندهًش ا على سياج الحديد‪.‬‬
‫كانت القمر فوق‪ ،‬المً عا وهادًئا‪ .‬كانت المركبات والمشاة قليلين‪ ،‬والعصافير تغرد بخمول‬
‫في األسطح ‪ -‬لم يكن المشهد سوى مقبرة كنيسة ريفية لفترة قصيرة‪.‬‬

‫والنشيد الذي عزفه العازف جعل سوابي متمسً كا بسياج الحديد‪ ،‬فقد كان يعرفه جيًدا في‬
‫األيام عندما كانت حياته تحتوي على أشياء مثل األمهات والورود والطموحات واألصدقاء‬
‫واألفكار النقية والياقات النظيفة‪.‬‬

‫تغييرا فجائًيا‬
‫تجمع بين الحالة العقلية المستقبلة لسوابي والتأثيرات حول الكنيسة القديمة‬ ‫ً‬
‫ورائً عا في روحه‪ .‬نظر إلى الهاوية التي سقط فيها برعب سريع‪ ،‬األيام المهدرة‪ ،‬والرغبات‬
‫الغي ر جديرة‪ ،‬واآلمال الميتة‪ ،‬والقدرات المهدمة‪ ،‬والدوافع الرديئة التي شكلت وجوده‪.‬‬
‫وكذلك في لحظة‪ ،‬استجاب قلبه بإثارة لهذا المزاج الجديد‪ .‬دفعه اندفاع فوري وقوي إلى‬
‫محاربة مصيره اليائس‪ .‬سيسحب نفسه من الوحل‪ ،‬وسيصنع من نفسه رجاًل مرة أخرى؛‬
‫سيهزم الشر الذي استولى عليه‪ .‬كان هناك وقت؛ ال يزال نسبياً شاًبا‪ .‬سيستعيد طموحاته‬
‫القديمة المشتاقة ويسعى وراءها دون تردد‪ .‬لقد أثرت تلك األلحان الرسمية والحلوة على‬
‫ثورة فيه‪ .‬غًدا سيذهب إلى منطقة وسط المدينة الصاخبة ويبحث عن عمل‪ .‬فقد قدم له تاجر‬
‫صامهً مافيالفراء مرةً وظيفة كسائق‪ .‬سيبحث عنه غًدا ويطلب الوظيفة‪ .‬سيصبح شخً ‬‫ا‬
‫ً ‬
‫ص ا مهم‬
‫العالم‪ .‬سيكون‪...‬‬
‫شعر سوابي بيد وضعت على ذراعه‪ .‬نظر بسرعة حوله إلى وجه شرطي كبير‪.‬‬

‫"ماذا تفعل هنا؟" سأله الضابط‪.‬‬

‫"ال شيء"‪ ،‬قال سوابي‪.‬‬


‫"إذا تعالى معي"‪ ،‬قال الشرطي‪.‬‬

‫"ثالثة أشهر على الجزيرة"‪ ،‬قال القاضي في محكمة الشرطة صباح اليوم التالي‬

‫‪VII‬‬

‫مذكرات كلب اصفر‬


‫هنري‪ 100-‬قصة مختارة‬ ‫‪41‬‬

‫أنا ال أفترض أن هذا سيثير استغراب أيٍ منكم لقراءة مساهمة من حيوان‪ .‬قد أثبت السيد‬
‫كيبلينج والعديد من اآلخرين حقيقة أن الحيوانات يمكنها التعبير عن أنفسها بلغة إنجليزية‬
‫مجزية‪ ،‬وال يذهب أي مجلة إلى الصحافة في هذه األيام من دون قصة عن حيوان فيها‪،‬‬
‫باستثناء المجالت القديمة من النمط الشهري التي ما زالت تنشر صوراً لبراين ومأساة مونت‬
‫بيليه‪.‬‬
‫ولكن ال تتوقعوا أي أدب متعجرف في قطعتي‪ ،‬مثلما يتحدث بيرو‪ ،‬الدب‪ ،‬وسناكو‪ ،‬الثعبان‪،‬‬
‫وتامانو‪ ،‬النمر‪ ،‬في كتب الغابة‪.‬‬
‫كلب أصفر قضى معظم حياته في شقة رخيصة في نيويورك‪ ،‬نائً ما في زاوية على تحت‬
‫التنورة القطنية القديمة (تلك التي سكبت عليها نبيذ بورت في حفل عشاء نقابة عامالت‬
‫الرصيف)‪ .‬ال يمكن أن ُيتوقع من كلب أصفر قضى معظم حياته في شقة رخيصة في‬
‫نيويورك‪ ،‬نائً ما في زاوية على تحت التنورة القطنية القديمة (تلك التي سكبت عليها نبيذ‬
‫بورت في حفل عشاء نقابة عامالت الرصيف)‪ .‬ال يمكن أن ُيتوقع منه أن يقوم بأي حيل‬
‫بفن الكالم‪.‬‬

‫ولدت ككلب أصفر؛ التاريخ والمكان والنسب والوزن مجهولون‪ .‬أول شيء أستطيع تذكره‪،‬‬
‫كانت امرأة عجوز تحملني في سلة على شارع برودواي والشارع الثالث والعشرين‪ ،‬حاولت‬
‫بيعي لسيدة بدينة‪ .‬كانت العجوز األم تروج لي بشكل قوي كجرو بوميرانيان هامبلتونيان‬
‫ريد إيرلندي كوتشين صيني ستوك بوجيس فوكس تيريير‪ .‬لم تمض وقت طويل حتى‬
‫اشتبهت السيدة البدينة بـ ‪ V‬وهي تمشي بين عينات القماش القطني المموج في حقيبة التسوق‬
‫حتى تمكنت منه وتوقفت‪ .‬من تلك اللحظة أصبحت حيوان أليف ‪ -‬جرو األم المحبوب‪ .‬هل‬
‫جربت يوً ما‪ ،‬يا قارًئا رقيًقا‪ ،‬أن يرفعك امرأة تزن ‪ 200‬باوند وتتنفس عبًقا من جبن‬
‫الكاممبرت وعطر "بو دي إسبانيا" وتقوم بلطم أنفها حولك بينما تقول طوال الوقت بصوت‬
‫مشدد‪" :‬أوه‪ ،‬أنت لطيف‪ ،‬أنت طيف‪ ،‬أنت لوطي‪ ،‬أنت بيتسي‪-‬ويتسي!"‬

