You are on page 1of 37

‫التقادم وأثره في انقضاء الدعوى العمومية في الجرائم الماسة‬

‫بالشرف واالعتبار ‪ -‬مقال نقدي مقارن في ضوء الفقه اإلسالمي وقانون‬


‫اإلعالم الجزائري الجديد والقوانين المقارنة‪-‬‬
‫د‪ .‬عبد الرحمن خلفة‬
‫جامعة األمير عبد القادر للعلوم اإلسالمية –قسنطينة‬
‫الملخص‪:‬‬
‫يعاجل هذا املقال موضوع التقادم وأثره يف انقضاء الدعوى العمومية يف اجلرائم املاسة‬
‫بالشرف والسمعة واالعتبار املرتكبة بواسطة جهاز الصحافة؛ يف ظل التعديل األخري لقانون‬
‫اإلعالم؛ من منظور الفقه اإلسالمي وقانون اإلعالم اجلزائري وبعض القوانني املقارنة‪،‬‬
‫بدراسة نقدية مقارنة تربز بعض مظاهر القصور يف التشريع القانوين ومظاهر التميز‪ ،‬وكذا‬
‫أوجه االختالف واالتفاق بني الشريعة والقانون يف أثر التقادم يف سقوط هذه اجلرائم و‬
‫العقوبات املقدرة هلا؛ السيما جرائم القذف واإلساءة والسب واإلهانة؛ اليت استحدثت‬
‫بشأهنا مواد قانونية يف التعديل األخري لقانون اإلعالم اجلزائري مسايرة لالتفاقيات واملواثيق‬
‫الدولية اليت صدقت عليها اجلزائر‪ ،‬وهي ذات األفعال اليت سبق وأن تناوهلا الفقه اإلسالمي‬
‫قدميا سواء بالتحرمي أو بالتجرمي‪ .‬وحتاول الدراسة معاجلة املوضوع خبطة ينقسم مبوجبها إىل‬
‫ثالثة مباحث؛ يتناول املبحث األول املدخلي ماهية التقادم وجرائم الشرف والسمعة‬
‫واالعتبار‪ ،‬واملبحث الثاين يربز أثر التقادم يف انقضاء الدعوى العمومية يف اجلرائم املاسة‬
‫بالشرف واالعتبار الفقه اإلسالمية‪ ،‬واملبحث الثالث يربز أثر التقادم يف انقضاء الدعوى‬
‫العمومية يف اجلرائم املاسة بالشرف واالعتبار يف قانوين اإلعالم واإلجراءات اجلزائريني‪ ،‬قبل‬
‫أن ختتتم الدراسة خبامتة نقدية مقارنة بني أحكام القانون وأحكام الفقه اإلسالمي يف مسألة‬
‫التقادم‪.‬‬
‫‪Abstract:‬‬
‫‪This article deals with the subject of the statute of‬‬
‫‪limitations and its impact on the expiration of the public action‬‬
‫‪in offenses against honor, reputation and mind committed by‬‬
‫‪the press machine; from the perspective of Islamic‬‬
‫‪jurisprudence and the law of the new Algerian media, and some‬‬
‫;‪comparative laws. Especially crimes of slander, libel and insult‬‬
‫‪449‬‬
‫ عبد الرحمن خلفة‬.‫ د‬------------- ‫التقادم وأثره في انقضاء الدعوى العمومية‬

introduced them legal materials in the recent amendment to


the law to keep pace with the Algerian media agreements and
international conventions ratified by Algeria. Cash comparative
study highlights some of the differences and the agreement
between the law and the law in effect at the expiration of the
statute of limitations suit these crimes and their estimated
penalties. That plan under which the subject is divided into
three sections; the first section deals with the nature of the
statute of limitations, honor crimes and mind, and the second
section highlights the impact of the expiration of the statute of
limitations in the case of public offenses against the honor and
consideration in Islamic jurisprudence. The third section
highlights the impact of the expiration of the statute of
limitations in the case of public offenses against the honor and
consideration in media law, before the study concludes cash
seal a comparison between the provisions of the law and the
provisions of Islamic jurisprudence on the issue of statute of
limitations.
:‫توطئة‬
‫لقد كرس قانون اإلعالم اجلزائري يف صيغتيه القدمية واجلديدة حرية الصحافة وكفل‬
‫ بيد أن هذا احلق تعرتيه جمموعة قيود نص‬،‫احلق يف اإلعالم جتسيدا ملا نص عليه الدستور‬
‫ وحقوق‬،‫ السيما يف عالقة اإلعالم باحلياة اخلاصة لألفراد واجلماعات‬،‫عليها املشرع‬
‫ ومسعته وشرفه وعرضه؛ مستهدفا احملافظة عليها من أن يطاهلا أي‬،‫اإلنسان وكرامته وحرياته‬
‫ بقول أو‬،‫انتهاك أو تعد؛ فجرم مبوجب ذلك كل ما ميس شرف ومسعة األفراد واجلماعات‬
‫ تناغما وما سار عليه‬،‫ مما هو منضو حتت مسمى القذف واإلساءة واإلهانة‬،‫رسم أو صورة‬
،‫يف قانون العقوبات؛ وهذا التجرمي الذي يكرس املبادئ اليت أكد عليها الدستور اجلزائري‬
‫ كما ال يشكل أي‬،‫ال يتناىف يف عمومه مع الشرائع السماوية واالتفاقيات واألعراف الدولية‬
‫ ومنها خاصة احلق يف اإلعالم وحرية الصحافة؛ لكن‬،‫خطر على حقوق اإلنسان الكونية‬
‫ بقدر ما حرص على تقييد التجرمي حباالت‬،‫املشرع بقدر ما جرم األفعال السالفة الذكر‬

450
‫التقادم وأثره في انقضاء الدعوى العمومية ‪ -------------‬د‪ .‬عبد الرحمن خلفة‬

‫وأزمنة حمددة يسقط مبضيها احلق يف املتابعة بسببها‪ ،‬ومباشرة إجراءات الدعوى‪ ،‬وال يرتتب‬
‫عليه أي أثر من عقوبات أو تدابري احرتازية؛ ومل يبق هذه اجلرائم ذات اخلصوصية خاضعة‬
‫للمبدأ العام يف سريان التقادم؛ بل خصها يف التعديل األخري لقانون اإلعالم بتقليص ملدة‬
‫التقادم حماوال مواكبة القوانني املقارنة ومسايرة الوضع القانوين العاملي واإلقليمي‪ .‬وهذا‬
‫التقليص كفيل حبماية حق الصحايف والدفع باستقرار أوضاعه‪ ،‬واحليلولة دون أي تعسف‬
‫اجملرم؛ ففي ضوء هذا نتسائل عن أثر التقادم يف‬
‫قد يطاله من اجلهة اليت وقع عليها الفعل ّ‬
‫انقضاء الدعوى العمومية يف اجلرائم املاسة بالشرف والسمعة واالعتبار‪ ،‬من القذف‬
‫واإلساءة والسب واإلهانة‪ ،‬يف الفقه اإلسالمي وقانون اإلعالم اجلزائري؟ وإىل أي حد كان‬
‫املشرع اجلزائري منصفا يف تقليص مدة التقادم يف التعديل األخري لقانون اإلعالم ومتناغما‬
‫والقوانني املقارنة؟ وما عالقتها بالقواعد القانونية العامة يف مبدأ التقادم؟ وما مدى توافق‬
‫ذلك وما درج عليه الفقه اإلسالمي يف هذه األفعال؟ لذلك سنحاول اإلجابة عن هذه‬
‫التساؤالت يف هذا املقال من خالل العناصر اآلتية‪:‬‬
‫املبحث األول‪ :‬ماهية التقادم وجرائم الشرف والسمعة واالعتبار‬
‫‪‬املطلب األول‪ :‬تعريف التقادم ومستندات نظرية التقادم اجلنائي‬
‫‪‬املطلب القاين‪ :‬تعريف اجلرائم املاسة بالشرف وأساس شرعيتها الفقهية والقانونية‬
‫املبحث الثاين‪ :‬أثر التقادم يف إسقاط اجلرائم املاسة بالشرف واالعتبار الفقه‬
‫اإلسالمي‬
‫املبحث الثالث‪ :‬أثر التقادم يف إسقاط اجلرائم املاسة بالشرف واالعتبار يف قانوين‬
‫اإلعالم واإلجراءات اجلزائريني‪.‬‬
‫‪ ‬خامتة نقدية مقارنة بني أحكام القانون وأحكام الفقه اإلسالمي‬

‫‪451‬‬
‫التقادم وأثره في انقضاء الدعوى العمومية ‪ -------------‬د‪ .‬عبد الرحمن خلفة‬

‫المبحث األول‪ :‬ماهية التقادم وجرائم الشرف والسمعة واالعتبار‪ :‬حناول يف‬
‫هذا املبحث املدخلي عرض ماهية التقادم ونظريته‪ ،‬وماهية اجلرائم املاسة بالشرف والسمعة‬
‫واالعتبار؛ املتمثلة أساسا يف جرائم القذف واإلهانة والسب؛ وذلك وفق ما يأيت‪:‬‬
‫المطلب األول‪ :‬تعريف التقادم ومستندات نظرية التقادم الجنائي‪:‬‬
‫نعرض يف هذا املطلب تعريفا للتقادم يف تداوله اللغوي واالصطالحي الفقهي‬
‫والقانوين‪ ،‬قبل أن نبني األسس اليت اعتمد عليها املدافعون عن التقادم اجلنائي لتربير‬
‫نظريتهم‪ ،‬وذلك يف فرعني وفق ما يأيت‪:‬‬
‫الفرع األول‪ :‬تعريف التقادم‪:‬‬
‫يتداول مصطلح التقادم بني مدلوالت متباينة لغويا وفقهيا وقانونيا‪ ،‬ولكل مدلول‬
‫منها مساحته الداللية اليت قد تتقاطع تقاطعا كليا أو جزئيا مع بعضها‪ ،‬وذلك وفق ما يأيت‪:‬‬
‫البند األول‪ :‬تعريف التقادم لغة‪:‬‬
‫أصل التّقادم يف اللغة من القدم‪ ،‬مبعىن العتق‪ ،‬مصدر القدمي‪ .‬والقدم‪ :‬نقيض‬
‫احلدوث‪ ،‬يقال‪ :‬قدم يقدم قدما وقدامة وتقادم وهو قدمي‪ ،‬واجلمع قدماء وقدامى‪ .‬وشيء‬
‫قدام‪ :‬كقدمي‪ .1‬وقد جعل اسم من أمساء الزمان‪.2‬‬
‫البند الثاني‪ :‬تعريف التقادم في االصطالح الفقهي‪:‬‬
‫مل يتصد قدامى الفقهاء املسلمني لتحديد التقادم بتعريف منطقي جامع مانع‪ ،‬وإن‬
‫تكلموا عن أحكامه وآثاره يف بعض أبواب مصنفاهتم‪ ،‬السيما أبواب اجلنايات؛ لكن‬
‫املعاصرين أوردوا له تعريفات مستقاة يف جمملها من احلقل القانوين احلديث‪ ،‬حيث يرد‬
‫التقادم يف مصنفاهتم ويطلق عادة على اجلرمية ودعواها‪ ،‬وعلى العقوبة‪ ،‬وفق ما يأيت‪:‬‬

‫‪ -1‬أبو الفضل مجال الدين حممد بن مكرم بن منظور‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬مادة (قدم)‪ 465/12 ،‬دار صادر‪،‬‬
‫بريوت‪ .‬د‪.‬ت‬
‫‪ -2‬حممد بن أيب بكر الرازي‪ ،‬خمتار الصحاح‪ ،‬ضبط وتعليق مصطفى ديب البغا‪ ،‬مادة (قدم)‪ ،334 ،‬ط‬
‫‪1990 /4‬م‪ ،‬دار اهلدى‪ ،‬عني مليلة‪.‬‬
‫‪452‬‬
‫التقادم وأثره في انقضاء الدعوى العمومية ‪ -------------‬د‪ .‬عبد الرحمن خلفة‬

‫أوال‪-‬التقادم في الجريمة والدعوى‪ :‬حيث يقول أبو زهرة بأن التقادم يكون‪:‬‬
‫(بأن مضت مدة كان ميكن للمدعي حسبة أم أو الشاهد حسبة أن يتقدم فيها للقضاء ومل‬
‫يتقدم)‪.3‬‬
‫ثانيا‪-‬التقادم في العقوبة‪ :‬يعرف بأنه‪( :‬مضي فرتة معينة من الزمن على احلكم‬
‫بالعقوبة دون أن تنفذ‪ ،‬فيمتنع مبضي هذه الفرتة تنفيذ العقوبة)‪.4‬‬
‫البند الثالث‪ :‬تعريف التقادم في االصطالح القانوني‪:‬‬
‫يعرف التقادم عند فقهاء القانون بأنه‪( :‬وصف يرد على احلق يف العقاب‪ ،‬قبل‬
‫احلكم أو بعده‪ ،‬ناشئ عن مضي مدة من الزمن‪ ،‬يلزم عنه منع السري يف الدعوى‪ ،‬أو‬
‫سقوط العقوبة احملكوم هبا)‪.5‬‬
‫وهذا التعريف القانوين الذي اخرتناه تعريف جامع مانع‪ ،‬حيث يشمل تقادم‬
‫الدعوى وتقادم العقوبة‪ ،‬ولكنه جعل مضي املدة سببا للسقوط وليس سببا للتقادم متاشيا‬
‫وما سار عليه املشرع املصري؛ سنبني الفرق بني املصطلحني الحقا؛ إذ أن التقادم خيضع‬
‫إلجراءات الوقف‪ ،‬بينما ال تعرض ملدة السقوط أسباب الوقف واالنقطاع‪.‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬مستندات نظرية التقادم الجنائي‪:‬‬
‫إن التقادم اجلنائي قدمي قدم اجلرمية والعقوبة‪ ،‬عرفته كل الشرائع السماوية والوضعية‪،‬‬
‫وتكرس مبدأ قانونيا يف العصر‬
‫وطبقته خمتلف العادات واألعراف االجتماعية منذ القدم‪ّ ،‬‬
‫احلديث‪ ،‬مستمدا شرعيته من علم اإلجرام والعقاب الذي أمده مبستندات شرعيته‪،‬‬
‫ومربرات وجوده واستمراره‪ ،‬حىت أضحت له نظرية هلا أصول وقواعد وأطر فلسفية؛‬

‫‪ -3‬أبو زهرة‪ ،‬اجلرمية والعقوبة‪ ،‬اجلرمية‪ ،62 ،‬دار الفكر العريب‪ ،‬ط‪1998‬م‪.‬‬
‫‪ -4‬عبد القادر عودة‪ ،‬التشريع اجلنائي يف اإلسالم‪ .778/1 ،‬ط‪1424 ،‬هـ‪2002/‬م‪ ،‬مكتبة دار الرتاث‪،‬‬
‫القاهرة‬
‫‪ -5‬نبيل عبد الصبور النرباوي‪ ،‬سقوط احلق يف العقاب بني الفقه اإلسالمي والتشريع الوضعي‪،302 ،‬‬
‫ط‪1434‬هـ‪2013/‬م‪ ،‬دار الفكر العريب‪ ،‬القاهرة‪.‬‬
‫‪453‬‬
‫التقادم وأثره في انقضاء الدعوى العمومية ‪ -------------‬د‪ .‬عبد الرحمن خلفة‬

