Professional Documents
Culture Documents
رواية أبناء الصحراء كاملة 11 فصلا
رواية أبناء الصحراء كاملة 11 فصلا
1
نظرية بيرس في العالمة
مدخل فلسفي شامل حول نظرية بيرس في العالمة؛ نص مترجم ،ومنشور على (موسوعة ستانفورد
للفلسفة) .ننوه بأن الترجمة هي للنسخة المؤرشفة في الموسوعة ،والتي قد يطرأ عليها التعديل من منذ
1Atkin, Albert, "Peirce's Theory of Signs", The Stanford Encyclopedia of Philosophy (Summer 2013 Edition), Edward
N. Zalta (ed.), URL = <https://plato.stanford.edu/archives/sum2013/entries/peirce-semiotics/>.
نظرية بريس يف العالمة ،أو السيميوطيقا ،هي عمل يتعلق ابلداللة ،والتمثيل ،واملرجع ،واملعىن .على
الرغم من أن لنظرايت العالمة اتريخ طويل ،إال أن أعمال بريس تعد مميزة ومبتكرة من حيث اتساعها
وتعقيدها ،ويف التقاط أمهية التأويل للداللة .ابلنسبة لبريس ،كان تطوير نظرية شاملة للعالمات هو شغله
الشاغل يف اجملالني الفلسفي والفكري .أمهية السيميوطيقا ابلنسبة لبريس واسعة النطاق .كما قال هو
نفسه ]...[" ،مل يكن مبقدوري قط دراسة أي موضوع؛ سواء الرايضيات ،أو األخالق ،أو امليتافيزيقا،
أو اجلاذبية ،أو الديناميكا احلرارية ،أو البصرايت ،أو الكيمياء ،أو علم التشريح املقارن ،أو علم الفلك،
أو علم النفس ،أو الصوتيات ،أو االقتصاد ،أو اتريخ العلوم ،أو ألعاب الورق ،أو الرجال والنساء ،أو
النبيذ ،أو علم القياس ،إال ابعتباره دراسة سيميوطيقية "( .)SS 1977, 85-6تعامل بريس أيضا
مع نظرية العالمة على أهنا مركزية لعمله يف املنطق ،ووسيلة للبحث واالكتشاف العلمي ،بل وإحدى
الوسائل املمكنة "إلثبات" مذهبه البامجايت .ابلتايل ،فإن أمهيتها عظيمة يف فلسفة بريس.
عب مسار حياته الفكرية ،كان بريس يعود ابستمرار إىل أفكاره حول العالمات والسيميوطيقا ويقوم
بتطويرها ،وهناك ثالث جمموعات أعمال ميكن حتديدها على نطاق واسع :جمموعة أعمال موجزة مبكرة
يف ستينيات القرن التاسع عشر ،وجمموعة أعمال مرحلية كاملة ومتقنة نسبيا ،مت تطويرها خالل مثانينيات
وتسعينيات القرن التاسع عشر ،ومت تقدميها عام ،1903وقد مت تطوير جمموعة أعماله الفكرية واملتفرقة
وغري املكتملة النهائية بني عامي 1906و .1910ويبحث املدخل التايل جمموعات األعمال الثالث،
ُ
ويتتبع التغيريات اليت أدت إىل قيام بريس بتطوير نظرايت مبكرة يف العالمة ،وإنشاء أخرى جديدة أكثر
تعقيدا .لكن ،على الرغم من هذه التغيريات ،تظل أفكار بريس حول البنية األساسية للعالمات والداللة
متماثلة ،إىل حد كبري ،خالل التطورات اليت قام هبا .بناء على ذلك ،من املفيد أن نبدأ ببيان البنية
األساسية للعالمات وفقا لبريس.
1.2املوضوع •
1.3املفسرة •
3.2املوضوعات •
3.3املفسرات •
أعرف العالمة على أهنا أي شيء يتم حتديده بواسطة شيء آخر ،ويُسمى :موضوعها ،وكذلك ّ
مفسرهتا ،وابلتايل يتم حتديد األخرية بشكل
حيدد أتثريا على الشخص ،وهو التأثري الذي أمسيه ّ
فوري بواسطة األول)EP2, 478( .
ما نراه هنا هو ادعاء بريس األساسي أبن العالمات تتكون من ثالثة أجزاء مرتابطة :عالمة ،وموضوع،
ومفسرة .لتبسيط األمر ،ميكننا التفكري يف العالمة على أهنا الدال ،على سبيل املثال ،كلمة مكتوبة ،أو
ّ
كالم منطوق ،أو دخان كعالمة على النار ،وما إىل ذلك .أما املوضوع ،من جهة أخرى ،على سبيل
املثال ،فأفضل ما يُتصور عليه هو املدلول ،على سبيل املثال ،املوضوع الذي ترتبط به الكلمة املكتوبة
املفسرة ،وهي السمة األكثر ابتكارا ومتيزا يف
أو املنطوقة ،أو النار اليت يدل عليها الدخان .يُنظر إىل ّ
املفسرة لدى بريس يف
عمل بريس ،على أهنا الفهم الذي لدينا لعالقة العالمة /املوضوع .تكمن أمهية ّ
أن الداللة significationليست عالقة ثنائية بسيطة بني العالمة واملوضوع :فالعالمة تكون ذات
املفسرة مركزية حملتوى العالمة ،وعلى هذا ،فأن معىن
داللة فقط بكوهنا قابلة للتفسري .هذا ما جيعل ّ
العالمة يتبدى يف التفسري الذي تولده لدى مستخدمي العالمة .ومع ذلك ،فإن األمور أكثر تعقيدا من
ذلك ،وسوف نتناول هذه العناصر الثالثة مبزيد من التفصيل.
أول ما جيب مالحظته هو أن هناك بعض الصعوابت االصطالحية احملتملة هنا .يبدو أننا نقول إن
هناك ثالثة عناصر للعالمة ،أحدها هو العالمة .هذا حمري وال يؤدي إىل استيعاب فكرة بريس بنحو اتم.
ابملعىن الدقيق للكلمة ،ابلنسبة لبريس ،حنن مهتمون ابلعنصر الدال ،signifying elementوأن
العالمة ككل ليست هي ما يدل .عند احلديث عن العالمة كعنصر دال ،فاألرجح أنه يتحدث عن
العالمة اليت تصفو إىل تلك العناصر األكثر أمهية لعملها كدال .يستخدم بريس عدة مصطلحات للعنصر
الدال ،من بينها" :عالمة" و"ماثول" و"متثيل" و"ركيزة" .هنا سوف نشري إىل ذلك العنصر املسؤول يف
العالمة عن الداللة أبنه "حامل العالمة ."sign-vehicle
رمبا يكون من األفضل التوضيح مبثال لفكرة بريس القائلة أبن العالمة ال تدل من كافة نواحيها ،بل
لديها عنصر داليل معني .انظر ،على سبيل املثال ،إىل التلة الطينية اليت يصنعها حيوان اخللد يف حديقيت
كعالمة على وجود حيواانت اخللد .ال تلعب كل صفة من صفات تلة اخللد دورا يف التدليل على وجود
حيواانت اخلُلد .يلعب لون تلة اخلُلد دورا اثنواي؛ ألنه سيختلف وفقا للرتبة اليت يتكون منها .وابملثل،
ختتلف أحجام التالل وفقا حلجم اخلُلد الذي يصنعها ،لذا ،مرة أخرى ،فإن تلك الصفات ليست
أساسية يف قدرة التالل على الداللة .ما هو مركزي هنا هو العالقة السببية املوجودة بني نوع الكومة
الطينية يف حديقيت وحيواانت اخلُلد :مبا أن حيواانت اخلُلد تصنع تالال طينية ،فإن التالل تدل على
وجود حيواانت اخلُلد .وابلتايل ،فإن ما هو أساسي يف داللة تالل اخلُلد على وجود حيوان اخلُلد هو
الرابط احليواين املادي بينه وبني اخللد .هذا هو حامل العالمة .sign-vehicleابلنسبة لبريس ،إذن،
فإن عنصرا معينا من العالمة فقط ،هو ما مي ّكنها من الداللة على موضوعها ،وعندما يتحدث عن
املؤهلة هي ما يقصده.
العنصر الداليل للعالمة ،أو ابألحرى ،حامل العالمة ،فإن تلك العالمة َّ
1.2املوضوع
متاما كما هو احلال مع العالمة ،ليست كل صفة من صفات املوضوع ذات صلة ابلداللة :فقط
مالمح معينة للموضوع هي اليت متكن العالمة من الداللة عليه .ابلنسبة إىل بريس ،فإن العالقة بني
موضوع عالمة والعالمة اليت متثله هي عالقة حتديد :املوضوع هو الذي حيدد العالمة .إن مفهوم بريس
عن التحديد ليس واضحا أبي حال من األحوال ،وهو مفتوح للتأويل ،ولكن لتحقيق أغراضنا ،رمبا
يكون من األفضل فهمه على أنه وضع قيود أو شروط على الداللة الناجحة بواسطة املوضوع ،بدال من
الذهاب إىل أن املوضوع هو املسبب أو املولّد للعالمة .الفكرة هي أن املوضوع يفرض متغريات معينة،
جيب أن تقع ضمنها العالمة إذا كانت ستمثل هذا املوضوع .ومع ذلك ،فإن خصائص معينة فقط
للموضوع هي ذات الصلة بعملية التحديد هذه .لرؤية هذا يف صورة مثال توضيحي ،انظر مرة أخرى
يف حالة تالل اخلُلد.
