Professional Documents
Culture Documents
سغ4صغصغ
سغ4صغصغ
) (1أبو الحسن علي بن الحسن بن علي المسعودي :مروج الذهب ومعادن الجوهر ،ج ،1ص.62 .
) (2إيليا الحاوى :فن الوصف وتطوره في الشعر العربي ،دار الكتاب المصري ،مصر ،ط1980 ،3م ،ص.8
850
تشرين أول2017 /م مجلة كلية التربية األساسية للعلوم التربوية واإلنسانية /جامعة بابل العدد35/
المبحث األول
الطبيعة الصامتة في الشعر العباسي
الشاعر العربي القديم كان معروف بأنه شاعر طبيعـة ،وذلـك لكثـرة تأمالتـه بهـا ،فهـو يتخـذها مصـد اًر للتنفـيس عـن آالمـه وأح ازنـه،
ويشاركها أفراحه ومسراته ،وتستهويه الصحراء بحيوانها ،ورمالها ،ونجومها ،وبرقها.
ولقد صنفت الطبيعة الصامتة إلى :طبيعـة أرضـية كـالروض والشـجر والزهـر والثمـر .والطبيعـة العلويـة كـالنجوم والكواكـب والمطـر
وفصول السنة .والطبيعة الصناعية وهي التي عمل اإلنسان في تأليفها وتنسيقها كالقصور والعمائر والبساتين.
المطلب األول
الطبيعة األرضية في الشعر العباسي
نظ ـ اًر الخــتالف البيئــات والثق افــات فيمــا بعــد تطــورت نظ ـرة الشــاعر العربــي إلــى الطبيعــة أو البيئــة التــي يعــيق فيهــا ،فقــد نجــد أن
الشاعر العباسي في أحيان كثيرة كان يتحول من وصف الصحراء وحيوانها إلى وصفه لألنهار والبحار واألشجار والزهريات والورود.
الفرع األول
األنهار والبحار
اعتنى شعراء بني حمدان باألنهـار والبحـار وخاصـة كشـاجم ،وكـان لكشـاجم مفـردات عديـدة للمائيـات كالنيـل والفـرات ودجلـة ولكنـه
ـتاء ،ويـروي الروضـيات وتسـير
كان متأثر تأث اًر كبي اًر بنهر قويق ،وهذا النهر يعرف بأنه نهر موسمي أي أن مائـه تجـف صـيفاً وتفـيض ش ً
()1
فيه السفن ويصطادون منه األسماك ،ويشبه دورانه بدوران (البركار الهندسي) ،فوصف ذلك قائالً:
بهـــــــــــــــــــــــــا فامدتـــــــــــــــــــــــــه أمطارهـــــــــــــــــــــــــا *** إذا مـــــــــــــا اســـــــــــــتمد قويـــــــــــــق الســـــــــــــماء
يرى كشاجم نهر قويق رم اًز للعطاء والكرم فهـو ال يبخـل بالعطـاء عنـدما تمـده السـماء باألمطـار ويفـيض بالمـاء ،فيـوزع الميـاه علـى
مــا حولــه مــن أ ارضــي وبســاتين وريــاض بالعــدل وبــدون بخــل .وكــان لنهــر قويــق محبــة خاصــة فــي قلــب كشــاجم فعلــى ضــفتيه كــان يتغــزل
()2
ويشرب الخمر ويتمتع بجماله ،وارتبطت صورة النهر لديه بالمحبوبة فقال:
عنــــــــــــــــــدى يــــــــــــــــــد لــــــــــــــــــيس تجحــــــــــــــــــد *** للنهــــــــــــــــــــــــــــر نهــــــــــــــــــــــــــــر قويــــــــــــــــــــــــــــق
وعبـر كشــاجم أيضـاً عــن إعجابـه بنهــر النيـل فــي تيـاره وفيضــانه ،ووصـفه بأنــه يكـاد أن يكســر كـل حــاجز وأنـه يحاصــر القـرى مــن
()1
حوله ككواكب السماء ،حيث قال:
وفــــــــــــــاض بهــــــــــــــا وكســــــــــــــرت التــــــــــــــراع *** كـــــــــــان النيـــــــــــل حـــــــــــين أتـــــــــــى بمصـــــــــــر
()2
ووصف كشاجم النيل والزوارق التي تسير فيه ومجالس الخمر المنعقدة على جانبيه ،حيث قال:
مثـــــــــــــــــــــل دروع الكمـــــــــــــــــــــاة منتثـــــــــــــــــــــرة *** والنيــــــــــــــــــــــل مســــــــــــــــــــــتكمل زيادتــــــــــــــــــــــه
بنــــــــــــــــا وطــــــــــــــــو ارً تــــــــــــــــروح منحــــــــــــــــدرة *** تغــــــــــــــدو الزواريــــــــــــــق فيــــــــــــــه مصــــــــــــــعدة
لقد كان كشاجم ولوعاً بالسفر والترحال ،وكان يصف السـفر ومشـقته فـي شـعره ،فكـان أثنـاء سـفره يجتـاز األ ارضـي السـهلة والجبـال
()3
الوعرة ،وكان أحيانا يركب األمواج العالية كالجبال نتيجة الضطراب الماء في نهر الفرات فقال:
أخــــــــــزى فمــــــــــن ســــــــــهلة ومــــــــــن وعــــــــــره *** ترفعنــــــــــــــــــــــي بلــــــــــــــــــــــدة وتخفضــــــــــــــــــــــني
ومدح كشاجم البحر في صورة أخرى ،وجعل المتعلقين به متعلقين بسفينة نوح عليه السالم طلبـاً للنجـاة مـن الغـرق فـي هـذا البحـر
()4
حيث قال:
بحـــــــــــــــــــــــبهم يعتلـــــــــــــــــــــــق بالنجـــــــــــــــــــــــاء *** ســــــــــــــــفينة نــــــــــــــــوح فمــــــــــــــــن يعتلــــــــــــــــق
()1
وقد شبه كشاجم البحر بالعلم ،وطود الحلم ،وأنه يبشر بالخير كالهالل في ليلة العيد ،فقال:
طــــــــــــود حلــــــــــــم هــــــــــــالل ليلــــــــــــة عيــــــــــــد *** بحـــــــــــر علـــــــــــم عـــــــــــداه حجـــــــــــة خصـــــــــــم
الفرع الثاني
األشجار المثمرة
أبــدع الشــعراء العباســيين فــي وصــف األشــجار والثمــار ألنهــا مــن أهــم م ازيــا الروضــيات ،فوصــفوا لونهــا ومــذاقها وشــكلها ،كمــا أنهــم
أبـدعوا فـي وصـف الفاكهـة المتنوعـة الموجــودة بالروضـيات ،وهـذا األمـر لـيس غريبـاً فــي أن الشـعراء يتفنـون فـي وصـف األشـجار والثمــار
نظ اًر لما تحويه بيئتهم العربية من أشجار ونخيل وخاصة تلك المنتشرة في جزيـرة العـرب والعـراق ومصـر .وصـف كشـاجم بسـاتين النخيـل
()2
الموجودة على ضفاف نهر دجلة فقال:
نســــــــــــــــــــلفه اء وتقضــــــــــــــــــــينا عســــــــــــــــــــل *** لنـــــــــــا علـــــــــــى دجلـــــــــــة نخـــــــــــل منتخـــــــــــل
لــــــــم ينحــــــــرف عــــــــن ســــــــطره ولــــــــم يمــــــــل *** مســــــــــــــــطر علــــــــــــــــى قــــــــــــــــوام معتــــــــــــــــدل
يســـــــقى بمـــــــاء وهـــــــو شـــــــتى فـــــــي األكـــــــل *** ذو قـــــــــــــــدر فـــــــــــــــال عـــــــــــــــال وال ســـــــــــــــفل
غـــــــــــدائر مـــــــــــن شـــــــــــعر وحـــــــــــف رجـــــــــــل *** كانمـــــــــــــــــــــــا أعداقـــــــــــــــــــــــه إذا حمـــــــــــــــــــــــل
فـــــــــي لـــــــــون داء العشـــــــــق ال داء العلـــــــــل *** وفيـــــــــــــــه عمـــــــــــــــرى كعمـــــــــــــــر متصـــــــــــــــل
يجمـــــــــش الخـــــــــود بـــــــــه الصـــــــــب الغـــــــــزل *** كالــــــــــــــذهب اإلبريــــــــــــــر لونــــــــــــــاً ومحــــــــــــــل
وفــــــــــاق عقــــــــــد الــــــــــدر حســــــــــناً وفضــــــــــل *** لــــــــــو نظمتــــــــــه البكــــــــــر عقــــــــــداً الحتمــــــــــل
لقد شبه الشاعر بساتين النخيل وجمالها وما تنتجه من ثمار كالعسل في مذاقه وطعمه ،وصور شكله المتوسـط فـي الطـول بـالخط
ـاء وحــداً ويعطـي ثمـ اًر مختلـف األشـكال واأللـوان والمـذاق ،لونـه األصـفر مثـل لــون
المسـتقيم ،ومـدح أشـجار النخيـل قــائالً أنـه يشـرب مـن م ً
المحب العاشق ال لون المريض العليل كما يعتقد البعض ،فاللون األصفر مثـل الـذهب الخـالص ،وتلـك الثمـار إذا نظمتهـا الفتـاة فـي عقـد
ألصبح من أروع وأحسن الدرر.