‫من كلب صفراء ذو أصل نبيل نموت إلى أن أصبحت كلب صفراء مجهول النسب يبدو‬
‫وكأنه تقاطع بين قطة أنجورا وصندوق من الليمون‪ .‬لكن مستديرة اللقمة لم تفهم‪ .‬اعتقدت‬
‫أن الجروين البدائيين اللذين طاردهما نوح إلى السفينة لم يكونا سوى فرع جانبي من أسالفي‪.‬‬
‫استغرق منها شرطيين لمنعها من التسجيل بي في حديقة ماديسون سكوير غاردن للفوز‬
‫بجائزة السبيستان ساند هاوند‪.‬‬

‫سأخبركم عن تلك الشقة‪ .‬البيت كان عادًيا في نيويورك‪ ،‬مفروًش ا برخام باريان في قاعة‬
‫الدخول وحصى فوق الطابق األول‪ .‬شقتنا كانت في الطابق الثالث ‪ -‬حسًنا‪ ،‬ليست طوابق‬
‫بالمعنى المعروف ‪ -‬يجب أن تصعد إليها‪ .‬استأجرت مستديرة اللقمة الشقة غير مفروشة‪،‬‬
‫ووضعت األشياء العادية ‪ -‬مجموعة مكونة من ثالث قطع قديمة من عام ‪ ،1903‬ولوح‬
‫زيتي يصور جيشا في مقهى هارلم‪ ،‬ونبات مطاطي‪ ،‬والزوج‪.‬‬
‫‪42‬‬ ‫هنري‪ 100-‬قصة مختارة‬

‫صغيرا ذا شعر رملي ولحية‬


‫باهلل! كان هناك إنسان ثنائي أشعر بالشفقة تجاهه‪ .‬كان رجاًل‬ ‫ً‬
‫تشبه‬ ‫كثيرا لحيتي‪ .‬هل كان تحت نير زوجته؟ حسًنا‪ ،‬الفيرونات والطيور الزرقاء والبجع ً‬
‫جميعها كانت تستفيد منه‪ .‬كان يمسح األطباق ويستمع إلى مستديرة اللقمة تروي عن األشياء‬
‫الرخيصة والمتهالكة التي كانت السيدة التي ترتدي معطف جلد السنجاب في الطابق الثاني‬
‫تنشرها على الخط لتجف‪ .‬وفي كل مساء بينما كانت مستديرة اللقمة تحضر العشاء‪ ،‬كانت‬
‫تجبره على أخذي معه بحبل صغير ألخذ جولة‪.‬‬

‫إذا علم الرجال كيف تقضي النساء وقتهن عندما يكن لوحدهن‪ ،‬لن يتزوجوا أبًدا‪ .‬لورا لين‬
‫جيبي‪ ،‬حلوى الفول السوداني المكسر‪ ،‬قليل من كريم اللوز على عضالت العنق‪ ،‬األطباق‬
‫التي لم ُتغسل‪ ،‬نصف ساعة حديث مع بائع الثلج‪ ،‬قراءة مجموعة من الرسائل القديمة‪ ،‬زوج‬
‫من الخيار المخل ل وزجاجتين من مستخرج الشعير‪ ،‬ساعة واحدة تتطلع من ثقب في ستارة‬
‫النافذة إلى الشقة في الجانب اآلخر من الممر ‪ -‬هذا تقريًبا كل ما في األمر‪ .‬عشرون دقيقة‬
‫قبل أن يأتي إلى المنزل من العمل‪ ،‬تنظف المنزل‪ ،‬وتجهز شعرها المستعار حتى ال يظهر‪،‬‬
‫وتبدأ بالخياطة لتلعب دور الوهم لمدة عشر دقائق‪.‬‬
‫عشت حياة كلب في تلك الشقة‪ .‬معظم الوقت كنت ممدًدا في زاويتي أشاهد السيدة البدينة‬
‫وهي تضيع الوقت‪ .‬أحياًنا أنام وأحلم بمطاردة القطط إلى القبو والنباح على السيدات‬
‫الكبيرات بالسن والقفازات السوداء‪ ،‬كما يفعل الكلب‪ .‬ثم تقفز علي بكثير من تلك الكالم‬
‫الفارغ عن البوودل وتقبلني على األنف ‪ -‬ولكن ماذا يمكنني أن أفعل؟ الكلب ال يستطيع‬
‫مضغ القرنفل‪.‬‬

‫بدأت أشعر بالشفقة تجاه زوجها‪ ،‬كلبي إذا لم أفعل ذلك‪ .‬كنا نبدو متشابهين جًدا بحيث الحظه‬
‫الناس عندما نخرج‪ ،‬لذلك قررنا تجنب الشوارع التي يمر سيارة مورجان بها‪ ،‬واقتصرنا‬
‫على تسلق تالل الثلوج التي تراكمت في ديسمبر الماضي في الشوارع التي يعيش فيها‬
‫الناس الفقراء‪.‬‬
‫إحدى المساءات عندما كنا نتجول هكذا‪ ،‬وأنا أحاول أن أبدو وكأنني كلب سانت برنارد‬
‫الفائز بجائزة‪ ،‬وكان الرجل العجوز يحاول أن يبدو وكأنه لن يقتل أول من عزف له عازف‬
‫الجرسين في مشهد زفاف من مارش ميندلسوهن‪ ،‬نظرت إليه وقلت له‪ ،‬بطريقتي‪:‬‬

‫"لماذا تبدو بهذا العصبية يا بروج عنيد؟ هي ال ُتقبلك‪ .‬ال يتعين عليك الجلوس على ركبتيها‬
‫واالستماع إلى حديث يمكن أن يجعل من محتوى كتاب مسرحية موسيقية يبدو كأنه أقوال‬
‫إبيكتيتوس‪ .‬يجب أن تكون ممتًنا ألنك لست كلًبا‪ .‬قوم بتجاوز ذلك‪ ،‬بينديك‪ ،‬واطرد الحزن‬
‫بعيًدا‪".‬‬
‫ظل الرجل الذي وقع له حادث الزواج ينظر إلي بوجه يحمل تقريًبا ذكاء الكلب‪.‬‬