‫فبالتوازي مع العمل به قضائيا ظل أنصار نظرية التقادم اجلنائي يعرضون جمموعة حجج‬
‫ليعللوا مبوجبها شرعية مبدئهم اجلنائي هذا‪ ،‬ومن احلجج اليت استندوا إليها ما يأيت‪:‬‬
‫أوال‪-‬فكرة اإليالم المعنوي‪ :‬حيث يقول أصحاهبا إن اجلاين يعاين خالل فرتة‬
‫هروبه من شبح اخلوف من املالحقة ووخز الضمري من اجلرمية آناء الليل وأطراف النهار‪،‬‬
‫وكل هذا األمل يعادل أو يزيد آالم العقوبة اهلارب منها؛ فيكون من القسوة تنفيذ العقوبة‬
‫عليه؛ ألن من شأن هذا التنفيذ أن يعاقب على ذات الفعل مرتني‪ ،‬وهو ما يأباه مبدأ عدم‬
‫ازدواجية العقاب‪.6‬‬
‫مبعىن آخر‪ :‬فإن اجملرم الذي يقرتف الفعل اإلجرامي ويهرب من السلطة العامة يظل‬
‫شبح اجلرمية يالحقه ويقض مضجعه ويؤرقه النوم ويقلقه اخلوف من أن تناله يد العادلة‪،‬‬
‫وهذا يكدر عليه صفو حياته؛ فهذه املعاناة النفسية تكفي أملا وعقابا له على ما اقرتفت‬
‫يداه من جرم‪ ،‬ألهنا تبقى ماثلة للمجرم طوال مدة التقادم‪.7‬‬
‫وهذا املبدأ يشبه يف الفقه اإلسالمي قيم االستغفار التوبة اليت أوالها اإلسالم عناية‬
‫كربى وجعلها من أسباب سقوط الكثري من العقوبات‪ ،‬ومنها بعض احلدود‪ ،‬على غرار‬
‫احلرابة والردة والبغي‪ ،‬كما أن يف القرآن الكرمي إشارة إىل هذه املعاناة يف قصة الثالثة الذين‬
‫ختلفوا دون عذر شرعي عن غزوة تبوك؛ حيث وصف اهلل تعاىل حالتهم النفسية وآالمهم‬
‫ض بِ َما‬ ‫َّى إِذَا َ‬
‫ين ُخلِّ ُفوا َحت ٰ‬ ‫ِ َّ ِ‬
‫ت َعلَْي ِه ُم ْاأل َْر ُ‬
‫ضاقَ ْ‬ ‫ومعاناهتم بقوله تعاىل‪َ (( :‬و َعلَى الث ََّالثَة الذ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ت علَي ِهم أَن ُفسهم وظَنُّوا أَن َّال مل ِ‬
‫اب َعلَْي ِه ْم‬‫ْجأَ م َن اللَّه إَِّال إِلَْيه ثُ َّم تَ َ‬
‫َ َ‬ ‫ضاقَ ْ َ ْ ْ ُ ُ ْ َ‬ ‫ت َو َ‬
‫َر ُحبَ ْ‬
‫َّواب َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫يم (‪( )))118‬التوبة)‪ ،‬والتوبة تفتح طريق اإلصالح أمام‬ ‫الرح ُ‬ ‫ليَتُوبُوا ۚ إِ َّن اللَّهَ ُه َو الت َّ ُ‬
‫اجملرم وهو مقصد من مقاصد العقوبة‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬فكرة المالئمة االجتماعية‪:‬‬

‫‪ -6‬نبيل عبد الصبور النرباوي‪ ،‬مرجع سابق‪.303-302 ،‬‬


‫‪ -7‬سامح السيد جاد‪ ،‬تقادم الدعوى اجلنائية يف الفقه اإلسالمي والقانون الوضعي‪ ،‬ص‪،28‬‬
‫‪http://elibrary.mediu.edu.my/books/MAL04933.pdf.‬‬
‫‪454‬‬
‫التقادم وأثره في انقضاء الدعوى العمومية ‪ -------------‬د‪ .‬عبد الرحمن خلفة‬

‫مؤدى هذه الفكرة أن إسراف األجهزة املختصة يف السري البطيء أثناء الدعوى‪،‬‬
‫وعجزها عن تنفيذ احلكم بعد صدوره‪ ،‬ينبين على عدم فاعلية هذه األجهزة يف مباشرة‬
‫الدعوى واستيفاء احلق يف العقاب يف زمن معقول‪ ،‬مما يستدعي العمل مببدأ التقادم حىت ال‬
‫ينشغل الرأي العام بقصور اجهزته العقابية‪.8‬‬
‫ثالثا‪-‬فكرة اضمحالل األدلة‪:‬‬
‫مبعىن ضياع معامل اجلرمية وأدلة إثباهتا‪ ،‬فمرور فرتة من الزمن على ارتكاب اجلرمية‬
‫يؤدي إىل ضياع معامل اجلرمية‪ ،‬وبالتايل صعوبة إثباهتا‪ ،‬نظرا ملوت بعض الشهود‪ ،‬أو اختالط‬
‫ذاكرهتم‪ ،‬وهذا يؤدي بدوره إىل حدوث أخطاء قضائية‪ ،‬ومن مث فإنه يكون من املصلحة‬
‫وحتقيقا للعدالة عدم مباشرة الدعوى اجلنائية‪.9‬‬
‫ألن من شأن استئناف السري يف الدعوى بسبب الوهن الذي يصيب الدليل ويفقد‬
‫قوته االستداللية‪ ،‬أو تكون هذه القوة دون مستوى حد الكفاية الالزم إلدانة اجلاين‪.10‬‬
‫وقد بىن األحناف قدميا –كما سيأيت‪-‬شرعية القول بالتقادم عندهم على هذه‬
‫الفكرة؛ عندما جعلوا تأخر الشهود عن أداء الشهادة زمنا معتربا دون عذر أو مربر مظنة‬
‫طروء الشك يف الشهود‪ ،‬بالتايل الشك يف دليل اإلثبات‪.‬‬
‫رابعا‪-‬فكرة الردع الخاص والردع العام‪:‬‬
‫إذ يرى أصحاب نظرية التقادم اجلنائي أن الغرض من العقوبة الردع اخلاص‪ ،‬ومن‬
‫شأن تأخري تنفيذها أن تفقد العقوبة هذا املقصد‪ ،‬فلم يبق مربر لتنفيذها‪.11‬‬
‫بل إهنا ال حتقق أيضا الردع العام؛ ألن (مرور فرتة زمنية على وقت ارتكاب اجلرمية‬
‫دون اختاذ أي إجراء بشأهنا من قبل السلطات املختصة‪ ،‬يعين أن اجلرمية قد حميت من ذاكرة‬
‫الناس أو كادت‪ ،‬ومن مث مل يعد حمققا ملصلحة اجملتمع مالحقة اجلاين بغية إخضاعه‬

‫‪ -8‬نبيل عبد الصبور النرباوي‪ ،‬مرجع سابق‪.303 ،‬‬


‫‪ -9‬سامح السيد جاد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪،27‬‬
‫‪ -10‬نبيل عبد الصبور النرباوي‪ ،‬مرجع سابق‪.304 ،‬‬
‫‪ -11‬نبيل عبد الصبور النرباوي‪ ،‬املرجع نفسه‪.303 ،‬‬
‫‪455‬‬
‫التقادم وأثره في انقضاء الدعوى العمومية ‪ -------------‬د‪ .‬عبد الرحمن خلفة‬

‫للعقاب‪ ،‬وأن مرور الزمن أدى إىل تالشي احلاجة إىل املوعظة والعربة‪ ،‬ولذا فال جيوز إعادة‬
‫ذكرى اجلرمية إىل أذهان الرأي العام‪ ،‬بإزاحة الستار عنها ونقض الرتاب الذي تراكم عليها‪،‬‬
‫ونبشها جتنبا لنبش املاضي وإحياء ما اندثر‪ ،‬فمن مصلحة اجملتمع عدم اهاجة أحقاده‬
‫واستثارة حفائظه بنشر ما طوي من صحف بفضل مرور الزمن)‪ .12‬إذ أن من شأن إحيائها‬
‫أن ترتتب عليه مسائل يصبح من العسري جتنب ضررها أو إثباهتا‪.13‬‬
‫خامسا‪-‬فكرة االستقرار القضائي‪ :‬حيث يرى أصحاهبا أن اعتبارات االستقرار أو‬
‫الثبات القانوين يف داخل اجملتمع هي اليت تربر األخذ بنظام التقادم اجلنائي‪ ،‬حىت ال تظل‬
‫مصاحل األفراد مهددة بالدعوى اجلنائية‪ ،‬وهو ما يؤثر بدوره على عدم تأدية األفراد لدورهم‬
‫يف اجملتمع؛ ومرد ذلك إىل أن مرور فرتة من الزمن بدون اختاذ أي إجراء ضد اجلاين‪ ،‬يرتتب‬
‫من جرائه هدم مبدأ الرباءة الذي يقضي باعتبار الشخص بريئا حىت تثبت إدانته حبكم‬
‫بات‪ ،‬وقد تعامل اجلاين يف خالل هذه الفرتة مع أفراد اجملتمع وتعاملوا معه على أساس‬
‫براءته‪ ،‬األمر الذي أدى إىل نشوء مركز واقعي للجاين يلزم احرتامه بغية حتقيق وكفالة‬
‫األوضاع واملراكز القانونية)‪.14‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬تعريف الجرائم الماسة بالسمعة والشرف واالعتبار وأساس‬
‫شرعيتها الفقهية والقانونية‪ :‬لقد كفل الدستور اجلزائري ومن بعده خمتلف القوانني للمواطن‬
‫احلق يف حفظ مسعته االجتماعية وكرامته اإلنسانية‪ ،‬من أن يطاهلا أي خدش أو ازدراء‬
‫يستهدف احلط من قيمتها؛ ألهنا حقوق أدبية تراكمية ال تقل شأنا عن احلقوق املادية‬
‫لإلنسان؛ لدلك جرمت كل ما ميس شرف ومسعة واعتبار اإلنسان من أقوال وأفعال؛ وفيما‬
‫يأيت عرض ملدلوالت مصطلحات السمعة الشرف واالعتبار احملمية قانونيا وجنائيا‪ ،‬واجلرائم‬
‫املرتبطة هبا‪ ،‬قبل بيان األساس الفقهي والقانوين لشرعية هذه اجلرائم‪ ،‬وذلك وفق ما يأيت‪:‬‬

‫‪ -12‬سامح السيد جاد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.30‬‬


‫‪ -13‬علي حممد جعفر‪ ،‬العقوبات والتدابري االحرتازية وأساليب تنفيذها‪ ،105 ،‬ط‪1408 ،1‬ه‪1988/‬م‪،‬‬
‫املؤسسة اجلامعية‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫‪ -14‬سامح السيد جاد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.29‬‬
‫‪456‬‬
‫التقادم وأثره في انقضاء الدعوى العمومية ‪ -------------‬د‪ .‬عبد الرحمن خلفة‬

‫الفرع األول‪ :‬تعريف جرائم السمعة والشرف واالعتبار‪ :‬حري بنا قبل حصر‬
‫األفعال واألقوال اجملرمة املاسة هبذا اجلانب األديب من حياة الناس‪ ،‬عرض تعريف الشرف‬
‫والسمعة واالعتبار‪ ،‬تفريقا ملدلوالهتا عن بعضها البعض‪ ،‬وإن كان بينها أحيانا تداخل‪،‬‬
‫يتخذ طابع العموم واخلصوص‪ ،‬وذلك وفق ما يأيت‪:‬‬
‫البند األول‪ :‬تعريف السمعة والشرف واالعتبار وبيان أوجه التفريق بينها‪ :‬لكل‬
‫من الشرف واالعتبار الذي تكرس حفظه مدلول قانوين استمد من احلياة االجتماعية‬
‫والعرفية للناس‪ ،‬وفيما يأيت عرض ملدلول كل مصطلح وبيان العالقة الرابطة بينهما‪ ،‬وذلك‬
‫وفق ما يأيت‪:‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬تعريف السمعة‪:‬‬
‫السمعة لغة‪ :‬من السمع‪ ،‬والسمع حس األذن‪ّ ،‬‬
‫وتسمع إليه‪ :‬أصغى‪،‬‬ ‫أوال‪-‬تعريف ّ‬
‫السماع الذكر املسموع احلسن اجلميل‪ ،‬ويقال ذهب مسعه يف الناس وصيته أي‬ ‫السمع و ّ‬‫و ّ‬
‫ذكره‪ ،‬والسماع ما مسعت به فشاع وتكلم به‪ ،‬وكل ما التذته األذن من صوت حسن مساع‪.‬‬
‫ومسع به‪ :‬امسعه القبيح وشتمه‪ ،‬وتسامع به الناس وأمسعه احلديث أي شتمه‪ ،‬ومسع بالرجل‪:‬‬
‫أذاع عنه عيبا وندد به وشهره وفضحه وأمسع به الناس إياه‪.‬‬
‫السمعة ما مسع به من طعام أو غري ذلك رياء ومسعة‪ ،‬أي لرياه الناس ويسمعوا به‪،‬‬
‫و ّ‬
‫والتّسميع‪ :‬التّشنيع‪.15‬‬
‫ثانيا‪-‬تعريف السمعة اصطالحا‪ :‬تعرف السمعة عادة بأهنا‪( :‬ما يذكر به اإلنسان‬
‫عند الناس‪ ،‬أي ما يشاع ويتكلم به عندهم من حسن أو قبح)‪.16‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬تعريف الشرف‪:‬‬
‫أوال‪-‬تعريف الشرف لغة‪ :‬أصل الشرف يف اللغة العربية العلو واملكان العايل‪،‬‬
‫والشرفة أعلى الشيء‪ ،‬وجبل مشرف‪ :‬عال‪ .17‬مث غلب يف االستعمال العريف العريب على‬
‫احلسب باآلباء‪.18‬‬

‫‪ -15‬ابن منظور‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬مادة (مسع)‪ 162/8 ،‬وما بعدها‪ ،‬وانظر‪ :‬الرازي‪ ،‬خمتار الصحاح‪.306 ،‬‬
‫‪ -16‬نبيل صقر‪ ،‬جرائم الصحافة يف التشريع اجلزائري‪ 89 ،‬دار اهلدى‪ ،‬اجلزائر‪ ،‬ط ‪2007‬م‪.‬‬
‫‪457‬‬
‫التقادم وأثره في انقضاء الدعوى العمومية ‪ -------------‬د‪ .‬عبد الرحمن خلفة‬

‫ثانيا‪-‬تعريف الشرف اصطالحا‪ :‬يعرف الشرف عادة بأنه‪( :‬جمموعة من امليزات‬


‫اليت متثل قدر أدىن من القيم األدبية اليت يفرتض توافرها بالضرورة لدى كل فرد حبكم كونه‬
‫شخصا آدميا)‪ .19‬وقيل يف تعريفه بأنه‪( :‬جمموعة من الشروط أو الصفات اليت يتوقف‬
‫عليها املركز األديب للفرد‪ ،‬واليت تساهم يف حتددي الوضع االجتماعي للفرد يف البيئة اليت‬
‫يعيش فيها)‪.20‬‬
‫الفقرة الثالثة‪ :‬تعريف االعتبار‪ :‬لالعتبار كغريه من املصطلحات مدلول لغوي‬
‫وآخر اصطالحي وفق ما يأيت‪:‬‬
‫أوال‪-‬تعريف االعتبار لغة‪ :‬االعتبار يف اللغة العربية من العربة‪ ،‬مبعىن االعتبار مبا‬
‫صار (‪)))2‬‬ ‫اعتَ ُربوا يَا أُويل ْاألَبْ َ‬
‫مضى‪ ،‬والعربة التعجب‪ ،‬والتدبر‪ ،‬قال اهلل تعاىل‪(( :‬فَ ْ‬
‫(احلشر)‪ .‬ويقال عرب الرؤيا‪ :‬فسرها وأخرب مبا يؤول إليه أمرها‪ ،‬وعربت النهر والطريق‪ ،‬أعربه‬
‫عربا وعربا إذا قطعته من هذا العرب [اجلانب] إىل ذاك العرب‪ ،‬ورجل عابر سبيل أي مار‬
‫الطريق‪ ،‬وعرب السبيل يعربها عربا شقها‪ ،‬وعرب الكتاب يعربه عربا تدبره يف نفسه‪ ،‬ومل يرفع‬
‫صوته بقراءته‪.21‬‬
‫ثانيا‪-‬االعتبار اصطالحا‪ :‬يعرف االعتبار بأنه‪( :‬حصيلة الرصيد األديب أو املعنوي‬
‫الذي يكون الشخص قد اكتسبه تدرجييا من خالل عالقاته بغريه)‪.22‬‬
‫ويف ضوء هذه التعريفات ميكن إجراء مقارنة بني هذه القيم الثالث وفق ما يأيت‪:‬‬
‫االعتبار‬ ‫الشرف‬ ‫السمعة‬
‫ميكن أن تكون إجيابية حسنة عادة ما يكون حسنا عادة ما يكون إجيابيا‬

