You are on page 1of 73

‫البحث عن ال�سعادة الأبدية ‪ -‬الر�سالة التا�سعة‬

‫‪1‬‬
‫البحث عن ال�سعادة الأبدية ‪ -‬الر�سالة التا�سعة‬
‫‪2‬‬
‫الفهر�س‬
‫ف�صل‪ :‬بيان ملة �إبراهيم‬
‫الأ�صول التي قامت عليها هذه امللة احلنيفية‬
‫ف�صل‪ :‬يف ذكر ما جاء يف كالم �أئمة الدعوة ـ رحمهم اهلل ـ من تكفري الطواغيت‬
‫واملجادلني عنهم‪ ،‬ومن توالهم‬
‫ف�صل‪ :‬يف ذكر ما عقد من جمامع وم�ؤمترات التحريف‪ ،‬ودور علماء ال�سلطة‬
‫يف العمل لهذا التحريف‬
‫بيان �أن هذه املجامع ما هي �إال �صورة من تلك املجامع التي عقدت يف عهد‬
‫ق�سطنطني لتحريف دين امل�سيح عليه ال�سالم‬
‫ما �ضبط من الفتاوى القدمية عن ه�ؤالء العلماء‪ ،‬مما يدل وي�ستدل به على‬
‫نق�ضهم للملة وحتريفهم للدين‬
‫تالعب املجرمني القائمني على هذه املجامع مب�سمياتها ومقا�صدها‪ ،‬ومن‬
‫م�سمى التقارب والتعاي�ش �إىل م�سمى احلوار للتلبي�س على النا�س وتغيري‬
‫احلقائق حتى التكون هناك نفرة منها‬
‫ً‬
‫طاغوتا من طواغيت العامل‪،‬‬ ‫الردة الأوىل التي ارتدت بها هذه الدولة‪ :‬يف كونها‬
‫ً‬
‫دوليا وع�ضو ًا من �أع�ضاء املجل�س الت�شريعي العاملي (منظمة الأمم‬ ‫ً‬
‫وم�شرعا‬
‫املتحدة)‬
‫ما بلغ بهم من املكر ال�سيء يف طم�س احلقائق يف كيدهم لكثري من العلماء‬
‫والذي كان �آخرهم عامل الق�صيم عبداهلل الغنيمان‪ .‬وما �أ�صدره من الفتاوى‬
‫التي جاءت بتعريتهم وبيان كفرهم‪ .‬ومن هم على �شاكلتهم‪....‬‬
‫الردة الثانية‪ :‬يف حكمهم بغري ما �أنزل اهلل يف املحيط الإقليمي والعاملي‬
‫وجماهرتهم بذلك‬
‫الردة الثالثة‪ :‬فيه حتاكمهم �إىل الطاغوت و�أخذ املواثيق والعهود العلنية‬
‫البحث عن ال�سعادة الأبدية ‪ -‬الر�سالة التا�سعة‬
‫‪3‬‬
‫والعاملية على ذلك‬
‫الردة الرابعة‪ :‬يف تعهدهم ب�إبطال كثري من ال�شرائع والتي من �أعظمها اجلهاد‬
‫يف �سبيل اهلل لإقامة دين اهلل وحكمه يف الأر�ض‪..‬‬
‫الردة اخلام�سة‪ :‬يف دخولهم يف دين الوثنية بن�صبهم لتلك الرايات والأعالم‬
‫وندب النا�س �إىل �صرف عبادة القيام لها‬
‫الردة ال�ساد�سة‪ :‬يف دخولهم يف دين الوطنية ودين اجلاهلية حتت م�سمى‬
‫الوحدة الوطنية‬
‫الردة ال�سابعة‪ :‬يف دخولهم يف �شرك الطاعة بامتثالهم �أمر مردة الإجرام‬
‫و�أعداء الإ�سالم بطاعتهم لهم يف حتليل ما حرم اهلل وحترمي ما �أحل‬
‫الردة الثامنة‪ :‬يف مواالتهم لأعداء الإ�سالم ومظاهرتهم ومنا�صرتهم لهم‬
‫الردة التا�سعة‪ :‬يف عقدهم ملجامع التحريف‪ ،‬و�سعيهم لتحريف الدين حتت‬
‫م�سمى الو�سطية املزعومة‬
‫الردة العا�شرة‪ :‬يف حتليلهم ملا حرم اهلل من الربا وغريه‪ ،‬والرتخي�ص بذلك‬
‫وحمايته‪ ،‬و�إباحتهم للإف�ساد يف الأر�ض‪....‬‬
‫البيان بذكر نوعي اال�ستحالل ِّ‬
‫املكفر‪.‬‬
‫ومنه التالعب مب�سميات الأمور التي ت�ضيع فيها احلقائق‪ ،‬كالعدول عن‬
‫م�سمى اال�ستحالل والإباحة �إىل م�سمى الرتخي�ص وال�سماح‪ ،‬وما �شابه ذلك‬
‫ما جاء يف �صور اال�ستحالل العملي ومنه حديث �أبي بردة بن نيار الذي �أر�سله‬
‫النبي �صلى اهلل عليه و�سلم �إىل الرجل الذي تزوج امر�أة �أبيه‪ ،‬و�أمره بقتله‬
‫وتخمي�س ماله‬
‫ف�صل‪ :‬يف ذكر ما جاء من الفتاوى قبل هذا التحريف من جلان الإفتاء‪.‬‬
‫ف�صل‪ :‬الدولة يف ميزان هذه الفتاوى‬
‫البحث عن ال�سعادة الأبدية ‪ -‬الر�سالة التا�سعة‬
‫‪1‬‬

‫ف�صل‬
‫يف بيان ملة �إبراهيم عليه ال�سالم‬
‫احلمد هلل رب العاملني ـ الذي متت كلمته �صدقاً وعـدالً ـ والقائل‬
‫يف حمكم التنزيل‪} :‬ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ‬
‫ﮔ ﮕ{ (�آل عمران)‪.‬‬

‫نعم‪� .‬صدق اهلل عز وجل القائل والداعي والآمر نبيه �صلى اهلل عليه‬
‫و�سلم والأنبياء من قبله باتباع �سنة �إمام الأنبياء‪ .‬الذي ـ كان �أمة قانتاً هلل‬
‫حنيفاً ومل يكن من امل�شركني ـ والذي جمع ما بني عظيم ال�شكر هلل عز‬
‫وجل مع عظيم الإخال�ص له �سبحانه والإنابة �إليه والعبودية له ـ تعاىل‬
‫وتقد�س ـ حتى جعله اهلل �إماماً للنا�س يُهتدى بهديه‪ ،‬ويُقتدى به‪ ،‬ويُقتفى‬
‫�أثره‪ .‬قال اهلل تعاىل‪} :‬ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ‬
‫ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ{‬
‫(النحل)‪.‬‬

‫اجتباه اهلل تعاىل مبا قد ات�صف به من كمال العبودية له‪ ،‬والت�سليم‬


‫لأمره‪ ،‬وما و�صل �إليه من املنازل واملقامات العالية ال�سامية الرفيعة عند‬
‫اهلل عز وجل‪ ،‬حتى و�صل �إىل مرتبة اخللة‪ .‬التي هي �أعظم مراتب ودرجات‬
‫املحبة‪ .‬قال تعاىل‪} :‬ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ{ (الن�ساء)‪.‬‬

‫تلك املنزلة العظيمة التي ال ينالها �أحد �إال �أحب اخللق �إىل اهلل‪،‬‬
‫والتي نالها �أي�ضاً نبينا ـ �صلوات اهلل و�سالمه عليه ـ بقوله‪�« :‬إن اهلل تعاىل‬
‫ً‬
‫خليال» رواه م�سلم‪.‬‬ ‫ً‬
‫خليال‪ ،‬كما اتخذ �إبراهيم‬ ‫قد اتخذين‬
‫البحث عن ال�سعادة الأبدية ‪ -‬الر�سالة التا�سعة‬
‫‪2‬‬
‫ثم �أوحى اهلل تعاىل بعد ذلك �إىل �أنبيائه ـ �صلوات اهلل عليهم ـ باتباع‬
‫ما كان عليه �إمام الأنبياء من الدين العظيم واملنهج القومي بقوله تعاىل‪:‬‬
‫}ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ‬
‫ﮒ{ (النحل)‪.‬‬

‫وبي �سبحانه �أن الهداية كل الهداية ب�سلوك ذلك ال�صراط امل�ستقيم‬


‫نَّ‬
‫الذي كان عليه‪} :‬ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ‬
‫ﮫﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ{ (الأنعام)‪.‬‬

‫وقال تعاىل‪} :‬ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ‬


‫ﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ{ (الن�ساء)‪.‬‬

‫وبي ج َّل وعال �أن ال�سفاهة كل ال�سفاهة يف الإعرا�ض عن تلك امللّة‬


‫نَّ‬
‫احلنيفية التي كان عليها‪ .‬قال تعاىل‪} :‬ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ‬
‫ﮌ ﮍ ﮎﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ‬
‫ﮚ{ (البقرة)‪.‬‬

‫فما هو ـ �إذاً ـ الدين العظيم ال��ذي كان عليه هذا النبي املجتبى‬
‫امل�صطفى؟ وما هي ملة �إبراهيم التي َّ‬
‫عظم اهلل �ش�أنها و�أمرها؟ وما هي‬
‫�أ�صولها و�أ�س�سها التي قامت عليه؟‬

‫�إنه دين الإ�سالم والتوحيد‪ ،‬و�إنها امللة احلنيفية‪ .‬التي مال بها ـ �صلوات‬
‫اهلل عليه ـ عما كان عليه النا�س وما تطبعوا عليه من ال�شرك وال�ضاللة‪،‬‬
‫مع الكفر بكل طاغوت عبده العابدون‪ ،‬والإميان باهلل وحده‪ ،‬قال تعاىل‪:‬‬
‫البحث عن ال�سعادة الأبدية ‪ -‬الر�سالة التا�سعة‬
‫‪3‬‬

‫}ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ‬
‫ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ{ (ال�شعراء)‪ ،‬والتي ال ت�ستقيم �إال مبواالة‬
‫من وااله اهلل‪ ،‬ومعاداة من عاداه اهلل‪ ،‬وهذه هي الأ�صول والأركان التي‬
‫قامت عليها هذه امللة‪ ،‬بعد حتقيق �أ�صل التوحيد واجتناب ال�شرك باهلل‬
‫عز وجل‪.‬‬

‫قال اهلل تعاىل‪} :‬ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ‬


‫ﮬﮭﮮ ﮯ ﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘ ﯙ ﯚﯛ‬
‫ﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤ ﯥﯦ ﯧ‬
‫ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ‬
‫ﯸ ﯹ{ (املمتحنة)‪.‬‬

‫فكان �أول هذه الأ�صول‪ :‬هو الرباءة التامة من امل�شركني (وطواغيتهم‬


‫املعبودة ب�شتى �صورها و�أجنا�سها)‪ ،‬فال هم من �أهل ال�شرك وال �أهل‬
‫ال�شرك منهم‪ .‬لينقطع بذلك كل �أ�سباب الروابط بينهم‪ .‬قال تعاىل‪} :‬‬
‫ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁﮂ‬
‫ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ{ (التوبة)‪.‬‬

‫وقال نوح‪} :‬ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ‬


‫ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭘ ﭙ ﭚ‬
‫ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ {‬
‫(هود)‪.‬‬
‫البحث عن ال�سعادة الأبدية ‪ -‬الر�سالة التا�سعة‬
‫‪4‬‬
‫والأ�صل الثاين‪ :‬هو الكفر به�ؤالء الطواغيت وتكفريهم‪ ،‬وتكفري من‬
‫عبدهم من امل�شركني وتوالهم‪ ،‬كما يف قول �إبراهيم والذين معه‪} :‬ﮣ‬
‫ﮤﮥﮦﮧﮨﮩ ﮪﮫﮬﮭﮮ ﮯ ﮰﮱ‬
‫ﯓﯔﯕﯖﯗﯘ ﯙ ﯚﯛ ﯜﯝﯞﯟ‬
‫ﯠﯡﯢﯣﯤ ﯥﯦ ﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮ‬
‫ﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ{ (املمتحنة)‪.‬‬
‫وق���ول���ه ت���ع���اىل‪} :‬ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ‬
‫ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕﰖ ﰗ ﰘ ﰙ ﰚ{ (البقرة)‪ .‬وقوله‬
‫تعاىل‪} :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ{‪.‬‬
‫ف�أمره �سبحانه �أن ي�صف �أهل ال�شرك ب�أقبح و�صف‪ :‬وهو و�صف الكفر‬
‫بقوله‪} :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ{‪.‬‬
‫والأ�صل الثالث‪ :‬هو معاداة الطواغيت وامل�شركني‪ ،‬و�إظهار تلك العداوة‬
‫لهم‪ ،‬والت�صريح لهم بذلك‪ .‬كما يف قول �إبراهيم عليه ال�سالم لقومه‪:‬‬
‫}ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ‬
‫ﯠﯡﯢ ﯣﯤ ﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭ‬
‫ﯮ ﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷ ﯸﯹ‬
‫ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ { (ال�شعراء)‪.‬‬
‫وقوله‪} :‬ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ{ (املمتحنة‪.)4 :‬‬
‫وذلك �أن ترك هذا الأ�صل العظيم‪ ،‬وامليل عنه‪ ،‬وتويل امل�شركني ينايف �أ�صل‬
‫الإ�سالم والإميان‪ ،‬قال تعاىل‪} :‬ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭤ{ (املائدة‪)51 :‬‬
‫البحث عن ال�سعادة الأبدية ‪ -‬الر�سالة التا�سعة‬
‫‪5‬‬

‫وقال تعاىل‪} :‬ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ‬


‫ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ{ (املائدة)‪.‬‬
‫والأ�صل الرابع‪ :‬هو بغ�ض امل�شركني وطواغيتهم املعبودة‪ ،‬والت�صريح‬
‫لهم بذلك‪ .‬كما يف قول النبي احلنيف ومن معه‪} :‬ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ‬
‫ﯞ{ (املمتحنة‪.)4 :‬‬
‫وبدا‪� :‬أي ظهر وجتلى وا�ستبان هذا البغ�ض فيما بيننا وبينكم ـ ال ـ‬
‫لأي �سبب دنيوي �أو غريه‪ ،‬و�إمنا لأجل هذا الدين العظيم الذي انخلعتم‬
‫منه ور�ضيتم بال�شرك‪.‬‬
‫ق��ال تعاىل‪} :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ‬
‫ﭙ ﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡ ﭢﭣ‬
‫ﭤ ﭥﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ‬
‫ﭮﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺ‬
‫ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ{‬
‫(املجادلة)‪.‬‬
‫وقال تعاىل عن �إبراهيم‪} :‬ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ‬
‫ﭯ ﭰ ﭱ ﭲﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ‬
‫ﭺﭻﭼﭽﭾ ﭿﮀﮁﮂ‬
‫ﮃ{ (العنكبوت)‪.‬‬
‫فكان هذا البغ�ض هو الأ�صل الرابع الذي البد منه بعد �أ�صل الرباءة‪،‬‬
‫والتكفري‪ ،‬والعداوة‪.‬‬
‫البحث عن ال�سعادة الأبدية ‪ -‬الر�سالة التا�سعة‬
‫‪6‬‬
‫فيا له من مق�صد عظيم ق�صده �أهل الإميان يف حتقيقهم لهذه املعاين‬
‫اجلليلة‪ .‬على من �أ�سخط حمبوبهم ومعبودهم ب�أن ج��ازوه يف منابذته‬
‫ظاهراً وباطناً‪.‬‬
‫(ف���إن ركن العداوة و�أ�صله متعلق ب�أفعال اجل��وارح الظاهرة‪ ،‬وركن‬
‫البغ�ض و�أ�صله متعلق ب�أعمال القلوب الباطنة)‪.‬‬
‫ويا لها من منزلة عظيمة نال �شرفها عباد اهلل امل�ؤمنني يف �إخال�صهم‬
‫تلك املحبة املطلقة التي �أفردوا بها فاطرهم ومعبودهم حتى جاوزوا بها‬
‫ما وراء ذلك من حب من �أحبه اهلل‪ ،‬وبغ�ض من �أبغ�ضه اهلل‪ ،‬وهذا من‬
‫متام العبودية وكمالها التي امتدح اهلل بها عباده‪ ،‬بقوله‪} :‬والذين �آمنوا‬
‫�أ�شد ً‬
‫حبا هلل{‪.‬‬
‫فهل هناك ملة يكون فيها احلب بهذه ال�صورة العبادية الكربى؟‬
‫لذا كانت هذه امللة وهذا الدين الذين يتعبد به �أهل الإميان لربهم‬
‫عز وجل هو �أح�سن الأديان على الإطالق‪} :‬ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ‬
‫ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ‬
‫ﮢ{ (الن�ساء)‪.‬‬
‫بل ال دين �إال ذلك }ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ‬
‫ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ{ (�آل عمران)‪.‬‬
‫البحث عن ال�سعادة الأبدية ‪ -‬الر�سالة التا�سعة‬
‫‪7‬‬

‫ف�صل‬
‫يف ذكر ما جاء يف‬
‫كالم �أئمة الدعوة رحمهم اهلل‬
‫من تكفري الطواغيت واملجادلني عنهم‪ ،‬ومن توالهم‬
‫وهذه مقدمة وجيزة فيها ذكر �شيء من كالم �أئمة الدعوة‪ ،‬وفيها ما‬
‫يغني ويكفي يف بيان احلق وملة �إبراهيم‪ ،‬وتكفري الطواغيت‪ ،‬واملجادلني‬
‫عنهم‪ ،‬لتكون مقدمة ممكن �أن يجعلها القارئ ميزان يزن به �أ�صحاب‬
‫جمامع التحريف وم�ؤمتراته‪ ،‬وما وقعوا به من اللعب بالدين وحتريفه‪،‬‬
‫وما هو ن�صيبهم من الإ�سالم بعد ذلك‪.‬‬

‫قال تعاىل‪} :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ‬


‫ﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢ ﭣ ﭤﭥﭦ‬
‫ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ{ (الن�ساء)‪.‬‬

‫يقول ابن تيمية رحمه اهلل‪( :‬ولهذا �سمي من حتوكم �إليه من حاكم‬
‫(((‬
‫بغري كتاب اهلل طاغوتاً)�أهـ‪.‬‬

‫ويقول ابن القيم رحمه اهلل‪( :‬فطاغوت كل قوم من يتحاكمون �إليه‬


‫(((‬
‫غري اهلل ور�سوله)�أهـ‪.‬‬

‫ويقول ال�شيخ حممد بن عبدالوهاب رحمه اهلل‪( :‬الطواغيت كثرية‬


‫املغي لأحكام اهلل‬
‫رِّ‬ ‫ور�ؤو�سهم خم�سة‪ :‬الأول‪ :‬ال�شيطان‪ ،‬ا لثاين‪ :‬احلاكم‬
‫((( جمموع الفتاوى (‪.)201/28‬‬
‫((( �أعالم املوقعني (‪.)40/1‬‬
‫البحث عن ال�سعادة الأبدية ‪ -‬الر�سالة التا�سعة‬
‫‪8‬‬
‫يدعي علم‬
‫تعاىل‪ ،‬الثالث‪ :‬الذي يحكم بغري ما �أنزل اهلل‪ ،‬الرابع‪ :‬الذي َّ‬
‫را�ض بالعبادة) انتهى‪.‬‬
‫(((‬
‫الغيب‪ ،‬اخلام�س‪ :‬الذي يعبد وهو ٍ‬

‫وقال �أي�ضاً رحمه اهلل‪( :‬واكفروا بالطواغيت‪ ،‬وعادوهم‪ ،‬و�أبغ�ضوا من‬


‫�أحبهم‪� ،‬أو جادل عنهم‪� ،‬أو مل يك ِّفرهم‪� ،‬أو قال‪ :‬ما َّ‬
‫علي منهم‪� ،‬أو قال‪ :‬ما‬
‫كلفني اهلل بهم‪ ،‬فقد كذب على اهلل وافرتى‪ ،‬بل كلَّفه اهلل بهم‪ ،‬وفر�ض‬
‫عليه الكفر بهم‪ ،‬وال�براءة منهم ولو كانوا �إخوانه و�أوالده‪ .‬فاهلل اهلل‪.‬‬
‫مت�سكوا ب�أ�صل دينكم لعلكم تلقون ربكم ال ت�شركون به �شيئاً‪ ،‬اللهم توفنا‬
‫(((‬
‫م�سلمني و�أحلقنا بال�صاحلني) انتهى‪.‬‬
‫وقال �أي�ضاً رحمه اهلل‪( :‬و�أين الظلم الذي �إذا تكلم الإن�سان بكلمة‬
‫منه‪� ،‬أو مدح الطواغيت‪� ،‬أو جادل عنهم خرج من الإ�سالم ولو كان �صائماً‬
‫(((‬
‫قائماً‪ ،‬من الظلم الذي ال يخرج من الإ�سالم) �أهـ‪.‬‬
‫وقال �أي�ضاً‪( :‬اعلم رحمك اهلل تعاىل �أن �أول ما فر�ض اهلل على بني‬
‫�آدم الكفر بالطاغوت والإميان باهلل‪ ،‬والدليل قوله تعاىل‪} :‬ﭴ ﭵ ﭶ‬
‫ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭿ{ (النحل‪.)36 :‬‬
‫�أما �صفة الكفر بالطاغوت‪� :‬أن تعتقد بطالن عبادة غري اهلل‪ ،‬وترتكها‪،‬‬
‫وتبغ�ضها‪ ،‬وتك ِّفر �أهلها‪ ،‬وتعاديهم)�أهـ‪.‬‬
‫وقال �أي�ضاً‪( :‬واعلم �أن الإن�سان ما ي�صري م�ؤمناً �إال بالكفر بالطاغوت‪،‬‬
‫والدليل قوله ت��ع��اىل‪} :‬ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ‬
‫((( جمموعة التوحيد ـ الر�سالة الأوىل �ص ‪.15‬‬
‫((( جمموعة التوحيد ـ الر�سالة اخلام�سة (‪.)141/1‬‬
‫((( الدرر ال�سنية (‪ 55/10‬ـ ‪.)66‬‬
‫البحث عن ال�سعادة الأبدية ‪ -‬الر�سالة التا�سعة‬
‫‪9‬‬

