You are on page 1of 20

‫من جوامع‬

‫الــدعــــاء‬ ‫‪1‬‬ ‫دعوات نبوية‬

‫ِ ِ‬ ‫َع ْن أَنَ ٍ‬
‫ال‪َ :‬كا َن أَ ْكثـَُر ُد َعاء الن ِّ‬
‫َّب ‪:‬‬ ‫س ‪ ،h‬قَ َ‬
‫سنَةً‪،‬‬ ‫(اللَّ ُه َّم َربـَّنَا آتِنَا ِف ُّ‬
‫الدنـْيَا َح َ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫َوِف اآلخ َرة َح َ‬
‫ِ (((‬
‫اب النَّار)‬
‫سنَةً‪َ ،‬وقنَا َع َذ َ‬

‫التعليق‪:‬‬
‫هــذا دعــاء جامــع عظيــم جــاء يف كتــاب هللا تعــاىل وســنة نبيــه ‪ ،‬قــال تعــاىل عــن املؤمنــن‪َ } :‬وِمنـْ ُهـ ْـم َمـ ْـن يـَُقـ ُ‬
‫ـول‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫َربـَّنَــا آتِنَــا ِف ُّ‬
‫اب النَّــا ِر{‬ ‫ســنَةً َوِف ْالخـ َـرة َح َ‬
‫ســنَةً َوقنَــا َعـ َذ َ‬ ‫الدنـْيَــا َح َ‬
‫سنَةَ ِف ُّ‬ ‫ِ‬ ‫كل َخ ٍْي ِف ُّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫تشمل‬
‫ُ‬ ‫الدنـْيَا)‬ ‫وصرفت ُك َّل َشٍّر فَإ َّن (ا ْلَ َ‬ ‫الدنـْيَا‪َ ،‬‬ ‫ت َهذه الدعوةُ َّ‬ ‫قال ابن كثري ‪َ :r‬‬
‫«جَ َع ْ‬
‫ـب َهـ ِـي ٍء‪،‬‬ ‫صالِـ ٍـح‪ ،‬وَمرَكـ ٍ‬
‫َ ََ َ َ ْ‬ ‫ـل‬‫ٍ‬ ‫ـ‬ ‫م‬ ‫ع‬‫و‬ ‫ٍ‪،‬‬‫ع‬ ‫ـ‬‫ـوب دنـيـ ِو ٍي‪ِ ،‬مــن عافِيـ ٍـة‪ ،‬ودا ٍر رحبـ ٍـة‪ ،‬وزوجـ ٍـة حســن ٍة‪ ،‬وِرزٍق و ِاسـعٍ‪ ،‬و ِع ْلـ ٍم َنفِ‬
‫َ‬ ‫ُك َّل َمطْلُـ ُ َْ ّ ْ َ َ َ َ َ ْ َ َ َ ْ َ َ َ َ َ َ‬
‫ْ‬ ‫ٍ‬
‫الَنَّـ ِـة َوتـََوابِعُـ ُـه‬
‫ـول ْ‬‫ـك ُد ُخـ ُ‬ ‫الدنـيــا‪ ،‬وأ ََّمــا (ا ْلســنةُ ِف ْال ِخــرِة) فَأَعلَــى َذلِ‬
‫ـ‬ ‫ُّ‬ ‫ف‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ة‬ ‫ـن‬
‫ـ‬ ‫س‬‫ال‬
‫ْ‬ ‫ف‬‫ِ‬ ‫ة‬
‫ٌ‬ ‫ـ‬ ‫ج‬‫ِ‬
‫ر‬ ‫د‬ ‫ن‬
‫ْ‬ ‫م‬ ‫ـا‬
‫ـ‬‫ه‬ ‫َّ‬
‫ل‬ ‫ك‬
‫ُ‬ ‫ـا‬
‫ـ‬ ‫ه‬ ‫ـ‬
‫َّ‬ ‫ن‬ ‫ِ‬
‫إ‬‫َ‬‫ف‬ ‫‪....‬‬ ‫ـاء َِ‬
‫ج ٍيل‬ ‫وثـنـ ٍ‬
‫َ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ ََ‬ ‫َْ َ‬ ‫َ ََ‬ ‫َ‬
‫َ َ ُ َ‬ ‫َ ََ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫السـ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َّجــاةُ مـ َـن‬ ‫الصالــة‪َ ،‬وأ ََّمــا (الن َ‬ ‫ـك مـ ْـن أ ُُمــوِر ْالخـَـرِة َ‬ ‫ـاب َو َغـ ِْـر َذلـ َ‬ ‫ِ‬
‫العَرصــات‪َ ،‬وتـَْيسـر ْ َ‬ ‫مـ َـن ْال َْمـ ِن مـ َـن الْ َفـَـزِع ْالَ ْكـ َِـر ِف َ‬
‫ِ (((‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ـاب ال َْم َحــا ِرم َو ْال َثِم َوت ـَْـرك ُّ‬ ‫ِ‬
‫اجتنَـ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َســبَابِه ِف ُّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الـَ َـرام‪ ، ،‬فــإذا أردت‬ ‫الشـبـََهات َو ْ‬ ‫الدنـْيَــا‪ ،‬مـ َـن ْ‬ ‫النَّــارِ) فـَُهـ َـو يـَْقتَضــي تـَْيسـ َ‬
‫ـر أ ْ‬
‫علمــا‪ ،‬أو عمـاً أو شــفاءً فعليــك هبــذه الدعـوات ال تفارقهــا يف مجيــع دعواتــك فنبيــك ‪ ‬كان يكثــر‬ ‫رزقًــا أو عافيـةً‪ ،‬أو ً‬
‫منهــا‪ ،‬وأنــس ‪ h‬كان يضمنهــا كل دعــاء يدعــو بــه‪ ،‬فــإ ِّن فيهــا اخلــر العميــم الــذي ترجــوه يف الدنيــا واآلخــرة‪ ،‬وفيهــا‬
‫فــوق مــا تســأله بكلمــات تقوهلــا رمبــا تكــون قاصــرة عــن املـراد‪.‬‬
‫ـول ا‪َ ،‬عـ َ‬
‫ـاد‬ ‫ـس ‪ ،h‬أ َّ‬
‫َن َر ُسـ َ‬ ‫يضــا هلــذا الدعــاء‪ ،‬ففــي صحيــح مســلم مــن حديــث أَنـَ ٍ‬ ‫ولقــد أرشــد النــي ‪ ‬مر ً‬
‫هللا ‪:‬‬ ‫ـول ِ‬ ‫صـ َـار ِمثْـ َـل الْ َفـ ْـرِخ (أي صــار حنيـاً هزيـاً بســبب املــرض)‪ ،‬فـََقـ َ‬
‫ـال لَــهُ َر ُسـ ُ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫ـت فَ َ‬‫ني قَـ ْد َخ َفـ َ‬ ‫َر ُجـ ًـا مـ َـن ال ُْم ْســلم َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫ـت ُم َعاقـِـي بــه ف ْالخـ َـرة‪ ،‬فـََع ّج ْلــهُ‬ ‫اللهـ َّـم َمــا ُكْنـ َ‬
‫ـول‪ُ :‬‬ ‫ـت أَقُـ ُ‬ ‫شـ ْـيء أ َْو تَ ْس ـأَلُهُ إ َّيهُ؟» قَـ َ‬
‫ـال‪ :‬نـََعـ ْـم‪ُ ،‬كْنـ ُ‬ ‫ـت تَ ْدعُــو ب َ‬ ‫ـل ُك ْنـ َ‬ ‫«هـ ْ‬
‫َ‬
‫ســنَةً َوِف ْال ِخـ َـرِة‬ ‫َ‬ ‫ح‬
‫َ‬ ‫ـا‬‫ـ‬‫َ‬‫ي‬‫ْ‬‫ـ‬ ‫ن‬ ‫ُّ‬
‫الد‬ ‫ف‬‫ِ‬ ‫ـا‬
‫ـ‬‫َ‬‫ن‬‫اللهـ َّـم آتِ‬
‫ُ‬ ‫‪:‬‬ ‫ـت‬
‫َ‬ ‫ـ‬‫ل‬‫ْ‬‫ُ‬‫ـ‬ ‫ق‬ ‫ـا‬
‫َ‬ ‫ـ‬‫ف‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫أ‬ ‫‪،‬‬‫ه‬
‫ُ‬ ‫يع‬
‫ُ‬ ‫ط‬ ‫ْ‬
‫هللا ‪« :‬ســبحا َن ِ‬
‫هللا َل تَســتَ ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫ـول ِ‬ ‫ُ‬ ‫ـ‬‫س‬‫ُ‬ ‫ر‬
‫َ‬ ‫ـال‬
‫َ‬ ‫ـ‬‫ق‬‫َ‬‫َ‬‫ـ‬ ‫ف‬ ‫ـا‪،‬‬
‫ـ‬‫َ‬‫ي‬‫ْ‬‫ـ‬ ‫ن‬ ‫ُّ‬
‫الد‬ ‫ف‬ ‫ِ‬ ‫ِل‬
‫اب النَّــارِ» قَـ َ‬ ‫ِ‬
‫ســنَةً‪َ ،‬وقنَــا َعـ َذ َ‬ ‫َح َ‬
‫(((‬
‫ـال‪ :‬فَ َد َعــا هللاَ لَــهُ‪ ،‬فَ َشـ َفاهُ ‪.‬‬

‫س إِ َذا أ ََر َاد أَ ْن يَ ْدعُ َو بِ َد ْع َوٍة َد َعا َبِا‪ ،‬فَِإ َذا أ ََر َاد أَ ْن يَ ْدعُ َو بِ ُد َع ٍاء َد َعا َبِا فِ ِيه‪.‬‬
‫((( رواه البخاري (‪ )6389‬ومسلم (‪ ،)2690‬ويف رواية ملسلم‪َ :‬وَكا َن أَنَ ٌ‬
‫((( تفسري ابن كثري (‪)558 /1‬‬
‫((( رواه مسلم (‪)2688‬‬

‫د‪.‬عبداهلل بن حمود الفريح‬


‫‪@alforiih‬‬
‫من جوامع‬
‫الــدعــــاء‬ ‫‪2‬‬ ‫دعوات نبوية‬

‫ِ ِ‬
‫َّب ‪ ،‬أَنَّهُ َكا َن يـَُق ُ‬
‫ول‪:‬‬ ‫ِ ِ ِِ ٍ‬
‫َع ْن َعْبد هللا بْن م ْسعُود ‪َ ،h‬عن الن ِّ‬
‫(((‬
‫اف َوال ِْغ َن)‬
‫ُك ا ْلَُدى َوالتـَُّقى‪َ ،‬وال َْع َف َ‬ ‫(الله َّم إِِّن أ ْ‬
‫َسأَل َ‬ ‫ُ‬
‫التعليق‪:‬‬
‫قال العالمة السعدي ‪ r‬عن هذا احلديث‪:‬‬
‫«هــذا الدعــاء مــن أمجــع األدعيــة وأنفعهــا‪ ،‬وهــو يتضمــن سـؤال خــر الديــن وخــر الدنيــا؛ فــإن (اهلــدى) هــو العلــم‬
‫النافــع‪ ،‬و(التقــى) العمــل الصــاحل‪ ،‬وتــرك مــا هنــى هللا ورس ـوله عنــه‪ .‬وبذلــك يصلــح الديــن‪ .‬فــإن الديــن علــوم انفعــة‪،‬‬
‫ومعــارف صادقــة‪ .‬فهــي اهلــدى‪ ،‬وقيــام بطاعــة هللا ورسـوله‪ :‬فهــو التقــى‪.‬‬
‫و(العفــاف والغــى) يتضمــن العفــاف عــن اخللــق‪ ،‬وعــدم تعليــق القلــب هبــم‪ ،‬والغــى ابهلل وبرزقــه‪ ،‬والقناعــة مبــا فيــه‪،‬‬
‫وحصــول مــا يطمئــن بــه القلــب مــن الكفايــة‪ ،‬وبذلــك تتــم ســعادة احليــاة الدنيــا‪ ،‬والراحــة القلبيــة‪ ،‬وهــي احليــاة الطيبــة‪.‬‬
‫فمــن رزق اهلــدى والتقــى‪ ،‬والعفــاف والغــى‪ ،‬انل الســعادتني‪ ،‬وحصــل لــه كل مطلــوب‪ .‬وجنــا مــن كل مرهــوب‪.‬‬
‫(((‬
‫وهللا أعلــم»‬
‫والعفــاف كمــا يعــي الكفــاف عمــا يف أيــدي النــاس‪ ،‬فهــو يعــي العفــاف عــن الـزان والفواحــش ومــا يدعــو هلــا(((‪،‬‬
‫قــال شــيخنا ابــن عثيمــن ‪ r‬يف شــرح احلديــث‪( « :‬العفــاف) يعــي العفــاف عــن ال ـزان‪ ،‬ويشــمل ال ـزان أبنواعــه‪ :‬زان‬
‫النظــر‪ ،‬زان اللمــس‪ ،‬زان الفــرج‪ ،‬زان االســتماع‪ ،‬كل أن ـواع ال ـزان‪ ،‬فتســأل هللا العفــاف عــن ال ـزان كلــه أبنواعــه وأقســامه؛‬
‫شـةً َو َســاءَ َسـبِ ًيل{ وهــو مفســد‬ ‫ألن الـزان والعيــاذ ابهلل مــن الفواحــش‪ ،‬قــال هللا تعــاىل‪} :‬وَل تـ ْقربــوا الـ ِـزَن إِنَّــه َكا َن فَ ِ‬
‫اح َ‬ ‫َ َ َُ ّ ُ‬
‫(((‬
‫لألخــاق ومفســد لألنســاب ومفســد للقلــوب ومفســد لــأداين»‬

‫((( رواه مسلم (‪)2721‬‬


‫((( هبجة قلوب األبرار وقرة عيون األخيار‪ ,‬ص (‪)205‬‬
‫((( انظر لسان العرب (‪)590 /1‬‬
‫((( شرح رايض الصاحلني لشيخنا ابن عثيمني (‪)18 /6‬‬

‫د‪.‬عبداهلل بن حمود الفريح‬


‫‪@alforiih‬‬
‫من جوامع‬
‫الــدعــــاء‬ ‫‪3‬‬ ‫دعوات نبوية‬

‫ِ‬
‫ـك‬ ‫ـزت َعــن كتابــي فأعـ ِّـي‪ ،‬قـ َ‬
‫ـال‪ :‬أال أعلّ ُمـ َ‬ ‫إن قــد َعجـ ُ‬ ‫ـال‪ِّ :‬‬ ‫َعــن عل ـ ٍي ‪َّ ،h‬‬
‫أن ُمكاتبًــا جــاءَهُ فقـ َ‬ ‫ّ‬
‫ـال‪ :‬قُــل‪:‬‬
‫ـك‪ ،‬قـ َ‬
‫اللُ َعنـ َ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫ـك مثـ ُـل َجبــل صـر دينًــا أدَّاهُ َّ‬
‫الل ‪ ‬لــو كا َن َعليـ َ‬
‫ِ‬‫ـول َّ‬ ‫كلِمـ ٍ‬
‫ـات علَّ َمنيهـ َّـن رسـ ُ‬

‫سواك)‬
‫ك َعن َ‬ ‫ك عن حر ِام َ‬
‫ك‪ ،‬وأغنِين بَِفضلِ َ‬ ‫هم اكفين ِباللِ َ‬
‫(اللَّ َّ‬
‫(((‬

