Professional Documents
Culture Documents
مفهوم التخطيط
مفهوم التخطيط
يعد التخطيط بمفهومه العام "عبارة عن تحديد لمجموعة من األهداف المتناسقة التي يراد تحقيقها
وفق أولويات معينة ،وخالل فترة زمنية محددة ،مع اختيار لمجموعة الوسائل واإلجراءات الالزمة
لتحويل هذه األهداف إلى وقائع"
والتخطيط كما هو متعارف عليه في العلوم االجتماعية يقصد به اإلعداد المسبق للشيء وتنفيذه،
وذلك وفق األهداف المبرمجة ،ويكون التنفيذ من خالل مراحل تنفيذية وزمنية ،ويتميز التخطيط
بأسلوب المعالجة ،حيث يقوم بتقديم الحلول من خالل المخططات التنظيمية ،ومن أش كاله :الخط ط
الخماس ية والعش رية ال تي تنف ذها بعض الحكوم ات للنم و والتق دم ،وهن اك أن واع من التخطي ط مث ل
التخطي ط الهيكلي والتخطي ط اإلداري ،وه و الموج ود في النظم الرأس مالية ،وأيض ًا التخطي ط
الوظيفي الذي يحدد الوظيفة التي تؤديها وحدات الهيكل ومحاولة تطوير وحدات الهيكل ذاته.
مفهوم التنمية
لمفه وم التنمي ة ع دة تعريف ات لكنه ا تش ترك في أنه ا عب ارة عن "عملي ة تغي ير حض اري تس تهدف
االرتق اء ب المجتمع اقتص اديا وتكنولوجي ا واجتماعي ا وثقافي ا ،وتوظي ف ك ل م وارد المجتم ع المادي ة
والطبيعية والبشرية من أجل صالح الكل ،خاصة تلك القطاعات والفئات االجتماعية التي حرمت
ردحًا طويًال من الزمن في فرص النمو والتقدم"
وقد جاء مفهوم التنمية في تعريف األمم المتحدة في عام 1956باعتبارها "العمليات التي يمكن بها
توحي د جه ود المواط نين والحكوم ة لتحس ين األح وال االقتص ادية واالجتماعي ة والثقافي ة في
المجتمع ات المحلي ة ولمس اعدتها في االن دماج في حي اة األم ة والمس اهمة في تق دمها بأقص ى ق در
مستطاع".
فهي عملي ة مقص ودة تس عى إلى توف ير الخ دمات األساس ية لألف راد؛ أي :أنه ا تس عى إلى تحس ين
ظروف الحياة الفردية والمجتمعية ،كما أنها عملية متوازية ومتساوية ترتبط بخلق أوضاع جديدة
ومتطورة في كل المجاالت والميادين.
عالقة التخطيط بالتنمية
منذ الحرب العالمية الثانية والعالم يتداول حول مفهوم التخطيط بمعناه االقتصادي في سبيل معالج ة
المشاكل االجتماعية التي تعرفها المجتمعات اإلنسانية بهدف تقدمها ورقيها ،من حيث تحقيق معدل
النم و االجتم اعي واالقتص ادي .ولتنمي ة المجتم ع عملت بعض ال دول على توف ير األس س العلمي ة
للتخطيط باعتمادها على خبراء ومختصين في مجال علم االجتماع ،علم االقتصاد ..إلخ ،لكي يتم
وضع استراتيجيات وتدابير إما راديكالية أو تدريجية تسعى من خاللها إلى تطوير المجتمع حيث
نرى أنه ال توجد تنمية خارج عن ما يسمى بالتخطيط التنموي فالهدف منه هو انتقال ب المجتمع من
مرحل ة أس وء إلى مرحل ة أحس ن وإ لى مرحل ة أفض ل بكث ير عن المراح ل الس ابقة وذل ك ب الطبع ال
يتحقق إال باالعتماد على بحوث (سوسيو ـ اقتصادية) الغرض منها هو تشخيص الواقع االجتماعي
وفهمه عن طريق (إجراء مسح متكامل لمعرفة الواقع المراد تغييره من حالة التخلف المركبة إلى
حالة التقدم المتكامل الجوانب أي التنبؤ العلمي بما يراد الوصول إليه خالل منظور زمني محدد).
وإ ذا أردنا أن نحقق تنمية للمجتمع ،فإنه من الالزم أن يكون التخطيط التنموي تخطيط شامل وأكثر
تك امًال بحيث تش مل ك ل القطاع ات االجتماعي ة واالقتص ادية والثقافي ة والبيئي ة ،وه ذا م ا تق وم ب ه
الدول المتقدمة مثل الواليات المتحدة األمريكية ،اليابان ،ودول االتحاد األوربي عبر اعتمادها على
الق وة البش رية لتحري ك مؤسس اتها عن طري ق إم دادها باألفك ار والمع ارف ،فم ا يم يز التخطي ط هي
النظ رة الش مولية بحيث ال يقتص ر فق ط على قط اع معين دون آخ ر .والتخطي ط الش امل في مج ال
التنمي ة يتطلب اعتماده ا على المقارب ة التش اركية من خالل "وض ع برن امج عم ل يش ارك في
تحض يره جميع الع املين في الفروع الرئيس ية ،فيكون محص لة عمل جم اعي وتنفيذه ملزم لهؤالء
جميع ًا ،وه ذا اإلل زام يعت بر ص فة أسياس ية أخ رى من ص فات التخطي ط الش امل" ،كم ا أن التخطي ط
الش امل يرك ز بالدرج ة األولى على اإلنس ان ،ألن ه يس عى إلى رفاهيت ه واالرتق اء ب ه ع بر مجموع ة
من الخدمات ،لكنه ال يتحقق إال بالتدريج.