‫ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕﰖ ﰗ ﰘ ﰙ ﰚ{ (البقرة) �أهـ‪.‬‬
‫(((‬

‫وقال �أي�ضاً رحمه اهلل‪( :‬و�أنت يا من َّ‬


‫من اهلل عليه بالإ�سالم‪ ،‬وعرف‬
‫ما من �إله �إال اهلل‪ .‬ال تظن �أنك �إذا قلت‪ :‬هذا هو احلق‪ ،‬و�أنا تارك ما‬
‫�سواه‪ ،‬لكن ال �أتعر�ض للم�شركني وال �أقول فيهم �شيئاً‪ ،‬ال تظن‪� :‬أن ذلك‬
‫يح�صل لك به الدخول يف الإ�سالم‪ ،‬بل ال بد من بغ�ضهم‪ ،‬ومعاداتهم‪ ،‬كما‬
‫قال �أبوك �إبراهيم والذين معه‪} :‬ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ‬
‫ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ{‬
‫(((‬
‫(املمتحنة‪� )4:‬أهـ‪.‬‬

‫وقال �أي�ضاً رحمه اهلل‪�( :‬إن الإن�سان ال ي�ستقيم له دين‪ ،‬ولو َو َّحد اهلل‬
‫وترك ال�شرك �إال بعداوة امل�شركني‪ ،‬والت�صريح لهم بالعداوة والبغ�ض)‬
‫(((‬
‫�أهـ‪.‬‬

‫وق��ال ال�شيخ عبداهلل بن حممد بن عبدالوهاب رحمه اهلل‪( :‬قال‬


‫الإم��ام ابن القيم‪ :‬وما جنا من �شرك هذا ال�شرك الأك�بر �إال من ج َّرد‬
‫توحيده هلل وتقرب مبقت امل�شركني �إىل اهلل‪.‬‬

‫فانظر رحمك اهلل �إىل قول الإمام يتبني لك‪� :‬أن ا لإ�سالم ال ي�ستقيم‬
‫�إال مبعاداة �أهل هذا ال�شرك‪ ،‬ف�إن مل يعادهم فهو منهم و�إن مل يفعله؟‬
‫(((‬
‫واهلل �أعلم) �أهـ‪.‬‬

‫((( جمموعة التوحيد ـ الر�سالة الأوىل‪.‬‬


‫((( الدرر ال�سنية (‪.)109/2‬‬
‫((( الدرر ال�سنية (‪.)338/8‬‬
‫((( عقيدة املوحدين‪ ،‬ر�سالة الكلمات النافعة يف املكفرات الواقعة �ص ‪.234‬‬
‫البحث عن ال�سعادة الأبدية ‪ -‬الر�سالة التا�سعة‬
‫‪10‬‬
‫وقال ال�شيخ ح�سني‪ ،‬وال�شيخ عبداهلل �أبناء ال�شيخ حممد بن عبدالوهاب‪:‬‬
‫(فمن قال‪ :‬ال �أعادي امل�شركني‪� ،‬أو عاداهم ومل يك ِّفرهم‪� ،‬أو قال‪ :‬ال �أتعر�ض‬
‫�أهل ال �إله �إال اهلل ولو فعلوا الكفر وال�شرك وعادوا دين اهلل‪� ،‬أو قال‪ :‬ال‬
‫�أتعر�ض للقباب‪ ،‬فهذا ال يكون م�سلماً‪ ،‬بل هو ممن قال اهلل فيهم‪ :‬ﯩ‬
‫ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ‬
‫ﯺ ﯻﯼﯽﯾﯿﰀ ﰁﰂ‬
‫(((‬
‫ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ{ (الن�ساء) �أهـ‪.‬‬
‫وقال ال�شيخ عبداللطيف بن عبدالرحمن بن ح�سن �آل ال�شيخ‪( :‬فمقت‬
‫امل�شركني‪ ،‬وعيبهم‪ ،‬وذمهم‪ ،‬وتكفريهم‪ ،‬وال�براءة منهم‪ :‬حقيقة الدين‪،‬‬
‫والو�سيلة العظمى �إىل رب العاملني‪ ،‬وال طيب حلياة م�سلم وعي�شه �إال‬
‫بجهاد ه�ؤالء ومراغمتهم وتكفريهم والتقرب �إىل اهلل بذلك واحت�سابه‬
‫لديهم‪} :‬ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ{‬
‫(((‬
‫(ال�شعراء) �أهـ‪.‬‬
‫وقال ال�شيخ حمد بن عتيق رحمه اهلل‪( :‬قد دل القر�آن وال�سنة على �أن‬
‫امل�سلم �إذا ح�صلت منه مواالة �أهل ال�شرك واالنقياد لهم‪ .‬ارتد بذلك عن‬
‫دينه‪ .‬فت�أمل قوله تعاىل‪} :‬ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ‬
‫ﮢ ﮣﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ{ (حممد)‪.‬‬
‫}ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭟ‬
‫(((‬
‫ﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ{ (املائدة) �أهـ‪.‬‬
‫((( الدرر ال�سنية (‪.)139/10‬‬
‫((( جمموعة الر�سائل وامل�سائل النجدية (‪.)224/3‬‬
‫((( جمموعة الر�سائل وامل�سائل (‪.)745/1‬‬
‫البحث عن ال�سعادة الأبدية ‪ -‬الر�سالة التا�سعة‬
‫‪11‬‬
‫ويف الدرر ال�سنية فيما جاء يف كالم �أئمة الدعوة‪ .‬وهو قولهم‪( :‬الأمر‬
‫الثالث‪ :‬مما يوجب اجلهاد ملن ات�صف به‪ :‬مظاهرة امل�شركني و�إعانتهم‬
‫على امل�سلمني بيد‪� ،‬أو بل�سان‪� ،‬أو بقلب‪� ،‬أو مبال‪ .‬فهذا كفر خمرج من‬
‫الإ�سالم‪ ،‬فمن �أعان امل�شركني على امل�سلمني‪ ،‬و�أمد امل�شركني من ماله مبا‬
‫ي�ستعينون به على حرب امل�سلمني اختياراً منه فقد َك َفر‪ .‬قال ال�شيخ حممد‬
‫بن عبدالوهاب يف نواق�ض الإ�سالم‪ .‬الثامن‪ :‬مظاهرة امل�شركني ومعاونتهم‬
‫على امل�سلمني‪ ،‬والدليل قوله تعاىل‪} :‬ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ‬
‫ﭘ ﭙﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ‬
‫(((‬
‫ﭩ ﭪ ﭫ{ (املائدة) �أهـ‪.‬‬

‫وجاء �أي�ضاً يف الدرر لعلماء الدعوة ـ رحمهم اهلل ـ وذلك يف تف�سري‬


‫قوله تعاىل‪} :‬ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ‬
‫ﭾﭿ { (النحل‪ ،)36 :‬قولهم‪( :‬وهذه الآية تدل على �أن الإن�سان �إذا‬
‫عبد ربه بطاعته وحمبته وحمبة ما يحبه ومل يبغ�ض امل�شركني ويبغ�ض‬
‫�أفعالهم ويعاديهم فهو مل يجتنب الطاغوت ومن مل يجتنب الطاغوت‬
‫مل يدخل يف الإ�سالم فهو كافر ولو كان من �أعبد هذه الأمة يقوم الليل‬
‫وي�صوم النهار وت�صبح عبادته كمن �صلى ومل يغت�سل من اجلنابة �أو كمن‬
‫(((‬
‫ي�صوم يف �شدة احلر وهو يفعل الفاح�شة يف نهار رم�ضان) �أهـ‪.‬‬

‫((( الدرر ال�سنية (‪ 289/9‬ـ ‪.)292‬‬


‫((( الدرر ال�سنية (‪.)93/1‬‬
‫البحث عن ال�سعادة الأبدية ‪ -‬الر�سالة التا�سعة‬
‫‪12‬‬

‫ف�صل‬
‫يف ذكر ما عقد من جمامع وم�ؤمترات التحريف‬
‫وما جاءت به الفتاوى قبل هذا التحريف‬
‫من جلان الإفتاء وغريها‬
‫لقد اقت�ضت حكمة اهلل وم�شيئته �أن تبتلى هذه الأمة مبا ابتليت به‬
‫الأمم ال�سالفة من وقوع �سنة التحريف فيها ـ بالتالعب بالدين و�أحكامه‬
‫ـ وم�سح ما جاء به الأنبياء من �آث��ار الر�سالة‪ ،‬وذل��ك بطم�س حقائقها‬
‫وحتريفها الذي هو �أ�صل ف�ساد العامل‪ ،‬و�ضالل الأولني والآخرين‪� .‬سواء‬
‫كان هذا التحريف متعلقاً بالألفاظ واملباين كما ح�صل للأمم التي خلت‪،‬‬
‫�أو كان حتريفاً للحقائق واملعاين كما هو واقع يف هذه الأمة‪.‬‬

‫وملا ر�أت �شياطني الإن�س واجلن ما رحم اهلل به هذه الأمة و�أكرمها‬
‫به من حفظ ذلك الكتاب العزيز الذي بني �أيديها‪ ،‬وما جاء فيه من النور‬
‫والهدى‪ ،‬وعجزوا عن حتريف �ألفاظه ومبانيه‪� .‬سعوا �إىل �ضرب حقائقه‬
‫ومعانيه‪ ،‬عن طريق من دان لهم‪ ،‬و�سلك م�سلكهم‪ ،‬وركن �إليهم‪ ،‬ممن �أخلد‬
‫�إىل الأر���ض واتبع ه��واه‪ .‬ق��ال تعاىل‪} :‬ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ‬
‫ﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚ ﯛﯜﯝﯞ‬
‫ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ‬
‫ﯯﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵﯶ ﯷ ﯸ ﯹ{ (الأعراف)‪.‬‬

‫مع �أن اهلل عز وجل قد �أخذ عليهم امليثاق والعهد بعدما در�سوا ما‬
‫يف الكتاب‪ ،‬وعلموا ما جاء به الأنبياء من تعاليم الهدى ب�أن ال يقولوا على‬
‫البحث عن ال�سعادة الأبدية ‪ -‬الر�سالة التا�سعة‬
‫‪13‬‬
‫اهلل �إىل احلق‪ ،‬و�أن يخ�شونه �سبحانه وال يخ�شون �أحداً غريه‪ .‬ولكن كان‬
‫ا�ستهواء ال�شياطني لهم �أمر �أعظم و�أكرب‪ ،‬وغرهم يف دينهم ما كانوا يفرتون‪.‬‬
‫فا�ستخدمتهم ال�شياطني ك�أداة لتحريف هذا الدين عن طريق تغيري حقائقه‬
‫ومعانيه و�أحكامه‪ ،‬وهي�ؤوا لهم تلك املنا�صب التي فتنوهم بها‪ ،‬و�أ�س�سوا لهم‬
‫الهيئات واللجان للتالعب بهم‪ ،‬وعقدوا تلك املجامع وامل�ؤمترات و�أبرزوهم‬
‫لها‪ ،‬وتنادوا ون��ادوا لها كل قريب وبعيد‪ ،‬وجمعوا لها كل لعني وخ�سي�س‬
‫من كل كفار �أثيم ال ي�ؤمن باهلل العظيم وال بوحدانيته‪ ،‬و�صيغت فتاواهم‬
‫وف�صلت لتتما�شى مع ال�سيا�سات احلاكمة ونظام العوملة اجلديد‪.‬‬ ‫ِّ‬
‫وقد بد�أ هذا املخطط الإجرامي املدبر لتحريف امللة منذ عقدين �أو‬
‫ثالث من الزمان‪ ،‬ثم تبعه املخطط الإجرامي الثاين قبل عقد‪ ،‬حتى كان‬
‫�آخرها ذلك املجمع الذي ُعقد يف مكة (جممع نيق َّية) بقيادة و�أمر من‬
‫ق�سطنطني اجلزيرة ال�ساد�س حول ما يتعلق بالأديان وملل الكفر والتعاي�ش‬
‫واالندماج والتقارب معها‪ .‬فاجتمعت ملل الأوثان‪ ،‬و�أتت مالعينها و�أحبارها‬
‫ورهبانها وحاخاماتها وبطاركتها‪ ،‬و�شياطينها من كل مكان‪ ،‬ومل يبق يف‬
‫ذلك �إال �أن ي�ستقطب عبدة ال�شيطان ممن ي�صرح منهم بعبادة ال�شيطان‪.‬‬

‫فاجتمعوا يف تلك البقعة املقد�سة‪ ،‬وتواط�ؤوا على الإ�سالم و�أهله‪،‬‬


‫وخرجوا بنتيجة واح��دة‪ :‬وهي هدم ملة الأنبياء وملة �إبراهيم لتحقيق‬
‫م�آربهم من نفي الرباءة والعداوة والبغ�ضاء فيما بينهم‪ ،‬ومالحقة �أهل‬
‫التوحيد واملرابطني على الثغور يف الفيايف واجلبال‪ ،‬وا�ستخراج الفتاوى‬
‫امللعونة للتنكيل بهم وا�ستباحت دما�ؤهم‪ .‬وهو ما ح�صل للأمم ال�سالفة‬
‫من �أتباع الأنبياء من احلواريني وغريهم‪ ،‬الذين طوردوا قبل عقد هذه‬
‫البحث عن ال�سعادة الأبدية ‪ -‬الر�سالة التا�سعة‬
‫‪14‬‬
‫املجامع وبعدها يف اجلبال وال�شعب والكهوف ل�سحقهم‪ ،‬وم�سح ما حملوه‬
‫من الهدى و�آثار الأنبياء‪.‬‬

‫وهيهات لهم هيهات‪ ،‬ف�إن اهلل متم نوره ولو كره الكافرون‪} :‬ﮄ‬
‫ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ{ (ال�صف)‪.‬‬

‫فالغر�ض ـ �إذاً ـ من هذه املجامع لي�س هو املحاورة املكذوبة ـ كما‬


‫يزعمون وكما ي�سمونها ـ وذلك �أن املحاورة قد �شرعها اهلل تعاىل يف كتابه‪،‬‬
‫ومل يجعل هناك حماورة غريها وهي الدعوة �إىل هذا الدين فقط‪ .‬كما‬
‫قال تعاىل‪} :‬ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ‬
‫ﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽ ﭾﭿﮀﮁ‬
‫ﮂﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ{ (�آل عمران)‪.‬‬

‫فلم يجعل اهلل عز وجل هناك دعوة للتحاور غري هذه الدعوة‪ ،‬وهو ما‬
‫يعلمه ه�ؤالء جيداً‪ ،‬وعلى قناعة تامة به قبل هذه الدعوة‪ ،‬بل �صرحوا به‬
‫�أي�ضاً‪ .‬فهي ـ �إذاً لي�ست دعوة للتحاور‪ ،‬و�إمنا دعوة للت�آمر والت�آزر وتظافر‬
‫اجلهود لهدم ملة �إبراهيم ومالحقة �أهل التوحيد‪ .‬فكانت هذه املجامع‬
‫وامل�ؤمترات وامل�آمرات هي �صورة طبق الأ�صل من تلك املجامع التي عقدت‬
‫يف عهد ق�سطنطني وغريه لتحريف دين امل�سيح‪.‬‬

‫فهنا ُح ِّرفت ملة الأنبياء وملة �إبراهيم وهدمت �أ�صولها‪ ،‬وهناك ُح ِّرف‬
‫دين امل�سيح ب�أكمله‪.‬‬

‫وهنا و�ضع املنهج و�سطرت الفتاوى لتجرمي �أهل التوحيد ومالحقتهم‬


‫البحث عن ال�سعادة الأبدية ‪ -‬الر�سالة التا�سعة‬
‫‪15‬‬
‫حتت م�سمى الإره���اب‪ ،‬وهناك و�ضع املنهج الق�سطنطيني واليهودي‬
‫ملالحقة �أتباع امل�سيح وقتلهم وا�ستئ�صالهم‪.‬‬

‫فهي ـ �إذاً ـ يف حقيقتها دعوة لن�سف ملة �إبراهيم‪ ،‬قال تعاىل‪} :‬ﮣ‬
‫ﮤﮥﮦﮧﮨﮩ ﮪﮫﮬﮭﮮ ﮯ ﮰﮱ‬
‫ﯓﯔﯕﯖﯗﯘ ﯙ ﯚﯛ ﯜﯝﯞﯟ‬
‫ﯠﯡﯢﯣﯤ ﯥﯦ ﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮ‬
‫ﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ{ (املمتحنة)‪.‬‬

‫مع ما تقدم هذه الدعوة من تغيري ملناهج التوحيد وتعاليم الأنبياء‬


‫التي �أحياها �أئمة الدعوة ـ رحمهم اهلل ـ يف هذه اجلزيرة (من بيان عرى‬
‫الإميان والطاغوت ب�أنواعه ور�ؤو�سه‪ ،‬وغريها من هذه املفاهيم احلنيفية)‬
‫�أحيوها ـ رحمهم اهلل ـ ب�أرواحهم ودمائهم وجماجمهم‪ .‬حتى جاء ال�سفهاء‬
‫من بعدهم فم�سحوا �آثارها‪ ،‬و�أماتوا تعاليمها‪ ،‬ودعوا �إىل وحدة التقارب‬
‫مع �أ�صحاب امللل والأوث��ان‪ ،‬كما دعوا من قبل �إىل وحدة التقارب مع‬
‫�أ�صحاب ال�شرك والأوطان‪.‬‬

‫فهذه وحدة دينية وثنية‪ ،‬وتلك وحدة وطنية جاهلية‪.‬‬

‫وهذه دعوة عاملية‪ ،‬وتلك دعوة �إقليمية‪.‬‬

‫واهلل تعاىل يقول‪} :‬ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ‬


‫ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ{ (الأنفال)‪.‬‬

‫ويقول تعاىل‪} :‬ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ‬


‫البحث عن ال�سعادة الأبدية ‪ -‬الر�سالة التا�سعة‬
‫‪16‬‬

‫ﭰ ﭱ ﭲﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ‬
‫ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ{‬
‫(العنكبوت)‪.‬‬

‫فمن هذا الباب جاء �سبب كتابة هذه الورقات التي فيها بيان ملة‬
‫�إبراهيم‪ ،‬و�أ�صولها‪ ،‬وما يتوجب عليها من ُعرى الإميان‪ ،‬وبني هذه ال�سطور‪،‬‬
‫ويف هذا الف�صل �أذكر �شيئاً من هذه الفتاوى التي تالعب �أهلها يف ت�أويلها‪،‬‬
‫ليفهم القارئ وي�شهد واقع حتريف هذا الدين‪ .‬واهلل امل�ستعان‪ ،‬وال حول‬
‫وال قوة �إال به �سبحانه‪.‬‬
‫� ً‬
‫أوال‪:‬‬

‫جاء يف الفتوى رقم (‪ )20491‬من فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث‬


‫العلمية والإفتاء‪ .‬برئا�سة‪ :‬املفتي العام عبدالعزيز بن باز‪ ،‬وع�ضو الإفتاء‬
‫عبدالعزيز بن عبداهلل �آل ال�شيخ‪ ،‬وع�ضو الإفتاء‪ :‬عبداهلل الغديان‪،‬‬
‫وع�ضو الإفتاء‪ :‬بكر �أبو زيد‪ .‬حول جواب اللجنة وبيانها يف حكم التقارب‬
‫بني الأديان‪ ،‬ف�أجابت اللجنة ـ بعد نقد هذه الدعوة ـ بقولها‪�( :‬ساد�س ًا‪:‬‬
‫و�أمام هذه الأ�صول االعتقادية واحلقائق ال�شرعية ف�إن الدعوة �إىل وحدة‬
‫الأديان والتقارب بينها و�صهرها يف قالب واحد دعوة خبيثة وماكرة‪،‬‬
‫والغر�ض منها هو خط احلق بالباطل‪ ،‬وهدم الإ�سالم‪ ،‬وتقوي�ض دعائمه‪،‬‬
‫وجر �أهله �إىل ردة �شاملة‪ ،‬وم�صداق ذلك قول اهلل �سبحانه‪} :‬ﮎ ﮏ‬
‫ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖﮗ ﮘ ﮙ ﮚ‬
‫ﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡ ﮢﮣﮤ‬
‫البحث عن ال�سعادة الأبدية ‪ -‬الر�سالة التا�سعة‬
‫‪17‬‬

‫ﮥﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ{ (البقرة)‪،‬‬
‫وقوله‪} :‬ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ{ (الن�ساء‪.)89 :‬‬

‫�سابع ًا‪ :‬و�أن من �آثار هذه الدعوة الآثمة �إلغاء الفوارق بني الإ�سالم‬
‫والكفر‪ ،‬واحلق والباطل‪ ،‬واملعروف واملنكر‪ ،‬وك�سر حاجز النفرة بني‬
‫امل�سلمني والكافرين‪ ،‬فال والء وال براء‪ ،‬وال جهاد وال قتال لإعالء كلمة‬
‫اهلل يف �أر�ض اهلل‪ ،‬واهلل ج َّل وتقد�س يقول‪} :‬ﯡ ﯢ‬
‫ﯣ ﯤ ﯥ ﯦﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ{‬
‫(التوبة)‪ ،‬وقوله }ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ‬
‫ﮅﮆﮇﮈ ﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐ‬
‫ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ{‬
‫(التوبة)‪ .‬انتهى‪.‬‬

