Professional Documents
Culture Documents
الدعاء الثامن
السالم عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمد لله وحده ،والصالة والسالم على من ال نبي بعده ..ثم أما بعد :
شيء من أدعية النبي
ٍ جمعة أن نجيل الفكرة والخاطرة ونطيف بالقلب حول ٍ فكما تعودنا في كل
تحت السلسلة الموسومة ب ـ :
(القطر الندي من أدعية النبي)
ٌ
وهذا الحديث الذي سنتناوله اليوم هو حديث أخرجه المام مسلم في كتاب ( الذكر والدعاء -باب
ما يقول عند النوم وأخذ المضجع ) ،فدل على أن هذا الدعاء مما يقال عند النوم ،وألن هذا
مؤرق لإلنسان و مانعٌ ٌ
الحديث في آخره ( :اقض عنا الدين و أغننا من الفقر) ال شك أن الدين
ٌ
هم بالليل وذل بالنهار " كما يقال لإلنسان من لذة النوم ومن راحة القلب والفكر والخاطر ،والدين" ٌ
ٌ
،والنسان إذا تدين فإنه يحدث فيكذب و يعد فيخلف ،فكل هذه ويالت تقض مضجع النسان
وتمنعه من النوم و االلتذاذ به ،فناسب أن يكون هذا مما يختم به النسان يومه ،و ربما يموت
فييسر الله من يقضي عنه دينه من المخلوقين ألن الدين شره عظيم
شيء إال الدين ،عن كل َ ٍ األجر والجزاء -يغفر له فيه من َ والنبي بين أن الشهيد -على عظم ما هو
ِّ ْ ِّ َ ْ
صلي عليهَ ،فقلنا :تصلي ي
َ َ الله ول س ر ه ب ان يت أ م ث ، اهن ف ك و ، اهن ط ن ح و ، اه ن
َ ل جاب ٍر قال :توفي رج ٌل ،فغس
ْ َ ً َ
َعليه ،فخطا خطى ،ثم قال :أعليه دي ٌن؟ قل َنا :دينارين ،فانصرف فتحملهما أبو قتادة ،فأتيناه ،فقال
َ ى ْ ُّ ْ َ
أبو قتادة :الدينارين علي ،فقال رسول الله :أحق الغريم ،وب َرئ منهما الميت؟ قال :نعم ،فصلى عليه،
ْ َ
ثم قال بعد ذلك بيو ٍم :ما فعل الدينارين؟ فقال :إنما مات أمس ،قال :فعاد إليه من الغد ،فقال :قد
ْ َ
قضيتهما ،فقال رسول الله : اْلن بردت عليه جلده.
فدل هذا على أن الدين شره عظيم وخطره جسيم
ينبغي أن يتجنب وال يلجأ إليه إال على الضرورة القصوى .والدعاء الذي نحن بصدده اليوم
أخرجه مسلم كما قلنا:
ْ ُ ْ ْ
يم ،ربنا ور َب كل ش ٌي ٍء ،فالق الحب َ ُ
«اللهم رب السماوات ورب األرض ورَب العرش العظ
ْ
والنوى ،ومنزل التوراة والن َجيل والفرقان ،أعوذ بك من ش َر كل شي ٍء أنت آخذ بناصيته ،الله َم أنت
َ ى َ َ َ
األول فليس قبلك شي ٌء ،وأنت اْلخر فليس بعدك شي ٌء ،وأنت الظاهر فليس فوقك شي ٌء ،وأنت
ْ َ ْ
الباطن فليس دونك شي ٌء ،اقض عنا الدين ،وأغننا من الفقر»
ٌ ٌ
دعاء عظيم وله شأن كبير ،ألنه على أنواع من التوسالت العظيمة إلى الله تبارك هذا الدعاء