‫‪ -17‬ابن منظور‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬مادة (شرف)‪ ،170/9 ،‬وانظر‪ :‬الرازي‪ ،‬خمتار الصحاح‪.218 ،‬‬
‫‪ -18‬ابن منظور‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬مادة (شرف)‪.169/9 ،‬‬
‫‪ -19‬نبيل صقر‪ ،‬املرجع نفسه‪.89 ،‬‬
‫‪ -20‬نبيل صقر‪ ،‬املرجع نفسه‪.89 ،‬‬
‫‪ -21‬ابن منظور‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬مادة (عرب)‪ ،531-529/4 ،‬وانظر‪ :‬الرازي‪ ،‬خمتار الصحاح‪.268 ،‬‬
‫‪ -22‬نبيل صقر‪ ،‬املرجع السابق‪.91-90 ،‬‬
‫‪458‬‬
‫التقادم وأثره في انقضاء الدعوى العمومية ‪ -------------‬د‪ .‬عبد الرحمن خلفة‬

‫ممدوحة‪ ،‬كما ميكن أن تكون ممدوحا‬


‫سلبية سيئة مذمومة‬
‫مستهجنة‪.‬‬
‫يتفاوت فيها الناس اجتماعيا يتفاوت فيه الناس اجتماعيا يتفاوت فيه الناس اجتماعيا‬
‫يدخل يف تشكلها العوامل يشكله الفرد ذاتيا‪ ،‬لكن يستقل الشخص بتشكيله‬
‫الذاتية للشخص‪ ،‬والعوامل تسهم فيه أيضا العوامل‬
‫واالجتماعية‬ ‫املوضوعية خارج الذات‪ ،‬األسرية‬
‫كالعوامل االجتماعية والبيئية والبيئية‪.‬‬
‫ينصب على األشخاص يقتصر على األشخاص ينصب على األشخاص‬
‫واألشخاص‬ ‫الطبيعيني‬ ‫واألشخاص الطبيعيني‬ ‫الطبيعيني‬
‫االعتباريني‬ ‫االعتباريني‬
‫ميكن تغريه سلبا أو إجيابا يف يتحسن تدرجييا‪ ،‬ونادرا ما ميكن تغريه سلبا أو إجيابا‬
‫يف حياة األشخاص‬ ‫يتغري سلبا‬ ‫حياة األشخاص‬
‫المطلب الثاني‪ :‬حصر جرائم الشرف والسمعة وتعريفها‪ :‬حصر قانون اإلعالم‬
‫اجلزائري اجلرائم املاسة بالسمعة والشرف واالعتبار يف ثالثة أنواع‪ ،‬وفق ما يأيت‪:‬‬
‫الفرع األول‪ :‬جريمة القذف‪ :‬للقذف معىن لغوي عريف وآخر اصطالحي بني‬
‫الفقه والقانون‪ ،‬وفق ما يأيت‪:‬‬
‫البند األول‪ :‬تعريف القذف لغة‪ :‬يطلق القذف يف اللغة على الرمي‪ ،‬قال اهلل‬
‫اط ِل فَيَ ْد َمغُهُ فَِإذَا ُه َو َز ِاه ٌق ۚ َولَ ُك ُم ال َْويْ ُل ِم َّما‬
‫ف بِالْح ِّق علَى الْب ِ‬ ‫ِ‬
‫تعاىل‪(( :‬بَ ْل نَ ْقذ ُ َ َ َ‬
‫ص ُفو َن)) (األنبياء ‪ ،)18‬وقذف‪ :‬قذف بالشيء يقذف قذفا فانقذف‪ :‬رمى‪ .‬والتقاذف‪:‬‬ ‫تَ ِ‬
‫الرتامي‪ .‬وقذفه به‪ :‬أصابه وقذفه بالكذب كذلك‪ .‬وقذف الرجل‪ ،‬أي‪ :‬قاء‪ .‬وقذف احملصنة‪،‬‬
‫أي‪ :‬سبها‪ .‬والقذف رمي املرأة بالزنا‪ ،‬أو ما كان يف معناه‪ ،‬وأصله الرمي‪ ،‬مث استعمل يف‬
‫هذا املعىن حىت غلب عليه [عرفا وشرعا]‪ .‬والقذف‪ :‬السب‪ .‬والقذف باحلجارة‪ :‬الرمي هبا‪.‬‬

‫‪459‬‬
‫التقادم وأثره في انقضاء الدعوى العمومية ‪ -------------‬د‪ .‬عبد الرحمن خلفة‬

‫يقال‪ :‬هم بني حاذف وقاذف وحاذ وقاذ على الرتخيم‪ ،‬فاحلاذف باحلصى‪ ،‬والقاذف‬
‫باحلجارة‪ .‬والقذف الرمي بالسهم‪ ،‬واحلصى والكالم وكل شيء‪.23‬‬
‫فمدار القذف يف لغة العرب على الرمي سواء كان رميا حسيا أو رميا معنويا أدبيا‪.‬‬
‫البند الثاني‪ :‬تعريف القذف في االصطالح‪:‬‬
‫خيتلف مدلول القذف يف االصطالح الفقهي عنه يف االصطالح القانوين‪ ،‬كما‬
‫ختتلف األحكام املتعلقة به واآلثار املرتتبة عليه؛ لذلك نعرض فيما يأيت مدلوله يف كل‬
‫منهما كال على حده‪ ،‬وفق ما يأيت‪:‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬تعريف القذف في االصطالح الفقهي اإلسالمي‪:‬‬
‫عرف فقهاء اإلسالم القذف–على اختالف بينهم يف بعض تفصيالته وحمرتزاته‪-‬‬
‫بأنه‪( :‬الرمي بالزنا)‪ ،24‬وتتحقق ماهية القذف بالرمي بالزنا أو نفي النسب‪ ،‬صراحة أو‬
‫تعريضا كما قرر ذلك الفقهاء‪ .25‬وقد حرم القذف وجرم يف الشريعة اإلسالمية يف نصوص‬
‫وه ْم‬ ‫صنَات ُمثَّ َملْ يَأْتُوا بأ َْربَـ َعة ُش َه َداءَ فَ ْ‬
‫اجل ُد ُ‬ ‫ين يَـْرُمو َن الْ ُم ْح َ‬ ‫َّ‬
‫كثرية أبرزها قوله تعاىل‪َ (( :‬والذ َ‬
‫ين تَابُوا من‬ ‫َّ َّ‬
‫ك ُه ُم الْ َفاس ُقو َن (‪ )4‬إال الذ َ‬ ‫ني َجْل َدةً َوَال تَـ ْقبَـلُوا َهلُ ْم َش َه َادةً أَبَ ًدا ۚ َوأُوَٰلَئ َ‬ ‫ََثَان َ‬
‫يم)) (النور‪.)5/4‬‬ ‫ور َّرح ٌ‬‫َصلَ ُحوا فَإ َّن اللَّهَ َغ ُف ٌ‬ ‫ك َوأ ْ‬ ‫بَـ ْعد َٰذَل َ‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬تعريف القذف في القانون الجزائي الجزائري‪:‬‬
‫مل يتصد قانون اإلعالم اجلزائري لتعريف القذف‪ ،‬فلم يعطه بذلك تعريفا جديدا‬
‫مبقيا على التعريف ذاته الذي حدده يف قانون العقوبات‪ ،‬حيث نص هذا القانون األخري‬
‫على أنه‪( :‬يعد قذفا كل ادعاء بواقعة من شأهنا املساس بشرف واعتبار األشخاص أو اهليئة‬
‫املدعى عليها به أو إسنادها إليهم أو إىل تلك اهليئة‪ ،‬ويعاقب على نشر هذا االدعاء أو‬

‫‪ -23‬ابن منظور‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬مادة (قذف)‪ ،277-276/9 ،‬وانظر‪ :‬الرازي‪ ،‬خمتار الصحاح‪.335 ،‬‬
‫‪ -24‬ابن قدامة املقدسي‪ ،‬املغين والشرح الكبري‪ ،201/10 ،‬ط‪1403‬هـ‪1983/‬م‪ ،‬دار الكتاب العريب‪،‬‬
‫بريوت‪.‬‬
‫‪ -25‬راجع‪ ،‬أبو عبد اهلل حممد بن حممد احلطاب‪ ،‬مواهب اجلليل شرح خمتصر خليل‪ ،298/6 ،‬ط‪،2‬‬
‫‪1398‬هـ‪1978/‬م‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫‪460‬‬
‫التقادم وأثره في انقضاء الدعوى العمومية ‪ -------------‬د‪ .‬عبد الرحمن خلفة‬

‫ذلك اإلسناد مباشرة أو بطريق إعادة النشر‪ ،‬حىت ولو مت ذلك على وجه التشكيك أو إذا‬
‫قصد به شخص أو هيئة دون ذكر االسم ولكن كان من املمكن حتديدمها من عبارات‬
‫احلديث أو الصياح أو التهديد أو الكتابة أو املنشورات أو الالفتات أو اإلعالنات موضوع‬
‫اجلرمية)‪.26‬‬
‫وقيل‪( :‬هو إسناد فعل يف أمر حمدد إىل شخص أو أشخاص‪ ،‬لو صح هذا الفعل‬
‫لكان جرمية يسال عنها من أسندت إليه‪ ،‬أو توجب احتقاره عند أهل وطنه)‪.27‬‬
‫ويف ضوء ما سبق ميكن مالحظة الفروق اجلوهرية بني مدلول القذف يف الفقه‬
‫اإلسالمي ومدلوله يف القانون اجلزائري وفق ما يأيت‪:‬‬
‫مدلول القذف في القانون الجزائي مدلول القذف في الفقه اإلسالمي‬
‫الجزائري‬
‫يشمل كل ادعاء على شرف واعتبار يقتصر على االدعاء بالزنا أو نفي النسب‬
‫األشخاص مبا يف ذلك االهتام بالزنا‪ ،‬واالهتام‬
‫بالفساد أو بأي فعل‪ ،‬حبيث لو صح‬
‫االدعاء لرتتب على املسند إليه عقوبة أو‬
‫استهجان‪.‬‬
‫ينصب على الشخص الطبيعي والشخص يقتصر على الشخص الطبيعي‬
‫االعتباري‬
‫يثبت القذف صراحة أو ضمنا‬ ‫يثبت القذف صراحة أو ضمنا‬
‫يعد القذف جناية (حد)‬ ‫يعد القذف جنحة‬
‫فبني املدلولني عموم وخصوص‪ ،‬فكل قذف يف الفقه اإلسالمي هو كذلك يف‬
‫القانون‪ ،‬وليس كل قذف يف القانون هو كذلك يف الفقه اإلسالمي‪.‬‬

‫‪ -26‬م (‪ )296‬من األمر رقم ‪ ،156-66‬املؤرخ يف ‪ 18‬صفر ‪1386‬هـ املوافق ‪ 08‬يونيو ‪1966‬م‪،‬‬
‫املتضمن قانون العقوبات املتمم واملعدل‪.‬‬
‫‪ -27‬نبيل صقر‪ ،‬املرجع السابق‪.91-90 ،‬‬
‫‪461‬‬
‫التقادم وأثره في انقضاء الدعوى العمومية ‪ -------------‬د‪ .‬عبد الرحمن خلفة‬

‫الفرع الثاني‪ :‬جريمة السب‪ :‬على غرار القذف فإن للسب مدلوال لغويا عرفيا‬
‫وآخر اصطالحيا بني الفقه والقانون‪ ،‬وفق ما يأيت‪:‬‬
‫البند األول‪ :‬تعريف السب لغة‪:‬‬
‫أصل السب لغة‪ :‬القطع‪ ،‬سبه سبا‪ :‬قطعه؛ والتساب‪ :‬التقاطع‪ ،‬والسب الشتم‪،‬‬
‫وهو مصدر سبه يسبه سبا شتمه‪ .‬والتساب‪ :‬التشامت‪ ،‬وتسابوا تشامتوا‪ ،‬وسابه مسابة‬
‫وسبابا‪ :‬شامته‪.28‬‬
‫البند الثاني‪ :‬تعريف السب في االصطالح الفقهي والقانوني‪:‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬تعريف السب في االصطالح الفقهي اإلسالمي‪:‬‬
‫مل يعط الفقهاء املسلمون للسب معىن جديدا‪ ،‬حيث أبقوا على معناه العريف الغالب‬
‫يف االستعمال الذي يعين الشتم‪ ،‬ففي القاموس الفقهي‪ :‬السب‪( :‬شتم الغري ورميه‬
‫سبُّوا‬
‫مبنقصة) ‪ .‬كما أن القرآن الكرمي حافظ على املدلول العريف فقال اهلل تعالى‪َ (( :‬وَال تَ ُ‬
‫‪29‬‬

‫سبُّوا اللَّهَ َع ْد ًوا بِغَْي ِر ِعلْم ۚ (‪( )))108‬األنعام)‪ .‬وباملثل‬ ‫ِ َّ ِ‬ ‫ِ‬


‫ين يَ ْد ُعو َن من ُدون الله فَيَ ُ‬
‫َّ ِ‬
‫الذ َ‬
‫فعلت السنة النبوية ففي احلديث‪( :‬سباب املسلم فسوق‪ ،‬وقتاله كفر)‪.30‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬تعريف السب في القانون الجزائي الجزائري‪ :‬يعرف فقهاء‬
‫القانون السب بأنه‪( :‬خدش شرف شخص واعتباره عمدا‪ ،‬دون أن يتضمن ذلك إسناد‬
‫واقعة معينة إليه)‪ .31‬وقد حدد قانون العقوبات اجلزائري السب بنصه على أنه‪( :‬يعد سبا‬
‫كل تعبري مشني أو عبارة تتضمن حتقريا أو قدحا ال ينطوي على إسناد أية واقع)‪.32‬‬

‫‪ -28‬ابن منظور‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬مادة (سبب)‪.456-455/1 ،‬‬


‫‪ -29‬سعدي أبو جيب‪ ،‬القاموس الفقهي‪ ،163 ،‬ط‪1408 ،2‬هـ‪1988/‬م‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬دمشق‪.‬‬
‫‪ -30‬البخاري‪ ،‬اجلامع الصحيح‪ ،‬كتاب اإلميان‪ ،‬باب خوف املؤمن من أن حيبط عمله وهو ال يعلم‪ ،‬رقم ‪،48‬‬
‫انظر‪ :‬ابن حجر‪ ،‬فتح الباري‪ ،‬ط‪1421 ،1‬هـ‪20001/‬م دار مصر‪ ،‬احمللة‪.163/1 ،‬‬
‫‪ -31‬فتحي حسني عامر‪ ،‬أخالقيات الصحافة يف نشر اجلرائم‪ ،‬دراسة حتليلية مقارنة‪ ،76 ،‬ط‪،1‬‬
‫‪2006‬م‪ ،‬إيرتاك‪ ،‬مصر اجلديدة‪.‬‬
‫‪ -32‬م (‪ )297‬من األمر رقم ‪ ،156-66‬املتضمن ق‪.‬ع‪.‬ج‪.‬‬
‫‪462‬‬
‫التقادم وأثره في انقضاء الدعوى العمومية ‪ -------------‬د‪ .‬عبد الرحمن خلفة‬

