Professional Documents
Culture Documents
معايير اختيار قيادات العمل في القرآن الكريم
معايير اختيار قيادات العمل في القرآن الكريم
ِ
(الح ْف ُظ) صفات القيادة ،وهي ِ أهم
على ِّ
ِ
المال ومنع
َ �ص� ُّ�ر ِف، ِ
و َت� ْع��ن��يُ :ح� ْ�س� َن ال � َّت� َ
العا ِم من الضياع ،واألمان َة وعد َم الخيانة،
و(الع ْل ُم) و َي ْعنِي :الدِّ راي َة والخبر َة بهذا ِ
وق��د ورد ه��ذان المعياران على لسان
﴾ األم� ِ�ر ،قال تعالى﴿ :
(يوسف) -عليه السالم :-في قوله تعالى:
َ
(الفرقان.)59 :
﴿
أهم صفاتِه التي (يوسف) َّ
ُ يذكر سيدُ نا
ولم ْ
انفر َد بها عن غيره ،وهي الرسال ُة والنُّبوةُ،
﴾
نبي ُم ْر َس ٌل ،مما يؤكد أن َ
معيار ُْ
فلم َيقل :إني ٌّ
ِ ِ (يوسف.)55 ،54 :
المهمة التي ُتعادل وزار َة االختيار لمثل هذه
ِ
الوزراء هو: المالية ،أو رئاس َة ِ ِ
االقتصاد أو يوسف -عليه السالم-
ُ لقد ركَّز سيدُ نا
األَ ْك َف ُأ واألَ ْص َل ُح ألداء هذه المهمة. (*) أستاذ األدب والنقد -كلية اللغة العربية بالزقازيق -جامعة الززهر.
1830
َّوص َل إلى ِ
َّفاخر والت ُّ َّطاو َل والت َ الر ُج ُل منه الت ُ َّ يب القرطبي« :لم َي ُق ْل :إني َحس ٌ ُّ قال
غير ما ي� ِ
�ح� ُّ�ل»( .)3وقال (اب� ُن كثير) :يجوز ِ َ النبي ﷺ: كريم ،وإن ك��ان هو كما ق��ال ُّ
ْ ٌ
للحاجة، ِ أمره ِ الكريم ِ ِ
للرجل َمدْ ُح نفسه إذا ُجهل ُ َّ يوسف ب ُنُ الكريم: ابن الكريم اب ُن
ُ
عليم :ذو ِع ْل ٍم خازن أمي ٌنٌ ، ٌ ٌ
حفيظ: و َذكَر أنه إبراهيم ،وال قال: َ إسحاق ِ
بن َ بن يعقوب ِ َ
و َب َص ٍر بما يتولاَّ ه»(.)4 ٌ
حفيظ يح ،وإنما قال :إني جميل َملِ ٌ ٌ إني
َّظر في النَّ ْظ ِم القرآني لهذين ِ ب ظ ِ
والع ْل ِم ،ال بالن ََّس ِ بالح ْف ِ
سألها ِ عليمَ ،ف َ
ومن ُينْعم الن َ ٌ
مصر قدَّ م َ المعيار ْين ،فسيالحظ أن َملِ َك والجمال»(. )1
َ
العلم على األمانة ،ولك َّن سيدَ نا َ ما ُيفيد عليم: ٌ ٌ
حفيظ الزمخشري« :إني ُّ وقال
الترتيب ،فقدَّ م ما َ ع َكس هذا يوسفَ عالم بوجوه أحفظ ما َت ْست َْح ِف ْظن ِ ِيه،
ُ أمي ٌن
ٌ
نبحث عن ُ العلم..وحين يفيد األمان َة على ِ
ُ �ص� ُّ�ر ِف ف��ي��ه ،وص � ًف��ا لنفسه ب��األم��ان� ِ�ة ال � َّت� َ
المغايرة في الترتيب، ِ وج� ٍ�ه دالل� ٍّ�ي لهذه ِ ِ
مم ْن والكفاية ،اللتين هما ط ْلب ُة المملوك َّ
ضمن وص َفه « َمكِين» الملك َّ َ «نرى أن
ومنزلة -وص َفه ِ ٍ ٍ ليتوص َل إلى َّ ُي� َ�و ُّل��و َن��ه ،وإنما ق��ال ذل��ك؛
بالعلم؛ مكانة ومعناه :ذو ِ �ض� ِ
ِ الحقِّ وإقامة �اء أحكا ِم الله تعالى، إِ ْم� َ
المكانة يصل إلى هذه ألن (يوسف) لم ْ ِِ ِ ِ ِ
