Professional Documents
Culture Documents
تطورات الحركة المذهبية للمجالات الريفية فيما بين جبال الونشريس ووادي مينا
تطورات الحركة المذهبية للمجالات الريفية فيما بين جبال الونشريس ووادي مينا
تطورات الحركة المذهبية للمجاالت الريفية فيما بين جبال الونشريس ووادي مينا
)م31-8/ه7-2(
Developments of the sectarian movement of the rural areas
between the Ouarsenis Mountains and Mina Valley (VIIth -XIIIth Century AD)
1
أحمد بوشامة
طالب دكتوراه جامعة غرداية
خمرب اجلنوب اجلزائري يف التاريخ واحلضارة اإلسالمية
bouchama.ahmed@univ-ghardaia.dz
طاهر بن علي
جامعة غرداية
ezzahirit@gmail.com
0404/41/71 النشر على الخط0404/48/40 القبول0471/40/71 تاريخ الوصول
Received 17/04/2019 Accepted 06/08/2020 Published online15/09/2020
:ملخص
، للمجاالت الريفية فيما بني جبال الونشريس ووادي مينا،حياول هذا املقال وضع تصور عام النتشار املذاهب العقدية والفقهية
إن التطرق ملراحل احلركة املذهبية هبذه املنطقة يقتضي اإلملام باجلغرافية الطبيعية. وجيوسياسية،وما نتج عنها من تطورات اجتماعية
، والتحديات اليت واجهتها من أجل احلفاظ على هويتها املذهبية، مث تتبع السياق التارخي لنشأة اجلماعات املذهبية فيها،هلا
مث الصراعات، وحاولت فرض توجهاهتا املذهبية عليها، خاصة أمام الدول اليت قامت يف بالد املغرب واألندلس،وجماالهتا اجلغرافية
مما جعلها يف األخري تتقبل التحول إىل االنتماء املذهيب الغالب على بالد املغرب؛ وهو،القبلية اليت فككت بنيتها االجتماعية
.التوجه املالكي والتصوف
. وادي مينا، مدينة تاهرت، الونشريس، التحوالت املذهبية، الصراع املذهيب:الكلمات المفتاحية
Abstract:
This article tries to show a general perception of the spread of the doctrinal and jurisprudential
doctrines of the rural areas between Al-Wansharis Mountains and Mina Valley. It shows also the influence
of this spread on the social and the geopolitics development. The discussion of the different stages of the
sectarianism movement in this region requires the knowledge of its natural geography, then follow up the
historical context of these sectarian groups creation, and the challenges which have encountered in order to
protect its sectarian identity and its geographical extension, especially against the countries that appeared in
Maghreb and Andalusia and tried to impose its sectarian approaches on them then, the tribal conflict that
broke up the social structure of these groups, which made it at the end accept to follow the sectarian
affiliation dominant in Maghreb which was the Maliki and Sufism.
Key words: The sectarian conflict, The sectarian transformations, The Ouarsenis (AL-wancharis ), City of
Tiaret, Mina Valley.
231
ISSN :1112-4377 مجلة المعيار
السنة2222 : مجلد 24 :عدد22 :
مقدمة:
إن الدارس لتاريخ بالد املغرب الوسيط يتضح له مدى أمهية األرياف ،وذلك باعتبار األدوار اليت قامت هبا يف شىت اجملاالت
السياسية ،واالقتصادية ،واالجتماعية ،والثقافية .ولعل مما يلفت االنتباه يف هذه اجلوانب ،تلك القضايا املرتبطة بالدين ،واجملتمع،
والسلطة؛ فاألرياف كمجال تنتجعه أو تستقر فيه اجلماعات القبلية ،شكلت يف الكثري من األحيان احلاضن ملختلف التوجهات
املذهبية اليت انتشرت يف بالد املغرب ،مما تسبب يف إعادة هيكلة عالقتها مع السلطة املركزية يف املدن ،وفق مددات تتأرجح بني
الوالء والعداء للمذهب.
ولذلك جاءت هذه الورقة البحثية؛ كمحاولة لفهم انعكاسات هذه العالقة من خالل التطرق للحركة املذهبية ،وما اكتنفها من
حتوالت سياسية وقبلية يف إطار جغرايف مدد ،يتمثل يف اجملاالت الريفية املمتدة بني جبال الونشريس ووادي مينا ،وهذا من فرتة
تغلغل اآلراء اإلباضية ،والصفرية ،واإلعتزال فيها إىل غاية انتشار املالكية والتصوف .العديد من األسئلة اليت طرحت نفسها يف هذا
املوضوع ،من أمهها :ما هي ظروف انتشار الفكر اخلارجي هبذه اجملاالت؟ وكيف كانت عالقة اجلماعات املذهبية املستقرة هبا مع
الدول اليت قامت ببالد املغرب واألندلس؟ وهل أثرت سياساهتا املذهبية عليها؟ مث يف األخري؛ كيف حتولت هذه اجلماعات إىل
اعتناق املالكية والتصوف؟
-3اإلطار الجغرافي للمجاالت الريفية فيما بين الونشريس ووادي مينا:
أ-جبال الونشريس:
يرد الونشريس يف املصادر الوسيطية كمجال جغرايف واسع ،يستمد خصائصه الطوبوغرافية من طبيعته ككتلة جبلية تابعة لسلسلة
األطلس التلي ،ولذلك عندما حتدث عنه اإلدريسي(تـ065 .ه6660/م) ،حاول حتديد جغرافيته انطالقا من طبيعته التضاريسية،
فذكر أنه يقع يف جنوب مدينة مليانة على بعد ثالثة أيام منها ،طوله أربعة أيام ،وينتهي طرفه قرب مدينة تاهرت( ،)1وجاء يف بعض
املصادر( )2أيضا ،تعبريا عن اتساع رقعته اجلغرافية ،إطالق اسم "بالد وانشريس" عليه.
وأما الدراسات احلديثة فقد حاولت بدورها تتبع حدود جبال الونشريس بشكل دقيق ،فذهب البعض منها( )3إىل جعل حدوده
تصل إىل وادي الشلف( )4مشاال وشرقا ،وهنر واصل( )1جنوبا ،ووادي مينا غربا ،ولكن من خالل اإلشارات املصدرية اليت حتدثت
( )1اإلدريسي (أبو عبد اهلل ممد الشريف) ،كتاب نزهة املشتاق يف اخرتاق اآلفاق ،مكتبة الثقافة الدينية ،القاهرة -مصر2552 ،م ،ج ،6ص.202
( )2ابن اخلطيب (لسان الدين ممد بن عبد اهلل) ،تاريخ املغرب العريب يف العصر الوسيط (القسم الثالث من كتاب أعمال األعالم) ،حتقيق وتعليق :أمحد خمتار العبادي وممد
إبراهيم الكتاين ،دار الكتاب ،الدار البيضاء-املغرب6661 ،م ،ص661؛ ابن خلدون عبد الرمحن ،العرب وديوان املبتدأ واخلرب يف تاريخ العرب والرببر ومن عاصرهم من ذوي
الشأن األكرب ،دار الفكر ،بريوت – لبنان2555 ،م ،ج ،1ص.666
)(3
Niox (C.), Algérie: Géographie physique, Imprimerie L. Baudoin, Paris, 1884, p50-53; Sari (DJ.), Les populations
de l’Ouarsenis central, Méditerranée, T. 11, N.3-4, 1973, p91.
( )4ينبع وادي الشلف من جبال عمور ،مث يتجه مشاال إىل والية املدية قرب قصر البخاري ،ويعرب بني سلسلة األطلس التلي إىل غاية جنوب مليانة ،ومنها إىل مدينة الشلف،
مث يلتقي بطرفه اآلخر القادم من نواحي غليزان ،ويواصل جريانه إىل أن يصب يف البحر قرب مدينة مستغامن .انظر :املدين أمحد توفيق ،جغرافية القطر اجلزائري للناشئة
اإلسالمية ،املطبعة العربية ،اجلزائر6611 ،م ،ص22-26؛ Niox, op. cit., p54-55.
233
ISSN :1112-4377 مجلة المعيار
السنة2222 : مجلد 24 :عدد22 :
عن اجملاالت املرتبطة بالونشريس خالل العصر الوسيط ،ال ُيكن هلذا التحديد أن يتماشى معها ،ولذلك نستطيع القول إن جبال
عن شريطني الونشريس متتد مشاال إىل بالد الشلف السفلى ،وجنوبا إىل بالد الشلف العليا()2؛ وهذان اجملاالن مها عبارة
يتميزان بتعرجات تضاريسية بسيطة ،متتد األوىل من نواحي مدينة غليزان ،وتساير وادي الشلف إىل جبل زكار ،والثانية ،تبدأ من
مدينة الدمحوين (والية تيارت) وتساير اجلهة الشمالية لنهر واصل إىل غاية إلتقائه مع وادي الشلف .وأما من اجلهة الشرقية
للونشريس فيحده سهل الشلف األعلى ،حيث تعترب جبال اللوح بوالية عني الدفلى احلد الفاصل بينهما( ،)3ومن الناحية الغربية
فينتهي طرفه عند تلول منداس( ،)4وبالتحديد عند جبال الرمكة(.)5
ب-تلول منداس:
تبدأ تلول منداس من جبل قزول الذي بنيت عليه مدينة تاهرت ،وتشكل شريطا من املرتفعات املتوسطة ،تربط بني جبال
الونشريس شرقا ،واألراضي السهلية من اجلهات األخرى .مسيت هبذا االسم نسبة لقبيلة منداس أو منداسة ،اليت اختلف النسابة يف
أصلها ،فمنهم من أرجعها إىل بطون أداس بن زحيك بن مادغيس الذين اندجموا يف قبيلة هوارة ،ومنهم من جيعل نسبها حقيقيا يف
هوارة ،وذلك على أساس أهنا من بطون مغر بن هوار بن أوريغ اهلواري( .)6وأما ابن أيب زرع(تـ126.ه6226/م) فيذكر خالف ما
سبق ،ويضعها ضمن فروع صنهاجة( .)7ومهما يكن من أمر ،فإن قبيلة منداس اشتهرت يف منتصف القرن 2ه1/م ،وارتبطت فيما
بعد هذه التالل بامسها.
