Professional Documents
Culture Documents
التقادم وأثره في انقضاء الدعوى العمومية في الجرائم الماسة بالشرف
التقادم وأثره في انقضاء الدعوى العمومية في الجرائم الماسة بالشرف
450
التقادم وأثره في انقضاء الدعوى العمومية -------------د .عبد الرحمن خلفة
وأزمنة حمددة يسقط مبضيها احلق يف املتابعة بسببها ،ومباشرة إجراءات الدعوى ،وال يرتتب
عليه أي أثر من عقوبات أو تدابري احرتازية؛ ومل يبق هذه اجلرائم ذات اخلصوصية خاضعة
للمبدأ العام يف سريان التقادم؛ بل خصها يف التعديل األخري لقانون اإلعالم بتقليص ملدة
التقادم حماوال مواكبة القوانني املقارنة ومسايرة الوضع القانوين العاملي واإلقليمي .وهذا
التقليص كفيل حبماية حق الصحايف والدفع باستقرار أوضاعه ،واحليلولة دون أي تعسف
اجملرم؛ ففي ضوء هذا نتسائل عن أثر التقادم يف
قد يطاله من اجلهة اليت وقع عليها الفعل ّ
انقضاء الدعوى العمومية يف اجلرائم املاسة بالشرف والسمعة واالعتبار ،من القذف
واإلساءة والسب واإلهانة ،يف الفقه اإلسالمي وقانون اإلعالم اجلزائري؟ وإىل أي حد كان
املشرع اجلزائري منصفا يف تقليص مدة التقادم يف التعديل األخري لقانون اإلعالم ومتناغما
والقوانني املقارنة؟ وما عالقتها بالقواعد القانونية العامة يف مبدأ التقادم؟ وما مدى توافق
ذلك وما درج عليه الفقه اإلسالمي يف هذه األفعال؟ لذلك سنحاول اإلجابة عن هذه
التساؤالت يف هذا املقال من خالل العناصر اآلتية:
املبحث األول :ماهية التقادم وجرائم الشرف والسمعة واالعتبار
املطلب األول :تعريف التقادم ومستندات نظرية التقادم اجلنائي
املطلب القاين :تعريف اجلرائم املاسة بالشرف وأساس شرعيتها الفقهية والقانونية
املبحث الثاين :أثر التقادم يف إسقاط اجلرائم املاسة بالشرف واالعتبار الفقه
اإلسالمي
املبحث الثالث :أثر التقادم يف إسقاط اجلرائم املاسة بالشرف واالعتبار يف قانوين
اإلعالم واإلجراءات اجلزائريني.
خامتة نقدية مقارنة بني أحكام القانون وأحكام الفقه اإلسالمي
451
التقادم وأثره في انقضاء الدعوى العمومية -------------د .عبد الرحمن خلفة
المبحث األول :ماهية التقادم وجرائم الشرف والسمعة واالعتبار :حناول يف
هذا املبحث املدخلي عرض ماهية التقادم ونظريته ،وماهية اجلرائم املاسة بالشرف والسمعة
واالعتبار؛ املتمثلة أساسا يف جرائم القذف واإلهانة والسب؛ وذلك وفق ما يأيت:
المطلب األول :تعريف التقادم ومستندات نظرية التقادم الجنائي:
نعرض يف هذا املطلب تعريفا للتقادم يف تداوله اللغوي واالصطالحي الفقهي
والقانوين ،قبل أن نبني األسس اليت اعتمد عليها املدافعون عن التقادم اجلنائي لتربير
نظريتهم ،وذلك يف فرعني وفق ما يأيت:
الفرع األول :تعريف التقادم:
يتداول مصطلح التقادم بني مدلوالت متباينة لغويا وفقهيا وقانونيا ،ولكل مدلول
منها مساحته الداللية اليت قد تتقاطع تقاطعا كليا أو جزئيا مع بعضها ،وذلك وفق ما يأيت:
البند األول :تعريف التقادم لغة:
أصل التّقادم يف اللغة من القدم ،مبعىن العتق ،مصدر القدمي .والقدم :نقيض
احلدوث ،يقال :قدم يقدم قدما وقدامة وتقادم وهو قدمي ،واجلمع قدماء وقدامى .وشيء
قدام :كقدمي .1وقد جعل اسم من أمساء الزمان.2
البند الثاني :تعريف التقادم في االصطالح الفقهي:
مل يتصد قدامى الفقهاء املسلمني لتحديد التقادم بتعريف منطقي جامع مانع ،وإن
تكلموا عن أحكامه وآثاره يف بعض أبواب مصنفاهتم ،السيما أبواب اجلنايات؛ لكن
املعاصرين أوردوا له تعريفات مستقاة يف جمملها من احلقل القانوين احلديث ،حيث يرد
التقادم يف مصنفاهتم ويطلق عادة على اجلرمية ودعواها ،وعلى العقوبة ،وفق ما يأيت:
-1أبو الفضل مجال الدين حممد بن مكرم بن منظور ،لسان العرب ،مادة (قدم) 465/12 ،دار صادر،
بريوت .د.ت
-2حممد بن أيب بكر الرازي ،خمتار الصحاح ،ضبط وتعليق مصطفى ديب البغا ،مادة (قدم) ،334 ،ط
1990 /4م ،دار اهلدى ،عني مليلة.
452
التقادم وأثره في انقضاء الدعوى العمومية -------------د .عبد الرحمن خلفة
أوال-التقادم في الجريمة والدعوى :حيث يقول أبو زهرة بأن التقادم يكون:
(بأن مضت مدة كان ميكن للمدعي حسبة أم أو الشاهد حسبة أن يتقدم فيها للقضاء ومل
يتقدم).3
ثانيا-التقادم في العقوبة :يعرف بأنه( :مضي فرتة معينة من الزمن على احلكم
بالعقوبة دون أن تنفذ ،فيمتنع مبضي هذه الفرتة تنفيذ العقوبة).4
البند الثالث :تعريف التقادم في االصطالح القانوني:
يعرف التقادم عند فقهاء القانون بأنه( :وصف يرد على احلق يف العقاب ،قبل
احلكم أو بعده ،ناشئ عن مضي مدة من الزمن ،يلزم عنه منع السري يف الدعوى ،أو
سقوط العقوبة احملكوم هبا).5
وهذا التعريف القانوين الذي اخرتناه تعريف جامع مانع ،حيث يشمل تقادم
الدعوى وتقادم العقوبة ،ولكنه جعل مضي املدة سببا للسقوط وليس سببا للتقادم متاشيا
وما سار عليه املشرع املصري؛ سنبني الفرق بني املصطلحني الحقا؛ إذ أن التقادم خيضع
إلجراءات الوقف ،بينما ال تعرض ملدة السقوط أسباب الوقف واالنقطاع.
الفرع الثاني :مستندات نظرية التقادم الجنائي:
إن التقادم اجلنائي قدمي قدم اجلرمية والعقوبة ،عرفته كل الشرائع السماوية والوضعية،
وتكرس مبدأ قانونيا يف العصر
وطبقته خمتلف العادات واألعراف االجتماعية منذ القدمّ ،
احلديث ،مستمدا شرعيته من علم اإلجرام والعقاب الذي أمده مبستندات شرعيته،
ومربرات وجوده واستمراره ،حىت أضحت له نظرية هلا أصول وقواعد وأطر فلسفية؛
-3أبو زهرة ،اجلرمية والعقوبة ،اجلرمية ،62 ،دار الفكر العريب ،ط1998م.
-4عبد القادر عودة ،التشريع اجلنائي يف اإلسالم .778/1 ،ط1424 ،هـ2002/م ،مكتبة دار الرتاث،
القاهرة
-5نبيل عبد الصبور النرباوي ،سقوط احلق يف العقاب بني الفقه اإلسالمي والتشريع الوضعي،302 ،
ط1434هـ2013/م ،دار الفكر العريب ،القاهرة.
453
التقادم وأثره في انقضاء الدعوى العمومية -------------د .عبد الرحمن خلفة
فبالتوازي مع العمل به قضائيا ظل أنصار نظرية التقادم اجلنائي يعرضون جمموعة حجج
ليعللوا مبوجبها شرعية مبدئهم اجلنائي هذا ،ومن احلجج اليت استندوا إليها ما يأيت:
أوال-فكرة اإليالم المعنوي :حيث يقول أصحاهبا إن اجلاين يعاين خالل فرتة
هروبه من شبح اخلوف من املالحقة ووخز الضمري من اجلرمية آناء الليل وأطراف النهار،
وكل هذا األمل يعادل أو يزيد آالم العقوبة اهلارب منها؛ فيكون من القسوة تنفيذ العقوبة
عليه؛ ألن من شأن هذا التنفيذ أن يعاقب على ذات الفعل مرتني ،وهو ما يأباه مبدأ عدم
ازدواجية العقاب.6
مبعىن آخر :فإن اجملرم الذي يقرتف الفعل اإلجرامي ويهرب من السلطة العامة يظل
شبح اجلرمية يالحقه ويقض مضجعه ويؤرقه النوم ويقلقه اخلوف من أن تناله يد العادلة،
وهذا يكدر عليه صفو حياته؛ فهذه املعاناة النفسية تكفي أملا وعقابا له على ما اقرتفت
يداه من جرم ،ألهنا تبقى ماثلة للمجرم طوال مدة التقادم.7
وهذا املبدأ يشبه يف الفقه اإلسالمي قيم االستغفار التوبة اليت أوالها اإلسالم عناية
كربى وجعلها من أسباب سقوط الكثري من العقوبات ،ومنها بعض احلدود ،على غرار
احلرابة والردة والبغي ،كما أن يف القرآن الكرمي إشارة إىل هذه املعاناة يف قصة الثالثة الذين
ختلفوا دون عذر شرعي عن غزوة تبوك؛ حيث وصف اهلل تعاىل حالتهم النفسية وآالمهم
ض بِ َما َّى إِذَا َ
ين ُخلِّ ُفوا َحت ٰ ِ َّ ِ
ت َعلَْي ِه ُم ْاأل َْر ُ
ضاقَ ْ ومعاناهتم بقوله تعاىلَ (( :و َعلَى الث ََّالثَة الذ َ
ِ ِ ت علَي ِهم أَن ُفسهم وظَنُّوا أَن َّال مل ِ
اب َعلَْي ِه ْمْجأَ م َن اللَّه إَِّال إِلَْيه ثُ َّم تَ َ
َ َ ضاقَ ْ َ ْ ْ ُ ُ ْ َ ت َو َ
َر ُحبَ ْ
َّواب َّ ِ ِ
يم (( )))118التوبة) ،والتوبة تفتح طريق اإلصالح أمام الرح ُ ليَتُوبُوا ۚ إِ َّن اللَّهَ ُه َو الت َّ ُ
اجملرم وهو مقصد من مقاصد العقوبة.