‫ويف ضوء ما سبق ال يكاد يظهر أي فرق بني املدلول الفقهي واملدلول القانوين‬
‫للسب‪ ،‬ألن كال من الفقه اإلسالمي والقانون يعدان السب ضربا من ضروب الشتم وغريه‪،‬‬
‫مما يعده العرف قدحا أو حتقريا لألشخاص‪.‬‬
‫الفرع الثالث‪ :‬جريمة اإلهانة‪ :‬على غرار ما سبق فإن لإلهانة مدلوال لغويا يف‬
‫عرف اللغة العربية واستعماالهتا وآخر اصطالحيا‪ ،‬فقهيا وقانونيا‪ ،‬وفق ما يأيت‪:‬‬
‫البند األول‪ :‬تعريف اإلهانة لغة‪:‬‬
‫َخ َذتْ هم ص ِ‬
‫اع َقةُ‬ ‫أصل اإلهانة يف اللغة من اهلون‪ ،‬وهو اخلزي‪ ،‬ومنه قوله تعاىل‪(( :‬فَأ َ ُ ْ َ‬
‫ون بِما َكانُوا يك ِ‬
‫ْسبُو َن)) (فصلت ‪ .)17‬وقوله‪َ (( :‬وَمن يُهن اللَّهُ فَ َما لَهُ ِّمن‬ ‫ِ‬ ‫ال َْع َذ ِ‬
‫َ‬ ‫اب ال ُْه َ‬
‫ُّمكْرٍم)) [احلج‪ ]18 :‬واهلون‪ ،‬بالضم‪ :‬اهلوان‪ .‬واهلون واهلوان‪ :‬نقيض العز‪ .‬وأهانه وهونه‬
‫واستهان به وهتاون به‪ :‬استخف به‪ ،‬واالسم اهلوان واملهانة‪ .‬ورجل فيه مهانة أي ذل‬
‫وضعف‪ .‬واإلهانة االستخفاف بالشيء واالستحقار‪ ،‬واالسم اهلوان‪ .‬واستهان به وهتاون‬
‫به‪ :‬استحقره‪.‬‬
‫واهلون‪ :‬مصدر هان عليه الشيء أي خف‪ .‬وهونه اهلل عليه أي سهله وخففه‪.‬‬
‫وشيء هني على أي سهل‪.33‬‬
‫البند الثاني‪ :‬تعريف اإلهانة في االصطالح‪:‬‬
‫أوال‪ :‬مفهوم اإلهانة في االصطالح الفقهي‪:‬‬
‫مل يعط الفقهاء املسلمون لإلهانة تعريفا جديدا‪ ،‬ألهنا عندهم ال خترج عن املعىن‬
‫اللغوي العريف‪ ،‬حيث تعين‪( :‬احتقار الغري واالستخفاف به)‪.34‬‬
‫وقد استعمل القرآن الكرمي هذا اللفظ يف مدلوله العريف الغالب يف االستعمال مبعىن‬
‫ش َر بِ ِه ۚ أَيُ ْم ِس ُكهُ َعلَىٰ ُهون‬ ‫االحتقار؛ فقال تعاىل‪(( :‬ي ت وار ٰى ِمن الْ َقوِم ِمن س ِ‬
‫وء َما بُ ِّ‬ ‫ُ‬ ‫ََ َ َ َ ْ‬

‫‪ -33‬ابن منظور‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬مادة (هون)‪.438/13 ،‬‬


‫‪ -34‬إميان حممد سالم بركة‪ ،‬اجلرمية اإلعالمية يف الفقه اإلسالمي‪( ،‬رسالة ماجستري)‪ ،‬إشراف مازن‬
‫إمساعيل هنية‪ ،‬قسم الفقه املقارن‪ ،‬كلية الشريعة والقانون‪ ،‬اجلامعة اإلسالمية‪ ،‬بغزة‪ ،‬فلسطني‪،‬‬
‫‪1429‬هـ‪2008/‬م‪.‬‬
‫‪463‬‬
‫التقادم وأثره في انقضاء الدعوى العمومية ‪ -------------‬د‪ .‬عبد الرحمن خلفة‬

‫اء َما يَ ْح ُك ُمو َن (‪( )))59‬النحل) ويف غري هذا املوضع جاء‬ ‫أَمْ يَ ُد ُّسهُ فِي التُّر ِ‬
‫ابۚ أ ََال َس َ‬ ‫َ‬
‫يف جل موارده يف القرآن الكرمي صفة للعذاب‪ ،‬كما يف قوله تعاىل‪ :‬فقال اهلل تعاىل‪:‬‬
‫ْح ِّق َوبِ َما ُكنتُ ْم‬ ‫ون بِ َما ُكنتُ ْم تَ ْستَ ْكبِ ُرو َن فِي ْاأل َْر ِ‬
‫ض بِغَْي ِر ال َ‬
‫((فَالْي وم تُ ْجزو َن َع َذاب الْه ِ‬
‫َ ُ‬ ‫َ ْ َ َْ‬
‫ين (‪( )))178‬آل عمران)‪.‬‬ ‫اب ُّم ِه ٌ‬
‫س ُقو َن (‪( )))20‬األحقاف)‪ ،‬وقوله تعاىل‪َ (( :‬ولَ ُه ْم َع َذ ٌ‬ ‫تَ ْف ُ‬
‫ثانيا‪ :‬تعريف اإلهانة في االصطالح القانوني‪ :‬عرفتها حمكمة النقض املصرية بأهنا‪:‬‬
‫(كل قول أو فعل يتفق الناس على أنه ميثل ازدراء أو حطا من الكرامة يف أعني الناس‪،‬‬
‫وعلى ذلك فإن اإلهانة تشمل كل قول أو إشارة يؤخذ من ظاهرها االحتقار‬
‫واالستخفاف)‪.35‬‬
‫ويف القانون اجلزائري فإن هذه اجلرمية تنصب على املوظف العام‪ ،‬واهليئات النظامية‬
‫والعمومية‪ ،‬ورؤساء الدول األجنبية ورؤساء وأعضاء البعثات الديبلوماسية املعتمدة باجلزائر‪،‬‬
‫كما يلحق هبذه اجلرمية إهانة السلطات العمومية بتضليلها يف اجملال القضائي واألمين‪،‬‬
‫وحسن سري العدالة‪.36‬‬

‫‪ -35‬جعفر عبد السالم‪ ،‬اإلطار التشريعي للنشاط اإلعالمي‪ ،353 ،‬ط‪1414‬هـ‪1993/‬م‪ ،‬دار املنار‪،‬‬
‫مصر‬
‫‪ -36‬راجع املواد من ‪ 144‬إىل ‪ 146‬من ق‪.‬ع‪.‬ج‪ ،‬واملواد من ‪ 97‬إىل ‪ 98‬من قانون اإلعالم اجلزائري‪.‬‬
‫نشري هنا إىل أن قانون العقوبات اجلزائري قد خص جرائم اإلهانة والقذف والسب املوجهة لرئيس‬
‫اجلمهورية باسم جرمية اإلساءة‪ ،‬فنص على أنه‪( :‬يعاقب بغرامة من ‪100.000‬دج إىل ‪500.000‬دج‪،‬‬
‫كل من أساء إىل رئيس اجلمهورية بعبارات تتضمن إهانة أو سبا قذفا‪ ،‬سواء كان ذلك عن طريق الكتابة‬
‫أو الرسم أو التصريح أو بأية آلية لبث الصوت أو الصورة أو بأية وسيلة إلكرتونية أو معلوماتية أو إعالمية‬
‫أخرى‪ ..‬ويف حالة العود تضاعف العقوبة)‪ ،‬انظر‪ :‬م (‪ 144‬مكرر) من األمر رقم ‪ ،156-66‬املتضمن‬
‫ق‪.‬ع‪.‬ج‪ .‬كما أحلق هبا ما وجه للرسل صلى اهلل عليهم وسلم واملقدسات‪ ،‬فنص على أنه‪( :‬يعاقب‬
‫باحلبس من ثالث (‪ )3‬سنوات إىل مخس (‪ )5‬سنوات وبغرامة مالية من ‪50.000‬دج إىل ‪100.000‬دج‪،‬‬
‫أو بإحدى هاتني العقوبتني فقط كل من أساء إىل الرسول صلى اهلل عليه وسلم أو بقية األنبياء‪ ،‬أو‬
‫استهزأ باملعلوم من الدين بالضرورة‪ ،‬أو بأية شعرية من شعائر اإلسالم‪ ،‬سواء عن طريق الكتابة أو الرسم‬
‫أو التصريح أو أية وسيلة أخرى)‪ ،‬انظر‪ :‬م (‪ 144‬مكرر‪ )2‬من األمر رقم ‪ ،156-66‬املتضمن ق‪.‬ع‪.‬ج‪.‬‬
‫‪464‬‬
‫التقادم وأثره في انقضاء الدعوى العمومية ‪ -------------‬د‪ .‬عبد الرحمن خلفة‬

‫وال يكاد يظهر أي اختالف بني املدلول الفقهي لإلهانة ومدلوهلا القانوين‪ ،‬فكالمها‬
‫ينصبان على ازدراء الغري واحتقاره‬
‫الفرع الرابع‪ :‬جدول يبين الفروق الجوهرية وأوجه االتفاق بين جرائم القذف‬
‫والسب واإلهانة‪:‬‬
‫إن لكل من هذه اجلرائم الثالث املاسة بالشرف واالعتبار ركنا ماديا وركنا أدبيا‪،‬‬
‫إىل جانب الركن الشرعي‪ ،‬يقتضي توافرها قيام اجلرمية املنصوص عليها قانونا‪ ،‬وترتب آثارها‪،‬‬
‫وجتمع بني هذه اجلرائم أوجه لالتفاق كما تباعدها بعض أوجه لالختالف‪ ،‬أورد البعض‬
‫جانبا منها‪ ،‬وفق ما يأيت‪:37‬‬
‫اإلهانة‬ ‫السب‬ ‫القذف‬
‫القذف هو إسناد واقعة السب ال يشتمل على‬
‫حمددة مىت كانت هذه إسناد واقعة معينة بل‬
‫الواقعة صادقة فهي موجبة يتضمن بأي وجه من الوجوه‬
‫للعقاب من أسندت إليه أو خدشا للشرف واالعتبار‬
‫توجب احتقاره عند أهله أو‬
‫وطنه‪.‬‬
‫السب يقع على آحاد الناس ال تقع إال على املوظف ومن‬ ‫القذف يقع على آحاد‬
‫يف حكمه‬ ‫الناس‬
‫‪-‬هذه الواقعة املسندة هي ال يشرتط تعيني الواقعة‬
‫أهم ما مييز جرمية القذف احملددة تعيينا حامسا من‬
‫عن جرمية السب الذي ال حيث زمان ومكان ارتكاهبا‬
‫يقوم سوى بإسناد واقعة بل جمرد لصق بعض‬
‫الكلمات أو األلفاظ أو‬ ‫حمددة إىل اجملين عليه‬

‫‪ -37‬انظر‪ :‬بدراين نرجس‪ ،‬بورغدة سعاد‪ ،‬زيتوين إهلام‪ ،‬جرائم الصحافة والنشر‪ ،‬مذكرة ليسانس‪ ،‬إشراف‬
‫األستاذ عيساوي‪ ،‬كلية احلقوق والعلوم السياسية‪ ،‬جامعة ‪ 08‬ماي قاملة‪2014/2013 ،‬م‬
‫‪465‬‬
‫التقادم وأثره في انقضاء الدعوى العمومية ‪ -------------‬د‪ .‬عبد الرحمن خلفة‬

‫العبارات اليت تقلل من شأن‬


‫اجملين عليه أو من احرتام‬
‫الغري له‪.‬‬
‫اإلهانة مرتبطة بالوظيفة‬ ‫إذا كان خالفا هلذا فهنا‬ ‫إذا كان خالفا هلذا فهنا‬
‫حبيث ال يكون القول أو‬ ‫تتوافر جرمية السب‬ ‫تتوافر جرمية القذف‬
‫الفعل مهينا وبالتايل معاقبا‬
‫عليه إال سبب الوظيفة أو‬
‫إثنائها فإذا مل يكن كذلك‬
‫فل تتوافر جرمية اإلهانة‬
‫ميثل اعتداء على شرف ميثل اعتداء على شرف‬
‫واعتبار اجملين عليه‪ ،‬ويقع واعتبار اجملين‪ ،‬ويقع على‬
‫آحاد الناس‬ ‫على آحاد الناس‪.‬‬
‫العالنية ليست ركنا يف‬ ‫العالنية ركن أساسي لقيام‬ ‫العالنية ركن أساسي لقيام‬
‫اإلهانة فل يلزم‬ ‫جرمية السب‬ ‫جرمية القذف‬
‫لتوجيه اإلهانة إىل املوظف‬
‫والعقاب عليها أن تقع‬
‫األقوال واألفعال بطريقة‬
‫علنية عدا حالة اإلهانة اليت‬
‫تقع على رئيس اجلمهورية م‬
‫‪144‬‬
‫القذف يقع بصرف النظر السب يقع بصرف النظر جيب لتوافر اإلهانة ووقوعها‬
‫عن مواجهة اجملين عليه أو عن مواجهة اجملين عليه أو يف مواجهة املوظف املوجه‬
‫إليه أو املقصود هبا‪ ،‬أن تصل‬ ‫عدم مواجهته بأهبما‬ ‫عدم مواجهته بأهبما‬
‫إليه بإرادة املتهم‪.‬‬

‫‪466‬‬
‫التقادم وأثره في انقضاء الدعوى العمومية ‪ -------------‬د‪ .‬عبد الرحمن خلفة‬

‫املتهم باإلهانة ال يقبل منه‬


‫إقامة الدليل بإثبات صحة‬
‫األمور املهنية اليت وجهها‬
‫للموظف العام مهما كان‬
‫الباعث عليها‬
‫لقيام جرمية القذف جيب أن لقيام جرمية السب جيب أن اإلهانة ال يشرتط أن تقع‬
‫تقع بإحدى الطرق العالنية تقع بإحدى الطرق العالنية بالكتابة فهي تقع بالقول أو‬
‫بالفعل أو التهديد‪.‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬مستندات الشرعية الفقهية والقانونية للجرائم الماسة بالشرف‬
‫واالعتبار‪:‬‬
‫تناغما وقاعدة أن ال جرمية وال عقوبة إال بنص‪ ،‬وعطفا على ما أوردناه سابقا من‬
‫نصوص شرعية وقانونية حمرمة وجمرمة آلحاد جرائم الشرف واالعتبار‪ ،‬من قذف وإهانة‬
‫وسب‪ ،‬وكاشفة عن عقوبتها املقدرة؛ فإن شرعية جرائم الشرف واالعتبار يف جمملها جتد‬
‫مستندها أيضا وبشكل أساسي يف نصوص شرعية ودستورية وقانونية تؤصل للتجرمي‬
‫وتشرعنه‪ ،‬لتشكل بذلك ضمانا حلقوق اإلنسان وحرياته‪ ،‬وآلية حلمايتها من أي تعد أو‬
‫تعسف قد يطاهلا‪ ،‬وال يتأتى حصر تلك النصوص يف هذا املقال؛ لذلك نكتفي بذكر أمهها‬
‫من الشريعة والقانون‪ ،‬وفق ما يأيت‪:‬‬
‫البند األول‪ :‬المستندات الشرعية‪ :‬لقد وردت نصوص كثرية يف الشريعة‬
‫اإلسالمية تؤكد على أمهية السمعة والشرف واالعتبار وتشرعن حلفظها من أي خدش أو‬
‫آد َم} (‪ )70‬اإلسراء)‪ ،‬وقوله تعاىل‪:‬‬ ‫مس بغري حق‪ ،‬ومنها قوله تعاىل‪َ { :‬ولََق ْد َكَّرْمنَا بَين َ‬
‫َّ‬ ‫َّ‬
‫يم يف ُّ‬
‫الدنْـيَا‬ ‫اب أَل ٌ‬ ‫ين َآمنُوا َهلُ ْم َع َذ ٌ‬ ‫يع الْ َفاح َشةُ يف الذ َ‬ ‫ين ُحيبُّو َن أَن تَش َ‬ ‫{إ َّن الذ َ‬
‫َّ‬
‫صنَات الْغَاف َالت الْ ُم ْؤمنَات لُعنُوا‬ ‫َو ْاآلخَرة}(النور ‪ ،)19/24‬وقوله‪{ :‬إ َّن الذ َ‬
‫ين يَـْرُمو َن الْ ُم ْح َ‬
‫يم}(النور ‪ ،)23/24‬وقوله‪َ { :‬ويْ ٌل لِّ ُك ِّل ُمهََزةٍ لُّ َمَزةٍ}(‪)1‬‬ ‫اب َعظ ٌ‬ ‫يف ُّ‬
‫الدنْـيَا َو ْاآلخَرة َوَهلُ ْم َع َذ ٌ‬
‫َح ُد ُك ْم أَن يَأْ ُك َل َحلْ َم أَخيه َمْيتًا‬
‫ب أَ‬ ‫ضا أ َُحي ُّ‬‫ض ُكم بَـ ْع ً‬‫سورة اهلمزة)‪ ،‬وقوله‪َ { :‬وَال يَـ ْغتَب بـَّ ْع ُ‬
‫‪467‬‬
‫التقادم وأثره في انقضاء الدعوى العمومية ‪ -------------‬د‪ .‬عبد الرحمن خلفة‬