ج-وادي مينا:
يرجع لفظ "مينا" إىل مدينة رومانية محلت نفس هذا االسم ،أسست يف القرن األول للميالد ،مكاهنا احلايل قرب مدينة
غليزان ،ويعتقد أن كلمة مينا مشتقة من Mineاليت تعين الذهب أو الفضة ،ورمبا تفسر أيضا باألرض اخلصبة(.)8
ينبع هذا الوادي من النواحي الشرقية ملدينة فرندة ،مث يتجه مشاال خمرتقا أراضي سهل السرسو( )9إىل جبل قزول ،وبعد ذلك ينعطف
( )1ينبع هنر واصل من اجلبال اليت تقع جنوب مدينة بوشقيف ،مث يتجه مشاال إىل غاية مدينة الدمحوين ،وبعدها ينعرج شرقا ،ويواصل جريانه إىل أن يصب يف هنر الشلف يف
نواحي الشهبونية (والية املدية) .انظر :املدين ،املرجع السابق ،ص22؛ Niox, op. cit., p55; Barlette (H.), Monographie de la région de Tiaret,
Bulletin de la société de géographie d’Alger et de l’Afrique de Nord, 3é trimestre, 1912, p315.
( )2ابن خلدون ،املصدر السابق ،ج ،1ص.261 ،666 ،11
( )3شرايف سحنون ،دراسة منوغرافية حلوض الشلف يف العهد الروماين (126-15م) ،مذكرة لنيل شهادة املاجستري يف التاريخ القدمي ،قسم التاريخ ،جامعة اجلزائر،2
2566-2565م ،صLacroix (N.), Les groupements indigènes de la commune mixte du Djendel, Revue Africaine, N. .1
272-273, 1909, p318, 345.
( )4ابن خلدون ،املصدر السابق ،ج ،1ص.61
( )5شرايف ،املرجع السابق ،ص.1
( )6ابن خلدون ،املصدر السابق ،ج ،6ص.612 ،661 ،606
( )7ابن أيب زرع (علي بن عبد اهلل الفاسي) ،األنيس املطرب بروض القرطاس يف أخبار ملوك املغرب وتاريخ مدينة فاس ،دار املنصور للطباعة والوراقة ،الرباط-املغرب،
6612م ،ص.625
( )8شرايف سحنون ،املرجع السابق ،ص.10-11
( )9من الصعب حتديد جغرافية سهل السرسو انطالقا من املصادر الوسيطية ،سوى ما يفهم من بعض النصوص عند ابن خلدون من أنه يقع جنوب هنر واصل (ج،1
وأما ص ،).250ومتتد حدوده الغربية إىل جنوب وادي مينا ،حيث كان يطلق على هذا اجلزء سهل السرسو الغريب (ج ،6ص ،601-602ج61-61 ،1ـ).
231
ISSN :1112-4377 مجلة المعيار
السنة2222 : مجلد 24 :عدد22 :
غربا إىل غاية منطقة سيدي ممد بن عودة التابعة لوالية تيارت ،مث يواصل جريانه مشاال إىل أن ُير بالقرب من مدينة غيلزان،
ويصب يف هنر الشلف( .)1وقد جاء يف كتاب العرب اسم "وادي ميناس" يف العديد من املرات( ،)2ولكن عند تتبع مساره حسبما
حدده ابن خلدون(تـ ـ 151هـ6150/م)( )3يتضح أنه نفسه وادي مينا.
الدراسات احلديثة فجعلت موقعه ُيتد من هنر واصل مشاال ،إىل جمموعة من اجلبال جنوبا ،أمهها :جبال الناظور ،وجبال فرندة .انظرNiox, op. cit., p57 ; Bugéja :
(M) et Rousseau, Le Serssou, Bulletin de la société de géographie d’Alger et de l’Afrique de Nord, 3é trimestre, 1904,
p62; Perrin (R.), Le Sersou: Etude de géographie humaine (Premier article), Méditerranée, 1 e année, N.2-3, 1960, p61.
الشمالية للصحراء ،واهلضاب العليا ،والسهول ما بني برقة إىل جنوب تلمسان( .)1ويف هذا اإلطار ُيكن تفسري وصول عقائد
اإلباضية إىل سهل السرسو ،وتلول منداس ،حيث اعتنقتها العديد من قبائل املنطقة مثل :مطماطة ،وزواغة ،وهوارة ،ولواتة ،وعقائد
الصفرية اليت انتشرت يف قبيلة مغيلة حبوض الشلف األدىن(.)2
وبعد جناح القيادات الصفرية واإلباضية يف تكوين جبهة ثورية معارضة لنظام احلكم ،دخلت بالد املغرب يف حروب أهلية
عارمة( ،)3كان من نتائجها بروز كيانات سياسية مستقلة ،ومن بني هذه الكيانات اليت تأسست يف النواحي الغربية للمغرب األوسط
من مدينة فيما بني سنيت 620و626ه 112/و111م ،إمارة أيب قرة املغيلي الصفري ،اليت امتدت جماالهتا اجلغرافية
تلمسان اليت اختذهتا مركزا هلا إىل قبيلة مغيلة بالونشريس( .)4وهذا الفرع القبلي؛ ُيكن حتديد موقعه انطالقا من التمركز الرئيس لقبيلة
مغيلة الكربى اليت توزعت مبحاذاة وادي الشلف( ،)5ولذلك من احملتمل جدا أن تكون مغيلة الونشريس امتدادا للقبيلة األم من
اجلهة اجلنوبية هلذا الوادي وصوال إىل مشال الونشريس .ويظهر أن هذه اإلمارة استمرت إىل أن سقطت على يد قبيلة مغراوة اليت
متكنت من االستيالء على مدينة تلمسان قبل سنة 612ه116/م(.)6
ويف اجلهة الشرقية هلذه اإلمارة باملغرب األوسط ،عرفت منطقة تاهرت نقطة حتول مهمة يف تارخيها ،وهذا بعد هزُية اإلباضية
بقيادة أيب اخلطاب عبد األعلى بن السمح املعافري يف نواحي طرابلس ،أمام وايل مصر ممد بن األشعث اخلزاعي
(611-616هـ166-106/م) يف بداية سنة 611ه166/م( ،)7مما أدى إىل فرار عبد الرمحن بن رستم من مدينة القريوان إىل
قبيلة ملاية يف اجلنوب التاهريت( ،)8حيث اجتمعت عليه القبائل اإلباضية ،وانتقلوا معه يف نفس هذه السنة إىل جبل قزول ،وفيه متت
متت مبايعته بإمامة الدفاع ،وتأسيس مدينة تاهرت لتكون عاصمة لدولتهم( ،)9مث بعد ذلك بويع بإمامة الظهور على األرجح يف
سنة 665ه116/م(.)10
)(1
Gautier (E.F.), Le passé de l’Afrique du Nord – les siècles obscures -, Payot, Paris, 1937, p294; Amara (A.), Entre
le massif de l’Aurès et les oasis: apparition, évolution et disparition des communautés ibâḍites du Zâb (VIIIe-XIVe
siècle), Revue des Mondes Musulmans et de la Méditerranée, N. 132, 2012, p119.