ثانيا :فكرة المالئمة االجتماعية:
مؤدى هذه الفكرة أن إسراف األجهزة املختصة يف السري البطيء أثناء الدعوى،
وعجزها عن تنفيذ احلكم بعد صدوره ،ينبين على عدم فاعلية هذه األجهزة يف مباشرة
الدعوى واستيفاء احلق يف العقاب يف زمن معقول ،مما يستدعي العمل مببدأ التقادم حىت ال
ينشغل الرأي العام بقصور اجهزته العقابية.8
ثالثا-فكرة اضمحالل األدلة:
مبعىن ضياع معامل اجلرمية وأدلة إثباهتا ،فمرور فرتة من الزمن على ارتكاب اجلرمية
يؤدي إىل ضياع معامل اجلرمية ،وبالتايل صعوبة إثباهتا ،نظرا ملوت بعض الشهود ،أو اختالط
ذاكرهتم ،وهذا يؤدي بدوره إىل حدوث أخطاء قضائية ،ومن مث فإنه يكون من املصلحة
وحتقيقا للعدالة عدم مباشرة الدعوى اجلنائية.9
ألن من شأن استئناف السري يف الدعوى بسبب الوهن الذي يصيب الدليل ويفقد
قوته االستداللية ،أو تكون هذه القوة دون مستوى حد الكفاية الالزم إلدانة اجلاين.10
وقد بىن األحناف قدميا –كما سيأيت-شرعية القول بالتقادم عندهم على هذه
الفكرة؛ عندما جعلوا تأخر الشهود عن أداء الشهادة زمنا معتربا دون عذر أو مربر مظنة
طروء الشك يف الشهود ،بالتايل الشك يف دليل اإلثبات.
رابعا-فكرة الردع الخاص والردع العام:
إذ يرى أصحاب نظرية التقادم اجلنائي أن الغرض من العقوبة الردع اخلاص ،ومن
شأن تأخري تنفيذها أن تفقد العقوبة هذا املقصد ،فلم يبق مربر لتنفيذها.11
بل إهنا ال حتقق أيضا الردع العام؛ ألن (مرور فرتة زمنية على وقت ارتكاب اجلرمية
دون اختاذ أي إجراء بشأهنا من قبل السلطات املختصة ،يعين أن اجلرمية قد حميت من ذاكرة
الناس أو كادت ،ومن مث مل يعد حمققا ملصلحة اجملتمع مالحقة اجلاين بغية إخضاعه
للعقاب ،وأن مرور الزمن أدى إىل تالشي احلاجة إىل املوعظة والعربة ،ولذا فال جيوز إعادة
ذكرى اجلرمية إىل أذهان الرأي العام ،بإزاحة الستار عنها ونقض الرتاب الذي تراكم عليها،
ونبشها جتنبا لنبش املاضي وإحياء ما اندثر ،فمن مصلحة اجملتمع عدم اهاجة أحقاده
واستثارة حفائظه بنشر ما طوي من صحف بفضل مرور الزمن) .12إذ أن من شأن إحيائها
أن ترتتب عليه مسائل يصبح من العسري جتنب ضررها أو إثباهتا.13
خامسا-فكرة االستقرار القضائي :حيث يرى أصحاهبا أن اعتبارات االستقرار أو
الثبات القانوين يف داخل اجملتمع هي اليت تربر األخذ بنظام التقادم اجلنائي ،حىت ال تظل
مصاحل األفراد مهددة بالدعوى اجلنائية ،وهو ما يؤثر بدوره على عدم تأدية األفراد لدورهم
يف اجملتمع؛ ومرد ذلك إىل أن مرور فرتة من الزمن بدون اختاذ أي إجراء ضد اجلاين ،يرتتب
من جرائه هدم مبدأ الرباءة الذي يقضي باعتبار الشخص بريئا حىت تثبت إدانته حبكم
بات ،وقد تعامل اجلاين يف خالل هذه الفرتة مع أفراد اجملتمع وتعاملوا معه على أساس
براءته ،األمر الذي أدى إىل نشوء مركز واقعي للجاين يلزم احرتامه بغية حتقيق وكفالة
األوضاع واملراكز القانونية).14
المطلب الثاني :تعريف الجرائم الماسة بالسمعة والشرف واالعتبار وأساس
شرعيتها الفقهية والقانونية :لقد كفل الدستور اجلزائري ومن بعده خمتلف القوانني للمواطن
احلق يف حفظ مسعته االجتماعية وكرامته اإلنسانية ،من أن يطاهلا أي خدش أو ازدراء
يستهدف احلط من قيمتها؛ ألهنا حقوق أدبية تراكمية ال تقل شأنا عن احلقوق املادية
لإلنسان؛ لدلك جرمت كل ما ميس شرف ومسعة واعتبار اإلنسان من أقوال وأفعال؛ وفيما
يأيت عرض ملدلوالت مصطلحات السمعة الشرف واالعتبار احملمية قانونيا وجنائيا ،واجلرائم
املرتبطة هبا ،قبل بيان األساس الفقهي والقانوين لشرعية هذه اجلرائم ،وذلك وفق ما يأيت:
الفرع األول :تعريف جرائم السمعة والشرف واالعتبار :حري بنا قبل حصر
األفعال واألقوال اجملرمة املاسة هبذا اجلانب األديب من حياة الناس ،عرض تعريف الشرف
والسمعة واالعتبار ،تفريقا ملدلوالهتا عن بعضها البعض ،وإن كان بينها أحيانا تداخل،
يتخذ طابع العموم واخلصوص ،وذلك وفق ما يأيت:
البند األول :تعريف السمعة والشرف واالعتبار وبيان أوجه التفريق بينها :لكل
من الشرف واالعتبار الذي تكرس حفظه مدلول قانوين استمد من احلياة االجتماعية
والعرفية للناس ،وفيما يأيت عرض ملدلول كل مصطلح وبيان العالقة الرابطة بينهما ،وذلك
وفق ما يأيت:
الفقرة األولى :تعريف السمعة:
السمعة لغة :من السمع ،والسمع حس األذنّ ،
وتسمع إليه :أصغى، أوال-تعريف ّ
السماع الذكر املسموع احلسن اجلميل ،ويقال ذهب مسعه يف الناس وصيته أي السمع و ّو ّ
ذكره ،والسماع ما مسعت به فشاع وتكلم به ،وكل ما التذته األذن من صوت حسن مساع.
ومسع به :امسعه القبيح وشتمه ،وتسامع به الناس وأمسعه احلديث أي شتمه ،ومسع بالرجل:
أذاع عنه عيبا وندد به وشهره وفضحه وأمسع به الناس إياه.
السمعة ما مسع به من طعام أو غري ذلك رياء ومسعة ،أي لرياه الناس ويسمعوا به،
و ّ
والتّسميع :التّشنيع.15
ثانيا-تعريف السمعة اصطالحا :تعرف السمعة عادة بأهنا( :ما يذكر به اإلنسان
عند الناس ،أي ما يشاع ويتكلم به عندهم من حسن أو قبح).16
الفقرة الثانية :تعريف الشرف:
أوال-تعريف الشرف لغة :أصل الشرف يف اللغة العربية العلو واملكان العايل،
والشرفة أعلى الشيء ،وجبل مشرف :عال .17مث غلب يف االستعمال العريف العريب على
احلسب باآلباء.18
-15ابن منظور ،لسان العرب ،مادة (مسع) 162/8 ،وما بعدها ،وانظر :الرازي ،خمتار الصحاح.306 ،
-16نبيل صقر ،جرائم الصحافة يف التشريع اجلزائري 89 ،دار اهلدى ،اجلزائر ،ط 2007م.
457
التقادم وأثره في انقضاء الدعوى العمومية -------------د .عبد الرحمن خلفة
-17ابن منظور ،لسان العرب ،مادة (شرف) ،170/9 ،وانظر :الرازي ،خمتار الصحاح.218 ،
-18ابن منظور ،لسان العرب ،مادة (شرف).169/9 ،
-19نبيل صقر ،املرجع نفسه.89 ،
-20نبيل صقر ،املرجع نفسه.89 ،
-21ابن منظور ،لسان العرب ،مادة (عرب) ،531-529/4 ،وانظر :الرازي ،خمتار الصحاح.268 ،
-22نبيل صقر ،املرجع السابق.91-90 ،
458
التقادم وأثره في انقضاء الدعوى العمومية -------------د .عبد الرحمن خلفة
459
التقادم وأثره في انقضاء الدعوى العمومية -------------د .عبد الرحمن خلفة
يقال :هم بني حاذف وقاذف وحاذ وقاذ على الرتخيم ،فاحلاذف باحلصى ،والقاذف
باحلجارة .والقذف الرمي بالسهم ،واحلصى والكالم وكل شيء.23
فمدار القذف يف لغة العرب على الرمي سواء كان رميا حسيا أو رميا معنويا أدبيا.