‫قادرا على التحدث‪ .‬ماذا هو‪ ،‬يا‬


‫"لماذا‪ ،‬يا كلب‪ "،‬قال‪" ،‬كلب جيد‪ .‬تبدو تقريًبا كما لو كنتً ‬
‫كلب ‪ -‬هل هي القطط؟"‬
‫هنري‪ 100-‬قصة مختارة‬ ‫‪43‬‬

‫القطط! قادر على التحدث!‬


‫لكن بالطبع‪ ،‬لم يستطع أن يفهم‪ .‬البشر لم يمنحوا القدرة على فهم لغة الحيوانات‪ .‬المكان‬
‫الوحيد الذي يمكن أن يجتمع فيه الكالب والبشر للتواصل هو في الخيال‪.‬‬
‫في الشقة في الجانب المقابل منا عاشت سيدة تمتلك كلًبا أسود وبني‪ .‬زوجها كان يربطه‬
‫ويأخذه للنزهة كل مساء‪ ،‬ولكنه كان دائً ما يعود إلى المنزل بمزاج مرح وهو يصفر‪ .‬في‬
‫أحد األيام‪ ،‬اقتربت من كلب البني واألسود في الردهة‪ ،‬وسألته للحصول على توضيح‪.‬‬
‫"استمع هنا‪ ،‬ويجل آند سكيب"‪ ،‬قلت‪" ،‬أنت تعلم أنه ليس في طبيعة الرجل الحقيقي أن يكون‬
‫مربًيا للكالب علًنا‪ .‬لم أر أحًدا مقيًدا بكلب حتى اآلن يبدو كأنه يود أن يلتقي بكل رجل آخر‬
‫ينظر إليه‪ .‬لكن رئيسك يدخل كل يوم بنفسه متبسم ومستقيم كساحر هاو للخدع البسيطة‪.‬‬
‫كيف يفعل ذلك؟ ال تخبرني أنه يستمتع بذلك‪".‬‬
‫"هو؟" يقول الكلب البني واألسود‪" .‬لماذا‪ ،‬إنه يستخدم عالج الطبيعة الخاص بها‪ .‬إذا كنا‬
‫في البداية عندما نخرج‪ ،‬يكون‬ ‫خجوالمثلالرجلعلىمتنالسفينةالذييفضلأنيلعنبً‬
‫خجوال مثل الرجل على متن السفينة الذي يفض ل أ‬
‫بلعبة "بيدرو" عندما تصبح جميعها جاكبوت‪ .‬بحلول وقت تجوالنا في ثماني حانات‪ ،‬ال يهمه‬
‫ما إذا كان الشيء على طرف الحبل هو كلب أم سمكة قط‪ .‬فقد فقدت بوصتين من ذيلي في‬
‫محاولة لتجنب تلك األبواب الدوارة‪".‬‬
‫النصيحة التي حصلت عليها من تلك الكلب البني واألسود ‪ -‬يرجى من فنون الترفيه االستفادة‬
‫منها ‪ -‬جعلتني أبدأ في التفكير‪.‬‬
‫في إحدى المساء حوالي الساعة السادسة‪ ،‬أمرت سيدتي به أن يستعد إلظهار نشاط وحيوية‬
‫ي‪ .‬وكان الكلب البني‬
‫أمام "لوڤي "‪ .‬لقد كانت تلك هي التسمية التي كانت تستخدمها إللشارة إلّ ‬
‫واألسود ُيدعى "تويتنيس"‪ .‬وبصفتي‪ ،‬أعتقد أن لي ميزة عليه بقدر ما يمكنك أن ُتطارد‬
‫بهرين‪ .‬ومع ذلك‪" ،‬لوڤي " هو نوع من التسمية التي تجعلني أشعر باالستخفاف بذاتي‪.‬‬
‫في مكان هادئ في شارع آمن‪ ،‬شديت حبل الربط الذي كان يمسكني أمام مقهى أنيق‪ .‬قفزت‬
‫نحو األبواب بسرعة‪ ،‬وأنا أصيح مثل الكلب في األخبار الصحفية الذي يخبر العائلة بأن‬
‫الصغيرة أليس عالقة أثناء جمع الزنابق في الجدول‪.‬‬

‫"لكن‪ ،‬نحن على حقيقة تسحق العيون!" قال الرجل العجوز مبتسً ما‪" ،‬لكن نحن على حقيقة‬
‫تسحق العيون إذا لم يطلب ابن ليمونيدة السيلتزر مني الدخول لتناول مشروب‪ .‬دعني أفكر‬
‫‪ -‬منذ متى وأنا أوفر من الجلد من خالل وضع قدم واحدة على المسند؟ أعتقد أنني سأفعل‬
‫ذلك ‪"-‬‬

‫كنت أعلم أنني استطعت اإليقاع به‪ .‬احتسى هوت سكوتش وجلس على طاولة‪ .‬لمدة ساعة‪،‬‬
‫كان يشرب الكامبلز‪ .‬جلست بجانبه وأنا أطلب من النادل بضرب ذيلي‪ ،‬وأتناول الطعام‬
‫‪44‬‬ ‫هنري‪ 100-‬قصة مختارة‬

‫المجاني مثلما لم تستطع أمي في شقتها تقديمه بأطعمتها المصنوعة في المنزل‪ ،‬التي اشترتها‬
‫من محل تجاري أللطعمة الشرقية قبل ثماني دقائق من وصول أبي إلى المنزل‪.‬‬

‫عندما نفدت منتجات اسكتلندا كلها باستثناء خبز الجاودار‪ ،‬قام الرجل العجوز بتحريري من‬
‫عصابة الربط وألقاها في الشارع‪.‬‬
‫'سوف تعذرني‪ ،‬تشونك'‪ ،‬قال إيكي‪' .‬يجب أن أعمل وصفة طبية يتوجب استالمها قريًبا‪'.‬‬