يعــد الرمــان مــن أفضــل أنـواع الثمــار فــي نظــر كشــاجم ،فوصــف رائحتــه بــالزعفران ،وشــبه فصوصــه بفصــوص مــن جــوهر اليــاقوت
()3
األحمر ،فقال:
بــــــــــــــــين صــــــــــــــــحيح وبــــــــــــــــين فتــــــــــــــــوت *** والح زمائنـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــا فزيننــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــا
تفــــــــــوق فــــــــــي الحســــــــــن كــــــــــل منعــــــــــوت *** مـــــــــــــــــن كـــــــــــــــــل مصـــــــــــــــــفرة مزعفـــــــــــــــــرة
كما صـور الشـاعر الرمـان بألوانـه المختلفـة األحمـر واألصـفر والجـوهر والمرجـان ،بـأن البسـتاني جهزهـا ووضـعها فـي طبـق فـزادت
()1
جماالً على جمالها لشدة ألوانها الفاتنة التي تلفت األنظار ،فقال:
فــــــــــي طبــــــــــق ينطــــــــــق عــــــــــن إحســــــــــانه *** أخضـــــــــــــرنا النـــــــــــــاطور مـــــــــــــن بســـــــــــــتانه
أهـــــــــــدى لـــــــــــه الجـــــــــــوهر مـــــــــــن ألوانـــــــــــه *** لونــــــــــــاً مــــــــــــن الرائــــــــــــع فــــــــــــي رمانــــــــــــه
مثـــــــــل نـــــــــزول الجـــــــــيش فـــــــــي ميدانيـــــــــه *** مـــــــــا أحمـــــــــر وأصـــــــــفر ومـــــــــن مرجانـــــــــه
شـــــــــيب بريـــــــــق الشـــــــــهد فـــــــــي أغصـــــــــانه *** مدهبــــــــــه فــــــــــي إلهــــــــــام مــــــــــن فرســــــــــانه
()2
وصور كشاجم أيضاً ثمرة كيزان الفقاع بأنها كقطع الجلود الدائرية الململمة ذات الخيوط السوداء ،فقال:
مقلعــــــــــــــــــــــــات قطــــــــــــــــــــــــع الجلــــــــــــــــــــــــود *** ململمــــــــــــات الجســــــــــــم مــــــــــــن صــــــــــــيخود
الفرع الثالث
الزهريات
األزهــار مــن أكثــر المفــردات المســتخدمة فــي وصــف الطبيعــة فــي العصــر العباســي ووصــفها الشــعراء العباســيين بــاختالف أنواعهــا
وألوانها ،وساعدهم في ذلك البيئة الممطرة التي تزيد جمالها جماالً.
وعبــر كشــاجم فــي شــعره عــن جمــال األزهــار والــورود ورائحتهــا العط ـرة ومناظرهــا الجميلــة وهــي مزينــة الروضــيات ،واتخــذها رم ـ اًز
ألغ ـراض التشــبيه والوصــف فــي شــعر الغــزل ،فشــبه عيــون محبوبتــه بــالنرجس ،وشــبه وجنتيهــا بالبنفســج وشــقائق النعمــان والــورد ،وشــبه
()3
األقاحي بثغرها الناصع " ،ووصف كشاجم األزهـار فـي صـور جماليـة مجتمعـة ومنفـردة مـن شـدة ولعـه بأشـكالها وألوانهـا وروائحهـا ولعـاً
()4
يشبه ولع ابن المعتز بها".
أبدع كشاجم في وصف أنواع الزهور المتعددة التي تكسو األرض كاألقحوان والنرجس والبهار وغيرها ..وكان يسـتخدم فـي وصـفه
أسلوبا سهال ولغة بسيطة وتشبيهات قريبة توحي بجمال وتعدد األلوان والعطور ،فقال(:)5
وصــف الشــاعر األزهــار التــي تكســو الروضــيات بألوانهــا المختلفــة ،فصــور اللــون األبــيض باإلش ـراق واألســود بالحالــك ،واألحمــر
بــالعقيق واألخضــر بالزبرجــد ،وشــبه زهــر األقح ـوان بــاللؤلؤ المنثــور ،وزهــر النــرجس بإنســان يتطلــع إلــى البهــار كأنــه يشــير إلــى محبوبتــه
بموعد.
ووصـف كشـاجم مصــر بالجنـة التــي تشـتمل علـى جميــع أصـناف الريــاض واألزهـار بأنواعهـا وألوانهــا وأشـكالها المختلفــة ،مثـل زهــر
السوسـن والبنفســج والـورد والبهــار األصـفر والنــرجس ،فشــبه األرض كأنهـا ألبســت حلـال مــن الفخــار والسـندس ،وأيضــا وصـف زهــر شــقائق
النعمـان بكــؤوس العقيــق األحمــر ،وقــد عبـر الشــاعر أيضــا مــن خــالل أبياتـه عــن مــدى ارتبــاط الــروض بشـرب الخمــر لمــا فيــه مــن منــاظر
()1
جمالية وأجواء تهيئ لشرب الخمر ،فقال:
بهـــــــا صـــــــنوف الريـــــــاض فـــــــي مجلـــــــس؟ *** أمــــــــا تــــــــرى مصــــــــر كيــــــــف قــــــــد جمعــــــــت
المطلب الثاني
الطبيعة العلوية في الشعر العباسي
لقد التفت شعراء العصر العباسي إلى السماء وزاد اهتمامهم بالبرق والسحاب والغيث والنجوم والكواكـب والثلجيـات والفصـليات ومـا
يحدث من تقلبات ف ي الليل والنهار ،وذلك نتيجة للطبيعة الصحراوية التي نشأوا بهـا ،فجعلـتهم يتـأملون كـل مـا يحـيط بهـم ،ووصـل األمـر
عند بعضهم إلى حفظ جميع اسماء النجوم والكواكب.
