You are on page 1of 28

‫مقدمة‪:‬‬

‫إن اإلدارة تس تهدف –بص فة عام ة‪ -‬إلى تحقي ق املص لحة العام ة‪ ،‬أو احتياج ات الجمه ور‪.‬‬
‫ومن أجل تحقيق هذا اله دف‪ ،‬فإنها تقوم بنشاطين أساسيان هما‪ :‬املرفق العام‪ ،‬والبوليس‬
‫اإلداري أو الضبط اإلداري‪.‬‬
‫فعن طريق املرفق العام‪ ،‬تقوم الدولة‪ ،‬أو اإلدارة بتقديم خدمات قصد تلبية احتياجات‬
‫املواط نين‪ ،‬أو الرغب ات العام ة‪ ،‬كم ا تق وم بتق ديم املس اعدة‪ ،‬س واء للمش اريع الخاص ة‪ ،‬أو‬
‫للمشاريع املحلية‪ ،‬التي تؤدي للجمهور منافع أساسية‪.‬‬
‫على أن هذا ال يمنع من وجود نشاطات خاصة في الدولة‪ ،‬قد تساهم بشكل أو بآخر في‬
‫تحقيق الصالح العام‪ .‬إال أن هذه النشاطات الخاصة يجب أال تكون معارضة مع النظام العام‪.‬‬
‫وله ذا السبب‪ ،‬يج وز للدول ة أن ت راقب النش اطات الخاص ة وذل ك عن طري ق وض ع ض وابط‬
‫املنظمة لهذا النشاط‪ ،‬دون املساس باملصلحة العامة‪ .‬إن نشاط اإلدارة هذا تمارسه عن طريق‬
‫البوليس أو الضبط اإلداري الذي يستهدف حماية النظام العام بمدلوالته الثالثة‪ ،‬واملتمثلة في ‪:‬‬
‫األمن العام‪ ،‬والصحة العامة‪ ،‬والسكينة العامة‪.‬‬
‫إن هذا التمييز بين أنشطة اإلدارة (مرفق عام‪ ،‬وبوليس إداري)‪ ،‬يبقى أساسيا‪ ،‬وصحيحا‪.‬‬
‫فعن طريق املرفق العام‪،‬فإن الشخص العام هو الذي يتكفل بتحقيق مصالح الجمهور‪ ،‬التي‬
‫ق د يعج ز النش اط الف ردي عن تحقيقه ا‪ .‬وعن طري ق الب وليس اإلداري‪ ،‬تق وم الس لطة العام ة‬
‫بتوض يح إط ار نش اط الخ واص وح دوده‪ ،‬وذل ك بواس طة أوام ر عام ة أو خاص ة تف رض على‬
‫نشاط الخواص‪.‬‬
‫من هذين الصورتين‪ ،‬يتكون إذن نشاط اإلدارة‪ .‬ولكن قبل تحليل هذين النشاطين‪ ،‬يجب‬
‫أن نشير إلى أن الدولة قد ترى من واجبها القيام بتقديم مساعدات لبعض النشاطات الخاصة‪،‬‬
‫وال تي تحق ق الص الح الع ام‪.‬ومن هن ا يتعين علين ا أن نعطي –ول و بشيء من اإليج از‪ -‬فك رة على‬
‫هذه املساعدات‪.‬‬
‫مساعدة اإلدارة للنشاطات الخاصة ذات النفع العام‪:‬‬
‫إن السبب األساسي لقيام اإلدارة بمساعدة هذه النشاطات‪ ،‬يتمثل في أن لإلدارة مصلحة‬
‫في بقائها‪ .‬إن هذه املصلحة تكون نابعة من اعتبارات مختلفة ‪.‬‬
‫‪-1‬ففي بعض الحاالت‪ ،‬قد يقوم النشاط الخاص بتحقيق هدف غير مهم‪ ،‬ولكنه يحقق‬
‫نفع ا عام ا للص الح الع ام‪ ،‬من ذل ك النش اطات الثقافي ة‪ ،‬أو االجتماعي ة‪ ،‬أو الرياض ية‪ ،‬أو‬
‫التربوية التي يقوم بها الخواص‪.‬‬
‫‪-2‬وفي حاالت أخرى‪ ،‬قد يقوم النشاط الخاص بتحقيق هدف مهم‪ ،‬يتماشى مع املصالح‬
‫االقتصادية للدولة‪ ،‬من ذلك مثال قيام الخواص باستصالح مصادر الثروة املعدنية‪ ،‬أو القيام‬
‫بنشاطات اقتصادية‪ ،‬أو سياسية‪.‬‬
‫‪-3‬وأخيرا قد يقوم ا الخواص بنشاط ال يحقق النفع العام‪ ،‬ومع ذلك فإنه قد يؤثر على‬
‫املص الح العام ة للدول ة‪ ،‬من ذل ك قي ام الخ واص بالعب ادات أو الش عائر الديني ة في ال دول ال تي‬
‫يدين أغلبية سكانها بغير تلك الديانة‪ .‬إن هذا النشاط ال يحقق في الحقيقة نفعا عاما يعود على‬
‫مواطني تلك الدولة‪ ،‬ولكنه م ع ذلك قد يعرض املصلحة العامة للخط ر‪ ،‬وذلك إذا م ا منعت‬
‫الدولة ممارسة تلك الشعائر‪.‬‬
‫ففي كل ه ذه الح االت الثالث ة‪ ،‬يتعين على الهيئ ة العام ة أن تض من الش روط الض رورية‬
‫لتطور تلك األنشطة‪ .‬ولكن يجب أال يفهم من ذلك أن الدولة حولت النشاط الخاص إلى مرفق‬
‫ع ام‪ ،‬ذل ك أن ه ذه النش اطات تبقى دائم ا خاص ة‪ ،‬ح تى ول و حققت النف ع الع ام‪ .‬إن ه ذه‬
‫النشاطات تختلف بالطبع عن النشاطات التي يقوم بها الخواص في إطار املرفق العام‪ ،‬كاإلمتياز‬
‫مثال‪ ،‬إذ في ه ذه الحال ة نكون بص دد مرف ق ع ام‪ ،‬إال أن الدول ة ألس باب معين ة‪ ،‬تعه د بإدارت ه‬
‫ألح د الخ واص‪ .‬وم ع ذل ك‪ ،‬ف إن التمي يز بين النش اط الخ اص ال ذي يحق ق النف ع الع ام‪ ،‬وبين‬
‫املرفق العام الذي يديره الخواص‪ ،‬يكون صعبا في بعض الحاالت‪.‬‬
‫وتتعدد أشكال املساعدة التي تقدمها الدولة للنشاطات الخاصة‪ ،‬فقد تتخذ شكل العمل‬
‫القانوني‪ ،‬وقد تكون عبارة عن وسائل معينة موضوعة تحت تصرف الشخص الخاص‪.‬‬
‫‪-1‬فبالنس بة للعم ل الق انوني‪ ،‬ق د تتخ ذ املس اعدة ش كل الق رار ال ذي بواس طته تس اعد‬
‫الدول ة الخ واص‪ .‬وه ذا الق رار يتمث ل ع ادة في اعتم اد الس لطة العام ة (‪ )Agrément‬النش اط‬
‫الخاص املنتفع من املساعدة‪ .‬على أن هذا االعتماد يتضمن في نفس الوقت الرقابة وااللتزامات‬
‫املفروضة على النشاط الخاص‪ ،‬وهما املقابل للمساعدة‪.‬‬
‫إال أن العم ل الق انوني ق د يتخ ذ ش كل العق د ال ذي يل تزم بواس طته الشخص الخ اص‬
‫بالخض وع لبعض االلتزام ات تفرض ها علي ه الدول ة‪ .‬وباملقاب ل‪ ،‬يل تزم الشخص الع ام بتق ديم‬
‫املساعدة لهذا الشخص الخاص‪.‬‬
‫‪-2‬وهناك امتيازات أخرى يمكن للشخص الخاص أن يستفيد منها‪ ،‬واملتمثلة في‪:‬‬
‫أ‪-‬امتي ازات الس لطة العام ة‪ :‬إذ يمكن للدول ة أن تض من للشخص نظام ا قانوني ا خاص ا‪،‬‬
‫يس مح ل ه بتوس يع نش اطه ومص ادره‪ .‬كم ا يمكن للدول ة من جه ة أخ رى أن تس مح للشخص‬
‫الخ اص باس تعمال امتي ازات الس لطة العام ة‪ .‬كم ا يمكن للدول ة ك ذلك أن تس مح للشخص‬
‫الخاص بأن يتقاضى من املنتفعين من نشاطه (‪ )les adherents‬مقابل إجباري يشبه الرسم‪.‬‬
‫ب‪-‬امتيازات مالية‪ :‬إن املساعدات املالية التي تقدمها الدولة للشخص الخاص‪ ،‬قد تكون‬
‫غير مباشرة (اإلعفاء من الضرائب‪ ،‬الحماية الجمركية)‪ ،‬وقد تكون مباشرة‪.‬‬
‫ج‪-‬امتي ازات مادي ة‪ :‬يمكن للهيئ ة العام ة أن تس مح للشخص الخ اص باس تعمال بعض‬
‫الوس ائل ال تي ت دخل في إط ار ال دومين الع ام‪ ،‬كن ا يمكن أن تع يره بعض املوظفين العموم يين‬
‫ملساعدته على القيام بأعماله‪.‬‬
‫‪-3‬وفي حاالت أخرى‪ ،‬وفي إطار التخطيط والتهيئة العمرانية‪ ،‬فإن املساعدة التي تقدمها‬
‫الدول ة للنش اط الخ اص‪ ،‬ق د تكون عب ارة عن تشجيعات‪ ،‬أي أنه ا تق وم بحث الخ واص على‬
‫القي ام بنش اط معين يحق ق‪ ،‬يحق ق للدول ة أه دافا معين ة‪ .‬على أن تل تزم بإعط اء امتي ازات ملن‬
‫يقوم بذلك النشاط‪ ،‬كالقيام بالنشاط في املناطق النائية‪.‬‬
‫ويجب أن نش ير في األخ ير‪ ،‬إلى أن ه أي ا كان ش كل املس اعدة ال تي تق دمها الدول ة للنش اط‬
‫الخاص‪ ،‬فإنه يقابلها في الغالب األعم قيام الدولة برقابة ذلك النشاط‪ .‬وتتسع هذه الرقابة أو‬
‫تض يق حس ب ن وع وقيم ة املس اعدة‪ .‬فمثال تتس ع الرقاب ة إذا كانت املس اعدة مالي ة‪ ،‬كم ا ق د‬
‫تشترط الدولة في حالة املساعدة املالية‪ ،‬حصولها على جزء من أرباح النشاط الخاص‪.‬‬
‫وبع د ه ذه اإلش ارة الوج يزة للمس اعدات ال تي تق دمها الدول ة للنش اطات الخاص ة ذات‬
‫النفع العام‪ ،‬نتطرق اآلن إلى الصور األخرى لنشاط اإلدارة‪ ،‬واملتمثلة في املرفق العام (الباب‬
‫األول)‪ ،‬والبوليس اإلداري (الباب الثاني)‪.‬‬
‫الباب األول‪:‬النظرية العامة للمرفق العام‪.‬‬
‫تحتل لنظرية املرفق العام مكانة مرموقة ضمن موضوعات القانون اإلداري التقليدي‪،‬‬
‫خاصة في الدول التي تأخذ باالزدواجية القانونية والقضائية‪ ،‬مثل فرنسا والجزائر‪.‬‬
‫على أن ه ذه النظرية لم تظهر إال بع د تط ور تاريخي‪ .‬فلق د كان س ائدا في الفقه إلى غاية‬
‫نهاي ة الق رن التاس ع عش ر (‪ )19‬معي ار الس لطة العام ة كأس اس للق انون اإلداري‪ .‬على أن ه ذا‬
‫املعيار تعرض للنقد‪ ،‬أنه ليس بالضرورة أن تكون بصدد الشخص العام‪ ،‬حتى ينطبق القانون‬
‫اإلداري‪ .‬الن السلطة أو اإلدارة قد تظهر كفرد عادي‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فإن الفقهاء املتحمسين لهذا‬
‫املعيار قاموا بتعديله‪ ،‬وذلك من خالل التمييز بين أعمال السلطة (‪،)les actes de puissance‬‬
‫وأعم ال التس يير أو أعم ال اإلدارة (‪ .)les actes de gestions‬على أن ه على ال رغم من ه ذا‬
‫التع ديل‪ ،‬إال أن املعي ار يبقى ناقص ا‪ ،‬وتنقص ه الدق ة‪ .‬إن السبب في ذل ك يتمث ل في اس تحالة‬
‫التمييز بين أعمال التسيير‪ ،‬وأعمال اإلدارة‪ ،‬ما دام أن العمالن يقوم بهما شخص واحد‪.‬‬
‫وبع د ذل ك ظه رت نظري ة املرف ق الع ام‪ ،‬وتبل ورت عناص رها األساس ية‪ .‬وبن اء على ه ذه‬
‫النظري ة‪ ،‬ف إن الق انون اإلداري ال يطب ق إال إذا كن ا بص دد مرف ق ع ام‪ .‬ولق د أخ ذ القض اء‬
‫الفرنسي به ذه النظري ة‪ ،‬وكان ذل ك بمقتضى حكم محكم ة التن ازع في ‪ 08‬ف براير ‪ ، 1873‬في‬
‫قض ية بالنكو وبع د ذل ك ت والت األحكام ال تي أخ ذت به ذا املعي ار من ذل ك قض ية ‪ terrier‬ال تي‬
‫فصل فيها مجلس الدولة الفرنسي في ‪ 6‬فبراير ‪.1903‬‬
‫ولق د تحمس الفقه اء لفك رة املرفق الع ام ح تى تمت تس ميتهم بمدرس ة املرفق الع ام‪ ،‬إذ‬
‫ردوا جميع نظرية القانون اإلداري إلى فكرة املرفق العام‪.‬‬
‫إال أن األزمة العاملية التي عرفها العالم من جراء الحرب العاملية الثانية‪ ،‬وظهور األفكار‬
‫االشتراكية أدى إلى تغيير وظيفة الدولة‪ ،‬مما أثر سلبا على نظرية املرفق العام كما ظهرت في‬
‫البداية‪ .‬فلقد ظهرت مرافق جديدة ال تخضع كلية للقانون اإلداري‪ .‬هذا من جهة‪ ،‬ومن جهة‬
‫أخرى فإن تحقيق املصلحة العامة لم يعد حكرا على املرافق العامة‪ ،‬مما أدى إلى صعوبة وضع‬
