You are on page 1of 5

‫المقطع األول‪ :‬مفهوم المرفق العام‬

‫تقديم المقطع‪:‬‬

‫شهد مفهوم المرفق العام تحوالت عميقة في مفهومه‪ ،‬وكانت الظروف االقتصادية واالجتماعية‬
‫السبب في هذه التحوالت التي لم تقتصر فقط على النظرية التقليدية للمرفق العام كمفهوم‪ ،‬وإنما امتد‬
‫أثرها ليشمل حتى قواعد النظام القانوني الذي يفترض أن يحكم عمل المرفق‪.‬‬

‫معايير المرفق العام‬ ‫‪-1‬‬

‫إذا كان من السهل في مرحلة أولى وضع تعريف بسيط للمرفق العام أدى إلى ازدهار النظرية‪،‬‬
‫فإنه وفي مرحلة ثانية اختلت هذه النظرية ودخل مفهوم المرفق العام في أزمة عميقة دفعت الفقهاء في‬
‫القانون اإلداري إلى إعادة النظر في تعريفه وطرح معايير جديدة يمكن أن تحدد جوهر فكرة المرفق‬
‫العام‪.‬‬

‫تطور مفهوم المرفق العام‬ ‫➢‬

‫عندما أسس فقهاء مدرسة المرفق العام نظريتهم ألول مرة‪ ،‬كانت الدولة مجرد دولة حارسة ال‬
‫تقوم إال بالوظائف األساسية التقليدية كاألمن والعدل‪ ،‬والدفاع‪ ،‬ولذلك كانت هذه النظرية مستندة على‬
‫هذه المالحظة لدور الدولة المحدود‪ ،‬لكن مع تطور دور الدولة وتدخلها في مجاالت جديدة كانت‬
‫حك ار على األفراد‪ ،‬اختل مفهوم المرفق العام وانتقل إلى بعد آخر ساهمت التطورات الحديثة في‬
‫تشكيله‪.‬‬

‫بالضرورة خدمة عامة‪ ،‬وال توجد‬


‫كانت الخدمات العامة قليلة ولذلك كان كل عمل للدولة هو ّ‬
‫خدمة عامة خارج نطاق عمل الشخص العام‪ ،‬ووفقا للمبدأ السائد قبل سنوات العشرينيات من القرن‬
‫الماضي‪ ،‬فإن الدولة كانت تظهر دائماً بوصفها كمجموعة من الخدمات العامة‪ .‬ولم ير ديجي مثال‬
‫الدولة التي طالما انتقدها سوى مجرد اتحاد لتقديم الخدمات العامة‪.‬‬
‫في ّ‬
‫لقد ازدهرت في هذه الفكرة نظرية المرفق العام باعتبارها نظرية شاملة قام عليها القانون اإلداري‬
‫ككل‪ ،‬وكان يمكن صياغة معادلة بسيطة على النحو التالي‪:‬‬

‫الدولة = مرفق عام = نطاق تطبيق القانون اإلداري = اختصاص القاضي اإلداري‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫الدولة‪ ،‬فإن كل ذلك سيقع ضمن‬
‫وهكذا فإنه طالما أن كل ما يتعّلق بالمصلحة العامة تقوم به ّ‬
‫نطاق القانون اإلداري واختصاص القاضي اإلداري حتماً‪.‬‬

‫لكن بداية من سنة ‪ 1921‬وبسبب األزمة االقتصادية العالمية‪ ،‬فإن فكرة المرفق العام قد شهدت‬
‫تحوال عميقا‪ ،‬ويمكن القول إن النظرية ككل دخلت في أزمة اصطلح عليها لدى فقهاء القانون اإلداري‬
‫بأزمة المرفق العام‪ ،‬وتتجلى بوادر هذه األزمة في انفكاك الترابط المفترض في الصيغة التي قدمتها‬
‫النظرية بين الدولة‪ ،‬والمصلحة العامة والقانون اإلداري‪.‬‬

‫لقد كانت نظرية المرفق العام تنطلق من افتراض اعتبرته مطلقا وغير قابل للعكس‪ ،‬بأن الدولة‬
‫هي التي تتولى حص ار ممارسة كل نشاط يتعّلق بالمصلحة العامة‪ ،‬وال يمكن لغيرها أن يقوم بذلك‪ ،‬كما‬
‫أن كل نشاط للدولة هو بالضرورة يهدف إلى المصلحة العامة‪ ،‬لكن األزمة االقتصادية ّأدت إلى عجز‬
‫الدولة عن القيام بنشاطات المصلحة العامة ذات العبء الثقيل مما أدى إلى تدخل الخواص لتنفيذ‬
‫مشاريع كان ُيفترض أن تقوم بها الدولة‪.‬‬