وتعالى بربوبيته لكل شيء ،هو رب كل شيء ،ومنها األجرام العظيمة كالسموات السبع ،وكذلك أعظم
ً
المخلوقات وهو العرش ،وبإنزاله ألعظم الكالم وهو القرآن ،ووحيه إلى األنبياء ،وأيضا اشتمل على
التوسل إلى الله ببعض أسمائه الحسنى كاألول واْلخر والظاهر والباطن:
اللهم رب السماوات السبع ورب األرض ورب العرش العظيم أي يا خالق هذه الكائنات العظيمة ويا
ً َ
مبدعها ويا موجدها من العدم ..وخص هذه األمور بربوبيته وذكرها أوال لعظمها وعظم جرمها ،يعني
أنها كبيرة الجرم ،وأيضا فيها اْليات البينات الدالة على وحدانية الله وكمال خلقه وعظمته وإبداعه،
ولذلك قال الله
اس ََل يَعۡ لَ ُمونَ ) ۡ َ َٰ
اس َولَ ِك َّن أكث َ َر ٱلنَّ ِ ق ٱلنَّ ِ ۡ ۡ ۡ َ ت َو ۡٱۡل ۡر ِ
َ (لَخ َۡل ُق ٱل َّ
س َٰ َم َٰ َو ِ
ض أكبَ ُر ِمن خَل ِ
توسل بربوبية الله للعرش أنه رب هذا العرش ،وهذا العرش أعظم ٌ رب العرش العظيم فهنا
المخلوقات
ُْ َ ْ ُ
س» والنبي قال َ«ما السماوات السبع في الكرسي إَّل كدراهم سبع ٍة ألقيت في تر
َ ٍ َ ْ ْ ُ ى ٍّ ً
حديث أبي ذر رضي الله عنهْ :ع ُن النبي ْ « :ما الكرس ُّي في العرش إَّل كحلق ٍة من حد ٍ
يد
َ
ُوأيضا
ْ
ألقيت بين ظهري فَل ٍة من األرض ،والكرس ُّي موضع القدمين»
1
ض) |فالنسان ت َو ۡٱۡل َ ۡر َۖ َس َٰ َم َٰ َو ِ(و ِس َع ُك ۡر ِسيهُ ٱل َّ والكرسي أكبر من السماوات واألرض ،والله قال َ :
يتأمل فيجد أن الله هو الذي خلق هذه األشياء العظيمة ،فكيف بعظمته؟
فالق الحب والنوى :الفلق :الشق ،أي أنت تشق حبة الطعام ،والنوى :المعروف الذي يكون في
داخل التمر ،يسمى نوى
والله فالق الحب والنوى ليخرج منها األشجار والزروع ،فالنباتات إما أشجار أصلها نوى أو زروع
أصلها الحب ،فالله لكمال قدرته وبديع خلقه هو الذي يفتح هذا الحب والنوى اليابس الذي كالحجر
ال ينمو وال يزيد ،فينفرج وتخرج منه الزروع العظيمة واألشجار الكبيرة ،وهذا فيه آيات باهرة على
كمال إبداع الله وعظمته في خلقه
َۖ َٰ ۡ
ت ِمنَ ٱل َح ِّۚي ِ ذَ ِل ُك ُم ٱللَّهُ فَأَنَّ َٰى ۡ
ت َو ُم ۡخ ِر ُج ٱل َميِ ِ ۡ ۡ وقالِ ( :إ َّن ٱللَّهَ فَا ِل ُق ۡٱل َح ِ
ي ِمنَ ٱل َميِ ِ ب َوٱلنَّ َو ََٰۖى ي ُۡخ ِر ُج ٱل َح َّ
ت ُ ۡؤفَ ُكونَ )
ومنزل التوراة والنجيل والفرقان فهنا توسل إلى الله بإنزاله ألعظم هذه الكتب التي ٌ
اشتملت على هداية الناس ،وإنزال الله للكتب هي النعمة العظمى على الناس وهي أعظم من نعمة
الطعام والشراب ألنهم محتاجون في الهداية والسير إلى الله إلى هذا الوحي الجائي من الله.