‫الح دود الفاص لة بين املرف ق الع ام‪ ،‬واملش اريع الخاص ة‪ .‬ومن هن ا ظه رت عي وب معي ار املرف ق‬
‫العام‪ ،‬ذلك أن هذه الفكرة ليس بإمكانها أن تستوعب كل مواضيع القانون اإلداري‪.‬‬
‫ومن جهة أخرى‪ ،‬فإن تطور وظيفة الدولة‪ ،‬من حارسة إلى متدخلة‪ ،‬ترتب عليه ظهور‬
‫مرافق جديدة‪ ،‬هي املرافق التجارية والصناعية‪ ،‬هذه املرافق أصبحت تخضع ملزيج من قواعد‬
‫القانون الخاص والعام‪.‬‬
‫ولكن على الرغم من هذه االنتقادات‪ ،‬فإن نظرية املرفق العام ما زال لها أهمية خاصة‪.‬‬
‫الفصل األول‪ :‬مفهوم فكرة املرفق العام‬
‫يعت بر مفه وم املرف ق الع ام من أك ثر املف اهيم ال تي أث ارت ج دال كب يرا في فق ه الق انون‬
‫اإلداري‪ ،‬ذلك أن هذا املفهوم قد خضع لعدة تطورات‪ .‬فلقد بدأ االهتمام في البداية بالناحية‬
‫العض وية البحت ة‪،‬باعتب ار أن املرف ق الع ام ه و ف رع من ف روع اإلدارة‪ ،‬أو ج زء من التنظيم‬
‫اإلداري للدول ة‪ .‬إال أن ه ذا املفه وم تع رض لع دة انتق ادات‪ ،‬مم ا أدى إلى االهتم ام بع د ذل ك‬
‫بالناحية املوضوعية‪ ،‬باعتبار أن املرفق العام هو نشاط من نوع معين‪ ،‬تقوم به اإلدارة لصالح‬
‫األف راد‪ .‬ثم أص بح بع د ذل ك مفه وم املرف ق الع ام مركب ا (املبحث األول)‪ ،‬وه ذا نتيج ة لظه ور‬
‫مرافق جديدة (املبحث الثاني)‪.‬‬
‫املبحث األول‪ :‬التعاريف املختلفة ملرفق العام‪:‬‬
‫يمكن تعريف املرفق العام بالرجوع إلى عدة معايير‪ ،‬أو وجهات نظر هي‪:‬‬
‫املطلب األول‪ :‬التعريف العضوي‪:‬‬
‫يقص د باملرفق الع ام من الناحية العضوية هيئة أو منظمة التي تعتبر جزء من التنظيم‬
‫اإلداري في الدولة‪ ،‬باعتبارها تمارس نشاطا معينا من أجل إشباع الحاجات العامة‪ .‬إن الشيء‬
‫األساسي في هذا املعيار هو النظر إلى الهيئة أو املنظمة أو الجهاز أو العضو باعتباره من أجهزة‬
‫الدولة أو فرعا من فروعها‪ .‬فمرفق العدالة مثال هو وزارة العدل‪ ،‬ومرفق التعليم هو الكلية‪،‬‬
‫أو الجامع ة أو وزارة التعليم الع الي والبحث العلمي‪ .‬ف املظهر العض وي إذن ه و ال ذي يب دو في‬
‫ه ذا املعي ار‪ ،‬فحيث يوج د جه از أو مؤسس ة إداري ة مح ددة‪ ،‬يوج د مرف ق ع ام‪ .‬أم ا موض وع‬
‫النشاط الذي يقوم به ذلك الجهاز فال أهمية له في تحديد معنى املرفق العام‪.‬‬
‫إن هذا التعريف العضوي للمرفق العام قد ظهر بعد قضية بال نكو سنة ‪ ،1873‬وبعد‬
‫ذل ك أك ده القض اء في ع دة مناس بات أخ رى‪ ،‬وذل ك نظ را ألن ه كان معي ارا س هال‪ ،‬ومتفق ا م ع‬
‫بس اطة الحي اة في تل ك الف ترة من ال زمن‪ ،‬ومنسجما م ع املراف ق التقليدي ة ال تي كانت تق وم به ا‬
‫الدولة في تلك الفترة‪.‬‬
‫إال أن هذا املعيار تعرض للنقد بعد ذلك‪ .‬ويتمثل العيب األساسي في أن هذا املعيار يعد‬
‫واسعا ألنه يدخل ضمن املرافق العامة أي نشاط تقوم به الدولة بمفهومها الواسع مهما كانت‬
‫طبيعته‪ ،‬مثل مساعدة الدولة للمشاريع الخاصة‪ .‬كما عيب على هذا املعيار من ناحية أخرى‪،‬‬
‫أنه يضفي صفة املرفق العام على نشاط الخواص الذي يشبه في طبيعته نشاط اإلدارة‪ ،‬ذلك‬
‫أن هن اك العدي د من األنش طة ال تي ال تق وم به ا اإلدارة لوح دها‪ ،‬ب ل يق وم به ا ك ذلك األف راد‬
‫العاديين‪ ،‬من ذلك األنشطة الزراعية التي يقوم بها األفراد العاديين‪ ،‬والتي ال يمكن اعتبارها‬
‫من املرافق العامة إذا قام بها الخواص‪.‬‬
‫املطلب الثاني‪ :‬التعريف املوضوعي أو املادي‪:‬‬
‫أم ا من الناحية املادية أو املوضوعية‪ ،‬وهي س ائدة عن د معظم الفقه اء‪ ،‬فيقص د باملرفق‬
‫الع ام النش اط ال ذي يحق ق املص لحة العام ة‪ .‬ف إذا كان النش اط في موض وعه‪ ،‬أو مض مونه‬
‫يس تهدف تحقي ق احتياج ات الجمه ور‪ ،‬أي تحقي ق املص لحة العام ة‪ ،‬فيعت بر إذن من املراف ق‬
‫العامة‪ .‬أما إذا لم يكن يهدف إلى تحقيق تلك االحتياجات الجماعية للجمهور‪ ،‬فال يمكن اعتباره‬
‫في ه ذه الحال ة مرفق ا عام ا‪ .‬وه ذا ه و الشيء ال ذي يم يز بين املرف ق الع ام والنش اط الخ اص‪.‬‬
‫فاألول تحركه املصلحة العامة‪ ،‬أما الثاني‪ ،‬فتحركه املصلحة الخاصة‪ ،‬أي تحقيق الربح‪.‬‬
‫إال أن هذا املعيار تعرض هو اآلخر للنقد‪ .‬فمن جهة إن فكرة تحقيق املصلحة العامة لم‬
‫تع د حك را على الدول ة‪ ،‬ألن هنال ك مش اريع خاص ة من ش أنها تحقي ق املص لحة العام ة هي‬
‫األخرى‪ ،‬وهي ما تعرف بالهيئات الخاصة ذات النفع العام (‪.)Etablissement d’utilité publique‬‬
‫ومن جه ة أخ رى‪ ،‬ف إن تط ور الوظيف ة الدول ة ت ترتب علي ه ظه ور مراف ق جدي دة – ص ناعية‬
‫وتجارية‪ -‬لم تعد تسعى إلى تحقيق املصلحة العامة فقط‪ ،‬بل يجب عليها أن تحقق الربح‪ ،‬حتى‬
‫تضمن بقاءها‪.‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬املرفق العام نظام قانوني متميز‪:‬‬
‫إن الق ول ب أن نش اطا معين ا يعت بر نش اطا عام ا‪ ،‬معن اه أن ه ذا املرف ق أص بح خاض عا‬
‫لقواعد استثنائية غير معروف في القانون الخاص‪ .‬إن هذا املعيار نادى به الفقيه ‪.CHENOT‬‬
‫إن املرفق العام بهذا املفهوم يعني نظام ا قانونيا متميزا‪ ،‬أي مجموعة من اإلجراءات املتميزة‬
‫عن الق انون الخ اص (الش ريعة العام ة) (‪Un ensemble de procédés dérogatoire au droit‬‬
‫‪.)commun‬‬
‫إال أن ه ذا املعي ار عيب علي ه بأن ه يص ادر على املطل وب‪ ،‬ذل ك ألن خض وع النش اط‬
‫ألساليب متميزة عن القانون الخاص‪ ،‬ما هو إال نتيجة لكونه مرفقا عاما‪ ،‬والتي كان يجب أن‬
‫تح دد أوال‪ .‬ه ذا من جه ة‪ ،‬ومن جه ة أخ رى‪ ،‬ح تى ول و س لمنا بصحة ه ذا املعي ار‪ ،‬فإنن ا نج ده‬
‫يصلح للمرافق التقليدية التي ظهرت عندما كانت وظيفة الدولة حارسة‪ ،‬أما بالنسبة املرافق‬
‫الصناعية والتجارية فإنه ال ينطبق عليها ‪ ،‬فمع تطور وظيفة الدولة‪ ،‬أصبح هذا التعريف غير‬
‫صحيح ألن املرافق الصناعية والتجارية أصبحت تطبق عليها قواعد القانون الخاص ‪.‬‬
‫هذا وتج در اإلش ارة إلى أن التع اريف الثالثة السابقة قد تتط ابق مع بعض ها البعض في‬
‫بعض الفروض النادرة‪ -‬خاصة عندما كانت وظيفة الدولة حارسة‪ -‬فالنشاط الذي كان يحقق‬
‫مص لحة عام ة (املعي ار املادي)‪ ،‬كانت تق وم ب ه الدول ة (املعي ار العض وي)‪ ،‬وه ذا النش اط كان‬
‫يخضع لنظام قانوني مختلف تماما عن القانون الخاص (معيار النظام القانوني املتميز)‪ .‬إال أن‬
‫انطب اق ه ذه املع ايير م ع بعض ها البعض أص بح ن ادرا في ال وقت الح الي‪ ،‬أي بع د تط ور وظيف ة‬
‫الدولة‪ ،‬ذلك أن تحقيق املصلحة العامة لم يعد حكرا على الهيئات العامة‪ ،‬كما أن هذه األخيرة‬
‫بإمكانها أن تقوم بتسيير بعض األنشطة الصناعية والتجارية املشابهة تماما لنشاط املؤسسات‬
‫الخاصة‪.‬‬
‫املطلب الرابع‪ :‬التعريف املقترح للمرفق العام ‪:‬‬
‫نتيج ة لالنتق ادات املوجه ة للتع اريف الس ابقة‪ ،‬ظه ر اتج اه فقهي آخ ر ذهب إلى املزج أو‬
‫الجمع بين املعيار املادي واملعيار العضوي ‪-‬بعد إدخال بعض التعديالت عليه‪ -‬وذلك من أجل‬
‫إعطاء تعريف صحيح للمرفق العام‪ .‬فهناك عدة عناصر مشتركة ألي نشاط تقوم به املرافق‬
‫العامة‪ ،‬واملتمثلة في الغرض من النشاط (املعيار املادي)‪ ،‬وهو تحقيق املصلحة العامة‪ ،‬ثم أن‬
‫املرفق العام يشرف عليه بصفة مباشرة أو بصفة غير مباشرة‪ ،‬شخص عام (املعيار العضوي)‪.‬‬
‫ومن هنا يمكن أن نعطي التعريف التالي للمرفق العام‪ " :‬إن املرفق العام هو شكل من‬
‫أش كال النش اط اإلداري ال ذي يه دف إلى تحقي ق احتياج ات الص الح الع ام‪ -‬أي تحقي ق‬
‫املص لحة العام ة‪ ،-‬وال ذي يش رف علي ه شخص ع ام س واء بص فة مباش رة أو بص فة غ ير‬
‫مباشرة"‪.‬‬
‫ومن خالل هذا التعريف نوضح اآلن العناصر املشتركة التي تقوم عليها املرافق العامة‪،‬‬
‫واملتمثلة فيما يلي ‪:‬‬
‫الف رع األول‪ :‬املرف ق الع ام نش اط يس تهدف تحقي ق مص لحة عام ة (تحقي ق حاجي ات‬
‫الصالح العام)‪:‬‬
‫إن القي ام بإنش اء مراف ق عام ة‪ ،‬معن اه أن املص لحة العام ة تكون في خط ر إذا لم تتحق ق‬
‫احتياجات املواطنين‪ .‬ومن هنا تظهر ضرورة تدخل شخص عام لتحقيق املصلحة العامة‪.‬‬
‫إال أن تحقي ق املص لحة العام ة لم يع د حك را على املراف ق العام ة‪ ،‬ألن هن اك العدي د من‬
‫األنش طة الخاص ة ال تي تحق ق نفس تل ك املص لحة‪ .‬على أن الشيء املم يز بين ه ذه األنش طة‬
‫الخاصة –حتى ولو حققت مصلحة عامة‪ ،-‬وبين املرافق العامة‪ ،‬يكمن في أن الهدف األساسي‬
‫للنشاط الخاص هو تحقيق مصلحة خاصة ألصحابها قبل أي شيء‪،‬وهذا عكس املرفق العام‬
‫الذي يكون هدفه األساسي هو تحقيق املصلحة العامة‪ ،‬أما إذا تحقق الربح من نشاط املرفق‬
‫العام‪ ،‬فيأتي ذلك في املرتبة الثانية‪ .‬و يترتب على ذلك ما يلي‪:‬‬
‫أوال‪ :‬على خالف النش طة الخاص ة‪ ،‬بإمكان املرف ق الع ام أن يواص ل نش اطه ح تى في‬
‫األحوال التي يحقق فيها الخسارة‪ ،‬وهذه الخاصية تع د من بين الخصائص األساس ية لوجود‬
‫فكرة املرفق العام‪ ،‬والتي تميزه عن األنشطة الخاصة‪ .‬ذلك أن هذه الخيرة ال تتجه إلى القيام‬
‫باألنشطة التي ال تدر ربحا‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬كما أن مجانية النشاط أو الخدمة تعد من أهم مميزات العديد من املرافق العامة‪،‬‬
‫من ذل ك مرف ق التعليم‪ ،‬وإص الح الطرق ات‪ ،‬واملستش فيات‪ ،...‬وم ع ذل ك بإمكان الدول ة أن‬