‫التعليق‪:‬‬
‫الرجــل يطلــب مــن أمــر املؤمنــن علــي بــن أيب طالــب ‪ h‬اإلعانــة املاليَّــة؛ لوفــاء دينــه‪ ،‬وإهنــاء مكاتبتــه‪،‬‬ ‫جــاء َّ‬
‫الدعــاء العظيــم ‪ -‬مــع أنــه ميكنــه أن يعطيــه‬ ‫والتَّخلُّــص مــن رقِّــه‪ ،‬فعلَّمــه أمــر املؤمنــن علـ ُّـي بــن أيب طالــب ‪ h‬هــذا ُّ‬
‫مــن بيــت مــال املســلمني‪ -‬ولكــن أراد أن يعلمــه مــا هــو أفضــل‪ ،‬وذلــك أبن يبــدأ ابهلل يف الطلــب ويتــوكل عليــه يف الــرزق‪،‬‬
‫فهــو ســبحانه الغــي ومنــه الغِـ َـى‪ ،‬وأرشــده إىل أن يطلــب احلــال مــن الــرزق‪.‬‬
‫تلميحــا أنــزل حاجتــه‬
‫وأن يرزقــه مــن فضلــه الواســع مــا يك ّفــه عــن سـؤال النــاس‪ ،‬وكــم مــن ســائل للنــاس تصرحيًــا أو ً‬
‫ابلنــاس قبــل أن ينزهلــا ابهلل تعــاىل ذي الفضــل الواســع‪ ،‬فــكان نصيبــه مــن اإلعانــة علــى قــدر َمــن أنــزل هبــم حاجتــه‪،‬‬
‫ولــو ســأل هللا تعــاىل مــن فضلــه الواســع لوســعت عليــه حالــه مــن حيــث ال حيتســب‪ ،‬والســيما أنــت اي صاحــب َّ‬
‫الديــن‪،‬‬
‫والــذي أمهَّــك َديـْنُــك وأثقــل كاهلــك‪ ،‬عليــك هبــذا الدعــاء الثمــن ردده كثـراً يف دعائــك إبحلــاح ويقــن‪ .‬وســرى – إبذن‬
‫هللا ‪ -‬مــن فضــل هللا تعــاىل مــا يبهــج النفــس‪ ،‬ويريــح البــال بقضــاء الديــن‪.‬‬
‫مجيعــا هلــذا الدعــاء الــذي يعــزز جانــب التــوكل يف قلوبنــا‪ ،‬ويوصلنــا إىل احلــال مــن الــرزق‪ ،‬الســيما‬
‫ومــا أحوجنــا ً‬
‫وحنــن يف زمــن كثــرت فيهــا مشــارب احلـرام وضعفــت النفــوس يف التــزود منــه!!‬
‫فاللهم اكفنا حباللك عن حرامك وبفضلك عمن سواك‪.‬‬

‫وحسن إسناده األلباين يف الصحيحة (‪ ,)532 /1‬ح (‪)266‬‬


‫وحسنه ‪َّ ,‬‬
‫((( رواه الرتمذي (‪َّ )3563‬‬

‫د‪.‬عبداهلل بن حمود الفريح‬


‫‪@alforiih‬‬
‫من جوامع‬
‫الــدعــــاء‬ ‫‪4‬‬ ‫دعوات نبوية‬

‫ـف‬ ‫ـال‪ :‬ي رسـ َ ِ‬


‫ـول هللا َكْيـ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ـك ْالَ ْشـ ِ‬
‫ـجع ُّي‪َ ،‬عـ ْـن أَبِيــه أَنـَّـهُ َسـ َـع النَّـ ِ َّ‬ ‫عــن أَِب مالِـ ٍ‬
‫ـي ‪َ ‬وأ ََتهُ َر ُجـ ٌـل‪ ،‬فـََقـ َ َ َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َْ‬
‫ـال‪ :‬قُـ ْـل‪:‬‬ ‫َس ـأ َُل َرِّب؟ قَـ َ‬ ‫أَقُـ ُ ِ‬
‫ـن أ ْ‬
‫ـول حـ َ‬

‫(الله َّم ا ْغ ِف ْر ِل‪َ ،‬و ْار َحْ ِن‪َ ،‬و َعافِ ِن‪َ ،‬و ْارُزق ِْن‪ ،‬فَِإ َّن َه ُؤَل ِء َتْ َم ُع ل َ‬
‫َك‬ ‫ُ‬
‫ك)‬ ‫ِ‬
‫اك َوآخ َرتَ َ‬ ‫ُدنـْيَ َ‬
‫الصـ َـاةَ‪ُ ،‬ثَّ أ ََمـ َـرهُ أَ ْن يَ ْدعُـ َـو ِبـَ ُـؤَل ِء‬
‫ـي ‪َّ ‬‬ ‫الر ُجـ ُـل إِ َذا أ ْ‬
‫َس ـلَ َم‪َ ،‬علَّ َمــهُ النَّـ ِ ُّ‬ ‫ـال‪َ :‬كا َن َّ‬
‫ويف روايــة قَـ َ‬
‫ا لْ َكلِمـ ِ‬
‫ـات ‪:‬‬ ‫َ‬
‫(((‬
‫(الله َّم ا ْغ ِف ْر ِل‪َ ،‬و ْار َحْ ِن‪َ ،‬و ْاه ِدِن‪َ ،‬و َعافِ ِن َو ْارُزق ِْن)‬
‫ُ‬
‫التعليق‪:‬‬
‫هــذا رجــل جــاء إىل النــي ‪ ‬وهــو يريــد دعــاء يســأل بــه ربـَّـه وجيمــع لــه اخلــر‪ ،‬فأرشــده النــي ‪ ‬هلــذه الكلمــات‬
‫اليســرة الــي جتمــع لــه خــري الدنيــا واآلخــرة‪ ،‬فمــاذا بعــد هــذا اخلــر مــن مطلــب؟!‬
‫وألمهية هذه الكلمات كان النيب ‪ ‬يعلِّمها الرجل إذا أسلم‪ ،‬وهي سنة ينبغي تعليمها َم ْن أسلم‪.‬‬
‫ومــن أتمــل هــذه الكلمــات وجدهــا تتضمــن كل مــا يبحــث عنــه اإلنســان مــن شــأن الدنيــا واآلخــرة‪ ،‬فإنــه إذا غفــر‬
‫هللا للعبــد ورمحــه انل الفــوز العظيــم يف الدنيــا واآلخــرة‪ ،‬وأقبــل علــى هللا تعــاىل يف اآلخــرة خفيــف احلمــل ابملغفــرة كثــر‬
‫العطــااي ابلرمحــة‪ ،‬وكانــت اهلدايــة يف الدنيــا واآلخــرة نتيجــة ملغفــرة هللا تعــاىل ورمحتــه لــه ورفعــة لــه ابحلســنات وحتصيلهــا‪،‬‬
‫وإذا عافــاه اسـراح جســده وقلبــه مــن أمـراض األبــدان والقلــوب‪ ،‬وإذا رزقــه مــن اخلــر يف مجيــع جوانــب احليــاة اسـراحت‬
‫متامــا للخــر الــذي يرجــوه‪.‬‬
‫نفســه مــن اهلــم يف حتصيــل الــرزق‪ ،‬وكان ذلــك ً‬
‫قــال الشــيخ فيصــل آل مبــارك‪« :‬بــدأ ابملغفــرة لكوهنــا كالتخليــة‪ ،‬ملــا فيهــا مــن التنزيــه مــن إقــذار املعاصــي‪ ،‬وعقبهــا‬
‫ابلرمحــة لكوهنــا كالتحليــة‪ ،‬وعطــف عليهــا اهلدايــة‪ ،‬عطــف خــاص علــى عــام‪ ،‬وبعــد متــام املطالــب ســأل هللا العافيــة ليقــدر‬
‫علــى الشــكر‪ ،‬وطلــب الــرزق لتسـريح نفســه عــن اهلــم بتحصيلــه»(((‪.‬‬
‫((( رواه مسلم (‪)2697‬‬
‫((( انظر بتصرف يسري‪ :‬تطريز رايض الصاحلني ص (‪ )808‬للشيخ فيصل آل مبارك رمحه هللا‪.‬‬

‫د‪.‬عبداهلل بن حمود الفريح‬


‫‪@alforiih‬‬
‫من جوامع‬
‫الــدعــــاء‬ ‫‪5‬‬ ‫دعوات نبوية‬

‫ـول ِ‬
‫هللا ‪ ‬إِ َذا َكا َن ِعْنـ َـد ِك؟‬ ‫ِ‬
‫ـاء رسـ ِ‬ ‫ِِ‬
‫ـت ألُِّم َس ـلَ َمةَ‪َ :‬ي أ َُّم ال ُْم ْؤمنـ َ‬
‫ـن َمــا َكا َن أَ ْكث ـَُـر ُد َعـ َ ُ‬ ‫ـال‪ :‬قـُْلـ ُ‬
‫ـب‪ ،‬قَـ َ‬ ‫َعـ ْـن َشـ ْـهر بْــن َحو َشـ ٍ‬
‫ُ ُ ْ‬
‫قَالَــت‪َ :‬كا َن أَ ْكث ــر دعائـِـه‪ِ:‬‬
‫َُ ُ َ‬ ‫ْ‬
‫ت قـَلِْب َعلَى ِدينِ َ‬
‫وب ثـَبِّ ْ‬
‫ب ال ُقلُ ِ‬ ‫ِ‬
‫ك‬ ‫َي ُم َقلّ َ‬
‫ِ‬
‫ـت قـَْلـِـي َعلَــى دينِـ َ‬ ‫ـك ي م َقلِّــب الْ ُقلُـ ِ‬
‫ـوب ثـَبِّـ ْ‬
‫ِ‬ ‫قَالَــت‪ :‬فـ ُق ْلــت‪ :‬ي رسـ َ ِ‬
‫«ي أ َُّم َسـلَ َمةَ‬
‫ـال‪َ :‬‬
‫ـك؟ قَـ َ‬ ‫ـول هللا َمــا ألَ ْكثَـ ِر ُد َعائـ َ َ ُ َ‬ ‫ْ َ ُ َ َُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫إِنـَّـه لَيــس ِ‬
‫غ»‬ ‫َصابِـ ِع هللا‪ ،‬فَ َمـ ْـن َشــاءَ أَقَـ َ‬
‫ـام‪َ ،‬وَمـ ْـن َشــاءَ أ ََزا َ‬ ‫ُصبـَُعـ ْ ِ‬
‫ـن مـ ْـن أ َ‬ ‫آدمـ ٌّـي إِالَّ َوقـَْلبُــهُ ب ـَ ْ َ‬
‫ـن أ ْ‬
‫(((‬
‫ُ ْ َ َ‬
‫َصابِ ِع‬ ‫ول‪« :‬إِ َّن قـلُوب ب ِن آدم ُكلَّها بـي إِصبـع ِ ِ‬ ‫ول ِ‬
‫هللا ‪ ،‬يـَُق ُ‬ ‫اص‪ ،‬أَنَّهُ َِس َع َر ُس َ‬ ‫وعن عب ِد ِ‬
‫هللا بْ ِن َع ْم ِرو بْ ِن ال َْع ِ‬
‫ي م ْن أ َ‬‫ُ َ َ َ َ َ َْ َ ْ ََ ْ‬ ‫َ ْ َْ‬
‫ِ‬
‫ول هللا ‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫ال َر ُس ُ‬
‫ث يَ َشاءُ» ُثَّ قَ َ‬ ‫ي‬ ‫ح‬ ‫ه‬ ‫ف‬
‫ُ‬‫ر‬
‫ُ َّ ُ َ ْ ُ‬‫ص‬ ‫ي‬ ‫‪،‬‬ ‫د‬ ‫اح‬ ‫الر ْحَ ِن‪َ َ ،‬‬
‫و‬ ‫ب‬ ‫ل‬
‫ْ‬ ‫ق‬ ‫ك‬
‫َ‬ ‫َّ‬
‫اعتِ َ‬
‫ك)‬ ‫ص ِّر ْ‬
‫ف قـُلُوبـَنَا َعلَى طَ َ‬ ‫ف الْ ُقلُ ِ‬
‫وب َ‬ ‫ص ِّر َ‬
‫(الله َّم ُم َ‬
‫(((‬
‫ُ‬
‫التعليق‪:‬‬
‫تعــرض للمؤمــن يف هــذه احليــاة كثــر مــن األمــور الــي رمبــا تُزيــغ قلبــه إذا مل يعتصــم حببــل هللا تعــاىل‪ ،‬ومــا ت ـراه يف واقعنــا مــن شــبهات زاغــت‬
‫هبــا العقــول‪ ،‬وشــهوات أظلمــت هبــا القلــوب‪ ،‬إال لضعــف تعلقهــا ابهلل تعــاىل‪ ،‬وال أعظــم مــن التضــرع هلل تعــاىل بثبــات القلــب الســيما يف هــذا الزمــن‪.‬‬

‫وإذا كان األنبيــاء مــن دعائهــم سـؤال هللا تعــاىل أن يثبتهــم وأن يصــرف قلوهبــم علــى طاعتــه‪ ،‬فمــن دوهنــم مــن ابب أوىل وأحــق‪ ،‬كيــف وقــد كان‬
‫هــذا هــو أكثــر دعــاء النــي صلــى هللا عليــه وســلم!‬

‫َح ٍد ِم ْن َخل ِْق ِه‪َ ،‬وِف ُد َعائِِه ‪:‬‬ ‫ِ ِ‬


‫وب عبَاده َوَل يَكلُ َها إ َل أ َ‬
‫الل إِ ْشــعار ِبَنَّه يـتـوَّل قـلُ ِ ِ ِ‬
‫ب الْ ُقلُوب إِ َل َّ َ ٌ ُ َ ََ ُ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ي‪ِ :‬ف نِســبَ ِة تـََقلُّ ِ‬
‫ْ‬ ‫ضا ِو ُّ‬‫قال ابن حجر‪َ « :‬وقَ َال الْبـَْي َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ـول َذلِـ ِ ِ‬ ‫ـت قـَْلـِـي َعلَــى ِدينِـ َ‬ ‫ِ‬
‫ـص نـَْف َســهُ‬ ‫ـك للْعِبَــاد َحـ َّـى ْالَنْبِيَــاء‪َ ،‬وَرفْـ ُـع تـََوُّهـ ِم َمـ ْـن يـَتـََوَّهـ ُـم أَنـَُّهـ ْـم يُ ْسـتـَثـْنـَْو َن ِمـ ْـن َذلـ َ‬
‫ـك‪َ ،‬و َخـ َّ‬ ‫ـك» إِ َشـ َـارةٌ إِ َل ُشـُ ِ َ‬ ‫ـوب ثـَبِّـ ْ‬ ‫ـب الْ ُقلُـ ِ‬
‫«ي ُم َقلّـ َ‬‫َ‬
‫الل ســبحانه فَافْتِقــار َغريهــا ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َحــق بذلــك»‬ ‫أ‬ ‫ـه‬
‫ـ‬ ‫ن‬‫دو‬ ‫ـو‬ ‫ـ‬ ‫ه‬ ‫َّ‬
‫ـن‬
‫ـ‬ ‫م‬ ‫ل‬ ‫إ‬ ‫َ‬
‫أ‬ ‫ـ‬‫ْج‬ ‫ل‬ ‫ـ‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫َ‬‫أ‬ ‫ل‬ ‫إ‬ ‫ة‬‫ـر‬
‫ـ‬‫ق‬ ‫ت‬ ‫ف‬ ‫م‬ ‫ـت‬ ‫ـ‬ ‫ن‬‫ا‬‫ك‬ ‫ا‬‫ذ‬ ‫إ‬ ‫ة‬ ‫ـ‬ ‫ي‬ ‫ك‬‫َّ‬
‫الز‬ ‫ـه‬
‫ـ‬ ‫س‬ ‫ف‬ ‫ـ‬ ‫ن‬ ‫َّ‬
‫َن‬ ‫ب‬ ‫ـا‬ ‫ـ‬‫م‬‫ِبل ّذ ْكـ ِر ْ ً‬
‫ل‬ ‫ع‬‫إ‬
‫(((‬
‫َ‬ ‫َُ‬ ‫ُ ْ َ َُ َ ُ َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ََ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َْ ََُ‬‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫َ َُ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ِ (((‬ ‫اعةً ِمن ِْ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ ِِ‬ ‫َن ُك ِل أ ٍ ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫وقال اهلروي‪« :‬وفِ ِيه إِر َش ٌ ِ ِ‬
‫ال ْم َداد»‬ ‫َحد م َن الْعبَاد َك َما أَنَّهُ ُم ْفتَقٌر إلَْيه تـََع َال ف ْالجيَاد؟ َل يَ ْستـَ ْغ ِن َعْنهُ َس َ َ‬ ‫اد ل ْل َُّمة‪َ ،‬والظَّاه ُر أ َّ ّ َ‬ ‫َ ْ‬
‫ضــو الشـريف لســرعة‬ ‫فعليــك أخــي قلبــك تعاهــده‪ ،‬فمــا ِسُّــي هبــذا االســم إال لســرعة تـََقلُّبــه‪ ،‬قــال بــدر الديــن العيــي‪ « :‬مثَّ نقــل ومســى بِـ ِـه َهـ َذا الْعُ ْ‬
‫اخلواطــر فِيـ ِـه وترددهــا َعلَْيـ ِـه‪َ ،‬وقــد نظــم بَعضهــم َهـ َذا ال َْم ْعــى فـََقـ َ‬
‫ـال‪:‬‬
‫ِ ِ (((‬
‫ْب َوَْتويل»‬ ‫ْب ِم ْن قـَل ٍ‬ ‫اح َذ ْر َعلَى الْ َقل ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ْب قـَلْبًا م ْن تـََقلُّبِه ‪ ...‬فَ ْ‬
‫ِ‬
‫َما سُّ َي الْ َقل ُ‬
‫نسأل هللا أن يثبت قلوبنا على طاعته‪.‬‬

‫((( رواه الرتمذي (‪)3522‬‬


‫((( رواه مسلم (‪)2654‬‬
‫((( فتح الباري البن حجر (‪)377 /13‬‬
‫((( مرقاة املفاتيح شرح مشكاة املصابيح (‪)163 /1‬‬
‫((( عمدة القاري شرح صحيح البخاري (‪)298 /1‬‬