البند الثاني :تعريف القذف في االصطالح:
خيتلف مدلول القذف يف االصطالح الفقهي عنه يف االصطالح القانوين ،كما
ختتلف األحكام املتعلقة به واآلثار املرتتبة عليه؛ لذلك نعرض فيما يأيت مدلوله يف كل
منهما كال على حده ،وفق ما يأيت:
الفقرة األولى :تعريف القذف في االصطالح الفقهي اإلسالمي:
عرف فقهاء اإلسالم القذف–على اختالف بينهم يف بعض تفصيالته وحمرتزاته-
بأنه( :الرمي بالزنا) ،24وتتحقق ماهية القذف بالرمي بالزنا أو نفي النسب ،صراحة أو
تعريضا كما قرر ذلك الفقهاء .25وقد حرم القذف وجرم يف الشريعة اإلسالمية يف نصوص
وه ْم صنَات ُمثَّ َملْ يَأْتُوا بأ َْربَـ َعة ُش َه َداءَ فَ ْ
اجل ُد ُ ين يَـْرُمو َن الْ ُم ْح َ َّ
كثرية أبرزها قوله تعاىلَ (( :والذ َ
ين تَابُوا من َّ َّ
ك ُه ُم الْ َفاس ُقو َن ( )4إال الذ َ ني َجْل َدةً َوَال تَـ ْقبَـلُوا َهلُ ْم َش َه َادةً أَبَ ًدا ۚ َوأُوَٰلَئ َ ََثَان َ
يم)) (النور.)5/4 ور َّرح ٌَصلَ ُحوا فَإ َّن اللَّهَ َغ ُف ٌ ك َوأ ْ بَـ ْعد َٰذَل َ
الفقرة الثانية :تعريف القذف في القانون الجزائي الجزائري:
مل يتصد قانون اإلعالم اجلزائري لتعريف القذف ،فلم يعطه بذلك تعريفا جديدا
مبقيا على التعريف ذاته الذي حدده يف قانون العقوبات ،حيث نص هذا القانون األخري
على أنه( :يعد قذفا كل ادعاء بواقعة من شأهنا املساس بشرف واعتبار األشخاص أو اهليئة
املدعى عليها به أو إسنادها إليهم أو إىل تلك اهليئة ،ويعاقب على نشر هذا االدعاء أو
-23ابن منظور ،لسان العرب ،مادة (قذف) ،277-276/9 ،وانظر :الرازي ،خمتار الصحاح.335 ،
-24ابن قدامة املقدسي ،املغين والشرح الكبري ،201/10 ،ط1403هـ1983/م ،دار الكتاب العريب،
بريوت.
-25راجع ،أبو عبد اهلل حممد بن حممد احلطاب ،مواهب اجلليل شرح خمتصر خليل ،298/6 ،ط،2
1398هـ1978/م ،دار الفكر ،بريوت.
460
التقادم وأثره في انقضاء الدعوى العمومية -------------د .عبد الرحمن خلفة
ذلك اإلسناد مباشرة أو بطريق إعادة النشر ،حىت ولو مت ذلك على وجه التشكيك أو إذا
قصد به شخص أو هيئة دون ذكر االسم ولكن كان من املمكن حتديدمها من عبارات
احلديث أو الصياح أو التهديد أو الكتابة أو املنشورات أو الالفتات أو اإلعالنات موضوع
اجلرمية).26
وقيل( :هو إسناد فعل يف أمر حمدد إىل شخص أو أشخاص ،لو صح هذا الفعل
لكان جرمية يسال عنها من أسندت إليه ،أو توجب احتقاره عند أهل وطنه).27
ويف ضوء ما سبق ميكن مالحظة الفروق اجلوهرية بني مدلول القذف يف الفقه
اإلسالمي ومدلوله يف القانون اجلزائري وفق ما يأيت:
مدلول القذف في القانون الجزائي مدلول القذف في الفقه اإلسالمي
الجزائري
يشمل كل ادعاء على شرف واعتبار يقتصر على االدعاء بالزنا أو نفي النسب
األشخاص مبا يف ذلك االهتام بالزنا ،واالهتام
بالفساد أو بأي فعل ،حبيث لو صح
االدعاء لرتتب على املسند إليه عقوبة أو
استهجان.
ينصب على الشخص الطبيعي والشخص يقتصر على الشخص الطبيعي
االعتباري
يثبت القذف صراحة أو ضمنا يثبت القذف صراحة أو ضمنا
يعد القذف جناية (حد) يعد القذف جنحة
فبني املدلولني عموم وخصوص ،فكل قذف يف الفقه اإلسالمي هو كذلك يف
القانون ،وليس كل قذف يف القانون هو كذلك يف الفقه اإلسالمي.
-26م ( )296من األمر رقم ،156-66املؤرخ يف 18صفر 1386هـ املوافق 08يونيو 1966م،
املتضمن قانون العقوبات املتمم واملعدل.
-27نبيل صقر ،املرجع السابق.91-90 ،
461
التقادم وأثره في انقضاء الدعوى العمومية -------------د .عبد الرحمن خلفة
الفرع الثاني :جريمة السب :على غرار القذف فإن للسب مدلوال لغويا عرفيا
وآخر اصطالحيا بني الفقه والقانون ،وفق ما يأيت:
البند األول :تعريف السب لغة:
أصل السب لغة :القطع ،سبه سبا :قطعه؛ والتساب :التقاطع ،والسب الشتم،
وهو مصدر سبه يسبه سبا شتمه .والتساب :التشامت ،وتسابوا تشامتوا ،وسابه مسابة
وسبابا :شامته.28
البند الثاني :تعريف السب في االصطالح الفقهي والقانوني:
الفقرة األولى :تعريف السب في االصطالح الفقهي اإلسالمي:
مل يعط الفقهاء املسلمون للسب معىن جديدا ،حيث أبقوا على معناه العريف الغالب
يف االستعمال الذي يعين الشتم ،ففي القاموس الفقهي :السب( :شتم الغري ورميه
سبُّوا
مبنقصة) .كما أن القرآن الكرمي حافظ على املدلول العريف فقال اهلل تعالىَ (( :وَال تَ ُ
29
ويف ضوء ما سبق ال يكاد يظهر أي فرق بني املدلول الفقهي واملدلول القانوين
للسب ،ألن كال من الفقه اإلسالمي والقانون يعدان السب ضربا من ضروب الشتم وغريه،
مما يعده العرف قدحا أو حتقريا لألشخاص.
الفرع الثالث :جريمة اإلهانة :على غرار ما سبق فإن لإلهانة مدلوال لغويا يف
عرف اللغة العربية واستعماالهتا وآخر اصطالحيا ،فقهيا وقانونيا ،وفق ما يأيت:
البند األول :تعريف اإلهانة لغة:
َخ َذتْ هم ص ِ
اع َقةُ أصل اإلهانة يف اللغة من اهلون ،وهو اخلزي ،ومنه قوله تعاىل(( :فَأ َ ُ ْ َ
ون بِما َكانُوا يك ِ
ْسبُو َن)) (فصلت .)17وقولهَ (( :وَمن يُهن اللَّهُ فَ َما لَهُ ِّمن ِ ال َْع َذ ِ
َ اب ال ُْه َ
ُّمكْرٍم)) [احلج ]18 :واهلون ،بالضم :اهلوان .واهلون واهلوان :نقيض العز .وأهانه وهونه
واستهان به وهتاون به :استخف به ،واالسم اهلوان واملهانة .ورجل فيه مهانة أي ذل
وضعف .واإلهانة االستخفاف بالشيء واالستحقار ،واالسم اهلوان .واستهان به وهتاون
به :استحقره.
واهلون :مصدر هان عليه الشيء أي خف .وهونه اهلل عليه أي سهله وخففه.
وشيء هني على أي سهل.33
البند الثاني :تعريف اإلهانة في االصطالح:
أوال :مفهوم اإلهانة في االصطالح الفقهي:
مل يعط الفقهاء املسلمون لإلهانة تعريفا جديدا ،ألهنا عندهم ال خترج عن املعىن
اللغوي العريف ،حيث تعين( :احتقار الغري واالستخفاف به).34
وقد استعمل القرآن الكرمي هذا اللفظ يف مدلوله العريف الغالب يف االستعمال مبعىن
ش َر بِ ِه ۚ أَيُ ْم ِس ُكهُ َعلَىٰ ُهون االحتقار؛ فقال تعاىل(( :ي ت وار ٰى ِمن الْ َقوِم ِمن س ِ
وء َما بُ ِّ ُ ََ َ َ َ ْ
اء َما يَ ْح ُك ُمو َن (( )))59النحل) ويف غري هذا املوضع جاء أَمْ يَ ُد ُّسهُ فِي التُّر ِ
ابۚ أ ََال َس َ َ
يف جل موارده يف القرآن الكرمي صفة للعذاب ،كما يف قوله تعاىل :فقال اهلل تعاىل:
ْح ِّق َوبِ َما ُكنتُ ْم ون بِ َما ُكنتُ ْم تَ ْستَ ْكبِ ُرو َن فِي ْاأل َْر ِ
ض بِغَْي ِر ال َ
((فَالْي وم تُ ْجزو َن َع َذاب الْه ِ
َ ُ َ ْ َ َْ
ين (( )))178آل عمران). اب ُّم ِه ٌ
س ُقو َن (( )))20األحقاف) ،وقوله تعاىلَ (( :ولَ ُه ْم َع َذ ٌ تَ ْف ُ
ثانيا :تعريف اإلهانة في االصطالح القانوني :عرفتها حمكمة النقض املصرية بأهنا:
(كل قول أو فعل يتفق الناس على أنه ميثل ازدراء أو حطا من الكرامة يف أعني الناس،
وعلى ذلك فإن اإلهانة تشمل كل قول أو إشارة يؤخذ من ظاهرها االحتقار
واالستخفاف).35
ويف القانون اجلزائري فإن هذه اجلرمية تنصب على املوظف العام ،واهليئات النظامية
والعمومية ،ورؤساء الدول األجنبية ورؤساء وأعضاء البعثات الديبلوماسية املعتمدة باجلزائر،
كما يلحق هبذه اجلرمية إهانة السلطات العمومية بتضليلها يف اجملال القضائي واألمين،
وحسن سري العدالة.36
-35جعفر عبد السالم ،اإلطار التشريعي للنشاط اإلعالمي ،353 ،ط1414هـ1993/م ،دار املنار،
مصر
-36راجع املواد من 144إىل 146من ق.ع.ج ،واملواد من 97إىل 98من قانون اإلعالم اجلزائري.