‫تفرض بعض الرسوم الرمزية على مستعملي املرافق العامة‪،‬كشرط لالنتفاع بخدمتها‪ ،‬على أن‬
‫هذه الرسوم ال تساوي قيمة الخدمة‪ ،‬أو املنفعة املتحصل عليها من الخدمة‪.‬‬
‫وم ع ذل ك يجب أن نش ير إلى أن فك رة مجاني ة النش اط ال وج ود له ا بالنس بة للمرف ق‬
‫الص ناعية والتجاري ة ال تي تق وم به ا اإلدارة‪ ،‬ذل ك أن طبيع ة النش اط في ح د ذات ه‪ ،‬باعتب اره‬
‫اقتصاديا‪ ،‬تستبعد فكرة مجانية الخدمة‪ .‬كما أن تسيير هذا النشاط يستلزم بالضرورة وجود‬
‫توازن م الي للمرفق‪ .‬وهذا الت وازن املالي ال يمكن تحقيقه إال إذا حقق املرفق ربح ا يمكنه من‬
‫تمويل نشاطه‪ .‬على أن فكرة التوازن املالي للمرفق‪ ،‬أو فكرة تحقيق الربح‪ ،‬يجب أن تفسر في‬
‫إط ار فك رة إنتاجي ة املؤسس ة‪ ،‬وذل ك ح تى ال ي زول اله دف األساسي للمرف ق الع ام‪ ،‬واملتمث ل‬
‫أساسا في تحقيق املصلحة العامة‪.‬‬
‫ويجب أن نش ير في األخ ير إلى أن الهيئ ات العام ة ت رى أن تحقي ق املص لحة العام ة يتطلب‬
‫منها أن تقوم بالنشاط كله لوحدها‪ .‬وفي هذه الحالة‪ ،‬ال يقوم الخواص بنشاط من نفس النوع‪،‬‬
‫وذلك إما ألن النشاط ال يشكل بالنسبة إليهم أية أهمية‪ ،‬ألنه ال يدر ربحا‪ ،‬أو ألن النشاط يعتبر‬
‫حيويا بالنسبة للمجتمع‪ ،‬بحيث لو ترك للخواص لشكل ذلك خطرا على الصالح العام‪ .‬فاملرفق‬
‫هنا يعتبر محتكرا من طرف الهيئة العامة ( ‪.)Monopolisé‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬املرفق العام ودرجة تواجد الشخص العام فيه‪:‬‬
‫إن أي مرف ق ع ام يخض ع في نهاي ة األم ر للس لطة العام ة‪ .‬فه ذه األخ يرة هي ال تي تكون‬
‫مسؤولة عنه أمام الرأي العام‪ .‬وهذا هو السبب الذي يجعل كل املرافق العامة‪ -‬حتى املتمتعة‬
‫بالشخصية املعنوية‪ -‬مرتبطة بهيئة إقليمية‪ ،‬يمارس ممثليها عليها السلطة العليا‪.‬‬
‫ففك رة تواج د الدول ة في املرف ق الع ام‪ ،‬يعت بر شيئا ب ديهيا‪ .‬فالدول ة أو أح د األشخاص‬
‫العام ة اإلقليمي ة‪ ،‬تكون دائم ا موج ودة في أي نش اط ل ه وج ود م ادي‪ ،‬مهم ا كانت طبيع ة ه ذا‬
‫النش اط‪ .‬إال أن درج ة ه ذا التواج د تختل ف من مرف ق إلى آخ ر‪ .‬فق د تكون الهيئ ات العام ة‬
‫متواج دة بش كل مباش ر في النش اط‪ ،‬وق د تكون متواج دة بش كل غ ير مباش ر‪ .‬أم ا بالنس بة‬
‫لألنش طة الخاص ة‪ ،‬فال تمل ك الدول ة بص ددها س لطة الرقاب ة‪ .‬إال إن فك رة تواج د الشخص‬
‫الع ام‪ ،‬تظهر إم ا أثن اء القي ام بإنشاء املرفق الع ام‪ ،‬أو أثناء اإلش راف عليه‪ ،‬وذلك على النحو‬
‫التالي‪:‬‬
‫أوال‪ :‬إنشاء املرافق العامة ‪:‬‬
‫إن عملي ة إنش اء مرف ق ع ام تتطلب بالض رورة وج ود ق رار من ط رف الس لطة العام ة‪،‬‬
‫تقوم بواسطته بمباشرة النشاط‪ ،‬وهذا إما ألن هذا النشاط لم يكن موجودا من قبل‪ ،‬أو ألن‬
‫ه ذا النش اط كان يق وم ب ه الخ واص لوح دهم‪ ،‬ثم أرادت الدول ة أن تق وم بنش اط من ذل ك‬
‫النوع‪ ،‬فقامت بإنشائه‪.‬‬
‫واملرافق العام ة ال تي تق وم الهيئات العام ة بإنش ائها‪ ،‬إم ا أن تباش ر نش اطها على مس توى‬
‫الدول ة ككل‪ ،‬فنكون في ه ذه الحال ة أم ام مراف ق عام ة وطني ة‪ ،‬وإم ا أن تباش ر نش اطها على‬
‫مستوى جماعة إقليمية معينة‪ ،‬فنكون حينئذ أمام مرافق عامة محلية‪ .‬على أن وسيلة إنشاء‬
‫املرافق الوطنية تختلف عن وسيلة إنشاء املرافق العامة املحلية‪:‬‬
‫فبالنس بة للمراف ق العام ة الوطني ة ال تي تق وم الدول ة بإنش ائها‪ ،‬فإنه ا من اختص اص‬
‫الس لطة التنفيذي ة‪ ،‬بحيث يختص بإنش ائها رئيس الجمهوري ة (املواد ‪ 143-142‬من الدس تور)‪.‬‬
‫ومع ذلك‪ ،‬وطبقا للمادة ‪ 101‬من الدستور بإمكان رئيس الجمهورية أن يفوض هذا اختصاص‬
‫إلى غيره‪ ،‬عمال بقواعد التفويض‪ ،‬طاملا أن املادة ‪ 101‬من الدستور لم تمنع ذلك عندما حددت‬
‫املسائل التي ال يجوز لرئيس الجمهورية أن يفوض غيره القيام بها‪.‬‬
‫أما بالنسبة للمرافق العامة املحلية‪ ،‬فبالرجوع إلى املادة ‪ 149‬من قانون البلدية‪ ،‬واملادة‬
‫‪ 141‬من قانون الوالية‪ ،‬يتضح لنا أن املشرع قد سمح للمجالس الشعبية املحلية (البلدية أو‬
‫الوالئي ة) القي ام بإنش ائها‪ ،‬وذل ك من أج ل توف ير احتياج ات املواط نين‪ .‬أم ا بالنس بة للتع داد‬
‫الوارد في تلك املادتين‪ ،‬واملتعلق باملرافق التي يجوز للمجالس الشعبية القيام بإنشائها‪ ،‬فإنه لم‬
‫ي رد على سبيل الحص ر‪ ،‬وإنم ا ج اء على سبيل املث ال‪ .‬ومن هن ا يمكن الق ول ب أن عملي ة إنش اء‬
‫املراف ق املحلي ة تتم بن اء على ق انون‪ ،‬طاملا أن املش رع س واء في ق انون البلدي ة أو في ق انون‬
‫الوالي ة‪ ،‬ه و ال ذي س مح لكل من املجلس الش عبي البل دي‪ ،‬واملجلس الش عبي ال والئي القي ام‬
‫بعملية إنشاء املرافق العامة املحلية‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬درجة إشراف الدولة على النشاط ‪:‬‬
‫كما سبقت اإلشارة‪ ،‬فإن الدولة تكون دائما متواجدة في أي نشاط يقوم به املرفق العام‪.‬‬
‫إال أن درجة تواجدها تختلف من مرفق إلى آخر‪ .‬قد تكون متواجدة بصفة مباشرة‪ ،‬وهنا هي‬
‫ال تي تق وم بالتس يير الفعلي للمرف ق‪ .‬وفي ه ذه الحال ة‪ ،‬ف إن املرف ق يكون تابع ا بص فة مباش رة‬
‫ونهائي ة للس لطة العام ة‪ ،‬إذ هي ال تي تض طلع بالنش اط ال ذي يحق ق املص لحة العام ة‪ .‬فتت دخل‬
‫بموظفيها إلدارة املرفق‪ ،‬مستخدمة املال العام لتمويله‪ ،‬ومطبقة عليه قواعد القانون العام‪.‬‬
‫إال أن الشخص الع ام قد يتن ازل عن تسيير املرفق الع ام لشخص آخر‪ ،‬على أن يحتفظ‬
‫ببعض املسائل الجوهرية التي تسمح له بمراقبة النشاط‪ .‬وفي هذه الحالة‪ ،‬فإن املرفق ال يكون‬
‫تابعا بصفة مباشرة ونهائية للشخص العام‪ ،‬وإنما يكون تابعا له بصفة غير مباشرة‪ .‬ويتحقق‬
‫ه ذا إذا لج أ الشخص الع ام إلى التعاق د م ع شخص خ اص‪ ،‬أو ش ركة خاص ة للقي ام بالنش اط‬
‫كلية (االلتزام)‪ ،‬أو باملشاركة في جزء من رأسمال النشاط نقدا أو عينا (الشركة املختلطة)‪ .‬وفي‬
‫هذه الحالة‪ ،‬فإن فكرة وجود الشخص العام في النشاط أمر مسلم به‪ ،‬فهو الذي قدر املصلحة‬
‫العامة‪ ،‬وهو الذي قرر أن إشباعها يجب أن يكون عن طريق مرفق عام‪ .‬إال أنه نظرا لتكلفة‬
‫النشاط‪ ،‬فإنه ال يقوم به بمفرده‪ ،‬وإنما يشاركه في ذلك أشخاص آخرون‪ ،‬ولكن تحت رقابته‬
‫ومسؤوليته‪.‬‬
‫كم ا أن درج ة تواج د الشخص الع ام في ه ذه الحال ة ال يتوق ف على تق دير املص لحة‬
‫العامة‪ ،‬ثم التخلي عن وظيفته للغير‪ ،‬ألن مسؤوليته قائمة قيام مسؤولية املفوض عما فوض‬
‫فيه‪ ،‬ثم قيام حقه في استرداد سلطته كاملة عند االقتضاء‪ ،‬وهي مسؤولية الرئيس عن أفعال‬
‫مرؤوس يه‪ ،‬ذل ك أن ه عن د إخالل املل تزم بأح د التزامات ه قب ل األف راد‪ ،‬ينش أ حق ا لألف راد في‬
‫مقاضاة اإلدارة مانحة االلتزام‪.‬‬
‫املبحث الثاني‪ :‬أنواع املرافق العامة‬
‫يمكن تقسيم املرافق العامة إلى عدة أقسام‪ ،‬والسبب في هذا التنوع هو نظرة كل فقيه‬
‫إلى زاوية معينة من التقسيم‪ .‬وعلى العموم فإن أهم أنواع املرافق العامة تتمثل فيما يلي‪:‬‬
‫املطلب األول‪ :‬تقسيم املرافق العامة طبقا لنوع النشاط الذي تزاوله ‪:‬‬
‫يمكن تقسيم املرافق من هذه الزاوية إلى ‪:‬‬
‫الفرع األول‪ :‬املرافق اإلدارية‪:‬‬
‫وهي املسماة باملرافق التقليدية‪ ،‬والتي شيدت على أساسها نظريات القانون اإلداري ‪.‬إن‬
‫ه ذه املراف ق ت زاول نش اطا يختل ف عن النش اط ال ذي يزاول ه الخ واص ع ادة‪ .‬ومث ال ه ذه‬
‫املراف ق‪ :‬مرف ق األمن‪ ،‬ومرف ق ال دفاع‪ ،‬ومرف ق القض اء‪ .‬إن ه ذه املراف ق تس تهدف ال دفاع عن‬
‫سالمة الدولة سواء من الناحية الداخلية‪ ،‬أو من الناحية الخارجية‪ ،‬على أن الذي يميز هذه‬
‫املرافق هو خضوعها الكلي لقواعد القانون العام‪ ،‬وإن لجأت إلى قواعد القانون الخاص فإن‬
‫ذلك لن يكون إال على سبيل االستثناء‪ ،‬وبرغبة اإلدارة الخاصة‪.‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬املرافق الصناعية والتجارية‪:‬‬
‫وتقوم على أساس مزاولة اإلدارة لنشاط من نفس النوع الذي يمارسه الخواص‪ .‬إن هذه‬
‫املرافق كانت تمثل في البداية طابع الدولة االشتراكية التي لم تكتف بالقيام باملهام التقليدية‪،‬‬
‫بل تعدت ذلك إلى مزاولة األنشطة الصناعية والتجارية‪ ،‬من ذلك مثال مرفق النقل بالسكك‬
‫الحديدية‪ ،‬أو بالطائرات‪ ،‬وتوريد املياه والكهرباء والغاز‪ ...‬إلخ‪ ،‬على أن الذي يميز هذه املرافق‬
‫هو خضوعها ملزيج من قواعد القانون الخاص والعام‪.‬‬
‫إن أساس خضوع هذه املرافق لقواعد القانون الخاص خاصة هو تمكينها من منافسة‬
‫املشاريع الخاصة‪ ،‬ألنه لو طبقت عليها قواعد القانون العام كلية‪ ،‬ملا تمكنت من منافسة تلك‬
‫املشاريع‪ ،‬نظرا الن أساليب القانون العام بطئيه مقارنة مع أساليب القانون الخاص‪.‬‬
‫ولق د ت رتب على ظه ور ه ذه املراف ق مش كلتين أساسيتين‪ :‬األولى تمثلت في كيفي ة التمي يز‬
‫بين املراف ق اإلداري ة واملراف ق الص ناعية (أوال)‪ ،‬أم ا الثاني ة‪ ،‬فتمثلت في تحدي د م ا يخض ع من‬
‫نشاط هذه املرافق ألحكام القانون الخاص‪ ،‬وما يخضع أحكام القانون العام (ثانيا)‪.‬‬
‫أوال‪ :‬معيار التميز بين املرافق اإلدارية واملرافق الصناعية والتجارية‪:‬‬
‫لق د اختل ف الفق ه في وض ع معي ار للتم يز بين املراف ق اإلداري ة‪ ،‬واملراف ق الص ناعية‬