الفرع األول
الليل والصباح
التفت شعراء العصر العباسي إلى السماء وعبروا عن شدة إعجـابهم بجمـال الليـل والنهـار ،وصـوروا الليـل بأجمـل اللوحـات المزينـة
بالنجوم والبدر ،أما كشاجم فكان يعبر عـن الليـل فـي شـعره بأنـه تـاره يمتعـه وتـارة أخـرى يرهقـه ويسـهره كالحبيـب العاشـق ،ويشـعر كشـاجم
بطول الليل أما محبوبته تشعر بقصره وتنعم فيه بالسكون والراحة ،فقال (:)1
وأشــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــكوه وأشــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــكره *** ينــــــــــــــــــــــــــــام الليــــــــــــــــــــــــــــل أســــــــــــــــــــــــــــهره
وكانت النجوم صديقة لكشاجم يسهر معها ويناجيها ،ويصفها بعيون الليل التي ال تنام وتشاركه خواطره ،فقال (:)2
فلـــــــم اغـــــــتمض فيـــــــه وال الليـــــــل غمضــــــــا *** أال رب ليـــــــــــــل بـــــــــــــت أرعـــــــــــــى نجومـــــــــــــه
ويرى الشاعر الليل والكواكب في صورة أخرى بأنه متقلب بين شرق وغرب ،والليل تارة يمر طويالً وتارة يمر سريعاً ،فقال(:)3
يقـــــــــــــاد زحفـــــــــــــاً ومـــــــــــــا بـــــــــــــه رمـــــــــــــق *** الليــــــــــــــــل يــــــــــــــــا صــــــــــــــــاحبي منطلــــــــــــــــق
إذ شــــــــــــــــــــفه طــــــــــــــــــــول ليلــــــــــــــــــــه األرق *** غمــــــــــــــــــض دون الغــــــــــــــــــروب كوكبــــــــــــــــــه
فهــــــــــو علــــــــــى منكـــــــــــب الربــــــــــى خلـــــــــــق *** ورق جـــــــــــــــــــــــــــــــــــدا رداء ظلمتـــــــــــــــــــــــــــــــــــه
ويرى كشاجم أن الليل رغم أنه يرهقه ويسهره إال أنه ُيحسن حالته ويمتعه ،ويجده أفضل وقتاً للعمل دون أن يشغله أحد ،فقال(:)4
مـــــــــــــــــــا حمـــــــــــــــــــل الليـــــــــــــــــــل حمـــــــــــــــــــل *** اتخـــــــــــــــــــــــــــــذ الليـــــــــــــــــــــــــــــل جمـــــــــــــــــــــــــــــل
الفرع الثاني
النجوم والكواكب
كانت للنجوم والكواكب منزلة خاصة عند كشاجم ،فقد قال عن اسـمه (كشـاجم) أن المـيم مـن (مـنجم) وهـو الـذي ينظـر فـي النجـوم
ليحسب مواقيتها وسيرها ،وهذا دليل على مدى تعلق كشاجم بالنجوم والكواكب ومعرفته باسمائهم ،وظهر هذا واضحاً في شـعره حيـث أنـه
اســتخدم اســماء النجــوم مثــل الفرقــد والســماك واألعــزل وعطــارد وغيرهــا ،وقــد اســتخدم اســم الســماك فــي الطبيعــة وشــبهه بأنــه يــروي النبــات
فأصبحت كالعقد المنظوم ،فقال(:)1
()2
كالعقـــــــــــــــد إال أنـــــــــــــــه لـــــــــــــــم يعقـــــــــــــــد *** ريــــــــــان مــــــــــن نــــــــــوء الســــــــــماك األجــــــــــود
ارتبط لفظ الشمس عند كشاجم بالغزل والمدح ووصف الخمر ،ففي المدح يشبهها بالفتـاة ذات األنوثـة ومـا ترمـز إليـه مـن خصـوبة
في عالم الجذب"( ،)3وفى الغزل يجعل محبوبته كالشمس في إشراقها ،فقال(:)4
أو البـــــــــــــدر بـــــــــــــين النجـــــــــــــوم الـــــــــــــدراري *** وجاريـــــــــــــــة مثـــــــــــــــل شـــــــــــــــمس النهـــــــــــــــار
ولقد صور الشاعر وجه محبوبته بالشمس المشرقة ،فعندما رحلت كان أثرها من نور ودفيء موجود في كل مكان ،حتـى أن القـوم
لم يرحلوا عندما جاء وقت الرحيل ألنهم لم يشعروا بغروب الشمس ،فقال(:)5
أن الخلـــــــــيط غـــــــــروب الشـــــــــمس مرتحـــــــــل *** ووجهـــــــــت مـــــــــن وراء الســـــــــجف تخبرنـــــــــي
والشـــــمس مـــــا غيبـــــت مـــــن وجهـــــك الكلـــــل *** قلــــــت :ارفعــــــى الســــــجف تســــــتمتع بموقفنــــــا
ومــــــــر ليــــــــل ولــــــــم يرحــــــــل لهــــــــم جمــــــــل *** فــــــــــــابرزت وجههــــــــــــا والشــــــــــــمس آفلــــــــــــة
عـــــــن وجههـــــــا فاضـــــــاء الســـــــهل والجبـــــــل *** لــــــم يشــــــعروا بغــــــروب الشــــــمس إذ ســــــفرت
وفى المديح وصف كشاجم صديقه الصنوبري بالشمس المشرقة أو البدر المضيء ،فقال (:)1
ب كالشــــــــــــــــــــــــــــــــــمس أو البــــــــــــــــــــــــــــــــــدر *** نـــــــــــــــــــــــــــرى فـــــــــــــــــــــــــــي فلـــــــــــــــــــــــــــك اآلذا
وفي الوصف استخدم كشاجم الشمس في وصف الخمر ،فهي تريح الفكر وتبعد الهموم ،فقال (:)3
مدامــــــــــــــة تنفــــــــــــــى الهمــــــــــــــوم والفكــــــــــــــر *** اشـــــرب مـــــن الشـــــمس علـــــى ضـــــوء القمـــــر
ويراها شمساً تحيط بها النجوم حين تصب من إبريقها ،فقال (:)5
ســـــــــنقيم ســـــــــوق اللهـــــــــو حـــــــــين تقــــــــــوم *** قــــــــــــم غيــــــــــــر مــــــــــــذموم القيــــــــــــام فإننــــــــــــا
شــــــــــمس تحـــــــــــف بهــــــــــا لـــــــــــدى نجـــــــــــوم *** هــــــــذا الصــــــــباح فاضــــــــحك اإلبريــــــــق عــــــــن
واستخدم كشاجم الشمس بغرض الرثاء واالنتقال من غـرض لغـرض ،فجعـل كسـوف الشـمس رمـ اًز للمـوت وغيـاب الحيـاة ،فقـال فـي
رثاء عبد الملك(:)6
وانمــــــــــــــا تكســــــــــــــف شــــــــــــــمس الفلــــــــــــــك *** هاتيـــــــــــــك شـــــــــــــمس المجـــــــــــــد مكســـــــــــــوفة
()7
وقال في رثاء أبيه:
ــــــــــــــــــــــــــــمجد وللمجـــــــــــــــــــــــــــد فلـــــــــــــــــــــــــــك *** شمســــــــــــي هـــــــــــــوت مــــــــــــن فلـــــــــــــك الــــــــــــــ
الفرع الثالث
الثلجيات والبرق والسحاب والغيث
أ ـ الثلجيات
إن الثلجيـ ــات مـ ــن الفنـ ــون المسـ ــتحدثة فـ ــي الشـ ــعر العربـ ــي ،وقـ ــد اسـ ــتخدمت للم ـ ـرة األولـ ــى عنـ ــد شـ ــاعري بنـ ــي حمـ ــدان (كشـ ــاجم
()1
ـتاء ،وتســقط الثلــوج عــادة مــن شــدة
وذلــك لمــا تحويــه بيئــتهم الشــامية مــن اختالفــات مناخيــة ،فبيئــة الشــام غزي ـرة المطــر شـ ً والصــنوبري)
البرودة.
