Professional Documents
Culture Documents
تقديم المقطع:
شهد مفهوم المرفق العام تحوالت عميقة في مفهومه ،وكانت الظروف االقتصادية واالجتماعية
السبب في هذه التحوالت التي لم تقتصر فقط على النظرية التقليدية للمرفق العام كمفهوم ،وإنما امتد
أثرها ليشمل حتى قواعد النظام القانوني الذي يفترض أن يحكم عمل المرفق.
إذا كان من السهل في مرحلة أولى وضع تعريف بسيط للمرفق العام أدى إلى ازدهار النظرية،
فإنه وفي مرحلة ثانية اختلت هذه النظرية ودخل مفهوم المرفق العام في أزمة عميقة دفعت الفقهاء في
القانون اإلداري إلى إعادة النظر في تعريفه وطرح معايير جديدة يمكن أن تحدد جوهر فكرة المرفق
العام.
عندما أسس فقهاء مدرسة المرفق العام نظريتهم ألول مرة ،كانت الدولة مجرد دولة حارسة ال
تقوم إال بالوظائف األساسية التقليدية كاألمن والعدل ،والدفاع ،ولذلك كانت هذه النظرية مستندة على
هذه المالحظة لدور الدولة المحدود ،لكن مع تطور دور الدولة وتدخلها في مجاالت جديدة كانت
حك ار على األفراد ،اختل مفهوم المرفق العام وانتقل إلى بعد آخر ساهمت التطورات الحديثة في
تشكيله.
الدولة = مرفق عام = نطاق تطبيق القانون اإلداري = اختصاص القاضي اإلداري.
1
الدولة ،فإن كل ذلك سيقع ضمن
وهكذا فإنه طالما أن كل ما يتعّلق بالمصلحة العامة تقوم به ّ
نطاق القانون اإلداري واختصاص القاضي اإلداري حتماً.
لكن بداية من سنة 1921وبسبب األزمة االقتصادية العالمية ،فإن فكرة المرفق العام قد شهدت
تحوال عميقا ،ويمكن القول إن النظرية ككل دخلت في أزمة اصطلح عليها لدى فقهاء القانون اإلداري
بأزمة المرفق العام ،وتتجلى بوادر هذه األزمة في انفكاك الترابط المفترض في الصيغة التي قدمتها
النظرية بين الدولة ،والمصلحة العامة والقانون اإلداري.
لقد كانت نظرية المرفق العام تنطلق من افتراض اعتبرته مطلقا وغير قابل للعكس ،بأن الدولة
هي التي تتولى حص ار ممارسة كل نشاط يتعّلق بالمصلحة العامة ،وال يمكن لغيرها أن يقوم بذلك ،كما
أن كل نشاط للدولة هو بالضرورة يهدف إلى المصلحة العامة ،لكن األزمة االقتصادية ّأدت إلى عجز
الدولة عن القيام بنشاطات المصلحة العامة ذات العبء الثقيل مما أدى إلى تدخل الخواص لتنفيذ
مشاريع كان ُيفترض أن تقوم بها الدولة.
من جهة ثانية ،فإن الدولة نفسها اضطرت إلى القيام بنشاطات هي تنتمي بطبيعتها إلى مجال
ويفترض أن يقوم بها الخواص عادة ،وهي نشاطات ذات طابع صناعي وتجاري ال القانون الخاصُ ،
تنتمي بطبيعتها لمفهوم الخدمة العامة ،وهكذا فقد بدأت حلقات نظرية المرفق العام تنفرط شيئا فشيئا،
وبدأ البحث عن معايير جديدة صالحة لتفسير المرفق العام.
من الناحية العضوية فإن المرفق العام يظهر في شكل جهاز يضم مجموعة الوسائل واألعوان
محددة ،وهنا يرى جون ريفيرو بأننا نتحدث بهذا المعنى
التي يقوم بواسطتها شخص عمومي بوظيفة ّ
محددة ،فكلما
عن "المصالح الخارجية للو ازرات" ،أو أنه باختصار هو اإلدارة العامة أو مؤسسة إدارية ّ
توجد مؤسسة إدارية يوجد مرفق عام على حد تعبير األستاذ أحمد محيو.
ولذلك ،فإنه عندما تتم إدارة النشاط الذي نتساءل من أجله ما إذا كان مرفقاً عاماً من قبل
شخص عام ،يرى القاضي في وجود هذا الشخص العام قرينة قوية على المرفق العام .وفي الواقع،
نادر ما تكون أنشطة األشخاص العامة خالية من طابع المصلحة العامة.
ًا
2
➢ المعيار المادي في تعريف المرفق العام
ينطلق المعيار المادي في تعريف المرفق العام من المصلحة العامة كهدف لهذا النشاط
وكأساس لتعريفه وتحديد نظامه القانوني ،إن هذا المعيار المادي أو الوظيفي يرى في المرفق العام
نشاطا للمصلحة العامة تسعى اإلدارة لتحقيقه.