‫من جهة ثانية‪ ،‬فإن الدولة نفسها اضطرت إلى القيام بنشاطات هي تنتمي بطبيعتها إلى مجال‬
‫ويفترض أن يقوم بها الخواص عادة‪ ،‬وهي نشاطات ذات طابع صناعي وتجاري ال‬ ‫القانون الخاص‪ُ ،‬‬
‫تنتمي بطبيعتها لمفهوم الخدمة العامة‪ ،‬وهكذا فقد بدأت حلقات نظرية المرفق العام تنفرط شيئا فشيئا‪،‬‬
‫وبدأ البحث عن معايير جديدة صالحة لتفسير المرفق العام‪.‬‬

‫➢ المعيار العضوي في تعريف المرفق العام‬

‫من الناحية العضوية فإن المرفق العام يظهر في شكل جهاز يضم مجموعة الوسائل واألعوان‬
‫محددة‪ ،‬وهنا يرى جون ريفيرو بأننا نتحدث بهذا المعنى‬
‫التي يقوم بواسطتها شخص عمومي بوظيفة ّ‬
‫محددة‪ ،‬فكلما‬
‫عن "المصالح الخارجية للو ازرات"‪ ،‬أو أنه باختصار هو اإلدارة العامة أو مؤسسة إدارية ّ‬
‫توجد مؤسسة إدارية يوجد مرفق عام على حد تعبير األستاذ أحمد محيو‪.‬‬

‫ولذلك‪ ،‬فإنه عندما تتم إدارة النشاط الذي نتساءل من أجله ما إذا كان مرفقاً عاماً من قبل‬
‫شخص عام‪ ،‬يرى القاضي في وجود هذا الشخص العام قرينة قوية على المرفق العام‪ .‬وفي الواقع‪،‬‬
‫نادر ما تكون أنشطة األشخاص العامة خالية من طابع المصلحة العامة‪.‬‬
‫ًا‬

‫‪2‬‬
‫➢ المعيار المادي في تعريف المرفق العام‬

‫ينطلق المعيار المادي في تعريف المرفق العام من المصلحة العامة كهدف لهذا النشاط‬
‫وكأساس لتعريفه وتحديد نظامه القانوني‪ ،‬إن هذا المعيار المادي أو الوظيفي يرى في المرفق العام‬
‫نشاطا للمصلحة العامة تسعى اإلدارة لتحقيقه‪.‬‬

‫حسب هذا المعيار فإن مفهوم المرفق العام يغطي كل نشاط يهدف إلى إشباع مصلحة عامة‪،‬‬
‫يتميز إذن عن النشاط الخاص‪ ،‬إذ أن األول تحركه المصلحة العامة‬‫ولذلك فإن نشاط المرفق العام ّ‬
‫ويجب أال يهتم بتحقيق ربح ما‪ ،‬أما الثاني‪ ،‬فتحركه المصلحة الخاصة بتحقيق األرباح‪.‬‬

‫ثانياً‪ :‬عناصر المرفق العام‬

‫نظ ار لصعوبة تحديد معيار واحد كاف لإلحاطة بفكرة المرفق العام‪ ،‬فإن الفقهاء حاولوا بدال عن‬
‫ذلك وضع العناصر األساسية والسمات المميزة للمرفق العام من خالل الجمع بين المعايير والوصول‬
‫إلى صيغة مقبولة يمكن أن تحيط بهذا المفهوم‪ ،‬وتظهر هذه العناصر األساسية في وجوب ارتباط‬
‫المرفق بالدولة التي تنشؤه وتشرف على إدارته من جهة‪ ،‬وضرورة أن يكون الهدف األساسي للمرفق‬
‫هو تحقيق المصلحة العامة‪.‬‬

‫المرفق العام تنشئه الدولة ويخضع لسلطتها‬ ‫‪-1‬‬

‫الدولة‪ ،‬إنه ينشئ من قبلها‪ ،‬ويخضع لسلطتها وإشرافها‬


‫إن كل مرفق عام يعود في أساسه إلى ّ‬
‫حتى وإن كان ال يدار مباشرة من قبل أحد األشخاص العمومية‪.‬‬

‫➢ إنشاء المرفق العام من قبل الدولة‬

‫يتطّلب تقدير وجود مصلحة عامة ق ار ار من قبل السلطة العامة التي تنشئ بموجب هذا القرار‬

‫مرفقا عاما‪ ،‬وفي حاالت أخرى قد ّ‬


‫تقرر هذه السلطة أن نشاطا خاصا أصبح يتعّلق بمصلحة عامة‬
‫ويتوجب تحويله إلى مر ٍ‬
‫فق عام‪.‬‬

‫الدولة‪ ،‬فإن المتفق عليه أنه يعود للسلطة التشريعية‬


‫بالنسبة للمرافق التي تنشئ ابتداء من قبل ّ‬
‫إنشاء المرافق العامة بموجب قانون‪ ،‬ويتعّلق ذلك بالمرافق العامة ذات األهمية الخاصة والتي لها بعد‬
‫المحلية كالمجلس الشعبي البلدي صالحية إنشاء مرافق‬
‫ّ‬ ‫وطني وليس محلي‪ ،‬في حين تمنح المجالس‬

