Professional Documents
Culture Documents
Action Adm
Action Adm
إن اإلدارة تس تهدف –بص فة عام ة -إلى تحقي ق املص لحة العام ة ،أو احتياج ات الجمه ور.
ومن أجل تحقيق هذا اله دف ،فإنها تقوم بنشاطين أساسيان هما :املرفق العام ،والبوليس
اإلداري أو الضبط اإلداري.
فعن طريق املرفق العام ،تقوم الدولة ،أو اإلدارة بتقديم خدمات قصد تلبية احتياجات
املواط نين ،أو الرغب ات العام ة ،كم ا تق وم بتق ديم املس اعدة ،س واء للمش اريع الخاص ة ،أو
للمشاريع املحلية ،التي تؤدي للجمهور منافع أساسية.
على أن هذا ال يمنع من وجود نشاطات خاصة في الدولة ،قد تساهم بشكل أو بآخر في
تحقيق الصالح العام .إال أن هذه النشاطات الخاصة يجب أال تكون معارضة مع النظام العام.
وله ذا السبب ،يج وز للدول ة أن ت راقب النش اطات الخاص ة وذل ك عن طري ق وض ع ض وابط
املنظمة لهذا النشاط ،دون املساس باملصلحة العامة .إن نشاط اإلدارة هذا تمارسه عن طريق
البوليس أو الضبط اإلداري الذي يستهدف حماية النظام العام بمدلوالته الثالثة ،واملتمثلة في :
األمن العام ،والصحة العامة ،والسكينة العامة.
إن هذا التمييز بين أنشطة اإلدارة (مرفق عام ،وبوليس إداري) ،يبقى أساسيا ،وصحيحا.
فعن طريق املرفق العام،فإن الشخص العام هو الذي يتكفل بتحقيق مصالح الجمهور ،التي
ق د يعج ز النش اط الف ردي عن تحقيقه ا .وعن طري ق الب وليس اإلداري ،تق وم الس لطة العام ة
بتوض يح إط ار نش اط الخ واص وح دوده ،وذل ك بواس طة أوام ر عام ة أو خاص ة تف رض على
نشاط الخواص.
من هذين الصورتين ،يتكون إذن نشاط اإلدارة .ولكن قبل تحليل هذين النشاطين ،يجب
أن نشير إلى أن الدولة قد ترى من واجبها القيام بتقديم مساعدات لبعض النشاطات الخاصة،
وال تي تحق ق الص الح الع ام.ومن هن ا يتعين علين ا أن نعطي –ول و بشيء من اإليج از -فك رة على
هذه املساعدات.
مساعدة اإلدارة للنشاطات الخاصة ذات النفع العام:
إن السبب األساسي لقيام اإلدارة بمساعدة هذه النشاطات ،يتمثل في أن لإلدارة مصلحة
في بقائها .إن هذه املصلحة تكون نابعة من اعتبارات مختلفة .
-1ففي بعض الحاالت ،قد يقوم النشاط الخاص بتحقيق هدف غير مهم ،ولكنه يحقق
نفع ا عام ا للص الح الع ام ،من ذل ك النش اطات الثقافي ة ،أو االجتماعي ة ،أو الرياض ية ،أو
التربوية التي يقوم بها الخواص.
-2وفي حاالت أخرى ،قد يقوم النشاط الخاص بتحقيق هدف مهم ،يتماشى مع املصالح
االقتصادية للدولة ،من ذلك مثال قيام الخواص باستصالح مصادر الثروة املعدنية ،أو القيام
بنشاطات اقتصادية ،أو سياسية.
-3وأخيرا قد يقوم ا الخواص بنشاط ال يحقق النفع العام ،ومع ذلك فإنه قد يؤثر على
املص الح العام ة للدول ة ،من ذل ك قي ام الخ واص بالعب ادات أو الش عائر الديني ة في ال دول ال تي
يدين أغلبية سكانها بغير تلك الديانة .إن هذا النشاط ال يحقق في الحقيقة نفعا عاما يعود على
مواطني تلك الدولة ،ولكنه م ع ذلك قد يعرض املصلحة العامة للخط ر ،وذلك إذا م ا منعت
الدولة ممارسة تلك الشعائر.
ففي كل ه ذه الح االت الثالث ة ،يتعين على الهيئ ة العام ة أن تض من الش روط الض رورية
لتطور تلك األنشطة .ولكن يجب أال يفهم من ذلك أن الدولة حولت النشاط الخاص إلى مرفق
ع ام ،ذل ك أن ه ذه النش اطات تبقى دائم ا خاص ة ،ح تى ول و حققت النف ع الع ام .إن ه ذه
النشاطات تختلف بالطبع عن النشاطات التي يقوم بها الخواص في إطار املرفق العام ،كاإلمتياز
مثال ،إذ في ه ذه الحال ة نكون بص دد مرف ق ع ام ،إال أن الدول ة ألس باب معين ة ،تعه د بإدارت ه
ألح د الخ واص .وم ع ذل ك ،ف إن التمي يز بين النش اط الخ اص ال ذي يحق ق النف ع الع ام ،وبين
املرفق العام الذي يديره الخواص ،يكون صعبا في بعض الحاالت.
وتتعدد أشكال املساعدة التي تقدمها الدولة للنشاطات الخاصة ،فقد تتخذ شكل العمل
القانوني ،وقد تكون عبارة عن وسائل معينة موضوعة تحت تصرف الشخص الخاص.
-1فبالنس بة للعم ل الق انوني ،ق د تتخ ذ املس اعدة ش كل الق رار ال ذي بواس طته تس اعد
الدول ة الخ واص .وه ذا الق رار يتمث ل ع ادة في اعتم اد الس لطة العام ة ( )Agrémentالنش اط
الخاص املنتفع من املساعدة .على أن هذا االعتماد يتضمن في نفس الوقت الرقابة وااللتزامات
املفروضة على النشاط الخاص ،وهما املقابل للمساعدة.
إال أن العم ل الق انوني ق د يتخ ذ ش كل العق د ال ذي يل تزم بواس طته الشخص الخ اص
بالخض وع لبعض االلتزام ات تفرض ها علي ه الدول ة .وباملقاب ل ،يل تزم الشخص الع ام بتق ديم
املساعدة لهذا الشخص الخاص.
-2وهناك امتيازات أخرى يمكن للشخص الخاص أن يستفيد منها ،واملتمثلة في:
أ-امتي ازات الس لطة العام ة :إذ يمكن للدول ة أن تض من للشخص نظام ا قانوني ا خاص ا،
يس مح ل ه بتوس يع نش اطه ومص ادره .كم ا يمكن للدول ة من جه ة أخ رى أن تس مح للشخص
الخ اص باس تعمال امتي ازات الس لطة العام ة .كم ا يمكن للدول ة ك ذلك أن تس مح للشخص
الخاص بأن يتقاضى من املنتفعين من نشاطه ( )les adherentsمقابل إجباري يشبه الرسم.
ب-امتيازات مالية :إن املساعدات املالية التي تقدمها الدولة للشخص الخاص ،قد تكون
غير مباشرة (اإلعفاء من الضرائب ،الحماية الجمركية) ،وقد تكون مباشرة.
ج-امتي ازات مادي ة :يمكن للهيئ ة العام ة أن تس مح للشخص الخ اص باس تعمال بعض
الوس ائل ال تي ت دخل في إط ار ال دومين الع ام ،كن ا يمكن أن تع يره بعض املوظفين العموم يين
ملساعدته على القيام بأعماله.
-3وفي حاالت أخرى ،وفي إطار التخطيط والتهيئة العمرانية ،فإن املساعدة التي تقدمها
الدول ة للنش اط الخ اص ،ق د تكون عب ارة عن تشجيعات ،أي أنه ا تق وم بحث الخ واص على
القي ام بنش اط معين يحق ق ،يحق ق للدول ة أه دافا معين ة .على أن تل تزم بإعط اء امتي ازات ملن
يقوم بذلك النشاط ،كالقيام بالنشاط في املناطق النائية.
ويجب أن نش ير في األخ ير ،إلى أن ه أي ا كان ش كل املس اعدة ال تي تق دمها الدول ة للنش اط
الخاص ،فإنه يقابلها في الغالب األعم قيام الدولة برقابة ذلك النشاط .وتتسع هذه الرقابة أو
تض يق حس ب ن وع وقيم ة املس اعدة .فمثال تتس ع الرقاب ة إذا كانت املس اعدة مالي ة ،كم ا ق د
تشترط الدولة في حالة املساعدة املالية ،حصولها على جزء من أرباح النشاط الخاص.
وبع د ه ذه اإلش ارة الوج يزة للمس اعدات ال تي تق دمها الدول ة للنش اطات الخاص ة ذات
النفع العام ،نتطرق اآلن إلى الصور األخرى لنشاط اإلدارة ،واملتمثلة في املرفق العام (الباب
األول) ،والبوليس اإلداري (الباب الثاني).
الباب األول:النظرية العامة للمرفق العام.
تحتل لنظرية املرفق العام مكانة مرموقة ضمن موضوعات القانون اإلداري التقليدي،
خاصة في الدول التي تأخذ باالزدواجية القانونية والقضائية ،مثل فرنسا والجزائر.
على أن ه ذه النظرية لم تظهر إال بع د تط ور تاريخي .فلق د كان س ائدا في الفقه إلى غاية
نهاي ة الق رن التاس ع عش ر ( )19معي ار الس لطة العام ة كأس اس للق انون اإلداري .على أن ه ذا
املعيار تعرض للنقد ،أنه ليس بالضرورة أن تكون بصدد الشخص العام ،حتى ينطبق القانون
اإلداري .الن السلطة أو اإلدارة قد تظهر كفرد عادي .ومع ذلك ،فإن الفقهاء املتحمسين لهذا
املعيار قاموا بتعديله ،وذلك من خالل التمييز بين أعمال السلطة (،)les actes de puissance
وأعم ال التس يير أو أعم ال اإلدارة ( .)les actes de gestionsعلى أن ه على ال رغم من ه ذا
التع ديل ،إال أن املعي ار يبقى ناقص ا ،وتنقص ه الدق ة .إن السبب في ذل ك يتمث ل في اس تحالة
التمييز بين أعمال التسيير ،وأعمال اإلدارة ،ما دام أن العمالن يقوم بهما شخص واحد.
وبع د ذل ك ظه رت نظري ة املرف ق الع ام ،وتبل ورت عناص رها األساس ية .وبن اء على ه ذه
النظري ة ،ف إن الق انون اإلداري ال يطب ق إال إذا كن ا بص دد مرف ق ع ام .ولق د أخ ذ القض اء
الفرنسي به ذه النظري ة ،وكان ذل ك بمقتضى حكم محكم ة التن ازع في 08ف براير ، 1873في
قض ية بالنكو وبع د ذل ك ت والت األحكام ال تي أخ ذت به ذا املعي ار من ذل ك قض ية terrierال تي
فصل فيها مجلس الدولة الفرنسي في 6فبراير .1903
ولق د تحمس الفقه اء لفك رة املرفق الع ام ح تى تمت تس ميتهم بمدرس ة املرفق الع ام ،إذ
ردوا جميع نظرية القانون اإلداري إلى فكرة املرفق العام.
إال أن األزمة العاملية التي عرفها العالم من جراء الحرب العاملية الثانية ،وظهور األفكار
االشتراكية أدى إلى تغيير وظيفة الدولة ،مما أثر سلبا على نظرية املرفق العام كما ظهرت في
البداية .فلقد ظهرت مرافق جديدة ال تخضع كلية للقانون اإلداري .هذا من جهة ،ومن جهة
أخرى فإن تحقيق املصلحة العامة لم يعد حكرا على املرافق العامة ،مما أدى إلى صعوبة وضع
الح دود الفاص لة بين املرف ق الع ام ،واملش اريع الخاص ة .ومن هن ا ظه رت عي وب معي ار املرف ق
العام ،ذلك أن هذه الفكرة ليس بإمكانها أن تستوعب كل مواضيع القانون اإلداري.
