Professional Documents
Culture Documents
حقوق الطبع والنشر محفوظة للهيئة املصرية العامة للكتاب. الطباعة والتنفيذ
يحظر إعادة النشر أو النسخ أو االقتباس بأية صورة إال بإذن ة ت � ئة ل ة
كتابى من الهيئة املصرية العامة للكتاب ،أو باإلشارة إلى املصدر. اله��� ا مص ي
ر�� العام� للك� ب
ا� مطا ب ع ي
التصحيح اللغوي اإلخراج الفني
سيد عبداملنعم أميرة منتصر
زغرودة تليق بجنازة
«مائة حكاية»
قصص
2022
إهداء
إىل
4
إهداء خاص
«هنَا عبده»
إىل َ
أم أبيها
وإىل عيوهنا املندَّ اة باملحبة
5
فضيحة
7
الزيارة
8
احلب مجيل
مصاب برسطان.
ٌ -
االمتقاع الذي ظهر عىل وجهها ،ومل أتوقع عنفها يف سحب
َ توقعت
يدها من كفي.
-سأعيد التحاليل ربام هناك خطأ.
وفتحت حقيبتها وأغلقتها ،وأعلن تليفوهنا وصول
َ نظرت يف ساعتها،
َ
ٍ
عدد من إشعارات الفيس بوك الزرقاء.
-الرسطان ال يعدي.
رجفتها بدأت من شفتيها وانتقلت إىل عنقها وواصلت الزحف
ٍ
بشكل األرض
َ جتاه بقية اجلسد ،وأظافرها تنقر املائدة ،وحذاؤها يدق
ٍ
مزعج.
-ربام أختفي ىف املستشفى فرتة.
وضوحا منها،
ً حاو َلت أن تقول شي ًئا ،لكن الكلامت كانت أكثر
فهربت من لساهنا وذاكرهتا ،وعندما رن تليفوهنا بنغمة «احلب مجيل»
لليىل مراد ،كتمت صوته.
9
أمومة
كنت عار ًيا ،ومع ذلك مل أشعر باخلجل ،وقد تل َّف ُت حويل بح ًثا عن
آخرين فلم أجد.
البيوت مهجورة ،واألبواب والشبابيك تصفعها الريح ،والطريق
ُ
ٍ
الذى أسري فيه مستقيم وغري ممهد ،وفجأة أبرصت صخرة مرتفعة بعض
اليشء ،فرست إليها.
املكان بدائي ،ال يشء هنا سوى حجارة ورمال وقطع خشبية قديمة
مبكرا» وانتظرت.
أكلتها الشمس« ،يبدو أنني وصلت ً
شعرت بامللل فدرت حول الصخرة ،وبالربد فامرست بعض التامرين،
وبالوحدة فرسمت قطة عىل األرض ،وبرغبتي ىف املغادرة فأعطيت
ظهري للصخرة الصغرية وعدت يف الشارع الطويل غري املمهد ،والريح
ال تزال تصفع كل يشء.
11
ثأر
يرشف شايه،
ُ جيلس عىل مقهى سكندري بانتظار قتله عىل يد صديقه،
بينام صديقه يبتلع الدخان ،وينظران م ًعا إىل البحر الواسع ،ونبت بينهام
حوار أخري:
-ذات صباح وبعد 20عا ًما أدركت أال فائدة من الفرار.
-شعرت يب قري ًبا منك؟
-ال ..بل جاء وقت التوقف.
-توقفت ألقتلك؟
-ألسرتيح.
-وأنا ماذا أفعل بعدك؟!
-عد للبلدة وقل هلم أخذت بالثأر.
أيضا أفر بالبحث عنك.
-مل يتبق أحد ألقول له ..فأنا ً
12
رسائل حب
أيضا.
تستطيع أن تشعل العامل وقلبي ً ِ -
يدك
ُ
ِ
أتنفسك طوال الوقت. -أمتنى أن
ِ
عيناك مرساي الوحيد يف هذه الدنيا. -
-أنت احلورية الوحيدة اهلاربة من اجلنة.
عيل كي هيدأ قلبي ويطمئن.
-سلمي َّ
-أنت شجرة الظل الوحيدة يف حيايت.
غني بحبك.
-فقري ..لكنني ٌّ
-بتسأليني بحبك ليه ..سؤال غريب ما أجاوبش عليه.
-قلبي صار ملكك لألبد.
-إحنا والقمر جريان.
أعطيت ظهري للحائط ،أعيدُ قراءة اجلمل العرشة التي سأرسلها
بشكل يومي إىل جاريت األرملة التي متلك طفلني صغريين وشقة متوسطة
دائم وطعا ًما يوم ًّيا. ً
وعمل ً
13
سفر
14
صدمة أوىل
ُ
حاول أن يشغل نفسه ،لكن صوت الصخب يصل إليه يف غرفته،
ُ كان
َّ
كل األشياء مضجرة ،فهو هيرب من الفرح املقام يف الساحة أمام البيت.
َسأ َلته :هل تريدُ أن تتزوجني؟
وعندما تردد يف اإلجابة تزوجت أول من طرق باب بيتها ،كان
مرص
جارهم؛ لذا ترك الفرح وجلس يف الغرفة البعيدة لكن الصخب ٌ
عىل مطاردته.
دخلت أخته إىل احلجرة املجاورة وهي تغني «يا ابو اللبايش يا قصب،
ْ
رضب رأسه يف احلائط املجاور ،وبكى ،بعد ٍ
قليل َ عندنا فرح واتنصب»،
َّ
وأطل من الشباك عىل الساحة ،كانت الراقصة تبدأ وصلتها مسح دمعه،
األوىل ،فانصدم بعرهيا.
15
عفريت
16
غرق
17
فرح
مل أذهب إىل فرح بيت حممد سعد ،جديت مريض ٌة ،تطلب املاء طوال
الوقت ،وأمي ال ُ
تفعل غري أن تبلل هلا شفتيها ،وأيب يتظاهر بأنه غري
مهت ٍم ،لكنه يرفع رأسه كل حني لينظر إىل وجهها املحتقن.
كنت أجلس عىل عتبة البيت ،وكل بنات الدرب ذهبن إىل الفرح،
يرددن خلف «نفيسة العمدة» وهى تغني «عىل بياعني العنب» أصواهتن
رفيعة أعرفها جيدً ا ،ومن مكاين املظلم أردد معهن ،وصوت جديت يقول
«آآآآآآه» طويلة ممتدة وتكمل «اسقوين».
كوب ماء ممتلئ رشبته
َ دخلت الغرفة املظلمة ،كانت أمي متنح جديت
ُ
فرحا
كله ،وصمتت متا ًما ،وقال أيب «يوم موت أم حممد سعد سأقيم ً
وأرقص فيه».
18
مالك املوت
تقسم أمي أهنا رأت ،منذ دقائق ،مالك املوت يف كامل هيبته يمر يف
الدرب أمام بيتنا ،فهمست «رايح فني بس عىل الصبح؟» وأنه ر َّد عليها
بصوت ٍ
عال «خليك يف حالك».
وخرجت إىل املقهى عىل اجلرس.
ُ مستنكرا
ً نظرت إليها
ُ
قلت لصابر السيد الذي استضافني عىل كوب شاي «أعيش يف بيت ُ
جمانني» وقبل أن أحكي له ما قالته أمي ،رصخت ابنة «حممد أبو الغيط»
معلن ًة موت أبيها الساكن يف دربنا عىل ُب ْعد مخسة بيوت.
رأيت أمي جتمع احلىص واحلجارة وأبنا َء
ُ أترقب،
ُ ُعدت للبيت خائ ًفا
أخي الصغار يف انتظار املالك العائد من مهمته كي يطاردوه حتى أول
فأحرضت عىص غليظة ،وجلست بجانبها أنتظره.