( )2ابن خلدون ،املصدر السابق ،ج ،6ص.661 ،601 ،611
( )3لإلطالع أكثر على ثورات الصفرية واإلباضية ضد ممثلي اخلالفة األموية مث العباسية يف بالد املغرب قبل قيام الدولة الرستمية .انظر :ممود إمساعيل ،املرجع السابق،
ص60-62؛ خليفات عوض ،نشأة احلركة اإلباضية ،املطابع الذهبية ،مسقط-عمان2552 ،م ،ص.600-621
( )4مؤلف جمهول ،مفاخر الرببر ،دراسة وحتقيق :عبد القادر بوباية ،دار أيب رقراق ،الرباط-املغرب ،2550 ،ص.616
( )5ابن خلدون ،املصدر السابق ،ج ،6ص ،661ج ،1ص.61
( )6ابن أيب زرع ،املصدر السابق ،ص.26
( )7أبو زكرياء (حيي بن أيب بكر) ،كتاب سري األئمة وأخبارهم املعروف بتاريخ أيب زكرياء ،حققه ووضع حواشيه :إمساعيل العريب ،ديوان املطبوعات اجلامعية ،ط ،2اجلزائر،
6611م ،ص.15-66
( )8أبو زكرياء ،املصدر السابق ،ص16؛ ابن خلدون ،املصدر السابق ،ج ،6ص.606
( )9البكري (أبو عبيد عبد اهلل بن عبد العزيز) ،املسالك واملمالك ،حققه ووضع حواشيه :مجال طلبة ،دار الكتب العلمية ،بريوت-لبنان2552 ،م ،ج ،2ص205؛ البغطوري
(مقرين بن ممد النفوسي) ،روايات األشياخ :أشياخ جبل نفوسة الشهري بسري البغطوري ،حتقيق :عمر بوعصبانة ،مكتبة خزائن اآلثار ،بركاء-عمان2561 ،م ،ص651؛ ابن
خلدون ،املصدر السابق ،ج ،6ص611؛ ممود إمساعيل ،املرجع السابق ،ص.605
( )10أبو زكرياء ،املصدر السابق ،ص.16 ،12
231
ISSN :1112-4377 مجلة المعيار
السنة2222 : مجلد 24 :عدد22 :
ومن هنا بقي التأثري الرستمي األكثر حضورا يف اجملاالت املمتدة بني جبال الونشريس ووادي مينا طيلة القرنني الثاين والثالث
اهلجريني( ،)1وعلى هذا األساس؛ مثلت هذه املناطق ،اجملاالت الريفية للعاصمة الرستمية ،اليت توزعت يف أرجائها العديد
من اجلماعات القبلية التابعة للدولة الرستمية .ومن بني هذه القبائل اليت استقرت فيها ،قبيلة منداس ،وهي قبل تأسيس مدينة
تاهرت ،كانت رفقة قبيلة صنهاجة متتلكان املوقع الذي بنيت عليه العاصمة الرستمية ،فقام عبد الرمحن بن رستم باالتفاق معهما،
على أن يعطي هلما خراج األسواق ،مقابل السماح ألتباعه باختطاط املدينة( ،)2ويبدو أن قبيلة منداس بعد بناء املدينة انزاحت عن
عن جبل قزول ،ومتركز وجودها يف التلول املعروفة بامسها مشال مدينة تاهرت( .)3ويف جنوب هذه التلول أيضا استقرت قبيلة مطماطة
مطماطة يف النواحي الشرقية والشمالية منها( ،)4وجباورها متركزت قبيلة زناتة اليت اعتنقت مجاعات منها االعتزال ،واشتهروا بلفظ
الواصلية(نسبة إىل واصل بن عطاء)( .)5ويف غرب مدينة تاهرت ،استقرت قبيلة زواغة قرب وادي مينا(،)6
وعلى الرغم من والء هذه القبائل ألئمة الدولة الرستمية يف غالب األحيان ،إال أن منطق القبلية بقي متحكما يف تسري شؤوهنا،
حيث شكلت هذه اجلماعات مع ما جورها من القبائل األخرى ،خاصة اليت توزعت يف سهل السرسو ،مثل مكناسة ،ولواتة،
وهوارة( )7كيانات اجتماعية ،متيزت بتقدمي الوالء الداخلي على اخلارجي؛ وهو ما جعل للمجال الريفي مركز قوة نابع من خالل
العصبية القبيلة اليت جعلت عالقة القبائل حبكام الدولة يف العديد من أطوار التاريخ الرستمي خترج عن نطاق السيطرة ،متسببة يف
انتفاضات قبلية(.)8
ولذلك كانت سياسة الرستميني اجتاههم تعتمد على التقدير الظريف يف كيفية التعامل معهم ،ففي بعض األحيان نظروا إليهم
كمصدر يهدد قيام دولتهم ،ويتضح هذا يف السياسة اليت انتهجها اإلمام أفلح بن عبد الوهاب(201-251ه112-122/م)
للحد من قوة القبائل اجملاورة له ،قال ابن الصغري(تـ .بعد261هـ651/م) ":وكانت القبائل املنتشرة حول مدينة تاهرت ملا اكتسبت
األموال ،واختذت العبيد واخليول ،قد ناهلا من الكرب ما نال أهل املدينة حىت خاف أفلح أن جتتمع األيدي عليه ،فتزيل ملكه ،فلما
رأى ذلك أرش (حرش) ما بني كل قبيلة وجماورها ،فأرش بني لواتة وزناتة ،وما بني لواتة ومطماطة .)9("...ويف أحيانا أخرى جلأوا
جلأوا إليهم كمعارضني ،ومن ذلك ما فعله يعقوب بن أفلح عندما توىل أبو حامت بن أيب اليقظان اإلمامة سنة 216ه161/م،
( )1اليعقويب (أمحد بن أيب إسحاق) ،البلدان ،وضع حواشيه ،ممد أمني ضناوي ،دار الكتب العلمية ،بريوت -لبنان ،د.ت ،ص.660
( )2البكري ،املصدر السابق ،ج ،2ص205؛ الدرجيين (أبو العباس أمحد بن سعيد) ،كتاب طبقات املشائخ باملغرب ،حتقيق :إبراهيم طالي ،مطبعة البعث ،قسنطينة-
اجلزائر6611 ،م ،ج ،6ص.11
( )3ابن خلدون ،املصدر السابق ،ج ،6ص601؛ ممود إمساعيل ،املرجع السابق ،ص.616
( )4ابن خلدون ،املصدر السابق ،ج ،6ص.661
( )5أبو زكرياء ،املصدر السابق ،ص652؛ ابن خلدون ،املصدر السابق ،ج ،6ص ،601ج ،1ص.61
( )6ابن الصغري ،املصدر السابق ،ص.655
( )7البكري ،املصدر السابق ،ج ،2ص216؛ ابن خلدون ،املصدر السابق ،ج ،6ص.601
( )8ابن الصغري ،املصدر السابق ،ص ،11-10 ،11-16أبو زكرياء ،املصدر السابق ،ص652؛ ممود إمساعيل ،املرجع السابق ،ص.611-615
( )9ابن الصغري ،أخبار األئمة الرستميني ،حتقيق :ممد ناصر وإبراهيم حباز ،املطبوعات اجلميلة ،اجلزائر6616 ،م ،ص.06-00
231
ISSN :1112-4377 مجلة المعيار
السنة2222 : مجلد 24 :عدد22 :
رحل عن مدينة تاهرت ،وجلأ عند قبيلة زواغة بالقرب من وادي مينا( ،)1معتزال التدخل يف شؤون احلكم الرستمي إىل أن استطاعت
(216-212ه-160/ استطاعت اجلبهة املعارضة أليب حامت استقدامه إىل املدينة ،فقام حاكما عليها ملدة أربع سنوات
166م(.)2
-1الصراع المذهبي فيما بين الونشريس ووادي مينا خالل العهد الفاطمي:
وجد أبو عبد اهلل الشيعي عندما مر جبيشه على مدينة تاهرت يف سنة 266ه656/م دولة ضعيفة ومفككة ،نتيجة التطاحن
على السلطة يف أواخر العهد الرستمي( ،)3فاستطاع اإلطاحة هبا ،والقضاء على حاكمها يقظان بن أيب اليقظان
(266-261ه656-651/م) ،ووىل على املدينة أبا محيد دواسا بن صوالت اللهيصي ،وإبراهيم بن ممد اهلواري،
مث أكمل سريه إىل سجلماسة من أجل إنقاذ عبيد اهلل املهدي وابنه أيب القاسم( .)4وبعد قيام الدولة الفاطمية يف 25ربيع اآلخر
261ه 6/جانفي 665م( ،)5اجتهت سياستها إىل ماولة فرض سلطاهنا ،ومذهبها الشيعي اإلمساعيلي ،وهذا ما أدى إىل
اصطدامها بالقوى املذهبية األخرى يف بالد املغرب.
