You are on page 1of 4

‫(*)‬

‫ِ‬
‫(الح ْف ُظ)‬ ‫صفات القيادة‪ ،‬وهي‬ ‫ِ‬ ‫أهم‬
‫على ِّ‬
‫ِ‬
‫المال‬ ‫ومنع‬
‫َ‬ ‫�ص� ُّ�ر ِف‪،‬‬ ‫ِ‬
‫و َت� ْع��ن��ي‪ُ :‬ح� ْ�س� َن ال � َّت� َ‬
‫العا ِم من الضياع‪ ،‬واألمان َة وعد َم الخيانة‪،‬‬
‫و(الع ْل ُم) و َي ْعنِي‪ :‬الدِّ راي َة والخبر َة بهذا‬ ‫ِ‬
‫وق��د ورد ه��ذان المعياران على لسان‬
‫﴾‬ ‫األم� ِ�ر‪ ،‬قال تعالى‪﴿ :‬‬
‫(يوسف) ‪-‬عليه السالم‪ :-‬في قوله تعالى‪:‬‬
‫َ‬
‫(الفرقان‪.)59 :‬‬
‫﴿‬
‫أهم صفاتِه التي‬ ‫(يوسف) َّ‬
‫ُ‬ ‫يذكر سيدُ نا‬
‫ولم ْ‬
‫انفر َد بها عن غيره‪ ،‬وهي الرسال ُة والنُّبوةُ‪،‬‬
‫﴾‬
‫نبي ُم ْر َس ٌل‪ ،‬مما يؤكد أن َ‬
‫معيار‬ ‫ُْ‬
‫فلم َيقل‪ :‬إني ٌّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫(يوسف‪.)55 ،54 :‬‬
‫المهمة التي ُتعادل وزار َة‬ ‫االختيار لمثل هذه‬
‫ِ‬
‫الوزراء هو‪:‬‬ ‫المالية‪ ،‬أو رئاس َة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫االقتصاد أو‬ ‫يوسف ‪-‬عليه السالم‪-‬‬
‫ُ‬ ‫لقد ركَّز سيدُ نا‬
‫األَ ْك َف ُأ واألَ ْص َل ُح ألداء هذه المهمة‪.‬‬ ‫(*) أستاذ األدب والنقد ‪ -‬كلية اللغة العربية بالزقازيق ‪ -‬جامعة الززهر‪.‬‬