ُ الطريق،
19
قسمة العدل
البندقية ممدد ًة بينهام ،عمرها ثالثون عا ًما بالتامم والكامل ،أكرب من
«شوقي» بثالث سنوات ،وأصغر من «حممود» بعام واحد ،وكان أبومها
الذي رحل منذ شهرين وثالثة عرش يو ًما ُيبها أكثر منهام ،فيبتسم كلام
رآها.
بعد موت أبيهام بيومني تشاجرا عىل ما تبقى منه ،سبعة عرش قرياط
أرض وبيت من دورين وثالث أخوات ،فعاتبهام الناس عىل ترسعهام،
وجثة الوالد مل تربد بعد يف قربها ،فانتظرا -جمربين -سبعني يو ًما ،ويف
قسام األرض والبيت واألخوات ،وظلت البندقية اهلندي عاجزة املوعد َّ
عن احلل.
ِ
الليلة الثالثة والسبعني عىل رحيل األب متددت البندقي ُة بينهام، وىف
ونزلت عليها الفأس احلا َّدة مرة وثانية وثالثة بح ًثا عن قسمة العدل.
20
قطار الفجر
21
الطريق إىل جنازة
تضع طرحتها
ُ مرك حزينة يا زينب» قالت أمي ذلك ،وهي «طول ُع ِ
وخترج ،وعندما رأتني خلفها
ُ السوداء عىل رأسها ،وتفتح البوابة القديمة
هنرتني ،وطلبت مني العودة ،كانت يف طريقها إىل جنازة أيمن ابن زينب
الذي غرق ىف البحر ،الذي سيعودون بجثامنه هذه الليلة.
رست خلفها .الكالب تنبح طوال الوقت ،يفزعها صوت النساء
ُ
جتمع األطفال يشاهدون «زينب» تلطم
الصارخات أمام البيت حيث َّ
وجهها وتشد شعرها حتى تقطعه.
أمسكت أمي يب وأنا أبكي ،لكنني مل أقل هلا ،إنني حلمت هبا ،أمس،
تبكي مثل «زينب» تلطم وجهها وتشد شعرها بينام أنا ممدد ىف كفن أبيض.
22
ونس
23
مولد النبي
تسألني «هنية»:
-ملاذا تضحكني؟
كنا نجلس فوق سطح بيتنا أنا والبنات ،تنعكس األضواء امللونة عىل
ُوجوهنا لكنها ال تفضحنا ،وىف الوقت نفسه تكشف لنا الساحة احتشاد
الناس يف مولد النبي.
الذكْر و«حممد» يتاميل وسط الرجال ،لكنه يرفعمرت ساعة عىل بداية ِ
َّ
ٍ
عينيه نحو السطح يبحث عني ،ضحكت بصوت ٍ
عال عندما تذكرته يف
ً
حماول ملس يدي ،بعدما تقابلنا يف املساحة الضيقة الصباح يقرتب مني
بني غرفة أيب وغرفة البنات ،وأنا أمد له يدي بصينية الشاي ليحملها إىل
وهربت ،لكنني متنيت لو تركت له يدي.
ُ ارتبكت
ُ الضيوف،
24
ليلة دخلة
أشعلت سيجاريت الثالثة ،ومل خترج من احلامم بعد ،قالت إهنا ستستبدل
ُ
فستان الزفاف ،وطلبت مني انتظارها عىل طرف الرسير فانتظرت.
رأيس ممتلئ بالتصورات التي أشعلتها بالسجائر وحكايات األصدقاء،
نزعت عني جاكيت البدلة ،وألقيت به بعيدً ا ،ثم عدت والتقطته من
فوق الرسير ،ووضعته داخل الدوالب ،أكملت التخيل عن بقية البدلة،
وعندما مهمت بإشعال السيجارة اخلامسة ،ناديت عليها ،ومل أتأكد هل
ردت أم ال.
ً
متأمل نفيس أمام املرآه ،ثم طرقت بعد السيجارة العارشة ،وقفت ً
قليل
الباب ،كان صوت بكائها يرتفع وهي حتاول أن تكتمه ،بعد انتهاء علبة
اقتحمت الباب متخب ًطا يف دمها ومل تستبدل فستاهنا بعد.
ُ السجائر األوىل
25
جثة تطلب الدفن
ُ
األطفال الذين يلعبون الكرة عىل شط النيل عندما رأوا جسدً ا صاح
أسو َد يطفو عىل املاء جيرفه التيار ،ومن بيتها الطيني رصخت «كريمة
كب السيد أبو حسني ونادى «لو محيد» ،تُش َّيع الغريق ً
بدل من أمه ،بينام َّ
غيت اجلثة اجتاهها ومالت ناحية تطلب الدفنة تعاىل» واندهشنا عندما َّ
الرب الرشقي.
جاهزا ،والغريق الغريب الذي اختفت
ً بعد ساعات قليلة كان الكفن
مالحمه بسبب املاء والشمس ممد ًدا يف الساحة الواسعة ،عندما رصخ عيل
عوض ،مدرس فصل ثانية ابتدائي ،يف اجلميع «ما حيدث غري قانوين»
فوقف السيد أبو حسني عند رأس الغريق وصاح «لو تطلب الدفن قل»
فاهتزت الدكة اخلشبية التي يستقر عليها اجلسد.
26
خروج
الباب القديم موصدً ا ،أ َّذن الظهر ،ومل خيرج منه أحد أو يدخل،
ُ َّ
ظل
وبعدما صىل الناس العرص ظلت «سعدية أم حسني» تطرق الباب حتى
أوجعتها يدها فس َّبت كل من يف البيت وابتعدت.
يف أول الليل كان صبية صغار يتساءلون :ألن يروا «زينهم» وأمه
وأخواته مرة أخرى؟
وبعد ساعات توغل الليل وانترش اخلوف ومل ينم أحدٌ ،كان اجلميع
حمبطني يشاركون يف ختيل كيف اختفت أرسة مكونة من ثامنية أفراد دون
أثر؟
حممد أبو عباس مل يتخيل ،بل شعر بغصة ،ألنه رآهم مجي ًعا يركبون
القطار وتوارى منهم خشية أن تطلب منه األم ثمن التذكرة.
27
فرحة حزينة
هتمني يا محيدة صديق طوال اليوم يف الدرب ذاهبة وآتية؟!» ألقت «ملاذا ّ
جديت التي مل تغادر مكاهنا أمام بوابة البيت منذ الصباح ،هذا السؤال عىل
«محيدة» ،فأجابت «أنظف البيت يا أم حسن ،الولدان قادمان لزياريت
غدً ا».
بالطبع ليسا ولدين ،فهام كبريان أحدمها متزوج ولديه أطفال ،واآلخر
يصغره بعامني فقط.
مرت منذ نزعهام منها ،بعد طالقها ،وها هي جتري سنوات كثرية َّ
ويسارا تدخل بيتها ،الذي تعيش فيه وحيدة ،وخترج،
ً يف الشارع يمينًا
تستعد لزيارهتام هلا ،لكنها ىف املرة األخرية دخلت ومل خترج.
أرسلت جديت ،امرأ ًة مار ًة يف الشارع لتعرف أين اختفت محيدة صديق،
فأطلقت املرأة رصخة برائحة املوت.
28
شعر مقصوص
29
دعاء
30
ال قطارات للموتى
جيلس «رايض» عىل حمطة القطار يف أسيوط ،ينتظر عودة أخيه ،مر
القطار األول والثاين والثالث ومل يصل ،مر القطار العارش ومل ِ
يأت ،بات
«رايض» ليلتني عىل رصيف املحطة.
كان يفكر كيف سيعود إىل أمه التي رصخت وشدت شعرها األشيب،
وقالت «هات يل سعيد».
يف اليوم الثالث بدأ يسأل الناس «جايني من مرص؟ سمعتوا عن سعيد
أثرا،أخوى؟» ،الدموع التي جفت منذ زمن تركت عىل وجهه الضامر ً
دفعت البعض للتعاطف معه ،سألوه «قال لك هريكب من حمطة إيه» ،ر َّد
ىف انكسار« :ال ..هو مات ىف حادثة ىف مرص ،واحلكومة قالت هنرجعه
لكم ،بس الكالم ده من أكرت من أسبوع» ،اتسعت حوله حلقة الناس،
وقال أحدهم« :امليتني مش بيجيوا يف القطارات».