‫وملا عرف �أ�صحاب هذه الدعوة ما فيها من الكفر ال�صراح قاموا‬


‫بتغيري ذلك امل�سمى من م�سمى (التقارب والتعاي�ش) �إىل م�سمى (احلوار)‬
‫للتلبي�س على النا�س وتغيري احلقائق حتى ال تكون هناك نفرة من هذا‬
‫املجمع التحريفي الذي كان وال يزال من �أهم �أهدافه هو الدعوة �إىل‬
‫نبذ العداوة بني �أ�صحاب هذه امللل الوثنية (كما �صرح قائدهم يف كلمته‬
‫االفتتاحية لهذا املجمع) وهو ما يعني هدم ملّة �إبراهيم و�أ�صولها من‬
‫�إظهار العداوة و�إبدائها‪ .‬كما يف قوله تعاىل‪} :‬ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ‬
‫ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ{ (املمتحنة)‪ ،‬وهذا غي�ض من في�ض‬
‫من مداخل و�أبواب الكفر التي وجلته هذه الدولة‪.‬‬
‫البحث عن ال�سعادة الأبدية ‪ -‬الر�سالة التا�سعة‬
‫‪18‬‬

‫الردة الأوىل‬
‫فوجلت باب الطاغوتية يف كونها م�شرعاً دولياً وع�ضواً من �أع�ضاء‬
‫املجل�س الت�شريعي العاملي (منظمة الأمم املتحدة) التي �أ�س�ست على الإحاد‬
‫باهلل ودينه‪ ،‬وا�ستعباد الب�شر‪ ،‬ون�سف حاكمية اهلل من �أر�ضه‪ ،‬فكانت‬
‫ب�أخذها لهذه الع�ضوية يف هذه الأمم امللحدة ر�أ�ساً من ر�ؤو�س الطواغيت‪،‬‬
‫وجزءاً ال يتجز�أ من هذا النظام الت�شريعي العاملي‪.‬‬

‫وقد بلغ املكر ال�سيئ فيهم ـ يف طم�س احلقائق ـ ب�أن كادوا لكثري من‬
‫العلماء‪ ،‬وكان �آخـرهم هـو عـامل الق�صيم عبداهلل الغنيمان‪ .‬عندما �أ�صدر‬
‫ذلك ال�شريط الذي بلغ الآفاق‪ ،‬وما جاء فيه من الفتاوى التي تت�ضمن كل‬
‫فتوى منها تكفريهم‪ ،‬وكان �أولها‪ :‬هو اعتبار ذلك امل�شرع الإقليمي الذي‬
‫�أخذ من�صب امل�شرع يف جمل�س ال�شعب وغريه ـ ر�أ�ساً من ر�ؤو�س الطواغيت‪،‬‬
‫وال ينفعه �أي ا�سم ت�سمى به «�إ�سالم �أو غريه» مع �أن ال�سائل �أكرث لهم من‬
‫االعتذار يف كونهم �أرادوا الإ�صالح‪ ،‬و�أن نياتهم �صاحلة‪ ،‬و�أنهم لن يقعوا‬
‫يف �أي ممار�سة للت�شريع‪ ،‬وغري ذلك‪ .‬ومع هذا حكم بكفرهم‪ ،‬ومل يجعل‬
‫أ�صلها‬
‫هناك اعتبار لهذه الأعذار‪� ،‬إىل غري ذلك من الأحكام التي بينها و� َّ‬
‫و�أتعب ال�سائل وال�سامع يف بيانها وتف�صيلها‪.‬‬

‫ف�إذا كان امل�شرع الإقليمي ب�أخذه ملن�صب امل�شرع (حتى لو مل ميار�س‬


‫الت�شريع ودخلت عليه �شبهة الإ�سالم والإ�صالح) يعد ر�أ�ساً من ر�ؤو�س‬
‫الطواغيت ـ كما ذكر الغنيمان ـ فكيف بامل�شرع الدويل العاملي الذي هو‬
‫مرجع و�أ�سا�س يف هذا النظام الت�شريعي العاملي الذي ال ميت للإ�سالم‬
‫البحث عن ال�سعادة الأبدية ‪ -‬الر�سالة التا�سعة‬
‫‪19‬‬
‫ب�صلة ال من قريب وال من بعيد‪ .‬بل ما و�ضع �إال لأجل �ضرب الإ�سالم‬
‫و�أهله‪ ،‬وا�ستبعاد الب�شر‪.‬‬

‫ثم �أحلق الغنيمان هذه الفتوى بفتاوى �أخرى تت�ضمن كل فتوى منها‬
‫تكفري الدولة من التحاكم �إىل الطاغوت‪ ،‬ون�صب الأعالم وندب النا�س‬
‫�إىل �صرف العبادة لها‪ ،‬وكذلك و�صفهم من ك َّفر الطواغيت ب�أنه على منهج‬
‫اخلـوارج‪ ،‬وغري ذلك‪.‬‬

‫وملا ر�أت الدولة وتفطنت �إىل ما ت�ؤول �إليه هذه الفتاوى كادت له‪،‬‬
‫و�أرته منها ما اهلل به عليم‪ ،‬ثم �صاغت له ذلك البيان و�أر�سلته �إىل بع�ض‬
‫دول اجلوار لقراءته هناك‪ ،‬ولإبعاد ال�شبهة عنها‪ .‬حتى يظن النا�س �أن‬
‫الأمر متعلق فقط بالدول التي توجد فيها هذه الربملانات‪.‬‬

‫فانظر �إىل هذه اخلباثة واخل�سا�سة واملكر الذي هو مـن جـن�س مكر‬
‫اليهود‪ ،‬بل �أ�شد‪.‬‬

‫الردة الثانية‬
‫حكمهم بغري ما �أنزل اهلل‪ ،‬وحتكيمهم للطاغوت والقوانني الو�ضعية‬
‫جهرة وخفية‪ ،‬عن طريق تلك اللجان والهيئات التي ين�ش�ؤونها بني احلني‬
‫والأخرى‪ ،‬ويحيلون �إليها كثرياً من الق�ضايا للحكم فيها بغري ما �أنزل اهلل‬
‫يف املحاكم التجارية وهيئاتها‪ .‬كالهيئة «امللكية» وغريها‪ .‬وهيئة «ف�ض‬
‫املنازعات التجارية»‪� ،‬أو ما يتالعبون به عن طريق «املجال�س الإدارية» التي‬
‫يحيلون �إليها �أي�ضاً كثرياً من الق�ضايا التي ي�سمونها بـ«الق�ضايا احلقوقية»‬
‫والتي يريدون من خاللها �سلب ما هو من اخت�صا�ص املحاكم ال�شرعية‪.‬‬
‫البحث عن ال�سعادة الأبدية ‪ -‬الر�سالة التا�سعة‬
‫‪20‬‬
‫هذا من جهة حتكيم الطاغوت يف ذلك املحيط الداخلي الإقليمي‪ ،‬و�أما‬
‫يف املحيط اخلارجي العاملي‪ .‬فالأمر �أعظم من ذلك بكثري‪ ،‬فهم من ر�ؤو�س‬
‫الطواغيت لكونهم م�ؤ�س�سني �أ�صليني «ملحكمة العدل الدولية» هذا الطاغوت‬
‫العاملي الكبري‪ ،‬وهذه ال�سلطة الق�ضائية‪ ،‬ف�إن ال�سلطات الدولية ثالث‪:‬‬

‫‪ 1‬ـ ال�سلطة الت�شريعية الدولية متمثلة (بهيئة الأمم املتحدة)‪.‬‬


‫‪ 2‬ـ ال�سلطة الق�ضائية الدولية‪ .‬متمثلة (مبحكمة العدل الدولية)‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ ال�سلطة التنفيذية الدولية‪ .‬متمثلة (مبجل�س الأمن) وغريه‪.‬‬
‫فهم �أع�ضاء يف ال�سلطة الت�شريعية‪ .‬بل من امل�ؤ�س�سني الأ�صليني لهذه‬
‫(((‬
‫ال�سلطة الدولية الطاغوتية‪.‬‬
‫و�أع�ضاء يف ال�سلطة الق�ضائية ومن امل�ؤ�س�سني لها �أي�ضاً‪.‬‬
‫و�أع�ضاء يف ال�سلطة التنفيذية‪.‬‬
‫فهم طواغيت يف باب الت�شريع‪ ،‬وطواغيت يف باب احلكم والتحكيم‬
‫والق�ضاء‪ ،‬وم�شركون مرتدون يف باب التحاكم‪.‬‬
‫جاء يف امل��ادة (الثالثة والت�سعني) من ميثاق الأمم‪( :‬يعترب جميع‬
‫�أع�ضاء ـ الأمم املتحدة ـ بحكم ع�ضويتهم �أطرافاً يف النظام الأ�سا�سي‬
‫ملحكمة العدل الدولية)‪.‬‬
‫بل الأمر يتعدى �إىل ما وراء ذلك‪ ،‬ف�إن لهذه الهيئة الأحقية والأهلية‬

‫((( جاء يف كتب الدكتور عبداهلل القباع الأ�ستاذ امل�ساعد يف العلوم ال�سيا�سية‪ ،‬وطالل حممد‬
‫نور عطار‪ ،‬يف كتابه «اململكة وهيئة الأمم املتحدة» �ص ‪ ،30‬قولهم‪( :‬تعترب اململكة من �إحدى‬
‫ً‬
‫فعاال يف تعزيز ميثاقها‪ ،‬وتقريره‬ ‫ً‬
‫إ�سهاما‬ ‫الدول امل�ؤ�س�سة للأمم املتحدة‪ ،‬ومن الدول التي �أ�سهمت �‬
‫ـ و�إخراجه �إىل حيز الواقع ـ والتنفيذ ـ) �أهـ‪.‬‬
‫البحث عن ال�سعادة الأبدية ‪ -‬الر�سالة التا�سعة‬
‫‪21‬‬
‫الكاملة يف حتكيم قوانينها وطواغيتها و�إنفاذها يف �أي بلد ع�ضو من‬
‫�أع�ضائها‪ .‬كما جاء يف امل��ادة (‪ )74‬من امليثاق‪( :‬تتمتع الهيئة يف بالد‬
‫كل ع�ضو من �أع�ضائها بالأهلية القانونية التي يتطلبها قيامها ب�أعباء‬
‫وظائفها وحتقيق �أهدافها‪ )...‬واملادة (‪ )301‬ن�صت على �أنه‪�( :‬إذا تعار�ضت‬
‫االلتزامات التي يرتبط بها �أع�ضاء «الأمم املتحدة» وفقاً لأحكام هذا‬
‫امليثاق مع �أي التزام دويل �آخر يرتبطون به‪ ،‬فالعربة بالتزاماتهم املرتتبة‬
‫على هذا امليثاق)‪.‬‬

‫الردة الثالثة‬
‫يف تعهدهم بالتحاكم �إىل الطاغوت (حمكمة العدل الدولية) وهو‬
‫�شرك يف الألوهية والعبودية‪ .‬جاء يف املادة (الرابعة والت�سعون) البند‬
‫الأول قولهم‪« :‬يتعهد كل ع�ضو من �أع�ضاء الأمم املتحدة �أن ينزل على‬
‫حكم حمكمة العدل الدولية يف �أي ق�ضية يكون طرفاً فيها»اهـ‪.‬‬

‫الردة الرابعة‬
‫التعهد يف �إبطال كثري من ال�شرائع وحت��رمي وجت��رمي ذروة �سنام‬
‫الإ�سالم اجلهاد يف �سبيل اهلل‪ .‬ويف هذا ن�صت املادة (الثالثة والأربعون)‬
‫بقولهم‪« :‬يتعهد جميع �أع�ضاء الأمم املتحدة» يف امل�ساهمة يف حفظ ال�سلم‬
‫العاملي والأمن الدويل‪ ،‬و�أن ي�ضعوا حتت ت�صرف جمل�س الأمن ما يلزم‬
‫من القوات امل�سلحة وامل�ساعدات والت�سهيالت ال�ضرورية حلفظ ال�سلم‬
‫والأمن الدوليني‪ ،‬ومن ذلك حق املرور»‪.‬‬
‫وقولهم‪« :‬كل حرب ال تكون دفاعاً م�شروعاً عن النف�س‪� ،‬أو تنفيذاً‬
‫البحث عن ال�سعادة الأبدية ‪ -‬الر�سالة التا�سعة‬
‫‪22‬‬
‫لقرارات منظمة دولية ذات طابع عاملي‪ .‬حرباً عدوانية حمرمة يعتربها‬
‫القانون جرمية كربى»‪.‬‬

‫وقولهم يف املادة ال�ساد�سة‪�« :‬إذا �أمعن ع�ضو من �أع�ضاء «الأمم املتحدة»‬


‫يف انتهاك مبادئ امليثاق جاز للجميعة العامة �أن تف�صله من الهيئة بناء‬
‫على تو�صية جمل�س الأمن»‪.‬‬

‫الردة اخلام�سة‬
‫دخولهم يف دين الوثنية بن�صبهم تلك الرايات والأعالم‪ ،‬وندب النا�س‬
‫ودعوتهم ل�صرف عبادة القيام لها‪ .‬وهو �شرك يف الألوهية والعبودية‪ ،‬بل‬
‫(((‬
‫هم طواغيت بذلك و�سدنة يع ِّبدون النا�س لهذه الأوثان‪.‬‬

‫الردة ال�ساد�سة‬
‫دخولهم يف دي��ن الوطنية ودي��ن اجلاهلية حتت م�سمى «الوحدة‬
‫الوطنية»‪.‬‬

‫وجمع النا�س بكافة انتماءاتهم الطائفية واملذهبية والوثنية والراف�ضية‬


‫على هذه الوحدة‪ ،‬وتلبي�سهم على العامة ب�إدخال م�سمى الدين‪ :‬كقولهم‬
‫ال ـ لأهل الدين ال�ساعني لإقامته‪،‬‬‫«الدين ثم الوطن» مع منابذتهم ـ �أ�ص ً‬
‫وتقريبهم لأهل الإحلاد والكفر والوطنية‪ ،‬ومن وافقهم يف باطلهم‪.‬‬

‫((( وقد تقدم البيان يف ذلك يف الر�سالة ال�سابعة وكيف لب�سوا على النا�س بو�ضع كلمة التوحيد‬
‫على رايتهم تلك‬
‫البحث عن ال�سعادة الأبدية ‪ -‬الر�سالة التا�سعة‬
‫‪23‬‬

‫الرده ال�سابعة‬
‫دخولهم يف �شرك الطاعة‪ .‬بامتثالهم �أم��ر م��ردة الإج��رام و�أعداء‬
‫الإ�سالم‪ ،‬بطاعتهم لهم يف حتليل ما ح َّرم اهلل وحترمي ما �أحل و�أوجب‪.‬‬
‫كتحرمي اجلهاد‪ ،‬وما يرتتب على ذلك �أي�ضاً من حترمي و�إبطال اجلزية‪،‬‬
‫والغنائم‪ ،‬وال�سبي‪ ،‬وحترمي الرق الذي �أباحه اهلل‪ ،‬وم�ساواة امل�سلم بالكافر‪،‬‬
‫واحرتام �سيادة الدول وا�ستقاللها‪ ،‬والإلتزام برفع راياتهم و�أعالمهم التي‬
‫عليها �صلبانهم و�أوثانهم‪ ،‬واحرتام مرا�سيمهم الدولية و�شعاراتهم الر�سمية‪،‬‬
‫والتعهد مبا يف ميثاق الأمم املتحدة من احلفظ والتطبيق والعمل و�إعالن‬
‫هذا يف امللأ‪ ،‬والت�صويت على �أخذ القرارات الدولية بالأغلبية ال بحكم‬
‫رب الربية‪ ،‬ولو كان الت�صويت على �شيء مما �أمر اهلل به �أو نهى عنه؛‬
‫كقتال اليهود �أو عدم قتالهم �أو طرد امل�ستعمر الغا�صب‪ .‬و�أي دولة ُم َوحدة‬
‫تجُ اهد يف �سبيل اهلل وتفتح الديار ف�إنها تقاتل من قبل هذه الأمم امللحدة‪،‬‬
‫لأنها اجتمعت على حفظ احلدود التي ُر�سمت من قبلهم وت�ساوي النا�س‬
‫جميعهم م�سلمهم بكافرهم باحلقوق والواجبات‪ .‬فال جهاد وال جزية وال‬
‫غنائم وال �سبي‪ ،‬وهذا كله يُلزم به �أع�ضاء هذه الأمم‪ ،‬والذي يخالف فقد‬
‫تعهد على نف�سه ب�أن يُقاتل من قبلهم‪ ،‬وموافقتهم يف هذا ظاهراً �أو باطناً‬
‫ر ّدة �صريحة عن دين الإ�سالم‪.‬‬

‫قال تعاىل‪} :‬ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ{ (الأنعام)‪ .‬وقال تعاىل‪:‬‬


‫}ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣﮤ ﮥ‬
‫ﮦﮧﮨ ﮩﮪﮫﮬ ﮭﮮﮯ ﮰﮱ‬
‫ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ{ (حممد)‪.‬‬
‫البحث عن ال�سعادة الأبدية ‪ -‬الر�سالة التا�سعة‬
‫‪24‬‬
‫ف�إذا كان من يريد �أن يطيعهم يف بع�ض الأمر ـ ولو بال�شيء الي�سري ـ‬
‫هو مرتد عن الدين‪ .‬فكيف بالذين ي�سارعون فيهم‪ ،‬وبطاعتهم‪ ،‬ومتكينهم‪،‬‬
‫وتقوية �شوكتهم‪ .‬قال تعاىل‪} :‬ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ‬
‫ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ‬
‫ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ{ (املائدة)‪ .‬وقال تعاىل‪} :‬ﮞ ﮟ‬
‫ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥﮦ { (الق�ص�ص‪.)57 :‬‬

‫فلم يعذر اهلل عز وجل من اعتذر بتلك الأع��ذار (من عدم اتباع‬
‫الهدى‪ ،‬وتركه‪ ،‬وتويل الكافرين وامل�سارعه فيهم) ب�سبب اخلوف من الكفار‬
‫واخل�شية يف �أن تدور عليهم الدائرة‪ ،‬ويتخطفون من �أر�ضهم‪ .‬فكيف يعذر‬
‫من هم منقادون لهم انقياد تام يف كل �شيء‪ ،‬بل هم منهم يف كونهم‬
‫م�ؤ�س�سني لهذه الهيئة واملنظمة الطاغوتية الدولية‪.‬‬

‫يقول ال�شيخ حممد الأمني ال�شنقيطي ـ رحمه اهلل ـ يف تف�سريه «�أ�ضواء‬


‫البيان» عند قوله تعاىل }ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ‬
‫ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ{ (حممد)‬
‫قال‪( :‬اعلم �أن كل م�سلم يجب عليه يف هذا الزمان ت�أمل هذه الآيات من‬
‫�سورة حممد وتدبرها‪ ،‬واحلذر التام مما ت�ضمنته من الوعيد ال�شديد لأن‬
‫كثرياً ممن ينت�سبون للم�سلمني داخلون بال �شك فيما ت�ضمنته من الوعيد‬
‫ال�شديد‪ ،‬لأن عامة الكفار من �شرقيني وغربيني كارهون ملا نزل اهلل على‬
‫ر�سوله حممد �صلى اهلل عليه و�سلم‪ ،‬وهو هذا القر�آن وما يبينه به النبي‬
‫�صلى اهلل عليه و�سلم من ال�سنة‪ .‬فكل من قال له�ؤالء الكفار الكارهني‬
‫البحث عن ال�سعادة الأبدية ‪ -‬الر�سالة التا�سعة‬
‫‪25‬‬
‫ملا نزل اهلل �سنطيعكم يف بع�ض الأمر فهو داخل يف وعيد الآية و�أحرى‬
‫من ذلك من يقول لهم‪� :‬سنطيعكم يف كل الأمر كالذين يتبعون القوانني‬
‫الو�ضعية مطيعني بذلك للذين كرهوا ما نزّل اهلل ف�إن ه�ؤالء ال �شك �أنهم‬
‫ممن تتوفاهم املالئكة ي�ضربون وجوههم و�أدبارهم و�أنهم اتبعوا ما �أ�سخط‬
‫اهلل وكرهوا ر�ضوانه و�أنه حمبط �أعمالهم) �أهـ‪.‬‬

‫الرده الثامنة‬
‫مواالتهم لأعداء الإ�سالم ومظاهرتهم ومنا�صرتهم لهم‪ ،‬وتتبعهم �أهل‬
‫التوحيد لإبادتهم وا�ستئ�صالهم‪ ،‬وت�سخريهم كل ما ا�ستطاعوا به على‬
‫ت�سخريه لأعداء الدين‪ .‬من �أجوائهم وبحارهم و�أرا�ضيهم لتكون منطلقاً‬
‫ل�ضـرب كـل من يريد �أن يقيم دين اهلل يف الأر�ض‪ .‬زد على ذلك ح�ضورهم‬
‫وتواجدهم يف كل معقل ومكان وعلى جميع امل�ستويات‪ .‬ال�سيا�سية‪،‬‬
‫والإ�ستخباراتية‪ .‬وامل��ادي��ة‪ ،‬والفكرية‪ ،‬لتحقيق م�آربهم‪ ،‬ون�صرة �أعداء‬
‫الإ�سالم‪ ،‬وهو �أى�ضاً �أ�شهر من نار على علم‪.‬‬

