You are on page 1of 19

ISSN :1112-4377 ‫مجلة المعيار‬

2222 :‫السنة‬ 22 :‫ عدد‬24 :‫مجلد‬

‫تطورات الحركة المذهبية للمجاالت الريفية فيما بين جبال الونشريس ووادي مينا‬
)‫م‬31-8/‫ه‬7-2(
Developments of the sectarian movement of the rural areas
between the Ouarsenis Mountains and Mina Valley (VIIth -XIIIth Century AD)
1
‫أحمد بوشامة‬
‫طالب دكتوراه جامعة غرداية‬
‫خمرب اجلنوب اجلزائري يف التاريخ واحلضارة اإلسالمية‬
bouchama.ahmed@univ-ghardaia.dz
‫طاهر بن علي‬
‫جامعة غرداية‬
ezzahirit@gmail.com
0404/41/71 ‫ النشر على الخط‬0404/48/40 ‫ القبول‬0471/40/71 ‫تاريخ الوصول‬
Received 17/04/2019 Accepted 06/08/2020 Published online15/09/2020
:‫ملخص‬
،‫ للمجاالت الريفية فيما بني جبال الونشريس ووادي مينا‬،‫حياول هذا املقال وضع تصور عام النتشار املذاهب العقدية والفقهية‬
‫ إن التطرق ملراحل احلركة املذهبية هبذه املنطقة يقتضي اإلملام باجلغرافية الطبيعية‬.‫ وجيوسياسية‬،‫وما نتج عنها من تطورات اجتماعية‬
،‫ والتحديات اليت واجهتها من أجل احلفاظ على هويتها املذهبية‬،‫ مث تتبع السياق التارخي لنشأة اجلماعات املذهبية فيها‬،‫هلا‬
‫ مث الصراعات‬،‫ وحاولت فرض توجهاهتا املذهبية عليها‬،‫ خاصة أمام الدول اليت قامت يف بالد املغرب واألندلس‬،‫وجماالهتا اجلغرافية‬
‫ مما جعلها يف األخري تتقبل التحول إىل االنتماء املذهيب الغالب على بالد املغرب؛ وهو‬،‫القبلية اليت فككت بنيتها االجتماعية‬
.‫التوجه املالكي والتصوف‬
.‫ وادي مينا‬،‫ مدينة تاهرت‬،‫ الونشريس‬،‫ التحوالت املذهبية‬،‫ الصراع املذهيب‬:‫الكلمات المفتاحية‬
Abstract:
This article tries to show a general perception of the spread of the doctrinal and jurisprudential
doctrines of the rural areas between Al-Wansharis Mountains and Mina Valley. It shows also the influence
of this spread on the social and the geopolitics development. The discussion of the different stages of the
sectarianism movement in this region requires the knowledge of its natural geography, then follow up the
historical context of these sectarian groups creation, and the challenges which have encountered in order to
protect its sectarian identity and its geographical extension, especially against the countries that appeared in
Maghreb and Andalusia and tried to impose its sectarian approaches on them then, the tribal conflict that
broke up the social structure of these groups, which made it at the end accept to follow the sectarian
affiliation dominant in Maghreb which was the Maliki and Sufism.
Key words: The sectarian conflict, The sectarian transformations, The Ouarsenis (AL-wancharis ), City of
Tiaret, Mina Valley.

bouchama.ahmed@univ-ghardaia.dz :‫الربيد اإللكرتوين‬ ‫املؤلف املرسل أمحد بوشامة‬- 1

231
‫‪ISSN :1112-4377‬‬ ‫مجلة المعيار‬
‫السنة‪2222 :‬‬ ‫مجلد‪ 24 :‬عدد‪22 :‬‬

‫مقدمة‪:‬‬
‫إن الدارس لتاريخ بالد املغرب الوسيط يتضح له مدى أمهية األرياف‪ ،‬وذلك باعتبار األدوار اليت قامت هبا يف شىت اجملاالت‬
‫السياسية‪ ،‬واالقتصادية‪ ،‬واالجتماعية‪ ،‬والثقافية‪ .‬ولعل مما يلفت االنتباه يف هذه اجلوانب‪ ،‬تلك القضايا املرتبطة بالدين‪ ،‬واجملتمع‪،‬‬
‫والسلطة؛ فاألرياف كمجال تنتجعه أو تستقر فيه اجلماعات القبلية‪ ،‬شكلت يف الكثري من األحيان احلاضن ملختلف التوجهات‬
‫املذهبية اليت انتشرت يف بالد املغرب‪ ،‬مما تسبب يف إعادة هيكلة عالقتها مع السلطة املركزية يف املدن‪ ،‬وفق مددات تتأرجح بني‬
‫الوالء والعداء للمذهب‪.‬‬
‫ولذلك جاءت هذه الورقة البحثية؛ كمحاولة لفهم انعكاسات هذه العالقة من خالل التطرق للحركة املذهبية‪ ،‬وما اكتنفها من‬
‫حتوالت سياسية وقبلية يف إطار جغرايف مدد‪ ،‬يتمثل يف اجملاالت الريفية املمتدة بني جبال الونشريس ووادي مينا‪ ،‬وهذا من فرتة‬
‫تغلغل اآلراء اإلباضية‪ ،‬والصفرية‪ ،‬واإلعتزال فيها إىل غاية انتشار املالكية والتصوف‪ .‬العديد من األسئلة اليت طرحت نفسها يف هذا‬
‫املوضوع‪ ،‬من أمهها‪ :‬ما هي ظروف انتشار الفكر اخلارجي هبذه اجملاالت؟ وكيف كانت عالقة اجلماعات املذهبية املستقرة هبا مع‬
‫الدول اليت قامت ببالد املغرب واألندلس؟ وهل أثرت سياساهتا املذهبية عليها؟ مث يف األخري؛ كيف حتولت هذه اجلماعات إىل‬
‫اعتناق املالكية والتصوف؟‬
‫‪-3‬اإلطار الجغرافي للمجاالت الريفية فيما بين الونشريس ووادي مينا‪:‬‬
‫أ‪-‬جبال الونشريس‪:‬‬
‫يرد الونشريس يف املصادر الوسيطية كمجال جغرايف واسع‪ ،‬يستمد خصائصه الطوبوغرافية من طبيعته ككتلة جبلية تابعة لسلسلة‬
‫األطلس التلي‪ ،‬ولذلك عندما حتدث عنه اإلدريسي(تـ‪065 .‬ه‪6660/‬م)‪ ،‬حاول حتديد جغرافيته انطالقا من طبيعته التضاريسية‪،‬‬
‫فذكر أنه يقع يف جنوب مدينة مليانة على بعد ثالثة أيام منها‪ ،‬طوله أربعة أيام‪ ،‬وينتهي طرفه قرب مدينة تاهرت(‪ ،)1‬وجاء يف بعض‬
‫املصادر(‪ )2‬أيضا‪ ،‬تعبريا عن اتساع رقعته اجلغرافية‪ ،‬إطالق اسم "بالد وانشريس" عليه‪.‬‬
‫وأما الدراسات احلديثة فقد حاولت بدورها تتبع حدود جبال الونشريس بشكل دقيق‪ ،‬فذهب البعض منها(‪ )3‬إىل جعل حدوده‬
‫تصل إىل وادي الشلف(‪ )4‬مشاال وشرقا‪ ،‬وهنر واصل(‪ )1‬جنوبا‪ ،‬ووادي مينا غربا‪ ،‬ولكن من خالل اإلشارات املصدرية اليت حتدثت‬

‫(‪ )1‬اإلدريسي (أبو عبد اهلل ممد الشريف)‪ ،‬كتاب نزهة املشتاق يف اخرتاق اآلفاق‪ ،‬مكتبة الثقافة الدينية ‪ ،‬القاهرة ‪ -‬مصر‪2552 ،‬م‪ ،‬ج‪ ،6‬ص‪.202‬‬
‫(‪ )2‬ابن اخلطيب (لسان الدين ممد بن عبد اهلل)‪ ،‬تاريخ املغرب العريب يف العصر الوسيط (القسم الثالث من كتاب أعمال األعالم)‪ ،‬حتقيق وتعليق‪ :‬أمحد خمتار العبادي وممد‬
‫إبراهيم الكتاين‪ ،‬دار الكتاب‪ ،‬الدار البيضاء‪-‬املغرب‪6661 ،‬م‪ ،‬ص‪661‬؛ ابن خلدون عبد الرمحن‪ ،‬العرب وديوان املبتدأ واخلرب يف تاريخ العرب والرببر ومن عاصرهم من ذوي‬
‫الشأن األكرب‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬بريوت – لبنان‪2555 ،‬م‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.666‬‬
‫)‪(3‬‬
‫‪Niox (C.), Algérie: Géographie physique, Imprimerie L. Baudoin, Paris, 1884, p50-53; Sari (DJ.), Les populations‬‬
‫‪de l’Ouarsenis central, Méditerranée, T. 11, N.3-4, 1973, p91.‬‬
‫(‪ )4‬ينبع وادي الشلف من جبال عمور ‪ ،‬مث يتجه مشاال إىل والية املدية قرب قصر البخاري‪ ،‬ويعرب بني سلسلة األطلس التلي إىل غاية جنوب مليانة‪ ،‬ومنها إىل مدينة الشلف‪،‬‬
‫مث يلتقي بطرفه اآلخر القادم من نواحي غليزان‪ ،‬ويواصل جريانه إىل أن يصب يف البحر قرب مدينة مستغامن‪ .‬انظر‪ :‬املدين أمحد توفيق‪ ،‬جغرافية القطر اجلزائري للناشئة‬
‫اإلسالمية‪ ،‬املطبعة العربية‪ ،‬اجلزائر‪6611 ،‬م‪ ،‬ص‪22-26‬؛ ‪Niox, op. cit., p54-55.‬‬
‫‪233‬‬
‫‪ISSN :1112-4377‬‬ ‫مجلة المعيار‬
‫السنة‪2222 :‬‬ ‫مجلد‪ 24 :‬عدد‪22 :‬‬

‫عن اجملاالت املرتبطة بالونشريس خالل العصر الوسيط‪ ،‬ال ُيكن هلذا التحديد أن يتماشى معها‪ ،‬ولذلك نستطيع القول إن جبال‬
‫عن شريطني‬ ‫الونشريس متتد مشاال إىل بالد الشلف السفلى‪ ،‬وجنوبا إىل بالد الشلف العليا(‪)2‬؛ وهذان اجملاالن مها عبارة‬
‫يتميزان بتعرجات تضاريسية بسيطة‪ ،‬متتد األوىل من نواحي مدينة غليزان‪ ،‬وتساير وادي الشلف إىل جبل زكار‪ ،‬والثانية‪ ،‬تبدأ من‬
‫مدينة الدمحوين (والية تيارت) وتساير اجلهة الشمالية لنهر واصل إىل غاية إلتقائه مع وادي الشلف‪ .‬وأما من اجلهة الشرقية‬
‫للونشريس فيحده سهل الشلف األعلى‪ ،‬حيث تعترب جبال اللوح بوالية عني الدفلى احلد الفاصل بينهما(‪ ،)3‬ومن الناحية الغربية‬
‫فينتهي طرفه عند تلول منداس(‪ ،)4‬وبالتحديد عند جبال الرمكة(‪.)5‬‬
‫ب‪-‬تلول منداس‪:‬‬
‫تبدأ تلول منداس من جبل قزول الذي بنيت عليه مدينة تاهرت‪ ،‬وتشكل شريطا من املرتفعات املتوسطة‪ ،‬تربط بني جبال‬
‫الونشريس شرقا‪ ،‬واألراضي السهلية من اجلهات األخرى‪ .‬مسيت هبذا االسم نسبة لقبيلة منداس أو منداسة‪ ،‬اليت اختلف النسابة يف‬
‫أصلها‪ ،‬فمنهم من أرجعها إىل بطون أداس بن زحيك بن مادغيس الذين اندجموا يف قبيلة هوارة‪ ،‬ومنهم من جيعل نسبها حقيقيا يف‬
‫هوارة‪ ،‬وذلك على أساس أهنا من بطون مغر بن هوار بن أوريغ اهلواري(‪ .)6‬وأما ابن أيب زرع(تـ‪126.‬ه‪6226/‬م) فيذكر خالف ما‬
‫سبق‪ ،‬ويضعها ضمن فروع صنهاجة(‪ .)7‬ومهما يكن من أمر‪ ،‬فإن قبيلة منداس اشتهرت يف منتصف القرن ‪2‬ه‪1/‬م‪ ،‬وارتبطت فيما‬
‫بعد هذه التالل بامسها‪.‬‬
‫ج‪-‬وادي مينا‪:‬‬
‫يرجع لفظ "مينا" إىل مدينة رومانية محلت نفس هذا االسم‪ ،‬أسست يف القرن األول للميالد‪ ،‬مكاهنا احلايل قرب مدينة‬
‫غليزان‪ ،‬ويعتقد أن كلمة مينا مشتقة من ‪ Mine‬اليت تعين الذهب أو الفضة‪ ،‬ورمبا تفسر أيضا باألرض اخلصبة(‪.)8‬‬
‫ينبع هذا الوادي من النواحي الشرقية ملدينة فرندة‪ ،‬مث يتجه مشاال خمرتقا أراضي سهل السرسو(‪ )9‬إىل جبل قزول‪ ،‬وبعد ذلك ينعطف‬