العالمة هي التل الطيين الذي صنعه اخللد ،وموضوع هذه العالمة هو اخلُلد .حيدد اخلُلد العالمة،
بقدر ما ،لكي تنجح تلة اخلُلد كعالمة على وجود اخلُلد جيب أن تُظهر الوجود املادي لل ُخلد .إذا
فشلت يف القيام بذلك ،فإهنا تفشل يف أن تكون عالمة على ذلك املوضوع .من العالمات األخرى هلذا
املوضوع ،بعيدا عن التل الطيين ،وجود فضالت اخلُلد ،أو منط معني من هبوط األرض يف حديقيت،
لكن مجيع هذه العالمات مقيدة ابحلاجة إىل إظهار الوجود املادي لل ُخلد .من الواضح أنه ليس كل ما
يتعلق ابخلُلد وثيق الصلة بعملية التقييد هذه :قد يكون لون اخلُلد أسودا مألوفا أو أمهق ،وقد يكون
ذكرا أو أنثى ،وقد يكون صغريا أو كبريا يف السن .ومع ذلك ،ال تعتب أي من هذه الصفات جوهرية
ابلنسبة للقيود املفروضة على العالمة .بل ابألحرى ،إن العالقة السببية بينها وبني اخلُلد هي السمة اليت
تفرضها على عالمتها ،وهذا هو الرابط الذي جيب أن متثله العالمة إذا كان هلا أن تنجح يف الداللة على
اخلُلد.
1.3املفسرة
مفسرة interpretantاليت تستدعي املزيد من على الرغم من وجود العديد من اخلصائص لل ّ
فسرة ابعتبارها الفهم الذيالتعليقات ،إال أننا سنذكر هنا اثنني فقط .أوال :على الرغم من أننا وصفنا امل ّ
نصل إليه من عالقة عالمة /موضوع ،إال أنه رمبا يكون من األنسب التفكري فيها ابعتبارها ترمجة ،أو
فسرة تقدم ترمجة للعالمة هو أمر يتيح لنا فهما أكثر تعقيدا تطوير ،للعالمة األصلية .إن فكرة أن امل ّ
فسراتأكد كل من ليزكا ( )1996وسافان ( )1988على احلاجة ملعاملة امل ّ ملوضوع العالمة .يف الواقعَّ ،
على أهنا ترمجات ،حىت أن سافان يقرتح أنه كان ينبغي على بريس أن يطلق عليها املرتمجة translatant
(سافان .)41 ،1988اثنيا :متاما كما هو احلال مع عالقة العالمة /املوضوع ،يعتقد بريس أن عالقة
املفسرة .عالوة على ذلك ،فإن هذا التحديد ليس املفسرة هي عالقة حتديد :حتدد العالمة ّ العالمة ّ /
املفسرة ابستخدام خصائص معينة للطريقة اليت حتديدا سببيا أبي معىن ،بل إن العالمة هي اليت حتدد ّ
تشري هبا العالمة إىل موضوعها لتوليد وتشكيل فهمنا .لذا ،فإن الطريقة اليت يقوم هبا الدخان بتوليد أو
مفسرة ملوضوعها؛ النار ،تكون من خالل تركيز انتباهنا على العالقة املادية بني الدخان حتديد عالمة ّ
والنار.
مفسرة .عالوة على
ابلنسبة لبريس ،إذن ،فإن أي مثال للداللة يتضمن حامل عالمة ،وموضوع ،و ّ
ذلك ،حيدد املوضوع العالمة عن طريق وضع قيود جيب أن تفي هبا أي عالمة إذا كان هلا أن تدل على
املوضوع .بناء على ذلك ،فإن العالمة ال تدل على موضوعها إال مبقتضى بعض صفاهتا .ابإلضافة إىل
املفسرة عب تركيز فهمنا على مسات معينة للعالقة الداللية بني العالمة واملوضوع.
ذلك ،حتدد العالمة ّ
وميكننا هذا من فهم موضوع العالمة بشكل كامل.
على الرغم من أن هذه صورة عامة ألفكار بريس حول بنية العالمة ،وأن خصائص معينة تكون حاضرة
بشكل أكب أو أقل ،أو أُعطيت تركيزا أكب أو أقل يف حلظات خمتلفة يف تطوير بريس لنظريته يف العالمة،
وحتضر هذه البنية الثالثية ،والعالقة بني العناصر يف مجيع أعمال بريس .فيما يلي ،سنعرض لثالث
حماوالت قام هبا بريس إلنشاء نظرية كاملة يف العالمة والداللة ،وأمناط العالمات املتقابلة ،وننظر يف
االنتقاالت بني هذه األعمال ،ونفحص بعض املسائل اليت تنشأ عنها.
جاءت أوىل حماوالت بريس املهمة يف مقال عن العالمات صدر عام 1867حتت عنوان "قائمة
جديدة للفئات") . (W2 .49-58يف هذا العمل ،جندان إبزاء نفس بنية العالمة األساسية املوضحة
آنفا :أي عالمة ،أو متثيل representationكما يسميها بريس يف هذه املرحلة املبكرة ،سيكون
مفسرة .نرى اختالفا مهما هنا؛ وهو كيف يفكر يف العالقة بني العالمةهلا :حامل للعالمة ،وموضوع ،و ّ
املفسرة .اعتقد بريس ،بنحو خاص ،أنه يف حني يعتمد تفسريان للعالقة الداللية بني العالمة واملوضوع
و ّ
املفسرة املتولدة نفسها تعمل كعالمة
على فهم أساس الداللة يف أي حالة معطاة ،فقد اعتقد أيضا أن ّ
أخرى ،أكثر تطورا ،للموضوع املعين .وابلطبع ،كعالمة أخرى ،سوف تدل أيضا على هذا املوضوع من
مفسرة إضافية .كما سيتضح خالل بعض اخلصائص ،واليت جيب علينا أيضا تفسريها ،ومن مث توليد ّ
مفسرة لكي تكون الحقا ،يؤدي ذلك إىل سلسلة ال هنائية من العالمات .إذا كان للعالمة أن تولّد ّ
مفسرة لعالمة أخرى ،فمن الواضح إذن ،أنه سيكون هناك عدد ال عالمة ،وكانت العالمة هي نفسها ّ
هنائي من العالمات اليت تسبق وتلحق أي حالة معطاة من الداللة .يعتقد بعض الباحثني (على سبيل
املثال (Short 2004) :و) )(Short 2007أن سريورة العالمة semiosisالالهنائية هي
خصيصة متيز أعمال بريس املبكرة فقط .وتعامل آخرون ( ليزكا ،1996وسافان )1988مع سريورة
العالمة الالهنائية ابعتبارها خصيصة حاضرة يف مجيع أعمال بريس .سنعود إىل مسألة سريورة العالمة
الالهنائية يف األعمال املبكرة فيما يلي .أوال :سننظر يف أنواع العالمة اليت تُظهرها أعمال بريس املبكرة.
املفسرات إبحدى طرق ثالثة ممكنة .أوال :بواسطة "التماثل
اعتقد بريس أن "التمثيالت" تولد املزيد من ّ
يف بعض اخلصائص" ) (W2 .56وتلك يدعوها التشاهبات ،likenessesلكنها معروفة أكثر
ابأليقوانت .iconsاثنيا" :ما تقوم عالقتها مبوضوعاهتا على التطابق الفعلي" ) (W2 .56وتلك
يدعوها :مؤشرات .indicesوأخريا" :ما تكون عالقتها مبوضوعاهتا خاصية منسوبة هلا" (W2
) .56فيسميها رموزا .symbolsلكن ،ببساطة ،إذا توصلنا إىل تفسري عالمة على أهنا متثل موضوعها
بفضل صفة مشرتكة ،فإن العالمة هي أيقونة .أمثلة بريس األوىل لأليقوانت هي الصور الشخصية ،وأوجه
التشابه امللحوظة بني احلرفني pو .)W2. 53–4( bمن انحية أخرى ،إذا كان تفسريان أييت بفضل
حقيقة وجودية ،ال دخل للعقل فيها ،لنقل :روابط سببية ،فإن العالمة هي مؤشرة .تشمل األمثلة املبكرة
مفسرة بفضل مؤشر اجتاه الريح ،والعالقة بني القاتل وضحيته ( .)W2. 53–4وأخريا ،إذا أنشأان ّ
ارتباط ما عام أو عُريف مرعي ،بني العالمة واملوضوع ،فإن العالمة هي رمز .تشمل األمثلة املبكرة كلميت
"رجل" ابلفرنسية " "hommeواإلجنليزية " "manاللتني تتشاركان يف املرجع (.)W2. 53–4
هذه ،إذن ،هي اجلولة األوىل إىل تقسيم بريس الشهري للعالمات إىل أيقوانت ،ومؤشرات ،ورموز.
على الرغم من أن أفكار بريس الدقيقة حول طبيعة هذا التقسيم كانت عُرضة للتغيري يف مراحل عدة يف
مسار تطويره لنظرية العالمة ،إال أن التقسيم يظل موجودا طوال مراحل عمله .وهناك ،مع ذلك ،بعض
السمات املهمة هلذا العمل املبكر ،واليت متيزه عن التطورات الالحقة .سننظر هنا إىل اثنتني من هذه
السمات :أمهية عالمات الفكر ،والسريورة الالهنائية للعالمة.