ومن جهة أخرى ،فإن تطور وظيفة الدولة ،من حارسة إلى متدخلة ،ترتب عليه ظهور
مرافق جديدة ،هي املرافق التجارية والصناعية ،هذه املرافق أصبحت تخضع ملزيج من قواعد
القانون الخاص والعام.
ولكن على الرغم من هذه االنتقادات ،فإن نظرية املرفق العام ما زال لها أهمية خاصة.
الفصل األول :مفهوم فكرة املرفق العام
يعت بر مفه وم املرف ق الع ام من أك ثر املف اهيم ال تي أث ارت ج دال كب يرا في فق ه الق انون
اإلداري ،ذلك أن هذا املفهوم قد خضع لعدة تطورات .فلقد بدأ االهتمام في البداية بالناحية
العض وية البحت ة،باعتب ار أن املرف ق الع ام ه و ف رع من ف روع اإلدارة ،أو ج زء من التنظيم
اإلداري للدول ة .إال أن ه ذا املفه وم تع رض لع دة انتق ادات ،مم ا أدى إلى االهتم ام بع د ذل ك
بالناحية املوضوعية ،باعتبار أن املرفق العام هو نشاط من نوع معين ،تقوم به اإلدارة لصالح
األف راد .ثم أص بح بع د ذل ك مفه وم املرف ق الع ام مركب ا (املبحث األول) ،وه ذا نتيج ة لظه ور
مرافق جديدة (املبحث الثاني).
املبحث األول :التعاريف املختلفة ملرفق العام:
يمكن تعريف املرفق العام بالرجوع إلى عدة معايير ،أو وجهات نظر هي:
املطلب األول :التعريف العضوي:
يقص د باملرفق الع ام من الناحية العضوية هيئة أو منظمة التي تعتبر جزء من التنظيم
اإلداري في الدولة ،باعتبارها تمارس نشاطا معينا من أجل إشباع الحاجات العامة .إن الشيء
األساسي في هذا املعيار هو النظر إلى الهيئة أو املنظمة أو الجهاز أو العضو باعتباره من أجهزة
الدولة أو فرعا من فروعها .فمرفق العدالة مثال هو وزارة العدل ،ومرفق التعليم هو الكلية،
أو الجامع ة أو وزارة التعليم الع الي والبحث العلمي .ف املظهر العض وي إذن ه و ال ذي يب دو في
ه ذا املعي ار ،فحيث يوج د جه از أو مؤسس ة إداري ة مح ددة ،يوج د مرف ق ع ام .أم ا موض وع
النشاط الذي يقوم به ذلك الجهاز فال أهمية له في تحديد معنى املرفق العام.
إن هذا التعريف العضوي للمرفق العام قد ظهر بعد قضية بال نكو سنة ،1873وبعد
ذل ك أك ده القض اء في ع دة مناس بات أخ رى ،وذل ك نظ را ألن ه كان معي ارا س هال ،ومتفق ا م ع
بس اطة الحي اة في تل ك الف ترة من ال زمن ،ومنسجما م ع املراف ق التقليدي ة ال تي كانت تق وم به ا
الدولة في تلك الفترة.
إال أن هذا املعيار تعرض للنقد بعد ذلك .ويتمثل العيب األساسي في أن هذا املعيار يعد
واسعا ألنه يدخل ضمن املرافق العامة أي نشاط تقوم به الدولة بمفهومها الواسع مهما كانت
طبيعته ،مثل مساعدة الدولة للمشاريع الخاصة .كما عيب على هذا املعيار من ناحية أخرى،
أنه يضفي صفة املرفق العام على نشاط الخواص الذي يشبه في طبيعته نشاط اإلدارة ،ذلك
أن هن اك العدي د من األنش طة ال تي ال تق وم به ا اإلدارة لوح دها ،ب ل يق وم به ا ك ذلك األف راد
العاديين ،من ذلك األنشطة الزراعية التي يقوم بها األفراد العاديين ،والتي ال يمكن اعتبارها
من املرافق العامة إذا قام بها الخواص.
املطلب الثاني :التعريف املوضوعي أو املادي:
أم ا من الناحية املادية أو املوضوعية ،وهي س ائدة عن د معظم الفقه اء ،فيقص د باملرفق
الع ام النش اط ال ذي يحق ق املص لحة العام ة .ف إذا كان النش اط في موض وعه ،أو مض مونه
يس تهدف تحقي ق احتياج ات الجمه ور ،أي تحقي ق املص لحة العام ة ،فيعت بر إذن من املراف ق
العامة .أما إذا لم يكن يهدف إلى تحقيق تلك االحتياجات الجماعية للجمهور ،فال يمكن اعتباره
في ه ذه الحال ة مرفق ا عام ا .وه ذا ه و الشيء ال ذي يم يز بين املرف ق الع ام والنش اط الخ اص.
فاألول تحركه املصلحة العامة ،أما الثاني ،فتحركه املصلحة الخاصة ،أي تحقيق الربح.
إال أن هذا املعيار تعرض هو اآلخر للنقد .فمن جهة إن فكرة تحقيق املصلحة العامة لم
تع د حك را على الدول ة ،ألن هنال ك مش اريع خاص ة من ش أنها تحقي ق املص لحة العام ة هي
األخرى ،وهي ما تعرف بالهيئات الخاصة ذات النفع العام (.)Etablissement d’utilité publique
ومن جه ة أخ رى ،ف إن تط ور الوظيف ة الدول ة ت ترتب علي ه ظه ور مراف ق جدي دة – ص ناعية
وتجارية -لم تعد تسعى إلى تحقيق املصلحة العامة فقط ،بل يجب عليها أن تحقق الربح ،حتى
تضمن بقاءها.
املطلب الثالث :املرفق العام نظام قانوني متميز:
إن الق ول ب أن نش اطا معين ا يعت بر نش اطا عام ا ،معن اه أن ه ذا املرف ق أص بح خاض عا
لقواعد استثنائية غير معروف في القانون الخاص .إن هذا املعيار نادى به الفقيه .CHENOT
إن املرفق العام بهذا املفهوم يعني نظام ا قانونيا متميزا ،أي مجموعة من اإلجراءات املتميزة
عن الق انون الخ اص (الش ريعة العام ة) (Un ensemble de procédés dérogatoire au droit
.)commun
إال أن ه ذا املعي ار عيب علي ه بأن ه يص ادر على املطل وب ،ذل ك ألن خض وع النش اط
ألساليب متميزة عن القانون الخاص ،ما هو إال نتيجة لكونه مرفقا عاما ،والتي كان يجب أن
تح دد أوال .ه ذا من جه ة ،ومن جه ة أخ رى ،ح تى ول و س لمنا بصحة ه ذا املعي ار ،فإنن ا نج ده
يصلح للمرافق التقليدية التي ظهرت عندما كانت وظيفة الدولة حارسة ،أما بالنسبة املرافق
الصناعية والتجارية فإنه ال ينطبق عليها ،فمع تطور وظيفة الدولة ،أصبح هذا التعريف غير
صحيح ألن املرافق الصناعية والتجارية أصبحت تطبق عليها قواعد القانون الخاص .
هذا وتج در اإلش ارة إلى أن التع اريف الثالثة السابقة قد تتط ابق مع بعض ها البعض في
بعض الفروض النادرة -خاصة عندما كانت وظيفة الدولة حارسة -فالنشاط الذي كان يحقق
مص لحة عام ة (املعي ار املادي) ،كانت تق وم ب ه الدول ة (املعي ار العض وي) ،وه ذا النش اط كان
يخضع لنظام قانوني مختلف تماما عن القانون الخاص (معيار النظام القانوني املتميز) .إال أن
انطب اق ه ذه املع ايير م ع بعض ها البعض أص بح ن ادرا في ال وقت الح الي ،أي بع د تط ور وظيف ة
الدولة ،ذلك أن تحقيق املصلحة العامة لم يعد حكرا على الهيئات العامة ،كما أن هذه األخيرة
بإمكانها أن تقوم بتسيير بعض األنشطة الصناعية والتجارية املشابهة تماما لنشاط املؤسسات
الخاصة.
املطلب الرابع :التعريف املقترح للمرفق العام :
نتيج ة لالنتق ادات املوجه ة للتع اريف الس ابقة ،ظه ر اتج اه فقهي آخ ر ذهب إلى املزج أو
الجمع بين املعيار املادي واملعيار العضوي -بعد إدخال بعض التعديالت عليه -وذلك من أجل
إعطاء تعريف صحيح للمرفق العام .فهناك عدة عناصر مشتركة ألي نشاط تقوم به املرافق
العامة ،واملتمثلة في الغرض من النشاط (املعيار املادي) ،وهو تحقيق املصلحة العامة ،ثم أن
املرفق العام يشرف عليه بصفة مباشرة أو بصفة غير مباشرة ،شخص عام (املعيار العضوي).
ومن هنا يمكن أن نعطي التعريف التالي للمرفق العام " :إن املرفق العام هو شكل من
أش كال النش اط اإلداري ال ذي يه دف إلى تحقي ق احتياج ات الص الح الع ام -أي تحقي ق
املص لحة العام ة ،-وال ذي يش رف علي ه شخص ع ام س واء بص فة مباش رة أو بص فة غ ير
مباشرة".
ومن خالل هذا التعريف نوضح اآلن العناصر املشتركة التي تقوم عليها املرافق العامة،
واملتمثلة فيما يلي :
الف رع األول :املرف ق الع ام نش اط يس تهدف تحقي ق مص لحة عام ة (تحقي ق حاجي ات
الصالح العام):
إن القي ام بإنش اء مراف ق عام ة ،معن اه أن املص لحة العام ة تكون في خط ر إذا لم تتحق ق
احتياجات املواطنين .ومن هنا تظهر ضرورة تدخل شخص عام لتحقيق املصلحة العامة.
إال أن تحقي ق املص لحة العام ة لم يع د حك را على املراف ق العام ة ،ألن هن اك العدي د من
األنش طة الخاص ة ال تي تحق ق نفس تل ك املص لحة .على أن الشيء املم يز بين ه ذه األنش طة
الخاصة –حتى ولو حققت مصلحة عامة ،-وبين املرافق العامة ،يكمن في أن الهدف األساسي
للنشاط الخاص هو تحقيق مصلحة خاصة ألصحابها قبل أي شيء،وهذا عكس املرفق العام
الذي يكون هدفه األساسي هو تحقيق املصلحة العامة ،أما إذا تحقق الربح من نشاط املرفق
العام ،فيأتي ذلك في املرتبة الثانية .و يترتب على ذلك ما يلي:
أوال :على خالف النش طة الخاص ة ،بإمكان املرف ق الع ام أن يواص ل نش اطه ح تى في
األحوال التي يحقق فيها الخسارة ،وهذه الخاصية تع د من بين الخصائص األساس ية لوجود
فكرة املرفق العام ،والتي تميزه عن األنشطة الخاصة .ذلك أن هذه الخيرة ال تتجه إلى القيام
باألنشطة التي ال تدر ربحا.
ثانيا :كما أن مجانية النشاط أو الخدمة تعد من أهم مميزات العديد من املرافق العامة،
من ذل ك مرف ق التعليم ،وإص الح الطرق ات ،واملستش فيات ،...وم ع ذل ك بإمكان الدول ة أن
تفرض بعض الرسوم الرمزية على مستعملي املرافق العامة،كشرط لالنتفاع بخدمتها ،على أن
هذه الرسوم ال تساوي قيمة الخدمة ،أو املنفعة املتحصل عليها من الخدمة.