‫'قل'‪ ،‬قال مكغوان بنظرة مفاجئة‪' ،‬قل‪ ،‬إيكي‪ ،‬أليس هناك دواء نوع ما ‪ -‬نوع من المساحيق‬
‫التي ستجعل الفتاة تحبك أكثر إذا أعطيتها إياها؟'‬

‫عادة تجعل شفة إيكي تحت أنفه تتموج بسخرية من التنوير العلمي الفائق؛ ولكن قبل أن‬
‫يستطيع الرد‪ ،‬واصل مكغوان قائاًل ‪:‬‬

‫'قال لي تيم ليسي مرة واحدة أنه حصل على بعض من دكتور مشهور وأطعمها لفتاته في‬
‫ماء الصودا‪ .‬من الجرعة األولى كانت رائعة وكأن الجميع اآلخرين يبدون بقيمة ‪ 30‬سنًتا‬
‫بالنسبة لها‪ .‬تزوجوا في أقل من أسبوعين‪'.‬‬
‫تواضع تشونك مكغوان قوي وبسيط‪ .‬لكان أي شخص يستطيع قراءة الناس بشكل أفضل‬
‫من إيكي يمكنه أن يرى أن جسده القوي كان يعلق على أسالك ناعمة‪ .‬مثل جنرال جيد‬
‫يعتزم غزو أراضي العدو‪ ،‬كان يسعى لحماية كل نقطة ضد الفشل المحتمل‪.‬‬

‫المساحيق ألعطيه‬ ‫'كنت أعتقد'‪ ،‬واصل تشونك بأمل‪' ،‬أنه إذا كان لدي مسحوق واحد من هذه‬
‫من التراجع عن‬ ‫لروزي عندما أراها في وجبة العشاء هذه الليلة‪ ،‬قد يجعلها قوية ويمنعها‬
‫النساء أفضل في‬ ‫االقتراح بالهروب‪ .‬أظن أنها ال تحتاج إلى فريق من البغال لسحبها‪ ،‬ولكن‬
‫ناجً حا‪'.‬‬ ‫التدريب منهن في الجري‪ .‬إذا كان هذا الشيء يعمل لفترة قصيرة فقط سيكون‬
‫'متى ستحدث هذه الجنونية بالهروب؟' سأل إيكي‬

‫'تس عة في الساعة'‪ ،‬قال السيد مكغوان‪' .‬العشاء في السابعة‪ .‬في الثامنة تذهب روزي إلى‬
‫الفراش بصداع‪ .‬في الساعة التاسعة يسمح لي السيد بارفينزانو بالدخول إلى فناء منزله‪،‬‬
‫حيث يوجد لوح من سياج ريدل‪ ،‬في المجاورة الجانبية‪ .‬أنا أمر تحت نافذتها وأساعدها في‬
‫النزول من سلم الهروب‪ .‬يجب أن ننجح في الوقت المبكر من أجل القس‪ .‬كل شيء سيكون‬
‫سهاًل إذا لم ترفض روزي عندما يسقط العلم‪ .‬هل يمكنك أن تعمل لي واحدة من هذه‬
‫المساحيق‪ ،‬إيكي؟'‬
‫فرك إيكي شونشتاين أنفه ببطء‪.‬‬

‫'تشانك'‪ ،‬قال له‪' ،‬إنها مساحيق من هذا النوع التي يجب أن يتعامل الصيادلة معها بعناية‬
‫شديدة‪ .‬لك وحدك من معارفي سأثق به مسحوًقا من هذا النوع‪ .‬ولكن لك أصنعه‪ ،‬وسوف‬
‫ترى كيف سيجعل روزي تفكر فيك‪.‬‬
‫هنري‪ 100-‬قصة مختارة‬ ‫‪45‬‬

‫ذهب إيكي وجلس خلف مكتب الوصفات‪ .‬هناك سحق إلى مسحوق قرصين قابلين للذوبان‪،‬‬
‫يحتوي كل منهما على ربع جرام من المورفين‪ .‬أضاف إليهما قلياًل من سكر الحليب لزيادة‬
‫الحجم‪ ،‬وطوى الخليط بشكل جيد في ورقة بيضاء‪ .‬إذا تم تناول هذا المسحوق من قبل‬
‫شخص بالغ‪ ،‬فإنه سيضمن ساعات عديدة من النوم العميق دون خطر على النائم وسلمه هذا‬
‫إلى تشانك مكغوان‪ ،‬ونصحه بتناوله بالسائل إذا كان ذلك ممكًنا‪ ،‬واستقبل الشكر الحار من‬
‫لوشينفار الفناء‪.‬‬
‫ً‬
‫تبدأ ذكاء إيكي في تصرفه بعد سرد تحركاته االلحقة‪ .‬أرسل‬ ‫رسوال للسيد ريدل وكشف له‬
‫خطط مكغوان للهرب مع روزي‪ .‬كان السيد ريدل رجاًل بديًنا‪ ،‬يتميز ببشرة مغبرة وسرعة‬
‫في العمل‪.‬‬

‫'ممتن جًدا'‪ ،‬قال إليكي بإيجاز‪' .‬الكسول األيرلندي الفاسق! غرفتي الخاصة فوق روزي‪،‬‬
‫سأذهب إلى هناك بنفسي بعد العشاء وسأحمل بندقية الطلقات النارية وأنتظر‪ .‬إذا جاء إلى‬
‫فنائي‪ ،‬فسيخرج بعيًدا في سيارة اإلسعاف بداًل من عربة الزفاف‪'.‬‬

‫مع روزي التي كانت محتجزة في قبضة مورفيوس لساعات طويلة من النوم العميق‪ ،‬والوالد‬
‫النزوع إلى العنف في االنتظار‪ ،‬مسلً حا ومسبًقا‪ ،‬شعر إيكي بأن منافسه قريًبا بالفعل من‬
‫اإلخفاق‪.‬‬

‫طوال الليل في متجر الضوء األزرق‪ ،‬انتظر في واجباته فرصة لسماع أخبار عن الفاجعة‪،‬‬
‫ولكن لم يأتي أي خبر‪.‬‬

‫في الثامنة صباً حا‪ ،‬وصل كاتب النهار وانطلق إيكي على عجل إلى منزل السيدة ريدل‬
‫لمعرفة النتيجة‪ .‬وها هو‪ ،‬حينما خرج من المتجر‪ ،‬من الذي اندفع من عربة ترام مارة‬
‫وأمسك يده؟ إنه تشانك مكغوان مع ابتسامة الفائز والبهجة على وجهه‪.‬‬