برزت خالل هذه الفرتة قبيلة مطماطة اإلباضية يف تلول منداس اليت سيطرت على جمموعة من احلصون والقالع( ،)6وقد حاولت
حاولت يف سنة 261ه662-666/م مع بعض القبائل األخرى ،إعالن االنفصال السياسي ،مما عرضها حلملة عسكرية قادها
دواس بن صوالت ضدها ،فقام بإحلاق اهلزُية هبم ،وإعادة إخضاعهم لسلطة الفاطميني( .)7وأمام رفض القبائل املتوزعة فيما بني
الونشريس ووادي مينا للتوجه السياسي واملذهيب للفاطميني سعى عبيد اهلل املهدي(222-261ه622-665/م) لتهدئة
األوضاع؛ وذلك باستمالة أصحاب املذاهب املخالفة ،ففي سنة 256ه626/م أرسل جمموعة من الدعاة ،وأمرهم أن ينظروا يف
أحوال العامة ،فإن وجدوا منهم قبوال ،نشروا الدعوة اإلمساعيلية فيهم ،وكان من هؤالء الدعاة منيب بن سليمان املكناسي الذي
وجهه إىل جبال الونشريس ،غري أن دعوته املتطرفة ،جعلت سكان املنطقة ينفرون منها ،ويقتلون بعض أتباعها( .)8ويظهر أن الدعوة
( )1نفسه ،ص66؛ ابن خلدون ،املصدر السابق ،ج ،6ص601؛ الباروين (سليمان بن عبد اهلل) ،األزهار الرياضية يف أئمة وملوك األباضية :القسم الثاين ،حتقيق :كروم أمحد
بن محو وعمر بازين ،مكتبة الضامري ،ط ،2السيب-عمان ،2561 ،ص.150
( )2ابن الصغري ،املصدر السابق ،ص656-66؛ إبراهيم بكري حباز ،الدولة الرستمية دراسة يف األوضاع االقتصادية واحلياة الفكرية ،منشورات وزارت الشؤون الدينية واألوقاف،
ط ،1اجلزائر ،2560 ،ص.611
( )3عن األوضاع السياسية يف أواخر الدولة الرستمية .انظر :ابن الصغري ،املصدر السابق ،ص655-66؛ أبو زكرياء ،املصدر السابق ،ص662-616؛ حباز ،املرجع السابق،
ص.611-616
( )4أبو زكرياء ،املصدر السابق ،ص615-666؛ ابن عذاري املراكشي ،البيان املغرب يف أخبار األندلس واملغرب ،حتقيق :ج.س.كوالن وإ .ليفي بروفنسال ،دار الثقافة،
ط ،2بريوت-لبنان6612 ،م ،ج ،6ص.661
( )5القاضي النعمان (أبو حنيفة بن ممد التميمي املغريب) ،كتاب افتتاح الدعوة ،حتقيق :فرحات الدشراوي ،الشركة التونسية للتوزيع وديوان املطبوعات اجلامعية ،ط ،2تونس و
اجلزائر6616 ،م ،ص.266
( )6ابن خلدون ،املصدر السابق ،ج ،6ص662؛ الداعي إدريس (عماد الدين بن احلسن القرشي) ،تاريخ اخللفاء الفاطميني باملغرب القسم اخلاص من كتاب عيون األخبار،
حتقيق :ممد اليعالوي ،دار الغرب اإلسالمي ،بريوت-لبنان6610 ،م ،ص.225
( )7ابن خلدون ،املصدر السابق ،ج ،6ص.665
( )8ابن عذاري ،املصدر السابق ،ج ،6ص.610
231
ISSN :1112-4377 مجلة المعيار
السنة2222 : مجلد 24 :عدد22 :
الدعوة اإلمساعيلية على الرغم من الرفض العام الذي أظهرته القبائل هلا ،إال أهنا وجدت قبوال عند بعض الشخصيات باملنطقة ،منها
عبد اهلل بن إدريس املطماطي الذي ويل منصب كاتب اخلراج لعبيد اهلل املهدي(.)1
مث يف سنة 262ه620/م جتددت تدخالت ممد بن خزر زعيم قبيلة مغراوة الزناتية للسيطرة على منطقة تاهرت،
وذلك من خالل مساعدة "مجوع كثرية من قبائل زناتة ،وغريهم من الرببر أهل األطراف"( ،)2مما جعل اجليش الفاطمي بقيادة
موسى بن ممد الكتامي يتدخل ملواجهته ،فهرب ممد بن خزر حنو الصحراء ،وترك أخاه عبد اهلل بن خزر يف نواحي تاهرت ،فقام
هذا األخري هبزُية واليها يصل بن حبوس ،والسيطرة على املنطقة( .)3وقد أعقب هذا ،مترد عام باملغرب األوسط ،حتم على عبيد اهلل
اهلل املهدي أن جيهز جيشا ،ويكلف ابنه أبا القاسم بإعادة إخضاع القبائل العاصية( ،)4ويتضح الدور الذي قامت به قبيلة مطماطة
مطماطة يف هذا الصراع من خالل فتح حصوهنا للقبائل املتمردة حتت زعامة عبد اهلل بن خزر ،ولكن اجليش الفاطمي عندما وصل
إىل غرب الونشريس يف بداية ذي احلجة سنة 260ه/جانفي-فيفري621م ،استطاع اقتحام حصوهنا ،وهزُية املعتصمني هبا ،مما
جعل قبيلة مطماطة تقرر االستسالم ،وأما عبد اهلل بن خزر ففر إىل جنوب تاهرت( ،)5مث بعد ذلك قام اجليش الفاطمي بالعديد
من احلمالت العسكرية يف تلول منداس ،والنواحي احمليطة هبا ،أسفرت عن إخضاع اجلماعات املتمردة ،وملا اقرتب أبو القاسم من
مدينة تاهرت ،جاءته القبائل اإلباضية ،جمددة والءها له ،وهي :ملاية ،ومزاتة ،وزواغة ،ومكناسة ،وقصرية ،وهوارة(.)6
غري أن األوضاع باملغربني األوسط واألقصى سرعان ما ازدادت تأزما ،وذلك بعدما نصب األمري األموي
عبد الرمحن بن ممد(205-255ه666-662 /م) نفسه خليفة سنة 266ه626/م ،وتسمى بالناصر لدين اهلل ،وبدأ يدعو
األدارسة ،وزعماء القبائل املغربية للدخول يف طاعته( ،)7مما جعل العديد من املتمردين ،وزعماء القبائل يقدمون له الوالء ،ويتحالفون
مع اخلري ويتحالفون معه ضد الفاطميني؛ مثلما حدث سنة 221ه605/م ،حيث حتالف يعلى بن ممد زعيم قبيلة بين يفرن
بن ممد بن اخلزر املغراوي ،وقدما والءمها لعبد الرمحن الناصر ،مث متكنا من السيطرة على مدينة تاهرت( .)8ويف هذه السنة أيضا
شرع يعلى بن ممد يف ترسيخ وجوده كقوة ملية باملغربني األوسط واألقصى ،فقام بتأسيس مدينة افكان( ،)9اليت كانت سوقا
وقد استغلت بعض القبائل للقبائل الزناتية ،واختذها مركزا حلكمه ،وهذا؛ متهيدا للمشروع التوسعي الذي كان يسعى إليه(.)1
املتمركزة فيما بني الونشريس ووادي مينا قوته إلقامة حتاالفات معه ،واالستعانة به من أجل تصفية احلسابات مع بعضها البعض؛
وهو ما مسح لنا بالتعرف على اجلغرافية القبلية هلذه اجملاالت ،وما طرأ عليها من حتوالت.
عرفت هذه الفرتة بروز قبيلة بين وجدجين الزناتية اليت سيطرت على تلول منداس ،وبذلك دفعت قبيلة مطماطة إىل الونشريس
الغريب ،وأما قبيلة مغيلة فيبدو أهنا حافظت على مواطنها املمتدة إىل الشمال الغريب للونشريس( .)2ويف فرتة غري مددة،
ولكنها من املؤكد بعد سنة 221ه616/م ،دخل بنو وجدجين يف صراع مع جرياهنم من قبيلة لواتة ،مث حتالف زعيمهم عنان
مع شيخ قبيلة مغيلة كلمان بن حيايت ،وشيخ قبيلة مطماطة املعروف بغزانة ،ويعلى بن ممد اليفريين ،وطردوا لواتة من سهل
السرسو الغريب ،وسيطر بنو وجدجين ومطماطة عليه ،كما حدثت مواجهة أخرى ضد قبيلة زناتة ،جعلتها تلجأ إىل جبل كريكرة
جنوب مدينة تاهرت( ،)3وبذلك متكن يعلى بن ممد بفضل هذا التحالف بسط نفوذه على اجملاالت الريفية الشمالية ملدينة
تاهرت.
ويف سنة 215ه606/م وفد فتوح بن اخلري املغراوي مع مشيخة تاهرت ووهران على عبد الرمحن الناصر يف األندلس،
ومن غري املعروف؛ إن كان شيوخ القبائل السابق ذكرهم كانوا ضمن هذا الوفد أو ال؟ ولكن ما يهم ،أن عبد الرمحن الناصر
قام مبكافأهتم على والئهم له( ،)4وال شك أن هذه الزيارة ،مل تقتصر خمرجاهتا على تأكيد الوالء السياسي فقط،
وإمنا أيضا فتحت أبوابا للوالء املذهيب ،وهبذا االصطفاف عرضت هذه القبائل نفسها لصراع آخر ضد الفاطميني،
فبعد سبع سنوات استمر فيها نفوذ يعلى بن ممد على املنطقة املمتدة من تاهرت إىل طنجة ،قام القائد الفاطمي جوهر الصقلي
سنة 211ه601/م بقتله ،وختريب مدينة افكان ،وهذا يف إطار إعادة إخضاع املنطقة للسلطة الفاطمية(.)5
-4التحوالت المذهبية فيما بين الونشريس ووادي مينا:
تعترب اإلشارات املصدرية اليت حتدثت عن التحوالت املذهبية فيما بني الونشريس ووادي مينا قليلة جدا ،كما أهنا غري دقيقة
يف حتديد الفرتة الزمنية ،وال يف الكيفية اليت حتولت هبا معتقدات اجلاعات املذهبية املستقرة هبا ،فابن خلدون عندما تطرق حلملة
القائد الفاطمي غزوية بن يوسف على تاهرت سنة 261ه666-665/م ،وصف جانبا من آثارها فقال ...":فأمى يف مؤامرهتا
اإلباضية من ملاية ،وازداجة ،ولواتة ،ومكناسة ،ومطماطة ،ومحلهم على دين الرافضة ،وفسخ هبا دين اخلارجية حىت استحكم يف
عقائدهم"( ،)6غري أن الوقائع التارخيية تثبت أن اإلباضية استمر وجودها باملنطقة بعد هذا التاريخ.
( )1البكري ،املصدر السابق ،ج ،2ص261-262؛ Fournel, (P. H.), Les Berbères ( Etudes sur la Conquête de l’Afrique par les
Arabe, l’imprimerie Nationale, Paris,p292-293.