31
حلم مبتور
32
اختفاء
َّ
أطل «سامل» من بوابتهم اخلشبية ،وصاح «أمل تروا زيكو؟» رددنا يف
صوت واحد« :ال» ،أكمل وهو يغلق البوابة« :أمي تبكي عليه».
تشاركنا يف ضحكة طويلة ،لكننا يف النهاية خرجنا مجي ًعا للبحث عن
الكلب املختفي ،بينام كانت أم سامل من أعىل البيت تراقبنا وترشدنا إىل
غيطان الذرة والقصب.
بعد ساعات من البحث مل حتتمل القرية كلها بكاء أم سامل فخرجت
وراءنا ،قبل املغرب عاد مجاعة منا يربطون «زيكو» بحبل يف رقبته
وهيتفون «وجدناه».
كان املشهد أكثر إضحاكًا عندما أقبلت أم سامل عىل الكلب تعض أذنه
مستسلم.
ً وتعاتبه عىل اهلروب وهو يطأطئ رأسه
33
سني ميم راء
خرج الصبح ،وظلت «سمر» خمتبئة ىف البيت ،مررت أمام دارها أكثر
من مرة أتنصت ،ال يشء هناك ،ال بكاء ال ضحك ،هتفت بحروف
اسمها «سني ميم راء» مرة ومرتني ،وقبل أن أكمل الثالثة أطلت أمها،
بعيون متورمة من البكاء ،وبصوت مرشوخ ،من شباك قديم مكسور
وأنَّت يف اقتضاب «سمر ماتت».
تقول أمي« :إهنا سمعت رصخة يف الليل» ويضيف أيب« :كنت أعرف
أن الرصاصة التي انطلقت بعد العشاء أصابت أحدً ا» ،وهيمس الناس:
«قتلها أخوها بطلقة خاطئة» وأردد أنا« ،سني ميم راء».
34
منترص
35
جنيه ورقي
يف اللحظة التي جذبتها أمها لتعربا الشارع املزدحم طار اجلنيه الورقي
من يدها ،السيارات ال تتوقف ،وعسكري املرور فقد السيطرة وراح
تشف ،وإشارات املرور غاب وضوح ألواهنا. ٍّ يشاهد ما حيدث يف
أمها غاضبة جدًّ ا ،وصاحب الدراجة النارية مل ينتظر أن متر السيارة
التي أمامه فاصطدم هبا ،وألقى الناس بأنفسهم يف بحر الطريق ،واجلنيه
الورقي ،ترضية أبيها كي تعود إىل البيت وتتوقف عن إزعاجه ،ابتعد،
لكنها لو أفلتت من يد أمها تستطيع أن تستعيده.
وسب
َّ أخرج سائق التاكيس رأسه بعد ما جتاوز أتوبيس النقل العام
الركاب مجي ًعا ،بينام اكتفى سائق األتوبيس باملرور فوق اجلنيه الورقي
فالتصق بعجلته الكبرية واختفى.
36
والدة متعرسة
بكت «هبية» وهي جتلس يف أول الدرب ،قال أيب« :ما هلذه البومة ال
تكف عن النواح» ،انزعجت أمي من هجومه« :غلبانة ..ابنتها تلد منذ
يومني» هتف أخي العائد من مدرسته الثانوية« :اذهبوا هبا إىل املستشفى»
ر َّدت هبية« :أنجبت سبعة مل َير أحد ما بني ساقي» ،متتم أبى بصوت
خافت« :ولو رأوا» ،زجرته أمي بعينها.
كشفت «هبية» عن شعرها األشيب وع َّلقت عيوهنا بالسامء ورصخت:
«يا رب» ،ألقى أيب عقب سيجارته ،وخرج من البيت ،وأضاف أخي
الذي جلس يذاكر دروسه «ستموت الليلة» نظرت أمي إىل أقامع السكر
التي كانت ستهدهيا إىل رئيسة بنت هبية ورأت رس ًبا من النمل خيرج منها.
37
ذرة للبيع
محل يوسف زيد جوال الذرة الشامية ،ثم تركه عىل الكوبري ،ورجع
إىل بيته ليحرض اجلوال الثاين ،لكن عند عودته مل جيد األول.
مل يضع يوسف زيد الوقت ألقى بنفسه يف أول سيارة متجهة إىل سوق
الرياينة ،وهناك صدق توقعه ،كان عالم حسن أحد التجار يساوم ىف
ثمن اجلوال.
والغضب يقفز أمام يوسف زيد يف هيئة شتائم ولعنات ،سارع عالم
حسن بالقول للتاجر «ها هو صاحب الذرة جاء ،ولن تستطيع أن تبخسه
هامسا يف أذنه «بعته لك بسعر لن
ً حقه» ،ثم سارع باحتضان «يوسف»
حتلم به يا أبو عمه».
38
بصرية
قال املهندس غاض ًبا وهو يدوس عىل الرخام امللقى عىل األرض «أنا أو
خليل يف املوقع» ،وصمت اجلميع ثواين ،لكنها كانت كافية للريس حممد
شميعة -ضعيف البرص جدًّ ا -كي يظن أن املهندس غادر املكان ،فقال
بجرأة غري معهودة «خليل».
الضحكات املكتومة كشفت كل يشء ،ارتبك حممد شميعة وتراجع
خطوات إىل الوراء ،بينام َّلوح املهندس بذراعيه ىف اهلواء ،ون َّقل برصه بني
اجلميع ،وصاح «سوف ترون» ،وانفلت من املكان مرس ًعا.
تفرق صنايعية و ُع َّمل تركيب الرخام ىف املوقع الكبري ،وظل حممد
شميعة حيرك اللوح اخلشبي يف برميل سقاية الرخام ،ثم قال كأنه هيمس
لنفسه« :ولو ..خليل يعني خليل».
39
أخذ وديعته
«كيف مات يا أبو حممد؟» سألت زوجة «املهدي» عامل البناء الذي
سقط من عىل السقالة اخلشبية منذ أسبوع ،ومنعوها من رؤية جثته يف
املستشفى ،ويف اجلبانة أطلقت رصخة كي تشعر بالونس.
فكر املعلم «أبو حممد» الذي يؤدي واجب العزاء ،فيام جيب عليه قوله،
تذكر عندما صاح املهدي فيهم ،يف صباح اليوم املشئومَّ ،
بأن السقالة
غري مثبتة وأهنا هتتز ،وكيف ضحك اجلميع عىل خوفه ،فألقى سيجارته
وصعد ،وعندما مالت السقالة فر اجلميع هاربني ومل يتذكروا املهدي إال
ٍ
واحد عىل نفسه. بعد أن اطمأن كل
حاول «أبو حممد» أن يشعل سيجارته ،وقطب جبينه ،وقال« :أخذ اهلل
وديعته ..هل نعرتض؟»
40
حب من طرف واحد
41
مركب بطة
مرت املركب الكبرية التي عىل هيئة بطة منسابة يف النيل ناحية الشامل،
وعندما عربت منطقة «رأس القطوط» اتضحت تفاصيلها اخلشبية
اجلميلة ،وكان عىل متنها رجالن يقتتالن.
تقول جديت يف حكاياهتا «يدخل الناس اجلنة وهم يركبون مركب بطة»
وكان أحد الرجلني يكيل الرضب إىل وجه اآلخر الضعيف ،تضيف
جديت «املركب تسري يف بحر من اللبن ،وآخر من العسل» ،وكان الرجل
ال يزال يواصل رضب اآلخر الذى استسلم متا ًما.