2.1عالمات الفكر
من السمات املثرية لالهتمام يف أعمال بريس املبكرة حرصه على ربط العالمات ابإلدراك .ابلتحديد،
يرى بريس أن الفكر مبجمله هو يف العالمات ( .)W2. 213ميكننا أن نرى هذا يف فكرة بريس املبكرة
املفسرات هي
مفسرة هي يف حد ذاهتا عالمة أخرى على املوضوع املعين ابلداللة .نظرا ألن ّ أبن كل ّ
األفكار التفسريية اليت لدينا عن العالقات الداللية ،وهذه األفكار املفسرة هي يف حد ذاهتا عالمات،
فيبدو كنتيجة مباشرة لذلك أن كل األفكار هي عالمات ،أو كما يسميها بريس "عالمات الفكر".
أحد األمور املثرية لالهتمام الناجتة عن ذلك هو أن بريس سارع يف أعماله األوىل إىل جتاهل أمهية ولزوم
األيقوانت واملؤشرات.
إن موضوعات الفهم ،اليت تُعتب متثيالت ،هي رموز ،أي :عالمات ُحيتمل أن تكون ،على األقل،
عامة .لكن قواعد املنطق تنطبق بنحو جيد على أي رموز ،سواء كانت تلك الرموز مكتوبة أو
منطوقة ،وكذلك تلك اليت يتناوهلا الفكر ،ولكن ليس لديها قابلية للتطبيق الفوري على التشاهبات
[األيقوانت] أو املؤشرات ،ألنه ال ميكن إنشاء حجج من تلك وحدها ،ولكنها تُطبق على مجيع
الرموز)W2. 56( .
جيعل هذا نطاق أعمال بريس املبكرة عن العالمات ضيقا إىل حد ما؛ إذ إنه يهتم بشكل أساسي
ابلعالمات العامة واملتعارف عليها ،اليت تؤلف لغتنا وإدراكنا .السبب وراء هذا النظرة الضيقة بسيط:
ابلنسبة لبريس ،مبا أن الرموز "حمتملة العموم" وتقع ضمن قواعد عامة ،فهي موضوع مناسب للدراسة
جملال تركيز بريس األساسي؛ املنطق .إذن ،ينصب هذا العمل املبكر بشكل أساسي على العالمات العامة
والتقليدية ،تلك العالمات اليت حددها بريس كرموز .أما األيقوانت واملؤشرات ،فرغم مالحظتها يف هذه
املرحلة املبكرة ،تعتب ذات أمهية فلسفية اثنوية .كما سنرى الحقا ،فإن هذه النظرة احملددة النطاق أمر
كان على بريس مراجعته الحقا.
كما لوحظ سابقا ،فإن جزءا ال يتجزأ من أعمال بريس املبكرة عن العالمة هو أن عددا ال هنائيا من
العالمات اإلضافية أتيت الحقة وسابقة ألي عالمة معينة .تلك نتيجة تنشأ عن الطريقة اليت يفكر هبا
املفسرات جيب
بريس يف عناصر العالمات يف هذه املرحلة املبكرة ،ويبدو أهنا تنبع من فكرته القائلة أبن ّ
مفسرات لعالمات سابقة .وحيث أن أي عالمة جيب أن أن تُعتب عالمات إضافية ،وأن العالمات هي ّ
استبدال أو مراجعة العديد من املفاهيم اليت أدت إليها ،وأصبح مفهوم السريورة الالهنائية للعالمة أقل
بروزا يف عمل بريس.
يف عام ،1903ألقى بريس سلسلة من احملاضرات يف جامعة هارفارد ،ومعهد لويل .كان جزء من
هذه احملاضرات يتعلق ابلعالمات .ومع ذلك ،أظهر حبثه يف العالمات عام 1903تطورات جديرة
ابالعتبار لعمله املبكر يف ستينيات القرن التاسع عشر .أوال :بينما يقرتح عمله املبكر ثالث فئات من
العالمات ،يقرتح يف أعمال عام 1903عشر فئات من العالمات .اثنيا :بينما تعاملت أعمال ستينيات
القرن التاسع عشر مع العالمة العامة ،أو الرمز ،ابعتبارها احملور الرئيسي لنظرية العالمة ،أدخلت أعمال
1903العديد من أنواع العالمات ضمن جمايل الفلسفة واملنطق .اثلثا :ختلى بريس عن االدعاء أبن
سلسلة ال هنائية من العالمات تسبق أي عالمة معطاة (.)see Short 2004, 221–2
تبدو هذه التغيريات كنتيجة للتطورات احلاصلة يف املنطق الرمزي واليت حدثت على يد بريس وتلميذه
يف جامعة جونز هوبكنز ،أوسكار ميتشل ،يف أوائل مثانينيات القرن التاسع عشر .وكما هو معروف،
طور بريس وميتشل ،خالل هذا الوقت ،وبشكل مستقل عن فرجيه ،Fregeنظرية القياس الكمي
( quantification theoryانظر بريس ( ،)1883و ( .))W5. 162–191جزء أساسي
من هذا التطور كان تضمني مقرتحات فريدة ،ومتغريات فردية للموضوعات اليت ال ميكن انتقاؤها لتكون
أوصافا حمددة .تعامل بريس مع هذه العالمات غري العامة على أهنا مؤشرات ،مما دفعه ابلتايل إىل حتديد
املؤشر ابعتباره جزءا أساسيا من املنطق .جعل هذا أعماله السابقة عن العالمات تبدو غري اتمةSee, ( .
for instance, Short (2004, 219–222), Hookway (2000, 127–131),
))and Murphey (1961, 299–300يبدو أن هذا ما أدى ببريس إىل اختاذ موقف أكثر
جدية جتاه عالمات أخرى غري الرمز .ابلتحديد ،أدى ذلك ببريس إىل إدراك أن لبعض العالمات الرمزية
مسات إشارية واضحة (أي غري عامة) .وابملثل ،كانت الرموز ذات السمات األيقونية الواضحة ،خاصة
يف الرايضيات ( ،)see Hookway 1985 Ch 6أكثر أمهية مما كان يعتقد .ما عناه ذلك،
ابلطبع ،هو أن نظرية ستينيات القرن التاسع عشر ،لألسف ،مل تعد اآلن كافية ملهمة اإلحاطة مبجال
العالمات والدالالت اليت اعتقد بريس أهنا مهمة للفلسفة واملنطق.
إذن ،تُعتب نظرية عام 1903اخلاصة ابلعالمات عند بريس مميزة بنطاقها األوسع ،والدقة النسبية،
واالكتمال .يف هذه النظرية ،يعود بريس إىل البنية األساسية للعالمة اليت عرضناها آنفا ،ويصرف املزيد
من االهتمام إىل عناصر العالمات ،والتفاعالت املختلفة بينها ،طارحا ما يبدو أنه سرد مستفيض
للداللة ،وتصنيف شامل للعالمات يتجاوز كثريا نطاق نظريته املبكرة يف ستينيات القرن التاسع عشر.
لفهم نظرية عام 1903لبريس ،جيب أن نعود إىل عناصر الداللة الثالثة ،أي :حامل العالمة ،واملوضوع،
املفسرة ،وننظر كيف رأى بريس أن وظيفتها يف الداللة تقود إىل تصنيف شامل ألنواع العالمات.
و ّ
3.1حامل العالمة
ذكر أن عالمات بريس الفكرية ال تدل على موضوعاهتا بواسطة مجيع صفاهتا ،ولكن بفضل صفة ت َّ
معينة .حبلول عام ،1903ألسباب تتعلق بعمله يف جمال الظاهراتية ،اعتقد بريس إمكانية تقسيم
اخلصائص املركزية حلامالت العالمات إىل ثالثة جماالت واسعة ،وبناء على ذلك ،ميكن تصنيف تلك
العالمات وفقا لذلك .يعتمد هذا التقسيم على ما إذا كانت حامالت العالمة تدل مبوجب الصفات،
أو احلقائق الوجودية ،أو األعراف والقوانني .إضافة إىل ذلك ،يتم تصنيف العالمات اليت تتضمن
حامالت العالمة تلك على أهنا عالمات نوعية ،ومفردة ،ومعيارية على التوايل.
من الصعب ختيل أمثلة على العالمات اليت تعتمد حامالت عالمتها على صفة معينة ،ولكن املثال
الواضح بشكل خاص ،الذي استخدمه ديفيد سافان ،هو هذا:
أستخدم شرحية ألوان لتحديد لون الطالء الذي أرغب يف شرائه .رمبا تكون شرحية
ُ ] [...أان
األلوان مصنوعة من الورق املقوى ،ومستطيلة ،وموضوعة على طاولة خشبية ،وما إىل ذلك .لكن
لون الشرحية فقط هو األساسي هلا كعالمة على لون الطالء)Savan 1988, 20( .