إن أهمي ة التنمي ة ينتج عنه ا الزي ادة في ف رص الحي اة عن د األف راد فالغاي ة منه ا هي تحقي ق إنس انية
اإلنس ان ع بر الع دل والمس اواة مع ًا ،وإ ح داث مجموع ة من التغ يرات اإليجابي ة في البن اءات
االجتماعي ة ،واالقتص ادية ،والسياس ية ،والثقافي ة ،والتكنولوجي ة ،وح تى البيئي ة ،وه ذا األم ر يتعل ق
بوجود سلطة مركزية سياسية لها القدرة في التصرف وتنفيذ المخططات للبرامج التنموي ة .من هنا
يمكن الق ول أن تنمي ة المجتم ع ال تتحق ق إال من خالل مش اركة ك ل الف اعلين من ص ناع الق رار،
ومجتمع مدني ،ومختصين وأيضًا من خالل التخطيط الذي يقوم على البحث العلمي.
مقدمة في التنمية االقتصادية
يقال بأن آدم سميث Adam smithيعد أول كتاب أو اقتصاديي التنمية من خالل مؤلفه "ثروة
األمم" ، 1776إال أن الكتابات المنظمة في مجال التنمية االقتصادية لدول العالم الثالث ومشكالتها
لم تظهر بالفعل إال قبل حوالي ستين عام ،وبالتحديد منذ مولد العالم الثالث وبحصول العشرات من
المستعمرات على استقاللها السياسي في الخمسينات والستينات من القرن الماضي.
منذ نهاية الحرب العالمية الثانية حظي موضوع التنمية باهتمام بالغ سواء على مستوى الشعوب أو
الحكومات ،وتزايد إحساس الشعوب بانقسام دول العالم إلى بالد متقدمة وأخرى متخلفة ،بالد غنية
تضم أقل من خمس سكان العالم وتحصل على ثلثي الدخل العالمي ،وبالد فقيرة تعيش مأساة
التخلف وتضم على مسرحها أكثر من ثلثي سكان العالم بينما يقل نصيبها عن سبع الدخل العالمي،
وتتوسط هاتان المجموعتان مجموعة من البالد متوسطة الدخل تضم أقل من سبع سكان العالم
وتحصل على خمس الدخل العالمي .ولما كانت الدول المتخلفة تقع في معظمها في جنوب الكرة
األرضية والمتقدمة معظمها في شمالها ،فقد فرق االقتصاديون بين شمال متقدم وجنوب متخلف،
لتزداد أهمية التنمية للدول المتخلفة والتي يطلق عليها تأدبا الدول النامية ،والتي تسعى إلى عبور
فجوة التخلف وتأمل في تخطيها لإللحاق بركب التقدم.
أصبح العالم يعي أكثر من السابق أن معظم الحروب والثورات في عصرنا هذا يرجع إلى وجود
فجوة التخلف السحيقة التي تفصل "الذين يملكون" عن "الذين ال يملكون" .أصبحت المشكالت التي
تواجه الدول النامية في سعيها الدؤوب لتحسين مستوى معيشة شعوبها ،وتطوير اقتصادياتها
والنهوض بها لمواكبة عجلة التقدم االقتصادي العالمي من أهم التحديات التي تواجه حكومات هذه
البالد منذ حصولها على استقاللها السياسي.
شهد عقد السبعينات تغيرات جذرية في مفهوم التنمية ،حيث أصبح أكثر شموال من مجرد الزيادة
في الدخل والناتج القومي اإلجمالي ،لكون التنمية بذلك المفهوم الضيق لم تعد كافية لحل المشكالت
المزمنة التي تعاني منها الدول النامية والمتمثلة في الفقر والبطالة وسوء توزيع الدخل .بدأ التحول
إلى التنمية الشاملة وتبني سياسات هادفة تتمثل في إزالة الفقر والبطالة وتحقيق العدالة في توزيع
الدخل القومي ،لتصبح هذه األهداف هي المعايير الحقيقية للحكم على مدى نجاح وفشل السياسة
اإلنمائية ألي بلد .ويؤكد االقتصادي الباكستاني "محبوب الحق" بأن التنمية يجب أن تعني توسيع
خيارات كافة أفراد المجتمع في جميع الحقول االقتصادية والسياسية والثقافية ،كما أن التنمية بدون
عدالة في توفير الفرص للجميع تعني تحديد الخيارات لكثير من األفراد في المجتمع.