‫د‪.‬عبداهلل بن حمود الفريح‬


‫‪@alforiih‬‬
‫من جوامع‬
‫الــدعــــاء‬ ‫‪6‬‬ ‫دعوات نبوية‬

‫ول َِّ‬ ‫َع ْن َعائِ َشةَ ‪ ،i‬أ َّ‬


‫اء‪:‬‬ ‫الل ‪َ ‬علَّ َم َها َه َذا الد َ‬
‫ُّع َ‬ ‫َن َر ُس َ‬
‫آجلِـ ِـه‪ ،‬مــا علِمـ ُ ِ‬ ‫اجلِـ ِـه و ِ‬ ‫ـر ُكلِّـ ِـه َع ِ‬ ‫ُك ِمـ َـن ْ‬
‫ـت م ْنــهُ َوَمــا َلْ‬ ‫َ َْ‬ ‫َ‬ ‫الَـ ِْ‬ ‫َسـأَل َ‬ ‫(اللَّ ُهـ َّـم إِِّن أ ْ‬
‫ِ‬
‫ـت م ْنــهُ َوَمــا َلْ أَ ْعلَ ْم‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الشـ ِّـر ُكلّــه َعاجلــه َوآجلــه‪َ ،‬مــا َعل ْمـ ُ‬‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ـك مـ َـن َّ‬ ‫ِ‬ ‫أَ ْعلَـ ْـم‪َ ،‬وأَعُــوذُ بِـ َ‬
‫ك ِم ْن َشـ ِّـر َما‬ ‫ك‪َ ،‬وأَعُوذُ بِ َ‬ ‫َك َع ْب ُد َك َونَبِيُّ َ‬‫ُك ِم ْن َخ ِْي َما َسـأَل َ‬ ‫َسـأَل َ‬‫اللَّ ُه َّم إِِّن أ ْ‬
‫ب إِلَيـَْهــا ِمـ ْـن ق ـَ ْـو ٍل أ َْو‬
‫ُك ا ْلَنَّـةَ َوَمــا ق ـَ َّـر َ‬
‫َسـأَل َ‬‫ـك‪ ،‬اللَّ ُهـ َّـم إِِّن أ ْ‬ ‫َعــا َذ بِـ ِـه َع ْبـ ُد َك َونَبِيُّـ َ‬
‫ِ‬ ‫عمـ ٍـل‪ ،‬وأَعــوذُ بِـ َ ِ‬
‫ُك أَ ْن‬ ‫َسـأَل َ‬ ‫ب إِلَيـَْهــا مـ ْـن ق ـَ ْـو ٍل أ َْو َع َم ٍل‪َ ،‬وأ ْ‬ ‫ـك مـ َـن النَّــا ِر َوَمــا ق ـَ َّـر َ‬ ‫ََ َ ُ‬
‫ضيـْتَــهُ ِل َخيْـ ًـرا)‬ ‫ٍ‬
‫ضــاء قَ َ‬ ‫ـل ُك َّل قَ َ‬ ‫َتْ َعـ َ‬
‫(((‬

‫التعليق‪:‬‬
‫هــذا الدعــاء وإن كان طوي ـاً إال أنــه مــن الســهل حفظــه‪ ،‬وأوردتــه ألمهيتــه البالغــة وألفاظــه اجلامعــة لــكل خــر‪،‬‬
‫وهــو مــن أمجــع األدعيــة‪ ،‬فــإن فيــه س ـؤال كل خــر‪ ،‬واالســتعاذة مــن كل شــر‪ ،‬مث س ـؤال هللا تعــاىل واســتعاذته أبفضــل‬
‫السـؤاالت واالســتعاذات‪ ،‬وهــي مــا كان يدعــو هبــا صلــى هللا عليــه وســلم‪ ،‬فيســأل العبـ ُـد ربـَّـه جـ َّـل وعــا كل خــر ســأله‬
‫النــي ‪ – ‬ومــن ذلــك سـؤاالته اجلامعــة يف مجيــع األدعيــة – واالســتعاذة مــن كل شــر اســتعاذ منــه النــي ‪ – ‬ومــن‬
‫ذلــك اســتعاذاته اجلامعــة يف مجيــع األدعيــة ‪ -‬مث س ـؤال هللا تعــاىل أفضــل اخلــر‪ ،‬وهــو اجلنــة واألعمــال الصاحلــة ِّ‬
‫املقربــة‬
‫إليهــا‪ ،‬واالســتعاذة مــن أعظــم الشــر‪ ،‬وهــو النــار واملعاصــي املقربــة إليهــا‪ ،‬وإذا حصــل للعبــد مــا يف هــذا الدعــاء فقــد‬
‫حصــل لــه أعظــم الفضــل‪ ،‬فــا تغفــل عمــا فيــه مــن اخلــر العميــم‪ ،‬فإنــه مــن أمجــع األدعيــة الشــاملة علــى الفضــل والنعيــم‪،‬‬
‫أجــع مــا ورد ِف الدُّعـ ِ‬
‫ـاء ‪ ...‬مث ذكــر هــذا الدعــاء»‬ ‫قــال املــا علــي قــاري‪« :‬و ْ َ ُ َ َ َ َ‬
‫(((‬
‫َ‬
‫وقــال املنــاوي‪« :‬قــال احلليمــي‪ :‬هــذا مــن جوامــع الكلــم الــي اســتحب الشــارع الدعــاء هبــا‪ ،‬ألنــه إذا دعــا هبــذا فقــد‬
‫ســأل هللا مــن كل خــر‪ ،‬وتعــوذ بــه مــن كل شــر‪ ،‬ولــو اقتصــر الداعــي علــى طلــب حســنة بعينهــا أو دفــع ســيئة بعينهــا‬
‫(((‬
‫صــر يف النظــر لنفســه»‬‫كان قــد قَ َّ‬

‫((( رواه أمحد (‪ ,)134/ 6‬وابن ماجه (‪ ,)1264 /2‬وصححه األلباين يف صحيح اجلامع الصغري (‪)274 /1‬‬
‫((( مرقاة املفاتيح (‪:)1739‬‬
‫((( فيض القدير (‪)162 /2‬‬

‫د‪.‬عبداهلل بن حمود الفريح‬


‫‪@alforiih‬‬
‫من جوامع‬
‫الــدعــــاء‬ ‫‪7‬‬ ‫دعوات نبوية‬

‫ـك أَ ْن تَســم ِعي مــا أ ِ‬


‫ُوصيـ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫اطمـةَ‪« :‬مــا يَْنـعـ ِ‬ ‫َعــن أَنـَـس بـ ِن مالِـ ٍ‬
‫ـك‬ ‫َْ َ‬ ‫ـي ‪ ‬ل َف َ َ َُ‬ ‫ـال النَّـِ ُّ‬
‫ـول‪ :‬قَـ َ‬
‫ـك ‪ ،h‬يـَُقـ ُ‬ ‫ْ َ‬ ‫ْ‬
‫ت‪:‬‬ ‫ـت وإِ َذا أ َْمسـ ْـي ِ‬
‫َ‬ ‫َصبَ ْحـ َ‬ ‫بِـ ِـه‪ ،‬أَ ْن تـَُقـ ِ‬
‫ـول إِ َذا أ ْ ِ‬

‫ـح ِل َشـأِْن ُكلَّــهُ‪َ ،‬وَل تَ ِك ْلـ ِـي إِ َل‬ ‫يث‪ ،‬أ ِ‬


‫َســتَ ِغ ُ ْ‬
‫َصلـ ْ‬ ‫ـك أ ْ‬ ‫ـوم بَِر ْحَتِـ َ‬
‫(ي َحـ ُّـي َي قـَيُّـ ُ‬ ‫َ‬
‫ٍ (((‬
‫نـَْفســي طَ ْرفَةَ َع ْي)‬‫ِ‬
‫(((‬
‫َســتَ ِغ ُ‬
‫يث)‬ ‫ـوم بَِر ْحَتِـ َ‬
‫ـك أ ْ‬ ‫(ي َحـ ُّـي َي قـَيُّـ ُ‬
‫ـال‪َ :‬‬ ‫ـي ‪ ‬إِ َذا َك َربَــهُ أ َْمـ ٌـر قَـ َ‬‫ـال‪َ « :‬كا َن النَّـِ ُّ‬
‫وعْنــه قَـ َ‬
‫َ‬

‫التعليق‪:‬‬
‫كثـرا مــا متــر ابلعبــد كــروب ومضائــق حــى يظــن أن األمــر بلــغ بــه مبلغــه‪ ،‬سـواء يف صحتــه أو أهلــه أو ولــده أو مالــه أو‬
‫عزيــز عليــه‪ ،‬ويبلــغ بــه مــن اهلــم الشــيء العظيــم‪ ،‬ويغفــل عــن هديــه ‪ ‬يف الكــروب وغريهــا مــن االســتغاثة برمحــة هللا تعــاىل الــي‬
‫إن غشــيَته غشــاه كل خــر‪ ،‬الســيما إذا صاحــب ذلــك إظهــار الضعــف ابالســتغناء عــن احلــول والقــوة يف النفــس إال ابهلل‪ ،‬فــإن‬
‫إظهــار الضعــف وصــدق االلتجــاء هــي الــي كان ميتثلهــا األنبيــاء يف دعائهــم‪.‬‬
‫وأعظــم مطلــوب أن يســأل العبــد صــاح النفــس‪ ،‬ألهنــا إذا صلحــت تتابــع عليهــا اخلــر والعمــل الصــاحل‪ ،‬نســأل هللا‬
‫مــن فضلــه‪.‬‬
‫يث» ِف دفْـ ِع هـ َذا الــد ِ‬ ‫َســتَ ِغ ُ‬ ‫ِ ِِ‬
‫َّاء – أي اهلــم والكــرب والغــم‬ ‫َ َ‬ ‫ـك أ ْ‬ ‫ـوم‪ ،‬بَِر ْحَتِـ َ‬‫«ي َحـ ُّـي َي قـَيُّـ ُ‬ ‫«وِف َتْثـ ِر قـَْولــه‪َ :‬‬ ‫قــال ابــن القيــم‪َ :‬‬
‫َعظَــم الَّـ ِـذي إِ َذا د ِعــي بِـ ِ‬ ‫ـال‪ ،‬وِلـ َذا َكا َن اســم َِّ‬ ‫ِ‬ ‫ـاة متض ِمنَـةٌ ِل ِميـ ِع ِص َفـ ِ‬ ‫اليـ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ـاب‪،‬‬ ‫ـ‬
‫ُ َ َ َ‬‫َج‬ ‫أ‬ ‫ـه‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ال‬‫ْ‬ ‫الل‬ ‫ُْ‬ ‫َْ َ َ‬ ‫ـ‬‫ع‬ ‫ـ‬ ‫ف‬‫ال‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ـات‬ ‫اســبَةٌ بَد َيعـةٌ‪ ،‬فَـإ َّن ص ََ ُ َ ّ َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ة‬
‫َ‬ ‫ـ‬ ‫ف‬
‫َ‬ ‫‪ُ -‬منَ َ‬
‫النَّــةِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ـت َحيَــاةُ أ َْهـ ِـل َْ‬ ‫َسـ َقام َو ْالَلم‪َ ،‬ولـَ َذا لَ َّمــا َك ُملَـ ْ‬ ‫ـاد َجيـ َـع ْال ْ‬ ‫ضـ ُّ‬ ‫َّامـةُ تُ َ‬
‫الَيَــاةُ الت َّ‬ ‫الـَ ِّـي الْ َقيُّــوم‪َ ،‬و ْ‬
‫اسـ ُـم ْ‬ ‫َوإِ َذا ُســئ َل بِــه أ َْعطَــى‪ُ :‬هـ َـو ْ‬
‫وميَّـ ِـة‬
‫ـال الْ َقيُّ ِ‬ ‫ـال‪ ،‬وتـنَـ ِـاف الْ َقيُّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ـات‪ .‬ونـ ْقصــا ُن ْ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وميَّـةَ‪ ،‬فَ َك َمـ ُ‬ ‫ضـ ُّـر ِبْلَفـَْعـ َ ُ‬ ‫الَيَــاة تَ ُ‬ ‫َلْ يـَْل َح ْق ُهـ ْـم َهـ ٌّـم َوَل َغـ ٌّـم َوَل َحـ َـز ٌن َوَل َشـ ْـيءٌ مـ َـن ْالفَـ َ ُ َ‬
‫ـوم َل يـَتـََعـ َّـذ ُر َعلَْيـ ِـه فِ ْعـ ٌـل مُْ ِكـ ٌـن الْبـَتَّـةَ‪ ،‬فَالتـََّو ُّسـ ُـل‬ ‫ُّ‬ ‫ْ‬ ‫و‬ ‫‪،‬‬ ‫ة‬ ‫ـ‬ ‫ت‬
‫َّ‬ ‫ـ‬ ‫ب‬‫ْ‬‫ل‬ ‫ا‬ ‫ِ‬
‫الَيَــاة َ َُ ُ ُ َ ُ َ َ َ َ َ ُ‬
‫ـ‬‫ي‬ ‫ق‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ـال‬ ‫ـ‬‫م‬ ‫ك‬‫َ‬ ‫ل‬
‫ْ‬ ‫ا‬ ‫ة‬ ‫ـ‬ ‫ف‬ ‫ِ‬
‫ص‬ ‫ـه‬
‫ـ‬ ‫ت‬‫و‬ ‫ف‬ ‫ـ‬ ‫ت‬ ‫ل‬ ‫ـام ْ ِ‬ ‫الـَ ُّـي ال ُْمطْلَـ ُـق التَّـ ُّ‬ ‫اليـ ِ‬
‫ـاة‪ ،‬فَ ْ‬ ‫ِ ِ‬
‫ل َك َمــال ََْ‬
‫ِ (((‬
‫ضـُّـر ِبْلَفـَْعــال»‬ ‫ي‬ ‫و‬ ‫‪،‬‬ ‫ة‬ ‫ـا‬
‫ـ‬ ‫ي‬ ‫ال‬
‫ْ‬ ‫ـاد‬
‫ُّ‬ ‫ـ‬‫ض‬ ‫ي‬ ‫ـا‬
‫ـ‬‫م‬ ‫ِ‬
‫ـة‬ ‫ـ‬
‫َ‬‫ل‬ ‫ا‬
‫ز‬ ‫ِ‬
‫إ‬ ‫ف‬ ‫ِ‬ ‫ـر‬ ‫ِ‬
‫ـ‬ ‫ْث‬
‫ت‬ ‫ـه‬‫ـ‬
‫َ‬‫ل‬ ‫ـة‬
‫ـ‬ ‫ي‬ ‫القيوم‬‫و‬ ‫ـاة‬‫ـ‬ ‫ي‬ ‫احل‬ ‫ص َفـ ِـة‬
‫بِ ِ‬
‫ُ َ ٌ َ َ ُ َ ََ َ َ َ ُ‬

‫((( رواه النسائي يف السنن الكربى (‪ ،)212 /9‬وحسنه األلباين يف صحيح اجلامع الصغري (‪)1013 /2‬‬
‫((( رواه الرتمذي (‪ ،)425 /5‬وحسنه األلباين يف صحيح اجلامع الصغري (‪)868 /2‬‬
‫((( الطب النبوي البن القيم ص (‪)152‬‬

‫د‪.‬عبداهلل بن حمود الفريح‬


‫‪@alforiih‬‬
‫من جوامع‬
‫الــدعــــاء‬ ‫‪8‬‬ ‫دعوات نبوية‬

‫ال ِل َر ُس ُ‬
‫ول ‪« :‬قُ ِل‪:‬‬ ‫َع ْن َعلِ ٍّي ‪ ،h‬قَ َ‬
‫ال‪ :‬قَ َ‬

‫الله َّم ْاه ِدِن َو َس ِّد ْدِن‬


‫ُ‬
‫الس ْه ِم»‬ ‫الس َد ِاد‪َ ،‬س َد َ‬
‫اد َّ‬ ‫يق‪َ ،‬و َّ‬ ‫َواذْ ُك ْر‪ِ ،‬ب ْلَُدى ِه َدايـَتَ َ‬
‫ك الطَّ ِر َ‬
‫(((‬