‫'حققناها'‪ ،‬قال مكغوان بابتهاج في ابتسامته‪' .‬وصلت روزي إلى سلم الحريق في الوقت‬
‫المحدد تماً ما‪ ،‬وكنا تحت السقف عند القس في الساعة (¼ ‪ . )9.30‬هي في الشقة اآلن ‪-‬‬
‫طهيت البيض هذا الصباح بقميص نوم أزرق ‪ -‬يا لها من حظ‪ ،‬يجب أن تأتي في يوم ما‪،‬‬
‫إيكي‪ ،‬وتناول الطعام معنا‪ .‬لدي وظيفة بالقرب من الجسر‪ ،‬وهذا هو مكان وجهتي اآلن‪'.‬‬

‫'المسحوق؟' تلعثم إيكي‪.‬‬

‫'أوه‪ ،‬ذلك الشيء الذي أعطيتني إياه!' قال مكغوان وابتسم بشموخ؛ 'حسًنا‪ ،‬األمر كان بهذه‬
‫الطريقة‪ .‬جلست على طاولة العشاء ليلة أمس في منزل ريدل‪ ،‬ونظرت إلى روزي‪ ،‬وقلت‬
‫لنفسي‪" ،‬تشانك‪ ،‬إذا حصلت على الفتاة‪ ،‬فاحصل عليها بصدق ‪ -‬ال تحاول أي خدعة مع‬
‫ذات محبة شريفة مثلها"‪ .‬ووضعت الورقة التي أعطيتها لي في جيبي‪ .‬ثم وقعت نظراتي‬
‫على شخص آخر موجود‪ ،‬الذي قلت لنفسي أنه غير ودي للغاية تجاه صهره المستقبلي‪،‬‬
‫لذلك ترقبت فرصتي وسكبت تلك المسحوق في قهوة السيد ريدل ‪ -‬هل ترى؟‬
‫‪46‬‬ ‫هنري‪ 100-‬قصة مختارة‬

‫لحظة غير قابلة اللنتقال‪ .‬فهذا العطر كان يعود آللنسة ليزلي؛ إنه عطرها الخاص‪ ،‬وحدها‬
‫هي تمتلكه‪.‬‬

‫جلبه العطر على نحو حي وتقريبي أمامه‪ .‬تقلص العالم المالي فجأة إلى نقطة‪ .‬وهي في‬
‫الغرفة المجاورة ‪ -‬على بعد عشرين خطوة‪.‬‬
‫"باهلل عليك‪ ،‬سأفعلها اآلن"‪ ،‬قال ماكسويل‪ ،‬نصف بصوت عاٍ ل‪" .‬سأسألها اآلن‪ .‬أتعجب لم‬
‫لم أفعل ذلك منذ فترة طويلة"‪.‬‬
‫اندفع إلى المكتب الداخلي بسرعة شخص يحاول تغطية شيء قصير‪ .‬اندفع نحو مكتب كاتبة‬
‫اآلخرين‪.‬‬
‫لقد التقطت عليه نظرة بابتسامة‪ .‬انتشى لون زهري فاتح على خدها‪ ،‬وعينيها كانت لطيفة‬
‫وصريحة‪ .‬أنحنى ماكسويل على كوع واحد على مكتبها‪ .‬ال يزال يمسك ورق متطاير بكلتا‬
‫يديه والقلم فوق أذنه‪.‬‬

‫"اآلنسة ليزلي"‪ ،‬بدأ بعجلة‪" ،‬لدي لحظة واحدة فقط‪ .‬أريد أن أقول شيًئا خالل تلك اللحظة‪.‬‬
‫هل ستكونين زوجتي؟ لم يكن لدي الوقت ألغازلك بالطريقة العادية‪ ،‬ولكنني حًقا أحبك‪.‬‬
‫تحدثي بسرعة‪ ،‬من فضلك ‪ -‬هؤالء األصدقاء يعبرون عن غضبهم من االتحاد الباسيفيك"‪.‬‬

‫"يا له من حديث غريب"‪ ،‬صاحت السيدة الشابة‪ .‬انتهزت من مكانها وتطلعت إليه بعيون‬
‫بيضاء مندهشة‪.‬‬

‫"أال تفهم؟" قال ماكسويل بتوتر‪" .‬أريدك أن تتزوجينني‪ .‬أحبك‪ ،‬اآلنسة ليزلي‪ .‬كنت أريد أن‬
‫أخبرك‪ ،‬وقبضت على لحظة عندما تراجعت األمور قلياًل ‪ .‬هم ينادونني على الهاتف اآلن‪.‬‬
‫قولي لهم أن ينتظروا دقيقة‪ ،‬بيتشر‪ .‬هل لن يكون لديكي قلياًل من الوقت‪ ،‬اآلنسة ليزلي؟"‬
‫كانت كاتبة اآلخرين تتصرف بطريقة غريبة جًدا‪ .‬في البداية‪ ،‬بدا وكأنها ُأثرّية بالذهول؛ ثم‬
‫بدأت الدموع تنبع من عينيها المتعجبتين؛ وبعد ذلك ابتسمت بشكل مشمس من خاللهما‪،‬‬
‫وانزلقت إحدى ذراعيها بلطف حول عنق الوسيط‪.‬‬

‫"أعرف اآلن"‪ ،‬قالت بلطف‪" .‬هذه القضية القديمة هي التي أخرجت كل شيء آخر من عقلك‬
‫للوقت الحالي‪ .‬كنت خائًفا في البداية‪ .‬أال تتذكر‪ ،‬هارفي؟ تزوجنا أمس في الثامنة مساً ء في‬
‫الكنيسة الصغيرة في الزاوية‪".‬‬