نشري هنا إىل أن قانون العقوبات اجلزائري قد خص جرائم اإلهانة والقذف والسب املوجهة لرئيس
اجلمهورية باسم جرمية اإلساءة ،فنص على أنه( :يعاقب بغرامة من 100.000دج إىل 500.000دج،
كل من أساء إىل رئيس اجلمهورية بعبارات تتضمن إهانة أو سبا قذفا ،سواء كان ذلك عن طريق الكتابة
أو الرسم أو التصريح أو بأية آلية لبث الصوت أو الصورة أو بأية وسيلة إلكرتونية أو معلوماتية أو إعالمية
أخرى ..ويف حالة العود تضاعف العقوبة) ،انظر :م ( 144مكرر) من األمر رقم ،156-66املتضمن
ق.ع.ج .كما أحلق هبا ما وجه للرسل صلى اهلل عليهم وسلم واملقدسات ،فنص على أنه( :يعاقب
باحلبس من ثالث ( )3سنوات إىل مخس ( )5سنوات وبغرامة مالية من 50.000دج إىل 100.000دج،
أو بإحدى هاتني العقوبتني فقط كل من أساء إىل الرسول صلى اهلل عليه وسلم أو بقية األنبياء ،أو
استهزأ باملعلوم من الدين بالضرورة ،أو بأية شعرية من شعائر اإلسالم ،سواء عن طريق الكتابة أو الرسم
أو التصريح أو أية وسيلة أخرى) ،انظر :م ( 144مكرر )2من األمر رقم ،156-66املتضمن ق.ع.ج.
464
التقادم وأثره في انقضاء الدعوى العمومية -------------د .عبد الرحمن خلفة
وال يكاد يظهر أي اختالف بني املدلول الفقهي لإلهانة ومدلوهلا القانوين ،فكالمها
ينصبان على ازدراء الغري واحتقاره
الفرع الرابع :جدول يبين الفروق الجوهرية وأوجه االتفاق بين جرائم القذف
والسب واإلهانة:
إن لكل من هذه اجلرائم الثالث املاسة بالشرف واالعتبار ركنا ماديا وركنا أدبيا،
إىل جانب الركن الشرعي ،يقتضي توافرها قيام اجلرمية املنصوص عليها قانونا ،وترتب آثارها،
وجتمع بني هذه اجلرائم أوجه لالتفاق كما تباعدها بعض أوجه لالختالف ،أورد البعض
جانبا منها ،وفق ما يأيت:37
اإلهانة السب القذف
القذف هو إسناد واقعة السب ال يشتمل على
حمددة مىت كانت هذه إسناد واقعة معينة بل
الواقعة صادقة فهي موجبة يتضمن بأي وجه من الوجوه
للعقاب من أسندت إليه أو خدشا للشرف واالعتبار
توجب احتقاره عند أهله أو
وطنه.
السب يقع على آحاد الناس ال تقع إال على املوظف ومن القذف يقع على آحاد
يف حكمه الناس
-هذه الواقعة املسندة هي ال يشرتط تعيني الواقعة
أهم ما مييز جرمية القذف احملددة تعيينا حامسا من
عن جرمية السب الذي ال حيث زمان ومكان ارتكاهبا
يقوم سوى بإسناد واقعة بل جمرد لصق بعض
الكلمات أو األلفاظ أو حمددة إىل اجملين عليه
-37انظر :بدراين نرجس ،بورغدة سعاد ،زيتوين إهلام ،جرائم الصحافة والنشر ،مذكرة ليسانس ،إشراف
األستاذ عيساوي ،كلية احلقوق والعلوم السياسية ،جامعة 08ماي قاملة2014/2013 ،م
465
التقادم وأثره في انقضاء الدعوى العمومية -------------د .عبد الرحمن خلفة
466
التقادم وأثره في انقضاء الدعوى العمومية -------------د .عبد الرحمن خلفة
يم}(( )12سورة احلجرات) كما حرم اهلل تعاىل اب َّرح ٌ فَ َكرْهتُ ُموهُ َواتَّـ ُقوا اللَّهَ إ َّن اللَّهَ تَـ َّو ٌ
صنَات ُمثَّ َملْ يَأْتُوا
ين يَـ ْرُمو َن الْ ُم ْح َ َّ
القذف وجرمه يف نصوص كثرية أبرزها قوله تعاىلَ (( :والذ َ
ك ُه ُم الْ َفاس ُقو َن ني َجْل َدةً َوَال تَـ ْقبَـلُوا َهلُ ْم َش َه َادةً أَبَ ًدا ۚ َوأُوَٰلَئ َوه ْم ََثَان َ
اجل ُد ُ بأ َْربَـ َعة ُش َه َداءَ فَ ْ
يم)) (النور .)5/4ومن السنة ور َّرح ٌ َصلَ ُحوا فَإ َّن اللَّهَ َغ ُف ٌ ك َوأ ْ ين تَابُوا من بَـ ْعد ََٰذل َ َّ َّ
( )4إال الذ َ
النبوية وردت أحاديث كثرية تؤكد على حفظ الشرف واالعتبار ،منها ما روي من قوله
صلى اهلل عليه وسلم( :فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم وأبشاركم عليكم حرام كحرمة
يومكم هذا ،يف شهركم هذا) .38وغريها من النصوص القرآنية والنبوية ،كما أن الفقهاء
املسلمني جعلوا حفظ النسل والعرض من املقاصد الكلية للتشريع ،تأكيدا على تكريس
هذه الضمانة الشرعية حلفظ الشرف واالعتبار.
وعلى غرار النصوص الشرعية جيد جترمي ما ميس الشرف واالعتبار من قذف وإهانة
وسب مرجعيّته يف النصوص الدستورية والقانونية ،ومن ذلك ما ينص عليه الدستور اجلزائري
39
وأنه( :يعاقب القانون على من أنه( :تضمن الدولة عدم انتهاك حرمة اإلنسان)
املخالفات املرتكبة ضد احلقوق واحلريات ،وعلى كل ما ميس سالمة اإلنسان البدنية
واملعنوية) ،40وأنه( :ال جيوز انتهاك حرمة حياة املواطن اخلاصة ،وحرمة شرفه ،وحيميهما
القانون) ،41وأن( :حرية الصحافة املكتوبة والسمعية البصرية وعلى الشبكات اإلعالمية
مضمونة ،وال تقيد بأي شكل من أشكال الرقابة القبلية .ال ميكن استعمال هذه احلرية
-38أخرجه البخاري يف اجلامع الصحيح ،كتاب العلم ،باب ليبلغ العلم الشاهد الغائب ،رقم ،103ويف
كتاب الفنت ،رقم ،6667وأخرجه مسلم يف اجلامع الصحيح ،كتاب احلج ،باب حج النيب صلى اهلل
عليه وسلم ،رقم 1218واللفظ للبخاري.
-39م ( )40قانون رقم 01-16مؤرخ يف 26مجادى األوىل عام 1437ه املوافق 6مارس سنة
2016م ،يتضمن التعديل الدستوري ،اجلريدة الرمسية للجمهورية اجلزائرية ،العدد 27 ،14مجادى األوىل
عام 1437هـ 07/مارس سنة 2016م ،ص.10
-40م ( )41من الستور ،املصدر نفسه ،ص.10
-41م ( )46من الستور ،املصدر نفسه ،ص .11
468
التقادم وأثره في انقضاء الدعوى العمومية -------------د .عبد الرحمن خلفة
للمساس بكرامة الغري وحرياهتم وحقوقهم) ،42وعلى أهنك (ميارس كل واحد مجيع حرياته
يف إطار احرتام احلقوق املعرتف هبا للغري يف الدستور ،السيما احرتام احلق يف الشرف ،وسرت
احلياة اخلاصة ،ومحاية األسرة والشبيبة والطفولة) ،43وغريها من املواد الدستورية.