فالتوراة معروف أنزله على موسى
والنجيل على عيسى
ً
والفرقان هو القرآن ،وسمي القرآن فرقانا ألنه يفرق به بين الحق والباطل ،من اتبع القرآن كان
على حق ومن لم يتبع القرآن أيا كان منهجه فهو باطل .فهذا فيه داللة على أن هذه الكتب هي من
كالم الله ومن إنزاله.
ً
ثم بعد أن انتهى من هذا شرع بسؤال مطلوبه بعد ذكر هذه الوسائل العظيمة ،طبعا في
حضور الجابة ،ولذلك قلنا :الدعاء ينبغي أن تقدم له بالثناء ومدح الله وال أحد أحب إليه المدح من
خصوصا بين يدي الدعاء. ً الله فالله يحب المدح والثناء
ٌ ٌ
شيء هو ملك لله ٍ شيء أنت آخذ بناصيته فكل ٍ أعوذ بك من شر كل
والناصية هي مقدمة الرأس ،فكل المخلوقات تحت قهر الله وتحت ملكه وتحت سلطانه،
فهذا اشتمل على االستعاذة من شر كل شيء ،استعاذ به من شر الهوام والدواب والسباع والسيارات
شيء تحت ملك الله ٍ والهدم والغرق ونحو ذلك ..ألن كل
ثم بعد ذلك شرع في التوسل ببعض أسماء الله الحسنى:
ٌ
اللهم أنت األول فليس قبلك شيء الله له األولية المطلقة ،هو سابق لكل شيء
معنا ً ً
بديعا حوله مما يتعبد به العارفون تجاه وهذا االسم ذكر ابن القيم في طريق الهجرتين
نجاح لك أو إلى إنجاز لك في شيء فإنك تنظر إلى ٍ هذا االسم ،اللهم أنت األول ،إذا جئت تنظر إلى
األسباب التي بذلتها ،لكن العارفين العابدين لله ينظرون إلى سبق الله لهذه األسباب ،الله هو األول،
فقبل أسبابك هذه (الله) الذي له األولية المطلقة ،فهو الذي يسر لك هذه األسباب ،وأين أسبابك؟
ً ً
ورا) لم تكن شيئا ،فالله ين ِمنَ ٱلد َّۡه ِر لَ ۡم يَ ُكن ش َۡي ٗٔـا َّم ۡذ ُك ً س ِن ِح ٞ وأنت كنت عدما (ه َۡل أَت ََٰى َعلَى ۡ ِ
ٱۡلن َٰ َ
عظيم في التعبد ،مهما نظرت إلى نفسك بعين ٌ أوجدك وخلقك ،فالله له األولية المطلقة ،وهذا أ ٌ
مر
العجاب والزهو والكبرياء فانظر سبق الله هذه األسباب التي بذلتها للنجاح كالمذاكرة وكذا ..من
ً
الذي أعانك؟ من الذي أعطاك إياها أصل؟ لو شاء لسلبكها كلها فعاد األمر كله إلى الله ،فانظروا اسم
ٌ ً
خير أنت فيه فاعلم أنه سبقته نعمة من الله وتوفيق الله األول ،دائما هو السابق لكل شيء ،كل ٍ
وأنت اْلخر فليس بعدك شيء حتى لو بذلت ..يفنى كل ما في هذه الدنيا لكن وجهه هو الباقي
ان * َويَ ۡبقَ َٰى َو ۡجهُ َربِكَ ذُو ۡٱل َج َٰ َل ِل َو ۡ ِ
ٱۡل ۡك َر ِام) ( ُكل َم ۡن َعلَ ۡي َها فَ ٖ
وأنت اْلخر فليس بعدك شيء ينبغي أن تعلم أن هذه األسباب التي بذلتها أنها تنقضي لكن
باق دائم ،فهذه األسباب التي تتكئ عليها ..عندك مال ..عندك جاه ..عندك باق ،الله ٍ وجه الله ٍ
سلطان ..عندك منصب ..عندك كذا ..هذه كلها تزول ،عندك ذكاء ..عندك عبقرية ..هذه كلها
2
وقت تنقضي لكن من اعتمد على الله ونظر إلى آخر األمر وأن األمر ً ٌ ٌ
سببا محدودة بزمن ولها
ّ
