Professional Documents
Culture Documents
نبذة عن حياة الفيلسوف الألماني نيتشه
نبذة عن حياة الفيلسوف الألماني نيتشه
https://t.me/bookiraqnow3
https://t.me/bookiraqnow1
بدأ حياته المهنية في دراسة فقه اللغة الكالسيكي ،قبل أن يتحول إلى الفلسفة .بعمر الرابعة
والعشرين أصبح أستاذ كرسي اللغة في جامعة بازل في ،5480حتى استقال في عام 5480
بسبب المشاكل الصحية التي ابتلي بها معظم حياته ،وأكمل العقد التالي من عمره في تأليف أهم
كتبه .في عام ،5440وفي سن الرابعة واألربعين ،عانى من انهيار وفقدان لكامل قواه العقلية.
عاش سنواته األخيرة في رعاية والدته وشقيقته ،حتى توفي عام .5011
كان من أبرز المم ّهدين لعلم النفس وكان عالم لغويات متميز .كتب نصوصا ً وكتبا ً نقدية حول
الدين واألخالق والنفعية والفلسفة المعاصرة المادية والمثالية األلمانية .وكتب عن الرومانسية
األلمانية والحداثة أيضاً ،بلغة ألمانية بارعة .يُعدّ من بين الفالسفة األكثر شيوعا ً وتداوالً بين
القراء
.
1
كثيرا ً ما تُفهم أعماله -خطأ ً أحيانا -على أنها حامل أساسي ألفكار الرومانسية والعدمية ومعاداة
السامية وحتى النازية ،لكن بعض الدارسين يرفضون هذه المقوالت بشدة ويقولون بأنه ضد هذه
االتجاهات كلها .يُعدّ نيتشه إلهاما للمدارس الوجودية وما بعد الحداثة في مجالي الفلسفة واألدب
روج ألفكار اعتقد كثيرون أنها مع التيار الالعقالني .استخدمت بعض آرائه في أغلب األحيانّ .
فيما بعد من قبل أيديولوجيي الفاشية والنازية .رفض نيتشه المثالية األفالطونية ،والمسيحية
واألديان والميتافيزيقيا بشكل عام .ودعا إلى تبني قيم أخالقية جديدة ،وانتقد الكانتية والهيغلية.
سعى نيتشه إلى تبيان أخطار القيم السائدة ،عبر الكشف عن آليات عملها عبر التاريخ،
كاألخالق السائدة ،والضمير .يعد نيتشه أول من درس األخالق دراسة تاريخية مفصلة .قدم
نيتشه تصورا ً مهما ً عن تشكل الوعي والضمير ،فضالً عن إشكالية الموت .كان نيتشه رافضا ً
للتمييز العنصري ومعاداة السامية واألديان وال سيما المسيحية ،لكنه رفض أيضا ً المساواة
بشكلها االشتراكي أو الليبرالي بصورة عامة.
ولد فردرك نيتشه في 51أكتوبر عام 5411في قرية قرب بلدة لوتسن في مقاطعة ساكسونيا
التابعة لبروسيا ،لقس بروتستانتي لوثري .وكان أجداده من جهتي األب واألم ينتمون للكنيسة
البروتستانتية منذ حركة اإلصالح في القرن السادس عشر ،وكان العديد من أفراد أسرته
السابقين قساوسة .ادعى نيتشه نفسه في سنواته األخيرة ،أنه ينتسب إلى النبالء البولنديين ،لكن
هذا أمر ال يمكن تأكيده .سماه والده فريدريك ألنه ولد في نفس اليوم الذي ولد فيه فريدريش
الكبير ملك بروسيا .حيث كان والده مربيا ً للعديد من أبناء األسرة الملكية.
ولدت شقيقته إليزابيث في عام .5418بعد وفاة والده في عام 5410وشقيقه األصغر عام
،5411انتقلت األسرة إلى ناومبورغ .وقد أصبح صديق األسرة برنارد داشسيل -وزير العدل
في وقت الحق -رسميا الوصي على الشقيقين اليتيمين فريدريك وإليزابيث .بعد وفاة والده -وهو
في الخامسة من عمره -عرف انقالبا ً و َّجهه إلى التشاؤم[من صاحب هذا الرأي؟
بين 5411إلى 5418عاش نيتشه في “أسرة من النساء” ،هم أمه وأخته وجدته وعمتيه غير
المتزوجتين والخادمة .بعد وفاة الجدة في ،5418تمكنت أم نيتشه من أن تستأجر مسكنا مستقال
لها وألطفالها .دخل نيتشه في أول األمر مدرسة عامة للبنين ،لكنه شعر أنه معزول جدا هناك،
فأُرسل إلى مدرسة خاصة ،حيث كون صداقات مع أبناء األسر الراقية .وعاش حياة مدرسية
عادية ومنضبطة ،وسماه أصدقائه القسيس الصغير لقدرته على تالوة اإلنجيل بصوت
2
مؤثر.عام ( 5411في سن العاشرة) دخل المرحلة المتوسطة بفضل قدراته الفنية واللغوية
الخاصة.