الصنوبري هو أول الشعراء الذين التفتوا إلى جمال الثلج ،ولكن لم يرد له أشـعار كثيـرة فـي هـذا األمـر ،أمـا كشـاجم فقـد فُـتن أيضـاً
بجمال الثلج وتميز في وصفه بين شعراء بني حمدان وانفرد بها عن ابن وكيع التنيسي.
وكــان كشــاجم يصــف الــثلج فــي لونــه األبــيض الجميــل عنــد وقوعــه علــى األرض بقطعــة الفضــة التــي ســبكها الصــائغ ،وأيضــا يشــبه
حصــى الكــافور المنــدثر واألرض فرحــة بهــذا المنظــر وتحولــت للــون األبــيض كأنهــا هرمــت ،وشــبه األشــجار بعــد نــزول الــثلج عليهــا بأنهــا
ُمزينــة بمــالءة بيضــاء ،وشــبه تحــول لــون أغصــانها إلــى اللــون األبــيض بــدالً مــن األخضــر كالــدر علــى قضــيب زبرجــد ،وشــبه أغصــانها
السوداء كعود الهند الطري ،ووصف رائحة الجو بالعنبر والمسك ،فقال(:)2
أم ذا حصــــــــــى الكـــــــــــافور ظـــــــــــل يفـــــــــــرك؟ *** الـــــــــــــثلج يســـــــــــــقط أم لجـــــــــــــين يســـــــــــــبك
مــــــــــن كــــــــــل ناحيــــــــــة بثغــــــــــرك تضــــــــــحك *** راحـــــــــــت بـــــــــــه األرض الفضـــــــــــاء كانهـــــــــــا
كالـــــــــدر فـــــــــي قضـــــــــب الزبرجـــــــــد يســـــــــلك *** أوقــــــي علــــــى خضــــــر الغصــــــون فاصــــــبحت
فـــــــي لـــــــون أبـــــــيض وهـــــــو أســـــــود أحلـــــــك *** كانــــــــــت كعــــــــــود الهنــــــــــد طــــــــــرى فانكفــــــــــا
ثــــــــــــــــوب يعنبــــــــــــــــر تــــــــــــــــارة ويمســــــــــــــــك *** والجــــــــــــــو مــــــــــــــن أرج الهــــــــــــــواء كانــــــــــــــه
) (1مصطفى الشكعة :فنون الشعر في مجتمع الحمدانيين ،مطبعة األنجلو المصرية ،القاهرة1958 ،م ،ص .362
) (2کشاجم :ديوانه ص .307 ،306
) (3کشاجم :ديوانه ،ص .236
859
تشرين أول2017 /م مجلة كلية التربية األساسية للعلوم التربوية واإلنسانية /جامعة بابل العدد35/
كـــــــــــــالجيش يتلـــــــــــــو بعضـــــــــــــه لـــــــــــــبعض *** يقضـــــــــــــى بحكـــــــــــــم اهلل فيمـــــــــــــا يقضـــــــــــــى
كــــــــــــالكف فــــــــــــي انبســــــــــــاطها والقــــــــــــبض *** يضـــــــــحك عــــــــــن يـــــــــرق خفــــــــــي النــــــــــبض
ثـــــــــــــــم همـــــــــــــــى كـــــــــــــــاللؤلؤ المـــــــــــــــرفض *** إلفــــــــــــا إلــــــــــــى إلــــــــــــف يســــــــــــر يقضــــــــــــى
وكشـاجم يـرى الغيــث رمـ اًز للكــرم والعطـاء فهــو شـهر ُمبشــر بـالخير ،ويملــيء الروضـيات بالريــاحين ،ويحـول اليــابس إلـى األخضــر،
فقال(:)2
وأعلنــــــــــــــــــــــــــــــــت األرض أســــــــــــــــــــــــــــــــرارها *** أرتــــــــــــــــــك يــــــــــــــــــد الغيــــــــــــــــــث آثارهــــــــــــــــــا
الفرع الرابع
الفصليات
شــعر الفصــليات مــن الموضــوعات المســتحدثة فــي الشــعر العباســي ،وظهــر نتيجــة المت ـزاج الحضــا ارت والثقافــات وظهــور مجــالس
اللهو والغناء ،فلقد جذبت فصول السنة وتغيراتها انتباه الشعراء وخاصة فصل الربيع ،فهو بمثابة عروس الفصول فـي نظـر الشـعراء ،لمـا
يضـفيه علــى الكـون مــن نباتـات وأزهــار مختلفـة ،يقــول صـاحب األعــالق الخطيـرة عــن وصـفه للربيــع فـي حلــب " :وماؤهـا صــاف وســعدها
وافي ،وأنوارها مشرقة ،وأزهارها مؤنقة ،وأنهارها غدقة ،وأشجارها مثمرة ،جامعة ألشتات الفضائل ما تعجز عنه األوقات(.)3
فالربيع مصد اًر للسعادة والراحة ،وفيه تتلون األرض وتضيء بأزهاره الجميلـة المختلفـة األشـكال واأللـوان واألنـواع ،ويـدعو كشـاجم
إلى استقبال فصل الربيع والترحيب به ،فقال(:)4
أهــــــــدى الســــــــرور لنــــــــا بغيــــــــث منســـــــــبل *** حــــــــــــــى الربيــــــــــــــع تحيــــــــــــــة المســــــــــــــتقبل
هطــــــــل النــــــــدى هــــــــزم الرعــــــــود مجلجــــــــل *** متكـــــــــــــاتف األنـــــــــــــواء منغـــــــــــــدق الحيـــــــــــــا
) (1الويل والوابل :المطر الشديد الضخم القطر .لسان العرب :مادة (ويل).