‫والتجارية‪ ،‬وذلك على الشكل التالي‪:‬‬
‫‪-1‬ي ذهب البعض من الفق ه إلى الق ول ب أن ال ذي يم يز بين املرفقين ه و النظ ر إلى ن وع‬
‫القاعدة التي يخضع لها املرفقين‪ ،‬وعليه فإن املرفق اإلداري يخضع ألحكام القانون العام‪ ،‬أما‬
‫املرفق الصناعي والتجاري‪ ،‬فيخضع ألحكام القانون الخاص‪.‬‬
‫إال أن ه ذا ال رأي غ ير صحيح ألن ه يص ادر على املطل وب‪ ،‬أي ي ذهب إلى النتيج ة دون أن‬
‫ي بين لن ا كي ف توص ل إليه ا‪ .‬فخض وع املرف ق الع ام اإلداري لقواع د الق انون الع ام‪ ،‬وخض وع‬
‫املرفق العام الصناعي والتجاري لقواعد القانون الخاص أساسا‪ ،‬ما هو إال نتيجة لكون املرفق‬
‫إما إداري‪ ،‬أو صناعي وتجاري‪ .‬فإن هذا املعيار ليس قاطعا في كل األحوال‪.‬‬
‫‪-2‬وي ذهب فري ق آخ ر من الفق ه إلى الق ول ب أن ال ذي يم يز بين املرف ق العام ة اإلداري ة‪،‬‬
‫واملراف ق العام ة الص ناعية والتجاري ة ه و الغ رض األساسي منهم ا‪ .‬فبينم ا يكون الغ رض من‬
‫إنشاء املرافق الصناعية والتجارية هو تحقيق الربح‪ ،‬فإن الغرض من إنشاء املرافق اإلدارية ال‬
‫يتعلق بتحقيق الربح‪.‬‬
‫إن ه ذا املعي ار على ال رغم من بس اطته وس هولته‪ ،‬وعلى ال رغم من أن ه يص دق في بعض‬
‫الح االت‪ ،‬إال ان ه غ ير صحيح على إطالق ه‪ ،‬ألن املراف ق اإلداري ة بإمكانه ا هي األخ رى أن تحق ق‬
‫أرباح ا‪ .‬فال يوج د أي م انع يح ول بين لج وء اإلدارة إلى الحص ول على أرب اح من وراء إدارة‬
‫املراف ق العام ة اإلداري ة‪ ،‬وذل ك من خالل اقتض اء رس وم مرتفع ة من املنتفعين بخ دمات ه ذه‬
‫املرافق‪.‬‬
‫‪-3‬على أن أكثر املعايير شيوعا في الفقه هو ما نادى به الفقيه" ‪ "CHAVANON‬الذي ركز‬
‫على طبيعة النشاط الذي يزاوله املرفق العام‪ .‬بمعنى أنه لكي تعتبر املرافق العامة صناعية‬
‫وتجاري ة‪ ،‬يجب أن تكون الخدمات التي تق دمها لألفراد مم ا يعتبره القانون الخ اص ذا طبيعة‬
‫تجارية فيما لو قام به األفراد العاديين‪.‬‬
‫وإذا كان هذا املعيار قد شايعه الكثير من الفقهاء أمثال الفقيه "‪ "BONNARD‬والفقيه "‬
‫‪ "WALINE‬وذلك نظرا لدقته‪ ،‬إال أنه على الرغم من ذلك فإن القضاء لم يأخذ به على إطالقه‬
‫في كل الح االت‪ ،‬ذل ك ألن بعض أوج ه النش اط ال ذي تمارس ه املراف ق الص ناعية والتجاري ة ال‬
‫يعتبر عند التحليل الدقيق مما يندرج ضمن األعمال التجارية بمعناها الفني‪.‬‬
‫‪-4‬املعي ار القض ائي‪ :‬إن معظم األحكام القض ائية الحديث ة نسبيا والص ادرة عن القض اء‬
‫اإلداري الفرنسي على وج ه الخص وص ت دل على أن القض اء اإلداري يأخ ذ بعين االعتب ار في‬
‫تحدي ده للمراف ق الص ناعية والتجاري ة بعنص رين أساس يين‪ ،‬األول موض وعي‪ ،‬واآلخ ر ذاتي‪،‬‬
‫وذلك على الشكل التالي‪:‬‬
‫أ) العنصر األول‪ :‬عنصر موضوعي‪ ،‬ويتعلق بطبيعة النشاط الذي يزاوله املرفق العام‪،‬‬
‫بحيث يجب أن يكون ه ذا النش اط ذو طبيع ة ص ناعية وتجاري ة‪ .‬وم ع ذل ك ليس من الض روري‬
‫ال تزام معي ار الق انون التج اري في ه ذا الخص وص‪ ،‬ب ل يكفي أن ي دخل نش اط املرف ق في ب اب‬
‫اإلنت اج أو التوزيع‪ ،‬ل ذلك يمكن أن ي دخل ض من ه ذا املج ال النش اط ال زراعي أو الص ناعات‬
‫اإلستراتيجية‪.‬‬
‫ب) العنصر الثاني‪ :‬عنصر شخصي (ذاتي)‪ :‬ويقوم على رغبة اإلدارة في إخضاع املرافق‬
‫الص ناعي والتج اري لقواع د الق انون الخ اص‪ .‬بمع نى أن ه ال يكفي أن يتحق ق في املرف ق مح ل‬
‫البحث العنص ر األول‪ ،‬ب ل يجب أن تكش ف اإلدارة عن رغبته ا في إخض اعه للنظ ام الق انوني‬
‫للمراف ق العام ة الص ناعية والتجاري ة‪ ،‬ب أن تت ولى إدارت ه وتس ييره في ظ روف ش بيهة إلدارة‬
‫املش روعات الخاص ة‪ ،‬ذل ك أن ه ال يوج د أي م انع من أن تلج أ اإلدارة إلى إدارة املرف ق الع ام‬
‫الصناعي والتجاري طبقا لقواعد القانون العام‪.‬‬
‫ثم إن ه يمكن في جمي ع الح االت االس تهداء بفك رة احتم ال تحقي ق األرب اح‪ .‬فالحقيق ة أن‬
‫فك رة ال ربح ه ذه‪ ،‬ول و أنه ا ليس ت من طبيع ة املراف ق العام ة –ال تي يجب أن تحق ق املص لحة‬
‫العامة بالدرجة األولى‪ -‬إال أنها تميز إلى حد كبير بين املرافق العامة اإلدارية‪ ،‬واملرافق العامة‬
‫الصناعية والتجارية‪ .‬فاألولى تكلف الدولة نفقات كبيرة في إدارتها‪ ،‬أما الثانية‪ ،‬فإن نشاطها يأتي‬
‫بموارد مالية تتساوى عادة مع النفقات التي تتطلبها إدارة هذه املرافق‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬مدى خضوع املرفق الصناعي والتجاري لقواعد القانون الخاص‪:‬‬
‫اتضح لن ا من خالل م ا س بق أن املرف ق الص ناعي والتج اري يخض ع ملزيج من قواع د‬
‫القانون العام والخاص‪ .‬إال أن اإلشكال املطروح اآلن يتمثل في تحديد نصيب خضوعه لقواعد‬
‫القانون العام‪ ،‬ونصيب خضوعه لقواعد القانون الخاص‪.‬‬
‫في البداي ة يمكن الق ول بأن ه يص عب وض ع معي ار دقي ق لتحدي د نصيب خض وع املرف ق‬
‫الع ام الص ناعي والتج اري لقواع د الق انون الع ام والخ اص‪ ،‬وم ع ذال ك وباالعتم اد على أحكام‬
‫القضاء اإلداري‪ ،‬الفرنسي على وجه الخصوص‪ ،‬يمكن وضع املبادئ التالية ‪:‬‬
‫‪ -1‬مس تخدمي املراف ق الص ناعية والتجاري ة‪ :‬وينقس م ه ؤالء إلى قس مين‪ :‬فأم ا ال ذين‬
‫يشغلون وظائف الرئاسة والتوجيه " ‪" Direction‬كاملدير واملحاسب‪ ،‬فهم موظفون عموميون‬
‫يخضعون لقواعد القانون العام‪ .‬وأما الباقي فهم عمال‪ ،‬يخضعون لقواعد القانون الخاص‪.‬‬
‫‪ -2‬النظام املالي للمرافق العامة‪ :‬تخضع املرافق العامة الصناعية والتجارية في الغالب‬
‫للط رق املتبع ة في املش روعات الخاص ة كقاع دة‪ ،‬م ع وج ود بعض التحفظ ات ترج ع أساس ا إلى‬
‫الطبيع ة العام ة للمرف ق‪ ،‬كم ا أن ه ذه املراف ق تش به إلى ح د كب ير املش روعات الخاص ة في‬
‫خضوعها للضرائب‪ .‬أما النظام املالي للمرافق العامة اإلدارية‪ ،‬فتحكمه قواعد القانون العام‬
‫أساسا‪.‬‬
‫‪-3‬دع وى املس ؤولية املدني ة(التع ويض) الناجم ة عن نش اط املراف ق العام ة‪ :‬القاع دة‬
‫العام ة في املراف ق العام ة الص ناعية والتجاري ة‪،‬أنه ا تخض ع للق انون الخ اص‪ ،‬أي أن ال دعوى‬
‫يختص بنظره ا القاضي الع ادي‪ ،‬وال ذي يطب ق في ه ذا الص دد قواع د الق انون الخ اص‪ ،‬م ع‬
‫وج ود استثناءات وتحفظ ات ترج ع إلى الطبيع ة العام ة‪ .‬أم ا دع وى املس ؤولية املوجه ة ض د‬
‫املرفق العام اإلداري‪ ،‬فيختص بنظرها كقاعدة القاضي اإلداري‪ ،‬مطبقا عليها قواعد القانون‬
‫العام‪.‬‬
‫‪ -4‬عق ود ه ذه املراف ق العام ة‪ :‬القاع دة العام ة في عق ود املراف ق العام ة الص ناعية‬
‫والتجارية أنها عقود خاصة‪ ،‬تحكمها قواعد القانون الخاص‪ ،‬مع وجود بعض االستثناءات‪ ،‬إذ‬
‫بإمكان ه ذه املراف ق أن ت برم عق ودا إداري ة خاص ة في عالقاته ا م ع األشخاص العام ة‪ ،‬أو أن‬
‫تستعمل امتيازات السلطة العامة في عقودها‪ .‬أم ا عقود املرافق العامة اإلدارية‪ ،‬فإنه ا تعتبر‬
‫عقود إدارية‪ ،‬خاضعة ألحكام القانون العام‪.‬‬
‫املطلب الثاني‪ :‬تقسيم املرافق العامة طبقا ملدى تمتعها بالشخصية املعنوية‪:‬‬
‫يمكن تقس يم املراف ق العام ة من ه ذه الزاوي ة إلى مراف ق عام ة متمتع ة بالشخص ية‬
‫املعنوي ة ومراف ق عام ة ال تتمت ع بالشخص ية املعنوي ة‪ ،‬أي مراف ق تابع ة لشخص معن وي ع ام‪.‬‬
‫فأما املرافق العامة التي ال تتمتع بالشخصية املعنوية‪ ،‬فإنها ال تتمتع بأية شخصية مستقلة عن‬
‫عن الشخص العام الذي أنشأها‪ ،‬أو تتبعه‪ ،‬واملتمثل أساسا في الدولة‪ ،‬أو الوالية‪ ،‬أو البلدية‪.‬‬
‫أم ا املراف ق العام ة املتمتع ة بالشخص ية املعنوي ة‪ ،‬فإنه ا تعت بر شخص ا مس تقال بذات ه‪ ،‬أي أنه ا‬
‫شخص قانوني جديد قائم بجوار األشخاص القانونية األخرى في الدولة‪.‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬تقسيم املرافق العامة طبقا اللتزام اإلدارة بإنشائها‪:‬‬
‫يمكن تقسيم املرافق العامة من هذه الزاوية إلى مرافق اختيارية ومرافق إجبارية‪ .‬فأما‬
‫املرافق العامة االختيارية‪ ،‬فإن إنشائها يخض ع للسلطة التقديرية للشخص العام الذي يريد‬
‫إنشاءها‪ .‬أما املرافق العامة اإلجبارية‪ ،‬فإنها تتمثل في املرافق التي يكون الشخص العام ملزما‬
‫بإنشائها‪ ،‬إذ ال يملك في هذا الصدد أية سلطة تقديرية‪.‬‬
‫املطلب الرابع‪ :‬تقسيم املرافق العامة طبقا لعالقتها بالقطاع الخاص‪:‬‬
‫ومن ه ذه الزاوي ة يمكن تقس يم املراف ق العام ة إلى‪ :‬مراف ق تم ارس نش اطا من نفس‬
‫األنش طة ال تي يمارس ها الخ واص‪ ،‬ومراف ق محتك رة من قب ل الشخص الع ام‪ ،‬بحيث ال يج وز‬
‫للخواص القيام بنفس النشاط الذي تزاوله تلك املرافق‪.‬‬
‫املطلب الخامس‪ :‬تقسيم املرافق العامة طبقا المتدادها الجغرافي‪:‬‬
‫ومن ه ذه الزاوي ة يمكن تقس يم املراف ق العام ة إلى مراف ق وطني ة ومراف ق محلي ة‪ .‬فأم ا‬
‫املراف ق العام ة الوطني ة فهي املراف ق ال تي ينتف ع من خ دماتها معظم س كان ال وطن‪ ،‬ح تى ول و‬
‫تواج دت في مكان مح دد‪ ،‬أو في بعض أنح اء ال وطن‪ .‬ومن ه ذه املراف ق مرف ق ال دفاع الوط ني‪،‬‬
‫والجمارك‪.‬‬
‫ونظ را ألهمي ة ه ذه املراف ق في حي اة املواط نين‪ ،‬ف إن الدول ة هي ال تي تش رف عليه ا ع ادة‪.‬‬
‫وأما املرافق العامة املحلية‪ ،‬فيقتصر نشاطها على جزء من إقليم الدولة‪ ،‬كالبلدية‪ ،‬أو الوالية‪.‬‬