حتكي جديت «بعد ما يغادر أهل اجلنة املركب تصبح بطة حقيقية»،
وتلفت الرجل الرشير حوله ومل جيد سوى بعض األطفال عىل الرب
الرشقي يراقبونه ،فألقى باآلخر املغمى عليه يف النيل ،وواصلت املركب
طريقها.
42
غداء
كان الغداء بسي ًطا به قليل من البامية وقطعتا حلم صغريتان ،يقول
حسني« :ال رغبة يل يف طعام أو رشاب».
يبحث منذ الصباح عن أخيه «منصور» الذي غاب منذ يوم وليلة ،وقد
طرق «حسني» كل بيوت أقاربه وأصحابه ومل جيده.
مر «حسني» عىل بيت عمه «مساعد» أرص عليه أن يأكل شي ًئا، وعندما َّ
جذبه من يده ليجلسه ورصخ فيه« :اهلموم ثقيلة وعليك أن تعتادها»،
كان الطعام ينقصه امللح لكنه مل هيتم.
دخلت زوجة عمه الشابة ،مرتبكة متا ًما ،مدَّ ت يدها من بعيد باملاء
إليهام ،ومل تدس بقدميها الصغريتني عىل احلصرية التي جيلس عليها
«حسني» يتناول طعامه ىف صمت ،والتي يرقد حتت تراهبا جسد أخيه.
43
إغفاءة
كأن أحدهم جذبه من شعر رأسه بقوة ،هذا ما شعر به «التهامي» َّ
عندما نزلت العصا عىل رأسه من اخللف ،حاول االستدارة ،وفكر يف
سبب وجوده يف الساحة لكنه مل يتذكر ،فجلس عىل األرض.
بسقوطه توقفت املعركة التي استمرت قرابة ساعة ،وابتعد اجلميع غري
مصدقني ،وهامجه النوم فجأة لكنه مل يشأ االستسالم ،يعرف أنه ال يزال
يف الشارع ،لكنه سرييح رأسه بعض اليشء قبل أن يعود إىل البيت.
وبينام يواصل اجلميع تراجعهم عائدين بظهورهم إىل بيوهتم ،رفعت
قليل عن األرض فاضطرب ،وشعر بالغضب عندما امرأة باكية رأسه ً
أبرص ً
طفل حياول أن جيذب «الشومة» من يده.
44
عيون بيضاء
تنتظر أمي قطعة الصابون وعلبة الرابسو ،وأنا تأخرت ،ألن فهيمة
حسنني جتلس أمام بيتها تردد عديدها وتنظر ناحيتي فأتراجع.
مات «عادل» ابن محيدة حسنني منذ شهور ،ومع كل طلعة شمس
تبدأ البكاء والعديد ،وكل مجعة تزور قربه ،أسمع أمي تقول« :مات قبل
ميعاده ،قتله أبناء عمومته بسبب مزاح يف مقهى».
تقرتب طيور البيت من فهيمة ،لكنها ال هتتم ،هتش الذباب عن وجهها
وتنظر ناحيتي بقسوة فأختبئ خلف عامود اإلنارة يف انتظار يشء ما.
أمسكت يب أمي ،التي خرجت تبحث عني ،وبعدما أفرغت غضبها،
مل تفلتني من يدها وهي تسلم عىل فهيمة حسنني ،التي مل ترنا لبياض
عينيها.
45
باكو دخان
46
ساملة يا سالمة
47
هناية
يف الطريق إىل قربها ،يقول أهل زوجها« :أشعلت النار يف نفسها»،
ويرصخ أهلها« :أحرقوها بعد ما أوثقوها يف رسيرها» ،وتسجل األوراق
الرسمية« :سقطت ملبة جاز فأهنت كل يشء» وهيمس الناس« :هناية
متوقعة» ويصدح حلاد املوتى« :أشهد أال إله إال اهلل وأشهد أن حممدً ا
رسول اهلل».
فوق قربها ،وقف زوجها حتمل مالحمه عالمات اجلريمة والضحية،
يقول أهله« :قليل احلظ تزوج جمنونة» ،ويرصخ أهلها« :فعلها أبوه من
قبل وطعن أمه بسكني» .وتسجل األوراق الرسمية« :دخل السجن أكثر
من مرة أثناء جتنيده بسبب عنفه ،وكان يتوه يف شوارع املدينة وال يعرف
العودة» .وهيمس الناس« :هناية متوقعة» ،ويصدح حلاد املوتى« :اللهم
صىل عليك يا نبي».
48
عفريتان
دارت الساقية نائحة كطفل يبكي ،ومل ُترج سوى ماء قليل ،بينام الليل
يمد رداءه ً
كامل عىل كل يشء ،والبقرة املغامة العينني تدور بال توقف،
و«عالم» الطفل يدور خلفها ،ال يؤنسه سوى صوت أبيه كل حني ينادي
عليه ،وساقية أخرى تدور عىل ال ُق ْرب منه.
من الساقية األخرى حترك شبحان صغريان لطفلني ،لكنهام أكرب سنًّا
من «عالم» ،اقرتبا منه ليسلام عليه لكنهام وجدا «دور ًقا» حتت شجرة
الصفصاف ظنَّا أنه ماء ،فلام رشبا منه ،عرفا أنه عصري ليمون ،فظال
يتبادالنه بينهام حتى انتهيا منه ،و«عالم» الطفل ظنهام أبناء خالته ،لكنهام
عندما رشبا الليمون كله أدرك أهنام عفريتان.
49
اركب معنا
50
غواية املاء
أخرج من بيتي مرس ًعا ناحية النيل ،أعرف أن «سامح» منذ ساعة تروح
وجتيء عىل ضفة النهر ،فأقف غري بعيد وأراها تضع قدميها الصغريتني
يف املاء ترفع ثِياهبا بعض اليشء حتى ال تبتل ،جتلس لتسرتيح فوق نصف
نخلة مل حتتمل غواية املاء ،فسقطت عىل وجهها مستسلمة ،تفعل ذلك
كل صباح منذ غادرها زوجها للعمل يف اخلليج ومل يعد.
مترر يدها ىف املاء ،وأحيانًا ترفعها يف وجه الشمس ملنع أشعتها احلا َّدة
اجلارحة ،ال تنتبه إن س َّلم عليها أحد أو حتى استنكر فعلها ،وعندما
ٍ
برجفة اقرتبت منها ،كانت عيناها مشتعلتني بالرغبة ،ويداها هتتزان
ناعمة ،وملا أبرصتني أحدق فيها تركت ثِياهبا تبتل يف املاء.
ٍ
51
حماولة يائسة للنجاة
شهر واحد قضته «األبلة إهلام» يف القرية ،قبل أن تُع ِّلق نفسها يف نافذة
البيت ،وهتدد بالقفز وهي ترصخ« :أريد العودة للقاهرة» ،وجتمع الناس
يتأملوهنا.
زوجها سكنته احلرية يقلب نظراته يف الناس ثم يسبهم ويلعنها ،يدخن
ويرصخ« :جئت بك من أرصفة املحطات».
أنا العائد من املدرسة الثانوية أمتنى أن تفلت ساقها من الثوب فينكشف
نورها ،األطفال أرادوا أن تلقى إليهم قطع احللوى من النافذة مثلام فعلت
مرة من قبل ،أمي وأخريات قلن «بنات آخر زمن»« ،سعيدة عبد النبي»
أبدت إعجا ًبا بفستاهنا األمحر «نصف الكم» ،بينام فتح «إسامعيل صدقي»
حجر جلبابه ىف انتظار سقوطها.
52
ُغسل
53
العائد
54
خري يا غراب
55
الذاهبون إىل اجلنة
56
رجل احلملة
كل بيوت الدرب حتتفظ لعبد اهلل الشحات بنصيبه ،يمر َّ
كل يوم أربعاء
ليأخذه ،عجوز لدرجة أن الزمن توقف عىل حماسبتهُ ،يطوق وسطه بـ
«محلة» كبرية من «إيشاربات» النساء ،ال تعرف من أين حصل عليها.