هناك العديد من العناصر للشرحية امللونة اليت تعمل كعالمة ،لكن لوهنا فقط هو الذي يهم من جهة
قدرهتا على الداللة .وهكذا فأي عالمة يعتمد حامل عالمتها ،كما يف هذا املثال ،على صفات بسيطة
3.2املوضوعات
مبثل ما اعتقد بريس يف إمكانية تصنيف العالمات وفقا ملا إذا كانت حامالت عالماهتا تعمل مبوجب
الصفات ،أو احلقائق الوجودية ،أو األعراف والقوانني ،كذلك اعتقد إبمكانية تصنيف العالمات وفقا
لكيفية عمل موضوعها يف الداللة .تذكر أن املوضوعات ،ابلنسبة إىل بريس" ،حتدد" عالماهتا .يعىن ،أن
طبيعة املوضوع تقيد طبيعة العالمة من حيث ما تتطلبه الداللة الناجحة .مرة أخرى ،اعتقد بريس أن
طبيعة هذه القيود تنقسم إىل ثالث فئات واسعة :النوعية ،والوجودية أو الفيزايئية ،والعُرفية الشبيهة
ابلقانون .إضافة إىل ذلك ،إذا كانت قيود الداللة الناجحة تتطلب من العالمة أن تعكس السمات
الكيفية للموضوع ،حينئذ ،تكون العالمة أيقونة .iconإذا كانت قيود الداللة الناجحة تتطلب من
العالمة أن تستخدم بعض الروابط الوجودية أو املادية بينها وبني موضوعها ،حينئذ ،تكون العالمة إشارة
.indexوأخريا ،إذا كانت الداللة الناجحة للموضوع تتطلب أن تستخدم العالمة عُرفا ،أو عادة ،أو
قاعدة اجتماعية ،أو قانون يربطها مبوضوعها ،حينئذ ،تكون العالمة رمزا .symbol
هذا هو التصنيف الثالثي الذي تعرفنا عليه ابلفعل يف عمل بريس املبكر ،يف الواقع ،إن أمثلة
األيقوانت ،واملؤشرات ،والرموز ،هي ،إىل حد كبري ،نفسها كما كانت من قبل :األيقوانت هي صور
شخصية ولوحات ،واملؤشرات عالمات طبيعية وسببية ،والرموز هي كلمات ،وهلم جرا .هناك ،مع ذلك،
حاالت إضافية ،فعلى سبيل املثال ،تشتمل الرموز على الرسوم البيانية املستخدمة يف التفكري اهلندسي،
وتشمل املؤشرات اإلشارة أبصبع االهتام ،وأمساء العلم ،وتشمل الرموز أفعاال كالمية كثرية مثل التأكيد،
واحلكم ،ويشري ذلك كله إىل توسع هائل هلذا التصنيف الثالثي .وجتدر اإلشارة ،مع ذلك ،إىل أنه حبلول
عام ،1903كان بريس مدركا أبنه سيكون من الصعب ،إن مل يكن مستحيال ،العثور على أي حاالت
نقية لأليقوانت واملؤشرات .بل إنه بدأ يف الشك يف أن األيقوانت واملؤشرات كانت دائما وبنحو جزئي
رمزية أو عرفية .يف حماولة إحكام ذلك ،قام بريس بتجربة بعض املصطلحات اإلضافية وأنواع األيقوانت
واملؤشرات .وهي ما أطلق عليها :دون األيقونة )see CP2 .276 1903( hypo-iconودون
املؤشرة )see CP 2.330 1903( sub-indexعلى التوايل .لن نستفيض يف تناول هذه
العالمات أكثر من ذلك هنا (انظر ) (Goudge 1965) and (Atkin 2005ملزيد من
املعلومات حول وجهة نظر بريس يف املؤشرات ،و ) (Legg 2008ملعرفة املزيد عن األيقوانت) ،ولكن
من اجلدير ابلذكر أنه حبلول عام ،1903أصبح التقسيم الثالثي البسيط :األيقونة /املؤشرة /الرمز ،أمرا
جتريداي ،وصار بريس مدركا أبن أي عالمة فردية قد تُظهر مزجيا من اخلصائص األيقونية ،واإلشارية،
والرمزية.
3.3املفسرات
كما هو احلال مع حامل العالمة واملوضوع ،رأى بريس أنه إبمكاننا تصنيف العالمات حبسب عالقتها
فسراهتا .مرة أخرى ،حيدد ثالث فئات وفقا لسمة العالقة اليت تستخدمها العالمة مع موضوعها لتوليد
مب ّ
مفسرة .عالوة على ذلك ،كما هو احلال مع تصنيف العالمة من زاوية حامل العالمة واملوضوع ،حيدد ّ
املفسرة اخلاصة
بريس الصفات ،واحلقائق الوجودية ،أو املالمح العرفية كأساس لتصنيف العالمة من جهة ّ
هبا.
مفسرة عن طريق توجيه فهمنا للعالمة إىل املالمح الكيفية اليت توظفها للداللة
إذا حددت العالمةُ ّ
على موضوعها ،فإن العالمة تُصنَّف على أهنا عالمة خبية .rhemeاألمثلة ليست دقيقة ،ولكن
إحدى طرق فهم العالمات اخلبية ،هي التفكري فيها على أهنا ُمسند دون ُمسند إليه مثل -" ،يكون
كلب -" ،"- is a dogسعيد -" ،"- is happyحيب "- loves -أو " -يعطي -لـ - -
،"gives - toوهكذا .عندما نفهم عالمة حبسب الصفات اليت تفرتض أن موضوعها قد يكون
مفسرة تصف عالمتها كعالمة خبية .من انحية أخرى ،إذا حددت العالمة متصفا هبا ،فإننا نولّد ّ
فسرة عن طريق توجيه فهمنا للعالمة إىل السمات الوجودية اليت توظفها للداللة على موضوع ما ،فإن امل ّ
العالمة تكون تصديقية .dicentميكننا أن نفكر يف العالمات التصديقية ك ُمسند وُمسند إليه ،أو
قضية ،propositionsمثل" :فيدو كلب "Fido is a dogو" الري سعيد "Larry is a
happyو"فيدو حيب الري “ "Fido loves Larryو"الري يُعطي طعاما لفيدو Larry
مفسرة عن طريق توجيه فهمنا إىل
،"gives food to Fidoوهكذا .وأخريا ،إذا حددت العالمة ّ
بعض السمات العُرفية أو الشبيهة ابلقانون ،املستخدمة يف الداللة على املوضوع ،فإن العالمة تكون
برهانية ،delomeأو كما يسميها بريس يف أغلب األحيان ،ولكن بشكل حمري ،احلجج
.argumentsعالوة على ذلك ،مثلما ميكننا أن نفكر يف العالمة اخلبية على أهنا ُمسند دون ُمسند
إليه ،والعالمة التصديقية كقضية ،ميكننا التفكري يف العالمة البهانية كحجة ،أو قاعدة لالستدالل .إن
قدرتنا على فهم عالمة من جهة موضعها يف منط تفكري ما ونظام للعالمات متكننا من استخالص
املعلومات منها (عن طريق النظر االستداليل) أو القيام بتخمينات بشأهنا (عن طريق النظر االستقرائي
واالستداليل) .هكذا ،كلما وصلنا إىل فهم عالمة برتكيز انتباهنا إىل بعض السمات العرفية لعالقتها مع
موضوع ،أي :أهنا ُمتكننا من فهم العالمة كجزء من قاعدة حتكم نظاما للمعرفة والعالمات ،وما إىل
فسرة تصنف العالمة على أهنا عالمة برهانية (أو حجة).ذلك ،يكون لدينا ُم ّ
يعتقد بريس أن العناصر الثالثة ،وتصنيفاهتا اخلاصة اليت فرضتها على العالمات ،ميكن تراكبها معا
إلعطاء قائمة كاملة أبنواع العالمات .أي ،نظرا ألن العالمة هلا حامل عالمة ،فيمكن تصنيفها على
أهنا عالمة نوعية ،أو فردية ،أو معيارية .ابإلضافة إىل ذلك ،مبا أن للعالمة موضوع ،فيمكن تصنيفها
مفسرة ،فيمكن تصنيفها
أبهنا أيقونة ،أو مؤشر ،أو رمز .وأخريا ،مبا أن هذه العالمة ستقوم أيضا بتحديد ّ
أبهنا عالمة خبية ،أو عالمة تصديقية ،أو عالمة برهانية .ابلتايل ،فإن كل عالمة قابلة للتصنيف
ابعتبارها ُمرّكب من كل من عناصرها الثالثة ،أي ،إما كواحد من األنواع الثالثة حلامل العالمة ،ابإلضافة
للمفسرة .بداية ،يبدو هذا منتجا
ّ إىل أحد األنواع الثالثة من املوضوع ،ابإلضافة إىل أحد األنواع الثالثة
لسبعة وعشرين توليفة تصنيفية حمتملة ،ولكن بسبب بعض نظرايت بريس الظاهراتية ،هناك قيود على
كيفية التوليف بني العناصر املختلفة مبا يعين أن هناك ،يف الواقع ،عشرة أمناط فقط للعالمة( .ملزيد من
املعلومات حول العالقة بني فئات بريس الظاهراتية ،وتصنيفه للعالمات ،انظر ) (Lizska 1996و
))(Savan 1988
القواعد اخلاصة ابلتوليفات املسموح هبا هي يف الواقع بسيطة للغاية طاملا أننا نضع يف اعتباران أمرين.