( )2ابن خلدون ،املصدر السابق ،ج ،6ص ،601ج ،1 ،ص.61-61 ،10-11
( )3نفسه ،ج ،1ص.61-61
( )4ابن عذاري ،املصدر السابق ،ج ،2ص261؛ ابن خلدون ،املصدر السابق،ج ،1ص.26
( )5ابن أيب زرع ،املصدر السابق ،ص.65
( )6ابن خلدون ،املصدر السابق ،ج ،6ص.665
211
ISSN :1112-4377 مجلة المعيار
السنة2222 : مجلد 24 :عدد22 :
( )1النويري (شهاب الدين أمحد بن عبد الوهاب) ،هناية األرب يف فنون األدب ،حقيق اجلزء :26-21جنيب مصطفى فواز وحكمت كشلي فواز ،دار الكتب العلمية،
بريوت-لبنان2551 ،م ،ج ،26-21ص.15
( )2اإلصطخري (أبو احلسن إبراهيم بن ممد الفارسي) ،املسالك واملمالك ،مطبعة بريل ،ليدن-هولندا6115 ،م ،ص.10 ،26
( )3أبو زكرياء ،املصدر السابق ،ص.260
( )4لإلطالع أكثر عن هذه الثورة .انظرPrevost, (V.), La révolte de Bagaya (358/969): le dernier soulèvement des ibadites :
maghrébins, Journal of Near Nastern Studies, Vol. 65, N.3, 2006, p207-206.
( )5أبو زكرياء ،املصدر السابق ،ص.611
( )6يرتبط هذا اجلبل من الناحية التضاريسية بسلسلة جبال مطماطة ،وأما إداريا فهو تابع لدائرة عزيز والية املدية .انظرFicheur (E.), Le crétacé inférieur :
،dans le massif des Matmatas (Alger), Bulletin de la Société Géologique de France, N.8 , 1900
( )7ابن خلدون ،املصدر السابق ،ج ،6ص ،610ج ،1ص.61
( )8مفاخر الرببر ،ص61-61؛ ابن خلدون ،املصدر السابق ،ج ،1ص.21-21
212
ISSN :1112-4377 مجلة المعيار
السنة2222 : مجلد 24 :عدد22 :
قائال ":وقد تغريت تاهرت عما كانت عليه ،ومجيع من قارهبا من الرببر يف وقتنا هذا فقراء بتواتر الفنت عليهم ،ودوام القحط ،وكثرة
القتل واملوت"(.)1
وقد صاحب هذه الفرتة خضوع إقليم تاهرت لوالة فاطميني ،أو زعامات قبلية فرضت على اجلماعات املذهبية املوجودة هبا
توجهات عقدية وفقهية خمالفة هلا؛ ويظهر هذا يف سياسة األمويني اليت مل تكتفي بالوالء السياسي ألتباعها يف بالد املغرب ،وإمنا
طالبتهم أيضا مبخالفة الشيعة ،وممارسة العبادات وفق املذهب املالكي ،مثل االتزام بإقامة صالة الرتاويح( ،)2اليت تعترب يف منظور
الفقه الشيعي اإلمساعيلي من البدع احملدثة( ،)3وهو ما مسح لألراء الفقهية املالكية باالنتشار على مستوى تطبيقي يف بالد املغرب.
إن الطرح الذي قدمه عالوة عمارة( )4عن اهلجرة اهلاللية ،واعتبارها كأحد العناصر املهمة يف تغيري الرتكيبة االجتماعية للجماعات
للجماعات اإلباضية يف إقليم الزابُ ،يكن أن جند ما يشبهه يف اجملاالت الريفية بني الونشريس ووادي مينا ،ولكن مع فروع جديدة
من القبائل الزناتية ،ومن أمهها قبيلة بين توجني اليت صنفها ابن خلدون ضمن الطبقة الثالثة ،تنحدر من بين واسني ،وهو األصل
املشرتك الذي تلتقي فيه مع بين مرين ،وبين عبد الواد ،وبين راشد( .)5متركزت معظم هذه الفروع يف بداية القرن 1ه65/م مبحاذاة
هنر ملوية ،حيث كانوا يعرفون ببين واسني ،ويعتنقون املذهب اإلباضي( .)6وملا ظهرت الدعوة األموية ببالد املغرب أخذوا هبا(،)7
ولـما كانوا تابعني لزعامات قبلية كربى من مكناسة باملغرب األقصى ،مث مغراوة ،وبين يفرن فيما بني تلمسان ووادي الشلف ،أدى
حتول هذه القبائل إىل املذهب السين ،إىل حتوهلم هم أيضا( .)8وبعد هتجري بلكني بن زيري للعديد من فروع بين يفرن ومغراوة إىل
املغرب األقصى سنة 266ه616/م ،استغلوا فرصة عدم وجود قوة فعلية تقف أمامهم "فتشعبت أحياؤهم ،وبطوهنم يف صحراء
املغرب األقصى واألوسط إىل بالد الزاب ،وما إليها من صحراء أفريقية"( .)9ويف خضم هذا ،بدأت قبيلة بين توجني حبكم طبيعتها
الرعوية تتجه جماالت انتجاعها مشاال إىل أن وصلت إىل سهل السرسو ،وذلك الستغالل ما يتمتع به من خصوبة األراضي ،ووفرة
املياه(.)10
()1ابن حوقل (أبو القاسم النصييب) ،كتاب صورة األرض ،دار مكتبة احلياة ،بريوت-لبنان6666 ،م ،ص.62
( )2ابن حيان(أبو مروان بن خلف القرطيب) ،املقتبس يف أخبار بلد األندلس ،حتقيق :عبد الرمحن علي حجي :دار الثقافة ،بريوت-لبنان6660 ،م ،ص.610-611
( )3القاضي النعمان (أبو حنيفة بن ممد التميمي املغريب) ،دعائم اإلسالم وذكر احلالل واحلرام والقضايا واألحكام ،حتقيق :آصف بن علي أصغر فيضي ،دار املعارف،
القاهرة-مصر6662 ،م ،ج ،6ص.262
( )4
Amara, op. cit., p121-131.
( )5ابن خلدون ،املصدر السابق ،ج ،1ص.16
( )6ابن حزم ،املصدر السابق ،ص162؛ ابن خلدون ،املصدر السابق ،ج ،1ص.11
( )7ابن حيان ،املصدر السابق ،تح :شامليتا ،ص.215
( )8ابن حزم ،املصدر السابق ،ص162؛ ابن حيان ،املصدر السابق ،تح :شامليتا ،ص215؛ وحسب ابن خلدون فإن قبيلة بين يفرن اليت كانت فيما بني تلمسان ووادي
الشلف ،وانزاحت بعد ذلك إىل املغرب األقصى ،انسلخت من أي إنتماءات خارجية ،قبل تأسيس يعلى بن ممد اليفرين إلمارته سنة 221ه616/م .انظر :املصدر السابق،
ج ،1ص.12 ،66
( )9نفسه ،ج ،1ص .16
( )10ابن حوقل ،املصدر السابق ،ص16؛ ابن خلدون ،املصدر السابق ،ج ،1ص250 ،11؛ Niox, op. cit., p55, 57.
211
ISSN :1112-4377 مجلة المعيار
السنة2222 : مجلد 24 :عدد22 :
ويف سنة 150ه6560/م مترد محاد بن بلكني على ابن أخيه األمري الزيري باديس بن املنصور(156-216ه-666/
6566م) وجلأ إىل النواحي الشرقية ملدينة تاهرت ،وملا وصل باديس جبيشه قرب هنر واصل (هنر الشلف األعلى) قدمت قبيلة بين
توجني الوالء له ،ونصروه يف املعركة اليت هزم فيها محاد بن بلكني ،وقد كافأ باديس بين توجني على وقوفهم جبانبه ،فأقرهم على
الغنائم اليت حتصلوا عليها يف املعركة ،وعني لقمان بن املعتز زعيما عليهم ،وأذن هلم يف امتالك األراضي ،مقابل إعالن تبعيتهم له(.)1
له(.)1
وقد استغلت قبيلة بين توجني هذا االمتياز ،فبدأت توسع نفوذها يف املنطقة على حساب القبائل اجملاورة هلا ،حيث اجتهت
سياسة زعمائها يف البداية إىل تثبيت وجودهم يف املنطقة مع احلفاظ على مناطقهم األوىل اليت امتدت جنوبا إىل جبال بين راشد
(جبال عمور حاليا( ،))2فاختذوا من هنر واصل جماال توزعوا على ضفافه ،مث وسعوا نفوذهم شرقا إىل جبل دراك بالقرب من املدية،
ومن الناحية الغربية أبعدوا بين وجدجين ،ومطماطة عن سهل السرسو الغريب ،وهو ما جعلهم يبسطون سيطرهتم على كامل هذا
السهل( .)3وأما يف اجلانب الشرقي لوادي مينا ،فقد ظهرت قبيلة بين وماتوا الزناتية ،وهي بدورها كانت تابعة لقبيليت مغراوة وبين
يفرن ،وملا هج را إىل املغرب األقصى ،بدأت تتوسع يف تلول منداس حىت وصلت حدودها الشمالية إىل بالد الشلف السفلى ،ومن
()4
ات" اليت تقع على احلدود بني عماري الناحية الشرقية عن تلول منداس بلغت منطقة "مرات" ،ولعلها هي املعروفة حاليا بـْ " :امر ْ
(والية تيسمسيلت) ،وسيدي احلسين (والية تيارت).