‫(‪ )1‬ينبع هنر واصل من اجلبال اليت تقع جنوب مدينة بوشقيف ‪ ،‬مث يتجه مشاال إىل غاية مدينة الدمحوين‪ ،‬وبعدها ينعرج شرقا‪ ،‬ويواصل جريانه إىل أن يصب يف هنر الشلف يف‬
‫نواحي الشهبونية (والية املدية)‪ .‬انظر‪ :‬املدين‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪22‬؛ ‪Niox, op. cit., p55; Barlette (H.), Monographie de la région de Tiaret,‬‬
‫‪Bulletin de la société de géographie d’Alger et de l’Afrique de Nord, 3é trimestre, 1912, p315.‬‬
‫(‪ )2‬ابن خلدون‪ ،‬املصدر السابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.261 ،666 ،11‬‬
‫(‪ )3‬شرايف سحنون‪ ،‬دراسة منوغرافية حلوض الشلف يف العهد الروماين (‪126-15‬م) ‪ ،‬مذكرة لنيل شهادة املاجستري يف التاريخ القدمي‪ ،‬قسم التاريخ‪ ،‬جامعة اجلزائر‪،2‬‬
‫‪2566-2565‬م‪ ،‬ص‪Lacroix (N.), Les groupements indigènes de la commune mixte du Djendel, Revue Africaine, N. .1‬‬
‫‪272-273, 1909, p318, 345.‬‬
‫(‪ )4‬ابن خلدون‪ ،‬املصدر السابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.61‬‬
‫(‪ )5‬شرايف‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.1‬‬
‫(‪ )6‬ابن خلدون‪ ،‬املصدر السابق‪ ،‬ج‪ ،6‬ص‪.612 ،661 ،606‬‬
‫(‪ )7‬ابن أيب زرع (علي بن عبد اهلل الفاسي)‪ ،‬األنيس املطرب بروض القرطاس يف أخبار ملوك املغرب وتاريخ مدينة فاس‪ ،‬دار املنصور للطباعة والوراقة‪ ،‬الرباط‪-‬املغرب‪،‬‬
‫‪6612‬م‪ ،‬ص‪.625‬‬
‫(‪ )8‬شرايف سحنون‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.10-11‬‬
‫(‪ )9‬من الصعب حتديد جغرافية سهل السرسو انطالقا من املصادر الوسيطية‪ ،‬سوى ما يفهم من بعض النصوص عند ابن خلدون من أنه يقع جنوب هنر واصل (ج‪،1‬‬
‫وأما‬ ‫ص‪ ،).250‬ومتتد حدوده الغربية إىل جنوب وادي مينا‪ ،‬حيث كان يطلق على هذا اجلزء سهل السرسو الغريب (ج‪ ،6‬ص‪ ،601-602‬ج‪61-61 ،1‬ـ)‪.‬‬
‫‪231‬‬
‫‪ISSN :1112-4377‬‬ ‫مجلة المعيار‬
‫السنة‪2222 :‬‬ ‫مجلد‪ 24 :‬عدد‪22 :‬‬

‫غربا إىل غاية منطقة سيدي ممد بن عودة التابعة لوالية تيارت‪ ،‬مث يواصل جريانه مشاال إىل أن ُير بالقرب من مدينة غيلزان‪،‬‬
‫ويصب يف هنر الشلف(‪ .)1‬وقد جاء يف كتاب العرب اسم "وادي ميناس" يف العديد من املرات(‪ ،)2‬ولكن عند تتبع مساره حسبما‬
‫حدده ابن خلدون(تـ ـ ‪151‬هـ‪6150/‬م)(‪ )3‬يتضح أنه نفسه وادي مينا‪.‬‬

‫‪ -2‬الحكم الصفري واإلباضي فيما بين الونشريس ووادي مينا‪:‬‬


‫خضعت بالد املغرب بعد عملية الفتح اإلسالمي ملمثلي اخلالفة بالقريوان‪ ،‬لكن مالبث دعاة الصفرية واإلباضية أن نقلوا‬
‫أفكارهم بني العديد من اجلماعات القبلية‪ ،‬مستغلني طبيعة اجملتمعات املغربية اليت كانت تفضل العيش حتت سلطة مشيخية بدل‬
‫نظام السلطة املركزية‪ ،‬وكذلك حالة االستياء اليت كانت تعرتيها جراء التصرفات التعسفية اليت مارسها بعض الوالة اجتاههم‪،‬‬
‫ودعوا إىل أن مبادئ اإلسالم احلقيقية ‪-‬اليت رأوها متجسدة يف عقائد هذين التوجهني‪ -‬كفيلة بتحقيق حلم احلاكم العادل(‪.)4‬‬
‫ولذلك عملت بعض القبائل الرعوية على تبين هذه العقائد ونشرها فيما بينها‪ ،‬ضمن اجملاالت اليت كانت تنتجعها يف التخوم‬

‫الدراسات احلديثة فجعلت موقعه ُيتد من هنر واصل مشاال‪ ،‬إىل جمموعة من اجلبال جنوبا‪ ،‬أمهها‪ :‬جبال الناظور‪ ،‬وجبال فرندة‪ .‬انظر‪Niox, op. cit., p57 ; Bugéja :‬‬
‫‪(M) et Rousseau, Le Serssou, Bulletin de la société de géographie d’Alger et de l’Afrique de Nord, 3é trimestre, 1904,‬‬
‫‪p62; Perrin (R.), Le Sersou: Etude de géographie humaine (Premier article), Méditerranée, 1 e année, N.2-3, 1960, p61.‬‬

‫(‪ )1‬املدين‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪22‬؛ ‪Barlette, op. cit., p314.‬‬


‫(‪ )2‬ابن خلدون‪ ،‬املصدر السابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪ ،01‬ج‪ ،6‬ص‪ ،606 ،601‬ج‪ ،1‬ص‪.11 ،16‬‬
‫(‪ )3‬نفسه‪ ،‬ج‪ ،6‬ص‪.606‬‬
‫(‪ )4‬ممود إمساعيل عبد الرازق‪ ،‬اخلوارج يف بالد املغرب حىت منتصف القرن الرابع اهلجري‪ ،‬دار الثقافة‪ ،‬الدار البيضاء‪-‬املغرب‪6610 ،‬م‪ ،‬ص‪.16-26‬‬
‫‪231‬‬
‫‪ISSN :1112-4377‬‬ ‫مجلة المعيار‬
‫السنة‪2222 :‬‬ ‫مجلد‪ 24 :‬عدد‪22 :‬‬

‫الشمالية للصحراء‪ ،‬واهلضاب العليا‪ ،‬والسهول ما بني برقة إىل جنوب تلمسان(‪ .)1‬ويف هذا اإلطار ُيكن تفسري وصول عقائد‬
‫اإلباضية إىل سهل السرسو‪ ،‬وتلول منداس‪ ،‬حيث اعتنقتها العديد من قبائل املنطقة مثل‪ :‬مطماطة‪ ،‬وزواغة‪ ،‬وهوارة‪ ،‬ولواتة‪ ،‬وعقائد‬
‫الصفرية اليت انتشرت يف قبيلة مغيلة حبوض الشلف األدىن(‪.)2‬‬
‫وبعد جناح القيادات الصفرية واإلباضية يف تكوين جبهة ثورية معارضة لنظام احلكم‪ ،‬دخلت بالد املغرب يف حروب أهلية‬
‫عارمة(‪ ،)3‬كان من نتائجها بروز كيانات سياسية مستقلة‪ ،‬ومن بني هذه الكيانات اليت تأسست يف النواحي الغربية للمغرب األوسط‬
‫من مدينة‬ ‫فيما بني سنيت ‪ 620‬و‪626‬ه‪ 112/‬و‪111‬م‪ ،‬إمارة أيب قرة املغيلي الصفري‪ ،‬اليت امتدت جماالهتا اجلغرافية‬
‫تلمسان اليت اختذهتا مركزا هلا إىل قبيلة مغيلة بالونشريس(‪ .)4‬وهذا الفرع القبلي؛ ُيكن حتديد موقعه انطالقا من التمركز الرئيس لقبيلة‬
‫مغيلة الكربى اليت توزعت مبحاذاة وادي الشلف(‪ ،)5‬ولذلك من احملتمل جدا أن تكون مغيلة الونشريس امتدادا للقبيلة األم من‬
‫اجلهة اجلنوبية هلذا الوادي وصوال إىل مشال الونشريس‪ .‬ويظهر أن هذه اإلمارة استمرت إىل أن سقطت على يد قبيلة مغراوة اليت‬
‫متكنت من االستيالء على مدينة تلمسان قبل سنة ‪612‬ه‪116/‬م(‪.)6‬‬
‫ويف اجلهة الشرقية هلذه اإلمارة باملغرب األوسط‪ ،‬عرفت منطقة تاهرت نقطة حتول مهمة يف تارخيها‪ ،‬وهذا بعد هزُية اإلباضية‬
‫بقيادة أيب اخلطاب عبد األعلى بن السمح املعافري يف نواحي طرابلس‪ ،‬أمام وايل مصر ممد بن األشعث اخلزاعي‬
‫(‪611-616‬هـ‪166-106/‬م) يف بداية سنة ‪611‬ه‪166/‬م(‪ ،)7‬مما أدى إىل فرار عبد الرمحن بن رستم من مدينة القريوان إىل‬
‫قبيلة ملاية يف اجلنوب التاهريت(‪ ،)8‬حيث اجتمعت عليه القبائل اإلباضية‪ ،‬وانتقلوا معه يف نفس هذه السنة إىل جبل قزول‪ ،‬وفيه متت‬
‫متت مبايعته بإمامة الدفاع‪ ،‬وتأسيس مدينة تاهرت لتكون عاصمة لدولتهم(‪ ،)9‬مث بعد ذلك بويع بإمامة الظهور على األرجح يف‬
‫سنة ‪665‬ه‪116/‬م(‪.)10‬‬

‫)‪(1‬‬
‫‪Gautier (E.F.), Le passé de l’Afrique du Nord – les siècles obscures -, Payot, Paris, 1937, p294; Amara (A.), Entre‬‬
‫‪le massif de l’Aurès et les oasis: apparition, évolution et disparition des communautés ibâḍites du Zâb (VIIIe-XIVe‬‬
‫‪siècle), Revue des Mondes Musulmans et de la Méditerranée, N. 132, 2012, p119.‬‬
‫(‪ )2‬ابن خلدون‪ ،‬املصدر السابق‪ ،‬ج‪ ،6‬ص‪.661 ،601 ،611‬‬
‫(‪ )3‬لإلطالع أكثر على ثورات الصفرية واإلباضية ضد ممثلي اخلالفة األموية مث العباسية يف بالد املغرب قبل قيام الدولة الرستمية‪ .‬انظر‪ :‬ممود إمساعيل‪ ،‬املرجع السابق‪،‬‬
‫ص‪60-62‬؛ خليفات عوض‪ ،‬نشأة احلركة اإلباضية‪ ،‬املطابع الذهبية‪ ،‬مسقط‪-‬عمان‪2552 ،‬م‪ ،‬ص‪.600-621‬‬
‫(‪ )4‬مؤلف جمهول‪ ،‬مفاخر الرببر‪ ،‬دراسة وحتقيق‪ :‬عبد القادر بوباية‪ ،‬دار أيب رقراق‪ ،‬الرباط‪-‬املغرب‪ ،2550 ،‬ص‪.616‬‬
‫(‪ )5‬ابن خلدون‪ ،‬املصدر السابق‪ ،‬ج‪ ،6‬ص‪ ،661‬ج‪ ،1‬ص‪.61‬‬
‫(‪ )6‬ابن أيب زرع‪ ،‬املصدر السابق‪ ،‬ص‪.26‬‬
‫(‪ )7‬أبو زكرياء (حيي بن أيب بكر)‪ ،‬كتاب سري األئمة وأخبارهم املعروف بتاريخ أيب زكرياء‪ ،‬حققه ووضع حواشيه‪ :‬إمساعيل العريب‪ ،‬ديوان املطبوعات اجلامعية‪ ،‬ط ‪ ،2‬اجلزائر‪،‬‬
‫‪6611‬م‪ ،‬ص‪.15-66‬‬
‫(‪ )8‬أبو زكرياء‪ ،‬املصدر السابق‪ ،‬ص‪16‬؛ ابن خلدون‪ ،‬املصدر السابق‪ ،‬ج‪ ،6‬ص‪.606‬‬
‫(‪ )9‬البكري (أبو عبيد عبد اهلل بن عبد العزيز)‪ ،‬املسالك واملمالك‪ ،‬حققه ووضع حواشيه‪ :‬مجال طلبة‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪-‬لبنان‪2552 ،‬م‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪205‬؛ البغطوري‬
‫(مقرين بن ممد النفوسي)‪ ،‬روايات األشياخ‪ :‬أشياخ جبل نفوسة الشهري بسري البغطوري‪ ،‬حتقيق‪ :‬عمر بوعصبانة‪ ،‬مكتبة خزائن اآلثار‪ ،‬بركاء‪-‬عمان‪2561 ،‬م‪ ،‬ص‪651‬؛ ابن‬
‫خلدون‪ ،‬املصدر السابق‪ ،‬ج‪ ،6‬ص‪611‬؛ ممود إمساعيل‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.605‬‬
‫(‪ )10‬أبو زكرياء‪ ،‬املصدر السابق‪ ،‬ص‪.16 ،12‬‬
‫‪231‬‬
‫‪ISSN :1112-4377‬‬ ‫مجلة المعيار‬
‫السنة‪2222 :‬‬ ‫مجلد‪ 24 :‬عدد‪22 :‬‬