‫‪1830‬‬
‫َّوص َل إلى‬ ‫ِ‬
‫َّفاخر والت ُّ‬ ‫َّطاو َل والت َ‬ ‫الر ُج ُل منه الت ُ‬ ‫َّ‬ ‫يب‬ ‫القرطبي‪« :‬لم َي ُق ْل‪ :‬إني َحس ٌ‬ ‫ُّ‬ ‫قال‬
‫غير ما ي� ِ‬
‫�ح� ُّ�ل»(‪ .)3‬وقال (اب� ُن كثير)‪ :‬يجوز‬ ‫ِ َ‬ ‫النبي ﷺ‪:‬‬ ‫كريم‪ ،‬وإن ك��ان هو كما ق��ال ُّ‬
‫ْ‬ ‫ٌ‬
‫للحاجة‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫أمره‬ ‫ِ‬ ‫الكريم ِ‬ ‫ِ‬
‫للرجل َمدْ ُح نفسه إذا ُجهل ُ‬ ‫َّ‬ ‫يوسف ب ُن‬‫ُ‬ ‫الكريم‪:‬‬ ‫ابن‬ ‫الكريم اب ُن‬
‫ُ‬
‫عليم‪ :‬ذو ِع ْل ٍم‬ ‫خازن أمي ٌن‪ٌ ،‬‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫حفيظ‪:‬‬ ‫و َذكَر أنه‬ ‫إبراهيم‪ ،‬وال قال‪:‬‬ ‫َ‬ ‫إسحاق ِ‬
‫بن‬ ‫َ‬ ‫بن‬ ‫يعقوب ِ‬ ‫َ‬
‫و َب َص ٍر بما يتولاَّ ه»(‪.)4‬‬ ‫ٌ‬
‫حفيظ‬ ‫يح‪ ،‬وإنما قال‪ :‬إني‬ ‫جميل َملِ ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫إني‬
‫َّظر في النَّ ْظ ِم القرآني لهذين‬ ‫ِ‬ ‫ب‬ ‫ظ ِ‬
‫والع ْل ِم‪ ،‬ال بالن ََّس ِ‬ ‫بالح ْف ِ‬
‫سألها ِ‬ ‫عليم‪َ ،‬ف َ‬
‫ومن ُينْعم الن َ‬ ‫ٌ‬
‫مصر قدَّ م‬ ‫َ‬ ‫المعيار ْين‪ ،‬فسيالحظ أن َملِ َك‬ ‫والجمال»(‪. )1‬‬
‫َ‬
‫العلم على األمانة‪ ،‬ولك َّن سيدَ نا‬ ‫َ‬ ‫ما ُيفيد‬ ‫عليم‪:‬‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫حفيظ‬ ‫الزمخشري‪« :‬إني‬ ‫ُّ‬ ‫وقال‬
‫الترتيب‪ ،‬فقدَّ م ما‬ ‫َ‬ ‫ع َكس هذا‬ ‫يوسف‬‫َ‬ ‫عالم بوجوه‬ ‫أحفظ ما َت ْست َْح ِف ْظن ِ ِيه‪،‬‬
‫ُ‬ ‫أمي ٌن‬
‫ٌ‬
‫نبحث عن‬ ‫ُ‬ ‫العلم‪..‬وحين‬ ‫يفيد األمان َة على ِ‬
‫ُ‬ ‫�ص� ُّ�ر ِف ف��ي��ه‪ ،‬وص � ًف��ا لنفسه ب��األم��ان� ِ�ة‬ ‫ال � َّت� َ‬
‫المغايرة في الترتيب‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫وج� ٍ�ه دالل� ٍّ�ي لهذه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫مم ْن‬ ‫والكفاية‪ ،‬اللتين هما ط ْلب ُة المملوك َّ‬
‫ضمن وص َفه « َمكِين»‬ ‫الملك َّ‬ ‫َ‬ ‫«نرى أن‬
‫ومنزلة‪ -‬وص َفه ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ليتوص َل إلى‬ ‫َّ‬ ‫ُي� َ�و ُّل��و َن��ه‪ ،‬وإنما ق��ال ذل��ك؛‬
‫بالعلم؛‬ ‫مكانة‬ ‫ومعناه‪ :‬ذو‬ ‫ِ‬ ‫�ض� ِ‬
‫ِ‬ ‫الحق‬‫ِّ‬ ‫وإقامة‬ ‫�اء أحكا ِم الله تعالى‪،‬‬ ‫إِ ْم� َ‬
‫المكانة‬ ‫يصل إلى هذه‬ ‫ألن (يوسف) لم ْ‬ ‫ِِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫غيره ال‬ ‫و َب ْسط ال َعدْ ل‪ ..‬ولع ْلمه أن أحدً ا َ‬
‫إال بما أظهره من العلم في تأويلِه رؤيا‬
‫الملك‪ ،‬ورس� ِ‬ ‫(يوسف)‬ ‫ُ‬ ‫يقو ُم مقا َمه في ذلك»(‪َ .)2‬ف َط َل َ‬
‫ب‬
‫�م��ه خط ًة دقيق ًة للموازنة‬ ‫َ ْ‬ ‫القياد َة ابتغاء ِ‬
‫�ج��دْ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫وجه الله‪ ،‬ال ح ًّبا في الدنيا وال‬ ‫َ‬
‫ِّب األم َة‬ ‫ب‪ ،‬ليجن َ‬ ‫العامة في سني ال� َ‬
‫ِ‬ ‫طم ًعا في الرياسة‪.‬‬
‫المجاعة حتى تتخ َّطى هذه األزمة‪،‬‬ ‫أخطار‬ ‫َ‬
‫األول‬ ‫المؤهل ُ‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬
‫والعلم وحس ُن التَّخطيط هو‬ ‫ازي) بين هذه اآلية‪:‬‬
‫الر ُّ‬
‫(الفخر َّ‬
‫ُ‬ ‫وقد و َّفق‬
‫ُ‬
‫الملك على‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫الوزارة‪ ،‬فقدَّ مه‬ ‫لتو ِّلي مثل هذه‬ ‫﴿‬
‫ملك‬ ‫الوصف باألمانة؛ ألنه األهم في فِ ْك ِر ٍ‬ ‫﴾ وبين قوله تعالى‪﴿ :‬‬
‫ُّ‬
‫(يوسف) في‬ ‫َ‬ ‫حريص على اإلفادة من علم‬ ‫ٍ‬ ‫﴾ (النجم‪ )32 :‬بقوله‪...« :‬‬
‫الوصف‬ ‫تمر بها أمتُه‪ ،‬ويقع‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫إن َمدْ َح النَّ ْف ِ‬
‫س إنما يكون مذمو ًما‪ ،‬إذا َق َصد‬ ‫َّ‬
‫ُ‬ ‫ظروف حرجة ُّ‬
‫((( مفاتيح الغيب‪.473/18 .‬‬ ‫((( الجامع ألحكام القرآن‪.216/9 .‬‬
‫((( تفسير القرآن العظيم‪.395/4 .‬‬ ‫((( الكشاف‪.482/2 .‬‬

