You are on page 1of 53

‫‪2021/‬‬

‫‪2022‬‬

‫محاضرات مادة املرفق‬


‫العام‬
‫مقدمة لطلبة السنة أولى ماستر‬
‫تخصص‪ :‬قانون إداري‬

‫د‪ .‬بولقواس سناء‬

‫‪2021/2022‬‬
‫محاضرات مادة المرفق العام‪ .............................‬د‪ .‬بولقواس سناء‬

‫المحور األول‪ :‬ماهية المرفق العام‬


‫لتوضيح المقصود بالمرفق العام‪ ،‬سنقوم بإبراز المعايير الفقهية التي ظهرت لتحديد‬
‫معناه‪ ،‬محددين موقف القضاء اإلداري منها‪ ،‬ثم نبرز أركان المرفق العام‪ ،‬وكذا أنواع المرافق‬
‫العامة‪ ،‬ثم نشأة وتطور المرافق العامة‪ ،‬وأخي ار المبادئ الحاكمة للمرافق العامة‪ ،‬وذلك على‬
‫النحو التالي‪:‬‬
‫أوال‪ :‬تعريف المرفق العام‬
‫‪ .1‬المرفق العام وفقا للمعيار الشكلي‬
‫عرف الفقه المرفق العام وفقا لهذا المعيار على أنه‪ ":‬الهيأة أو المنظمة التي تنشئها‬
‫وتهدف إلى إشباع الحاجات العامة‪ ،‬وتكون تابعة أو جزء من التنظيم اإلداري في الدولة دون‬
‫أي اعتبار لموضوع النشاط الذي تقوم به"‪.‬‬
‫لقد ساد تعريف المرفق العام وفقا للمعيار الشكلي في القرن ‪ 91‬عندما كانت الدولة‬
‫تقوم بممارسة الوظ ائف السيادية فقط كالحفاظ على األمن‪ ،‬ومنع العدوان الخارجي‪ ،‬تحقيق‬
‫العدالة‪ ...‬الخ‪ ،‬ثم ظهر مفهوم المرفق العام في فقه القانون اإلداري بمدلولها العضوي بعد أن‬
‫عمد مجلس الدولة الفرنسي لتبنيها في قضية بالنكو سنة ‪ 9781‬والذي استند فيه لكون‬
‫مرفق صناعة التبغ جزء من التن ظيم اإلداري للدولة‪ ،‬وبناء على ذلك فالمرفق العام هو الهيئة‬
‫أو المنظمة التي تعد جزء من األشخاص اإلدارية في الدولة‪ ،‬والتي تضطلع بمهمة إشباع‬
‫الحاجات العامة‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫محاضرات مادة المرفق العام‪ .............................‬د‪ .‬بولقواس سناء‬

‫يتسم هذا المعيار بالبساطة وسهولة التطبيق‪ ،‬كما انه يتوافق مع الفترة التي ظهر فيها‬
‫والتي امتازت بك ون نشاطات جهة اإلدارة واضحة ومختلفة عن النشاطات التي يقوم بها‬
‫األفراد‪ ،‬كما أن األجه زة التي تمارس بها نشاطاتها مختلفة كل االختالف عن ما يستخدمه‬
‫األفراد من أجهزة ووسائل في نشاطاتهم‪ ،‬لكن مع تدخل الدولة في نشاطات كانت في السابق‬
‫متروكة لألفراد السيما في مجالي ا لصناعة والتجارة‪ ،‬وممارستها لهذه النشاطات كان بإتباع‬
‫أساليب مختلفة عن تلك التي تستخدمها في إدارتها لمرافقها اإلدارية‪ ،‬وهو ما اقتضى‬
‫إخضاعها في بعض جوانبها للقواعد التي تحكم األفراد العاديين‪ ،‬وهو ما جعل من المعيار‬
‫السابق منتقدا وهو ما أدى لظهور مفهوم المرفق العام وفقا لالتجاه الموضوعي‪.‬‬
‫‪ .2‬المرفق العام وفقا للمعيار الموضوعي‬
‫نتيجة لالنتقادات التي وجهت للمعيار الشكلي والنعكاسات التطور العلمي وانتشار‬
‫األفكار الديمقراطية وما أحدثته الحروب من آثار سلبية وعجز الدولة عن إشباع الحاجات‬
‫العامة بشكل كامل‪ ،‬كل ذلك ساهم بشكل مباشر في قيام الدولة بإيكال مهمة إشباعها لألفراد‬
‫عن طريق االمتياز‪ ،‬مقابل تمتعهم ببعض امتيازات القانون العام‪ ،‬وهنا ظهر مدلول المرفق‬
‫العام وفقا للمعيار الموضوعي‪ ،‬والذي هو‪ ":‬النشاط الذي يستهدف تحقيق النفع العام وسد‬
‫الحاجات لألفراد"‪ ،‬كما عرفه الفقيه الفرنسي دوكي بأنه‪ ":‬كل نشاط تقوم به وتنظمه وتراقبه‬
‫الحكومة إذ يكون القيام بهذا أم ار ضروريا لتحقيق التضامن االجتماعي وألن طبيعته ال‬
‫تساعد على تحقيقه تماما إال بتدخل السلطة العامة"‪.‬‬
‫من خالل ما سبق يتضح لنا أن تحديد مفهوم المرفق العام وفقا لهذا المعيار يتحدد من‬
‫خالل طبيعة النشاط أو موضوعه‪ ،‬وهذا يعني انه متى كان الهدف هو تحقيق المصلحة‬
‫العامة أو إشباع حاجات األفراد فإننا نكون بصدد مرفق عام‪ ،‬ومتى كان األمر خالفا لذلك‬
‫فإننا ال نكون بصدد مرفق عام‪ ،‬وهذا بغض النظر عن ما تم استخدامه من أساليب في‬
‫ممارسة هذا النشاط أو الجهة القائمة به‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫محاضرات مادة المرفق العام‪ .............................‬د‪ .‬بولقواس سناء‬

‫وجه نقد أيضا لهذا المعيار على أساس أن فيه مخالف لقاعدة جوهرية في القانون‬
‫اإلداري وهي أنه ال يكون لغير جهة اإلدا رة إنشاء وتنظيم المرافق العامة باعتبارها سلطة‬
‫عامة‪ ،‬كما انه أدى للخلط بين المصلحة العامة والمرفق العام‪ ،‬فاألولى يمكن تحقيقها حتى‬
‫من قبل األفراد من خالل نشاطاتهم التي تهدف إلشباع حاجات األفراد‪ ،‬فالمشروع الذي‬
‫يهدف لتحقيق المصلحة العامة ليس حتما من المشاريع التي تقوم اإلدا رة بإنشائها‪ ،‬كما أنها‬
‫أيضا قد ال يكون هدفها تحقيق المصلحة العامة على غرار إدارتها ألموالها الخاصة‪.‬‬
‫‪ .3‬المرفق العام وفقا للمعيار المركب‬
‫المرفق العام حسب المعيار المركب هو‪ ":‬مشروع تتواله اإلدارة إلشباع حاجات عامة‬
‫لألفراد غير مستهدفة في ذلك سوى تحقيق النفع العام" ومن ثم فالمرفق العام " عبارة عن‬
‫مشروعات تنشئها الدولة أو أحد األشخاص اإلدارية األخرى وتديرها أو تعمل تحت إشرافها‬
‫ورقابتها ألداء خدمات عامة للجمهور"‪.‬‬
‫عرف أيضا وفقا لهذا المعيار أنه‪ ":‬كل نشاط تقوم به اإلدارة بنفسها أو بواسطة األفراد‬
‫تحت إشرافها وتوجيهها لغرض إشباع الحاجات العامة"‪،‬وعرف أيضا على أنه‪ ":‬كل مشروع‬
‫يستهدف إشباع الحاجات العامة تعجز المشروعات الفردية عن تحقيقها على وجه مرض‬
‫فتتواله اإلدا رة وتديره إما بنفسها أو أنها قد تعهد به إلى أفراد يديرونه تحت إشرافها ورقابتها"‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬أركان المرفق العام‬
‫بناء على ما سبق فالمرفق العام يقوم على عدة أركان يتعين توافرها حتى يتحقق وجوده‬
‫وهي على النحو التالي‪:‬‬
‫أ‪ .‬المرفق العام نشاط منظم يمارس بواسطة مشروع‬

‫‪3‬‬
‫محاضرات مادة المرفق العام‪ .............................‬د‪ .‬بولقواس سناء‬

‫المرفق العام عبا رة عن نشاط في شكل مشروع أو جهاز أو هيأة أو منظمة تمارسه‬
‫مجموعة من األشخاص هو الموظفون مستخدمة في ذلك جملة من الوسائل المادية‬
‫والقانونية‪ ،‬وينظم هذا المشروع في شكل هيئات متدرجة فهناك الهيئة اإلدارية العليا والتي‬
‫تضطلع بمهمة التوجيه العام للنشاط وكذا وضع الخطط الالزمة لذلك ومراقبتها‪ ،‬كما توجد به‬
‫هيئة تنفيذية من خاللها يتم تنفيذ الق اررات والخطط التي توضع من اإلدارة العليا‪ ،‬وايصال‬
‫كل ما يتعين على المرفق العام آداه من خدمات لجمهور المنتفعين‪ ،‬ويتم إدارة المشروع‬
‫باستخدام أساليب ووسائل القانون العام‪ ،‬كالق اررات اإلدارية والتنفيذ المباشر‪ ،‬ونزع‬
‫الملكية‪..‬الخ‪،‬‬
‫ب‪ .‬خضوع المرفق العام إلشراف اإلدارة‬
‫يرتبط المرفق العام باإلدارة العامة المركزية أو الالمركزية سواء من حيث إنشائه أو‬
‫تسييره وادارته أو إلغائه‪ ،‬فالمرافق العامة الوطنية ترتبط بالسلطات اإلدارية المركزية‪ ،‬والمرافق‬
‫العامة المحلية تتبع وحدات اإلدارة الالمركزية (الوالية والبلدية) وتخضع لوصايتها‪ ،‬ومسؤولية‬
‫اإلدارة عن المرفق أو المشروع تقتضي أن تقوم هذه األخيرة بنفسها ومن خالل موظفيها‬
‫وأموالها بإدارة المشروع وتسييره‪ ،‬وهذا يقتضي أيضا أن تكون هي من قامت بإنشاء المشروع‬
‫إبتداء‪ ،‬إال أن مسألة إدارة المرافق العامة يمكن أن تقرر السلطة اإلدارية عدم قيامها بإدارته‬
‫بصورة مباش رة‪ ،‬فقد تقوم بإسناد مهمة إدارته لشركة أو فرد أو هيئة خاصة نيابة عنها‪ ،‬لكن‬
‫هذه اإلدا رة تتم في كل األحوال تحت رقابتها واشرافها وتوجيهها بما يتفق دائما مع تحقيق‬
‫المصلحة العامة‪ ،‬أي أن المرفق العام يخضع مباش رة أو بطريقة غير مباش رة لسلطة إدارية‪.‬‬
‫ج‪ .‬استهداف تحقيق النفع العام بانتظام واطراد‬

‫‪4‬‬
‫محاضرات مادة المرفق العام‪ .............................‬د‪ .‬بولقواس سناء‬

‫الهدف من إنشاء المرافق العامة هو تحقيق الصالح العام أو النفع العام‪ ،‬والذي يتمثل‬
‫في إشباع حاجات عامة أو تقديم خدمات للمواطنين‪ ،‬وقد تأخذ األخي رة شكل خدمات أو‬
‫حاجات مادية كتوريد الماء أو الكهرباء أو توفير وسائل المواصالت‪...‬الخ‪ ،‬كما أنها قد تكون‬
‫معنوية تحقق النفع العام للمواطنين بطريقة غير مباشرة كما هو الشأن بالنسبة للمنفعة‬
‫العمومية التي تحققها على سبيل المثال‪ :‬مرافق األمن والدفاع‪...‬الخ‪ ،‬أو بعبارة أخرى الحفاظ‬
‫على النظام العام بمدلوالته الثالث‪.‬‬
‫يتعين أن تكون ا لمصلحة التي يستهدفها نشاط المرفق العام مصلحة عامة ال خاصة‪،‬‬
‫وقد اختلف فقهاء القانون اإلداري في تحديد طبيعة النفع العام‪ ،‬فيرى البعض أن المشروعات‬
‫التي تنشئها السلطة اإلدارية تعد مرافقا عامة ألنها تحقق النفع العام في صورته العامة‪ ،‬أي‬
‫أنها تستهدف وجها من وجوهه والتي يعجز األفراد عن القيام بها‪ ،‬أو التي ال يستطعون القيام‬
‫بها على الوجه األفضل‪ ،‬ومن ثم فإن المشروعات االقتصادية التي تنشئها اإلدارة ال تعد‬
‫مرافق عامة إذا ما كانت تهدف فقط لتحقيق الربح‪ ،‬وهذا ال يقتضي بالضرورة أن المقصود‬
‫من عدم استهداف الربح أن تكون خدمات المرفق العام مجانية‪ ،‬فيمكن لإلدارة أن تفرض‬
‫مقابل أداء بعض الخدمات رسوما معينة ليس بقصد تحقيق الربح‪ ،‬وانما مراعاة العتبارات‬
‫أخرى كتغطية جانب من نفقات تأدية تلك الخدمة‪ ،‬أو لضمان جدية طلبها‪ ،‬وحتى يكون‬
‫توزيع األعباء على المواطنين عاما‪ ،‬ومن ثم تكون هناك مساهمة للمرتفقين في نفقات المرفق‬
‫العمومي‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫محاضرات مادة المرفق العام‪ .............................‬د‪ .‬بولقواس سناء‬

‫يرى هذا االتجاه أيضا أنه متى كانت بعض المرافق السيما االقتصادية منها تحقق‬
‫بالضرورة أرباحا‪ ،‬فإنه يتعين أن ال يكون تحقيق هذا الربح في حد ذاته هو الهدف‪ ،‬إال إذا‬
‫كان تحقيق هذا الربح هو لغاية تحقيق النفع العام‪ ،‬ومن ثم فالمشروعات االقتصادية التي يتم‬
‫إنشاؤها من قبل السلطة اإلدارية ال تعد مرافقا عامة إال إذا كان الغرض من إنشائها هو‬
‫توجيه النشاط الخاص وتجنب عيوبه‪ ،‬بما يحقق أهداف السلطة المركزية‪ ،‬وال يمكن اعتبارها‬
‫مرافقا عامة متى كان هدفها الوحيد هو تحقيق الربح ومنافسة المشروعات الخاصة الموجودة‬
‫في هذا الصدد‪.‬‬
‫يرى البعض اآلخر من الفقه أنه ال يشترط أن يكون النفع العام الذي يتحقق من خالل‬
‫المرافق العامة نفعا ال يمكن للنشاطات الخاصة أن تقوم بتحقيقه‪ ،‬فكل مشروع حسبهم سواء‬
‫كان إداريا أو اقتصاديا تقوم السلطة اإلدارية بإنشائه يحقق النفع العام فإنه يعد مرفقا عاما‪،‬‬
‫بغض النظر فيما إذا كان هذا النفع يمكن تحقيقه من قبل المشروعات الخاصة أم ال‪.‬‬
‫د‪ .‬الخضوع لنظام قانوني استثنائي‬
‫لما كانت المرافق العامة كما سبق اإلشا رة إليها سابقا هي األساس الرئيسي للقانون‬
‫اإلداري‪ ،‬فإنها حتما تخضع لنظام قانوني مختلف عن الذي يحكم القطاع الخاص في نشاطه‬
‫وأنشطة األفراد‪ ،‬وهو ما يتجلى أساسا في المبادئ األساسية التي تحكم المرافق العامة‪ ،‬غير‬
‫أن بعض الفقهاء يرون بأن هذا العنصر ليس بالشرط األساسي لوجود المرافق العامة‪ ،‬وانما‬
‫هي تحصيل حاصل نتيج ة لثبوت صفة المرفق العام للمشروع بعد توافر العناصر الثالثة‬
‫السالفة الذكر‪ ،‬كما أن المرافق العامة في الوقت الحاضر لم تعد مرافق إدارية بحتة‪ ،‬فهناك‬
‫المرافق العامة االقتصادية والتي تخضع في جزء منها لقواعد وأحكام القانون الخاص دون أن‬
‫تفقد صفتها األساسية كمرافق عامة‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬أنواع المرافق العامة‪:‬‬

‫‪6‬‬
‫محاضرات مادة المرفق العام‪ .............................‬د‪ .‬بولقواس سناء‬

‫تختلف تقسيمات أنواع المرافق العامة باختالف الزاوية أو المعيار الذي ينظر فيه للمرفق‬
‫العامة‪ ،‬فهناك تقسيمات للمرافق العامة بحسب طبيعتها‪ ،‬وهناك تقسيم لها بحسب المعيار‬
‫اإلقليمي‪ ،‬وكذا معيار أداة إنشائها وأخي ار معيار مدى تمتعها بالشخصية المعنوية‪ ،‬نفصل في‬
‫ذلك على النحو التالي‪:‬‬
‫‪ .1‬تقسيم المرافق العامة بحسب طبيعتها‬
‫أ‪ .‬المرافق العامة اإلدارية‬
‫المرافق العامة اإلدارية هي أول أنواع المرافق العامة وأقدمها‪ ،‬وعلى الرغم من أنها تعد‬
‫المرافق ا لعامة التقليدية التي نشأت لجانبها في مرحلة الحقة أنواع أخرى بتدخل الدولة‪ ،‬إال‬
‫أن بعض الفقه لم يستطع وضع تعريف لها يحدد أركانها األساسية ولذا عرفت بطريقة‬
‫االستبعاد فكل ما ال يعد مرفقا عاما اقتصاديا فهو مرفق عام إداري‪ ،‬وهناك فقهاء ركزوا في‬
‫تعريفهم لها على نوعية األنشطة التي تقوم بها‪ ،‬ومن ثم نكون بصدد مرافق عامة إدارية في‬
‫كل األنشطة التي ال يباشرها األفراد إما لعدم اإلقبال عليها النعدام أو قلة عائداتها‪ ،‬أو لعدم‬
‫قدرتهم على تحمل أعبائها‪ ،‬واما لخطورتها على سالمة وأمن الدولة سياسيا واقتصاديا في‬
‫حالة ما تركت في يد األفراد على غرار‪ :‬مرفق الدفاع والقضاء‪...‬الخ‪.‬‬
‫من بين التعاريف التي جئ بها للمرافق العامة اإلدارية أنها‪ ":‬المرافق التي تنشئها‬
‫اإلدارات العامة لممارسة وظيفتها اإلدارية والمتمثلة أساسا في‪ :‬النشاط التقليدي للدولة في‬
‫مجاالت التعليم والصحة والدفاع واألمن ‪....‬الخ"‪.‬‬
‫تخضع المرافق العامة اإلدارية لنظام إداري تسوده قواعد القانون اإلداري بما تتسم به‬
‫من أساليب السلطة العامة في تنظيمها أو نشاطها أو وسائلها أو منازعاتها‪ ،‬وبذلك تعتبر‬
‫أموالها أمواال عامة‪ ،‬وموظفوها موظفون عموميون‪ ،‬وق ارراتها إدارية وعقودها عقود إدارية‪.‬‬
‫ب‪ .‬المرافق العامة االقتصادية‬
‫ظهرت الم رافق العامة االقتصادية نتيجة لتدخل الدولة في المجاالت الصناعية‬
‫والتجارية‪ ،‬والتي هي في األصل من اختصاص القطاع الخاص واهتمام األفراد‪ ،‬فبعد اتساع‬

‫‪7‬‬
‫محاضرات مادة المرفق العام‪ .............................‬د‪ .‬بولقواس سناء‬