‫ومن هنا بقي التأثري الرستمي األكثر حضورا يف اجملاالت املمتدة بني جبال الونشريس ووادي مينا طيلة القرنني الثاين والثالث‬
‫اهلجريني(‪ ،)1‬وعلى هذا األساس؛ مثلت هذه املناطق‪ ،‬اجملاالت الريفية للعاصمة الرستمية‪ ،‬اليت توزعت يف أرجائها العديد‬
‫من اجلماعات القبلية التابعة للدولة الرستمية‪ .‬ومن بني هذه القبائل اليت استقرت فيها‪ ،‬قبيلة منداس‪ ،‬وهي قبل تأسيس مدينة‬
‫تاهرت‪ ،‬كانت رفقة قبيلة صنهاجة متتلكان املوقع الذي بنيت عليه العاصمة الرستمية‪ ،‬فقام عبد الرمحن بن رستم باالتفاق معهما‪،‬‬
‫على أن يعطي هلما خراج األسواق‪ ،‬مقابل السماح ألتباعه باختطاط املدينة(‪ ،)2‬ويبدو أن قبيلة منداس بعد بناء املدينة انزاحت عن‬
‫عن جبل قزول‪ ،‬ومتركز وجودها يف التلول املعروفة بامسها مشال مدينة تاهرت(‪ .)3‬ويف جنوب هذه التلول أيضا استقرت قبيلة مطماطة‬
‫مطماطة يف النواحي الشرقية والشمالية منها(‪ ،)4‬وجباورها متركزت قبيلة زناتة اليت اعتنقت مجاعات منها االعتزال‪ ،‬واشتهروا بلفظ‬
‫الواصلية(نسبة إىل واصل بن عطاء)(‪ .)5‬ويف غرب مدينة تاهرت‪ ،‬استقرت قبيلة زواغة قرب وادي مينا(‪،)6‬‬
‫وعلى الرغم من والء هذه القبائل ألئمة الدولة الرستمية يف غالب األحيان‪ ،‬إال أن منطق القبلية بقي متحكما يف تسري شؤوهنا‪،‬‬
‫حيث شكلت هذه اجلماعات مع ما جورها من القبائل األخرى‪ ،‬خاصة اليت توزعت يف سهل السرسو‪ ،‬مثل مكناسة‪ ،‬ولواتة‪،‬‬
‫وهوارة(‪ )7‬كيانات اجتماعية‪ ،‬متيزت بتقدمي الوالء الداخلي على اخلارجي؛ وهو ما جعل للمجال الريفي مركز قوة نابع من خالل‬
‫العصبية القبيلة اليت جعلت عالقة القبائل حبكام الدولة يف العديد من أطوار التاريخ الرستمي خترج عن نطاق السيطرة‪ ،‬متسببة يف‬
‫انتفاضات قبلية(‪.)8‬‬
‫ولذلك كانت سياسة الرستميني اجتاههم تعتمد على التقدير الظريف يف كيفية التعامل معهم‪ ،‬ففي بعض األحيان نظروا إليهم‬
‫كمصدر يهدد قيام دولتهم‪ ،‬ويتضح هذا يف السياسة اليت انتهجها اإلمام أفلح بن عبد الوهاب(‪201-251‬ه‪112-122/‬م)‬
‫للحد من قوة القبائل اجملاورة له‪ ،‬قال ابن الصغري(تـ‪ .‬بعد‪261‬هـ‪651/‬م)‪ ":‬وكانت القبائل املنتشرة حول مدينة تاهرت ملا اكتسبت‬
‫األموال‪ ،‬واختذت العبيد واخليول‪ ،‬قد ناهلا من الكرب ما نال أهل املدينة حىت خاف أفلح أن جتتمع األيدي عليه‪ ،‬فتزيل ملكه‪ ،‬فلما‬
‫رأى ذلك أرش (حرش) ما بني كل قبيلة وجماورها‪ ،‬فأرش بني لواتة وزناتة‪ ،‬وما بني لواتة ومطماطة‪ .)9("...‬ويف أحيانا أخرى جلأوا‬
‫جلأوا إليهم كمعارضني‪ ،‬ومن ذلك ما فعله يعقوب بن أفلح عندما توىل أبو حامت بن أيب اليقظان اإلمامة سنة ‪216‬ه‪161/‬م‪،‬‬

‫(‪ )1‬اليعقويب (أمحد بن أيب إسحاق)‪ ،‬البلدان‪ ،‬وضع حواشيه‪ ،‬ممد أمني ضناوي‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪ -‬لبنان‪ ،‬د‪.‬ت‪ ،‬ص‪.660‬‬
‫(‪ )2‬البكري‪ ،‬املصدر السابق‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪205‬؛ الدرجيين (أبو العباس أمحد بن سعيد)‪ ،‬كتاب طبقات املشائخ باملغرب‪ ،‬حتقيق‪ :‬إبراهيم طالي‪ ،‬مطبعة البعث‪ ،‬قسنطينة‪-‬‬
‫اجلزائر‪6611 ،‬م‪ ،‬ج‪ ،6‬ص‪.11‬‬
‫(‪ )3‬ابن خلدون‪ ،‬املصدر السابق‪ ،‬ج‪ ،6‬ص‪601‬؛ ممود إمساعيل‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.616‬‬
‫(‪ )4‬ابن خلدون‪ ،‬املصدر السابق‪ ،‬ج‪ ،6‬ص‪.661‬‬
‫(‪ )5‬أبو زكرياء‪ ،‬املصدر السابق‪ ،‬ص‪652‬؛ ابن خلدون‪ ،‬املصدر السابق‪ ،‬ج‪ ،6‬ص‪ ،601‬ج‪ ،1‬ص‪.61‬‬
‫(‪ )6‬ابن الصغري‪ ،‬املصدر السابق‪ ،‬ص‪.655‬‬
‫(‪ )7‬البكري‪ ،‬املصدر السابق‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪216‬؛ ابن خلدون‪ ،‬املصدر السابق‪ ،‬ج‪ ،6‬ص‪.601‬‬
‫(‪ )8‬ابن الصغري‪ ،‬املصدر السابق‪ ،‬ص‪ ،11-10 ،11-16‬أبو زكرياء‪ ،‬املصدر السابق‪ ،‬ص‪652‬؛ ممود إمساعيل‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.611-615‬‬
‫(‪ )9‬ابن الصغري‪ ،‬أخبار األئمة الرستميني‪ ،‬حتقيق‪ :‬ممد ناصر وإبراهيم حباز‪ ،‬املطبوعات اجلميلة‪ ،‬اجلزائر‪6616 ،‬م‪ ،‬ص‪.06-00‬‬
‫‪231‬‬
‫‪ISSN :1112-4377‬‬ ‫مجلة المعيار‬
‫السنة‪2222 :‬‬ ‫مجلد‪ 24 :‬عدد‪22 :‬‬

‫رحل عن مدينة تاهرت‪ ،‬وجلأ عند قبيلة زواغة بالقرب من وادي مينا(‪ ،)1‬معتزال التدخل يف شؤون احلكم الرستمي إىل أن استطاعت‬
‫(‪216-212‬ه‪-160/‬‬ ‫استطاعت اجلبهة املعارضة أليب حامت استقدامه إىل املدينة‪ ،‬فقام حاكما عليها ملدة أربع سنوات‬
‫‪166‬م(‪.)2‬‬
‫‪-1‬الصراع المذهبي فيما بين الونشريس ووادي مينا خالل العهد الفاطمي‪:‬‬
‫وجد أبو عبد اهلل الشيعي عندما مر جبيشه على مدينة تاهرت يف سنة ‪266‬ه‪656/‬م دولة ضعيفة ومفككة‪ ،‬نتيجة التطاحن‬
‫على السلطة يف أواخر العهد الرستمي(‪ ،)3‬فاستطاع اإلطاحة هبا‪ ،‬والقضاء على حاكمها يقظان بن أيب اليقظان‬
‫(‪266-261‬ه‪656-651/‬م)‪ ،‬ووىل على املدينة أبا محيد دواسا بن صوالت اللهيصي‪ ،‬وإبراهيم بن ممد اهلواري‪،‬‬
‫مث أكمل سريه إىل سجلماسة من أجل إنقاذ عبيد اهلل املهدي وابنه أيب القاسم(‪ .)4‬وبعد قيام الدولة الفاطمية يف ‪ 25‬ربيع اآلخر‬
‫‪261‬ه‪ 6/‬جانفي ‪665‬م(‪ ،)5‬اجتهت سياستها إىل ماولة فرض سلطاهنا‪ ،‬ومذهبها الشيعي اإلمساعيلي‪ ،‬وهذا ما أدى إىل‬
‫اصطدامها بالقوى املذهبية األخرى يف بالد املغرب‪.‬‬
‫برزت خالل هذه الفرتة قبيلة مطماطة اإلباضية يف تلول منداس اليت سيطرت على جمموعة من احلصون والقالع(‪ ،)6‬وقد حاولت‬
‫حاولت يف سنة ‪261‬ه‪662-666/‬م مع بعض القبائل األخرى‪ ،‬إعالن االنفصال السياسي‪ ،‬مما عرضها حلملة عسكرية قادها‬
‫دواس بن صوالت ضدها‪ ،‬فقام بإحلاق اهلزُية هبم‪ ،‬وإعادة إخضاعهم لسلطة الفاطميني(‪ .)7‬وأمام رفض القبائل املتوزعة فيما بني‬
‫الونشريس ووادي مينا للتوجه السياسي واملذهيب للفاطميني سعى عبيد اهلل املهدي(‪222-261‬ه‪622-665/‬م) لتهدئة‬
‫األوضاع؛ وذلك باستمالة أصحاب املذاهب املخالفة‪ ،‬ففي سنة ‪256‬ه‪626/‬م أرسل جمموعة من الدعاة‪ ،‬وأمرهم أن ينظروا يف‬
‫أحوال العامة‪ ،‬فإن وجدوا منهم قبوال‪ ،‬نشروا الدعوة اإلمساعيلية فيهم‪ ،‬وكان من هؤالء الدعاة منيب بن سليمان املكناسي الذي‬
‫وجهه إىل جبال الونشريس‪ ،‬غري أن دعوته املتطرفة‪ ،‬جعلت سكان املنطقة ينفرون منها‪ ،‬ويقتلون بعض أتباعها(‪ .)8‬ويظهر أن الدعوة‬

‫(‪ )1‬نفسه‪ ،‬ص‪66‬؛ ابن خلدون‪ ،‬املصدر السابق‪ ،‬ج‪ ،6‬ص‪601‬؛ الباروين (سليمان بن عبد اهلل)‪ ،‬األزهار الرياضية يف أئمة وملوك األباضية‪ :‬القسم الثاين‪ ،‬حتقيق‪ :‬كروم أمحد‬
‫بن محو وعمر بازين‪ ،‬مكتبة الضامري‪ ،‬ط‪ ،2‬السيب‪-‬عمان‪ ،2561 ،‬ص‪.150‬‬
‫(‪ )2‬ابن الصغري‪ ،‬املصدر السابق‪ ،‬ص‪656-66‬؛ إبراهيم بكري حباز‪ ،‬الدولة الرستمية دراسة يف األوضاع االقتصادية واحلياة الفكرية‪ ،‬منشورات وزارت الشؤون الدينية واألوقاف‪،‬‬
‫ط‪ ،1‬اجلزائر‪ ،2560 ،‬ص‪.611‬‬
‫(‪ )3‬عن األوضاع السياسية يف أواخر الدولة الرستمية‪ .‬انظر‪ :‬ابن الصغري‪ ،‬املصدر السابق‪ ،‬ص‪655-66‬؛ أبو زكرياء‪ ،‬املصدر السابق‪ ،‬ص‪662-616‬؛ حباز‪ ،‬املرجع السابق‪،‬‬
‫ص‪.611-616‬‬
‫(‪ )4‬أبو زكرياء‪ ،‬املصدر السابق‪ ،‬ص‪615-666‬؛ ابن عذاري املراكشي‪ ،‬البيان املغرب يف أخبار األندلس واملغرب‪ ،‬حتقيق‪ :‬ج‪.‬س‪.‬كوالن وإ‪ .‬ليفي بروفنسال‪ ،‬دار الثقافة‪،‬‬
‫ط‪ ،2‬بريوت‪-‬لبنان‪6612 ،‬م‪ ،‬ج‪ ،6‬ص‪.661‬‬
‫(‪ )5‬القاضي النعمان (أبو حنيفة بن ممد التميمي املغريب)‪ ،‬كتاب افتتاح الدعوة‪ ،‬حتقيق‪ :‬فرحات الدشراوي‪ ،‬الشركة التونسية للتوزيع وديوان املطبوعات اجلامعية‪ ،‬ط‪ ،2‬تونس و‬
‫اجلزائر‪6616 ،‬م‪ ،‬ص‪.266‬‬
‫(‪ )6‬ابن خلدون‪ ،‬املصدر السابق‪ ،‬ج‪ ،6‬ص‪662‬؛ الداعي إدريس (عماد الدين بن احلسن القرشي) ‪ ،‬تاريخ اخللفاء الفاطميني باملغرب القسم اخلاص من كتاب عيون األخبار‪،‬‬
‫حتقيق‪ :‬ممد اليعالوي‪ ،‬دار الغرب اإلسالمي‪ ،‬بريوت‪-‬لبنان‪6610 ،‬م‪ ،‬ص‪.225‬‬
‫(‪ )7‬ابن خلدون‪ ،‬املصدر السابق‪ ،‬ج‪ ،6‬ص‪.665‬‬
‫(‪ )8‬ابن عذاري‪ ،‬املصدر السابق‪ ،‬ج‪ ،6‬ص‪.610‬‬
‫‪231‬‬
‫‪ISSN :1112-4377‬‬ ‫مجلة المعيار‬
‫السنة‪2222 :‬‬ ‫مجلد‪ 24 :‬عدد‪22 :‬‬