أوال :أمناط كل عنصر قابلة للتصنيف إما كصفة ،أو كحقيقة وجودية ،أو كعُرف .أي ،عب العناصر
الثالثة للعالمة ،هناك ثالثة أمناط مستمدة من الصفات (العالمة النوعية ،واأليقونة ،والعالمة اخلبية)،
وثالثة أمناط مستمدة من احلقائق الوجودية( ،العالمة الفردية ،والعالمة اإلشارية ،والعالمة التصديقية)،
وثالثة أمناط مستمدة من األعراف (العالمة املعيارية ،والرمز ،والعالمة البهانية) .اثنيا :يعتمد تصنيف
املفسرة على تصنيف املوضوع ،والذي يعتمد بدوره على تصنيف حامل العالمة .إذن ،فإن القواعد اليت ّ
حتدد التصنيفات املسموح هبا تكون إذا مت تصنيف عنصر ما ابعتباره صفة ،فيمكن حينئذ تصنيف
العنصر التابع له كصفة فقط .إذا مت تصنيف عنصر على أنه واقعة وجودية ،فيمكن تصنيف عنصره
التابع إما على أنه واقعة وجودية أو صفة .وإذا مت تصنيف عنصر على أنه عريف اتفاقي ،فيمكن تصنيف
عنصره التابع إما كعريف ،أو كواقعة وجودية ،أو كصفة .هكذا نكون إبزاء عشرة توليفات جائزة بني
املفسرة ،وابلتايل عشرة أمناط ممكنة من العالمات .تبدو كما يلي:
حامل العالمة ،واملوضوع ،و ّ
اختذت هذه األمناط العشرة للعالمة أمساءها ببساطة بعد آتلف عناصرها :اجلملة اإلنشائية هي عالمة
معيارية رمزية تصديقية ،والصرخة العفوية خبية إشارية فردية ،إىل آخره.
على الرغم من اكتماهلا وتعقدها الواضحني ،فقريبا ما سيشرع بريس يف إعادة التفكري يف نظريته يف
العالمة اليت أنشأها عام ،1903وعلى مدى السنوات األخرية من حياته ،نراه يقدم املزيد من التعقيدات
والفروق الدقيقة.
خالل اجلزء األخري من حياته ،كان معظم النتاج الفلسفي لبريس منشغال ابلسيميوطيقا ،وقد طور
عمله يف العالمات إىل ما بعد نظرية .1903يبدو أن هناك سببني هلذا .أوال :كان بريس منعزال جغرافيا
وفكراي ،وكان منفذه الرئيسي هو املراسالت اليت يتبادهلا مع امرأة إجنليزية ،هي السيدة فيكتوراي ويليب.
كتبت ويليب يف موضوعات فلسفية خمتلفة وشاركت بريس اهتماماته ابلعالمات واملعىن .يبدو أن هذا قد
منح بريس مجهورا راغبا ومتعاطفا مع أفكاره النامية عن العالمات .يبدو أن السبب الثاين كان تقديره
املتزايد للروابط بني العملية السيميوطيقية وعملية البحث .process of inquiryكان بريس دائما
ما يفكر يف فلسفته بطريقة منهجية ومعمارية .ومع ذلك ،حوايل عام ،1902نراه يف طلب منحة قدمه
يعب بنحو أكثر وضوحا عن الروابط بني اجلوانب املختلفة لفلسفتهُ .رفض الطلب، إىل معهد كارنيجي ّ
لكن بريس عاد إىل التفكري يف موضع نظرية العالمة يف جممل فلسفته .حتديدا ،توصل إىل رؤية نظرية
العالمة بشكل أكثر وضوحا كجزء من منطق االكتشاف العلمي ،أي ابعتبارها مركزية يف أعماله البحثية.
لن نراجع عمل بريس البحثي هنا ،ولكن كعملية موجهة متتد من معتقدات عرضة للشك إىل معتقدات
مؤّكدة للشك ،بدأ بريس يف رؤية توجه هنائي مماثل مير عب العملية السيميوطيقية .أدى هذا النوع من
التفكري ببريس إىل إعادة تقييم نظريته يف العالمة ويف بنية العالمة :أدى االرتباط بني عملية البحث
وسالسل العالمات إىل أن يالحظ بريس تفاصيل وفروق دقيقة كانت غري ملحوظة له يف السابق .بنحو
خاص ،أدى به ذلك إىل رؤية ميل سالسل العالمات حنو هناية حمددة ولكنها مثالية ،بدال من التقدم
إىل ما ال هناية .حيث أننا يف النهاية املثالية للبحث يصبح لدينا فهم كامل ملوضوع ما ،فال داعي ألن
مفسرة إضافية لذلك املوضوع؛ حيث ال ميكن تطوير فهمنا أكثر من ذلك( .انظر يكون هناك ّ
) Ransdell (1977و) Short (2004وانظر ( )2007ملزيد من املعلومات حول الروابط
بني أعمال بريس األخرية وعملية البحث النهائية .من املؤكد أن ( Short )2007يقدم أكمل وأفضل
التفسريات النهائية لسيميوطيقا بريس حىت اآلن).
4.1تقسيم املوضوع
يتمثل التأثري األول لتقدير بريس األكب للتماثالت بني البحث ونظريته اخلاصة يف العالمة ،يف التمييز
بني موضوع العالمة كما نفهمه يف مرحلة ما من العملية السيميوطيقية ،وموضوع العالمة كما يتموضع
يف هناية تلك العملية .يطلق على األول اسم املوضوع املباشر ،ويسمي اآلخر املوضوع الديناميكي.
الطريقة البارعة اللتقاط هذا التمييز هي كاملوضوعني املختلفني الناشئني عن "إجابتني على السؤال :ما
املوضوع الذي تشري إليه هذه العالمة؟ أحدمها هو اإلجابة اليت ميكن إعطاؤها عند تُستخدم العالمة،
واآلخر هو الذي ميكن أن نقدمه عندما تكتمل معرفتنا العلمية هبا" ).)Hookway 1985, 139
4.1.1املوضوع الديناميكي
املوضوع الديناميكي ،يف بعض النواحي ،هو املوضوع الذي يولد سلسلة من العالمات .اهلدف من
سلسلة العالمات هو الوصول إىل فهم كامل ملوضوع ما ،واستيعاب ذلك املوضوع يف نظام العالمات.
ابستخدام مصطلحات أكثر بساطة إىل حد ما ،يصف رانسدل ( )1977,169املوضوع الديناميكي
أبنه "املوضوع كما هو ابلفعل" ،ويصفه هوكواي ( )1985,139أبنه "املوضوع كما هو معروف [يف
هناية البحث]" .يف الواقع ،يُظهر وصف هوكواي وعيا فطنا للعالقة بني املوضوع الديناميكي وعملية
البحث يف نظرية بريس الالحقة يف العالمات .مثال ،من ليزكا ( ،)1996,23جيسد فكرة بريس بوضوح
اتم :لنتصور خزان نفط ممتلئ إىل نصفه ابلوقود ،وتتوفر جمموعة متنوعة من العالمات هلذه حلالة نصف
االمتالء هذه .رمبا يكون هناك مقياس وقود متصل ابخلزان ،أو رمبا يصدر اخلزان صوات مميزا عند الطرق
عليه ،وما إىل ذلك .لكن ،على الرغم من هذه العالمات املختلفة ،فإن املوضوع الكامن وراءها مجيعا
هو املستوى الفعلي للوقود يف خزان النفط؛ هذا هو املوضوع الديناميكي.
4.1.2املوضوع املباشر
يصف رانسدل ) (1977, 169املوضوع املباشر أبنه "ما نفرتض ،يف أي وقت ،أن يكون عليه
املوضوع" ،ويصفه هوكواي ( )1985,139أبنه "املوضوع يف وقت استخدامه وتفسريه ألول مرة".
املوضوع املباشر ،إذن ،ليس موضوعا إضافيا متميزا عن املوضوع الديناميكي ،ولكنه جمرد صورة طبق
األصل للموضوع الديناميكي غري مكتملة معلوماتيا ،نشا يف حلظة مرحلية ما ،يف سلسلة من العالمات.
ابلعودة إىل مثال خزان النفط ،فحني نقوم ابلطرق على اخلزان ،فإن النغمة اليت تصدر عن الطرق (واليت
تعمل كحامل للعالمة) توضح لنا أن اخلزان ليس ممتلئا (لكنها ال ختبان ابملستوى الدقيق للوقود) .املوضوع
املباشر ،إذن ،هو خزان غري اتم االمتالء.
من الواضح أن املوضوعات املباشرة والديناميكية للعالمة مرتبطة ارتباطا وثيقا ،ويصف بريس االثنني
ويعرضهما معا ابستمرار )See, (CP 4. 536 (1896(( .ومع ذلك ،فإن العالقة بني االثنني
تكون أكثر وضوحا عندما نفكر يف الروابط بني سالسل العالمات والبحث .inquiryواملوضوع
الديناميكي ،كما أشران ،هو اهلدف ونقطة النهاية اليت تقود العملية السيميوطيقية ،واملوضوع املباشر هو
إدراكنا هلذا املوضوع يف أي مرحلة من مراحل هذه العملية .على سبيل املثال ،يقول راندسل:
املوضوع املباشر هو املوضوع كما يظهر يف أي مرحلة من مراحل البحث أو أي مرحلة من مراحل
العملية السيميوطيقية .أما املوضوع الديناميكي فهو املوضوع كما هو ابلفعل .جيب اعتبار هذا
التمييز؛ أوال :ألن املوضوع املباشر قد ينطوي على تفسري خاطئ ،فيكون إىل هذا احلد ،ابلتايل،
ممثل خاطئ للموضوع كما هو ابلفعل ،واثنيا :ألنه قد يفشل يف تضمني مسة صحيحة للموضوع
احلقيقي .بعبارة أخرى ،املوضوع املباشر هو ببساطة ما نفرتض أن يكون املوضوع احلقيقي يف أي
وقت)Ransdell 1977, 169( .
هبذا الطرح ،يبدو من الواضح كيف أن اهتمام بريس املتزايد ابلتقاط أوجه التشابه بني سريورة العالمة
وعملية البحث قاده إىل تعيني موضوعني للعالمة.