‫يم}(‪( )12‬سورة احلجرات) كما حرم اهلل تعاىل‬ ‫اب َّرح ٌ‬ ‫فَ َكرْهتُ ُموهُ َواتَّـ ُقوا اللَّهَ إ َّن اللَّهَ تَـ َّو ٌ‬
‫صنَات ُمثَّ َملْ يَأْتُوا‬
‫ين يَـ ْرُمو َن الْ ُم ْح َ‬ ‫َّ‬
‫القذف وجرمه يف نصوص كثرية أبرزها قوله تعاىل‪َ (( :‬والذ َ‬
‫ك ُه ُم الْ َفاس ُقو َن‬ ‫ني َجْل َدةً َوَال تَـ ْقبَـلُوا َهلُ ْم َش َه َادةً أَبَ ًدا ۚ َوأُوَٰلَئ َ‬‫وه ْم ََثَان َ‬
‫اجل ُد ُ‬ ‫بأ َْربَـ َعة ُش َه َداءَ فَ ْ‬
‫يم)) (النور‪ .)5/4‬ومن السنة‬ ‫ور َّرح ٌ‬ ‫َصلَ ُحوا فَإ َّن اللَّهَ َغ ُف ٌ‬ ‫ك َوأ ْ‬ ‫ين تَابُوا من بَـ ْعد ََٰذل َ‬ ‫َّ َّ‬
‫(‪ )4‬إال الذ َ‬
‫النبوية وردت أحاديث كثرية تؤكد على حفظ الشرف واالعتبار‪ ،‬منها ما روي من قوله‬
‫صلى اهلل عليه وسلم‪( :‬فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم وأبشاركم عليكم حرام كحرمة‬
‫يومكم هذا‪ ،‬يف شهركم هذا)‪ .38‬وغريها من النصوص القرآنية والنبوية‪ ،‬كما أن الفقهاء‬
‫املسلمني جعلوا حفظ النسل والعرض من املقاصد الكلية للتشريع‪ ،‬تأكيدا على تكريس‬
‫هذه الضمانة الشرعية حلفظ الشرف واالعتبار‪.‬‬
‫وعلى غرار النصوص الشرعية جيد جترمي ما ميس الشرف واالعتبار من قذف وإهانة‬
‫وسب مرجعيّته يف النصوص الدستورية والقانونية‪ ،‬ومن ذلك ما ينص عليه الدستور اجلزائري‬
‫‪39‬‬
‫وأنه‪( :‬يعاقب القانون على‬ ‫من أنه‪( :‬تضمن الدولة عدم انتهاك حرمة اإلنسان)‬
‫املخالفات املرتكبة ضد احلقوق واحلريات‪ ،‬وعلى كل ما ميس سالمة اإلنسان البدنية‬
‫واملعنوية)‪ ،40‬وأنه‪( :‬ال جيوز انتهاك حرمة حياة املواطن اخلاصة‪ ،‬وحرمة شرفه‪ ،‬وحيميهما‬
‫القانون)‪ ،41‬وأن‪( :‬حرية الصحافة املكتوبة والسمعية البصرية وعلى الشبكات اإلعالمية‬
‫مضمونة‪ ،‬وال تقيد بأي شكل من أشكال الرقابة القبلية‪ .‬ال ميكن استعمال هذه احلرية‬

‫‪ -38‬أخرجه البخاري يف اجلامع الصحيح‪ ،‬كتاب العلم‪ ،‬باب ليبلغ العلم الشاهد الغائب‪ ،‬رقم ‪ ،103‬ويف‬
‫كتاب الفنت‪ ،‬رقم ‪ ،6667‬وأخرجه مسلم يف اجلامع الصحيح‪ ،‬كتاب احلج‪ ،‬باب حج النيب صلى اهلل‬
‫عليه وسلم‪ ،‬رقم ‪ 1218‬واللفظ للبخاري‪.‬‬
‫‪ -39‬م (‪ )40‬قانون رقم ‪ 01-16‬مؤرخ يف ‪ 26‬مجادى األوىل عام ‪1437‬ه املوافق ‪ 6‬مارس سنة‬
‫‪2016‬م‪ ،‬يتضمن التعديل الدستوري‪ ،‬اجلريدة الرمسية للجمهورية اجلزائرية‪ ،‬العدد ‪ 27 ،14‬مجادى األوىل‬
‫عام ‪1437‬هـ‪ 07/‬مارس سنة ‪2016‬م‪ ،‬ص‪.10‬‬
‫‪ -40‬م (‪ )41‬من الستور‪ ،‬املصدر نفسه‪ ،‬ص‪.10‬‬
‫‪ -41‬م (‪ )46‬من الستور‪ ،‬املصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.11‬‬
‫‪468‬‬
‫التقادم وأثره في انقضاء الدعوى العمومية ‪ -------------‬د‪ .‬عبد الرحمن خلفة‬

‫للمساس بكرامة الغري وحرياهتم وحقوقهم)‪ ،42‬وعلى أهنك (ميارس كل واحد مجيع حرياته‬
‫يف إطار احرتام احلقوق املعرتف هبا للغري يف الدستور‪ ،‬السيما احرتام احلق يف الشرف‪ ،‬وسرت‬
‫احلياة اخلاصة‪ ،‬ومحاية األسرة والشبيبة والطفولة)‪ ،43‬وغريها من املواد الدستورية‪.‬‬
‫كما انعكست هذه الضمانات الدستورية يف مواد القانون العضوي لإلعالم عرب‬
‫الكثري من أبوابه وفصوله‪ ،‬ففي الباب األول وضمن األحكام العامة نص هذا القانون على‬
‫أنه‪( :‬ميارس نشاط اإلعالم حبرية يف إطار أحكام هذا القانون العضوي والتشريع والتنظيم‬
‫املعمول هبما‪ ،‬ويف ظل احرتام‪.. :‬كرامة اإلنسان واحلريات الفردية واجلماعية)‪.44‬‬
‫ويف الفصل الثاين اخلاص بآداب وأخالقيات املهنة من الباب السادس نص القانون‬
‫على أنه‪ ..( :‬زيادة على األحكام الواردة يف املادة ‪ 2‬من هذا القانون العضوي جيب على‬
‫الصحفي على اخلصوص‪– .. :‬االمتناع عن السرقة األدبية والوشاية والقذف)‪.45‬‬
‫ويف الفصل ذاته نص على أنه‪( :‬مينع انتهاك احلياة اخلاصة لألشخاص وشرفهم‬
‫واعتبارهم‪ ،‬ومينع انتهاك احلياة اخلاصة للشخصيات العمومية بصفة مباشرة أو غري‬
‫مباشرة)‪ .46‬وأنه‪( :‬حيق لكل شخص يرى أنه تعرض الهتامات كاذبة من شأهنا املساس‬
‫بشرفه أو مسعته أن يستعمل حقه يف الرد)‪.47‬‬

‫‪ -42‬م (‪ )50‬من الستور‪ ،‬املصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.12-11‬‬


‫‪ -43‬م (‪ )77‬من الستور‪ ،‬املصدر نفسه ‪.15‬‬
‫‪ -44‬م (‪ )02‬من قانون اإلعالم اجلزائري‪.‬‬
‫‪ -45‬م (‪ )92‬من قانون اإلعالم اجلزائري‪.‬‬
‫‪ -46‬م (‪ )93‬من قانون اإلعالم اجلزائري‪.‬‬
‫‪ -47‬م (‪ )101‬من قانون اإلعالم اجلزائري‪.‬‬
‫‪469‬‬
‫التقادم وأثره في انقضاء الدعوى العمومية ‪ -------------‬د‪ .‬عبد الرحمن خلفة‬

‫إىل جانب املواد القانوين يف قانوين اإلعالم والعقوبات اليت جترم األفعال املاسة‬
‫بالشرف واالعتبار وترتب عليها عقوبات ختتلف درجاهتا حسب طبيعة كل جرمية‪ ،‬لتعطيها‬
‫ركنها الشرعي‪.48‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬أثر التقادم في انقضاء الدعوى العمومية في الجرائم الماسة‬
‫بالشرف واالعتبار في الفقه اإلسالمي ومدته‪:‬‬
‫بينا سابقا أن جرائم الشرف واالعتبار ليست نوعا واحدا؛ بل أنواع متعددة؛‬
‫يشكل كل نوع منها جرمية مستقلة‪ ،‬وأبرزها القذف والسب واإلهانة‪ .‬وهذه اجلرائم خيتلف‬
‫تصنيفها الفقهي من جرمية ألخرى‪ ،‬فليست كلها منضوية حتت جرائم احلدود؛ بل إن‬
‫القذف فقط هو الذي ينضوي حتت احلدود‪ ،‬بينما تنضوي جرميتا السب واإلهانة حتت‬
‫جرائم التعزيرات‪ ،‬إذ أن (األصل أن القذف ال يكون إال بالرمي بالزنا صراحة‪ ،‬أوضمنا‪،‬‬
‫وهذا يعاقب عليه باحلد املقرر شرعا‪ ،‬إال أن هناك نوعا يعاقب عليه عقوبة تعزيرية‪ ،‬وهو‬
‫الرمي بغري الزنا؛ كالسب والشتم‪ ،‬واإلهانة)‪.49‬‬
‫وقد اختلف الفقهاء املسلمون منذ القدم يف أثر التقادم يف انقضاء الدعوى العمومية‬
‫وسقوط اجلرائم والعقوبات؛ سواء تلك اليت تتعلق باحلدود‪ ،‬أو تلك اليت تتعلق بالتعزيرات‬
‫والسياسة الشرعية؛ لذلك حري بنا أن نقسم هذا املبحث إىل ثالثة مطالب‪ ،‬نتناول يف‬
‫املطلب األول أثر التقادم يف انقضاء الدعوى العمومية يف جرائم احلدود‪ ،‬ويف املطلب الثاين‬
‫أثر التقادم يف انقضاء الدعوى العمومية يف جرائم التعزيرات والسياسة الشرعية‪ ،‬قبل أن‬
‫نعرض اجتهادات الفقهاء القدامى واملعاصرين يف تقدير مدة التقادم يف مطلب ثالث‪،‬‬
‫وذلك وفق ما يأيت‪:‬‬
‫المطلب األول‪ :‬أثر التقادم في انقضاء الدعوى العمومية في جرائم الحدود‪:‬‬

‫‪ -48‬انظر مثال‪ :‬م ‪ 97‬إىل ‪ 98‬من قانون اإلعالم اجلزائري‪ .‬واملواد ‪ ،147-144‬م (‪ ،)297( )296‬من‬
‫ق‪.‬ع‪.‬ج‪.‬‬
‫‪ -49‬عبد القادر عودة‪ ،‬التشريع اجلنائي يف اإلسالم‪.404/2 ،‬‬
‫‪470‬‬
‫التقادم وأثره في انقضاء الدعوى العمومية ‪ -------------‬د‪ .‬عبد الرحمن خلفة‬

‫على الرغم من أن القذف مصنف ضمن جرائم احلدود إال أنه خيتلف عن باقي‬
‫هذه اجلرائم يف مدى تأثري التقادم يف انقضاء الدعوى العمومية املتعلقة به؛ لذلك سنقسم‬
‫هذا املطلب إىل قسمني تناول يف األول منهما أثر التقادم يف انقضاء دعوى احلدود عموما‪،‬‬
‫ويف الثاين نتناول أثر التقادم يف انقضاء دعوى القذف خصوصا‪ ،‬وذلك وفق ما يأيت‪:‬‬
‫الفرع األول‪ :‬أثر التقادم في انقضاء الدعوى العمومية في الحدود عموما‪ :‬إن‬
‫للتقادم تأثريا ‪-‬على اختالف بني الفقهاء‪-‬يف اجلرمية ودعواها‪ ،‬ويف العقوبة املرتتبة على‬
‫اجلرمية‪ ،‬وذلك وفق ما يأيت‪:‬‬
‫البند األول‪ :‬أثر التقادم في انقضاء دعوى جرائم الحدود‪ :‬اتفق الفقهاء على أن‬
‫جرائم القصاص ال تسقط بالتقادم‪ ،‬سواء ثبتت باإلقرار أو بالشهادة‪ ،‬أو بغري ذلك من‬
‫أدلة اإلثبات‪ .50‬أما يف جرائم احلدود مما كان حقا خالصا هلل تعاىل كالزنا‪ ،‬فإن الفقهاء‬
‫اختلفوا يف مدى انقضاء دعوى اجلرمية بالتقادم‪ ،‬ومضي الزمن‪ ،‬وكان هلم يف هذه املسألة‬
‫رأيان‪:‬‬
‫الرأي األول‪ :‬قال به جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة في‬
‫الصحيح من مذهبهم وهو قول للشيعة اإلمامية‪ :‬من أنه ال تأثري للتقادم يف إسقاط‬

‫‪ -50‬أبو احلسني البغدادي‪ ،‬التجريد‪ ،5923-5922/11 ،‬السمرقندي‪ ،‬حممد بن أمحد أبو بكر عالء‬
‫الدين‪ ،‬حتفة الفقهاء‪ ،141 ،‬ط ‪1405 ،1‬هـ‪1984 /‬م‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪ ،‬املاوردي أبو احلسن‬
‫علي بن حممد بن حبيب البصري‪ ،‬احلاوي الكبري يف فقه مذهب اإلمام الشافعي‪ ،‬حتقيق‪ ،‬حممود مطرجي‪،‬‬
‫وساهم معه ياسني اخلطيب وآخرون‪ ،‬ط ‪ 1414‬هـ‪ 1994 /‬م‪ ،‬دار الفكر بريوت‪،71-70/17 ،‬‬
‫الشربيي‪ ،‬حممد اخلطيب‪ ،‬مغين احملتاج إىل معرفة معاين ألفاظ املنهاج‪ ،546/6 ،‬حتقيق نصر الدين‬
‫التونسي ط‪1432 ،1‬هـ‪2012 /‬م‪ ،‬دار القدس‪ ،‬القاهرة‪ ،‬القاضي عبد الوهاب البغدادي‪ ،‬اإلشراف على‬
‫مسائل اخلالف‪ ،‬القاضي عبد الوهاب البغدادي‪ ،‬اإلشراف على مسائل اخلالف‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪1420‬هـ‪1999/‬م‪ ،‬دار ابن حزم‪ ،‬بريوت‪ ،863/2 ،‬حممد النجفي‪ ،‬جواهر الكالم‪ .476/14 ،‬لكن جملة‬
‫األحكام العدلية نصت على سقوط دعوى التقادم مبضي مخس عشرة سنة كما سيأيت‪ .‬أنظر‪ :‬علي‬
‫حيدر‪ ،‬درر احلكام شرح جملة األحكام‪ ،‬تعريب فهمي احلسيين‪ ،‬مكتبة النهضة‪ ،‬بريوت‪ ،‬د‪.‬ت‪ ،‬علي بن‬
‫خليل الطرابلسي‪ ،‬معني احلكام فيما يرتدد بني اخلصمني من األحكام‪ ،‬د‪ ،‬ت‪.282/4 ،‬‬
‫‪471‬‬
‫التقادم وأثره في انقضاء الدعوى العمومية ‪ -------------‬د‪ .‬عبد الرحمن خلفة‬