وم ع ذل ك يجب أن نش ير إلى أن فك رة مجاني ة النش اط ال وج ود له ا بالنس بة للمرف ق
الص ناعية والتجاري ة ال تي تق وم به ا اإلدارة ،ذل ك أن طبيع ة النش اط في ح د ذات ه ،باعتب اره
اقتصاديا ،تستبعد فكرة مجانية الخدمة .كما أن تسيير هذا النشاط يستلزم بالضرورة وجود
توازن م الي للمرفق .وهذا الت وازن املالي ال يمكن تحقيقه إال إذا حقق املرفق ربح ا يمكنه من
تمويل نشاطه .على أن فكرة التوازن املالي للمرفق ،أو فكرة تحقيق الربح ،يجب أن تفسر في
إط ار فك رة إنتاجي ة املؤسس ة ،وذل ك ح تى ال ي زول اله دف األساسي للمرف ق الع ام ،واملتمث ل
أساسا في تحقيق املصلحة العامة.
ويجب أن نش ير في األخ ير إلى أن الهيئ ات العام ة ت رى أن تحقي ق املص لحة العام ة يتطلب
منها أن تقوم بالنشاط كله لوحدها .وفي هذه الحالة ،ال يقوم الخواص بنشاط من نفس النوع،
وذلك إما ألن النشاط ال يشكل بالنسبة إليهم أية أهمية ،ألنه ال يدر ربحا ،أو ألن النشاط يعتبر
حيويا بالنسبة للمجتمع ،بحيث لو ترك للخواص لشكل ذلك خطرا على الصالح العام .فاملرفق
هنا يعتبر محتكرا من طرف الهيئة العامة ( .)Monopolisé
الفرع الثاني :املرفق العام ودرجة تواجد الشخص العام فيه:
إن أي مرف ق ع ام يخض ع في نهاي ة األم ر للس لطة العام ة .فه ذه األخ يرة هي ال تي تكون
مسؤولة عنه أمام الرأي العام .وهذا هو السبب الذي يجعل كل املرافق العامة -حتى املتمتعة
بالشخصية املعنوية -مرتبطة بهيئة إقليمية ،يمارس ممثليها عليها السلطة العليا.
ففك رة تواج د الدول ة في املرف ق الع ام ،يعت بر شيئا ب ديهيا .فالدول ة أو أح د األشخاص
العام ة اإلقليمي ة ،تكون دائم ا موج ودة في أي نش اط ل ه وج ود م ادي ،مهم ا كانت طبيع ة ه ذا
النش اط .إال أن درج ة ه ذا التواج د تختل ف من مرف ق إلى آخ ر .فق د تكون الهيئ ات العام ة
متواج دة بش كل مباش ر في النش اط ،وق د تكون متواج دة بش كل غ ير مباش ر .أم ا بالنس بة
لألنش طة الخاص ة ،فال تمل ك الدول ة بص ددها س لطة الرقاب ة .إال إن فك رة تواج د الشخص
الع ام ،تظهر إم ا أثن اء القي ام بإنشاء املرفق الع ام ،أو أثناء اإلش راف عليه ،وذلك على النحو
التالي:
أوال :إنشاء املرافق العامة :
إن عملي ة إنش اء مرف ق ع ام تتطلب بالض رورة وج ود ق رار من ط رف الس لطة العام ة،
تقوم بواسطته بمباشرة النشاط ،وهذا إما ألن هذا النشاط لم يكن موجودا من قبل ،أو ألن
ه ذا النش اط كان يق وم ب ه الخ واص لوح دهم ،ثم أرادت الدول ة أن تق وم بنش اط من ذل ك
النوع ،فقامت بإنشائه.
واملرافق العام ة ال تي تق وم الهيئات العام ة بإنش ائها ،إم ا أن تباش ر نش اطها على مس توى
الدول ة ككل ،فنكون في ه ذه الحال ة أم ام مراف ق عام ة وطني ة ،وإم ا أن تباش ر نش اطها على
مستوى جماعة إقليمية معينة ،فنكون حينئذ أمام مرافق عامة محلية .على أن وسيلة إنشاء
املرافق الوطنية تختلف عن وسيلة إنشاء املرافق العامة املحلية:
فبالنس بة للمراف ق العام ة الوطني ة ال تي تق وم الدول ة بإنش ائها ،فإنه ا من اختص اص
الس لطة التنفيذي ة ،بحيث يختص بإنش ائها رئيس الجمهوري ة (املواد 143-142من الدس تور).
ومع ذلك ،وطبقا للمادة 101من الدستور بإمكان رئيس الجمهورية أن يفوض هذا اختصاص
إلى غيره ،عمال بقواعد التفويض ،طاملا أن املادة 101من الدستور لم تمنع ذلك عندما حددت
املسائل التي ال يجوز لرئيس الجمهورية أن يفوض غيره القيام بها.
أما بالنسبة للمرافق العامة املحلية ،فبالرجوع إلى املادة 149من قانون البلدية ،واملادة
141من قانون الوالية ،يتضح لنا أن املشرع قد سمح للمجالس الشعبية املحلية (البلدية أو
الوالئي ة) القي ام بإنش ائها ،وذل ك من أج ل توف ير احتياج ات املواط نين .أم ا بالنس بة للتع داد
الوارد في تلك املادتين ،واملتعلق باملرافق التي يجوز للمجالس الشعبية القيام بإنشائها ،فإنه لم
ي رد على سبيل الحص ر ،وإنم ا ج اء على سبيل املث ال .ومن هن ا يمكن الق ول ب أن عملي ة إنش اء
املراف ق املحلي ة تتم بن اء على ق انون ،طاملا أن املش رع س واء في ق انون البلدي ة أو في ق انون
الوالي ة ،ه و ال ذي س مح لكل من املجلس الش عبي البل دي ،واملجلس الش عبي ال والئي القي ام
بعملية إنشاء املرافق العامة املحلية.
ثانيا :درجة إشراف الدولة على النشاط :
كما سبقت اإلشارة ،فإن الدولة تكون دائما متواجدة في أي نشاط يقوم به املرفق العام.
إال أن درجة تواجدها تختلف من مرفق إلى آخر .قد تكون متواجدة بصفة مباشرة ،وهنا هي
ال تي تق وم بالتس يير الفعلي للمرف ق .وفي ه ذه الحال ة ،ف إن املرف ق يكون تابع ا بص فة مباش رة
ونهائي ة للس لطة العام ة ،إذ هي ال تي تض طلع بالنش اط ال ذي يحق ق املص لحة العام ة .فتت دخل
بموظفيها إلدارة املرفق ،مستخدمة املال العام لتمويله ،ومطبقة عليه قواعد القانون العام.
إال أن الشخص الع ام قد يتن ازل عن تسيير املرفق الع ام لشخص آخر ،على أن يحتفظ
ببعض املسائل الجوهرية التي تسمح له بمراقبة النشاط .وفي هذه الحالة ،فإن املرفق ال يكون
تابعا بصفة مباشرة ونهائية للشخص العام ،وإنما يكون تابعا له بصفة غير مباشرة .ويتحقق
ه ذا إذا لج أ الشخص الع ام إلى التعاق د م ع شخص خ اص ،أو ش ركة خاص ة للقي ام بالنش اط
كلية (االلتزام) ،أو باملشاركة في جزء من رأسمال النشاط نقدا أو عينا (الشركة املختلطة) .وفي
هذه الحالة ،فإن فكرة وجود الشخص العام في النشاط أمر مسلم به ،فهو الذي قدر املصلحة
العامة ،وهو الذي قرر أن إشباعها يجب أن يكون عن طريق مرفق عام .إال أنه نظرا لتكلفة
النشاط ،فإنه ال يقوم به بمفرده ،وإنما يشاركه في ذلك أشخاص آخرون ،ولكن تحت رقابته
ومسؤوليته.
كم ا أن درج ة تواج د الشخص الع ام في ه ذه الحال ة ال يتوق ف على تق دير املص لحة
العامة ،ثم التخلي عن وظيفته للغير ،ألن مسؤوليته قائمة قيام مسؤولية املفوض عما فوض
فيه ،ثم قيام حقه في استرداد سلطته كاملة عند االقتضاء ،وهي مسؤولية الرئيس عن أفعال
مرؤوس يه ،ذل ك أن ه عن د إخالل املل تزم بأح د التزامات ه قب ل األف راد ،ينش أ حق ا لألف راد في
مقاضاة اإلدارة مانحة االلتزام.
املبحث الثاني :أنواع املرافق العامة
يمكن تقسيم املرافق العامة إلى عدة أقسام ،والسبب في هذا التنوع هو نظرة كل فقيه
إلى زاوية معينة من التقسيم .وعلى العموم فإن أهم أنواع املرافق العامة تتمثل فيما يلي:
املطلب األول :تقسيم املرافق العامة طبقا لنوع النشاط الذي تزاوله :
يمكن تقسيم املرافق من هذه الزاوية إلى :
الفرع األول :املرافق اإلدارية:
وهي املسماة باملرافق التقليدية ،والتي شيدت على أساسها نظريات القانون اإلداري .إن
ه ذه املراف ق ت زاول نش اطا يختل ف عن النش اط ال ذي يزاول ه الخ واص ع ادة .ومث ال ه ذه
املراف ق :مرف ق األمن ،ومرف ق ال دفاع ،ومرف ق القض اء .إن ه ذه املراف ق تس تهدف ال دفاع عن
سالمة الدولة سواء من الناحية الداخلية ،أو من الناحية الخارجية ،على أن الذي يميز هذه
املرافق هو خضوعها الكلي لقواعد القانون العام ،وإن لجأت إلى قواعد القانون الخاص فإن
ذلك لن يكون إال على سبيل االستثناء ،وبرغبة اإلدارة الخاصة.
الفرع الثاني :املرافق الصناعية والتجارية:
وتقوم على أساس مزاولة اإلدارة لنشاط من نفس النوع الذي يمارسه الخواص .إن هذه
املرافق كانت تمثل في البداية طابع الدولة االشتراكية التي لم تكتف بالقيام باملهام التقليدية،
بل تعدت ذلك إلى مزاولة األنشطة الصناعية والتجارية ،من ذلك مثال مرفق النقل بالسكك
الحديدية ،أو بالطائرات ،وتوريد املياه والكهرباء والغاز ...إلخ ،على أن الذي يميز هذه املرافق
هو خضوعها ملزيج من قواعد القانون الخاص والعام.
إن أساس خضوع هذه املرافق لقواعد القانون الخاص خاصة هو تمكينها من منافسة
املشاريع الخاصة ،ألنه لو طبقت عليها قواعد القانون العام كلية ،ملا تمكنت من منافسة تلك
املشاريع ،نظرا الن أساليب القانون العام بطئيه مقارنة مع أساليب القانون الخاص.
ولق د ت رتب على ظه ور ه ذه املراف ق مش كلتين أساسيتين :األولى تمثلت في كيفي ة التمي يز
بين املراف ق اإلداري ة واملراف ق الص ناعية (أوال) ،أم ا الثاني ة ،فتمثلت في تحدي د م ا يخض ع من
نشاط هذه املرافق ألحكام القانون الخاص ،وما يخضع أحكام القانون العام (ثانيا).