غيره ال و َب ْسط ال َعدْ ل ..ولع ْلمه أن أحدً ا َ
إال بما أظهره من العلم في تأويلِه رؤيا
الملك ،ورس� ِ (يوسف) ُ يقو ُم مقا َمه في ذلك»(َ .)2ف َط َل َ
ب
�م��ه خط ًة دقيق ًة للموازنة َ ْ القياد َة ابتغاء ِ
�ج��دْ ِ ِ ِ وجه الله ،ال ح ًّبا في الدنيا وال َ
ِّب األم َة ب ،ليجن َ العامة في سني ال� َ
ِ طم ًعا في الرياسة.
المجاعة حتى تتخ َّطى هذه األزمة، أخطار َ
األول المؤهل ُ ّ ِ
والعلم وحس ُن التَّخطيط هو ازي) بين هذه اآلية:
الر ُّ
(الفخر َّ
ُ وقد و َّفق
ُ
الملك على ُ ِ
الوزارة ،فقدَّ مه لتو ِّلي مثل هذه ﴿
ملك الوصف باألمانة؛ ألنه األهم في فِ ْك ِر ٍ ﴾ وبين قوله تعالى﴿ :
ُّ
(يوسف) في َ حريص على اإلفادة من علم ٍ ﴾ (النجم )32 :بقوله...« :
الوصف تمر بها أمتُه ،ويقع ٍ ٍ إن َمدْ َح النَّ ْف ِ
س إنما يكون مذمو ًما ،إذا َق َصد َّ
ُ ظروف حرجة ُّ
((( مفاتيح الغيب.473/18 . ((( الجامع ألحكام القرآن.216/9 .
((( تفسير القرآن العظيم.395/4 . ((( الكشاف.482/2 .
1831
باألمانة مبالغ ًة في حرصه على التمسك به،
وجدارته بهذا المنصب.
َ
تقديم ما ُّ
يدل على ُ (يوسف) فقد كان
ُ أما
وق��د ورد ه��ذان المعياران في القرآن استشف
َّ أمانتِه هو األهم عنده؛ ألنه بعد أن
ِ ِ
الصالحِ مِ ْن
الرج ِل َّ
الكريم على لسان ابنة َّ االستعانة به في الملك رغبتَه في من كالم
أه ِل َمدْ َي َن﴿ : يستوزره،
َ أمور الم ْلك وهو على وشك أن
الخزانة ،وهي وزارة بطلب وزارة ِ ِ ب��ا َدر
﴾
بوجه خاص ٍ تتعلق باألموال العامة ،وطل ُبها
البغوي في تفسير هذهُّ (القصص ،)26 :قال
استعملت َم ْن َق ِو َي
َ خير َمن
إن َاآلية« :يعنيَّ : ربما يثير شبه ًة في اإلف��ادة منها ،فكانت
على العمل ،وأ َّدى األمانةَ ،فقال لها أبوها: مبادر ُته بتقديم وصف (الحفيظ) لدفع مث ِل
قو ُته: ِ وما ِع ْلمك ِ
بقوته وأمانته؟ قالت :أما َّّ ُ
ِ
واإلشعار بأن وتأكيد نَزاهتِه،
ِ ِ
التوهم، هذا
األموال تحتاج في المقام األول إلى ِ والي َة
فإنه ر َفع َح ً
جرا عن رأس البئر ،ال يرفعه
إال عشرةٌ ،وقيل :إال أربعون رجلاً ! وأما تسبق حاجتَها إلى وضمائر ح ّي ٍة ُ
َ
ٍ
نظيفة، ِذ َم ٍم
ِ والعلم ،فصاحب ِ الخبرة ِ ِ
امشي َخ ْل ِفي؛ حتى ال
أمانتُه :فإنه قال ليِ : النظيفة إذا اليد ُ
الريح بدنَك»( ،)6وقد امتدح المولى
ُ تصف قليل العلم، األمور المالية ،وكان َ َ ما تو ّلى
طالوت الملك بما وهبه من
َ عز وجل- النقص باالستعانة بذوي ِ َأ ْم َكنه سدّ هذا
ٍ
بسطة في العلم والقوة ،قال تعالى﴿ : فخطرها على األموال
ُ الخبرة ،أما الخيان ُة
ِ
العامة أشدُّ من أخطار الجهل.
