Professional Documents
Culture Documents
القوة القاهرة في عقد الشغل
القوة القاهرة في عقد الشغل
:مقدمة
يجب على ك ل من المش غل واألج ير تنفي ذ التزامات ه الواقع ة على
عاتقهما بحسن نية ،وفي حالة التماطل أح دهما عن تنفي ذ التزامات ه يك ون
مسؤوال تجاه الطرف األخ ر مس ؤولية عقدي ة ،ويح ق للجه ة المتض ررة
المطالبة بالتعويض عن األضرار الالحقة به ا ،ولكن ق د يك ون في بعض
األحيان عدم تنفيذ أحد األطراف لاللتزامات ه نتيج ة وج ود أس باب أجنبي ة
خارج ة عن إرادة أح دهما ومن بين ه ذه األس باب الق وة الق اهرة
المنصوص عليها في الفصل 269من قانون االلتزامات والعقود.
وتعتبر الق وة الق اهرة وس يلة قانوني ة ت ؤذي إلى إعف اء أح د ط رفي
العالقة الشغلية من التزاماته عندما يصبح مستحيل تنفيذها بس ببها ،وذل ك
حسب منطوق الفصل 268من ق.ل.ع.
ونظرا لما لهذا الموضوع من أهمية وما يطرحه من إشكاالت بارزة
ق د ال يج د حال له ا ال في التش ريع وال ح تى في االجته ادات القض ائية
والفقهية ،كما أن القوة القاهرة في المدونة الجدي دة للش غل ج اءت متش تتة
ومتن اثرة في ع دة م واد ،وبالت الي ك ان الب د من الرج وع إلى ق انون
االلتزام ات والعق ود المغ ربي ال ذي نظمه ا من خالل الفص لين 268و
.269
وتتلخص اإلش كالية الجوهري ة ال تي يطرحه ا ه ذا الموض وع،
باعتبارها الخيط الرابط بين عناصره وهي على الشكل التالي:
إلى أي ح د توف ق المش رع المغ ربي في معالج ة الق وة الق اهرة على
مستوى تنفيذ عقود الشغل؟
و الإلجاب ة عن ه ذه اإلش كالية الجوهري ة المطروح ة في ص لب ه ذا
الموضوع ،الب د من معالج ة أحك ام الق وة الق اهرة في مج ال تنفي ذ عق ود
الش غل في (المطلب األول) ،أم ا في (المطلب الث اني) سنخصص ه آلث ار
القوة القاهرة في مجال تنفيذ عقود الشغل وإثباتها.
المطلب األول :أحك ام الق وة الق اهرة في مج ال تنفي ذ عق ود
الشغل
إن الح ديث عن الق وة الق اهرة كس بب من أس باب التحل ل من
االلتزامات ،يقتضي منا الوقوف على مفهومها وشروطها (الفق رة األولى)
التي ح ددها المش رع بمقتض ى الفص ل 269من ق.ل.ع ،ثم حاالته ا في
مجال تنفيذ عقود الشغل(الفقرة الثانية).
الفقرة األولى :مفهوم القوة القاهرة في المادة الشغلية وشروطها
سنتطرق في هذه الفقرة إلى الحديث عن مفهوم القوة القاهرة في المادة
الشغلية (أوال) ،ثم سنقف عند شروط الواجب توفرها فيها (ثانيا).
أوال :مفهوم القوة القاهرة في المادة الشغلية
بالرجوع إلى مدونة الشغل يتبين أن المشرع المغربي ق د أحجم
عن تعريف القوة القاهرة وإنما أشار إليها في نص وص متفرق ة ومتش تتة،
على خالف ق انون االلتزام ات والعق ود المغ ربي ال ذي عرفه ا في إط ار
الفص ل 269على أنه ا " هي ك ل أم ر ال يس تطيع اإلنس ان أن يتوقع ه
كالظواهر الطبيعية (الفيضانات والجفاف والعواصف والحرائق والجراد)
وغارات العدو وفعل الس لطة ،ويك ون من ش أنه أن يعج ل تنفي ذ االل تزام
مستحيال .
وال يعتبر من قبيل القوة القاهرة األمر ال ذي ك ان من الممكن دفع ه،
ما لم يقم المدين الدليل على أنه بذل كل العناية لدرئه عن نفسه.
وكذلك ال يعتبر من قبيل الق وة الق اهرة الس بب ال ذي ينتج عن خط أ
سابق للمدين".