في ( 5418في سن الثالثة عشرة) ساعده القس غوستاف أوسوالد ،الذي كان صديقا مقربا من
والده ،في االستعداد المتحان القبول في الثانوية .في 1أكتوبر 5414تم قبول نيتشه لمنحة
دراسية في مدرسة الدولة المتقدمة “بفورتا” ،التي كانت معروفة عالميا .وكان مستواه
األكاديمي جيدا جدا .في وقت فراغه كان يكتب الشعر ويؤلف الموسيقى .وقد كان نيتشه كل
حياته يحب الموسيقى الكالسيكية وقام بمحاوالت لتأليفها .درس في “بفورتا” حتى عام ،5481
التي كانت بيئتها مختلفة جدا عن بيئة أسرته المسيحية .تعلم هناك اللغات الالتينية واليونانية
والعبرية والفرنسية ،ليتمكن من قراءة أمهات الكتب بلغاتها األصلية.
في تلك الفترة تعرف نيتشه على الشاعر “إرنست أورتلب” ،الذي كان غريب األطوار
ومعروفا بالتجديف وكان أكثر الوقت مخمورا .وقد ُوجد ميتا في حفرة بعد أسابيع من لقاء نيتشه
به .كان نيتشه معجبا به جدا ،وقد تعرف من خالله على موسيقى ريتشارد فاغنر.
3
الدراسة في الجامعة
في شتاء 5481التحق نيتشه بجامعة بون ،لدراسة فقه اللغة الكالسيكي والالهوت
البروتستانتي .باإلضافة إلى المنهج المقرر ،كرس نيتشه نفسه لدراسة أعمال الهجيليين الشباب،
بما في ذلك كتب برونو باور النقدية عن اإلنجيل ،وكتاب “حياة يسوع” لدافيد ستراوس،
وخاصة كتاب “طبيعة المسيحية” للودفيغ فويرباخ الذي جاء فيه أن الناس هم خلقوا اإلله وليس
العكس ،وترك هذا أثرا على نيتشه الشاب .وقد شجعه ذلك (وخيب أمل والدته) في اتخاذ قرار
ترك دراسة الالهوت بعد فصل دراسي واحد .وفي رسالة ألخته -المتدينة -إليزابيث كتبها في
يونيو ،5481ظهر فيها فقدانه لإليمان:
ومن ثم فإن طرق الرجال تفترق :إذا كنت ترغب في سالم الروح والطمأنينة فعليك باإليمان،
وإذا كنت ترغب في أن تكون نصيرا للحقيقة ،فعليك بالشك.
واكتشف في نفس الوقت الفيلسوف األلماني شوبنهاور إثر ذلك قرر نيتشه التركيز على دراسة
علم اللغة .لم يكن مرتاحا للوضع في بون فانتقل الحقا بأستاذه “فريدريش ريتشل” إلى جامعة
اليبتزغ في عام .5481وهناك ظهرت أول منشورات نيتشه الفلسفية بعد فترة وجيزة .في ذلك
العام درس نيتشه بدقة أعمال آرثر شوبنهاور وانغمس في قراءته .وهو مدين بصحوته الفلسفية
لكتاب شوبنهاور “العالم كإرادة وتصور” ،وقد ذكر في وقت الحق أن شوبنهاور واحد من عدد
قليل من المفكرين الذين يحترمهم ،وكرس له مقاال بعنوان “شوبنهاور كمعلم” في كتابه
“تأمالت قبل األوان” .تأثر أيضا -في تلك الفترة -بالفيلسوف الكانطي “فردرك ألبرت النج”
وكتابه “تاريخ المادية” الذي صدر عام .5488خالل تلك الفترة أقام صداقة وثيقة مع زميله
الباحث التاريخي “إروين رود” ،واشتركا عام 5488في تأسيس “جمعية فقه اللغة
الكالسيكي” في جامعة اليبزيغ.