‫الرده التا�سعة‬
‫عقدهم ملجامع التحريف‪ ،‬وا�ستقطابهم �أهل الأوثان وامللل وجمعهم‬
‫حتت راية واحدة‪ .‬راية (الو�سطية املزعومة) التي يتحقق فيها معنى الوالء‬
‫فيما بينهم‪ ،‬وينبذ فيه �أمر العداء والإ�ستعداء‪ ،‬ويهدم فيه ملة �إبراهيم‪،‬‬
‫ويعطل فيه اجلهاد‪ ،‬ويتتبع فيه �أهل التوحيد ال�ستئ�صالهم حتت م�سمى‬
‫الإرهاب‪� ،‬إىل غري ذلك من الأمور التي ير�ضاها �أبال�سة اجلن والإن�س‬
‫وال�شرق والغرب‪.‬‬
‫البحث عن ال�سعادة الأبدية ‪ -‬الر�سالة التا�سعة‬
‫‪26‬‬

‫الرده العا�شره‬
‫حتليلهم ملا حرم اهلل من الربا وغريه وترخي�ص ذلك وحمايته‪ ،‬و�إباحتهم‬
‫للإف�ساد يف الأر���ض ون�شر الرذائل عن طريق فتح جميع و�سائل الإعالم‬
‫ب�شتى �صورها‪ ،‬وتقنني ذلك بقانون يُج َّرم من خالفه‪ ،‬ويعاقب من خرج عنه‪.‬‬

‫وللمزيد من الفهم ملثل هذه امل�س�ألة‪� :‬أقول‪� :‬إن التحليل مبعناه اللغوي‪:‬‬
‫هو الإقدام على فعل ال�شيء والتحرمي لغة‪ :‬هو املنع‪ ،‬قال تعاىل‪} :‬ﯛ‬
‫ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ{ �أي منعنا‪.‬‬

‫و�أم��ا يف املعنى الإ�صطالحي ال�شرعي‪ :‬ف�إن التحليل‪ :‬هو �أن يحل‬


‫الإن�سان ما حرمه اهلل‪ ،‬والتحرمي‪ :‬هو �أن يح ِّرم ما �أحله اهلل‪ .‬وينق�سم �إىل‬
‫ق�سمني‪ ،‬كالهما خمرج عن امللة‪ :‬اعتقادي‪ ،‬وعملي‪.‬‬
‫فاال�ستحالل االعتقادي مث ً‬
‫ال‪ :‬هو �أن يعقد الإن�سان بقلبه حل ما‬
‫حرمه اهلل‪.‬‬

‫و�أما اال�ستحالل العملي(((‪ :‬فهو �أن ي�أتي الإن�سان ب�أعمال فيها حتليل‬
‫للحرام‪ ،‬ويزداد الأمر يف جتليه و�ضوحاً �إذا كان الإن�سان يف مقام من‬
‫له الأحقية والأهلية ملن هم دونه يف �إ�صدار الت�شريعات العامة التي يُعمل‬
‫بها وينقاد �إليها‪ ،‬فريخ�ص ويحل لهم وي�شرع قانون يبيح فيه ممار�سة‬
‫ما حرمه اهلل‪ ،‬ويعاقب كل من �أراد اخلروج عنه وخمالفته‪ .‬وهذا الأمر‬
‫وا�ضح وجلي وهلل احلمد‪.‬‬
‫((( ويدخل يف اال�ستحالل العملي‪ :‬النطق بالل�سان با�ستحالل ما حرمه اهلل‪ ،‬ف�إنه عمل من‬
‫الأعمال وهو فعل جارحة الل�سان‪ ،‬ومنه قوله �سبحانه وتعاىل‪�} :‬شياطني الإن�س واجلن يوحي‬
‫بع�ضهم �إىل بع�ض زخرف القول غرور ًا ولو �شاء ربك ما فعلوه{‪.‬‬
‫البحث عن ال�سعادة الأبدية ‪ -‬الر�سالة التا�سعة‬
‫‪27‬‬
‫و�إذا كان من هم �أفراد النا�س ممن ا�ستباح منهم �أمراً قد حرمه اهلل‪،‬‬
‫وقد حدث هذا يف ع�صر النبوة ـ كما �سي�أتي ذكر احلديث‪ ،‬وكالم �أهل‬
‫العلم فيه ـ وهو حديث �أبي بردة بن نيار الذي �أر�سله النبي �صلى اهلل عليه‬
‫و�سلم �إىل الرجل الذي تزوج وعقد على امر�أة �أبيه‪ ،‬وقد كفر بذلك‪ ،‬و�أمر‬
‫النبي �صلى اهلل عليه و�سلم بقتله وتخمي�س ماله‪ ،‬مع �أنه مل يظهر اعتقاده‬
‫بحل ذلك املحرم‪ ،‬ومل ينطق بل�سانه با�ستحالل هذا احلرام‪ ،‬و�إمنا فقط‬
‫�أبرم عقداً‪ .‬والعقد دليل عملي هنا على امل�شروعية واال�ستحالل‪ ،‬ولو‬
‫�أنه مار�س فعل الزنا بامر�أة �أبيه ملا كفر بذلك‪ ،‬ولكنه �أراد �أن يجعل هذا‬
‫الأمر من جملة الأمور امل�ستباحة التي ال جرمية عليها فيبا�شره مبا�شرة‬
‫احلالل‪ ،‬فكان الوعيد املرتتب عليه هو الكفر والقتل وتخمي�س املال‪.‬‬

‫فالعاقد على ذي حمرم ال يريد �أن ميار�س ذلك عن طريق الزنا ـ ولو‬
‫فعله ما كفر ـ ولكن �أول ما كان من �أمره هو ذهابه �إىل ويل تلك املر�أة لإنفاذ‬
‫ذلك والرتخي�ص وال�سماح له بالزواج منها‪ ،‬فكان كفره من هذا الوجه‪.‬‬

‫كما �أن من يريد �أن ين�ش�أ م�ؤ�س�سة بنكية تقوم على الربا �أول ما يكون‬
‫من �أمره هو الذهاب �إىل الويل العام لريخ�ص له وي�سمح له بذلك‪ .‬ولو‬
‫با�شر ذلك الن�شاط الربوي من تلقاء نف�سه ملا كفر بذلك‪ ،‬ولكنه �أراد �أن‬
‫يجعل ذلك من الأم��ور امل�شروعة وامل�سموح واملرخ�ص بها‪ ،‬فكان كفره‬
‫من هذا الوجه‪ .‬ومن رخ�ص له ذلك فهو طاغوت قد جعل نف�سه نداً‬
‫هلل يف حكمه وت�شريعه للعباد وحتليله وحترميه‪ ،‬قال تعاىل‪} :‬ﮭ ﮮ‬
‫ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙﯚ{ (ال�شورى)‪.‬‬
‫البحث عن ال�سعادة الأبدية ‪ -‬الر�سالة التا�سعة‬
‫‪28‬‬
‫وهذا �أمر ال يخفى على كل ذي علم وب�صريه‪ ،‬و�إال فما الفرق بني‬
‫من يرخ�ص للنا�س الزواج من ن�ساء �آبائهم ويحمي كل من �أراد �أن يربم‬
‫العقود ويوثق املواثيق لفعل ذلك‪ ،‬وبني من يرخ�ص للنا�س فتح بنوك الربا‬
‫وم�ؤ�س�سات الإعالم والإف�ساد يف الأر�ض‪ .‬و�إذا كان الأول ال ينفعه اعتقاده‬
‫ال�سليم والنطق به‪ ،‬فكيف ينفع الثاين اعتقاده ال�سليم والنطق به‪.‬‬
‫ال املتزوج بذي حمرم �أنا �أتزوجها و�أعتقد �أن ذلك حرام‪.‬‬ ‫فلو قال مث ً‬
‫ما نفعه ذلك االعتقاد والنطق به وهو ي�ستحل بعمله ذلك املحرم‪ ،‬كما �أن‬
‫من يطلب الرتخي�ص والإباحة لإن�شاء م�ؤ�س�سة بنكـ َّيـة وهو يقول �أنا �أعتقد‬
‫�أن هذا حرام‪ ،‬ال ينفعه ذلك االعتقاد والنطق به وهو ي�ستحل فعل ذلك‪.‬‬
‫ومما يدخل يف ذلك �أي�ضاً‪ :‬التالعب بامل�سميات‪ ،‬فالعاقد على ذي حمرم‬
‫�إمنا ي�سمي عقده هذا نكاحاً فاراً من م�سمى الزنا‪ ،‬واملن�شئ وامل�ؤ�س�س للربا‬
‫املف�سد يف الأر�ض الذي يحارب اهلل ور�سوله‪ ،‬كما يف قوله تعاىل عن الربا‬
‫و�أهله‪} :‬ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛﯜ{ (البقرة‪ ،)279 :‬وحكمه عز وجل‬
‫فيهم هو حد احلرابة كما يف قوله تعاىل‪} :‬ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ‬
‫ﭿﮀﮁﮂﮃ ﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊ‬
‫ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒﮓ ﮔ ﮕ‬
‫ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ{ (املائدة)‪.‬‬
‫�إمنا ي�سمي تلك العقود الربوية بعقود املبايعة واملرابحة والفوائد فا ًّرا‬
‫من م�سمى الربا‪} :‬و�أحل اهلل البيع وحرم الربا{ و(�أحل اهلل النكاح وحرم‬
‫الزنا)‪.‬‬
‫ونتيجة ذلك كله هو عدم جترمي مثل هذه املمار�سات والأفعال‪ ،‬و�سن‬
‫البحث عن ال�سعادة الأبدية ‪ -‬الر�سالة التا�سعة‬
‫‪29‬‬
‫قوانني ولوائح تتنا�سب معها‪ ،‬وعدم اعتبار ذلك حماربة هلل ور�سوله‪ ،‬وما‬
‫يرتتب عليه من �إقامة حكم اهلل فيهم من القتل ـ �إن �أباحوا ذلك ـ �أو النفي‬
‫من الأر�ض‪.‬‬
‫ف���إذا كان اهلل تعاىل قد جعل ذلك حماربة له جل وعال وجرمية‪،‬‬
‫ندا هلل يف‬
‫رخ�ص الربا قد جعل نف�سه ًّ‬ ‫وجعل على ذلك ح ًّدا ‪ ،‬ف�إن الذي َّ‬
‫�سنِّهِ قوانني جتعل هذا الربا م�شروعاً وم�سموحاً به وال جرمية عليه‪ ،‬وال‬
‫حدا يف ذلك‪ ،‬بل كل من �أراد �أن ينكر ذلك املنكر العظيم الذي يحارب به‬‫ًّ‬
‫اهلل ف�إنه �سوف يعر�ض نف�سه لأليم العقاب‪ ،‬ف�أي كفر فوق هذا الكفر‪ ،‬و�أي‬
‫م�شاقة هلل ور�سوله �أعظم من هذه امل�شاقة‪.‬‬
‫ومما يدخل كذلك يف التالعب بامل�سميات التي ت�ضيع فيها احلقائق‪:‬‬
‫العدول عن امل�سميات الوا�ضحة التي يدرك حقيقتها اجلميع‪ ،‬كم�سمى‬
‫اال�ستحالل والإباحة وغريها �إىل م�سمى الرتخي�ص وال�سماح ونحو ذلك‪،‬‬
‫حتى ال يرتكز يف �أذه��ان العامة تعدي ه�ؤالء على �أمر اهلل يف التحليل‬
‫ين�صون يف لوائحهم وتنظيماتهم على م�سمى‬ ‫ُّ‬ ‫والتحرمي‪ .‬ف���إن كونهم‬
‫�ص» �أو «يُ ْ�س َمح» �أو «يحق» وما �شابه ذلك‪ ،‬فيه تلبي�س على العامة‬‫«يُ َر َّخ ُ‬
‫من الذين ال يعملون �أن هذه امل�سميات هي بعينها وحقيقتها م�سميات‬
‫اال�ستحالل والإباحة ولكن تعددت �ألفاظها‪ ،‬ف�إن م�سمى اال�ستحالل �أو‬
‫الرتخي�ص معناه‪ :‬هو الإي��ذان �أو الإذن العام ل�صاحب الأم��ر �أو ال�ش�أن‬
‫مبمار�سة الأمر امل�سموح له فيه‪� :‬أي مباح له ويحل له فعل ذلك‪.‬‬
‫ف�إنهم يعلمون �أنهم لو ن�صوا يف لوائحهم على م�سمى اال�ستحالل‪،‬‬
‫كقولهم‪ :‬يحل فعل كذا‪� ،‬أو يباح ملن ا�ستوفى ال�شروط فعل كذا وكذا‪� ،‬أنه‬
‫البحث عن ال�سعادة الأبدية ‪ -‬الر�سالة التا�سعة‬
‫‪30‬‬
‫�سوف ينجلي �أمرهم‪ ،‬ولكنهم عدلوا عن هذه امل�سميات �إىل م�سميات تتوه‬
‫فيها الأذهان وتتعطل فيها الأحكام ال�شرعية املرتتبة من كفر وطاغوتية‪.‬‬
‫فتجد كثرياً من املعرت�ضني يقولون‪ :‬ملاذا تكفرون ه�ؤالء وهم مل ي�صرحوا‬
‫بذلك اال�ستحالل وي�ستبيحوا تلك املحرمات‪ ،‬ومل ين�صوا على ذلك يف‬
‫لوائحهم‪� .‬إىل غري ذلك من هذه الإ�شكاالت التي كانت تلك امل�سميات‬
‫�سبباً فيها‪.‬‬
‫روى �أحمد يف م�سنده عن الرباء بن عازب ر�ضي اهلل عنه قال‪ :‬لقيت‬
‫خايل �أبا بردة ومعه الراية‪ ،‬فقال‪�« :‬أر�سلني ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه‬
‫و�سلم �إىل رجل تزوج امر�أة �أبيه �أن �أقتله و�آخذ ماله» ورواه �أي�ضاً الرتمذي‬
‫(((‬
‫والن�سائي و�أبو داود ب�إ�سناد �صحيح‪.‬‬
‫وذكر ابن �أبي خيثمة يف «تاريخه» من حديث معاوية بن قرة عن �أبيه‬
‫عن جده ر�ضي اهلل عنه �أن الر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم بعثه �إىل رجل‬
‫�أعر�س بامر�أة �أبيه ف�ضرب عنقه وخ ّم�س ماله‪�.‬أهـ‬

‫((( قال الهيثمي يف «املجمع» (‪ :)269/6‬رواه �أحمد ورجاله رجال ال�صحيح غري �أبي اجلهم وهو‬
‫ثقة‪ .‬وع َّلق عليه الإمام ابن قيم يف «عون املعبود» (‪ )95/12‬فقال‪« :‬وهذا كله يدل على �أن احلديث‬
‫حدث به عن �أبي بردة بن نيار‪ ،‬وا�سمه‬‫حمفوظ‪ ،‬وال يوجب هذا تركه بوجه‪ .‬ف�إن الرباء بن عازب َّ‬
‫احلارث بن عمرو‪ ،‬و�أبو بردة‪ :‬كنيته وهو عمه وخاله‪ ،‬وهذا واقع يف الن�سب‪ ،‬وكان معه رهط‪ ،‬فاقت�صر‬
‫على ذكر الرهط مرة وعني من بينهم �أبا بردة بن نيار با�سمه مرة‪ ،‬وبكنيته �أخرى‪ ،‬وبالعمومة تارة‪،‬‬
‫وباخل�ؤولة �أخرى‪.‬‬
‫ف�أي علة يف هذا توجب ترك احلديث‪ ،‬واهلل املوفق لل�صواب‪ ،‬واحلديث له طرق ح�سان ي�ؤيد بع�ضها‬
‫بع�ضا‪ ،‬منها‪ :‬مطرف عن �أبي اجلهم عن الرباء‪ .‬ومنها �شعبة عن الركني بن الربيع عن عدي بن‬ ‫ً‬
‫ثابت عن الرباء‪ .‬ومنها‪ :‬احل�سن بن �صالح عن ال�سدي عن عدي عن الرباء‪ .‬ومنها‪ :‬معمر عن‬
‫�أ�شعث عن عدي عن يزيد بن الرباء عن �أبيه‪.‬‬
‫وذكر الن�سائي يف �سننه من حديث عبداهلل بن �إدري�س حدثنا خالد بن �أبي كرمية عن معاوية بن‬
‫قرة عن �أبيه‪� :‬أن ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم بعث �أباه جد معاوية �إىل رجل عر�س بامر�أة �أبيه‬
‫ف�ضرب عنقه‪ ،‬وخم�س ماله»�أهـ‪.‬‬
‫البحث عن ال�سعادة الأبدية ‪ -‬الر�سالة التا�سعة‬
‫‪31‬‬
‫قال ابن القيم‪« :‬قال يحيى بن معني‪ :‬هذا حديث �صحيح»اهـ‪.‬‬
‫(((‬

‫يقول ابن تيمية رحمه اهلل‪« :‬و�أي�ضاً حديث �أبي بردة بن نيار ملا بعثه‬
‫النبي �صلى اهلل عليه و�سلم �إىل من تزوج امر�أة �أبيه‪ ،‬ف�أمره �أن ي�ضرب‬
‫عنقه ويخ ّم�س ماله‪ ،‬ف�إن تخمي�س املال دل على �أنه كان كافراً ال فا�سقاً‪،‬‬
‫وكفره ب�أنه مل يحرم ما حرم اهلل ور�سوله»اهـ‪.‬‬
‫(((‬

‫ويقول ال�شيخ حمد بن عتيق رحمه اهلل‪ :‬يف ر�سالته «الدفاع عن �أهل‬
‫ال�سنة واالتباع»‪« :‬الوجه الثامن‪ :‬ما رواه الإمام �أحمد والن�سائي وغريهما‬
‫عن الرباء قال لقيت خايل �أبا بردة ومعه الراية فقال �أر�سلني ر�سول‬
‫اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم �إىل رجل تزوج امر�أة �أبيه �أن �أقتله و�آخذ ماله‪،‬‬
‫وذكر ابن خيثمة يف تاريخه من حديث معاوية بن قرة عن جده �أن ر�سول‬
‫اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم بعث �إىل رجل عر�س بامر�أة �أبيه ف�ضرب عنقه‬
‫وخم�س ماله‪ ،‬وقد ن�ص �أحمد يف رجل تزوج امر�أة �أبيه �أو بذات حمرم‬
‫قال يقتل ويدخل ماله يف بيت املال‪ ...‬وهذا ظاهر يف �أن من ظهر منه‬
‫ا�ستحالل حمارم اهلل كفر وقتل وال ي�شرتط يف ذلك ان�شراح �صدره بالكفر‬
‫ـ وحكى الإجماع على ذلك كثري منهم ابن تيمية»�أهـ‪.‬‬
‫(((‬

‫وقال الطحاوي‪( :‬فلما �أمر ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم يف هذين‬
‫دل ذلك �أن املتزوج كان بتزوجه‬‫احلديثني ب�أخذ مال املتزوج وتخمي�سه َّ‬
‫(((‬
‫مرتداً حمارباً‪ ،‬فوجب �أن يقتل لردته)�أهـ‪.‬‬

‫((( زاد املعاد (‪.)15/5‬‬


‫((( جمموع الفتاوى (‪.)91/ 20‬‬
‫((( الدفاع عن �أهل ال�سنة والإتباع �ص ‪ ،26‬طبعة مكتبة الهداية‪.‬‬
‫((( �شرح املعاين والآثار (‪.)147/3‬‬
‫البحث عن ال�سعادة الأبدية ‪ -‬الر�سالة التا�سعة‬
‫‪32‬‬

‫ب�سم اهلل الرحمن الرحيم‬


‫يف ذكر ما جاء من الفتاوى‬
‫قبل هذا التحريف من جلان الإفتاء‬
‫ال‪ ،‬وال على من‬ ‫وقد �صادفتني بع�ض الفتاوى التي ال �أعول عليها �أ�ص ً‬
‫�أفتى بها‪ ،‬و�إمنا التعويل يف ذلك على احلق الثابت واملرت�سخ يف الكتاب‬
‫وال�سنة‪ ،‬و�أ�صول املله‪ ،‬و�إجماع �أهل الإ�سالم‪ .‬يقول احلافظ ابن كثري‬
‫رحمه اهلل‪) :‬فمن ترك ال�شرع املحكم املنزل على حممد بن عبداهلل خامت‬
‫الأنبياء وحتاكم �إىل غريه من ال�شرائع املن�سوخه َك َفر‪ .‬فكيف مبن حتاكم‬
‫(((‬
‫�إىل اليا�سا وقدمها عليه‪ .‬من َف َع َل ذلك َك َفر ب�إجماع امل�سلمني(�أهـ‪.‬‬

‫ال على كون بع�ضها قد طاله النق�ض والتحريف والتغيري‪� .‬إذ‬ ‫ف�ض ً‬
‫لي�ست على العهد‪ ،‬والباقي منها قد دخل فيه الت�أويل الفا�سد والتالعب‬
‫بالأحكام التي تتما�شى مع ال�سيا�سات الإجرامية احلاكمة‪ ،‬والنظام العاملي‬
‫اجلديد‪ .‬و�إمنا ق�صدت �إيرادها هنا لي�شهد القارى واقع حتريف هذا‬
‫الدين‪ .‬واهلل امل�ستعان‪.‬‬