ويتضح من خالل مضمون ه ذا الفص ل أن الق وة الق اهرة كواقع ة
مادية في حالة تحقق شروطها تعتبر س بب من األس باب القانوني ة الكافي ة
لوح دها من إعف اء الم دين من تنفي ذ التزامات ه العقدي ة دون تحم ل أي
مسؤولية مدنية.
وبالتالي فإن التعريف ال ذي ج اء ب ه المش رع المغ ربي في الفص ل
269من ق.ل.ع ال يختل ف كث يرا عن تعري ف ال ذي وض عه الفقي ه
الروماني البيان ULPIENوالذي عرف القوة القاهرة على أنها " كل ما
لم يكن في وس ع اآلدمي أن يتوقع ه وإذا أمكن توقع ه فإن ه ال يمكن
مقاومته)]1[(".
أما إذا عدنا إلى القانون الفرنسي ،فإن المشرع الفرنسي لم يوضح
المقصود من القوة القاهرة وإنما اكتفى بتحديد آثارها فقط .وب الرجوع إلى
مقتضيات الفصل 1148من القانون المدني الفرنسي نجده ينفي الحق في
التعويض إذا ثبت المدين أنه منع من القيام بما التزم به.)]2[(...
وكذلك نفس األم ر فيم ا يخص الق انون الم دني المص ري حيث لم
يعرف هو األخر القوة القاهرة وإنم ا اكتفى باإلش ارة إليه ا كس بب أجن بي
يعفي من المس ؤولية ،وه ذا م ا أك ده الفص ل 165من الق انون الم دني
المصري والذي جاء فيه ما يلي ":إذا اثبت الشخص أن الض رر ق د نش أ
بسبب أجنبي ال يد ل ه في ه كم ا في الق وة الق اهرة أو خط أ من المض رور
أو خطأ الغير ،كان غير ملزم بتعويض هذا الضرر ،م ا لم يوج د نص أو
اتفاق على غير ذلك".
ثانيا :شروط القوة القاهرة في مجال تنفيذ عقود الشغل
بالرجوع إلى مقتض يات الفص ل 269من ق.ل.ع الس الف ال ذكر
يشترط في الواقعة المكونة للقوة القاهرة والتي يتمسك بها المدين من أجل
االستفادة من آثارها ثالثة شروط رئيسية وهي عدم التوقع (أ) ،ثم استحالة
الدفع (ب) ،وأن يكون السبب خارجيا (ج).
الشرط األول :عدم التوقع
يعت بر ع دم التوق ع من بين الش روط األساس ية لتحق ق الق وة
القاهرة ،لهذا يتعين على المدين(المشغل أو األجير) أن ال يتوقع هذا الفعل
أثناء إبرام العقد ،وإال فإنه إذا كان بإمكانه توقعه فهو يكون مرتكب ا لخط أ
يتمثل في عدم اتخاذ التدابير الالزمة .وهذا ما أك ده المش رع المغ ربي في
الصيغة التالية" :القوة القاهرة هي كل أمر ال يستطيع اإلنسان أن يتوقع ة"
الواردة في الفصل 269من ق.ل.ع.
والقض اء ي رفض ال دفع ب القوة الق اهرة إذا ك ان في اس تطاعة
المدين أن يتوق ع ح دوثها ،وط رح مث ل ه ذا األم ر بالنس بة ألح د أرب اب
العمل الفرنسيين الذي تجاوز الح د المس موح ب ه ل ه من أج ل توظي ف أو
تشغيل عمال أجانب.
ولما رفض ت الس لطة اإلداري ة المختص ة تجدي د بطاق ات عم ل
البعض منهم لم يفلح في أن يتدرع بالقوة القاهرة كسبب إلنهاء عقد العم ل
ألنه كان في وس عه توق ع ع دم موافق ة اإلدارة على التج اوز في تش غيل
العمال األجانب.
كما أن التوجه الذي سلكه القض اء الفرنس ي ه و تأكي د على أن
غ رق مص نع بس بب فيض ان نه ر يح دث بش كل دوري ه و أم ر متوق ع
وبالتالي ليست هناك قوة قاهرة ،أما اعتقال العام ل أو حبس ه فه و أم ر ال
يمكن توقعه في كثير من الحاالت.