وتوفيقا ونجاحا بعد ذلك كله إلى الله
وأنت الظاهر فليس فوقك شيء أي أنت العالي فوق كل شيء فال شيء أعلى منك ،فالله
كل الناس تحت قهره وسلطانه وعظمته
قال وأنت الباطن أنت المطلع على السرائر والضمائر والخبايا والخفايا وأنت أقرب إلى نفس
ٌ
مطلع النسان من روحه التي بين جنبيه ،الله أقرب منك إلى روحك التي بين جنبيك فالله
على سرائرك وضمائرك وخباياك وخفاياك فيحملك هذا على مراقبة الله
ً ً ٌ
فهذه األسماء األربعة مدارها على بيان إحاطة الرب ،أن الرب محيط بكل شيء زمانا ومكانا
فاألول واْلخر هذي إحاطة زمانية
والظاهر والباطن هذي إحاطة مكانية
ٌ
فالله محيط بكل شيء ثم جاء السؤال والطلب
اقض عنا الدين بعد هذه التوسالت الجليلة العظيم
فالدين هنا يشمل األمرين:
.1الدين حق الله
.2وحق اْلدميين.
اقض عنا الدين يا رب وفقنا ألن نوفيك حقك من العبادة والتعظيم والتقدير وما أمرتنا من إخالص
العبادة لك وإفرادك بالوحدانية ..وفقنا وأعنا عليه يا رب العالمين واقض عنا الدين :حقوق
كالم يقال ،من الفواتير التي يصعب سدادها: اْلدميين ..حقوق الزوجات ..حقوق األوالد ..وهنا ٌ
ً ً
حقوق الوالدين وحقوق من تعاشرهم معاشرة دائمة؛ ألن األخطاء تتولد كثيرة كالزوجين فيما بينهما،
ظالم لآلخر مدة عشرين ثالثين سنة كيف سيقضي هذه الفاتورة يوم القيامة؟ فدل ٌ فإذا كان أحدهما
مالي فأقضه يا رب ٌ
هذا على أن النسان البد أن يراجع حساباته مع المخلوقين ،وإن كان دين
ٍ
قال وأغننا من الفقر :الفقر هو الحاجة إلى الناس لعدم وجود الكفاية ،خلو ذات اليد
ً ً ً
والفقير هو من وجد بعضا وفقد بعضا ،أو هو الذي ال يجد شيئا ،فال شك أن النسان إذا اجتمع
ضرر
ٍ عليه الدين والفقر كان همه أعظم الهموم يسببه ويقوده إلى الهم والحزن الشديد ويوقعانه في
في دينه ودنياه وأخراه وذل االحتياج إلى الناس ويقع في بعض المحذورات الشرعية كالكذب
وإخالف الوعد والتثاقل عن الطاعات وغير ذلك من األمور الذميمة ..هذا حاصل ومختصر ما يقال
في هذا األمر
خطأ فمن نفسي وشيطان ٍ صواب فمن الله وحده وما كان من ٍ ما كان من
كأخباره سلوى عن الفوت األفظع ومن فاته رؤيا النبي فما له
طهروا جمعتكم وعطروا أيامكم بكثرة الصالة على النبي
ً
فال ليل تطيش وال نهارا عليه كوامل الصلوات تترا
ٌ
وال تنسوا من الدعاء إخوانكم وأهليكم وأحبابكم ووالة أموركم ومن لهم حق عليكم بأن يديم الله
ً
األمن واألمان على بالد المسلمين وأن يجعل األمن سابغا على كل بالد المسلمين ويصب علينا
ً ً درا ًصبا صبا ويدره علينا وعليكم ً وعليكم الخير ً
درا وال يجعل عيشنا وال عيشكم كدا وال نكدا يا رب
العالمين يا ذا الجالل والكرام
وكما انتفعت بهذه المادة فأرسلها لغيرك لينتفع بها وتكون صدقة جارية لك.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
3