You are on page 1of 13

‫مفهوم التخطيط‬

‫يعد التخطيط بمفهومه العام "عبارة عن تحديد لمجموعة من األهداف المتناسقة التي يراد تحقيقها‬
‫وفق أولويات معينة‪ ،‬وخالل فترة زمنية محددة‪ ،‬مع اختيار لمجموعة الوسائل واإلجراءات الالزمة‬
‫لتحويل هذه األهداف إلى وقائع"‬

‫والتخطيط كما هو متعارف عليه في العلوم االجتماعية يقصد به اإلعداد المسبق للشيء وتنفيذه‪،‬‬
‫وذلك وفق األهداف المبرمجة‪ ،‬ويكون التنفيذ من خالل مراحل تنفيذية وزمنية‪ ،‬ويتميز التخطيط‬
‫بأسلوب المعالجة‪ ،‬حيث يقوم بتقديم الحلول من خالل المخططات التنظيمية‪ ،‬ومن أش كاله ‪ :‬الخط ط‬
‫الخماس ية والعش رية ال تي تنف ذها بعض الحكوم ات للنم و والتق دم‪ ،‬وهن اك أن واع من التخطي ط مث ل‬
‫التخطي ط الهيكلي والتخطي ط اإلداري‪ ،‬وه و الموج ود في النظم الرأس مالية‪ ،‬وأيض ًا التخطي ط‬
‫الوظيفي الذي يحدد الوظيفة التي تؤديها وحدات الهيكل ومحاولة تطوير وحدات الهيكل ذاته‪.‬‬

‫مفهوم التنمية‬

‫لمفه وم التنمي ة ع دة تعريف ات لكنه ا تش ترك في أنه ا عب ارة عن "عملي ة تغي ير حض اري تس تهدف‬
‫االرتق اء ب المجتمع اقتص اديا وتكنولوجي ا واجتماعي ا وثقافي ا‪ ،‬وتوظي ف ك ل م وارد المجتم ع المادي ة‬
‫والطبيعية والبشرية من أجل صالح الكل‪ ،‬خاصة تلك القطاعات والفئات االجتماعية التي حرمت‬
‫ردحًا طويًال من الزمن في فرص النمو والتقدم"‬

‫وقد جاء مفهوم التنمية في تعريف األمم المتحدة في عام ‪ 1956‬باعتبارها "العمليات التي يمكن بها‬
‫توحي د جه ود المواط نين والحكوم ة لتحس ين األح وال االقتص ادية واالجتماعي ة والثقافي ة في‬
‫المجتمع ات المحلي ة ولمس اعدتها في االن دماج في حي اة األم ة والمس اهمة في تق دمها بأقص ى ق در‬
‫مستطاع"‪.‬‬

‫فهي عملي ة مقص ودة تس عى إلى توف ير الخ دمات األساس ية لألف راد؛ أي ‪ :‬أنه ا تس عى إلى تحس ين‬
‫ظروف الحياة الفردية والمجتمعية‪ ،‬كما أنها عملية متوازية ومتساوية ترتبط بخلق أوضاع جديدة‬
‫ومتطورة في كل المجاالت والميادين‪.‬‬
‫عالقة التخطيط بالتنمية‬

‫منذ الحرب العالمية الثانية والعالم يتداول حول مفهوم التخطيط بمعناه االقتصادي في سبيل معالج ة‬
‫المشاكل االجتماعية التي تعرفها المجتمعات اإلنسانية بهدف تقدمها ورقيها‪ ،‬من حيث تحقيق معدل‬
‫النم و االجتم اعي واالقتص ادي‪ .‬ولتنمي ة المجتم ع عملت بعض ال دول على توف ير األس س العلمي ة‬
‫للتخطيط باعتمادها على خبراء ومختصين في مجال علم االجتماع‪ ،‬علم االقتصاد ‪ ..‬إلخ‪ ،‬لكي يتم‬
‫وضع استراتيجيات وتدابير إما راديكالية أو تدريجية تسعى من خاللها إلى تطوير المجتمع حيث‬
‫نرى أنه ال توجد تنمية خارج عن ما يسمى بالتخطيط التنموي فالهدف منه هو انتقال ب المجتمع من‬
‫مرحل ة أس وء إلى مرحل ة أحس ن وإ لى مرحل ة أفض ل بكث ير عن المراح ل الس ابقة وذل ك ب الطبع ال‬
‫يتحقق إال باالعتماد على بحوث (سوسيو ـ اقتصادية) الغرض منها هو تشخيص الواقع االجتماعي‬
‫وفهمه عن طريق (إجراء مسح متكامل لمعرفة الواقع المراد تغييره من حالة التخلف المركبة إلى‬
‫حالة التقدم المتكامل الجوانب أي التنبؤ العلمي بما يراد الوصول إليه خالل منظور زمني محدد)‪.‬‬
‫وإ ذا أردنا أن نحقق تنمية للمجتمع‪ ،‬فإنه من الالزم أن يكون التخطيط التنموي تخطيط شامل وأكثر‬
‫تك امًال بحيث تش مل ك ل القطاع ات االجتماعي ة واالقتص ادية والثقافي ة والبيئي ة‪ ،‬وه ذا م ا تق وم ب ه‬
‫الدول المتقدمة مثل الواليات المتحدة األمريكية‪ ،‬اليابان‪ ،‬ودول االتحاد األوربي عبر اعتمادها على‬
‫الق وة البش رية لتحري ك مؤسس اتها عن طري ق إم دادها باألفك ار والمع ارف‪ ،‬فم ا يم يز التخطي ط هي‬
‫النظ رة الش مولية بحيث ال يقتص ر فق ط على قط اع معين دون آخ ر‪ .‬والتخطي ط الش امل في مج ال‬
‫التنمي ة يتطلب اعتماده ا على المقارب ة التش اركية من خالل "وض ع برن امج عم ل يش ارك في‬
‫تحض يره جميع الع املين في الفروع الرئيس ية‪ ،‬فيكون محص لة عمل جم اعي وتنفيذه ملزم لهؤالء‬
‫جميع ًا‪ ،‬وه ذا اإلل زام يعت بر ص فة أسياس ية أخ رى من ص فات التخطي ط الش امل"‪ ،‬كم ا أن التخطي ط‬
‫الش امل يرك ز بالدرج ة األولى على اإلنس ان‪ ،‬ألن ه يس عى إلى رفاهيت ه واالرتق اء ب ه ع بر مجموع ة‬
‫من الخدمات‪ ،‬لكنه ال يتحقق إال بالتدريج‪.‬‬
‫إن أهمي ة التنمي ة ينتج عنه ا الزي ادة في ف رص الحي اة عن د األف راد فالغاي ة منه ا هي تحقي ق إنس انية‬
‫اإلنس ان ع بر الع دل والمس اواة مع ًا‪ ،‬وإ ح داث مجموع ة من التغ يرات اإليجابي ة في البن اءات‬
‫االجتماعي ة‪ ،‬واالقتص ادية‪ ،‬والسياس ية‪ ،‬والثقافي ة‪ ،‬والتكنولوجي ة‪ ،‬وح تى البيئي ة‪ ،‬وه ذا األم ر يتعل ق‬
‫بوجود سلطة مركزية سياسية لها القدرة في التصرف وتنفيذ المخططات للبرامج التنموي ة‪ .‬من هنا‬
‫يمكن الق ول أن تنمي ة المجتم ع ال تتحق ق إال من خالل مش اركة ك ل الف اعلين من ص ناع الق رار‪،‬‬
‫ومجتمع مدني‪ ،‬ومختصين وأيضًا من خالل التخطيط الذي يقوم على البحث العلمي‪.‬‬
‫مقدمة في التنمية االقتصادية‬