ذلك العام ،اندلعت الحرب النمساوية البروسية ،واحتل البروسيون اليبزيغ .وفي ،5488على
الرغم من ضعف بصره وكونه االبن الوحيد ألمه األرملة ،التحق نيتشه بالجيش األلماني
المتصف بالصرامة تحت نظام “السنة الواحدة” إلى سالح المدفعية البروسية في نومبورغ .في
مارس 5484تعرض لحادثة سقوط خطيرة من على الفرس وأصبح عاجزا عن المشي ألشهر.
بعد أن وقع عن صهوة حصانه دفع هذا قائد فرقته أن يعفيه من الخدمة بعد إصابته .وقد استغل
فترة عالجه للتفرغ وإنهاء دراساته الفلسفية في الجامعة ،فأنهاها آخر ذلك العام .وقد ظل طول
4
عمره متأثرا ً بالحياة العسكرية واألخالق اإلسبارطية التي عرفها في الجيش [بحاجة لمصدر].
في ذلك العام أيضا كان لقاؤه األول مع الموسيقار األلماني الشهير ريتشارد فاغنر ذا أهمية
كبيرة .اهتم نيتشه في سنة التخرج بالمسرح والفلسفة اإلغريقية القديمة حيث فضَّل الفالسفة
الذريين على الذين ظهروا فيما بعد كسقراط وأرسطو وتأثر بالفلسفة األبيقورية بشكل خاص.
بناء على توصية من “فريدريش ريتشل” (أستاذه في جامعتي بون واليبزغ) و”فيلهلم
عين نيتشه -بسن الرابعة والعشرين- بيلفينجر” (أستاذ جامعي وسياسي سويسري)ُ ،
أستاذا مشاركا لعلم اللغة الكالسيكي في جامعة بازل في عام ،9681حتى قبل أن
يحصل على شهادة الدكتوراه وقبل استالم شهادة التأهل لألستاذية .على الرغم من أن
عرض التدريس هذا جاء في وقت كان فيه نيتشه يفكر في التخلي عن علم اللغة
واالتجاه للعلوم .وحتى يومنا هذا ،ال يزال نيتشه من بين أصغر األساتذة المسجلين.
عمل في نفس الوقت مدرسا للغات في الثانوية المتقدمة “ساحة الكاتدرائية” في بازل.
عمل عام 9681على رسالته للدكتوراه التي لم يقدمها :مساهمات في نقد ودراسة
مصادر ديوجانس الاليرتي.
بناء على طلبه ،تخلى نيتشه عن الجنسية البروسية بعد انتقاله إلى بازل ،وظل بدون جنسية بقية
حياته .مع ذلك فهو قد خدم في الحرب الفرنسية البروسية لفترة قصيرة كمسعف على الجانب
األلماني .وخالل ذلك الوقت ،أصيب بأمراض الزحار والخناق ،واحتاج لفترة نقاهة طويلة.
نظر نيتشه بريب وتشكك إلى تأسيس الرايخ األلماني وحقبة أوتو فون بسمارك .لكنه تأثر
بوحدة ألمانيا وزعيمها بسمارك ورأى فيه -في أول األمر -كماالً للشخصية األلمانية .يقول
طبه كما لو كانت نبيذا نيتشه في رسالة من عام “ :5484بسمارك يمنحني سعادة غامرة .أقرأ ُ خ َ
ُمس ِكرا” .لكنه الحقا وصفه بـ”المغامر المضحك”.
في جامعة بازل عام ،5481تعرف على زميله أستاذ اإللهيات الملحد “فرانز أوفيربيك” ،الذي
ظل صديقا لنيتشه حتى فترة مشاكله العقلية .كما كان يكن تقديرا لزميله األكبر سنا أستاذ
التاريخ المعروف يعقوب بوركهارت وكان يشهد محاضراته .كان نيتشه يزور باستمرار
ريتشارد فاغنر في بيته في كانتون لوتسيرن.