‫ومن أمثل ة ه ذه املراف ق‪ ،‬مرف ق النق ل داخ ل إقليم مح دد من إقليم الدول ة‪ ،‬أو توري د املي اه‬
‫داخل البلدية‪ ،‬أو الوالية‪ .‬على أن هذه املرافق تختص بإنشائها املجالس الشعبية املحلية‪ ،‬وذلك‬
‫ألنها أقدر من الدولة على أداء هذه املهمة‪ ،‬على أن يكون ذلك تحت رقابة الدولة‪.‬‬
‫على أن تمييز النشاط الذي يتم إدارته عن طريق مرفق محلي‪ ،‬أو مرفق وطني ليس من‬
‫األمور السهلة دائما‪ .‬ويرجع السبب إلى صعوبة التفرقة بين ما يعتبر من الشؤون الوطنية‪ ،‬وما‬
‫يعتبر من الشؤون املحلية من جهة‪ ،‬ومن جهة أخرى‪ ،‬فإن نشاطا معينا قد يتم إدارته في شكل‬
‫مرفق محلي في البداية نظرا ألنه كان من بين األنشطة التي تهم منطقة معينة من إقليم الدولة‪،‬‬
‫ولكن بعد ذلك يكتسب ذلك النشاط أهمية بالنسبة لكل املواطنين‪ ،‬ومن يتم إدارته في شكل‬
‫مرفق وطني‪ .‬وباإلضافة إلى كل ذلك‪ ،‬فإن بعض املرافق العامة من تكون لها مصلحة وطنية‪،‬‬
‫ومصلحة محلية في نفس الوقت‪ ،‬مثل مكافحة األمية‪ ،‬وحفظ األمن‪ ،‬والنظام العام‪.‬‬
‫ولكن على ال رغم من ص عوبة التمي يز بين املرف ق الع ام املحلي‪ ،‬واملرف ق الع ام الوط ني في‬
‫بعض األحي ان‪ ،‬إال أن ه يمكنن ا أن نس تخرج أوج ه الش به‪ ،‬وأوج ه االختالف بينهم ا‪ ،‬وذل ك على‬
‫الشكل التالي‪:‬‬
‫الفرع األول‪ :‬أوجه الشبه بين املرفق العام الوطني‪ ،‬واملرفق العام املحلي‪:‬‬
‫تتمثل أوجه الشبه بين املرفق العام الوطني واملرفق العام املحلي فيما يلي‪:‬‬
‫أوال‪ :‬من حيث أداة اإلنشاء‪:‬‬
‫إن املختص بإنش اء املراف ق العام ة‪ ،‬س واء املحلي ة‪ ،‬أو الوطني ة‪ ،‬ه و الس لطة التنفيذي ة‬
‫وليس الس لطة التش ريعية‪ .‬وكم ا س بقت اإلش ارة‪ ،‬ف إن املرف ق الوط ني يختص بإنش ائه رئيس‬
‫الجمهوري ة‪ ،‬أم ا املرف ق الع ام املحلي‪ ،‬فتختص بإنش ائه املج الس الش عبية املحلي ة‪ ،‬البلدي ة‪ ،‬أو‬
‫الوالئية‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬من حيث الرقابة‪:‬‬
‫من املسلم به أن املرافق العامة سواء كانت وطنية‪ ،‬أو محلية‪ ،‬إنما تخضع لرقابة الدولة‪.‬‬
‫حقيق ة أن الرقاب ة على املراف ق العام ة الوطني ة تكون أك ثر تش ددا من املراف ق العام ة املحلي’‪،‬‬
‫وذل ك حفاظ ا على اس تقاللية ه ذه األخ يرة‪ ،‬إال أن ال ذي يهمن ا ه و أن جمي ع املراف ق العام ة في‬
‫الدولة تخضع لرقابة هذه األخيرة‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬من حيث الهدف‪:‬‬
‫يتش ابه املرف ق الع ام الوط ني م ع املرف ق الع ام املحلي في أن كالهم ا يس عى إلى تحقي ق‬
‫املصلحة العامة‪ .‬هذا وتجدر اإلشارة إلى أنه من الخطأ تصور أن املرفق املحلي يحقق مصلحة‬
‫خاص ة ببعض املواط نين‪ ،‬ذل ك أن الخدم ة ال تي يق دمها املرف ق املحلي‪ ،‬وإن كانت تهم بالدرج ة‬
‫األولى سكان منطقة معينة من الوطن‪ ،‬إال أن ذلك ال يعني بأن هذه الخدمة هي خدمة خاصة‪.‬‬
‫فكلمة "عام" ال ينبغي إطالقها فقط على املصالح التي تهم كل سكان الوطن‪ ،‬وإنما يجب إطالقها‬
‫أيض ا على كل مص لحة تهم ع ددا غ ير ضئيل من املواط نين‪ ،‬أو من س كان اإلقليم‪ .‬ف إذا أخ ذنا‬
‫بعين االعتبار العدد املتزايد للسكان في الدولة ملا أمكن القول بأن املصلحة التي تعود على إقليم‬
‫يبلغ عدد سكانه مليون نسمة تعد من املصالح الخاصة‪ ،‬بل هي مصلحة عامة‪ ،‬وإن قلت درجة‬
‫املص لحة ال تي تع ود على س كان كل ال وطن أو اإلقليم‪ .‬ب ل أك ثر من ذل ك‪ ،‬ف إن املراف ق املحلي ة‬
‫بإمكانها أن تقدم خدمات يستفيد منها‪ ،‬ولو بطريق غير مباشر باقي سكان األقاليم األخرى في‬
‫الدولة‪ ،‬وذلك كنتيجة لتداخل وتشابك املصالح في العصر الحديث‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬من حيث القواعد التي تحكم سير املرافق العامة‪:‬‬
‫تخض ع كل املراف ق العام ة لثالث قواع د أساس ية سنتطرق إليه ا بالتفص يل في الفص ل‬
‫الثاني‪ .‬ومن أهم هذه املبادئ أو القواعد‪ :‬مبدأ استمرارية خدمات املرافق العامة‪ ،‬ومبدأ تكيف‬
‫املرفق العام مع األوضاع الجديدة‪ ،‬ومبدأ املساواة أمام خدمات املرفق العام‪ .‬إن هذه املبادئ‪،‬‬
‫أو القواعد تسري على كل من املرافق العامة اإلدارية‪ ،‬واملرافق العامة الصناعية والتجارية‪.‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬أوجه االختالف بين املرفق العام الوطني‪ ،‬واملرفق العام املحلي‪:‬‬
‫تتمثل أوجه االختالف من خالل املسائل التالية‪:‬‬
‫أوال‪ :‬من حيث نطاق أو مجال الخدمة‪:‬‬
‫إن املرفق العام الوطني هو مشروع أو خدمة يمتد نشاطه ليشمل معظم إقليم الدولة‪،‬‬
‫بحيث يس تفيد من خدمات ه ع دد غ ير مح دود من س كان الدول ة‪ ،‬كمرف ق األمن وال دفاع‬
‫والقضاء‪ .‬أما املرفق العام املحلي‪ ،‬فإنه وإن كان يهدف هو اآلخر إلى تحقيق املصلحة العامة‪،‬‬
‫إال أن نشاطه ينحصر أساسا في نطاق إقليم أقل اتساعا من النطاق الذي تؤدى فيه خدمات‬
‫املرفق العام الوطني‪ .‬ويستتبع ذلك بالضرورة أن املستفيدين من خدمات املرفق العام املحلي‪،‬‬
‫رغم كثرتهم‪ ،‬إال أنهم يعتبرون أقل عددا من املستفيدين من خدمات املرفق العام الوطني‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬من حيث الجهة املسؤولة عن األضرار الناتجة عن نشاط املرفق العام‪:‬‬
‫تعتبر املسؤولية من بين املجاالت التي تبرز فيها أهمية التفرقة بين املرفق العام الوطني‬
‫واملرفق العام املحلي‪ .‬فإذا ترتب على نشاط املرفق العام الوطني ضررا للغير‪ ،‬فإن الدولة هي‬
‫ال تي تتحم ل عبء املس ؤولية‪ ،‬وه ذا بطبيع ة الح ال إذا كانت هي ال تي ت دير ه ذا املرف ق‪ .‬أم ا في‬
‫الحاالت األخرى التي يعهد فيها بإدارة املرفق إلى أحد أشخاص القانون العام اآلخرين أو إلى‬
‫أحد األفراد العاديين‪ ،‬فإن املسؤولية في هذه الحالة تقع على الجهة القائمة على إدارة املرفق‬
‫الع ام‪ .‬أم ا بالنس بة للمرف ق الع ام املحلي‪ ،‬ف إن الدول ة غ ير مس ؤولة عن األض رار ال تي يح دثها‬
‫املرفق للغير‪ .‬فهذه املسؤولية تتحملها الهيئة املحلية باعتبارها شخص معنوي‪ ،‬وهذا طبعا في‬
‫الحاالت التي تتولى هي بنفسها إدارة املرفق العام املحلي‪ ،‬أما إن تركت اإلدارة لشخص آخر –‬
‫عام أو خاص‪ -‬فإن هذا األخير هو الذي يتحمل املسؤولية عن األضرار التي يحدثها للغير‪.‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬القواعد التي تحكم سير املرافق العامة‪:‬‬
‫رأينا فيما سبق بأن للمرافق العامة أنظمة قانونية مختلفة‪ ،‬وهذا بسبب تعدد أنواعها‪،‬‬
‫إال أن هذا ال يمنع من القول بأن هناك قواعد ومبادئ أساسية تخضع لها كل املرافق العامة‬
‫أي ا كانت طبيعته ا‪ ،‬على أن تط بيق ه ذه املب ادئ يكوم أك ثر ص رامة في املراف ق العام ة اإلداري ة‬
‫مقارنة مع املرافق العمة الصناعية والتجارية‪.‬‬
‫إن القواع د أو املب ادئ األساس ية ال تي تش ترك فيه ا كل املراف ق العام ة تتمث ل في قاع دة‬
‫اس تمرارية الخدم ة‪ ،‬وقاع دة املس اواة أم ام خ دمات املرف ق‪ ،‬وقاع دة التكي ف م ع األوض اع‬
‫الجديدة‪.‬‬
‫املبحث األول‪ :‬قاعدة استمرارية خدمات املرفق العام(‪:)La règle de continuité‬‬
‫رأينا فيما سبق أن املرفق العام يجب عليه أن يسعى إلى تحقيق مصلحة عامة للجمهور‪،‬‬
‫وه ذا ي ترتب علي ه أن تكون تل ك الخدم ة متواص لة ومس تمرة ال بش وبها أي انقط اع‪ ،‬ألن أي‬
‫انقطاع أو أي توقف سيؤثر سلبا على املصلحة العامة‪ ،‬إذ قد يؤدي إلى إلحاق اضطرابات في‬
‫حياة الجماعة‪ ،‬فمثال لو انقطع مرفق الكهرباء أو مرفق الغاز أو مرفق الصحة العمومية عن‬
‫أداء خدماته كلية للجمهور‪ ،‬فإن ذلك قد يؤدي إلى إحداث اضطرابات في حياة الجماعة‪ ،‬قد‬
‫تكون عواقبه ا خط يرة على املجتم ع‪ ،‬ب ل إن تل ك الخط ورة تكون كب يرة إذا كان املرف ق محتك را‬
‫من قب ل الشخص الع ام‪ .‬ومن هن ا ف إن القض اء ق د وض ع مب دأ أساس يا يحكم جمي ع املراف ق‬
‫العامة‪ ،‬وهو مبدأ استمرارية خدمات املرفق العام‪ ،‬أو سير املرفق العام بانتظام وباضطراد‪،‬‬
‫والذي بواسطته ال يمكن لنشاط املرفق أن يعرف انقطاعا أو توقفا‪ .‬إن هذا املبدأ يطبق حاليا‬
‫حتى ولو لم ينص عليه املشرع صراحة‪.‬‬
‫إن ه ذا املب دأ ي ترتب النت ائج التالي ة في مج ال الوظيف ة العام ة (املطلب األول)‪ ،‬والعق ود‬
‫اإلدارية (املطلب الثاني)‪ ،‬واألموال العامة(املطلب الثالث)‪ ،‬وذلك على الشكل التالي‪:‬‬
‫املطلب األول‪ :‬في مجال الوظيفة العامة‪:‬‬
‫يترتب على ملبدأ استمرارية خدمات املرفق العام ثالثة نتائج أساسية في مجال الوظيفة‬
‫العام ة‪ .‬تتعل ق األولى باإلض راب (الف رع األول)‪ ،‬وتتعل ق الثاني ة باالس تقالة (الف رع الث اني)‪ ،‬أم ا‬
‫النتيجة الثالثة‪ ،‬فتتعلق باملوظف الفعلي(الفرع الثالث)‪.‬‬
‫الفرع األول‪ :‬أثر املبدأ على اإلضراب‪:‬‬
‫اإلض راب بص فة عام ة ه و اتف اق جم اعي بين املوظفين على االمتن اع عن العم ل بص فة‬
‫مؤقت ة للمطالب ة ب الحقوق املهني ة أو االجتماعي ة‪ ،‬ودون أن تنص رف نيتهم إلى التخلي كلي ة عن‬
‫وظيفتهم‪ .‬ف الغرض من اإلض راب ه و التعب ير عن استياء املوظفين عن بعض األوض اع املهني ة‪،‬‬
‫وذبك قصد الوصول إلى تحقيق بعض مطالبهم‪ ،‬خاصة ما تعلق منها بإصالح أوضاعهم املهنية‪،‬‬
‫كاملطالبة بالرفع من املرتب‪.‬‬