بعد أن أخفقت الدول النامية في تحقيق طموحاتها في مجال التنمية خالل عقد السبعينات ،جاء عقد
الثمانينات ليقضي على معظم اآلمال بسبب التغيرات الجذرية التي طرأت على المسرح العالمي
على الصعيدين االقتصادي والسياسي ،والتي تسببت بإلحاق أضرار كبيرة بهذه البلدان مما أدى
بكثير من الكتاب المهتمين بقضايا التنمية والعالقات الدولية بوصف هذه الحقبة الزمنية "العقد
الضائع" .فعلى الصعيد االقتصادي شهد االقتصاد العالمي خالل النصف الثاني من عقد الثمانينات
فترة ركود اقتصادي استمرت حتى أوائل عقد التسعينات .أما على الصعيد السياسي ،فقد جاء
تفكك االتحاد السوفيتي في أوائل عقد التسعينات وتحول جمهورياته وبلدان أوروبا الشرقية من
االقتصاد المخطط مركزيا إلى اقتصاد السوق ليشكل ضربة قوية إلى القوة التساومية التي كانت
تتمتع بها البلدان النامية في عالقاتها الدولية.
اش تدت المش كالت ال تي تواج ه الع الم الن امي ح دة من ذ أوائ ل التس عينات نتيج ة الديناميكي ة الس ريعة
لألح داث الدولي ة بع د انهي ار االتح اد الس وفيتي ،وزي ادة الض غوط ال تي تواج ه ه ذه ال دول من قب ل
المنظم ات الدولي ة والرامي ة إلى وج وب تقليص دور القط اع الع ام في النش اط االقتص ادي وتحري ر
االقتصاديات النامية من كافة أشكال القيود وبالتالي فتح أسواقها أمام المنافسة الخارجية .كما وقد
ش هد الع الم الغ ربي تح والت على الص عيدين االقتص ادي والسياس ي ك ان من نتائجه ا ت دعيم هيمن ة
البل دان المتقدم ة على االقتص اد الع المي ،فتحقي ق دول أوروب ا الغربي ة لوح دتها االقتص ادية
والسياس ية ،واس تكمال الوالي ات المتح دة األمريكي ة وكن دا والمكس يك الج راءاتهم التفاقي ة التج ارة
الحرة ،فضال عن تكثيف الجهود اليابانية ودول جنوب شرق آسيا لتكوين تجمع اقتصادي مواز،
كله ا تح والت أض عفت من ق وة ال دول النامي ة وانعكس ت في ص ورة تراجع ات في مع دالت النم و
االقتصادي وزيادة أعباء المديونية.
وآزاء كل تلك التطورات السياسية واالقتصادية السريعة على الساحة الدولية كان لزاما على الدول
النامية أن تعيد النظر في سياسيتها اإلنمائية ومحاولة التكيف بصورة أقوى مع األوضاع
االقتصادية الدولية الجديدة أو ما يعرف بالعولمة وثورة المعلوماتية ،فلم تعد التنمية قضية
اقتصادية فحسب إنما أضحت قضية حضارية تتداخل فيها عوامل البيئة السياسية واالجتماعية
وجميع عوامل النهضة الحضارية .ونظرًا لزيادة المضطردة لحاجة اإلنسان للعديد من السلع
والخدمات األساسية منها والكمالية ،وغير ذلك من الدوافع التي تدعو ضرورة األخذ بالتخطيط
نهجًا للتنمية االقتصادية واالجتماعية في الدول المتقدمة وبصورة أوضح في الدول النامية.
وعلى ذلك فسوف نحاول في هذه المادة التعرف على ماهية التنمية االقتصادية والتخطيط
االقتصادي والتوصل إلى إجابات ألسئلة أساسية نلخصها في التالي-:
من هم الفق راء؟ و لم اذا يعيش ون في فق ر؟ ولم اذا تتس ع الفج وة بين األغني اء والفق راء
وعلى الدوام؟.
ماذا نعني بالعالم الثالث؟ وما هي مشاكله؟
كيف يتم النمو ؟ ومن هم المستفيدون محليا ودوليا؟
ما هي حقيقة "التنمية"؟ وما هي النظريات والمبادئ المفسرة لها؟.
ما هي العقبات التي تواجه الدول النامية؟ ما االستراتيجية األنسب لتنمية هذه الدول؟.