كما انعكست هذه الضمانات الدستورية يف مواد القانون العضوي لإلعالم عرب
الكثري من أبوابه وفصوله ،ففي الباب األول وضمن األحكام العامة نص هذا القانون على
أنه( :ميارس نشاط اإلعالم حبرية يف إطار أحكام هذا القانون العضوي والتشريع والتنظيم
املعمول هبما ،ويف ظل احرتام.. :كرامة اإلنسان واحلريات الفردية واجلماعية).44
ويف الفصل الثاين اخلاص بآداب وأخالقيات املهنة من الباب السادس نص القانون
على أنه ..( :زيادة على األحكام الواردة يف املادة 2من هذا القانون العضوي جيب على
الصحفي على اخلصوص– .. :االمتناع عن السرقة األدبية والوشاية والقذف).45
ويف الفصل ذاته نص على أنه( :مينع انتهاك احلياة اخلاصة لألشخاص وشرفهم
واعتبارهم ،ومينع انتهاك احلياة اخلاصة للشخصيات العمومية بصفة مباشرة أو غري
مباشرة) .46وأنه( :حيق لكل شخص يرى أنه تعرض الهتامات كاذبة من شأهنا املساس
بشرفه أو مسعته أن يستعمل حقه يف الرد).47
إىل جانب املواد القانوين يف قانوين اإلعالم والعقوبات اليت جترم األفعال املاسة
بالشرف واالعتبار وترتب عليها عقوبات ختتلف درجاهتا حسب طبيعة كل جرمية ،لتعطيها
ركنها الشرعي.48
المبحث الثاني :أثر التقادم في انقضاء الدعوى العمومية في الجرائم الماسة
بالشرف واالعتبار في الفقه اإلسالمي ومدته:
بينا سابقا أن جرائم الشرف واالعتبار ليست نوعا واحدا؛ بل أنواع متعددة؛
يشكل كل نوع منها جرمية مستقلة ،وأبرزها القذف والسب واإلهانة .وهذه اجلرائم خيتلف
تصنيفها الفقهي من جرمية ألخرى ،فليست كلها منضوية حتت جرائم احلدود؛ بل إن
القذف فقط هو الذي ينضوي حتت احلدود ،بينما تنضوي جرميتا السب واإلهانة حتت
جرائم التعزيرات ،إذ أن (األصل أن القذف ال يكون إال بالرمي بالزنا صراحة ،أوضمنا،
وهذا يعاقب عليه باحلد املقرر شرعا ،إال أن هناك نوعا يعاقب عليه عقوبة تعزيرية ،وهو
الرمي بغري الزنا؛ كالسب والشتم ،واإلهانة).49
وقد اختلف الفقهاء املسلمون منذ القدم يف أثر التقادم يف انقضاء الدعوى العمومية
وسقوط اجلرائم والعقوبات؛ سواء تلك اليت تتعلق باحلدود ،أو تلك اليت تتعلق بالتعزيرات
والسياسة الشرعية؛ لذلك حري بنا أن نقسم هذا املبحث إىل ثالثة مطالب ،نتناول يف
املطلب األول أثر التقادم يف انقضاء الدعوى العمومية يف جرائم احلدود ،ويف املطلب الثاين
أثر التقادم يف انقضاء الدعوى العمومية يف جرائم التعزيرات والسياسة الشرعية ،قبل أن
نعرض اجتهادات الفقهاء القدامى واملعاصرين يف تقدير مدة التقادم يف مطلب ثالث،
وذلك وفق ما يأيت:
المطلب األول :أثر التقادم في انقضاء الدعوى العمومية في جرائم الحدود:
-48انظر مثال :م 97إىل 98من قانون اإلعالم اجلزائري .واملواد ،147-144م ( ،)297( )296من
ق.ع.ج.
-49عبد القادر عودة ،التشريع اجلنائي يف اإلسالم.404/2 ،
470
التقادم وأثره في انقضاء الدعوى العمومية -------------د .عبد الرحمن خلفة
على الرغم من أن القذف مصنف ضمن جرائم احلدود إال أنه خيتلف عن باقي
هذه اجلرائم يف مدى تأثري التقادم يف انقضاء الدعوى العمومية املتعلقة به؛ لذلك سنقسم
هذا املطلب إىل قسمني تناول يف األول منهما أثر التقادم يف انقضاء دعوى احلدود عموما،
ويف الثاين نتناول أثر التقادم يف انقضاء دعوى القذف خصوصا ،وذلك وفق ما يأيت:
الفرع األول :أثر التقادم في انقضاء الدعوى العمومية في الحدود عموما :إن
للتقادم تأثريا -على اختالف بني الفقهاء-يف اجلرمية ودعواها ،ويف العقوبة املرتتبة على
اجلرمية ،وذلك وفق ما يأيت:
البند األول :أثر التقادم في انقضاء دعوى جرائم الحدود :اتفق الفقهاء على أن
جرائم القصاص ال تسقط بالتقادم ،سواء ثبتت باإلقرار أو بالشهادة ،أو بغري ذلك من
أدلة اإلثبات .50أما يف جرائم احلدود مما كان حقا خالصا هلل تعاىل كالزنا ،فإن الفقهاء
اختلفوا يف مدى انقضاء دعوى اجلرمية بالتقادم ،ومضي الزمن ،وكان هلم يف هذه املسألة
رأيان:
الرأي األول :قال به جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة في
الصحيح من مذهبهم وهو قول للشيعة اإلمامية :من أنه ال تأثري للتقادم يف إسقاط
-50أبو احلسني البغدادي ،التجريد ،5923-5922/11 ،السمرقندي ،حممد بن أمحد أبو بكر عالء
الدين ،حتفة الفقهاء ،141 ،ط 1405 ،1هـ1984 /م ،دار الكتب العلمية ،بريوت ،املاوردي أبو احلسن
علي بن حممد بن حبيب البصري ،احلاوي الكبري يف فقه مذهب اإلمام الشافعي ،حتقيق ،حممود مطرجي،
وساهم معه ياسني اخلطيب وآخرون ،ط 1414هـ 1994 /م ،دار الفكر بريوت،71-70/17 ،
الشربيي ،حممد اخلطيب ،مغين احملتاج إىل معرفة معاين ألفاظ املنهاج ،546/6 ،حتقيق نصر الدين
التونسي ط1432 ،1هـ2012 /م ،دار القدس ،القاهرة ،القاضي عبد الوهاب البغدادي ،اإلشراف على
مسائل اخلالف ،القاضي عبد الوهاب البغدادي ،اإلشراف على مسائل اخلالف ،ط،1
1420هـ1999/م ،دار ابن حزم ،بريوت ،863/2 ،حممد النجفي ،جواهر الكالم .476/14 ،لكن جملة
األحكام العدلية نصت على سقوط دعوى التقادم مبضي مخس عشرة سنة كما سيأيت .أنظر :علي
حيدر ،درر احلكام شرح جملة األحكام ،تعريب فهمي احلسيين ،مكتبة النهضة ،بريوت ،د.ت ،علي بن
خليل الطرابلسي ،معني احلكام فيما يرتدد بني اخلصمني من األحكام ،د ،ت.282/4 ،
471
التقادم وأثره في انقضاء الدعوى العمومية -------------د .عبد الرحمن خلفة
الدعوى والعقوبة ،سواء ثبتت اجلرمية باإلقرار أم بالشهادة ،فمىت ثبتت أخذ هبا51؛
صنَات)) (النور ،)4فاقتضى أن ين يَـْرُمو َن الْ ُم ْح َ َّ
وحجتهم يف ذلك عموم قوله تعاىلَ (( :والذ َ
يكون حمموال على عموم األحوال يف الفور والرتاخي ،وألن التهمة يف املبادرة أقوى منها يف
التأخري52؛ وقالوا إن الشهادة مبناها على الصدق ،والتأخري ال يقدح فيه إذا وجد الشاهد
العدل؛ كما استندوا إىل القياس فقاسوا حقوق اهلل تعاىل على حقوق العباد ،فكما أن هذه
ال تسقط بالتقادم ،فكذلك حقوق اهلل تعاىل .53وبرروا عدم تفريقهم يف أثر التقادم بني
الشهادة واإلقرار بقوهلم( :ن كل حق مل يسقط بتأخري اإلقرار مل يسقط بتأخري الشهادة
55
كسائر احلقوق) .54و(ألنه [البينة] أحد نوعي ما يثبت به الزنا فيقاس على اإلقرار)
الرأي الثاني :قال به األحناف والشيعة اإلمامية وهو رواية عن الحنابلة:56
حيث رأوا أن للتقادم أثرا يف سقوط الدعوى ،يف جرائم احلدود ،بشرط أن يكون
دليل اإلثبات هو البينة (الشهود) دون اإلقرار ،فإذا مضت مدة ومل يؤد الشهود شهاداهتم
فيما حتملوه رفضت شهادهتم ومل تثبت هبا جرمية ،إال إذا كان للتقادم والتأخر عذر ظاهر
بأن كان املشهود عليه يف موضع ليس فيه حاكم فحمل إىل بلد فيه حاكم فشهدوا عليه
-51املاوردي ،احلاوي ،71-70/17 ،الشربيين ،مغين احملتاج ،546/6 ،القاضي عبد الوهاب البغدادي،
اإلشراف على مسائل اخلالف ،863/2 ،حممد حسن النجفي ،جواهر الكالم يف شرح شرائع اإلسالم،
ط 1412 ،1هـ 1992 /م ،مؤسسة املرتضي العاملية ،بريوت ،476/14 ،عبد القادر عودة ،مرجع سابق،
،778حممد أبو زهرة ،مرجع سابق.66 ،
-52املاوردي ،املصدر السابق.71-70/17 ،
-53أمحد فراج حسني ،أدلة اإلثبات يف الفقه اإلسالمي ،ط ،2004دار اجلامعة اجلديدة اإلسكندرية،
،135النجفي ،جواهر الكالم ،476/14 ،املاوردي ،املصدر السابق.71-70/17 ،
- 54القاضي عبد الوهاب البغدادي ،املصدر السابق.864/2 ،
-55املاوردي ،املصدر السابق.71-70/17 ،
-56أبو احلسني البغدادي ،املصدر السابق ،5923-5922/11 ،السمرقندي ،املصدر السابق،141 ،
املاوردي ،املصدر السابق ،71-70/17 ،حممد النجفي ،املصدر السابق ،476/14عبد القادر عودة،
مرجع سابق .778 ،حممد أبو زهرة ،مرجع سابق.66 ،
472
التقادم وأثره في انقضاء الدعوى العمومية -------------د .عبد الرحمن خلفة
جازت شهادهتم وإن تأخرت؛ ألن هذا موضع العذر فال يكون التقادم فيه مانعا .57أو
املرض وغريه من املوانع احلسية.58
وحجة هؤالء سد باب الضغينة احملتملة .59ذلك أن الشاهد كان مأمورا من قبل
الشارع أمرا فوريا بأحد أمرين :السرت أو أداء الشهادة حسبة هلل تعاىل وإلقامة حد اهلل تعاىل
ومنع الفساد يف األرض ،والواجب أن خيتار أحدمها فورا ،فإن تأخر بدون عذر حىت مضت
مدة تقادمت فيها اجلرمية ،مث أقدم على الشهادة ،فإن تأخريه هلا إن كان بسبب اختياره