‫و اإلضراب بهذا املعنى يعد من أخطر ما يهدد قاعدة أو مبدأ استمرارية خدمات املرفق‬
‫العام‪ ،‬ولهذا فإن املشرعين في معظم دول العالم قد واجهوا هذا الخطر عن طريق إما تحريمه‬
‫في القط اع الع ام‪ ،‬أو الس ماح ب ه ولكن م ع تنظيم ه‪ ،‬وتقيي ده بش كل ال ي ؤثر على قاع دة‬
‫استمرارية خدمات املرفق العام‪ .‬وهذا هو السبب الذي أدى بمجلس الدولة الفرنسي في وقت‬
‫لم يكن يوجد فيه أي نص يحرم اإلضراب إلى القول بأن إضراب املوظفين أو األشخاص الذين‬
‫يشتركون في إدارة مرفق عام يعد عمال غير مشروع‪ ،‬وأنه " ال يعد خطأ فحسب‪ ،‬بل هو خروج‬
‫عن الق وانين والل وائح‪ ،‬ونقض ا لعق د الق انون الع ام ال ذي ي ربطهم ب اإلدارة‪ ،‬وي برر فص لهم في‬
‫الحال دون اتباع الضمانات التي وفرت لهم في األصل"‪.‬‬
‫أم ا في الجزائ ر ف إن اإلض راب ارتب ط بتط ور التش ريعي ‪ ،‬فطبق ا لدس تور ‪ 1963‬كان‬
‫اإلضراب مسموحا به (املادة ‪ 20‬من ذلك الدستور)‪ .‬ثم جاء بعد ذلك أمر ‪ 10‬جويلية ‪1965‬‬
‫ب دون إش ارة إلى اإلض راب‪ ،‬وه و نفس املوق ف ال ذي اتبع ه املش رع في األم ر املنظم للوظيف ة‬
‫العامة سنة ‪ .1966‬إن هذا السكوت تم تفسيره على أنه رفض لإلضراب‪ .‬ثم جاء دستور ‪1976‬‬
‫الذي اعترف باإلضراب في القطاع الخاص‪ ،‬وسكت عن اإلضراب في القطاع العام‪(.‬تنص املادة‬
‫‪ 61‬من ذلك الدستور على ما يلي "تخضع عالقات العمل في القطاع االشتراكي ألحكام القوانين‬
‫والتنظيمات املتعلقة باألساليب االشتراكية للتسيير في القطاع الخاص‪ ،‬حق اإلضراب معترف‬
‫ب ه وينظم الق انون ممارس ته") وه ذا الس كوت اعت بر بمثاب ة رفض لإلض راب في القط اع الع ام‪.‬‬
‫وبعد ذلك جاء دستور ‪ ،1989‬ونص في املادة ‪ 54‬منه على أن" اإلضراب معترف به ويمارس في‬
‫إطار القانون‪.‬‬
‫يمكن أن يمن ع الق انون ممارس ة ه ذا الح ق‪ ،‬أو يجع ل ل ه ح دودا ملمارس ته في مي ادين‬
‫ال دفاع الوط ني واألمن‪ ،‬أو في جمي ع الخ دمات أو األعم ال العمومي ة ذات املنفع ة الحيوي ة‬
‫للمجتم ع"‪ ،‬وه و م ا أك ده املؤس س الدس توري في املادة ‪ 71‬من الدس تور الح الي‪ .‬ولق د أك د‬
‫القانون األساسي للوظيفة للقطاع الحالي لسنة ‪ 2006‬على حق اإلضراب‪ .‬على أن الذي ينظم‬
‫حاليا اإلضراب هو قانون ‪ 90/02‬املؤرخ في‪ 6‬فبراير ‪.1990‬‬
‫ونظرا ألن اإلضراب قد يؤدي إلى املساس بالسير الحسن للمرافق العامة‪ ،‬فإن املشرع‬
‫قد تدخل لتنظيمه‪ ،‬إذ حرم استخدامه بالنسبة لبعض املرافق العامة الحيوية‪ ،‬كما أحاط هذا‬
‫الحق من جهة أخرى بالنسبة للمرافق العامة التي يمكنها استخدام هذا الحق بعدة ضمانات‬
‫من شأنها أن تضمن استمرارية خدمات املرفق العام‪ ،‬وذلك على النحو التالي‪:‬‬
‫أوال‪:‬الوقاية من النزاعات الجماعية‪:‬‬
‫إذا وق ع أي خالف يتعل ق بالعالق ات املهني ة أو االجتماعي ة‪ ،‬وعالق ة العم ل والش روط‬
‫العامة للعمل‪ ،‬فال يمكن اللجوء إلى ممارسة حق اإلضراب إال بعد استنفاد طرق تسوية هذه‬
‫الخالفات بين املوظف واملستخدم‪ ،‬والتي حددها املشرع ما يلي‪:‬‬
‫‪-1‬عق د اجتماع ات دوري ة‪ :‬بين ممثلي املوظفين واملمثلين املخ ولين في املؤسس ات‬
‫واإلدارات العمومي ة‪ ،‬وذل ك من أج ل دراس ة املش اكل داخ ل املؤسس ات واإلدارات العمومي ة‪،‬‬
‫وإيجاد حل لها‪.‬‬
‫‪-2‬املص الحة‪ :‬إذا لم يتوص ل الطرف ان إلى ح ل م رض بع د االجتماع ات الدوري ة‪ ،‬يرف ع‬
‫ممثلو املوظفين املسائل املستمر فيها الخالف إلى‪:‬‬
‫‪ -‬إم ا إلى الس لطات املدني ة املختص ة على مس توى البلدي ة أو الوالي ة ال تي تنتمي إليه ا‬
‫املؤسسة أو اإلدارة املعنية‪.‬‬
‫‪ -‬وإم ا إلى ال وزراء أو ممثليهم املخ ولين قانون ا‪ ،‬إذا كانت املؤسس ة أو اإلدارة العمومي ة‬
‫املعنية تدخل في نطاق اختصاصاتهم‪ ،‬أو إذا كان الخالف الجماعي في العمل يكتسي طابعا جهويا‬
‫أو وطنيا‪ ،‬وهذا من أجل إعطاء حل ملشاكلهم –املتبقية أو الكلية‪ .‬فإذا لم يتوصلوا إلى حل‪،‬‬
‫تستدعي السلطات السلمية في خالل ثمانية (‪ )8‬أيام املوالية إخطارها طرفي لخالف الجماعي‬
‫في العمل إلى اجتماع املصالحة الذي يحضره ممثلي السلطة املكلفة بالوظيفة العامة‪ ،‬ومفتشية‬
‫العمل املختصة إقليميا‪.‬‬
‫ف إذا كان الخالف يتعل ق بع دم تط بيق ال تزام ق انوني أو تنظيمي‪ ،‬تس هر الس لطة الس لمية‬
‫العلي ا ال تي أخط رت على ض مان تط بيق ذل ك االل تزام في أج ل ال يتع دى ثالثين (‪ )30‬يوم ا من‬
‫تاريخ إخطارها‪.‬‬
‫أم ا إذا كان الخالف يتعل ق بتأوي ل األحكام القانوني ة أو التنظيمي ة‪ ،‬أو بمس ائل ال يمكن‬
‫التكف ل به ا في إط ار األحكام القانوني ة املعم ول به ا‪ ،‬تخط ر الس لطة الس لمية‪ ،‬الس لطة املكلف ة‬
‫بالوظيف ة العمومي ة قص د ع رض نق اط الخالف على املجلس املتس اوي األعض اء في الوظيف ة‬
‫العمومية‪.‬‬
‫على أن إجراء املصالحة في كلتا الحالتين‪ ،‬يجب أال يتجاوز خمسة عشر (‪ )15‬يوما ابتداء‬
‫من ت اريخ أول اجتم اع‪ .‬ف إذا اس تمر الخالف خالل ه ذه الف ترة‪ ،‬تق وم الس لطة الس لمية العلي ا‬
‫بإع داد محض ر يوقع ه الطرف ان يتض من النق اط املتف ق عليه ا‪ -‬إن حص ل اتف اق‪ -‬أو يتض من‬
‫املقترح ات ال تي تتعل ق بأش كال التكف ل باملس ائل املس تمر فيه ا الخالف‪ ،‬وإجراءات ه‪ ،‬وتبعث ه إلى‬
‫السلطة املكلفة بالوظيفة العمومية‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬ممارسة حق اإلضراب ‪:‬‬
‫إذا استمر الخالف بعد استنفاد إجراءات املصالحة –سابق اإلشارة إليها‪ -‬وفي غياب طرق‬
‫أخرى للتسوية‪ ،‬يمارس املوظفين حقهم في اللجوء إلى اإلضراب‪ .‬على أن املشرع قد وضع بعض‬
‫الضوابط ملمارسة هذا الحق‪ ،‬وذلك علة النحو التالي‪:‬‬
‫‪ -1‬التحكيم‪ :‬إذا اتفق الطرفان على عرض نزاعهما على لجنة التحكيم‪ ،‬فال يمكن اللجوء‬
‫في ه ذه الحال ة إلى مماري ة ح ق اإلض راب‪ .‬أم ا إذا وق ع اتف اق على التحكيم بع د الش روع في‬
‫اإلضراب‪ ،‬فيجب إن يوقف اإلضراب‪.‬‬
‫‪-2‬موافق ة املوظفين على اإلض راب‪ :‬إذا لم يق ع التحكيم‪ ،‬فيجب دع وة املوظفين إلى‬
‫جمعي ة عام ة في أم اكن العم ل املعت ادة –وذل ك بع د إعالم املس تخدم‪ -‬قص د إعالمهم بالنق اط‬
‫املستمر فيها الخالف‪ ،‬والبت في احتمال التوقف الجماعي عن العمل‪ .‬على أنه يجوز للموظفين‬
‫أن يستمعوا –بناء على طلبهم‪ -‬إلى ممثلي املستخدم أو ممثلي السلطة اإلدارية املعنية‪.‬‬
‫وهن ا لكي يكون االجتم اع صحيحا‪ ،‬الب د من حض ور نص ف ع دد املوظفين على األق ل‬
‫ال ذين تتكون منهم املؤسس ة أو اإلدارة العام ة‪ .‬وال يج وز اللج وء إلى اإلض راب إال بع د موافقة‬
‫أغلبية املوظفين الحاضرين لالجتماع‪ ،‬عن طريق االقتراع السري‪.‬‬
‫ج‪-‬اإلشعار املسبق باإلضراب‪ :‬ال يمكن الشروع في اإلضراب إال بعد انتهاء أجل اإلشعار‬
‫املس بق باإلض راب ال ذي ي ودع ل دى املس تخدم‪ .‬على أن ه يجب إعالم مفتش ية العم ل املختص ة‬
‫إقليمي ا‪ ،‬وتحدي د م دة اإلش عار باإلض راب عن طري ق املفاوض ة‪ .‬كم ا أن ه ذه املدة ال يمكن أن‬
‫تقل عن ثمانية (‪ )8‬أيام ابتداء من تاريخ إيداعه‪.‬‬
‫وبمج رد إي داع اإلش عار املس بق باإلض راب‪ ،‬يل تزم املس تخدم وممثل و املوظفين باتخ اذ‬
‫الت دابير الالزم ة لض مان املحافظ ة على املنش آت واألمالك وض مان أمنه ا‪ .‬ويعين الطرف ان‬
‫املوظفين الذين يتكفلون بهذه املهام‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬حماية حق اإلضراب‪:‬‬
‫إذا تم ممارس ة ح ق اإلض راب دون مراع اة الش روط الس ابقة‪ ،‬ف إن اإلض راب يع د غ ير‬
‫مشروع‪ ،‬كما أنه املوظفين الذين شاركوا فيه‪ ،‬يكونون قد ارتكبوا خطأ مهنيا جسيما‪ .‬أما إذا‬
‫تم اإلضراب وفقا لإلجراءات السابقة‪ ،‬فإنه يعد مشروعا ‪ ،‬أي أن القانون يحميه‪ .‬ومعنى ذلك‬
‫أنه ال يجوز لإلدارة نقض عقد العمل الذي يربطها باملوظفين املضربين نتيجة إضرابهم‪ .‬على‬
‫أن اإلضراب قد يؤدي إلى وقف أثر عالقة العمل طول مدة اإلضراب‪ ،‬بحيث ال تلتزم اإلدارة‬
‫بدفع املرتب للموظفين املضربين‪ ،‬إال إذا اتفق الطرفان على خالف ذلك‪.‬‬
‫وباإلض افة إلى ذل ك‪ ،‬فإن ه ال يج وز لإلدارة أن تق وم بتعين م وظفين آخ رين قص د‬
‫اس تخالف املوظفين املض ربين‪ ،‬م ا ع دا الح االت املتعلق ة بالتسخير ال تي ت أمر به ا الس لطة‬
‫اإلدارية‪ ،‬أو إذا رفض املوظفون تنفيذ االلتزامات الناتجة عن ضمان الحد األدنى من الخدمة‪.‬‬
‫كم ا أن ه ال يج وز تس ليط أي ة عقوب ة على املوظفين املض ربين بسبب مش اركتهم في اإلض راب‬
‫املشروع‪.‬‬
‫ولكن إذا كان القانون قد وفر حماية للموظفين املضربين خالل مرحلة اإلضراب‪ ،‬إال أنه‬
‫من جه ة أخ رى ف رض عليهم بعض االلتزام ات‪ ،‬بحيث ال يج وز لهم أن يمنع وا املوظفين ال ذين‬
‫رفضوا اإلضراب‪ ،‬االلتحاق بمناصب عملهم‪ ،‬أو أرادوا بعد اإلضراب استئناف عملهم‪ ،‬سواء‬
‫كان ذل ك عن طري ق التهدي د‪ ،‬أو املن اورة االحتيالي ة‪ ،‬أو العن ف‪ ،‬أو االعت داء‪ ،‬وإال تعرض وا‬
‫للعقوبات املنصوص عليها قانونا‪.‬‬
‫كما ال يجوز للموظفين املضربين احتالل املحالت املهنية للمستخدم عندما يكون الغرض‬
‫من هذا االحتالل هو عرقلة حرية العمل‪ .‬وفي هذه الحالة يجوز للمستخدم أن يلجأ للقضاء‬
‫الستص دار أم ر قض ائي ب إخالء املحالت املهني ة‪ .‬ه ذا وتج در اإلش ارة إلى أن ه إذا كانت عرقل ة‬