هل للدول النامية القدرة على مواجهة التحديات العالمية المعاصرة ؟
ما هي السياسات الكفيلة بحل مشاكل تلك الدول؟
كيف يكون التخطيط االقتصادي أداة فعالة لتحقيق التنمية؟
بذلت الكثير من المحاوالت لتحديد لمفهوم التنمية ،حتى غدا هذا المفهوم من المفاهيم الشائعة لدى
األفراد أو الهيئات ،هذا بعد أن تعددت مفاهيمها لدرجة أحدثت نوع من الخلط بينها وبين مفاهيم
أخرى كالتطور والتقدم والنمو االقتصادي .ويعد االقتصادي "شومبيتر" أول من حاول التمييز بين
النمو االقتصادي والتنمية .فالنمو يحدث عادة بسبب نمو السكان والثروة واالدخار ،في حين أن
التنمية تنتج من التقدم واالبتكار التقنيين ،وأن النمو يتمثل في حدوث تغيرات كمية في بعض
المتغيرات االقتصادية .أما التنمية فتتضمن حدوث تغيرات نوعية في هذه المتغيرات .ويتضح من
ذلك أن النمو االقتصادي يسبق التنمية وهو ظاهرة تحدث في المدى القصير ،في حين أن التنمية
ال تحل إال على المدى الطويل ،وال يمكن الحكم عليها إال بعد مضي فترة زمنية طويلة نسبيا.
وعلى ذلك نخلص إلى أن النمو Growthهو عملية زيادة تلقائية ثابتة مستمرة وتطور بطئ
تدريجي يحدث في جانب معين من جوانب الحياة ،أما التنمية Developmentفعبارة عن عملية
تحقيق زيادة تراكمية متعمدة ودائمة تحدث عبر فترة من الزمن و تحتاج إلى دفعة قوية عن
طريق جهود منظمة تخرج المجتمع من حالة الركود والتخلف إلى حالة التقدم والنمو .ويشير
تقرير األمم المتحدة إلى أن مشكلة البالد المتخلفة ليست في حاجتها إلى مجرد النمو ،وإ نما في
حاجتها للتنمية سواء االجتماعية أو االقتصادية باألسلوب الكيفي والكمي.
جاء في تعريف هيئة األمم المتحدة لعام 1956م أن التنمية هي العمليات التي يمكن بها توحيد
جهود المواطنين والحكومة لتحسين األحوال االقتصادية واالجتماعية والثقافية في المجتمعات
المحلية ،ولمساعدتها على االندماج في حياة األمة والمساهمة في تقدمها بأقصى قدر مستطاع .هذا
في حين يتفق كل من "سلتز" و "روستو" W. Rostowعلى اعتبار أن التنمية تكون بتخلي
المجتمعات المتخلفة عن السمات التقليدية السائدة فيها ،وتبني الخصائص السائدة في المجتمعات
المتقدمة.
ويذكر "ماير" Meierأن التنمية عملية تفاعلية يزداد خاللها الدخل الحقيقي للدولة خالل فترة
معينة ،ويتفق معه "بولدوين" Boldwinفي ذلك ،ولكنه يضيف أن تحقق التنمية يتطلب توافر
معدالت عالية من النمو في قطاعات اقتصادية واجتماعية وسياسية أخرى .ويشير سيد عويس إلى
أن تنمية المجتمع تكون باشتراك أعضاء المجتمع انفسهم في الجهود التي تبذل لتحسين مستوى
المعيشة في محيطهم بعد تزويدهم بالخدمات والمعونات الالزمة لمساعدتهم وبأسلوب يشجع على
المبادرة واالعتماد على النفس والمشاركة اإليجابية ،ويلزم لذلك أن يتميزوا بدرجة عالية من
التعاون فيما بينهم .في حين يضيف عاطف غيث تعريفا آخر للتنمية يرى فيه أنها التحرك العلمي
المخطط لمجموعة من العمليات االجتماعية واالقتصادية ،تتم من خالل ايدلوجية معينة لتحقيق
التغيير المستهدف ،من أجل االنتقال من حالة غير مرغوب فيها إلى حالة مرغوب الوصول إليها.
أما "نيتل" و"روبرتسون" Nettle & Robertsonفقد عرفا التنمية بأنها "العملية التي بمقتضاها
تسعى الصفوف القومية –بنجاح نحو الحد من انخفاض مكانة أممهم ،والتحرك نحو مساواة هذه
األمم باألمم األخرى التي تحتل مكانة مرموقة".
ومما سبق نشير إلى أن مفهوم التنمية يتمثل في كونها "عمليات مخططة وموجهة في مجاالت
متعددة تحدث تغييرا في المجتمع لتحسين ظروفه وظروف أفراده من خالل مواجهة مشكالت
المجتمع وإ زالة العقبات وتحقيق االستغالل األمثل لإلمكانات والطاقات ،بما يحقق التقدم والنمو
للمجتمع والرفاهية والسعادة لألفراد".