‫الدعوة اإلمساعيلية على الرغم من الرفض العام الذي أظهرته القبائل هلا‪ ،‬إال أهنا وجدت قبوال عند بعض الشخصيات باملنطقة‪ ،‬منها‬
‫عبد اهلل بن إدريس املطماطي الذي ويل منصب كاتب اخلراج لعبيد اهلل املهدي(‪.)1‬‬
‫مث يف سنة ‪262‬ه‪620/‬م جتددت تدخالت ممد بن خزر زعيم قبيلة مغراوة الزناتية للسيطرة على منطقة تاهرت‪،‬‬
‫وذلك من خالل مساعدة "مجوع كثرية من قبائل زناتة‪ ،‬وغريهم من الرببر أهل األطراف"(‪ ،)2‬مما جعل اجليش الفاطمي بقيادة‬
‫موسى بن ممد الكتامي يتدخل ملواجهته‪ ،‬فهرب ممد بن خزر حنو الصحراء‪ ،‬وترك أخاه عبد اهلل بن خزر يف نواحي تاهرت‪ ،‬فقام‬
‫هذا األخري هبزُية واليها يصل بن حبوس‪ ،‬والسيطرة على املنطقة(‪ .)3‬وقد أعقب هذا‪ ،‬مترد عام باملغرب األوسط‪ ،‬حتم على عبيد اهلل‬
‫اهلل املهدي أن جيهز جيشا‪ ،‬ويكلف ابنه أبا القاسم بإعادة إخضاع القبائل العاصية(‪ ،)4‬ويتضح الدور الذي قامت به قبيلة مطماطة‬
‫مطماطة يف هذا الصراع من خالل فتح حصوهنا للقبائل املتمردة حتت زعامة عبد اهلل بن خزر‪ ،‬ولكن اجليش الفاطمي عندما وصل‬
‫إىل غرب الونشريس يف بداية ذي احلجة سنة ‪260‬ه‪/‬جانفي‪-‬فيفري‪621‬م‪ ،‬استطاع اقتحام حصوهنا‪ ،‬وهزُية املعتصمني هبا‪ ،‬مما‬
‫جعل قبيلة مطماطة تقرر االستسالم‪ ،‬وأما عبد اهلل بن خزر ففر إىل جنوب تاهرت(‪ ،)5‬مث بعد ذلك قام اجليش الفاطمي بالعديد‬
‫من احلمالت العسكرية يف تلول منداس‪ ،‬والنواحي احمليطة هبا‪ ،‬أسفرت عن إخضاع اجلماعات املتمردة‪ ،‬وملا اقرتب أبو القاسم من‬
‫مدينة تاهرت‪ ،‬جاءته القبائل اإلباضية‪ ،‬جمددة والءها له‪ ،‬وهي‪ :‬ملاية‪ ،‬ومزاتة‪ ،‬وزواغة‪ ،‬ومكناسة‪ ،‬وقصرية‪ ،‬وهوارة(‪.)6‬‬
‫غري أن األوضاع باملغربني األوسط واألقصى سرعان ما ازدادت تأزما‪ ،‬وذلك بعدما نصب األمري األموي‬
‫عبد الرمحن بن ممد(‪205-255‬ه‪666-662 /‬م) نفسه خليفة سنة ‪266‬ه‪626/‬م‪ ،‬وتسمى بالناصر لدين اهلل‪ ،‬وبدأ يدعو‬
‫األدارسة‪ ،‬وزعماء القبائل املغربية للدخول يف طاعته(‪ ،)7‬مما جعل العديد من املتمردين‪ ،‬وزعماء القبائل يقدمون له الوالء‪ ،‬ويتحالفون‬
‫مع اخلري‬ ‫ويتحالفون معه ضد الفاطميني؛ مثلما حدث سنة ‪221‬ه‪605/‬م‪ ،‬حيث حتالف يعلى بن ممد زعيم قبيلة بين يفرن‬
‫بن ممد بن اخلزر املغراوي‪ ،‬وقدما والءمها لعبد الرمحن الناصر‪ ،‬مث متكنا من السيطرة على مدينة تاهرت(‪ .)8‬ويف هذه السنة أيضا‬
‫شرع يعلى بن ممد يف ترسيخ وجوده كقوة ملية باملغربني األوسط واألقصى‪ ،‬فقام بتأسيس مدينة افكان(‪ ،)9‬اليت كانت سوقا‬

‫(‪ )1‬ابن خلدون‪ ،‬املصدر السابق‪ ،‬ج‪ ،6‬ص‪.666‬‬


‫(‪ )2‬الداعي إدريس‪ ،‬املصدر السابق‪ ،‬ص‪.261‬‬
‫(‪ )3‬ابن عذاري‪ ،‬املصدر السابق‪ ،‬ج‪ ،6‬ص‪.666‬‬
‫(‪ )4‬ابن محاد (أبو عبد اهلل ممد بن علي الصنهاجي)‪ ،‬أخبار ملوك بين عبيد وسريهتم‪ ،‬حتقيق ودراسة‪ :‬التهامي نقرة وعبد احلليم عويس‪ ،‬دار العدالة‪ ،‬القاهرة‪-‬مصر‪ ،‬د‪.‬ت‪،‬‬
‫ص‪.10‬‬
‫(‪ )5‬الداعي إدريس‪ ،‬املصدر السابق‪ ،‬ص‪.226-266‬‬
‫(‪ )6‬ابن محاد‪ ،‬املصدر السابق‪ ،‬ص‪10‬؛ ابن عذاري‪ ،‬املصدر السابق‪ ،‬ج‪ ،6‬ص‪651‬؛ ابن خلدون‪ ،‬املصدر السابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪06-05‬؛ الداعي إدريس‪ ،‬املصدر السابق‪،‬‬
‫ص‪.220-226‬‬
‫(‪ )7‬ابن خلدون‪ ،‬املصدر السابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.20‬‬
‫(‪ )8‬ابن حيان (أبو مروان بن خلف القرطيب)‪ ،‬املقتبس يف أخبار بلد األندلس‪ ،‬اعتىن بنشره‪ :‬ب‪ .‬شامليتا‪ ،‬املعهد اإلسباين العريب للثقافة‪ ،‬مدريد‪-‬إسبانيا‪6616 ،‬م‪ ،‬ص‪200‬؛‬
‫ابن عذاري‪ ،‬املصدر السابق‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪.601‬‬
‫(‪ )9‬تعرف حاليا بعني افكان‪ ،‬تقع جنوب غرب مدينة معسكر‪ ،‬على بعد حوايل ‪ 26‬كم‪ ،‬وحسب عدة بن داهية فإن مدينة إفكان ينيت على أنقاض مدينة رومانية‬
‫تسمى"‪ ."Alamiliaria‬انظر‪ :‬معسكر عرب التاريخ‪ ،‬دار اخللدونية‪ ،‬اجلزائر‪2550 ،‬م‪ ،‬ص‪.05‬‬
‫‪231‬‬
‫‪ISSN :1112-4377‬‬ ‫مجلة المعيار‬
‫السنة‪2222 :‬‬ ‫مجلد‪ 24 :‬عدد‪22 :‬‬

‫وقد استغلت بعض القبائل‬ ‫للقبائل الزناتية‪ ،‬واختذها مركزا حلكمه‪ ،‬وهذا؛ متهيدا للمشروع التوسعي الذي كان يسعى إليه(‪.)1‬‬
‫املتمركزة فيما بني الونشريس ووادي مينا قوته إلقامة حتاالفات معه‪ ،‬واالستعانة به من أجل تصفية احلسابات مع بعضها البعض؛‬
‫وهو ما مسح لنا بالتعرف على اجلغرافية القبلية هلذه اجملاالت‪ ،‬وما طرأ عليها من حتوالت‪.‬‬
‫عرفت هذه الفرتة بروز قبيلة بين وجدجين الزناتية اليت سيطرت على تلول منداس‪ ،‬وبذلك دفعت قبيلة مطماطة إىل الونشريس‬
‫الغريب‪ ،‬وأما قبيلة مغيلة فيبدو أهنا حافظت على مواطنها املمتدة إىل الشمال الغريب للونشريس(‪ .)2‬ويف فرتة غري مددة‪،‬‬
‫ولكنها من املؤكد بعد سنة ‪221‬ه‪616/‬م‪ ،‬دخل بنو وجدجين يف صراع مع جرياهنم من قبيلة لواتة‪ ،‬مث حتالف زعيمهم عنان‬
‫مع شيخ قبيلة مغيلة كلمان بن حيايت‪ ،‬وشيخ قبيلة مطماطة املعروف بغزانة‪ ،‬ويعلى بن ممد اليفريين‪ ،‬وطردوا لواتة من سهل‬
‫السرسو الغريب‪ ،‬وسيطر بنو وجدجين ومطماطة عليه‪ ،‬كما حدثت مواجهة أخرى ضد قبيلة زناتة‪ ،‬جعلتها تلجأ إىل جبل كريكرة‬
‫جنوب مدينة تاهرت(‪ ،)3‬وبذلك متكن يعلى بن ممد بفضل هذا التحالف بسط نفوذه على اجملاالت الريفية الشمالية ملدينة‬
‫تاهرت‪.‬‬
‫ويف سنة ‪215‬ه‪606/‬م وفد فتوح بن اخلري املغراوي مع مشيخة تاهرت ووهران على عبد الرمحن الناصر يف األندلس‪،‬‬
‫ومن غري املعروف؛ إن كان شيوخ القبائل السابق ذكرهم كانوا ضمن هذا الوفد أو ال؟ ولكن ما يهم‪ ،‬أن عبد الرمحن الناصر‬
‫قام مبكافأهتم على والئهم له(‪ ،)4‬وال شك أن هذه الزيارة‪ ،‬مل تقتصر خمرجاهتا على تأكيد الوالء السياسي فقط‪،‬‬
‫وإمنا أيضا فتحت أبوابا للوالء املذهيب‪ ،‬وهبذا االصطفاف عرضت هذه القبائل نفسها لصراع آخر ضد الفاطميني‪،‬‬
‫فبعد سبع سنوات استمر فيها نفوذ يعلى بن ممد على املنطقة املمتدة من تاهرت إىل طنجة‪ ،‬قام القائد الفاطمي جوهر الصقلي‬
‫سنة ‪211‬ه‪601/‬م بقتله‪ ،‬وختريب مدينة افكان‪ ،‬وهذا يف إطار إعادة إخضاع املنطقة للسلطة الفاطمية(‪.)5‬‬
‫‪-4‬التحوالت المذهبية فيما بين الونشريس ووادي مينا‪:‬‬
‫تعترب اإلشارات املصدرية اليت حتدثت عن التحوالت املذهبية فيما بني الونشريس ووادي مينا قليلة جدا‪ ،‬كما أهنا غري دقيقة‬
‫يف حتديد الفرتة الزمنية‪ ،‬وال يف الكيفية اليت حتولت هبا معتقدات اجلاعات املذهبية املستقرة هبا‪ ،‬فابن خلدون عندما تطرق حلملة‬
‫القائد الفاطمي غزوية بن يوسف على تاهرت سنة ‪261‬ه‪666-665/‬م‪ ،‬وصف جانبا من آثارها فقال‪ ...":‬فأمى يف مؤامرهتا‬
‫اإلباضية من ملاية‪ ،‬وازداجة‪ ،‬ولواتة‪ ،‬ومكناسة‪ ،‬ومطماطة‪ ،‬ومحلهم على دين الرافضة‪ ،‬وفسخ هبا دين اخلارجية حىت استحكم يف‬
‫عقائدهم"(‪ ،)6‬غري أن الوقائع التارخيية تثبت أن اإلباضية استمر وجودها باملنطقة بعد هذا التاريخ‪.‬‬

‫(‪ )1‬البكري‪ ،‬املصدر السابق‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪261-262‬؛ ‪Fournel, (P. H.), Les Berbères ( Etudes sur la Conquête de l’Afrique par les‬‬
‫‪Arabe, l’imprimerie Nationale, Paris,p292-293.‬‬
‫(‪ )2‬ابن خلدون‪ ،‬املصدر السابق‪ ،‬ج‪ ،6‬ص‪ ،601‬ج‪ ،1 ،‬ص‪.61-61 ،10-11‬‬
‫(‪ )3‬نفسه‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.61-61‬‬
‫(‪ )4‬ابن عذاري‪ ،‬املصدر السابق‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪261‬؛ ابن خلدون‪ ،‬املصدر السابق‪،‬ج‪ ،1‬ص‪.26‬‬
‫(‪ )5‬ابن أيب زرع‪ ،‬املصدر السابق‪ ،‬ص‪.65‬‬
‫(‪ )6‬ابن خلدون‪ ،‬املصدر السابق‪ ،‬ج‪ ،6‬ص‪.665‬‬
‫‪211‬‬
‫‪ISSN :1112-4377‬‬ ‫مجلة المعيار‬
‫السنة‪2222 :‬‬ ‫مجلد‪ 24 :‬عدد‪22 :‬‬

‫وأما النويري(تـ‪122.‬ه‪6222/‬م) فينقل عن الرقيق القريواين(تـ‪125 .‬ه‪6526/‬م) حديثه عن احلملة العسكرية‬