‫النشاط اإلداري بعد الحربين ال عالميتين تم تعديل مفهوم المرفق العام الضطرار الدولة التدخل‬
‫في مختلف المجاالت السيما االقتصادية والتجارية‪ ،‬وكان ظهورها ابتداء من سنة ‪1921‬‬
‫وكانت بداية القضاء اإلداري في هذا الخصوص في قرار محكمة التنازع الفرنسية في ‪22‬‬
‫جانفي ‪ 1921‬في قضية ‪ Bac d’Eloka‬والذي بموجبه تم إخضاع هذه المرافق ألحكام‬
‫القانون الخاص والختصاص القضاء العادي‪ ،‬وقد صدرت في مرحلة الحقة العديد من‬
‫الق اررات والتي كانت في مجملها متعلقة بمعايير التمييز بين المرافق العامة الصناعية‬
‫والتجارية والمرافق العامة اإلدارية‪.‬‬
‫لقد أكدت األحكام القضائية على أنه يوجد لجانب المرافق العامة اإلدارية نوع آخر من‬
‫المرافق وهي المرافق العامة الصناعية والتجارية والتي تتم إدارتها بشكل مباشر من قبل أحد‬
‫أشخاص القانون العام ال أحد أشخاص القانون الخاص كما هو الحال في عقد االمتياز‬
‫وتخضع في منازعتها الختصاص القضاء العادي‪ ،‬وبناء على ما سبق عرفت المرافق‬
‫االقتصادية أنها‪ ":‬مرافق ال تختلف بطبيعتها عن نوع وجنس األنشطة التي يقبل عليها‬
‫األفراد‪ ،‬فهي تمارس نشاطا اقتصاديا سواء كان ماليا أو صناعيا أو تجاريا أو زراعيا‪ ،‬أي‬
‫أنها تمارس نشاطا من طبيعة صناعية أو تجارية مثل مرفق البريد والهاتف والكهرباء‪..‬الخ"‪.‬‬
‫عرفت أيضا بأنها‪ ":‬مجموعة من المرافق العمومية التي تمارس نشاطا يهدف تحقيق‬
‫حاجة عامة صناعية أو تجارية مثلها في ذلك مثل النشاط الذي تمارسه األشخاص الخاصة‬
‫وهي تخضع في ذلك لمزيج من قواعد القانون العام والخاص ومن أمثلة المرافق العمومية‬
‫الصنا عية والتجارية المرافق المتعلقة بالنقل الجوي أو بالسكك الحديدية أو مرفق البريد‬
‫والمواصالت‪ ،‬مرافق توريد الماء‪ ،‬الغاز والكهرباء‪....‬الخ"‪.‬‬
‫يتميز النظام القانوني للمرافق االقتصادية بطبيعة مختلطة من حيث الخضوع لقواعد‬
‫القانون اإلداري وقواعد القانون الخاص‪ ،‬هذا األخير ألنها تعمل في ظروف مماثلة‬
‫للمشروعات الخاصة وتخضع للمنافسة‪ ،‬لذا كان ل زاما تحريرها من الخضوع ألحكام القانون‬

‫‪8‬‬
‫محاضرات مادة المرفق العام‪ .............................‬د‪ .‬بولقواس سناء‬

‫العام لما تتسم به إجراءاته من طول وتعقيد وهو ما ال يتالءم مع ما تتطلبه األعمال التجارية‬
‫من سرعة وائتمان‪ ،‬نوضح ذلك على النحو التالي‪:‬‬
‫‪ -‬تخضع المرافق العامة االقتصادية للقانون العام بالنسبة لما يلي‪:‬‬
‫‪ -‬تخضع لبعض قواعد القانون العام باعتبارها مرافق عامة على غرار أنها ملزمة باحترام‬
‫المبادئ األساسية للمرافق العامة والتي تقتضي سير الم رافق العامة بانتظام واطراد‪ ،‬المساواة‬
‫بين المنتفعين‪ ،‬وكذا قابليتها لل تغيير بما يتالءم مع الظروف الجديدة‪...‬الخ‪.‬‬
‫‪ -‬تنظيم المرفق العام‪ :‬فالق اررات التي تصدر لتنظيمها ق اررات إدارية خاضعة للقانون العام‪.‬‬
‫‪ -‬المنازعات الناشئة عن تعديل الرسوم هي من صالحيات القضاء اإلداري الرتباطها بتنظيم‬
‫المرفق العام‪.‬‬
‫‪ -‬األعمال الناتجة عن استعمال امتيازات السلطة العامة من تحصيل الرسوم تعتبر أعماال‬
‫إدارية‪.‬‬
‫‪ -‬العقود التي تبرم مع األشخاص غير المستفيدين هي عقودا إدارية متى تضمنت شروطا‬
‫غير مألوفة في مفهوم القانون الخاص‪.‬‬
‫‪ -‬تخضع المرافق العامة االقتصادية للقانون الخاص بالنسبة لنشاطها بالنسبة لما يلي‪:‬‬
‫‪ -‬الق اررات غير التن ظيمية التي تصدرها السلطات المختصة تخضع للقانون الخاص‪ ،‬على‬
‫غرار رفض االشتراك في الكهرباء‪.‬‬
‫‪ -‬المنازعات الناشئة بين المرفق والعاملين فيه من اختصاص القضاء العادي‪.‬‬
‫‪ -‬العالقة بين المرفق العام وبين المستفيدين خاضعة للقانون الخاص‪ ،‬كذلك نظامها المالي‬
‫ودعاوى المسؤولية التي قد تترتب على نشاطها‪.‬‬
‫‪ -‬العقود التي برمها المرافق العامة االقتصادية خاضعة للقانون الخاص كقاعدة عامة‪،‬‬
‫والعاملون بالمرافق االقتصادية هم عمال ال موظفون عموميون باستثناء وظائف القيادة‬
‫والمحاسبة العامة ويخضعون ألحكام قانون العمل‪.‬‬
‫‪ -‬المرافق العامة االقتصادية ال تعمل مجانا‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫محاضرات مادة المرفق العام‪ .............................‬د‪ .‬بولقواس سناء‬

‫للتمييز بين المرافق العام االقتصادية والمرافق العامة اإلدارية ظهرت العديد من‬
‫المعايير الفقهية‪ ،‬على غرار معيار طبيعة النشاط‪ ،‬ومعيار الهدف‪ ،‬ومعيار القانون المطبق‪،‬‬
‫إال أن القضاء اإلداري في فرنسا لم يأخذ بمعيار واحد وانما أخذ بمعيار يقوم على عنصرين‪:‬‬
‫‪ -‬العنصر األول‪ :‬يعتمد على موضوع وطبيعة النشاط الذي يمارسه المرفق االقتصادي الذي‬
‫يتماثل مع النشاط الخاص‪ ،‬أي عمليات صناعية وتجارية تتوفر فيها إمكانية تحقيق الربح‪،‬‬
‫فإذا كانت ا لخدمات التي تؤديها مجانية أو كان مقابلها غير متكافئ مع النفقات التي تكبدها‬
‫المرفق استبعدت الصفة التجارية‪.‬‬
‫العنصر الثاني‪ :‬يتعلق بطرق تنظيم وتسيير المرفق في ظل ظروف مماثلة لظروف عمل‬
‫المشروعات الخاصة‪.‬‬
‫ج‪.‬المرافق العامة المهنية‬
‫تضطلع هذه األخيرة بتنظيم ومراقبة بعض األعمال لمهن داخل الدولة‪ ،‬ويقوم بهذا‬
‫التنظيم أصحاب المهن أي المنخرطين فيها في شكل تنظيمات نقابية‪ ،‬ومن أمثلة المرافق‬
‫المهنية‪ :‬نقابة المحامين‪...‬الخ‪.‬‬
‫تتمتع المرافق العامة المهنية بالشخصية المعنوية واالستقالل المالي‪ ،‬وقد منحها المشرع‬
‫حقوقا والتزامات هي كتلك الممنوحة للسلطة العامة‪ ،‬بهدف تنظيم المهنة ورعاية مصالح‬
‫أعضائها‪ ،‬وتؤدي المرافق المهنية دو ار هاما في تحقيق الصالح العام‪ ،‬لكونها متخصصة في‬
‫مجال معين‪.‬‬
‫د‪ .‬المرافق العامة االجتماعية‬
‫تستهدف تحقيق خدمات اجتماعية للجمهور‪ ،‬ومثالها مراكز الضمان االجتماعي والتقاعد‬
‫ومراكز الراحة‪ ،‬ويحكمها قواعد القانون العام والخاص‪ ،‬حتى أن النظر في منازعاتها موزع‬
‫بين القضائين اإلداري والعادي‪ ،‬وقد توسعت الدول في إنشائها بعد الحرب العالميتين األولى‬
‫الثانية بالنظر لآلثار التي رتبتها على الجانب االجتماعي‪.‬‬
‫‪ .2‬تقسيم المرافق العامة بحسب المعيار اإلقليمي‬

‫‪10‬‬
‫محاضرات مادة المرفق العام‪ .............................‬د‪ .‬بولقواس سناء‬

‫أ‪ .‬المرافق العامة الوطنية‪:‬‬


‫هي مرافق يمتد نشاطها ليشمل كل التراب الوطني‪ ،‬ومثالها‪ :‬مرفق العدالة‪ ،‬ومرفق‬
‫الصحة‪ ،‬ومرفق الدفاع‪ ،‬لذا تبقى خاضعة إلشراف ورقابة الدولة من خالل الو ازرات وهذا‬
‫لضمان آدائها للخدمات الموكلة لها تحقيقا لمبدأ المساواة في الوصول للخدمات‪.‬‬
‫ب‪ .‬المرافق العامة المحلية‪:‬‬
‫هذا النوع من المرافق العامة تنشأ إما الوالية أو البلدية‪ ،‬بحسب احتياجاتها المحلية‪،‬‬
‫ويكون مجال اختصاصها محددا باإلقليم التابع لها‪ ،‬وينتفع بالخدمات المقدمة منها سكان‬
‫ذلك اإلقليم‪ ،‬ويرجع السبب في التوسع في إنشاء المرافق العامة المحلية‪ ،‬بالنظر لكون البلدية‬
‫والوالية أقرب للمواطن وأكثر دراية بحاجياته‪.‬‬
‫‪ .3‬تقسيم المرافق العامة بحسب معيار أداة اإلنشاء‬
‫أ‪ .‬المرافق العامة المنشآة بنص تشريعي‬
‫في الغالب ما يتم إنشاء المرافق العامة ذات األهمية بنص تشريعي‪ ،‬وهذا ليمكن‬
‫ألعضاء السلطة التشريعية اإلطالع على نشاط المرفق‪،‬‬
‫ب‪ .‬المرافق العامة المنشأة بنص تنظيمي‬
‫في الغالب ما ينص الدستور على تخويل السلطة التنفيذية صالحية إنشاء المرافق‬
‫العامة‪ ،‬سواء على المستوى المركزي وهنا تنشأ بموجب مرسوم رئاسي‪ ،‬أو بموجب مرسوم‬
‫تنفيذي‪ ،‬كما يحق للوالية والبلدية أن تتولى إنشاء مرافق عامة على المستوى المحلي‪ ،‬تتناسب‬
‫مع احتياجات سكانها‪.‬‬
‫‪ .4‬تقسيم المرافق العامة بحسب معيار إجبارية إنشائها‬
‫أ‪ .‬المرافق العامة اإلختيارية‬
‫القاعدة العامة أن المرافق العامة يتم إنشاؤها بشكل طوعي من الدولة‪ ،‬أي هنا تبرز‬
‫السلطة التقديرية لإلدارة‪ ،‬فلها واسع النظر في وقت إنشائها ومكان ذلك‪ ،‬وطبيعة الخدمات‬
‫التي ستوفرها هذه المرافق وكيفية إدارته‪...‬الخ‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫محاضرات مادة المرفق العام‪ .............................‬د‪ .‬بولقواس سناء‬

‫لقد أخذ المشرع بهذا النوع من المرافق في قانوني الوالية والبلدية الساريي المفعول في‬
‫القانون رقم ‪ 78/91‬في المواد‪ ،979-77 :‬وقانون البلدية رقم ‪ 97/99‬في المواد من‬
‫‪.911-978‬‬
‫ب‪.‬المرافق العامة اإلجبارية‬
‫من خالل تسميتها فعملية إنشائها تكون إجبارية‪ ،‬مثال ذلك مرفق األمن والصحة‪ ،‬ومرد‬
‫إجبارية إنشائها هو الغرض من إنشائها‪ ،‬وقد يورد المؤسس الدستوري نصا بإجبارية هذه‬
‫المرافق العامة‪ ،‬كما قد يرد النص في النصوص القانونية‪ ،‬ويبين في كالهما الجهة التي‬
‫ستتولى إنشاؤها‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬نشأة وتطور المرافق العامة وظهور المرافق العامة االقتصادية‬
‫‪ .1‬في فرنسا‬
‫أرجعتتت نشتتأة الم ارفتتق العامتتة فتتي فرنستتا لحكتتم (بتتاك دالوكتتا) الصتتادر عتتن محكمتتة التنتتازع‬
‫الفرنس ت تتية فت ت تتي ‪ 11‬كت ت تتانون الثت ت تتاني ‪ ،9119‬وتت ت تتتلخص وق ت تتائع هت ت تتذه القضت ت تتية فت ت تتي أن إحت ت تتدى‬
‫المس تتتعمرات الفرنس تتية كان تتت تت تتولى إدارة رص تتيف عل تتى إح تتدى البحيت ترات‪ ،‬وح تتدث أن غرق تتت‬
‫إحدى السفن الصغيرة وتتدعى (دالوكتا) فنجتا معظتم الركتاب‪ ،‬إالن أن الستيارات التتي كانتت علتى‬
‫متتتن الستتفينة غرقتتت‪ ،‬فرفعتتت الشتتركة المالكتتة للستتيارات دعتتوى أمتتام القضتتاء العتتادي للمطالبتتة‬
‫بتتالتعويض عتتن األض ترار التتتي لحقتهتتا‪ ،‬إالن أن إدارة المستتتعمرات أثتتارت مستتألة االختصتتاص‪،‬‬
‫ووصتتل الختتالف إلتتى محكمتتة التنتتازع الفرنستتية‪ ،‬التتتي قتتررت اختصتتاص القضتتاء العتتادي بنظتتر‬
‫الدعاوى التتي يرفعهتا األفتراد‪ ،‬للمطالبتة بتالتعويض عتن األضترار الناشتئة عتن استتغالل الم ارفتق‬
‫العامت تتة االقتصت تتادية التت تتي تعمت تتل فت تتي أوضت تتاع مشت تتابهة لألوضت تتاع التت تتي تعمت تتل بهت تتا المشت تتاريع‬
‫كرس هذا الحكم مجموعة من المبادئ هي‪:‬‬
‫الخاصة‪ .‬وقد ن‬
‫‪ -‬وجود نوع جديد من المرافق العامة له طابع اقتصادي‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫محاضرات مادة المرفق العام‪ .............................‬د‪ .‬بولقواس سناء‬

‫‪ -‬ظه تتور تص تتنيف م تتزدو للم ارف تتق العام تتة‪ ،‬فإم تتا أن نك تتون بص تتدد م ارف تتق عام تتة إداريت تتة‬
‫خاض تتعة للق تتانون اإلداري‪ ،‬وامت تتا م ارف تتق عامت تتة اقتص تتادية‪ ،‬وتخضت تتع ف تتي هت تتذه الحال تتة للقت تتانون‬
‫التجاري‪.‬‬
‫‪ -‬اختصتتاص القضتتاء الع تتادي بنظتتر المنازع تتات التتتي تكتتون الم ارف تتق العامتتة االقتص تتادية‬
‫طرفاً فيها أو متعلقة بنشاطها‪.‬‬
‫وبعد صدور القرار الستابق‪ ،‬ازداد تتدخل الدولتة فتي المجتاالت االقتصتادية بستبب األزمتات‬
‫التي حصلت بعتد الحتربين العتالميتين األولتى والثانيتة‪ ،‬وازداد تعتداد الم ارفتق العامتة االقتصتادية‬
‫نتيجتتة لتتذلك‪ ،‬ألنشتتأت الدولتتة مرفتتق التمتتوين‪ ،‬والهيئتتة القوميتتة للفحتتم‪ ،‬والهيئتتة القوميتتة لمشتتتقات‬
‫الوقود‪ ،‬وكذلك العمل في مجال النقل البحري‪ ،‬بوساطة الناقالت الخاضعة إلشراف الحكومة‪.‬‬
‫لق تتد قام تتت الدول تتة بت تتأميم ع ت نتدة مش تتاريع خاص تتة ب تتين س تتنتي (‪ )9111-9111‬منه تتا بن تتك‬
‫فرنسا‪ ،‬وبعض مشاريع الغاز والكهرباء‪ ،‬فضالً عن إنشاء المؤسستة القوميتة للحبتوب وعتدد متن‬
‫الشركات العامة في مجال النفط‪ ،‬والكيماويات واألدوية وانشاء هيئة الفحم الفرنسية‪.‬‬
‫بداية الثمانينات من القرن الماضتي تتم تتأميم عتدد كبيتر متن المشتاريع الصتناعية‪ ،‬وأنشتأت‬
‫الدولتتة تبع تاً لتتذلك م ارفتتق عامتتة اقتصتتادية‪ ،‬أختتذت شتتكل الشتتركات العامتتة وشتتركات االقتصتتاد‬
‫المختتلط‪ ،‬وكتتان ذلتك بهتتدف حتتل المشتاكل التتتي كتان يعتتاني منهتتا االقتصتاد الفرنستتي‪ :‬كالبطالتتة‬
‫وضعف المردودية‪...‬الخ‪.‬‬
‫بعتتد فت ترة عتتادة األفكتتار االقتصتتادية الليبراليتتة‪ ،‬إذ شتتهد منتصتتف الثمانينتتات ت ارجتتع تتتدخل‬
‫الدولتتة فتتي المجتتال االقتصتتادي‪ ،‬وخضتتوع نشتتاط الم ارفتتق العامتتة االقتصتتادية لقواعتتد المنافستتة‪،‬‬
‫كما استعانت الدولة بالقطاع الخاص إلدارة هذه الم ارفتق‪ ،‬كمتا لجتأت الدولتة لخصخصتة بعتض‬
‫الشتتركات العامتتة‪ ،‬متتن أجتتل تقلتتيص دور القطتتاع العتتام فتتي ممارستتة النشتتاط االقتصتتادي‪ ،‬وهنتتا‬
‫بتترزت الحاجتتة إليجتتاد إطتتار قتتانوني متكامتتل يتتوفر بيئتتة مناستتبة للمنافستتة‪ ،‬ورفتتع الح تواجز بتتين‬
‫األسواق العالمية‪ ،‬مع وجود ش ركات عالمية تملك قدرة كبيرة على المنافسة‪.‬‬
‫‪ .2‬في مصر‬

‫‪13‬‬
‫محاضرات مادة المرفق العام‪ .............................‬د‪ .‬بولقواس سناء‬