الشرط الثاني :استحالة الدفع
أن هذا الشرط يعتبر من بين الش روط تحق ق الق وة الق اهرة ول ه
ارتباط وثيق بالشرط السابق ،ألن المرء كلما استطاع توق ع الخط ر ال ذي
يهدد مص الحه س هل علي ه دف ع ه ذا الخط ر في غ الب األحي ان ،أو على
األقل يسهل عليه اتخاذ االحتياطات الضرورية لتخفيف منه.
وقد اعتبرت المحكمة االبتدائي ة بال دار البيض اء في أح د أحك ام
الصادرة عنها " بأن إغالق المؤسسة من أج ل القي ام ببعض اإلص الحات
في البناية أو غيرها ال يرتب إنهاء عقد العمل الذي يظ ل معلق ا أو متوقف ا
عن إنت اج آث اره القانوني ة ليس إال .وذل ك إلى حين اس تئناف المؤسس ة
لنشاطها الطبيعي وكل خروج عن هذا المبدأ يقع تحت طائل ة التعس ف في
اس تعمال الح ق وال يعت بر ه ذا اإلغالق بمثاب ة ق وة ق اهرة م ا لم تت وفر
شروطها القانونية.
وحيث إن ق رار اإلغالق الم ذكور ليس نهائي ا ولكن ه م ؤقت،
وبالتالي فهو ليس بفعل السلطة المبرر لتسريح المدعي عن عمله ،كما أنه
ال يتحدث عن المحالت التجارية)]3[(".
ويتض ح من خالل ه ذا الحكم على أن ه ال مج ال للتمس ك ب القوة
الق اهرة من قب ل الم دعي علي ه اعتم ادا على الفص ل 269من ق.ل.ع،
وذلك اعتبارا للفقرة األخيرة التي تؤك د على أن ه ال يعت بر من قبي ل الق وة
القاهرة األمر الذي كان من الممكن دفعه ،ما لم يقم المدين(المدعي علي ه)
الدليل على أنه بذل كل العناية لدرئه عن نفسه.
في األخ ير ت بين للمحكم ة االبتدائي ة أن ش رط ع دم ال دفع غ ير
متوفر في النازلة وحكمت بالتعويض عن اإلنهاء التعسفي لعقد العمل.
لكن نفس المحكمة األنفة ال ذكر لم يكن له ا نفس الموق ف في قض ية
تتعلق ب إفراغ مح ل تج اري في ش كل مخ بزة يش تغل فيه ا مجموع ة من
األجراء ،وهذا اإلفراغ وقع تنفيذا لق رار محكم ة االس تئناف طبق ا لظه ير
24م اي 1955مقاب ل تع ويض ك راء 3س نوات ،الش يء ال ذي جع ل
صاحب العمل أو مالك المخبزة في وضعية يستحيل معها تنفيذ عقد العمل
مع األجير الذي رفع ضده دعوى بالتعويض عن اإلنهاء التعس في ،طالم ا
أن التع ويض الممن وح ل رب العم ل عن اإلف راغ لم يثبت عن ه أن ه ك اِف
إلنشاء مخبزة جديدة.
إذن ،إنهاء عقد العمل في هذه النازلة لم يكن تعس فيا بس بب ق وة
قاهرة و لم يستطع صاحب العمل أن يدفعها أو يتغلب عليها)]4[(.
الشرط الثالث :انعدام خطأ المدين
بالرجوع إلى الفقرة الثالثة من الفص ل 269من ق.ل.ع يتض ح
أن المشرع المغربي أق ر لتحق ق الق وة الق اهرة يجب انع دام خط أ الم دين
بمعنى أن ال يكون صدر عنه خطأ ساهم في تحققها.
فق د ذهبت محكم ة النقض الفرنس ية به ذا الخص وص إلى أن
الواقعة التي من المفروض أن تشكل قوة قاهرة يتعين أن تكون أجنبية عن
المدين أو عن األشخاص الذين يسأل قانونيا عنهم من الوجه ة المدني ة في
إطار مسؤولية المتبوع عن أعم ال تابع ه وأن محكم ة النقض تس هر على
حسن تطبيق هذا الشرط)]5[(.
وتأسيسا على ما سبق ،فإن تحقق الشروط األنفة ال ذكر من ع دم
التوقع و استحالة الدفع وانعدام خطأ المدين يؤدي إلى استحالة التنفيذ عق د
الشغل بسبب القوة القاهرة التي أحالت بينه وبين تنفيذ التزامه ،له ذا إذا لم
يستطع المشغل توقعها ولم يتمكن من دفعها ولم يصدر عنه أي خط أ فإن ه
يتحلل من المسؤولية تجاه األجير.