‫اليت قادها أبو القاسم بن عبيد اهلل ضد املتمردين يف منطقة تاهرت سنة ‪260‬ه‪621/‬م‪ ،‬ومما جاء فيها‪ ":‬ففتح مزاتة‪ ،‬وهوارة‪،‬‬
‫ومطماطة‪ ،‬وملاية‪ ،‬وكل من خالطهم من الصفرية واإلباضية"(‪ ،)1‬فإذا كان هذا النص اإلخباري ُيكن قبوله مع الصفرية على اعتبارها‬
‫أقلية مذهبية‪ ،‬إال أنه ال ُيكن التسليم به مع اإلباضية‪ ،‬ألن اإلصطخري(تـ‪ .‬بعد ‪215‬ه‪606/‬م) عند حديثه عن تاهرت يف هذه‬
‫الفرتة أكد على أن اإلباضية هم الغالبون عليها(‪ .)2‬بل إن أبا زكرياء(تـ‪ .‬بعد ‪111‬هـ‪6516/‬م)(‪ )3‬يشري يف بدايات الثورة اإلباضية‬
‫اليت حدثت ضد الفاطميني يف نواحي مدينة احلامة ببالد اجلريد وصوال إىل مدينة باغاي سنة ‪201‬ه‪666/‬م(‪ ،)4‬إىل أن اخلليفة‬
‫الفاطمي املعز لدين اهلل(‪266-216‬ه‪612-602/‬م) عرض على قادهتا إعطاءهم إقليم تاهرت مقابل العدول عن ثورهتهم‪ ،‬فإن‬
‫صح هذا اخلرب‪ ،‬فهل تعترب هذه املنطقة إىل غاية هذا العهد‪ ،‬من مواطن اإلباضية يف بالد املغرب؟ أم هي مداراة سياسية من قبل‬
‫غري‪ ،‬ألنه يعلم أن الظروف املذهبية قد تغريت يف هذه الناحية‪ ،‬وال ُيكن أن يكون لإلباضية موطنا فيها؟‬
‫املعتز ال ْ‬
‫وأمام هذه النصوص اإلمجالية اليت ال متدنا بأجوبة كافية‪ ،‬ال بد من طرح تفسريات أخرى عن التحوالت املذهبية هبذا اجملال‪ .‬من‬
‫خالل تتبع األحداث املرتبطة باملنطقة‪ ،‬فاملالحظ بعد سقوط الدولة الرستمية سنة ‪266‬ه‪656/‬م‪ ،‬هو فرار القيدات السياسية إىل‬
‫مدينة وارجالن(‪ ،)5‬وبعد ذلك تبعه هجرات أخرى كرحيل قبيلة نفوسة اليت مل تشر املصادر ألي دور قامت به يف املنطقة بعد‬
‫النصف الثاين من القرن ‪1‬ه‪65/‬م‪ .‬كما عرفت الفرتة الفاطمية يف بالد املغرب صراعا عنيفا للسيطرة على إقليم تاهرت‪ ،‬تسبب يف‬
‫تعميق النزيف اإلباضي باملنطقة‪ ،‬فقبيلة لواتة اإلباضية بعدما طردت من سهل السرسو الغريب‪ ،‬انزاحت جنوبا إىل جبل كريكرة‪،‬‬
‫فقامت إحدى فروع قبيلة مغراوة اليت كانت تستوطن هذا اجلبل‪ ،‬بطردوهم إىل جبل دراك (دراق حاليا(‪ ،))6‬وجبل يعود يف النواحي‬
‫الشرقية لوادي مينا‪ ،‬وهذا بعدما جرت بينهما مواجهة عسكرية‪ ،‬تعرضت فيها قبيلة لواتة للقتل والسلب(‪ .)7‬وأما الزناتيون الذين‬
‫عاشوا يف نواحي تاهرت‪ ،‬فقد عوفوا سنة ‪266‬ه‪616/‬م تقتيال‪ ،‬وهتجريا مجاعيا من قبل بلكني بن زيري الذي تتبع اجلماعت‬
‫الزنانية وطردها من تاهرت‪ ،‬والزاب‪ ،‬وما اتصل مبجاالهتم باملغرب األوسط من البوادي والصحراي إىل ما وراء وادي ملوية باملغرب‬
‫األقصى(‪ .)8‬ويؤكد ابن حوقل(تـ‪ .‬بعد ‪261‬ه‪611/‬م) عند زيارته ملدينة تاهرت ظاهرة كثرة القتل يف القبائل اجملاورة للمدينة‪،‬‬

‫(‪ )1‬النويري (شهاب الدين أمحد بن عبد الوهاب)‪ ،‬هناية األرب يف فنون األدب‪ ،‬حقيق اجلزء ‪ :26-21‬جنيب مصطفى فواز وحكمت كشلي فواز‪ ،‬دار الكتب العلمية‪،‬‬
‫بريوت‪-‬لبنان‪2551 ،‬م‪ ،‬ج‪ ،26-21‬ص‪.15‬‬
‫(‪ )2‬اإلصطخري (أبو احلسن إبراهيم بن ممد الفارسي)‪ ،‬املسالك واملمالك‪ ،‬مطبعة بريل‪ ،‬ليدن‪-‬هولندا‪6115 ،‬م‪ ،‬ص‪.10 ،26‬‬
‫(‪ )3‬أبو زكرياء‪ ،‬املصدر السابق‪ ،‬ص‪.260‬‬
‫(‪ )4‬لإلطالع أكثر عن هذه الثورة‪ .‬انظر‪Prevost, (V.), La révolte de Bagaya (358/969): le dernier soulèvement des ibadites :‬‬
‫‪maghrébins, Journal of Near Nastern Studies, Vol. 65, N.3, 2006, p207-206.‬‬
‫(‪ )5‬أبو زكرياء‪ ،‬املصدر السابق‪ ،‬ص‪.611‬‬
‫(‪ )6‬يرتبط هذا اجلبل من الناحية التضاريسية بسلسلة جبال مطماطة‪ ،‬وأما إداريا فهو تابع لدائرة عزيز والية املدية‪ .‬انظر‪Ficheur (E.), Le crétacé inférieur :‬‬
‫‪،dans le massif des Matmatas (Alger), Bulletin de la Société Géologique de France, N.8 , 1900‬‬
‫(‪ )7‬ابن خلدون‪ ،‬املصدر السابق‪ ،‬ج‪ ،6‬ص‪ ،610‬ج‪ ،1‬ص‪.61‬‬
‫(‪ )8‬مفاخر الرببر‪ ،‬ص‪61-61‬؛ ابن خلدون‪ ،‬املصدر السابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.21-21‬‬
‫‪212‬‬
‫‪ISSN :1112-4377‬‬ ‫مجلة المعيار‬
‫السنة‪2222 :‬‬ ‫مجلد‪ 24 :‬عدد‪22 :‬‬

‫قائال‪ ":‬وقد تغريت تاهرت عما كانت عليه‪ ،‬ومجيع من قارهبا من الرببر يف وقتنا هذا فقراء بتواتر الفنت عليهم‪ ،‬ودوام القحط‪ ،‬وكثرة‬
‫القتل واملوت"(‪.)1‬‬
‫وقد صاحب هذه الفرتة خضوع إقليم تاهرت لوالة فاطميني‪ ،‬أو زعامات قبلية فرضت على اجلماعات املذهبية املوجودة هبا‬
‫توجهات عقدية وفقهية خمالفة هلا؛ ويظهر هذا يف سياسة األمويني اليت مل تكتفي بالوالء السياسي ألتباعها يف بالد املغرب‪ ،‬وإمنا‬
‫طالبتهم أيضا مبخالفة الشيعة‪ ،‬وممارسة العبادات وفق املذهب املالكي‪ ،‬مثل االتزام بإقامة صالة الرتاويح(‪ ،)2‬اليت تعترب يف منظور‬
‫الفقه الشيعي اإلمساعيلي من البدع احملدثة(‪ ،)3‬وهو ما مسح لألراء الفقهية املالكية باالنتشار على مستوى تطبيقي يف بالد املغرب‪.‬‬
‫إن الطرح الذي قدمه عالوة عمارة(‪ )4‬عن اهلجرة اهلاللية‪ ،‬واعتبارها كأحد العناصر املهمة يف تغيري الرتكيبة االجتماعية للجماعات‬
‫للجماعات اإلباضية يف إقليم الزاب‪ُ ،‬يكن أن جند ما يشبهه يف اجملاالت الريفية بني الونشريس ووادي مينا‪ ،‬ولكن مع فروع جديدة‬
‫من القبائل الزناتية‪ ،‬ومن أمهها قبيلة بين توجني اليت صنفها ابن خلدون ضمن الطبقة الثالثة‪ ،‬تنحدر من بين واسني‪ ،‬وهو األصل‬
‫املشرتك الذي تلتقي فيه مع بين مرين‪ ،‬وبين عبد الواد‪ ،‬وبين راشد(‪ .)5‬متركزت معظم هذه الفروع يف بداية القرن ‪1‬ه‪65/‬م مبحاذاة‬
‫هنر ملوية‪ ،‬حيث كانوا يعرفون ببين واسني‪ ،‬ويعتنقون املذهب اإلباضي(‪ .)6‬وملا ظهرت الدعوة األموية ببالد املغرب أخذوا هبا(‪،)7‬‬
‫ولـما كانوا تابعني لزعامات قبلية كربى من مكناسة باملغرب األقصى‪ ،‬مث مغراوة‪ ،‬وبين يفرن فيما بني تلمسان ووادي الشلف‪ ،‬أدى‬
‫حتول هذه القبائل إىل املذهب السين‪ ،‬إىل حتوهلم هم أيضا(‪ .)8‬وبعد هتجري بلكني بن زيري للعديد من فروع بين يفرن ومغراوة إىل‬
‫املغرب األقصى سنة ‪266‬ه‪616/‬م‪ ،‬استغلوا فرصة عدم وجود قوة فعلية تقف أمامهم "فتشعبت أحياؤهم‪ ،‬وبطوهنم يف صحراء‬
‫املغرب األقصى واألوسط إىل بالد الزاب‪ ،‬وما إليها من صحراء أفريقية"(‪ .)9‬ويف خضم هذا‪ ،‬بدأت قبيلة بين توجني حبكم طبيعتها‬
‫الرعوية تتجه جماالت انتجاعها مشاال إىل أن وصلت إىل سهل السرسو‪ ،‬وذلك الستغالل ما يتمتع به من خصوبة األراضي‪ ،‬ووفرة‬
‫املياه(‪.)10‬‬

‫(‪)1‬ابن حوقل (أبو القاسم النصييب)‪ ،‬كتاب صورة األرض‪ ،‬دار مكتبة احلياة‪ ،‬بريوت‪-‬لبنان‪6666 ،‬م‪ ،‬ص‪.62‬‬
‫(‪ )2‬ابن حيان(أبو مروان بن خلف القرطيب)‪ ،‬املقتبس يف أخبار بلد األندلس‪ ،‬حتقيق‪ :‬عبد الرمحن علي حجي‪ :‬دار الثقافة‪ ،‬بريوت‪-‬لبنان‪6660 ،‬م‪ ،‬ص‪.610-611‬‬
‫(‪ )3‬القاضي النعمان (أبو حنيفة بن ممد التميمي املغريب)‪ ،‬دعائم اإلسالم وذكر احلالل واحلرام والقضايا واألحكام‪ ،‬حتقيق‪ :‬آصف بن علي أصغر فيضي‪ ،‬دار املعارف‪،‬‬
‫القاهرة‪-‬مصر‪6662 ،‬م‪ ،‬ج‪ ،6‬ص‪.262‬‬
‫( ‪)4‬‬
‫‪Amara, op. cit., p121-131.‬‬
‫(‪ )5‬ابن خلدون‪ ،‬املصدر السابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.16‬‬
‫(‪ )6‬ابن حزم‪ ،‬املصدر السابق‪ ،‬ص‪162‬؛ ابن خلدون‪ ،‬املصدر السابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.11‬‬
‫(‪ )7‬ابن حيان‪ ،‬املصدر السابق‪ ،‬تح‪ :‬شامليتا‪ ،‬ص‪.215‬‬
‫(‪ )8‬ابن حزم‪ ،‬املصدر السابق‪ ،‬ص‪162‬؛ ابن حيان‪ ،‬املصدر السابق‪ ،‬تح‪ :‬شامليتا‪ ،‬ص‪215‬؛ وحسب ابن خلدون فإن قبيلة بين يفرن اليت كانت فيما بني تلمسان ووادي‬
‫الشلف‪ ،‬وانزاحت بعد ذلك إىل املغرب األقصى‪ ،‬انسلخت من أي إنتماءات خارجية‪ ،‬قبل تأسيس يعلى بن ممد اليفرين إلمارته سنة ‪221‬ه‪616/‬م‪ .‬انظر‪ :‬املصدر السابق‪،‬‬
‫ج‪ ،1‬ص‪.12 ،66‬‬
‫(‪ )9‬نفسه‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪.16‬‬
‫(‪ )10‬ابن حوقل‪ ،‬املصدر السابق‪ ،‬ص‪16‬؛ ابن خلدون‪ ،‬املصدر السابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪250 ،11‬؛ ‪Niox, op. cit., p55, 57.‬‬
‫‪211‬‬
‫‪ISSN :1112-4377‬‬ ‫مجلة المعيار‬
‫السنة‪2222 :‬‬ ‫مجلد‪ 24 :‬عدد‪22 :‬‬