‫التعليق‪:‬‬
‫مهمــن يف حيــاة العبــد حيصــل هبمــا الفــاح والســعادة‪ ،‬ومهــا‪ :‬اهلدايــة‬‫هــذا الدعــاء املبــارك يتضمــن مطلبــن َّ‬
‫الل اهلـُ َـدى يوصلــك إىل معرفــة احلــق‪ ،‬واتباعــه ظاه ـرا وابطنــا‪.‬‬
‫والســداد‪ ،‬فس ـؤال َّ‬
‫الل الســداد وهــو االســتقامة يف مجيــع األمــور مبــا يكــون صـواابً علــى احلــق‪ ،‬فــإن العبــد قــد يزيــغ يف هــذه‬ ‫وسـؤال َّ‬
‫احليــاة أبمــور يظنهــا ص ـو ًاب‪ ،‬وإذا ســأل العبــد ربــه اهلدايــة والســداد حــاز صــاح األعمــال واســتقامة احلــال‪ ،‬كمــا قــال‬
‫صلِـ ْـح لَ ُكـ ْـم أَ ْع َمالَ ُكـ ْـم َويـَغْ ِفـ ْـر لَ ُكـ ْـم ذُنُوبَ ُكـ ْـم﴾‪ ،‬فهو هبــذا انل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫تعــاىل‪َ ﴿ :‬ي أَيـَُّهــا الَّذيـ َـن َ‬
‫آمنُـوا اتـَُّقـوا َّ‬
‫الل َوقُولُـوا ق ـَ ْـوًل َســدي ًدا * يُ ْ‬
‫فضيلتــن‪ :‬صــاح األعمــال‪ ،‬ومغفــرة الذنــوب والــي بعدهــا تســتقيم احلــال‪.‬‬
‫السـ ْـهم» فيه داللة على أمهية اســتحضار معاين‬ ‫ابلسـ َد ِاد َسـ َد َاد َّ‬
‫يق‪َ ،‬و َّ‬ ‫ويف قوله ‪َ « :‬واذْ ُك ْر ِب ْلَُدى ِه َدايـَتَ َ‬
‫ك الطَّ ِر َ‬
‫الدعــاء‪ ،‬وأنــه ينبغــي ملــن دعــا أن يتأمــل ألفاظــه حــال دعائــه‪ ،‬ففــي هــذا الدعــاء مثــا يتذكــر بسـؤال اهلــدى هدايــة الطريــق‬
‫الصحيح القومي املوصل إىل عبادة هللا كما ينبغي‪ ،‬وابلســداد ســداد الســهم إذا ُرمي به الغرض‪ ،‬ال مييل مييناً وال مشاال‪،‬‬
‫كذلــك يف عباداتــك تكــون علــى ســداد الزيــغ فيهــا وال ميــل‪.‬‬
‫(((‬
‫قال القونوي‪« :‬اشرتط يف هذا احلديث صحة االستحضار لألمر املطلوب من احلق حال الطلب»‬
‫اللهم َّإن نسألك اهلداية والسداد لنا وألزواجنا وذرايتنا‪ ،‬وللمسلمني واملسلمات‪.‬‬

‫((( رواه مسلم (‪)2725‬‬


‫((( فيض القدير للمناوي (‪)524 /4‬‬

‫د‪.‬عبداهلل بن حمود الفريح‬


‫‪@alforiih‬‬
‫من جوامع‬
‫الــدعــــاء‬ ‫‪9‬‬ ‫دعوات نبوية‬

‫ول‪:‬‬ ‫ول ِ‬
‫هللا ‪ ،‬يـَُق ُ‬ ‫َع ْن أَِب ُهَريـَْرَة ‪ ،h‬قَ َ‬
‫ال‪َ :‬كا َن َر ُس ُ‬
‫اي الَِّت‬ ‫«الله َّم أَصلِح ِل ِد ِين الَّ ِذي هو ِعصمةُ أَم ِري‪ ،‬وأ ِ‬
‫َصل ْح ِل ُدنـْيَ َ‬ ‫َُ ْ َ ْ َ ْ‬ ‫ُ ْ ْ‬
‫اج َع ِل ا ْلَيَاةَ ِزَي َدةً‬ ‫و‬ ‫ي‪،‬‬ ‫آخرِت الَِّت فِيها مع ِ‬
‫اد‬ ‫اشي‪ ،‬وأَصلِح ِل ِ‬ ‫فِيها مع ِ‬
‫َ ْ‬ ‫َ ََ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ ْ‬ ‫َ ََ‬
‫ٍ (((‬
‫احةً ِل ِم ْن ُك ِّل َش ّر»‬‫ر‬ ‫ت‬ ‫و‬ ‫ْم‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ِ‬
‫ل‬ ‫ع‬
‫ُ ّ َْ َ َْ َْ َ َ َ‬‫اج‬‫و‬ ‫‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫ي‬ ‫خ‬ ‫ِ‬
‫ل‬ ‫ك‬ ‫ف‬‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ِ‬

‫التعليق‪:‬‬
‫هــذا دعــاء أحــاط بصــاح كل شــيء مــن شــأنك‪ :‬الديــن والدنيــا واآلخــرة‪ ،‬فــإذا صلــح الديــن ثبــت العبــد علــى طاعــة‬
‫ربــه جــل وعــا‪ ،‬وإذا صلحــت الدنيــا اراتح العبــد مــن هــم املعيشــة والكــدح يف طلبهــا‪ ،‬وإذا صلحــت اآلخــرة حصــل لــه الفــاح‬
‫بدخــول اجلنــة‪ ،‬ويف احلديــث إيــكال األمــر يف احليــاة واملمــات والــذي هــو حتــم علــى كل حــي إىل توفيــق هللا ابالزدايد مــن اخلــر‬
‫والراحــة مــن الشــر‪ ،‬ومــن ذلــك فــن الشــبهات والشــهوات املقبلــة الــي قــد حتــرف العبــد وتُزيغــه عــن طريــق احلــق‪ ،‬ويف صحيــح‬
‫هلل ِمــن ال ِْفـ َ ِ‬
‫ـن‪َ ،‬مــا ظَ َهـَـر ِمنـَْهــا َوَمــا بَطَـ َـن»‬ ‫ِ ِ‬
‫مســلم مــن حديــث زيــد بــن اثبــت قَــال ‪« :‬تـََعـ َّـوذُوا ب َ‬
‫(((‬

‫قــال الشــيخ فيصــل آل مبــارك‪« :‬هــذا مــن األدعيــة اجلوامــع‪ ،‬فــإن هللا تعــاىل إذا وفــق العبــد للقيــام آبداب الديــن‪ ،‬ورزقــه‬
‫مــن احلــال كفافًــا‪ ،‬ووفقــه لإلخــاص‪ ،‬وحســن اخلامتــة‪ ،‬وأطــال عمــره علــى طاعتــه‪ ،‬ووقــاه مــن الفــن‪ ،‬فقــد حصــل لــه ســعادة‬
‫(((‬
‫الدنيــا واآلخــرة»‬

‫ويف الدعــاء بــدأ ابلديــن الــذي هــو عصمــة للعبــد يف الدنيــا واآلخــرة‪ ،‬أي حفــظ لــه يف الدنيــا مــن األعمــال واألخــاق‬
‫الســيئة‪ ،‬وحفــظ لــه يف اآلخــرة أبن يُزحــزح عــن النــار ويدخــل اجلنــة‪.‬‬

‫قــال شــيخنا ابــن عثيمــن‪« :‬ومــن فوائــد احلديــث‪ :‬أن الديــن أهــم شــيء علــى اإلنســان؛ ألن النــي ‪ ‬بــدأ بــه‪ ،‬وهلــذا‬
‫إذا أردت أن تدعــو هللا لشــخص بصالحــه قــل‪ :‬أصلــح هللا لــك الديــن والدنيــا‪ ،‬فابــدأ ابلديــن؛ ألنــه إذا صلــح الديــن صلحــت‬
‫الدنيــا‪ ،‬دليــل ذلــك قولــه تعــاىل‪﴿ :‬مــن عمــل صاحلـاً مــن ذكـ ٍر أو أنثــى وهــو مؤمــن فلنحيينــه حيــاة طيبــة ولنجزينهــم أجرهــم‬
‫(((‬
‫أبحســن مــا كانـوا يعملــون﴾‪ ،‬فذكــر هللا لــه اجلزاءيــن‪ ،‬جـزاء يف الدنيــا وجـزاء يف اآلخــرة»‬

‫((( رواه مسلم (‪)2720‬‬


‫((( رواه مسلم (‪)2867‬‬
‫((( تطريز رايض الصاحلني ص (‪)809‬‬
‫((( فتح ذي اجلالل واإلكرام بشرح بلوغ املرام (‪)513 /6‬‬

‫د‪.‬عبداهلل بن حمود الفريح‬


‫‪@alforiih‬‬
‫من جوامع‬
‫الــدعــــاء‬ ‫‪10‬‬ ‫دعوات نبوية‬

‫ول فِ َيها؟ قَ َ‬
‫ال‪« :‬قُ ِول‪:‬‬ ‫َي لَيـْلَ ٍة لَيـْلَةُ ال َق ْد ِر َما أَقُ ُ‬
‫ت أ ُّ‬ ‫ِ‬
‫ت إِ ْن َعل ْم ُ‬
‫عن عائِشةَ ‪ ،i‬قَالَت‪ :‬قـ ْلت‪ :‬ي رس َ ِ‬
‫ول هللا أ ََرأَيْ َ‬ ‫ْ ُ ُ َ َُ‬ ‫َْ َ َ‬
‫(((‬
‫ف َع ِّن)‬ ‫ك عُ ُف ٌّو ُِت ُّ‬
‫ب ال َْع ْف َو فَا ْع ُ‬ ‫(اللَّ ُه َّم إِنَّ َ‬
‫التعليق‪:‬‬
‫تعتــر ليلــة القــدر أعظــم الليــايل‪ ،‬وهــي مــن الليــايل الــي يُرجــى فيهــا إجابــة الدعــاء‪ ،‬وإرشــاد النــي ‪ ‬لعائشــة هبــذا‬
‫الدعــاء داللــة علــى مزيتــه العظيمــة‪ ،‬وأمهيتــه‪ ،‬وال يعــي هــذا ختصيصــه بتلــك الليلــة؛ ألن حاجــة العبــد لعفــو هللا تعــاىل‬
‫هللا تعــاىل يف ســائر حياتــه‪ ،‬حيــث اختــار ‪‬‬ ‫ابلغــة‪ ،‬بــل تعليمــه ‪ ‬يف تلــك الليلــة دليــل علــى أمهيــة نيـ ِـل العبـ ِـد عفــو ِ‬
‫َ‬
‫هــذا املعــى العظيــم يف هــذه الليلــة املباركــة‪ ،‬قــال ابــن املل ِّقــن‪« :‬قــال البيهقــي‪ :‬طلــب العفــو مــن هللا مســتحب يف مجيــع‬
‫(((‬
‫األوقــات‪ ،‬وخاصــة يف هـ ِـذه الليلــة»‬
‫الل عــز وجــل التجــاوز عــن الذنــب‪ ،‬وتــرك العقــاب عليــه‪ ،‬يقــول القرطــي‪« :‬ال َْع ْفـ ُـو‪َ :‬ع ْفـ ُـو‬ ‫وال َْع ْفـ ُـو‪ :‬هــو س ـؤال َّ‬
‫ف الْغُ ْفـَـر ِان فَِإنـَّـهُ َل يَ ُكــو ُن َم َعــهُ عُ ُقوبَـةٌ الْبـَتَّـةَ‪َ ،‬وُك ُّل َمـ ِن‬‫هللا عـَّـز وجـ َّـل عــن خ ْل ِقـ ِـه‪ ،‬وقَـ ْد ي ُكــو ُن بـعـ َـد الْع ُقوبـ ِـة وقـبـلَهــا‪ِِ ،‬بـ َـا ِ‬ ‫ِ‬
‫َْ ُ َ َ َ ْ َ‬ ‫َ ََ َْ َ َ َ‬
‫َّ ِ (((‬ ‫ِ‬
‫اســتَ َح َّق عُ ُقوبَـةً فـَُِتَكـ ْ‬
‫ـت لَــهُ فـََقـ ْد عُفـ َـي َعْنــهُ فَال َْع ْفـ ُـو‪َْ :‬مـ ُـو الذنْــب»‬ ‫ْ‬
‫الل تعــاىل حيــب أمســاءه وصفاتــه‪ ،‬وحيــب مــن عبيــده أن يتعبَّــدوه هبــا‪ ،‬وأن يعمل ـوا‬ ‫قولــه‪ُِ ( :‬تـ ُّ‬
‫ـب ال َْع ْفـ َـو) أي أن َّ‬
‫الل العفــو‬
‫مبقتضاهــا ومضامينهــا‪ ،‬ومــن مضامينهــا أنــه ســبحانه حيــب العفـ َـو مــن عبــاده بعضهــم عــن بعــض فيمــا حيــب َّ‬
‫فيــه‪ ،‬فينبغــي للعبــد أن يكــون عفـ َّـواً لعبــاد هللا تعــاىل‪ ،‬وهــذا املطلــب يف غايــة األمهيــة‪.‬‬
‫ـت أ َْوَل ِبل َْع ْفـ ِو الْ َكثِـ ِر‪ ،‬فـََهـ َذا ُد َعــاءٌ ِمـ ْـن َج َو ِامـ ِع الْ َكلِـ ِم‪َ ،‬ح َاز‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ـف َعـ ِّـي) فَـِإِّن َكثــرُ التـَّْقصـ ِر‪َ ،‬وأَنْـ َ‬
‫قــال اهلــروي‪(« :‬فَا ْعـ ُ‬
‫الدنـْيَــا َو ْال ِخـَـرِة»(((‪ ،‬اللهــم إنــك عفــو حتــب العفو فاعف عنا‪.‬‬ ‫َخي ـَْـر ِي ُّ‬

‫((( رواه الرتمذي (‪ )3513‬وقال‪ :‬هذا حديث حسن صحيح‪ ,‬ورواه ابن ماجه (‪ ,)3850‬وصححه األلباين يف مشكاة املصابيح (‪)2091‬‬
‫((( التوضيح لشرح اجلامع الصحيح (‪)600 /13‬‬
‫((( تفسري القرطيب (‪)397 /1‬‬
‫((( مرقاة املفاتيح شرح مشكاة املصابيح (‪)1442 /4‬‬

‫د‪.‬عبداهلل بن حمود الفريح‬


‫‪@alforiih‬‬
‫من جوامع‬
‫الــدعــــاء‬ ‫‪1‬‬ ‫استعاذات نبوية‬

‫ول ِ‬
‫هللا ‪:‬‬ ‫ال‪َ :‬كا َن ِمن ُد َع ِاء رس ِ‬ ‫عن عب ِد ِ‬
‫هللا بْ ِن عُ َمَر‪ ،‬قَ َ‬
‫َُ‬ ‫ْ‬ ‫َ ْ َْ‬

‫اء ِة‬
‫ك‪َ ،‬وفُ َج َ‬ ‫ك ِم ْن َزَو ِال نِ ْع َمتِ َ‬
‫ك‪َ ،‬وَتَُّوِل َعافِيَتِ َ‬ ‫(الله َّم إِِّن أَعُوذُ بِ َ‬
‫ُ‬
‫(((‬
‫ك)‬ ‫ِ‬
‫ط‬ ‫خ‬ ‫س‬ ‫ع‬
‫َ َ ََ َ َ َ‬‫ِ‬ ‫ي‬ ‫ِ‬
‫ج‬ ‫و‬ ‫‪،‬‬ ‫ك‬ ‫ِ‬
‫ت‬ ‫م‬ ‫ق‬
‫ْ‬ ‫ِ‬
‫ن‬