الفق رة الثاني ة :ح االت الق وة الق اهرة في مج ال تنفي ذ عق ود
الشغل
أش ار المش رع المغ ربي إلى ح االت الق وة الق اهرة في الم ادة
الشغلية من خالل نصوص متناثرة ،لهذا سنتاول حالة العجز األجير الدائم
ووفاته (أوال) ،أما (ثانيا) سنخصصها للحديث عن توقف المقاولة.
أوال :عجز الدائم لألجير ووفاته
يعت بر عج ز ال دائم لألج ير ق وة ق اهرة تح ول بين ه وبين تنفي ذ
التزامه ،كما لو أصيب بنقصان حاد في قدرته البدنية نتيجة مرض مه ني
أو حادثة شغل)]6[(.
وبالتالي فإن المشغل في ه ذه الحال ة ال يح ق ل ه إجب ار األج ير
على تنفيذ التزامه بسبب الق وة الق اهرة لم يكن بمق دوره توقعه ا أو دفعه ا
مما تسببت في عجزه بصفة دائمة ،له ذا يتحل ل األج ير من التزام ه بق وة
القانون مما يؤدي إلى وضع حد لعقد الشغل من طرف المشغل.
وما قيل عن العجز الدائم ينطبق على وفاة األج ير كلم ا ت وفرت
شروط القوة القاهرة المنصوص عليها في الفصل 269من ق.ل.ع.
ويتبين مما سبق ،أن وفاة األج ير ت ؤدي إلى وض ع ح د للعالق ة
الشغلية الس تحالة االس تمرار في تنفي ذ عق د الش غل بص فة نهائي ة ،نظ را
لطابع الشخصي الذي يطبع عقد الش غل ،وبالت الي ال يح ق للمش غل ال زام
ورثة األجير المتوفى بتنفيذ التزام مورثهم ،كما ال يستطيع ه ؤالء الورث ة
مطالبة المش غل بحل ول مح ل م ورثهم في تنفي ذ التزام ه ،مم ا ي ؤذي إلى
وضع حد لعقد العمل نهائيا.
ثانيا :توقف المقاولة
إن توقف المقاولة تعتبر مج رد تط بيق من التطبيق ات الخاص ة ب القوة
القاهرة ،وبالتالي فإن األزمات االقتصادية التي تنص ب على المقاول ة هي
أزمات متوقعة ،ويتعين على رب العمل أو المشغل توقعها حتى ال يتمسك
بها على أساس أنها قوة قاهرة لتحلل من التزامه.
وفي الحقيق ة هن اك بعض الص عوبات االقتص ادية ال تي ت ؤدي إلى
توقيف المقاولة ،بمثابة عقبة منيع ة وص عبة التج اوز ،ب ل وض اغطة إلى
حد التي يتم تشبيهها بالقوة القاهرة دون أن تكون كذلك.
ونفس األمر بالنسبة لإلضراب الذي ينتج عنه توقي ف المقاول ة ،ولكن
التساؤل الذي يطرح نفسه هل يرقى اإلضراب إلى القوة القاهرة؟
وكقاعدة عامة فإن اإلضراب ال يشكل قوة قاهرة لكونه ال يشكل حادثا
خارجيا لرب العمل ،خاص ة في الفرض ية أك ثر ش يوعا ،وهي في الحال ة
ال تي ي رفض من خالله ا المش غل مط الب األج راء من جه ة ،ومن جه ة
أخرى أن اإلضراب غالبا ما تسبقه مش اورات ونقاش ات وتجمع ات قبلي ة
يكون المشغل على علم به ا ،له ذا يعت بر اس تجماع ش روط الق وة الق اهرة
سواء في حالة اإلضراب أو األزمات صعبا للغاية([.)]7
وغ ير أن ه اس تثناء يمكن اعتب ار اإلض راب ق وة ق اهرة تعفي من
المس ؤولية ،كم ا في الحال ة ال تي تك ون فيه ا مط الب العم ل خارج ة عن
اختصاص ات المش غل ،كم ا ل و أض رب األج راء عن العم ل من أج ل
المطالب ة بالزي ادة في األج ور ،ولكن المش غل لم يس تطع االس تجابة لهم
بسبب وجود قانون يمنع أرباب العمل في الزيادة في األجور([.)]8
وبالتالي ف إن مس ألة تق دير م دة التوق ف المقاول ة على أنه ا ت دخل في
إطار القوة قاهرة أم ال ،تبقى من اختصاص المحكمة التي تتأكد من ت وفر
شروط القوة القاهرة التى على ضوئها تخ ول الح ق في التع ويض أم ال([
.)]9
المطلب الثاني :آثار القوة القاهرة في مجال تنفيذ عقود الشغل وإثباته
القوة القاهرة تعتبر سببا من أسباب انته اء االلتزام ات التعاقدي ة
في عقود الشغل نتيجة استحالة تنفي ذ االل تزام بس بب ظ روف تخ رج عن
إرادة الط رفين ،له ذا فإنه ا تنتج مجموع ة من اآلث ار تج اه المش غل
واألج ير(الفق رة األولى) ،كم ا أنه ا يتم إثباته ا بمختل ف وس ائل اإلثب ات
المتاحة قانونيا(الفقرة الثانية).