) (2کشاجم :ديوانه ،ص .177
) (3ابن شداد (عز ا لدين محمد بن علي بن إبراهيم) :األعالق الخطيرة في ذكر أمراء الشام والجزيرة ،تحقيق :يحيى زکريا عبادة ،طبعة وزارة الثقافة ،دمشق،
ط 1991 ،1م ،ج ،2ص.364
) (4کشاجم :ديوانه ،ص .340
860
تشرين أول2017 /م مجلة كلية التربية األساسية للعلوم التربوية واإلنسانية /جامعة بابل العدد35/
بالخصـــــــــــب أنـــــــــــواء الســـــــــــماك األغـــــــــــزل *** جـــــــــاءت بعـــــــــزل الجـــــــــذب فيـــــــــه فبشـــــــــرت
ويؤكد كشاجم على ضرورة الترحيب بفصل الربيع ،فهو رمز السعادة ومبعث األمل ،ويصف أزهار الربيع بالغيث ،ويصـف رياحـه
بنسيم الصبا العليل ،وسمائه مليئة بالغيوم ،والبدر يضيء في سمائه كالقبس المنير ،فقال(:)1
أهــــــــدى الســــــــرور لنــــــــا بغيــــــــث منســـــــــبل *** حــــــــــــــى الربيــــــــــــــع تحيــــــــــــــة المســــــــــــــتقبل
الثالث المطلب
هطــــــــل النــــــــدى هــــــــزم الرعــــــــود مجلجــــــــل *** متكـــــــــــــاتف األنـــــــــــــواء منغـــــــــــــدق الحيـــــــــــــا الطبيعة
بالخصـــــــــــب أنـــــــــــواء الســـــــــــماك األغـــــــــــزل *** جـــــــــاءت بعـــــــــزل الجـــــــــذب فيـــــــــه فبشـــــــــرت
هطــــــــل النــــــــدى هــــــــزم الرعــــــــود مجلجــــــــل *** متكاتف األنواء منغدق الحيا
بالخصـــــــــــب أنـــــــــــواء الســـــــــــماك األغـــــــــــزل *** جـــــــــاءت بعـــــــــزل الجـــــــــذب فيـــــــــه فبشـــــــــرت
غيـــــــــر البطالـــــــــة قلبـــــــــى غيـــــــــر مرتـــــــــاح *** أخلقــــت فـــــي العمـــــر عمــــرى حـــــين راح إلـــــى
الم اللـــــــــــوائم فيـــــــــــه أو لحـــــــــــى الالحـــــــــــي *** مـــــــــــــــا نـــــــــــــــور أحـــــــــــــــداقنا إال حدائقـــــــــــــــه
لـــــــــــــدي حلــــــــــــــة مــــــــــــــن ذات األكيــــــــــــــراح *** بــــــــــــــدائع ال لــــــــــــــدير العلــــــــــــــث هــــــــــــــن وال
وعبـر كشــاجم عـن مــدى إعجابــه بحـدئق الــدير وانتشــار زهـرة البنفســج وثمـار التفــاح فيهــا ،ويلقـي كشــاجم التحيــة علـى ديــر القصــير
ويرحب بـه ،ويصـف األوقـات التـي كـان يقضـيها فيـه ويحكـي مغام ارتـه فـي وقـت األسـحار ،ويصـف الطعـام ،والخمـر وشـربه ،و يـف ـان
يقضي وقته من الصباح حتى وقت السحر فقال(:)1
فجنــــــــــــــات حلــــــــــــــوان إلــــــــــــــى الــــــــــــــنخالت *** ســـــــــالم علـــــــــى ديـــــــــر القصـــــــــير وســـــــــفحه
وكــــــــــــــــــــن مــــــــــــــــــــواخيري ومنتزهــــــــــــــــــــاتي *** منـــــــــــازل كانـــــــــــت لـــــــــــى بهـــــــــــن مـــــــــــ رب
ومنصـــــــــــرفي فـــــــــــي الســـــــــــفن منحـــــــــــدرات *** إذا جئتهـــــــــــــا كـــــــــــــان الجيـــــــــــــاد مراكبـــــــــــــي
وأعــــــــدو علــــــــى اإلنــــــــس فــــــــي الظلمــــــــات *** فــــــــــاقتنص باألســــــــــحار وحشــــــــــى عينهــــــــــا
علـــــــى كـــــــل مـــــــا يهـــــــوى النـــــــديم مـــــــواتى *** معـــــــــــى كـــــــــــل بســـــــــــام أغـــــــــــر مســـــــــــاعد
علـــــــــى كثـــــــــرة مـــــــــن علمتـــــــــي وطهـــــــــاتي *** طعـــــــــام إذا مـــــــــا شـــــــــئت بـــــــــاكرت طبخـــــــــه
شــــــــــــديد فتــــــــــــور الطــــــــــــرف واللحظــــــــــــات *** وصـــــــــفراء مثـــــــــل التبـــــــــر يحمـــــــــل كاســـــــــها
تعلـــــــــــــــم مـــــــــــــــن أطرافـــــــــــــــه الحركـــــــــــــــات *** كــــــــــان قضــــــــــيب البــــــــــان عنــــــــــد اهتــــــــــزازه
وكــان كشــاجم يفضــل الليــل فــي ديــر مـران ويشــكره لقصــر م ّدتــه ،وأيضــا يصــف حدائقــه وبســاتينه وأزهــاره الجميلــة وأشــجاره المثمـرة،
ويحكي مغامراته فقال(:)2
بـــــــــــــــــدير مـــــــــــــــــران مـــــــــــــــــر مشـــــــــــــــــكو ارً *** ســـــــــــــــــقيا لليـــــــــــــــــل قصـــــــــــــــــرت مدتـــــــــــــــــه
دفنــــــــــــــــا بــــــــــــــــه روضــــــــــــــــه ومــــــــــــــــاخو ار *** يـــــــــــــــــوم أتينــــــــــــــــــاه زائـــــــــــــــــرين فصــــــــــــــــــا
نوريــــــــــــــــة تلــــــــــــــــبس الــــــــــــــــدجى لــــــــــــــــو ار *** ويــــــــــــــات بــــــــــــــدر الــــــــــــــدجى يشغشــــــــــــــعها
ــــــــــــــــغرب وبـــــــــــــــرد الصـــــــــــــــباح منثـــــــــــــــو ار *** حتـــــــــــى رأيـــــــــــت الظـــــــــــالم بدرجـــــــــــة الــــــــــــ
يخلـــــــــــــــط كـــــــــــــــف مســـــــــــــــكا وكــــــــــــــــافو ار *** واخــــــــــــــــتلط الليــــــــــــــــل والنهــــــــــــــــار كمــــــــــــــــا
الفرع الثاني
الروضيات
لفظ الروضيات من أهم األلفاظ المسـتخدمة فـي شـعر الطبيعـة فـي العصـر العباسـي ،وذلـك ألنـه مصـطلح يشـمل وصـف البسـاتين
والحدائق واألشجار والزروع ،ومختلف أنواع النباتات والفواكه.
اهـتم كشـاجم وابـن وكيـع التنيسـي بالروضــيات اهتمامـاً كبيـ اًر ،فكـانوا يقضـون فيهـا أجمــل أوقـاتهم ويلجـأون إليهـا طلبـاً للمتعـة واللهــو
()1
وشرب الخمر ،أي أنهم كانوا يهربون من أحزانهم وهمومهم ويتخذونها مصد اًر لراحتهم النفسية ،ويستوحون من جمالها إلهام شعرهم".
()2
ويرسم كشاجم صورة جميلة للروابي والبقاع وهى تتزين بجمال الطبيعة فقال:
ونشـــــــــــــــــــــــرت وشـــــــــــــــــــــــيها البقـــــــــــــــــــــــاع *** قـــــــــــــــد نظمـــــــــــــــت حليهـــــــــــــــا الروابــــــــــــــــي
والغــــــــــــيم فــــــــــــي الجــــــــــــو لــــــــــــى شــــــــــــراع *** فــــــــــالزهر فــــــــــي الــــــــــروض لــــــــــى بســــــــــاط
) (1عوض على الغباري ،شعر الطبيعة في األدب المصري (القرن الرابع الهجري) ،ص .11
) (2کشاجم .ديوانه ،ص .257
863
تشرين أول2017 /م مجلة كلية التربية األساسية للعلوم التربوية واإلنسانية /جامعة بابل العدد35/
وحسـن الروضـيات بمـا تحويـه مـن أزهـار اشتملت هذه التعبيرات الجمالية على العديد من الصور البديعة التي تصـور مـدى جمـال ُ
ونباتات وطيور ،وجسدها الشاعر في صورة سمات ومشاعر إنسـانية حيـة ،فصـور الروبـى بأنهـا ترتـب حليهـا لتـزداد جمـاال مـع ارتفاعهـا،
وأن بساطها األخضـر ملـيء بالبقـاع واألزهـار الملونـة الجذابـة ،ويمتلـئ جوهـا بـالغيم كالشـراع ،وشـبه نباتهـا وأزهارهـا باإلنسـان المضـطجع
تحــت النــدى ،كمــا شــبه النــدى باإلنســان المضــطجع فــوق النبــات واألزهــار ،وشــبه الربــاع باإلنســان الضــاحك وهــذه صــورة جميلــة تــوحي
بالبهجـة ومــدى جمــال الروضــيات ،كمـا شــبه القلــوب المشــتاقة إلـى جمــال الروضــيات باإلنســان العطشـان ،وشــبه األعــين باإلنســان الجــائع
الذي يبحث عن منظر جميل ليشبع جوعه ،وعبر الشاعر في النهاية عن مدى إعجابه بمنظر الطير وهو يتحرك في خفة فـوق أغصـان
األشجار.