‫التعليق‪:‬‬
‫إن أكثــر مــا حيزنــك يف احليــاة أن تصيبــك بلــوى تُفقــدك نعمــة تتقلــب فيهــا‪ ،‬وأعظــم الفقــد فقــد نعمــة الديــن أو‬
‫االســتقامة‪ ،‬أو ينــزل بــك مــرض حيـ ِّول عافيتــك إىل آالم تصارعهــا‪ ،‬وجتــوب األرض ألجلهــا‪ ،‬أو حيــل بــك ســخط هللا‬
‫تعــاىل ونقمتــه فجــأة وأنــت ال تشــعر‪ ،‬ففــي احلديــث تعـ ُّـوذ مــن أربعــة أمــور جامعــة لكثــر مــن املعــاين‪.‬‬
‫(زَوال النِ ْع َمــة) وأعظــم النعمــة حفظًــا نعمــة اإلســام ويشــمل التعـ ّـوذ مــن زوال نعمــة القــرآن‬ ‫ّأوُلــا‪ :‬التعـ ُّـوذ مــن َ‬
‫واالســتقامة والثبــات واألمــن والطعــام والشـراب واملــال والصحــة وســائر النِ َعــم الظاهــرة والباطنــة الدنيويـَّـة واألخرويــة‪ ،‬واثنيهــا‪:‬‬
‫صحيحــا‪ ،‬أرداه‬‫ً‬ ‫العافِيــة) وهــو أعظــم مــا خيشــاه كثــر مــن النــاس‪ ،‬فكــم مــن مريــض أُقعِــد بعدمــا كان‬ ‫(تَـ ُّـول َ‬ ‫التعـ ّـوذ مــن َ‬
‫يومــا‪،‬‬
‫ً‬ ‫ـا‬
‫ـ‬ ‫ه‬ ‫أهل‬ ‫ـن‬
‫ـ‬ ‫م‬ ‫كان‬ ‫ـي‬ ‫ـ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫ـة‬
‫ـ‬ ‫ي‬ ‫العاف‬ ‫ـن‬
‫ـ‬ ‫ع‬ ‫ـث‬ ‫ـ‬ ‫ح‬ ‫يب‬ ‫ـرب‬
‫ً‬ ‫ـ‬ ‫غ‬‫و‬ ‫ا‬‫ق‬
‫ً‬‫ر‬ ‫ـ‬ ‫ش‬ ‫األرض‬ ‫ـاب‬‫ـ‬ ‫ج‬‫و‬ ‫ـة‪،‬‬
‫ـ‬ ‫ح‬ ‫الص‬ ‫ـال‬‫ـ‬ ‫ح‬ ‫ـه‬‫ـ‬ ‫ي‬ ‫عل‬ ‫ـو‬
‫ـ‬ ‫ه‬ ‫ـا‬
‫ـ‬ ‫مم‬ ‫ـر‬‫ـ‬ ‫ث‬ ‫ك‬ ‫ـرك‬
‫املــرض إىل تـ‬
‫اء ِة النِ ْق َمة) فألن الصوارف‬ ‫ََ‬ ‫ج‬ ‫ف‬
‫ُ‬ ‫(‬ ‫من‬ ‫ذ‬‫التعو‬
‫َّ‬ ‫أما‬‫و‬ ‫العافية‪،‬‬ ‫ل‬ ‫حتو‬
‫ّ‬ ‫كثرة‬ ‫يدرك‬ ‫آالم‬ ‫من‬ ‫فيها‬ ‫وما‬ ‫اليوم‬ ‫للمستشفيات‬ ‫والناظر‬
‫ك) وإن من السخط الذي‬ ‫جي ِع َس َخ ِط َ‬‫بتعوذ جامع فقال‪( :‬و َِ‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫ّ‬ ‫الدعاء‬ ‫ختم‬ ‫مث‬ ‫احلياة‪،‬‬ ‫يف‬ ‫ا‬‫أثر‬‫و‬
‫ً ً‬ ‫ا‬ ‫وجع‬ ‫األكثر‬ ‫هي‬ ‫املفاجئة‬
‫قد يلحق العبد هو سريه يف احملرمات والشهوات دون نذير له يف نفسه يردعه‪ ،‬أو قلب يؤنِّبه‪ ،‬ويشمل مجيع ما يُغضب‬
‫(((‬
‫هللا تعــاىل مــن األقـوال واألفعــال واألعمــال‪( ،‬وإذا انتفــت األســباب املقتضيــة للســخط حصلــت أضدادهــا وهــو الرضــا)‬
‫قــل يل بربــك ألســت تــرى أن كثـرا مــن النــاس إمنــا يتقلَّــب يف هــذه الدنيــا حبثًــا عــن النجــاة مــن هــذه النـوازل الــي‬
‫جــاءت يف هــذه التعــوذات! هــي كلمــات أربــع يسـرات جامعــة لكثــر مــن التعــوذات الــي خيافهــا النــاس اليــوم‪.‬‬
‫فاللهم إان نعوذ بك من زوال نعمتك وحت ِّول عافيك وفجاءة نقمتك ومجيع سخطك‪.‬‬

‫((( رواه مسلم (‪)2739‬‬


‫((( الفتوحات الرابنية البن علَّن (‪)631/3‬‬

‫د‪.‬عبداهلل بن حمود الفريح‬


‫‪@alforiih‬‬
‫من جوامع‬
‫الــدعــــاء‬ ‫‪2‬‬ ‫استعاذات نبوية‬

‫ـال‪ :‬سـأَلْت عائِشـةَ ‪ i‬عــن دعـ ٍ‬


‫ـاء َكا َن ي ْدعــو بِـ ِـه رسـ ُ ِ‬
‫ـت‪:‬‬
‫ـول هللا ‪ ،‬فـََقالَـ ْ‬ ‫َ ُ َُ‬ ‫َ ْ َُ‬ ‫َعـ ْـن ف ـَْـرَوَة بْـ ِن نـَْوفَـ ٍـل‪ ،‬قَـ َ َ ُ َ َ‬
‫ـول‪:‬‬
‫َكا َن يـَُقـ ُ‬

‫ك ِم ْن َش ِّر َما َع ِمل ُ‬


‫ْت‪َ ،‬و َش ِّر َما َلْ أَ ْع َم ْل)‬ ‫(الله َّم إِِّن أَعُوذُ بِ َ‬
‫(((‬
‫ُ‬
‫التعليق‪:‬‬
‫هذا دعاء جيمع لك االستعاذة من مجيع السيئات املاضية والقادمة‪:‬‬

‫ك ِم ْن َشـ ِّر َما َع ِمل ُ‬


‫ْت) اســتعاذة من الســيئات الســابقة مما قد يقتضي عقوبة‬ ‫ففي قوله ‪( :‬اللَّ ُه َّم إِِّن أَعُوذُ بِ َ‬
‫كل الشــرور‪ ،‬والذنوب املاضية‪.‬‬ ‫يف الدنيا واآلخرة‪ ،‬فهي اســتعاذة من ّ‬
‫ـل) أي أنــي أســتعيذ مــن كل تقصــري يف تــرك احلســنات املاضيــة فــإن هــذا مــن‬ ‫(و َش ـ ِّر َمــا َلْ أَ ْع َمـ ْ‬
‫ويف قولــه‪َ :‬‬
‫الشــر‪ ،‬وأســتعيذ مــن الذنــوب املســتقبلية فنجــي منهــا‪ ،‬فمــا أعظمــه مــن دعــاء جامــع مجــع كل هــذا اخلــر الــذي حيتاجــه‬
‫املســلم! وهــو هبــذا يتجنــب غضــب هللا وعقوبتــه يف الدنيــا واآلخــرة بتعــوذه مــن مجيــع الذنــوب مــا ســبق منهــا ومــا ســيأيت‪.‬‬
‫ومــن جنَّبــه هللا الشــرور عــاش طيــب احليــاة الدنيــا واآلخــرة‪ ،‬فاللهــم إننــا نعــوذ بــك مــن شــر مــا عملنــا وشــر مــا‬
‫مل نعمــل‪.‬‬

‫((( رواه مسلم (‪)2716‬‬

‫د‪.‬عبداهلل بن حمود الفريح‬


‫‪@alforiih‬‬
‫من جوامع‬
‫الــدعــــاء‬ ‫‪3‬‬ ‫استعاذات نبوية‬

‫ول‪:‬‬ ‫ال‪َ :‬كا َن النِ ُّ‬


‫َّب ‪ ‬يـَُق ُ‬ ‫َعن قُطْبةُ بن مالِ ٍ‬
‫ك قَ َ‬ ‫ْ َ ُْ َ‬
‫ك ِمن م ْن َكر ِ‬
‫ات األَ ْخالَ ِق‪ ،‬واألَ ْعم ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫ال‪،‬‬ ‫َ َ‬ ‫(الل ُه َّم إِّن أَعُوذُ ب َ ْ ُ َ‬
‫ِ (((‬
‫َواأل َْه َو ِاء‪َ ،‬و ْالَ ْد َواء)‬
‫التعليق‪:‬‬
‫هذا دعاء عظيم اشتمل على استعاذات مهمة جامعة‪:‬‬
‫ات األَ ْخ ـاَ ِق) أي أســألك هللا اي ريب أبن جتنبــي األخــاق الســيئة‬ ‫ـك ِمــن م ْن َكــر ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫قولــه‪( :‬الل ُهـ َّـم إِّن أَعُــوذُ بـ َ ْ ُ َ‬
‫ـال) سـواء كانــت أعمــاالً قلبيَّــة‪ :‬كاحلســد واحلقــد وســوء الظــن وســائر‬ ‫الــي ينكرهــا العبــاد‪ ،‬وأن جتنبــي منكـرات (األَ ْعمـ ِ‬
‫َ‬
‫األمـراض القلبيــة‪ ،‬أو كانــت أعمــاالً قوليــة‪ :‬كالســب والشــتم‪ ،‬والكــذب وعمــوم القــول القبيــح‪ ،‬أو أعمــاالً فعليــة‪ :‬كالقتــل‬
‫والـزان واخلمــر والســرقة والظلــم وكل فعــل قبيــح‪ ،‬وقيــل املـراد ب ــ(األَ ْخـاَ ِق)‪ :‬املنكـرات الباطنــة أي القلبيــة‪ ،‬وب ــ(األَ ْعمـ ِ‬
‫ـال)‬ ‫َ‬
‫أي منكـرات األفعــال الظاهــرة سـواء كانــت قوليــة أو فعليــة(((‪.‬‬
‫(واأل َْهـ َـو ِاء) مجــع هــوى‪ ،‬أي جنبــي هــوى النفــس وميلهــا للشــهوات الباطلــة والوقــوع يف الشــبهات والزيــغ‬
‫قولــه‪َ :‬‬
‫ـوى مضــل‪.‬‬
‫ً‬ ‫ـ‬ ‫ه‬ ‫كل‬ ‫ـن‬‫ـ‬ ‫ع‬ ‫ـدين‬
‫ـ‬ ‫ع‬ ‫واب‬ ‫ـات‪،‬‬
‫ـ‬ ‫ف‬ ‫ا‬
‫ر‬ ‫االحن‬
‫و‬ ‫ـات‬
‫ـ‬ ‫ف‬ ‫اخلال‬ ‫ـبب‬
‫ـ‬ ‫س‬ ‫ـي‬‫ـ‬ ‫ه‬ ‫ـي‬ ‫والضــاالت الـ‬
‫(و ْالَ ْد َو ِاء) مجــع داء‪ ،‬وهــو املــرض‪ ،‬واملعــى‪ :‬أعــوذ بــك مــن منكـرات األســقام‪ ،‬واألمـراض اخلطــرة‪ ،‬مثــل‬ ‫قولــه‪َ :‬‬
‫اجلــذام‪ ،‬والــرص‪ ،‬والســل‪ ،‬والســرطان واأليــدز‪ ،‬وغريهــا مــن األمـراض العصريــة الــي فتكــت ابملرضــى وتنقلـوا يف البلــدان‬
‫ص‪ ،‬وا ْلنُـ ِ‬ ‫حبثــا عــن عالجهــا‪ ،‬ومــن احلســن أن يضيــف املســلم هلــذا دعــاء النــي ‪« :‬اللَّهـ َّـم إِِن أَعــوذُ بِـ َ ِ‬
‫ـون‪،‬‬ ‫ـك مـ َـن الب ـَ َـر ِ َ ُ‬ ‫ُ ّ ُ‬ ‫ً‬
‫ِ‬
‫َس ـ َق ِام»(((‪ ،‬وســيء األســقام هــي األمــر األشـ ُّـد فت ـ ًكا ابملريــض‪ ،‬ويدخــل يف هــذا األم ـراض‬ ‫َوا ْلُـ َذ ِام‪َ ،‬ومـ ْـن َســيِّ ِئ ْال ْ‬
‫العصريــة الــي أعيــت األطبــاء ومــا دوهنــا‪.‬‬
‫فيالــه مــن دعــاء جامــع لــكل هــذه املعــاين الكبــرة الــي خيشــاها العبــد علــى نفســه‪ ،‬فحــري ابلعبــد أن ميتثــل هــذا‬
‫الدعــاء وحيفظــه ويــردده‪ ،‬أســأل هللا تعــاىل أن جينبنــا منك ـرات األخــاق واألعمــال واأله ـواء واألدواء‪.‬‬

‫(األ ْد َو ِاء) عند الطرباين واحلاكم دون الرتمذي‪ ,‬واحلديث صححه األلباين‬
‫((( رواه الرتمذي (‪ ,)3591‬والطرباين يف الكبري (‪ ,)36‬واحلاكم يف مستدركه (‪ ,)1949‬ولفظة َ‬
‫يف صحيح اجلامع (‪)278 /1‬‬
‫((( انظر‪ :‬مرقاة املفاتيح شرح مشكاة املصابيح للهروي (‪ ,)1712 /4‬وحتفة األحوذي للمباركفوي (‪)36/10‬‬
‫((( رواه أبوداود (‪ ,)1554‬والنسائي (‪ ,)5493‬وصححه األلباين يف صحيح اجلامع (‪)275 /1‬‬

‫د‪.‬عبداهلل بن حمود الفريح‬


‫‪@alforiih‬‬
‫من جوامع‬
‫الــدعــــاء‬ ‫‪4‬‬ ‫استعاذات نبوية‬

‫ال‪:‬‬ ‫ِ ِ‬
‫َّب ‪ ‬قَ َ‬ ‫ِ‬
‫َع ْن أَب ُهَريـَْرَة ‪َ ،h‬عن الن ِّ‬
‫الش َق ِاء‪،‬‬
‫لل ِم ْن َج ْه ِد البَالَِء‪َ ،‬و َد َر ِك َّ‬‫(تـع َّوذُوا ِب َِّ‬
‫ََ‬
‫ض ِاء‪َ ،‬و َشَاتَ ِة األَ ْع َداء)‬
‫ِ (((‬
‫ق‬ ‫ال‬
‫َُ َ َ‬ ‫ِ‬
‫وء‬ ‫س‬ ‫و‬
‫التعليق‪:‬‬
‫هــذا دعــاء أمــر النــي ‪ ‬أن نتعـ َّـوذ بــه وكان ‪ ‬يتعـ َّـوذ وذلــك ألمهيتــه واشــتماله علــى مجــل عظيمــة ينبغــي للمســلم أال يفـ ِّـرط هبــا‪ ،‬ففيــه‬
‫االســتعاذة مــن أربعــة أمــور‪:‬‬

‫ـك ِمـ ْـن َج ْهـ ِـد البَ ـاَِء)‪ ،‬أي اللهــم أجــرين مــن شــدة البــاء ومشــقته‪ ،‬ومــا ال طاقــة يل حبملــه وال دفعــه‪ ،‬مــن‬
‫إن أَعُـ ْـوذُ بِـ َ‬
‫أوهلــا‪ :‬قولــه‪( :‬اللَّهـ َّـم ِّ‬
‫ِ‬
‫ـب والشــت ِم والغيبــة وغريهــا ممــا يهتــم لــه العبــد وحيــزن ويســبب لــه األذى‪ ،‬ويدخــل فيــه ســائر البــاء مــن‬
‫ســائر البــاء اجلســدي كاألمـراض‪ ،‬واملعنــوي كالسـ ّ‬
‫الفــن واملصائــب الــي تنــزل ابلعبــد‪.‬‬

‫الش ـ َق ِاء)‪ ،‬أي أجــرين مــن أن يدركــي مــا يشــقيين ويُهلكــي مــن أمــور الدنيــا واآلخــرة(((‪ ،‬فــا جتعلــي مــن أهــل الشــقاء يف‬
‫(و َد َر ِك َّ‬
‫اثنيهــا‪ :‬قولــه‪َ :‬‬
‫الدنيــا س ـواء يف النفــس أو األهــل والولــد أو قلــة املــال وضيــق العيــش‪ ،‬ويف آخــريت مــن عقوبــة الذنــوب واآلاثم‪.‬‬
‫ضـ ِ‬
‫ـاء)‪ ،‬أي مــا حيــزن العبــد ويوقعــه يف القضــاء املقــدَّر يف الديــن والدنيــا والنفــس والولــد واألهــل واملــال حــى يف اخلامتــة(((‪ ،‬وســائر‬ ‫اثلثهــا‪( :‬وسـ ِ‬
‫ـوء ال َق َ‬ ‫َُ‬
‫ـرد هللا عنــك الســوء‪ ،‬وال يقــول العبــد أن قضــاء هللا ُكتــب فكيــف‬ ‫حيــاة العبــد يف الدنيــا واآلخــرة‪ ،‬وذلــك أبال يصيبــه شــيء مــن املكــروه‪ ،‬فبالدعــاء قــد يـ ّ‬
‫(((‬
‫يعيــذين منــه؟ فــإن هللا تعــاىل قــد يقضــي للعبــد البــاء ويقضــي أنــه إذا دعــا ُكشــف عنــه البــاء‬

‫(و َشَاتَـ ِـة األَ ْع ـ َد ِاء) أي فــرح العــدو مبــا ينــزل بــك مــن مكــروه‪ ،‬والعــدو هــو كل شــخص يســوءه مــا يفرحــك‪ ،‬ويفرحــه مــا ســاءك‪ ،‬فــإن‬
‫رابعهــا‪َ :‬‬
‫النــي ‪ ‬أمــر ابالســتعاذة منــه ملــا يف مشاتتــه مــن اآلاثر الكبــرة علــى النفــس مــن احلــزن واهلــم واألســى‪ ،‬والعــدواة واحلقــد واالنتقــام والتعــدي وغريهــا‬
‫مــن آاثر البغضــاء‪.‬‬