‫‪1831‬‬
‫باألمانة مبالغ ًة في حرصه على التمسك به‪،‬‬
‫وجدارته بهذا المنصب‪.‬‬
‫َ‬
‫تقديم ما ُّ‬
‫يدل على‬ ‫ُ‬ ‫(يوسف) فقد كان‬
‫ُ‬ ‫أما‬
‫وق��د ورد ه��ذان المعياران في القرآن‬ ‫استشف‬
‫َّ‬ ‫أمانتِه هو األهم عنده؛ ألنه بعد أن‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الصالحِ مِ ْن‬
‫الرج ِل َّ‬
‫الكريم على لسان ابنة َّ‬ ‫االستعانة به في‬ ‫الملك رغبتَه في‬ ‫من كالم‬
‫أه ِل َمدْ َي َن‪﴿ :‬‬ ‫يستوزره‪،‬‬
‫َ‬ ‫أمور الم ْلك وهو على وشك أن‬
‫الخزانة‪ ،‬وهي وزارة‬ ‫بطلب وزارة ِ‬ ‫ِ‬ ‫ب��ا َدر‬
‫﴾‬
‫بوجه خاص‬ ‫ٍ‬ ‫تتعلق باألموال العامة‪ ،‬وطل ُبها‬
‫البغوي في تفسير هذه‬‫ُّ‬ ‫(القصص‪ ،)26 :‬قال‬
‫استعملت َم ْن َق ِو َي‬
‫َ‬ ‫خير َمن‬
‫إن َ‬‫اآلية‪« :‬يعني‪َّ :‬‬ ‫ربما يثير شبه ًة في اإلف��ادة منها‪ ،‬فكانت‬
‫على العمل‪ ،‬وأ َّدى األمانةَ‪ ،‬فقال لها أبوها‪:‬‬ ‫مبادر ُته بتقديم وصف (الحفيظ) لدفع مث ِل‬
‫قو ُته‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫وما ِع ْلمك ِ‬
‫بقوته وأمانته؟ قالت‪ :‬أما َّ‬‫ّ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫واإلشعار بأن‬ ‫وتأكيد نَزاهتِه‪،‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫التوهم‪،‬‬ ‫هذا‬
‫األموال تحتاج في المقام األول إلى‬ ‫ِ‬ ‫والي َة‬
‫فإنه ر َفع َح ً‬
‫جرا عن رأس البئر‪ ،‬ال يرفعه‬
‫إال عشرةٌ‪ ،‬وقيل‪ :‬إال أربعون رجلاً ! وأما‬ ‫تسبق حاجتَها إلى‬ ‫وضمائر ح ّي ٍة ُ‬
‫َ‬
‫ٍ‬
‫نظيفة‪،‬‬ ‫ِذ َم ٍم‬
‫ِ‬ ‫والعلم‪ ،‬فصاحب ِ‬ ‫الخبرة ِ‬ ‫ِ‬
‫امشي َخ ْل ِفي؛ حتى ال‬
‫أمانتُه‪ :‬فإنه قال لي‪ِ :‬‬ ‫النظيفة إذا‬ ‫اليد‬ ‫ُ‬
‫الريح بدنَك»(‪ ،)6‬وقد امتدح المولى‬
‫ُ‬ ‫تصف‬ ‫قليل العلم‪،‬‬ ‫األمور المالية‪ ،‬وكان َ‬ ‫َ‬ ‫ما تو ّلى‬
‫طالوت الملك بما وهبه من‬
‫َ‬ ‫عز وجل‪-‬‬ ‫النقص باالستعانة بذوي‬ ‫ِ‬ ‫َأ ْم َكنه سدّ هذا‬
‫ٍ‬
‫بسطة في العلم والقوة‪ ،‬قال تعالى‪﴿ :‬‬ ‫فخطرها على األموال‬
‫ُ‬ ‫الخبرة‪ ،‬أما الخيان ُة‬
‫ِ‬
‫العامة أشدُّ من أخطار الجهل‪.‬‬
‫ِ‬
‫بإشراقة‬ ‫وذلك ما أراد سيدُ نا يوسف‬
‫﴾ (البقرة‪ ،)247 :‬فإذا‬
‫ِ‬
‫والة األم� ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وح ْس ُن‬
‫القو ُة ُ‬
‫اجتمعت هاتان الخصلتان‪ّ :‬‬ ‫ْ‬ ‫�ور في‬ ‫النبوة أن َي ْلف َت إليه َ‬
‫نظر‬
‫ِ‬
‫الخلق فيمن يلي أم� ً�را من األم��ور‪ ،‬قام به‬ ‫اختيار ُع َّم ِ‬
‫الهم‪ ،‬الذين َي ُل َ‬
‫ون لهم أعمالاً‬
‫الناس على أموالهم‬
‫ُ‬ ‫خير قيام‪ ،‬واستأمنه‬
‫َ‬ ‫قيادي ًة تتعلق بأموال األمة(‪.)5‬‬
‫ِ‬
‫وتصريف شئونهم‪.‬‬ ‫((( من أسرار المغايرة في نسق الفاصلة القرآنية‪ .‬د‪ .‬محمد‬
‫األمين الخضري‪ .‬بحث منشور في مجلة كلية اللغة العربية‬
‫((( معالم التنزيل‪.202/6 .‬‬ ‫بالقاهرة‪ ،‬العدد الثاني عشر‪ ،‬سنة ‪1994‬م ص ‪.57‬‬