‫‪3‬‬
‫محلية بموجب مداولة تخضع لمصادقة سلطة الرقابة الوصائية‪.‬‬
‫عمومية ّ‬
‫الدولة‬
‫➢ خضوع المرفق العام لسلطة وإشراف ّ‬
‫يشترط فقهاء القانون اإلداري أن يكون المرفق العام مرتبطا بسلطة الدولة وخاضعا إلشرافها‬
‫حتى وإن لم تكن تديره بنفسها‪ ،‬ذلك أن جوهر نظرية المرفق العام تقوم على ارتباط أساسي بين‬
‫الدولة‪ ،‬وأن إشباع المصلحة العامة هو واجب أساسي للدولة الحديثة‪ ،‬ويجب عليها‬
‫المرفق العام و ّ‬
‫التأكد من حصول الجمهور على الخدمة خصوصا في الحاالت التي تفوض تسيير مرافقها ألشخاص‬
‫القانون الخاص‪.‬‬

‫هدف المرفق العام المصلحة العامة‬ ‫‪-2‬‬

‫على الرغم من اختالف المعايير حول تعريف المرفق العام إال أن المتفق عليه أن المرفق هو‬
‫نشاط إداري يهدف إلى إشباع حاجة عامة‪ ،‬فيكون الهدف إذن هو تحقيق المصلحة العامة‪ ،‬لكن هذا‬
‫التحليل على بساطته سيطرح إشكاالت معقدة حول مفهوم المصلحة العامة‪ ،‬وكيفية تقديرها‪.‬‬

‫➢ مبدأ المصلحة العامة ونتائجه‬

‫إن من الصعب تحديد مفهوم المصلحة العامة‪ ،‬ذلك أن هذا المفهوم تحدده الفلسفة االقتصادية‬
‫الدولة‬
‫واالجتماعية التي تتبناها كل دولة‪ .‬إن النفع العام عموما هو مفهوم تراكمي ومتغير حتى في ّ‬
‫الواحدة‪ ،‬وليس للقانون هنا دور سوى تجسيد هذا المفهوم من خالل ربطه بالمرفق العام كهدف له‪.‬‬

‫السلطة‬
‫وفي كل األحوال فإن إنشاء مرفق عام يعني أن هناك مصلحة عامة تقتضي تدخل ّ‬
‫العامة إلشباعها‪ ،‬ومع أن المصلحة العامة ليس حك ار على نشاط المرفق العام حيث أن هناك عددا‬
‫من النشاطات الخاصة التي تهدف للنفع العام‪ ،‬إال أن المصلحة العامة تظل الهدف الحصري للمرفق‬
‫العام‪.‬‬

‫وفي معرض تحليل فكرة المصلحة العامة ومحاولة تحديد معايير قانونية مضبوطة لها‪ ،‬فإن‬
‫التساؤل ُيطرح حول ما إذا كانت المصلحة العامة تعني المجانية‪ ،‬وهل يجب أن تكون كل مصلحة‬
‫عامة يستهدفها المرفق العام مجانية‪ ،‬ويعتقد كثيرون أن المجانية هي القاعدة في العديد من المرافق‬
‫العامة األساسية للدولة‪ ،‬كالتعليم والصحة وغيرهما‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫لكن قاعدة المجانية ليست قاعدة مطلقة في تحديد نطاق المصلحة العامة‪ ،‬حيث أنه وبفعل تزايد‬
‫طابع الصناعي والتجاري‪ ،‬فإن هذه المرافق العامة بطبيعتها تستبعد المجانية‬
‫المرافق العامة ذات ال ّ‬
‫حيث تهدف هذه المرافق إلى تقديم خدمة عامة وفي ذات الوقت تحقيق نوع من التوازن بين نفقاتها‬
‫‪.‬‬
‫وإيراداتها بما يضمن تمويل نشاطاتها ذاتياً‬
‫➢ تقدير المصلحة العامة‬

‫على الرغم من أن تحديد مفهوم المصلحة العامة يبقى معضلة نظرية لدى فقهاء القانون اإلداري‬
‫بسبب تشعب هذا المفهوم وارتباطه بأبعاد إيديولوجية مختلفة‪ ،‬فإن مسألة تقدير مدى وجود مصلحة‬
‫يقل تعقيدا عن مشكلة تحديد مضمونها‪.‬‬
‫عامة هو إشكال ال ّ‬
‫والحقيقة أن السلطة العمومية المؤهلة إلنشاء المرفق العام هي التي تملك فيما يبدو سلطة تقدير‬
‫مدى وجود مصلحة عامة تستحق إنشاء مرفق عام إلشباعها‪ ،‬وهنا فإن األمر يتعلق بسلطة تقديرية‬
‫مطلقة نابعة من فلسفة الدولة وأيديولوجيتها االقتصادية واالجتماعية‪.‬‬

‫‪5‬‬

You might also like