‫فهــذا دعــاء جليــل جامــع لالســتعاذة مــن مجيــع الشــرور يف الديــن والدنيــا‪ ،‬فاعــن بــه يف ليلــك وهنــارك‪ ،‬ويف ســفرك وحضــرك‪ ،‬حــى تكــون‬
‫يف حفــظ َّ‬
‫الل وعصمتــه مــن مجيــع شــرور الدنيــا واآلخــرة‪.‬‬

‫ض ِاء‪َ ،‬و َشَاتَِة َاأل ْع َد ِاء" واحلديث رواه البخاري (‪ ,)6616‬ومسلم‬ ‫ِ‬ ‫الل صلَّى هللا علَي ِه وسلَّم يـتـع َّوذُ ِمن جه ِد الب َال ِء‪ ،‬ودرِك َّ ِ‬
‫الش َقاء‪َ ،‬و ُسوء ال َق َ‬ ‫ول َّ َ ُ َ ْ َ َ َ َ ََ ْ َ ْ َ َ َ َ‬
‫((( ويف لفظ‪َ " :‬كا َن رس ُ ِ‬
‫َُ‬
‫(‪)2707‬‬
‫((( انظر‪ :‬شرح صحيح البخاري البن بطال (‪)323/10‬‬
‫((( انظر‪ :‬الكاشف عن حقائق السنن للطييب (‪ ,)1912 /6‬وفتح الباري البن حجر (‪)149 /11‬‬
‫((( انظر‪ :‬فتح الباري البن حجر (‪)149 /11‬‬
‫تنبيه‪ :‬االســتعاذة من ســوء القضاء ال ينايف الرضا بقضاء هللا وقدره؛ ألن املراد بســوء القضاء ما يســوء اإلنســان ويوقعه يف املكروه‪ ،‬ولفظ الســوء ينصرف إىل املقضي عليه‪،‬‬
‫وليــس قضــاء هللا تعــاىل الــذي هــو حكمــه وفعلــه‪ ،‬فهــذا كلّــه خــر ال شـّـر فيــه أبــداً‪ .‬كمــا قــال النــي صلــى هللا عليــه وســلم‪( :‬والشــر ليــس إليــك) رواه مســلم لكمالــه جـ ّـل‬
‫وعــا مــن كل الوجــوه‪ ،‬فــا يدخــل الشـّـر يف صفاتــه وال يف أفعالــه‪ ،‬وال يلحــق يف ذاتــه جـ ّـل وعــا‪ .‬انظــر‪ :‬الكاشــف عــن حقائــق الســنن للطيــي (‪ ،)1912 /6‬إرشــاد‬
‫الســاري لشــرح صحيــح البخــاري للقســطالين (‪ ،)200/9‬فتــح البــاري البــن حجــر (‪. )148/11‬‬

‫د‪.‬عبداهلل بن حمود الفريح‬


‫‪@alforiih‬‬
‫من جوامع‬
‫الــدعــــاء‬ ‫‪5‬‬ ‫استعاذات نبوية‬

‫ول‪:‬‬
‫ول‪َ :‬كا َن يـَُق ُ‬ ‫ول ِ‬
‫هللا ‪ ‬يـَُق ُ‬ ‫ول لَ ُك ْم إَِّل َك َما َكا َن َر ُس ُ‬ ‫َع ْن َزيْ ِد بْ ِن أ َْرقَ َم‪ ،‬قَ َ‬
‫ال‪َ :‬ل أَقُ ُ‬
‫ب‪َ ،‬والْبُ ْخ ِل‪َ ،‬وا ْلََرِم‪،‬‬
‫ك ِم َن ال َْع ْج ِز‪َ ،‬والْ َكس ِل‪َ ،‬وا ْلُْ ِ‬
‫َ‬ ‫(الله َّم إِِّن أَعُوذُ بِ َ‬
‫ُ‬
‫اها‪،‬‬ ‫َّ‬
‫ك‬ ‫ز‬
‫َ‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ر‬ ‫ـ‬ ‫ي‬ ‫خ‬ ‫ت‬ ‫ن‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫أ‬ ‫ا‬‫ه‬ ‫ِ‬
‫ك‬
‫ّ‬ ‫ز‬
‫َ‬ ‫و‬ ‫ا‪،‬‬ ‫اه‬‫و‬ ‫ق‬
‫ْ‬ ‫ـ‬ ‫ت‬ ‫ي‬ ‫ِ‬
‫س‬ ‫ف‬
‫ْ‬ ‫ـ‬ ‫ن‬ ‫ِ‬
‫آت‬ ‫م‬ ‫الله‬
‫ْ ُ َّ‬ ‫ِ‬
‫ب‬ ‫ق‬‫َ‬ ‫ْ‬
‫ل‬ ‫ا‬ ‫اب‬‫ِ‬ ‫َو َع َذ‬
‫َ َ َ َ َ َ َ ُْ َ ْ َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ك م ْن عل ٍْم َل يـَنـَْف ُع‪َ ،‬وم ْن قـَل ٍ‬
‫ْب‬ ‫ِ‬ ‫الله َّم إِِّن أَعُوذُ بِ َ‬ ‫ِ‬ ‫أَنْ َ‬
‫ت َوليـَُّها َوَم ْوَل َها‪ُ ،‬‬
‫اب َلَا)‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ش ُع‪َ ،‬وم ْن نـَْف ٍ‬
‫س َل تَ ْشبَ ُع‪َ ،‬وم ْن َد ْع َوة َل يُ ْستَ َج ُ‬ ‫َل َيْ َ‬
‫(((‬

‫التعليق‪:‬‬
‫هذا دعاء اشتمل على عشر استعاذات مهمة يف حياة العبد الدنيوية واألخروية وهي كما يلي‪:‬‬
‫قولــه‪( :‬اللهـ َّـم إِِن أَعــوذُ بِـ َ ِ‬
‫ـك مـ َـن ال َْع ْجـ ِز‪َ ،‬والْك َ‬
‫َسـ ِـل)‪ ،‬وذلــك ألن العجــز والكســل يفــوت هبمــا كثــر مــن مصــاحل العبــد يف الدنيــا واآلخــرة‪ ،‬وأمههــا القيــام‬ ‫ُ ّ ُ‬
‫مبــا علــى العبــد مــن واجبــات‪ ،‬ومــا تكاســل البعــض يف الصلـوات وســائر الطاعــات إال مــن هــذا الــداء‪( ،‬والعجــز والكســل قرينــان‪ ،‬فالعجــز عــدم قــدرة‪ ،‬والكســل عــدم‬
‫(الْـِ ْ‬
‫ـن‪َ ،‬والْبُ ْخـ ِـل)‪ ،‬ألن‬ ‫إرادة‪ ،‬والعجــز مثــرة للكســل فــا يـزال العبــد يكســل عــن الشــيء الــذي هــو قــادر عليــه حــى تضعــف عزميتــه فيصــل للعجــز)(((‪ ،‬واســتعاذته مــن ُ‬
‫ب وهو نقيض الشــجاعة يؤدي إىل عدم الوفاء ابلواجبات كالقتال يف ســبيله‪ ،‬والصدع ابحلق‪ ،‬وخمالفة هوى النفس والشــيطان‪ ،‬وألن البُ ْخ َل ســبب يف اإلمســاك‬ ‫اجلُْ َ‬
‫عــن الواجبــات كأداء الــزكاة وســائر احلقــوق ممــا جيــب عليــه اإلنفــاق فيــه كالنفقــة علــى األهــل ورفــع ضــرر ضيــق املعيشــة علــى املنكوبــن وســائر وجــوه اإلنفــاق‪ ،‬واجلــن‬
‫والبخــل خلقــان ذميمــان ال ينبغــي أن يكــوان مــن صفــات املســلم‪( ،‬ومهــا قرينــان فاجلــن‪ :‬تــرك اإلحســان ابلبــدن‪ ،‬والبخــل‪ :‬تــرك اإلحســان ابملــال)(((‪ ،‬واســتعاذته مــن‬
‫(عـذ ِ‬ ‫ِ‬
‫َاب‬ ‫(ا ْلـََـرم)‪ ،‬وهــو بلــوغ العمــر إىل سـ ٍّـن تضعــف فيــه احلـواس والقــوى‪ ،‬ويضطــرب فيــه الفهــم والعقــل‪ ،‬وهــو أرذل العمــر الــذي تعـ َّـوذ منــه النــي ‪ ،‬واســتعاذته مــن َ‬
‫ـر) ملــا يكــون يف الــرزخ مــن عــذاب الــروح والبــدن ملــن اســتحق ذلــك‪.‬‬ ‫الْ َقـ ِْ‬
‫ـت َولِيـ َُّهــا َوَم ْوَل َهــا)‪ ،‬وكمــا أن هــذا يف الســنة فهــو يف القــرآن وعليــه‬
‫اهــا‪ ،‬أَنْـ َ‬‫ـت َخيْـ ُـر َمـ ْـن َزَّك َ‬
‫آت نـف ِ‬
‫ْســي تـَق َْو َاهــا‪َ ،‬وَزّكِ َهــا أَنْـ َ‬ ‫َ‬
‫(اللهـ َّـم ِ‬
‫مث ســأل هللا تعــاىل فقــال‪ُ :‬‬
‫ـاها (‪ ،{)10‬وإذا حتققــت التقــوى‬ ‫ـاب َمـ ْـن َد َّسـ َ‬
‫َّاهــا (‪َ )9‬وقَـ ْد َخـ َ‬ ‫}ونـَْفـ ٍ‬
‫ـس َوَمــا َسـ َّـو َاها (‪ )7‬فَأَ ْلََم َهــا فُ ُج َورَهــا َوتـَْق َو َاهــا (‪ )8‬قَـ ْد أَفـْلَـ َـح َمـ ْـن َزك َ‬ ‫مــدار فــاح العبــد‪ ،‬قــال تعــاىل‪َ :‬‬
‫اهــا) أي طَ ِّهــر نفســي مــن كل خلــق ذميــم‪ ،‬ومــن كل عيــب وذنــب‪,‬‬ ‫ـت َخيْـ ُـر َمـ ْـن َزَّك َ‬‫(وَزّكِ َهــا أَنْـ َ‬‫يف النفــس كانــت أبعــد عــن متابعــة اهلــوى وارتــكاب الذنــوب‪ ،‬وقولــه َ‬
‫ال حاكــم لنفســي ومدبــر لشــؤوهنا إال أنــت اي هللا‪.‬‬

‫اب َلـَـا)‪ ،‬فالعلــم الــذي‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫شـ ُـع‪َ ،‬وِمـ ْـن نـَْفـ ٍ‬ ‫ـك ِمـ ْـن ِع ْلـ ٍـم َل يـَنـَْفـ ُـع‪َ ،‬وِمـ ْـن قـَْلـ ٍ‬
‫(اللهـ َّـم إِِّن أَعُــوذُ بِـ َ‬
‫ـس َل تَ ْشــبَ ُع‪َ ،‬ومـ ْـن َد ْعـ َـوة َل يُ ْســتَ َج ُ‬ ‫ـب َل يَْ َ‬ ‫مث تعـ َّـوذ مــن أربــع‪ُ :‬‬
‫وحج ـةٌ علــى صاحبــه‪ ،‬والقلــب الــذي ال خيشــع وينشــرح هلل تعــاىل يضعــف فيــه نــور اإلميــان‪ ،‬وحتـ ُّـل فيــه القســوة الــي تصــدُّه عــن طاعــة هللا وذكــره‪،‬‬ ‫وابل َّ‬ ‫ال ينفــع ٌ‬
‫ـدو للمــرء‪ ،‬وال أخســر صفقــة مــن دعــوة‬ ‫والنفــس الــي ال تشــبع تلهــث خلــف الدنيــا وال تـَْقنــع‪ ،‬فتغفــل عــن اخلــر الــذي يُـراد هلــا‪ ،‬فالنفــس الــي ال تشــبع أعــدى عـ ٍّ‬
‫ال تســتجاب‪ ،‬وقــال بعــض أهــل العلــم أن عــدم اســتجابة الدعــاء دليــل علــى أن الداعــي مل ينتفــع بعلمــه وعملــه‪ ،‬ومل خيشــع قلبــه‪ ،‬ومل تشــبع نفســه(((‪ ،‬ومــا جــاء يف‬
‫هــذا الدعــاء مــن كلمــات جامعــة ال توفيــه أســطر كمــا هــي ســائر الدعـوات اجلامعــة‪ ،‬فاضطــررت لتســطري أهــم مــا حتويــه هــذه األلفــاظ الشــاملة للخــر العميــم‪ ،‬الــذي‬
‫حيتاجــه العبــد يف دنيــاه وأخـراه‪.‬‬

‫((( رواه مسلم (‪)2722‬‬


‫((( مفتاح دار السعادة (‪)113/1‬‬
‫((( طريق اهلجرتني ص (‪)279‬‬
‫((( انظر‪ :‬الفتوحات الرابنية البن علَّن (‪)207/7‬‬

‫د‪.‬عبداهلل بن حمود الفريح‬


‫‪@alforiih‬‬
‫من جوامع‬
‫الــدعــــاء‬ ‫‪6‬‬ ‫استعاذات نبوية‬

‫َسَعُهُ َكثِ ًريا يـَُق ُ‬ ‫ول َِّ‬ ‫ٍِ‬


‫ول‪:‬‬ ‫تأْ‬‫الل ‪ ،‬إِ َذا نـََزَل‪ ،‬فَ ُكْن ُ‬ ‫َخ ُد ُم َر ُس َ‬
‫تأْ‬ ‫َع ْن أَنَ ِ‬
‫س بْ ِن َمالك ‪ h‬قال‪ُ :‬كْن ُ‬
‫ِ‬ ‫(اللَّه َّم إِِن أَعوذُ بِ َ ِ‬
‫س ِل‪َ ،‬والبُ ْخ ِل‬ ‫ك م َن اهلَِّم َواحلََزن‪َ ،‬و َ‬
‫الع ْج ِز َوال َك َ‬ ‫ُ ّ ُ‬
‫ِ ِ ِ (((‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الر َجال)‬ ‫ة‬ ‫ب‬
‫ْ َََ ّ‬‫َ‬‫ل‬ ‫غ‬‫و‬ ‫‪،‬‬ ‫ن‬ ‫ي‬ ‫َّ‬
‫الد‬ ‫ع‬
‫ِ‬ ‫ل‬
‫َ‬ ‫ض‬ ‫و‬ ‫‪،‬‬ ‫ب‬
‫َ ُْ َ َ‬ ‫اجل‬‫و‬

‫التعليق‪:‬‬
‫تعوذٌ من مثانية أمور‪ ،‬وهي كما يلي‪:‬‬
‫هذا دعاء فيه ُّ‬
‫ـك ِمـ َـن اهلـَ ِّـم َواحلـَ َـز ِن) فيــه االســتعاذة مــن اهلــم واحلــزن؛ ملــا فيهمــا مــن أمل القلــب وتشــتته‬
‫قولــه‪( :‬اللَّ ُهـ َّـم إِِّن أَعُــوذُ بِـ َ‬
‫وانشــغاله عــن التعبــد هلل تعــاىل‪ ،‬وتســلط الشــيطان علــى النفــس؛ ألن إاثرة احلــزن يف القلــب وت ـوارده هــي مــن مكائــد‬
‫الشــيطان وعملــه الــذي يُس ـلِّطه علــى املؤمنــن‪ ،‬قــال تعــاىل‪﴿ :‬إمنــا النجــوى مــن الشــيطان ليحــزن الذيــن آمنــوا﴾‪،‬‬
‫واهلـ ُّـم متعلِّـ ٌـق مبــا حيصــل يف املســتقبل‪ ،‬واحلـَ َـز ُن متعلِّــق مبــا حصــل يف املاضــي‪ ،‬قــال ابــن القيــم‪« :‬اهلـَ ُّـم واحلـَ َـز ُن قرينــان‪،‬‬
‫يس ـتـَْقبل‪ :‬فــاألول ُهـ َـو احلـَ َـز ُن‪،‬‬ ‫ِ‬
‫ينهمــا‪ :‬أن ال َْم ْكـ ُـروه الْـ َـوارد علــى الْقلــب َّإمــا أن يكــون علــى َمــا مضــى‪ْ ،‬أو ملــا ْ‬ ‫َوالْفــرق بَ َ‬
‫(((‬
‫َوالثَّـ ِـان ال ـ َـه ُّم»‬
‫الع ْجـ ِز َوال َكسـ ِـل‪َ ،‬والبُ ْخـ ِـل َواجلـُ ْ ِ‬
‫ـن) تقــدَّم يف الدعــاء الســابق الــكالم علــى هــذه األربــع‪ ،‬وبيــان مــا تورثــه‬ ‫(و َ‬‫وقولــه‪َ :‬‬
‫َ‬
‫هــذه األربــع مــن تقصــر العبــد فيمــا عليــه مــن الواجبــات وحقــوق الشــرع‪.‬‬
‫الديــن وشــدته‬ ‫الضلَــع هــو االعوجــاج‪ ،‬واملـراد بــه هنــا‪ :‬هــو ثقــل َّ‬ ‫ـال)‪ ،‬أصــل َ‬ ‫ضلَـ ِع الدَّيْـنِ‪َ ،‬وغَلَبَـ ِـة ِّ‬
‫الر َجـ ِ‬ ‫(و َ‬
‫وقولــه‪َ :‬‬
‫حــى مييــل صاحبــه عــن االســتواء((( وذلــك حــن ال جيــد وفــاءً لدينــه‪ ،‬الســيما إذا طالبــه صاحــب احلــق‪ ،‬وغَلَبــة الرجــال‪:‬‬
‫غلبتهــم بغــر حــق وتســلطهم وظلمهــم وعدواهنــم‪ ،‬وهــذا ممــا يــورث احلــزن وضعــف القلــب فيمــن وقــع عليــه ذلــك‪ ،‬قــال‬
‫ضلَـ َـع الدَّيْـ ِن‪َ ،‬والثَّـ ِـان‪ :‬قـَْهـٌـر بباطــل‪َ ،‬وُهـ َـو َغلَبَـةُ‬ ‫ِ‬ ‫ابــن القيــم‪« :‬الْ َقهــر الَّـ ِـذي ينَــال العبــد نـوعـ ِ‬
‫ـان‪ :‬أحدمهــا‪ :‬قهــر بَــق‪َ ,‬وُهـ َـو َ‬ ‫َْ َْ َ‬ ‫ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ْمــة مــن ألفاظــه»‬
‫ـوز الْعلــم َواحلك َ‬ ‫الر َجــال‪ ،‬فصلـوات هللا َو َسـ َـامه علــى مــن أويت َج َوامــع الْ َكلــم‪ ،‬واقتُبِ َســت كنـ ُ‬ ‫ِّ‬
‫(((‬