حسب هذا المعيار فإن مفهوم المرفق العام يغطي كل نشاط يهدف إلى إشباع مصلحة عامة،
يتميز إذن عن النشاط الخاص ،إذ أن األول تحركه المصلحة العامةولذلك فإن نشاط المرفق العام ّ
ويجب أال يهتم بتحقيق ربح ما ،أما الثاني ،فتحركه المصلحة الخاصة بتحقيق األرباح.
نظ ار لصعوبة تحديد معيار واحد كاف لإلحاطة بفكرة المرفق العام ،فإن الفقهاء حاولوا بدال عن
ذلك وضع العناصر األساسية والسمات المميزة للمرفق العام من خالل الجمع بين المعايير والوصول
إلى صيغة مقبولة يمكن أن تحيط بهذا المفهوم ،وتظهر هذه العناصر األساسية في وجوب ارتباط
المرفق بالدولة التي تنشؤه وتشرف على إدارته من جهة ،وضرورة أن يكون الهدف األساسي للمرفق
هو تحقيق المصلحة العامة.
يتطّلب تقدير وجود مصلحة عامة ق ار ار من قبل السلطة العامة التي تنشئ بموجب هذا القرار
3
محلية بموجب مداولة تخضع لمصادقة سلطة الرقابة الوصائية.
عمومية ّ
الدولة
➢ خضوع المرفق العام لسلطة وإشراف ّ
يشترط فقهاء القانون اإلداري أن يكون المرفق العام مرتبطا بسلطة الدولة وخاضعا إلشرافها
حتى وإن لم تكن تديره بنفسها ،ذلك أن جوهر نظرية المرفق العام تقوم على ارتباط أساسي بين
الدولة ،وأن إشباع المصلحة العامة هو واجب أساسي للدولة الحديثة ،ويجب عليها
المرفق العام و ّ
التأكد من حصول الجمهور على الخدمة خصوصا في الحاالت التي تفوض تسيير مرافقها ألشخاص
القانون الخاص.
على الرغم من اختالف المعايير حول تعريف المرفق العام إال أن المتفق عليه أن المرفق هو
نشاط إداري يهدف إلى إشباع حاجة عامة ،فيكون الهدف إذن هو تحقيق المصلحة العامة ،لكن هذا
التحليل على بساطته سيطرح إشكاالت معقدة حول مفهوم المصلحة العامة ،وكيفية تقديرها.
إن من الصعب تحديد مفهوم المصلحة العامة ،ذلك أن هذا المفهوم تحدده الفلسفة االقتصادية
الدولة
واالجتماعية التي تتبناها كل دولة .إن النفع العام عموما هو مفهوم تراكمي ومتغير حتى في ّ
الواحدة ،وليس للقانون هنا دور سوى تجسيد هذا المفهوم من خالل ربطه بالمرفق العام كهدف له.
السلطة
وفي كل األحوال فإن إنشاء مرفق عام يعني أن هناك مصلحة عامة تقتضي تدخل ّ
العامة إلشباعها ،ومع أن المصلحة العامة ليس حك ار على نشاط المرفق العام حيث أن هناك عددا
من النشاطات الخاصة التي تهدف للنفع العام ،إال أن المصلحة العامة تظل الهدف الحصري للمرفق
العام.
وفي معرض تحليل فكرة المصلحة العامة ومحاولة تحديد معايير قانونية مضبوطة لها ،فإن
التساؤل ُيطرح حول ما إذا كانت المصلحة العامة تعني المجانية ،وهل يجب أن تكون كل مصلحة
عامة يستهدفها المرفق العام مجانية ،ويعتقد كثيرون أن المجانية هي القاعدة في العديد من المرافق
العامة األساسية للدولة ،كالتعليم والصحة وغيرهما.
4
لكن قاعدة المجانية ليست قاعدة مطلقة في تحديد نطاق المصلحة العامة ،حيث أنه وبفعل تزايد
طابع الصناعي والتجاري ،فإن هذه المرافق العامة بطبيعتها تستبعد المجانية
المرافق العامة ذات ال ّ
حيث تهدف هذه المرافق إلى تقديم خدمة عامة وفي ذات الوقت تحقيق نوع من التوازن بين نفقاتها
.
وإيراداتها بما يضمن تمويل نشاطاتها ذاتياً
➢ تقدير المصلحة العامة
على الرغم من أن تحديد مفهوم المصلحة العامة يبقى معضلة نظرية لدى فقهاء القانون اإلداري
بسبب تشعب هذا المفهوم وارتباطه بأبعاد إيديولوجية مختلفة ،فإن مسألة تقدير مدى وجود مصلحة
يقل تعقيدا عن مشكلة تحديد مضمونها.
عامة هو إشكال ال ّ
والحقيقة أن السلطة العمومية المؤهلة إلنشاء المرفق العام هي التي تملك فيما يبدو سلطة تقدير
مدى وجود مصلحة عامة تستحق إنشاء مرفق عام إلشباعها ،وهنا فإن األمر يتعلق بسلطة تقديرية
مطلقة نابعة من فلسفة الدولة وأيديولوجيتها االقتصادية واالجتماعية.
5