‫المرحلة األولى‪ :‬من ‪ 1592‬إلى ‪1591‬‬


‫قبل ثورة ‪ ،9111‬كان المشتروع الفتردي أستاس االقتصتاد القتومي فيهتا‪ ،‬كمتا أن التشتريعات‬
‫التتتي صتتدرت قبتتل الثتتورة استتتهدفت حمايتتة الملكيتتة ال أرستتمالية والحريتتة االقتصتتادية‪ ،‬علتتى التترغم‬
‫متتن قيتتام الدولتتة بتتبعض األنشتتطة االقتصتتادية بستتبب األزمتتات التتتي خلفتهتتا الحتربين العتتالميتين‬
‫األولى والثانية‪.‬‬
‫بع تتد قي تتام ث تتورة س تتنة ‪ ،9111‬ب تتدأت الدول تتة تت تتدخل ف تتي المج تتاالت االقتص تتادية‪ ،‬وأنش تتأت‬
‫مشتتاريع جديتتدة أو ستتاهمت فتتي مشتتاريع قائمتتة‪ ،‬وبستتبب اتستتاع حجتتم القطتتاع العتتام أصتتبح متتن‬
‫الض تتروري إنش تتاء مؤسس تتات عام تتة تت تتولى تنس تتيق السياس تتة االقتص تتادية للدول تتة‪ ،‬ول تتذلك ص تتدر‬
‫القتتانون رقتتم (‪ )11‬لستتنة ‪ ،9118‬التتذي نظتتم ألول م ترة أحكتتام المؤسستتات العامتتة‪ ،‬وبعتتد ذلتتك‬
‫صتتدر الق تتانون رق تتم (‪ )111‬لس تتنة ‪ ،9117‬ال تتذي نظ تتم أحك تتام المؤسس تتات العام تتة ذات الط تتابع‬
‫االقتصادي‪.‬‬
‫المرحلة الثانية‪ :‬من ‪ 1591‬إلى ‪1591‬‬
‫بص تتدور ق ت توانين ‪9119‬اإلشت تتتراكية‪ ،‬بل تتغ تت تتدخل الدولت تتة ف تتي المجت تتال االقتصت تتادي ذروتت تته‪،‬‬
‫وقامتتت بتتتأميم الجتتزء األكبتتر متتن أدوات اإلنتتتا ‪ ،‬والستتيطرة علتتى تجتتارة القطتتن‪ ،‬كمتتا صتتدرت‬
‫مجموعتة متتن التشتريعات تتتم بموجبهتا تتتأميم جميتتع البنتتوك‪ ،‬وشتركات التتتأمين وشتتركات المالحتتة‬
‫البحرية‪ ،‬وعدد كبير من الشركات الصناعية تأميماً كامال‪.‬‬
‫وباتستتاع حجتتم القطتتاع العتتام كتتان ل ازمتتا علتتى الدولتتة التتتدخل‪ ،‬فصتتدرت تش تريعات لتنظتتيم‬
‫أحكتتام المؤسستتات العامتتة‪ ،‬وتمييزهتتا عتتن غيرهتتا‪ ،‬وانتهتتى تطتتور المؤسستتات العامتتة فتتي مصتتر‬
‫بإلغائهتتا بموجتتب القتتانون رقتتم (‪ )999‬لستتنة ‪،9181‬متتن أجتتل وضتتع حتتد الستتتنزاف الم توارد الماليتتة‪.‬‬
‫المرحلة الثالثة‪ :‬ما بعد عام ‪1591‬‬
‫انتهجت الدولة سياسة االنفتاح االقتصتادي‪ ،‬لتفعيتل دور القطتاع الختاص‪ ،‬وتحفيتز المتوارد‬
‫الماليتتة الوطنيتتة لالتجتتاه نحتتو االستتتثمار‪ ،‬فصتتدر القتتانون رقتتم (‪ )11‬لستتنة ‪ ،9181‬وغي تره متتن‬
‫التشريعات األُخرى لتشجيع االستثمار في مصر‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫محاضرات مادة المرفق العام‪ .............................‬د‪ .‬بولقواس سناء‬

‫كمتتا صتتدرت تش تريعات ستتمحت للقطتتاع الختتاص باستتتغالل م ارفتتق عامتتة حيويتتة‪ ،‬بوستتاطة‬
‫عقود االمتياز‪ ،‬كما قامت مصتر بإعتادة هيكلتة مرفتق الكهربتاء فتي أواختر التستعينات‪ ،‬لتشتجيع‬
‫القطتتاع الختتاص علتتى المشتتاركة فتتي مجتتال توليتتد الطاقتتة الكهربائيتتة عتتن طريتتق عقتتود البنتتاء‬
‫والتشغيل والتحويل (‪ ،)B.O.T‬ضف لتذلك عتدمت مصتر لخوصصتة عتدد كبيتر متن الشتركات‬
‫العامة‪ ،‬من أجل تقليص حجم القطاع العام‪.‬‬
‫‪.3‬في لبنان‬
‫كانتت أغلتتب هتتذه الم ارفتتق فتتي لبنتتان تتتدار متن قبتتل أشتتخاص القتتانون الختتاص‪ ،‬عتتن طريتتق‬
‫عقود االمتياز‪ ،‬مثل مرفق نقل الكهرباء‪ ،‬وتوزيع المياه‪ ،‬وادارة مرفتأ بيتروت‪...‬التخ‪ ،‬وبعتد موجتة‬
‫الت تتأميم الت تتي ح تتدثت ف تتي خمس تتينات‪ ،‬اس تتتردت الدول تتة ع تتدد كبيت ت ار م تتن الم ارف تتق الم تتدارة بعق تتود‬
‫االمتيتتاز‪ ،‬وأنشتتأت مؤسستتات عامتتة إلدارة هتتذه الم ارفتتق العامتتة االقتصتتادية المستتترجعة‪ ،‬والتتتي‬
‫أظهتترت فتتي التطبيتتق العمل تتي ستتلبيات‪ ،‬بستتبب ضتتعف كفت تاءة اإلدارة‪ ،‬والعجتتز المتتالي الم تتزمن‬
‫التتذي كانتتت تعتتاني منتته هتتذه المؤسستتات‪...‬التتخ‪ ،‬األمتتر التتذي دفعهتتا لخوصصتتة بعضتتها‪ ،‬ودمتتج‬
‫التتبعض اآلختتر بتتالو ازرات وتعزيتتز دور القطتتاع الختتاص فتتي إدارة الم ارفتتق العامتتة االقتصتتادية‪،‬‬
‫فضالً عن تحديث التشريعات المنظمة لهذه المؤسسات‪.‬‬
‫‪.1‬في العراق‬
‫المرحلة األولى‪ :‬من ‪ 1591‬إلى ‪1599‬‬
‫قب تتل س تتنة ‪ ،9111‬ك تتان ت تتدخل الدول تتة ف تتي المج تتاالت االقتص تتادية واالجتماعي تتة مح تتدودا‪،‬‬
‫بس ت تتبب ع ت تتدم االس ت تتتقرار السياس ت تتي ال ت تتذي ش ت تتهدته بع ت تتد ث ت تتورة ‪ ،9117‬ال ت تتذي أض ت تتعف النظ ت تتام‬
‫االقتصادي للدولة‪ ،‬وبعتد ستنة ‪ 9111‬تتدخلت الدولتة فتي كتل المجتاالت‪ ،‬وصتدرت قتوانين ستنة‬
‫‪ ، 9111‬التتتي أطلتتق عليهتتا قتوانين اإلشتتتراكية‪،‬وتم بموجبهتتا تتتأميم (‪ )11‬شتتركة خاصتتة كمرحلتتة‬
‫أولى ‪.‬‬
‫وبستتبب اتس تتاع حج تتم القطتتاع الع تتام ص تتدر ق تتانون المؤسستتة االقتص تتادية رق تتم (‪ )17‬لس تتنة‬
‫‪ ،9111‬متتن أجتتل تنظتتيم النشتتاط االقتصتتادي للدولتتة‪ ،‬ثتتم أُلغتتي هتتذا القتتانون وحتتل محلتته قتتانون‬

‫‪15‬‬
‫محاضرات مادة المرفق العام‪ .............................‬د‪ .‬بولقواس سناء‬

‫المؤسستتات العامتتة رقتتم (‪ )911‬لستتنة ‪ ،9111‬كمتتا استتتعانت الدولتتة بتتبعض الشتتركات األجنبيتتة‬
‫للمساهمة في تنفيذ بعض المشاريع المهمة‪.‬‬
‫وف تتي بداي تتة الثمانين تتات وبع تتد ان تتدالع الح تترب العراقي تتة اإليراني تتة‪ ،‬انخفض تتت كف تتاءة الم ارف تتق‬
‫العامتة االقتصتتادية‪ ،‬وعجتتزت بعضتتها عتن القيتتام بنشتتاطها‪ ،‬بستتبب توجيته جميتتع المتوارد لخدمتتة‬
‫الحترب‪ ،‬وقيتام الحكومتة بتتاالقتراض متن الختار لستتد العجتز فتي الموازنتتة العامتة‪ ،‬مضتيفة بتتذلك‬
‫ديونتاً جديتدة لتديونها الستابقة‪ ،‬وقتد ستيطر القطتتاع العتام هنتا تبعتا لأليديولوجيتة النظتام السياستتي‬
‫القائم آنذاك‪.‬‬
‫المرحلة الثانية‪ :‬من ‪ 1599‬إلى ‪2003‬‬
‫تمتتت ختتالل هتتذه المرحلتتة الخصوصصتتة لعتتدد متتن المشتتاريع العتتاجزة‪ ،‬وألغيتتت المؤسستتات‬
‫العامتة‪ ،‬وكانتت متوارد الدولتة موجهتتة للجانتب العستتكري‪ ،‬متا أثتتر علتى عمليتتة النمتو االقتصتتادي‬
‫ستتلبا‪ ،‬وفتتي هتتذه المرحلتتة أيضتاً صتتدر قتتانون الشتتركات العامتتة رقتتم (‪ )11‬لستتنة ‪ ،9118‬والتتذي‬
‫أجتتاز فتتي المتتادة (‪ )11‬منتته تحويتتل الشتتركة العامتتة لشتتركة مس تاهمة بموافقتتة مجلتتس التتوزراء‪،‬‬
‫وعلتتى التترغم متتن النمتتو التتذي حققتته االقتصتتاد فتتي هتتذه المرحلتتة‪ ،‬إال أن العقوبتتات التتتي فرضتتت‬
‫كبير بالبنية التحتية وباالقتصاد‪.‬‬
‫ضرر ا‬‫ا‬ ‫على العراق بعد احتالله الكويت‪ ،‬ألحقت‬
‫المرحلة الثالثة‪ :‬ما بعد عام ‪2003‬‬
‫تتتم االهتمتتام بالقطتتاع المصتترفي الستتتئناف النشتتاط االقتصتتادي‪ ،‬وختتالل هتتذه المرحلتتة‬
‫صتتدر الدستتتور االتحتتادي التتدائم عتتام ‪ ،1771‬التتذي اتجتته للحريتتة االقتصتتادية واقتصتتاد الستتوق‬
‫الحر‪ ،‬وفتح األبواب لرأس المال الوطني واألجنبي لالستتثمار فتي الم ارفتق العامتة‪ ،‬تتاله صتدور‬
‫عدة تشريعات لتشجيع االستثمار في كل المجاالت‪.‬‬
‫ال أن المشترع لتتم يعتتالج مستتألة التحتتول متتن االقتصتاد الموجتته القتصتتاد الستتوق الحتتر‪ ،‬ولتتم‬
‫إن‬
‫ُيصدر التشريعات الالزمة لذلك‪.‬‬
‫خامسا‪ :‬المبادئ الحاكمة للمرافق العامة‬
‫‪ .1‬مبدأ مساواة جميع األفراد أمام المرافق العامة‬

‫‪16‬‬
‫محاضرات مادة المرفق العام‪ .............................‬د‪ .‬بولقواس سناء‬

‫يكفل المبدأ لجميع المرتفقين االنتفاع بخدمات المرفق‪ ،‬متى توافرت الشروط الالزمة‬
‫النتفاعهم بخدماته‪ ،‬واقرار هذا المبدأ ال يعني تجريد اإلدارة من حقها في وضع الضوابط‬
‫القانونية التي تراها ضرورية لتنظيم انتفاع المرتفقين بالخدمات التي يقدمها المرفق العام‬
‫يضمن تجسيد عمليا لفكرة المصلحة العامة‪ ،‬كما يتضمن مبدأ المساواة أمام المرافق العامة‬
‫المساواة أمام األعباء العامة أيضا والتي يقتضي أن يكون جميع األشخاص الذين هم في‬
‫وضع مماثل أن تحمل نفس األعباء على غرار‪ :‬المساواة أمام الضرائب والرسوم‪ ،‬وللمساواة‬
‫في عقود االمتياز مظهران‪ ،‬في األول يكون لجميع المرتفقين بالتساوي حق الوصول‬
‫للخدمات التي يقدمها المرفق العام‪ ،‬فكل من يتوافر على الشروط الالزمة لالستفادة ال يمكن‬
‫للملتزم أن تمنعه منها‪ ،‬والثانية متعلقة بالمساواة داخل المرفق العام‪.‬‬
‫‪ .2‬مبدأ سير المرفق العام بانتظام واطراد‬
‫كما سبق لنا اإلشارة فعملية تنشأ إنشاء المرافق العامة هي لغرض واحد‪ ،‬وهو كي تشبع‬
‫حاجات جمهور المرتفقين‪ ،‬المتطورة كما ونوعا‪ ،‬لذلك كان لزاما باسم المصلحة العامة‪ ،‬أن‬
‫تؤدي هذه المرافق خدماتها العامة على نحو يمكن الجمهور من االستفادة منها‪ ،‬من هنا ال‬
‫يمكن تجسيد الهدف من وراء إنشاء هذه المرافق إال بضمان سيرها بانتظام واطراد‪ ،‬ألن‬
‫الحاجات الجماعية التي تنشأ المرافق العامة إلشباعها بشكل كاف‪ ،‬ال تعتبر أنها قد أشبعت‪،‬‬
‫إذا تم هذا اإلشباع بشكل وقتي‪ ،‬أو على فترات متقطعة‪ ،‬بل يجب أن تكون هذا اإلشباع‬
‫بصفة دائمة ومنتظمة‪.‬‬
‫إن أساس مبدأ استم اررية المرفق العا‪،‬م يرتكز على مبدأ دستوري‪ :‬هو تواجد الدولة‪،‬‬
‫ومبدأ سياسي‪ :‬يرتكز على هدف اجتماعي‪ ،‬هو ضرورة تفادي الفوضى‪ ،‬واالجتهاد بدوره‬
‫اعتبر منذ قرار ‪ winkell‬الصادر في‪ 78 :‬أوت ‪" 9171‬إن اإلستم اررية هي جوهر المرفق‬
‫العام"‪.‬‬
‫ال بمبدأ االستم اررية المكرس في االجتهاد الفرنسي وأيضا من قبل المجلس الدستوري‬
‫وعم ً‬
‫الفرنسي‪ ،‬ينبغي على المرفق العام أن يعمل بإستمرار‪ ،‬دون انقطاع ودون تأخير‪ ،‬وعلى‬

‫‪17‬‬
‫محاضرات مادة المرفق العام‪ .............................‬د‪ .‬بولقواس سناء‬

‫اإلدارات العامة تأمين دخول جمهور المرتفقين للمكاتب بشكل منتظم‪ ،‬وضمن وقت العمل‬
‫الرسمي‪ ،‬وان إغالق المكاتب قبل انتهاء الفترة القانونية الرسمية للعمل‪ ،‬يشكل خطأ خدمة‬
‫تسأل عنه اإلدا رة‪ ،‬وال يمكن أن يتوقف المرفق العام إال في العطل الرسمية‪ ،‬وأيضا في حالة‬
‫القوة القاهرة‪.‬‬
‫إذن على المرفق العام أن يعمل دون انقطاع‪ ،‬وهو ما يعني منع اإلضراب على‬
‫الموظفين‪ ،‬كما هو واضح في قرار ‪ ،WINKELL‬أي أن االستم اررية هي من جوهر المرفق‬
‫العام‪ ،‬واإلض راب يتعارض مع طبيعة المرفق العام‪ ،‬و في حال لجوء مجموعة من الموظفين‬
‫لإلض راب‪ ،‬يكون من واجب اإلدا رة اتخاذ تدابير عاجلة لضمان استم اررية اداء المرفق‬
‫لمهامهم‪.‬‬
‫اعتبر هوريو مبدأ سير المرافق العامة بانتظام حق‪ ،‬فالمرتفقون يعولون على المرافق‬
‫العامة ودوام سيرها بانتظام‪ ،‬للحصول على مختلف حاجياتهم‪ ،‬وهذه األخيرة تتأثر سلبا في‬
‫كل حالة يكون فيها خلل في تأديته لمهامه‪ ،‬أو حتى توقف عن تأديتها‪ ،‬وقد تلحقه أضرار‬
‫جراء ذلك‪ ،‬فتعطل أو توقف مرفق النقل فاألمر سنعكس سلبا على الموظفين وكذا العمال‪،‬‬
‫الذين لن يتمكنوا من االلتحاق بمناصب عملهم‪ ،‬األمر الذي قد يرتب نتائج سلبية على‬
‫االقتصاد‪ ،‬وعلى عمل اإلدارة‪ ،‬ما يؤثر على سيرورة العمل اإلداري‪...‬الخ‪ ،‬من هنا يبرز لنا‬
‫أهمية هذا المبدأ من بين المبادئ الضابطة لسير المرافق العامة‪ ،‬ألن غاية الغايات من‬
‫المرافق العامة تحقيق المنفعة العامة‪ ،‬وأداء الخدمات األساسية للجمهور‪.‬‬

‫يقتضي هذا المبدأ قيام األشخاص الذين يتولون إدارة المرفق العام ضمان تقديم الخدمات‬
‫للمرتفقين بشكل منتظم‪ ،‬فكل توقف من قبلها ولو كان مؤقتا سيرتب أثا ار سلبية عليهم‪ ،‬ليس‬
‫التوقف فقط حتى التأخير يؤثر على حسن سير المرفق العام بانتظام واطراد‪ ،‬ويستمد هذا‬
‫الحق من السلطة التنظيمية التي تتمتع بها الدولة المضيفة أو الجهة اإلدارية المتعاقدة بصفة‬

‫‪18‬‬
‫محاضرات مادة المرفق العام‪ .............................‬د‪ .‬بولقواس سناء‬

‫عامة بموجب النصوص القانونية المنظمة لسير المرافق العامة‪ ،‬ويقر القضاء اإلداري وفقه‬
‫القانون العام أنه قد ترتب على هذا المبدأ تنظيم اإلضراب في المرافق العامة‪ ،‬وتنظيم استقالة‬
‫الموظفين‪ ،‬ونظرية الموظف الفعلي ونظرية الظروف الطارئة‪...‬الخ‪ ،‬لذا من الضروري إيالءه‬
‫أهمية عند تنفيذ العقد ومواجهة كل اإلشكاالت التي تحول دون تحققه‪.‬‬
‫أ‪ .‬تقييد الحق في ممارسة اإلضراب‬
‫عرف اإلضراب بأنه‪ ":‬امتناع العمال جماعيا‪ ،‬وبصورة مؤقتة عن العمل الواجب عليهم‬
‫بمقتضى عقود العمل‪ ،‬وفي سبيل الضغط على أرباب العمل أو على السلطات العامة‬
‫لتحقيق مطالب مهنية"‪.‬‬
‫يتميز اإلضراب بالخصائص التالية‪:‬‬
‫‪ -‬اإلضراب انقطاع عن العمل‬
‫اإلضراب انقطاع جماعي‪ :‬اإلض راب ليس بالعمل الفردي‪ ،‬فهو عمل جماعي يفترض االتفاق‬
‫المسبق بين عدة أشخاص‪ ،‬ويتميز هذا االنقطاع بأنه ذو طابع مؤقت‪.‬‬
‫‪ -‬اإلضراب يهدف لتحقيق مطالب اجتماعية ومهنية‪ :‬على غرار‪ :‬المطالبة بزيادة في‬
‫األجور أو تحسين شروط العمل‪...‬الخ‪.‬‬
‫القانون رقم ‪ 71/17‬المتعلق بالوقاية من المنازعات الجماعية في العمل وتسويتها‬
‫وممارسة حق اإلضراب المعدل والمتمم‪ ،‬حدد المصالح والقطاعات التي يتعين أن توفر حدا‬
‫أدنى من الخدمة في نص المادة ‪ 17‬منه‪ 1،‬وال يمكن ممارسة هذا الحق إال بعد استنفاذ كل‬