‫اقتص اديات التنمي ة ‪ Development Economics‬ف رع ي انع جدي د وش يق من ف روع علم‬


‫االقتص اد‪ ،‬ال ذي يرك ز على دراس ة أس باب التخل ف وس بل الخ روج منه ا باتب اع إس تراتيجيات‬
‫وسياسات معينة‪ .‬كما يهتم هذا العلم بالتخصيص األمثل لموارد اإلنتاج النادرة ونموها مع مرور‬
‫الزمن‪ ،‬فضال عن دراسة الترابط بين البنى االقتصادية و السياسية واالجتماعية وكيفية تغيير هذه‬
‫الب نى بم ا يس مح بح دوث تحس نات مس تمرة في مس توى المعيش ة و القض اء على الجه ل والتخل ف‪.‬‬

‫يقال بأن آدم سميث‪ Adam smith‬يعد أول كتاب أو اقتصاديي التنمية من خالل مؤلفه "ثروة‬
‫األمم"‪ ، 1776‬إال أن الكتابات المنظمة في مجال التنمية االقتصادية لدول العالم الثالث ومشكالتها‬
‫لم تظهر بالفعل إال قبل حوالي ستين عام‪ ،‬وبالتحديد منذ مولد العالم الثالث وبحصول العشرات من‬
‫المستعمرات على استقاللها السياسي في الخمسينات والستينات من القرن الماضي‪.‬‬

‫منذ نهاية الحرب العالمية الثانية حظي موضوع التنمية باهتمام بالغ سواء على مستوى الشعوب أو‬
‫الحكومات‪ ،‬وتزايد إحساس الشعوب بانقسام دول العالم إلى بالد متقدمة وأخرى متخلفة‪ ،‬بالد غنية‬
‫تضم أقل من خمس سكان العالم وتحصل على ثلثي الدخل العالمي‪ ،‬وبالد فقيرة تعيش مأساة‬
‫التخلف وتضم على مسرحها أكثر من ثلثي سكان العالم بينما يقل نصيبها عن سبع الدخل العالمي‪،‬‬
‫وتتوسط هاتان المجموعتان مجموعة من البالد متوسطة الدخل تضم أقل من سبع سكان العالم‬
‫وتحصل على خمس الدخل العالمي‪ .‬ولما كانت الدول المتخلفة تقع في معظمها في جنوب الكرة‬
‫األرضية والمتقدمة معظمها في شمالها‪ ،‬فقد فرق االقتصاديون بين شمال متقدم وجنوب متخلف‪،‬‬
‫لتزداد أهمية التنمية للدول المتخلفة والتي يطلق عليها تأدبا الدول النامية‪ ،‬والتي تسعى إلى عبور‬
‫فجوة التخلف وتأمل في تخطيها لإللحاق بركب التقدم‪.‬‬

‫أصبح العالم يعي أكثر من السابق أن معظم الحروب والثورات في عصرنا هذا يرجع إلى وجود‬
‫فجوة التخلف السحيقة التي تفصل "الذين يملكون" عن "الذين ال يملكون"‪ .‬أصبحت المشكالت التي‬
‫تواجه الدول النامية في سعيها الدؤوب لتحسين مستوى معيشة شعوبها‪ ،‬وتطوير اقتصادياتها‬
‫والنهوض بها لمواكبة عجلة التقدم االقتصادي العالمي من أهم التحديات التي تواجه حكومات هذه‬
‫البالد منذ حصولها على استقاللها السياسي‪.‬‬
‫شهد عقد السبعينات تغيرات جذرية في مفهوم التنمية‪ ،‬حيث أصبح أكثر شموال من مجرد الزيادة‬
‫في الدخل والناتج القومي اإلجمالي‪ ،‬لكون التنمية بذلك المفهوم الضيق لم تعد كافية لحل المشكالت‬
‫المزمنة التي تعاني منها الدول النامية والمتمثلة في الفقر والبطالة وسوء توزيع الدخل‪ .‬بدأ التحول‬
‫إلى التنمية الشاملة وتبني سياسات هادفة تتمثل في إزالة الفقر والبطالة وتحقيق العدالة في توزيع‬
‫الدخل القومي‪ ،‬لتصبح هذه األهداف هي المعايير الحقيقية للحكم على مدى نجاح وفشل السياسة‬
‫اإلنمائية ألي بلد‪ .‬ويؤكد االقتصادي الباكستاني "محبوب الحق" بأن التنمية يجب أن تعني توسيع‬
‫خيارات كافة أفراد المجتمع في جميع الحقول االقتصادية والسياسية والثقافية‪ ،‬كما أن التنمية بدون‬
‫عدالة في توفير الفرص للجميع تعني تحديد الخيارات لكثير من األفراد في المجتمع‪.‬‬