5
في عام ،5485نشر نيتشه أول عمل مهم له“ ،والدة المأساة من روح الموسيقى” ،وهي
دراسة تبحث أصل المأساة ،وقد استبدل طرق الدراسة اللغوية الكالسيكية بالدراسة الفلسفية
التكهنية .يتحدث فيها عن األساطير اإلغريقية وارتباط الحضارة بالموسيقى .في تلك الدراسة
طور أسلوبه في علم النفس ،حيث حاول شرح المأساة اليونانية من خالل مفهومي أبولو-
ديونيسوس .ولم يعجب البحث معظم زمالئه الكالسيكيين .وقد هاجم أستاذ فقه اللغة الكالسيكي
“أولريش موليندورف” دراسة نيتشه بكتاب “فيلولوجيا المستقبل” .فتدخل صديقاه “إروين
رود” (الذي كان بروفسورا في كيل) وفاغنر للدفاع عنه .عبر نيتشه بصراحة حول العزلة التي
شعر بها داخل مجتمع علماء اللغة وحاول دون جدوى االنتقال إلى منصب في مجال الفلسفة في
بازل .وإن كان كتابه “المأساة” قد القى بعض المديح [بحاجة لمصدر] .الم نيتشه الجامعات
والمعاهد األلمانية على نبذها لشوبنهاور وغيره من الفالسفة مما حدا بهم إلى نبذه هو اآلخر
حيث رأوا فيه عالما ً لغويا ً ال غير.
في عام ،5481بدأ نيتشه في تجميع كراسات تم نشرها بعد وفاته تحت عنوان “الفلسفة في
العصر المأساوي لليونانيين” .بين 5481و ،5488نشر أربعة مقاالت طويلة منفصلة“ :ديفيد
شتراوس :المعترف والكاتب”“ ،حول استخدام وإساءة استخدام التاريخ من أجل الحياة”،
“شوبنهاور كمعلم” و “ريتشارد فاغنر في بايرويت” .ظهرت هذه المقاالت األربعة في وقت
الحق في كتاب تحت عنوان “تأمالت قبل األوان” .اتجهت هذه المقاالت نحو النقد الثقافي ،في
هجوم على الثقافة األلمانية النامية على ضوءأفكار شوبنهاور وفاغنر .ولم تالق هذه المقاالت
صدى يذكر.
6
القطيعة مع فاغنر
خالل ذلك الوقت ،في حلقة فاغنر الثقافية ،التقى نيتشه بهانز فون بولوف والكاتبة “مالويدا
فون ميسنبوج” ،وبدأت أيضا صداقته مع الفيلسوف “بول ري” ،الذي حضّه في عام 9688
على رفض التشاؤم الذي رآه في كتاباته المبكرة .في ذلك العام أيضا أصيب نيتشه بخيبة أمل
من “مهرجان بايرويت” الموسيقي الذي كان يقيمه فاغنر سنويا ،حيث أثار اشمئزازه تفاهة
العروض المقدمة وانحطاط الحضور .وكان ردة فعله موجهة باألخص إلى فاغنر واستنكر
احتفاءه بـ”الثقافة األلمانية” التي يراها نيتشه متناقضة ،وكذلك احتفاله بشهرته وسط الجمهور
األلماني .كل هذا دفع نيتشه لينأى بنفسه عن فاغنر.
مع نشر كتابه “إنساني ،إنساني جدا” في عام ( 9686وهو عبارة عن مجموعة من
األمثال التي تتراوح بين الميتافيزيقا واألخالق إلى الدين والدراسات الجنسانية)،
ظهر بوضوح أسلوب نيتشه الجديد ،المتأثر بشكل كبير بكتاب “الفكر والواقع”
للفيلسوف الروسي الكانطي “أفريكان سبير” .حمل الكتاب رد فعل ضد الفلسفة
المتشائمة لفاغنر وشوبنهاور .شاب البرود أيضا صداقة نيتشه برفيقيه “إروين رود”
و”بول ديوسن”.
بعد انحدار كبير في صحته ،وتفاقم أمراض الطفولة (نوبات الصداع النصفي واضطرابات
المعدة ،فضال عن قصر النظر الشديد الذي أدى في النهاية إلى العمى العملي) التي عطلته عن
واجباته في التدريس ،استقال نيتشه عام 9681من منصبه في جامعة بازل.
تعرف على ريشارد فاغنر قد رأى فيه تجسيدا ً للعبقرية وعاش معه فترة رافقه
كان نيتشه حين َّ
فيها في رحالته ،لكنه انقلب ضده وكانت القطيعة بينهما هي الشرارة التي أطلقت فكر نيتشه
مثل العاصفة على القيم األوروبية[من صاحب هذا الرأي؟] ،إذ رأى في المسيحية انحطاطا ً
ونفاقا[ ،]43وأن النمط األخالقي الصائب هو النمط اإلغريقي الذي كان يمجد القوة والفن
ويستخف بالرقة والنعومة وطيبة القلب التي رآها من صفات المسيحية.