4.2تقسيم املفسرة
متاما كما هو احلال مع موضوعي العالمة ،أدت التماثالت بني السيميوطيقا والبحث إىل تقسيم مماثل
مفسرات خمتلفة تلعب أدوارا خمتلفة للمفسرات .مع توجه سلسلة من العالمات حنو احلالة النهائية ،جند ّ ّ
ولكنها مهمة .حيدد بريس ثالث طرق خمتلفة ميكننا من خالهلا فهم الطريقة اليت متثل هبا العالمة موضوعا
املفسرات :املفسّرة املباشرة ،واملفسّرة الديناميكية ،واملفسّرة النهائية،
ما .يطلق على هذه األنواع الثالثة من ّ
ويصفهم على هذا النحو .
فسرة
فسرة [الديناميكية] هي أي تفسري يقوم به أي عقل فعليا للعالمة ]...[ .ال تتمثل امل ّامل ّ
النهائية يف الطريقة اليت يتصرف هبا أي عقل ،ولكن يف الطريقة اليت قد يتصرف هبا كل عقل.
أي :إهنا تتمثل يف حقيقة ميكن التعبري عنها يف مجلة شرطية من هذا النوع" :إذا حدث كذا وكذا
ألي عقل ،فإن هذه العالمة ستؤدي هبذا العقل إىل كذا وكذا من التصرفات" ]...[ .تتمثل
املفسرة املباشرة يف كيفية االنطباع الذي تقدر العالمة على إنتاجه ،وليس ألي رد فعل قائم.
ّ
فسرات مبثل رسوخ هؤالء الثالثة ،فال بد أن يكون هناك
[ ]...إذا كان هناك أي نوع رابع من امل ّ
مروع يف شبكية عيين العقلية ،ألنين ال أستطيع رؤيته على اإلطالق(CP8.315 . متزق ّ
).1909
مفسرات الثالثة ،من
سنقوم بدراسة كل منها على حدة ،ولكن من أجل احلصول على فهم أوضح لل ّ
املفيد أن ننظر ،إبجياز شديد ،إىل درجات بريس الثالثة للوضوح ،أو الفهم ،طاملا اختذ بريس ذلك طريقا
مفسرات.
لإلخبار بتقسيمه لل ّ
يف ورقة حبثية قدمها عام ،1878بعنوان "كيف جنعل أفكاران واضحة" ()W3, 257–275
يطرح بريس ثالث درجات من الوضوح ،أو ثالثة مستوايت من الفهم .يف هذه الورقة ،يقدم مبدأه
البامجايت pragmatic maximالشهري كتطور للمفاهيم العقالنية لـ "األفكار الواضحة واملتميزة".
من خالل اجلمع بني مبدأه البامجايت ومفاهيم الوضوح عند ديكارت واليبنيتز ،حيدد بريس ثالث درجات
من الفهم .الدرجة األوىل من الوضوح هي أن يكون لديك إدراكا غري أتملي ملفهوم ما يف التجربة اليومية.
الدرجة الثانية من الوضوح هي أن يكون لديك ،أو أن تكون قادرا على تقدمي تعريف عام هلذا املفهوم.
ومع ذلك ،فإن الدرجة الثالثة من الوضوح أتيت من تصريح بريس الشهري للمبدأ البامجايت:
متصورة ،اليت نعتقد أن موضوع تصوران
ضع يف اعتبارك التأثريات ،مما قد يكون هلا نتائج عملية َّ
ميلكها .ابلتايل ،فإن تصوران هلذه التأثريات هو فهمنا الكامل للموضوع)W3, 266( .
إن الفهم التام لتصور ما ،إذن ،ينطوي على اإلملام به يف مواجهات يومية ،والقدرة على تقدمي تعريف
عام له ،ومعرفة التأثريات املتوقعة من االعتقاد أبن هذا التصور صحيح.
على الرغم من أن درجات الوضوح تلك هي جزء من املذهب البامجايت عند بريس ،إال أن فهمه
األكب لرتابط فكره هو ما قاده إىل إدراك أن دورها كان حامسا كذلك ابلنسبة لعمله يف السيميوطيقا.
املفسرة ،وابلطبع
بنحو خاص ،رأى الدرجات الثالث للوضوح أو الفهم كما انعكست يف مفهومه عن ّ
املفسرة أيضا لديها ثالث درجات أو أقسام .بريس نفسه يقول:
شعر أن ّ
يف اجلزء الثاين من كتايب ["كيف جنعل أفكاران واضحة"] ،أنشأت ثالث درجات من وضوح
التفسري .األوىل هي الدراية اليت تعطي الشخص األلفة مع العالمة واالستعداد الستخدامها أو
تفسريها .ويتبدى له يف وعيه أنه متآلف متاما مع العالمة ]...[ .والثانية كانت التحليل املنطقي
[وهو ما يعادل] نظرية ليدي ويليب يف اإلدراك احلسي .Senseالدرجة الثالثة من الوضوح هي
املفسرة النهائية.(CP8.185 (1909)) . التحليل البامجايت ويتحدد مع ّ
املفسرة
املفسرة الديناميكية ،واملرتبة الثانية مع ّ
هنا ،إذن ،حيدد بريس املرتبة األوىل من الوضوح مع ّ
املفسرة النهائية.
املباشرة ،واملرتبة الثالثة مع ّ
4.2.1املفسرة املباشرة
فسرة املباشرة هي فهم تعريفي عام للعالقة بنيكما يشري حتددها مع املرتبة الثانية من الوضوح ،فإن امل ّ
العالمة واملوضوع الديناميكي .يف مثال موسع ،إذا كان املوضوع الديناميكي هو حالة الطقس يف يوم
فسرة املباشرة أبهنا "املخطط يف خيالنا ،أي :الصورة املبهمة ملا هو مشرتك
عاصف ،فإن بريس يصف امل ّ
فسرة املباشرة ،إذن ،هي شيء مثل يف الصور املختلفة ليوم عاصف" . (CP8. 314 (1907)) .فامل ّ
فسرة
إدراك الرتكيب النحوي للعالمة واملالمح األكثر عمومية ملعناها .يف الواقع ،يبدو أن بريس يعتب امل ّ
املباشرة "كل ما هو واضح يف العالمة بصرف النظر عن سياقها وظروف الكالمCP5 .473 ( .
للمفسرة املباشرة أبهنا:
ّ ))(1907من املفيد أيضا ما جاء يف وصف ديفيد سافان
احملتوى الواضح للعالمة الذي مي ّكن املرء من القول ما إذا كانت العالمة تنطبق أم ال على أي
املفسر الذي قد
شيء ،خبصوص ما إذا كان هلذا الشخص معرفة كافية .إنه االنطباع الكلي غري َّ
يُتوقع من العالمة أن تولده ،بنحو سابق على أي تفكري نقدي فيها.)Savan 1988, 53( .
فسرة املباشرة شيئا مثل
فيما يتعلق ابملثال الذي تكون فيه اجلمل العادية هي العالمات ،ستتضمن امل ّ
إدراكنا للفئات اللغوية ،والبىن النحوية ،وقواعد االستخدام التقليدية .مثال ذلك ،بدون معرفة أي موضوع
عن سياق الكالم اخلاص ابجلملة ،ميكننا ختمني أشياء معينة حوهلا" ،ال نريد أن نؤذيه ،أليس كذلك؟".
حنن نعلم أنه سؤال ،ونعلم أنه يتعلق إبيذاء شخص ما ،ذكر ،وما إىل ذلك .هذه األشياء هي جزء من
فسرة املباشرة للعالمة.
امل ّ
4.2.2املفسرة الديناميكية
فسرة الديناميكية .وهو فهمنا لعالقة املفسرات الذي جيب أن يكون ألي عالمة هو امل ّ
النوع الثاين من ّ
فسرة
العالمة /املوضوع الديناميكي يف بعض احلاالت الفعلية يف سلسلة العالمات .يصف بريس امل ّ
الديناميكية أبهنا "التأثري الناتج فعليا على العقل" )) ،(CP8 .343 (1908أو أبهنا "التأثري الفعلي
فسرة الديناميكية ،إذن،الذي تقوم العالمة ،كعالمة ،بتحديده ابلفعل" (CP4.536 (1906)) .امل ّ
هي الفهم الذي نصل إليه ،أو الذي حتدده العالمة ،يف أي مرحلة سيميائية معينة.
فسرة الديناميكية هي التفسري الفعلي الذي نصنعه ،أو الفهم
استمرارا مع األمثلة اللغوية ،نعلم أن امل ّ
الذي نصل إليه ،يف مبتدأ التفسري .مثال ذلك :عندما تقول يل فيما تشري حنو امرأة جبانة نعرفها" :لقد
فسرة الديناميكية هي فهمي أبنك املتكلم ،وأنين املقصود ابخلطاب،رأيتها ختتبئ حتت الطاولة" ،فإن امل ّ
وأنك رأيت إحدى معارفنا املتصفة ابجلب ختتبئ حتت طاولة.