‫‪VIII‬‬

‫الغرفة المفروشة‬
‫هنري‪ 100-‬قصة مختارة‬ ‫‪47‬‬

‫غير ثابتة‪ ،‬متغيرة‪ ،‬فانية مثل الزمن نفسه ‪ ،‬يوجد مجموعة هائلة من السكان في منطقة‬
‫الطوب األحمر في الجانب الغربي السفلي من المدينة‪ ،‬وهؤالء ال مأوى لهم ولكن لديهم مئة‬
‫منزل‪ .‬ينتقلون من غرفة مفروشة إلى أخرى‪ ،‬متنقلون دائً ما ‪ -‬متنقلون في مكان اإلقامة‪،‬‬
‫متنقلون في القلب والعقل‪ .‬يغنون "منزل حلو منزل" بأنماط الراجتايم؛ يحملون متعلقاتهم‬
‫الشخصية في صندوق صغير؛ ُتلتف الكرمة حول قبعة صورة؛ ونبات المطاط هو شجرة‬
‫التين الخاصة بهم‪.‬‬

‫لذا يجب أن تكون للمنازل في هذه المنطقة‪ ،‬بعد أن استضافت ألف مقيم‪ ،‬ألف حكاية لترويها‪،‬‬
‫وغالًبا ما تكون مملة‪ ،‬ال شك في ذلك؛ ولكن من الممكن أن يتم العثور على شبح أو اثنين‬
‫في أعقاب كل هؤالء األشباح المتجولة‪ .‬في إحدى الليالي بعد الغسق‪ ،‬تجوب شاٌب بين هذه‬
‫القصور الحمراء المتهاوية‪ ،‬يجري نحو أجراسها‪ .‬وعند البيت الثاني عشر‪ ،‬وضع حقيبته‬
‫النحيفة على الخطوة ومسح الغبار من شريط قبعته وجبينه‪ .‬الجرس بدا ضعيًفا وبعيًدا في‬
‫عمق مناطق نائية وفارغة‪ .‬وعند باب هذا المنزل‪ ،‬الذي كان البيت الثاني عشر وراء جرسه‪،‬‬
‫جاءت خادمة المنزل التي جعلته يفكر في دودة غير صحية ومشبعة تمتص جوزتها حتى‬
‫قشورا فارغة واآلن تسعى لملء الفراغ بزوار صالحين للتأكل‪ .‬سألها إذا كان هناك‬
‫أصبحت‬ ‫ً‬
‫غرفة إلليجار‪.‬‬
‫"تفضلوا" قالت الخادمة‪ .‬صوتها نبع من حنجرتها؛ بدت حنجرتها كأنها مبطنة بالفراء‪" .‬لدي‬
‫طابق العلوي الثالث‪ ،‬الذي شاغر منذ أسبوع‪ .‬هل ترغب في رؤيته؟" تبع الشاب الخادمة‬
‫عبر الساللم‪ .‬ضوء خافت ال يأتي من مصدر محدد خفف من ظالل القاعات‪ .‬ساروا بال‬
‫صوت على سجادة الدرج التي لوحها النول الخاص بها لن يقسمها‪ .‬بدت وكأنها تحولت إلى‬
‫تحولت في ذلك الهواء المليء بالظلمة والخالي من الشمس إلى طحلب غني أو نبات؛ أنهاّ ‬
‫نبات ينمو على شكل بقع على الدرج ويكون لزً جا تحت القدم مثل المادة العضوية‪ .‬في كل‬
‫منعطف للسلم كانت هناك حنايا فارغة في الجدار‪ .‬قد تكون النباتات قد وضعت فيها في‬
‫وقت ما‪ .‬إذا كان األ مر كذلك‪ ،‬فإنها لقد ماتت في تلك الهواء النتن والملوث‪ .‬قد يكون‬
‫القديسون قد وقفوا هناك‪ ،‬ولكنه لم يكن من الصعب تصور أن العفاريت والشياطين قد‬
‫سحبوهم إلى الظالم ونزلوا بهم إلى أعماق غير مقدسة في حفرة مؤثثة من األسفل‪.‬‬

‫نادرا‬
‫"هذه هي الغرفة"‪ ،‬قالت الخادمة‪ ،‬من حنجرتها المبطنة بالفراء‪" .‬إنها غرفة جميلة‪ً .‬‬
‫ما تكون شاغرة‪ .‬كان لدي بعض األشخاص األنيقين فيها الصيف الماضي ‪ -‬ال مشكلة على‬
‫اإلطالق‪ ،‬ودفعوا مقدً ما حتى اللحظة‪ .‬الماء في نهاية الردهة‪" .‬سبراولز وموني" أبقياها‬
‫محجوزة لمدة ثالثة أشهر‪ .‬قد قدموا عرض فودفيل‪ .‬اآلنسة "بريتا سبراولز" ‪ -‬ربما سمعت‬
‫بها ‪ -‬أوه‪ ،‬هذه كانت أسماء مسرحية فقط ‪ -‬هنا فوق المضمار هو المكان الذي كانت تعلق‬
‫عليه شهادة الزواج‪ ،‬مؤطرة‪ .‬الغاز هنا‪ ،‬وكما ترى يوجد الكثير من مساحة الخزانة‪ .‬إنها‬
‫نادرا ما تبقى شاغرة لفترة طويلة‪.‬‬
‫غرفة يحبها الجميع‪ً .‬‬
‫"هل لديك الكثير من األشخاص المتعلقين بالمسرح يسكنون هنا؟" سأل الشاب‪.‬‬
‫ي مرتبطة بالمسارح‪ .‬نعم‪ ،‬يا سيدي‪ ،‬هذا منطقة‬
‫"يأتون ويذهبون‪ .‬نسبة كبيرة من مستأجرّ ‬
‫‪48‬‬ ‫هنري‪ 100-‬قصة مختارة‬

‫المسرح‪ .‬ال يبقى الفنانون في مكان طوياًل أبدًا‪ .‬أحصل على نصيبي منهم‪ .‬نعم‪ ،‬يأتون‬
‫ويذهبون‪".‬‬

‫استأجر الغرفة‪ ،‬ودفع مقدماً لمدة أسبوع‪ .‬قال إنه متعب وسيستولي على الغرفة على الفور‪.‬‬
‫عّ د مبلغ النقود‪ .‬كانت الغرفة جاهزة‪ ،‬قالت‪ ،‬حتى مناشف وماء‪ .‬وبينما ابتعدت الخادمة‪،‬‬
‫وضع‪ ،‬للمرة األلف‪ ،‬السؤال الذي كان يحمله على طرف لسانه‪.‬‬