عدد من القبائل إىل أعايل جبال الونشريس ،ويظهر هذا من خالل نصني ذكرمها البكري (تـ. وقد نتج عن هذا التوسع نزوح ٍ
111ه6561/م) :األول أشار إىل أن مكناسة ومطماطة يستقران جبانب مدينة تاهرت ،والثاين جيعلهما موجودين يف الطريق
الذي يشق الونشريس الغريب وتلول منداس ،فيذكر أن الذهاب من الغزة إىل تاهرت يتطلب العبور إىل تامجوت على مضيق
مكناسة ،مث إىل سفح جبل تسيطر عليه قبيلة مطماطة( ،)5مث تاغريبت( .)6ويظهر أن النص األول يعود حملمد بن يوسف الوراق(تـ.
الوراق(تـ262 .ه611/م) صاحب كتاب "مسالك إفريقية وممالكها" الذي بىن البكري عليه كتابه ،والثاين يرجع إىل املعلومات اليت
مجعها املؤلف يف عصره .ونزحت إىل جبال الونشريس أيضا قبيلة هوارة ،بعد الثلث الثالث من القرن 1ه66/م ،وهذا بسبب
سيطرة قبيلة بين يلومي الزناتة على جبلها املعروف جببل هوارة يف نواحي معسكر ،وطردها منه( ،)7وقد جتاورت هذه القبائل يف
جبال الونشريس مع العديد من اجلماعات القبلية البرتية والربنسية(.)8
( )1ابن عذاري ،املصدر السابق ،ج ،6ص260-261؛ ابن اخلطيب ،املصدر السابق ،ص12-16؛ ابن خلدون ،املصدر السابق ،ج ،ص،256ج ،1ص.256
()2
Gautier, op. cit., p222.
( )3ابن خلدون ،املصدر السابق ،ج ،1ص .256-250
( )4نفسه ،ج ،1ص.11
( )5يوجد يف منطقة عمي موسى ،وامللعب بالونشريس الغريب إىل اليوم عرش ينتسب إىل مكناسة ،وأماكن معروفة باسم :تامجوت ،ومطماطة .انظر :حلسن ممد ،عني طارق
من ما قبل التاريخ إىل االستقالل-تاريخ خمتصر(الشكالة ،مكناسة ،ماريوة) ،دار أم الكتاب ،مستغامن-اجلزائر2562 ،م ،ص.600 ،61
( )6البكري ،املصدر السابق ،ج ،2ص.211
( )7ابن خلدون ،املصدر السابق ،ج ،1ص.11
( )8اإلدريسي ،املصدر السابق ،ج ،6ص.202
213
ISSN :1112-4377 مجلة المعيار
السنة2222 : مجلد 24 :عدد22 :
واجلدير باإلشارة هنا ،ما أشار إليه ابن خلدون( )1من ختصص بعض الشخصيات يف علم األنساب ينحدرون من قبيلة مطماطة
اليت تستقر بالونشريس الغريب ،منهم كهالن بن أيب لوا بن يصالصن ،وسابق بن سليمان املطماطي ،الذي نقل بعض آرائه عندما
حتدث عن أصول القبائل الرببرية .فهل ُيكن أن تكون دواعي ختصصهم ،نابعة من احلفاظ على اهلوية العرقية لقبائلهم؟ وإعادة بناء
ذاكرهتم من خالل تدوين أنساهبم ،وما اتصل هبا من أخبار ماضيهم؟ .يبدو أن هذا الرأي؛ ال يستبعد يف ظل جتاور العديد من
اجلماعات القبلية املختلفة.
إن ما ُيكن استنتاجه عن القبائل ذات التاريخ اإلباضي اليت استقرت بالونشريس وما جاوره ،وهي :لواتة ،وهوارة ،ومطماطة،
ومكناسة ،أهنا مل تربز فيها شخصيات إباضية قوية ،عملت على ترسيخ انتمائها املذهيب ،وإعادة هيكلتها لتكون حتت زعامة
سياسية ودينية موحدة ،مثلما حدث يف املناطق اإلباضية األخرى ،كوارجالن ،وأريغ ،وجربة ،وجبل نفوسة(،)2خاصة بعد اختالطها
اختالطها مبجموعات قبلية أخرى مما صعب حدوث هذا األمر ،وكذلك والء بعضها لألمويني يف األندلس(،)3مما جعل هذا األمر،
يتحول إىل والء مذهيب ،يكونون فيه مطالبني بتبين اآلراء الفقهية املالكية ،وهذا ما جيعل الفرضية األنسب لتحوهلا املذهيب ،هو
تقبلها بصفة تدرجيية ،وبطيئة لالجتاه السين املالكي ،مث اندماجها بعد ذلك يف املنظومة الصوفية اليت متكنت من التغلغل يف البىن
االجتماعية للتجمعات القبيلة ،وهبذا انتقلت القبائل املتمركزة فيما بني الونشريس ووادي مينا ملرحلة جديدة متيزت بسيطرة املرجعية
املالكية ،والصوفية على كافة املمارسات الدينية.
-5انتشار التصوف فيما بين الونشريس ووادي مينا:
قبل احلديث عن احلركة الصوفية يف اجملاالت الريفية املمتدة بني الونشريس ووادي مينا ،ال بد من اإلشارة إىل أن جذورها
متتد ضمن السياق التارخيي باملغرب األوسط جملموعة من العوامل الدينية ،واالجتماعية ،والسياسية ،واالقتصادية،
اليت بدأت ترتاكم فيما بينها ،وشكلت أرضا خصبة النتشار التيارات الصوفية القادمة من املشرق اإلسالمي( .)4ولعل من أهم هذه
العوامل تأثريا يف منطقة تاهرت ،الفكر الزهدي والوعظي الذي عمل اإلباضية على نشره خالل العهد الرستمي(،)5وهو ما ترك آثارا
آثارا عميقة يف الذهنيات والسلوكيات ،واملتأمل يف رحلة عودة املهدي بن تومرت من املشرق ،ومروره ببعض مناطق حوض الشلف
والونشريس ،جيد افتتان العامة مبا كان يظهره من تقشف ،وزهد ،وورع ،حىت أن أحد الشخصيات العلمية ،وهو أبو ممد عبد اهلل
بن مسن الونشريسي املكىن بالبشري(تـ021.ه6625/م) ،انضم إىل مجاعته ،وقرر التوجه معه إىل املغرب األقصى(.)1
وكذلك ما أشار إليه بعض الباحثني( )2من جلوء بعض القبائل الضعيفة سياسيا واقتصاديا إىل رفع مكانة الصلحاء يف منظومتها
االجتماعية ،كنوع من تعزيز قوهتا دينيا ،واحلفاظ على كينونتها من أجل البقاء واالستمرار .وعند استقراء النصوص التارخيية اخلاصة
باملنطقة جندها تدعم هذه الرؤية ،وإن كانت بدايتها تظهر بصفة متشمة ،ففي النصف الثاين من القرن 6ه62/م قدم أحد
الشخصيات املعروفة بعبد الصمد بن ممد إىل منطقة الشلف؛ وذلك بعد زوال ملك أسرته بين خزرون ملوك طرابلس الغرب،
واستقر عند بقايا فروع قبيلة مغراوة ،فقام مبصاهرهتم ،والعيش بينهم ،وكان له العديد من األوالد ،اشتهر منهم أبو ناس الذي كان
من الصلحاء املشهورين بالعبادة واخلريية ،فـعلت مكانته الدينية بني قومه ،ويبدو أن نفوذه الروحي امتد أيضا إىل قبيلة بين وماتوا يف
شرق وادي مينا ،وذلك بعد مصاهرته ألحد أبناء ماخوخ زعماء هذه القبيلة ،وملا قامت الدولة املوحدية وهبوا له إقطاعا بوادي
الشلف ،وعاملوه باحرتام شديد ،وبذلك شكل أبو ناس بن عبد الصمد مهزة وصل بني املوحدين الذين استغلوا مكانته الدينية من
أجل بسط سلطاهنم على القبائل اليت كان له نفوذ روحي عليها ومن جهة أخرى استطاع أبو ناس الدخول يف مرحلة مهادنة مع
املوحدين مكنته من مجع فروع قبيلة مغرواة اليت كانت تعرف ضعفا نتيجة احلروب والصراعات اليت خاضتها ضد الفاطميني
والصنهاجيني(.)3
وبعد ذلك عرفت احلركة الصوفية بالونشريس يف القرن 1ه62/م ،تطورا ملحوظا ،جعلت منه مركزا للصلحاء( ،)4كما ظهرت
أنواع متعددة من املمارسات الصوفية اليت عمقت النظرة التبجيلية للصلحاء يف إطار ما يسمى بكرامة األولياء ،وجعلت العامة
تعتقد فيهم قدرات خارقة تدفع عنهم كافة أنواع األذى والشرور( .)5ومما ساهم يف ترسيخ هذا االنتماء خالل هذه الفرتة ،بروز
مدينة مازونة اليت شكلت بعد ختريب مدينة تاهرت علي يد جيش ابن غانية سنة 650ه6251/م( ،)6حاضرة جديدة عملت
على نشر الفقه املالكي والتصوف يف اجملاالت الريفية املتصلة هبا؛ وُيكن أن نالحظ هذا يف كتاب صلحاء وادي الشلف ملوسى بن
( )1البيذق (أبو بكر بن علي الصنهاجي) ،أخبار املهدي بن تومرت و بداية دولة املوحدين ،دار املنصور للطباعة و الوراقة ،الرباط-املغرب6616 ،م ،ص66؛ ابن أيب زرع،
املصدر السابق ،ص.612
( )2بونايب الطاهر ،احلركة الصوفية باملغرب األوسط خالل القرنني الثامن والتاسع اهلجريني 60-61/امليالديني ،أطروحة دكتوراه العلوم يف التاريخ اإلسالمي الوسيط ،قسم
التاريخ ،جامعة اجلزائر 2556/2551 ،2م ،ص260؛ علواين صاحل ،انتشار الوالية يف بالد القبائل الرحل وتشكل قبائل مرابطية ما بني القرنني السابع والتاسع اهلجريني/
القرنني السابع والتاسع ميالديني ،جملة إنسانيات ،العدد ،66-65 :أفريل-سبتمرب2562م ،ص.621
( )3ابن خلدون ،املصدر السابق ،ج ،1ص.16
( )4ابن مرزوق(أبو عبد اهلل ممد بن أمحد التلمساين) ،املناقب املرزوقية ،دراسة وحتقيق :سلوى الزاهري ،منشورات وزارة األوقاف والشؤون اإلسالمية ،املغرب2551 ،م،
ص.211
( )5املازوين (أبو عمران موسى بن عيسى املغيلي) ،صلحاء وادي الشلف ،دراسة وحتقيق :غرداوي نور الدين ،دار اخللدونية ،اجلزائر ،2561 ،ص-106 ،216-610
.166
( )6املراكشي(أبو ممد عبد الواحد بن علي) ،املعجب يف تلخيص أخبار املغرب ،شرحه واعتىن به :صالح الدين اهلواري ،املكتبة العصرية ،بريوت-لبنان2556 ،م،
ص216؛ ابن خلدون ،املصدر السابق ،ج ،6ص.210
211
ISSN :1112-4377 مجلة المعيار
السنة2222 : مجلد 24 :عدد22 :
عيسى املازوين (ق1ه61/م)( )1من انتشار الواسع للتصوف يف اجلهات اجلنوبية ملدينة مازونة وصوال إىل أعايل الونشريس خالل
القرن 1ه62/م ،وظهور العديد من الشخصيات الصوفية والعلمية ،كما هو مبني يف اجلدول التايل:
الصفحة من كتاب الفترة التي عاش فيها بالتقريب مكان االستقرار االسم
الصلحاء
ص.666 كان مدفونا يف مسجد ينسب مازونة أبو ماتع
إليه مبازونة خالل القرن 1ه/
62م.