‫((( رواه البخاري (‪ ،)2893‬وروى مسلم بعضه (‪)2706‬‬


‫((( مفتاح دار السعادة (‪)113 /1‬‬
‫((( انظر‪ :‬الكاشف عن حقائق السنن للطييب (‪)1907 /6‬‬
‫((( مفتاح دار السعادة (‪)114 /1‬‬

‫د‪.‬عبداهلل بن حمود الفريح‬


‫‪@alforiih‬‬
‫من جوامع‬
‫الــدعــــاء‬ ‫‪7‬‬ ‫استعاذات نبوية‬

‫هللا َعلِّ ْم ِن تـََع ُّو ًذا أَتـََع َّوذُ بِِه‪ .‬قَ َ‬


‫ال‪:‬‬ ‫ول ِ‬ ‫ت‪َ :‬ي َر ُس َ‬‫َّب ‪ ‬فـَُق ْل ُ‬‫ت النِ َّ‬ ‫َع ْن َش َك ِل بْ ِن ُحَْي ٍد‪ ،‬قَ َ‬
‫ال‪ :‬أَتـَْي ُ‬
‫ال‪« :‬قُ ْل‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َخ َذ ب َك ّفي فـََق َ‬
‫فَأ َ‬

‫س ِان‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫(اللَّه َّم إِِن أَعوذُ بِ َ ِ‬


‫ص ِري‪َ ،‬وم ْن َش ِّر ل َ‬
‫ك م ْن َش ِّر سَْعي‪َ ،‬وم ْن َش ِّر بَ َ‬ ‫ُ ّ ُ‬
‫َوِم ْن َش ِّر قـَلِْب‪َ ،‬وِم ْن َش ّر َمنيّي)‬
‫ِ ِِ (((‬

‫التعليق‪:‬‬
‫هــذا احلديــث فيــه التعـ َّـوذ مــن اجل ـوارح الــي هــي منفــذ الشــهوات إىل قلــب العبــد‪ ،‬فــإذا ُحفظــت هــذه اجل ـوارح وأعاذهــا هللا مــن كل‬
‫شـ ِّـر ينفــذ إليهــا‪ ،‬أصبــح العبــد ســليم القلــب‪ ،‬جوارحــه منقــادة إىل طاعــة هللا تعــاىل‪ ،‬شــاهدة لــه ال عليــه‪ ،‬قــال املنــاوي‪« :‬وخــص هــذه األشــياء‬
‫(((‬
‫ابالســتعاذة ألهنــا أصــل كل شــر وقاعدتــه ومنبعــه كمــا تقــرر»‬

‫ـك ِمـ ْـن َشـ ِّـر سَْ ِعــي)‪ :‬أي أعــوذ بــك مــن كل مــا َّ‬
‫حرمــت علـ َّـي مساعــه‪ ،‬وال ترضــاه‪ :‬كالشــرك‪ ،‬والغيبــة‪ ،‬والكــذب‪،‬‬ ‫قولــه‪( :‬اللَّ ُهـ َّـم إِِّن أَعُــوذُ بِـ َ‬
‫والزور‪ ،‬والبهتان‪ ،‬واملعازف‪ ،‬ومساع كالم الدعاة للشهوات والشبهات(((‪ ،‬وكل ما ال جيوز مساعه‪.‬‬

‫صـ ِري)‪ :‬أي أعــوذ بــك مــن كل مــا َّ‬ ‫قولــه‪ِ :‬‬
‫حرمــت علــي النظــر لــه‪ ،‬مــن فتنــة الرجــل ابملـرأة‪ ،‬أو املـرأة ابلرجــل‪ ،‬ومــن شــر كل‬ ‫(ومـ ْـن َشـ ِّـر بَ َ‬
‫َ‬
‫(((‬
‫نظــر ال ترضــاه‪ ،‬ومنــه النظــر للنــاس علــى وجــه االحتقــار ‪ ،‬والنظــر يف أعمــال الشــر ً‬
‫عمومــا‪.‬‬

‫سـ ِـان)‪ :‬أي أعــوذ مــن كل مــا َّ‬ ‫ِ‬ ‫قولــه‪ِ :‬‬
‫ـب‪ ،‬والقــذف‪ ،‬واللهــو‬
‫حرمــت علــي النطــق بــه‪ ،‬كالكــذب‪ ،‬والغيبــة‪ ،‬والنميمــة‪ ،‬والسـ ّ‬ ‫(ومـ ْـن َشـ ِّـر ل َ‬
‫َ‬
‫والباطــل‪ ،‬وقــول املنكــر‪ ،‬وصــد املعــروف‪ ،‬والــكالم فيمــا ال يعــي املــرء‪ ،‬وحنــوه مــن الــكالم املذمــوم‪ ،‬وأكثــر اخلطــااي مــن آفــات اللســان‪.‬‬
‫(وِمـ ْـن َشـ ِّـر قـَْلـ ِـي)‪ :‬أعــذين مــن ش ـٍّر الســيئات القلبيــة‪ :‬كالنفــاق‪ ،‬واحلســد‪ ،‬واحلقــد‪ ،‬وال ـرايء‪ ،‬والكــر‪ ،‬وســوء الظــن‪ ،‬ومــن‬
‫قولــه‪َ :‬‬
‫ـب الدنيــا مــن الشــهوات والشــبهات‪.‬‬ ‫االعتقــادات الفاســدة‪ ،‬ومــن ُحـ ّ‬
‫ِِ‬ ‫قوله‪ِ :‬‬
‫(وم ْن َش ِّر َمنيّي)‪ :‬أي من شِّر فرجي‪ ،‬أبن أوقعه يف غري حملّه من الزان ومقدماته‪ ،‬واللواط‪ ،‬وغري ذلك من ّ‬
‫احملرمات‪.‬‬ ‫َ‬
‫اللهم إان نعوذ بك من ش ِّر أمساعنا‪ ،‬ومن ش ِّر أبصاران‪ ،‬ومن ش ِّر ألسنتنا‪ ،‬ومن ش ِّر قلوبنا‪ ،‬ومن ش ِّر منِيِّنا‪.‬‬

‫((( رواه أبو داود (‪ ،)1551‬والرتمذي (‪ ،)3492‬والنسائي (‪ ،)5456‬وصححه األلباين يف صحيح اجلامع (‪)811/2‬‬
‫((( فيض القدير (‪)135 /2‬‬
‫((( التنوير شرح اجلامع الصغري حملمد بن إمساعيل الصنعاين (‪)149 /3‬‬
‫((( انظر‪ :‬دليل الفاحلني لطرق رايض الصاحلني حملمد علي بن حممد بن علّن الشافعي (‪)289 /7‬‬

‫د‪.‬عبداهلل بن حمود الفريح‬


‫‪@alforiih‬‬
‫من جوامع‬
‫الــدعــــاء‬ ‫‪8‬‬ ‫استعاذات نبوية‬

‫َع ْن َعائِ َشة ‪ :i‬أ َّ‬


‫َن النِ َّ‬
‫َّب ‪َ ‬كا َن يـَتـََع َّوذُ‪:‬‬

‫ك ِم ْن‬ ‫ك ِم ْن فِتـْنَ ِة النَّا ِر َوِم ْن َع َذ ِ‬


‫اب النَّا ِر‪َ ،‬وأَعُوذُ بِ َ‬ ‫(اللَّ ُه َّم إِِّن أَعُوذُ بِ َ‬
‫ك من فِتـنَ ِة ِ‬‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫فِتـْنَ ِة ال َق ِْب‪َ ،‬وأَعُوذُ بِ َ‬
‫الغ َن‪،‬‬ ‫اب ال َق ِْب‪َ ،‬وأَعُوذُ بِ َ ْ ْ‬ ‫ك م ْن َع َذ ِ‬
‫ِ (((‬
‫َّجال)‬‫يح الد َّ‬‫ك ِم ْن فِتـْنَ ِة املَ ِس ِ‬
‫ك ِم ْن فِتـْنَ ِة ال َف ْق ِر‪َ ،‬وأَعُوذُ بِ َ‬
‫َوأَعُوذُ بِ َ‬
‫التعليق‪:‬‬
‫هذا دعاء اشتمل على عدة استعاذات وهي كما يلي‪:‬‬

‫اب النَّــا ِر) أي أعــوذ بــك مــن كل فتنــة تــؤدي إىل النــار(((‪ ،‬وقيــل املـراد ابلفتنــة هــي سـؤال‬ ‫ـك ِمـ ْـن ِفتـْنَـ ِـة النَّــا ِر َوِمـ ْـن َعـ َذ ِ‬ ‫قولــه‪( :‬اللَّ ُهـ َّـم إِِّن أَعُــوذُ بِـ َ‬
‫ـال َلـُ ْـم‬‫﴿وقَـ َ‬ ‫ـه‪:‬‬
‫ـ‬ ‫ل‬‫و‬ ‫وق‬ ‫﴾‪،‬‬ ‫ـر‬
‫ـ‬ ‫ي‬‫ذ‬‫خزنــة النــار ألهلهــا علــى ســبيل التوبيــخ والتهكــم كمــا يف قولــه تعــاىل‪ُ ﴿ :‬كلَّمــا أُل ِْقــي فِيهــا ف ــوج سـأَ َلم َخزنـتـهــا أََل يْتِ ُكــم نَ ِ‬
‫َ‬ ‫َ َ َ ْ ٌ َ ُ ْ َ َ َُ ْ َ ْ ٌ‬ ‫َ‬
‫ـاء يـَْوِم ُكـ ْـم َهـ َذا‪ ،﴾...‬وأمــا عــذاب النــار فهــو اإلحـراق فيهــا بعــد فتنتهــا‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َخ َزنـَتـَُهــا أََلْ يْتِ ُكــم ر ُســل ِم ْن ُكــم يـَتـْلُــو َن َعل َْي ُكــم ِ ِ‬
‫آيت َربّ ُكـ ْـم َويـُْنذ ُرونَ ُكـ ْـم ل َقـ َ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ ُْ ٌ ْ‬
‫ـر) أي أعــوذ بــك مــن عــدم جتــاوز فتنــة القــر وهــي سـؤال امللكــن‪ ،‬ومــن عــذاب‬ ‫اب ال َقـ ِْ‬ ‫ـك ِمـ ْـن َعـ َذ ِ‬ ‫ـر‪َ ،‬وأَعُــوذُ بِـ َ‬ ‫ـك ِمـ ْـن فِتـْنَـ ِـة ال َقـ ِْ‬
‫(وأَعُــوذُ بِـ َ‬ ‫وقولــه‪َ :‬‬
‫القــر وهــو مــا يكــون يف الــرزخ مــن العــذاب علــى الــروح والبــدن ملــن اســتحق ذلــك‪.‬‬
‫ـك ِمـ ْـن فِتـْنَـ ِـة ال َف ْقـ ِر)‪ ،‬ألن الغــى قــد يكــون فتنــة علــى العبــد وذلــك إذا كان ســببًا يف الشـِّـر والبطــر‪،‬‬ ‫الغـ َـى‪َ ،‬وأَعُــوذُ بِـ َ‬ ‫ـك ِمــن فِتـنَـ ِـة ِ‬
‫(وأَعُــوذُ بِـ َ ْ ْ‬ ‫وقولــه‪َ :‬‬
‫(((‬
‫واإلسـراف‪ ،‬واملفاخــرة‪ ،‬وإنفــاق املــال يف احملرمــات‪ ،‬والبخــل حبــق املــال مــن الــزكاة وحنوهــا مــن الواجبــات املاليــة ‪.‬‬

‫وكــذا الفقــر يكــون فتنــة علــى العبــد إذا أدى إىل قلــة الصــر واجلــزع والتســخط‪ ،‬والوقــوع يف احلـرام كالســرقة والنهــب‪ ،‬والتكســب ابحلـرام وحنــوه مــن‬
‫وجــوه احلصــول علــى املــال بغــر املشــروع؛ ألن فقــره اضطــره لذلــك(((‪.‬‬
‫خريا ابعتبار آخر‪.‬‬ ‫واالستعاذة من الفقر والغىن يف حال كوهنما شر وفتنة‪ ،‬ألن الفقر والغىن قد يكوان ً‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ـيح الد َّ ِ‬ ‫ـك ِمــن فِتـنَـ ِـة ِ‬
‫َّجــال)‪ ،‬وهــي أعظــم فتنــة يف الدنيــا‪ ،‬ففــي صحيــح مســلم مــن حديــث ه َشــام بْـ ِن َعامـ ٍر األَنْ َ‬
‫صــاري‪ ،‬قــال‪:‬‬ ‫املَسـ ِ‬ ‫(وأَعُــوذُ بِـ َ ْ ْ‬ ‫قولــه‪َ :‬‬
‫ـال»(((‪.‬‬ ‫َّجـ ِ‬ ‫الد‬ ‫ـن‬ ‫ـ‬ ‫ِ‬
‫م‬ ‫ـر‬
‫ـ‬ ‫ب‬‫ك‬ ‫َ‬‫أ‬ ‫ق‬ ‫ـ‬ ‫ل‬
‫ْ‬ ‫خ‬ ‫ِ‬
‫ة‬ ‫ـاع‬‫ـ‬ ‫الس‬ ‫ِ‬
‫ـام‬ ‫ـ‬ ‫ي‬ ‫ِ‬
‫ق‬ ‫ل‬ ‫ِ‬
‫إ‬ ‫م‬ ‫آد‬ ‫ِ‬
‫ـق‬ ‫ـ‬ ‫ل‬
‫ْ‬ ‫خ‬ ‫ـن‬ ‫ـ‬ ‫ب‬ ‫ـا‬
‫ـ‬ ‫«م‬ ‫‪:‬‬ ‫ـول‬
‫ـ‬‫ق‬ ‫ـ‬ ‫ي‬ ‫‪،‬‬‫‪‬‬ ‫ـول‬
‫ـت َر ُسـ َ‬ ‫ِ‬
‫َُ ُ َ َ َْ َ َ َ َ َّ َ َ ٌ ْ َ ُ َ َّ‬ ‫َ‬ ‫َس ْعـ ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َّجــال هـ َـي َمــا يظْهــر علــى يَــده مــن ْال ُُمــور الَّـ ِـي يضــل هبـَـا مــن ضعــف إميَانــه َك َمــا ا ْشــتَ َملت علــى َذلــك‬ ‫ِ‬
‫«والْمـَـراد بفتنــة ال َْمســيح الد َّ‬‫قــال الشــوكاين‪َ :‬‬
‫ْال ِ‬
‫َحاديــث ال ُْم ْشــتَملَة علــى ذكــره َوذكــر ُخ ُروجــه َوَمــا يظْهــر للنَّــاس مــن تِْلـ َ‬
‫(((‬
‫ـك ْال ُُمــور»‬ ‫َ‬