‫الدعوى والعقوبة‪ ،‬سواء ثبتت اجلرمية باإلقرار أم بالشهادة‪ ،‬فمىت ثبتت أخذ هبا‪51‬؛‬
‫صنَات)) (النور‪ ،)4‬فاقتضى أن‬ ‫ين يَـْرُمو َن الْ ُم ْح َ‬ ‫َّ‬
‫وحجتهم يف ذلك عموم قوله تعاىل‪َ (( :‬والذ َ‬
‫يكون حمموال على عموم األحوال يف الفور والرتاخي‪ ،‬وألن التهمة يف املبادرة أقوى منها يف‬
‫التأخري‪52‬؛ وقالوا إن الشهادة مبناها على الصدق‪ ،‬والتأخري ال يقدح فيه إذا وجد الشاهد‬
‫العدل؛ كما استندوا إىل القياس فقاسوا حقوق اهلل تعاىل على حقوق العباد‪ ،‬فكما أن هذه‬
‫ال تسقط بالتقادم‪ ،‬فكذلك حقوق اهلل تعاىل‪ .53‬وبرروا عدم تفريقهم يف أثر التقادم بني‬
‫الشهادة واإلقرار بقوهلم‪( :‬ن كل حق مل يسقط بتأخري اإلقرار مل يسقط بتأخري الشهادة‬
‫‪55‬‬
‫كسائر احلقوق)‪ .54‬و(ألنه [البينة] أحد نوعي ما يثبت به الزنا فيقاس على اإلقرار)‬
‫الرأي الثاني‪ :‬قال به األحناف والشيعة اإلمامية وهو رواية عن الحنابلة‪:56‬‬
‫حيث رأوا أن للتقادم أثرا يف سقوط الدعوى‪ ،‬يف جرائم احلدود‪ ،‬بشرط أن يكون‬
‫دليل اإلثبات هو البينة (الشهود) دون اإلقرار‪ ،‬فإذا مضت مدة ومل يؤد الشهود شهاداهتم‬
‫فيما حتملوه رفضت شهادهتم ومل تثبت هبا جرمية‪ ،‬إال إذا كان للتقادم والتأخر عذر ظاهر‬
‫بأن كان املشهود عليه يف موضع ليس فيه حاكم فحمل إىل بلد فيه حاكم فشهدوا عليه‬

‫‪ -51‬املاوردي‪ ،‬احلاوي‪ ،71-70/17 ،‬الشربيين‪ ،‬مغين احملتاج‪ ،546/6 ،‬القاضي عبد الوهاب البغدادي‪،‬‬
‫اإلشراف على مسائل اخلالف‪ ،863/2 ،‬حممد حسن النجفي‪ ،‬جواهر الكالم يف شرح شرائع اإلسالم‪،‬‬
‫ط ‪1412 ،1‬هـ‪ 1992 /‬م‪ ،‬مؤسسة املرتضي العاملية‪ ،‬بريوت‪ ،476/14 ،‬عبد القادر عودة‪ ،‬مرجع سابق‪،‬‬
‫‪ ،778‬حممد أبو زهرة‪ ،‬مرجع سابق‪.66 ،‬‬
‫‪ -52‬املاوردي‪ ،‬املصدر السابق‪.71-70/17 ،‬‬
‫‪ -53‬أمحد فراج حسني‪ ،‬أدلة اإلثبات يف الفقه اإلسالمي‪ ،‬ط ‪ ،2004‬دار اجلامعة اجلديدة اإلسكندرية‪،‬‬
‫‪ ،135‬النجفي‪ ،‬جواهر الكالم‪ ،476/14 ،‬املاوردي‪ ،‬املصدر السابق‪.71-70/17 ،‬‬
‫‪- 54‬القاضي عبد الوهاب البغدادي‪ ،‬املصدر السابق‪.864/2 ،‬‬
‫‪ -55‬املاوردي‪ ،‬املصدر السابق‪.71-70/17 ،‬‬
‫‪ -56‬أبو احلسني البغدادي‪ ،‬املصدر السابق‪ ،5923-5922/11 ،‬السمرقندي‪ ،‬املصدر السابق‪،141 ،‬‬
‫املاوردي‪ ،‬املصدر السابق‪ ،71-70/17 ،‬حممد النجفي‪ ،‬املصدر السابق ‪ ،476/14‬عبد القادر عودة‪،‬‬
‫مرجع سابق‪ .778 ،‬حممد أبو زهرة‪ ،‬مرجع سابق‪.66 ،‬‬
‫‪472‬‬
‫التقادم وأثره في انقضاء الدعوى العمومية ‪ -------------‬د‪ .‬عبد الرحمن خلفة‬

‫جازت شهادهتم وإن تأخرت؛ ألن هذا موضع العذر فال يكون التقادم فيه مانعا‪ .57‬أو‬
‫املرض وغريه من املوانع احلسية‪.58‬‬
‫وحجة هؤالء سد باب الضغينة احملتملة‪ .59‬ذلك أن الشاهد كان مأمورا من قبل‬
‫الشارع أمرا فوريا بأحد أمرين‪ :‬السرت أو أداء الشهادة حسبة هلل تعاىل وإلقامة حد اهلل تعاىل‬
‫ومنع الفساد يف األرض‪ ،‬والواجب أن خيتار أحدمها فورا‪ ،‬فإن تأخر بدون عذر حىت مضت‬
‫مدة تقادمت فيها اجلرمية‪ ،‬مث أقدم على الشهادة‪ ،‬فإن تأخريه هلا إن كان بسبب اختياره‬
‫السرت كان إقدامه على األداء مظنة عداوة أو ضغينة حقد طارئ‪ ،‬فصار متهما‪ ،‬وقد قضى‬
‫رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم أال شهادة خلصم وال ظنني‪ ،‬وإن مل يكن تأخريه للشهادة‬
‫بسبب اختياره السرت كان فاسقا بالتأخري‪ ،‬فوجد املانع من قبول الشهادة يف احلالني‪60‬؛ بل‬
‫يف هذه احلال يرى بعض األحناف أن الشهادة توجب حد القذف‪.61‬كما علل الشيعة‬
‫ذلك باحتمال التوبة يف تلك الفرتة فال تقبل بعدها‪ .62‬بينما مل يفرق زفر من احلنفية بني ما‬
‫ثبت بالشهادة وما ثبت باإلقرار يف السقوط بالتقادم‪.63‬‬
‫البند الثاني‪ :‬أثر التقادم في سقوط عقوبات جرائم الحدود‪:‬‬
‫ما أوردناه سابقا يتعلق جبرائم احلدود يف ذاهتا ومدى انقضاء الدعوى العمومية‬
‫املتعلقة هبا بسبب التقادم؛ أما بالنسبة للعقوبات فإن األصل فيها عند الفقهاء القدامى مبن‬

‫‪ -57‬الكاساين‪ ،‬بدائع الصنائع‪.69/7 ،‬‬


‫‪58‬‬
‫حممد بن عبد الواحد‪ ،‬شرح فتح القدير‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪،‬‬
‫‪ -‬ابن اهلمام‪ ،‬كمال الدين ّ‬
‫د‪.‬ت‪.60/5 ،‬‬
‫‪ -59‬أبو احلسني البغدادي‪ ،‬مصدر سابق‪.5922/11 ،‬‬
‫‪ -60‬أمحد فراج حسني‪ ،‬مرجع سابق‪ .135-134 ،‬وانظر‪ :‬الكاساين‪ :‬عالء الدين أبو بكر بن مسعود‪،‬‬
‫بدائع الصنائع يف ترتيب الشرائع‪ ،‬ط‪1417 ،1‬هـ‪1996/‬م‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬بريوت‪ ،68/7 ،‬أبو احلسني‬
‫البغدادي‪ ،‬مصدر سابق‪ ،5923- 5922/11 ،‬السمرقندي‪ ،‬حتفة الفقهاء‪ ،141 ،‬املاوردي‪ ،‬مصدر‬
‫سابق‪.71-70/17 ،‬‬
‫‪ -61‬الكاساين‪ :‬مصدر سابق‪.69/7 ،‬‬
‫‪ -62‬حممد النجفي‪ ،‬مصدر سابق‪.476/14 ،‬‬
‫‪ -63‬الكاساين‪ ،‬مصدر سابق‪.75/7 ،‬‬
‫‪473‬‬
‫التقادم وأثره في انقضاء الدعوى العمومية ‪ -------------‬د‪ .‬عبد الرحمن خلفة‬

‫فيهم األحناف أهنا واجبة النفاذ بعد صدورها‪ ،‬حدا أو قصاصا‪ ،‬طال الزمن أم قصر‪ ،‬ما مل‬
‫يظهر عنصر جديد لصاحل صاحبها‪ ،‬على غرار عدول الشهود أو املقر‪ ،‬باستثناء التعزيرات‬
‫القائمة على االجتهاد واملفوضة لويل األمر‪ ،‬اليت ميكن أن تسقط بالتقادم‪.64‬‬
‫لكننا وجدنا األحناف يوردون صورا ملا يسقط بعض احلدود (العقوبات) عن‬
‫أصحاهبا بسبب تقادمها‪ ،‬تبعا لقوهلم بسقوط اجلرائم عموما بسبب تقادمها‪ ،‬فيقول ابن‬
‫اهلمام (ت ‪861‬هـ)‪( :‬التقادم كما مينع قبول الشهادة يف االبتداء مينع اإلقامة بعد القضاء‪،‬‬
‫حىت لو هرب بعدما ضرب بعض احلد مث أخذ بعدما تقادم الزمان ال يقام عليه؛ ألن‬
‫اإلمضاء من القضاء حبقوق اهلل تعاىل‪ .‬وإذا كان كذلك كان قيام الشهادة شرطا حال‬
‫االستيفاء كما هو شرط حال القضاء‪ ..‬وبالتقادم مل تبق الشهادة فال يصح هذا القضاء‬
‫الذي هو االستيفاء فانتفى‪ ،‬وهذا رد املختلف إىل املختلف‪ ،‬فإن كون قيام الشهادة وقت‬
‫القضاء شرطا صحيح‪ ،‬ولكن الكالم يف معىن قيامها‪ ،‬فعندهم [األئمة الثالثة وزفر] ما مل‬
‫يطرأ ما ينقضها من الرجوع وهي قائمة‪ ،‬حىت لو شهدوا مث غابوا أو ماتوا جاز احلكم‬
‫بشهادهتم‪ ،‬وعندنا قيامها بقيامهم على األهلية واحلضور)‪ .65‬فالقاعدة إذن أنه (إذا وجب‬
‫عند احلكم أن ال تتقادم اجلرمية فقد وجب أن ال يكون التقادم عند التنفيذ)‪ .66‬فاملراد أن‬
‫تستمر البينة مستوفية شروط القبول بعد األداء إىل احلكم واإلمضاء‪.67‬‬

‫‪ -64‬باستثناء ما ذهب ابن عابدين أن التعزير ال يسقط بالتقادم‪ ،‬ابن عابدين‪ ،‬حممد أمني بن عمر بن‬
‫عبد العزيز‪ ،‬رد احملتار على الدر املختار‪ ،‬حتقيق أمحد عبد املوجود وعلي حممد عوض‪ ،‬ط‬
‫‪1423‬هـ‪2003/‬م‪ ،‬عامل الكتب‪ ،‬الرياض‪.103/6 ،‬‬
‫‪ -65‬ابن اهلمام‪ ،‬مصدر سابق‪.59/5 ،‬‬
‫‪ -66‬عبد القادر عودة‪ ،‬مرجع سابق‪.780/1 ،‬‬
‫‪ -67‬عرض األحناف احلاالت اليت تسقط مبوجبها شهادة الشهود بعد األداء قبل احلكم والتنفيذ (القضاء‬
‫واإلمضاء)‪ .‬ومنها‪ :‬الفسق أو الردة أو اجلنون أو العمى واخلرس وحد القذف‪ ،‬أو موهتم يف حد الرجم‬
‫خاصة؛ ألن البداية بالشهود يف الرجم شرط جواز اإلقامة‪ ،‬وقد فات باملوت على وجه ال يتصور عودته‬
‫فسقط احلد ضرورة‪ .‬انظر‪ :‬الكاساين‪ ،‬مصدر سابق‪.91/7 ،‬‬
‫‪474‬‬
‫التقادم وأثره في انقضاء الدعوى العمومية ‪ -------------‬د‪ .‬عبد الرحمن خلفة‬

‫الفرع الثاني‪ :‬أثر التقادم في انقضاء دعوى جريمة القذف‪ :‬األصل يف جرائم‬
‫احلدود أهنا حق خالص هلل تعاىل مقابل جرائم القصاص اليت هي حق خالص للعباد؛‬
‫ولذلك جاز سقوطها بالتوبة والتقادم وغريها من املسقطات على اختالف بني الفقهاء؛‬
‫لكن القذف وإن انضوى حتت مسمى احلدود إال أنه غلب فيه حق العبد؛ لذلك انفرد عن‬
‫سائر احلدود يف عدم خضوعه ملبدأ السقوط بالتقادم؛ سواء عند األحناف أو عند مجهور‬
‫الفقهاء‪ ،‬حيث وقع االتفاق على أنه ال يسقط بالتقادم‪ ،68‬وقد برر األحناف متييزهم‬
‫للقذف عن باقي احلدود بأنه من حقوق العباد؛ وبأن حجة تقرير التقادم بسبب الشهادة‬
‫يف سائر احلدود ال تتحقق يف القذف؛ ألن تأخري الشهادة فيه ال يدل على الضغينة‬
‫والتهمة؛ ألن الدعوى هناك شرط فاحتمل أن التأخري كان لتأخري الدعوى من املدعي‪.69‬‬
‫إذ أن شكوى اجملين عليه شرط لتحرك الدعوى فال يستطيع الشاهد أن يشهد قبل‬
‫الشكوى‪.70‬‬
‫هذا هو رأي فقهاء اإلسالم يف أثر التقادم على جرمية القذف؛ لكن للقذف عرب‬
‫جهاز الصحافة مدلول أوسع مما هو عليه يف الفقه اإلسالمي؛ فبينهما عموم وخصوص‪،‬‬
‫كما بينا سابقا؛ ففي القانون تنضوي حتت مسمى القذف جرائم ال يعدها الفقهاء كذلك‬
‫بل يلحقوهنا جبرائم التعزير‪ ،‬ومنها االهتام بالرشوة واالختالس والتحرش والغش وغريها من‬
‫اجلرائم؛ لذلك فإن حكم التقادم فيها فقهيا هو نفس احلكم يف جرائم التعزيرات كما‬
‫سنبينه اآلن يف الفرع الثاين‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬أثر التقادم في انقضاء الدعوى العمومية في جرائم التعزيرات‬
‫والسياسة الشرعية‪ :‬إن اجلرائم املاسة بالشرف واالعتبار املرتكبة عن طريق جهاز‬

‫‪ -68‬نبيل عبد الصبور النرباوي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،363 ،‬أبو زهرة‪ ،‬مرجع سابق‪ .70 ،‬وانظر‪ :‬الكاساين‪،‬‬
‫مصدر سابق‪ .64/7 ،‬م‬
‫‪ -69‬نبيل عبد الصبور النرباوي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،363 ،‬وانظر‪ :‬الكاساين‪ ،‬مصدر سابق‪.64/7 ،‬‬
‫‪ -70‬عبد القادر عودة‪ ،‬مرجع سابق‪.780/1 ،‬‬
‫‪475‬‬
‫التقادم وأثره في انقضاء الدعوى العمومية ‪ -------------‬د‪ .‬عبد الرحمن خلفة‬