أوال :معيار التميز بين املرافق اإلدارية واملرافق الصناعية والتجارية:
لق د اختل ف الفق ه في وض ع معي ار للتم يز بين املراف ق اإلداري ة ،واملراف ق الص ناعية
والتجارية ،وذلك على الشكل التالي:
-1ي ذهب البعض من الفق ه إلى الق ول ب أن ال ذي يم يز بين املرفقين ه و النظ ر إلى ن وع
القاعدة التي يخضع لها املرفقين ،وعليه فإن املرفق اإلداري يخضع ألحكام القانون العام ،أما
املرفق الصناعي والتجاري ،فيخضع ألحكام القانون الخاص.
إال أن ه ذا ال رأي غ ير صحيح ألن ه يص ادر على املطل وب ،أي ي ذهب إلى النتيج ة دون أن
ي بين لن ا كي ف توص ل إليه ا .فخض وع املرف ق الع ام اإلداري لقواع د الق انون الع ام ،وخض وع
املرفق العام الصناعي والتجاري لقواعد القانون الخاص أساسا ،ما هو إال نتيجة لكون املرفق
إما إداري ،أو صناعي وتجاري .فإن هذا املعيار ليس قاطعا في كل األحوال.
-2وي ذهب فري ق آخ ر من الفق ه إلى الق ول ب أن ال ذي يم يز بين املرف ق العام ة اإلداري ة،
واملراف ق العام ة الص ناعية والتجاري ة ه و الغ رض األساسي منهم ا .فبينم ا يكون الغ رض من
إنشاء املرافق الصناعية والتجارية هو تحقيق الربح ،فإن الغرض من إنشاء املرافق اإلدارية ال
يتعلق بتحقيق الربح.
إن ه ذا املعي ار على ال رغم من بس اطته وس هولته ،وعلى ال رغم من أن ه يص دق في بعض
الح االت ،إال ان ه غ ير صحيح على إطالق ه ،ألن املراف ق اإلداري ة بإمكانه ا هي األخ رى أن تحق ق
أرباح ا .فال يوج د أي م انع يح ول بين لج وء اإلدارة إلى الحص ول على أرب اح من وراء إدارة
املراف ق العام ة اإلداري ة ،وذل ك من خالل اقتض اء رس وم مرتفع ة من املنتفعين بخ دمات ه ذه
املرافق.
-3على أن أكثر املعايير شيوعا في الفقه هو ما نادى به الفقيه" "CHAVANONالذي ركز
على طبيعة النشاط الذي يزاوله املرفق العام .بمعنى أنه لكي تعتبر املرافق العامة صناعية
وتجاري ة ،يجب أن تكون الخدمات التي تق دمها لألفراد مم ا يعتبره القانون الخ اص ذا طبيعة
تجارية فيما لو قام به األفراد العاديين.
وإذا كان هذا املعيار قد شايعه الكثير من الفقهاء أمثال الفقيه " "BONNARDوالفقيه "
"WALINEوذلك نظرا لدقته ،إال أنه على الرغم من ذلك فإن القضاء لم يأخذ به على إطالقه
في كل الح االت ،ذل ك ألن بعض أوج ه النش اط ال ذي تمارس ه املراف ق الص ناعية والتجاري ة ال
يعتبر عند التحليل الدقيق مما يندرج ضمن األعمال التجارية بمعناها الفني.
-4املعي ار القض ائي :إن معظم األحكام القض ائية الحديث ة نسبيا والص ادرة عن القض اء
اإلداري الفرنسي على وج ه الخص وص ت دل على أن القض اء اإلداري يأخ ذ بعين االعتب ار في
تحدي ده للمراف ق الص ناعية والتجاري ة بعنص رين أساس يين ،األول موض وعي ،واآلخ ر ذاتي،
وذلك على الشكل التالي:
أ) العنصر األول :عنصر موضوعي ،ويتعلق بطبيعة النشاط الذي يزاوله املرفق العام،
بحيث يجب أن يكون ه ذا النش اط ذو طبيع ة ص ناعية وتجاري ة .وم ع ذل ك ليس من الض روري
ال تزام معي ار الق انون التج اري في ه ذا الخص وص ،ب ل يكفي أن ي دخل نش اط املرف ق في ب اب
اإلنت اج أو التوزيع ،ل ذلك يمكن أن ي دخل ض من ه ذا املج ال النش اط ال زراعي أو الص ناعات
اإلستراتيجية.
ب) العنصر الثاني :عنصر شخصي (ذاتي) :ويقوم على رغبة اإلدارة في إخضاع املرافق
الص ناعي والتج اري لقواع د الق انون الخ اص .بمع نى أن ه ال يكفي أن يتحق ق في املرف ق مح ل
البحث العنص ر األول ،ب ل يجب أن تكش ف اإلدارة عن رغبته ا في إخض اعه للنظ ام الق انوني
للمراف ق العام ة الص ناعية والتجاري ة ،ب أن تت ولى إدارت ه وتس ييره في ظ روف ش بيهة إلدارة
املش روعات الخاص ة ،ذل ك أن ه ال يوج د أي م انع من أن تلج أ اإلدارة إلى إدارة املرف ق الع ام
الصناعي والتجاري طبقا لقواعد القانون العام.
ثم إن ه يمكن في جمي ع الح االت االس تهداء بفك رة احتم ال تحقي ق األرب اح .فالحقيق ة أن
فك رة ال ربح ه ذه ،ول و أنه ا ليس ت من طبيع ة املراف ق العام ة –ال تي يجب أن تحق ق املص لحة
العامة بالدرجة األولى -إال أنها تميز إلى حد كبير بين املرافق العامة اإلدارية ،واملرافق العامة
الصناعية والتجارية .فاألولى تكلف الدولة نفقات كبيرة في إدارتها ،أما الثانية ،فإن نشاطها يأتي
بموارد مالية تتساوى عادة مع النفقات التي تتطلبها إدارة هذه املرافق.
ثانيا :مدى خضوع املرفق الصناعي والتجاري لقواعد القانون الخاص:
اتضح لن ا من خالل م ا س بق أن املرف ق الص ناعي والتج اري يخض ع ملزيج من قواع د
القانون العام والخاص .إال أن اإلشكال املطروح اآلن يتمثل في تحديد نصيب خضوعه لقواعد
القانون العام ،ونصيب خضوعه لقواعد القانون الخاص.
في البداي ة يمكن الق ول بأن ه يص عب وض ع معي ار دقي ق لتحدي د نصيب خض وع املرف ق
الع ام الص ناعي والتج اري لقواع د الق انون الع ام والخ اص ،وم ع ذال ك وباالعتم اد على أحكام
القضاء اإلداري ،الفرنسي على وجه الخصوص ،يمكن وضع املبادئ التالية :
-1مس تخدمي املراف ق الص ناعية والتجاري ة :وينقس م ه ؤالء إلى قس مين :فأم ا ال ذين
يشغلون وظائف الرئاسة والتوجيه " " Directionكاملدير واملحاسب ،فهم موظفون عموميون
يخضعون لقواعد القانون العام .وأما الباقي فهم عمال ،يخضعون لقواعد القانون الخاص.
-2النظام املالي للمرافق العامة :تخضع املرافق العامة الصناعية والتجارية في الغالب
للط رق املتبع ة في املش روعات الخاص ة كقاع دة ،م ع وج ود بعض التحفظ ات ترج ع أساس ا إلى
الطبيع ة العام ة للمرف ق ،كم ا أن ه ذه املراف ق تش به إلى ح د كب ير املش روعات الخاص ة في
خضوعها للضرائب .أما النظام املالي للمرافق العامة اإلدارية ،فتحكمه قواعد القانون العام
أساسا.
-3دع وى املس ؤولية املدني ة(التع ويض) الناجم ة عن نش اط املراف ق العام ة :القاع دة
العام ة في املراف ق العام ة الص ناعية والتجاري ة،أنه ا تخض ع للق انون الخ اص ،أي أن ال دعوى
يختص بنظره ا القاضي الع ادي ،وال ذي يطب ق في ه ذا الص دد قواع د الق انون الخ اص ،م ع
وج ود استثناءات وتحفظ ات ترج ع إلى الطبيع ة العام ة .أم ا دع وى املس ؤولية املوجه ة ض د
املرفق العام اإلداري ،فيختص بنظرها كقاعدة القاضي اإلداري ،مطبقا عليها قواعد القانون
العام.
-4عق ود ه ذه املراف ق العام ة :القاع دة العام ة في عق ود املراف ق العام ة الص ناعية
والتجارية أنها عقود خاصة ،تحكمها قواعد القانون الخاص ،مع وجود بعض االستثناءات ،إذ
بإمكان ه ذه املراف ق أن ت برم عق ودا إداري ة خاص ة في عالقاته ا م ع األشخاص العام ة ،أو أن
تستعمل امتيازات السلطة العامة في عقودها .أم ا عقود املرافق العامة اإلدارية ،فإنه ا تعتبر
عقود إدارية ،خاضعة ألحكام القانون العام.
املطلب الثاني :تقسيم املرافق العامة طبقا ملدى تمتعها بالشخصية املعنوية:
يمكن تقس يم املراف ق العام ة من ه ذه الزاوي ة إلى مراف ق عام ة متمتع ة بالشخص ية
املعنوي ة ومراف ق عام ة ال تتمت ع بالشخص ية املعنوي ة ،أي مراف ق تابع ة لشخص معن وي ع ام.
فأما املرافق العامة التي ال تتمتع بالشخصية املعنوية ،فإنها ال تتمتع بأية شخصية مستقلة عن
عن الشخص العام الذي أنشأها ،أو تتبعه ،واملتمثل أساسا في الدولة ،أو الوالية ،أو البلدية.
أم ا املراف ق العام ة املتمتع ة بالشخص ية املعنوي ة ،فإنه ا تعت بر شخص ا مس تقال بذات ه ،أي أنه ا
شخص قانوني جديد قائم بجوار األشخاص القانونية األخرى في الدولة.
املطلب الثالث :تقسيم املرافق العامة طبقا اللتزام اإلدارة بإنشائها:
يمكن تقسيم املرافق العامة من هذه الزاوية إلى مرافق اختيارية ومرافق إجبارية .فأما
املرافق العامة االختيارية ،فإن إنشائها يخض ع للسلطة التقديرية للشخص العام الذي يريد
إنشاءها .أما املرافق العامة اإلجبارية ،فإنها تتمثل في املرافق التي يكون الشخص العام ملزما
بإنشائها ،إذ ال يملك في هذا الصدد أية سلطة تقديرية.
املطلب الرابع :تقسيم املرافق العامة طبقا لعالقتها بالقطاع الخاص:
ومن ه ذه الزاوي ة يمكن تقس يم املراف ق العام ة إلى :مراف ق تم ارس نش اطا من نفس
األنش طة ال تي يمارس ها الخ واص ،ومراف ق محتك رة من قب ل الشخص الع ام ،بحيث ال يج وز
للخواص القيام بنفس النشاط الذي تزاوله تلك املرافق.
املطلب الخامس :تقسيم املرافق العامة طبقا المتدادها الجغرافي:
ومن ه ذه الزاوي ة يمكن تقس يم املراف ق العام ة إلى مراف ق وطني ة ومراف ق محلي ة .فأم ا
املراف ق العام ة الوطني ة فهي املراف ق ال تي ينتف ع من خ دماتها معظم س كان ال وطن ،ح تى ول و
تواج دت في مكان مح دد ،أو في بعض أنح اء ال وطن .ومن ه ذه املراف ق مرف ق ال دفاع الوط ني،
والجمارك.
ونظ را ألهمي ة ه ذه املراف ق في حي اة املواط نين ،ف إن الدول ة هي ال تي تش رف عليه ا ع ادة.
وأما املرافق العامة املحلية ،فيقتصر نشاطها على جزء من إقليم الدولة ،كالبلدية ،أو الوالية.