‫بعد أن أخفقت الدول النامية في تحقيق طموحاتها في مجال التنمية خالل عقد السبعينات‪ ،‬جاء عقد‬
‫الثمانينات ليقضي على معظم اآلمال بسبب التغيرات الجذرية التي طرأت على المسرح العالمي‬
‫على الصعيدين االقتصادي والسياسي‪ ،‬والتي تسببت بإلحاق أضرار كبيرة بهذه البلدان مما أدى‬
‫بكثير من الكتاب المهتمين بقضايا التنمية والعالقات الدولية بوصف هذه الحقبة الزمنية "العقد‬
‫الضائع"‪ .‬فعلى الصعيد االقتصادي شهد االقتصاد العالمي خالل النصف الثاني من عقد الثمانينات‬
‫فترة ركود اقتصادي استمرت حتى أوائل عقد التسعينات‪ .‬أما على الصعيد السياسي‪ ،‬فقد جاء‬
‫تفكك االتحاد السوفيتي في أوائل عقد التسعينات وتحول جمهورياته وبلدان أوروبا الشرقية من‬
‫االقتصاد المخطط مركزيا إلى اقتصاد السوق ليشكل ضربة قوية إلى القوة التساومية التي كانت‬
‫تتمتع بها البلدان النامية في عالقاتها الدولية‪.‬‬

‫اش تدت المش كالت ال تي تواج ه الع الم الن امي ح دة من ذ أوائ ل التس عينات نتيج ة الديناميكي ة الس ريعة‬
‫لألح داث الدولي ة بع د انهي ار االتح اد الس وفيتي‪ ،‬وزي ادة الض غوط ال تي تواج ه ه ذه ال دول من قب ل‬
‫المنظم ات الدولي ة والرامي ة إلى وج وب تقليص دور القط اع الع ام في النش اط االقتص ادي وتحري ر‬
‫االقتصاديات النامية من كافة أشكال القيود وبالتالي فتح أسواقها أمام المنافسة الخارجية‪ .‬كما وقد‬
‫ش هد الع الم الغ ربي تح والت على الص عيدين االقتص ادي والسياس ي ك ان من نتائجه ا ت دعيم هيمن ة‬
‫البل دان المتقدم ة على االقتص اد الع المي‪ ،‬فتحقي ق دول أوروب ا الغربي ة لوح دتها االقتص ادية‬
‫والسياس ية‪ ،‬واس تكمال الوالي ات المتح دة األمريكي ة وكن دا والمكس يك الج راءاتهم التفاقي ة التج ارة‬
‫الحرة‪ ،‬فضال عن تكثيف الجهود اليابانية ودول جنوب شرق آسيا لتكوين تجمع اقتصادي مواز‪،‬‬
‫كله ا تح والت أض عفت من ق وة ال دول النامي ة وانعكس ت في ص ورة تراجع ات في مع دالت النم و‬
‫االقتصادي وزيادة أعباء المديونية‪.‬‬

‫وآزاء كل تلك التطورات السياسية واالقتصادية السريعة على الساحة الدولية كان لزاما على الدول‬
‫النامية أن تعيد النظر في سياسيتها اإلنمائية ومحاولة التكيف بصورة أقوى مع األوضاع‬
‫االقتصادية الدولية الجديدة أو ما يعرف بالعولمة وثورة المعلوماتية‪ ،‬فلم تعد التنمية قضية‬
‫اقتصادية فحسب إنما أضحت قضية حضارية تتداخل فيها عوامل البيئة السياسية واالجتماعية‬
‫وجميع عوامل النهضة الحضارية‪ .‬ونظرًا لزيادة المضطردة لحاجة اإلنسان للعديد من السلع‬
‫والخدمات األساسية منها والكمالية‪ ،‬وغير ذلك من الدوافع التي تدعو ضرورة األخذ بالتخطيط‬
‫نهجًا للتنمية االقتصادية واالجتماعية في الدول المتقدمة وبصورة أوضح في الدول النامية‪.‬‬

‫وعلى ذلك فسوف نحاول في هذه المادة التعرف على ماهية التنمية االقتصادية والتخطيط‬
‫االقتصادي والتوصل إلى إجابات ألسئلة أساسية نلخصها في التالي‪-:‬‬

‫من هم الفق راء؟ و لم اذا يعيش ون في فق ر؟ ولم اذا تتس ع الفج وة بين األغني اء والفق راء‬ ‫‪‬‬
‫وعلى الدوام؟‪.‬‬
‫ماذا نعني بالعالم الثالث؟ وما هي مشاكله؟‬ ‫‪‬‬
‫كيف يتم النمو ؟ ومن هم المستفيدون محليا ودوليا؟‬ ‫‪‬‬
‫ما هي حقيقة "التنمية"؟ وما هي النظريات والمبادئ المفسرة لها؟‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫ما هي العقبات التي تواجه الدول النامية؟ ما االستراتيجية األنسب لتنمية هذه الدول؟‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫هل للدول النامية القدرة على مواجهة التحديات العالمية المعاصرة ؟‬ ‫‪‬‬
‫ما هي السياسات الكفيلة بحل مشاكل تلك الدول؟‬ ‫‪‬‬
‫كيف يكون التخطيط االقتصادي أداة فعالة لتحقيق التنمية؟‬ ‫‪‬‬