فسرة الديناميكية واملوضوع املباشر .كالفهم الذي نصل إليه هناك أيضا عالقة مثرية لالهتمام بني امل ّ
فسرة الديناميكية فهما ،أو تفسريا غري مكتمل فعليا يف أي مرحلة معينة يف سلسلة العالمة ،متثل امل ّ
للموضوع الديناميكي .ما هو أكثر أمهية من ذلك ،أن املوضوع املباشر لعالمة ما يف سلسلة العالمة
املفسرات الديناميكية من
يتكون من التفسريات الفعلية اليت مت إجراؤها مسبقا ،مبعىن أنه يتكون من ّ
املراحل السابقة يف سلسلة العالمة .حبسب تعبري رانسدل (" :)169 ,1977املوضوع املباشر هو،
فسرة الديناميكية
بعبارة أخرى ،النتيجة املدَّخرة لكل التفسريات السابقة على تفسري العالمة املعطاة" .امل ّ
إذن ،هي التفسري أو الفهم الفعلي الذي نقوم به يف مرحلة ما من العملية السيميوطيقية ،ويشكل أيضا،
املفسرات الديناميكية السابقة ،املوضوع املباشر ،أو الفهم اجلزئي للموضوع الديناميكي
جنبا إىل جنب مع ّ
يف أي نقطة معينة يف العملية السيميوطيقية.
4.2.3املفسرة النهائية
فسرة النهائية أبهنا "ما سيتقرر أخريا أبنه التفسري احلقيقي إذا وصل بنا النظر يف األمر
يصف بريس امل ّ
إىل أننا وصلنا إىل رأي هنائي (CP8.184 (1909)) .يف موضع آخر يصفها أبهنا "التأثري الذي
فسرة
سينتُج يف العقل بواسطة العالمة بعد تطور كايف من التفكري .))CP8 .343 (1908( .امل ّ
النهائية ،إذن ،تبدو أهنا ما سيكون عليه فهمنا للموضوع الديناميكي يف هناية البحث ،أي :إذا توصلنا
إىل فهم حقيقي للموضوع الديناميكي .من الواضح أن فكرة بريس عن البحث مركزية هنا .كما يشري
فسرة النهائية على أهنا الفهم:
هوكواي ،من األفضل أن حندد امل ّ
املفسرة من خالل البحث العلمي إىل ما ال هناية.
واليت يتم الوصول إليها إذا استمرت عملية إثراء ّ
فسرة اليت جيب أن نتفق عليها
إهنا تتضمن تصورا كامال وصحيحا ملوضوعات العالمة؛ إهنا امل ّ
مجيعا على املدى الطويل.)Hookway 1985, 139( .
كمثال ،فكر مرة أخرى يف أنواع الكالم اليت ذكرانها سابقا .يف مثل هذه احلالة مثل قولك" :لقد
املفسرة النهائية هي الفهم حيث "ال يوجد جمال للتفسري على رأيتها ختتبئ حتت الطاولة" ،ستكون ّ
اإلطالق" (( ،)CP5 .447 (1905أي :حني تكون معاين الكلمات ،وهوية العاملني املشاركني،
فسرة النهائية لكلمتك "رأيتها ختتبئ حتت الطاولة"
وما إىل ذلك ،كلها حمددة بشكل مطلق .لذا ،فإن امل ّ
هو توصلي إىل فهم حاسم ملا تقصده .ميكننا تصور كيفية حدوث ذلك ،من خالل طرحي جملموعة
إيل؟"
متنوعة من األسئلة ،مثل "هل تستخدم كلمة" " duckكفعل أو اسم؟" ،أو حىت "هل تتحدث َّ
فسرة النهائية.
فسرات الديناميكية اليت جتعلنا أقرب وأقرب إىل امل ّ
وتطوير سلسلة من امل ّ
مفسرة الديناميكية صالت واضحة مع العناصر األخرى لسيميوطيقا بريس ،كذلك متاما مثلما أن لل ّ
املفسرة النهائية بقوة ،من الروابط
مفسرة النهائية .كما جيب أن يكون واضحا ،تتفاعل ّ األمر ابلنسبة لل ّ
فسرة النهائية ،إذن ،مهمة يف فهمنا للموضوع اليت تنشأ من فكرة البحث ،مع املوضوع الديناميكي .امل ّ
الديناميكي بطريقتني .أوال :إهنا النقطة اليت سيكتمل فيها فهمنا للموضوع الديناميكي ،ووفقا لرانسديل
( ،)1977, 169-170حني يتطابق املوضوع املباشر واملوضوع الديناميكي .وهذا ما ميثل االستيعاب
فسرة النهائية كمقياس منوذجي التام ،أو اندماج الكائن الديناميكي يف نظامنا للعالمات .اثنيا :تعمل امل ّ
أو معياري ميكننا من خالله احلكم على استجاابتنا التفسريية الفعلية للعالمة .حسب تعبري ديفيد سافان:
فسرات ابعتباره يوفر قاعدة أو معيارا ميكن بواسطته "كان بريس يقصد إىل حتديد النوع الثالث من امل ّ
فسرات الديناميكية) لعملية اترخيية".)Savan 1988, 62) . احلكم على مراحل معينة (امل ّ
هذا التحديد للعناصر الستة للعالمة هو اجلزء األكثر وضوحا واألقل إاثرة للجدل يف نظرية بريس
النهائية للعالمة .معظم ما نعرفه عن أعمال بريس النهائية ُمستقى من الرسائل ،واملخطوطات األولية غري
املكتملة ،وعناصر متنوعة أخرى.
بناء على ذلك ،هناك الكثري يف األعمال النهائية مما يظل غري واضح ،وغري ُمرضي ،وغري مكتمل،
ومثري للجدل .يف هذا القسم األخري ،سننظر يف اثنتني من أكثر املسائل إاثرة لالهتمام واليت تشوب
فسرات إضافية.
العمل النهائي :تصنيف بريس النهائي املتوقع لستة وستني عالمة؛ وما يبدو أنه حتديده مل ّ
4.3.1التصنيف النهائي
مثلما تتضمن األعمال املبكرة واملرحلية تصنيفا منسجما ألنواع العالمات ،فإن عمل بريس النهائي
ينطوي على طموحات تصنيفية مماثلة .يذكر بريس صراحة أن هناك ستة وستني فئة من العالمات يف
تصنيفه النهائي .)See EP2. 481( .ابملعىن الدقيق للكلمة ،فإن العناصر الستة اليت ذكرانها
ابلتفصيل آنفا تنتج مثانية وعشرين نوعا فقط من العالمات ،لكننا مهتمون بتصنيف بريس النهائي.
يعتقد بريس أنه ميكننا احلصول على هذه الفئات الست والستني ،إىل حد ما على غرار منط تصنيف
،1903بواسطة حتديد عشرة من عناصر العالمات والدالالت ،لكل منها ثالث فئات مؤهلة ،مث
العمل على آتلفاهتا املسموح هبا .تتضمن هذه العناصر العشرة عناصر العالمة الستة احملددة أعاله،
املفسرات .العناصر
ابإلضافة إىل أربعة عناصر أخرى تركز على العالقة بني العالمات ،واملوضوعات ،و ّ
العشرة وأمناط العالمة اخلاصة هبا ،املأخوذة من رسائل بريس عام 1908إىل الليدي ويليب (EP2
) ،483-491هي كما يلي:
.1فيما خيص العالمة ذاهتا (ما كنا نطلق عليه حامل العالمة) ،فإن العالمة قد تكون ()1
عالمة نوعية ،Potisignأو( )2عالمة مفردة ،Actisignأو( )3عالمة عامة الداللة
.Famisign
(حبلول وقت العمل النهائي ،كان بريس ما يزال خيتب املصطلحات ،لذا رمبا تكون هذه
األنواع مألوفة أكثر أبمساء العالمات النوعية ،Qualisignsوالعالمات الفردية
،Sinsignsوالعالمات املعيارية .)Legisigns
.2فيما يتعلق ابملوضوع املباشر ،قد تكون العالمة ( )1وصفية ،أو( )2إشارية ،أو( )3وصفية
إشارية معا.
جمسدة ،أو()3
.3فيما يتعلق ابملوضوع الديناميكي ،قد تكون العالمة ( )1جمردة ،أو (َّ )2
مشرتكة.
.4فيما يتعلق ابلعالقة بني العالمة واملوضوع الديناميكي ،قد تكون العالمة ( )1أيقونة ،أو
( )2إشارة ،أو ( )3رمزا.
ابملفسرة املباشرة ،قد تكون العالمة ( )1تعجبية )2( ،آمرة ،أو ( )3ذات مغزى.
.5فيما يتعلق ّ
فسرة الديناميكية ،قد تكون العالمة ( )1عاطفية ،أو( )2مروعة ،أو ()3
.6فيما يتعلق ابمل ّ
معتادة.
فسرة الديناميكية ،قد تكون العالمة ( )1موحية ،أو()2
.7فيما يتعلق ابلعالقة بني العالمة وامل ّ
آمرة ،أو ( )3داللية.
ابملفسرة النهائية ،قد تكون العالمة (ُ )1مرضية ،أو( )2منتجة للفعل ،أو()3
.8فيما يتعلق ّ
منتجة للتحكم الذايت.
فسرة النهائية ،قد تكون العالمة ( )1بديلة عن املوضوع
.9فيما يتعلق ابلعالقة بني العالمة وامل ّ
،Semeأو( )2معادلة للعبارة ،Phemeأو ( )3برهانية .Delome
فسرة النهائية ،قد تكون العالمة
.10فيما يتعلق ابلعالقة بني العالمة واملوضوع الديناميكي وامل ّ
( )1توكيد للغريزة ،أو( )2توكيد للخبة ،أو( )3توكيد للشكل.