‫‪ - 1‬وذلك في المجاالت التالية‪ :‬المصالح االستشفائية‪ ،‬المناوبة ومصالح االستعجاالت وتوزيع األدوية‪ ،‬وفي المصالح‬
‫المرتبطة بسير الشبكة الوطنية للمواصالت السلكية والالسلكية واإلذاعة والتلفزة‪ ،‬وكذلك في المصالح المرتبطة بإنتا‬
‫الكهرباء والغاز والموارد البترولية والماء ونقلها وتوزيعها‪ ،‬وكذلك في المصالح البلدية لرفع القمامة من الهياكل الصحية‬
‫والمسالخ مصالح الم راقبة الصحية بما فيها الصحة النباتية والحيوانية في الحدود والمطارات والموانئ والمصالح البيطرية‬
‫الطاقة المخصصة لتزويد شبكة‬ ‫العامة والخاصة وكذا مصالح التطهير‪ ،‬وكذلك في المصالح المرتبطة مباشرة بإنتا‬
‫المواصالت السلكية والالسلكية وكذلك المصالح الضرورية لسير مراكز العبور في المواصالت السلكية والالسلكية الوطنية‬
‫وصيانة الشبكة الوطنية لإلشارة‪ ،‬وكذلك في المصالح المكلفة بالعالقات المالية مع الخار في البنك والبنوك العمومية‪،‬‬
‫المحروقات ونقلها عبر قنوات الشحن والنقل البحري‪ ،‬وكذلك نقل المحروقات بين‬ ‫وكذلك في المصالح المكلفة بإنتا‬

‫‪19‬‬
‫محاضرات مادة المرفق العام‪ .............................‬د‪ .‬بولقواس سناء‬

‫اإلجراءات والطرق العالجية لتسوية النزاع من وساطة وتحكيم وفي غياب وجود طرق أخرى‬
‫يمكن اللجوء إليه مع احترام ما هو محدد قانونا‪.‬‬
‫ب‪ .‬تنظيم استقالة الموظفين‬
‫على الرغم من تنظيم المشرع لالستقالة في أحكام األمر رقم ‪ ،71/71‬وعلى الرغم من‬
‫كونها حقا‪ ،‬إال أن المشرع لم ينظمها في حقوق وواجبات الموظف‪ ،‬ونظم أحكامها في‬
‫الحاالت التي تنتهي بها الخدمة‪ ،‬ونص في المادة ‪ 198‬على أن االستقالة حق معترف به‬
‫للموظف‪ ،‬يمارس ضمن الشروط المنصوص عليها في هذا القانون األساسي"‪.‬‬
‫االستقالة إرادية وهو ما يميزها عن اإلقالة‪ ،‬وتنطوي على توقف عن القيام بأعمال‬
‫الوظيفة‪ ،‬وتكون بمبادرة من الموظف بطلب كتابي‪ ،‬ولتنظيم استقالة الموظفين قرنها المشرع‬
‫بشروط‪ ،‬ضمانا الستم اررية تأدية المرافق العامة في تأدية مهامها بانتظام واطراد‪ ،‬وهي‬
‫كالتالي‪:‬‬
‫‪ -‬وجود إرادة صريحة من الموظف العام تعبر عن رغبته في االستقالة‪ :‬فنصت المادة‬
‫‪ 197‬من األمر رقم ‪ ،71/71‬المتضمن القانون األساسي العام للوظيفة العمومية على‬
‫أنه‪ ":‬ال يمكن أن تتم االستقالة إال بطلب كتابي من الموظف‪ ،‬يعلن فيه إرادته الصريحة‬
‫في قطع العالقة التي تربطه باإلدارة بصفة نهائية"‪ ،‬ومن ثم البد أن تكون االستقالة دون‬
‫ضغط بل تعبير عن اإل رادة‪ ،‬كما لم يأخذ المشرع باالستقالة الحكمية أو االفتراضية‪ ،‬التي‬
‫يتم استنباطها من تصرفات الموظف العام‪.‬‬

‫السواحل الوطنية‪ ،‬وكذلك في مصالح الشخن والتفريغ المينائية والمطارية ونقل المنتوجات المعترف بخطورتها والسريعة‬
‫التلف أو المرتبطة بحاجيات الدفاع الوطني‪ ،‬وكذلك المصالح المرتبطة بأمن وسائل النقل‪ ،‬وكذلك مصالح النقل‬
‫والمواصالت السلكية والال سلكية المرتبطة بحماية األرواح وعمليات الشحن وانقاذ السفن مباشرة‪ ،‬وكذلك مصالح الدفن‬
‫والمقابر‪ ،‬وكذلك المصالح المكلفة بمراقبة المرور الجوي‪ ،‬وأخي ار مصالح كتابة الضبط في المجالس والمحاكم ‪.‬‬
‫عدلت هذه المادة سنة ‪ 1991‬وأضاف لها المشرع‪:‬‬
‫‪ -‬األنشطة المرتبطة بامتحانات التعليم الثانوي ذات الطابع الوطني وذلك طوال فترة إجرائها‪.‬‬
‫‪ -‬مصالح اإلدارة العمومية التي تتولى األنشطة الدبلوماسية للدولة ‪.‬‬
‫‪ -‬المادة ‪ 7‬من القانون رقم ‪ ،77/91‬المشار إليه سابقا‪.‬‬

‫‪20‬‬
‫محاضرات مادة المرفق العام‪ .............................‬د‪ .‬بولقواس سناء‬

‫‪ -‬صدور قرار بالموافقة على طلب االستقالة‪ :‬نص المشرع في المادة ‪ 9/117‬من األمر‬
‫رقم ‪ 71/71‬على أنه" ال ترتب االستقالة أي أثر إال بعد قبولها الصريح من السلطة المخولة‬
‫صالحيات التعيين‪ ،‬التي يتعين عليها اتخاذ قرار بشأنها في أجل أقصاه شهران ابتداء من‬
‫تاريخ إيداع الطلب" ‪ ،‬ومن ثم البد من موافقة صريحة على الطلب المقدم لالستقالة‪.‬‬
‫بمجرد قبول طلب االستقالة تصبح غير قابلة للرجوع فيها حسب نص المادة ‪1/191‬‬
‫من األمر رقم ‪ ،71/71‬ويكون الرد على طلب االستقالة خالل أجل شهرين ابتداء من تاريخ‬
‫إيداع الطلب‪ ،‬وفي حال الضرورة القصوى للمصلحة منحها المشرع أجل شهرين آخرين للبت‬
‫في طلب االستقالة إذا لم تبت فيه خالل أجل شهرين األوليين‪.‬‬
‫‪ -‬استمرارية الموظف في القيام بواجباته لغاية صدور قرار صريح بقبول طلب االستقالة‪:‬‬
‫فا لموظف ال يفقد صفته هذه بمجرد تقديم طلب االستقالة‪ ،‬إال في حال قبول السلطة التي لها‬
‫صالحية التعيين طلبه‪ ،‬وخنا يلتزم بالقيام بكل التزاماته الوظيفية‪ ،‬تحقيقا للمصلحة العامة‪،‬‬
‫فلو ترك منصب عمله سيخل ذلك بسير المرفق العام بانتظام واطراد‪.‬‬
‫ج‪ .‬نظرية الموظف الفعلي‬
‫نظرية الموظف الفعلي هي نظرية قضائية من ابتداع القضاء اإلداري الفرنسي‪ ،‬للتخفيف‬
‫من الغلو في إلغاء الق اررات اإلدارية الصادرة عن غير الموظفين‪ ،‬والحفاظ على سير المرافق‬
‫العامة بانتظام واطراد‪ ،‬وحماية مصالح الغير حسن النية‪ ،‬فالمرتفقون ال يمكنهم التأكد من‬
‫سالمة الوضع الوظيفي للموظف العام‪ ،‬من جهة أخرى فهذا ضمانة لحماية المصلحة العامة‬
‫والخاصة‪،‬‬
‫نص المشرع في األمر رقم ‪ ، 71/71‬المتضمن القانون األساسي للوظيفة العمومية‪ ،‬في‬
‫المادة ‪ 1‬منه على أنه"‪ :‬يعتبر موظفا كل عون عين في وظيفة عمومية دائمة ورسم في رتبة‬
‫في السلم اإلداري‪ .‬الترسيم هو اإلجراء الذي يتم من خالله تثبيت الموظف في رتبته"‪.‬‬
‫نص المادة السالف الذكر يحدد متى نكون بصدد موظف عام‪ ،‬ودون تحقق تلك الشروط‬
‫ال يمكن الشخص هذه الصفة‪ ،‬لكن القضاء اإلداري المصري والفرنسي‪ ،‬اعترف بصحة‬

‫‪21‬‬
‫محاضرات مادة المرفق العام‪ .............................‬د‪ .‬بولقواس سناء‬

‫بعض التصرفات الصادرة عن بعض األشخاص الذين لم يصدر قرار بتعيينهم في وظيفة‬
‫إدارية‪ ،‬من قبل السلطة المختصة‪ ،‬أو من قرار تعيينهم معيبا‪.‬‬
‫أوردت عديد التعاريف للموظف الفعلي نرد عدد منها على النحو التالي‪:‬‬
‫عرف الموظف الفعلي بأنه‪ ":‬الشخص الذي يقوم بأعمال الوظيفة العامة‪ ،‬سواء صدر‬
‫قرار بتعيينه قرار خاطئ أو معيب‪ ،‬أو لم يصدر بتعيينه قرار إطالقا"‪.‬‬
‫عرفا أيضا بأنه‪ ":‬شخص لم يصدر قرار بتعيينه في الوظيفة العامة‪ ،‬أو صدر قرار‬
‫ولكنه صدر معيبا‪ ،‬وقام بممارسة بعض التصرفات أو االختصاصات المعهودة لموظف‬
‫عام"‪.‬‬
‫كل التعاريف تجمع على أن كل من لم صدر قرار بتعيينه‪ ،‬أو كان قرار تعيينه معيبا‬
‫فهو موظف فعلي‪ ،‬وال ي مكن تطبيق هذه النظرية إال بتوافر الشروط التالية‪:‬‬
‫‪ -‬وجود ظروف استثنائية‪ :‬على غرار الحروب والثورات والكوارث الطبيعية‪ ،‬وهنا يترك‬
‫الموظفون عملهم‪ ،‬أو تهجر تلك المرافق العامة للدولة وتترك بال عمل‪ ،‬فال يوجد من يتولى‬
‫تسيير المرفق العام‪ ،‬فيأتي شخص عادي ليس له عالقة بالوظيفة ويمارس العمل الوظيفي‪.‬‬
‫‪ -‬المحافظة على استمرارية المرافق العامة‪ :‬لتطبيق نظرية الموظف الفعلي البد أن يكون‬
‫الهدف من ذلك هو دوام سير المرافق العامة بانتظام واطراد‪ ،‬وحماية لجمهور المرتفقين‪،‬‬
‫والذين يتعاملون مع اإلدارة وال يمكنه من الظروف معرفة حقيقة الموظف المتعامل معه هل‬
‫هو موظف حقيقي؟ أو موظف فعلي؟ وهنا تبرز الحاجة لالستعانة بمن يقومون بتسيير‬
‫العمل ضمانا لتأدية الخدمات للمنتفعين بالمرفق العام‪.‬‬
‫حتى تكون الق اررات ا إلدارية منتجة ألثارها يتعين أن تتضمن أركان القرار اإلداري‪ ،‬وهنا‬
‫إذا صدر قرار من شخص ال يملك صفة موظف عام فهذا يعد من حاالت اغتصاب‬
‫السلطة‪ ،‬وال نكون أمام قرار إداري‪ ،‬فهو معدوم وباطل بطالنا مطلقا‪ ،‬وهو ما أكدته عديد‬
‫الق اررات القضائية الصاد رة في هذا الشأن‪ ،‬وهو ما أكده مجلس الدولة الفرنسي والذي اعتبر‬
‫األعمال الصاد رة من أشخاص عاديين كأنها صادرة من موظفين عامين‪ ،‬وهذا حماية‬

‫‪22‬‬
‫محاضرات مادة المرفق العام‪ .............................‬د‪ .‬بولقواس سناء‬

‫للمتعاملين مع اإلدا رة في حال الموظف الظاهر‪ ،‬ولحسن سير المرافق العامة في حال‬
‫الموظف الفعلي‪.‬‬
‫األمر سيان بالنسبة للقضاء اإلداري المصري‪ ،‬فقد أقر بصحة بعض األعمال‬
‫والتصرفات الصاد رة عن الموظف الفعلي‪ ،‬ولكن بتوافر الشروط السالفة‪ ،‬وهذا حماية لجمهور‬
‫المرتفقين المتعاملين معه‪ ،‬واعماال لمبدأ سير المرافق العامة بانتظام واطراد‪.‬‬
‫كما أقر القضاء اإلداري الفرنسي بصحة العقد التي يبرمها الموظف الفعلي‪ ،‬لكن ذلك‬
‫مقترن بتوافر الشرط التالي‪:‬‬
‫‪ -‬إبرام العقود اإلدارية من قبل الموظف الفعلي‪ :‬فالعقد اإلداري الذي يبرمه الموظف الفعلي‬
‫في الظروف االستثنائية صحيح‪ ،‬حتى بعد زوال الظروف االستثنائية‪ ،‬وعودة الموظفين‬
‫الرسمين لوظائفهم‪ ،‬وال يجوز إبطاله أو فسخه‪ ،‬ويرجع اعتبار العقود سليمة‪ ،‬ضمانا لمبدأ‬
‫سير المرافق العامة بانتظام واطراد‪.‬‬
‫د‪.‬نظرية الظروف الطارئة‬
‫عرفت نظرية الظروف الطارئة بأنها‪ ":‬مجموعة القواعد واألحكام التي تعالج اآلثار‬
‫الضا رة الالحقة بأحد المتعاقدين‪ ،‬الناتجة عن تغير الظروف التي بناء العقد في ظلها"‪.‬‬
‫نظرية الظروف الطارئة نظرية قضائية‪ ،‬من خلق القضاء اإلداري الفرنسي‪ ،‬وطبقها‬
‫أثناء الحرب العالمية األولى عندما تغيرت الظروف االقتصادية بسبب الحرب‪ ،‬والتي كان لها‬
‫انعكاس على تنفيذ عقود امتياز المرافق العامة‪ ،‬على غرار ارتفاع أسعار الفحم‪ ،‬والتي كانت‬
‫سببا في كون المقابل المالي الذي تتلقاه شركة اإلضاءة لمدينة بوردو الفرنسية سنة ‪9191‬‬
‫قليل جدا‪ ،‬وال يغطي نفقات التشغيل‪.‬‬
‫فتقدمت الشركة للسلطة مانحة االمتياز بطلب لرفع تلك األسعار‪ ،‬لكن السلطة رفضت‬
‫الطلب الذي تقدمت به الشركة‪ ،‬على أساس القوة الملزمة للعقد‪ ،‬وعندما عرض النزاع على‬
‫مجلس الدولة الفرنسي‪ ،‬أقر مبدأ جديدا مستمدًا من قاعدة دوام سير المرافق العامة‪ ،‬مفاده أنه‬
‫إذا وجدت ظروف لم تكن في الحسبان‪ ،‬من شأنها أن تزيد األعباء الملقاة على عاتق الملتزم‬

‫‪23‬‬
‫محاضرات مادة المرفق العام‪ .............................‬د‪ .‬بولقواس سناء‬

‫إلى حد اإلخالل بالتوازن عند تنفيذ العقد‪ ،‬فللملتزم الحق في أن يطلب من اإلدارة المساهمة‬
‫ولو إلى حد ما في الخسائر التي تلحق به‪ ،‬وأصبح هذا المبدأ أساسًا لنظرية الظروف‬
‫الطارئة في القانون اإلداري‪.‬‬
‫صدرت بعد ذلك عديد الق اررات من مجلس الدولة الفرنسي‪ ،‬التي روعي فيها تطبيق‬
‫نظرية الظروف الطارئة‪ ،‬مراعيا في أحكامه مبادئ العدالة وتوسع المرافق العامة وضرورة‬
‫المحافظة على استم ارريتها في تأديتها لخدماتها للمواطنين‪.‬‬
‫‪ .3‬مبدأ قابلية المرافق العامة للتغيير والتطور‬
‫األصل أن المرفق العام يقدم خدمات لجمهور المرتفقين وهذه الخدمات ضرورية لذا‬
‫يجب أن تواكب التطورات ا لحاصلة من خالل إدخال التحديثات الضرورية حتى يستطيع‬
‫المرفق العام مواكبة التطورات الحاصلة في حاجات المرتفقين‪ ،‬واألصل في المرافق العامة‬
‫هي أن للدولة سلطة واسعة في تقدير حاجة المرفق للتطوير والتحديث دون أن يحتج‬
‫المتعاقد معها (المسؤول عن إدارة المرفق العام) بقاعدة "العقد شريعة المتعاقدين" بالنظر‬
‫للطبيعة اإلدارية للعقد وتعلقه بالمصلحة العامة‪ ،‬لذا ترجح كفة اإلدارة هنا على المتعاقد معها‬
‫ألنها المسؤولة عن تحقيق المصلحة العامة‪ ،‬وتبقى ق اررات تعديل المرافق العامة خاضعة‬
‫لرقابة القضاء اإلداري‪.‬‬
‫لكن في المرافق التي يتم إنشاؤها بعقود االمتياز كما سنقوم ببيانه يتعين أن يكون‬
‫التطوير باتفاق الطرفين ويراعى فيه مصلحة الملتزم عند رغبة الدولة في القيام بأي تعديل‬
‫وتحديث في المرفق العام ويتعين أن تقوم الدولة المضيفة بتعويض الملتزم عن أي عملية‬
‫تحديث أو تطوير للمرفق العام الن عقود االمتياز عقود زمنية محددة بمدة خاللها تسترد‬
‫الملتزم النفقات التي تكبدتها وكذا تحقق األرباح المتفق عليها‪.‬‬
‫بالنظر لطول مدة عقود االمتياز فإنه من الضروري أن تلتزم هذه األخي رة بالصيانة‬
‫الدورية لآلالت والمعدات والتكنولوجيا المعتمد عليها في تسيير المرفق العام‪ ،‬بما يضمن أن‬
‫يكون صالحا لالستم اررية في العمل بعد انتهاء المدة ونقل ملكية المرفق العام للدولة‪ ،‬ونشير‬

‫‪24‬‬
‫محاضرات مادة المرفق العام‪ .............................‬د‪ .‬بولقواس سناء‬

‫في هذا الصدد إلى أن المشرع بين مضمون عملية الصيانة فعلى سبيل المثال نص‪":‬‬
‫تتضمن صيانة شبكة نقل الغاز مجموع األعمال التي تمكن من اإلبقاء على الشبكة في‬
‫وضع يقارب الوضع األصلي أو إعادتها أو في وضع يتالءم ووظائفها المحددة للتموين أو‬
‫العبور"‪ ،‬وقسم أعمال الصيانة هذه لثالث أنواع‪:‬‬
‫‪ -‬الصيانة الوقائية الشرطية وهي مرهونة بمراقبات أو تجارب السير التي تمكن من كشف‬
‫االنحرافات المحتملة قبل حدوث عجز‪.‬‬
‫‪ -‬الصيانة الوقائية النظامية وترتكز على عمل تصحيحي مبرمج في فواصل زمنية منتظمة‪.‬‬
‫‪ -‬الصيانة العالجية التي تمكن من استعادة وضع شبكة لحق بها ضرر أو اختالل‪.‬‬
‫لذا من المهم أن تقوم الدولة المضيفة في هذا الصدد بدورها الرقابي للتحقق من مدى‬
‫قيام الملتزم بتنفيذ هذا االلتزام المهم لتحقيق الهدف من لجوء الدولة عقود االمتياز إلنجاز‬
‫مرافقها العامة وللمحافظة على استم اررية المرفق في تلبية حاجات المرتفقين‪ ،‬وهو ما أكده‬
‫المشرع الجزائري أحكام نصوصه القانونية‪ ،‬ويتعين على الملتزم إعالم السلطة المانحة‬
‫لالمتياز مسبقا بكل تدخل في الصيانة يتطلب توقيفا مؤقتا لسير هياكل إنتا المياه‪ ،‬ويتعين‬
‫أن يحدد التبليغ مدة انقطاع إنتا المياه‪ ،‬وفي مجال نقل الغاز نص المشرع على أن مسير‬
‫شبكة نقل الغاز سهر على أن يكون اإلخالل بالسير العادي لشبكة نقل الغاز في أدنى‬
‫الحدود أثناء قيامه بأعمال الصيانة‪.‬‬