‫الصحافة‪ ،‬على غرار اإلهانة والسب واإلساءة‪ ،‬والقذف مبفهومه الواسع تنضوي فقهيا حتت‬
‫مسمى التعزيرات؛ وهذه اجلرائم يكاد فقهاء اإلسالم يتفقون على أهنا تسقط بالتقادم؛ إذا‬
‫قرر ويل األمر ذلك؛ ألن التعزيرات قائمة على االجتهاد ومفوضة لويل األمر فيمكن أن‬
‫تسقط بالتقادم‪ .71‬فتطبيقا لقواعد العامة للشريعة‪ ،‬ومنها أن لويل األمر أن يعفو عن العقوبة‬
‫بعد احلكم هبا أو قبلها‪ ،‬فإن له أيضا أن يعلق سقوطها على مضي مدة معينة‪ ،‬إن رأى يف‬
‫ذلك ما حيقق مصلحة عامة أو يدفع مضرة‪ .72‬فسلطة إسقاط اجلرمية التعزيرية بالتقادم من‬
‫قبل ويل األمر من باب األوىل شريطة أن يكون تقدير ويل األمر هلذه الفرتة الزمنية مبنيا‬
‫على املصلحة العامة للمجتمع اإلسالمي‪ ،‬تلك املصلحة اليت يعتد هبا الشارع اإلسالمي‬
‫واليت يعدها مصدرا من مصادر التشريع‪.73‬‬
‫ومن هذه الزاوية يتفق القانون مع ما سار عليه الفقه اإلسالمي قدميا بتقريره مبدأ‬
‫التقادم يف جرائم الشرف واالعتبار؛ ألن اجلرائم املنصوص عليها ال تدخل ضمن دائرة‬
‫احلدود‪.‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬مدة التقادم في الفقه اإلسالمي‪ :‬تباينت مدة التقادم املسقطة‬
‫للشهادة بني فقهاء األحناف فروي أهنا موكولة الجتهاد القاضي وتقديره يف كل عصر‪،‬‬
‫وقيل بل هي مقدرة بثالثة أيام‪ ،‬وقيل بشهر كما ذهب إىل ذلك أبو يوسف وحممد‪ ،‬وقيل‬
‫بستة أشهر‪ ،74‬وقيل بسنة‪ ،75‬وكذلك تباينت املدة عند الشيعة‪ ،‬فقيل ستة أشهر وقيل‬
‫مخسة أشهر‪ .76‬كما نصت جملة األحكام العدلية على عدم مساع دعوى القصاص من قبل‬

‫‪ -71‬باستثناء ما ذهب ابن عابدين أن التعزير ال يسقط بالتقادم‪ ،‬ابن عابدين‪ ،‬مصدر سابق‪.103/6 ،‬‬
‫‪ -72‬عبد القادر عودة‪ ،‬مرجع سابق‪.779/1 ،‬‬
‫‪ -73‬سامح السيد جاد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.25‬‬
‫‪ -74‬الكاساين‪ ،‬بدائع الصنائع‪ ،69/7 ،‬ابن اهلمام‪ ،‬مصدر نفسه‪.60-59/5 ،‬‬
‫‪ -75‬ابن اهلمام‪ ،‬مصدر نفسه‪.59/5 ،‬‬
‫‪ -76‬حممد النجفي‪ ،‬مصدر نفسه‪.476/14 ،‬‬
‫‪476‬‬
‫التقادم وأثره في انقضاء الدعوى العمومية ‪ -------------‬د‪ .‬عبد الرحمن خلفة‬

‫القاضي إذا مضت مخس عشرة سنة قمرية من تاريخ إمكانية حتريك الدعوى من قبل‬
‫اخلصم‪ ،‬إال بإذن سلطاين استثنائي‪.77‬‬
‫وضمن إطار االجتهاد املعاصر لتقنني أحكام الفقه اإلسالمي يف التقادم حاول علي‬
‫علي منصور يف مشروعه لنظام التجرمي والعقاب تقدير مدة لسقوط اجلرمية ومدة أخرى‬
‫لسقوط العقوبة بالتقادم‪ ،‬ففي جمال احلدود مثال حدد مدة لسقوط جرمية الزنا بعشر‬
‫سنوات‪ ،78‬ولسقوط العقوبة بعشرين سنة‪ .79‬وقد بني يف املذكرة التوضيحية أنه استقى هذه‬
‫املواد من املذهب احلنفي‪ .80‬وحنن هنا نسجل مالحظتني على املدة املقرتحة من قبله كما‬
‫يأيت‪:‬‬
‫أوال‪-‬إن هذه املدد اليت اقرتحها علي علي منصور ومن قبله جملة األحكام العدلية ال‬
‫تصلح هنا؛ ألهنا طويلة جدا تفضي عادة إىل تغيريات نفسية واجتماعية وميدانية كثرية‪،‬‬
‫وتتعارض واألغراض اليت يستهدفها مبدأ التقادم اجلنائي‪ ،‬وال تكاد جتد هلا مستندا يف الفقه‬
‫اإلسالمي مبا يف ذلك الفقه احلنفي‪ ،‬الذي جعل مدار مدة التقادم على األشهر‪ ،‬وليس‬
‫على السنوات؛ مما يدل على أن اجتهاد تقدير مدة التقادم متخض يف ظل املؤثرات اخلارجية‬
‫احلديثة وولد من رحم منظومتها القانونية‪.‬‬
‫ثانيا‪-‬إن اجلرائم املاسة بالشرف واالعتبار املرتكبة عن طريق جهاز الصحافة ليست‬
‫يف جمملها من جرائم احلدود واجلنايات؛ بل هي من جرائم التعزيرات والسياسة الشرعية‪،‬‬
‫املدرجة قانونا ضمن اجلنح واملخالفات‪ ،‬والعقوبات املقررة هلا قانونا خفيفة مقارنة بغريها من‬
‫اجلرائم؛ إذ تكاد تقتصر على الغرامات املالية‪ ،‬كما هو مقرر يف قانون اإلعالم‪ ،‬وقد عزز‬

‫‪ -77‬علي حيدر‪ ،‬درر احلكام شرح جملة األحكام‪ ،282/4 ،‬تعريب فهمي احلسيين‪ ،‬مكتبة النهضة‪،‬‬
‫بريوت‪ ،‬بغداد‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪ -78‬م (‪ ،)7‬علي علي منصور‪ ،‬نظام التجرمي والعقاب يف اإلسالم‪ ،‬ط‪1396 ،1‬هـ‪1976/‬م‪ ،‬مؤسسة‬
‫الزهراء‪ ،‬املدينة املنورة‪.191/1 ،‬‬
‫‪ -79‬م (‪ ،)8‬علي علي منصور‪ ،‬املرجع نفسه‪.191/1‬‬
‫‪ -80‬انظر‪ :‬علي علي منصور‪ ،‬املرجع نفسه‪.192 – 191/1 ،‬‬
‫‪477‬‬
‫التقادم وأثره في انقضاء الدعوى العمومية ‪ -------------‬د‪ .‬عبد الرحمن خلفة‬

‫هذا التخفيف التعديل اجلديد للدستور الذي نص على أنه‪ ..( :‬ال ميكن أن ختضع جنحة‬
‫الصحافة لعقوبة سالبة للحرية)‪81‬؛ فمقرتحاته قد تصلح إن صلحت يف تقدير مدة التقادم‬
‫يف اجلنايات‪.‬‬
‫ثالثا‪-‬إن عدم تقدير مدة للتقادم فقها [قدميا] ال مينع ويل األمر من أن يقدرها‬
‫نظاما؛ فالفقه ال يقدر املقادير إال ما فيه نص أو قياس على نص‪ ،‬وال نص يف املوضوع‪،‬‬
‫أما األمور اليت تبىن على العرف فإن أمر التقدير فيها يوكل إىل القاضي وإىل ويل األمر‪ ،‬فله‬
‫أن يعينا املدة اليت يراها‪ ،‬مالحظا يف تقديرها مالبسات األحوال وشؤون الزمان وأعراف‬
‫الناس‪.82‬‬
‫لذلك نرى ترك أمر التقدير لسلطات ويل األمر‪ ،‬ممثال يف العصر احلديث يف‬
‫السلطات التشريعية؛ حيث يقتصر دور القضاء يف التنفيذ‪ ،‬توحدا لإلجراءات وحتقيقا‬
‫الستقرار العدالة‪ ،‬السيما وأن جل جرائم الشرف واالعتبار من صنف التعزيرات والسياسة‬
‫الشرعية‪ ،‬مع األخذ بعني االعتبار ما نسجله الحقا من مالحظات على املدة املقررة يف‬
‫قانون اإلعالم‪ ،‬حيث نقرتح أن تكون مدة التقادم هي ذاهتا مدة حق الرد‪ ،‬حىت تطوى‬
‫القضايا اجلرائم املاسة بالشرف واالعتبار‪ ،‬ويبطل مفعوهلا‪ ،‬وتوضع يف طي النسيان حتقيقا‬
‫الستقرار العدالة ومراعاة ملصلحة اجلاين واجملين عليه‪.‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬أثر التقادم في انقضاء الدعوى العمومية في الجرائم الماسة‬
‫بالشرف واالعتبار في القانون الجزائري‪:‬‬
‫ال ختتلف اجلرائم املاسة بالشرف واالعتبار املرتكبة عن طريق جهاز الصحافة عن‬
‫بقية اجلرائم املنصوص عليها قانونا يف كوهنا مشمولة بأسباب اإلباحة‪ 83‬وموانع املسؤولية‬

‫‪ -81‬م (‪ )50‬من الدستور‪ ،‬الفقرة (‪ ،)4‬مرجع سابق ص ‪.12‬‬


‫‪ -82‬أبو زهرة‪ ،‬مرجع سابق‪.68 ،‬‬
‫‪ -83‬من أسباب إباحة القذف‪ :‬النقد‪ ،‬والطعن يف ذوي الصفة العامة‪ ،‬والتبليغ عن اجلرائم واملخالفات‬
‫اإلدارية‪ ،‬وحق الدفاع أمام احملاكم‪ ،‬واحلق يف نشر احملاكمات العلنية‪ ،‬مبدأ عدم املسؤولية الربملانية‪ ،‬ولكل‬
‫سبب منها شروط وضوابط البد من التقيد هبا ليباح القذف به‪ ،‬انظر‪ :‬نبيل صقر‪ ،‬مرجع سابق‪104 ،‬‬
‫‪478‬‬
‫التقادم وأثره في انقضاء الدعوى العمومية ‪ -------------‬د‪ .‬عبد الرحمن خلفة‬

‫وأسباب السقوط‪ ،‬ومنها خاصة السقوط مببدأ التقادم‪ ،‬وقد ظل العمل هبذا املبدأ يف هذا‬
‫الصنف من اجلرائم املدرج يف دائرة اجلنح واملخالفات مبا هو مقرر يف قانون اإلجراءات‬
‫اجلزائية‪ ،‬ضمن القواعد العامة‪ ،‬شأهنا شأن باقي اجلرائم العادية من اجلنح واملخالفات‬
‫املرتكبة بغري جهاز الصحافة‪ ،‬دون أن تعطى هلا أي خصوصية‪ ،‬حيث تتقادم اجلنح مبضي‬
‫ثالث سنوات كاملة وفق ما ننص عليه قانون اإلجراءات اجلزائية من أنه‪( :‬تتقادم الدعوى‬
‫العمومية يف مواد اجلنح مبرور ثالث سنوات كاملة)‪.84‬‬
‫بينما تتقادم املخالفات مبضي سنتني عن ارتكاهبا عن طريق جهاز الصحافة‪ ،‬وفقا‬
‫ملا نص عليه قانون اإلجراءات اجلزائية من أنه‪( :‬يكون التقادم يف مواد املخالفات مبضي‬
‫سنتني كاملتني)‪.85‬‬
‫وهذا اإلجراء ظل مطبقا منذ صدور القوانني املتعلقة باإلعالم السيما قانون‬
‫‪1982‬م وقانون ‪1990‬م‪ ،‬مما شكل نشازا يف نظر الكثري من اإلعالميني والقانونيني كونه ال‬
‫يراعي خصوصية العمل الصحفي وال يتماشى وما درجت عليه الكثري من القوانني املقارنة‬
‫ومنها القانون الفرنسي الذي قصر مدة التقادم يف الدعوى اجلنائية واملدنية الناشئة عن‬
‫يوليو ‪1881‬م املتعلق حبرية‬ ‫‪29‬‬ ‫اجلنايات واجلنح واملخالفات املنصوص عليها يف قانون‬
‫الصحافة على ثالثة (‪ )3‬أشهر من يوم وقوعها أو من يوم آخر إجراء من التحقيق أو‬
‫احملاكمة‪86‬؛ حيث نص القانون الفرنسي على أن‪( :‬الدعوى العامة والدعوى املدنية‬
‫النامجتان عن اجلنايات أو اجلنح أو املخالفات امللحوظة يف هذا القانون تسقط بالتقادم‬

‫وما بعدها‪ ،‬جعفر عبد السالم‪ ،‬اإلطار التشريعي للنشاط اإلعالمي‪ ،351-350 ،‬ط‪1414‬هـ‪1993/‬م‪،‬‬
‫دار املنار‪ ،‬مصر‪.‬‬
‫‪ -84‬م (‪ )08‬من األمر رقم ‪ ،156-66‬املؤرخ يف ‪ 18‬صفر ‪1386‬ه املوافق ‪ 08‬يونيو ‪1966‬م‪ ،‬يتضمن‬
‫قانون اإلجراءات اجلزائية املتمم واملعدل‪.‬‬
‫‪ -85‬م (‪ )09‬من ق‪.‬إ‪.‬ج‪.‬ج‪.‬‬
‫‪ -86‬أمني مصطفى حممد‪ ،‬احلماية اجلنائية اإلجرائية للصحفي –دراسة يف القانونيني املصري والفرنسي‪-‬‬
‫‪ ،40‬ط‪ ،2010‬ديوان املطبوعات اجلامعية اإلسكندرية‪.‬‬
‫‪479‬‬
‫التقادم وأثره في انقضاء الدعوى العمومية ‪ -------------‬د‪ .‬عبد الرحمن خلفة‬

‫(مرور الزمن) بعد ثالثة أشهر كاملة اعتباراً من اليوم الذي ارتكبت فيه‪ ،‬أو من تاريخ آخر‬
‫عمل حتقيق أو مالحقة آن وجد)‪87‬وكذا القانون املصري الذي قيد املدة بثالثة أشهر من‬
‫تاريخ علم اجملين عليه باجلرمية ومبرتكبها‪.88‬‬
‫لكن املشرع اجلزائري استدرك هذا األمر يف آخر تعديل للقانون العضوي لإلعالم‪،‬‬
‫حني استحدث مادة جديدة كرس مبوجبها خصوصية اجلرائم املرتكبة بواسطة جهاز‬
‫الصحافة‪ ،‬فقلص آجال انقضاء الدعوى العمومية واملدنية املتعلقة هبا‪ ،‬إىل (‪ )6‬أشهر فقط‪،‬‬
‫فنص على أنه‪( :‬تتقادم الدعوى العمومية والدعوى املدنية املتعلقتان باجلنح املرتكبة عن‬
‫طريق الصحافة املكتوبة‪ ،‬أو السمعية البصرية أو االلكرتونية بعد (‪ )6‬ستة أشهر كاملة من‬
‫تاريخ ارتكاهبا)‪.89‬‬
‫ويف ضوء هذا ميكن تسجيل املالحظات اآلتية‪:‬‬
‫أوال‪-‬لقد ساير املشرع اجلزائري هبذا التقليص القوانني املقارنة املتعلقة باإلعالم‬
‫والصحافة‪.‬‬
‫ثانيا‪ّ -‬‬
‫ضمن املشرع اجلزائري مبدأ التقادم يف القانون العضوي؛ ليحسم األمر بذلك‬
‫للتخفيف؛ ألن القانون العضوي أقوى من القانون العادي‪ ،‬فهو خيصص عمومه ويقيد‬
‫مطلقه‪ ،‬السيما وأنه مرتاخ عنه‪.‬‬
‫ثالثا‪-‬إن املشرع اجلزائري الذي قلص مدة التقادم إىل ستة أشهر من ارتكاهبا‪ ،‬مل‬
‫يقيد ذلك مبدى علم أو عدم علم اجملين عليه باجلرمية اليت طالته‪ ،‬فاحتساب مدة التقادم‬
‫تبدأ مبجرد صدورها يف نشرية أو بثها يف وسيلة إعالم مسعية بصرية‪ ،‬أو نشرها يف وسيلة‬
‫إعالم االلكرتونية‪.‬‬