لم ا لم يكن علم االقتص اد ولي د الص دفة ،إنم ا ه و نت اج تط ورات أجي ال وتج ارب إنس انية على م ر
العصور ،فإن التخطيط االقتصادي جاء بالتالي نتاج لتلك التطورات .تعود جذور التخطيط إلي أيام
اإلغريق ،وبالتحديد في عهد أفالطون الذي اشار بشكل غير مباشر لمفهوم وعملية التخطيط من
خالل جمهوريته الفاضله .ولقد كانت قبل ذلك مصر الفرعونية مركز اإلشعاع الحضاري وعلي
مسيرة آالف السنين ،وليس منا من ال يعرف قصة نبي اهلل يوسف بن يعقوب مع عزيز مصر،
فطبقًا لما جاء في العقد القديم بدأ يوسف عليه السالم تخطيط اقتصاد مصر وهو في الثالثين من
عمره حينما استدعاه الفرعون وجعله وزيرًا لالقتص اد والمالية ،وأعطاه ص ال حيات مطلقه في
إدارة اقتصاد البالد .وفي ظل التقدم العلمي الملحوظ حينذاك تمكن يوسف عليه السالم من وضع
خط ة توزي ع دقيق ه قائم ه علي حص ر الس كان األحي اء خالل الـ 14عام ًا مح ل الخط ة الموض وعه
بأس لوب اليختل ف كث يرًا عم ا عم ا ي درس حالي ًا في نظري ة االحتم االت ..كم ا خص ص لك ل ف رد
حصته السنوية ونصيبه اليومي من المؤن على أساس ما يعرف اليوم بحد الكاف .كل ذلك يدل
على أن الع الم الق ديم ع رف األزم ات االقتص ادية وتمكن من تط بيق نظ ام الط وارئ والتخطي ط
االقتصادي لعالج تلك األزمات.
أما عن التخطيط االقتصادي في اإلسالم فقد هدف إلى أن يجد مل مسلم ما يكفيه من مال ،فحرم
الرب ا وأم ر بالزك اة ،ولم يكن هن اك حاج ة لتخطي ط اقتص ادي دقي ق بمفهوم ه المعاص ر في عه د
الرسول صلى اهلل عليه وسلم والخلفاء الراشدين ألسباب عديدة ،لعل من أهمها أن ما كان يصل
إلى المس لمين من الغن ائم أك ثر من ح اجتهم وحاج ة المس لمين .أم ا أول مث ل للتخطي ط في الدول ة
اإلس المية فك ان في عه د الص حابي الجلي ل عم ر بن الخط اب رض ي اهلل عن ه ،حيث اس تبقى ري ع
األراض ي الزراعي ة التي حص ل عليها المس لمون من فتوح اتهم كموردَا ثابت ًا للدول ة بج انب الزك اة
والخراج .قال عمر بن الخطاب رضي اهلل عنه":ليس أحد أحق بمال الدولة من أحد وال أنا أحق به
من أح د ،للرج ل وقدم ه في اإلس الم وللرج ل وبالءه وللرج ل وحاجت ه .واهلل ل و ط ال بي العم ر
لجعلت راعي الغنم في جبال صنعاء يستلم حقه من هذا المال وهو يرعى غنمه" .كما و خصص
رض ي اهلل عن ه أرض الحمى فاس تحدث ب ذلك أول قط اع ع ام للدول ة اإلس المية .ومن اجتهادات ه
رض ي اهلل عن ه في التخطي ط االقتص ادي خطت ه لحف ر قن اة ألم ير المؤم نين لتس هيل نق ل الغالل من
مصر إلى الحجاز والتي تربط بين نهر النيل والبحراألحمر ( قناة السويس حاليَا).
تط ورت فك رة التخطي ط خالل الح رب العالمي ة األولى في ألماني ا من جه ة وفرنس ا وبريطاني ا من
جهة أخرى .واتخذ التخطيط أسلوبًا إلدارة دفة الحرب ،وتعبئة الموارد االقتصادية لتجهيز الجيوش
وإ مدادها بما تحتاجه من جيوش وعتاد ومؤن وذخائر .واعتبر التخطيط في الدول الرأسمالية حينئذ
وسيلة مؤقتة لتنظيم عملية تحول االقتصاد القومي من ظروف السلم إلى ظروف الحرب .وما أن
انتهت الح رب العالمي ة األولى ،ح تى عص فت بالنظ ام الرأس مالي أزم ة الكس اد الكب ير (-1929
،)1932ففي تل ك الف ترة ،انخفض ت مس تويات اإلنت اج واالس تهالك وال دخل ،وارتفعت مس تويات
األسعار ،وتكدست السلع في المخازن والمستودعات ،مما أدى إلى تسريح العمال وانتشار البطالة
والفق ر .وأدت ه ذه األزم ة إلى زعزع ة الثق ة بالنظ ام االقتص ادي الح ر ،ال ذي اعتم د على فك رة
التوازن التلقائي .وتبين أن اليد الخلفية التي تحدث عنها آدم سميث في كتابة ثروة األمم غ ير كافي ة
لضمان النمو واالستقرار واالستخدام الكامل للموارد االقتصادية .كما تبين فشل قانون المناف ذ الذي
تح دث عن ه س اي ،وال ذي ينص على أن المنتج ات تخل ق الطلب عليه ا ،أو الع رض يخل ق الطلب
الخاص به.