‫ويف سنة ‪150‬ه‪6560/‬م مترد محاد بن بلكني على ابن أخيه األمري الزيري باديس بن املنصور(‪156-216‬ه‪-666/‬‬
‫‪6566‬م) وجلأ إىل النواحي الشرقية ملدينة تاهرت‪ ،‬وملا وصل باديس جبيشه قرب هنر واصل (هنر الشلف األعلى) قدمت قبيلة بين‬
‫توجني الوالء له‪ ،‬ونصروه يف املعركة اليت هزم فيها محاد بن بلكني‪ ،‬وقد كافأ باديس بين توجني على وقوفهم جبانبه‪ ،‬فأقرهم على‬
‫الغنائم اليت حتصلوا عليها يف املعركة‪ ،‬وعني لقمان بن املعتز زعيما عليهم‪ ،‬وأذن هلم يف امتالك األراضي‪ ،‬مقابل إعالن تبعيتهم له(‪.)1‬‬
‫له(‪.)1‬‬
‫وقد استغلت قبيلة بين توجني هذا االمتياز‪ ،‬فبدأت توسع نفوذها يف املنطقة على حساب القبائل اجملاورة هلا‪ ،‬حيث اجتهت‬
‫سياسة زعمائها يف البداية إىل تثبيت وجودهم يف املنطقة مع احلفاظ على مناطقهم األوىل اليت امتدت جنوبا إىل جبال بين راشد‬
‫(جبال عمور حاليا(‪ ،))2‬فاختذوا من هنر واصل جماال توزعوا على ضفافه‪ ،‬مث وسعوا نفوذهم شرقا إىل جبل دراك بالقرب من املدية‪،‬‬
‫ومن الناحية الغربية أبعدوا بين وجدجين‪ ،‬ومطماطة عن سهل السرسو الغريب‪ ،‬وهو ما جعلهم يبسطون سيطرهتم على كامل هذا‬
‫السهل(‪ .)3‬وأما يف اجلانب الشرقي لوادي مينا‪ ،‬فقد ظهرت قبيلة بين وماتوا الزناتية‪ ،‬وهي بدورها كانت تابعة لقبيليت مغراوة وبين‬
‫يفرن‪ ،‬وملا هج را إىل املغرب األقصى‪ ،‬بدأت تتوسع يف تلول منداس حىت وصلت حدودها الشمالية إىل بالد الشلف السفلى‪ ،‬ومن‬
‫(‪)4‬‬
‫ات" اليت تقع على احلدود بني عماري‬ ‫الناحية الشرقية عن تلول منداس بلغت منطقة "مرات" ‪ ،‬ولعلها هي املعروفة حاليا بـ‪ْ " :‬امر ْ‬
‫(والية تيسمسيلت)‪ ،‬وسيدي احلسين (والية تيارت)‪.‬‬
‫عدد من القبائل إىل أعايل جبال الونشريس‪ ،‬ويظهر هذا من خالل نصني ذكرمها البكري (تـ‪.‬‬ ‫وقد نتج عن هذا التوسع نزوح ٍ‬
‫‪111‬ه‪6561/‬م)‪ :‬األول أشار إىل أن مكناسة ومطماطة يستقران جبانب مدينة تاهرت‪ ،‬والثاين جيعلهما موجودين يف الطريق‬
‫الذي يشق الونشريس الغريب وتلول منداس‪ ،‬فيذكر أن الذهاب من الغزة إىل تاهرت يتطلب العبور إىل تامجوت على مضيق‬
‫مكناسة‪ ،‬مث إىل سفح جبل تسيطر عليه قبيلة مطماطة(‪ ،)5‬مث تاغريبت(‪ .)6‬ويظهر أن النص األول يعود حملمد بن يوسف الوراق(تـ‪.‬‬
‫الوراق(تـ‪262 .‬ه‪611/‬م) صاحب كتاب "مسالك إفريقية وممالكها" الذي بىن البكري عليه كتابه‪ ،‬والثاين يرجع إىل املعلومات اليت‬
‫مجعها املؤلف يف عصره‪ .‬ونزحت إىل جبال الونشريس أيضا قبيلة هوارة‪ ،‬بعد الثلث الثالث من القرن ‪1‬ه‪66/‬م‪ ،‬وهذا بسبب‬
‫سيطرة قبيلة بين يلومي الزناتة على جبلها املعروف جببل هوارة يف نواحي معسكر‪ ،‬وطردها منه(‪ ،)7‬وقد جتاورت هذه القبائل يف‬
‫جبال الونشريس مع العديد من اجلماعات القبلية البرتية والربنسية(‪.)8‬‬

‫(‪ )1‬ابن عذاري‪ ،‬املصدر السابق‪ ،‬ج‪ ،6‬ص‪260-261‬؛ ابن اخلطيب‪ ،‬املصدر السابق‪ ،‬ص‪12-16‬؛ ابن خلدون‪ ،‬املصدر السابق‪ ،‬ج‪ ،‬ص‪،256‬ج‪ ،1‬ص‪.256‬‬
‫(‪)2‬‬
‫‪Gautier, op. cit., p222.‬‬
‫(‪ )3‬ابن خلدون‪ ،‬املصدر السابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪.256-250‬‬
‫(‪ )4‬نفسه‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.11‬‬
‫(‪ )5‬يوجد يف منطقة عمي موسى‪ ،‬وامللعب بالونشريس الغريب إىل اليوم عرش ينتسب إىل مكناسة‪ ،‬وأماكن معروفة باسم‪ :‬تامجوت‪ ،‬ومطماطة‪ .‬انظر‪ :‬حلسن ممد‪ ،‬عني طارق‬
‫من ما قبل التاريخ إىل االستقالل‪-‬تاريخ خمتصر(الشكالة‪ ،‬مكناسة‪ ،‬ماريوة)‪ ،‬دار أم الكتاب‪ ،‬مستغامن‪-‬اجلزائر‪2562 ،‬م‪ ،‬ص‪.600 ،61‬‬
‫(‪ )6‬البكري‪ ،‬املصدر السابق‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪.211‬‬
‫(‪ )7‬ابن خلدون‪ ،‬املصدر السابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.11‬‬
‫(‪ )8‬اإلدريسي‪ ،‬املصدر السابق‪ ،‬ج‪ ،6‬ص‪.202‬‬
‫‪213‬‬
‫‪ISSN :1112-4377‬‬ ‫مجلة المعيار‬
‫السنة‪2222 :‬‬ ‫مجلد‪ 24 :‬عدد‪22 :‬‬

‫واجلدير باإلشارة هنا‪ ،‬ما أشار إليه ابن خلدون(‪ )1‬من ختصص بعض الشخصيات يف علم األنساب ينحدرون من قبيلة مطماطة‬
‫اليت تستقر بالونشريس الغريب‪ ،‬منهم كهالن بن أيب لوا بن يصالصن‪ ،‬وسابق بن سليمان املطماطي‪ ،‬الذي نقل بعض آرائه عندما‬
‫حتدث عن أصول القبائل الرببرية‪ .‬فهل ُيكن أن تكون دواعي ختصصهم‪ ،‬نابعة من احلفاظ على اهلوية العرقية لقبائلهم؟ وإعادة بناء‬
‫ذاكرهتم من خالل تدوين أنساهبم‪ ،‬وما اتصل هبا من أخبار ماضيهم؟‪ .‬يبدو أن هذا الرأي؛ ال يستبعد يف ظل جتاور العديد من‬
‫اجلماعات القبلية املختلفة‪.‬‬
‫إن ما ُيكن استنتاجه عن القبائل ذات التاريخ اإلباضي اليت استقرت بالونشريس وما جاوره‪ ،‬وهي‪ :‬لواتة‪ ،‬وهوارة‪ ،‬ومطماطة‪،‬‬
‫ومكناسة‪ ،‬أهنا مل تربز فيها شخصيات إباضية قوية‪ ،‬عملت على ترسيخ انتمائها املذهيب‪ ،‬وإعادة هيكلتها لتكون حتت زعامة‬
‫سياسية ودينية موحدة‪ ،‬مثلما حدث يف املناطق اإلباضية األخرى‪ ،‬كوارجالن‪ ،‬وأريغ‪ ،‬وجربة‪ ،‬وجبل نفوسة(‪،)2‬خاصة بعد اختالطها‬
‫اختالطها مبجموعات قبلية أخرى مما صعب حدوث هذا األمر‪ ،‬وكذلك والء بعضها لألمويني يف األندلس(‪،)3‬مما جعل هذا األمر‪،‬‬
‫يتحول إىل والء مذهيب‪ ،‬يكونون فيه مطالبني بتبين اآلراء الفقهية املالكية‪ ،‬وهذا ما جيعل الفرضية األنسب لتحوهلا املذهيب‪ ،‬هو‬
‫تقبلها بصفة تدرجيية‪ ،‬وبطيئة لالجتاه السين املالكي‪ ،‬مث اندماجها بعد ذلك يف املنظومة الصوفية اليت متكنت من التغلغل يف البىن‬
‫االجتماعية للتجمعات القبيلة‪ ،‬وهبذا انتقلت القبائل املتمركزة فيما بني الونشريس ووادي مينا ملرحلة جديدة متيزت بسيطرة املرجعية‬
‫املالكية‪ ،‬والصوفية على كافة املمارسات الدينية‪.‬‬
‫‪-5‬انتشار التصوف فيما بين الونشريس ووادي مينا‪:‬‬
‫قبل احلديث عن احلركة الصوفية يف اجملاالت الريفية املمتدة بني الونشريس ووادي مينا‪ ،‬ال بد من اإلشارة إىل أن جذورها‬
‫متتد ضمن السياق التارخيي باملغرب األوسط جملموعة من العوامل الدينية‪ ،‬واالجتماعية‪ ،‬والسياسية‪ ،‬واالقتصادية‪،‬‬
‫اليت بدأت ترتاكم فيما بينها‪ ،‬وشكلت أرضا خصبة النتشار التيارات الصوفية القادمة من املشرق اإلسالمي(‪ .)4‬ولعل من أهم هذه‬
‫العوامل تأثريا يف منطقة تاهرت‪ ،‬الفكر الزهدي والوعظي الذي عمل اإلباضية على نشره خالل العهد الرستمي(‪،)5‬وهو ما ترك آثارا‬
‫آثارا عميقة يف الذهنيات والسلوكيات‪ ،‬واملتأمل يف رحلة عودة املهدي بن تومرت من املشرق‪ ،‬ومروره ببعض مناطق حوض الشلف‬

‫(‪ )1‬ابن خلدون‪ ،‬املصدر السابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.256 ،662-662‬‬


‫(‪ )2‬عن التنظيم السياسي واالجتماعي للمناطق اإلباضية يف بالد املغرب بعد سقوط الدولة الرستمية‪ .‬انظر‪ :‬مزهودي مسعود‪ ،‬اإلباضية يف املغرب األوسط منذ سقوط الدولة‬
‫الرستمية إىل هجرة بين هالل إىل بالد املغرب ( ‪112-266‬ه‪6501-656 /‬م )‪ ،‬املطبعة العربية‪ ،‬غرداية‪-‬اجلزائر‪6666 ،‬م‪ ،‬ص‪225-662‬؛ نفسه‪ ،‬جبل نفوسة منذ‬
‫انتشار اإلسالم حىت هجرة بين هالل‪ ،‬مؤسسة توالت الثقافية‪ ،‬ليبيا‪2552 ،‬م‪ ،‬ص‪.606-626‬‬
‫(‪ )3‬ابن عذاري‪ ،‬املصدر السابق‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪.261‬‬
‫(‪ )4‬عن عوامل ظهور احلركة الصوفية باملغرب األوسط‪ .‬انظر‪ :‬بونايب الطاهر‪ ،‬التصوف يف اجلزائر خالل القرنني ‪ 6‬و‪ 1‬اهلجريني‪ 62 /‬و‪ 62‬امليالديني‪ :‬نشأته –تياراته‪-‬دوره‬
‫االجتماعي و الثقايف و الفكري و السياسي‪ ،‬عني مليلة‪-‬اجلزائر‪2551 ،‬م‪ ،‬ص‪.656-16‬‬
‫(‪ )5‬بن عمر عالل‪ ،‬إنتاج الفكر اإلباضي يف احلواضر الصحراوية لبالد املغرب اإلسالمي وانتقاله من القرن ‪2‬ه‪6/‬م إىل القرن ‪6‬ه‪60/‬م‪ :‬دراسة مذهبية‪-‬ثقافية‪ ،‬أطروحة مقدمة‬
‫لنيل شهادة الدكتوراه العلوم يف التاريخ الوسيط‪ ،‬جامعة غرداية‪ ،2561-2561 ،‬ص‪.201-200‬‬
‫‪211‬‬
‫‪ISSN :1112-4377‬‬ ‫مجلة المعيار‬
‫السنة‪2222 :‬‬ ‫مجلد‪ 24 :‬عدد‪22 :‬‬

‫والونشريس‪ ،‬جيد افتتان العامة مبا كان يظهره من تقشف‪ ،‬وزهد‪ ،‬وورع‪ ،‬حىت أن أحد الشخصيات العلمية‪ ،‬وهو أبو ممد عبد اهلل‬
‫بن مسن الونشريسي املكىن بالبشري(تـ‪021.‬ه‪6625/‬م)‪ ،‬انضم إىل مجاعته‪ ،‬وقرر التوجه معه إىل املغرب األقصى(‪.)1‬‬
‫وكذلك ما أشار إليه بعض الباحثني(‪ )2‬من جلوء بعض القبائل الضعيفة سياسيا واقتصاديا إىل رفع مكانة الصلحاء يف منظومتها‬
‫االجتماعية‪ ،‬كنوع من تعزيز قوهتا دينيا‪ ،‬واحلفاظ على كينونتها من أجل البقاء واالستمرار‪ .‬وعند استقراء النصوص التارخيية اخلاصة‬
‫باملنطقة جندها تدعم هذه الرؤية‪ ،‬وإن كانت بدايتها تظهر بصفة متشمة‪ ،‬ففي النصف الثاين من القرن ‪6‬ه‪62/‬م قدم أحد‬
‫الشخصيات املعروفة بعبد الصمد بن ممد إىل منطقة الشلف؛ وذلك بعد زوال ملك أسرته بين خزرون ملوك طرابلس الغرب‪،‬‬
‫واستقر عند بقايا فروع قبيلة مغراوة‪ ،‬فقام مبصاهرهتم‪ ،‬والعيش بينهم‪ ،‬وكان له العديد من األوالد‪ ،‬اشتهر منهم أبو ناس الذي كان‬
‫من الصلحاء املشهورين بالعبادة واخلريية‪ ،‬فـعلت مكانته الدينية بني قومه‪ ،‬ويبدو أن نفوذه الروحي امتد أيضا إىل قبيلة بين وماتوا يف‬
‫شرق وادي مينا‪ ،‬وذلك بعد مصاهرته ألحد أبناء ماخوخ زعماء هذه القبيلة‪ ،‬وملا قامت الدولة املوحدية وهبوا له إقطاعا بوادي‬
‫الشلف‪ ،‬وعاملوه باحرتام شديد‪ ،‬وبذلك شكل أبو ناس بن عبد الصمد مهزة وصل بني املوحدين الذين استغلوا مكانته الدينية من‬
‫أجل بسط سلطاهنم على القبائل اليت كان له نفوذ روحي عليها ومن جهة أخرى استطاع أبو ناس الدخول يف مرحلة مهادنة مع‬
‫املوحدين مكنته من مجع فروع قبيلة مغرواة اليت كانت تعرف ضعفا نتيجة احلروب والصراعات اليت خاضتها ضد الفاطميني‬
‫والصنهاجيني(‪.)3‬‬
‫وبعد ذلك عرفت احلركة الصوفية بالونشريس يف القرن ‪1‬ه‪62/‬م‪ ،‬تطورا ملحوظا‪ ،‬جعلت منه مركزا للصلحاء(‪ ،)4‬كما ظهرت‬
‫أنواع متعددة من املمارسات الصوفية اليت عمقت النظرة التبجيلية للصلحاء يف إطار ما يسمى بكرامة األولياء‪ ،‬وجعلت العامة‬
‫تعتقد فيهم قدرات خارقة تدفع عنهم كافة أنواع األذى والشرور(‪ .)5‬ومما ساهم يف ترسيخ هذا االنتماء خالل هذه الفرتة‪ ،‬بروز‬
‫مدينة مازونة اليت شكلت بعد ختريب مدينة تاهرت علي يد جيش ابن غانية سنة ‪650‬ه‪6251/‬م(‪ ،)6‬حاضرة جديدة عملت‬
‫على نشر الفقه املالكي والتصوف يف اجملاالت الريفية املتصلة هبا؛ وُيكن أن نالحظ هذا يف كتاب صلحاء وادي الشلف ملوسى بن‬