ال يفعل عبد اهلل سوى أن جيلس أمام أي بيت خيتاره ،ويأيت إليه الناس
جبن أو أرغفة أو حبوب قمح ،فيشري إليهم؛ ليضعوا كل يشء يف بقطع ٍ
«اخلُرج» الذى عىل ظهر احلامر.
منكسا رأسه ،وفتاة شابة
ً مر يف الدرب راك ًبا محاره
يوم األربعاء املايض َّ
عنف تطلب حق عبد اهللتقطر أنوثة تسحبه وراءها ،وتطرق األبواب يف ٍ
الشحات ،وعندما يغضب الناس يرفع رأسه يف حزن ويقول« :زوجتي».
57
صالة
58
يبكي ويضحك
59
شال أسود
60
حريق
كان عفريت «سلامن شحاتة» حيرض كل ليلة أمام بيته ،جيلس عىل الدكة
اخلشبية مهمو ًما بسبب شجار أوالده طوال اليوم عىل تقسيم تركته،
يرشب سجائره ،ويرتك رمادها وأعقاهبا خلفه.
يسمع العفريت أوالده يسبونه وال يفكرون يف الثأر له ،يريدون أن
حيرموا بناته حتى من دخول البيت ،ويريد ابنه األكرب «شحاتة» أن يرسق
كل يشء فيخفي حجج األرض والنقود.
سمع عفريت «سلامن شحاتة» من جملسه عىل الدكة اخلشبية «عصمت»
ابنه األوسط يقول إنه سيذهب ليبول عىل قربه يف الصباح ،كانت
غي
وهم بالثاين ،لكنه ّ
َّ نفسا
السيجارة يف أوهلا سحب العفريت منها ً
هب واق ًفا نفض حجر جلبابه ،وألقى سيجارته املشتعلة يف قلب
رأيهَّ ،
البيت وغادر.
61
السقف
62
انتحار
63
شباك بحري
64
عاصفة
65
أبوة
«أغميض عينيك» ،متنيت أن تفعل ذلك ،يف الوقت نفسه مل أستطع أن
أمنع دمعتي ،فسقطت عىل احلدِّ الالمع للسكني القابض عليها بيدي
املهتزة ،كنت أقرتب منها وأفكر «هل أطعنها من ظهرها ،هل أنادهيا،
ثم أضع السكني يف قلبها عندما هتم باحتضاين ،أم أنتظر نومها فأذبحها
ثم أقتل نفيس ،ال ..لن أقتل نفيس فأنا مل أرتكب أي خطأ ،بل هي ابنة
اخلطيئة».
التفتت إ َّيل وعيناها اتسعتا بشكل مجيل ،وتطاير شعرها فلمس يدي،
فارجتفت ،وقلت لنفيس« :أغمض عينيك وافعلها» ،لكنها سألتني فجأة:
أين ماما؟
كانت أمها قد أغلقت باب اخلروج بعنف منذ قليل ،وهي تقول« :نعم
ليست ابنتك».
66
بانو بانو
67
مهمة حتتمل اخلطأ
68
جنني
69
سيارة مرسعة
حترك «إسامعيل أبو سنة» شار ًدا يفكر يف رد اإلهانة التي تلقاها عىل
يد «ممدوح شكل» الذي أمسك فروة رأسه وهدده أنه لو رآه مرة أخرى
يقلب عينيه يف شبابيك بيتهم سيحلق له شعره زيرو.
كلبة حديدية ،وسارختلص «إسامعيل» من قبضة «ممدوح» اجلافة مثل َّ
غاض ًبا ،غاب قرابة ساعة يف امليدان ،لكن ذلك مل خيفف غضبه ،فعاد
بوجه مكفهر ،ودخل الشارع غري ٍ
آبه للزحام الذى كان عىل أوله. ٍّ
يفكر «إسامعيل» يف وسيلة لرد اإلهانة ،ليس أمامه سوى الليل ،خيتبئ،
ثم يشعل النار يف بيت «ممدوح».
تابع سريه ُيدبر ،ومل ينتبه إىل أن الزحام كان عىل جثة «ممدوح» الذى
أطاحت به سيارة مرسعة.
70
أخوة
مل يبدأ احتفال املولد النبوي إال منذ دقائق قليلة ،استقر كلٌّ يف مكانه،
وبدأ «احلاج كامل» يف مديح النبي ،لكن خرج علينا «بخيت فهيم»
صارخا وكاش ًفا عن مطواة قرن غزال مزروعة يف بطنه.ً
أرضا ،وحتلق الناس حوله ،وواصل «احلاج كامل» سقط «بخيت» ً
املديح دقائق لكنه توقف ،ثم وجدناه بوجهه املمتلئ بيننا يتطلع
لتقلصات وجه «بخيت» ،وانعكست أضواء املولد متعددة األلوان عىل
خشب املطواة البني وعىل رسمتها احلديدية التي تشبه ثعبانًا يتلوى.
كان «بخيت» يرصخ وهو عىل األرض «اشهدي يا بلد أخوي حامد
ابن أمي وأبوي عايز يموتني» ،بينام كان «حامد» واق ًفا بيننا يقول« :ال
خترجوا املطواة من بطنه سيموت».
71
جرو
ال يعرف أحدٌ ،حتى اآلن ،كيف عاد «جالل» من «سفريته» بعد ستة
صغريا» ،أمل يعرتض سائق
ً أشهر من الغياب يف الغردقة ،حيمل «كل ًبا
امليكروباص عندما رأى شا ًّبا يعلق عىل كتفه حقيبة صغرية ويضم إىل
جروا؟
حضنه ً
فتحت أم جالل الباب ،واندهشت ،ثم محدت اهلل أن أباه قد مات منذ
سنوات ،وأن إخوته قد خرجوا مبكرين إىل أشغاهلم.
كان الكلب الصغري األبيض يف أسود بعينيه الالمعتني يتشمم اهلواء،
ويرج لسانه الصغري ،فمنحه «جالل» لقمته األوىل املرشبة بالبطاطس، ُ
فأكلها «اجلرو» برسعة.
تبسمت زوجة أخيه وسخرت« :اليل جاب لك خييل لك».
نباحا خافتًا.
أدار اجلرو عينيه إليها ،ثم أطلق ً
72
البيت القديم
جاهزا
ً أخربها ولدها ،الواقف عىل الباب ،أن بيتهم اجلديد صار
مبهجا يف البيت
ً لالنتقال إليه ،فلم تفرح ،وىف الوقت نفسه مل تتذكر شي ًئا
القديم.
مرعب ،منذ دخلته مل تعرف فيه سوى قلة القيمة ،دخلته ومل ٌ بيت
ٌ
تتجاوز طفولتها بعد ،وتعرضت للرضب عىل يد زوجها كأهنا ممسوسة
من الشيطان ،مات طفلها األول فرتكوها وحيدة تصارع احلمى ،وعندما
أجربوا ابنتها عىل الزواج أشعلت االبنة يف نفسها النار يف إحدى ال ُغرف
اجلانبية ،ويوم موت أخيها الوحيد أغلقوا عليها البوابة اخلشبية حتى ال
تذهب إىل جنازته.
وحدها احليطان القديمة حنَّت عليها ،فكلام بكت نبتت من ساس
البيت شجرة؛ لذا عندما مهت باخلروج سقطت عىل عتبة البيت.
73
زغرودة تليق بجنازة
أطلقت فاطمة بنت احلاج عيل زغرودة عالية ،حلظة مرور نعش حسني
حممدين أمام بيتها ،وأضافت «فرحانة لك اليوم يا حسني».
ما حدث كان غري ًبا ،مل يفهمه سوى الذين رأوا حسني حممدين يف أيامه
ومؤخرا عرف
ً مرتبصا بكل تفاصيل حياته،
ً األخرية ،فقد صار املرض
ألزهايمر الطريق إليه ،فراح كلام شاهد أحدً ا يسأله :من أنت؟ وصار
الصبية يضحكون عىل سؤاله.