‫المحور الثاني‪ :‬تفويض المرفق العام‬

‫أوال‪ :‬تعريف تفويض المرافق العامة اصطالحا‬

‫مصطلح تفويض المرفق العام مصطلح جديد لعالقة قديمة بين السلطات العمومية‬
‫والقطاع الخاص‪ ،‬ظهر عندما لجأت فرنسا لتفويض أشخاص القانون الخاص إدارة بعض‬
‫مرافقها ذات الطابع الصناعي والتجاري‪ ،‬وتم إق ارره في عدد من األحكام الصادرة عن مجلس‬

‫‪25‬‬
‫محاضرات مادة المرفق العام‪ .............................‬د‪ .‬بولقواس سناء‬

‫الدولة الفرنسي‪ ،‬وقد استعمل كمصطلح ألول مرة من طرف األستاذ ‪ J-M. Auby‬في‬
‫الثمانينات في كتابه المعنون ب " الم رافق العمومية المحلية" والذي يعد إطا ار عام يجمع كل‬
‫العقود التي تتضمن تفويض التسيير‪ ،‬لكنه لم يستخدم كاصطالح قانوني لغاية التسعينات‪.‬‬

‫عرف المشرع الفرنسي تفويض المرفق العام سنة ‪ 1779‬في قانون ‪ Loi MURCEF‬بأنه‬
‫العقد الذي يعهد بموجبه شخص من أشخاص القانون العام إلى شخص عام أو خاص إدارة‬
‫مرفق عام‪ ،‬بحيث يكون المقابل المالي الذي يحصل عليه هذا األخير مرتبطا بصورة جوهرية‬
‫بنتائج استغالل المرفق‪ ،‬كما يمكن أن يعهد إلى صاحب التفويض إقامة منشآت واكتساب‬
‫أموال ضرورية للمرفق"‬

‫قبل صدور القانون السابق كان تفويض المرفق موجودا بكل أنواعه من امتياز‪ ،‬إيجار ‪...‬‬
‫الخ‪ ،‬لكن هذا القانون إلى جانب قوانين أخرى‪ ،‬هو من أعطى إطا ار قانونيا عاما التفويض‬
‫المرفق العام‪ ،‬لكنه في لم يضع تعريفا دقيقا للمصطلح‪ ،‬األمر الذي أثار االنتقادات حول‬
‫صحة اال صطالح‪ ،‬ألنه سيسبب خلطا مع نظام آخر هو تفويض السلطة كما انتقد أيضا من‬
‫حيث أن تفويض المرفق العام ال يرد على المرفق بذاته‪ ،‬وانما على إدارته فقط حيث أن‬
‫الدولة تبقى ممارسة لجميع اختصاصاتها‪ ،‬وسلطاتها على المرفق المفوض‪.‬‬

‫عرفه األستاذ ‪ C .Chenuaud- Frazier‬بأنه‪ ":‬التقنية التي تسمح بالتعاقد مع شخص‬


‫خاص‪ ،‬لتسيير مرفق عام حسب العقود المعروفة من قبل امتياز‪ ،‬ايجار التسيير‪..‬الخ"‪،‬‬
‫يعاب على هذا التعريف أنه لم يبين أن التفويض ال يعفي المفوض من تحمل المسؤولية‪،‬‬
‫ورقابته ألداء الخدمة من قبل المفوض له‪ ،‬كما أنه أغفل أن التفويض قد يكون كليا أو‬
‫جزئيا‪ ،‬كما أنه أغفل أن عقود التفويض عقود زمنية‪ ،‬مرتبطة بطبيعة وحجم تحقق‬
‫االستثمارات‪.‬‬

‫عرفته األستاذة ‪ Amel Aouij Mrad‬بأنه‪ ":‬العملية التي تسمح بتخلي أشخاص القانون‬
‫العام‪ ،‬عن الصالحيات والمهام الضرورية لتسيير مرفق عام واستغالله‪ ،‬ألشخاص من‬

‫‪26‬‬
‫محاضرات مادة المرفق العام‪ .............................‬د‪ .‬بولقواس سناء‬

‫القانون الخاص"‪ ،‬كما عرف أيضا بأنه‪ ":‬العقد المبرم بين شخص عمومي متمتع‬
‫بصالحيات‪ ،‬وشخص آخر مكلف بتسيير جزء أو كل المرفق المرتبط بهذه الصالحيات"‪.‬‬

‫عرفه األستاذ ‪ G.Drou‬بأنه‪ ":‬عقد مبرم بين شخص عام وشخص خاص‪ ،‬ويقوم على‬
‫االعتبار الشخصي بغية تنفيذ مرفق عام‪ ،‬وهو يأخذ عدة أشكال هي من صنع االجتهاد‪:‬‬
‫االمتياز‪ ،‬االلتزام‪ ،‬اإلدا رة غير المباش رة‪."...‬‬

‫عرف أيضا أنه‪ ":‬عقد إداري تعهد به السلطة المفوضة للمفوض له‪ ،‬داخل المجال الترابي‬
‫المحدد في مدار التفويض‪ ،‬باستغالل وتدبير المرفق العام الصناعي والتجاري المحلي المدة‬
‫محددة تنتهي بانقضاء مدة العقد"‪.‬‬

‫عرف أيضا بأنه‪ ":‬كل تدبير المرفق عام بواسطة شخص معنوي خاص‪ ،‬والتدبير‬
‫المفوض يغطي مختلف طرق التسيير التقليدية‪ ،‬مثل عقود االمتياز‪ ،‬والوكالة ومختلف‬
‫اتفاقيات التفويض التي يختلف مداها بين حد أقصى وحد أدنى"‪.‬‬

‫من خالل التعاريف السابقة يتضح لنا أن موضوع التفويض يضم كل العقود التي تتنازل‬
‫فيها الدولة عن تسيير المرافق العامة‪ ،‬دون التنازل عن ملكيتها‪ ،‬وهنا يتحمل المفوض إليه‬
‫تسيير المرفق العام‪ ،‬وما ينجر عن التسيير من أرباح وخسائر‪ ،‬مقابل مبلغ مالي متعلق‬
‫بنتائج استغالل المرافق‪ ،‬ومن ثم فهو يتحمل كل المنشآت والتجهيزات الضرورية التي تسمح‬
‫باالستغالل الجيد والتسيير العادي للمرفق‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬الطبيعة القانونية للتفويض في إدارة وتسيير المرافق العامة‬

‫‪ .1‬النظريات الفقهية في تكييف عقود تفويض المرافق العامة‬

‫ظهرت ثالث نظريات لتحديد الطبيعة القانونية لعقود تفويض المرافق العامة‪ ،‬وهي‬
‫النظرية التعاقدية‪ ،‬ونظرية العمل القانوني من جانب واحد‪ ،‬ونظرية العمل القانوني المختلط‪:‬‬

‫أ‪ .‬النظرية التعاقدية‬

‫‪27‬‬
‫محاضرات مادة المرفق العام‪ .............................‬د‪ .‬بولقواس سناء‬

‫استند أنصار هذه النظرية في تحديدهم للطبيعة القانونية لتفويض المرافق العامة لعقود‬
‫االمتياز التي تشكل أحد صور عقود التفويض‪ ،‬وبناء على ذلك في نظرهم ولغاية بداية القرن‬
‫العشرين عقود امتياز المرفق العام هي ذات طبيعة تعاقدية‪ ،‬على الرغم من توافرها على‬
‫شروط غير مألوفة في القانون الخاص‪ ،‬تتضمن خصوصية تتعلق بالمستفيدين من خدمات‬
‫المرفق ا لعام والتي تضمن حقوقهم في الحاضر والمستقبل‪ ،‬فاالمتياز عقد يتضمن بنودا‬
‫لمصلحتهم‪.‬‬

‫بناء على ذلك اعتبر الفقيه ‪ Lafferriere‬امتياز المرفق العام عمال من أعمال السلطة‬
‫العامة ذو طبيعة تعاقدية‪ ،‬واستند البعض في ذلك القول بالطبيعة التعاقدية لالمتياز لتضمنه‬
‫بنودا مقررة لصالح جمهور المرتفقين‪ ،‬على غرار العقود األخرى التي تنشأ بين األطراف‬
‫المتعاقدة‪.‬‬

‫في االجتهاد القضائي أكد مجلس الدول ة الفرنسي في رأيه الصادر في ‪ 1‬مارس ‪9111‬‬
‫أن قانون ‪ 11‬جانفي ‪ 9111‬ال يطبق إال إذا كان موضوع التفويض الذي يتم بعقد‪ ،‬وبذلك‬
‫ربط التفويض بالطبيعة التعاقدية‪ ،‬كما أن النظرية التعاقدية لتفويض المرفق العام وجدت‬
‫مصدرها في تطور النظرية العامة للعقود اإلدارية‪ ،‬والقواعد والمبادئ األساسية المطبقة على‬
‫العقد اإلداري أرسيت بفضل تقنية التفويض‪ ،‬ويعد القرار الشهير الصادر في قضية‬
‫‪ Bordeaux‬محددا لنظرية التفويض اإلداري‪.‬‬

‫شكل القرار الصادر في قضية ‪ Therond‬وما صدر بعدها من اجتهادات قضائية‪،‬‬


‫أساس تفويض المرافق العامة‪ ،‬عندما قام مجلس الدولة الفرنسي بربط معيار العقد اإلداري‬
‫بهدف المرفق العام‪ ،‬وقضائه باختصاصه في المنازعات المتعلقة بتنفيذ نشاط مرفقي‪.‬‬

‫ب‪ .‬نظرية العمل القانوني من جانب واحد‬

‫يرى أنصار هذه النظرية أن عقد االمتياز عمل إنفرادي‪ ،‬صادر عن الجهة اإلدارية‬
‫المختصة بمنح االمتياز‪ ،‬بما لها من سلطات مقررة قانونا‪ ،‬دون أن يكون للملتزم سلطة في‬

‫‪28‬‬
‫محاضرات مادة المرفق العام‪ .............................‬د‪ .‬بولقواس سناء‬

‫اختيار قبوله الشروط االمتياز‪ ،‬وقد نشأت هذه النظرية في الفقه األلماني واإليطالي أواخر‬
‫القرن ‪ ،91‬والذي ينظر لالمتياز سواء كا ن موضوع مرافق عامة أو غيرها على أنه عمل من‬
‫جانب واحد وهو اإلدارة‪ ،‬وبناء على ذلك فكل من حقوق الملتزم وواجباته تتحدد ليس بناء‬
‫على عقد وانما على هذا العمل القانوني االنفرادي‪ ،‬واعتبار االمتياز عمال قانونيا منفردا هو‬
‫المبرر للسلطة التي تتمتع بها جهة اإلدا رة مانحة االمتياز في سحب االمتياز‪ ،‬أو تعديله‬
‫بإرادتها المنفردة‪ ،‬دون أن يكون ذلك متوقفا على رضا أو موافقة الملتزم‪.‬‬

‫يمكن إرجاع تكييف أنصار هذه النظرية العقود امتياز المرفق العام على أنها عمل من‬
‫جانب واحد‪ ،‬على أساس تغليب القواعد المتعلقة بتنظيم الم رافق العامة من جهة‪ ،‬ومن جهة‬
‫أخرى األخذ بعين االعتبار أن المرفق الذي يدي ره الملتزم هو مرفق عام‪ ،‬واألصل فيه أن تتم‬
‫إدارته عن طريق اإلدارة المباشرة‪ ،‬ألن ما يؤديه من خدمات هو من اختصاص اإلدا رة‪ ،‬التي‬
‫يكون لها دائما حق التدخل والتعديل في قواعد تنظيم االلتزام بإرادتها المنفردة‪.‬‬

‫لقد تعرضت هذه النظرية لالنتقاد إلنكارها الجانب التعاقدي في عقود االمتياز‪ ،‬مغفلة‬
‫بذلك الدور الذي يؤديه الملتزم في تحديد شروط العقد‪ ،‬ودور إرادته في إب رام هذا العقد‪ ،‬كما‬
‫أنها تؤثر على المركز القانوني للملتزم كثيرا‪ ،‬من حيث إجازتها لجهة اإلدارة التدخل ما‬
‫ارتأت ذلك لتعديل شرط االمتياز أو حتى إلغائه‪ . .‬نظرية العمل القانوني المختلط‬

‫استند أنصار هذه النظرية لتضمن العقد بنودا تنظيمية بالنسبة لعالقة صاحب االمتياز‬
‫مع مستعملي المرفق العام‪ ،‬وأخرى تعاقدية بالنسبة للعالقة بين صاحب االمتياز والسلطة‬
‫العامة مانحة اال متياز‪ ،‬أما البنود التعاقدية فهي متعلقة بالحقوق المالية للملتزم‪ ،‬وتنظم‬
‫العالقة بين السلطة مانحة االمتياز والملتزم‪ ،‬وهي شروط غير قابلة للتعديل إال بالحصول‬
‫على موافقة الملتزم‪ ،‬ألنها خاضعة إلرادة الطرفين‪ ،‬وتحكمها قاعدة العقد شريعة المتعاقدين‪.‬‬

‫كما أنها شروط ال تهم المنتفعين بالمرفق‪ ،‬أما البنود الالئحية فهي متعلقة بقواعد تنظيم‬
‫المرافق العامة وتسييرها‪ ،‬كما أنها توضح كيفية أداء الخدمة للمنتفعين‪ ،‬ويمكن لجهة اإلدارة‬

‫‪29‬‬
‫محاضرات مادة المرفق العام‪ .............................‬د‪ .‬بولقواس سناء‬

‫القيام بتعديلها في أي وقت بما يتناسب وحاجة المرفق العام موضوع االستغالل‪ ،‬وال يستطيع‬
‫الملتزم رفض التعديل‪ ،‬لكن له الحق في طلب التعويض عن الضرر الذي يلحقه جراء‬
‫التعديل‪.‬‬

‫تعرضت هذه النظرية أيضا لالنتقاد‪ ،‬على أساس أنها متعارضة في محتواها‪ ،‬فكيف يمكن‬
‫إيجاد وصفين لعمل قانوني واحد؟ تعاقدي وتنظيمي؟ فمن الصعب حسبهم تصور وجود عمل‬
‫قانوني تختلف طبيعته باختالف األشخاص الذين يتوجه إليهم‪ ،‬فهناك تعارض بين المفاهيم‬
‫التعاقدية والتنظيمية‪.‬‬

‫‪ .1‬التكييف التشريعي لعقود تفويض المرفق العام‬

‫كان للمشرع دور أساسي في تكييف عقود تفويض المرافق العامة‪ ،‬فقد كان أول من‬
‫استعمل هذا المصطلح‪ ،‬وكان له اإلسهام الكبير في تعريفها‪ ،‬وبيان إجراءات انعقادها‪ ،‬وكذا‬
‫اآلثار التي ترتبها‪ ،‬لكن ذلك لم يكن بشكل مباشر من أجل إرساء نظام خاص بالتفويض‪،‬‬
‫بقدر ما كان يهدف لتحقيق الوضوح واالستقرار في الحياة االقتصادية‪ ،‬في ظل االنفتاح‬
‫االقتصادي الذي عرفته فرنسا بعد سنة ‪ ،9117‬وكذا التحديات التي تعرفها المنطقة ضمن‬
‫كتلة االتحاد األوروبي‪ ،‬والقوانين التي قام المشرع الفرنسي بإرسائها لهذا الغرض عنصر‬
‫أساسي لهذا البناء االقتصادي‪ ،‬وقد كرست القوانين التي أرساها المشرع الفرنسي نظاما‬
‫قانونيا متكامال لعقود تفويض المرفق العام‪ ،‬رغبة منه في تطوير تسيير المرافق العامة من‬
‫خالل أسلوب التفويض للمرفق العام‪ ،‬ألشخاص تتوافر فيهم الكفاءة اإلدارية والمالية والتقنية‪،‬‬
‫وضبط قواعد إبرام عقود تفويض المرافق العامة‪ ،‬تكريسا للشفافية والمنافسة واستم اررية‬
‫الخدمة العمومية‪ ،‬إال أن الوضع التشريعي في التشريعات المقارنة لم يكن على شاكلة‬
‫التشريع الفرنسي‪ ،‬فقد ظل نظامها القانوني في مجال إدارة واستثمار الم رافق العامة مفتق ار‬
‫للقواع د القانونية التي تحدد اإلطار القانوني للتفويض على غ رار لبنان‪.‬‬

‫‪30‬‬
‫محاضرات مادة المرفق العام‪ .............................‬د‪ .‬بولقواس سناء‬

‫بالنسبة للمشرع الجزائري فقد أخذ بتفويض المرافق العامة من أجل مواكبة التحوالت التي‬
‫عرفتها الج زائر‪ ،‬بعد تقلص تدخل الدولة في تسيير الخدمات العمومية السيما التي تتمتع‬
‫بالصفة التجارية والصناعية‪ ،‬ففي مجال المياه قام المشرع في ظل القانون‬
‫رقم‪ 17/83‬المتضمن قانون المياه والذي خالل سريانه تم إنشاء الجزائرية للمياه بموجب أحكام‬
‫المرسوم التنفيذي رقم‪ ، 101/01‬لم يتضمن أي نص قانوني للتفويض‪ ،‬لغاية صدور القانون‬
‫رقم ‪ 12/05‬والذي نصت المادة ‪ 1‬منه على التفويض وعرضها للمنافسة شريطة الحصول‬
‫الموافقة المسبقة قبل ذلك‪ ،‬حيث نص أنه‪ ":‬يمكن لإلدا رة المكلفة بالموارد المائية التي‬
‫تتصرف باسم الدولة أو صاحب االمتياز‪ ،‬تفويض كل أو جزء من تسيير نشاطات الخدمة‬
‫العمومية للماء أو التطهير‪ ،‬لمتعاملين عموميين أو خواص‪ ،‬لهم مؤهالت مهنية وضمانات‬
‫ما لية كافية‪ ،‬كما يمكن صاحب االمتياز أن يفوض كال أو جزء من هذه النشاطات لفرع أو‬
‫عدة فروع الستغالل المنشأة لهذا الغرض"‪.‬‬

‫بالنسبة للمشرع المغربي هو اآلخر أخذ بالتدبير المفوض‪ ،‬كما تم االصطالح عليه‬
‫استجابات للحاجات المتزايدة بالمغرب‪ ،‬وأوكلت مهمة تسيير المرفق العام لمؤسسات عمومية‪،‬‬
‫وأصدر المشرع المغربي قانونا خاصا بالتدبير المفوض وهو القانون رقم‪ 54/05‬المتعلق‬
‫بالتدبير المفوض للمرافق العامة الصادر في ‪ 91‬فيفري ‪ 1771‬الذي وفر إطا ار منظما إلبرام‬
‫هذه العقود في ظل الشفافية والمنافسة‪ ،‬مبر از مضمون عقد التدبير المفوض‪ ،‬وطرق‬
‫ا لمصادقة عليه ونشره‪ ،‬وكذا اإلجراءات المتعلقة بإبرام العقد‪ ،‬ومدته وكيفية انتهاء العقد ‪...‬‬
‫الخ كل ذلك في محاولة لطمأنة المستثمرين‪ ،‬وهو ما جعل المشرع المغربي ينص صراحة‬
‫على اللجوء للصلح ثم التحكيم التسوية المنازعات المتعلقة بالتدبير المفوض‪ ،‬مستوحيا من‬
‫التشريعات الحديثة المعمول بها في الدول األوروبية مع مالءمتها ببعض الخصوصيات‬
‫المغربية‪ ،‬وهذا في العديد من المجاالت‪ :‬توزيع الماء الصالح للشرب‪ ،‬والكهرباء والتطهير‪،‬‬
‫جمع ومعالجة النفايات‪ ،‬الموانئ ‪ ،‬النقل‪ ...‬الخ‪.‬‬

‫‪31‬‬
‫محاضرات مادة المرفق العام‪ .............................‬د‪ .‬بولقواس سناء‬