‫(‪ )1‬البيذق (أبو بكر بن علي الصنهاجي)‪ ،‬أخبار املهدي بن تومرت و بداية دولة املوحدين‪ ،‬دار املنصور للطباعة و الوراقة‪ ،‬الرباط‪-‬املغرب‪6616 ،‬م‪ ،‬ص‪66‬؛ ابن أيب زرع‪،‬‬
‫املصدر السابق‪ ،‬ص‪.612‬‬
‫(‪ )2‬بونايب الطاهر‪ ،‬احلركة الصوفية باملغرب األوسط خالل القرنني الثامن والتاسع اهلجريني‪ 60-61/‬امليالديني‪ ،‬أطروحة دكتوراه العلوم يف التاريخ اإلسالمي الوسيط‪ ،‬قسم‬
‫التاريخ‪ ،‬جامعة اجلزائر ‪2556/2551 ،2‬م‪ ،‬ص‪260‬؛ علواين صاحل‪ ،‬انتشار الوالية يف بالد القبائل الرحل وتشكل قبائل مرابطية ما بني القرنني السابع والتاسع اهلجريني‪/‬‬
‫القرنني السابع والتاسع ميالديني‪ ،‬جملة إنسانيات‪ ،‬العدد‪ ،66-65 :‬أفريل‪-‬سبتمرب‪2562‬م‪ ،‬ص‪.621‬‬
‫(‪ )3‬ابن خلدون‪ ،‬املصدر السابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.16‬‬
‫(‪ )4‬ابن مرزوق(أبو عبد اهلل ممد بن أمحد التلمساين)‪ ،‬املناقب املرزوقية‪ ،‬دراسة وحتقيق‪ :‬سلوى الزاهري‪ ،‬منشورات وزارة األوقاف والشؤون اإلسالمية‪ ،‬املغرب‪2551 ،‬م‪،‬‬
‫ص‪.211‬‬
‫(‪ )5‬املازوين (أبو عمران موسى بن عيسى املغيلي)‪ ،‬صلحاء وادي الشلف‪ ،‬دراسة وحتقيق‪ :‬غرداوي نور الدين‪ ،‬دار اخللدونية‪ ،‬اجلزائر‪ ،2561 ،‬ص‪-106 ،216-610‬‬
‫‪.166‬‬
‫(‪ )6‬املراكشي(أبو ممد عبد الواحد بن علي)‪ ،‬املعجب يف تلخيص أخبار املغرب‪ ،‬شرحه واعتىن به‪ :‬صالح الدين اهلواري‪ ،‬املكتبة العصرية‪ ،‬بريوت‪-‬لبنان‪2556 ،‬م‪،‬‬
‫ص‪216‬؛ ابن خلدون‪ ،‬املصدر السابق‪ ،‬ج‪ ،6‬ص‪.210‬‬
‫‪211‬‬
‫‪ISSN :1112-4377‬‬ ‫مجلة المعيار‬
‫السنة‪2222 :‬‬ ‫مجلد‪ 24 :‬عدد‪22 :‬‬

‫عيسى املازوين (ق‪1‬ه‪61/‬م)(‪ )1‬من انتشار الواسع للتصوف يف اجلهات اجلنوبية ملدينة مازونة وصوال إىل أعايل الونشريس خالل‬
‫القرن ‪1‬ه‪62/‬م‪ ،‬وظهور العديد من الشخصيات الصوفية والعلمية‪ ،‬كما هو مبني يف اجلدول التايل‪:‬‬
‫الصفحة من كتاب‬ ‫الفترة التي عاش فيها بالتقريب‬ ‫مكان االستقرار‬ ‫االسم‬
‫الصلحاء‬
‫ص‪.666‬‬ ‫كان مدفونا يف مسجد ينسب‬ ‫مازونة‬ ‫أبو ماتع‬
‫إليه مبازونة خالل القرن ‪1‬ه‪/‬‬
‫‪62‬م‪.‬‬
‫ص‪.665-616‬‬ ‫القرن ‪1‬ه‪.‬‬ ‫نواحي جبل‬ ‫أبو يكىن‬
‫وافرشان‬
‫ص‪.220‬‬ ‫القرن‪1‬ه‪.‬‬ ‫‪-‬‬ ‫أبو جنان‬
‫ص‪.216-610‬‬ ‫القرن ‪1‬ه‪.‬‬ ‫جبل وافرشان عند‬ ‫أبو البيان واضح بن عاصم‬
‫قبيلة مكناسة‬ ‫املكناسي‬
‫ص‪106،662-665‬‬ ‫عاش بني النصف الثاين‬ ‫جبل وافرشان‬ ‫الشيخ عزوز‬
‫‪.166-‬‬ ‫من القرن ‪1‬ه‪62/‬م والثلث‬ ‫مث مازونة‬
‫األول من القرن‪1‬ه‪61/‬م‪.‬‬
‫ص‪.225-220‬‬ ‫عاش بني النصف الثاين‬ ‫جبل الونشريس‬ ‫أبو مهدي عيسى بن فكرون‬
‫من القرن ‪1‬ه‪62/‬م والنصف‬ ‫(دفني منطقة متالحت‪)2‬‬
‫الثاين من القرن‪1‬ه‪61/‬م‪.‬‬
‫ص‪.266‬‬ ‫عاش بني النصف الثاين‬ ‫‪-‬‬ ‫على بن ممد بن مشرة‬
‫من القرن ‪1‬ه‪62/‬م والنصف‬
‫الثاين من القرن‪1‬ه‪61/‬م‪.‬‬
‫ص‪،251 ،616‬‬ ‫عاش بني النصف الثاين‬ ‫‪-‬‬ ‫أبو ممد عبد اهلل بن يوسف‬
‫‪.216 ،215‬‬ ‫من القرن ‪1‬ه‪62/‬م والنصف‬
‫الثاين من القرن‪1‬ه‪61/‬م‪.‬‬
‫جدول يوضح الشخصيات الصوفية والعلمية في المنطقة الممتدة ما بين مدينة مازونة وجبال الونشريس‬
‫من خالل كتاب صلحاء وادي الشلف‬
‫خاتمة‪ :‬نتائج الدراسة‬
‫من خالل ما سبق ذكره‪ُ ،‬يكن إمجال النتائج اليت توصل إليها البحث يف النقاط التالية‪:‬‬
‫أ‪-‬عرفت اجملاالت الريفية فيما بني الونشريس ووادي مينا انتشار عقائد اإلباضية والصفرية يف القرن ‪2‬ه‪1/‬م‪ ،‬وذلك من خالل‬
‫القبائل الرحل الذين اعتنقوا هذين املذهبني‪ ،‬ونشروه فيما بينهم‪ ،‬ضمن اجملاالت اليت كانوا ينتجعوهنا باملغرب الوسط‪ ،‬ويف هذا‬
‫السياق ُيكن تفسري وصول هذه العقائد إىل سهل السرسو‪ ،‬وتلول منداس‪ ،‬وحوض الشلف األدين‪.‬‬

‫(‪ )1‬املازوين‪ ،‬املصدر السابق‪ ،‬ص‪.211 ،225 ،266‬‬


‫‪2‬‬
‫‪Basset (R.), Étude sur la Zenatia de l’Ouarsenis et de Maghreb central, Ernest Leroux , Éditeur, Paris,‬‬
‫‪1895, p5.‬‬
‫‪211‬‬
‫‪ISSN :1112-4377‬‬ ‫مجلة المعيار‬
‫السنة‪2222 :‬‬ ‫مجلد‪ 24 :‬عدد‪22 :‬‬

‫ب‪-‬تأسست إمارة أيب قرة املغيلي يف اجلهة الغربية للمغرب األوسط‪ ،‬حيث امتد نفوذها من تلمسان غربا إىل قبيلة مغيلة بالونشريس‬
‫شرقا‪.‬‬
‫ج‪-‬مثلت املناطق املمتدة فيما بني الونشريس ووادي مينا خالل احلكم الرستمي‪ ،‬اجملاالت الريفية للعاصمة الرستمية‪ ،‬حيث استقرت‬
‫فيها العديد من اجلماعات القبلية‪ ،‬كمنداس‪ ،‬ومطماطة‪ ،‬وزواغة‪ ،‬وزناتة اليت اشتهرت مجاعات منها باعتناق املذهب الواصلي‬
‫املعتزيل‪.‬‬
‫د‪-‬على الرغم من سيطرة الدولة الرستمية على اجملاالت الريفية احمليطة مبدينة تاهرت‪ ،‬إال أن القبائل اليت كانت متوزعة فيها مل تكن‬
‫عالقاهتا دئما يف أحسن األحوال‪.‬‬
‫ه‪-‬بعد سقوط احلكم الرستمي على يد الفاطميني‪ ،‬دخلت املنطقة يف فوضى عارمة متيزت مبحاولة الفاطميني واألمويني‪ ،‬السيطرة‬
‫على القبائل املتمركزة يف إقليم تاهرت‪ ،‬وذلك من خالل إخضاعها سياسيا‪ ،‬ومذهبيا‪.‬‬
‫و‪-‬ابتداء من النصف الثاين من القرن ‪1‬ه‪65 /‬م‪ ،‬بدأت املنطقة تشهد حتوالت مذهبية عميقة وبطيئة حنو اعتناق التوجه السين‬
‫املالكي‪ .‬وقد صاحب هذه العملية تغريات يف اجلغرافية القبلية‪ ،‬وذلك من خالل سيطرة قبيلة بين توجني وبين وماتوا على تلول‬
‫منداس واملناطق اجملاورة هلا‪ ،‬مما دفع بالعديد من القبائل إىل النزوح إىل الونشريس‪.‬‬
‫ز‪-‬شهدت املنطقة خالل القرنني السادس والسابع اهلجريني‪ 62/‬و‪62‬م بروز التصوف كظاهرة اجتماعية‪ ،‬متيزت برفع مكانة‬
‫الصلحاء‪ ،‬مث إحاطتها بالعديد من املمارسات‪ ،‬واالعتقادات الدينية‪ ،‬اليت عمقت النظر التبجيلية هلا‪.‬‬
‫‪-‬قائمة المصادر والمراجع‪:‬‬
‫أ‪-‬المصادر‪:‬‬
‫‪ -‬اإلدريسي (أبو عبد اهلل ممد الشريف)‪ ،‬كتاب نزهة املشتاق يف اخرتاق اآلفاق‪ ،‬مكتبة الثقافة الدينية‪ ،‬القاهرة ‪ -‬مصر‪،‬‬
‫‪2552‬م‪.‬‬
‫‪-‬اإلصطخري (أبو احلسن إبراهيم بن ممد الفارسي)‪ ،‬املسالك واملمالك‪ ،‬مطبعة بريل‪ ،‬ليدن‪-‬هولندا‪6115 ،‬م‪.‬‬
‫‪)-‬الداعي( إدريس (عماد الدين بن احلسن القرشي) ‪ ،‬تاريخ اخللفاء الفاطميني باملغرب القسم اخلاص من كتاب عيون األخبار‪،‬‬
‫حتقيق‪ :‬ممد اليعالوي‪ ،‬دار الغرب اإلسالمي‪ ،‬بريوت‪-‬لبنان‪6610 ،‬م‪.‬‬
‫‪-‬البغطوري (مقرين بن ممد النفوسي)‪ ،‬روايات األشياخ‪ :‬أشياخ جبل نفوسة الشهري بسري البغطوري‪ ،‬حتقيق‪ :‬عمر بوعصبانة‪،‬‬
‫مكتبة خزائن اآلثار‪ ،‬بركاء‪-‬عمان‪2561 ،‬م‪.‬‬
‫‪-‬البكري (أبو عبيد عبد اهلل بن عبد العزيز)‪ ،‬املسالك واملمالك‪ ،‬حققه ووضع حواشيه‪ :‬مجال طلبة‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪-‬‬
‫لبنان‪2552 ،‬م‪.‬‬
‫‪-‬البيذق (أبو بكر بن علي الصنهاجي)‪ ،‬أخبار املهدي بن تومرت وبداية دولة املوحدين‪ ،‬دار املنصور للطباعة والوراقة‪ ،‬الرباط‪-‬‬
‫املغرب‪6616 ،‬م‪.‬‬

‫‪211‬‬
‫‪ISSN :1112-4377‬‬ ‫مجلة المعيار‬
‫السنة‪2222 :‬‬ ‫مجلد‪ 24 :‬عدد‪22 :‬‬