ِ
بإشراقة وذلك ما أراد سيدُ نا يوسف
﴾ (البقرة ،)247 :فإذا
ِ
والة األم� ِ ِ ِ
وح ْس ُن
القو ُة ُ
اجتمعت هاتان الخصلتانّ : ْ �ور في النبوة أن َي ْلف َت إليه َ
نظر
ِ
الخلق فيمن يلي أم� ً�را من األم��ور ،قام به اختيار ُع َّم ِ
الهم ،الذين َي ُل َ
ون لهم أعمالاً
الناس على أموالهم
ُ خير قيام ،واستأمنه
َ قيادي ًة تتعلق بأموال األمة(.)5
ِ
وتصريف شئونهم. ((( من أسرار المغايرة في نسق الفاصلة القرآنية .د .محمد
األمين الخضري .بحث منشور في مجلة كلية اللغة العربية
((( معالم التنزيل.202/6 . بالقاهرة ،العدد الثاني عشر ،سنة 1994م ص .57
1832
﴾
(النساء.)58 : ِ
اختيار القادة، أهم معايير
المعيار من ِّ
ُ وهذا
ِ
والمساواة وعد ِم ِ
والعدل الحق
ِّ َف ِق َي ُم كبيرا ،حيث دعا ُ
القرآن اهتما ًما ً وقد أواله
ِ ِ كثير من المواضع أن يكون الكريم في ٍ ُ ُ
القرآن
الراشدة القيادة ا ّتبا ِع الهوى ..من مفاتيحِ
بالقسط ،فالله تعالى المؤمنون جميعا قوامين ِ
ِ ِ ِ ً ّ
القادة، اختيار قت في إن َتح َّق ْ
الناجحة التي ْ
َض ِمن َْت نجاحهم في ِ يحب المقسطين ،و َين َْهى عن اتباع الهوى، ُّ
أداء مها ِّمهم؛ لذا أشار َ الة األُ ِوش��دَّ د على و ِ
م��ور أن َي ْح ُكموا بين ُ
ِ
المعايير التي ال��ق� ُ
�رآن الكريم لمثل ه��ذه ِ
بالعدل ،وأال َي َّتبِ ُعوا الهوى ،فخا َطب ِ
الناس
ينبغي أن نج ِّل َيها وأن ُننَ ِّظر لها ،ونب ِّي َن َّ
الس ْب َق بقوله﴿ : داو َد
سيدَ نا ُ
الحضاري لإلسالم في مثل هذه األم� ِ
�ور َّ
معايير وافدةٌ،
ُ كثير من الناس أنها
التي يظ ُّن ٌ ﴾ (ص.)26 :
ِ
وتعاليمه. غريب ٌة عن اإلسالم وق��ال تعالى﴿ :
(يتبع)
1833