ومن أمثل ة ه ذه املراف ق ،مرف ق النق ل داخ ل إقليم مح دد من إقليم الدول ة ،أو توري د املي اه
داخل البلدية ،أو الوالية .على أن هذه املرافق تختص بإنشائها املجالس الشعبية املحلية ،وذلك
ألنها أقدر من الدولة على أداء هذه املهمة ،على أن يكون ذلك تحت رقابة الدولة.
على أن تمييز النشاط الذي يتم إدارته عن طريق مرفق محلي ،أو مرفق وطني ليس من
األمور السهلة دائما .ويرجع السبب إلى صعوبة التفرقة بين ما يعتبر من الشؤون الوطنية ،وما
يعتبر من الشؤون املحلية من جهة ،ومن جهة أخرى ،فإن نشاطا معينا قد يتم إدارته في شكل
مرفق محلي في البداية نظرا ألنه كان من بين األنشطة التي تهم منطقة معينة من إقليم الدولة،
ولكن بعد ذلك يكتسب ذلك النشاط أهمية بالنسبة لكل املواطنين ،ومن يتم إدارته في شكل
مرفق وطني .وباإلضافة إلى كل ذلك ،فإن بعض املرافق العامة من تكون لها مصلحة وطنية،
ومصلحة محلية في نفس الوقت ،مثل مكافحة األمية ،وحفظ األمن ،والنظام العام.
ولكن على ال رغم من ص عوبة التمي يز بين املرف ق الع ام املحلي ،واملرف ق الع ام الوط ني في
بعض األحي ان ،إال أن ه يمكنن ا أن نس تخرج أوج ه الش به ،وأوج ه االختالف بينهم ا ،وذل ك على
الشكل التالي:
الفرع األول :أوجه الشبه بين املرفق العام الوطني ،واملرفق العام املحلي:
تتمثل أوجه الشبه بين املرفق العام الوطني واملرفق العام املحلي فيما يلي:
أوال :من حيث أداة اإلنشاء:
إن املختص بإنش اء املراف ق العام ة ،س واء املحلي ة ،أو الوطني ة ،ه و الس لطة التنفيذي ة
وليس الس لطة التش ريعية .وكم ا س بقت اإلش ارة ،ف إن املرف ق الوط ني يختص بإنش ائه رئيس
الجمهوري ة ،أم ا املرف ق الع ام املحلي ،فتختص بإنش ائه املج الس الش عبية املحلي ة ،البلدي ة ،أو
الوالئية.
ثانيا :من حيث الرقابة:
من املسلم به أن املرافق العامة سواء كانت وطنية ،أو محلية ،إنما تخضع لرقابة الدولة.
حقيق ة أن الرقاب ة على املراف ق العام ة الوطني ة تكون أك ثر تش ددا من املراف ق العام ة املحلي’،
وذل ك حفاظ ا على اس تقاللية ه ذه األخ يرة ،إال أن ال ذي يهمن ا ه و أن جمي ع املراف ق العام ة في
الدولة تخضع لرقابة هذه األخيرة.
ثالثا :من حيث الهدف:
يتش ابه املرف ق الع ام الوط ني م ع املرف ق الع ام املحلي في أن كالهم ا يس عى إلى تحقي ق
املصلحة العامة .هذا وتجدر اإلشارة إلى أنه من الخطأ تصور أن املرفق املحلي يحقق مصلحة
خاص ة ببعض املواط نين ،ذل ك أن الخدم ة ال تي يق دمها املرف ق املحلي ،وإن كانت تهم بالدرج ة
األولى سكان منطقة معينة من الوطن ،إال أن ذلك ال يعني بأن هذه الخدمة هي خدمة خاصة.
فكلمة "عام" ال ينبغي إطالقها فقط على املصالح التي تهم كل سكان الوطن ،وإنما يجب إطالقها
أيض ا على كل مص لحة تهم ع ددا غ ير ضئيل من املواط نين ،أو من س كان اإلقليم .ف إذا أخ ذنا
بعين االعتبار العدد املتزايد للسكان في الدولة ملا أمكن القول بأن املصلحة التي تعود على إقليم
يبلغ عدد سكانه مليون نسمة تعد من املصالح الخاصة ،بل هي مصلحة عامة ،وإن قلت درجة
املص لحة ال تي تع ود على س كان كل ال وطن أو اإلقليم .ب ل أك ثر من ذل ك ،ف إن املراف ق املحلي ة
بإمكانها أن تقدم خدمات يستفيد منها ،ولو بطريق غير مباشر باقي سكان األقاليم األخرى في
الدولة ،وذلك كنتيجة لتداخل وتشابك املصالح في العصر الحديث.
رابعا :من حيث القواعد التي تحكم سير املرافق العامة:
تخض ع كل املراف ق العام ة لثالث قواع د أساس ية سنتطرق إليه ا بالتفص يل في الفص ل
الثاني .ومن أهم هذه املبادئ أو القواعد :مبدأ استمرارية خدمات املرافق العامة ،ومبدأ تكيف
املرفق العام مع األوضاع الجديدة ،ومبدأ املساواة أمام خدمات املرفق العام .إن هذه املبادئ،
أو القواعد تسري على كل من املرافق العامة اإلدارية ،واملرافق العامة الصناعية والتجارية.
الفرع الثاني :أوجه االختالف بين املرفق العام الوطني ،واملرفق العام املحلي:
تتمثل أوجه االختالف من خالل املسائل التالية:
أوال :من حيث نطاق أو مجال الخدمة:
إن املرفق العام الوطني هو مشروع أو خدمة يمتد نشاطه ليشمل معظم إقليم الدولة،
بحيث يس تفيد من خدمات ه ع دد غ ير مح دود من س كان الدول ة ،كمرف ق األمن وال دفاع
والقضاء .أما املرفق العام املحلي ،فإنه وإن كان يهدف هو اآلخر إلى تحقيق املصلحة العامة،
إال أن نشاطه ينحصر أساسا في نطاق إقليم أقل اتساعا من النطاق الذي تؤدى فيه خدمات
املرفق العام الوطني .ويستتبع ذلك بالضرورة أن املستفيدين من خدمات املرفق العام املحلي،
رغم كثرتهم ،إال أنهم يعتبرون أقل عددا من املستفيدين من خدمات املرفق العام الوطني.
ثانيا :من حيث الجهة املسؤولة عن األضرار الناتجة عن نشاط املرفق العام:
تعتبر املسؤولية من بين املجاالت التي تبرز فيها أهمية التفرقة بين املرفق العام الوطني
واملرفق العام املحلي .فإذا ترتب على نشاط املرفق العام الوطني ضررا للغير ،فإن الدولة هي
ال تي تتحم ل عبء املس ؤولية ،وه ذا بطبيع ة الح ال إذا كانت هي ال تي ت دير ه ذا املرف ق .أم ا في
الحاالت األخرى التي يعهد فيها بإدارة املرفق إلى أحد أشخاص القانون العام اآلخرين أو إلى
أحد األفراد العاديين ،فإن املسؤولية في هذه الحالة تقع على الجهة القائمة على إدارة املرفق
الع ام .أم ا بالنس بة للمرف ق الع ام املحلي ،ف إن الدول ة غ ير مس ؤولة عن األض رار ال تي يح دثها
املرفق للغير .فهذه املسؤولية تتحملها الهيئة املحلية باعتبارها شخص معنوي ،وهذا طبعا في
الحاالت التي تتولى هي بنفسها إدارة املرفق العام املحلي ،أما إن تركت اإلدارة لشخص آخر –
عام أو خاص -فإن هذا األخير هو الذي يتحمل املسؤولية عن األضرار التي يحدثها للغير.
الفصل الثاني :القواعد التي تحكم سير املرافق العامة:
رأينا فيما سبق بأن للمرافق العامة أنظمة قانونية مختلفة ،وهذا بسبب تعدد أنواعها،
إال أن هذا ال يمنع من القول بأن هناك قواعد ومبادئ أساسية تخضع لها كل املرافق العامة
أي ا كانت طبيعته ا ،على أن تط بيق ه ذه املب ادئ يكوم أك ثر ص رامة في املراف ق العام ة اإلداري ة
مقارنة مع املرافق العمة الصناعية والتجارية.
إن القواع د أو املب ادئ األساس ية ال تي تش ترك فيه ا كل املراف ق العام ة تتمث ل في قاع دة
اس تمرارية الخدم ة ،وقاع دة املس اواة أم ام خ دمات املرف ق ،وقاع دة التكي ف م ع األوض اع
الجديدة.
املبحث األول :قاعدة استمرارية خدمات املرفق العام(:)La règle de continuité
رأينا فيما سبق أن املرفق العام يجب عليه أن يسعى إلى تحقيق مصلحة عامة للجمهور،
وه ذا ي ترتب علي ه أن تكون تل ك الخدم ة متواص لة ومس تمرة ال بش وبها أي انقط اع ،ألن أي
انقطاع أو أي توقف سيؤثر سلبا على املصلحة العامة ،إذ قد يؤدي إلى إلحاق اضطرابات في
حياة الجماعة ،فمثال لو انقطع مرفق الكهرباء أو مرفق الغاز أو مرفق الصحة العمومية عن
أداء خدماته كلية للجمهور ،فإن ذلك قد يؤدي إلى إحداث اضطرابات في حياة الجماعة ،قد
تكون عواقبه ا خط يرة على املجتم ع ،ب ل إن تل ك الخط ورة تكون كب يرة إذا كان املرف ق محتك را
من قب ل الشخص الع ام .ومن هن ا ف إن القض اء ق د وض ع مب دأ أساس يا يحكم جمي ع املراف ق
العامة ،وهو مبدأ استمرارية خدمات املرفق العام ،أو سير املرفق العام بانتظام وباضطراد،
والذي بواسطته ال يمكن لنشاط املرفق أن يعرف انقطاعا أو توقفا .إن هذا املبدأ يطبق حاليا
حتى ولو لم ينص عليه املشرع صراحة.
إن ه ذا املب دأ ي ترتب النت ائج التالي ة في مج ال الوظيف ة العام ة (املطلب األول) ،والعق ود
اإلدارية (املطلب الثاني) ،واألموال العامة(املطلب الثالث) ،وذلك على الشكل التالي:
املطلب األول :في مجال الوظيفة العامة:
يترتب على ملبدأ استمرارية خدمات املرفق العام ثالثة نتائج أساسية في مجال الوظيفة
العام ة .تتعل ق األولى باإلض راب (الف رع األول) ،وتتعل ق الثاني ة باالس تقالة (الف رع الث اني) ،أم ا
النتيجة الثالثة ،فتتعلق باملوظف الفعلي(الفرع الثالث).
الفرع األول :أثر املبدأ على اإلضراب:
اإلض راب بص فة عام ة ه و اتف اق جم اعي بين املوظفين على االمتن اع عن العم ل بص فة
مؤقت ة للمطالب ة ب الحقوق املهني ة أو االجتماعي ة ،ودون أن تنص رف نيتهم إلى التخلي كلي ة عن
وظيفتهم .ف الغرض من اإلض راب ه و التعب ير عن استياء املوظفين عن بعض األوض اع املهني ة،
وذبك قصد الوصول إلى تحقيق بعض مطالبهم ،خاصة ما تعلق منها بإصالح أوضاعهم املهنية،
كاملطالبة بالرفع من املرتب.