‫حرية العمل ورفض االمتثال لتنفيذ األمر القضائي بإخالء املحالت املهنية تعتبر أخطاء مهنية‬
‫جسيمة‪ ،‬فمع ذلك‪ ،‬فإن املوظفين الذين قاموا بذلك قد توقع عليهم العقوبات الجزائية‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬تحديد ممارسة حق اإلضراب‪:‬‬
‫ومن أج ل ض مان ع دم انقط اع خ دمات املرف ق الع ام بص فة نهائي ة‪ ،‬ح تى في وقت‬
‫اإلضراب‪ ،‬فإن املشرع قيد ممارسة حق اإلضراب بما يلي ‪:‬‬
‫‪-1‬الحد األدنى من الخدمة (‪:) Le service minimum‬‬
‫إذا كان اإلض راب يمس األنظم ة ال تي يمكن أن يض ر انقطاعه ا الت ام اس تمرارية خ دمات‬
‫املرف ق العمومي ة‪،‬أو يمس األنش طة االقتص ادية الحيوي ة في الدول ة‪ ،‬أو تم وين املواط نين‪ ،‬أو‬
‫املحافظة على املنشآت واألمالك املوجودة‪ ،‬فيتعين مواصلة األنشطة الضرورية في شكل قدر‬
‫أدنى من الخدمة إجباري‪ ،‬أو ناتج عن مفاوضات أو اتفاقيات أو عقود‪.‬‬
‫وتتمثل املصالح التي يجب القيام بالحد األدنى من الخدمة فيها فيما يلي‪:‬‬
‫املصالح اإلستشفائية‪ ،‬املناوبة ومصالح االستعجاالت وتوزيع األدوية – املصالح املرتبطة‬
‫بسير الشبكة الوطنية للمواصالت السلكية والالسلكية واإلذاعة والتلفزة – املصالح املرتبطة‬
‫بإنتاج الكهرباء والغاز واملواد البترولية‪ ،‬واملاء‪ ،‬ونقلها وتوزيعها – املصلح البلدية لرفع القمامة‬
‫من الهياكل الصحية واملسالخ‪ ،‬ومصالح املراقبة الصحية‪ ،‬بما فيها الصحة النباتية والحيوانية‬
‫في الح دود واملط ارات واملوانئ‪ ،‬واملص الح البيطري ة العام ة والخاصة‪ ،‬وك ذا مص الح التطه ير –‬
‫املص الح املرتبط ة مباش رة بإنت اج الطاق ة املخصص ة لتزوي د ش بكة املواص الت الس لكية‬
‫والالسلكية‪ ،‬وكذلك املصالح الضرورية لسير مراكز العبور في املواصالت السلكية والالسلكية‬
‫الوطنية لإلش ارة – املص الح املكلف ة بالعالق ات املالية م ع الخ ارج في البن ك والبنوك العام ة –‬
‫املصالح املكلفة بإنتاج املحروقات ونقلها عبر قنوات الشحن والنقل البحري – نقل املحروقات‬
‫بين السواحل الوطنية – مصالح الشحن والتفريغ املينائية واملطارية‪ ،‬ونقل املنتجات املعترف‬
‫بخطورته ا‪ ،‬وس ريعة التل ف‪ ،‬أو املرتبط ة بحاجي ات ال دفاع الوط ني – املص الح املرتبط ة ب أمن‬
‫وس ائل النق ل (األرص اد الج وي واإلش ارة البحري ة والس كة الحديدي ة ومنه ا ح راس ح واجز‬
‫املقاطع ) – مصالح النقل واملواصالت السلكية والالسلكية املرتبطة بحماية األرواح‪ ،‬وعمليات‬
‫الشحن وإنق اذ الس فن مباش رة – مص الح ال دفن واملق ابر – املص الح املكلف ة بمراقب ة املرور‬
‫الجوي ( مراكز املراقبة الجوية واالستعداد للنزول وأبراج املراقبة ) – مصالح كتابة الضبط‬
‫في املحاكم واملجالس القضائية‪.‬‬
‫وباإلض افة إلى املص الح الس ابقة‪ ،‬فإن ه يج وز للمس تخدم أو الس لطة اإلداري ة املعني ة أن‬
‫يق وم (أو تق وم) بتحدي د مي ادين النش اط ال تي تتطلب الح د األدنى من الخدم ة واملوظفين‬
‫الض روريين للتكف ل ب ه‪ ،‬وذل ك بع د استش ارة ممثلي املوظفين‪ .‬ف إذا رفض املوظف ون القي ام‬
‫بالحد األدنى من الخدمة املفروض عليهم‪ ،‬فإنهم يكونون قد ارتكبوا خطأ مهنيا جسيما‪.‬‬
‫‪-2‬التسخير (‪:) La requisition‬‬
‫يمكن أن ي ؤمر بتسخير املوظفين املض ربين ال ذين يش غلون في الهيئ ات واإلدارات‬
‫العمومي ة أو املؤسس ات مناص ب ض رورية ألمن األشخاص واملنش آت واألمالك‪ ،‬لض مان‬
‫استمرارية املصالح العمومية األساسية في توفير الحاجيات الحيوية للبالد‪ ،‬أو الذين يمارسون‬
‫أنش طة الزم ة لتموي ل الس كان‪ .‬ويع د ع دم االمتث ال ألم ر التسخير خط أ جس يما‪ ،‬وه ذا دون‬
‫املساس بالعقوبات الجزائية‪.‬‬
‫‪-3‬تسوية اإلضراب ‪:‬‬
‫يجب على طرفي الخالف الجماعي في العمل خالل فترة اإلشعار املسبق باإلضراب‪ ،‬وبعد‬
‫الش روع في اإلض راب‪ ،‬أن يواص لوا مفاوض اتهم لتس وية الخالف الواق ع بينهم ا‪ ،‬وذل ك على‬
‫الشكل التالي ‪:‬‬
‫أ‪-‬الوساطة ‪:‬‬
‫يمكن لإلدارة ( ال وزير املكل ف بالقط اع‪ ،‬أو ال والي‪ ،‬أو رئيس املجلس الش عبي البل دي) أن‬
‫تعين وسيطا كفء‪ ،‬يقدم لطرفي الخالف اقتراحات لتسوية الخالف الدائر بينهما‪ ،‬إذا ثبت من‬
‫مواقفهما صعوبات في املفاوضات املباشرة‪.‬‬
‫ب‪-‬اللجنة الوطنية للتحكيم ‪:‬‬
‫إذا اس تمر اإلض راب بع د فش ل اإلج راءات الس ابقة‪ ،‬يمكن لإلدارة ( ال وزير املكل ف‬
‫بالقطاع‪ ،‬أو الوالي‪ ،‬أو رئيس املجلس الشعبي البلدي)‪ ،‬أن تحيل الخالف الجماعي‪ ،‬إذا اقتضت‬
‫ذل ك ض رورات اقتص ادية واجتماعي ة ق اهرة‪ ،‬بع د استش ارة املس تخدم وممثلي املوظفين على‬
‫اللجنة الوطنية للتحكيم التي تتكون من عدد يتساوى فيه عدد املمثلين الذين تعينهم‪ ،‬وعدد‬
‫ممثلي املوظفين‪ .‬على أن ه ذه اللجن ة يترأس ها ق اض من املحكم ة العلي ا‪ .‬وتكون قراراته ا ناف ذة‬
‫ب أمر من ال رئيس األعلى للمحكمة العليا‪ .‬ويبل غ رئيس اللجنة الوطنية للتحكيم هذه القرارات‬
‫إلى طرفي النزاع خالل األيام الثالثة (‪ )3‬املوالية التخاذها‪.‬‬
‫خامسا‪ :‬موانع اللجوء إلى اإلضراب‪:‬‬
‫ال يجوز لبعض القطاعات التي قد يعرض توقفها حياة املواطنين أو صحتهم للخطر‪ ،‬أو‬
‫يعرض االقتصاد الوطني للخطر‪ ،‬اللجوء إلى اإلضراب‪ .‬إن هذه القطاعات تتمثل في‪ :‬القضاة‪،‬‬
‫املوظفون املعينون بمرسوم‪ ،‬أو املوظفون الذين يشغلون مناصب في الخارج‪ ،‬وأعوان مصالح‬
‫األمن‪ ،‬واألعوان امليدانيين العاملين في مصلح الحماية املدنية‪ ،‬وأعوان مصلح استغالل شبكات‬
‫اإلش ارة الوطني ة في وزارتي الداخلي ة والش ؤون الخارجي ة‪ ،‬و األع وان املي دانيين الع املين في‬
‫الجمارك‪ ،‬وموظفي املصالح الخارجية إلدارة السجون‪.‬‬
‫أما الخالفات الجماعية التي يمكن أن تنشأ في العمل و تمس هذه الطوائف من املوظفين‪،‬‬
‫فإنه ا تكون خاض عة ملا س بق ذك ره من إج راءات ( عق د اجتماع ات دوري ة‪-‬مص الحة‪ -‬لجن ة‬
‫التحكيم الوطني) دون لجوئهم إلى اإلضراب‪.‬‬
‫أم ا املوظفون املدنيون والعس كريون التابعون لقط اع الدفاع الوط ني‪ ،‬فال تنطبق عليهم‬
‫األحكام السابقة‪ ،‬وبالتالي فإن اإلضراب بالنسبة إليهم يعد ممنوعا‪.‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬تنظيم استقالة املوظفين‪:‬‬
‫إن االستقالة هي رغبة املوظف في ترك منصب العمل نهائيا‪ .‬وبهذا تمتاز االستقالة عن‬
‫اإلض راب في أن االمتن اع عن أداء الخدم ة في اإلض راب يكون مؤقت ا‪ ،‬أم ا في االس تقالة‪ ،‬ف إن‬
‫االمتناع عن أداء الخدمة يكون بصفة نهائية‪.‬‬
‫وإذا كانت االس تقالة عب ارة عن ح ق للموظ ف‪ ،‬إال أن هن اك اعتب ارات تتعل ق باملص لحة‬
‫العامة‪ ،‬والتي تقيد من استعمال هذا الحق‪ ،‬بحيث ال يكون املوظف في نفس مركز العامل في‬
‫القط اع الخ اص‪ .‬ف املوظف يق وم بوظيف ة ليس لص الح شخص معين بال ذات‪ ،‬ب ل من أج ل‬
‫املصلحة العامة‪ ،‬ولهذا من الواجب التوفيق بين حقه في االستقالة وترك منصب العمل الذي‬
‫يش غله‪ ،‬وبين ح ق املجتم ع في الحص ول على الخدم ة العمومي ة‪ .‬و ه ذا ه و السبب ال ذي أدى‬
‫بالفق ه والقض اء إلى االس تقرار ح ول فك رة مفاده ا أن عالق ة املوظ ف ب اإلدارة ال تنقط ع‬
‫بمج رد تقديم ه االس تقالة‪ ،‬ب ل تبقى قائم ة م دة من ال زمن تس مح لإلدارة ب البحث عن خل ف‪،‬‬
‫وذلك ضمانا لعدم انقطاع الخدمة‪.‬‬
‫إن حكم ة ه ذه القاع دة واضحة‪ ،‬ذل ك أن امتن اع املوظ ف عن أداء عمل ه عقب تق ديم‬
‫استقالته مباشرة‪ ،‬قد يؤدي إلى اختالالت كبيرة في املرفق إذا لم تتمكن اإلدارة من إيجاد خلف‬
‫له مباشرة بعد تقديمه لالستقالة‪.‬‬
‫إن هذا هو السبب الذي أدى بالقضاء اإلداري الفرنسي على وجه الخصوص إلى تطبيق‬
‫هذه القاعدة قبل أن يتم النص عليها تشريعيا‪.‬‬
‫هذا وتجدر اإلشارة إلى أن املشرع الجزائري قد نص على هذه اآلثار في املواد من ‪ 217‬إلى‬
‫‪ 220‬من الق انون رقم ‪ 12-06‬املؤرخ في ‪ 14‬نوفم بر ‪ 2006‬واملتض من الق انون األساسي الع ام‬
‫للوظيفة العامة‪.‬‬
‫الفرع الثالث‪ :‬تبرير نظرية املوظف الفعلي‪:‬‬
‫تنفيذا لقاعدة استمرارية خدمات املرفق العام‪ ،‬وضع القضاء اإلداري الفرنسي نظرية‬
‫املوظف الفعلي‪ .‬واملوظف الفعلي هو الشخص الذي يوجد عيب جسيم في قرار تعينه‪ ،‬أو أن‬
‫قرار تعينه لم يصدر على اإلطالق‪ ،‬إال أنه مارس مهام إدارية‪.‬‬
‫فاألصل أن أعمال هذا املوظف تعتبر غير مشروعة‪ ،‬وبالتالي يجب أن تلغى‪ .‬إال أنه حفاظا‬
‫على مصالح األشخاص الذين تعاملوا مع املوظف الفعلي‪ ،‬اعتبر القضاء أن ما يصدر عنه من‬
‫أعمال تجاههم يعد صحيحا ‪ ،‬وذلك إما على أساس فكرة الظاهر‪ ،‬واحترام الغير حسن النية‪،‬‬
‫وإما على أساس فكرة الضرورة‪.‬‬
‫على أن فكرة الظاهر تطبق من املفروض في الظروف العادية‪ .‬وعليه إذا كان يبدو للغير‬
‫ب أن ق رار تع يين املوظ ف ال يش وبه أي عيب ‪ ،‬ف إن م ا يص در من ه من أعم ال تج اه ه ؤالء يع د‬
‫مش روعا‪ ،‬من ذل ك مثال أن يش غل ف ردا وظيف ة على أس اس أن ه نجح في املس ابقة الخاص ة‬
‫بالتوظيف‪ ،‬ويصدر بهذه الصفة أعماال تجاه الغير‪ ،‬ولكن بعد ذلك يقوم القضاء بإلغاء نتائج‬
‫املس ابقة‪-‬بع د الطعن قض ائيا في تل ك النت ائج طبع ا‪ ،-‬أو أن يم ارس موظف ا اختصاص اته تج اه‬