7
التفرغ للفلسفة ((9666 – 9681
دفعته أمراضه في البحث المستمر عن الظروف المناخية المثلى بالنسبة له ،فسافر كثيرا
وعاش في أماكن مختلفة ككاتب مستقل حتى عام ،9661جال أصقاع أوروبا لكي يجد مكان
يناسب حالته الصحية ،وأقام فترات الصيف في سلس ماريا جنوب شرقي سويسرا في أعالي
الجبال .كان يعتمد قبل كل شيء على راتب التقاعد الممنوح له؛ كما كان يتلقى المساعدات
المالية من حين آلخر من األصدقاء .كان يقضي الصيف غالبا في سان موريتز في سويسرا،
وفصل الشتاء في إيطاليا (جنوة ،رابالو ،تورينو) وفي فرنسا في نيس .بعد االحتالل الفرنسي
لتونس فكر في السفر إلى تونس كي يرى أوروبا من الخارج ،لكنه استبعد الفكرة ألسباب
صحية .كان يزور عائلته باستمرار في ناومبورغ ،وكان دائم الخالف ثم المصالحة مع أخته
إليزابيث.
أثناء وجوده في جنوة ،دفعه ضعف النظر إلى محاولة استخدام اآلالت الكاتبة كوسيلة
لمواصلة الكتابة .لكنه في النهاية ،استعان بطالبين سابقين عنده ،ليعمال لديه -تقريبا-
كسكرتيرين .وتكفل أحدهما (بيتر غاست) بنقل ما كتبه نيتشه بخط يده ،وظل “بيتر غاست”
منذ ذلك الوقت ينسخ ويدقق ويصحح كل أعمال نيتشه تقريبا .كان غاست واحدا من عدد قليل
جدا من األصدقاء الذين سمح لهم نيتشه بانتقاده.
8
اللقاء مع لو سالومي
عام 9661نشر جزءا من كتابه “الحكمة الماتعة” الذي يصفه نيتشه بأنه أقرب كتبه إليه.
احتوى الكتاب على عدد كبير من القصائد ،وظهرت فيه ألول مرة فكرة “موت اإلله” .في
ذلك العام التقى ألول مرة بلو أندرياس سالومي (فتاة روسية عمرها )19وأمضيا الصيف في
تورينغن وكانت ترافقه أخته إليزابيث .لم يكن نيتشه يعتبر سالومي ندا مساويا له بل كطالبة
موهوبة .وقد ذكرت سالومي أن نيتشه طلب منها الزواج في ثالث مناسبات وأنها رفضت،
على الرغم من أن مصداقية حديثها موضع تساؤل .كانت عالقة نيتشه بسالومي معقدة .وهي
في األساس صديقة صديقه “بول ري” .فهو يذكر في اقتباسات له من تلك المرحلة“ :خلف كل
مشاعر الرجل تجاه امرأة ،يقبع احتقار لجنسها”“ ،اإلنسان شيء غير كامل أبدا .حبّ شخص
ما سيدمرني”“ ،في كل حوار بين ثالثة أشخاص ،شخص ما يكون غير ذي ضرورة ويمنع
تعمق الحوار”.
انقطعت عالقة نيتشه مع سالومي في شتاء ،9664ويرجع ذلك جزئيا إلى مؤامرات أخته
إليزابيث .أحبّ تلميذته الفتاة البروسية التي فارقته بعد رفضها له وزواجها ببتشارلز اندرياس،
وقبل األرض من تحت قدميها لكي تقبل به لكنها رفضته؛ فاستهام بها وقادته إلى الجنون .كما
أنه وقع في الحب عدة مرات لكنه فشل بسبب عينيه الحادتين ونظراته المخيفة برأي الفتيات
لذا اتسمت حياته بالكآبة حتى نهايتها [من صاحب هذا الرأي؟] .وفي خضم نوبات متجددة من
المرض ،عاش نيتشه في عزلة بعد مقاطعته والدته وشقيقته بسبب سالومي ،ففر إلى رابالو،
وهناك كتب -في عشرة أيام فقط -الجزء األول من كتابه األشهر هكذا تكلم زرادشت ،الذي
مزج شعرا ً قويا ً وحساسا ً مع مبادئ فلسفية مبتكرة وواقعية ونداء إلى نظرة فلسفية جديدة حيث
أعاد النظر بالمبادئ األخالقية الفلسفية ولم تعد بعده الفلسفة األخالقية كما كانت .في تلك الفترة
كان يجد صعوبة في النوم ،وكان يتعاطى األفيون (الذي كان شائعا في القرن .)91يقول في
أحد رسائله:
ي“ ،لو” و “ري” … اعتبراني كليكما ،كما المخبول ملتهب الرأس الذي حيرته تماما«عزيز ّ
العزلة الطويلة ..الحالة التي صرت إليها بعد أن تعاطيت جرعة كبيرة من األفيون بسبب
اليأس .بدال من أن يضيع عقلي بسبب ذلك ،أظن أن شيئا من عقلي قد عاد لي».