‫ماهية التنمية االقتصادية‬

‫بذلت الكثير من المحاوالت لتحديد لمفهوم التنمية‪ ،‬حتى غدا هذا المفهوم من المفاهيم الشائعة لدى‬
‫األفراد أو الهيئات‪ ،‬هذا بعد أن تعددت مفاهيمها لدرجة أحدثت نوع من الخلط بينها وبين مفاهيم‬
‫أخرى كالتطور والتقدم والنمو االقتصادي‪ .‬ويعد االقتصادي "شومبيتر" أول من حاول التمييز بين‬
‫النمو االقتصادي والتنمية‪ .‬فالنمو يحدث عادة بسبب نمو السكان والثروة واالدخار‪ ،‬في حين أن‬
‫التنمية تنتج من التقدم واالبتكار التقنيين‪ ،‬وأن النمو يتمثل في حدوث تغيرات كمية في بعض‬
‫المتغيرات االقتصادية‪ .‬أما التنمية فتتضمن حدوث تغيرات نوعية في هذه المتغيرات‪ .‬ويتضح من‬
‫ذلك أن النمو االقتصادي يسبق التنمية وهو ظاهرة تحدث في المدى القصير‪ ،‬في حين أن التنمية‬
‫ال تحل إال على المدى الطويل‪ ،‬وال يمكن الحكم عليها إال بعد مضي فترة زمنية طويلة نسبيا‪.‬‬

‫وعلى ذلك نخلص إلى أن النمو‪ Growth‬هو عملية زيادة تلقائية ثابتة مستمرة وتطور بطئ‬
‫تدريجي يحدث في جانب معين من جوانب الحياة‪ ،‬أما التنمية ‪ Development‬فعبارة عن عملية‬
‫تحقيق زيادة تراكمية متعمدة ودائمة تحدث عبر فترة من الزمن و تحتاج إلى دفعة قوية عن‬
‫طريق جهود منظمة تخرج المجتمع من حالة الركود والتخلف إلى حالة التقدم والنمو‪ .‬ويشير‬
‫تقرير األمم المتحدة إلى أن مشكلة البالد المتخلفة ليست في حاجتها إلى مجرد النمو‪ ،‬وإ نما في‬
‫حاجتها للتنمية سواء االجتماعية أو االقتصادية باألسلوب الكيفي والكمي‪.‬‬

‫جاء في تعريف هيئة األمم المتحدة لعام ‪1956‬م أن التنمية هي العمليات التي يمكن بها توحيد‬
‫جهود المواطنين والحكومة لتحسين األحوال االقتصادية واالجتماعية والثقافية في المجتمعات‬
‫المحلية‪ ،‬ولمساعدتها على االندماج في حياة األمة والمساهمة في تقدمها بأقصى قدر مستطاع‪ .‬هذا‬
‫في حين يتفق كل من "سلتز" و "روستو" ‪ W. Rostow‬على اعتبار أن التنمية تكون بتخلي‬
‫المجتمعات المتخلفة عن السمات التقليدية السائدة فيها‪ ،‬وتبني الخصائص السائدة في المجتمعات‬
‫المتقدمة‪.‬‬

‫ويذكر "ماير" ‪ Meier‬أن التنمية عملية تفاعلية يزداد خاللها الدخل الحقيقي للدولة خالل فترة‬
‫معينة‪ ،‬ويتفق معه "بولدوين" ‪ Boldwin‬في ذلك‪ ،‬ولكنه يضيف أن تحقق التنمية يتطلب توافر‬
‫معدالت عالية من النمو في قطاعات اقتصادية واجتماعية وسياسية أخرى‪ .‬ويشير سيد عويس إلى‬
‫أن تنمية المجتمع تكون باشتراك أعضاء المجتمع انفسهم في الجهود التي تبذل لتحسين مستوى‬
‫المعيشة في محيطهم بعد تزويدهم بالخدمات والمعونات الالزمة لمساعدتهم وبأسلوب يشجع على‬
‫المبادرة واالعتماد على النفس والمشاركة اإليجابية‪ ،‬ويلزم لذلك أن يتميزوا بدرجة عالية من‬
‫التعاون فيما بينهم‪ .‬في حين يضيف عاطف غيث تعريفا آخر للتنمية يرى فيه أنها التحرك العلمي‬
‫المخطط لمجموعة من العمليات االجتماعية واالقتصادية ‪ ،‬تتم من خالل ايدلوجية معينة لتحقيق‬
‫التغيير المستهدف‪ ،‬من أجل االنتقال من حالة غير مرغوب فيها إلى حالة مرغوب الوصول إليها‪.‬‬
‫أما "نيتل" و"روبرتسون"‪ Nettle & Robertson‬فقد عرفا التنمية بأنها "العملية التي بمقتضاها‬
‫تسعى الصفوف القومية –بنجاح نحو الحد من انخفاض مكانة أممهم‪ ،‬والتحرك نحو مساواة هذه‬
‫األمم باألمم األخرى التي تحتل مكانة مرموقة"‪.‬‬

‫ومما سبق نشير إلى أن مفهوم التنمية يتمثل في كونها "عمليات مخططة وموجهة في مجاالت‬
‫متعددة تحدث تغييرا في المجتمع لتحسين ظروفه وظروف أفراده من خالل مواجهة مشكالت‬
‫المجتمع وإ زالة العقبات وتحقيق االستغالل األمثل لإلمكانات والطاقات‪ ،‬بما يحقق التقدم والنمو‬
‫للمجتمع والرفاهية والسعادة لألفراد"‪.‬‬