السرت كان إقدامه على األداء مظنة عداوة أو ضغينة حقد طارئ ،فصار متهما ،وقد قضى
رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم أال شهادة خلصم وال ظنني ،وإن مل يكن تأخريه للشهادة
بسبب اختياره السرت كان فاسقا بالتأخري ،فوجد املانع من قبول الشهادة يف احلالني60؛ بل
يف هذه احلال يرى بعض األحناف أن الشهادة توجب حد القذف.61كما علل الشيعة
ذلك باحتمال التوبة يف تلك الفرتة فال تقبل بعدها .62بينما مل يفرق زفر من احلنفية بني ما
ثبت بالشهادة وما ثبت باإلقرار يف السقوط بالتقادم.63
البند الثاني :أثر التقادم في سقوط عقوبات جرائم الحدود:
ما أوردناه سابقا يتعلق جبرائم احلدود يف ذاهتا ومدى انقضاء الدعوى العمومية
املتعلقة هبا بسبب التقادم؛ أما بالنسبة للعقوبات فإن األصل فيها عند الفقهاء القدامى مبن
فيهم األحناف أهنا واجبة النفاذ بعد صدورها ،حدا أو قصاصا ،طال الزمن أم قصر ،ما مل
يظهر عنصر جديد لصاحل صاحبها ،على غرار عدول الشهود أو املقر ،باستثناء التعزيرات
القائمة على االجتهاد واملفوضة لويل األمر ،اليت ميكن أن تسقط بالتقادم.64
لكننا وجدنا األحناف يوردون صورا ملا يسقط بعض احلدود (العقوبات) عن
أصحاهبا بسبب تقادمها ،تبعا لقوهلم بسقوط اجلرائم عموما بسبب تقادمها ،فيقول ابن
اهلمام (ت 861هـ)( :التقادم كما مينع قبول الشهادة يف االبتداء مينع اإلقامة بعد القضاء،
حىت لو هرب بعدما ضرب بعض احلد مث أخذ بعدما تقادم الزمان ال يقام عليه؛ ألن
اإلمضاء من القضاء حبقوق اهلل تعاىل .وإذا كان كذلك كان قيام الشهادة شرطا حال
االستيفاء كما هو شرط حال القضاء ..وبالتقادم مل تبق الشهادة فال يصح هذا القضاء
الذي هو االستيفاء فانتفى ،وهذا رد املختلف إىل املختلف ،فإن كون قيام الشهادة وقت
القضاء شرطا صحيح ،ولكن الكالم يف معىن قيامها ،فعندهم [األئمة الثالثة وزفر] ما مل
يطرأ ما ينقضها من الرجوع وهي قائمة ،حىت لو شهدوا مث غابوا أو ماتوا جاز احلكم
بشهادهتم ،وعندنا قيامها بقيامهم على األهلية واحلضور) .65فالقاعدة إذن أنه (إذا وجب
عند احلكم أن ال تتقادم اجلرمية فقد وجب أن ال يكون التقادم عند التنفيذ) .66فاملراد أن
تستمر البينة مستوفية شروط القبول بعد األداء إىل احلكم واإلمضاء.67
-64باستثناء ما ذهب ابن عابدين أن التعزير ال يسقط بالتقادم ،ابن عابدين ،حممد أمني بن عمر بن
عبد العزيز ،رد احملتار على الدر املختار ،حتقيق أمحد عبد املوجود وعلي حممد عوض ،ط
1423هـ2003/م ،عامل الكتب ،الرياض.103/6 ،
-65ابن اهلمام ،مصدر سابق.59/5 ،
-66عبد القادر عودة ،مرجع سابق.780/1 ،
-67عرض األحناف احلاالت اليت تسقط مبوجبها شهادة الشهود بعد األداء قبل احلكم والتنفيذ (القضاء
واإلمضاء) .ومنها :الفسق أو الردة أو اجلنون أو العمى واخلرس وحد القذف ،أو موهتم يف حد الرجم
خاصة؛ ألن البداية بالشهود يف الرجم شرط جواز اإلقامة ،وقد فات باملوت على وجه ال يتصور عودته
فسقط احلد ضرورة .انظر :الكاساين ،مصدر سابق.91/7 ،
474
التقادم وأثره في انقضاء الدعوى العمومية -------------د .عبد الرحمن خلفة
الفرع الثاني :أثر التقادم في انقضاء دعوى جريمة القذف :األصل يف جرائم
احلدود أهنا حق خالص هلل تعاىل مقابل جرائم القصاص اليت هي حق خالص للعباد؛
ولذلك جاز سقوطها بالتوبة والتقادم وغريها من املسقطات على اختالف بني الفقهاء؛
لكن القذف وإن انضوى حتت مسمى احلدود إال أنه غلب فيه حق العبد؛ لذلك انفرد عن
سائر احلدود يف عدم خضوعه ملبدأ السقوط بالتقادم؛ سواء عند األحناف أو عند مجهور
الفقهاء ،حيث وقع االتفاق على أنه ال يسقط بالتقادم ،68وقد برر األحناف متييزهم
للقذف عن باقي احلدود بأنه من حقوق العباد؛ وبأن حجة تقرير التقادم بسبب الشهادة
يف سائر احلدود ال تتحقق يف القذف؛ ألن تأخري الشهادة فيه ال يدل على الضغينة
والتهمة؛ ألن الدعوى هناك شرط فاحتمل أن التأخري كان لتأخري الدعوى من املدعي.69
إذ أن شكوى اجملين عليه شرط لتحرك الدعوى فال يستطيع الشاهد أن يشهد قبل
الشكوى.70
هذا هو رأي فقهاء اإلسالم يف أثر التقادم على جرمية القذف؛ لكن للقذف عرب
جهاز الصحافة مدلول أوسع مما هو عليه يف الفقه اإلسالمي؛ فبينهما عموم وخصوص،
كما بينا سابقا؛ ففي القانون تنضوي حتت مسمى القذف جرائم ال يعدها الفقهاء كذلك
بل يلحقوهنا جبرائم التعزير ،ومنها االهتام بالرشوة واالختالس والتحرش والغش وغريها من
اجلرائم؛ لذلك فإن حكم التقادم فيها فقهيا هو نفس احلكم يف جرائم التعزيرات كما
سنبينه اآلن يف الفرع الثاين.
المطلب الثاني :أثر التقادم في انقضاء الدعوى العمومية في جرائم التعزيرات
والسياسة الشرعية :إن اجلرائم املاسة بالشرف واالعتبار املرتكبة عن طريق جهاز
-68نبيل عبد الصبور النرباوي ،مرجع سابق ،363 ،أبو زهرة ،مرجع سابق .70 ،وانظر :الكاساين،
مصدر سابق .64/7 ،م
-69نبيل عبد الصبور النرباوي ،مرجع سابق ،363 ،وانظر :الكاساين ،مصدر سابق.64/7 ،
-70عبد القادر عودة ،مرجع سابق.780/1 ،
475
التقادم وأثره في انقضاء الدعوى العمومية -------------د .عبد الرحمن خلفة
الصحافة ،على غرار اإلهانة والسب واإلساءة ،والقذف مبفهومه الواسع تنضوي فقهيا حتت
مسمى التعزيرات؛ وهذه اجلرائم يكاد فقهاء اإلسالم يتفقون على أهنا تسقط بالتقادم؛ إذا
قرر ويل األمر ذلك؛ ألن التعزيرات قائمة على االجتهاد ومفوضة لويل األمر فيمكن أن
تسقط بالتقادم .71فتطبيقا لقواعد العامة للشريعة ،ومنها أن لويل األمر أن يعفو عن العقوبة
بعد احلكم هبا أو قبلها ،فإن له أيضا أن يعلق سقوطها على مضي مدة معينة ،إن رأى يف
ذلك ما حيقق مصلحة عامة أو يدفع مضرة .72فسلطة إسقاط اجلرمية التعزيرية بالتقادم من
قبل ويل األمر من باب األوىل شريطة أن يكون تقدير ويل األمر هلذه الفرتة الزمنية مبنيا
على املصلحة العامة للمجتمع اإلسالمي ،تلك املصلحة اليت يعتد هبا الشارع اإلسالمي
واليت يعدها مصدرا من مصادر التشريع.73
ومن هذه الزاوية يتفق القانون مع ما سار عليه الفقه اإلسالمي قدميا بتقريره مبدأ
التقادم يف جرائم الشرف واالعتبار؛ ألن اجلرائم املنصوص عليها ال تدخل ضمن دائرة
احلدود.
المطلب الثالث :مدة التقادم في الفقه اإلسالمي :تباينت مدة التقادم املسقطة
للشهادة بني فقهاء األحناف فروي أهنا موكولة الجتهاد القاضي وتقديره يف كل عصر،
وقيل بل هي مقدرة بثالثة أيام ،وقيل بشهر كما ذهب إىل ذلك أبو يوسف وحممد ،وقيل
بستة أشهر ،74وقيل بسنة ،75وكذلك تباينت املدة عند الشيعة ،فقيل ستة أشهر وقيل
مخسة أشهر .76كما نصت جملة األحكام العدلية على عدم مساع دعوى القصاص من قبل
-71باستثناء ما ذهب ابن عابدين أن التعزير ال يسقط بالتقادم ،ابن عابدين ،مصدر سابق.103/6 ،
-72عبد القادر عودة ،مرجع سابق.779/1 ،
-73سامح السيد جاد ،مرجع سابق ،ص.25
-74الكاساين ،بدائع الصنائع ،69/7 ،ابن اهلمام ،مصدر نفسه.60-59/5 ،
-75ابن اهلمام ،مصدر نفسه.59/5 ،
-76حممد النجفي ،مصدر نفسه.476/14 ،
476
التقادم وأثره في انقضاء الدعوى العمومية -------------د .عبد الرحمن خلفة
القاضي إذا مضت مخس عشرة سنة قمرية من تاريخ إمكانية حتريك الدعوى من قبل
اخلصم ،إال بإذن سلطاين استثنائي.77
وضمن إطار االجتهاد املعاصر لتقنني أحكام الفقه اإلسالمي يف التقادم حاول علي
علي منصور يف مشروعه لنظام التجرمي والعقاب تقدير مدة لسقوط اجلرمية ومدة أخرى
لسقوط العقوبة بالتقادم ،ففي جمال احلدود مثال حدد مدة لسقوط جرمية الزنا بعشر
سنوات ،78ولسقوط العقوبة بعشرين سنة .79وقد بني يف املذكرة التوضيحية أنه استقى هذه
املواد من املذهب احلنفي .80وحنن هنا نسجل مالحظتني على املدة املقرتحة من قبله كما
يأيت:
أوال-إن هذه املدد اليت اقرتحها علي علي منصور ومن قبله جملة األحكام العدلية ال
تصلح هنا؛ ألهنا طويلة جدا تفضي عادة إىل تغيريات نفسية واجتماعية وميدانية كثرية،
وتتعارض واألغراض اليت يستهدفها مبدأ التقادم اجلنائي ،وال تكاد جتد هلا مستندا يف الفقه
اإلسالمي مبا يف ذلك الفقه احلنفي ،الذي جعل مدار مدة التقادم على األشهر ،وليس
على السنوات؛ مما يدل على أن اجتهاد تقدير مدة التقادم متخض يف ظل املؤثرات اخلارجية
احلديثة وولد من رحم منظومتها القانونية.