الفقرة األولى :آثار القوة القاهرة في مجال تنفيذ عقود الشغل
بم ا أن الق وة الق اهرة واقع ة خارج ة عن إرادة المتعاق دين
ويستحيل دفعها ،فهي تؤثر على تنفيذ األجير اللتزاماته (أوال) ،كما ت ؤثر
أيضا حتى على التزامات المشغل (ثانيا).
أوال :القوة القاهرة و تأثيرها على تنفيذ التزام األجير
يعتبر أداء العمل من أهم االلتزام ات ال تي تق ع على ع اتق األج ير،
وهذا م ا نص علي ه الفصـل 723من ق.ل.ع([ ،)]10وأكدت ه بع د ذل ك
المادة السادسة من مدونة الشغـل([ .)]11ويتجلى ه ذا االل تزام في جع ل
األجير كل نشاطه وقدراته ومهاراته رهن إش ارة رب العم ل ،وال يج وز
لألجير التحلل من التزامه إال إذا كانت هناك قوة ق اهرة ال تي تح ول بين ه
وبين تنفيذه والتي يشترط فيها أن يكون ه ذا األخ ير غ ير متوق ع له ا ولم
تكن في استطاعته دفعها ،باإلضافة آال يكون هناك خطأ صادر منه بش أنه
أن يساهم في وقوع القوة القاهرة بإرادته سواء كان ذلك عن قص د أو عن
غير قصد([ ،)]12وهذا ما أك ده المش رع في الفق رة األخ يرة من الفص ل
269من ق.ل.ع والذي جاء فيه" :ال يعتبر من قبيل القوة القاهرة السبب
الذي ينتج عن خطأ سابق للمدين".
ومن بين االلتزام ات الواقع ة على ع اتق األج ير ك ذلك االل تزام
بالمحافظة على األشياء والوس ائل المس لمة إلي ه من قب ل المش غل ،ويجب
ردها بعد انتهاء الشغل المكلف به([ ،)]13ولكن هناك ظ روف ق د يتع ذر
معها على األجير رد تلك األدوات كما لو تم ضياعها أو تلفها بس بب ق وة
قاهرة ،لهذا فان القاضي له السلطة التقديرية الواسعة من أج ل التأك د من
ص حة ادع اءات األج ير ،وإذا ت بين للقاض ي بالفع ل أن ض ياع أو تل ف
األشياء المسلمة لألجير نتيجة قوة قاهرة ،فإن ه ال يس أل عن ض ياعها وال
يترتب عن ذلك أي مسؤولية تجاهه[ .]14وهذا ما كرس ته الم ادة 22من
م.ش([ ،)]15وه و نفس التوج ه ال ذي تبن اه المجلس األعلى -محكم ة
النقض حاليْا -عندما أكد في أحد قراراته الصادرة عنه " بأن خط أ الغ ير
ال يمكن أن يعفي من المسؤولية إال إذا كان هذا الخطأ قوة ق اهرة أو ح دثا
فجائيا"]16[.
وقياس ا على ه ذا الغ ير ف إن إخالل األج ير بالتزامات ه ال يعفي ه من
المسؤولية إال في حالة الحادث الفجائي أو القوة القاهرة.