‫ماهية التخطيط االقتصادي‬

‫لم ا لم يكن علم االقتص اد ولي د الص دفة‪ ،‬إنم ا ه و نت اج تط ورات أجي ال وتج ارب إنس انية على م ر‬
‫العصور‪ ،‬فإن التخطيط االقتصادي جاء بالتالي نتاج لتلك التطورات‪ .‬تعود جذور التخطيط إلي أيام‬
‫اإلغريق‪ ،‬وبالتحديد في عهد أفالطون الذي اشار بشكل غير مباشر لمفهوم وعملية التخطيط من‬
‫خالل جمهوريته الفاضله‪ .‬ولقد كانت قبل ذلك مصر الفرعونية مركز اإلشعاع الحضاري وعلي‬
‫مسيرة آالف السنين‪ ،‬وليس منا من ال يعرف قصة نبي اهلل يوسف بن يعقوب مع عزيز مصر‪،‬‬
‫فطبقًا لما جاء في العقد القديم بدأ يوسف عليه السالم تخطيط اقتصاد مصر وهو في الثالثين من‬
‫عمره حينما استدعاه الفرعون وجعله وزيرًا لالقتص اد والمالية‪ ،‬وأعطاه ص ال حيات مطلقه في‬
‫إدارة اقتصاد البالد‪ .‬وفي ظل التقدم العلمي الملحوظ حينذاك تمكن يوسف عليه السالم من وضع‬
‫خط ة توزي ع دقيق ه قائم ه علي حص ر الس كان األحي اء خالل الـ ‪14‬عام ًا مح ل الخط ة الموض وعه‬
‫بأس لوب اليختل ف كث يرًا عم ا عم ا ي درس حالي ًا في نظري ة االحتم االت ‪ ..‬كم ا خص ص لك ل ف رد‬
‫حصته السنوية ونصيبه اليومي من المؤن على أساس ما يعرف اليوم بحد الكاف‪ .‬كل ذلك يدل‬
‫على أن الع الم الق ديم ع رف األزم ات االقتص ادية وتمكن من تط بيق نظ ام الط وارئ والتخطي ط‬
‫االقتصادي لعالج تلك األزمات‪.‬‬

‫أما عن التخطيط االقتصادي في اإلسالم فقد هدف إلى أن يجد مل مسلم ما يكفيه من مال‪ ،‬فحرم‬
‫الرب ا وأم ر بالزك اة‪ ،‬ولم يكن هن اك حاج ة لتخطي ط اقتص ادي دقي ق بمفهوم ه المعاص ر في عه د‬
‫الرسول صلى اهلل عليه وسلم والخلفاء الراشدين ألسباب عديدة‪ ،‬لعل من أهمها أن ما كان يصل‬
‫إلى المس لمين من الغن ائم أك ثر من ح اجتهم وحاج ة المس لمين‪ .‬أم ا أول مث ل للتخطي ط في الدول ة‬
‫اإلس المية فك ان في عه د الص حابي الجلي ل عم ر بن الخط اب رض ي اهلل عن ه‪ ،‬حيث اس تبقى ري ع‬
‫األراض ي الزراعي ة التي حص ل عليها المس لمون من فتوح اتهم كموردَا ثابت ًا للدول ة بج انب الزك اة‬
‫والخراج‪ .‬قال عمر بن الخطاب رضي اهلل عنه‪":‬ليس أحد أحق بمال الدولة من أحد وال أنا أحق به‬
‫من أح د‪ ،‬للرج ل وقدم ه في اإلس الم وللرج ل وبالءه وللرج ل وحاجت ه‪ .‬واهلل ل و ط ال بي العم ر‬
‫لجعلت راعي الغنم في جبال صنعاء يستلم حقه من هذا المال وهو يرعى غنمه" ‪ .‬كما و خصص‬
‫رض ي اهلل عن ه أرض الحمى فاس تحدث ب ذلك أول قط اع ع ام للدول ة اإلس المية‪ .‬ومن اجتهادات ه‬
‫رض ي اهلل عن ه في التخطي ط االقتص ادي خطت ه لحف ر قن اة ألم ير المؤم نين لتس هيل نق ل الغالل من‬
‫مصر إلى الحجاز والتي تربط بين نهر النيل والبحراألحمر ( قناة السويس حاليَا)‪.‬‬

‫تط ورت فك رة التخطي ط خالل الح رب العالمي ة األولى في ألماني ا من جه ة وفرنس ا وبريطاني ا من‬
‫جهة أخرى‪ .‬واتخذ التخطيط أسلوبًا إلدارة دفة الحرب‪ ،‬وتعبئة الموارد االقتصادية لتجهيز الجيوش‬
‫وإ مدادها بما تحتاجه من جيوش وعتاد ومؤن وذخائر‪ .‬واعتبر التخطيط في الدول الرأسمالية حينئذ‬
‫وسيلة مؤقتة لتنظيم عملية تحول االقتصاد القومي من ظروف السلم إلى ظروف الحرب‪ .‬وما أن‬
‫انتهت الح رب العالمي ة األولى‪ ،‬ح تى عص فت بالنظ ام الرأس مالي أزم ة الكس اد الكب ير (‪-1929‬‬
‫‪ ،)1932‬ففي تل ك الف ترة‪ ،‬انخفض ت مس تويات اإلنت اج واالس تهالك وال دخل‪ ،‬وارتفعت مس تويات‬
‫األسعار‪ ،‬وتكدست السلع في المخازن والمستودعات‪ ،‬مما أدى إلى تسريح العمال وانتشار البطالة‬
‫والفق ر‪ .‬وأدت ه ذه األزم ة إلى زعزع ة الثق ة بالنظ ام االقتص ادي الح ر‪ ،‬ال ذي اعتم د على فك رة‬
‫التوازن التلقائي‪ .‬وتبين أن اليد الخلفية التي تحدث عنها آدم سميث في كتابة ثروة األمم غ ير كافي ة‬
‫لضمان النمو واالستقرار واالستخدام الكامل للموارد االقتصادية‪ .‬كما تبين فشل قانون المناف ذ الذي‬
‫تح دث عن ه س اي‪ ،‬وال ذي ينص على أن المنتج ات تخل ق الطلب عليه ا‪ ،‬أو الع رض يخل ق الطلب‬
‫الخاص به‪.‬‬