()1
ونظ اًر لطبيعة بالد الشام الممطرة ،استوقف كشاجم منظر الروضيات وهي مليئة باألمطار وما تحدثه من تغيرات ،فقال:
كمــــــــا رضــــــــى الصــــــــديق عــــــــن الصــــــــديق *** وروض عــــــــــــــن صــــــــــــــنيع الغيــــــــــــــث راض
أتـــــــــــم لـــــــــــه الصـــــــــــنيعة فـــــــــــي الغبـــــــــــوق *** إذا مـــــــــــــا القطـــــــــــــر أســـــــــــــعده صـــــــــــــبوحاً
كـــــــــــان ثـــــــــــراه مـــــــــــن مســـــــــــنك ســـــــــــحيق *** يعيــــــــــــــر الــــــــــــــريح بالنفحــــــــــــــات ريحــــــــــــــاً
()2
بقايــــــــــا الــــــــــدمع فــــــــــي خــــــــــذ المشــــــــــوق *** منتثـــــــــــــــ ارً عليـــــــــــــــه كـــــــــــــــان الطـــــــــــــــل
فمــــــــــا ســــــــــت مــــــــــيس شــــــــــراب الرحيــــــــــق *** كــــــــــــــان غصــــــــــــــونه ســــــــــــــقيت رحيقــــــــــــــاً
لقد أعجب الشاعر بمنظر الروضيات وهـي مليئـة باألمطـار واسـتخدم التشـبيهات للتعبيـر عـن ذلـك ،فقـد شـبه الروضـيات باإلنسـان
ال ارضــي عمــا فعلتــه األمطــار بــه ،فنتيجــة لنــزول المطــر أصــبح الريــاض معطـ اًر بعبيــر األزهــار ،ورائحــة ت اربــه كالمســك الجميــل ،كمــا شــبه
المطر المتبقي على أغصان األشجار ببقايا الدمع على الخدود ،وشبه الغصون باإلنسان الذي ارتوى خم اًر فتمايل من أثر الخمر ،وشـبه
زهر شقائق النعمان بكؤوس العقيـق ،كمـا شـبه زهـر النـرجس بمـداهن الفضـة الفواحـة بأطيـب العطـور ،وفـي النهايـة ذكـر الشـاعر أن زهـر
البنفسج يذكره بما يفعله اللطم من أحمرار وجمال في الخدود الرقيقة.
ولقــد وصــف كشــاجم أيضــا منظــر األرض بعــد نــزول المطــر عليهــا بأنــه أبهــى المنــاظر وأحســنها ،فــاألرض بمــا تحويــه مــن نباتــات
وأزهــار كأنهــا شــكلت لوحــة رائعــة الجمــال وزاهيــة بــاأللون ،وشــبه زهــر السوســن والــورد بخــدود الفتيــات العــذارى ،وشــبه الفضــة والنــرجس
()1
بالعيون الناعسة ،فقال:
مثــــــــــــــل الخــــــــــــــدود نقشــــــــــــــت بــــــــــــــالغض *** مـــــــــــن سوســـــــــــن أحـــــــــــوى وورد غـــــــــــض
المبحث الثاني
الطبيعة المتحركة في الشعر العباسي
الشاعر الجاهلي استطاع أن ُيعبر عـن الطبيعـة أصـدق التعبيـر وسـاعده فـي ذلـك أنـه كـان بـدوياً ،وحـين تحـرر مـن قيـود الماضـي
واختلفت الثقافات وانتقل إلى بيئة أخرى غير بدوية ،أيضاً استطاع أن يصور الطبيعة مثلما صورها األوربيون من بعد في بيئة مشابهة.
وفـي نظـر الشـعراء العباسـيين أن الطبيعـة الحيـة أو المتحركـة تشـمل كـل مـا هـو حـي ماعـدا اإلنسـان كـالحيوان والطيـر والحشـرات،
وهناك آراء اختلفت مع رأي الشعراء العباسيين في هـذا األمـر ويـرون بـأن أصـناف الحيـوان ليسـت مالئمـة لمفهـوم كلمـة الطبيعـة ،وليسـت
مثيرة للحس الذي ينبض بجمالها.
المطلب األول
الطيور
لقد كان العصر العباسي بما يحويه من بيئة وثقافة وحضارة مجاالً مالئماً لتربية الطيـور ،فاسـتمد الشـعراء العباسـيين منهـا مصـد ار
إلضفاء روح الجمال والبهجة على شعرهم ،فوصف كشاجم الطيور فوق أغصان الشجر في قوله(:)2
فـــــــي ظـــــــل ســـــــدر مثمـــــــر دانـــــــي الهـــــــدب *** أوبلــــــــــق طيــــــــــر وقعــــــــــا علــــــــــى القضــــــــــب
إذا الريـــــــــــاح زعزعـــــــــــت تلـــــــــــك الشـــــــــــعب *** فيــــــــــه ألنــــــــــواع مــــــــــن الطيــــــــــر صــــــــــخب
واهتم النويري في (نهاية األرب) والجاحظ في (الحيوان) والدميري في (حياة الحيـوان الكبـرى) بـذكر أجنـاس الطيـور وتقسـيمها إلـى
طيور جارحة وأخرى أليفة ،وصنفوا النوع الواحد من الطيور إلى عدة أجناس وألوان .فمن الطيـور األليفـة الحمـام ،وهـو لغـة السـالم ورمـز
العشق ،ومعاني الحمام في المعاجم اللغوية تدور حول الجمال ،والمرأة ،والصوت ،والدعاء ،والهديل(.)3
ويؤكد د .علي أبو زيد " أن النصوص المتعلقة بشـعر الحمـام تـدور حـول إبـراز الـدور الـذي يلعبـه ذلـك الطـائر فـي حيـاة اإلنسـان،
وخاصة في القالب الوجداني واإلطار العاطفي والهيكل اإلنساني"(.)4
وكان شعراء العصر العباسي مغرومون بأنواع الحمـام وخاصـة نـوع يسـمى (القمـري)( ،)5فكـانوا يتنافسـون فـي وصـفه ورثائـه .فنجـد
()6
كشاجم يرثي قمريه ويحزن كأنه فقد ابن من أبنائه ،وجعل موته من باب غدر الزمان ،وأخذ يرثي ويصف شكله ،فقال:
والــــــــــــــدهر عــــــــــــــين الخــــــــــــــائن الغــــــــــــــدار *** غــــــــــدر الزمــــــــــان وجــــــــــار فــــــــــي أحكامــــــــــه
طـــــــــــــــوقين خلتهمـــــــــــــــا مـــــــــــــــن النـــــــــــــــوار *** ومطـــــــــــوق مـــــــــــن صـــــــــــبغ خلقـــــــــــه ربـــــــــــه
بهديلــــــــــــــه عــــــــــــــن مطــــــــــــــرب األوتــــــــــــــار *** ولطالمـــــــا اســـــــتغنيت فـــــــي غلـــــــس الـــــــدجى
يكــــــــوى الحشــــــــى بجــــــــوى كلــــــــذع النـــــــــار *** لهفـــــــــــا علـــــــــــى القمـــــــــــرى لهفـــــــــــا دائمـــــــــــاً
ولقــــــــــد مزجــــــــــت دمــــــــــا بــــــــــدمع جــــــــــارى *** ولقــــــــــد هجــــــــــرت الصــــــــــبر بعــــــــــد فراقــــــــــه
هيهـــــــــــــــــــات أودى ســـــــــــــــــــيد األطيـــــــــــــــــــار *** مــــــــــا كنــــــــــت فــــــــــي األطيــــــــــار إال واحــــــــــداً
المطلب الثاني
األسماك
صــيد األســماك فــي األنهــار والبحــار كــان يقتصــر علــى األثريــاء وكبــار رجــال الدولــة فــي العصــر العباســي ،وكــانوا يتخذونــه وســيلة
ألخذ قسطاً من ال ارحة والرفاهية.