والقوة الق اهرة تنفي العالق ة الس ببية بين الض رر الحاص ل للمش غل
وعدم التزام األجير بأي التزام من االلتزامات الملقاة على عاتقه بم ا فيه ا
احترام أجال اإلخطار وتحول دون قيام المس ؤولية العقدي ة م تى ت وافرت
شروطها ،هذه الشروط كما أشرنا إليها سابقا منصوص عليها في الفص ل
269من ق.ل.ع ،وهذا يفيد أن قانون الشغل بخص وص ه ذا الموض وع
لم يستقل بذاته عن القواعد العامة لاللتزامات والعقود إذ بقي مرتبط ا به ا
من حيث شروط القوة القاهرة.
ثانيا :القوة القاهرة و تأثيرها على تنفيذ التزام المشغل
تقابل التزامات األجير مجموعة من الواجبات ال تي تق ع على ع اتق
المشغل ،من أهمها أداء األجر وتوفير الظروف المناسبة للعمل ،لهذا يمنع
على المشغل أن ينهي عقد الشغل بذريع ة اإلص الحات ال تي ي دخلها على
المقاولة ومن شأنها إلحاق ضرر باألجراء ،وهذا ما اقره حكم ص ادر عن
المحكم ة االبتدائي ة بال دار البيض اء وال ذي ج اء في ثناي اه م ا يلي[:]17
"حيث إن رب العمل إذا كان مضطر إلى إغالق مؤسسته من أج ل القي ام
ببعض اإلصالحات في البناية أو غيرها فإنه ال يحق له إنهاء عق د الش غل
الذي يظ ل معلق ا أو متوقف ا عن إنت اج أث ره القانوني ة ليس إال ،وذل ك إلى
حين استئناف المؤسسة لنشاطها الطبيعي ،وكل خروج عن هذا المبدأ يق ع
تحت طائلة التعسف في استعمال الحق وال يعتبر هذا اإلغالق بمثاب ة ق وة
قاهرة ما لم تتوفر شروطها القانونية ...وحيث أن قرار اإلغالق الم ذكور
ليس نهائيا ،ولكنه مؤقت ،وبالتالي فهو ليس بفعل السلطة المبرر لتس ريح
المدعي عن عمله ،كما أنه ال يتحدث عن المحالت التجارية ...ونظرا لما
ذكر أعاله فال مجال للتمس ك ب القوة الق اهرة ."...وبمفه وم المخالف ة له ذا
الحكم فإذا كان قرار اإلغالق نهائي يترتب عنه إنهاء عقود الشغل وتحل ل
المشغل من التزاماته لوجود قوة قاهرة متمثلة في فعل السلطة.
كما يعتبر من التزامات المشغل احترام أجل اإلخطار الذي يلتزم ب ه
هذا األخير ،وذلك طبقا لمقتضيات الفق رة األولى من الم ادة 34من م.ش
التي جاء فيها على أنه "يمكن إنهاء عقد الش غل غ ير مح دد الم دة ب إرادة
المشغل شرط مراعاة األحكام الواردة في هذا الف رع أو في الف رع الث الث
بشأن أجال اإلخطار".
وق د ح دد المش رع المغ ربي في الم ادة 43من م.ش الح د األدنى
ألجال اإلخطار في ثمانية أيام وقد جعل هذا االلتزام من النظ ام الع ام وال
يج وز لإلط راف االتف اق على مخالفت ه([ ،)]18كم ا يعفى المش غل من
وجوب التقيد بآجال اإلخطار في الحالة التي تحول بينه وبين هذا االل تزام
في حالة وجود قوة قاهرة ،وهذا ما أكدت ه الم ادة 43من م.ش في فقرته ا
األخيرة ،وذلك متى توفرت شروطها من ع دم التوق ع وع دم الق درة على
دفعها وأال تكون ناتجة عن خطأ المشغل.
وسواء تعلق األمر باألجير أو بالمشغل فإن من يدعي الق وة الق اهرة
عليه إثباتها بكافة وسائل اإلثبات التي يقررها القانــون وهذا م ا س نتطرق
إليه في الفقرة الموالية من هذا المطلب
الفقرة الثانية :إثبات القوة القاهرة في مجال تنفيذ عقود الشغل
إن القاعدة العامة في مجال االل تزام أن البين ة على من ادعى و اليمين
على من أنكر ،بمعنى أن المشغل أو األج ير ال ذي يتمس ك ب القوة الق اهرة
يق ع على عاتق ه إثباته ا ويبقى من ح ق الم دعى علي ه إثب ات العكس ه ذا
االدعاء بالحجة أيضا.