‫((( البداية والنهاية )‪.(128/8‬‬


‫البحث عن ال�سعادة الأبدية ‪ -‬الر�سالة التا�سعة‬
‫‪33‬‬

‫الفتوى الأوىل‬
‫يف تكفري �أ�صحاب امل�ؤمترات‬
‫الداعني �إىل وحدة التقارب والتعاي�ش‬
‫مع الأديان الأخرى وما فيها من �إبطال‬
‫ملة �إبراهيم‪ ،‬والوالء والرباء واجلهاد يف �سبيل اهلل‬
‫وقد تقدم �إيراد هذه الفتوى للجنة الدائمة فتوى رقم )‪ (19402‬والتي‬
‫فيها تكفري من دعا �إىل وحدة التقارب والتعاي�ش مع �أ�صحاب الأوثان‬
‫وامللل‪ ،‬وما ن�صوا عليه يف ذلك بقولهم‪�) :‬سابعاً‪ :‬و�أن من �آثار هذه الدعوة‬
‫الآثمة �إلغاء الفوارق بني الإ�سالم والكفر‪ ،‬واحلق والباطل‪ ،‬واملعروف‬
‫واملنكر‪ ،‬وك�سر حاجز النفرة بني امل�سلمني والكافرين‪ .‬فال والء وال براء‪،‬‬
‫وال جهاد وال قتال لإعالء كلمة اهلل يف �أر�ض اهلل‪ ،‬واهلل جل وتقد�س يقول‪:‬‬
‫}ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ‬
‫ﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑ ﮒﮓ‬
‫ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ{ )التوبة(‪.‬‬

‫وق���ول���ه‪} :‬ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ‬
‫ﯦﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ{ )التوبة‪ (36 :‬انتهى جواب‬
‫اللجنة‪.‬‬
‫البحث عن ال�سعادة الأبدية ‪ -‬الر�سالة التا�سعة‬
‫‪34‬‬

‫الفتوى الثانية‬
‫يف كفر من مل يفرق‬
‫بني امل�سلمني والكافرين �إال بالوطن‬
‫جاء يف فتاوى اللجنة الدائمة‪ .‬ال�س�ؤال الثالث من الفتوى رقم )‪(6310‬‬
‫برئا�سة املفتى العام عبدالعزيز بن باز‪ ،‬وعبداهلل بن قعود‪ ،‬وعبدالرزاق‬
‫عفيفي‪ ،‬وعبداهلل الغديان‪ .‬حول ما يتعلق بالوطن‪ .‬ف�أجابوا‪) :‬و�أما من‬
‫مل يفرق بني اليهود والن�صارى و�سائر الكفره وبني امل�سلمني �إال بالوطن‪،‬‬
‫وجعل �أحكامهم واحده فهو كافر( انتهى‪.‬‬

‫الفتوى الثالثة‬
‫قول املفتي العام وفتواه‬
‫يف تكفري الدولة التي ال تنقاد وتن�صاع‬
‫حلكم اهلل تعاىل‬
‫قال املفتي العام عبدالعزيز بن باز يف كتابه )نقد القومية �ص‪:(50‬‬
‫)وكل دوله ال حتكم ب�شرع اهلل وال تن�صاع حلكم اهلل فهي دولة جاهليه‬
‫كافره ظامله فا�سقه بن�ص هذه الآيات املحكمات‪ ،‬يجب على �أهل الإ�سالم‬
‫بغ�ضها ومعاداتها يف اهلل‪ ،‬وحترم عليهم مودتها ومواالتها‪ ،‬حتى ت�ؤمن‬
‫وحتكم �شريعته‪ .‬كما قال عزوجل‪} :‬ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ‬ ‫ِّ‬ ‫باهلل وحده‬
‫ﮨ ﮩﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ‬
‫ﯘ ﯙ ﯚﯛ ﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤ‬
‫البحث عن ال�سعادة الأبدية ‪ -‬الر�سالة التا�سعة‬
‫‪35‬‬

‫ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯳ ﯴ‬
‫ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ{ )املمتحنة( انتهى كالمه‪.‬‬

‫الفتوى الرابعة‬
‫يف كفر من حكم بغري �شريعة اهلل تعاىل‬
‫قال املفتي العام عبدالعزيز بن باز يف البيان الذي �شارك فيه كبار‬
‫العلماء ـ حول كفر من حكم بغري �شريعة اهلل ـ منهم املفتي العام ال�سابق‬
‫حممد بن �إبراهيم‪ ،‬واملفتي عبداهلل بن حميد وغريهم‪.‬‬

‫قال املفتي العام عبدالعزيز بن باز‪) :‬وهذا حتذير �شديد من اهلل‬


‫�سبحانه جلميع العباد من الإعرا�ض عن كتابه و�سنة ر�سوله �صلى اهلل‬
‫عليه و�سلم والتحاكم �إىل غريهما‪ ،‬وحكم �صريح من الرب عزوجل على‬
‫من َح َكم بغري �شريعته ب�أنه كافر وظامل وفا�سق‪ ،‬ومتخلق ب�أخالق املنافقني‬
‫(((‬
‫و�أهل اجلاهلية( انتهى‪ .‬حرر يف تاريخ ‪1380/11/12‬هـ‪.‬‬

‫((( فتاوى حممد بن �إبراهيم )‪.(256/12‬‬


‫البحث عن ال�سعادة الأبدية ‪ -‬الر�سالة التا�سعة‬
‫‪36‬‬

‫الفتوى اخلام�سة‬
‫قول املفتي العام‬
‫يف تكفري من ترك حكم اهلل و�أحل حمله القوانني‬
‫الو�ضعية‪ ،‬و�إن كان يعتقد �أن حكم اهلل خري و�أكمل‬
‫و�أعدل‪ ،‬ف�إنه كافر بذلك‬
‫قال املفتي العام عبدالعزيز بن باز يف ر�سالته «وجوب حتكيم �شرع‬
‫اهلل»‪) :‬ال �إميان ملن اعتقد �أن �أحكام النا�س و�آراءهم خري من حكم اهلل‬
‫ور�سوله‪� ،‬أو متاثلها وت�شابهها‪� ،‬أو تركها و�أحل حملها الأحكام الو�ضعية‬
‫والأنظمة الب�شرية و�إن كان معتقداً �أن �أحكام اهلل خري و�أكمل و�أعدل(‬
‫انتهى كالمه‪.‬‬

‫الفتوى ال�ساد�سة‬
‫يف كفر من حكم بالقوانني و�إن قالوا �أخط�أنا‬
‫وحكم ال�شرع �أعدل مع بيان املق�صود من قول‬
‫«كفر دون كفر»‬
‫قال املفتي العام ال�سابق ـ حممد بن �إبراهيم كما يف فتاواه‪) :‬و�أما الذي‬
‫قيل فيه كفر دون كفر �إذا حاكم �إىل غري اهلل مع اعتقاده �أنه عا�ص و�أن‬
‫حكم اهلل هو احلق‪ .‬فهذا الذي ي�صدر منه املره ونحوها‪ ،‬و�أما الذي جعل‬
‫قوانني برتتيب وتخ�ضيع فهو كفر و�إن قالوا �أخط�أنا وحكم ال�شرع �أعدل‪.‬‬
‫البحث عن ال�سعادة الأبدية ‪ -‬الر�سالة التا�سعة‬
‫‪37‬‬
‫املقرر واملثبت واملرجع‪ ،‬جعلوه هو املرجع‪ .‬فهذا كفر ناقل عن‬
‫ففرق بني ِ ّ‬
‫(((‬
‫املله «تقرير»( انتهى كالمه‪.‬‬

‫الفتوى ال�سابعة‬
‫ِّ‬
‫املحكم للقانون م�شرك كالذي يعبد الوثن‬
‫وقال �أي�ضاً املفتي العام ال�سابق حممد بن �إبراهيم‪) :‬ولعلك �أن تقول‪:‬‬
‫لو قال من حكم بالقانون‪� :‬أنا اعتقد �أنه باطل‪ .‬فهذا ال �أثر له‪ ،‬بل هو عزل‬
‫(((‬
‫لل�شرع‪ .‬كما لو قال �أحد‪� :‬أنا �أعبد الأوثان و�أعتقد �أنها باطل( انتهى‪.‬‬

‫((( فتاوى حممد بن �إبراهيم )‪ .(280/12‬وقوله )هذا الذي ي�صدر منه املرة ونحوها( هذا يف‬
‫حال �إذا كان القا�ضي �أو احلاكم ملتزماً بتحكيم ال�شرع جملة‪ ،‬ولكن حدث منه ب�أن �أخذ الر�شوة‬
‫يف الق�ضية واحتال فيها‪ ،‬فرتك احلكم مبا �أنزل اهلل‪� ،‬أي ترك �إقامة احلد على م�ستحقه‪،‬‬
‫فهذا حاله يكون كحال الذي يرتك الفر�ض والفر�ضني من ال�صالة مع التزامه ب�أ�صل ال�صالة‬
‫واملحافظة عليها‪ ،‬ومثل هذا قد اختلف يف تكفريه‪ ،‬وذلك �أن احلكم مبا �أنزل اهلل عبادة‪ ،‬كال�صالة‪،‬‬
‫فالرتك اجلزئي للحكم مبا �أنزل اهلل يف الواقعة والواقعتني كالرتك اجلزئي لل�صالة يف الفر�ض‬
‫والفر�ضني‪ ،‬فهذا يقع فيه اخلالف يف تكفري فاعله‪ ،‬واحلاكم فيه الن�ص‪ ،‬وهو من نوع ترك العبادة‬
‫بخالف �صرف العبادة‪ ،‬وهناك فرق ما بني ترك العبادة و�صرف العبادة‪ ،‬فرتك العبادة‪ :‬قد يقع‬
‫فيه اخلالف على ما تقدم‪� ،‬أما �صرف العبادة لغري اهلل‪ :‬فلي�س فيه خالف يف تكفري من فعله‪،‬‬
‫بل من �شك يف كفر امل�شرك )ال�صارف للعبادة( هو كافر مثله‪ .‬فلو �صلَّى �إن�سان ـ مث ً‬
‫ال ـ لغري اهلل‬
‫�أو �سجد لطاغوت �أو وثن‪ .‬فهذا يكون كافراً ب�إجماع امل�سلمني‪ ،‬ولو فعل ذلك مرة واحدة‪ ،‬وكذا‬
‫لو حتاكم لطاغوت و�صرف عبادة التحاكم لقانونه الطاغوتي ولو مرة واحدة‪ ،‬ف�إنه يكون كافراً‬
‫ب�إجماع امل�سلمني‪ ،‬لأنه بذلك يكون قد دخل يف دين امل�شركني ب�سبب ذلك ال�صرف‪� ،‬سواء كان منه‬
‫جزئياً ـ املرة واملرتني ـ �أو كلياً‪ ،‬وقد تقدم ما نقله ابن كثري من الإجماع يف ذلك بقوله «من فعل‬
‫ذلك كفر ب�إجماع امل�سلمني»‪�.‬أهـ‪.‬‬
‫((( فتاوى حممد بن �إبراهيم )‪.(189/6‬‬
‫البحث عن ال�سعادة الأبدية ‪ -‬الر�سالة التا�سعة‬
‫‪38‬‬

‫الفتوى الثامنة‬
‫احلكم بغري ال�شريعة معناه اخلروج من الإ�سالم‬
‫وقال املفتي العام ال�سابق �أي�ضاً‪) :‬لأنه بحكم غري ال�شريعة بني النا�س‬
‫(((‬
‫معناه الكفر واخلروج من الإ�سالم والعياذ باهلل( انتهى‪.‬‬

‫الفتوى التا�سعة‬
‫فتوى هيئة كبار العلماء يف تكفري‬
‫احلكومة التي حتكم بغري ما �أنزل اهلل‬
‫و�أنها حكومة غري �إ�سالمية‬
‫و�سئلت اللجنة الدائمة‪ .‬برئا�سة املفتي العام عبدالعزيز بن باز‪،‬‬
‫وعبدالرزاق عفيفي‪ ،‬وعبداهلل بن قعود‪ ،‬وعبداهلل الغديان‪ .‬يف الفتوى‬
‫رقم )‪ .(7796‬قال ال�سائل‪ :‬لعلكم على علم ب���أن حكومتنا علمانية ال‬
‫تهتم بالدين‪ ،‬وهي حتكم البالد على د�ستور ا�شرتك يف ترتيبه امل�سلمون‬
‫وامل�سيحيون‪ .‬هناك يرد ال�س�ؤال‪ :‬هل يجوز لنا �أن ن�سمي احلكومة بحكومة‬
‫�إ�سالمية‪� ،‬أو نقول �إنها كافرة؟‬

‫ف�أجابت اللجنة‪�) :‬إذا كانت حتكم بغري ما �أنزل اهلل فاحلكومة‬


‫غري �إ�سالمية‪ .‬وب��اهلل التوفيق‪ ،‬و�صلى اهلل على نبينا حممد و�آله‬
‫(((‬
‫و�صحبه و�سلم( انتهى‪.‬‬

‫((( فتاوى حممد بن �إبراهيم )‪.(263/12‬‬


‫((( فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء )‪ 546/1‬ـ ‪.(547‬‬
‫البحث عن ال�سعادة الأبدية ‪ -‬الر�سالة التا�سعة‬
‫‪39‬‬

‫الفتوى العا�شرة‬
‫يف كفر الدولة التي حتكم بالقانون‬
‫ووجوب الهجرة منها‬
‫و�سئل املفتي العام ال�سابق ال�شيخ حممد بن �إبراهيم �آل ال�شيخ ـ رحمه‬
‫اهلل ـ كما يف فتاواه‪ .‬هل جتب الهجرة من بالد امل�سلمني التي يحكم فيها‬
‫بالقانون؟‬

‫ف�أجاب‪) :‬البلد التي يحكم فيها بالقانون لي�ست بلد �إ�سالم جتب‬
‫(((‬
‫الهجرة منها( انتهى كالمه‪.‬‬

‫الفتوى احلادية ع�شر‬


‫فتوى ع�ضو هيئة كبار العلماء‬
‫حممد بن �صالح العثيمني يف تكفري من حكم‬
‫بالقوانني و�إن �صلى و�صام وحج وزعم �أنه م�سلم‬
‫وقال املفتي وع�ضو هيئة كبار العلماء حممد بن �صالح العثيمني‪�) :‬إن‬
‫يحكمون القوانني الآن‪ ،‬ويرتكون وراءهم كتاب اهلل و�سنة ر�سوله‬ ‫الذين ِ ّ‬
‫�صلى اهلل عليه و�سلم ما هم مب�ؤمنني‪ ،‬لي�سوا مب�ؤمنني‪ .‬لقول اهلل تعاىل‪:‬‬
‫}ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ‬
‫ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ{ )الن�ساء‪.(:‬‬

‫((( فتاوى حممد بن �إبراهيم )‪.(88/6‬‬


‫البحث عن ال�سعادة الأبدية ‪ -‬الر�سالة التا�سعة‬
‫‪40‬‬

‫ولقوله }ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ{‬
‫)املائدة(‬
‫ِّ‬
‫املحكمون للقوانني ال يحكمونها يف ق�ضية معينة خالفوا‬ ‫وه���ؤالء‬
‫فيها الكتاب وال�سنة لهوى �أو لظلم‪ ،‬ولكنهم ا�ستبدلوا الدين بهذا القانون‬
‫وجعلوا هذا القانون يحل حمل �شريعة اهلل وهذا كفر‪ .‬حتى لو �صلُّوا‬
‫و�صاموا وت�صدقوا وحجوا‪ .‬فهم ُك َّفار ما داموا عدلوا عن حكم اهلل ـ وهم‬
‫يعلمون بحكم اهلل ـ �إىل هذه القوانني املخالفة حلكم اهلل‪} :‬ﯜ ﯝ ﯞ‬
‫ﯟ ﯠﯡﯢﯣﯤ ﯥﯦﯧ ﯨﯩﯪ‬
‫ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ{ )الن�ساء(‪.‬‬

‫فال ت�ستغرب �إذا قلنا‪� :‬إن من ا�ستبدل �شريعة اهلل بغريها من القوانني‬
‫ف�إنه يكفر ولو �صام و�صلى‪ ،‬لأن الكفر ببع�ض الكتاب كف ٌر بالكتاب كله‪،‬‬
‫فال�شرع ال يتبع�ض �إما �أن ت�ؤمن به جميعاً و�إما �أن تكفر به جميعاً‪ ،‬و�إذا‬
‫�آمنت ببع�ض وكفرت ببع�ض‪ ،‬ف�أنت كافر باجلميع‪ ،‬لأن حالك يقول‪� :‬إنك‬
‫ال ت�ؤمن �إال مبا ال يخالف هواك‪ .‬و�أما ما خالف هواك فال ت�ؤمن به‪ .‬هذا‬
‫هو الكفر‪ .‬ف�أنت بذلك اتبعت الهوى‪ ،‬واتخذت هواك �إلهاً من دون اهلل(‬
‫(((‬
‫انتهى كالمه‪.‬‬

‫((( �شرح ريا�ض ال�صاحلني )‪ (261/2‬باب «الأمر باملحافظة على ال�سنه و�آدابها» �شرح قوله تعاىل‬
‫«فال وربك ال ي�ؤمنون حتى يحكموك فيما �شجر بينهم»‪.‬‬
‫البحث عن ال�سعادة الأبدية ‪ -‬الر�سالة التا�سعة‬
‫‪41‬‬

‫الفتوى الثانية ع�شر‬


‫فتوى هيئة كبار العلماء يف تكفري‬
‫من حكم بغري ما �أنزل اهلل متعمداً‬
‫و�أنه بذلك يكون طاغوت ًا يجب الكفر به‬
‫و�سئلت اللجنة الدائمة‪ .‬برئا�سة املفتي العام عبدالعزيز بن باز‪،‬‬
‫وعبدالرزاق عفيفي‪ ،‬وعبداهلل بن قعود‪ ،‬وعبداهلل الغديان‪ .‬يف ال�س�ؤال‬
‫اخلام�س من الفتوى رقم )‪ .(5966‬قال ال�سائل‪ :‬متى نفرد �شخ�صاً با�سمه‬
‫وعينه على �أنه طاغوت؟‬
‫ف�أجابت اللجنة‪�) :‬إذا دعا �إىل ال�شرك‪� ،‬أو لعبادة نف�سه‪� ،‬أو ادعى �شيئاً‬
‫من علم الغيب‪� ،‬أو حكم بغري ما �أنزل اهلل متعمداً‪ ،‬ونحو ذلك‪ ،‬وقد قال‬
‫ابن القيم رحمه اهلل‪ :‬الطاغوت كل ما جتاوز به العبد حده من معبود �أو‬
‫متبوع �أو مطاع‪.‬‬

‫وباهلل التوفيق‪ ،‬و�صلى اهلل على نبينا حممد وعلى �آله و�صحبه و�سلم(‬
‫(((‬
‫انتهى جواب اللجنة‪.‬‬

‫ومن املالحظ �أن ال�سائل �أراد حكم التعيني هنا ال الإط�لاق‪ .‬وذلك‬
‫بقوله‪) :‬متى نفرد �شخ�صاً با�سمه وعينه(‪.‬‬

‫((( فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء )‪ 542/1‬ـ ‪.(543‬‬


‫البحث عن ال�سعادة الأبدية ‪ -‬الر�سالة التا�سعة‬
‫‪42‬‬

‫الفتوى الثالثة ع�شر‬


‫فتوى ع�ضو هيئة كبار العلماء‬
‫�صالح بن فوزان الفوزان‬
‫يف كفر احلاكمني بغري ما �أنزل اهلل‬
‫و�أنهم لي�سوا جمرد طواغيت‬
‫بل هم من ر�ؤو�س الطواغيت‬
‫قال ع�ضو هيئة كبار العلماء �صالح بن ف��وزان الفوزان يف �شرحه‬
‫لر�سالة «معنى الطاغوت» لل�شيخ حممد بن عبدالوهاب ـ رحمه اهلل ـ عند‬
‫ذكره لر�ؤو�س الطواغيت‪.‬‬

‫قال الفوزان‪) :‬ومنهم احلكام الذين ي�سنُّون القوانني‪ ،‬ويلغون ال�شريعة‬


‫ويجعلون القوانني حملها‪ ،‬ه�ؤالء طواغيت‪ ،‬الذي يحكم بغري ما �أنزل‬
‫اهلل هذا طاغوت بن�ص القر�آن }ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ‬
‫ﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬ ﭭﭮ‬
‫ﭯ{ )الن�ساء(‪ ،‬فمن حكم بغري ما �أنزل اهلل متعمداً ذلك ف�إنه يكون‬
‫طاغوتاً(‪.‬‬

‫وقال الفوزان يف نف�س املو�ضع‪�) :‬إمنا الطاغوت الذي تعمد خمالفة‬


‫ال�شرع‪ ،‬وتعمد احلكم بغري ما �أنزل اهلل‪ ،‬يجلب القوانني واملحاكم القانونية‬
‫يجعلها حمل ال�شريعة‪ ،‬هذا ال �شك �أنه طاغوت‪ ،‬لي�س طاغوتاً عادياً بل‬
‫من ر�ؤو�س الطواغيت اخلم�س‪.‬‬
‫البحث عن ال�سعادة الأبدية ‪ -‬الر�سالة التا�سعة‬
‫‪43‬‬
‫فما دام �أن اهلل ـ جل وعال ـ فر�ض عليك الكفر بالطاغوت ‪ ،‬فال يجوز‬
‫ال وما تدري ما هو الطاغوت‪ ،‬ال بد �أن تعرف ما هو‬‫لك �أن تبقى جاه ً‬
‫الطاغوت؟ وما هي �أنواعه؟ حتى تتجنبه( انتهى كالمه‪.‬‬
‫(((‬

‫الفتوى الرابعة ع�شر‬


‫فتوى هيئة كبار العلماء يف كفر من حكم بغري ما‬
‫�أنزل اهلل‬
‫و�أنه لي�س ك�سائر املعا�صي‬
‫جاء يف فتاوى اللجنة الدائمة‪ .‬برئا�سة املفتي العام احلايل عبدالعزيز‬
‫بن عبداهلل �آل ال�شيخ‪ ،‬و�صالح بن فوزان الفوزان‪ ،‬وعبداهلل الغديان‪ ،‬وبكر‬
‫بن عبداهلل �أبو زيد‪ .‬يف الفتوى رقم )‪ (21154‬بتاريخ ‪1420/10/24‬هـ‪.‬‬
‫أ�صل فيه من عقيدة التجهم والإرجاء يف‬ ‫حول كتاب خالد العنربي وما � َّ‬
‫م�سائل الإميان‪ ،‬واحلكم بغري ما �أنزل اهلل وو�صفه �إياها ب�أنها من الكفر‬
‫الأ�صغر )كفر دون كفر( ك�سائر املعا�صي‪.‬‬