جاءت أفكار االقتصادي البريطاني جون مينرد كينز في كتابة الشهر المنشور عام "1936النظرية
العامة للفائدة والتوظف والنقود" لتناقض أفكار الفكر االقتصادي الكالسيكي بالتركيز على جانب
الطلب بدل العرض .واقترح كينز للخروج من أزمة الكساد زيادة اإلنفاق العام وضرورة تدخل
الدول ة في الحي اة االقتص ادية ،والتخطي ط لزي ادة حجم الطلب الفع ال ال ذي يعي د النش اط والفعالي ة
ويحرك عجلة االقتصاد.
حلت الحرب العالمية الثانية لتحول اقتصاديات الدول من اقتصاديات السلم إلى اقتصاديات الحرب
مرة أخرى .وهنا دعت الحاجة إلى قيام الدول بانتهاح أسلوب التخطيط تماما كما حدث في الحرب
األولى .وما أن حطت الحرب أوزارها حتى سارعت الواليات المتحدة األمريكية بتق ديم مس اعداتها
ل دول أوروب ا الغربي ة إلع ادة تعم ير م ا دمرت ه الح رب ،وذل ك من خالل م ا ع رف بخط ة مارش ال
Marshal planلمواجه ة مش اكلها االقتص ادية واالجتماعي ة والنه وض باقتص ادياتها .وك ان لزام ا
على ال دول أن تنتهج أس لوبًا تخطيطي َا لتق دير احتياج ات إع ادة التعم ير (فرنس ا وبريطاني ا ع ام
.)1946
وبانته اء الح رب العالمي ة الثاني ة قس مت دول الع الم إلى ثالث مجموع ات :دول الع الم األول وهي
ال دول الص ناعية الرأس مالية (االقتص اد الح ر) ودول العلم الث اني وهي ال دول الص ناعية االش تراكية
(التخطي ط المرك زي) ،ودول الع الم الث الث وهي ال دول الفق يرة المختلف ة .وق د ق امت ع دة دول من
الدول النامية وبمساعدة المنظمات الدولية بانتهاج أسلوب التخطيط االقتصادي لرفع معدالت النمو
االقتصادي وتحقيق أهداف التنمية االقتصادية.
ارتبط مفهوم التخطيط االقتصادي بدول الكتلة الشرقية والتي اعتمدت اسلوب التخطيط المركزي
كنظام بديل لنظام السوق الذي ساد في الدول الرأسمالية .وعليه ساد االعتقاد بأن انهيار االتحاد
الس وفيتي في بداي ة التس عينات يع د نهاي ة للتخطي ط االقتص ادي غ ير أن الواق ع ه و أن ه ليس هن اك
ترادف بين التخطيط واالشتراكية أو بين عدم التخطيط والرأسمالية ،حيث أن التخطيط االقتصادي
غير مقصور على الدول االشتراكية بل هو ضرورة ألي دولة يعجز فيها نظام السوق وحده عن
تحقيق التنمية المستدامة بالصورة المطلوبة.
كم ا س بق ودرس نا في مب ادئ االقتص اد أن هن اك حاج ة إنس انية تتح ول إلى رغب ة تتطلب اإلش باع،
وهن اك وس ائل كفيل ة بإش باع ه ذه الرغب ات .ه ذه الوس ائل هي الم وارد االقتص ادية Economic
resourcesوالمتمثل ة في الم وارد الطبيعي ة والبش رية والرأس مالية ال تي تس تخدم في أنت اج الس لع
والخدمات المختلفة .وتتميز الموارد بأنها نادرة ومحدودة بالنسبة لكثرة الحاجات ،ومعيار الندرة
هو وجود ثمن لتلك الموارد ،وعليه تسمى موارد اقتصادية تمييزا لها عن الموارد الحرة التي ال
ثمن له ا وال تي توج د في الطبيع ة بكمي ات كب يرة ،وال يب ذل اإلنس ان أي جه د للحص ول عليه ا،
كالشمس والهواء ومياه البحر .كما تعرفنا على ماهية المشكلة االقتصادية والمتمثلة في محدودية
الم وارد االقتص ادية المتاح ة أم ام الحاج ات اإلنس انية متع ددة وغ ير مح دودة ،في حين أن الم وارد
المتاحة إلشباع هذه الحاجات محدودة مقارنة بالحاجة إليها ،فإن المشكلة االقتصادية تكون مشكلة
"ندرة مطلقة Scarcityومشكلة "اختيار" .choiceوالندرة بالنسبة للحاجة إليها ،ولحكمة أرادها اهلل
عز وجل .ولحل المشكلة االقتصادية يستوجب على المجتمع أن يجيب على ثالثه أسئلة هي :ماذا
ينتج؟ وكي ف ينتج ؟ولمن ينتج؟ .وتختل ف اإلةجاب ة على التس اؤالت الس ابقه من مجتم ع الخ ر تبع ًا
لظروفه ومرحلة نمو وتطور وتبعًا للنظام االقتصاديه المتبع ،وهل هو نظام اقتصادي رأسمالي؟
أم نظام اقتصادي إسالمي؟.