‫‪-‬ابن محاد (أبو عبد اهلل ممد بن علي الصنهاجي)‪ ،‬أخبار ملوك بين عبيد وسريهتم‪ ،‬حتقيق ودراسة‪ :‬التهامي نقرة وعبد احلليم‬
‫عويس‪ ،‬دار العدالة‪ ،‬القاهرة‪-‬مصر‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪-‬ابن حوقل (أبو القاسم النصييب)‪ ،‬كتاب صورة األرض‪ ،‬دار مكتبة احلياة‪ ،‬بريوت‪-‬لبنان‪6666 ،‬م‪.‬‬
‫‪-‬ابن حيان (أبو مروان بن خلف القرطيب)‪ ،‬املقتبس يف أخبار بلد األندلس‪ ،‬اعتىن بنشره‪ :‬ب‪ .‬شامليتا‪ ،‬املعهد اإلسباين العريب‬
‫للثقافة‪ ،‬مدريد‪-‬إسبانيا‪6616 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‪ ،‬املقتبس يف أخبار بلد األندلس‪ ،‬حتقيق‪ :‬عبد الرمحن علي حجي‪ :‬دار الثقافة‪ ،‬بريوت‪-‬لبنان‪6660 ،‬م‪.‬‬
‫‪-‬ابن اخلطيب (لسان الدين ممد بن عبد اهلل)‪ ،‬تاريخ املغرب العريب يف العصر الوسيط (القسم الثالث من كتاب أعمال األعالم)‪،‬‬
‫حتقيق وتعليق‪ :‬أمحد خمتار العبادي وممد إبراهيم الكتاين‪ ،‬دار الكتاب‪ ،‬الدار البيضاء‪-‬املغرب‪6661 ،‬م‪.‬‬
‫‪-‬ابن خلدون عبد الرمحن‪ ،‬العرب وديوان املبتدأ واخلرب يف تاريخ العرب والرببر ومن عاصرهم من ذوي الشأن األكرب‪ ،‬دار الفكر‪،‬‬
‫بريوت – لبنان‪2555 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬الدرجيين (أبو العباس أمحد بن سعيد)‪ ،‬كتاب طبقات املشائخ باملغرب‪ ،‬حتقيق‪ :‬إبراهيم طالي‪ ،‬مطبعة البعث‪ ،‬قسنطينة‪ -‬اجلزائر‪،‬‬
‫‪6611‬م‪.‬‬
‫‪-‬ابن أيب زرع (علي بن عبد اهلل الفاسي) ‪ ،‬األنيس املطرب بروض القرطاس يف أخبار ملوك املغرب وتاريخ مدينة فاس‪ ،‬دار املنصور‬
‫للطباعة والوراقة‪ ،‬الرباط‪-‬املغرب‪6612 ،‬م‪.‬‬
‫‪-‬أبو زكرياء (حيي بن أيب بكر)‪ ،‬كتاب سري األئمة وأخبارهم املعروف بتاريخ أيب زكرياء‪ ،‬حققه ووضع حواشيه‪ :‬إمساعيل العريب‪،‬‬
‫ديوان املطبوعات اجلامعية‪ ،‬ط ‪ ،2‬اجلزائر‪6611 ،‬م‪.‬‬
‫‪-‬ابن الصغري‪ ،‬أخبار األئمة الرستميني‪ ،‬حتقيق‪ :‬ممد ناصر وإبراهيم حباز‪ ،‬املطبوعات اجلميلة‪ ،‬اجلزائر‪6616 ،‬م‪.‬‬
‫‪-‬ابن عذاري املراكشي‪ ،‬البيان املغرب يف أخبار األندلس واملغرب‪ ،‬حتقيق‪ :‬ج‪.‬س‪.‬كوالن وإ‪ .‬ليفي بروفنسال‪ ،‬دار الثقافة‪ ،‬ط‪،2‬‬
‫بريوت‪-‬لبنان‪6612 ،‬م‪.‬‬
‫‪-‬مؤلف جمهول‪ ،‬مفاخر الرببر‪ ،‬دراسة وحتقيق‪ :‬عبد القادر بوباية‪ ،‬دار أيب رقراق‪ ،‬الرباط‪-‬املغرب‪.2550 ،‬‬
‫‪-‬املراكشي(أبو ممد عبد الواحد بن علي) ‪ ،‬املعجب يف تلخيص أخبار املغرب‪ ،‬شرحه واعتىن به‪ :‬صالح الدين اهلواري‪ ،‬املكتبة‬
‫العصرية‪ ،‬بريوت‪-‬لبنان‪2556 ،‬م‪.‬‬
‫‪-‬ابن مرزوق(أبو عبد اهلل ممد بن أمحد التلمساين)‪ ،‬املناقب املرزوقية‪ ،‬دراسة وحتقيق‪ :‬سلوى الزاهري‪ ،‬منشورات وزارة األوقاف‬
‫والشؤون اإلسالمية‪ ،‬الرباط‪-‬املغرب‪2551 ،‬م‪.‬‬
‫‪-‬املازوين (أبو عمران موسى بن عيسى املغيلي)‪ ،‬صلحاء وادي الشلف‪ ،‬دراسة وحتقيق‪ :‬غرداوي نور الدين‪ ،‬دار اخللدونية‪ ،‬اجلزائر‪،‬‬
‫‪.2561‬‬
‫‪-‬املقدسي (أبو عبد اهلل ممد بن أمحد)‪ ،‬كتاب أحسن التقاسيم يف معرفة األقاليم‪ ،‬ط‪ ،2‬مطبعة بريل‪ ،‬ليدن‪6656 ،‬م‪.‬‬

‫‪211‬‬
‫‪ISSN :1112-4377‬‬ ‫مجلة المعيار‬
‫السنة‪2222 :‬‬ ‫مجلد‪ 24 :‬عدد‪22 :‬‬

‫‪)-‬القاضي( النعمان (أبو حنيفة بن ممد التميمي املغريب)‪ ،‬كتاب افتتاح الدعوة‪ ،‬حتقيق‪ :‬فرحات الدشراوي‪ ،‬الشركة التونسية للتوزيع‬
‫وديوان املطبوعات اجلامعية‪ ،‬ط‪ ،2‬تونس و اجلزائر‪6616 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‪ ،‬دعائم اإلسالم وذكر احلالل واحلرام والقضايا واألحكام‪ ،‬حتقيق‪ :‬آصف بن علي أصغر فيضي‪،‬‬
‫دار املعارف‪ ،‬القاهرة‪-‬مصر‪6662 ،‬م‪.‬‬
‫‪-‬النويري (شهاب الدين أمحد بن عبد الوهاب)‪ ،‬هناية األرب يف فنون األدب‪ ،‬حقيق اجلزء ‪ :26-21‬جنيب مصطفى فواز‬
‫وحكمت كشلي فواز‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪-‬لبنان‪2551 ،‬م‪.‬‬
‫‪-‬اليعقويب (أمحد بن أيب إسحاق)‪ ،‬البلدان‪ ،‬وضع حواشيه‪ ،‬ممد أمني ضناوي‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪ -‬لبنان‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫ب‪-‬الدراسات باللغة العربية‪:‬‬
‫‪-‬إبراهيم بكري حباز‪ ،‬الدولة الرستمية دراسة يف األوضاع االقتصادية واحلياة الفكرية‪ ،‬منشورات وزارت الشؤون الدينية واألوقاف‪،‬‬
‫ط‪ ،1‬اجلزائر‪.2560 ،‬‬
‫‪-‬الباروين (سليمان بن عبد اهلل)‪ ،‬األزهار الرياضية يف أئمة وملوك األباضية‪ :‬القسم الثاين‪ ،‬حتقيق‪ :‬كروم أمحد بن محو وعمر بازين‪،‬‬
‫مكتبة الضامري‪ ،‬ط‪ ،2‬السيب‪-‬عمان‪.2561 ،‬‬
‫‪-‬بونايب الطاهر‪ ،‬التصوف يف اجلزائر خالل القرنني ‪ 6‬و‪ 1‬اهلجريني‪ 62 /‬و‪ 62‬امليالديني‪ :‬نشأته –تياراته‪-‬دوره االجتماعي والثقايف‬
‫والفكري والسياسي‪ ،‬عني مليلة‪-‬اجلزائر‪2551 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‪ ،‬احلركة الصوفية باملغرب األوسط خالل القرنني الثامن والتاسع اهلجريني‪ 60-61/‬امليالديني‪ ،‬أطروحة دكتوراه‬
‫العلوم يف التاريخ اإلسالمي الوسيط‪ ،‬قسم التاريخ‪ ،‬جامعة اجلزائر ‪2556/2551 ،2‬م‪.‬‬
‫‪-‬خليفات عوض‪ ،‬نشأة احلركة اإلباضية‪ ،‬املطابع الذهبية‪ ،‬مسقط‪-‬عمان‪2552 ،‬م‪.‬‬
‫‪-‬بن داهية عدة ‪ ،‬معسكر عرب التاريخ‪ ،‬دار اخللدونية‪ ،‬اجلزائر‪2550 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬شرايف سحنون‪ ،‬دراسة منوغرافية حلوض الشلف يف العهد الروماين (‪126-15‬م)‪ ،‬مذكرة لنيل شهادة املاجستري يف التاريخ‬
‫القدمي‪ ،‬قسم التاريخ‪ ،‬جامعة اجلزائر‪2566-2565 ،2‬م‪.‬‬
‫‪-‬علواين صاحل‪ ،‬انتشار الوالية يف بالد القبائل الرحل وتشكل قبائل مرابطية ما بني القرنني السابع والتاسع اهلجريني‪ /‬القرنني السابع‬
‫والتاسع ميالديني‪ ،‬جملة إنسانيات‪ ،‬العدد‪ ،66-65 :‬أفريل‪-‬سبتمرب‪2562‬م‪.‬‬
‫‪-‬بن عمر عالل‪ ،‬إنتاج الفكر اإلباضي يف احلواضر الصحراوية لبالد املغرب اإلسالمي وانتقاله من القرن ‪2‬ه‪6/‬م إىل القرن‬
‫‪6‬ه‪60/‬م‪ :‬دراسة مذهبية‪ -‬ثقافية‪ ،‬أطروحة مقدمة لنيل شهادة الدكتوراه العلوم يف التاريخ الوسيط‪ ،‬جامعة غرداية‪-2561 ،‬‬
‫‪.2561‬‬
‫‪-‬حلسن ممد‪ ،‬عني طارق من ما قبل التاريخ إىل االستقالل‪-‬تاريخ خمتصر (الشكالة‪ ،‬مكناسة‪ ،‬ماريوة)‪ ،‬دار أم الكتاب‪ ،‬مستغامن‪-‬‬
‫اجلزائر‪2562 ،‬م‪.‬‬

‫‪211‬‬
ISSN :1112-4377 ‫مجلة المعيار‬
2222 :‫السنة‬ 22 :‫ عدد‬24 :‫مجلد‬

،‫املغرب‬-‫ الدار البيضاء‬،‫ دار الثقافة‬،‫ اخلوارج يف بالد املغرب حىت منتصف القرن الرابع اهلجري‬،‫ممود إمساعيل ع بد الرازق‬-
.‫م‬6610
.‫م‬6611 ،‫ اجلزائر‬،‫ املطبعة العربية‬،‫ جغرافية القطر اجلزائري للناشئة اإلسالمية‬،‫املدين أمحد توفيق‬-
/‫ه‬112-266 ( ‫ اإلباضية يف املغرب األوسط منذ سقوط الدولة الرستمية إىل هجرة بين هالل إىل بالد املغرب‬،‫مزهودي مسعود‬-
.‫م‬6666 ،‫اجلزائر‬-‫ غرداية‬،‫ املطبعة العربية‬،) ‫م‬6501-656
.‫م‬2552 ،‫ ليبيا‬،‫ مؤسسة توالت الثقافية‬،‫جبل نفوسة منذ انتشار اإلسالم حىت هجرة بين هالل‬،‫ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــ‬-
:‫الدراسات باللغة األجنبية‬-‫ج‬
-Amara (A.), Entre le massif de l’Aurès et les oasis: apparition, évolution et disparition des
communautés ibâḍites du Zâb (VIIIe-XIVe siècle), Revue des Mondes Musulmans et de la
Méditerranée, N. 132, 2012.
-Barlette (H.), Monographie de la région de Tiaret, Bulletin de la société de géographie
d’Alger et de l’Afrique de Nord, 3é trimestre, 1912.
-Basset (R.), Étude sur la Zenatia de l’Ouarsenis et de Maghreb central, Ernest Leroux ,
Éditeur, Paris, 1895.
-Bugéja (M) et Rousseau, Le Serssou, Bulletin de la société de géographie d’Alger et de
l’Afrique de Nord, 3é trimestre, 1904.
-Ficheur (E.), Le crétacé inférieur dans le massif des Matmatas (Alger), Bulletin de la
Société Géologique de France, N.8 , 1900.
-Fournel, (P. H.), Les Berbères (Etudes sur la Conquête de l’Afrique par les Arabe),
l’imprimerie Nationale, Paris.
-Gautier (E.F.), Le passé de l’Afrique du Nord – les siècles obscures -, Payot, Paris, 1937.
-Lacroix (N.), Les groupements indigènes de la commune mixte du Djendel, Revue
Africaine, N. 272-273, 1909.
-Niox (C.), Algérie: Géographie physique, Imprimerie L. Baudoin, Paris, 1884.
-Perrin (R.), Le Sersou: Etude de géographie humaine (Premier article), Méditerranée, 1e
année, N.2-3, 1960.
-Prevost, (V.), La révolte de Bagaya (358/969): le dernier soulèvement des ibadites
maghrébins, Journal of Near Nastern Studies, Vol. 65, N.3, 2006.
-Sari (DJ.), Les populations de l’Ouarsenis central, Méditerranée, T. 11, N.3-4, 1973.

211

You might also like