9
في ،3881حين كان يقيم في نيس ،كان يصرف وصفات طبية لدواء هيدرات الكلورال
المهدئ ،وكان يذيلها بتوقيع “الدكتور نيتشه” .أصيب نيتشه بمرض شديد وشارف على الموت
ي حيث أوصى أخته وخاطبها قائلا :إنما إذا ما ّ
مت يا أختاه ال تجعلي أحد القساوسة يتلو عل ّ
بعض الترهات في لحظة ال أستطيع فيها الدفاع عن نفسي( .ولكن لم تتحقق أمنيته إذ تلى عليه
القساوسة في ساعة دفنه) [بحاجة لمصدر] .ولكنه بعد ذلك شفي وذهب إلى جبال األلب
ليتعافى ويكمل كتابة هكذا تكلم زرادشت.
العزلة
بعد أن قطع نيتشه عالقاته الفلسفية مع شوبنهاور ،وعالقاته االجتماعية مع ر
فاغن ،لم يبق
لنيتشه إال عدد قليل من األصدقاء .بعد كتاب “زرادشت” ذي األسلوب الجديد ،صارت
ويشتك منه، أعمال نيتشه ر
أكن غرابة ،واستقبلها السوق بأقل اهتمام .كان نيتشه يعرف ذلك
ي ر
كبن .يف عام ،5881لم يطبع إال 04نسخة غن مباعة إىل حد ر
لكنه زاد من عزلته .ظلت كتبه ر
رر
المقربي. فقط من الجزء الرابع من “زرادشت” ،وزع معظمها ر ر
بي األصدقاء
11
فريدريش نيتشه عام 9661
في عام 5441حاول وفشل في الحصول على وظيفة محاضر في جامعة اليبزيغ .وقد اتضح
له بعد ذلك ،أنه نظرا لمواقفه من المسيحية ومن اإلله ،أصبح غير مقبول في أي جامعة ألمانية.
يقول في رسالة لمساعده “بيتر غاست” أن قد أثارته “مشاعر االنتقام واالستياء … وغضبي
ألنني أدركت بكل معنى ممكن أن هذه الوسائل البائسة (سوء سمعة اسمي وشخصيتي وأهدافي)
كافية لتأخذ مني الثقة واإلمكانية في الحصول على تالميذ”.
في عام 5448اختلف نيتشه مع ناشره “إرنست شميتسنر” بعد أن استاء من سوء تسويق كتبه.
فقد رأى نيتشه أن كتبه “مهملة ومدفونة في هذا المستودع المعادي للسامية” واصفا شميتسنر
وحركة معاداة السامية بأنه يجب “على كل عقل راشد أن يرفضها كلية وبكل ازدراء” .بعد ذلك
طبع نيتشه كتابه “ما وراء الخير والشر” على نفقته الخاصة .كما حصل على حقوق النشر
ألعماله السابقة ،وعلى مدى العام المقبل أصدر طبعات ثانية من كتبه “والدة المأساة”
و”إنساني ،إنساني جدا” و”الحكمة الماتعة” وأضاف إليها مقدمات جديدة ليضع مجمل أعماله
في سياق أكثر تماسكا .بعد هذا رأى أن عمله قد اكتمل ،وأعرب عن أمله في أن يزداد قراؤه
قريبا .في الواقع ،ازداد االهتمام بفكر نيتشه شيئا ما في ذلك الوقت ،وإن كان ببطء وبالكاد
الحظه هو.
في عام ،9668تزوجت شقيقته إليزابيث وسافرت هي وزوجها إلى الباراغواي ليؤسسا
“ألمانيا الجديدة” وهي مستعمرة ألمانية .استمرت عالقة نيتشه بأخته إليزابيث من خالل
المراسالت ،تخللتها فترات خالفات ومصالحات ،ولم يلتقيا مرة أخرى إال بعد انهياره العقلي.