و اإلضراب بهذا املعنى يعد من أخطر ما يهدد قاعدة أو مبدأ استمرارية خدمات املرفق
العام ،ولهذا فإن املشرعين في معظم دول العالم قد واجهوا هذا الخطر عن طريق إما تحريمه
في القط اع الع ام ،أو الس ماح ب ه ولكن م ع تنظيم ه ،وتقيي ده بش كل ال ي ؤثر على قاع دة
استمرارية خدمات املرفق العام .وهذا هو السبب الذي أدى بمجلس الدولة الفرنسي في وقت
لم يكن يوجد فيه أي نص يحرم اإلضراب إلى القول بأن إضراب املوظفين أو األشخاص الذين
يشتركون في إدارة مرفق عام يعد عمال غير مشروع ،وأنه " ال يعد خطأ فحسب ،بل هو خروج
عن الق وانين والل وائح ،ونقض ا لعق د الق انون الع ام ال ذي ي ربطهم ب اإلدارة ،وي برر فص لهم في
الحال دون اتباع الضمانات التي وفرت لهم في األصل".
أم ا في الجزائ ر ف إن اإلض راب ارتب ط بتط ور التش ريعي ،فطبق ا لدس تور 1963كان
اإلضراب مسموحا به (املادة 20من ذلك الدستور) .ثم جاء بعد ذلك أمر 10جويلية 1965
ب دون إش ارة إلى اإلض راب ،وه و نفس املوق ف ال ذي اتبع ه املش رع في األم ر املنظم للوظيف ة
العامة سنة .1966إن هذا السكوت تم تفسيره على أنه رفض لإلضراب .ثم جاء دستور 1976
الذي اعترف باإلضراب في القطاع الخاص ،وسكت عن اإلضراب في القطاع العام(.تنص املادة
61من ذلك الدستور على ما يلي "تخضع عالقات العمل في القطاع االشتراكي ألحكام القوانين
والتنظيمات املتعلقة باألساليب االشتراكية للتسيير في القطاع الخاص ،حق اإلضراب معترف
ب ه وينظم الق انون ممارس ته") وه ذا الس كوت اعت بر بمثاب ة رفض لإلض راب في القط اع الع ام.
وبعد ذلك جاء دستور ،1989ونص في املادة 54منه على أن" اإلضراب معترف به ويمارس في
إطار القانون.
يمكن أن يمن ع الق انون ممارس ة ه ذا الح ق ،أو يجع ل ل ه ح دودا ملمارس ته في مي ادين
ال دفاع الوط ني واألمن ،أو في جمي ع الخ دمات أو األعم ال العمومي ة ذات املنفع ة الحيوي ة
للمجتم ع" ،وه و م ا أك ده املؤس س الدس توري في املادة 71من الدس تور الح الي .ولق د أك د
القانون األساسي للوظيفة للقطاع الحالي لسنة 2006على حق اإلضراب .على أن الذي ينظم
حاليا اإلضراب هو قانون 90/02املؤرخ في 6فبراير .1990
ونظرا ألن اإلضراب قد يؤدي إلى املساس بالسير الحسن للمرافق العامة ،فإن املشرع
قد تدخل لتنظيمه ،إذ حرم استخدامه بالنسبة لبعض املرافق العامة الحيوية ،كما أحاط هذا
الحق من جهة أخرى بالنسبة للمرافق العامة التي يمكنها استخدام هذا الحق بعدة ضمانات
من شأنها أن تضمن استمرارية خدمات املرفق العام ،وذلك على النحو التالي:
أوال:الوقاية من النزاعات الجماعية:
إذا وق ع أي خالف يتعل ق بالعالق ات املهني ة أو االجتماعي ة ،وعالق ة العم ل والش روط
العامة للعمل ،فال يمكن اللجوء إلى ممارسة حق اإلضراب إال بعد استنفاد طرق تسوية هذه
الخالفات بين املوظف واملستخدم ،والتي حددها املشرع ما يلي:
-1عق د اجتماع ات دوري ة :بين ممثلي املوظفين واملمثلين املخ ولين في املؤسس ات
واإلدارات العمومي ة ،وذل ك من أج ل دراس ة املش اكل داخ ل املؤسس ات واإلدارات العمومي ة،
وإيجاد حل لها.
-2املص الحة :إذا لم يتوص ل الطرف ان إلى ح ل م رض بع د االجتماع ات الدوري ة ،يرف ع
ممثلو املوظفين املسائل املستمر فيها الخالف إلى:
-إم ا إلى الس لطات املدني ة املختص ة على مس توى البلدي ة أو الوالي ة ال تي تنتمي إليه ا
املؤسسة أو اإلدارة املعنية.
-وإم ا إلى ال وزراء أو ممثليهم املخ ولين قانون ا ،إذا كانت املؤسس ة أو اإلدارة العمومي ة
املعنية تدخل في نطاق اختصاصاتهم ،أو إذا كان الخالف الجماعي في العمل يكتسي طابعا جهويا
أو وطنيا ،وهذا من أجل إعطاء حل ملشاكلهم –املتبقية أو الكلية .فإذا لم يتوصلوا إلى حل،
تستدعي السلطات السلمية في خالل ثمانية ( )8أيام املوالية إخطارها طرفي لخالف الجماعي
في العمل إلى اجتماع املصالحة الذي يحضره ممثلي السلطة املكلفة بالوظيفة العامة ،ومفتشية
العمل املختصة إقليميا.
ف إذا كان الخالف يتعل ق بع دم تط بيق ال تزام ق انوني أو تنظيمي ،تس هر الس لطة الس لمية
العلي ا ال تي أخط رت على ض مان تط بيق ذل ك االل تزام في أج ل ال يتع دى ثالثين ( )30يوم ا من
تاريخ إخطارها.
أم ا إذا كان الخالف يتعل ق بتأوي ل األحكام القانوني ة أو التنظيمي ة ،أو بمس ائل ال يمكن
التكف ل به ا في إط ار األحكام القانوني ة املعم ول به ا ،تخط ر الس لطة الس لمية ،الس لطة املكلف ة
بالوظيف ة العمومي ة قص د ع رض نق اط الخالف على املجلس املتس اوي األعض اء في الوظيف ة
العمومية.
على أن إجراء املصالحة في كلتا الحالتين ،يجب أال يتجاوز خمسة عشر ( )15يوما ابتداء
من ت اريخ أول اجتم اع .ف إذا اس تمر الخالف خالل ه ذه الف ترة ،تق وم الس لطة الس لمية العلي ا
بإع داد محض ر يوقع ه الطرف ان يتض من النق اط املتف ق عليه ا -إن حص ل اتف اق -أو يتض من
املقترح ات ال تي تتعل ق بأش كال التكف ل باملس ائل املس تمر فيه ا الخالف ،وإجراءات ه ،وتبعث ه إلى
السلطة املكلفة بالوظيفة العمومية.
ثانيا :ممارسة حق اإلضراب :
إذا استمر الخالف بعد استنفاد إجراءات املصالحة –سابق اإلشارة إليها -وفي غياب طرق
أخرى للتسوية ،يمارس املوظفين حقهم في اللجوء إلى اإلضراب .على أن املشرع قد وضع بعض
الضوابط ملمارسة هذا الحق ،وذلك علة النحو التالي:
-1التحكيم :إذا اتفق الطرفان على عرض نزاعهما على لجنة التحكيم ،فال يمكن اللجوء
في ه ذه الحال ة إلى مماري ة ح ق اإلض راب .أم ا إذا وق ع اتف اق على التحكيم بع د الش روع في
اإلضراب ،فيجب إن يوقف اإلضراب.
-2موافق ة املوظفين على اإلض راب :إذا لم يق ع التحكيم ،فيجب دع وة املوظفين إلى
جمعي ة عام ة في أم اكن العم ل املعت ادة –وذل ك بع د إعالم املس تخدم -قص د إعالمهم بالنق اط
املستمر فيها الخالف ،والبت في احتمال التوقف الجماعي عن العمل .على أنه يجوز للموظفين
أن يستمعوا –بناء على طلبهم -إلى ممثلي املستخدم أو ممثلي السلطة اإلدارية املعنية.
وهن ا لكي يكون االجتم اع صحيحا ،الب د من حض ور نص ف ع دد املوظفين على األق ل
ال ذين تتكون منهم املؤسس ة أو اإلدارة العام ة .وال يج وز اللج وء إلى اإلض راب إال بع د موافقة
أغلبية املوظفين الحاضرين لالجتماع ،عن طريق االقتراع السري.
ج-اإلشعار املسبق باإلضراب :ال يمكن الشروع في اإلضراب إال بعد انتهاء أجل اإلشعار
املس بق باإلض راب ال ذي ي ودع ل دى املس تخدم .على أن ه يجب إعالم مفتش ية العم ل املختص ة
إقليمي ا ،وتحدي د م دة اإلش عار باإلض راب عن طري ق املفاوض ة .كم ا أن ه ذه املدة ال يمكن أن
تقل عن ثمانية ( )8أيام ابتداء من تاريخ إيداعه.
وبمج رد إي داع اإلش عار املس بق باإلض راب ،يل تزم املس تخدم وممثل و املوظفين باتخ اذ
الت دابير الالزم ة لض مان املحافظ ة على املنش آت واألمالك وض مان أمنه ا .ويعين الطرف ان
املوظفين الذين يتكفلون بهذه املهام.
ثالثا :حماية حق اإلضراب:
إذا تم ممارس ة ح ق اإلض راب دون مراع اة الش روط الس ابقة ،ف إن اإلض راب يع د غ ير
مشروع ،كما أنه املوظفين الذين شاركوا فيه ،يكونون قد ارتكبوا خطأ مهنيا جسيما .أما إذا
تم اإلضراب وفقا لإلجراءات السابقة ،فإنه يعد مشروعا ،أي أن القانون يحميه .ومعنى ذلك
أنه ال يجوز لإلدارة نقض عقد العمل الذي يربطها باملوظفين املضربين نتيجة إضرابهم .على
أن اإلضراب قد يؤدي إلى وقف أثر عالقة العمل طول مدة اإلضراب ،بحيث ال تلتزم اإلدارة
بدفع املرتب للموظفين املضربين ،إال إذا اتفق الطرفان على خالف ذلك.
وباإلض افة إلى ذل ك ،فإن ه ال يج وز لإلدارة أن تق وم بتعين م وظفين آخ رين قص د
اس تخالف املوظفين املض ربين ،م ا ع دا الح االت املتعلق ة بالتسخير ال تي ت أمر به ا الس لطة
اإلدارية ،أو إذا رفض املوظفون تنفيذ االلتزامات الناتجة عن ضمان الحد األدنى من الخدمة.
كم ا أن ه ال يج وز تس ليط أي ة عقوب ة على املوظفين املض ربين بسبب مش اركتهم في اإلض راب
املشروع.
ولكن إذا كان القانون قد وفر حماية للموظفين املضربين خالل مرحلة اإلضراب ،إال أنه
من جه ة أخ رى ف رض عليهم بعض االلتزام ات ،بحيث ال يج وز لهم أن يمنع وا املوظفين ال ذين
رفضوا اإلضراب ،االلتحاق بمناصب عملهم ،أو أرادوا بعد اإلضراب استئناف عملهم ،سواء
كان ذل ك عن طري ق التهدي د ،أو املن اورة االحتيالي ة ،أو العن ف ،أو االعت داء ،وإال تعرض وا
للعقوبات املنصوص عليها قانونا.
كما ال يجوز للموظفين املضربين احتالل املحالت املهنية للمستخدم عندما يكون الغرض
من هذا االحتالل هو عرقلة حرية العمل .وفي هذه الحالة يجوز للمستخدم أن يلجأ للقضاء
الستص دار أم ر قض ائي ب إخالء املحالت املهني ة .ه ذا وتج در اإلش ارة إلى أن ه إذا كانت عرقل ة
حرية العمل ورفض االمتثال لتنفيذ األمر القضائي بإخالء املحالت املهنية تعتبر أخطاء مهنية
جسيمة ،فمع ذلك ،فإن املوظفين الذين قاموا بذلك قد توقع عليهم العقوبات الجزائية.