في نظام السوق (النظام الرأسمالي) المتمتع بالمنافسه الكاملة ينتج المجتمع السلع والخدمات التي
يفضلها المستهلكون .ويتم مزج عناصر اإلنتاج واستخدامها وتحديد أساليب اإلنتاج بما يحق ق أعلى
مس تويات إنتاج ة بأق ل التك اليف الممكن ة .ه ذا ويتم توزي ع اإلنت اج حس ب دخ ول عناص ر اإلنت اج
والمتحددة وفقًا لتفاعل قوى العرض والطلب في السوق (حسب الندرة النسبية) .اما نظام االقتصاد
المخط ط فينتج المجتم ع تل ك الس لع والخ دمات ال تي يحتاجه ا المجتم ع كك ل ،بحيث تق وم هيئ ة
تخطيطي ه علي ا باختب ار أس اليب اإلنت اج المناس ب بم ا يحقق أق ل تكلف ة إنتاجي ة .ويتم توزي ع اإلنتاج
حسب الجهد المبذول من المشاركين في العملية اإلنتاجية ووفق قرارات السلطة التخطيطية العليا.
وكما يعتقد البعض ،فإن أحد النظامين السابقين حصريًا غير وارد من الناحية العملية ،حيث تمزج
كل دولة بين النظامين وبدرجات متفاوتة .وال يمكن الفصل بين النظامين قطعي ًا او إحالل أحدهما
مح ل اآلخ ر ،فكم ا ان الس وق يلعب دورًا مهم ًا في االقتص اديات المخطط ة ،ف إن ت دخل الدول ة
وتخطيط االقتصادي لهما دورهما المهم في اقتصاديات السوق.
التخطيط أو ما يعرف بالتخطيط القومي National planningهو نظام جديد لم يؤخذ به إال في
العش رينات من الق رن الماض ي ،حيث لفتت الحرب ان العالميت ان األنظ ار ألهمي ة التخطي ط س واء
لكسب الحرب ،أو لتعمير ما دمرته الحرب .ويرجع الفضل في استخدام اصطالح التخطي ط -كم ا
أش رنا مس بقا -إلي النمس اوي كريس تان ش ويندر في مق ال ل ه عن النش اط االقتص ادي نش ر في ع ام
1910م ،ولم يكتس ب اللف ظ ش هرته إال بع د ع ام 1928عن دما ب دا االتح اد الس وفيتي في اس تخدام
التخطيط كأسلوب لتنظيم اقتصاده القومي.
التخطيط كما قال جواهر الل نهرو هو "ممارسة ذكية للتفاعل مع الحقائق والمواقف كما هي عليه
في الواق ع وحاول ة العث ور على حل ول لمش اكل القادم ة" .وس وف نتن اول في األج زاء القادم ة من
المادة تعريف التخطيط االقتصادي بشيء من التفصيل.
التخلف االقتصادي
من السهولة بمكان أن نتحدث عن التخلف االقتصادي ،غير أنه من الصعب علينا أن نضع تعريفا
شامال دقيقا لمعنى التخلف .فإذا كان علماء االقتصاد لم يتوصلوا إلى اتفاق على تعريف علم
االقتصاد ،فليس باألمر الغريب أن يخفقوا في التوصل إلى تعريف موحد ألحد فروعه المسمى
باقتصاديات التنمية أو ألحد مفاهيمه"التخلف االقتصادي" .ويرى االقتصادي الشهير "كوزنيتس"
Kuznetsالتخلف يحمل ثالثة معان-:
أوال -التخلف يعني عدم االستفادة من القدرة اإلنتاجية التي يتيحها استخدام الطرق الفنية
والتكنولوجية الحديثة بسبب المقاومة الشديدة التي تبديها المؤسسات االجتماعية في وجه مثل هذا
االستخدام.
ثانيا -التخلف يعني ضعف اآلداء االقتصادي في الدولة المتخلفة مقارنة بأكثر الدول تقدما في
لحظة معينة.
ثالثا -التخلف حالة الفقر التي يعيشها البلد المتخلف والمتمثلة بعدم قدرته على ضمان الحد األدنى
من الرفاهية المادية لمعظم سكانه.
ويرى كتاب آخرون أن التخلف هو حالة البلدان التي تكون مستويات اإلنتاج والدخل فيها أقل
بكثير مما تسمح به مواردها برفع مستويات إنتاجها ودخلها أكثر بكثير مما هي عليه ،فهي دول
فقيرة أو نامية ،لكنها ليست دوال متخلفة .وحسب هؤالء فإن التخلف يوحي دائما بأن التنمية هي
أمر ممكن ومرغوب فيه".
أما الكاتب الفرنسي "ايف الكوست" Yves Lacosteفيرى في التخلف ظاهرة تاريخية نتجت عن
وضع اقتصادي واجتماعي متناقض ،فمن جهة نتج عن هذا الوضع نمو سكاني سريع في الدول
المتخلفة .في حين أن حالة التخلف ال تسمح بتلبية الحاجات التي تولدت عن النمو السكاني
المتزايد .وهكذا يرى "الكوست" أن هناك معنى داخليا بحت للتخلف ،إضافة إلى ما يعنيه التخلف
من انخفاض في اإلنتاج و الدخل مقارنة بالدول المتقدمة.