ظل نيتشه يتعرض لهجمات متكررة ومؤلمة من المرض ،ما جعل العمل المتواصل مستحيال.
صاحب نيتشه الجهد سواء كان جسديا ً أو عقليا ً وكانت حياته حياة استثنائية في مصارعة األلم
والصداع وآالم الرأس واالستفراغ نتيجة إلى مرض السفلس الذي التقطه من بيت دعارة في
اليبزيغ .في عام ،9668كتب نيتشه مؤلفه المثير للجدل عن جنيالوجيا األخالق .خالل العام
نفسه ،اتجه لقراءة أعمال فيودور دوستويفسكي ،وشعر مباشرة بقرابة بينهما .كما تبادل
رسائل مع المؤرخ الفرنسي إيبوليت تين والناقد الدنماركي “جورج براندز” .وقد دعاه
يدرس فلسفة سورين كيركغور) إلى قراءة فلسفة كيركغور ،فرد نيتشه “براندز” (الذي كان ّ
بأنه سيأتي إلى كوبنهاغن ليقرأ كيركغور معه ،لكن المرض منعه من الوفاء بهذا الوعد .في
بداية عام ،9666قدم براندز -في كوبنهاغن -واحدة من أوائل المحاضرات عن فلسفة نيتشه.
11
على الرغم من أن نيتشه قد ذكر في نهاية كتابه “عن جنيالوجيا األخالق” أن عمله القادم
سيكون بعنوان “إرادة القوة :محاولة إلعادة تقييم جميع القيم” ،فإنه تخلى عن هذه الفكرة ،وبدال
من ذلك استخدم بعض مسودات ذلك الكتاب في تأليف كتبه التي نشرها ذلك العام.
في نفس العام ألف نيتشه خمسة كتب .وقد تحسنت صحته مؤقتا ،وفي الصيف كان في معنويات
عالية .لكن كتاباته ورسائله من خريف عام ،5444تشير بالفعل إلى بدء إصابته بالوهام .كان
يبالغ في رؤية ردود الفعل على كتاباته ،خاصة كتابه المثير للجدل “قضية فاغنر” .في عيد
ميالده ال ،11قرر أن يكتب سيرته الذاتية “هو ذا اإلنسان” بعد أن أنهى كتابيه “شفق
األصنام” (الذي كتبه في أسبوع) و”المسيح الدجال” .وفي ديسمبر ،في رسائل له مع الكاتب
السويدي أوغست ستريندبرغ ،اعتقد نيتشه أنه كان على وشك تحقيق انطالقة دولية حيث حاول
شراء حقوق كتبه القديمة من الناشر األول ،وكان يخطط ألن تترجم إلى اللغات األوروبية
الرئيسية .إضافة إلى ذلك ،كان يعتزم تجميع ونشر مقالة بعنوان “نيتشه ضد فاغنر” وتجميع
قصائد له في ديوان.
12
المرض العقلي والوفاة ((9111 – 9661
في 1يناير ،5440تعرض نيتشه النهيار عصبي .حيث لحق به شرطيان بعد اضطراب أحدثه
في شوارع تورينو .القصة الحقيقية غير معلومة ،لكن الشائع أن نيتشه سمع صهيل حصان
يُجلد بالسوط في آخر ساحة قصر كارينيانو ،فركض إلى الحصان ثم رمى ذراعيه حول عنقه
واحتضنه ليحميه ،ثم انهار على األرض .شخص البعض سبب االنهيار على أنه شلل تدريجي
نتيجة لمرض الزهري ،ويعتبر هذا التحليل مثيرا للجدل حتى اليوم.
في األيام القليلة التالية ،بعث نيتشه بمجموعة رسائل قصيرة (عرفت فيما بعد باسم “رسائل
الجنون”) إلى عدد من األصدقاء ،من ضمنهم ياكوب بوركهارت وزوجة ريتشارد فاغنر،
بعضها ذيّلت بتوقيع “ديونيسوس” وبعضها عليه توقيع “المصلوب” .بعد رؤية تلك الرسائل
تنبه أصدقاؤه وأمه فأُر ِسل إلى مستشفى األمراض النفسية .في لحظات معينة كان يظن نفسه
شكسبير أو قيصر أو ملك إيطاليا أو فاغنر ،أو يسوع ونابليون ووبوذا واالسكندر المقدوني.