ص.665-616 القرن 1ه. نواحي جبل أبو يكىن
وافرشان
ص.220 القرن1ه. - أبو جنان
ص.216-610 القرن 1ه. جبل وافرشان عند أبو البيان واضح بن عاصم
قبيلة مكناسة املكناسي
ص106،662-665 عاش بني النصف الثاين جبل وافرشان الشيخ عزوز
.166- من القرن 1ه62/م والثلث مث مازونة
األول من القرن1ه61/م.
ص.225-220 عاش بني النصف الثاين جبل الونشريس أبو مهدي عيسى بن فكرون
من القرن 1ه62/م والنصف (دفني منطقة متالحت)2
الثاين من القرن1ه61/م.
ص.266 عاش بني النصف الثاين - على بن ممد بن مشرة
من القرن 1ه62/م والنصف
الثاين من القرن1ه61/م.
ص،251 ،616 عاش بني النصف الثاين - أبو ممد عبد اهلل بن يوسف
.216 ،215 من القرن 1ه62/م والنصف
الثاين من القرن1ه61/م.
جدول يوضح الشخصيات الصوفية والعلمية في المنطقة الممتدة ما بين مدينة مازونة وجبال الونشريس
من خالل كتاب صلحاء وادي الشلف
خاتمة :نتائج الدراسة
من خالل ما سبق ذكرهُ ،يكن إمجال النتائج اليت توصل إليها البحث يف النقاط التالية:
أ-عرفت اجملاالت الريفية فيما بني الونشريس ووادي مينا انتشار عقائد اإلباضية والصفرية يف القرن 2ه1/م ،وذلك من خالل
القبائل الرحل الذين اعتنقوا هذين املذهبني ،ونشروه فيما بينهم ،ضمن اجملاالت اليت كانوا ينتجعوهنا باملغرب الوسط ،ويف هذا
السياق ُيكن تفسري وصول هذه العقائد إىل سهل السرسو ،وتلول منداس ،وحوض الشلف األدين.
ب-تأسست إمارة أيب قرة املغيلي يف اجلهة الغربية للمغرب األوسط ،حيث امتد نفوذها من تلمسان غربا إىل قبيلة مغيلة بالونشريس
شرقا.
ج-مثلت املناطق املمتدة فيما بني الونشريس ووادي مينا خالل احلكم الرستمي ،اجملاالت الريفية للعاصمة الرستمية ،حيث استقرت
فيها العديد من اجلماعات القبلية ،كمنداس ،ومطماطة ،وزواغة ،وزناتة اليت اشتهرت مجاعات منها باعتناق املذهب الواصلي
املعتزيل.
د-على الرغم من سيطرة الدولة الرستمية على اجملاالت الريفية احمليطة مبدينة تاهرت ،إال أن القبائل اليت كانت متوزعة فيها مل تكن
عالقاهتا دئما يف أحسن األحوال.
ه-بعد سقوط احلكم الرستمي على يد الفاطميني ،دخلت املنطقة يف فوضى عارمة متيزت مبحاولة الفاطميني واألمويني ،السيطرة
على القبائل املتمركزة يف إقليم تاهرت ،وذلك من خالل إخضاعها سياسيا ،ومذهبيا.
و-ابتداء من النصف الثاين من القرن 1ه65 /م ،بدأت املنطقة تشهد حتوالت مذهبية عميقة وبطيئة حنو اعتناق التوجه السين
املالكي .وقد صاحب هذه العملية تغريات يف اجلغرافية القبلية ،وذلك من خالل سيطرة قبيلة بين توجني وبين وماتوا على تلول
منداس واملناطق اجملاورة هلا ،مما دفع بالعديد من القبائل إىل النزوح إىل الونشريس.
ز-شهدت املنطقة خالل القرنني السادس والسابع اهلجريني 62/و62م بروز التصوف كظاهرة اجتماعية ،متيزت برفع مكانة
الصلحاء ،مث إحاطتها بالعديد من املمارسات ،واالعتقادات الدينية ،اليت عمقت النظر التبجيلية هلا.
-قائمة المصادر والمراجع:
أ-المصادر:
-اإلدريسي (أبو عبد اهلل ممد الشريف) ،كتاب نزهة املشتاق يف اخرتاق اآلفاق ،مكتبة الثقافة الدينية ،القاهرة -مصر،
2552م.
-اإلصطخري (أبو احلسن إبراهيم بن ممد الفارسي) ،املسالك واملمالك ،مطبعة بريل ،ليدن-هولندا6115 ،م.
)-الداعي( إدريس (عماد الدين بن احلسن القرشي) ،تاريخ اخللفاء الفاطميني باملغرب القسم اخلاص من كتاب عيون األخبار،
حتقيق :ممد اليعالوي ،دار الغرب اإلسالمي ،بريوت-لبنان6610 ،م.
-البغطوري (مقرين بن ممد النفوسي) ،روايات األشياخ :أشياخ جبل نفوسة الشهري بسري البغطوري ،حتقيق :عمر بوعصبانة،
مكتبة خزائن اآلثار ،بركاء-عمان2561 ،م.
-البكري (أبو عبيد عبد اهلل بن عبد العزيز) ،املسالك واملمالك ،حققه ووضع حواشيه :مجال طلبة ،دار الكتب العلمية ،بريوت-
لبنان2552 ،م.
-البيذق (أبو بكر بن علي الصنهاجي) ،أخبار املهدي بن تومرت وبداية دولة املوحدين ،دار املنصور للطباعة والوراقة ،الرباط-
املغرب6616 ،م.
211
ISSN :1112-4377 مجلة المعيار
السنة2222 : مجلد 24 :عدد22 :
-ابن محاد (أبو عبد اهلل ممد بن علي الصنهاجي) ،أخبار ملوك بين عبيد وسريهتم ،حتقيق ودراسة :التهامي نقرة وعبد احلليم
عويس ،دار العدالة ،القاهرة-مصر ،د.ت.
-ابن حوقل (أبو القاسم النصييب) ،كتاب صورة األرض ،دار مكتبة احلياة ،بريوت-لبنان6666 ،م.
-ابن حيان (أبو مروان بن خلف القرطيب) ،املقتبس يف أخبار بلد األندلس ،اعتىن بنشره :ب .شامليتا ،املعهد اإلسباين العريب
للثقافة ،مدريد-إسبانيا6616 ،م.
-ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ،املقتبس يف أخبار بلد األندلس ،حتقيق :عبد الرمحن علي حجي :دار الثقافة ،بريوت-لبنان6660 ،م.
-ابن اخلطيب (لسان الدين ممد بن عبد اهلل) ،تاريخ املغرب العريب يف العصر الوسيط (القسم الثالث من كتاب أعمال األعالم)،
حتقيق وتعليق :أمحد خمتار العبادي وممد إبراهيم الكتاين ،دار الكتاب ،الدار البيضاء-املغرب6661 ،م.