ولقد عبر كشاجم عن األسماك في شعره باختالف أنواعها وألوانها ،ووصف السمكة في جمالها بأيدي النساء الحسـناوات ،وشـبهها
بالذهب في لمعانه ،فقال(:)1
جـــــــــــــــم المـــــــــــــــدود معمـــــــــــــــر المغـــــــــــــــاني *** يـــــــــــــــــا رب نهــــــــــــــــــر مــــــــــــــــــدفا مــــــــــــــــــالن
()2
كـــــــــــــالطلع مجنيـــــــــــــاً مـــــــــــــن الجنـــــــــــــان *** الــــــــــــــــــــــدحر والشــــــــــــــــــــــبوط والبنــــــــــــــــــــــان
المطلب الثالث
الحيوانات
لقد كان كشاجم ولوعاً بالصيد ،وقدوته في ذلـك الملـوك ،فكـان يتخـذها هوايـة يمارسـها وليسـت وسـيلة لكسـب العـيق ،إذ إن "الفـرق
بين الملك المتصيد والقـانص المكتسـب ،أن الملـك هـو الـذي يطـارد بخيلـه وكالبـه وجوارحـه ،ويضـجر الـوحق ويؤذيهـا وال يطلـب غراتهـا،
والمتعيق من القنص هو الذي يغتال بشباكه ،وحبائله ،ويخفي شخصه( ")1ووصف في شعره حياة بعض الحيوانات ،ولكنه كان يكـره مـن
()2
الحيوانات القرد والفأر لقبحهما ،والحمار لبالدته ،والضفدع لقبح صوتها ،ووظف ذلك في شعر الهجاء الساخ
واتخذ كشاجم الحيوانات رمو اًز وأمثلةً لوصف شـعره وبيـان مقصـده ،فمـثالً اتخـذ الضـب والنـون (الحـوت) مثـاالً للتفريـق بـين غلمانـه
ومعرفة قدراتهم ،فاألول حيوان صحراوي والثاني حيوان مائي وال يلتقيان ،فقال(:)3
رفقـــــــــــا تـــــــــــواخى فيـــــــــــه ضـــــــــــب ونـــــــــــون *** ســــــــــــــــائس غلمــــــــــــــــان رفيــــــــــــــــق بهــــــــــــــــم
الفرع األول
الحيوانات األليفة
أ ـ الخيل
هي رمز القوة والعزة والجمال ،فوصفها كشاجم في ديوانه قائالً" :هي خيل جسيمة طويلة العظام (فـوق ظهـر سـلهبة) وهـي قصـيرة
()4
واذا أخرجت ألسنتها من أشـداقها، الشعر أصيلة "الجرد الجياد" نحيلة الخصر ،كالسهم قبل أن يراق وينصل "ضمر األحشاء كالقداح"
()5
فأنها تشبه السيوف المستله من األغماد ،فيقول شاجم:
أخرجــــــــــــــت ألســــــــــــــنا مــــــــــــــن األشــــــــــــــداق *** تصــــــــــــف البــــــــــــيض والجفــــــــــــون إذا مــــــــــــا
()6
وشبهها عندما إذا جردت من لباسها بأنها تكشف عن جسم جميل ،وكأن تموجات متنية من ثوب مزركق بالذهب ،فقال:
()7
مــــــــــــــــا عنهمــــــــــــــــا الجــــــــــــــــل كشــــــــــــــــط *** كــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــان متينــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــة إذا
قرطـــــــــــــــــــــاس مـــــــــــــــــــــن "ال" إذ تخـــــــــــــــــــــط *** أحســــــــــــــن مــــــــــــــا يكتــــــــــــــب فــــــــــــــي الـــــــــــــــ
ويصف كشاجم فرسه ويقدم األدلـة لمـن يشـك فـي قد ارتـه ،ويشـبهه بالمـاء فـي تدفقـه ،وأنـه سـريع اإلقبـال ،ويشـبه فـي حركتـه بحركـة
البركار ،ورائحة جلده عطرة ،وقالدته من العتيق الثمين ،فقال(:)8
فيـــــــــــــــه وبـــــــــــــــين يقينـــــــــــــــه المضـــــــــــــــمار *** مـــــــن شـــــــك فـــــــي فضـــــــل الكميـــــــت فبينـــــــه
فــــــــــإذا اســــــــــتدر الحضــــــــــر منــــــــــه فنــــــــــار *** مـــــــــــــــاء تـــــــــــــــدفق طاعـــــــــــــــة وسالســـــــــــــــة
()1
لتــــــــــــــــــــــــديره فكانــــــــــــــــــــــــه بركــــــــــــــــــــــــار *** واذا عطفــــــــــــــت بــــــــــــــه علــــــــــــــى نــــــــــــــاورده
والرســـــــــع وهـــــــــي مـــــــــن العتيـــــــــق قصـــــــــار *** قصـــــــــــــــرت قـــــــــــــــالدة نحـــــــــــــــرد وعـــــــــــــــذاره
ويـــــــــــــــرود طرفـــــــــــــــك خلفـــــــــــــــه فيحـــــــــــــــار *** يـــــــــرد الضحاضـــــــــح غيـــــــــر ثـــــــــاني ســـــــــنبك
ويصف كشاجم الخيل في سرعتها بأنها أسرع من لمح البصر ،وتهز ذيلها في السير ،ويصفها بأنها دائمة الحركة وسريعة العدو،
ويشبهها بكالب الصيد ،والشاعر كعادته في الصيد ،يخرج منذ الفجر مع أصدقائه ،فقال(:)2
والفجــــــــــــــــر قــــــــــــــــد أســــــــــــــــفر اســــــــــــــــفا ارً *** وحبـــــــــــــــــــــــــــذا يـــــــــــــــــــــــــــوم بكرنابـــــــــــــــــــــــــــة
ألقــــــــــــــت علــــــــــــــى األحجــــــــــــــار أحجــــــــــــــا ار *** يخطـــــــــــــــوا علـــــــــــــــى صـــــــــــــــم إذا حتهـــــــــــــــا
نضـــــــــــــــــرم فـــــــــــــــــي أغطافـــــــــــــــــه نـــــــــــــــــا ار *** كاننــــــــــــــــــا فــــــــــــــــــي وقــــــــــــــــــت إرســــــــــــــــــاله
وكانت رياضة سباق الخيل من أكثر الرياضات المنتشرة في هذا العصـر ،ممـا أدى إلـى كثـرة المالعـب التـي يجـرى عليهـا السـباق
وكانت تضم الكبار واألثرياء"( ،)1وكان يتم اختيار الفرس من أصول كريمة األعراق فقال(:)2
مــــــــــــــن أصــــــــــــــول كريمــــــــــــــة األعــــــــــــــراق *** ومعـــــــــــــــــــــــد للصــــــــــــــــــــــــيد منتخبــــــــــــــــــــــــات
وأما في وصف كشاجم أللوان الخيل فنجده يعبر عنها " ذي بهمة" وهو اللون األسود الحالك فقال(:)3
كانــــــــــــــــــه ليــــــــــــــــــل علــــــــــــــــــى صــــــــــــــــــباح *** ذى بهمــــــــــــة تضــــــــــــحك عــــــــــــن أوضــــــــــــاح
والخيل األحمر واألسود "الكميت"( ،)4واألسود "أدهم" ولكن قوائمه وناصيتها بيضاء فقال (:)5