وفي مج ال مدون ة الش غل ،ف إن المش غل يح ق ل ه إقام ة دع وى أم ام
القضاء يتم على ضوئها بمطالبة األجير بتنفيذ التزام ه انطالق ا من وج ود
عقد عمل يربطه به ،ومن تم يحق لألجير الذي تع ذر علي ه تنفي ذ التزام ه
بسبب قوة قاهرة أو حادث فجائي إثبات ذلك بمختل ف وس ائل اإلثب ات من
أجل التحلل من التزامه وأيضا حتى يدفع بعدم تحمل ه المس ؤولية العقدي ة،
وم ا ينطب ق على األج ير ينطب ق على المش غل في حال ة تمس كه ب القوة
القاهرة ووضع حد للعالقة الشغلية وعدم تحمله مسؤولية أداء التعويضات
لألجراء طبقا للفقرة الثانية من المادة 33من م.ش([ ،)]19وكذلك يتحل ل
من أجل اإلخطار المنصوص عليه في الفق رة األخ يرة من الم ادة 43من
م.ش([.)]20
وقد أشار الفصل 269من ق.ل.ع إلى بعض الحاالت ال تي ت دخل في
إط ار الق وة الق اهرة ،وبالت الي ف إن مج رد إثب ات الط رف المحتج ب القوة
القاهرة يفرض على القاضي اإلقرار بثبوتها ويترتب عنها آثارها.
وبالت الي ف إن األج ير أو المش غل خ ول ل ه المش رع
المغربي إمكانية إثبات واقعة القوة القاهرة بمختل ف وس ائل اإلثب ات ال تي
يقره ا الق انون( -إق رار الخص م -ش هادة الش هود-اليمين )...في الفص ل
404من ق.ل.ع ،وفي األخ ير ف إن مس ألة تق ديرها تبقى من اختص اص
القاضي في إطار سلطته التقديرية.
خاتمة :
لقد ح اولت ق در المس تطاع في ه ذا الموض وع ،تس ليط الض وء على
جميع االش كاالت المتعلق ة ب القوة الق اهرة في مج ال تنفي ذ عق ود الش غل،
وبالتالي فإن المشرع لم يتوفق في معالجة القوة القاهرة في المادة الش غلية
كما هو األمر بالنسبة للقانون االلتزام ات والعق ود المغ ربي ،وإنم ا أش ار
إليها فقط في نصوص متناثرة تقر من خاللها إعفاء أح د الط رفي العالق ة
الش غلية من التزامات ه الواقع ة على عاتق ه م تى تبث حص ول ق وة ق اهرة
حالت بينه وبين تنفيذ التزام ه ،وبالت الي اعف اءه من المس ؤولية العقدي ة و
تحلله من مختلف التزاماته الواقعة على عاتقه ،وفي األخير ال يس عني إال
تقديم بعض االقتراحات في هذا الموضوع هي:
-تحدي د ش روط الق وة الق اهرة في مدون ة الش غل بمقتض ى نص وص
خاصة.
-سد الفراغ التشريعي في مدون ة الش غل ليص بح ه ذا األخ ير مس تقل
بذاته دون الحاجة إلى الرجوع إلى القواع د العام ة في ق انون االلتزام ات
والعقود.
-تحدي د بعض ح االت الق وة الق اهرة في الم ادة الش غلية على س بيل
المثال.
[ - ]1محمد الكشبور ،نظام التعاقد ونظريتا القوة القاهرة والظ))روف الطارئ))ة ،دراس))ة مقارن))ة ب))المغرب وفي ح))رب الخليج ،مطبع))ة
النجاح الجديدة ،الطبعة األولى ،1993-1413 ،ص.25 :
[ - ]2يتعين تفسير عبارة " ما التزم به " تفسيرا موسعا وعدم حصرها في االلتزام العقدي ،فكما هو معلوم أن مصادر االل))تزام متع))ددة
ومتنوعة ومن بينها العمل غير مشروع أو ما يسمى أيضا بالمسؤولية التقصيرية ،إذ إنها تقوم بشكل عام على التزام س)ابق ه)و االل)تزام
بعدم اإلضرار بالغير.