‫((( رواه البخاري (‪ ،)6376‬ومسلم (‪)589‬‬


‫((( انظر‪ :‬الكاشف عن حقائق السنن للطييب (‪ ،)1912 /6‬وإرشاد الساري لشرح صحيح البخاري للقسطالين (‪)215 /9‬‬
‫((( انظر‪ :‬شرح صحيح البخاري البن بطال (‪ ،)119 /10‬وشرح السيوطي على مسلم (‪)62 /6‬‬
‫((( انظر‪ :‬إكمال املعلم بفوائد مسلم (‪)202 /8‬‬
‫((( رواه مسلم (‪)2946‬‬
‫((( حتفة الذاكرين ص (‪)176‬‬

‫د‪.‬عبداهلل بن حمود الفريح‬


‫‪@alforiih‬‬
‫من جوامع‬
‫الــدعــــاء‬ ‫‪9‬‬ ‫استعاذات نبوية‬

‫ـت يـَ ِـدي َعلَــى‬ ‫هللا ‪ ‬لَيـْلَـةً ِمـ َـن الْ ِفـ َـر ِ‬
‫اش فَالْتَ َم ْســتُهُ فـََوقـََعـ ْ‬
‫ـول ِ‬ ‫ت َر ُسـ َ‬‫ـت‪ :‬فـََقـ ْد ُ‬
‫ِ‬
‫َعـ ْـن َعائ َشـةَ ‪ ،i‬قَالَـ ْ‬
‫ـول‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بطْـ ِن قَ َدميـ ِـه وهــو ِف الْمســجد و ُهــا مْنصوبـتَـ ِ‬
‫ـان َوُهـ َـو يـَُقـ ُ‬ ‫َْ ََ َ ُ َ‬ ‫َْ َ ُ َ‬ ‫َ‬

‫ك‪َ ،‬وأَعُوذُ‬‫ك ِم ْن عُ ُقوبَتِ َ‬ ‫ك‪َ ،‬وِبَُعافَاتِ َ‬ ‫اك ِم ْن َس َخ ِط َ‬ ‫ضَ‬ ‫(الله َّم أَعُوذُ بِ ِر َ‬
‫ُ‬
‫ك)‬ ‫ِ‬
‫س‬ ‫ف‬ ‫ـ‬ ‫ن‬ ‫ى‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ت‬ ‫ي‬ ‫ـ‬ ‫ن‬ ‫ـ‬ ‫ث‬‫َ‬‫أ‬ ‫ا‬‫م‬‫ك‬ ‫ت‬ ‫ن‬‫َ‬
‫أ‬ ‫ك‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫اء‬ ‫ن‬ ‫ـ‬ ‫ث‬ ‫ي‬ ‫ِ‬
‫ص‬ ‫ُح‬ ‫ِ‬ ‫بِ َ‬
‫ََ ً َ َْ َ ْ َ َ َ ْ َْ َ َ َ َْ َ‬ ‫ك َْ َ ْ‬
‫أ‬ ‫ل‬ ‫ك‬ ‫ن‬ ‫م‬
‫(((‬

‫التعليق‪:‬‬
‫هــذه اســتعاذة بصفــات هللا تعــاىل مث بذاتــه جـ َّـل وعــا‪ ،‬مــع إظهــار الضعــف يف بلــوغ الثنــاء عليــه كمــا ينبغــي لــه ســبحانه وتعــاىل‪ ،‬فجمعــت هــذه‬
‫ك) أي أعــوذ برضــاك مــن فعــل مــا‬ ‫ـاك ِمـ ْـن َس ـ َخ ِط َ‬
‫ضـ َ‬ ‫(اللهـ َّـم أَعُــوذُ بِ ِر َ‬
‫األلفــاظ التوســل واالفتقــار يف الطلــب‪ ،‬وحســن الثنــاء عليــه جـ َّـل وعــا‪ ،‬فقولــه‪ُ :‬‬
‫ـك) وبعفــوك – وجــيء هبــا ابملغالبــة للمبالغــة – أي بعفــوك الكثــر مــن فعــل مــا يوجــب عقوبتــك(((‪ ،‬وقيــل‪:‬‬ ‫ـك ِمـ ْـن عُ ُقوبَتِـ َ‬
‫(وِبَُعافَاتِـ َ‬
‫يُوجــب ســخطك‪َ ،‬‬
‫إن اســتعاذ مبعافاتــه‪ ،‬بعــد اســتعاذته برضــاه؛ ألنــه حيتمــل أن يرضــى عنــه مــن جهــة حقوقــه‪ ،‬ويعاقبــه علــى حقــوق غــره‪ ،‬فاســتعاذ ابهلل تعــاىل أبن ييســر لــه‬
‫ـك ِم ْنـ َ‬
‫(وأَعُــوذُ بِـ َ‬
‫(((‬
‫ـك)‪ ،‬قــال اخلطــايب‪« :‬يف هــذا الــكالم معــى‬ ‫مــن أســباب العفــو مــا يدفــع بــه العقوبــة الــي رمبــا تنــزل بســبب حقــوق اآلخريــن ‪ ،‬مث قــال‪َ :‬‬
‫لطيــف‪ :‬وهــو أنــه قــد اســتعاذ ابهلل‪ ،‬وســأله أن جيــره برضــاه مــن ســخطه‪ ،‬ومبعافاتــه مــن عقوبتــه‪ ،‬والرضــا والســخط ضــدان متقابــان‪ ،‬وكذلــك املعافــاة‬
‫واملؤاخــذة ابلعقوبــة‪ ،‬فلمــا صــار إىل ذكــر مــا ال ضـ َّـد لــه‪ ،‬وهــو هللا ســبحانه‪ ،‬اســتعاذ بــه منــه ال غــر‪ ،‬ومعــى ذلــك االســتغفار مــن التقصــر يف بلــوغ‬
‫(((‬
‫الواجــب مــن حــق عبادتــه والثنــاء عليــه»‬

‫ـك)‪ ،‬أي ال أســتطيع وال أطيــق الثنــاء عليــك كمــا ينبغــي لــك‪ ،‬وإذا كان الرســول ‪ ‬وهــو أعلــم اخللــق وأشــدهم عبــادة‬ ‫ُح ِ‬
‫صــي ثـَنَــاءً َعل َْيـ َ‬ ‫(ل أ ْ‬
‫قولــه‪َ :‬‬
‫ـك) أي ملــا عجـزان عــن الثنــاء عليــك مبــا‬ ‫ِ‬ ‫ـت َك َمــا أَثـْنـَْيـ َ‬
‫ـت َعلَــى نـَْفسـ َ‬
‫(((‬
‫ال يســتطيع بلــوغ الثنــاء علــى هللا تعــاىل كمــا ينبغــي‪ ،‬فمــا دونــه مــن ابب أوىل ‪( ،‬أَنْـ َ‬
‫تســتحقه أوكلنــا ذلــك بقولنــا بقولنــا‪ :‬أنــت كمــا أثنيــت علــى نفســك‪ ،‬قــال املنــاوي‪« :‬وهــذا اعـراف ابلعجــز عــن التفصيــل‪ ،‬وأنــه غــر مقــدور‪ ،‬فوكلــه إليــه‬
‫(((‬
‫ســبحانه‪ ،‬وكمــا أنــه ال هنايــة لصفاتــه‪ ،‬ال هنايــة للثنــاء عليــه»‬

‫فهــذا دعــاء جامــع ملــا يرجــوه العبــد مــن حســن التجــاوز بطلــب الرضــا والعفــو والغفـران‪ ،‬وجتنُّــب ســخط هللا تعــاىل وعقوبتــه‪ ،‬والتوســل إليــه ســبحانه‬
‫بصفاتــه‪ ،‬وإظهــار الفقــر والضعــف‪ ،‬مث الثنــاء عليــه‪ ،‬واالعـراف ابلتقصــر عــن عــدم بلــوغ مــا يســتحقه جـ َّـل وعــا مــن الثنــاء علــى مــا أنعــم بــه مــن نِعـ ٍم ال‬
‫يســتطيع العبــد إحصاءهــا فضـاً عــن شــكرها والثنــاء علــى هللا هبــا كمــا ينبغــي جلــال وجــه ســبحانه وتعــاىل‪.‬‬

‫فاللهم إان نعوذ برضاك من سخطك ومبعافاتك من عقوبتك‪ ،‬وبك منك ال حنصي ثناء عليك‪.‬‬

‫((( رواه مسلم (‪)486‬‬


‫((( انظر‪ :‬مرقاة املفاتيح شرح مشكاة املصابيح للهروي (‪)721 /2‬‬
‫((( انظر‪ :‬فيض القدير للمناوي (‪)139 /2‬‬
‫((( معامل السنن (‪)214 /1‬‬
‫((( التنوير شرح اجلامع الصغري حملمد بن إمساعيل الصنعاين (‪)157 /3‬‬
‫((( فيض القدير (‪)139 /2‬‬

‫د‪.‬عبداهلل بن حمود الفريح‬


‫‪@alforiih‬‬
‫من جوامع‬
‫الــدعــــاء‬ ‫‪10‬‬ ‫استعاذات نبوية‬

‫شـ ْـر ُك أَ ْخ َفــى ِمـ ْـن َدبِيـ ِ‬


‫ـب‬ ‫«والَّـ ِـذي نـَْف ِســي بِيَـ ِـد ِه‪ ،‬لَل ِّ‬
‫ـي ‪َ :‬‬ ‫الص ِّديـ ِـق ‪ ,h‬قَـ َ‬
‫ـال النَّـِ ُّ‬
‫ِ‬
‫َعـ ْـن أَِب بَ ْكـ ٍر ّ‬
‫ـك قَلِيلُــهُ َوَكثِــرُهُ؟» قَـ َ‬ ‫ٍ‬ ‫َدلُّـ َ‬
‫ـال‪ :‬قُـ ِـل‪:‬‬ ‫ـب َع ْنـ َ‬‫ـك َعلَــى َشـ ْـيء إِ َذا قـُلْتَــهُ َذ َهـ َ‬ ‫الن َّْمـ ِـل‪ ،‬أ ََل أ ُ‬
‫(((‬
‫َستـَغْ ِف ُر َك لِ َما َل أَ ْعلَ ُم»‬ ‫ك أَ ْن أُ ْش ِر َك بِ َ‬
‫ك َوأ ََن أَ ْعلَ ُم‪َ ،‬وأ ْ‬ ‫اللَّ ُه َّم إِِّن أَعُوذُ بِ َ‬

‫التعليق‪:‬‬
‫جــاء يف هــذا احلديــث أعظــم شـ ٍّـر يســتعيذ منــه العبــد ابهلل تعــاىل وهــو الشــرك‪ ،‬فــإن الشــرك أعظــم الظلــم واجلــرم‪،‬‬
‫شـ ْـر َك‬ ‫ـي َل تُ ْش ـ ِر ْك ِب َِّ‬
‫لل إِ َّن ال ِّ‬ ‫ـال لُْق َمــا ُن ِلبْنِـ ِـه َو ُهـ َـو يَ ِعظُــهُ َي ب ـُ ََّ‬
‫﴿وإِ ْذ قَـ َ‬
‫الل تعــاىل عــن لقمــان وهــو يعــظ ابنــه‪َ :‬‬ ‫قــال ًّ‬
‫اللَ َل يـَغْ ِفـ ُـر‬‫لَظُْلـ ٌـم َع ِظيـ ٌـم﴾‪ ،‬وهــو الذنــب الــذي ال يغفــره هللا تعــاىل لصاحبــه إن مــات عليــه‪ ،‬حيــث قــال‪﴿ :‬إِ َّن َّ‬
‫شــاءُ﴾‪ ،‬وهــو الذنــب الــذي بُعثــت الرســاالت‪ ،‬وأُنزلــت الكتــب‪ ،‬وأرســل‬ ‫ـك لِ َمـ ْـن يَ َ‬ ‫أَ ْن يُ ْشـ َـر َك بِـ ِـه َويـَغْ ِفـ ُـر َمــا ُدو َن َذلِـ َ‬
‫ال‬ ‫ـو‬ ‫ـ‬‫س‬
‫ُ ّ َّ َ ُ ً‬ ‫ر‬ ‫ٍ‬
‫ـة‬‫ـ‬ ‫ُم‬‫أ‬ ‫ل‬‫ِ‬ ‫ك‬ ‫ف‬‫ِ‬ ‫ـا‬‫ـ‬ ‫ن‬ ‫ث‬ ‫ع‬ ‫ـ‬ ‫ب‬ ‫د‬
‫َ ََ ْ ََ ْ‬‫ـ‬ ‫ق‬ ‫ل‬‫﴿و‬ ‫ـاىل‪:‬‬ ‫ـ‬ ‫ع‬ ‫ت‬ ‫ـال‬ ‫ـ‬ ‫ق‬ ‫ـاىل‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫ع‬ ‫ت‬ ‫هللا‬ ‫ـد‬‫ـ‬ ‫ي‬ ‫توح‬ ‫ـو‬
‫ـ‬ ‫ه‬‫و‬ ‫ـده‬ ‫ـ‬ ‫ض‬ ‫ـق‬ ‫ـ‬ ‫ي‬ ‫وحتق‬ ‫الرســل ألجــل حتذيــر النــاس منــه‪،‬‬ ‫ُ‬
‫ـوت﴾ فالشــرك أعظــم ذنــب علــى وجــه األرض يســتعيذ منــه العبــد ابهلل تعــاىل‪ ،‬وهــو‬ ‫اجتَنِبُــوا الطَّاغُـ َ‬ ‫َن ا ْعبُ ـ ُدوا َّ‬ ‫أِ‬
‫اللَ َو ْ‬
‫درجــات‪ ،‬ومــن درجاتــه مــا خيفــى علــى العبــد فيتســلل إليــه أو يقــع فيــه ويف ســائر الذنــوب وهــو ال يشــعر‪ ،‬ولــذا أمــر النــي‬
‫صلــى هللا عليــه وســلم أصحابــه – وهــم خــر القــرون ‪ -‬أن يســتعيذوا ممــا علمــوه ومــا مل يعلمــوه بقوهلــم‪( :‬اللَّ ُهـ َّـم إِِّن أَعُــوذُ‬
‫َسـتـَغْ ِف ُر َك لِ َمــا َل أَ ْعلَـ ُـم)‪ ،‬قــال ابــن تيميــة يف تعليقــه علــى هــذا احلديــث‪« :‬فأمــره مــع‬ ‫ـك أَ ْن أُ ْشـ ِر َك بِـ َ‬
‫ـك َوأ ََن أَ ْعلَـ ُـم‪َ ,‬وأ ْ‬ ‫بِـ َ‬
‫االســتعاذة مــن الشــرك املعلــوم ابالســتغفار‪ ،‬فــإن االســتغفار والتوحيــد هبمــا يكمــل الديــن» ‪ ،‬وقــال تلميــذه ابــن القيــم‪:‬‬
‫(((‬

‫«فمــا ُسـلِّط علــى العبــد َمـ ْـن يؤذيــه إال بذنــب يعلمــه‪ ،‬أو ال يعلمــه‪ ،‬ومــا ال يعلمــه العبــد مــن ذنوبــه أضعــاف مــا يعلمــه‬
‫منهــا‪ ،‬ومــا ينســاه ممــا علمــه وعملــه أضعــاف مــا يذكــره‪ ،‬ويف الدعــاء املشــهور «اللهــم إين أعــوذ بــك أن أشــرك بــك‬
‫وأان أعلــم وأســتغفرك مل ال أعلــم» فمــا حيتــاج العبــد إىل االســتغفار منــه ممــا ال يعلمــه أضعــاف أضعــاف مــا يعلمــه»(((‪،‬‬
‫عمومــا‬
‫ففــي هــذا الدعــاء داللــة ظاهــرة علــى أنــه ينبغــي للعبــد أن يهتــم ابالســتعاذة ابهلل تعــاىل ممــا يعلمــه مــن الذنــوب ً‬
‫وأعظمهــا الشــرك‪ ،‬ومــا اليعلمــه منهــا‪ ،‬فاللهــم إان نعــوذ بــك أن نشــرك بــك شــيئا وحنــن نعلمــه‪ ,‬ونســتغفرك ملــا ال نعلمــه‪.‬‬

‫((( رواه البخاري يف األدب املفرد (‪ ،)716‬وصححه األلباين يف صحيح األدب املفرد ص (‪ ،)266‬وصحيح اجلامع الصغري (‪ ،)694/1‬وللحديث شاهد يف مسند اإلمام‬
‫أمحد (‪ )403/4‬من حديث أيب موسى األشعري رضي هللا عنه‪.‬‬
‫((( قاعدة يف احملبة ص (‪)100‬‬
‫((( بدائع الفوائد (‪)242 /2‬‬

‫د‪.‬عبداهلل بن حمود الفريح‬


‫‪@alforiih‬‬

You might also like