في 8يناير ،5440أطلع بوركهارت صديقه “فرانز أوفربك” على رسالة نيتشه .في اليوم
التالي استلم أوفربك رسالة مماثله من نيتشه .قرر أصدقاء نيتشه أن عليهم إحضاره إلى بازل،
فسافر أوفربك إلى تورينو وأتى بنيتشه وعرضه على عيادة نفسية في بازل .مع مرور الوقت
اتضح أن نيتشه كان يعاني مرضا عقليا خطيرا ،فقررت والدته نقله إلى مستشفى في ينا تحت
إشراف طبيب النفس واألعصاب السويسري “أوتو بينزوانجر” .في ذلك الشهر (يناير )5440
تم نشر كتاب نيتشه -الذي كان جاهزا“ -أفول األصنام” .بين نوفمبر 5440وفبراير ،5401
حاول المؤرخ “يوليوس النجبان” عالج نيتشه بنفسه ،مدعيا بأن أساليب األطباء كانت غير
فعالة في عالج حالة نيتشه .وكانت والدة النجبان قد تعرضت لمرض مماثل .تولى النجبان
عالج نيتشه لفترة لكنه لم ينجح .في مارس ،5401أخرجت أم نيتشه ابنها من المستشفى ،وفي
مايو ،5401جلبته إلى منزلها في ناومبورغ .كان نيتشه حتى ذلك الوقت يستطيع إجراء بعض
المحادثات القصيرة.
خالل تلك الفترة كان صديقا نيتشه “فرانز أوفربك” و”بيتر غاست” يفكران فيما يجب القيام به
بأعمال نيتشه غير المنشورة؛ فطبعا كتاب “نيتشه ضد فاغنر” في طبعة محدودة بخمسين
نسخة ،وقررا عدم نشر كتابي “المسيح الدجال” و”إيكو هومو” بسبب محتواهما الراديكالي.
وفي ذلك الوقت بالذات بدأت أعمال نيتشه تلقى االهتمام واالعتراف ألول مرة.
13
قام صديق نيتشه وسكرتيره “بيتر غاست” بالتصرف و”تصحيح” كتابات نيتشه بعد انهياره
دون أخذ اإلذن .في عام ،5401عادت أخت نيتشه إليزابيث من الباراغواي بعد انتحار
زوجها .قرأت إليزابيث ودرست كل أعمال نيتشه ،وتولت مذّاك العناية بها ونشرها ،فأسست
عام “ 5401أرشيف نيتشه” .بعد والدته في عام 5408نقل نيتشه لإلقامة في فايمار حيث تقيم
أخته إليزابيث ،التي تولت رعايته وسمحت بمجيء الزوار له ،وكان منهم رودلف شتاينر (الذي
ألف عام 5401واحدا من أوائل الكتب التي تشيد بنيتشه) .وقد استعانت إليزابيث بشتاينر لفترة
لمساعدتها على فهم فلسفة شقيقها.
تم تشخيص مرض نيتشه في األصل بأنه ناتج عن تفاقم مرض الزهري ،وفقا للرؤية الطبية
السائدة في ذلك الوقت .يرى معظم المعلقين أن انهياره العقلي ليس له عالقة بفلسفته ،إال أن
سد يجب أن يصاب بالجنون) ،وكذلك جورج باطاي ألمح إلى عكس ذلك (هذا اإلنسان المج ّ
التحليل النفسي الذي أجراه الفيلسوف الفرنسي “رينيه جيرار” الذي رأى فيه أن السبب هو
خصومة نيتشه مع ريتشارد فاغنر .ومنذ ذلك الحين ظهرت تحليالت عديدة عن سبب االنهيار،
منها تشخيص حدوث “مرض الهوس االكتئابي ثم الذهان يليه الخرف الوعائي”.
بين 5404و ،5400تعرض نيتشه مرتين على األقل للسكتة الدماغية ،التي سببت له شلال
جزئيا جعله غير قادر على الكالم أو المشي .بحلول عام 5400تعرض لخزل شقي (شلل
نصفي سريري) في الجانب األيسر من جسده .بعد إصابته بالتهاب رئوي منتصف شهر
أغسطس عام ،5011تعرض ليلة 51أغسطس لسكتة دماغية أخيرة ،وتوفي ظهر اليوم
التالي .دفنته إليزابيث بجانب والده في كنيسة في لوتزن .ألقى صديقه وسكرتيره “بيتر غاست”
كلمة التأبين في جنازته معلنا“ :سيكون اسمك (المقدس) لجميع األجيال القادمة”!
14