‫جاءت أفكار االقتصادي البريطاني جون مينرد كينز في كتابة الشهر المنشور عام ‪"1936‬النظرية‬
‫العامة للفائدة والتوظف والنقود" لتناقض أفكار الفكر االقتصادي الكالسيكي بالتركيز على جانب‬
‫الطلب بدل العرض‪ .‬واقترح كينز للخروج من أزمة الكساد زيادة اإلنفاق العام وضرورة تدخل‬
‫الدول ة في الحي اة االقتص ادية‪ ،‬والتخطي ط لزي ادة حجم الطلب الفع ال ال ذي يعي د النش اط والفعالي ة‬
‫ويحرك عجلة االقتصاد‪.‬‬
‫حلت الحرب العالمية الثانية لتحول اقتصاديات الدول من اقتصاديات السلم إلى اقتصاديات الحرب‬
‫مرة أخرى‪ .‬وهنا دعت الحاجة إلى قيام الدول بانتهاح أسلوب التخطيط تماما كما حدث في الحرب‬
‫األولى‪ .‬وما أن حطت الحرب أوزارها حتى سارعت الواليات المتحدة األمريكية بتق ديم مس اعداتها‬
‫ل دول أوروب ا الغربي ة إلع ادة تعم ير م ا دمرت ه الح رب‪ ،‬وذل ك من خالل م ا ع رف بخط ة مارش ال‬
‫‪ Marshal plan‬لمواجه ة مش اكلها االقتص ادية واالجتماعي ة والنه وض باقتص ادياتها‪ .‬وك ان لزام ا‬
‫على ال دول أن تنتهج أس لوبًا تخطيطي َا لتق دير احتياج ات إع ادة التعم ير (فرنس ا وبريطاني ا ع ام‬
‫‪.)1946‬‬

‫وبانته اء الح رب العالمي ة الثاني ة قس مت دول الع الم إلى ثالث مجموع ات‪ :‬دول الع الم األول وهي‬
‫ال دول الص ناعية الرأس مالية (االقتص اد الح ر) ودول العلم الث اني وهي ال دول الص ناعية االش تراكية‬
‫(التخطي ط المرك زي)‪ ،‬ودول الع الم الث الث وهي ال دول الفق يرة المختلف ة‪ .‬وق د ق امت ع دة دول من‬
‫الدول النامية وبمساعدة المنظمات الدولية بانتهاج أسلوب التخطيط االقتصادي لرفع معدالت النمو‬
‫االقتصادي وتحقيق أهداف التنمية االقتصادية‪.‬‬

‫ارتبط مفهوم التخطيط االقتصادي بدول الكتلة الشرقية والتي اعتمدت اسلوب التخطيط المركزي‬
‫كنظام بديل لنظام السوق الذي ساد في الدول الرأسمالية‪ .‬وعليه ساد االعتقاد بأن انهيار االتحاد‬
‫الس وفيتي في بداي ة التس عينات يع د نهاي ة للتخطي ط االقتص ادي غ ير أن الواق ع ه و أن ه ليس هن اك‬
‫ترادف بين التخطيط واالشتراكية أو بين عدم التخطيط والرأسمالية‪ ،‬حيث أن التخطيط االقتصادي‬
‫غير مقصور على الدول االشتراكية بل هو ضرورة ألي دولة يعجز فيها نظام السوق وحده عن‬
‫تحقيق التنمية المستدامة بالصورة المطلوبة‪.‬‬

‫التخطيط والمشكلة االقتصادية‪:‬‬

‫كم ا س بق ودرس نا في مب ادئ االقتص اد أن هن اك حاج ة إنس انية تتح ول إلى رغب ة تتطلب اإلش باع‪،‬‬
‫وهن اك وس ائل كفيل ة بإش باع ه ذه الرغب ات‪ .‬ه ذه الوس ائل هي الم وارد االقتص ادية ‪Economic‬‬
‫‪ resources‬والمتمثل ة في الم وارد الطبيعي ة والبش رية والرأس مالية ال تي تس تخدم في أنت اج الس لع‬
‫والخدمات المختلفة‪ .‬وتتميز الموارد بأنها نادرة ومحدودة بالنسبة لكثرة الحاجات‪ ،‬ومعيار الندرة‬
‫هو وجود ثمن لتلك الموارد‪ ،‬وعليه تسمى موارد اقتصادية تمييزا لها عن الموارد الحرة التي ال‬
‫ثمن له ا وال تي توج د في الطبيع ة بكمي ات كب يرة‪ ،‬وال يب ذل اإلنس ان أي جه د للحص ول عليه ا‪،‬‬
‫كالشمس والهواء ومياه البحر‪ .‬كما تعرفنا على ماهية المشكلة االقتصادية والمتمثلة في محدودية‬
‫الم وارد االقتص ادية المتاح ة أم ام الحاج ات اإلنس انية متع ددة وغ ير مح دودة‪ ،‬في حين أن الم وارد‬
‫المتاحة إلشباع هذه الحاجات محدودة مقارنة بالحاجة إليها‪ ،‬فإن المشكلة االقتصادية تكون مشكلة‬
‫"ندرة مطلقة ‪Scarcity‬ومشكلة "اختيار"‪ .choice‬والندرة بالنسبة للحاجة إليها‪ ،‬ولحكمة أرادها اهلل‬
‫عز وجل‪ .‬ولحل المشكلة االقتصادية يستوجب على المجتمع أن يجيب على ثالثه أسئلة هي‪ :‬ماذا‬
‫ينتج؟ وكي ف ينتج ؟ولمن ينتج؟‪ .‬وتختل ف اإلةجاب ة على التس اؤالت الس ابقه من مجتم ع الخ ر تبع ًا‬
‫لظروفه ومرحلة نمو وتطور وتبعًا للنظام االقتصاديه المتبع‪ ،‬وهل هو نظام اقتصادي رأسمالي؟‬
‫أم نظام اقتصادي إسالمي؟‪.‬‬