رابعا :تحديد ممارسة حق اإلضراب:
ومن أج ل ض مان ع دم انقط اع خ دمات املرف ق الع ام بص فة نهائي ة ،ح تى في وقت
اإلضراب ،فإن املشرع قيد ممارسة حق اإلضراب بما يلي :
-1الحد األدنى من الخدمة (:) Le service minimum
إذا كان اإلض راب يمس األنظم ة ال تي يمكن أن يض ر انقطاعه ا الت ام اس تمرارية خ دمات
املرف ق العمومي ة،أو يمس األنش طة االقتص ادية الحيوي ة في الدول ة ،أو تم وين املواط نين ،أو
املحافظة على املنشآت واألمالك املوجودة ،فيتعين مواصلة األنشطة الضرورية في شكل قدر
أدنى من الخدمة إجباري ،أو ناتج عن مفاوضات أو اتفاقيات أو عقود.
وتتمثل املصالح التي يجب القيام بالحد األدنى من الخدمة فيها فيما يلي:
املصالح اإلستشفائية ،املناوبة ومصالح االستعجاالت وتوزيع األدوية – املصالح املرتبطة
بسير الشبكة الوطنية للمواصالت السلكية والالسلكية واإلذاعة والتلفزة – املصالح املرتبطة
بإنتاج الكهرباء والغاز واملواد البترولية ،واملاء ،ونقلها وتوزيعها – املصلح البلدية لرفع القمامة
من الهياكل الصحية واملسالخ ،ومصالح املراقبة الصحية ،بما فيها الصحة النباتية والحيوانية
في الح دود واملط ارات واملوانئ ،واملص الح البيطري ة العام ة والخاصة ،وك ذا مص الح التطه ير –
املص الح املرتبط ة مباش رة بإنت اج الطاق ة املخصص ة لتزوي د ش بكة املواص الت الس لكية
والالسلكية ،وكذلك املصالح الضرورية لسير مراكز العبور في املواصالت السلكية والالسلكية
الوطنية لإلش ارة – املص الح املكلف ة بالعالق ات املالية م ع الخ ارج في البن ك والبنوك العام ة –
املصالح املكلفة بإنتاج املحروقات ونقلها عبر قنوات الشحن والنقل البحري – نقل املحروقات
بين السواحل الوطنية – مصالح الشحن والتفريغ املينائية واملطارية ،ونقل املنتجات املعترف
بخطورته ا ،وس ريعة التل ف ،أو املرتبط ة بحاجي ات ال دفاع الوط ني – املص الح املرتبط ة ب أمن
وس ائل النق ل (األرص اد الج وي واإلش ارة البحري ة والس كة الحديدي ة ومنه ا ح راس ح واجز
املقاطع ) – مصالح النقل واملواصالت السلكية والالسلكية املرتبطة بحماية األرواح ،وعمليات
الشحن وإنق اذ الس فن مباش رة – مص الح ال دفن واملق ابر – املص الح املكلف ة بمراقب ة املرور
الجوي ( مراكز املراقبة الجوية واالستعداد للنزول وأبراج املراقبة ) – مصالح كتابة الضبط
في املحاكم واملجالس القضائية.
وباإلض افة إلى املص الح الس ابقة ،فإن ه يج وز للمس تخدم أو الس لطة اإلداري ة املعني ة أن
يق وم (أو تق وم) بتحدي د مي ادين النش اط ال تي تتطلب الح د األدنى من الخدم ة واملوظفين
الض روريين للتكف ل ب ه ،وذل ك بع د استش ارة ممثلي املوظفين .ف إذا رفض املوظف ون القي ام
بالحد األدنى من الخدمة املفروض عليهم ،فإنهم يكونون قد ارتكبوا خطأ مهنيا جسيما.
-2التسخير (:) La requisition
يمكن أن ي ؤمر بتسخير املوظفين املض ربين ال ذين يش غلون في الهيئ ات واإلدارات
العمومي ة أو املؤسس ات مناص ب ض رورية ألمن األشخاص واملنش آت واألمالك ،لض مان
استمرارية املصالح العمومية األساسية في توفير الحاجيات الحيوية للبالد ،أو الذين يمارسون
أنش طة الزم ة لتموي ل الس كان .ويع د ع دم االمتث ال ألم ر التسخير خط أ جس يما ،وه ذا دون
املساس بالعقوبات الجزائية.
-3تسوية اإلضراب :
يجب على طرفي الخالف الجماعي في العمل خالل فترة اإلشعار املسبق باإلضراب ،وبعد
الش روع في اإلض راب ،أن يواص لوا مفاوض اتهم لتس وية الخالف الواق ع بينهم ا ،وذل ك على
الشكل التالي :
أ-الوساطة :
يمكن لإلدارة ( ال وزير املكل ف بالقط اع ،أو ال والي ،أو رئيس املجلس الش عبي البل دي) أن
تعين وسيطا كفء ،يقدم لطرفي الخالف اقتراحات لتسوية الخالف الدائر بينهما ،إذا ثبت من
مواقفهما صعوبات في املفاوضات املباشرة.
ب-اللجنة الوطنية للتحكيم :
إذا اس تمر اإلض راب بع د فش ل اإلج راءات الس ابقة ،يمكن لإلدارة ( ال وزير املكل ف
بالقطاع ،أو الوالي ،أو رئيس املجلس الشعبي البلدي) ،أن تحيل الخالف الجماعي ،إذا اقتضت
ذل ك ض رورات اقتص ادية واجتماعي ة ق اهرة ،بع د استش ارة املس تخدم وممثلي املوظفين على
اللجنة الوطنية للتحكيم التي تتكون من عدد يتساوى فيه عدد املمثلين الذين تعينهم ،وعدد
ممثلي املوظفين .على أن ه ذه اللجن ة يترأس ها ق اض من املحكم ة العلي ا .وتكون قراراته ا ناف ذة
ب أمر من ال رئيس األعلى للمحكمة العليا .ويبل غ رئيس اللجنة الوطنية للتحكيم هذه القرارات
إلى طرفي النزاع خالل األيام الثالثة ( )3املوالية التخاذها.
خامسا :موانع اللجوء إلى اإلضراب:
ال يجوز لبعض القطاعات التي قد يعرض توقفها حياة املواطنين أو صحتهم للخطر ،أو
يعرض االقتصاد الوطني للخطر ،اللجوء إلى اإلضراب .إن هذه القطاعات تتمثل في :القضاة،
املوظفون املعينون بمرسوم ،أو املوظفون الذين يشغلون مناصب في الخارج ،وأعوان مصالح
األمن ،واألعوان امليدانيين العاملين في مصلح الحماية املدنية ،وأعوان مصلح استغالل شبكات
اإلش ارة الوطني ة في وزارتي الداخلي ة والش ؤون الخارجي ة ،و األع وان املي دانيين الع املين في
الجمارك ،وموظفي املصالح الخارجية إلدارة السجون.
أما الخالفات الجماعية التي يمكن أن تنشأ في العمل و تمس هذه الطوائف من املوظفين،
فإنه ا تكون خاض عة ملا س بق ذك ره من إج راءات ( عق د اجتماع ات دوري ة-مص الحة -لجن ة
التحكيم الوطني) دون لجوئهم إلى اإلضراب.
أم ا املوظفون املدنيون والعس كريون التابعون لقط اع الدفاع الوط ني ،فال تنطبق عليهم
األحكام السابقة ،وبالتالي فإن اإلضراب بالنسبة إليهم يعد ممنوعا.
الفرع الثاني :تنظيم استقالة املوظفين:
إن االستقالة هي رغبة املوظف في ترك منصب العمل نهائيا .وبهذا تمتاز االستقالة عن
اإلض راب في أن االمتن اع عن أداء الخدم ة في اإلض راب يكون مؤقت ا ،أم ا في االس تقالة ،ف إن
االمتناع عن أداء الخدمة يكون بصفة نهائية.
وإذا كانت االس تقالة عب ارة عن ح ق للموظ ف ،إال أن هن اك اعتب ارات تتعل ق باملص لحة
العامة ،والتي تقيد من استعمال هذا الحق ،بحيث ال يكون املوظف في نفس مركز العامل في
القط اع الخ اص .ف املوظف يق وم بوظيف ة ليس لص الح شخص معين بال ذات ،ب ل من أج ل
املصلحة العامة ،ولهذا من الواجب التوفيق بين حقه في االستقالة وترك منصب العمل الذي
يش غله ،وبين ح ق املجتم ع في الحص ول على الخدم ة العمومي ة .و ه ذا ه و السبب ال ذي أدى
بالفق ه والقض اء إلى االس تقرار ح ول فك رة مفاده ا أن عالق ة املوظ ف ب اإلدارة ال تنقط ع
بمج رد تقديم ه االس تقالة ،ب ل تبقى قائم ة م دة من ال زمن تس مح لإلدارة ب البحث عن خل ف،
وذلك ضمانا لعدم انقطاع الخدمة.
إن حكم ة ه ذه القاع دة واضحة ،ذل ك أن امتن اع املوظ ف عن أداء عمل ه عقب تق ديم
استقالته مباشرة ،قد يؤدي إلى اختالالت كبيرة في املرفق إذا لم تتمكن اإلدارة من إيجاد خلف
له مباشرة بعد تقديمه لالستقالة.
إن هذا هو السبب الذي أدى بالقضاء اإلداري الفرنسي على وجه الخصوص إلى تطبيق
هذه القاعدة قبل أن يتم النص عليها تشريعيا.
هذا وتجدر اإلشارة إلى أن املشرع الجزائري قد نص على هذه اآلثار في املواد من 217إلى
220من الق انون رقم 12-06املؤرخ في 14نوفم بر 2006واملتض من الق انون األساسي الع ام
للوظيفة العامة.
الفرع الثالث :تبرير نظرية املوظف الفعلي:
تنفيذا لقاعدة استمرارية خدمات املرفق العام ،وضع القضاء اإلداري الفرنسي نظرية
املوظف الفعلي .واملوظف الفعلي هو الشخص الذي يوجد عيب جسيم في قرار تعينه ،أو أن
قرار تعينه لم يصدر على اإلطالق ،إال أنه مارس مهام إدارية.
فاألصل أن أعمال هذا املوظف تعتبر غير مشروعة ،وبالتالي يجب أن تلغى .إال أنه حفاظا
على مصالح األشخاص الذين تعاملوا مع املوظف الفعلي ،اعتبر القضاء أن ما يصدر عنه من
أعمال تجاههم يعد صحيحا ،وذلك إما على أساس فكرة الظاهر ،واحترام الغير حسن النية،
وإما على أساس فكرة الضرورة.
على أن فكرة الظاهر تطبق من املفروض في الظروف العادية .وعليه إذا كان يبدو للغير
ب أن ق رار تع يين املوظ ف ال يش وبه أي عيب ،ف إن م ا يص در من ه من أعم ال تج اه ه ؤالء يع د
مش روعا ،من ذل ك مثال أن يش غل ف ردا وظيف ة على أس اس أن ه نجح في املس ابقة الخاص ة
بالتوظيف ،ويصدر بهذه الصفة أعماال تجاه الغير ،ولكن بعد ذلك يقوم القضاء بإلغاء نتائج
املس ابقة-بع د الطعن قض ائيا في تل ك النت ائج طبع ا ،-أو أن يم ارس موظف ا اختصاص اته تج اه
الغير بناء على تفويض غير صحيح .أما في الظروف االستثنائية ،ونقصد بها األوقات التي يختل
فيها انتظام السلطة العامة في أداء وظائفها ،كأوقات الحروب واألوبئة والكوارث العامة ،فإن
األعم ال اإلداري ة ق د يق وم به ا أف راد ع اديين ال يتمتع ون بص فة املوظ ف الع ام ،وإنم ا ال ذي
دفعهم إلى القيام بها هو ضمان استمرارية الخدمة العمومية ،فإن أعمال هؤالء تعد مشروعة
وصحيحة تطبيقا لفكرة الضرورات تبيح املحظورات.