عندما علمت «فاطمة» باحلال التي وصل إليها «حسني» صارت كلام
طلعت شمس تقول هلا «كونى آخر شمس يراها ،خذيه معك يف آخر
اليوم» ،وبالفعل أخذته الشمس قبل أذان املغرب ،فأطلقت «فاطمة»
زغرودة عالية عندما زارها نعشه.
74
شبح
فتحت «ابتهال» شباك البيت املطل عىل الساحة الواسعة ،فدخل منه
شبح ،مل تره لكنها شعرت به عندما ملس يدها برفق ،وتساءلت :ما الذي
يريده؟
أحست بالشبح تتسع عيناه يف
مهت بنزع مالبسها تراجعتَّ ، بعدما َّ
تسبه ،هي ابتسمت نصف ابتسامة.
انتظار ما تتكشف عنه الثياب ،لكنها َّ
بعد قليل وقفت عىل السلم نصف متزنة ،حتى طفلها الذى لوح هلا
من بعيد مل ترد عليه ،وعندما رأته يلعب الكرة مع الشبح الذى كان يشبه
زوجها امليت مل هتتم ،لكنها رصخت عندما أمسك الطفل وصحبه خارج
الدرب ،فقيدوها يف رسيرها.
75
عني سحرية
مل ختربين زوجتي أهنا ستغادر ،أغلقت الباب خلفها وخرجت ،لكن
فعرفت أهنا تركتني ،ظلت عيناي
ُ صوت الباب وهو يغلق كان حزينًا،
معلقتني بالعني السحرية يف انتظار أن تعتم ،بام يعني أهنا عادت ،لكن
ذلك مل حيدث.
ً
كامل ،وأظلمت العني السحرية كربت الدقائق حتى صارت يو ًما
مرات ،وأنارها الضوء مرات ،والظالل تروح وجتيء ،لكن زوجتي مل
تكن إحداها.
كرب اليوم وصار عا ًما ،قلت لنفيس« :زوجتي لدهيا حق يف مغادريت،
كامل خلف عني سحرية لبابكيف تعيش امرأة مع رجل ينتظرها عا ًما ً
خشبي».
كرب العام وأنجب يو ًما جديدً ا ،يف صباحه فتحت زوجتي الباب،
ودخلت فأصابتني الدهشة.
76
البوكس
77
قرب ملون
ذهبت مع أمي صباح اجلمعة لزيارة املوتى ،دخلنا اجلبانةُ ،أمسك يدها
ُ
وأسري ،وهي ترتحم عىل الراحلني وأنا أقلب عيني يف القبور وأشكاهلا،
كانت مجيعها طينية سوداء ،قرب «عزيزة» الوحيد املختلف ،كان مطل ًّيا
بألوان زاهية.
تقول أمي «عاشت عزيزة كام أرادت ،يتهمها الناس فال هتتم ،ويوم
موهتا مل خيرج خلفها سوى املضطر ،دفنوها رسي ًعا ،وعادوا».
تفاجأ الناس بعد يومني ،بأن قربها تم بناؤه بالليل ،انعكست أشعة
الشمس يف الصباح عىل القرب بألوانه الزاهية فأنارته ،ثالثة ألوان برتقايل
وساموي ،وبينهام اللون األبيض.
يقول الطيبون« :بنته املالئكة ىف الليل دليل براءهتا» ،ويرصخ شيخ
اجلامع« :ألوان حرام» تتحرس أمي عىل نفسها« :عايقة يف حياهتا وموهتا».
78
سنوات ِعجاف
صار عىل األسفلت ،بعد أيام كثرية قضاها داخل منطقة صحراوية مل
يغادرها ،كان يف الليل يسمع صوت أمه ختربه أهنا ليست بخري ثم تبكي.
كثريا ،قبل أن يتوقف ميكروباص ينقصه راكب عىل الطريق انتظر ً
شبحا ،عندما مدَّ يده
ً واحد ،نظر إليه الناس باستغراب ،كأهنم يرون
باألجرة للسائق ،قال له السائق مجلة واحدة «األجرة وصلت».
بحث عن تليفونه القديم ليخرب أمه أنه عائد يف الطريق ،لكن اجلرس
ظل يرن بال جميب ،قبل أن يستسلم لنعاس خفيف رأى السيارة تطري
دون جناحني ،فأغمض عينيه.
عجوزا جدًّ ا ،وأدرك أهنا تنتظره
ً عندما وصل البيت ،رأى أمه صارت
منذ سبع سنوات.
79
فالتينو
80
الغدار
يبكى «محيد» ويده تروح وجتيء عىل جثامن مجله امليت ،يقول «مل أقصد
إهانته ،لكنه أسقط ِحل القمح».
انترشت احلكاية مثل جرح يتسع ،وعرف الناس أن مجل «محيد»
قهرا.
الغاضب أراد قتله ،وعندما فشل مات ً
رصنا مجي ًعا نحفظ ما حدث:
يف الصباح ،كان «محيد» جير مجله بني احلقول.
يف الظهر انزلقت قدم اجلمل ،فأسقط احلمل كله يف النهر ،فرضبه
«محيد» عىل رأسه ولعنه.
يف العرص ،كانت عينا اجلمل مثل مجرتني ،وفمه ٍ
ملتو يف غضب.
يف قلب الليل ،دخل اجلمل عىل «محيد» مكان نومه وهنشه ،كان «محيد»
يعلم أن اجلمل لن يغفر له؛ لذا نام يف مكان بعيد ،وعندما صاح فيه «يا
غدَّ ار» رفع اجلمل عينيه املشتعلتني وسقط ميتًا.
81
مل يلتفت
دخل األستاذ «نارص» الفصل ،هدأنا بعد ضجة ،وجلس بعدما كان
واق ًفا ،وقال «سأحكي لكم قصة تؤكد أنكم أغبياء».
طويل واحتوانا بنظرته وقال :ذات يوم ،غار احلكيم لقامنً نفسا
أخذ ً
من غالمه فوضع له السم يف الطعام ،وعندما شعر الغالم باملرض الشديد
قال ألمه« :اذهبي إىل لقامن وقويل له لقد مات الغالم».
أرسعت األم احلزينة إىل لقامن وأخربته ،شعر لقامن بالندم ،وردد:
«مات الغالم ومل يلتفت».
ملعت عينا األستاذ «نارص» وقال« :هل تعرفون معنى يلتفت؟»
مل ننطق ،فقال بصوت ٍ
عال« :فهمها الغالم وصاح يف أمه :أحرضي كل
خملل اللفت الذي يف البيت» ،ثم أكله وشفى من السم.
كنَّا نكتم الضحك ،إهنا املرة العرشون التي نسمع فيها القصة.
82
حلم ٍ
مؤذ
أ َّذن املغرب فدخلت بيتي ،كان عشائي ينتظرين ،مل تصل لقمتي األوىل
إىل فمي عندما انطلقت رصخة حا َّدة كأن شوكة نخيل غرست يف قدم
حافية ،ورصخت امرأيت« :أوالد كامل صبحي جاءوا ليقتلوك».
ً
جيوشا قادمة من أصابني الفزع ،نظرت من ثقب الباب رأيت
ٍ
الدرب الضيق ،واهنالت احلجارة عىل البيت ،ترددت لثوان قليلة ،قبل
أن أستجمع شجاعتي وأفتح الباب ،أخرجت نصف وجهي وسمعت
أصواتًا هتدئ كامل صبحي وأوالده ،يقولون« :عيب يا كامل» ،فيصيح
يف حقد كأنه يبكي« :ال بد من تأديبه».
عرصا ،فقد رأيتني يف نومة
لعنت احللم الذى حكيته للناس يف املقهى ً
الظهر أرضب كامل صبحي عىل أم رأسه بيدي.
83
سعاد والسيارة البيجو
مل يكن الصباح عاد ًّيا يبدأ بجمع البلح املتساقط من النخل ،أو مطاردة
غراب استقر عىل شجرة سنط ،فقد رست بالليل معلومة َّ
بأن «سعاد»
عادت من القاهرة ،جاءت هبا سيارة «بيحو».