‫في نظام السوق (النظام الرأسمالي) المتمتع بالمنافسه الكاملة ينتج المجتمع السلع والخدمات التي‬
‫يفضلها المستهلكون‪ .‬ويتم مزج عناصر اإلنتاج واستخدامها وتحديد أساليب اإلنتاج بما يحق ق أعلى‬
‫مس تويات إنتاج ة بأق ل التك اليف الممكن ة‪ .‬ه ذا ويتم توزي ع اإلنت اج حس ب دخ ول عناص ر اإلنت اج‬
‫والمتحددة وفقًا لتفاعل قوى العرض والطلب في السوق (حسب الندرة النسبية)‪ .‬اما نظام االقتصاد‬
‫المخط ط فينتج المجتم ع تل ك الس لع والخ دمات ال تي يحتاجه ا المجتم ع كك ل‪ ،‬بحيث تق وم هيئ ة‬
‫تخطيطي ه علي ا باختب ار أس اليب اإلنت اج المناس ب بم ا يحقق أق ل تكلف ة إنتاجي ة‪ .‬ويتم توزي ع اإلنتاج‬
‫حسب الجهد المبذول من المشاركين في العملية اإلنتاجية ووفق قرارات السلطة التخطيطية العليا‪.‬‬
‫وكما يعتقد البعض‪ ،‬فإن أحد النظامين السابقين حصريًا غير وارد من الناحية العملية‪ ،‬حيث تمزج‬
‫كل دولة بين النظامين وبدرجات متفاوتة‪ .‬وال يمكن الفصل بين النظامين قطعي ًا او إحالل أحدهما‬
‫مح ل اآلخ ر‪ ،‬فكم ا ان الس وق يلعب دورًا مهم ًا في االقتص اديات المخطط ة‪ ،‬ف إن ت دخل الدول ة‬
‫وتخطيط االقتصادي لهما دورهما المهم في اقتصاديات السوق‪.‬‬

‫مفهوم التخطيط االقتصادي‪:‬‬

‫التخطيط أو ما يعرف بالتخطيط القومي ‪ National planning‬هو نظام جديد لم يؤخذ به إال في‬
‫العش رينات من الق رن الماض ي‪ ،‬حيث لفتت الحرب ان العالميت ان األنظ ار ألهمي ة التخطي ط س واء‬
‫لكسب الحرب‪ ،‬أو لتعمير ما دمرته الحرب‪ .‬ويرجع الفضل في استخدام اصطالح التخطي ط ‪ -‬كم ا‬
‫أش رنا مس بقا‪ -‬إلي النمس اوي كريس تان ش ويندر في مق ال ل ه عن النش اط االقتص ادي نش ر في ع ام‬
‫‪1910‬م‪ ،‬ولم يكتس ب اللف ظ ش هرته إال بع د ع ام ‪ 1928‬عن دما ب دا االتح اد الس وفيتي في اس تخدام‬
‫التخطيط كأسلوب لتنظيم اقتصاده القومي‪.‬‬

‫التخطيط كما قال جواهر الل نهرو هو "ممارسة ذكية للتفاعل مع الحقائق والمواقف كما هي عليه‬
‫في الواق ع وحاول ة العث ور على حل ول لمش اكل القادم ة"‪ .‬وس وف نتن اول في األج زاء القادم ة من‬
‫المادة تعريف التخطيط االقتصادي بشيء من التفصيل‪.‬‬

‫التخلف االقتصادي‬

‫من السهولة بمكان أن نتحدث عن التخلف االقتصادي‪ ،‬غير أنه من الصعب علينا أن نضع تعريفا‬
‫شامال دقيقا لمعنى التخلف‪ .‬فإذا كان علماء االقتصاد لم يتوصلوا إلى اتفاق على تعريف علم‬
‫االقتصاد‪ ،‬فليس باألمر الغريب أن يخفقوا في التوصل إلى تعريف موحد ألحد فروعه المسمى‬
‫باقتصاديات التنمية أو ألحد مفاهيمه"التخلف االقتصادي"‪ .‬ويرى االقتصادي الشهير "كوزنيتس"‬
‫‪ Kuznets‬التخلف يحمل ثالثة معان‪-:‬‬

‫أوال‪ -‬التخلف يعني عدم االستفادة من القدرة اإلنتاجية التي يتيحها استخدام الطرق الفنية‬
‫والتكنولوجية الحديثة بسبب المقاومة الشديدة التي تبديها المؤسسات االجتماعية في وجه مثل هذا‬
‫االستخدام‪.‬‬
‫ثانيا‪ -‬التخلف يعني ضعف اآلداء االقتصادي في الدولة المتخلفة مقارنة بأكثر الدول تقدما في‬
‫لحظة معينة‪.‬‬
‫ثالثا‪ -‬التخلف حالة الفقر التي يعيشها البلد المتخلف والمتمثلة بعدم قدرته على ضمان الحد األدنى‬
‫من الرفاهية المادية لمعظم سكانه‪.‬‬

‫ويرى كتاب آخرون أن التخلف هو حالة البلدان التي تكون مستويات اإلنتاج والدخل فيها أقل‬
‫بكثير مما تسمح به مواردها برفع مستويات إنتاجها ودخلها أكثر بكثير مما هي عليه‪ ،‬فهي دول‬
‫فقيرة أو نامية ‪ ،‬لكنها ليست دوال متخلفة‪ .‬وحسب هؤالء فإن التخلف يوحي دائما بأن التنمية هي‬
‫أمر ممكن ومرغوب فيه"‪.‬‬
‫أما الكاتب الفرنسي "ايف الكوست"‪ Yves Lacoste‬فيرى في التخلف ظاهرة تاريخية نتجت عن‬
‫وضع اقتصادي واجتماعي متناقض‪ ،‬فمن جهة نتج عن هذا الوضع نمو سكاني سريع في الدول‬
‫المتخلفة‪ .‬في حين أن حالة التخلف ال تسمح بتلبية الحاجات التي تولدت عن النمو السكاني‬
‫المتزايد‪ .‬وهكذا يرى "الكوست" أن هناك معنى داخليا بحت للتخلف‪ ،‬إضافة إلى ما يعنيه التخلف‬
‫من انخفاض في اإلنتاج و الدخل مقارنة بالدول المتقدمة‪.‬‬