املطلب الثاني :في مجال العقود اإلدارية:
يرتب هذا املبدأ استمرارية خدمات املرفق العام نتيجة هامة في مجال العقود اإلدارية،
تتمثل في نظرية الظروف الطارئة ( .)La théorie de l’imprévision
فاملبدأ في العقود الخاصة التقليدية ،هو أن العقد شريعة املتعاقدين ،وال يعفي املتعاقد
من الوفاء بالتزاماته إال بالقوة القاهرة -وهي الحادث الذي ال يمكن توقعه كما ال يمكن دفعه،
والذي يجعل تنفيذ االلتزام مستحيال .-هذه القاعدة لم يكن باإلمكان األخذ بها على إطالقها في
مجال العقود اإلدارية ،لذلك أنشأ القضاء اإلداري الفرنسي بين القوة القاهرة التي يستحيل
فيه ا على املتعاق د الوف اء بالتزاماته التعاقدي ة ،وبين الظ رف الع ادي ال ذي يمكن في ه للمتعاق د
الوف اء بالتزامات ه التعاقدي ة ،حال ة وس طى وهي نظري ة الظ روف الطارئ ة ،بحيث يجب على
املتعاق د م ع اإلدارة الوف اء بالتزامات ه التعاقدية م ا دام أن ذل ك ممكن ،على ال رغم من أن فيه
مشقة وإرهاق مالي شديد ،ولكن في املقابل فإن الخسارة التي تحملها يجب أن توزع بينه وبين
اإلدارة.
على أن الح ادث املف اجئ يش به الق وة الق اهرة في بعض األم ور ،في أن كالهم ا ال يمكن
توقعهما ،وأنهما إذا وقعا فال يمكن دفعهما .إال أن الظرف الطارئ يجعل تنفيذ االلتزام مرهقا،
أي أن تنفيذ االلتزام ليس مستحيال بل ممكنا ،ولكنه يحمل املتعاقد مع اإلدارة خسارة كبيرة
ه ذه الخس ارة تت وزع بين ه وبين اإلدارة ،وه ذا على خالف الق وة الق اهرة ال تي تجع ل تنفي ذ
االلتزام مستحيال.
وعليه ،طبقا لنظرية الظروف الطارئة ،وضمانا ملبدأ استمرارية خدمات املرفق العام،
يجب على املتعاقد مع اإلدارة أن ينفذ التزاماته ،مع حصوله على تعويض جزئي عن الخسارة
التي تحملها ،هذه الخسارة توزع بينه وبين اإلدارة.
هذا وتج در اإلش ارة إلى أنه إلمكانية تط بيق نظرية الظ روف الطارئة ،يشترط أن يكون
الظ رف الط ارئ عارض ا ،وأن ه ه و السبب املباش ر في قلب الت وازن املالي للعق د .أم ا إذا كان
الظرف الطارئ قد أخذ شكال دائما ،أي ليس من املنتظر أن يعود العقد إلى حالته األولى ،فال
بد أن يعدل العقد تعديال يجعله يساير الظروف الجديدة ،أما إذا كان ذلك غير ممكن ،فيجب
فسخ العقد الذي يربط الطرفين.
املطلب الثالث :في مجال األموال العامة:
يترتب على مبدأ استمرارية خدمات املرفق العام في مجال األموال العامة ،نتيجة هامة
تتمثل في عدم جواز الحجز على أموال املرفق العام( .الكالم هنا ينطبق على الدومين العام وال
يتعلق بالدومين الخاص) .فاملرفق يحتاج إلى أموال عامة تمكنه من القيام باملهام امللقاة عليه.
فإذا ما حصل أن استدان املرفق وعجز مثال عن التسديد ،فإنه ال يجوز الحجز على أمواله،
وذلك ضمانا الستمرارية خدماته .على أن هذه القاعدة تصدق على إطالقها بالنسبة للمرافق
العام ة اإلداري ة (التقليدي ة) ،أم ا املراف ق العام ة الص ناعية والتجاري ة ،فباستثناء رأس مالها
التأسيسي الذي يعتبر من األموال العامة ،فإن األموال األخرى تكون قابلة للحجز عليها.
املبحث الثاني :قاعدة مساواة املنتفعين أمام املرفق العام (:)La règle d’égalité
هذا هو املبدأ الثاني الذي يحكم جميع املرافق العامة .وطبقا لهذا املبدأ يجب على املرفق
العام أن يؤدي خدماته إلى الجمهور بنفس الشروط ،بحيث ال يكون هناك تمييز بينهم ال مبرر
ل ه .إن ه ذه القاع دة تع د مس تمدة من مب دأ آخ ر يس ود تقريب ا جمي ع دس اتير الع الم ،وال ذي
يقضي بمس اواة الجمي ع أم ام أحكام الق انون س واء في الحق وق أو في الواجب ات .وه ذا م ا نص
عليه املؤسس الدستوري في املادة 32حيث جاء فيها أن "كل املواطنين سواسية أمام القانون،
وال يمكن أن يتذرع بأي تمييز يعود سببه إلى املولد أو العرق أو الجنس أو الرأي أو أي شرط
آخر شخصي أو اجتماعي" .إن هذه املادة وضعت األصل العام في مساواة األفراد أمام القانون.
فالقانون بطبيعته يضع قواعد عامة ومجردة ،ال يراعي فيها أفرادا بذواتهم .ولهذا كان الجميع
لديه سواء .وملا كانت املرافق العامة تنشأ لفائدة الجميع ،فقد ترتب على ذلك بالتبعية تساوي
األفراد لديها.
هذا وتجدر اإلشارة إلى أن املساواة أمام خدمات املرافق العامة ليست مطلقة .فهي ال
تعني بأنه يجوز ألي فرد أن يتحصل على الخدمة من املرفق العام بدون أي شرط مسبق ،بل
إن هذه املساواة ،شأنها شأن جميع املراكز القانونية ،ال يمكن أن تكون حقا للشخص إال إذا
توفرت شروطها .ومن هنا فإنه ال يتنافى مع قاعدة املساواة وضع اإلدارة لشروط عامة ال بد
أن تت وفر في الشخص ال ذي يري د الحص ول على خدم ة من املرف ق الع ام ،كتحدي د رس م معين
فيمن يريد الحصول على خدمة معينة من املرفق ،أو تحديد شهادة معينة إلمكانية االلتحاق
بوظيفة عامة.
فاألصل إذن هو إعمال قاعدة املساواة بين من يستوفون شروط االنتفاع .ومع ذلك فإن
ه ذه القاع دة تحت اج إلى بعض التوض يحات .فال يمكن إعم ال قاع دة املس اواة بين املنتفعين إال
إذا كانوا في نفس املركز والظروف ،أما إذا اختلفت مراكزهم ،فإنه يمكن التمييز بين املنتفعين
من خ دمات املرف ق الع ام ،وعلي ه فإن ه يج وز اإلدارة أن تغ اير في املعامل ة بين املنتفعين في
الحاالت التالية:
أ-الختالف ظ روف املكان ،كالتمييز في املعامل ة في س كان املدين ة الواح دة ،بين من يقطن
داخلها وبين من يقطن في ضواحيها ،فيما يتعلق بتوزيع املياه والكهرباء ،باقتضاء رسم إضافي
من الذي يسكن داخل املدينة ،مقارنة مع من يسكن في ضواحيها.
ب-أو الختالف نوع الخدمات التي يطلبونها ،كاقتضاء رسم إضافي ممن يريد أن تصل
رسائله مستعجلة ،أو باختالف الدرجة التي يسافرون فيها بالطائرة أو بالقطار.
ج-أو ب اختالف الغ رض ال ذي تخص ص ل ه الخدم ة ،كاس تخدام املي اه للش رب ،أو
استخداما للسقي ،واستخدام الكهرباء لإلضاءة ،واستخدامه للصناعة.
ففي كل ه ذه الح االت ،وعلى ال رغم من أن املنتفعين ق د اس توفوا ش روط اإلنتف اع
بالخدمة ،إال أنه توجد ظروف أخرى أدت إلى التفرقة في املعاملة .إال أن هذه التفرقة ال تعني
بأي حال من األحوال أنها تمييز ذاتي بين املنتفعين ،طاملا أن ظروف أداء الخدمة ليس واحدا.
هذا وتجدر اإلشارة إلى أنه قد يرد على قاعدة املساواة استثناء آخر مرده إلى النصوص
القانوني ة ،من ذل ك إعف اء املس نين والعج زة من دف ع املقاب ل لق اء الحص ول على خدم ة من
املرفق العام .وهذه االستثناءات ال يقصد بها في حقيقة األمر تمييز فئة من الناس عن غيرهم،
طاملا أن هناك ظرف خاص توجد فيه طائفة معينة من الناس.
ويجب أن نش ير في األخ ير إلى أن الس لطة التقديري ة املمنوح ة اإلدارة ،ال تتن افى م ع مب دأ
مس اواة املنتفعين من خ دمات املرف ق الع ام ،ل ذلك إذا ت وفرت ش روط االنتف اع من الخدم ة،
وم يزت اإلدارة بين املنتفعين ،فإن ه يج وز مقاض اتها ،س واء ب دعوى تج اوز الس لطة إذا ت وفرت
شروطها ،أو بدعوى التعويض إن ترتب على ذلك التمييز ضرر باملنتفعين الذين لم يستفيدوا
من الخدمة.
املبحث الثالث :قاعدة تكييف املرفق العام مع األوضاع الجديدة (La règle de
:)mutabilité
وه ذه ث الث قاع دة تحكم جمي ع املراف ق العام ة ،وال تي يع بر عنه ا بقابلي ة املرف ق الع ام
للتب دل والتغ ير في أي وقت ،وذل ك تماش يا م ع الظ روف الجدي دة .ومقتضى ه ذه القاع دة أن ه
يج وز لإلدارة أن تت دخل في أي وقت ،وتع دل من قواع د س ير املرف ق الع ام ،ولكن م ع مراع اة
فكرة املصلحة العامة ،أي أن هذا التعديل تمليه فكرة املصلحة العامة.
فاألصل أنه بعد أن يتقرر إنشاء املرفق العام بالوسيلة القانونية ،تتولى اإلدارة تنظيمه،
فتختار طريقة إدارته .واإلدارة تراعي هنا طبيعة املرفق ونوع الخدمات التي يقدمها للجمهور.
ولكن إذا م ا ت بين لإلدارة في أي وقت من األوق ات ،ب أن تنظيم املرف ق بالش كل الق ديم لم يع د
يتفق مع املصلحة العامة ،أو أن هناك تنظيما آخر يحقق بطريقة أفضل املصلحة العامة ،جاز
لإلدارة هنا أن تغيير في طريقة تنظيمه أو إدارته ،كأن تفرض رسوما على االنتفاع بالخدمة ،لم
تكن موجودة من قبل ،أو أن تفرض رسوما إضافية على الرسوم السابقة.
ومع ذلك يجب أن نؤكد على أن حق اإلدارة هذا مقيد بشرط وحيد هو مراعاة املصلحة
العامة .وهنا ال يمكن للغير االحتجاج بفكرة الحق املكتسب .