ثانيا-إن اجلرائم املاسة بالشرف واالعتبار املرتكبة عن طريق جهاز الصحافة ليست
يف جمملها من جرائم احلدود واجلنايات؛ بل هي من جرائم التعزيرات والسياسة الشرعية،
املدرجة قانونا ضمن اجلنح واملخالفات ،والعقوبات املقررة هلا قانونا خفيفة مقارنة بغريها من
اجلرائم؛ إذ تكاد تقتصر على الغرامات املالية ،كما هو مقرر يف قانون اإلعالم ،وقد عزز
-77علي حيدر ،درر احلكام شرح جملة األحكام ،282/4 ،تعريب فهمي احلسيين ،مكتبة النهضة،
بريوت ،بغداد ،د.ت.
-78م ( ،)7علي علي منصور ،نظام التجرمي والعقاب يف اإلسالم ،ط1396 ،1هـ1976/م ،مؤسسة
الزهراء ،املدينة املنورة.191/1 ،
-79م ( ،)8علي علي منصور ،املرجع نفسه.191/1
-80انظر :علي علي منصور ،املرجع نفسه.192 – 191/1 ،
477
التقادم وأثره في انقضاء الدعوى العمومية -------------د .عبد الرحمن خلفة
هذا التخفيف التعديل اجلديد للدستور الذي نص على أنه ..( :ال ميكن أن ختضع جنحة
الصحافة لعقوبة سالبة للحرية)81؛ فمقرتحاته قد تصلح إن صلحت يف تقدير مدة التقادم
يف اجلنايات.
ثالثا-إن عدم تقدير مدة للتقادم فقها [قدميا] ال مينع ويل األمر من أن يقدرها
نظاما؛ فالفقه ال يقدر املقادير إال ما فيه نص أو قياس على نص ،وال نص يف املوضوع،
أما األمور اليت تبىن على العرف فإن أمر التقدير فيها يوكل إىل القاضي وإىل ويل األمر ،فله
أن يعينا املدة اليت يراها ،مالحظا يف تقديرها مالبسات األحوال وشؤون الزمان وأعراف
الناس.82
لذلك نرى ترك أمر التقدير لسلطات ويل األمر ،ممثال يف العصر احلديث يف
السلطات التشريعية؛ حيث يقتصر دور القضاء يف التنفيذ ،توحدا لإلجراءات وحتقيقا
الستقرار العدالة ،السيما وأن جل جرائم الشرف واالعتبار من صنف التعزيرات والسياسة
الشرعية ،مع األخذ بعني االعتبار ما نسجله الحقا من مالحظات على املدة املقررة يف
قانون اإلعالم ،حيث نقرتح أن تكون مدة التقادم هي ذاهتا مدة حق الرد ،حىت تطوى
القضايا اجلرائم املاسة بالشرف واالعتبار ،ويبطل مفعوهلا ،وتوضع يف طي النسيان حتقيقا
الستقرار العدالة ومراعاة ملصلحة اجلاين واجملين عليه.
المبحث الثالث :أثر التقادم في انقضاء الدعوى العمومية في الجرائم الماسة
بالشرف واالعتبار في القانون الجزائري:
ال ختتلف اجلرائم املاسة بالشرف واالعتبار املرتكبة عن طريق جهاز الصحافة عن
بقية اجلرائم املنصوص عليها قانونا يف كوهنا مشمولة بأسباب اإلباحة 83وموانع املسؤولية
وأسباب السقوط ،ومنها خاصة السقوط مببدأ التقادم ،وقد ظل العمل هبذا املبدأ يف هذا
الصنف من اجلرائم املدرج يف دائرة اجلنح واملخالفات مبا هو مقرر يف قانون اإلجراءات
اجلزائية ،ضمن القواعد العامة ،شأهنا شأن باقي اجلرائم العادية من اجلنح واملخالفات
املرتكبة بغري جهاز الصحافة ،دون أن تعطى هلا أي خصوصية ،حيث تتقادم اجلنح مبضي
ثالث سنوات كاملة وفق ما ننص عليه قانون اإلجراءات اجلزائية من أنه( :تتقادم الدعوى
العمومية يف مواد اجلنح مبرور ثالث سنوات كاملة).84
بينما تتقادم املخالفات مبضي سنتني عن ارتكاهبا عن طريق جهاز الصحافة ،وفقا
ملا نص عليه قانون اإلجراءات اجلزائية من أنه( :يكون التقادم يف مواد املخالفات مبضي
سنتني كاملتني).85
وهذا اإلجراء ظل مطبقا منذ صدور القوانني املتعلقة باإلعالم السيما قانون
1982م وقانون 1990م ،مما شكل نشازا يف نظر الكثري من اإلعالميني والقانونيني كونه ال
يراعي خصوصية العمل الصحفي وال يتماشى وما درجت عليه الكثري من القوانني املقارنة
ومنها القانون الفرنسي الذي قصر مدة التقادم يف الدعوى اجلنائية واملدنية الناشئة عن
يوليو 1881م املتعلق حبرية 29 اجلنايات واجلنح واملخالفات املنصوص عليها يف قانون
الصحافة على ثالثة ( )3أشهر من يوم وقوعها أو من يوم آخر إجراء من التحقيق أو
احملاكمة86؛ حيث نص القانون الفرنسي على أن( :الدعوى العامة والدعوى املدنية
النامجتان عن اجلنايات أو اجلنح أو املخالفات امللحوظة يف هذا القانون تسقط بالتقادم
وما بعدها ،جعفر عبد السالم ،اإلطار التشريعي للنشاط اإلعالمي ،351-350 ،ط1414هـ1993/م،
دار املنار ،مصر.
-84م ( )08من األمر رقم ،156-66املؤرخ يف 18صفر 1386ه املوافق 08يونيو 1966م ،يتضمن
قانون اإلجراءات اجلزائية املتمم واملعدل.
-85م ( )09من ق.إ.ج.ج.
-86أمني مصطفى حممد ،احلماية اجلنائية اإلجرائية للصحفي –دراسة يف القانونيني املصري والفرنسي-
،40ط ،2010ديوان املطبوعات اجلامعية اإلسكندرية.
479
التقادم وأثره في انقضاء الدعوى العمومية -------------د .عبد الرحمن خلفة
(مرور الزمن) بعد ثالثة أشهر كاملة اعتباراً من اليوم الذي ارتكبت فيه ،أو من تاريخ آخر
عمل حتقيق أو مالحقة آن وجد)87وكذا القانون املصري الذي قيد املدة بثالثة أشهر من
تاريخ علم اجملين عليه باجلرمية ومبرتكبها.88
لكن املشرع اجلزائري استدرك هذا األمر يف آخر تعديل للقانون العضوي لإلعالم،
حني استحدث مادة جديدة كرس مبوجبها خصوصية اجلرائم املرتكبة بواسطة جهاز
الصحافة ،فقلص آجال انقضاء الدعوى العمومية واملدنية املتعلقة هبا ،إىل ( )6أشهر فقط،
فنص على أنه( :تتقادم الدعوى العمومية والدعوى املدنية املتعلقتان باجلنح املرتكبة عن
طريق الصحافة املكتوبة ،أو السمعية البصرية أو االلكرتونية بعد ( )6ستة أشهر كاملة من
تاريخ ارتكاهبا).89
ويف ضوء هذا ميكن تسجيل املالحظات اآلتية:
أوال-لقد ساير املشرع اجلزائري هبذا التقليص القوانني املقارنة املتعلقة باإلعالم
والصحافة.
ثانياّ -
ضمن املشرع اجلزائري مبدأ التقادم يف القانون العضوي؛ ليحسم األمر بذلك
للتخفيف؛ ألن القانون العضوي أقوى من القانون العادي ،فهو خيصص عمومه ويقيد
مطلقه ،السيما وأنه مرتاخ عنه.
ثالثا-إن املشرع اجلزائري الذي قلص مدة التقادم إىل ستة أشهر من ارتكاهبا ،مل
يقيد ذلك مبدى علم أو عدم علم اجملين عليه باجلرمية اليت طالته ،فاحتساب مدة التقادم
تبدأ مبجرد صدورها يف نشرية أو بثها يف وسيلة إعالم مسعية بصرية ،أو نشرها يف وسيلة
إعالم االلكرتونية.
-87م ( ،)65من القانون [الفرنسي] الصادر يف 29متوز 1881عن حرية الصحافة ،النسخة املوطدة
حىت 11أيلول 2011مhttps://www.legifrance.gouv.fr/Traductions/ar/29-1881 .
-88أمني مصطفى حممد ،املرجع نفسه.33 ،
-89م ( )124من القانون العضوي رقم 05-12املؤرخ يف 18صفر 1433هـ املوافق 12يناير سنة
،2012يتعلق باإلعالم.