‫الغير بناء على تفويض غير صحيح‪ .‬أما في الظروف االستثنائية‪ ،‬ونقصد بها األوقات التي يختل‬
‫فيها انتظام السلطة العامة في أداء وظائفها‪ ،‬كأوقات الحروب واألوبئة والكوارث العامة‪ ،‬فإن‬
‫األعم ال اإلداري ة ق د يق وم به ا أف راد ع اديين ال يتمتع ون بص فة املوظ ف الع ام‪ ،‬وإنم ا ال ذي‬
‫دفعهم إلى القيام بها هو ضمان استمرارية الخدمة العمومية‪ ،‬فإن أعمال هؤالء تعد مشروعة‬
‫وصحيحة تطبيقا لفكرة الضرورات تبيح املحظورات‪.‬‬
‫املطلب الثاني‪ :‬في مجال العقود اإلدارية‪:‬‬
‫يرتب هذا املبدأ استمرارية خدمات املرفق العام نتيجة هامة في مجال العقود اإلدارية‪،‬‬
‫تتمثل في نظرية الظروف الطارئة ( ‪.)La théorie de l’imprévision‬‬
‫فاملبدأ في العقود الخاصة التقليدية‪ ،‬هو أن العقد شريعة املتعاقدين‪ ،‬وال يعفي املتعاقد‬
‫من الوفاء بالتزاماته إال بالقوة القاهرة ‪-‬وهي الحادث الذي ال يمكن توقعه كما ال يمكن دفعه‪،‬‬
‫والذي يجعل تنفيذ االلتزام مستحيال‪ .-‬هذه القاعدة لم يكن باإلمكان األخذ بها على إطالقها في‬
‫مجال العقود اإلدارية‪ ،‬لذلك أنشأ القضاء اإلداري الفرنسي بين القوة القاهرة التي يستحيل‬
‫فيه ا على املتعاق د الوف اء بالتزاماته التعاقدي ة‪ ،‬وبين الظ رف الع ادي ال ذي يمكن في ه للمتعاق د‬
‫الوف اء بالتزامات ه التعاقدي ة‪ ،‬حال ة وس طى وهي نظري ة الظ روف الطارئ ة‪ ،‬بحيث يجب على‬
‫املتعاق د م ع اإلدارة الوف اء بالتزامات ه التعاقدية م ا دام أن ذل ك ممكن‪ ،‬على ال رغم من أن فيه‬
‫مشقة وإرهاق مالي شديد‪ ،‬ولكن في املقابل فإن الخسارة التي تحملها يجب أن توزع بينه وبين‬
‫اإلدارة‪.‬‬
‫على أن الح ادث املف اجئ يش به الق وة الق اهرة في بعض األم ور‪ ،‬في أن كالهم ا ال يمكن‬
‫توقعهما‪ ،‬وأنهما إذا وقعا فال يمكن دفعهما‪ .‬إال أن الظرف الطارئ يجعل تنفيذ االلتزام مرهقا‪،‬‬
‫أي أن تنفيذ االلتزام ليس مستحيال بل ممكنا‪ ،‬ولكنه يحمل املتعاقد مع اإلدارة خسارة كبيرة‬
‫ه ذه الخس ارة تت وزع بين ه وبين اإلدارة‪ ،‬وه ذا على خالف الق وة الق اهرة ال تي تجع ل تنفي ذ‬
‫االلتزام مستحيال‪.‬‬
‫وعليه‪ ،‬طبقا لنظرية الظروف الطارئة‪ ،‬وضمانا ملبدأ استمرارية خدمات املرفق العام‪،‬‬
‫يجب على املتعاقد مع اإلدارة أن ينفذ التزاماته‪ ،‬مع حصوله على تعويض جزئي عن الخسارة‬
‫التي تحملها‪ ،‬هذه الخسارة توزع بينه وبين اإلدارة‪.‬‬
‫هذا وتج در اإلش ارة إلى أنه إلمكانية تط بيق نظرية الظ روف الطارئة‪ ،‬يشترط أن يكون‬
‫الظ رف الط ارئ عارض ا‪ ،‬وأن ه ه و السبب املباش ر في قلب الت وازن املالي للعق د‪ .‬أم ا إذا كان‬
‫الظرف الطارئ قد أخذ شكال دائما‪ ،‬أي ليس من املنتظر أن يعود العقد إلى حالته األولى‪ ،‬فال‬
‫بد أن يعدل العقد تعديال يجعله يساير الظروف الجديدة‪ ،‬أما إذا كان ذلك غير ممكن‪ ،‬فيجب‬
‫فسخ العقد الذي يربط الطرفين‪.‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬في مجال األموال العامة‪:‬‬
‫يترتب على مبدأ استمرارية خدمات املرفق العام في مجال األموال العامة‪ ،‬نتيجة هامة‬
‫تتمثل في عدم جواز الحجز على أموال املرفق العام‪( .‬الكالم هنا ينطبق على الدومين العام وال‬
‫يتعلق بالدومين الخاص)‪ .‬فاملرفق يحتاج إلى أموال عامة تمكنه من القيام باملهام امللقاة عليه‪.‬‬
‫فإذا ما حصل أن استدان املرفق وعجز مثال عن التسديد‪ ،‬فإنه ال يجوز الحجز على أمواله‪،‬‬
‫وذلك ضمانا الستمرارية خدماته‪ .‬على أن هذه القاعدة تصدق على إطالقها بالنسبة للمرافق‬
‫العام ة اإلداري ة (التقليدي ة)‪ ،‬أم ا املراف ق العام ة الص ناعية والتجاري ة‪ ،‬فباستثناء رأس مالها‬
‫التأسيسي الذي يعتبر من األموال العامة‪ ،‬فإن األموال األخرى تكون قابلة للحجز عليها‪.‬‬
‫املبحث الثاني‪ :‬قاعدة مساواة املنتفعين أمام املرفق العام (‪:)La règle d’égalité‬‬
‫هذا هو املبدأ الثاني الذي يحكم جميع املرافق العامة‪ .‬وطبقا لهذا املبدأ يجب على املرفق‬
‫العام أن يؤدي خدماته إلى الجمهور بنفس الشروط‪ ،‬بحيث ال يكون هناك تمييز بينهم ال مبرر‬
‫ل ه‪ .‬إن ه ذه القاع دة تع د مس تمدة من مب دأ آخ ر يس ود تقريب ا جمي ع دس اتير الع الم‪ ،‬وال ذي‬
‫يقضي بمس اواة الجمي ع أم ام أحكام الق انون س واء في الحق وق أو في الواجب ات‪ .‬وه ذا م ا نص‬
‫عليه املؤسس الدستوري في املادة ‪ 32‬حيث جاء فيها أن "كل املواطنين سواسية أمام القانون‪،‬‬
‫وال يمكن أن يتذرع بأي تمييز يعود سببه إلى املولد أو العرق أو الجنس أو الرأي أو أي شرط‬
‫آخر شخصي أو اجتماعي"‪ .‬إن هذه املادة وضعت األصل العام في مساواة األفراد أمام القانون‪.‬‬
‫فالقانون بطبيعته يضع قواعد عامة ومجردة‪ ،‬ال يراعي فيها أفرادا بذواتهم‪ .‬ولهذا كان الجميع‬
‫لديه سواء‪ .‬وملا كانت املرافق العامة تنشأ لفائدة الجميع‪ ،‬فقد ترتب على ذلك بالتبعية تساوي‬
‫األفراد لديها‪.‬‬
‫هذا وتجدر اإلشارة إلى أن املساواة أمام خدمات املرافق العامة ليست مطلقة‪ .‬فهي ال‬
‫تعني بأنه يجوز ألي فرد أن يتحصل على الخدمة من املرفق العام بدون أي شرط مسبق‪ ،‬بل‬
‫إن هذه املساواة‪ ،‬شأنها شأن جميع املراكز القانونية‪ ،‬ال يمكن أن تكون حقا للشخص إال إذا‬
‫توفرت شروطها‪ .‬ومن هنا فإنه ال يتنافى مع قاعدة املساواة وضع اإلدارة لشروط عامة ال بد‬
‫أن تت وفر في الشخص ال ذي يري د الحص ول على خدم ة من املرف ق الع ام‪ ،‬كتحدي د رس م معين‬
‫فيمن يريد الحصول على خدمة معينة من املرفق‪ ،‬أو تحديد شهادة معينة إلمكانية االلتحاق‬
‫بوظيفة عامة‪.‬‬
‫فاألصل إذن هو إعمال قاعدة املساواة بين من يستوفون شروط االنتفاع‪ .‬ومع ذلك فإن‬
‫ه ذه القاع دة تحت اج إلى بعض التوض يحات‪ .‬فال يمكن إعم ال قاع دة املس اواة بين املنتفعين إال‬
‫إذا كانوا في نفس املركز والظروف‪ ،‬أما إذا اختلفت مراكزهم‪ ،‬فإنه يمكن التمييز بين املنتفعين‬
‫من خ دمات املرف ق الع ام‪ ،‬وعلي ه فإن ه يج وز اإلدارة أن تغ اير في املعامل ة بين املنتفعين في‬
‫الحاالت التالية‪:‬‬
‫أ‪-‬الختالف ظ روف املكان‪ ،‬كالتمييز في املعامل ة في س كان املدين ة الواح دة‪ ،‬بين من يقطن‬
‫داخلها وبين من يقطن في ضواحيها‪ ،‬فيما يتعلق بتوزيع املياه والكهرباء‪ ،‬باقتضاء رسم إضافي‬
‫من الذي يسكن داخل املدينة‪ ،‬مقارنة مع من يسكن في ضواحيها‪.‬‬
‫ب‪-‬أو الختالف نوع الخدمات التي يطلبونها‪ ،‬كاقتضاء رسم إضافي ممن يريد أن تصل‬
‫رسائله مستعجلة‪ ،‬أو باختالف الدرجة التي يسافرون فيها بالطائرة أو بالقطار‪.‬‬
‫ج‪-‬أو ب اختالف الغ رض ال ذي تخص ص ل ه الخدم ة‪ ،‬كاس تخدام املي اه للش رب‪ ،‬أو‬
‫استخداما للسقي‪ ،‬واستخدام الكهرباء لإلضاءة‪ ،‬واستخدامه للصناعة‪.‬‬
‫ففي كل ه ذه الح االت‪ ،‬وعلى ال رغم من أن املنتفعين ق د اس توفوا ش روط اإلنتف اع‬
‫بالخدمة‪ ،‬إال أنه توجد ظروف أخرى أدت إلى التفرقة في املعاملة‪ .‬إال أن هذه التفرقة ال تعني‬
‫بأي حال من األحوال أنها تمييز ذاتي بين املنتفعين‪ ،‬طاملا أن ظروف أداء الخدمة ليس واحدا‪.‬‬
‫هذا وتجدر اإلشارة إلى أنه قد يرد على قاعدة املساواة استثناء آخر مرده إلى النصوص‬
‫القانوني ة‪ ،‬من ذل ك إعف اء املس نين والعج زة من دف ع املقاب ل لق اء الحص ول على خدم ة من‬
‫املرفق العام‪ .‬وهذه االستثناءات ال يقصد بها في حقيقة األمر تمييز فئة من الناس عن غيرهم‪،‬‬
‫طاملا أن هناك ظرف خاص توجد فيه طائفة معينة من الناس‪.‬‬
‫ويجب أن نش ير في األخ ير إلى أن الس لطة التقديري ة املمنوح ة اإلدارة‪ ،‬ال تتن افى م ع مب دأ‬
‫مس اواة املنتفعين من خ دمات املرف ق الع ام‪ ،‬ل ذلك إذا ت وفرت ش روط االنتف اع من الخدم ة‪،‬‬
‫وم يزت اإلدارة بين املنتفعين‪ ،‬فإن ه يج وز مقاض اتها‪ ،‬س واء ب دعوى تج اوز الس لطة إذا ت وفرت‬
‫شروطها‪ ،‬أو بدعوى التعويض إن ترتب على ذلك التمييز ضرر باملنتفعين الذين لم يستفيدوا‬
‫من الخدمة‪.‬‬
‫املبحث الثالث ‪ :‬قاعدة تكييف املرفق العام مع األوضاع الجديدة (‪La règle de‬‬
‫‪:)mutabilité‬‬
‫وه ذه ث الث قاع دة تحكم جمي ع املراف ق العام ة‪ ،‬وال تي يع بر عنه ا بقابلي ة املرف ق الع ام‬
‫للتب دل والتغ ير في أي وقت‪ ،‬وذل ك تماش يا م ع الظ روف الجدي دة‪ .‬ومقتضى ه ذه القاع دة أن ه‬
‫يج وز لإلدارة أن تت دخل في أي وقت‪ ،‬وتع دل من قواع د س ير املرف ق الع ام‪ ،‬ولكن م ع مراع اة‬
‫فكرة املصلحة العامة‪ ،‬أي أن هذا التعديل تمليه فكرة املصلحة العامة‪.‬‬
‫فاألصل أنه بعد أن يتقرر إنشاء املرفق العام بالوسيلة القانونية‪ ،‬تتولى اإلدارة تنظيمه‪،‬‬
‫فتختار طريقة إدارته‪ .‬واإلدارة تراعي هنا طبيعة املرفق ونوع الخدمات التي يقدمها للجمهور‪.‬‬
‫ولكن إذا م ا ت بين لإلدارة في أي وقت من األوق ات‪ ،‬ب أن تنظيم املرف ق بالش كل الق ديم لم يع د‬
‫يتفق مع املصلحة العامة‪ ،‬أو أن هناك تنظيما آخر يحقق بطريقة أفضل املصلحة العامة ‪،‬جاز‬
‫لإلدارة هنا أن تغيير في طريقة تنظيمه أو إدارته‪ ،‬كأن تفرض رسوما على االنتفاع بالخدمة‪ ،‬لم‬
‫تكن موجودة من قبل‪ ،‬أو أن تفرض رسوما إضافية على الرسوم السابقة‪.‬‬
‫ومع ذلك يجب أن نؤكد على أن حق اإلدارة هذا مقيد بشرط وحيد هو مراعاة املصلحة‬
‫العامة‪ .‬وهنا ال يمكن للغير االحتجاج بفكرة الحق املكتسب ‪.‬‬

You might also like