وعلى ذلك نقول بأن التخلف حالة مجموعة من الدول تجمعها خصائص مشتركة أهمها :انخفاض
مستوى مساهمة القطاع الصناعي في الناتج القومي وفي استخدام قوة العمل ،ارتفاع البطالة
المقنعة في القطاع الزراعي و الحكومي ،انخفاض حجم رأس المال المتاح ،بدائية وازدواجية
التكنولوجيا المستخدمة ،التبعية للخارج ،االنفجار السكاني ،انخفاض المستوى الصحي والتعليمي،
ندرة المنظمين واإلداريين األكفاء ،وسيادة قيم اجتماعية ومعنوية بالية..الخ.
ظهر تعبير "العالم الثالث" The Third Worldألول مرة في عام ،1952عندما استخدمه الفرنسي
"ألفريد سوفيه" ،Alfred Sauvyلتلقى هذه التسمية انتشارا وشيوعا خاصة وأن المقصود بها تلك
الدول التي تمثل الطرف الثالث في أي عمليات أو اتفاقات بين العالم الرأسمالي الغني وبين
االشتراكية المخططة مركزيا ،وهو اصطالح يتغلب معه الطابع السياسي على الطابع االقتصادي.
قبل انتشار هذا االصطالح كان يطلق على هذه المجموعة اسم البالد الفقيرةPoor Countries
أو البالد المتأخرة ، Backward Countriesلكن سرعان ما اتضح أن هذا االصطالح ال يوحي
فقط بتأخر هذه الدول اقتصاديا وتكنولوجيا ،وانما أيضا اجتماعيا وحضاريا األمر الذي يحرج
شعوب تلك الدول ويجرح مشاعرها ،خاصة وأن هذه الشعوب كانت في وقت من األوقات مهدا
لحضارات عريقة مثل الهند ومصر والصين وغيرها.
وعليه تم استبدال هذه التسمية باسم الدول الغير متطورة ،Undeveloped Countriesورؤيي
تعديلها إلى الدول المتخلفة Underdeveloped Countriesمحاولة للتخفيف من األثر السلبي
الذي تركه االصطالحين السابقين ،ولكون علماء االقتصاد يرون بأن هذا االصطالح له إيجابيات
مهمة ،منها أن الدول التخلفة تعني نسبية مفهوم التخلف والتقدم ،أي أن وجود دول متخلفة مرتبط
بوجود دول متقدمة .هذا وكما أن اصطالح الدول المتخلفة باللغة العربية أكثر فائدة وايحاء من
مقابله باللغة االنجليزية ،لكونه يوحى بأن الدول المعنية قد تخلفت عن الركب الحضاري لسبب أو
ألخر ،ولزمن قد يطول أو يقصر .وعلى الرغم من ذلك فقد ظهر وبسرعة أن وقع هذا المسمى
على الدول المعنية لم يكن أفضل مما سبقه ،إذا أنه يوحي تقريبا نفس المعنى ،أي تخلف هذه
الشعوب عن مهد الحضارة اقتصاديا واجتماعيا وتكنولوجيا وحضاريا.
ابتدأ المهتمون بقضايا التنمية باستخدام اصطالح "الدول األقل تقدما" Less Developing
Countriesليقابله من الجهة األخرى "الدول األكثر تقدما" ،اعتقادا بأنه مسمى أكثر حيادية
علمية ،ويعطي نسبية أكثر لمفهومي التخلف والتقدم ممما قبله .ورغم إيجابيات هذا المسمى ،إال
أن العددية التي حققتها دول آسيا وأفريقيا وأمريكا الالتينية على مؤسسات األمم المتحدة دفعت
خبراء هذه األخيرة إلى استحداث واستخدام اصطالح"الدول النامية"Developing Countries
بهدف اإليحاء اإليجابي بكون هذه الدول سائرة في طريقها للنمو .والواقع أن المشكلة هنا تكمن
في أن مسمى "النامية" يكاد يكون مرادفا لمسمى "متقدمة" في اللغة العربية ،وليس كما أريد لها في
اللغة االنجليزية أن تعني "في طريق النمو" .ولكن إذا كان مسمى "الدول النامية" يلقى الترحيب من
حكومات و شعوب هذه الدول ،فإن التسمية لن تغير شيئا بالنسبة لواقعها.
ويمكن القول بأن االستخدام السليم للغة يحتم التفرقة بين دول نامية ودول غير نامية ،وبين دول
متخلفة ودول متطورة ،ففي العالم مناطق غير نامية تتسم بالركود لخلوها من الموارد االقتصادية
الالزمة للتنمية بعكس مناطق أخرى تنتج وتمتلك الموارد الطبيعية والبشرية وتفتقر إلى
التكنولوجيا المتقدمة ،وهناك مناطق تمتلك جميع المقومات التي يمكن من خاللها أن يطلق عليها
دول متقدمة.