[ - ]3حكم صادر عن المحكمة االبتدائية بالدار البيضاء ،بتاريخ 25نونبر (1987دون ذكر باقي البيانات) ،أشارت إليه :
= -دنيا مباركة ،حقوق العامل بعد إنهاء عقد الشغل بين التش))ريع الح))الي والق))انون رقم 56.99المتعل))ق بمدون))ة الش))غل ،المطبع))ة دار
النشر الجسور ،وجدة ،طبعة ،2004ص.47 :
[ - ]4إدريس فجر ،القوة القاهرة وانتهاء عقد الشغل ،مجلة المرافعة ،ندوة قانون الشغل والتنمية االقتصادية واالجتماعية ،الع))دد 3 ،2
ماي ،1993ص.241 :
[ - ]5عبد الحق صافي ،القانون المدني الجزء األول ،المصدر اإلرادي اللتزام))ات العق))د الكت))اب الث))اني ،آث))ار العق))د ،الطبع))ة الثاني))ة
،2001-1428ص.212 :
[ - ]6محمد الكشبور ،إنهاء عقد الشغل مع تحليل مفصل ألحكام الفصل التعسفي لألجير ،دون ذكر المطبعة ،طبعة ،2008ص19 :
[ - ]7محمد احداف ،توقف غقد الشغل ألسباب اقتصادية في التشريع المغربي ،رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في الق))انون الخ))اص،
كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية ،جامعة محمد الخامس بالرباط ،السنة الجامعية ،1994-1993ص07-06 :
[ - ]9محمد سعيد بناني ،قانون الشغل بالمغرب في ضوء مدونة الشغل الفردية ،الجزء الثاني ،مطبعة النجاح الجديدة ،ال))دار البيض))اء،
السنة ،2007ص709-708 :
[ - ]10ينص الفصل 723من قانون االلتزامات والعقود على أن " :إجارة الخدمة أو العمل ،عقد يلتزم بمقتضاه احد طرفيه ب))أن يق))دم
لألخر خدماته الشخصية ألجل محدد أو من أجل أداء عمل معين ،في نظير اجر يلتزم هذا األخر بدفعه له."...
[ - ]11المادة 6من مدونة الشغل التي جاء فيها" :يعد أجيرا كل شخص التزم ببذل نشاطه المه))ني تحت تبعي))ة مش))غل واح))د أو ع))دة
مشغلين ،لقاء أجر أي كان نوعه ،وطريقة أدائه."...
[ - ]13تنص الفقرة الثالثة من المادة 22من م.ش على أنه " :ال يسأل األجير ،إذا كان التلف أو الضياع ناتجين عن ح))ادث فج))ائي أو
قوة قاهرة".
[ - ]14طبيعة المسؤولية المقصود منها أعاله هي المسؤولية العقدية التي تترتب على عدم تنفيذ االلتزام الناشئ عن العق))د على الوج))ه
المتفق عليه طبقا للفصل 263من ق.ل.ع.
[ - ]15تنص الفقرة الثالثة من المادة 22من م.ش على انه" ال يسأل األجير إذا كان التلف أو الضياع ناتجين عن حادث فجائي و ق)))وة
قاهرة".
[ - ]16قرار صادر عن المجلس األعلى ،عدد ،147بتاريخ ( ،26/03/1969عدم ذكر باقي البيانات) ،أشار إليه :محمد بفقير ،قانون
االلتزامات والعقود والعمل القضائي المغربي) ،دون ذكر دار النشر ،الطبعة الثانية ،2010ص168 :
[ - ]17حكم صادر عن المحكمة االبتدائية بالدار البيض))اء ،بت))اريخ ،17.02.88في مل))ف رقم ،86\2381أش))ار إلي))ه :ادريس فج))ر،
م.س ،ص243 :
[ - ]18يمكن االتفاق على مخالفة اجل اإلخطار بالزيادة فيه فقط ،حسب مفهوم المخالفة للفقرة الرابعة من المادة 43من م.ش
[ -]19تنص الفقرة الثانية من المادة 33من م.ش على أنه ":يستوجب قيام أحد الطرفين بإنهاء عقد الش))غل المح))دد الم))دة ،فب))ل حل))ول
اجله ،تعويضا للطرف اآلخر ،ما لم يكن اإلنهاء مبررا ،بصدور خطإ جسيم عن الطرف اآلخر ،أو ناشئا عن قوة قاهرة".
[ - ]20تنص الفقرة األخيرة من المادة 43من م.ش على أنه " :يعفى المشغل واألجير من وجوب التقيد بأجل اإلخطار ،في حالة القوة
القاهرة".