‫"فتاة صغيرة ‪ -‬اآلنسة فاشنر ‪ -‬اآلنسة إيلويز فاشنر ‪ -‬هل تتذكر مثل هذه الشخصية بين‬
‫مستأجريك؟ ربما كانت تغني على المسرح‪ .‬فتاة ذات شعر أشقر ذهبي ووجه نحيل وطول‬
‫متوسط‪ ،‬ولديها خال داكن بالقرب من حاجبها األيسر‪".‬‬

‫"ال‪ ،‬ال أتذكر االسم‪ .‬األشخاص في عالم المسرح لديهم أسماء يتغيرونها بنفس تكرار تغيير‬
‫غرفهم‪ .‬يأتون ويذهبون‪ .‬ال‪ ،‬ال أتذكر هذا‪".‬‬
‫ال‪ .‬دائماً ال‪ .‬خمسة أشهر من االستجواب االلفتراضي والنفي الحتمي‪ .‬قضى الكثير من‬
‫نهارا في استجواب المديرين والوكالء والمدارس والفرق الغنائية؛ ولياًل بين جماهير‬
‫الوقتً ‬
‫المسارح من فرق ممثلين مشهورين إلى صاالت موسيقية منخفضة إلى درجة تجعله يخشى‬
‫أن يجد ما يأمل فيه‪ .‬من أحبها أكثر من غيره حاول أن يجدها‪ .‬كان واثًقا من أنه منذ اختفائها‬
‫من المنزل‪ ،‬تختبئ هذه المدينة المحاطة بالمياه بها في مكان ما‪ ،‬لكنها كانت مثل رمل سريع‬
‫ضخم‪ ،‬تحرك جزيئاته باستمرار‪ ،‬بال أساس‪ ،‬حبيباته العلوية لليوم ُتدفن غًدا في الوحل‬
‫والوحل‬
‫‪.‬‬

‫استقب لت الغرفة المؤثثة ضيفها الجديد بضوء أول من الضيافة المزيفة‪ ،‬ترحيب متهافت‬
‫وهزيل وسطحي يشبه ابتسامة مغرورة المرأة فاسقة‪ .‬الراحة المغلوطة جاءت في تألق‬
‫مستند من األثاث المتدهور‪ ،‬والنسيج المزين الممزق لكنبة وكرسيين‪ ،‬ومرآة زجاجية‬
‫رخيصة بعرض قدم بين النافذتين‪ ،‬من إطارات صور منجدة بالذهب وسرير نحاسي في‬
‫الزاوية‪.‬‬

‫استلقى الضيف‪ ،‬كان كالعقد‪ ،‬على كرسي‪ ،‬بينما حاولت الغرفة‪ ،‬ملتبسة في كالمها كما لو‬
‫كانت شقة في بابل‪ ،‬أن تخبره عن مستأجريها المختلفين‪.‬‬

‫سجادة متعددة األلوان مثل جزيرة استوائية مشرقة ذات شكل مستطيل‪ ،‬محاطة ببحر من‬
‫ا لبسط المتسخ الموجج‪ .‬على الجدار المغطى بورق ملون كانت تلك الصور التي تطارد‬
‫المرء البال مأوى من منزل إلى منزل ‪" -‬عشاق الهوغونوت"‪" ،‬أول خالف"‪" ،‬إفطار‬
‫الزفاف"‪" ،‬بسيخه عند النافورة"‪ .‬كانت الخطوط البسيطة للموقد متأللئة مخفية عن العيون‬
‫خلف تلك الستائر المشددة بشكل مبالغ فيه‪ ،‬ترتدي بطريقة متهورة مائلة على الجانب‪ ،‬تشبه‬
‫أوشحة الباليه األمازوني‪ .‬وعلى الموقد كانت بعض المقتنيات المهجورة التي تم التخلص‬
‫منها من قبل ساكني الغرفة عندما حملتهم رياح الحظ السارة إلى ميناء جديد ‪ -‬بعض الزهور‬
‫الصغيرة أو ربما صور للممثالت‪ ،‬زجاجة دواء‪ ،‬بعض البطاقات المتناثرة من ورق لعب‪.‬‬
‫هنري‪ 100-‬قصة مختارة‬ ‫‪49‬‬

‫واحدة تلو األخرى‪ ،‬تحولت عالمات صغيرة تركها سلسلة الضيوف الذين زاروا الغرفة‬
‫المفروشة إلى عالمات ذات معنى‪ .‬المساحة المبهتة في السجادة أمام المضمار أخبرتنا أن‬
‫امرأة جميلة قد مرت في الحشد‪ .‬بصمات أصابع صغيرة على الحائط تحدثت عن السجناء‬
‫الصغار الذين يحاولون العثور على الطريق إلى الشمس والهواء‪ .‬بقعة متناثرة تشبه ظل‬
‫انفجار قنبلة‪ ،‬تشهد حيث تم رمي كأس أو زجاجة مكسورة بمحتوياتها على الحائط‪ .‬عبر‬
‫المرآة الزجاجية الضيقة تم كتابة اسم "ماري" بحروف غير منتظمة باستخدام الماس‪ .‬بدا‬
‫أن توالي السكان السابقين للغرفة المفروشة قد تحولوا بغضب ‪ -‬ربما أغرتهم برودتها‬
‫الزاهية إلى حد االل مقاومة ‪ -‬وأثروا على غضبهم عليها‪ .‬كان األثاث متشقًقا ومجروً حا؛‬
‫الكنبة‪ ،‬المشوهة بسبب األسر االنفجارية‪ ،‬بدت كوحش مرعب تم قتله أثناء وقوعه في تشنج‬
‫غريب‪ .‬انفصلت قطعة كبيرة من الموقد المصنوع من الرخام بفعل انقالب عنيف‪ .‬كل لوح‬
‫في األرض كان له ميل وصراخ خاص كما لو كان يعاني من عذاب فردي‪ .‬بدا أن كل هذا‬
‫العداء والضرر قد تم خلقه في الغرفة على يد أولئك الذين اعتبروها لبعض الوقت منزلهم؛‬
‫ومع ذلك‪ ،‬قد يكون ذلك بقيمة الغريزة المنزلية المخدوعة‪ ،‬والغضب الغاضب على آلهة‬
‫المنزل الزائفة التي أثارت غضبهم‪ .‬المأوى الذي هو ملكنا يمكننا تنظيفه وتزيينه واالعتناء‬
‫به‬
‫‪.‬‬