‫من خالل ما سبق تناوله يتضح لنا أن عقود تفويض المرافق الع امة هي عقود إدارية‬
‫باعتبار أن أحد أطرافها شخص من أشخاص القانون العام في الجزائر‪ ،‬وهي الدولة أو‬
‫الوالية أو البلدية طبقا لنص المادة ‪ 777‬من قانون اإلجراءات المدنية واإلدارية‪ ،‬تتضمن‬
‫نوعين من الشروط‪ :‬األولى تشتمل على االلتزامات التعاقدية األساسية لكل من المفوض‬
‫والمفوض إليه في عقد تفويض المرفق العام‪ ،‬وهي شروط ال تهم جمهور المرتفقين بشكل‬
‫مباشر‪ ،‬ألنها متعلقة بمدة العقد‪ ،‬االلتزامات المتبادلة‪ ...‬الخ‪ ،‬وهي الشروط ال يمكن لجهة‬
‫اإلدارة أن تقوم بتعديلها دون الحصول على موافقة المفوض إليه‪ ،‬أما في النوع الثاني من‬
‫الشروط فهي م تعلقة بتنظيم المرفق العام وسيره‪ ،‬ولما كان األمر كذلك فإنه في هذه الحالة‬
‫يمكن لجهة اإلدا رة أن تقوم بتعديلها وتغييرها بمفردها‪ ،‬بما يحقق المصلحة العامة والتي هي‬
‫هدف إنشاء المرافق العامة‪ ،‬حتى ولو لم يوافق المفوض إليه‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬األسس القانونية لتفويض المرافق العامة‬

‫‪ .9‬توافر عالقة تعاقدية بين مانح التفويض وصاحب التفويض موضوعها استغالل مرفق‬
‫عام‬

‫البد أن يكون هناك عقد بين الشخص العام سواء كان الدولة أو أحد األشخاص العامة‬
‫المحلية أو المرفقية مانحة التفويض والمفوض إليه إدا رة المرفق العام‪ ،‬بموجبه يعين على هذا‬
‫األخير إ دارة واستغالل المرفق العام موضوع العقد‪ ،‬ومن ثم ال يتصور قيام عقد تفويض‬
‫مرفق عام إذا كان مانح التفويض من أشخاص القانون الخاص‪ ،‬لكن أورد استثناء في هذا‬
‫الصدد متعلق بالعقد المبرم بين شخصين من أشخاص القانون الخاص لحساب وباسم‬
‫الشخص العام وتحت إشرافه وتوجيهه‪ ،‬وعند العقد في هذه الحالة عقد تفويض مرفق عام وا ن‬
‫كان قد تم إبرامه من قبل شخصين من أشخاص القانون الخاص‪.‬‬

‫لما كان العالقة بين المفوض والمفوض إليه عالقة تعاقدية فهي تخضع لما تم إدراجه في‬
‫العقد من بنود وأحكام‪ ،‬وفي هذا الصدد يرى مجلس الدولة الفرنسي أن التفويض الذي يتم‬

‫‪32‬‬
‫محاضرات مادة المرفق العام‪ .............................‬د‪ .‬بولقواس سناء‬

‫بطريق انفرادي ال يدخل في مجال تطبيق قانون ‪ ،Sapin‬فهو متعلق فقط بالحاالت التي‬
‫يقوم فيها شخص عام بعهد مرفق عام هو مسؤول عن إدارته لشخص هو من اختياره شريطة‬
‫أن يكون االختيار تعاقديا‪.‬‬

‫يتعين أن يكون موضع عقد تفويض المرفق العام متعلقا بإدارة وتشغيل مرفق عام تحت‬
‫رقابة واشراف السلطة مانحة التفويض‪ ،‬ويتحمل المفوض إليه مخاطر التشغيل‪ ،‬ألنه دون‬
‫ذلك ال نكون أمام عقد تفويض للمرفق العام‪ ،‬ويلتزم المفوض إليه بالقيام بجميع األعمال‬
‫التي تقتضيها اإلدارة والتي هي موضوع العقد المبرم بينهما‪ ،‬ويكون تشغيل المرفق واستغالله‬
‫مموال منه‪.‬‬

‫يعد تحمل صاحب التفويض للمخاطر التي قد تنجم عن إدارة المرفق العام المعيار الذي‬
‫يقوم القضاء اإلداري من خالله بتمييز عقد تفويض المرفق العام عن غيره من العقود‬
‫اإلدارية‪ ،‬السيما المتعلقة بتنفيذ المرفق العام أو بعض المهام المرتبطة به دون أن تضمن‬
‫إشارة لتحمل المتعاقد معها ألي مخاطر قد تنتج عن هذه اإلدا رة‪.‬‬

‫مست تغيرات فكرة حمل المفوض إليه لمخاطر االستثمار بمفرده بعض التطورات‪ ،‬فلم‬
‫يعد هذا األخير يتحملها بمفرده‪ ،‬بل أصبح هناك تضامن بين طرفي العقد بهدف ضمان‬
‫تمكين صاحب التفويض من مواجهة المخاطر الناجمة عن التشغيل‪ ،‬دون أن يؤدي ذلك‬
‫لتعطيل في نشاط المرفق العام‪ ،‬ومن ضمن الوسائل التي تجسد لنا التضامن المالي بين‬
‫طرفي العالقة التعاقدية‪:‬‬

‫‪ -‬ضمان القروض التي يقترضها صاحب التفويض من المؤسسات المالية‪،‬‬

‫‪ -‬قيام السلطة مانحة التفويض بأداء مساهمات مالية للمفوض إليه بتأمين التوازن المالي‬
‫للعقد‪ ،‬السيما من الخسائر التي قد تلحقه بالنسبة لبعض المرافق على غرار مرفق النقل‬
‫الحضري‪،‬‬

‫‪33‬‬
‫محاضرات مادة المرفق العام‪ .............................‬د‪ .‬بولقواس سناء‬

‫‪ -‬دفع السلطة المانحة للتفويض جزء من المقابل المالي يكون متغي ار حسب نتائج االستغالل‬
‫وتطوره‪ - ،‬أداء تعويضات للمفوض إليه جراء حدوث ظروف طارئة غير متوقعة عند إبرام‬
‫العقد‪.‬‬

‫قيام المفوض إليه بإدارة واستغالل المرفق العام مع تحمله لكل النفقات والمخاطر يرتب‬
‫عليه جملة من النتائج نوجزها فيما يلي‪:‬‬

‫‪ -‬يتعين أن يمنح العقد للمفوض إليه الحق في تحديد القواعد التي يخضع لها المرفق العام‪،‬‬
‫والمتعلقة بأدائه للخدمات وعمليات التشغيل‪،‬‬

‫‪ -‬تكون العالقة بين العمال والمفوض إليه خاضعة ألحكام القانون الخاص ويحكمها قانون‬
‫العمل‪،‬‬

‫‪ -‬يتعين أن يمنح المفوض إليه بعض امتيازات السلطة العامة والتي يقتضيها حسن إدا رة‬
‫المرفق العام‪،‬‬

‫‪ -‬يتعين على المفوض إليه تأمين األموال الالزمة إلدا رة وتشغيل المرفق العام‪ ،‬وهي األموال‬
‫التي يتعين إعادتها للشخص المفوض عند االنتهاء من تنفيذ العقد طالما أنها مرتبطة‬
‫بتشغيل المرفق العام‪.‬‬

‫‪ .2‬ارتباط المقابل المالي بنتائج االستغالل‬

‫أكد الفقه واالجتهاد القضائ ي على ارتباط المقابل المالي الذي يمنح للمفوض إليه بنتائج‬
‫االستثمار‪ ،‬وهذا يعني أن المقابل المالي يتعين أن يعكس تحمل المفوض إليه لمخاطر‬
‫االستثمار التي تنجم عن إدارته للمرفق العام‪ ،‬وهذا ال يقتضي بالضرورة أن مصدر المقابل‬
‫المالي هو جمهور المرتفقين‪ ،‬فقد يكون مصدرها آخر يعكس االرتباط بنتائج االستغالل‪ ،‬وان‬
‫كان جزء من المقابل المالي يدفع من قبل السلطة مانحة التفويض أو كانت هذه األخيرة‬
‫تساهم في دعم المرفق العام‪.‬‬

‫‪34‬‬
‫محاضرات مادة المرفق العام‪ .............................‬د‪ .‬بولقواس سناء‬

‫يعد ارتباط المقابل المالي بنتائج االستغالل أحد المعايير الحاسمة التي من خاللها يتم‬
‫التمييز بين عقد تفوي ض المرفق العام والصفقة العمومية‪ ،‬فمتى كان هذا األخير مجرد ثمن‬
‫للخدمة المقدمة دون أن يتحمل المفوض إليه أي مخاطر عد هذا العقد صفقة عمومية‪ ،‬وهو‬
‫کرسة القضاء اإلداري الفرنسي في أحكامه‪ ،‬حيث قضى أن المقابل المالي الذي يدفعه‬
‫الشخص العام المحلي الذي عهد إلى جمعية استغالل مركز الترفيه‪ ،‬بمقابل مالي يؤدي لهذه‬
‫األخيرة من الشخص العام دون أن تكون ملزمة بتحمل أي مخاطر ناجمة عن اإلدا رة‬
‫واالستغالل‪ ،‬وبذلك تكون هذه المبالغ ثمنا للخدمات المؤداة‪ ،‬مما عني أن العقد ال يمكن‬
‫اعتباره عقد تفويض مرفق عام وانما هو صفقة عامة‪.‬‬

‫العتبار المقابل المالي مرتبطا بنتائج االستثمار ال يشترط أن يكون مصدره بشكل كامل‬
‫أو الجزء األكبر منه المرتفقين وانما يشرط أن يرتبط بنتائج االستغالل‪ ،‬وهو ما أكده مجلس‬
‫الدولة الفرنسي في قضية ‪ Commune de Guilherand Grange‬حيث أبرم عقد إدارة‬
‫بين الشخص العام المح لي وشركة المياه بموجبه عهد لهذه األخيرة تنفيذ مرفق توزيع المياه‬
‫والمقابل المالي يكون في شكل جزء ثابت مقابل استعمال العدادات‪ ،‬وجزء أخر متغير حسب‬
‫استهالك المياه‪ ،‬على أن يكون الجزء الثابت مساو ل ‪ %17‬من المقابل المالي يدفعه‬
‫الشخص العام‪ ،‬ويشكل الجزء المتغير ‪ %77‬يدفعه المستفيدون من خدمات المرفق مقابل‬
‫استهالكهم للمياه الموزعة‪ ،‬وهنا وعلى الرغم من أن غالبية المقابل المالي المدفوع هو من‬
‫قبل المستهلكين‪ ،‬إال أن مجلس الدولة اعتبر العقد صفقة عامة وليست بعقد تفويض‪ ،‬الن‬
‫المقابل المالي ال يعكس تحمل المتعاقد مع اإلدا رة المخا طر االستغالل‪ ،‬السيما وأن الخدمة‬
‫هي توزيع المياه‪ ،‬وهي حاجة ضرورية للمواطنين ال يمكن االستغناء عنها‪ ،‬ومن ثم فتوافر‬
‫العدد الكافي من المشتركين في الخدمة ال يشكل أي مخاطر اقتصادية‪.‬‬

‫أكد مجلس الدولة على الرابط في قضية ‪ Smitom‬والتي بمقتضاها عهدت إحدى‬
‫النقابات ا لشركة خاصة جمع النفايات ومعالجتها‪ ،‬وحدد المقابل المالي في العقد بجزء ثابت‬

‫‪35‬‬
‫محاضرات مادة المرفق العام‪ .............................‬د‪ .‬بولقواس سناء‬

‫يشكل ‪ %87‬كأجر يدفع من النقابة‪ ،‬وجزء أخر متغير يشكل ‪ %17‬من المقابل المالي يدفع‬
‫من قبل المستفيدين من خدمات المرفق‪ ،‬وذلك باالستناد لنتائج معالجة النفايات‪ ،‬وعلى الرغم‬
‫من أن الجزء األصغر في المقابل المالي مرتبط بنتائج االستغالل‪ ،‬إال أن مجلس الدولة أكد‬
‫على أن العقد هو تفويض مرفق وليس صفقة عمومية‪.‬‬

‫رابعا‪ :‬خصائص تفويض المرافق العامة‬

‫يرى البعض أنه ليس من السهل تحديد خصائص تفويض الم رافق العامة على الرغم من‬
‫أهمية ذلك‪ ،‬واستندوا في ذلك لعدم قي ام المشرع الفرنسي لوضع تعريف لتفويض المرفق العام‬
‫مكتفيا فقط بوضع تعاريف ومفاهيم لكل اإلجراءات المتعلقة به‪ ،‬لذا ترك المجال للقضاء‬
‫اإلداري ممثال في مجلس الدولة لوضع مفاهيم دقيقة لتفويض المرفق العام‪.‬‬

‫‪ .1‬الخصائص المتعلقة بإجراءات التفويض‬

‫بالنظر ألهمية التف ويض الرتباطه بإدارة واستثمار المرافق العامة كان لزاما أن تتميز‬
‫إجراءاته بخصوصية مستمدة من تعلقها بتحقيق المنفعة العامة لجمهور المرتفقين وبنوعية‬
‫جيدة‪ ،‬فالتفويض ال يتحقق عمليا إال بأعمال تنفيذية‪.‬‬

‫أ‪ .‬تفويض المرفق العام عمل قانوني‬

‫تفويض المرفق العام يقوم به الشخص العام بموجب عمل قانوني صادر عنه‪ ،‬وتأخذ‬
‫األعمال القانونية صورتين‪ :‬أعمال قانونية صادرة باإلرادة المنفردة وهي األعمال اإلدارية‬
‫والتي قد تكون فردية أو تنظيمية‪ ،‬ومرتبطة بمظاهر السلطة العامة ألنها تمنح المستفيد منها‬
‫امتيازات السلطة العامة‪ ،‬وفي العهد الع ثماني كان التفويض يمنح ويدار بموجب قانون‬
‫االمتياز العثماني الصادر سنة ‪ ،9171‬وفي عهد االنتداب كان يمنح سندا لق اررات تشريعية‬
‫عديدة‪ ،‬وكان يشترط فيه تحقيق المصلحة العامة‪ ،‬وقد استقر االجتهاد القضائي على اعتبار‬
‫أن التفويض ال يشترط وجود نص صريح‪ ،‬ألنها قد تكون ضمنية يقوم القاضي باستنتاجها‬
‫من خالل رقابة السلطة العامة على النشاط المرفقي‪.‬‬

‫‪36‬‬
‫محاضرات مادة المرفق العام‪ .............................‬د‪ .‬بولقواس سناء‬

‫يأخذ النظام غير التعاقدي في تفويض المرفق العام صورتين أساسيين‪:‬‬

‫األولى‪ :‬فيها تعهد النصوص القانونية تشريعية كانت أو تنظيمية مباشرة إدارة المرفق العام‬
‫المشروع خاص‪ ،‬كما هو الحال في ا لمرافق االجتماعية في فرنسا والتي تعهد قوانين‬
‫التأمينات االجتماعية والصحة الجهات خاصة بمرافق التأمينات االجتماعية ومراكز مكافحة‬
‫السرطان‪.‬‬

‫الثانية‪ :‬فيها تعهد السلطة اإلدارية ومن جانب واحد لمشروع خاص إدا رة مرفق عام‪ ،‬من‬
‫خالل أسلوب الترخيص اإلداري أي أن العملية تتم بموجب قرار إداري‪ ،‬وقد أخذت به فرنسا‬
‫في نقل البترول عن طريق األنابيب‪ ،‬وتوزيع الكهرباء وفقا لقانون سنة ‪... 9171‬الخ‪.‬‬

‫في تطبيقاتها الحديثة أخذت فرنسا بنظام التراخيص في إدارة المرافق العامة االقتصادية‬
‫في مجال إنشاء شبكات الهاتف بالكابل بترخيص من الوزير المختص وبعد قيام سلطة ضبط‬
‫االتصاالت بفحص ملف الطلب‪ ،‬وذلك لمدة ‪ 91‬سنة ويعهد ذات القانون السلطة تنظيم‬
‫االتصاالت مراقبة التزام المرخص له بااللتزامات المفروضة عليه‪ ،‬وتوقع عليه الجزاءات في‬
‫حالة اإلخالل‪.‬‬

‫في مصر في مجال االتصاالت بعد صدور القانون رقم ‪ 91‬لسنة ‪ 9117‬الذي بموجبه‬
‫تم إنشاء جهاز مكلف بتنظيم مرفق االتصاالت السلكية والالسلكية ويتولى مهمة اإلشراف‬
‫على حسن سير المرفق العام ووضع الخطط والبرامج الالزمة ومتابعة تنفيذها ‪ ...‬الخ‪.‬‬

‫هناك أيضا األعمال التي تأخذ الصورة التعاقدية وهي الغالبة في إدارة وتسيير المرافق‬
‫العامة‪ ،‬وقد أخذ بها المشرع الجزائري في عقود امتياز العديد من المرافق العامة وأخذ به‬
‫المشرع الفرنسي في قانون‬

‫‪ Sapin‬ورأى مجلس الدولة الفرنسي الصادر في‪ 1‬مارس ‪ 9111‬أن التفويض الذي يتم عن‬
‫طريق انفرادي ال يدخل في مجال تطبيق القانون السابق‪ ،‬فتفويض المرفق العام حسب نصي‬
‫المادتين ‪ 17‬و ‪ 17‬منه متعلقة فقط بالحاالت التي يعهد فيه شخص القانون العام المسؤول‬

‫‪37‬‬
‫محاضرات مادة المرفق العام‪ .............................‬د‪ .‬بولقواس سناء‬

‫عن المرفق بإدارته لشخص يخت ا ره بأسلوب تعاقدي‪ ،‬ومن هنا اعتبر مجلس الدولة التصاريح‬
‫الخاصة بنقل الغاز ق اررات من جانب واحد ال تخضع لإلجراءات المنصوص عليها في‬
‫المادتين ‪ 17‬و ‪ 17‬من قانون ‪.Sapin‬‬

‫ب‪ .‬عدم ارتباط التفويض بطبيعة الشخص المفوض إليه‬

‫خالفا لما كان مكرسا سابقا من ربط المرفق العام المفوض بطبيعة الشخص المفوض‬
‫إليه‪ ،‬اآلن هذا الشخص المفوض إليه والذي هو شخص من أشخاص القانون الخاص قد‬
‫يكون مستقال بشكل كامل عن األشخاص العامة (فرد‪ -‬شركة) أو يرتبط معها برابطة قانونية‬
‫أو مالية على غرار شركات االقتصاد المختلط‪ ،‬وقد أكد االجتهاد القضائي الفرنسي على أنه‬
‫ليس هناك أي نص أو مبدأ يمنع أشخاص القانون العام من أن يعهد لهم بمهمة إدارة مرفق‬
‫عام عن طريق التفويض‪ ،‬وهو ما أق ره ديوان المحاسبة اللبناني‪.‬‬

‫ج‪ .‬ممارسة إجراءات التفويض من قبل شخص معنوي عام‬

‫كما سبق لنا اإلشا رة فعملية تفويض المرافق العامة تمارس من قبل أشخاص معنوية عامة‬
‫قد تكون الدولة أو الوالية أو البلدية أو إحدى المؤسسات العامة باعتبارها المسؤولة في‬
‫األساس عن إدارة وتنظيم وتسيير هذه األخي رة وهو انعكاس المتيازات السلطة العامة‪ ،‬دون‬
‫أن تتخلى عن المرفق العام المفوض فهي تبقى مسؤولة عنه‪ ،‬وكما سبق بيانه فعقد التفويض‬
‫المبرم بين الشخص المعنوي العام والمفوض إليه هو عقد إداري‪.‬‬

‫‪ .2‬الخصائص المتعلقة بطبيعة عملية التفويض‬

‫يتسم تفويض المرافق العامة بخصائص مستمدة من طبيعة التفويض التي يشارك فيها‬
‫القطاع الخاص في إدارة المرافق العامة في الدولة‪ ،‬نبرز ذلك على النحو التالي‪:‬‬

‫أ‪ .‬تفويض المرفق العام ذو طابع سيادي مرن‬

‫‪38‬‬
‫محاضرات مادة المرفق العام‪ .............................‬د‪ .‬بولقواس سناء‬