نام األصدقاء األربعة حاملني بأن تصبح إجازة آخر األسبوع مشهودة،
كانوا يدرسون يف اجلامعة ،بينام سعاد بالكاد جتاوزت اإلعدادية منذ
سنوات واكتفت هبا.
كل قد اغتسل ومشط شعره ،وتفتحت تصادف األربعة يف الساحةٌ ،
عيوهنم مثل زهور برية ،وأمام بيت أم سعاد كانت تقف السيارة البيجو
السبعة راكب ،وبجانبها جيلس سائقها يرشب شا ًيا تقدمه سعاد وبني
ساقيه تستقر «شيشة» عليها فحم متقد ،و«سعاد» تشري إليهم بدبلة يف
يدها.
84
امرأة بروح غراب
ُعصب» رأسها بطرحة جلست «فوزية» منذ الصباح الباكر أمام بيتها «ت َّ
كاحلة اللون ،فعرف الناس أن اليوم سيكون أسو َد ،وأنه قد تلبستها روح
الغراب ،فلن يمر أحدٌ من أمام البوابة اخلشبية القديمة إال أصابته لعنة أو
حطت عىل رأسه كلمة نابية.
هكذا هي -منذ هجرها زوجها وتزوج امرأة أخرى بح ًثا عن ولد -ال
أحد يعرف ر َّد فعلها ،إما راضية تدعو باخلري وترسل الرمحات إىل املوتى،
وإما غاضبة تسب وتلعن وتقطع الكرة بالسكني إن دخلت باخلطأ بيتها.
لكنها -اليوم -صامتة منكسة الرأس ،فعرف الناس َّ
أن زوجها املفارق
قد أنجب ً
طفل ،فراحوا يدعون هلا بالصرب.
85
رصاصة جمهولة
يف الصباح ،خرج «مرعي» من البيت يضحك ويمزح ،وعاد بعد صالة
العشاء جثة مثقوبة الصدر ،وال يعرف أحد من أطلق الرصاصة وحفر
الثقب.
من البوابة ،طلع النعش املصبوغ باحلزن ،فلطمت النساء ،وراحت أمه
تلوح بيدهيا صامتة بعدما أعجزها الكالم ،والسائرون خلفه انطفأوا من
الغم.
امحرت عيناه من الرمد والغضب-
خالل اجلنازة ،قال أبوه -وقد َّ
ال عزاء حتى نعرف القاتل ،فغادر الناس وعيوهنم مغروسة يف األرض
يشعرون باخلزي.
يف الليل ،تسلل «حسن» شقيق «مرعي» إىل سطح البيت ،وراح يقلب
يف البندقية اجلديدة التي اشرتاها من لطفي أبو عوض ،وجرهبا يف غيط
الذرة بأن أطلق رصاصة ناحية النيل ،وتساءل« :هل قتلت أخي؟».
86
اختفاء بندقية
كاد سعد خليل يبكى عندما أخربته ابنته -وهى تلهث من اجلري-
«البندقية ُسقت».
عاد جر ًيا من الغيط ،وكلام استوقفه أحد ر َّد عليه «أبدً ا» وأكمل اجلري،
وترك أخوه سعيد املدرسة دون أن حيصل عىل إذن مغادرة ،وظل يردد:
«اسرتها يا رب» ،بينام جلس أبومها «خليل» ملتص ًقا باحلائط يريد أن
خيتفي فيه.
قال سعد« :كيف دخل أوالد سليط البيت ورسقونا؟» ،ومهس سعيد:
«ىف البيت خائن» ،وارجتف أبومها خليل« :لن أغادر البيت أبدً ا».
فزع سعد« :سيصنعون هبا مصيبة ويتهموننا» ،ولطم سعيد« :ما لنا
نحن والبنادق» واختفى خليل يف اجلدار.
بكى «سعد» عندما رأى ابنه الصبي ينزل السلم معل ًقا يف كتفه البندقية،
ورصخ فيه« :يا ابن الكلب».
87
جنازة مشهور
جنازة هادئة ،فقد كان الناس يتوقعون موت «مشهور» بسبب مرضه
عجوزا ليس له سوى ابنة أكلها
ً الطويل ،وألنه عاش آخر عرشين عا ًما
الزمن وابن أتلفته جلسات املقاهي.
سار املشيعون خلفه صامتني يعدّ ون اخلطوات للمقابر ،وفجأة توقفت
سيارة غريبة ،ونزل منها أشخاص غرباء ،راح أحدهم حيضن النعش
ويبكي ،تعجب الناس ،وزاغت عينا ابن مشهور ،لكنه أكمل السري ،بينام
اثنان من ِرفاق املقهى يساعدانه عىل اخلطو.
مرت دقائق ،قبل أن يرصخ احلاضن للنعش« :مع السالمة يا خال
صالح» ،حينها توقف كل يشء ،وأصابت الدهشة حاميل جثامن مشهور
والسائرين خلفه ،وحتى الطيور التي كانت تودعه ،ومل يبق سوى أن يطل
«مشهور» من نومته األبدية ،ويقول« :اجلنازة غلط».
88
رشاكة كلب
يقسم محادة الزغبي ،أنه كان يأيت بالكرة من خلف الشجرة العجوز
عندما سمع صوت اجلرو ،ذلك قبل أن هيجم عليه «عيل إسامعيل»
ويأخذه منه ،ويرص «عيل» أنه أول من ملسه.
وقع شجار كبري ،وراحا يمسكان اجلرو الذي يئن بينهام ،وجتمع
أيضا ،يف حماولة للبحث عن ٍّ
حل. الصبية ،ثم جاء الكبار ً
رفضا ،لعلمهام
فهزا رأسيهام ً
قال صبحي عياد« :اتركاه يذهب حلاله» َّ
أن «صبحي» ينتظر ذلك كي يستويل عليه ،وصاح سامل حممدين «أغرقاه
ىف النيل» فاتسعت عينامها فز ًعا.
وال يعرفان من قال هلام اقتسامه ،فيبيت عند كل واحد منكام يو ًما،
فتصبحان رشيكني يف الكلب ،فأنارت الفكرة وجهيهام ،ورشعا يف
تنفيذها.
89
الطفل التاسع
ق َّلب فتحي عويس نظراته يف أحفاده الثامنية اجلالسني بال ُقرب من
فراش مرضه ،باح ًثا عمن يشبهه منهم ،يقول« :جاءت هبم أمهاهتم
ليشهدوا مويت».
ثالث بنات أنجبهم فتحي عويس ،ومتنى ولدً ا مل ِ
يأت ،كان األحفاد
مستديري الوجه مثل مالئكة صغار ،وممتلئي اجلسد ال يشبه أي منهم
نحافة اجلد التي يرضب هبا املثل ،فشعر باخلذالن ،وقرر أن يعيد جليبه
اجلنيهات القليلة التي كان سيمنحها هلم.
قديم كان
وفجأة دخل طفل يشبهه متا ًما ،نحيف اجلسد ويرتدى جلبا ًبا ً
يملكه فتحي عويس عندما كان يف مثل أعامرهم ،واقرتب منه ومهس يف
أذنه ،فتململ اجلد ،قبل أن يمنح اجلنيهات القليلة ألحفاده ،ثم راح يتبع
الطفل التاسع.
90
املهاجر
توقفت سيارة غريبة عىل الكوبري اجلديد ،ونزل منها رجل قارب
الستني ،تقبض يده املرتعشة عىل حقيبة خفيفة ،دار بعينيه يف املكان ،لكن
مل ينتبه أحد إليه.
وقف عىل أول الدرب القديم ،فتطلعت إليه العيون ،لكن مل يقرتب منه
أحد ،فحار ماذا يفعل ،وكيف يقدم نفسه للناس؟
وجد دكَّة خشبية فجلس ،وترك حقيبته هامدة عىل األرض ،مرت
ساعات ،وكلام عرب أحدهم من أمامه نظر إليه نظرة خاوية ومىض.