‫‪ -87‬م (‪ ،)65‬من القانون [الفرنسي] الصادر يف ‪ 29‬متوز ‪ 1881‬عن حرية الصحافة‪ ،‬النسخة املوطدة‬
‫حىت ‪ 11‬أيلول ‪2011‬م‪https://www.legifrance.gouv.fr/Traductions/ar/29-1881 .‬‬
‫‪ -88‬أمني مصطفى حممد‪ ،‬املرجع نفسه‪.33 ،‬‬
‫‪ -89‬م (‪ )124‬من القانون العضوي رقم ‪ 05-12‬املؤرخ يف ‪ 18‬صفر ‪1433‬هـ املوافق ‪ 12‬يناير سنة‬
‫‪ ،2012‬يتعلق باإلعالم‪.‬‬
‫‪480‬‬
‫التقادم وأثره في انقضاء الدعوى العمومية ‪ -------------‬د‪ .‬عبد الرحمن خلفة‬

‫وهذا على خالف ما قرره املشرع املصري من أن مدة التقادم يشرع يف احتساهبا من‬
‫تاريخ العلم هبا من قبل اجملين عليه‪ .90‬وهنا يرى فقهاء القانون أن املشرع املصري يفرض‬
‫مبقتضى النص أن يعلم اجملين عليه باجلرمية ومبرتكبها‪ ،‬وأن يثبت علم اجملين عليه أو ممثله‬
‫بذلك‪.91‬‬
‫فالتقادم ال تبدأ مدته مبجرد النشر أو البث مامل تثبت قرائن األحوال ان اجملين عليه‬
‫بلغه ذلك أو عاينه‪ ،‬وهذا الشرط يف نظرنا يفقد التقادم مقصده املفرتض من قبل املشرع؛‬
‫وقد يلحق اجلرمية املرتكبة جبهاز الصحافة بسائر اجلرائم العادية‪ ،‬وال يبقي على‬
‫خصوصيتها؛ فبإمكان اجملين عليه أن حيرك الدعوى يف أي وقت ويدفع بعدم العلم هبا‪.‬‬
‫رابعا‪-‬على الرغم من تكريس مبدأ التقادم يف الدعوى العمومية والدعوى املدنية‬
‫املتعلقة باجلرائم املرتكبة عن طريق جهاز الصحافة وتقليص مدته إىل ستة أشهر من قبل‬
‫املشرع يف قانون اإلعالم اجلزائري؛ إال أن هذه املدة تبقى بعيدة عن القوانني املقارنة‪ ،‬وغري‬
‫حمققة للمقاصد املغيّئة من التقليص‪.‬‬
‫ذلك ألن الغرض من ذلك حث اجملين عليه على حتديد موقفه يف أجل معقول‬
‫يتيح له أن يزن األمور‪ ،‬ويقلبها على أحسن وجوهها؛ حبيث إذا مل ينشط يف خالل هذه‬
‫األجل لتقدمي شكواه سقط حقه هنائيا‪ ،‬فمضي هذه املدة قرينة ال تقبل إثبات العكس على‬
‫التنازل عن الشكوى؛ حىت ال يتخذ من حق الشكوى‪-‬إذا استمر أو تأبد‪-‬سالحا للتهديد‬
‫أو البتزاز أو النكاية‪.92‬‬
‫عالوة على أن الصحافة تساير األحداث املتسارعة خاصة يف ظل وسائل اإلعالم‬
‫اجلديد‪ ،‬فالكثري من اجلرائم املرتكبة جبهاز الصحافة املاسة بالشرف واالعتبار تفقد تأثريها‬
‫سريعا على اجملين عليه والرأي العام‪ ،‬ومن شأن طول مدة حق الشكوى أن يعيد هلا تأثريها‪،‬‬
‫ليس فقط على الصحايف الذي يظل رهني الشاكي؛ بل أيضا على اجملين عليه الذي يبقي‬

‫‪ -90‬أمني مصطفى حممد‪ ،‬املرجع السابق‪.36 ،‬‬


‫‪ -91‬أمني مصطفى حممد‪ ،‬املرجع نفسه‪.36 ،‬‬
‫‪ -92‬أمني مصطفى حممد‪ ،‬املرجع السابق‪.35-34 ،‬‬
‫‪481‬‬
‫التقادم وأثره في انقضاء الدعوى العمومية ‪ -------------‬د‪ .‬عبد الرحمن خلفة‬

‫شرفه واعتباره يف مزاد اإلعالم خالفا ملا يقصده املشرع من جرب الضرر ومللمة ما تناثر من‬
‫مسعة وشرف واعتبار اجملين عليه‪ .‬هلذا فإن مدة ستة أشهر مبالغ فيها‪ ،‬وكان حريا باملشرع‬
‫تقليصها أكثر‪ ،‬وجعلها وحق الرد سيان يف التقادم والسقوط‪ ،‬ويقدرها بشهر واحد فقط؛‬
‫سدا لذريعة التعسف وحفظا لكرامة الصحايف وحق اجملتمع يف عدم إحياء ما طواه النسيان‬
‫من جرائم‪ ،‬وصيانة أكثر لشرف واعتبار اجملين عليه‪.‬‬
‫خامسا‪-‬لقد جعل املشرع اجلزائري الستة أشهر مدة للتقادم وليست مدة للسقوط؛‬
‫وبالتايل فإن هذا األخري خيضع إلجراءات وقف التقادم املنصوص عليها يف قانون‬
‫اإلجراءات؛ على خالف القانون املصري الذي جعل املدة مدة سقوط احلق وليست مدة‬
‫للتقادم؛ ومن مث ال تعرض هلا أسباب الوقف واالنقطاع‪.93‬‬
‫وقد ساير املشرع اجلزائري املشرع الفرنسي يف هذ التصنيف‪ ،‬حيث جعل هذه‬
‫األخري املدة مدة للتقادم وليست مدة للسقوط‪ ،‬وحدد يف قانون حرية الصحافة اإلجراءات‬
‫القاطعة ملدة التقادم‪ ،94‬فنص على أنه‪( :‬على أنه وقبل البدء باملالحقة‪ ،‬يكون لطلبات‬
‫التحقيق لوحدها مفعول قاطع للتقادم؛ جيب على هذه الطلبات ان تذكر وتصف أعمال‬
‫التحريض والتحقري والذم والقدح اليت كانت وراء طلب التحقيق حتت طائلة البطالن)‪،95‬‬
‫وأنه‪( :‬يف حال تناول االهتام فعل قابل لوصف جرمي يستكمل حساب مهلة مرور الزمن‬
‫(التقادم) امللحوظة يف املادة ‪ 65‬من جديد‪ ،‬ملصلحة الشخص املعين‪ ،‬ابتداء من يوم‬
‫اكتساب احلكم اجلزائي املتعلّق هبذا الفعل والذي برأه الصفة النهائية)‪.96‬‬
‫سادسا‪-‬بالتوازي مع تقادم الدعوى العمومية والدعوى املدنية يف مدة ستة أشهر يف‬
‫اجلرائم املرتكبة بواسطة جهاز الصحافة‪ ،‬يسقط حق الرد على ما ورد يف وسائل اإلعالم من‬
‫هتم ومساس بالشرف واالعتبار والسمعة يف حق األشخاص واهليئات‪ ،‬مبضي مدة معينة‪،‬‬

‫‪ -93‬أمني مصطفى حممد‪ ،‬املرجع السابق ‪.35‬‬


‫‪ -94‬أمني مصطفى حممد‪ ،‬املرجع نفسه‪.44 ،‬‬
‫‪ -95‬م (‪ ،)65‬من القانون [الفرنسي] الصادر يف ‪ 29‬متوز ‪ 1881‬عن حرية الصحافة‪ ،‬مرجع سابق‪.‬‬
‫‪ -96‬م (‪ ،)2/65‬من القانون [الفرنسي] الصادر يف ‪ 29‬متوز ‪ 1881‬عن حرية الصحافة‪ ،‬مرجع سابق‪.‬‬
‫‪482‬‬
‫التقادم وأثره في انقضاء الدعوى العمومية ‪ -------------‬د‪ .‬عبد الرحمن خلفة‬

‫حددها قانون اإلعالم بثالثني يوما بالنسبة للصحف واإلعالم السمعي البصري أو‬
‫االلكرتوين‪ ،‬وستني يوما بالنسبة لباقي النشريات؛ فنص على أنه‪ ..( :‬يرسل الطلب [طلب‬
‫الرد] برسالة موصى عليها مرفقة بوصل استالم‪ ،‬أو عن طريق احملضر القضائي‪ ،‬حتت طائلة‬
‫سقوط احلق‪ ،‬يف أجل أقصاه ثالثون (‪ )30‬يوما إذا تعلق األمر بصحيفة يومية أو خدمة‬
‫اتصال مسعي بصري‪ ،‬أو جهاز إعالم الكرتوين‪ ،‬وستون (‪ )60‬يوما فيما خيص النشريات‬
‫الدورية األخرى)‪ .97‬بينما حدد القانون الفرنسي مدة سقوط احلق يف الرد ب (‪ )08‬أيام‪،98‬‬
‫والقانون املصري حددها بشهر (‪ )30‬يوما‪.99‬‬
‫خاتمة‪ :‬يف ضوء ما سبق ميكن الوصول إىل النتائج اآلتية‪:‬‬
‫أوال‪-‬إن للتقادم عموما تأثريا يف انقضاء الدعوى العمومية يف اجلرائم املاسة بالشرف‬
‫واالعتبار يف الفقه اإلسالمي وقانون اإلعالم اجلزائري والقوانني املقارنة‪ ،‬وختتلف مدته من‬
‫قانون آلخر‪.‬‬
‫ثانيا‪-‬مل يقدر الفقهاء املسلمون مبن فيهم األحناف على مدة حمددة للتقادم؛‬
‫والذين اجتهدوا يف تقديرها مل يتفقوا على مدة حمددة؛ وهو ما يبقي أمر تقديرها مفوضا‬
‫لويل األمر باالجتهاد يف إطار السياسة الشرعية؛ مبا يراه حمققا للمصلحة ومتناغما‬
‫ومقتضيات العصر‪ ،‬وطبيعة هذه اجلرائم اليت تكتسي خصوصية متيزها عن باقي اجلرائم‪.‬‬
‫ثالثا‪-‬تصنف اجلرائم املاسة بالشرف واالعتبار يف قانون اإلعالم اجلزائري ضمن‬
‫جرائم اجلنح‪ ،‬بينما تتوزع يف الفقه اإلسالمي بني احلدود والتعزيرات والسياسة الشرعية‬
‫حسب طبيعة كل جرمية؛ وهو ما يبقي املشرع يف احلالتني يف سعة من أمره لتقدير العقوبات‬
‫املقدرة هلا وإجراءاهتا اجلزائية‪ ،‬وجيعل الشريعة مستوعبة ملستجدات احلياة وتشعباهتا‪.‬‬

‫‪ -97‬م (‪ )103‬من القانون العضوي رقم ‪ 05-12‬املؤرخ يف ‪ 18‬صفر ‪1433‬ه املوافق ‪ 12‬يناير سنة‬
‫‪ ،2012‬يتعلق باإلعالم‪.‬‬
‫‪ -98‬ماجد راغب احللو‪ ،‬حرية اإلعالم والقانون‪ ،372 ،‬ط ‪2009‬م‪ ،‬دار اجلامعة اجلديدة‪ ،‬اإلسكندرية‪.‬‬
‫‪ -99‬ماجد راغب احللو‪ ،‬املرجع نفسه‪.315 ،‬‬
‫‪483‬‬
‫التقادم وأثره في انقضاء الدعوى العمومية ‪ -------------‬د‪ .‬عبد الرحمن خلفة‬

‫رابعا‪-‬إن استحداث مادة جديدة لتكريس خصوصية اجلرائم املرتكبة بواسطة جهاز‬
‫الصحافة‪ ،‬يتناغم والقوانني املقارنة ويسهم يف دعم حرية الصحافة واحلق يف اإلعالم؛ لكن‬
‫املدة ال تزال طويلة نسبيا مقارنة بالقوانني املقارنة‪ ،‬ولذا نقرتح أن تقلص أكثر لتكون يف‬
‫حدود شهر واحد كما هي مدة سقوط احلق يف الرد والتصحيح يف اليوميات‪.‬‬
‫خامسا‪-‬يوافق القانون اجلزائري والقوانني املقارنة الفقه اإلسالمي يف الكثري من األحكام‬
‫املتعلقة بأثر التقادم يف انقضاء الدعوى العمومية يف اجلرائم املاسة بالشرف واالعتبار‪،‬‬
‫وخيالف يف بعضها‪ ،‬واجلدول أدناه يربز بعض أوجه االتفاق وأوجه االختالف بينها‪ ،‬وفق ما‬
‫يأيت‪:‬‬
‫الفقه‬ ‫القانون الفرنسي‬ ‫القانون المصري‬ ‫القانون الجزائري‬
‫اإلسالمي‬
‫مدة التقادم (‪ )06‬ستة مدة التقادم (‪ )03‬مدة التقادم (‪ )03‬مدة التقادم‬
‫ختضع لتقدير‬ ‫أشهر‬ ‫أشهر‬ ‫أشهر‬
‫سلطة ويل‬
‫األمر‬
‫يبدأ التقادم من تاريخ يبدأ التقادم من تاريخ يبدأ التقادم من يبدأ التقادم‬
‫تاريخ‬ ‫علم اجملين عليه تاريخ ارتكاب من‬ ‫ارتكاب اجلرمية‬
‫ارتكاب‬ ‫اجلرمية‬ ‫باجلرمية‬
‫اجلرمية‬
‫التقادم ال خيضع التقادم خيضع التقادم خيضع التقادم‬ ‫خيضع‬
‫الوقف إلجراءات الوقف إلجراءات الوقف إلجراءات‬ ‫إلجراءات‬
‫الوقف‬ ‫واالنقطاع‬ ‫واالنقطاع‬ ‫واالنقطاع‬
‫ينص‬ ‫مدة سقوط احلق يف مدة سقوط احلق يف مدة سقوط احلق مل‬
‫الرد (‪ )30‬يوما بالنسبة الرد (‪ )30‬يوما ابتداء يف الرد (‪ )08‬الفقهاء على‬
‫َثانية أيام من حق الرد مبا‬ ‫الصادرة من تاريخ صدوره‬ ‫للجرائم‬
‫‪484‬‬
‫التقادم وأثره في انقضاء الدعوى العمومية ‪ -------------‬د‪ .‬عبد الرحمن خلفة‬

‫أو جيعل مدة‬ ‫بثه‬ ‫تاريخ‬ ‫بصحيفة يومية أو‬


‫التقادم فيه‬ ‫صدوره‬ ‫خدمة اتصال مسعي‬
‫خاضعة‬ ‫بصري‪ ،‬أو جهاز إعالم‬
‫لسلطة ويل‬ ‫الكرتوين‪ ،‬وستون (‪)60‬‬
‫األمر ليجتهد‬ ‫يوما فيما خيص‬
‫يف تقديرها‬ ‫الدورية‬ ‫النشريات‬
‫وفق‬ ‫األخرى‬
‫مقتضيات‬
‫السياسة‬
‫الشرعية‬
‫سقوط احلق هنائيا سقوط احلق‬ ‫سقوط احلق هنائيا‬ ‫سقوط احلق هنائيا‬
‫ظاهريا يف‬
‫الدنيا دون‬
‫اآلخرة‬
‫التقادم نصي‪ ،‬ينص التقادم نصي‪ ،‬ال التقادم نصي‪ ،‬التقادم‬
‫الجتهاد ينص عليه القانون اجتهادي‬ ‫عليه القانون وال خيضع خيضع‬
‫خيضع خيضع‬ ‫وال‬ ‫القاضي‬ ‫الجتهاد القاضي‬
‫الجتهاد القاضي ملقتضيات‬
‫السياسة‬
‫الشرعية‬

‫‪485‬‬

You might also like