السبب الذي مبقتضاه يعتقد بريس أن هذه العناصر العشرة ستنتج ستة وستني فئة واضح مبا فيه
الكفاية ،فنفس االعتبارات التوليفية املعطاة بشأن التصنيف املرحلي (املوضحة أعاله يف )3.4تنطبق
هنا .ومع ذلك ،فإن الطريقة والرتتيب الدقيقني اللذين تتفاعل حبسبهما هذه العناصر مها ما سيحددان
الشكل الذي ستبدو عليه الفئات الست والستون للعالمات يف التصنيف النهائي .لسوء احلظ ،متثل
هذه األقسام العشرة وفئاهتا نسقا حمريا من املصطلحات غري اتمة التفسري ،وال يوجد سوى القليل مما
يساعد على اإلشارة بدقة إىل الكيفية اليت جيب أن نبدأ هبا مهمة اجلمع بينها .على الرغم من أننا قد
نكون واثقني من عدد العالمات يف التصنيف النهائي ،فإن التفاصيل األخرى سطحية وغري متطورة ،وال
يوجد حىت اآلن عمل ُمرض متاما للفئات الست والستني .كما يشري اناثن هاوسر" :رمبا يكون االمتداد
السليم واملفصل لتحليل بريس للعالمات إىل جمموعته الكاملة املكونة من عشرة أقسام وستة وستني فئة،
هو املشكلة األكثر إحلاحا لسيميوطيقا بريس"Houser 1992, 502).( .
هناك ،ابلطبع ،عمل جيد مبذول يف التصنيف النهائي (see (Burks and Weiss 1949),
(Sanders 1970), (Savan 1988), (Jappy 1989), (Muller 1994), and
) ،(Farias and Queiroz 2003) for the best of this workولكن ،يف النهاية،
ليس من الواضح ما إذا كان أي من أعمال بريس سوف يتغلب على املشاكل اليت تطرحها الطبيعة غري
املكتملة واملتعجلة للعمل اخلتامي .يف الواقع ،ليس من الواضح ما إذا كان بريس نفسه مراتحا متاما
لتصنيفه النهائي ،وكيف جيب أن تتماسك عناصره معا .كما قال هو نفسه:
يبدو يل أن األقسام العشر هي أبكملها ثالثية االنقسام؛ ولكن من املمكن أال يكون أي منها
كذلك .من بني هذه االنقسامات الثالثية العشرة ،لدي ختوف واضح من البعض ،وفكرة غري
مرحية ومشكوك فيه ابلنسبة للبعض اآلخر ،ومفهوم مقبول ولكن مل يتم اختباره بنحو اتم ابلنسبة
لآلخرين(EP2.483).
4.3.2مفسرات إضافية
كما هو شائع يف مجيع أعمال بريس يف جمال الفلسفة ،تظهر تغيريات عديدة يف املصطلحات
والتفاصيل الدقيقة يف الكلمات والتعبريات املصاغة من عمل إىل آخر يليه .وال خيتلف عمله على
ُ
فسرات عن ذلك .يف نقاط خمتلفة يف عمله النهائي اخلاص ابلعالمات ،يصف بريس يف تقسيم امل ّ
لمفسرات أبهنا :مباشرة ،وديناميكية ،وهنائية؛ أو أبهنا عاطفية ،وحيوية ،ومنطقية؛ أو أبهنا بسيطة،
ل ّ
وتساؤلية ،وعادية؛ أو أبهنا قصدية ،وفعَّالة ،وتواصلية؛ أو حىت أبهنا مقصودة ،وفعالة ،وصرحية .كما
املفسرة إىل
يالحظ ليزكا (" ،)1990, 20تشري وجهة النظر املقبولة يف دراسة بريس إىل أن تقسيمات ّ
مباشرة ،وديناميكية ،وهنائية ،هي منوذج أصلي ،ومجيع األقسام األخرى مرادفة نسبيا هلذه الفئات" .ومع
ذلك ،هناك بعض املعارضني هلذا الرأي.
املفسرة يصف بريس أحد األشكال الثالثية املذكورة أعاله على النحو التايل:
عند مناقشة ّ
فسرة] املشاعر؛ ألنه جيب ،على األقل ،أن يكون هناك إحساس يف مجيع األحوال تشمل [امل ّ
بفهم معىن العالمة .إذا كانت تتضمن أكثر من جمرد الشعور ،فيجب أن تثري نوعا من اجلهد.
وقد تتضمن شيئا إىل جانب ذلك ،والذي قد يُطلق عليه ،يف الوقت احلاضر" ،فكر" بنحو
مفسرات "عاطفية" و"حيوية" و"منطقية".
فسرات ابهنا ّ
ملتبس .أصف هذه األنواع الثالثة من امل ّ
()EP2. 409
ابلنسبة لبعض الباحثني ،يصف هذا تقسيما يتميز عن ثالثية املباشرة /الديناميكية /النهائية .يرى
املفسرات العاطفية ،واحليوية ،واملنطقية ،هي آاثر فعلية ،جيبفيتزجريالد ( )78 ،1966أنه نظرا ألن ّ
املفسرات
فسرة الديناميكية .هذا ألن بريس قد وصف ّ أن يُنظر إليها ابعتبارها ثالثة أنواع فرعية من امل ّ
الديناميكية أبهنا التأثري الناتج ابلفعل يف العقل .يرى شورت ( )1981, 1996, and 2004أن
فسرات املباشرة ،والديناميكية ،والنهائية ،ميكن تقسيمها تقسيما فرعيا إضافيا إىل عاطفية، كال من امل ّ
وحيوية ،ومنطقية .على وجه اخلصوص ،يرى شورت أن التقسيم الثالثي املباشرة /الديناميكية /النهائية،
فسرة يف مرحلة ما من عملية سيميوطيقية موجهة ،بينما يصف التقسيم الثالثي العاطفية/ يصف امل ّ
فسرة املمكنة يف أي مرحلة معطاة.
والنشطة /واملنطقية ،أنواع امل ّ
فسرة
هناك أسباب نصية بسيطة تُعد مقابلة الدعاءات فيتزجرالد .على سبيل املثال ،يصف بريس امل ّ
الديناميكية أبهنا تستمد خصائصها من الفعل )) ،(CP8 .315 (1904لكنه يقول الحقا" :ال
مفسرة منطقية ." (CP5 .491 (1906)).يبدو أن هذا جيعل االثنني ميكن للفعل أن يكون ّ
متعارضني ( See Liszka (1990, 21) for more on the problems with
.)Fitzgerald's claimعالوة على ذلك ،يبدو أن هذا التعارض يشري إىل مشكلة ابلنسبة لوجهة
فسرة املنطقية
فسرة الديناميكية جيب أن تشمل امل ّ
نظر شورت؛ حيث أن روايته تشري أيضا إىل أن امل ّ
كتقسيم فرعي ( .)Short 1981, 213يدعي شورت ،مع ذلك ،دعما نصيا لوجهة نظره من
احلاالت اليت يذكر فيها بريس االنقسام الثالثي إىل عاطفية /حيوية /منطقية ،جنبا إىل جنب مع االدعاء
مفسراتShort sites (CP8 .333 (1904)) (( . املنفصل بوضوح أبن العالمات هلا ثالث ّ
)and (CP4 .536 (1906ينظر شورت إىل هذا على أنه يفرتض وجوب معاملة التصنيفني على
أهنما تقسيمان ثالثيان خمتلفان ومستقالن.)Short 2004, 235( .
من غري الواضح إىل أي مدى ستُثبت األدلة النصية يف هذه املسألة أهنا حامسة ،ال سيما ابلنظر إىل
الطبيعة املتشظية لعمل بريس النهائي عن العالمات .ومع ذلك ،هناك أمر أو اثنان يعمالن لصاحل "وجهة
النظر املقبولة" .أوال :يشتهر بريس بتجريب املصطلحات ،خاصة عند حماولته حتديد أفكاره اخلاصة ،أو
وصف الظاهرة نفسها من زوااي خمتلفة .اثنيا :من غري الواضح ملاذا جيب اعتبار تقسيم ثالثي مثل قصدية
فعالة /تواصلية ،مبثابة جتارب اصطالحية ،يف حني يُعتب التقسيم الثالثي عاطفية /نشطة /منطقية َّ /
تقسيما متميزا .وأخريا ،هناك القليل مما توفره فئات بريس الست والستني املتوقعة للعالمات هلذا النوع
للمفسرة( .ملزيد من املعلومات حول
ّ من التصنيفات اإلضافية اليت تفرضها التقسيمات الفرعية اإلضافية
هذه البحث ،انظرLiszka 1990 and 1996), (Fitzgerald 1966), (Lalor (( :
))1997), (Short 1981, 1996, and 2004
قائمة املراجع
األعمال الرئيسية
األعمال الثانوية •
• Atkin, A., 2005. “Peirce On The Index and Indexical Reference”. Transactions
of The Charles S. Peirce Society. 41 (1), 161–188.
• Burks, A and Weiss, P., 1945. “Peirce's Sixty-Six Signs”. Journal of Philosophy.
42: 383–388.
• Farias, P. and Queiroz, J., 2003. “On diagrams for Peirce's 10, 28, and 66
classes of signs”. Semiotica. 147 (1/4): 165–184.
• Fitzgerald, J., 1966. Peirce's Theory of Signs as a Foundation for Pragmatism.
The Hague: Mouton.
أدوات أكاديمية
How to cite this entry.
Preview the PDF version of this entry at the Friends of the SEP Society.
Look up topics and thinkers related to this entry at the Internet Philosophy Ontology
Project (InPhO).
Enhanced bibliography for this entry at PhilPapers, with links to its database.