‫وعلى ذلك نقول بأن التخلف حالة مجموعة من الدول تجمعها خصائص مشتركة أهمها‪ :‬انخفاض‬
‫مستوى مساهمة القطاع الصناعي في الناتج القومي وفي استخدام قوة العمل‪ ،‬ارتفاع البطالة‬
‫المقنعة في القطاع الزراعي و الحكومي‪ ،‬انخفاض حجم رأس المال المتاح‪ ،‬بدائية وازدواجية‬
‫التكنولوجيا المستخدمة‪ ،‬التبعية للخارج‪ ،‬االنفجار السكاني‪ ،‬انخفاض المستوى الصحي والتعليمي‪،‬‬
‫ندرة المنظمين واإلداريين األكفاء‪ ،‬وسيادة قيم اجتماعية ومعنوية بالية‪..‬الخ‪.‬‬

‫الفقراء من مسمى دول العالم الثالث إلى الدول النامية‪:‬‬

‫ظهر تعبير "العالم الثالث"‪ The Third World‬ألول مرة في عام ‪،1952‬عندما استخدمه الفرنسي‬
‫"ألفريد سوفيه" ‪ ،Alfred Sauvy‬لتلقى هذه التسمية انتشارا وشيوعا خاصة وأن المقصود بها تلك‬
‫الدول التي تمثل الطرف الثالث في أي عمليات أو اتفاقات بين العالم الرأسمالي الغني وبين‬
‫االشتراكية المخططة مركزيا‪ ،‬وهو اصطالح يتغلب معه الطابع السياسي على الطابع االقتصادي‪.‬‬
‫قبل انتشار هذا االصطالح كان يطلق على هذه المجموعة اسم البالد الفقيرة‪Poor Countries‬‬
‫أو البالد المتأخرة‪ ، Backward Countries‬لكن سرعان ما اتضح أن هذا االصطالح ال يوحي‬
‫فقط بتأخر هذه الدول اقتصاديا وتكنولوجيا‪ ،‬وانما أيضا اجتماعيا وحضاريا األمر الذي يحرج‬
‫شعوب تلك الدول ويجرح مشاعرها‪ ،‬خاصة وأن هذه الشعوب كانت في وقت من األوقات مهدا‬
‫لحضارات عريقة مثل الهند ومصر والصين وغيرها‪.‬‬

‫وعليه تم استبدال هذه التسمية باسم الدول الغير متطورة‪ ،Undeveloped Countries‬ورؤيي‬
‫تعديلها إلى الدول المتخلفة ‪ Underdeveloped Countries‬محاولة للتخفيف من األثر السلبي‬
‫الذي تركه االصطالحين السابقين‪ ،‬ولكون علماء االقتصاد يرون بأن هذا االصطالح له إيجابيات‬
‫مهمة‪ ،‬منها أن الدول التخلفة تعني نسبية مفهوم التخلف والتقدم‪ ،‬أي أن وجود دول متخلفة مرتبط‬
‫بوجود دول متقدمة‪ .‬هذا وكما أن اصطالح الدول المتخلفة باللغة العربية أكثر فائدة وايحاء من‬
‫مقابله باللغة االنجليزية‪ ،‬لكونه يوحى بأن الدول المعنية قد تخلفت عن الركب الحضاري لسبب أو‬
‫ألخر‪ ،‬ولزمن قد يطول أو يقصر‪ .‬وعلى الرغم من ذلك فقد ظهر وبسرعة أن وقع هذا المسمى‬
‫على الدول المعنية لم يكن أفضل مما سبقه‪ ،‬إذا أنه يوحي تقريبا نفس المعنى‪ ،‬أي تخلف هذه‬
‫الشعوب عن مهد الحضارة اقتصاديا واجتماعيا وتكنولوجيا وحضاريا‪.‬‬

‫ابتدأ المهتمون بقضايا التنمية باستخدام اصطالح "الدول األقل تقدما" ‪Less Developing‬‬
‫‪ Countries‬ليقابله من الجهة األخرى "الدول األكثر تقدما"‪ ،‬اعتقادا بأنه مسمى أكثر حيادية‬
‫علمية‪ ،‬ويعطي نسبية أكثر لمفهومي التخلف والتقدم ممما قبله‪ .‬ورغم إيجابيات هذا المسمى‪ ،‬إال‬
‫أن العددية التي حققتها دول آسيا وأفريقيا وأمريكا الالتينية على مؤسسات األمم المتحدة دفعت‬
‫خبراء هذه األخيرة إلى استحداث واستخدام اصطالح"الدول النامية"‪Developing Countries‬‬
‫بهدف اإليحاء اإليجابي بكون هذه الدول سائرة في طريقها للنمو‪ .‬والواقع أن المشكلة هنا تكمن‬
‫في أن مسمى "النامية" يكاد يكون مرادفا لمسمى "متقدمة" في اللغة العربية‪ ،‬وليس كما أريد لها في‬
‫اللغة االنجليزية أن تعني "في طريق النمو"‪ .‬ولكن إذا كان مسمى "الدول النامية" يلقى الترحيب من‬
‫حكومات و شعوب هذه الدول‪ ،‬فإن التسمية لن تغير شيئا بالنسبة لواقعها‪.‬‬

‫ويمكن القول بأن االستخدام السليم للغة يحتم التفرقة بين دول نامية ودول غير نامية‪ ،‬وبين دول‬
‫متخلفة ودول متطورة‪ ،‬ففي العالم مناطق غير نامية تتسم بالركود لخلوها من الموارد االقتصادية‬
‫الالزمة للتنمية بعكس مناطق أخرى تنتج وتمتلك الموارد الطبيعية والبشرية وتفتقر إلى‬
‫التكنولوجيا المتقدمة‪ ،‬وهناك مناطق تمتلك جميع المقومات التي يمكن من خاللها أن يطلق عليها‬
‫دول متقدمة‪.‬‬

You might also like