‫ف�أجابت اللجنة يف الرد على دعاويه بقولها‪ 4) :‬ـ دعواه �إجماع �أهل‬
‫ال�سنه على عدم كفر من حكم بغري ما �أنزل اهلل يف الت�شريع العام �إال‬
‫بالإ�ستحالل القلبي ك�سائر املعا�صي التي دون الكفر‪ .‬وهذا حم�ض افرتاء‬
‫على �أه��ل ال�سنة من�ش�ؤه اجلهل �أو �سوء الق�صد‪ .‬ن�س�أل اهلل ال�سالمة‬
‫والعافية‪.‬‬

‫((( �شرح ر�سالة «معنى الطاغوت» ل�صالح بن فوزان الفوزان �ص ‪ 12‬ـ ‪ ،13‬طبعة دار الإمام �أحمد‬
‫للن�شر والتوزيع‪ ،‬رقم الإيداع بدار الكتب امل�صرية )‪2006 /1852‬م(‪.‬‬
‫البحث عن ال�سعادة الأبدية ‪ -‬الر�سالة التا�سعة‬
‫‪44‬‬
‫وبنا ًء على ما تقدم ف�إن اللجنة ترى حترمي طبع الكتاب املذكور ون�شره‬
‫وبيعه‪ ،‬وتذكر الكاتب بالتوبه �إىل اهلل تعاىل( انتهى‪.‬‬

‫الفتوى اخلام�سة ع�شر‬


‫يف كفر احلاكمني بالقانون والتاركني ل�شريعة اهلل‬
‫�إال فيما ي�سمونه (بالأحوال ال�شخ�صية)‬
‫يقول ع�ضو هيئة كبار العلماء �صالح بن ف��وزان الفوزان يف �شرحه‬
‫لر�سالة «معنى الطاغوت» لل�شيخ حممد بن عبدالوهاب‪ ،‬عند ذكره لر�ؤو�س‬
‫الطواغيت‪ ،‬وجعل منها‪ :‬الذي يحكم بغري ما �أنزل اهلل‪ ،‬قال الفوزان‪) :‬وهذا‬
‫�إذا تعمد احلكم بغري ما �أنزل اهلل‪ ،‬وجعل املحاكم حتكم بغري ما �أنزل اهلل‬
‫بقوانني و�ضعية‪ ،‬و�ألغى ال�شريعة وق�صرها على الأحوال ال�شخ�صية فقط‪،‬‬
‫و�أما املنازعات بني النا�س واخل�صومات فيحكم فيها القانون‪ ،‬هذا كافر(‬
‫(((‬
‫انتهى كالمه‪.‬‬

‫وقـال عـ�ضو هيـئة كبار العلماء �صالح بن فوزان الفوزان يف تعقبه على‬
‫كالم احلافظ ابن كثري يف تكفريه للتتار‪ .‬قال‪) :‬ومثل القانون الذي ذكره‬
‫ال عن ال�شريعة الإ�سالمية‪ :‬القوانني‬ ‫عن التتار وحكم بكفر من جعله بدي ً‬
‫الو�ضعية التي جعلت اليوم يف كثيـر من ال��دول هـي مـ�صادر الأحكـام‪،‬‬
‫و�ألغيت من �أجلها ال�شريعة الإ�سالمية �إال فيما ي�س ُّمونه بالأحوال ال�شخ�صية‪.‬‬
‫والدلـيل عـلى كفـر من فعل ذلك �آيات كثرية‪ :‬قـولـه تعـاىل‪} :‬ﮤ ﮥ ﮦ‬

‫((( �شرح ر�سالة معنى الطاغوت للفوزان‪� ،‬ص ‪.28‬‬


‫البحث عن ال�سعادة الأبدية ‪ -‬الر�سالة التا�سعة‬
‫‪45‬‬

‫ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ{ )املائدة(‪ ،‬وقـوله‪} :‬ﯜ ﯝ‬


‫ﯞ ﯟ ﯠﯡﯢﯣﯤ ﯥﯦﯧ ﯨﯩﯪ‬
‫ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ{ )الن�ساء(‪ .‬وقوله‪} :‬ﭸ ﭹ‬
‫(((‬
‫ﭺ ﭻ ﭼﭽ{ )البقرة‪ (85 :‬انتهى‪.‬‬

‫الفتوى ال�ساد�سة ع�شر‬


‫فتوى عامل اململكة والق�صيم ورئي�س ق�سم العقيدة‬
‫يف اجلامعة الإ�سالمية يف املدينة املنورة (�سابق ًا)‬
‫عبداهلل بن حممد الغنيمان يف تكفري من َّ‬
‫ر�شح‬
‫نف�سه يف ال�سلطة الت�شريعية (الربملان)‬
‫و�أنه بذلك يكون من ر�ؤ�ساء الطواغيت حتى لو مل ي�شرِّ ع‬
‫�صوت له وانتخبه من عامة النا�س ولو‬ ‫وتكفري من َّ‬
‫بنية �صاحلة و�أنه بذلك قد وقع يف ال�شرك‪ ،‬فال‬
‫ت�صح ال�صالة خلفه‬
‫وق��ال املفتي العامل عبداهلل الغنيمان يف �شريطه ال��ذي بلغ الآفاق‪:‬‬
‫«اخللق كلهم عباد اهلل جل وعال‪َ ،‬و َح ُّدهم �أن يكونوا عبيداً هلل جل وعال‪،‬‬
‫ال لأمر �سيده ومتبعاً لقوله و�شرعه‪ ،‬وال يكون م�ساو للرب‬‫والعبد يكون ممتث ً‬
‫�أو منازعاً له يف الت�شريع واحلكم بني اخللق‪ ،‬ف�إنه �إذا كان بهذه املنزلة كان‬
‫منازعاً هلل جل وعال مبنزلة فرعون و�أ�شباهه من الطواغيت الكبار»‪.‬‬

‫((( الإر�شاد �إىل �صحيح االعتقاد‪� ،‬ص ‪ 90‬للفوزان‪.‬‬


‫البحث عن ال�سعادة الأبدية ‪ -‬الر�سالة التا�سعة‬
‫‪46‬‬
‫وق��ال الغنيمان‪« :‬على هذا ال��ذي يجعل خملوقاً من النا�س ين�صبه‬
‫ب�أن يختاره ويقول هذا يكون نائباً عني �أو �أنا �أختار هذا ـ يكون م�شرعاً‬
‫الت�شريعات التي يتحاكم �إليها ـ هذا �أتى مبناق�ض للإميان عليه �أن يراجع‬
‫نف�سه ويتوب حتى ما يقع يف ال�شرك الذي هو من �أعظم الذنوب»‪ .‬انتهى‬

‫وحول النية ال�صاحلة واملق�صد احل�سن الذي يقول به البع�ض ب�أن‬


‫لي�س يف نياتهم �أن يجعلوا ه�ؤالء الأع�ضاء م�شرعني مع اهلل و�إمنا �أرادوا‬
‫بذلك الإ�صالح‪ .‬جاء جواب الغنيمان على هذا ال�س�ؤال بقوله‪�« :‬إذا مث ً‬
‫ال‬
‫ال خمالفاً لل�شرع ال تنفعه نيته ال�صاحلة‪ ،‬الذي يقول‬ ‫عمل الإن�سان عم ً‬
‫ال عرف �أنه نُ�صب‬ ‫�أنا نويت نيتي �صاحلة �أن هذا يكون م�صلحاً لأنه �أ�ص ً‬
‫ليكون �شريكاً هلل جل وعال يف احلكم‪ ،‬فهذا م�صادمة لكتاب اهلل وحلكمه‬
‫ال تنفع الإن�سان �أو ت�ضره‬‫ـ �أال هلل احلكم جل وعال ـ و�إمنا النية التي قد مث ً‬
‫�إذا كان العمل �أ�صله م�شروع فالنية هنا تختلف»‪ .‬انتهى‬

‫وقال الغنيمان‪« :‬نعم �إذا الإن�سان عرف �أنه ر�شح هذا الإن�سان ليكون‬
‫م�شرعاً وهو يعلم �أن ال�شرع هلل جل وعال وحده‪ ،‬و�إمنا يقول �أنا �أريد‬
‫ال يريد الإ�صالح فال �أترك املجال‬ ‫�أن هذا �أعرفه و�أنه رجل �صالح مث ً‬
‫للمف�سدين �أر�شح هذا الرجل فهذا ال ينفعه»‪ .‬انتهى‬
‫وقال �أي�ضاً‪« :‬فكونه مث ً‬
‫ال يقول �إن نيته �صاحلة ما تفيده هذه النية‬
‫ولو كانت �صاحلة‪ ،‬لأن �أ�صل تر�شيحه يف هذا ال يجوز له بل هو وقع يف‬
‫ناق�ض من نواق�ض الإميان»‪.‬‬
‫البحث عن ال�سعادة الأبدية ‪ -‬الر�سالة التا�سعة‬
‫‪47‬‬
‫وقال �أي�ضاً يف جوابه على ال�سـائل‪ :‬قال ال�سائل البن غنيمان‪� :‬إذا‬
‫دخل الإن�سان يف ال�سلطة الت�شريعية وق��ال لن �أ�شرع ولن �أق��ع يف �أي‬
‫ممار�سة للت�شريع و�إمنا ي�أخذ فقط من�صب امل�شرع‪ .‬ف�أجاب الغنيمان‬
‫فقال‪�« :‬إذا دخل يف ال�سـلطة التي هي ت�شريع �أو قوانني البد �أنه ر�ضي‬
‫بهذا ال�شيء والر�ضى بغري حكم اهلل جل وعـال هو من الكفر‪ ،‬ف�إذا مث ً‬
‫ال‬
‫جعل نف�سه نا�صباً لها م�شرعاً فهذا لي�س جمرد كفر فقط‪ ،‬فهذا يكون من‬
‫ر�ؤ�ساء الطواغيت‪ ،‬الطواغيت كثريون ولكن هذا من ر�ؤ�سائهم لأنه بذلك‬
‫يجعل احلكم له ولي�س هلل جل وعال» وقال �أي�ضاً ـ يف ن�صيحة له للناخب‬
‫امل�صوت «ن�صيحتي �أن الإن�سان �ألزم ما عليه دينه‪ ،‬ويجب �أن يتم�سك‬
‫بتوحيد اهلل‪ ،‬و�إذا وقع يف مثل هذا يجب �أن يتوب ويرجع وي�ستغفر‬
‫ويجدد �إميانه وال تنفعه الدنيا ب�شيء‪ ،‬فيجب على الإن�سان �أن يقلع عن‬
‫هذه الأمور تائباً ويجدد دينه �إذا كان وقع يف ناق�ض من النواق�ض يعني‬
‫ن�صب �إن�سـاناً خملوقاً ليكون م�شرعاً»‪.‬‬

‫وعن حكم ال�صالة خلف امل�صوت الناخب الذي ير�شح من ينوب عنه‬
‫يف من�صب امل�شرع‪� .‬أجاب الغنيمان على هذا ال�س�ؤال بقوله‪�« :‬إذا وقع‬
‫الإن�سان يف هذا ويعرف ذلك فال ت�صح ال�صالة خلفه يجب �أن ي�صلي‬
‫الإن�سان خلف من تكون عقيدته �سليمة ومل يقع يف النواق�ض التي نق�ضت‬
‫(((‬
‫الإميان» انتهى كالمه‪.‬‬

‫((( حوار خا�ص مع الغنيمان يف �شريط }وال يتخذ بع�ضنا بع�ضاً �أرباباً من دون اهلل{ وهو متداول‬
‫بكرثة بني طلبة العلم‪.‬‬
‫البحث عن ال�سعادة الأبدية ‪ -‬الر�سالة التا�سعة‬
‫‪48‬‬

‫الفتوى ال�سابعة ع�شر‬


‫فتوى ع�ضو هيئة كبار العلماء �صالح الفوزان‬
‫ورده على من رمى �أهل التوحيد‬
‫(الذين يكفرون الطواغيت) ببدعة اخلوارج‬
‫وو�صفهم بالتكفرييني ورده على خالد العنربي‬
‫يف كتابه «هزمية الفكر التكفريي»‬
‫قال ع�ضو هيئة كبار العلماء �صالح بن فوزان الفوزان يف تعقبه على‬
‫خالد العنربي يف كتابه «هزمية الفكر التكفريي»‪ .‬قال الفوزان‪) :‬و�آل‬
‫الأمر بهذه النابته �إىل �أن ت�شنع على من ال يجاريها ويوافقها على عقيدة‬
‫الإرجاء وي�سمونهم باخلوارج والتكفرييني‪ ،‬وهذا قد يكون جلهلهم بعقيدة‬
‫�أهل ال�سنة واجلماعة التي هي و�سط بني مذهب اخلوارج الذين يكفرون‬
‫بالكبائر(‪.‬‬

‫يل كتاب بعنوان «هزمية الفكر التكفريي»‬ ‫ثم قال الفوزان‪) :‬وقد و�صل �إ َّ‬
‫ت�أليف خالد العنربي‪ .‬قال فيه «فمازال الفكر التكفريي مي�ضي بقوه يف‬
‫�أو�ساط �شباب الأمة منذ �أن اختلقته اخلوارج احلروريه»‪ ،‬و�أقول‪ :‬التكفري‬
‫لي�س من ت�شريع اخلوارج وال غريهم‪ ،‬ولي�س هو فكراً كما تقول‪ ،،‬و�إمنا هو‬
‫حكم �شرعي حكم به اهلل ور�سوله على من ي�ستحقه بارتكاب ناق�ض من‬
‫نواق�ض الإ�سالم القولية �أو االعتقادية �أو الفعلية‪ .‬والتي بينها العلماء يف‬
‫باب �أحكام املرتد(‪.‬‬
‫البحث عن ال�سعادة الأبدية ‪ -‬الر�سالة التا�سعة‬
‫‪49‬‬
‫ثم قال را َّدا عليه يف تعريفه ملعنى التبديل ب�أنه ما ن�سب �إىل اهلل‪:‬‬
‫)نقول‪ :‬هذا التبديل الذي ذكرت �أنه كفر ب�إجماع امل�سلمني هو تبديل‬
‫غري موجود‪ ،‬و�إمنا هو افرتا�ضي من عندك ال يقول به �أحد من احلكام‬
‫اليوم وال قبل اليوم‪ ،‬و�إمن��ا هناك ا�ستبدال هو اختيار جعل القوانني‬
‫الو�ضعية بديلة عن ال�شريعة الإ�سالمية و�إلغاء املحاكم ال�شرعية وهذا‬
‫كفر �أي�ضاً‪ ،‬لأنه يزيح حتكيم ال�شريعة الإ�سالمية وينحيها نهائياً ويحل‬
‫(((‬
‫حملها القوانني الو�ضعية‪ .‬فماذا يبقى للإ�سالم؟!( انتهى‪.‬‬

‫الفتوى الثامنة ع�شر‬


‫فتوى عامل اململكة والق�صيم‬
‫عبداهلل بن حممد الغنيمان يف الإغالظ وعدم‬
‫جواز ال�صالة خلف من رمى �أهل التوحيد الذين‬
‫يُ ِّ‬
‫كفرون الطواغيت وملزهم ببدعة اخلوارج‬
‫تقدم كالمه يف تكفري من ر�شَّ ح نف�سه يف ال�سلطة الت�شريعية‬
‫وقد َّ‬
‫وبي الغنيمان �أنه يكون من ر�ؤ�ساء الطواغيت الذين يجب‬ ‫«الربملان»‪ ،‬نَّ‬
‫الكفر بهم وتكفريهم‪.‬‬
‫قال ال�سائل‪ :‬ما حكم من ي�سمي دين التوحيد ودي��ن من يكفرون‬
‫بالطواغيت بدين اخلوارج‪ ،‬وهل ت�صح ال�صالة خلف من هذا حاله؟‬
‫ف�أجاب الغنيمان‪« :‬الإن�سان �إذا عرف التوحيد ف�إنه ال بد �أن يعرف‬
‫ال ي�سمي التوحيد ديناً للخوارج الذين‬
‫مناق�ضه‪ ،‬و�إذا كان الإن�سان مث ً‬
‫((( �صحيفة اجلزيرة ـ العدد ‪ 1147‬بتاريخ ‪ 8‬ربيع الآخر ‪1421‬هـ‪.‬‬
‫البحث عن ال�سعادة الأبدية ‪ -‬الر�سالة التا�سعة‬
‫‪50‬‬
‫خرجوا عن الإ�سالم‪ ،‬وعن اجلماعة‪ ،‬وعن احل��ق‪ ،‬فمعنى ذلك �أن��ه مل‬
‫يعرف التوحيد‪ ،‬يجب عليه �أن يتع َّرف عليه حتى ال يكون من وقود جهنم‪.‬‬
‫ن�س�أل اهلل العافية‪ .‬فالذي ي�شرك باهلل‪ ،‬امل�شرك ال ت�صح ال�صالة خلفه‪.‬‬
‫�إذا كان يفعل �شرك‪� .‬أما �إن كان يرمي �أهل التوحيد ب�أنهم �ضالل و�أنهم‬
‫لي�سوا على احلق ك�أن يرميهم ب�أنهم خوارج‪ ،‬فمعنى ذلك �أنه مل يعرف‬
‫التوحيد فال جتوز ال�صالة خلفه»‪.‬‬
‫(((‬

‫الفتوى التا�سعة ع�شر‬


‫يف كفر من �أمر بت�شكيل‬
‫جلان يحكم فيها بغري �شريعة الإ�سالم‬
‫قال ع�ضو هيئة كبار العلماء عبدالرزاق عفيفي يف �أحوال احلاكمني‬
‫بغري ما �أنزل اهلل‪:‬‬

‫وهو قوله‪) :‬الثالثة‪ :‬من كان منت�سباً للإ�سالم‪ ،‬عاملاً ب�أحكامه‪ ،‬ثم و�ضع‬
‫للنا�س �أحكاماً‪ ،‬وهي�أ لهم نظماً‪ ،‬ليعملوا بها ويتحاكموا �إليها وهو يعلم �أنها‬
‫تخالف �أحكام الإ�سالم فهو كافر خارج من ملة الإ�سالم‪.‬‬

‫وكذا احلكم فيمن �أمر بت�شكيل جلنة �أو جلان لذلك‪ ،‬ومن �أمر النا�س‬
‫بالتحاكم �إىل تلك النظم والقوانني‪� ،‬أو حملهم على التحاكم �إليها وهو‬
‫(((‬
‫يعلم �أنها خمالفة ل�شريعة الإ�سالم( انتهى كالمه‪.‬‬

‫((( حوار خا�ص مع الغنيمان يف �شريط «وال يتخذ بع�ضنا بع�ضاً �أرباباً من دون اهلل»‪.‬‬
‫((( �شبهات حول ال�سنه‪ ،‬ور�سالة احلكم بغري ما �أنزل اهلل ـ لع�ضو هيئة كبار العلماء عبدالرزاق‬
‫عفيفي ـ �ص‪ 63‬طبعة دار الف�ضيلة‪.‬‬
‫البحث عن ال�سعادة الأبدية ‪ -‬الر�سالة التا�سعة‬
‫‪51‬‬

‫الفتوى الع�شرون‬
‫يف كفر من �أ�صدر ت�شريع ًا عام ًا‬
‫ملزم ًا للنا�س يتعار�ض مع حكم اهلل‬
‫قال ع�ضو هيئة كبار العلماء عبداهلل بن حميد‪) :‬ومن �أ�صدر ت�شريعاً‬
‫عاماً ملزماً للنا�س يتعار�ض مع حكم اهلل فهذا يخرج من امللة كافراً(‬
‫(((‬
‫انتهى‪.‬‬

‫الفتوى الواحدة والع�شرون‬


‫يف كفر من �أحل القوانني الو�ضعية‬
‫حمل الأحكام ال�شرعية‬
‫قال ع�ضو هيئة كبار العلماء عبداهلل بن قعود‪�) :‬إن رفع �أحكام �شرعية‬
‫من �أحكام الإ�سالم معروف حكمها من الدين بال�ضرورة‪ .‬و�إحالل قوانني‬
‫و�ضعية من �صنيع الب�شر خمالفه لها بدالً منها‪ ،‬واحلكم بها بني النا�س‪،‬‬
‫وحملهم على التحاكم �إليها‪� .‬إن ذلك �شرك باهلل يف حكمه( انتهى‪.‬‬
‫(((‬

‫((( نق ً‬
‫ال عن كتاب الإميان ومبطالته ـ وهي ر�سالة مقدمة لنيل درجة املاج�ستري يف جامعة �أم‬
‫القرى عام ‪1399‬هـ �ص‪ 144‬ملحمد بن حافظ ال�شريده‪.‬‬
‫((( �أحاديث اجلمعة �ص‪.56/4‬‬
‫البحث عن ال�سعادة الأبدية ‪ -‬الر�سالة التا�سعة‬
‫‪52‬‬

‫الفتوى الثانية والع�شرون‬


‫يف نبذ املحاكم التي ال حتكم ب�شرع اهلل‬
‫جاء يف فتاوى اللجنة الدائمة‪ .‬برئا�سة املفتي العام عبدالعزيز بن باز‪،‬‬
‫وعبدالرزاق عفيفي‪ ،‬وعبداهلل بن قعود‪ ،‬وعبداهلل لغديان‪.‬‬