كاد جين ،ال أحد يسأل الغريب من أنت ،وتذكر منذ أربعني سنة ،حني
خرجت القرية مجيعها تودعه ،وتسأله العودة ،كان يقبض ىف يده القوية
عىل حقيبة خفيفة ،ويكتم هجرته.
91
خطوبة طويلة
92
رحلة هنرية
كانت أيا ًما سوداء ،قاد فيها أيب معركة رشسة ضد بيت الزغبي ،ومل
يتوقف الرصاص بني بيتنا وبيتهم حتى رصخ حسن الزغبي معلنًا موته،
حي يف
ففر أيب وهجر البيت ،وأقسم أخوة القتيل بأهنم سيقتلون كل ٍّ َّ
بيتنا.
ولدتني أمي يوم القتل ،حاولت َّأل تنزلني ،لكنها يف النهاية مل تستطع
فكتمت رصختها ،ونزلت باك ًيا خائ ًفا.
ال أعرف من أين جاءهتا فكرة أن تضعني يف إناء من األملونيوم ،وتلقي
يب يف النهر ،وكان بيت الزغبي يقع شامل بيتنا فحملني التيار إليه ،مرت
وأطل عاطف الزغبي بوجه مسود َّ دقائق قبل أن تطرق الباب يد غليظة
من احلزن .أعادين إىل أمي وهو يقول« :أرضعيه حتى يأيت دوره».
93
النعش
94
روح معلقة
95
غريب الدار
96
صاحب الكرة
97
مس من العفريت
ٌ
أخربتني أمي أننا بعد صالة املغرب سنزور خايل مجال ،فقد التقاه
عفريت عىل الطريق ،وهو عائد من مشوار ليلة أمس ،وقال له« :سلم يل
عىل أمك» ،فظل خايل يرصخ حتى فقد عقله ،وذهبوا به ألحد الشيوخ،
فأخربهم بأن العفريت تلبسه وأن له طلبات.
محا ،وجديت غاضبة جدًّ ا ،تسب العفريت الذي ذهبنا ،كان البيت مزد ً
ذكرها وهو يسلب عقل ابنها ،بينام جيلس خايل بني الناس الذين يواسونه،
يعيد ويزيد يف حكايات متداخلة.
كدت أشك يف موضوع العفريت ،حتى استوقفني خايل وأنا أمحل
صينية الشاي وقال يل «تكتب جوابات لزينب يا عبيط ،دي كل عيال
الفصل ماشية معاها» ،فهتف احلارضون« :ال إله إال اهلل».
98
كوب شاي
99
وسادة مهرتئة
«ال يشء يستحق» يقوهلا أيب العائد بعد تسع سنوات من هجره لنا ،وها
ٍ
مستلق عىل فراش قديم ينتظر موته ،أصابتني عودته بكآبة شديدة، هو
بالكاد أذكره يركلني بقدمه خارج البيت.
ال حديث بيننا ،أقف ُق ْرب الباب وال أدخل ،ينادي َّ
عيل فأجتاهله ،وىف
ليلة موته قادتني أمي إليه فاستجبت لدمعها ،مالحمي ال تشبهه ،وأناته مل
تؤثر َّيف ،مل يبدو يل ناد ًما ،رأيت قدمه التي كان يركلني هبا «مبتورة» إثر
حادثة قطار ،كانت السبب يف عودته.
خرجت أمي لتحرض شي ًئا بعدما ربتت عىل كتفي ،مد يده يريد وسادة،
فأمسكت بواحدة مهرتئة ،واقرتبت من وجهه ،فقال يل« :ال يشء
يستحق».
100
حماولة للموت بمزاج
101
خروج مؤثر
ألقى «بدير» سيجارته املشتعلة من يده ،وذهب إىل أسيوط ،ومنها إىل
القاهرة ،ومل يعرف أبدً ا أن سيجارته اشتعلت يف احلطب ،وأن النريان
رست حتى أحرقت القرية كلها.
عندما تشاجر مع شقيقه ً
ليل ،مل هيتم أحد ،وعندما هدد بأنه سيغادر،
ظنوه كال ًما يف حلظة غضب ،ونام اجلميع عىل قولته األخرية« :غدً ا
تعرفون ما سأفعله».
وجاء الصباح بلون الدخان ورائحة اللحم املحرتق ،ركب «بدير»
القطار ومل يعرف أن ما تبقى من القرية يلعنه اآلن ،وبينام كان ينزل يف
حمطة مرص ،ويستقبل أول نفس ملوث بدخان املدينة ،كان األطفال
يكتبون عىل احليطان برماد احلريق «بدير حرق البلد».
102
دمع دافئ
عاش عبد احلميد ومل يعرف يف حياته سوى عمته ،ظنَّها أمه ،وعندما
أوقفته امرأة غريبة ،وهو خارج من املدرسة ،وضمته وأخربته بأهنا
«عبلة» أمه ،وأهنم أخذوه منها عنوة ،وبكت ،مسح دمعها الدافئ وشعر
باخلجل.
مات عبد احلميد بعد سبع سنوات من رحيل أمه ،الذين شهدوا حلظات
احتضاره ،خيربوننا بأنه كان يمسح دم ًعا ومه ًّيا عن وجهه ،وينادى« :ال
تبكي يا عبلة».
أما الذين ذهبوا ليودعوه إىل قربه ،سمعوا زغرودة ال يعرفون مصدرها
بالتحديد ،لكنهم واثقون بأهنا خرجت من املقابر.
ً
وطفل يلعبان ويقسم من زاروا اجلبانة بعد أسبوع ،بأهنم شاهدوا امرأة
بني منامات املوتى ،يتظاهر هو باالختباء وهي تبكي عليه.
103
الوصية
104
رضيح بجانب القنطرة
أقسم اجلميع ،بأهنم سمعوا يدً ا تطرق بواباهتم بعد منتصف الليل،
مهسا يقول« :ابحثوا عني عند القنطرة
وأضاف «حممود جامع» سمعت ً
القديمة».
أنا مل أخربهم أنني رأيت أثر دم عىل باب بيتي ،لكن قبل أن يصل
الشعاع األول للشمس كنت معهم نمشط الغيطان ،حتى عثرنا عىل جثة
«رزق عبد الرايض» ملقاة بجانب القنطرة وعليها قش قمح.
رفض أخوه «عامر» أن يقيم جنازة ،ورصخ« :يل ثأر أبحث عنه»،
وعدنا إىل بيوتنا نفكر «رزق مل يفعل شي ًئا طي ًبا يف حياته ،لكنه بإخبارنا
حيا».
عن موته يستحق رض ً
دفع «عامر» النصيب األكرب لبناء الرضيح ،ومل خيربنا أنه من طرق
البوابات حتى نعثر عىل جثة شقيقه املقتول.
105
يف انتظار العتاب
يسأل «حسن خليل» ابنه حممد «كيف حال أمك؟» فريد الطفل« :متشط
جف حلقه واتسعت شعرها» ،فيحزن ،كان قد طلقها ،لكنه كلام رآها َّ
عيناه.
يتذكر بعد عام من غربته يف ليبيا ،قالت له أمه« :طلقها إهنا تقف ىف
الرشفة بجلباب نصف كم» ،فطلقها غياب ًّيا.
عاد للبلدة وانتظر عاصفة من العتاب ،لكن مل يعاتبه أحد ،توقع أن
يرسل إليه أبوها يسأله عن فعلته ،ومل حيدث ،ظن أهنا ستتصل به وتسبه،
ومل تفعل ،حتى أمه مل تفتح املوضوع ال باخلري وال بالرش ،كأنه مل يكن.
يف ظهر كل يوم جيلس عىل املقهى ،يتحدث عنها ،فال ينتبه الناس،
فيرشب شايه وينتظر عودهتا من العمل لرياها.
106
الكاتب يف سطور
107
الفهرس