‫المستأجر الشاب على الكرسي سمح لهذه األفكار باالنسياب‪ ،‬بخفية وهدوء‪ ،‬عبر عقله‪ ،‬بينما‬
‫تكشيرا وضحً كا مفرً ‬
‫تندفع إلى الغرفة أصوات وروائح مفروشة‪ .‬سمع في إحدى الغرف‬ ‫ً‬ ‫طا‬
‫وشخيرا‬
‫للنوم‪،‬‬ ‫وغير متحكم؛ وفي الغرف األخرى نقاًش ا على الهامش‪ ،‬وقرع ونشيد النرد‪ً ،‬‬
‫بائًسا؛ فوقه سمع صوت البانجو يرن بحماس‪ .‬األبواب اندفعت في مكان ما؛ تصدرت‬
‫القطارات المرتفعة أصواتها بشكل متقطع؛ وقطة صاحت بشكل مأساوي على سياج خلفي‪.‬‬
‫وتنفس هواء المنزل ‪ -‬رائحة رطبة بداًل من رائحة ‪ -‬عبق بارد وعفن كأنه من أقبية تحت‬
‫األرض امتزج مع التنفس الكريه للزيوليوم والخشب المعفن والفاسد‪.‬‬
‫ثم‪ ،‬فجأة‪ ،‬بينما كان يرتاح هناك‪ ،‬امتألت الغرفة برائحة الميغنيت القوية والحلوة‪ .‬جاءت‬
‫مثل هبة واحدة من الرياح بثبات ورائحة وتأكيد لدرجة أنها بدت تماً ما كزائر حي‪ .‬وصاح‬
‫الرجل بصوت عاٍ ل‪" ،‬ماذا‪ ،‬عزيزي؟" كما لو كان قد دعي‪ ،‬وقفز وأعاد وجهه‪ .‬الرائحة‬
‫الغنية التشبث به وألفته‪ .‬مد يديه نحوها‪ ،‬كانت حواسه كلها مرتبكة ومتداخلة للوقت‪ .‬كيف‬
‫يمكن للشخص أن يتم استدعاؤه بشكل قاطع بواسطة رائحة؟ بالتأكيد يجب أن يكون الصوت‬
‫قد كان‪ .‬ولكن‪ ،‬أليس هو الصوت الذي لمسه‪ ،‬الذي لمسه بحنان؟‬

‫"لقد كانت في هذه الغرفة"‪ ،‬صاح‪ ،‬وقفز لينتزع منها دلياًل ‪ ،‬ألنه كان يعرف أنه سيراهن‬
‫على التعرف على أصغر شيء كان ينتمي لها أو لمسته‪ .‬رائحة الميغنيت الغامرة هذه‪،‬‬
‫الرائحة التي أحبتها وجعلتها لها ‪ -‬من أين جاءت؟‬

‫الغرفة كانت قد ُأعيد ترتيبها على نحو عرضي‪ .‬مبعثرة على مفرش الطاولة الرقيق كانت‬
‫نصف دستة من دبابيس الشعر ‪ -‬تلك األصدقاء المتزنة والمجهولة إللناث‪ ،‬أنثى من الجنس‪،‬‬
‫متعددة المزاج ومستقلة الزمن‪ .‬تجاهلها‪ ،‬وكان يدرك عدم وجود هويتها االنتصارية‪ .‬أثناء‬
‫‪50‬‬ ‫هنري‪ 100-‬قصة مختارة‬

‫تفتيش أدراج المضمار‪ ،‬وجد منديل يد ناعم مهمل وصغير‪ .‬ضغطه على وجهه‪ .‬كان مختلً ‬
‫طا‬
‫وجريًئا بعطر الهليوتروب‪ ،‬وألقاه على األرض‪ .‬في درج آخر وجد أزرار غريبة‪ ،‬وبرنامج‬
‫مسرحي‪ ،‬وبطاقة رهن‪ ،‬وحلوى مربعة مفقودة‪ ،‬وكتاب عن تفسير األحالم‪ .‬في الدرج األخير‬
‫وجد قوس شعر من الساتان األسود للنساء‪ ،‬الذي أوقفه بين الجليد والنار‪ .‬ولكن القوس‬
‫األسود من الساتان أيًض ا هو زينة هادئة وغير شخصية ومشتركة بين النساء‪ ،‬وال يروي‬
‫صا‪ .‬ثم عبر الغرفة كما لو كان كلًبا على الرائحة‪ ،‬انزالقاً على الجدران‪ ،‬معتبراً زوايا‬

‫قصً ‬
‫البسط البارزة على يديه وركبتيه‪ ،‬يفحص الموقد والطاوالت‪ ،‬والستائر والستائر‪ ،‬والخزانة‬
‫المائلة في الزاوية‪ ،‬بحًثا عن عالمة مرئية‪ ،‬غير قادر على إدراك أنها هنا بجانبه‪ ،‬حوله‪،‬‬
‫ضده‪ ،‬فيه‪ ،‬فوقه‪ ،‬تتشبث به‪ ،‬تناديه‪ ،‬تستدرجه‪ ،‬تناديه بكل شدة من خالل الحواس الدقيقة‬
‫حتى أصبحت حواسه األكثر خشونة تدرك النداء‪ .‬مرة أخرى أجاب بصوت عاٍ ل‪" ،‬نعم‪،‬‬
‫عزيزتي!" وتحول‪ ،‬بعيونه المتوحشة‪ ،‬لينظر إلى الفراغ‪ ،‬ألنه لم يتمكن بعد من استشفاف‬
‫الشكل واللون والحب واألذرع الممتدة في رائحة الميغنيت‪ .‬يا إلهي! من أين تلك الرائحة‪،‬‬
‫ومنذ متى كانت الروائح تمتلك صوًتا للنداء؟ هكذا تلمس‪.‬‬

You might also like