480
التقادم وأثره في انقضاء الدعوى العمومية -------------د .عبد الرحمن خلفة
وهذا على خالف ما قرره املشرع املصري من أن مدة التقادم يشرع يف احتساهبا من
تاريخ العلم هبا من قبل اجملين عليه .90وهنا يرى فقهاء القانون أن املشرع املصري يفرض
مبقتضى النص أن يعلم اجملين عليه باجلرمية ومبرتكبها ،وأن يثبت علم اجملين عليه أو ممثله
بذلك.91
فالتقادم ال تبدأ مدته مبجرد النشر أو البث مامل تثبت قرائن األحوال ان اجملين عليه
بلغه ذلك أو عاينه ،وهذا الشرط يف نظرنا يفقد التقادم مقصده املفرتض من قبل املشرع؛
وقد يلحق اجلرمية املرتكبة جبهاز الصحافة بسائر اجلرائم العادية ،وال يبقي على
خصوصيتها؛ فبإمكان اجملين عليه أن حيرك الدعوى يف أي وقت ويدفع بعدم العلم هبا.
رابعا-على الرغم من تكريس مبدأ التقادم يف الدعوى العمومية والدعوى املدنية
املتعلقة باجلرائم املرتكبة عن طريق جهاز الصحافة وتقليص مدته إىل ستة أشهر من قبل
املشرع يف قانون اإلعالم اجلزائري؛ إال أن هذه املدة تبقى بعيدة عن القوانني املقارنة ،وغري
حمققة للمقاصد املغيّئة من التقليص.
ذلك ألن الغرض من ذلك حث اجملين عليه على حتديد موقفه يف أجل معقول
يتيح له أن يزن األمور ،ويقلبها على أحسن وجوهها؛ حبيث إذا مل ينشط يف خالل هذه
األجل لتقدمي شكواه سقط حقه هنائيا ،فمضي هذه املدة قرينة ال تقبل إثبات العكس على
التنازل عن الشكوى؛ حىت ال يتخذ من حق الشكوى-إذا استمر أو تأبد-سالحا للتهديد
أو البتزاز أو النكاية.92
عالوة على أن الصحافة تساير األحداث املتسارعة خاصة يف ظل وسائل اإلعالم
اجلديد ،فالكثري من اجلرائم املرتكبة جبهاز الصحافة املاسة بالشرف واالعتبار تفقد تأثريها
سريعا على اجملين عليه والرأي العام ،ومن شأن طول مدة حق الشكوى أن يعيد هلا تأثريها،
ليس فقط على الصحايف الذي يظل رهني الشاكي؛ بل أيضا على اجملين عليه الذي يبقي
شرفه واعتباره يف مزاد اإلعالم خالفا ملا يقصده املشرع من جرب الضرر ومللمة ما تناثر من
مسعة وشرف واعتبار اجملين عليه .هلذا فإن مدة ستة أشهر مبالغ فيها ،وكان حريا باملشرع
تقليصها أكثر ،وجعلها وحق الرد سيان يف التقادم والسقوط ،ويقدرها بشهر واحد فقط؛
سدا لذريعة التعسف وحفظا لكرامة الصحايف وحق اجملتمع يف عدم إحياء ما طواه النسيان
من جرائم ،وصيانة أكثر لشرف واعتبار اجملين عليه.
خامسا-لقد جعل املشرع اجلزائري الستة أشهر مدة للتقادم وليست مدة للسقوط؛
وبالتايل فإن هذا األخري خيضع إلجراءات وقف التقادم املنصوص عليها يف قانون
اإلجراءات؛ على خالف القانون املصري الذي جعل املدة مدة سقوط احلق وليست مدة
للتقادم؛ ومن مث ال تعرض هلا أسباب الوقف واالنقطاع.93
وقد ساير املشرع اجلزائري املشرع الفرنسي يف هذ التصنيف ،حيث جعل هذه
األخري املدة مدة للتقادم وليست مدة للسقوط ،وحدد يف قانون حرية الصحافة اإلجراءات
القاطعة ملدة التقادم ،94فنص على أنه( :على أنه وقبل البدء باملالحقة ،يكون لطلبات
التحقيق لوحدها مفعول قاطع للتقادم؛ جيب على هذه الطلبات ان تذكر وتصف أعمال
التحريض والتحقري والذم والقدح اليت كانت وراء طلب التحقيق حتت طائلة البطالن)،95
وأنه( :يف حال تناول االهتام فعل قابل لوصف جرمي يستكمل حساب مهلة مرور الزمن
(التقادم) امللحوظة يف املادة 65من جديد ،ملصلحة الشخص املعين ،ابتداء من يوم
اكتساب احلكم اجلزائي املتعلّق هبذا الفعل والذي برأه الصفة النهائية).96
سادسا-بالتوازي مع تقادم الدعوى العمومية والدعوى املدنية يف مدة ستة أشهر يف
اجلرائم املرتكبة بواسطة جهاز الصحافة ،يسقط حق الرد على ما ورد يف وسائل اإلعالم من
هتم ومساس بالشرف واالعتبار والسمعة يف حق األشخاص واهليئات ،مبضي مدة معينة،
حددها قانون اإلعالم بثالثني يوما بالنسبة للصحف واإلعالم السمعي البصري أو
االلكرتوين ،وستني يوما بالنسبة لباقي النشريات؛ فنص على أنه ..( :يرسل الطلب [طلب
الرد] برسالة موصى عليها مرفقة بوصل استالم ،أو عن طريق احملضر القضائي ،حتت طائلة
سقوط احلق ،يف أجل أقصاه ثالثون ( )30يوما إذا تعلق األمر بصحيفة يومية أو خدمة
اتصال مسعي بصري ،أو جهاز إعالم الكرتوين ،وستون ( )60يوما فيما خيص النشريات
الدورية األخرى) .97بينما حدد القانون الفرنسي مدة سقوط احلق يف الرد ب ( )08أيام،98
والقانون املصري حددها بشهر ( )30يوما.99
خاتمة :يف ضوء ما سبق ميكن الوصول إىل النتائج اآلتية:
أوال-إن للتقادم عموما تأثريا يف انقضاء الدعوى العمومية يف اجلرائم املاسة بالشرف
واالعتبار يف الفقه اإلسالمي وقانون اإلعالم اجلزائري والقوانني املقارنة ،وختتلف مدته من
قانون آلخر.
ثانيا-مل يقدر الفقهاء املسلمون مبن فيهم األحناف على مدة حمددة للتقادم؛
والذين اجتهدوا يف تقديرها مل يتفقوا على مدة حمددة؛ وهو ما يبقي أمر تقديرها مفوضا
لويل األمر باالجتهاد يف إطار السياسة الشرعية؛ مبا يراه حمققا للمصلحة ومتناغما
ومقتضيات العصر ،وطبيعة هذه اجلرائم اليت تكتسي خصوصية متيزها عن باقي اجلرائم.
ثالثا-تصنف اجلرائم املاسة بالشرف واالعتبار يف قانون اإلعالم اجلزائري ضمن
جرائم اجلنح ،بينما تتوزع يف الفقه اإلسالمي بني احلدود والتعزيرات والسياسة الشرعية
حسب طبيعة كل جرمية؛ وهو ما يبقي املشرع يف احلالتني يف سعة من أمره لتقدير العقوبات
املقدرة هلا وإجراءاهتا اجلزائية ،وجيعل الشريعة مستوعبة ملستجدات احلياة وتشعباهتا.
-97م ( )103من القانون العضوي رقم 05-12املؤرخ يف 18صفر 1433ه املوافق 12يناير سنة
،2012يتعلق باإلعالم.
-98ماجد راغب احللو ،حرية اإلعالم والقانون ،372 ،ط 2009م ،دار اجلامعة اجلديدة ،اإلسكندرية.
-99ماجد راغب احللو ،املرجع نفسه.315 ،
483
التقادم وأثره في انقضاء الدعوى العمومية -------------د .عبد الرحمن خلفة
رابعا-إن استحداث مادة جديدة لتكريس خصوصية اجلرائم املرتكبة بواسطة جهاز
الصحافة ،يتناغم والقوانني املقارنة ويسهم يف دعم حرية الصحافة واحلق يف اإلعالم؛ لكن
املدة ال تزال طويلة نسبيا مقارنة بالقوانني املقارنة ،ولذا نقرتح أن تقلص أكثر لتكون يف
حدود شهر واحد كما هي مدة سقوط احلق يف الرد والتصحيح يف اليوميات.
خامسا-يوافق القانون اجلزائري والقوانني املقارنة الفقه اإلسالمي يف الكثري من األحكام
املتعلقة بأثر التقادم يف انقضاء الدعوى العمومية يف اجلرائم املاسة بالشرف واالعتبار،
وخيالف يف بعضها ،واجلدول أدناه يربز بعض أوجه االتفاق وأوجه االختالف بينها ،وفق ما
يأيت:
الفقه القانون الفرنسي القانون المصري القانون الجزائري
اإلسالمي
مدة التقادم ( )06ستة مدة التقادم ( )03مدة التقادم ( )03مدة التقادم
ختضع لتقدير أشهر أشهر أشهر
سلطة ويل
األمر
يبدأ التقادم من تاريخ يبدأ التقادم من تاريخ يبدأ التقادم من يبدأ التقادم
تاريخ علم اجملين عليه تاريخ ارتكاب من ارتكاب اجلرمية
ارتكاب اجلرمية باجلرمية
اجلرمية
التقادم ال خيضع التقادم خيضع التقادم خيضع التقادم خيضع
الوقف إلجراءات الوقف إلجراءات الوقف إلجراءات إلجراءات
الوقف واالنقطاع واالنقطاع واالنقطاع
ينص مدة سقوط احلق يف مدة سقوط احلق يف مدة سقوط احلق مل
الرد ( )30يوما بالنسبة الرد ( )30يوما ابتداء يف الرد ( )08الفقهاء على
َثانية أيام من حق الرد مبا الصادرة من تاريخ صدوره للجرائم
484
التقادم وأثره في انقضاء الدعوى العمومية -------------د .عبد الرحمن خلفة
485