‫يف ال�س�ؤال الثالث من الفتوى رقم )‪ .(5236‬قال ال�سائل‪ :‬نحن نعي�ش‬


‫حتت حكومة غري م�سلمة وهي ِ ّ‬
‫حتكم القانون الو�ضعي‪ .‬فهل لنا �أن نرفع‬
‫�إليها ق�ضايانا؟‬

‫ف�أجابت اللجنة‪) :‬ال يجوز للم�سلم �أن يتحاكم �إىل حكومة غري م�سلمة‪.‬‬
‫قال تعاىل‪} :‬ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ{‬
‫)املائدة(‪.‬‬

‫وهذا وا�ضح وهلل احلمد‪ .‬وباهلل التوفيق و�صلى اهلل على نبينا حممد‬
‫(((‬
‫و�آله و�صحبه و�سلم(�أهـ‪.‬‬

‫فت�أمل قولهم «حكومة غري م�سلمة» ب�سبب حتكيمها للقوانني‪ ،‬وت�أمل‬


‫ا�ستداللهم بالآية‪« :‬ف�أولئك هم الكافرون»‪ ،‬وت�أمل قولهم «وهذا وا�ضح‬
‫وهلل احلمد»‪.‬‬

‫((( فتاوى اللجنة الدائمة )‪ 544/1‬ـ ‪.(545‬‬


‫البحث عن ال�سعادة الأبدية ‪ -‬الر�سالة التا�سعة‬
‫‪53‬‬

‫الفتوى الثالثة والع�شرون‬


‫فتوى عامل اململكة والق�صيم‬
‫عبداهلل بن حممد الغنيمان يف بيان كفر‬
‫املتحاكمني �إىل الطاغوت واملحاكم القانونية وترك‬
‫التحاكم �إليها ولو ذهب مال الإن�سان‬
‫وقال عامل اململكة والق�صيم ابن غنيمان‪« :‬الذهاب �إىل احلاكم بغري‬
‫ما �أنزل اهلل ال يجوز مطلقاً‪ ،‬ولو ذهب مال الإن�سان‪ ،‬لأن التحاكم �إىل اهلل‬
‫�إميان وتوحيد‪ .‬فهو من خ�صائ�ص الرب جل وعال‪ ،‬و�إذا كان هذا ملخلوق‬
‫ـ جعل ملخلوق ـ ف�إنه ال يجوز �أن يعطى هذا احلكم‪ .‬والذاهب �إليه ليحكم‬
‫له قد �أعطاه ذلك ور�ضي به‪ ،‬ولي�ست الدنيا عو�ضاً عن الإميان والآخرة‪.‬‬
‫فينبغي للإن�سان �أن يحمي دينه بكل ممكن ولو ذهبت دنياه كلها‪ ...‬ف�إذا‬
‫ال يعرف �أن اهلل جل وعال له يف كل ق�ضية حكم ـ وهذا‬ ‫كان الإن�سان مث ً‬
‫ال بد منه كل ق�ضية حتدث يف اخللق‪ ،‬فحكمها يف كتاب اهلل جل وعال‪،‬‬
‫وال يلزم �أن يكون من�صو�صاً عليها بعينها‪ ،‬ف�إن كتاب اهلل جل وعال جوامع‬
‫حتته من العلم ومن الق�ضايا العامة ما ال ح�صر له ـ ثم يذهب �إىل التحاكم‬
‫�إىل القوانني الو�ضعية التي و�ضعها الب�شر وهو يعلم ذلك ف�إنه يكون ٍ‬
‫منتف‬
‫عنه الإميان‪ .‬ن�س�أل اهلل العافية»‪ .‬انتهى‬

‫ثم قال ال�سائل‪:‬؛ �إذا اعرت�ض البع�ض يف كون �أنه يتع َّذر وجود حماكم‬
‫�شرعية يف كثري من البلدان يرتافع ويتحاكم �إليها �أهل الإ�سالم‪ ،‬و�أن‬
‫الذهاب �إىل املحاكم القانونية يف مثل هذه احلالة �أ�صبح �أمراً ال بد منه‪،‬‬
‫البحث عن ال�سعادة الأبدية ‪ -‬الر�سالة التا�سعة‬
‫‪54‬‬
‫وهو من الأمور التي ي�ضطر �إليها الإن�سان‪ ،‬فما هو حكم ال�شرع يف مثل‬
‫هذه الأحوال واجلواب على ذلك‪.‬‬

‫ال‪« :‬اجلواب هو نف�س ال�س�ؤال هذا‪� .‬أقول الدنيا‬ ‫ف�أجاب الغنيمان قائ ً‬
‫لي�ست عو�ض عن الدين‪� .‬إذا عرف �أنه حتاكم �إىل الطاغوت ال يجوز �أن‬
‫يذهب �إليه ولو ذهب ماله‪ ،‬لأن الدنيا ال ت�ساوي �شيئاً بجانب الدين‪،‬‬
‫فالإن�سان يلزم دينه‪ ،‬و�إن ذهب ماله‪ ،‬فيجب �أن يكون ماله فدا ًء لدينه‪،‬‬
‫يتح�صل على حقه بالطرق ال�سليمة جمادالت‬ ‫َّ‬ ‫فاملهم �أنه �إن ا�ستطاع �أن‬
‫وخما�صمات وما �أ�شبه ذلك بدون حماكمة �إىل املحاكم القانونية التي‬
‫تخالف ال�شرع فله �أن ي�سعى �إىل ح�صول احلق‪� .‬أما �إذا عرف �أن حقه ال‬
‫ميكن �أن يح�صل له �إال �إذا ح َّكم القانون‪ .‬فال يجوز له �أن يح ّكم القانون‪،‬‬
‫(((‬
‫لأن حتكيم القانون كفر‪ ،‬واملال لي�س مربراً لكونه يحكم القوانني»‪.‬‬

‫((( حوار خا�ص مع الغنيمان يف �شريط «وال يتخذ بع�ضنا بع�ضاً �أرباباً من دون اهلل»‪.‬‬
‫البحث عن ال�سعادة الأبدية ‪ -‬الر�سالة التا�سعة‬
‫‪55‬‬

‫قول مفتي الديار النجدية‬


‫ال�شيخ �سليمان بن �سحمان رحمه اهلل‬
‫يف كفر املتحاكمني �إىل الطواغيت‬
‫وترك التحاكم �إليهم ولو ذهب مال الإن�سان‬
‫قال مفتي الديار النجدية ال�شيخ �سليمان بن �سحمان رحمه اهلل‪:‬‬
‫)وهكذا ينبغي �أن يفعل باملتحاكمني �إىل الطواغيت‪ ،‬ف�إذا كان اخلليفة‬
‫الرا�شد قد قتل هذا الرجل مبجرد طلبه التحاكم �إىل الطاغوت‪ .‬فمن‬
‫هذا عادته التي هو عليها وال ير�ضى لنف�سه و�أمثاله �سواها �أحق �أن‬
‫يقتل لردته عن الإ�سالم وعموم ف�ساده يف الأر�ض(اهـ‪.‬‬
‫وقال �أي�ضاً رحمه اهلل‪�) :‬أن يقال �إذا عرفت �أن التحاكم �إىل الطاغوت‬
‫كفر‪ ،‬فقد ذكر اهلل يف كتابه �أن الكفر �أكرب من القتل‪ .‬قال‪« :‬والفتنة �أكرب‬
‫من القتل» وقال‪« :‬والفتنة �أ�شد من القتل» والفتنة هي الكفر‪ ،‬فلو اقتتلت‬
‫البادية واحلا�ضرة حتى يذهبوا لكان �أهون من �أن ين�صبوا يف الأر�ض‬
‫طاغوتاً يحكم بخالف �شريعة الإ�سالم(‪.‬‬
‫ثم قال رحمه اهلل‪) :‬و�إذا عرفت �أن هذا التحاكم كفراً والنزاع �إمنا‬
‫يكون لأجل الدنيا‪ ،‬فكيف يجوز لك �أن تكفر لأجل ذلك؟ ف�إنه ال ي�ؤمن‬
‫الإن�سان حتى يكون اهلل ور�سوله �أحب �إليه مما �سواهما‪ ،‬وحتى يكون‬
‫الر�سول �أحب �إليه من ولده ووالده والنا�س �أجمعني‪ ،‬فلو ذهبت دنياك كلها‬
‫ملا جاز لك املحاكمة �إىل الطاغوت لأجلها ولو ا�ضطرك م�ضطر وخيرَّ ك‬
‫بني �أن حتاكم �إىل الطاغوت �أو تبذل دنياك لوجب عليك البذل ومل يجز‬
‫(((‬
‫لك املحاكمة �إىل الطاغوت(اهـ‬
‫((( الدرر السنية‪510/10 :‬‬
‫البحث عن ال�سعادة الأبدية ‪ -‬الر�سالة التا�سعة‬
‫‪56‬‬

‫الفتوى الرابعة والع�شرون‬


‫يف كفر امل�ستبدل �شريعة اهلل‬
‫بالقوانني الو�ضعية‬
‫قال ع�ضو هيئة كبار العلماء حممد بن �صالح العثيمني‪ .‬عندما ذكر‬
‫�أق�سام احلكم بغري ما �أنزل اهلل‪) :‬الق�سم الأول‪� :‬أن يبطل حكم اهلل ليحل‬
‫حمله حكم �آخر طاغوتي‪ .‬بحيث يُلغى احلكم بال�شريعة بني النا�س‪ ،‬ويجعل‬
‫بدله حكم �آخر من و�ضع الب�شر‪ .‬كالذين يُنحون الأحكام ال�شرعية يف‬
‫املعاملة بني النا�س‪ ،‬ويحلون حملها القوانني الو�ضعية‪ .‬فهذا ال �شك �أنه‬
‫ا�ستبدال ب�شريعة اهلل �سبحانه وتعاىل غريها‪ .‬وهو كفر خمرج عن امللة‪،‬‬
‫لأن هذا جعل نف�سه مبنزلة اخلالق حيث �شرع لعباد اهلل مامل ي�أذن به‬
‫اهلل‪ ،‬بل ما خالف حكم اهلل عزوجل‪ ،‬وجعله احلكم الفا�صل بني اخللق‪،‬‬
‫وقد �سمى اهلل تعاىل ذلك �شركاً‪ .‬يف قوله تعاىل‪} :‬ﮭ ﮮ ﮯ‬
‫ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ‬
‫(((‬
‫ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ{ )ال�شورى) انتهى‪.‬‬

‫((( كتاب فقه العبادات البن عثيمني �ص‪.60‬‬


‫البحث عن ال�سعادة الأبدية ‪ -‬الر�سالة التا�سعة‬
‫‪57‬‬

‫الفتوى اخلام�سة والع�شرون‬


‫فتوى املفتي العام ال�سابق‬
‫يف كفر �أ�صحاب املحاكم التي‬
‫يحكم حكامها مبا يخالف ال�شرع‬
‫قال املفتي العام ال�سابق حممد بن �إبراهيم �آل ال�شيخ‪) :‬فهذه املحاكم‬
‫الآن يف �أم�صار الإ�سالم مهي�أه مكمله مفتوحة الأب��واب‪ ،‬والنا�س �إليها‬
‫�أ�سراب �إثر �أ�سراب‪ ،‬يحكم حكامها بينهم مبا يخالف حكم ال�سنة والكتاب‬
‫من �أحكام ذلك القانون‪ ،‬وتلزمهم به‪ ،‬وتقرهم عليه‪ ،‬وحتتمه عليهم‪ .‬ف�أي‬
‫كفر فوق هذا الكفر‪ ،‬و�أي مناق�ضة لل�شهادة ب�أن حممد ر�سول اهلل بعد‬
‫(((‬
‫هذه املناق�ضة( انتهى‪.‬‬

‫الفتوى ال�ساد�سة والع�شرون‬


‫يف كفر من اتبع الت�شريعات‬
‫املخالفة لت�شريع اهلل عزوجل‬
‫قال ع�ضو هيئة كبار العلماء �صالح بن فوزان الفوزان‪) :‬وقد ف�سر‬
‫النبي �صلى اهلل عليه و�سلم فيه‪ :‬اتخاذ الأحبار والرهبان �أرباباً من دون‬
‫اهلل ب�أنه لي�س معناه‪ :‬الركوع وال�سجود لهم‪ ،‬و�إمن��ا معناه‪ :‬طاعتهم يف‬
‫تغيري �أحكام اهلل وتبديل �شريعته‪ .‬بتحليلهم احلرام وحترميهم احلالل‪،‬‬
‫و�أن ذلك يعد عباده لهم من دون اهلل‪ ،‬حيث ن�صبوا �أنف�سهم �شركاء هلل‬
‫((( ر�سالة حتكيم القوانني ـ من �ضمن فتاوى ور�سائل حممد بن �إبراهيم )‪.(284/12‬‬
‫البحث عن ال�سعادة الأبدية ‪ -‬الر�سالة التا�سعة‬
‫‪58‬‬
‫يف الت�شريع‪ .‬فمن �أطاعهم يف ذلك فقد اتخذهم �شركاء هلل يف الت�شريع‬
‫والتحليل والتحرمي‪ ،‬وهذا من ال�شرك الأكرب‪ ،‬لقوله تعاىل‪} :‬ﯘ‬
‫ﯙ ﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠ ﯡ‬
‫ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬﯭ ﯮ‬
‫ﯯ ﯰ ﯱ{ )التوبة(‪ .‬ومثل هذه الآية قوله تعاىل‪ } :‬ﮒ‬
‫(((‬
‫ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ{ )الأنعام( انتهى‪.‬‬

‫الفتوى ال�سابعة والع�شرون‬


‫يف بيان املفتي العام‬
‫ب�أن حتكيم ال�شرع من �أعظم معاين العبودية هلل‬
‫عز وجل و�أن �سيوف اجلهاد مل جُ َ‬
‫ت َّرد �إال من �أجل‬
‫ترك هذا التحكيم‬
‫قال املفتي العام ال�سابق حممد بن �إبراهيم �آل ال�شيخ يف فتاواه‪:‬‬
‫)وحتكيم ال�شرع وحده دون ما �سواه �شقيق عبادة اهلل وحده دون ما‬
‫�سواه‪� .‬إذ م�ضمون ال�شهادتني �أن يكون اهلل هو‪ :‬املعبود وحده ال �شريك‬
‫له‪ ،‬و�أن يكون ر�سوله �صلى اهلل عليه و�سلم هو‪ :‬املتبع املحكم ما جاء به‬
‫ال وتركاً‬
‫فقط‪ ،‬وال ُج ِ ّردت �سيوف اجلهاد �إال من �أجل ذلك والقيام به فع ً‬
‫وحتكيماً عند النزاع }ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ‬
‫ﯣﯤ ﯥﯦﯧ ﯨﯩﯪﯫ ﯬﯭ‬
‫(((‬
‫ﯮ ﯯ{ )الن�ساء( انتهى‪.‬‬
‫((( الإر�شاد �إىل �صحيح االعتقاد ـ ل�صالح الفوزان �ص‪ 83‬ـ ‪.85‬‬
‫((( فتاوى حممد بن �إبراهيم )‪.(251/12‬‬
‫البحث عن ال�سعادة الأبدية ‪ -‬الر�سالة التا�سعة‬
‫‪59‬‬

‫الفتوى الثامنة والع�شرون‬


‫فتوى املفتي العام‬
‫يف بيان كفر املتحاكمني �إىل الطاغوت ـ من عامة‬
‫النا�س ـ بتحاكمهم �إىل املحاكم التي ال حتكم ب�شرع‬
‫اهلل‪ ،‬و�أنهم بذلك قد عبدوا الطاغوت‬
‫وقال املفتي العام عبد العزيز بن باز يف ر�سالته «وجوب حتكيم �شرع‬
‫اهلل»‪) :‬فمن خ�ضع هلل �سبحانه و�أطاعه وحتاكم �إىل وحيه فهو العابد‬
‫له‪ ،‬ومن خ�ضع لغريه وحتاكم �إىل غري �شرعه فقد َع َب َد الطاغوت وانقاد‬
‫له‪ .‬كما قال تعاىل‪} :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ‬
‫ﭚ ﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢ ﭣ ﭤﭥ‬
‫ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ{ )الن�ساء(‪.‬‬
‫العبودية هلل وحده‪ ،‬والرباء من عبادة الطاغوت والتحاكم �إليه من مقت�ضى‬
‫�شهادة �أن ال �إله �إال اهلل وحده ال �شريك له و�أن حممد عبده ور�سوله(‬
‫(((‬
‫انتهى كالمه‪.‬‬
‫((( يقول ال�شيخ عبداللطيف بن عبدالرحمن بن ح�سن‪) :‬من حتاكم �إىل غري كتاب اهلل و�سنة‬
‫ر�سوله �صلى اهلل عليه و�سلم بعد التعريف فهو كافر( اهـ )الدرر ال�سنية‪.(426/10 :‬‬
‫وقال ال�شيخ �سليمان بن عبداهلل بن حممد بن عبدالوهاب رحمهم اهلل‪) :‬ويف الآية دليل على �أن‬
‫ترك التحاكم �إىل الطاغوت الذي هو ما �سوى الكتاب وال�سنة من الفرائ�ض‪ ،‬و�أن املتحاكم �إليه غري‬
‫م�ؤمن بل وال م�سلم(اهـ )تي�سري العزيز احلميد �ص ‪.(419‬‬
‫وقال ال�شيخ عبدالرحمن بن ح�سن �آل ال�شيخ‪) :‬ويف ق�صة عمر ر�ضي اهلل عنه وقتله للمنافق الذي‬
‫طلب التحاكم �إىل كعب بن الأ�شرف اليهودي دليل على قتل من �أظهر الكفر والنفاق(اهـ )فتح‬
‫املجيد‪ ،‬باب قوله تعاىل «�أمل تر �إىل الذين يزعمون(‪.‬‬
‫وقال ال�شيخ حمد بن عتيق رحمه اهلل‪) :‬الأ�شياء التي ي�صري بها امل�سلم مرتداً(‪.‬‬
‫ثم ذكر من هذه الأ�شياء فقال‪) :‬الأمر الرابع ع�شر‪ :‬التحاكم �إىل غري كتاب اهلل و�سنة ر�سوله �صلى‬
‫اهلل عليه و�سلم(اهـ )جمموعة التوحيد ـ الر�سالة الثانية ع�شر �ص ‪.(361‬‬
‫البحث عن ال�سعادة الأبدية ‪ -‬الر�سالة التا�سعة‬
‫‪60‬‬
‫و�أرجو �أن يقف القارئ على الآيات التي جاءت يف هذا الباب‪ ،‬وما‬
‫قد �أ�صله اهلل يف كتابه بقوله‪} :‬ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ‬
‫ﮑﮒ{ )يو�سف‪.(40 :‬‬

‫وليحرك عقله ويراجع فطرته‪ ،‬ف�إنه �إذا علم �أن التحاكم �إىل املحاكم‬
‫والق�ضاة الذين ال يحكمون ب�شرع اهلل داخل يف عبادة الطاغوت‪ .‬فكيف‬
‫له �أن يقدم على مثل هذا‪.‬‬

‫ف�إن �أبى �إال �أن يفعل ذلك م�ستم�سكاً ببع�ض من �أفتى له بذلك و�أورده‬
‫املهالك‪ .‬فلينظر هل يبيح لنف�سه ما هو داخل يف عبادة الطاغوت من‬
‫الأعمال ال�شركية من �أجل �إرجاع ماله‪.‬‬

‫ـ فهل له �أن يطوف حول القرب �إن هم ا�شرتطوا عليه ذلك حتى يتمكن‬
‫من �إرجاع ماله؟!‬

‫ـ وهل له �أن ي�سجد لل�صليب ـ �إن ا�شرتط عليه ع َّباد ال�صليب ذلك ـ‬
‫حتى يرجعوا له ماله؟!‬

‫ـ وهل هناك فرق بني من يتحاكم �إىل الطاغوت‪ ،‬وبني من يطوف حول‬
‫الطاغوت‪ ،‬وبني من ي�سجد للطاغوت‪ ،‬وكلها من العبادات التي اخت�صها‬
‫اهلل تعاىل لنف�سه؟!‬

‫و�إذا كان اهلل تعاىل مل يعذر من ترك اجلهاد ـ الذي ال ي�صل تركه �إىل‬
‫حد الكفر ـ من �أجل املال‪ .‬فكيف يعذر من ترك التوحيد وفعل ال�شرك؟!‬

‫قال تعاىل‪} :‬ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ‬


‫البحث عن ال�سعادة الأبدية ‪ -‬الر�سالة التا�سعة‬
‫‪61‬‬

‫ﮂ ﮃﮄﮅﮆﮇ ﮈ‬
‫ﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏ ﮐﮑ‬
‫ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ‬
‫ﮝ { )التوبة(‪.‬‬

‫الفتوى التا�سعة والع�شرون‬


‫يف بيان �أن التحاكم من �أجل و�أعظم �صور العبادة‬
‫و�أن من حتاكم �إىل وا�ضعي القوانني فقد اتخذهم‬
‫�شركاء هلل يف حكمه وت�شريعه‬
‫وق��د تقدم ق��ول املفتي العام عبدالعزيز بن ب��از يف ت�أ�صيل هذه‬
‫امل�س�ألة‪.‬‬