-ابن خلدون عبد الرمحن ،العرب وديوان املبتدأ واخلرب يف تاريخ العرب والرببر ومن عاصرهم من ذوي الشأن األكرب ،دار الفكر،
بريوت – لبنان2555 ،م.
-الدرجيين (أبو العباس أمحد بن سعيد) ،كتاب طبقات املشائخ باملغرب ،حتقيق :إبراهيم طالي ،مطبعة البعث ،قسنطينة -اجلزائر،
6611م.
-ابن أيب زرع (علي بن عبد اهلل الفاسي) ،األنيس املطرب بروض القرطاس يف أخبار ملوك املغرب وتاريخ مدينة فاس ،دار املنصور
للطباعة والوراقة ،الرباط-املغرب6612 ،م.
-أبو زكرياء (حيي بن أيب بكر) ،كتاب سري األئمة وأخبارهم املعروف بتاريخ أيب زكرياء ،حققه ووضع حواشيه :إمساعيل العريب،
ديوان املطبوعات اجلامعية ،ط ،2اجلزائر6611 ،م.
-ابن الصغري ،أخبار األئمة الرستميني ،حتقيق :ممد ناصر وإبراهيم حباز ،املطبوعات اجلميلة ،اجلزائر6616 ،م.
-ابن عذاري املراكشي ،البيان املغرب يف أخبار األندلس واملغرب ،حتقيق :ج.س.كوالن وإ .ليفي بروفنسال ،دار الثقافة ،ط،2
بريوت-لبنان6612 ،م.
-مؤلف جمهول ،مفاخر الرببر ،دراسة وحتقيق :عبد القادر بوباية ،دار أيب رقراق ،الرباط-املغرب.2550 ،
-املراكشي(أبو ممد عبد الواحد بن علي) ،املعجب يف تلخيص أخبار املغرب ،شرحه واعتىن به :صالح الدين اهلواري ،املكتبة
العصرية ،بريوت-لبنان2556 ،م.
-ابن مرزوق(أبو عبد اهلل ممد بن أمحد التلمساين) ،املناقب املرزوقية ،دراسة وحتقيق :سلوى الزاهري ،منشورات وزارة األوقاف
والشؤون اإلسالمية ،الرباط-املغرب2551 ،م.
-املازوين (أبو عمران موسى بن عيسى املغيلي) ،صلحاء وادي الشلف ،دراسة وحتقيق :غرداوي نور الدين ،دار اخللدونية ،اجلزائر،
.2561
-املقدسي (أبو عبد اهلل ممد بن أمحد) ،كتاب أحسن التقاسيم يف معرفة األقاليم ،ط ،2مطبعة بريل ،ليدن6656 ،م.
211
ISSN :1112-4377 مجلة المعيار
السنة2222 : مجلد 24 :عدد22 :
)-القاضي( النعمان (أبو حنيفة بن ممد التميمي املغريب) ،كتاب افتتاح الدعوة ،حتقيق :فرحات الدشراوي ،الشركة التونسية للتوزيع
وديوان املطبوعات اجلامعية ،ط ،2تونس و اجلزائر6616 ،م.
-ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ،دعائم اإلسالم وذكر احلالل واحلرام والقضايا واألحكام ،حتقيق :آصف بن علي أصغر فيضي،
دار املعارف ،القاهرة-مصر6662 ،م.
-النويري (شهاب الدين أمحد بن عبد الوهاب) ،هناية األرب يف فنون األدب ،حقيق اجلزء :26-21جنيب مصطفى فواز
وحكمت كشلي فواز ،دار الكتب العلمية ،بريوت-لبنان2551 ،م.
-اليعقويب (أمحد بن أيب إسحاق) ،البلدان ،وضع حواشيه ،ممد أمني ضناوي ،دار الكتب العلمية ،بريوت -لبنان ،د.ت.
ب-الدراسات باللغة العربية:
-إبراهيم بكري حباز ،الدولة الرستمية دراسة يف األوضاع االقتصادية واحلياة الفكرية ،منشورات وزارت الشؤون الدينية واألوقاف،
ط ،1اجلزائر.2560 ،
-الباروين (سليمان بن عبد اهلل) ،األزهار الرياضية يف أئمة وملوك األباضية :القسم الثاين ،حتقيق :كروم أمحد بن محو وعمر بازين،
مكتبة الضامري ،ط ،2السيب-عمان.2561 ،
-بونايب الطاهر ،التصوف يف اجلزائر خالل القرنني 6و 1اهلجريني 62 /و 62امليالديني :نشأته –تياراته-دوره االجتماعي والثقايف
والفكري والسياسي ،عني مليلة-اجلزائر2551 ،م.
-ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ،احلركة الصوفية باملغرب األوسط خالل القرنني الثامن والتاسع اهلجريني 60-61/امليالديني ،أطروحة دكتوراه
العلوم يف التاريخ اإلسالمي الوسيط ،قسم التاريخ ،جامعة اجلزائر 2556/2551 ،2م.
-خليفات عوض ،نشأة احلركة اإلباضية ،املطابع الذهبية ،مسقط-عمان2552 ،م.
-بن داهية عدة ،معسكر عرب التاريخ ،دار اخللدونية ،اجلزائر2550 ،م.
-شرايف سحنون ،دراسة منوغرافية حلوض الشلف يف العهد الروماين (126-15م) ،مذكرة لنيل شهادة املاجستري يف التاريخ
القدمي ،قسم التاريخ ،جامعة اجلزائر2566-2565 ،2م.
-علواين صاحل ،انتشار الوالية يف بالد القبائل الرحل وتشكل قبائل مرابطية ما بني القرنني السابع والتاسع اهلجريني /القرنني السابع
والتاسع ميالديني ،جملة إنسانيات ،العدد ،66-65 :أفريل-سبتمرب2562م.
-بن عمر عالل ،إنتاج الفكر اإلباضي يف احلواضر الصحراوية لبالد املغرب اإلسالمي وانتقاله من القرن 2ه6/م إىل القرن
6ه60/م :دراسة مذهبية -ثقافية ،أطروحة مقدمة لنيل شهادة الدكتوراه العلوم يف التاريخ الوسيط ،جامعة غرداية-2561 ،
.2561
-حلسن ممد ،عني طارق من ما قبل التاريخ إىل االستقالل-تاريخ خمتصر (الشكالة ،مكناسة ،ماريوة) ،دار أم الكتاب ،مستغامن-
اجلزائر2562 ،م.
211
ISSN :1112-4377 مجلة المعيار
2222 :السنة 22 : عدد24 :مجلد
،املغرب- الدار البيضاء، دار الثقافة، اخلوارج يف بالد املغرب حىت منتصف القرن الرابع اهلجري،ممود إمساعيل ع بد الرازق-
.م6610
.م6611 ، اجلزائر، املطبعة العربية، جغرافية القطر اجلزائري للناشئة اإلسالمية،املدين أمحد توفيق-
/ه112-266 ( اإلباضية يف املغرب األوسط منذ سقوط الدولة الرستمية إىل هجرة بين هالل إىل بالد املغرب،مزهودي مسعود-
.م6666 ،اجلزائر- غرداية، املطبعة العربية،) م6501-656
.م2552 ، ليبيا، مؤسسة توالت الثقافية،جبل نفوسة منذ انتشار اإلسالم حىت هجرة بين هالل،ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــ-
:الدراسات باللغة األجنبية-ج
-Amara (A.), Entre le massif de l’Aurès et les oasis: apparition, évolution et disparition des
communautés ibâḍites du Zâb (VIIIe-XIVe siècle), Revue des Mondes Musulmans et de la
Méditerranée, N. 132, 2012.
-Barlette (H.), Monographie de la région de Tiaret, Bulletin de la société de géographie
d’Alger et de l’Afrique de Nord, 3é trimestre, 1912.
-Basset (R.), Étude sur la Zenatia de l’Ouarsenis et de Maghreb central, Ernest Leroux ,
Éditeur, Paris, 1895.
-Bugéja (M) et Rousseau, Le Serssou, Bulletin de la société de géographie d’Alger et de
l’Afrique de Nord, 3é trimestre, 1904.
-Ficheur (E.), Le crétacé inférieur dans le massif des Matmatas (Alger), Bulletin de la
Société Géologique de France, N.8 , 1900.
-Fournel, (P. H.), Les Berbères (Etudes sur la Conquête de l’Afrique par les Arabe),
l’imprimerie Nationale, Paris.
-Gautier (E.F.), Le passé de l’Afrique du Nord – les siècles obscures -, Payot, Paris, 1937.
-Lacroix (N.), Les groupements indigènes de la commune mixte du Djendel, Revue
Africaine, N. 272-273, 1909.
-Niox (C.), Algérie: Géographie physique, Imprimerie L. Baudoin, Paris, 1884.
-Perrin (R.), Le Sersou: Etude de géographie humaine (Premier article), Méditerranée, 1e
année, N.2-3, 1960.
-Prevost, (V.), La révolte de Bagaya (358/969): le dernier soulèvement des ibadites
maghrébins, Journal of Near Nastern Studies, Vol. 65, N.3, 2006.
-Sari (DJ.), Les populations de l’Ouarsenis central, Méditerranée, T. 11, N.3-4, 1973.
211