أدهــــــــــــــــــــــــــم كالليــــــــــــــــــــــــــل اعتكــــــــــــــــــــــــــر *** أوبـــــــــــــــــــــــــــادر الســـــــــــــــــــــــــــيل بـــــــــــــــــــــــــــدر
ب ـ اإلبل:
قال كشاجم في مدح الحسن بن علي التنوخي وتشبيهه باألسد(:)6
()7
صـــــــــل وســـــــــمر الخـــــــــط مـــــــــن أنيابـــــــــه *** أســــــــــد وبــــــــــيض الهنــــــــــد مــــــــــن أظفــــــــــاره
ولقد اهتم كشاجم بالحيوانات عموما واهتم بصفاتها وطباعها الغرائزية ،وكان هذا واضحا في كالمه عـن اإلبـل حيـث ضـرب مثـال
ألحد األشخاص لكي يسمعه ،فقال(:)8
هــــــــــــى ويــــــــــــك أغلــــــــــــط منــــــــــــك طبعــــــــــــاً *** فــــــــــــــــــانظر إلــــــــــــــــــى اإلبــــــــــــــــــل التــــــــــــــــــى
ج ـ البرذون(:)2
البرذون هو حيوان أقرب في شكله إلى الخيل ،وفي رأي كشـاجم هـو أبهـى وأجمـل مـن الخيـل ،ويـرى فـي موتـه فجيعـة وألمـاً بقلبـه،
ويشبهه بالموج في علوه وارتفاع همته ،فقال(:)3
ك الــــــــــــدهر بــــــــــــالمكروه فــــــــــــي األبلــــــــــــق *** وأرى العـــــــــــــزاء جفـــــــــــــاك حيـــــــــــــبن عـــــــــــــ ار
فيجـــــــــــــــــــــئ ســـــــــــــــــــــابقها وال يســـــــــــــــــــــبق *** يمشــــــــــى وتجــــــــــرى الخيــــــــــل فــــــــــي ســــــــــنن
مــــــــــــن صــــــــــــفرة لمــــــــــــع لهــــــــــــا رونــــــــــــق *** صــــــــــــــافى األديــــــــــــــم يشــــــــــــــوب أبيضــــــــــــــه
د ـ الظبي
كان كشاجم وابن وكيع يتخذان الظبي رم اًز لوصفهم محبوبتهم ،وهناك مفردات عديدة للظبي كالريم والرشا والشادن ،وعيون الظبي
كحور العيون ،فيشبه كشاجم ساقية الخمر الرومية كالظبية في عينها ،فقال(:)4
كغصــــــــــــــن البــــــــــــــان تثنيــــــــــــــه الريــــــــــــــاح *** وأحـــــــــــور مـــــــــــن ظبـــــــــــاء الـــــــــــروم ســـــــــــاق
أو كشــــــــــــــــــــــبا أســــــــــــــــــــــنة الوشــــــــــــــــــــــيج *** يكشـــــــــــر عـــــــــــن مثـــــــــــل مـــــــــــدى العلـــــــــــوج
كواكبـــــــــــــا لـــــــــــــم تـــــــــــــك فـــــــــــــي بــــــــــــــروج *** تريـــــــــــــــــك فيـــــــــــــــــه لمـــــــــــــــــع التـــــــــــــــــدريج
الخاتمة
في النهاية قد أدركنا مالمح وصف الطبيعة في العصر العباسي ،وكيف كان الشاعر في وصف الطبيعة يعبـر عـن نفسـه أصـدق
التعبير ،وهذا نتاج طبيعي لتلك البيئة الصحراوية التي ملكت على الشاعر نفسه ،ففتن بها ،وأحسـن التعبيـر عـن مشـاعره حيالهـا ،وظلـت
الطبيعة منزل وحي الشاعر.
وشعر الطبيعة هـو الشـعر الـ ذى يمثـل الطبيعـة أو بعـض مـا اشـتملت عليـه ،وكانـت البيئـة الشـامية والمصـرية آنـذاك أرضـا خصـبة
وينبوعا واف ار أفرز لنا غر ار من الشعر الواصف للطبيعة والتـي فـتن بهـا الشـعراء ،وأخـذ الشـاعر يتأمـل فيهـا ،ويبثهـا آالمـه ،وينسـى عنـدها
أحزانه ،ويحبها ،ويفتن بها ،كما امتثلتها نفسه.
وصــورة الطبيعــة هــي رؤيــة الشــاعر لطبيعتــه التــي يعــيق فيهــا ،علــى اخــتالف مكوناتهــا ،فنجــده يســتمد منهــا إلهامــه ويتخــذ صــورها
(الصامتة والمتحركة) رمو از لالستناد عليها في شعره ،ويبدع في وصف الطبيعة بأصدق التعبيرات والكلمـات ،فيصـف األشـجار واألزهـار
والثمار والسماء واألنهار ويتأمل شكلهم ،وكـذلك يصـف الحيوانـات واألسـماك بـاختالف أنـواعهم وألـوانهم ويتعجـب مـن صـفاتهم وطبـاعهم،
وال يكتف بهذا األمر وبذكر صفات األشياء فقط بل أنه اتخذها صو اًر موحية وتشبيهية في مدحه ورثائه وغزله.
فالطبيعة مصدر إلهام للشعراء ،يأوون إليها متأملين ظواهر الحياة والكون ،ويفزعون إليها مستلهمين وحي الشعر ،والطبيعـة أوسـع
منابع الكون غنى ،فهي ملهمة الفنان ،ومصدر الوحي ،ومنبع اإللهـام والطبيعـة الجميلـة بمالمحهـا الرائقـة ،ومناظرهـا الرائعـة ،تهـوى إليهـا
أفئــدة النــاس مهمــا تفاوتــت بيئــاتهم ،وتباينــت ثقــافتهم واإلنســان بفطرتــه كلــف بالطبيع ـة ،مقــدس جمالهــا ،يفــزع إليهــا فــي أشــجانه ليجــد فــي
أحضانها سلوته وعزاءه ،ويهرع إليها في مسراته.
ود ارســة الطبيعــة تعطــي مالمــح عامــة ألهــم الســمات المشــتركة الجامعــة لكــل الشــعراء ،واألخــرى الفرديــة المتعلقــة بكــل شــاعر ممــا
تشكل نموذجا لمعجم شعري مشترك وخاص .وشعر الطبيعة هدية الحضارة العباسية لألدب العربي .وهـو واحـد مـن الموضـوعات المهمـة
في هذا األدب.
قائمة المراجع
ابن شداد (عز الدين محمد بن علي بن إبراهيم) :األعالق الخطيرة في ذكر أمراء الشام والجزيرة ،تحقيق :يحيى زکريا عبادة،
طبعة و ازرة الثقافة ،دمشق ،ط ۱۹۹۱ ،۱م ،ج .۲
أبو الحسن علي بن الحسن بن علي المسعودي :مروج الذهب ومعادن الجوهر ،ج.1
إسماعيل أحمد شحاده العالم :وصف الطبيعة فى الشعر األموي ،مؤسسة الرسالة ،دار عمار ،د.ت.
إيليا الحاوى :فن الوصف وتطوره في الشعر العربي ،دار الكتاب المصري ،مصر ،ط1980 ،3م.
علي أبو زيد :الحمام في الشعر العربي ،دار المعارف ،القاهرة ،ط1996 ،1م.
عوض علي الغباري ،شعر الطبيعة في األدب المصري (القرن الرابع الهجري).
كشاجم :ديوانه.
محمد عجينة :موسوعة أساطير العرب عن الجاهلية ودالالتها ،دار الفارابي ،بيروت ،لبنان ،ط .1994 ،1
مصطفى الشكعة :فنون الشعر في مجتمع الحمدانيين ،مطبعة األنجلو المصرية ،القاهرة1958 ،م.
مصطفى الشكعة :سيف الدولة الحمداني أو (مملكة السيف ودولة األقالم) مكتبة المتنبي ،القاهرة ،ط 1977 ،2م.
يوسف بكار :عصر أبي فراس الحمداني.
872