‫‪1832‬‬
‫﴾‬
‫(النساء‪.)58 :‬‬ ‫ِ‬
‫اختيار القادة‪،‬‬ ‫أهم معايير‬
‫المعيار من ِّ‬
‫ُ‬ ‫وهذا‬
‫ِ‬
‫والمساواة وعد ِم‬ ‫ِ‬
‫والعدل‬ ‫الحق‬
‫ِّ‬ ‫َف ِق َي ُم‬ ‫كبيرا‪ ،‬حيث دعا‬ ‫ُ‬
‫القرآن اهتما ًما ً‬ ‫وقد أواله‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫كثير من المواضع أن يكون‬ ‫الكريم في ٍ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫القرآن‬
‫الراشدة‬ ‫القيادة‬ ‫ا ّتبا ِع الهوى‪ ..‬من مفاتيحِ‬
‫بالقسط‪ ،‬فالله تعالى‬ ‫المؤمنون جميعا قوامين ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ً ّ‬
‫القادة‪،‬‬ ‫اختيار‬ ‫قت في‬ ‫إن َتح َّق ْ‬
‫الناجحة التي ْ‬
‫َض ِمن َْت نجاحهم في ِ‬ ‫يحب المقسطين‪ ،‬و َين َْهى عن اتباع الهوى‪،‬‬ ‫ُّ‬
‫أداء مها ِّمهم؛ لذا أشار‬ ‫َ‬ ‫الة األُ ِ‬‫وش��دَّ د على و ِ‬
‫م��ور أن َي ْح ُكموا بين‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫المعايير التي‬ ‫ال��ق� ُ‬
‫�رآن الكريم لمثل ه��ذه‬ ‫ِ‬
‫بالعدل‪ ،‬وأال َي َّتبِ ُعوا الهوى‪ ،‬فخا َطب‬ ‫ِ‬
‫الناس‬
‫ينبغي أن نج ِّل َيها وأن ُننَ ِّظر لها‪ ،‬ونب ِّي َن َّ‬
‫الس ْب َق‬ ‫بقوله‪﴿ :‬‬ ‫داو َد‬
‫سيدَ نا ُ‬
‫الحضاري لإلسالم في مثل هذه األم� ِ‬
‫�ور‬ ‫َّ‬
‫معايير وافدةٌ‪،‬‬
‫ُ‬ ‫كثير من الناس أنها‬
‫التي يظ ُّن ٌ‬ ‫﴾ (ص‪.)26 :‬‬
‫ِ‬
‫وتعاليمه‪.‬‬ ‫غريب ٌة عن اإلسالم‬ ‫وق��ال تعالى‪﴿ :‬‬
‫(يتبع)‬

‫‪1833‬‬

You might also like