‫لما كان تنظيم إدارة المرافق العامة عن طريق التفويض متعلقا بتنظيم المرفق العام‪ ،‬ولما‬
‫كان تنظيم المرافق العامة أحد امتيازات السلطة العامة‪ ،‬يتضح لنا أن تفويض المرفق العام‬
‫هو مظهر من مظاهر امتيازات السلطة العامة‪ ،‬وكل نشاط مرفقي تم إخضاعه لنظام قانوني‬
‫خاص ومتميز يتم فيه استعمال امتياز السلطة العامة‪ ،‬وبذلك تظهر لنا العالقة القائمة بين‬
‫مفهومي السلطة العامة والمرفق العام وهو دفع ببعض الفقه للقول بأن مفهوم السلطة العامة‬
‫يحمل في طياته فكرة اإلبقاء على مفهوم المرفق العام‪.‬‬

‫تجد المرونة كخاصية مميزة لتفويض المرفق العام أساسها في الصيغة التعاقدية في مبدأ‬
‫قابلية المرافق العامة للتطور والتعديل مواكبة التطورات الوسائل والطرق الفنية المستحدثة‪،‬‬
‫وهو ما يعطي للمرفق العام مرونة يقتضيها تحقيق المصلحة العامة التي مفهومها متغير‬
‫زمان يا ومكانيا وهو ما يتعين على صاحب المرفق العام مواكبته‪ ،‬ومن هنا ال يمكن للمرتفقين‬
‫وال للموظفين التمسك بالحقوق المقررة بموجب األنظمة السابقة على التعديل‪ ،‬كما ترتبط‬
‫خاصية المرونة بمبدأ آخر وهو استم اررية المرافق العامة والذي أساسه تمكن المرفق العام‬
‫من إشباع ال حاجات العامة للمواطنين دون انقطاع‪ ،‬كما ترتبط خاصية المرونة بمبدأ هام‬
‫آخر وهو التوازن المالي واالقتصادي لتقنية التفويض‪.‬‬

‫تضمن المرونة في تفويض المرفق العام تحقيق التوازن بين فكرتين متناقضتين في‬
‫األساس وهي امتيازات السلطة العامة التي تتمتع بها جهة اإلدا رة المفوضة للمرفق العام من‬
‫جهة ومن جهة ثانية حرية واستقاللية المفوض إليه في تنفيذ مهامه المرفقية‪.‬‬

‫ب‪ .‬تفويض المرفق العام عمل ذو طابع مالي ‪ -‬اقتصادي‬

‫يظهر الطابع المالي االقتصادي لتفويض المرفق العام في االرتباط القائم بين المقابل‬
‫المالي ونتائج استغالل المرفق العام‪ ،‬ويمكن أن يحصل المفوض إليه هذا المقابل المالي‬
‫مباش رة من جمهور المرتفقين في شكل إتاوات يدفعونها له‪.‬‬

‫‪39‬‬
‫محاضرات مادة المرفق العام‪ .............................‬د‪ .‬بولقواس سناء‬

‫وقد أكد مجلس الدولة الفرنسي على في ق ارره الصادر في ‪ 91‬أفريل ‪ 9111‬على وجود‬
‫ارتباط بين المقابل المالي للمتعاقد ونتائج االستغالل‪ ،‬واعتبر هذا األمر معيا ار ممي از لعقود‬
‫تفويض المرافق العامة‪ .‬وقد كان للحكم أهمية كبيرة في التمييز بين عقود تفويض المرافق‬
‫العامة والصفقات العمومية‪ ،‬لكن في حاالت أخرى وحفاظا على التوازن المالي للعقد قد‬
‫تتحمل الجهة مانحة التفويض جزئيا تمويل بعض األشغال واألخطار المالية لالستغالل (أي‬
‫أنه ذو طابع تكميلي فقط)‪.‬‬

‫هناك حاالت أخرى يكون المقابل المالي الذي يتحصل عليه المفوض إليه من الجهة‬
‫العامة مانحة التفويض شريطة أن يكون هذا األخير نظير نتائج االستغالل‪ ،‬ويظهر ذلك‬
‫بصورة واضحة في عقود االستغالل غير المباشر وعقد اإلدارة‪ ،‬ويتكون مقابل االستغالل من‬
‫عنصرين‪ :‬عنصر ثابت‪ :‬عبارة عن نسبة ثابتة تقدمها الجهة المفوض لها تحسب لها كرأس‬
‫مال في المشروع‪ ،‬وعنصر متغير‪ :‬عبارة عن مكافأة إضافية سنوية بنسبة النشاط الذي تبذله‬
‫ال جهة المفوض لها المرفق تقدر على أساس الربح الصافي أو الدخل اإلجمالي السنوي‪ ،‬أما‬
‫في عقود اإلدارة فالمتعاقد يتقاضى مبلغا جزافيا يمكن تعديله متى اقتضت الضرورة‬
‫االقتصادية ذلك أثناء االستغالل‪.‬‬

‫لقد أقر االجتهاد أنه إذا كانت الرسوم المتحصل عليها في عقود االمتياز هي المميزة‬
‫للعقد إال أن هذا يتعين أن ال ينسحب على التفويض في إدارة المرافق العامة‪ ،‬ألنها تضم‬
‫أساليب كثيرة منها االمتياز لذا يتعين أن ال يتم ربطها بنوع معين من العائدات كالرسوم‪ ،‬ألن‬
‫عائدات عقود تفويض المرفق العام قد تكون ذات مصادر مختلفة شريطة أن تكون مرتبطة‬
‫بالنتائج المالية واالقتصادية لالستثمار‪.‬‬

‫نشير إلى أن االجتهاد اإلداري لم يحدد في بداياته الصلة التي تكون بين العائدات ونتائج‬
‫االستثمار‪ ،‬حتى أنه لم يحدد مصادر ونوع هذه العائدات إال أنه قضى في قضية بأن‬
‫العائدات يتعين أن تكون مرتبطة في جزء منها على األقل بنتائج االستثمار‪ ،‬الحقا حدد‬

‫‪40‬‬
‫محاضرات مادة المرفق العام‪ .............................‬د‪ .‬بولقواس سناء‬

‫أنواع ومصادر المبالغ المالية التي تتشكل منها العائدات التي يتحصل عليها المفوض إليه‪،‬‬
‫وقد اعتبر الثمن الذي تدفعه السلطة المفوضة جزء من العائدات اإلضافية المتمثلة في‬
‫الرسوم التي يدفعها المرتفقون‪ ،‬لكن االجتهاد لم يتصدى لالرتباط بين الثمن ونتائج‬
‫االستثمار‪ ،‬وهل يمكن أن تقتصر العائدات التي يحققها المفوض إليه على الثمن دون‬
‫الرسوم؟‪ ،‬لكن في مرحلة الحقة صدرت العديد من الق اررات القضائية التي بنت في هذه‬
‫المسالة ففي أحدها اعتبر أن العائدات المحققة بصورة أساسية من نتائج االستثمار معيارا‬
‫التفويض المرفق العام‪ ،‬كما اعتبر العقد في حالة ما إذا كانت الرسوم أو العائدات المتصلة‬
‫بنتائج االستثمار تابعة وثانوية بالنسبة للعائدات األخرى (الثمن صفقة عامة ال عقد امتياز‪،‬‬
‫لكن لم يشر القرار لمسألة االرتباط بين الثمن المدفوع من السلطة المفوضة بنتائج‬
‫االستثمار‪.‬‬

‫ج‪ .‬تفويض المرفق العام ذو طابع كلي أو جزئي‬

‫تفويض المرفق العام من قبل جهة اإلدا رة قد يكون بشكل كامل أو جزئي‪ ،‬ففي هذا‬
‫األخير تقوم جهة اإلدارة بتفويض جزء من المرفق العام على أن تحتفظ هي بالجزء اآلخر‬
‫من النشاط المرفقي‪ ،‬وذلك كأسلوب لتحقيق نشاط مستقل ومتميز عن سائر األنشطة المرفقية‬
‫األخرى‪ ،‬وتلجأ إليه السلطة العامة لعدة أسباب‪ :‬كتعلقها بالمنفعة العامة‪ ،‬أو بتقديرها ألوضاع‬
‫مختلفة بين المنتفعين إزاء مبدأ المساواة‪.‬‬

‫لقد قررت المحكمة اإلدارية بمدينة‪ Clermont-Ferrand‬في ‪ 17‬مارس ‪ 9111‬بإمكانية‬


‫أن يكون تفويض المرفق العام جزئيا شريطة أن يكون متواف ار على شرطين أساسيين هما‪:‬‬

‫‪ -‬أن يكون الجزء الذي عهد به للمتعاقد إدارته مستقال‪ ،‬كأن يعهد لشخص إدارة قاعة سينما‬
‫في قاعة متعددة العروض‪.‬‬

‫‪41‬‬
‫محاضرات مادة المرفق العام‪ .............................‬د‪ .‬بولقواس سناء‬

‫‪ -‬أال يكون الجزء الذي عهد به للمتعاقد ضئيال‪ ،‬حتى ال يفقد استقالليته بالمقارنة بكل‬
‫المرفق‪ ،‬ألن هذا يتنافى مع أهداف تفويض المرفق العام التي تبحث فيها الدولة عن التمويل‬
‫واالعتماد على كفاءة القطاع الخاص الفنية واإلدارية في اإلدارة‪.‬‬

‫يترتب على التفويض الكلي أو الجزئي للمرفق العام االستقاللية بين السلطة المفوضة‬
‫والمفوض إليه في إدا رة المرفق العام‪ ،‬ألنه ا تنقل له صالحية إدارته واستثماره ويكون هو‬
‫المسؤول طوال المدة المحددة في العقد‪ ،‬وال تتأثر هذه االستقاللية في وجودها بما هو ممنوح‬
‫للسلطة المفوضة من امتيازات مقررة لها قانونا في مواجهته‪ ،‬وفي عقود االمتياز وبالنظر‬
‫للمشاركة المالية للسلطة مانحة االمتياز فإن استقاللية صاحب االمتياز تكون جزئية‬
‫ومرتبطة بنسبة العائدات المحصل عليها من جهة وبنتائج االستثمار والمخاطر والعب المالي‬
‫من جهة أخرى‪.‬‬

‫خامسا‪ :‬نطاق استخدام التفويض في إدارة المرافق العامة‬

‫لصحة عقود تفويض المرافق العامة بصفة عامة ال بد أن تكون هذه المرافق قابلة‬
‫للتفويض‪ ،‬فال مجال للحديث عن التفويض في ظل مرافق غير قابلة للتفويض‪ ،‬سنقوم من‬
‫خالل دراستنا بتحديد نطاق استخدام التفويض مبرزين المرافق العامة التي تقبل بطبيعتها‬
‫التفويض والمرافق العامة غير القابلة للتفويض وذلك على النحو التالي‪:‬‬

‫‪ .1‬المرافق العامة القابلة للتفويض اإلداري‬

‫لما كانت المرافق العامة تنقسم لمرافق عامة صناعة أو تجارية ومرافق عامة إدارية فإن‬
‫أول ما يتم التساؤل عنه هو هل أن تفويض المرافق العامة إلدارتها من قبل شخص من‬
‫أشخاص القانون الخاص يتعلق بأحدهما دون اآلخر أم ال؟‬

‫تشكل المرافق العامة االق تصادية صناعية كانت أو تجارية المجال األساسي لتفويض‬
‫إدارة وتسيير المرافق العامة‪ ،‬ولهذا السبب هناك من الفقه من حاول خلق رابطة بين المرافق‬
‫العامة االقتصادية وبين التفويض كأسلوب اإلدارة المرفق العام وبناء على ذلك اعتبروا كل‬

‫‪42‬‬
‫محاضرات مادة المرفق العام‪ .............................‬د‪ .‬بولقواس سناء‬

‫مرفق عام قابل للتفويض قرينة على أنه مرفق عام اقتصادي‪ ،‬ويمكن إرجاع سبب مواءمتها‬
‫للتفويض هي فك رة االستثمار وما يترتب عليها من نتائج مالية وأعباء ومخاطر يتحملها‬
‫المستثمر والذي بموجبه يتحمل كل الخسائر المترتبة‪..‬الخ‪ ،‬هذا يجعل من المرافق العامة‬
‫االقتصادية متشابهة مع المشاريع الخاصة ومن ثم تكون قابلة للتفويض‪.‬‬

‫المالء مة الموجودة بين طبيعة المرافق العامة االقتصادية من جهة وبين التفويض‬
‫كأسلوب في إدا رة المرفق العام ليست مطلقة‪ ،‬وهذا راجع ألسباب خارجية متعلقة بخطط‬
‫السلطة العامة أو الجهة المفوضة والذي يتطلب منها قبل لجوئها للتفويض في إدارة المرفق‬
‫العام ا القتصادي إجراء موازنة بين المنافع واألعباء الن الواقع العملي أثبت أن هناك الكثير‬
‫من الحاالت التي لجأت فيها السلطة العامة لتفويض المرافق العامة االقتصادية لكنها لم تفد‬
‫وكبدتها أعباء مالية كبيرة‪.‬‬

‫لفترة معتبرة من الزمن كان تفويض المرافق العامة مرتبطا بشكل حصري بالمرافق العامة‬
‫االقتصادية‪ ،‬ألنها ذات طابع استثماري على غرار المشروعات الخاصة التي يتحمل فيها‬
‫المستثمر أعباء ومخاطر المشروع‪ ،‬وكذا حصوله على مقابل الخدمات التي يقدمها من‬
‫المرتفقين وهو ما يجعل من المرافق العامة االقتصادية ممولة من المرتفقين‪ ،‬وهو األمر غير‬
‫الموجود في المرافق العامة اإلدارية‪ ،‬لكن التصور السابق تغير عندما تم إقرار قابلية المرافق‬
‫العامة اإلدارية للتفويض بسبب التوسع في تطبيق التفويض في إدا رة المرافق العامة في إطار‬
‫تحديث الدولة‪ ،‬كما أن معيار اإلنتاجية الذي كان ممي از للمرافق العامة االقتصادية لم يعد‬
‫بالقاصر عليها‪ ،‬بل أصبح ميزة في كثير من الم رافق العامة اإلدارية‪.‬‬

‫من جهة أخرى ففك رة تفويض إدارة المرافق العامة القائمة على فكرة االستثمار والنتائج‬
‫المالية المرتبطة بها لم يعد بالضرورية‪ ،‬فلم يعد هناك إلزامية ألن تكون عائدات المستثمر‬
‫متحصل عليها بشكل مباشر من جمهور المنتفعين‪ ،‬فيكفي فقط نشوء عالقة بينهم وبين‬
‫المستثمر كما هو الحال في طرق اإلدارة غير المباشرة‪...‬الخ‪ ،‬فجمع النفايات المنزلية‬

‫‪43‬‬
‫محاضرات مادة المرفق العام‪ .............................‬د‪ .‬بولقواس سناء‬

‫ومعالجتها أحد نماذ النشاطات المرفقية التي ال تكون فيها عائدات المستثمر محصلة بشكل‬
‫مباشر من المنتفعين‪ ،‬والتي اعتبرها ا الجتهاد الفرنسي من المرافق العامة اإلدارية‪.‬‬

‫إلى جانب ما سبق فأساس التمييز الكالسيكي بين المرافق العامة االقتصادية والمرافق‬
‫العامة اإلدارية على أساس ربط المرافق العامة اإلدارية بمهام الدولة لم تصبح مطلقة‪ ،‬الن‬
‫هناك مرافق عامة اقتصادية يرتبط وجودها أيضا با لمهام األساسية للدولة على غرار مرفق‬
‫المياه والكهرباء والصرف الصحي‪ ...‬الخ‪ ،‬كما أن فكرة عدم قابلية الم رافق العامة اإلدارية‬
‫التفويض الذي كان مرتبطا سابقا بمبدأ مجانية الخدمات لم تبقى اآلن في النظرية العامة‬
‫للمرافق العامة مبدأ مطلقا‪ ،‬فالتطورات الحاصلة جعلت األصل هو عدم وجود تعارض بين‬
‫التفويض ومجانية الخدمات وتم االستناد في ذلك العتبارين أساسيين‪ :‬األول أن المفوض له‬
‫يكفل له عقد التفويض إدارة المرفق العام إمكانية حصوله على إيرادات ال تشبه تلك التي‬
‫يدفعها المرتفقون وذلك في شكل رسوم مثالها ناتج اإلعالنات وبعض االمتيازات المالية أو‬
‫الضريبية‪ ،‬أما االعتبار الثاني فأساسه إمكانية تقييم النتائج االقتصادية للمرافق العامة‬
‫اإلدارية‪.‬‬

‫لقد أكد الفقه أن المرافق العامة اإلدارية قابلة للتفويض عندما اعتبر أنه إذا كانت المرافق‬
‫العامة االقتصادية بطبيعتها أكثر مواءمة للتفويض فان للم رافق العامة اإلدارية هي األخرى‬
‫مكانتها في التفويض‪ ،‬وهو ما دفع ببعض الفقه للقول بعدم وجود تمييز بين المرافق العامة‬
‫اإلدارية واالقتصادية‪.‬‬

‫‪ .2‬المرافق العامة غير القابلة للتفويض‬

‫على الرغم من أن االعتماد على تفويض المرافق العامة إلدارتها ذو أهمية كبيرة للسلطة‬
‫مانحة التفويض السيما وأنه يخفف العبء المالي عنها في إدارتها وهو ما يمكن الدولة من‬
‫تلبية الدولة حاجات مواطنيها دون أن يشكل ذلك عبئا على موازناتها العامة ألن المفوض له‬
‫هو من سيت حملها ويتحمل المخاطر االستثمارية أيضا‪ ،‬إال أن االعتماد على التفويض غير‬

‫‪44‬‬
‫محاضرات مادة المرفق العام‪ .............................‬د‪ .‬بولقواس سناء‬

‫ممكن في كل المرافق على الرغم من أن هناك دوال أصبحت تعتمده حتى في المرافق‬
‫التقليدية التي ال تزال بعيدة في دول أخرى عن التفويض وذلك لعدم قابلتيها للتفويض إما‬
‫لوجود نصوص قانونية تمنع ذلك أ و بالنظر لطبيعة المرفق في حد ذاته وهو ما سنقوم ببيانه‬
‫على النحو التالي‪:‬‬

‫أ‪ .‬عدم قابلية التفويض بنص قانوني‬

‫كان للمشرع دور كبير في تحديد نطاق تطبيق التفويض في إدارة وتسيير المرافق العامة‪،‬‬
‫فقانون ‪ Sapine‬الذي سبق بيانه استثنى العديد من المرافق من التفويض السيما أحكام‬
‫المادتين ‪ 17‬و ‪ 17‬منه ألن المشرع ال يراها مجاال مناسبا للتفويض ألنها من صميم‬
‫صالحيات اإلدا رة العامة‪ ،‬وتمارس امتيازات ال يمكن أن تكون ملكا إال للدولة بنص القانون‪،‬‬
‫المنع الذي نحن بصدد الحديث عنه مصدره النصوص القانونية ال التنظيمية‪ ،‬والمنع‬
‫التشريعي ال يقتصر فقط على وجود نص يحظر صراحة التفويض في إدا رة واستثمار المرفق‬
‫العام‪ ،‬وانما يمتد للحالة التي تكون فيها هذه السلطة العامة منحت بقانون مهمة تحقيق‬
‫المرفق العام‪ ،‬وكان االجتهاد الفرنسي عبر عن هذا المنع القانوني في عدة ق اررات صاد رة‬
‫عنه قاضيا برفض تفويض المرفق العام اإلداري ألن هناك نص يحظر ذلك‪.‬‬

‫أكد االجتهاد القضائي كذلك على أنه ال يمكن للجماعات المحلية أن تفوض تنظيم الحالة‬
‫المدنية أو مكاتب اإلحصاء أو االنتخابات وحتى مسح األراضي المؤسسات خاصة‪ ،‬ألنها‬
‫من صميم اختصاصات الجماعات المحلية دون غيرها وال يمكن بأي حال من األحوال أن‬
‫تفوض هذا االختصاصات اللصيقة بها بموجب أحكام القانون‪.‬‬