‫قال ع�ضو هيئة كبار العلماء �صالح بن فوزان الفوزان‪:‬‬

‫)فالتحاكم �إىل �شرع اهلل لي�س لطلب العدل فقط‪ ،‬و�إمن��ا هو يف‬
‫الدرجة الأوىل تعبُّد هلل‪ ،‬وحق هلل وحده‪ ،‬وعقيده‪ .‬فمن احتكم �إىل غري‬
‫�شرع اهلل من �سائر الأنظمة والقوانني الب�شرية فقد اتخذ وا�ضعي تلك‬
‫القوانني واحلاكمني بها �شركاء هلل يف ت�شريعه‪ .‬قال اهلل تعاىل‪ } :‬ﮭ ﮮ‬
‫ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙﯚ ﯛ ﯜ‬
‫ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ{ )ال�شورى‪:‬‬
‫(((‬
‫‪ (21‬وقال تعاىل‪} :‬ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ{ )الأنعام( انتهى‪.‬‬
‫((( الإر�شاد �إىل �صحيح الإعتقاد �ص‪ 87‬ـ ‪.88‬‬
‫البحث عن ال�سعادة الأبدية ‪ -‬الر�سالة التا�سعة‬
‫‪62‬‬
‫قلت‪ :‬والذي قال يف عبادة الدعاء }فال تدعوا مع اهلل � ً‬
‫أحدا{ )اجلن‪.(18 :‬‬
‫هو الذي قال يف عبادة التحاكم‪} :‬وال ت�شرك يف حكمه �أحد ًا{‬
‫)الكهف‪ .((((26 :‬بل قد جاء الت�صريح بال�شرك يف �آية التحاكم ما‬
‫مل ي� ِأت به يف �آية الدعاء‪ .‬وذلك بقوله تعاىل‪} :‬وال ت�شرك{‪.‬‬
‫قال �صاحب تف�سري �أ�ضواء البيان ال�شيخ حممد الأمني ال�شنقيطي‬
‫رحمه اهلل‪( :‬الإ�شراك باهلل يف حكمه و الإ�شراك به يف عبادته كلها مبعنى‬
‫واحد ال فرق بينهما �ألبتة ‪ ،‬فالذي يتبع نظاماً غري نظام اهلل ‪ ،‬و ت�شريعاً‬
‫غري ت�شريع اهلل ‪ ،‬كالذي يعبد ال�صنم وي�سجد للوثن‪ ،‬ال فرق بينهما �ألبتة‬
‫(((‬
‫بوجه من الوجوه‪ ،‬فهما واحد ‪ ،‬و كالهما م�شرك باهلل)‪ .‬انتهى‪.‬‬
‫وقال �أي�ضاً يف تف�سري �أ�ضواء البيان‪) :‬وبهذه الن�صو�ص ال�سماوية يظهر‬
‫غاية الظهور‪� :‬أن الذين يتبعون القوانني الو�ضعية التي �شرعها ال�شيطان‬
‫على �أل�سنة �أوليائه خمالفة ملا �شرعه اهلل جل وعال على �أل�سنة ر�سله‬
‫�صلى اهلل عليهم و�سلم‪� ،‬أنه ال ي�شك يف كفرهم و�شركهم �إال من طم�س اهلل‬
‫(((‬
‫ب�صريته‪ ،‬و�أعماه عن نور الوحي مثلهم(‪.‬‬
‫وتقدم قول املفتي العام يف الفتوى ال�سابعة من قوله‪) :‬ولعلك �أن تقول‪:‬‬
‫لو قال من حكم بالقانون‪� :‬أنا �أعتقد �أنه باطل‪ .‬فهذا ال �أثر له‪ ،‬بل هو عز ٌل‬
‫لل�شرع‪ ،‬كما لو قال �أحد‪� :‬أنا �أعبد الأوثان و�أعتقد �أنها باطل(‪ .‬انتهى‪.‬‬

‫((( كما في قراءة عامر وهو من السبعة‪.‬‬


‫((( شريط صوتي مسجل للشيخ في تفسيره لسورة التوبة عند قوله تعالى‪« :‬اتخذوا أحبارهم‬
‫ورهبانهم أربابا من دون اهلل»‪.‬‬
‫((( أضواء البيان (‪.)85 - 82 /4‬‬
‫البحث عن ال�سعادة الأبدية ‪ -‬الر�سالة التا�سعة‬
‫‪63‬‬

‫الفتوى الثالثون‬
‫الفتوى املفقودة‪ ،‬والتي فيها بيان‬
‫للع َلم‬
‫كفر من قام َ‬
‫وهي الفتوى القدمية املحرره املفقوده‪� ،‬أو مبعنى �أو�ضح التي �أخفيت‬
‫بعدما حررت وكتبت ـ على الأرجح ـ وهي )فتوى هيئة كبار العلماء يف‬
‫تكفري من قام لل َعلَم( كما حدثني بذلك اثنان من العلماء ـ �أحدهما من‬
‫كبار العلماء ـ �أخربوين بهذا اخلرب )و�أ�س�أل اهلل عزوجل �أن ال يبقيني‬
‫ليلة واحدة على وجه هذه الأر�ض �إن كنت كاذباً فيما �أقوله‪� ،‬أو قد بالغت‬
‫فيما قد �سمعته منهما‪ .‬واهلل على ما �أقول �شهيد(‪.‬‬

‫وقد �سبق �أن دع��وت طلبة العلم �إىل البحث عن �سر هذه الفتوى‬
‫التي حكم بها ه�ؤالء العلماء يف كفر من قام لل َعلَم‪ .‬ثم �إذا بهم يخفونها‬
‫ويخرجون فتوى �أخرى مغايره لها على �أن القيام لل َعلَم بدعه منكره )�أي‬
‫�أنها جمرد مع�صية(‪.‬‬

‫والذي �أقوله هنا ـ وقد ذكرته من قبل ـ �أن �سر اختفاء هذه الفتوى‬
‫التي حدثني بها ه�ؤالء العلماء )و�أخ�برين �أحدهم �أن من كبار العلماء‬
‫الذين �شاركوا يف الفتوى القدمية ـ و�سمى يل ا�سمه ـ قد غ�ضب لهذا‬
‫التغيري‪ ،‬وقد تويف وال �أعلم هل مات على دين حممد الذي عهد‪� .‬أم على‬
‫دين �أبي جهل و�أبي لهب(‪.‬‬

‫الذي �أقوله يف مثل هذا �أن �سر اختفاء هذه الفتوى ال يف�سر �إال‬
‫ب�أمرين‪:‬‬
‫البحث عن ال�سعادة الأبدية ‪ -‬الر�سالة التا�سعة‬
‫‪64‬‬
‫الأمر الأول‪� :‬أن يكون هذا من اجلهل بالدين‪� .‬إذ كيف جتتمع جمموعة‬
‫من العلماء وت�أ�صل ق�ضية يف الدين على �أنها من املكفرات ثم �إذا بها‬
‫جتعلها من املعا�صي واملنكرات )وهذا الأمر بعيد(‪.‬‬

‫الأم��ر الثاين‪) :‬وال��ذي �أراه هو الأق��رب(‪� :‬أن يكون هذا من اللعب‬


‫بالدين‪ ،‬واتباع �سنن امللعونني من �أحبار اليهود الذين قال اهلل تعاىل فيهم‬
‫}ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰﭱ { )الأنعام‪.(91 :‬‬

‫وذل��ك بالكتم واملداهنة لهذه الدولة الوثنية التي تزعم رفع راية‬
‫التوحيد والإ�سالم )والإ�سالم منها بريء( مع ما ت�أتي به كل يوم من الكـفر‬
‫البـواح من تويل الكافرين ومنا�صرتهم‪ ،‬والتحاكم �إىل الطواغيت‪ ،‬والتي‬
‫منها �أي�ضاً الت�شبه بالأمم الكافرة يف ن�صب الرايات يف كل بقاع الأر�ض‬
‫ودعوة النا�س ل�صرف عبادة القيام لها‪.‬‬

‫والأدهى من ذلك والأمر هي تلك اجلموع اململينه يف م�شارق الأر�ض‬


‫ومغاربها التي خدعت وال تزال خمدوعه‪ ،‬والتي كانت تلك الفتوى �سبباً‬
‫يف �ضاللهم بولوجهم يف دين ال�شرك املو�صل �إىل اخللود يف النار ـ والعياذ‬
‫باهلل ـ وهم ين�صبون وجوههم جتاه هذه الأوثان‪ .‬من يتحمل وزرهم؟ وما‬
‫هو حالهم يوم القيامة؟ فح�سبنا اهلل ونعم الوكيل‪.‬‬

‫فهذه ـ �إذاً ـ دعوة فيها تكرار للبحث عن �سر تلك الفتوى ملن �أعانه‬
‫اهلل ووفقه بالتح�صل عليها ـ بو�ضعها يف ال�صفحات واملواقع‪ .‬لي�شهد‬
‫النا�س واقع حتريف هذا الدين‪ ،‬واهلل امل�ستعان‪ .‬وال حول وال قوة �إال به‬
‫�سبحانه‪.‬‬
‫البحث عن ال�سعادة الأبدية ‪ -‬الر�سالة التا�سعة‬
‫‪65‬‬

‫ف�صل‬
‫الدوله يف ميزان هذه الفتاوى‬
‫وهذا غي�ض من في�ض من فتاوى قدمية طوتها �صفحات الكتب وهي‬
‫مطبوعه بني �أيدينا ‪ -‬فيها البيان الوا�ضح‪ .‬بل التفنن يف البيان والتف�صيل‬
‫والت�أ�صيل والرد على ال�شبهات‪ ،‬وتنوع الألفاظ يف تكفري الطواغيت ومن‬
‫تابعهم على ذلك من عامة النا�س ‪ -‬فكيف بالتي مل يف�سح لها بالطباعة ـ‬
‫وهي �أ�شد يف البيان ـ مما هو خمطوط ومكتوب وحمفوظ عند �أ�صحابها‬
‫من العلماء وامل�شايخ وغريهم‪ ،‬والتي مل يتم عر�ضها و�إظهارها لدواعي‬
‫�أمنيه‪ ،‬وما �شابه ذلك‪.‬‬

‫وقد تعمدت �إي��راد ما هو ر�سمي من الفتاوى والعلماء‪ .‬ومن هم‬


‫حم�سوبون على الدولة‪ .‬ومل �أتق�صد ذكر العلماء ال�سابقني من داخل‬
‫الدوله وخارجها الذين هم كثري وكثري‪ ،‬وكلماتهم يف ه�ؤالء الطواغيت هي‬
‫�أ�شد من تلك الفتاوى‪.‬‬

‫و�إذا ما �أردنا �أن ن�ضع الدوله يف ميزان تلك الفتاوى ف�سنجد �أنها‬
‫لي�ست من الإ�سالم يف �شيء‪ .‬وهي تدعوا �إىل نبذ العداوة فيما بينها وبني‬
‫�أ�صحاب امللل الوثنية من خالل تلك املجامع التي تعقدها بني احلـني‬
‫والأخـرى‪ ،‬وتر�سخ مباد�ؤها و�أهدافها التي تت�ضمن هدم ملة �إبراهيم‬
‫ب�أ�صولها وفروعها‪ .‬فجـاء جواب اللجنة بو�صف تلك املجامع والقائمني‬
‫عليها بالرده ال�صريحة‪ ،‬وجاء قولهم فيها )و�أن من �آث��ار هذه الدعوة‬
‫الآثمة �إلغاء الفوارق بني الإ�سالم والكفر‪ ،‬واحلق والباطل‪ ،‬واملعروف‬
‫البحث عن ال�سعادة الأبدية ‪ -‬الر�سالة التا�سعة‬
‫‪66‬‬
‫واملنكر‪ ،‬وك�سر حاجز النفره بني امل�سلمني والكافرين‪ .‬فال والء وال براء‪،‬‬
‫وال جهاد وال قتال لإعالء كلمة اهلل يف �أر�ض اهلل‪ ،‬واهلل جل وتقد�س يقـول‪:‬‬
‫}ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ‬
‫ﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑ ﮒﮓ‬
‫ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ{ )التوبة(‪ .‬وقوله‪} :‬ﯡ‬
‫ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ‬
‫ﯬ ﯭ{)التوبة( انتهى‪.‬‬

‫وجاء جواب املفتي العام ال�سابق ـ فيمن مل يلتزم حتكيم ال�شريعة ـ‬


‫ال وتركاً‬
‫بقوله )وال جردت �سيوف اجلهاد �إال من �أجل ذلك والقيام به فع ً‬
‫وحتكيماً عند النزاع }ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ‬
‫ﯤ { )الن�ساء‪ (65 :‬انتهى‪.‬‬

‫وج��اء جوابهم فيمن مل يفرق يف التعامل بني �أه��ل التوحيد و�أهل‬


‫ال�شرك �إال بالوطن ب�أنه كافر‪.‬‬

‫وجاء جوابهم بو�صف امل�شرعني من دون اهلل ب�أنهم طواغيت‪.‬‬

‫وجاء جوابهم بو�صف املتحاكمني �إىل الطاغوت بالكفر واخلروج من‬


‫الإ�سالم‪.‬‬

‫وجاء جوابهم بو�صف املحللني واملحرمني ب�أنهم �شركاء و�أرباب‪.‬‬

‫ف�أين الدولة وواقعها من هذه الفتاوى الر�سمية ال�صادرة من هذه‬


‫امل�ؤ�س�سة الدينية التي �شاركت هي بدورها الديني والفكري يف حتريف‬
‫البحث عن ال�سعادة الأبدية ‪ -‬الر�سالة التا�سعة‬
‫‪67‬‬
‫هـذا الدين‪ ،‬لذا فقد وقع ما �أخرب به النبي �صلى اهلل عليه و�سلم من‬
‫اتباع هذه الأمة ل�سنن من كـان قبلها من الأمم يف كل �شيء‪ ،‬وكان له�ؤالء‬
‫العـلماء الن�صيب الوافر من هذا الإتباع لتلك ال�سنن‪ ،‬والتي منها �سنة‬
‫حتريف الدين والتالعب ب�أحكامه وت�أويلها لتتما�شى مع �أهواء ال�سالطني‬
‫واملالعني‪ ،‬وما يرتتب على ذلك من كتم احلقائق وطم�سها‪ ،‬والتي ت�ؤول‬
‫بهم �إىل لعائن اهلل املتتابعة عليهم �إن مل يتوبوا من هذا الكتم‪ .‬قال تعاىل‪:‬‬
‫}ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞﯟ ﯠ ﯡ‬
‫ﯢ ﯣ { )البقرة(‪.‬‬
‫البحث عن ال�سعادة الأبدية ‪ -‬الر�سالة التا�سعة‬
‫‪68‬‬

‫ف�صل‬
‫يف بيان من هم �أويل الأمر‬
‫املتوجب على امل�سلم طاعتهم‬
‫ال �شك وال ريب �أن ال�سمع والطاعة لويل الأمر واجبة‪ ،‬وال يجوز ترك‬
‫هذه الطاعة مهما جاء به ويل الأمر من الكبائر العظام �إال �أن يُرى منه‬
‫كفراً بواحاً كما جاء يف احلديث ال�صحيح‪ .‬وهذا قيد و�شرط‪.‬‬

‫وم��ن الكفر ال��ب��واح ت��رك ال�صالة‪ .‬كما جـاء يف احلـديث‪�« :‬أفال‬


‫ننابذهم‪ ،‬قال �صلى اهلل عليه و�سلم‪« :‬ال ما �أقاموا ال�صالة»‪ ،‬ويف رواية‬
‫(((‬
‫«ال ما �ص ّلوا»‪.‬‬

‫ومن الكفر البواح �أن يقود الراعي رعيته بغري كتاب اهلل ع َّز وج َّل‪.‬‬
‫ففي احلديث ال�صحيح الذي يرويه الرتمذي و�أحمد وغريهم‪« :‬يا �أيها‬
‫النا�س اتقوا اهلل وا�سمعوا و�أطيعوا و�إن �أمِّ ر عليكم عبد حب�شي جمدع‬
‫(((‬
‫ما �أقام فيكم كتاب اهلل عز وجل»‪.‬‬

‫وقال �صلى اهلل عليه و�سلم �أي�ضاً يف احلديث ال�صحيح الذي يرويه‬
‫ابن ماجه وم�سلم‪« :‬و�إن �أمِّ ���ر عليكم عبد حب�شي جم��دع فا�سمعوا له‬
‫(((‬
‫و�أطيعوا ما قادكم بكتاب اهلل»‪.‬‬

‫وهذا قيد و�شرط لوجوب الطاعة هنا‪� :‬أي �أن احلاكم ما دام �أنه يقود‬

‫((( رواه م�سلم‪.‬‬


‫((( رواه الرتمذي و�أحمد ب�إ�سناد �صحيح‪.‬‬
‫((( رواه ابن ماجه ب�إ�سناد �صحيح‪ ،‬ورواه م�سلم �أي�ضاً‪.‬‬
‫البحث عن ال�سعادة الأبدية ‪ -‬الر�سالة التا�سعة‬
‫‪69‬‬
‫رعيته بكتاب اهلل ف�إنه يُ�سمع له ويُطاع‪� .‬أما �إن قادهم بحكم الطاغوت فال‬
‫�سمع له وال طاعة‪ ،‬بل يكون بذلك طاغوتاً يجب الكفر به‪.‬‬

‫ي��ق��ول العالمة ال�شوكاين رح��م��ه اهلل يف تف�سريه «و�أويل الأمر‬


‫هم الأئمة وال�سالطني والق�ضاة وكل من كانت واليته �شرعية ال والية‬
‫(((‬
‫طاغوتية»�أهـ‪.‬‬

‫فالذي يحكم رعيته بال�شرع هو من واليته تكون �شرعية‪ ،‬والذي يحكم‬


‫رعيته بالطاغوت هو من واليته تكون طاغوتية‪.‬‬

‫يقول النووي يف �شرحه ل�صحيح م�سلم عند ذكره للحـديث ال�سابق‪:‬‬


‫«ف�أمر �صلى اهلل عليه و�سلم بطاعة ويل الأمر ولو كان بهذه اخل�سا�سة‬
‫ما دام يقودنا بكتاب اهلل»‪.‬‬

‫فجعل النبي �صلى اهلل عليه و�سلم الرابط ما بني الراعي والرعية‬
‫«كتاب اهلل» واحلكم مبا فيه‪ ،‬فمتى انقطع هذا الرابط انقطع حبل الإ�سالم‬
‫فال يتوجب على الرعية �أن ي�سمعوا له ويطيعوا‪ ،‬ومتى ذهب حق احلكم‬
‫بالكتاب ذهب حق ال�سمع والطاعة‪ .‬بل �إن رابط احلكم بكتاب اهلل �أقوى‬
‫من رابط ال�صالة من جهة �أن الأول ي�شمل الطرفني احلاكم واملحكوم فهو‬
‫عبادة بفعل كل منهما‪ .‬واحلديث املتقدم يف �شرط ال�صالة دليل حمكم‬
‫وقـوي عـلى كفـر تارك ال�صالة‪ ،‬لأن النبي �صلى اهلل عليه و�سلم �أمر‬
‫بال�سمع والطاعة ما مل ير كفراً بواحاً وجعل عدم �إقامة ال�صالة من الكفر‬
‫البواح لأنه قيد هذا الأمر ب�إقامة ال�صالة‪ .‬فجعل �أمر ال�سمع والطاعة‬

‫((( فتح القدير ‪.481/1‬‬


‫البحث عن ال�سعادة الأبدية ‪ -‬الر�سالة التا�سعة‬
‫‪70‬‬
‫واجباً مهماً جاء به ويل الأمر من الكبائر العظام وتركه للفرائ�ض العظيمة‬
‫املتعلقة بالدين �إال �أن يرى منه الكفر البواح والتي منها عدم �إقامة ال�صالة‬
‫«قالوا‪� :‬أفال ننباذهم؟ قال‪ :‬ال ما �صلوا»‪.‬‬

‫الأمر الثاين‪� :‬أن يكون هذا احلاكم ُم َولىَّ من قِ َبل الإمام العام )الذي‬
‫اله اخلليفة والية من الواليات العامة على‬ ‫هو اخلليفة( �أو من قِ َبل من و َّ‬
‫امل�سلمني‪ ،‬وذلك �أن الطاعة ملخلوق ال تكون �إال بربهان يقيني و�سلطان‬
‫ن�صي ي�أمر امل�سلم بذلك ال �أمر ظني اجتهادي‪ .‬وال�سلطان يف ذلك قوله‬
‫�صلى اهلل عليه و�سلم‪« :‬من �أطاعني فقد �أط��اع اهلل ومن ع�صاين فقد‬
‫ع�صى اهلل‪ ،‬وم��ن �أط���اع �أم�ي�ري فقد �أط��اع��ن��ي‪ ،‬وم��ن ع�صى �أم�ي�ري فقد‬
‫ع�صاين» )رواه البخاري(‪.‬‬

‫واخللفاء مبنزلة الأنبياء بعد وفاتهم يف قيادة الأمة‪ .‬ودليل ذلك قوله‬
‫�صلى اهلل عليه و�سلم‪« :‬كانت بنو �إ�سرائيل ت�سو�سهم الأنبياء كلما هلك‬
‫نبي خلفه نبي‪ ،‬و�إن��ه ال نبي بعدي‪ ،‬و�ستكون خلفاء تكرث»‪ .‬قالوا‪ :‬فما‬
‫ت�أمرنا‪ .‬قال‪« :‬فوا ببيعة الأول فالأول و�أعطوهم حقهم ف�إن اهلل �سائلهم‬
‫عما ا�سرتعاهم» )رواه البخاري(‪.‬‬

‫والبيعة ال�شرعية ال تكون �إال للخليفة‪ .‬فاخلليفة «الذي هو الإمام‬


‫العام» هو فقط من له حق البيعة‪� .‬أما غريه من الأمراء الذين ُولُّوا من‬
‫قبل اخلليفة فلي�س لهم حق البيعة و�إمنا لهم فقط حق ال�سمع والطاعة‪.‬‬
‫هذا �إن كانوا ـ كما تقدم ـ قد ُولُّوا من قبل الإمام‪ .‬و�إال فلي�س لهم حتى‬
‫حق ال�سمع والطاعة‪.‬‬

You might also like