‫في المملكة المتحدة قامت لجنة برلمانية بتحديد مجموعة من المرافق العامة والمجاالت‬
‫التي يمكن أن تكون مجاال لإلدارة من قبل الخواص وهي القضاء والقوات المسلحة وكل‬
‫المجاالت التي من شأن تف ويضها للقطاع الخاص أن يخرق مبدأ الحرية‪ ،‬باإلضافة لكل‬
‫المجاالت ذات العالقة بالوظائف التنظيمية‪.‬‬

‫‪45‬‬
‫محاضرات مادة المرفق العام‪ .............................‬د‪ .‬بولقواس سناء‬

‫البحث عن مسالة المرافق العامة غير القابلة للتفويض في الجزائر صعبة‪ ،‬إذ ال يوجد‬
‫قانون يحددها لنا على سبيل الحصر على غرار بعض التشريعات المقارنة‪ ،‬فالمؤسس‬
‫الدستوري مثال اكتفى بالنص على أن الحقوق مضمونة على غرار‪ :‬حق التعليم‪ ،‬الحق في‬
‫الرعاية الصحية‪ ،‬ولكل المواطنين الحق في العمل وما يتفرع عليه من حقوق أخرى على‬
‫غرار ‪ :‬الحماية واألمن والبيئة السليمة‪ ،‬ولم يقم بعملية تحديد فيما إذا كان يتعين تقديم‬
‫الخدمات من قبل الدولة أو من القطاع الخاص فيها بتفويض منها‪ ،‬وترك ذلك للسلطة‬
‫التقديرية للدولة تقدره بناء على االعتبارات االقتصادية والسياسية واالجتماعية فيها‪ ،‬على أن‬
‫تظل الدولة في حال تفويضها القطاع الخاص بتوفير هذه الخدمات التي تعد حقوقا‬
‫لمواطنيها هي المسؤولة عن التنظيم القانوني لها بشكل يحترم حقوق اإلنسان‪ ،‬مثال ذلك‬
‫مجانية التعليم االبتدائي والخدمات المتصلة بالرعاية الصحية ‪...‬الخ‪ ،‬وأن تكون مضمونة‬
‫للجميع‪ ،‬وفي حالة ما إذا كانت الدولة تفوض القطاع الخاص بتقديم هذه الخدمات لمواطنيها‬
‫فعليها أن تقوم بمراقبة هذا األخير في كيفية أدائه لخدمات ه وتفرض عليه الجزاءات المناسبة‬
‫في كل حالة يكون هناك إخالل بالتزاماته‪.‬‬

‫بالرجوع للدستور الجزائري نجد أنه أكد على أن " تعمل الدولة على حماية حقوق‬
‫المواطنين في الخار ومصالحهم‪ ،‬في ظل احترام القانون الدولي واالتفاقيات المبرمة مع‬
‫البلدان المضيفة وتشريع بلدان اإلقامة"‪ ،‬وقد حدد المشرع المسؤول عن توفير األمن في‬
‫الدولة بنصه‪ ":‬تنتظم الطاقة الدفاعية لألمة ودعمها وتطويرها حول الجيش الوطني الشعبي‪".‬‬
‫ومن خالل النصين السابقين يتضح لنا أن مرفق األمن أو الدفاع في الجزائر غير قابل‬
‫للتفويض وهو مسؤولية الدولة وحدها ودعمه وتطويره من اختصاص الجيش الوطني‬
‫الشعبي‪ ،‬وفي مادة أخرى ألزم المؤسس الدستوري الدولة بالتكفل بالوقاية من األمراض‬
‫الوبائية والمعدية ومكافحتها‪ ،‬وهو ما يعني أن الدولة ال يمكنها تفويض ذلك للقطاع الخاص‪.‬‬

‫ب‪ .‬عدم قابلية التفويض لطبيعة المرفق العام‬

‫‪46‬‬
‫محاضرات مادة المرفق العام‪ .............................‬د‪ .‬بولقواس سناء‬

‫يمكننا تقسيم المرافق العامة غير القابلة للتفويض لمرافق عامة سيادية ومرافق عامة لها‬
‫عالقة مباشرة مع المواطنين‪ ،‬بالنسبة لألولى فيمكن إرجاع عدم قابليتها للتفويض لرأي‬
‫المجلس الدستوري في ‪ 1‬أكتوبر ‪ 9117‬الذي اعتبر نشاط الدولة والجماعات المحلية ال‬
‫يمكن تفويضه‪ ،‬أما النوع الثاني فعدم قابلية التفويض راجعة لصلة المرفق بالمواطنين نتناول‬
‫أحكام كل حالة على النحو التالي‪:‬‬

‫ب‪ :1-‬المرافق العامة السيادية‬

‫المرافق السيادية غير قابلة للتفويض‪ ،‬وهو ما قضى به المجلس الدستوري الفرنسي‪،‬‬
‫الرتباطها بسيادة الدولة وجوهر وظائفها‪ ،‬وقد تم االصطالح عليها في فرنسا بالمرافق‬
‫الدستورية استنادا لرأي المجلس الدستوري الصادر في ‪ 1‬أكتوبر ‪ 9117‬الذي اعتبر أن‬
‫نشاط الدولة والجماعات المحلية ال يمكن تفويضه‪ ،‬وفي رأي لمجلس الدولة الفرنسي سنة‬
‫‪ 9171‬الذي يعد القرار األول الذي ظهرت معه مفهوم المرافق العام الدستورية‪ ،‬اعتبر أن‬
‫المرافق العامة غير القابلة للتفويض هي التي تدخل في صميم امتيازات السلطة العامة‪ ،‬وعد‬
‫هذه المرافق تلك المرافق التي تستمد ضرورة وجودها وقيمتها من المبادئ والقواعد الدستورية‬
‫ومن خالل ما سبق يتضح لنا أن كل ما له صلة مباشرة بالسلطة التنظيمية للدولة فال يمكن‬
‫تفويضه ألنها تساهم في تكريس سيادة الدولة‪.‬‬

‫بدأت إرهاصات هذا المصطلح في الظهور في الرأي االستشاري للجنة القانون التابعة‬
‫للجمعية الوطنية الفرنسية الذي ميز بين الوظائف السيادية للدولة التي يقوم بهام موظفو‬
‫الدولة حصرا‪ ،‬وبين المرافق العامة األخرى التي يجوز تفويض تشغيلها للقطاع الخاص وذلك‬
‫منذ سنة ‪ ، 9177‬والم رافق العامة الدستورية هي المرافق العامة ذات الطابع القومي الشامل‬
‫التي تقوم بسد الحاجات الضرورية والعامة التي يجب أن تستمر في عملها‪ ،‬واال تهدد بقاء‬
‫الدولة ذاتها وتعرضها للخطر‪ ،‬وهو ما يقتضي أن تكون دائما تحت لواء اإلدارة العامة‪ ،‬وهذا‬
‫سيكون ضمانة لحسن استم ارريتها في أدائها لعملها‪.‬‬

‫‪47‬‬
‫محاضرات مادة المرفق العام‪ .............................‬د‪ .‬بولقواس سناء‬

‫عرفت المرافق العامة الدستورية أيضا على أنها ‪ ":‬تلك المرافق التي ترتبط ارتباطا‬
‫عضويا بكيان الدولة وبشخصيتها القانونية"‪ ،‬وبذلك فليس كل مرفق عام مرفقا دستوريا‪ ،‬وهو‬
‫ما أكده الم جلس الدستوري الفرنسي في ق ارره رقم ‪ 177‬لسنة ‪ 9111‬عندما أقر بأن مفهوم‬
‫المرفق العام الدستوري أضيق من مفهوم المرفق العام الوطني‪ ،‬فمرفق االتصاالت مرفق عام‬
‫وطني لكنه ليس بالمرفق العام الدستوري‪ ،‬وقد أشارت محكمة العدل األوربية منذ سنة ‪9177‬‬
‫إلى أن هذا النوع من المرافق العامة الذي ينطوي على اتصال مباشر أو غير مباشر‬
‫بممارسة السلطة العامة والوظائف التي صممت لحماية المصالح العامة للدولة والتي يجب‬
‫أن تبقى وطنية وملكا للعامة وفي متناول جميع المواطنين في دول االتحاد األوروبي‪.‬‬

‫عرفت الم رافق السيادية على أنها المرافق العامة المرتبطة بسيادة الدولة كالدفاع والقضاء‬
‫والعالقات الدولة والشرطة والضرائب‪ ...‬الخ وهي م رافق حساسة الرتباطها بسيادة الدولة‬
‫وسالمتها‪.‬‬

‫ال يزال بعض الفقه يقول بأن مفهوم المرافق العامة السيادية أو الدستورية ال يزال غير‬
‫واضح‪ ،‬وال يمكن االستدالل عليها إال من خالل مؤشرات محدودة سواء في الدستور أو‬
‫االجتهاد الدستوري‪ ،‬ففي ق اررات المجلس الدستوري الفرنسي استخدمت العديد من العبارات‬
‫للداللة عليه دون أن تتمكن أي منها من تحديد ماهيته‪ ،‬لكن المجلس الدستوري اللبناني‬
‫وصف المرافق العامة الدستورية بأنها م رافقة عامة إدارية في ق ارره رقم‪ ،2000/4‬وفي كل‬
‫األحوال فالمرافق العامة الدستورية تنقسم لمرافق تتعلق بالوظائف المرتبطة بسيادة الدولة مثل‬
‫الدفاع والقضاء والعالقات الدولية والشرطة والضرائب‪ ،‬مرافق عامة ال ترتبط بسيادة الدولة‬
‫مثل التعليم والصحة‪.‬‬

‫أثير نقاش في مرحلة الحقة في فرنسا عن بعض المرافق العامة السيادية التي تم‬
‫تفويضها وهو ما يتعارض مع سيادة وسالمة الدولة‪ ،‬وطرحت هذه المسألة على البرلمان‬
‫الفرنسي سنة ‪ 9178‬بمناسبة مشروع خاص يقضي بتدخل مؤسسات خاصة في إدارة‬

‫‪48‬‬
‫محاضرات مادة المرفق العام‪ .............................‬د‪ .‬بولقواس سناء‬

‫السجون وابرام صفقات بناء السجون وادارتها‪ ،‬وفي رأي مجلس الدولة الفرنسي في هذه‬
‫المسألة اعتبر أن األنشطة المرتبطة بمرفق السجون ال تمثل كلها عقود تفويض مرفق عام‪،‬‬
‫وفي هذا الصدد أقرت المحكمة اإلدارية في ‪ 91‬أكتوبر ‪ 9111‬أن العقد المبرم بين مؤسسة‬
‫عقابية ومؤسسة خاصة لتقديم بعض الخدمات المتعلقة بالصحة للنزالء في السجن ال يمثل‬
‫عقود تفوي ض مرفق عام‪ ،‬إال أن هذا ال يمنع من القول بضرورة التفرقة بين الحكم بالعقوبة‬
‫وهي وظيفة ترتبط ارتباطا مباش ار بسيادة الدولة وبين تنفيذ العقوبة وهي وظيفة ال ترتبط‬
‫بسيادة الدولة والتي يجوز التفويض فيها ‪.‬‬

‫بالنسبة لمرفق الشرطة أو البوليس فاالجتهاد القضائي الفرنسي أكد على أنها مستثناة‬
‫تقليديا من مجال التفويض ألنه حك ار على الدولة وعلى الجماعات المحلية‪ ،‬هذا من جهة‬
‫ومن جهة أخرى فمرفق الشرطة يتضمن عمليات هي للسلطة العامة وتنطوي على عنصري‬
‫األمر واإلخضاع المطلقين‪ ،‬لذا هو مرتبط مباشرة بسيادة الدولة‪.‬‬

‫لقد كرس المجلس الدستوري الطبيعة الدستورية لمرفق البوليس أو الشرطة وعدم إمكانية‬
‫خصخصته وحتى القيام بتفويضه للقطاع الخاص في القرار الصادر عنه في‪ 97‬مارس‬
‫‪ 1799‬عندما أعتبر أن القانون الذي يسمح لمشغلين من القطاع الخاص بتنفيذ عمليات‬
‫المراقبة اإللكترونية والرصد الفوري للمباني وا لمرافق العامة والطرق العامة السريعة‪ ،‬وتشغيل‬
‫أنظمة الدوائر التلفزيونية المغلقة في القطاع العام ومشاهدة هذه الصور وعرضها بالنيابة عن‬
‫الجهات العامة قانونا مخالفا للدستور‪.‬‬

‫في مرحلة الحقة تبني الفقه واالجتهاد القضائي اتجاها أخر فيما يتعلق بتفويض المرافق‬
‫العا مة السيادية وميز بين نشاطات هذا المرفق‪ ،‬واشترط الفقه فقط أن تظل الدولة أو‬
‫الشخص المعنوي العام المفوض مسؤوال عن األضرار الناجمة عن عملية التفويض‪ ،‬وبناء‬
‫على ما سبق فمتى كنا بصدد نشاطات مرفقية يمكن فصلها عن المرافق العامة السيادية‬
‫باعتبارها نشاطات غير أساسية فإنه في هذه الحالة يجوز تفويضها‪ ،‬وتبنى االجتهاد‬

‫‪49‬‬
‫محاضرات مادة المرفق العام‪ .............................‬د‪ .‬بولقواس سناء‬

‫القضائي ذلك في عدد من المرافق العامة على غرار مرفق الحريق‪ ،‬وكذلك في االمتيازات‬
‫المتعلقة بمرفق حمامات السباحة قضى بأن مهمة اإلشراف وتأمين الرعاية هو عقد صحيح‪،‬‬
‫كما أنه أجاز تفويض إدارة مواقف السيارات كمحطات إلى جانب الطرق العامة على أساس‬
‫أنها متعلقة بخدمات قابلة للفصل عن خدمات مرفق الشرطة األساسية كتنظيم وتسيير مرفق‬
‫الطرقات العامة‪.‬‬

‫المرفق الضريبي أحد أهم الوسائل التي تمكن الدولة من تمويل أجهزتها ونشاطاتها العامة‬
‫وتوفير الخدمات العامة لمواطنيها‪ ،‬وهو ما يجعله أحد المرافق العامة السيادية التي ال يمكن‬
‫للدولة أن تمنحه للقطاع الخاص ألن ذلك سيحرمها من مصدر مالي هام جدا من جهة‪.‬‬

‫ب‪ :2-‬المرافق العامة الخدماتية‬

‫األصل في المرافق العامة التي تقدم خدمات لجمهور المنتفعين أنها م رافق ليس بالسيادية‬
‫لذا كقاعدة عامة فهي مرافق قابلة للتفويض‪ ،‬ويمكن إرجاع ذلك لعدم توافر عنصر هام في‬
‫تفويض المرفق العام وهي فك رة االستثمار التي سبق لنا دراستها‪ ،‬إال أن االجتهاد القضائي‬
‫جعل من البعض منها بالنظر لطبيعتها مرافق عامة غير قابلة للتفويض‪ ،‬ويمكن إرجاع ذلك‬
‫لعدم توافر العناصر األساسية التي يقوم عليها التفويض السيما المتعلقة بعنصر العائدات‬
‫المحققة‪ ،‬ومثال ذلك‪ :‬مرافق التعليم الرسمي والصحة والضمان االجتماعي وادارة السجون‪.‬‬

‫بالنسبة لمرفق التعليم فقد كان للثورات التي خاضتها الشعوب لتحقيق الديموقراطية‬
‫انعكاس كبير عليه‪ ،‬فبسببها أصبح حق التعليم من الحقوق األساسية للفرد وكرسته غالبية‬
‫العالم وأصبحت الدولة ملزمة بتوفيره لمواطنيها‪ ،‬وهو ما دفع بالمؤسس الدستوري في عدد من‬
‫دول العالم للنص صراحة على عدم إمكانية خصخصة مرفق التعليم‪ ،‬وعلى الرغم من ذلك‬
‫ومع ما شهده العالم من ثورة معلوماتية وتكنولوجية وثقافية وعمليات اإلصالح الهيكلي التي‬
‫قامت بها الدول لحل المشاكل التي تعاني منها موازناتها‪ ،‬تغير دور الدولة في مجال التعليم‬
‫بسبب عجز موازناتها وارتفاع عدد السكان في بعض الدول‪ ...‬الخ‪ ،‬كل ذلك أدى لفتح‬

‫‪50‬‬
‫محاضرات مادة المرفق العام‪ .............................‬د‪ .‬بولقواس سناء‬

‫المجال أمام القطاع الخاص بغية تخفيف األعباء المالية عن الدولة‪ ،‬وقد أخذ ذلك العديد من‬
‫األشكال بحسب ما يتناسب مع خصوصيات كل دولة‪.‬‬

‫مرفق الرعاية الصحية واالستشفاء أحد أهم المرافق العامة في الدولة لتعلقه بحياة‬
‫المواطنين‪ ،‬وهو ما دفع بالدول اإلبالء عناية بالغة له‪ ،‬عكستها أسمى النصوص القانونية في‬
‫الدولة وهو الدستور‪ ،‬مؤكدة على أن الدول ة تكفل الرعاية الصحية لمواطنيها وتوفر لهم‬
‫وسائل الوقاية والعال ‪ ،‬وهو ما نصت عليه غالبية دساتير الدول‪ ،‬لكن هناك اتجاه عالمي‬
‫اآلن نحو التوجه للقطاع الخاص وتقليص دور الدولة في مجال الرعاية الصحية السيما مع‬
‫ارتفاع كلفة الخدمات من جهة أخرى‪ ،‬كل ذلك سعيا من هذه الدول للمحافظة على‬
‫المكتسبات الصحية والعمل على تطويرها وتحسين جودتها‪ ،‬وقد تم استخدام العديد من‬
‫األساليب المختلفة في هذا الصدد‪ :‬من تعاقد‪ ،‬لعقود إدا رة‪ ،‬لعقود البوت ومشتقاتها‪ ،‬وحتى‬
‫الخصخصة‪ ،‬في عدد من الدول‪.‬‬

‫في قرار مجلس الدولة الفرنسي الصادر في ‪ 91‬جوان ‪ 9111‬قضى بأنه ال يجوز‬
‫للمؤسسات العالجية أن تعهد لمشروعات خاصة مهمة القيام بإيواء المرضى الذين تتطلب‬
‫حالتهم الحجز في المستشفى‪ ،‬واستند مجلس الدولة في ذلك لكون اإلقامة بالمستشفى أحد‬
‫العناصر األساسية غير قابلة لالنفصال عن مهمة المرفق العام ومن ثم فال يجوز تفويضها‪،‬‬
‫أما فيما يتعلق بمرافقي المرضى فقد أجاز مجلس الدولة تفويض إدارة مرفق إيوائهم‪.‬‬

‫مرفق الضمان االجتماعي أحد المرافق العامة الدستورية لكنه لم يحظى األهمية في‬
‫الدراسات التي أجريت خالفا للمرافق السابقة‪ ،‬ويكتب هذا المرفق صفته من النصوص‬
‫الدستورية التي توجب على الدولة تقديم الحياة الكريمة لمواطنيها‪ ،‬وقد أكد المجلس الدستوري‬
‫الفرنسي الطبيعة الدستورية لهذا المرفق‪ ،‬كما رسخ االتحاد األوروبي المكانة الدستورية‬
‫المرفق الضمان االجتماعي من خالل أحكام المادة ‪ 11‬من معاهدة الحقوق األساسية في‬

‫‪51‬‬
‫محاضرات مادة المرفق العام‪ .............................‬د‪ .‬بولقواس سناء‬

‫االتحاد األوروبي لسنة ‪ 1777‬التي أق رت بالضمان االجتماعي كأحد الحقوق األساسية في‬
‫دول االتحاد‪ ،‬واألمر سيان بالنسبة للدول العربية حيث أكدت دساتيرها على ذلك‪.‬‬

‫‪52‬‬

You might also like